الكتاب: التذكرة الحمدونية المؤلف: محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون، أبو المعالي، بهاء الدين البغدادي (المتوفى: 562هـ) الناشر: دار صادر، بيروت الطبعة: الأولى، 1417 هـ عدد الأجزاء: 10   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- التذكرة الحمدونية ابن حمدون الكتاب: التذكرة الحمدونية المؤلف: محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون، أبو المعالي، بهاء الدين البغدادي (المتوفى: 562هـ) الناشر: دار صادر، بيروت الطبعة: الأولى، 1417 هـ عدد الأجزاء: 10   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] الجزء الأول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق «1» 1- مؤلف الكتاب: هو محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون المكنى بأبي المعالي؛ ويبدو أن لا علاقة له ولأسرته بأسرة حمدون النديم الذي كان هو وأبناؤه ندماء لعدد من خلفاء بني العباس «2» ؛ واشتهر من هذه الأسرة الثانية حمدون نفسه واسمه ابراهيم بن اسماعيل وكان نديما للمتوكل، وابنه أحمد أبو عبد الله وكان نديما للمتوكل ومن بعده من الخلفاء وله عدد من المؤلفات، وأبو محمد ابن حمدون الذي نادم المعتمد وتوفي سنة 309، وأبو العنبس بن أحمد وابنه ابراهيم وكانا مشهورين بجودة الغناء. وقد أنكر هذه العلاقة بين الأسرتين ابن صاحب التذكرة حين سأله ياقوت قائلا: حمدون الذي تنسبون إليه: أهو حمدون نديم المتوكل ومن بعده من الخلفاء؟ فقال: لا، نحن من آل سيف الدولة بن حمدان بن حمدون من بني تغلب «3» ، وسواء أصحّ هذا الذي يقوله ابن صاحب التذكرة من حيث الصلة بالحمدانيين أم لم يصح فليس في سلسلة نسب صاحب التذكرة ما يصله بأسرة بني حمدون الندماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وقد اتفقت المصادر على أن أسرة صاحب التذكرة كانت مشهورة بالرياسة والفضل «1» ؛ وتفرد المنذري بقوله: «بالرياسة والرواية والكتابة» «2» ويبدو أن الفضل في تأثيل الرياسة لهذه الأسرة لا يعود إلى أبعد من والد صاحب التذكرة أعني الحسن بن محمد بن علي، إذ لا تذكر المصادر شيئا عن الجدّ؛ وإنما تعزو إلى الحسن المكنى بأبي سعد بداية تلك السيادة حين تتحدث كيف أنه كان من شيوخ الكتاب والعارفين بقواعد التصرّف والحساب، وأنه ألّف كتابا في معرفة (أو تصريف) الأعمال، مما يدلّ على رسوخ قدم في شؤون الدواوين، ويوم توفي أبو سعد في جمادى الأولى سنة 546، أي في خلافة المقتفي لأمر الله (530- 555) كان طاعنا في السن «3» . وقد عرّفتنا المصادر بثلاثة من أبناء أبي سعد أكبرهم يسمى أيضا محمدا ويفترق عن أخيه بكنيته ولقبه؛ فهو أبو نصر غرس الدولة، ولد سنة 488 «وكان من العمّال» وكتاب الدواوين، كتب في الديوان من سنة 513- 545 ولم يثبت كثيرا من رسائله لأنه كان يمليها ارتجالا، وعرف بتقريبه ومصاحبته لأهل الصلاح والخير، وكانت وفاته سنة 545 أي قبل وفاة أبيه بنحو خمسة أشهر، وله من المؤلفات كتاب رسائل، وتاريخ الحوادث «4» ؛ وأوسط الإخوة- فيما أقدّر- هو أبو المظفر، ولعله كان يسمى محمدا أيضا، ولكن المصادر لا تتحدث عنه بشيء؛ وثالث الإخوة هو محمد أبو المعالي الذي شهر بكتاب «التذكرة» . ولد محمد أبو المعالي في رجب سنة 495 أي في خلافة المستظهر بالله (487- 512) وكان في حوالي الثامنة عشرة من عمره يوم توفي هذا الخليفة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 وعاصر خلافة المسترشد (512- 529) والراشد (529- 530) والمقتفي (530- 555) وجانبا من خلافة المستنجد (555- 566) . ولا نسمع بشيء عنه قبل خلافة المقتفي، ولكنا لا نستطيع أن نقدر أنه ظلّ حتى بداية عهد المقتفي، وسنّه يومئذ تناهز السادسة والثلاثين، عاطلا عن العمل وقد كان أبوه وأخواه قد مهّدوا له الطريق إلى وظائف الدولة؛ ولا بد من أن تكون وظيفة «عارض الجيش» التي تولاها في عهد المقتفي «1» درجة من درجات الترقي في وظائف الدولة. وفي سنة 558 وفي خلافة المستنجد خلت وظيفة صاحب ديوان الزمام بعد عزل أبي المظفر محمد بن عبد الله، فخلفه عليها أبو المعالي «2» ، ولعله لم يدم فيها أكثر من ثلاث سنوات، فقد تغيرت نفس الخليفة عليه، وكان كتابه التذكرة، فيما يقال، سببا في ذلك. وكل ما يقوله العماد الأصفهاني في هذا الصدد- وعنه ينقل سائر المصادر- أن الإمام المستنجد وقف في الكتاب «على حكايات ذكرها نقلا عن التواريخ توهم في الدولة غضاضة، ويعتقد للتعرض فيها عراضة، فأخذ من دست منصبه وحبس، ولم يزل في نصبه إلى أن رمس» «3» . وليس في مقدورنا اليوم أن نحدّد- على وجه الدقة- طبيعة التهمة الموجهة إلى ابن حمدون، ولا تعيين النصوص التي ظنها المستنجد غمزا وتعريضا، وربما لم نستطع ذلك حتى بعد رؤية جميع أجزاء التذكرة محققة والقيام بدراسة محتوياتها ودلالاتها، فقد كانت هذه الأسرة تعيش في كنف العباسيين، وتنعم بعطفهم، وإن أظهر الجزء الأول من التذكرة بعض ميل إلى العلويين؛ فأكبر الظنّ أن هذا الميل كان معروفا لدى الخلفاء الذين عمل لهم بنو حمدون، وهو شيء موروث من بني حمدان إن صحت النسبة إليهم، وذلك لم يكن أمرا يحاسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 عليه أصحابه، ويودعون في غياهب السجون؛ وربما افترضنا أنّ الخليفة المستنجد الذي جعل لابن حمدون مكانة خاصة وكفل له تقدما في حضرته واختصاصا بخدمته «1» أخذ عليه بعض التقصير في شؤون العمل أو الاستخفاف ببعض الآيين، فأخرج غضبه في صورة أخرى، حرّضه عليها بعض الحاسدين، حين نبهه إلى أن ذلك «الموظف» غير المخلص يغمز من الدولة التي يعمل في ظلها، فيما جمعه من أخبار وقصص في كتابه، فأمر بحبسه؛ أما مدة ذلك الحبس فلا تتحدث عنها المصادر، ولعلها صادفت لديه مرضا وقهرا نفسيا فقضى نحبه في أوائل سنة 562 (حسب قول العماد وابن خلكان) أو في الحادي عشر من ذي القعدة سنة 562 (حسب قول ابن الدبيثي) ، ودفن في مقابر قريش «2» ؛ وفي ظلّ خدمته للدولة كان يلقب بكافي الكفاة أو كافي الدولة كما كان يلقب ببهاء الدين «3» . عرف ابن حمدون بالفصاحة «4» والمعرفة التامة بالكتابة والأدب، كما وصف بأنه كان كريم الأخلاق حسن العشرة وأنه «كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد» «5» ويستفاد من كلمة للعماد أنه كان يقرب أهل الأدب ويشملهم بعطفه «6» ؛ وتدلّ التذكرة على أنه كان شغوفا بالأدب والتاريخ إلى جانب ما يحتاج إليه «الكاتب» من فروع الثقافة الأخرى؛ ولا بدّ لمن يؤلف مثل التذكرة أن يكون شغوفا بجمع الكتب، فالتذكرة إنما هي في نهاية الأمر ثمرة المطالعة والتقييد لما يستحسنه المطالع، وقد نقدر أن هذا النحو من النشاط كان مجالا لارتياح ابن حمدون من أعباء الوظيفة، كلما خلا إلى نفسه، كما أن الحكايات في التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 كانت زادا له في صحبته للخلفاء وبرهانا على حسن اطلاعه واتساع حدوده. ولا تذكر المصادر من الشيوخ الذين أخذ عنهم أبو المعالي سوى اسماعيل بن الفضل الجرجاني، وقد أخذ عنه الحديث، وذكر ابن الدبيثي أنه روى عنه بسند ينتهي إلى ابن عباس «أمرنا رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- باسباغ الوضوء، ونهانا- ولا أقول نهاكم- أن نأكل الصدقة ولا ننزي حمارا على فرس» «1» . أما الذين سمعوا منه ففيهم: أحمد بن طارق القرشي وأبو المعالي أحمد بن يحيى بن هبة الله وأبو العباس أحمد بن الحسن العاقولي وابن صاحب التذكرة أبو سعد الحسن (الذي حمل اسم جده وكنيته) . وقد كان أبو المعالي يحاول شيئا من النظم، وأورد له العماد في الخريدة ثلاث مقطعات: احداها في وصف مروحة الخيش (على طريقة اللغز) والثانية في المدح، والثالثة في الهجاء، وهذه المقطوعة الثالثة تدلّ على خفة روح وميل إلى الدعابة، وفيها يقول «2» : [من الرمل] يا خفيف الرأس والعقل معا ... وثقيل الروح أيضا والبدن تدعي أنك مثلي طيب؟ ... طيب أنت ولكن بلبن واعتمدت المصادر على ما أورده العماد فلم يرد فيها شيء من الشعر زيادة عما أورده. وقد ورث ابنه الحسن أبو سعد المولود في صفر سنة 547 «3» ، الشغف بالكتب من أبيه أبي المعالي، يقول فيه ياقوت: «وكان من المحبين للكتب واقتنائها، والمبالغين في تحصيلها وشرائها، وحصل له من أصولها العتيقة وأمهاتها المعينة ما لم يحصل أحد للكثير» «4» . وبعد أن تولى هذا الابن عدة ولايات مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 النظر في البيمارستان العضدي، وكتابة السكة بالديوان العزيز، قعد به الدهر، وأخذ يبيع كتبه لينفق من ثمنها على معيشته، ويصف ياقوت مبلغ حزنه عليها وبكائه لفراقها وصفا مؤثرا؛ وقد كان أبو سعد هذا ذا خط رائق كتب به كثيرا من الكتب الكبار والصغار وصححها على المشايخ الذين لقيهم «1» ، وأحدثت له حادثة السجن التي تعرض لها أبوه «عقدة نفسية» فقد صنّف عددا من الكتب لم يجرؤ على إظهارها «خوفا مما طرق أباه» «2» . وهذا يدل على أن ما رواه العماد عن سبب سجن صاحب التذكرة كان مما اعتقده أهله، وراج بين الناس. وقد توفي أبو سعد تاج الدولة هذا في سنة 608 ودفن بمقبرة موسى بن جعفر بباب التبن من بغداد؛ وبه وبأبيه يصحّ القول بأن تلك الأسرة شهرت بالرواية مثلما شهرت بسائر أفرادها بالرياسة وبالكتابة. 2- كتاب التذكرة الحمدونية: لا ريب في أن جامع هذا الكتاب هو أبو المعالي محمد بن الحسن، وإن وهم في ذلك أبو شامة فنسب جمعه إلى ابنه «3» وكذلك فعل الذهبي «4» ، وهو كتاب ضخم ذكر الصفدي (وعنه الكتبي) أنه في اثني عشر مجلدا «5» ، وقد ذكر العماد أنه كتاب كبير «جمع فيه الغث والسمين والمعرفة والنكرة» ، كما ذكر المنذري أنه مشهور وأنه أجاد فيه وأحسن، وقال الدبيثي يحتوي على فنون أجاد فيه وأحسن في جمعه، وقال ابن خلكان: «من أحسن المجاميع يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار لم يجمع أحد من المتأخرين مثله وهو مشهور بأيدي الناس كثير الوجود، وهو من الكتب الممتعة» . وليس بين هذه الأقوال فروق، فهي تترادف أو يكمّل بعضها بعضا، وقد يكون قول العماد «جمع فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الغث والسمين والمعرفة والنكرة» موهما بمناقضته لقول غيره: أحسن فيه أو أجاد فيه، ولكن لا تناقض هنالك، والأمر في ذلك نسبي، بحسب الزاوية التي ينظر الناظر منها إلى ذلك الكتاب؛ وابن حمدون لم يزعم أنه يجمع- في كل الأحوال- أجود المختارات من الشعر والنثر، وإنما كان يقيد ما يظنه متصل المعنى بالباب الذي يعقده، وإن قال في مقدمته: «ونظمت فيه فريد النثر ودرره، وضمنته مختار النظم ومحبره، وأودعته غرر البلاغة وعيونها، وأبكار القرائح وعونها، وبدائع الحكم وفنونها، وغرائب الأحاديث وشجونها» ، فهذا يعني أن الكتاب يحتوي من ذلك الكثير، ولكنه لا ينفي أن المخشلبة قد تقع أحيانا إلى جانب الدرة لتظهر الأولى مدى تفرد الثانية. وربما لمس المرء في مقدمة التذكرة أن ابن حمدون كان يعاني نوعا من العزلة حين أخذ في جمع مادتها، مؤثرا عشرة الكتب على عشرة الآدميين، فهو يقول إنه أخذ في وضع كتابه حين «فسد الزمان وخان الاخوان، وأوحش الأنيس، وخيف الجليس، وصار مكروه العزلة مندوبا، ومأثور الخلطة محذورا» ، وكانت غايته من وراء ذلك- بعد التسلية الذاتية- أن يقدم للناس أمثالا وحكما وحكايات وأخبارا ونوادر، لعلهم يجدون في كل ذلك الترويح والمتعة والعبرة والتأدب والتثقف. ولفظة «التذكرة» أقرب إلى أن تدل على مقيدات مرسلة لا يضبطها ضابط، تقف فيها الموعظة إلى جانب النادرة، إلى جانب الفائدة العلمية، إلى جانب التجربة الذاتية، ولكن ابن حمدون شاء لتذكرته التبويب، فقسمها في خمسين بابا وجعل كلّ باب يحتوي على فصول، فاخضاع التذكرة لهذا التنظيم الواعي قد جعل لها منهجا ومخططا شأنها شأن معظم كتب «الأدب» من أمثال عيون الأخبار والعقد الفريد ونثر الدرّ وبهجة المجالس ولباب الآداب ومحاضرات الراغب وربيع الأبرار والمستطرف؛ فكلها قائم على التقسيم إلى فصول، ولكنها تتفاوت فيما بينها في شيئين: في طبيعة ما تركّز عليه من توجّه، كالتوجّه الأخلاقي أو الأدبي مثلا، وفي طبيعة ما تنفرد به رجاء الخروج من دائرة النقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 المستمرّ عن عدد محدد من المصادر السابقة. ويكاد كتاب البصائر والذخائر لأبي حيان- من دون غيره من كتب الأدب- أن يستحق اسم التذكرة لأنه لا يخضع لأي تبويب منظم أو خطة تصنيفية؛ ولكن دين تذكرة ابن حمدون للبصائر ولنثر الدرّ واضح تماما، فعن الأول أخذ ناحية البدء بالأدعية في مطلع كل باب، ولكن شتان ما بين تلك الأدعية الأدبية الجميلة التي يصدر بها أبو حيان كل جزء من البصائر وبين الأدعية العادية التي يجعلها ابن حمدون دلالة على محتوى الباب؛ هذا عدا عما استمده ابن حمدون من نقول عن البصائر، وربما كانت نقوله عن نثر الدر (وهو مدين للبصائر بالكثير) أكثر من نقله عن البصائر، ولكن اتفاق المؤلفين الآبي وابن حمدون في الميل الشيعي جعلهما يتحدان في طبيعة الترتيب للأبواب الأولى. فبعد البدء بالقرآن والحديث النبوي عند كليهما نجد المؤلفين يقدمان كلام علي والعترة النبوية على كلام سائر الصحابة والتابعين، ثم يفترقان بعد ذلك في طبيعة الترتيب العام، فبينا يعمد الآبي إلى قسمة كل كتاب من كتبه السبعة «1» إلى جزءين متوازيين من الجد والهزل؛ نجد الهزل يأتي في ذيل كل باب من الأبواب الخمسين عند ابن حمدون، (ما عدا الباب الثامن والأربعين فهو في النوادر والمجون) ؛ وبما أن عدد الأبواب أكثر فإن كمية الهزل في التذكرة قد توازي كمية الهزل عند الآبي، ولكنها لا تستطيع أن ترجح بكمية الجد نفسه في التذكرة، ولهذا سبب واضح هو أنّ ابن حمدون يستغل الشعر في مؤلفه بقدر ما يستغل النثر أو أكثر، بينما لم يحفل الآبي بإيراد الأشعار. وقد اختار ابن حمدون بداية وخاتمة طبيعيتين حين ابتدأ كتابه بالمواعظ والآداب الدينية وختمه بالأدعية، ثم وزع المادة على أبواب معينة، كلها يمكن أن ينتظمها اسم «الأدب» ما عدا الباب التاسع والأربعين المخصص للتاريخ؛ ومن يقرأ أسماء هذه الأبواب الباقية يجدها تقع تحت العنوانات الآتية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 1- الأبواب التي تتحدث عن الأخلاق كالسخاء والبخل والشجاعة والجبن والوفاء والغدر والصدق والكذب والتواضع والكبر والقناعة والحرص ... الخ (الباب الرابع حتى الباب: 16) . 2- الأبواب ذات النزعة الأدبية الشعرية: كالمدح والتهنئة والرثاء والهجاء والعتاب والوصف والغزل (الباب 17- الباب 29) . 3- الأبواب القائمة على فنون النثر: كالخطابة والكتابة والأمثال والأجوبة المسكتة (الباب 30 حتى الباب 33) . 4- وبعد ذلك أبواب لا يربطها رابط وكان يمكن أن يدرج بعضها فيما تقدّم كالباب في الخمر (رقم: 44) فإنه كان يمكن أن يلحق بالأبواب ذات النزعة الشعرية. ومن الواضح أن هذا التنظيم كان شكليا في معظمه وذلك لتباعد الأبواب التي كان من الممكن أن تجيء متعاقبة، ولهذا لم تنج تقسيمات ابن حمدون من التداخل؛ خذ مثالا على ذلك الباب الثاني في الآداب والسياسة الدنيوية ورسوم الملوك، فإن هذا الباب لا يمكن أن ينفصل عن العدل والجور (وهو الباب الثاني عشر) وعن المشورة والرأي (وهو الباب الرابع عشر) وعن الحجاب (وهو الباب الحادي والأربعون) فكل هذه الأبواب تتصل بالسياسة (كما تتصل بغيرها) ولهذا عمد ابن قتيبة في عيون الأخبار إلى إيرادها متتابعة، وحذا حذوه في ذلك ابن عبد ربه في العقد. ويمكن أن يقال إن التذكرة الحمدونية حيادية لا تنم عن ميل صاحبها، فليس فيها من ذاته إلا الاختيار- وهذا كثيرا ما يحكمه الموضوع- وظهور الميل الشيعي دون إسراف، وبعض الأدعية في فواتح الأبواب وهي من إنشائه؛ ولكن ابن حمدون لا يسجل فيها تجاربه ومشاهداته وقضايا عصره، ومن الجور أن نقرنه هنا بالبصائر الذي جعله أبو حيان معرضا لآراء أهل عصره ومشاكله وخصوماته ونزعاته، ولتجاربه الذاتية وآرائه فضلا عن ذوقه وجميل إنشائه؛ وقد قرأت كثيرا من أبواب التذكرة التي قد تحصلت لديّ مخطوطاتها فلم أجد ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 حمدون يستشهد بشيء من هذه الأمور أو يتوقف كثيرا عندها؛ نعم وجدته يقول في بعض المواطن وهو يتحدث عن السخاء «1» : «وشاهدت اثنين أحدهما من أوساط الناس والآخر من فقرائهم، أما الأول فكان يجوع ويطعم، ويعرى ويكسو، ويتكسب بالتصرف، فيلبس القميص المرقوع، ويركب الدابة الضعيفة، لا زوجة له ولا ولد ولا عبد؛ وأما الثاني فرجل ضعيف يجتدي الناس في الأسواق، ويسألهم، ويجمع ذلك ينفقه على المحبوسين ويطعمهم ويسقيهم ويداوي مرضاهم، ويضع الأجاجين على الطرق يملأها ثريدا ويدعو الفقراء إليها وهو بقميص منخرق مكشوف الرأس، لا يعود على نفسه مما يحصله إلا ببلغته، فهذان يستحقان اسم الكرم» ؛ ولكن أشباه هذا النصّ قليلة فيما أعتقد، أستثني من ذلك مؤقتا قسم التاريخ لأني لم أحصل عليه بعد. ولهذا يمكن أن يقال إن التذكرة في معظمها تمثل جهدا في النقل عن مصادر الأدب والتاريخ. 3- النسخ المعتمدة في التحقيق: للتذكرة الحمدونية نسخ عديدة تمثل أجزاء كثيرة منها مبثوثة في المكتبات في أرجاء العالم، وقد حصلت على عدة نسخ منها، (سأصف كلّا منها في مطلع كل جزء بحسب الحاجة) . ولما رتبت النسخ التي يمكن أن تعتمد لتحقيق الجزء الأول وجدتها ثلاثا، وهي: 1- نسخة أحمد الثالث رقم: 2948 (ورمزها ح) ، وتقع هذه النسخة في 172 ورقة في كل ورقة 17 سطرا ومعدل الكلمات في السطر الواحد 12 كلمة، وقد كتب على الورقة الأولى منها: الجزء الأول من كتاب التذكرة تأليف الشيخ الصدر الأجل الأمجد محمد بن حمدون رحمه الله، اللهم كما أنعمت فزد، ثم بعض تملكات يدل أحدها أنها كانت برسم خزانة السلطان الأعظم سليمان بن السلطان شهاب الدين غازي بن محمد الأيوبي؛ وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 آخرها: «تم الجزء الأول من تذكرة ابن حمدون، ولله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة وصلواته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه وعترته الطيبين الطاهرين، ويتلوه في الجزء الثاني/ الباب الثاني/ (صوابه: الثالث) في الشرف والرياسة والسيادة وما هو من خصائصها ومعانيها» . وهي مكتوبة بخط نسخي واضح جميل، وتكاد تكون إلى جانب الضبط أقرب منها إلى جانب الخطأ لولا بعض الأوهام والجمل التي سقطت، ولولا اضطراب وقع فيه الناسخ أثناء النقل فاضطرب بذلك ترتيب بعض الأوراق، وعند مقارنتها ببعض النسخ أمكن إعادة الترتيب على حسب ما كان في الأصل. 2- نسخة رئيس الكتاب رقم: 766 (ورمزها: ر) وقد كتب عليها أنها تمثل «الجزء الأول من التذكرة الحمدونية» وتقع في 98 ورقة؛ وفي كل صفحة منها 21 سطرا ومعدل الكلمات في السطر الواحد 12 كلمة، وخطها نسخي واضح؛ ولكنها تقف عند آخر الفصل الرابع من الباب الثاني، فهي ليست كل الجزء الأول الذي تضمنته النسخة السابقة؛ كما أن ما سقط منها من النصوص يمثل نسبة كبيرة. 3- نسخة مكتبة عمومية رقم 5363 (ورمزها: ع) وقد كتب على الورقة الأولى منها: الجزء الأول من تذكرة المحاضرة وتبصرة المحاورة «1» ، جمع العالم المحقق الشيخ محمد بن الحسن بن حمدون رحمه الله تعالى؛ وعلى هذه الورقة تملكات؛ وتقع النسخة في 244 ورقة؛ وهي في الحقيقة تتجاوز ما جعلناه الجزء الأول، وفي داخلها قسمة تدلّ على أنها ثلاثة أجزاء، وتنتهي عند آخر الباب الرابع عشر من التذكرة، أي الباب الخاص بالمشورة والرأي؛ وقد جاء على الورقة الأخيرة منها أن الفراغ منها تم يوم الجمعة ثاني عشر المحرم سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، ولم يذكر اسم الناسخ؛ وعيبها فيما يتعلق بالجزء الأول (الذي تقع نهايته في الورقة 51/أ) وجود سقط فيها ليس من قبيل الخرم بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 هو من قبيل الاضطراب في النسخ. 4- تجدر الاشارة إلى أنّ قسما من الجزء الأول من التذكرة (يشمل الباب الثاني) كان قد نشر بمصر سنة 1345 1927 بعناية مكتبة الخانجي، في سلسلة «الرسائل النادرة» . وقد جاء هذا القسم من التذكرة ثالثا في تلك السلسلة، ويؤخذ من مقدمة الناشر أنه اعتمد على مخطوطة خاصة كانت لدى السيد نور الدين بك مصطفى مكتوبة بخط محمد بن أركماس الطويل اليشبكي [البشتكي] وأنها قد نسخت سنة 868. وقد أفدت من هذه الطبعة وأشرت اليها في الحواشي باسم «المطبوع من التذكرة» أو «المطبوعة» ، معتبرا أنها تقوم مقام نسخة رابعة. من الواضح- بعد وصف النسخ، ومن الاحالة على تجارب سابقة- أن نصوص الكتب التي تعتمد على الاختيار يمكن أن يحذف منها الناسخ ما يشاء ويبقي ما يود إبقاءه، ولا يتم اكتشاف ذلك إلا عند مقارنة النسخ بعضها ببعض؛ بل إن المقارنة نفسها قد تظل ناقصة إذا لم يستطع المحقق أن يحصل على مسودة المؤلف نفسه؛ ولهذا أستطيع القول إنني مطمئن لضبط النصّ في هذا الجزء لأني قد قرأته على مختلف المصادر، ولم اكتف بالمقارنة بين النسخ، ولكني لا أستطيع الجزم إن كانت هناك نسخة أخرى لم أطلع عليها وفيها زيادة على ما جاءت به أكمل النسخ وهي نسخة أحمد الثالث؛ وإن كنت أرجح أن ذلك أمر مستبعد. 4- ملاحظات حول التحقيق: سيلحظ القارىء أنني تعمدت ردّ كل فقرة إلى مصادرها- بعد أن رقمت الفقرات- وذلك لعدة أمور منها: 1- ضبط النصّ على أتم وجه ممكن. 2- تصوير مدى دوران هذه النصوص في كتب الأدب. 3- صنع فهرسة أولية لكتب الأدب التي نقلت عنها نصوص التذكرة أو نقلت عن التذكرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 4- تبيان مصادر ابن حمدون على وجه يكاد يكون قطعيا. وسيكتشف القارىء مدى اعتماد ابن حمدون على نهج البلاغة وحلية الأولياء والبيان والتبيين (وعيون الأخبار) ونثر الدر والبصائر والأدب الكبير لابن المقفع وكليلة ودمنة وكتاب النمر والثعلب لسهل بن هارون (في هذا الجزء الأول وحده) وغيرها من مصادر «1» . ولهذا الأمر أجدني قد تأنيت كثيرا في تخريج الأقوال وأوجزت كثيرا في تعريف الأعلام، فاكثر الأعلام التي يذكرها ابن حمدون مشهور، وما كان منها غير مشهور فقد عرفت به لفائدة القارىء بذكر مصدر أو مصدرين، غير ملتفت إلى الاستكثار من ذكر المصادر، إذ أن بعضها يهدي إلى بعض في يسر. وقد ضبطت النصّ ببعض الشكل، ورجحت الصواب وأثبته في المتن، غير متخذ إحدى المخطوطات الثلاث أصلا معتمدا، وقسمت الحاشية في قسمين: واحد جعلته لاختلاف القراءات في المخطوطات والمصادر والثاني لتخريج النصوص والتعريف ببعض الأعلام، وما كان زيادة من المصادر جعلته بين معقفين مستطيلين [] ؛ وميزت الآيات القرآنية بوضعها بين قوسين مزهرين وأثبتّ في المتن اسم السورة ورقم الآية بين قوسين عاديين. ولا بد لي من أن أوجه الانتباه إلى ما تكشفه المصادر من تعدد في نسبة القول إلى عدد كبير من الناس؛ حتى ليكون القول الواحد نفسه منسوبا إلى خمسة، وهذه مشكلة قد توقف عندها ابن حمدون نفسه حين قال في أول الفصل الثاني من الباب الأول؛ عند الحديث عن كلام علي والعترة النبوية: «قد اختلفت الرواة فيما جاء من مثل هذه الآداب والمواعظ اختلافا شديدا ونسبوا الكلمة منها إلى جماعة من القرابة والصحابة، وكثيرا ما نسبوا فقرا يتداولها الناس تارة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتارة إلى أهله وأصحابه» ... وذكر ابن 2 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 حمدون أن كثيرا مما رواه الرضي في نهج البلاغة لعلي تبين أنه للنبي، «وكذلك غيره فعل، نسب شطرا من كلامه إلى أولاده رضي الله عنهم، ولعل أحدهم كان يذكر الكلمة رواية أو تمثلا عن آبائه فيغفل الراوي الاسناد، وقد يقع التوارد في الكلمة كما يتفق الإبطاء في الشعر» . وهذا القول قد يفسّر الأقوال التي تتردد نسبتها بين الرسول وعلي وأبنائه، ولكنه لا يستطيع أن يفسر كيف يمكن أن يكون كلام لعلي موجودا في الأدب الكبير لابن المقفع أو كلام في كليلة ودمنة وقد أدرج في نهج البلاغة أو حكمة لأرسطاطاليس تنسب إلى أبي حازم الأعرج- مثلا-. وربما كان السبب الأكبر في الاضطراب هنا هو الاهتمام بالقول نفسه وبمحتواه، أكثر من الاهتمام بمن قاله، أو كما يقول ابن حمدون: «إذ المقصود المذاكرة بمعانيه لا نسبته إلى قائليه» ، وكما قال أبو حيان التوحيدي: «الحكمة نسبتها فيها، وأبوها نفسها، وحجتها معها، وإسنادها متنها، لا تفتقر إلى غيرها، ولا تستعين بشيء ويستعان بها» «1» . وهذا إن كان لا يضرّ بأن تكون الحكمة منسوبة لسقراط أو لديوجانس أو لعمرو ابن العاص فإنه يضرّ كثيرا حين تكون الحكايات صالحة لخدمة التاريخ، ثم يفسدها أن تكون كذلك الاضطراب في نسبتها؛ ولهذا فإن كتب الأدب التي ذكرت عددا منها وضعت في مرتبة متواضعة جدا بالنسبة للمؤرخ الحديث، مع أن فيها أخبارا ربما عزّ أن نجدها في كتب التاريخ نفسها. إن كتاب التذكرة سيجيء في عدة أجزاء، ولذلك فإن هذا الجزء لا يصوّر تماما روح الكتاب، وقيمته واعتماد المصادر التالية عليه، وهذه أمور ستتضح تباعا وتستكمل صورتها بعد نشر سائر الأجزاء، وربما توضحت بالتالي صورة ابن حمدون نفسه، على ضوء ما يجدّ من معلومات. هذا وقد بذلت في تحقيق هذا الجزء من الجهد ما يستدعي فهرسة عشرات الكتب ذات الأجزاء لاستخدامها في التخريج والتوثيق، وإني لأرجو أن يعينني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الله على إنجاز ما بقي- وهو كثير-؛ كما أرجو ألا أحرم من وجود النفر الذين لا يعملون ويسوءهم أن يعمل الناس، متمنيا على الله ان يمدّ في أعمارهم لكي يستمتعوا بلذة الغيظ والحقد والتنقص للآخرين. وإذا كان لي من كلمة أقولها في ختام هذه المقدمة، فهي تقديم الشكر الجزيل للشاب اللامع المتوقد الذكاء صديقي الدكتور رضوان نايف السيد الذي أعانني على استكمال المصادر الضرورية في التحقيق، ورعى هذا العمل ببصيرته النافذة، واقتراحاته السديدة، حفظه الله ورعاه، ووفقني إلى الخير، وأقدرني على العمل المثمر في خدمة التراث العربي الاسلامي، إنه نعم المولى ونعم النصير. بيروت في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1982. إحسان عباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 [ مقدمة المؤلف ] بسم الله الرحمن الرّحيم ربّ يسّر بخير يا كريم «1» اللهم إنا نحمدك على ما أوليت من الآلاء والمنن، وأبليت من البلاء الحسن، وأفضلت علينا من إنعامك مبديا ومعيدا، وأفضت لنا من إحسانك مسديا ومفيدا، ونشكر لك على ما ألهمتنا من الشكر، وجعلته وهو منحة منك أوفى عدة لنا وذخر، ونسألك العصمة من الزيغ والزلل، ونعوذ بك من الخطأ والخطل، ونأمل منك توفيقا يقينا مزلّة العاثرين، ويحمينا من مذمّة العائبين. اللهم وكما آتيتنا قلوبا واعية، فاجعلها إلى شكر نعمك داعية، وبما خصصتنا من فضيلة البيان، فاكفنا بلوى العجب والافتتان، واحرسنا من إساءة نتوهمها إحسانا، وعيّ فاضح نظنه بيانا، وأرنا ما خفي عنّا من عيوبنا، وواراه الهوى عن بصائرنا وعيوننا، وسلّمنا من معرّة الأقوال وهذرها، وجنبنا مضرّة الأفعال وكدرها، وصلّ على حبيبك مولانا وسيدنا «2» محمد المختار، وعلى آله الأبرار وصحبه الأخيار «3» ، صلاة تعلي بها «4» شريف درجته، وتنجز له «5» بها وعده في أمته، حتى يسعهم عفوك السابغ، وتوردهم من تجاوزك وصفحك منهلك السائغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 هذا كتاب جمعته من نتائج الأفكار، وطرف الأخبار والآثار، ونظمت فيه فريد النثر ودرره، وضمنته مختار الشعر «1» ومحبّره، وأودعته غرر البلاغة وعيونها، وأبكار القرائح وعونها، وبدائع الحكم وفنونها، وغرائب الأحاديث وشجونها، حين بدّل الصفو بالكدر، وغيّرت بني الأيام الغير، وفسد الزمان، وخان الإخوان، وأوحش الأنيس، وخيف «2» الجليس، وصار مكروه العزلة مندوبا، ومأثور الخلطة محظورا، وأضاءت آثار الوحدة في القلوب فأنارتها، وحكمت العقول بفضيلة التخلّي فاختارتها، فوجدت الكتاب خير صاحب وقرين، وأفضل رفيق وخدين، لا يخون ولا يمين، ولا يماكر ولا يناكر، ولا يعصي ولا ينافر، المفضي إليه بسرّه مستظهر آمن، والمصاحب له وادع ساكن، مأمون الهفوة والزلة، محمود الخلوة والخلّة، فهو لمن وفّق للاعتزال أسلم خليل، وأكرم أخ برّ وصول، ولمن سلب الايثار، وحكمت عليه غلبة الاضطرار، تذكرة للناسي، وتبصرة للساهي، وكلّ منهما يجد في هذا الكتاب لمراده مستمتعا، ويسلك منه إلى مراده نهجا متسعا، فسيتخرج «3» منه أدبا يقدح من زناده قبسا، ويكشف بضيائه لبسا، وحكمة يدعو إليها مرغّبا ومفيدا، ومثلا شرودا، يورده دليلا لما جوري فيه وشهيدا، وحكاية يتمثل بها، ويجعلها قياسا «4» لما سئل عنه وشبها، وأخلاقا كريمة تحثّ على اقتفائها فالخير مأثور اتباعه، أو لئيمة تنفّر بقبحها عن احتذائها فالشرّ يكفيك منه سماعه «5» ، وسيرا وأخبارا تتمثّل «6» بمعانيها، وتروّح القلوب لتعي الذكر بالتفكّر «7» فيها، ونادرة يجلو بها صدأ القلوب، ويهزّ لها عطف السامع المكروب، وغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ذلك مما هو مشروح في أبوابه وفصوله، ومغن بتمييزه «1» عن الدأب في تطلبه وتحصيله. وشرّفت كلّ باب بأن بدأته بآي من كتاب الله سبحانه وتعالى، وأثر من رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقدّمت أمامه تحميدا يكون مشيرا إلى معناه، وطليعة لمقصده ومغزاه، وختمته بطرف من نوادره، وملح من غرائبه، ليستريح إليها اللغب الطليح من كلال الحدّ، ويأمن معها الدئب الحريص من ملال الجدّ، خلا بابي الافتتاح والخاتمة فإنّهما لله خالصان، وللانقاذ من هفوات القلب واللسان مؤمّلان. وهو مصروف عن الإسهاب المملّ إذ كان مطيّة العثار والإرداء، ومصدوف عن الاختصار المخلّ فانه مظنّة الخيبة والإكداء، وهما طرفان مذموم بهما الإفراط، وخير الأمور الأوساط «2» ، وما ألوت جهدا في الاختيار، ولا يلزمني أن يكون لكل الناس رضى فقد يروق للرجل لفظ وهو للآخر قذى، ويلذّ له معنى ويجده سواه أذى، والعالم في المقاصد شتّى الطرق أخياف «3» ، والاختيارات لها ائتلاف واختلاف. وأفردت منه بابا يشتمل على جمل من التاريخ ليعرف منه أهل كلّ زمان، وأعيان كلّ أوان، فيسلم ممّا ابتلي به بعض الفضلاء وقد ذكر رؤيا رآها هارون الرشيد زعم أنه قصها على ابن سيرين، فصار بما جهل من تباعد عصريهما ضحكة للحاضرين، وودّ لو كان وفضله في الغابرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ورتبته في «1» خمسين بابا، يجمع كل باب فيها فصولا متقاربة، ومعاني متناسبة، ليقرب على متصفّحه ما يريد انتزاعه بمعرفة مكانه، ويسرع إلى ملتمسه بعلم مظانّه، وابتدأته بالمواعظ والآداب الدينية، وختمته بالأدعية المستحبّة المرويّة، رجاء أن يمحّص الله بهما ما بينهما من خائنة الأعين ويمحو، وينهض من كبّة حصائد الألسن ويعفو «2» ، وبالله المستعان «3» . فرحم الله امرءا وقف من كتابي هذا على خلل فأصلحه وزلل فاستدركه، فإني نقلته والقلب عليل، والخاطر كليل، والأثر قد قوّض خيمه وارتحل، والنذير قد حلّ مزعجا للزيال ونزل، والأحباب قد دلفوا، والأتراب قد سلفوا، وهم لنا فرط سابق، وأنا لظعنهم مشيّع لاحق، فلم أكد أعاود لحظه ولا تتبعت غلط الوهم واليد، وغفر له ولنا من وسعت «4» رحمته سهو الأعمال وعمدها، ولغو النيّات وقصدها، إنه جواد كريم، غفور رحيم، وهو حسبي «5» . الباب الأول: في المواعظ والآداب الدينية وهو بعد الآيات المستخرجة من الكتاب العزيز أربعة فصول: الفصل الأول: في كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما ورد موعظة وأدبا يتعلّق بالورع والزهد، وأتبعته بشيء من كلام الأنبياء قبله «6» صلى الله عليهم أجمعين. الفصل الثاني: من كلام آل الرسول صلى الله عليه وعليهم والعترة الهاشمية وأخبارهم فيما يناسب الباب «7» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الفصل الثالث: من كلام الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين «1» . الفصل الرابع: من كلام التابعين وسائر طبقات الصالحين وأخبارهم. الباب الثاني: في «2» الآداب والسياسة الدنيوية ورسوم الملوك والرعية وهو ستة فصول الفصل الأول: الحكم «3» والآداب التي تهذّب بها النفوس ويشترك في احتذائها السائس والمسوس. الفصل الثاني: السياسة الملكية وما يجب للولاة وعليهم والرعية «4» ، وما يلزمهم من تقيّل «5» الأخلاق المرضيّة. الفصل الثالث: سياسة الوزراء والكتاب وأتباع الملوك في خدمة ولاتهم. الفصل الرابع: الآداب والسياسة التي تصلح للجمهور. الفصل الخامس: أخبار في السياسة والآداب يقتدى بها وتكون مثالا لطالبها. الفصل السادس: نوادر تتعلق بهذا الباب مع بعده عنها وعلى قلّتها فيه. الباب الثالث: في الشرف والرئاسة. ويتضمّن هذا الباب ما جاء في شرف النفس وعلوّ الهمة والسؤدد والحلم وحمل المغارم وحفظ الجوار وحمي الذمار. الباب الرابع: في محاسن الأخلاق ومساوئها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الباب الخامس: في السخاء والجود والبخل واللؤم. الباب السادس: في البأس والشجاعة والجبن والضراعة. ويجيء في هذا الباب أسماء المشهورين من الفرسان وقتلهم في الإسلام. الباب السابع: في الوفاء والمحافظة والغدر والملل. الباب الثامن: في الصدق والكذب ويتصل به العهود والمواثيق والأقسام المستغربة. الباب التاسع: في التواضع والكبر. الباب العاشر: في القناعة واللطف والحرص والطمع. الباب الحادي عشر: في تحصين السر والنميمة. الباب الثاني عشر: ما جاء في العدل والجور. الباب الثالث عشر: ما جاء في العقل والحمق. الباب الرابع عشر: في المشورة والرأي: صوابه وخطئه. الباب الخامس عشر: في العهود والوصايا. الباب السادس عشر: في الفخر والمفاخرة. الباب السابع عشر: في المدح ويتصل به فصلان: الشكر والاعتذار، والاستعطاف. الباب الثامن عشر: في التهاني. وفصوله تسعة: الفتوح، الولاية، الخلع، الولد، المواسم، النكاح، القدوم من سفر، الشواذ، النوادر. الباب التاسع عشر: في المراثي والتعازي. وفصوله ستة: الملوك والرؤساء، الإخوان، والأهل، الأطفال، النساء، الشواذ، النوادر. الباب العشرون: في العبادة والمرض. الباب الحادي والعشرون: في المودة والإخاء والمعاشرة والاستزارة. الباب الثاني والعشرون: في الهدايا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الباب الثالث والعشرون: في الهجاء ومقدماته. وهي ثلاثة فصول: العتاب والاستزادة، التعريض، شكوى الزمان. الباب الرابع والعشرون: الاغراء والتحريض. الباب الخامس والعشرون: التقريع والتوبيخ. الباب السادس والعشرون: الوعيد والتحذير. الباب السابع والعشرون: في النعوت والصفات. وهي أربعون نوعا: نعت الخيل والبغال والحمير. نعت الإبل. نعت الفيل. الأسد. وحش الفلاة وسباعها. القنص وآلاته وأماكنه. الطير. أنواع شتى من الحيوان. الحية. الهوام والحشرات. النساء ولباسهن وزينتهن. الغلمان. السودان. السماء والنجوم وما يتعلق بها. الليل والصبح وما جاء في طول الليل وقصره. السحاب والغيث وما كان منهما. الرياح. الخصب والمحل. المياه والغدران والأنهار. السفن. الجسر. الرياض والأزهار. النخل والشجر. الحرب والجيش. السلاح والجبن. أنواع القتل والجراح. الأبنية والمعاقل. الديار والرسوم. الفلاة والسير والسّرى. البيان والمحاورة. القوافي. الكتاب والقلم وآلاتهما. النار والحر وما تنوّع منهما. القرّ والصلاء. المآكل والأكول والقدر. الملاهي. الشواذ. النوادر. الباب الثامن والعشرون «1» : في الشيب والخضاب. وهي خمسة فصول: الفجيعة بالشيب. التسلّي عن حدوثه. مدح الخضاب وذمّه. أخبار المعمرين. النوادر. الباب التاسع والعشرون: في الغزل والنسيب. وهو اثنان وعشرون نوعا: شدة الغرام والوجد. الإعراض والهجر والصد. الشوق والنزاع. ذكر الوداع. المسرة باللقاء عند الإياب. الطيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 والخيال. الرقة والنحول. البكاء والهمول. إحماد المواصلة ولذة العناق. شكوى الفراق والبين واحتمالهما. الأرق والسهاد. تعاطي الصبر والجلد. العذول والواشي والرقيب. وصف المحبوب. طيب الأفواه. وصف الثغر. إسرار الهوى وإعلانه. عشق الحلائل. غزل العبّاد وتساهلهم فيه. أخبار من قتله الكمد. جمل من الغزل والنسيب. نوادر من الباب وأخبار المتيمين. الباب الثلاثون: في أنواع شتى من الخطب. الباب الحادي والثلاثون: في المكاتبات. الباب الثاني والثلاثون: في الأمثال والاستشهادات. وهي ستون مفصلة في مواضعها «1» . الباب الثالث والثلاثون: الحجة البالغة والأجوبة الدامغة. الباب الرابع والثلاثون: كبوات الجياد وهفوات الأمجاد. الباب الخامس والثلاثون: في أخبار العرب وعوائدهم وغرائب سيرهم وأوابدهم. الباب السادس والثلاثون: في الكهانة والزجر والفأل والطيرة والعيافة والفراسة. الباب السابع والثلاثون: في اليسر بعد العسر والرخاء بعد الضر. الباب الثامن والثلاثون: ما جاء في الغنى والفقر. الباب التاسع والثلاثون: في الأسفار والاغتراب. ويدخل في هذا الباب: الوداع والإياب وورود الكتاب وصدور «2» الجواب. الباب الأربعون: في تنجّز الحوائج والسعي فيها والشفاعة والوعد والإنجاز والمطل. الباب الحادي والأربعون: في الحجاب متيسّره ومتعسّره. الباب الثاني والأربعون: في الحيل والخدع «3» المتوصل بها إلى نجح المقاصد والمطالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الباب الثالث والأربعون: في الكناية والتعريض. ويتضمن: المعاياة والأحاجي والتورية واستطراد الشعراء. الباب الرابع والأربعون: في الخمر والمعاقرة. وما جاء في مدحها وذمها ووصفها ونعتها «1» وأخبار معاقريها ومحاسن الندماء ومساوئهم. الباب الخامس والأربعون: في الغناء والقيان. الباب السادس والأربعون: في المؤاكلة والنهم والتطفيل وأخبار الأكلة والمآكل. وهو ستة فصول: آداب الأكل والمؤاكلة، الاقتصاد في المطاعم والعفة عنها. الجشع والنهم وأخبار الاكلة. التطفيل وأخبار الطفيليين. أوصاف الأطعمة وفنونها. نوادر الباب «2» . الباب السابع والأربعون: في أنواع السير وعجيبها، وفنون الأشعار والأخبار وغريبها «3» . الباب الثامن والأربعون: في النوادر والمجون. وابتدأته: بمزح الأشراف والأفاضل وفكاهتهم، والرخصة فيه ثم جعلته من بعد اثني عشر نوعا: نوادر الأعراب. نوادر الشعراء والأدباء. نوادر الظرفاء. نوادر مواجن «4» النساء. نوادر في التعصب والتحزب. نوادر المخنثين. نوادر ذوي «5» العاهات والأدواء «6» . نوادر الخلعاء. نوادر الأغبياء والجهلاء وعيّهم وتصحيفهم وغلطهم. نوادر المتنبئين والقصّاص والممخرقين. نوادر المجانين. نوادر السفلة وأصحاب المهن والسوقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الباب التاسع والأربعون «1» : جمل في التاريخ. الباب الخمسون: في الأدعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الباب الأوّل في المواعظ والآداب الدّينيّة وسيرة السّلف الأوّل والصّالحين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 بسم الله الرحمن الرحيم قد حوى الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من المواعظ والإنذار والآداب التي يفوز ممتثلها وينجو من عمل بها، ما فيه عبرة لمن اعتبر، ومزدجر لمن وعى وادّكر، وكفاية لمن تفكر في آياته وتدبر، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، كقوله عز وجل: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (الحج: 1، 2) . وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (لقمان: 33) . وقوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ، ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (المؤمن: 18) . وقوله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (الحشر: 18، 19) . وقوله: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (الحشر: 20) . وقوله تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَ 3 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (الأنعام: 94) . وقوله عز وجل: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (الكهف: 49) . وقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ (الكهف: 57) . وقوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (الزمر: 22) . ومما أدبنا به عز وجل ودعانا إلى اتباعه وتقبّله قوله تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة: 237) . وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (البقرة: 267) . وقوله عز وجل: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 268) . وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران: 103) . وقوله عز وجل: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (آل عمران: 173، 174) . وقوله تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران: 188) . وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء: 57) . وقوله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الأنعام: 152) . وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس: 57، 58) . وقوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل: 90) . وقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً، وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (الإسراء: 78، 79) . وقوله تعالى: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً، إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً، وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً، وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (الفرقان: 63- 68) . وقوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً، وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً. وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (الفرقان: 72- 74) . وقوله عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت: 33، 34) . وقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ، وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (المنافقون: 9، 10) . وقوله عزّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق: 2، 3) . وحسبنا ما شرّفنا الكتاب بإيراده نفتتح به تيمنا ونستنجح ببركته مقصدنا إذ كان تقصّي آياته، وطلب غاياته، شأوا لا يدرك، ونهجا لا يسلك. ونعود إلى فصول هذا الباب، وهي أربعة: الفصل الأول: في كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأوامره ونواهيه «1» ونتبعه بنبذة من كلام النبيين صلى الله عليهم أجمعين. الفصل الثاني «2» : من كلام آل الرسول صلّى الله عليه وسلّم والعترة الهاشمية وما جاء عنهم ومن أخبارهم مما يجانس هذا الباب. الفصل الثالث: في كلام الصحابة وأخبارهم رضوان الله عليهم أجمعين «3» . الفصل الرابع: في أخبار التابعين وسائر طبقات الصالحين وكلامهم ومواعظهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الفصل الأول من كلام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم [1]- قال النبي «1» صلّى الله عليه وسلّم: يا أيها الناس إنّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إنّ المؤمن «2» بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت، فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار الجنة أو النار. [2]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: لا يكمل عبد الإيمان حتى يكون فيه خمس خصال: التوكّل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضى بقضاء الله، والصبر على بلاء الله، إنه من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.   [1] البيان والتبيين 1: 302، والكامل 1: 208، وعيون الأخبار 2: 231 وأخبار الزجاجي: 73؛ والشافي على الكافي 5: 93 (رقم: 612) ؛ وغرر الخصائص: 154 وعين الأدب: 188، وبعضه في مجموعة ورام 1: 31، وأدب الدنيا والدين: 126- 127. [2] اللآلىء المصنوعة 1: 43؛ قال الخطيب: باطل باسناد ذكره، ورجح أن يكون من صنع زيد بن رفاعة المذكور في السند، وقال السيوطي إنه قد يصح بإسناد آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 [3]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وأنّى لنا برياض الجنة في الدنيا؟ قال: حلق الذّكر. [4]- ومن كلامه صلّى الله عليه وسلّم «من انقطع إلى الله كفاه الله كلّ مؤونة وفي لفظ: (ورزقه من حيث لا يحتسب) ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها، ومن حاول أمرا بمعصية الله كان أبعد له مما رجا وأقرب مما اتقى، ومن طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده منهم ذاما، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إليهم، ومن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله شرّهم، ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن أحسن سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه. [5]- ومن كلام له عليه السلام: إن في القنوع لسعة وإنّ في الاقتصاد لبلغة، وإنّ في الزهد لراحة، ولكلّ عمل أجرا، وكل آت قريب. [6]- وقال: أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسّعه عليكم فرضيتم به وأجرتم، وإن ذكرتموه في غنى بغّضه إليكم فجدتم به   [3] أمالي الشيخ الصدوق: 363 والجامع الصغير 1: 35 وربيع الأبرار: 265 ب والتمثيل والمحاضرة: 170. وقد أخرجه ابن حنبل والترمذي والبيهقي عن أنس، وهو صحيح؛ ونسب قوله «إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا» لمالك بن دينار في الايجاز والاعجاز: 34. [4] الشهاب: 16 (اللباب: 89- 90) وانظر نهج البلاغة: 483 حيث ورد: من اصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه ... وقارن بكنز العمال 15: 797- 898. [6] أكثروا ذكر هادم (ويروى بالذال أيضا) اللذات: ورد في سنن الترمذي (قيامة: 26، زهد: 4) والنسائي (جنائز: 3) وابن ماجه (زهد: 31) ومسند أحمد 2: 293؛ وسائر الحديث ورد في صور مختلفة؛ انظر كشف الخفا 2: 188- 189 والمقاصد الحسنة: 74 وصححه ابن حبان والحاكم وابن السكن وحسنه الترمذي وأعلّه الدارقطني بالإرسال؛ وانظر ملحق زهد ابن المبارك: 37 ومجموعة ورام 1: 268، 269 والمحاسن والأضداد: 255 والتمثيل والمحاضرة: 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فأثبتم. إن المنايا قاطعات للأعمال، والليالي مدنيات للآجال، وإنّ المرء بين يومين: يوم مضى أحصي فيه عمله فختم عليه، ويوم قد بقي لعلّه لا يصل إليه، إنّ العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما أسلف وقلة غناء ما خلّف، ولعله من باطل جمعه ومن حقّ منعه. [7]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: من أحبّ أن يكون أقوى الناس فليتوكّل على الله، ومن أحبّ أن يكون أكرم الناس فليتّق الله، ومن أحبّ أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد «1» الله أوثق منه بما في يديه. ألا أنبئكم بشراركم «2» ؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: من أكل «3» وحده، ومنع رفده، وجلد عبده، أفأنبئكم بشرّ من هذا؟ قالوا: نعم. قال: من يبغض الناس ويبغضونه، أفأنبئكم بشرّ من هذا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة، ولا يغفر ذنبا. أفأنبئكم بشرّ من هذا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه؛ إن «4» عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل خطيبا، فقال: يا بني إسرائيل لا تكلّموا بالحكمة عند الجهّال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا ظالما «5» فيبطل فضلكم عند ربكم، يا بني إسرائيل: الأمور ثلاثة أمر تبيّن رشده فاتبعوه وأمر تبيّن غيّه   [7] أمالي الشيخ الصدوق: 305 والبيان والتبيين 2: 35 (ببعض اختلاف في الترتيب) ؛ ومن قوله «ألا أنبئكم بشراركم» في الجامع الصغير 1: 115 والعقد 2: 418 ونثر الدر: 1: 158 ومجمع الزوائد 8: 183، وانظر اللباب: 70 وأدب الدنيا والدين، 143 وألف باء 1: 21 وقولة المسيح أفردت في نثر الدر 7: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردّوه إلى الله «1» . [8] قالت عائشة رضي الله عنها: كان يمرّ بنا هلال وهلال وما توقد في منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نار، فقال عروة بن الزبير: أي خالة، فبأيّ شيء كنتم تعيشون؟ قالت: بالأسودين التمر والماء. [9] وقالت: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإنّ درعه لمرهونة بثلاثين صاعا من شعير. [10] وقالت: ما شبع آل محمد صلّى الله عليه وسلّم منذ قدموا المدينة من طعام برّ ثلاثة أيام حتى لحق بالله. [11] وكان صلّى الله عليه وسلّم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له: تفعل ذلك وقد غفر الله لك؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا.   [8] للحديث صور مختلفة، انظر ارشاد الساري 9: 465 وصحيح مسلم 2: 87، ومسند أحمد 2: 405، 6: 71، 86، وحلية الأولياء 3: 256- 257 وصفة الصفوة: 1: 77. [9] ورد الحديث عند البخاري (جهاد: 89 ومغازي: 86) والترمذي (بيوع: 7) والنسائي (بيوع: 58، 83) وابن ماجه (رهون: 1) والدارمي (بيوع: 44) ومسند أحمد 1: 236، 300، 301، 306، ومواطن أخرى فيه وصفة الصفوة 1: 77. [10] حديث «ما شبع آل محمد» برواياته المختلفة في إرشاد الساري: 264 وصحيح مسلم 2: 87، وصفة الصفوة 1: 76، 77 وحلية الأولياء 3: 256، ومجموعة ورام 1: 48، وربيع الأبرار: 213/أ، وألف باء 1: 444. [11] في قيام النبي حتى ترم قدماه انظر البخاري (تفسير السورة: 48) والنسائي (قيام الليل: 17) وابن ماجه (إقامه: 200) ومسند أحمد 4: 251 وصفة الصفوة 1: 76، واللمع للسراج: 100 وشرح النهج 6: 237، وسراج الملوك: 180، والمستطرف 1: 236، وعيون الأخبار 2: 298. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 [12] وقال صلّى الله عليه: ما منكم من أحد ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلّا أن يتغمدّني الله برحمة منه وفضل «1» . [13] قال أنس: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ناقته الجدعاء وليست بالعضباء فقال: أيها الناس كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب، وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب، وكأنّ الذين نشيّع «2» من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون نبوّئهم أجداثهم ونأكل تراثهم، كأنا مخلّدون بعدهم، قد نسينا كلّ واعظة وأمنّا كلّ جائحة «3» ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مال كسبه من غير معصية، ورحم أهل الذلّ والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن أذلّ نفسه وحسّن خليقته، وأصلح سريرته وعزل عن الناس شرّه، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنّة ولم يتعدّها إلى البدعة. [14] ومن كلامه صلّى الله عليه: أما رأيت المأخوذين على الغرّة والمزعجين بعد الطمأنينة الذين أقاموا على الشبهات وجنحوا إلى الشهوات حتى   [12] انظر مسند أحمد 2: 344، 519، والدارمي 2: 305 وفي أوله «قاربوا وسددوا فإن أحدا منكم ... » . [13] أخرجه ابن عساكر، انظر كنز العمال 16: 125- 126، 142- 143 عن أنس بن مالك؛ والنهج: 490 (رقم 122، 123) والشهاب: 19- 20 (اللباب: 106) ، واللآلىء المصنوعة 2: 358، ومحاضرات الراغب 4: 486، وعين الأدب: 188، والبصائر 2: 507- 508 وأدب الدنيا والدين: 129. [14] لم أجد منه إلا قوله «وقد جف القلم» في قرائن أخرى، منها حديث ابن عباس في مسند أحمد 1: 293، 303، 307 وفي البخاري (قدر: 2) ، والترمذي (ايمان: 18) ... الخ؛ وانظر كشف الخفا 1: 366، 398، وكنز العمال 16: 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 أتتهم رسل ربّهم فلا ما كانوا أمّلوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم رجعوا، قدموا على ما عملوا، وندموا على ما خلّفوا، ولن يغني الندم، وقد جفّ القلم، فرحم الله امرءا قدّم خيرا وأنفق قصدا، وقال صدقا، وملك دواعي شهوته ولم تملكه، وعصى إمرة نفسه فلم تهلكه. [15] وقال صلّى الله عليه وسلّم: إياكم وفضول المطعم فإنها تصم القلب بالقسوة وتبطىء بالجوارح عن الطاعة وتصمّ الهمم عن سماع الموعظة، وإياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولّد الغفلة «1» ، وإياكم واستشعار الطمع فإنه يشرب القلوب شدّة الحرص ويختم على القلوب بطابع حبّ الدنيا، وهو مفتاح كلّ سيئة وسبب إحباط كلّ حسنة. [6] ومن كلام له صلّى الله عليه وسلّم: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن يموت عبد حتى يستكمل رزقه، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئا من فضل الله بمعصيته، فإنه لن ينال ما عند الله إلا بطاعته، ألا وإنّ لكل امرئ رزقا هو يأتيه لا محالة، فمن رضي به بورك له فيه فوسعه، ومن لم يرض به لم يبارك له فيه فلم يسعه، وإنّ الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله. [17] لما أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبعث معاذا إلى اليمن، ركب معاذ   [16] ورد بعضه في بهجة المجالس 1: 138، 2: 301، والشهاب: 33- 34 (اللباب: 203) وانظر الكافي 5: 80 وكشف الخفا 2: 268، وقارن بالمستدرك 4: 325، وشرح النهج 3: 158، والعقد 3: 205، ومجموعة ورام 1: 163، وأدب الدنيا والدين: 314، ونثر الدر 1: 201، وللحديث صور مختلفة في كنز العمال 4: 22- 24. [17] اللآلىء المصنوعة 2: 376، 377 (ببعض اختلاف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمشي إلى جانبه فقال: يا معاذ إني أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة وترك الخيانة، ورحمة اليتيم، وحفظ الجار، وكظم الغيظ، وخفض الجناح، وبذل السلام «1» ، ولين الكلام، ولزوم الايمان، والتفقه في القرآن، وحبّ الآخرة، والجزع من الحساب، وقصر الأمل وحسن العمل. وأنهاك أن تشتم مسلما، أو تكذّب صادقا، أو تصدّق كاذبا، أو تعصي إماما عادلا. يا معاذ: اذكر الله عند كلّ حجر وشجر وأحدث مع كلّ ذنب توبة، السرّ بالسرّ والعلانية بالعلانية (وزيد فيه: وعد المريض، وأسرع في حوائج الأرامل والضعفاء، وجالس الفقراء والمساكين، وأنصف الناس من نفسك، وقل الحقّ ولا تأخذك في الله لومة لائم) . [18] ومن كلامه صلّى الله عليه وسلّم: المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السيئات «2» ، والذي نفس محمد بيده لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه.   [18] هذه عدة أحاديث جمعت معا، فقوله «المؤمن من أمنه الناس» في ابن ماجه (فتن: 2) والترمذي (ايمان: 12) ، والنسائي (ايمان: 8) وانظر كشف الخفا 2: 390، والجامع الصغير 2: 184، وقوله «المسلم من سلم .... هجر ما حرّم الله» في البخاري (ايمان 4، 5 ورقاق: 26) ومسلم (إيمان: 64، 65) ، والترمذي (قيامة: 52؛ إيمان: 12) ، والدارمي 2: 300، ومسند أحمد 2: 160، 163؛ 3: 154؛ 4: 114، 6: 21، 22 (وصفحات أخرى كثيرة) وانظر كشف الخفا 2: 274، والمقاصد الحسنة: 386؛ وقوله «والذي نفس محمد ... » في البخاري (أدب: 29) ، ومسلم (إيمان: 73) ، والترمذي (قيامة: 60) ومسند أحمد 1: 387، 2: 288 ... وانظر بهجة المجالس 2: 319، واللباب: 31، 33 وأمثال الماوردي: 95 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 [19] وقال صلّى الله عليه وسلّم: فضل صلاة الليل على النهار كفضل صدقة السرّ على العلانية. [20] وقال صلّى الله عليه وسلّم: ما من والي عشرة إلا يأتي يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه، أطلقه عدله أو أوثقه جوره. [21] وقال صلّى الله عليه واله: أربع من أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة: قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وبدنا من البلاء صابرا، وزوجة لا تبغيه في نفسه وماله خونا. [22] وقال صلّى الله عليه وسلّم: افعلوا الخير دهركم وتعرّضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمّن روعاتكم. [23] ومن كلامه صلّى الله عليه وسلّم: (1) ملاك الدين الورع. (2) التحدّث بالنعم شكر. (3) خشية الله رأس كلّ حكمة.   [19] الجامع الصغير 2: 76، وخرجه الطبراني في المعجم الكبير وأبو نعيم في الحلية، وحسّنه. [20] الجامع الصغير 2: 149 (ما من أمير عشرة ... ) وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان وحسنه، وهو في مسند أحمد 2: 413 واللآلىء المصنوعة 1: 479، والمصباح المضيء 1: 301 والشفا: 55 ومجمع الزوائد 5: 204، 205. [21] ورد ببعض اختلاف في الجامع الصغير 1: 37 وهو حديث حسن عن ابن عباس أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في الشعب. [22] انظر الشهاب: 22. [23] هذه مجموعة من الأحاديث وردت في الشهاب: 4- 6، 11- 12، 14، 24 وإليك تخريج بعضها على وجه التفصيل- بحسب أرقامها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 (4) القناعة مال لا ينفد. (5) الحياء خير كله. (6) السعيد من وعظ بغيره. (7) طلب الحلال جهاد. (8) مداراة النّاس صدقة. (9) كثرة الضحك تميت القلب. (10) المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم. (11) المؤمنون هينون لينون. (12) تحفة المؤمن الموت. (13) اليقين الايمان كله. (14) فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة.   . (4) في بهجة المجالس 2: 301، ونهج البلاغة: 559. (6) في صحيح مسلم (قدر: 3) ، وابن ماجه (مقدمة: 7) ، واتقان الغزّي: 101 وكشف الخفا 1: 548 وورد في مختار الحكم: 198 لأرسطاطاليس، وانظر البصائر 7: 71 (حاشية رقم: 8) وأدب الدنيا والدين: 342. (7) في الجامع الصغير 2: 54 أخرجه القضاعي وأبو نعيم، وهو ضعيف. (8) في الجامع الصغير 2: 155، وهو صحيح، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والبيهقي في الشعب وابن حبان في الصحيح. (9) في كشف الخفا 2: 139 رواه القضاعي عن أبي هريرة مرفوعا ورواه ابن ماجه بلفظ: لا تكثر الضحك ... وقارن بنثر الدر 1: 248. (10) قد مرّ تخريجه رقم: 18. (11) في كشف الخفا 2: 384 والجامع الصغير 2: 185 أخرجه البيهقي عن ابن عمر وهو حديث ضعيف وورد منسوبا لمكحول في محاضرات الراغب 1: 274. (12) في كشف الخفا 1: 352 والجامع الصغير 1: 129، والمستدرك 4: 319؛ وهو حسن. (14) في كشف الخفا 2: 112، والجامع الصغير 2: 76، وهو ضعيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 (15) الويل كلّ الويل لمن ترك عياله بخير وقدم على الله بشرّ. (16) ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. (17) ثلاث منجيات خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضى. (18) من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لهى عن الشهوات، ومن ترقّب الموت لهى عن اللذات «1» ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. ومن فتح له باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه. (19) ازهد فيما في أيدي الناس يحبّك الناس. (20) اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك   . (15) في كشف الخفا 2: 464 رواه الديلمي عن ابن عمر. (16) في الجامع الصغير 1: 138 وكشف الخفا 1: 386. (17) هو جزء من الحديث السابق عند الطبراني في الأوسط، وانظر كنز العمال 16: 45، وأدب الدنيا والدين: 141 وكتاب الآداب: 41 ومحاضرات الراغب 1: 263، والمنهج المسلوك: 9/أوبرد الأكباد: 113. (18) في كشف الخفا 2: 305 والمقاصد الحسنة: 402 وسنده ضعيف. (19) في الجامع الصغير 1: 39 وكشف الخفا 1: 127، والمقاصد الحسنة: 52 وأخرجه ابن ماجه في الزهد والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية وغيرهم؛ وهو في أدب الدنيا والدين: 314 والخصال: 61، وأمالي الطوسي 1: 139. (20) في كشف الخفا 1: 166 والجامع الصغير 1: 48، والمستدرك 4: 306، وبهجة المجالس 2: 319، والعقد 3: 183، وأدب الدنيا والدين: 334، وقوانين الوزارة: 181، والخصال 1: 239، ومحاضرات الراغب 4: 407، والبصائر 2: 71 ومجموعة ورام 1: 279. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك. (21) عش ما شئت فانك ميت، وأحبب من شئت فانك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به. (22) ما نزعت الرحمة إلا من شقي. (23) ما امتلأت دار النعيم حبرة إلا امتلأت عبرة. (24) ما استرعى الله عبدا رعية فلم يحطها بنصحه إلّا حرّم الله عليه الجنة. (25) لا تسبّوا الأموات فانهم قد أفضوا إلى ما قدّموا. (26) إياك وما يعتذر منه. (27) إنّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل فما جلاؤها؟ قال: ذكر الموت وتلاوة القرآن. (28) كفى بالموت واعظا وبالعبادة شغلا.   . (21) في بهجة المجالس 2: 322 والخصال 1: 7. (22) في كشف الخفا 2: 254 رواه الحاكم والقضاعي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. (23) في كشف الخفا 2: 254. (25) في كشف الخفا 2: 474 والجامع الصغير 2: 200، وهو في صحيح البخاري (جنائز: 97، ورقاق: 42 وفضائل الصحابة: 5) ، ومسلم (فضائل الصحابة: 221، 222) ، والترمذي (بر: 51، ومناقب: 58) ، والنسائي (جنائز: 52) ومسند أحمد 1: 300، 3: 11، وبلوغ المرام: 305. (26) في كشف الخفا 1: 325، والتمثيل والمحاضرة: 28. (27) في كنز العمال 1: 545 عن الحلية والبيهقي والخرائطي، وهو في شرح النهج 10: 23، وبهجة المجالس 1: 116، وربيع الأبرار: 161 ب، وأمثال الماوردي: 55/أ. (28) في كشف الخفا 2: 146 عن عمار يرفعه ونصه: كفى بالموت واعظا وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلا؛ وانظر زهد ابن المبارك، الملحق: 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 (29) ألا ربّ شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا. (30) لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. [24] وقال صلّى الله عليه وسلّم: أكثر «1» ذكر الموت يسلك عن الدنيا، وعليك بالشكر فإن الشكر يزيد في النعمة، وأكثر من الدعاء فإنك لا تدري متى يستجاب لك. [25] إياك والبغي، فإنه من بغي عليه لينصرنه الله، قال: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ . (يونس: 23) [26] وقال عليه السلام «2» : إياك والمكر فإن الله قد قضى أن لا يحيق المكر السيء إلا بأهله. [27] وقال صلّى الله عليه: الأئمة من قريش. إذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإذا استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل منه صرف ولا عدل. [28] وقال صلّى الله عليه: من نقله الله من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى أغناه بلا مال، وأعزّه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس، من خاف الله   . (30) في كشف الخفا 2: 202، متفق عليه عن أنس مرفوعا، وانظر الجامع الصغير 2: 130 (وللحديث روايات مختلفة) . [24- 26] هذه الأحاديث وردت مجتمعة في البيان والتبيين 2: 22، وانظر الشهاب: 41. [27] الأئمة من قريش: أخرجه أحمد والنسائي، وفيه الزيادة (انظر كشف الخفا: 318- 319) . [28] قارن بقول منسوب لعلي في مجموعة ورام 1: 51، ثم أورده منسوبا لجعفر الصادق 2: 89 وهو لجعفر في بهجة المجالس 1: 201، 394، وللباقر في الفصول المهمة: 216 (نقلا عن حلية الأولياء) ولداود الطائي في ربيع الأبرار 1: 826. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 أخاف الله منه كلّ شيء، ومن رضي باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل، ومن زهد في الدنيا ثبّت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار. [29]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا ومخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب. [30]- وقال عبد الله بن عمر: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببعض جسدي «1» وقال: اعبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل. [31]- ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على رجل يعوده، وهو في الموت، فقال كيف تجدك؟ قال: أرجو وأخاف، فقال صلّى الله عليه وسلّم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف. [32]- وقال صلّى الله عليه وسلّم لعائشة، وقد سألت عن قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (المؤمنون: 11) هو الذي يزني ويسرق ويشرب   [29] الحديث في ابن ماجه (أدب: 57) ، والترغيب والترهيب: 151 وقال: رواه الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم. [30] ورد في البخاري (رقاق: 3) ، والترمذي (زهد: 25) ، وابن ماجه (زهد: 3) ، ومسند أحمد 2: 24، 41، 232، وفيه زيادة «واعدد نفسك في الموتى» وانظر بلوغ المرام: 300- 301 ، وبهجة المجالس 2: 278، وسراج الملوك: 13، والعزلة: 44، ومحاضرات الأبرار 2: 276. [31] بهجة المجالس 1: 378، ومجموعة ورام 1: 4، وربيع الأبرار: 343 ب وقارن بكنز العمال 3: 14 حيث ورد: ما اجتمع الرجاء والخوف في قلب مؤمن إلا أعطاه الله عز وجل الرجاء وآمنه الخوف؛ وهو مرسل عن سعيد بن المسيب. [32] الحديث في مسند أحمد 6: 159. 4 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الخمر وهو في ذلك يخاف الله؟ يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصلّي ويصوم ويتصدق وهو في ذلك يخاف الله. [33]- وقال صلى الله عليه وعلى آله: شرّ الناس رجل فاجر، يقرأ كتاب الله لا يرعوي عن شيء منه. [34]- ومن كلام بعض العارفين «1» : العالم الفاجر فتنة لكلّ مفتون. [35]- ومن كلامه صلى الله عليه وعلى آله: الحلال بيّن والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهة، فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه أوشك أن يواقع ما استبان، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه. [36]- ومن كلامه عليه السلام: إنّ أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الحاذ ذو حظّ من صلاة، أحسن من عبادة ربه وأطاعه في السرّ، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، عجّلت منيته وقلّ تراثه وقلّت بواكيه. [37]- قال عمر رحمه الله: ما اجتمع عند النبي صلّى الله عليه وسلّم أدمان إلا أكل أحدهما وتصدّق بالآخر.   [35] الحديث في البخاري (إيمان: 39 وبيوع: 2) ، ومسلم (مساقاة: 107، 108) ، وأبي داود (بيوع: 3) ، والترمذي (بيوع: 1) ، والنسائي (بيوع: 2) ، وابن ماجه (فتن: 14) ، ومسند أحمد 4: 267، 269- 271، 275 وفيه روايات مختلفة، انظر كشف الخفا 1: 438 والجامع الصغير 1: 153، وبلوغ المرام: 300، ومجموعة ورام 1: 6، وأدب الدنيا والدين: 213، وأمثال الماوردي: 68 ب. [36] الحديث في الترمذي (زهد: 35) ، وابن ماجه (زهد: 4) ، ومسند أحمد 5: 252، 255، والجامع الصغير 1: 88، وانظر مجموعة ورام 1: 182. [37] مجموعة ورام 1: 48، وربيع الأبرار: 213/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 [38]- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إياكم وخشوع النّفاق، قالت عائشة: وما خشوع النفاق؟ قال: يخشع البدن ولا يخشع القلب. [39]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقارض من نار، فقلت لجبريل: من هؤلاء؟ فقال: خطباء أمتك الذين يقولون الشيء ولا يعملون به. [40]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: إن أخوف ما أخاف على أمتي كلّ منافق عليم اللسان. [41]- وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تزال يد الله عليها رفرف بالرحمة والرزق والنصر، ما لم يرفق خيارهم بشرارهم، وما لم يعظّم أمراؤهم فجّارهم، وما لم يمل قرّاؤهم إلى أمرائهم، فإذا فعلوا ذلك فلينتظروا من الله النكال، يضربهم الله بالفقر والحاجة والذلّ. [42]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله يغضب إذا مدح الفاسق. [43]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: إذا مدح الفاسق اهتزّ لذلك العرش وغضب له الربّ تعالى. [44]- ومما يروى عنه صلّى الله عليه وسلّم: من آثر الدنيا على الآخرة ابتلاه بثلاث: همّ لا يفارق قلبه أبدا، وفقر لا يستغني معه أبدا، وحرص لا يشبع أبدا.   [38] في زهد ابن المبارك: 47، عن أبي الدرداء أو أبي هريرة: تعوذوا بالله من خشوع النفاق ... أن يرى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع؛ وانظر صفة الصفوة 1: 261، حيث نسب لأبي الدرداء. [39] ورد هذا الحديث في مسند أحمد 3: 120، 231، 239، وزهد ابن حنبل: 45. [40] كشف الخفا 1: 70 (أخوف) ، والجامع الصغير 1: 14، والبيان والتعريف 1: 41. [43] انظر الجامع الصغير 1: 35، وقد أورده ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والبيهقي وأبو يعلى في مسنده، وهو حديث ضعيف. وانظر أيضا نثر الدر 1: 253، وكنز العمال 1: 318، وربيع الأبرار: 355 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 [45]- ومن مواعظه عليه السلام: أيّها الناس إنّ هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، ألا وإنّ الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، وإنها لسريعة الذهاب وشيكة الانقلاب، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها، واهجروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها، ولا تسعوا في عمران دار قد قضى خرابها، ولا تواصلوها وقد أراد منكم اجتنابها، فتكونوا لسخطه متعرّضين، ولعقوبته مستحقّين. [46]- وقال صلّى الله عليه وسلّم لرجل يوصيه: أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب يسهل عليك الموت، وقدّم مالك أمامك يسرّك اللحاق به، واقنع بما أوتيته يخفّ عليك الحساب، ولا تتشاغل عمّا فرض الله عليك بما ضمن لك، إنه ليس بفائتك ما قسم لك ولست بلاحق ما زوي عنك، فلا تك جاهدا فيما يصبح نافدا، واسع لملك لا زوال له في منزل لا انتقال عنه. [47]- وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت نائمة مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة النصف من شعبان ثم انتبهت فإذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليس عندي، فأدركني ما يدرك النساء من الغيره فلففت مرطي، أما والله ما كان خزّا ولا قزا ولا قطنا ولا كتانا، قيل: فما كان يا أم المؤمنين «1» ؟ قالت: كان سداوته من   [45] قارن ببهجة المجالس 2: 292، حيث ورد بعضه منسوبا لسفيان الثوري. [46] محاضرات الأبرار 2: 273. [47] العلل المتناهية 2: 66- 69، وذكر عدة صور له وقال في جميعها: إنه حديث لا يصحّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 شعر، ولحمته من أوبار الإبل، قالت: فحبوت إليه أطلبه، فألفيته كالثوب الساقط على وجهه من الأرض وهو يقول: سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي، أنت عظيم ترجى لكل عظيم، فاغفر الذنب العظيم، فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، إنك لفي شأن وإني لفي شأن، فرفع رأسه ثم عاد ساجدا فقال: أعوذ بوجهك الذي أضاءت له السموات السبع والأرضون السبع من فجأة نقمتك، وتحويل عافيتك، ومن شرّ كتاب قد سبق، وأعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. فلما انصرف من صلاته تقدمت أمامه حتى دخلت البيت ولي نفس عال، فقال: مالك يا عائشة؟ فأخبرته الخبر، فقال: ويح هاتين الركبتين ماذا لقيتا هذه الليلة ومسح عليهما، ثم قال: أتدرين أيّ ليلة هذه يا عائشة؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان فيها تراقب الآجال وتثبت الأعمال. [48]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: كلمة من الخير يسمعها المؤمن ويعمل بها ويعلّمها خير من عبادة سنة. [49]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: استأنسوا بالوحدة عن جلساء السّوء. [50]- وقال: لا تدعوا حظكم من العزلة فإن العزلة عبادة. [51]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: ما أسرّ امرؤ سريرة إلّا ألبسه الله رداءها، إن خيرا   [48] قارن بما في كشف الخفا 2: 168. [49] العقد 3: 213. [50] العقد 3: 213، وأورد الخطابي (العزلة: 12) ، خذوا بحظكم من العزلة منسوبا لعمر بن الخطاب ونسب له في المستطرف 1: 86، وورد في طبقات ابن سعد 4: 161، منسوبا لابن عمر وكذلك في ربيع الأبرار 1: 766. [51] العقد 3: 215. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 فخيرا وإن شرّا فشرّا. [52]- وعنه صلّى الله عليه وسلّم: إن المؤمن ليذنب الذنب فيدخله الجنّة، قالوا يا رسول الله «1» : كيف يدخله الجنة؟ قال: يكون نصب عينيه تائبا عنه مستغفرا حتى يدخل الجنة. [53]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: أعجب الناس إليّ منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعمر ماله، ويحفظ دينه، ويعتزل الناس. [54]- روى زيد بن أرقم عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، ثم قال: إخلاصها أن تخرجه مما حرّم الله. [55]- وروى أنس عنه صلّى الله عليه وسلّم: سبعة تجري للعبد بعد موته، من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو بنى مسجدا أو أورث مصحفا أو ترك ولدا صالحا أو ترك صدقة تجري له بعد موته. [56]- وعنه قال قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا بني لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أمسيت، فإنّ القرآن يحيي القلب الميت وينهى عن الفحشاء والمنكر. [57]- وقال «2» صلى الله عليه: إنه ما سكن حبّ الدنيا قلب عبد إلا   [52] قارن بما في زهد ابن المبارك: 53 (رقم: 164) والحديث في ربيع الأبرار 1: 727، ومحاضرات الراغب 2: 408. [54] كشف الخفا 2: 354، والزيادة فيه: «أن تحجزه عن محارم الله» ؛ والجامع الصغير 2: 177. [55] الجامع الصغير 2: 31 «سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره ... » وربيع الأبرار 1: 234. [57] محاضرات الأبرار 2: 273. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 التاط منها بثلاث: شغل لا ينفد عناؤه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا يدرك منتهاه. إن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه. ألا وإنّ السعيد السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفد عذابها، وقدّم لما يقدم عليه مما هو الآن في يديه أن يخلّفه لمن يسعد بانفاقه وقد شقي بجمعه واحتكاره. [58]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: من لم يتعزّ بعزاء «1» الله عز وجل تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير أن لله عز وجل عنده نعمة إلا في مطعم أو مشرب قلّ علمه وكثر جهله، ومن نظر إلى ما في أيدي الناس طال حزنه ولم يشف غيظه. [59]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: إن الله عز وجل يبغض البخيل في حياته والسخيّ عند «2» موته. [60]- وقال صلّى الله عليه: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. [61]- وقال صلّى الله عليه وسلّم لعلي كرّم الله وجهه: يا عليّ إنّ من اليقين ألا ترضي بسخط الله أحدا، ولا تحمد أحدا على ما آتاك الله، ولا تذمّ أحدا على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يجرّه حرص حريص ولا تصرفه كراهة كاره، يا   [58] أخرجه العسكري عن أنس، وجزؤه الأخير «من نظر إلى ... غيظه» في كشف الخفا 2: 372، والمقاصد الحسنة: 430، وهو ضعيف؛ ونسب الحديث في الخصال 1: 64 لعلي بن الحسين. [59] الجامع الصغير 1: 75، وكنز العمال 3: 447. [60] الشهاب: 13 (واللباب: 76) ، والجامع الصغير 2: 170، وقد أخرجه الترمذي (قيامة: 18) والحاكم في المستدرك؛ ونسبه ابن عبد البر في بهجة المجالس 1: 278 لأبي الدرداء؛ وانظر مجموعة ورام 1: 279. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 علي: لا فقر أشدّ من الجهل، ولا وحشة أشدّ من العجب. [62]- قال الحسن بن علي سمعت رسول الله صلّى الله عليه يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الحق «1» طمأنينة والكذب ريبة، ولن تجد فقد شيء تركته لله تعالى. [63]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي. [64]- قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: جاءت المؤلّفة قلوبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وذووهما، فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحّيت عنّا هؤلاء لأرواح جبابهم- يعنون أبا ذرّ وسليمان وفقراء المسلمين، وكان عليهم الجباب الصوف لم يكن لهم غيرها- جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى: وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ حتى بلغ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها (الكهف: 27- 29) يتهددهم بالنار، فقام نبيّ «2» الله صلّى الله عليه وسلّم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد   [62] الحديث في البخاري (بيوع: 3) ، والترمذي (قيامة: 60) ، ومسند أحمد 3: 153، والمقاصد الحسنة: 214، (وقد أخرجه أيضا أبو يعلى والطيالسي والدارمي والنسائي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد) ، والجامع الصغير 2: 15، وكشف الخفا 1: 489، واللباب: 112، وانظر مجموعة ورام 1: 52، ونثر الدر 1: 161، وربيع الأبرار: 227 ب، والتمثيل والمحاضرة: 28، وأدب الدنيا والدين: 315. [63] الجامع الصغير 2: 162، أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس، وهو ضعيف؛ ومجموعة ورام 1: 18، 1: 112 (وفي الثانية نسبه لابن عباس) وفي الحلية 2: 229 لبكر المزني: من يأت الخطيئة وهو يضحك دخل النار وهو يبكي؛ وورد بصورة أطول في البصائر 2: 24 (لبعض الصالحين) . [64] انظر حلية الأولياء 1: 344، 345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 يذكرون الله تعالى فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات. [65]- قال ابن عباس «1» لهند بن أبي هالة وكان ربيبا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: صف لنا رسول الله فلعلك أن تكون أثبتنا معرفة به، قال: كان بأبي وأمي طويل الصمت، دائم الفكرة، متواتر «2» الأحزان، إذا تكلم تكلّم بجوامع الكلم، [لا فضول] ولا تقصير، إذا حدّث أعاد وإذا خولف أعرض وأشاح، يتروّح إلى حديث أصحابه، يعظّم النعمة وإن دقّت، ولا يذمّ ذواقا، [ولا يمدحه] ويبسم «3» عن مثل حبّ الغمام. [66]- قال عيسى بن مريم «4» صلى الله عليه: إن أولياء الله لا «5» خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، وإلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميت قلوبهم، وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم. [67]- ورأوه صلّى الله عليه يخرج من بيت مومسة فقالوا: يا مسيح الله   [65] طبقات ابن سعد 1: 422- 423، والموفقيات: 354- 358، والمعرفة والتاريخ 3: 284- 285 ، والفائق 1: 642- 643، وشمائل الرسول: 50- 51 (مع اختلافات) ونثر الدر 1: 416، وكنز العمال 7: 164، وانظر عيون أخبار الرضا 1: 317، وبعضه في مكارم الأخلاق: 5، 10، والبصائر 3: 608. [66] نثر الدر 7: 7، والبيان والتبيين 3: 140، وعيون الأخبار 2: 351، 370، وزهد ابن حنبل: 60، ونسب في نهج البلاغة: 552 لعلي. [67] نثر الدر 7: 3، والبيان والتبيين 3: 140، وعيون الأخبار 2: 370، وأدب الدنيا والدين: 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 ما تصنع عند هذه؟ فقال: إنما يأتي الطبيب المرضى. [68]- وكان عليه السلام يقول: يا معاشر العلماء مثلكم مثل الدّفلى يعجب ورده «1» من نظر إليه، ويقتل طعمه من أكله «2» ، كلامكم دواء يبرىء «3» الداء، وأعمالكم داء لا يقبل الدواء، الحكم تخرج من أفواهكم وليس بينها وبين آذانكم إلا أربع أصابع ثم لا تعيها قلوبكم، معاشر العلماء: إن الله إنما بسط لكم الدنيا لتعملوا، ولم يبسطها لكم لتطغوا، معشر «4» العلماء كيف يكون من أهل العلم «5» من يطلب الكلام ليخبر به ولا يطلبه ليعمل به، العلم فوق رؤوسكم والعمل تحت أقدامكم، فلا أحرار كرام ولا عبيد أتقياء. [69]- وقال عليه السلام: حبّ الدنيا راس كل خطيئة، والمال فيه داء كثير، قيل: يا روح «6» الله ما داؤه؟ قال: لا يؤدّى حقّه، قيل: فإن أدّي حقه؟ قال: لا يسلم من الفخر والخيلاء، قيل: فإن سلم؟ قال: يشغل استصلاحه عن ذكر الله.   [68] في البيان والتبيين 3: 140 جانب من هذا النص ولكن الاختلاف واضح، وقارن بنثر الدر 7: 7، والتمثيل والمحاضرة: 272. [69] قارن بما في البيان والتبيين 3: 191، ونثر الدر 7: 3، ومحاضرات الراغب 1: 512، وبهجة المجالس 1: 196، وعيون الأخبار 1: 246، 2: 331، وأدب الدنيا والدين: 119، والحكمة الخالدة: 180، والأسد والغواص: 47، وربيع الأبرار: 353/أ، وشرح النهج 6: 233. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 [70]- ومن كلامه الشريف المحيي «1» : الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، متى بعد أحدكم عن أحدهما قرب من الآخر، ومتى قرب من أحدهما بعد من الآخر. [71]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: تقرّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي والتمسوا رضوانه بالتباعد منهم، قالوا: فمن نجالس؟ قال: من تذكركم بالله تعالى رؤيته، ويزيد في فهمكم منطقه، ويرغّبكم في الآخرة عمله. [72]- قال داود لابنه سليمان عليهما السلام: يا بنيّ إنما يستدلّ على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: بحسن توكّله على الله فيما يأتيه، وبحسن رضاه فيما آتاه، وبحسن صبره فيما فاته. [73]- قيل: لما ابتلى الله عز وجل أيوب عليه السلام بذهاب المال والولد والأهل، فلم يبق له شيء أحسن من الذكر والحمد لله رب العالمين، ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إليّ؛ قد أعطيتني المال والولد فلم يبق من قلبي شعبة إلّا قد دخله ذلك، فأخذت كله وفرّغت قلبي فليس يحول بيني وبينك شيء، فمن ذا تعطيه المال والولد فلا يشغله حبّ المال والولد عن ذكرك، لو يعلم إبليس بالذي صنعت إليّ حسدني، قال: فلقي إبليس من هذا شيئا منكرا.   [70] قارن بما في أمالي المرتضى 1: 153 (ونسب لعلي) وبهجة المجالس 2: 278، وربيع الأبرار 1: 45 (لعلي) ، والبصائر 7: 117، وغرر الخصائص: 107. [71] كله في زهد ابن حنبل: 54 (باختلاف يسير) وبعضه في البيان والتبيين 3: 175 وانظر نثر الدر 7: 9 (رقم: 53) وربيع الأبرار 1: 483 ونهاية الأرب 5: 245، ومحاضرات الراغب 1: 531، ولباب الآداب: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 [74]- ومما روي عن السيد المسيح عليه السلام قوله: البرّ ثلاثة: المنطق والنظر والصمت، فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها. [75]- وقيل ليوسف عليه السلام: لم تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع. [76]- مرّ المسيح عليه السلام بقوم يبكون على ذنوبهم فقال: اتركوها تغفر لكم. [77]- روي أن موسى عليه السلام سأل ربه تعالى فقال: ربّ ما أحكم الحكم، وما أغنى الغنى، وما أفضل الشكر؟ فقال جلّ ثناؤه: أحكم الحكم أن تحكم على الناس بما تحكم به على نفسك، وأغنى الغنى أن يرضى العبد بما قسم له، وأفضل الشكر ذكر الله تعالى. [78]- وكان السيد المسيح «1» يقول: اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، وإياكم وفضول الدنيا، فإن فضول الدنيا عند الله رجس، انظروا إلى طير   [74] نثر الدر 7: 3، ومعظمه في عيون الأخبار 2: 178، وبهجة المجالس 1: 78، ولباب الآداب: 272، وربيع الأبرار 1: 828 وروايته «الزهد ثلاث ... » ، وقارن بمجموعة ورام 1: 250، وتسهيل النظر: 63، وأمثال الماوردي: 91/أ (ونسب للحسن) ، والحكمة الخالدة: 195، وأدب الدنيا والدين: 106، والخصال 1: 98 (لعلي) . [75] نثر الدر 7: 3، والتمثيل والمحاضرة: 14، وربيع الأبرار: 210 ب والحكمة الخالدة: 163، ومحاضرات الراغب 1: 632. [76] نثر الدر 7: 8، والبيان والتبيين 3: 167، والحكمة الخالدة: 153، والعقد 3: 181، ولباب الآداب: 8، ومجموعة ورام 2: 114. [77] نثر الدر 7: 9 (رقم: 51) . [78] قارن بما في عيون الأخبار 2: 270 (نقلا عن الانجيل) ، وشرح النهج 3: 158، وربيع الأبرار: 409 ب، والمستطرف 1: 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 السماء تغدو وتروح ليس معها من أرزاقها شيء، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها، فإن زعمتم أنكم أكبر بطونا من الطير، فهذه الوحوش من البقر والحمير تغدو وتروح وليس معها من أرزاقها شيء، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها. [79]- في الخبر أن لقمان نودي: إني أجعلك خليفة في الأرض، فقال: إن اختارني ربي فسمعا وطاعة، وإن خيّرني اخترت العافية، فأولاه الله الحكمة وصرفت الخلافة إلى داود عليه السلام، فكان إذا رآه داود يقول: وقيت الفتنة يا لقمان. [80]- وقال ابن عباس: خيّر سليمان بن داود بين العلم والمال والملك، فاختار العلم، فأعطي المال والملك معه.   [79] عرائس المجالس: 349، ومختار الحكم: 262، ومحاضرات الراغب 1: 174. [80] نثر الدر 1: 175، والحكمة الخالدة: 132، والشريشي 5: 130، 131، والنهج المسلوك: 5/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الفصل الثاني «1» كلام القرابة رضي الله عنهم وآدابهم وآثارهم ومواعظهم [81]- قد اختلفت الرواة فيما جاء من «2» مثل هذه الآداب والمواعظ اختلافا شديدا، ونسبوا الكلمة منها إلى جماعة من القرابة والصحابة، وكثيرا ما نسبوا فقرا يتداولها الناس تارة إلى رسول الله وتارة إلى أهله وأصحابه رضوان الله عليهم، حتى أن الرضي أبا الحسن الموسوي رحمه الله كان مع شدة توقيه ومعرفته بكلام أبيه، في نهج البلاغة وهو الذي حققه من كلام علي عليه السلام واختاره «3» ، كثيرا ما تحقق أصحاب الحديث أنه كلام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك غيره فعل، نسب شطرا من كلامه إلى أولاده رضي الله عنهم، ولعلّ أحدهم كان يذكر الكلمة رواية أو تمثلا عن آبائه فيغفل الراوي الاسناد، وقد يقع التوارد في الكلمة كما يتفق الإيطاء في الشعر. وروي أن عليا عليه السلام سئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث فقال «5» : الناس أربعة: رجل منافق كذب على رسول الله متعمدا، فلو علم أنه منافق ما صدّق ولا أخذ عنه، ورجل سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول قولا أو رآه يفعل فعلا ثم غاب ونسخ ذلك من قوله وفعله، فلو علم أنه نسخ ما حدّث ولا عمل به، ولو علم الناس أنه نسخ ما قبلوا منه ولا أخذوا عنه، ورجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول قولا فوهم فيه، فلو علم أنه وهم ما حدّث ولا عمل به، ورجل لم يكذب ولم يهم وشهد ولم يغب، وإنما دلّ بهذا على نفسه. وكلهم ينزعون إلى غاية ويستقون من قليب واحد ولأيّهم كان الكلام فبنور النبوة أشرق ضياؤه ومن شجرتها المباركة اقتبست ناره. فإن حقق قارىء هذا الكتاب نقلا يخالف في بعض الكلمات، فالعهدة فيه على الرواة، وأنا لم آل في بذل الاجتهاد مع شدة تناقض أرباب الاسناد، وليس ذلك بقادح فيه، إذ المقصود المذاكرة بمعانيه، لا نسبته إلى قائليه. [82]- قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، وإن المضمار اليوم وغدا السباق، والسبقة الجنة، والغاية النار، ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل، فمن أخلص في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه علمه ولم يضرّه أمله، ومن قصّر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضرّه أمله «1» ، ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها، ألا وإنه من لم ينفعه الحقّ ضرّه الباطل، ومن لم يستقم به الهدى يجر به الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظّعن ودللتم على الزاد، وإنّ أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل.   [82] نهج البلاغة: 71، وعيون الأخبار 2: 235، والعقد 4: 65، ومروج الذهب: 3: 178- 179 ، والحكمة الخالدة: 144، ونثر الدر 1: 323- 324، والفصول المهمة: 114- 115 ، وغرر الخصائص: 154، وكنز العمال 16: 202، وقوله: «لم أر كالجنة ... هاربها» أورده في بهجة المجالس 2: 320، ونسبه للرسول؛ وقوله: «وان أخوف ما أخاف عليكم» في الخصال 1: 51، 52 مرفوعا وموقوفا، وأمالي الطوسي 1: 117، وأدب الدنيا والدين: 34 ومحاضرات الراغب 2: 457 والمصباح المضيء 1: 362، والبصائر 3/2: 653 ولقاح الخواطر: 12/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 [83]- وخطب عليه السلام فقال: اتقوا الله الذي إن قلتم سمع، وإن أضمرتم علم، واحذروا «1» الموت الذي إن أقمتم أخذكم، وإن هربتم أدرككم. [84]- ومرّ في منصرفه من صفين بمقابر فقال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحالّ المقفرة من المؤمنين والمؤمنات، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، أنتم لنا سلف فارط، ونحن لكم تبع وإنا بكم عما قليل لاحقون «2» اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنّا وعنهم، الحمد لله الذي منها خلقنا، وعليها ممشانا، وفيها معاشنا، طوبى لمن ذكر المعاد وأعدّ للحساب وقنع بالكفاف. [85]- وقال لابنه الحسن: يا بنيّ لا تخلّفنّ وراءك شيئا من الدنيا، فإنك تخلّفه لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله عز وجل فسعد بما شقيت به، وإما رجل عمل بمعصية الله فكنت عونا له على ذلك، وليس أحد هذين بحقيق أن تؤثره على نفسك. [86]- ومن كلامه عليه السلام: من العبادة الصمت وانتظار الفرج.   [83] نهج البلاغة: 505. [84] نهج البلاغة: 492 (وفيه اختلافات عما هنا) ، وزهر الآداب: 42، ونثر الدر 1: 278، والبيان والتبيين 3: 148، والعقد 3: 236- 237، والمستطرف 2: 316 ومحاضرات الراغب 4: 484، والشريشي 2: 9. [85] نهج البلاغة: 549، ولباب الآداب: 123، وقد وردت هذه الوصية منسوبة إلى زيمون الشاعر في فقر الحكماء: 270، ونسبت للحسن بن علي في محاضرات الراغب 1: 523، 571. [86] نثر الدر 1: 279 (أفضل العبادة ... ) وكذلك في البيان والتبيين 1: 297، و 2: 165، 350، 3: 260. 5 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 [87]- ومنه: أما بعد فإنّ المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته: ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا، وليكن همّك فيما بعد الموت. [88]- ورؤي «1» عليه إزار مرقوع فقيل له في ذلك فقال: يخشع له القلب وتذلّ له النفس ويقتدي به المؤمنون بعدي. [89]- وقال عليه السلام لسلمان الفارسي رحمة الله عليه: إنّ مثل الدنيا مثل الحية ليّن مسّها قاتل سمها، فأعرض عما يعجبك منها، فإن المرء العاقل كلّما صار منها إلى سرور أشخصه منها إلى مكروه، ودع عنك همومها إن أيقنت بفراقها.   [87] نهج البلاغة: 378 (من كتاب إلى عبد الله بن عباس) والتعازي والمراثي: 302، ونثر الدر 1: 281، وعين الأدب: 202، والبصائر 2: 777، وأدب الدنيا والدين: 107، والحكمة الخالدة: 179، ومحاضرات الراغب 2: 404 والفصول المهمة: 115 وتذكرة الخواص: 150. [88] نهج البلاغة: 486، وصفة الصفوة 1: 123، وطبقات ابن سعد 3: 28، وحلية الأولياء 1: 83، وأنساب الأشراف (المحمودي) 2: 129، والرياض النضرة 2: 307، وذخائر العقبى: 102، وشرح النهج 9: 235، وربيع الأبرار: 331/أ (4: 8) وتذكرة الخواص: 113. [89] نهج البلاغة: 458، والبصائر 7: 232- 233 ومحاضرات الراغب 2: 390 والحكمة الخالدة: 111، والمجتنى: 41، وسراج الملوك: 16، ومجموعة ورام 1: 148، وبعضه في البصائر 2: 34 (وفي النص سقط) وأدب الدنيا والدين: 114- 115، والتمثيل والمحاضرة: 249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 [90]- قال كميل بن زياد «1» النخعي: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجني إلى الجبانة، فلما أصحر تنفّس الصعداء ثم قال: يا كميل إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك: إنّ الناس ثلاثة عالم ربانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. يا كميل: العلم خير من المال فالمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل: معرفة العلم دين يدان به، يكسب الإنسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته. والعلم حاكم والمال محكوم عليه. يا كميل بن زياد: هلك خزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، ها إنّ ها هنا لعلما جما- وأشار إلى صدره- لو أصبت له حملة؛ بلى أصبت لقنا «2» غير مأمون عليه «3» ، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهرا بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقادا بجملة «4» الحق لا بصيرة له في إجابة «5» ، ينقدح الشكّ في قلبه لأول عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوما باللذة، سلس القياد للشهوة، أو مغرما بالجمع والادّخار، ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب   [90] نهج البلاغة: 495- 497، وحلية الأولياء 1: 79- 80، وصفة الصفوة 1: 127، والإرشاد: 121، وعين الأدب: 265، وسراج الملوك: 110، والخصال 1: 186، وأمالي الطوسي 1: 19، وديوان المعاني 1: 146- 147، ولقاح الخواطر: 12/أوتذكرة الخواص: 141- 142. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 [شيء] شبها بهما الأنعام السائمة؛ كذلك يموت العلم بموت حامليه «1» . اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته. ولم ذا وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلّون عددا، الأعظمون قدرا، بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم العلم بهم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى. أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، آه آه شوقا إليهم، انصرف إذا شئت. [91]- ومن كلام له عليه السلام: أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز، والآخرة دار قرار، فخذوا من دار ممرّكم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها أبدانكم؛ ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم، إنّ المرء إذا هلك قال الناس: ما ترك؟ وقالت الملائكة: ما قدّم؟ لله آباؤكم، فقدّموا بعضا يكن لكم، ولا تخلّفوا كلّا فيكون عليكم. [92]- قال «2» مجاهد: خرج علينا علي عليه السلام يوما معتجرا فقال: جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا   [91] نهج البلاغة: 320، ومن الغريب أن ينسبها ابن أبي الحديد (شرح النهج 5: 232) لأعرابي كان واليا على ضرية، وكذلك هي لأعرابي في المحاسن والأضداد: 112، وفي محاضرات الأبرار 1: 314، وزهر الآداب: 404 ونثر الدر 6: 25. [92] حلية الأولياء 1: 7، وصفة الصفوة 1: 124، والرياض النضرة 2: 308، وذخائر العقبى: 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظنتها تريد بلّه فأتيتها فقاطعتها كلّ ذنوب على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي، ثم أتيت الماء فأصبت منه، ثم أتيتها فقلت بكفّي هكذا بين يديها «1» فعدّت لي ست عشرة تمرة، فأتيت النبي صلى الله عليه فأخبرته، فأكل معي منها. قوله: مجلت أي تنفّطت. [93]- ودخل عليه بعض أصحابه بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة، فقال: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟! فقال: والله ما أرزأكم من مالكم شيئا، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي، أو قال: من المدينة. [94]- وقسم عليه السلام ما في بيت المال على سبعة أسباع، ثم وجد رغيفا فكسره سبع كسر، ثم دعا أمراء الأجناد فأقرع بينهم. [95]- قال الأحنف: دخلت على معاوية فقدّم إليّ من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قدّم لونا ما أدري ما هو، فقلت ما هذا؟ قال: مصارين البطّ محشوة بالمخّ قد قلي بدهن الفستق وذرّ عليه الطبرزد، فبكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: ذكرت عليا، بينا أنا عنده فحضر وقت إفطاره، فسألني المقام إذ دعا بجراب مختوم، قلت: ما في الجراب؟ قال: سويق شعير، قلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟ قال: لا ولا أحدهما ولكني خفت أن يلتّه الحسن والحسين بسمن أو زيت. قلت: محرّم هو يا أمير   [93] حلية الأولياء 1: 82، وصفة الصفوة 1: 122 وتذكرة الخواص: 113 وانظر التعارض بين هذه الرواية وما ورد في رقم: 143، فهنا عليّ يرعد من البرد وهنالك كفي الحرّ والبرد. [94] حلية الأولياء 7: 300. [95] نثر الدر 1: 304 وتذكرة الخواص: 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 المؤمنين؟ قال: لا ولكن يجب على أئمة الحقّ أن يعتدّوا أنفسهم من ضعفة الناس لئلا يطغي الفقير فقره، قال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله. [96]- واشترى علي عليه السلام بالكوفة تمرا فحمله في طرف ردائه، فتبادره الناس وقالوا: يا أمير المؤمنين نحمله عنك، فقال: رب العيال أحقّ بحمله «1» . [97]- وروي أنه عليه السلام ملك أربعة دراهم، فتصدّق بدرهم ليلا وبآخر نهارا وبدرهم سرا وبآخر علانية فأنزل الله عز وجل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 247) . [98]- ومن كلامه عليه السلام: يا ابن آدم إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع نعمه عليك فاحذره. [99]- وقال: من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب.   [96] نثر الدر 1: 292، وزهد ابن حنبل: 133 وتذكرة الخواص: 116. [97] نثر الدر 1: 293، ومحاضرات الراغب 1: 586. [98] نهج البلاغة: 472، وربيع الأبرار: 396 ب وتذكرة الخواص: 132 وفي أن النعمة استدراج قارن برقم: 159، ونسب القول لأبي حازم في حلية الأولياء 3: 244، وفي أنس المحزون: 7/أ، وفي نثر الدر 7: 67 (رقم: 50) . ولعليّ في لقاح الخواطر: 14/أ. [99] نهج البلاغة: 472 نثر الدر 1: 291 وتذكرة الخواص: 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 [100]- ومن كلامه: أفضل الزهد إخفاء الزهد. إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى. من أطال الأمل أساء العمل. لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض. سيئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك. [101]- وقال «1» عليه السلام: الدهر يخلق الأبدان ويجدّد الآمال ويقرّب المنية ويباعد الأمنية، من ظفر به نصب، ومن فاته تعب. [102]- وقال: أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل كانت لذلك أهلا، لا يرجونّ أحد منكم إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، ولا يستحيينّ أحد إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم «2» ، ولا يستحيين أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وعليكم بالصبر «3» فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه.   [100] نهج البلاغة: 472، 475، 477 وتذكرة الخواص: 132، 136 وقوله «إذا كنت في ادبار ... الخ» في نثر الدر 1: 326، وكتاب الآداب: 77، وقوله: «من أطال الأمل ... » في البيان والتبيين 3: 144، وأدب الدنيا والدين: 108، للحسن البصري، وكذلك في محاضرات الأبرار 2: 440، ولعلي في الخصال 1: 15، وانظر محاضرات الراغب 1: 457، والفصول المهمة: 118، وقوله «أفضل الزهد» لابن المبارك في أدب الدنيا والدين: 111 وفي زهر الآداب: 810 وهو ليحيى بن معاذ في الإيجاز والإعجاز: 35. [101] نهج البلاغة: 480، ومجموعة ورام 1: 135، وورد في أمالي القالي 3: 42 والعقد 3: 174، ولباب الآداب: 18، (لراهب) وزهر الآداب: 1010 وتذكرة الخواص: 133 وبعضه في البصائر 2: 433، (لزاهد) وقارن بما ورد لأرسطاطاليس في صوان الحكمة: 148، ومحاضرات الأبرار 2: 284، والسعادة والإسعاد: 309. [102] نهج البلاغة: 482، وحلية الأولياء 1: 75 والعقد 4: 80، ونثر الدر 1: 280 (أوصيكم بأربع) ، ولباب الآداب: 293، وعين الأدب: 202، وكتاب الآداب: 51، وأدب الدنيا والدين: 83، والخصال 1: 315، وقارن بعيون الأخبار 2: 119، والبيان والتبيين 2: 77 (أوصيكم بأربع) وتذكرة الخواص: 140- 141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 [103]- وقال عليه السلام: عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار. [104]- وقال: كان في الأرض أمانان فرفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به، أما الأمان الذي رفع في الدنيا «1» فهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأما الأمان الآخر فالاستغفار، قال الله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (الأنفال: 33) . [105]- وقال عليه السلام: من اصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ. [106]- وقال وقد سمع رجلا من الحرورية يتهجّد ويقرأ: نوم على يقين خير من صلاة في شكّ. [107]- وقال عليه السلام: لا يترك الناس شيئا من دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضرّ منه. [108]- وقال عليه السلام: كم من مستدرج بالاحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن القول فيه.   [103] نهج البلاغة: 482، ومحاضرات الراغب: 4: 406 وتذكرة الخواص: 133. [104] نهج البلاغة: 483، ونثر الدر 1: 278 وتذكرة الخواص: 133. [105] نهج البلاغة: 483 وتذكرة الخواص: 133. [106] نهج البلاغة: 485، ونثر الدر 1: 280، ومجموعة ورام 1: 24، والبصائر 1: 318. [107] نهج البلاغة: 487. [108] نهج البلاغة: 513 وتذكرة الخواص: 133. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 [109]- وقال: شتّان بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره. [110]- وقال عليه السلام وقد سمع رجلا يذمّ الدنيا: أيها الذامّ للدنيا المغتر بغرورها، بم تذمّها؟ أنت المتجرّم عليها أم هي المتجرّمة عليك؟ متى استهوتك أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم علّلت بكفيك، وكم مرّضت بيديك، تبغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء «1» ، لم ينفع أحدهم إشفاقك، ولم تسعف فيه بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوتك، قد مثّلت لك به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك. إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية «2» لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتّعظ بها: مسجد أحبّاء الله، ومصلّى ملائكته، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وتربحوا «3» فيها الجنة؛ فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، فمثّلت لهم ببلائها البلاء، وشوقتهم بسرورها إلى السرور؟ راحت بعافية، وابتكرت بفجيعة، ترغيبا وترهيبا، وتخويفا وتحذيرا، فذمّها رجال غداة الندامة وحمدها آخرون، ذكّرتهم فذكروا، وحدّثتهم فصدقوا، ووعظتهم فاتعظوا.   [109] نهج البلاغة: 490، ومجموعة ورام 1: 22، وربيع الأبرار: 298/أونسب في الامتاع والمؤانسة 2: 122 لبعض السلف. [110] نهج البلاغة: 492- 493، وبعضه في محاضرات الراغب 2: 391، ومروج الذهب 3: 172- 173 ، ومحاضرات الأبرار 1: 315- 316، والبيان والتبيين 2: 190. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 [111]- وقال عليه السلام: استنزلوا الرزق بالصدقة، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية. [112]- وقال: لكلّ أمر عاقبة حلوة أو مرة. لكلّ مقبل إدبار وما أدبر كأن لم يكن. الرحيل وشيك. من ابدى صفحته للحقّ هلك. [113]- وقال عليه السلام: من أعطي أربعا لم يحرم أربعا: من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة. وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (المؤمن: 60) . ثم قال في الاستغفار: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (النساء: 110) . وقال في الشكر: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (ابراهيم: 7) . وقال في التوبة: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء: 16) .   [111] نهج البلاغة: 494 (رقم: 137، 138) وتذكرة الخواص: 133. وقوله من أيقن بالخلف ... إلخ في البيان 3: 143، واللباب: 70، والإيجاز والإعجاز: 8، والتمثيل والمحاضرة: 30، وكتاب الآداب: 78، وبهجة المجالس 1: 625 (لبعض الحكماء) . [112] نهج البلاغة: 499 (رقم: 151، 152) ، 502 (رقم: 187، 188) وقوله «من أبدى صفحته ... » في الفصول المهمة: 113. [113] نهج البلاغة: 494 وتذكرة الخواص: 133. (قوله، وتصديق ذلك ... إلخ. يبدو انه تعليق للشريف الرضيّ) والبيان والتبيين 2: 197، ونسب في 3: 288، لعمر وانظر أنس المحزون 4/أ، وقوله «من أعطي الدعاء ... » ورد في أنساب الأشراف: 695 (استانبول) ونثر الدر 2: 54 منسوبا لعمر بن الخطاب؛ وانظر مجموعة ورام 2: 84 حيث نسب القول لجعفر الصادق؛ وقارن بكتاب الآداب: 46، حيث ورد: «من ألهم ثلاثا لم يحرم ثلاثا ... » ونسب في الخصال 1: 101، 202 لجعفر الصادق، مرة على أساس ثلاثي ومرة على أساس رباعي كما نسب في برد الأكباد: 125 للشعبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 [114]- وقال عليه السلام لرجل سأله أن يعظه: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجىء التوبة لطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة على ما أولي «1» ، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحبّ الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه، ويقيم على ما يكره الموت له «2» ، إن سقم ظلّ نادما، وإن صحّ أمن لاهيا، يعجب بنفسه إذا عوفي، ويقنط إذا ابتلي، إن أصابه بلاء دعا مضطرا، وإن ناله رخاء أعرض مغترّا، تغلبه نفسه على ما يظنّ، ولا يغلبها على ما يستيقن، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله؛ إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن، يقصّر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل؛ أسلف «3» المعصية وسوّف بالتوبة «4» ، يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتّعظ، فهو بالقول مدلّ، ومن العمل مقلّ؛ ينافس فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى؛ يرى الغنم مغرما والغرم مغنما؛ يخشى الموت ولا يبادر الفوت؛ يستعظم من معصية غيره ما يستقلّ أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره، فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن؛ اللغو «5» مع الأغنياء أحبّ إليه من الذّكر   [114] نهج البلاغة: 497- 499، ونثر الدر 1: 277، والمجتنى: 39، وعين الأدب 1: 189، وسراج الملوك: 183 وتذكرة الخواص: 133 وبعضه في البيان والتبيين 2: 101، وأدب الدنيا والدين: 116، وفي أمالي الطوسي 1: 110، نسبه إلى عبد الله ابن عباس يوصي ابنه عليّا، والبصائر 1: 356- 357 (باختلاف) وانظر كنز العمال 16: 205. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 مع الفقراء؛ يحكم على غيره لنفسه، ولا يحكم عليها لغيره؛ يرشد غيره ويغوي نفسه. [115]- وقال له رجل أوصني قال: لا تحدّث نفسك بفقر ولا طول عمر. [116]- وقال: الأمل على الظنّ آفة العمل على اليقين. [117]- وسئل عن الإيمان فقال: الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان. [118]- وقال عليه السلام: من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربّه، ومن أتى غنيا فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه. [119]- وقال عليه السلام: إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.   [115] نثر الدر 1: 278. [116] نثر الدر 1: 278. [117] نهج البلاغة: 508، وقد رواه علي؛ ورفعه في الخصال 1: 178، 179، وكذلك ورد مرفوعا في أمالي الطوسي 2: 64، ونثر الدر 1: 362. [118] نهج البلاغة: 508 وتذكرة الخواص: 135. ونسب لابن أدهم في حلية الأولياء 8: 23. [119] نهج البلاغة: 510 وصفة الصفوة 2: 53، وربيع الأبرار: 2: 140، وتذكرة الخواص: 135. وقارن بقول منسوب لعلي بن الحسين في حلية الأولياء 3: 134، ونسب القول للباقر في نثر الدر 1: 344. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 [120]- وقال: يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم. [121]- وقال: احذروا نفار النعم فما كلّ شارد بمردود. [122]- وقال: أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه. [123]- وقال عليه السلام: لو لم يتوعّد الله على معصية لكان يجب أن لا يعصى شكرا لنعمته «1» . [124]- وقال: ما أكثر العبر وأقلّ الاعتبار. [125]- وقال: ما المبتلى الذي قد استبدّ به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء. [126]- وقال: أقلّ ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه.   [120] نهج البلاغة: 511، وربيع الأبرار: 229 ب وقارن بكتاب الآداب: 72 حيث ورد: «يوم العدل على الظالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم» والمستطرف 1: 104. [121] نهج البلاغة: 511، وربيع الأبرار: 396 ب، والفصول المهمة: 113، ولقاح الخواطر: 14 ب وتذكرة الخواص: 135. [122] نهج البلاغة: 511 ونثر الدر 1: 294، وبهجة المجالس 2: 343 (دون نسبة) وربيع الأبرار: 258/أوتذكرة الخواص: 135. ونسب في نثر الدر 7: 4 للمسيح. [123] نهج البلاغة: 527 وتذكرة الخواص: 135. وقارن بالبصائر 2: 423، وربيع الأبرار: 397 ب، حيث نسب قول مشابه لعيسى بن مريم، وأنس المحزون: 7/أ. [124] نهج البلاغة: 528. [125] نهج البلاغة: 528. [126] نهج البلاغة: 533 وتذكرة الخواص: 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 [127]- وقال عليه السلام في صفة المؤمن: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدرا، وأذلّ نفسا، يكره الرفعة، ويشنأ السمعة، طويل غمّه، بعيد همّه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور صبور، مغمور بفكرته، ضنين بخلّته، سهل الخليقة، ليّن العريكة، نفسه أصلب من الصّلد، وهو أذلّ من العبد. [128]- ومما ينسب إليه قوله: المدة «1» وإن طالت قصيرة. والماضي «2» للمقيم عبرة، والميت للحيّ عظة، وليس لأمس إذا مضى عودة، ولا أنت من غد «3» على ثقة، وكلّ لكلّ مفارق، وكلّ بكلّ لاحق، واليوم الهائل لكلّ آزف، وهو اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، اصبروا على عمل لا غنى بكم عن ثوابه، وارجعوا عن عمل لا صبر لكم على عقابه، فإن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه، واعلموا أنكم في نفس معدود، وأمل محدود، وأجل ممدود، ولا بدّ للأجل [من] أن يتناهى، وللنّفس أن يحصى، وللأمل أن يطوى وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ (الانفطار: 10، 11) . [129]- قال سويد بن غفلة: دخلت على عليّ عليه السلام بعد ما   [127] نهج البلاغة: 533 وربيع الأبرار 1: 805 وتذكرة الخواص: 138. [128] نثر الدر 1: 283 وتذكرة الخواص: 135 والبصائر 7: 72؛ وعلق أبو حيان على هذه القطعة بقوله: «انظر إلى انتثار اللؤلؤ في هذا الفصل، فإنك ترى ما يعجب صدقا في المعنى وترتيبا في اللفظ ... إلخ» وانظر مجموعة ورام 2: 22، وبعضه في محاضرات الراغب 2: 487. [129] تذكرة الخواص: 115. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 صار إليه الأمر، فإذا هو جالس في مصلّى ليس في داره سواه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ملك الاسلام ولا أرى في بيتك أثاثا ولا متاعا سوى مصلّى أنت جالس عليه؟! فقال: يا ابن غفلة إن البيب لا يتأثث في دار النقلة، وأمامنا دار هي دار المقامة، وقد نقلنا إليها حرّ المتاع؛ ونحن إليها منتقلون. [130]- ومما ينسب إليه من [الوافر] : إذا عقد القضاء عليك أمرا ... فليس يحلّه غير القضاء فما لك قد أقمت بدار ذلّ ... ودار العزّ واسعة الفضاء تبلّغ باليسير فكلّ شيء ... من الدنيا يؤول إلى انقضاء [131]- ومن كلام له في صفة فتنة: يكيلكم بصاعها، ويخبطكم بباعها، قائدها خارج من الملّة، قائم على الضلّة، فلا يبقى يومئذ منكم إلا ثفالة كثفالة القدر أو نفاضة كنفاضة العكم، تعرككم عرك الأديم، وتدوسكم دوس الحصيد، وتستخلص المؤمن منكم استخلاص الطير الحبة البطينة من بين هزيل الحب. [132]- ومن كلامه: ما قال الناس لشيء طوبى له، إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء. [133]- ووقف عليه سائل فقال لأحد ولديه: قل لأمك هاتي درهما من ستة دراهم. فقالت: هي للدقيق، فقال: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يديه فيتصدق به، ثم مرّ به رجل يبيع جملا   [131] ربيع الأبرار: 1: 553. [132] نهج البلاغة: 256، ومجالس ثعلب: 45، وربيع الأبرار 1: 561 وتذكرة الخواص: 156 وغرر الخصائص: 81، ونسب في تعازي المدائني: 73 لابن عباس. [133] مروج الذهب 3: 176، وربيع الأبرار 1: 601 وتذكرة الخواص: 118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فاشتراه بمائة وأربعين درهما وباعه بمائتين، فجاء بالستين إلى فاطمة عليها السلام، فقالت: ما هذا؟ قال: هذا ما وعدنا الله على لسان أبيك: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (الأنعام: 160) . [134]- ومن كلامه: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: محسن يزداد كلّ يوم إحسانا ومسيء يتدارك بالتوبة. [135]- وقال: أعظم الذنوب ما استخفّ به صاحبه. [136]- وقال: العلم في غير طاعة الله مادّة الذنوب. [137]- ومن كلامه عليه السلام: ليخزن الرجل «1» لسانه، فإن هذا اللسان جموح بصاحبه، والله ما أرى عبدا يتّقي تقوى تنفعه حتى يخزن لسانه، وإن لسان المؤمن من وراء قلبه، وإن قلب الكافر من وراء لسانه، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبّره في نفسه، فإن كان خيرا أبداه، وإن كان شرا واراه، وإنّ المنافق يتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه. ولقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يستقيم إيمان عبد [حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه] حتى يستقيم لسانه، فمن استطاع منكم أن يلقى الله وهو نقيّ الراحة من   [134] نهج البلاغة: 484 (مع اختلاف) ، وحلية الأولياء 1: 75، وصفة الصفوة 1: 124، وبهجة المجالس 2: 279، ونثر الدر 1: 313، وربيع الأبرار 1: 738، 804 وتذكرة الخواص: 131، وقد نسب للقمان في مختار الحكم: 269. [135] نهج البلاغة: 535 (وروايته: أشد الذنوب) وكذلك نثر الدر 1: 325 وانظر ربيع الأبرار 1: 744. [136] نهج البلاغة: 253- 254، وربيع الأبرار 1: 774 وتذكرة الخواص: 138 وبعضه في الفصول المهمة: 113 ولقاح الخواطر: 14/أ؛ والحديث «لا يستقيم إيمان عبد ... » في مسند أحمد 3: 198، والشهاب: 29 (اللباب: 155) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم فليفعل. [138]- ومن كلامه عليه السلام: أين «1» الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا [وله] اللقاح [إلى] أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا وصفا صفّا؟ بعض هلك وبعض نجا، لا يبشّرون بالأحياء، ولا يعزّون عن القتلى، مره العيون من البكاء، خمص البطون من الطّوى، ذبل الشفاه من الظما «2» ، صفر الألوان من السّهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحقّ لنا أن نظمأ، ونعضّ الأيدي على فراقهم. [139]- ومن كلامه كرّم الله وجهه: واعلموا أنّ المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبّارون المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلّغ والمتجر المربح. [140]- ومنه: اتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم. [141]- وقال عليه السلام: كانت العلماء والحكماء والأتقياء يتكاتبون   [138] نهج البلاغة: 177- 178 وربيع الأبرار 1: 805 وانظر أيضا 1: 836. [139] نهج البلاغة: 383، وربيع الأبرار 1: 825- 826. [140] ربيع الأبرار 1: 826 (وروايته: فإن المشاهد) وتذكرة الخواص: 135. [141] قارن بما في نهج البلاغة: 551 (رقم: 423) وورد كما هو هنا في ربيع الأبرار 1: 828، والخصال 1: 129. 6 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 بثلاث ليس معهن رابعة: من أحسن سريرته أحسن الله علانيته، ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن كانت الآخرة همّه كفاه الله همّه من الدنيا. [142]- ومن كلامه عليه السلام: عليك بكتاب الله، فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والريّ الناقع، والعصمة للمتمسّك، والنجاة للمتعلّق، لا يعوجّ فيقام ولا يزيغ فيستعتب، ولا تخلقه كثرة الردّ وولوج السمع، من قال به صدق، ومن عمل به سبق. [143]- وكان علي كرم الله وجهه يخرج في الشتاء والبرد الشديد في إزار ورداء خفيفين، وفي الصيف في القباء المحشوّ والثوب الثقيل لا يبالي، فقيل له في ذلك «1» ، فقال، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم خيبر حين أعطاني الراية وكنت أرمد تفل في عينيّ، وقال: اللهم اكفه الحرّ والبرد، فما آذاني بعده حرّ ولا برد. [144]- عاد علي عليه السلام العلاء بن زياد الحارثي فرأى سعة داره، فقال: ما كنت تصنع في سعة الدار في الدنيا؟ أنت إليها في الآخرة أحوج؛ بلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرّحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة. [145]- ووقف على خيّاط، فقال: يا خيّاط ثكلتك أمّك، صلّب   [142] نهج البلاغة: 219 «وعليكم بكتاب الله ... » . [143] انظر الإرشاد: 66 وذخائر العقبى: 74 وأمالي الطوسي 1: 87، 2: 160، وربيع الأبرار 1: 167، وراجع ما تقدم رقم: 93. [144] نهج البلاغة: 324، وربيع الأبرار 1: 336. [145] مجموعة ورام 1: 42، وربيع الأبرار: 192/أوتذكرة الخواص: 118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 الخيوط، ودقّق الدّروز، وقارب الغرز، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط وخان فيه، واحذر السقاطات فإن صاحب الثوب أحقّ بها، ولا تتخذ بها الأيادي تطلب بها المكافأة. [146]- قال نافع بن أبي نعيم: كان أبو طالب يعطي عليا قدحا من لبن يصبّه على اللات، فكان عليّ يشرب اللبن ويبول على اللات، حتى سمن فأنكر ذلك أبو طالب حتى عرف القصة فولّى ذلك عقيلا. [147]- نزل بالحسن بن علي ضيف فاستسلف درهما اشترى له به خبزا، واحتاج إلى الادام فطلب من قنبر أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءت من اليمن، فأخذ منه رطلا، فلما قعد علي رضي الله عنه ليقسمها، قال: يا قنبر قد حدث في هذا الزقّ «1» حدث، فقال: صدق فوك، وأخبره الخبر، فغضب وقال: عليّ به، فرفع عليه الدرة «2» ، فقال: بحقّ عمي جعفر، وكان إذا سئل بحقّ جعفر سكن، وقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة؟ قال: إنّ لنا فيه حقا فإذا أعطيتناه رددناه، قال: فداك أبوك، وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبل ثنيّتيك لأوجعتك ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه، قال الراوي: فكأني أنظر إلى يدي عليّ على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شدّه وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لم يعلم.   [146] ربيع الأبرار: 221 ب والمستطرف 1: 178. [147] ربيع الأبرار: 245 ب وتذكرة الخواص: 114. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 [148]- قال علي عليه السلام: ولقد كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا فما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيّا على اللّقم، وصبرا على مضض الألم. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما، أيّهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا ومرّة لعدوّنا منّا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت وأنزل علينا النصر، حتى استقرّ الإسلام ملقيا جرانه، متبوئا أوطانه. ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضرّ للإيمان عود، وايم الله لتحتلبنّها دما ولتتبعنّها ندما. [149]- استعدى رجل عمر على علي رضي الله عنهما، وعليّ جالس، فالتفت عمر إليه وقال: يا أبا الحسن قم فاجلس مع خصمك، فقام فجلس مع خصمه، فتناظرا وانصرف الرجل، ورجع علي إلى مجلسه فتبيّن عمر التغيّر في وجه علي «1» فقال: يا أبا الحسن مالي أراك متغيّرا؟ أكرهت ما كان؟ قال: نعم، قال: وما ذاك؟ قال: كنّيتني بحضرة خصمي فألّا قلت: قم يا عليّ فاجلس مع خصمك، فأخذ عمر برأس عليّ فقبّل بين عينيه، ثم قال: بأبي أنتم بكم هدانا الله، وبكم أخرجنا من الظّلمات إلى النور. [150]- ومن كلامه: إنّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجل وكّله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة ودعاء   [148] نهج البلاغة: 91- 92، وربيع الأبرار: 280/أ. [149] شرح النهج 17: 65، وربيع الأبرار: 313/أوالمستطرف 1: 97. [150] نهج البلاغة: 59، والإرشاد: 123- 124، ونثر الدرّ 1: 308- 309 (وقد اختلط برقم: 167) وبعضه في ربيع الأبرار: 3: 614- 616. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 ضلالة، ورجل قمش جهلا، موضع في جهّال الأمة، غارّ «1» في أغباش الفتنة، عم بما في عقد الهدنة، قد سمّاه أشباه الناس عالما وليس به، تكثّر «2» فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن «3» ، واكتنز من غير طائل، جلس للناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المهمات هيأ له حشوا رثّا من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشهوات «4» في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، خبّاط «5» جهالات، ركّاب «6» عشوات، لم يعضّ على العلم بضرس قاطع، يذري الروايات إذراء الريح الهشيم، تصرخ «7» من جور قضائه الدماء، وتعجّ منه المواريث إلى الله. [151]- قال الربيع بن زياد الحارثي لعلي عليه السلام: أعنّي «8» على أخي عاصم، قال: ما باله؟ قال: لبس العباء يريد النسك، قال: عليّ به، فأتي به مؤتزرا بعباءة مرتديا «9» بأخرى أشعث الرأس واللحية، فعبس في وجهه وقال: ويحك أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك؟ أترى الله أباح   [151] بعضه في نهج البلاغة: 324- 325، والبصائر 2: 669- 670، وانظر ربيع الأبرار: 411/أ (4: 380) (حيث نسبه إلى العلاء بن زياد) وتذكرة الخواص: 111 والعقد 6: 225. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 لك الطيبات وهو يكره أن تنال منها شيئا؟ بل أنت أهون على الله، أما سمعت الله تعالى في كتابه يقول: وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ إلى قوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (الرحمن: 10- 22) ، أفترى الله أباح هذه لعباده ليبتذلوه ويحمدوا الله عليه فيثيبهم، وإن ابتذالك نعم الله بالفعال خير منه بالمقال، قال: عاصم: فما بالك في جشوبة مأكلك وخشونة ملبسك، فإنما تزييت بزيك، قال: ويحك إن الله فرض على أئمة الحقّ أن يقدروا نفسهم بضعفة الناس لئلا يتبيّغ بالفقير فقره. [152]- قال ابن عبّاس: دخلت على علي عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله هي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا. [153]- ومن كلام له: ولقد كان صلّى الله عليه وسلّم يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار المعرّى «1» ، ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته فيه التصاوير فيقول: يا فلانة غيّبيه عنّي فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها عن نفسه، وأحبّ أن يغيّب زينتها عن عينيه. ولقد كان في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يدلّك على مساوئها وعيوبها إذ جاع فيها مع خاصّته، وزويت عنه مع عظم زلفته، فلينظر ناظر بعقله: أأكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال: أهانه فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه، فليعلم أن الله قد أهان غيره حين بسط الدنيا له وزواها عن اقرب الناس إليه:   [152] نهج البلاغة: 76، ومجموعة ورام 2: 9، وربيع الأبرار: 376/أ. [153] نهج البلاغة: 228، وقارن بالمستطرف 1: 115، ومكارم الأخلاق: 7، 13، والبيان والتبيين 2: 30 (دون نسبة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 خرج من الدنيا خميصا، وورد الآخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر، فما أعظم منّة الله عندنا حين أنعم به علينا سلفا نتّبعه، وقائدا نطأ عقبه. والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل ألا تنبذها، فقلت: اغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى «1» . [154]- روي عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: مرض الحسن والحسين وهما صبيّان، فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال عمر: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن عافاهما الله، فقال: أصوم ثلاثة أيّام شكرا لله تعالى وكذلك قالت فاطمة، وقال الصبيّان: نحن كذلك أيضا نصوم ثلاثة أيّام، وكذلك قالت جاريتهما فضّة، فألبسهما الله تعالى عافيته، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام، فانطلق عليّ إلى جار له يهوديّ اسمه شمعون، فأخذ منه جزّة صوف تغزلها فاطمة بثلاثة أصوع شعير، فكانوا كلما قدّموا طعامهم جاءهم مسكين فآثروه به ليالي صومهم، حتى نزلت: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ (الدهر: 8) . [155]- وقال: لو رأى العبد الأجل ومصيره لأبغض الأمل وغروره. [156]- وقال: الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر. [157]- وقال من كلام له عليه السلام: الأقاويل محفوظة، والسرائر   [154] ربيع الأبرار: 169/أ، ومحاضرات الأبرار 1: 150- 151. [155] نهج البلاغة: 534، وجاء في الحكمة الخالدة: 116، قول حكيم: لو رأيتم مسير الأجل لأعرضتم عن غرور الأمل، وقارن بما في محاضرات الراغب 2: 520 وانظر ربيع الأبرار 2: 770، 772. [156] نهج البلاغة: 534، وانظر شرح النهج 6: 193 وربيع الأبرار 2: 217. [157] نهج البلاغة: 535، (رقم: 343، 344) وتذكرة الخواص: 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 مبلوّة؛ وكلّ نفس بما كسبت رهينة. معاشر الناس اتقوا ربكم فكم من مؤمّل ما لا يبلغه، وبان ما لا يسكنه، وجامع ما سوف يتركه، ولعلّه من باطل جمعه، أصابه حراما، واحتمل به آثاما، فباء بوزره، وقدم على ربه أسفا لاهفا، قد خسر الدنيا والآخرة، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ* (الزمر: 15) . [158]- وقال: من علم أن كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه. [159]- وقال عليه السلام: أيها الناس، ليركم الله من النعمة وجلين، كما يراكم من النقمة فرقين: إنه من وسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا، فقد أمن مخوفا، ومن ضيق عليه في ذات يده فلم ير ذلك «1» اختبارا فقد ضيّع مأمولا. [160]- وقال: الفكر مرآة صافية، والاعتبار منذر ناصح «2» ، وكفى أدبا لنفسك تجنّبك ما كرهته لغيرك. [161]- وروي أنه قل ما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته: أيها الناس اتقوا الله فما خلق امرؤ عبثا فيلهو، ولا ترك سدى فيلغو، وما دنياه التي   [158] نهج البلاغة: 536، وورد غير منسوب في شرح النهج 10: 137، ومحاضرات الراغب 1: 69. [159] نهج البلاغة: 537. [160] نهج البلاغة: 538، وقوله «الفكر مرآة صافية» في نثر الدر 1: 285، وكتاب الآداب: 65، وقارن بقول الفضيل بن عياض في حلية الأولياء 8: 109، الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك. [161] نهج البلاغة: 540، ومجموعة ورام 1: 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 تحسّنت له بخلف من الآخرة التي قبّحها سوء النظر عنده، وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همّته كالآخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته. [162]- وقال: ربّ مستقبل يوما ليس بمستدبره، ومغبوط في أوّل ليله قامت بواكيه في آخره؛ كما قال الشاعر «1» : [من البسيط] يا راقد الليل مسرورا بأوّله ... إنّ الحوادث قد يطرقن أسحارا أنشد ذلك ابن السكيت، وتمام الشعر «2» : أفنى القرون التي كانت مسلّطة ... مرّ الجديدين إقبالا وإدبارا يا من يكابد دنيا لا مقام بها ... يمسي ويصبح في دنياه سيارا كم قد أبادت صروف الدهر من ملك ... قد كان في الأرض نفّاعا وضرارا [163]- وقال عليه السلام: الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل، والتقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثواب عليه غبن، والطمأنينة إلى كلّ أحد قبل الاختبار عجز. [164]- وقال لقائل قال بحضرته، استغفر الله: ثكلتك أمك، أتدري   [162] نهج البلاغة: 543، ولم ترد الأبيات فيه، والاستشهاد بها من عمل المؤلف أو أحد المعلقين، فهي منسوبة إلى محمد بن حازم الباهلي كما جاء في معجم الشعراء: 371 (وأورد منها البيت الأول) ، وهي في البصائر 1: 51، والبيت الأول في البيان 3: 202، والحيوان 6: 508 (دون نسبة) ونسب مع بيت آخر لابن الرومي في تفسير القرطبي؛ وانظر تذكرة الخواص: 135. [163] نهج البلاغة: 544 ومجموعة ورام 2: 297، ونسب لأميروس الشاعر في فقر الحكماء: 163، وفي البصائر 3/2: 641، لبزرجمهر، والفصول المهمة: 118. [164] نهج البلاغة: 549. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ما الاستغفار؟ إنّ الاستغفار درجة العليّين «1» ، وهو اسم واقع على ستة معان «2» : أولها الندم على ما فعل «3» ، والثاني العزم على ترك العود إليه أبدا، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة، والرابع أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقّها، والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السّحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم زائد «4» ، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية. [165]- وقال عليه السلام: الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن، قال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (الحديد: 23) ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه. [166]- ومن كلام له لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيها الناس شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المناظرة «5» ، وضعوا «6» تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح؛ ماء آجن ولقمة يغصّ بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه، فإن أقل يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا «7» : جزع من الموت، هيهات بعد اللّتيا   [165] نهج البلاغة: 553، ومحاضرات الراغب 1: 511 للفضيل بن عياض وربيع الأبرار 1: 826 وتذكرة الخواص: 136 وسيأتي منسوبا له رقم: 546. [166] نهج البلاغة: 52، ونثر الدر 1: 399- 400، ولقاح الخواطر: 13/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 والتي!! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به «1» لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطويّ البعيدة. [167]- ومن خطبة له عليه السلام: ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم، إنّ من صرّحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزه «2» التقوى عن تقحّم الشبهات. ومنها: ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها وقحمت «3» بهم في النار. ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها، وأعطوا أزمّتها فأوردتهم الجنّة، حق وباطل، ولكلّ أهل، فلئن أمر الباطل لقديما فعل، ولئن قلّ الحقّ فربّما ولعلّ، ولقلما أدبر شيء فأقبل. [168]- ومن كلام له عليه السلام: فإن المرء المسلم ما لم يغش دناءة وتظهر فيخشع لها إذا ذكرت ويغرى به لئام الناس، كان كالفالج الياسر الذي ينتظر أوّل فوزة من قداحه توجب له المغنم، فيرفع عنه بها المغرم، وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة، ينتظر إحدى الحسنيين: إما داعي الله فما عند الله خير له، وإما رزق الله فإذا هو ذو أهل ومال، ومعه دينه وحسبه؛ إن المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، قد يجمعها الله لأقوام، فاحذروا من الله ما حذّركم من نفسه، واخشوه خشية ليست بتعذير، واعملوا في غير رياء ولا سمعة، فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له.   [167] نهج البلاغة: 57، ونثر الدر 1: 308، وعيون الأخبار 1: 60، وأمالي الطوسي 1: 240، وكنز العمال 16: 197، وبعضه في الحكمة الخالدة: 111، ولقاح الخواطر: 13 ب. [168] نهج البلاغة: 64، ونثر الدر 1: 306. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 [169]- ومن مواعظه: واتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، وترحّلوا فقد جدّ بكم، واستعدّوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أنّ الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به، وإنّ غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة، وإنّ غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحريّ بسرعة الأوبة، وإن قادما يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحقّ لأفضل العدّة، فاتّقى عبد ربه: نصح نفسه، قدم توبته، غلب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها، ويمنّيه التوبة «1» ليسوّفها حتى تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها، فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، وان تؤديه أيامه إلى شقوة، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم «2» ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصّر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة. [170]- ومن مواعظه: رحم الله عبدا أسمع حكما فوعى، ودعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحجزة هاد فنجا، راقب ربّه، وخاف ذنبه، قدّم صالحا، وعمل خالصا، اكتسب مذخورا، واجتنب محذورا، رمى غرضا، وأحرز عوضا، كابر هواه، وكذّب مناه، جعل الصبر مطيّة نجاته، والتقوى عدّة وفاته، ركب الطريقة الغراء، ولزم المحجّة البيضاء، اغتنم المهل، وبادر الأجل، وتزوّد من العمل.   [169] نهج البلاغة: 95 وتذكرة الخواص: 136. [170] نهج البلاغة: 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 [171]- ومنها: فاتعظوا عباد الله بالعبر النوافع، واعتبروا بالآي السّواطع، وازدجروا بالنّذر البوالغ، وانتفعوا بالذّكر والمواعظ، فكأن قد علقتكم مخالب المنيّة، وانقطعت منكم علائق الأمنيّة، ودهمتكم مفظعات الأمور، والسياقة إلى الورد «1» المورود، وكل نفس معها سائق وشهيد: سائق يسوقها إلى محشرها، وشاهد يشهد عليها بعملها. [172]- ومن كلامه عليه السلام في صفة الدنيا: ما أصف من دار أوّلها عناء وآخرها فناء، في حلالها حساب، وفي حرامها عذاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر «2» حزن، ومن سعى لها فاتته، ومن قعد عنها أتته «3» ، ومن أبصر بها بصّرته، ومن أبصر إليها أعمته. [173]- وله عليه السلام كلام يصف فيه المتقين نبه فيه على آداب، أفلح من استضاء بنورها، أوله: أما بعد فإن الله تعالى خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم، آمنا لمعصيتهم «4» ، لأنه سبحانه «5» لا تضرّه معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه، فالمتقون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم   [171] نهج البلاغة: 116 (قوله: ومنها: يعني ومن مواعظه، لا أن هذه الموعظة جزء من السابقة) . [172] نهج البلاغة: 106 ونثر الدر 1: 294، ومجموعة ورام 1: 88، 2: 28، وأدب الدنيا والدين: 115، ومحاضرات الراغب 2: 386، وأنس المحزون: 65 ب والعقد 3: 172، والشريشي 3: 98، ولقاح الخواطر: 15 ب وتذكرة الخواص: 136. [173] نهج البلاغة: 303 وتذكرة الخواص: 138- 139 وبعضه في العقد 3: 177. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، لولا الأجل الذي كتب الله لهم «1» لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجتهم «2» خفيفة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة، تجارة مربحة «3» يسّرها لهم ربهم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسرتهم ففادوا «4» أنفسهم منها. أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن «5» يرتلونه ترتيلا، يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقا، وظنوا أنها نصب أعينهم وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، فظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم وأكفّهم وركبهم وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى الله في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء، قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، ويقول: قد خولطوا، ولقد خالطهم أمر عظيم، لا يرضون من أعمالهم بالقليل «6» ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متّهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زكّي أحد منهم خاف مما يقال له، فيقول: ربي أعلم بنفسي مني، وأنا أعلم بنفسي من غيري، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون. فمن علامة أحدهم: أنك ترى له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 قوة في دين، وحزما في لين، وإيمانا في يقين، وحرصا في علم، وعلما في حلم، وقصدا في غنى، وخشوعا في عبادة، وتجملا في فاقة، وصبرا في شدّة، وطلبا في حلال، ونشاطا في هدى، وتحرّجا عن طمع، يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل يمسي وهمّه الشكر، ويصبح وهمّه الذّكر، يبيت حذرا ويصبح فرحا، حذرا من الغفلة، وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة، إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحبّ، قرّة عينه فيما لا يزول، وزهادته فيما لا يبقى، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل، تراه قريبا أمله، قليلا زلله، خاشعا قلبه، قانعة نفسه، منزورا أكله، سهلا أمره «1» ، حريزا دينه، ميتة شهوته، مكظوما غيظه؛ الخير منه مأمول، والشرّ منه مأمون، إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين، يعفو عمّن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، بعيدا فحشه، لينا قوله، غائبا منكره، حاضرا معروفه، مقبلا خيره، مدبرا شرّه، في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم «2» فيمن يحبّ، يعترف بالحقّ قبل أن يشهد عليه، لا يضيّع ما استحفظ، ولا ينسى ما ذكّر، ولا ينابز بالألقاب، ولا يضرّ «3» بالجار، ولا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من الحقّ، إن صمت لم يغمّه صمته، وإن ضحك لم يعل صوته، وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له، نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من نفسه، بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودنّوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده بكبر وعظمة، ولا دنّوه بمكر وخديعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 [174] وسمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفين فقال لهم: إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحقّ من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به. [175]- ومن «1» كلام له عليه السلام: وحقا أقول ما الدنيا غرّتك ولكن بها اغتررت، ولقد كاشفتك الغطاء «2» ، وآذنتك على سواء، ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنقص في قوتك أصدق وأوفى من أن تكذبك وتغرّك، ولربّ ناصح لها عندك متّهم، وصادق من خبرها مكذّب، ولئن تعرفتها في الديار الخاوية والربوع الخالية، لتجدنّها من حسن تذكرك «3» وبلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك والشحيح بك، ولنعم دار من لم يرض بها دارا، ومحلّ من لم يوطنها محلا، وإن السعداء بالدنيا [غدا] «4» هم الهاربون منها اليوم، إذا رجفت الراجفة وحقّت بجلائلها القيامة. منها: فكم حجّة يوم ذاك داحضة، وعلائق عذر متقطعة، فتحرّ من أمرك ما يقوم به عذرك، وتثبت به حجّتك، وخذ ما يبقى لك مما لا تبقى له، وتيسّر لسفرك، وشم برق النجاة، وارحل مطايا التشمير.   [174] نهج البلاغة: 323 وتذكرة الخواص: 154. [175] نهج البلاغة: 345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 [176] ومن كلام له عليه السلام: والله أبيت على حسك السّعدان مسهّدا، وأجرّ في الأغلال مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحدا والنفس «1» يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها؟! والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من برّكم صاعا، ورأيت صبيانه شعث الألوان من فقرهم، كأنما سوّدت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا، وكرّر عليّ القول مردّدا، فأصغيت إليه سمعي، فظنّ أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقا طريقتي «2» فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل «3» أتئنّ من حديدة أحماها إنسان للعبه، وتجرّني إلى نار سجّرها جبارها «4» لغضبه؟ أتئنّ من الأذى ولا أئنّ «5» من لظى؟! وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت فقال: لا ذا ولا ذاك، ولكنها هديّة، فقلت له: هبلتك الهبول، أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟ أمختبط أنت أم ذو جنّة أم تهجر؟ والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضّمتها «6» ، ما   [176] نهج البلاغة: 346 وتذكرة الخواص: 155 وبعضه في مجموعة ورام 1: 56، وفي ربيع الأبرار: 231/أوفيه أيضا 1: 192. 7 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 لعليّ ونعيم يفني؟! نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل، وبه نستعين. [177]- ومن كلام له: فاحذروا عباد الله الموت وقربه، وأعدّوا له عدّته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل، بخير لا يكون معه شرّ أبدا، وشرّ لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها؟ ومن أقرب إلى النار من عاملها؟ وإنكم «1» طرداء الموت: إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلكم. الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى من خلفكم، واحذروا نارا قعرها بعيد، وحرّها شديد، وعذابها جديد، دار ليس فيها رحمة، ولا تسمع فيها دعوة، ولا تفرّج فيها كربة، وإن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من الله وأن يحسن ظنكم به، فاجمعوا بينهما، فإن العبد إنما يكون حسن ظنّه بربه على قدر خوفه من ربه، وإن أحسن الناس ظنّا بالله أشدّهم خوفا لله. [178]- ومن كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وهو عامله على البصرة، وبلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها: أما بعد يا ابن حنيف، قد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب «2» لك الألوان، وتنقل عليك «3» الجفان. وما «4» ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ، وغنيّهم مدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم «5» ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.   [177] نهج البلاغة: 384 (من عهد له إلى محمد بن أبي بكر) . [178] نهج البلاغة: 416 وربيع الأبرار: 217/أ، (2: 719) ، ولقاح الخواطر: 13/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ألا وإن لكلّ مأموم إماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد «1» ، فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبيّ طمرا؛ بلى، كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين. ونعم الحكم الله؛ ما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانّها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر، وسدّ فرجها التراب المتراكم؛ وإنما هي نفس أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر منها. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير «2» الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشّبع؛ أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل [من الطويل] : وحسبك داء أن تبيت ببطنة ... وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدّهر؟ أو أكون أسوة لهم في خشونة «3» العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها، والمرسلة شغلها تقمّمها. [179]- ومن «4» كلام له عليه السلام: فلا يكن أفضل ما نلت من   [179] نهج البلاغة: 457، من كتاب له إلى ابن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 دنياك في نفسك بلوغ لذة أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل وإحياء حقّ، وليكن سرورك بما قدّمت، وأسفك على ما خلّفت، وهمّك فيما بعد الموت. [180]- وقال «1» كرم الله وجهه: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله. [181]- وقال: إن أخسر الناس صفقة وأخيبهم سعيا رجل أخلق بدنه في طلب آماله، ولم تساعد المقادير على إرادته، فخرج من الدنيا بحسرته، وقدم على الآخرة بتبعته. [182]- وقال كرم الله وجهه: اذكروا انقطاع اللذات وبقاء التبعات «2» . [183]- ودخل عليه قوم فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أعطيت هذه الأموال وفضّلت بها هؤلاء الأشراف ومن تخاف فراقه، حتى إذا استتب لك ما تريد عدت إلى أفضل ما عوّدك الله تعالى من العدل في الرعية والقسم بالسوية، فقال: تأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام «3» ؟ والله لا أفعل ذلك ما سمر ابنا سمير، وما آب في السماء نجم «4» ، لو كان هذا المال لي لسوّيت بينهم، وكيف وإنما هي أموالهم «5» ؟   [180] نهج البلاغة: 547، وربيع الأبرار: 354/أ، والفصول المهمة: 118. [181] نهج البلاغة: 552 ونثر الدر 1: 288، والحكمة الخالدة: 130. [182] نهج البلاغة: 553. [183] نهج البلاغة: 183، وقوله: فمن آتاه الله مالا فليصل به القرابة ورد في ص: 198 من النهج؛ وورد النصان موصولين في نثر الدر 1: 318- 319. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ثم أرم طويلا ثم قال: من منكم له مال فاياه والفساد، فإن إعطاء المال في غير حلّه «1» تبذير وإسراف وفساد، وهو يرفع ذكر صاحبه ويضعه عند الله عزّ وجلّ، ولن يضع امرؤ ماله في غير حقّه وعند غير أهله إلا حرمه الله تعالى شكرهم، وكان لغيره ودّهم، فإن بقي معه منهم من [يبدي له] الود ويظهر له الشكر فإنما هو ملق وكذب «2» ، فإن زلّت بصاحبه النّعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فشرّ خليل والأم خدين، فمن «3» آتاه الله مالا فليصل به القرابة وليحسن فيه الضيافة، وليفكّ به العاني والأسير، وليعط منه الغارم وابن السبيل والفقراء والمجاهدين، وليصبر نفسه على الحقوق ابتغاء الثواب، فإنه ينال بهذه الخصال مكارم الدنيا وفضائل الآخرة، إن شاء الله. [184]- وقال: يوشك أن يفقد الناس ثلاثة: درهم حلال، ولسان صادق، وأخ يستراح إليه. [185]- وكان الحسن بن علي عليهما السلام يقول في مواعظه: يا ابن آدم عفّ عن محارم الله تكن عابدا، وارض بما قسم الله سبحانه تكن غنيا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك بمثله تكن عدلا. إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيرا، ويبنون مشيدا، ويأملون بعيدا، أصبح جمعهم بورا، وعملهم غرورا، ومساكنهم قبورا، يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع. وكان يتلو بعد هذه الموعظة: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى (البقرة: 197) .   [184] تذكرة الخواص: 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 [186] ومن كلام الحسين بن علي عليه السلام: أيها الناس نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجّلوه، واكتسبوا الحمد بالنّجح، ولا تكتسبوا بالمطل ذمّا: فمهما يكن لأحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله مكاف له «1» ، فإنه أجزل عطاء وأعظم أجرا. اعلموا أنّ حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، ولا تملّوا النعم فتحور نقما، واعلموا أنّ المعروف مكسب «2» حمدا ومعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه «3» حسنا جميلا يسرّ الناظرين ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم رجلا رأيتموه سمجا مشوّها تنفر منه القلوب وتغضّ دونه الأبصار. أيها الناس «4» من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة، وإنّ أوصل الناس من وصل من قطعه، والأصول على مغارسها بفروعها تسمو. من تعجّل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا، ومن أراد الله تعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته، وصرف عنه من بلاء «5» الدنيا ما هو أكثر منه، ومن نفّس كربة مؤمن فرّج الله عنه كرب الدنيا والآخرة، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحبّ المحسنين. [187]- ومن كلام «6» محمد بن علي المعروف بابن الحنفية: أيها الناس   [186] نثر الدر 1: 334. [187] نسبت له في التعازي والمراثي: 87- 88، وأصول هذه الكلمة في النهج: 202، وكذلك نسبت لعلي في الارشاد: 127، ومجموعة ورام 1: 76، وقد نسبت هذه الكلمة في شرح النهج 12: 18 لعمر بن الخطاب (قال ابن أبي الحديد: وأكثر الناس يرويه لعلي) وفي نثر الدر 2: 49، كما رويت لعمر بن عبد العزيز في حلية الأولياء 5: 265، وانظر البيان والتبيين 4: 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 إنكم أغراض تنتضل فيكم المنايا. لن يستقبل أحد منكم يوما بدأ من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله، فأية أكلة ليس معها غصص، أو أية شربة ليس معها شرق؟ أيها الناس استصلحوا ما تقدمون عليه مما تظعنون عنه، فإن اليوم غنيمة وغدا لا يدرى لمن هو. أهل الدنيا أهل سفر يحلّون عقد رحالهم في غيرها، قد خلت من قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد ذهاب أصله؟ أين الذين كانوا أطول منّا أعمارا وأبعد منّا آمالا؟! أتاك يا ابن آدم ما لا تردّه، وذهب عنك ما لا يعود، ولا تعدّنّ عيشا منصرفا، عيشا ما لك منه إلا لذّة تزدلف بك إلى حمامك وتقرّبك من أجلك، وكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم، فعليك بذات نفسك ودع عنك ما سواها، واستعن بالله يعنك. [188]- وقال جعفر بن محمد: المرء بين ذنب ونعمة، لا يصلحه غير استغفار من هذا وشكر على هذا. [189]- قيل لعبد الله بن العبّاس: أيما أحبّ إليك رجل يكثر من الحسنات ويكثر من السيئات «1» ، أم رجل يقلّ من الحسنات ويقلّ من السيئات؟ قال: ما أعدل بالسلامة شيئا. [190]- وقال عبد الله قال لي أبي العبّاس: يا بني إن «2» أمير المؤمنين قد   [188] قارن بما في ربيع الأبرار: 155/أ (ونسب القول لبعض العباد) والتمثيل والمحاضرة: 171 (ونسب لذي النون) وزهر الآداب: 810 (لذي النون أيضا) . [189] البيان والتبيين 3: 257، 2: 94 (وكتب لابن عياش) ، وأنساب الأشراف 3: 34، وأدب الدنيا والدين: 104. [190] أخبار الدولة العباسية: 120، والكامل للمبرد 1: 265، 2: 312، وأنساب الأشراف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 اختصّك من دون من أرى من المهاجرين والأنصار، فاحفظ عني ثلاثا ولا تجاوزهنّ: لا يجرّبنّ عليك كذبا، ولا تغتب عنده أحدا، ولا تفشينّ لأحد سرّا. [191]- وقال العبّاس رضي الله عنه: شهدت مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنينا، فلمّا انهزم الناس، قال: ناد يا أصحاب السّمرة، فناديت، فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتي كعطفة البقر على أولادها. [192]- وقال «1» العبّاس لابنه رضي الله عنهما: تعلّم العلم ولا تعلّمه لتماري به ولا لتباهي به، ولا تدعه رغبة في الجهل وزهادة في العلم واستحياء من التعلم. [193]- أتي «2» زيد بن ثابت بدابته، فأخذ عبد الله بن عبّاس بركابه، فقال زيد: دعه بالله، فقال عبد الله: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال   3: 51، والعقد 1: 9، وعيون الأخبار 1: 19، والزهرة 2: 264، ولباب الآداب: 15 ونثر الدر 1: 404، وبهجة المجالس 1: 343، 402، 458، وكتاب الآداب: 28، وشرح النهج 6: 357- 358، وربيع الأبرار 1: 496، وعين الأدب: 154، وسراج الملوك: 203، والمستطرف 1: 89، ونهاية الأرب 6: 16، وغرر الخصائص: 441، وبرد الأكباد: 114 والشهب اللامعة: 5. [191] قارن بسيرة ابن هشام 2: 444- 445، وطبقات ابن سعد 4: 18، 19، والكامل للمبرد 2: 164 ونثر الدر 1: 404، وربيع الأبرار: 196/أ، والبيان 1: 123، وفي البصائر 2: 461 إشارة موجزة إلى ذلك. [192] نثر الدر 1: 405، وقارن بما في ألف باء 1: 25. [193] نثر الدر 1: 408- 8809، وعيون الأخبار 1: 269، وأنساب الاشراف 3: 46، والعقد 2: 127، 224، والبصائر 1: 112، ومحاضرات الراغب 1: 262، وألف باء 1: 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 زيد: أخرج يدك، فأخرجها فقبلها، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا عليه السلام. [194]- وكان عبد الله يقول: تواعظوا وتناهوا عن معصية ربكم تعالى، فإن الموعظة تنبيه للقلوب «1» من سنة الغفلة، وشفاء من داء الجهالة، وفكاك من رقّ ملكة الهوى. [195]- وقال أيضا: من استؤذن عليه فهو ملك. [196]- وقيل له: أنّى لك هذا العلم؟ قال: قلب عقول ولسان سؤول. [197]- وقال: من ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله. [198]- وجاء إليه رجل فقال: أريد أن أعظ «2» ؟ فقال: إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله تعالى قوله عزّ وجل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ، (البقرة: 44) . وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (الصف: 2) ، وقول العبد الصالح شعيب: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ (هود: 88) . أأحكمت هذه الآيات؟ قال: لا، قال: فابدأ بنفسك إذن.   [194] نثر الدر 1: 409. [195] نثر الدر 1: 409. [196] نثر الدر 1: 412، والبيان والتبيين 1: 84- 85 (قال الجاحظ: وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلامة، وعبد الله أولى به منه) وأنساب الأشراف 3: 33. [197] نثر الدر 1: 412، والبيان 2: 90، وعيون الأخبار 2: 125، وأنساب الأشراف 3: 52، والعقد 2: 217 (لمالك بن أنس) ، ونسبت في نهج البلاغة: 482 لعلي وفي حلية الأولياء 7: 247 لسفيان بن عيينة؛ وألف باء 1: 22. [198] نثر الدر 1: 413 ومجموعة ورام 2: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 [199]- وقال: ملاك أموركم الدين، وزينتكم العلم، وحصون أعراضكم الأدب، وعزكم الحلم، وصلتكم الوفاء، وطولكم في الدنيا والآخرة المعروف، فاتقوا الله يجعل لكم من أمركم يسرا. [200]- وسمع كعبا يقول: مكتوب في التوراة من يظلم يخرب بيته، فقال ابن عبّاس: تصديق ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا (النمل: 52) . [201]- وقال: كل ما شئت. والبس ما شئت «1» إذا أخطأتك اثنتان: سرف ومخيلة. [202]- وقال إنكم مرّ الليل «2» والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة. من زرع خيرا أوشك أن يحصد رغبة، ومن عمل شرا أوشك أن يحصد ندامة، ولكلّ زارع «3» ، لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدّر له بحرصه. ومن أوتي خيرا فالله آتاه، ومن وقي شرّا فالله وقاه، المتقون سادة والعلماء قادة «4» . [203]- وقال: ذللت للعلم طالبا فعززت مطلوبا.   [199] نثر الدر 1: 413. [200] نثر الدر 1: 414. [201] نثر الدر 1: 415، وعيون الأخبار 1: 296، والبصائر 2: 194، وربيع الأبرار: 331 ب (4: 12) ومحاضرات الراغب 2: 365. [202] نثر الدر 1: 422، ونسب في عين الأدب: 198 لابن مسعود. [203] نثر الدر 1: 422 وعيون الأخبار 2: 122، وربيع الأبرار: 274 ب وألف باء 1: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 [204]- وقال علي بن عبد الله بن عبّاس: من لم يجد مسّ نقص الجهل في عقله، وذلة المعصية في قلبه، ولم يستبن موضع الخلّة في لسانه عند كلال حدّه عن حدّ خصمه، فليس ممن ينزع عن ذنبه «1» ولا يرغب عن حال معجزة، ولا يكترث لفضل ما بين حجّة وشبهة. [205]- وقال: سادة الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء. [206]- وكان علي بن عبد الله سيدا شريفا، يقال إنه كان له خمسمائة أصل زيتون، يصلي في كل يوم إلى كل أصل منها ركعتين. وكان علي بن أبي طالب بشّر أباه حين ولد بانتقال الخلافة إلى ولده وقال: خذ إليك أبا الأملاك؛ وله في ذلك حكايات كثيرة منها أنه دخل على هشام بن عبد الملك ومعه ابنا ابنه الخليفتان أبو العباس وأبو جعفر، فلما ولّى قال هشام: إن هذا الشيخ قد أخلّ وأسنّ وصار يقول: إنّ هذا الأمر سينتقل إلى ولده، فسمع ذلك عليّ فالتفت إليه وقال: أي والله ليكوننّ ذلك وليملكنّ هذان. [207]- ومن كلام عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وشفاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسعة رحمة الله عزّ وجلّ. خف الله لقدرته عليك واستحي لقربه منك. إذا صليت فصلّ صلاة مودّع، وإيّاك وما   [204] نثر الدر 1: 430، والبيان والتبيين 1: 85، وبهجة المجالس 1: 394، وربيع الأبرار 1: 638 (دون نسبة) . [205] نثر الدر 1: 430، والجوهر النفيس: 63 ب (للمأمون) . [206] نثر الدر 1: 438، وأخبار الدولة العباسية: 144، 139- 140، والكامل للمبرد 2: 217، وقارن بما في ألف باء 1: 225. [207] قارن بما في ربيع الأبرار: 369/أ، وقوله: «إياك وما يعتذر منه» يعدّ حديثا، انظر الجامع الصغير 1: 116، كما أنه يدرج في الأمثال: انظر الميداني 1: 29 وما تقدم ص: 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 يعتذر منه، وخف الله خوفا ليس بالتعذّر. إيّاك والابتهاج بالذنب فإنّ الابتهاج بالذنب «1» أعظم من ركوبه. [208]- وقال: أعجب لمن يحتمي من الطعام لمضرّته، ولا يحتمي من الذنب لمعرّته «2» [209]- وقال أبو حمزة الثّمالي: أتيت باب عليّ بن الحسين فكرهت أن أصوّت، فقعدت حتى خرج، فسلمت عليه ودعوت له، فردّ عليّ السلام ودعا لي، ثمّ انتهى إلى الحائط فقال لي: يا أبا حمزة، ترى هذا الحائط؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، قال فإني اتكأت عليه يوما وأنا حزين، فإذا رجل حسن [الوجه حسن] الثياب ينظر في اتجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا؟ أعلى الدنيا، فهي رزق حاضر يأكل منها البرّ والفاجر. فقلت: ما عليها أحزن [لأنه] كما تقول. فقال: أعلى الآخرة؟ فهي وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر. قلت: ما عليها أحزن لأنه كما تقول. فقال: وما حزنك يا علي بن الحسين؟ قلت: الخوف من فتنة ابن الزبير. فقال: يا علي بن الحسين، هل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، قال: فخاف الله فلم يكفه؟ قلت: لا؛ ثم غاب عنّي، فقيل لي: يا عليّ هذا الخضر ناجاك.   [208] نثر الدر 1: 340، والفصول المهمة: 202 ومحاضرات الراغب 2: 407، ونسب لحماد بن زيد في أدب الدنيا والدين: 104 ولاسقليبيوس في نزهة الارواح 1: 89. [209] حلية الأولياء 3: 134، والارشاد: 258، والفصول المهمة: 202، وبعضه في البصائر 4: 299. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 [210]- قال «1» ابن شهاب الزهري شهدت عليّ بن الحسين يوم حمله إلى عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام، فأثقله حديدا، ووكل به حفّاظا في عدّة وجمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له فأذنوا لي، فذخلت عليه وهو في قبّة والقيود في رجليه والغلّ في يديه، فبكيت وقلت: وددت أني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري أوتظنّ هذا مما ترى عليّ وفي عنقي يكربني؟ أما لو شئت ما كان، فإنه إن بلغ منك ومن أمثالك «2» ليذكرني عذاب الله، ثم أخرج يديه من الغلّ ورجليه من القيد، ثم قال: يا زهري لا جزت معهم على ذا ميلين «3» من المدينة. قال: فما لبثت إلّا أربع ليال حتّى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة، قال: فلمّا وجدوه «4» ، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا نراه متبوعا، إنه لنازل ونحن حوله لا ننام لنرصده، إذ أصبحنا نفتقده فما وجدنا بين محمليه إلا حديده. قال الزهريّ: وقدمت بعد ذلك على عبد الملك، فسألني عن عليّ بن الحسين فأخبرته، فقال: إنه قد جاء في يوم فقده الأعوان، فدخل عليّ فقال: ما أنا أنت، فقلت: أقم عندي، قال: لا أحبّ، ثم خرج فو الله لقد امتلأ «5» ثوبي منه خيفة؛ قال الزهريّ فقلت: يا أمير المؤمنين ليس عليّ بن الحسين حيث يظنّ، إنه مشغول بنفسه، قال: حبذا شغل مثله. قال: وكان الزهريّ إذا ذكر عليّ بن الحسين يبكي ويقول: زين العابدين.   [210] حلية الأولياء 3: 135 وتذكرة الخواص: 324 (وصرح بالنقل عن التذكرة الحمدونية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 [211]- ولمّا مات عليّ بن الحسين غسلوه، ثمّ جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة. [212]- وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلمّا مات زين العابدين فقدوا ما كانوا يؤتون به باللّيل. [213]- وكان نافع بن جبير يقول لزين العابدين: غفر الله لك، أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه؟! يعني زيد بن أسلم، فقال: إنه ينبغي للعلم أن يتّبع حيث كان. [214]- قال محمد بن عليّ بن الحسين: ندعو الله فيما نحبّ فإذا وقع الذي نكره لم نخالف «1» الله فيما أحبّ. [215]- وقال: توقي الصرعة قبل الرجعة «2» . [216]- وقال لابنه جعفر: يا بني إنّ الله تعالى خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة   [211] حلية الأولياء 3: 136، وصفة الصفوة 2: 54، وربيع الأبرار: 258/أ (2: 149) ولقاح الخواطر: 42/أ. [212] حلية الأولياء 3: 136، وهو في زهد ابن حنبل: 166، وصفة الصفوة 2: 54، والفصول المهمة: 202 وتذكرة الخواص: 327 (ببعض اختلاف) . [213] حلية الأولياء 3: 137- 138، وصفة الصفوة 2: 55 وتذكرة الخواص: 329. [214] حلية الأولياء 3: 187، وعيون الأخبار 3: 57. [215] البصائر 7: 196 (دون نسبة) وروايته: اسهل من طلب الرجعة. [216] نثر الدر 1: 343، وكتاب الآداب: 44 والفصول المهمة: 216، ونسب في الخصال 1: 209 لعلي بن أبي طالب، وهو في البصائر 4 رقم: 449 وسقط من الطبعة الدمشقية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 أشياء: خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعلّ رضاه فيه، وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعلّ سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرنّ أحدا فلعلّ ذلك الوليّ. [217]- وقال جعفر بن محمد بن علي «1» : تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله عزّ وجل هلكة، والإصرار [على الذنب] أمن: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (الأعراف: 99) . [218]- وقال «2» : ما كلّ من أراد شيئا قدر عليه، ولا كلّ من قدر على شيء وفّق له، ولا كلّ من وفّق أصاب له موضعا، فإذا اجتمع النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهناك تمّت السعادة. [219]- وقال: صلة الرّحم تهوّن الحساب يوم القيامة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (الرعد: 23) . [220]- وممّا «3» ينسب إليه: الصلاة قربان كلّ تقيّ، والحجّ جهاد كلّ ضعيف، وزكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، واستنزلوا   [217] الارشاد: 283، والفصول المهمة: 228. [218] الارشاد: 282 والفصول المهمة: 228. [219] محاضرات الراغب 1: 357، وقارن بقوله في نثر الدر 1: 355، صلة الرحم منسأة في الأعمار ... إلخ. [220] حلية الأولياء 3: 194- 195، ومعظم هذه الأقوال ورد في نهج البلاغة، 494- 495، وقوله «الداعي بلا عمل ... » قد مرّ منسوبا لعلي برقم: 156، وكذلك قوله استنزلوا الرزق بالصدقة رقم: 111؛ وقوله: قلة العيال ... الخ في أمثال الماوردي: 104/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الرزق بالصدقة، وحصّنوا أموالكم بالزكاة، وما عال من اقتصد، والتقدير نصف العيش، والتودد نصف العقل، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن حزّن والديه فقد عقّهما، والصنيعة لا تكون صنيعة إلّا عند ذي حسب أو دين، الله ينزل الصبر على قدر المصيبة، وينزل الرزق على قدر المؤونة، ومن قدر معيشته رزقه الله، ومن بذّر معيشته حرمه الله. [221]- وكان عليّ بن الحسين إذا رأى مبتلى أخفى الاستعاذة، وكان لا يسمع من داره: يا سائل بورك فيك، ولا يا سائل خذ هذا، وكان يقول: سمّوهم بأحسن أسمائهم. [222]- وقيل له «1» : من أعظم قدرا؟ قال: من لا يرى بالدنيا لنفسه قدرا. [223]- وقالوا: قارف الزهريّ ذنبا فاستوحش من الناس وهام على وجهه، فقال له زيد بن عليّ بن الحسين: يا زهريّ لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أشدّ عليك من ذنبك، فقال الزهريّ: الله يعلم حيث يجعل رسالاته. [224]- وقال موسى بن جعفر: وجدت علم الناس في أربع: أولها أن   [221] البيان والتبيين 3: 158- 159، وعيون الأخبار 2: 208، ونسب لمحمد بن علي الباقر في نثر الدر 1: 345. [222] نثر الدر 1: 339، والبداية والنهاية 9: 105 «من أعظم الناس خطرا» . [223] نثر الدر 1: 347، والبداية والنهاية 9: 107 (مرويا عن علي بن الحسين) والبيان والتبيين 3: 168 (مرويا عن زيد بن عليّ) وربيع الأبرار: 414/أ (4: 389) (لعلي بن الحسين) وطبقات ابن سعد 5: 214 والجوهر النفيس 48 ب- 49/أ. [224] نسب في أمالي الطوسى 2: 194، 265 لجعفر الصادق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 تعرف ربك، والثانية أن تعرف ما صنع بك، والثالثة أن تعرف ما أراد بك، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من ذنبك. معنى هذه الأربع، الأولى: وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف، الثانية: معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعيّن عليك لأجلها الشكر والعبادة، الثالثة: أن تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله على الحدّ الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب، الرابعة: أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه. [225]- وقال علي بن موسى بن جعفر: من رضي من الله عزّ وجلّ بالقليل من الرزق رضي منه بالقليل من العمل. [226]- وقال: لا يعدم المرء دائرة السّوء مع نكث الصفقة، ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادّراع البغي. [227]- وقال «1» : الناس ضربان: بالغ لا يكتفي وطالب لا يجد. [228]- وقال محمد بن علي بن موسى: كيف يضيع من الله كافله، وكيف ينجو من الله طالبه؟ ومن انقطع إلى غير الله وكله الله تعالى إليه، ومن عمل على غير علم أفسد أكثر مما يصلح. [229]- وقال: القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال. [230]- كتب المنصور إلى جعفر بن محمد: لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما   [227] ورد في مختار الحكم: 254، لبطليموس؛ وهو في أمثال الماوردي: 50 ب، ونسب لابن المعتز في الوافي بالوفيات 17: 450 ولهرمس في نزهة الأرواح 1: 75. 8 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك بها، ولا تراها نقمة فنعزّيك بها، فما نصنع عندك؟ قال فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك. فقال المنصور: والله لقد ميّز عندي منازل الناس، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا. [231]- قال سفيان الثوري لجعفر بن محمد: حدثني، قال جعفر: أما إنّي أحدثك، وما كثرة الحديث لك بخير، يا سفيان: إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت تمامها «1» ودوامها فأكثر من الحمد والشكر فإن الله تعالى قال في كتابه المبين: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: 72) . وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار، فإن الله تعالى قال في كتابه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ يعني في الدنيا والآخرة، وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (نوح: 10- 12) . يا سفيان إذا حزبك «2» أمر من سلطان أو غيره فأكثر من لا حول ولا قوة إلّا بالله، فإنها مفتاح للفرج وكنز من كنوز الجنّة. فعقد سفيان بيده وقال: ثلاث وأي ثلاث، قال جعفر: عقلها والله أبو عبد الله ولينفعنه بها. [232]- سقط «3» ابن لعلي بن الحسين عليهما السلام في بئر، فتفرغ أهل المدينة لذلك حتى أخرجوه، وكان قائما يصلّي فما زال عن محرابه، فقيل له في ذلك، فقال: ما شعرت، كنت أناجي ربّا كريما.   [231] حلية الأولياء 3: 193، ومحاضرات الراغب 4: 467، والفصول المهمة: 223. [232] نثر الدر 1: 338. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 [233]- وكان عليّ بن الحسين يأتي ابن عم له بالليل «1» متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول: لكن عليّ بن الحسين لا يصلني، لا جزاه الله خيرا، فيسمع ذلك ويحتمله ويصبر عليه ولا يعرّفه نفسه، فلمّا مات عليّ بن الحسين عليه السلام فقدها، فحينئذ علم أنه هو كان، فجاء إلى قبره وبكى عليه. [234]- وقيل له: ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة؟ فقال: أكره أن آخذ برسول الله عليه السلام ما لا أعطي مثله. [235]- قال طاووس: رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب ويدعو ويبكي في دعائه فتبعته حين «2» فرغ «3» من الصلاة فإذا هو عليّ بن الحسين، فقلت: يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا وكذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمّنك من الخوف أحدها: أنك ابن رسول الله، والثانية: شفاعة جدك، والثالثة: رحمة الله. فقال: يا طاووس أما أني ابن رسول الله فلا يؤمنني، وقد سمعت الله عزّ وجل يقول: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ، (المؤمنون: 101) ، وأما شفاعة جدّي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول: لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (الأنبياء: 28) ، وأما رحمة الله فإن الله عزّ وجلّ يقول: انها قريب من المحسنين، ولا أعلم أني محسن.   [233] نثر الدر 1: 339. [234] نثر الدر 1: 341، وربيع الأبرار: 243 ب، ولقاح الخواطر: 39 ب والكامل 2: 138. [235] نثر الدر 1: 342، والعقد 3: 307، والكامل للمبرد 1: 255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 [236]- وقال أيضا «1» : كلّ عين ساهرة يوم القيامة إلّا ثلاث عيون: عين سهرت في سبيل الله تعالى، وعين غمضت عن محارم الله، وعين فاضت من خشية الله. [237]- سئل محمد بن علي بن الحسين: لم فرض الله تعالى الصوم على عباده، فقال: ليجد الغنيّ من الجوع فيحنو على الضعيف. [238]- قرّب إلى عليّ بن الحسين طهوره في وقت ورده، فوضع يده في الإناء ليتوضأ، ثم رفع رأسه فنظر إلى السماء والقمر والكواكب، فجعل يفكّر في خلقها حتى أصبح، وأذّن المؤذّن ويده في الإناء. [239]- كان زيد بن موسى بن جعفر خرج بالبصرة ودعا إلى نفسه وأحرق دورا وعاث، ثمّ ظفر به وحمل إلى المأمون، قال زيد: لما دخلت إلى المأمون نظر إليّ ثمّ قال: اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى الرضا، وتركني بين يديه ساعة، ثمّ قال: يا زيد سوأة لك، ما أنت قائل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ سفكت الدماء وأخفت السبيل وأخذت المال من غير حلّه؟ لعلّه غرّك حديث حمقى أهل الكوفة أن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: إن فاطمة أحصنت فرجها وذريتها عن النار، إنّ هذا لمن خرج من بطنها، الحسن والحسين فقط، والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله، فلئن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته إنك إذا لأكرم على الله منهم.   [236] نثر الدر 1: 343. [237] نثر الدر 1: 344. [238] ربيع الأبرار 1: 128. [239] ربيع الأبرار: 305 ب وقوله «إن فاطمة أحصنت فرجها .... » وأن ذلك يراد به الحسن والحسين فقط منسوب إلى جعفر الصادق في شرح النهج 18: 252، وانظر أيضا ربيع الأبرار 1: 747- 748 والجليس الصالح 2: 209 وتذكرة الخواص: 351. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 [240]- نظر عليّ بن الحسين عليهما السلام إلى الناس يضحكون في يوم فطر، فقال: إنّ الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه إلى مرضاته، فسبق أقوام ففازوا وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاهي في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخيب فيه المبطلون، أما والله لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسيء باساءته عن تجديد ثوب وترجيل شعر. [241]- قال جعفر بن محمد: كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان.   [240] البيان والتبيين 3: 137 للحسن البصري (يضحكون يوم فطر) ، والعقد 3: 199 للحسن في ناس يضحكون في شهر رمضان؛ وللحسن أيضا في مجموعة ورام 1: 78، ورأى الناس يضحكون في يوم فطر؛ وللحسن في بهجة المجالس 2: 335، إذ رأى الناس يضحكون يوم عيد، وله في زهر الآداب: 578. [241] نثر الدر 1: 354 ومحاضرات الراغب 1: 174، والبصائر 7: 123، وربيع الأبرار: 370/أوالتمثيل والمحاضرة: 150، والمستطرف 1: 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الفصل الثالث كلام الصّحابة رضي الله عنهم ومأثور أخبارهم وسيرهم [242]- كان أبو بكر رضي الله عنه إذا مدح يقول: اللهم أنت أعلم مني بنفسي وأنا أعلم منهم بنفسي، اللهم اجعلني خيرا مما يحسبون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون. [243]- وقيل «1» له في مرضه: لو أرسلت إلى الطبيب، قال، قد رآني، قيل: فما قال لك؟ قال: إني أفعل ما أشاء. [244]- ولما استخلف قال للناس: إنكم قد شغلتموني عن تجارتي فافرضوا لي، ففرضوا له كلّ يوم درهمين. [245]- وروي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: دخلت عليه في علته   [242] نثر الدر 2: 15، وزهر الآداب 1: 83، وربيع الأبرار: 355/أ (4: 155) وعيون الأخبار 1: 276، والمستطرف 1: 229، ومحاضرات الراغب 1: 381، وورد ضمن كلمة لعلي رقم: 173 ص: 94 وهو لعلي في أمالي المرتضى 1: 274. [243] نثر الدر 2: 14، ومحاضرات الراغب 1: 431، وحلية الأولياء 1: 34، وصفة الصفوة 1: 100، وطبقات ابن سعد 3: 198 وزهد ابن حنبل: 113، وأدب الدنيا والدين: 125، وأنس المحزون: 11/أ. [244] نثر الدر 2: 15، وطبقات ابن سعد 3: 184، 185، وصفة الصفوة 1: 97، ومحاضرات الراغب 1: 474. [245] نثر الدر 2: 16، والعقد 4: 267، والكامل 1: 8، وحلية الأولياء 1: 34، وأنساب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 التي مات فيها، فقلت، أراك بارئا يا خليفة رسول الله فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عليّ من وجعي، إني ولّيت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذنّ نضائد الديباج ولتألمنّ النوم على الصوف الأذربيّ كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان. والذي نفسي بيده لأن يقدّم أحدكم فتضرب عنقه بغير حلّ خير له من أن يخوض غمرات الدنيا. يا هادي الطريق جرت إنما هو والله الفجر أو البجر. فقلت: اخفض عليك يا خليفة رسول الله، فإنّ هذا يهيضك إلى ما بك، فو الله ما زلت صالحا مصلحا، لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا، ولقد تحليت الأمر وحدك فما رأيت إلّا خيرا. [246]- وقال رجل لأبي بكر رضي الله عنه والله لا شتمنك شتما يدخل معك قبرك «1» قال: معك والله يدخل لا معي.   الأشراف (استانبول) : 704، ولقاح الخواطر: 8/أ، وورد في النص قوله: «إنما هو الفجر أو البجر» وقد ذهب هذا القول مثلا؛ انظر الميداني 1: 45، واللسان (بجر، بحر، فجر) ، ولفظة «البجر» تروى بالجيم وبالحاء المهملة؛ فالبجر- بالجيم- الداهية والبحر بالمهملة إشارة إلى غمرات الدنيا شبهها بالبحر؛ ومعنى القول: ان انتظرت حتى يضيء لك الفجر أبصرت قصدك وإن خبطت الظلماء وركبت العشواء هجما بك على المكروه. [247]- بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن أقواما يفضلونه على أبي بكر فوثب مغضبا حتّى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أقبل على الناس فقال: إني أخبركم عنّي وعن أبي بكر، إنّه لمّا [246] نثر الدر 2: 17، والعقد 2: 275، والكامل 1: 350، 3: 81 ومجموعة ورام 1: 125، والمستطرف 1: 194، وألف باء 1: 464، وشرح النهج 18: 379. [247] نثر الدر 2: 16- 17، والكامل 1: 343. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ارتدّت العرب ومنعت شاتها وبعيرها، فاجتمع رأينا كلّنا أصحاب محمد أن قلنا: يا خليفة رسول الله إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقاتل العرب بالوحي والملائكة يمدّه الله تعالى بهم، وقد انقطع ذلك اليوم، فالزم بيتك ومسجدك فإنه لا طاقة لك بالعرب، فقال أبو بكر: أوكلّكم رأيه هذا؟ فقلنا: نعم فقال: والله لأن أخرّ من السماء فتخطّفني الطير أحبّ إليّ من أن يكون «1» هذا رأيي. ثمّ صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وكبّره وصلّى على النبيّ عليه السلام، ثمّ أقبل على الناس فقال: أيها الناس من كان يعبد محمدا فإنّ محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله تعالى فإنّ الله حيّ لا يموت، أيها الناس إن كثر اعداؤكم وقلّ عددكم ركب الشيطان منكم هذا المركب؟! والله ليظهرنّ هذا الدين على الأديان كلّها ولو كره المشركون، وقوله الحقّ ووعده الصدق: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (الأنبياء: 18) . وكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة: 249) ، أيها الناس، لو أفردت من جمعكم لجاهدتهم في الله حقّ جهاده حتى أبلغ من نفسي عذرا أو أقتل مقبلا، والله أيها الناس لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه، واستعنت بالله خير معين. ثم نزل فجاهد في الله حقّ جهاده، حتّى أذعنت العرب بالحقّ. وهذا الخبر يدلّ على قوّة اليقين والإيمان والتشمير في ذات الله عزّ وجلّ على ما يوجب له التقديم والتسليم. [248]- ومن كلامه «2» في خطبته يوم الجمعة: الوحى الوحى النجاء   [248] نثر الدر 2: 18، وانظر عيون الأخبار 2: 232، وحلية الأولياء 1: 35- 36، وصفة الصفوة 1: 99. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 النجاء؛ وراءكم طالب حثيث، مرّه سريع، ففكّروا عباد الله فيمن كانوا قبلكم، أين كانوا أمس وأين هم اليوم، أين الشباب الوضأة «1» المعجبون بشبابهم؟ صاروا كلا شيء، أين الملوك الذين بنوا الحوائط واتخذوا العجائب؟ تلك بيوتهم خاوية، وهم في ظلمات القبور، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (مريم: 98) أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ تضعضع بهم الدهر فصاروا رميما، أين من كنتم تعرفون من آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وقراباتكم؟ وردوا على ما قدّموا وحلّوا بالشقاوة والسعادة فيما بعد الموت. اعلموا عباد الله أن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه خيرا، ولا يدفع به عنه سوءا إلّا بطاعته واتباع أمره، فإن أحببتم أن تسلم دنياكم وآخرتكم فاسمعوا وأطيعوا ولا تفرّقوا فتفرّق بكم السّبل، وكونوا إخوانا بما أمركم الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. [249]- وقال في خطبة له: تعلمون «2» أنّ أكيس الكيس التّقى وانّ أعجز العجز الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتّى أعطيه حقّه، وأن أضعفكم عندي القويّ حتّى آخذ منه الحقّ، أيها الناس إنما أنا متّبع ولست بمبتدع، فإذا أحسنت فأعينوني، وإذا زغت فقوموني. [250]- وقال: أربع من كنّ فيه كان خيار «3» عباد الله: من فرح   [249] نثر الدر 2: 20، وطبقات ابن سعد 3: 183، وعيون الأخبار 2: 234، وانظر العقد 4: 59، والكامل 1: 13، وصفة الصفوة 1: 98، وقوله «إن اكيس الكيس .... الفجور» في التمثيل والمحاضرة: 30 للحسن بن علي. [250] نثر الدر 2: 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 للتائب، واستغفر للمذنب «1» ، ودعا للمدين «2» ، وأعان المحسن على إحسانه: [251]- وروي أنّه قال لعمر رضي الله عنهما: إني مستخلفك من بعدي، وموصيك بتقوى الله. فإن لله تعالى عملا بالليل لا يقبله بالنهار، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل، وإنّه لا يقبل نافلة حتّى تؤدّى فريضة «3» ، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحقّ في الدنيا وثقله عليهم، وحقّ الميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفّت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم، وحقّ لميزان لا يوضع فيه إلّا الباطل أن يكون خفيفا. إن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم أقول إني لأرجو أن أكون من هؤلاء، وذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، ولم ينكر حسناتهم، فإذا ذكرتهم، قلت: إنّي لأخاف أن أكون من هؤلاء، وذكر العدل مع آية الرحمة «4» ، ليكون العبد [راغبا] راهبا ولا يتمنّى على الله تعالى غير الحقّ، ولا يلقي بيده إلى التّهلكة. فإن قبلت «5» وصيّتي فلا يكوننّ غائب أحبّ إليك من الموت، وهو آتيك، وإن أضعت وصيّتي فلا يكوننّ غائب أبغض إليك من الموت، ولست بمعجز الله تعالى. [252]- قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في خطبة له: إنما الدنيا   [251] نثر الدر 2: 22، والبيان والتبين 2: 45، والعقد 3: 148، وطبقات ابن سعد 3: 200، وحلية الأولياء 1: 36، وصفة الصفوة 1: 100، وعين الأدب: 227، وربيع الأبرار: 375 أ- ب، وبهجة المجالس 1: 580- 581، والتعازي والمراثي: 116- 117، 220، ولباب الآداب: 21. [252] نثر الدر 2: 29، والبصائر 2: 545. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أمل مخترم، وأجل منتقص، وبلاغ إلى دار غيرها، وسيّر إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله امرءا فكّر في أمره، ونصح لنفسه، وراقب ربّه «1» ، واستقال ذنبه. [253]- وقال له «2» المغيرة: إنا بخير ما أبقاك الله. فقال عمر: أنت بخير ما اتقيت الله. [254]- وخطب فقال: إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة، مفسدة للجسم، مؤدّية إلى السّقم، وعليكم بالقصد في قوتكم فهو أبعد من السّرف وأصحّ للبدن وأقوى على العبادة، وإنّ العبد لن يهلك حتّى يؤثر شهوته على دينه. [255]- وقال «3» على المنبر: اقرءوا القرآن تعرفوا به، واعلموا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ من حقّ ذي حق أن يطاع في معصية الله عزّ وجلّ. إني أنزلت نفسي من مال الله عزّ وجلّ بمنزلة والي اليتيم، إن استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم البهمة الأعرابيّة: القضم لا الخضم.   [253] نثر الدر 2: 29، ومجموعة ورام 2: 17، والحكمة الخالدة: 117، (يقولها رجل لعمر بن عبد العزيز) والبصائر 1: 16. [254] نثر الدر 2: 30، والمجتنى: 36، والبصائر 3: 103، وبهجة المجالس 2: 73، والشريشي 5: 158. [255] نثر الدر 2: 30- 31، 32، وطبقات ابن سعد 3: 276، والبيان والتبيين 2: 70، وعيون الأخبار 1: 54، والعقد 4: 62، والبصائر 3: 201، وأنساب الاشراف (مخطوطة استانبول) : 705، وكنز العمال 16: 152- 153، وقوله «إني أنزلت نفسي من مال الله .... » في أنساب الأشراف: 696، 706، وورد قوله «تعلموا القرآن تعرفوا به ... الخ» منسوبا لعلي في عيون الأخبار 2: 352. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 [256]- وكتب إلى ابنه عبد الله: أما بعد فإنه من اتّقى الله وقاه، ومن توكّل عليه كفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، فعليك بتقوى الله فإنّه لا ثواب لمن لا نيّة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له. [257]- ومن كتاب إلى أبي موسى: فإيّاك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة مرّت بواد خصب، فلم يكن لها همّ إلّا السّمن وإنما حتفها في السمن «1» . [258]- وحضر باب عمر رحمه الله جماعة منهم سهيل بن عمرو، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟ أين عمار؟ أين سلمان؟ فتغيّرت «2» وجوه القوم. فقال سهيل: لم تتغيّر «3» وجوهكم؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطانا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعدّ «4» لهم من الآخرة أكثر. [259]- وسأله عبد الرحمن أن يلين للناس فقال: الناس لا يصلح لهم   [256] نثر الدر 2: 31، والعقد 3: 155، وعيون الأخبار 1: 249، وزهر الآداب 1: 40، وبهجة المجالس 2: 247- 248، وكنز العمال 16: 155. [257] نثر الدر 2: 31 والبيان والتبيين 2: 293، وعيون الأخبار 1: 11، والعقد 1: 89، وحلية الأولياء 1: 50، وشرح النهج 12: 12، وكنز العمال 16: 160. [258] نثر الدر 2: 33، والبيان والتبيين 1: 317، وعيون الأخبار 1: 85، ومحاضرات الراغب 4: 480، وقارن بزهد ابن حنبل 113- 114، وشرح النهج 17: 91- 92. [259] نثر الدر 2: 35، ومحاضرات الراغب 1: 166، وقارن بالطبري 1: 2746، وانظر رقم: 1051، في ما يلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 إلّا هذا، ولو علموا ما لهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي. [260]- ومرّ عمر رضي الله عنه بشابّ فاستسقاه، فخاض له عسلا فلم يشرب وقال: إني سمعت الله سبحانه وتعالى يقول: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا (الأحقاف: 20) . فقال الفتى: إنها ليست لك، اقرأ ما قبلها: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ (الاحقاف: 20) . أفنحن منهم؟ فشربها وقال: كلّ الناس أفقه من عمر. [261]- وكان يحمل الدقيق على ظهره إلى الفقراء فقال له بعضهم: دعني أحمله عنك، فقال: ومن يحمل عني ذنوبي؟ [262]- وكتب «1» إلى عبيدة: أما بعد فإنه لم يقم أمر الله سبحانه وتعالى في الناس إلا حصيف العقدة بعيد الغرّة، لا يحنق في الحقّ على جرّة، ولا يطّلع للناس على عورة، ولا تأخذه في الله لومة لائم. [263]- وخطب فقال: ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم، ولا تمنعوهم [حقوقهم] فتكفّروهم، ولا تجمّروهم فتفتنوهم. [264]- وطلى بعيرا من الصدقة بالقطران، فقال له رجل: لو أمرت   [260] نثر الدر 2: 36، وأنساب الأشراف (استانبول) : 696- 697، وشرح النهج 1: 182. [261] نثر الدر 2: 40. [262] نثر الدر 2: 43، والمجتنى: 72، وبهجة المجالس 1: 331، وعيون الأخبار 1: 9 والبيان 3: 255، وتسهيل النظر: 239، وكنز العمال 5: 436- 440 والمصباح المضيء 2: 130، ولقاح الخواطر: 9/أ. [263] نثر الدر 2: 45، وتاريخ الطبري 1: 2741، 2742. [264] نثر الدر 2: 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 عبدا من عبيد الصدقة كفا كه، فضرب صدره «1» وقال: عبد أعبد مني؟! [265]- وقال: كلّ عمل كرهت من أجله الموت فاتركه ثم لا يضرّك متى مت. [266]- وقال: من زاغ زاغت رعيته، وأشقى الناس من شقيت به رعيته. [267]- وقال: الناس طالبان: فطالب يطلب الدنيا فارفضوها في نحره، فإنه ربما أدرك الذي طلب منها فهلك بما أصاب منها، وربما فاته الذي طلب منها فهلك بما فاته منها «2» ، وطالب يطلب الآخرة، فإذا رأيتم طالب الآخرة فنافسوه. [268]- وقال: استغزروا «3» العيون بالتذكر. [269]- وقال أيضا: أيها الناس إنه أتى عليّ حين وأنا احسب أنه من   [265] نثر الدر 2: 48، وشرح النهج 12: 117، وحلية الأولياء 3: 239، (لأبي حازم) وكذلك في زهر الآداب: 169. [266] هو تكملة للرقم: 257، من كتابه لأبي موسى. انظر نثر الدر 2: 32، وبقية المصادر المذكورة في رقم 257. [267] نثر الدر 2: 52- 53، والبيان والتبيين 3: 137- 138، وأدب الدنيا والدين: 128. [268] نثر الدر 2: 53، والبيان والتبيين 1: 297، 3: 149، وعيون الأخبار 2: 298، وسراج الملوك: 172، وورد في أدب الدنيا والدين: 286 «لا تستفزوا العيون بالتذكر» وهو تحريف غريب؛ وانظر كنز العمال 16: 158. [269] نثر الدر 2: 53، والبيان والتبيين 3: 138، والعقد 4: 64، وأنساب الأشراف (استانبول) : 696، والنص في شرح النهج 12: 22، بتغيير في الترتيب، وانظر كنز العمال 16: 162- 163. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قرأ القرآن إنما يريد به الله تعالى وما عنده، ألا وقد خيّل إليّ أخيرا أن أقواما يقرأون القرآن يريدون به ما عند الناس، ألا فأريدوا الله بقراءتكم وأريدوا الله بأعمالكم، فإنما كنا نعرفكم إذ الوحي ينزل وإذ النبيّ بين أظهرنا، فقد رفع الوحي وذهب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا أعرفكم بما أقول لكم، ألا فمن أظهر لنا خيرا ظننّا به خيرا وأثنينا عليه، ومن أظهر لنا شرّا ظننّا به شرّا وأبغضناه عليه، اقدعوا هذه النفوس عن شهواتها فإنها طلّاعة تنزع إلى شرّ غاية، إن هذا الحق ثقيل مريء، وإن الباطل خفيف وبيء، وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة، وربّ نظرة زرعت شهوة، وربّ شهوة ساعة أورثت حزنا دائما. [270]- بعث إلى عمر رضي الله عنه بحلل فقسمها، فأصاب كلّ رجل ثوب، ثم صعد المنبر وعليه حلّة، والحلة ثوبان، فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان الفارسي رحمه الله: لا نسمع، فقال عمر: ولم يا أبا عبد الله؟ فقال: إنك قسمت علينا ثوبا ثوبا وعليك حلة فقال: لا تعجل يا أبا عبد الله؛ ثمّ نادى يا عبد الله، فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد الله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: نشدتك الله، الثوب الذي اتزرت به أهو ثوبك؟ قال: نعم، فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع. [271]- قال عمر رضي الله عنه: لو ماتت سخلة على شاطىء الفرات ضيعة لخشيت أن أسأل عنها.   [270] نثر الدر 2: 33، وعيون الأخبار 1: 55، وسيرة عمر: 147، وصفة الصفوة 1: 215، والمصباح المضيء: 162. [271] قارن بطبقات ابن سعد 3: 305، وحلية الأولياء 1: 53، وصفة الصفوة 1: 109، وتسهيل النظر: 144، وسيرة عمر (ابن الجوزي) : 113 والمصباح المضيء 1: 274، والشفا: 61 (باختلاف بين سخلة أو شاة أو جدي ... إلخ) ، ولقاح الخواطر: 29 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 [272]- وقال: السلطان أربعة أمراء: فأمير قويّ ظلف نفسه وعمّاله فذلك المجاهد في سبيل الله، يد الله باسطة عليه بالرحمة؛ وأمير فيه ضعف ظلف نفسه وأرتع عماله بضعفه فهو على شفا هلاك إلا أن يرحمه الله، وأمير ظلف عمّاله وأرتع نفسه فذلك الحطمة الذي قال [فيه] رسول الله صلّى الله عليه وآله: شرّ الرّعاء الحطمة، فهو الهالك وحده، وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكا جميعا. [273]- وقال عمر: اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يديّ على من كان الحقّ من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين. [274]- وقال عمر رضي الله عنه لعبد الله بن أرقم: اقسم بيت المال في كلّ شهر لا بل في كل جمعة؛ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين، لو حبست شيئا بعده، عسى أن يأتيك أمر تحتاج إليه، فلو تركت عدة لنائبة ان نابت المسلمين، فقال عمر: كلمة ألقاها الشيطان على لسانك لقّاني الله حجّتها ووقاني فتنتها، لتكوننّ فتنة لقوم بعدي، أعصي الله العام مخافة عام قابل؟ أعدّ لهم ما أعدّ رسول الله عليه السلام، يقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: 2، 3) . [275]- ومن كلامه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله   [272] الذهب المسبوك: 206، وعيون الأخبار 2: 340، والمصباح المضيء 2: 130. [273] قارن بابن سعد 3: 290، والسعادة والاسعاد: 242. [274] حلية الأولياء 7: 291، وقارن بأنساب الأشراف (استانبول) : 700 وشرح النهج 12: 7، ومحاضرات الراغب 1: 517، والبصائر 2: 455، ومجالس ثعلب: 23. [275] هذه حكم متفرقة وقد جمعها الآبي في نثر الدر 2: 43، ما عدا «لا تعترض فيما لا يعنيك» و «تخشع ... المعصية» ، وفي كنز العمال 16: 262، أن سعيد بن المسيب قال: وضع عمر بن الخطاب للناس ثماني عشرة كلمة؛ وأورد زيادة عما جاء هنا؛ وانظر الموفقيات: 107، وعيون الأخبار 3: 12، وقوله «لا تظن بكلمة ... » في نهج البلاغة: 538، 9 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فيه. (وقد ورد هذا الكلام عن أبي ذر رضي الله عنه، ويرد فيما بعد) ضع أمر أخيك على أحسنه. لا تظنّ بكلمة خرجت من مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا. لا تهاونوا بالحلف «1» بالله فيهينكم الله. لا تعترض فيما لا يعنيك. لا تسأل عما لم يكن فإن فيما كان شغلا. اعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلا الأمين، والأمين من خشي الله. تخشّع عند القبور، وذلّ عند الطاعة، واستغفر عند المعصية، واستشر في أمورك الذين يخشون الله. [276]- لما حضر معاذ بن جبل الموت قال: انظروا أصبحنا؟ فأتي فقيل له: لم تصبح، فقال: انظروا أصبحنا؟ فأتي فقيل له: لم تصبح، حتى أتي في بعض ذلك فقيل له: قد أصبحت، فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار؛ مرحبا بالموت، مرحبا بزائر مغبّ حبيب جاء على فاقة. اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحبّ الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالرّكب عند حلق الذكر. [277]- قالت أم ذر: لما حضرت أبا ذرّ الوفاة بكيت، فقال: ما   لعلي، وانظر روضة العقلاء: 90، والمحاسن والأضداد: 20 (ونسبها للرسول) وقوله: «ما عاقبت من عصى ... » في كتاب الآداب: 5، وربيع الأبرار: 727، وزهر الآداب: 1074 ورقم: 293، ونسب القول نفسه في الخصال 1: 20 لجعفر الصادق؛ وقوله «واحذر صديقك ... الله» في ربيع الأبرار 1: 463، وقوله «اعتزل عدوك ... خشي الله» في عيون الأخبار 3: 112. [276] عيون الأخبار 2: 309، وحلية الأولياء 1: 239، وصفة الصفوة 1: 210، وزهد ابن حنبل: 180- 181، والعقد 3: 229، وأنس الوحيد: 16 ب وبعضه في البصائر 3: 626. [277] أنساب الأشراف 4/أ: 545، وطبقات ابن سعد 4: 232- 235، وحلية الأولياء 1: 170، وصفة الصفوة 1: 243، وبعضه في نثر الدر 2: 77- 78، وربيع الأبرار 248 ب- 249/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 يبكيك؟ قلت: أبكي أنه لا بدّ لي من تكفينك وليس لي ثوب من ثيابي يسعك كفنا، قال: فلا تبكي فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر رجل إلا وقد مات في قرية وجماعة من المسلمين، وأنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت، فانظري الطريق، فقلت: أنّى وقد انقطع الحجّاج؟ فكانت تشتد الى كثيب «1» تقوم عليه ثم تنظر، ثم ترجع إليه فتمرّضه، ثم ترجع إلى الكثيب، فبينا هي كذلك إذا بنفر «2» تخبّ بهم رواحلهم كأنّهم عليها الرّخم، فألاحت بثوبها فأقبلوا حتى وقفوا عليها، فقالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين يموت تكفّنونه، قالوا: من هو؟ قالت: أبو ذر، ففدّوه بآبائهم ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه حتى جاءوه، فقال: أبشروا، فحدّثهم وقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذكر الخبر، وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفّن إلا في ثوب لي أو لها، أنتم تسمعون إليّ، إني أنشدكم الله والإسلام أنّ يكفّنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو نقيبا أو بريدا، فليس أحد من القوم إلا قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار، فقال: يا عمّ أنا أكفّنك، لم أصب مما ذكرت شيئا، أكفّنك في ردائي هذا الذي عليّ وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي، قال: أنت فكفّني، فكفّنه الأنصاريّ في النفر الذين شهدوه، ومنهم حجر بن الأدبر ومالك الأشتر «3» في نفر كلهم يمان. [278]- ولما حضرت سلمان الفارسيّ الوفاة عرف منه بعض الجزع،   [278] نثر الدر 2: 74- 75 (ببعض اختلاف) ، وطبقات ابن سعد 4: 90، 91، وحلية الأولياء 1: 197، وصفة الصفوة 1: 223، وزهد ابن حنبل: 152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فقالوا: ما يجزعك أبا عبد الله، وقد كان لك سابقة في الخير، شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغازي حسنة وفتوحا عظاما؟ فقال: يحزنني أنّ حبيبي محمدا عهد إلينا حين فارقنا، فقال: ليكف المؤمن كزاد الراكب، فهذا الذي حزنني؛ فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا. [278 ب]- وعنه رحمه الله أنه أكره على طعام يأكله، فقال: حسبي حسبي، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أكثر الناس جمعا في الدنيا أكثرهم جزعا في الآخرة، يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر. [279]- كتب «1» أبو الدرداء إلى أخ له: أما بعد فلست في شيء من أمر الدنيا إلّا وقد كان له أهل قبلك، وهو صائر له أهل بعدك، وليس لك منه إلا ما قدّمت لنفسك، فآثرها على المصلح من ولدك، فإنك تقدم على من لا يعذرك، وتجمع لمن لا يحمدك. وإنما تجمع لواحد من اثنين: إما عامل فيه بطاعة الله يسعد بما شقيت له، وإما عامل فيه بمعصية الله فيشقى بما جمعت له، وليس والله أحد منهما بأهل أن تبرد له على ظهرك، ولا تؤثره على نفسك. ارج لمن مضى منهم رحمة الله، وثق بمن بقي منهم رزق الله، والسلام. [280]- قال عبد الله بن مسعود: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة.   [278] ب حلية الأولياء 1: 198 وقوله «إنما الدنيا سجن المؤمن ... » في العقد 3: 172 ومجموعة ورام 1: 128، 2: 55 والخصال 1: 108. [279] حلية الأولياء 1: 216 وصفة الصفوة 1: 261- 262 ونسب لابي حازم في عيون الأخبار 2: 360- 361 وفي قوله: «وانما تجمع لواحد من اثنين ... » قارن بما تقدم لعلي رقم: 85. [280] حلية الأولياء 1: 130 وصفة الصفوة 1: 163 وزهد ابن حنبل: 159 وقارن بربيع الأبرار: 246 ب (منسوبا لعمر بن الخطاب) والفوائد: 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 [281]- ومن كلام كان يقوله ابن مسعود: أيها الناس، إنكم مجموعون لصعيد واحد يسمعكم الداعي ويفقدكم البصر؛ إنّ أصدق الحديث كلام الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وأحسن القصص هذا القرآن، وأحسن السنن سنة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأشرف الحديث ذكر الله، وخير الأمور عزائمها، وشرّ الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعزّ الضلالة ضلالة بعد الهدى، وخير العمل ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشرّ العمى عمى القلب، وما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى، وشرّ الندامة ندامة يوم القيامة، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والريب من الكفر، والغلول من جمر جهنم، والكبر كيّ من النار، والشعر مزامير إبليس، والخمر جامع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشرّ المكاسب أكل الربا والأمر بأخذه، وأملك العمل به خواتمه، وشرّ الروايا روايا الكذب، وسباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتألّ على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزايا يعقبه الله، ومن يتبع السّمعة يسمّع الله به، ومن يثق بالدنيا تعجزه، ومن يطع الشيطان يعص الله، ومن يعص الله يعذّبه. [282]- وروي «1» أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن   [281] نثر الدر 2: 69 والبيان والتبيين 2: 56- 57 والبصائر 7: 69- 72 (منسوبة للرسول) ومصنف عبد الرزاق 11: 159 (لابن مسعود) 11: 16 (للرسول) وانظر حلية الأولياء 1: 138 وصفة الصفوة 1: 162 وعين الأدب: 222 والفوائد: 191. [282] مروج الذهب 3: 48- 49 وصفة الصفوة 1: 275 وألف باء 1: 442 وحلية الأولياء 1: 244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 عامر بن خذيم الجمحي على حمص، فلما قدم عمر حمص قال: كيف وجدتم عاملكم؟ قال: وكان يقال لحمص الكويفة الصغرى لشكايتهم العمّال، قالوا: نشكو أربعا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: أعظم بها، وماذا؟ قالوا: لا يجيب أحدا بليل، قال: عظيمة، وماذا؟ قالوا: وله يوم في الشهر لا يخرج إلينا، قال: عظيمة، وماذا؟ قالوا: يغنظ الغنظ «1» بين الأيام حتى تأخذه موتة، قال: فجمع عمر بينهم وبينه وقال: اللهم لا تفيّل رأيي فيه اليوم؛ ما تشكون منه؟ قالوا لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: والله إن كنت لأكره ذكره، ليس لأهلي خادم فأعجن عجيني ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ ثم أخرج اليهم، قال عمر: وما تشكون منه؟ قالوا: لا يجيب أحدا بليل، [قال: ما تقول؟] قال: إن كنت لأكره ذكره، إني جعلت النهار لهم وجعلت الليل لله؛ قال: وما تشكون منه؟ قالوا: إن له يوما في الشهر لا يخرج إلينا فيه، قال: ليس لي خادم تغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى تجف ثم أدكلها، ثم أخرج إليهم في آخر النهار. قال: وما تشكون منه؟ قالوا يغنظ الغنظ بين الأيام، قال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة، فقالوا له: أتحبّ أن محمدا مكانك، فقال: والله ما أحبّ أني في أهلي ومالي وولدي وأنّ محمدا شيك بشوكة، ثم نادى يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم، إلا ظننت أنّ الله لا يغفر لي بذلك الذنب أبدا، فيصيبني تلك الغنظة. فقال عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي لم يفيّل فراستي، فبعث إليه بألف دينار وقال: استعن بها على أمرك، فقالت امرأته: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك، فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أحوج ما نكون إليها. قالت: نعم، فدعا رجلا من أهل بيته يثق به، فصرّها صررا ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان. فبقيت ذهيبة، فقال: أنفقي هذه، ثم عاد إلى عمله، فقالت: ألا تشتري لنا خادما؟ ما فعل ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين. [283]- وروي أن عمر رضي الله عنه بعث عمير بن سعد الأنصاري عاملا على حمص، فمكث حولا لا يأتيه خبره، فقال عمر لكاتبه: اكتب إلى عمير، فو الله ما أراه إلا خائنا: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جبيت من فيء مال المسلمين حين تنظر في كتابي هذا. قال: فأخذ عمير جرابه فجعل فيه زاده وقصعته وعلّق إداوته وأخذ عنزته «1» ، ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة، فقدم وقد شحب لونه واغبّر وجهه وطال شعره، فدخل على عمر وسلّم عليه، فقال عمر: ما شأنك؟ فقال؟ عمير: ما ترى من شأني، ألست تراني صحيح البدن ظاهر الدم، معي الدنيا أجرّها بقرنيها؟ قال: وما معك؟ - وظنّ عمر أنه قد جاء بمال- فقال: معي جرابي أجعل فيه زادي، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض لي، فو الله ما الدنيا إلّا تبع لمتاعي، قال عمر: فجئت تمشي؟ قال: نعم. قال: ما كان أحد يتبرّع لك بدابة تركبها؟ قال: ما فعلوا وما سألتهم ذلك؛ فقال عمر: بئس المسلمون خرجت من عندهم، فقال عمير: اتقّ الله يا عمر، قد نهاك   [283] حلية الأولياء 1: 247 وصفة الصفوة 1: 291 وانظر البيان والتبيين 3: 43 وسراج الملوك: 223- 224 والمستطرف 1: 110 ومنه جزء يسير في محاضرات الراغب 1: 170 وألف باء 1: 448 والمنهج المسلوك 24/أ- 25/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الله عن الغيبة، وقد رأيتهم يصلّون صلاة الغداة، قال عمر: فأين بعثتك وأي شيء صنعت؟ قال: وما سؤالك يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سبحان الله، فقال عمير: لولا أني أخشى أن أغمك ما أخبرتك، بعثتني حتى أتيت البلدة فجمعت صلحاء أهلها فولّيتهم جباية فيئهم، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه، ولو نالك منه شيء لأتيتك به، قال فما جئتنا بشيء؟ قال: لا، قال: جددوا لعمير عهدا، قال: إن ذلك لشيء، لا عملت لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت، بلى لم أسلم، لقد قلت لنصراني: أي أخزاك الله، فهذا ما عرّضتني له، ورجع إلى منزله، قال: وبينه وبين المدينة أميال، فقال عمر حين انصرف عمير: ما أراه الّا قد خاننا، فبعث رجلا يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار وقال: انطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف، فإن رأيت أثر شيء فأقبل، وإن رأيت حالا شديدا فادفع إليه هذه المائة دينار. فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط، فسلّم عليه، فقال له عمير: انزل رحمك الله، فنزل ثم سأله فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة، قال: فكيف تركت أمير المؤمنين؟ فقال: صالحا، قال: فكيف تركت المسلمين؟ قال: صالحين، قال: ليس يقيم الحدود؟ قال: بلى ضرب ابنا له على أن أتى فاحشة فمات من ضربه. فقال عمير: اللهم أعن عمر فإني لا أعلمه إلّا شديدا حبّه لك، قال: فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصّونه بها ويطوون، حتى علم أن قد أتاهم الجهد، فقال له عمير: إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل، قال: فأخرج إليه الدنانير فدفعها إليه وقال: بعث بها أمير المؤمنين إليك فاستعن بها، فصاح وقال: لا حاجة لي فيها ردّها، فقالت له امرأته: إن احتجت إليه وإلا فضعها موضعها، فقال عمير: والله مالي شيء أجعلها فيه، فشقّت المرأة أسفل درعها، فأعطته خرقة فجعلها فيها، ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء، ثم رجع والرسول يظنّه يعطيه منها شيئا، فقال له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 عمير: اقرأ السلام مني أمير المؤمنين، فرجع الحارث إلى عمر، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت يا أمير المؤمنين حالا شديدا، قال: فما صنع بالدنانير؟ قال: لا أدري، فكتب إليه عمر: إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل، فدخل على عمر فقال له: ما صنعت بالدنانير؟ قال: صنعت ما صنعت، وما سؤالك عنها؟ فقال: أقسم بالله لتخبرنّي ما صنعت بها، قال: قدّمتها لنفسي. قال: رحمك الله، وأمر له بوسق من طعام وثوبين، فقال: أما الطعام فلا حاجة لي فيه، قد تركت في المنزل صاعين [من] شعير، إلى أن آكل ذلك قد جاء الله بالرزق، ولم يأخذ الطعام، وأما الثوبان فنعم، إن أمّ فلان عارية، فأخذهما ورجع إلى منزله، ولم يلبث أن هلك رحمه الله. [284]- قال الشعبي: مرّ رجل في مراد على أويس القرنيّ فقال: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أحمد الله، قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظنّ أنه لا يمسي، وإن أمسى ظنّ أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحا، وإنّ علمه بحقوق الله لم يترك في ماله فضة ولا ذهبا، وإن قيامه بالحقّ لم يترك له صديقا. وأويس وإن لم يكن صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنه ذكره عليه السلام ونبّه عليه «1» بما شرف محله، فلهذا أضفته إلى ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. [285]- وقال عبد الله بن مسعود: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبا فلا تكونوا أعوان الشيطان عليه، تقولوا: اللهم أخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا   [284] طبقات ابن سعد 6: 164- 165 حلية الأولياء 2: 83 وصفة الصفوة 3: 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الله العافية فانا أصحاب محمد كنّا لا نقول في أحد شيئا حتى نعلم على ما يموت، فإن ختم له بخير علمنا أنه قد أصاب خيرا، وإن ختم له بشرّ خفنا عليه. [286]- لقي هرم بن حيان أويسا القرني فقال: السلام عليك يا أويس ابن عامر، فقال: وعليك [السلام] يا هرم بن حيان، قال: أما أنا فعرفتك بالصفة فكيف عرفتني؟ قال: عرفت روحي روحك، لأن أرواح المؤمنين تشامّ كما تشامّ الخيل، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. قال: إني أحبك في الله، قال: ما ظننت أن أحدا يحبّ في غير الله؛ قال: إني أريد أن أستأنس بك، قال: ما ظننت أنّ أحدا يستوحش مع الله. قال: أوصني، قال: عليك بالأسياف، يعني ساحل البحر، قال: فمن أين المعاش؟ قال: أفّ أف، خالط الشكّ الموعظة، تفرّ إلى الله بدينك وتتهمه في رزقك؟! [287]- قال رجل لأم الدرداء: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، وأجد قسوة شديدة، وأملا بعيدا. قالت: اطّلع في القبور واشهد الموتى. [288] قال أبو بكر بن حفص: جاءت عائشة إلى أبيها رضي الله عنهما   [286] طبقات ابن سعد 7: 132 وحلية الأولياء 10: 20 شرح النهج 3: 162- 163 وربيع الأبرار: 412 ب (4: 385) وقارن بما في حلية الأولياء 2: 84 وبهجة المجالس 2: 250 وعقلاء المجانين: 48- 51. [287] البيان والتبيين 3: 159 وفي الشريشي 2: 4 ان رجلا سأل عائشة رضي الله عنها عما يحسه من قسوة فقالت: عد المرضى واشهد الجنائز وتوقع الموت. [288] بعضه في زهد ابن حنبل: 109، 110 والتعازي والمراثي: 147، 219 وقارن أيضا ص: 111 وانظر طبقات ابن سعد 3: 196، 197 وبهجة المجالس 1: 368 وألف باء 1: 134 وبعضه في ربيع الأبرار: 248/أوالعقد 3: 232 والبصائر 2: 116 وفي ردّ أبي بكر ما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فرأته يعالج الموت، فتمثلت بهذا البيت: [من الطويل] . لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فنظر إليها كهيئة الغضبان، وقال: يا بنيّة ليس كذلك، ولكن: جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (ق: 19) وهو في قراءة ابن مسعود هكذا «1» ، قال: أي بنية إني كنت آثرتك بحائط، وإنه كان في نفسي منه شيء فرديّه، قالت: فرددته، قال: يا بنية إنا ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ لهم درهما ولا دينارا، ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وإنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير، إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح، وجرد هذه القطيفة، فإذا أنا متّ فابعثي بهنّ إلى عمر. فجاءه الرسول وعنده عبد الرحمن ابن عوف، فبكى عمر رضي الله عنه حتى سالت دموعه على الأرض وقال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده، ارفعهنّ يا غلام، فقال عبد الرحمن بن عوف: سبحان الله يا أمير المؤمنين تسلب عيال أبي بكر عبدا حبشيا وبعيرا ناضحا وجرد قطيفة ثمنه خمس دراهم، قال: فما تأمر؟ قال: آمر بردهنّ على عياله، فقال: يخرج أبو بكر منهنّ عند الموت وأردهنّ أنا على عياله؟ لا يكون والله ذلك أبدا، الموت أسرع من ذلك. [289]- وكتب سلمان الفارسي رحمه الله إلى أبي هريرة: إنك لن   لديه إلى بيت المال انظر الروايات المختلفة في ابن سعد 3: 192- 195 والمصباح المضيء 1: 334؛ والبيت الذي استشهدت به عائشة لحاتم الطائي في ديوانه: 210 وروايته «أماويّ ما يغني ... » وورد في المصادر التي ذكرت القصة. [289] نثر الدر 2: 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 تكون عالما حتى تكون متعلما، ولن تكون بالعلم عالما حتى تكون به عاملا. [290]- وكتب إليه أيضا: إن نافرت الناس نافروك، وإن تركتهم تركوك «1» ، فأقرضهم من عرضك ليوم فقرك، وكفى بك ظالما ألا تراك مخاصما. [291]- واشترى رجل بالمدائن شيئا فمرّ بسلمان، وهو أميرها، فلم يعرفه فقال: احمل هذا «2» يا علج، فحمله، فكان من يتلقّاه يقول ادفعه إليّ أيها الأمير، والرجل يعتذر وهو يقول: لا والله ما يحمله إلا العلج، حتى بلغ منزله. [292]- وكان أبو ذر رضي الله عنه يقول: إنما مالك لك أو للجائحة أو للوارث، فلا تكن أعجز الثلاثة. [293]- وشتمه رجل فقال له أبو ذر: يا هذا لا تغرق في سبّنا ودع للصلح موضعا، فانا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه. [294]- وقال أبو ذر: ما تقدر قريش أن تعمل بي؟ والله للذلّ أحبّ   [290] نثر الدر 2: 75. [291] نثر الدر 2: 74 وطبقات ابن سعد 4: 88 وصفة الصفوة 1: 219 ومحاضرات الراغب 1: 262. [292] نثر الدر 2: 76 والبيان 3: 91 وغرر الخصائص: 239 وانظر العقد 1: 228 وقارن بالبصائر 1: 125 نقلا عن نوادر الأموي. [293] نثر الدر 2: 76 وبهجة المجالس 1: 418 والعقد 2: 276 وحلية الأولياء 1: 163 وصفة الصفوة 1: 241 وعيون الأخبار 1: 285 وبهجة المجالس 1: 196 وعين الأدب: 171 وأدب الدنيا والدين: 245 (لأبي الدرداء) والمستطرف 1: 193 وقوله: فانا لا نكافئ ... فيه، من قول عمر وقد مرّ أيضا آنفا رقم: 275. [294] نثر الدر 2: 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 إليّ من العزّ، ولبطن الأرض أحبّ إليّ من ظهرها. [295]- ولما بنى معاوية خضراء دمشق أدخلها «1» أبا ذرّ، فقال له: كيف ترى ما هاهنا؟ قال: إن كنت بنيتها من مال الله عز وجل فأنت من الخائنين، وإن كنت بنيتها من مالك فأنت من المسرفين. [296]- قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمّل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه. ولا يدري أساخط عليه ربه تعالى، أم راض عنه؛ وأبكاني: هول المطّلع، وانقطاع الأمل، وموقفي بين يدي الله سبحانه وتعالى لا أدري أيأمر بي إلى الجنة أم إلى النار. [297]- سأل رجل بلالا وقد أقبل من الحلبة فقال: من سبق؟ قال المقربون. قال: إنما أسألك عن الخيل؟ قال: وأنا أجيبك عن الخير. [298]- وقال رجل لعمار بن ياسر رحمه الله: أيها العبد الأجدع، وكانت أذنه قد أصيبت في سبيل الله، فقال: عيّر تموني بأحبّ أذني إليّ. [299]- كان بين سعد بن أبي وقاص وبين خالد بن الوليد كلام،   [295] نثر الدر 2: 75 وأنساب الأشراف 4/1: 542 وشرح النهج 8: 256. [296] نثر الدر 2: 96 والبيان والتبيين 3: 151 وعيون الأخبار 2: 359 وحلية الأولياء 1: 207 وزهد ابن حنبل: 154 (منسوبا الى سلمان الفارسي) وشرح النهج 6: 234. [297] نثر الدر 2: 99 والبيان والتبيين 2: 282 ومحاضرات الراغب 4: 440 وطبقات ابن سعد 3: 172 وانظر ما يأتي رقم: 471 حيث نسب مثله لعامر بن عبد قيس، وفي انساب الاشراف رواية أخرى عن بلال وكذلك انظر البصائر 2: 247 وطبقات ابن سعد 3: 172. [299] نثر الدر 2: 103 وطبقات ابن سعد 2: 16 والعقد 2: 335 وحلية الأولياء 1: 94 وصفة الصفوة 1: 140 وبهجة المجالس 1: 397 وربيع الأبرار: 172 ب ونثر الدر 2: 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فذهب رجل ليقع في خالد عند سعد، فقال: مه إنّ ما بيننا لم يبلغ ديننا. [300]- قال عمر في كلام له: العلم بالله يوجب الخشوع والخوف، وعدم الخوف دليل على تعطيل القلب من المعرفة، والخوف ثمرة العلم، والرجاء ثمرة اليقين، ومن طمع في الجنة اجتهد في طلبها، ومن خاف من النار اجتهد في الهرب منها، وللحبّ علامات وللبغض علامات، فمن وجدناه يعمل عمل أهل الجنة استدللنا بعمله على يقينه، ومن وجدناه يعمل عمل أهل النار استدللنا بعمله على شكه، ولو وجدنا رجلا يستدبر مكّة ذاهبا ثم زعم أنه يريد الحج لم نصدّقه، ولو وجدناه يؤمّها ثم زعم أنه لا يريدها لم نصدقه. [301]- ومرّ عمر على معاذ بن جبل وهو قاعد عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم يبكي فقال: ما يبكيك يا معاذ؟ لعلك ذكرت أخاك، إن ذكرته إنه لذلك أهل، قال: لا ولكن أبكاني شيء سمعته منه في مجلسي هذا، أو مكاني هذا. يقول صلّى الله عليه وسلّم: يسير الرياء شرك. إن الله يحبّ الأتقياء الأخفياء الأبرار، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كلّ سوداء مظلمة. [302]- ومن كلام لقمان لابنه: يا بنيّ إنك حين سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، فأنت لما استقبلت أقرب منك لما استدبرت. [303]- وقال: يا بني كيف يذهل الناس عما يوعدون وهم كلّ يوم سراع إلى الوعد يذهبون. [304]- قال هرم بن حيان لأويس: أوصني، فقال له أويس: ادع   [301] شرح النهج 2: 183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الله أن يصلح لك ذنبك وقلبك فما تجد شيئا أشدّ عليك منهما، بينما قلبك مقبول إذا هو مدبر، وبينما هو مدبر إذا هو مقبل، ولا تنظر في صغر الخطيئة، ولكن انظر عظم من عصيت فإنك إن عظمتها فقد عظّمت الله، وإن صغّرتها فقد صغرتها أمره. [305]- وقال له هرم: صلنا بالزيارة، فقال له أويس: قد وصلتك بما هو خير من الزيارة، الدعاء بظهر الغيب، إن الزيارة قد يعرض فيها الرياء والتزيّن. [306]- كان معيقيب على بيت مال عمر، فكسح بيت المال يوما فوجد فيه درهما فدفعه إلى ابن لعمر، قال معيقيب: ثم انصرفت إلى بيتي، فإذا رسول عمر قد جاء يدعوني، فجئت فإذا الدرهم في يده فقال: ويحك يا معيقيب أوجدت في نفسك عليّ شيئا أو مالي ولك؟ قلت: وما ذاك؟ قال: أردت أن تخاصمني أمّة محمد في هذا الدرهم يوم القيامة. [307]- كتب عمر إلى أبي موسى: إذا جاءك كتابي هذا فأعط الناس أعطياتهم، واحمل إليّ ما بقي مع زياد، ففعل؛ فلما كان عثمان، كتب إلى أبي موسى بمثل ذلك ففعل، فجاء زياد بما معه فوضعه بين يدي عثمان، فجاء ابن لعثمان فأخذ استيدانة «1» من فضة فمضى بها، فبكى زياد، فقال له عثمان: ما يبكيك؟ قال: أتيت أمير المؤمنين عمر بمثل ما أتيتك، فجاء ابن له وأخذ درهما فأمر به فانتزع منه حتى بكى الغلام، وإن ابنك جاء فأخذ هذا فلم أر أحدا قال له شيئا، فقال عثمان: إن عمر كان يمنع أهله وأقرباءه ابتغاء وجه   [305] صفة الصفوة 3: 29، وربيع الأبرار 2: 255. [306] سيرة عمر (لابن الجوزي) : 75 والشفا: 83. [307] قارن بشرح النهج 12: 106- 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الله، وأنا أعطي أهلي وقرابتي ابتغاء وجه الله، ولن تلقى مثل عمر ولن تلقى مثل عمر، ثلاثا. [308]- حدث زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرجت مع عمر ذات ليلة حتى أشرفنا على واقم فإذا نار تؤرّث بضرام، فقال يا أسلم: إني أحسب هؤلاء ركبا يضربهم «1» الليل والبرد، انطلق بنا إليهم، قال: فخرجنا نهرول حتى أتينا إليهم، فإذا امرأة توقد تحت قدر ومعها صبيان يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم أصحاب الضوء، وكره أن يقول أصحاب «النار» ، أدنو؟ فقالت: ادن بخير أو دع، قال: ما بالكم؟ قالت: يضربنا البرد والليل، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فما هذه القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به، الله بيننا وبين عمر، قال: وما يدري عمر؟ قالت: يتولّى أمرنا ثم يغفل عنّا، فأقبل عليّ فقال: انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق فأخرج عدلا من دقيق فيه كبّة من شحم، فقال: أتحمله علي، قلت: أنا أحمله عنك قال: احمله علي، قلت: أنا أحمله عنك «2» . قال: أنت تحمل وزري عني يوم القيامة؟ لا أمّ لك، احمله عليّ، فحملته عليه، فخرجنا نهرول حتى ألقينا ذلك العدل عندها، ثم أخرج من الدقيق شيئا فجعل يقول للمرأة ذرّي عليّ وأنا أحركه، يعني أسوطه، وجعل ينفخ تحت القدر، وكان ذا لحية عظيمة، فجعلت أنظر إلى الدخان يخرج من خلل لحيته حتى أنضج فأخذ من الشحم فأدمها به، ثم قال: ابغيني شيئا، فجاءته بصحفة   [308] تاريخ الطبري 1: 2743 وشرح النهج 12: 47- 49 والشفا: 82 وسيرة عمر (ابن الجوزي) : 48 والمنهج المسلوك: 13/أولقاح الخواطر: 56/أوالقصص عن عسّه بالليل مختلفة، قارن بالمصباح المضيء 1: 342. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فأفرغ القدر فيها، ثم جعل يقول لها أطعميهم، وأنا أسطح «1» لك، يعني أبرّده لك، حتى أكلوا وشبعوا، ثم خلّى عندها فضل ذلك، فقالت له: جزاك الله خيرا أنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين قال: قولي خيرا، إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك، ثم تنحّى قريبا وربض مربض السبع، فقلت: إنّ لك شأنا غير هذا؛ فلم يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون ثم ناموا، فقام وهو يحمد الله ثم أقبل عليّ «2» فقال: يا أسلم إني رأيت الجوع أبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى منهم مثل الذي رأيت. [309]- اغتاظت عائشة على خادمها، فقالت: لله درّ التقوى ما ترك لذي غيظ «3» شفاء. [310]- لما بنى سعد بن أبي وقاص منزله بالعقيق قيل له تركت مجالس إخوانك، وأسواق الناس ونزلت العقيق، فقال «4» : رأيت أسواقهم لاغية، ومجالسهم لاهية، فوجدت الاعتزال فيما هناك عافية. [311]- قال خارجة بن مصعب: ختم القرآن في الكعبة في ركعة أربعة من الأئمة عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير وأبو حنيفة.   [309] أدب الدنيا والدين: 245. [310] ربيع الأبرار 1: 768 والعزلة: 17 (ونسبه لعروة) والمستطرف 1: 86 والبصائر 1: 175 والصداقة والصديق: 97 (لعروة) . [311] ربيع الأبرار: 163 ب والمستطرف 1: 7. 10 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 [312]- قال عمر رضي الله عنه: جالسوا التوابين فإنهم أرقّ أفئدة. [313]- وقال أيضا: يا ابن آدم لا يلهك الناس عن نفسك، فإنّ الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع النهار سادرا «1» فإنه محفوظ عليك ما عملت، وإذا أسأت فأحسن فإني لم أر شيئا أشدّ طلبا ولا أسرع دركا من حسنة حديثة لذنب قديم. [314]- قال أبو ذر لغلامه: لم أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعن مع «2» الغيظ أجرا، أنت حرّ لوجه الله. [315]- قال «3» الحسن: كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدّق به وأكل من سفيف يده. [316]- كان أبو بكر رضي الله عنه يقول إذا حضرت الصلاة: قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها.   [312] زهد ابن حنبل: 120 وزهد ابن المبارك: 42 وربيع الأبرار 1: 727 وروضة العقلاء: 31. [313] البيان والتبيين 3: 143 وشرح النهج 12: 117 والبصائر 4: 123 وربيع الأبرار 1: 758 وكنز العمال 16: 158 وسيأتي القول منسوبا لمطرف بن عبد الله بن الشخير رقم: 419 وهو لمطرف في البيان والتبيين 3: 172. [314] نثر الدر 2: 77 والبصائر 2: 331- 332 والمستطرف 1: 193. [315] حلية الأولياء 1: 197- 198 وصفة الصفوة 1: 217 وزهد ابن حنبل: 150 وطبقات ابن سعد 4: 87 وربيع الأبرار 4: 377. [316] ربيع الأبرار: 163/أ، 164/أ، والمستطرف 1: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 [317]- وجّه عمر رضي الله عنه إلى ملك الروم بريدا فاشترت امرأة عمر، أمّ كلثوم بنت عليّ، طيبا بدينار وجعلته في قارورتين وأهدته إلى امرأة «1» ملك الروم، فرجع البريد بملء القارورتين من الجواهر «2» ، فدخل عليها عمر وقد صبّته في حجرها فقال: من أين لك هذا؟ فأخبرته فقبض عليه وقال: هذا للمسلمين، فقالت: كيف وهو عوض من هديتي، قال: بيني وبينك أبوك، فقال عليّ: لك منه بقيمة دينارك والباقي للمسلمين لأن بريد المسلمين حمله. [318]- مرّ عمر براع مملوك فاستباعه شاة، فقال: ليست لي، فقال: أين الغلل؟ فقال: أين الله؟ فاشتراه وعتقه، فقال: اللهم قد رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر. [319]- قال الفضيل: ما ينبغي لك أن تتكلم بفمك كلّه، تدري من كان يتكلم بفمه كله؟ عمر بن الخطاب، كان يطعمهم الطّيب ويأكل الغليظ، ويكسوهم اللّين ويلبس الخشن، ويعطيهم الحقّ ويزيدهم، وأعطى رجلا عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفا فقيل له: ألا تزيد ابنك كما تزيد هذا؟ فقال: إن هذا ثبت أبوه يوم أحد ولم يثبت أبو هذا. [320]- قال الحسن: أتى عمر رضي الله عنه مال كثير فأتته حفصة   [317] ربيع الأبرار 2: 287. [318] البيهقي: 572 والبصائر 7: 119 (وأسند الخبر إلى ابن عمر) ومحاضرات الراغب 2: 402، 1: 211 (وفي الموضع الثاني نسبه إلى ابن عمر) . وهو لابن عمر في ربيع الأبرار 3: 15- 16. [319] شرح النهج 11: 100 وربيع الأبرار: 244/أ (3: 73) . [320] زهد ابن حنبل: 116 وطبقات ابن سعد 3: 277- 278 وقارن بأنساب الاشراف (استانبول) : 698 وربيع الأبرار: 245 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فقالت: يا أمير المؤمنين حق أقربيك، فقد أوصى الله بالأقربين، فقال: يا حفصة إنما حقّ أقربائي من مالي، فأما مال المسلمين فلا، يا حفصة نصحت قومك وغششت أباك، فقامت تجرّ ذيلها. [321]- قال أبو الدرداء: ما من مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت خير له، فمن لم يصدّقني فإنّ الله تعالى يقول: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (آل عمران: 198) ، وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ (آل عمران: 178) . [322]- قال ابن عمر: تضرّعت إلى ربي سنة أن يريني أبي في النوم، حتى رأيته وهو يمسح العرق عن جبينه فسألته فقال: لولا رحمة الله هلك أبوك، إنه سألني عن عقال بعير الصدقة، وعن حياض الإبل، فسمع بذلك عمر بن عبد العزيز فصاح وضرب بيده على رأسه، وقال: فعل هذا بالتقيّ الطاهر، فكيف بابن المترف عمر بن عبد العزيز؟!   [321] ربيع الأبرار: 361/أوالمحاسن والأضداد: 254 وشرح النهج 8: 291 والحكمة الخالدة: 162 وتحسين القبيح: 72 (لابن مسعود مع اختلاف يسير) ومحاضرات الراغب 2: 497. [322] ربيع الأبرار: 401 ب (4: 339) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الفصل الرابع في أخبار التّابعين وسائر طبقات الصالحين رضي الله عنهم وكلامهم ومواعظهم [323]- قال الحسن البصري: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: أنه لم يتمتع بما جمع، ولم يدرك ما أمّل، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه. [324]- كتب سفيان الثوري إلى أخ له: واحذر حبّ المنزلة فإن الزهادة فيها أشدّ من الزهادة «1» في الدنيا. [325]- وقيل لسفيان: أيكون الرجل زاهدا ويكون له المال؟ قال: نعم إن كان إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر. [326]- أتى رجل بعض الزهاد، فقال له الزاهد: ما جاء بك؟ قال: بلغني زهدك، قال: أفلا أدلك على من هو أزهد مني؟ قال: من هو؟ قال: أنت، قال: وكيف ذاك، قال: لأنك زهدت في الجنة وما أعدّ الله فيها، وزهدت أنا في الدنيا على فنائها وذمّ الله إياها، فأنت أزهد مني.   [324] حلية الأولياء 6: 387 وقارن بربيع الأبرار 1: 829 «اياك وطلب المحمدة الى الناس وحبها فإن الزهد فيها أشد من الزهد في الدنيا» . [325] حلية الأولياء 6: 387- 388. [326] عين الأدب: 197 وقارن بنثر الدر 2: 172، 7: 65 (رقم: 29) والبصائر 4: 188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 [327]- لما «1» ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بدأ بلحمته وأهل بيته وأخذ ما كان في أيديهم فسمّى أعمالهم المظالم، ففزعت بنو أمية إلى عمّته فاطمة بنت مروان، فأرسلت إليه: إنه قد عناني أمر لا بدّ من لقائك فيه، فأتته ليلا فأنزلها عن دابتها، فلما أخذت مجلسها قالت: تكلّم يا أمير المؤمنين، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم رحمة، ولم يبعثه عذابا إلى الناس كافّة، ثم اختار له ما عنده فقبضه اليه، وترك لهم نهرا شربهم فيه شربا، ثم قام أبو بكر رضوان الله عليه فترك النهر على حاله، ثم قام عمر فعمل على أمر صاحبه، فلما ولي عثمان اشتقّ من ذلك النهر نهرا، ثم ولي معاوية فاشتقّ الأنهار، ثم لم يزل ذلك النهر يشتقّ منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان، حتى أفضى الأمر إليّ، وقد يبس النهر الأعظم، ولن تري أصحاب النهر حتى يعود النهر الأعظم إلى ما كان عليه. فقالت له: قد أردت كلامك ومذاكرتك، فأما إذا كانت هذه مقالتك فلست بذاكرة لك شيئا، ورجعت إلى بني أمية فقالت: ذوقوا مغبة أمركم في تزويجكم إلى عمر بن الخطاب. وأمّ عمر بن عبد العزيز أمّ عاصم بنت [عاصم بن] عمر بن الخطاب. [328]- ولما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة جمع ولده حوله، فلما رآهم استعبر ثم قال: بأبي وأمي من خلّفتهم بعدي فقراء، فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين فتعقّب فعلك وأغنهم فما يمنعك أحد في حياتك ولا   [327] قارن بصفة الصفوة 2: 69- 70 وطبقات ابن سعد 5: 373 وبسيرة عمر (ابن كثير) : 108- 109 وشرح النهج 17: 103- 104 وربيع الأبرار: 245/أوالمستطرف 1: 102. [328] قارن بصفة الصفوة 2: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 يرتجعه الوالي بعدك، فنظر إليه نظر مغضب متعجّب ثم قال: يا مسلمة منعتهم إياه في حياتي وأشقى به بعد وفاتي؟! إن ولدي بين رجلين: إما مطيع لله فالله تعالى مصلح شأنه ورازقه ما يكفيه، أو عاص له فما كنت لأعينه على معصية؛ يا مسلمة إني حضرت أباك حين دفن فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من الله عز وجل هالني وراعني، فعاهدت الله أني لا أعمل مثل عمله إن وليت، وقد اجتهدت في ذلك طول حياتي، وأرجو أن أفضي إلى [عفو من] الله وغفران. قال مسلمة: فلما دفن حضرت دفنه، فلما فرغ من شأنه حملتني عيني فرأيته فيما يرى النائم وهو في روضة خضراء فيحاء وأنهار مطّردة، وعليه ثياب بيض، فأقبل عليّ وقال: يا مسلمة، لمثل هذا فليعمل العاملون، هذا أو نحوه. [329]- وكتب إليه الحسن البصري لما استخلف: من الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز- فقيل له: إن الرجل قد ولي وتغيّر فقال: لو أعلم أن غير ذلك أحبّ إليه لاتبعت محبّته- أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن، وكأنك بالآخرة لم تزل. قال: فمضى الرسول بالكتاب إليه، فإنه لعنده يتوقّع الجواب إذ خرج يوما غير جمعة حتى صعد المنبر واجتمع الناس، فلما كثروا قام فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس، إنكم في أسلاب الماضين، وسيرثكم الباقون، حتى نصير إلى خير الوارثين، كلّ يوم تجهّزون غاديا إلى الله ورائحا، وقد حضر أجله وطوي عمله، وعاين الحساب، وخلع الأسلاب، وسكن التراب، ثم يدعونه غير موسّد ولا ممهّد، ثم وضع يديه على وجهه فبكى مليا، ثم رفعهما فقال: أيها الناس من وصل إلينا بحاجة لم نأله خيرا، ومن عجز فو الله لوددت أنه وآل عمر في العجز سواء؛ قال: ثم نزل فكتب إلى الحسن: أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات، والسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 [330]- قال المعروف بجسر «1» القصاب: كنت أجلب الغنم في خلافة عمر بن عبد العزيز فمررت براع وفي غنمه نحو من ثلاثين ذئبا، فحسبتها كلابا، ولم أكن رأيت الذئاب قبل ذلك، فقلت: يا راعي، ما ترجو بهذه الكلاب كلّها؟ فقال: يا بنيّ، إنها ليست كلابا إنما هي ذئاب، فقلت: سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها؟ فقال: يا بنيّ إذا صلح الرأس، فليس على الجسد بأس. [331]- وخطب عمر بن عبد العزيز بالشام على منبر من طين، فحمد الله وأثنى عليه ثم تكلم بثلاث كلمات فقال: أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا أمر دنياكم، واعلموا أن رجلا ليس بينه وبين آدم أب حيّ لمعرق في الموت، والسلام عليكم. [332]- ولما مات عبد الملك ابنه جعل عمر يثني عليه «2» فقال له مسلمة: يا أمير المؤمنين، لو بقي كنت تعهد إليه؟ قال: لا، قال: ولم أنت تثني عليه؟ قال: أخاف أن يكون زيّن في عيني [منه] ما زيّن في عين الوالد من ولده. [333]- وروي أنّ مولى لعمر قال له، وقد رجع من جنازة سليمان: مالي أراك مغتما؟ قال: مثل ما أنا فيه يغتمّ له، ليس أحد من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم في شرق الأرض وغربها إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقّه غير كاتب إليّ فيه   [330] حلية الأولياء 5: 255 وقارن بما في طبقات ابن سعد 5: 387. [331] حلية الأولياء 5: 265 وطبقات ابن سعد 5: 398 وبعضه في حلية الأولياء 5: 298 وانظر غرر الخصائص: 115. [332] حلية الأولياء 5: 267 وزهد ابن حنبل: 301. [333] حلية الأولياء 5: 289 وصفة الصفوة 2: 66 وزهد ابن حنبل: 292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ولا طالبه مني. [334]- وقال عمر لرجل من جلسائه: لقد أرقت الليلة تفكرا، قال: فيم يا أمير المؤمنين؟ قال: في القبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة «1» في قبره لا ستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتا تجول فيه الهوامّ ويجري فيه الصديد وتخترقه الديدان، مع تغيّر الريح وبلى الأكفان، بعد حسن الهيئة وطيب الريح ونقاء الثوب، ثم شهق شهقة وخرّ مغشيا عليه، فقالت فاطمة: يا مزاحم، ويحك أخرج هذا الرجل عنّا فلقد نغّص على أمير المؤمنين الحياة منذ ولي، فليته لم يكن، فخرج الرجل، فجاءت فاطمة تصبّ على وجهه الماء وتبكي حتى أفاق من غشيته، فرآها تبكي فقال: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أمير المؤمنين، رأيت مصرعك بين أيدينا فذكرت به مصرعك بين يدي الله عز وجل للموت وتخلّيك من الدنيا وفراقك لنا، فذاك الذي أبكاني. قال: حسبك يا فاطمة فلقد أبلغت، ثم مال ليسقط فضمّته إليها وقالت: بأبي أنت يا أمير المؤمنين ما نستطيع أن نكلمك بكلّ ما نجد لك في قلوبنا، فلم يزل على حاله تلك حتى حضرته الصلاة فصبّت على وجهه ماء ثم نادته: الصلاة يا أمير المؤمنين، فأفاق فزعا. [335]- وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الموسم: أما بعد فإني أشهد الله وأبرأ إليه في الشهر الحرام والبلد الحرام ويوم الحجّ الأكبر أني بريء من ظلم من ظلمكم، وعدوان من اعتدى عليكم، أن أكون أمرت بذلك أو رضيته أو   [334]- حلية الأولياء 5: 268- 269 وسيرة عمر (ابن كثير) : 82- 83 وسيرة عمر (ابن الجوزي) : 187. [335] حلية الأولياء 5: 292- 293. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 تعمدته، إلا أن يكون وهما مني، أو أمرا خفي عليّ لم أتعمده، وأرجو أن يكون ذلك موضوعا عنّي مغفورا لي إذا علم مني الحرص والاجتهاد. ألا وإنه لا إذن على مظلوم دوني، وأنا معوّل كلّ مظلوم، ألا وأيّ عامل من عمالي رغب عن الحقّ ولم يعمل بالكتاب والسنة فلا طاعة له عليكم، وقد صيّرت أمره إليكم حتى يراجع الحقّ وهو ذميم. ألا وإنه لا دولة بين أغنيائكم ولا أثرة على فقرائكم في شيء من فيئكم، ألا وأيّما وارد ورد في أمر يصلح الله به خاصّا أو عاما من «1» هذا الدين فله بين مائة دينار إلى ثلاثمائة دينار على قدر ما نوى من الحسنة وتجشّم من المشقة. رحم الله امرءا لم يتعاظمه سفر يحيي الله «2» به حقا لمن وراءه. لولا أن أشغلكم عن مناسككم لرسمت لكم أمورا من الحقّ أحياها الله، وأمورا من الباطل أماتها الله عنكم، وكان الله هو المتوحد بذلك فلا تحمدوا غيره، فإنه لو وكلني إلى نفسي كنت كغيري، والسلام. [336]- وقال عمر: ما أحبّ أن يخفّف عني الموت لأنه آخر ما يؤجر المسلم عليه. [337]- وقال رجاء بن حيوة: قوّمت ثياب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة اثنا عشر درهما، فذكر قميصه ورداءه وقباءه وسراويله وعمامته وقلنسوته وخفّيه. [338]- وقيل إنه كان في إمارته على المدينة إذا غسل ثيابه أعطي غاسلها دراهم ممن يغسل ثيابه بعدها من كثرة الطّيب، وكان يلبس الرقيق من الثياب   [336] حلية الأولياء 5: 317. [337] حلية الأولياء 5: 323، ومحاضرات الراغب 2: 366 وصفة الصفوة 2: 67 وشرح النهج 11: 197 وألف باء 1: 449 وسيرة عمر (ابن الجوزي) 75، 85 والشفا: 86. [338] نثر الدر 2: 118 والبصائر 2: 603. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ويبالغ في أثمانها. [339]- وقال عمر لجلسائه: أخبروني بأحمق الناس؟ قالوا: رجل باع آخرته بدنياه، فقال: ألا أنبئكم بأحمق منه؟ قالوا: بلى، قال: رجل باع آخرته بدنيا غيره. [340]- وروي «1» أنه أتي بعنبرة من اليمن، فوضع يده على أنفه بثوبه. فقال له مزاحم: إنما هو ريحها يا أمير المؤمنين، قال: ويحك يا مزاحم، وهل ينتفع من الطّيب إلا بريحه، (وإنما اقتدى في ذلك بعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حمل إليه الكافور من فتح العراق، فإنه فعل مثل هذا الفعل فيه، وقال مثل هذه المقالة) . [341]- ولما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر بن عبد العزيز دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أقفرت أفواه ولدك من هذا المال، فتركتهم عيلى لا شيء لهم. فلو «2» أوصيت بهم إليّ أو إلى نظرائي من أهل بيتك، فقال: أسندوني، ثم قال: أما قولك إنّي أقفرت أفواه ولدي من هذا المال، فإني والله ما منعتهم حقا هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم، وأما قولك لو أوصيت بهم إليّ أو إلى نظرائي من أهل بيتي، فإن وصيي وولييّ فيهم   [339] حلية الأولياء 5: 325 وشرح النهج 18: 329 وقارن بالايجاز والاعجاز: 27 حيث أورد القول منسوبا للحاكم وزير نوح بن نصر. [340] حلية الأولياء 5: 326 وقارن بطبقات ابن سعد 5: 368 وبسيرة عمر (ابن عبد الحكم) : 40 ومطالع البدور 1: 62. [341] نثر الدر 2: 128 وحلية الأولياء 5: 333 وصفة الصفوة 2: 71 وسيرة عمر (ابن عبد الحكم) : 97- 98 وألف باء 1: 458 وقارن برقم: 328 في ما تقدّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (الأعراف: 196) . بنيّ أحد رجلين إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجا، وإما رجل مكبّ على المعاصي فإني لم أكن لأقوّيه على معصية الله. ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا، قال: فنظر إليهم فذرفت عيناه فبكى ثم قال: بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلى لا شيء لهم، بل بحمد الله قد تركتهم بخير، أي بنيّ إنكم لن تلقوا أحدا من العرب ولا من المعاهدين «1» إلا أنّ لكم عليه حقا، أي بنيّ إن أباكم ميّل «2» بين أمرين: بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة أحبّ إليه من أن تستغنوا ويدخل النار؛ قوموا عصمكم الله. [342]- لما حضرت عبد الله بن شداد الوفاة دعا ابنه محمدا فأوصاه وقال: يا بني إني أرى داعي الموت «3» لا يقلع، وبحقّ إنّ من مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه ينزع، يا بنيّ: ليكن أولى الأمور بك تقوى الله في السرّ والعلانية والشكر لله وصدق الحديث والنيّة، فإن الشكر مزيد والتقوى خير زاد، كما قال الحطيئة: [من الوافر] . ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكنّ التقيّ هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقى مزيد «4»   [342] البيان والتبيين 2: 113- 114، 262 والعقد 3: 186 وأمالي القالي 2: 202 وأنس المحزون: 6/أوالأغاني 2: 146 ولباب الآداب: 22 والحماسة البصرية 2: 67 وديوان الحطيئة: 393 (وهي ملحقة بديوانه) وورد البيتان الأول والثاني في الحماسة البصرية 2: 424 وهما منسوبان لعبد الله بن المخارق نابغة بني شيبان وكذلك في حماسة البحتري: 159 وهما من قصيدة طويلة في ديوانه: 35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وما لا بدّ أن يأتي قريب ... ولكن الذي يمضي بعيد [343]- وقال بعضهم: الايام ثلاثة فأمس حكيم مؤدّب أبقى فيك موعظة وترك فيك عبرة، واليوم ضيف كان عنك طويل الغيبة وهو عنك سريع الظعن، وغدا لا تدري من صاحبه. [344]- وأنشد الرياشي: [من البسيط] . حتّى متى نحن في الأيام نحسبها ... وإنما نحن فيها بين يومين يوم تولّى ويوم نحن نأمله ... لعله أجلب الأيام للحين [345]- وقال الأقرع بن معاذ: [من الطويل] . وقد هوّن الدنيا عليّ وأهلها ... منازل قد بادت وبادت قرونها وأني أراني للمنايا رهينة ... وأنّ المنايا لا يفكّ رهينها [346]- وقال أيضا: [من الطويل] . بكت أمّ بكر أن تشتّت شملها ... وأن أصبحوا منهم شعوب وهالك فقالت كذاك الناس ماض ولابث ... وباك قليلا شجوه ثم ضاحك فإمّا تريني اليوم حيّا فإنني ... على قتب من غارب الموت وارك [347]- قال خالد بن صفوان بن الأهتم: أوفدني يوسف بن عمر إلى   [343] بهجة المجالس 2: 330 وحلية الأولياء 7: 305 والنمر والثعلب: 110 (71) وقارن بما قاله سفيان الثوري (حلية الأولياء 7: 287) . [345] الأقرع بن معاذ: اسمه الأشيم بن معاذ القشيري وقيل اسمه معاذ بن كليب، كان في أيام هشام ابن عبد الملك، وكان يناقض جعفر بن علبة الحارثي اللص (معجم المرزباني: 291) . [347] الذهب المسبوك: 183- 186 وعيون الأخبار 2: 341 والأغاني 2: 136 والامامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 هشام بن عبد الملك في وفد أهل العراق، قال: فقدمت عليه، وقد خرج بقرابته وحشمه وحاشيته وجلسائه فنزل في أرض قاع صحصح، في عام قد بكّر وسميّه وتتابع وليّه، وأخذت الأرض زينتها، فهي في أحسن منظر، قال: وقد ضرب له سرادق من حبر كان يوسف بن عمر صنعه له باليمن، فيه فسطاط فيه أربعة أفرشة من خزّ أحمر، مثلها مرافقها، وعليه درّاعة من خزّ أحمر مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم، قال فأخرجت رأسي من ناحية السمّاط، فنظر إليّ شبه المستنطق لي، فقلت: أتمّ الله نعمه عليك يا أمير المؤمنين، وجعل ما قلّدك من هذا الأمر رشدا، وعاقبة ما يؤول إليه حمدا، أخلصه الله لك بالتقى وكثّره لك بالنماء، ولا كدّر عليك ما صفا، ولا خالط سرورك الأذى، فلقد أصبحت للمؤمنين ثقة [ومستراحا]- إليك يقصدون في مظالمهم ويفزعون في أمورهم، وما أجد شيئا هو يا أمير المؤمنين أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك، فإن أذن أمير المؤمنين أخبرته به، قال: فاستوى جالسا وكان متكئا ثم قال: هات يا ابن الأهتم، قلت: يا أمير المؤمنين، إنّ ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق والسّدير، وكان قد أعطي فتاء السنّ مع الكثرة والغلبة والقهر، فنظر فأبعد النظر، ثم قال لجلسائه: هل رأيتم مثل ما أنا فيه وهل أعطي مثل ما أعطيت؟ قال: وعنده رجل من بقايا حملة الحجّة والمضيّ على أدب الحقّ ومنهاجه، قال: ولم تخل الأرض من قائم لله عز وجل بحجّة في عباده، فقال: أيها الملك إنك قد سألت عن أمر، أفتأذن في الجواب عنه؟ قال: نعم، قال: أرأيت الذي أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك؟ قال: كذلك هو، قال: فلا أراك إلا أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا وتغيب عنه طويلا، وتكون غدا بحسابه   والسياسة 2: 105 ومعجم الأدباء 11: 28- 34 والمصباح المضيء 2: 110 وقصيدة عدي بن زيد في ربيع الأبرار 1: 596- 598 وعيون الأخبار 3: 115 والشريشي 3: 393- 394 ومنها عشرة أبيات في العقد 3: 191 وديوان عدي: 84 (وفيه تخريج كثير) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 مرتهنا، قال: ويلك فأين المهرب وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة الله، على ما ساءك وسرّك وأمضّك وأرمضك، وإما أن تضع تاجك وتلبس أطمارك وتعبد ربّك حتى يأتيك أجلك، قال: فإذا كان السحر فاقرع عليّ بابي، فإني مختار أحد الرأيين فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا يعصى، وإن اخترت فلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا يخالف، فقرع عليه الباب عند السّحر، فإذا هو قد وضع تاجه ولبس أمساحه وتهيّأ للسياحة، فلزما والله الجبل حتى أتاهما أجلهما، وهو حيث يقول عدي بن زيد العباديّ: [من الخفيف] . أيها الشامت المعيّر بالده ... ر أأنت المبرّأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأيا ... م بل أنت جاهل مغرور من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير أين كسرى، كسرى الملوك أنوشر ... وان، أم أين قبله سابور وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور شاده مرمرا وشيّده كل ... سا فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك منه فبابه مهجور وتذكّر ربّ الخورنق اذ أش ... رف يوما وللهدى تفكير سرّه ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسدير فارعوى قلبه وقال وما غب ... طة حيّ إلى الممات يصير ثم بعد الفلاح والملك والإ ... مّة وارتهم هنالك القبور ثم أضحوا كأنّهم ورق ج ... فّ فألوت به الصّبا والدّبور قال: فبكى والله هشام حتى اخضلّت لحيته وبلّ عمامته، وأمر بنزع أبنيته ولزم قصره، فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان وقالوا: ما أردت إلى أمير المؤمنين؟ أفسدت عليه لذته ونغّصت عليه باديته، فقال: إليكم عنّي فإنّي عاهدت الله عهدا ألا أخلو بملك إلا ذكّرته الله عزّ وجل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 [348] قال الحسن بن أبي الحسن البصري: المؤمن يصبح حزينا ويمسي حزينا، ولا يسعه إلا ذلك لأنه بين مخافتين: بين ذنب قد مضى لا يدري ما الله يصنع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيبه فيه من المهالك. [349]- وقال الحسن: يحقّ لمن يعلم أن الموت مورده، وأن القيامة موعده، وأن القيام بين يدي الله مشهده، أن يطول حزنه. [350]- ومن كلام الحسن رحمه الله: وقد يدلّك على شرّ هذه الدار، أن الله زواها عن أنبيائه وأحبّائه اختبارا، وبسطها لغيرهم اعتبارا واغترارا، فيظنّ المغرور فيها والمفتون عليها أنه إنما أكرمه بها، ونسي ما صنع بمحمد صلّى الله عليه وسلّم نبيه ورسوله، وبموسى المصطفى بالكرم وبمناجاة المختار له، فأمّا محمد فشدّ الحجر على بطنه من الجوع، وأما موسى الكليم فرئي خضرة البقل من صفاق بطنه من هزاله، وما سأل الله يوم أوى إلى الظلّ طعاما من جوعه، ولقد جاءت الروايات عنه أن الله أوحى إليه: أن يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى قد أقبل فقل ذنب عجّلت عقوبته. وإن شئت ثلثت «1» بصاحب الروح والكلمة ففي أمره عجيبة، كان يقول أدمي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمر، وصلائي في الشتاء مشارق الشمس، وفاكهتي وريحاني ما أنبتت الأرض للسباع والأنعام، أبيت وليس لي شيء وليس أحد أغنى مني. ولو   [348] حلية الأولياء 2: 132 وقوله «بين مخافتين ... الخ» من حديث للرسول في زهد ابن المبارك: 102 وقارن بما في كتاب الحسن البصري: 61 وأمالي الطوسي 1: 211 (لعلي) . [349] حلية الأولياء 2: 133 والبصائر 2: 127. [35] حلية الأولياء 2: 136- 138 وقارن بربيع الأبرار 4: 383 حيث نسب لعلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 شئت ربّعت بسليمان بن داود فليس دونهم في العجب، كان يأكل خبز الشعير في خاصّته ويطعم أهله الخشكار ويطعم النّاس الدرمك «1» ، فإذا جنّه الليل لبس المسوح وغلّ اليد إلى العنق وبات باكيا حتى يصبح، كلّ هذا منهم: يبغضون ما أبغض الله، ويصغّرون ما صغّر الله، ويزهدون فيما فيه زهّد. ثم اقتصّ الصالحون بعد منهاجهم، وأخذوا بآثارهم، وألزموا أنفسهم الذكر والعبر، وألطفوا الفكر، وصبروا في مدة الأجل القصير عن متاع الغرور، والذي إلى الفناء يصير، [ونظروا] إلى آخر الدنيا ولم ينظروا إلى أولها، ونظروا إلى باطن الدنيا ولم ينظروا إلى ظاهرها، ونظروا إلى عاقبة مرارتها ولم ينظروا إلى عاجلة حلاوتها، وأنزلوها من أنفسهم بمنزلة الميتة التي لا يحلّ الشبع منها في حال «2» الضرورة إليها، فأكلوا منها قدر ما ردّ النفس وبقّى الروح ومكّن من النوم. [351]- ومن كلام الحسن: لا تغتّر يا ابن آدم بقول من يقول أنت مع من أحببت، فإنه من أحبّ قوما تبع آثارهم، واعلم أنك لم «3» تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم وحتى تهتدي بهداهم «4» وتقتدي بسنتهم، فتسلك مسلكهم، وتأخذ طريقتهم، وإنما ملاك الأمر أن تكون على استقامة. والله إنما هلك من هلك حين تشعبت بهم السبل وحادوا عن الطريق، فتركوا الآثار وقالوا في الدين برأيهم، فضلوا وأضلوا. يا ابن آدم ما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء المردية يحبّون أنبياءهم وليسوا معهم لأنهم خالفوهم في العمل والقول وسلكوا غير طريقتهم فصار موردهم إلى النار، فتعوّذ بالله من ذلك «5» . قال الله عز وجل: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا 11 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ (الاعراف: 169) . وقال: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (النساء: 124) . وقال: وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (الحديد: 14) . وقال: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (النجم: 39- 41) . [352]- ولما ولي عمر بن هبيرة العراق أرسل إلى الحسن البصريّ وإلى الشعبيّ فأمر لهما ببيت فكانا فيه شهرا أو نحوه، ثم إن الخصيّ غدا عليهما ذات يوم فقال: إن الأمير داخل عليكما، فجاء عمر يتوكأ على عصا له، فسلّم ثم جلس معظّما لهما فقال: إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يكتب إليّ كتبا أعلم أن في إنفاذها الهلكة، فإن أطعته عصيت الله، وإن عصيته أطعت الله، فهل ترون لي في متابعتي إياه فرجا؟ فقال الحسن: يا أبا عمرو أجب الأمير، فتكلم الشعبيّ فانحطّ في حبل ابن هبيرة، فقال: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال: أيها الأمير قد قال الشعبي ما قد سمعت، قال: ما تقول أنت؟ قال: أقول يا عمر بن هبيرة يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله فظّ غليظ لا يعصي الله ما أمره فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك «1» ، يا عمر ابن هبيرة إن تتّق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك، ولن يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله. يا عمر بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما   [352] حلية الأولياء 2: 149- 150 وقارن بعيون الأخبار 2: 343 ومجموعة ورام 1: 88- 89 والبيهقي 343، 344، والمصباح المضيء 2: 211 ومحاضرات الأبرار 1: 117 وشرح النهج 16: 158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 تعمل في «1» طاعة يزيد بن عبد الملك نظرة مقت فيغلق بها باب المغفرة دونك؛ يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة كانوا والله على الدنيا، وهي مقبلة، أشدّ إدبارا من إقبالهم عليها وهي مدبرة؛ يا عمر بن هبيرة إني أخوّفك مقاما خوّفكه الله تعالى فقال: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (ابراهيم: 14) يا عمر ابن هبيرة إن تك مع الله في طاعته يكفك بائقة يزيد بن عبد الملك، وإن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله يكلك الله إليه. قال: فبكى عمر وقام بعبرته. فلما كان الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزهما فأكثر منه ما للحسن، وكان في جائزة الشعبي بعض الإقتار، فخرج الشعبي إلى المسجد فقال: أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله على خلقه فليفعل، فوالذي نفسي بيده ما علم الحسن شيئا جهلته ولكن أردت وجه ابن هبيرة فأقصاني الله منه. [353]- قال هشيم بن بشير قلت لعمرو بن عبيد: صف لي الحسن؟ فقال: كان إذا أقبل فكأنه قد جاء من دفن أمه، وكأنّ زفير جهنّم في آذانه، وكأنه قد قعد قعود الأسير يضرب عنقه. [354]- وقال همّام بن مطر: كان رجل أهل البصرة جابر بن زيد، فلمّا ظهر الحسن جاء رجل كأنما كان في الآخرة فهو يخبر عما رأى وعاين. [355]- وقال عون بن ذكوان: صلّى بنا زرارة بن أوفى صلاة الصبح   [353] البيان 3: 171 وقارن بما في ربيع الأبرار 1: 808 وعيون الأخبار 2: 355- 356 ومحاضرات الراغب 2: 412، وهشيم بن بشير بن القاسم السلمي محدث حافظ وثقه ابن سعد وغيره وكانت وفاته سنة 183 (تهذيب التهذيب 11: 59- 64) . [355] عيون الأخبار 2: 366 وطبقات ابن سعد 7: 150 وحلية الأولياء 2: 258 وأخبار القضاة 1: 294 وصفة الصفوة 3: 52 وزهد ابن حنبل: 247 والبصائر 2: 231؛ وعون ابن ذكوان هو أبو جناب القصاب، وهو بالكنية أعرف، وقال الدارقطني متروك، ووثقه غيره (ميزان الاعتدال 3: 305) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فقرأ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ حتى بلغ منها إلى قوله تعالى: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (المدّثّر: 1- 8) خرّ ميتا. [356]- روي أن محمد بن سيرين ركبه دين فقال: إني لأعرف الذنب الذي حمل به عليّ الدين ما هو، قلت لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس. فحدّث بهذا الحديث أبو سليمان الداراني فقال: قلّت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى. [357]- وروي أن ثابتا البناني بكى حتى كادت عينه تذهب، فجاء برجل يعالجها فقال: أعالجها على أن تطيعني. قال: على أيّ شيء؟ قال: على أن لا تبكي. قال: فما خيرهما إن لم يبكيا؟ وأبى أن يعالج. [358]- اجتمع مالك بن دينار ومحمد بن واسع، فقال مالك: إني لأغبط رجلا معه دينه [له قوام من عيش راض عن ربه عز وجل؛ فقال محمد ابن واسع: إني لأغبط رجلا معه دينه] «1» ليس معه شيء من الدنيا راضيا عن ربه. فانصرف القوم عنهما وهم يرون أن محمدا أقوى الرجلين. [359]- وقال رجل لمحمد بن واسع: أوصني، قال: أوصيك أن تكون ملكا في الدنيا والآخرة، فقال: كيف لي بذلك؟ قال: ازهد في الدنيا.   [356] حلية الأولياء 2: 271 وصفة الصفوة 3: 169 وربيع الأبرار 1: 752. [357] حلية الأولياء 2: 323 وصفة الصفوة 3: 185. [358] حلية الأولياء 2: 349. [359] حلية الأولياء 2: 350- 351 والحكمة الخالدة: 162 ومحاضرات الراغب 1: 518. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 [360]- وكان أيوب السختياني يقول: ليتّق الله رجل، وإن زهد فلا يجعلنّ زهده عذابا على الناس، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه. وكان أيوب ممن يخفي زهده؛ قال حماد بن زيد: فدخلنا عليه مرة فإذا على فراشه مجلس أحمر فرفعته- أو رفعه بعض أصحابه- فإذا خصفة محشوّة بليف. [361]- وكان يقول: والله ما صدق عبد إلّا سرّه ألا يشعر بمكانه. [362]- وقال له إنسان يوما: أوصني يا أيّوب، فقال: أقلّ الكلام. [363]- قال عون بن عبد الله: كان أخوان في بني إسرائيل، فقال أحدهما لصاحبه ما أخوف عمل عملته عندك؟ قال ما عملت عملا أخوف عندي من أني مررت بين قراحي سنبل فأخذت من أحدهما سنبلة، ثم ندمت فأردت أن ألقيها في القراح الذي أخذتها منه فلم أدر أيّ القراحين هو، فطرحتها في أحدهما، فأخاف أن أكون طرحتها في القراح الذي لم آخذها منه. فما أخوف عمل عملته أنت عندك؟ قال الآخر: إذا قمت إلى الصلاة أخاف أن أكون أحمل على إحدى رجليّ فوق ما أحمل على الأخرى. قال: وأبوهما يسمع كلامهما، فقال: اللهم إن كانا صادقين فاقبضهما إليك قبل أن يفتتنا فماتا. قال يزيد بن هارون: أي هؤلاء أفضل؟ الأب ارى أفضل.   [360] حلية الأولياء 3: 6 وربيع الأبرار: 262/أ؛ وأيوب بن أبي تميمة السختياني أبو بكر، كان ثقة ثبتا في الحديث جامعا وكان يكره الشهرة ويقول: ذكرت وما أحبّ أن أذكر، وتوفي في الطاعون بالبصرة سنة 131 (ابن سعد 7: 246) وتوفي حماد بن زيد أبو اسماعيل سنة 179 وكان له أربعة آلاف حديث يحفظها ولم يكن له كتاب (عبر الذهبي 1: 274) . [361] حلية الأولياء 3: 6. [362] حلية الأولياء 3: 7 (والذي طلب منه الوصية هو صالح بن أبي الأخضر) . [363] حلية الأولياء 4: 249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 [364] كان زبيد الأيامي «1» إذا كانت ليلة مطيرة أخذ بشعلة من نار فطاف على عجائز الحيّ فقال: أوكف عليكنّ البيت؟ أتردن نارا؟ فإذا أصبح طاف على عجائز الحيّ فيقول: ألكنّ في السوق حاجة؟ أتردن شيئا؟ [365]- وروي أن منصور بن المعتمر «2» صام ستين سنة، قام ليلها وصام نهارها، وكان يبكي فتقول له أمه: يا بنيّ قتلت قتيلا؟ فيقول: أنا أعلم بما صنعت بنفسي، فإذا كان الصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرّق شفتيه وخرج إلى الناس. [366]- قال عبد الله بن محيريز: إني صبحت فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: أوصني رحمك الله؛ قال: احفظ عني ثلاث خصال ينفعك الله بها، إن استطعت أن تعرف ولا تعرف فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تتكلّم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يقام «3» إليك فافعل.   [364] حلية الأولياء 5: 31؛ وزبيد بن الحارث اليامي أو الأيامي محدث كوفي توفي سنة 122 أو 124 وقد وثقوه، وقال فيه البخاري كان صدوقا (تهذيب التهذيب 3: 310- 311) . [365] حلية الأولياء 5: 41 وصفة الصفوة 3: 62 وقارن بطبقات ابن سعد 6: 337؛ ومنصور المعتمر السلمي أبو عتاب كان ثقة مأمونا كثير الحديث رفيعا عاليا توفي سنة 132؛ انظر طبقات ابن سعد (نفسه) وتهذيب التهذيب 10: 312- 315) . [366] حلية الأولياء 5: 141 وبعضه في عيون الأخبار 2: 358؛ وعبد الله بن محيريز مكي نزل الشام وسكن بيت المقدس، وكان الأوزاعي لا يذكر خمسة من السلف إلا ذكره فيهم، وكانت وفاته سنة 99 هـ (تهذيب التهذيب 6: 32) وفضالة بن عبيد الذي يروي عنه عبد الله أنصاري، انتقل إلى الشام وسكن دمشق، وكان فيها قاضيا لمعاوية (الاستيعاب: 1262) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 [367]- قال الأعشى وهو ميمون بن قيس: [من الطويل] . إذا أنت لم ترحل بزاد من التّقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد كما كان أرصدا [368]- وقال عمران بن حطان: [من الطويل] . أرى أشقياء الناس لا يسأمونها ... على أنّهم فيها عراة وجوّع أراها وإن كانت تحبّ فإنّها ... سحابة صيف عن قليل تقشّع [369]- أهدى رجل نصرانيّ إلى الأوزاعيّ جرة عسل وقال له: يا أبا عمرو، تكتب لي إلى والي بعلبك فقال: إن شئت رددت «1» الجرة وكتبت لك، وإلّا قبلت الجرة ولم أكتب لك. قال: ردّ الجرة، [فردّها] وكتب له فوضع عنه ثلاثين دينارا. [370]- قال صالح المري وقفت في دار «2» المورياني «3» حين خربت، فعرض لي فيها بضع عشرة آية: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا (القصص: 58) وكَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (الدخان:   [367] ديوان الأعشى: 103 والأغاني 9: 122. [368] شعر عمران في الخزانة 2: 440 وابن كثير 9: 53 والذهبي 3: 284 والشريشي 2: 318 ومجموعة المعاني: 4 وكنايات الجرجاني: 101 وانظر ديوان شعر الخوارج: 172 (وفيه مزيد من التخريج) . [369] حلية الأولياء 6: 143 وصفة الصفوة 4: 230. [370] حلية الأولياء 6: 169 وقارن بالبيان والتبيين 3: 149 ومحاضرات الراغب 1: 216. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 25) وما أشبه ذلك، قال: فإني أقرأ إذ خرج عليّ أسود من ناحيتها، فقال يا أبا عبد الله، هذه سخطة مخلوق على مخلوق «1» فكيف بسخطة الخالق؟ قال: ثم ذهب فاتبعته فلم أر أحدا. [371]- وقال صالح قال لي عطاء: يا أبا بشر أشتهي الموت ولا أرى لي فيه راحة، غير أني قد علمت أن الميت قد حيل بينه وبين الأعمال، فاستراح من أن يعمل معصية «2» فيحطب «3» على نفسه، والحيّ في كل يوم هو من نفسه على وجل، وآخر ذلك كلّه الموت. [372]- وكان عطاء السلميّ إذا فرغ من وضوئه انتفض وارتعد وبكى بكاء شديدا، فقيل له في ذلك، فيقول: إني أريد أن أقدم على أمر عظيم، أريد أن أقوم بين يدي الله عز وجل. وكذلك كان يصيب عليّ بن الحسين زين العابدين، فيقال له في ذلك، فيقول: أتدرون إلى من أقوم ومن أريد أن أناجي؟. [373]- روي أنّ عبد الواحد بن زيد لقي عتبة بن أبان الغلام برحبة القصّابين في يوم شات شديد البرد، فإذا هو يرفضّ عرقا، فقال له عبد الواحد: عتبة قال: نعم، قال: فما شأنك؟ مالك تعرق في مثل هذا   [371] هو عطاء السلمي أو العبدي؛ وقوله هذا في حلية الأولياء 6: 223. [372] ورد الخبر في حلية الأولياء 6: 218 وعن ما كان يصيب علي بن الحسين انظر طبقات ابن سعد 3: 28 وحلية الأولياء 3: 133 ونثر الدر 1: 338 والعقد 3: 169 والشفا: 109. والبداية والنهاية 9: 104 ونسب ذلك إلى الحسن في ربيع الأبرار: 162 ب. [373] حلية الأولياء 6: 228 وربيع الأبرار 1: 760/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 اليوم؟ قال: خير، قال: لتخبرنّي، قال: خير، قال فقال: بالأنس الذي بيني وبينك والإخاء إلا ما أخبرتني، قال: إني والله ذكرت ذنبا أصبته في هذا المكان فهذا الذي رأيته من أجل ذلك. [374]- وكان رأس مال عتبة فلسا، فيشتري بالفلس الخوص، فإذا عمله باعه بثلاثة فلوس، فلس يتصدّق به، وفلس يتّخذه رأس مال، وفلس يشتري به شيئا يفطر عليه. [375]- ونازعت عتبة نفسه لحما، فقال لها: اندفعي عنّي إلى قابل، فما زال يدافعها سبع سنين، حتى إذا كان في السابعة أخذ دانقا ونصفا أفلاسا فأتى بها صديقا له من أصحاب عبد الواحد بن زيد خبازا، فقال: يا أخي إن نفسي تنازعني لحما منذ سبع سنين، وقد استحييت منها، كم أعدها وأخلفها، فخذ لي رغيفين وقطعة من لحم بهذا الدانق والنصف، فلما أتى به إذا هو بصبي، قال: يا صبي ألست أنت ابن فلان وقد مات أبوك؟ قال: بلى، فجعل يبكي ويمسح رأسه، وقال: قرة عيني من الدنيا أن تصير شهوتي في بطن هذا اليتيم، فناوله ما كان معه ثم قرأ وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (الانسان: 8) . [376]- كان يجالس سفيان الثوريّ رجل ضرير، فإذا كان شهر رمضان يخرج إلى السواد فيصلّي بالناس، فيكسى ويعطى، فقال سفيان: إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم، ويقال لمثل هذا: قد تعجّلت ثوابك في الدنيا «1» فقال: يا أبا عبد الله تقول لي هذا وأنا جليس لك؟ قال: إني   [374] حلية الأولياء 6: 229- 230. [375] حلية الأولياء 6: 230. [376] حلية الأولياء 7: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 أخاف أن يقال لي يوم القيامة: هذا كان جليسك، أفلا «1» نصحته؟. [377]- وقال سفيان: لو أنّ اليقين استقرّ في القلب كما ينبغي لطار فرحا وحزنا، شوقا إلى الجنة وخوفا من النار. [378]- وكان سفيان بمكة فمرض ومعه الأوزاعيّ، فدخل عليه عبد الصمد بن علي فحوّل وجهه إلى الحائط، فقال الأوزاعيّ لعبد الصمد: إن أبا عبد الله سهر البارحة فلعلّه أن يكون نائما، فقال سفيان: لست بنائم، لست بنائم؛ فقام عبد الصمد، فقال الأوزاعيّ لسفيان: أنت مستقتل لا يحلّ لأحد أن يصحبك. [379]- وعنه أنه قال: النظر إلى وجه الظالم خطيئة، ولا تنظروا إلى الأئمة المضلّين إلّا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم. [380]- وقال، وقد ذكروا أمر السلطان وطلبهم إياه: أترون أني أخاف هوانهم «2» ؟ إنما أخاف كرامتهم «3» . [381]- قال عبد الرحمن بن مهديّ: ما عاشرت في الناس رجلا هو   [377] حلية الأولياء 7: 17. [378] حلية الأولياء 7: 38. [379] حلية الأولياء 7: 40. [380] حلية الأولياء 7: 40. [381] حلية الأولياء 7: 60 وصفة الصفوة 3: 84- 85؛ وعبد الرحمن بن مهدي البصري الحافظ أبو سعيد، كان الغالب عليه حديث سفيان، وكان ثقة توفي سنة 198 (تهذيب التهذيب 6: 279- 281. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أرقّ من سفيان الثوري، قال ابن مهدي: وكنت أرمقه الليلة بعد الليلة، فما كان ينام إلا في أول الليل ثم ينتفض فزعا مرعوبا ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم واللذات «1» ، كأنه يخاطب رجلا في البيت، ثم يدعو بماء إلى جانبه فيتوضأ ثم يقول على أثر وضوئه: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلّم بما أطلب، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار، إلهي إن الجزع قد أرّقني والخوف فلم يؤمنّي، وكلّ هذا من نعمك «2» السابغة عليّ، وكذلك فعلت بأوليائك وأهل طاعتك، إلهي قد علمت أن لو كان لي عذر في التخلّي ما أقمت مع الناس «3» طرفة عين، ثم يقبل على صلاته. وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى إني كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه، وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياء وهيبة منه. [382]- ورؤي سفيان يأكل الطباهج، وقال: إني لم أنهكم عن الأكل، ولكن انظر من أين تأكل، وادخل «4» وانظر على من تدخل، وتكلّم وانظر كيف تكلم، كيف أنهاكم عن الأكل، والله عز وجل يقول خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا (الأعراف: 31) . [383]- وعن سفيان أنه رأى رجلا قريبا من المنبر فقال له: شغلتني يا فلان بقربك من المنبر، أما خفت أن يقولوا قولا «5» فيجب عليك رده؟ فقال له   [382] حلية الأولياء 7: 70. [383] حلية الأولياء 7: 70 وربيع الأبرار: 372/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الرجل: أليس يقال ادن واستمع؟ قال: ذاك لأبي بكر وعمر والخلفاء، فأمّا هؤلاء فتباعد منهم حتى لا تسمع كلامهم ولا ترى وجوههم. [384]- روي أنّ عليا والحسن ابني صالح بن حي وأمهما كانوا قد جزّءوا الليل كله ثلاثة أجزاء، فكان علي يقوم الثلث ثم ينام، ويقوم الحسن الثلث ثم ينام، وتقوم أمهما الثلث، فماتت أمهما، فجزءا الليل بينهما «1» فكانا يقومان به حتى الصباح، ثم مات عليّ فقام به الحسن كله. [385]- وكان الحسن بن صالح لا يقبل من أحد شيئا، فيجيء إليه صبيه وهو في المسجد، فيقول: أنا جائع، فيعلله بشيء حتى تذهب الخادم إلى السوق، فتبيع ما غزلت هي ومولاتها من الليل، ثم تشتري قطنا وتشتري شيئا من الشعير، فتجيء به فتطحنه ثم تعجنه فتخبز ما يأكل الصبيان والخادم، ويرفع له ولأهله لافطارهما، فلم يزل على ذلك حتى مات رحمه الله. [386]- وقال الحسن بن صالح: لما احتضر أخي علي بن صالح رفع بصره ثم قال: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء: 69) ثم خرجت نفسه، قال:   [384] حلية الأولياء 7: 327- 328 وصفة الصفوة 3: 87- 88 وقارن بخير عن محمد بن المنكدر في ربيع الأبرار 2: 99. وعلي بن صالح بن صالح بن حي الهمداني ابو محمد كوفي وهو وأخوه الحسن توأمان؛ وعليّ محدث مأمون عند أكثرهم، توفي سنة 151 في أرجح الأقوال (تهذيب التهذيب 7: 332) ، وكان الحسن صحيح الرواية متفقها صائنا لنفسه في الحديث والورع، وثقه بعضهم، وكانت وفاته سنة 167 (تهذيب التهذيب 2: 285) . [385] حلية الأولياء 7: 328 وصفة الصفوة 3: 89. [386] حلية الأولياء 7: 329 وصفة الصفوة 3: 88 وتهذيب الهذيب 6: 333. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 فنظرنا إلى جنبه فإذا ثقب في جنبه وقد وصل إلى جوفه وما علم به أحد من أهله. [387]- وروي أن داود بن نصير الطائيّ رحمه الله لقيه رجل فسأله عن حديث، فقال: دعني فإني أبادر خروج نفسي، فكان سفيان إذا ذكر داود قال: أبصر الطائي «1» أمره. [388]- وقال له رجل: يا أبا سليمان ما ترى في الرّمي فإني أحبّ أن أتعلّمه؟ قال: إنّ الرمي لحسن، ولكن هي أيامك فانظر بم «2» تقطعها. [389]- قال عبد الله بن إدريس: قلت لداود الطائي: أوصني؟ قال: أقلل من معرفة الناس، قلت: زدني، قال: ارض باليسير من الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بالدنيا مع فساد الدين، قلت: زدني، قال: اجعل الدنيا كيوم صمته ثم أفطر على الموت. [390]- وقال أحمد بن ضرار العجلي: أتيت داود الطائيّ وهو في دار واسعة خربة ليس فيها إلا بيت، وليس على البيت باب، فقال له بعض   [387] حلية الأولياء 7: 335- 336 وصفة الصفوة 3: 77؛ وداود بن نصير الطائي أبو سليمان كوفي زاهد متفقه أخذ عن أبي حنيفة، وتوفي سنة 165 (تاريخ بغداد 11: 221) . [388] حلية الأولياء 7: 336 وصفة الصفوة 3: 80 ومجموعة ورام 1: 74 ومحاضرات الراغب 2: 384 وورد في الكلم الروحانية: 130 أن رجلا قال لبعض الحكماء: أترى لي أن اتعلم الفروسية فقال: العمر عمرك أنفقه كما شئت. [389] حلية الأولياء 7: 343؛ وعبد الله بن ادريس بن يزيد الأودي ابو محمد الكوفي محدث قال فيه أحمد: كان نسيج وحده، وقال غيره: هو ثقة في كل شيء، وتوفي سنة 192 (تهذيب التهذيب 5: 144) . [390] حلية الأولياء 7: 343. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 القوم: يا أبا سليمان أنت في دار وحشة فلو اتخذت لبيتك هذا بابا، أما تستوحش؟ فقال: حالت وحشة القبر بيني وبين وحشة الدنيا. [391]- وقال عطاء بن مسلم «1» الحلبي: عاش داود عشرين سنة بثلاثمائة درهم ينفقها على نفسه، فأتاه ابن أخيه فقال: يا عمّ تكره التجارة؟ قال: لا، قال: فأعطني شيئا أتّجر به، قال: فأعطاه ستين درهما، قال: فمكث شهرا ثم جاءه بعشرين ومائة درهم فقال: هذه ربحها، فقال: أنت كلّ شهر تربح للدرهم درهما؟ ينبغي أن يكون عندك بيت مال، أردت أن تخدعني؟ قال: فرمى بها عليه وقال: ردّ عليّ رأس مالي. [392]- وقالت مولاة لداود الطائيّ: لو طبخت لك دسما قال: فافعلي، فطبخت له شحما ثم جاءته به، فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم، قال: اذهبي به إليهم، قالت له: فديتك «2» انما تأكل هذا الخبز بالماء من المطهرة، قال: إني إذا أكلته كان في الحشّ، وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخورا. [393]- ودخل رجل على داود الطائي فقال: يا أبا سليمان بعت كلّ شيء حتى التراب، وبقيت تحت نصف سقف، فلو سوّيت هذا السقف فكان يكنّك «3» من الحرّ والبرد والمطر، فقال داود: اللهم غفرا، كانوا يكرهون   [391] حلية الأولياء 7: 347؛ وعطاء بن مسلم الخفاف أصله من الكوفة ونزل حلب، وكان صاحب حديث، توفي سنة 190 (عبر الذهبي 1: 306) . [392] حلية الأولياء 7: 351 وصفة الصفوة 3: 75. [393] حلية الأولياء 7: 351. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام، يا عبد الله، اخرج عنّي، فقد شغلت قلبي، إني أبادر جفوف القلم وطيّ الصحيفة. قال: يا أبا سليمان، أنا عطشان، قال: اخرج واشرب، فجعل يدور في الدار لا يجد ماء، فرجع إليه فقال: يا أبا سليمان ليس في الدار حبّ ولا جرّة، فقال: اللهم غفرا، بل هناك ماء، فخرج يلتمس فإذا دنّ من هذه الأصص الذي ينقل فيه الطين وخزفة «1» أسفل كوز، فأخذ تلك الخزفة فغرف بها فإذا ماء حارّ كأنه قد علي لم يقدر أن يسيغه، فرجع إليه وقال: يا أبا سليمان: مثل هذا الحر؟! الناس يكادون ينسلخون «2» من شدّة الحرّ، ودنّ مدفون في الأرض وكوز مكسور فلو كانت جريرة وقلّة؟ فقال داود: حبّ حيريّ وجرة مذاريّة وقلال منقّشة، وجارية حسناء وأثاث وناضّ- يعني بالناض الدنانير والدراهم- وفضول، لو أردت هذا الذي يشغل القلب لم أسجن نفسي ها هنا، إنما طلّقت «3» نفسي من هذه الشهوات، وسجنت نفسي حتى يخرجني مولاي من سجن الدنيا إلى روح الآخرة. فقال: يا أبا سليمان ففي هذا الحرّ أين تنام وليس لك سطح؟ قال إني أستحي من مولاي أن يراني أخطو خطوة ألتمس راحة نفسي في الدنيا حتى يكون مولاي هو الذي يخرجني «4» من الدنيا. [394]- وقال داود: اليأس سبيل أعمالنا هذه، ولكنّ القلوب تحنّ إلى الرجاء. [395]- وقال إبراهيم بن بشار الصوفي الخراساني خادم إبراهيم بن   [394] حلية الأولياء 7: 359 وصفة الصفوة 3: 80. [395] حلية الأولياء 7: 368 وقارن بصفة الصفوة 4: 127 وسراج الملوك: 20 والذهب المسبوك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أدهم: قلت لابن أدهم «1» : يا أبا إسحاق، كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه؟ فقال: غير ذا أولى بك؛ فقلت له: هو كما تقول رحمك الله، ولكن أخبرني لعلّ الله ينفعنا به يوما، فقال: اشتغل بالله، فسألته الثالثة فقلت: يا أبا إسحاق، إن رأيت، فقال: كان أبي من أهل بلخ، وكان من ملوك خراسان والمياسير «2» ، وحبّب إليّ الصيد، فخرجت راكبا فرسي وكلبي معي، فبينما أنا كذلك ثار أرنب أو ثعلب، فحركت فرسي فسمعت نداء من ورائي: ليس «3» لذا خلقت ولا بذا أمرت؟ فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت نفسي فسمعت «4» نداء أجهر من ذلك، يا إبراهيم ليس لهذا خلقت ولا بذا أمرت، فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي فأسمع نداء من قربوس سرجي: يا إبراهيم ما لذا خلقت ولا بذا أمرت، فوقفت انظر يمنة ويسرة «5» فقلت: أنبهت أنبهت، جاءني نذير من ربي «6» ، والله لا عصيت الله بعد يومي هذا أبدا ما عصمني ربّي، فرجعت إلى أهلي، فخلّيت عن فرسي ثم جئت إلى راع لأبي فأخذت جبة منه وكساء وألقيت ثيابي إليه، ثم أقبلت إلى العراق، أرض تضعني وأرض ترفعني، حتى وصلت إلى العراق، فعملت بها أياما، فلم يصف لي منها شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال فقالوا لي: عليك ببلاد الشام، فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة، وهي   274 والمستطرف 2: 312 والمصباح المضيء 2: 259 والشفا: 106؛ وابراهيم بن بشار خادم ابن أدهم كان أيضا صوفيا ودخل بغداد وحدث بها (تاريخ بغداد 6: 47) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 المصّيصة، فعملت بها أياما فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ فقال لي: إن أردت الحلال الصافي فعليك بطرسوس فإن فيها المباحات والعمل الكثير، فتوجهت إلى طرسوس فعملت بها، أنظر البساتين وأحصد الحصاد، فبينما أنا قاعد على باب البحر جاءني رجل فاكتراني أنطر له بستانا، فكنت في البستان أياما كثيرة، فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحابه فقعد في مجلسه ثم صاح: يا ناطور، فقلت: هو ذا أنا، قال: فاذهب فأتنا بأكبر رمّان تقدر عليه وأطيبه، فذهبت فأتيته بأكبر رمان فأخذ الخادم رمانة فكسرها فوجدها حامضة، فقال لي: يا ناطور أنت في بستاننا منذ كذا وكذا تأكل فاكهتنا وتأكل رمّاننا ولا تعرف الحلو من الحامض؟ قال إبراهيم فقلت: والله ما أكلت من فاكهتك شيئا، وما أعرف الحلو من الحامض، فأشار الخادم إلى أصحابه وقال: أما تسمعون كلام هذا؟ ثم قال: أتراك لو أنك «1» إبراهيم بن أدهم ما زاد على هذا، وانصرف فلما كان من الغد ذكر صفتي «2» في المسجد فعرفني بعض الناس، فجاء الخادم ومعه خلق «3» فلما رأيته قد أقبل مع أصحابه اختفيت خلف الشجر، والناس داخلون، فاختلطت معهم وهم داخلون وأنا هارب. كان هذا «4» أوائل أمري وخروجي من طرسوس إلي بلاد الرمال. [396]- وكان إبراهيم يعمل بفلسطين بكراء إذ مرّ به الجيش إلى مصر وهو يستقي الماء قطع الدلو وألقاه في البئر لئلا يسقيهم، فكانوا يضربون رأسه يسألونه عن الطريق وهو يتخارس عليهم لئلا يدلّهم.   [396] حلية الأولياء 7: 379. 12 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 [397] قال علي بن بكار: كنا جلوسا عند الجامع بالمصيصة وفينا إبراهيم ابن أدهم، فقدم رجل من خراسان وقال: أيكم إبراهيم بن أدهم؟ قال القوم: هذا، أو قال: أنا هو، قال: إنّ إخوتك بعثوني إليك، فلما سمع ذكر إخوته قام فأخذ بيده فنحّاه وقال: ما جاء بك؟ قال: أنا مملوكك، معي فرس وبغلة وعشرة آلاف درهم بعث بها إليك إخوتك، قال: إن كنت صادقا فأنت حرّ وما معك فلك، اذهب فلا تخبر أحدا. [398]- وقال إبراهيم: المسألة مسألتان: مسألة على أبواب الناس ومسألة يقول الرجل ألزم المسجد وأصلّي وأصوم وأعبد الله، فمن جاء بشيء قبلته، فهذه شرّ المسألتين وهذا قد ألحف في المسألة. [399]- قال شقيق بن إبراهيم: مرّ إبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة فاجتمع الناس إليه فقالوا: يا أبا إسحاق إن الله يقول في كتابه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر: 60) ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا، فقال إبراهيم: يا أهل البصرة، ماتت قلوبكم في عشرة أشياء، أولها: عرفتم الله ولم تؤدّوا حقه: والثاني: قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به، والثالث: ادعيتم حب رسول الله عليه السلام وتركتم سنته «1» ، والرابع «2» ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه، والخامس: قلتم نحبّ الجنة ولم تعملوا لها، والسادس: قلتم نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها، والسابع: قلتم إن الموت حقّ ولم تستعدّوا له، والثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم، والتاسع: أكلتم نعمة   [397] حلية الأولياء 7: 383 وصفة الصفوة 4: 129 وربيع الأبرار: 409/أ. [398] حلية الأولياء 8: 14. [399] حلية الأولياء 8: 15- 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ربّكم ولم تشكروها، والعاشر: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم. [400]- وقال إبراهيم بن أدهم: لم يصدق الله من أحبّ الشهرة. [401]- وقال إبراهيم بن بشار: كنت يوما من الأيام مارا مع إبراهيم ابن أدهم في الصحراء، فأتينا على قبر مسنّم، فترحم عليه وبكى، فقلت: قبر من هذا؟ قال: هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلّها، كان غريقا «1» في بحار الدنيا ثم أخرجه الله منها واستنقذه، ولقد بلغني أنه مرّ «2» ذات يوم بشيء من ملاهي ملكه ودنياه وغروره وفتنته، ثم نام في مجلسه مع من يخصّه من أهله، فرأى رجلا واقفا على رأسه بيده كتاب «3» ، فناوله إياه فإذا فيه مكتوب بالذهب: لا تؤثرنّ فانيا على باق، ولا تغترنّ بملكك وقدرتك وسلطانك وخدمك وعبيدك ولذاتك وشهواتك، فإن الذي أنت فيه جسيم لولا أنه عديم، وهو ملك لولا أنّ بعده الهلك «4» ، وهو فرح وسرور لولا أنه لهو وغرور، وهو يوم لو كان يوثق له بغد، فسارع إلى أمر الله تعالى فإن الله تعالى قال: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران: 133) . قال: فانتبه فزعا وقال: هذا تنبيه من الله وموعظة، فخرج من ملكه لا يعلم به أحد، وقصد هذا الجبل فتعبد فيه، فلما بلغني قصته وحدّثت بأمره قصدته، فحدثني ببدء أمره وحدثته ببدء أمري، فما زلت أقصده حتى مات ودفن ها هنا، رحمه الله.   [400] حلية الأولياء 8: 19- 20. [401] حلية الأولياء 8: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 [402] قال إبراهيم: الزهد ثلاثة أصناف: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في الحلال، والسلامة الزهد في الشبهات. [403]- ومن كلام الحسن البصري: يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا. يا ابن آدم، إذا رأيت الناس في الخير فنافسهم فيه، وإذا رأيتهم في الشرّ فلا تغبطهم به. الثواء ها هنا قليل والبقاء هناك طويل، وأمتكم آخر الأمم، وأنتم آخر أمتكم، وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون؟ المعاينة فكأن قد، هيهات هيهات! ذهبت الدنيا بحال بالها «1» وبقيت الاعمال قلائد «2» في أعناق بني آدم، فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة! إنه والله لا أمة بعد أمتكم، ولا نبيّ بعد نبيكم، ولا كتاب بعد كتابكم. أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم، وإنما ينتظر بأوّلكم أن يلحق بآخركم. من رأى محمدا صلى الله عليه فقد رآه غاديا ورائحا لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه، فالوحى الوحى والنجاء النجاء. على ما تعرّجون؟ أتيتم وربّ الكعبة. إن الله بعث محمدا على علم به، اختاره لنفسه، وبعثه برسالاته «3» ، وأنزل عليه كتابه، وكان صفوته من خلقه، ورسوله إلى عباده، ثم وضعه من الدنيا موضعا ينظر إليه أهل الأرض، وآتاه منها قوتا وبلغة، ثم قال   [402] حلية الأولياء 8: 26 ومحاضرات الراغب 2: 511 وقارن بما في بهجة المجالس 2: 303 (لسفيان أو إبراهيم) حيث جعل الزهد زهدين. [403] البيان والتبيين 3: 132- 135 وبعضه في حلية الأولياء 2: 143 ومحاضرات الراغب 1: 511 وعيون الأخبار 2: 344 وألف باء 1: 447. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب: 21) فرغب أقوام عن عيشه، وسخطوا ما رضي له ربه، فأبعدهم الله وسحقهم. ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عما قليل قبرك، واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك. رحم الله رجلا نظر فتفكر وتفكر فاعتبر واعتبر فأبصر وأبصر فصبر، فقد أبصر أقوام فلم يصبروا فذهب الجزع بقلوبهم فلم يدركوا ما طلبوا، ولم يرجعوا إلى ما فارقوا. يا ابن آدم اذكر قوله: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (الإسراء: 13- 14 ) . عدل عليك من جعلك حسيب نفسك. لقد رأيت أقواما كانوا من حسناتهم أشفق من أن تردّ عليهم منكم من سيئاتكم أن تعذّبوا عليها وكانوا فيما أحلّ الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرّم عليكم. يا ابن آدم ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلب «1» وصدّقته الأعمال. [404]- وكان يقول: لا يستحقّ أحد حقيقة الإيمان حتى لا يعيب أحدا بعيب هو فيه، ولا يأمر بإصلاح عيوبهم حتى يبدأ بإصلاح ذلك في نفسه، فإنه إذا فعل ذلك لم يصلح عملا «2» إلا وجد في نفسه عيبا آخر ينبغي أن يصلحه، فإذا فعل ذلك شغل بخاصة نفسه عن عيب غيره. وإنك ناظر إلى عملك خيره وشرّه فلا تحقرنّ شيئا من الخير وان صغر، فانك إذا رأيته سرّك مكانه، ولا تحقرنّ شيئا من الشرّ وإن صغر، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه. [405]- وكان يقول: كان أهل الدنيا يبذلون دنياهم لأهل العلم رغبة في علمهم، فأصبح أهل العلم اليوم يبذلون علمهم لأهل الدنيا رغبة في   [404] البيان والتبيين 3: 135. [405] البيان والتبيين 3: 136 وجامع بيان العلم 1: 231 (لأبي حازم) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 دنياهم، فرغب أهل الدنيا بدنياهم وزهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم. [406]- وكان يقول: لا أذهب إلى من يواري عنّي غناه، ويبدي لي فقره، ويغلق دوني بابه، ويمنعني ما عنده، وأدع من يفتح لي بابه، ويبدي لي غناه، ويدعوني إلى ما عنده. [407]- دخل أبو حازم الأعرج على بعض ملوك بني مروان، فقال: يا أبا حازم، ما المخرج «1» مما نحن فيه؟ قال: تنظر إلى ما عندك فلا تضعه إلا في حقه وما ليس عندك فلا تأخذه إلا بحقه، قال: ومن يطيق ذلك؟ قال: فمن أجل ذلك ملئت جهنم من الجنّة والناس أجمعين، قال: ما مالك؟ قال: مالان، قال: ما هما؟ قال: الثقة بما عند الله، واليأس مما في أيدي الناس، قال: ارفع إلينا حوائجك، قال: هيهات رفعتها إلى من هو لا تختزل الحوائج دونه، فإن أعطاني منها شيئا قبلت، وإن زوى عنّي منها شيئا رضيت. [408]- ومن كلام الفضيل بن عياض: يا ابن آدم إنّما يفضلك الغنيّ بيومك، أمس قد خلا وغد لم يأت، فإن صبرت يومك أحمدت أمرك، وقويت على غدك، وإن عجزت عن يومك ذممت أمرك وضعفت عن غدك.   [406] البيان والتبيين 3: 136. [407] البيان والتبيين 3: 139 وبعضه في ربيع الأبرار: 408 ب والذهب المسبوك: 172 وأدب الدنيا والدين: 119 ونزهة الظرفاء: 11 ب؛ وفي الموفقيات: 148 سئل أبو حازم ما مالك ... الخ. [408] البيان والتبيين 3: 139 وقارن بقول منسوب لأبي حازم في أدب الدنيا والدين: 121 وآخر غير منسوب في المستطرف 1: 25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وإنّ الصبر يورث البرء، وان الجزع يورث السّقم، وبالسقم يكون الموت، وبالبرء تكون الحياة. [409]- وقال بكر بن عبد الله المزني: الدنيا ما مضى منها فحلم، وما بقي منها فأمانيّ. [410]- وقال عامر بن عبد قيس: الدنيا والدة للموت، ناقضة للمبرم، مرتجعة للعطيّة، وكلّ من فيها يجري إلى ما لا يدري، وكلّ مستقرّ فيها غير راض بها، وذلك شهيد على أنها ليست بدار قرار. [411]- وقيل: من تذكّر قدرة الله لم يستعمل قدرته في ظلم عباده. [412]- قال هانىء بن قبيصة لحرقة بنت النعمان ورآها تبكي: مالك تبكين؟ قالت: رأيت لأهلك غضارة، وقلّما امتلأت دار فرحا «1» ، إلا امتلأت حزنا.   [409] نثر الدر 7: 63 (رقم: 11) والبيان والتبيين 3: 152 والعقد 3: 172 والقول منسوب لأبي حازم في حلية الأولياء 3: 238 والمستطرف 1: 53. [410] نثر الدر 7: 62 (رقم: 8) والبيان والتبيين 3: 143 والعقد 3: 172 وشرح النهج 2: 95 والنمر والثعلب: 112 (69) ولم يرد منه في البصائر 2: 699 إلا قوله «الدنيا والدة الموت» . [411] البيان والتبيين 3: 144 ونثر الدر 4: 78 وقارن بقول عمر بن عبد العزيز لعدي بن أرطاة: «اذا أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق» (نهاية الأرب 6: 41. وقريب منه قولة له في ربيع الأبرار 2: 820) . [412] البيان والتبيين 3: 145، 161، والبصائر 2/1: 72 وتعازي المدائني: 71 وأدب الدنيا والدين: 119، وقارن بما أورده المسعودي مطولا في مروج الذهب 2: 228 وابن عربي في محاضرات الابرار 2: 467 وشرح النهج 18: 365 وربيع الأبرار 1: 567، وقارن قولها «ما امتلأت دار فرحا ... » بحديث ورد في رقم: 23 (23) وفي البصائر 2: 463 ما امتلأت دار حبرة إلا وستملأ عبرة، وفي كلمة لقطري بن الفجاءة (البصائر 2: 700) ما نال أحد فيها حبرة إلا اعقبته عبرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 [413]- ونظرت امرأة إلى أعرابية حولها عشرة من بنيها، كأنهم الصقور، فقالت: لقد ولدت أمكم «1» حزنا طويلا. [414]- وباع عبد الله بن عتبة بن مسعود أرضا بثمانين ألفا، فقيل له «2» : لو اتخذت لولدك من هذا المال ذخرا، قال: أنا أجعل هذا المال ذخرا عند الله، وأجعل الله ذخرا لولدي، وقسم المال. [415]- قال الحسن: ما أعطي رجل من الدنيا شيئا إلا قيل: خذه ومثله من الحرص. [416]- وقال قتادة: يعطي الله العبد على نيّة الاخرة ما شاء من الدنيا والآخرة «3» ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا. [417]- وقيل: ثلاثة أشياء يستوي فيها الملوك والسوقة والعلية والسفلة: الموت والطلق والنزع، ويشبه هذا المعنى قول عبد الله بن الزبعرى   [413] البيان والتبيين 3: 145 وعيون الأخبار 2: 370 ونثر الدر 4: 16 وقارن بتعازي المدائني: 71. [414] نثر الدر 7: 63 (رقم: 9) والبيان والتبيين 3: 146 وعيون الأخبار 1: 334 والبصائر 2/1: 231 وشرح النهج 2: 95 وعين الأدب: 198 وربيع الأبرار: 322 ب وأدب الدنيا والدين: 121 وأنس المحزون: 66/أ (ونسبه لابن عباس) . [415] البيان والتبيين 3: 146 ونثر الدر 5: 62 ومحاضرات الأبرار 2: 250 ولقاح الخواطر: 18 ب وعده حديثا في محاضرات الراغب 1: 524. [416] نثر الدر 7: 72 (رقم: 143) والبيان والتبيين 3: 147 وحلية الأولياء 2: 233 ومجموعة ورام 1: 76 وربيع الأبرار 1: 64 (ببعض اختلاف) . [417] البيان والتبيين 3: 148 وقد جاء بيت ابن الزبعرى في المصدر نفسه؛ وقوله «الأمور خساس بينهم» أي دول؛ وانظر السيرة: 3: 136. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 [من الرمل] . والعطيات خساس بينهم ... وسواء قبر مثر ومقلّ [418]- سأل الحجاج أعرابيا عن أخيه محمد بن يوسف، فقال: كيف تركته؟ قال: عظيما سمينا «1» : قال: ليس عن هذا أسألك، قال: تركته ظلوما غشوما، قال: أوما علمت أنه أخي؟ قال: أتراه بك أعزّ منّي بالله. [419]- قال مطرّف بن عبد الله بن الشخّير لابنه: يا بنيّ لا يلهينّك الناس عن نفسك، فإنّ الأمر خالص إليك دونهم. إنك لم تر شيئا هو أشدّ طلبا ولا أسرع دركا من توبة حديثة لذنب قديم. [420]- وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي: أصلح ما بقي يغفر لك ما مضى. [421]- قال المكيّ: كنت عند سفيان بن عيينة وجاءه رجل فقال: إن جاري قد آذاني، وقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: من آذى   [418] البيان والتبيين 3: 156 وربيع الأبرار: 200/أ- ب (والمسؤول يمني) والعقد 3: 424 وسراج الملوك: 66 ومحاضرات الراغب 1: 238 ونثر الدر 6: 14 والأجوبة المسكتة رقم: 956 والجليس الصالح 2: 24 وحياة الحيوان للدميري 2: 98. [419] البيان والتبيين 3: 172 وقارن هذه الكلمة بقولة أخرى نسبت إلى عمر بن الخطاب في ما تقدّم رقم: 313. [420] حلية الأولياء 9: 281 وصفة الصفوة 4: 252 وربيع الأبرار 1: 736 ولقاسم الكوفي في المستطرف 1: 142 من أصلح فيما بقي من عمره غفر له ما مضى وما بقي؛ وأحمد بن عاصم الأنطاكي أبو عبد الله أو أبو علي (والأولى أصحّ) صوفي من أقران المحاسبي والسري السقطي وبشر بن الحارث؛ انظر طبقات السلمي: 137. [421] البصائر 1: 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 جاره ملّكه الله داره فقال: إن هذا لفي كتاب الله عز وجل، قال الرجل: وأين ذلك رحمك الله؟ قال الله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (ابراهيم: 13- 14) فقام المكيّ فقبل رأسه. [422]- قال حذيفة المرعشيّ: دخلت مكة مع إبراهيم بن أدهم فإذا شقيق البلخي قد حجّ في تلك السنة، فاجتمعنا في شقّ الطواف، فقال إبراهيم لشقيق: على أي شيء أصّلتم أصلكم؟ قال: أصّلنا أصلنا على أنا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا، فقال إبراهيم: هكذا تفعل كلاب بلخ، قال له شقيق: فعلى ماذا أصّلتم؟ قال أصّلنا «1» على أنا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا شكرنا وحمدنا، فقام شقيق فجلس بين يدي إبراهيم بن أدهم وقال: أنت أستاذنا. [423]- قال محمد بن أبي عمران: سمعت حاتما الأصم، وكان من جلّة أصحاب شقيق البلخي، وسأله رجل فقال: على ما بنيت أمرك هذا في   [422] حلية الأولياء 8: 37 والمستطرف 1: 70 وربيع الأبرار 1: 696- 697 وقارن بأنس المحزون: 5 ب؛ وشقيق بن ابراهيم البلخي صوفي من مشايخ خراسان صحب إبراهيم بن أدهم وأخذ عنه الطريقة وكان استاذ حاتم الأصمّ، وكانت وفاته سنة 153؛ انظر وفيات الأعيان 2: 475 وطبقات السلمي: 61 وتهذيب ابن عساكر 6: 327. [423] نثر الدر 7: 66 (رقم: 44) وكتاب الآداب: 48- 49 وأدب الدنيا والدين: 118- 119 والبصائر 3: 635 والمستطرف 1: 140 ورحلة النهروالي: 159 وقارن بما في حلية الأولياء 8: 73 وأنس المحزون: 64/أ- 65/أ؛ وأما حاتم بن عنوان الأصم (ويقال حاتم بن يوسف) فكانت وفاته سنة 237؛ انظر طبقات السلمي: 91 وتاريخ بغداد 8: 241. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 التوكّل على الله؟ قال: على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنّت به نفسي، وعلمت أن عليّ دينا لا يعلمه «1» غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله «2» حيث كنت فأنا مستحي «3» منه. [424]- ومرّ عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلّم في مجلسه فقال: يا حاتم تحسن تصلّي؟ قال: نعم، قال: كيف تصلّي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالتوكل «4» والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتّمام، وأسلّم بالسبيل والسنة، وأسلّمها بالإخلاص إلى الله، وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني وأحفظه بالجهد إلى الموت، قال: تكلم فأنت تحسن تصلي. [425]- قال الفضيل بن عياض: إذا أراد الله أن يتحف العبد سلّط عليه من يظلمه. [426]- وقال: أعلم الناس بالله أخوفهم له.   [424] حلية الأولياء 8: 74 وصفة الصفوة 4: 135 وقارن بالبصائر 7: 215. [425] حلية الأولياء 8: 104 والمستطرف 1: 79- 81 وفي فقر الحكماء: 216 من أقوال سقراط: اذا أراد الله بعبد [ ..... ] سلط عليه من يظلمه؛ ووضع المحقق لفظة «سوءا» في ما بين قوسين، وخفي عليه وجه الصواب. [426] قارن بحلية الأولياء 8: 110 «رهبة العبد من الله على قدر علمه» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 [427] قال الفضل بن الربيع: حجّ هارون الرشيد، فاتاني فخرجت إليه مسرعا فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليّ أتيتك، فقال: ويحك قد حلّ «1» في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله؛ فقلت: [هاهنا] سفيان بن عيينة، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه فقرعنا الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعا فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليّ أتيتك، قال: خذ لما جئناك له رحمك الله، فحدّثه ساعة ثم قال له: عليك دين؟ قال: نعم، قال: يا عباسيّ اقض دينه، فلما خرجنا، قال: ما أغنى عنك «2» صاحبك شيئا، انظر لي رجلا أسأله، قلت: ها هنا عبد الرزاق بن همّام، قال: امض بنا إليه، فأتيناه فكانت حاله كحال سفيان بن عيينة، فقلت له: ها هنا الفضيل بن عياض، قال: امض بنا إليه، فأتيناه فإذا هو قائم يصلّي يتلو آية من القرآن يردّدها، فقرعت الباب فقال: من ذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، قال: مالي ولأمير المؤمنين؟ فقلت: سبحان الله أما عليك طاعة لبشر؟ فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت، فدخلنا فجعلنا نجول البيت «3» عليه بأيدينا، فسبقت «4» كف هارون الرشيد إليه قبلي فقال: يا لها من كفّ ما ألينها إن نجت من عذاب الله، فقلت في نفسي ليكلمنّه الليلة بكلام من قلب نقيّ، فقال له: خذ لما جئناك له يرحمك الله، فقال: [إن] عمر بن عبد العزيز لما ولي   [427] حلية الأولياء 8: 105- 108 وسراج الملوك: 51 والذهب المسبوك: 212 ومحاضرات الراغب 1: 538 والمصباح المضيء 2: 152 ومحاضرات الأبرار 1: 193- 194 والمنهج المسلوك: 48 ب والدميري 1: 152. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا عليّ، فعدّ الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا وليكن إفطارك فيها الموت، وقال له محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا، وأوسطهم أخا، وأصغرهم ولدا، فوقّر أباك وأكرم أخاك وتحنّن على ولدك، وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة من عذاب الله فأحبّ للمسلمين ما تحبّ لنفسك أو اكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت فإني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزلّ الأقدام. فهل معك مثل هذا، أو من يشير عليك «1» بمثل هذا؟ فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه، فقلت: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن أمّ الربيع تقتله أنت وأصحابك، وأرفق به أنا؟! ثم أفاق فقال له: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أنّ عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه كثرة النوم فكتب إليه عمر: يا أخي أذكّرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فإنه «2» يطرد بك إلى ربك نائما أو يقظان، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء. قال: فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر، فقال له: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، ولا أعود لولاية حتى ألقى الله تعالى، قال: فبكى هارون بكاء شديدا، ثم قال له: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عمّ المصطفى جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله أمّرني على إمارة؟ فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل، فبكى هارون بكاء شديدا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وقال له: زدني رحمك الله، قال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فان استطعت أن تقي هذا الوجه من النار، فإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غشّ لأحد من رعيتك، فإن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من أصبح لهم غاشّا لم يرح رائحة الجنة، فبكى هارون وقال له: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربّي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجّتي، قال: إنما أعني من دين العباد؛ قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، إنما أمرني أن أصدّق وعده وأطيع أمره، فقال: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (الذاريات: 56- 58) ، فقال له: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك، وتقوّ بها على عبادتك، فقال له: سبحان الله أنا أدلّك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا، سلّمك الله ووفقك؟ ثم صمت فلم يكلّمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب، قال هارون: يا عباسي إذا دللتني على رجل فدلّني على مثل هذا، فهذا سيد المسلمين. فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا المال فتفرّجنا به، فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى يقبل المال، فلما علم الفضيل خرج فجلس في «1» السطح على باب الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلّمه فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف يرحمك الله، فانصرفنا. [428]- قال زهير بن عباد: كان فضيل بن عياض، ووهيب بن الورد   [428] حلية الأولياء 8: 143؛ وزهير بن عباد رؤاسي كوفي، حدث بمصر ودمشق عن مالك وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وعبد الله بن المبارك جلوسا فذكروا الرّطب، فقال وهيب: وقد جاء الرطب؟ فقال ابن المبارك: يرحمك الله، هذا آخره أولم تأكله؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال وهيب: بلغني أن عامة أجنّة مكة من الصوافي والقطائع فكرهتها، فقال عبد الله: يرحمك الله أو ليس قد رخّص في الشراء من السوق إذا لم تعرف الصوافي والقطائع منه وإلّا ضاق على الناس خبزهم، أو ليس عامة ما يأتي من قمح مصر إنما هو من الصوافي والقطائع؟ ولا أحسبك تستغني عن القمح فسهّل عليك، قال: فصعق، فقال فضيل لعبد الله: ما صنعت بالرجل؟ فقال ابن المبارك: ما علمت أنّ كل هذا الخوف قد أعطيه، فلما أفاق وهيب قال: يا ابن المبارك، دعني من ترخيصك، فلا جرم لا آكل من القمح إلّا كما يأكل المضطر من الميتة، فزعموا أنه نحل جسمه حتى مات هزالا. [429]- قال عبد الله بن المبارك: رب عمل صغير تعظّمه المنية، وربّ عمل كبير تصغره المنية. [430]- قال محمد بن صبيح بن السماك: كتب إليّ أخ من إخواني من أهل بغداد: صف لي الدنيا، فكتبت إليه: أما بعد فإنه حفّها بالشهوات وملأها بالآفات، مزج حلالها بالمؤونات، وحرامها بالتبعات، حلالها حساب وحرامها عذاب [والسلام] .   عيينة وعبد الله بن المبارك وغيرهم، ووثقه أبو حاتم، وتوفي سنة 238 (تهذيب التهذيب 3: 344) ؛ ووهيب بن الورد القرشي المكي أبو عثمان أحد الزهاد، يروي عن عطاء ويروي عنه الفضيل وابن المبارك وله أحاديث ومواعظ وزهد وكانت وفاته سنة 153 (تهذيب التهذيب 11: 170) . [430] حلية الأولياء 8: 204 والبصائر 2/1: 109، ومحمد بن صبيح بن السماك كوفي زاهد واعظ، مولى لبني عجل روى عن الأعمش وجماعة، وكان كبير القدر دخل على الرشيد فوعظه، وتوفي سنة 183؛ (انظر عبر الذهبي 1: 287) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 [431] قال يوسف بن أسباط: لو أنّ رجلا في ترك الدنيا مثل أبي ذرّ وسلمان وأبي الدرداء ما قلنا إنه زاهد، لأن الزهد لا يكون إلا في الحلال المحض، والحلال المحض لا يعرف اليوم. [432]- كان عبد الله بن عبد العزيز العمري يلزم الجبّان «1» كثيرا، وكان لا يخلو من كتاب يكون معه ينظر فيه، فقيل له في ذلك فقال: إنه ليس شيء أوعظ من قبر، ولا أسلم من وحدة، ولا آنس من كتاب. [433]- قال بشر بن الحارث: بلغني أن بنتا لفتح الموصلي عريت، فقيل له: ألا تطلب من يكسوها؟ قال: أدعها حتى يرى الله عريها وصبري عليها. قال: فكان إذا كانت ليالي الشتاء جمع عياله ومال «2» بكسائه عليهم ثم قال: اللهم أفقرتني وأفقرت عيالي، وجوّعتني وجوّعت عيالي، وأعريتني وأعريت عيالي، بأي وسيلة أتوسّل إليك، وإنما تفعل ذلك بأوليائك وأحبابك، فهل أنا منهم حتى أفرح؟. [434]- قال بشر بن الحارث الحافي: إذا أعجبك الكلام فاصمت،   [431] عيون الأخبار 2: 356 وحلية الأولياء 8: 204، 238، 370 (وفي الموضع الثالث يروى عن وكيع) وألف باء 1: 446؛ ويوسف بن أسباط الشيباني الكوفي زاهد واعظ يروي عن سفيان الثوري وغيره، وثقه ابن معين وتوفي سنة 195 (تهذيب التهذيب 11: 407) . [432] حلية الأولياء 8: 283 والحيوان 1: 62 وقارن بما في ربيع الأبرار 1: 769 والعقد 2: 210 وتقييد العلم: 142. [433] حلية الأولياء 8: 292. [434] حلية الأولياء 8: 347 وقارن بما ورد بما ورد في الحلية 7: 281 على لسان سفيان الثوري وورد في نثر الدر 1: 445 (من جملة كلمة لعبد الملك بن صالح) وفي نثر الدر أيضا 1: 414 إذا حدث احدكم فاعجبه الحديث فليسكت فان أعجبه السكوت فليتكلم لابن عباس، وانظر ربيع الأبرار 1: 780. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وإذا أعجبك الصمت فتكلم. وقد روي هذا الكلام بعينه عن ابن عباس أو غيره. [435]- وقال بشر سمعت خالدا الطحان وهو يذكّر ويقول: إياكم وسرائر الشرك فقيل: وكيف سرائر الشرك؟ قال: أن يصلّي أحدكم فيطوّل في ركوعه وسجوده حتى تلحظه الحدق. [436]- وقال بشر: اكتم حسناتك كما تكتم سيّئاتك. [437]- قال إبراهيم الحربي: حملني أبي إلى بشر بن الحارث فقال: يا أبا نصر، هذا ابني مستهتر «1» بكتابة الحديث والعلم، فقال لي: يا بنيّ هذا العلم ينبغي أن تعمل به، فإن لم تعمل به كله فمن كل مائتين خمسة مثل زكاة الدراهم، فقال له أبي: يا أبا نصر تدعو له؟ قال: دعاؤك له أبلغ، فإن دعاء الوالد للولد كدعاء النبي لأمته، قال إبراهيم: فاستحليت كلامه واستحسنته، فأنا مارّ «2» إلى صلاة الجمعة فإذا بشر يصلي في قبة الشعر «3» فقمت وراءه أركع إلى أن نودي بالأذان، فقام رجل رثّ الحال والهيئة، فقال: يا قوم احذروا أن أكون صادقا وليس مع الاضطرار اختيار، ولا يسع السكوت عند العدم، ولا السؤال مع الوجود، وثمّ فاقة رحمكم الله، قال: فرأيت بشرا أعطاه قطعة وزنها دانق، قال إبراهيم: فقمت إليه فاعطيته درهما وقلت: أعطني القطعة، فقال: لا أفعل، فقلت: هذان درهمان، فقال: لا   [435] حلية الأولياء 8: 343. [436] حلية الأولياء 8: 347 (وورد أيضا في الحلية 3: 240 لأبي حازم) . [437] حلية الأولياء 8: 347- 348. 13 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 أفعل، قال: ومعي عشرة دراهم صحاحا، قلت: هذه عشرة دراهم، قال لي: يا هذا وأيّ شيء رغبتك في دانق تبذل فيه عشرة صحاحا، فقلت: هو رجل صالح، فقال لي: أنا في معروف هذا أرغب، ولست أستبدل النعم نقما، وإلى أن آكل هذا فرج عاجل أو منيّة قاضية. قال إبراهيم فقلت: انظروا معروف من بيد من، وقلت: يا شيخ دعوة، فقال: مرّ أحيا الله قلبك ولا أماته حتى يميت جسمك، وجعلك ممن يشتري نفسه بكلّ شيء ولا يبيعها بشيء. [438]- وروي أن أخت بشر بن الحارث قصدت أحمد بن حنبل فقالت: إنّا قوم نغزل الليل «1» ومعاشنا منها، وربما تمرّ بنا مشاعل بني طاهر ولاة بغداد ونحن على السطح فنغزل في ضوئها الطاقة والطاقتين، أفتحلّه لنا أم تحرّمه علينا؟ فقال لها: من أنت؟ قالت: أخت بشر، قال: آه يا آل بشر لا عدمتكم، لا أزال أسمع الورع الصافي من قبلكم. [439]- قال معروف لأبي توبة وقد حضرت الصلاة: صلّ بنا؟ فقال: إن صلّيت بكم هذه الصلاة لا أصلي بكم الثانية، فقال معروف: وأنت تطمع أن تعيش إلى الصلاة الثانية؟! نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل. [440]- وعنه قال: إذا أراد الله بعبد خيرا فتح عليه «2» باب العمل   [438] حلية الأولياء 8: 353 وصفة الصفوة 2: 295 والمستطرف 1: 143. [439] حلية الأولياء 8: 361 وصفة الصفوة 2: 180 ومحاضرات الراغب وربيع الأبرار 223/ب- 224/أ (2: 771) ومعروف هو الكرخي. [440] حلية الأولياء 8: 361 والقول في ربيع الأبرار: 258 ب (منسوب للأوزاعي) وكذلك في المستطرف 2: 62 وأدب الدنيا والدين: 54 وقارن ببهجة المجالس 1: 428. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شرا أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل. [441]- وقيل له في علته: أوص «1» ، فقال: إذا متّ فتصدقوا بقميصي هذا فإني أحبّ أن أخرج من الدنيا عريان كما دخلت إليها عريان. [442]- قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خلقه، وأعقبه الحلم، وسخت نفسه في نفقته، وقلّت وساوسه في صلاته. [443]- قال منصور بن عمار: سبحان من جعل قلوب العارفين أوعية الذكر، وقلوب أهل الدنيا أوعية الطمع، وقلوب الزاهدين أوعية التوكل، وقلوب الفقراء أوعية القناعة، وقلوب المتوكلين أوعية الرضا. [444]- وقال: سلامة النفس في مخالفتها، وبلاؤها في متابعتها «2» . [445]- وقال منصور بن عمار: حججت حجة فنزلت سكة من سكك   [441] حلية الأولياء 8: 362 وصفة الصفوة 2: 183. [442] حلية الأولياء 9: 257؛ وأحمد بن أبي الحواري من أهل دمشق صحب ابا سليمان الداراني وسفيان بن عيينة وغيرهما، وكان زاهدا ورعا توفي سنة 230 (طبقات السلمي: 98) أما أستاذه أبو سليمان الداراني فهو عبد الرحمن بن عطية أو عبد الرحمن بن أحمد بن عطية، وكانت وفاته سنة 215 (طبقات السلمي: 75) . [443] حلية الأولياء 9: 327 وطبقات السلمي: 135؛ ومنصور بن عمار أصله من خراسان، وأقام بالبصرة، وكان من أحسن الناس كلاما بالموعظة (انظر تاريخ بغداد 13: 71 وطبقات السلمي: 130) . [444] حلية الأولياء 9: 327 وطبقات السلمي: 136. [445] حلية الأولياء 9: 328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الكوفة، فخرجت في ليلة مظلمة طخياء، فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول: إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بنكالك جاهل، ولكن خطيئة عرضت وأعانني عليها شقائي، وغرّني سترك المرخى عليّ وقد عصيتك بجهدي وخالفتك «1» بجهلي، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك مني؟ واشباباه واشباباه. فلما فرغ من قوله تلوت آية من كتاب الله عز وجل: ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ (البقرة: 24) الآية، فسمعت دكة «2» لم أسمع بعدها حسّا، فمضيت، فلما كان من الغد رجعت من «3» مدرجتي فإذا أنا بجنازة قد أخرجت، وإذا عجوز قد ذهبت منّتها- يعني قوّتها- فسألتها عن الميت ولم تكن عرفتني، فقالت: هذا رجل لا جزاه الله خيرا مرّ بابني البارحة وهو قائم يصلّي فتلا آية من كتاب الله عز وجل فتفطرت مرارته فوقع ميتا، رحمه الله. [446]- فقد الحسن بن حي شابا كان ينقطع إليه، فخرج الحسن حتى أتى منزله فدقّ عليه الباب فخرج إليه الشابّ، فقال له: يا أخي مالك لم أرك منذ أيام؟ فقال له: يا أخي إن هذه الدار ليست هي دار ليست هي دار لقاء، إنما هي دار عمل، واللقاء ثمّ، أغلق الباب في وجهه فما رآه الحسن بعد ذلك اليوم حتى أخرجت جنازته. [447]- قال محمد الكندي: سمعت أشياخنا يقولون: إذا عرض لك   [447] ورد هذا القول مرة في الأدب الصغير (رسائل البلغاء) : 14 ومرة في الأدب الكبير: 98؛ وهو منسوب لعتبة في ربيع الأبرار: 201/أولفيثاغور في فقر الحكماء: 208 وانظر الحكمة الخالدة: 73 وسيأتي تحت رقم: 939 وضمن كلمة نسبت لعلي ولا بن المقفع رقم: 1026. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 أمران لا تدري في أيهما الرشاد، فانظر أقربهما إلى هواك فخالفه، فإن الحقّ في مخالفة الهوى. [448]- قال أبو الحسن السري بن المغلّس السقطي، وهو خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه: كلّ الدنيا فضول إلا خمس خصال: خبز يشبعه، وماء يرويه، وثوب يستره، وبيت يكنّه، وعلم يستعمله. [449]- وقال: من استعمل التسويف طالت حسرته يوم القيامة. [450]- قال أبو علي الروذباري: في اكتساب الدنيا مذلّة النفوس، وفي اكتساب الآخرة عزها، فيا عجبا لمن يختار المذلّة في طلب ما يفنى، على العزّ في طلب ما يبقى. [451]- وكان يقول: إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه. [452]- وقال بديل بن ميسرة العقيليّ: من أراد بعمله وجه الله أقبل الله عليه بوجهه، وأقبل بقلوب العباد إليه، ومن عمل لغير الله صرف الله عنه وجهه وصرف قلوب العباد عنه.   [448] حلية الأولياء 10: 119 وصفة الصفوة 2: 211. [449] حلية الأولياء 10: 122. [450] حلية الأولياء 10: 357؛ وأبو علي الروذباري اسمه أحمد بن محمد بن القاسم، من أهل بغداد، سكن مصر ومات بها، وكان عالما فقيها محدثا متصوفا توفي سنة 322 (تاريخ بغداد 1: 329 وطبقات السلمي 354 وعبر الذهبي 2: 195) . [451] هذا القول للحسن بن أحمد المعروف بابن الكاتب في حلية الأولياء 10: 360. [452] حلية الأولياء 3: 62 وصفة الصفوة 3: 189؛ وبديل محدث بصري وثقه ابن سعد وابن معين والنسائي، وكانت وفاته سنة 130 (تهذيب التهذيب 1: 424) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 [453] قال أبو يزيد البسطاميّ: إنّ في الطاعات من الآفات ما لا تحتاجون معه إلى أن تطلبوا المعاصي. [454]- وقال: ما دام العبد يظنّ أنّ في الخلق من هو شرّ منه فهو متكبر. [455]- وقال: من سمع الكلام ليتكلّم به مع الناس رزقه الله فهما يكلّم به الناس، ومن سمعه ليعامل الله به رزقه الله فهما يناجي به ربّه. [456]- وقال أبو حازم الأعرج: إن عوفينا من شرّ ما أعطينا لم يضرّنا فقد ما زوي عنّا. [457]- قيل لرابعة القيسية «1» : لو كلّمنا «2» رجال عشيرتك فاشتروا لك خادما تكفيك مهنة بيتك، قالت: والله إني لأستحيي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟!. [458]- دخل ناسك على صاحب له وهو يكيد بنفسه، فقال له: طب نفسا فإنك تلقى رحيما، قال: أما ذنوبي فأرجو أن يغفرها الله لي،   [453] حلية الأولياء 10: 36 وصفة الصفوة 4: 90. [454] حلية الأولياء 10: 36 وصفة الصفوة 4: 90. [455] حلية الأولياء 10: 38. [456] نثر الدر 7: 78 (رقم: 141) والبيان والتبيين 3: 126 والبصائر 2: 553 وشرح النهج 2: 94 وصفة الصفوة 2: 89 (باختلاف يسير) . [457] نثر الدر 7: 62 (رقم: 4) والبيان والتبيين 3: 127 وشرح النهج 2: 95 وربيع الأبرار: 413/أ (4: 387) «ألا نكلم لك السلطان ... » . [458] البيان والتبيين 1: 211، 3: 131 والأجوبة المسكتة رقم: 801. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وليس اهتمامي إلا لمن أدع من بناتي، قال له صاحبه: الذي ترجوه لمغفرة ذنوبك «1» فارجه لحفظ بناتك. [459]- قال بكر بن عبد الله: أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم. [460]- قال ابن أبي عدي: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله «2» وكان خرّازا يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدّق به في الطريق، ويرجع عشاء فيفطر معهم. [461]- قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها، قال: فصلّى بالناس الظهر، ثم فتح باب المقصورة وقد استند إلى المحراب، واستقبل الناس بوجهه، فنظر إلى صفوان بن سليم الزهري عن غير معرفة، فقال: يا عمر من هذا؟ ما رأيت سمتا أحسن منه، قال: يا أمير المؤمنين هذا صفوان بن سليم، قال: يا غلام كيس فيه خمسمائة دينار، فأتي «3» به فقال لخادمه: ترى هذا الرجل القائم يصلّي؟ فوصفه للغلام حتى أثبته، قال: فخرج الغلام بالكيس حتى جلس إلى صفوان، فلمّا نظر صفوان إليه ركع وسجد ثم سلّم، فأقبل عليه وقال: ما حاجتك؟ قال: أمرني أمير   [459] البيان والتبيين 3: 141 وشرح النهج 2: 95. [460] حلية الأولياء 3: 93- 94 وصفة الصفوة 3: 221 والشفاء: 110؛ وداود بن أبي هند محدث بصري روى عن سعيد بن المسيب والشعبي وابن سيرين ومكحول، وكان ثقة كثير الحديث توفي سنة 139 وقيل بعد ذلك (طبقات ابن سعد 7: 255 وتهذيب التهذيب 3: 204) وابن أبي عدي اسمه محمد واسم أبيه ابراهيم، مولى لبني سليم ثقة توفي بالبصرة سنة 194 (طبقات ابن سعد 7: 292) . [461] حلية الأولياء 3: 160- 161 وصفة الصفوة 2: 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 المؤمنين، وهو ذا ينظر إليك وإليّ، أن أدفع إليك هذا الكيس، ويقول لك: استعن بهذه على زمانك وعلى عيالك، فقال صفوان للغلام: ليس أنا الذي أرسلت إليه، قال الغلام: ألست صفوان بن سليم؟ قال: بلى أنا صفوان بن سليم، قال فإليك أرسلت، قال: اذهب فاستثبت فإذا أثبتّ فهلمّ، فقال الغلام: أمسك الكيس معك وأذهب أنا، قال: لا إذا أمسكت فقد أخذت «1» ، ولكن اذهب واستثبت وأنا ها هنا جالس، فولّى الغلام، وأخذ صفوان نعليه وخرج، فلم ير بها حتى خرج سليمان من المدينة. [462]- وكان أبو مسلم الخولاني يقول: كان الناس ورقا لا شوك فيه، وأنتم اليوم شوك لا ورق فيه. [463]- قال أبو حازم سلمة بن دينار: عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته «2» الفتوح. [464]- وقال: كلّ نعمة لا تقرّب من الله فهي بلية. [465]- وقال: قاتل هواك كما «3» تقاتل عدوّك.   [462] ربيع الأبرار 1: 398 والبيان والتبيين 3: 127 (ونسبه لأبي الدرداء) 2: 197 (لأبي ذر) وصفة الصفوة 1: 262 (لأبي الدرداء) وحلية الأولياء 2: 123 والبصائر 2: 201 ومجموعة ورام 1: 72 والعزلة: 85 والمستطرف 1: 123 (لأبي الدرداء) والايجاز والاعجاز: 9 والتمثيل والمحاضرة: 31 (لأبي ذر) ومحاضرات الراغب 2: 27 (لأبي الدرداء) . [463] حلية الأولياء 3: 230 وصفة الصفوة 2: 92. [464] حلية الأولياء 3: 230 وصفة الصفوة 2: 89. [465] حلية الأولياء 3: 231. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 [466] وقيل له: ما مالك؟ قال: ثقتي بالله ويأسي مما في أيدي الناس. [467]- وقال: قليل الدنيا يشغل عن كثير الآخرة، وإن كثيرها ينسيك قليلها، وإن كنت تطلب من الدنيا ما يكفيك فأدنى ما فيها يجزيك، وإن كنت لا يغنيك ما يكفيك «1» فليس فيها شيء يغنيك. [468]- ودخل سليمان بن عبد الملك المدينة «2» حاجّا فقال: هل بها أحد أدرك عدّة من الصحابة؟ قيل: نعم أبو حازم، فأرسل إليه، فلما أتاه قال: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قال: وأيّ جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ قال: وجوه الناس أتوني ولم تأتني، قال: والله ما عرفتني قبل يومي هذا ولا أنا رأيتك فأيّ جفاء رأيت مني؟ فالتفت سليمان إلى الزهري فقال: أصاب الشيخ وأخطأت أنا، ثم قال: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قال: عمرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب. قال: صدقت يا أبا حازم، ليت   [466] نثر الدر 7: 71 (رقم: 87) والبيان 3: 139 وعيون الأخبار 2: 360 وحلية الأولياء 3: 232، 3: 183 والعقد 3: 205 والأجوبة المسكتة، رقم: 833 وأدب الدنيا والدين: 120 ومحاضرات الأبرار 2: 244 والشريشي 3: 12 وصفة الصفوة 2: 88 وقارن بشرح النهج 2: 94 وربيع الأبرار 2: 802 وقد مرّ هذا القول في رقم: 407. [467] حلية الأولياء 3: 232 وبعضه في عيون الأخبار 2: 361 والآمل والمأمول: 55. [468] حلية الأولياء 3: 234- 237 (وقوله «ما بالنا نكره الموت ... الخراب» في عيون الأخبار 2: 370) وانظر سراج الملوك: 50- 51 والذهب المسبوك: 165 وصفة الصفوة 2: 89. والمصباح المضيء 2: 48- 53 والامامة والسياسة 2: 88- 91 ومحاضرات الأبرار 1: 301- 304 وأنس المحزون: 66 ب والمنهج المسلوك: 45 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 شعري ما لنا عند الله غدا؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله عز وجل، قال: أين أجده في كتاب الله؟ قال: قال الله: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (الانفطار: 13- 14) ، قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الاعراف: 56) قال سليمان: ليت شعري كيف العرض على الله غدا؟ قال أبو حازم: أما المحسن كالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء كالآبق يقدم به على مولاه، فبكى سليمان حتى علا نحيبه واشتدّ بكاؤه، وقال: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح؟ قال: تدعون عنكم الصّلف، وتقسمون بالسّويّة وتعدلون في القضيّة، قال: وكيف المأخذ من ذلك؟ قال: تأخذه بحقّه وتضعه لحقّه في أهله، قال: يا أبا حازم من أفضل الخلائق؟ قال: أولو المروءة والنهى، قال: فما أعدل العدل؟ قال: كلمة صدق عند من ترجوه أو تخافه، قال: فما أسرع الدعاء إجابة؟ قال: دعاء المحسن للمحسن «1» ، قال: فما أفضل الصدقة؟ قال: جهد المقلّ إلى البائس «2» الفقير لا يتبعها منّ ولا أذى، قال: يا أبا حازم من أكيس الناس؟ قال: رجل ظفر بطاعة الله فعمل بها ثم دلّ الناس عليها، قال: فمن أحمق الناس؟ قال: رجل اغتاظ في «3» هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنياه، قال: يا أبا حازم هل لك أن تصحبنا وتصيب منا ونصيب منك؟ قال: كلّا، قال: ولم؟ قال: إني أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تكون لي منه نصيرا، قال: يا أبا حازم ارفع إليّ حاجتك، قال: نعم تدخلني الجنّة وتخرجني من النار، قال ليس ذلك إليّ، قال: فما لي حاجة سواها، قال: يا أبا حازم فادع الله لي، قال: نعم، اللهم إن كان سليمان من أوليائك فيسّره لخير الدنيا والآخرة، وإن كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 من أعدائك فخذ بناصيته إلى ما تحبّ وترضى، قال سليمان: عظني، قال: قال: قد أكثرت إن كنت من أهله، وإن لم تكن من أهله فماذا حاجتك «1» أن ترمي على قوس ليس لها وتر؟ قال سليمان: يا أبا حازم ما تقول فيما نحن فيه؟ قال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين، قال: بل نصيحة تلقيها إليّ، قال: إن آباءك غصبوا الناس هذا الأمر عنوة بالسيف عن غير مشورة ولا إجماع من الناس، وقد قتلوا فيه مقتلة عظيمة وارتحلوا، فلو شعرت ما قالوا وقيل لهم، فقال رجل من جلساء سليمان: بئس ما قلت، قال أبو حازم: كذبت، إنّ الله أخذ على العلماء الميثاق ليبيننّه للناس ولا يكتمونه. قال: يا أبا حازم أوصني، قال: نعم أوصيك وأوجز، نزّه الله وعظّمه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك، ثم قام، فلما ولّي قال: يا أبا حازم هذه مائة أنفقها ولك عندي أمثالها كثير، فرمى بها وقال: ما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي، إني أعيذك بالله أن يكون سؤالك إيّاي هزلا وردّي عليك بذلا، إن موسى بن عمران عليه السلام لما ورد ماء مدين: فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (القصص: 24) فسأل موسى ربّه ولم يسأل الناس، ففطنت الجاريتان ولم يفطن الرّعاء لما فطنتا له، فأتتا أباهما، وهو شعيب عليه السلام، فاخبرتاه خبره، قال شعيب: ينبغي أن يكون هذا جائعا، ثم قال لاحداهما: اذهبي ادعيه، فلما أتته أعظمته وغطّت وجهها ثم قالت: (إنّ أبي يدعوك ليجزيك) فلما قالت: ليجزيك أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا (القصص: 25) كره موسى عليه السلام ذلك، وأراد أن لا يتبعها ولم يجد بدّا من أن يتبعها «2» لأنه كان في أرض مسبعة وخوف، فخرج معها وكانت امرأة ذات عجز، وكانت الرياح تضرب ثوبها فتصف لموسى عليه السلام عجزها فيغضّ مرّة ويعرض أخرى، فقال: يا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 أمة الله كوني خلفي، فدخل إلى شعيب والعشاء مهيأ، فقال: كل، فقال موسى: لا، قال شعيب: ألست جائعا؟ قال: بلى ولكنني أنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملء الأرض ذهبا، وأخشى أن يكون هذا أجر ما سقيت لهما. قال شعيب لا يا شابّ، ولكن هذا عادتي وعادة آبائي، قرى الضيف وإطعام الطعام، قال: فجلس موسى فأكل، فإن كانت هذه المائة دينار عوضا مما قد حدثتك فالميتة والدم ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحلّ منه، وإن كانت من مال المسلمين فلي فيها شركاء ونظراء إن وازيتهم وإلّا فلا حاجة لي فيها. إن بني إسرائيل لم يزالوا على الهدى والتّقى، حيث كان أمراؤهم يأتون إلى علمائهم رغبة في علمهم، فلمّا نكسوا وتعسوا وسقطوا من عين الله وآمنوا بالجبت والطّاغوت، كان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم، وشاركوهم في دنياهم وشركوا معهم في فتنتهم. قال ابن شهاب: يا أبا حازم، وإياي تعني أو بي تعرّض، قال: ما إياك اعتمدت، ولكن هو ما تسمع، قال سليمان: يا ابن شهاب تعرفه؟ قال: نعم جاري منذ ثلاثين سنة ما كلّمته كلمة واحدة «1» قط، قال أبو حازم: إنك نسيت الله فنسيتني، ولو أحببت الله لأحببتني، قال ابن شهاب: يا أبا حازم تشتمني؟ قال سليمان: ما شتمك ولكن أنت شتمت نفسك، أما علمت أن للجار على الجار حقا كحقّ القرابة؟ فلما ذهب أبو حازم قال رجل من جلساء سليمان: يا أمير المؤمنين تحب أن يكون الناس كلهم مثل أبي حازم؟ قال: لا. [469]- جاء ابن «2» لسليمان بن عبد الملك حتّى جلس إلى جنب طاووس   [469] حلية الاولياء 4: 16. وصفة الصفوة 2: 162 والأجوبة المسكتة رقم: 789. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ابن كيسان، فلم يلتفت إليه فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه، فقال: أردت أن يعلم إنّ لله عبادا يزهدون فيما في يديه. [470]- قال مورق العجليّ: ضاحك «1» معترف بذنبه خير من باك مدلّ على ربه. [471]- استقبل عامر بن عبد قيس «2» رجل في يوم حلبة، فقال: من سبق يا شيخ؟ قال: المقرّبون. [472]- قال محمد بن واسع: ما آسى من «3» الدنيا إلا على ثلاث، بلغة من عيش ليس لأحد عليّ فيها منّة ولا لله عليّ فيها تبعة، وصلاة في جماعة أكفى سهوها ويذخر لي أجرها، وأخ إذا ما اعوججت قوّمني. [473]- قال مكحول: إن كان في الجماعة الفضيلة «4» ، فإنّ في العزلة السلامة.   [470] نثر الدر 7: 63 (رقم: 13) والبيان والتبيين 2: 198، 3: 158 وأدب الدنيا والدين: 105 والمستطرف 1: 27 وورد في فقر الحكماء: 279 منسوبا لبطليموس على النحو الآتي: نائم (؟) مقر بذنبه خير من ضال مدل على ربه (فتأمل دقة التحقيق) وجاء في محاضرات الراغب 2: 411 ضحك العبد وهو مشفق من ذنبه خير من بكائه وهو مدل على ربه. [471] البيان والتبيين 3: 160 وعيون الأخبار 2: 370 وقد ورد في البيان 2: 282 بصورة أتم منسوبا إلى بلال، وهذا هو الذي مرّ آنفا رقم: 297. [472] البيان والتبيين 3: 162 وصفة الصفوة 3: 194 والبرصان: 266- 267 ونثر الدر 4: 50. [473] البيان والتبيين 3: 168، 181 وحلية الأولياء 4: 181 وبهجة المجالس 1: 669. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 [474]- قال واصل بن عطاء: المؤمن إذا جاع صبر وإذا شبع شكر. [475]- قال الحسن: إنكم ما تنالون ما تحبّون إلا بترك ما تشتهون، ولا تدركون ما تأملون إلّا بالصبر على ما تكرهون. [476]- وقال: إنّ أهل الدنيا وإن دقدقت بهم الهماليج ووطىء الناس أعقابهم، فإنّ ذلّ المعصية في قلوبهم. [477]- وقال: لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن ثلاث: شبابه فيم أبلاه، وعمره فيم أفناه «1» ، وماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه. [478]- قال محمد بن عمرو بن علقمة: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو يقول: ما أنعم الله على عبد بنعمة فانتزعها منه فعاضه في ذلك الصبر إلا كان ما عاضه الله أفضل مما نزع، ثم قرأ: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (الزمر: 10) . [479]- وكتب عمر إلى الجّراح بن عبد الله الحكمي، وهو عامله: إن استطعت أن «2» تترك مما أحلّ الله لك ما يكون حاجزا بينك وبين ما حرّم الله فافعل، فإنه من استوعب الحلال كلّه تاقت نفسه إلى الحرام.   [474] البيان والتبيين 3: 169. [476] البيان والتبيين 3: 167 والعقد 3: 202 وربيع الأبرار 176/أ. [477] البيان والتبيين 3: 125 وبهجة المجالس 1: 394 ورفعه في أدب الدنيا والدين: 119 وفي أمالي الطوسي 2: 206 «حتى يسأل عن أربع» وأمثال الماوردي: 94 ب. [478] البيان والتبيين 3: 142 وحلية الأولياء 5: 298 وسراج الملوك: 168 ونثر الدر 2: 127 والتعازي والمراثي: 63. [479] البيان والتبيين 3: 170 وأدب الدنيا والدين: 213 ونثر الدر 2: 127، 129. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 [480]- وقال عمر لخالد بن صفوان: عظني وأوجز، فقال خالد: يا أمير المؤمنين إن أقواما غرّهم ستر الله وفتنهم حسن الثّناء فلا يغلبنّك جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعمّا افترض الله تعالى متخلفين ومقصرين، وإلى الأهواء مائلين؛ فبكى ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى. [481]- قال جحدر بن ربيعة العكليّ: [من الطويل] . إذا انقطعت دنيا الفتى وأجنّه ... من الأرض رمس ذو تراب وجندل رأى أنّما الدنيا غرور وأنما ... ثواب الفتى في صبره والتوكل [482]- وقال الأخطل: [من الكامل] والناس همّهم الحياة ولا أرى ... طول الحياة يزيد غير خبال وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال [483]- وقال آخر: [من الطويل] يعلّل والأيام تنقص عمره ... كما تنقص النيران من طرف الزّند [484]- وقال آخر: [من الطويل]   [480] حلية الأولياء 8: 18 وسيرة عمر (ابن الجوزي) : 137- 138 والمصباح المضيء 2: 89- 90. [482] ديوان الأخطل: 158 والحماسة البصرية 2: 419. [484] البيان والتبيين: 179 وعيون الأخبار 3: 66 واللسان (قبر) والحماسة 1: 368 (شرح المرزوقي: 891) وأنس المحزون: 19/أ- ب والشعر لعبد الله بن ثعلبة الحنفي؛ ونسب لأعرابي في شرح النهج 7: 235. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 لكلّ أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد هم جيرة الأحياء أما محلّهم ... فدان ولكنّ اللقاء بعيد [485]- وقال بشار: [من الخفيف] . كيف يبكي لمحبس في طلول ... من يبكّي لحبس يوم طويل إنّ في البعث والحساب لشغلا ... عن وقوف برسم دار محيل [486]- وقال «1» آخر: [من الرجز] . كل امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله [487]- وقال عروة بن أذينة: [من الوافر] . نراع إذا الجنائز قابلتنا ... ويحزننا بكاء الباكيات كروعة ثلّة لمغار سبع ... فلمّا غاب عادت راتعات [488]- وكان محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه من زهاد الفقهاء، روي عنه أنه قال: ما حلفت بالله قطّ لا صادقا ولا كاذبا. [489]- وروي عنه أنه كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء: ثلث للعلم، وثلث   [485] ديوان بشار (جمع العلوي) : 189 والبيان 3: 197 وزهر الآداب: 424 والمحاسن والأضداد: 119. [486] البيان والتبيين 3: 182، وألف باء 1: 291 (يردده أبو بكر حين أصابته الحمى) . [487] البيان والتبيين 3: 201 والحيوان 6: 507 وعيون الأخبار 3: 62 وأمالي المرتضى 1: 415 وشعر عروة: 309 وورد البيتان في الزهرة 2: 88 لأبي بكر العرزمي. [488] حلية الأولياء 9: 128، 135 ومناقب الشافعي 2: 164. [489] حلية الأولياء 9: 135 وصفة الصفوة 2: 144 ومناقب الشافعي 2: 157. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 للصلاة، وثلث للنوم. [490]- أما أبو حنيفة فكان يحيي نصف اللّيل، فلم يزل بعد ذلك يحيي كلّ الليل، وقال: أنا أستحيي من الله أن أوصف بما ليس فيّ من عبادته. [491]- وقال الربيع: كان الشافعيّ يختم القرآن في شهر رمضان ستين مرّة كل ذلك في الصلاة. [492]- وقال الشافعيّ: ما شبعت منذ ستّ عشرة سنة، لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة. [493]- وسئل عن مسئلة فسكت فقيل له: ألا تجيب رحمك الله؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب. [494]- وروي عن عبد الله بن محمد البلوي قال: كنت أنا وعمر بن نباتة جلوسا نتذاكر العبّاد والزهّاد فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي، خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصّفا، وكان الحارث تلميذا لصالح المرّي، فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت، فقرأ: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (المرسلات: 35- 36) فرأيت الشافعيّ وقد تغيّر لونه واقشعرّ جلده، فاضطرب اضطرابا شديدا وخرّ مغشيا عليه، فلمّا أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكذابين، وإعراض   [490] في تهجد أبي حنيفة قارن بما ورد في مناقب أبي حنيفة 1: 209، 214. [491] حلية الأولياء 9: 134 وصفة الصفوة 2: 145 (والربيع هو ابن سليمان) والشريشي 4: 90 وربيع الأبرار 2: 80. [492] حلية الأولياء 9: 127 والشريشي 4: 90 وقارن بمناقب الشافعي 2: 166. [494] مناقب الشافعي 2: 176، 177. 14 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب العارفين، وذلّت هيبة المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك، واعف عن تقصيري بكرم وجهك، قال: ثم قمنا وانصرفنا، فلمّا دخلت بغداد، وكان هو بالعراق، فقعدت على الشطّ أتوضأ للصلاة إذ مرّ بي رجل فقال لي: يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، فالتفتّ فإذا أنا برجل يتبعه جماعة، فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره، فالتفت إليّ فقال: هل لك من حاجة؟ فقلت: نعم تعلّمني مما علّمك الله شيئا، فقال لي: اعلم أنّ من صدق الله نجا، ومن أشفق على دينه سلم من الردى، ومن زهد في الدنيا قرّت عيناه بما يرى من ثواب الله غدا، أفلا أزيدك؟ قلت: بلى، قال: من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر، ونهى عن المنكر وانتهى، وحافظ على حدود الله تعالى؛ ألا أزيدك؟ قلت: بلى، قال: كن في الدنيا زاهدا، وفي الآخرة راغبا، واصدق الله في جميع أمورك تنج مع الناجين، ثم مضى فسألت عنه من هذا؟ فقالوا: هو الشافعي. [495]- وسئل عن الرياء فقال على البديهة: الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء، فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم. [496]- وقال الشافعي رضي الله عنه أيضا: إذا خفت على عملك العجب فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، وأي عقارب ترهب، وأي عافية تشكر، وأي بلاء تذكر، فإنك إذا فكرت في واحد من هذه الخصال صغر في عينك عملك. [497]- وكان الشافعيّ ممن يريد بالفقه وجه الله لا السمعة «1» والرئاسة،   [497] قارن بصفة الصفوة 2: 142 وتقييد العلم: 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ولذلك قال: وددت أنّ الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب إليّ منه شيء. [498]- وقال: ما كلّمت أحدا قطّ إلا أحببت أن يوفّق ويسدّد ويعان ويكون عليه رعاية من الله عز وجل وحفظ، وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يبيّن الله الحق على لساني أو على لسانه. [499]- وكان أبو حنيفة رضي الله عنه طويل الصمت دائم الفكر قليل المحادثة للناس؛ وذكر عند ابن المبارك فقال: أتذكرون رجلا عرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففرّ منها. [500]- قال الربيع بن عاصم: أرسلني يزيد بن عمر بن هبيرة فقدمت بأبي حنيفة عليه، فأراده على بيت المال فأبى فضربه عشرين سوطا. [501]- وقيل لأبي حنيفة: قد أمر لك أبو جعفر أمير المؤمنين بعشرة آلاف درهم، قال: ما رضي أبو حنيفة. فلما كان في اليوم الذي توقّع أن يؤتى بالمال صلّى الصبح ثم تغشّى بثوبه فلم يتكلّم، فجاء رسول الحسن بن قحطبة بالمال فدخل عليه فلم يكلّمه، فقال من حضر: ما يكلّمنا إلا بالكلمة بعد الكلمة، أي هذه عادته، فقال: ضعوا المال في هذا الجراب في زاوية البيت، ثم أوصى أبو حنيفة بعد ذلك «1» بمتاع بيته، فقال لابنه: إذا متّ فادفنوني، وخذ «2» هذه البدرة واذهب بها إلى الحسن بن قحطبة فقل له: هذه   [498] صفة الصفوة 2: 142 وربيع الأبرار 248/أوالشريشي 4: 90. [499] مناقب أبي حنيفة 1: 189 وقارن بما ورد فيه 1: 181- 182. [500] مناقب أبي حنيفة للمكي 1: 273- 274 وربيع الأبرار 3: 605. [501] قارن بمناقب أبي حنيفة للكردري 2: 244 وانظر ربيع الأبرار: 248/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وديعتك التي أودعتها أبا حنيفة، قال ابنه: ففعلت ذلك فقال الحسن: رحمة الله على أبيك لقد كان شحيحا على دينه. [502]- قال حكيم: الدنيا تراد لثلاثة أشياء: العز والغنى والراحة، فمن زهد فيها عزّ، ومن قنع استغنى، ومن ترك السعي استراح. [503]- وقيل للحسن إن أبا ذرّ كان يقول: الفقر أحبّ إليّ من الغنى والسقم أحبّ إليّ من الصحة. فقال الحسن: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن الاختيار من الله لم يتمنّ أنه في غير الحال التي اختارها الله له. [504]- زفّت معاذة إلى صلة بن أشيم، فبات ليلة الزفاف يتهجد، فقيل له فقال: أدخلت بيتا فذكرت النار، يعني الحمام، ثم أدخلت بيتا فذكرت الجنة يعني بيت العروس، فما زال فكري فيهما حتى أصبحت. [505]- كان عبد الله بن مرزوق من ندماء المهدي، فسكر يوما ففاتته الصلاة، فجاءته جارية بمجمرة فوضعتها على رجله، فانتبه مذعورا، فقالت: لم تصبر على نار الدنيا فكيف تصنع بنار الآخرة؟ فقام وقضى الصلاة وتصدّق بما معه وذهب يبيع البقل، فدخل عليه فضيل بن عياض «1» وابن عيينة   [502] البصائر 7: 99 وربيع الأبرار 1: 45 وغرر الخصائص: 107. [503] حلية الأولياء 1: 162 وربيع الأبرار: 408 ب والحكمة الخالدة: 115 وقارن بقول لأبي ذر اذ صرح أنه يحب ثلاثة: الفقر والسقم والموت وتعليق لدهثم في البيان 3: 153 وانظر العقد 3: 196 حيث يتحدث أبو هريرة عن ثلاث يكرههن الناس وهو يحبهن. [504] قارن بصفة الصفوة 3: 141 وربيع الأبرار: 388 ب. (4: 285) . [505] ربيع الأبرار: 409/أ (4: 372) والمستطرف 1: 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء فقالا: إنه لم يدع أحد شيئا إلّا عوّضه الله منه بدلا، فما عوّضك ما تركت له؟ قال: الرّضا بما أنا فيه. قال سفيان ابن عيينة: ما من عملي شيء أرجى عندي من بغض هؤلاء، قال الفضيل: رجل لا يخالط هؤلاء ولا يزيد على المكتوبة أفضل عندنا من رجل يقوم الليل ويصوم النهار ويحجّ ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم. [506]- صحب رجل الربيع بن خثيم فقال: إني لأرى الربيع لم يتكلّم منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد؛ وكان لا يتكلم كلمة «1» في الفتنة، فلمّا قتل الحسين قالوا ليتكلمنّ اليوم، فقالوا: يا أبا يزيد قتل الحسين «2» فقال: أوقد فعلوا: اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (الزمر: 46) ثم سكت. [507]- كان «3» وكيع يقول: ما خطوت للدنيا منذ أربعين سنة، ولا سمعت حديثا قطّ فنسيته، قيل وكيف ذاك؟ قال: لأنّي لا أسمع شيئا إلا عملت به. [508]- وكان يزيد بن أبان الرقاشي من أصحاب الحسن وأنس يبكي   [506] البيان والتبيين 3: 160 وحلية الأولياء 2: 109، 110، 111 وصفة الصفوة 3: 32 وربيع الأبرار 1: 772 والبصائر 2: 508 وشرح النهج 7: 93. [507] ربيع الأبرار 277/أ؛ ووكيع بن الجراح كان أعجوبة في قدرته على الحفظ مع النسك والتعفف، وله مؤلفات عديدة، وكانت وفاته سنة 206 (تهذيب التهذيب 11: 123- 131) . [508] العقد 3: 198 وصفة الصفوة 3: 211 وربيع الأبرار: 291 ب؛ وكان يزيد بن أبان الرقاشي البصري قاصا زاهدا بكاء وفي حديثه ضعف، وتوفي ما بين 110- 120 (تهذيب التهذيب 11: 309- 311) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 عامّة ليله ونهاره حتى سقطت أشفار عينيه، فقال له ابنه: لو خلقت النار لأجلك ما زدت ما تصنع، فقال: هل خلقت النّار إلا لي ولأمثالي. [509]- حاك مجمع التيمي ثوبا قد تنوّق فيه فباعه فردّ عليه بعيب فبكى، فقال له المشتري: لا تبك فقد رضيت به، فقال: ما أبكاني إلّا أني «1» تنّوقت فيه فردّ بالعيب، فأخاف أن يردّ عليّ عملي الذي عملته في أربعين سنة. [510]- كان عمر بن حبيب إذا فرغ من تهجده قال: الرواح الرواح، السباق السباق، سبقتم إلى الماء والظلّ، من يسبق إلى الماء يظمأ، ومن يسبق إلى الظلّ يضح. [511]- وكان في بستان له مع غلامه فأذّن المؤذن فقال الغلام: الله أكبر الله أكبر، فقال: سبقتني إليها، أنت حرّ ولك هذه النخلة. [512]- قال جعفر بن عبد القادر المقدسي: سألت جعيلا عن حدّ الزهد؟ فقال: استصغار الدنيا، فلما وليت دعاني فقال: بل هو محو الدنيا من القلب. [513]- قال سكين بن موسى: كنت مجاورا بمكة، وكان فيها مجنون   [509] مجموعة ورام 1: 42 وربيع الأبرار: 192/أ؛ وهو مجمع بن صمغان التيمي صاحب سفيان الثوري؛ كان زاهدا عابدا ثقة (حلية الأولياء 5: 89) . [510] ربيع الأبرار: 259 ب؛ وكان عمر بن حبيب المكي قاصا سكن اليمن، روى عن عطاء والزهري وكان حافظا متقنا (تهذيب التهذيب 7: 431) . [511] ربيع الأبرار: 259 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ينطق بفنون الحكمة، فقلت: أين تأوي بالليل؟ فقال: إلى دار الغرباء، قلت: ما أعرف بمكة دار الغرباء، قال: سكني تلك المقابر، قلت: ما تستوحش في الليل وظلمته؟ قال: إذا ذكرت القبر ووحشته هان عليّ الليل وظلمته. [514]- قيل: الزهادة في الدنيا قصر الأمل، لا أكل الغليظ ولا لبس السّمل «1» . [515]- قيل للحسن: ما الحجّ المبرور؟ فقال: أن ترجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة. [516]- وكان يقول: من ساءته خطيئة ولم يستغفر غفر له. [517]- كان مالك بن دينار يمرّ بالسوق فيرى ما يشتهيه فيقول: يا نفس اصبري، ما أحرمك ما تريدين إلّا لكرامتك عليّ. [518]- وقال له جار له في مرضه: ما تشتهي؟ قال: إن نفسي لتنازعني إلى شيء منذ أربعين سنة، رغيف أبيض ولبن في زجاج، فأتاه به فجعل ينظر إليه ثم يقول: دافعت «2» شهوتي عمري كلّه، حتى إذا لم يبق من عمري إلا مثل ظمء الحمار آخذها؟! انظروا يتيم آل فلان فادفعوه إليه، ومات بشهوته.   [514] نسب هذا القول لسفيان بن عيينة في عيون الأخبار 2: 356 ومحاضرات الراغب 1: 511 وفي ألف باء 1: 446 (للثوري) وانظر ربيع الأبرار 1: 825 ومجموعة ورام 1: 73. [515] ربيع الأبرار 2: 135. [517] ربيع الأبرار: 190/أ. [518] ربيع الأبرار: 190/أومحاضرات الراغب: 2: 412- 413 وقارن بما في حلية الأولياء 2: 366. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 [519]- قال الثوري: إذا مررت بدورهم، يعني السلاطين، فلا تنظر إليها فإنما بنوها لينظر إليها، ثم تلا قوله تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ (الحجر: 88) الآية. [520]- قبل سعيد بن المسيب من مال الخمس من السلطان ولم يقبله الثوري، وقال: إني لأعلم أنه حلال لي ولكن أكره أن يقع لهم في قلبي مودّة. [521]- وقيل له: لو دخلت عليهم وتحفّظت، قال: أفتأمرونني أن أسبح في البحر «1» ولا تبتلّ ثيابي؟! [522]- محمد بن هانىء: [من الطويل] . وما الناس إلّا ظاعن ومودّع ... وثاو «2» قريح الجفن يبكي لراحل فهل هذه الأيام إلّا كما خلا ... وهل نحن إلا كالقرون الأوائل نساق من الدنيا إلى غير دائم ... ونبكي من «3» الدنيا على غير طائل فما عاجل نرجوه إلّا كآجل ... وما آجل نخشاه إلا كعاجل [523]- نظر سريع الأهوازي إلى شابّ من أولاد الملوك وهو يتوقّى في   [519] ربيع الأبرار: 371 ب. [520] ربيع الأبرار: 371 ب. [521] ربيع الأبرار: 372/أ. [522] ديوان ابن هانىء: 331. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الأطعمة ويتّقي الحرّ والبرد، فقال له: يا ابن أخي، لم تفعل هذا؟ قال: أخاف الموت، قال: فاحذر أن تصير إلى دار تتمنّى فيها الموت تقدر عليه. [524]- وكتب رجل إلى عبد الله بن الزبير لما دعا إلى الخلافة يعظه: أما بعد، فإنّ التقوى في أهلها علامات يعرفون بها ويعرفون بها أنفسهم «1» : من صبر على البلاء، ورضي بالقضاء، وشكر النعمة، وذلّ لحكم القرآن، وإنّما الإمام كالسوق يحمل اليها ما زكا فيها، فمن كان من أهل الحقّ أتاه أهل الحقّ بحقهم، ومن كان من أهل الباطل أتاه أهل الباطل بباطلهم، فانظر أيّ الإمامين أنت. [525]- ولما احتضر معاوية جعلوا يقلبونه فقال: إنكم تقلّبون حوّلا «2» قلّبا إن نجا من عذاب الله، ثم قال: [من الخفيف] . إن تعذّب يكن عذابك يا ربّ ... غراما لا طوق لي بالعذاب أو تجاوز فأنت أهل لعفو ... عن مسيء ذنوبه كالتراب [526]- ولما احتضر المنصور قال: يا ربيع بعنا الآخرة بنومة.   [524] حلية الأولياء 1: 336 وصفة الصفوة 1: 324 والمصباح المضيء 2: 43. [525] انظر انساب الأشراف 4/1 الفقرة 426، 425 ونور القبس: 292 وابن الأثير 4: 4 والعمدة 1: 14 وابن كثير 8: 142، 9: 68 وبهجة المجالس 2: 369 والكامل للمبرد 4: 111 والميداني 1: 149، والعسكري 1: 409. [526] نثر الدر 3: 30 ومحاضرات الراغب 1: 174 (منسوبا لعبد الملك) وربيع الأبرار: 363/أ (منسوبا للمنصور) والبصائر 2: 433 وقارن بما قاله عند موته في ربيع الأبرار ايضا: 362/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 [527]- وقال الرشيد عند موته «1» : وا حيائي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. [528]- وقال المأمون لما احتضر: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه. [529]- وروي أن عبد الملك قال حين ثقل، ورأى غسّالا يلوي ثوبا بيده: وددت أني كنت غسّالا لا أعيش إلّا بما أكسب يوما بيوم. فذكر ذلك لأبي حازم فقال: الحمد الله الذي جعلهم عند الموت يتمنّون ما نحن فيه، ولا نتمنى عند الموت ما هم فيه. [530]- وروي أيضا أنه قال عند موته، وأشار إلى الدنيا: إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لقليل، وإن كنّا منك لفي غرور. [531]- ونظر هشام بن عبد الملك لما احتضر إلى بنيه وهم يبكون عليه فقال: جاد هشام لكم بالدنيا وجدتم له بالبكاء «2» ، وترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما كسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له.   [527] قولة الرشيد في البصائر 2: 433 ونثر الدر 3: 35 وقارن بما قاله لدى احتضاره في مجموعة ورام 1: 282. [528] نثر الدر 3: 39 وسراج الملوك: 48 والبصائر 2: 433 ومحاضرات الراغب 2: 495 وربيع الأبرار 363/أومجموعة ورام: 282 وأنس المحزون: 13/أ. [529] البيان والتبيين 3: 191 والتعازي والمرائي: 226 والحكمة الخالدة: 174 ونثر الدر 7: 79 (رقم: 151) وسراج الملوك: 41 وأدب الدنيا والدين: 124 ومحاضرات الراغب 1: 174، 2: 494 ومجموعة ورام 1: 281 ولقاح الخواطر: 63/أوالدميري 2: 441. [530] مروج الذهب 5: 369 (باريس) . [531] الموفقيات: 473 والعقد 3: 213 والحكمة الخالدة: 175 ولباب الآداب: 122 وبهجة المجالس 1: 371 وسراج الملوك: 48 وأدب الدنيا والدين: 220 والمستطرف 1: 78 ومحاضرات الراغب 2: 495 وغرر الخصائص: 239 والجليس الصالح 2: 386. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 [532]- وأنشد لأبي العتاهية ويروى لأبي نواس: [من الكامل] . والموت لا يخفى على أحد ... ممن أرى وكأنه يخفى ولقد مررت على القبور فما ... ميّزت بين العبد والمولى [533]- وقال سليمان بن الوليد «1» : [من المديد] . ربّ مغروس يعاش به ... عدمته كفّ مغترسه وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه [534]- من كلام سفيان الثوري فيما أوصى به عليّ بن الحسين «2» السلمي: عليك بالصدق في المواطن كلّها، وإياك والكذب والخيانة ومجالسة أصحابها، فإنها وزر كله، وإياك يا أخي والرياء في القول والعمل، فإنه شرك بعينه، وإياك والعجب فإنّ العمل الصالح لا يرفع وفيه عجب، ولا تأخذنّ دينك إلّا ممن هو مشفق على دينه، فإن مثل الذي هو غير مشفق على دينه «3» كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه وينصح لنفسه، كيف يعالج   [532] ورد البيت الثاني في ديوان أبي العتاهية: 9 من قصيدة طويلة وفي أدب الدنيا والدين: 285 ولم ترد الأبيات في ديوان أبي نواس (رواية الصولي) . [533] البيتان في البيان والتبيين 3: 202 والحيوان 4: 195 وعيون الأخبار 3: 61 وأدب الدنيا والدين: 120 وسليمان هذا هو أخو مسلم بن الوليد، وفي معجم الأدباء 11: 255 ونكت الهميان: 160 أنه ابن مسلم بن الوليد. [534] حلية الأولياء 7: 82- 85 (مع بعض حذف) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 داء الناس وينصح لهم؟ فهذا الذي لا يشفق على دينه كيف يشفق على دينك؟ وليكن جليسك من يزهّدك في الدنيا ويرغّبك في الآخرة، وإياك ومجالسة الذين يخوضون في حديث الدنيا «1» فإنهم يفسدون عليك دينك وقلبك، وأكثر ذكر الموت؛ وأكثر الاستغفار ممّا قد سلف من ذنوبك، وسل الله السلامة لما بقي من عمرك، وانصح لكلّ مؤمن إذا سألك في أمر دينه، وإياك أن تخون مؤمنا فمن خان مؤمنا «2» فقد خان الله ورسوله. وإذا أحببت أخاك في الله فابذل له نفسك ومالك، وإياك والخصومات والجدل والمراء فإنك تصير ظلوما خوّانا أثيما، وعليك بالصبر في المواطن كلها، وإياك والحدّة والغضب فإنهما يجرّان إلى الفجور، والفجور يجرّ إلى النار، ولا تمارينّ عالما فيمقتك، وإن الاختلاف إلى العلماء رحمة والانقطاع عنهم سخط الرحمن. ودع كثيرا مما يريبك إلى ما لا يريبك تكن سليما، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر تكن حبيب الله، وأقلل الفرح والضحك بما تصيب من الدنيا تزدد قوة عند الله، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك، وأحسن سريرتك يحسن الله علانيتك، وإذا هممت بأمر من أمر الآخرة فشمّر إليها وأسرع من قبل أن يحول بينك وبينها الشيطان. كن طاهر القلب، نقيّ الجسد من الذنوب والخطايا، نقيّ اليدين من المظالم، سليم القلب من الغشّ والمكر والخيانة، خالي البطن من الحرام، فإنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت. كفّ بصرك عن الناس. ولا تمشينّ لغير حاجة. أقل العثرة، واقبل المعذرة، ولا تبغض أحدا ممن يطيع الله. صل من قطعك وصل رحمك، وتجاوز عمّن ظلمك تكن رفيق الأنبياء والشهداء، وأقلّ دخول السوق فإنهم ذئاب عليهم «3» ثياب وفيها مردة الشياطين من الجنّ والإنس، وإذا دخلتها لزمك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنك لا ترى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 فيها إلا منكرا، فقم على طرقها فقل: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير كلّه، وهو على كلّ شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم» ، فقد بلغنا أنه يكتب لقائلها بكلّ من في السوق، عجميّ أو فصيح، عشر حسنات، ولا تجلس فيها، واقض حاجتك وأنت قائم يسلم لك دينك، وإياك أن يفارقك الدسم «1» فإنه أتمّ لعقلك، ولا تمنعنّ «2» نفسك من الحلاوة فإنها تزيد في الحلم، وعليك باللحم ولا تدم عليه ولا تدعه أربعين يوما فإنه يسيء خلقك، وعليك بالعدس فإنه يعزر الدموع ويرقّ القلب، وعليك باللباس الخشن تجد حلاوة الإيمان. وعليك بقلة الأكل تملك سهر الليل «3» ، وعليك بالصوم فإنه يسدّ عنك باب الفجور ويفتح عليك باب العبادة، وعليك بقلة الكلام يلن قلبك، وعليك بطول الصمت تملك الورع. ولا تكوننّ حريصا على الدنيا، ولا حاسدا، ولا تكن طعانا تنج من ألسن الناس، وكن رحيما تكن محببا إلى الناس، وارض بما قسم الله تكن غنيا، وتوكل على الله تكن قويا، ولا تنازع أهل الدنيا في دنياهم يحبك الله ويحبك أهل الأرض، وكن متواضعا تستكمل أعمال البّر. ولا تدع أيامك ولياليك وساعاتك تمرّ عليك باطلا، وعليك بذكر الموت يهّون الله عليك أمر الدنيا. اشتق إلى الجنة يوفّق الله لك الطاعة، وأشفق من النار يهوّن الله عليك المصائب، ولا تحقرنّ شيئا من المعروف. انظر يا أخي أن يكون أول أمرك تقوى الله في السّر والعلانية، واخش خشية من قد علم أنه ميت ومبعوث ثم الحشر ثم الوقوف بين يدي الجبار عز وجل، ومحاسب بعملك ثم المصير إلى إحدى الدارين: إما إلى جنة ناعمة خالدة «4» ، وإمّا إلى نار فيها ألوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 العذاب مع خلود لا موت فيه، وارج رجاء من يعلم أنه يعفو «1» أو يعاقب. [535]- يقال إنه «2» كان في عضد بزرجمهر مكتوب: إن كانت الحظوظ بالجدود فما الحرص؟ وإن كانت الأشياء غير دائمة فما السرور؟ وإن كانت الدنيا غرّارة فما الطمأنينة؟ [536]- روى عمر البناء البغدادي قال: لما كانت محنة غلام الخليل ونسب الصوفية إلى الزندقة أمر الخليفة بالقبض عليهم، فأخذ فيهم أبو الحسين أحمد بن محمد المعروف بالنوري، وكان صوفيا متكلما، فأدخلوا على الخليفة فأمر بضرب أعناقهم، فتقدم النوريّ مبتدرا إلى السيّاف ليضرب عنقه، فقال له: ما دعاك إلى الابتدار إلى القتل من بين أصحابك؟ فقال: آثرت حياتهم على حياتي هذه اللحظة، فتوقّف السياف والحاضرون عن قتله، ورفع أمرهم إلى الخليفة، فردّهم إلى قاضي القضاة، وهو يومئذ إسماعيل بن إسحاق، فسأل النوريّ عن مسائل في العبادات من الطهارة والصلوات فأجابه، ثم قال: وبعد هذا لله عباد «3» يسمعون بالله، وينطقون بالله، ويصدرون بالله، ويوردون بالله، ويأكلون بالله، ويلبسون بالله، فلما سمع إسماعيل كلامه بكى بكاء طويلا، ثم دخل على الخليفة فقال: إن كان هؤلاء زنادقة فليس في   [535] عيون الأخبار 3: 191 وأمالي الزجاجي: 186 وأخبار الزجاجي: 187 وقارن بقولة لحكيم في غرر الخصائص: 354. [536] حلية الأولياء 10: 250- 251 وزهر الآداب: 991 وبهجة المجالس 2: 336. وقارن بما جاء في سراج الملوك: 155 وبهجة المجالس 2: 279 ونثر الدر 7: 42 (93) والعقد 2: 258 وعيون الأخبار 3: 191 وأبو الحسين النوري توفي سنة 295 (انظر المنتظم 6: 77 وتاريخ بغداد 5: 130 والبداية والنهاية 11: 106) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الأرض موحّد، فأمر بتخليتهم؛ وسأله السلطان يومئذ من أين تأكلون؟ قال: لسنا نعرف الأسباب التي تستجلب بها الأرزاق، نحن قوم مدبّرون. [537]- قال يزيد بن الصقيل «1» العقيليّ، وكان لصا فتاب: [من الطويل] . وإن امرءا ينجو من النار بعد ما ... تزوّد من أعمالها لسعيد إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت ... حميمك فاعلم أنها ستعود [538]- وقال الحسين بن مطير الأسدي: [من الطويل] . وقد تخدع الدنيا فيمسي غنّيها ... فقيرا ويغني بعد بؤس فقيرها فلا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها وكم قد رأينا من تكدّر عيشة ... وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها وكم طامع في حاجة لا ينالها ... ومن آيس منها أتاه يسيرها [539]- كعب بن زهير: [من البسيط] . لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى وهو مخبوء له القدر يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفس واحدة والهمّ منتشر   [537] أمالي القالي 1: 61 والبيت الأول في بهجة المجالس 1: 189. [538] ديوان المعاني 2: 248 وأمالي المرتضى 1: 433 وحماسة ابن الشجري: 163 والخزانة 2: 486 وشعر الحسين (جمع عطوان) : 167- 169 (باختلاف في الترتيب) ، وانظر الفرج بعد الشدة 5: 12. [539] ديوان كعب: 229 والبصائر 3: 446. ومنها بيتان في أدب الدنيا والدين: 52؛ وبيتان في حماسة البحتري: 217 منسوبان لقعنب بن أم صاحب الغطفاني والدميري 1: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر ويروى مجمّو «1» له القدر، أي مجموع من قولك جممت «2» الماء في الحوض إذا جمعته. [540]- وقال آخر: [من الطويل] . ومن يحمد الدنيا لعيش يسرّه ... فسوف لعمري عن قليل يلومها إذا أدبرت كانت على المرء حسرة ... وإن أقبلت كانت كثيرا همومها [541]- وقال آخر: [من الكامل] . إنّ المساءة للمسرّة موعد ... أختان رهن للعشيّة أو غد فإذا سمعت بهالك فتيقّنن ... أن السبيل سبيله فتزوّد [542]- قال المسيّب بن واضح «3» : صحبت ابن المبارك مقدمه من الحجّ فقال لي يا مسيّب: ما أتى فساد العامة إلا من قبل الخاصة، قلت: وكيف ذاك رحمك الله؟ قال لأنّ أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم على طبقات خمس: فالطبقة الأولى هم الزهاد، والثانية العلماء، والثالثة الغزاة، والرابعة التجّار، والخامسة الولاة. فأما الزهاد فهم ملوك هذه الأمة، وأما العلماء فهم ورثة الأنبياء، وأما الغزاة فهم سيوف الله عز وجل، وأما التجار فهم الأمناء، وأما الولاة فهم الرعاة.   [540] ورد البيتان في المحاسن والأضداد: 117. [542] المسيب بن واضح حمصي روى عن اسماعيل بن عياش والكبار، وتوفي في آخر سنة 246 (عبر الذهبي 1: 448) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 فإذا كان الزاهد طامعا فالتائب بمن يقتدي؟ وإذا كان العالم راغبا فالجاهل بمن يهتدي؟ وإذا كان الغازي مرائيا فمتى يظفر بالعدوّ؟ وإذا كان التاجر خائنا فعلام يؤتمن الخونة؟ وإذا كان الراعي ذئبا فالشاة من يحفظها؟. [543]- قال عمرو بن عبيد للمنصور في موعظة له طويلة مشهورة: إن الله تعالى أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها، وإن هذا الذي أصبح في يديك لو بقي في يدي من كان قبلك لم يصر إليك، فاحذر ليلة تمخّض بيوم هو آخر عمرك. فبكى المنصور وقال له: سل حاجتك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، لا تعطني حتى أسألك، ولا تدعني حتى أجيئك. [544]- قيل لزاهد كيف سخت نفسك عن الدنيا؟ قال: أيقنت أني خارج عنها كارها فأحببت أن أخرج منها طوعا. [545]- قال الفضيل: يا ربّ إني لأستحيي أن أقول توكلت عليك، لو توكلت عليك لما خفت ولا رجوت غيرك. [546]- وسئل الفضيل عن الزهد فقال: هو حرفان في كتاب الله عز وجل: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (الحديد: 23) .   [543] نثر الدر 7: 64 (رقم: 19) وعيون الأخبار 2: 337 وأنساب الاشراف 3: 233- 234 وشرح النهج 2: 96، 18: 147 والموفقيات 142 والبيان والتبيين 2: 198 والشريشي 3: 35 والذهب المسبوك: 191 وتاريخ بغداد 12: 167 والمصباح المضيء 2: 136 وزهر الآداب: 102- 103 وبهجة المجالس 2: 335 (بايجاز) وتاريخ الخلفاء: 289. [544] نثر الدر 7: 64 (رقم: 22) وشرح النهج 2: 96 ومجموعة ورام 2: 9 والبصائر 1: 247 وبهجة المجالس 2: 290. [545] نثر الدر 7: 65 (رقم: 30) وشرح النهج 2: 97 والعقد 3: 178 والبصائر 2: 433. [546] نثر الدر 7: 66 (رقم: 37) ومحاضرات الراغب 1: 511 وشرح النهج 2: 97 وقد مرّ هذا في رقم: 165. 15 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 [547]- وقف أعرابيّ على قبر هشام، وخادم له يقول: ما لقينا بعدك؟ فقال: إيها عليك، أما إنه لو نشر لأخبرك أنه لقي أشدّ مما لقيتم. [548]- قال مطرّف: لأن يسألني ربّي ألا فعلت، أحبّ إليّ من أن يسألني لم فعلت. [549]- وقف بعضهم على قبر بعض الجبابرة فقال: أيها الجبار كم نفس قتلتها طلبا للراحة منها أصبحت اليوم وهي أكبر شغلك؟ [550]- كان ابن الفضيل يوما خلف الامام، وسمع سورة الرحمن فجعل يتلوّى وأبوه ينادي: أما سمعت قوله: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (الرحمن: 72) فقال ابنه: يا أبة لكنّي سمعت يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (الرحمن: 41) . [551]- دخل لصّ على بعض الزهاد فلم ير في داره شيئا فقال له: يا هذا أين متاعك؟ قال: حوّلته إلى الدار الأخرى. [552]- قال بعضهم: رأيت صوفيا بالبادية فقلت له: أين الزاد؟ فقال: قدّمته إلى المعاد.   [547] نثر الدر 7: 66 (رقم: 11) ومحاضرات الراغب 2: 484. وفي العقد 3: 243- 244 يقول هذا القول خصي وقف على قبر الوليد. [548] نثر الدر 7: 68 (رقم: 52) وحلية الأولياء 2: 200 وصفة الصفوة 3: 145 وربيع الأبرار: 259/أوبايجاز في ربيع الابرار 1: 172- 173 وقارن بقولة واصل: لأن يقول لي هلا قلت ... في ربيع الأبرار 1: 763- 764. وانظر لقاح الخواطر: 45/أ. [549] نثر الدر 7: 68 (رقم: 58) والبصائر 7: 189. [550] نثر الدر 7: 68 (رقم: 61) . والبصائر 2: 325 وحلية الأولياء 2: 400 وصفة الصفوة 3: 45 وربيع الأبرار: 259/أ. [551] نثر الدر 7: 69 (رقم: 65) وشرح النهج 2: 98. [552] نثر الدر 7: 69 (رقم: 70) والبصائر 1: 176 (عن فتح الموصلي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 [553]- ودخل قوم منزل عابد فلم يجدوا شيئا يقعدون عليه، فلما خرجوا قال لهم: لو كانت دار مقام لا تّخذنا لها أثاثا. [554]- قال ابن السماك: خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله تعالى كأنك لم تعصه. [555]- وقال آخر: ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يردّه عليك الفوت، وتفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت؟! [556]- كتب آخر إلى عابد: بلغني تفرّغك للعبادة، فما سبب المعاش؟ فكتب إليه: [يا بطّال، يبلغك عنّي أنني منقطع إلى الله وتسألني عن المعاش؟!] . [557]- قال سفيان: إذا أردت أن تعرف الدنيا فانظر عند من هي. [558]- وقال آخر: اعمل للدنيا على قدر مكثك فيها وللآخرة كذلك. [559]- قال يحيى بن معاذ: الوعد حقّ الخلق على الله فهو أحقّ من وفى، والوعيد حقّه على الخلق فهو أحق من عفا.   [553] نثر الدر 7: 70 (رقم: 77) وأدب الدنيا: 119- 120 والبصائر 4: 215. [554] نثر الدر 4: 71، 7: 70 (رقم: 75) وربيع الأبرار 224 ب وشرح النهج 2: 99 وربيع الأبرار 2: 774 ونسب في فقر الحكماء: 297 لبزرجمهر. [555] نثر الدر 7: 70 (رقم: 79) والبصائر 4: 288. [556] نثر الدر 7: 71 (رقم: 85) ومنه تكملة النقص في النص. [557] نثر الدر 7: 71 (رقم: 89) والحكمة الخالدة: 129 ومحاضرات الراغب 1: 509 (ببعض اختلاف) وربيع الأبرار 1: 57. [558] نثر الدر 7: 71 (رقم: 91) والحكمة الخالدة: 129 وبهجة المجالس 2: 288. [559] نثر الدر 7: 72 (رقم: 95) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 [560] قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: آسفا على أمسي، كارها ليومي، متّهما لغدي. [561]- قيل «1» لآخر: لم تركت الدنيا؟ قال: لأني أمنع من صافيها وأمتنع من كدرها. [562]- وقيل لآخر: ما الذي تطلب؟ قال: الراحة، قيل: فهل وجدتها؟ قال: قد وجدت أني لا أجدها في الدنيا. [563]- كان يحيى بن معاذ يقول: يا أيها الناس لا تكونوا ممن يفضحكم يوم موتكم ميراثه، ويوم القيامة ميزانه. [564]- وقال آخر: اصبروا عباد الله على عمل لا غنى بكم عن ثوابه، واصبروا «2» عن عمل لا صبر لكم على عقابه. [565]- وكان بعض التابعين يقول: أصبحت في أجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما يفعل الله بنا.   [560] نثر الدر 7: 74 (رقم: 108) والبصائر 3: 471. وشرح النهج 8: 247. [561] نثر الدر 7: 74 (رقم: 109) وهو في نسخة الفاتح من البصائر ولم يرد في المطبوعة وموقعه فيها لو ورد ص: 478 من الجزء الثالث وشرح النهج 7: 247 وربيع الأبرار 1: 98. [562] نثر الدر 7: 74 (رقم: 110) والبصائر 3: 617. [563] نثر الدر 7: 75 (رقم: 124) وحلية الأولياء 10: 63 ومحاضرات الراغب 1: 523 والمستطرف 1: 140. [564] نثر الدر 7: 76 (رقم: 127) . [565] نثر الدر 7: 76 (رقم: 130) والبصائر 2: 435 وشرح النهج 8: 247 ونسب في أمالي الطوسي 2: 254 للربيع بن خثيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 [566]- قال أبو حازم: عجبا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كلّ يوم مرحلة، ويتركون أن يعملوا لدار يرحلون إليها كلّ يوم مرحلة. [567]- قال مطرف بن عبد الله: لا تنظروا إلى خفض عيشهم ولين لباسهم؛ ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم. [568]- قال قتادة: يعطي الله العبد على نية الآخرة ما شاء من الدنيا، ولا يعطيه على نية الدنيا إلا الدنيا. [569]- وقال آخر: إذا ابتليت أن تدخل مع الناس إلى سلطان فإذا أخذوا في الثناء فخذ في الدعاء. [570]- كتب ناسك إلى ناسك يستوصفه الدنيا والآخرة فكتب إليه: الدنيا حلم والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث ننقل إلى أجداث. [571]- رأى بعض العبّاد رجلا يضرب غلامه فوعظه ونهاه، فقلب السوط، وأخذ يضرب العابد، وتسارع الناس إليه فقال: دعوه فقد أمرت   [566] نثر الدر 7: 77 (رقم: 132) والحكمة الخالدة: 126 وشرح النهج 2: 94. [567] نثر الدر 7: 78 (رقم: 144) والبيان والتبيين 3: 152- 153 وبهجة المجالس 1: 351 ومحاضرات الراغب 1: 173 وربيع الأبرار 1: 565، 369 ب وشرح النهج 18: 365 وغرر الخصائص: 81. [568] في مجموعة ورام 1: 76 عن أنس يرفعه؛ ومرّ في رقم: 416 وقارنه بقول للحسن البصري في الحكمة الخالدة: 151. [569] نثر الدر 7: 79 (رقم: 150) وعيون الأخبار 1: 23 والبيان والتبيين 3: 275. [570] نثر الدر 7: 26 (رقم: 126) ، 86 (رقم: 160) وبعضه في مجموعة ورام 2: 24 منسوبا لعلي بن الحسين؛ وورد القول نفسه في مختار الحكم: 336 والتمثيل والمحاضرة: 170 والبصائر 4: 75 وزهر الآداب: 810 وهو للفضيل بن عياض في الايجاز والاعجاز: 35. [571] نثر الدر 7: 86 (رقم: 161) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 بالمعروف ونهيت عن المنكر وأحتاج الآن أن أصبر على ما أصابني، فبذلك نطق الكتاب. [572]- كان معروف الكرخي يقول: ليكن الله عز وجل جليسك وأنيسك وموضع شكواك، فإن الناس لا ينفعون ولا يعطون ولا يحرمون، وإن شفاء ما ينزل بك من المصائب كتمانه. [573]- بنى ملك في بني إسرائيل مدينة فتأنّق «1» في بنائها، ثم صنع للناس طعاما، ونصب على باب المدينة من سأل عنها، فلم يعبها أحد، إلا ثلاثة نفر عليهم الأكسية، فإنهم قالوا: رأينا عيبين، فسألهم فقالوا: تخرب ويموت صاحبها، فقال: فهل تعلمون دارا تسلم من هذين العيبين؟ قالوا: نعم، الآخرة. فخلّى ملكه وتعبّد معهم زمانا، ثم ودّعهم فقالوا: هل رأيت منا ما تكرهه؟ قال: لا لكن عرفتموني فأنتم تكرمونني فأصحب من لا يعرفني. [574]- قال الحسن: لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج، قيل له فإن كلام الحجاج ليقذك؟ قال: نعم، سمعته يقول على هذه الأعواد: إن امرءا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحريّ أن تطول عليها حسرته. [575]- وقال المدائني: حجّ الحجاج فنزل بعض المياه، ودعا بالغداء   [572] نثر الدر 7: 86 (رقم: 162) وقارن بحلية الأولياء 8: 360 وصفة الصفوة 2: 181. [573] ربيع الأبرار 1: 59 وقارن بالمستطرف 2: 115. [574] البيان والتبيين 2: 193- 194 ومحاضرات الراغب 2: 384 وربيع الأبرار 1: 68؛ وفي الموفقيات: 100- 101 أن الذي وقذته كلمات الحجاج هو مالك بن دينار. [575] البيان والتبيين 4: 98- 99 وعيون الأخبار 2: 366 والعقد 3: 444 والامتاع والمؤانسة 3: 80 وسراج الملوك: 60. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 فقال لحاجبه: اطلب «1» من يتغدى معي واسأله عن بعض الأمر، فنظر الحاجب فإذا هو بأعرابيّ في شملتين من شعر نائم، فضربه برجله وقال: إيت الأمير، فأتاه فقال له الحجاج: اغسل يديك للغداء قال: إنه دعاني من هو خير منك فأجبته، قال: من هو؟ قال: الله تعالى، دعاني إلى الصوم فصمت، قال: أوفي مثل هذا اليوم الحار؟ قال: نعم ليوم هو أحرّ منه، قال: فافطر وصم «2» غدا، قال: إن ضمنت لي البقاء، قال: ليس ذلك إلي، قال: فكيف تسألني آجلا لعاجل لا تقدر عليه؟ قال: إنه طعام طيب قال: إنك لم تطيبه ولا الخباز ولكن تطيّبه العافية. [576]- ذكرت الدنيا عند الحسن فقال: [من الكامل] . أحلام نوم أو كظلّ زائل ... إن الليب بمثلها لا يخدع «3» [577]- وكان يتمثل: [من الكامل] . اليوم عندك دلّها وحديثها ... وغدا لغيرك كفّها والمعصم [578]- قال عبد الله بن المخارق الشيباني: [من البسيط] . كم من مؤمّل شيء ليس يدركه ... والمرء يزري به في دهره الأمل ترجو الثراء وترجو الخلد مجتهدا ... ودون ما ترتجي الأقدار والأجل   [576] أمالي المرتضى 1: 160. [577] أمالي المرتضى 1: 160 (وفي الحاشية بيتان يتوسطهما هذا البيت) . [578] عبد الله بن المخارق الشيباني هو المعروف بنابغة بني شيبان، والبيتان في ديوانه: 95 وهما في حماسة البحتري: 217 (وسقط اسم الشاعر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 [579] قال محمد بن الحسين الأسدي «1» : [من الوافر] . إذا طمحت إلى أمل وطيّ ... تعرّض دونه أجل قريب [580]- قال عبدة بن الطبيب: [من الكامل] . إن الحوادث يخترمن وإنما ... عمر الفتى في أهله مستودع يسعى ويجمع جاهدا مستهترا ... جدا وليس بآكل ما يجمع [581]- وقال الجراح بن عمرو: [من الطويل] . يرجّون أيام السلامة والغنى ... وتغتالهم دون الرجاء غوائله [582]- روي أن عابدا قدم قرصيه ليتعشّى فعرض له سائل فأعطاه أحدهما ثم قال: ما ذاك بمشبعه ولا هذا بمشبعي، ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان «2» ، ثم ناوله القرص «3» الآخر فلما نام أتي في منامه، فقيل له: سل حاجتك؟ فقال: أن يغاث الناس. [583]- وكان أبو عمران الجوني يقول: لا يغرّنكم من ربكم طول النسيئة وحسن الطلبة «4» فإنّ أخذه أليم شديد. [584]- قال مجاهد في قوله عز وجل:   [580] البيتان من قصيدة مفضلية رقم: 27 وهي في الحماسة البصرية 1: 282- 283. [581] البيت له في حماسة البحتري: 217. [583] حلية الأولياء 2: 309. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ (الفتح: 29) هو الخشوع. [585]- قالت أعرابية في الموقف: سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وأوحشه على من لم تكن أنيسه. [586]- قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من يفنى ببقائه؟! [587]- سمع يحيى بن خالد نوح بن قدامة العدوي «1» ينشد في صفة الدنيا: [من البسيط] . حتوفها رصد وشربها رنق ... وعيشها نكد وملكها دول فقال: لقد انتظم هذا الشعر صفة هذه الغرّارة.   [585] البصائر 1: 15 ونثر الدر 4: 15 وربيع الأبرار: 156/أ (2: 247) . [586] نسب لعلي في نهج البلاغة: 489 (رقم: 115) وأمالي الطوسي 2: 254. [587] المحاسن والأضداد: 118 والبيت في ديوان المعاني 2: 181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الباب الثّاني في الآداب والسّياسة الدنيويّة ورسوم الملوك والرّعيّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 (بسم الله الرحمن الرّحيم) الحمد لله مبدع الأشياء بمتقن فطرته، ومودعها لطائف حكمته، ومصرّف الأقدار على مشيئته، ومدبّرها بقدرته، خلق خلقه أغيارا وأخيافا، «1» ورتّبهم منازل وأصنافا، وجعل بعضهم لبعض سخريّا، وفضّلهم في الرزق فكانوا فقيرا وغنيا، وأرضى كلّا «2» بما قسم فسكنوا إليه متبوعا وتبعا، وشرع لهم في دينهم سياسة أمرهم باتّباعها شرعا، حتى دانت الرعية لملوكها وقادتها، وأعطت طوعا وكرها ذليل مقادتها، فانتظم بذلك فيهم التدبير وتمّ، وجرى عليهم حكم القضاء فحتم. أحمده على ما بطن من نعمه وظهر، وأشكر له على ما أعلن من مواهبه وأسرّ، حمد راض بما سنّي من فضله ويسّر، شاكرا لما عمّ من جوده ونشر، وأستمدّ منه صدق البصيرة فيما أدّبنا به من الأمثال والحكمة، وحسن السريرة فيما ألزمنا به من طاعة الولاة والأئمة، وأسأله الصلاة على نبيّه خير البشر، وخاتم الأنبياء والنّذر، أقام في أمته سائسا ومدبّرا، وداحضا كيد الكفر وله مدمّرا، ومجاهدا في دينه مشمّرا، وأوجب عليهم استخلاف قائم من بعده احتياطا لهم ونظرا، وجمع بذلك أمرهم فلم يجعله هملا ولا نشرا، وعلى آله وأصحابه، الناطقين برشد الحكم وصوابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 (الباب الثاني في الآداب والسياسة الدنيوية ورسوم الملوك والرعية) هذا الباب يشتمل على بدائع الحكم وفوائد الآداب التي نطق بها العلماء والحكماء ضياء للقلوب «1» ، وشفاء للألباب، وأصناف السياسة التي هي قوام العالم، وبها انتظام مصالحهم، وما يلزم منها طبقات الناس على اختلافها وتنوعها، وما جاء في ذلك من تمثيل الحكماء وأخبار ولاة الأمور في آدابهم وسياستهم، ومن تلاهم من أتباعهم وغيرهم؛ وهو ستة فصول: الفصل الأول: فيه «2» الحكم والآداب التي نطق بها الحكماء والعلماء تهذيبا للنفوس، يشترك فيها السائس والمسوس. الفصل الثاني: فيه السياسة والآداب الملكية، وما يجب عليهم من حقوق الرعية، ويلزمهم من تقيّل الأخلاق المرضيّة. الفصل الثالث: فيه سياسة وزراء الملوك وأتباع السلطان وآدابهم «3» على اختلافهم. الفصل الرابع: فيه الآداب والسياسة التي تصلح للجمهور. الفصل الخامس: أخبار في السياسة والآداب يقتدى بها، وتكون مثالا لمن طلبها. الفصل السادس: نوادر تتعلق بهذا الباب «4» على قلّتها فيه وبعدها عنه «5» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 مقدّمة «1» قد حوى كتاب الله سبحانه وتعالى من فنون السياسة وأقسامها ما يغني متدبّره ويكفي متأمله: كالقصاص الذي جعل الله لنا فيه الحياة، والحدود التي عصم بها الأنفس والأموال والأعراض من تسرّع الجناة، والزكاة العائدة بفضل الأغنياء على الفقراء، منّة منه ليجعلهم فيما أنزل عليهم من رزقه شركاء، وكالطاعة المفترضة على الرعيّة للرّعاة، والمعدلة الموجبة لهم على الولاة، وكحقوق النساء من القسمة والتعديل على الرجال، وما يلزمهنّ لهم من حفظ الفروج ولزوم الحجال «2» ، وغير ذلك مما يخرج من هذا الكتاب ولا يليق إيراده به. وهو بحر الحكمة التي جعلها شفاء للأسقام والأوصاب، وجلاء للأفهام والألباب، لا يدرك قراره، ولا تحصى آثاره. فمن الآيات التي فيها أدب يتّبع قوله عز وجل: يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (لقمان: 17- 19) . وقوله عز وجل: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ. (الإسراء: 29) . يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (الحجرات: 12) . يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (الممتحنة: 13) . يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (الحجرات: 6) . كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ* (الروم: 32) . إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص: 76) . وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها (النحل: 18) . وتقصّي ذلك وترتيبه يخرج الكتاب عن نمطه الموضوع له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الفصل الأول في الحكم والآداب التي نطق بها الحكماء والعلماء [588]- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الحكمة ضالّة المؤمن. [589]- وقال علي عليه السلام: لكلّ جواد كبوة، ولكلّ حكيم هفوة، ولكلّ نفس ملّة فاطلبوا لها طرائف الحكمة. [590]- وقال: الفكر يورث نورا، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة.   [588] كشف الخفا 1: 435 والمقاصد الحسنة: 191 والشهاب: 4 (اللباب: 27) ورواه الترمذي في أواخر العلم من جامعه والبيهقي في المدخل، ونسب القول لعلي، انظر نهج البلاغة: 481 وهو لعلي في ربيع الأبرار: 263 ب وجامع بيان العلم 1: 121 وكتاب الآداب: 3 ولأبي جعفر في مجموعة ورام 2: 149 وانظر التمثيل والمحاضرة: 174 والعقد 2: 254 ولباب الآداب: 422. [589] قارن بجامع بيان العلم 1: 126 وأمثال أبي عبيد: 51 وجمهرة العسكري 1: 308 ومجمع الميداني 2: 90 والمستقصى 2: 291، 292، ونهاية الأرب 8: 176، 181؛ وقارن أيضا بالتمثيل والمحاضرة: 174 حيث ورد: إن هذه القلوب تمل كما تمل الابدان فاطلبوا لها طرائف الحكمة، وفي الأسد والغواص: 160 أي جواد لا يكبو وأي صارم لا ينبو. ولعلي أيضا (النهج: 483) ان هذه القلوب تمل كما تمل الابدان فابتغوا لها طرائف الحكم، وانظر أيضا الحكمة الخالدة: 112 وبهجة المجالس 1: 115 ونسب القول لابن مسعود في نثر الدر 2: 70. [590] في بهجة المجالس 1: 116 كان يقال: «التفكر نور والغفلة ظلمة» وكذلك هو في العقد 2: 255. 16 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 [591] قال ابن مسعود رضي الله عنه: العلم أكثر من أن يحصى فخذوا من كلّ شيء أحسنه. [592]- وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: انظروا إلى من تحتكم ولا تنظروا إلى من فوقكم. [593]- وقال أيضا صلّى الله عليه وسلّم: جبلت القلوب على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها. [594]- ومن كلامه أيضا: (1) - كرم الرجل دينه ومروءته عقله، وحسبه عمله. (2) - خير الأمور أوسطها. (3) - كلّ ميسّر لما خلق له.   [591] نسب في جامع بيان العلم 1: 127 لابن عباس، ولا بن سيرين في العقد 2: 208 وللشعبي في نثر الدر 5: 50 وللرسول في مجموعة ورام 2: 15 وورد دون نسبة في كتاب الآداب: 68 وللحسن بن علي في الايجاز والاعجاز: 9 وانظر مطالع البدور 1: 7. [592] كشف الخفا 1: 243 والمقاصد الحسنة: 103 وقد جاء على صور مختلفة عند مسلم وأحمد وابن حبان؛ ومن صوره عن أبي ذر «أوصاني خليلي أن أنظر الى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي» . وانظر الشهاب: 24 (اللباب: 131) وكتاب الآداب: 4 والتمثيل والمحاضرة: 25 ومحاضرات الراغب 1: 517. [593] مسند أحمد 2: 254، 482 واتقان الغزي: 43 وأمثال الماوردي: 56/أوكشف الخفا 1: 395 والمقاصد الحسنة: 171 والشهاب: 19 (اللباب: 103) وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن حبان في روضة العقلاء، وانظر كتاب الآداب: 70 والتمثيل والمحاضرة: 25 والبيان والتبيين 2: 99 ومحاضرات الراغب 1: 648، 2: 31، 40 (ونسب لعائشة) والبصائر 7: 328 (وفيه مزيد من التخريج) . [594] حشد المؤلف هنا مجموعة من الأحاديث، وإليك تخريجها واحدا واحدا: 1- كشف الخفا 2: 143 والمقاصد الحسنة: 315 والشهاب: 7 (اللباب: 34) . 2- كشف الخفا 1: 469 والمقاصد الحسنة: 205 وقد مرّ تخريجه على صورة مثل في مقدمة الكتاب ص: 23. 3- هذا جزء من حديث، انظر البخاري (تفسير السورة: 192، وأدب: 120 وقدر: 4 وتوحيد: 54) ومسلم (قدر: 6- 8) والترمذي (قدر: 3) وابن ماجه (مقدمات: 10) ومسند أحمد 1: 6، 29، 82، 129 ... ومحاضرات الراغب 1: 451 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 (4) - زر غبّا تزدد حبّا. (5) - الوحدة خير من جليس السوء. (6) - البركة في الحركة. (7) - بلّوا أرحامكم ولو بسلام. (8) - من كثّر سواد قوم فهو منهم. (9) - ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى. (10) - ليس الغنى كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس. [595]- ويقارب هذا المعنى قول علي بن أبي طالب عليه السلام: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك. [596]- وقال أبو بكر رضي الله عنه: صنائع المعروف تقي مصارع السّوء.   والتمثيل والمحاضرة: 28 والايجاز والاعجاز: 7 وأمثال الماوردي: 49 ب وأمل الآمل: 25. 4- كشف الخفا 1: 528 والمقاصد الحسنة: 232 والجامع الصغير 2: 27 والبيان والتبيين 2: 289 والعقد 2: 420، 3: 23 وأمثال الماوردي: 60 ب والصداقة والصديق: 131 والايجاز والاعجاز: 7. 5- كشف الخفا 2: 445 والمقاصد الحسنة: 451 وأمثال أبي عبيد: 130 وجمهرة العسكري 2: 330 والميداني 2: 216. 6- نسب لثالس في فقر الحكماء: 279. 7- كشف الخفا 1: 341 والمقاصد الحسنة: 146. 8- كشف الخفا 2: 445 والمقاصد الحسنة: 426 والتمثيل والمحاضرة: 28 والايجاز والاعجاز: 7. 9- كشف الخفا 2: 250 والمقاصد الحسنة: 370 والجامع الصغير 2: 147 وكتاب الآداب: 82 والعقد 2: 418 والشريشي 3: 12 (ضمن دعاء لعمر) والتمثيل والمحاضرة: 27 وأمثال الماوردي: 60 ب وأنس المحزون: 57 ب. 10- كشف الخفا 2: 104 والمقاصد الحسنة: 297 وأدب الدنيا والدين: 151. [595] نهج البلاغة: 484 وحلية الأولياء 1: 75 وصفة الصفوة 1: 24 ونثر الدر 1: 313 وربيع الأبرار 1: 804 وبهجة المجالس 2: 279 وألف باء 1: 18، 462 ومجموعة ورام 1: 125 وتذكرة الخواص: 131. [596] هو للرسول في كشف الخفا 2: 42 والمقاصد الحسنة: 268 وأدب الدنيا والدين: 201 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 [597] وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: استغن عمن شئت فأنت نظيره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، وأفضل على من شئت فأنت أميره. أخذ هذا «1» المعنى الأول الشاعر فقال: [من الخفيف] وإذا ما الرجاء أسقط بين النا ... س فالناس كلّهم أكفاء [598]- قال لقمان لابنه: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب إذا لاقى الأقران، ولا أخوك إلا عند حاجتك إليه. [599]- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أحبّكم إلينا قبل أن نخبركم أحسنكم صمتا، فإذا تكلّم فأثبتكم منطقا، فإذا اختبرناكم فأحسنكم فعلا. (وفي رواية: أحبّكم إلينا أحسنكم اسما، فإذا رأيناكم   ولباب الآداب: 334 والجليس الصالح 1: 233 ولأبي بكر في التمثيل والمحاضرة: 28 والايجاز والاعجاز: 8 وربيع الأبرار: 328/أ (قال: وروي مرفوعا) . [597] التمثيل والمحاضرة: 30 والايجاز والاعجاز: 8 والحكمة الخالدة: 178 ومروج الذهب 3: 174 وكتاب الآداب: 59 وربيع الأبرار: 206/أومجموعة ورام 1: 169 وأمل الآمل: 19، 26 وقارن بما وجد مكتوبا على حجر بدمشق في محاضرات الأبرار 2: 426. [598] نثر الدر 7: 10 (رقم: 64) والكامل للمبرد 1: 213 ومختار الحكم: 276 والبيان والتبيين 2: 76 وعيون الأخبار 3: 83 (دون نسبة) وبهجة المجالس 2: 127 (دون نسبة) وورد في بهجة المجالس 1: 720 منسوبا، وهو في سراج الملوك: 143، 251 وكتاب الآداب: 45 وبرد الأكباد: 118- 119 وأدب الدنيا والدين: 248 والمستطرف 1: 194 وحلية الأولياء 7: 389 وربيع الأبرار 1: 438 وقارن بالعقد 2: 305 «أربعة لا تعرف إلا عند اربعة» . [599] ربيع الأبرار: 292/أ: «إن أحبكم إلينا قبل أن نراكم أحسنكم اسما» وانظر نثر الدر 2: 37 ومحاضرات الراغب 2: 336. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 فأجملكم منظرا، فإذا اختبرناكم فأحسنكم مخبرا) . [600]- من كلام الجاحظ، وينسب إلى غيره: خير الدنيا والآخرة التقوى والغنى، وشرّ الدنيا والآخرة الفقر والفجور. [601]- قال الحارث بن أسد المحاسبي: الظالم نادم وإن مدحه الناس، والمظلوم سالم وإن ذمّه الناس، والقانع غنيّ وإن جاع، والحريص فقير وإن ملك. [602]- وقال يحيى بن معاذ الرازي: لا يعجبك حلم امرىء حتى يغضب، ولا أمانته حتى يطمع، فإنك لا تدري على أيّ شقيّه يقع. [603]- خطب علي عليه السلام يوما فقال في خطبته: وأعجب ما في الإنسان قلبه، وله موادّ في الحكمة وأضداد «1» من خلافها، فإن سنح له الرجاء هاج به الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ، وإن أسعد بالرضي نسبي التحفّظ، وإن ناله «2» الخوف شغله الحزن «3» ، وإن أصابته مصيبة قصبه «4» الجزع، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى، وإن عضّته فاقة شغله البلاء، وإن جهد   [600] ورد في محاضرات الراغب 1: 503 (بصياغة مختلفة) . [601] حلية الأولياء 10: 76. [602] يحيى بن معاذ الرازي زاهد توفي بنيسابور سنة 258 (انظر طبقات السلمي: 107 وحلية الأولياء 1: 51 وتاريخ بغداد 14: 208) وقارن بربيع الأبرار 2: 32. [603] نهج البلاغة: 487 ومروج الذهب 3: 175 والبصائر 3: 22 وأنس المحزون: 24 ب. وفاضل المبرد: 3 والعقد الفريد للملك السعيد: 4- 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 به الجوع أقعده الضعف، وكلّ تقصير به مضّر، وكلّ إفراط له مفسد. [604]- ومن كلام له عليه السلام: فرض الله تعالى الإيمان تطهيرا من الشرك، والصلاة تنزيها من الكبر، والزكاة سببا «1» للرزق، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق، والحج تقوية للبدن «2» ، والجهاد عزا للاسلام، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام، والنهي عن المنكر ردعا للسفهاء، وصلة الرحم منماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة، وترك الزنا تصحيحا للنسب، وترك اللواط تكثيرا للنسل، والشهادات استظهارا على المجاحدات، وترك الكذب تشريفا للصدق، والسلام أمانا من المخاوف، والأمانة نظاما للأمّة، والطاعة تعظيما للإمامة. [605]- وقال أيضا: صديق الجاهل في تعب. [606]- وقال أيضا: (1) استدلّ على ما لم يكن بما قد كان فإن الأمور أشباه. (2) من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه. (3) من اقتصر على قدره كان أبقى له. (4) هلك امرؤ لم يعرف قدره. (5) المرء مخبوء تحت لسانه.   [604] نهج البلاغة: 512. [606] هذه حكم متفرقة جمعها المؤلف في نطاق: واليك تخريج ما تيسر تخريجه منها: 1- نهج البلاغة: 480 «ان الأمور اشتبهت اعتبر آخرها بأولها» . 4- نهج البلاغة: 497 وكتاب الآداب: 59 «ما ضاع امرؤ عرف قدره» وقارن بالبيان والتبيين 2: 23 وقوانين الوزارة: 237 ومحاضرات الراغب 1: 219، 263. 5- نهج البلاغة: 497 وكتاب الآداب: 59 والفصول المهمة: 112 وأحاسن المحاسن: 153 وهو حديث في لباب الآداب: 330. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 (6) قيمة كلّ امرىء ما يحسنه. (7) بقية السيف أبقى عددا وأكثر ولدا. (8) ربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده. (9) قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. (10) إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان. (11) نعم طارد الهمّ اليقين. [607]- قيل لبعض العلماء: من أسوأ الناس حالا؟ قال: من قويت شهوته، وبعدت همّته، واتسعت معرفته، وضاقت مقدرته. [608]- قال يحيى بن طالب: [من الطويل] إذا أنت لم تفكر لنفسك خاليا ... أحاط بك المكروه من حيث لا تدري   6- نهج البلاغة: 482 والتمثيل والمحاضرة: 29 وأدب الدنيا والدين: 42 والبيان والتبيين 1: 83 والبيهقي: 427 ونور القبس: 200 (والتعليق على هذه الحكمة) وقوانين الوزارة: 237 والبصائر 2: 299، 7: 210 وبهجة المجالس 1: 65 والعقد 2: 209، 3: 12 والايجاز والاعجاز: 8 والفصول المهمة: 112. 7- البيان والتبيين 2: 316 والبصائر 1: 489 وربيع الأبرار: 280 ب وشرح النهج 18: 235 (وعلّق عليه بأن ما ذكره وجد مصداقه في أولاد علي وأولاد الزبير وبني المهلب ممن أسرع فيهم القتل) . 8- نهج البلاغة: 404 والبصائر 2: 797، 3: 55 (لأعرابي) والبيان والتبيين 4: 93 (في وصية لعبد الملك بن صالح) وكتاب الآداب: 82 وقوانين الوزارة: 203 والمرادي: 64- 65 وزهر الآداب: 81 وربيع الأبرار 1: 637. 10- نسب لبطليموس في فقر الحكماء: 278. [607] المجتنى: 72- 73 والبيان والتبيين 3: 165، 2: 99 وعيون الأخبار 1: 233 وبهجة المجالس 1: 120، 421 والجليس الصالح 2: 369. وقارن بسراج الملوك: 346 وبما ورد في كتاب الآداب: 78 «من عظمت همته طالت حسرته» ، وورد معكوسا في محاضرات الراغب 1: 449 وانظر 1: 504. [608] هو يحيى بن طالب الحنفي من اليمامة؛ شاعر مقل من شعراء الدولة العباسية، شهد عهد الرشيد؛ وبيته هذا في الأغاني 23: 293 وفي روايته: لم تنظر ... أحاطت بك الأحزان ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 [609] وقال قيس بن الخطيم: [من الطويل] وإني لأغنى الناس عن متكلّف ... يرى الناس ضلّالا وليس بمهتد وما المال والأخلاق إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود متى ما تقد بالباطل الحقّ يأبه ... وإن قدت بالحقّ الرواسي تنقد «1» إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ... ضللت وإن تدخل من الباب تهتد [610]- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا كان الشّغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة. [611]- قال سقراط: السبب الذي به أدرك العاجز حاجته هو الذي أقعد الحازم عن طلبته. [612]- وقال فرفوريوس: لو تميّزت الأشياء بأشكالها لكان الكذب مع الجبن، والصدق مع الشجاعة «2» ، والراحة مع اليأس، والتعب مع الطمع، والحرمان مع الحرص، والعزّ مع القناعة، والأمن مع العفاف، والسلامة مع الوحدة.   [609] الشعر في ديوان قيس: 73- 74. [610] ربيع الأبرار: 246 ب وأدب الدنيا والدين: 58، 106 وأمثال الماوردي: 83 ب وقوانين الوزارة: 218 ومحاضرات الراغب 1: 492 (لبزرجمهر) والتمثيل والمحاضرة: 398. [611] ورد هذا القول في كليلة ودمنة: 161 والأدب الصغير (رسائل البلغاء) : 33 والنمر والثعلب: 165 وقد ورد منظوما (البيان والتبيين 3: 259) . والسبب المانع حظّ العاقل ... هو الذي سبب رزق الجاهل [612] ورد في أخلاق الوزيرين: 390 لابن المعتز وهو له أيضا في نثر الدر 3: 54 وفي الوافي بالوفيات 17: 451. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 [613] وقال أيضا: لا يرفع أحد فوق درجته إلا فسد، ألا ترى إلى دودة النحل إذا جعلت في العسل كيف تموت؟! [614]- وقال آخر: السهر ألذّ للمنام كما أن الجوع أزيد في طيب الطعام؛ وهذا مطّرد في كلّ نعمة تزداد طيبا وموقعا إذا جاءت بعد ضدها. [615]- وقال «1» آخر: من عرف الأيام لم يغفل الاستعداد. [616]- وقال حكيم من اليونانيين: السعادات كلها في سبعة أشياء: حسن الصورة، وصحة الجسم، وطول العمر، وكثرة العلم، وسعة ذات اليد، وطيب الذكر، والتمكن من الصديق والعدو. [617]- وقال معاوية: الدنيا بحذافيرها الخفض والدّعة. [618]- وقال بعض الادباء، وقد سئل عن العيش: العيش في الغنى فإني رأيت الفقير لا يلتذّ بعيش أبدا؛ وقال السائل زدني، قال: الصحة، فإني رأيت المريض لا يلتذ بعيش أبدا، قال: زدني، قال: الأمن فإني رأيت الخائف لا يلتذّ بعيش أبدا، قال: زدني، قال: لا أجد مزيدا. فهذا الكلام على كمال تقسيمه واستغراقه المعنى إنما أخذه من كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي هو أصل كلّ حكمة ومآلها: من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، له قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدنيا بحذافيرها.   [617] الكامل للمبرد 1: 202، 236 ومحاضرات الراغب 1: 438 ونثر الدر 3: 7. [618] ربيع الأبرار: 335 ب وكتاب الآداب: 19 وبهجة المجالس 1: 126 (من حوار بين الحجاج وخريم الناعم) وقارن بما في كتاب الآداب: 59 حيث جعل النعمة في تسعة أشياء؛ والحديث «من أصبح معافى في بدنه ... » ورد في روضة العقلاء: 277 والخصال 1: 161 ومحاضرات الراغب 1: 518، 2: 396، 518 وأخبار الزجاجي: 20 والعقد 3: 204. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 [619] قيل لسقراط: ما الشيء الذي لا يستغنى عنه؟ قال: التوفيق، قيل: ولم لم تقل «1» العقل؟ قال: العقل بما هو عقل لا يجدي عاجلا وآجلا دون التوفيق الذي به يهتدى إلى ثمرة العقل وينال درجة «2» الانتفاع به. [620]- قال صالح بن جناح العبسي: [من الطويل] ألا إنما الإنسان غمد لقلبه ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل [621]- قال فيلسوف: كثير من الأمور لا تصلح إلا بقرنائها: لا ينفع العلم بغير ورع، ولا الحفظ بغير عقل، ولا الجمال بغير حلاوة، ولا الحسب بغير أدب، ولا السرور بغير أمن، ولا الغنى بغير كفاية، ولا الاجتهاد بغير توفيق. [622]- قال علي عليه السلام: من كشف ضره هانت عليه نفسه. [623]- ومن كلامه، الفقر يخرس الفطن عن حجته. المقلّ غريب في   [619] نثر الدر 7: 26 (رقم: 126) ومحاضرات الراغب 1: 453. [620] صالح بن جناح لخمي لا عبسي، وهو من شعراء العصر الأموي؛ وبيته هذا في تهذيب ابن عساكر 6: 368 ومجموعة المعاني: 30 والحماسة البصرية 2: 41. [621] هو في الأدب الصغير (رسائل البلغاء: 28) وقارن بما نسب لأردشير في المستطرف 1: 15، 73 وانظره في التمثيل والمحاضرة: 471 (دون نسبة) ونصه: أربعة تحتاج إلى أربعة الحسب الى الأدب ... الخ وانظر البصائر 1: 471 وفيه لفيلسوف: «النظر محتاج الى القبول والحسب الى الأدب والسرور الى الأمن ... الخ» ونثر الدر 7: 19 (رقم: 61) . [622] نهج البلاغة: 469 والنص هنا مغير؛ وفي النهج: «أزرى بنفسه من استشعر الطمع، ورضي بالذل من كشف عن ضره، وهانت عليه نفسه من أمر عليها لسانه. [623] نهج البلاغة: 469، 472 (رقم: 3، 4، 5، 6، 9، 26) وقوله: «إذا أقبلت الدنيا- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وطنه. العجز آفة. الورع جنّة. نعم القرين الرضى. العلم وراثة كريمة. البشاشة حبالة المودة. إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه. ما أضمر أحدكم شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه؛ (وقد روي لنا هذا الكلام عن النبي صلّى الله عليه وسلّم) ومثله قول زهير: [من الطويل] ومهما تكن عند امرىء من خليقة ... وإن خالها تخفى عن الناس تعلم [624]- ومن كلامه: امش بدائك ما مشى بك. قلوب الرجال وحشية فمن تألّفها بالإحسان أقبلت إليه. من حذّرك كمن بشّرك. أوضع العلم ما وقف على اللسان وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان. إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به، ثم تلا: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ (آل عمران: 68) الآية. ثم قال: إن وليّ محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدوّ محمد من عصى الله وإن قربت قرابته. [625]- وقال في صفة الغوغاء: هم الذين إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا نفعوا، فقيل: قد علمنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم؟ قال:   على أحد ... » في كتاب الآداب: 4 وفي المحاسن والأضداد: 116 (لأبي الدرداء) والتمثيل والمحاضرة: 250 وفقر الحكماء: 276 (لثالس) والحكمة الخالدة: 131 ومحاضرات الراغب 1: 451 ومروج الذهب 3: 175 والامتاع والمؤانسة 2: 150؛ وقوله «ما أضمر أحدكم شيئا ... » في الفصول المهمة: 113. [624] نهج البلاغة: 472، 477، 478، 483، 484، (رقم: 27، 50، 59، 92، 96) وقوله «قلوب الرجال وحشية» في ربيع الأبرار 1: 458؛ وقوله: «إن أولى الناس بالأنبياء ... » ورد في ربيع الأبرار: 309/أ. [625] نهج البلاغة: 504 (رقم: 199) وربيع الأبرار: 405/أوورد غير منسوب في العزلة: 95 وبعضه في المستطرف 1: 156 وبعضه في العقد 2: 294- 295 وقد نسب لعبد الله بن عباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم، كرجوع البناء إلى بنائه، والنسّاج إلى نسجه، والخبّاز إلى مخبزه. [626]- ومن كلامه كرم الله وجهه: (1) من لان عوده كثفت أغصانه. (2) في تقلّب الأحوال علم جواهر الرجال. (3) من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة (معناه أن ما ينفقه في سبل الخير والبر وإن كان يسيرا فإن الله يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا) . (4) الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها. (وقد روي ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) . (5) إذا ازدحم الجواب خفي الصواب. (6) الحظّ يأتي من لا يأتيه. (7) قليل تدوم عليه أرجى من كثير مملول. (8) كلّ معاجل يسأل الإنظار وكلّ مؤجّل يتعلّل بالتسويف. (9) كفى بالأجل حارسا. [627]- وقال لسائل سأله عن معضلة: سل تفقها ولا تسأل تعنتا، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإن العالم المتعنت «1» شبيه بالجاهل.   [626] وردت هذه الأقوال في نهج البلاغة: 507، 509، 510، 511، 524، 525، (وأرقامها: 214، 217، 232، 240، 243، 275، 278) وورد بعضها في مصادر أخرى على النحو التالي: 1- المجتنى: 58 ونثر الدر 4: 76، وربيع الأبرار 2: 23. 2- المجتنى: 58. 3- ربيع الأبرار 1: 603. 4- سراج الملوك: 350. 5- الحكمة الخالدة: 150 وربيع الأبرار 1: 675، 717، وزهر الآداب: 375 ونسب في البيان والتبيين 2: 11 لعبد الله بن وهب الراسبي. 7- المستطرف 2: 62. [627] نهج البلاغة: 531 (رقم: 320) وبعضه في ربيع الأبرار: 268/أولقاح الخواطر: 53/أ (لابن المعتز) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 [628] وقال كرم الله وجهه: قيام الدنيا «1» بأربعة: عالم يستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف من التعلم، وغني «2» لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع دينه «3» . فإذا لم يستعمل العالم علمه استنكف الجاهل من التعلم عنه «4» ، وإذا بخل الغنيّ بماله شره الفقير إلى الحرام، ففسدت الدنيا بكثرة الجهال والفجار. [629]- وقال عليه السلام: (1) الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمّنهم من مكر الله، ولا يؤيسهم من روح الله، ولا يرخّص لهم في «5» معاصي الله تعالى. (2) لكل امرىء في ماله شريكان: الحوادث والوارث. (3) صواب الرأي بالدول ويذهب بذهابها. (4) العفاف زينة الفقر. (5) الشكر زينة الغنى. (6) من نظر في عيب نفسه اشتغل عن   [628] نهج البلاغة: 541 (رقم: 372) والنصّ هنا مختلف عما هو في النهج، وانظر الحكمة الخالدة: 110. [629] وردت هذه الأقوال في نهج البلاغة: 483، 534، 536، 544 (وأرقامها: 90، 335، 340، 349، 386) واليك تخريج بعضها: 1- الحكمة الخالدة: 112 ولباب الآداب: 293 وعين الأدب والسياسة: 189 ومجموعة ورام 1: 300، وهو مرفوع في جامع بيان العلم 2: 55 وتذكرة الخواص: 140 وكنز العمال 10: 181، 261، 262. 2- نسب القول لأبي ذر في نثر الدر 2: 76 وقارن بما تقدم رقم: 292. 4- ربيع الأبرار: 247/أ، 354/أ. 5- ربيع الأبرار: 354/أ. 6- المستطرف 1: 78 وجانب منه في شرح النهج 12: 19 (منسوبا لعمر بن الخطاب) وانظر النمر والثعلب: 154 (77) وأمالي القالي 3: 119 وألف باء 1: 373 ولباب الآداب: 17. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته، ومن سلّ سيف البغي قتل به ومن كابد الأمور عطب، ومن اقتحم اللّجج غرق، ومن دخل مداخل السوء اتهم، ومن كثر كلامه كثر خطأه، ومن كثر خطأه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار، ومن طلب شيئا ناله أو بعضه. [630]- وقال أيضا: ألا إنّ من البلاء الفاقة، وأشدّ من الفاقة مرض البدن، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب. ألا وإنّ من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحّة البدن، وأفضل من صحّة البدن تقوى القلب. المنية ولا الدنيّة، التقلّل ولا التوسّل. [631]- وسئل أيّهما أفضل: العدل أم الجود؟ فقال: العدل سائس عام، والجود عارض خاصّ، فالعدل أشرفهما وأفضلهما. [632]- وقال: يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الآفة في التدبير. وقد قارب ابن الرومي هذا المعنى في قوله: [من الكامل] غلط الطبيب عليّ غلطة مورد ... عجزت محالته عن الإصدار والناس يلحون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدار [633]- وقال: إذا انقضت المدة كان الهلاك في العدة.   [630] نهج البلاغة: 553 (رقم: 437) . [632] نهج البلاغة: 556 (رقم: 459) وزهر الآداب: 226 وبيتا ابن الرومي في الجهشياري 227 وتاريخ بغداد 12: 26 وابن خلكان 3: 361 وزهر الآداب: 227 ومعاهد التنصيص 1: 118 وديوانه: 1111 وقارن بقول ابن المعتز (ربيع الأبرار 1: 561) تذل الأشياء للتقدير حتى يصير الهلاك في التدبير. [633] الجهشياري: 227 وسراج الملوك: 294، 301 ومحاضرات الراغب 1: 453، 2: 488. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 [634] وروي أن يحيى بن خالد دخل إلى الرشيد في أوّل ما ابتدأت حاله في الفساد فرآه متخلّيا فرجع، فاستعاده الرشيد، فقال: يا يحيى رأيتني خاليا فاتهمتني قال: والله يا أمير المؤمنين ما اعتمدت إلا مسرّتك، ولكن إذا انقضت المدّة كان الحتف في الحيلة «1» . [635]- قال عمرو «2» بن مروان بن محمد: عرض أبي بظهر الكوفة ثمانين ألف عربي، ثم قال بعد أن وثق في نفسه بكثرة العدد والعدد: إذا انقضت المدة لم تغن العدّة. [636]- وقال علي عليه السلام: ربّ مفتون بحسن القول فيه. [637]- ومن كلامه عليه السلام: منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا. [638]- وقالت القدماء: الدنيا كالماء المالح متى يزدد صاحبه منه شربا يزدد عطشا وظمأ.   [634] قارن بالجهشياري: 227 والمرادي: 230 والتمثيل والمحاضرة: 145 والبصائر 1: 159 وغرر الخصائص: 353. [635] نثر الدر 3: 26 والايجاز والاعجاز: 18- 19 وكتاب الآداب: 21. [636] نهج البلاغة: 556 (رقم: 462) والفصول المهمة: 118 ومحاضرات الراغب 1: 51، 525، 2: 702. [637] نهج البلاغة: 556 (رقم: 457) والبيان والتبيين 1: 274 والعقد 2: 210 وأدب الدنيا والدين: 83 ومحاضرات الراغب 1: 525، 4: 704 وبرد الأكباد: 104 (وذكر أنه حديث) . [638] سراج الملوك: 42 والبصائر 2: 28 ومحاضرات الراغب 2: 524 وأمثال الماوردي: 82 ب وأصله في كليلة ودمنة: 70 وقارن بقول منسوب لعيسى في مجموعة ورام 1: 149. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 [639] وقال أبرويز: إنما الكلام أربعة: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء، فهذه دعائم الكلام إن التمس إليها خامس لم يوجد، وإن نقص منها رابع لم تتم، فإذا طلبت فأسجح، وإذا أمرت فاحتم، وإذا أخبرت فحقّق، وإذا سألت فأوضح. [640]- قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: كما أن الصديق يحول بالجفاء عدوا، كذلك العدوّ يحول بالصلة صديقا. [641]- وقال آخر: شرّ المال ما لا ينفق، وشرّ الإخوان الخاذل في الشدائد، وشرّ السلطان من خافه البريء، وشرّ البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن. [642]- قال أفلاطون: لا تجبروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم. [643]- وقال: إذا أقبل الرئيس استجاد الصنائع، وإذا أدبر استغره   [639] نثر الدر 7: 45 (رقم: 104) وعيون الأخبار 1: 46 والعقد 2: 266 وتاريخ الطبري 2: 836. [640] ربيع الأبرار 1: 464 وبهجة المجالس 1: 687. [641] عيون الأخبار 1: 13 وأصله في كليلة ودمنة: 286. [642] مختار الحكم: 138 وروايته: لا تقصروا ... ؛ والكلم الروحانية: 8 لا تقسروا (وهو أصوب) . [643] وردت أقوال أفلاطون في مختار الحكم: 139، 149، 156 وقوله: «اذا أقبل الرئيس ... » في الكلم الروحانية: 9 وقوله: «اذا خبث الزمان ... » مشابه لما في سراج الملوك: 348 ولباب الآداب: 448 والكلم الروحانية: 24 وقوله: «اذا استعمل الرئيس النفاق ... » فيه حذف مخلّ، فقد جاء في مختار الحكم: «إذا استعمل الرئيس النفاق لمن لم يقدر عليه صعب مأتاه [وإذا استعمل النفاق لمن دونه] لم يقبل بشره وضاعت عوارفه» ؛ وقوله: «اذا بلغ المرء من الدنيا ... » في الكلم الروحانية: 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الأعداء. إذا خبث الزمان كسدت الفضائل وضرت، ونفقت الرذائل ونفعت، وكان خوف الموسر أشدّ من خوف المعسر. إذا بلغ المرء من الدنيا فوق مقدار نفسه تنكر على الناس. إذا استعمل الرئيس النفاق لمن دونه ضاعت عوارفه. [644]- قيل: أحقّ الناس بالهوان المحدّث لمن لا يسمع منه، والداخل بين اثنين في حديث لم يدخلاه فيه، وآتي دعوة لم يدع إليها، وطالب المعونة من عدوّه، والمتعمّق «1» في أحواله «2» . [645]- وقيل: الأدب يزيد العاقل عقلا والأحمق شرّا. [646]- قال ابن مسعود: من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبّخ نفسه. [647]- سئلت أعرابية: ما السرور؟ فقالت: كفاية ووطن وسلامة وسكن. [648]- وروي أن أنيسا وطارقا ابني جندل من رجال كلب وفدا إلى ملك من ملوك غسّان، وكان قد بلغه عنهما عقل وأحبّ أن يمتحنهما، فقال يا   [644] قارن بالبيان والتبيين 2: 115 ونثر الدر 4: 64 والمستطرف 1: 121 والخصال 2: 410 (ونسبه للرسول) والحكمة الخالدة: 77 ومحاضرات الراغب 4: 705 وبهجة المجالس 2: 174- 175 . [645] قارن بقول ابن المقفع في كليلة ودمنة: الأدب يدفع عن اللبيب السكر ويزيد الأحمق سكرا (كليلة ودمنة: 123) وسيمرّ هذا في رقم: 726. [646] عيون الأخبار 2: 179 والحكمة الخالدة: 147 وألف باء 1: 25 ولقاح الخواطر: 73/أ. [647] ربيع الأبرار: 402/أ (لأعرابي) وتتمته: «فيه أمن لا يذعر سوامه ولا ينحسر غمامه» . 17 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 أنيس ما أنكأ الأشياء للقلوب؟ قال: فقر مكبّ وضرع إلى غير محبّ، قال يا طارق: ما أضرّ الأشياء على الملوك؟ قال: عدوّ تسري مكايده، وجليس يبثّ حبائله، وصديق يودّك ظاهره ويغولك باطنه. قال: فما الداء العضال؟ قال: ابن العمّ الحسود، كالسّبع الرصيد يساء إن أثريت ويبجح إن اختبيت، قال: يا أنيس، ما الشقاء العاجل؟ قال: الحليلة الورهاء، خطابها عواء، ورضاها بكاء، وسخطها اجتراء، قال: يا طارق ما شرّ مصحوب؟ قال: اللسان الذي لا يقيّده الحجى ولا يردعه النّهى، قال: يا أنيس ما الداء الذي لا شفاء له؟ قال: الحسد الذي لا انقضاء له. قال: يا طارق ما الداء العياء؟ قال: البخل بالممكن الموجود، والأسف على الغائب المفقود. قال: يا أنيس ما العار الذي لا يرحض؟ قال: إسلام الجار، والعجز عن حماية الذّمار. قال: يا طارق ما أكرم الأخلاق؟ قال: الجود في الإثراء والإملاق. قال: يا أنيس ما الشرف؟ قال: احتمال العظائم واجتناب المحارم. قال: يا طارق ما العزّ؟ قال: حدب العشير، وكثرة النفير، والمعاونة على القليل والخطير. قال: يا أنيس ما الكرم؟ قال: الوفاء بالذمم والبذل في الأزم. قال: يا طارق ما الشجاعة؟ قال: دفاعك عمن لا يلزمك له ذمام، وإقدامك حين تكره الإقدام. قال: يا أنيس ما أجلب الأشياء للمقت؟ قال: العجب والخرق. فقال الملك: وأبيكما لقد استمجدتما «1» أدبا، وترويتما لبا، وأحسن صلتهما. [649]- قال معاوية: آفة المروءة الكبر وإخوان السوء، وآفة العلم   [649] البصائر 3: 528 (باسهاب) ونسبه لبعض الحكماء، ونثر الدر 3: 13 وبهجة المجالس 2: 172 ولباب الآداب: 67، وقارن بما ورد في أحاسن المحاسن: 163 وقوله «آفة العلم النسيان» في الميداني 1: 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 النسيان، وآفة النسيان الكذب، وآفة الحلم الذلّ، وآفة الجود السّرف، وآفة القصد البخل، وآفة المنطق الفحش، وآفة اللبّ العجب، وآفة الظّرف الصّلف، وآفة الحياء الضعف، وآفة الجلد الكسل، وآفة الرزانة الكبر، وآفة الصمت العيّ. [650]- قال عبد الملك بن مروان: أربعة لا يستحيى من خدمتهم: السلطان والولد والضيف والدابّة. [651]- وقال: اطلبوا معيشة لا يقدر سلطان جائر على غصبها، قيل وما هي؟ قال: الأدب. [652]- وكان يقول: اللحن هجنة على الشريف والعجب آفة الرأي. [653]- قال سهل بن هرون: ليس الريّ عن التشاف. من عاش غير خامل المنزلة وأفضل «1» على نفسه وأصحابه فهو وإن قلّ عمره طويل العمر، ومن كان عيشه في وحدة وضيق وقلّ خيره على نفسه وعلى الناس فهو وإن طال عمره قصير العمر. وقد يبلغ الخضم القضم، ويركب الصعب من لا ذلول له.   [650] العقد 2: 460 والبصائر 4: 224 ونثر الدر 4: 15 (وفيه قصة مجملها أن عبد الملك بصق فقصر بصاقه على البساط فقام رجل فمسحه بثوبه، فقال عندئذ هذا القول) وبهجة المجالس 1: 344، 2: 138 (خمسة) وربيع الأبرار 2: 300. [651] العقد 2: 379 ونثر الدر 3: 17 ومحاضرات الراغب 1: 32. [652] البيان والتبيين 2: 216 وبهجة المجالس 1: 455. [653] ورد هذا في كتاب النمر والثعلب: 166 وقوله «ليس الري عن التشاف» في مجمع الأمثال 2: 92 وكذلك قوله «قد يبلغ الخضم القضم» فيه 2: 27 وقوله «يركب الصعب من لا ذلول له» فيه 2: 252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 والكلام الأول والأخير من أمثال العرب. (المعنى في التشاف أن يشرب الرجل الشفافة كلها وهي بقية الماء في الإناء، يقول: قد يروى الشارب قبل بلوغ تلك، ومعنى المثلين الحضّ على الرضى بيسير الحاجة إذا أعوزه جليلها) . [654]- قال مسلمة بن عبد الملك: ما حمدت نفسي على ظفر ابتدأته بعجز، ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم. [655]- وقال: مروءتان ظاهرتان: الرياش «1» والفصاحة. [656]- قال أبو العباس السفاح: إذا عظمت القدرة قلّت الشهوة، وقل أن يوجد «2» تبرع إلا ومعه حقّ مضاع. [657]- وكان يقول: إن المقدرة تصغّر الأمنيّة، لقد كنا نستكثر أمورا أصبحنا نستقلّها لأقلّ من صحبناه؛ ثم يسجد شكرا. [658]- قال بعضهم أنشدت المعتضد: [من الطويل] :   [654] نثر الدر 3: 25 وبهجة المجالس 1: 335 ولقاح الخواطر: 33 ب. [655] نثر الدر 3: 25 والبيان والتبيين 1: 296 وعيون الأخبار 1: 296 والامتاع والمؤانسة 2: 149 وشرح النهج 18: 129 ومحاضرات الراغب 2: 365 ومعجم الأدباء 1: 75. [656] نثر الدر 3: 27 والبيان والتبيين 2: 99 والايجاز والاعجاز: 19 ولطائف الظرفاء: 18 (لطائف اللطف: 37) وقوله «وقلّ أن يوجد ... مضاع» شبيه بقول معاوية: «ما رأيت سرفا إلا وإلى جانبه حق مضاع» انظر البيان والتبيين 3: 267 وربيع الأبرار: 351 ب وكتاب الآداب: 81 والتمثيل والمحاضرة: 31 ومحاضرات الراغب 2: 459 والحكمة الخالدة: 177. [657] نثر الدر 7: 27 والبصائر 2: 256. [658] نثر الدر 3: 51 والبيت (مع بيتين آخرين) في البصائر 2: 833 ورحلة النهروالي: 155 وانظر الريحان والريعان 1: 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 وما الأدب الموروث لا درّ درّه ... إذا لم تؤيّده بآخر مكتسب فكان بعد ذلك إذا رأى هاشميا لا أدب له ينشد البيت ويقول: الآداب خير من الأنساب، والأعمال خير من الأموال. [659]- قال سعيد بن العاص: موطنان لا أعتذر فيهما من العيّ، إذا سألت حاجة لنفسي وإذا كلمت جاهلا. [660]- وقال: الولاية تظهر المحاسن والمساوىء. [661]- قالت القدماء: الفاقة بلاء، والحزن بلاء، وقرب العدوّ بلاء وفراق الأحبّة بلاء، والسّقم بلاء، والهرم بلاء، ورأس البلايا كلّها الموت. نظر إلى هذا المعنى عمران بن حطان الخارجيّ فقال: [من البسيط] لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فان إذا ما ناله الأجل وكلّ كرب أمام الموت متّضع ... للموت والموت فيما بعده جلل الجاهل لا يجد للبلاء مسّا كما لا يسدي في الرخاء معروفا، ولا صبر له في أيام الشدّة كما لا رزيّة له في أيام السلامة، ولا يصدّق بالحقّ كما لا ينزع عن الكذب. إذا كان السخط عن علّة كان الرضا مرجوّا، وإذا كان عن غير علّة انقطع الرجاء، لأن العلة إذا كانت الموجدة في ورودها كان الرضى في صدرها، والعلة لها وقوع وذهاب يوجد أحيانا ويفقد أحيانا، والباطل قائم موجود لا يفقد على حال.   [659] نثر الدر 3: 59 وعيون الأخبار 2: 175 3: 190 وكتاب الآداب: 41 والتمثيل والمحاضرة: 468 ومحاضرات الراغب 1: 64، 543 وأمثال الماوردي: 89 ب والعقد الثمين 4: 577.. [661] كليلة ودمنة: 285؛ وبيتا عمران في الأغاني 16: 151 وزهر الآداب: 856 وتهذيب ابن عساكر 1: 433 وربيع الأبرار: 367 ب وديوان شعر الخوارج: 168 وبيتا العباس بن الأحنف في ديوانه: 36 وفيه تخريجات وفي ربيع الأبرار 3: 91 وقوله: «ان الموجدة إذا كانت عن علة ... » في النمر والثعلب: 156 (25) وعيون الأخبار 3: 107. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ما أحسن ما لمح هذا المعنى العباس بن الأحنف فنقله إلى الغزل واختصر اللفظ فقال: [من الكامل] لو كنت عاتبة لسكّن عبرتي ... أملي رضاك وزرت غير مجانب لكن مللت فلم تكن لي حيلة ... صدّ الملول خلاف صدّ العاتب [662]- وقالوا: لا خير في القول إلا مع الفعل، ولا في المنظر إلا مع المخبر، ولا في المال إلا مع الجود، ولا في الصديق إلا مع الوفاء، ولا في الفقه إلا مع الورع، ولا في الصدقة إلّا مع حسن النية، ولا في الحياة إلّا مع الصحة والأمن والسرور. [663]- قال رجل لهشام: يا أمير المؤمنين احفظ عني أربعا فيهنّ صلاح ملكك واستقامة رعيّتك: لا تعدنّ عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرّنك المرتقى وإن كان سهلا إذا كان المنحدر وعرا، واعلم أنّ للأعمال جزاء فاحذر العواقب وللأمور تبعات فكن على حذر. [664]- وقالوا: الموت فيما يجمل خير من الحياة فيما يقبح. نظر إلى هذا المعنى بعض فتيان بني أمية وهم يحاربون عبد الله بن عليّ ورآه عبد الله مجدّا في الحرب فأعطاه الأمان فلم يقبله، وتقدم يقاتل ويقول، والشعر لعقيل بن علفة المّري: [من المتقارب]   [662] كليلة ودمنة: 122 وكتاب الآداب: 54- 55 ومحاضرات الراغب 2: 704. [663] سراج الملوك: 50 (والزهري يرويها في مجلس سليمان بن عبد الملك) والبصائر 4: 154- 155 وربيع الأبرار: 396/أ (لهشام) والذهب المسبوك: 150 وكتاب الآداب: 48 وزهر الآداب: 857 والمصباح المضيء 2: 120 ونهاية الأرب 6: 11 والمنهج المسلوك: 12 ب. [664] قصة الأموي وهو يجارب عبد الله بن علي والشعر في الأغاني 4: 346 وهذا الأموي هو أحد أبناء مسلمة بن عبد الملك؛ وانظر النجوم الزاهرة 1: 258 والبيتان في عيون الأخبار 1: 191 وذكر أن زيد بن علي تمثل بهما يوم قتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 أذلّ الحياة وعزّ الممات ... وكلّا أراه طعاما وبيلا فإن لم يكن غير إحداهما ... فسيرا إلى الموت سيرا جميلا ثم قاتل حتى قتل. وينظر هذا الشعر إلى قول حكيم: الموت في قوة وعزّ خير من الموت في ذلّ وعجز. [665]- قيل: أشياء ليس لها ثبات ولا تواصل ولا بقاء: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والثناء الكاذب، والمال الكثير. [666]- قيل: من ابتلي بمرض في جسده، أو بفراق أحبته وإخوانه، أو بالغربة حيث لا يعرف مبيتا ولا مظلّا ولا يرجو إيابا، أو بفاقة تضطره إلى المسألة، فالحياة له موت والموت له راحة. [667]- قال عبد الله «1» بن سالم: رأيت بالأنبار رجلا من الصابئين، وهم «2» لا يؤمنون بعقاب ولا حساب، فلم أر رجلا أعقل ولا أزهد منه، فقلت له: فيم هذا الزهد وأنت لا ترجو ثوابا ولا تخشى عقابا؟ قال: لا أتنعم «3» منها لأنني لا أراني أصيب من الدنيا شيئا إلا دعاني إلى أكثر منه، فلما رأيت ذلك تنعّمت بقطع الأسباب بيني وبينها. [668]- قال بعض الزهاد: من عمل بالعافية في من دونه رزق العافية   [665] قارن بما ورد في مختار الحكم: 259 من أقوال بطليموس؛ والقول نفسه في كليلة ودمنة: 176 وكتاب الآداب: 54 والحكمة الخالدة: 78 والأدب الصغير: 37 وعيون الأخبار 3: 169 وأمثال الماوردي: 96 ب- 97/أوتسهيل النظر: 184- 185 (ستة أشياء لا ثبات لها) ومحاضرات الراغب 2: 704 والصداقة والصديق: 339. [668] البصائر 1: 16 (للحسن البصري) والبيان والتبيين 3: 190 وبهجة المجالس 1: 384.- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 في من فوقه. [669]- قيل لبعض الحكماء: ما الأشياء الناطقة الصامتة قال: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. [670]- قال بطلميوس الثاني: خذوا الدرّ من البحر، والذهب من الحجر، والمسك من الفأرة، والحكمة ممن قالها. لكلّ حريق مطفىء، فالماء للنار، والدواء للسم، والصبر للحزن، ونار «1» الحقد لا تخبو «2» أبدا. [671]- قال المخبّل الشاعر: [من الكامل] : وتقول عاذلتي وليس لها ... بغد ولا ما بعده علم إنّ الثراء هو الخلود وإ ... نّ المرء يكرب يومه العدم إني وجدّك ما يخلّدني ... مائة يطير عفاؤها أدم ولئن بنيت لي المشقّر في ... هضب تقصّر دونه العصم لتنقّبن عنّي المنية إ ... نّ الله ليس كحكمه حكم إني وجدت الأمر أرشده ... تقوى الاله وشرّه الإثم   وقارن بالحكمة الخالدة: 196 حيث ورد: «التمس العافية في من هو دونك تعطها ممن فوقك» . [669] ربيع الأبرار 1: 702. [670] قوله «خذوا الدرّ ... ممن قالها» ورد- ببعض اختلاف- منسوبا لأرسطاطاليس في مختار الحكم: 209 وهو لبطليموس في ربيع الأبرار: 268 ب وانظر التمثيل والمحاضرة: 174 والايجاز والاعجاز: 11. [671] هو المخبل السعدي، والمخبل لقب له، واختلف في اسمه فقيل الربيع بن ربيعة أو كعب بن ربيعة أو ربيعة بن مالك، شاعر مخضرم يكنى أبا يزيد (الأغاني 13: 190 والسمط: 857 والشعر والشعراء: 333 والخزانة 2: 536 والاصابة 2: 218) وأبياته هذه في حماسة البحتري: 98 (ما عدا السادس) ومنها بيتان في اللسان والتاج (شقر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 [672] قال «1» بعض بني تميم: حضرت مجلس الأحنف بن قيس، وعنده قوم يجتمعون في أمر لهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن [من] الكرم منع الحرم. ما أقرب النقمة من أهل البغي. لا خير في لذة تعقب ندما. لن يهلك من قصد ولن يفتقر من زهد. ربّ هزل قد عاد جدّا. من أمن الزمان خانه، ومن تعظّم عليه أهانه. دعوا المزاح فإنه يورث الضغائن وخير القول ما صدّقه الفعل. احتملوا لمن أدلّ عليكم، واقبلوا عذر من اعتذر إليكم. أطع أباك «2» وإن عصاك وصله وإن جفاك. أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك. إياكم ومشاورة النساء. واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، ومن الكرم الوفاء بالذمم. ما أقبح القطيعة بعد الصّلة، والجفاء بعد اللطف، والعداوة بعد المودة. لا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا إلى البخل أسرع منك إلى البذل. واعلم أنّ لك من دنياك ما أصلحت به مثواك فأنفق في حقّ ولا تكوننّ خازنا لغيرك. وإذا كان الغدر في الناس موجودا فالثقة بكلّ أحد عجز. اعرف الحقّ لمن عرفه لك، واعلم أن قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. قال: فما رأيت كلاما أبلغ منه، فقمت وقد حفظته. [673]- وقال المتوكّل الليثيّ: [من الكامل] الشعر لبّ المرء يعرضه ... والقول مثل مواقع النّبل   [672] قوله: «إذا كان الغدر موجودا ... » ينسب إلى ابقراط في عيون الأنباء 1: 29 وانظر: أمالي القالي 2: 20 والجليس الصالح 2: 248. [673] البيتان له في الأغاني 12: 156 والسمط: 252 ومعجم المرزباني: 340 (قال: وله في رواية الصولي ويروى لغيره) وكتاب الآداب: 116 وهما لمعقر بن حمار البارقي في الحيوان 3: 62 وانظر شعر المتوكل الليثي: 277. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 منها المقصّر عن رميّته ... ونوافذ يذهبن بالخصل [674]- ولآخر: [من الطويل] وإن كلام المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها [675]- الأضبط بن قريع: [المنسرح] لكلّ همّ من الهموم سعه ... والمسي والصّبح لا بقاء معه فصل حبال البعيد إن وصل ال ... حبل وأقص القريب إن قطعه وخذ من الدّهر ما أتاك به ... من قرّ عينا بعيشه نفعه لا تحقرنّ الفقير علّك أن ... تركع يوما والدهر قد رفعه قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه [676]- قالت عائشة رضي الله عنها: دخل علي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أتمثل بهذين البيتين: [من الكامل] ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... يوما فتدركه العواقب قد نما يجزيك أو يثني عليك وإنّ من ... أثنى عليك بما صنعت فقد جزى   [674] البيت لهبيرة بن أبي وهب المخزومي كما في البيان والتبيين 1: 319، 3: 203. [675] شعر الأضبط في الخزانة 4: 589 والعيني 4: 334 والبيان والتبيين 3: 341 وأمالي القالي 1: 107 وشرح الأمالي: 326 والعقد 2: 315 والحماسة البصرية 2: 2 ومجالس ثعلب: 480 وحماسة ابن الشجري: 137 والأغاني 18: 68 والفرج بعد الشدة 5: 10- 11 والايجاز والاعجاز: 39 ونشوة الطرب: 440. [676] ربيع الأبرار: 356 ب (4: 160) والأغاني 3: 111، 112 وأدب الدنيا والدين: 205- 206 وبهجة المجالس 1: 310 ورسائل ابن أبي الدنيا: 89- 90 وزهر الآداب 529 ونشوة الطرب: 820 (لسعية بن السموأل) والشعر في البصائر 2: 419 والعقد 1: 278- 279 والصداقة والصديق: 32- 33 وأمل الآمل: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فقال عليه السلام: أعيدي عليّ قول اليهودي قاتله الله، لقد أتاني جبريل برسالة ربي عز وجل: أيّما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد لها جزاء إلا الثناء فقد كافأه؛ وقد روي هذا الشعر لغريض اليهودي وروي أيضا لورقة بن نوفل وروي أيضا لزيد بن عمرو بن نفيل. [677]- قال جحدر بن ربيعة العكليّ: [من الطويل] بكلّ صروف الدهر قد عشت حقبة ... وقد حملتني بينها كلّ محمل وقد عشت منها في رخاء وغبطة ... وفي نعمة لو أنها لم تحوّل إذا الأمر ولّى فاتعظ في طلابه ... بعقلك واطلب سيب آخر مقبل فإنّك لا تدري إذا كنت راجيا ... أفي الريث نجح الأمر أم في التعجل ولا تمش في الضرّاء يوما ولا تطع ... ذوي الضّعف عند المأزق المتحفل ولا تشتم المولى تتّبع أذاته ... فإنك إن تفعل تسفّه وتجهل ولا تخذل المولى لسوء بلائه ... متى يأكل الأعداء مولاك تؤكل [678]- قال أفلاطن: الذكر في الكتب عمر لا يبيد. [679]- وقال أفريدون: الأيام صحائف أعماركم فخلّدوها أحسن أعمالكم. ومثله قول المتنبي [من البسيط] ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما قاته وفضول العيش أشغال [680]- قيل لخالد بن يزيد بن معاوية: ما أقرب شيء؟ قال:   [678] قارن بربيع الأبرار: 357/أحيث ورد: «سئل الحكيم عن أحسن شيء في العالم فقال حسن الذكر» . [679] التمثيل والمحاضرة: 137 والايجاز والاعجاز: 9 وأدب الدنيا والدين: 127 وفقر الحكماء: 210 (لفيثاغور) ومحاضرات الراغب 2: 407 وزهر الآداب: 212، وبيت المتنبي في ديوانه: 505. [680] البيان والتبيين 3: 156 والعقد 2: 268 ونسب لسقراط في نزهة الأرواح 1: 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الأجل. قيل: فما أبعد شيء؟ قال: الأمل، قيل فما أوحش شيء؟ قال الميت، قيل: فما آنس شيء؟ قال: الصاحب المؤاتي. [681]- قال أبو العتاهية: [من السريع] من سابق الدهر كبا كبوة ... لم يستقلها من خطى الدّهر فاخط مع الدهر إذا ما خطا ... واجر مع الدهر كما يجري ليس لمن ليست له حيلة ... موجودة خير من الصبر [682]- وقال بشر بن المعتمر: [من السريع] حيلة ما ليست له حيلة ... حسن عزاء النفس والصبر والجيد في هذا قول من قال: إذا حزبك أمر فانظر، فإن كان مما فيه حيلة فلا تعجز، وإن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع. [683]- وقال آخر: [من الطويل] وللدهر أيام فكن في لباسها ... كلبسته يوما أجدّ وأخلقا وكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم ... وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا   [681] أبيات أبي العتاهية في البيان والتبيين 4: 21 والأغاني 4: 109 وديوانه: 144 وكتاب الآداب: 95- 96 والفرج بعد الشدة 5: 66 وأنس المحزون: 25/أ- ب. [682] بيت بشر في البيان والتبيين 4: 22 وقارن بالفرج بعد الشدة 5: 58 وبهجة المجالس 2: 366 وقوله: «إذا حزبك أمر ... تجزع» في البصائر 2: 362 (لابن المقفع) وكذلك في كتاب الآداب: 13 وأمالي المرتضى 1: 36 لابن المقفع وفي نثر الدر 4: 68 وفي ربيع الأبرار 1: 799 وأنس المحزون 10/أوفي نثر الدر 7: 41 (رقم: 80) لبزرجمهر وفي فقر الحكماء: 267 لهرمس، ونصّه «وإذا أحزنك (؟) أمر» فتأمل هذه القراءة فإنها مثال للتحقيق الدقيق (!!!) . [683] هو عقيل بن علفة المري؛ وبيتاه في البيان والتبيين 1: 245، 4: 21 والحماسة 2: 17 ومجالس ثعلب: 502 (منسوبة لماجد الأسدي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 [684] وقال آخر: [من الطويل] إذا المرء أولاك الهوان فأوله ... هوانا وإن كانت قريبا أواصره ولا تظلم المولى ولا تضع العصا ... عن الجهل إن طارت إليك بوادره [685]- وقال النابغة الجعدي: [من الطويل] ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا مثله «1» للمتنبي: [من الطويل] من الحلم أن تستعمل الجهل دونه ... إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم [686]- وقال كعب بن عدي: [من الكامل] شدّ العصاب على البريء بما جنى ... حتى يكون لغيره تنكيلا والجهل في بعض الأمور إذا اعتدى ... مستخرج للجاهلين عقولا [687]- قال المهلب بن أبي صفرة: عجبت لمن يشتري العبيد بماله   [684] البيتان في البيان 3: 61 للأسدي، وورد الأول مع بيتين آخرين في 2: 357 وينسب الشعر لأوس بن حبناء في الحماسة 1: 266 وانظر ربيع الأبرار: 149 ب وكتاب الآداب: 111 ونهاية الأرب 6: 66 وغرر الخصائص: 391 (لأوس بن حسان) ولباب الآداب: 48- 49. [685] بيتا الجعدي في رسائل الجاحظ 1: 364 وأدب الدنيا والدين: 249 وديوانه: 69؛ وبيت المتنبي في ديوانه: 196. [686] بيتا كعب في البيان والتبيين 4: 56. [687] البيان والتبيين 3: 205 ونثر الدر 5: 22 والبصائر 2: 708 (ببعض اختلاف) والكامل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 ولا يشتري الأحرار بنواله. [688]- قال عبد الله بن المعتز: أفقرك الولد أو عاداك. [689]- قال القاهر: من صنع خيرا أو شرّا بدأ بنفسه. [690]- قال الراضي «1» : من طلب عزا بباطل أورثه الله ذلّا بحق. [691]- وقال عبيد «2» الله بن يحيى بن خاقان: عقل الكاتب في قلمه. [692]- قال أوس بن حارثة: أحقّ من شركك في النعم شركاؤك في المكاره. أخذ المعنى أبو تمام فقال، ويرويان لإبراهيم بن العباس: [من البسيط]   للمبرد 2: 169 والتمثيل والمحاضرة: 134 والايجاز والاعجاز: 17 ولطائف الظرفاء: 15 (لطائف اللطف: 34) وربيع الأبرار: 323/أومحاضرات الراغب 1: 548 وروي عن ابن عمر مرفوعا في السعادة والاسعاد: 313 كما نسب في المصباح المضيء 1: 288 لابن السماك وكذلك في الشفا: 65. [688] الايجاز والاعجاز: 22 وتحسين القبيح: 106 والوافي بالوفيات 17: 450. [689] الايجاز والاعجاز: 22. [690] الايجاز والاعجاز: 22 وهو لابن أبي لبابة في ربيع الأبرار: 261/أودون نسبة في كتاب الآداب: 80 والبصائر 7: 91 والتمثيل والمحاضرة: 156 وتحفة الوزراء: 124 ولقاح الخواطر: 47/أ (لبعض الحكماء) . [691] الايجاز والاعجاز: 27 ولطائف الظرفاء: 43 (لطائف اللطف: 65) وفيها نسب للقاسم بن عبيد الله؛ وقارن بقول لاسماعيل بن صبيح في رسالة في علم الكتابة للتوحيدي: 39 «عقول الرجال تحت اسنان اقلامها» وفي التمثيل والمحاضرة: 155. [692] عيون الأخبار 3: 20 والعقد 2: 336 وربيع الأبرار 1: 467 (وأورد البيتين) ومحاضرات الراغب 2: 14- 15 والبيتان في الحماسة البصرية 2: 3 لدعبل بن رزين الخزاعي وعيون الأخبار 3: 20 وملحقات ديوان ابراهيم الصولي: 177 والشعر والشعراء: 730 (لدعبل) وانظر ديوانه (صنعة الدكتور نجم) ص: 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وإن أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور لمن واساك في الحزن إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن [693]- قال عبد الله بن أبي بكر: من حدّث نفسه بطول البقاء فليوطّنها على المصائب. [694]- قال أرسطاطاليس: من أيس من الشيء استغنى عنه. [695]- وقيل له: لم لا تجتمع الحكمة والمال؟ قال: لعزّ الكمال. [696]- وقال آخر: من أكل ما لا يشتهي اضطرّ إلى الامتناع مما يشتهي. الاستقلال مما يضرّ خير من الاستكثار مما ينفع. [697]- قال أبو إسحاق المروزي: من تعوّد الفقر ثم استغنى فلا ترجونّ فضله؛ كأنه ينظر إلى قول من قال: من ولد [في] الفقر أبطره الغنى.   [693] البصائر 4: 300 (دون نسبة) : «من تمنى طول العمر ... » والتعازي والمراثي: 9 وبهجة المجالس 2: 223 لعبد الرحمن بن أبي بكرة، ومحاضرات الراغب 2: 329 وقارن بقولة لابن المعتز في الايجاز والاعجاز: 22 والوافي بالوفيات 17: 449. [694] ينسب لعمر في سيرته (ابن الجوزي) : 126 وتسهيل النظر: 220 ونثر الدر 2: 39 وانظر عيون الأخبار 3: 139 والايجاز والاعجاز: 34 (حيث نسب لأفلاطون) وأمل الآمل: 33 ولقاح الخواطر: 8 ب. [695] نسب لأفلاطون في مختار الحكم: 132 ونثر الدر 7: 24 (رقم: 107) والايجاز والاعجاز: 34 وعيون الأنباء: 1: 51؛ والقول ورد في البصائر 4: 187 وربيع الأبرار 1: 535 وكتاب الآداب: 13 والتمثيل والمحاضرة: 174 وأدب الدنيا والدين: 42 ومحاضرات الراغب 1: 508 ومطالع البدور 2: 99. [696] قوله «الاستقلال مما يضر ... » في البصائر 1: 448 ومطالع البدور 2: 96 وأدب النديم: 26 وعيون الأنباء 1: 30 وقارن بزهر الآداب: 863 ولقاح الخواطر: 69 ب. [697] قوله: «من ولد في الفقر أبطره الغنى» لعبد الله بن الأهتم في بهجة المجالس 1: 207 وورد في المستطرف 2: 54 وربيع الأبرار: 351 ب (لأعرابي) وتتمته: ومن ولد في الغنى ... الفقر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 [698] وقال حكيم: بقدر السموّ في الرفعة تكون وجبة الوقعة. نظر إلى هذا المعنى ابن الرومي فقال: [من الطويل] فلا تغبطنّ المترفين فإنهم ... على قدر ما يعطيهم الدهر يسلب [699]- وقال آخر: الكريم لا تغلبه الشهوة، ولا يحكم عليه الشّره بسوءة، ولا القدرة بسطوة، ولا الفقر بذلة، ولا الغنى بعزّة، ولا الضرّ بضجر، ولا الغنى «1» ببطر. [700]- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث من الفواقر: جار مقامة إن رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أذاعها، وامرأة إن دخلت إليها لسنتك وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك. [701]- ومن كلام علي عليه السلام: يا بنيّ إنه من أبصر عيب نفسه   [698] المجتنى: 63 وسراج الملوك: 345 ومحاضرات الراغب 1: 450 ولباب الآداب: 450؛ وبيت ابن الرومي في ديوانه 1: 187 ومجموعة المعاني: 15. [700] عيون الأخبار 1: 3 و 4: 4 وغرر الخصائص: 479 وبهجة المجالس 2: 124 ونسب لعبد الله بن عمر في برد الأكباد: 114- 115 ونسب للحسن في البصائر 2: 372 وفيه «أربع قواصم للظهر ... وفقر حاضر» وكذلك في أمثال الماوردي 91/أ (لمحمد بن سلام) وعده حديثا في الخصال 1: 206 وذكر المرأة من الفواقر في شرح النهج 18: 200 وانظر مطالع البدور 1: 13. [701] بعضه في نهج البلاغة: 536 (رقم: 349) والعقد 2: 420 وقد مرّ مع حكم أخرى رقم: 629 وفي ربيع الأبرار 1: 783 «طوبى لمن شغله عيبه ... » . وقوله: «من سل سيف البغي ... » في ربيع الأبرار: 229 ب لفيروز بن يزدجرد وكذلك في الإيجاز والاعجاز: 14 ولجعفر الصادق في الفصول المهمة: 224 وقوله: «السعيد من وعظ بغيره» في الفصول المهمة 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 شغل عن عيب غيره، ومن سلّ سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن تكبّر على الناس ذلّ، ومن سفه على الناس شتم، ومن خالط العلماء وقّر، ومن خالط الأنذال حقّر، ومن أكثر من شيء عرف به، والسعيد من وعظ بغيره، وليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غناء. رأس العلم الرفق وآفته الخرق. كثرة الزيارة تورث الملالة. [702]- ومن كلام الحسين بن علي: [خير] المعروف ما لم يتقدّمه مطل ولم يتبعه منّ. الوحشة من الناس على قدر الفطنة بهم. النعمة محنة، فإن شكرت كانت كنزا، وإن كفرت صارت نقمة. [703]- قال الحسن بن علي: الأمين آمن، والبريء جريء، والخائن خائف، والمسيء مستوحش. [704]- وقال: مالك إن لم يكن لك كان عليك، فلا تبق عليه فإنه لا يبقي عليك، وكله قبل أن يأكلك. [705]- قال علي بن الحسين: من مأمنه يؤتى الحذر. يكتفي اللبيب بوحي الحديث وينبو البيان عن قلب الجاهل، ولا ينتفع بالقول وإن كان بليغا مع سوء الاستماع. [706]- قال محمد بن علي بن الحسين: كن لما لا ترجو أرجى منك لما   [702] قوله « [خير] المعروف ... منّ» في البصائر 1: 202 (لأعرابي) وغرر الخصائص: 257- 258. [703] قوله: «البريء جريء والخائن خائف» في ربيع الأبرار: 289/أ (3: 391) (دون نسبة) والبصائر 1: 512 وهو في نشوار المحاضرة 3: 121 للسري السقطي. [705] قوله «من مأمنه يؤتى الحذر» ورد في فقر الحكماء: 210 لفيثاغور. [706] المحاسن والأضداد: 110 وربيع الأبرار: 224/أوقد نسب لابن عائشة القرشي فيه وفي الأيجاز والأعجاز: 36 وبعضه في بهجة المجالس 1: 177 وقد نظمه أحد الشعراء 1: 179 18 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ترجو، فإن موسى بن عمران خرج يقتبس نارا فعاد نبيا مرسلا. [707]- وقال أيضا: ما عرف الخير من لم يتبعه، ولا عرف الشرّ من لم يجتنبه. [708]- وقال آخر: اعرف الخير لتعمل به، واعرف الشرّ لئلا «1» تقع فيه. [709]- وقيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن فلانا لا يعرف الشرّ، قال: ذلك أحرى أن يقع فيه. [710]- ومن كلام محمد بن علي أيضا: ما أقبح الأشر عند الظّفر، والكآبة عند النائبة، والغلظة على الفقير، والقسوة على الجار، ومشاحنة القريب، والخلاف على الصاحب، وسوء الخلق على الأهل، والاستطالة بالقدرة، والجشع مع الفقر، والغيبة للجليس، والكذب في الحديث، والسعي بالمنكر، والغدر من السلطان، والحلف من ذي المروءة. من سأل فوق قدره استحقّ الحرمان. صلاح من جهل الكرامة في هوانه. المسترسل موقّى، والمحترس ملقّى. [711]- وقال جعفر بن محمد: من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن   الإيجاز والإعجاز: 36 وبعضه في بهجة المجالس 1: 177 وقد نظمه أحد الشعراء 1: 179. [709] البيان والتبيين 1: 99، 2: 327 والعقد 3: 11 والطبري 1: 2757 والبصائر 2: 368 والأجوبة المسكتة رقم: 320. [710] قوله «المسترسل موقى ... » في نثر الدر 1: 355 من كلام جعفر الصادق. [711] قارن بربيع الأبرار 1: 707 حيث ورد: «من علامة الأحمق الاجابة قبل استقصاء الاستماع ... » . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 يسمع، والمعارضة «1» قبل أن يفهم، والحكم بما لا يعلم. [712]- وقال موسى بن جعفر: من لم يجد للإساءة مضضا لم يكن للإحسان عنده موقع. [713]- وقال: ما استبّ «2» اثنان إلا انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل. [714]- وقال آخر: ما استبّ اثنان إلّا غلب ألأمهما. [715]- وقال موسى أيضا: من تكلّف ما ليس من عمله ضاع عمله وخاب أمله، ومن ترك التماس المعالي لانقطاع رجائه منها لم ينل جسيما، ومن أبطرته النعمة وقّره زوالها. [716]- وقال محمد بن علي بن موسى: إذا نزل القضاء ضاق الفضاء. سوء العادة كمين لا يؤمن. وأحسن من العجب بالقول ألا تقول. وكفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة. ولا يضرّك سخط من رضاه الجور. تعزّ عن الشيء إذا منعته لقلّة صحبته إذا أعطيته. [717]- وقال الحسن ابنه: شر من المرزئة «3» سوء الخلف «4» . من أقبل مع   [713] محاضرات الراغب 1: 392، 414 (لعلي) . [714] العقد 2: 283 وربيع الأبرار: 172/أوالتمثيل والمحاضرة: 455 وكتاب الآداب: 82 ومحاضرات الراغب 2: 414 وقد وردت العبارة في حوار بين أبي العيناء وابن مكرم في البصائر 2: 557. [716] قوله «سوء العادة كمين لا يؤمن» في البصائر 1: 318 (لارسطاطاليس) . [717] قوله «شر من المرزئة سوء الخلف» في عيون الأخبار 3: 53 وقوله: «المراء يفسد ... الوثيقة» في البصائر 1: 131 (لأعرابي) وانظر ما يلي رقم: 1017. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 أمر ولّى مع انقضائه. راكب الحرون أسير نفسه، والجاهل أسير لسانه. المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحلّل العقدة الوثيقة «1» ، وأقلّ ما فيه المغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة. [718]- وقال علي بن موسى: إن للقلوب إقبالا وإدبارا ونشاطا وفتورا، فإذا أقبلت أبصرت وفهمت «2» ، وإذا انصرفت كلّت وملّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها. [719]- قيل: إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن تظنّ بأحد سوءا حتى تعلم ذلك منه، فإذا كان زمان الجور فيه أغلب من العدل فليس لأحد أن يظنّ بأحد خيرا حتى يرى ذلك منه. [720]- قال محمد بن علي بن موسى: خير من الخير فاعله، وأجمل من الجميل قائله، وأرجح من العلم حامله، وشرّ من الشرّ جالبه، وأهول من الهول راكبه. [721]- وقال الحسن ابنه «3» : من مدح غير المستحقّ للمدح فقد قام مقام المتّهم. [722]- وقال: ادفع المسألة ما وجدت المحمل يمكنك، فإن لكلّ يوم خيرا جديدا.   [720] قارن بأدب الدنيا والدين: 85 والتعازي للمدائني: 17، 93 والبيان والتبيين 4: 75 وقوانين الوزارة: 164 والجوهر النفيس: 45/أوبمطالع البدور 2: 98 حيث نسب الى سقراط قوله: «خير من الخير وشر من الشر من عمل به» ؛ وهو له أيضا في عيون الأنباء 1: 47؛ وجاء في نزهة الارواح 1: 136 «خير من الخير من عمل به» وهو منسوب لسقراط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 [723] وقال الحسن بن محمد أيضا: حسن الصورة جمال ظاهر، وحسن العقل جمال باطن. [724]- وقال: اعلم أن للحياء مقدارا «1» فإن زاد عليه فهو حصر، وللجود مقدار فإن زاد عليه فهو سرف، وللحزم مقدار فإن زاد عليه فهو جبن، وللاقتصاد مقدار فإن زاد عليه فهو تهوّر. [725]- وقال جعفر بن محمد: الأدب عند الأحمق كالماء العذب في أصول الحنظل، كلما ازداد ريّا ازداد مرارة. [726]- وقال صاحب كليلة ودمنة: الأدب يذهب عن العاقل السكر ويزيد الجاهل سكرا، كالنهار يزيد البصير بصرا ويزيد الخفّاش سوء بصر. [727]- وقال عبد الله بن عمر: اتقوا من تبغضه قلوبكم. [728]- وقال بعض ملوك الهند: من ودّك لأمر أبغضك عند انقضائه. [729]- وقال آخر: من كان نفعه في مضرّتك لم يخل من عداوتك. [730]- وقال آخر: الاحتمال حتى تمكن القدرة.   [723] زهر الآداب: 983. [726] عيون الأخبار 1: 281، 2: 41 والبصائر 2: 29 وكليلة ودمنة: 123 وتشبيهات ابن أبي عون: 313 (عن كليلة ودمنة) وراجع ما تقدم رقم: 645. [727] الايجاز والاعجاز: 8 والبيان والتبيين 3: 212. [728] الايجاز والاعجاز: 11 (لبلهرا ملك الهند) والعزلة: 60 (نقش خاتم بعض الحكماء) والبصائر 1: 146 وربيع الأبرار 1: 431 (لحكيم) وروايته «ولّى مع انقضائه» ؛ وانظر رقم: 717 حيث ورد: «من أقبل مع أمر ولّى مع انقضائه» من أقوال الحسن بن محمد بن علي؛ وكتاب الآداب: 79. [730] الايجاز والاعجاز: 12 (لفغفور ملك الصين) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 [731] وقال أنوشروان: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. [732]- وقال الحارث بن أبي شمر الغساني: إذا التقى السيفان بطل الخيار. [733]- وقال رستم «1» : إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع. ويشبهه قول عمرو بن معدي كرب: [من الوافر] إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع [734]- من كلام أرسطاطاليس: إذا كانت الشهوة فوق القدرة كان هلاك الجسم دون بلوغ الشهوة. الزمان ينشيء ويلاشي ففناء كلّ قوم سبب لكون آخرين. يسير من ضياء الحسّ خير من كثير من حفظ الحكمة. ونقله المتنبي إلى معنى آخر فقال: [من الطويل] فإن قليل الحبّ بالعقل صالح ... وإن كثير الحبّ بالجهل فاسد   [731] البيان والتبيين 1: 210 والايجاز والاعجاز: 14 والتمثيل والمحاضرة: 138 والبصائر 1: 412 (لأعرابي) وكتاب الآداب: 77 (دون نسبة) . [732] الايجاز والاعجاز: 15. [733] الايجاز والاعجاز: 10 والتمثيل والمحاضرة: 467 والبيان والتبيين 3: 122 والامتاع والمؤانسة 2: 150 وبهجة المجالس 1: 321 وكتاب الآداب: 77 (دون نسبة) وربيع الأبرار 2: 645، 792 (لاسفنديار) وبيت عمرو في الحماسة البصرية 1: 33 (وفيه تخريج) . [734- 744] هذه الأقوال المنسوبة إلى أرسطاطاليس مأخوذة جميعا من رسالة الحاتمي: 24، 26، 30، 40، 34، 42، 65، 73، 71، 68، 34، 62 وانظر بديع أسامة: 264- 283؛ وقوله «الزمان ينشىء ويلاشي ... » شبيه بقول سقراط: «حوادث الزمان هلاك لقوم ووعظ لآخرين» (مختار الحكم: 101- 102) وانظر دراسة هذه الأقوال ومدى صلة شعر المتنبي بها في كتابي «ملامح يونانية» : 154- 163 وبيت المتنبي في ديوانه: 314. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 [735] وقال: قد يفسد العضو لصلاح أعضاء كالكيّ والفصد اللذين يفسدان الأعضاء لصلاح غيرهما. ومثله قول المتنبي: [من البسيط] لعلّ عتبك محمود عواقبه ... فريّما صحّت الأجسام بالعلل [736]- وقال: الظلم من طبع النفوس، وإنما يصدّها عن ذلك أحد علتين: إما علة دينية لخوف معاد، أو علة سياسية لخوف سيف. وقال المتنبي: [من الكامل] والظلم من شيم النفوس فإن تجد ... ذا عفّه فلعلّة لا يظلم [737]- وقال: علل الأفهام أشدّ من علل الأجسام. [738]- وقال: ثلاثة إن لم تظلمهم ظلموك: ولدك وعبدك وزوجك، فسبب صلاح حالهم التعدّي عليهم. [739]- وقال: من نظر بعين العقل ورأى عواقب الأمور قبل بوادرها لم يجزع لحلوها «1» .   [735] بيت المتنبي في ديوانه: 731. [736] بيت المتنبي في ديوانه: 219. [737] زعم الحاتمي أن المتنبي استمد من هذه الحكمة قوله: يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول [738] عدّه حديثا في الخصال 1: 86؛ وقد ذهب الحاتمي إلى أن هذا هو الذي أوحى إلى المتنبي أن يقول: من الحلم أن تستعمل الجهل دونه ... إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم والتعسف واضح في مثل هذه الدعوى. [739] من هذا أخذ المتنبي قوله في رأي الحاتمي: عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا ... فلما دهتنا لم تزدني بها علما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 [740] وقال: إذا لم تتجرّد الأفعال من الذمّ، كان الإحسان إساءة. [741]- وقال: خوف وقوع المكروه قبل تناهي المدّة خور في الطبع. [742]- وقال: من لم يقدر على فعل الفضائل فلتكن فضائله في ترك الرذائل. [743]- وقال: من جعل الفكر في موضع البديهة فقد أضرّ بخاطره، وكذلك مستعمل البديهة في موضع الفكر. [744]- وقال: إفراط التوقي أول موارد الخوف. [745]- وقال عمر بن عبد العزيز: قيّدوا النّعم بالشّكر، وقيّدوا العلم بالكتاب.   [740] قرن الحاتمي هذا بقول المتنبي: إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا [741] هذا أصل قول المتنبي- في نظر الحاتمي-: وإذا لم يكن من الموت بد ... فمن العجز أن تموت جبانا [742] قوله «من لم يقدر على فعل الفضائل ... » ورد ما يشبهه لارسطاطاليس أيضا في مختار الحكم: 198؛ وبهذا يقرن الحاتمي قول المتنبي: إنا لفي زمن ترك القبيح به ... من اكثر الناس إحسان وإجمال [743] زعم الحاتمي أن المتنبي أخذ من هذه الحكمة قوله: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضرّ كوضع السيف في موضع الندى [744] قوله هذا يذكر بقول افلاطون: إن من التوقّي ترك الافراط في التوقي (مختار الحكم: 165، 157 وانظر عيون الأخبار 1: 52) . [745] نثر الدر 2: 123 والكامل للمبرد 1: 260 وأنس المحزون: 3 ب؛ وقوله «قيدوا العلم بالكتاب» رفعه أنس وعبد الله بن عمر إلى الرسول في جامع بيان العلم 1: 86، 88 والبيان 2: 39 والعقد 2: 419، كما نسب لعمر بن الخطاب وابن عباس وأنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 [746]- وقال الخليل بن أحمد: كن على مدارسة ما في قلبك أحرص منك على حفظ ما في كتبك. [747]- وقال أيضا: اجعل ما في كتبك رأس مال، وما في صدرك للنّفقة. [748]- ومن أمثال العرب: خير العالم ما حوضر به، يقول: ما حفظ يكون للمذاكرة. [749]- وقال ضابىء البرجمي: [من الطويل] وما عاجلات الطّير تدني من الفتى ... نجاحا ولا عن ريثهنّ يخيب وربّ أمور لا تضيرك ضيرة ... وللقلب من مخشاتهنّ وجيب ولا خير فيمن لا يوطّن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب [750]- وقال الصّلتان العبديّ: [من المتقارب] أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كرّ الغداة ومرّ العشي إذا ليلة هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتي نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش ما تنقضي تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي   [746] الكامل للمبرد 1: 302. [747] البيان والتبيين 1: 258 والكامل للمبرد 1: 303، والشريشي 4: 385 وتقييد العلم: 141. [748] في مجمع الأمثال 1: 162 خير الفقه ما حاضرت به أي أنفع علمك ما حضرك في وقت الحاجة إليه، وانظر محاضرات الراغب 1: 61. والقول في الكامل 1: 303. [749] الأبيات له في أمالي المرتضى 2: 104 وزهر الآداب: 479 والخزانة 4: 227 والحماسة البصرية 2: 56- 57 ومنها بيتان في مجموعة المعاني: 153. [750] عيون الأخبار 3: 132 والعقد 3: 188. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 [751] وقال شبيب بن البرصاء: [من الطويل] تبيّن أدبار الأمور إذا مضت ... وتقبل أشباها عليك صدورها ترجّي النفوس الشيء لا تستطيعه ... وتخشى من الأشياء ما لا يضيرها [752]- وقال الحارث بن حلّزة: [من السريع] لا تكسع الشّول بأغبارها ... إنّك لا تدري من الناتج واصبب لأضيافك ألبانها ... فإنّ شرّ اللبن الوالج بينا الفتى يسعى ويسعى له ... تاح له من أمره خالج يترك ما رقّح من عيشة ... يعيث فيه همج هامج [753]- وقال أحيحة بن الحلاج: [من الوافر] وما يدري الفقير متى غناه ... ولا يدري الغنيّ متى يعيل ولا تدري إذا أزمعت أمرا ... بأيّ الأرض يدركك المقيل [754]- وقال بشر بن عامر «1» بن جون بن قشير: [من الطويل]   [751] من قصيدة طويلة تنسب له ولمضرس بن ربعي ولعوف بن الأحوص الكلابي؛ انظر الحماسة البصرية 2: 242- 244 وهما البيتان 23، 5 منها. [752] البيان والتبيين 3: 303- 304. [753] البيتان له في حماسة الخالديين 1: 16 وحماسة البحتري: 124 ونهاية الأرب 8: 189 والحماسة البصرية 2: 43 وجمهرة اشعار العرب 1: 21 والاغاني 15: 41 واللسان (عيل) ومجموعة المعاني: 6 وربيع الأبرار 1: 584. [754] البيت الأول مع اثنين آخرين لم يردا هنا في الحماسة البصرية 2: 50 لقتادة بن جرير أو لعبد الله ابن أبي بن سلول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 ولم أر مثل الخير يتركه امرؤ ... ولا الشرّ يأتيه امرؤ وهو طائع ولا كاتقاء الله خيرا تقيّة ... وأحسن صوتا حين يسمع سامع ولا كالمنى لا ترجع الدهر طائلا ... لو أن الفتى عنهنّ بالحقّ قانع ولا كذهاب المرء في شأن غيره ... ليشغله عن شأنه وهو ضائع [755]- وقال «1» أبو بكر العرزمي الكوفي: [من الطويل] لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللّحم والدم وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم [756]- وقال الرضيّ الموسوي: [من الطويل] وما الدهر إلّا نعمة ومصيبة ... وما الخلق إلّا آمن وجزوع ويوم رقيق الطرّتين مصفّق ... وخطب جراز المضربين قطوع عجبت له يسري بنا وهو واقف ... ويأكل من أعمارنا ويجوع [757]- وقال أيضا: [من البسيط] لا تطلب الغاية القصوى فتحرمها ... فإنّ بعض طلاب الربح خسران والعزم في غير وقت العزم معجزة ... والازدياد بغير العقل نقصان   [755] نسبهما في البيان والتبيين 1: 171. للأعور الشني؛ ويردان في معلقة زهير حسب ورودها في جمهرة أشعار العرب ووردا في حماسة البحتري: 205، 367 منسوبين مرة لعبد الله بن معاوية ومرة لزهير، وفي فصل المقال: 52 للهيثم بن الأسود النخعي أو للأعور؛ وفي بهجة المجالس 1: 56 ودون نسبة وعين الأدب والسياسة: 105 وفاضل المبرد: 6. [756] ديوان الرضي 1: 623. [757] ديوان الرضي 2: 450. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 واجعل يديك مجاز المال تحظ به ... إن الأشحّاء للورّاث خزّان [758]- وقال تأبط شرّا: [من البسيط] عاذلتا إنّ بعض اللّوم معنفة ... وهل متاع وإن أبقيته باق سدّد خلالك من مال تجمّعه ... حتى تلاقي الذي كلّ امرىء لاق لتقرعنّ عليّ السنّ من ندم ... إذا تذكّرت يوما بعض أخلاقي [759]- أبو النشناش أحد لصوص بني تميم: [من الطويل] إذا المرء لم يسرح سواما «1» ولم يرح ... إليه ولم يبسط له الوجه صاحبه فللموت خير للفتى من حياته ... فقيرا «2» ومن مولى تعاف مشاربه فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفتى ... ولا كسواد الليل أخفق طالبه فعش معذرا أو مت كريما «3» فإنني ... أرى الموت لا يبقي على من يطالبه «4» وبعده بيتان أوردناهما في الفصل الرابع من هذا الباب «5» . وسمع عبد الملك ابن مروان قوله: ولم أر مثل الفقر، فقال: لصّ وربّ الكعبة. [760]- وقال المتوكل الليثي: [من الكامل]   [758] من المفضلية رقم: 1 وهي القصيدة: 22 في مجموع شعره: 103 وتخريجها ص: 185- 186. [759] الأبيات في الحماسة (المرزوقي رقم: 103) والأصمعيات: 125 والحماسة البصرية 1: 112 وعيون الأخبار 1: 237. [760] بيتان من قصيدة في الخزانة 3: 617 والعيني 4: 393 والأغاني 12: 156 والحماسة البصرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم والهمّ إن لم تمضه لسبيله ... داء تضمّنه الضلوع مقيم [761]- وقال رجل من بني قريع: [من الطويل] متى ما ير الناس الغنيّ وجاره ... فقير يقولوا عاجز وجليد وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسّمت وجدود إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد وكائن رأينا من غنيّ مذمّم ... وصعلوك قوم مات وهو حميد [762]- وقال آخر: [من الطويل] وإنك لا تدري إذا جاء سائل ... أأنت بما تعطيه أم هو أسعد عسى سائل ذو حاجة إن منعته ... من اليوم سؤلا أن يكون له غد وفي كثرة الأيدي عن الجهل زاجر ... وللحلم أبقى للرجال وأعود [763]- وقال محمد بن هانىء: [من المتقارب] صه كلّ آت قريب المدى ... وكلّ حياة إلى منتهى ولم أر كالمرء وهو اللبيب ... يرى ملء عينيه ما لا يرى   . 2: 15 وأدب الدنيا والدين: 39- 40 والمستطرف 1: 20 والعقد 2: 335؛ والأول منهما في حماسة البحتري: 117 وسيبويه 1: 378 (منسوبا للأخطل) وفرحة الأديب: 134 (لحسان) وقد نسب هذا البيت إلى شعراء آخرين. [761] هو المعلوط السعدي القريعي كما في عيون الأخبار 2: 246- 247، 3: 189 وانظر الحماسة (المرزوقي رقم: 415) والبصرية 2: 71 وكتاب الآداب: 110 وزهر الآداب: 496- 497 وبهجة المجالس 1: 189 ومنها بيتان في حماسة البحتري: 157 والثالث في عين الأدب والسياسة: 48. [763] من قصيدة له في رثاء والدة جعفر ويحيى ابني علي في ديوانه: 383. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وليس النواظر إلا القلوب ... فأمّا العيون ففيها العمى ومن لي بمثل سلاح الزمان ... فأسطو عليه إذا ما سطا يجدّ بنا وهو رسل العنان ... ويدركنا وهو داني الخطى [764]- قال أفلاطون: لا ينبغي للأديب أن يخاطب من لا أدب له، كما لا ينبغي للصاحي أن يخاطب السكران. [765]- وفخروا عند فيثاغورس بالمال وكثرته فقال: ما حاجتي إلى الذي يعطيه الحظ، ويحفظه اللؤم، ويهلكه السخاء. [766]- وقال عديّ بن زيد العباديّ: [من الطويل] أعاذل من تكتب له النّار يلقها ... كفاحا ومن يكتب له الفوز يسعد أعاذل إنّ الجهل من لذة الفتى ... وإن المنايا للرجال بمرصد أعاذل ما أدنى الرشاد من الفتى ... وأبعده منه إذا لم يسدّد أعاذل من لا يحكم النفس خاليا ... عن الغيّ لا يرشد بطول التفنّد كفى زاجرا للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتدي فنفسك فاحفظها عن الغيّ والردى ... متى تغوها يغو الذي بك يقتدي فإن كانت النعماء عندك لامرىء ... فمثلا بها فاجز المطالب أو زد   [764] مختار الحكم: 153 وكتاب الآداب: 23 وشرح النهج 18: 193، وهو في التمثيل والمحاضرة: 175 وكذلك في نزهة الأرواح 1: 134 لسقراط وفي الايجاز والاعجاز: 111 لبطليموس ملك الروم، وفي فقر الحكماء: 278 لثاليس؛ ولا فلاطون في الكلم الروحانية: 19 والساوي (مختصر الصوان) : 12/أوانظر محاضرات الراغب 1: 34. [765] المجتنى: 93 ومنتخب صوان الحكمة: 116 (باختلاف يسير) ومختار الحكم: 70 وقارن بالحكمة الخالدة: 140 وديوان المعالني 2: 92 ومحاضرات الراغب 1: 512 (لافلاطون) ونثر الدر 7: 23 (رقم: 99) 28 (رقم: 152) والكلم الروحانية: 119 (لفندرس) وعيون الأنباء 1: 42 والامتاع والمؤانسة 2: 45 (لثيودورس) ونزهة الأرواح 1: 185. [766] ديوان عدي بن زيد: 102- 109 وتخريجها فيه: 221- 223. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 إذا ما امرؤ لم يرج منك هوادة ... فلا ترجها منه ولا دفع مشهد عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فإنّ القرين بالمقارن يقتدي إذا أنت طالبت الرجال برأيهم ... فعفّ ولا تأخذ بجهد فتنكد وما المرء إلّا حيث يجعل نفسه ... فأبصر بعينيك امرءا حيث تعمد إذا ما رأيت الشرّ يبعث أهله ... وقام جناة الغيّ بالغيّ فاقعد [767]- قال حكيم: إذا كانت الغاية الزوال فما الجزع من تصرّف الأحوال. من رضي عن نفسه سخط الناس عليه. [768]- قال رجل لمسعر: أتحبّ أن تهدى إليك عيوبك؟ قال: أمّا من ناصح فنعم، وأمّا من شامت فلا. [769]- قال بشار: [من الرجز] وافق حظّا من سعى بجدّ ... ما ضرّ أهل النّوك ضعف الكدّ الحرّ يلحى والعصا للعبد ... وليس للملحف مثل الردّ والنّصف يكفيك من التعدّي [770]- قال حكيم: ربّ مغبوط بنعمة هي داؤه، وربّ محسود «1» على حال هي بلاؤه، وربّ مرحوم من سقم هو شفاؤه.   [768] الحكمة الخالدة: 146 ونثر الدر 4: 52 ومحاضرات الراغب 1: 20 وقارن بكتاب الآداب: 11 (حيث نسب قول مشابه للاسكندر) وأدب الدنيا والدين: 236. [769] من أرجوزته في مدح عقبة بن سلم، انظر ديوانه (جمع العلوي) : 84 وفيه تخريجها. [770] نثر الدر 4: 60 وأدب الدنيا والدين: 120، 220 وأمثال الماوردي: 103 ب ومحاضرات الراغب 2: 394 ولباب الآداب: 463 ومطالع البدور 2: 99- 100 وعيون الأنباء 1: 52 (لافلاطون) وقارن بقول منسوب لثاليس في فقر الحكماء: 276. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 [771] ومن كلامهم: من ضاق قلبه اتّسع لسانه. من اغتّر بالعدوّ الأريب خان نفسه. من لم يركب المصاعب لم ينل الرغائب. من ترك التوقّي فقد استسلم لقضاء السوء. من لم تؤدّبه المواعظ أدّبته الحوادث. من لم يعرف قدره أوشك أن يذلّ. من لم يدبّر ماله أوشك أن يفتقر. [772]- قال الأحنف: كلّ ملك غدار، وكلّ دابة شرود، وكل امرأة خؤون. [773]- قال حكيم: لذّات الدنيا معدودة، منها لذة ساعة «1» ، ولذة يوم، ولذة ثلاث، ولذة شهر، ولذّة سنة، ولذّة الدهر. فأما لذّة ساعة فالجماع، وأما لذّة يوم فمجلس الشراب، وأما لذّة ثلاث فلين البدن بعد الاستحمام، وأما لذّة الشهر فالفرح بالعرس، وأمّا لذّة السنة فالفرح بالمولود الذكر، وأما لذّة الدهر فلقاء الإخوان مع الجدة. [774]- وقال آخر: الشكر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الجدّ.   [771] قوله: «من ضاق قلبه اتسع لسانه» في المجتنى: 71. [772] نثر الدر 5: 17 وبهجة المجالس 1: 339 وقارن بالمستطرف 1: 90 حيث ورد لحسان بن ربيع الحميري: «لا تثق بالملك فإنه ملول، ولا بالمرأة فإنها خؤون، ولا بالدابة فإنها شرود» والايجاز والاعجاز: 15. [773] نثر الدر 7: 17 (رقم: 46) والبصائر 1: 147 وقارن بما ورد في ألف باء 2: 61. [774] نثر الدر 7: 19 (رقم: 61) وبهجة المجالس 2: 132 وبعض هذا القول ينسب لأردشير في ربيع الأبرار: 258/أوبرد الأكباد: 128 وقارن بما ورد في الحكمة الخالدة: 766 والبصائر 4: 218- 219 وعيون الأخبار 4: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 [775] كان لقمان عند داود عليه السلام وهو يسرد الدرع، فجعل يرى شيئا لا يدري ما هو، وتمنعه حكمته عن السؤال؛ قال: فلمّا فرغ صبّها عليه وقال: نعم أداة الحرب هذه، فقال: إنّ من الصمت حكما وقليل فاعله، أردت أن أسألك فكفيتني. [776]- وقال لقمان لابنه: يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم في مجالسهم بركبتيك فإن الله عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء. [777]- ومن كلامه: يا بنيّ كذب من قال: إنّ الشّرّ يطفىء الشرّ، فإن كان صادقا فليوقد نارا عند نار فلينظر هل تطفىء إحداهما الأخرى؛ يا بنيّ الخير يطفىء الشر كما يطفىء الماء النار. [778]- ومن كلامه: لا تأمننّ امرأة على سرّ، ولا تطأ خادمة تريدها للخدمة، ولا تستسلفنّ من مسكين استغنى. [779]- قال أبو بكر رضي الله عنه: أشقى الناس الملوك، فرأى ممن   [775] نثر الدر 7: 11 (رقم: 79) ومختار الحكم: 261 والعقد 3: 471 وسراج الملوك: 240 ومجموعة ورام 1: 108 وقوله «الصمت حكم وقليل فاعله» مثل في الميداني 1: 272 وورد منسوبا للرسول في مجموعة ورام 1: 104 والتمثيل والمحاضرة: 425. [776] البيان والتبيين 2: 149 والعقد 3: 152 والصداقة والصديق: 53 وجامع بيان العلم: 1: 128 والغنية: 47، 233 (وفيه مزيد من التخريج) والتمثيل والمحاضرة: 35 ومختار الحكم: 261 والمستطرف 1: 21. [777] مختار الحكم: 264 وأدب الدنيا والدين: 326 والمستطرف 1: 155. [778] ربيع الأبرار: 237/أوالمستطرف 2: 86. [779] قارن بالبيان والتبيين 2: 43 وعيون الأخبار 2: 232 حيث ورد النصّ مسهبا، وانظر بهجة المجالس 1: 332. 9 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 حضره استبعادا «1» لذلك فقال: عجلون جائرون، أما علمتم أنّ الملك إذا ملك قصر أجله، ووكلت به الروعة والحزن، وكثر في عينه قليل ما في يد غيره، وقلّ في نفسه كثير ما عنده؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 الفصل الثاني السّياسة والآداب الملكيّة وما يجب للولاة وعليهم للرّعيّة وما يلزمهم من تقيّل الأخلاق المرضية قالت العلماء: مقاصد الخلق مجموعة في الدين والدنيا، ولا يوصل إلى الدين إلا بالدنيا فإنها الطريق إلى الآخرة، وليس ينتظم أمر الدنيا إلا بأعمالهم، والأعمال تنحصر في ثلاثة أقسام: أحدها، أصول هي قوام العالم لا غناء للأغلب منهم عنها، وهي أربعة: الزراعة وهي للمطعم، والحياكة وهي للملبس، والبناء وهي للمسكن «1» ، والسياسة وهي للتأليف والاجتماع والتعاون على بقية الأعمال وضبطها. القسم الثاني: ما يهيىء هذه الصناعات ويعين عليها كالحدادة يعدّ بها آلات الزراعة، والغزل يعدّ به محلّ الحياكة. القسم الثاني: ما يهيىء هذه الصناعات ويعين عليها كالحدادة يعدّ بها آلات الزراعة، والغزل يعدّ به محلّ الحياكة. القسم الثالث: ما يتمّم به الأصول ويزينها، كالخبز للزراعة، والخياطة للحياكة. وأشرف هذه الصناعات أصولها، وأشرف أصولها السياسة إذ كانت حافظة نظام الكلّ، فتستدعي هذه الصناعة من الكمال ما لا تستدعيه سائر الصناعات، ولذلك يستخدم صاحبها سائر الصنّاع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وخلق الله تعالى الدنيا زادا للمعاد ليتناول الناس منها ما يؤدّيهم إلى الدار الأخرى، فلو تناولوها بالعدل انقطعت الخصومات، ولكنهم يتناولونها بالجور ومتابعة الشّهوات ومحبة الاستئثار، فتولّدت بينهم المنازعات فاحتاجوا إلى سلطان يسوسهم ويضبط أمورهم، ولولا ردع السلطان لغلب قويّهم ضعيفهم، ولم يكن دافع عن قتل ولا وازع عن غصب. وقد قال أردشير «1» : الدين والملك توأمان، والدين أصل والملك حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع. ودلّت الشرائع والعقول على وجوب مقتدى به في كلّ زمان وأوان؛ وما رأينا ملة ولا دولة خلت من ذلك حتى العرب ساكني البيد والقفار والجائلين مع الوحوش في الفلوات، فإنهم لما لم يجمعهم مكان ولا نظم شملهم سلطان، جعلت كلّ فرقة منهم لها سيدا من فضلائها وذوي آلائها، يرجعون إليه في حروبهم، ويأتمرون بأمره، وينزجرون بزجره، وكانت لهم أيضا ملوك أكثرهم لها مطيعون، ولذلك قال حكيم من شعرائهم «2» [من البسيط] لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا وعلى حسب أخلاق السلطان يكون الزمان:   [780] نسبه في العقد 1: 32 للأصمعي يرويه، وهو حديث في بهجة المجالس 1: 339 «صنفان من أمتي ... » وانظر نثر الدر 4: 80 وجامع بيان العلم 1: 184 وتسهيل النظر: 45 والخصال 1: 37 وحلية الأولياء 7: 5 والمصباح المضيء 1: 245 والشفا: 43 (لسفيان الثوري) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الناس، وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء. [781]- وقالت الحكماء: الملوك ثلاثة: ملك دين، وملك حزم، وملك هوى. أما ملك الدين فإذا أقام لرعيته دينهم فكان هو الذي يعطيهم مالهم ويلحق بهم ما عليهم، أرضاهم بذلك وأنزل الساخط منهم بمنزلة الراضي في التسليم والاقرار. وأما ملك الحزم فإنه يقوى على الأمر ولا يسلم من الطّعن، ولن يضير طعن الذليل مع حزم القوي؛ وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر. [782]- وقالوا: الملك محتاج من الناس إلى كثير منهم، وهم محتاجون منه إلى واحد، ومن ها هنا وجب أن يوازي حلمه أحلامهم، ويوازن فهمه أفهامهم، وأن يعمّهم بعدله، ويغمرهم بفضله، ويكنفهم كنافة الجفون لنصولها والكنائن لسهامها. [783]- وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومؤدبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدبهم. [784]- ومن كلام عليّ عليه السلام، يذكر فيه حقّ الولاة والرعية بعضهم على بعض: أما بعد، فقد جعل الله لي عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم عليّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم، والحقّ أوسع الأشياء في التواصف   [781] الأدب الكبير: 49 (والحكمة الخالدة: 298) وعيون الأخبار 1: 2، 36 وسراج الملوك: 92 ولباب الآداب: 74 والشهب اللامعة: 9 وقارن بالمرادي: 189، 145 وبهجة المجالس 2: 128 ويتيمة السلطان (في رسائل البلغاء) 157. [783] هو في الأدب الصغير: 14 وانظر نهج البلاغة: 480 (رقم: 73) وربيع الأبرار: 264/أوالمستطرف 1: 20 والحكمة الخالدة: 73. [784] نهج البلاغة: 332- 334. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له؛ ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله تعالى دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كلّ ما جرت عليه صروف قضائه، ولكن جعل حقّه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلا منه وتوسّعا بما هو من المزيد لأهله. ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها [تتكافأ] في وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض. وأعظم ما افترض الله سبحانه من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرعية، وحقّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله تعالى لكلّ على كلّ، فجعلها نظاما لألفتهم وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه، وأدّى إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعيّة واليها، وأجحف الوالي برعيّته، اختلفت هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الإدغال في الدين، وتركت محاجّ «1» السنن، فعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا تستوحش لعظيم حقّ «2» عطّل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذلّ الابرار، وتعزّ الأشرار، وتعظم تبعات الله عند العباد، فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه. [785]- يقال إن جمشيد وهو الثالث من ملوك الفرس ملك الأقاليم وصنّف الناس وطبقهم، وعمل أربعة خواتيم: خاتما للحرب والشرط وكتب   [785] الجهشياري: 2 ونهاية الأرب 6: 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 عليه الأناة، وخاتما للخراج وجباية الأموال وكتب عليه العمارة، وخاتما للبريد وكتب عليه الوحى، وخاتما للمظالم وكتب عليه العدل. فبقيت هذه الرّسوم في ملوك الفرس إلى أن جاء الإسلام. [786]- وقال أردشير بن بابك في عهده المشهور: اعلموا أن من شاء ألا يسير بسيرة إلّا قرّظت له فعل، ومن شاء منكم بعث العيون على نفسه فأذكاها، فلم يكن الناس بأعلم منه بعيبه. واعلموا أن لباس الملك ومطعمه مقارب للباس السّوقة ومطعمهم، وبالحرى أن يكون فرحهما بما نالا من ذلك واحدا، وليس فضل الملك على السوقة إلّا بقدرته على اقتناء المحامد، فإنّ الملك إذا شاء أحسن، وليست السوقة كذلك. واجعلوا حديثكم لأهل المراتب، وحباءكم لأهل الجهاد، وبشركم لأهل الدين، وشرّكم عند من يلزمه خير ذلك وشرّه. [787]- قال ابن المقفع فيما يتأدّب به السلطان: إنك إن تلتمس رضى جميع الناس تلتمس ما لا يدرك، وكيف يتّفق لك رضى المتخالفين، أم ما حاجتك إلى رضى من رضاه الجور، وإلى موافقة من موافقته الضلالة والجهالة؟ فعليك بالتماس رضى الأخيار وذوي العقول، فإنك متى تصب ذلك تضع عنك مؤونة ما سواه. احرص أن تكون خبيرا بأمور عمّالك، فإن المسيء يفرق من خبرتك قبل أن تصيبه عقوبتك، وإن المحسن ليستبشر لعلمك فيه قبل أن يأتيه معروفك. ليعرف الناس من أخلاقك أنك لا تعاجل بالثواب ولا بالعقاب، فإنّ ذلك أدوم لخوف الخائف ولرجاء الراجي. [788]- قال صاحب كليلة ودمنة: رأس الحزم للملك معرفته بأصحابه   [786] عهد أردشير: 66 (ف: 16) ، 70 (ف: 21) ، 72 (ف: 25) . [787] الأدب الكبير: 46- 47 (والحكمة الخالدة: 296) ونهاية الأرب 6: 46. [788] كليلة ودمنة: 295- 296. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وإنزالهم منازلهم، واتهام بعضهم على بعض، فإنه إن وجد بعضهم إلى إهلاك بعض سبيلا، أو إلى تهجين بلاء المبلين «1» ، وإحسان المحسنين، والتغطية على إساءة المسيئين، سارعوا إلى ذلك «2» ، واستحالوا محاسن أمور المملكة، وهجّنوا مخارج رأيه، ولم يبرح منهم حاسد قد أفسد ناصحا، وكاذب قد اتّهم أمينا، ومحتال قد أعطب بريئا. وليس ينبغي للملك أن يفسد أهل الثقة في نفسه بغير أمر يعرفه، بل ينبغي في فضل حلمه وبسط علمه الحيطة على رأيه فيهم، والمحاماة على حرمتهم وذمامهم، وأن لا يسرع إلى إفسادهم، ولا يغتفر مع ذلك زلّة زلّها أحد منهم، ولم يزل جهّال الناس يحسدون علماءهم، وجبناؤهم شجعانهم، ولئامهم كرماءهم، وفجّارهم أبرارهم، وشرارهم خيارهم. [789]- وقال سابور بن أردشير في عهده إلى ولده: وليكن وزيرك مقبول القول عندك «3» ، قويّ المنزلة لديك، يمنعه مكانه منك وما يثق به من لطافة منزلته من الخشوع لأحد أو الضراعة لأحد، أو المداهنة في شيء مما تحت يده، لتبعثه الثقة بك على محض النصيحة لك، والمنابذة لمن أراد غشّك، وانتقاصك حقّك، وإن أورد عليك رأيا يخالفك ولا يوافق الصواب عندك، فلا تجبهه جبهة الظنين، ولا ترده عليه بالتهجم فيفت في عضده ذلك ويقبضه عن ابثاثك «4» كلّ رأي يلوح صوابه، بل اقبل ما ارتضيت من قوله، وعرّفه ما تخوّف من ضرر الرأي الذي انصرفت عنه، لينتفع بأدبك فيما يستقبل الرأي فيه، واحذر كلّ الحذر أن تنزل بهذه المنزلة سواه ممّن يطيف بك من خدمك   [789] نثر الدر 7: 43 (رقم: 99) والجهشياري: 6 وانظر السعادة والاسعاد: 432 وقوانين الوزارة: 175- 176 وتحفة الوزراء: 21 ونهاية الأرب 6: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وحاشيتك، وأن تسهل لأحد منهم السبيل إلى الانبساط بالنطق عندك، والإفاضة في أمور رعيتك وولايتك، فإنه لا يوثق بصحّة رأيهم ولا يؤمن الانتشار فيما أفضى من السرّ إليهم. [790]- قال أبو إسحاق الصابي في كلام جمعه من كلام الحكماء: الملك باصطفاء رجاله أحقّ منه باصطفاء أمواله، لأنّ كلّ درهم يسدّ مكان أخيه، وما كلّ رجل يسدّ مكان أخيه. [791]- قال علي بن أبي طالب عليه السلام: يجب على الوالي أن يتعهّد أموره ويتفقّد أعوانه حتى لا يخفى عليه إحسان محسن ولا إساءة مسيء، ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء، فإنه إذا ترك ذلك تهاون المحسن. واجترأ المسيء، وفسد الأمر وضاع العمل. [792]- ومن كلام «1» له عليه السلام: ازجر المسيء بثواب المحسن؛ أخذ المعنى إبراهيم بن العباس الصولي فقال: إذا كان للمحسن من الثواب ما ينفعه، وللمسيء من العقاب ما يقمعه، بذل المحسن ما عنده رغبة، وانقاد المسيء للحقّ رهبة. [793]- كتب أبرويز إلى ابنه شيرويه وهو في حبسه: لا توسعنّ على   [790] قارن بالتمثيل والمحاضرة: 141 وزهر الأداب: 588. [791] ورد هذا القول في كليلة ودمنة: 290 وانظر لباب الآداب: 42. [792] نهج البلاغة: 501 (رقم: 177) وقوله: «ازجر المسيء بثواب المحسن» في ربيع الأبرار 1: 603، وقول الصولي في لقاح الخواطر: 58 ب. [793] نثر الدر 7: 35 (رقم: 34) وعيون الأخبار 1: 11 والعقد 1: 26 ومحاضرات الراغب 1: 165 والبصائر 4: 395 (وفيه ورد قول المنصور أيضا كما ورد في البيهقي: 461 ولقاح الخواطر: 78/أوفي المثل «أجع كلبك يتبعك» انظر فصل المقال: 489 وجمهرة العسكري 1: 111 والميداني 1: 111 والحيوان 1: 290 ونزهة الأرواح 1: 214 (لذيوجانس) وكذلك مختار الحكم: 79 والمقترح في جوامع الملح (باب الحكايات) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 جندك فيستغنوا عنك، ولا تضيقنّ عليهم فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصدا، وامنعهم منعا جميلا، ووسّع عليهم «1» في الرجاء، ولا توسّع عليهم في العطاء. وروي أن المنصور لما سمع هذا الكلام قال في عقيبه، صدق الأعرابي: «أجع كلبك يتبعك» فقام أبو العباس الطوسيّ فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن يلوّح له غيرك برغيف فيتبعه ويدعك، فسكت المنصور وعلم أنها كلمة لم تخطم. [794]- كتب أرسطاطاليس الى الإسكندر: املك الرعية بالإحسان إليها تظفر بالمحبة منها، فإنّ طلبك بإحسانك أدوم بقاء منه لا عتسافك، واعلم أنك إنما تملك الأبدان فتخطّها إلى القلوب بالمعروف، واعلم أن الرعية إذا قدرت أن تقول قدرت على أن تفعل، فاجتهد على أن لا تقول تسلم من أن تفعل. وهذا مخالف لما روي عن معاوية: فإنّ رجلا أغلظ له فحلم عنه، فقيل له: أتحلم عن مثل هذا؟ فقال: إنّا لا نحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا. [795]- وقال بعض ملوك العجم: إنما أملك الأجساد لا النيات،   [794] نثر الدر 7: 22 (رقم: 90) وعيون الأخبار 1: 8 والعقد 1: 24 ومحاضرات الراغب 1: 168 وبهجة المجالس 1: 306. ومختار الحكم: 197 وسراج الملوك: 199 ولباب الآداب: 44 (منسوبا لابرويز) وقول معاوية «إنا لا نحول بين الناس ... » . في انساب الاشراف 4/أ: 20 وعيون الأخبار 1: 9، 283 ومحاضرات الراغب 1: 111، 226 والمجتنى: 40 والطبري 2: 214 ونهاية الأرب 6: 16 وابن الأثير 4: 8 وفاضل المبرد: 87 وسراج الملوك: 200 وشرح النهج 3: 417 والجوهر النفيس: 45 ب ولقاح الخواطر: 32 ب. [795] عيون الأخبار 1: 8 والعقد 1: 25 وسراج الملوك: 200 وربيع الأبرار: 243 ب (لكسرى ابن قباذ) وأصله في عهد أردشير: 56 (الفقرة: 6) وانظر غرر الخصائص: 62 ومحاضرات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وأحكم بالعدل لا بالرضى، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر. وقد قال من قبلنا: أسوس الناس من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها. [796]- وقال الوليد بن عبد الملك لأبيه: يا أبة ما السياسة؟ قال: هيبة الخاصّة مع صدق مودّتها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها، واحتمال هفوات الصنائع. [797]- قال صاحب كليلة ودمنة: إذا عرف الملك أنّ رجلا يساوى به في المنزلة والرأي والهمّة والمال والتّبع فليصرعه، فإن لم يصرعه فهو المصروع. [798]- وقال معاوية: ليس بين الملك وبين أن يملك جميع رعيته أو يملكه جميعهم إلا حزم أو توان. [799]- قال «1» صاحب كليلة ودمنة: لا ينبغي للملك أن يثق بهذه الأصناف: من قد عوقب العقوبة الكثيرة في غير جرم، أو من ناله الضرّ   الراغب 1: 167، 227 (وقارنه بقول بزرجمهر في الحكمة الخالدة: 47) والبصائر 1: 487 وقوانين الوزارة: 176- 177 ولباب الآداب: 37- 38، 72 وخاص الخاص: 85 والايجاز والاعجاز: 13 وتسهيل النظر: 285 ونهاية الأرب 6: 16، 122 وشرح النهج 11: 99. [796] عيون الأخبار 1: 10 والعقد 1: 24 ولباب الآداب: 35 وبهجة المجالس 1: 335 وتسهيل النظر: 266 ونهاية الأرب 6: 266 ونثر الدر 3: 15 وأمالي القالي 2: 80 ولقاح الخواطر: 33 ب. [797] كليلة ودمنة: 104 والجهشياري: 11 وعيون الأخبار 1: 45 ولباب الآداب: 43 ونهاية الأرب 6: 46. [798] سراج الملوك: 98 ولباب الآداب: 35 والعقد 1: 43 (لعبد الملك بن مروان يقوله لابنه الوليد وكان ولي عهده، وكذلك نسب لعبد الملك في كتاب الآداب: 27) وانظر عيون الأخبار 1: 33 والسعادة والاسعاد: 294 وتسهيل النظر: 250 ونهاية الأرب 6: 45. [799] كليلة ودمنة: 300. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 العظيم منهم، أو من عزلوه عن ولاية وعمل كانا في يده، ومن سلبوه ماله وعقاره، ومن كان في مكان الثقة عندهم فأقصوه وقطعوا طمعه، وذا المروءة والنبل إذا أنزل عن منزلته، ومن قدّم عليه أكفاؤه ونظراؤه، والمظلوم الطالب المنصفة غير المنصف، ومن يرجو المنفعة والصلاح بمضارّ «1» السلطان، ومن استقبل بما يكره في المحافل، وذي الحرص القليل القنوع، والمذنب الراجي العفو فلم يعف عنه. [800]- قيل: مضارّ السلطان من قبل ستّة أشياء: الحرمان، والفتنة، واللهو «2» ، والفظاظة، والزمان، والخرق. فأما الحرمان فأن يحرم خصالا ستا، أو يعطاها منقوصة فاسدة، منها: صالحو الوزراء من أهل الرأي والنصيحة والأمانة، ومنها الأجناد، ومنها الأموال، ومنها البلد، ومنها الحصون، ومنها البرد والرسل. وأما الفتنة فتهيج «3» بعض الأعوان واعوجاجه إلى الخروج على الملك، أو شغب الجند وتحاربهم. وأما اللهو فالإغرام بالنساء أو الشراب أو الملاعب أو الصيد إغراما يستغرق الفراغ؛ وأما الفظاظة فافراط الخشونة حتى يجمع اللسان بالشتم، واليد بالبسط والابتزاز لما ليس له بحقّ. وأما الزمان فهو ما يصيب الناس من السنين من الغرق والحرق والوباء وكثرة الأمطار والبرد وقلة الأمطار، وشدّة البرد والحرّ بافراط، وكثرة الهوامّ التي يكون بها نقص الثمرات أو الموتان. وأما الخرق وسوء التدبير فإن يعامل الأعداء في موضع السلم بالحرب، وفي مواضع الحرب بالسلم والموادعة، وفي المواضع التي يحتاج فيها إلى المكيدة والصبر والحذر والتدبير بالخطأ والمغالبة والغلظة وترك السياسة.   [800] كليلة ودمنة: 98 (وبين النصين اختلاف وما هنا اكثر بسطا) ولباب الآداب: 42- 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 [801] قيل: أهل الحزم من الملوك يجعلون لكل ذنب عقوبة: فلذنب السّر عقوبة السر، ولذنب العلانية عقوبة العلانية. [802]- ومن كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: اجعل عقوبتك على اليسير من الجناية «1» كعقوبتك «2» على الكثير منها، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ عليك في الكبير، وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبنّ على شيء [كعقوبتك على كسره، ولا ترزقنّ على شيء] «3» كرزقك على إزجائه. [803]- وقال لصاحب بيت ماله: إني لا أحتملك على خيانة درهم، ولا أحمدك على حفظ ألف ألف، لأنك إنما تحقن بذلك دمك، وتعمر به أمانتك، وإنك إن خنت قليلا خنت كثيرا. [804]- وقال زياد: أحسنوا إلى أهل الخراج فانكم لا تزالون سمانا ما سمنوا. [805]- من كلام ابن المقفع: ليس للملك أن يغضب لأن القدرة من   [801] كليلة ودمنة: 108 والمرادي: 150 وقارن بالحكمة الخالدة: 315 وتحفة الوزراء (بغداد) : 150. [802] عيون الأخبار 1: 59. [803] عيون الأخبار 1: 59 والعقد 1: 13. [804] عيون الأخبار 1: 10 ونثر الدر 5: 3 وسراج الملوك: 208 (وفيه: أحسنوا الى المزارعين ... ) وأنساب الأشراف 4/أ: 223 (أحسنوا إلى الدهاقين) ومحاضرات الراغب 1: 81، 191 وشرح النهج 4: 74 وتسهيل النظر: 161 وربيع الأبرار 1: 199. [805] الأدب الكبير: 51، 52- 53 وأصله في عهد أردشير: 69 (الفقرة: 18) . وانظر عيون الأخبار 1: 289 ونثر الدر 4: 81 ولباب الآداب: 70- 71، وكتاب الآداب: 26 وسراج الملوك: 97 والذهب المسبوك: 161 (يقوله موبذ لكسرى) ونهاية الأرب 6: 4 والتحفة الملوكية: 930 وقوله «فإنما يصول الكريم اذا جاع واللئيم ... » منسوب لعليّ في نهج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وراء حاجته، وليس له أن يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه على غير ما يريد، وليس له أن يبخل لأنه أقلّ الناس قدرا في خوف الفقر، وليس له أن يكون حقودا لأن خطره قد عظم عن مجازاة كلّ الناس، وليتّق أن يكون حلّافا، فأحقّ الناس باتقاء الأيمان الملوك، وإنما يحمل الرجل على الحلف إحدى خلال: إما مهانة يجدها في نفسه وضرع وحاجة إلى تصديق الناس إياه، وإما عيّ بالكلام حتى يجعل الأيمان لكلامه حشوا ولمنطقه وصلا، وإما تهمة قد عرفها من الناس لحديثه فهو ينزل نفسه بمنزلة من لا يقبل له قول إلا بعد جهد اليمين، وإما عبث في القول وإرسال اللسان على غير تروية ولا تقدير ولا حسن تعويد له، فيعوّد قول السداد والتثبيت. ليعلم الوالي أن الناس يصفون الولاة بسوء العهد ونسيان الودّ، فليكابد نقض قولهم، وليبطل عن نفسه وعن الولاة صفات السوء التي يوصفون بها. ليتفقد الوالي فيما يتفقد من أمور رعيته فاقة الأحرار والأخيار فليعمل في سدّها، وطغيان السّفلة منهم فليقمعه، وليستوحش من الكريم الجائع واللئيم الشعبان، فإنما يصول الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع. لا يحسن بالوالي أن يحسد من دونه، فأنه أقلّ عذرا في ذلك من السّوقة التي إنما تحسد من هو فوقها، وكلّ لا عذر له، لا يولعنّ الوالي بقول الناس في سوء الظن «1» ، وليجعل لحسن الظنّ من نفسه نصيبا موفورا، ويروّح به عن قلبه ويصدّر به أعماله. لا يضيعنّ الوالي التثبت عند قوله وفعله وعطائه، فإن الرجوع عن الصمت أحسن من الرجوع عن الكلام، وإن الإقدام على العمل بعد التأني فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه،   البلاغة؛ ولحكيم الهند في البصائر 1: 477 ولاردشير في الامتاع 3: 40 ولا افلاطون في ابن هندو: 9 وللاسكندر في كتاب الآداب: 11 ولبزرجمهر في محاضرات الأبرار 2: 261 ولعمرو ابن العاص في الجوهر النفيس: 48 ب ولأردشير في البيان والتبيين 3: 169 وبهجة المجالس 1: 627 ودون نسبة فيه 1: 336 ولكسرى في عيون الأخبار 1: 238 والعقد 2: 355. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وإنّ العطية بعد المنع أحسن من المنع بعد الإعطاء، وكلّ الناس محتاجون إلى التثبّت، وأحوجهم إليه ملوكهم الذين ليس لقولهم وفعلهم دافع وليس عليهم مستحثّ. [806]- وقد جمع أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي من كلام الحكماء فقرا فمنها: الملك القادر أولى بالتأني في حكوماته، والتثبت في عزماته، لأنه إن أخذها على شبهة وأمضاها على غير بيّنة لم يكن له دافع عنها، ولم يخل أيضا من مساعد عليها. الملك المنعّم إذا أفاض المكارم، واغتفر الجرائم، ارتبط بذلك خلوص نية من قرب منه وهم الأقلّ، وانفساح الأمل ممن بعد عنه وهم الأكثر، فيستخلص حينئذ ضمائر الكلّ من حيث لم يصل معروفه إلا إلى البعض. الملك تلزمه الحقوق بأيسر سعي الساعي لها، وأقصر أمد الجارين إليها، لأنه ان انتظر بهم أن يعقدوا عليه المنن الجمّة، وان يسبغوا عليه النعمة الضخمة، لم يكن لهم بذلك طاقة، ولم يكن به إليهم فاقة، لكن المحلّ الذي حلّه، والمكان الذي تبوّأه يوجبان عليه أن يكون على القليل من الذمام محافظا، وبعين الرعاية لهم ملاحظا. الملك إذا وعد وفى، وإذا أوعد عفا. الملك إذا استكفى أحد ثقاته أمرا تشكل عواقبه، وتشتبه أعجازه، فانتشر ذلك الأمر عليه من حيث لم يأل جهدا في طلب نظامه والسعي لالتئامه، فواجب أن يحمده أو أن يذمّه، فإنه إن ذمّه قبضه وقبض نظراءه عن الدأب في المصالح والطلب للمناجح، ولحقهم من قصور الهمم ما يعود وهنه عليه وتتعلّق شكايته به، لأنهم يشغلون عن التوصل إلى ما يرومه، بالتحرز عما يضرهم. الملك يتوصل إليه كلّ من تنكّر له وتعتّب عليه، وهم طبقات ثلاث: فمنهم من ذنبه مقرون بعذره قد أماطه عنه وأخرجه سليما منه، ويقال أقرّ بالذنب طاعة، وأمسك عن العذر هيبة، ولا يحسن أن يقتصر بمن هذه   [806] بعضه في زهر الآداب: 588 ولقاح الخواطر: 88/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 حاله على أن تسقط اللائمة عنه دون أن تجب المحمدة له؛ ومنهم من ذنبه واضح وعذره معوز، ولكنه فرد لا أخ له وفذّ لا تؤام معه، والأولى به أن يقال إذا اعترف بالحوبة وأخلص في التوبة؛ ومنهم المتردّد في هفواته والمتكرر في عثراته، الجارية عادته أن يكسر التوبة إذا تاب، ويفسخ عقد الإنابة إذا أناب، فذلك الذي يعاقب بالاطّراح ولا يطمع منه بالفلاح. الملك بمن غلط من أتباعه فاتعظ أشد انتفاعا منه بمن لم يغلط ولم يتعظ، فإن الأول كالقارح الذي أدّبته العثرة وأصلحته الندامة، والثاني كالذي هو راكب للغرّة وراكن إلى السلامة؛ والعرب تزعم أن العظم إذا جبر من كسره، عاد صاحبه أشد بطشا وأقوى يدا. [807]- وقال ابن المقفع فيما يتأدب به السلطان: عوّد نفسك الصبر على ما خالفك من رأي ذوي النصيحة، والتجرع لمرارة قولهم وعذلهم، ولا تسهّلنّ سبيل ذلك إلا لأهل الفضل والمروءة والعقل في ستر، لئلا ينتشر من ذلك ما يجترىء به سفيه، أو يستخفّ به شانىء. واعلم أن رأيك لا يتّسع لكلّ شيء ففرّغه لمهمّ ما يعنيك، وأن مالك لا يتّسع للناس، فاخصص به أهل الحقّ، وأنّ كرامتك لا تطيق العامة، فتوّخ بها أهل الفضل، وأنّ ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجاتك وان دأبت فيهما فأحسن قسمتهما بين عملك ودعتك. واعلم أن ما شغلت من رأيك بغير المهم أزرى بك في المهمّ، وما صرفت من مالك في الباطل فقدته حين تريده للحقّ، وما عدلت به من كرامتك إلى أهل النقص أضرّ بك في العجز عن أهل الفضل. إن كان سلطانك عند جدّة دولة فرأيت أمرا استقام بغير رأي أو أعوانا اجزأوا بغير نيل، وعملا أنجح بغير حزم، فلا يغرنّك ذلك ولا تستنيمنّ إليه، فإن الأمر الجديد مما يكون له   [807] الأدب الكبير: 47- 48، 50 (الحكمة الخالدة: 296 وما بعدها) وانظر بعضه في نهاية الأرب 6: 18 والبصائر 4: 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 مهابة في أنفس أقوام «1» وحلاوة في قلوب قوم آخرين، فيعين قوم على أنفسهم، ويعين قوم بما قبلهم، ويستتبّ ذلك الأمر غير طويل، ثم تصير الشّؤون إلى حقائقها وأصولها، فما كان شيء من الأمر على غير أركان وثيقة ودعائم محكمة أوشك أن يتداعى ويتصدع. لا تكوننّ نزر الكلام والسلام، ولا تبلغنّ إفراط «2» البشاشة، فإن إحداهما من الكبر والأخرى من السّخف. [808]- ومن كلام الحكماء: إذا كان الملك محصّنا للأسرار، متخيرا لصالح الوزراء، مهيبا في أنفس العامة، بعيدا أن يعلم ما في نفسه، لا يسلم منه ذو جريمة بجريمته، ولا يضيع عنده بلاء، مقدرا لما ينفق وما ينفد «3» ، كان جديرا ألا يسلب صالح ما أوتي. [809]- قال سهل بن هارون: للسلطان سكرات فمنها الرضى عن بعض من يستوجب السخط، والسخط على بعض من يستوجب الرضى، ولذلك قيل قد خاطر من لجّج في البحر وأشدّ منه مخاطرة صاحب السلطان. الملك «4» صبيّ الرضا كهل الغضب، يأمر بالقتل وهو يضحك، ويستأصل شأفة القوم وهو يمزح، يخلط الجدّ بالهزل، ويجاوز في العقوبة قدر الذنب، ربما أحفظه الذنب اليسير، وربما أعرض صفحا عن الخطب الكبير؛ أسباب الموت   [808] كليلة ودمنة: 189. [809] جاءت كلمة سهل هذه في كتاب النمر والثعلب: 65 (16) ، 157 (24) ؛ ومعظمها في العقد 1: 52 ونهاية الأرب 6: 6؛ وقارن بقوله: «صبي الرضا كهل الغضب» قول معاوية: «إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبيان ويصول صولة الأسد» (أنساب الأشراف 4/1: 48، 55، 59) . 20 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 والحياة مضاعفة «1» بطرف لسانه، لا يعرف ألم العقوبة فيتقي، ولا يؤتى «2» على بادرة فينتهي، يخطىء فيصيب «3» ويصيب فيفرط، مفتون الهوى فظ الخليقة على اختراق العقوبة، لا يمنعه من ذوي الخاصّة به ما يعلم من عناية وطول صحبة، أن يقتله بخطرة من خطرات موجدته، ثم لا ينفكّ أن يخطب إليها مكانه، وينافس الرجال موضعه، فلا الثاني بالأول يعتبر، ولا الملك عن مثل ما فرط ينزجر. [810]- قال صاحب كليلة ودمنة: السلطان لا يقرّب الرجال على قرب آبائهم ولا يباعدهم لبعدهم، ولكنه ينزلهم على قدر ما عند كلّ امرىء منهم فيما ينتفع به، وقد يكون الجرذ في البيت جارا مجاورا، فينفى إذا كان ضارّا مؤذيا، ولما كانت في البازي منفعة وهو وحشيّ اقتني واتّخذ. [811]- قال «4» ابن المقفع: جميع ما يحتاج إليه الوالي رأيان: رأي يقوّي سلطانه ورأي يزيّنه في الناس، ورأي القوة أولاهما بالتقديم وأحقّهما بالأثرة، ورأي التزيين أحضرهما حلاوة وأكثرهما أعوانا، مع أن الزينة من القوة، والقوة بالزينة، ولكنّ الأمر ينسب إلى معظمه «5» . [812]- وقال: ليعلم الوالي أنّ الناس على دينه «6» إلا من لا يبالي   [810] كليلة ودمنة: 90. [811] الأدب الكبير: 54 ولباب الآداب: 84. [812] الأدب الكبير: 54 (والحكمة الخالدة: 299) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 به «1» ، فليكن للدين والمروءة عنده نفاق فسيكسد بذلك الدناءة والفجور في آفاق الأرض. [813]- وقال أفلاطون في معناه «2» : الملك كالبحر تستمدّ منه الأنهار، فان كان عذبا عذبت، وإن كان ملحا ملحت «3» . وقد أكثر المتأخرون في هذا المعنى، قال أبو الفضل ابن العميد: صفة كلّ زمان منبجسة من سجايا سلطانه؛ وقال سيف الدولة علي بن حمدان: السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق فيها «4» . [814]- كتب أبرويز إلى ابنه شيرويه من الحبس: ليكن من تختاره لولايتك امرءا كان في ضعة فرفعته، وذا شرف وجدته مهتضما فاصطنعته، ولا تجعله امرءا أصبته بعقوبة فاتّضع عنها، ولا امرءا أطاعك بعدما أذللته، ولا   [813] الكلم الروحانية: 17 والسعادة والاسعاد: 213 ومختار الحكم: 135 ولباب الآداب: 70 وكتاب الآداب: 25 وتسهيل النظر: 45 وعيون الأنباء 1: 51، وتشبيه الملك بالبحر ورد في كليلة ودمنة: 188 والأدب الصغير: 33 «الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بمواده من الأنهار» وقوله: «الملك سوق ... » ورد في عيون الأخبار 1: 2 والعقد 1: 32 وأنساب الأشراف 3: 199 وحلية الأولياء 3: 240 ومروج الذهب 4: 10- 11 (منسوبا لأبي حازم الأعرج في الأغلب؛ ووروده في هذه المصادر المبكرة بهذه النسبة يبعد نسبته عن سيف الدولة) ؛ وقد ورد منسوبا لأبي حازم أيضا في نثر الدر 4: 81 وكتاب الآداب: 25 كما نسب لميمون بن مهران في طبقات ابن سعد 5: 394 يخاطب به عمر بن عبد العزيز؛ وورد أيضا في بهجة المجالس 1: 354 والتمثيل والمحاضرة: 131 ومحاضرات الراغب 1: 191 والشفا: 62؛ ونسب لسيف الدولة (كما ذكر ابن حمدون) في الايجاز والاعجاز: 23 وربيع الأبرار: 375 ب ولعمر بن عبد العزيز في تاريخ الخلفاء: 293 وأيا كانت نسبته فالقول قديم قبل عصر سيف الدولة بكثير. [814] الجهشياري: 10 وعيون الأخبار 1: 15 والعقد 1: 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أحدا ممن يقع في خلدك أنّ إزالة سلطانك خير له من ثبوته، وإياك أن تستعمل ضرعا غمرا كثر إعجابه بنفسه وقلّت تجاربه في غيره، ولا كبيرا مدبرا قد أخذ الدهر من عقله كما أخذت السنّ من جسمه. [815]- قال لقيط الإياديّ في مثله: [من البسيط] فقلّدوا أمركم لله درّكم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عضّ مكروه به خشعا ما زال يحلب درّ الدهر أشطره ... يكون متّبعا طورا ومتّبعا حتى استمرّت على شزر مريرته ... مستحصد الرأي لا قحما ولا ضرعا القحم: الشيخ المسن، والضرع: الضعيف الصغير. [816]- استشار عمر بن عبد العزيز في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه: عليك بأهل العذر الذين إن عدلوا فهو ما رجوت فيهم، وإن قصّروا قال الناس: قد اجتهد عمر. [817]- كتب علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أهل البصرة من كتاب له: ولئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق، مع أنّي عارف لذي الطاعة منكم فضله، ولذي النصيحة حقّه، غير متجاوز متّهما إلى بريء، ولا ناكثا إلى وفي. هذا القول الفصل والفعل العدل، لا كما قال زياد: والله لآخذنّ الوليّ   [815] ديوان لقيط: 47 وشرح النهج 18: 238 ونهاية الأرب 6: 17 وديوان المعاني 1: 55 ونشوة الطرب: 666 والكامل 2: 152، 3: 406. [816] عيون الأخبار 1: 17 ومحاضرات الراغب 1: 165. [817] نهج البلاغة: 389- 390 وربيع الأبرار 242 ب- 243/أوقول زياد «لآخذن الوليّ ... » من خطبته المشهورة، انظر البيان والتبيين 2: 63 والعقد 4: 110- 113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 بالوليّ والسميّ بالسميّ حتى يلقى الرجل صاحبه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد. [818]- قال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجهه إلى مصر: تفقّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبر عنك بكاتبك، والمتوسّم يعرفك بحاجبك، والخارج من عندك يعرفك بجليسك. [819]- وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بعث عاملا اشترط عليه أربعا: لا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقيّ، ولا يتّخذ بوابا. [820]- وكان زياد إذا ولّى رجلا قال له: خذ عهدك، وسر إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال، فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك وسلّمتك من معرّتنا أمانتك، وإن وجدناك خائنا قويا استهنّا بقوتك وأحسنّا على خيانتك أدبك، فأوجعنا ظهرك وأثقلنا غرمك، وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرّتين، وإن وجدناك قويا أمينا زدنا في عملك، ورفعنا لك ذكرك وكثّرنا مالك وأوطأنا عقبك. [821]- وكان عبد الملك إذا أراد أن يولّي رجلا عمل البرد سأل عن صدقه ونزاهته وأناته، ويقول: كذبه يشكّك في صدقه، وشرهه يدعوه في   [818] رسائل الجاحظ 2: 40 وعيون الأخبار 1: 44 ونثر الدر 3: 15 ومحاضرات الراغب 1: 205. [819] عيون الأخبار 1: 53 وسراج الملوك: 240 وشرح النهج 12: 23 والحكمة الخالدة: 157. [820] أمالي القالي 2: 80 وعيون الأخبار 1: 55 والجليس الصالح 2: 133 وغرر الخصائص: 103. [821] نثر الدر 3: 17 وهذا النصّ أيضا في نسخة الفاتح من البصائر ولم يرد في المطبوعة وموضعه منها 3: 59 وبهجة المجالس 1: 278. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 الحقّ إلى كتمانه، وعجلته تهجم بمن فوقه على ما يؤثّمه ويندّمه. [822]- ولّى المهدي الربيع بن أبي الجهم فارس فقال له: يا ربيع آثر الحقّ، والزم القصد، وارفق بالرعية، واعلم أنّ أعدل الناس من أنصف من نفسه، وأجورهم من ظلمهم لغيره. [823]- قال المنصور: الملوك تحتمل كلّ شيء إلا ثلاث خلال: إفشاء السرّ، والتعرّض للحرم، والقدح في الملك. [824]- كان يقال: طاعة السلطان على أربعة أوجه: على الرغبة والرهبة والمحبة والديانة. [825]- كان أنوشروان إذا ولّى رجلا أمر الكاتب أن يدع في العهد موضع أربعة أسطر ليوقّع فيها بخطّه، فإذا أتى بالعهد وقّع فيه: سس خيار الناس بالمحبة، وامزج للعامة الرغبة بالرهبة، وسس سفلة الناس بالإخافة. [826]- قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمرا من العدل فأخاف أن لا تحتمله قلوبهم، فأخرج لهم معه طمعا   [822] العقد 1: 31 ونثر الدر 3: 32 ونهاية الأرب 6: 35. [823] نثر الدر 3: 30 والبيهقي: 374 والمحاسن والأضداد: 18 وبرد الأكباد: 117 ومحاضرات الأبرار 2: 29 وهو للمأمون في التمثيل والمحاضرة: 139 وبهجة المجالس 1: 347 وزهر الآداب: 214 ولباب الآداب: 243 وللأكاسرة في السعادة والاسعاد: 306؛ وانظر العقد 1: 12 وكتاب الآداب: 43 والأسد والغواص: 115- 116 ونهاية الأرب 6: 7 وقارن بمروج الذهب 4: 302 (للمأمون) وتاريخ الخلفاء: 293. [824] عيون الأخبار 1: 7 وشرح النهج 15: 102. [825] عيون الأخبار 1: 8 وسراج الملوك: 242 وقارن بقول منسوب الى افليمن في منتخب صوان الحكمة: 246. [826] عيون الأخبار 1: 9 وسراج الملوك: 200 وشرح النهج 15: 102 وبايجاز في البصائر 1: 30 وجاء في السعادة والاسعاد: 217 من كلام أرسطاطاليس: «إذا أردت إلى رعيتك أمرا في باب الخير فامزج معه طمعا من الدنيا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 من طمع الدنيا، فإن نفرت القلوب من هذا سكنت إلى هذا. [827]- كتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته، فكتب إليه: إني أيقظت رأيي وأنمت هواي، وأدنيت السيد المطاع في قومه، وولّيت الحرب «1» الحازم في أمره، وقلدت الخراج المؤتمن «2» لأمانته، وخصمت لكلّ خصم من نفسي قسما يعطيه حظا من نظري ولطيف عنايتي، وصرفت السيف إلى النّطف المسيء، فخاف المريب صولة العقاب، وتمسّك المحسن بحظّه من الثواب. [828]- قال معاوية: ينبغي أن يحترز الملك من خمس خصال «3» : لا ينبغي أن يكون كذابا، فإنه إذا «4» كان كذابا فوعد لم يرج وإذا «5» أوعد بشرّ لم يخف، ولا ينبغي أن يكون بخيلا فإنه إذا كان بخيلا لم يناصحه أحد، ولا تصلح الولاية إلا بالمناصحة [ولا ينبغي أن يكون حديدا فإنه إذا كان حديدا مع القدرة هلكت الرعية] ، ولا ينبغي أن يكون حسودا فإنه إذا كان حسودا لم يشرف أحد، ولا يصلح الناس إلّا على أشرافهم، ولا ينبغي أن يكون جبانا فإنه إذا كان جبانا اجترأ عليه عدوّه.   [827] عيون الأخبار 1: 10 والعقد 1: 22 ونثر الدر 5: 11 وسراج الملوك: 102 والبصائر 2: 268 ونهاية الأرب 6: 43. [828] عيون الأخبار 1: 13 وسراج الملوك: 96- 97 والبصائر 1: 203 ومحاضرات الراغب 1: 156- 157 وكتاب الآداب: 26 ونهاية الأرب 6: 4 ولباب الآداب 70- 71 والمختار من شعر بشار: 200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 [829] قال الحسن: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يستشير حتى المرأة، فتشير «1» عليه بالشيء فيأخذ به. [830]- وفي «2» كتاب التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: لا ينبغي للملك أن يستشير منّا أحدا إلا خاليا، فإنه أموت للسّر، وأحزم للرأي، واجدر بالسلامة، وأغنى ببعضنا من غائلة بعض، فإن إفشاء السرّ إلى رجل أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاؤه إلى ثلاثة كإفشائه إلى العامّة، لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، والثاني يطلق عن ذلك الرهن، والثالث علاوة فيه، وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبة ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين دخلت الشبهة على الملك واتّسعت على الرجلين المعاذر فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتّهم بريئا بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجّة عليه. وما جاء في المشورة من الأخبار والأشعار وكلام الحكماء قد ذكر في مكان آخر، إذ ليس هذا موضعه، والذي ذكر مما يليق بهذا الباب فيه كفاية. [831]- يقال: لا يكون الملك ملكا حتى يعاقب على صغير الذنوب   [829] عيون الأخبار 1: 27 وفي السعادة والاسعاد: 424 كان عمر يستشير ... الخ وكذلك في بهجة المجالس 1: 455. [830] نثر الدر 7: 46 (رقم: 107) وعيون الأخبار 1: 27 والجهشياري: 11 والعقد 1: 66 وسراج الملوك: 133 ونهاية الأرب 6: 73 ولقاح الخواطر: 76/أوالريحان والريعان 1: 99. [831] البيتان في عيون الأخبار 1: 100 ومروج الذهب 3: 241 والتمثيل والمحاضرة: 134 وتسهيل النظر: 281 وحماسة الظرفاء 10: 178 ونهاية الأرب 6: 7 والجوهر النفيس: 43 ب وربيع الأبرار 1: 733 والمنهج المسلوك: 15/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 ويعفو عن كبيرها، ومثله قول الشاعر: [من الكامل المجزوء] تعفو الملوك عن العظيم ... من الذنوب لفضلها «1» ولقد تعاقب في اليسير ... وليس ذاك بجهلها [832]- وقال أبرويز: أطع من فوقك يطعك من دونك. [833]- وقال النجاشي: الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم. [834]- قال عمرو بن هند: الملوك يشتمون بالأفعال لا بالأقوال، ويسفهون بالأيدي لا بالألسن. ومثله لمعبد بن علقمة: [من الطويل] . وتجهل أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلّم [835]- قال مروان بن محمد لما أحيط به: وا لهفاه على دولة ما نصرت، وكفّ ما ظفرت، ونعمة ما شكرت؛ فقال له خادمه باسيل «2» ، وكان من أشراف الروم فوقع عليه سباء: من أغفل الصغير حتى يكبر، والقليل حتى يكثر، والخفيّ حتى يظهر، أصابه هذا.   [832] لباب الآداب: 36 (وفيه: اتق من فوقك ... ) والتمثيل والمحاضرة: 138 والايجاز والاعجاز: 14 وأدب الدنيا والدين: 142 وشرح النهج 11: 94 وزهر الآداب: 212 وربيع الأبرار 2: 792. [833] بهجة المجالس 1: 353 (دون نسبة) وربيع الأبرار: 229 ب والتمثيل والمحاضرة: 130 والايجاز والاعجاز: 15 وتسهيل النظر: 184 وأدب الدنيا والدين: 142 والمصباح المضيء 1: 231 والشفا: 54. [834] الايجاز والاعجاز: 15 ونهاية الأرب 6: 6 وفيه البيت وورد أيضا في بهجة المجالس 1: 432 وأدب الدنيا والدين: 248. [835] سراج الملوك: 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 [836] قال قابوس: لذة الملوك فيما لا تشاركهم فيه العامة من معالي الأمور. [837]- قال «1» أنوشروان: العدوّ الضعيف المحترس من العدوّ القوي أحرى بالسلامة من العدوّ المغتّر بالعدوّ الضعيف. [838]- وقال صالح بن سليمان: لا تستصغر عدوا فإن العزيز ربما شرق بالذباب. [839]- وروي أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج: لا تولينّ الأحكام بين الناس جاهلا بالأحكام، ولا حديدا طائشا عند الخصام، ولا طمعا هلعا يقرّب «2» أهل الغنى ويبشّ بأهل السعة فيكسر بذلك أفئدة ذوي الحاجة، ويقطع ألسنتهم عن الادلاء «3» بالحجّة والإبلاغ في النصفة، واعلم أن الجاهل لا يعلم، والحديد لا يفهم، والطائش القلق لا يعقل، والطّمع الشّره لا ينفع عنده الحجة ولا تغني قبله البينة. [840]- قال أم جبغويه «4» ملك طخارستان لنصر بن سيار: ينبغي أن   [836] كتاب الآداب: 22 والايجاز والاعجاز: 23. [837] نثر الدر 4: 65 وربيع الأبرار: 240/أوالبصائر 7: 91 ولباب الآداب: 46 ومحاضرات الراغب 1: 247، وأصل هذا القول في كليلة ودمنة: 278. [838] لباب الآداب: 47 وربيع الأبرار: 240/أ، وجاء في البصائر 7: 247 لا تستصحب واجدا فإن ... الخ وقارن بما في عيون الأخبار 3: 108 «احذر معاداة الذليل ... » . [839] البصائر 3: 311 ونثر الدر 3: 17. [840] عيون الأخبار 1: 110 وسراج الملوك: 122 (وفيه: وأوصت امرأة ابنها وكان ملكا) ولباب الآداب: 38 ونهاية الأرب 6: 7 والمنهج المسلوك: 8 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 يكون للأمير ستة أشياء: وزير يثق به ويفضي إليه بسرّه، وحصن يلجأ إليه إذا فزع أنجاه، يعني فرسا، وسيف إذا نازل الأقران لم يخنه، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذها، وامرأة إذا دخل إليها أذهبت همّه، وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع له شيئا يشهّيه. [841]- العتابي في الرشيد: [من الطويل] أيا من له كفّ يضمّ بنانها ... عصا الدين ممنوعا من البري عودها وعين محيط بالبريّة طرفها ... سواء عليها قربها وبعيدها [842]- وقالوا: من حقّ الملك أن يفحص عن أسرار الرعية؛ وكان أردشير متى علم شيئا «1» قال لأرفعهم وأوضعهم: كان عندك في هذه الليلة كيت وكيت، حتى كان يقال يأتيه ملك من السماء، وما ذاك إلا لتصفّحه وتيقظه. وكان عمر رضي الله عنه علمه بمن نأى عنه كعلمه بمن بات معه على وسادة واحدة، واقتفى معاوية أثره وكذلك زياد؛ وتعرّف إلى زياد رجل فقال: أتتعرّف إليّ وأنا أعرف بك منك بأبيك وأمك، وأعرف هذا البرد الذي عليك؟ فرعب الرجل حتى أرعد. [843]- كتب عليّ عليه السلام عهدا لمالك الأشتر النخعي حين ولاه   [841] البيان والتبيين 3: 40، 353 ومعجم المرزباني: 245. [842] ربيع الأبرار: 371/أوالبيهقي: 143- 144 والمستطرف 1: 88 وقارن بتسهيل النظر: 249 وعن تحري زياد وحده انظر المستطرف 2: 106. [843] نهج البلاغة: 426- 445 ونهاية الأرب 6: 19- 32 ودعائم الاسلام 1: 354 ومنه أجزاء مفرقة في السعادة والاسعاد، وورد جزء يسير منه في ربيع الأبرار: 245/أ، 376 ب وانظر عن هذا العهد ونسبته مقالا للدكتورة وداد القاضي بمجلة: L StudiaIslamica LL (1978) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 مصر جمع فيه بين حاشيتي التقوى والسياسة على بعد أقطارهما، وجدته يغني عن كثير من كلام الحكماء والقدماء، وهو مع فرط الإطالة مأمون الملالة، لجمعه بين البلاغة البارعة «1» والمعاني الرائعة، ولولا رغبة الناس في تغاير الكلام وميل النفوس إلى التنقل في الألفاظ، لا كتفيت بايراد هذا العهد عن غيره، إذ كان حاويا لأشتات الآداب والسياسات، جامعا للأسباب التي تلزم الملوك والولاة، والعهد: هذا ما أمر عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر: جباية خراجها وجهاد عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها: أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسنّته التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله تعالى بيده وقلبه ولسانه، فإنه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره وإعزاز من أعزّه، وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات ويردعها عند الجمحات، فإنّ النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم الله. ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأنّ الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنما يستدلّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك وشحّ بنفسك عما لا يحلّ لك فإن الشحّ بالنفس الانصاف منها فيما أحبّت وكرهت. وأشعر قلبك الرحمة بالرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا، يغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم. ولا تنصبنّ نفسك لحرب الله، فإنه لا يدلك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته، ولا تندمنّ على عفو، ولا تبجحنّ بعقوبة، ولا تسرعنّ إلى بادرة وجدت عنها مندوحة، ولا تقولنّ إنّي مؤمّر آمر فأطاع، فإن ذلك إدغال في القلب، ومهلكة «1» للدين وتقرّب من الغير، فإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة ومخيلة، فانظر إلى عظم ملك الله عزّ وجل فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكفّ عنك من غربك «2» ، ويفيء إليك بما عزب عنك من عقلك. وإياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته، فإن الله يذلّ كلّ جبار، ويهين كلّ مختال. أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلّا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجّته، وكان لله حربا حتى يرجع ويتوب، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم. وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ، وأعمّها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وانّ سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة، وليس أحد من الرعيّة أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقلّ معونة له في البلاء وأكره للانصاف وأسأل بالإلحاف، وأقلّ شكرا عند الإعطاء وأبطأ عذرا عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمّات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدّة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك [لهم] وميلك معهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإنّ في الناس عيوبا الوالي أحقّ من سترها، فلا تكشفنّ عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله عليك ما تحبّ ستره من عيبك، أطلق عن الناس عقدة كلّ حقد، واقطع عنهم سبب كلّ وتر، وتغاب عن كلّ ما لا يضح لك، ولا تعجلنّ إلى تصديق ساع، فإن الساعي غاشّ، وان تشبّه بالناصحين. ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزيّن لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ بالله. شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، ومن شركهم في الآثام فلا يكوننّ لك بطانة، فانهم أعوان الأئمة وإخوان الظّلمة، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم، ممن لا يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على إثمه، أولئك أخفّ عليك مؤونة، وأحسن لك معونة، وأحنى عليك عطفا، وأقلّ لغيرك إلفا، فاتخذ أولئك «1» خاصة لخلواتك وجفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ، وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع؛ والصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لا يطروك، ولا يبجحوك بباطل لم تفعله، فان كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من الغرّة. ولا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة واحدة، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلّا منهم ما ألزم نفسه، واعلم أنه ليس شيء أدعى إلى حسن ظنّ وال برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤونات عنهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظنّ برعيتك، فإن حسن الظنّ يقطع عنك نصبا طويلا، وان أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحقّ من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده؛ ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثنّ سنة تضرّ بشيء من ماضي تلك السنن، فيكون الأجر لمن سنّها، والوزر عليك بما نقضت منها. وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك. واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتّاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمّال الإنصاف والرفق، ومنها كتّاب أهل الجزية والخراج من الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكل من قد سمّى الله سهمه، ووضع على حدّه وفريضته في كتابه وسنة نبيه عليه السلام عهدا منه محفوظا: فالجنود باذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعزّ الدين وسبل الأمن، وليس الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به في جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما أصلحهم، ويكون من وراء حاجاتهم، ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب، لما يحكمون من المعاقل «1» ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواصّ الأمور وعوامّها، ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجّار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمون من أسواقهم ويكفونهم بالرفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم، ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحقّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 رفدهم ومعونتهم، وفي الله لكلّ سعة، ولكلّ على الوالي حقّ بقدر ما يصلحه. فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله تعالى ولرسوله ولإمامك [وأنقاهم] جيبا، وأفضلهم حلما، ممّن يبطىء عن الغضب، ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء، وينبو على الأقوياء، ممن لا يثيره العنف، ولا يقعد به الضعف. ثم الصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة، أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع الكرم وشعب العرف، ثم تفقّد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، ولا يتفاقمنّ في نفسك شيء قوّيتهم به، ولا تحقرنّ لطفا تعاهدتهم به وان قلّ، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك، وحسن الظنّ بك. ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه. وليكن آثر رؤوس «1» جندك عندك من واساهم في معونته، وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم، حتى يكون همّهم هما واحدا في جهاد العدوّ، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك [وإن أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية، وانه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم] «2» ولا تصحّ نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم وقلة استثقال دولهم، وترك استبطاء انقطاع مدّتهم، وافسح في آمالهم وواصل من حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن فعالهم تهزّ الشجاع، وتحرّض الناكل إن شاء الله. ثم اعرف لكل امرىء منهم ما أبلى، ولا تضمنّ بلاء امرىء إلى غيره، ولا تقصرّنّ به دون غاية بلائه، ولا يدعونّك شرف امرىء إلى أن تعظّم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرىء إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب، ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله تعالى لقوم أحبّ إرشادهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ (النساء: 58) ، فالرادّ إلى الله الآخذ بمحكم كتابه، والرادّ إلى الرسول الآخذ بسنته الجامعة غير المفرّقة. ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحّكه الخصوم ولا يتمادى في أزله «1» ولا يحصر عن الفيء إلى الحقّ إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه: أوقفهم في الشّبهات وآخذهم بالحجج، وأقلّهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشيف «2» الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل، ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيح علّته، وتقلّ معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك، لتأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا. ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختيارا، ولا تولّهم محاباة وأثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المقدّمة «3» ، فإنهم أكرم خلاقا، وأصحّ أعراضا، وأقلّ إلى المطامع إشرافا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا، ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم 21 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 تفقّد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السرّ لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية. وتحفّظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلّة، ووسمته بالخيانة، وقلّدته عار التهمة. وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحهم وصلاحه صلاحا لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأنّ الناس كلّهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلا، فإن شكوا ثقلا أو علّة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق وأجحف بها عطش، خفّفت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم. ولا يثقلنّ عليك شيء خفّفت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به [عليك] في عمارة بلادك، وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم، وتبجّحك باستفاضة العدل فيهم، معتمدا أفضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عوّدتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد احتملوه طيّبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حمّلته، وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لاشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنّهم بالبقاء، وقلّة انتفاعهم بالعبر. ثم انظر في حال كتّابك فولّ على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تذخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترىء بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ، ولا تقصّر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك وإصدار جواباتها على الصواب عنك، وفيما يأخذ لك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 ويعطي منك، ولا يضعف عقدا اعتقده لك، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، ولا يجهل مبلغ [قدر] نفسه في الأمور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل، ثم لا يكون اختيارك إياهم على فراستك، واستنامتك وحسن الظنّ منك، فإن الرجال يتعرّضون لفراسات الولاة بتصنيعهم «1» وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العمامة أثرا، وأعرفهم بالأمانة وجها، فإن ذلك دليل على النصيحة «2» لله ولمن ولّيت أمره. واجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها ولا يتشتّت عليه كثيرها، ومهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته. ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيرا: المقيم منهم، والمضطرب بماله والمترفّق ببدنه، فإنهم موادّ المنافع، وأسباب المرافق، وجلّابها من المباعد والمطارح، في برّك وبحرك، وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس إلى مواضعها، ولا يجترئون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته، وصلح لا تخشى غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، وشحا «3» قبيحا، واحتكارا للمنافع، وتحكما في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامّة، وعيب على الولاة، فامنع الاحتكار فإنّ رسول الله عليه السلام منع منه؛ وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين: من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه، فنكّل به وعاقب في غير إسراف. ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين و [أهل] البؤسى والزّمنى، فإن في هذه الطبقة قانعا ومعتّرا، فاحفظ الله ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 استحفظك من حقّه فيهم، واجعل لهم قسما من بيت مالك، وقسما من غلّات صوافي الاسلام في كلّ بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى، وكلّ قد استرعيت حقه، فلا يشغلك عنهم نظر، فإنك لا تعذر بتضييع التافه لإحكامك الكثير المهمّ، ولا يشخص همّك عنهم، ولا تصعّر خدّك لهم، وتفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال، ففرّغ لأولئك ثقتك «1» من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكلّ فأعذر إلى الله في تأدية حقّه إليه. وتعهد أهل اليتم وذوي الرقّة في السنّ ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه، وذلك على الولاة ثقيل، والحقّ كلّه ثقيل، وقد يخفّفه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم. واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه نفسك، وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلّمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله عليه السلام يقول في غير موطن «2» : «لن تقدّس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متعتع» ، ثم احتمل الخرق منهم والعيّ، ونحّ عنك «3» الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته، وأعط ما أعطيت هنيئا، وامنع في إجمال وإعذار. ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها: منها إجابة عمّالك بما يعي «4» عنه كتّابك، ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك مما تخرج به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 صدور أعوانك، وأمض لكلّ يوم عمله، فإنّ لكل يوم ما فيه، واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله «1» أفضل تلك المواقيت وأجزل تلك الأقسام، وإن كانت كلها لله، إذا صلحت فيها النية، وسلمت منها الرعية، وليكن في خاصّة ما تخلص به لله دينك: إقامة فرائضه التي هي له خاصة، فاعط لله من بدنك في «2» ليلك ونهارك، ووفّ ما تقرّبت به إلى الله من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ، وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكوننّ منقّرا ولا مضيّعا، فإن في الناس من به العلّة وله الحاجة. وقد سألت رسول الله عليه السلام حين وجّهني إلى اليمن: كيف أصلّي بهم؟ فقال: صلّ بهم كصلاة أضعفهم، وكن بالمؤمنين رحيما. وأما بعد هذا فلا يطولنّ احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير، ويقبح الحسن ويحسن القبيح، ويشاب الحقّ بالباطل، وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على الحقّ سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، وإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحقّ ففيم احتجابك من واجب حقّ تعطيه، أو فعل كرم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا يئسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة. ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف، فاحسم مؤونة «3» أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال، ولا تقطعنّ لأحد من حاشيتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وحامّتك قطيعة، ولا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة. وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك وخواصك حيث وقع، وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإن مغبّة ذلك محمودة. وإن ظنّت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك، واعدل عنك ظنونك باصحارك فإن في ذلك [رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك و] «1» إعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحقّ. ولا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوك، لله فيه رضى، فإن في الصلح دعة لجنودك، وراحة لهمومك، وأمنا لبلادك، ولكن أحذر كل الحذر من عدوّك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفّل، فخذ بالحزم، واتّهم في ذلك حسن الظنّ. وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمّة فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمّتك بالأمانة، واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشدّ عليه اجتماعا مع تفرّق أهوائهم وتشتيت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرنّ بذمّتك، ولا تخيسنّ بعهدك، ولا تختلنّ عدوّك، فإنه لا يجترىء على الله إلا جاهل شقيّ. وقد جعل الله عهده وذمّته أمنا قضاه «2» بين العباد برحمته، وحرما «3» يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره، فلا إدغال ولا مخالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل، ولا تعوّلنّ على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ولا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب «1» انفساخه بغير الحقّ، فإنّ صبرك في ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن يحيط بك فيه من الله طلبة لا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك. إياك والدماء وسفكها بغير حقّها، فإنه ليس شيء أدعى لنقمة، ولا أعظم تبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير حقّها، والله سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء بغير حقها «2» يوم القيامة، فلا تقوينّ سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لأنّ فيه قود البدن، فإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو يدك بعقوبة، فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة، فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقّهم. وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها، وحبّ الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن. وإياك والمنّ على رعيتك بإحسانك، أو التزيّد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلف، فإن المنّ يبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور الحقّ، والخلف يوجب المقت عند الله والناس؛ قال الله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (الصف: 3) . إياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التثبّط «3» فيها عند إمكانها، واللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كلّ أمر موضعه، وأوقع كلّ عمل موقعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة، والتغابي عما تعنى به مما قد وضح لعيون الناظرين، فإنه مأخوذ منك لغيرك، وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، وينتصف منك للمظلوم. املك حميّة أنفك، وسورة حدّك، وسطوة يدك، وغرب لسانك، واحترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة وتأخير السّطوة، حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك. والواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن تقدّمك من حكومة عادلة، أو سنّة فاضلة، أو أثر عن النبي عليه السلام أو فريضة في كتاب الله، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها، وتجتهد لنفسك في اتّباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، واستوثقت به من الحجّة لنفسي عليك، لكيلا يكون لك علة عند تسرّع نفسك إلى هواها. ومن هذا العهد، وهو آخره: وأنا أسأل الله بسعة رحمته، وعظيم قدرته على إعطاء كلّ رغبة أن يوفّقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه، مع حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر في البلاد، وتمام النعمة وتضعيف الكرامة، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة، إنا إليه راغبون «1» . [844]- قال بعض العباسيين: كلمت المأمون في امرأة خطبتها، وسألته النظر إليها فقال: يا أبا فلان [من] قصتها وحالها وفعلها، فو الله إن زال يصفها ويصف أحوالها حتى بهتّ.   [844] ربيع الأبرار: 371/أوالبيهقي: 144. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 [845]- ورفع رجل رقعة «1» يسأله إجراء الرزق، فقال له: كم عيالك؟ فزاد في العدد، فلم يوقّع، ثم كتب إليه في السنة التالية فصدق فوقّع. [846]- أبو الفتح «2» البستي: [من البسيط] إذا غدا ملك باللهو مشتغلا ... فاحكم على ملكه بالويل والحرب ألم تر الشمس في الميزان هابطة ... لما غدا برج نجم اللهو والطرب [847]- قال عبد الله بن الحكم: إنه قد يضطغن على السلطان رجلان: رجل أحسن في محسنين فأثيبوا وحرم، ورجل أساء في مسيئين فعوقب وعفي عنهم، فينبغي للسلطان أن يحترز منهما. [848]- كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا. [849]- وكان زياد إذا أغضبه رجل حبسه ثلاثة أيام ثم دعا به، فإن رأى عقوبة عاقبه وقال: إنما منعني من عقوبته أول يوم مخافة أن أكون عاقبته للغضب. فإن لم ير عقوبة خلّى سبيله.   [845] ربيع الأبرار: 371/أوالبيهقي: 145. [846] اليتيمة 4، 315 والتمثيل والمحاضرة: 190. [847] العقد 1: 27 وأصل هذا في كليلة ودمنة: 92 وانظر كتاب الآداب: 25. [848] المستطرف 1: 192. [849] أنساب الأشراف 4/1: 275 وبهجة المجالس 1: 347 ونسب هذا الفعل الى عمر بن عبد العزيز في عيون الأخبار 1: 89 وفي محاضرات الأبرار 2: 253. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 [850]- قيل لبعض المجوس: ما أحكم شيء في كتابكم: قال: نحتك الحجارة بغير فأس وإذابتك الحديد [بغير نار أهون من رياضة مستصعب قد جفا عن التقويم] . [851]- قيل: كانت الملوك تختار لرسائلها العاقل الجميل الوجه. [852]- قيل لحكيم: أيّ الرسل أنجح؟ قال: الذي له جمال وعقل. [853]- وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا أبردتم إليّ بريدا فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم.   [850] ورد في ربيع الأبرار 1: 513 وما بين معقفين زيادة منه. [852] نثر الدر 4: 56 وربيع الأبرار: 133/أوالبصائر 1: 139 ونسب لارسطاطاليس في منتخب صوان الحكمة: 147 والكلم الروحانية: 77. [853] اللآلىء المصنوعة 1: 113 ومجمع الزوائد 8: 47 وبهجة المجالس 1، 277 والعقد 2: 1، 3 ونثر الدر 1: 176 ومجموعة ورام 1: 29 وربيع الأبرار 133/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 الفصل الثالث سياسة الوزراء والكتّاب وأتباع السلطان في خدمة ولاتهم وآداب نفوسهم [854]- قالوا: من صحب الملوك «1» وقرب منهم، ينبغي أن يكون جامعا للخلال المحمودة، فأولها: العقل فإنه رأس الفضائل، والعلم فإنه من ثمار العقل ولا تليق صحبة الملوك «2» بأهل الجهل؛ والودّ فإنه خلق من اخلاق النفس يولّده العدل في الإنسان لذوي ودّه، والنصيحة وهي تابعة للودّ وهو الذي يبعث عليها؛ والوفاء فإنه شيمة لا تتمّ الصحبة إلا بها، وحفظ السرّ وهو من صدق الوفاء، والعفة عن الشهوات والأموال، والصرامة وهي شدّة القلب، فإن الملوك لا يجوز أن يصحبهم أولو النكول ولا ينال الجسيم من الأمور إلّا الشجاع النّجد؛ والصدق فإنه من لا يصدق يكذّب، ومضرّة الكذب لا تتلافى؛ وحسن الزيّ والهيئة فإن ذلك يزيد في بهاء الملك، والبشر في اللقاء فإنه يتألّف به قلب من يلاقيه وفي الكلوح تنفير عن غير ريبة، والأمانة فيما يستحفظ، ورعاية الحق فيما يستودع، والعدل والانصاف فإن العدل يصلح السرائر ويجمّل الظواهر، وبه يخاصم الإنسان نفسه إذا دعته إلى أمر لا يحسن ركوبه. وينبغي له أن يجانب أضداد هذه الخلال، وألا يكون حسودا فإن   [854] بعضه مأخوذ من الأدب الكبير: 44 (62) وهو قوله: «وينبغي لمن يصحب السلطان أن يأخذ لعمله ... الخ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الحسد يفسد ما بينه وبين الناس، وليفرّق بين الحسد والمنافسة فإنهما يشتبهان على من لا يعقل، وأن يخلو من اللجاج والمحك، فإن ذلك يضرّ بالأفعال إذا وقع فيها اشتراك، وأن لا يكون بذّاخا ولا متكبرا فإن البذخ من دلائل سقوط النفس، والكبر من دواعي المقت، وأن لا يكون حريصا فإن الحرص من ضيق النّفس وشدة الطيش والبعد عن الصبر، وينبغي أن لا يكون فدما وخما ولا ثقيل الروح، فإنها صفة لا تليق بمن يلاقي الملوك وأبدا تكون سببا للمقت من غير جرم. وبالجملة فالفضائل والأخلاق المحمودة كثيرة، وأولى الناس بطلب غاياتها الملوك كما هم الغاية، ثم أتباعهم، ثم سائر الرعية. وينبغي «1» لمن يصحب السلطان أن يأخذ لعمله من جميع شغله: فيأخذ من طعامه وشرابه ونومه وحديثه ولهوه ونسائه، لا كما يفعل الأغمار الجهّال بخدمة السلطان فإن أحدهم كلّما ازداد عملا نقص من ساعات نصبه وعمله فزادها في ساعات دعته وشهوته وعبثه. [855]- قالوا: (1) ولتكن حاجتك في الولاية إلى ثلاث خصال: رضى ربك، ورضى سلطانك، ورضى صالح من تلي عليه، ولا عليك أن تلهى «2» عن المال والذّكر فسيأتيك منهما ما يكفي ويطيب، فاجعل هذه الخصال بمكان ما لا بدّ منه، واجعل المال والذكر بمكان ما أنت واجد منه بدا، ولا تحدثنّ لك صحبة السلطان والاستئناس به غفلة ولا تهاونا.   [855] هذا النصّ مأخوذ من الأدب الكبير لابن المقفع، وابن حمدون ينقل غير مراع للترتيب المتسلسل، ولهذا آثرت تقسيم النصّ الى فقرات مرقمة وتخريج كل فقرة (وقارن بالحكمة الخالدة 293- 327 فقد استوعب هذا الكتاب الأدب الكبير، ولا حاجة هنا إلى إثبات ذلك دائما) . 1 الأدب الكبير: 45 ونثر الدر 4: 86 (ما عدا قوله: ولا تحدثن ... ولا تهاونا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 (2) وإذا رأيت السلطان يجعلك أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزده. (3) وإن استطعت أن تجعل صحبتك منهم لمن قد عرفك قبل ولايته بصالح مروءتك فافعل، فإن الوالي لا علم له بالناس إلا ما كان علم قبل ولايته، فأما إذا ولي فكلّ الناس يحرص على أن يلقاه بالتزيين والتصنّع له، وكلهم يحتال لأن يثنى عليه عنده بما ليس فيه، غير أنّ الأنذال والأرذال أشدّ له تصنّعا وعليه مثابرة وفيه تمحلا، فلا يمتنع الوالي وإن كان بليغ الرأي والنظر من أن ينزل عنده كثير من الأشرار بمنزلة الأخيار، وكثير من الخونة بمنزلة الأمناء، وكثير من الغدرة بمنزلة الأوفياء، ويغطّى عنه كثير من أهل الفضل الذين يصونون أنفسهم عن التصنّع والتمحّل. (4) إذا نزلت من الوالي بمنزلة الثقة فاعتزل عنده كلام الملق، ولا تكثر الدعاء له في كل كلمة، فإن ذلك يشبه حال الوحشة والغربة، إلا أن تكلّمه على رؤوس الناس فلا تأل عما وقّره وعظّمه. (5) إذا أردت أن يقبل قولك فصحّح رأيك ولا تشوبنّه بشيء من الهوى، فإن الرأي يقبله منك العدوّ، والهوى يردّه عليك الصديق. (6) تبصّر ما في الوالي من الأخلاق التي تحبّ وتكره وترضى ولا   . (2) الأدب الكبير: 54 ونثر الدر 4: 81 والحكمة الخالدة: 299 وتحفة الوزراء: 26 والأسد والغواص: 58 وكتاب الآداب: 28 والمستطرف 1: 89 وقارن بقول لابن المعتز في الوافي بالوفيات 17: 451. (3) الأدب الكبير: 55. (4) الأدب الكبير: 65 والبصائر 4: 224 وبهجة المجالس 1: 324 وشرح النهج 17: 76 ونهاية الأرب 6: 143 وما بعدها. (5) الأدب الكبير: 56. (6) الأدب الكبير: 56- 57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 ترضى له، ولا تكابره بالتحويل عما يحبّ ويكره إلى ما تحبّ وتكره فإنها رياضة صعبة قد تحمل على الإباء والقلى، وقلما يقدر على ردّ رجل بالمكابرة والمناقصة وإن لم يكن جمح به عزّ سلطان فكيف إذا جمح به، ولكن تعينه على أحسن رأيه وتزيّنه وتقوّيه عليه، فإذا قويت المحاسن كانت هي التي تكف «1» المساوىء، وإذا استحكمت منها ناحية من الصواب كان ذلك الصواب هو الذي يبصره مواقع الخطايا بألطف من تبصيرك وأعدل من حكمك في نفسه، فإنّ الصواب في يده يؤيّد بعضه بعضا ويدعو بعضه إلى بعض، وإذا كنت له مكابرا لحقك الخطر ولم تبلغ ما تريد. (7) لا يكن طلبك ما عند السلطان بالمسألة، ولا تستبطئه وإن أبطأ، ولكن اطلب ما عنده بالاستحقاق له والاستيناء به، وإن طالت الأناة «2» ، فإنك إذا استحققته أتاك من غير طلب، وإن لم تستبطئه كان أعجل له، ولا تخبرنّ الوالي أنّ لك عليه حقا وأنك تعتدّ عليه ببلاء «3» ، وإن استطعت أن تنسى حقّك وبلاءك فافعل، وليكن ما تذكره به تجديدك له النصيحة والاجتهاد وألا يزال ينظر منك إلى آخر يذكّره الأول، فإن السلطان إذا انقطع عنه الآخر نسي الأول، وإن أرحامهم منقطعة وحبالهم منصرمة إلا من رضوا عنه في يومهم وساعتهم. (8) اعلم أن أكثر الناس عدوا وزير السلطان ذو المكانة عنده لأنه منفوس عليه مكانه كما ينفس على الملك ملكه، ومحسود كما يحسد عليه، غير أنه يجترأ عليه ولا يجترأ على الملك، لأن حسّاده أحبّاء الملك الذين   . (7) الأدب الكبير: 57. (8) الأدب الكبير: 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 يشاركونه في المداخل والمنازل، وهم حضور، وليسوا كعدوّ الملك النائي عنه المكتّم لعداوته، فهم لا يغفلون عن نصب الحبائل له، فالبس لهؤلاء الأعداء سلاح الصحة والاستقامة ولزوم الحجّة فيما تسرّ وتعلن، ثم روّح عن قلبك كأن لا عدوّ لك ولا حاسد. (9) جانب «1» المسخوط عليه والمظنون به عند السلطان، ولا يجمعنّك وإياه مجلس ولا منزل، ولا تظهرنّ له عذرا ولا تثنينّ عليه خيرا، فإذا رأبته قد بلغ في الإعتاب مما سخط عليه ما ترجو أن تلين له الوالي [فضع عذره عند الوالي] «2» واعمل في إرضائه [عنه] بالرفق واللطف. (10) إذا أصبت الجاه عند الوالي وكانت لك خاصة منزلة فلا يحدثنّ لك تغيرا على أهله وأعوانه واستغناء عنهم، فإنك لا تدري متى ترى أدنى جفوة فتذلّ لهم، وفي تلوّن الحال في ذلك من العار ما فيه. (11) إن استطعت أن تعرّف صاحبك أنك تنحله صواب رأيك فضلا عن صوابه فتسند ذلك إليه وتزيّنه به فافعل، فإن الذي أنت بذلك آخذ أفضل من الذي أنت به معط. (12) إذا سأل الوالي غيرك فلا تكن أنت مجيبا فإن استلابك الكلام خفّة منك واستخفاف بالمسؤول والسائل، فما أنت قائل إن قال لك السائل: ما إياك سألنا، أو قال المسؤول عند المسألة تعارضه فيها: دونك فأجب. وإذا عمّ السائل بمسألة الجلساء فلا تسابقهم بالجواب،   . (9) الأدب الكبير: 60. (10) الأدب الكبير: 61. (11) الأدب الكبير: 62. (12) الأدب الكبير: 62 ونهاية الأرب 6: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 ولا تواثب الكلام، فإن في ذلك مع الشّين والتكلّف والخفة أنك إذا سابقتهم إلى الجواب صار كلامك خصما فتعقّبوه بالعيب والطعن، وإذا لم تعجل بالجواب وخلّيته للقوم اعترضت كلامهم على قلبك، ثم تدبّرته وفكّرت فيما عندك ثم هيأت من تفكّرت ومحاسن ما سمعت جوابا رضيّا، ثم استدبرت به أقاويلهم حين تصيخ إليك الأسماع وتهدأ عنك الخصوم، فإن لم يبلغك الكلام واكتفي بغيرك وانقطع الحديث قبل ذلك، فلا يكوننّ من الغبن عند نفسك فوت ما فاتك من الجواب، فإن صيانة القول خير من سوء موضعه، وإن كلمة واحدة من الصواب تصيب بها فرصتها وموضعها [خير من مائة كلمة تقولها في غير فرصها ومواضعها] مع أن كلام العجلة والمبادرة موكّل به الزلل والعثار وسوء القرين «1» ، وإن ظنّ صاحبه أنه قد أتقن وأحكم. (13) إذا كلّمك الوالي فأصغ لكلامه، ولا تشغل طرفك عنه بالنظر، ولا أطرافك بالعمل، ولا قلبك بحديث النفس، وتعهّد ذلك واحذره من نفسك. (14) وارفق بنظرائك من وزراء السلطان ودخلائه فاتّخذهم أعوانا «2» ولا تتخذهم أعداء، ولا تنافسهم في الكلمة يتقربون بها والعمل يؤمرون به، فإنما أنت في ذلك أحد رجلين: إما أن يكون عندك فضل على ما عند غيرك فسوف تبدي ذلك ويحتاج إليك أو يلتمس منك وأنت محمود «3» ، وإما أن لا يكون ذلك عندك، فما أنت مصيب من حاجتك عندهم بمقاربتك وملاينتك، وما أنت واجد في موافقتك إياهم ولينك لهم   . (13) الأدب الكبير: 63. (14) الأدب الكبير: 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 من موافقتهم إياك ولينهم لك أفضل مما أنت مدرك بالمنافسة والمنافرة «1» لهم. (15) اعلم أنّ السلطان يقبل من الوزراء التبخيل ويعدّه منهم شفقة ونظرا، ويحمدهم عليه وإن كان جوادا، فإن كنت مبخّلا غششت صاحبك بفساد مروءته، وإن كنت مسخّيا لم تأمن إضرار ذلك بمنزلتك، فالرأي لك تصحيح النصيحة والتماس المخرج بأن لا يعرف منك ميلا إلى شيء من هواك. (16) لا تكونن صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة نفسك على طاعتهم في المكروه وموافقتهم فيما خالفك من ذلك، وتزيين الأمور على أهوائهم دون هواك، وعلى أن لا تكتمهم سرّك، ولا تستطلع ما كتموك، وتخفي ما أطلعوك عليه عن الناس كلّهم، حتى تحمي نفسك الحديث به، وعلى الاجتهاد في رضاهم والتلطّف بحاجتهم، والتثبيت لحجّتهم، والتصديق لمقالتهم، والتزيين لرأيهم، وقلة الاستقباح لما فعلوا إذا أساءوا، وكثرة الاستحسان لما فعلوا إذا أحسنوا، وكثرة النشر لمحاسنهم، وحسن الستر لمساوئهم، والمقاربة لما قاربوا وان كانوا بعداء، والمباعدة لمن باعدوا وإن كانوا قرباء، والاهتمام بأمرهم وإن لم يهتمّوا به، والتحفّظ له وإن ضيعوه، والذكر له وإن نسوه، والتخفيف عنهم لمؤونتك، والاحتمال لمؤونتهم، والرضى منهم بالعفو، وقلة الرضى من نفسك لهم بالمجهود. (17) إنك لا تأمن أنف الملوك إن أعلمتهم، ولا تأمن عقوبتهم إن كتمتهم. إنك إن لزمتهم لا تأمن برمهم، وإن زايلتهم لم تأمن قلّة   . (15) الأدب الكبير: 68 ونهاية الأرب 6: 11. (16) الأدب الكبير: 69 وشرح النهج 17: 76. (17) الأدب الكبير: 70. 22 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 تفقّدهم «1» . إنك إن استأمرتهم حملت الأمور «2» عليهم، وإن قطعت الأمر دونهم لم تأمن فيه مخالفتهم. إنك لا تأمن أمرهم إن صدقتهم، ولا تأمنهم إن كذبتهم. كن حافظا إن ولوك «3» ، حذرا «4» إن قرّبوك، أمينا إن ائتمنوك، وعلّمهم كأنك تتعلّم منهم، وأدّبهم كأنهم أدبوك، واشكرهم ولا تكلّفهم الشكر؛ كن بصيرا بأهوائهم مؤثرا لمنافعهم، ذليلا إن ضاموك «5» ، راضيا إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كلّ البعد، والحذر كلّ الحذر. وهذه جملة من كلام القدماء هي أدب لأتباع الملوك على اختلاف طبقاتهم، ولا حاجة بنا إلى تخصيص كلّ طائفة بما ينبغي لها «6» فعله وتوخّيه، ويجب عليها تركه وتنحيته، فإن الأدب والسياسة يشترك فيهما أصل الحسّ ثم يأخذ كلّ منهما بمقدار حظّه من الولاية، ولو أوردنا ذلك لخرج عن معنى هذا الكتاب، ولكان مصنّفا مخصوصا به فيحتمل حينئذ التحبيس والتفريع. وسنذكر من كلام الخلفاء وملوك الاسلام، وما أخذوه على أتباعهم، ورسموه لهم ما يكمل به المقصود إن شاء الله. [856] وقد قالت القدماء: إن وجدت عن صحبة السلطان غنى فأغن نفسك عنه واعتزله جهدك، فإن من يأخذ للسلطان بحقّه يحل بينه وبين لذّة الدنيا وعمل الآخرة، ومن لا يأخذ بحقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة.   [856] الأدب الكبير: 69- 70 (والحكمة الخالدة: 309) ونهاية الأرب 6: 150 وشرح النهج 17: 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 [857]- قال علي بن أبي طالب عليه السلام: صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه. [858]- وقال زياد بن أبيه يوما لاصحابه: من أنعم الناس عيشا؟ قالوا: الأمير قال: قولوا، قالوا: الأمير وأصحابه- قال: كلّا إن لأعواد المنبر لفزعة، وإن لقعقعة لجام البريد لروعة، ولكنّ أنعم الناس رجل لا نعرفه ولا يعرفنا، له صنعة تمونه فإنا إن عرفناه أسهرنا ليله وأتعبنا نهاره. [859]- وقال حكيم «1» : إنما يستطيع عمل السلطان وصحبتهم رجلان: إما رجل فاجر ينال حاجته بفجوره ويسلم بمصانعته، وإما رجل مهين مغفّل لا يحسده أحد، فأما من أراد صحبتهم بالصدق والنصيحة والعفاف لا يخلط ذلك بمصانعة، فقلّ ما يستتمّ له صحبتهم، فانه يجتمع عليه عدوّ السلطان وصديقه بالبغي والعداوة والحسد، أما صديق السلطان فينافسه، وأما عدوّ السلطان فيضطغن عليه نصيحته وغناه عنه، فإذا اجتمع هذان الصنفان عليه كان يتعرّض للهلاك.   [857] نهج البلاغة: 521 (رقم: 263) وربيع الابرار: 376 ب والعقد 3: 201 ونثر الدر 4: 81 وعيون الاخبار 1: 21 مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهابه الناس وهو لمركبه أهيب (لابن المقفع) وبهجة المجالس 1: 353 (دون نسبة) وقوانين الوزارة: 170 وكتاب الآداب: 29 والأسد والغواص: 58 والمرادي: 125 ومفيد العلوم: 158 وفقر الحكماء: 276 والتمثيل والمحاضرة: 131 والمستطرف 1: 90 وزهر الآداب: 675 وتحسين القبيح: 90. [858] عيون الأخبار 1: 264 والعقد 1: 83، 200 وقارن بقول منسوب إلى الاسكندر في ربيع الأبرار: 370/أالسعيد من لا يعرفنا ولا نعرفه فانا إذا عرفناه أطلنا يومه وأطرنا نومه؛ وأخبار القضاة 2: 118 وغرر الخصائص: 468 والبصائر 1: 309 ومنتخب صوان الحكمة: 165 وانظر مطالع البدور 1: 12 حيث نسب القول للمأمون. [859] كليلة ودمنة: 291. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 [860]- وقيل: ثلاثة لا يستطيعها أحد إلا بمعونة وارتفاع همة، وعظيم خطر: صحبة الملوك، وتجارة الماء، ومناجزة العدوّ. [861]- وقيل: إن ابتليت بصحبة وال لا يريد صلاح رعيته، فاعلم أنّك قد خيّرت بين خلّتين ليس فيهما خيار: إما الميل مع الوالي على الرعية فهذا هلاك الدين، وإما الميل مع الرعية على الوالي فهذا هلاك الدنيا، ولا حيلة لك في ذلك إلا الهرب أو الموت، ولا ينبغي لك، وإن كان الوالي غير مرضيّ السيرة إذا علقت حبائلك حبائله إلا المحافظة عليه، إلا أن تجد إلى الفراق الجميل سبيلا. [862]- وقال أفلاطون: إذا ثقل على الرئيس الوعظ، ولجّ في ترك الانقياد للناصح، وآثر التفويض، واحتقر العدوّ فاطلب الخلاص منه. [863]- وقال: ينبغي للعاقل أن يكون مع سلطانه كراكب البحر، إن سلم من الغرق لم يسلم من الفرق. فأما ما جاءت به الأمثال والأخبار من الخوف على أتباع السلطان، والتحذير من ممالأته والنهي عن العمل معه، مما لو تكلفناه لأراد كتابا مفردا، وقد جاء بعض ذلك في الباب الأول. وهذا بيّن واضح لأنّ الشريعة جاءت برفض الدنيا والتقلل منها والاكتفاء بما يزوّد للآخرة، والتحوّب مما تكون به التبعات ولا شيء أدعى إلى ذلك من خدمة السلطان لا سيما في هذا الأوان. [864]- وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّا إذا أمّرنا رجلا وفرضنا له رزقا فما   [860] كليلة ودمنة: 88 وكتاب النمر والثعلب: 165 (16) ومحاضرات الراغب 1: 444 وقارن بما في محاضرات الراغب 2: 703 وأمثال الماوردي: 96 ب والبصائر 4: 218. [861] الأدب الكبير: 56 (والحكمة الخالدة: 300) ونثر الدر 4: 86. [862] مختار الحكم: 171 ولباب الآداب: 455. [863] مختار الحكم: 138 والكلم الروحانية: 16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 أصاب من شيء بعد كان غلولا. [865]- وفي حديث آخر: من ولي لنا شيئا فلم يكن له امرأة فليتزوج، ومن لم يكن له مسكن فليتّخذ مسكنا، ومن لم يكن له مركب فليتّخذ مركبا، ومن لم يكن له خادم فليتخذ خادما، فمن أعدّ سوى ذلك جاء يوم القيامة غالّا سارقا. [866]- ولعليّ عليه السلام من كتاب إلى بعض عماله «1» : أما بعد فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين، وأقمع به نخوة الأثيم، وأشدّ به لهاة الثغر المخوف، فاستعن بالله على ما أهمّك، واخلط الشدّة بضغث من اللّين، وارفق ما كان الرفق أوفق، واعتزم بالشدّة حين لا يغني عنك إلا الشدة، واخفض للرعية جناحك، وألن لهم جانبك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة والاشارة والتحية حتى لا يطمع الأقوياء في حيفك ولا ييأس الضّعفاء من عدلك. [867]- ومن كلام الحكماء: للكاتب على الملك ثلاث: رفع الحجاب عنه، واتهام الوشاة عليه، وإفشاء السرّ إليه. [868]- وقال أبرويز لكاتبه: اكتم السرّ، واصدق الحديث واجتهد في النصيحة، واحترس بالحذر فإنّ لك عليّ ألا أعجل بك حتى أستأني لك، ولا أقبل عليك قولا حتى أستيقن، ولا أطمع فيك فتغتال. لا «2» تدعنّ أن ترفع إليّ الصغير فإنّه يدلّ على الكبير. هذّب أمورك ثم القني بها، وأحكم لسانك   [866] نهج البلاغة: 420- 421. [867] عيون الأخبار: 1: 44 (ونسبه الى المنصور) ونثر الدر 4: 81 وشرح النهج 17: 79. [868] عيون الأخبار 1: 45 وشرح النهج 17: 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ثمّ راجعني به. لا تجترئنّ عليّ فأمتعض، ولا تنقبض عنّي فأتّهم، ولا تمرّض بما تلقاني ولا تجحدنّه، وإذا أفكرت فلا تعجل، وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعن بالفضول فإنّها علاوة على الكفاية، ولا تقصّرنّ عن التحقيق عن التحقيق فإنها هجنة بالمقالة، ولا تلبّسنّ كلاما بكلام ولا تباعدنّ معنى عن معنى. وللكتّاب آداب تخصّهم ليس هذا موضعها، ومكانهم من العلوم والسياسة وحسن التدبير وأصالة الرأي ووضع الأشياء مواضعها، أجلّ من أن ينبّه عليه، هذا إذا كان فيهم أدوات الكتابة وشروطها، فأمّا من تجمّل بالاسم دون المعنى فخارج عن هذا الإطراء. [869]- وقد قال حكيم لبنيه: يا بنيّ تزيّوا بزيّ الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السوقة. [870]- وقد ذكرهم عبد الحميد بن يحيى مولى العلاء بن وهب العامري في رسالة له يوصيهم فيها بمحاسن الأفعال، نحن نقتصر عليها في وصفهم وما ينبغي لهم أن يتأدبوا به، أولها: أما بعد، حفظكم الله يا أهل هذه الصناعة «1» ، فإنّ الله تعالى جعل الناس من بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم جميعا، وبعد الملوك المكرّمين شرفا، وصرّفهم في صنوف الصناعات التي منها سبب معاشهم، فجعلكم معشر الكتاب في أشرفها صناعة، أهل الأدب والمروءة والحلم والرويّة، وذوي الأخطار والهمة وسعة الذّرع في الإفضال   [869] عيون الأخبار 1: 46 والبصائر 1: 428 (لسهل بن هارون) ونثر الدر 4: 68 والعقد 4: 171، 179 وبهجة المجالس 1: 358؛ وفي لباب الآداب: 229 أبو السمراء: قال لنا أبي ... وانظر الريحان والريعان 1: 98. [870] رسائل البلغاء: 222- 226 والجهشياري: 73- 79 وصبح الأعشى 1: 85- 89 (وفي النص هنا بعض اختلافات وتفاوت في ترتيب الفقرات) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 والصّلة، بكم ينتظم الملك، وبتدبيركم وسياستكم يصلح الله سلطانهم ويجمع فيئهم ويعمر بلدانهم، يحتاج إليكم الملك في عظيم ملكه، والوالي في سنيّ قدره، فموقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بضوئها ينظرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون. أنتم إذا آلت الأمور إلى موئلها وصارت إلى محاصلها ثقاتهم دون أهليهم وأولادهم وقراباتهم ونصائحهم، فأمتعكم الله بما خصّكم من فضل «1» صناعتكم، ولا نزع عنكم سربال النعمة عليكم، وليس أحد من أهل الصناعات كلّها أحوج إلى اجتماع خلال الخير المحمودة، وخصال الفضل المذكورة والمعدودة منكم. أيها الكتّاب؛ إنكم على ما سبق به الكتّاب من سنتكم، فإنّ الكاتب يحتاج من نفسه، ويحتاج من صاحبه الذي يثق به في مهمّات أموره إلى أن يكون حليما في موضع الحلم، حكيما في موضع الحكمة، مقداما في موضع الإقدام، محجما في موضع الإحجام، ليّنا في موضع اللين، شديدا في موضع الشدّة، مؤثرا للعفاف والعدل والإنصاف، كتوما للأسرار، وفيّا عند الشدائد، عالما بما يأتي ويذر، ويضع الأمور مواضعها، وقد نظر في كلّ صنف من صنوف العلم فأحكمه، وإن لم يحكمه شدا منه شدوا يكتفي به، يكاد يعرف بغريزة عقله وحسن أدبه وفضل تجربته ما يرد عليه قبل وروده، وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدره، فيعدّ لكلّ أمر عدّته ويهيّىء له أهبته. فتنافسوا معشر الكتّاب في صنوف العلم والأدب وتفقهوا في الدين وابدأوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربية فإنها ثقاف ألسنتكم، وأجيدوا الخطّ فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار واعرفوا معانيها وغريبها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها، فإنّ ذلك معين لكم على ما تسمون إليه بهممكم، ولا يضعفنّ نظركم في الحساب فإنه قوام كتّاب الخراج منكم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وارغبوا بأنفسكم عن المطامع سنيّها ودنيّها، ومسافّ الأمور ومحاقرها فإنها مذلّة للرقاب مفسدة للكتاب، ونزّهوا صناعتكم واربأوا بأنفسكم عن السعاية والنميمة، وما فيه أهل الجهالة «1» والدناءة. إيّاكم والكبر [والصلف] والعظمة فإنها عداوة مجتلبة بغير إحنة، وتحابّوا في الله عز وجل في صناعتكم، وتواصوا عليها فإنها شيم أهل الفضل والنبل من سلفكم. وإن نبا الزمان برجل منكم، فاعطفوا عليه وواسوه حتى يرجع إليه حاله، فإن أقعد الكبر أحدكم عن مكسبه ولقاء إخوانه فزوروه وعظّموه وشاوروه، واستظهروا بفضل تجربته وقديم معرفته، وليكن الرجل منكم على من اصطنعه واستظهر به ليوم حاجته إليه أحدب وأحوط منه على أخيه وولده، وإن عرضت مذمّة فليحملها من دونه، وليحذر السّقط والزلّة والملال عند تغيّر الحال، فإنّ العيب إليكم معشر الكتاب أسرع منه إلى المرآة «2» ، وهو لكم أفسد منه [لها] . وابذلوا وفّقكم الله ذلك من أنفسكم في الرخاء والشدة، والاحسان والاساءة، والغضب والرضى، والسّرّاء والضّراء، والحرمان والمواساة، فنعمت «3» هذه السمة لمن يوسم بها من أهل هذه الصناعة الشريفة. وإذا ولي الرجل منكم أو صيّر إليه من أمور خلق الله وعياله أمر فليراقب الله تعالى ذكره، وليؤثر طاعته فيه، وليكن على الضعيف رفيقا وللمظلوم منصفا، فإن الخلق عيال الله، وأحبّهم إليه أرفقهم على عياله، وليكن بالحقّ عالما، وللأشراف مكرما، وللفيء موفّرا، وللبلاد عامرا، وللرعيّة متألّفا، وليكن في مجلسه متواضعا حليما لينا، وفي استجلاب خراجه واستقضاء حقّه رفيقا إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وإذا صحب أحدكم الرجل فليستشفّ خلائقه كما يستشفّ الثوب يشتريه لنفسه، وإذا عرف حسنها وقبيحها أعانه «1» على ما يوافقه من الحسن، واحتال لصرفه عما يهوى من القبيح بألطف حيلة وأحسن مداراة ورفقة، فقد عرفتم أن سائس البهيمة إذا كان حاذقا بسياستها التمس معرفة أخلاقها، فإن كانت رموحا اتّقاها من قبل رجلها، وإن كانت جموحا لم يهجها إذا ركبها، وإذا كانت شبوبا توقّاها من ناحية يدها، وإن خاف منها عضاضا توقّاها من تلقاء رأسها، وإن كانت حرونا لم يلاحها بل يتبع هواها في طريقها، وإذا استمرّت عطفها فسلس عليه قيادها، وفي هذا الوصف من سائس البهيمة [في] رفق سياسته «2» دليل وأدب لمن ساس الناس وعاملهم وخدمهم وصحبهم، والكاتب بفضل أدبه وشريف صناعته ولطف حيلته ومعاملته من الناس لمن يحاوره ويناظره ويفهم عنه ويخاف سطوته أولى بالرفق «3» بصاحبه ومداراته وتقويم أوده من سائس البهيمة التي لا تحير جوابا، ولا تعرف خطأ ولا صوابا، إلّا بقدر ما يصيّرها إليه سائسها أو صاحبها الراكب. فأدقّوا «4» رحمكم الله في ذلك النظر، وأعملوا فيه الروية والفكر، تأمنوا ممن صحبتموه- بإذن الله- النبوة والاستثقال والجفوة، ويصر منكم إلى الموافقة، وتصيروا منه إلى المواساة والشفقة، إن شاء الله. ولا يجوزنّ «5» الرجل منكم في هيئة مجلسه وملبسه ومركبه ومطعمه ومشربه وبنائه وخدمه وغير ذلك من فنون «6» أمره قدر صناعته، فإنّكم مع ما فضّلكم الله به من شرف صناعتكم خدمة لا تحتملون في خدمتكم على التقصير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وخزّان وحفظة لا يحتمل منكم التضييع والتبذير، واستعينوا على عفافكم بالقصد في كلّ ما عدا عليكم، فنعم العون عونكم على صيانة دينكم، وحفظ أمانتكم وصلاح معاشكم. واحذروا متالف السّرف وسوء عاقبة التّرف، فإنّهما يعقبان الفقر، ويذلّان الرقاب، ويفضحان أهليهما، ولا سيّما الكتاب. والأمور أشباه وبعضها دليل على بعض، فاستدلّوا على مؤتنف عملكم بما سبقت إليه تجربتكم، ثم اسلكوا من مسالك التدبير أوضحها محجّة، وأرجحها «1» حجّة، وأحمدها عاقبة. واعلموا أن للتدبير آفة وضدا واقعا لا يجتمعان في أحد أبدا، وهو الوصف المشغل لصاحبه عن إنفاذ عمله ورويّته، فليقصد الرجل منكم في مجلس تدبيره قصد الكافي في منطقه، وليوجز في ابتدائه، وليأخذ بمجامع حججه، فإنّ ذلك مصلحة لعقله، ومحجّة لذهنه، ومدفعة للتشاغل عن إكثاره، وإن لم يكن الاكثار عادة، ثم وضع وضعه في ابتداء كتاب أو جواب لحاجة فلا بأس؛ ولا يدعونّ الرجل صنيع الله جلّ ذكره في أمره وتأييده إياه بتوفيقه، إلى العجب المضرّ بدينه وعقله وأدبه، فإنّه إن ظنّ منكم ظانّ، أو قال قائل، إنّ ذلك الصّنع لفضل حيلة، وأصالة رأي وحسن تدبير كان متعرضا «2» لأن يكله الله تعالى إلى نفسه، فيصير بها إلى غير كاف. ولا يقل أحد منكم إنه آدب وأعقل وأحمل لعبء التدبير والعمل من أخيه في صناعته، فإنّ أعقل الرجلين عند ذوي الألباب القائل إنّ صاحبه أعقل منه، وأحمقكم الذي يرى أنه أعقل من صاحبه، لعجب هذا بنفسه، ونبذ ذلك العجب وراء ظهره إذ كان الآفة العظمى من آفات عقله. ولكن قد يلزم الرجل أن يعرف فضل الله عزّ وجلّ من [غير] عجب، ويحمده بالتواضع لعظمته، وأنا أقول في آخر كتابي هذا وغبر كلامه بعد الذي فيه من ذكر الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 عز وجل فلذلك جعلته آخره وختمته به: تولّانا الله وإياكم معشر الكتاب بما يتولّى من سبق عمله في إسعاده وإرشاده، فإنّ ذلك إليه وبيده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فأما القضاء والمظالم فمن أكبر أسباب السلطان، ومتوليها أعلى منزلة من أعوانه، وكتب الفقه أولى مكان لذلك. [871]- وقد كتب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري كتابا يمثّل به أدب القضاء نحن نقتصر عليه: أما بعد فإنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنّه لا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له، وآس بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حقّك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح بين المؤمنين جائز إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا. لا يمنعك قضاء قضيته اليوم، فراجعت فيه عقلك وهديت فيه رشدك أن ترجع إلى الحق، فإنّ الحقّ قديم، ومراجعة الحقّ خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنّة، ثم اعرف الأمثال والأشباه فقس الأمور عند ذلك [بنظائرها] ، واعمد إلى أقربها إلى الله عز وجل وأشبهها بالحقّ، واجعل لمن ادّعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقّه، وإلّا استحالت عليه القضية، فإنّه أخفى للشكّ وأجلى للعمى. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلّا مجلودا في حدّ أو مجرّبا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو نسب، فإنّ الله عزّ وجلّ تولّى منكم السرائر ودرأ بالبينات والأيمان. وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات، فإنّ الحقّ في مواطن الحقّ يعظّم الله به الأجر ويحسن به   [871] البيان والتبيين 2: 48- 50 وعيون الأخبار 1: 66 والكامل للمبرد 1: 14 والعقد 1: 86 ونثر الدر 2: 24- 25 وأخبار القضاة 1: 70- 73 ورونق التحبير، الورقة: 18/أ (مخطوطة الرباط/ د: 1182) ولقاح الخواطر: 9 ب (وفيه تفسير ألفاظه) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الذخر، فمن صحّت نيته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلّق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله [فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته؟] . [872]- قال الزهري: ثلاث إذا كنّ في القاضي فليس بقاض، إذا كره اللوائم، وأحبّ المحامد، وكره العزل. [873]- وقال ابن وهب: إذا لم يكن في القاضي ثلاث خصال فليس بقاض: يشاور إن كان عالما، ولا يسمع شكيّة من أحد إلا ومعه خصمه، ويقضي إذا علم. [874]- عزل عمر بن عبد العزيز قاضيا فقال له: لم عزلتني؟ قال: بلغني أنّ كلامك أكثر من كلام الخصمين. [875]- قال الاسكندر لصاحب حرسه: إنّك مستودع روحي فاحفظ هذه المنزلة لنفسك وعقبك، وقال لحاجبه: إنك مالك وجهي فانف قذاه أبصر لك. وقال لطبّاخه: إنك مسلّط على مروءتي فاجتهد أحمدك، وقال لكاتبه: إنك مصرّف عقلي فاحفظني بك. وقال لنديمه: إنك روضة أنسي فاحذر القبيح والدّخول تدم نزهي فيك واستراحتي إليك، والسلام. [876]- كان الفضل بن الربيع يقول: المسألة عن حال الملوك من تحيّة النوكى، فإذا أردت أن تقول للملك كيف أصبحت، فقل: صبّحك الله   [872] محاضرات الراغب 1: 194 وعيون الأخبار 1: 65 وأخبار القضاة 1: 80. [873] عيون الأخبار 1: 65 وأخبار القضاة 1: 80 ونثر الدر 5: 45. [874] محاضرات الراغب 1: 194 وبهجة المجالس 1: 61 وربيع الأبرار: 315 ب ونثر الدر 2: 118 وشرح النهج 17: 64. [876] البيان والتبيين 2: 275، 286، وعيون الأخبار 1: 22 والعقد 2: 124، 460 والجهشياري: 294 والتمثيل والمحاضرة: 142 ونثر الدر 4: 82 ونزهة الظرفاء: 5 ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 بالخير، وإذا أردت أن تقول كيف تجدك، فقل: أنزل الله عليك الشفاء والرحمة، فإنك إذا قلت: كيف تجدك؟ فإما أجابك فقد ألزمته مؤونة الجواب، وإما سكت عنك وذاك شديد على من يعقل. وكان الفضل هذا سديدا عاقلا ومتصرفا بخدمة الملوك، قال له المهديّ: إنّي قد ولّيتك ستر وجهي وكشفه، فلا تجعل الستر بيني وبين خواصّي سبب ضغنهم عليّ بقبح ردّك وعبوس وجهك، وقدّم أبناء الدولة فإنّهم أولى بالتقديم، وثنّ بالأولياء، واجعل للعامّة وقتا إذا وصلوا فيه أعجلهم ضيقه من التلبّث وحثّك لهم عن التمكّث. [877]- قال الفضل بن سهل لحاجبه: إنك تسمع مني السرّ والعلانية، وربما ذكرت الرجل، فأسأت ذكره، فلا ترينّ ذلك قليلا ولا تتغيرنّ له بما سمعت، فلعلّ ذلك غاية عقوبتي إياه. [878]- وقال زياد لحاجبه: يا عجلان إني ولّيتك هذا الباب، وعزلتك عن أربع، عزلتك عن هذا المنادي إذا دعا إلى الصلاة، فلا سبيل لك عليه، وعن طارق الليل فشرّ ما جاء به، ولو جاء بخير ما كنت من حاجته. وعن رسول صاحب الثّغر فإنّ إبطاء ساعة يفسد تدبير سنة، وعن هذا الطباخ إذا فرغ من طعامه. [879]- قال الحجاج: دلّوني على رجل أولّيه الشرطة؟ فقيل له: أيّ الرجال تريد؟ فقال: أريده دائم العبوس، طويل الجلوس، سمين الأمانة، أعجف الخيانة، لا يحنق في الحقّ على جرّة، ويهون عليه سبال الأشراف في الشفاعة، فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي، فأرسل إليه   [878] رسائل الجاحظ 2: 36 والكامل 1: 258 والعقد 1: 71 ونثر الدر 5: 50 ومحاضرات الراغب: 1: 205 والجوهر النفيس: 34 ب- 35/أولقاح الخواطر: 22/أ. [879] عيون الأخبار 1: 16 ومحاضرات الراغب 1: 165 وزهر الآداب 1006- 1007. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 فاستعمله. قال: لست أقبلها إلّا أن تكفيني عيالك وولدك وحاشيتك. فقال: يا غلام من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمّة. قال الشعبي: فلا والله ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله، كان لا يحبس إلّا في الدّين، وكان إذا أتي برجل قاتل بحديد أو شهر سلاحا قطع يده، وإذا أتي بنبّاش قبر حفر له قبرا فدفنه فيه، فإذا أتي برجل قد احرق على قوم منازلهم أحرقه، وإذا أتي برجل يشكّ فيه وقد قيل إنه لصّ ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائه سوط، فربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد، فضمّ إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة. [880]- وتحدّث المأمون فضحك إسحاق بن إبراهيم المصعبي، فقال: يا إسحاق أؤهّلك لشرطتي وتفتح فاك من الضحك؟! خذوا سواده وسيفه، ثم قال: أنت بالشرابيّ أشبه، فضعوا منديلا على عاتقه، فقال إسحاق: أقلني يا أمير المؤمنين، قال: قد أقلتك؛ فما ضحك إسحاق بعدها. وكتب عليّ عليه السلام كتبا إلى عماله في الحروب والصدقات وغيرها، ووصّى فأوقفهم فيها على سبيل الهداية، وبصّرهم من تيه العماية، يحصل بالوقوف عليها التأدب المغني عن التمثيل بغيرها: [881]- فمنها ما وصّى به معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام مقدمة له: اتّق الله الذي لا بدّ لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، ولا تقاتلنّ إلّا من قاتلك، وسر البردين، وغوّر الناس، ورفّه في السير، ولا تسر أول الليل فإنّ الله جعله سكنا، وقدره مقاما [لا ظعنا] فأرح فيه بدنك، وروّح ظهرك، فإذا وقفت حتى فجر الصبح «1» فسر على بركة الله، فإذا رأيت   [880] نثر الدر 3: 43 ومحاضرات الراغب 1: 283 والشهب اللامعة: 79. [881] نهج البلاغة: 372. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 العدوّ فقف في أصحابك وسطا، ولا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد بهم تباعد من يهاب البأس حتى يأتيك أمري، ولا يحملنكم شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم. [882]- وكتب إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكّة: أما بعد فأقم للناس الحجّ، وذكّرهم بأيام الله عزّ وجلّ، واجلس لهم العصرين، فأفت المستفتي، وعلّم الجاهل، وذاكر العالم، ولا يكن لك إلى الناس سفير إلّا لسانك، ولا حاجب إلا وجهك، ولا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها فإنها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها. وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيبا به مواضع المفاقر والخلّات، وما فضل «1» عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا، ومر أهل مكة ألا يأخذوا من ساكن أجرا، فإنّ الله تعالى يقول: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ (الحج: 25) ، فالعاكف المقيم به، والبادي الذي يحجّ إليه من غير أهله، وفّقنا الله وإياك لمحابّه والسلام. [883]- وقال لزياد وقد استخلفه لعبد الله بن العباس على فارس وأعمالها، في كلام طويل كان بينهما نهاه فيه عن تقديم الخراج: استعمل العدل واحذر العسف والحيف، فالعسف يعود بالجلاء والحيف يدعو إلى السيف. [884]- ومن كلام له كان يوصي به المصدقين: انطلق على تقوى الله عزّ وجلّ، فاذا قدمت على الحيّ فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض اليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج بالتحية، ثم   [882] نهج البلاغة: 457. [883] نهج البلاغة: 559. [884] نهج البلاغة: 380 وبعض هذه الوصية في ربيع الابرار: 245/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 تقول: عباد الله، أرسلني إليكم وليّ الله وخليفته لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدوه؟ فإن قال قائل [لا] فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه، فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة، وإن كانت له ماشية أو إبل، فلا تدخلها إلا باذنه، فإن أكثرها له، فإذا أتيتها فلا تدخلها دخول متسلّط عليها ولا عنيف به. ولا تنفرنّ بهيمة ولا تفزّعها، ولا تسوءنّ صاحبها فيها، واصدع المال صدعين ثم خيّره، فإذا اختار فلا تعترض لما اختار، فلا تزال بذلك «1» حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله في ماله، فاقبض حقّ الله منه، فإن استقالك فأقله «2» ثم اخلطها، ثم اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حقّ الله في ماله، ولا تأخذنّ عودا ولا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عور «3» ، ولا تأمننّ عليها إلا من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتى توصله إلى وليّهم فيقسمه بينهم، ولا توكّل بها إلا ناصحا شفيقا وأمينا حفيظا غير معنف ولا مجحف، ولا ملغب «4» ولا متعب، ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيّره حيث أمر الله به، فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه الا يحول بين ناقة وفصيلها، ولا يمصر بلبنها فيضرّ ذلك بولدها، ولا يجهدها ركوبا، وليعدل بين صواحباتها وبينها في ذلك، وليرفّه على اللاغب وليستأن بالنّقب والظالع، وليوردها ما تمرّ به من الغدر، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرق، وليروّحها في الساعات، وليمهلها عند النّطاف والأعشاب، حتى تأتينا بها باذن الله بدّنا منقيات غير متعبات ولا مجهودات لنقسمها على كتاب الله وسنّة نبيه صلّى الله عليه، فإنّ ذلك أعظم لأجرك، وأقرب لرشدك، إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 [885]- قال معاوية لعامل له: كل قليلا تعمل طويلا، والزم العفاف يلزمك العمل، وإياك والرّشا يشتدّ ظهرك عند الخصام. [886]- وقال البحتري يذكر ولاية الحسن بن مخلد: [من الكامل المجزوء] . ولي السياسة واسطا ... بين التسهل والتشدّد كالسيف يقطع وهو مس ... لول ويرهب وهو مغمد [887]- ومن الكلام البديع فيما يوصّى به أتباع السلطان ما وصّى به الرشيد الأصمعيّ في أول ما عزم على تأنيسه. قال له: يا عبد الملك، أنت أحفظ منّا ونحن أعقل منك، لا تعلّمنا في ملاء، ولا تسرع إلى تذكيرنا في خلاء، واتركنا حتى نبتدئك بالسؤال، فإذا بلغت من الجواب قدر استحقاقه فلا تزد، وإياك والبدار إلى تصديقنا، أو شدة العجب بما يكون منّا، وعلّمنا من العلم ما نحتاج إليه على عتبات المنابر وفي أعطاف «1» الخطب وفواصل المخاطبات، ودعنا من رواية حوشيّ الكلام وغرائب الأشعار، وإياك وإطالة الحديث إلّا أن يستدعى ذلك، ومتى رأيتنا صادفين عن الحقّ فأرجعنا إليه ما استطعت، من غير «2» تقرير بالخطأ ولا إضجار بطول الترداد. قال الأصمعي: أنا إلى حفظ هذا الكلام أحوج منّي إلى كثير من البر.   [885] عيون الأخبار 1: 60 (ونسبه لبعض السلاطين) وبهجة المجالس 2: 252 (لمعاوية يخاطب سفيان بن عوف) ونثر الدر 3: 4 وفيه 4: 78 من أكل قليلا عمل طويلا. [886] ديوان البحتري: 606. [887] أدب الدنيا والدين: 91 والشريشي 5: 215 ونثر الدر 3: 37 ولقاح الخواطر: 30 ب. 23 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 [888]- وقال عتبة بن أبي سفيان لمعلّم ولده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاح نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنته والقبيح عندهم ما استقبحته. علّمهم كتاب الله تعالى، وروّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفّه، ولا تكرههم على علم فيملّوه، ولا تخرجهم من علم إلى علم فإنّ ازدحام العلم في السمع مضلّة للفهم، وعلّمهم سير الحكماء، وهدّدهم بي، وأدّبهم دوني، ولا تتكل على عذر منّي، فإنّي أتّكل على كفاية منك. [889]- قال سهل بن هارون: ليس يواظب على باب السلطان أحد فيلقي عنه الأنف، ويحتمل الأذى، ويكظم الغيظ، ويرفق بالناس، إلّا خلص إلى حاجته. [890]- وقيل إنه رأى أبا يوسف القاضي على باب الرشيد والشمس تنقله من ظل ظلّ، فقال له: أمثلك مع علمك وفضلك تقف هذا الموقف؟ فأنشد: [من الطويل] . أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ... ولا تكرم النفس التي لا تهينها [891]- قال ابن عباس: قال لي أبي: يا بنّي إني أرى أمير المؤمنين عمر يستخليك ويستشيرك ويقدّمك على كثير من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإني أوصيك بخلال ثلاث: لا تفشينّ له سرّا، ولا يجرّبنّ عليك كذبا، ولا   [888] البيان والتبيين 2: 73 وعيون الاخبار 2: 166 والعقد 2: 436 ونثر الدر 3: 59 وربيع الأبرار 1: 523 ونور القبس: 187 ومحاضرات الراغب 1: 53 والشريشي 5: 214. [889] ورد هذا القول في كتاب النمر والثعلب: 166 وقارن بما في عيون الاخبار 1: 19 (دون نسبة) وشرح النهج 17: 93 والعقد 1: 69 ومحاضرات الراغب 1: 192. [890] ورد البيت في بهجة المجالس 1: 365 (لأعرابي) وكذلك في البيان والتبيين 2: 189. [891] قد مرّ هذا تحت رقم: 190 وتخريجه هنالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 تغتابنّ عنده أحدا. قال الشعبي قلت لابن عباس: كلّ واحدة منها خير من ألف. قال: أي والله ومن عشرة آلاف. [892]- وقال القدماء: إقبال السلطان تعب وإعراضه مذلّة. [893]- وقال آخر: السلطان إذا أرضيته أتعبك وإذا أغضبته أعطبك. [894]- قال الفضل بن سهل: من أحبّ المنزلة عند سلطانه فليكفه، ومن أحبّ المزيد من النّعم فليشكر. [895]- قال أحمد بن أبي خالد للمأمون لما همّ أن يستوزره: اجعل بيني وبين العامّة منزلة يرجوها الصديق ويخافها العدو، فما بعد الغايات الا الآفات. [896]- نفذ أبو عبيد الله كاتب المهديّ الى جعفر بن محمد رضي الله عنهما رسولا وكتابا منه يقول: حاجتي إلى أن تهدي إليّ من تبصيرك على مداراة الناس والسلطان، وتدبير أمري كحاجتي إلى دعائك لي. فقال لرسوله: احذر أن يعرفك السلطان بالطّعن عليه في اختيار الكفاة، وإن أخطأ في اختيارهم، أو مصافاة من يباعد منهم، وإن قربت الأواصر بينك وبينه، فإنّ الأولى تغريه بك والأخرى توحشه منك، ولكن بتوسّط الحالين. واكفف عن عيب من   [892] نثر الدر 4: 80 (لابن المقفع) والأسد والغواص: 47 احذر صحبة السلطان فان اقباله ... الخ. [893] نثر الدر 4: 80. [894] المحاسن والأضداد: 24: «من أحب الازدياد من النعم فليشكر ومن أحب المنزلة فليكف ومن أحب بقاء عزه فليسقط دالته ومكره» ونثر الدر: 45 وقارن بقول للحسن بن سهل في لباب الآداب: 20 «من أحب الازدياد من النعم فليشكر ومن أحب المنزلة عند السلطان فليعظه، ومن أحب بقاء عزه فليتواضع، ومن أحب السلامة فليدم الحذر» . [895] محاضرات الراغب 1: 450 وتحسين القبيح: 87 ومطالع البدور 2: 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 اصطفوا والإمساك عن تقريظهم عنده، ومخالطة من أقصوا والتّنائي عن تقريبهم، وإذا كدت فتأنّ في مكايدتك، واعلم أنّ من عنف بحيلته كدحت فيه بأكثر من كدحها في عدوّه، ومن صحب حيلته بالصبر والرفق كان قمنا أن يبلغ بها إرادته وينفذ فيها مكايده. واعلم أنّ لكلّ شيء حدا فإن جاوزه كان سرفا، وإن قصّر عنه كان عجزا. فلا تبلغ بك نصيحة السلطان إلى أن تعادي له حاشيته وخاصته فإن ذلك ليس من حقه عليك، ولكنّ الأقضى لحقّه والأدعى إلى السلامة إليك أن تستصلحهم له جهدك، فإنّك إذا فعلت ذلك شكرت نعمته وأمنت حجّته وطلت عدوّك عنده. واعلم أن عدوّ سلطانك عليك أعظم مؤونة منه عليك، وذلك أنه يكيده في الأخصّ فالأخصّ من كفاته وأعوانه، فيحصي مثالبهم ويتبع آثارهم. وهذا الكلام أكثر معانيه قد سبق إيرادها في أماكن متفرقة من هذا الفصل، إلا أني وجدته هاهنا أحوى وأوجز وأبلغ فلزمني إثباته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الفصل الرابع الآداب والسياسة التي تصلح للجمهور [897]- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنبّه على مواضع آداب النفس وبيّن ما هو جملة للتفصيل الذي أكثر فيه الناس: لا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا حزم كالتقوى، ولا قرين كحسن الخلق، ولا ميزان كالأدب، ولا فائدة كالتوفيق، ولا تجارة كالعمل الصالح، ولا ربح كثواب الله، ولا ورع كالوقوف عند الشّبهة، ولا زهد كالتّزهّد في الحرام، ولا علم كالتفكر، ولا عبادة كأداء الفرائض، ولا إيمان كالحياء والصبر، ولا حسب كالتواضع، ولا شرف كالعلم، ولا مظاهرة كالمشاورة، فاحفظ الرأس وما حوى، والبطنّ وما وعى، واذكر الموت وطول البلى. [897 ب]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: اغد عالما أو متعلما أو مجيبا أو سائلا، ولا تكن الخامس فتهلك.   [897] نثر الدر 1: 171 والبصائر 1: 13 وبعضه في الشهاب: 28 (اللباب: 148) ونسب في نهج البلاغة: 488 لعلي، وورد في مجموعة ورام 1: 84 دون نسبة، وورد بعضه في بهجة المجالس 1: 523 منسوبا لعليّ، وانظر أمثال الماوردي: 55 ب، 104 ب، والأدب الصغير: 35 والعقد 2: 254. [897 ب] أخرجه البيهقي في الشعب وابن عبد البر من حديث عطاء بن مسلم الخفاف وهو عند الطبراني، وينسب أحيانا الى ابن مسعود أو أبي الدرداء؛ انظر المقاصد الحسنة: 68 وكشف الخفا 1: 167 ونثر الدر 1: 174 ومجمع الزوائد 1: 122 والخصال: 123 ونسب للقمان في عيون الاخبار 2: 119 وربيع الأبرار: 274/أولعلي في أدب الدنيا والدين: 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 [898]- وقال عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوّته. [899]- ومن كلامه صلّى الله عليه وسلّم: العارية مؤدّاة والمنحة مردودة. الدين مقضيّ به. الزعيم غارم. وهذا الكلام مخرجه مخرج الخبر والمراد به الأمر. [900]- ومن كلامه صلّى الله عليه وسلّم: (1) من يزرع الشرّ يحصد ندامة. (2) من مشى منكم إلى طمع فليمش رويدا. (3) ثق بالناس رويدا. (4) دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. (5) إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث. (6) مداراة الناس صدقة. (7) الاقتصاد نصف العيش وحسن الخلق نصف الدين.   [898] نثر الدر 1: 171- 172 والشهاب: 17 (اللباب: 96) . [899] رواه أبو داود عن أبي أمامة ورواه الترمذي وحسّنه؛ انظر كشف الخفا 2: 67. [900] هذه مجموعة من الأحاديث واليك تخريجها: 1- نثر الدر 1: 167 والترغيب والترهيب 3: 242. 4- نثر الدر 1: 161 وسنن الدارمي وسنن الترمذي والايجاز والاعجاز: 7 وقد ورد من قبل رقم: 62 (5) - ارشاد الساري 9: 58 وصحيح مسلم: 1985 وكشف الخفا 1: 324 واللباب: 167 وهو متفق عليه، (6) - كشف الخفا 2: 262 والشهاب: 5 (اللباب: 17) والعزلة: 119 ومحاضرات الراغب 1: 277 وأمثال الماوردي: 49 ب ولباب الآداب: 320 (7) - كشف الخفا 1: 179 والشهاب: 4 (اللباب: 7) بلفظ التدبير نصف العيش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 (8) لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك. (9) لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا. (10) عليكم بالرفق فإنه ما خالط شيئا إلا زانه، ولا فارقه إلّا شانه. (11) ترك الشرّ صدقة. (12) إياك وما يعتذر منه. وما أكثر ما تحت هذه الكلمة الوجيزة من المعاني. [901]- ومن كلامه صلّى الله عليه وسلّم: لو أنّ ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت. إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فإنّ ذلك يحزنه. [902]- قال أنس: توفي رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقيل له: أبشر بالجنّة، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أفلا تدرون فلعلّه تكلّم بما لا يعنيه أو بخل بما لا ينفعه. (8) - كشف الخفا 2: 479 ورواه الترمذي والطبراني عن واثلة مرفوعا والشهاب: 30 (اللباب: 159) (9) - اللباب: 162 وربيع الابرار 1: 469 (10) - كشف الخفا 2: 92 ورواه البخاري في الأدب عن عائشة وكذلك مسلم. (11) كشف الخفا 1: 360. 12 كشف الخفا 1: 325 والشهاب: 31 (اللباب: 166) والايجاز والاعجاز: 7 وورد في بهجة المجالس للأحنف (1: 484) ونسب في نثر الدر 7: 41 (رقم: 78) لا نوشروان وانظر غرر الخصائص: 375 والفاضل: 17 والعقد 2: 444 ومرّ من قبل في رقم: 23 (26) .   [901] قوله «لو أن ابن آدم ... » في كشف الخفا 2: 200 رواه أبو نعيم وفي سنده ضعف، وأخرجه ابن عساكر عن أبي الدرداء، وقوله: «إذا كنتم ثلاثة ... » في البخاري (استئذان: 47) ومسلم (سلام: 37، 38) والترمذي (أدب: 59) وابن ماجه (أدب: 50) ومسند أحمد 1: 431، 460، 462، 464، 2: 9، 43، 45، 430، 438. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 [903]- ومن كلامه صلّى الله عليه وسلّم: من كنوز البرّ كتمان المرض والمصايب والصدقة. [904]- وقد روي عن سفيان ألفاظ تقارب هذه، قال: ثلاثة من الصبر: لا تحدّث بمصيبتك، ولا يوجعك، ولا تزكّ نفسك. [905]- وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: بكثرة الصمت تكون الهيبة، وبالنّصفة يكثر المواصلون لك، وبالافضال تعظم الأقدار، وبالتواضع تتمّ النعمة، وباحتمال المؤن يكون السؤدد، وبالسيرة العادلة تقهر المساوىء، وبالحلم عن السفيه يكثر الأنصار عليه. [906]- وقال أيضا: من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن تفهّم علم. [907]- ومن كلامه عليه السلام: اتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهنّ على حذر، ولا تطيعوهنّ في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر. من ترك القصد جار. وله عليه السلام أيضا آداب كثيرة مأثورة من هذا الباب سنذكرها متفرقة فيه إن شاء الله تعالى.   [903] محاضرات الراغب 2: 451 والعقد 3: 204 ونثر الدر 4: 62 وقارن بأنس المحزون: 28/أوببرد الأكباد: 125. [905] نهج البلاغة: 508 وقوله «بكثرة الصمت تكون الهيبة» في ربيع الابرار 1: 782 والمجتنى: 59. [906] نهج البلاغة: 506 وبعضه في أدب الدنيا والدين: 122 وأمثال الماوردي: 52/أولباب الآداب: 19 (لحكيم) . [907] نهج البلاغة: 106 والبصائر 3: 517 وبهجة المجالس 2: 33 (لعمر) وهو للقمان في الف باء 1: 396 ونثر الدر 7: 10 (رقم: 70) والعقد 3: 152 ومختار الحكم: 275؛ وقوله «من ترك القصد جار» مقتبس من موضع آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 [908]- قال محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط عن اللئيم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط. [909]- قيل: عشر خصال في عشرة أصناف من الناس أقبح منها في غيرهم: الضيق في الملوك، والغدر في الأشراف، والكذب في القضاة، والخديعة في العلماء، والغضب في الأبرار، والحرص في الأغنياء، والسّفه في الشيوخ، والمرض في الأطبّاء، والتهزي في الفقراء، والفخر في القرّاء. [910]- قال أكثم بن صيفي فيما وصّى به أهله: تناءوا في الديار، وتواصلوا في المزار. [911]- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما استودع الله عبدا عقلا إلا استنقذه به يوما ما. [912]- وقال علي عليه السلام لابنه الحسن: يا بنيّ، احفظ عنّي   [908] حلية الأولياء 9: 122 وصفة الصفوة 2: 143 وعيون الاخبار 1: 329 ومحاضرات الراغب 2: 19 (لأكثم) ونثر الدر 4: 67 وقارن بربيع الأبرار 1: 776. [909] البيان والتبيين 3: 246، 4: 96 ومحاضرات الراغب 2: 705 ونثر الدر 4: 63 وقارن بكتاب الآداب: 54 حيث جعلها ست خصال، وهي أربع في التمثيل والمحاضرة: 472 وبرد الأكباد: 129 والمستطرف 1: 156 وخمس في بهجة المجالس 2: 138 ومحاضرات الأبرار 1: 445 والجوهر النفيس: 48 والنمر والثعلب: 105 (76) . [910] البيان والتبيين 3: 255 وقارن بقول له في البيان 2: 70 والعقد 2: 326 تباعدوا في الدار وتقاربوا في المودة. [911] روضة العقلاء 18 (عن حاتم بن اسماعيل) ونثر الدر 1: 168 وربيع الابرار: 254/أونسب للحسن البصري في أدب الدنيا والدين: 19 والعقد 2: 247 وانظر البصائر 7 رقم: 816 وقوانين الوزارة: 238. [912] نهج البلاغة: 475 ولباب الآداب: 11 وقوله «اياك ومصاحبة الأحمق ... » في البيان والتبيين 2: 103 وربيع الأبرار 1: 493 ونسب في البيان 4: 96 لعمر بن الخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 أربعا، وأربعا لا يضرّك ما عملت معهنّ: إنّ أغنى الغنى العقل، وأفقر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق. يا بنيّ إياك ومصاحبة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرك، ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فإنّه يبيعك بالتافه، وإياك ومصادقة الكذّاب فإنه كالسّراب يقرّب عليك البعيد ويبعد عنك القريب. [913]- وكان الحسن بن أبي الحسن يقول: لسان العاقل من وراء قلبه فإذا عرض له القول نظر فإن كان صوابا قال، وإلّا أمسك، ولسان الأحمق أمام قلبه فإذا عرض له القول قال له أو عليه. وقد روي هذا الكلام أو قريب منه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام. [914]- وسئل الحسن عن العاقل فقال: العاقل من اتّقى الله تعالى وتمسك بطاعته. قال له رجل: فمعاوية؟ قال: تلك الشيطنة، تلك الفرعنة، ثم قال: ذلك شبيه بالعقل. [915]- وسمع سفيان الثوري رجلا في مجلسه يقول: كان معاوية عاقلا، فقال: العقل لزوم الحقّ وقول الصدق. [916]- وقيل لعلي عليه السلام: صف لنا العاقل؛ فقال: يضع   [913] الكامل 1: 389 والعقد 2: 240 والكامل للمبرد 2: 44 وقارن بروضة العقلاء: 47 ومحاضرات الراغب: 1: 70 وشرح النهج 7: 90 وأصل هذا الكلام في نهج البلاغة: 476 وقد مرّ تحت رقم: 137 ونسب للحسن في بهجة المجالس 1: 86 ومحاضرات الراغب 1: 70 وقارن بلباب الآداب: 270 حيث أورد حديثا للرسول في هذا المعنى؛ وقد نسب للرسول في مجموعة ورام 1: 106 (لسان المؤمن ... ) وأدب الدنيا والدين: 287 ولباب الآداب: 270 وقارن أيضا بلباب الآداب: 15 ومختار الحكم: 334 والعقد 2: 240 والمرادي: 165. [916] نهج البلاغة: 510 وربيع الابرار: 256/أ (وفي النسخة سقط) والمستطرف 1: 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الشيء مواضعه. فقيل فصف لنا الجاهل، فقال: قد فعلت (يعني أنه لا يضع الشيء مواضعه) . [917]- ومن كلامه: كفاك من عقلك ما أوضح لك سبيل غيك من رشدك. [918]- وقال عليّ كرم الله وجهه: الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك. [919]- وقيل: ظنّ العاقل كهانة. [920]- وقال جعفر بن محمد: كلّ الأشياء تحتاج إلى العقل إلا شيئا واحدا. قيل: ما هو؟ قال: الدول. [921]- وأنشد الخليل: [من الطويل] . إذا كمّل الرحمن للمرء عقله ... فقد كملت أخلاقه وضرائبه يزين الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محظورا عليه مكاسبه ويزري به في الناس قلة عقله ... وإن كرمت أعراقه ومناسبه يعيش الفتى بالعقل في الناس إنه ... على العقل يجري علمه وتجاربه [922]- من كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم: البلاء موكّل بالمنطق. من خزن   [917] نهج البلاغة: 550 والمجتنى: 84 ولباب الآداب: 429 والامتاع والمؤانسة 2: 152. [918] نهج البلاغة: 551. [919] العقد 2: 244 والتمثيل والمحاضرة: 427 وفقر الحكماء: 219 (لسقراط) وبهجة المجالس 1: 419 (ويروى لمعاوية) . [921] انظر روضة العقلاء: 17 (دون نسبة) والعقد 2: 252- 253 وأدب الدنيا والدين: 20 (لابراهيم بن حسان) وغرر الخصائص: 86. [922] قوله «البلاء موكل بالمنطق» في كشف الخفا 1: 343 والشهاب: 8 (اللباب: 41) . والجامع الصغير 1: 128 والمقاصد الحسنة: 147 والمقاصد الحسنة: 147 وقوله: «من خزن لسانه» في نثر الدر 1: 168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 لسانه رفع الله شانه. [923]- وقال عليّ عليه السلام: الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فربّ كلمة سلبت نعمة [وجلبت نقمة] . [924]- وقد قال أيضا: لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل. [925]- وقال محمد بن المنكدر: لأن أسمع أحبّ إليّ من أن أتكلم، لأنّ المستمع يتنقّى والمتكلم يتوقّى. [926]- وقيل لرجل من كلب طويل الصمت: بحقّ ما سميتم خرس العرب؟ فقال: أسكت لأسلم وأستمع فأغنم. [927]- وقال الحسن بن علي: قد أكثر من الهيبة الصامت. [928]- وقال أبو بكر بن عياش: اجتمع أربعة ملوك: ملك فارس   [923] نهج البلاغة: 543 ونسب جانب منه لأعرابي في بهجة المجالس 1: 79 وجاء دون نسبة في ربيع الأبرار 1: 781. [924] نهج البلاغة: 558 وربيع الأبرار 1: 784. [925] محاضرات الراغب 1: 71. [926] ربيع الأبرار 1: 764 وأخبار أبي تمام: 258 وبعضه في البيان والتبيين 1: 194، 270 ومحاضرات الراغب 1: 71 وديوان المعاني 1: 149 ونثر الدر 6: 15 والحكمة الخالدة: 139 وشرح النهج 7: 90 والأجوبة المسكتة رقم: 961. [927] قد مرّ مثله لعلي «بكثرة الصمت تكون الهيبة» وانظر ربيع الابرار 1: 782. [928] عيون الاخبار 2: 179 ونور القبس: 61- 62 وربيع الأبرار 1: 781 وحلية الاولياء 8: 170 وبهجة المجالس 1: 80 وزهر الآداب: 984 والبيهقي: 395 وكتاب الآداب: 49 والجوهر النفيس 38 ومحاضرات الأبرار 2: 308 ومختار الحكم: 299 وتسهيل النظر: 59 والمحاسن والاضداد: 17 والتمثيل والمحاضرة: 426 والمستطرف 1: 82 والشهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وملك الروم وملك الهند وملك الصين، فتكلّموا بأربع كلمات كأنما رمي بها عن قوس واحدة، فقال أحدهم: أنا على قول ما لم أقل أقدر منّي على ردّ ما قلت. وقال آخر: الكلمة إذا قلتها ملكتني وإذا لم أقلها ملكتها. وقال الآخر: لم أندم على ما لم أقل وقد أندم على ما قلت. وقال الآخر: عجبت لمن يتكلم بالكلمة إن رفعت عليه ضرّته، وإن لم ترفع عليه لم تنفعه. ومنه قول الشاعر: [من الرجز] . والقول لا تملكه إذا نمى ... كالسهم لا يملكه رام رمى وقال الآخر: [من الطويل] . فداويته بالحلم والمرء قادر ... على نفسه ما دام في كفّه السّهم وإلى هذا ذهب عامر الشعبي حيث يقول: وإنك على إيقاع ما لم توقع أقدر منك على ردّ ما أوقعت. وقال الخطفى جدّ جرير: [من الطويل] . عجبت لازراء العييّ بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالقول أعلما وفي الصّمت ستر للعيي وإنما ... صحيفة لبّ المرء أن يتكلما وقال أبو نواس: [الرمل المجزوء] .   - اللامعة: 61 والرجز: «والقول لا تملكه ... » في البيان والتبيين 3: 203 ومعه البيت التالي: «فداويته بالحلم ... » وقول الشعبي أيضا، وانظر الرجز والبيت في بهجة المجالس 1: 79؛ أما بيتا جرير فقد وردا في البيان والتبيين 1: 220 ومجموعة المعاني: 169 منسوبين إلى حذيفة الخطفى جد جرير وفي العقد 2: 266 للحسن بن جعفر ووردا في عيون الأخبار 1: 175 ومعجم الأدباء 1: 90 وبهجة المجالس 1: 62 (دون نسبة) ؛ وبيتا أبي نواس في البيان 2: 79، 199 والعقد 2: 473 ولباب الآداب: 274، 276 وبهجة المجالس: 85 وديوانه: 985 وأدب الدنيا والدين: 299 وكتاب الآداب: 109 وغرر الخصائص: 181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام ربما استفتحت بالنّط ... ق مغاليق الحمام [929]- وقال ابن عباس رحمه الله: الهوى إله معبود، وقرأ: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ (الجاثية: 23) . ويكفي من ذمّ الهوى قوله عز وجل: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (النازعات: 40) . [930]- ومن كلام جعفر بن محمد عليهما السلام: الهوى يقظان والحزم نائم. [931]- وقال عمرو بن العاص لمعاوية: من أصبر الناس؟ قال: من كان رأيه رادّا لهواه. [932]- وقال أعرابي: الهوى الهوان ولكن غلط باسمه.   [929] قارن بمحاضرات الراغب 1: 17، 1: 526 وهو كما ورد هنا في البيان والتبيين 1: 235 وعيون الأخبار 1: 37 وأدب الدنيا والدين: 33 وبعضه في التمثيل والمحاضرة: 30 والايجاز والاعجاز: 8 ونسب قوله «الهوى اله معبود» لفيثاغور في فقر الحكماء: 208. [930] قارن بالبيان والتبيين 1: 264 ونثر الدر 6: 14 وبهجة المجالس 1: 449 حيث ورد «الرأي نائم والهوى يقظان» منسوبا لعامر بن الظرب، وكذلك هو في عيون الاخبار 1: 37 ومحاضرات الراغب 1: 17 وكتاب الآداب: 66 والتمثيل والمحاضرة: 453 وأخلاق الوزيرين: 18؛ أما في البصائر 1: 182 فهو من كلام أكثم بن صيفي، ونشوة الطرب: 593، وفي الوافي بالوفيات 17: 450 قول مقارب لابن المعتز. [931] المجتنى: 83 ومجالس ثعلب: 266 والبيان والتبيين 2: 188، 3: 154 وانساب الأشراف 4/1: 16 (وفيه مزيد من التخريج) وبهجة المجالس 1: 516، 812 ولباب الآداب: 336، 348. [932] عيون الاخبار 1: 37 والعقد 3: 460 وأدب الدنيا والدين: 34 ومحاضرات الراغب 1: 18 وورد منظوما منسوبا للمأمون في محاضرات الابرار 2: 422. وهو في مناقب أبي حنيفة 2: 285. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 [933]- وقال آخر: العقل وزير ناصح والهوى خادم كذوب. [934]- وقال الشاعر: [من الطويل] . إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال [934] ب- وقال آخر: اعص الهوى وأطع من شئت. [935]- وقال الأخطل: [من الطويل] . وإن امرءا لا ينثني عن غواية ... إذا ما اشتهتها نفسه لجهول [936]- وقال أردشير: أسعدوا الرأي على الهوى. [937]- وقال حاتم: [من الطويل] . وانك إن اعطيت بطنك سؤله ... وفرجك، نالا منتهى الذمّ أجمعا [938]- وقال عمرو بن العاص: [من الطويل] .   [933] قارن بالبصائر 1: 151 ونثر الدر 6: 17 وفقر الحكماء: 209 (لفيثاغور) . [934] البيت في البيان والتبيين 3: 169 وعيون الاخبار 1: 37 والكامل 1: 236 وبهجة المجالس 1: 808 وأدب الدنيا والدين: 35 ومجموعة ورّام 2: 28 ومحاضرات الراغب 1: 526 وغرر الخصائص: 90 وهو لهشام بن عبد الملك، وقيل إنه لم يقل شعرا غيره. [934] ب نثر الدر 4: 69 وبهجة المجالس 1: 908 وفيه «اعص النساء وهواك ... » وكذلك ورد في فقر الحكماء: 279 منسوبا لبطليموس؛ وانظر الايجاز والاعجاز: 34 (لارسطاطاليس) ومحاضرات الراغب 1: 18 والمنهج المسلوك: 6/أ- ب وغرر الخصائص: 91 وشرح النهج 18: 199. [935] ديوان الأخطل: 258. [936] عهد اردشير: 74 وفيه «استعدوا» وفي بعض أصوله «أسعدوا» . [937] عيون الاخبار 1: 37 وديوان حاتم: 183 والبيان والتبيين 3: 308 والفاضل للمبرد: 41 وأمالي القالي 2: 380 وبهجة المجالس 2: 85- 86 وتهذيب ابن عساكر 3: 427. [938] عيون الاخبار 1: 37. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 إذا المرء لم يترك طعاما يحبّه ... ولم يعص قلبا غاويا حيث يمما قضى وطرا منه يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما [939]- وقال ابن المقفع: إذا ابتدأك أمران لا تدري أيهما أصوب فانظر أقربهما إلى هواك فخالفه، فإن أكثر الصواب في مخالفة الهوى. [940]- وقال المعتصم: إذا نصر الهوى بطل الرأي. [941]- وقال الحسين بن علي عليهما السلام: اصبر على ما تكره فيما يلزمك الحقّ، واصبر عما تحبّ مما يدعوك إليه الهوى. [942]- وقال جعفر بن محمد: من كان الهوى مالكه والعجز راحته، عاقاه عن السلامة وأسلماه إلى الهلكة. وما قيل في ذم الهوى والتحذير منه يوفي على الإحصاء، وإنما نذكر من الشيء ما يتفق. [943]- قال مضرّس بن ربعيّ: [من الطويل] . فلا تهلكنّ النفس لوما وحسرة ... على الشيء سدّاه لغيرك قادره ولا تيأسن من صالح أن تناله ... وإن كان نوشا بين أيد تبادره   [939] عيون الاخبار 1: 37 (لبزرجمهر) والعقد 3: 441 (لأعرابي) ونثر الدر 7: 41 (رقم: 80) والحكمة الخالدة: 73، 323 وبهجة المجالس 1: 812 ومحاضرات الراغب 1: 18 وقد مرّ هذا القول تحت رقم: 447 وتمّ تخريجه من الأدب الكبير والصغير وغيرهما، وقارن بكتاب الآداب: 77. [940] الايجاز والاعجاز: 20 وزهر الآداب: 214 وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 364. [943] مضرّس بن ربعي من شعراء العصر الأموي، انظر ترجمته في معجم المرزباني: 307 والخزانة 2: 293 والمؤتلف والمختلف: 292؛ وقد جرى خلط بينه وبين مغلس بن لقيط في معجم الشعراء فالبيتان الأول والرابع نسبا لمغلس كما نسب الثاني الى مضرس نفسه، ووردت الابيات الاربعة لمضرس في المؤتلف وورد الثاني والثالث لمضرس في كتاب الآداب: 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وما فات فاتركه إذا عزّ واصطبر ... على الدهر إن دارت عليك دوائره فانك لا تعطي امرءا حظّ غيره ... ولا تعرف الشقّ الذي الغيث ماطره [944]- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الرجال ثلاثة، والنساء ثلاثة: فامرأة عفيفة مسلمة هيّنة ليّنة ودود ولود تعين أهلها على الدهر ولا تعين على أهلها وقلّ ما تجدها، وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئا، وأخرى غلّ قمل يجعلها الله في عنق من يشاء. والرجال [ثلاثة] رجل عاقل إذا أقبلت الأمور واشتبهت تأمّل فيها أمره ونزل عند رأيه، وآخر ينزل به الأمر فلا يعرفه فيأتي ذوي الرأي فينزل عند رأيهم، وآخر حائر بائر لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا. [945]- يقال: لا تغتبطنّ بسلطان مع غير عدل، ولا بغنى من غير حلّ، ولا ببلاغة من غير صدق منطق، ولا بجود في غير إصابة موضع، ولا بأدب في غير أصالة رأي، ولا بحسن عمل في غير حسنة. [946]- وقيل: الكامل من لم يبطره الغنى، ولم يستكن للفاقة، ولم تهدّه المصائب، ولم يأمن الدوائر، ولم ينس العاقبة، ولم يغترّ بالشبيبة. واعلم أن عيبة العيوب وخزانة المخازي الشباب والبطش والجمال والغنى والشبق والفخر وشرب الخمر وكظة الطعام وكثرة النوم وانتشار الهم واشتعال الجهل وعادة السوء، فقابل كلّا من ذلك بما يقمعه ويقدعه. [947]- قالوا: العدل لا بدّ منه في كلّ الأشياء حتى إن الجور يحتاج   [944] البيان والتبيين 3: 299 والعقد 6: 112 ونسبه في عيون الاخبار 4: 2 لغيره؛ وأورد بعضه في نثر الدر 2: 54- 55 (عن الرجال) وفي بهجة المجالس 2: 31، 128 ورد النصّ مقسوما مرة عند الحديث عن النساء وأخرى عند الحديث عن أنواع الرجال؛ وفي النص على الرجال انظر السعادة والاسعاد: 424 وغرر الخصائص: 94 ومحاضرات الراغب 1: 28. 24 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 إلى العدل، وضربوا لذلك مثلا في قطّاع الطريق والمجتمعين على ظلم، قالوا: لو لم يتناصفوا فيما بينهم ولم يستعملوا الواجب فيما يقسمونه لانفسد أمرهم وانحلّ نظامهم. [948]- قال ميمون بن مهران: ثلاث الكافر فيهن والمؤمن سواء، الأمانة تؤديها لمن ائتمنك عليها من مسلم وكافر، وبرّ الوالدين، قال الله تعالى: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (لقمان: 15) ، والعهد تفي به لمن عاهدت من مسلم وكافر. [949]- قال معاوية لابنه: اتخذ المعروف عند ذوي الإحسان تستمل به قلوبهم، وتعظم به في أعينهم، وتكفّ به عنك عاديتهم. [950]- قال الأقيشر: [من الطويل] . إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... وإن مدّ أسباب الحياة له العمر [951]- وقال حارثة بن بدر الغداني: [من الطويل] .   [948] حلية الاولياء 4: 87 ولباب الآداب: 249 (باختلاف يسير) وبرد الأكباد: 115 (لسفيان الثوري) وبهجة المجالس 2: 124 وجاء في الخصال 1: 123، 128 على صورتين منسوبا لجعفر الصادق. [949] أنساب الأشراف 4/1: 26 (الفقرة: 89) وبهجة المجالس 1: 306. [950] البيتان في الحماسة البصرية 2: 74 منسوبين لمالك بن أسماء (قال: وتروى لأبي دهبل) وفي أمالي القالي 1: 78 وتهذيب ابن عساكر 1: 189 والأغاني 17: 166 لايمن بن خريم؛ وقال أبو عبيد البكري: والصحيح أن هذا الشعر للأقيشر، وراجع السمط: 261 لمزيد من التعليقات. [951] الأبيات في أمالي المرتضى 1: 380- 381، 382 ومنها ثلاثة في الحيوان 3: 77 وأدب الدنيا والدين: 279 (لحارثة بن زيد) والبيان 3: 218 وواحد في البيان 2: 187 والفرج بعد الشدة 5: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 إذا الهمّ أمسى وهو داء فأمضه ... ولست بممضيه وأنت معادله ولا تنزلن أمر الشديدة بامرىء ... إذا رام أمرا عوقته عواذله إذا ما قتلت الشيء علما فقل به ... وإياك والأمر الذي أنت جاهله «1» وقل للفؤاد إن نزا بك نزوة ... من الروع أفرخ أكثر الروع باطله. [952]- وقال آخر: [من الطويل] . وأبثثت عمرا بعض ما في جوانحي ... وجرّعته من مرّ ما أتجرّع ولا بدّ من شكوى إلى ذي حفيظة ... إذا جعلت أسرار نفسي تطلّع [953]- وقال آخر وأظنها لبعض اليهود: [من الطويل] . وإني لأستبقي إذا العسر مسّني ... بشاشة وجهي حين تبلى المنافع فأعفي ثرى قومي ولو شئت نوّلوا ... إذا ما تشكّى الملحف المتضارع مخافة أن أقلى إذا جئت زائرا ... ويرجعني نحو الرجال المطامع وأسمع منّا أو أشرّف منعما ... وكلّ مصادي نعمة متواضع [954]- وجدت للأحنف بن قيس حديثا إن كان صحيحا أو مصنوعا ففيه أدب وسياسة لجمهور الناس في مقاصدهم وأفعالهم ومتصرفاتهم، قيل:   [952] البيتان في أمالي القالي 3: 219 (دون نسبة) وكذلك في البيان 4: 63 والعقد 2: 361 والصداقة: 48 ومعاني العسكري 1: 143 وهما لبشار في المختار من شعره: 145. [953] الأبيات الأربعة في البيان والتبيين 3: 308 لبعض اليهود، وهي ما عدا الثاني في حماسة الخالديين 2: 218 لمالك بن النعمان وفي البصرية 2: 208 لمالك هذا أو لمحمد بن عوف الأزدي. [954] قوله: «السواك مطهرة للفم ... » ورد في ربيع الأبرار 2: 113 (وهو حديث) ونسب للحسن في نثر الدر 5: 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 دخل الأحنف على معاوية، فذكر أهل العراق وحسن آرائهم، وميسون بنت بحدل الكلبية أمّ يزيد تسمع كلامه، فلما انصرف قالت: يا أمير المؤمنين أحببت أن تأذن لقوم من أهل العراق عليك، وتجعلني بحيث أسمع كلامهم. فقال لآذنه: انظر من بالباب، فقال له: بنو تميم. فقال: أدخلهم وفيهم الأحنف. فقال له معاوية: اقرب أبا بحر، وضربت لميسون قبة بحيث تسمع كلامهم. فقال له: يا أبا بحر كيف زيّك لنفسك؟ قال: أفرق الشعر؛ وأقصّ الشارب، وأقلّم الأظفار، وأنتف الإبط، وأحلق العانة، وأديم السواك، فإنه مطهرة للفم ومرضاة للربّ وزيادة في حسنات الصلاة، وأغتسل في كلّ جمعة فإنه كفّارة ما بين الجمعتين. قال: فكيف زيّك في لبسك؟ قال: أعرّض النعلين، وأقصّر الكمّين، وأوسّع الرداء، وأشمّر الإزار، وألزم الوقار. قال: كيف زيك في مشيتك؟ قال: أوطىء قدميّ على الأرض في ترسّل، وأنقلهما على تمهّل، وأرعاهما بعينيّ وأقلّ التلفت حولي. قال: فكيف زيك إذا دخلت على من فوقك من غير الأمراء؟ قال: أطلق الحبى، وأدع التكا، وأقلّ الكلام، وأردّ السلام. قال: فكيف زيّك إذا دخلت على نظرائك؟ قال: أنازعهم الكلام في سمت، وأفاوضهم الحديث في تثبت، وأجيبهم إذا سالوا، وأنصت لهم إذا قالوا، ولا أجول فيما جالوا. قال: فكيف زيك إذا دخلت على أمرائك؟ قال: أسلّم من غير إشارة، وأنتظر الإجابة، فإن قرّبني تقربت وإن أومأ إليّ تباعدت. قال: فكيف زيّك مع أهلك؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين. قال: عزمت عليك لتفعلنّ، قال: أحسّن الخلق، وأظهر البشر، وأوسّع النفقة فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج. قال: فكيف زيك إذا أردت مباضعتها؟ قال: من هذا استعفيتك، قال: نشدتك لما قلت، قال: أكلمها حتى تنشط، وألثمها حتى تطرب، فإذا كان الذي تعلم طرحت على ظهري وقاية تقيني، فإذا استقرّت النطفة في قرارها قلت: اللهم اجعلها ميمونة مباركة ولا تجعلها شقيّة مشاركة، وصوّرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 أحسن صورة، ثم أقوم إلى الوضوء فأفيض الماء على يدي وترا، ثم أصبّه على جسدي مسبغا، ثم أحمد الله على ما أعطاني من النعمة السابغة والحلال الطيب. قال له معاوية: لقد أحسنت الجواب فسلني حاجتك؟ قال: حاجتي يا أمير المؤمنين أن تتفي الله في الرعية، وتعدل بينهم بالسوية، ثم نهض. فلما ولّى قالت ميسون: لو لم يكن بالعراق إلا هذا لكفاهم. [955]- قال أفلاطن: ينبغي للذين يأخذون على أيدي الأحداث أن يدعوا لهم موضعا للعذر لئلا يضطروا إلى القحة بكثرة التوبيخ. [956]- وقال بعض الاسلاميين: ليس من العدل سرعة العذل. [957]- وقال علي كرم الله وجهه: كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب. [958]- ومن كلامه عليه السلام: الاحتمال قبر العيوب. من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه. قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان والفرصة تمر مرّ   [955] الكلم الروحانية: 15 «اذا عاقبت الحدث على جرم فاترك موضعا لجحود ذنبه كيلا يحمله المراء على المكابرة» ونثر الدر 7: 23 (رقم: 101) ومختار الحكم: 134 والبصائر 1: 431 وصوان الحكمة 11/أوديوان المعاني 1: 169 ولقاح الخواطر: 55/أ. ونزهة الأرواح 1: 176. [956] العقد 2: 142 والشريشي 5: 274 ونسب في البيان والتبيين 2: 97 لحذيفة، والامتاع والمؤانسة 2: 149- 150 ولقاح الخواطر: 44 ب. [957] نهج البلاغة: 469 (رقم: 1) . [958] نهج البلاغة: 469 (رقم: 6) ، 471 (رقم: 21) ، 474 (رقم: 35) ، 500 (رقم: 158) ؛ وقوله «قرنت الهيبة بالخيبة» في تحسين القبيح 98- 99، وقوله «الفرصة تمر ... » في كتاب الآداب: 4 باختلاف يسير، وقارن بقوانين الوزارة: 227 ومحاضرات الراغب 1: 285 ونهاية الأرب 6: 47 وعيون الأخبار 2: 123 والجوهر النفيس: 47 ب، وقوله «من أسرع ... » في زهر الآداب: 55 وقوله «عاتب أخاك ... » في ربيع الأبرار 1: 603. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 السحاب، فانتهزوا فرص الخير. من أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شرّه بالإنعام عليه. [959]- وقد قال جعفر بن محمد: لا تتبع أخاك بعد القطيعة وقيعة فيه فتسدّ عليه طريق الرجوع إليك، ولعل التجارب أن تردّه إليك. [960]- قال الشاعر، هو محمد بن عبد الله الأزدي: [من الطويل] . لا أدفع ابن العمّ يمشي على شفا ... وإن بلغتني من أذاه الجنادع ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه ... لترجعه يوما إليّ الرواجع وأفرشه مالي وأحفظ غيبه ... وأرعاه عينا بالذي هو سامع وحسبك من جهل وسوء صنيعة ... معاداة ذي القربى وإن قيل قاطع فألبس ثراك الأهل تسلم صدورهم ... فلا بدّ يوما أن تروع الروائع [961]- قال أبو هلال الأسدي وتروى لأبي النشناش التميمي: [من الطويل] . ودع عنك مولى السوء والدهر إنه ... ستكفيكه أيامه ونوائبه ويلقى عدوا من سواك يردّه ... إليك فتلقاه وقد لان جانبه [962]- ولما بلغ سيف الدولة علي بن حمدان قول أبي الطيّب المتنبي وهو بمصر: [من الطويل] .   [960] منها ثلاثة أبيات في أمالي القالي 2: 233 وأدب الدنيا والدين: 154 وهي جميعا في مجموعة المعاني: 62 وحماسة البحتري: 356 وانظر شرح التبريزي على الحماسة 1: 211 والصداقة والصديق: 248 وشرح الامالي: 856 ولباب الآداب: 357. [961] انظر رقم: 759 في ما تقدم. [962] بيت أبي الطيب في ديوانه: 469. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وإن بليت بودّ مثل ودكم ... فإنني بفراق مثله قمن «1» [قال: سار وحقّ أبي] . [963]- ومن كلام علي كرم الله وجهه: إذا هبت أمرا فقع فيه، فإن شدة التوقّع أعظم مما يخاف منه. أغض على القذى والألم ترض أبدا. من أطاع التواني ضيّع الحقوق، ومن أطاع الواشي ضيّع الصديق. من ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه. من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصّر فيها ظلم، ولا يستطيع أن يتقي الله من خاصم. لا تظنّن بكلمة خرجت من أحد سوءا وأنت تجد لها في الخير محتملا. الغيبة جهد العاجز. [964]- سأل رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يوصيه ويوجز فقال: لا تغضب. [965]- وقد قيل: إياك وجرأة الغضب فإنها تصيّرك إلى ذلّ الاعتذار.   [963] هذه الاقوال في نهج البلاغة: 501 (رقم: 175) 507 (رقم: 213) 510 (رقم: 239) 511 (رقم: 248) 528 (رقم: 298) 538 (رقم: 360) 556 (رقم: 461) وقوله: «لا تظنن بكلمة خرجت ... » جزء من قولة تنسب لعمر، وقد مرّت تحت رقم: 275 وانظر لباب الآداب: 12 وربيع الأبرار: 227/أوتنسب للرسول في محاضرات الأبرار 2: 310؛ وقوله: «إذا هبت أمرا ... تخاف منه» في المستطرف 1: 156. [964] إرشاد الساري 9: 84 وقارن ببهجة المجالس 1: 375 وعيون الاخبار 1: 282 وألف باء 1: 464. [965] قوانين الوزارة: 130 وقارن بعيون الاخبار 1: 291 ونثر الدر 4: 67، 6: 16 والمجتنى: 61 والبصائر 2: 430 وأدب الدنيا والدين: 235 والايجاز والاعجاز: 16 (لعمرو بن العاص) ومحاضرات الراغب 1: 224 والمنهج المسلوك: 20 ب ولابن المعتز: لا يقوم عز الغضب بذل الاعتذار في الوافي 17: 449 وفي نشوة الطرب: 681 لأعرابي وفي مختار الحكم: 339. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 [966]- وقال ابن المقفع: إذا حاججت فلا تغضب، فإن الغضب يدفع عنك الحجة ويظهر عليك الخصم. [967]- وقال أيضا فيما ترجمه من حكم الفرس: إن ذكرك ذاكر عند السلطان بسوء في وجهك أو غيبك، فلا يرينّ الوالي ولا غيره منك اختلاطا لذلك ولا غيظا، ولا تكترث له فيدخل عليك من ذلك شبيه بالريبة مؤكدة لما قال فيك العائب، وان اضطررت إلى الجواب فإياك وجواب الانتقام والغضب، وعليك بجواب الوقار والحلم والحجّة، ولا تشكنّ في أن القوة والغلبة للحليم. [968]- قال الشاعر: [من الطويل] . ولم أر عقلا تمّ إلا بشيمة ... ولم أر علما تم إلا على أدب ولم أر في الأشياء حين بلوتها ... عدوا للبّ المرء أقوى من الغضب [969]- قيل: من كتم السلطان نصيحته، والأطباء مرضه، والإخوان بثّه، فقد خان نفسه. [970]- وقال صاحب كليلة ودمنة: خير الأعوان والإخوان أشدّهم مبالغة في النصيحة وخير الأعمال أجلّها عاقبة، وخير الثناء ما كان على أفواه الأخيار، وخير الأصدقاء من لا ينافق، وخير الأخلاق أعونها على الورع،   [966] لباب الآداب: 24. [967] الأدب الكبير: 59. [968] البيت الأول في معجم الأدباء 1: 72 وربيع الأبرار 3: 261 ببعض اختلاف في الرواية. [969] كليلة ودمنة: 104 وربيع الابرار 1: 464 والعقد 1: 10 وعيون الاخبار 1: 92 ونسب في مختار الحكم: 257 لبطليموس؛ وانظر الاسد والغواص: 45 ومطالع البدور 1: 177. [970] كليلة ودمنة: 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وأفضل السلطان ما لم يخالطه بطر، وأغنى الأغنياء من لم يكن للحرص أسيرا، وأعجز الملوك آخذهم بالهوينا وأقلّهم نظرا في العواقب. [971]- وقال: من بلغ جسيما فلم يبطر؟ ومن اتّبع الهوى فلم يعطب؟ ومن جاور النساء فلم يفتن؟ ومن صحب السلطان فلم يعنت؟ ومن طلب إلى اللئام فلم يهن؟ ومن واصل الأشرار فسلم؟. [972]- وقال: أحسن القياس عند تشابه الأمور، واعتبر ما أنت فيه بما بقي وما يكون بما قد كان، فكفى بذلك علما، واقنع فحسب المرء أن يكون بما أوتي قانعا، وأبصر حيث تضع رجلك لا تطأ بها دحضا فتزلق. وأحسن الروغان عند جولة الطالب، وافرق بين العدوّ والصديق وأنزلهما منازلهما، أما الصديق فتصله وتقضي حقّه، وأما العدوّ فتحذره وتنأى عنه، واحذر محلّ السوء وإن موّه لك ببعض الكذب فقد ينثر الحبّ في الشباك، لا من كرامة الطير، والكلمة اللينة من العدوّ في حال ضرورة فاحذرها، وقس بما في نفسه لك بما في نفسك فكفى بذلك دليلا. [973]- وقيل: ليس صلح العدو بموثوق به على حال، فإن الماء وإن أطيل إسخانه فليس يمنعه ذلك من إطفاء النار. [974]- ومثل الكلام الأول قول محمد بن علي بن موسى بن جعفر للمتوكل في كلام دار بينهما: لا تطلب الصفاء ممن كدّرت عليه، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنّك إليه، وإنما قلب غيرك لك كقلبك له. وهذا الكلام مأخوذ من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي هو منبع كل حكمة: الذنب لا ينسى والبرّ لا يبلى، وكن كيف شئت فكما تدين تدان.   [971] كليلة ودمنة: 109 والحكمة الخالدة: 130 ومحاضرات الراغب 2: 701 ونثر الدر 4: 75. [973] كليلة ودمنة: 163 وقارن بالبصائر 2: 33 ومحاضرات الراغب 1: 249 وعيون الأخبار 3: 111 ولباب الآداب: 47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 [975]- قال عبد الله بن الحسن لابنه: يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنه لا يعدمك مكر حليم أو مفاجأة لئيم. [976]- وقيل: من وجد عدوا مغترا معورا فلم يسترح منه، أصابته الندامة حين يقوى عدوه فيعجزه، والعاقل يصالح عدوه إذا اضطر إلى ذلك ويصانعه ويظهر له ودّه ويريه الاستئمان إليه إذا لم يجد من ذلك بدا، ثم يعجل الانصراف عنه حين يجد إلى ذلك سبيلا ويعلم أن صريع الاسترسال لا تقال عثرته. [977]- وقال علي عليه السلام: من الخرق المعاجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة. [978]- قال حكيم: من ظفر بالأمر الجسيم فأضاعه فاته، ومن التمس فرصة فأمكنته فأخّر العمل بها لم تعد إليه. [979]- وقال علي: كفى أدبا لنفسك اجتناب ما كرهته لغيرك. [980]- وقال: للمؤمن ثلاث ساعات، فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يروم فيها معاشه، وساعة يخلّي بين نفسه وبين لذتها فيما يحلّ ويجمل،   [975] أمالي اليزيدي: 153 وزهر الآداب: 80 والسعادة والاسعاد: 134 وأمثال الماوردي: 90/أولباب الآداب: 15 ومحاضرات الراغب 1: 245 وربيع الأبرار: 420/أوالخصال 1: 72- 73 (لعلي) والجوهر النفيس: 48/أ. [976] ورد بعض منه في كليلة ودمنة: 200 وبعضه الآخر فيه: 278. [977] نهج البلاغة: 538 (رقم: 363) . [978] كليلة ودمنة: 200. [979] نهج البلاغة 548 (رقم: 418) . [980] نهج البلاغة: 545 (رقم: 390) وأمالي الطوسي 1: 164 وبهجة المجالس 1: 116؛ وهي أربع ساعات في نثر الدر 7: 22 (رقم: 73) وعيون الاخبار 1: 279 والعقد 3: 252 وبهجة المجالس 1: 572 وربيع الابرار 1: 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وليس للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث: مرمّة لمعاش، أو خطوة في معاد، أو لذة في غير محرم. [981]- وقال: خذ من الدنيا ما أتاك وتولّ عما تولى عنك، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب. الدهر يومان فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر. [982]- وقال: مقاربة الناس في أخلاقهم أمن من غوائلهم. لا تجعلن درن لسانك على من أنطقك، وبلاغة قولك على من سدّدك. [983]- وقال: لا ينبغي للعبد أن يثق بخصلتين العافية والغنى، بينا تراه معافى إذ سقم، وبينا تراه غنيا إذ فقر. [984]- وقال: من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته. من عظّم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها. زهدك في راغب فيك نقصان حظ، ورغبتك في زاهد فيك ذلّ نفس. [985]- وقال: ما مزح امرؤ مزحة إلا مجّ من عقله مجّة.   [981] نهج البلاغة 545 (رقم: 393) 546 (رقم: 396) . [982] نهج البلاغة: 546 (رقم: 401) 548 (رقم: 411) . [983] نهج البلاغة: 551 (رقم: 426) . [984] نهج البلاغة: 555 (رقم: 449، 448، 451) وقارن بقول لمحمد بن الحنفية «من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر» في صفة الصفوة 2: 42 والتمثيل والمحاضرة: 32 وبرواية من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته (أو هانت عليه الدنيا) في العقد 3: 173 والايجاز والاعجاز: 9 ومحاضرات الراغب 1: 519 والشريشي 3: 89. [985] نهج البلاغة: 555 (رقم: 450) وقارن بعيون الاخبار 1: 319 وربيع الأبرار: 358/أوفي التمثيل والمحاضرة: 24 للرسول «من ضحك ضحكة ... » ولعليّ في أدب الدنيا والدين: 302 وحلية الأولياء 3: 134 ولعلي بن الحسين في الفصول المهمة: 202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 [986]- وقال الحسن بن علي: المزاح يأكل الهيبة. [987]- وقال ابن المقفع في رسالته المعروفة بالدرة اليتيمة: لا تخلطن بالجد هزلا فتسحته، ولا بالهزل جدا فتكدّره، وقد عرفت لذلك موضعا إن فعلته أصبت الرأي وظهرت على الأقران، وذلك أن يتورّدك متورّد بالسّفه والغضب وسوء اللفظ فتجيبه إجابة الهازل المداعب، برحب من الذّرع، وطلاقة من الوجه، وثبات في المنطق. [988]- وقال آخر: لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا السفيه فيجترىء عليك. [889]- وقال أفلاطن: لا تستعمل البطش حتى ينفد القول. لا تفرح بسقطة غيرك فإنك لا تدري تصرّف الأيام بك. [990]- يقال: لا تخلط يقينك بالشكّ فيفسد عليك العزم، ولا توقف عملك على الشكّ فيدخل عليك الوهن. [991]- قيل: أول كلام بارع سمع من سليمان بن عبد الملك قوله: الكلام فيما يعنيك خير من الكلام فيما يضرك. [992]- وقال سهل بن هرون: الهول إن كان عنه مندوحة فركوبه خطأ   [986] ورد للأحنف في نثر الدر: 19 وروايته: كثرة الضحك تذهب الهيبة. [987] الأدب الكبير: 72- 73 والحكمة الخالدة: 310. [988] بهجة المجالس 1: 567 (لسعيد بن العاص) والمنهج المسلوك: 24/أوباختلاف يسير في محاضرات الراغب 1: 281؛ ونثر الدر 3: 59 (لسعيد بن العاص) والعقد الثمين 4: 577. [991] البيان والتبيين 1: 305 (خير من السكوت عما يضرك) ونثر الدر 3: 21. [992] النمر والثعلب: 143 (38) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وإلا فركوبه صواب، فإن كنت راكبا هولا لاجترار نفع دونه مقنع، أو لدفع ضرر له مدفع فموضعه «1» خطأ، وإن كنت دافعا به أعظم منه ومضطرا إليه غير مزحزح عنه فموضعه «2» صواب. [993]- ولأبي مسلم كلام يشبه هذا قد ذكرناه في فصل الأخبار. [994]- وقّع مروان بن محمد إلى عامله بالكوفة: حاب علية الناس في كلامك، وسوّ بينهم وبين السفلة في أحكامك. [995]- قالت القدماء: لا ينبغي لأحد أن يمنع ناسكا شيئا يتقرّب به إلى الله، ولا يمنع السلطان شيئا يستعين به على صلاح أمور العامة، ولا يمنع صديقه شيئا يفرّج به كربته ويجبر مصيبته. [996]- وقالوا: أحسن القول لا يتمّ إلا بحسن الفعل كالمريض إذا عرف دواء مرضه فلم يتداو به لم ينتفع بعلمه ولا يجد منه راحة ولا خفّة. [997]- قال كسرى: لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، وطبيب عالم، ونهر جار. [998]- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يكن حبّك كلفا ولا   [994] البصائر 7: 207. [996] كليلة ودمنة: 176. [997] نثر الدر 7: 37 (رقم: 42) وعيون الاخبار 1: 6 وكتاب الآداب: 52 والعقد 2: 248 ومختار الحكم: 23 وبهجة المجالس 2: 132 وربيع الابرار 1: 355. [998] قول عمر: «لا يكن حبك كلفا ... » في العزلة: 118 والمجتنى: 73 وربيع الابرار 1: 454 وكتاب الآداب: 76 والتمثيل والمحاضرة: 29 وقوله «أحبب حبيبك هونا ما» في كشف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 بغضك تلفا. وأتمّ من هذا الخبر المرويّ: أحبب حبيبك هونا ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما فعسى أن يكون حبيبك يوما ما. وشبيه به قول الشاعر وهو النمر بن تولب: [من المتقارب] . وأحبب حبيبك حبّا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تحكما وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تصرما [999]- قيل في حكمة الهند مكتوب: اليقين بالقدر لا يمنع العاقل توقّي الهلكة، وليس لأحد أن ينظر في القدر المغيّب، وإنما عليه أن يأخذ بالحزم، ونحن نجمع تصديقا بالقدر وأخذا بالحزم. [1000]- وقال المأمون: ليس من توكّل المرء إضاعة الحزم، ولا من الحزم إضاعة التوكل. نظر إلى هذا المعنى محمد بن عبد الملك الزيات في كتاب كتبه: لا تخدعنّك نفسك عن الحزم فتمثّل لك التواني في صورة التوكل، فتسلبك الحذر وتورثك الهوينا باحالتك على الأقدار، فإن الله تعالى إنما أمر بالتوكل عند انقطاع الحيل، وبالتسليم بعد الإعذار والاجتهاد، بذلك أنزل الله كتابه وبه أمضى سنته، قال الله سبحانه وتعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اعقل وتوكّل.   الخفا 1: 54 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ومحاضرات الراغب 2: 30 ولباب الآداب: 25 والقولان معا في أدب الدنيا والدين: 177 وفي الغنية: 122 وبهجة المجالس 1: 665؛ وبيتا النمر في الاغاني 22: 297 وسمط اللآلىء 3: 80 وفي الحاشية تخريج للبيتين. [999] عيون الاخبار 2: 143 وأصله في كليلة ودمنة (حكمة الهند) : 284 ومثله في النمر والثعلب: 156 (25) ومحاضرات الراغب 1: 22. [1000] نثر الدر 3: 44 ووردت كلمة ابن عبد الملك الزيات في نثر الدر 5: 39 وموجزة في البصائر 7: 196. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 [1001]- وكتب كاتب: ولعاجل الحزم مؤونة تؤدّي إلى خفض ودعة، وللعجز من يسير الراحة ما يفضي بأهله إلى جهد ومنصبة. [1002]- قال الحسين بن علي عليهما السلام: إذا وردت على العاقل ملمّة قمع الحزن بالحزم، وقرع العقل للاحتيال. [1003]- وقال جعفر بن محمد: من كان الحزم حارسه والصدق حليفه، عظمت بهجته وتمّت مروءته. [1004]- قال الشيرازي سألت المفيد الجرجرائي عن قول جعفر بن محمد: الحزم سوء الظن، وعن قول أبيه: من حسن ظنّه روّح عن قلبه، فما هذه المضادة؟ قال: يريد بسوء الظن ألا تستنيم إلى كلّ أحد فتودعه سرّك وأمانتك، ويريد بحسن الظنّ ألا تسيء ظنّك بأحد أظهر لك نصحا، وقال لك جميلا، وصحّ عندك باطنه، وهو مثل قولهم: احمل أمر أخيك على أحسنه حتى يبدو لك ما يغلبك عليه. [1005]- وسئل محمد بن علي بن موسى عن الحزم فقال: هو أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك. [1006]- قال جعفر بن محمد: لا تحدّث من تخاف أن يكذّبك، ولا تسأل من تخاف أن يمنعك، ولا تأمن من تخاف أن يغدر بك. [1007]- وقال علي بن موسى: اصحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدوّ بالتحرز، والعامة بالبشر. [1008]- وقال محمد ابنه: من هجر المداراة قارنه المكروه، ومن لم يعرف الموارد أعيته المصادر.   [1006] قارن بغرر الخصائص: 87 وشرح النهج 18: 187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 [1009]- وقال: اتئد تصب أو تكد. [1010]- وقال الحسن بن محمد بن علي: ادفع المسألة ما وجدت التجمل يمكنك، فإن لكلّ يوم خيرا جديدا. والإلحاح في المطالب يسلب البهاء إلا أن يفتح لك باب يحسن الدخول فيه، فما أقرب الصّنع من الملهوف، وربما كانت الغير نوعا من آداب الله تعالى. والحظوظ مراتب فلا تعجل على ثمرة لم تدرك فإنك تنالها في أوانها. والمدبّر لك أعلم بالوقت الذي يصلح فيه فثق بخيرته في أمرك، ولا تعجل في حوائجك فيضيق قلبك ويغشاك القنوط. [1011]- وقال: أضعف الأعداء كيدا من أظهر عداوته. [1012]- قال صاحب كليلة ودمنة: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الندامة، كالريح التي إذا مرّت على الطيب حملت طيبا، وإذا مرّت على النتن حملت نتنا، والعاقل لا تبطره منزلة أصابها كالجبل الذي لا تزلزله شدة الرياح. [1013]- قال عثمان بن أبي العاص: الناكح مغترس «1» فلينظر امرؤ أين يضع نفسه.   [1012] كليلة ودمنة: 128 والبصائر 2: 29 ومحاضرات الراغب 2: 6 والصداقة والصديق: 34 وتشبيهات ابن أبي عون: 313 (عن كليلة ودمنة) وقارن بما نسب لأردشير في كتاب التاج: 24 ومروج الذهب 1: 244 (باريس) وسرح العيون: 37 وشرح البسامة: 35 وغرر الخصائص: 44 وعين الأدب: 160 وانظر بعضه في قوانين الوزارة: 220 وعيون الاخبار 1: 281 وعهد أردشير: 90- 91 وربيع الأبرار 3: 142. [1013] البيان والتبيين 3: 267 وبهجة المجالس 2: 34 (منسوبا لعمرو بن العاص) ومحاضرات الراغب 2: 202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 [1014]- وقالت هند بنت عتبة: المرأة غلّ لا بدّ منه للعنق فانظر من تضعه في عنقك. [1015]- ومن كلام الحكماء: من ترك ما لا طاقة له به كان أستر لمكتوم أمره وأبقى للآمال فيه. لا تشعر قلبك الغمّ مما فات فيشغل ذهنك عن الاستعداد لما تأتي به الأيام، وكن بحسن الظنّ بما عند الله تعالى أوثق منك بما في يديك فإنك تضنّ بما تملك وذلك على الله يسير، وفي كلّ حركة وساعة أمر حادث وقدر جار بتبديل الأحوال وتنقّل الدول. تجنبوا المنى فإنها تذهب ببهجة ما خوّلتم، وتستصغرون مواهب الله عندكم وتعقبكم الحسرات على ما أوهمتموه منها أنفسكم، وهي مكيدة من مكايد إبليس للعبد، وختل له عن الشكر، واستدراج إلى استصغار عظيم المواهب. [1016]- وقيل لأفلاطن: كيف يغمّ الإنسان عدوّه؟ قال يغمّه إذا أصلح نفسه. [1017]- وقال عبد الله بن الحسن: المراء يفسد الصداقة القديمة ويحلّ العقدة الوثيقة، وأقلّ ما فيه أن تكون المغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة. [1018]- ومن كلام علي عليه السلام: أيها الناس ليركم الله من النعمة   [1014] البيان والتبيين 3: 267 وعيون الاخبار 4: 7 والكامل 1: 302 ونسب في التمثيل والمحاضرة: 217 لأسماء بنت أبي بكر وروايته: النكاح رق ... الخ. [1016] قارن بالسعادة والاسعاد: 133 (قولين لسقراط وافلاطون) وفقر الحكماء: 225 والحكمة الخالدة: 346 والمختار: 132 ونثر الدر 7: 23 (رقم: 102) والكلم الروحانية: 19 وعيون الاخبار 3: 108. [1017] قد تقدّم هذا القول في كلام الحسن بن محمد برقم: 717 ونسب في العقد 3: 5 لابن المقفع؛ وهو في البيان والتبيين 1: 313 والبصائر 1: 131 والصداقة والصديق: 45 وبهجة المجالس 1: 427 ونثر الدر 1: 369 وزهر الآداب: 65 وربيع الابرار 1: 716 وقارن بكتاب الآداب: 9. [1018] نهج البلاغة: 537 (رقم: 358) . 25 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وجلين كما يراكم من النقمة فرقين، إنه من وسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا، فقد أمن مخوفا، ومن ضيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا. وقد جمع ابن المقفع في رسالته المسماة بالدرة اليتيمة ما فرقه غيره مما يليق بهذا الباب، وبسط الكلام، إيضاحا للمعاني، وأنا ذاكره الآن وإذا تأمله المتصفح وجد معانيه منبوذه في النثر الذي نقلناه عن المتقدمين في هذا الفصل، إلا أن كلامه حاو كعادة المصنفات في الاحتواء على معاني ما وضعت له. [1019]- قال عبد الله بن المقفع: (1) يجب لطالب الأدب أن يعرف الأصول والفصول، ولا يكون كمن   [1019] هذا النصّ مأخوذ من الادب الكبير، وهو هناك بصيغة الامر: «يا طالب الأدب اعرف الاصول» وبين النص اختلافات، ولما كان مجتزءا من صفحات متفرقة، فاليك تخريج كل فقرة منه على حدة. 1 الأدب الكبير (ورمزه في هذا الموضع د) : 42- 45. 2 د: 71 والصداقة والصديق: 37 ونثر الدر 4: 69. 3 د: 72. 4 د: 73 ومحاضرات الراغب 3: 19. 5 د: 74. 6 د: 75. 7 د: 75. 8 د: 76. 9 د: 77. 10 د: 76. 11 د: (؟) . 12 د: 81. 13 د: 82. 14 د: 93. 15 د: 94. 17 د: 96 وعيون الاخبار 2: 121. 18 د: 85. 19 د: 86. 20 د: 86. 21 د: 87- 88. 22 د: 92- 93. 23 د: 92- 93. 24 د: 93. 25 د: 99. 26 د: 100- 101. 27 د: 101. 28 د: 102- 103. 29 د: 103. 30 د: 103- 104 31 د: 104- 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 طلب الفصل مع إضاعة الأصل، فلا يكون [دركه] دركا، فإن إحراز الأصل كاف، فإن أصاب بعدها الفصل كان أفضل. فأصل [الأمر في] الدين أن تعتقده على الصواب، وأن تؤدّي الفرائض وتجتنب الكبائر، فالزم ذلك لزوم من إن فرّط فيه هلك، ثم إن قدرت على أن تجاوزه إلى العبادة والفقه فهو أفضل. وأصل إصلاح الجسد ألا تحمل عليه من المأكل والمشرب والباه إلّا خفّا، ثم إن قدرت على علم منافع الجسد ومضارّه مع الانتفاع لتنتفع به وتنفع فهو أفضل. وأصل الأمر في البأس الا تحدّث نفسك بالإدبار وأصحابك مقبلون على عدوّهم، ثم إن قدرت على أن تكون أول حامل وآخر منصرف من غير تضييع للحذر فهو أفضل. وأصل الأمر في الكلام أن تسلم من السّقط بالتحفظ، ثم إن قدرت على بارع «1» الصواب فهو أفضل. وأصل الأمر في الجود ألا تضنّ بالحقوق على أهلها، ثم إن قدرت أن تزيد ذا الحقّ على حقه، وتطّوّل بالفضل على من لا حقّ له فهو أفضل. وأصل الأمر في المعيشة ألّا تني في طلب الحلال، وأن تحسن التقدير لما تفيد وتنفق، وأن لا تعدل عن ذلك لسعة فيها، فإن أعظم الناس في الدنيا خطرا أحوجهم إلى التقدير، والملوك أحوج إليه من السوقة، لأن السوقة تعيش بغير مال، وان الملك لا قوام له بغير مال وسعة، وان قدرت على الرفق واللطف في الطلب والعلم بالمطالب فهو أفضل. (2) ابذل لصديقك نفسك ومالك، ولمعرفتك «2» رفدك ومحضرك،   [1019] /2 معجم الأدباء 11: 35 (لخالد بن صفوان) وعيون الأخبار 3: 15 والصداقة والصديق: 37 ونثر الدر 4: 69 والأدب الكبير: 71 وقارن بما ورد في نزهة الأرواح 1: 89 لا سقليبيوس «سبيل من له دين ومروءة أن يبذل لصديقه نفسه وماله» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وللعامة بشرك وتحنّنك، ولعدوّك عدلك، واضنن بدينك وعرضك عن كلّ أحد إلا أن تضطرّ إلى بذل العرض للوالي أو للوالد، ومن سواهما فلا. (3) اخزن عقلك وكلامك إلا عند إصابة الموضع فإنه ليس في كل حين يحسن الصواب. (4) إن رأيت صاحبك مع عدوّك فلا يغضبك ذلك عليه فإنّما هو أحد رجلين، إن كان رجلا من إخوان الثقة فأنفع مواطنه لك أقربها من عدوك لشرّ يكفّه عنك، وعورة يسترها منك، وغائبة يطّلع عليها لك، وإن كان رجلا من غير خاصّة إخوانك فبأيّ حقّ تقطعه من الناس وتكلّفه ألّا يصاحب ولا يجالس إلا من تهوى؟ (5) وإن استطلت على الإخوان والأكفاء فلا تثق منهم بالصفاء. (6) إن أردت أن تلبس ثوب الجمال وتتحلّى حلية المروءة فكن عالما كجاهل وناطقا كعييّ، فأما العلم فيرشدك، وأما قلّة ادّعاء العلم فتنفي عنك الحسد، وأما المنطق إذا احتجت إليه فما بلّغ حاجتك لم يفتك، وأما الصمت فيكسبك المحبة والوقار. (7) إذا رأيت رجلا يحدّث حديثا قد علمته أو يخبر خبرا قد سمعته فلا تشاركه فيه ولا تفتحه «1» عليه حرصا على أن يعلم الناس أنك قد علمته، فإن في ذلك خفة وسوء أدب وشحا. (8) لتكن غايتك فيما بينك وبين عدوّك العدل، وفيما بينك وبين صديقك الرضى، وذلك أن العدوّ خصم تصرفه بالحجة وتغلبه بالأحكام، والصديق ليس بينك وبينه قاض، إنما هو رضاه وحكمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 (9) ارتد لإخائك، فإن كان من إخوان الآخرة فليكن فقيها ليس بمراء ولا حريص، وإن كان من إخوان الدنيا فليكن حرا ليس بجاهل ولا كذاب ولا شرير [ولا] متسرع «1» ، فإن الجاهل أهل أن يهرب منه أبواه، وإن الكذاب لا يكون أخا صادقا لأن الكذب الذي يجري على لسانه إنما هو من فضول كذب قلبه، وإنما سمّي الصديق من الصدق، وقد يتّهم صدق القلب وإن صدق اللسان، فكيف به إذا ظهر الكذب على اللسان. وإن الشرير يكسبك العداوة فلا حاجة لك في صداقة تجرّ إليك العداوة، وإن التسرع تابع صاحبه «2» . (10) فإذا آخيت أخا فلا تقطعه وإن ظهر لك منه ما تكره، فإنه ليس كالمرأة الرديّة تطلقها إذا شئت، ولكنه عرضك ومروءتك ولو كنت معذورا لنزل ذلك عند أكثر الناس بمنزلة الخيانة للإخاء. لا تعتذرنّ إلا إلى من يحبّ أن يجد لك عذرا. لا تستعيننّ إلا بمن تحبّ أن يظفر لك بحاجتك ولا تحدّثنّ إلا من يرى حديثك مغنما ما لم يغلبك اضطرار. (11) إذا أصاب أخوك فضل منزلة أو سلطان فأره أنّ سلطانه زاده عندك توقيرا وإجلالا من غير أن تزيده ودّا ولا نصحا، ولا تقرر الأمر بينك وبينه على ما كنت تعرف من أخلاقه فإن الأخلاق مستحيلة مع السلطان، وربما رأينا الرجل المدلّ على السلطان بقدمه قد أضرّ به قدمه. (12) احترس من سورة الغضب وسورة الحمية وسورة الحقد وسورة الجهل، واعدد لكلّ شيء من ذلك عدة تجاهده بها: من الحلم والتفكر والروية وذكر العاقبة وطلب الفضيلة، فليس أحد من الناس إلا فيه من كل طبيعة ونحيتة سوء غريزة، وإنما التفاضل في مغالبة طباع السوء، فأما أن يسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 أحد من تلك الطبائع فمما ليس فيه مطمع. (13) ذلّل نفسك بالصبر على جار السوء، وعشير السوء، وجليس السوء، وخليط السوء، فإن ذلك مما لا يكاد يخطئك. (14) اعلم أن بعض العطيّة لؤم، وبعض السلاطة عيّ، وبعض العلم جهل، فإن استطعت أن لا يكون إعطاؤك خورا ولا بيانك هذرا ولا علمك وبالا فافعل. (15) إن استطعت ألا تخبر بخير إلا وأنت مصدّق، ولا يكون تصديقك إلا ببرهان فافعل، ولا تقل كما يقول السفهاء: أخبر بكل ما سمعت، فإن الكذب أكثر ما أنت سامع، وإنّ السفهاء أكثر من هو قائل. (16) لا تصاحبنّ أحدا وإن استأنست به ذا قرابة ومودة ولا ولدا ولا والدا إلا بمروءة، فإن كثيرا من أهل المروءة قد يحملهم الاسترسال والتبذل على أن يصحبوا كثيرا من الخلطاء بالإدلال والتهاون، وإنه من فقد من صاحبه المروءة وإجلالها ووقارها أحدث ذلك في قلبه رقة شان وسخف منزلة. (17) لا يعجبك إكرام من أكرمك لمنزلة أو سلطان، فإن السلطان أوشك أمور الدنيا زوالا، ولا من يكرمك للمال، فإن المال يتلو السلطان في سرعة الزوال. (18) لا تخبر عدوّك أنك له عدوّ فتنذره بنفسك وتؤذنه بحربك قبل الاعذار والفرصة، فتحمله على التسلّح لك وتوقد ناره عليك؛ واعلم أنه أعظم لخطرك أن يرى عدوك أنك لا تتخذه عدوا فإن ذلك غرّة له وسبيل إلى المقدرة عليه، فإن قدرت ولم تكاف بالعداوة احتقارا، فهنالك استكملت عظم الخطر والمروءة، وان كافيت بها فإياك أن تكافئ عداوة السرّ بعداوة العلانية، وعداوة الخاصة بعداوة العامة، فإن ذلك هو الظلم والاعتداء. وليس كلّ عداوة تكافأ بمثلها، فالخيانة لا تكافأ بالخيانة، والسرقة لا تكافأ بالسرقة. ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 الحيلة في أمر عدوك أن تصادق أصدقاء وتؤاخي إخوانه وتدخل بينه وبينهم في سبيل الشقاق والتجافي. (19) لا تتخذنّ الشتم واللعن على عدوك سلاحا، فإنه لا يجرح في نفس ولا مال ولا دين ولا منزلة، بل احص معايبه ومعايره وتتبع عوراته، حتى لا يشذّ عنك صغيرها ولا كبيرها، من غير أن تشيع ذلك فيتقيك به ويستعدّ له، أو تذكرة في غير موضعه فيكون كمستعرض الهواء [بنبله قبل إمكان الرمي] ومن أحزم الرأي في عدوّك أن لا تذكره إلا حيث تضرّه وألا تعدّ يسير الضرّ يسيرا. (20) إن أردت أن تكون داهيا فلا تعلمنّ الناس ذلك، فإنه من عرف بالدهاء صار خاتل علانية، وحذره الناس، وإن من إرب الأريب دفن رأيه ما استطاع حتى يعرف بالمسامحة في الخليقة والطريقة. (21) عليك بالحذر في علمك والجراءة في قلبك. إن من عدوك من تعمل في هلاكه، ومنهم من تعمل في البعد عنه، ومنهم من تعمل في مصالحته، فاعرفهم على منازلهم، ومن أقوى القوة لك على عدوك أن تحصي على نفسك العيوب والعورات كما تحصيها على عدوك، وتنظر عند كلّ عيب تسمعه هل قارفت ما شاكله أم سلمت منه، فكاثر «1» عدوّك بإصلاح عيوبك وتحصين عوراتك واحراز مقاتلك. وإن حصل من عيوبك وعوراتك ما لا تقدر على إصلاحه من ذنب قد مضى أو ذنب يعيبك عند الناس ولا تراه أنت عيبا فاحفظ ذلك وما عسى أن يقول فيه قائل من نسبك ومثالب آبائك وعيب إخوانك وأخدانك، ثم اجعل ذلك كلّه نصب عينك، واعلم أن عدوك مريدك بذلك، فلا تغفل عن التهيؤ له والإعداد لعدّتك وحجتك وحيلتك فيه سرا وعلانية، فأما الباطل فلا تروعنّ به قلبك ولا تستعدنّ له، ولا تشتغلنّ بشيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 من أمره فإنه [لا] يهولك ما لم يقع، فإذا وقع اضمحل. (22) واحذر المراء واعرفه ولا يمنعنّك حذر المراء من حسن المناظرة والمجادلة، واعلم أن المماري هو الذي لا يريد أن يتعلّم من صاحبه، [ولا يرجو أن يتعلم منه صاحبه] «1» فإن زعم زاعم أنه إنما يجادل الباطل عن الحقّ فإن المجادل وإن كان ثابت الحجة حاضر البيّنة فإنه يخاصم إلى غير قاض، وإنما قاضيه عدل صاحبه وعقله، وإذا آنس عند صاحبه عقلا يقضي به على نفسه فقد اصاب وجه أمره، فإذا تكلم على غير ذلك كان مماريا. (23) إذا تراكمت عليك الأعمال فلا تلتمس الرّوح في مدافعتها والرّواغ فيها، فإنه لا راحة لك إلا في إصدارها، وإن الصبر عليها هو الذي يحقّقها، والضجر منها هو الذي يراكمها عليك. وإذا ورد عليك شغل وأنت في آخر قبله فلا تكدّر عليك الأول تكديرا يفسده، وليكن معك رأيك، فاختر أولى الأمرين فاشتغل به حتى يفرغ، ولا يعظمنّ عليك تأخير ما تأخر إذا أعملت الرأي معمله وجعلت شغلك في حقه. (25) اجعل لنفسك في كلّ شيء غاية ترجو القوة والتمام عليها، واعلم أنك إذا جاوزت الغاية في العبادة صرت الى التقصير، وان جاوزتها في حمل العلم لحقت بالجهال، وإن جاوزتها في تكلّف رضى الناس والخفة معهم في حاجاتهم كنت المسحور «2» المضيّع. (25) لا تجالسنّ امرءا بغير طريقته، فإنك إن أردت لقاء الجاهل بالعلم، والجافي بالفقه، والعيي بالبيان، لم تزد على أن تضيع عقلك وتؤذي جليسك لحملك عليه ثقل ما لا يعرف، واعلم أنه ليس من علم يذكر عند غير أهله إلا عادوه ونصبوا له ونقضوه وحرصوا على أن يجعلوه جهلا، حتى إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 كثيرا من اللعب واللهو الذي هو أخفّ الأشياء على الناس، ليحضره من لا يعرفه فيثقل عليه ويغتّم به. (26) اتق الفرح عند المحزون، واعلم أنه يحقد على الطّلق ويشكر المكتئب. وإذا سمعت من جليسك حديثا يحدّث به عن نفسه أو عن غيره، مما تنكره وتستخفّه، فلا يكونن منك التكذيب والتسخيف، ولا يجرئنّك عليه أن تقول إنما حدّث عن غيره، فإن كلّ مردود عليه سيمتعض من الردّ، فإن كان في القوم من تكره له أن يستقرّ في قلبه ذلك القول لخطأ تخاف أن يعتقده أو مضرة تخشاها على أحد فإنّك قادر على أن تنقض ذلك في ستر فيكون أيسر للنقض، وأبعد من البغضة، واعلم أن خفض الصوت وسكون الريح ومشي القصد من دواعي المودّة إذا لم يخالط ذلك بأو ولا عجب. (27) تعلّم حسن الاستماع وإمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، وقلة التلفّت «1» إلى الجواب والاقبال بالوجه والنظر الى المتكلم والوعي لما يقول. (28) ومن الأخلاق السيئة على كلّ حال مغالبة الرجل على كلامه والاعتراض فيه والقطع للحديث. (29) واعلم أن شدة الحذر عين عليك لما تحذر، وان شدة الاتقاء تدعو إلى ما تتقي. (30) إن رأيت نفسك قد تصاغرت الدنيا إليها، ودعتك نفسك إلى الزهادة فيها، على كل حال تعذّر من الدنيا عليك، فلا يغرنّك ذلك من نفسك على تلك الحال، فإنها ليست بزهادة ولكنها ضجر واستخذاء عند ما أعجزك من الدنيا، وغضب منك عليها بما التوى عليك منها، ولو تممت على رفضها أوشكت أن ترى من نفسك من الضجر والجزع أشدّ من ضجرك الأول، ولكن إذا دعتك نفسك إلى بغض الدنيا وهي مقبلة عليك فاسرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 إجابتها. (31) إذا كنت في جماعة قوم فلا تعمّنّ جيلا من الناس ولا أمة من الأمم بشتم ولا ذمّ، فإنك لا تدري لعلك تتناول بعض أعراض جلسائك، ولا تذمّنّ مع ذلك اسما من أسماء الرجال والنساء تقول: إنّ هذا لقبيح من الأسماء، إذا كنت لا تدري لعلّ ذلك يوافق لبعض جلسائك بعض أسماء الأهلين والحرم، ولا تستصغرنّ من هذا كلّه شيئا، فكلّه يجرح في القلب، وجرح اللسان أشدّ من جرح اليد. [1020]- وصّى محمد بن علي بن الحسين بعض أصحابه وهو يريد سفرا، فقال: لا تسيرنّ سيرا وأنت حاقن، ولا تنزلنّ عن دابة ليلا لقضاء حاجة إلا ورجلك في خفّ، ولا تبولنّ في نفق، ولا تذوقنّ بقلة ولا تشمّها حتى تعلم ما هي، ولا تشرب من سقاء حتى تعلم ما فيه، واحذر من تعرف، ولا تصحب من لا تعرف. تعلموا العلم فإن تعلّمه جنّة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعظيمه صدقة، وبذله لأهله قربة، والعلم منار الجنة، وأنس من الوحشة، وصاحب في الغربة، ورفيق في الخلوة، ودليل على السّرّاء، وعون على الضرّاء، وزين عند الاخلّاء، وسلاح على الأعداء، ويرفع الله به قوما ليجعلهم في الخير أئمة يقتدى بفعالهم وتقتصّ آثارهم، ويصلّي عليهم كلّ رطب ويابس وحيتان البحر وهوامّه وسباع البّر وأنعامه. [1021]- ومن كلامه: صانع المنافق بلسانك، وأخلص مودتك للمؤمن، ولا تجاوز صدقاتك إلى كافر. [1022]- وقال معاوية لعبد الرحمن بن الحكم: بلغني أنك قد لهجت   [1022] ربيع الابرار: 380/أوالعقد 5: 281 وأنساب الأشراف 4/1: 22 ومجالس ثعلب: 411 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 بقول الشعر؛ قال: قد فعلت، قال: فإياك والتشبيب بالنساء فتعرّ الشريفة وترمي العفيفة وتقرّ على نفسك بالفضيحة، وإياك والهجاء فإنك تحنق عليك كريما وتستثير سفيها، وإياك والمديح فإنه طعمة الوقاح وتفحّش السّؤال، ولكن افخر بمفاخر قومك، وقل من الشعر ما تزين به نفسك وتؤدّب به غيرك. [1023]- قال علي عليه السلام: عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شرّه بالإنعام عليه. وللعرب وصايا فيها أدب حسن لمن تأملها، إلا أنّ أكثرها أمر بالسؤدد والجود والشجاعة وما يلائم طباعهم ويشاكل عوائدهم، وسأذكرها هنا ما يليق بهذا الباب خاصة. [1024]- قيل إن عمرو بن حممة الدّوسيّ قضى بين العرب ثلاثمائه سنة، فلما كبر قرنوا به السابع أو التاسع من ولده، فإذا غفل الشيخ قرع له العصا، فكانت هذه الأمارة بينهما ليرجع إلى الصواب، وذلك قول الشاعر: [من الطويل] .   والبصائر 7 (رقم: 325) والطبري 2: 213 وابن الاثير 4: 8 والبيهقي: 432 ومحاضرات الراغب 1: 37. [1023] نهج البلاغة: 500 (رقم: 158) وقد مرّ قبل في الفقرة 958. [1024] المعمرون: 58- 60 (ونسبه لعامر بن الظرب) والبيت للمتلمّس في ديوانه: 26 والبيان 3: 38، 269 وجمهرة ابن دريد 2: 284، 384 والشعر والشعراء: 113 وعيون الأخبار 2: 205 والمصون: 84 والمستقصى 2: 281 وفصل المقال: 131 وانساب الأشراف 4/1: 114، 243. وقوله: «من لك بأخيك كله» مثل في أمثال ابي عبيد: 51 (لأبي الدرداء) وجمهرة العسكري 2: 283 والميداني 2: 301 والمستقصى: 359 وفصل المقال: 44؛ وقوله: «من ير يوما ير به» مثل عند أبي عبيد: 334 وجمهرة العسكري 2: 172 والميداني 2: 304 والمستقصى 2: 361 وفصل المقال: 461؛ وقوله «قبل الرماء تملأ الكنائن» في أمثال أبي عبيد: 215 وجمهرة العسكري 2: 122 والميداني 2: 107 والمستقصى 2: 186 واللسان (رمى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علّم الإنسان إلّا ليعلما فلمّا خشي عليه قومه الموت اجتمعوا، فقالوا: إنك سيدنا وشريفنا فاجعل لنا سيدا وشريفا بعدك. فقال: يا معشر دوس، كلفتموني تعبا، إن القلب يخلق كما يخلق الجسم، ومن لك بأخيك كله (وهو أول من قالها) إن كنتم شرفتموني [فإني] أفرشتكم نفسي، وتحمّلت مؤنكم وخففت عنكم مؤونتي، وألنت لكم جانبي، افهموا ما أقول لكم: إنه من جمع بين الحقّ والباطل لم يجتمعا له، وكان الباطل أولى به، فإن الحقّ لم يزل ينفر من الباطل، والباطل ينفر من الحقّ. يا معشر دوس لا تشمتوا بالزلّة ولا تفرحوا بالعلو، فإنّ الفقير يعيش بفقره كما يعيش الغنيّ بغناه، ومن ير يوما ير به (وهو أول من قالها) وأعدّوا لكلّ امرىء قدره، وقبل الرماء تملأ الكنائن، ومع السفاهة الندامة، ولليد العليا العاقبة. إذا شئت وجدت مثلك. إن عليك كما أن لك. وللكثرة الرعب وللصبر الغلبة. من طلب شيئا وجده وإلّا يجده فيوشك أن يقع قريبا منه. [1025]- ولما قتل قيس بن زهير أهل الهباءة خرج حتى لحق بالنمر بن قاسط، فقال: يا معشر النمر أنا قيس بن زهير، غريب حريب، طريد شريد موتور، فانظروا لي امرأة قد أدّبها الغنى وأذلّها الفقر. فزوجوه امرأة منهم يقال لها ظبية بنت الكبش النّمريّ. ثم قال: إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي: إني فخور غيور أنف، ولست أفخر حتى أبتلى، ولا أغار حتى أرى، ولا آنف حتى أظلم، فرضوا بأخلاقه، فأقام فيهم حتى ولد له، ثم إنه أراد التحول، فقال: يا معشر النمر، إنّي أرى لكم عليّ حقا بمصاهرتي لكم وإقامتي بين أظهركم، وإني آمركم بخصال وأنهاكم عن خصال: عليكم بالأناة   [1025] نثر الدر 6: 91 وأمالي المرتضى 1: 207- 208 وشرح النهج 17. 110 والمعمرون: 144 وسرح العيون: 139 ونشوة الطرب: 531. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 فبها تدرك الحاجة وتنال الفرصة، وتسويد من لا تعابون بتسويده، والوفاء فإن به يعيش الناس، وإعطاء من تريدون اعطاءه قبل المسألة، ومنع من تريدون منعه قبل الإلحاح، وإجارة الجار على الدهر، وتنفيس البيوت عن منازل الأيامى، وخلط الضيف بالعيال، وأنها كم عن الرهان فبه ثكلت مالكا أخي، وعن البغي فإنه صرع زهيرا أبي، وعن السّرف في الدماء فإنّ قتلي أهل الهباءة أورثني العار، ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق، وأنكحوا الأيامى الأكفاء، فإن لم تصيبوا الأكفاء فخير بيوتهن القبور، واعلموا أني أصبحت ظالما مظلوما- ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكا أخي، وظلمتهم بقتل من لا ذنب له. ثم رحل عنهم فلحق بعمان فأقام بها حتى مات. [1026]- وصف عليّ كرم الله وجهه صاحبا له فقال: كان لي فيما مضى أخ في الله، وكان يعظّمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه، فلا يتشهّى ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد، وكان أكثر دهره صامتا، فإذا قال بذّ القائلين ونقع غليل السائلين، وكان ضعيفا مستضعفا، فإذا جاء الجدّ فهو ليث عاد وصلّ واد، لا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا، وكان لا يلوم أحدا على ما لا يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره، وكان لا يشكو وجعا إلا عند برئه، وكان يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل، وكان إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، وكان على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم، وكان إذا بدهه أمران نظر أيّهما أقرب إلى الهوى فخالفه، فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها، وإن لم تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ القليل خير من ترك الكثير.   [1026] نهج البلاغة: 526 (رقم: 289) والنصّ نفسه مع ما فيه من زيادات في الأدب الكبير: 105 (والحكمة الخالدة: 326) وربيع الابرار 1: 805 ونسب في عيون الاخبار 2: 355 للحسن؛ وانظر الاسد والغواص: 40 والمرادي: 239 وزهر الآداب: 198. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وقد ادّعى ابن المقفع أكثر هذا الكلام في رسالة له وألحق به: كان خارجا من سلطان فرجه فلا يدعو إليه مؤونة ولا يستخفّ له رأيا ولا بدنا، وكان خارجا من سلطان الجهالة، فلا يقدم أبدا إلّا على ثقة بمنفعة. كان لا يدخل في دعوى ولا يشرك في مراء. كان لا يشكو إلّا إلى من يرجو النصيحة لهما جميعا. كان لا يتبرّم ولا يسخط ولا يتشهّى ولا يتشكّى ولا ينتقم من الوليّ، ولا يغفل عن العدو، ولا يخصّ نفسه دون إخوانه بشيء من اهتمامه وحيلته وقوته. [1027]- ومن كلام الحسن بن علي عليهما السلام: إذا سمعت أحدا يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك، فإن أشقى الأعراض به معارفه، ولا تتكلّف ما لا تطيق ولا تتعرّض لما لا تدرك، ولا تعد ما لا تقدر عليه، ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد، ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما عندك من الغناء، ولا تفرح إلا بما نلت من طاعة الله تعالى، ولا تتناول إلّا ما ترى نفسك أهلا له، فإنّ تكلّف ما لا تطيق سفه، والسعي فيما لا تدرك عناء، وعدة ما لا تنجز تفضح، والانفاق من غير فائدة حرب، وطلب الخير بغير غناء سخافة، وبلوغ المنزلة بغير استحقاق يشفي على الهلكة. [1028]- لما احتضر قيس بن عاصم قال لبنيه: يا بنيّ احفظوا عنّي فإنه لا أحد أنصح لكم مني: إذا أنا متّ فسوّدوا كباركم ولا تسوّدوا صغاركم، فيحقر الناس كباركم وتهونوا عليهم، وعليكم بحفظ المال فإنّه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم والمسألة فإنها أخر كسب الرجل. [1029] قال الزبير بن عبد المطلب: [من المتقارب] .   [1028] البيان والتبيين 2: 79- 80 والكامل 1: 181، 210 وأمالي الزجاجي 290 وشرح النهج 17: 122. [1029] منها خمسة أبيات في الشريشي 2: 249 والاول والثاني في بهجة المجالس 1: 278- 279 والثاني والخامس 1: 454 لصالح بن عبد القدوس؛ والأول ومعه بيت آخر لم يرد هنا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 إذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما ولا توصه وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور حكيما ولا تعصه ولا تنطق الدهر في مجلس ... حديثا إذا أنت لم تحصه ونصّ الحديث إلى أهله ... فإنّ الوثيقة في نصّه وإن ناصح عنك يوما نأى ... فلا تنأ عنه ولا تعصه وكم من فتى عازب عقله ... وقد تعجب العين من شخصه وآخر تحسبه جاهلا ... ويأتيك بالأمر من فصّه [1030]- وقال الكميت بن زيد: [من الطويل] . وإن لم يكن إلّا الأسنّة مركب ... فلا رأي للمحمول إلّا ركوبها [1031]- وقال أعرابي: [من الوافر] . إذا ضيعت أوّل كلّ أمر ... أبت أعجازه إلا التواء وإن سوّمت أمرك كلّ وغد ... ضعيف كان أمركما سواء وإن داويت أمرا بالتناسي ... وباللّيّان أخطأت الدواء [1032]- قال الرضيّ: [من الرجز] . كم قابس عاد بغير نار ... لا بدّ للمسرع من عثار   حماسة البحتري: 132 لعبد الله بن معاوية الجعفري؛ والسادس والسابع في حماسة البحتري: 135 له أيضا (وأدرجت في مجموع شعره: 51) وانظر الحماسة البصرية 2: 59 وطبقات فحول الشعراء: 246 وغرر الخصائص: 94. [1030] شعر الكميت 1: 119 وعيون الاخبار 3: 112 والشعر والشعراء: 488 والتمثيل والمحاضرة: 68. [1031] الأبيات في ديوان المعاني 1: 143. [1032] ديوان الرضي 1: 543. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 [1033]- وقال أيضا: [من السريع] . من أشرع الرمح إلى ظهره ... لا بدّ أن يقلب ظهر المجن [1034]- وقال: [من الكامل] . ما كنت أجرع نطفة معسولة ... طوع المنى وإناؤها من حنظل [1035]- وقال آخر: [من الطويل] . إياك والأمر الذي إن توسّعت ... موارده ضاقت عليك المصادر فما حسن أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من سائر الناس عاذر [1036]- وقال محمد بن أبي شحاذ الضبيّ: [من الطويل] . إذا أنت أعطيت الغنى ثمّ لم تجد ... بفضل الغنى ألفيت ما لك حامد إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد إذا الحلم لم يغلب لك الجهل لم تزل ... عليك بروق جمّة ورواعد إذا العزم لم يفرج لك الشكّ لم تزل ... جنيبا كما استتلى الجنيبة قائد وقلّ غناء عنك مال جمعته ... إذا كان ميراثا وواراك لاحد [1037]- قيل: العزلة توفّر العرض، وتستر الفاقة، وترفع ثقل   [1033] لم أجده في ديوان الرضي. [1034] ديوان الرضي 2: 115. [1035] عيون الأخبار 2: 192 وبهجة المجالس 2: 263. [1036] يقال له أيضا حميد وهو شاعر إسلامي (معجم الشعراء: 344- 345 وفيه الابيات) ؛ وانظر شرح المرزوقي على الحماسة: 1199 وكتاب الآداب: 96 والبيت الثاني في اللسان (عرك) والثالث في بهجة المجالس 1: 616. [1037] محاضرات الراغب 2: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 المكافأة. [1038]- وقد قيل: ما احتنك أحد قطّ إلّا أحبّ الخلوة. [1039]- قال الأحنف: أكرموا سفهاءكم فإنهم يكفونكم العار والنار. [1040]- قال حكيم: لا تقبل الرئاسة على أهل مدينتك، ولا تتهاون بالأمر الصغير إذا كان يقبل النمّو، ولا تلاح رجلا غضبان فإنك تقلقه باللّجاج، ولا تجمع في منزلك بين نفسين تتنازعان في الغلبة، ولا تفرح بسقطة غيرك فما تدري كيف يدور الزمان، ولا في وقت الظفر فإنك لا تدري حدثان الدهر، ولا تهزأ بخطأ غيرك لأنّ المنطق لا تملكه، ولا تؤاخذ بالخطأ بنوع الصواب الذي في جوهرك، ولا تغرس النخل في منزلك. وينبغي للأديب أن يأخذ من جميع الآداب أجودها كما أن النحل يأخذ من كلّ زهر أطيبه.   [1038] محاضرات الراغب 2: 26 والبصائر 2: 639 وربيع الابرار 1: 779. [1039] نثر الدر 5: 17 والتمثيل والمحاضرة: 434 وكتاب الآداب: 17 ومحاضرات الراغب 1: 242 وورد في التمثيل والمحاضرة: 31 وفي أدب الدنيا والدين: 249 وزهر الآداب: 55 منسوبا لعمرو بن العاص وورد في تحسين القبيح: 53- 54 للأحنف. [1040] هو لأفلاطون في السعادة والاسعاد: 168 وانظر لباب الآداب: 457. 26 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 الفصل الخامس أخبار في السّياسة والآداب [1041]- لما وضع كسرى أنوشروان الخراج على الأرض وأحكم أمره وقرّر الإتاوات على مجاوري أطراف مملكته، وأتت عليه ثماني وعشرون سنة لملكه جدّد النظر في ولايته، والعدل على رعيته وانصافهم وإحصاء مظالمهم. وكان أنوشروان ملك على ضعف ممن كان قبله، ولين انتشر به حبل الفرس وغلب عليهم مجاوروهم، قال أنوشروان: فأمرت موبذ كلّ ثغر ومدينة وبلد وجند بانهاء حالهم إليّ، وأمرت بعرض الجند: من كان منهم بالباب بمشهد مني، ومن غاب في الثغور والأطراف بمشهد القائد وباذوسبان «1» والقاضي وأمين من قبلنا، وأمرت بجمع أهل كور الخراج في كلّ ناحية من مملكتي إلى مصرها مع القائد وقاضي البلد والكاتب والأمين، وسرّحت من قبلي من عرفت صحّته وأمانته ونسكه إلى كلّ مصر ومدينة ليجمعوا بين العمال وبين أهل أرضهم وبين وضيعهم وشريفهم، وأن يرفع الأمر كلّه على حقّه وصدقه، فما نفّذ لهم فيه أمر، أو صحّ فيه القضاء ورضي به أهله فرغوا منه هنالك، وما أشكل عليهم رفعوه إليّ، وبلغ من اهتمامي بتفقّد ذلك ما لولا الذي أداري من الأعداء   [1041] قارن بما أورده مسكويه (في تجارب الأمم) ونقله الدكتور محمدي في كتابه الترجمة والنقل عن الفارسية: 65 وما بعدها؛ وابن حمدون يعتمد الحذف في النقل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 والثغور لباشرت ذلك بنفسي وتصفّحت الخراج والرعية قرية قرية وكلمت رجلا رجلا، غير أني خفت أن يضيع بذلك ما هو أكثر منه، والأمر الذي لا يغني فيه غنائي أحد مع ما في الشخوص إلى قرية قرية من المؤونة على الرعية وجندنا، وكرهنا إشخاصهم إلينا تخوفا أن نشغل أهل الخراج عن عمارة أراضيهم، أو يكون فيهم من يدخل عليه في ذلك مؤونة، وبلغنا أن أولئك الأمناء لم يبالغوا على قدر رأينا في الرعية، فأمرت بالكتب إلى قاضي كلّ كورة أن يجمع أهل كورته بغير علم عاملهم وأولي أمرهم، ويسألهم عن مظالمهم وما استخرج منهم ويفحص عن ذلك بمجهود رأيه ويبالغ فيه ويكتب حال [رجل] رجل منهم ويختم عليه بخاتمه وخاتم الرضى من أهل تلك الكورة، ويبعث به إليّ. ونظرت في الكتب والمظالم فأية مظلمة كانت من العمال أو من وكلائنا أو من وكلاء أولادنا ونسائنا وأهل بيتنا حططناها عنهم بغير بيّنة، لضعف أهل الخراج وظلم أهل القوة من السلطان لهم، ولم يجعل الله لذوي قرابتنا وخدمنا وحاشيتنا منزلة عندنا دون الحقّ والعدل، وأية مظلمة كانت لبعض الرعية من بعض ووضحت لنا، أمرت بانصافهم قبل البراح، وما أشكل أوجب الفحص عنه بشهود البلد وقاضيه، فسرّحت أمينا من الكتّاب، وأمينا من فقهاء ديننا، وأمينا ممن وثقت به من حاشيتنا، حتى أحكمت ذلك إحكاما وثيقا. [1042]- وقيل إنّ أنوشروان لما تقلّد المملكة عكف على الصّبوح والغبوق، فكتب إليه وزيره يقول: إن في إدمان الملك الشرب ضررا على الرعية، والوجه تخفيف ذلك والنظر في أمور المملكة. فوقّع على ظهر الرقعة بما ترجمته: إذا كانت سبلنا آمنة، وسيرتنا عادلة، والدنيا باستقامتها عامرة،   [1042] مطالع البدور 1: 146. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وعمالنا بالحق عاملة، فلم نمنع فرحة عاجلة؟ اعترض عليه في ذلك فقيل: أخطأ في وجوه أحدها أنّ الإدمان إفراط، والإفراط مذموم، والآخر أنه جهل أنّ أمن السّبل وعدل السيرة وعمارة الدنيا والعمل بالحقّ متى لم يوكل به الطّرف الساهر ولم يحظ بالعناية التامة، ولم يحفظ بالاهتمام الجالب لدوام النظر، دبّ إليها النقص، والنقص مزيل للأصل، مزعزع للدعامة، والآخر أنّ الزمان أعزّ من أن يبذل كله للهو والتمتع، فإنّ في تكميل النفس باكتساب الرشد لها، وإبعاد الغيّ عنها ما يستوعب أضعاف العمر، فكيف إذا كان العمر قصيرا أو كان ما يدعو إليه الهوى كثيرا، والآخر أنه ذهب عليه أنّ العامة والخاصة إذا وقفت على استهتار الملك باللذات وانهماكه في طلب الشهوات ازدرته واستهانت به وحدّثت عنه بالأخلاق المذمومة، واستهانتهم للناظر في أمورهم والقيّم بشأنهم، متى تكررت على اللسان انتشرت في المحافل والتفت بها بعضهم إلى بعض، وهذه مكسرة للهيبة، وقلة الهيبة رافعة للحشمة، وارتفاع الحشمة باعث على الوثبة، والوثبة غير مأمونة من الهلكة، وما خلا الملك من طامع راصد قطّ، وليس ينبغي للملك الحازم أن يظنّ أنه لا ضدّ له ولا منازع، فقد ينجم الضد والمنازع من حيث لا يحتسب، وما أكثر خجل الواثق. وعلى الضدّ متى كان السائس ذا تحفّظ وبحث وتتبّع وحزم وإكباب على لمّ الشّعث وتقويم الأود وسدّ الخلل وتعرّف المجهول وتحقق المعلوم ودفع المنكر وبثّ المعروف، احترست منه العامة والخاصة، واستشعرت الهيبة والتزمت بينها النّصفة، وكفّت كثيرا من معاناتها ومراعاتها، فإن كان للدولة راصد للعثرة، يئس من نفوذ الحيلة فيها، لأنّ اللصّ إذا رأى مكانا حصينا، وعهد حراسا لم يحدّث نفسه بالتعرّض له، وإنما يقصد قصرا فيه ثلمة، أو بابا إليه طريق. والأعراض بالأسباب، فإذا ضعف السبب ضعف العرض، وإذا انقطع العرض انقطع السبب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 [1043]- لما حارب الإسكندر دارا بن دارا تقرّب إليه قائدان من قواد دارا بقتله على شرط لهما وبذل، فلما قتلاه وفّى لهما بالشرط والبذل ثم قتلهما وقال: لم تكونا شرطتما أنفسكما، وليس لقتلة الملوك أن يستبقوا إلّا بذمّة لا تخفر. [1044]- ولما ملك الاسكندر بلاد الفرس هاب رجالهم لما رأى من كلامهم وعقولهم فهمّ بقتل أكابرهم، وكاتب أرسطاطاليس يستشيره فيهم، فنهاه عن قتلهم وقال: هذا من الفساد في الأرض، ولو قتلتهم لأنبتت أرض بابل أمثالهم، وأشار عليه بأن يفرّق المملكة بين أولاد الملوك لتتفرّق كلمتهم ولا يدين بعضهم لبعض، ففعل ذلك. حتى أمكنه تجاوز بلاد فارس إلى أرض الهند والصين، وكانت نتيجة هذا الرأي أن ملك الفرس تقسّم بعد موت الاسكندر، فصار في ملوك الطوائف مدة خمسمائة واحدى عشرة سنة، إلى أن قام بالملك أردشير بن بابك فجمع المملكة بعد معاناة شديدة ومشقة عظيمة، وقال أردشير: نحن نضرب بسيف أرسطاطاليس مذ هذه المدة البعيدة. [1045]- وقيل جلس الاسكندر يوما مجلسا عاما، فلم يسأل حاجة، فقال لجلسائه: والله ما أعدّ هذا اليوم من أيام عمري في ملكي. قيل: ولم أيها الملك، دامت لك السعادة؟ قال: لأنّ الملك لا يوجد التلذذ به إلا بالجود للسائل، والا باغاثة الملهوف، وإلا بمكافأة المحسن، وإلّا بانالة الطالب وإسعاف الراغب. قيل له: إنا نظنّ أنك أتعب الخلق وأنك لا تنام الليل ولا تنعم النهار ولا تجد لذة طعام ولا شراب، فقال: ليس كما ظننتم، إنّ الأمور التي أليها قد انقسمت لي بين مسموع بالأذن، وبين ملحوظ بالعين،   [1043] قارن بما في سرح العيون 65- 66، وفي التاج: 109 ان الذين قتلوا دارا كانوا جماعة. [1044] وردت رسالة ارسطاطاليس الى الاسكندر في سرح العيون: 67- 68. [1045] منه جزء يسير في نثر الدر 7: 21 (رقم 86) : ومختار الحكم: 244 وسرح العيون: 73 ومنتخب صوان الحكمة: 161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وبين مصروف بالرويّة، وبين مدبّر باللسان، وعناية النفس السائسة قد دبرت هذه الأشياء كلها، فما ينساق منها بقوتها على المراد والايثار أكثر مما ينساق منها بالاجتهاد والإجبار، وإني لأهمّ بالشيء فأكون كأني قد باشرته، وأومىء إليه فأكون كأني قد تقدمت فيه، وآمر به فكأني قد كفيته، وألبسه فأكون كأني قد فرغت منه، وربما وجدت في أموري ما يسبق أمنيتي ويزيد على اقتراحي، ولقد بلغت ما ترون فما أعيتني إيالة ولا أعوزتني آلة، وما نفعني كلام ككلام كتبه إليّ أرسطو معلمي، فإنه قال في رسالة: أيها الملك لا تنخدع للهوى وإن خيّل إليك أنّ في انخداعك له خداعه، فقد يسترسل الانسان في بعض الأشياء، وهو يظنّ أنه متحفّظ ليظفر بمطلوبه، فيعود إليه ذلك الاسترسال بأعظم الوبال، ويضمحلّ ذلك التحفظ كأنه لم يخطر ببال. واجمع في سياستك بين بدار لا حدّة فيه وريث لا غفلة معه، وامزج كلّ شيء بشكله حتى تزداد قوة وعزّة من ضده حتى تتميز لك صورته، وصن وعدك من الخلف فإنه شين، وشب وعيدك بالعفو فإنه زين، وكن عبدا للحقّ فعبد الحقّ حرّ، وليكن وكدك الاحسان إلى جميع الخلق، ومن الاحسان وضع الإساءة في موضعها، فإن للاحسان أهلا وإن لضده أهلا، وكن نصيح نفسك فليس لك أرأف بك منك، وإذا أشكل عليك أمر، واعتاص على حولك وجه، فاضرع إلى الله الذي قادك إلى هذه الغاية، فإنه يفتح عليك المرتج، ويتمّ لك المخدج، ويجعل لك في كلّ أمر أسهل المدخل والمخرج. وإذا أفاتك الله شيئا فاستيقن أنّ ذلك لسهو عرض لك في الشكر على ما أفادك، والشكر على النعمة هو أن تعترف بالنعم لله أولا، ثم تشرك عباده فيها ثانيا، ومهما أخطأك شيء فلا يخطئنّك الفكر في الرحيل عن هذا الحرى «1» ، فإنك إذا فكّرت فيه سلوت عن الفائت، وقلّ اعتدادك بالحاصل، وكما يعجبك من غيرك أن يصدقك فليعجبك أن تصدق نفسك حتى يقبل منها صدقها لك. وإذا تظاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الصدق بينكما ظهرت على جميع أوليائك ورعيتك. واجتنب الشراب فإنه وقود الشرّ، واللهو فإنه فوت العمر، ولا تجعل إحسانك ضربة فإنّ ذلك مغراة بالمنهيّ عنه، ولكن بتدريج يحفظ عليك اعتدالك، ومداراة تظهر عنك جمالك، والزم الخمص فأنه أذكر بالخصاصة، وأجلب للاعتدال، وأبعد من شبه البهيمة، وأدخل في مشاكلة الأشخاص السماوية. [1046]- كتب ملك إلى ملك: بم انتظمت مملكتك، واستقامت رعيتك؟ فقال في الجواب: بثماني خصال: لم أهزل في أمر ولا نهي، ولا أخلفت موعدا ولا وعيدا قطّ، وعاقبت للجرم لا للحقد، وولّيت للغناء لا للهوى، واستملت قلوب الرعية من غير كره، وسهّلت الإذن من غير ضعف، وعممت بالقوت، وحسمت الفضول. [1047]- طلب أهل يونان رجلا يصلح للملك بعد ملك لهم فذكروا رجلا، فقال فيلسوف لهم: هذا الرجل لا يصلح للملك، قالوا: ولم؟ قال: لأنه كثير الخصومة، وليس يخلو في خصومته أن يكون ظالما أو مظلوما، فإن كان ظالما لم يصلح للملك بظلمه، وإن كان مظلوما لم يصلح لضعفه، قالوا: صدقت، فأنت أولى بالملك منه، فملكوه. [1048]- وكان المنصور يقول: الخلفاء أربعة أبو بكر وعمر وعثمان   [1046] نثر الدر 4: 84 7: 34 (رقم: 45) وعيون الاخبار 1: 10 والعقد 1: 24 وبهجة المجالس 1: 337 ومنتخب صوان الحكمة: 319 ولباب الآداب: 37، 51- 52 وتسهيل النظر: 279- 280 ونهاية الأرب 6: 44 والأسد والغواص: 197 والجوهر النفيس: 35 ب وغرر الخصائص: 101. [1047] نثر الدر 7: 14 (رقم: 17) وربيع الأبرار: 370/أوالبصائر 7: 269 وفي فقر الحكماء: 210 (لفيثاغور) . [1048] أنساب الأشراف 3: 191- 192 وورد بعضه في محاضرات الراغب 1: 243؛ وقارن بقول له في نثر الدر 3: 28 والموفقيات: 199. وبيت كثير في ديوانه: 261 وانساب الاشراف (استانبول) 1: 622، وروايته «وهو ليث خفية ... اذا أمكنته عدوة» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وعلي، على ما نال عثمان، وما نيل منه أعظم، ولنعم الرجل عمر بن عبد العزيز. والملوك أربعة: معاوية وكفاه زياد، وعبد الملك وكفاه حجّاجه، وهشام وكفاه مواليه، وأنا ولا كافي لي. ولنعم رجل الحرب كان حمار الجزيرة، من رجل لم يكن عليه طابع الخلافة. وكان معاوية للحلم والأناة، وعبد الملك للإقدام والإحجام، وهشام لوضع الأمور مواضعها. ولقد شاركت عبد الملك في قول كثير: [من الطويل] . يصدّ ويغضي وهو ليث عرينة ... وإن أمكنته فرصة لا يقيلها [1049]- قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما لك لا تنام بالليل؟ فقال: لئن نمت بالليل لأضيّعنّ نفسي، ولئن نمت بالنهار لأضيّعنّ الرعية. [1050]- وكان عمر رضوان الله عليه يقول: إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللين في غير ضعف، والقوة في غير عنف. [1051]- وكلّم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلّم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم، فإنه قد أخافهم حتى أخاف الأبكار في خدورهنّ، فقال عمر: إني لا أجد لهم إلّا ذلك، إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي عن عاتقي. [1052]- وقال عمر رضي الله عنه: دلّوني على أحد أستعمله، قالوا: كيف تريده؟ قال: إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا   [1049] نثر الدر 2: 188 (منسوبا لعمر بن عبد العزيز) وكذلك في محاضرات الراغب 2: 405. [1050] البيان والتبيين 3: 255 والعقد 1: 24 وعيون الاخبار 1: 9 وكتاب الآداب: 26 ولقاح الخواطر: 8 ب. [1051] قد تقدم هذا، انظر رقم: 259 وهو في عيون الاخبار 1: 12. [1052] عيون الاخبار 1: 16 والبيهقي: 371- 372 ونثر الدر 2: 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 كان أميرهم كان كأنه رجل منهم، قالوا: ما نعلمه إلّا الربيع بن زياد الحارثي قال: صدقتم هو لها. [1053]- استشار عمر رضي الله عنه عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الشخوص بنفسه إلى قتال الفرس، فقال له عليّ كرم الله وجهه: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلّة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعزّه وأيده، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمّه، فإن انقطع النظام تفرّق وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا؛ والعرب اليوم، وإن كانوا قليلا، كثيرون بالاسلام وعزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ إليك مما بين يديك. إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا: هذا أصل العرب فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك وطمعهم فيك، فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإنّ الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما ما ذكرت من عددهم فانا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وانما كنا نقاتل بالنّصر والمعونة. [1054]- ومثل هذا الرأي ما ذكر أنه كرم الله وجهه حضّ أصحابه على الجهاد، فسكتوا مليّا، فقال: ما لكم أمخرسون أنتم؟ قال قوم منهم: يا أمير المؤمنين إن سرت سرنا معك. فقال عليه السلام: ما لكم لا سدّدتم لرشد، ولا هديتم لقصد، أفي مثل هذا ينبغي أن أخرج؟ إنما يخرج في مثل هذا رجل   [1053] نهج البلاغة: 203. [1054] نهج البلاغة: 175. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 ممّن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم، ولا لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض والقضاء بين المسلمين والنظر في حقوق المطالبين، ثم أخرج في كتيبة اتبع أخرى أتقلقل تقلقل القدح في الجفير الفارغ، وإنما أنا قطب الرحى تدور عليّ وأنا مكاني، فإذا فارقته استحار مدارها، واضطرب ثفالها؛ هذا لعمر الله الرأي السوء. [1055]- لما حصر عثمان الحصار الأول اجتمع ناس إلى طلحة وطمع في الخلافة، وكان عليّ كرم الله وجهه بخيبر، فلما قدم أرسل إليه عثمان فكلّمه وأذكره بحقّه من الاسلام والقرابة والصّهر، فقال له: صدقت، وسيأتيك الخبر، ثم دخل المسجد فرأى أسامة جالسا فدعاه، فاعتمد عليه وخرج يمشي إلى طلحة، فلمّا دخل عليه وجد داره ممتلئة بالرجال، فقام عليّ وقال: يا طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه؟ فقال: يا أبا حسن أبعد ما مسّ الحزام الطبيين؟ فسكت عليّ وانصرف حتى أتى بيت المال فقال: افتحوا هذا الباب فلم يقدر على المفاتيح وتأخر عنه صاحبها، فقال: اكسروه، فكسر باب بيت المال، وقال: أخرجوا المال، وجعل يعطي الناس، فبلغ الذين في دار طلحة ما يصنع عليّ فجعلوا يتسلّلون إليه حتى ترك طلحة وحده، ثم أقبل طلحة يمشي إلى دار عثمان، فلما دخل عليه قال: أستغفر الله يا أمير المؤمنين وأتوب إليه، أردت أمرا فحال الله بيني وبينه، فقال عثمان: إنك والله ما جئت تائبا ولكن جئت مغلوبا، الله حسيبك يا طلحة. [1056]- وروي أن عليا وجد درعا له عند يهوديّ التقطها فعرفها فقال: درعي سقطت عن جمل لي أورق. فقال اليهودي: درعي وفي يدي، ثم قال اليهودي: بيني وبينك قاضي المسلمين، فاتيا شريحا، فلمّا رأى شريح عليا قد أقبل تحرّف عن موضعه وجلس عليّ عليه السلام فيه، ثم قال: لو   [1056] بعضه في محاضرات الراغب 1: 196. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 كان خصمي من المسلمين لساويته في المجلس، ولكني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا تساووهم في المجلس وألجئوهم إلى أضيق الطريق، فإن سبّوكم فاضربوهم، وان ضربوكم فاقتلوهم. ثم قال شريح: ما تشاء يا أمير المؤمنين؟ قال: درعي سقطت منّي وعرفتها، قال شريح: يا يهوديّ ما تقول؟ قال اليهوديّ: درعي وفي يدي، فقال شريح: صدقت، والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك ولكن لا بدّ من شاهدين، فدعا قنبرا مولاه والحسن ابنه فشهدا إنّها لدرعه، فقال شريح: أما شهادة مولاك فقد أجزناها، وأما شهادة ابنك فلا نجيزها. فقال علي: ثكلتك أمّك، أما سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة؟ قال: اللهم نعم، قال: أفلا تجيز شهادة سيد شباب أهل الجنّة؟ والله لأوجهنّك إلى بانقيا تقضي بين أهلها أربعين ليلة، ثم قال لليهودي: خذ الدرع. فقال اليهوديّ: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي، صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل أورق لك التقطتها، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فوهبها له وأجازه بتسعمائة، وقتل معه يوم صفين. وهذا الخبر يجمع معناه سياسة الدين والدنيا. [1057]- قال أبو حاتم: حضرت بعض ولاة البصرة وكان جبارا (ولم يسمّه) فسمعت رجلا في مجلسه يقول: الأتباع يؤنسهم البشر، ويوحشهم الازورار، ويلمهم لين الجانب، ويفرّقهم عنف المعشرة، وازدحام الآمال لديك نعمة من الله عليك، فقابل النعمة بحسن المعاشرة تستدم ورادها، وتستدع نافرها. قال: فما زلت أعرف موقع هذا الكلام من ذلك الوالي حتى افترقنا. [1058]- نظر رجل من قريش إلى صاحب له قد نام في غداة من   [1058] الامتاع والمؤانسة 2: 66 وقارن بما أورده البيهقي: 547 عن ابن عباس حين وجد بعض ولده نائما بالغداة فركله برجله ... وربيع الابرار: 400/أ- ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 غدوات الصيف طيّبة النسيم، فركضه برجله وقال: مالك تنام عن الدنيا في أطيب أوقاتها؟ نم عنها في أخبث حالاتها، نم نصف النهار لبعدك من الليلة الماضية والجائية، ولأنها راحة لما قبلها من التعب، وجمام لما بعدها من العمل، نمت في وقت الحوائج وتنتبه في وقت رجوع الناس، وقد جاء: قيلوا فإن الشياطين لا تقيل. [1059]- وكان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلا يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سويا فيرون ذلك، حتى مات رجل ممن قال فيه ذلك سويّا، فقيل له مات فلان سويا، فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار، فقال: إن كنتم صادقين إن لكم دارا سوى هذه تجازون فيها. [1060]- قال زياد: ما غلبني معاوية بشيء من أمر السياسة إلّا في شيء واحد، قيل ما هو؟ قال: وليت رجلا دستميسان فكسر عليّ الخراج، وهرب فلحق بمعاوية، فكتبت إليه أسأله أن يبعث به، فكتب إليّ: أما بعد، فإنه ليس لمثلي ومثلك أن نسوس الناس بسياسة واحدة، أن نشتدّ عليهم جميعا فنخرجهم، أو نلين لهم فنمرجهم، ولكن تلي أنت الفظاظة والغلظة، وألي أنا الرأفة والرحمة، فإذا هرب هارب من باب وجد بابا يدخل فيه؛ ولقد نظر معاوية لنفسه واختار أخفّ السياستين وأحبّهما إلى الناس. [1061]- ويشبه هذا ما روي عنه أنه قال: إذا لم يكن الهاشميّ جوادا لم يشبه قومه، وإذا لم يكن الأموي حليما لم يشبه قومه، وإذا لم يكن المخزوميّ تيّاها لم يشبه قومه. فبلغ ذلك الحسن بن عليّ فقال: ما أجود ما   [1059] عيون الاخبار 1: 75. [1060] العقد 1، 242 ولباب الآداب: 52 ومحاضرات الراغب 1: 166 والجوهر النفيس: 36/أ. [1061] البيان والتبيين 4: 61 (لمعاوية) وعيون الاخبار 1: 196 وربيع الابرار 283/أونثر الدر 1: 331 وقارن بمحاضرات الراغب 1: 340. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 نظر لقومه، أراد أن يجود بنو هاشم بما في أيديهم فيحتاجوا إليه، وأن يتيه بنو مخزوم فيبغضوا، وأن يحلم بنو أمية فيحبوا. [1062]- قدم قادم على معاوية فقال له: هل من مغرّبة خبر؟ قال: نعم، نزلت بماء من مياه العرب، فبينا أنا عليه أورد أعرابيّ إبله، فلما شربت ضرب على جنوبها وقال: عليك زيادا، فقلت له: ما أردت بهذا؟ فقال: هي سدى ما قام لها راع منذ ولي زياد. فسرّ معاوية بذلك وكتب به إلى زياد. [1063]- قال معاوية: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كنت إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتها. [1064]- كان معاوية يأذن للأحنف في أول من يأذن له، فأذن له يوما، ثم أذن لمحمد بن الأشعث، فجاء محمد فجلس بين معاوية وبين الأحنف، فقال له معاوية: لقد أحسست من نفسك ذلّا، إني لم آذن له قبلك ليكون في المجلس دونك، وإنّا كما نملك أموركم نملك تأديبكم، فأريدوا ما يراد بكم، فإنه أبقى لنعمكم وأحسن لأدبكم. [1065]- لما مات زياد وفد ابنه عبيد الله على معاوية فقال له: من   [1062] عيون الاخبار 1: 8. [1063] البيان 1: 214 وعيون الاخبار 1: 9 وأنساب الأشراف 4/1: 21 والمجتنى: 40، 50 والعقد 1: 25 واليعقوبي 2: 283 ونهاية الارب 6: 44 وبهجة المجالس 1: 96 وسراج الملوك: 104 وكتاب الآداب: 26- 27 وشرح النهج 15: 102 والتحفة الملوكية: 99 وغرر الخصائص: 103. [1064] البيان والتبيين 2: 156، 4: 70 وعيون الاخبار 1: 90 (دون ذكر للاسماء) والعقد 1: 68، 3: 8- 9 وأنساب الاشراف 4/1: 48 ونثر الدر 3: 10 والطبري 2: 209 وشرح النهج 17: 94- 95. [1065] عيون الاخبار 1: 229- 230. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 استخلف أخي على عمله بالكوفة؟ قال: عبد الله بن خالد بن أسيد. قال: فعلى البصرة؟ قال: سمرة بن جندب. فقال له معاوية: لو استعملك أبوك استعملتك، فقال عبيد الله: أنشدك الله أن يقولها أحد لي بعدك: لو ولاك أبوك وعمّك وليتك، فولّاه خراسان وأوصاه فقال: اتّق الله ولا تؤثر على تقواه شيئا، وق عرضك من أن تدنّسه، وإذا أعطيت عهدا فف به، ولا تبيعنّ كثيرا بقليل، وخذ لنفسك من نفسك، ولا يخرجنّ منك أمر حتى تبرمه، فإذا خرج فلا يردنّ عليك، وإذا لقيت عدوك فغلبك على ظهر الأرض فلا يغلبنّك على بطنها، وإن احتاج أصحابك إلى أن تواسيهم بنفسك فواسهم، ولا تطمعنّ أحدا في غير حقّه ولا تؤيسنّ أحدا من حقّ هو له. [1066]- ونظر إلى يزيد وهو يضرب غلاما له فقال: لا تفسد أدبك بتأديبه. [1067]- وكان زياد يجلس في كلّ يوم إلّا يوما واحدا في الجمعة، فيبدأ برسل عماله فينظر فيما قدموا له، ويسألهم عن بلادهم ويجيبهم عن كتبهم، ثم ينظر في نفقاتهم وفي نفقاتهم وفي أعطيات رجاله، ثم فيما دخل فيه من البياعات وفي الأسعار، ويسأل عن الأخبار، وينظر فيما يحتاج إليه: من حفر نهر، وإصلاح قنطرة، أو تسهيل عقبة، أو نقل طريق إلى غيره، ثم يأخذ في كتب العمال فيمليها بنفسه. وكان معاوية يفعل مثل ذلك سواء ولا يخالفه حتى كبر، فكان الضحاك بن قيس يملي وهو يسمع. [1068]- بعث زياد إلى معاوية بهدايا مع عبيد الله أخي الاشتر النخعي، وفي الهدايا سفط فيه جوهرة لم ير مثلها، فقدم عبيد الله بالهدايا ثم   [1066] عيون الاخبار 1: 284 والبصائر 1: 266. [1067] الجهشياري: 25. [1068] نثر الدر 5: 12. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 قال: يا أمير المؤمنين إن زيادا بعث معي بسفط ما أدري ما فيه، وأمرني أن أدفعه إليك في خلاء، فقال: أحضره، فلما فتحه قال: ما أظنّ رجلا آثر هذا على نفسه إلا سيؤثره الله تعالى بالجنة، ارجع به إليه فإنّ من قبله من المسلمين أحقّ بهذا من معاوية، ثم كتب الى زياد: إنك رفعت عليّ راية الأشتر حين وضعها الله، بعثت مع أخيه بسفط يشهد به عليّ عند أهل العراق، فاردده إليّ مع رجل لا يفقه عنّي ولا أفقه عنه، فردّه إليه زياد مع غلام من غلمانه. [1069]- دخل عبد الملك بن مروان على معاوية فتحدّث ونهض، فقال معاوية: إنّ لهذا الغلام همة، وخليق أن تبلغ به همته، وإنه مع ما ذكرت تارك لثلاث آخذ بثلاث، تارك مساءة الجليس جدّا وهزلا، تارك لما يعتذر منه، تارك لما يعيبه، آخذ بأحسن الحديث إذا حدّث، وأحسن الاستماع إذا حدّث، وبأهون الأمرين إذا خولف. [1070]- ذكر معاوية لابن الزبير بيعة يزيد فقال ابن الزبير: أنا أناديك ولا أناجيك، إن أخاك من صدقك، فانظر قبل أن تقدم، وتفكّر قبل أن تندم، فإنّ النظر قبل التقدم والتفكّر قبل التندّم؛ فضحك معاوية وقال: تعلمت أبا بكر الشجاعة عند الكبر. [1071]- قدّم رجل خصما إلى زياد في حقّ له فقال: أصلح الله الأمير   [1069] المجتنى: 54 والبيان 2: 41 (آخذ بأربع تارك لأربع) ، وعيون الاخبار 1: 307 والكامل للمبرد 1: 44 ونثر الدر 3: 13 وبعضه في مروج الذهب 3: 321. [1070] البيان والتبيين 1: 301. [1071] البيان والتبيين 2: 301 وعيون الاخبار 1: 70 ونثر الدر 5: 3 والصداقة والصديق: 278- 279 (تقدما الى المغيرة) والبيهقي: 475 ومحاضرات الراغب 1: 193 وقول عمر: «اللهم ان كنت تعلم أني أبالي ... » . ورد في الذهب المسبوك: 207 وأنس المحزون: 61 ب ورقم: 273. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 إنّ هذا يدلّ بخاصة منك. قال صدق، وسأخبرك ما ينفعه عندي من مودته، إن يكن الحقّ له عليك آخذك به أخذا عنيفا، وإن يكن الحق لك عليه أقض عليه ثم أقضي عنه. وهذا في ظنّ زياد غاية العدل، والمستحسن الخالص ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يديّ على أيهما كان الحقّ فلا تمهلني طرفة عين. [1072]- كان المنصور داهيا أريبا سديد الرأي، وكان مقدّما في علم الكلام مكثرا من كتب «1» الآثار، فلما همّ بقتل أبي مسلم سقط بين الاستبداد برأيه والمشاورة فيه، فأرق ليلته في ذلك، فلما أصبح دعا باسحاق بن مسلم العقيلي وقال له: حدّثني حديث الملك الذي أخبرتني عنه بحرّان، قال: أخبرني أبي عن الحضين بن المنذر أن ملكا من ملوك فارس يقال له سابور ذو الاكتاف «2» كان له وزير ناصح قد اقتبس أدبا من أدب الملوك وشاب ذلك بفهم في الدين، فوجّهه سابور داعية إلى أهل خراسان، وكانوا قوما عجما يعظّمون الدنيا جهالة بالدين، وكان يقال: لكلّ ضعيف صولة، ولكلّ ذليل دولة. فلما تلاحمت أعضاء الأمور التي لقّح، استحالت حربا عوانا شالت أسافلها بأعاليها فانتقل العزّ إلى أذلّهم «3» والنباهة إلى أخملهم، فاشربوا له حبا، فلمّا استوسقت له البلاد بلغ سابور أمرهم و [ما] أحال عليه [من] طاعتهم، ثم لم يأمن زوال القلوب وغدرات الوزراء، فاحتال في قطع رجائه عن قلوبهم، وكان يقال: [من الوافر] .   [1072] البيان والتبيين 3: 367- 370. 27 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وما قطع الرجاء بمثل يأس ... تبادهه القلوب على اغترار فصمّم على قتله عند وروده عليه برؤساء أهل خراسان وفرسانهم، فلم يرعهم إلا ورأسه بين أيديهم، فوقف بهم بين الغربة ونأي الرجعة، فرأوا أن يستتموا الدعوة بطاعة سابور ويتعوضوه من الفرقة، فأذعنوا له بالملك والطاعة وتبادروه بمواضع النصيحة، فملكهم حتى مات حتف أنفه. فأطرق المنصور مليا ثم رفع رأسه يقول: [من الطويل] . لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علّم الانسان إلا ليعلما وأمر إسحاق بالخروج ثم دعا بأبي مسلم، فلمّا دخل إليه نظر إليه وقال: [من الوافر] . قد اكتنفتك خلّات ثلاث ... جلبن عليك محذور الحمام خلافك وامتنانك يزدهيني «1» ... وقودك للجماهير العظام ثم وثب إليه ووثب حشمه بالسيوف، فلما رآهم أبو مسلم وثب، فبدره المنصور فضربه ضربة طرحه «2» ثم قال: [من السريع] . اشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمرّ في الحلق من العلقم زعمت أنّ الدّين لا يقتضى ... كذبت فاستوف أبا مجرم ثم أمر فحزّ رأسه وبعث به إلى أهل خراسان وهم ببابه، فجالوا جولة ساعة ثم ردعهم عن شغبهم انقطاعهم عن بلادهم وإحاطة الأعداء بهم، فذلّوا وسلموا له، وكان إسحاق إذا رأى المنصور قال: [من الوافر] . وما أحذو لك الأمثال إلّا ... لتحذو إن حذوت على مثال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 وكان المنصور إذا رآه قال: [من الطويل] . وخلّفها سابور للناس يقتدى ... بأمثالها في المعضلات العظائم [1073]- وكان المنصور أنفذ يقطين بن موسى لإحصاء ما في خزائن عبد الله بن علي لما حاربه أبو مسلم وهزمه، فقال أبو مسلم ليقطين: أيأمننا ابن سلامة على الدماء ولا يأمننا على الأموال؟! فكتب يقطين إليه: [من الطويل] . أرى جذعا إن يثن لا يقو ريّض ... عليه، فبادر قبل أن يثني الجذع وكتب عيسى بن علي إلى المنصور لما همّ بقتل أبي مسلم: [من الطويل] . إذا كنت ذا رأي فكن ذا تدبّر ... فإن فساد الرأي أن تتعجلا فأجابه المنصور: [من الطويل] . إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن تترددا ولا تمهل الأعداء يوما بقدرة ... وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا [1074]- وخلا المنصور بيزيد بن أسيد «1» ، فقال: يا يزيد ما ترى في قتل أبي مسلم؟ قال: أرى يا أمير المؤمنين أن تقتله وتتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بدمه، فو الله ما يصفو ملكك ولا تهنأ بعيش ما بقي. قال يزيد: فنفر مني   [1073] قارن بتاريخ الطبري 3: 103 وأنساب الأشراف 3: 201- 202 ومروج الذهب 4: 139- 143 والبيت: «أرى جذعا ... » في ربيع الأبرار 2: 455. [1074] الموفقيات: 139 ونثر الدر 3: 28 والاذكياء: 38- 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 نفرة ظننت أنه سيأتي عليّ ثم قال: قطع الله لسانك، وأشمت بك عدوك، أتشير بقتل أنصح الناس لنا وأثقله على عدوّنا؟! أما والله لولا ما سلف منك وأني أعدّها هفوة من رأيك لضربت عنقك، قم لا أقام الله رجليك. فقال يزيد: فقمت وقد أظلم بصري، وتمنيت أن تسيخ بي الأرض. فلما كان بعد قتله بدهر قال لي: يا يزيد أتذكر يوم شاورتك في أمر العبد؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، وما رأيتني قطّ أدنى إلى الموت مني يومئذ، قال: فو الله لكان ذلك رأيي وما لا أشك فيه، ولكني خشيت أن يظهر منك فيفسد عليّ مكيدتي. [1075]- وإنما اقتدى المنصور في قتل أبي مسلم، وعسكره مطيفون به، بعبد الملك بن مروان في قتل عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق، فإنه لما قوي أمر عمرو والتمس أن يبايع له عبد الملك بالعهد بعده خافه عبد الملك على نفسه فاستدعاه، فحضر مخفّا في نحو مائة رجل من مواليه لا يخاف غيلة من عبد الملك، فلما دخل عمرو على عبد الملك أغلق الباب دونه وحجب مواليه، ووثب عبد الملك إليه في أصحابه وأولاده فذبحه، وهو يقول: [من البسيط] . يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني وثار الجيش فأحدقوا بالدار وحاربوا، وضرب الوليد بن عبد الملك على رأسه، فألقى إليهم عبد الملك بدر الدراهم فاشتغلوا بلقاطها عن الحرب، ثم تفرقوا. ولما هدأت الفتنة تتبع عبد الملك البدر ممن التقطها فاستعادها. ولما قتل عمرا أذن للناس إذنا عاما فدخلوا عليه، وجثة عمرو في ناحية البيت، فلما أخذوا مجالسهم تكلم عبد الملك، فقال: ارمقوا بأبصاركم نحو مصارع أهل   [1075] في مقتل عمرو بن سعيد انظر انساب الأشراف 4/1: 443 وما بعدها، وخطبة عبد الملك لما قتله في نثر الدر 3: 18- 19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 المعصية، واجعلوا سلفهم لمن غيّر منكم عظة، ولا تكونوا أغفالا من حسن الاعتبار، فتنزل بكم جائحة السطوة، وتجوس خلالكم بوادر النقمة، وتطأ رقابكم بثقلها المعصية فتجعلكم همدا رفاتا، وتشتمل عليكم بطون الأرض أمواتا. إياي من قول قائل وسفه جاهل، فإنما بيني وبينكم أن أسمع النعرة، فأصمّم تصميم الحسام المطرور، وأصول صيال الحنق الموتور، إنما هي المصافحة والمكافحة بظبات السيوف وأسنّة الرماح والمعاودة لكم بسوء الصباح فتاب تائب أو هلك خائب، والتّوب مقبول، والاحسان مبذول لمن أبصر حظّه وعرف رشده، فانظروا لأنفسكم وأقبلوا على حظوظكم، وليكن أهل الطاعة منكم يدا على ذوي الجهل من سفهائكم، واستديموا النعمة التي ابتدأتكم برغد عيشها ونفيس زينتها، فإنكم من ذاك بين فضلين: عاجل الخفض والدعة، وآجل الجزاء والمثوبة. عصمكم الله من الشيطان وفتنته ونزغه، وأيّدكم بحسن معونته وحفظه، انهضوا رحمكم الله لقبض أعطياتكم غير مقطوعة عنكم، ولا ممنوعة منكم، ولا مكدّرة عليكم، إن شاء الله. [1076]- ولما قتل المنصور أبا مسلم خطّأه في الرأي الفرج بن فضالة، وكان يتقلّد له بيت المال، وقد كان عمل لعبد الملك بن مروان، فقال له: لم لم تخطّىء صاحبك لما قتل عمرا، يعني عبد الملك، قال: لأنه قتله ودونه أبوابه ومغالقه، وحوله اثنا عشر ألفا من جنوده ومواليه، وقتلت أبا مسلم وأنت في خرق، وكلّ من حواليك إليه ومنه وله، فتمثل أبو جعفر: [من الطويل] . وما إن شفى نفسا كأمر صريمة ... إذا حاجة في النفس طال اعتراضها [1077]- واقتدى المهتدي بالمنصور فكان ذلك سبب هلاكه، فإنه لما   [1076] الجهشياري: 112. [1077] المهتدي هو محمد بن الواثق بويع سنة 255- 256؛ انظر الطبري 3: 1813 وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 زاد تبسّط بايكباك وتسلّطه، قبض عليه ليواقفه على أفعاله وهو لا يريد قتله، فجاشت الأتراك وحضروا الباب يطلبونه، فاستشار المهتدي صالح بن عليّ بن يعقوب بن المهدي بن المنصور، وكان ذا قعددهم، فقال: يا أمير المؤمنين، هو حديث أبي مسلم والمنصور، فلو فعلت كما فعل لسكنوا، فأمر بضرب عنقه ورمى رأسه إليهم، فتناخروا وشدّوا على الذي ألقى الرأس فقتلوه، وأضرموا حربا أجلت عن هزيمة المهتدي، ثم ظفروا به وقد هرب إلى دار وغيّر زيه، فأردفوه سائسا على بغل وخلعوا أصابعه حتى خلع نفسه ثم قتلوه. [1078]- وكان المهتدي أمير صدق وصاحب نسك، لبس الصوف، وهمّ بافاضة العدل فحالت دونه الأتراك، وقصرت أيامه فلم يتمكن من مرامه، وكان يسمّى راهب بني العباس؛ تظلّم إليه رجل من بعض أسبابه فاحضره وحكم عليه بما صحّ عنده، فقام الرجل وشكره وقال: أنت يا أمير المؤمنين كما قال الأعشى: [من السريع] . حكمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر لا يقبل الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر فقال المهتدي: أما أنت فأحسن الله جزاءك، وأما شعر الأعشى فما رويته، ولكني قرأت اليوم قبل خروجي إلى هذا المجلس قول الله سبحانه وتعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (الأنبياء: 47) فما بقي أحد في المجلس إلّا بكى.   العمراني: 133 وخلاصة الذهب المسبوك: 232 وابن الكازروني: 159 والفخري: 222. [1078] نثر الدر 3: 49 وانظر ابن العمراني: 134 وتاريخ بغداد 3: 350 والمصباح المضيء 1: 525- 528 ومحاضرات الراغب 1: 195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 [1079]- وجلس المهتدي يوما للمظالم فرفع إليه في الكسور، فسأل الكتّاب عنها فأخبر بها، فقال: معاذ الله أن ألزم الناس ظلما تقدّم العمل به أو تأخر، أسقطوا هذا الظلم وهذه الكسور عن الناس، فقام الحسن بن مخلد فقال: إن أسقط أمير المؤمنين هذا ذهب من مال السلطان في السنة اثنا عشر ألف ألف درهم، ومدّ بها صوته، فقال المهتدي: قد عرفت مذهبك في هذا وتحريضك الموالي بما ينقص من أموالهم، وما أمتنع من أن أقيم حقا لله تعالى وأزيل مظلمة قد تقدمت بها الأيام، ولو كان في ذلك كلّ حيف على بيوت الأموال، ولو نظر الموالي في أمرك وأمر نظرائك لأخذوا منك ما خوّفتهم أن يذهب مقداره من مالهم. فارتعد الحسن وأبلس، ثم كلّم المهتدي بعد ذلك فيه فرجع له. [1080]- قال المنصور لابنه المهدي: يا بنيّ أشبع العباس بن محمد فإنك إن لم تشبعه أكلك؛ وكان العباس بن محمد من رجال بني هاشم وذوي آرائهم، قال للرشيد: يا أمير المؤمنين، إنما هو درهمك وسيفك فازرع بهذا من شكرك، واحصد بهذا من كفرك. [1081]- وكتب إليه صاحب أرمينية: إن الجند شغبوا عليّ وكسروا أبواب بيت المال ونهبوه، فأمر بعزله ووقع في كتابه: لو عدلت لم يشغبوا، ولو قويت لم ينهبوا «1» . [1082]- وشغب الجند على عهد المأمون فوقع: لا يعطون على   [1079] نثر الدر 3: 49. [1080] نثر الدر 3: 29 ومحاضرات الراغب 1: 447 (وهو أطول) . [1081] نثر الدر 3: 29 والبصائر 2: 718 وقوانين الوزارة: 145 (أيام المأمون) ومحاضرات الراغب 1: 180 (أيام السفاح) . [1082] نثر الدر 3: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 الشغب، ولا يحوجون إلى الطلب. [1083]- وقال للمهديّ حين عقد له: يا بنيّ استدم النعم بالشكر، والمقدرة بالعفو، والطاعة بالتألف، والنصر بالتواضع، والرحمة من الله سبحانه وتعالى بالرحمة للناس. [1084]- وقال له الربيع: إن لفلان حقا، فإن رأيت أن تقضيه وتولّيه ناحية، فقال: يا ربيع إن لاتصاله بنا حقا في أموالنا لا في أعراض المسلمين وأموالهم، إنا لا نولّي للحرمة والرعاية بل للاستحقاق والكفاية، ولا نؤثر ذا النسب والقرابة على ذوي الدراية والكفاية، فمن كان منكم كما وصفنا شاركنا في أعمالنا، ومن كان عطلا لم يكن لنا عذر عند الناس في توليتنا إياه، وكان العذر في تركنا له، وفي خاصّ أموالنا ما يسعه. [1085]- وقد قال المأمون في مثل ذلك: واقتصر الأعمال للكفاة من العمّال، وقضاء الحقوق على بيت المال. [1086]- وقال المنصور: لا تنفّروا أطراف النعم بقلة الشكر فتحلّ بكم النقمة. ولا تسرّوا غشّ الأئمة فإنّ أحدا لا يسرّ منكرا إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه وطوالع نظره، وإنا لا نجهل حقوقكم ما عرفتم حقّنا ولا ننسى الإحسان إليكم ما ذكرتم فضلنا، ومن نازعنا عروة هذا القميص أوطأنا أمّ رأسه خبيء هذا الغمد. [1087]- أهوى هشام بن عروة إلى يد المنصور ليقبّلها فقال له: يا أبا   [1083] المجتنى: 73 والجهشياري: 126 ونثر الدر 3: 29 وتاريخ الطبري 3: 403 والمصباح المضيء 1: 148 وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 288. [1086] نثر الدر 3: 28 وقارن بقول منسوب لعلي في ربيع الابرار: 396 ب والفصول المهمة: 113 والمستطرف 1: 237 «إذا وصلت اليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر» . [1087] نثر الدر 3: 28 وربيع الابرار: 134/أوالبصائر 7: 92 ووفيات الاعيان 6: 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 المنذر إنا نكرمك عنها ونكرمها عن غيرك. [1088]- وكان المأمون أفضل خلفاء بني العباس علما وحلما وبيانا وسياسة وجودا؛ قال سهل بن هارون: ما رأيت أنطق من المأمون، وقال سهل يوما، وهو عند المأمون: من أصناف العلم ما لا ينبغي للمسلمين أن يرغبوا فيه، وقد يرغب عن بعض العلم كما يرغب عن بعض الحلال، فقال المأمون: قد يسمّي الناس الشيء علما وليس بعلم، فإن كنت هذا أردت فوجهه الذي ذكرناه، ولو قلت: إنّ العلم لا يدرك غوره، ولا يسبر قعره، ولا تبلغ غايته، ولا تستقصى أصنافه، ولا يضبط آخره، فإذا كان الأمر كذلك فابدأوا بالأهم فالأهم، وابدأوا بالفرض قبل النفل، كان ذلك عدلا وقولا قصدا. وقد قال بعض العلماء: اقصد من أصناف العلم إلى ما هو أشهى إلى نفسك وأخفّ على قلبك، فإن نفاذك فيه على قدر شهوتك له وسهولته عليك. وقال بعض الحكماء: لست أطلب العلم طمعا في بلوغ غايته والوقوف على نهايته، ولكن التماس ما لا يسع جهله. وقال آخرون: علم الملوك النسب والخبر وجمل الفقه، وعلم التجار الحساب والكتاب، وعلم أصحاب الحرب درس كتب المغازي وكتب السير. فأما أن تسمّي الشيء علما ثم تنهى عنه من غير أن يكون يشغل عما هو أنفع منه، بل تنهى نهيا جزما وتأمر أمرا حتما، والعلم بصر وخلافه عمى، والاستبانة للشرّ ناهية عنه والاستبانة للخير آمرة به، فلا «1» . [1089]- ولما دخل عليه المرتدّ الخراسانيّ، وقد كان حمله معه من   [1088] البيان والتبيين 3: 373- 374 والعقد 2: 207 وقول بعض الحكماء في أمثال الماوردي: 83 ب ولباب الآداب: 456. [1089] البيان والتبيين 3: 375- 376 وعيون الاخبار 3: 154- 155 وكتاب بغداد 37- 38 والعقد 2: 384. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 خراسان حتى وافى به العراق، قال له المأمون: لأن أستحييك بحقّ أحبّ إليّ من أن أقتلك بحقّ، ولأن أقتلك بالبراءة أحبّ إليّ من أن أقتلك «1» بالتهمة، وقد كنت مسلما بعد أن كنت نصرانيا، وكنت فيها أنتج «2» وأيامك فيها أطول، فاستوحشت مما كنت به آنسا، ثم لم تلبث أن رجعت عنّا نافرا، فخبّرنا عن الشيء الذي أوحشك من الشيء الذي صار آنس لك من إلفك القديم وأنسك الأول، فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به، والمريض من الأطباء يحتاج إلى المشاورة، وان أخطأك الشفاء ونبا عن دائك الدواء، كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك باللائمة، فإن قتلناك قتلناك بحكم الشريعة، أو ترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثقة، وتعلم أنك لم تقصّر في اجتهاد ولم تفرّط في الدخول في باب الحزم. قال المرتدّ: أوحشني كثرة ما رأيت من الاختلاف فيكم. قال المأمون: لنا اختلافان، أحدهما كالاختلاف في الأذان وتكبير الجنائز، والاختلاف في التشهد وصلاة الأعياد وتكبير التشريق ووجوه القراءات واختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك، وليس هذا باختلاف وانما هو تخيير وتوسعة وتخفيف من المحنة، فمن أذّن مثنى وأقام مثنى لم يؤثّم من أذن مثنى وأقام فرادى، لا يتعايرون ولا يتعايبون، أنت ترى ذلك عيانا وتشهد عليه بيانا؛ والاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا وتأويل الحديث عن نبينا صلّى الله عليه وسلّم، مع إجماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عين الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت هذا الكتاب فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والانجيل متفقا على تأويله، كما يكون متّفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلاف في شيء من التأويلات، وينبغي لك ألا ترجع إلّا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها، ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل، ولكنا لم نر شيئا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 من الدين والدنيا دفع لنا على الكفاية، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة ولم يكن تفاضل، وليس على هذا بنى الله تعالى الدنيا، قال: أشهد أن لا إله إلا الله واحد لا ندّ له ولا ولد، وأنّ المسيح عبده، وأنّ محمدا صادق، وأنك أمير المؤمنين حقا. فالتفت المأمون إلى أصحابه وقال: فروا عليه عرضه ولا تبرّوه في يومه هذا، ريثما يعتق إسلامه كي لا يقول عدوّه إنه أسلم رغبة، ولا تنسوا بعد نصيبكم من برّه وتأنيسه ونصرته والعائدة عليه. [1090]- وناظر المأمون يوما محمد بن القاسم النوشجاني، فجعل يصدّقه ويغضي له، فقال له المأمون: تنقاد إلى ما تظنّ أنه يسرني قبل وجوب الحجة عليك، ولو شئت أن أقيس الأمور بفضل بيان وطول لسان وأبهة الخلافة وسطوة الرئاسة لصدّقت وإن كنت كاذبا، وصوّبت وإن كنت مخطئا، وعدّلت وإن كنت جائرا، ولكنّي لا أرضى إلا بإزالة الشبهة وغلبة الحجّة، وإن شرّ الملوك عقلا وأسخفهم رأيا من رضي بقولهم: صدق الأمير. [1091]- وكان المأمون يقول: إذا وضحت الحجة ثقل عليّ استماع المنازعة فيها. [1092]- وقال أحمد بن أبي دواد، قال المأمون: لا يستطيع الناس أن ينصفوا الملوك من وزرائهم، ولا يستطيعون أن ينظروا بالعدل بين ملوكهم وحماتهم وكفاتهم، وبين صنائعهم وبطانتهم، وذلك أنهم يرون ظاهر حرمة وحماتهم وكفاتهم، وبين صنائعهم وبطانتهم، وذلك أنهم يرون ظاهر حرمة وخدمة واجتهاد ونصيحة، ويرون إيقاع الملوك بهم ظاهرا، حتى لا يزال الرجل يقول: ما أوقع به إلا رغبة في ماله أو رغبة في بعض ما لا تجود النفس به،   [1090] نثر الدر 3: 42. [1091] البيان والتبيين 3: 377 والموفقيات: 132. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 ولعلّ الحسد والملالة وشهوة الاستبدال اشتركت في ذلك منه؛ وهناك جنايات «1» في صلب الملك أو في بعض الحرم فلا يستطيع الملك أن يكشف للعامة موضع العورة في الملك، ويحتجّ لتلك العقوبة بما يستحقّ ذلك الذنب «2» ولا يستطيع الملك ترك عقابه لما في ذلك من الفساد، على علمه بأن عذره غير مبسوط للعامة ولا معروف عند أكثر الخاصة. ولعلّ المأمون أراد العذر بهذا الكلام عما كان يتّهم به من قتل الفضل بن سهل وينسب إليه من الوضع عليه. وان صحّ ذلك فمأخوذ من رأي رآه الرشيد في يحيى بن خالد فلم يتم له؛ قال يزيد بن مزيد، «3» قال لي الرشيد: ما بقي في العرب من يفتك؟ قلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: رجل يقتل لي يحيى ابن خالد، قال قلت له: أنا أقتله وآتيك برأسه. قال: ليس كذا أريد، إنما أريد أن يقتله رجل فأقتله به، قال: فحدّثت به الفضل بن سهل بمرو فوجم واغتمّ. [1093]- نزل رجل من أهل العسكر فعدا بين يدي المأمون وشكا إليه مظلمته، فأشار بيده: حسبك، فقال له بعض من كان يقرب من المأمون: يقول لك أمير المؤمنين اركب، قال له المأمون: لا يقال لمثل هذا اركب، إنما يقال له: انصرف. [1094]- بينا الحسن اللؤلؤيّ يحدّث المأمون ليلا بالرقّة، وأطال الحسن   [1093] البيان والتبيين 2: 256 3: 377- 378 ومحاضرات الراغب 1: 187. [1094] البيان والتبيين 2: 330، 3: 378 والعقد 3: 7 ونثر الدر 3: 36 وربيع الابرار: 139 ب وكتاب بغداد: 40 ومحاضرات الراغب 1: 187 وكتاب الاذكياء: 40 ونزهة الظرفاء: 6/أوالريحان والريعان 1: 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 الحديث فنعس المأمون، فقال الحسن: نعست يا أمير المؤمنين، ففتح المأمون عينه وقال: سوقيّ وربّ الكعبة، يا غلام خذ بيده. ولولا أن يخرج الكتاب عن فنّه لذكرت من محاسن المأمون في أخباره وأفعاله ما يغني عن أخبار غيره، ولكني أورد من أخبار كلّ ذي أدب وسياسة طرفا. [1095]- لما ولّى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان، قال له: إن أباك كفى أخاه عظيما، وقد استكفيتك صغيرا، فلا تتكلنّ على عذر مني، فإني قد اتكلت على كفاية منك، وإياك منّي قبل أن أقول إياي منك، فإن الظنّ إذا أخلف فيك أخلف منك، وأنت في أدنى حظّك فاطلب أقصاه، وقد أتعبك أبوك فلا تريحنّ نفسك، وكن لنفسك تكن لك، واذكر في يومك حديث غدك. [1096]- بلغ عبد الملك بن مروان أنّ عاملا له قبل هدية، فسأله عن ذلك فقال: بلادك عامرة، وخراجك وافر، ورعيتك راضية؛ قال: أخبرني عمّا سألتك، قال: قد قبلت، قال: لئن كنت قبلتها ولا تنوي لصاحبها مكافأة إنك للئيم، وإن كنت قبلتها لتستكفي رجلا عاجزا إنك لخائن، ولئن كنت قبلتها وأنت مضمر تعويض صاحبها لقد بسطت ألسن أهل عملك بالقدح فيك، وذلك جهل، وما في من أتى أمرا لم يخل فيه من لؤم وخيانة وجهل مصطنع؛ وعزله.   [1095] البيان والتبيين 2: 151 وعيون الاخبار 1: 110 ونثر الدر 5: 12 وشرح النهج 15: 96 وغرر الخصائص 102- 103 (معاوية يخاطب سلما) ولقاح الخواطر: 20 ب. [1096] البيان والتبيين 4: 89 (باختلاف في العبارة) والجهشياري: 43 والبصائر 2: 434 ومحاضرات الراغب 1: 170 (ونسب لانوشروان) ومروج الذهب 3: 321 وزهر الآداب: 992- 993 (وهو من كلام يزيد لعبيد الله بن زياد) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 [1097]- شبب النّمريّ بزينب بنت يوسف أخت الحجاج، وله فيها أشعار وأخبار ليس هذا موضعها، فكتب إليه عبد الملك: قد بلغني ما قال هذا الخبيث، فإياك أن تقرّبه فتطمعه، أو تعاقبه فتصدقه، ولكن اله عنه وتناس أمره. وما أحسن ما لقنه السياسة في هذا المضيق. [1098]- وقد فعل معاوية بأبي دهبل الجمحيّ لما شبّب بابنته مأثورا من السياسة أيضا. وكان أبو دهبل ألحّ على عاتكة بنت معاوية بالشعر حتى سارت الرواة بما قال فيها، فأشار عليه يزيد بقتله، فقال معاوية: أفّ لك، أنا أرشّحك للخلافة وأنت تشير بهذا الرأي، وإن عملت به حققت عليها قوله. ثم حجّ معاوية فلما دخل عليه الناس أمر بالعطاء لهم، وفرّق فيهم الصلات وفيهم أبو دهبل، فلما أراد الخروج استعاده بعد خروج الناس، وقال له: مالي رأيت أبا خالد- يعني يزيد ابنه- متغيّظا عليك لأبيات لا تزال تأتي منك إلى حصاننا؟! فأسقط في يده وأنكر، فقال له معاوية: أما أنا فلا بأس عليك مني، ولكني أحذّرك يزيد فله سورة الشباب، ثم قال له: هل لك زوجة؟ قال: لا، قال: فأيّ بنات عمّك أحبّ إليك أزوجكها؟ قال: فلانة، فما برح حتى زوّجه إياها وساق مهرها من ماله، فحلف أبو دهبل ألا يذكر عاتكة في شعره أبدا. وله مع عاتكة هذه أخبار ليس هذا موضعها. [1099]- لما ندب الفضل بن سهل طاهر بن الحسين للشخوص إلى الريّ عند حرب عليّ بن عيسى بن ماهان رآه متثاقلا فقال له: أمنيتك؟   [1097] هو محمد بن عبد الله بن نمير شاعر غزل مولد من شعراء الدولة الاموية، ونشأ بالطائف (الاغاني 6: 180 وما بعدها) ونصيحة عبد الملك للحجاج في الاغاني 6: 183 وانظر ربيع الابرار 1: 757. [1098] أبو دهبل الجمحي وهب بن زمعة، شاعر من شعراء الدولة الاموية مدح معاوية وابن الزبير (الاغاني 7: 112 وما بعدها وقصته مع عاتكة 7: 119- 123) . [1099] الجهشياري: 290- 291. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 قال: أمنيتي أن أخطب على منبر بوشنج، ويكون في صندوقي مائة ألف درهم، فولاه بوشنج وأمر له بمائة ألف درهم، وتركه أياما ثم دعاه إلى الشخوص فأجابه، قال الفضل: إذا نال الرجل المنى خاض الدماء. [1100]- لما ولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك الخلافة خطب يستميل الناس فقال، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وذكر الوليد ومعايبه: أيها الناس، إن لكم عليّ أن لا أضع حجرا على حجر، ولا لبنة على لبنة، ولا أكري نهرا، ولا أكنز مالا، ولا أعطيه زوجة ولا ولدا، ولا أنقل مالا من بلد حتى أسدّ ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإن فضل فضل نقلته إلى البلد الذي يليه، ولا أجمّركم على بعوثكم فأفتنكم وأفتن عليكم أهليكم، ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم، ولا أحمل على أهل جزيتكم ما عليهم عن بلادهم، وإن لكم أعطياتكم عندي في كلّ سنة، وأرزاقكم في كلّ شهر، حتى تستدرّ المعيشة بين المسلمين فيكون أقصاهم كأدناهم، فإن وفيت لكم بما قلت فعليكم بالسمع والطاعة وحسن المؤازرة، وإن أنا لم أوف فلكم أن تخلعوني، إلّا أن تستتيبوني، فإن تبت قبلتم مني، وإن علمتم أحدا ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيكم وأردتم أن تبايعوه فأنا أول من يبايعه ويدخل في طاعته. أيها الناس، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا وفاء له بنقض عهد، وانما الطاعة طاعة الله ورسوله، فمن أطاع فأطيعوه بطاعة الله ما أطاع، فإذا عصى الله ودعا إلى معصيته فهو أهل أن يعصى ويقتل. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. هذا قول حسن وإنصاف فيما له وعليه إلّا أنّ فيه لمن يريد الملك ويقتل عليه ابن عمه ويطلب الخلافة بغير حقّها ضعفا وعجزا.   [1100] البيان والتبيين 2: 142 وعيون الاخبار 2: 248 والعقد 4: 95 ونثر الدر 3: 24 وتاريخ الطبري 2: 1834- 1835 وابن الاثير 5: 292 والبصائر 3: 52- 55 والجليس الصالح 2: 291. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 [1101]- قال الحجاج: سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافهم. (وما أحسن هذا الكلام لو كان من أهله) . [1102]- وقد فعل الوليد بن يزيد، وهو الذي شهد عليه أهل عصره بالمروق عن الدين، حين ولي أصناف الخير من بثّ الصّلات والزيادة في الأعطيات، وأجرى على الزّمنى والعميان وأخدمهم وأجرى على خدمهم الأرزاق. وكذاك كانت سياسة الملوك والولاة وإفضالهم رأيا وحزما إذا لم يكن دينا وورعا. [1103]- أول ظهور أبي مسلم صاحب الدولة باسفيذنج من أرض خراسان ندب إليه نصر بن سيار عامل خراسان مولى له يقال له يزيد في عسكر كثيف، فأنفذ إليه أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعيّ ومصعب بن قيس في مائتي رجل، وأمدّهم من بعد بمدد آخر، فلما وقعت الحرب كسر جيش نصر بن سيار، وأخذ يزيد أسيرا، فأتى به أبو مسلم فداواه أبو مسلم من جراحه، وأحسن إليه وردّه إلى مولاه، وأحلفه أن لا يحاربه أبدا، وأن لا يكذب عليهم وقال: هذا يردّ عنا أهل الورع والصلاح فانا عندهم على غير الاسلام، فكان كما قال وظنّ، وكان هذا الفعل يعدّ من تدبير أبي مسلم الصائب، وكتب نصر ابن سيار إلى بني أمية حينئذ: [من الوافر] أرى خلل الرماد وميض جمر ... وأحسب أن سيتبعه ضرام فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب أوّلها كلام فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أميّة أم نيام   [1101] ربيع الابرار: 374 ب ولباب الآداب: 44 والمستطرف 1: 86. [1103] أبيات نصر في العقد 2: 359 والبيان والتبيين 1: 158 والحماسة البصرية 1: 107 والجليس الصالح 2: 383. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 [1104]- قال مروان بن الحكم لابنه يوصيه: آثر الحقّ وحصّن مملكتك بالعدل فإنه سورها المنيع الذي لا يغرقه ماء ولا تحرقه نار ولا يهدمه منجنيق. [1105]- وروي أن عامل عمر بن عبد العزيز على حمص كتب إليه: إن سورها قد استهدم، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في عمارته، فكتب إليه عمر: أما بعد، فحصّنها بالعدل، والسلام. [1106]- وذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند عبد الملك فقال: قللوا من ذكره فهو طعن على الأئمة، حسرة على الأمة. [1107]- وقالت له حبّى المدنيّة: أقتلت عمرا؟ فقال: قتلته وهو أعزّ عليّ من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في شول. [1108]- ومثله ما قال معاوية لعبيد الله بن زياد: يا ابن أخي، احفظ عني، لا يكوننّ معك في عسكرك أمير غيرك، ولا تقولنّ على منبرك قولا يخالفه فعلك. [1109]- وأقبل رجل من خاصّة عبد الملك يعيب مصعبا، فنظر إليه عبد الملك نظر كراهة لما قال، ثم قال: أمسك، أما علمت أنّ من صغّر مقتولا فقد أزرى بقاتله؟!   [1105] عيون الاخبار 1: 13 والايجاز والاعجاز: 18 والمستطرف 1: 101 وسيرة عمر (ابن الجوزي) : 90 وحلية الاولياء 5: 309 والمصباح المضيء 1: 216 والشفاء: 46- 47 ونهاية الارب 6: 35 ومحاضرات الراغب 1: 169. [1106] نثر الدر 3: 17 (واعاده ص: 20 ونسبه للوليد بن عبد الملك) وربيع الابرار: 378 ب وشرح النهج 12: 15 ومحاضرات الراغب 1: 158 والبصائر 2: 856. [1107] نثر الدر 3: 17 وربيع الابرار: 369 ب والبصائر 1: 21. [1108] نثر الدر 5: 13. 28 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 [1110]- تغدّى سليمان بن عبد الملك عند يزيد بن المهلب فقيل له: صف لنا أحسن ما كان في منزله، فقال: رأيت غلمانه يخدمون بالاشارة دون القول. [1111]- لما ولي مروان بن محمد الخلافة أرسل الى ابن رغبان الذي نسب إليه بعد ذلك مسجد ابن رغبان ليولّيه فرأى له سجّادة مثل ركبة البعير، فقال له: يا هذا إن كان ما بك من عبادة فما يحلّ لنا أن نشغلك، وإن كان من رياء فما يحلّ لنا أن نستعملك. [1112]- وقال عدي بن أرطاة لإياس بن معاوية: دلّني على قوم من القراء أولّهم؟ فقال له إياس: القراء ضربان: فضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون للدنيا، فما ظنّك بهم إذا أنت أمكنتهم منها؟ قال: فما أصنع؟ قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولّهم. [1113]- أحضر الرشيد رجلا ليوليه القضاء، فقال: إنّي لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه، فقال الرشيد: فيك ثلاث خلال، لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة، ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يستعجل قلّ خطؤه، وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسنضمّ إليك من تفقه به. فولي فما وجدوا فيه مطعنا.   [1110] نثر الدر 3: 20 وربيع الأبرار: 236 أ- ب والبصائر 7: 142 والنهروالي: 147: 7 رقم: 214 (قاضي 2) . [1111] نثر الدر 3: 26 والبصائر 5 رقم: 259 والاجوبة المسكتة رقم: 111 وقارن بما في محاضرات الراغب 1: 165، 2: 416 (ونسب الى المنصور) . [1112] عيون الاخبار 1: 17 والبصائر 1: 76 (وفيه: وقال عمر بن عبد العزيز لاياس وهو الأصوب) ومحاضرات الراغب 1: 165 وقارن بما في لقاح الخواطر: 18/أ (بين عمر والحسن) . [1113] عيون الاخبار 1: 17- 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 [1114]- كلّم المنصور أبا العباس السفاح في محمد بن عبد الله بن الحسن وأهله فقال: يا أمير المؤمنين أنّسهم بالإحسان، فإن استوحشوا فالشرّ يصلح ما عجز عنه الخير، ولا تدع محمدا يمرح في أعنّة العقوق. فقال: يا أبا جعفر أنا كذلك، ومن شدّد نفّر ومن لان تألّف، والتغافل من سجايا الكرام. وما أحسن ما قال الأعشى [من الكامل المجزوء] . مغض على العوراء لو ... لا الحلم غيّرها انتصاره [1115]- كان المهديّ يحب الحمام، فأدخل عليه عتاب بن إبراهيم، فقيل له حدّث أمير المؤمنين، وكان قد بلغه استهتار المهدي بالحمام فقال: حدثني فلان «1» عن فلان عن أبي هريرة رفعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: لا سبق إلّا في حافر أو جناح، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما قام [قال] المهدي وهو ينظر في قفا عتّاب: أشهد أن قفاك قفا كذّاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما استحليت ذلك أنا، وأمر بالحمام فذبحت. [1116]- اعتلت الخيزران فأراد الهادي ابنها الركوب إليها، فقال له عمر ابن بزيع: ألا أدلّك يا أمير المؤمنين على ما هو أنفع من عيادتها وأجلب لعافيتها؟ قال: بلى، قال: تجلس للمظالم، فقد احتاج الناس إلى ذلك. فرجع وجلس ووجّه إليها: إني أردتك اليوم فعرض من حقّ الله ما هو أوجب فملت إليه، وأنا أجيئك في غد، إن شاء الله.   [1114] نثر الدر 3: 27 وربيع الأبرار 2: 52. [1115] ربيع الابرار: 265/أ، والقصة حدثت في بلاط الرشيد، والذي يكذب هو أبو البختري في الدميري 1: 293. [1116] تاريخ الطبري 3: 582 وابن الاثير 6: 102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 [1117]- وكانت الخيزران تتشبّه بالرجال وتحبّ الأمر والنهي، وأن يكون لها باب يقصد بالرغبات والمدائح، فقال لها الهادي لما ولى الخلافة: إن الأمر والنهي لا يبلغه قدر النساء، فلا تخرجي من خفر الكفاية الي بذلة التدبير، واختمري بخمرتك وعليك بسبحتك، ولا أعلمك تعدّيت ذلك إلى تكليف يضرّك وتعنيف يلزمك، ولك بعد هذا عليّ الطاعة التي أوجبها الله تعالى لك، في غير كفر ولا مأثم ولا عار. [1118]- شغب الجند على الرشيد ثم سكنوا بعد إيقاع بهم، فصعد المنبر وقال بعد حمد الله والصلاة على رسوله: اما بعد، فقد كان لكم ذنب وكان منّا عتب، وكان منكم اصطلام ومنّا انتقام، وعندي بعد هذا لكم التنفيس عن المكروبين، والتفريج عن المغمومين، والإحسان إلى المحسنين، والتغمّد لإساءة المسيئين، وأن لا يكفر لكم بلاء، ولا يحبس عليكم عطاء، وعليّ بذلك الوفاء، ثم نزل. [1119]- كان سبب خروج المعتصم إلى سرّ من رأى أن غلمانه الأتراك كثروا ببغداد، فتولعوا بحرم الناس وأولادهم، فاجتمع إليه جماعة منهم وقالوا: يا أمير المؤمنين ما أحد أحبّ إلينا مجاورة منك، لأنك الامام والمحامي عن الدين، وقد أفرط علينا أمر غلمانك، فاما منعتهم منّا أو نقلتهم عنّا، قال: نقلهم لا يكون إلا بنقلي، ولكنّي افتقدهم وأزيل ما شكوتم منه، فنظر فإذا الأمر قد زاد وعظم وخاف أن يقع بينهم حرب، وعاودوه بالشكوى وقالوا: إن قدرت على نصفتنا وإلا فتحوّل عنّا، فقال، أتحول وكرامة، فرحل إلى سرّ من رأى واتخذها دارا.   [1117] تاريخ الطبري 3: 569 (ببعض اختلاف) والبيهقي: 552- 553 والبصائر 3: 69- 70 ومروج الذهب 4: 186- 187 ونثر الدر 3: 33. [1119] نثر الدر 3: 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 [1120]- لما أقطع المعتصم أشناس ضياع الحسن بن سهل، وجّه الحسن بقبالاتها إلى أشناس، وكتب إليه: قد عرفت رأي أمير المؤمنين في إخلاصك بهذه الضياع وأحببت أن لا يعترض على عقبك عقبي، فأنفذت إليك قبالاتهم معتدّا في قبولكها بإسباغ النعمة عليّ، وادخار الشكر لديّ، ومتقرّبا به إلى سيدي أمير المؤمنين، فرأيك في الامتنان عليّ بقبولها، موفقا إن شاء الله. فلما قرأ الكتاب أنفذه إلى المعتصم فوقّع فيه: ضيم فصبر، وسلب فعذر، فليقابل بالشكر على صبره، وبالاحسان على عذره، وتردّ عليه ضياعه، ويرفع عنه خراجه، ولا أؤامر فيه إن شاء الله. [1121]- وكان المعتصم يقول: الفضل بن مروان عصى الله وأطاعني، فسلّطني الله عليه. [1122]- وقال لأحمد بن [أبي] دواد لما كان [من] التياث العباس ابن المأمون ما كان: يا أبا عبد الله أكره أن أحبسه فأهتكه، وأكره أن أدعه فأهمله، فقال أحمد: الحبس، أصلح الله أمير المؤمنين فإن الاعتبار «1» خير من الاغترار. [1123]- وقيل ما رؤي أشدّ تيقظا في حرب من المعتصم، كانت الأخبار ترد عليه من أرض بابل إلى سرّ من رأى في ثلاثة أيام على خيل عتاق مضمّرة، قد أقام على كلّ فرسخين «2» فرسين. واحتاج الناس في حصار عمورية   [1120] نثر الدر 3: 44 وهو في الجزء الرابع من البصائر (مخطوطة الامبروزيانا) وسقط من الطبعة الدمشقية. [1121] نثر الدر 3: 44 والايجاز والاعجاز: 20 وغرر الخصائص: 63. [1122] نثر الدر 3: 45، 5: 58. [1123] نثر الدر 3: 45 وبيت أبي تمام في ديوانه 1: 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 إلى ماء فمدّ لهم حياضا من أدم عشرة أميال. ولما دخل عليه المازيار، وكان شديد الغيظ عليه، قيل له: لا تعجل عليه فإن عنده أموالا جمّة، فأنشد بيتا لأبي تمام [من البسيط] . إن الأسود أسود الغاب همّتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السّلب [1124]- قال إبراهيم بن المدبّر: قال لي المتوكل: إذا خرج توقيعي إليك بما فيه مصلحة الناس ورفق بالرعية فأنفذه ولا تراجعني فيه، وإذا خرج إليك فيه حيف على الرعية فراجعني فإنّ قلبي بيد الله عزّ وجل. [1125]- كتب الاسكندر إلى أرسطاطاليس يذكر أن في عسكره جماعة من خاصته وذوي حشمه وأهل الحرمة، وأنه لا يأمنهم على نفسه لما يرى من بعد هممهم وقوة شجاعتهم وأنه لا يجد لهم عقولا تفي بالفضائل التي فيهم، ويكره الإقدام بالقتل عليهم بالظنّة مع واجب الحرمة، وسأله عن الرأي في أمرهم، فكتب إليه أرسطاطاليس: أما بعد فإن الوفاء من بعد الهمة، وأما شجاعتهم ونقصان عقولهم عن الوفاء بها، فمن كانت هذه حاله فرفّهه في معيشته وقوله، وخوّله حسان النساء، فإنّ رفاهة العيش توهي العزم وتكسر حميّة الشجاعة، ومحبة النساء تحبّب السلامة وتباعد من ركوب المخاطر، وليكن خلقك خلقا حسنا تستدع به صفو النية وخلوص المقة «1» ، ولا تتناول من لذيذ العيش ما لا يمكن أوسط أصحابك تناول مثله، فليس مع الاستئثار محبة ولا مع المواساة بغضة. [1126]- غضب الاسكندر على شاعر فأقصاه وفرّق ماله في الشعراء،   [1124] نثر الدر 3: 48. [1125] الجهشياري: 9- 10. [1126] البصائر 2: 337 وسرح العيون: 71 وربيع الابرار 1: 729. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 فقيل له في ذلك فقال: أما إقصائي إياه فلجرمه، وأما تفريقي ماله في الشعراء فلئلا يشفعوا فيه. [1127]- كتب الاسكندر إلى أرسطاطاليس يعلمه بما افتتح من البلاد ويعجّبه من قبّة الذهب، وجدها في بلاد الهند، فأجاب: إني رأيتك تعجب من قبة عملها الآدميون، وتدع التعجب من هذه القبّة المرفوعة فوقك، وما زيّنت به من الكواكب وأنوار الليل والنهار. وأما البلدان فليكن ملكك فيها بالتودّد إلى أهلها، لا كقهر الراعي غنمه بالعصا، فإنك في طاعة المودة أحمد بدنا وعافية من طاعة القهر والاستطالة، فحدّث به المأمون فقال: لقد حثّ على التودّد فأحسن، فلقد أدّبنا الله قبل معرفتنا بحكمة أرسطاطاليس: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159) . [1128]- لما قتل شيرويه بن كسرى أباه أبرويز، وقف له رجل من الرعية يوما وقد رجع من الميدان فقال: الحمد لله الذي قتل أبرويز على يديك، وملّكك ما كنت أحقّ به منه، وأراح آل ساسان قتل من جبروته وعتوّه وبخله ونكده، فإنه كان ممن يأخذ بالحبة ويقتل بالظنّ، ويخيف البريء ويعمل بالهوى؛ فقال للحاجب: احمله إليّ، فقال: كم كانت أرزاقك في حياة أبرويز؟ قال: في كفاية من العيش. قال: فكم رزقك اليوم؟ قال: ما زيد في رزقي شيء، فقال: هل وترك أبرويز فأبصرت منه مما سمعت من كلامك؟ قال: لا، قال: فما دعاك إلى الوقوع فيه ولم يقطع عنك رزقا، ولا وترك في نفسك؟ وما للعامة وهم رعية والوقوع بالملوك؟ وأمر أن ينزع لسانه من قفاه، وقال: بحقّ ما يقال: ان الخرس خير من البيان بما لا يجب.   [1127] ربيع الأبرار: 376/أوطبقات صاعد: 34. [1128] التاج: 109- 110 والبيهقي: 383 ومحاضرات الراغب 1: 387. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 [1129]- ولما أتي المنصور برأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن فوضع بين يديه جاء بعض الراوندية فضرب الرأس بعمود في يده، فقال المنصور للمسيّب: سوّ وجهه، فدقّ المسيّب أنفه حتى سطّحه مع وجهه، ثم قال: يا ابن اللخناء تجيء إلى رأس ابن عمي وقد صار إلى حال لا يدفع عن نفسه ولا ينفع فتضربه بعمود، كأنك رأيته يريد نفسك أو نفسي فدفعته عني؟! اخرج إلى لعنة [الله] وأليم عقابه. [1130]- قال حسن بن رجاء: لما ورد الخبر على المأمون بقتل أبي السرايا لم يكن في بيت ماله إلا ألف ألف ومائتا ألف درهم، قال ذو الرياستين للمأمون: هذا لا يسع الناس، ولكن صل بهذا المال حتى أخرج إلى الناس فآمر لهم به على قدر مراتبهم، فيكون القليل مني أحمد منه منك، ويكون الناس يتوقعون فضلك إلى أن تأتي الأموال فترى رأيك. ففعل فوقع أحسن موقع. [1131]- أمر المأمون الحسن بن عيسى كاتب وزيره عمرو بن مسعدة أن يكتب كتابا، فالتفت الحسن إلى الوزير ينتظر الإذن منه، ففهمها عنه المأمون فقال: يعطى الحسن مائة ألف لانتظاره إذن صاحبه. [1132]- ركب زياد يوما بالسوس فرأى عمارة حسنة، فخاف أهلها أن يزيد في خراجها، فقال لهم: بارك الله عليكم قد وضعت عنكم مائة ألف لما رأيت عمارة بلدكم. [1133]- دعا الواثق إسحاق بن إبراهيم المصعبي إلى منادمته فامتنع،   [1129] التاج: 111. [1131] ربيع الأبرار 2: 322. [1132] المصباح المضيء 1: 322 ومحاضرات الراغب 1: 168 وشرح النهج 17: 75. [1133] الفرج بعد الشدة 1: 393. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 فتلاحيا في ذلك إلى أن تغيّر الواثق لإسحاق وأمر بحجابه، فكتب إليه إسحاق: يا أمير المؤمنين لئن أطلقتني الحشمة التي عقد بها لساني عن الانبساط لتغيره علي، لقد كان فيما عقد لي عليه قلب أمير المؤمنين ذبّ ان كان يؤمنني من امتهان العامة إياي. فرمى الواثق بكتابه إلى أحمد بن أبي دواد وقال: انظر ذا، فنظر ثم قال: يا أمير المؤمنين، ما على من كانت هذه همته بذبّه عن أمير المؤمنين عتب، وهو يجد من أشخاص عوضا في منادمته، [فأبقاه] على رسمه وأعفاه من المنادمة. [1134]- قال معاوية لسعيد بن مرة الكنديّ: أنت سعيد؟ قال: أمير المؤمنين السعيد وأنا ابن مرّة. [1135]- وقال المأمون للسيّد بن أنس: أنت السيّد؟ فقال: أمير المؤمنين لسيد وأنا ابن أنس. [1136]- وقال الحجاج للمهلب وهو يماشيه: انا أطول أم أنت؟ قال: الأمير «1» أطول وأنا أبسط قامة. [1137]- قال رجل لأبي خليفة الجمحي: ما أحسبك تثبتني؟   [1134] التاج: 88 والبيهقي: 459 والمحاسن والاضداد: 14 ومحاضرات الراغب 1: 67 والمستطرف 1: 59 ونزهة الظرفاء: 4 ب وربيع الأبرار 2: 319، 339 والاجوبة المسكتة رقم: 601. [1135] التاج: 88 والبيهقي: 459 والمحاسن والاضداد: 14 ومحاضرات الراغب 1: 67 ونزهة الظرفاء: 4/أوربيع الأبرار 2: 319، 339 والاجوبة المسكتة رقم: 602. [1136] المحاسن والاضداد: 14 والبيهقي: 459 ونثر الدر 2: 183 والبصائر 2: 690 وربيع الابرار 1: 684، 2: 319 والمستطرف 1: 59. [1137] ربيع الابرار: 133/أوالبصائر 1: 117 وزهر الآداب: 825. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 فقال: وجهك يدلّ على سنك «1» ، والإكرام يمنع من مسألتك، فأوجد السبيل إلى معرفتك. [1138]- قال العتبيّ لأحمد بن أبي خالد الأحول: هل أنكرت عليّ يوم دخولي على المأمون شيئا؟ قال: نعم، قال: ما هو؟ قال: ضحك من شيء فكان ضحكك أكثر من ضحكه. [1139]- قال محمد بن عبيد الله [بن يحيى] بن خاقان: بعثني أبي إلى المعتضد «2» في شيء فقال لي: اجلس، فاستعظمت ذلك فقلت: إنه لا يجوز، فقال: يا محمّد، أدبك في القبول مني خير لك من أدبك في قيامك. [1140]- قال المأمون لثمامة بن أشرس: ارتفع؟ قال: يا أمير المؤمنين لم يف شكري بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك إعظاما لك، وأقرب منك شحا عليك. [1141]- ومن أدب العلماء: قال بعض أصحاب أبي حنيفة، قال أبو حنيفة: لا تسألني عن أمر الدين وأنا ماش، ولا تسألني وأنا أحدّث الناس، ولا تسألني وأنا قائم، ولا تسألني وأنا متكىء، فإن هذه أماكن لا يجتمع فيها عقل الرجل. قال: فخرج يوما فتبعته من حرصي أسائله ومعي دفتر، وأنا أمشي في الطريق، فلما خلوت عقلت ما يقول، فلما كان من الغد واجتمع إليه أصحابه سألته عن تلك المسائل فغيّر الجواب، فأعلمته ذلك   [1138] نور القبس: 191 وربيع الابرار: 134/أوالبصائر 7: 253 ومحاضرات الراغب 1: 283. [1139] نثر الدر 3: 50 والبصائر 2: 528 وربيع الابرار: 133/أ. [1140] نثر الدر 2: 188 وربيع الابرار: 134/أوالبصائر 4: 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 فقال: ألم أنهك عن السؤال وعن الشهادات في دين الله إلا في وقت جمام العقول؟ [1142]- وقيل: أراد أحمد بن طولون أن يكتب وثائق بأحباسه التي حبسها على البيمارستان والمسجد والسّقاية بمصر، فتولّى له كتب ذلك أبو حازم قاضي دمشق، فلما جاءت الوثائق أحضر لها علماء الشروط لينظروا هل فيها شيء يفسدها، فنظروها فقالوا: ما فيها شيء، ونظر فيها أبو جعفر أحمد بن محمد ابن سلامة الطحاوي الفقيه، وهو يومئذ شابّ، فقال: فيها غلط؛ فأحضره. ابن طولون وسأله عن الغلط فقال: حتى أعرف من عملها، فقيل له: أبو حازم القاضي، فقال: ما يمكنني أن أذكر الغلط الذي فيها، فقال له أحمد ابن طولون: إن أنت لم تذكره لرسلي فاذكره لي، فقال: ما أفعل، قال: ولم؟ قال: لأنّ أبا حازم رجل عالم وعسى أن يكون الصواب معه وقد خفي عليّ، فأعجب ذلك أحمد بن طولون وقرّبه وأجازه وقال له: فتخرج إلى أبي حازم لتواقفه، فخرج وواقفه عليه واعترف أبو حازم بالغلط، ثم رجع الطحاويّ إلى مصر وأدخل إلى ابن طولون، فقال: كان الصواب مع أبي حازم وقد رجعت إلى قوله، وستر ما كان، فذكر لابن طولون فزاد في نفسه. [1143]- كان أحمد بن طولون شديد الاهتمام بأمر رعيته، وكان يجلس في الليل في قبة عالية من داره يتسمّع ويراعي أحوال مصر، فبينا هو ذات ليلة إذ سمع صياح كلب يصيح صياحا شديدا، فدعا بغلمانه وقال: اسمعوا، فقالوا: نسمع صياح كلب. فقال: انظروا أين، فلم يزالوا ينظرون حتى قالوا: في ناحية كذا وكذا، فقال: عليّ بالكلب الساعة وسببه، فمضى الغلمان فلم يزالوا ينظرون حتى عرفوا الموضع فأخذوا الكلب، وإذا برجل نائم   [1142] انظر سيرة البلوي: 350 (الحاشية) نقلا عن مجموعة من الحكم منسوبة لياقوت المستعصمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 في الظلام معه سكين، وإذا قوم يصيحون، فقالوا لهم: ما خبركم؟ فخرج إليهم شيخ فقال: هذا رجل يتعرّض ببعض حرمي، فأخذوا الكلب والرجل والشيخ وجاءوا بهم إلى أحمد بن طولون، فقال: اضربوا الكلب فضربوه فصاح فقال: هو هو، وأمر بالرجل فغرّق وانصرف الشيخ إلى منزله. [1144]- وقال أحمد بن طولون لبعض كتابه: اختر لي كاتبا ترضاه وأتني به، قال: فأتيته به وتركته عنده ولم أعرف له خبرا، فلما كان بعد شهر جاءني، فقلت: من أين؟ قال: من أمر عظيم، لما انصرفت أرسلني إلى المطبق وقال لي: احفظ ما يقولون وإلى من يكتبون ومن يكتب إليهم. فأقمت شهرا بالمطبق حتى عرفت جميع ما كانوا فيه، ثم أحضرني اليوم وحدثته بكلّ شيء فأمر لي بجائزة وقال لي: انصرف. [1145]- رفع إلى المعتضد أنّ طائفة من الناس يجتمعون في دكان رجل شيخ تبّان، ويخوضون في الفضول والأراجيف وفنون من الأحاديث، وفيهم سراة وكتّاب وأهل بيوتات سوى من يسترق السمع منهم من داصة الناس، فلما عرف المعتضد ذلك حرج صدره وامتلأ غيظا، ودعا بعبيد الله بن سليمان ورمى بالرقعة إليه وقال له: انظر فيها وتفهمها، ففعل، ورأى من تربّد وجه المعتضد ما أزعج ساكن صدره، وقال: قد فهمت يا أمير المؤمنين، قال: فما الدواء؟ قال: تتقدّم بأخذهم وصلب بعضهم وإحراق بعضهم وتغريق بعضهم، فإن العقوبة إذا اختلفت كان الهول أشدّ والهيبة أفشى، والزجر أنجع، والعامّة أخوف، فقال المعتضد: لقد برّدت لهب غضبي بقسوتك هذه، ونقلتني إلى اللين بعد الغلظة، وحضضت على الرفق من حيث أشرت   [1144] سيرة البلوي: 115- 117. [1145] الامتاع والمؤانسة 3: 88- 91 (بتفصيل كثير) وقارن بما ورد في المنتظم 5: 136- 137 والمصباح المضيء 1: 250 والجوهر النفيس: 37/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 بالخرق، وما علمت أنك تستجيز هذا في دينك وهديك ومروءتك، ولو أمرتك ببعض ما رأيت بعقلك وحزمك لكان من حسن المؤازرة ومبذول النصيحة والنظر للرعية الضعيفة الجاهلة أن تسألني الكفّ وتبعثني على الحلم وتحبّب إليّ الصفح، وترغّبني في فضل الاغضاء على هذه الاشياء، وقد ساءني جهلك بحدود العقاب، ولقد عصيت الله بهذا الرأي ودللت على قسوة القلب وقلّة الرحمة ويبس الطينة وقلّة الديانة. أما تعلم أن الرعية وديعة الله عند سلطانها، وأن الله سائله عنها كيف سستها ولعله لا يسألها عنه، فإن سألها فلتوكيد الحجّة عليه منها؟ ألا تدري أن أحدا من الرعية لا يقول ما يقول إلا لظلم لحقه، أو داهية نالته أو نالت صاحبا له؟ وكيف نقول لهم كونوا أتقياء صالحين مقبلين على معاشكم غير خائضين في حديثنا ولا سائلين عن أمرنا، والعرب تقول في كلامها: غلبنا السلطان فلبس فروتنا وأكل خضرتنا، وحنق المملوك على المالك معروف، وإنما يحتمل السيد على ضروب تكاليفه ومكاره تصاريفه إذا كان العيش في كنفه رافغا، والأمل فيه قويا، والصدر عليه باردا، والقلب معه ساكنا، أتظن أنّ العلم بالجهل يدفع والعذر به يسع؟ لا والله، ما الرأي ما رأيت ولا الصواب ما ذكرت، وجّه صاحبك وليكن ذا خبرة ورفق، معروفا بتحرّ وصدق، حتى يعرف حال هذه الطائفة ويقف على شان كل واحد منها في معاشه وقدر ما هو [متقلب فيه و] منقلب إليه، فمن كان منهم يصلح لعمل فعلّقه به، ومن كان سيء الحال فصله من بيت المال بما يعيد نضرة حاله، ويفيد طمأنينة باله، ومن لم يكن من هذا الرهط بل هو غنيّ مكفيّ، وإنما يخرجه إلى دكان هذا التبّان البطر والزهو فادع به وانصحه ولاطفه، وقل له: إن لفظك مسموع وكلامك مرفوع، ومتى وقف أمير المؤمنين على كنه ذلك منك لم تجدك إلّا في عرصة المقابر، فاستأنف لنفسك سيرة تسلم بها من سلطانك وتحمد بها عند إخوانك، وإياك أن تجعل نفسك عظة لغيرك بعد ما كان غيرك عظة لك، ولولا أن الأخذ بالجريرة الأولى مخالف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 للسيرة المثلى لكان هذا الرأي الذي تسمعه ما تراه، تودّ لو أنك سمعته قبل أن تراه، فإنك يا عبيد الله إذا فعلت ذلك فقد بالغت في العقوبة، وملكت طرفي المصلحة، وقمت على سواء السياسة، ونجوت من الحوب والمأثم في العاقبة، ففعل عبيد الله ما أمره به. [1146]- قال عبد الملك بن عمر الليثي: بينما نحن في المسجد الجامع بالكوفة، وأهل الكوفة يومئذ ذوو حال حسنة يخرج الرجل منهم في العشرة والعشرين من مواليه، أتانا آت، فقال: هذا الحجاج قد قدم أميرا على أهل العراق، فإذا به قد دخل المسجد معتما بعمامته قد غطّى بها أكثر وجهه، متقلّدا سيفا، متنكبا قوسا، يؤمّ المنبر، فقام الناس نحوه، حتى صعد المنبر، فمكث ساعة لا يتكلّم، فقال الناس بعضهم لبعض: قبّح الله بني أمية حيث تستعمل مثل هذا على العراق، حتى قال عمير بن ضابىء البرجمي، ألا أحصبه لكم؟ فقالوا: أمهل حتى ننظر، فلما رأى عيون الناس إليه حسر اللثام عن فيه ونهض فقال: [من الوافر] . أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني وقال: يا أهل الكوفة، إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى: هذا أوان الشدّ فاشتدي زيم ... قد لفّها الليل بسّواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ... ولا بجزّار على ظهر وضم قد لفّها الليل بعصلبيّ ... أبيض خرّاج من الدويّ مهاجر ليس بأعرابيّ   [1146] نثر الدر 5: 13 والمستطرف 1: 50- 52 وانظر خطبة الحجاج نفسها في عيون الاخبار 2: 243 والبيان والتبيين 2: 307- 310 والعقد 4: 119 والكامل 1: 333- 340 وتاريخ ابن الاثير 4: 375 وصبح الاعشى 1: 218. والدميري 1: 190. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 قد شمّرت عن ساقها فشدّوا ... وجدّت الحرب بكم فجدّوا والقوس فيها وتر عردّ ... مثل ذراع البكر أو أشدّ إني والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان، ولا يغمز جانبي كتغماز البنان. ولقد فررت عن ذكاء، وفتّشت عن تجربة، وإنّ أمير المؤمنين نثل كنانته، فعجم عيدانها عودا عودا، فوجدني أمرّها عودا وأصلبها مكسرا، فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مراقد الضّلال. والله لأحزمنّكم حزم السّلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، فإنكم كأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان، فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، وإني والله ما أقول إلا وفيت، ولا أهمّ إلا أمضيت، ولا أخلق إلا فريت، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه، يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين، سلام عليكم، فلم يقل أحد شيئا، فقال الحجاج: قف يا غلام، ثم أقبل على الناس فقال: أسلّم عليكم أمير المؤمنين فلم تردّوا عليه شيئا؟ هذا أدب ابن نهية، أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب أو لتستقيمنّ الطريق، اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم، لم يبق أحد في المسجد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام، ثم نزل فوضع للناس أعطياتهم، فجعلوا يأخذون حتى أتاه شيخ يرعش كبرا فقال: أيها الأمير، إني من الضعف على ما ترى، ولي ابن هو أقوى على الأسفار مني أفتقبله بدلا؟ فقال له الحجاج: نفعل يا شيخ، فلما ولّى قال له قائل: أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال: لا، قال: هذا عمير بن ضابىء البرجمي الذي يقول أبوه: [من الطويل] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله ودخل هذا الشيخ على عثمان وهو مقتول فوطىء بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه، فقال: ردّوه. فلما ردّ قال الحجاج له: أيها الشيخ، هلا بعثت إلى أمير المؤمنين بدلا يوم الدار؟ إن في قتلك أيها الشيخ لصلاحا للمسلمين، يا حرسيّ اضربا عنقه. فجعل الرجل يضيق عليه أمره فيأمر وليه أن يلحقه بزاده، ففي ذلك يقول عبد الله بن الزّبير الأسدي: [من الطويل] . تجهّز فاما أن تزور ابن ضابىء ... عميرا، وإما أن تزور المهلّبا تفسير كلمات غريبة من هذا الخبر: أراد بابن جلا الفعل، فحكى، فلذلك لم يصرفه، والبيت لسحيم بن وثيل؛ طلاع الثنايا: جلد يطلع الثنايا في ارتفاعها وصعوبتها. حطم لا يبقي من السير شيئا وكذلك الذي يأتي على الزاد فيأكله حطم، والنار التي لا تبقي حطمة والوضم [ما] يوضع عليه اللحم من [صخر] أو خشب. والعصلبيّ: الشديد؛ الدويّ: كلّ غماء شديدة، ويقال للصحراء دوّيّة، وهي التي لا تكاد تنقضي، وهي منسوبة إلى الدوّ، وهو الصحراء الملساء التي لا أمارة بها، والداوية: المتسعة التي تسمع لها دويا بالليل، وإنما ذلك الدويّ من أخفاف الإبل تنفسح أصواتها فيها وتقول جهلة الاعراب ذاك عزيف الجن؛ والعردّ: الشديد ويقال في معناه عرند، والذكاء ها هنا تمام السنّ وهو في غير هذا حدّة القلب. [1147]- ومن سياسة زياد المستحسنة أنه ألزم كلّ قبيلة بمن يخرج من الخوارج منهم وأخذهم بهم، فكانت كل قبيلة إذا أحسّت بخارجية منها شدّتهم وأتت بهم زيادا. وله أخرى في الخوارج، وأخرجوا معهم امرأة فظفر بها فقتلها ثم عرّاها، فلم تخرج النساء بعد ذلك على زياد، وكنّ إذا دعين إلى الخروج يقلن: لولا التعرية لسارعنا. وكنّ بعد زياد يخرجن مع الخوارج فيحاربن ويبارزن الرجال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 [1148]- نصب معاوية قميص عثمان على المنبر فبكى أهل الشام فقال: هممت أن أدعه على المنبر، فقال له عمرو بن العاص: إنه ليس بقميص يوسف، وانهم إن طال نظرهم إليه وبحثوا عن السبب، وقفوا على ما لا تحبّ ولكن لذّعهم بالنظر إليه في الأوقات. [1149]- ووصّى عمرو معاوية بالسياسة فقال: لا يكون شيء آثر عندك من أمر رعيتك، وتكون له أشدّ تفقدا منك لخصاصة الكريم أن تعمل في سدّها، ولطغيان اللئيم أن تقمعه، واستوحش من الكريم الجائع ومن اللئيم الشبعان، فإن الكريم يصول إذا جاع واللئيم يصول إذا شبع. [1150]- كان الرشيد أخذ ضيعة من صالح صاحب المصلّى ودفعها إلى أم جعفر، فلما ولي الأمين سأله الفضل بن الربيع ردّها على صالح، فقال: أنا أعوّضه ولا أظلم أمّي ولا أعقّ أبي. [1151]- وقّع المأمون في قصة متظلم من أبي عيسى بن الرشيد فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (المؤمنون: 101) . [1152]- قال المعتزّ لأحمد بن وزير البصريّ لما ولاه القضاء: يا أحمد قد ولّيتك القضاء وإنما هي الدماء والفروج والأموال تنفذ فيها حكمك ولا يردّ أمرك، فاتّق الله عز وجل وانظر ما أنت صانع. [1153]- ولما جيء إليه بأمان وصيف وبغا من بغداد على دمائهم وأموالهم وأجاز ذلك، وقّع في الكتاب بخطه بين الأسطر: خلا ما فيها من حقّ لمسلم أو معاهد.   [1149] قوله: «احذر صولة ... » منسوب لاردشير في ربيع الابرار 213 ب وقد ورد تخريجه في رقم: 805. [1152] ربيع الابرار: 313 ب (بين المعتز وابن أبي الشوارب) . 29 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 [1154]- دخل أبو مجلز على قتيبة وهو بخراسان، وهو يضرب رجلا بالعصا فقال: أيها الأمير إن الله جعل لكلّ شيء قدرا، ووقّت له وقتا، فالعصا للأنعام والهوامّ والبهائم العظام، والسوط للحدود والتعزير، والدرّة للأدب، والسيف لقتال العدوّ والقود. [1155]- قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: وافاني كتاب المعتزّ وكتاب أحمد بن إسرائيل مع رسول ومعه رأس بغا، وفي الكتب أن أنصبه على الجانبين، فلم أفعل وكتبت: قد أوجب الله تعالى عليّ نصح أمير المؤمنين من جهات منها ما تقتضيه الديانة وتوجبه الأمانة، ومنها اصطناع آبائه لخدمهم من أسلافي، ومنها اختصاصه إياي بجميل رأي، ومع هذا فلم أكن لأذخر عنه رأيا مع ما أنا عليه من المناصحة والشكر، وإن الكتب وردت عليّ بنصب رأس بغا في الجانبين، وقد أخّرت ذلك إلى أن يعود إليّ الأمر بما أعمل عليه، وبغا فقد علمت أنه عدوّ أمير المؤمنين وعدوّك، وقد أراح الله تعالى منه بحيث لم تتّهموا فيه، وأخاف أن يتبعكم الأتراك عند أوّل شغبة به، ويطالبوكم بدمه، ويجعلوا ذلك ذريعة إلى إيقاع سوء. وكان الصواب عندي أن يغسله أمير المؤمنين ويصلّي عليه ويدفنه ويظهر حزنا ويقول: ما أحبّ أن يصاب صغير منكم ولا كبير، وقد غمّني أمر بغا، ولو وصل إليّ لزدت في مرتبته، وما يشبه هذا. فورد عليّ كتاب أحمد بن إسرائيل يشكر ما كان منّي، ويحلف أنه سبقني إلى هذا الرأي واجتهد فيه، فما أمكنه إلا أن يفعل ما فعل، ولم يقبل قوله، وفي آخر كتابه: واعلم أنه قد حدث بعدك، وهو مما لا نعرفه نحن ولا أنت، رأي للحرم والخدم يقبل ويعمل عليه، وهذا فتح للخطأ وإغلاق للصواب، فانصب الرأس قليلا ثم أنفذه إلى خراسان. [1156]- كتب الفضل بن الربيع إلى عبد الله بن سوار يسأله أن يشتري   [1154] البيان والتبيين 3: 45 ونثر الدر 4: 83 وكتاب العصا: 304. [1156] نثر الدر 5: 45 وأخبار القضاة 2: 156 ولقاح الخواطر: 64/أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 له ضيعة فكتب إليه: إن القضاء لا يدنّس بالوكالة. [1157]- قال بعض صحابة أبي العباس السفاح: غضب أبو العباس السفاح على بعض أصحابه فأبعده، فذكره ليلة من الليالي، فقلت: لو رآه أعدى خلق الله له لرحمه، قال: ممّ ذلك؟ قلت: لغضب أمير المؤمنين عليه، فقال: ما له من الذنب ما تبلغ به العقوبة هذا المبلغ، قلت: فمنّ عليه يا أمير المؤمنين برضاك، قال: ما هذا وقت ذاك. قلت: إنك يا أمير المؤمنين لما صغّرت ذنبه طمعت في رضاك. قال: إنه من لم يكن بين غضبه ورضاه مدة طويلة لم يحسن أن يغضب ولا يرضى. [1158]- قال عبيد الله بن سليمان: كنت أكتب بين يدي أبي سليمان داود بن الجراح، فقال لي يوما: اكتب: أطال الله بقاءك وأعزّك وأكرمك وأتمّ نعمته عليك وإحسانه إليك، كتب الوكيل- أعزك الله- متّصلة بشكرك، والضيعة ضيعتك، وكلّ ما تأتيه في أمرها فموقعه يحسن منّي، وشكري يتضاعف عليه، وخطابا في هذا المعنى، وكانت هذه المخاطبة لا يخاطب بها إلا صاحب مصر أو فارس، فقلت: قد ابتاع ضيعة بأحد الموضعين؛ ثم أصلح الكتاب فقال: عنونه إلى الرخّجي، وكان يتقلّد النهروان الأوسط. ثم رمى إليّ كتابا لصاحب بريد فقال: وقّع عليه: أنت أعزّك الله تقف على ما تضمّنه هذا الكتاب، ولئن كان ما تضمنه حقا لأفعلنّ ولأصنعنّ، وخطابا أغلظ فيه، ثم قال عنونه إلى الرخّجي، فعجبت من الكتابين، وفطن لما في نفسي فقال: أظنّك قد أنكرت الخطابين، هذه ثناءتي خدمتها، وهذا حقّ سلطاني استوفيته. [1159]- قال عليّ بن مخلد: كنت واقفا على رأس المنصور وأنا   [1157] التاج: 92. [1158] نثر الدر 5: 4 والبصائر 3/أ: 194- 196. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 غلام، فما رأيت ملكا ولا سوقة كان أفسح منه أخلاقا، ولا أقلّ ضربا وشتما لملك يمين، وكان ربّما دعا الغلام من غلمانه لبعض ما يحتاج إليه فيسمع نداءه فلا يجيبه، قال: فسمعته يوما يقول للربيع: ما أدري كيف أصلح غلماني وخدمي؟ أصوّت للواحد منهم أصواتا فلا يجيبني وأنا أعلم أنه قد سمع. قال: يا أمير المؤمنين، لنت لهم غاية اللين فلو غلظت عليهم بعض الغلظة استقاموا. فقال: ابغني سوطا ومسمارا، فأتاه بهما فعلّق السوط تجاه مجلسه فكان إذا صاح بالخادم وافاه عشرون في لحظة، فقال: قاتل الله القائل: [من الكامل المجزوء] . العبد يقرع بالعصا ... والحرّ تكفيه الملامه [1160]- قال الفضل بن يحيى لرجل استبطأ عدة الرشيد، وكان من أهل بيته: إنما شغل عنك أمير المؤمنين حقوق أهل الطاعة دونك، ولو فرغ منهم إليك لم يؤثر من دونك عليك، فقام أبوه يحيى فقبل رأسه. [1161]- كان المعتضد بالله من ساسة الخلفاء وذوي التدبير، وسمّي السفاح الثاني لأنه جدّد الدولة العباسية بعد دروسها، ولي بعد المعتمد عمّه وكان مستضعفا حتى أنه طلب ما يراعي به مغنّية عنده، فلم يعط وقصرت يده عنه فقال: [من الوافر] . أليس من العجائب أنّ مثلي ... يرى ما قلّ ممتنعا عليه وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا ... وما من ذاك شيء في يديه وكان تؤخذ جواريه غصبا فلا يقدر على الامتناع وليس هذا موضع أخباره. فلما ولي المعتضد لم يجد في بيت المال غير سبعة وعشرين درهما زائفة،   [1161] تولى الخلافة (279- 289) ، وقارن ما ذكره هنا بما في تاريخ الخلفاء: 399 وخلاصة الذهب المسبوك: 235 وابن الكازروني: 164- 165 وابن العمراني: 140، وبيتا المعتمد في تاريخ الخلفاء: 394. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 ووجد الدنيا خرابا فعمرها بالعدل، حتى صار دخل المملكة يزيد على الخرج في كلّ سنة ألف ألف دينار، بعد الخرج والنفقات على التمام والكمال، واستيفاء الجيوش وسائر المرتزقة جاريهم على الإدرار من غير مطالبة او إذكار بسببه، وكان هذا الفاضل في بيت مال الخاصّة لا ينفق منه شيء البتة، ولا يحتاج إليه في وجه من الوجوه، وأخّر النوروز إلى أحد عشر يوما من حزيران حيث تتكامل جميع الغلّات الشتوية والثمار، فيأخذ الخراج في أوانه من غير إضرار بتقديمه، وأمر بالزيادة في المسجد الجامع بمدينة أبي جعفر، وأمر بتسهيل عقبة حلوان وقال: هذا طريق الملك. فسهّلت إلى الموضع المعروف بدهليزان، وأنفق عليها عشرون ألف دينار، وأمر بردّ المواريث على ذوي الأرحام، ولما أراد بناء قصره بالشمّاسية بأعلى بغداد، استزاد في الذّرع بعد أن فرغ من تقدير جميع ما أراده للقصر، فسئل عما يريد ذلك له، فذكر أنه يريده ليبني فيه دورا ومساكن ومقاصير، يرتّب في كلّ موضع منها رؤساء كلّ صناعة ومذهب، من كلّ مذاهب العلوم النظريّة والعملية، ويجري عليه الأرزاق السنيّة، ليقصد كلّ من اختار علما أو صناعة رئيس ما يختاره فيأخذ عنه. ولو مدّ له في العمر حتى يفعل هذا، لظهر فضل هذه الأمة على سائر الأمم، ولكن حالت المنية دون الأمنية، ولله أمر هو بالغه وهو أعرف بمصالح عباده. [1162]- وكان عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد من العقلاء ورجال التدبير. قال علي بن عيسى بن داود بن الجراح: دخلنا إليه لما فتح هو وبدر المشرق، وفتح المعتضد والقاسم بن عبيد الله معه ديار بكر، وذلك في آخر سنة ستّ وثمانين ومائتين، وكنت أنا وعمّي محمّد بن داود والقاسم، فجعل القاسم ونحن بعده نهنّىء عبيد الله باستمرار الصلاح في جميع البلاد، وسكون النفوس، وسقوط جميع الأعداء في أقطار المملكة، قال: وعبيد الله يسمع وهو مطرق، ثم رفع طرفه وجعل ينظر إلى ابنه القاسم نظر متعجب، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 قال: الساعة والله يا بنيّ وقعنا نحن في الشّغل والخوف، لأنّ عادة هؤلاء القوم، يعني الخلفاء، إذا خلص لهم الملك وانتظم، الفكر في أقرب الناس منهم والإقدام على الإيقاع بهم وهم الوزراء، وحقّ الوزير أبدا أن يشغل قلب سلطانه بالشيء بعد الشيء يلقيه إليه مما يحذره ويخشى سوء عاقبته، فتدعوه الضرورة عند ذلك إلى اتصال الفكر فيه والاعتماد على وزيره في تلافيه، فإذا خلا من ذلك صرف همّه وفكره إلى الأقرب فالأقرب منه، فلم تؤمن بادرته ولم يسلم من معرّته وتغيير أمره وملالته، إما ضجرا باتصال خدمته وطول معاملته، وإما طمعا في ماله وحاله وشرها إلى نعمته. قال: فورد على القاسم من قول أبيه وعلينا ما علمنا أنّه قال الحقّ، مع ممارسته للأمور، وما شوهد ونقل من الأخبار في ذلك. [1163]- وقال المحسّن بن علي بن محمد بن الفرات، قال لي أبي: يا بنيّ إن خدمت هؤلاء الخلفاء، فلا تترك حالا تقدر عليها في إزعاجهم وإرهابهم إلّا اجتلبتها وأوردت خبرها عليهم، حتى يكون قلب من تخدمه أبدا مشغولا منخوبا غير مفكر فيك، فإنه إذا فرغ قلبه مما يتخوّفه عاد بالمكروه عليك وانصرف به إليك ولم يفكّر إلا فيك. [1164]- لما أسرف الحجاج في القتل بالعراق وإعطاء أصحابه الأموال، كتب إليه عبد الملك بن مروان: أما بعد فقد بلغني سرفك في الدماء وتبذير الأموال، ولا أحتمل هاتين لأحد من الناس، وقد حكمت عليك في الدّم بالقود في العمد، والدّية في الخطأ، وأن تردّ الأموال إلى مواضعها، فإنما المال مال الله ونحن أمناؤه، وسيّان منع حقّ وإعطاء باطل، فلا يؤمّننك إلا الطاعة ولا يخيفنّك إلا المعصية، وكتب في أسفل كتابه: [من الطويل] .   [1164] مروج الذهب 3: 341- 342 ووفيات الاعيان 2: 35 والمستطرف 1: 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 إذا أنت لم تترك أمورا كرهتها ... وتطلب رضائي بالذي أنت طالبه وتخشى الذي يخشاه مثلك هاربا ... إلى الله منه ضيّع الدرّ حالبه وإن تر منّي غفلة قرشيّة ... فيا ربّما قد غصّ بالماء شاربه وإن تر منّي وثبة أمويّة ... فهذا وهذا كلّه أنا صاحبه فلا تعد ما يأتيك مني، فإن تعد ... تقم فاعلمن يوما عليك نوادبه [1165]- ومن الآراء السديدة ما فعله أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات بعد فتنة ابن المعتز فإن ابن المعتز لما تفرّق أصحابه وهلك، واستقام الأمر للمقتدر في ملكه استوزر أبا الحسن ابن الفرات فظفر بصندوقين عظيمين فيهما جرائد بأسماء من بايع ابن المعتز فلم يفتحهما ولا قرأ الجرائد، ودعا بنار عظيمة، وألقى الصندوقين فيها وقال: لا حاجة بنا إلى الوقوف على ما فيها فتفسد نية أمير المؤمنين في [كلّ] أوليائه، ويستشعرون هم الخوف منه، وقد عفا أمير المؤمنين عن كل من كان له في أمر ابن المعتز فعل أو قول. واقتدى في هذا الفعل بأخيه أبي العباس ابن الفرات. [1166]- وكان عبيد الله بن سليمان وزير المعتضد لما عاد من الجبل حضر عنده أبو العباس فسلّم إليه أضابير وقال له: يا أبا العباس سعايات وصلت إلينا بالجبل من أسبابك ووكلائك وأصحابك، فقف عليها لتعرف وليّك منهم وناصحك من عدوّك والغاشّ لك، فابتدا أخوه أبو الحسن يقرأها، فجذبها أبو العباس من يده ومنعه من قراءتها وقال: لا حاجة بي إلى الوقوف عليها، ولست أقابل نعمة الله في التفات الوزير إليّ ورأيه فيّ وحراسته إياي بفساد نيّتي في أسبابي وأصحابي ومقابلتهم على فعلهم. وفعل أبي الحسن هذا   [1165] تجارب الأمم 1: 13- 14 والأذكياء: 47- 48. [1166] كتاب الوزراء: 83 وتحفة الوزراء: 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 مجرّد سياسة ونظر للملك، وفعل أبي العباس مع أنه ما خلا من سياسة وأدب فهو بكرم الأخلاق أليق وأولى. [1167]- ومن صائب الرأي ما كان يفعله أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي فإن صاحبه معزّ الدولة أبا الحسين أحمد بن بويه، كان حديدا سريع الغضب بذيء اللسان يشتم وزراءه ويسبّهم، وكان المهلبيّ مع فضله وعلمه وكمال مروءته وأدبه، يصبر من ذلك على ما لا يصبر عليه أحد، ولا ينكسر لما يبدو منه في حقّه. فقيل له: لو أظهرت الانخزال والانكسار لكان أصلح لئلا يظنّ بك تهاونا بأمره. فقال: ليس يخفى عليّ ذلك، ولكنّ هذا الأمير خرق عجول لا يملك لسانه، فإن ذهبت أظهر الاستيحاش من هذيانه، وقع له أني قد تنكّرت له وأنّي لا أناصحه، ولعله يتّهمني بما لا يدور في فكري فيكون سببا لجائحة ونكبة، وليس له غير التغافل والتبسّم في وجهه إذا أمكن، فإن لم يمكن ذلك خوفا من غضبه فليس إلا قلة الفكر فيه. [1168]- ذكر أنّ فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما السلام أعطت ولدها من الحسن بن الحسن ما ورثته منه، وأعطت ولدها من عبد الله بن عمرو بن عثمان موروثها منه، فوجد ولد الحسن بن الحسن في أنفسهم، لأن ما ورثت من عبد الله بن عمرو كان أكثر، فقالت: يا بنيّ، إني كرهت أن يرى أحدكم شيئا من مال أبيه بيد أخيه فيجد من ذلك في نفسه فلذلك فعلت ما فعلت. [1169]- وكان عضد الدولة أبو شجاع فنّاخسرو بن الحسن بن بويه من ساسة الملوك، وله في ذلك أخبار مشهورة وأفعال مستحسنة، ولما ملك   [1167] تجارب الامم 2: 146. [1169] تجارب الامم 2: 404. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 بغداد والعراق وجدها خرابا، والأسواق بعضها تلول بالحريق، والجوامع خراب، فبدأ بعمارتها وعمارة الأسواق، وألزم أرباب العقار بالعمارة، فمن قصّرت قدرته عن النفقة اقترض من بيت المال ما ينفقه عليها وذلك في الأسواق والدور، وكان ببغداد أنهار كثيرة فيها مرفق للمحالّ البعيدة عن دجلة قد انقطعت ودرست فابتدأ بحفرها مثل نهر العبارة ونهر مسجد الأنباريين ونهر البزازين ونهر الدجاج ونهر طابق ونهر القلائين ومسراها إلى دجلة والصراة ونهر اشتقّ من دجيل إلى الحربية وعمر القناطر ورتّب أمر الجسر وجعل له الدرابزينات تحفظ من يجتاز به ووكّل به الحفظة واستقصى في عمارة السواد، وعمر طريق مكة ورفع الجباية عنها، وأطلق الصدقات والصلات لسائر طبقات الناس من المسلمين، ثم تجاوز ذلك إلى الذمة. 30 1 التذكرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 الفصل السّادس نوادر هذا الباب هذا باب جدّ لا مدخل للنوادر فيه، لكنّي تكلفت منه ما شرطته في أول الكتاب من اتباع كلّ باب بنوادره، ووجدت ذلك يتهيأ فيما كان أصله جدا فعدل به إلى الهزل، وأصله هزلا فاستعمل فيه الأدب والسياسة، أو ما حصل الاشتراك بينهما فيه، فحسن إضافته إليه من جهة الاشتراك، واقتصرت منه على ما لا تليق الحال بالزيادة عليه. [1170]- بلغ معاوية أن ابنته امتنعت على ابن عامر في الافتضاض، فخرج إليها يتوذّف في مشيته، وفي يده مخصرة، فجلس وجعل ينكت في الأرض ويقول: [من الطويل] . من الخفرات البيض أما حرامها ... فصعب وأما حلّها فذلول وخرج ودخل ابن عامر فلم تمتنع عليه. [1171]- وقال معاوية: العيال أرضة المال. [1172]- قال أبو الزناد: كنت كاتبا لعمر بن عبد العزيز، وكان   [1170] نثر الدر 3: 7 وتاريخ ابن عساكر (تراجم النساء) : 461. [1171] أنساب الاشراف 4/1: 26 وعيون الاخبار 1: 245، 4: 81 وبهجة المجالس 2: 194 (سوس المال) ومحاضرات الابرار 2: 250 (للأصمعي) والبصائر 1: 266 ورحلة النهروالي: 153 وشرح النهج 18: 339. [1172] الجهشياري: 54- 55 والعقد 3: 9 والبيان والتبيين 12: 28 وقارن بابن سعد 5: 381. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 يكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في المظالم فيراجعه فيها، فكتب إليه: يخيّل إليّ أنّي لو كتبت إليك أن تعطي لرجل شاة لكتبت إليّ: أضأن أم ماعز، ولو كتبت إليك باحداهما: لكتبت: أذكر أم أنثى، ولو كتبت إليك بإحداهما لكتبت: أصغير أم كبير، فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني فيها. [1173]- وكتب أبو جعفر إلى سلم يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم ابن عبد الله بن الحسن وعقر نخلهم، فكتب إليه: بأيّ ذلك نبدأ بالدور أم بالنخل؟ فكتب إليه أبو جعفر: أما بعد فإني لو أمرتك بإفساد تمرهم لكتبت تستأذن بأيّه تبدأ بالبرنيّ أو الشهريز؛ وعزله وولّى محمد بن سليمان مكانه. [1174]- قال [أبو] عيسى بن المنجم: سمعت الصاحب يقول: ما أستأذن على فخر الدولة وهو في مجلس الأنس إلّا انتقل إلى مجلس الحشمة فيأذن لي فيه، وما أذكر أنه تبذّل بين يديّ وما مازحني قط إلّا مرة واحدة، فإنه قال لي في شجون الحديث: بلغني أنك تقول: المذهب الاعتزال والنيك نيك الرجال، فأظهرت الكراهية لانبساطه وقلت: بنا من الجدّ ما لا نفرغ معه إلى الهزل، وذهبت كالمغاضب، فما زال يعتذر إليّ مراسلة حتى عاودت مجلسه، ولم يعد بعدها لما يجري هذا المجرى. [1175]- قال الوليد بن يزيد لابن ميّادة: من تركت عند نسائك؟ قال: رقيبين لا يخالفاني طرفة عين: الجوع والعري، فهذا البدويّ قد ساس النساء بما يليق بهن إما اضطرارا أو تدبيرا أو رأيا.   [1174] يتيمة الدهر 3: 203. [1175] الاغاني 2: 383 وأضاف أبو الفرج: «وهذا القول والجواب يروى أن عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علفة تراجعاهما» وانظر الاغاني 12: 260- 261 وقارن بما في البصائر 2: 617. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 [1176]- عاتب المنصور أصحابه على أن أبق غلام له ولم يطلبوه ولم يخبروه قبل هربه بما عزم عليه، ووبّخهم ونسبهم إلى ترك النصيحة له. فقال لهم ابن عياش المنتوف: ولّوني جوابه، قالوا: أنت وذاك، فقال للرسول: تبلّغه كما أبلغتنا؟ قال: نعم، قال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام وقل له إنك اخترتنا من بين عشائرنا وبلداننا فظننا أردتنا لأن نكون جلساءك والمجيبين للوفود إذا قدموا عليك، والخارجين لرتق الفتوق إذا انفتقت عليك، فاما إذ أردتنا لمن يأبق من غلمانك، فبزيع غلامك يريد أن يأبق فاستوثق منه. [1177]- وقف عبد الله بن الزبير على باب منّة- مولاة لمعاوية كانت ترفع حوائج الناس إليه- فقيل له: يا أبا بكر تقف على باب منة؟! قال: نعم، إذا أعيتك الأمور من رؤوسها فأتها من أذنابها. [1178]- قال العلاء بن أيوب: ما تكلم الفضل بن سهل قطّ بكلام فيه جفاء إلّا مرة، فإنه ذكر الفضل بن الربيع فقال: ما يريد منا؟ ألم نوجّه إليه عبد الله بن أبي سمير؟ يريد أنه كان فحله. [1179]- قال عنبسة بن سعيد: خرجت ليلة مع الحجاج فرأى رجلا واقفا على باب، فقال له: أما سمعت نداء الأمير؟ قال: بلى. قال: فما حملك على الخروج؟ قال: كنت ألازم غريما لي فلما كان في هذا الوقت جاءني إلى هاهنا ودخل إلى هذه الدار، وأنا لا أظنّ إلا أنها داره، وبقيت واقفا هاهنا. قال: ما أراك إلا صادقا، يا حرسيّ اضربا عنقه. ثم مضى وأنا معه   [1176] نثر الدرّ 2: 197. [1177] مجالس ثعلب: 346 ونثر الدر 3: 64 ومحاضرات الراغب 1: 568 وربيع الابرار: 204 ب (والاسم فيه: مية) وبهجة المجالس 1: 100 وتاريخ ابن عساكر (تراجم النساء) : 402 (وفيه: مية) . [1179] المحاسن والأضداد: 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 فرأى رجلا واقفا فقال له مثل ذلك، فقال له: كنت عند أمي وهي مثقلة بالعلّة فأفاقت في هذه الساعة، وجاءتني امرأة فقالت: قد ولدت امرأتك، فعزمت عليّ أمي أن أمضي فخرجت، وهذا باب أمي وهذا بابي، فقال: ما أراك إلّا صادقا، يا حرسيّ اضربا عنقه. ثم مضى وأنا معه، فرأى رجلا شاربا فقال: ألم تسمع نداء الأمير؟ قال: بلى. قال: فما حملك على الخروج؟ قال: خذلان الله وانه ماصّ كذا أو كذا فقال: ما أحسبك إلّا صادقا خلّيا عنه. [1180]- لقي أبو العيناء الفتح بن خاقان في حاجة فوعده ثم لقيه فوعده، فلما كان في الثالثة ألفاه على حال ضجر، فقال له الفتح: أما علمت أنه من طالب السلطان احتاج إلى ثلاث خلال؟ قال: وما هنّ، أعزّ الله الأمير؟ قال: عقل وصبر ومال، فقال أبو العيناء: لو كان لي عقل لعقلت عن الله تعالى أمره ونهيه، ولو كان لي صبر لصبرت منتظرا رزقي أن يأتيني، ولو كان لي مال لاستغنيت به عن تأميل الأمير والوقوف ببابه. [1181]- حدّث مخلد بن زردي الكاتب المدائني وكان يلقّب بلبد لطول عمره، أنّ المأمون أول ما قدم العراق حظر أن يقلّد الأعمال إلّا الشيعة الذين قدموا معه من خراسان فطالت عطلة كتّاب السواد وعمّاله، وكانوا يحضرون في كلّ يوم حتى ساءت حالة أكثرهم فخرج يوما بعض مشايخ الشيعة، وكان مغفلا، فتأمّل وجوههم فلم ير فيهم أسنّ من مخلد فجلس إليه وقال: إنّ أمير المؤمنين قد أمرني أن أتخيّر ناحية من نواحي الخراج صالحة المرفق ليوقّع بتقليدي إياها، فاختر لي أنت ناحية، فقال: إنّي لا أعرف لك عملا أولى من زبدات البحر وصدقات الوحش وخراج وبار، فقال: اكتبه لي بخطّك فكتبه؛   [1180] زهر الآداب: 203- 204 ومعجم الأدباء 14: 53 (عن علي بن عبيدة) ومحاضرات الراغب 1: 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 فذهب الشيعيّ حتى عرض الرقعة على المأمون وسأله تقليده ذلك العمل، فقال له: من كتب لك هذه الرّقعة؟ قال: شيخ من الكتّاب يحضر الدار كلّ يوم، قال: هلمّه، فلما أدخل قال له المأمون: ما هذا يا جاهل قد بلغ بك الفراغ إلى مثل هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين أصحابنا هؤلاء ثقات يصلحون لحفظ ما تحصّل استخراجه، وصار في أيديهم، فأما شروط الخراج وحكمه وما يجب تعجيل استخراجه، وما يجب تأخيره، وما يجب تأخيره، وما يجب إطلاقه، وما يجب منعه، وما يجب إيقافه، وما يجب الاحتساب به فلا يعرفونه، وتقليدهم يعود بذهاب المال، فإن كنت يا أمير المؤمنين لا تثق بنا فمر بأن نضمّ إلى كلّ رجل منهم رجلا منّا ليكون الشيعي لحفظ المال ونحن لجمعه، فرضي المأمون كلامه، وأمر بتقليد عمال السواد وكتابه، وأن يضمّ إلى كلّ واحد منهم واحد من الشيعة، وضمّ مخلد إلى ذلك الشيخ وقلّده ناحية جليلة. [1182]- قيل كان محمد الأمين يلاعب الفضل بن الربيع بالنرد ورهنا خواتيمهما على القمر، فقمر محمد الفضل فصار خاتمه في يده، وكان نقشه، «الفضل بن الربيع» ونهض ليبول وهو معه، فدعا بنقّاش فكتب تحت النقش في الفصّ «ينكح» ، ثم عاد إلى مجلسه وأحضر الفضل فكاك الخاتم فدفعه إليه، فلما كان بعد عشرة أيام دعا بالفضل وعاود ملاعبته، وأخذ الخاتم منه فتأمله وسأله عن نقشه فقال: اسمي واسم أبي، فقال له: أرى عليه شيئا سوى ذلك، ودفع الخاتم إلى الفضل فتأمله فلما رأى ما أحدث في نقشه لم يتمالك أن قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد: 11) هذا خاتم وزيرك يختم به إلى جميع الآفاق منذ عشرة أيام، ومن كاتبه أخوك الذي يظهر أنك لست موضعا للخلافة ويجمع خلعك، والله ما بقّيت من هتك نفسك عند اوليائك والمنافقين لك والمصرّحين ببغضك شيئا إلا وقد   [1182] الجهشياري: 298- 299. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 أتيته، وما يضرّ ذلك الفضل ولا الربيع، والله المستعان؛ فما زاد محمد على الضحك. [1183]- كان ركن الدولة أبو الحسن علي بن بويه ضعيف السياسة على خير فيه وكرم طبع، فخرجت له بغال للعلف فقطع عليها اللصوص وأخذوها، فلما أخبر بالحال قال: كم كانت البغال؟ فقيل: ستة. قال: واللصوص؟ قيل: سبعة. قال: الآن يختلفون، كان ينبغي أن تكون البغال سبعة حتى تصحّ قسمتها بينهم. [1184]- وذكر له أكراد قطعوا الطريق فقال: وهؤلاء الأكراد أيضا يحتاجون إلى خبز ومعيشة. [1185]- ولّى زياد شيبان باب عثمان وما يليه، فجدّ في طلب الخوارج وأخافهم، فلم يزل كذلك حتى أتاه ليلة وهو متكىء على بابه رجلان من الخوارج فضرباه بسيفيهما فقتلاه، وخرج بنون له للاغاثة فقتلوا ثم قتلهما الناس، فأتي زياد بعد ذلك برجل من الخوارج فقال: اقتلوه متّكئا كما قتل شيبان، فصاح الخارجيّ يا عدلاه، يهزأ به. [1186]- قال بعض الملوك لوزيره وأراد محنته: ما خير ما يرزقه العبد؟ قال: عقل يعيش به، قال: فإن عدمه؟ قال: أدب يتحلّى به، قال: فإن عدمه؟ قال: حال تستره، قال: فإن عدمه؟ قال: صاعقة تحرقه فتريح منه العباد والبلاد.   [1183] تجارب الامم 2: 281. [1184] تجارب الامم 2: 281. [1186] نثر الدر 7: 40 (رقم: 68) والبيان والتبيين 1: 72، 221 وأدب الدنيا والدين: 31 والأدب الصغير: 30 وكتاب الآداب: 39 والتحفة الملوكية: 61- 62 وشرح النهج 18: 188 وربيع الابرار 1: 675 ولقاح الخواطر: 46/أوالكامل للمبرد 1: 75 وقارن بقول لبزرجمهر في البيان والتبيين 1: 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 [1187]- قيل: لما صرفت اليمانيّة من أهل مزّة الماء عن أهل دمشق ووجّهوه إلى الصحارى كتب إليهم أبو الهيذام: إلى بني استها أهل مزة، ليمسّيني الماء أو لتصبحنّكم الخيل، قال: فوافاهم الماء قبل أن يعتموا. قال أبو الهيذام: الصدق ينبي عنك لا الوعيد. [1188]- وكان أعرابيّ باليمامة واليا على الماء، فإذا اختصم إليه اثنان وأشكل عليه القضاء حبسهما جميعا حتى يصطلحا، وقال: دواء اللّبس الحبس. [1189]- ولي أعرابيّ تبالة، فصعد المنبر، فما حمد الله تعالى ولا أثنى عليه حتى قال: اللهم أصلح عبدك وخليفتك، إن الأمير أصلحه الله ولّاني عليكم، وأيم الله ما أعرف من الحقّ موضع سوطي هذا، واني والله لا أوتى بظالم ولا مظلوم إلا ضربته حتى يموت، قال: فتعاطى القوم الحقّ بينهم فرقا أن يتقدّموا إليه. [1190]- أقبل عيينة بن حصن الفزاريّ قبل إسلامه الى المدينة، فلقيه ركب خارجون منها، فقال لهم: أخبروني عن هذا الرجل- يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم- فقالوا له: الناس فيه ثلاثة: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشا والعرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله وبينهم التذابح، ورجل يظهر له الإسلام إذا لقيه ويظهر لقريش أنه معهم، قال: وما يسمّى هؤلاء؟ قالوا:   [1187] البيان والتبيين 1: 301 وعيون الأخبار 1: 197 والريحان والريعان 1: 46 ونثر الدر 6: 111 وقوله: «الصدق ينبي عنك لا الوعيد» مثل عند أبي عبيد: 321 وجمهرة العسكري 1: 578 والميداني 1: 398 والمستقصى 1: 328 وفصل المقال: 448 واللسان (نبا) . [1188] محاضرات الراغب 1: 196 والبصائر 3/2: 472 وربيع الابرار 1: 520 ونثر الدر 6: 112. [1189] أخبار الظراف: 71. [1190] عيون الاخبار 3: 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 المنافقون، قال: ليس في من وصفتم أحزم من هؤلاء، أشهدكم أنّي من المنافقين. [1191]- الخولاني: [من الكامل] . إنّ السياط تركن لاستك منطقا ... كمقالة التمتام ليس بمعرب [1192]- شكت أعرابية زوجها إلى صواحب لها، فقلن: طلّقيه، فقالت: اشهدن أنه طالق ثلاثا، فاختصموا إلى والي الماء، فتكلّمت فقال لها: إيها أمّ فلان، لا تجوري فنحاربك، الزمي الطريق المهيع، ودعي بنيّات الطريق، كيف قلت؟ قالت قلت: هو طالق ثلاثا؛ ففكّر الوالي ساعة ثم قال: أراك تحلّين له ولا أراه يحلّ لك. [1193]- تظلّم قوم إلى المأمون من قاضي جبّل، وذكروا أنه يعضّ رؤوس الخصوم، فوقّع في قصتهم: يشنق «1» إن شاء الله. [1194]- مدح بعض الشعراء محمد بن عبدوس صاحب الشرقية، فقال له: أما أن أعطيك شيئا من مالي فلا، ولكن اذهب فاجن جناية حتى لا آخذك بها.   [1192] نثر الدر 6: 115. [1193] نثر الدر 3: 41 وثمار القلوب: 236 وأخبار القضاة 3: 317 (والنص فيه مصحف) ومحاضرات الراغب 1: 77، 199 والاجوبة المسكتة رقم: 1128. [1194] غرر الخصائص: 300 وربيع الابرار 1: 758- 759 والاجوبة المسكتة رقم: 1245. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 محتويات الكتاب مقدمة التحقيق 5 1- مؤلف الكتاب 5 2- كتاب التذكرة الحمدونية 10 3- النسخ المعتمدة في التحقيق 14 4- ملاحظات حول التحقيق 16 مقدمة المؤلف 21 أبواب الكتاب الخمسون 24 الباب الأول في المواعظ والآداب الدينية وسيرة السلف الأول والصالحين 31 مقدمة الباب الأول 33 الفصل الأول: من كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم 37 [من كلام بعض الأنبياء] 57 الفصل الثاني: كلام القرابة وآدابهم وآثارهم ومواعظهم 63 أقوال لعلي بن أبي طالب 64 أقوال للحسن بن علي 101 أقوال للحسين بن علي 102 أقوال لمحمد بن الحنفية 102 أقوال للعباس وابنه عبد الله وحفيده علي 103 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 أقوال لعلي بن الحسين وجعفر الصادق والباقر وغيرهم 108 الفصل الثالث: كلام الصحابة ومأثور أخبارهم وسيرهم 119 خطب وأقوال لأبي بكر 119 خطب وأقوال لعمر 120 أقوال لمعاذ وأبي ذر وسلمان وابن مسعود 130 أخبار وأقوال لسائر الصحابة دون ترتيب معتمد 131 الفصل الرابع: في أخبار التابعين وسائر طبقات الصالحين وكلامهم ومواعظهم 149 أخبار وأقوال لعمر بن عبد العزيز 150 أخبار وأقوال لسائر التابعين دون ترتيب معتمد 156 بعض أخبار إبراهيم بن أدهم 175 عود إلى أخبار وأقوال متنوعة للتابعين 180 مجموعة من شعر الحكمة 207 أخبار وأقوال للشافعي وأبي حنيفة 208 أقوال قيلت في لحظات الاحتضار 216 حكم نثرية وشعرية 219 الباب الثاني في الآداب والسياسة الدنيوية ورسوم الملوك والرعية 235 توطئة للباب الثاني 237 فصول الباب 238 مقدمة 239 الفصل الأول: في الحكم والآداب التي نطق بها الحكماء والعلماء 241 من كلام الرسول والصحابة وغيرهم 241 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 أشعار حكمية 265 عود إلى الحكم النثرية 272 عود إلى الأشعار الحكمية 282 عود إلى الحكم النثرية 287 الفصل الثاني: في السياسة والآداب الملكية وما يجب للولاة وعليهم للرعية 291 أدب الملوك والسلاطين والولاة 294 عهد علي إلى الأشتر- نموذج جامع لأصول السياسة 315 الفصل الثالث: في سياسة الوزراء والكتّاب وأتباع السلطان 331 آداب صحابة السلاطين (من الأدب الكبير) 332 كلام للقدماء في آداب أتباع الملوك 338 الكتّاب ورسالة عبد الحميد إليهم 342 القضاء والمظالم 347 الحجاب وغيرهم من أتباع السلطان 349 توجيهات لعمال الصدقات وقادة الحروب 351 مزيد من الوصايا لأتباع السلطان 353 الفصل الرابع: الآداب والسياسة التي تصلح للجمهور 357 أقوال للرسول 357 أقوال لعلي وغيره 362 أقوال في ذمّ الهوى خاصة 366 عود إلى حكم ونصائح مختلفة 368 آراء في العداوة 377 أقوال في ضرر المزح 379 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 جوامع من الآداب مأخوذة من الأدب الكبير 386 وصايا للعرب 395 الفصل الخامس: أخبار في السياسة والآداب 403 نموذج من سياسة كسرى أنوشروان 403 نموذج من سياسة الاسكندر 406 أخبار عن الخلفاء والولاة في الاسلام 408 سياسة معاوية وزياد 413 سياسة أبي جعفر المنصور وحزمه 417 سياسة المهتدي واقتداؤه بالمنصور 422 عود إلى سياسة المنصور 423 بعض المواقف السياسية للمأمون 423 عود إلى سياسة بعض الأمويين وغيرهم 429 الهادي وأمه الخيزران 435 سبب خروج المعتصم إلى سرّ من رأى وشيء من سياسته 436 أخبار للاسكندر 438 أخبار متنوعة حول السياسة 439 من أخبار أحمد بن طولون 443 موقف هام للمعتضد 444 سياسة الحجاج وزياد 446 من أخبار الدولة العباسية وبخاصة الوزراء 449 الفصل السادس: نوادر في باب السياسة (على قلتها) 459 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الجزء الثاني التذكرة الحمدونيّة تصنيف ابن حمدون محمّد بن الحسن بن محمّد بن علي تحقيق احسان عبّاس وبكر عبّاس المجلّد الثّاني دار صادر بيروت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مقدّمة التحقيق 1 يشتمل هذا الجزء (الذي جعلته ثانيا) من التذكرة الحمدونية على أربعة أبواب، وإنما راعيت في هذه التجزئة أمر الحجم وحده بحيث يجيء هذا الجزء مقاربا للأول في عدد صفحاته، فأما التجزئة في النسخ الخطية فإنها متفاوتة ولا تعتمد قاعدة موحدة. وقد تضمنت الأبواب الأربعة الموضوعات الآتية على التوالي: 1- الشرف والرياسة والسيادة (الفقرة 1- 370) . 2- محاسن الأخلاق ومساوئها (الفقرة 371- 664) . 3- الجود والبخل (الفقرة 665- 1006) . 4- الشجاعة والجبن (الفقرة 1007- 1234) . ومن الواضح ان هذه القسمة تغليبيّة، إذ ان هذه الموضوعات الأخلاقية متداخلة في ما بينها في حالات كثيرة، ومن ثم يتعذّر الفصل الدقيق بين موضوع وآخر منها، ولو تأملنا الباب الرابع مثلا وهو في محاسن الأخلاق ومساوئها لوجدناه يشمل- كما لاحظ المؤلف نفسه- الصدق والوفاء والجود والبأس والصبر والقناعة والتواضع وأضدادها من المساوى، وإذن فإن عقد باب عام لهذا الموضوع يعدّ تزيّدا غير ضروري، ما دام المؤلف يعرف انه سيعقد أبوابا مستقلة لتلك الموضوعات فيتحدث عن الجود والبخل في الباب الخامس، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 والشجاعة والجبن في الباب السادس، والوفاء والغدر في الباب السابع، وهكذا. وبسبب المسحة الأخلاقية العامة التي تسيطر على جميع موضوعات هذا الجزء، نجد ان تلك الموضوعات تسمح بإيراد استشهادات شعرية كثيرة تكاد توازي الجانب النثري في الكتاب؛ وهذا ما يميّز هذا الجزء عن سابقه تمييزا بعيدا، لذلك يعدّ هذا الجزء نقلة واضحة من جوّ دينيّ سياسيّ تختلط فيه التوجهات والقيم على نحو قد يتضمن مفارقة حادة بين التوجه للآخرة وسياسة الدنيا، إلى جوّ نابض بحيوية ما اختاره العرب من مثل عليا في جاهليتهم، وحافظوا عليه في الإسلام، فهذه النماذج الكبيرة للجوانب الإيجابية من المروءة: من جود وصبر وشجاعة وحلم وعلوّ همة ومحافظة على الجوار وتهمّم بما يكفل السؤدد والسيادة تجيء في هذا الجزء منتزعة- في الغالب- من السلوك العملي الدنيوي، دون نظر إلى ثواب أخروي، وتجيء الجوانب السلبية المعاكسة لها نوعا من السخرية بمن يعجز عن بلوغ تلك النماذج العليا؛ وقد حاول المؤلف أن يرسم نوعا من السيادة عن طريق الدين، ولكنه كان يدرك أنه لو أسرف في هذه الناحية لعاد يدرج في الأبواب الجديدة مادة كالتي نثرها في الجزء الأول. ولعلّ ابن حمدون لم يتعمّد أن يكون أكثر الحكايات عن مكارم الأخلاق من حلم وسؤدد وشجاعة متصلة بالعنصر العربي حتى عصره، ولم يتعمد كذلك أن تكون نسبة كبيرة منها إنما يمثلها رجال عاشوا في العصر الأموي، إذ لعلّ طبيعة الفصول هي المسؤولة عن ذلك، مثلما ان طبيعة المصادر التي يستمد منها مادته تشاركها هذه المسؤولية. ثم إن تلك الموضوعات نفسها تطلبت من المؤلف أن يرجع إلى مصادر لم يكن لها دور واضح في الجزء السابق، وهنا تبرز أهمية كتاب الأغاني والكامل للمبرد وحماسة أبي تمام وحماسة البحتري والوزراء والكتّاب للجهشياري والفرج بعد الشدة للتنوخي والبخلاء للجاحظ ودواوين الشعراء: كديوان المتنبّي والرضي وابن هاني الأندلسي والببغا والسريّ الرفاء. وهذا لم يقطع الصلة بالمؤلفات المشهورة في الأدب: فظل دور البيان والتبيين وعيون الأخبار والعقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 والبصائر ونثر الدر ومحاضرات الراغب متميّزا، بل لعلّ «العقد» من بينها قد اكتسب أهمية خاصة. وبالمقارنة تبيّن مدى دين ربيع الأبرار ونهاية الأرب والمستطرف للتذكرة الحمدونية في ما أوردته من نصوص. إلى جانب ذلك تضاءل الدور الذي احتلته مصادر كانت محورا هامّا في الجزء الأول مثل حلية الأولياء، ونهج البلاغة، وكليلة ودمنة، والأدب الكبير لابن المقفع. ومما يلفت النظر ان ابن حمدون تعرّف على بعض شعراء أفريقية، وهم في الأغلب ممّن ضمهم كتاب الأنموذج لابن رشيق، غير أن صورة الأندلس لا وجود لها، ومثل هذا الاحتجاب للدور الأندلسي- في القرن السادس الهجري- يعدّ مستغربا. وفي هذا الجزء تزحزح ابن حمدون قيد فتر عن مجال الاعتماد الكلي على النقل إلى شيء من تسجيل تجاربه الذاتية، فهو يعرف الشيخ الزاهد أبا عبد الله محمد بن عبد الملك الفارقي ويروي عنه (الفقرة 167) ، ويحدثنا عن بعض رجالات عصره حديث العارف بهم المتتبع لأخبارهم مثل وزير الموصل الملقب بالجواد ويوسف بن أحمد الحرزي ومجاهد الدين قايماز صاحب إربل؛ وهو لسبب يصعب الكشف عنه أو الاهتداء إليه شديد التحامل على زنكي بن آق سنقر، من بين معاصريه، وينسب إليه أعمالا منكرة، تجعل منه جبّارا عتيّا، وينسى دوره في جهاد الصليبيين، ونشر العدل والأمن في ربوع بلاده. ولعلّ من الإنصاف أن نقول إن ابن حمدون ناقل تعجبه الحكاية ويهمّه منها مدى انطباقها على موضوع الباب، وانه لا يحكمه في نقله ميل أو هوى- مذهبي أو سياسيّ- وان كتابه سيظلّ «أدبيّا» في المنزع العامّ، يرجح فيه جانب العبرة أو التسلية على موثوقية الخبر؛ ومن المغالاة أن نتطلب منه شيئا أبعد من ذلك. (2) وقد اعتمدت في تحقيق هذا الجزء على النسخ الآتية: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 1- نسخة مكتبة عمومية رقم: 5363 (ورمزها: ع) ورقمها المتسلسل في معهد المخطوطات التابع للجامعة العربية (120) حسبما جاء في فهرس المخطوطات المصورة (ص: 435) وهي تشتمل على الأبواب 1- 14 وقد تمّ وصفها في الجزء الأول (انظر ص: 15) . 2- نسخة رئيس الكتاب رقم: 767 (ورمزها: ر) وتشمل الأبواب: الثالث والرابع والخامس من هذا الجزء، وتعدّ من أقدم النسخ من حيث تاريخها، إذ تم نسخها سنة 646، وعلى الورقة الأولى منها انها تمثل «الجزء الثاني من كتاب التذكرة» وتقع في 163 ورقة، وعدد السطور في كل صفحة من صفحاتها 17 سطرا، ومعدل الكلمات في كل سطر 12 كلمة، وفي السطور فجوات بعضها يفيد أن الناسخ يعني بداية فقرة جديدة، وبعضها محض بياض دون أي حذف؛ وهي على وجه العموم حسنة الضبط قليلة الخطأ. 3- نسخة أحمد الثالث رقم: 2948 (ورمزها: ح) وتحمل الرقم: 122 في مصورات معهد المخطوطات (ص: 436) وتقع في 175 ورقة، وتبدأ بالباب السادس وتنتهي بالباب الرابع عشر، وخطها نسخي جميل، وفي الصفحة الواحدة منها 17 سطرا، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 12 كلمة، وقد اقتصرت الإفادة منها في هذا الجزء على تحقيق الباب السادس وحده، وسيكون دورها أهم في تحقيق الجزء الثالث. 4- نسخة المتحف البريطاني رقم: 3179: وتقع في قسمين يضم الأول منهما الأبواب 1- 31 ويضم الثاني الأبواب 32- 47 وينقصها حتى تشمل كل التذكرة الأبواب الثلاثة الأخيرة، والقسم الأول منها يجيء في 452 ورقة والثاني في 272 ورقة، وهي مكتوبة بخط نسخي أقرب إلى الدقة، ولهذا تتسع الصفحة منها لثلاثة وثلاثين سطرا في كل سطر ما معدله 15 كلمة. وأقدم تملك عليها مؤرّخ بالعام 1004 وهو عام انتساخها أيضا، ومع انها حديثة نسبيّا فإنها هامة لضبط الترتيب وإبراز بعض الفروق المهمة، وقد انفردت- في هذا الجزء- بفقرة طويلة لم ترد في سائر النسخ وهي الفقرة 934 ب التي يتحدث فيها المؤلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 بإعجاب عن معاصره مجاهد الدين قايماز صاحب مدينة إربل. وقد اتبعت في تحقيق هذا الجزء الخطة التي سرت عليها في تحقيق الجزء الأول، فقمت بإثبات الفروق بين النسخ (وهي نسبيّا غير كثيرة) وتتبعت النصوص المنقولة في أماكنها الأصلية، وأثبت أحيانا بعض الفروق الضرورية لدى مقارنة التذكرة بالمصادر التي ثبت لديّ اعتماد المؤلف- دون ريب- عليها. ومما تجدر ملاحظته في هذا الجزء ان المواد التي سقطت من هذه المخطوطة أو تلك أقلّ بكثير من المواد التي كانت تخلّ بها إحدى المخطوطات في الجزء الأول، وان الاضطراب في ترتيب النصوص قليل كذلك. ولقد كان المرجو أن يظهر هذا الجزء في وقت قريب من ظهور الأول، ولكن الأحداث الأليمة والكوارث المريرة التي تعرضت لها بيروت، قد عطّلت هذا العمل كثيرا تارة على مستوى التحقيق وتارة على مستوى الإخراج الطباعي، وإني لأرجو أن تكون الأجزاء اللاحقة أسرع تتابعا، دون إهدار لمستوى الضبط والإتقان. 3 ويقتضيني واجب الإقرار بالفضل توجيه الشكر إلى عدد من الأصدقاء، وفي مقدمتهم الدكتورة وداد القاضي التي أذنت لي بالاطلاع على نسختها المحققة تحقيقا جديدا دقيقا لكتابي البصائر (بأجزائه التسعة) والأجوبة المسكتة، فالأرقام التي أعتمدها عند الإحالة على هذين الكتابين إنما تمثل الأرقام التي أثبتتها المحققة لفقرات الكتابين المذكورين اللذين سيظهران وشيكا. وما يزال أخي الدكتور رضوان السيد مدير معهد الإنماء العربي ببيروت بالوكالة، صاحب الفضل الكبير في رعاية هذا الكتاب والحرص على إخراجه فله وللمعهد أجزل الشكر وأصدقه. أما صديقي العلّامة زهير الشاويش فإنه- حفظه الله- قدّم إليّ من بين هداياه المتواترة من مطبوعات المكتب الإسلامي، صحيح الجامع الصغير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 وضعيف الجامع الصغير (مرتبين مرقمين بعناية المحدث الكبير الشيخ محمد ناصر الألباني) وأشار عليّ باعتمادهما في تخريج الأحاديث، في ما يلي من أجزاء التذكرة، ففعلت ما أشار به شاكرا له فضله العميم ومقدّرا نصحه الكريم. وللصديق الدكتور طريف الخالدي أتمّ التقدير لاهتمامه بالكتاب وبشخص محققه. لقد لامني محقّا من أجل جملة وردت في مقدّمة الجزء الأول (ص: 19) إذ وجدها تتنافي- حسب قوله- والخلق والمنهج العلميين اللذين حرصت عليهما دائما. فأنا أرجو أن يقبل اعتذاري عن هفوة جرّتني إليها تهجمات ظالمة. وأخيرا لا آخرا أشكر اثنين من طلابي أسهما بالعون المشكور في إخراج هذا الكتاب وهما: الآنسة ناهد جعفر والسيد جمال خطاب، أسأل الله لهما التوفيق والرعاية، وأدعوه جلّ وعلا أن يسدّد الخطى وأن يلهم الصواب. بيروت في تموز (يوليه) 1984 إحسان عباس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 الباب الثّالث في الشّرف والرّئاسة والسّيادة وما هو من خصائصها ومعانيها [1]   [1] زاد في م: وهو أحسن ما قيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 خطبة الباب بسم الله الرحمن الرحيم وبه أثق الحمد لله الذي شرّف أولياءه بتقريبه واصطفائه [1] ، وأعلى منازلهم عن إسفاف الطمع وإدنائه، وجعل هممهم في عبادته دالة على أخطارهم، وعزائمهم في طاعته زنة لأقدارهم [2] ، فعبدوه [3] إذ كان للعبادة أهلا عبادة الأحرار، لا رغبة في الجنّة ولا رهبة من النار، أولئك ذوو الهمم العلية، والنفوس الأبيّة، عزفت عن الارتغاب [4] ، وعزّت عن ذلّة الإرهاب، فلم يعملوا للجزاء، ولا سبقوا عند الجراء، نعم [5] السابقون الأولون، والصدّيقون المقرّبون أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة: 22) سادة في الدنيا والآخرة، وقادة في رقدة دار الغفلة ويقظة الساهرة. والصلاة [6] على رسوله المصطفى المبعوث من أشرف عمارة [7] وأرفعها حسبا، وأطهر قبيلة وأكرمها نسبا، المخصوص بصفة الكمال، الممنوح حلما يستخفّ [8] رواسي الجبال، وصفحا يفكّ العناة [9] وإن ثقلت مغارمهم، وعفوا يسع الجنّاة وإن عظمت جرائمهم، وعلى آله الحالّين أعلى المنازل والرتب، الباقي ذكر شرفهم على الأزمان والحقب، وسلّم وشرّف وكرّم. [10]   [1] ع: بتقريبهم واصطفائهم. [2] ر: لاقرارهم. [3] م: فعبده. [4] م: الاتعاب (دون إعجام) . [5] م ر: هم. [6] م: وصلواته. [7] العمارة: (بفتح العين وكسرها) اصغر من القبيلة، وقيل هو الحيّ العظيم. [8] م: يستحق. [9] العناة: جمع عان، وهو الأسير. [10] وسلم ... وكرم: سقط من ر م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 مقدمة الباب (الباب الثالث في الشرف والرياسة والسيادة وما هو من خصائصها ومعانيها) الرياسة أصلها علوّ الهمة، وقطبها الحلم، وزينها حمل [1] المغارم، وبهجتها حفظ الجوار، وحصنها حمي الذمار، وأنا ذاكر ما جاء في ذلك جملة وتفصيلا، ومجتهد في إضافة كلّ كلام إلى جنسه وشبيهه [2] ، ويدخل في الشرف والرياسة كفّ الأذى، وغضّ العين على القذى، وحياطة العشيرة، والايثار والتنزه والظلف والجود والبأس والصدق والوفاء وحسن الخلق والحياء، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، ولهذه الخصائص أبواب مفردة قد استوفيتها، والفرق بين المكانين أن الشرف والرياسة معنى يشمل جميع الفضائل بطريق الاستيلاء والاستتباع [3] ، وهما قسمان: أحدهما وهو الحقيقي: رياسة العلم والدين، وهو المنهج الواضح المبين، وتلك رياسة لا تنازع فيها، ومنزلة تزلّ عنها قدم مساميها، والآخر رياسة الدنيا، وهو المقصود بهذا المكان [4] ، فإن القسم الأوّل قد دخل بالإشارة في الباب الأوّل من هذا الكتاب. وقد تحصل الرياسة بالولاية لكنها عارية مؤدّاة، وبلغة تفارقه عند العزل وتقلاه، وإذا خلت من الفضيلة زادت اشتهارا بالمخازي [5] ، وكشفت مكنون   [1] ر: حمال. [2] ر م: وشبهه. [3] م: والاتباع. [4] م: الكتاب. [5] ع: بالحاوي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 المساوي، وخلّدت الكتب والآثار من قبح الذكر [1] ، ما يبقى عاره وشناره على وجه الدهر. والرياسة عقبة كؤود، ومرتقى صعود، لا ينالها إلا من تجشّم فيها المشقّة، ولم يستبعد الشقّة، وقد أحسن القائل في وصفها: [من الوافر] وإن سيادة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلبها طويل [2] . أقوال وأخبار في السيادة والسؤدد وأنا أضمّن هذا الباب ما جاء من الآثار والأخبار والأشعار في علوّ الهمة وحمل المغارم، وحفظ الجوار وحمي الذمار، والحمية والأنف والحلم والعفو والصفح والتثبت والأناة، وما شاكل هذه المعاني وقاربها، إذ كان ما عداها قد أتى في أماكنه، مستمدا من الله سبحانه حسن التوفيق والتسديد، ومستدعيا بشكر نعمه فضل المزيد، قال الله عز من قائل: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (الشورى: 43) وقال تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ، وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (الشورى: 37) وقال عز وجل: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (الشورى: 40) وقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (الشورى: 39) . «1» وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من رزقه الله فبذل معروفه وكفّ أذاه فذاك السيّد [3] .   [1] ع: ذكر. [2] البيت في اللسان والتاج (صعد) والبيان والتبيين 1: 195، 270 والحيوان 2: 95، وعيون الأخبار: 226 وبهجة المجالس 1: 612 وهو للأعلم الهذلي كما في ديوان الهذليين: 323 والذخيرة 4: 499 وأكمة ذات صعداء: يشتد صعودها على الراقي؛ وقد تضبط «صعداء» . [3] وقعت الفقرتان: 140، 141 في م بعد هذا الحديث ثم وردتا أيضا في موضعهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 «2» - قيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قال: ببذل القرى، وترك المرا، ونصرة المولى. «3» - وقيل لأبي سفيان: بم سدت قومك؟ قال لم أخاصم أحدا قطّ إلّا تركت للصلح موضعا. «4» - من كلام سهل بن هارون: من لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب، ومن ترك الأمر الذي لعلّه أن يبلغ به حاجته مخافة ما لعلّه أن يوقّاه فليس ينال جسيما. «5» - قال أبو بكر رضي الله عنه لسعيد الفهميّ: أخبرني عن نفسك في جاهليتك وإسلامك، فقال: أما جاهليتي فو الله ما خمت عن بهمة، ولا هممت بلمّة، ولا فاديت غير كريم، ولا رئيت إلّا في خيل مغيرة، أو حمل جريرة، أو في نادي عشيرة، وأما مذ خطمني الإسلام فلن أزكّي لك نفسي. 6- قال أفلاطون: إذا كبرت النفس استشعرت الخلود فعملت في العاجل ما يبقى لها في الآجل، وإذا صغرت استشعرت الفناء، فاستعجلت الأشياء خوفا من فواتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 «7» - قال سعيد بن العاص: ما شاتمت رجلا مذ كنت رجلا لأني لا أشاتم إلا أحد رجلين: إما كريم فأنا أحقّ من احتمله، وإما لئيم فأنا أولى من رفع نفسه عنه. «8» - قال الكلبيّ: قال لي خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز: ما تعدّون السؤدد؟ فقلت: أما في الجاهليّة فالرياسة، وأما في الإسلام فالولاية، وخير من ذا وذاك التقوى، فقال لي: صدقت، كان أبي يقول: لم يدرك الأوّل الشرف إلا بالفعل، ولا يدركه الآخر إلّا بما أدرك به الأوّل، قال: قلت: صدق أبوك، ساد الأحنف بحلمه، وساد مالك بن مسمع [1] بمحبة العشيرة له، وساد قتيبة بدهائه، وساد المهلب بهذه [2] الخلال. فقال لي: صدقت، كان أبي يقول: خير الناس للناس خيرهم لنفسه، وذاك أنه إذا كان كذلك أبقى على نفسه من السّرق لئلا يقطع، ومن القتل لئلا يقاد، ومن الزنا لئلا يحدّ، فسلم الناس منه لإبقائه على نفسه. «9» - وقالوا: من نعت السيد أن يكون لحيما ضخم الهامة، جهير الصوت، إذا خطا أبعد، وإذا تؤمّل [3] ملأ العين لأن حقّه أن يكون في صدر   [1] م: مجمع. [2] نثر الدر: بجميع هذه. [3] ر: يؤمل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 مجلس أو ذروة منبر أو منفردا في موكب. «10» - وكانوا يقولون في نعت السيد: يملأ العين جمالا والسمع مقالا. «11» - وقال رجل لبعض أهله: والله ما أنت بعظيم فتكون سيدا، ولا بأرسح فتكون فارسا. «12» - وقال آخر: والله ما فتقت فتق السادة ولا مطلت مطل الفرسان. «13» - قيل للأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي: بم كنتم تعرفون السؤدد في الصبيّ [1] منكم؟ قال: إذا كان ملوث الأزرة، طويل الغرلة، سائل الغرّة كأنّ به لوثة فلسنا نشكّ في سؤدده. هذه أمارات تصيب وتخون، والمعوّل على ما أدركته الحقيقة لا الظنون. «14» - قيل للأحنف: من السيد؟ قال: الذليل في نفسه، الأحمق في ماله، المعنيّ بأمر قومه، الناظر للعامة. «15» - وقال عدي بن حاتم: السيد الأحمق في ماله، الذليل في   [1] م: الفتى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 عرضه، المطرّح لحقده، المعنيّ بأمر جماعته، وأحسن القول ما قارنه الفعل. «16» - قدم وفد العراق على معاوية وفيهم الأحنف، فقام الآذن وقال: إن أمير المؤمنين يعزم عليكم أن يتكلم أحد إلا لنفسه، فلما وصلوا إليه قال الأحنف: لولا عزمة أمير المؤمنين لأخبرته أنّ رادفة ردفت، ونازلة نزلت، ونائبة نابت، والكلّ بهم الحاجة إلى معروف أمير المؤمنين وبره. فقال: حسبك يا أبا بحر فقد كفيت الغائب والشاهد. «17» ومثل ذلك، بل أبلغ وأصلت [1] ، ومن امرأة أعظم وأغرب، ما روي عن سودة بنت عمارة الهمدانيّة، وفدت على معاوية فقال لها: ما حاجتك؟ قالت: إنك أصبحت للناس سيدا، ولأمرهم متقلّدا، والله مسائلك عن أمرنا، وما افترض عليك من حقّنا، ولا يزال يقدم علينا من ينوء [2] بعزّك ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السّنبل، ويدوسنا دوس [3] البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسلبنا [4] الجليلة، وهذا بسر بن أرطأة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي، يقول لي فوهي [5] بما أستعصم الله سبحانه وتعالى منه وألجأ إليه فيه، ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة. فإما عزلته عنّا فشكرناك، وإما لا فعرفناك. فقال معاوية: أتهدديني بقومك؟ لقد هممت أن أحملك على قتب [6] أشرس فأردّك إليه ينفذ فيك حكمه. فأطرقت تبكي ثم أنشأت تقول: [من البسيط]   [1] م: وأصلب. [2] العقد: ينهض. [3] العقد: دياس. [4] العقد: ويسألنا. [5] م: فهو. [6] م: ذنب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 صلّى الاله على جسم [1] تضمّنه ... قبر فأصبح فيه العدل مدفونا قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا [2] ... فصار بالحقّ والإيمان مقرونا فقال لها: ومن ذاك؟ قالت: عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه. قال: وما صنع بك حتّى صار عندك كذا؟ قالت: قدمت عليه في مصدّق قدم علينا من قبله، والله ما كان بيني وبينه إلا ما بين الغثّ والسمين، فأتيت عليّا لأشكو إليه ما صنع بنا فوجدته قائما يصلي. فلما نظر إليّ انفتل من صلاته ثم قال لي، برأفة وتعطّف: ألك حاجة؟ فأخبرته، فبكى ثم قال: اللهم أنت الشاهد عليّ وعليهم، إني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقّك؛ ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب، فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (هود: 85- 86) . إذا [3] قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتّى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام. فأخذته منه والله ما ختمه بطين ولا خزمه بخزام، فقرأته. فقال لها معاوية: لقد لمّظكم [4] ابن أبي طالب الجرأة على السلطان، فبطيئا ما [5] تفطمون، ثم قال: اكتبوا لها بردّ مالها والعدل عليها. قالت: ألي خاصة أم لقومي عامة؟ قال: ما أنت وقومك؟ قالت: هي إذن والله الفحشاء واللؤم، إن كان عدلا شاملا وإلا أنا كسائر قومي، قال: اكتبوا لها ولقومها.   [1] العقد: روح؛ م: قبر. [2] العقد: ثمنا. [3] ع: واذا. [4] لمظكم: ذوقكم. [5] ما: زيادة من رم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 «18» - ومثله خبر الراعي مع عبد الملك لما أنشده قوله: [من البسيط] فإن رفعت بهم رأسا نعشتهم ... وإن لقوا مثلها في قابل فسدوا قال له: تريد ماذا؟ قال: تردّ عليهم صدقاتهم، وتدرّ أعطياتهم، وتنعش فقيرهم، وتخفّف مؤونة غنيّهم، قال: إنّ ذا لكثير، قال: أنت أكثر منه، قال: قد فعلت فسلني حوائجك، قال: قد قضيتها، قال: سل لنفسك، قال: لا والله لا أشوب هذه المكرمة بالمسألة لنفسي. «19» - ومما يناسبه أن البادية قحطت في أيام هشام، فقدمت عليه العرب فهابوا أن يتكلموا وفيهم درواس بن حبيب ابن ست عشرة سنة له ذؤابة وعليه شملتان، فوقعت عليه عينا هشام فقال لحاجبه: ما يشاء أحد يدخل علي إلا دخل حتى [1] الصبيان؟! فوثب درواس بن حبيب حتى وقف بين يديه مطرقا، فقال: يا أمير المؤمنين إن للكلام نشرا وطيّا، وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره، فإن أذنت لي أن أنشره نشرته. قال: انشر لا أبا لك، وقد أعجبه كلامه مع حداثة سنه. فقال: إنه أصابتنا سنون ثلاث: سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة أنقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله ففرّقوها على عباده، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدّقوا بها عليهم إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي   [1] حتى: سقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 الْمُتَصَدِّقِينَ (يوسف: 88) فقال هشام: ما ترك لنا الغلام في واحدة من الثلاث عذرا. فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، فقال: ارددها يا أمير المؤمنين إلى جائزة العرب، فإني أخاف أن تعجز عن بلوغ كفاية [1] . فقال: أما لك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصّة نفسي دون عامة المسلمين. فخرج وهو من أنبل القوم. «20» - قال رجل للأحنف: لم سوّدك قومك وما أنت بأشرفهم بيتا، ولا أصبحهم وجها، ولا أحسنهم خلقا؟ قال: بخلاف ما فيك يا بني، قال: وما ذاك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك. «21» قال عمرو بن العاص لدهقان نهر تيرى: بم ينبل الرجل عندكم؟ قال: بترك الكذب فإنه لا يشرف من لا يوثق بقوله، وبقيامه بأمر أهله فإنه لا ينبل من يحتاج أهله إلى غيره، وبمجانبة الريب فإنه لا يعزّ من لا يؤمن أن يصادف على سوءة، وبالقيام بحاجات الناس فإنه من رجّي الفرج عنده كثرت غاشيته. «22» - وقال بزرجمهر: من كثر أدبه كثر شرفه وإن كان قبل وضيعا، وبعد صوته وإن كان خاملا، وساد وإن كان غريبا، وكثرت الحاجات إليه وإن كان فقيرا.   [1] ر: كفايتهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 «23» - قال المعلوط الرّبعي: [من الطويل] فما سوّد المال اللئيم ولا دنا ... لذاك ولكن الكريم يسود إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد ولهذا المعنى الذي بيّنه المعلوط قالوا: السؤدد مع السواد. «24» - وقال المقنع الكنديّ [1] : [من الطويل] يعاتبني في الدين قومي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا أسدّ به ما قد أخلّوا وضيّعوا ... ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا وفي جفنة ما يغلق الباب دونها ... مكللة لحما مدفّقة ثردا وفي فرس نهد عتيق جعلته ... حجابا لبيتي ثم أخدمته عبدا فإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلف جدا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا وإن ضيّعوا غيبي حفظت غيوبهم ... وإن هم هووا غيّي هويت لهم رشدا   [1] م: والمقنع الكندي الذي يقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنى ... وإن قلّ مالي لم أكلّفهم رفدا وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا ... وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا «25» - وقال آخر أيضا: [من الطويل] وليس فتى الفتيان من جلّ همّه ... صبوح وإن أمسى ففضل غبوق ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرّ عدوّ أو لنفع صديق 26- وقد كان أحمد بن أبي دواد القاضي جبل على مثل هذا، قال أبو العيناء: ما رأيت مثل ابن أبي داود من رجل قد مكّن له في الدنيا ذلك التمكين، كنت أراه في مجلس سقفه غير مغرّى، جالسا على مسح وأصحابه معه، يتدرّن القميص عليه فلا يبدّله حتى يعاتب في ذلك، ليس له همة ولا لذة في الدنيا إلا أن يحمل رجلا على منبر وآخر على جذع. «27» - قال أسد بن عبد الله القسريّ لسلم بن نوفل: ما أرخص السؤدد فيكم!! فقال سلم: أما نحن فلا نسوّد إلا من بذل لنا ماله، وأوطأنا عرضه، وامتهن في حاجتنا نفسه؛ فقال أسد: إنّ السؤدد فيكم لغال. «28» - وقال معاوية لعرابة بن أوس بن قيظيّ الأنصاري: بم سدت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 قومك؟ قال: لست بسيدهم ولكني رجل منهم فعزم عليه فقال: أعطيت في نائبتهم، وحلمت عن سفيههم، وشددت على يدي حليمهم، فمن فعل منهم فعلي فهو مثلي، ومن قصّر عني فأنا أفضل منه، ومن تجاوزني فهو أفضل مني. وقيل في رواية بأربع خلال: أنخدع لهم في مالي، وأذلّ لهم في عرضي، ولا أحتقر صغيرهم، ولا أحسد رفيعهم. «29» وكان سبب ارتفاع ذكر عرابة أنه قدم من سفر فجمعه والشمّاخ ابن ضرار المرّي الطريق فتحادثا، فقال له عرابة: ما الذي أقدمك المدينة؟ قال: قدمتها لأمتار منها، فملأ له عرابة رواحله برّا وتمرا وأتحفه بغير ذلك، فقال الشماخ: [من الوافر] رأيت عرابة الأوسيّ يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين إذا بلّغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين «30» - سأل عبد الملك بن مروان روح بن زنباع عن مالك بن مسمع فقال: لو غضب مالك لغضب معه مائة ألف لا يسأله واحد منهم لم غضب، قال عبد الملك: هذا والله السؤدد. «31» - كتب معاوية إلى زياد: اعزل حريث بن جابر فإني ما أذكر فتنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 صفين إلا كانت حزازة في صدري. فكتب إليه: خفّض عليك يا أمير المؤمنين، فقد بسق حريث بسوقا لا يرفعه عمل ولا يضرّه [1] عزل. «32» - وكتب إليه: انظر رجلا يصلح لثغر الهند فولّه، فكتب إليه زياد: إن قبلي رجلين يصلحان لذلك: الأحنف بن قيس وسنان بن سلمة. فكتب معاوية: بأيّ يومي الأحنف نكافئه: ألخذلان أم المؤمنين أم بسعيه علينا يوم صفين؟ فوجّه سنانا. فكتب إليه زياد: إنّ الأحنف قد بلغ من الشرف والسؤدد ما لا ترفعه الولاية ولا يضعه العزل. «33» - وقيل لرجل: بم ساد عليكم الأحنف؟ فو الله ما كان بأكبركم سنّا ولا بأكثركم [2] نشبا. قال: بقوّته على سلطان نفسه. «34» - لما ولي زياد البصرة خطب فقال: إني رأيت خلالا ثلاثا نبذت إليكم فيهن النصيحة: لا يأتيني شريف بوضيع لم يعرف له شرفه إلا عاقبته، ولا كهل بحدث لم يعرف له فضل سنه [3] إلا عاقبته، ولا عالم يجاهل عنته إلا عاقبته، فإنما الناس بأشرافهم وذوي سنهم وعلمائهم. «35» - أراد أنوشروان أن يقلد ابنه هرمز ولاية العهد، فاستشار عظماء   [1] البصائر: يضعه. [2] ر: بأكرمكم (اقرأ بعدها: نسبا) . [3] ع: لم يعرف له شرفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 مملكته فأنكروا عليه، وقال بعضهم: إن الترك ولدته وفي أخلاقهم ما علمت فقال: الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، وكانت أم قباذ تركية، وقد رأيتم من عدله وحسن سيرته ما رأيتم. فقيل: هو قصير وذاك يذهب ببهاء الملك. فقال: إن قصره من رجليه ولا يكاد يرى إلا جالسا أو راكبا فلا يستبين ذلك فيه، فقيل: هو بغيض في الناس، فقال: أوه، أهلكت ابننا هرمز فقد قيل: إن من كان فيه خير واحد ولم يكن ذلك الخير المحبة في الناس فلا خير فيه، ومن كان فيه عيب واحد ولم يكن ذلك العيب المبغضة في الناس فلا عيب فيه. «36» - ذكرت البيوتات عند هشام بن عبد الملك فقال: البيت ما كانت له سالفة ولا حقة وعماد حال ومساك دهر، فإذا كان كذلك فهو بيت قائم؛ أراد بالسالفة ما سلف من شرف الآباء، واللاحقة ما لحق من شرف الأبناء، وبعماد الحال الثروة، وبمساك الدهر الجاه عند السلطان. 37- وكان يقال: مضر خيرة الله من خلقه، وقريش خيرة مضر، وهاشم خيرة قريش، وعترة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خيرة هاشم. «38» - وأحفظ معاوية الأحنف وجارية بن قدامة ورجالا من بني سعد فأغلظوا له، وذلك بمسمع من بنت قرظة، فأنكرت ذلك فقال لها: إن مضر كاهل العرب، وتميما كاهل مضر، وسعدا كاهل تميم، وهؤلاء كاهل سعد. ومن الرياسة علو الهمة «39» - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تصغرنّ هممكم فإني لم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 أر شيئا أقعد بالرجل من سقوط همته. 40- وقال معاوية: تهامموا فإني هممت بالخلافة فنلتها. (يعني مع بعده عن رتبتها ووجود أعيان الصحابة الألى [1] هم أحقّ منه بها، كما يقال: قلّ من طلب إلا وجد أو كاد) . «41» - وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن لي نفسا تتوق إلى معالي الأمور، تاقت إلى الخلافة فلما نلتها تاقت إلى الجنة. «42» - وقيل للعتابي: إنّ فلانا بعيد الهمة، فقال: إذن لا يقنع بدون الجنة. وإذا أردنا حقيقة علوّ الهمة، فطلب الجنة [2] ، وإذا أردنا الرياسة التي لا يفسدها الزمان فرياسة الدين والعلم، وإنما نذكر رياسة الدنيا والراغبين فيها مجازا ولذاك يقع بالأمر غير مستحقه، وينال الدنيا وشرفها ويدرك غاياتها من لا فضيلة عنده، فيهلك [3] صاحبها المحروم أسفا وكمدا، ويتقطع قلبه لهفا وحسدا. ونعود إلى ما قصدنا له: «43» - نازع عبد الملك بن مروان وهو حدث عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأربى عليه عبد الرحمن، فقيل له لو شكوت ما صنع بك إلى عمه لا نتقم لك منه، فقال: اني لا أرى انتقام غيري لي انتقاما؛ فلما استخلف   [1] م: اللائي. [2] م: الآخرة. [3] م: فهلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 أذكر بذلك فقال: حقد السلطان عجز. «44» - وخاض جلساؤه يوما في مقتل عثمان فقال رجل: يا أمير المؤمنين في أيّ سنّك كنت يومئذ؟ قال: كنت دون المحتلم، فقال فما بلغ من حزنك عليه؟ قال: شغلني الغضب له عن الحزن عليه. «45» - قال يزيد بن المهلب: ما يسرّني أني كفيت أمر الدنيا كله، قيل: ولم أيها الأمير؟ قال: أكره عادة العجز. «46» - ومن الهمّة البعيدة ما فعله بنو العبّاس: خرجوا في أربعة عشر راكبا يطلبون الخلافة، وأعداؤهم في أيديهم الأموال والبلاد، والجيوش منقادة لهم حتى قال بعضهم وهو داود بن عليّ، وقد لقيهم ولم يعلم أين يريدون: ما قصتكم وأين تريدون؟ فقصّ عليه أبو العبّاس القصة، وأنهم يريدون الكوفة ليظهر أمرهم بها، فقال له داود: يا أبا العبّاس تأتي الكوفة وشيخ بني مروان بحرّان، وهو مطلّ على العراق في أهل الشام، يعني مروان بن محمد، وشيخ العرب في العراق في حلبة العرب، يعني يزيد بن عمر بن هبيرة؟! فقال أبو العبّاس: من أحبّ الحياة ذلّ، ثم تمثل قول الأعشى: [من الطويل] فما ميتة إن متّها غير عاجز ... بعار إذا ما غالت النفس غولها فالتفت داود إلى ابنه موسى فقال: صدق والله ابن عمك، ارجع بنا معه نعش أعزاء أو نموت كراما، فرجعوا معه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 والركب الأربعة عشر هم: أبو العبّاس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العبّاس وهو [أبو] العبّاس [1] السفاح، وأخوه أبو جعفر عبد الله المنصور، وعمومتهما عبد الله وصالح وعبد الصمد وإسماعيل وداود وعيسى بنو علي بن عبد الله بن عبّاس، ويحيى بن محمد بن علي، وعبد الوهّاب ومحمد ابنا إبراهيم بن محمد بن علي، وعيسى بن موسى بن علي، وموسى بن داود بن علي ويحيى بن جعفر بن تمام بن العبّاس. وكان عيسى بن موسى إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة يقول: إن ركبا أربعة عشر خرجوا من دارهم وأهليهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة هممهم، كبيرة نفوسهم، شديدة قلوبهم. «47» - وممن علت به همّته ورفعته من أوضع منزلة إلى أعلى درجة أبو مسلم صاحب الدولة، وهو عبد اشتراه إبراهيم الامام وأعتقه، وذلك بعد تعرضه للدعوة، وقد ذكرنا مبدأ أمره في موضعه من هذا الكتاب. قيل له في أيّام شبيبته وعصر حداثته: إنا نراك تأرق كثيرا ولا تنام كأنك موكّل برعي الكواكب أو متوقع للوحي من السماء. قال: والله ما هو ذاك، ولكن لي رأي جوال، وغريزة تامة، وذهن صاف، وهمّة بعيدة، ونفس تتوق إلى معالي الأمور، مع عيش كعيش الهمج والرعاع، وحال متناهية في الخساسة والاتضاع [2] ، وإني لأرى بعض هذا مصيبة لا تجبر بسهر ولا تتلافى برفق. فقيل له: ما الذي يبرد غليلك، ويشفي أحاح صدرك، ويطفىء أوار نارك؟ قال: الظفر بالملك. قيل له: فاطلب، قال: إن الملك لا يطلب إلا بركوب   [1] أبو العبّاس: سقطت من ر. [2] نثر الدر: متناهية في الاتضاع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 الأهوال، قيل: فاركب الأهوال، قال: هيهات، العقل مانع من ركوب الأهوال، قيل: فما تصنع وأنت تبلى حسرة وتذوب كمدا؟ قال: سأجعل من عقلي بعضه جهلا وأحاول به خطرا لأنال بالجهل ما لا ينال إلا به، وأدبّر بالعقل ما لا يحفظ إلا بقوّته، وأعيش عيشا يبين [1] مكان حياتي فيه من مكان موتي عليه فإن الخمول أخو العدم، والشهرة أبو الكون. «48» - وكان للفاذوسبان [2] ، وهو من كبار أهل نيسابور، يد عند أبي مسلم في اجتيازه إلى خراسان، فكان يرعى له ذلك، فقال له يوما الفاذوسبان: أيها السلار، وبذاك كان يخاطب قبل قتل [ابن] الكرماني، مال قلبك إلى أحد بخراسان؟ فقال: كنت في ضيافة رجل يقال له فلان السمرقندي، فقامت بين يديّ جارية له توضيني فاستحليتها، قال فأنفذ الفاذوسبان إلى سمرقند واحتال في تحصيل الجارية، ثم أضاف أبا مسلم وأمرها أن [3] توضيه، فلما نظر إليها عرفها، فوهبها له الفاذوسبان، وكان لا يحجب عن أبي مسلم في أي وقت جاءه، فدخل إليه يوما فوجده نائما في فراشه فانصرف، وأمر أبو مسلم برده فجاء حتى وقف عليه فرآه مضاجعا تلك الجارية، وهما في ثيابهما [4] ، وبينهما سيف مسلول، فقال: يا فاذوسبان، إنما أحببت أن تقف على صورتي في منامي لتعلم أنّ من قام بمثل ما قمت به لا يتفرغ إلى مباشرة النساء، وأنشد [5] : [من البسيط]   [1] ر: يدين. [2] م: لفاذوسان. [3] ر ونثر الدر: بأن. [4] م: شأنهما. [5] م: ثم انشد في ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار «49» - وكتب عبد الحميد كتابا إلى أبي مسلم وقال لمروان: إني قد كتبت كتابا إن نجع فذاك وإلا فالهلاك، وكان من كبر حجمه يحمل على جمل، وكان عبد الحميد قال: أنا ضامن أنه متى قرأ الرسول على المستكفين حول أبي مسلم ذلك بمشهد منه أنهم يختلفون، وإذا اختلفوا كلّ حدّهم وذلّ جهدهم، فلما ورد الكتاب على أبي مسلم دعا بنار فطرحه فيها إلا قدر ذراع فإنه كتب عليه: [من الطويل] محا السيف أسطار البلاغة وانتحى ... عليك ليوث الغاب من كلّ جانب فإن تقدموا نعمل سيوفا شحيذة ... يهون عليها العتب من كل عاتب وردّه، فحينئذ وقع اليأس من معالجته. «50» - وتزعم [1] الفرس انّ كابي كان حدادا بخراسان وقيل [2] بأصفهان في ملك بيوراسب، وأن بيوراسب قتل ابنين له، فسمت همّته إلى أن أخذ النطع [3] الذي يتوقى به من النار فجعله علما، ودعا الناس إلى مجاهدة [4] بيوراسب، فأجابه خلق كثير لما كان عليه بيوراسب من الجور [5] ، وهزم بيوراسب وقتل، وسألوا كابي أن يلي عليهم الملك فأبى حتى ملكوا غيره،   [1] ر: ويزعم. [2] بخراسان وقيل: زيادة من م. [3] م: إلى أخذ النطع. [4] م: مجاهرة. [5] فأجابه ... الجور: سقط من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وعظموا ذلك النطع ورصعوه بالجوهر وصار علم ملوكهم الأكبر الذي يتبركون به في حروبهم ويسمونه درفش كابيان. «51» - ويقال [1] لا ينبغي للرجل ذي المروءة الفاضلة أن يرى إلا في موضعين ولا يليق به غيرهما: إما مع الملوك مكرما، وإما مع النساك متبتلا. «52» - وممن حركته همته حتى نال أمنيته على بعد منالها المختار بن أبي عبيد الثقفي، قال بن العرق [2] : رأيت المختار مشتور العين، قلت: من فعل بك هذا، قطع الله يده؟ فقال: ابن الفاعلة عبيد الله بن زياد، والله لأقطعنّ أنامله وأباجله، ولأقتلن بالحسين عدد من قتل بيحيى بن زكريا عليهما السلام. وحبس في فتنة يزيد فلما هلك اجتمعت الشيعة لإخراجه، فاستأناهم حتى أخرجه عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة وهما على الكوفة من قبل عبد الله بن الزبير وكفلاه وحلّفاه ألا يخرج ما دام لهما سلطان، فإن فعل فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة، ومماليكه ذكرهم وأنثاهم [3] أحرار، فلما عزلا عن الكوفة وبعث ابن الزبير عليها عبد الله بن مطيع أظهر أمره حينئذ، وبلغ من الثأر ما هو مشهور. وكان يقول: قاتلهم الله ما أحمقهم حين يرون أني أفي لهم باليمين، أما يميني بالله فانه ينبغي لي إذا حلفت على يمين ثم رأيت ما هو خير منها أن أدع ما حلفت عليه وآتي الذي هو خير وأكفّر عن يميني، وأما   [1] م: وقال. [2] م: قال ابن العريق وقيل ابن العرق. [3] م: ذكورهم وإناثهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 هدي البدن فأهون عليّ من بصقة، وما ثمن ألف بدنة مما يهولني! وأما عتق مواليّ فو الله لوددت أنه قد استتب لي أمري ولم أملك مملوكا أبدا. «53» - ولما حارب المختار مصعبا فلّ جيش مصعب، وقتل محمد بن الأشعث، وأوغل أصحاب المختار في أصحاب مصعب فظن أنهم انهزموا، فانصرف منهزما إلى القصر بالكوفة، وعاد أصحاب المختار من حملتهم فلم يجدوه، فتبعوه إلى القصر بعد أن تفرّق شطرهم وظنّوا أنه قد قتل، واجتمعوا في القصر ثمانية آلاف، وحصرهم مصعب فقال لهم: اخرجوا إلى القوم فما بكم من قلّة، فجبنوا عن ذلك وضعفوا، فخرج المختار إليهم في تسعة عشر رجلا فقاتلهم حتى قتل ولم يسلم نفسه لهم. «54» - خرج معاوية متنزها فمرّ بحواء [1] ضخم فقصد لبيت منه، فإذا بفنائه امرأة برزة، فقال لها: هل من غداء؟ قالت: نعم حاضر، قال: وما غداؤك؟ قالت خبز خمير، وماء نمير، وحيس فطير، ولبن هجير [2] ، فثنى وركه ونزل، فلما تغدّى قال: هل لك من حاجة؟ فذكرت حاجة أهل الحواء، قال: هاتي حاجتك في خاصّة نفسك، قالت: يا أمير المؤمنين إني أكره أن تنزل واديا فيرفّ أوله ويقفّ آخره. «55» - قال ابن عامر لامرأته أمامة بنت الحكم الخزاعية: إن ولدت   [1] الحواء: بيوت مجتمعة متقاربة. [2] الهجير: الفائق الفاضل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 غلاما فلك حكمك، فلما ولدت قالت: حكمي أن تطعم سبعة أيّام، كلّ يوم ألف خوان من فالوذج، وأن تعقّ بألف شاة، ففعل. «56» - قال بعضهم: رحت عشية من طريق مكة مع عبد الله بن الحسن بن الحسن، فضمّنا المسير وداود وعبد الله وعيسى بني علي بن عبد الله ابن العبّاس، فسار عيسى وعبد الله أمام القوم، فقال داود لعبد الله بن الحسن: لم لا يظهر محمد، يعني ابنه؟ فقال عبد الله: لم يأت الوقت الذي يظهر فيه محمد بعد، ولسنا بالذين نظهر عليهم، وليقتلنّهم الذي يظهر عليهم قتلا ذريعا، قال: فسمع عبد الله بن علي الحديث فالتفت إلى عبد الله بن الحسن وقال: يا أبا محمد [من الوافر] سيكفيك الجعالة مستميت ... خفيف الحاذ من فتيان جرم [1] أنا والله أظهر عليهم وأقتلهم وأنتزع ملكهم، فكان كما قال. «57» - قال أبو هريرة رأيت هندا يعني بنت عتبة بمكة جالسة وكأنّ وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبيّ يلعب، فمرّ رجل فنظر إليه وقال: إني لأرى غلاما إن عاش ليسودنّ قومه، فقالت هند: إن لم يسد إلا قومه فلا جبره الله.   [1] الجعالة: ما يجعل للغازي وذلك إذا وجب على الإنسان غزو فجعل مكانه رجلا آخر يجعل يشترطه؛ خفيف الحاذ: خفيف الظهر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 «58» - وقال عتبة بن ربيعة لابنته هند: قد خطبك إليّ رجلان «السم ناقعا» يعني سهيل بن عمرو، و «الأسد عاديا» يعني أبا سفيان، فأيهما أحبّ إليك أن أزوّجك؟ قالت: الذي يأكل أحبّ إلي من الذي يؤكل؛ فزوّجها أبا سفيان. 59- لما قتل حاجب بن زرارة قراد بن حنيفة قالت قبائل بني دارم لحاجب: إمّا أن تقيد من نفسك، وإما أن تدفع إلينا رجلا من رهطك، فأمر فتى من بني زرارة بن عدس أن يذهب إليهم حتى يقاد، فمرّوا بالفتى على أمه فحسبوها [1] تجزع فيدفع إليهم حاجب غيره، فقالت: إنّ حيضة وقت حاجبا الموت [2] لعظيمة البركة. «60» - قيل إن الحارث بن عوف بن أبي حارثة المرّي قال لخارجة بن سنان المريّ: أتراني أخطب إلى أحد فيردني؟ قال: نعم، قال: ومن ذاك؟ قال: أوس بن حارثة بن لام الطائي، فقال الحارث لغلامه: ارحل بنا، فركبا حتى انتهيا إلى أوس بن حارثة في بلاده، فوجداه في ثني [3] منزله، فلما رآه قال: مرحبا بك يا حار، ما جاء بك؟ قال: جئتك خاطبا، قال: لست هناك، فانصرف ولم يكلّمه؛ ودخل أوس على امرأته مغضبا، وكانت من بني عبس فقالت: من رجل وقف عليك فلم يطل ولم تكلّمه؟ قال: ذاك سيد   [1] م ر: وحسبوها. [2] م: وقت لنا حاجبا من الموت. [3] ثني: سقطت من الأغاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 العرب الحارث بن عوف، قالت: فما لك لم تستنزله [1] ؟ قال: إنه استحمق، جاءني خاطبا، قالت: أفتريد أن تزوّج بناتك؟ قال: نعم، قالت: فإذا لم تزوّج سيد العرب فمن؟ قال: قد كان ذلك، قالت: فتدارك ما كان منك، قال: بماذا؟ قالت: أن تلحقه فتردّه. قال: وكيف وقد فرط إليه مني ما فرط؟ قالت: تقول: إنك لقيتني وأنا مغضب بأمر لم تقدّم فيه قولا، فلم يكن عندي من الجواب إلا ما سمعت، فانصرف ولك عندي كلّ ما أحببت، فركب في أثرهما؛ قال خارجة بن سنان: فو الله إنا نسير [2] إذ حانت مني التفاتة فرأيته، فأقبلت على الحارث وما يكلمني غمّا، فقلت له: هذا أوس بن حارثة في أثرنا، قال: وما نصنع به؟ امض، فلما رآنا لا نقف عليه صاح: يا حار اربع [3] عليّ، فوقفنا له وكلّمه بذلك الكلام، فرجع مسرورا، فبلغني أن أوسا لما دخل منزله [4] دعا ابنته الكبرى وأعلمها خطبة الحارث بن عوف فقالت: لا تفعل. قال: ولم؟ قالت: لأنّ في وجهي ردّة وفي خلقي بعض العربدة [5] ، ولست بابنة عمه فيرعى حقي [6] ، وليس بجارك فيستحي منك، ولا آمن أن يرى منّي ما يكره فيطلقني، فيكون عليّ في ذلك ما تعلم؛ قال: قومي بارك الله عليك، ثم دعا بابنته الوسطى وقال لها كمقالته للكبرى، فقالت له: أنا خرقاء، وأجابته بنحو جواب أختها. فقال: ادعوا لي بهيسة، يعني الصغرى [7] ، فقال لها كمقالته لأختيها، فقالت: أنت وذاك. فقال لها: إنّي عرضت ذلك على أختيك فأبتاه، فقالت: لكني والله الجميلة وجها، الصّناع   [1] م: فما رأيتك تستقر له. [2] الأغاني: إني لأسير؛ انا لنسير. [3] ع ر م: ارجع. [4] م: إلى منزله. [5] م ر والأغاني: العهدة (والعهدة: الضعف) . [6] الأغاني: رحمي. [7] م: يعني الطفلة وهي الصغرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 يدا، الرقيقة خلقا، الحسيبة أبا، فإن طلّقني فلا أخلف الله عليه بخير. قال، فخرج إلينا وقال: قد زوجتك يا حار بهيسة بنت أوس، قال: قد قبلت؛ فأمر أمّها أن تهيّئها وتصلح من شأنها، ثم أمر ببيت فضرب له وأنزله إيّاه، ثم خرج إليّ فقلت: أفرغت من شأنك؟ فقال: لا، قلت: وكيف؟ قال: لما مددت يدي إليها قالت: مه أعند أهلي [1] وإخوتي؟! هذا والله ما لا يكون، قال: فأمر بالرحلة فارتحلنا بها معنا، فسرنا ما شاء الله ثم قال لي: تقدّم فتقدّمت، وعدل بها عن الطريق، فما لبث أن لحقني فقلت: أفرغت؟ قال: لا والله قلت: ولم؟ قال: قالت لي: أكما يفعل بالأمة الجليبة والسبيّة الأخيذة؟ لا والله حتى تنحر وتذبح [2] وتدعو العرب وتعمل ما يعمل لمثلي، قال: قلت والله إني لأرى همّة وأرى عقلا وإني لأرجو أن تكون المرأة النجيبة. فرحلنا حتى جئنا بلادنا فأحضر الإبل والغنم ودخل عليها ثم خرج فقلت: أفرغت؟ قال: لا والله، قلت: ولم؟ قال: دخلت عليها أريدها، وقلت لها: قد أحضرنا من المال ما تريدين [3] . فقالت: والله لقد ذكرت لي من الشرف بما لا أراه فيك، قلت: وكيف؟ قالت: أتتفرغ لنكاح النساء والعرب يأكل بعضها بعضا؟! وذلك في أيام حرب عبس وذبيان. قلت: فتقولين ماذا؟ فقالت: اخرج إلى هؤلاء القوم فأصلح بينهم ثم ارجع إلى أهلك فلن يفوتوك، فقلت: والله إني لأرى همة وعقلا ولقد قالت قولا. قال: فاخرج بنا، فخرجنا حتى أتينا القوم فمشينا بينهم بالصلح، فاصطلحوا على أن يحسبوا [4] القتلى ثم يؤخذ الفضل ممن هو عليه، فحملنا عنهم الديات فكانت ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنين،   [1] الأغاني: أبي. [2] الأغاني: حتى تنحر الجزر وتذبح الغنم. [3] الأغاني: ما قد ترين. [4] الأغاني: يحتسبوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فانصرفنا بأجمل الذكر. «61» - لما احتضر ذو الاصبع العدوانيّ دعا ابنه أسيدا فقال: يا بنيّ إن أباك قد فني وهو حيّ، وعاش حتى سئم العيش، وإني موصيك ما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته فاحفظ عني: ألن جانبك لقومك يحبّوك، وتواضع لهم [1] يرفعوك، وابسط لهم وجهك يطيعوك، ولا تستأثر عنهم حتى يسوّدوك، وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكبر على مودّتك صغارهم، واسمح بمالك واحم حريمك، وأعزز جارك، وأعن من استعان بك، وأكرم ضيفك، وأسرع النهضة في الصريخ فان لك أجلا لا يعدوك، وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا يتمّ سؤددك. «62» - لما أمعن داود بن علي في قتل بني أمية بالحجاز قال له عبد الله بن الحسن بن الحسن: يا ابن عمّ، إذ أفرطت في قتل أكفائك فمن تباهي بسلطانك؟ أو ما يكفيك منهم أن يروك رائحا وغاديا فيما يسرّك ويسوءهم؟ «63» - كان عثمان بن حيان [2] المرّي على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك، فأساء بعبد الله والحسن ابني الحسن إساءة عظيمة وقصدهما، فلما عزل أتياه فقالا: لا تنظر إلى ما كان بيننا فان العزل قد محاه، وكلّفنا أمرك كله. فلجأ إليهما فبلّغاه كلّ ما أراد، فجعل عثمان يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.   [1] بعد هذا سقط من ع مقدار كراسة، وما أثبته فهو من ر م. [2] نثر: عثمان بن خالد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 «64» - كان محمد بن سليمان بن علي من رجال بني هاشم وذوي هممهم، وكان له خمسون ألف مولى أعتق منهم عشرين ألفا، وخرج يوما إلى باب داره بالمربد في عشية من عشايا الصيف فرأى الحرّ شديدا فقال: رشّوا هذا الموضع، فخرج من داره خمسمائة عبد بخمسائة قربة ماء [1] ، فرشوا الشارع حتى أقاموا الماء فيه، وكانت غلّته كلّ يوم مائة ألف درهم، وسمع دعاؤه في السحر: اللهمّ أوسع عليّ فإنه لا يسعني إلا الكثير. «65» - ولما أراد أن يدخل بالعبّاسة بنت المهدي شاور كاتبه حمادا في اللباس الذي يلبسه، فأشار عليه بأن لا يتصنّع، ويقتصر على ما كان يلبسه في كلّ يوم، فلم يقبل منه، وعمد إلى ثياب دبيقية كأنها غرقيء البيض فلبسها، فرأتها عليه، فلما كان الغد دخل عليها، وإذا هي في دار قد فرشت بالدبيقي الذي يشابه ما لبس أو يزيد عليه، فعلم أنّ كاتبه قد نصحه، وتمثّل يقول [2] : [من الطويل] أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا النّصح إلّا ضحى الغد «66» - وكان يتصدّق في كل سنة بخمسمائة ألف درهم، ويوم الفطر بمائة ألف درهم وفي كل يوم بكرّين من الدقيق. [3] «67» - وقدم المهديّ البصرة فنزل دار محمد بن سليمان، وترك محمد   [1] نثر: قربة مملوءة ماء. [2] يقول: زيادة من م. [3] م: بكر بن دقيق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 المحدثة، فقام محمد بنزل المهديّ وأصحابه، فقال المهديّ ذات يوم لأصحابه: لنفضحنّ محمدا اليوم، فصلّى الفجر وركب هو وأصحابه ومحمد معه، فمضى نحو الجعفريّة والنحيت، ثم قال لمحمد: يا أبا عبد الله، امض بنا نتغدّى في المحدثة، فساعة جلس المهديّ قال لمحمد: إنه خطر ببالي لبأ الظباء مع أزاذ [1] فأحضره له من ساعته؛ وكان عند محمد ألف ظبية بالنحيت يتوالدن، ثم جاءوه بالطعام فأكل فقال: يا أبا عبد الله قد خطر ببالي مخ السوق معقود [2] بسكر طبرزذ، فأحضره، فقال يا أبا عبد الله أردنا أن نفضحك فغمرتنا، فأكثر الله في عمومتنا وبني عمنا مثلك. 68- ومن ذوي الهمم سعيد بن العاص، وكان أيضا من أجواد قريش، وأخباره في الجود ترد في موطنها. خطب سعيد أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام، وبعث إليها مائة ألف درهم وشاور الحسن بن علي في ذلك، فقال: أنا أزوّجك، واتعدوا ولم يحضر الحسين معهم، فقال سعيد: أين أبو عبد الله؟ فقال الحسن: لم يحضر وأنا أكفيك، فقال: لعلّه كره شيئا مما نحن فيه، قالوا: نعم، فقال سعيد: لم أكن لأدخل في شيء كرهه أبو عبد الله، فتفرقوا [3] عن غير تزويج، وردّت المال فلم يقبله سعيد. «69» - دخل المسور على معاوية فقال له: كيف تركت سعيدا؟   [1] الأزاذ: نوع جيد من التمر؟؟؟. [2] معقود: سقطت من م. [3] ر: يتقرقرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 فقال عليلا، قال: لليدين والفم: [من الطويل] به لا بظبي بالصريمة أعفرا قال: وعمرو بن سعيد صبيّ يسمع قوله من ورائه، فقال: إذن والله لا يسدّ حفرتك [1] ، ولا يزيد [2] في رزقك، ولا يدفع حتفا عليك، بل يفتّ في عضدك، ويهيض ظهرك، وينشر أمرك، فتدعو فلا تجاب، وتتوعّد فلا تهاب؛ فقال معاوية: أبا أمية أراك هاهنا، إنّ أباك جارانا إلى غاية الشرف [3] فلم نعلق بآثاره، ولم نقم لمحضاره، ولم نلحق بمضماره، ولم ندن من غباره، هذا مع قوة إمكان، وعزة سلطان، وإنّ أثقل قومنا علينا من سبقنا إلى غاية شرف. «70» - وكان معاوية يعاقب بين سعيد وبين مروان في ولاية المدينة، وكان يغري بينهما، فكتب إلى سعيد وهو وال عليها أن أهدم دار مروان فلم يهدمها، وأعاد عليه الكتاب بهدمها فلم يفعل، فعزله وولّى مروان، وكتب إليه أن أهدم دار سعيد، فأرسل الفعلة وركب ليهدمها، فقال له سعيد: يا أبا عبد الملك، أتهدم داري؟ قال: نعم، كتب إليّ أمير المؤمنين ولو كتب إليك في هدم داري لفعلت، فقال: ما كنت لأفعل، قال: بلى والله ولو كتب إليك لهدمتها، قال: كلا يا أبا عبد الملك، وقال لغلامه: انطلق فجئني   [1] ر: يسر حقرتك. [2] ر: زيد. [3] م: الغاية الشرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 بكتب معاوية فجاءه بها، فقال مروان: كتب إليك يا أبا عثمان في هدم داري فلم تهدمها ولم تعلمني؟ قال: ما كنت لأهدم دارك ولا أمنّ عليك، وإنما أراد معاوية أن يحرّض بيننا، فقال مروان: فداك أبي وأمي، أنت والله أكرمنا ريشا وعقبا، ورجع فلم يهدم دار سعيد. «71» - وقدم سعيد على معاوية فقال له: يا أبا عثمان كيف تركت أبا عبد الملك؟ قال: تركته ضابطا لعملك، منفذا لأمرك، قال: إنه كصاحب الخبزة كفي نضجها [1] فأكلها، قال: كلا والله يا أمير المؤمنين، إنه لمع قوم ما يجمل بهم السوط ولا يحلّ لهم السيف، يتهادون [فيما بينهم كلاما] كوقع النبل: سهم لك وسهم عليك، قال: ما باعد بينك وبينه؟ قال: خافني [2] على شرفه وخفته [3] على شرفي، قال: فما له عندك؟ قال: أسرّه غائبا وأسوءه شاهدا، قال: تركتنا يا أبا عثمان في هذه الهنات [4] ، قال: نعم يا أمير المؤمنين فتحملت الثقل، وكفيت الغرم [5] وكنت قريبا: لو دعوت أجبت، ولو وهنت وقعت [6] . «72» - وكان [7] ابن ظبيان نذر أن يقتل من قريش مائة بأخيه النابي، فقتل منهم ثمانين ثم قتل مصعبا وقال: [من الطويل]   [1] البيان: إنضاجها. [2] ر: حاقني. [3] ر: وحقيه. [4] البيان: الحروب. [5] البيان: الحزم. [6] البيان: ولو أمرت لأطعت. [7] تأخرت هذه الفقرة في م عن الفقرتين 73، 74. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 يرى مصعب أني تناسيت نابيا ... وليس لعمر الله ما ظنّ مصعب فو الله ما أنساه ما ذرّ شارق ... وما لاح في داج من الليل كوكب وثبت عليه ظالما فقتلته ... فقصرك منه يوم شرّ عصبصب قتلت به من حيّ فهر بن مالك ... ثمانين منهم ناشئون وأشيب وكفّي لهم رهن بعشرين أو يرى ... عليّ مع الإصباح نوح مسلّب أأرفع رأسي وسط بكر بن وائل ... ولم أرو سيفي من دم يتصبّب «73» - دخل عبيد الله بن زياد بن ظبيان على أبيه وهو يكيد بنفسه فقال: ألا أوصي بك الأمير زيادا؟ قال: لا، قال: ولم ذلك؟ قال: إذا لم يكن للحيّ إلا وصية الميت فالحيّ هو الميت. «74» - وعبيد الله هذا هو قاتل مصعب بن الزبير، ولما أتي عبد الملك برأسه خرّ عبد الملك ساجدا، قال عبيد الله: فهممت أن أقتله فأكون أفتك العرب، قتلت ملكين في يوم واحد. وأمر له عبد الملك بألف دينار فأبى أن يأخذها وقال: إنما قتلته على وتر لي عنده، وكان مصعب قتل أخاه النابي بن ظبيان. «75» - لما أخذ عبد الحميد بن ربعيّ وأتي به المنصور ومثل بين يديه قال: لا عذر فأعتذر، وقد أحاط بي الذنب، وأنت أولى بما ترى، قال المنصور: إني لست أقتل أحدا من آل قحطبة، أهب مسيئهم لمحسنهم، قال: يا أمير المؤمنين إن لم يكن فيّ مصطنع فلا حاجة بي إلى الحياة، لست الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 أرضى أن أكون طليق شفيع وعتيق ابن عمّ. 76- ويناسب هذه القصة ما فعله بابويه، أحد الشطّار، وكان محبوسا بعدة دماء، فلما نقب حمير بن مالك السجن وقام على باب النقب يسرّب الناس ويحميهم ليستتم المكرمة جاء رسوله إلى بابويه فقال: أبو نعمانة ينتظرك، وليس له همّ سواك، وما بردت [1] مسمارا ولا فككت حلقة وأنت قاعد غير مكترث ولا محتفل، وقد خرج الناس حتى الضعفاء، فقال بابويه: ليس مثلي يخرج في الغمار ويدفع عنه الرجال، لم أشاور ولم أؤامر [2] ، ثم يقال لي الآن: كن كالظعينة والأمة والشيخ الفاني؟! والله لا أكون في شيء تابعا ذليلا، فلم يبرح وخرج سائر الناس، وأجرامه وحده كأجرام الجميع، فلما جاء الأمير ودخل السجن فلم ير فيه غيره قال للحرس: ما بال هذا؟ فقصّوا عليه القصّة فضحك وقال: خذ أيّ طريق شئت، فقال بابويه: هذا عاقبة الصبر. «77» - لما عزل الحجاج أمية بن عبيد الله عن خراسان أمر رجلا من بني تميم فعابه بخراسان وشنّع عليه، فلما قفل لقيه التميميّ فقال: أصلح الله الأمير، أقلني فإني كنت مأمورا، فقال: يا أخا بني تميم، وحدّثتك نفسك أني وجدت عليك؟ قال: قد ظننت ذاك، قال: إنّ لنفسك عندك قدرا. «78» - دخل عمارة بن حمزة على المنصور فقعد في مجلسه، وقام رجل   [1] ر: يردق. [2] ر: أذامر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 فقال: مظلوم يا أمير المؤمنين، قال: ومن ظلمك؟ قال: عمارة غضبني ضيعتي، فقال المنصور: يا عمارة قم فاقعد مع خصمك، فقال: ما هو لي بخصم، إن كانت الضيعة له فلست أنازعه، وإن كانت لي فهي له، ولا أقوم من مجلس قد شرّفني أمير المؤمنين بالرفعة إليه لأقعد في أدنى منه بسبب ضيعة. «79» - وجرى بين الرشيد وزبيدة (وقيل: بل كان بين أبي العبّاس السفّاح وأمّ سلمة، وهو الأشبه) نزاهة نفس عمارة وكبره، فقالت له: ادع به وهب له سبحتي هذه، فإنّ شراءها خمسون ألف دينار، فإن ردّها علمنا نزاهته، فوجّه إليه فحضر، فحادثه ساعة ورمى إليه بالسبحة وقال: هي طرفة [1] وهي لك، فجعلها عمارة بين يديه، فلما قام تركها، فقالت: أنسيها، فأتبعوه خادما بالسبحة، فقال للخادم: هي لك، فرجع وقال: وهبها لي عمارة، فأعطت المرأة بها الخادم ألف دينار وأخذتها منه. «80» - دخل الطرماح بن حكيم الطائيّ على خالد بن عبد الله القسري فقال له: أنشدني بعض شعرك فأنشده: [من الطويل] وشيّبني ألّا أزال مناهضا ... بغير غنى أسموا به وأبوع [2] وإنّ رجال المال أضحوا، ومالهم ... لهم عند أبواب الملوك شفيع   [1] م ر: طريقة. [2] أبوع: أبسط باعي بالمال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 فقال له خالد: لو كان لك مال ما كنت به صانعا؟ قال: أسود به قومي، وأصون به عرضي، فأمر له بعشرين ألفا. «81» - كان المعتصم ينفق أمواله في جمع الرجال وابتياع الغلمان، وكان العبّاس بن المأمون مشغولا باتخاذ الضّياع، فكان المأمون كلّما نظر إلى المعتصم تمثل ببيتي أبي عبد الرحمن الأعمى الذي كان مع الحسن بن الحسين بن مصعب [1] : [من الكامل] يبني الرجال وغيره يبني القرى ... شتان بين مزارع ورجال قلق بكثرة ماله وسلاحه ... حتى يفرّقه على الأبطال «82» - قيل: ما رئيت بنت عبد الله بن جعفر ضاحكة بعد أن تزوجها الحجاج، فقيل لها: لو تسليت فإنه أمر قد وقع، فقالت: كيف وبم [2] ؟ فوالله لقد ألبست قومي عارا لا يغسل درنه بغسل. ولما مات أبوها لم تبك عليه، فقيل لها: ألا تبكين على أبيك؟ قالت: والله إنّ الحزن ليبعثني وإنّ الغيظ ليصمتني. ولما أهديت إلى الحجاج نظر إليها في تلك الليلة وعبرتها تجول في خدّها فقال: ممّ تبكين؟ بأبي أنت؟ قالت: من شرف أتضع، ومن ضعة شرفت. ولما كتب عبد الملك إلى الحجاج بطلاقها قال لها: إن أمير المؤمنين أمرني بطلاقك، قالت: هو أبرّ بي ممّن زوّجك.   [1] بن مصعب: سقطت من م. [2] وبم: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 «83» - قيل ليزيد بن المهلب: ألا تبني دارا؟ فقال: منزلي دار الامارة. «84» - وقيل للحسين بن حمدان في منزل بناه أخوه إبراهيم وأكثر من الإنفاق عليه، فقال: إنّا لا ننزل إلا دار الإمارة والقبر، فأخذ المعنى أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان فقال، وهو في الأسر: [من الكامل المجزوء] من كان مثلي لم يبت ... إلا أميرا أو أسيرا ليست تحلّ سراتنا ... إلا القبور أو القصورا 85- قام رجل إلى الرشيد ويحيى بن خالد يسايره فقال: يا أمير المؤمنين أنا رجل من المرابطة، وقد عطبت دابتي، فقال: يعطى ثمن دابة خمسمائة درهم، فغمزه يحيى، فلما نزل قال: يا أبة أومأت إليّ بشي لم أفهمه، فقال: يا أمير المؤمنين مثلك لا يجري هذا المقدار على لسانه، إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف إلى مائة ألف قال: فإذا سئلت مثل هذا كيف أقول؟ قال: تقول يشترى له دابة، يفعل به ما يفعل بأمثاله. «86» - أهدى عبيد الله بن السري إلى عبد الله بن طاهر لما ولي مصر مائة وصيف مع كلّ وصيف ألف دينار، ووجّه بذلك ليلا، فردّه وكتب إليه: لو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 قبلت هديتك ليلا لقبلتها نهارا فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (النمل: 36) . وكان المأمون قال لطاهر: أشر عليّ بإنسان يكفيني أمر مصر والشام، فقال له طاهر: قد أصبته، فقال: من هو؟ قال: ابني عبد الله خادمك وعبدك، قال: كيف شجاعته؟ قال: معه ما هو خير من ذلك، قال المأمون: وما هو؟ قال: الحزم، قال: فكيف سخاؤه؟ قال: معه ما هو خير من ذلك، قال: وما هو؟ قال: التنزه وظلف النفس، فولّاه فعفّ عن إصابة خمسة آلاف ألف دينار. «87» - وكان الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد من أصحاب الهمم والنبل والرياسة، قال: أنفذ إليّ أبو العبّاس تاش الحاجب رقعة في السرّ بخطّ صاحبه نوح بن منصور صاحب خراسان، يريدني فيها على الانحياز إلى حضرته ليلقي إليّ مقاليد ملكه، ويعتمدني لوزارته، ويحكّمني في ثمرات بلاده، فكان فيما اعتذرت به من تركي امتثال أمره والصّدر عن رأيه ذكر طول ذيلي، وكثرة حاشيتي، وحاجتي لنقل كتبي خاصة إلى أربعمائة جمل، فما الظنّ بما يليق بها من تجمّل؟ وكان يفطر عنده في شهر رمضان كل ليلة ألف نفس، قال عون بن الحسين الهمذاني التميمي: كنت يوما في خزانة الخلع للصاحب فرأيت في ثبت حسبانات كاتبه [1] مبلغ عمائم الخز التي صارت تلك الشتوة في خلع العلويّة والفقهاء والشعراء، سوى ما صار منها في خلع الخدم والحاشية، ثمانمائة وعشرين.   [1] اليتيمة: كاتبها (يعني الخزانة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 «88» - قيل: أوّل يوم عرف فيه الحجاج أنه كان في الشرط مع عبد الملك بن مروان، فبعث إلى زفر بن الحارث عشرة هو أحدهم، فكلّموه وأبلغوه رسالة عبد الملك، فقال: لا سبيل إلى ما تريدون، فقال له أحدهم: أراه والله سيأتيك ما لا قبل لك به، ثم لا يغني عنك فسّاقك هؤلاء شيئا، فأطعني واخرج، قال: وحضرت الصلاة فقال: نصلّي ثم نتكلم، فأقام الصلاة وهم في بيته، فتقدّم زفر وصلّى بهم، وتأخر الحجاج فلم يصلّ، فقيل له: ما منعك من الصلاة؟ قال: أنا لا أصلّي خلف مخالف للجماعة مشاقّ للخلافة، لا والله لا يكون ذلك أبدا، فبلغت عبد الملك فقال: إنّ شرطيّكم هذا لجلد، فكان هذا مبدأ ظهور همته. ثم إن عبد الملك خطب بالكوفة بعد قتل مصعب، وندب الناس إلى قتال عبد الله بن الزبير فلم يقم أحد، فقام الحجاج فأقعده، ثم قام فقال: يا أمير المؤمنين إني رأيت في المنام كأني قتلته وسلخته، فلم يكن ليفعل به ذلك غيري فقال: أنت له، وولّاه حربه. «89» - قال الجاحظ حدثني إبراهيم بن السنديّ قال: سمعت عبد الملك ابن صالح يقول، بعد إخراج المخلوع له من حبس الرشيد، وذكر ظلم الرشيد له وإقدامه عليه، وكان يأنس به ويثق بمودته وعقله: والله إن الملك لشيء ما نويته ولا تمنيته، ولا تصدّيت إليه ولا تبغيته [1] ، ولو أردته لكان أسرع إليّ من السيل إلى الحدور، ومن النار في يابس العرفج، وإني لمأخوذ بما لم أجن،   [1] نثر: تبعته، م: تتبعته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 ومسؤول عمّا لا أعرف، ولكنه حين رآني للملك أهلا، ورأى للخلافة خطرا وثمنا، ورأى أنّ لي يدا تنالها إذا مدّت، وتبلغها إذا بسطت، ونفسا تكمل لها بخصالها، وتستحقها بخلالها، وإن كنت لم أختر تلك الخصال، ولا اصطنعت تلك الخلال، ولم أترشح [1] لها في سرّ، ولا أشرت إليها في جهر، ورآها تحنّ إليّ حنين الواله، وتميل نحوي ميل الهلوك، وخاف أن ترغب إلى خير مرغب وتنزع إلى أخصّ [2] منزع، عاقبني عقاب من قد سهر في طلبها، ونصب في التماسها، وتعذّر [3] لها بجهده، وتهيأ لها بكلّ حيلة. فإن كان إنما حبسني على أني أصلح لها وتصلح لي، وأليق بها وتليق بي، فليس ذلك بذنب فأتوب منه، ولا تطاولت له فأحطّ نفسي عنه. وإن زعم أنه لا صرف لعقابه، ولا نجاة من إعطابه، إلّا بأن أخرج له من الحلم والعلم، ومن الحزم والعزم، فكما لا يستطيع المضياع أن يكون حافظا، كذلك العاقل لا يستطيع أن يكون جاهلا، وسواء عاقبني على عقلي وعلمي أم على نسبي وسببي، وسواء عاقبني على خلالي أو على طاعة الناس لي، ولو أردتها لأعجلته عن التفكير، ولشغلته عن التدبير، ولما كان فيه من الخطار إلا اليسير، ومن بذل الجهد إلا القليل. «90» - كان سبب فتح المتعصم لعمورية أنّ امرأة من الثغر سبيت فصاحت: وا محمداه وامعتصماه، فبلغه الخبر، فركب لوقته وتبعه الجيش، فلما فتحها قال: لبيك. «91» - ولما أسر المعتضد وصيفا عاد إلى إنطاكية وعليه قباء أصفر،   [1] نثر: أرشح. [2] نثر: أحص؛ م: أحصن. [3] م ونثر: وتقدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 فعجب الناس من تركه السواد، فقيل: إنه لما جاءه خبر وصيف وعصيانه كان ذلك القباء عليه، فركب وسار إلى طرسوس فأوقع به وأسره ولم ينزع قباءه. «92» - قال عبد العزيز بن زرارة: [من البسيط] لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه [1] ... ولا يضيق به صدري [2] إذا وقعا كلّا لبست [3] فلا النعماء تبطرني ... ولا تخشعت من لأوائها [4] جزعا «93» - وقال الآخر: [من الكامل] راع المهيرة في الظلام تأوّهي ... واستنبأت نبأي فقلت لها صه غضّي وأرعي مقلتيك حمى الكرى ... للخفض نمت وللعلاء تنبّهي أذر الزّلال إذا أردت وروده ... وأبلّ ريقي بالصّرى المتسنّه إن قلّ مالي لم تشنّي فاقة ... وإذا سعيت إلى الغنى لم أشره «94» - وقال الشنفرى: [من الطويل] وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متحوّل   [1] الفرج: لا يملأ الهول صدري قبل وقعته. [2] الفرج: ولا أضيق به ذرعا. [3] البصرية: بلوت. [4] البصرية: مكروهها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وإني كفاني فقد من ليس جازيا ... بخير ولا في قربه متعلّل ثلاثة أصحاب: فؤاد مشيّع ... وأبيض إصليت وصفراء عيطل [1] أديم مطال الجوع حتى أميته ... وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل وأستفّ ترب الأرض كيلا يرى له ... عليّ من الحق امرؤ متطوّل ولولا اجتناب الذمّ لم يلف مشرب ... يعاش به إلا لديّ ومأكل ولكنّ نفسا حرّة لا تقيم بي ... على الضيم إلا ريثما أتحوّل فاما تريني كابنة الرمل ضاحيا ... على قنّة أحفى ولا أتسر بل فإني لمولى الصبر أجتاب بزّه ... على مثل قلب الليث والحزم أفعل «95» - لما بلغ يزيد ومروان ابنا عبد الملك من عاتكة بنت يزيد بن معاوية قال لها عبد الملك: قد صار ابناك رجلين، فلو جعلت لهما من مالك ما يكون لهما فضيلة على إخوتهما، قالت: اجمع لي أهل معدلة من مواليّ ومواليك، فجمعهم وبعث معهم روح بن زنباع الجذامي، وكان [يدخل] على نسائهم، مدخل كهولتهم وجلّتهم، وقال له: أخبرها برضاي عنها، وحسّن لها ما صنعت، فلما دخلوا عليها اجتهد [2] روح في ذلك، فقالت: يا روح، أتراني أخشى على ابنيّ العيلة وهما ابنا أمير المؤمنين؟ أشهدكم أني قد تصدقت بمالي وضياعي على فقراء آل أبي سفيان، فقام روح ومن معه، فلما نظر إليه عبد الملك مقبلا قال: أشهد بالله لقد أقبلت بغير الوجه الذي أدبرت به، قال أجل، تركت معاوية في الإيوان آنفا، وخبّره بما كان، فغضب،   [1] المشيع: الشجاع؛ الاصليت: الماضي؛ الصفراء العيطل: القوس الملساء الناعمة. [2] ر: احتد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 فقال [روح] : مه يا أمير المؤمنين، هذا العقل [1] منها في ابنيك خير لهما ممّا أردت. «96» ابن المعتز فيما [2] يدل على الهمّة: [من الوافر] وبكر قلت موتي قبل بعل ... وإن أثرى وعدّ من الصميم أأمزج باللئام دمي ولحمي ... فما عذري إلى النّسب الكريم «97» - آخر: [من الطويل] ومن يخش أطراف المنايا فاننا ... لبسنا لهنّ السّابغات من الصبر وإنّ كريه الموت مرّ مذاقه ... إذا ما مزجناه بطيب من الذكر وما رزق الإنسان مثل منيّة ... أراحت من الدنيا ولم يجز في القبر «98» - كان إبراهيم الموصلي المغني ذا همة ونبل، فحدث مخارق أنه أتى محمد بن يحيى بن خالد في يوم مهرجان، فسأله محمد أن يقيم عنده، فقال: ليس يمكنني لأنّ رسول أمير المؤمنين قد أتاني، قال: فتمرّ بنا إذا انصرفت ولك عندي كلّ ما يهدى إليّ اليوم، قال: نعم، وترك في المجلس صديقا له يحصي ما يبعث به إليه، قال: فجاءت هدايا عجيبة من كلّ صنف، قال: وأهدي إليه تمثال فيل من ذهب عيناه ياقوتتان، فقال محمد للرجل: لا تخبره بهذا حتى نبعث به إلى فلانة، ففعل، وانصرف إبراهيم إليه   [1] م وبلاغات: الفعل. [2] م: مما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 فقال: أحضرني ما أهدي لك، فأحضره ذلك كله إلا التمثال، وقال له: لا بدّ من صدقك، كان الأمر كذا وكذا، قال: لا إلّا على الشريطة وكما ضمنت لي، فجيء بالتمثال، فقال إبراهيم: أليس الهديّة لي وأعمل بها ما أريد؟ قال: بلى، قال: فردّ التمثال على الجارية، وجعل يفرّق الهدايا على جلساء محمد شيئا شيئا وعلى جميع من حضر من إخوانه وغلمانه وعلى من في دور الحرم [1] من جواريه حتى لم يبق منها شيئا، ثم أخذ من المجلس تفاحتين لما أراد الانصراف، قال: هذا لي، وانصرف، فجعل محمد يعجب من كبر نفسه ونبله. «99» - قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان أشياء كان يجريها عليهم لمباعدة بينه [2] وبين خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل عليه عمرو بن عتبة ابن أبي سفيان فقال: يا أمير المؤمنين أدنى حقّك متعب وتقصّيه فادح، ولنا مع حقّك علينا حق عليك، لقرابتنا منك وإكرام سلفنا لك، فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليك، وضعنا بحيث وضعتنا الرحم [3] منك، وزدنا بحسب [4] ما زادك الله، فقال عبد الملك: أفعل، وإنما يستحقّ عطيّتي من استعطاها، أمّا من ظنّ أنه يستغني بنفسه فسنكله إلى ذلك- يعرّض بخالد بن يزيد- ثم أقطع عمرا هزاردر [5] ، فبلغ ذلك خالدا فقال: أبا لحرمان يتهدّدني؟ يد الله فوق يده مانعة، وعطاؤه دونه مبذول، فأما عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ.   [1] م: الخدم. [2] عيون: لتباعد كان بينه. [3] ر: الرحمة. [4] عيون: بقدر. [5] ر: هزادر؛ م: هزاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 «100» - وتشبه همة خالد في هذه القصة وضراعة عمرو، قول الكثيريّ: [من الكامل] الموت أجمل بالفتى من خطة ... في الناس خوف شنارها يتقنّع شتّان من أعطى الرجال ظلامة ... حذر البلاء وآخر لا يخضع ليس الجزوع بمفلت من يومه ... والحرّ يصبر والأنوف تجدّع لعن الإله عداوة لا تتّقى ... وقرابة يدلى بها لا تنفع «101» - وكان سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ذا نخوة وهمة، قيل له عند الموت إن المريض ليستريح إلى الأنين، وإلى أن يصف ما به للطبيب، فقال: أما الأنين فو الله إنه لجزع وعار، ووالله لا سمع الله منّي أنينا فأكون عنده جزوعا، وأما صفة ما بي للطبيب فو الله لا يحكم غير الله في نفسي، فإن شاء قبضها وإن شاء وهبها ومنّ بها وقال: [من الطويل] أجاليد من ريب المنون فلا ترى ... على هالك عينا لنا الدهر تدمع «102» - قال عليّ عليه السلام: كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب. «103» - ومن كلامه عليه السلام: أكرم نفسك عن كلّ دنيّة، وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، ولا تكن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 عبد غيرك وقد جعلك الله حرّا. «104» - قال رجل لسعيد بن العاص وهو أمير الكوفة: يدي عندك بيضاء، قال: وما هي؟ قال: كبت بك فرسك، فتقدّمت إليك غلمانك [1] ، فرفعت بضبعك، وهززتك ثم سقيتك ماء، ثم أخذت ركابك حتى ركبت، قال: فأين كنت؟ قال: حجبت عنك، قال: أمرنا لك بمائتي ألف درهم وبما يملكه الحاجب تأديبا [2] له أن يحجب مثلك، وهذه وسيلتك. «105» - المتنبي [3] : [من الطويل] أهمّ بشيء والليالي كأنها ... تطاردني عن فعله وأطارد وحيدا من الخلّان في كلّ منزل ... إذا عظم المطلوب قلّ المساعد (2) وله: [من الخفيف] وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام (3) وقال: [من الطويل] وإنّا لنلقى الحادثات بأنفس ... كثير الرزايا عندهنّ قليل   [1] البصائر: وقد تقدمت غلمانك. [2] ر: بأذننا. [3] م: والمتنبي الذي يقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 يهون علينا أن تصاب جسومنا ... وتسلم أعراض لنا وعقول «105» .- (4) وقال: [من الطويل] تريدين لقيان المعالي رخيصة ... ولا بدّ دون الشّهد من إبر النحل «106» - قال رجل لقتيبة بن مسلم: أتيناك لا نرزأك ولا نبكأك، وإنما نسألك جاهك، فقال: سألتم أثقل الأمور عليّ، والله إنا لنعطي أموالنا وقاية لوجوهنا. «107» - قيل لأبي مسلم: بم أصبت ما أصبت؟ قال: ارتديت بالصبر، وائتزرت بالكتمان، وحالفت الحزم، ولم أجعل العدوّ صديقا ولا الصديق عدوا. «108» ومن كبر النفس ما روي عن قيس بن زهير العبسي أنه لما تنقّل في العرب احتاج، فكان يأكل الحنظل حتى قتله ولم يخبر أحدا بحاجته. «109» - قال المفضل بن المهلب: [من الطويل] هل الجود إلا أن تجود بأنفس ... على كلّ ماضي الشفرتين قضيب ومن هزّ أطراف القنا خشية الردى ... فليس لحمد صالح بكسوب وما هي إلا رقدة تورث العلى ... لرهطك ما حنّت روائم نيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 «110» - دخل النخّار العذريّ على معاوية في عباءة، فاحتقره معاوية، فرأى ذلك النخار في وجهه فقال: يا أمير المؤمنين ليست العباءة تكلّمك، إنما يكلمك من فيها، ثم تكلم فملأ سمعه ولم يسأله، فقال معاوية: ما رأيت رجلا أحقر أوّلا ولا أجلّ آخرا منه. «111» - قال شاعر: [من الطويل] كفى حزنا أنّ الغنى متعذّر ... عليّ وأني بالمكارم مغرم فو الله ما قصّرت في طلب العلى ... ولكنني أسعى إليها فأحرم «112» - ومن المستحسن في ظلف النفس وبعد شأوها ما روي عن أمّ سليمان بن علي، وهي أمة من الصغد، قال جعفر بن عيسى الهاشمي: حضر علي بن عبد الله بن العبّاس عند عبد الملك بن مروان [1] وقد أهدي له من خراسان جارية وفص وسيف فقال: يا أبا محمد إن حاضر الهديّة شريك فيها، فاختر من الثلاثة واحدا، فاختار الجارية، وكانت تسمّى سعدى، وهي من سبي الصغد من رهط عجيف بن عنبسة، فأولدها سليمان بن علي، فلما أولدها اجتنبت فراشه، فمرض سليمان من جدريّ خرج عليه، فانصرف عليّ   [1] ر: عبد الله بن مروان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 من مصلّاه فإذا بها على فراشه، فقال: مرحبا بك يا أمّ سليمان، فوقع بها فأولدها صالحا، فاجتنبته بعد، فسألها عن ذلك فقالت: خفت أن يموت سليمان فينقطع السبب [1] بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فالآن إذ ولدت صالحا فبالحرى إن ذهب أحدهما أن يبقى الآخر، وليس مثلي وطئه الرجال، وكانت فيها رتّة، وهي الآن معروفة في ولد سليمان وولد صالح. «113» - وكان علي يقول: أكره أن أوصي إلى محمد، وكان سيّد ولده، خوفا من أن أشينه بالوصيّة، فأوصى إلى سليمان، فلما دفن علي جاء محمد إلى سعدى هذه ليلا فقال: أخرجي إليّ وصيّة أبي، قالت: إنّ أباك أجلّ من أن تخرج وصيته ليلا، ولكنها تأتيك غدا، فلما أصبح غدا عليه بها سليمان فقال: يا أبي ويا أخي، هذه وصية أبيك، قال: جزاك الله من ابن وأخ خيرا، ما كنت لأثّرب على أبي بعد موته كما لم أثّرب عليه في حياته. 113 ب- الرتّة كالرتج تمنّع أول الكلام، فإذا جاء منه شيء اتصل؛ والتمتمة الترديد في التاء، والفأفأة الترديد في الفاء، والعقلة التواء اللسان عند إرادة الكلام، والحبسة تعذّر الكلام عند إرادته، واللّفف إدخال حرف في حرف، والغمغمة أن تسمع الصوت ولا يبين لك تقطيع الحروف، والطمطمة أن يكون الكلام مشبها لكلام العجم، واللكنة أن تعترض على الكلام اللغة الأعجمية، واللثغة أن يعدل بحرف إلى حرف، والغنّة أن يشوب الحرف صوت الخيشوم، والخنّة أشدّ منها، والترخيم حذف الكلام. ويقال رجل   [1] م: النسب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 فأفاء، تقديره فاعال، ونظيره من الكلام ساباط وخاتام؛ والحكلة نقصان آلة النطق حتى لا تعرف معانيه إلا بالاستدلال؛ فأما الرتّة فانها تكون غريزية، قال الراجز: يا أيها المخلّط الأرتّ ويقال إنها كثيرة في الاشراف. وأما المغمغة فقد تكون من الكلام وغيره لأنه [1] صوت لا يفهم تقطيع حروفه. «114» - وكان فيروز حصين شريف الأفعال بعيد الهمة، وهو من أهل بيت في العجم، فلما أسلم [2] والى حصين بن عبد الله العنبريّ من ولد طريف بن تميم، وكان فيروز شجاعا جوادا نبيل الصورة جهير الصوت. ويروى أن رجلا من العرب كانت أمه فتاة فقاول بني عمّ له فسبّوه بالهجنة، ومرّ فيروز حصين فقال: هذا خالي فمن منكم له خال مثله؟ وظنّ أن فيروز لم يسمعها، وسمعها فيروز، فلما صار إلى منزله بعث إلى الفتى فاشترى له جارية ومنزلا ووهب له عشرة آلاف درهم. «115» - ومن مآثره أنّ الحجاج لما واقف ابن الأشعث نادى منادي الحجاج من أتاني برأس فيروز حصين فله عشرة آلاف درهم، ففصل فيروز من الصفّ فصاح بالناس وقال: من عرفني فقد عرفني وقد اكتفى، ومن لم يعرفني فأنا فيروز حصين، وقد عرفتم مالي ووفائي فمن أتاني برأس الحجاج فله مائة ألف   [1] م: فانها. [2] م: أسلموا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 درهم، قال الحجاج: تركني أكثر التلفت وإني لبين خاصتي. فأتي به الحجاج فقال: أنت الجاعل في رأس أميرك مائة ألف درهم؟ قال: قد فعلت، فقال: ولا والله لأمهدنك ثم لأحملنّك على مركب صعب، ثم قال: أين المال؟ قال: عندي فهل إلى الحياة من سبيل؟ قال: لا، قال: فأخرجني إلى الناس حتى أجمع لك المال فلعل قلبك يرقّ عليّ، ففعل الحجاج، فخرج فيروز فأحلّ الناس من ودائعه وأعتق رقيقه وتصدّق بماله، ثم ردّ إلى الحجاج فقال: شأنك الآن فاصنع ما شئت، فشّدّ في القصب الفارسيّ ثم سلّ حتى شرّح ثم نضح بالخلّ والملح فما تأوه حتى مات. «116» - كان أوس بن حارثة بن لام الطائي سيدا شريفا، فوفد هو وحاتم بن عبد الله الطائي على عمرو بن هند الملك، وأبوه المنذر بن ماء السماء، فدعا أوسا فقال: أنت أفضل أم حاتم؟ فقال: أبيت اللعن، لو ملكني حاتم وولدي ولحمي [1] لوهبنا في غداة واحدة؛ ثمّ دعا حاتما فقال: أنت أفضل أم أوس؟ فقال: أبيت اللعن، إنما ذكرت بأوس، ولأحد ولده أفضل مني. «117» - وكان النعمان بن المنذر دعا بحلّة، وعنده وفود العرب من كلّ حيّ، فقال: احضروا في غداة غد فاني ملبس هذه الحلة أكرمكم، فحضر القوم جميعا إلا أوسا، فقيل له: لم تتخلّف؟ فقال: إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء لي أن لا أكون حاضرا، وإن كنت المراد بها فسأطلب ويعرف   [1] م والكامل: ولحمتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 مكاني. فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال: اذهبوا إلى أوس فقولوا له: احضر آمنا مما خفت، فحضر فألبس الحلّة، فحسده قوم من أهله [1] فقالوا للحطيئة: اهجه ولك ثلاثمائة ناقة، فقال الحطيئة: كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا ولا مالا إلا من عنده؟ ثم قال: [من البسيط] كيف الهجاء وما تنفكّ صالحة ... من آل لأم بظهر الغيب تأتيني فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي: أنا أهجوه لكم، فأخذ الابل وفعل، فأغار عليها أوس فاكتسحها، وطلبه فجعل لا يستجير أحدا إلا قال له: قد أجرتك إلا من أوس، وكان في هجائه قد ذكر أمّه، فأتي به، فدخل أوس الى أمّه فقال: قد أتينا ببشر الهاجي لك ولي، فما ترين فيه؟ فقالت: أو تطيعني؟ قال: نعم، قالت: أرى أن تردّ عليه ماله وتعفو عنه وتحبوه، وأفعل مثل ذلك به، فإنه لا يغسل هجاءه إلا مدحه، فخرج إليه فقال: إنّ أمي سعدى التي كنت تهجوها قد أمرت فيك بكذا وكذا، قال: لا جرم والله لا مدحت حتى أموت أحدا غيرك. «118» - وقيل إنّ المخبّل السعديّ مرّ بخليدة بنت بدر أخت الزبرقان بعد ما أسنّ وضعف بصره، وكان من قبل قد أفرط في هجائها، فأنزلته وقرته [2] وأكرمته ووهبت له وليدة، وقالت له: إني آثرتك بها يا أبا يزيد فاحتفظ بها، فقال لها: ومن أنت حتى أعرفك وأشكرك؟ قالت: لا عليك، قال: بل، قالت: أنا بعض من هتكت بشعرك ظالما، أنا خليدة بنت بدر، قال: يا سوأتا منك فإني أستغفر الله وأستقيلك وأعتذر إليك، ثم قال: [من الطويل]   [1] م: فحسده القوم وهم قوم من أهله. [2] م: وفدته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 لقد ضل حلمي في خليدة إنني ... سأعتب قومي بعدها وأتوب فأقسم بالرحمن أن قد ظلمتها ... وجرت عليها والهجاء كذوب «119» - سأل عبد الله بن عبّاس صعصعة بن صوحان عن السؤدد قال: إطعام الطعام، ولين الكلام، وبذل النوال، وكفّ المرء نفسه مع الحاجة عن السؤال. «120» - قال له: صف لي أخويك بما فيهما لأعرف ميزتك [1] فقال: أما زيد فكما قال أخو غنيّ: [من الطويل] فتى لا يبالي أن يكون بوجهه ... إذا نال خلّات الكرام شحوب (وهي أبيات ذكرت في المديح) ثم قال: كان والله يا ابن عبّاس عظيم المروّة، شريف الأبوّة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش الغزوة، زين الندوة، سليم جوانح الصدر، قليل وساوس الفكر [2] ، ذاكرا لله طرفي النهار وزلفا من الليل، الجوع والشبع عنده سيّان، لا منافس في الدنيا ولا غافل عن الآخرة، يطيل السكوت ويديم الفكر ويكثر الاعتبار، ويقول الحقّ ويلهج بالذكر، ليس في قلبه عير ربّه، ولا يهمّه غير نفسه، فقال ابن عبّاس: ما ظنّك برجل سبقه عضو منه إلى الجنّة؟ رحم الله زيدا. فأين كان عبد الله منه؟ قال: كان عبد الله سيّدا شجاعا، سخيا مطاعا، خيره وساع، وشرّه دفاع، قلّبيّ النحيزة، أحوذيّ الغريزة، لا ينهنه منهنه عما أراده، ولا يركب إلا ما   [1] م: وزنكم. [2] م: قليل الوساوس في الفكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 اعتاده، سمام العدى، فيّاض الندى، صعب المقادة، جزل الوفادة، أخا إخوان، وفتى فتيان (وذكر أبياتا للبرجمي غير مختارة، في خبر طويل) . «121» - وروي أن رجلا قال لمعن بن زائدة في مرضه: لولا ما منّ الله به من بقائك لكنا كما قال لبيد: [من الكامل] ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب فقال له معن: إنما تذكر أني سدت حين ذهب الناس، فهلّا قلت كما قال نهار ابن توسعة: [من الخفيف] قلّدته عرى الأمور نزار ... قبل أن تهلك السراة البحور «122» - ومن صفات السيّد قول الخنساء في صخر: [من المتقارب] طويل النجاد رفيع العماد ... ساد عشيرته أمردا إذا القوم مدّوا بأيديهم ... إلى المجد مدّ إليه يدا فنال الذي فوق أيديهم ... من المجد ثم مضى مصعدا يكلّفه القوم ما عالهم ... وإن كان أصغرهم مولدا ترى الحمد يهوي إلى بيته ... يرى أفضل الكسب أن يحمدا «123» - وقول جرير: [من الطويل] وإني لأستحيي أخي أن يرى له ... عليّ من الحقّ الذي لا أرى ليا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 «124» - قال معاوية: اجعلوا الشعر أكبر همكم وأكثر آدابكم، فإنّ فيه مآثر أسلافكم، ومواضع إرشادكم، فلقد رأيتني يوم الهرير وقد عزمت على الفرار فما ردّني إلا قول ابن الاطنابة: [من الوافر] أبت لي عفّتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإجشامي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلّما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي «125» - قال عامر بن الطفيل [1] : [من الطويل] إني وإن كنت ابن سيّد عامر ... وفي السرّ منها والصريح المهذّب فما سودتني عامر عن وراثة ... أبي الله أن أسموا بأمّ ولا أب ولكنني أحمي حماها وأتّقي ... أذاها وأرمي من رماها بمقنب «126» - وإلى هذا المعنى نظر المتوكّل الليثي في شعره السائر وهو: [من الكامل]   [1] م: عامر بن الطفيل الذي يقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوما على الأحساب نتّكل نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا 127- وقول الآخر، وقد أجاد القول فيه [1] : [من الكامل] لسنا إذا ذكر الفعال كمعشر ... أزرى بفعل أبيهم الأبناء «128» - وقال عوف [2] بن الأحوص: [من الطويل] وإني لترّاك الضغينة قد أرى ... ثراها من المولى فلا أستثيرها إذا قيلت العوراء ولّيت [3] سمعها ... سواي ولم أسأل بها ما دبيرها لعمري لقد أشرفت يوم عنيزة ... على طمع لو شدّ نفسي مريرها ولكنّ هلك الأمر ألّا تمرّه ... ولا خير في ذي مرّة لا يغيرها «129» - وقال ابن هرمة وقد أجاد فيه [4] : [من الطويل] وإني وإن كانت مراضا صدوركم ... لملتمس البقيا سليم لكم صدري وان ابن عمّ المرء من شدّ أزره ... وأصبح يحمي غيبه وهو لا يدري وانّ الكريم من يكرّم معشرا ... على ما اعتراه لا يكرّم ذا يسر وما غيّرتني ضجرة عن تكرّمي ... ولا عاب أضيافي غناي ولا فقري   [1] وقد أجاد القول فيه: زيادة من م. [2] م: العوف. [3] م: أوليت. [4] وقد أجاد فيه: زيادة من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 «130» - وقال الحضين بن المنذر وأحسن وأجاد [1] : [من الكامل] إنّ المكارم ليس يدركها امرؤ ... ورث المكارم عن أب فأضاعها أمرته نفس بالدناءة والخنا ... ونهته عن طلب العلى فأطاعها وإذا أصاب من الأمور كريمة ... يبني الكريم بها المكارم باعها «131» - وقال آخر [2] : [من الطويل] وإني لأستحيي صحابي أن يروا ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا أكفّ يدي عن أن [3] تنال أكفّهم ... إذا نحن أهوينا إلى زادنا معا [4] أبيت خميص البطن مضطمر الحشا ... حياء وأخشى الذمّ [5] أن أتضلّعا فإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا «132» - وقال رافع بن حميضة [6] : [من الطويل]   [1] وأحسن واجاد: زيادة من م. [2] م: وقال حاتم بن عدي الطائي. [3] الديوان: أقصر كفي أن. [4] الديوان: وحاجاتنا معا. [5] الديوان: أخاف الذم. [6] زاد في م: وقد جود فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وإنّي لعفّ عن زيارة جارتي ... وإنّي لمشنوء إليّ اغتيابها إذا غاب عنها بعلها لم أكن لها ... زؤورا ولم تأنس إليّ كلابها وما أنا بالداري خبيئة سرها [1] ... ولا عالما من أيّ حوك [2] ثيابها وإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها [3] «133» - وقال حسّان بن حنظلة: [من الكامل] تلك ابنة العدويّ قالت باطلا ... أزرى بقومك قلّة الأموال إنا لعمر أبيك يحمد ضيفنا ... ويسود مقترنا على الإقلال أحلامنا تزن الجبال رزانة ... ويزيد جاهلنا على الجهال «134» - قدم عقيل بن علّفة على عبد الملك فقال له: ما أحسن أموالكم عندكم؟ قال: ما ناله أحدنا عن أخيه تفضلا، قال: ثم أيها؟ قال: مواريثنا، قال: فأيها أسرى؟ قال: ما استنقذناه بوقعة خوّلت نعما، قال: فما مبلغ عزكم؟ قال: لم يطمع فينا ولم نؤمن قال: فما مبلغ جودكم؟ قال: ما عقد مننا وأبقى ذكرا، قال: فكيف خفارتكم؟ قال: يدفع الرجل منا عن المستجير به كما يدفع عن نفسه، قال: مثلك فليصف قومه. «135» - قال أبو خراش الهذليّ: [من الطويل]   [1] بهجة والشجري: ولم اك طلابا أحاديث سرها. [2] بهجة: جنس. [3] بعد هذا الموضع ينتهي السقط في ع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وإني لأثوي الجوع حتى يملّني ... فيذهب لم تدنس ثيابي ولا جرمي وأغتبق الماء القراح فأنتهي ... إذا الزاد أمسى للمزلّج ذا طعم [1] أردّ شجاع البطن لو تعلمينه ... وأوثر غيري من عيالك بالطّعم مخافة أن أحيا برغم وذلّة ... وللموت خير من حياة على رغم «136» - قال المأمون: الرتبة نسب تجمع أهلها، فشريف العرب أولى بشريف العجم من شريف العرب بوضيع العرب، وشريف العجم أولى بشريف العرب من شريف العجم بوضيع العجم، فأشراف الناس طبقة كما أن أوضاعهم طبقة. «137» - وقال مرة: أهل السوق سفل، والصنّاع أنذال، والتجار بخلاء، والكتاب ملوك على النّاس. «138» - قال عبد الملك بن مروان لأسماء بن خارجة بن حصن، وبلغه أنه أتي في ديات فعجز عنها وضمن منها أشياء يسيرة: يا أسماء بلغني عنك أشياء حسان أحببت أن أسمعها منك. قال: يا أمير المؤمنين هي من غيري أحسن، قال: لتفعلن، قال: يا أمير المؤمنين ما قدّمت ركبتي أمام جليسي مخافة أن يرى ذلك مني استخفافا بمجالسته، ولا صنعت طعاما قطّ فدعوت إليه إنسانا فأجابني إلا كنت له شاكرا حتى ينصرف ورأيت له الفضل إذ رآني للإجابة أهلا، ولا بذل لي رجل وجهه في حاجة فرأيت أنّ شيئا من الدنيا   [1] المزلج: الذي ليس بمتين من الرجال وغيرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 عوض لبذل وجهه. فقال: ما أحقّ من كانت هذه الخصال فيه أن يكون شريفا!! وقد بلغني أنك أتيت في ديات ولم تكن بالضعيف عنها فاحتملت منها القليل، فقال: يا أمير المؤمنين: قد قلت في ذلك ما عذرت به إلا أن يهجّنني مهجّن، قال: وما قلت؟ قال: قلت: [من الطويل] يرى المرء أحيانا إذا قلّ ماله ... إلى المجد سورات فلا يستطيعها وليس به بخل ولكنّ ماله ... يقصّر عنها والبخيل يضيعها فقال عبد الملك: هذا النقد الحاضر بالميزان العدل، حركناك فظهر الأحسن. 139- وقال أعرابي من طيء [1] : [من الطويل] إذا الريح حلّت بالجهام تلفّه ... مدى ليله شلّ النعام الطرائد وأعقب نوء المرزمين بهبوة ... وغيم قليل الماء بالليل بارد كفى خلّة الأضياف حتى يزيحها ... عن الحيّ منا كلّ أروع ماجد وليس أخونا عند شرّ يخافه ... ولا عند خير يرتجيه بواحد إذا قال من للمعضلات أجابه ... عظام اللهى منّا طوال السواعد وللموت خير للفتى من حياته ... إذا لم يطق علياء إلا بقائد «140» - دخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز وعليه ريطة من رياط مصر فقال: بكم أخذت هذه يا أبا سعيد؟ قال: بكذا وكذا. قال: فلو نقصت من ثمنها شيئا أكان ناقصا من شرفك؟ قال: لا، قال: فلو زدت في ثمنها شيئا أكان زائدا في شرفك؟ قال: لا، قال: فاعلم يا   [1] زاد في م: وهو الذي أنشد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 مسلمة أن أفضل الاقتصاد ما كان بعد الجدة، وأفضل العفو ما كان بعد القدرة، وأفضل اللين ما كان بعد الولاية. «141» - معد بن الحسين [1] بن خيارة الفارسيّ المغربي: [من البسيط] تضيق في عيني الدنيا ويعجبني ... في فسحة الجوّ تصعيدي وتصويبي كأنني حامل رحلي على فلك ... تسري به عزماتي وهو يسري بي «142» - ابن ميخائيل المغربي: [من الكامل] ومن العجائب أن ترى مستصغرا ... لملمّة من لا يرى مستعظما يقتاده الأمل القريب فينثني ... عنه إلى الأمل البعيد تقدما ما بين أفئدة المنون مطنّبا ... أطنابه وعلى الحتوف مخيّما وابن المهامة إن أراد يقوده ... عزم يقود به الجديل وشدقما يستنّ من مجهولها في هبوة ... لو شقّها السّمع الأزلّ تندّما «143» - ومن الحمية والأنف ما رواه أبو رياش يسنده إلى رجل من كندة كوفي قال: كنت أجالس شريحا وهو قاض لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام، فإني لفي مجلسه ذات يوم إذا أقبل رجل جيدر صعل الرأس ناتىء   [1] ر: حسن؛ م: حسين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 الجبهة ثطّ اللحية [1] كأنه محراث، ومعه امرأة كالبكرة العيساء [2] تدير مقلتين نجلاوين كأن هدبها قوادم خطّاف، ثم أبرزت كفا كبياض الإغريض [3] ، وأنامل كبنات النّقا، فقالت: أيها الحاكم هذا بعلي، فقال شريح للرجل: أكذاك؟ فكشر بشفتين بثعاوين [4] عن ثنايا ثعل [5] كأنها سناسن عير فقال: نعم، فقال شريح للمرأة: وما قصّتك؟ قالت: إنه ابن عمي، وأنا خولة ابنة مخرمة إحدى نساء بني جرم ابن زبّان، وانه خرج بي وغرّبني عن بلادي وقومي وذوي قرابتي فصرت لا أنظر إلا إليه ولا أعوّل إلا عليه، وهو نهم إذا أكل، فلحس [6] إذا سأل، حريص مقفل اليدين بالبخل، مطلق اللسان بالخطل، يأكل وحده، ويخلف وعده، ويمنع رفده، ويضرب عبده، فحّاش نجّاش [7] ، إن سانيت قطّب، وإن راشيت غضب [8] ، يصون ماله، ويهين عياله، فقال شريح: تالله ما رأيت كاليوم ذمّا أشنع، أحسني ملأ [9] أيتها الحرة، فإنه بعلك وابن عمك، فجثا الرجل على ركبتيه ثم قال: يا للأفيكة أيها الحاكم: [من البسيط] سائل سراة بني جرم فانهم ... قد ينبئونك بالجالي من الخبر هل أترك البكرة الكوماء كائسة [10] ... إذا تلاعبت النكباء بالخطر للجار والضيف والمعترّ قد علموا ... في ليلة تتبع الشفّان بالخصر [11]   [1] الجيدر: القصير؛ الصعل: الدقيق الصغير؛ ثط: قليل شعر اللحية. [2] العيساء: البيضاء في شقرة. [3] الاغريض: الطلع. [4] بثعت الشفة: غلظ لحمها وظهر دمها. [5] ثعل: متداخلة، نبت واحدها تحت الآخر. [6] الفلحس: الملح في السؤال. [7] نجاش: وقاع في الناس. [8] سانى: راضى ودارى؛ راشى: لاين. [9] الملأ: الخلق والعشرة: وفي م: كلامك. [10] البكرة: الناقة الفتية؛ الكوماء: الضخمة السنام؛ كائسة: عقيرة. [11] الشفان: الريح الباردة؛ الخصر: البرد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وأترك الخصم مصفرّا أنامله ... دامي المرادغ منكبّا على العفر [1] وأنظر الخصم ذا العوصاء حجّته ... حتى يلجلج بين العيّ والحصر واسألهم هل رموا بي صدر معضلة ... فلم أكافح شبا أنيابها البتر واسألهم كيف ذبّي عن ذمارهم ... إذا ترامى استعار الحرب بالشّرر إني لأعظم في صدر الكميّ [2] على ... ما كان فيّ من التجدير [3] والقصر حتى يصدّ لواذا عن مبادهتي ... صدّ الهجارس [4] عن ذي اللبدة الهصر تالله تجمع شخصينا ملاءمة ... من بعد ذا اليوم في بدو ولا حضر فقال شريح: أوضح عن نيتك، عافاك الله. قال: نعم هي طالق ثلاثا وهذا السائب بن عمرو فهو ابن أبي وأمها [5] يقوم بمؤونتها إلى انقضاء عدتها. «144» - المتلمس [6] : [من الطويل] فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة ... وموتن بها حرّا وجلدك أملس فمن حذر الأوتار ما حزّ أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس نعامة لما صرّع القوم حوله ... تبيّن في أثوابه كيف يلبس وما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا ... وما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا   [1] المرادغ: ما بين العنق إلى الترقوة؛ العفر: التراب. [2] الكميّ: الفارس. [3] ر: التجرير. [4] الهجارس: جمع هجرس وهو الثعلب. [5] الزجاجي: بن عمرو بن أبي وليها. [6] م: والمتلمس في هذا المعنى هو الذي يقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 «145» - وقال بيهس نعامة حيث قتل قتلة إخوته: [من الرجز] شفيت يا مازن حرّ صدري ... أدركت ثأري ونقضت وتري كيف رأيتم طلبي وصبري ... السيف عزّي والاله ظهري «146» - أنشد زيد بن علي وقد نهض من عند هشام بن عبد الملك مغضبا لكلام مما دار بينهما: [من الخفيف] من أحبّ الحياة أصبح في قي ... د من الذلّ ضيّق الحلقات ثم خرج فكان من أمره ما كان. «147» وفد يحيى بن عروة بن الزبير على عبد الملك، فذكر حاجبه عبد الله بن الزبير فنال منه، فضرب يحيى وجهه حتى أدمى أنفه، فقال له عبد الملك: من فعل [1] بك؟ قال: يحيى، قال: أدخله، وكان متكئا فجلس وقال: ما حملك على ما صنعت بحاجبي؟ قال: يا أمير المؤمنين عمي عبد الله كان أحسن جوارا لعمتك منك لنا، والله إن كان ليوصي أهل ناحيته أن لا يسمعوها قذعا، وإن كان ليقول لها: من سّب أهلك فسبّي أهله، أنا   [1] فعل: سقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 والله المعمّ المخول، تفرقت العرب عن عمي وخالي، وكنت كما قال الأوّل: [من الطويل] يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها مقدما فرجع عبد الملك إلى متكأه ولم يزل يعرف فيه الإكرام ليحيى، وكانت أمّ يحيى بنت الحكم ابن أبي العاص عمة عبد الملك. «148» - ثابت قطنة: [من الوافر] فما حلموا ولكن قد نهتهم ... سيوف [1] الأزد والعز القديم وخيل كالقداح مسوّمات ... يفيض لما مغابئها حميم عليها كلّ أبيض دوسريّ ... أغرّ تزين غرّته الكلوم [2] به تستعتب السفهاء حتى ... ترى السفهاء تدركها الحلوم 149- قال بزرجمهر لكسرى وعنده أولاده: أيّ أولادك أحبّ إليك؟ فقال: أرغبهم في الأدب، وأجزعهم من العار، وأنظرهم إلى الطبقة التي فوقه. «150» - وقال معاوية: طيروا الذمّ في وجوه الصبيان، فإن بدا في وجوههم الحياء وإلا فلا تطمعوا فيهم. «151» - السريّ الرفاء: [من المنسرح]   [1] ر: سيود. [2] الديوان: عزيز لا يفر ولا يريم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 لا تعجبوا من علوّ همته ... وسنّه في أوان منشاها إن النجوم التي تضيء لنا ... أصغرها في العيون أعلاها «152» بينما عبد الملك بن صالح يسير مع الرشيد في موكبه إذ هتف هاتف: يا أمير المؤمنين طأطىء من إشرافه، وقصّر من عنانه، واشدد من شكاله، فقال الرشيد: ما يقول هذا: فقال عبد الملك: مقال معاند ودسيس حاسد، قال: صدقت، نقص القوم وفضلتهم، وتخلّفوا وسبقتهم، حتى برز شأوك، وقصّر عنك غيرك، ففي صدورهم جمرات التخلّف وحزازات التبلد، فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين فأضرمها عليهم بالمزيد. «153» - المتنبي: [من الطويل] إذا كنت ترضى أن تعيش بذلّة ... فلا تستعدنّ الحسام اليمانيا ولا تستطيلنّ الرماح لغارة ... ولا تستجيدنّ العتاق المذاكيا فما ينفع الأسد الحياء من الطّوى ... ولا تتّقى حتى تكون ضواريا «154» - النمريّ [1] : [من الطويل] يقولون في بعض التذلّل عزّة ... وعادتنا أن ندرك العزّ بالعزّ أبى الله لي والأكرمون عشيرتي ... مقامي على دحض ونومي على وخز   [1] م: والنمري هو الذي أنشد في هذا المعنى وقد أجاد فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 «155» - قال يحيى بن خالد للعتابي في لباسه، وكان لا يبالي ما لبس، فقال: يا أبا عليّ أخزى الله امرءا رضي أن ترفعه هيئتاه من ماله وجماله، فإنما ذلك حظّ الأدنياء من الرجال والنساء، لا والله حتى يرفعه أكبراه: همّته ونفسه، وأصغراه: قلبه ولسانه. «156» قرأ الرشيد، قوله: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ (الزخرف: 51) فقال لعنه الله، ادّعى الربوبيّة بملك مصر، والله لأولّينّها أخسّ خدمي، فولاها الخصيب، وكان على وضوئه. «157» - أبو زبيد الطائي: [من الوافر] إذا نلت الإمارة فاسم منها ... إلى العلياء بالسّبب الوثيق ولا تك عندها حلوا فتحسى ... ولا مرّا فتنشب في الحلوق وكل امارة إلا قليلا ... مغيّرة الصديق على الصديق «158» - قال رؤبة: بعث إليّ أبو مسلم لما أفضت الدولة إلى بني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 هاشم، فلما دخلت إليه رأى مني جزعا فقال: اسكن فلا بأس عليك، ما هذا الجزع الذي ظهر منك؟ قلت: أخافك، قال: ولم؟ قلت: لأنّه بلغني أنك تقتل الناس، قال: إنما أقتل من يقاتلني ويريد قتلي، أفأنت منهم؟ قلت: لا، فأقبل على جلسائه ضاحكا فقال: أما أبو العجاج فقد رخّص لنا، ثم قال: أنشدني قولك [1] : [من الرجز] وقاتم الأعماق خاوي المخترق فقلت: أو أنشدك أصلحك الله أحسن منه؟ قال: هات، فأنشدته: [من الرجز] قلت ونسجي مستجد حوكا ... لبّيك إذ دعوتني لبيكا أحمد ربا ساقني إليكا قال: هات كلمتك الأولى. قلت: أو أنشدك أحسن منها؟ قال: هات، فأنشدته: [من الرجز] ما زال يبني خندقا وتهدمه ... ويستجيش عسكرا وتهزمه ومغنما يجمعه وتقسمه ... مروان لما أن تهاوت أنجمه وخانه في حكمه منجمه قال: دع هذا وأنشدني: وقاتم الأعماق. فقلت: أو أحسن منه؟ قال: هات فأنشدته: [من الرجز] رفعت بيتا وخفصت بيتا ... وشدت ركن الذين إذ بنيتا في الأكرمين من قريش بيتا قال: هات ما سألتك عنه، فأنشدته: [من الرجز]   [1] قولك: سقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 ما زال يأتي الأمر من أقطاره ... على اليمين وعلى يساره مشمرا لا يصطلى بناره ... حتى أقرّ الملك في قراره وفرّ مروان على حماره فقال: ويلك هات ما دعوتك له وأمرتك بانشاده ولا تنشد شيئا غيره فأنشدته: «وقاتم الأعماق» فلما وصلت إلى قولي: ترمي الجلاميد بجلمود مدقّ قال: قاتلك الله لشدّ ما استصلبت الحافر، ثم قال: حسبك أنا ذلك الجلمود المدق. قال: وجيء بمنديل فيه مال فوضع بين يديّ، فقال أبو مسلم: يا رؤبة إنك أتيتنا والأموال مشفوفة (يقال: اشتفّ ما في الاناء وشفّه إذا أتى عليه) وإنّ لك إلينا لعودة وعلينا معوّلا والدهر أطرق مستتب، فلا تجعل بيننا وبينك الأسدّة؛ قال رؤبة: فأخذت المنديل منه، وتالله ما رأيت أعجميا أفصح منه، وما ظننت أنّ أحدا يعرف هذا الكلام غيري وغير أبي. «159» - قال أبو الفرج الأصفهاني: حضرت أبا عبد الله الباقطائي وهو يتقلّد ديوان المشرق وقد تقلد ابن أبي السلاسل ماسبذان ومهر جانقذق وجاءه ليأخذ كتبه، فجعل يوصيه كما يوصي أصحاب الدواوين والعمال، فقال ابن أبي السلاسل: كأنك قد استكثرت لي هذا العمل؛ أنت أيضا قد كنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 تكتب لأبي العبّاس ابن ثوابة ثم صرت صاحب ديوان. فقال له الباقطائي: يا جاهل يا مجنون لولا أنه قبيح بمثلي مكافأة مثلك لراجعت الوزير- أيده الله- في أمرك حتى أزيل يدك، ومن لي بأن أجد مثل ابن ثوابة في هذا الزمان فأكتب له ولا أريد الرياسة، ثم أقبل علينا يحدثنا فقال: دخلت مع أبي العبّاس ابن ثوابة إلى المهتدي وكان سليمان بن وهب وزيره، وكان يدخل إليه الوزير وأصحاب الدواوين والعمال والكتاب فيعملون بحضرته ويوقّع إليهم في الأمور. فأمر سليمان بأن يكتب عنه عشرة كتب مختلفة إلى جماعة من العمال، فأخذ سليمان بيد أبي العبّاس ابن ثوابة ثم قال له: أنت اليوم أحدّ ذهنا مني فهلمّ نتعاون، ودخلا بيتا ودخلت معهما، وأخذ سليمان خمسة أنصاف وأبو العبّاس خمسة أخر [1] ، فكتبا الكتب التي أمر بها، ما احتاج أحدهما إلى نسخة، وقرأ كلّ واحد منهما ما كتب به صاحبه فاستحسنه، ثم وضع سليمان الكتب بين يدي المهتدي فقال له وقد قرأها: أحسنت يا سليمان، نعم الرجل أنت لولا المعجّل والمعدّل- وكان سليمان إذا ولّى عاملا أخذ منه ما لا معجّلا وعدّل له مالا إلى أن يتسلّم عمله [2]- فقال له: يا أمير المؤمنين هذا قول لا يخلو أن [3] يكون حقا أو باطلا، فإن كان باطلا فليس مثلك قبله، وإن كان حقا وقد علمت أنّ الأصول محفوظة فما يضرّك من مساهمتي عمالي على بعض ما يصل إليهم من مرفق لا يجحف بالرعية ولا ينقص الأصول؟ فقال له: إذا كان هذا هكذا فلا بأس، ثم قال له: اكتب إلى فلان العامل بقبض ضيعة فلان العامل المصروف المعتقل في يديه بباقي ما عليه من المصادرة، فقال له أبو العبّاس ابن ثوابة: كلنا يا أمير المؤمنين خدمك وأولياؤك، وكلّنا حاطب في حبلك وساع فيما أرضاك وأيّد ملكك، أفنمضي ما تأمر به على ما خيّلت أم   [1] م: خمسة أنصاف أخر. [2] وكان سليمان ... عمله: سقط من م. [3] م: إما أن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 نقول الحقّ؟ قال: لا بل قل الحقّ يا أحمد، فقال: يا أمير المؤمنين الملك حقّ والمصادرة شكّ، أفترى أن نزيل اليقين بالشك؟ قال: لا، فقال: قد شهدت للرجل بالملك وصادرته عن شكّ فيما بينك وبينه وهل خانك أم لا، فجعلت المصادرة صلحا، فإذا قبضت ضيعته بها فقد أزلت اليقين بالشكّ، فقال له: صدقت، ولكن كيف الوصول إلى المال؟ فقال له: أنت لا بدّ مولّ عمّالا على أعمالك، وكلّهم يرتزق ويرتفق فيحوز رزقه ورفقه إلى منزله، فاجعله أحد عمالك ليصرف هذين الوجهين إلى ما عليه ويسعفه معاملوه فيخلّص نفسه وضيعته ويعود إليك مالك. فأمر سليمان بن وهب أن يفعل ذلك. فلما خرجنا عن حضرة المهتدي قال له سليمان: عهدي بهذا الرجل عدوّك، وكلّ واحد منكما يسعى على صاحبه، فكيف زال ذاك حتى نبت عنه في هذا الوقت نيابة أحييته بها وتخلّصت نعمته؟ فقال: إنما كنت أعاديه وأسعى عليه وهو يقدر على الانتصاف مني، فأما وهو فقير إليّ فهو مما يحظره الدين والصناعة والمروءة، فقال له سليمان: جزاك الله خيرا، أما والله لأشكرنّ هذه النية لك، ولأعتقدنّك من أجلها أخا وصديقا، ولأجعلنّ هذا الرجل لك عبدا ما بقي؛ ثم قال له الباقطائي: من كان هذا وزنه وفضله يعاب من كان يكتب له؟ «160» - كليب بن وائل في العزم: [من الرجز] ليس الكلام مغنيا دون العمل ... وشرّ ما رام امرؤ ما لم ينل وكثرة الايغال عجز وفشل «161» - عمرو بن الحارث [1] الطائي: [من الطويل]   [1] م: حارثة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 إذا شئت أن تقتاس أمر قبيلة ... وأحلامها فانظر إلى من يسودها «162» - الرضي أبو الحسن الموسوي: [من الخفيف] أترى آن للمنى أن تقاضى ... حاجة طال مطلها في الفؤاد بين همّ تحت المناسم مطرو ... ح وعزم على ظهور الجياد «163» - (1) وكان الرضيّ بعيد مطمح الهمة يرى نفسه أهلا للخلافة، ويطمع في تقمصها، وكانت حاله كما أنبأ عن نفسه في قوله [من الوافر] ولي أمل كصدر الرّمح ماض ... سوى أنّ الليالي من خصومي (2) وفي قوله: [من الوافر] وما يغني مضيّك في صعود ... إذا ما كان جدّك في صبوب (3) فمن شعره في أمله وهمته قوله: [من الوافر] وما في الأرض أحسن من يسار ... إذا استولى على أمر مطاع (4) وقوله: [من الطويل] وركب سروا والليل ملق رواقه ... على كلّ مغبّر المطالع قاتم حدوا عزمات ضاعت الأرض بينها ... فصار سراهم في ظهور [1] العزائم   [1] الديوان: صدور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 تريهم نجوم الليل ما يبتغونه ... على عاتق الشعرى وهام النعائم «163» . (5) وقال: [من البسيط] وغلمة في ظهور العيس أرّقهم ... همّ شعاع وآمال عباديد ملثّمين بما راخت عمائمهم ... وكلّهم طرب للبين غرّيد لا آخذ المجد [1] إلا عن رماحهم ... إذا تطاعنت الشمّ المناجيد (6) وقال: [من البسيط] وما أسرّ بمال لا أعزّ به ... ولا ألذّ برأي فيه تفنيد ليس الثراء بغير المجد فائدة ... ولا البقاء بغير العزّ محمود (7) وقال: [من الطويل] ولله قلب لا يبلّ غليله ... وصال ولا يلهيه من خلّة وعد يكلّفني أن أطلب العزّ بالمنى ... وأين العلى إن لم يساعدني الجد وليس فتى من عاق عن حمل سيفه ... إسار وحلّاه عن الطلب القدّ ولا مال إلا ما كسبت بنيله ... ثناء ولا مال لمن ماله مجد (8) وقال: [من الطويل] ولي أمل لا بدّ أحمل عبئه ... على الجرد من خيفانة وحصان فإن أنا لم أركب عظيما فلا مضى ... حسامي ولا روّى الطعان سناني   [1] الديوان: الطعن، م: المدح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 «163» (9) وقال: [من المنسرح] كيف يهاب الحمام منصلت ... مذ خاف غدر الزمان ما أمنا لم يلبس الثوب من توقعه ... للأمر إلا وظنّه الكفنا أعطشه الدهر من مطالبه ... فراح يستمطر القنا اللّدنا (10) وقال في تعرضه للخلافة ودعواه استحقاقها: [من الطويل] يخيفونني بالموت والموت راحة ... لمن بين غربي قلبه مثل همّتي فلا صلح حتى يسمعوا [1] من أزيزها ... صواعق إما صكّت الأذن صمّت [2] فخرت بنفسي لا بأهلي موفرا ... على ناقصي قومي مناقب أسرتي [3] أما أنا موزون بكلّ خليفة ... أرى أنفا من أن يكون خليفتي ولا بد يوما أن تجيء فجاءة ... فلا تنظراني عند وقت موقّت (11) وقال: [من المنسرح] فتى رأى الدهر غير مؤتمن ... فما فشا سرّه إلى أحد واقتحم الليل [4] فهو يمتحن ال ... مهرة قبل الطّراد بالطّرد في كلّ فج يقود راحلة ... تجذبها الأرض جذبة المسد لا يبعد الله غلمة ركبوا ... أغراضهم واشتفوا من البعد رموا بعهد النعيم واصطنعوا ... كلّ شريف [5] الذباب مطرد   [1] الديوان: تسمعوا. [2] الديوان: صكت. [3] وقع البيت بعد التالي له في الديوان وفي ر. [4] الديوان: واتهم الليل. [5] الديوان: نحيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 قلّوا على كثرة العدوّ لهم ... كم عدد لا يعدّ في العدد «163» . (12) وقال: [من الكامل] ما عذر من ضربت به أعراقه ... حتى بلغن إلى النبيّ محمد ألّا يمدّ إلى المكارم باعه ... وينال منقطع العلى والسؤدد متحلقا حتى تكون ذيوله ... أبد الزمان عمائما للفرقد أعن المقادر لا تكن هيّابة ... وتأزّر اليوم العصبصب وارتد لا تغبطنّ على البقاء معمّرا ... يا قرب يوم منية من مولد «164» . (1) وقال محمد بن هانىء المغربي: [من الطويل] ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه ... فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا (2) وقال: [من البسيط] فلست من سخطه المردي على وجل [1] ... ما دمت من عفوه المحيي على أمل لعلّ حلمك أملى للذين هووا ... في غيهم بين معفور ومنجدل فما شفا داءهم إلا دواؤهم ... والسيف نعم دواء الداء والعلل (3) وقال أيضا: [من الكامل] تأتي له خلف الخطوب عزائم ... تذكى لها خلف الصباح مشاعل فكأنهن على الغيوب غياهب ... وكأنهنّ على النفوس حبائل   [1] الديوان: خطر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 ملك إذا صدئت عليه دروعه ... فلها من الهيجاء يوم صاقل «164» . (4) وقال: [من الكامل] دعني أخاطر بالحياة فإنما ... طلب الرجال العزّ ضرب قداح (5) وقال: [من الوافر] وما لي من لقاء الموت بدّ ... فمالي لا أشدّ له حزيمي «165» - ومن ارتفاع الهمّة الأبنية المشاهدة في دار الإسلام فمنها: (1) إيوان كسرى: ويقال إنّ المنصور لما بنى بغداد أحبّ أن ينقضه ويبني بنقضه، فاستشار خالد بن برمك فنهاه وقال: هو آية الإسلام ومن رآه علم أن من هذا بناؤه لا يزيل أمره إلا نبيّ، وهو مصلّى علي بن أبي طالب، والمؤونة في نقضه أكثر من الارتفاق به، فقال: أبيت إلا ميلا للعجم، فهدمت ثلمة فبلغت النفقة عليها مالا كثيرا فأمسك، فقال له خالد: أنا الآن أشير بهدمه لئلا يتحدّث بعجزك عنه، فلم يفعل. وصفه البحتري فقال: [من الخفيف] وكأن الإيوان من عجب الصّن ... عة جوب في جنب أرعن مرس لم يعبه أن بزّ من ستر الديبا ... ج واستلّ من ستور الدمقس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 مشمخرا تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وقدس لست أدري أصنع أنس لجن ... [سكنوه] أم صنع جنّ لإنس غير أني أراه يشهد أن لم ... يك بانيه في الرجال بنكس «165» . (2) ومنها الهرمان بمصر، يقال: ليس في الأرض بناء أرفع منهما وأن ارتفاع كلّ واحد منهما أربعمائة ذراع في عرض أربعمائة، ولا يزالان ينخرطان في الهواء صنوبريا حتى ترجع دورتهما إلى مقدار خمسة أشبار في مثلها مبنيّة بحجار المرمر والرخام وكل حجر عشر أذرع إلى ثمان، وحجارتهما منقولة من مسافة أربعين فرسخا من موضع يعرف بذات الحمام فوق الإسكندريّة، منقولا فيهما بالمسند كل سحر وطب وطلسم، وفيه: إني بنيتهما فمن ادّعى قوة في ملكه فليهدمهما، فإذا خراج الدنيا لا يفي بهدمهما. وقالوا لا يعرف من بناهما، قال المتنبيّ: [من الكامل] تتخلف الآثار عن أصحابها ... حينا ويدركها الفناء فتتبع أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع وأما البحتري فقد سمّى بانيهما وليست تسميته حجّة في صحة الأخبار فقال: [من الطويل] ولا كسنان بن المشلّل بعد ما ... بنى هرميها من حجارة لابها (3) ومنارة الإسكندريّة مبنيّة على قناطر من زجاج، والقناطر على ظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 سرطان من نحاس في بطن أرض البحر، وطولها أربعمائة وخمسون ذراعا، وهي غاية ما يمكن رفعه في الهواء، وفيها ثلاثمائة وخمسون بيتا، وكانت في أعلاها مرآة كبيرة يرى فيها الناظر قسطنطينية وبينهما عرض البحر، وكلما جهّز ملك الروم جيشا أبصر فيها، فوجه ملك الروم إلى بعض الخلفاء أن في الثلث الأعلى كنوزا لذي القرنين فهدموه فلم يجدوا شيئا وعلم أنها حيلة في إبطال الطلسم في المرآة. «166» - قال عبد الله بن المقفع: [من البسيط] إن كنت لا تدّعي مجدا ومكرمة ... إلا بقصرك لم ينهض بأركان سام الرجال بما تسمو الرجال به ... تلك المكارم لا تشييد بنيان «167» - أخبرني الشيخ الزاهد أبو عبد الله محمد بن عبد الملك الفارقي قال: كان بميافارقين بائع يعرف بأبي نصر بن جريّ واسع المعيشة، فرفع إلى نصر الدولة بن مروان أنه تحصّل له من دلالة المقايضة في ليلة واحدة عشرون ألف درهم، فأحضره وسأله عما أنهي إليه فقال: كذب الواشي أيها الأمير، إنما كانت عشرين ألف دينار وهي خدمة مني للمولى فضل- يعني ولده- وهو قائم على رأسه، فقال: معاذ الله بل نوفّر عليك، وأحمد الله على أن حصل لتاجر من رعيتي في ليلة واحدة من الدلالة مثل هذا المال. ثم إنّ البائع المذكور قال له: أيها الأمير أنا كثير المال، واسع الحال، وقد جمعت شيئا أعددته لعمل مصلحة إن أعنتني عليها وأذنت لي فيها، قال: وما هي؟ قال أن أسوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 الماء من الجبل إلى البلد وأنقب له خرقا في السور، قال: وما يصنع بدور الناس ومجازه فيها؟ قال: أشتري كلّ دار تكون مجازا للماء فإن لم يبعنيها صاحبها أجريت له الماء في داره، فأذن له وأخرج مائة ألف دينار عمل بها هذه المصلحة، وأجرى الماء إلى المسجد الجامع والأسواق والآدر. رياسة العلم والدين: «168» - قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والحلم، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم. 169- وروي عن عيسى عليه السلام أنّه قال: من علم وعمل وعلّم عدّ في الملكوت الأعظم عظيما. 17» - وقد كرهت الشهرة بذلك خوف الفتنة، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا. «171» - وروي في الحديث: من تعلّم العلم لأربعة دخل النار: ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يأخذ به من الأمراء، أو يميل به وجوه الناس إليه. «172» - وقال الحسن: لقد صحبت أقواما ان الرجل لتعرض له الكلمة من الحكمة لو نطق بها لنفعته ونفعت أصحابه وما يمنعه منها إلّا مخافة الشهرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 «173» - وقال ابن سيرين: لم يمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة، فلم يزل بي البلاء حتى أخذ بلحيتي، فأقمت على المصطبة [1] فقيل: هذا ابن سيرين. «174» - قال معمر [2] : رأيت قميص أيوب السختياني يكاد يمس الأرض فقلت: ما هذا؟ فقال: إنما كانت الشهرة فيما مضى في تذييلها واليوم الشهرة في تقصيرها؛ وكان يقول للخياط: اقطع وأطل فإن الشهرة اليوم في القصر. «175» - وقال رجل لفضيل [3] : عظني، فقال: كن ذنبا ولا تكن رأسا، حسبك. وهم وإن كرهوا الشهرة فإن الرياسة حاصلة لهم وإن أخفوا حالهم وستروها، والقلوب مسلّمة إليهم الرياسة وان أبوها، والجبابرة منقادة إليهم [4] صغرا وكرها لتمكن هيبتهم في صدورهم. «176» - جاء عطاء بن أبي رباح إلى سدّة سليمان بن عبد الملك فجعل يقعقع الحلقة، فقال سليمان بن عبد الملك: افتحوا له، وتزحزح له عن مجلسه   [1] م: المصيطبة. [2] م: قال نعم. [3] ع: للفضل؛ م: للفضيل. [4] م ر: لهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 فقال: أصلحك الله، احفظ وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أبناء المهاجرين والأنصار قال: أصنع بهم ماذا؟ قال: انظر في أرزاقهم، قال: ثم ماذا؟ قال: أهل البادية تفقّد أمورهم فإنهم مادة العرب، قال: ثم ماذا؟ قال: ذمّة المسلمين تفقد أمورهم وخفف عنهم من خراجهم فإنهم عون لك على عدو الله وعدوهم، قال: ثم ماذا؟ قال: أهل الثغور تفقدهم فإنه يدفع بهم عن هذه الأمّة، قال: ثم ماذا؟ قال: يصلح الله أمير المؤمنين. فلما ولى قال: هذا والله الشرف لا شرفنا، وهذا والله السؤدد لا سؤددنا، والله لكأنما معه ملكان ما أقدر أن أراجعه في شيء سألني، ولو سألني أن أتزحزح عن هذا المجلس لفعلت. «177» - ودخل عمر بن عبد العزيز على عطاء وهو أسود مفلفل الشعر يفتي الناس في الحلال والحرام فتمثل: [من البسيط] تلك المكارم لا قعبان من لبن «178» - ودخل محمد بن أبي علقمة على عبد الملك بن مروان فقال له: من سيد الناس بالبصرة؟ قال: الحسن، قال: مولى أم عربي؟ قال: مولى، قال: ثكلتك أمك، مولى ساد العرب؟ قال: نعم، قال: بم؟ قال: استغنى عما في أيدينا من الدنيا وافتقرنا إلى ما عنده من العلم. قال: صفه لي، قال: آخذ الناس لما أمر به وأتركهم لما نهى عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 «179» - وروي أن بدويا قدم البصرة فقال لخالد بن صفوان: أخبرني عن سيد هذا المصر، قال: هو الحسن بن أبي الحسن، قال: عربيّ أم مولى؟ قال: مولى، قال: وبم سادهم؟ قال: احتاجوا إليه في دينهم واستغنى عن دنياهم، قال البدوي: كفى بهذا سؤددا. 180- ولما وقعت الفتنة بالبصرة رضوا بالحسن فاجتمعوا عليه وبعثوا إليه، فلما أقبل قاموا، فقال يزيد بن المهلب: كاد العلماء يكونون أربابا، أما ترون هذا المولى كيف قام له سادة العرب؟! «181» - وجّه الرشيد إلى مالك بن أنس ليأتيه فيحدثه، فقال مالك: إن العلم يؤتى، فصار الرشيد إلى منزله فاستند معه إلى الجدار فقال: يا أمير المؤمنين من إجلال الله إجلال العلم، فقام وجلس بين يديه. وبعث إلى سفيان ابن عيينة فأتاه وقعد بين يديه وحدّثه، فقال الرشيد بعد ذاك: يا مالك تواضعنا لعلمك فانتفعنا به، وتواضع لنا علم سفيان فلم ننتفع به. 182- وأراد أن يسمع منه الموطأ مع ابنيه فاستخلى المجلس، فقال مالك: إن العلم إذا منع منه العامة لم ينتفع به الخاصّة، فأذن للناس فدخلوا. «183» - وكان مالك يكرم العلم ويعظّمه، فإذا أراد أن يتحدث توضّأ وسرّح لحيته وجلس في صدر مجلسه بوقار وهيبة. ودخل عليه ليلة بعد ما أوى إلى فراشه قريبه إسماعيل بن أويس ليحدثه، فقام فتوضّأ وفعل نحو ذلك فحدّثه ثم نزع ثيابه وعاد إلى فراشه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 «184» - وفيه قيل: [من الكامل] يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان أدب الوقار وعزّ سلطان التقى ... فهو المهيب وليس ذا سلطان «185» - قال سفيان الثوري: ما رأينا الزهد في شيء أقلّ منه في الرياسة لأنّ الرجل يزهد في الأموال ويسلمها وإذا نوزع في الرياسة لم يسلمها. «186» - قال علي عليه السلام: من حقّ إجلال الله إكرام ثلاثة: ذو الشيبة المسلم، وذو السلطان المقسط، وحامل القرآن غير الجافي عنه ولا الغالي فيه. «187» - قام وكيع بن الجراح إلى سفيان الثوري فأنكر عليه قيامه، فقال وكيع: حدثتني عن عمرو بن دينار عن أنس قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم، فسكت سفيان وأخذ بيده فأجلسه إلى جانبه. «188» - قال ابن المبارك: سألت سفيان الثوريّ من الناس؟ قال: العلماء، قلت: من الأشراف؟ قال: المتقون، قلت: من الملوك؟ قال: الزهاد، قلت: من الغوغاء؟ قال: القصّاص الذين يستأكلون أموال الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 بالكلام، قلت: من السفلة؟ قال: الظلمة. «189» - دخل أبو العالية على ابن عبّاس فأقعده معه على السرير وأقعد رجالا من قريش تحته، فرأى سوء نظرهم إليه وحموضة وجوههم، فقال: ما لكم تنظرون إليّ نظر الشحيح إلى الغريم المفلس؟ هكذا الأدب يشرّف الصغير على الكبير، ويرفع المملوك على المولى، ويقعد العبيد على الأسرّة. «190» - مر الحسن بأبي عمرو بن العلاء وحلقته متوافرة، والناس عليه عكوف فقال: من هذا؟ قالوا: أبو عمرو، قال: لا إله إلا الله كاد العلماء يكونون أربابا. «191» - قال الفضيل [1] : لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم وشحوا على دينهم وأعزّوا هذا العلم وصانوه وأنزلوه حيث أنزله الله إذن لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس فكانوا لهم تبعا، ولكنهم ابتذلوا أنفسهم، وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا فهانوا وذلوا، ووجدوا لغامز فيهم مغمزا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، أعظم بها مصيبة. نظر إلى هذا المعنى القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني فقال: [من الطويل] ولم أقض حقّ العلم إن كنت كلّما ... بدا طمع صيرته لي سلّما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأغرسه عزا وأجنيه ذلة ... إذا فاتباع الجهل قد كان أسلما   [1] م: الفضل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 فإن قلت جدّ العلم كاب فإنما ... كبا حين لم يحرس حماه وأسلما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوس لعظما ولكن أذالوه فهان ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتى تجهما «192» - سأل خالد القسري واصل بن عطاء عن نسبه فقال: نسبي الإسلام الذي من ضيّعه فقد ضيّع نسبه، ومن حفظه فقد حفظ نسبه، فقال خالد: وجه عبد وكلام حرّ. 193- أوصى حكيم ابنه فقال: يا بني عزّ المال للذهاب والزوال، وعزّ السلطان يوم لك ويوم عليك، وعزّ الحسب للخمول والدثور، وأما عزّ الأدب فعز راتب رابط لا يزول بزوال المال، ولا يتحوّل بتحوّل السلطان، ولا ينقص على طول الزمان؛ يا بني عظّمت الملوك أباك وهو أحد رعيتها، وعبدت الرعية ملوكها فشتّان ما بين عابد ومعبود؛ يا بنيّ لولا أدب أبيك لكان للملوك بمنزلة الابل النقالة والعبيد الحمالة. «194» - قال عطاء بن أبي رباح: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عبّاس، أكثر فقها وأعظم جفنة: إن أصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، وأصحاب الفقه عنده، يصدرهم كلهم في واد واسع. ومن الشرف والرياسة حمل المغارم: «195» - جلس الاسكندر يوما فلم يسأله أحد حاجة فقال لجلسائه: إني لا أعدّ هذا اليوم من ملكي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 «196» - وقال أسماء بن خارجة: لا أشاتم رجلا ولا أردّ سائلا، فإنما هو كريم أسدّ خلّته، أو لئيم أشتري عرضي منه. (ولما جعل فعله وقاية لعرضه لم يكن جودا بل دل على طلب الرياسة ببذل ماله) . «197» - ومثل هذا المعنى لبعض الأعراب: [من الطويل] سأمنح مالي كلّ من جاء طالبا ... وأجعله وقفا على النّفل والفرض فإما كريم صنت بالمال عرضه ... وإما لئيم صنت عن لؤمه عرضي «198» - باع حكيم بن حزام داره من معاوية بستين ألف دينار فقيل له: غبنك معاوية، فقال: والله ما أخذتها في الجاهلية إلا بزقّ خمر، أشهدكم أنّها في سبيل الله، فانظروا أينا المغبون. «199» - وقال حسان بن ثابت: [من البسيط] أصون عرضي بمالي لا أدنّسه ... لا بارك الله بعد العرض في المال أحتال للمال إن أودى فأكسبه ... ولست للعرض إن أودى بمحتال 200- اشترى عبيد الله بن معمر وعبد الله بن عامر بن كريز من عمر بن الخطاب رضي الله عنه رقيقا من سبي ففضل عليهما ثمانون ألف درهم، فأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 بهما أن يلازما، فمرّ عليهما طلحة بن عبيد الله وهو يريد الصلاة في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ما لابن معمر ملازم؟ فأخبر بخبره، فأمر له بالأربعين الألف الدرهم التي عليه فقضى عنه، فقال ابن معمر لابن عامر: انها إن قضيت عني بقيت ملازما، وإن قضيت عنك لم يتركني طلحة حتى تنقضي عني، فدفع إليه الأربعين الألف فقضاها ابن عامر عن نفسه وخلّيت سبيله، فمرّ طلحة منصرفا من الصلاة فوجد ابن معمر ملازما فقال ما لابن معمر، ألم آمر بالقضاء عنه؟ فأخبر بما صنع، فقال: أمّا ابن معمر فإنه علم أنّ له ابن عمّ لا يسلمه، احملوا عنه أربعين ألف درهم فاقضوها عنه، ففعلوا وخلّي سبيله. 201- سأل رجل ابن شبرمة القاضي أن يكلّم له رجلا في صلة يصله بها، ولازمه، فأعطاه ابن شبرمة من ماله وقال: [من الوافر] وما شيء بأثقل وهو خفّ ... على الأعناق من منن الرجال فلا تفرح بمال تشتريه ... بوجهك إنه بالوجه غال «202» - زعم الأصمعي أنّ حربا كانت بالبادية ثم اتصلت بالبصرة فتفاقم الأمر فيها، ثم مشي بين الناس بالصلح، فاجتمعوا في المسجد الجامع قال: فبعثت وأنا غلام إلى عبد الله بن عبد الرحمن من بني دارم، فاستأذنت عليه، فأذن لي فدخلت، فإذا به في شملة يخلط بزرا لعنز له حلوب، فخبّرته بمجتمع القوم، فأمهل حتى أكلت العنز ثم غسل الصحفة وصاح: يا جارية [1]   [1] سقط من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 غدّينا، قال: فأتته بزيت وتمر، قال: فدعاني فقذرته أن آكل معه، حتى إذا قضى من أكله وطرا وثب إلى طين ملقى في الدار فغسل به يده ثم صاح [1] : يا جارية اسقيني ماء، فأتته بماء فشربه، ومسح فضله على وجهه ثم قال: الحمد لله، ماء الفرات بتمر البصرة بزيت الشام، متى نؤدي شكر هذه النعم [2] ؟ ثم قال: [يا جارية] عليّ بردائي، فأتته برداء عدنيّ فارتدى به على تلك الشملة، قال الأصمعيّ: فتجافيت عنه استقباحا لزيه، فلما دخل المسجد صلّى ركعتين ثم مضى إلى القوم فلم تبق حبوة إلّا حلّت إعظاما له، ثم جلس فتحمل جميع ما كان بين الأحياء من ماله ثم انصرف. «203» - قال أبو عبيدة: لما أتى زياد بن عمرو المعنيّ المربد في عقب قتل مسعود بن عمرو العتكي جعل في الميمنة بكر بن وائل، وفي الميسرة عبد القيس، وهم لكيز بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة، وكان زياد بن عمرو في القلب، فبلغ ذلك الأحنف فقال: هذا غلام حدث شأنه الشهرة، وليس يبالي أين قذف بنفسه، فندب أصحابه فجاءه حارثة بن بدر الغداني [3] فجعله في بني حنظلة بحذاء بكر بن وائل، وجعل سعدا والرباب في القلب، ورئيسهم عبس ابن طلق الطعان المعروف بأخي كهمس وهو أحد بني صريم بن يربوع بحذاء الأزد، وجعل عمرو بن تميم بحذاء عبد القيس، فلما تواقفوا بعث إليهم الأحنف: يا معشر الأزد وربيعة من أهل البصرة، أنتم والله أحبّ إلينا من تميم الكوفة، جيراننا في الدار، ويدنا على عدونا، وأنتم بدأتمونا   [1] سقط من م. [2] م: النعمة. [3] م: العدواني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 بالأمس ووطئتم حرمنا، حرّقتم علينا، فدفعنا عن أنفسنا ولا حاجة لنا في الشرّ ما أصبنا في الخير مسلكا، فتيمموا بنا طريقة قاصدة. فوجّه إليه زياد بن عمرو: تحيّر [1] خلّة من ثلاث: إن شئت فانزل أنت وقومك على حكمنا، وإن شئت فخلّ لنا عن البصرة وارحل أنت وقومك إلى حيث شئتم، وإلا فدوا قتلانا واهدروا دماءكم وليؤدّ مسعود دية المشعرة. (قوله: دية المشعرة يريد أمر [الملوك في] الجاهلية، وكان الرجل إذا قتل وهو من أهل بيت المملكة ودي عشر ديات) . فبعث إليه الأحنف: سنختار، فانصرفوا في يومكم، فهزّ القوم راياتهم وانصرفوا، فلما كان من الغد بعث إليهم: إنكم خيرتمونا خلالا ليس فيها خيار، أمّا النزول على حكمكم فكيف يكون والكلم يقطر [دما] [2] ، وأما ترك ديارنا فهو أخو القتل، قال الله عز وجل: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ (النساء: 66) ولكن الثالثة إنما هي حمل على المال، فنحن نبطل دماءنا وندي قتلاكم، وإنما مسعود رجل من المسلمين، وقد أذهب الله عز وجل أمر الجاهليّة. فاجتمع القوم على أن يقضوا [3] أمر مسعود، ويغمد السيف، ويودى سائر القتلى من الأزد وربيعة، فتضمن ذلك الأحنف ودفع إياس بن قتادة المجاشعي رهينة حتى يؤدّى هذا المال، فرضي به القوم، ففخر بذلك الفرزدق فقال: [من الطويل] ومنا الذي أعطى يديه رهينة ... لغاري معد يوم ضرب الجماجم عشية سال المربدان كلاهما ... عجاجة موت بالسيوف الصوارم هنالك لو تبغي كليبا وجدتها ... أذلّ من القردان تحت المناسم ويقال إن تميما في ذلك الوقت اجتمعت مع باديتها وحلفائها من الأساورة والزطّ والسيابجة وغيرهم فكانوا زهاء سبعين ألفا. قال الأحنف: فكثرت   [1] م: يخيره. [2] م: والكلام تقطر. [3] م والكامل: يقفوا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 الديات عليّ فلم أجدها في حاضرة تميم، فخرجت نحو يبرين فسألت عن المقصود هناك فأرشدت إلى قبة، فإذا شيخ جالس بفنائها مؤتزر بشملة محتب بحبل، فسلمت عليه وانتسبت له فقال: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقلت توفي صلوات الله عليه. قال: فما فعل عمر بن الخطاب رحمه الله الذي كان يحفظ العرب ويحوطها؟ قلت: مات رحمه الله، قال: فأيّ خير في حاضرتكم بعدهما؟ قال: فذكرت له الديات التي لزمتنا للأزد وربيعة قال، فقال: أقم، فإذا راع قد أراح عليه ألف بعير فقال: خذها، ثم أراح عليه آخر مثلها فقال: خذها، فقلت لا أحتاج إليها، قال: فانصرفت بالألف من عنده ولا أدري من هو إلى الساعة. «204» - كان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في جيش مسلمة بن عبد الملك حين غزا الروم في خلافة عمر بن عبد العزيز التي بلغ فيها القسطنطينيّة فشتا بها، فسامه مسلمة بماله الذي يعرف بالعرصة، فأبى المغيرة أن يبيعه، ثم أصاب أهل تلك الغزاة مجاعة، فباعها إياه بخمسة عشر ألف دينار، فنقده مسلمة الثمن، فبعث المغيرة بذلك المال مع من اشترى له إبلا من كلب، واشترى له دقيقا وزيتا وقباطيّ، وحمل ذلك على الابل، وكانوا لا يقدرون على الحطب، فأمر بالقباطيّ فأدرجت في الزيت وأوقدها ونحر الإبل واطّبخ [1] واختبز وأطعم الناس، وكان في تلك الغزاة أخوه أبو بكر بن عبد الرحمن فقيل له: نرى نارا في العسكر، فقال: لا تجدونها إلا في رحل   [1] م: وطبخ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 المغيرة، فقولوا له يبعث إلينا من طعامه، فبعث إليه، فلما قفل الناس من غزاتهم تلك وبلغ هذا الخبر عمر بن عبد العزيز قال لمسلمة: أنت كنت أقوى وأولى باطعام الناس من المغيرة، وذلك لك ألزم، لأنك إنما كنت تطعمهم من بعض مالك وهو يطعمهم عظم ماله، فأقله البيع فإنه بيع ضغطة لا يجوز، فعرض ذلك مسلمة على المغيرة فأبى وقال: قد أنفذت البيع، فأمر عمر بن عبد العزيز بتلك الضّيعة فردّت على المغيرة، وأمر بالمال فدفع إلى مسلمة من بيت المال، فتصدق المغيرة بالعرصة، وأمر أن يطعم الحاجّ منها يوم عرفة وثلاث منى، فهو السويق والسمن والتمر الذي يطعم بمنى من صدقة المغيرة. «205» - كان قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري سيدا شجاعا جوادا، وكان سعد أبوه حيث توجه إلى حوران قسم ماله بين ولده، وكان له حمل لم يشعر به، فلما ولد له مشى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى قيس بن سعد يسألانه في أمر هذا المولود فقال: نصيبي له ولا أغير ما فعل سعد. «206» - استعمل الوليد بن عبد الملك ابن هبيرة على البحرين، فلما قام سليمان أخذ ابن هبيرة بألف ألف، ففزع إلى يزيد بن المهلب، فأتاه في جماعة من قومه فقال له: زاد الله في توفيقك وسرورك، أخذت بما لا يسعه مالي، ولا يحتمله عيالي، فقلت: ما لها إلّا سيد أهل العراق ووزير الخليفة وصاحب المشرق، فقال آخر من أصحاب ابن هبيرة: أيها الأمير ما خصّ هذا عمّنا، وقد أتيناك فيما شكا فإن تستقلّه فقد ترجّى لأكثر منه، وإن تستكثره فقد تضطلع بدونه، ووالله ما الدخان بأدلّ آية على النار ولا العجاج على الريح من ظاهر أمرك على باطنه. وقال آخر: عظم أمرك أن يستعان عليك إلا بك، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 فلست تأتي شيئا من المعروف إلا صغر عنك وكبرت عنه، ولا غاية بلغتها إلا وحظّك منها مقدّم وحقك فيها معظّم، ولا نقيسك بأحد من الملوك إلا عظمت عنه، ولا نزنك بأحد منهم إلا رجحت به، ووالله ما العجب أن تفعل ولكن العجب أن لا تفعل. فقال يزيد: مرحبا بكم وأهلا، إنّ خير المال ما قضي به الحقّ، وإنما لي من مالي ما فضل عن الناس، وايم الله لو أعلم أن أحدا أملأ بحاجتكم مني لأرشدتكم إليه، فاحكموا واشتطوا. قال ابن هبيرة: النصف أصلحك الله، قال: اغد على مالك فاقبضه، فدعوا له وانصرفوا، فمضوا غير بعيد وتثاقلوا في مشيهم، فقال لهم ابن هبيرة: ويحكم والله ما يفرق يزيد بن النصف والكلّ، وما لما بقي غيره؛ فهم يفكرون في الرجوع فظنّ ذلك يزيد بهم فأمر بردّهم وقال: إن ندمتم أقلناكم، وإن ازددتم زدناكم، قالوا: أقلنا وزدنا قال: قد حملتها كلّها؛ ثم كلّم يزيد سليمان وأخبره فقال: احملها إلى بيت المال، ثم سوّغه إياها. «207» - ومن أحسن الأفعال وأشرفها في احتمال المغارم ما فعله صعصعة ابن ناجية المجاشعيّ جدّ الفرزدق في افتداء الموؤدات، حتى جاء الإسلام وقد فدى ثلاثمائة وستين موؤدة، وخبره في ذلك يرد في باب أخبار العرب وعجائبهم. «208» - قال ابن عياش: كان حوشب بن يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني وعكرمة بن ربعي البكري يتنازعان الشرف، ويتبازيان في إطعام الطعام ونحر الجزر في عسكر مصعب، وكان حوشب يغلب عكرمة بسعة يده، قال: وقدم عبد العزيز بن يسار مولى بحتر [1]- قال: وهو زوج أمّ شعبة   [1] الأغاني: بخنر (وبحير في نسخة أخرى) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 الفقيه- بسفائن دقيق، فأتاه عكرمة فقال له: الله الله فيّ قد كاد حوشب يغلبني ويستعليني [1] بماله، فبعني هذا الدقيق بتأخير ولك فيه مثل ثمنه ربحا، فقال: خذه، فدفعه إلى قومه وفرقه فيهم فعجنوه كلّه، ثم جاء بالعجين كله فجمعه في هوّة عظيمة وأمر به فغطّي بالحشيش، وجاءوا برمكة فقربوها إلى فرس حوشب حتى [طلبها وأفلت ثم ركضوها بين يديه وهو يتبعها حتى] [2] ألقوها في ذلك العجين ومعها الفرس، فتورطا في ذلك العجين وبقيا فيه جميعا، وخرج قوم عكرمة يصيحون في العسكر: يا معشر المسلمين أدركوا فرس حوشب فقد غرق في خميرة عكرمة، فخرج الناس تعجبا من ذلك أن تكون خميرة يغرق فيها فرس، فلم يبق في العسكر أحد إلا ركب ينظر، وجاءوا إلى الفرس وهو غريق في العجين ما يبين منه إلا رأسه وعنقه، فما أخرج إلّا بالعمد والحبال وغلب عليه عكرمة. 209- كان للحسن بن سهل غريم له عليه مال كثير، فعلق به وصار به إلى ابن أبي داود فلم يقدر أن يمتنع عليه، وكان ابن أبي داود يريد أن يضع من الحسن، فصادفه قد ركب يريد دار الواثق فقال: انتظرا عودي، وتباطأ عن العود ليزيد في إذلال الحسن، فجاء وكيل الحسن فدخل عليه، فقال له الحسن: بعت الضيعة؟ قال: نعم، قال: زن لهذا الغريم ماله، وسأل جماعة من حضر مجلس الحكم ممن عليه دين وهو ملازم به عمّا عليهم، فتقدم إلى وكيله بأن يزن عنهم جميع ما عليهم لغرمائهم، ففعل، وعاد ابن أبي داود فلم يجد الحسن ولا أحدا ممن كان عنده ملازما عنده بدين، فسأل عن الخبر فأخبر به، فانكسر وخجل، وصار بعد ذلك يصف الحسن بالجلالة والنبل.   [1] م: ويستغلبني. [2] زيادة من الأغاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 210- ولما أوقع الواثق بأحمد بن الخصيب وسليمان بن وهب جعل سليمان في يد عمر بن فرج الرخّجي، ثم وجّه إليه يوما: طالب سليمان بمائة ألف دينار يؤديها بعد الذي أخذ منه، فإن أذعن بها وإلا فجرّده واضربه مائة سوط، ولا تتوقف عن هذا لحظة واحدة، ففعل عمر ما أمره به، فهو في ذلك إذ طلع عليه [1] محمد بن عبد الملك الزيات، وهو الوزير حينئذ وأبوه الوزير، وكانا عدوّيه، فلما رآهما سليمان أيقن بالهلاك، وعلم أنّ الجلّادين سيجوّدون [2] ضربه لما يعرفون من عداوتهما له، فلما دنا منه محمد بن عبد الملك الزيات قال له: يا أبا أيوب ليس إلا؟ قال له سليمان: ليس إلا، فقال للجلادين حطّوه، ففعلوا، فقال: بكم تطالب؟ قال: بمائة ألف دينار وما أملك زكاتها، فقال له: اكتب خطّك بها، فقال: أكتب وليس معي ما أؤديه؟ فقال له: إنّ عمالك ما أدّوا شيئا ونحن نقسّط عليهم خمسين ألف دينار، ونلزم في أموالنا خمسين ألف دينار؛ ثم التفت إلى عمر فقال: ابعث من يقبض المال، ثم قالا [3] : يا أبا أيوب إنا على جملتنا في عداوتك، وإنما فعلنا هذا للحرية، وأن تكون وأنت حرّ على مثل هذه الصورة فلا نتخلّصك، فلا تعتقد غير هذا. 211- ويشبه هذا ما ذكر أنّ أحمد بن المدبر لما اجتمع الكتّاب عليه وخانوه حتى نفي إلى أنطاكية وخرج إلى مضربه بظاهر سرّ من رأى أتاه المعلّى ابن أيوب وكان من أعدى الناس له، فقال له: قد عرفت حالك وشغل قلبك بمخلّفيك وضيعتك، فلا تهتمّ بشيء من ذلكم ولا تفكّر فيه، فإنني النائب عنك في جميعه حتى لا تبالي ألا تكون حضرته، وهذه سبعة آلاف دينار   [1] عليه: سقطت من ر م. [2] م: سيجيدون. [3] م: قال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 استعن بها في طريقك، فشكره ابن المدبر غاية الشكر وسرّ بعود مودته وصفائه، فقال له المعلّى: لا تظنّ ذلك فما كنت قطّ أشدّ عداوة مني الساعة، ولكنّ عداوتي لك ما دمت مقيما معنا في بلدنا، فإذا خرجت وكفينا شرّك فنحن لك على ما ترى من المودّة، ومتى عدت إلى الحضرة عدنا إلى ما عرفت من العداوة. «212» - كان على بني تميم حمالات فاجتمعوا فيها إلى الأحنف، فقال الأحنف: لا تعجلوا حتى يحضر سيدكم، قالوا: ومن سيدنا غيرك؟ قال: حارثة بن بدر، وكان حارثة قد قدم قبل [1] ذاك بمال عظيم من الأهواز، فبلغه ما قال الأحنف فقال: أغرمنيها ابن الزافريّة، ثم أتاهم كأنه لم يعلم فيم اجتمعوا فأخبروه، فقال: لا تلقوا فيها أحدا، هي علي، ثم أتى منزله فقال: [من الكامل] خلت البلاد فسدت غير مسوّد ... ومن العناء تفرّدي بالسؤدد «213» - جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام، فباعها من معاوية بمائة ألف درهم، فقال له عبد الله بن الزبير: بعت مكرمة قريش، فقال: ذهبت المكارم إلا من التقوى يا ابن أخي، إني اشتريت بها دارا في الجنة، أشهدك أني جعلت ثمنها في سبيل الله (وقد ورد هذا الخبر بغير هذه   [1] م: قبيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 الألفاظ وفيه زيادة ونقصان) [1] . «214» - حجّة جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان أخت أبي تغلب صارت تاريخا مذكورا، حجت سنة ست وثمانين وثلاثمائة [2] فسقت أهل الموسم كلّهم السويق بالطبرزد والثلج، واستصحبت البقول المزروعة في المراكن على الجمال، وأعدّت خمسمائة راحلة للمنقطعين، ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار، ولم يستصبح عندها وفيها الا بشموع العنبر، وأعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جارية وأغنت الفقراء والمجاورين. «215» - جاء الإسلام وإنّ جفنة العبّاس لتدور على فقراء بني هاشم، وإن درته لمعلقة لسفهائهم، وكان يقال: هذا السؤدد، يشبع جائعهم ويؤدب سفيههم. «216» - قال بعضهم: قدمت على سليمان بن عبد الملك، فبينا أنا عنده إذ نظرت إلى رجل حسن الوجه يقول: يا أمير المؤمنين والله لحمدها خير منها ولذكرها أحسن من جمعها، ويدي موصولة بيدك فابسطها لسؤالها خيرا؛ فسألت عنه فقيل: يزيد بن المهلب يتكلّم في حمالات حملها. 217- وفد دهقان أصفهان على معاوية فلم يجد من يكلّمه في حاجته، فقيل له: ليس لها إلا عبد الله [3] بن جعفر، فكلّمه الدهقان وبذل له ألف ألف   [1] وقد ورد ... ونقصان: سقط من ر. [2] يبدو أن التاريخ خطأ (انظر التعليق: 214) . [3] م: عبد الرحمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 درهم، فكلم معاوية فقال: قد أردنا أن نصلك بألف ألف درهم فربحناها، فقال عبد الله: قد ربحت وربحنا شكر الدهقان. فلما قضى حاجته أكبّ عليه الدهقان يقبّل أطرافه ويقول: أنت قضيتها لا أمير المؤمنين، وحمل إليه المال فقال: ما كنت لآخذ على معروفي أجرا، وبلغ الخبر معاوية فبعث إليه ألف ألف درهم فلم يقبلها وقال: لا أقبل ما هو عوض عما تركت، فقال معاوية: لوددت أنه من بني أمية وأنّي مخزوم ببرة. «218» - أصاب الناس بالبصرة مجاعة [1] ، فكان ابن عامر يغدّي عشرة آلاف ويعشّي مثلهم حتى تجلّت الأزمة فكتب إليه عثمان يجزّيه خيرا، وأمر له بأربعمائة ألف معونة على نوائبه، وكتب إليه: لقد رفعك السؤدد إلى موضع لا يناله إلا الشمس والقمر، فتوخّ أن يكون ما أعطيت لله فإنه لا شرف إلا ما كان فيه وله. «219» قدم سليمان بن عبد الملك المدينة فأهدى له خارجة بن زيد بن ثابت ألف عذق موز، وألف قرعة عسل أبيض، وألف شاة، وألف دجاجة، ومائة إوزة، ومائة جزور، فقال سليمان: أجحفت بنفسك يا خارجة، قال: يا أمير المؤمنين قدمت بلد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت في أهل بيتي مالك بن النجار، وأنت ضيف، وإنما هذا قرى، فقال: هذا وأبيكم السؤدد. ثم سأل عن دينه فقيل خمسة وعشرون ألف دينار، فقضاها عنه وأعطاه عشرة آلاف دينار. «220» - حرم الحجاج الشعراء في أوّل مقدمه العراق، فكتب إليه عبد   [1] م: مجاعة بالبصرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 الملك أجز الشعراء فإنهم يحبّون مكارم الأخلاق ويحرّضون على البرّ والسخاء، نظر إلى هذا المعنى أبو تمام فقال: [من الطويل] ولولا خلال سنّها الشعر ما درت ... بغاة العلى من أين تؤتى المكارم وقال ابن الرومي: [من الطويل] وما المجد لولا الشعر إلا معاهد ... وما الناس إلا أعظم نخرات «221» قيل لبزرجمهر: أيّ شيء نلته أنت به أشدّ سرورا؟ قال: قوّتي على مكافأة من أحسن إليّ. «222» - وسئل الإسكندر عن أفضل ما سرّه من مملكته فقال: اقتداري على أن أكثر الإحسان إلى من سبقت منه حسنة إليّ. «223» - حبس داود كاتب أمّ جعفر وكيلا لها عليه في حسابه مائتا ألف درهم، فكتب الوكيل إلى عيسى [بن داود] وسهل بن صباح [1] وكانا صديقيه يسألهما الركوب إلى داود في أمره، فركبا إليه، فلقيهما الفيض بن أبي صالح فسألهما عن قصدهما فأخبراه، فقال: أتحبّان أن أكون معكما؟ قالا: نعم، فصاروا إلى داود فكلّموه في إطلاق الرجل، فطالع أمّ جعفر بحضورهم وسؤالهم، فوقّعت في الرقعة تعرّفهم ما وجب لها من المال وتعلمهم أنّه لا سبيل إلى إطلاقه دون أداء المال، قال: فاقرأهم التوقيع واعتذر، فقال عيسى وسهل: قد قضينا حقّ الرجل، وقد أبت أمّ جعفر أن تطلقه إلا بالمال،   [1] م: الصباح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 فقوموا بنا ننصرف، فقال لهما الفيض: كأننا إنما جئنا لنؤكد حبس الرجل، قالا له: فما نصنع؟ قال: نؤدي المال عنه؛ ثم أخذ الدواة وكتب إلى وكيله في حمل المال عن الرجل ودفع الكتاب إلى داود وقال: قد أزحنا علّتك في المال فادفع إلينا صاحبنا، قال: لا سبيل إلى ذلك حتى أعرّفها الخبر، فكتب إليها فوقعت في رقعته: أنا أولى بهذه المكرمة من الفيض، فاردد عليه كتابه بالمال، وادفع إليه الرجل، وقل له: لا يعاود مثل ما كان منه. قال: ولم يكن الفيض يعرف الرجل وإنما أراد مساعدة صاحبيه في حقّه. «224» - وحكي أنّ الفيض بن أبي صالح وأحمد بن الجنيد وجماعة من العمال والكتّاب خرجوا من دار الخليفة منصرفين إلى منازلهم في يوم وحل، فتقدم الفيض وتلاه أحمد فنضح دابة الفيض على ثياب أحمد من الوحل، فقال أحمد للفيض: هذه والله مسايرة بغيضة، لا أدري بأي حقّ وجب لك التقدم علينا، فلم يجبه الفيض عن ذلك بشيء ووجه إليه عند منصرفه إلى منزله بمائة تخت في كلّ تخت قميص ومبطّنة وسراويل وطيلسان ومع كلّ واحد عمامة أو شاشية، وقال لرسوله: قل له أوجب التقدم لنا عليك أنّ لنا مثل هذا نوجّه به إليك عوضا مما أفسدناه من ثيابك، فإن كان لك مثله فلك التقدم علينا، وإلا فنحن أحقّ بالتقدم منك. 225- حدث أبو الهيثم الرحبي من حمير قال: كان رجل من ذي مناخ، وهم بطن من ذي كلاع، يقال له جميم [1] بن معدي كرب، جوادا فأشفى جوده على ماله، فتدارأت بطون من ذي الكلاع في أمواه لهم، وكانت بينهم دماء، ثم تداعوا إلى الصلح وتعاقل الدماء وأن يبيئوا الدم بالدم، ويؤدّوا ما فضل، ففضلت إحدى الطائفتين بسبع ديات فحملها جميم، فسعى في   [1] م: حميم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 عشيرته فتدافعوه، فأدّى ديتين فاستوعبتا ماله، فخرج ضاربا في الأرض حتى أوغل في مفاوز اليمن. قال أبو الهيثم: فحدثني شيخان منّا ممن أدركه وسمع حديثه من فلق فيه [1] ، قال: بينا أنا ذات عشيّة في بعض تلك الأغفال [2] أوائل الليل إذ حبا لي نشء [3] فألبس الأفق، فهمهم وتهزّم، وأطلّت أعاليه وتلاحقت تواليه، وبرق فخطف، ورعد فرجف، وأشرفت على الهلاك، وإني مع ذلك لسخيّ بنفسي أودّ لو هلكت لأعذر، والنفس مجبولة على طلب النجاة، فملت لأقرب الجبال مني لأعتصم بلجأ منه، فلما سندت في سفحه عرض لي غار غامض، فأطمأننت إليه، فإذا نار كالمصباح تخبو تارة وتضيء أخرى، واحتفل السحاب وشري [4] المطر، فاندفعت في الغار فأنخت في أدناه، فإذا نار في لوذ منه، فعقلت مطيتي وأخذت سيفي وولجت، لكني هجمت على شويخ [5] يوقد نويرة وبين يديه حمار قد قيّده ونبذ له أضغاثا فقلت: عم ظلاما، فقال: نعم ظلامك، من أنت؟ فقلت: خابط ضلال ومعتسف أغفال، فقال: أعاف أم باغ [6] ؟ فقلت: بل راكب خطار، وخائض غمار، تؤدي إلى بوار، فقال: إنّك لتنبىء عن شرّ، ليفرخ روعك، اجلس وخفّض عليك وتطامن، فلما اطمأننت قال: قرّب مطيّتك واحطط رحلها، واعضد لها من أغصان السّمر المتهدل على فجوة هذا الغار، ففعلت، ثم أقبلت إليه [7] فجلست، فاستنبث [8] رمادا إلى جانب موقده فاختفى [9] خبزة فلطمها بيده حتى   [1] فلق: بكسر الفاء وفتحها أي شق فمه. [2] الأغفال: الأراضي ليس فيها أعلام. [3] حبا: دنا واعترض؛ والنشء: أول ما ينشأ من السحاب. [4] شري: عظم واشتد. [5] م: شيخ. [6] العافي: طالب الرزق؛ والباغي: المتجاوز ما يحق له. [7] م: عليه. [8] م: واستنبش. [9] اختفى: نبش عن الشيء حتى أظهره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 أبرز عن صميمها، وقرّب صحفة له، فكسر الخبزة فيها واستخرج نحيا [1] من خرج إلى جانبه فنكب [2] على الخبزة سمنا حتى سغبلها [3] ، ثم قرّبها مني فأكلت وأكل حتى انتهيت وأتى على ما فيها، ثم اضطجع وقال لي: نم آمنا واثقا بأنّك غير موّرّق ولا محقق، فاضطجعت، وطبن من ناره [4] ، واستوثق من عقال حماره وقال لي: أرّب [5] عقال مطيتك، ففعلت، وبتّ [6] ناعم البال، وكأن الأين قد وقذني فغلبتني عيناي هزيعا من الليل، ثم أزعج الخوف النوم وأتتني هماهم ولم آمن اغتيال الرجل، ثم ضربت بجروتي [7] ثم قلت: واثكل أماه، ما هذا الوهل [8] ؟! والله إنه لأعزل وإني لمستلئم [9] ، وإنه لمتسعسع [10] وإنّ فيّ لبقية شباب، فلما أحسّ بالصبح استيقظ فأرّث نارا وشبّها وقال: أنائم أنت؟ فقلت: بل كميع [11] أرق وضجيع قلق، قال: ولم، وقد تقدم مني ما سمعت وأنا به زعيم [12] ؟ وفي كلّ ذلك لا يسألني عن نسبي، ثم استخرج مزودا فيه طحن [13] ، فقمت لأتكلّف ذلك عنه، فقال: اقعد فانك ضيف، وإنه للؤم بالرجل أن يمتهن ضيفه، فاعتجن طحنه [14] في جفنته وكفأ   [1] النحي: السقاء أو الزق. [2] نكب: هراق وصبّ. [3] سغبلها: روّاها. [4] طبن النار: دفنها كي لا تطفأ. [5] أرّب: اشدد. [6] م: ونمت. [7] ضرب بجروته: وطن نفسه وصمم. [8] الوهل: الفزع. [9] مستلئم: لابس لأمة. [10] متسعسع: هرم مضطرب من الكبر. [11] كميع: مضطجع. [12] زعيم: كفيل. [13] م: طحين. [14] م: طحينه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 عليها صحفته ثم مال إلى جانب من الغار فاحتمل أضغاثا من يبيس فألقاها لحماره، ثم استخرج معضدا من تحت وساده، وخرج إلى فم الغار فخطرف [1] ما استطفّ [2] له من الشجر والسّلم فألقاه لناقتي، وجلس يحادثني ويفاكهني ويناشدني الأشعار المؤسيّة، ويصف لي صروف الأيّام وتقلّبها بالرجال، فكأنه كان في نفسي أو قد بطن أمري، فلما ظنّ أنّ خبزته قد آنت استخرجها، ثم فعل كفعله أوّل الليل، فلما صددت أتى على باقي الخبزة، ثم قام فخرج من الغار، ثم رجع فقال: قد تقطّع أقران الحفل [3] وطحرت الريح الجفل [4] ، ووضح الحزن من السّهل فقم فارحل، ثم قذف رحالته على حماره، وقمت فارتحلت، وخرج وخرجت [5] أتبعه حتى دلكت الشمس أو كربت [6] ثم أشرفنا على واد عظيم شجير، وإذا نعم ما ظننت أنّ الأرض تحمل مثله، فهبط الوادي وتصايحت الرّعاء وأقبلوا [7] إليه من كل أوب حتى حفّوا به، وسار في بطن الوادي حتى انتهى إلى قباب متطابنة [8] ، فمال إلى أعظمها فنزل، وتباعد الأعبد فحطّوا رحلي وقادوا مطيتي وألقوا إلي مثالا، وقال: نم ليتسبخ لغوبك [9] فنمت آمنا مطمئنا حتى تروّيت، ثم هببت وإذا عبد موكّل بيه، فقال لي: انهض إن أردت المذهب [10] ، فقمت وقام معي بإداوة حتى أولجني خمرا وأدبر عني، فلما أحسّ بفراغي أقبل فحمل الإداوة وردّني إلى مثالي،   [1] خطرف: ضرب. [2] استطف: دنا. [3] الأقران: الحبال، والحفل: اجتماع الماء؛ والمعنى قد انقطع المطر. [4] م: وطرحت، وطحرت: فرّقت. والجفل: السحاب الذي هراق ماءه. [5] م: وخرجت معه. [6] دلكت الشمس: غربت؛ أو كربت أو كادت. [7] م: وأقبلت. [8] الطّبن: البيت؛ ولعلّ متطابنة بمعنى متقاربة أو متطامنة. [9] م: لتنسخ؛ ويتسبخ: تخف شدته؛ واللغوب: التعب. [10] المذهب: قضاء الحاجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وإذا الشيخ قد أقبل ومعه عبدان يحملان جفّنتين، فقلت: والله ما بي إلى الطعام من حاجة، فقال: لا بدّ منه، فلما فرغنا من غدائنا قال: هات الآن خبرك، فأخبرته، فقال لبعض عبيده: أوف ذلك النّدّ فألمع بنيّ [1] ، فكلا ولا ما كان إذا عجاجة مستطيرة وإذا عشرون فارسا تنكدر بهم خيولهم وقفوا عليه، فأمرهم بالنزول فنزلوا واقتصّ عليهم قصتي، وقال: ما عندكم لابن عمكم؟ قالوا: مرنا بأمرك فقال: خمس ديات يؤديها وثنتان شروى ما رزئه، فو الله ما أمسيت حتى أنيخت بفنائه، ورجع بنوه، وبتّ بأنعم مبيت، فلما أصبح قال لعبيده: عليّ عشرة يوردون هذا الابل بلاد هذا الرجل، ثم هم له إن شاء أعتق وإن شاء أرقّ، فانتدب له عشرة كالذئاب فوقفوا بين يديه، فقال لعبد آخر: هلمّ ما قبلك، فما راث أن جاء بمائة كالهضاب قال: وهذه لك من لدنّي، وارحل راشدا إلى أرض قومك، فقلت له: يا ابن عمّ إنه للؤم أن تقلّدني مثل هذه المنّة ولا أعرف لك اسما ولا نسبا قال: أنا محمية ابن الأدرع أحد بني هزّان. «226» - كان يزيد بن مفرغ الحميريّ منفاقا كثير الدين وقدّمه غرماؤه إلى زياد مرات كثيرة فضجر وقال لغرمائه: بيعوه فقد نهيته أن يستدين فأبى، فأقاموه فنادوا عليه، فجعل الرجل يمرّ به فيؤدي عنه الألف والخمسمائة وأكثر وأقلّ، فمر به عبيد الله بن أبي بكرة فقال: مالك؟ فقال: أمر الأمير أن أباع في دين علي، قال: وكم دينك؟ قال: ثمانون ألفا، قال: هي عليّ، فقال يزيد بن مفرغ: [من السريع]   [1] أوف: إبت، وأشرف على؛ الند: التلّ الذاهب في السماء؛ ألمع: أشر؛ يريده أن يصعد على التلّ ويدعو أبناءه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 لو شئت لم تشقي ولم تنصبي ... عشت بأسباب أبي حاتم عشت بأسباب الجواد الذي ... لا يختم الأموال بالخاتم ما دون معروفك قفل ولا ... أنت لمن يلقاك بالحارم الواهب الجرد بأرسانها ... والحامل الثّقل عن الغارم والطاعن الطعنة يوم الوغى ... توقظ منها سنة النائم بكفّ بهلول له نجدة ... ما إن لمن عاداه من عاصم فوجه إليه بعشرين ألفا تمام المائة الألف. «227» - أتى الأخطل أسماء بن خارجة في خمس ديات ليحملهنّ فحملهن، ثم قال لبنيه وهم حوله: أقسمت عليكم إلّا حملتم له مثلها، فخرج الأخطل وهو يقول: [من الوافر] إذا مات ابن [1] خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء ولا رجع البشير [2] بخير غنم ... ولا حملت على الطّهر النساء فيوم منك خير من رجال ... يروح عليهم [3] نعم وشاء وبورك في أبيك وفي بنيه [4] ... إذا ذكروا ونحن لك الفداء «228» - ركب محمد بن إبراهيم الامام دين فركب إلى الفضل بن يحيى   [1] ع م: اذا ما مات خارجة. [2] الأغاني: الوفود. [3] الأغاني: كثير حولهم. [4] الأغاني: فبورك في بنيك وفي أبيهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 ومعه حق فيه جوهر وقال له: قصّرت غلاتنا، وأغفل أمرنا خليفتنا، وتزايدت مؤونتنا، ولزمنا دين احتجنا لأدائه إلى ألف ألف درهم، وكرهت بذل وجهي للتجار وإذالة عرضي بينهم، ولك من يعطيك منهم، ومعي رهن ثقة بذاك، فإن رأيت أن تأمر بعضهم بقبضه وحمل المال إلينا، فدعا الفضل بالحق فرأى ما فيه وختمه بخاتم محمد بن إبراهيم ثم قال له: نجح الحاجة أن تقيم في منزلنا [1] ، فقال له: إنّ في المقام عليّ مشقّة، قال له: وما يشقّ عليك من ذلك؟ إن رأيت أن تلبس شيئا من ثيابنا دعوت به، وإلا أمرت باحضار ثياب من منزلك، فأقام، ونهض الفضل فدعا بوكيله وأمر بحمل المال وتسليمه إلى خادم محمد بن إبراهيم وتسليم الحقّ الذي فيه الجوهر إليه بخاتمه وأخذ خطّه بقبضها، ففعل الوكيل ذلك، وأقام محمد عنده إلى المغرب وليس عنده شيء من الخبر، ثم انصرف إلى منزله فرأى المال، وأحضره الخادم الحقّ، فغدا على الفضل يشكره فوجده قد سبقه بالركوب إلى دار الرشيد، فوقف منتظرا له، فقيل له قد خرج من الباب الآخر قاصدا منزله، فانصرف عنه فلما وصل إلى منزله وجّه إليه الفضل ألف درهم آخر، فغدا عليه فشكره وأطال، فأخبره بأنه باكر إلى أمير المؤمنين فأعلمه حاله فأمره بالتقدير له ولم يزل يماكسه إلى أن تقرر الأمر معه على ألف ألف درهم، وأنه ذكر أنه لم يصلك بمثلها قطّ ولا زادك على عشرين ألف دينار، فشكرته وسألته أن يصكّ بها صكا بخطه ويجعلني الرسول، فقال له محمد: صدق أمير المؤمنين إنه لم يصلني قط بأكثر من عشرين ألف دينار، وهذا إنما تهيأ بك وعلى يدك، وما أقدر على شيء أقضي به حقّك ولا شكر أوازي به معروفك، غير أنّ علي وعليّ- وحلف أيمانا مؤكدة- إن وقفت بباب أحد سواك أبدا، ولا سألت حاجة أحدا غيرك ولو سففت التراب. فكان لا يركب إلى غير الفضل إلى أن حدث من أمرهم ما   [1] ع: منزلك: وسقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 حدث، فكان لا يركب إلى غير دار الخليفة ويعود إلى منزله، فعوتب بعد تقضي أيامهم في [ترك] [1] إتيان الفضل بن الربيع فقال: والله لو عمّرت ألف سنة ثم مصصت الثماد؟؟؟ ما وقفت بباب أحد بعد الفضل بن يحيي ولا سألت أحدا بعده حتى ألقى الله عز وجل، فلم يزل على ذلك حتى مات. «229» - قال يحيى بن خالد: بلغت العطلة من أبي ومني وتوالت المحن علينا وأخفقنا حتى لم نهتد إلى ما ننفقه، فلبست يوما لأركب وأتنسّم الأخبار واتفرج، فقالت لي أهلي: أراك على [نية] [2] الركوب؟ قلت: نعم، قالت: فاعلم أنّ هؤلاء الصبيان باتوا البارحة بأسوأ حال، وإني ما زلت أعلّلهم بما لا علالة فيه وما أصبحت ولهم شيء، ولا لدابتك علف، ولا لك ما تأكل، إذا انصرفت فينبغي أن يكون بكورك وطلبك بحسب هذه الحال، فقطعتني عن الحركة ورميت بطرفي فلم أر إلا منديلا طبريا كان أهدي إليّ، فأخرجته مع الغلام [3] فباعه باثني عشر درهما، فاشترى به ما يحتاج إليه من القوت وعلف الدابة، وركبت لا أدري أين أقصد، فإذا بأبي خالد الأحول وهو خارج من درب ومعه موكب ضخم، وهو يكتب يومئذ لأبي عبيد الله كاتب المهدي، فملت إليه وقلت له: قد تناهت العطلة بأخيك وبي إلى كذا، وشرحت له القصّة وهو مستمع لذاك ماض في سيره، فلما بلغ مقصده عدت ولم يقل لي حرفا، فعدت منكسرا منكرا على نفسي ما كشفت له من أمري، فلما كان اليوم الثاني بعت أحد قميصيّ وتبلّغنا به يومين، ولحقني من الوسواس ما خفت منه على نفسي، فخرجت لأبلي عذرا فلقيني رسول أبي خالد، فلما جئته قال لي:   [1] زيادة من الجهشياري. [2] زيادة من الجهشياري. [3] ر: فأخرجه الغلام؛ م: فأخرجه مع الغلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 يا ابن أخي شكوت إليّ شكوى لم يكن ينفع في جوابها الا الفعل، ثم أحضر ابن حميد وزاهرا [1] ، تاجرين كانا يبيعان الطعام، فقال لهما: قد علمتا أني بايعتكما البارحة ثلاثين ألف كرّ على أنّ ابن أخي هذا شريككما فيها بالسعر، ثم التفت إليّ فقال: لك في هذه الاكرار عشرة آلاف كر، فإن دفعا إليك ثلاثين ألف دينار ربحك، فآثرت أن تخرج إليهما من حصتك فعلت، وإن آثرت أن تقيم على هذا الابتياع فعلت، فانفردا معي وقالا: أنت رجل شريف، وليست التجارة من شأنك، وتحتاج في الابتياع إلى أعوان وكفاة، وبذلا لي ثلاثين ألف دينار ففعلت، واستصوب أبو خالد فعلي، وقلت لأبي: تأمر في المال بأمرك، فقال: أحكم عليك فيه حكم أبي خالد في التاجرين، فأخذ الثلث، واشتريت بالثلث عقدة، وأنفقنا الباقي إلى أن أدّت بنا الحال إلى ما أدّت. ومن الرياسة الحلم والعفو والصفح: «230» - وقد ندب الله عز وجل إليه رسوله صلّى الله عليه وسلّم في قوله (فاصفح الصّفح الجميل) (الحجر: 85) . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أعزّ الله بجهل قط [2] ، ولا أذلّ بحلم قط. 231- وفي حديث آخر: ما عفا رجل عن مظلمة قطّ إلا زاده الله بها عزّا. 232- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث [3] خصال من لم   [1] ع م: وداهرا. [2] قط: سقطت من ر. [3] ثلاث: سقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 يكنّ فيه لم ينفعه الإيمان، حلم يردّ به جهل الجاهل، وورع يحجزه عن المحارم، وخلق يداري به الناس. «233» - ومرّ عيسى عليه السلام ببعض الخلق فشتموه، ثم مر بآخرين فشتموه فكلما قالوا شرا قال خيرا، فقال له رجل من الحواريين: كلما زادوك شرا زدتهم خيرا كأنك إنما تغريهم بنفسك وتحثهم على شتمك، فقال: كلّ إنسان يعطي مما عنده. وهذا وإن كان مخرجه مخرج الحلم فهو منه صلّى الله عليه وسلّم احتساب وتأديب. «234» - وشتم رجل الشعبيّ فقال: إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك. «235» - وقيل للحسن بن عليّ عليهما السلام: إنّ فلانا يقع فيك، فقال: ألقيتني في تعب، الآن أستغفر الله لي وله. «236» - وقال علي عليه السلام: أوّل عوض الحليم من حلمه أنّ الناس أنصار له على الجاهل. «237» - وقال: إن لم تكن حليما فتحلّم، فإنه قلّ من تشبّه بقوم إلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 أوشك أن يكون منهم. «238» - وقال عليه السلام: الحلم فدام السفيه. «239» - وقال: الحلم والأناة توأمان ينتجهما علوّ الهمة. «240» - قيل: اجعل الحلم عدّة للسفيه، وجنّة من ابتهاج الحاسد، فإنك لم تقابل سفيها بالاعراض عنه والاستخفاف بعقله إلا أذللته في نفسه، وسلّطت عليه الانتصار من غيرك، وإذا كافأته بمثل ما أتى وزنت قدرك بقدره ولم تنصر عليه. «241» - وقال المنتصر: لذة العفو أطيب من لذّة التشفي لأنّ لذة العفو يلحقها حمد العاقبة، وإن لذة التشفي يلحقها ذمّ الندم. «242» - وقال ابن المعتز: لا تشن وجه العفو بالتقريع. 24» - وقيل: ما عفا عن الذنب من قرّع عليه. «244» - قال كثير: [من الطويل] حليم إذا ما نال عاقب مجملا ... أشدّ العقاب أو عفا لم يثرّب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 فعفوا أمير المؤمنين وحسبة ... فما تحتسب من صالح لك يكتب أساءوا فإن تغفر فإنك أهله ... وأفضل حلم حسبة حلم مغضب «245» - وقال زهير بن أبي سلمى: [من الطويل] وذي نعمة تمّمتها وشكرتها ... وخصم يكاد يغلب الحقّ باطله دفعت بمعروف عن القول صائب ... إذا ما أضلّ القائلين مفاصله وذي خطل في القول تحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله عبأت له حلمي وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله «246» - وقال المرار بن سعيد: [من الطويل] إذا شئت يوما أن تسود عشيرة ... فبالحلم سد لا بالتسرّع والشّتم وللحلم خير فاعلمنّ مغبة ... من الجهل إلا أن تشمّس من ظلم «247» - وقف رجل عليه مقطّعات على الأحنف بن قيس يسبّه، وكان عمرو بن الأهتم جعل له ألف درهم على أن يسفّه الأحنف، وجعل لا يألو أن يسبّه سبّا يغضب، والأحنف مطرق صامت لا يكلمه. فلما رآه لا يكلّمه أقبل الرجل يعضّ إبهامه ويقول: يا سوأتاه والله ما يمنعه من جوابي إلّا هواني عليه. «248» - وقال رجل لرجل من آل الزبير كلاما أقذع فيه، فأعرض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 الزبيري عنه، ثم دار كلام فسب الزبيريّ عليّ بن الحسين فلم يجبه، فقال له الزبيري: ما يمنعك من جوابي؟ فقال علي: ما منعك من جواب الرجل. «249» - وقال رجل لرجل سبّه فلم يلتفت إليه: إيّاك أعني، فقال له الرجل: وعنك أعرض. «250» - وقال آخر: لو قلت واحدة لسمعت عشرا، فقال له الآخر: ولكنك لو قلت عشرا لما سمعت واحدة. «251» - وقال الشاعر في نحو ذلك: [من الكامل] ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني ... فأجوز ثم أقول لا يعنيني «252» - قال الأحنف: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره باحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه. «253» - وشتمه رجل فأمسك عنه، وأكثر الرجل إلى أن أراد الأحنف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 القيام للغداء، فأقبل على الرجل فقال: يا هذا إنّ غداءنا قد حضر فانهض بنا إليه إن شئت فإنك منذ اليوم تحدو بجمل ثفال. «254» - وروي عن رجل من أهل الشام قال: دخلت المدينة فرأيت راكبا على بغلة لم أر أحسن وجها ولا سمتا ولا ثوبا ولا دابة منه، فمال قلبي إليه، فسألت عنه فقيل: هذا الحسن بن علي بن أبي طالب فامتلأ قلبي له بغضا وحسدت عليا أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه فقلت له: أنت ابن أبي طالب؟ فقال: أنا ابن ابنه. قلت: فبك وبأبيك، أسبّهما، فلما انقضى كلامي قال: أحسبك غريبا، قلت: أجل، قال: فمل بنا، فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، أو إلى مال واسيناك، أو إلى حاجة عاوناك، قال: فانصرفت عنه وما على الأرض أحد أحبّ إليّ منه. «255» - وقال معاوية: ما وجدت لذّة شيء ألذّ عندي غبّا من غيظ أتجرّعه، ومن سفه بالحلم أقمعه. «256» - وقال له رجل: ما أشبه استك باست أمك، قال: ذاك الذي كان يعجب أبا سفيان منها. «257» - وأغلظ له رجل فاحتمله، وأفرط عليه فحلم عنه، فقيل له في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 ذلك فقال: إنا لا نحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا؛ وإلى هذا المعنى أشار أبو تمام بقوله: [من الطويل] جهول إذا أزرى التحلّم بالفتى ... حليم إذا أزرى بذي الحسب الجهل وكأنه ألمّ بقول سالم بن وابصة: [من البسيط] إنّ من الحلم ذلا أنت عارفه ... والحلم عن قدرة فضل من الكرم وقول الآخر: [من الطويل] قليل الأذى إلّا على القرن في الوغى ... كثير الأيادي واسع الذرع بالفضل ويحلم ما لم يجلب الحلم ذلّة ... ويجهل ما شدّت قوى الحلم بالجهل «258» - وقال عامر بن مالك ملاعب الأسنة: [من الطويل] دفعتكم عنّي وما دفع راحة ... بشيء إذا لم يستعن بالأنامل تضعّفني حلمي وكثرة جهلكم ... عليّ وأني لا أصول بجاهل «259» - وقال يزيد بن الحكم الكلابي: [من الطويل] دفعناكم بالقول حتى بطرتم ... وبالراح حتى كان دفع الأصابع فلما رأينا جهلكم غير منته ... وما غاب من أحلامكم غير راجع مسسنا من الآباء شيئا وكلنا ... إلى حسب في قومه غير واضع فلما بلغنا الأمهات وجدتم ... بني عمكم كانوا كرام المضاجع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 «260» - وكان معاوية مذكورا بالحلم، وأخباره فيه كثيرة، وقد دفعه قوم عن ذلك؛ ذكر عند ابن عبّاس رضي الله عنه بالحلم فقال: وهل أغمد سيفه وفي قلبه على أحد إحنة؟! وقال شريك بن عبد الله: لو كان معاوية حليما ما سفه الحق ولا قاتل عليا. وقال: لو كان حليما لما حمل أبناء العبيد على حرمه ولما أنكح إلا الأكفاء. وقال الآخر: كان معاوية يتعرّض، ويحلم إذا أسمع، ومن تعرّض للسفيه فهو سفيه. وقال آخر: كان يحبّ أن يظهر حلمه، وقد كان طار اسمه بذلك فأحبّ أن يزداد فيه. «261» - وكان معاوية يقول: إني لا أحمل السيف على من لا سيف له، وإن لم يكن إلا كلمة يشتفي بها مشتف جعلتها تحت قدمي ودبر أذني. «262» - وشهد أعرابيّ عند معاوية بشهادة، فقال له معاوية: كذبت، فقال له الأعرابيّ: الكاذب والله متزمّل في ثيابك، فقال معاوية: هذا جزاء من عجل. 263- كتب عمرو بن العاص إلى معاوية يعاتبه في التأني، فكتب إليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 معاوية: أما بعد، فإن التفهم في الخير زيادة ورشد، وان المتثبت مصيب والعجل مخطىء، وإن لم ينفعه الرفق ضرّه الخرق، ومن لم تعظه التجارب لم يدرك المعالي، ولا يبلغ الرجل أعلى المبالغ حتى يغلب حلمه جهله، والعاقل سليم من الزلل بالتثبت والأناة وترك العجلة، ولا يزال العجل يجتني ثمرة الندم. «264» - وقال معاوية يوما: ما ولدت قرشية خيرا لقريش مني، فقال ابن زرارة: بل ما ولدت شرا لهم منك، فقال: كيف؟ قال لأنك عوّدتهم عادة يطلبونها ممن بعدك فلا يجيبونهم إليها، فيحملون عليهم كحملهم عليك فلا يحتملون، وكأني بهم كالزقاق المنفوخة على طرقات المدينة. «265» - والأحنف بن قيس السعدي ثم أحد بني منقر قد اشتهر عند الناس بالحلم، وبذاك ساد عشيرته، وكان يقول: لست بحليم ولكني أتحالم، قلة رضى عن نفسه بما استكثره الناس منه، وهو اقتفى بقيس بن عاصم المنقريّ، وقال: كنا نختلف إليه في الحلم كما نختلف إلى الفقهاء في الفقه. «266» - وقال الأحنف: حضرت قيس بن عاصم وقد أتوه بابن أخ له قتل ابنه، فجاءوه به مكتوفا يقاد إليه، فقال: ذعرتم الفتى، ثم أقبل عليه فقال: يا بنيّ نقصت عددك، وأوهنت ركنك، وفتتّ في عضدك، وأشمتّ عدوك، وأسأت بقومك، خلّوا سبيله واحملوا إلى أمّ المقتول ديته، فانصرف القاتل وما حلّ قيس حبوته ولا تغيّر وجهه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 «267» - وقال الأحنف: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال. «268» - وقاتل بصفين فاشتدّ، فقيل له: أين الحلم يا أبا بحر؟ قال ذاك عند عقد الحبا. «269» - وجلس على باب زياد فمرت به ساقية فوضعت قربتها وقالت: يا شيخ احفظ قربتي حتى أعود، ومضت، وأتاه الآذن فقال: انهض، قال: لا فان معي وديعة. «270» - وقال: من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، وربّ غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشدّ منه. «271» - وأسمعه رجل وأكثر فقال: يا هذا ما ستر الله أكثر. «272» - ركب عمرو بن العاص يوما بغلة له شهباء، ومضى على قوم جلوس، فقال بعضهم: من يقوم إلى الأمير فيسأله عن أمه وله عشرة آلاف؟ فقال واحد منهم: أنا، فقام إليه فأخذ بعنانه وقال: أصلح الله الأمير، أنت أكرم الناس خيلا فلم تركب دابّة قد شاب وجهها؟ فقال: اني لا أملّ دابتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 حتى تملّني، ولا أملّ رفيقي حتى يملّني، إنّ الملالة من كدر الأخلاق، فقال: أصلح الله الأمير، أما العاص بن وائل فقد عرفنا شرفه ونسبه ومنصبه، فمن أمّ الأمير أصلحه الله؟ قال: على الخبير وقعت، أمي النابغة بنت حرملة من عنزة ثم من بني جلّان، سبتها رماح العرب فأتي بها سوق عكاظ فبيعت فاشتراها عبد الله بن جدعان ووهبها للعاص بن وائل فولدت فأنجبت، فإن كان جعل لك جعل فامض فخذه، خلّ عنان الدابة. وقد قيل إنها كانت بغيّا عند عبد الله بن جدعان، فوطئها في طهر واحد أبو لهب وأميّة بن خلف وهشام بن المغيرة وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل، فولدت عمرا فادعاه كلهم، فحكّمت فيه أمّه فقالت: هو للعاص، لأن العاص كان ينفق عليها، وقالوا: كان أشبه بأبي سفيان. «273» - ودخل عمرو مكة فرأى قوما من قريش قد جلسوا حلقة، فلما رأوه رموه بأبصارهم، فعدل إليهم وقال: أحسبكم كنتم في شيء من ذكري، قالوا: أجل، كنا نميّل بينك وبين أخيك هشام أيكما أفضل، فقال عمرو: إنّ لهشام عليّ أربعة: أمه ابنة هشام بن المغيرة وأمي من قد عرفتم، وكان أحبّ إلى أبي مني وقد عرفتم الوالد بالولد، وأسلم قبلي واستشهد وبقيت. 274- كان داود بن علي بن عبد الله بن العبّاس أديبا عاقلا جميلا جوادا فقيها عالما، وكان بينه وبين رجل من آل أبي معيط كلام في دولة بني أمية، فقدم داود العراق على خالد بن عبد الله القسري، فلقيه المعيطي في بعض الطرق فأخذ بلجام بغلته ثم أسمعه ما يكره، وداود منصت حتى قضى كلامه، فقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 له داود: فرغت من كلامك؟ قال: نعم، قال: أما لو كان خيرا ما سبقتني إليه. «275» - وكان أبو جعفر المنصور شديد السطوة سريع الانتقام، وعدّت له فعلة كريمة في العفو، روي أنه خطب فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكّل عليه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، واعترضه معترض عن يمينه فقال: أيها الإنسان، أذكّرك من ذكّرت به، فقطع الخطبة وقال: سمعا سمعا لمن حفظ الله وذكّر به، وأعوذ بالله أن أكون جبّارا عنيدا، وأن تأخذني العزة بالاثم، قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين؛ وأنت أيها القائل فو الله ما الله أردت بها، ولكنك حاولت أن يقال: قام فقال فعوقب فصبر، وأهون بها ويلك لو هممت، وأهيب لها إذ عفوت، وإياكم معشر الناس مثلها، فإن الحكمة علينا نزلت، ومن عندنا فصلت، فردّوا الأمر إلى أهله يوردوه موارده ويصدروه مصادره، ثم عاد في خطبته كأنما يقرأها من كفّه: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. «276» - جرى بين أبي مسلم صاحب الدعوة وبين شهرام المروزي كلام، فسبّه شهرام، فحلم عنه أبو مسلم وقال: لسان سبق ووهم أخطأ، والغضب غول الحلم، وأنا قسيمك في الذنب حين جرّأتك بالحلم والاحتمال، فأشفق شهرام فاعتذر وأطنب، فقال أبو مسلم: قد صفحت عنك فليفرخ روعك، فقال شهرام: إن ذنبي يأبى أن يقارّ قلبي السكون، فقال أبو مسلم: إن العجب أن تسيء وأحسن، ثم تحسن وأسيء، فقال: الآن وثقت بعفوك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 «277» - قالت خالدة بنت هاشم بن عبد مناف لأخ لها، وقد سمعته يتجهم [1] صديقا له: أي أخي، لا تطلع من الكلام إلا ما قد روّيت [2] فيه قبل ذلك ومن أجبته بالحلم وداويته بالرفق فإن ذلك أشبه بك، فسمعها أبوها هاشم فقام إليها فاعتنقها وقبلها وقال: واها لك يا قبّة الديباج، فلقبت بذلك. «278» - وممن أوتي الحلم طبعا لا تحلّما، ومنح كرم الأخلاق لا تكرما المأمون، كان يقول: لقد حبّب إليّ العفو حتى أظنّ أني لا أثاب عليه. عفا عمن نازعه رداء الملك، كما عفا عمن نازعه درة الكأس، فعفوه عن إبراهيم ابن المهدي بعد أن بويع بالخلافة مشهور، وكذاك عفا عن الفضل بن الربيع وهو الذي جلب الحرب بينه وبين أخيه الأمين، وعفا عن الحسين بن الضحاك وقد أمعن في هجائه ممايلة لأخيه، وبالغ في الإشادة بتقبيح ذكره. «279» - قال عمرو بن بانة: كنت عند صالح بن الرشيد، فقال لي: لست تطرح على جواريّ وغلماني من الغناء ما أستجيده، فبعثت إلى منزلي فجئته بدفاتر الغناء ليختار منها ما يرضيه، فأخذ دفترا منها فتصفحه فمرّ به شعر للحسين ابن الضحاك يرثي الأمين ويهجو المأمون وهو: [من الطويل] أطل جزعا وابك الامام محمدا ... بحزن وإن خفت الحسام المهندا فلا تمّت الأشياء بعد محمد ... ولا زال شمل الملك عنه مبدّدا ولا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدنيا طريدا مشردا   [1] م: يتهجم. [2] م ر: روأت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 فقال لي صالح: أنت تعلم أنّ المأمون يجيء إليّ في كلّ ساعة، فإذا قرأ هذا ما تراه يكون فاعلا؟ فدعا بسكين وجعل يحكه، وصعد المأمون من الدرجة، فرمى صالح بالدفتر، فقال المأمون: يا غلام الدفتر، فأتي به فنظر فيه ووقف على الحكّ وقال: إن قلت لكم ما كنتم فيه تصدقوني؟ قلنا: نعم. قال: ينبغي أن يكون أخي قال لك: ابعث بدفاترك ليتخيّر ما يطرحه على الجواري، فوقف على هذا الشعر فكره أن أراه فأمر بحكه، قلنا: كذا كان، قال: غنّه يا عمرو، فقلت: يا أمير المؤمنين: الشعر للحسين بن الضحاك والغناء لسعيد بن جابر، فقال: وما يكون؟ غنّه، فغنيته، فقال اردده، فرددته ثلاث مرات، فأمر لي بثلاثين ألف درهم وقال: حتى تعلم أنه لم يضرّك عندي. 280- قال ابن أبي داود: سمعت المأمون يقول لرجل: إنما هو عذر أو يمين، وقد وهبتهما لك، فلا تزال تسيء وأحسن، وتذنب وأعفو، حتى يكون العفو هو الذي يصلحك. «281» - قال حمدون بن إسماعيل: ما كان في الخلفاء أحلم من الواثق ولا أصبر على أذى وخلاف، وكان يعجبه غناء أبي حشيشة الطنبوري، فوجد المسدود الطنبوري من ذلك، فكان يبلغه عنه ما يكره فيتجاوز، وكان المسدود قد هجاه ببيتين كانا معه في رقعته، وفي رقعة أخرى حاجة له يريد أن يرفعها إليه، فناوله رقعة الشعر وهو يرى أنها رقعة الحاجة، فقرأها الواثق فإذا فيها: [من الهزج] من المسدود في الأنف ... إلى المسدود في العين أنا طبل له شقّ ... فّيا طبلا بشقين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وكانت في عين الواثق نكتة، فلما قرأ الرقعة علم أنها فيه، فقال للمسدود: غلطت بين الرقعتين فاحذر أن يقع مثل هذا عليك، فما زاده على هذا القول شيئا ولا تغيّر له عما كان عليه. وكان الواثق يتشبه بالمأمون في أخلاقه وحلمه، ويسمّى المأمون الصغير، وهو رباه دون أبيه وخرّجه فتقيّل أفعاله وكاد ولم يبلغ. 282- قال يحيى بن الربيع: رأيت قوما يسألون يحيى بن خالد بن برمك حاجة فقال: ما يمكنني، فقالوا: نسألك بحق الله، قال: وحقّ الله لا يمكنني، قالوا: فنسألك بحق ماني، فتغير وجهه، وساءني ذلك وهممت والله بهم، فكفّني عنهم وقال: لا تفعل، ولم يقل لهم شيئا ولا ردّ عليهم جوابا، فحدثت بهذا الفضل بن الربيع فقال: قاتله الله ما أشدّ استدامته للنعم. 283- وقال الشعبي: أول إشارات [1] العفو التّثبت. 284- وقال أبو حازم: التأني في العقوبة طرف من العفو. «285» - دخلت ابنة مروان بن محمد على عبد الله بن علي فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال: لست به، قالت: السلام عليك أيها الأمير، قال: وعليك السلام، فقالت: ليسعنا عدلك، قال: إذن لا نبقي على الأرض منكم أحدا لأنكم حاربتم عليّ بن أبي طالب ودفعتم حقّه، وسممتم الحسن ونقضتم شرطه، وقتلتم الحسين وسيّرتم رأسه، وقتلتم زيدا وصلبتم جسده، وقتلتم يحيى بن زيد ومثّلتم به، ولعنتم عليّ بن أبي طالب على منابركم، وضربتم علي بن عبد الله ظلما بسياطكم، وحبستم   [1] ر م: بشارات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 الامام في حبسكم، فعدلنا ألا نبقي منكم أحدا، قالت: فليسعنا عفوك، قال: أما هذا فنعم، وأمر بردّ أموالها عليها، ثم قال: [من الطويل] سننتم علينا القتل، لا تنكرونه ... فذوقوا كما ذقنا على سالف الدهر «286» - لما قال عبد الله بن طاهر قصيدته التي يفخر فيها بمآثر أبيه وقومه [1] وقتلهم المخلوع، عارضه محمد بن يزيد الأموي الحصنيّ، وهو من ولد مسلمة ابن عبد الملك، فأفرط في السبّ وتجاوز الحدّ في قبح الردّ، وتوسط بين القوم [2] وبين بني هاشم فأربى في التوسط والتعصّب، فكان فيما قال: [من المديد] يا ابن بيت النار موقدها ... ما لحاذيه سراويل من حسين من أبوك ومن ... مصعب غالتهم غول نسب عمرك [3] مؤتشب ... وأبوّات أراذيل [4] قاتل المخلوع مقتول ... ودم المقتول مطلول وهي قصيدة طويلة. فلما ولي عبد الله مصر وردّ إليه تدبير الشام [5] ، علم الحصنيّ أنه لا يفلت منه إن هرب، ولا ينجو من يده حيث حلّ، فثبت في موضعه، وأحرز حرمه، وترك أمواله ودوابّه وكلّ ما يملكه في موضعه، وفتح باب حصنه وجلس عليه، وتوقع الناس من عبد الله بن طاهر أن يوقع به. قال محمد بن الفضل الخراساني: فلما شارفنا بلده وكنّا على أن نصبّحه دعاني عبد الله   [1] م والأغاني: وأهله. [2] بين القوم و: سقطت من ر. [3] الأغاني: نسب في الفخر. [4] ر: أواذيل. [5] الأغاني: تدبير أمر الشام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 في الليل فقال لي: بت عندي [1] وليكن فرسك معدّا عندك لا يرد. فلما كان في السحر أمر أصحابه وغلمانه ألا يرحلوا حتى تطلع الشمس، وركب في السحر وأنا وخمسة من خواصّ غلمانه معه، فسار حتى صبّح الحصن [2] ، فرأى بابه مفتوحا ورآه جالسا مسترسلا، فقصده وسلّم عليه ونزل عنده وقال له: ما أجلسك ها هنا وحملك على أن فتحت بابك ولم تتحصّن من هذا الجيش المقبل، ولم تتنحّ عن عبد الله بن طاهر مع ما في نفسه عليك، ومع ما بلغه عنك؟ فقال له: إنّ ما قلت لم يذهب عليّ، ولكن تأمّلت أمري، وعلمت أني قد أخطأت خطيئة حملني عليها نزق الشباب وغرّة الحداثة، وأني إن هربت منه لم أفته، فباعدت البنات والحرم [3] ، واستسلمت بنفسي وكلّ ما أملك، فإنا أهل بيت قد أسرع القتل فينا، ولي بمن مضى أسوة، فإني أثق بأنّ الرجل إذا قتلني وأخذ مالي شفى غيظه ولم يتجاوز ذلك إلى الحرم ولا له فيهنّ أرب، ولا يوجب جرمي إليه أكثر مما بذلته له؛ قال: فوالله ما اتقاه عبد الله إلا بدموعه تجري على لحيته ثم قال له: أتعرفني؟ قال: لا والله، قال: أنا عبد الله بن طاهر وقد أمّن الله روعك [4] ، وحقن دمك، وصان حرمك، وحرس نعمتك، وعفا عن ذنبك، وما تعجّلت إليك وحدي إلا لتأمن قبل هجوم الجيش، ولئلا يخالط عفوي عنك روعة تلحقك؛ فبكى الحصنيّ وقام فقبّل رأسه، وضمّه عبد الله إليه وأدناه، ثم قال له: إما لا فلا بدّ من عتاب يا أخي، جعلني الله فداك، قلت شعرا في قومي أفخر بهم لم أطعن فيه على حسبك، ولا أدّعيت فضلا عليك، وفخرت بقتل رجل هو وإن كان من قومك فهم القوم الذين ثارك عندهم، وقد كان يسعك السكوت أو إن لم   [1] زاد في الأغاني: الليلة. [2] م والأغاني: الحصني. [3] م: الثبات والحزم. [4] الأغاني: روعتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 تسكت ألا تغرق وتسرف، فقال: أيها الأمير قد عفوت، فاجعله العفو الذي لا يخلطه تثريب، ولا يكدّر صفوه تأنيب، قال: قد فعلت، فقم بنا ندخل إلى منزلك حتى نوجب عليك حقا بالضيافة، فقام مسرورا فأدخلنا منزله فأتى بالطعام كأنه قد أعده، فأكلنا وجلسنا نشرب في مستشرف له، وأقبل الجيش فأمرني عبد الله أن أتلقاهم فأرحّلهم، ولا ينزل منهم أحد إلا في المنزل، وهو على ثلاثة فراسخ، فنزلت فرحلتهم، وأقام عنده إلى العصر، ثم دعا بدواة فكتب له بتسويغه خراجه ثلاث سنين، وقال له: إن نشطت لنا فالحق بنا وإلا فأقم بمكانك، فقال: أنا أتجهز والحق بالأمير، ففعل ولحق بنا مصر فلم يزل مع عبد الله لا يفارقه حتى رحل إلى العراق، فودّعه وأقام ببلده. «287» - كان عبد الله بن الزبير قد هجا آل الزّبير، وأفرط في العصبية لآل مروان فمن قوله: [من الطويل] ففي رجب أو غرّة الشهر بعده ... تزوركم [1] حمر المنايا وسودها ثمانون ألفا دين عثمان دينهم [2] ... كتائب فيها جبرئيل يقودها فمن عاش منكم عاش عبدا ومن يمت ... ففي النار سقياه هناك صديدها فلما ولي مصعب العراق أدخل إليه عبد الله بن الزّبير، فقال له: إيه يا ابن الزّبير أنت القائل: إلى رجب السبعين أو ذلك قبله، وذلك الشعر، فقال: نعم أنا القائل ذلك [3] ، وإنّ الحقين ليأبى العذرة، ولو قدرت على   [1] الأغاني: إلى رجب السبعين أو ذاك قبله تصبحكم. [2] الأغاني: ثمانون ألفا نصر مروان دينهم. [3] م: لذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 جحده لجحدته، فاصنع ما أنت صانع، قال: أما إني لا أصنع إلا خيرا، أحسن قوم إليك فأحببتهم وواليتهم فمدحتهم، وأمر له بجائزة وكسوة وردّه إلى منزله مكرّما، فكان ابن الزّبير بعد ذلك يمدحه ويشيد بذكره. «288» - قال أبو الفضل العباس بن أحمد بن ثوابة: قدم البحتريّ النيل على أحمد بن عليّ الاسكافي مادحا له، فلم يثبه ثوابا يرضاه بعد أن طالت مدته عنده، فهجاه بقصيدته التي يقول فيها: [من الخفيف] ما كسبنا من أحمد [1] بن عليّ ... ومن النيل غير حمّى النيل وهجاه بقصيدة أخرى أولها: [من الخفيف] قصة النيل فاسمعوها عجابه فجمع إلى هجائه إياه هجاء لبني ثوابة، وبلغ ذلك أبي فبعث إليه بألف [2] درهم وثيابا ودابة بسرجه ولجامه، فردّه وقال: قد أسلفتكم إساءة لا يجوز معها قبول صلتكم، فكتب إليه أبي: أما الإساءة فمغفورة، وأما المعذرة فمشكورة، والحسنات يذهبن السيئات، وما يأسو جراحك مثل يدك، فقد رددت إليك ما رددته عليّ وأضعفته، فإن تلافيت ما فرط منك أثبنا وشكرنا، وإن لم تفعل احتملنا وصبرنا. فقبل ما بعث به وكتب إليه: كلامك   [1] م: لأحمد. [2] م: ألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 والله أحسن من شعري، وقد أسلفتني ما أخجلني، وحمّلتني ما أثقلني، وسيأتيك ثنائي، ثم غدا عليه بقصيدة أولها: [من الطويل] ضلال لها ماذا أرادت من الصدّ وقال فيه بعد ذلك: [من المنسرح] برق أضاء العقيق من ضرمه وأيضا: [من الخفيف] أن دعاه داعي الصّبا فأجابه قال: ولم يزل أبي بعد ذلك يصله ويتابع برّه لديه حتى افترقا. 289- غضب كعب الأحبار على غلامه فحذفه بالدواة فشجه، فقيل له: أنت في حلمك تغضب؟ قال: قد غضب خالق الحلم. 290- قال معاوية لابنه، وقد رآه ضرب غلاما له: إياك يا بني والتشفي ممن لا يمتنع منك، فو الله لقد حالت القدرة بين أبيك وبين ذوي تراته، ولهذا قيل: القدرة تذهب الحفيظة. 291- وقال مالك بن أسماء: [من الكامل] لما أتاني عن عيينة أنه ... عان عليه تظاهر الأقياد تركت له نفسي الحفيظة إنه ... عند التمكن تذهب الأحقاد «292» - قال الربيع: بلغ المنصور قتل عبد الله بن علي من قتل من بني أمية فقال: قاتله الله، ألا تركهم حتى يرغبوا إلينا كما رغبنا إليهم، ويروا من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 ملكنا ودولتنا مثل الذي رأينا من ملكهم ودولتهم، وكان القتل بعد أقبح من العفو (وهو يشبه كلاما لعبد الله بن الحسن قد تقدم ذكره) . «293» - قال معاوية: ما غضبي على من أملك وما غضبي على من [1] لا أملك. «294» - وأتي عمر بن عبد العزيز برجل كان واجدا عليه فأمر بضربه، ثم قال: لولا أنّي غاضب لضربتك، ثم خلّى سبيله ولم يضربه. «295» - سبّ رجل من قريش في أيام بني أمية بعض أولاد الحسن بن علي عليهما السلام فأغلظ له وهو ساكت، والناس يعجبون من صبره عليه، فلما أطال أقبل عليه الحسنيّ متمثلا قول ابن ميادة: [من الطويل] أظنت وذاكم من سفاهة رأيها ... أن اهجوها كما هجتني محارب «296» - قال رجل لعمر بن عبد العزيز: إنّ فلانا يقع فيك، فقال: والله إني لأدع الانتصار وأنا أقدر عليه، وأدع الصغيرة مخافة الكبيرة، وإن التقيّ ملجم. «297» - قال أنوشروان: وجدنا للعفو من اللذة ما لم نجده للعقوبة.   [1] ر: ما؛ م: إلا على ما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 «298» - وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: عفو الملوك بقاء للملك. «299» - وفي بعض الكتب أن كثرة العفو زيادة في العمر، وأصله قوله تعالى: وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (الرعد: 17) . «300» - قال معاوية: إني لآنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي (وهذه دعوى عالية الرتبة إن قاربت الفعل استحق صاحبها صفة الكمال) . «301» - قال عمر بن عبد العزيز: متى أشفي غيظي؟ أحين أقدر فيقال: ألا غفرت، أم حين أعجز فيقال: ألا صبرت؟ «302» - وقال إبراهيم بن أدهم: أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلّا الحقّ فما أجده. «303» - أغلظ رجل لعمر بن عبد العزيز فأطرق طويلا ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بعزّ السلطان فأنال منك ما تناله مني غدا؟! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 «304» - قال الحسن: المؤمن لا يجهل، وان جهل عليه حلم؛ لا يظلم وإن ظلم غفر؛ لا يبخل وإن بخل عليه صبر. «305» - وقال أكثم بن صيفي: الصبر على جرع الحلم أعذب من جني ثمر الندم. «306» - قال الشعبي: لا يكون الرجل سيدا حتى يعمل ببيتي الهذلي: [من الطويل] وإنّي للبّاس على المقت والقلى ... بني العم منهم كاشح وحسود أذبّ وأرمي بالحصى من ورائهم ... وأبدأ بالحسنى لهم وأعود «307» - الأحنف: [من الوافر] وذي ضغن أمتّ القول عنه ... بحلم فاستمرّ على القتال ومن يحلم وليس له سفيه ... يلاق المعضلات من الرجال «308» - معد بن حسين بن خيارة الفارسيّ المغربيّ: [من الطويل] إذا الحرّ لم يحمل على الصبر نفسه ... تضعضع وامتدّت إليه يد العبد «309» - وقف أحمد بن عروة بين يدي المأمون لما عزله عن الأهواز، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 فقال له: خرّبت البلاد، وقتلت العباد، والله لأفعلنّ بك ولأفعلنّ، قال: يا أمير المؤمنين ما تحبّ أن يفعل الله بك إذا وقفت بين يديه وقد قرّعك بذنوبك؟ قال: العفو والصفح، قال: يا أمير المؤمنين، فافعل بعبدك ما تحبّ أن يفعل بك مولاك، قال: قد فعلت، ارجع فوال مستعطف خير من وال مستأنف. «310» - قال المأمون للفضل بن الربيع: يا فضل، أكان حقي عليك وحقّ آبائي ونعمهم عند أبيك وعندك أن تثلبني وتشتمني وتحرّض على دمي؟ أتحبّ أن أفعل بك مع القدرة ما أردت أن تفعله بي مع العجز؟ فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، إن عذري يحقدك إذا كان واضحا جميلا، فكيف إذا غيّبته العيوب وقبّحته الذنوب؟ فلا يضق عنّي من عفوك ما وسع غيري من حلمك، فانت والله كما قال الشاعر: [من الطويل] صفوح عن الاجرام حتى كأنه ... من العفو لم يعرف من الناس مجرما وليس يبالي أن يكون به الأذى ... إذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما «311» - قال يزيد بن مزيد: أرسل إليّ الرشيد ليلا يدعوني، فأوجست منه خيفة فقال: أنت القائل: أنا ركن الدولة والثائر لها، والضارب أعناق بغاتها، لا أم لك، أيّ ركن لك، وأيّ ثائر أنت؟ وهل كان منك فيها إلا نفحة أرنب رعبت قطاة جثمت بمفحصها؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما قلت هذا إنما قلت: أنا عبد الدولة والفائز بها؛ فأطرق وجعل ينحلّ غضبه عن وجهه، ثم ضحك، فقلت: أسرّ من هذا قولي: [من البسيط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 خلافة الله في هارون ثابتة ... وفي بنيه إلى أن ينفخ الصور إرث النبيّ لكم من دون غيركم ... حقّ من الله في القرآن مسطور فقال: يا فضل أعطه مائتي ألف درهم قبل أن يصبح. «312» - مدح شاعر زبيدة فقال: [من الكامل المجزوء] أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكفّ من الرغاب فتبادر العبيد ليوقعوا به، فقالت زبيدة: كفوا عنه فلم يرد إلا خيرا، ومن أراد خيرا فاخطأ خير ممن أراد شرا فأصاب؛ سمع الناس يقولون وجهك أحسن من وجه غيرك، وشمالك أندى من يمنى سواك، وقدّر أن هذا مثل ذاك، أعطوه ما أمّل، وعرّفوه ما جهل. «313» - تقلّد فرج الرخجي الأهواز، واتصلت السعايات به، وتظلمت رعيّته منه فصرفه الرشيد بمحمد بن أبان الأنباري؛ قال مطير [1] بن سعيد كاتب فرج: فأحضره الرشيد وحضرنا معه، ولسنا نشك في إيقاعه به وإزالة نعمته، فوقفنا ننتظره يخرج على حال نكرهها، إذ خرج وعليه الخلع، فلما خلا سألته عن خبره فقال لي: دخلت إليه ووجهه في الحائط [2] وظهره إليّ، فلما أحسّ بي شتمني أقبح شتم، وتوعّدني أشدّ توعّد، ثم قال لي: يا ابن الفاعلة رفعتك فوق قدرك، وائتمنتك فخنتني، وسرقت مالي، وفعلت وصنعت،   [1] الجهشياري: مظهر. [2] الجهشياري: إلى المغرب؛ م: إلى الحائط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 لأفعلنّ ولأصنعنّ، فلما سكن قلت له: القول قول سيدي، أمّا ما قال في إنعامه عليّ فهو صحيح وأكثر منه، وحلفت له بأيمان أكدتها [1] لقد نصحت وما سرقت، ووفّرت وما خنت، واستقصيت في طلب حقوقه من غير ظلم، ولكني كنت إذا حضرت أوقات الغلات جمعت التجار وناديت عليها، فإذا تقررت العطايا أنفذت البيع، وجعلت لي مع التجار حصة، فربما ربحت وربما وضعت، إلى أن جمعت [2] من ذلك وغيره في عدة سنين عشرة آلاف ألف درهم، فاتخذت أزجا كبيرا فأودعته المال وسددته عليه، فخذه وحوّل وجهك إليّ، وكررت القول والحلف على صدقي، فقال لي: بارك الله لك في مالك، فارجع إلى عملك. «314» - قال الجاحظ: ليس نفس تصبر على مضض الحقد ومطاولة الأيّام صبر الملوك، أشهد لكنت من الرشيد وهو متعلّق بأستار الكعبة بحيث يمسّ ثوبي ثوبه ويدي يده، وهو يقول في مناجاته: اللهمّ إني أستخيرك في قتل جعفر، ثم قتله بعد ذلك بستّ سنين. «315» - قال ابن عبّاس لمعاوية: هل لك في مناظرتي فيما زعمت؟ قال: وما تصنع بذلك؟ فأشغب بك وتشغب بي، فيبقى في قلبك ما لا   [1] م: بالأيمان وأكدتها. [2] م: أجمع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 ينفعك، ويبقى في قلبي ما يضرّك. «316» - كان ابن عون إذا وجد على إنسان وبلغ منه قال له: بارك الله فيك، وكانت له ناقة كريمة عليه، فضربها الغلام فأندر عينها فقالوا: إن غضب ابن عون فهو يغضب اليوم، فقال للغلام: غفر الله لك. 317- ويقال: انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب؟ وما علمك بأمانته إذا لم يطمع؟ «318» - بينا أبو العبّاس السفّاح يحدّث أبا بكر الهذلي، فعصفت الريح فأذرت طستا من سطح إلى المجلس، فارتاع من حضر ولم يتحوّل الهذليّ ولم تزل عينه مطابقة لعين السفاح، فقال: ما أعجب شأنك يا هذلي!! فقال: إن الله تعالى يقول: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (الأحزاب: 4) وإنما لي قلب واحد، فلما غمره السرور بفائدة أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال، فلو انقلبت الخضراء على البيضاء ما أحسست بها ولا وجمت لها، فقال السفاح: لئن بقيت لأرفعنّ منك ضبعا لا تطيف [1] به السّباع ولا تنحطّ عليه العقبان. «319» - وقال معاوية، يغلب الملك حتى يركب بالحلم عند سورته والاصغاء إلى حديثه. ومن الشرف والرياسة حفظ الجوار وحمي الذمار: وكانت العرب ترى ذلك دينا تدعو إليه، وحقا واجبا تحافظ عليه.   [1] ر: تطرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 «320» - كان أبو سفيان بن حرب إذا نزل بن جار قال: يا هذا إنك اخترتني جارا، واخترت داري دارا، فجناية يدك عليّ دونك، وإن جنت عليك يد فاحتكم حكم الصبيّ على أهله. «321» - وذكر أبو عبيدة أن رجلا من السواقط من بني أبي بكر بن كلاب- والسواقط من قدم اليمامة ووردها من غير أهلها- قدم اليمامة ومعه أخ له، فكتب له عمير بن سلميّ أنه جار له، وكان أخو هذا الكلابي جميلا، فقال له قرين أخو عمير: لا تردنّ أبياتنا هذه بأخيك هذا؛ فرآه بعد بين أبياتهم فقتله، قال أبو عبيدة: وأما المولى فذكر أن قرينا أخا عمير كان يتحدّث إلى امرأة أخي الكلابيّ، فغيّر ذلك عليه زوجها فخافه قرين فقتله، وكان عمير غائبا، فأتى الكلابيّ قبر سلميّ أبي عمير وقرين فاستجار به وقال: [من الكامل] وإذا استجرت من اليمامة فاستجر ... زيد بن يربوع وآل مجمّع وأتيت سلميّا فعذت بقبره ... وأخو الزمانة عائذ بالأمنع أقرين إنّك لو رأيت فوارسي ... بعمايتين إلى جوانب ضلفع [1] حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع (الإصبع موضعها ها هنا موضع اليد، يقال: لفلان عليك يد، وله عليك إصبع، والمراد النعمة، والعرب تقول: هو مغلّ الإصبع من أغل إذا خان وهو الذي يخدّ بإصبعه حتى يستسيل الودك) [2] .   [1] عمايتان وضلفع أسماء أمكنة. [2] الاصبع ... الودك: سقط من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 فلجأ قرين إلى قتادة بن مسلمة بن عبيد بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة، فحمل قتادة إلى الكلابيّ ديات مضاعفة، وفعلت وجوه بني حنيفة مثل ذلك، فأبى الكلابيّ أن يقبل؛ فلما قدم عمير قالت له أمه، وهي أم قرين: لا تقتل أخاك، وسق إلى الكلابيّ جميع ماله، فأبى الكلابيّ أن يقبل وقد لجأ قرين إلى خاله السمين بن عبد الله، فلم يمنع عميرا منه، فأخذه عمير فمضى به حتى قطع الوادي فربطه إلى نخلة وقال للكلابيّ: أما إذ أبيت إلا قتله فأمهل حتى أقطع الوادي، وارتحل عن جواري فلا خير لك فيه، فقتله الكلابيّ، ففي ذلك يقول عمير: [من الطويل] قتلنا أخانا بالوفاء لجارنا ... وكان أبونا قد تجير مقابره وقالت أم عمير: [من الوافر] تعدّ معاذرا لا عذر فيها ... ومن يقتل أخاه فقد ألاما «322» - جاور عروة بن مرّة أخو أبي خراش الهذلي ثمالة من الأزد، فجلس يوما بفناء بيته آمنا لا يخاف شيئا، فاستقبله رجل منهم بسهم فقصم صلبه، ففي ذلك يقول أبو خراش: [من الكامل] لعن الإله وجوه قوم رضّع ... غدروا بعروة من بني بلّال وأسر خراش بن أبي خراش، أسرته ثمالة، فكان فيهم مقيما، فدعا آسره رجلا منهم يوما للمنادمة، فرأى ابن ابي خراش موثقا في القدّ، فأمهل حتى قام الآسر لحاجة، فقال المدعوّ لابن أبي خراش: من أنت؟ فقال: ابن أبي خراش فقال: كيف دلّيلاك؟ فقال: قطاة، قال: فقم فاجلس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 ورائي، وألقى عليه رداءه، ورجع صاحبه، فلما رأى ذلك أصلت له بالسيف وقال له: أسيري، فنثل المجير كنانته وقال: والله لأرمينّك إن رميته، فإني قد أجرته، فخلّى عنه؛ فنجا إلى أبيه فقال له: من أجارك؟ قال: والله ما أعرفه، فقال أبو خراش: [من الطويل] حمدت الهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشرّ أهون من بعض يقول فيها: ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... سوى أنه قد سلّ عن ماجد محض «323» - وكان الفرزدق شريفا، وكان يجير من عاذ بقبر أبيه غالب بن صعصعة، فممن استجار بقبره فأجاره امرأة من بني جعفر بن كلاب خافت لما هجا الفرزدق بني جعفر أن يسمّيها ويسبّها، فعاذت بقبر أبيه، فلم يذكر لها اسما ولا نسبا، ولكن قال في كلمته التي يهجو فيها بني جعفر بن كلاب: [من الطويل] عجوز تصلّي الخمس عاذت بغالب ... فلا والذي عاذت به لا أضيرها «324» - ومن ذلك أنّ الحجاج لما ولّى تميم بن زيد القيني السنّد، دخل البصرة فجعل يخرج من أهلها من شاء، فجاءت عجوز إلى الفرزدق فقالت: إني استجرت بقبر أبيك، وأتت منه بحصيّات، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن تميم بن زيد خرج بابن لي معه، ولا قرّة لعيني ولا كاسب عليّ غيره، فقال لها: وما اسم ابنك؟ قالت: حبيش، فكتب إلى تميم مع بعض من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 شخص: [من الطويل] تميم بن زيد لا تكوننّ حاجتي ... بظهر ولا يعيا عليّ جوابها وهب لي حبيشا واحتسب منه منّة ... لعبرة أمّ ما يسوغ شرابها أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافي عليها ترابها وقد علم الأقوام أنك ماجد ... وليت إذا ما الحرب شبّ شهابها فلما ورد الكتاب على تميم تشكّك في الاسم فقال: أحبيش أم خنيس؟ فقال: انظروا من له مثل هذا الاسم في عسكرنا، فأصيب ستة ما بين حبيش وخنيس، فوجّه بهم إليه. «325» - ومنهم مكاتب لبني منقر، ظلع بمكاتبته فأتى قبر غالب فاستجار به، وأخذ منه حصيّات فشدّهنّ في عمامته، ثم أتى الفرزدق فأخبره خبره وقال: إني قد قلت شعرا، فقال: هاته، فقال: [من الطويل] بقبر ابن ليلى غالب عذت بعدما ... خشيت الردى أو أن أردّ على قسر بقبر امرىء تقري المجير [1] عظامه ... ولم يك إلا غالبا ميّت يقري فقال لي استقدم أمامك إنما ... فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر فقال له الفرزدق ما اسمك؟ قال: لهذم، قال: يا لهذم، حكمك مشتطا [2] ، قال: ناقة كوماء سوداء الحدقة [3] ، قال: يا جارية اطرحي إلينا حبلا، ثم قال: يا لهذم اخرج بنا إلى المربد فألقه في عنق ما شئت، فتخيّر العبد على عينه، ثم رمى بالحبل في عنق ناقة، وجاء صاحبها فقال له   [1] م والكامل: المئين. [2] الكامل: مسمطا. [3] م: سوداء الحدقة كوماء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 الفرزدق: اغد عليّ [في] ثمنها، قال: فجعل لهذم يقودها والفرزدق يسوقها حتى إذا نفذ بها من البيوت إلى الصحراء صاح به الفرزدق: يا لهذم قبّح الله أخسرنا. «326» - كان أحمد بن أبي داود من المتقدمين في علوّ الهمة وحفظ الجوار، قال أبو العيناء: كان سبب اتصالي بأحمد بن أبي داود أن قوما من أهل البصرة عادوني وادّعوا عليّ دعاوى كثيرة، منها أنني رافضي، فاحتجت إلى أن خرجت عن البصرة إلى سرّ من رأى، وألقيت نفسي على ابن أبي داود وكنت نازلا في داره أجالسه في كلّ يوم، وبلغ القوم خبري فشخصوا نحوي إلى سرّ من رأى، فقلت له: إنّ القوم قد قدموا من البصرة يدا عليّ، فقال: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (الفتح: 10) فقلت: إن لهم مكرا، فقال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (الأنفال: 30) فقلت هم كثيرون، فقال: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ (البقرة: 249) فقلت: لله درك أيها الأمير فأنت والله كما قال الصّموت الكلابيّ: [من الكامل] لله درّك أي جنّة خائف ... ومتاع دنيا أنت للحدثان متخمّط يطأ الرجال غلبّة ... وطء العتيق دوارج [1] القردان ويكبّهم حتى كأنّ رؤوسهم ... مأمومة [2] تنحطّ للغربان ويفرّج الباب الشديد رتاجه ... حتى يصير كأنه بابان فقال لابنه الوليد: اكتب هذه الأبيات، فكتبها بين يديه. قال الصولي: حفظي عن أبي العيناء الصموت الكلابيّ على أنه رجل،   [1] زهر: مدارج. [2] مأمومة: مشجوجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وقال لي وكيع: حفظي أنها الصموت الكلابيّة، على أنها امرأة. «327» - والعرب تضرب المثل بجار أبي داود، وهو أبو داود الإيادي، حلّ جارا للحارث بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان فأعطاه عطايا كثيرة، ثم مات ابن أبي داود وهو في جواره فوداه، فمدحه أبو داود، فحلف الحارث أنّه لا يموت له ولد إلا وداه، ولا يذهب له مال إلا أخلفه، فذلك قول قيس ابن زهير: [من الوافر] أطوّف ما أطوّف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي داود «328» - تزوج مروان بن الحكم أمّ خالد بن يزيد بن معاوية، فقال مروان لخالد يوما، وأراد أن يصغّر به: يا ابن الرطبة، فقال له خالد: الأمير مخبر وأنت أعلم بهذا، ثم أتى أمّه فأخبرها وقال: أنت صنعت بي هذا، فقالت: دعه فإنه لا يقولها لك بعد اليوم، فدخل عليها مروان فقال لها: هل أخبرك خالد بشيء، فقالت: يا أمير المؤمنين خالد أشدّ تعظيما لك من أن يذكر لي شيئا جرى بينك وبينه. فلما أمسى وضعت مرفقة على وجهه، وقعدت هي وجواريها عليها حتى مات، فأراد عبد الملك قتلها، وبلغها ذلك فقالت: أما إنه أشدّ عليك أن يعلم الناس أن أباك قتلته امرأة، فكفّ عنها. فهذه امرأة حميت أن سبّها ذو أمرها حتى انتصرت وكشفت العار عن ولدها. «329» - قال العتبي: حمل زياد من البصرة مالا إلى معاوية، ففزعت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 بنو تميم والأزد إلى مالك بن مسمع، وكانت ربيعة مجتمعة عليه كاجتماعها على كليب في حياته، واستغاثوا به وقالوا: يحمل المال ونبقى بلا عطاء، فركب مالك في ربيعة، واجتمع إليه الناس، فلحق بالمال فردّه وضرب الفسطاط بالمربد، وأنفق المال في الناس حتى وفّاهم عطاءهم وقال: إن شئتم الآن أن تحملوا فاحملوا، فما راجعه زياد في ذلك بحرف. «330» - ولما ولي حمزة بن عبد الله بن الزبير البصرة جمع مالا ليحمله إلى أبيه، فاجتمع الناس إلى مالك واستغاثوا به، ففعل مثل فعله بزياد، فقال العديل بن الفرخ العجلي في ذلك: [من الطويل] إذا ما خشينا من أمير ظلامة ... دعونا أبا غسان يوما فعسكرا ترى الناس أفواجا إلى باب داره ... إذا شاء جاءوا دارعين وحسّرا «331» - ومن أنواعه ما فعله هاشم بن عبد مناف في اعتقاد قريش (واعتفادها أن أهل البيت منهم كانوا إذا سافت [1] أموالهم خرجوا إلى براز من الأرض، وضربوا على أنفسهم الأخبية، ثم تتاموا [2] فيها حتى يموتوا من قبل أن يعلم بخلّتهم، حتى نشأ هاشم وعظم قدره في قومه) فقال: يا معشر قريش، إنّ العز مع كثرة العدد، وقد أصبحتم أكثر العرب أموالا وأعزّهم نفرا، وإن هذا الاعتقاد قد أتى على كثير منكم، وقد رأيت رأيا؛ قالوا: رأيك رشد [3] فمرنا نأتمر؛ قال رأيت أن أخلط فقراءكم بأغنيائكم، فأعمد إلى رجل   [1] سافت: هلكت. [2] ر: تنادموا؛ م: تناوموا؛ السيوطي: تناوبوا. [3] السيوطي: راشد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 غنيّ فأضمّ إليه فقيرا عياله بعدد عياله، فيكون مؤازره [1] في الرحلتين: رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن، فما كان في مال الغنيّ من فضل عاش الفقير وعياله في ظله، وكان ذلك قطعا للاعتقاد، قالوا: فإنك نعم ما رأيت. فألّف بين الناس، فلما كان من أمر الفيل وأصحابه ما كان، وأنزل الله بهم ما أنزل، كان ذلك مفتاح النبوّة وأوّل عزّ قريش حتى هابهم الناس كلهم وقالوا: أهل الله والله يمنعهم [2] ، وكان مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك العام، فلما بعث الله رسوله صلّى الله عليه وآله، وكان فيما أنزل عليه وهو يعرّف قومه ما صنع بهم وما نصرهم من الفيل وأهله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (الفيل: 1) إلى آخر السورة. ثم قال: ولم فعلت ذلك يا محمد بقومك، وهم يوم فعلت ذلك بهم أهل عبادة أوثان لا يعبدونني، ولا يحلّون لي ولا يحرّمون، فنصرتهم كما أنصر أوليائي وأهل طاعتي، ثم أخبره لم فعل ذلك، فقال: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ (قريش: 1) إلى آخر السورة أي لتراحمهم وتواصلهم، وإن كانوا على شرك، وكان الذي أمنتهم منه من الخوف خوف الفيل وأصحابه، وإطعامه إياهم من الجوع، من جوع [3] الاعتقاد. «332» - مروان بن أبي حفصة: [من الطويل] هم يمنعون الجار حتى كأنّما ... لجارهم بين السماكين منزل   [1] ر: والسيوطي: يؤازره. [2] السيوطي: معهم. [3] من جوع: سقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 «333» - نهشل: [من الطويل] وجار منعناه من الضّيم والعدى ... وجيران أقوام بمدرجة النمل «334» - ابن نباتة: [من البسيط] ولو يكون سواد الشعر في ذممي [1] ... ما كان للشيب سلطان على القمم «335» - قال علي بن محمد المدائني [2] : كان رجل من الشيعة يسعى في فساد الدولة، فجعل المهديّ لمن دلّ عليه أو أتى به مائة ألف درهم، فأخذه رجل ببغداد، فأيس من نفسه، فمرّ به معن بن زائدة فقال له: يا أبا الوليد أجرني أجارك الله، فقال معن للرجل: مالك وماله؟ قال هذا طلبة أمير المؤمنين، قال: خلّ سبيله، قال: لا أفعل، فأمر معن غلمانه فأخذوه، وأردفه بعضهم، ومضى الرجل إلى سّلام الأبرش فأخبره بالقصة، وقال له: إنّ معنا قال له إن طلبه أمير المؤمنين فأعلمه أنه عندي، فلم يضع معن ثيابه حتى أتاه رسول المهديّ، فركب وقال لغلمانه: اذهبوا، ولأهل بيته ومواليه: كونوا دونه ولا يصل أحد إلى هذا الرجل ومنكم عين تطرف؛ فلما دخل على المهدي قال: يا معن أتجير عليّ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قتلت في طاعتكم في يوم واحد خمسة آلاف رجل، هذا إلى أيام كثيرة قد تقدّمت فيها طاعتي وسبق فيها بلائي، أفما تروني أهلا أن تجيروا لي رجلا واحدا استجار   [1] م: لممي. [2] م: ابن المدائني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 بي؟ فاستحيا المهدي وأطرق طويلا ثم رفع رأسه وقال: قد أجرنا يا أبا الوليد من أجرت، قال: إن رأى أمير المؤمنين أن يحبو جاري فيكون قد أحياه وأغناه، قال: وقد أمرنا له بخمسين ألف درهم، قال: يا أمير المؤمنين ينبغي أن تكون صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية، وإنّ ذنب الرجل عظيم، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجزل صلته، قال: قد أمرنا له بمائة ألف درهم، فقال: ان رأى أمير المؤمنين أن يهنّئه بتعجيلها، قال: تحمل بين يديه، فرجع إلى منزله فدعا بالرجل ووعظه وقال: لا تتعرض لمساخط الخلفاء، ودفع إليه المال. «336» - كان جعفر بن أبي طالب يقول لأبيه: يا أبه إني لأستحيي أن أطعم طعاما وجيراني لا يقدرون على مثله، فكان أبوه يقول له: إني لأرجو أن يكون فيك خلف من عبد المطلب. «337» - نزل الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بقوم فقروه، فأغير على بعضهم، فركب في نفير [1] معه فاستنقذهم وقال [2] : [من البسيط] ناديتهم حين صمّوا عن مناشدتي ... صمّ القنا زعزعت أطرافه الخرق وكم ترى يوم ذاكم من مولولة ... إنسان مقلتها في دمعها غرق «338» - استنصر سبيع بن الخطيم التيمي زيد الفوارس الضبيّ فنصره   [1] م: نفر. [2] م: ثم أنشد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وقال: [من البسيط] نبّهت [1] زيدا ولم أفزع إلى وكل ... رثّ السلاح ولا في الحيّ مغمور [2] سالت عليه شعاب الحيّ [3] حين دعا ... أنصاره بوجوه كالدنانير «339» - سقط الجراد قريبا من بيت أبي حنبل جارية [4] بن مرّ، فجاء الحيّ وقالوا: نريد جارك فقال: أما إذ جعلتموه جاري فو الله لا تصلون إليه، فأجاره حتى طار من عنده فقيل له: مجير الجراد، وفي ذلك يقول هلال بن معاوية الثعليّ: [من المتقارب] وبالجبلين لنا معقل ... صعدنا إليه بصمّ الصّعاد ملكناه في أوليات الزمان ... من قبل نوح ومن قبل عاد ومنا ابن مرّ أبو حنبل ... أجار من الناس رجل الجراد وزيد لنا ولنا حاتم ... غياث الورى في السّنين الشداد 340- كان يقال: من تطاول على جاره، حرم بركة داره. «341» - وكان عبيد الله بن أبي بكرة ينفق على من حول داره على أهل أربعين دارا من كل جهة من جهاتها الأربع، وكان يبعث إليهم بالأضاحي   [1] الوحشيات: ناديت. [2] الوحشيات: مكثور. [3] الوحشيات: شعاب العزّ. [4] م: حارثة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 والكسوة، ويقوم لمن تزوج منهم بما يصلحه، ويعتق في كل عيد مائة رقبة سوى ما يعتق في سائر السنة. «342» - قال الحسن: ليس حسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى. «343» - وجاءته امرأة محتاجة وقالت: أنا جارتك، قال: كم بيني وبينك؟ قالت: سبع أدؤر، فنظر الحسن فإذا تحت فراشه سبعة دراهم، فأعطاها إياها وقال: كدنا نهلك. «344» - كان كعب بن مامة إذا جاوره رجل قام بما يصلحه وأهله، وحماه ممن يقصده، وإن هلك له شيء أخلفه، وإن مات وداه، فجاوره أبو داود الإيادي، فزاده على عادته. واحتذى أبو داود فعله حتى قال فيه قيس بن زهير: [من الوافر] أطوّف ما أطوّف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي داود وصار مثلا في حسن الجوار (وله خبر قد ذكر من قبل) . «345» - (1) الرضيّ أبو الحسن الموسوي: [من الطويل] وأبيض من عليا معدّ كأنما ... تلاقى على عرنينه القمران إذا رمت طعنا بالقريض حميته ... وإن رام طعنا بالرماح حماني (2) وقال أيضا: [من المنسرح] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 لو أمطرته السماء أنجمها ... عزا لما قال للسماء قد لا يسأل الضيف عن منازله ... ومنزل البدر غير مفتقد نوادر من هذا الباب «346» - كان عقيل بن علّفة من الغيرة والأنفة على ما ليس عليه [1] أحد، فخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته على أحد بنيه، وكانت لعقيل إليه حاجات، فقال له: إما إذ كنت فاعلا فجنبني هجناءك. وخطب إليه ابنته إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن المغيرة، وهو خال هشام بن عبد الملك ووالي المدينة، وكان أبيض شديد البياض، فردّه عقيل وقال: [من الوافر] رددت صحيفة القرشيّ لما ... أبت أعراقه إلّا احمرارا 347- قدّم أعرابيّ رجلا إلى القاضي واستعدى عليه، وتقدم شاهدان فقالا: نشهد أنه قد ظلم الأعرابيّ، فقال الأعرابيّ: كذبا ما ظلمني ولكنّه لوى حقي، (كأنه أنف أن يكون مظلوما) . «348» - ومثل هذا أن أعرابيا من بني سليم قيل له: أيما أحبّ إليك: أن تلقى الله ظالما أو مظلوما؟ فقال: بل ظالما، قالوا: سبحان الله أتحبّ الظلم؟ قال: فما عندي إذا أتيته مظلوما يقول لي: خلقتك مثل البعير   [1] م: مثله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 الصّمحمح ثم أتيتني تعصر عينيك وتشتكي؟! «349» - قيل لأعرابي اشتدّ به الوجع: لو تبت؟ فقال: لست ممن يعطي على الضيم، إن عوفيت تبت. «350» - قال أعرابيّ لرفيقه: أترى هذه الأعاجم تنكح نساءنا في الجنة؟ قال له: نعم أرى ذلك بأعمالهم الصالحة، فقال: توطأ إذن والله رقابنا قبل ذلك. «351» - نزل عطّار يهوديّ بعض أحياء العرب ومات، فأتوا شيخا لهم لم يكن يقطع في الحيّ أمر دونه، فأعلموه خبر اليهودي، فجاء فغسله وكفّنه وتقدّم وأقام الناس خلفه وقال: اللهمّ إن هذا اليهوديّ جار وله ذمام، فأمهلنا حتى نقضي ذمامه، فإذا صار في لحده فشأنك والعلج. «352» - كان خالد بن صفوان أحد من إذا عرض له القول قال، فيقال إن سليمان بن عليّ سأله عن ابنيه جعفر ومحمد، فقال له: كيف إحمادك جوارهما يا أبا صفوان؟ فقال: [من الطويل] أبو مالك جار لها وابن برثن ... فيا لك جاري ذلّة وصغار والشعر ليزيد بن مفرغ الحميري، فأعرض عنه سليمان، وكان سليمان من أجمل الناس وأكرمهم، وهو في الوقت الذي أعرض فيه عنه والي البصرة وعمّ الخليفة المنصور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 «353» - خرج زياد الأعجم إلى المهلب ومدحه وهو بخراسان [1] ، فأمر له بجائزة، وأقام عنده أياما، قال: فإنه لعشية يشرب مع حبيب بن المهلب في دار فيها دلبة وفيها حمامة، فسجعت الحمامة فقال زياد: [من الوافر] تغنّي أنت في ذممي وعهدي ... وذمة والدي ألّا تضاري وبيتك أصلحيه ولا تخافي ... على صفر مزغّبة صغار فإنك كلّما غنيت صوتا ... ذكرت أحبتي وذكرت داري فاما يقتلوك طلبت ثأرا ... له نبأ لأنك في جواري فقال حبيب: يا غلام هلمّ القوس، فأتي به، فنزع لها بسهم فقتلها، فوثب زياد فدخل على المهلب، فحدّثه الحديث وأنشده الشعر، فقال المهلب: عليّ بأبي بسطام فأتي بحبيب، فقال: أعط أبا أمامة دية جاره ألف دينار، فقال: أطال الله بقاء الأمير إنما كنت ألعب، فقال أعطه كما آمرك، فأعطاه، فأنشأ زياد يقول: [من الطويل] فلله [2] عينا من رأى كقضيّة ... قضى لي بها قرم العراق المهلّب قضى ألف دينار لجار أجرته ... من الطير حضّان على السقب ينعب رماها حبيب بن المهلب رمية ... فأثبتها بالسهم والشمس تغرب فألزمه عقل القتيل ابن حرّة ... وقال حبيب إنما كنت ألعب فقال زياد لا يروّع جاره ... وجارة جاري مثل جاري وأقرب [3] قال: فإنه لبعد هذا يشرب مع حبيب، وفي قلب حبيب عليه الألف،   [1] م: وهو بخراسان ومدحه. [2] م: ولله. [3] في الأصول: بل من الجار اقرب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 إذ عربد عليه فشق قباء ديباج عليه فقام وقال: [من الطويل] لعمرك ما الديباج خرّقت وحده ... ولكنّما خرّقت جلد المهلب فبعث المهلب إلى حبيب فأحضره وقال: صدق زياد ما خرّقت إلا جلدي، تبعث عليّ هذا [1] يهجوني؟! ثم أحضره وتسلّل سخيمته وأمر له بمال وصرفه. «354» - قيل لأعرابيّ ما يمنعك أن تمنع جارتك فإنه يتحدّث إليها فتيان الحيّ، قال: وهي طائعة أو كارهة؟ قالوا: طائعة، قال: إنما أمنع جاري مما يكره. «355» - قدم الحكم بن عبدل الأسديّ على ابن هبيرة واسطا، فأقبل حتى وقف بين يديه ثم قال: [من الطويل] اتيتك في أمر من آمر عشيرتي ... وأعيا الأمور المفظعات جسيمها فإن قلت لي في حاجة أنا فاعل ... فقد ثلجت نفسي وولّت همومها فقال ابن هبيرة: أنا فاعل إن اقتصدت، فما حاجتك؟ قال: غرم لزمنا في حمالة، قال: وكم هي؟ قال: أربعة آلاف، قال: نحن مناصفكوها، قال: أصلح الله الأمير، أتخاف عليّ التخمة إن أتممتها؟ قال: أكره أن أعوّد الناس هذه العادة، قال: فأعطني جميعها سرّا وامنعني جميعها ظاهرا حتى تعوّد الناس المنع، وإلا فالضرر عليك واقع إن عوّدتهم نصف ما يطلبون، فضحك ابن هبيرة وقال: ما عندنا غير ما بذلنا لك، فجثا بين يديه وقال:   [1] م: هذا عليّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 امرأته طالق لا أخذت أقلّ من أربعة آلاف أو أنصرف وأنا غضبان، قال: أعطوه إياها قبّحه الله فإنه ما علمت حلّاف مهين، فأخذها وانصرف. «356» - قال الأصمعي: دخلت خضراء [روح] فإذا أنا برجل من ولده على فاحشة يؤتى، فقلت: قبحك الله، هذا موضع كان أبوك يضرب فيه الأعناق ويعطي فيه اللهى، وأنت تفعل فيه ما أرى؟! فالتفت إليّ من غير أن يزول عنها وقال: (الشعر لمعن بن أوس المزني) [1] [من الوافر] ورثنا المجد عن آباء صدق ... أسأنا في ديارهم الصنيعا إذا الحسب الرفيع تواكلته ... بناة السوء أوشك أن يضيعا 357- حضر يوما بشر بن هارون وجماعة من الكتاب في دار أبي محمد المهلبي الوزير، وكان المهلبيّ بحيث يراهم ويسمع كلامهم، وهم لا يشاهدونه، فأنشأ أحدهم يقول: [من المتقارب] سبال الوزير سبال كبير فقال الآخر: وعقل الوزير فعقل صغير فقال بشر بن هارون: زيادة هذا بنقصان ذا ... كما طال ليل النهار القصير فخرج إليهم المهلبيّ وشاتمهم وجلس معهم ومازحهم وأجاز كل واحد   [1] الشعر ... المزني: جاء في م بعد البيتين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 منهم. «358» - نظر أبو الحارث جمين [1] إلى برذون يستقى عليه الماء فقال: وما المرء إلا حيث يجعل نفسه لو هملج هذا البرذون لم يجعل للرواية، والشعر لمعاوية بن فروة المنقري، وأوله: [من الطويل] وإن خفت من أمر هوانا فولّه ... سواك وعن دار الأذى فتحوّل وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل «359» - ومن الحمية المنكرة ما فعله عبد العزيز بن أبي دلف: كان له جارية يرى الدنيا بعينها فضرب عنقها وقال: خفت أن أموت من حبها فتنام هي بعدي تحت غيري. 360- وقد ذكر أن عضد الدولة قتل جارية أحبّها لأنها ألهته عن النظر في أمور المملكة، وهذا من السياسة المذمومة. «361» - عيّر شريف النسب سقراط بسقوط نسبه، فقال: نسبي عار عليّ، وأنت عار على نسبك. «362» - وقال عبد الملك لروح بن زنباع: أيّ رجل أنت لولا أنك   [1] حمير أو جميز (حيثما ورد في النسخ) وصوبته اعتمادا على ضبط المحدثين لاسمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 ممّن أنت منه!! قال يا أمير المؤمنين، ما يسرني أنني ممن أنت منه، قال: كيف؟ قال: لأني لو كنت ممن أنت منه لغمرتني أنت ونظراؤك، وأنا اليوم قد سدت قومي غير مدافع، فأعجب بقوله. 363- شاعر يذم صامتا لغير حلم ولا سيادة: يا صنما في الصمت لا في الحسن «364» - ولابن حجاج [1] في معناه: [من السريع] يا صنما يعبده شعري ... بلا ثواب وبلا أجر انطق تنفّس قبل أن يحسبوا ... أنك من جصّ وآجرّ «365» - قال أعرابيّ: إذا لم يكن لك في الخير اسم فارفع لك في الشر علما. «366» - قال رجل لسيد: إن سوّدك القوم لجهلهم فسيد الجاهلين غير شريف، وإن سودوك للفقر إليك فأنت كما قال القائل: [من الكامل] خلت البلاد فسدت غير مسوّد ... ومن العناء تفردي بالسؤدد «367» - شتم مجنون رجلا فقال: أتشتمني وأنا سيد قومي؟ فقال:   [1] ر: الحجاج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 [من الطويل] وإنّ بقوم سودوك لفاقة ... إلى سيّد لو يظفرون بسيّد 368- نادرة في رياسة العلم: قال حماد بن سلمة: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاته لا شعير فيها. «369» - قال حفص بن غياث [1] : خرج إلينا الأعمش يوما فقال لنا: تدرون ما قالت الأذن؟ قلنا: وما قالت؟ قال: قالت لولا أني أخاف أن أقمع بالجواب لطلت كما طال اللسان (قال حفص: فكم من كلمة غاظني صاحبها منعني جوابها قول الأعمش) . «370» - قال الجاحظ: مررت بحجّام يحجم حجاما أيام قتل المخلوع وهو يقول: سقط والله المأمون من عيني مذ قتل أخاه، فقلت له: هلك والله المأمون إذ سقط من عين مثلك؛ فرفع الخبر إلى المأمون فوجّه إليه بدرة وقال: إن رأيت أن ترضى عني فعلت، قال: قد فعلت. تمّ الباب الثالث بحمد الله ومنّه يتلوه الباب الرابع في مكارم الأخلاق ومساوئها.   [1] م: عباد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 الباب الرّابع في محاسن الأخلاق ومساوئها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 خطبة الباب بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الرؤوف بعباده، العطوف على من أناب منهم بعد عناده، الداني منهم برحمته، النائي عنهم بعظمته، العفوّ عن المذنب المسي، الغفور لهفوة المحتقب الغوي، مقيل العثرات، والمنجي من الغمرات، مسبل القطر عند اليأس، ومنزل الصبر حين البأس، وسعت رحمته، وشملت نعمته، حتى نال حظّه منها الملمّ [1] والمسرف، وأبصر بنورهما فاهتدى المضحي والمسدف، أحمده على صنوف آلائه، وأستدفع برأفته صروف بلائه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تنفي عن القلوب غواشي اللمم، وتشفي الأسماع من عوادي الصمم، والصلاة على محمد رسوله المبعوث بمكارم الأخلاق والشيم، والداعي إلى معالم الفضل والكرم، المأثور عنه حسن العفو الجزيل، والمأمور بالصفح الجميل، والمنعوت بالخلق العظيم، وعلى آله أهل التبجيل والتعظيم.   [1] م: المسلم.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 مقدمة الباب (الباب الرابع في محاسن الأخلاق ومساوئها) هذه سمة [1] تجمع معاني لو أتيت بها في باب واحد طال فأملّ [2] ، وبعد على ذي الحاجة إليه مكان ملتمسه، إذ كانت تحوي الآداب والسياسة، والهمّة والسيادة، والصدق والوفاء، والجود والسخاء، والبأس والصبر، والقناعة والتواضع، وغير ذلك من خلال الخير والفضائل، وأضدادها من المساوىء والرذائل، فأفردت لكلّ واحد من هذه وعكسها بابا تطلب فيه، ويسرع إليه تأمل مبتغيه، وأوردت في هذا المكان جملا من مكارم الأخلاق نهجا لمن رام تقيّلها، ومن مساوئها تنبيها لمن أراد [3] تجنبها، والله الموفق للسداد، والهادي إلى سبيل الرشاد. «371» - جاء [4] جبريل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أتيتك بمكارم الأخلاق: أهل الجنة وأهل الدنيا في ثلاثة أحرف من كتاب الله خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (الأعراف: 199) وهو يا محمد أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.   [1] ر: شهرة. [2] م: لطال تأمله. [3] م: آثر. [4] تأخرت هذه الفقرة في م فجاءت بعد رقم: 372. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 «372» - قال الله عزّ وجل وقوله الحق ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت: 34) ووصف نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وأثنى عليه فقال وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4) . فسّروا قوله تعالى وَلِباسُ التَّقْوى (الأعراف: 26) إنه الحياء؛ ومن أوامره تعالى وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة: 83) فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه: 44) وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (الإسراء: 23) فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (الإسراء: 28) وقال صلّى الله عليه وسلّم: من لانت كلمته وجبت محبته. «373» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أمرني ربي بتسع: الاخلاص في السرّ والعلانية، والعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أعفو عمن ظلمني، وأصل من قطعني، وأعطي من حرمني، وأن يكون نطقي ذكرا، وصمتي فكرا، ونظري عبرة. «374» - وقال صلّى الله عليه وسلّم من كلام له: ألا أخبركم بأحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا الذين يألفون ويؤلفون. «375» - وقالت عائشة رضي الله عنها: مكارم الأخلاق عشر: صدق الحديث، وصدق البأس، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، والمكافأة بالصنيع، وبذل المعروف، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وقرى الضيف، ورأسهنّ الحياء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 «376» - وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: يا سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في الخير، عجبت لرجل يجيئه أخوه في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا، فلو كنا لا نرجو جنّة ولا نخشى نارا، ولا ننتظر ثوابا ولا عقابا، لكان ينبغي أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها تدلّ على سبل النجاة، فقام رجل فقال: فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين أسمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، وما هو خير منه، لما أتينا بسبايا طيء [1] كانت في النساء جارية حمّاء حوراء، لعساء لمياء عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة، درماء الكعبين، خدلّجة الساقين، لفاء الفخذين، خميصة الخصر، ظاهرة الكشح، مصقولة المتن، فلما رأيتها أعجبت بها، فقلت: لأطلبنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعلها من فيئي، فلما تكلمت نسيت جمالها لما سمعت من فصاحتها، فقالت: يا محمد هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلّي عني ولا تشمت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي، كان أبي يفكّ العاني، ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرّج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، لم يردد [2] طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا جارية هذه صفة المؤمن، لو كان أبوك إسلاميا لترحمنا عليه، خلّوا عنها فإن أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق والله يحبّ مكارم الأخلاق. 377- ومن كلام عليّ عليه السلام: إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق وصلة بينه وبين عباده، فحسب أحدكم أن يتمسك بخلق متصل بالله   [1] م: بني طيء. [2] ر: ولم يردّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 عز وجل [1] . «378» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم. (وفي رواية أخرى: فسعوهم ببسط الوجه والخلق الحسن) . «379» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن. «380» - وقال صلّى الله عليه وسلّم حسن الخلق نصف الدين. «381» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: الحياء خير كله. «382» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: صلة الرحم منماة للعدد، مثراة للمال، محبة للأهل، منسأة للأجل. «383» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: كرم الرجل دينه، ومروءته عقله، وحسبه عمله [2] .   [1] في نسخة رئيس الكتاب وردت الآيات الآتية بعد هذا الموطن: من الآيات في الحسد: وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ (النساء: 32) وقال أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (النساء: 54) وقال تعالى أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا (الزخرف: 32) . [2] م: حلمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 «384» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: لا تجلسوا على الطرق فإن أبيتم فغضّوا الأبصار، وترادّوا السلام، واهدوا الضالّة، وأعينوا الضعيف. «385» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: لا عقل كالتدبير في رضى الله، ولا ورع كالكفّ عن محارم الله، ولا حسب كحسن الخلق. «386» - ومما يروى عنه صلّى الله عليه وسلّم: من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه، ومن حسن برّه لأهل بيته مدّ له في عمره؛ ثم قال: وحسن الخلق وكفّ الأذى يزيدان في الرزق. «387» - وقيل ليوسف عليه السلام: أتجوع وخزائن الدنيا بيدك؟ قال: أخاف أن أشبع فأنسى الجياع. «388» - وقالت عائشة: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل له: لم [1] قلت كذا وكذا؟ ولكن يعمّي فيقول: ما بال أقوام. «389» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه   [1] لم: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 الله ويبتليك. «390» - كان [1] الحسن إذ ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أكرم ولد آدم على الله عز وجل، أعظم الأنبياء منزلة عند الله، أتي بمفاتيح الدنيا فاختار ما عند الله، كان يأكل على الأرض، ويجلس على الأرض ويقول: إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، وكان يلبس المرقوع والصوف، ويركب الحمار ويردف خلفه، ويأكل الجشب من الطعام، ما شبع من خبز برّ يومين متواليين حتى لحق بالله، من دعاه لباه، ومن صافحه لم يدع يده من يده حتى يكون هو الذي يدعها، من دعاه لباه، ومن صافحه لم يدع يده من يده حتى يكون هو الذي يدعها، يعود المريض، ويتبع الجنائز، ويجالس الفقراء، أعظم الناس من الله مخافة وأتعبهم لله عز وجل بدنا، وأجدّهم في أمر الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أما والله ما كانت تغلق دونه الأبواب ولا كان دونه حجاب صلّى الله عليه وسلّم كثيرا. «391» - وقال أنس: ما بسط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركبتيه بين يدي جليس له قطّ، ولا جلس إليه رجل فقام حتى يكون هو الذي يقوم من عنده، ولا صافحه رجل قطّ فأخذ يده من يده حتى يكون هو الذي يأخذ يده، ولا شممت رائحة قطّ أطيب من ريح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. 392- وحدّث ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل غيضة ومعه صاحب له، فأخذا منها مسواكين أراكا، أحدهما مستقيم والآخر معوج، فأعطى   [1] وردت هذه الفقرة في ر بعد رقم: 393. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 صاحبه المستقيم وحبس المعوج، فقال يا رسول الله: أنت أحقّ بالمستقيم مني قال: كلا إنه ليس من صاحب يصاحب صاحبا ولو ساعة من نهار إلا سأله الله تعالى عن مصاحبته إياه، فأحببت أن لا أستأثر عليك بشيء. «393» - وقال عبد الله بن مسعود: كنا يوم بدر كلّ ثلاثة على بعير، فكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكانا إذا دارت عقبتهما قالا: يا رسول الله اركب ونمشي عنك، فيقول: ما أنتما بأقوى مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما. «394» - وعن أبي هريرة أنه صلّى الله عليه وآله ما عاب طعاما قطّ، إن اشتهاه أكله، وإلا لم يعبه. 395- وكان عليه السلام يطوف بالبيت، فانقطع شسعه، فأخرج رجل شسعا من نعله فذهب يشدّه في نعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: هذه أثرة ولا أحبّ الأثرة. «396» - وقال أنس: خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين، فما أرسلني في حاجة قط فلم تهيّأ إلا قال: لو قضي كان، لو قدّر كان. «397» - وقالت عائشة رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم امرأة قط ولا خادما له ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه إلا أن تنتهك محارم الله فينتقم لله، ولا خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما حتى يكون إثما فإذا كان إثما كان أبعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 الناس منه. «398» - قال علي عليه السلام: خالطوا الناس مخالطة جميلة، إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم. 399- وقال محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام: من أعطي الخلق والرفق فقد أعطي الخير والراحة وحسن حاله في دنياه وآخرته، ومن حرم الرفق والخلق كان ذلك سبيلا إلى كلّ شرّ وبلية، إلّا من عصمه الله. «400» - وقال ابن عبّاس: لجليسي علي ثلاث: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأوسع له إذا جلس، وأصغي إليه إذا حدث. «401» - وكان القعقاع بن شور أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة إذا جالسه جليس فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيبا في ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا عليه بعد المجالسة شاكرا حتى شهر بذلك، وفيه يقول القائل: [من الوافر] وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس ضحوك السنّ إن نطقوا بخير ... وعند الشرّ مطراق عبوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 «402» - قال بعض الحكماء: ليس من جهل الناس بقدر الفضل قصّروا عنه، ولكن من استثقال فرائضه حادوا عن التمسك به، وهم على تبجيل أهله مجمعون؛ وإلى هذا المعنى نظر منصور النمري في قوله: [من البسيط] الجود أخشن مسّا يا بني مطر ... من أن تبزّكموه كفّ مستلب ما أعلم الناس أنّ الجود مكسبة ... للحمد لكنه يأتي على النّشب ونظر المتنبي إلى المعنى فقال: [من البسيط] لولا المشقة ساد الناس كلّهم ... الجود يفقر والإقدام قتّال «403» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: المكر، قال الله تعالى وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (فاطر: 43) والبغي، قال الله سبحانه يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (يونس: 23) ومن بغي عليه لينصرنّه الله، والنكث، قال الله عزّ وجلّ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ (الفتح: 10) . «404» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: أعجل الأشياء عقوبة البغي. «405» وقال صلّى الله عليه وسلّم: ما من ذنب أدنى [1] أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخّر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم.   [1] ر: أحرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 «406» - وقيل [1] : سوء الخلق يعدي لأنّه يدعو صاحبه إلى أن يقابله بمثله. «407» - وقيل: الحسن الخلق قريب عند البعيد، والسيء الخلق بعيد عند أهله. 408- وقيل: المرء عبد من رجاه، وبئس الشعار الحسد، والافتقار يمحق الأقدار، والبطر يسلب النعمة، وكثرة الكلام تكسب الملال وإن كان حكما، وإظهار الفاقة من خمول الهمة. «409» - وقال معاوية: ثلاث ما اجتمعن في حرّ: مباهتة الرجال، والغيبة للناس، والملال لأهل المودة. «410» - وقيل: شرّ الناس من لا يبالي أن يراه الناس مسيئا. «411» - وقال سقراط: المال رداء الكبر، والهوى مركب المعاصي، والتمني؟؟؟ رأس مال الجاهل، والكبر قاعدة المقت، وسوء الخلق سدّ بين المرء وبين الله. «412» - وقال عليّ عليه السلام: الحاسد بخيل بما لا يملكه. «413» - وقال أيضا: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له.   [1] قبل هذه اللفظة في ع: غيره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 «414» - وقال عبد الله بن مسعود: لا تعادوا نعم الله تعالى فإن الحسود عدوّ للنعم. «415» - وقيل في الدعاء على الرجل: طلبك من لا يقصّر دون الظّفر، وحسدك من لا ينام دون الشفاء. «416» - وقيل: الحسود غضبان على القدر، والقدر لا يعتبه. «417» - وقيل لبعضهم: ما بال فلان ينتقصك؟ قال: لأنّه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة؛ فذكر دواعي الحسد كلها. «418» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كاد الفقر أن يكون كفرا، وكاد الحسد أن يغلب القدر. «419» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. 420- وكان يقال: الحسد يضعف اليقين، ويسهر العين، ويكثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 الهمّ. 421- وفي الحكمة: الحاسد لا يضرّ إلا نفسه. «422» - وقال أعرابيّ: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود، وهو مأخوذ من الخبر: قاتل الله الحسد فما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله. «423» - وقيل [1] : ثلاث موبقات: الكبر فإنه حطّ إبليس عن مرتبته، والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة، والحسد فإنه دعا ابن آدم إلى قتل أخيه. «424» - وقيل: يكفيك [2] من الحاسد أنه يغتمّ في وقت سرورك. 425- وقال محمد بن علي بن موسى بن جعفر: الحسد ما حق للحسنات، والزهو جالب للمقت، والعجب صادف عن طلب العلم داع إلى التخمّط في الجهل، والبخل أذمّ الأخلاق، والطمع سجية سيئة. «426» - وقال أيضا: مخالطة الأشرار تدل على شر من يخالطهم، والكفر للنعم أمارة البطر وسبب للغير، واللجاجة مسلبة للسلامة ومؤذنة بالندامة، والهزء فكاهة السفهاء وصناعة الجهال، والنّزق مغضبة للاخوان   [1] وقعت هذه الفقرة والتالية لها بعد الفقرة: 417 في ر. [2] ع: يشفيك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 يورث الشنآن، والعقوق يعقب القلة ويؤدي إلى الذلة. «427» - وقال: إياك والحسد فإنه يبين فيك ولا يبين في عدوّك. «428» - وقال محمد بن واسع: ليس لملول صديق، ولا لحسود غنى. 429- وقال آخر: يجب على ذي السعة في رأيه، والفضل في خصاله، أن يتطوّل على حسّاده بنظره، ويتحرّى لهم المنافع، فإنه بلاء غرسه الله فيهم ثم لم يسلطهم عليه، فهم يعذّبون بحركات الحسد في وقت مسرّته بما أكرم به. 430- وقال آخر: الحقد غصّة لا يسيغها إلا الظفر، والحسد شجى فارح [1] لا يدفعه عن صاحبه إلا بلوغ أمله في من قصده بحسده، وأنّى له بذلك؟ وقد قيل: من كنت سببا لبلائه فالواجب عليك التلطف له في علاجه من دائه. «431» - قال صاحب كليلة ودمنة: مثل الحقد في القلب ما لم يجد محركا مثل الجمر المكنون، وليس ينفكّ الحقد يتطلّع إلى العلل كما تبتغي [2] النار الحطب، فإذا وجد شيئا استعر ثم لا يطفئه مال ولا كلام ولا تضرّع ولا   [1] م: فادح. [2] م: تتلقى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 مناصفة ولا شيء غير تلف تلك الأنفس. «432» - وقال: لا يزيدك لطف الحقود بك، ولينه لك، وتكرمته إياك إلا وحشة وسوء ظن، وإنك لا تجد للحقود الموتور أمانا هو أوثق من الذّعر، ولا أحرز من البعد والاحتراس منه. «433» - وقد اعتذر عبد الملك بن صالح للحقد فشبه وما قصر، قال له يحيى بن خالد: لله أنت من سيد لولا أنّك حقود؛ فقال عبد الملك: أنا خزانة تحفظ الخير والشرّ، فقال يحيى: ما رأيت أحدا احتجّ للحقد حتى حسّنه غيرك. وسلك ابن الرومي هذه [1] السبيل فقال: [من الطويل] وما الحقد إلا توأم الشكر للفتى ... وبعض السجايا ينتسبن إلى بعض إذا الأرض أدّت ريع ما أنت زارع ... من البذر فيها فهي ناهيك من أرض «434» - ومن مكارم الأخلاق قول الشاعر: [من الطويل] وكيف يسيغ المرء زادا وجاره ... خفيف المعا بادي الخصاصة والجهد وللموت خير من زيارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد   [1] م: هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 «435» - وقول آخر: [من الطويل] ومرضى إذا لوقوا [1] حياء وعفّة ... وفي الحرب أمثال الليوث الخوادر كأن بهم وصما يخافون عاره ... وما وصمهم إلّا اتّقاء المعاير «436» - وقول آخر: [من الوافر] يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللحاء فلا وأبيك ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فافعل ما تشاء «437» - وقيل: الحياء لباس سابغ، وحجاب واق [2] ، وستر من المساوىء واقع، وحليف للدين، وموجب للصنع، ورقيب للعصمة، وعين كالئة، يذود عن الفساد وينهى عن الفحشاء والأدناس. «438» - وقيل: لا ترض قول أحد حتى ترضى فعله، ولا ترض بما فعل حتى ترضى عقله، ولا ترض عقله حتى ترضى حياءه، فإن ابن آدم مطبوع على كرم ولؤم، فإذا قوي الحياء قوي الكرم، وإذا ضعف الحياء قوي اللؤم.   [1] م: لاقوا. [2] واق: سقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 «439» - قال عروة بن الزبير: لعهدي بالناس والرجل منهم إذا أراد أن يسوء جاره سأل غيره حاجة، فيشكوه جاره ويقول: تجاوزني بحاجته [1] ، أراد بذلك شيني. «440» - قال بعضهم: كنت أمشي مع الخليل فانقطع شسع نعلي، فخلع نعله، فقلت ما تصنع؟ قال: أواسيك في الحفا. «441» - وكان الأحنف إذا أتاه إنسان أوسع له، فإن لم يجد موضعا تحرّك ليريه أنه يوسع له. «442» - وقال ابن السمّاك لمحمد بن سليمان أو لحماد بن موسى كاتبه، ورآه كالمعرض عنه: مالي أراك كالمعرض عني؟ قال: بلغني عنك شيء كرهته، قال: إذن لا أبالي، قال: ولم؟ قال: لأنه إن كان ذنبا غفرته، وإن كان باطلا لم تقبله. فعاد إلى مؤانسته. «443» - دخل على الحسين بن علي عليهما السلام جارية في يدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله تعالى؛ قال أنس، فقلت له: تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ فقال: كذا أدبنا الله عز وجل قال: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (النساء: 86) . «444» - وكتب إليه أخوه الحسن في إعطائه الشعراء، فكتب إليه   [1] م: حاجته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 الحسين: أنت أعلم مني بأن خير المال ما وقى العرض (فانظر شرف خلقه كيف [1] ابتدأ كتابه بقوله: أنت أعلم مني) . «445» - وجنى غلام له جناية توجب العقاب عليها فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ قال: خلّوا عنه، فقال: يا مولاي وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ قال: قد عفوت عنك، قال: يا مولاي وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران: 134) قال: أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك. «446» - وكان بينه وبين أخيه الحسن كلام، فقيل له: ادخل على أخيك فهو أكبر منك، فقال: إني سمعت جدي صلّى الله عليه وسلّم يقول: أيّما اثنين جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضى الآخر كان سابقه إلى الجنة؛ وأنا أكره أن أسبق أخي الأكبر، فبلغ قوله الحسن فأتاه عاجلا. «447» - وقال المغيرة بن حبناء: [من الطويل] فإن يك عارا ما لقيت فربّما ... أتى المرء يوم السّوء من حيث لا يدري ولم أر ذا عيش يدوم ولا أرى ... زمان الغنى إلّا قريبا من الفقر ومن يفتقر يعلم مكان صديقه ... ومن يحي لا يعدم بلاء من الدهر   [1] م ر: حيث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وإني لأستحيي إذا كنت معسرا ... صديقي والخّلان أن يعلموا عسري وأهجر خلّاني وما خان عهدهم ... حياء وإعراضا وما بي من كبر وأكرم نفسي أن ترى بي حاجة ... إلى أحد دوني وإن كان ذا وفر ولما رأيت المال قد حيل دونه ... وصدّت وجوه دون أرحامها البتر جعلت حليف النفس عضبا ونثرة ... وأزرق مشحوذا كخافية النسر ولا خير في عيش امرىء لا ترى له ... وظيفة حقّ في ثناء وفي أجر «448» - وقال آخر: [من الطويل] وإني لألقى المرء أعلم أنه ... عدوّ وفي أحشائه الضّغن كامن فأمنحه بشري فيرجع قلبه ... سليما وقد ماتت لديه الضغائن «449» - وقال يحيى بن زياد الحارثي: [من الطويل] ولكن إذا ما حلّ كره فسامحت ... به النفس يوما كان للكره أذهبا «450» - وقال آخر: [من الكامل] أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جارتي الخدر ويصمّ عمّا كان بينهما ... سمعي وما بي غيره وقر «451» - حدّث رجل من الأعراف قال: نزلت برجل من طيّء فنحر لي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 ناقة فأكلت منها، فلما كان الغد نحر أخرى فقلت: إن عندك من اللحم ما يغني ويكفي، فقال: إني والله ما أطعم ضيفي إلا لحما عبيطا، قال: وفعل ذلك في اليوم الثالث، وفي كلّ ذلك آكل شيئا ويأكل الطائي أكل جماعة، ثم يؤتى باللبن فأشرب شيئا ويشرب عامّة الوطب، فلما كان في اليوم الثالث ارتقبت غفلته فاضطجع، فلما امتلأ نوما استقت قطيعا من إبله فأقبلته الفجّ فانتبه، واختصر عليّ الطريق حتى وقف لي في مضيق منه فألقم وتره فوق [1] سهمه، ثم نادى: لتطب نفسك عنها، قلت: أرني آية، قال: انظر إلى ذلك الضبّ فإني واضع سهمي في مغرز ذنبه، فرماه فأندر ذنبه، فقلت: زدني، قال: انظر إلى أعلى فقاره، فرمى فأثبت سهمه في الموضع، ثم قال لي: الثالثة والله في كبدك، قال قلت: شأنك بإبلك، قال: كلّا حتى تسوقها إلى حيث كانت، قال: فلما انتهيت بها قال: فكرت فيك فلم أجد لي عندك ترة تطالبني بها، وما أحسب حملك على أخذ إبلي إلا الحاجة، قلت: هو والله ذاك، قال: فاعمد إلى عشرين من خيارها [2] فخذها، فقلت: إذن والله لا أفعل حتى تسمع مدحك، فو الله ما رأيت رجلا أكرم ضيافة، ولا أهدى لسبيل، ولا أرمى كفّا، ولا أوسع صدرا، ولا أرغب خوفا، ولا أكرم عفوا منك، قال: فاستحيا فصرف وجهه عني وقال: انصرف بالقطيع مباركا لك فيه. «452» - خرج رجل من طيء، وكان مصافيا لحاتم، فأوصى حاتما   [1] م: وفوق. [2] ر ع م: جيادها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 بأهله فكان يتعهدهم، وإذا جزر جزرة بعث إليهم من أطايبها، فراودته امرأة الرجل فاستعصم ولم يفعل، فلما قدم زوجها أخبرته أنّ حاتما أرادها، فغضب من ذلك، وجاءت العشيرة للتسليم وحاتم معهم، فلم يلق حاتما بما كان يلقاه به من طلاقة الوجه وحسن البشر، فعلم حاتم أنّ ذلك من قبل امرأته، فأنشأ يقول: [من الطويل] إني امروّ من عصبة ثعليّة ... كرام أغانيها عفيف فقيرها [1] إذا ما بخيل الناس هرّت كلابه ... وشقّ على الضيف الطروق عقورها فإني جبان الكلب رحلي موطّأ ... جواد [2] إذا ما النفس شحّ ضميرها وما تشتكيني جارتي غير أنني ... إذا غاب عنها بعلها لا أزورها سيبلغها خيري ويرجع زوجها [3] ... إليها ولم تسبل عليّ ستورها فلما بلغ الرجل الشعر عرف أن حاتما بريء، فطلّق امرأته. «453» - وكان مسلمة بن عبد الملك إذا كثر عليه أصحاب الحوائج وخشي الضجر أمر أن يحضر ندماؤه من أهل الأدب، فتذاكروا مكارم الأخلاق في الناس وجميل طرائقهم ومروءاتهم، فيطرب ويهيج ثم يقول: ائذنوا لأصحاب الحوائج، فلا يدخل عليه أحد إلا قضى حاجته. «454» - كان يحيى بن خالد بن برمك عاقلا أديبا كريما حسن الأخلاق   [1] رواية الديوان: أبت لي ذاكم أسرة ثعلية ... كريم غناها مستعف فقيرها [2] الديوان: بيتي موطأ أجود. [3] الديوان: بعلها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 رضيّ الأفعال حليما ركينا، حتى لو ادّعى اجتماع مكارم الأخلاق فيه لكان أهلا للدعوى؛ وسخط الرشيد على كاتبه منصور بن زياد، وأمر أن يطالب بعشرة آلاف ألف درهم، أو يؤتى برأسه، وأمر صالحا صاحب المصلّى بذلك، قال صالح: فاستسلم للقتل وحلف أنه لا يعرف موضع ثلاثمائة ألف درهم فكيف بعشرة آلاف ألف، ثم دخل إلى داره فأوصى وارتفع الصراخ منها، وخرج فقال لي: امض بنا إلى أبي عليّ يحيى بن خالد لعل الله أن يأتينا بفرج من جهته، فلما قصّ القصة على يحيى قلق وأطرق مفكرا ثم قال لخازنه: كم عندك من المال؟ قال: خمسة آلاف ألف، فقال: أحضرني مفاتيحها، فأحضرها، ثم وجه إلى ابنه الفضل: إنك كنت أعلمتني أن عندك ألفي ألف درهم، قدّرت أن تشتري بها ضيعة، وقد أصبت لك ضيعة يبقى لك ذكرها وشكرها، فوجّه إليه بالمال، ثم وجه إلى جعفر ابنه فاستدعى منه ألف ألف درهم، ثم أرسل إلى دنانير جاريته فاستدعى منها عقدا كان وهبه الرشيد لها وابتاعه بمائة ألف وعشرين ألف دينار، قال صالح: وكان كعظم الذراع، وقال يحيى: قد حسبناه [1] بألفي ألف درهم، وهذا تمام مالك فانصرف وخلّ عن [2] صاحبنا، قال صالح: فأخذت ذلك ورددت منصورا معي فلما صرنا بالباب أنشد منصور متمثلا (والشعر للعين المنقري) [3] : [من الوافر] فما بقيا عليّ تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال قال صالح: فقلت ما على الأرض أنبل من رجل خرجنا من عنده ولا   [1] ر: حسبنا. [2] عن: سقطت من م. [3] والشعر.. المنقري: زيادة من ر م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 أخبث سريرة من هذا النبطي، قال: ثم حدثت يحيى من بعد بقوله وقلت: أنعمت على غير شاكر، فجعل يحيى يطلب له المعاذير ويقول: إن المنخوب القلب ربّما سبقه لسانه بما ليس في ضميره، وقد كان الرجل في حال عظيمة، فقلت: والله ما أدري من أيّ أمريك أعجب، أمن أوّله أم [1] من آخره. «455» - وأمر يحيى بن خالد كاتبين من كتابه أن يكتبا كتابا في معنى واحد فكتباه، واختصر أحدهما وأطال الآخر، فلما قرأ يحيى كتاب المختصر قال: ما أجد موضع مزيد، ثم قرأ كتاب المطيل فقال: ما أجد موضع نقصان. «456» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا إلى ما يتبعه من حسن الثناء. «457» - وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (الشعراء: 84) إنه أراد حسن الثناء من بعده. «458» - وقال أكثم بن صيفي: إنما أنتم أخبار [فطيبوا أخباركم] [2] ؛ ألمّ بهذا المعنى أبو تمام فقال: [من البسيط] وما ابن آدم إلّا ذكر صالحة ... أو ذكر سيئة يسري بها الكلم إذا سمعت بدهر باد أمّته ... جاءت بأخبارها من بعدها أمم   [1] م: أو. [2] زيادة من العقد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وإنما يكون الثناء على مكارم الأخلاق. «459» - وقال الأحنف بن قيس: ما ذخرت الآباء للأبناء، وما أبقت الموتى للأحياء، أفضل من اصطناع المعروف عند ذوي الآداب والأحساب. 460- وقال بعضهم: ظفر الكريم عفو، وظفر اللئيم عقوبة. «461» - وقال الأحنف: المروءة كلّها إصلاح المال وبذله للحقوق. 462- قال ابن أبي دواد، وقد وصف كرم أخلاق المعتصم: دخلت عليه يوما فدعا بالغداء ثم قال: يا أبا عبد الله ها هنا رجل قد صار إليه من مال فارس أيام عليّ بن عيسى القمي عشرون ألف ألف درهم، وقد عزمت على أخذها منه، فإن خرج إليّ منها طوعا وإلا قتلته وأخذت كل ما ظهر لي من ماله، قلت: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يعقوب بن فرادون [1] النصراني كاتب عليّ بن عيسى، فقلت: وفّق الله أمير المؤمنين لطاعته، قال: وأحضر الطست ليغسل يده فغسلها ثم قال لي: اغسل يدك، فقلت: مالي إلى الطعام حاجة، قال: ولم؛ قلت: تأخذ مال [2] جاري وتقتله؟! قال: هو جار لك؟ قلت: بيتي وبيته، قال: فقد تركت من المال لك [3] خمسة آلاف ألف درهم، فقلت: ما آكل شيئا، قال: يا غلام هات طعامك ولا أبالي أن لا يأكل، وهو في خلل ذلك يكلّمني ويبتسم، فوضع الطعام بين يديه، فو الله ما هناه أن يأكل كرما ونبلا، ثم قال: يا أبا عبد الله كل حتى أترك لك من المال   [1] م: مرادون. [2] مال: سقطت من ر. [3] م: لك من المال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 المذكور نصفه، فقلت: ما آكل شيئا، قال: فأكل لقما ثلاثا وأنا ألحظه ما يقدر أن يسيغها، ثم قال: يا أبا عبد الله ادن فكل فقد وهبت لك المال جميعه [1] ودمه، فقلت: وهب الله لأمير المؤمنين الجنة فو الله الذي لا إله إلّا هو ما رأيت ولا سمعت بخليفة قط ولا ملك أكرم منك عفوا، ولا أسمح كفا، ولا أجمل عشرة، ولا أنبل أخلاقا، ثم قال: يا غلام الطست، فجاء به، فغسلت يدي وأكلت، وبلغ الخبر إلى يعقوب فشكرني على ذلك فاستكففته وقلت: فعلت ذاك للحرمة لا للشكر. «463» - سرق بعض غاشية جعفر بن سليمان بن علي درة نفيسة من بين يديه وباعها بمال جزيل، فأنفذ جعفر بن سليمان إلى الجوهريين بصفة الدرة فقالوا: باعها فلان منذ مدة، فأخذ وجيء به إليه وكان يختصّ به، فلما رآه جعفر ورأى ما قد ظهر عليه من الجزع والخوف قال له: أراك قد تغير لونك، ألست يوم كذا وكذا طلبت مني هذه الدرة فوهبتها لك؟ وأقسم بالله لقد أنسيت هذه الحال؛ وأحضر ما كان اشتريت به فدفعه إلى الجوهري ثم قال للرجل: خذ الدرة الآن [2] وبعها حلالا بالثمن الذي تطيب به نفسك لا بيع خائف ولا وجل، والله لقد آلمني ما دخل عليك من الرعب والجزع. «464» - وقال الأصمعي: ما رأيت أكرم أخلاقا ولا أشرف أفعالا من جعفر بن سليمان، كنا عنده فتغدينا معه واستطاب الطعام فقال لطباخه [3] : قد أحسنت وسأعتقك وأزوّجك، فقال الطباخ: قد قلت هذه غير مرة وكذبت،   [1] م: كله. [2] الآن: سقطت من م. [3] م: لصاحبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 قال: فو الله ما زاد على أن ضحك، وقال لي: يا أصمعيّ إنما يريد البائس «أخلفت» ، قال الأصمعي: وإذا هو قد رضي ب «أخلفت» . «465» - قيل كان المهتدي [1] يصلّي الصلوات كلّها في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يوما فقال أعرابي: يا أمير المؤمنين لست على طهر وقد رغبت إلى الله تعالى في الصلاة خلفك فأمر هؤلاء أن ينظروني، قال: انتظروه رحمكم الله، ودخل المحراب فوقف إلى أن أقبل وقيل له قد جاء الرجل، فعجب الناس من سماحة أخلاقه. «466» - قال يحيى بن أكثم: ماشيت المأمون في بستانه ويده في يدي، فكان في الظلّ وأنا في الشمس، فلما بلغنا ما أردنا ورجعنا صرت أنا في الفيء وصار هو في الشمس، فدرت أنا إلى الشمس فقال: لا ليس هذا بإنصاف، كما كنت أنا في الفيء ذاهبا فكن أنت في الفيء راجعا. 467- ووقع إلى علي بن هشام وقد شكاه غريم له: ليس من المروءة أن تكون آنيتك [2] من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريا [3] وضيفك طاويا. 468- كان أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي من أفاضل العلويين، وبقي في الاستتار ستين سنة، (فلما قام المنتصر وأظهر الميل إلى العلوية أراد أن يظهر فاعتلّ وتوفي بالبصرة) ؛ فبينا هو في استتاره مرّ به رجلان   [1] ع م: المهدي. [2] م: يكون بيتك. [3] ر ع م: عاويا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 قد تلازما، فطالب أحدهما صاحبه بمائة دينار دينا له عليه: والرجل المطالب معترف فهو [1] يقول: يا هذا لا تمض بي إلى الحاكم، فإني قد تركت في منزلي أطفالا قد ماتت أمهم لا يهتدون لشرب ماء إن عطشوا، فإن تأخرت عنهم ساعة ماتوا، وإن أقررت عند القاضي حبسني فتلفوا، فلا تحملني على يمين فاجرة، فإني أحلف لك ثم أعطيك مالك، وصاحبه يقول: لا بدّ من تقديمك وحبسك أو تحلف، فلما كثر هذا منهما إذا صرّة قد سقطت بينهما ومعها رقعة: يا هذا خذ هذه المائة الدينار التي لك قبل الرجل ولا تحمله على الحلف كاذبا، وليكن جزاء هذا أن تكتماه فلا يعلم به غيركما، ولا تسألا عن فاعله، فسرّا جميعا بذلك وافترقا، فبدأ الحديث من أحدهما فشاع، فقيل: فمن يفعل هذا الفعل إلا أحمد بن عيسى؛ فقصدوا الدار لطلبه فوجدوا آثارا تدلّ على أنه كان فيها وتنحى، وهرب صاحب الدار فأحرقت. 469- قال علي بن عبيدة من كلام له: [حسن] الخلق جوهر الانسان، العفاف طهارة الجوارح. النية الحسنة عمارة الدين. 470- وقال أعرابيّ: خصلتان من الكرم: إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الإخوان. «471» - كان العبّاس بن الحسن [2] بن عبيد الله بن العبّاس بن علي بن أبي طالب شاعرا عالما فصيحا وكان يقال: من أراد لذة لا تبعة فيها فليسمع كلام العبّاس بن الحسن. ودخل أبو دلف العجلي على الرشيد وهو جالس على طنفسة في طارمة، وعند باب الطارمة شيخ على طنفسة مثلها، فقال الرشيد:   [1] م: وهو. [2] نثر الدر: الحسين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 يا قاسم ما خبر الجبل؟ قال: خراب يباب اعتوره الأكراد والأعراب، قال: أنت سبب خرابه وفساده، فان ولّيتك إياه، قال: أعمره وأصلحه، فقال بعض من حضر: أو غير ذلك، فقال أبو دلف: وكيف يكون غير ذلك وأمير المؤمنين يزعم أني ملكته فأفسدته وهو عليّ، أفتراني لا أقدر على إصلاحه وهو معي؟ فقال الشيخ: إن همته لترمي به وراء سنّه مرمى بعيدا، وأخلق به أن يزيد فعله على قوله، فقبل الرشيد قوله [1] وولاه، وأمر بأن يخلع عليه، فلما خرج أبو دلف سأل عن الشيخ فقيل له: هو العبّاس بن الحسن العلويّ، فحمل إليه عشرة آلاف دينار وشكر فعله، فقال له العباس: ما أخذت على معروف أجرا قطّ، فاضطرب أبو دلف وقال: إن رأيت أن تكمل النعمة عندي وتتمّها عليّ بقبولها، فقال: أفعل، هي لي عندك، فإذا لزمتني حقوق لقوم يقصّر عنها مالي صككت عليك بما تدفعه إليهم إلى أن أستنفدها، فقنع بذلك أبو دلف، فما زال يصك عليه للناس إلى أن أفناها من غير أن يصل إلى العباس درهم منها. «472» - روي أنّ شيخا أتى سعيد بن سلم وكلّمه في حاجة وما شاه، فوضع زجّ عصاه التي يتوكأ عليها على رجل سعيد حتى أدماها، فما تأوّه لذلك ولا نهاه، فلما فارقه قيل له: كيف صبرت منه على هذا؟ قال: خفت أن يعلم جنايته فينقطع عن ذكر حاجته. «473» - مرّ عبد العزيز بن مروان بمصر فسمع امرأة تصيح بابنها: يا عبد العزيز، فوقف وقال: من المسمّى باسمنا؟ ادفعوا إليه خمسمائة دينار، فما ولد   [1] م ر: رأيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 في أيامه مولود بمصر إلا سمي عبد العزيز. «474» - استلب رجل رداء طلحة بن عبيد الله، فذهب صاحبه يتبعه، فقال له طلحة: دعه فما فعل هذا إلا من حاجة. «475» - قرع رجل باب بعضهم فقال لجاريته: انظري من القارع، فقال: أنا صديق لمولاك، فنهض وبيده السيف وكيس يسوق جاريته، وفتح الباب وقال: ما شأنك؟ قال: راعني أمر، قال: لا يك ما ساءك [1] ، قد قسمت أمرك بين نائبة فهذا المال، وبين عدوّ فهذا السيف، وأيّم فهذه [2] الجارية. «476» - وقع جعفر بن يحيى في رقعة متحرم به، هذا فتى له حرمة الأمل فامتحنه بالعمل، فإن كان كافيا فالسلطان له دوننا، وإن لم يكن كافيا فنحن له دون السلطان. «477» - قال خالد: أيلبس الرجل أجود ثيابه ويتطيّب بأطيب طيبه ثم يتخطى القبائل والوجوه لا [3] يريد إلا قضاء حقي [4] وتعظيمي بسؤاله حاجة، فلا أعرف ذلك له ولا أكافيه عليه؟! تخطيت إذن مكارم الأخلاق ومحاسنها إلى مساوئها.   [1] لايك ما ساءك: سقط من م. [2] ع ر م: وأتمه بهذه. [3] م: فلا. [4] م: قضاء حقه وقيل حقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 «478» - قال ابن عبّاس: قدم علينا الوليد بن عتبة المدينة واليا كأن وجهه ورقة مصحف، فو الله ما ترك عانيا إلا فكّه، ولا غريما إلّا أدّى عنه، ينظر إلينا بعين أرقّ من الماء، ويكلّمنا بكلام أحلى من الجنى، ولقد شهدت منه مشهدا لو كان من معاوية لذكرته منه أبدا: تغدينا عنده فأقبل الخباز بصحفة فعثر بوسادة وندرت الصحفة من يده، فو الله ما ردّها إلا ذقنه، وصار ما فيها في حجره، ومثل الغلام ما فيه من الروح إلا ما يقيم رجله، فقام فدخل فغير ثيابه ثم أقبل تبرق أسارير وجهه، فأقبل على الخباز فقال: يا بائس ما أرانا إلا قد روّعناك، أنت وأولادك أحرار لوجه الله تعالى. فهذا هو التواضع الجميل، والبذل الحسن، والكرم المحض. «479» - وفد داود بن سلم [1] على حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية، فلما نزل به حطّ غلمانه رحله فقال: [من المتقارب] ولما دفعت لأبوابهم ... ولاقيت حربا لقيت النجاحا رأيناه يحمده المجتدون ... ويأبى على العسر إلا سماحا ويغشون حتى ترى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النباحا فأجازه بجائزة عظيمة، ثم استأذنه داود في الخروج فأذن له، فأعطاه ألف دينار، ولما أراد أن يرحل لم يعنه غلمانه ولم يقوموا إليه، فظنّ داود أن حربا ساخط عليه، فرجع إليه فأخبره بما رأى من غلمانه، فقال، سلهم لم فعلوا   [1] م: سليم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 بك ذلك [1] . قال فسألهم فقالوا: إنا ننزل من جاءنا ولا نرحّل من خرج عنا؛ فسمع الغاضريّ هذا الحديث فجاءه وقال له: أنا يهوديّ إن لم يكن الذي قال لك الغلمان أحسن من شعرك. «480» - قال إسحاق الموصليّ: دخلت يوما إلى المعتصم وعنده إسحاق ابن إبراهيم بن مصعب، فاستدناني فدنوت، واستدناني فتوقفت خوفا من أن أكون موازيا في مجلسي لإسحاق بن إبراهيم، ففطن المعتصم وقال: إنّ إسحاق كريم وإنك لم تستنزل [2] ما عند الكريم بمثل إكرامه، ثم تحدثنا فأفضت بنا المذاكرة إلى قول أبي خراش الهذلي: [من الطويل] حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشرّ أهون من بعض فأنشدها المعتصم إلى آخرها، وأنشد فيها: ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... سوى أنّه قد حطّ عن ماجد محض فغلطت وأسأت الأدب فقلت: يا أمير المؤمنين هذه رواية الكتّاب وما أخذ عن المعلم، والصحيح: بزّ عن ماجد محض، فقال لي: نعم صدقت، وغمزني بعينه يحذّرني من إسحاق، وفطنت لغلطي فأمسكت، وعلمت أنه قد أشفق عليّ من بادرة تبدر من إسحاق لأنه كان لا يحتمل مثل هذا في الخلفاء من أحد حتى يعظم [3] عقوبته، ويطيل حبسه كائنا من كان، فنبهني رحمه الله على ذلك. 481- لما مات عبيد الله بن سليمان بن وهب وارتفع الصراخ من داره   [1] ر: ذاك. [2] ر: يسترك. [3] ر: تعظم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 سجد المعتضد فأطال السجود، وكان بحضرته بدر المعتضديّ، فلما رفع رأسه قال له بدر: والله يا أمير المؤمنين لقد كان صحيح الولاء مجتهدا في خدمتك، عفيفا عن أموالك وأموال رعيتك، ميمون النقيبة حسن التدبير، قال: أفظننت يا بدر أني سجدت سرورا بموته؟ إنما سجدت شكرا لله إذ وفّقني فلم أصرفه ولم أوحشه، ولم يبلغ بي الطمع فيه إلى القبض عليه، ولم يبلغ به الفزع مني إلى التدبير عليّ، ففارقني ومضى راضيا وما بيننا مستور، ولم يجد أعداؤنا طريقا إلى أن يصفوني بقلّة الرعاية، والمسارعة إلى الاستبدال بالخدم، والشره إلى أموال حاشيتي. 482- قال علي بن عبد الملك بن صالح: ما سمعت في الكرم بأحسن من فعل بعض ولد الحسين بن علي عليهما السلام بمستميح له، وذلك أنه أتاه ليلا، فلما ابتدأ يتكلم بحاجته أطفأ السراج وقال له: تكلّم بلسانك كلّه فإني أتخوّف أن تخجلك المعاينة عن استيفاء جميع مسألتك. 483- أنشد اليزيدي [1] : [من الطويل] وما الجود عن فقر الرجال ولا الغنى ... ولكنّه خيم النفوس وخيرها فنفسك أكرم عن أمور كثيرة ... فمالك نفس بعدها تستعيرها «484» - وقال إبراهيم بن العبّاس: [من الوافر] أميل مع الصديق على ابن أمي ... وأقضي للصديق على الشقيق   [1] م: وأنشد الزينبي في هذا المعنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 أفرّق بين معروفي ومنّي ... وأجمع بين مالي والحقوق فإن ألفيتني مولى مطاعا ... فإنك واجدي عبد الصديق 485- وقال ابن صرمة الأنصاري: [من الوافر] لنا صرم يؤول الحقّ فيها ... وأخلاق يسود بها الفقير ونصح للعشيرة حيث كانت ... إذا ملئت من الغشّ الصدور وحلم لا يصوب الجهل فيه ... وإطعام إذا قحط الصّبير بذات يد على ما كان فيها ... نجود به قليل أو كثير ومما روي في مساوىء الأخلاق: «486» - شخص أبو وجزة السلميّ (المعروف بالسعديّ لنزوله في بني سعد ومحالفته إياهم) إلى المدينة يريد آل الزبير، وشخص أبو زيد الأسلميّ يريد إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر [1] بن مخزوم وهو والي المدينة وخال هشام بن عبد الملك [2] ، فاصطحبا، فقال أبو وجزة: هلمّ فلنشترك فيما نصيبه، فقال أبو زيد: كلا أنا أمدح الملوك، وأنت تمدح السّوق، فلما دخلا المدينة صار أبو زيد إلى إبراهيم بن هشام فأنشده: يا ابن هشام يا أخا الكرام فقال إبراهيم: وكأنما أنا أخوهم وكأني لست منهم، ثم أمر به فضرب بالسياط. وامتدح أبو وجزة آل الزبير فكتبوا له بستين وسقا من تمر وقالوا: هي لك في كل سنة، فانصرفا فقال أبو زيد: [من الطويل]   [1] ع ر: عبد الملك. [2] بن مخزوم ... عبد الملك: سقط من ع ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 مدحت عروقا للندى مصّت الثرى ... حديثا فلم تهمم بأن تتزعزعا [1] نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى ... وحلّبت الأيّام والدهر أضرعا سقاها ذوو الأرحام سجلا على الظما ... وقد كربت أعناقها أن تقطّعا بفضل سجال لو سقوا من مشى بها ... على الأرض أرواهم جميعا وأشبعا فضمّت بأيديها على فضل ما بها ... من الريّ لما أوشكت أن تضلّعا وزهّدها أن تفعل الخير في الغنى ... مقاساتها من قبله [2] الفقر جوّعا وقال أبو وجزة: [من البسيط] راحت رواحا قلوصي وهي حامدة ... آل الزبير ولم تعدل بهم أحدا راحت بستّين وسقا في حقيبتها ... ما حملت حملها الأدنى ولا السّددا ما إن رأيت قلوصا قبلها حملت ... ستّين وسقا ولا جابت به بلدا ذاك القرى لا قرى قوم رأيتهم ... يقرون ضيفهم الملويّة الجددا [3] «487» - قال رجل من أهل العراق: أدناني أبو مسلم وآنسني ثم سألني فقال: أي الأعراض أدنى؟ قلت: عرض بخيل، قال: كلا، ربّ بخيل لم يكلّم عرضه، قلت: فأيها أصلح الله الأمير؟ قال: عرض لم يرتع فيه حمد ولا ذمّ. «488» - قال إبراهيم بن العباس: والله لو وزنت كلمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم   [1] ع ر: تترعرعا. [2] م: قبلها. [3] ر: الجردا؛ والملوية: السياط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 بمحاسن الناس لرجحت وهي قوله: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم؛ هذا أبو عبّاد كان كريم العهد كثير البذل، سريعا إلى فعل الخير، فطمس ذلك سوء خلقه فما ترى له حامدا. «489» - قيل للمأمون: إنّ دعبلا قد هجاك، فقال: وأيّ عجب في ذاك؟ هو يهجو أبا عبّاد لا يهجوني أنا؟ ومن أقدم على جنون أبي عباد أقدم على حلمي. ثم قال للجلساء: من كان منكم يحفظ شعره في أبي عباد فلينشده، فأنشده بعضهم: [من الكامل] أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبّره أبو عبّاد خرق على جلسائه فكأنّهم ... حضروا لملحمة ويوم جلاد يسطو على كتّابه بدواته ... فمضمّخ بدم ونضح مداد وكأنه من دير هزقل مفلت ... حرد يجرّ سلاسل الأقياد فاشدد أمير المؤمنين وثاقه ... فأصحّ منه بقية [1] الحداد وكان بقية هذا مجنونا في البيمارستان. ولأبي عباد حكايات عجيبة في طيشه وجهله، فمما يروى عنه أنه غضب على بعض كتّابه فرماه بدواة، فأبلغ المأمون فقال له: لم فعلت ذلك؟ فقال: أنا ممن قال الله فيهم: وإذا ما غضبوا هم يعقرون فقال: ويلك لا تحسن آية؟ فقال: نعم: أنا أقرأ من سورة ألف آية.   [1] ر: مقية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 «490» - وكان محمد بن جميل كاتب المنصور صاحب ديوان الخراج شديد الخرق غاية في الخفّة، وكان ومجلسه غاصّ بأهله يعدو خلف كاتبه بالنعل، وكاتبه يعدو بين يديه. «491» - لقي الحجاج أعرابيا بفلاة فسأله عن نفسه، فأخبره بكلّ ما يكره وهو لا يعرفه، فقال: إن لم أقتلك فقتلني الله، قال الأعرابي: فأين حقّ الاسترسال؟ فقال الحجاج: أولى لك، وأعرص عنه. (وليس الحجاج ممن تأتي منه مكرمة، ولكن ربّ رمية من غير رام) . «492» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما نزعت الرحمة إلا من شقي. «493» - ولما وفد عليه صلّى الله عليه وسلّم قيس بن عاصم سأله بعض الأنصار عما يتحدّث به عنه في الموؤدات، فأخبره أنه ما ولدت له قطّ بنت إلا وأدها وقال: كنت أخاف العار، وما رحمت منهنّ إلّا بنيّة كانت لي ولدتها أمّها وأنا في سفر، فدفعتها إلى أخوالها، وقدمت فسألت عن الحمل فأخبرتني المرأة أنها ولدت ولدا ميتا، ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت، فزارت أمّها ذات يوم، فدخلت فرأيتها وقد ضفّرت شعرها، وجعلت في قرونها شيئا من خلوق، ونظمت عليها ودعا، وألبستها قلادة جزع، وجعلت في عنقها مخنقة بلح، فقلت: من هذه الصبية، فلقد أعجبني كمالها وكيسها؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 فبكت ثم قالت: هذه ابنتك، فأمسكت عنها حتى اشتغلت أمها، ثم أخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة وجعلتها فيها وهي تقول لي: يا أبة ما تصنع بي؟ وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول: أمغطي أنت بالتراب؟ أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني؟ وجعلت أقذف عليها التراب حتى واريتها فانقطع صوتها. فدمعت عين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: إنّ هذه لقسوة وإن من لا يرحم لا يرحم. ورأى في حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعض بناته يشمّها فقال له: ما هذه السخلة تشمها؟ والله لقد وأدت ثمانية، وولد لي ثمانون ما شممت منهم أنثى ولا ذكرا قط، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فهل إلا أن ينزع الله الرحمة منك. «494» - وكان محمد بن عبد الملك الزيات قاسيا مع غير ذلك من رذائل جمعت فيه، على فضله وعلمه وأدبه وكفايته، فذكروا أن رجلا دخل عليه فقال له: أنا أصلحك الله أمتّ إليك بجواري وأرغب إليك في عطفك عليّ، فقال له: أما الجوار فنسب بين الحيطان، وأما العطف والرقة فهما للصبيان والنساء. 495- وقيل: كان له جار أيّام انخفاض حاله، وكان بينهما ما يكون بين الجيران من التباعد، فلما بلغ محمد ما بلغ من الولاية شخص إلى سرّ من رأى، فورد بابه وهو يتغدّى، فوصل إليه وهو على طعامه، فتركه قائما لا يرفع إليه طرفه وهو يأكل حتى فرغ من أكله، ثم رفع رأسه إليه وقال له: ما خبرك؟ فقال الرجل: قد أصارك الله تعالى أيها الوزير إلى أجلّ الآمال، وصرف رغبات الناس إليك، وقد علمت ما كنت تنقمه عليّ، وقد غيّر الدهر حالي فوفدت إليك مستقيلا عثرتي ومستعطفا لك على خلّتي، فقال له: قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 علمت هذا فانصرف وعد إليّ في غد، فولّى الرجل من بين يديه، فلما صار في صحن داره دعا به، فلما وقف بين يديه قال: لا والله مالك عندي شيء مما أمّلته وقدّرته، فلا تقم عليّ، ثم أقبل على بعض من بين يديه فقال: إنما رددته وأيّسته بخلا عليه بفسحة الأمل وأنس الرجاء في بقيّة يومه. 496- وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر موصوفا بالقسوة، كان [1] يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط وهو يتحدّث، ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط. وقال عيسى النوفلي: غضب ابن جعفر على غلام له وأنا عنده جالس في غرفة بأصفهان، فأمر أن يرمى به منها إلى أسفل، ففعل به ذلك، فتعلق بدرابزين كان على الغرفة فأمر بقطع يده التي أمسكه بها فقطعت، ومرّ الغلام يهوي حتى بلغ الأرض فمات. 497- شاعر: [من الطويل] ولا تك ذا وجهين وجه شهادة ... ووجه مغيب غيبه غير طائل «498» - آخر: [من الطويل] وكم من صديق ودّه بلسانه ... خؤون بظهر الغيب لا يتذمّم كذلك ذو الوجهين يرضيك شاهدا ... وفي غيبه إن غاب صاب وعلقم 499- آخر: [من الوافر] وذو الوجهين ظاهره صحيح ... وباطن غيبه داء دفين   [1] ر: وكان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 «500» - قال بعض الحكماء: آفة الملوك سوء السيرة، وآفة الوزراء سوء السريرة، وآفة الجند مخالفة القادة، وآفة الرعيّة مفارقة الطاعة، وآفة الزعماء ضعف السياسة، وآفة العلماء حب الرياسة، وآفة القضاة شدّة الطمع، وآفة العدول قلة الورع، وآفة الملوك مضادة الأعوان، وآفة العدل ميل الولاة، وآفة الجريء إضاعة الحزم، وآفة القويّ استضعاف الخصم، وآفة المنعم قبح المنّ، وآفة المذنب سوء الظنّ. من كثر ملقه لم يعرف بشره. «501» - كان يوسف بن عمر الثقفي من الموصوفين بالقسوة والفظاظة، وكان في إمارته العراق يعظ الناس ويأمر بالخير، وينهى عن الأذى، ويزهّد في الدنيا، ويرغّب في المعاد، ويخالف فعله قوله- كان يتخد لهشام طنافس الخزّ في واسط، فامتحن طنفسة منها بأن جرّ عليها ظفر إبهامه فعلقت به غفرة من الطنفسة فأمر بيد الصانع فقطعت. وأمر أن يضرب الدرهم لا ينقص حبّة فما فوقها، ونادى من فعل ذلك ضربته ألف سوط، ووجد درهما ناقصا حبّة فأحضر الضرّابون فكانوا مائة، فضرب كلّ واحد ألف سوط، فقيل ضرب في حبّة فضة مائة ألف سوط. وقد أكثر الشعراء في ذكر حسد الأقارب: 502- قال الأقرع بن معاذ: [من الطويل] ومولى أمنّا داءه تحت جنبه ... فلسنا نجازيه ولسنا نعاتبه رأى الله أعطاني فأضمر صدره ... على حسد الإخوان وازورّ جانبه فويل له منّا وويل لأمّه ... علينا إذا ما حرّكته حوازبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 «503» - وقال مبذول العنزي [1] : [من الطويل] ومولى كضرس السوء يؤذيك مسّه ... ولا بدّ إن آذاك أنك فاقره دويّ الجوف إن ينزع يسؤك مكانه ... وان يبق تصبح كلّ يوم تحاذره يسرّ لك البغضاء وهو مجامل ... وما كلّ من يجني عليك تساوره وما كلّ من مدّدت ثوبك فوقه ... لتستره ممّا جنى أنت ساتره «504» - وقال عمر بن أبي ربيعة: [من الكامل] ومشاحن ذي بغضة وقرابة ... يزجي لأقربه عقارب لسّعا يسعى ليهدم ما بنيت وإنني ... لمشيّد بنيانه المتضعضعا وإذا سررت يسوءه ما سرّني ... ويرى المسرّة مروتي أن تقرعا [2] وإذا عثرت يقول إني شامت ... وأقول حين أراه يعثر دعدعا [3] «505» - وقال الحسن بن هانىء: [من المديد] وابن عمّ لا يكاشفنا ... قد لبسناه على غمره كمن الشنآن فيه لنا ... ككمون النار في حجره «506» - وقال آخر: [من الطويل]   [1] ربما قرئت «الغنوي» في ر. [2] المروة: الصخرة؛ ويقرع مروته: يعيبه. [3] دع دع: كلمة لاقالة العاثر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 لكلّ كريم من ألائم قومه ... على كلّ حال حاسدون وكشّح «507» - وقال ابن المعتز: [الكامل المجزوء] ما عابني إلا الحسو ... د وتلك من خير المناقب وإذا فقدت الحاسدي ... ن فقدت في الدنيا الأطايب «508» - ومن كلام بعض الزهاد: إذا زال المحسود عليه علمت أنّ الحاسد كان يحسد على غير شيء. «509» - وقال عروة بن أذينة: [من البسيط] لا يبعد الله حسّادي وزادهم ... حتى يموتوا بداء فيّ مكنون إني رأيتهم في كلّ منزلة ... أجلّ قدرا من اللائي يحبوني «510» - ولقد أحسن الآخر في قوله، وهو الكميت بن معروف الأسدي [1] : [من البسيط] فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظا بما يجد 511- وفي الحسد يقول الشاعر: [من الطويل]   [1] وهو.. الأسدي: سقط من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 إني امرؤ لا أحسد الناس نعمة ... إذا نالها قبلي من الناس نائل أأحسد فضل الله أن ناله امرؤ ... سواي وعندي للاله فضائل وهبني حسدت المرء بالجهل رزقه ... وحال به عني من الله حائل ولم يضرر المحسود مني نفاسة ... أليس على قلبي تحوم البلابل «512» - ومن أبلغ ما سمع في الحنق أنّ أبا العبّاس السفّاح لمّا قتل بني أميّة بحضرته دعا بالغداء، ثم أمر ببساط فبسط عليهم، وجلس فوقه يأكل وهم يضطربون تحته، فلما فرغ قال: ما أعلمني أكلت أكلة قطّ كانت أهنا ولا أطيب في نفسي منها. ويقال: إنهم صلبوا في بستانه حتى تأذّى جلساؤه بروائحهم، فكلموه في ذلك فقال: والله لهذا ألذّ عندي من شمّ المسك والعنبر، غيظا عليهم، وتمثّل بقول ذي الإصبع: [من البسيط] لو يشربون دمي لم يرو شاربهم ... ولا دماؤهم للغيظ تشفيني «513» - وضد هذا التشفي [1] ما حكي عن محمد بن زيد بن علي بن الحسين في حكاية طويلة رواها القاضي التنوخي قال: كان محمد بن زيد الداعي العلوي بطبرستان إذا افتتح الخراج نظر ما في بيت المال من خراج السنة التي قبلها، ففرّق في قبائل قريش قسطا على دعوتهم، وفي الأنصار والفقهاء وأهل القرآن وسائر الناس، حتى يفرق جميع ما بقي، فجلس في سنة من السنين يفرّق المال كما كان يفعل، فلما فرغ من بني هاشم دعا بسائر عبد مناف، فقام رجل فقال له: من أيّ عبد مناف أنت؟ قال من بني أميّة، قال: من   [1] ر: الشفاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 أيهم؟ فسكت. قال: لعلك من بني معاوية؟ قال: نعم، قال: فمن أي ولده؟ فأمسك، قال: لعلك من ولد يزيد، قال: نعم، قال بئس الاختيار اخترت لنفسك من قصدك بلدا ولايته لآل أبي طالب، وعندك ثأرهم في سيدهم، وقد كانت لك مندوحة عنهم في الشام والعراق إلى من يتوالى جدّك ويحبّ برّك، فإن كنت جئت على جهل [1] بهذا [2] منك فما يكون بعد جهلك شيء، وإن كنت جئت لغيره فقد خاطرت بنفسك، قال: فنظر إليه العلويون نظرا شديدا، فصاح بهم محمد وقال: كفوا، كأنكم تظنون أنّ في قتل هذا دركا أو ثأرا بالحسين بن علي، وأيّ جرم لهذا؟ إنّ الله جل وعز قد حرّم أن تطالب نفس بغير ما اكتسبت، والله لا يعرض له أحد إلا أقدته منه؛ واسمعوا حديثا أحدثكم به يكون لكم قدوة فيما تستأنفون، حدثني أبي عن أبيه قال: عرض على المنصور سنة حجّ جوهر فاخر فعرفه وقال: هذا جوهر كان لهشام بن عبد الملك وهو هذا بعينه وقد بلغني [3] خبره عند محمد ابنه، وما بقي منهم أحد غيره، ثم قال للربيع: إذا كان غدا وصليت بالناس في المسجد الحرام وحصل الناس فيه فأعلق الأبواب كلّها ووكلّ بها ثقاتك من الشيعة فأقفلها وافتح للناس بابا واحدا وقف عليه، فلا يخرج أحد إلا من عرفته. فلما كان من الغد فعل الربيع ما أمره به وتبيّن محمد بن هشام القصة، فعلم أنه هو المطلوب وأنه مأخوذ، فتحير، وأقبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب على تفئة ذلك فرآه متحيرا وهو لا يعرفه، فقال له: يا هذا أراك متحيرا فمن أنت، ولك أمان الله وأنت في ذمتي حتى أتخلّص بك، فقال: أنا محمد ابن هشام بن عبد الملك، فمن أنت؟ قال: أنا محمد بن زيد بن علي بن الحسين، فقال عند ذلك: أحتسب نفسي إذن، قال: لا بأس عليك يا ابن   [1] م: جئت جاهلا. [2] م: بهذا المكان. [3] ر ع: وهذا بعينه قد بلغني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 عمّ، فانك لست قاتل زيد ولا في قتلك إدراك ثأره، وأنا الآن بخلاصك أولى مني بإسلامي إيّاك، ولكن تعذرني في مكروه أتناولك به وقبيح [1] أخاطبك به يكون [2] فيه خلاصك، قال: أنت وذاك، فطرح رداءه على رأسه ووجهه، ولبّبه وأقبل يجره، فلما وقعت عين الربيع عليه لطمه لطمات وجاء به إلى الربيع وقال له: يا أبا الفضل إنّ هذا الخبيث جمال من أهل الكوفة أكراني جماله ذاهبا وراجعا، وقد هرب منّي في هذا الوقت وأكرى بعض القواد الخراسانية، ولي عليه بيّنة فتضمّ إليّ حرسيّين يصيران به معي إلى القاضي ويمنعان الخراسانيّ من إعزازه، فضمّ إليه حرسيين وقال امضيا معه، فلما بعد عن المسجد قال له: يا خبيث تؤدّي إليّ حقي؟ قال: نعم يا ابن رسول الله، فقال للحرسيين: انصرفا، فانصرفا وأطلقه، فقبّل محمد بن هشام رأسه وقال: بأبي أنت وأمي: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، ثم أخرج جوهرا له قدر وقال: تشرّفني بقبول هذا؟ قال: يا ابن عم إنّا أهل بيت لا نقبل على المعروف مكافأة، وقد تركت لك أعظم من ذلك، تركت لك دم زيد بن علي، فانصرف راشدا ووار شخصك حتى يخرج هذا الرجل فإنه مجدّ في طلبك، فمضى وتوارى. ثم أمر للداعي الأموي بمثل ما أمر به لسائر بني عبد مناف، وضمّ إليه جماعة من مواليه، وأمرهم أن يخرجوه إلى الريّ ويأتوه بكتابه بسلامته، فقام الأمويّ فقبّل رأسه، ومضى معه القوم حتى وصل إلى مأمنه، وجاءوه بكتابه من الري. «514» - ومن الحقد البليغ ما فعله عبد الله بن الزبير بأخيه عمرو، وكان   [1] م: ومكروه. [2] م: ويكون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 عمرو بن الزبير قد شايع بني أميّة، وهدم دور قوم في هواهم، فلما ولي عبد الله ابن الزبير أخوه واستولى على الحجاز، أقام عمرا للناس ليقتصوا منه، فبالغ كلّ ذي حقد عليه في ذلك، وتدسّس فيه من يتقرّب إلى أخيه، وكان أخوه عبد الله لا يسأل من ادعى عليه شيئا بيّنة، ولا يطالبه بحجة، وإنما يقبل قوله ودعواه، ثم يدخله إلى السجن ليقتص منه، فكانوا يضربونه والقيح يتنضح [1] من ظهره وأكتافه على الأرض والحائط [2] ، لشدّة ما يمرّ به، ثم يضرب وهو على تلك الحال، ثم أمر بأن ترسل عليه الجعلان، فكانت تدبّ عليه فتثقب لحمه وهو مقيّد مغلول يستغيث فلا يغاث، حتى مات على تلك الحال. فدخل الموكل به على أخيه عبد الله بن الزبير وفي يده قدح لبن يريد أن يتسحر به وهو يبكي، فقال له: مالك، أمات عمرو؟ قال: نعم، قال: أبعده الله، وشرب اللبن ثم قال: لا تغسلوه ولا تكفّنوه وادفنوه في مقابر المشركين، فدفن فيها. «515» - حدث شيخ من بني نبهان قال: أصابت بني شيبان [3] سنة ذهبت بالأموال، فخرج منهم رجل بعياله حتى أنزلهم الحيرة، وقال لهم: كونوا قريبا من الملك يصبكنّ من خيره حتى أرجع إليكنّ، وآلى أليّة لا يرجع حتى يكسبهن خيرا أو يموت؛ فتزود زادا ثم مشى [يوما] إلى الليل فإذا هو بمهر مقيّد يدور حول خباء [4] ، فقال: هذا أول الغنيمة، فذهب يحلّه ويركبه، فنودي خلّ عنه واغنم [5] نفسك، فتركه ومضى، فمشى سبعة أيّام   [1] م والأغاني: يتنضح. [2] والحائط: سقطت من الأغاني. [3] الأغاني: نبهان. [4] الأغاني: مقيد يد ورجل حول خباء. [5] م: واغتنم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 حتى انتهى إلى عطن إبل مع تطفيل الشمس، وإذا خباء عظيم وقبة أدم [1] ، قال: فقلت في نفسي: ما لهذا الخباء بدّ من أهل، وما لهذه القبة بدّ من ربّ، وما لهذا العطن بدّ من إبل، فنظرت في الخباء فإذا شيخ كبير قد اختلفت ترقوتاه كأنه نسر، [قال] : فجلست خلفه، فلما وجبت الشمس إذا فارس قد أقبل لم أر فارسا قطّ أعظم منه، ولا أجسم، على فرس مشرف، ومعه أسودان يمشيان جنبيه، وإذا مائة من الإبل مع فحلها، فبرك الفحل وبركن حوله، فقال لأحد عبديه احلب فلانة ثم اسق الشيخ، فحلب في عسّ حتى ملأه ووضعه بين يدي الشيخ وتنحّى، فكرع فيه الشيخ مرة أو مرتين ثم نزع، وثرت إليه فشربته، فرجع إليه العبد فقال: يا مولاي شربه حتى أتى على آخره، ففرح بذلك وقال: احلب له فلانة، فحلبها ثم وضع العسّ بين يدي الشيخ، فكرع فيه كرعة ثم نزع، فثرت إليه فشربت نصفه وكرهت أن آتي على آخره فأتّهم، فجاء العبد وأخذه وقال لمولاه: قد شرب وروي: قال: دعه، ثم أمر بشاة فذبحت وشوى للشيخ منها، واكل هو وعبداه، فأمهلت حتى إذا ناموا وسمعت الغطيط ثرت إلى الفحل فحللت عقاله وركبته، فاندفع بي وتبعته الإبل، فمشيت [2] ليلتي حتى الصباح، فلما أصبحت نظرت فلم أر أحدا، فشللتها إذن شلا عنيفا حتى تعالى النهار، ثم التفتّ التفاتة فإذا بشيء كأنه طائر، فما زال يدنو حتى تبيّنته، فإذا فارس على فرس، وإذا هو صاحبي بالأمس، فعقلت الفحل ونثلت كنانتي، ووقفت بينه وبين الإبل، فقال: احلل عقاله، فقلت: كلا والله، لقد خلّفت نسيّات بالحيرة وآليت أليّة ألا أرجع أو أفيدهنّ خيرا أو أموت، قال: فإنك ميت، حلّ عقاله لا أمّ لك، قلت: هو ما قلت لك، قال: إنك لمغرور انصب لي خطامه وانصب [3]   [1] م والأغاني: من أدم. [2] م: فهمشت. [3] الأغاني: واجعل فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 خمس عجر، ففعلت فقال: أين تحبّ أن أضع سهمي، فقلت: في هذا الموضع، فكأنما وضعه بيده، ثم أقبل يرمي حتى أصاب الخمس بخمسة أسهم، فرددت نبلي وحططت قوسي، ووقفت له مستسلما فدنا مني، فأخذ السيف والقوس ثم قال: ارتدف خلفي، وعرف أني الذي شربت عنده اللبن، فقال: ما ظنّك بي؟ قلت: أحسن الظنّ، قال: وكيف ذاك؟ قلت: لما لقيت من تعب ليلتك وقد أظفرك الله بي، فقال: أترانا نهيجك وقد بتّ تنادم مهلهلا؟ فقلت: أزيد الخيل أنت؟ قال: نعم، فقلت: كن خير آخذ، فقال: ليس عليك بأس، فمضى إلى موضعه الذي كان به ثم قال: أما لو كانت هذه الإبل لي لسلّمتها إليك ولكنها لبنت مهلهل، فأقم عليّ فإني على شرف غارة، فأقمت أياما [1] ، فمضى فأغار على بني نمير بالملح، فأصاب مائة بعير فقال: هذه أحبّ إليك أم تلك؟ قلت: بل هذه، قال: دونكها، وبعث معي خفراء من ماء إلى ماء حتى وردت الحيرة، فلقيني نبطيّ فقال: أيسرّك أنّ لك بإبلك هذه بكلّ بعير منها [2] بستانا من هذه البساتين؟ فقلت: وكيف ذلك؟ قال: هذا قرب مخرج نبيّ يخرج فيملك هذه الأرض ويحول بين أربابها وبينها حتى إنّ أحدكم ليبتاع البستان من هذه البساتين بثمن بعير، قال: فاحتملت بأهلي حتى انتهيت إلى مواطننا، فبينا نحن في الشّيطين على ماء لنا وقد كان الحوفزان بن شريك أغار على بني تميم، فجاءنا خبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلمنا فما مضت أيّام حتى اشتريت بثمن بعير من إبلي بستانا بالحيرة. «516» - أسلم أبو خراش الهذلي فحسن إسلامه، ثم أتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجاجا [فنزلوا بأبي خراش] والماء غير بعيد عنهم، فقال: يا بني   [1] ر: فأقت أنا. [2] بكل بعير منها: سقط من الأغاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 عمي ما أمسى عندنا ماء ولكن هذه برمة وشاة وقربة فردوا الماء ثم كلوا شاتكم ودعوا برمتنا وقربتنا على الماء حتى نأخذهما، فقالوا: لا والله ما نحن بسارين في ليلتنا هذه وما نحن ببارحين حيث أمسينا. فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قربته وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى، ثم أقبل صادرا فنهشته حيّة. فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء، وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا، ولم يعلمهم ما أصابه، فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه، فبلغ خبره عمر بن الخطاب فغضب غضبا شديدا وقال: لولا أن تكون سنّة لأمرت أن لا يضاف يمان أبدا، ولكتبت بذلك إلى الآفاق، إنّ الرجل ليضيف أحدهم فيبذل له مجهوده فيتسخطّه ولا يقبله منه ويطالبه بما لا يقدر عليه، كأنه يطالبه بدين، أو يتعنّته ليفضحه فهو يكلّفه التكاليف حتى أهلك ذلك من فعلهم رجلا مسلما وقتله، ثم كتب إلى عامله أن يأخذ النفر الذين نزلوا بأبي خراش فيغرّمهم ديته ويؤدّبهم بعد ذلك بعقوبة يمسّهم بها جزاء لفعلهم. «517» - قال أعرابيّ: أسوأ ما في الكريم أن يكفّ عنك خيره [1] ، وخير ما في اللئيم أن يكفّ عنك شرّه [2] . «518» - قال عبد الملك بن مروان: يا بني أمية ابذلوا نداكم، وكفّوا أذاكم، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم، فإن خير المال ما أفاء حمدا   [1] ربيع: جداه. [2] ربيع: أذاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 أو نفى ذمّا، ولا يقولنّ أحدكم ابدا بمن تعول فإنما الناس عيال الله قد كفل بأرزاقهم فمن وسّع أخلف الله عليه ومن ضيّق ضيق الله عليه. «519» - وقال أعرابي: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الملول ذا أخدان [1] ، ولا الحرّ حريصا، ولا الشّره غنيا. 520- وقال أعرابي: صن عقلك بالحلم، ومروءتك بالعفاف، ونجدتك بمجانبة الخيلاء، ومحلك بالإجمال في الطلب. «521» - شاعر: [من الطويل] أبا حسن ما أقبح الجهل بالفتى ... وللحلم أحيانا من الجهل أقبح إذا كان حلم المرء عون عدوّه ... عليه فإن الجهل أعفى وأروح وفي العفو ضعف والعقوبة قوة ... إذا كنت تخشى كيد من عنه تصفح «522» - قال رجل للأحنف: دلّني على رجل كثير العيوب، قال: اطلبه عيّابا فإنما يعيب الناس بفضل ما فيه. «523» - وأنشد ابن الأعرابيّ: [من الطويل] ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه ... مراد لعمري ما أراد قريب   [1] ر: إخوان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 «524» - ومثله: [من الوافر] وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال ذوو العيوب «525» - ويقال: شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء، والقسوة على الضعفاء، والبخل عند الاعطاء. 526- وقال سفيان بن عيينة، وذكر عنده البغي: أراد إخوة يوسف أن يذلّوه فما برح بهم الدهر حتى قالوا: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ (يوسف: 88) . 527- الأقرع بن معاذ: [من الطويل] يطّيب نفسي أنني غير مجرم ... وأني إذا ناجيتها لا ألومها «528» - زهير: [من الطويل] وفي الحلم إدهان وفي العفو دربة ... وفي الصدق منجاة من الشرّ فاصدق ومن يلتمس حسن الثناء بماله ... يصن عرضه من كلّ شنعاء موبق ومن لا يصن قبل النوافذ عرضه ... فيحرزه يعرر به ويخرّق «529» - العرزمي: [من الطويل] وإياك إياك المراء فإنه ... إلى الشرّ دعّاء وللغيّ جالب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 والأصل فيه قوله تعالى وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال: 46) . «530» - عدي بن زيد: [من الطويل] وإياك من فرط المزاح فإنّه ... جدير بتسفيه الحليم المسدّد 531- يحيى بن زياد: [من البسيط] لا يلبث الهزل أن يجني لصاحبه ... ذما ويذهب عنه بهجة الأدب «532» - طريح بن إسماعيل: [من الطويل] إذا كنت عيّابا على الناس فاحترس ... لنفسك مما أنت للناس قائله «533» - بشار: [من الرجز] وصاحب كالدمّل الممدّ ... حملته في رقعة من جلدي أرقب منه مثل يوم الورد ... حتى مضى غير حميد الفقد وما درى ما رغبتي من زهدي 534- نافع بن لقيط الاسدي: [من الطويل] إذا أنت اكثرت المجاهل كدّرت ... عليك من الأخلاق ما كان صافيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 «535» - هدبة بن الخشرم: [من الطويل] ولست بمفراح إذا الدهر سرّني ... ولا جازع من صرفه المتقلّب ولا أتمنّى الشرّ والشرّ تاركي ... ولكن متى أحمل على الشرّ أركب وقد علل سقراط هذا المعنى، قيل له: لم لا تهتمّ على فائتة و [لا] تفرح بعائدة؟ قال: لأن تلك لا تتلافى بالعبرة، وهذه لا تستدام بالحبرة [1] . «536» - تأبط شرا: [من البسيط] لكنّما عولي إن كنت ذا عول ... على بصير بكسب الحمد سبّاق سباق غايات مجد في عشيرته ... مرجّع الصوت هدّا بين أرفاق حمّال ألوية شهّاد أندية ... هبّاط أودية جوّال آفاق وفيها يقول [2] : لتقرعن عليّ السنّ من ندم ... إذا تذكرت يوما بعض أخلاقي «537» - قيس بن الخطيم: [من الطويل] سلي من جليسي في النديّ [3] ومألفي ... ومن هو لي عند الصفاء خدين وأيّ أخي حرب إذا هي شمّرت ... ومدره خصم يا نوار [4] أكون   [1] وقد علل ... بالحبرة: وقع في ر بعد رقم 534. [2] وفيها يقول: سقط من ر. [3] ديوانه: من نديمي في الندامى. [4] الديوان: بعد ذاك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وهل يحذر الجار الغريب فجيعتي ... وخوني وبعض المقرفين خؤون وما لمعت عيني لغرّة جارة ... ولا ودّعت بالذمّ حين تبين أبى الذمّ آباء نماني مجدهم [1] ... ومجدي لمجد الصالحين معين فهذا كما قد تعلمين وإنني ... لجد على ريب الخطوب متين وإني لأعتام الرجال بخلتي ... أولي الرأي في الأحداث حين تحين فأبري بهم صدري وأصفي مودّتي ... وأترك [2] عهدي دون ذاك مصون أمرّ على الباغي ويغلظ جانبي ... وذو القصد أحلولي له وألين «538» - المتنبي: [من الطويل] وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ... ومن لك بالحرّ الذي يحفظ اليدا إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا ووضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضرّ كوضع السيف في موضع النّدى «539» - سأل الرشيد أبا يوسف عن أخلاق أبي حنيفة فقال: إن الله يقول ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق: 18) وهو عند لسان كل قائل، كان علمي بأبي حنيفة أنه كان شديد الذبّ عن محارم الله عز وجل أن تؤتى، شديد الورع أن ينطق في دين الله بما لا يعلم، يحبّ أن يطاع الله ولا يعصى، مجانبا لأهل الدنيا في دنياهم، لا ينافسهم في عزها، طويل الصمت دائم الفكر على عمل واسع، لم يكن مهذارا ولا ثرثارا، إن   [1] الديوان: نمتني جدودهم. [2] م: ويترك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 سئل عن مسألة كان عنده فيها علم نطق فيها وأجاب عنها بما سمع، وإن كان غير ذلك قاس على الحقّ واتبعه، لا يميل إلى طبع [1] ، بعيد [عن] الغيبة لا يذكر أحدا إلا بخير؛ فقال الرشيد: هذه أخلاق الصالحين، ثم قال للكاتب: اكتب هذه الصفة وادفعها إلى ابني ينظر فيها، ثم قال: احفظها حتى أسألك عنها. «540» - وكان أبو حنيفة سهل الأخلاق جوادا سمحا حسن الجوار مغضيا عمن يسيء إليه مسامحا له؛ وقيل: إن رجلا أتاه فقال: معي عشرة آلاف درهم كتبت على لسانك كتابا إلى الأمير بجرجان فوهبها لي، وهي لك وقد أحضرتها، فقال: بارك الله لك فيها، ومن استطاع منكم أن يفعل كما فعل فقد أذنت له في ذلك. «541» - ورأى على بعض جلسائه ثيابا رثّة، فأمره فجلس حتى تفرّق الناس وبقي وحده، فقال: ارفع المصلّى وخذ ما تحته، فرفع المصلّى فكان تحته ألف درهم فقال: خذ هذه الدراهم فغيّر بها حالك، فقال الرجل: إني موسر وأنا في نعمة ولست أحتاج إليها، فقال: أما بلغك الحديث: إنّ الله يحبّ أن يرى أثر النعمة على عبده؟ فينبغي لك أن تغير حالك حتى لا يغتمّ بك صديقك. 542- وكان أبو حنيفة يفضل ويعطي من كسب تجارته، وكان قوته في الشهر درهمين لخاصّه. «543» - قال خارجة بن مصعب: خرجت إلى الحجّ وخلّفت جارية لي   [1] ر: الطبع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 عند أبي حنيفة وأقمت بمكة نحوا من أربعة أشهر، فلما قدمت قلت لأبي حنيفة: كيف وجدت خدمة هذه الجارية وخلقها؟ فقال: من قرأ القرآن وحفظ على الناس علم الحلال والحرام احتاج أن يصون نفسه عن الفتنة، والله ما رأيت جاريتك منذ خرجت إلى أن رجعت، فسألت الجارية عنه فقالت: ما رأيت ولا سمعت مثله [1] ، ما رأيته [نام] على فراش منذ دخلت إليه، ولا رأيته اغتسل في ليل ولا نهار، ولقد كان يوم الجمعة يخرج يصلي [2] صلاة الصبح، ثم يدخل إلى منزله فيصلي صلاة الضحى صلاة خفيفة، وذاك أنه كان يبكر إلى المسجد ويغتسل غسل الجمعة ويمسّ شيئا من الدهن، ثم يمضي إلى الصلاة، وما رأيته يفطر النهار قط، وكان يأكل في آخر الليل، ثم يرقد رقدة خفيفة، ثم يخرج إلى الصلاة. 544- قال بعض أهل الأدب: عشر فيهنّ الكمال: كرم الحسب، وشدّة العقل، وصحة الدين، والسخاء، والمال، والحياء، والرفق، والتواضع، والشجاعة، وحفظ القرآن. وعشر خصال تزري ومنها تتفرّع النذالة: الحسب الرديء، والخلق الدنيء، وقلة العقل، وسوء الفعل، ودناءة النفس، والجبن، والبخل، والفجور، والكذب، والغش للناس والوقيعة فيهم. وعشر يجتلبن ودّ الناس ويذهبن الضّغن: العفو، والحلم، والاغضاء، وترك التأنيب والتوبيخ، والأخذ بالحزم، والعفة، وترك الغيبة، وكتمان السرّ، وقضاء الحقوق، وحسن اللقاء. وعشر يمحقن الشكر ويجتلبن البغضة: الامتنان بالعطاء، وسوء الخلق، وتنكيد الهبة، ووضع الصنيعة في غير موضعها، وكمون الحقد، وبذاء   [1] م: بمثله. [2] م: فيصلي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 اللسان، والامساك عند الحاجة، وقلة الانصاف، والشماتة عند المصيبة، وترك العفو عند الزلة. وعشر يفسدن المروءة ويقطعن الأخوّة: كثرة العتاب، وكثرة الهجران، والتعنت، والحمية، وقلة اللقاء، وقبح اللفظ، والحدة، وقلة المواساة، وقلة الحفاظ، وخلف الوعد. وعشر يورثن المحبة: كثرة السلام، واللطف بالكلام، واتباع الجنائز، والهدية، وعيادة المرضى، والصدق، والوفاء، وانجاز الوعد، وحفظ المنطق، وتعظيم الرجال. وعشر ينفين الذلّ: اقتصاد في الكثير، والقنوع بالقليل، ولزوم المنزل، وحضور الصلوات، ومجانبة السفل، والتفقه في الدين، وقلة سؤال الرجال، وترك النبيذ، وكثرة الصمت، ورأسهن ترك الدّين. وعشر يورثن العز: مجالسة السراة، وكثرة الصدقة، وإسعاف الناس في حوائجهم، وتحمل الغرم، وأداء الأمانة، وطاعة الله، وحبّ المساكين، وترك المعازة [1] للسلطان، وقلة المشي في الأسواق، وترك الشتم. وعشر يورثن الكرم: خفة المؤونة على الإخوان، وبذل المعروف، وقلة الأيمان، وترك ما لا تطيق، والتحمل لما أطقت، وإبقاء الرجل على ضيعته، وقلة دخوله فيما لا يعنيه، وقلة حرصه، واغضاؤه عن [2] المسيء يراه، وصبره على المكروه. وعشر يورثن حميد العاقبة: حسن الجوار، وصحة المحاورة، وسلامة الصدر، وحفظ المودة، وكثرة المعونة، وقلة المشارّة، وقول الخير في كل أحد، ومجانبة السّفه، وترك المشورة على أحد، والتخلي عن الناس.   [1] م: الغارة. [2] م: على. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 545- اشترى فائق غلام أحمد بن طولون دارا عظيمة بمصر، وأراد أن يدخل فيها دار العمريين وما يليها، فاستأذن مولاه في شراء ذلك فأذن له، فاشتراها وما حولها بعشرين ألف دينار، وأقبضهم الثمن وأشهد عليهم وأجّلهم شهرين، فلما انقضى الشهران ركب أحمد بن طولون إلى صلاة الجمعة ثم رجع، وانصرف فائق إلى داره فسمع صياحا عظيما فأنكره، وقال: ما هذا الصياح؟ فقالوا: صياح العمريين ينتقلون ويبكون، فدعاهم وقال: أليس بطيب أنفسكم بعتم؟ قالوا: نعم، قال: وقبضتم الثمن؟ قالوا: نعم، قال: فما هذا البكاء والصياح حتى يظنّ مولاي أنكم ظلمتم؟ قالوا: ما نبكي إلا على جوارك، فأطرق وأمر بالكتب فردّت عليهم، ووهب لهم الثمن، وركب إلى مولاه فأخبره فصوّب رأيه واستحسن فعله. «546» - قال عبد الملك لسعيد بن المسيب: صرت أعمل الخير فلا أسرّ به، وأعمل الشرّ فلا أساء به، فقال: الآن تكامل فيك الموت، يعني موت القلب. «547» - دخل محمد بن عباد على المأمون فجعل يعممه بيده، وجارية على رأسه تبتسم، فقال المأمون: مم تضحكين؟ فقال ابن عباد: أنا أخبرك يا أمير المؤمنين تتعجّب من قبحي واكرامك لي، فقال: لا تعجبي فإن تحت هذه العمّة مجدا وكرما. «548» - شاعر: [من الطويل] وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم ... إذا كانت الأعراض غير حسان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى ... فما كلّ مصقول الحديد يماني «549» - ابن الرومي: [من البسيط] كلّ الخلال التي فيكم محاسنكم ... تشابهت فيكم الأخلاق والخلق كأنكم شجر الأترجّ طاب معا ... حملا ونورا وطاب العود والورق 550- استعان عمر بن عبد العزيز برجل كريه المنظر فوجده حسن المخبر، فقال وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً (هود: 31) . «551» - قال بعض السلف: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب، والسيّىء الخلق أجنبيّ عند أهله. «552» - الفضيل: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحبّ إليّ من أن يصحبني عابد سيّىء [الخلق] . إن الفاسق إذا حسن خلقه خفّ على الناس وأحبوه، والعابد إذا ساء خلقه ثقل عليهم ومقتوه. «553» - وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ثلاثة يعذرون بسوء الخلق: المريض والصائم والمسافر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 «554» - قال فرقد: بلغني أنه قيل يا رسول الله على من تحرم النار؟ قال: على الهين اللين القريب السهل. 555- قيل: من أحبّ المحمدة من الناس بغير مرزئة فليتلقّهم ببشر حسن. «556» - وقال الأحنف: رأس المروءة طلاقة الوجه والتودّد إلى الناس. «557» - وقال معاذ: إن المسلمين إذا التقيا فضحك كلّ واحد منهما في وجه صاحبه ثم أخذ بيده تحاتت ذنوبهما كتحاتّ ورق الشجر. 558- البشر دالّ على السخاء كما يدلّ النّور على الثمر. «559» - من حسن الخلق أن يحدّث الرجل صاحبه وهو مبتسم. «560» - قال علي بن الحسين عليهما السلام: من تمام المروءة خدمة الرجل ضيفه كما خدمهم أبونا إبراهيم عليه السلام بنفسه وأهله، ألم تسمع قوله وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ (هود: 71) . «561» - قال الأصمعي: سألت عنبسة بن وهب الدارمي عن مكارم الأخلاق فقال: أما سمعت قول عاصم بن وائل المنقري: [من الطويل] وإنا لنقري الضيف قبل نزوله ... ونشبعه بالبشر من وجه ضاحك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 مدح قوم سوء الظنّ ورأوه حزما، وكرهه آخرون، ولكلّ مقام: 562- قيل لعالم من أسوأ الناس حالا؟ قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله. «563» - سهل الأحول كاتب إبراهيم بن المهدي: ما أحسن حسن الظنّ إلا أن فيه العجز، وما أقبح سوء الظنّ إلا أنّ فيه الحزم. 564- وقيل لبعضهم: أسأت الظن، فقال: إن الدنيا لما امتلأت مكاره وجب على العاقل أن يملأها حذرا. «565» - قال المأمون: لم أر أحدا أبرّ من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من بره به أنه كان لا يتوضأ إلا بماء مسحّن، فمنعهم السجان من الوقود في ليلة باردة، فلما أخذ يحيى مضجعه قام الفضل إلى قمقم فأدناه من المصباح، فلم يزل قائما وهو في يده حتى أصبح، فشعر السجّان بذلك فغيّب المصباح فبات متأبّطه إلى الصباح. «566» - قال الأحنف: رأس الأدب المنطق، ولا خير في قول إلا بفعل، ولا في مال الا بجود، ولا في صدق إلا بوفاء، ولا في فقه إلا بورع، ولا في حياة إلا بصحة وأمن. 567- قال ابن مسعود: جاء رجل إلى فاطمة عليها السلام فقال: يا بنت رسول الله، هل ترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا تطرفينيه؟ فقالت: يا جارية هاتي تلك الجريدة، فطلبتها فلم تجدها، فقالت: ويحك اطليبها فإنها تعدل عندي حسنا أو حسينا، فطلبتها فإذا هي: قال محمد صلّى الله عليه وسلّم: ليس من المؤمنين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 من لم يأمن جاره بوائقه. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت؛ إن الله عز وجل يحبّ الحليم المتعفف ويبغض الفاحش السآل الملحف؛ إن الحياء من الإيمان، والايمان في الجنة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار. «568» - وجاء في الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: الحياء والعيّ شعبتان من الايمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق. ويشبه أن يكون العيّ في هذا الموضع في معنى الصمت، والبيان في معنى التشدق والتقعير، كما جاء في الحديث الآخر: أبغضكم الثرثارون المتفيهقون المتشدّقون. «569» - قال إياس بن معاوية بن قرة المزني: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فذكر عنده الحياء، فقالوا: الحياء من الدين، فقال عمر: بل هو الدين كلّه. قال إياس قلت: يا أمير المؤمنين حدثني أبي عن قرة المزني قال: كنا عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر عنده الحياء فقالوا: يا رسول الله الحياء من الدين، فقال صلّى الله عليه وسلّم: بل هو الدين كله، ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الحياء والعفاف والعيّ- عيّ اللسان لا عيّ القلب- والعمل من الايمان، وهنّ يزدن في الآخرة وينقصن من الدنيا وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصن من الدنيا؛ وإن الفحش والبذاء من النفاق وانهن ينقصن من الآخرة ويزدن في الدنيا؛ قال إياس: فأمرني عمر فأمليته عليه فكتبه بخطه، ثم صلّى الظهر وإنها لفي كفه ما يضعها إعجابا بها. «570» - وجاء في حديث آخر: الحياء من الايمان، والايمان في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 الجنة، والبذاء من النفاق، والنفاق في النار. «571» - قال بعض أهل العلم: إنما جعل الحياء- وهو غريزة- من الايمان، وهو اكتساب، لأن المستحي ينقطع بالحياء عن المعاصي، وإن لم يكن له تقية، فصار كالايمان الذي يقطع عنها، ولذلك قال بعض الشعراء: [من الوافر] وربّ قبيحة ما حال بيني ... وبين ركوبها إلا الحياء إذا رزق الفتى وجها وقاحا ... تقلّب في الأمور كما يشاء 572- ويقال: القناعة دليل الامانة، والأمانة دليل الشكر، والشكر دليل الزيادة، والزيادة دليل بقاء النعمة، والحياء دليل على الخير كلّه. «573» - وقال الأحنف: أربع من كنّ فيه كان كاملا، ومن تعلّق بواحدة منهنّ كان من صالحي أهله: دين يرشده، أو عقل يسدّده، أو حسب يصونه، أو حياء يفثأه. «574» - وقال أعرابي: من كساه الحياء ثوبه، خفي على [1]- الناس عيبه. 575- وقال الشاعر: [من المنسرح] إياك أن تزدري الرجال فما ... يدريك ماذا تجنّه الصّدف   [1] زهر الآداب: ستر عن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 نفس الجواد العتيق باقية ... فيه وإن كان مسّه العجف والحرّ حرّ وإن ألمّ به ال ... ضرّ ففيه الحياء والأنف «576» - قيل للأحنف: ما المروءة؟ قال: أن لا تعمل في السرّ شيئا تستحيي منه في العلانيّة. 577- ومنه حديث حرملة العنبريّ، قال: قلت للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: دلّني على شيء ينفعني، قال: انظر ما تكره أن يتحدّث به الناس فإذا خلوت فلا تفعله. «578» - نازع المهلب رجلا من كبار بني تميم فأربى على المهلب، فقيل له في ذلك فقال: كنت إذا سبّني أستحيي من سخف المسابّة، وأرغب عن غلبة اللئام والسفلة، وكان إذا سبّني تهلّل وجهه لنبذ المروءة وخلع ربقة الحياء وقلة الاكتراث بسوء الثناء، وثلج بذلك صدره، وطلق له وجهه، وبرد له غليله. «579» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من كثر همّه سقم بدنه، ومن ساء خلقه عذّب نفسه، ومن لاحى الرجال سقطت مروءته وذهبت كرامته. 580- قيل كان ملك في بني اسرائيل، فجمع المشيخة وأهل العلم وقال: هاتوا ما عندكم وأشيروا علي، فقام شيخ منهم فقال: أيها الملك إن فيما حدّثنا إذا كان علينا الامام السمح الحليم عادت علينا السماء والأرض وإذا كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 علينا البخيل السفيه أمسكت علينا السماء والأرض، وانه من خلق الامام ان يقبل من المحسن، ويعفو عن المسيء، ويعطي كلّ ذي حقّ حقه. «581» - يقال: الأدب خير ميراث، والاجتهاد أربح بضاعة، وحسن الخلق خير قرين، والتوفيق خير قائد، والرأي أعظم البذل. «582» - وكان إياس بن معاوية يقول: إنه إن يكن في فعال الرجل فضل عن قوله أجمل من أن يكون في قوله فضل عن فعاله. «583» - وروي عن قيس بن سعد بن عبادة أنه قال: اللهم ارزقني مالا وفعالا، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال. 584- وقيل: ثلاث هي أحسن شيء فيمن كنّ فيه: جود لغير ثواب، ونصب لغير الدنيا، وتودد من غير ذلّ. 585- قال أنس بن مالك، زكاة الرجل في داره أن يجعل فيها بيتا للضيافة. «586» - روي عن النبيّ عليه السلام أنه قال: إنّ الله جعل للمعروف وجوها من خلقه حبّب إليهم المعروف وحبّب إليهم فعاله، ووجّه طلّاب المعروف إليهم، ويسّر إعطاءه كما ييسّر الغيث إلى الأرض الجدبة ليحييها ويحيي بها أهلها، وإن الله عز وجل جعل للمعروف أعداء من خلقه، بغّض إليهم المعروف، وبغّض إليهم فعاله، وحظر على طلّاب المعروف الطلب إليهم وحظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 عليهم إعطاءه، كما يحظر الغيث على الأرض الجدية ليهلكها ويهلك بها أهلها، وما يعفو الله أكثر، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وإن أوّل أهل الجنة دخولا أهل المعروف، وإن صدقة السرّ لتطفىء غضب الربّ، وإن صلة الرحم لتزيد في العمر. «587» - ذكر أنّ بهرام بن بهرام خرج يوما للصيد، فانفرد وراء طريدة وتبعها طامعا في لحاقها، حتى بعد عن أصحابه، فدفع إلى راع في أصل شجرة وقد احتاج إلى البول فنزل عن فرسه وقال للراعي: احفظ عليّ رأس فرسي حتى أبول، فوثب وأخذ برأس دابته، وقعد بهرام ناحية يبول، وكان عنان الدابة ملبسا ذهبا، فاغتنم الراعي غفلة بهرام، فأخرج سكينا وقطع أطراف اللجام، فرفع بهرام رأسه فنظر إليه، فاستحيا ورمى بطرفه إلى الأرض، وأطال الجلوس حتى أخذ الراعي حاجته، وقام بهرام فوضع يده على عينه وقال للراعي: قدّم إليّ فرسي فإنه قد دخل في عيني من سافي الريح، فما أقدر على فتحها، وغمّض عينه ليوهمه [1] أنه لا يرى حلقة اللجام، فلما ولّى قال له الراعي: أيها العظيم كيف آخذ إلى موضع كذا وكذا- وذكر موضعا بعيدا- قال له بهرام: وما سؤلك عن ذلك الموضع؟ قال: هناك منزلي وما وطئت هذه الأرض قبل يومي هذا، ولا أراني أعود إلى موضعي هذا ثانية، فضحك بهرام وفطن لما أراد وقال: أنا رجل مسافر، وأنا أحقّ بأن لا أعود إلى ها هنا أبدا، ثم مضى، فلما نزل قال لصاحب مراكبه: إن معاليق اللجام وهبتها لسائل فلا تتهمنّ بها أحدا. «588» - وذكر أن أنوشروان وضع الموائد للناس في يوم نوروز أو   [1] ليوهمه: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 مهرجان، وجلس ودخل وجوه أهل [1] المملكة الايوان، فلما فرغوا من الطعام جاءوا بالشراب، وحضر الملهون، وأحضرت الأنقال والمشموم في آنية الذهب والفضة، فلما رفعت آلة المجلس أخذ بعض أولئك جام ذهب وزنه ألف مثقال، فطواه وأخفاه تحت ثيابه، وأنوشروان يراه، وافتقد صاحب الشراب الجام فقال بصوت عال: لا يخرجنّ أحد من الدار حتى يفتّش، فقال كسرى ولم ذاك؟ قال: قد افتقدت جام ذهب، فقال كسرى: لا تعرض لأحد، فقد أخذه من لا يرده، ورآه من لا ينمّ عليه، وأخذ الرجل الجام فكسره، وصاغ منه منطقة وحلية لسيفه وسكينه، وجدّد به كسوة جميلة، فلما كان في يوم جلوس الملك لمثل ما كان جلس له دخل ذلك الرجل بتلك الحلية والزينة، فدعاه كسرى فقال له: هذا من ذاك؟ فقبّل الأرض وقال: نعم. «589» - وقعد معاوية للناس في يوم عيد، ووضعت الموائد، وأحضر أكياسا فيها دنانير ودراهم، صلات وجوائز، ووضعت بالقرب من مجلسه، فجاء رجل فجلس على بعض تلك الأكياس، فصاح به الخدم تنحّ فليس لك هذا بموضع، فسمع ذلك معاوية فقال: دعوا الرجل يقعد حيث انتهى به مجلسه، فأخذ كيسا فوضعه بين بطنه وحجزة سراويله وقام، فلم يجترىء أحد أن يدنو منه، فقال الخازن: أصلح الله أمير المؤمنين إنه قد نقص من المال كيس دنانير، فقال: أنا صاحبه وهو محسوب لك. «590» - وخرج سليمان بن عبد الملك في حياة أبيه إلى منتزه له، فنزل   [1] أهل: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 بعض المروج المعشبة، فبسط له فتغدّى، وأقام فيه إلى حين الرواح، فلما حان انصرافه تشاغل غلمانه بالترحال، فجاء أعرابي فوجد منهم غفلة، فأخذ دوّاجا [1] لسليمان مثمنا فوضعه على عاتقه، وسعى وسليمان ينظر إليه، ورآه بعض حشم سليمان فصاح به: ألق ما معك، فقال الأعرابي: لا ألقيه ولا كرامة لك، وهذا كسوة الأمير وخلعته، فضحك سليمان وقال: صدق أنا كسوته، فمرّ كأنه إعصار ريح. 591- حكى بعض أسباب عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزير أنه كان في أيام وزارته يذكر موسى بن بغا فيترحم عليه، ويتلهف على أيامه وطيبها، فقلت له يوما: قد أسرفت في هذا الباب، ولو رآك موسى بن بغا في حالك هذه لرضي أن يقف على سيفه بين يديك، فقال لي: أنا أحدّثك الآن بحديث واحد من أحاديثه فإن استحقّ ما أنا عليه وإلا فلمني، وأنشأ يحدثني قال: كنا بالري، وكنت قد عرّفته أني قد استفدت معه مائة ألف دينار، ورحلنا نريد سرّ من رأى، فلما نزلنا همذان دعاني يوما وإذا هو مشمئزّ مقطّب، فقال لي: أريد مائة ألف دينار لا بدّ منها، فقلت له: قد استخرجنا مال البلاد وأخذناه وأجحفنا بأهلها فمن أين؟ قال: لا أدري لا بدّ منها البتة، فقام في نفسي أنه يريد المال الذي عرّفته أني قد أفدته، فقلت له: عندي المال الذي قد علمته، وهو مائة ألف دينار، خذه، فقال: تلك دعها بحالها لست أريدها، ولي فيها تدبير، وما أبرح من ها هنا أو تحصّل لي من مال البلاد مائة ألف دينار، فما زلت قائما وقاعدا ومكاتبا، وهو مقيم بهمذان لا يبرح منها، حتى حصّلتها وعرّفته خبرها، فلما عرفه أمسك عني، حتى إذا صار بخانقين دعاني فسألني عن المال، فعرّفته حصوله وحضوره، فقال لي: كنت عرّفتني أنك حصلت من الفائدة معي مائة ألف، فعلمت أن أبا أيوب- يعني أباه سليمان- يلقاك فيقول   [1] الدواج: ضرب من الثياب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 لك: أيّ شيء معك؟ وكم مقدار ما أفدت؟ فتعرفه ذلك، فيقول لك: عليّ ديون ومؤن، وقد امتدت عيون أهلك ومواليك ومؤمّليك إلى ما تنصرف به، ويأخذ منك المائة الألف وتحصل أنت على غير شيء، فأردت المائة الأخرى لتكون لك بعد الذي أخذ منك أبو أيوب، فهذا يا فلان لا يجب أن يتذكّر في كلّ وقت ويترحّم عليه؟ فقلت: بلى والله يا سيدي. ومما يعد من محاسن الأخلاق الصمت: وقد ورد ما جاء فيه مكانا آخر مع الآداب الدنيويّة، ونجدّد من ذكره ها هنا لئلا يخلو الباب منه من غير تكرير للأوّل: «592» - قال عمرو بن العاص: الكلام كالدواء، إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل. «593» - لما خرج يونس عليه السلام من بطن الحوت طال صمته، فقيل له: ألا تتكلم؟ فقال: الكلام صيّرني في بطن الحوت. «594» - وقال علي عليه السلام: إذا تمّ العقل نقص الكلام. «595» - تحدثوا عند الأوزاعي وفيهم أعرابي من بني عليم بن جناب لا يتكلم، فقيل له: بحقّ ما سميتم خرس العرب، أما تحدث؟ فقال: إنّ الحظ للمرء في أذنه، وإن الحظ في لسانه لغيره، فقال الأوزاعي: لقد حدثكم فأحسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 «596» - كان يقال: من السكوت ما هو أبلغ من الكلام؛ إن السفيه إذا سكت عنه كان في اغتمام. «597» - قيل: كان بهرام جور قاعدا ليلة تحت شجرة، فسمع منها صوت طائر، فرماه فأصابه، فقال: ما أحسن حفظ اللسان بالطائر والإنسان، لو حفظ هذا لسانه ما هلك. 598- شاعر: [من البسيط] أقلل من القول تسلم من غوائله ... وارض السكوت شجى في الحلق معترضا 599- قيل لبعضهم: الصمت مفتاح السلامة، فقال: ولكنه قفل الفهم. 600- وقال الشاعر في مثله: [من الكامل] خلق اللسان لنطقه وكلامه ... لا للسكوت وذاك صوت الأخرس 601- وقال أبو عطاء: [من الطويل] أقلّبه كيلا يكلّ بحبسه ... وأبعثه في كلّ حقّ وباطل 602- قال علي عليه السلام: أكرم عشيرتك فانهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير، وانك بهم تصول وبهم تطول، وهم العدّة عند الشدة، فأكرم كريمهم، وعد سقيمهم، وأشركهم في أمورك ويسّر عن معسرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 «603» - قال زادان: أتيت ابن عمر وقد أعتق مملوكا له، فأخذ من الأرض عودا فقال: مالي من الأجر ما يساوي هذا، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من لطم مملوكه أو ضربه فكفّارته أن يعتقه. «604» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: عاقبوا أرقاءكم على قدر عقولهم. «605» - قال المعرور بن سويد: دخلنا على أبي ذرّ بالرّبذة فإذا عليه برد وعلى غلامه مثله، فقلنا: لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة، وكسوته ثوبا غيره، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يلبس، ولا يكلّفه ما يغلبه، فإن كلّفه ما يغلبه فليعنه. «606» - أبو هريرة رفعه: لا يقولنّ أحدكم عبدي وأمتي، كلّكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي. ولا يقل أحدكم: اسق ربك، أطعم ربك، وضّىء ربك، ولا يقل أحدكم: ربي ولكن سيدي ومولاي. «607» - وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شوم. «608» - أبو مسعود الأنصاري: كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 خلفي صوتا: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك عليه، فالتفتّ فإذا هو النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: يا رسول الله، هو حرّ لوجه الله فقال: أما لو لم تفعل للفحتك [1] النار. «609» - وقال هلال بن يساف: كنا نزولا في دار سويد بن مقرن، وفينا شيخ فيه حدة ومعه جارية، فلطم وجهها، فما رأيت سويدا أشدّ غضبا منه ذلك اليوم قال: أعجز عليك إلّا حرّ وجهها؟ لقد رأيتني سابع سبعة من ولد مقرن ما لنا إلا خادم فلطم أصغرنا وجهها، فأمرنا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعتقها. «610» - قال عبد الله بن طاهر: كنت عند المأمون ثاني اثنين، فنادى بالخادم: يا غلام يا غلام بأعلى صوته، فدخل غلام تركي فقال: ألا ينبغي للغلام أن يأكل أو يشرب أو يتوضّأ أو يصلي؟ كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام، إلى كم يا غلام يا غلام؟! فنكس رأسه طويلا فما شككت أنه يأمرني بضرب عنقه، فقال: يا عبد الله إنّ الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، فلا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لتحسن أخلاق خدمنا. «611» - وكان للمأمون خادم يتولى وضوءه فيسرق طساسه، فقال له يوما: كم تسرقها، فهلا تأتيني بها فأشتريها منك، قال فاشتر مني هذه التي بين يديك، قال: بكم؟ قال: بدينارين، فاشتراها منه وقال: فهذه الآن في أماني، قال: نعم قال: فلنا فيها كفاية إلى دهر.   [1] ر م: للفعتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 «612» - قال الشعبيّ: جاءت خادم لعليّ عليه السلام تشكو إليه مؤذنا له، فقالت له: يا أمير المؤمنين إنه يؤذيني، وقلّ ما أمرّ إلا قال لي: أنا والله لك محبّ. قال علي: فإذا قال لك ذلك فقولي له: وأنا أيضا محبة، ففعلت ذلك، وقالت له: فمه؟ فقال: تصبرين ونصبر حتى يوفّي الله الصابرين أجرهم بغير حساب، قال: فجاءت الجارية فأخبرت بذلك عليا عليه السلام، فاستعبر لقوله: «تصبرين ونصبر» ، ثم أرسل إليه فوهبها له وجعل الجمع بينهما ثواب صبرهما [1] . 613- وروي أن رجلا من بني عبد الأشهل يقال له معاذ القاري أبو حليمة كان يصلي بالناس القيام في ولاية عمر وعثمان، وكان عابدا قليل الكلام، وأنه رأى جارية لزيد [2] بن ثابت رضي الله عنه فأعجبته، فكانت إذا مرّت به نظر إليها نظرا شديدا، فاخبرت به زيدا، فأمرها فتهيأت وبعث إليه فأجلسه معها، وقال لها: إذا قمت فكلّميه وانظري ما يقول لك، فقام زيد معتلا بالوضوء، فأقبلت عليه فقالت: يا معاذ، أنا والله أحبك، قال: وأنا والله، قالت: فما الحيلة؟ قال: تصبرين كما أصبر، ثم خرج زيد إليهما، فانصرف معاذ، فأخبرته بما قالت له وقال لها، فبعث بها زيد إليه ووهبها له. 614- قيل: جاء رجل من قريش إلى محمد بن عبد العزيز فسأله، فقال: والله ما وجدت الحاجة حاضرة، ولكن تروح العشية تجدها مهيأة إن شاء الله. وأرسل فادّان وهيأ حاجة الرجل ووضعها تحت مصلّاه وقد حضر إخوانه، فجاء الرجل بالعشيّ فقال: قوموا بنا، وأقام إخوانه وقال للرجل:   [1] ر: صبره. [2] ع: لسويد (في هذا الموضع) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 حاجتك تحت المصلّى، فقال له أبو ثابت: سبحان الله قد هيّأت له مالا فهلّا أعطيته إياه؟ فقال: والله ما كنت لأجمع عليه خصلتين: ذلّ المسألة والإعطاء من يدي إلى يده. «615» - مرض أحمد بن أبي دواد فعاده المعتصم وقال: نذرت إن عافاك الله أن أتصدّق بعشرة آلاف دينار، فقال أحمد: يا أمير المؤمنين فاجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا، فقال: نويت أن أتصدق بها على من ها هنا وأطلق لأهل الحرمين مثلها، فقال أحمد: أمتع الله الإسلام وأهله بك، فإنك كما قال النمريّ لأبيك الرشيد: [من البسيط] إنّ المكارم والمعروف أودية ... أحلّك الله منها حيث تجتمع [1] من لم يكن بأمين الله معتصما [2] ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع فقيل للمعتصم: عدته ولا تعود جلّة أهلك؟ فقال: كيف وما وقعت عليه عيني قط إلا ساق إلى أجرا أو أوجب لي شكرا، وما سألني حاجة لنفسه قط. «616» - قال علي بن الجنيد: كانت بيني وبين يحيى بن خالد مودة وأنس، وكنت أعرض الرقاع في الحوائج، فكثرت رقاع الناس عندي واتصل شغله، فقصدته يوما فقلت: يا سيدي قد كثرت الرقاع وامتلأ خفي وكمي، فإما تطوّلت بالنظر فيها وإما رددتها، قال فقال لي: أقم عندي حتى أفعل ما سألت، فأقمت وجمعت الرقاع في خفي، وأكلنا وغسلنا أيدينا وقمنا للنوم،   [1] الأغاني: تتسع. [2] الأغاني: أي امرىء بات من هارون في سخط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 واستحييت من إذكاره، ويئست من عرضها، لأني علمت أنا نقوم ونتشاغل بالشرب، فنمت، ودعا هو بالرقاع من خفّي فوقع في جميعها وردّها إليه، ونام وانتبه، ودخلت إليه في مجلس الشرب فلم أستجز ذكر الرقاع له، وشربت وانصرفت بالعشي، وبكّر إليّ أصحاب الرقاع لما وقفوا على إقامتي عنده، فاعتذرت إليهم وضاق صدري بهم، فدعوت بالرقاع لأميزها وأخفّف منها ما ليس بمهمّ، فوجدت التوقيعات في جميعها، فلم يكن لي همة إلا تفريقها والركوب إليه لشكره، وقلت له: يا سيدي قد تفضّلت وقضيت حاجاتي فلم علّقت قلبي ولم تعرّفني حتى يتكامل سروري؟ فقال: سبحان الله، أردت منّي أن أمتنّ عليك بأن أخبرك بما لم يكن يجوز أن يخفى عليك؟! «617» . (1) وقال الرضيّ في ذم الأخلاق السيئة: [من الطويل] وأكثر من شاورته غير حازم ... وأكثر من صاحبت غير الموافق إذا أنت فتشت القلوب وجدتها ... قلوب الأعادي في جسوم الأصادق رمى الله بي من هذه الأرض غيرها ... وقطّع من هذا الأنام علائقي يظنّون أنّ المجد ممن له الغنى ... وأنّ جميع العلم فضل التشادق (2) وقال: [من الطويل] أكلّ قريب لي بعيد بودّه ... وكلّ صديق بين أضلعه حقد (3) وقال: [من الوافر] بأخلاق كما دجت الليالي ... وأحساب كما نغل الأديم «618» - ارسطاطاليس: سوء العادة كمين لا يؤمن وثوبه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 619- قال عبد الله الدارمي [1] : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب. «620» - قال أبو عبيدة: ألأم الناس الأغفال الذين لم يهجوا ولم يمدحوا. 62» - قيل لسقراط: هل من إنسان لا عيب فيه؟ قال: لو كان انسان لا عيب فيه لكان لا يموت. «622» - شاعر: [من الطويل] إذا نلت يوما صالحا فانتفع به ... فأنت ليوم السوء ما عشت واجده «623» - قال هاشم بن عبد مناف: أكرموا الجليس يعمر ناديكم. «624» - قال روح بن زنباع: أقمت مع عبد الملك تسع عشرة سنة فما أعدت عليه حديثا إلا مرّة، فقال: قد سمعته منك. «625» - وقال الشعبي: ما حدثت بحديث مرتين رجلا بعينه.   [1] ع م: الداراني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 «626» - مرّ العبّاس بن عبد المطلب بابنه وهو نائم نومة الضحى، فركله برجله وقال: قم لا أنام الله عينك، أتنام في ساعة يقسم الله فيها الرزق بين عباده؟ أو ما سمعت ما قالت العرب: انها مكسلة مهزلة منساة للحاجة. «627» - والنوم على أنواع ثلاثة: نومة الخرق، ونومة الخلق، ونومة الحمق؛ نومة الخرق: نومة الضحى، ونومة الخلق هي التي أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها أمته: قيلوا فإن الشيطان لا يقبل، ونومة الحمق: النوم بعد العصر، لا ينامها إلا سكران أو مجنون. «628» - شاعر: [من الطويل] ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه «629» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حسب امرىء من الشر أن يخيف أخاه المسلم. «630» - الحسن: لو جاءت كلّ أمّة بخبيثها وفاسقها وجئنا بالحجاج وحده لزدنا عليهم. «631» - وقيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمنا؟ قال: نعم بالطاغوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 «632» - حميد شر الكوفي: [من البسيط] إني امرؤ فوق رأس الشرّ مضطجعي ... أغفي عليه ولا أغفي على السّرر الشرّ يعلم أني إن ظفرت به ... لم ينج مني بأنياب ولا ظفر «633» - قيل لأرسطاطاليس: ما بال الحسود أشد غما؟ قال: لأنه يأخذ بنفسه من غموم الدنيا، ويضاف إلى ذلك غمّه لسرور الناس. «634» - قال مالك بن دينار: شهادة القراء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض، فأنهم أشد تحاسدا من السوس في الوبر. «635» - قيل لعبد الله بن عروة: لزمت البدو وتركت قومك، قال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة أو شامت على نكبة؟! «636» - المتنبيّ: [من البسيط] ماذا لقيت من الدنيا وأعجبها ... أني بما أنا باك منه محسود «637» - سئل الحسن رحمة الله عليه: أيحسد المؤمن؟ قال: وما أنساك بني يعقوب؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 «638» - كان الفضل بن صالح بن عبد الملك الهاشمي يهوى جارية لأخيه عبيد بن صالح، فسقى أخاه سما فقتله وتزوجها، فقال ابن برد الشاميّ وقد ظلمه في أرض له: [من الطويل] لئن كان فضل بزّني الأرض ظالما ... فقبلي ما أردى عبيد بن صالح سقاه نشوعيا من السمّ ناقعا ... ولم يتّئب من مخزيات الفضائح «639» - كان أسلم بن زرعة والي خراسان من قبل عبيد الله بن زياد ينبش قبور الأعاجم فربما أصاب فيها الذهب والفضة، فقال يهس بن صهيب الجرميّ: [من الطويل] تعوّذ بحجر واجعل القبر في الصّفا ... من الأرض لا ينبش عظامك أسلم هو النابش القبر المحيل عظامه ... لينظر هل تحت السقائف درهم «640» - وكان [1]- في عصرنا زنكي بن آق سنقر والي الموصل والشام، أقسى الناس وأعظمهم تجبرا، أما قسوته وغلظه على من ناوأه واتهمه فما يقصر فيهما عن الحجاج، وزاد عليه بأنه كان يعامل نداماه ومطربيه ونساءه وذوي هواه بما يعامل به أعداءه: خلا بجارية له بكر ليفتضّها فتلوّت تحته فضربها بالسيف حتى قتلها. واستدعى أخرى بكرا فرأت صاحبتها متشحطة في دمائها فكادت تموت فرقا. وكان له نديم محدث يتعاطى كثرة الشراب والزيادة على غير   [1] سقطت الفقرتان: 640، 641 من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 نداماه، فسقاه الخمر العتيق الشاميّ صرفا وأكثر عليه وهو يستقيله ويستعطفه فلا يرجع، فتقطعت كبده ومات. وركب بغلة كان يؤثرها فحمحمت تحته فضرب عنقها بالسيف. وهو راكبها، ونزل فانتقل إلى أخرى. وكان إذا رأى صبيا وضيئا خصاه وتركه في قلعة من قلاعه، ظنا منه أن نفسه تدعوه إليه فيما بعد، فيكون قد التحى، ولعله لا يذكره ولا يعلم ما يكون منه. وسقى يوما بعض أصحابه خمرا صرفا في أقداح دسّها عليه في أثناء شربه، وأراد قتله سرا بذلك، فمرض ولم يهلك سريعا، وعالجه طبيب كان من أصحابه ولم يشعر بالقصة، فبرأ، فأحضره زنكي وقال له: عالجت فلانا وقد أردت قتله، فقال: كيف لي بعلم ذاك؟ وإنما أنا طبيب دخلت إلى مريض فداويته بما أخذ علينا في صناعتنا، ولو علمت أنك سقيته واعتمدت قتله ما دخلت إليه، فقال: اسقوه الخمر صرفا، فقال: الله الله اقتلني بالسيف ولا تعذبني، فلم يلتفت إلى تضرّعه، وسقاه حتى تقطعت كبده ومات بعد أيام. (ومن مساوىء الأخلاق العقوق:) «641» - قيل لبعض الفلاسفة: لم تعق والديك؟ قال: لأنهما أخرجاني إلى الكون والفساد. (نوادر من هذا الباب) 642- ورد على الصاحب بن عباد بعض كتّاب العراق ممن كان عرفه وقت مقامه ببغداد، وشكا سوء حاله، فأحسن إليه وولّاه عملا، وأجرى له في كلّ شهر خمسمائة درهم وكتب صكه بذلك، فحسده بعض الحاضرين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وقال للصاحب: إن هذا رجل مأبون معروف الطريقة بالفساد، وجميع ما تصله به وتوصله إليه ينفقه على من يرتكب منه الفضيحة، وأفرط في ذمّ الرجل والدلالة على قبائحه حتى ظنّ أنه قد أفسد حاله، فلما ردّ الصكّ إليه للتوقيع فيه لم يشكّ الساعي أنه يبطله أو يمزّقه، فلما نظر فيه كتب تحت ما كان قرّر [1] له في كل شهر: ولغلام يخدمه ويستعين به خمسون درهما، ووقع في الصكّ وردّه إليه. «643» - اجتمع ثلاثة حسّاد فقال أحدهم لصاحبه: ما بلغ من حسدك؟ فقال ما اشتهيت أن أفعل بأحد خيرا قط، قال الثاني: أنت رجل صالح، ولكني ما اشتهيت أن يفعل أحد بأحد خيرا قط، قال الثالث: ما في الأرض أصلح منكما، ولكني ما اشتهيت أن يفعل بي أحد خيرا قط. «644» - قال المدائني: تذاكر قوم من ظراف أهل البصرة الحسد، فقال رجل منهم: إنّ من الناس من يحسد على الصّلب، فأنكروا ذلك عليه، ثم جاءهم بعد أيام فقال: الخليفة قد أمر أن يصلب الأحنف ومالك بن مسمع وقيس بن الهيثم وحمدان الحجام، فقال الحاضرون: هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء؟! فضحك وقال: ألم أقل إن من الناس من يحسد على الصّلب؟! 645- قال إبراهيم الموصليّ: كنت عند الرشيد يوما فرفع إليه في الخبر أنّ رجلا أخذه صاحب الجسر، رفع في قصته أنه يجمع بين الرجال والنساء في منزله، وأنه سئل عما رفع عليه فأقرّ بذلك على نفسه وذكر أنه يجمع بينهم على   [1] ر م: قدر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 تزويج لا على ريبة، وعلى نكاح لا على سفاح، وأنه شهد له بذلك جماعة من مستوري جيرانه وخلق كثير من وجوه الناس وأشرافهم، وشفع فيه من الكتّاب والقواد وأعيان العسكر قوم سمّاهم في آخر كتابه وما رفع من خبره؛ قال: فلما قرأ الرشيد الخبر واستوفاه تربّد واغتاظ وغضب واستشاط حتى أنكرناه وظننا أنه سينكّل بالرجل وبمن تكلم فيه، حتى قال: وما سبيلهم على رجل وسّع في منزله لصديقه، وأسبل عليه ستره، وسعى له فيما يطيب ويحلّ من لذته، وهو بعد مستراح للأحرار والأشراف وذوي الأقدار. ونحن نعلم أنّ الرجل الشريف المستور والأديب والأريب قد تكون عنده العقيلة بن بنات عمه وأشراف قومه ونظرائه، فتحظر عليه شهوته، وتملك عليه أمره، وهي أقبح من السحر، وأسمج من القرد، وأهرّ من الكلب، وأشدّ تعديا من الليث العادي، فبريد شراء الجارية أو تزويج الحرّة فلا يقدر على ذلك لمكانها، حتى يستريح إلى مثل هذا من الفتيان، ويغشى منزل مثله من الإخوان، يجعله سكنه، وينزل به مهمّه، فيساعده على حاجته، ويسعى له فيما يحبّ من لذته، ويستره بمنزله؛ اكتبوا في إطلاقه والسؤال عن حاله، فإن كان كما ذكر عنه من الستر وكان صادقا فيما حكى عن نفسه من الفعل أعين بألف دينار على مروءته، وأومن من روعته، وعرّف ما أمرنا به فيه، قال فقلنا جميعا: سددك الله يا أمير المؤمنين ووفقك. «646» - قال أبو العيناء: رأيت جارية في النّخاسين تحلف لا ترجع إلى مولاها، فقلت: لمه؟ قالت: يا سيدي يواقعني من قيام ويصلّي من قعود، ويشتمني باعراب ويلحن في القرآن، ويصوم الاثنين والخميس ويفطر في رمضان، ويصلي الضحى ويترك الفجر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 «647» - ظلمة القوادة يضرب بها المثل، كانت صبية في المكتب تسرق دويّ الصبيان وأقلامهم، فلما شبّت زنت، فلما أسنّت قادت، فلما قعدت اشترت تيسا تنزيه. «648» - ابن الحجاج: [من البسيط] إن تحسدوني فلا والله ما بلغت ... لولا الخساسة حالي موضع الحسد وإنما في يدي عظم أمشّشه ... من المعاش بلا لحم ولا غدد «649» - ابن حازم الباهلي: [الكامل المجزوء] مالي رأيتك لا تدو ... م على المودة للرجال خلق جديد كل يو ... م مثل أخلاق البغال (1) وله: [من الكامل] ومتى اختبرت أبا العلاء وجدته ... متلونا كتلون البغل «650» - أبو تمام: [من الوافر] مساوىء لو قسمن على الغواني ... لما جهّزن إلا بالطلاق 651- آخر: [من البسيط] الليث ليث وإن جزّت براثنه ... والكلب كلب وإن طوّقته ذهبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 «652» - حكي أن اعرابيا أخذ جرو ذئب فربّاه بلبن شاة عنده، فقال: إذا ربيته مع الشاء أنس بها فيذبّ عنها ويكون أشدّ من الكلب، ولا يعرف طبع أجناسه، فلما قوي وثب على شاته فافترسها، فقال الأعرابي: [من الوافر] أكلت شويهتي ونشأت فينا ... فمن انباك [1] أن أباك ذيب «653» - قال رجل ملول: إنه ليبلغ من مللي أني أغيّر كلّ شهر كنيتي مرتين. «654» - وقال خالد بن صفوان: إنه ليبلغ من مللي أن أتبرم بنفسي فأتمنى أن يؤخذ مني رأسي فلا يردّ إليّ إلا في كلّ أسبوع. «655» - وقال بشار في نحوه: [من الطويل] إذا كان ذواقا أخوك من الهوى ... موجهة في كلّ أوب ركائبه فخلّ له وجه الفراق ولا تكن ... مطية رحّال كثير مذاهبه «656» - شاعر يذم وقحا: [من الكامل المجزوء] الصّخر هشّ عند وج ... هك [ ... ] في الوقاحه   [1] ر: فما أدراك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 «657» - في مثله: [من الكامل] يا ليت لي من جلد وجهك رقعة ... فأقدّ منها حافرا للأشهب «658» - آخر: [من الخفيف] لك عرض مثلّم من قواري ... ر ووجه ململم من حديد «659» - تشاجر رجلان فقال كل واحد منهما أنا ألأم، فتحاكما إلى رجل فقال: قد حكمتماني فأخبراني بأخلاقكما، فقال أحدهما: ما مرّ بي أحد إلا اغتبته ولا ائتمنني أحد إلا خنته، وقال الآخر: أنا أبطر الناس في الرخاء، وأجبنهم عند اللقاء، وأقلهم عند الحياء، فقال الرجل: كلا كما لئيم، وألأم منكما الحطيئة فإنه هجا أباه وأمّه ونفسه. (من نوادر العقوق [1] ) : «660» - ضرب رجل أباه فقيل له: أما عرفت حقّه؟ قال: لا فإنه لم يعرف حقّي، قيل: وما حقّ الولد على الوالد؟ قال: أن يتخير أمّه، ويحسن اسمه، ويختنه، ويعلمه القرآن، فكشف عن عورته فإذا هو أقلف، وقال: اسمي برغوث، ولا أعلم حرفا من القرآن، وقد أولدني من زنجية، فقالوا للوالد: احتمله فانك تستأهل. «661» - جفا جحا أمه فقالت له: هذا جزائي منك وقد حملتك في   [1] من نوادر العقوق: سقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 بطني تسعة أشهر؟! فقال: ادخلي في استي حتى أحملك سنتين وخلصيني. «662» - وقالت امرأة لابنها: هذا جزائي وقد أرضعتك سنتين؟ فقال: ارتجعي عن دورقين لبنا دورقين محضا وأعفيني. «663» - كان لحنظلة النميري ابن عاقّ اسمه مرة، فقال له يوما: إنك لمرّ يا مرة فقال: أعجبتني حلاوتك يا حنظلة، فقال: إنك خبيث كاسمك، فقال: أخبث مني من سمّاني به، فقال: كأنك لست من الناس، فقال: من أشبه أباه فما ظلم، قال: ما أحوجك إلى أدب، قال: الذي نشأت على يده أحوج إليه مني، قال: عقمت أمّ ولدتّك، قال: إذا ولدت من مثلك، قال: لقد كنت مشؤوما على إخوتك، دفنتهم وبقيت، قال: أعجبني كثرة عمومتي، قال: لا تزداد إلا خبثا، قال: لا يجتنى من الشوك العنب. «664» - أمر بعض الملوك عاملا له أن يصيد شرّ طائر ويشويه بشرّ حطب، ويبعثه على يد شرّ رجل، فصاد رخمة، وشواها ببعر، ودفعها إلى خوزي، فقال الخوزي: أخطأت في كلّ ما أمرك به الملك، صد بومة، واشوها بدفلى، وادفعها إلى نبطي ولد زنا، ففعل، وكتب به إلى الملك، فقال الملك: أصبت، ولكن كفى أن يكون الرجل نبطيا لا يحتاج إلى ولد زنا، فليس يزداد النبطيّ بذلك شرارة، فقد بلغ بجنسه الغاية. تمّ الباب الرابع بحمد الله ومنّه يتلوه باب الجود والسخاء والبخل واللؤم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 الباب الخامس في السّخاء والجود والبخل واللّوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 خطبة الباب بسم الله الرّحمن الرّحيم رب أنعمت فزد [1] الحمد لله الكريم الجواد، السابغ فضله على العباد، معطي الرغبات ومنيلها، ومنهض عثرات الكريم ومقيلها، سمح فأفضل، ومنح فأجزل، أحمده على سعة عطائه وأثني عليه بنعمه وآلائه، وأعوذ به من شحّ الأنفس، ومنع المنفس، وبخل مطاع مرد، وهوى متبع مغو، وأسأله التوفيق لحسن التقدير، في غير ما سرف ولا تقتير، وصلواته على رسوله النبيّ الأميّ معدن الافضال، وبحر النوال [2] ، عصمة الأرامل والأيامى، وثمال العيّل واليتامى، أطعم في المحل والجدب إطعامه في الرخاء والخصب، وأعطى مع اللأواء والعسر، عطاء من لا يخاف الفناء والفقر، وعلى أصحابه وآله، المهتدين بهديه وفعاله.   [1] سقطت من ر م. [2] م: السؤال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 مقدمة الباب (الباب الخامس في السخاء والجود والبخل واللؤم) الجود بذل المال [1] ، وأنفعه ما يصرف [2] في وجه استحقاقه، وقد حثّ الله عزّ وجلّ عليه، وندب إليه في قوله لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران: 92) والبخل منع الحقوق، وإليه الاشارة في قوله تعالى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (التوبة: 34- 35) . وقال تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران: 180) . وقال تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر: 9) . «665» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله استخلص هذا الدين لنفسه، ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق، ألا فزيّنوا دينكم بهما. «666» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: تجاوزوا عن ذنب السخيّ فإن الله عز وجل آخذ   [1] نهاية الأرب 3: 204. [2] م: صرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 بيده كلّما عثر وفاتح له كلما افتقر. «667» - ووفد عليه صلّى الله عليه وسلّم رجل فسأله فكذبه فقال له: أسألك فتكذبني؟! لولا سخاء فيك ومقك الله عليه لشرّدت بك من وافد قوم. «668» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: شرّ ما في الرجل شحّ هالع، أو جبن خالع. «669» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: خلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق. «670» - وقال بعض السلف: منع الموجود سوء ظنّ بالمعبود، وتلا وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سبأ: 39) . «671» - وقال علي عليه السلام: الجود حارس الأعراض. «672» - وقال أيضا: السخاء ما كان ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتذمّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 «673» - وقال أيضا: البخل عار. «674» وقال أيضا: عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب، وفاته الغنى الذي إياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء. «675» - وقال علي بن عبد الله بن العبّاس: سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء. 676- وقال يحيى بن معاذ الرازي: تأبى القلوب للأسخياء إلا حبّا ولو كانوا فجارا، وللبخلاء إلا بغضا ولو كانوا أبرارا. «677» - وقال بعض الحكماء: الجواد من جاد بماله وصان نفسه عن مال غيره. «678» - وقيل لعمرو بن عبيد: ما الكرم؟ فقال: أن تكون بمالك متبرعا، وعن مال غيرك متورّعا. 679- نظر أعرابي إلى قوم ينصرفون من المسجد الجامع فقال: لو ورد هؤلاء على بخيل لقضى حوائجهم، فكيف على أجود الأجواد؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 «680» - ومن كلام ينسب إلى جعفر بن محمد عليهما السلام: (1) لا يتمّ المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله وتصغيره وستره. (2) جاهل سخيّ خير من ناسك بخيل. (3) الجود زكاة السعادة. (4) الايثار على النفس موجب لاسم الكريم. (5) لا تستحي من بذل القليل فإن الحرمان أقلّ منه. ويشبه هذا المعنى قول الشاعر، وينسب إلى حماد عجرد: [من البسيط] بثّ النوال ولا يمنعك قلّته ... فكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود ومن هذا الشعر: إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى يخال غنيّا وهو مجهود وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود «681» - وقال علي بن موسى: لا خير في المعروف إذا أحصي. «682» - وقال علي بن الحسين: الكريم يبتهج بفضله، واللئيم يفتخر بماله. «683» - وقال الحسين بن عليّ لمعاوية: من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 «684» - ومن كلام له: أيها الناس من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه. «685» - وأنشد عبد الله بن جعفر قول الشاعر: [من الكامل] إنّ الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى يصاب بها طريق المصنع فقال: هذا شعر رجل يريد أن يبخّل الناس؛ أمطر المعروف مطرا فإن صادف موضعا فهو الذي قصدت، وإلا كنت أحقّ به. «686» - وقيل ليزيد بن معاوية: ما الجود؟ فقال: إعطاء المال من لا تعرف فإنه لا يصير إليه حتى يتخطّى من تعرف [1] . «687» - وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر: ما دام قلمك يرعف فأمطره معروفا. «688» - قال سعيد بن العاص، وكان من الأجواد: قبّح الله المعروف إذا لم يكن ابتداء من غير مسألة، فأما إذا أتاك يتردد دمه في وجهه مخاطرا لا   [1] ر: يعترف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 يدري أتعطيه أم لا، وقد بات ليلته يتململ على فراشه، يعاقب بين شفتيه مرة هكذا ومرة هكذا من لحاجته، فخطرت بباله أنا أو غيري فمثّل أرجاهم في نفسه وأقربهم من حاجته ثم عزم عليّ وترك غيري، فلو خرجت له مما أملك لم أكافه وهو عليّ أمنّ مني عليه. «689» - وقال علي بن أبي طالب عليه السلام لغالب بن صعصعة أبي الفرزدق في كلام دار بينهما: ما فعلت إبلك الكثيرة؟ قال: ذعذعتها [1] الحقوق يا أمير المؤمنين، قال: ذاك أحمد سبلها. «690» - قال عمرو بن الأهتم: [من الطويل] ألا طرقت أسماء وهي طروق ... وباتت على أنّ الخيال يشوق بحاجة محزون كأنّ فؤاده ... جناح وهت عظماه فهو خفوق ذريني فإن البخل يا أمّ هيثم ... لصالح أخلاق الرجال سروق وإنّي كريم ذو عيال تهمّني ... نوائب يغشى رزؤها وحقوق ذريني وحطّي في هواي فإنني ... على الحسب الزاكي الرفيع شفيق ومستنبح بعد الهدوء دعوته ... وقد حان من ساري الشتاء طروق يعالج عرنينا من الليل باردا ... تلفّ رياح ثوبه وبروق فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فهذا مبيت صالح وصديق   [1] ذعذعتها: فرقتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وقمت إلى البرك الهواجد فاتّقت ... مقاحيد كوم كالمجادل روق [1] بأدماء مرباع النتاج كأنّها ... إذا عرضت دون العشار فنيق [2] بضربة ساق أو بنجلاء ثرّة [3] ... لها من أمام المنكبين فتيق وقام إليها الجازران فأوقدا ... يطيران عنها الجلد وهي تفوق [4] فجرّ إلينا ضرعها وسنامها ... وأزهر يحبو للقيام عتيق [5] بقير [6] جلا بالسيف عنه غشاءة ... أخ باخاء الصالحين رفيق فبات لنا منها وللضيف موهنا ... عشاء سمين راهن وغبوق وبات له دون الصّبا وهي قرّة ... لحاف ومصقول الكساء رقيق وكلّ كريم يتّقي الذمّ بالقرى ... وللخير بين الصالحين طريق أضفت فلم أفحش عليه ولم أقل ... لأسمعه إن الفناء مضيق [7] لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق نمتني عروق من زرارة للعلى ... ومن فدكيّ والأشدّ عروق أكارم يجعلن الفتى في أرومة ... يفاع وبعض الوالدين دقيق «691» - وقال حاتم الطائي: [من الطويل]   [1] البرك: الابل، الهواجد: النيام؛ المقاحيد: الابل العظام الاسنمة، وكذلك الكوم؛ المجادل: القصور، روق: كريمة. [2] الأدماء: البيضاء؛ مرباع النتاج: نتجت في أول النتاج؛ الفنيق: فحل الابل. [3] في الأصل: بادماء؛ والنحلاء: الطعنة الواسعة؛ ثرة: واسعة مخرج الدم. [4] تفوق: يخرج نفسها. [5] الأزهر العتيق، يعني ولد الناقة. [6] بقير: مبقور. [7] لم يرد في المفضليات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 أماويّ إنّ المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذكر وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما ... أراد ثراء المال أمسى له وفر أماويّ إن يصبح صداي بقفرة ... من الأرض لا ماء لديّ ولا خمر تري أنّ ما أفنيت لم يك ضرّني ... وأنّ يدي مما بخلت به صفر أماويّ إما مانع فمبيّن ... وإمّا عطاء لا ينهنهه الزّجر أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر غنينا زمانا بالتصعلك والغنى ... وكلّا سقاناه بكأسيهما الدهر فما زادنا بغيا على ذي قرابة ... غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر «692» - وقال أيضا: [من الكامل] وإذا تنوّر طارق مستنبح ... نبحت فدلّته عليّ كلابي وعوين يستعجلنه فلقينه ... يضربنه بشراشر الأذناب «693» - وقال الأقرع بن معاذ القشيري: [من الطويل] دعيني فإن الجود يا أمّ خالد ... إليّ ومعروف الثناء عجيب وإنك إن بخّلت ثم ندبتني ... بصالح أخلاق الفتى لكذوب وما يك من عسري ويسري فإنني ... ذلول بحاج المعتفين أريب وما زلت مثل البحر يركب مرة ... فيعلى ويولي مرة فيثيب وما خير معروف الفتى في شبابه ... إذا لم يزده الشيب حين يشيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 وما السائل المحروم يرجع خائبا ... ولكن بخيل الأغنياء يخيب وللمال أشراك وإن ضنّ ربه ... يصيب الفتى من ماله وتصيب «694» .- (1) وقال ابن هرمة: [من المنسرح] لا غنمي في الحياة مدّ لها ... إلى دراك القرى ولا إبلي كم ناقة قد وجأت منحرها ... بمستهلّ الشؤبوب أو جمل لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل (2) وقال أيضا: [من الكامل] أغشى الطريق بقبّتي ورواقها ... وأحلّ في قلل الرّبى فأقيم إنّ امرءا جعل الطريق لبيته ... طنبا وأنكر حقّه للئيم (3) وقال أيضا: [من الطويل] ومستنج تستكشط الريح ثوبه ... ليسقط عنه وهو بالثوب معصم [1] عوى في سواد الليل بعد اعتسافه ... لينبح كلب أو ليفزع نوّم فجاوبه مستسمع الصوت للقرى ... له عند إتيان المهبين [2] مطعم يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا ... يكلّمه من حبّه وهو أعجم   [1] معصم: مستمسك. [2] المهبين: الضيوف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 «695» - وقال الخثعمي: [من البسيط] لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينفدها التبذير والسّرف وان تولّت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف وقد روي هذان البيتان لبعض الكتاب، أنشدهما يحيى بن خالد وقد رآه يفرّق الصلات في النّاس. «696» - وأخذ المعنى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر فقال: [من الطويل] فأنفق إذا أنفقت إن كنت موسرا ... وأنفق على ما خيّلت حين تعسر فلا الجود يفني المال والحظّ مقبل ... ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر «697» - وقد قال عسل بن ذكوان: [من البسيط] أنفق ولا تخش إقلالا فقد قسمت ... بين العباد مع الآجال أرزاق لا ينفع البخل مع دنيا مولّية ... ولا يضرّ مع الإقبال إنفاق والكلّ مأخوذ من قول امرأة من العرب لابنها: يا بنيّ إذا رأيت المال مقبلا فأنفق، فإن ذهابه فيما تريد خير من ذهابه فيما لا تريد. 698- وصف رجل عبد الله بن جعفر فقال: كان إذا افتقر لم تفتقر نفسه، وإذا استغنى لم يستغن وحده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 «699» - وكان عبد الله بن جعفر من الجود بالمكان المشهور، وله فيه أخبار يكاد سامعها ينكرها لبعدها عن المعهود، وكان معاوية يعطيه ألف ألف درهم كل سنة فيفرقها في الناس، ولا تراه إلّا وعليه دين. ولما مات معاوية وفد على يزيد فقال له: كم كان أمير المؤمنين معاوية يعطيك؟ قال: كان رحمه الله يعطيني ألف ألف، قال يزيد: قد زدناك لترحمك عليه ألف ألف، قال: بأبي وأمي أنت، قال: ولهذه ألف ألف، قال: أمّا إني لا أقولها لأحد بعدك، فقيل ليزيد: أعطيت هذا المال العظيم رجلا واحدا من مال المسلمين فقال: والله ما أعطيته إلّا لجميع أهل المدينة، ثم وكل به من صحبه وهو لا يعلم، لينظر ما يفعل في المال، فلما وصل المدينة فرّق جميع المال حتى احتاج بعد شهر إلى الدّين. «700» - وقال له الحسن والحسين عليهما السلام: إنك قد أسرفت في بذل المال، فقال: بأبي أنتما، إن الله عز وجل عوّدني أن يفضل عليّ وعوّدته أن أفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فتنقطع عنّي المادة. «701» - ولما ولي عبد الملك بن مروان جفا عبد الله ورقّت حاله. فراح يوما إلى الجمعة وجاءه سائل فقال له: إن كان يقنعك أحد قميصيّ هذين فخذه، فقال نعم، فقال: اللهم إنك عودتني عادة جريت عليها، فإن كان ذلك قد انقطع فاقبضني إليك، فتوفي في الجمعة الأخرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 «702» - وامتدح نصيب عبد الله بن جعفر، فأمر له بخيل وأثاث وإبل ودنانير ودراهم، فقال له رجل: أمثل هذا الأسود يعطى مثل هذا المال؟ فقال عبد الله: إن كان أسود فإن شعره لأبيض وإن ثناءه لعربيّ، ولقد استحق بما قال أكثر مما نال، وهل أعطيناه إلا ثيابا تبلى ومالا يفنى ومطايا تنضى، وأعطانا مدحا يروى وثناء يبقى؟ «703» - وقيل لعبد الله بن جعفر: إنك تبذل الكثير إذا سئلت، وتضيّق في القليل إذا توجرت، فقال: إنّي أبذل مالي وأضنّ بعقلي. وله أخبار سأذكر بعضها حيث يتفق من هذا الباب. «704» - كان لبيد بن ربيعة العامري جوادا شريفا في الجاهلية والإسلام، وكان نذر أن لا تهبّ الصّبا إلا نحر وأطعم حتى تنقضي، فهبت في الإسلام وهو بالكوفة مملق مقتر، فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو واليها من قبل عثمان، فخطب الناس فقال: إنكم قد عرفتم نذر أبي عقيل وما وكّد على نفسه، فأعينوا أخاكم؛ ثم نزل فبعث إليه بمائة ناقة وبعث الناس إليه أيضا، فقضى نذره، ففي ذلك تقول بنت لبيد: [من الوافر] إذا هبّت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبّتها الوليدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 «705» - وكان عبد الله بن جدعان التيميّ- تيم قريش- من أجواد العرب في الجاهلية، فلما أسنّ أخذت بنو تيم على يده ومنعوه أن يعطي شيئا من ماله، فكان إذا أتاه الرجل يطلب منه قال: ادن مني، فإذا دنا منه لطمه، ثم يقول: اذهب فاطلب لطمتك أو ترضى، فترضيه بنو تيم من ماله، وذلك قول ابن قيس الرقيات: [من الخفيف] والذي إن أشار نحوك لطما ... تبع اللطم نائل وعطاء «706» - مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ عوّاده، فقال لمولى له: ما بال الناس لا يعودونني؟ قال: للدّين الذي لك عليهم، قال: ناد فيهم: من كان عليه شيء فهو له، فكسروا درجته من تهافتهم. «707» - كان سعيد بن العاص إذا سأله سائل فلم يكن له ما يعطيه قال له: اكتب عليّ سجّلا إلى يوم يسري؛ ولما مات أتى غرماوءه ابنه بما عليه من الصكاك وكان في جملتها صكّ لفتى من قريش فيه شهادة مولى له بعشرين ألفا فقال ابنه للمولى: من أين له هذا المال وإنما هو صعلوك من فتيان قريش؟ فقال المولى: إن أباك خرج من منزله فلقيه هذا الفتى فمشى معه، فلما بلغ حيث أراد سأله هل من حاجة؟ فقال: لا إنما رأيتك تمشي وحدك فوصلت جناحك، فلم يكن معه ما يعطيه فكتب له على نفسه بما رأيت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 «708» - اشترى عبيد الله بن أبي بكرة جارية بستين ألف درهم، فطلب دابة تحمل عليها فلم توجد، فجاء رجل بدابّته فحملها فقال له: إلى أين أحملها؟ فقال له عبيد الله: اذهب بها إلى منزلك، ووهبها له. «709» - واستعمله عبيد الله بن زياد على إطفاء بيوت النيران بين البصرة وسجستان، فأصاب أربعين ألف ألف درهم، فحال الحول عليه وعليه دين. «710» - أرتج على عبد الله بن عامر بالبصرة يوم أضحى، فسكت ساعة ثم قال: لا أجمع عليكم عيّا وبخلا، من أخذ شاة من السوق فهي له، وثمنها عليّ. «711» - باع أبو الجهم داره، فلما أرادوا الاشهاد عليه قال: بكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص؟ قالوا: سبحان الله، وهل رأيت أحدا يشتري جوار أحد؟ قال: ألا تشترون جوار إنسان إذا أسأت إليه أحسن؟ لا أريد أن أبيعكم شيئا، ردّوا عليّ داري، فبلغ ذلك سعيدا فبعث إليه بألف دينار. «712» - طلب رجل من أبي العبّاس الطوسي خطرا فلم يعطه، فبلغ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 ذلك معن بن زائدة وهو باليمن، فأرسل إليه بجراب خطر فيه ألف دينار وكتب إليه: اختضب بالخطر وانتفع بالنخالة. «713» - كان معن بن زائدة قد أبلى مع يزيد بن عمر بن هبيرة بلاء شديدا، فطلبه المنصور وبذل مالا لمن جاء به، فاضطر لشدة الطلب إلى أن أقام في الشمس حتى لوّحت وجهه، وخفّف عارضه ولحيته، ولبس جبة صوف غليظة، وركب جملا ثفالا، وخرج عليه ليمضي إلى البادية فيقيم بها؛ قال معن: فلما خرجت من باب حرب تبعني أسود متقلّد سيفا حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض علي فقلت: مالك؟ فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت له: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين؟ قال: دع هذا فأنا أعرف بك منك، قال معن فقلت له: يا هذا أتّق الله فيّ فان كانت القصة كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاءه بي، فخذه ولا تسفك دمي، فقال: هاته، فأخرجته فنظر إليه ساعة وقال: صدقت في قيمته ولست قابله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك، فقلت: قل، فقال: إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت قطّ مالك كلّه؟ قلت: لا، قال: فنصفه؟ قلت: لا، قال: فثلثه؟ قلت: لا، حتى بلغ العشر، فاستحييت وقلت: أظنّ أني قد فعلت ذلك، فقال: ما ذاك بعظيم، أنا والله رزقي من أبي جعفر عشرون درهما، وهذا الجوهر قيمته آلاف الدنانير قد وهبته لك، ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس، ولتعلم أنّ في الدنيا أجود منك فلا تعجبك نفسك، ولتحقر بعدها كلّ شيء تفعله، ولا تتوقف عن مكرمة، ثم رمى بالجوهر في حجري وخلّى خطام البعير وانصرف، فقلت له: يا هذا قد والله فضحتني، ولسفك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 دمي أهون عليّ مما فعلت، فخذ ما دفعته إليك فإني عنه غني، فضحك وقال: أردت أن تكذبني في مقامي هذا؟ والله لا آخذه ولا آخذ لمعروف ثمنا أبدا. فو الله لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن جاء به ما شاء فما عرفت له خبرا، وكأن الأرض ابتلعته. «714» - أراد رجل أن يمدح رجلا عند خالد بن عبد الله القسري فقال: والله لقد دخلت إليه فوجدته أسرى الناس فرشا ودارا وآلة، فقال خالد: لقد ذممته من حيث أردت أن تمدحه، هذه والله حال من لم تدع فيه شهوته للمعروف فضلا. «715» - قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في علّته: لم يبق عليّ من لباس الزمان إلا العلة والخلّة، وأشدّهما عليّ أهونهما على الناس، لأن ألم جسمي بالأوجاع أهون من ألم قلبي للحقّ المضاع. «716» - قال أعرابي: ما زال فلان يعطيني حتى ظننته يودعني، وما ضاع مال أودع حمدا. «717» - شاعر: [من الكامل] وإذا الرجال تصرّفت أهواؤها ... فهواه لحظة سائل أو آمل ويكاد من فرط السخاء بنانه ... حبّ العطاء يقول هل من سائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 «718» - وقال عمارة بن عقيل في خالد بن يزيد: [من الكامل] تأبى خلائق خالد وفعاله ... إلا تجنّب كلّ أمر عائب وإذا حضرنا الباب عند غدائه ... أذن الغداء لنا برغم الحاجب «719» - وقال الخريميّ: [من الطويل] أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمحلّ جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب «720» - مرّ يزيد بن المهلب بأعرابية في خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز يريد البصرة، فقرته عنزا فقبلها وقال لابنه معاوية: ما معك من النفقة؟ قال: ثمانمائة دينار، قال: فادفعها إليها، فقال له ابنه: إنك تريد الرجال ولا تكون الرجال إلا بالمال، وهذه يرضيها اليسير وهي بعد لا تعرفك، قال: فإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي؛ ادفعها إليها. «721» - قال العتبيّ: أشرف عمر بن هبيرة يوما من قصره فإذا هو بأعرابيّ يرقص قلوصه الآل، فقال لحاجبه: إن أرادني هذا فأوصله إليّ، فلما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 دنا الأعرابيّ سأله فقال: قصدت الأمير، فأدخله إليه، فلما مثل بين يديه قال له عمر: ما خطبك؟ فقال الأعرابيّ: [من المنسرح] أصلحك الله قلّ ما بيدي ... فما أطيق العيال إذ كثروا ألحّ دهر أنحى بكلكه ... فأرسلوني إليك وانتظروا قال: فأخذت عمر الأريحية فجعل يهترّ في مجلسه ثم قال: أرسلوك إليّ وانتظروا، إذن والله ولا تجلس حتى ترجع إليهم غانما، فأمر له بألف دينار وردّه على بعيره. قال أبو العبّاس المبرد: بلغني أنّ الخبر لمعن، وذلك عندي أصحّ. «722» - أتى رجل يسأل الحسن بن علي عليهما السلام فقال له: إنّ المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح، أو فقر مدقع، أو حمالة مفظعة، قال الرجل: ما جئت إلّا في إحداهن، فأمر له بمائة دينار، ثم أتى أخاه الحسين عليه السلام فقال له مثل ما قال له أخوه، فأعطاه تسعة وتسعين دينارا، كره أن يساوي أخاه. ثم أتى عبد الله بن عمر رضوان الله عليهما فأعطاه سبعة دنانير، ولم يسأله عن شيء، فحدثه بقصته وما جرى بينه وبينهما، فقال عبد الله: ويحك وأين تجعلني منهما؟ إنهما عذّيا العلم [1] غذاء. «723» - لما وجّه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضمّ عليّ ابن الحسين إلى نفسه أربعمائة منافيّة يعولهنّ إلى أن انقرض جيش مسلم بن عقبة، فقالت امرأة منهن: ما عشت والله بين أبويّ بمثل ذلك التتريف [2] .   [1] م: بالعلم. [2] ع م: الشريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 724- ذكر العبّاس بن محمد أنّ المهديّ لما وجّه الرشيد إلى الصائفة سنة ثلاث وستين خرج يشيّعه وأنا معه، فلما حاذى قصر مسلمة قلت له: يا أمير المؤمنين إن لمسلمة في أعناقنا منّة، كان محمد بن علي مرّ به فأعطاه أربعة آلاف دينار وقال له: يا ابن عم هذان ألفان لدينك وألفان لمعونتك، فإذا نفدت فلا تحتشمنا؛ فقال لما حدّثته الحديث: أحضروا من ها هنا من ولد مسلمة ومواليه، فأمر لهم بعشرين ألف دينار، وأمر أن تجرى عليهم الأرزاق ثم قال: يا أبا الفضل أكافأنا مسلمة وقضينا حقه؟ قلت: وزدت يا أمير المؤمنين. «725» - قال يحيى بن خالد: جعلت الدنيا دون عرضي، فأبرّها عندي ما صانه، وأهونها عليّ ما شانه. «726» - كتب أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان في نكبته: إنّ الكريم المنكوب أجدى على الأحرار من اللئيم الموفور، لأنّ اللئيم إذا ازداد نعما ازداد لؤما، والكريم إذا ازداد عسرا ازداد ظنّه بالله حسنا. «727» - رفع الواقدي قصة إلى المأمون يشكو غلبة الدّين وقلّة الصبر، فوقّع المأمون عليها: أنت رجل فيك خلّتان: الحياء والسخاء، فأما السخاء فهو الذي أطلق ما في يدك، وأما الحياء فبلغ بك ما أنت عليه، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، فإن كنّا أصبنا إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن كنّا لم نصب إرادتك فبجنايتك على نفسك، وأنت كنت حدثتني وأنت على قضاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 الرشيد عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال للزبير: يا زبير، إن مفاتيح الرزق بساق [1] العرش، ينزل الله عز وجل للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثّر كثّر له ومن قلّل قلّل له؛ قال الواقدي: وكنت أنسيت الحديث، فكانت مذاكرته إياي به أعجب إليّ من صلته. «728» - بعث روح بن حاتم بن المهلب إلى رجل بثلاثين ألف درهم وكتب إليه: قد وجهت إليك بما لا أقلّله تكبرا، ولا أكثّره تمنّنا، ولا أستثيبك عليه ثناء، ولا أقطع لك به رجاء. «729» - أراد الرشيد أن يخرج إلى القاطول فقال يحيى بن خالد لرجاء ابن عبد العزيز، وكان على نفقاته: ما عند وكلائنا من المال؟ قال: سبعمائة ألف درهم، قال: فاقبضها إليك يا رجاء، فلما كان من الغد غدا إليه رجاء فقبّل يده وعنده منصور بن زياد، فلما خرج قال لمنصور: قد ظننت أنّ رجاء قد توهّم أنا قد وهبنا المال له وإنما أمرناه بقبضه من الوكلاء ليحفظه علينا لحاجتنا إليه في وجهنا هذا، قال منصور: فأنا أعلمه ذلك، قال إذن يقول: فقل له يقبّل يدي كما قبلت يده، فلا تقل شيئا فقد تركتها له. «730» - قال سلم بن زياد لطلحة بن عبيد الله بن خلف الخزاعي: إني أريد أن أصل رجلا له عليّ حقّ وصحبة بألف ألف درهم فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل هذه لعشرة، قال: فأصله بخمسمائة ألف درهم، قال: كثير، فلم يزل به حتى وقف على مائة ألف درهم قال: أفترى مائة الف يقضى بها   [1] ر: بازاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 ذمام رجل له انقطاع وصحبة ومودة وحقّ واجب؟ قال: نعم، قال: هي لك وما أردت غيرك، قال: فأقلني قال لا أفعل والله. «731» - سئل إسحاق الموصلي عن سخاء أولاد يحيى بن خالد فقال: أما الفضل فيرضيك فعله، وأما جعفر فيرضيك بقوله، وأما محمد فيفعل بحسب ما يجد، وأما موسى فيفعل ما لا يجد. 732- بات جماعة من الرؤساء عند أحمد بن أبي دواد، فلما أخذوا مضاجعهم إذا الخدم قد أخرجوا لكلّ واحد منهم جارية، قال: فاحتشموا من ذلك، وبات الجواري ناحية، فلما أصبحوا وجّه بجارية كلّ واحد إلى منزله ومعها وصيفة. «733» - قال شريح بن الأحوص: [من الطويل] ومستنبح يبغي المبيت ودونه ... من الليل سجفا ظلمة وستورها رفعت له ناري فلما اهتدى بها ... زجرت كلابي أن يهرّ عقورها فبات وقد أسرى من الليل عقبة ... بليلة صدق غاب عنها شرورها إذا الشول راحت ثم لم تفد لحمها ... بألبانها ذاق السنان عقيرها «734» - وقال عروة بن الورد: [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 إني امرو عافي إنائي شركة ... وأنت امرو عافي إنائك واحد أتهزأ منّي أن سمنت وأن ترى ... بوجهي شحوب الحقّ والحقّ جاهد أقسّم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد «735» - وقال آخر: [من البسيط] ألا ترين وقد قطّعتني عذلا ... ماذا من الفوت بين البخل والجود إلّا يكن ورق يوما أجود بها ... للمعتفين فإني ليّن العود «736» - وقال قيس بن عاصم: [من الطويل] أيا ابنة عبد الله وابنة مالك ... ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإني غير آكله وحدي كريما قصيا أو قريبا فإنني ... أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي وكيف يسيغ المرء زادا وجاره ... خفيف المعا بادي الخصاصة والجهد وللموت خير من زيارة باخل ... يلاحظ أطراف الأكيل على عمد وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا ... وما فيّ إلا تيك من شيمة العبد «737» - وقال آخر: [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 ومستنبح قال الصّدى مثل قوله ... حضأت له نارا لها حطب جزل وقمت إليه مسرعا فغنمته ... مخافة قومي أن يفوزوا به قبل وأوسعني حمدا وأوسعته قرى ... وأرخص بحمد كان كاسبه الأكل «738» - وقال محمد بن يسير: [من البسيط] لقلّ عارا إذا ضيف تضيفني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي فضل [1]- المقلّ إذا اعطاه مصطبرا [2] ... ومكثر في الغنى سيّان في الجود لا يعدم السائلون الخير أفعله ... إمّا نوال وإما حسن مردود «739» - وقال الهذلي: [من البسيط] وهّاب ما لا تكاد النفس ترسله ... من التّلاد وصول غير منّان [3] «740» - وقال البحتري: [من الطويل] ألست ترى مدّ الفرات كأنه ... جبال شرورى جين في البحر عوما وما ذاك من عاداته غير أنه ... رأى شيمة من جاره فتعلما   [1] الحماسة البصرية: جهد. [2] الحماسة: اعطاك نائله. [3] روايته في ديوان الهذليين: يعطيك ما لا تكاد النفس تسلمه ... من التلاد وهوب غير منان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 «741» - وقال حاتم: [من الطويل] لا تسأليني واسألي أيّ فارس ... إذا الخيل جالت في قنا فتكسرا ولا تسأليني واسألي أيّ ياسر ... إذا بادر القوم الكنيف المستّرا وانّي لوهّاب لقطعي ونمرقي [1] ... إذا ما صحوت [2] والكميت المصدرا وإني لتغشى أبعد الحيّ جفتني ... إذا ورق الطلح الطوال تحسّرا «742» - نزل رجل بامرأة من العرب فقال لها: هل من لبن أو طعام يباع، فقالت: إنك للئيم أو حديث عهد باللئام، فاستحسن ذلك منها وخطبها فتزوجها. «743» - قيل لأعرابيّة وقد حملت شاة تبيعها: بكم هذه؟ قالت: بكذا، قيل لها: أحسني، فتركت الشاة ومرّت لتنصرف، فقيل لها: ما هذا؟ فقالت: لم تقولوا أنقصي، وإنما قلتم أحسني، والإحسان ترك الكلّ. «744» - قال أبو الحسين محمد بن عمر بن بكير: كان أبي بين يدي   [1] الديوان: قطوعي وناقتي. [2] الديوان: إذا ما انتشيت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 المنتصر بالله، وأحمد بن الخصيب جالس، فدخل الحاجب فقال: أيها الأمير هذا [1] الحسن بن سهل بالباب، فالتفت إليه أحمد فقال: دعنا من العظام الناخرة والرسوم الداثرة، فوثب أبي وقال: أيها الأمير إنّ للحسن بن سهل عليّ نعما عظاما وله في عنقي أياد جمة، فقال: ما هو يا عمر؟ فقال: ملأ والله بيتي ذهبا وفضة، وأدنى مجلسي، وخلع عليّ وألحقني برؤساء أهل العلم كأبي عبيدة والأصمعي ووهب بن جرير وغيرهم، وقد أقدرني الله سبحانه بالأمير على مكافأته وهذا من أوقاته، فإن رأى الأمير أن يسهّل إذنه ويجعل ذلك على يدي وحبوة لي وذريعة إلى مكافأة الحسن بالحسنى فعل، فقال: يا أبا حفص بارك الله عليك، فمثلك يستودع المعروف، وعندك يثمر البرّ، وبمثلك يرغب الأشراف في اتخاذ الصنائع، وقد جعلت إذن الحسن إليك، فأدخله أيّ وقت حضر من ليل أو نهار، لا سبيل لأحد من الحجّاب عليه، فقبّل البساط ووثب إلى الباب، فأدخل الحسن، وأتكأه يده، فلما سلّم على المنتصر أمره بالجلوس فجلس، وقال له: قد جعلت إذنك إلى أبي حفص فاحضر إذا شئت من غدوّ أو عشيّ، وارفع حوائجك، وتكلّم بكلّ ما في صدرك، فقال الحسن: والله أيها الأمير ما أحضر طلبا للدنيا ولا رغبة فيها ولا حرصا عليها، ولكني عبد يشتاق إلى مواليه وسادته، وبلقائهم يشتدّ ظهره وينبسط أمله وتتجدّد نعم الله تعالى عنده، وما أحضر لغير ذلك، قال: وأحمد بن الخصيب يكاد ينقدّ غيظا. فقال له المنتصر: فاحضر الآن في أيّ الأوقات أحببت، فأكبّ الحسن على البساط يقبله شكرا ونهض. قال أبي: ونهضت معه، فلما بعدنا عن عينه بلغني أن المنتصر قال: هكذا فليكن الشاكرون، وعلى مثل هذا فلينعم المنعمون؛ ثم قال الحسن لعمر: والله ما أدري بأيّ لسان أثني عليك، فقال: يا سبحان الله أنا أولى بالثناء عليك   [1] م: إن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 منك، والدعاء لك، لأنك خوّلتني الغنى وألبستني النعمى في الزمان الصعب والحال التي يجفوني في مثلها الحميم، فجزاك الله عنّي وعن ولدي أفضل الجزاء، فقال الحسن: والهفاه على أن لا يكون ذلك المعروف أضعاف ما كان، لادرّ درّ الفوت وتعسا للندم وأحواله، ولله درّ الخريميّ حيث يقول: [من الطويل] ودون الندى في كلّ قلب ثنية ... لها مصعد حزن ومنحدر سهل وودّ الفتى في كلّ نيل ينيله ... إذا ما انقضى لو أنّ نائله جزل ثم قال لي أبي: يا محمد اخرج معه، أعزه الله، حتى تؤدّيه إلى منزله، قال أبو الحسين: فخرجت معه، فلم أزل أحدّثه حتى جرى ذكر رزين العروضيّ الشاعر، وكان قد امتدحه بقصيدة، فمات رزين من قبل أن يوصلها إلى الحسن، فقلت: أعزّ الله الأمير، كان شاعرا ومن أهل العلم، مدح الأمير بقصيدة هي في العسكر مثل ومات قبل أن ينشدها، قال: فأسمعنيها أنت، فأنشدته: قرّبوا جمالهم للرحيل ... غدوة أحبّتك الأقربوك خلّفوك ثم مضوا مدلجين ... مفردا بهمّك ما ودّعوك وهي ستون بيتا على غير وزن العروض. قال أبو الحسين: فأنا والله أنشده، ودموعه تهمي على خده وتقطر على نحره، ثم قال: والله ما أبكي إلّا على قصور الأيام عنّا وبنا عنه، ثم جعل يتلهّف وقال: فما الذي منعه من اللقاء: تعذّر الحجاب أم قعود الأسباب؟ فقلت له: اعتلّ، جعلني الله فداك؛ فجعل يترحّم عليه ترحّم الرجل على أخيه ثم قال: والله لا أكون أعجز من علقمة قال: فوالله ما دريت ما عنى، فقلت: جعلني الله فداك: ومن علقمة؟ قال: علقمة بن علاثة حيث مات قبل وصول الحطيئة بالقصيدة التي رحل بها إليه حيث يقول: [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 لعمري لنعم الحيّ من آل جعفر ... بحوران أمسى أدركته الحبائل فإن تحي لا أملل حياتي وان تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل وما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى الا ليال قلائل فبلغت هذه الأبيات علقمة، فأوصى له بمثل نصيب ابن. ولكن هل ترك الرجل وارثا؟ قلت: بنيّة، قال: أتعرف مكانها؟ قلت: نعم، قال: والله ما أتسع في وقتي هذا ما أبرّ به هذه الصبية، ولكنّ القليل يقع منها والعذر يقنع، ثم دعا غلاما له فقال: هات ما بقي من نفقة شهرنا، قال: هذه فأعطاه ألفي درهم فدفعها إليّ وقال: خذ ألفا وأعط الصبية ألفا، ففعلت ما قال. «745» - وأتى الحسن بن شهريار الحسن بن سهل فكلّمه في رجل فقال له: العيال متوافرون، والضياع متحيّفة، والوظائف قائمة، وذو العادة لا يرضيه دون عادته، وقد أمرت له بثلاثين ألف درهم، فقال الحسن بن شهريار: إنما مقدار الرجل الذي سألتك فيه أن يعطى ألفا أو ألفين، فقال: يا حسن إنّ لكلّ شيء زكاة، وإن زكاة الجاه بذله، فإذا أجرى الله تعالى لإنسان على يدك خيرا فلا تعترض فيه. «746» - قال علي عليه السلام لأصحابه: من كانت له إليّ منكم حاجة فليرفعها إليّ في كتاب لأصون وجهه عن المسألة. «747» - وقالوا: السخيّ من كان مسرورا ببذله، مسرعا بعطائه، لا يلتمس عرض دنيا فيحبط عمله، ولا طلب مكافأة فيسقط شكره، ويكون مثله فيما أعطى مثل الصائد الذي يلقي الحبّ للطير لا يريد نفعها ولكن نفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 نفسه. «748» - نظر المنذر بن أبي سبرة إلى أبي الأسود الدؤلي وعليه قميص مرقوع فقال له: ما أصبرك على هذا القميص!! فقال: ربّ مملول لا يستطاع فراقه، فبعث إليه بتخت من ثياب، فقال أبو الأسود: [من الطويل] كساني ولم أستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر وإنّ أحقّ الناس ان كنت شاكرا ... بشكرك من أعطاك والعرض وافر «749» - ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفقراء فقال: إنّ سعيد بن خريم منهم، فأعطاه ألف دينار وقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إذا أعطيت فأغن. «750» - وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفد من العرب، فأعطاهم وفضّل رجلا منهم، فقيل له في ذلك فقال: كلّ القوم عيال عليه. «751» - وكان عبيد الله بن العبّاس بن عبد المطلب من الأجواد، أتاه رجل وهو بفناء داره فقام بين يديه فقال: يا ابن عبّاس إنّ لي عندك يدا وقد احتجت إليها، فصعد فيه بصره وصوّبه فلم يعرفه ثم قال: ما يدك عندنا؟ فقال: رأيتك واقفا بزمزم، وغلامك يمتح لك من مائها والشمس قد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 صهرتك، فظللتك بطرف كسائي حتى شربت، فقال: أجل إني لأذكر ذلك، وإنك لتتردّد بين خاطري وفكري، ثم قال لغلامه ما عندك قال: مائتا دينار وعشرة آلاف درهم، قال: ادفعها إليه، وما أراها تفي بحقّه عندنا، فقال له الرجل: والله لو لم يكن لإسماعيل ولد غيرك لكان فيك كفاية، فكيف وقد ولد سيّد الأولين والآخرين محمدا صلّى الله عليه وسلّم، ثم شفع بك وبأبيك. «752» - وحبس معاوية عن الحسين بن علي عليهما السلام صلاته، فقيل له: لو وجّهت إلى ابن عمك عبيد الله فإنه قد قدم بنحو ألف ألف، فقال الحسين: وأين تقع ألف ألف من عبيد الله، فو الله لهو أجود من الريح إذا عصفت، وأسخى من البحر إذا زخر، ثم وجّه إليه مع رسوله بكتاب ذكر فيه حبس معاوية عنه صلاته وضيق حاله، وأنه يحتاج إلى مائة ألف درهم، فلما قرأ عبيد الله كتابه، وكان أرق الناس قلبا، وألينهم عطفا، انهملت عيناه ثم قال: ويلك يا معاوية مما اجترحت يداك من الإثم حين أصبحت ليّن المهاد، رفيع العماد، والحسين يشكو ضيق الحال وكثرة العيال؟! ثم قال لقهرمانه: احمل إلى الحسين نصف ما نملكه من فضة وذهب ودابّة، وأخبره أني شاطرته مالي، فإن أقنعه ذلك وإلا فارجع واحمل إليه الشطر الآخر، فقال له القهرمان: فهذه المؤن التي عليك من أين تقوم بها؟ قال: إذا بلغنا [ذلك] دللتك على أمر تقيم به حالك، فلما أتاه الرسول قال: إنا لله، حملت والله على ابن عمي وما حسبت أنه يتسع لنا هذا كلّه، وأخذ الشطر من ماله. «753» - وأهدى إليه معاوية وهو عنده من هدايا النيروز حللا كثيرة ومسكا وآنية من ذهب وفضة، ووجهها مع حاجبه، فلما وضعها بين يديه نظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 إلى الحاجب وهو ينظر إليها فقال له: هل في نفسك منها شيء؟ قال: نعم والله، وإن في نفسي منها ما كان في نفس يعقوب من يوسف، فضحك عبيد الله وقال: فشأنك بها فهي لك قال: جعلت فداك، أنّى وإن يبلغ ذلك معاوية يجد عليّ، قال: فاختمها بخاتمك وادفعها إلى الخازن، فإذا كان [1] خروجنا حملها إليك ليلا، قال الحاجب: والله لهذه الحيلة في الكرم اكبر من الكرم، ولوددت أني لا أموت حتى أراك مكانه، يعني معاوية، فظنّ عبيد الله أنها مكيدة منه فقال: دع هذا الكلام فإنا قوم نفي بما عقدنا ولا تنقض ما أكّدنا. «754» - وجاءه رجل من الأنصار فقال له: يا ابن عمّ محمد، إنه ولد لي في هذه الليلة مولود وإني سمّيته باسمك تبركا مني به، وإنّ أمّه ماتت، فقال عبيد الله: بارك الله لك في الهبة، وأجزل لك الأجر على المصيبة، ثم دعا بوكيله فقال: انطلق الساعة فاشتر للمولود جارية تحضنه، وادفع إليه مائتي دينار لينفقها على تربيته، ثم قال للأنصاريّ: عد إلينا بعد أيام فإنك جئتنا وفي العيش يبس، وفي المال قلّة. فقال الأنصاري: جعلت فداك، لو سبقت حاتما بيوم ما ذكرته العرب أبدا، ولكنه سبقك فصرت له تاليا، وأنا أشهد أنّ عفو جودك أكثر من مجهوده، وطلّ صوبك أكثر من وابله. «755» - وعبيد الله بن أبي بكرة من الأجواد، أدلى إليه رجل بحرمة فأمر له بمائة ألف درهم فقال: أصلحك الله ما وصلني بها أحد قط، لقد قطعت لساني عن شكر غيرك، وما رأيت الدنيا في يد أحد أحسن منها في يدك، ولولا أنت لم تبق لنا بهجة إلا أظلمت ولا نور إلا انطمس.   [1] العقد: حان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 «756» - الذين انتهى إليهم الجود في الجاهليّة: حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي، وهرم بن سنان المريّ، وكعب بن مامة الايادي، وضرب المثل بحاتم وكعب، وحاتم أشهرهما. فأما كعب فجاد بنفسه وآثر رفيقه بالماء، تصافنا الإداوة في المفازة فمات عطشا، وليس له خبر مشهور غيره. وأما حاتم فأخباره كثيرة، وآثاره في الجود مشهورة، وكان إذا اشتدّ البرد وكلب الشتاء أمر غلامه يسارا فأوقد نارا في يفاع من الأرض لينظر إليها من أضلّ الطريق ليلا فيصمد نحوها، فقال في ذلك: [من الرجز] أوقد فإن الليل ليل قرّ ... والريح يا واقد ريح صرّ عسى يرى نارك من يمرّ ... إن جلبت ضيفا فأنت حرّ قالوا: ولم يكن حاتم يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فإنه كان لا يجود به ثم جاد بفرسه في سنة أزمة: «757» - قالت النوار امرأة حاتم: أصابتنا سنة اقشعرّت لها الأرض، واغبرّ أفق السماء [1] ، وراحت الإبل حدبا حدابير [2] ، وضنّت المراضيع عن أولادها أن تبضّ بقطرة، وجلفت [3] السنة المال وأيقنّا بالهلاك، فو الله إني لفي   [1] م: واقشعرت لها السماء. [2] حدابير: سقطت من م. [3] م: واحلفت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 ليلة صنّبر بعيدة ما بين الطرفين إذ تضاغى أصيبيتنا جوعا، عبد الله وعدي وسفانة، فقام حاتم إلى الصبيين، وقمت إلى الصبيّة، فو الله ما سكتوا إلّا بعد هدأة من الليل، وأقبل يعللني، فعرفت ما يريد فتناومت، فلما تهوّرت النجوم إذا شيء قد رفع كسر البيت فقال: من هذا؟ فولى ثم عاد آخر الليل، فقال: من هذا؟ قال: جارتك فلانة، أتيتك [1] من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب، فما وجدت معوّلا إلا عليك أبا عدي، فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإياهم، فأقبلت المرأة تحمل اثنين، ويمشي جانبيها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمدية فخرّ، ثم كشط عن جلده، ودفع المدية إلى المرأة، فقال: شأنك فاجتمعنا على اللحم نشوي ونأكل، ثم جعل يأتيهم بيتا بيتا فيقول: هبّوا، عليكم بالنار، والتفع بثوبه ناحية ينظر إلينا، لا والله إن ذاق منه مزعة وانه لأحوج إليه منا، فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلا عظم أو حافر. «758» - مرض سعيد بن العاص بالشام، فعاده معاوية ومعه شرحبيل ابن السمط ومسلم بن عقبة المريّ ويزيد بن شجرة الرهاوي، فلما نظر سعيد إلى معاوية وثب عن صدر مجلسه إعظاما له، فقال له معاوية: أقسمت عليك أبا عثمان فإنك ضعفت للعلة، فسقط، فبادر معاوية نحوه حتى حنا عليه، وأخذ بيده فأقعده معه على فراشه وجعل يسائله عن علته ومنامه وغذائه، ويصف له ما ينبغي أن يتوقاه، وأطال القعود عنده. فلما خرج التفت إلى شرحبيل ويزيد ابن شجرة فقال: هل رأيتما خللا في حال أبي عثمان؟ فقالا: لا ما رأينا شيئا ننكره، فقال لمسلم: ما تقول أنت؟ قال: رأيت خللا، قال: وما ذاك؟ قال: رأيت على حشمه ومواليه ثيابا وسخة، ورأيت صحن داره غير   [1] م: جئتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 مكنوس، ورأيت التجار يخاصمون قهرمانه، قال: صدقت، كلّ ذلك قد رأيت، فوجه إليه [مع مسلم] بثلاثمائة ألف، فسبق رسول مسلم إلى سعيد يبشره بتوجيهها، ويخبره بما كان، فغضب سعيد وقال للرسول: إنّ صاحبك ظنّ أنه أحسن فأساء، وتأوّل فأخطأ، فأما وسخ ثياب الحشم فمن كثرت حركته اتسخ ثوبه، وأما كنس الدار فلست من جعل داره مرآته، وبهاءه لبسته [1] ، ومعروفه عطره، ثم لا يبالي من مات هزلا من ذوي رحمه أو لحمته [2] ، وأما منازعة التجار قهرماني فمن كثرت حوائجه وبيعه وشراؤه لم يجد بدا من أن يكون طالبا أو مطلوبا، وأما المال الذي أمر لنا به أمير المؤمنين فوصلته به كلّ رحم قاطعة، وهناه كرامة [3] المنعم بها، وقد قبلناه وأمرنا لصاحبك منه بمائة ألف، ولشرحبيل بن السمط بمثلها، وليزيد بن شجرة بمثلها، وفي سعة الله وبسط يد أمير المؤمنين ما عليه معوّلنا. فركب مسلم إلى معاوية فأعلمه، فقال: صدق ابن عمّي فيما قال، وأخطأت فيما أنهيت إليه، فاجعل نصيبك من المال لروح بن زنباع عقوبة لك، فإنه من جنى جناية عوقب بمثلها، كما أنّه من فعل خيرا كوفىء عليه. «759» - قال الحسن: بلغني أن رجلا جهده الجوع ففطن به بعض الأنصار، فلما أمسى أتى به رحله، وقال لامرأته: هل لك أن نطوي ليلتنا هذه لضيفنا؟ قالت: نعم، قال: فإذا قرّبت الطعام فاعمدي كأنك تصلحين السراج فاطفئيها، ففعلت، وجاءت بثريدة كأنها قطاة فوضعتها، ثم دنت فأطفأت السراج فجعل الانصاريّ يضع يده في القصعة ولا يأكل، وأكل   [1] العقد: وتزينه لبسه. [2] العقد: من ذي لحمة أو حرمة. [3] ر: كرمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 الضيف حتى أتى عليها، فلما أصبح صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: أنت صاحب الكلام الليلة؟ قال: وما هو؟ قال: كذا وكذا، قال: قد كان ذاك يا رسول الله، قال: فوالله لقد عجب الله من صنيعكما. «760» - اقترض ابن عبدل من التجار مالا، وحلف لهم بالطلاق ثلاثا أن يقضيهم المال عند طلوع الهلال، فلما بقي من الشهر يومان قال: [من المنسرح] قد بات همّي قرنا أكابده ... كأنما مضجعي على حجر من رهبة أن يرى هلال غد ... فإن رأوه فحقّ لي حذري وفقد بيضاء غادة كملت ... كأنها صورة من الصور أصبحت من أهلي الغداة ومن ... مالي على مثل ليلة الصّدر فبلغ خبره عبد الملك بن بشر فأعطاهم ما لهم عليه وأضعفه له. «761» - مرّ عبد الله بن جعفر ومعه عدة من أصحابه بمنزل رجل قد أعرس، فإذا بقينة تغنّي: [من المنسرح] قل لكرام ببابنا يلجوا ... ما في التصابي على الفتى حرج فقال عبد الله لأصحابه: لجوا فقد أذن لكم القوم، فنزل ونزلوا فدخلوا، فلما رآه صاحب المنزل تلقاه فأجلسه على الفرش، فقال للرجل: كم أنفقت على وليمتك؟ قال: مائتي دينار، قال: فكم مهر صاحبتك [1] ؟ قال: كذا وكذا، فأمر له بالجميع وبمائة دينار بعد ذلك معونة واعتذر إليه وانصرف. 762- قيل غاب محمد بن نصر بن بسام عن داره مدة عشرين سنة،   [1] ر: امرأتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 ووكل بها في هذه المدة من يفرشها وينظفها في كلّ يوم فيدخل إليها المقيمون هناك من خواصّه وأصحابه، فيجلسون حيث كان يجلس منها قبل انتقاله إلى بغداد، ومطبخه فيها قائم، ويجتمع الناس فيها على طعامه وهو غائب عنها هذه المدّة الطويلة. 763- صنع عمرو بن حريث طعاما لعديّ بن حاتم، فلما دخل نظر إلى الستور مسبلة فقال: آكل وحدي؟ فقال عمرو: إنما هو شيء هيأناه لك خاصة، فقال: حرام عليّ اكله أو ترفع الستور فيدخل من شاء. «764» - كان المهلب يقول لبنيه: يا بنيّ ثيابكم على غيركم أحسن منها عليكم، ودوابكم وخدمكم عند غيركم أحسن منها عندكم. 765- اشتهى المأمون أن يأكل من الكواميخ، فقال له أخوه أبو إسحاق: إن لي نبطيا يجيدها، فاستدعى منه ما تعجّل عنده، فأحضر في الحال ثمانين غلاما على رؤوسهم جون وأطباق فيها ألوان من الكواميخ والمخللات والشواريز [1]- والسمك الطري والمملوح، ومن البوارد بالفراريج وغيرها، ومن المزوّرات، فاستكثره المأمون وأعجبه واستطابه، فقال لأبي إسحاق: قل له يعمل مثل ذلك في كلّ عام مرة، فقال: بل في كل يوم فإن منازلي لا تخلو منه وليس عليّ فيه كلفة. ثم رفع صاحب الديوان بعد مدة مؤامرة ببقايا السنة، فوجد المأمون فيها اسم مالك بن شاهي فقال: قد مرّ بي هذا الاسم، فقيل: هو الذي أكلت كوامخه، قال: فنأكل طعام الرجل ونحاسبه؟ وكان   [1] ر: والسوارير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 عليه ثلاثة عشر ألف درهم، فوقع تحتها: يعان بها على مروءته، ورمى بها من يده ثم قال: ردّوها إليّ، إنّ الناس يتحدثون أن المأمون أكل سكرّجات قامت عليه بكذا وكذا، وأطلق صاحبها من الحبس، ثم وقع في المؤامرة باطلاق جميع من في الحبس، وكان مبلغ ما عليهم أربعين ألف ألف درهم. «766» - قيل لم يكن لخالد بن برمك جليس الا وقد بنى له دارا على قدر كفايته، وكان يقف على أولاد الإخوان ما يعيّشهم أبدا، وما كان لأحد من إخوانه ولد إلا من جارية هو وهبها له. «767» - وقيل إنّ جارا لابن المقفع أراد بيع داره لدين ركبه، وكان يجلس في ظلّ تلك الدار كثيرا، فقال: ما قمت إذن بحقّ ظلّ داره إن باعها معدما وبتّ واجدا، فبعث إليه بثمنها وقال: دعها على حالها وقلّب هذا المال في بعض التجارات. «768» - روي أن سعيد بن خالد بن عثمان بن عفان أتى سليمان بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، أتيتك مستعديا، قال: ومن بك؟ قال: موسى شهوات، قال: وماله؟ قال: سمّع بي واستطال في عرضي، فقال: يا غلام عليّ بموسى شهوات، فأتي به فقال: ويلك أسمّعت به واستطلت في عرضه؟ فقال: ما فعلت يا أمير المؤمنين ولكني مدحت ابن عمه فغضب هو، قال: وكيف ذاك؟ قال: علقت جارية لم تبلغ ثمنها جدتي، فأتيته وهو صديقي فشكوت إليه ذلك، فلم أصب عنده فيه شيئا، فأتيت ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 عمه سعيد بن خالد بن عبد الله بن أسيد، فشكوت إليه ما شكوته إلى هذا، قال: تعود إليّ، فتركته ثلاثا ثم أتيته فسهّل من إذنى، فلما استقر بي المجلس قال: يا غلام قل لقيمتي هاتي وديعتي، ففتح باب بين بيتين فإذا أنا بالجارية، فقال لي: أهذه بغيتك؟ قلت: نعم فداك أبي وأمي، قال: اجلس، ثم قال: يا غلام قل لقيمتي هاتي ظبية نفقتي، فأتي بظبية فنثرت بين يديه فإذا فيها مائة دينار ليس فيها غيرها فردت في الظبية، ثم قال: عتيدة طيبي! فأتي بها، ثم قال: ملحفة فراشي، فأتي بها، فصير ما في الظبية والعتيدة في حواشي الملحفة ثم قال: شأنك بهواك واستعن بهذا عليه؛ فقال له سليمان بن عبد الملك: فذلك حين تقول ماذا؟ فأنشده: [من الطويل] أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد ولكنّني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى ... وإن مات لم يرض الندى بعقيد دعوه دعوه إنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود فقال سليمان: يا غلام عليّ بسعيد بن خالد، فأتي به فقال: أحقّ ما وصفك به موسى؟ قال: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فأعاد عليه، فقال: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، قال فما طوّقتك عواقب هذه الأفعال؟ قال: دين ثلاثين ألف دينار، قال: قد أمرت لك بها وبمثلها [وبمثلها] وبثلث مثلها، فحمل إليه مائة ألف دينار. قال الراوي: فلقيت سعيد بن خالد بعد ذلك فقلت له: ما فعل المال الذي وصلك به سليمان؟ قال: ما أصبحت والله أملك منه خمسين دينارا، قلت: فما اغتاله؟ قال: خلّة من صديق وفاقة من ذي رحم. ولما أنشده موسى الشعر قال له: اتفقت أسماؤهما وأسماء آبائهما، فتخوفت أن يذهب شعري باطلا، ففرّقت بينهما بأمهاتهما، فأغضبه أن مدحت ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 عمه، فقال سليمان: بلى والله لقد هجوته، وما خفي عليّ ذلك، ولكن لا أجد إليك سبيلا، فاطلقه. «769» - والبخيل لا يزال عدوا للجواد يحسده على ما آتاه الله من فضله ويحقد عليه نعمة الله عنده؛ قال الطرماح بن حكيم: [من الطويل] لقد زادني حبّا لنفسي أنني ... بغيض إلى كلّ امرىء غير طائل وأنّى شقي باللئام ولا ترى ... شقيّا بهم إلا كريم الشمائل «770» - قال إبراهيم بن هرمة: ما رأيت قطّ أسخى ولا أكرم من رجلين: إبراهيم بن عبد الله بن مطيع وإبراهيم بن طلحة [بن عمرو] بن عبيد الله بن معمر؛ أما إبراهيم بن طلحة فأتيته فقال: أحسنوا ضيافة أبي إسحاق، فأتيت بكلّ شيء من الطعام، فأردت أن أنشده فقال: ليس هذا وقت الشعر، ثم أخرج إليّ الغلام رقعة فقال: إيت بها الوكيل، فأتيته بها فقال: إن شئت أخذت لك جميع ما كتب به، وإن شئت أعطيتك القيمة، قلت: وما أمر لي به؟ قال: مائتي شاة برعائها وأربعة أجمال وغلام جمّال، ومظلة وما يحتاج إليه، وقوتك وقوت عيالك سنة، فقلت: أعطني القيمة، فأعطاني مائتي دينار؛ وأما إبراهيم بن عبد الله فأتيته في منزله بمشاش على بئر الوليد [1] بن عثمان بن عفان، فدخل منزله ثم خرج إليّ برزمة ثياب وصرّة من دراهم ودنانير وحلي ثم قال: لا والله ما بقّينا في منزلنا ثوبا نواري به امرأة ولا حليا ولا دينارا ولا درهما.   [1] الأغاني: ابن الوليد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 771- قال أعرابي: من لم يضنّ بالحقّ عن أهله فهو الجواد. «772» - وقال آخر: الصبر عند الجود أخو الصبر عند البأس. «773» - قيل: كان مبدأ أمر حاتم في الجود أنه لما ترعرع جعل يخرج طعامه، فإن وجد من يأكله معه أكله، وإن لم يجد طرحه، فلما رأى أبوه أنه يهلك طعامه قال له: الحق بالابل، فخرج إليها، ووهب له جارية وفرسا وفلوها. وقيل: بل هلك أبو حاتم وهو صغير، وهذه القصة كانت مع جدّه سعد بن الحشرج، فلما أتى حاتم الابل طفق يبغي الناس فلا يجدهم، ويأتي الطريق فلا يجد عليه أحدا، فبينا هو كذلك إذ بصر بركب على الطريق فأتاهم فقالوا: يا فتى هل من قرى؟ فقال: تسألوني عن القرى وقد ترون الابل؟ وكان الذين بصر بهم عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني، وكانوا يريدون النعمان، فنحر لهم ثلاثة من الإبل، فقال عبيد: إنما أردنا اللبن، وكانت تكفينا بكرة إذا كنت لا بدّ متكلفا لنا شيئا، فقال حاتم: قد عرفت، ولكنّي رأيت وجوها مختلفة، وألوانا متفرقة، فظننت أن البلدان غير واحدة وأردت أن يذكر كلّ واحد منكم ما رأى إذا أتى قومه، فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها وذكروا فضله، فقال حاتم: أردت أن أحسن إليكم فصار لكم الفضل عليّ، وأنا أعاهد الله أن أضرب عراقيب إبلي عن آخرها أو تقوموا إليها فتقسموها، ففعلوا، فأصاب الرجل تسعة وثلاثين بعيرا، ومضوا على سفرهم إلى النعمان. وإن أبا حاتم أو جدّه سمع بما فعل، فأتاه فقال: أين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 الابل؟ فقال: يا أبت [1] طوقتك بها طوق الحمامة مجد الدهر وكرما، لا يزال الرجل يحمل بيت شعر [2] أثنى به علينا عوضا من إبلك، فلما سمع أبوه ذلك قال: أبإبلي فعلت ذلك؟ قال: نعم، قال: والله لا أساكنك أبدا، فخرج أبوه بأهله وترك حاتما ومعه جاريته وفرسه وفلوها، فقال يذكر تحول أبيه عنه (والشعر يدلّ على أنه جده لأنه حاتم بن عبد الله بن سعيد بن الحشرج) : [من الطويل] إنّي لعفّ الفقر مشترك الغنى ... وتارك شكل لا يوافقه شكلي وشكلي شكل لا يقوم لمثله ... من الناس إلا كلّ ذي نيقة مثلي وأجعل مالي دون عرضي جنّة ... لنفسي وأستغني بما كان من فضلي وما ضرّني أن سار سعد بأهله ... وأفردني في الدار [3] ليس معي أهلي قالوا: فبينا حاتم يوما بعد أن أنهب ماله ووهبه نائم إذ انتبه، وإذا حوله [4] نحو من مائتي بعير تجول ويحطم بعضها بعضا [5] فساقها إلى قومه فقالوا: يا حاتم أبق على نفسك، فقد رزقت مالا، ولا تعودنّ إلى ما كنت عليه من الإسراف، قال: فإنها نهبى بينكم، فانتهبت فأنشأ حاتم يقول: [من الطويل] تداركني جدّي بسفح متالع ... فلا يأمنن ذو نومة أن يغنّما وأقبل ركب من بني أسد ومن قيس يريدون النعمان، فلقوا حاتما فقالوا له: إنا تركنا قومنا يثنون عليك خيرا، وقد أرسلوا إليك برسالة، قال: وما هي؟ فأنشده الأسديون شعرا لعبيد، وأنشده القيسيون شعرا للنابغة، فلما أنشدوه قالوا: إنا لنستحيي أن نسألك شيئا وإنّ لنا لحاجة، قال: وما   [1] ر: يا أبه. [2] م: بيتأ من الشعر. [3] م: البرّ. [4] م: إذ انتبه وحوله. [5] م: بعضها على بعض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 هي؟ قالوا: صاحب لنا قد أرجل، فقال حاتم: خذوا فرسي هذه فاحملوا عليها صاحبكم، فأخذوها، وربطت الجارية فلوها بثوبها، فأفلت فاتبعته الجارية، فقال حاتم: ما لحقكم من شيء فهو لكم، فذهبوا بالفرس والفلو والجارية. «774» - أسرت عنزة حاتما، فجعل نساء من عنزة يدارين بعيرا ليفصدنه، فضعفن عنه، فقلن: يا حاتم أفاصده أنت إن أطلقنا إحدى يديك؟ قال: نعم فأطلقن إحدى يديه فوجأ لبّته، فاستدمين منه ما شئن، ثم إنّ البعير عضد أي لوى عنقه، فقلن، ما صنعت؟ قال: هكذا فزدي، يريد فصدي، فجرت مثلا فلطمته إحداهنّ فقال: ما أنتنّ نساء عنزة بكرام ولا ذوات أحلام، وإن امرأة منهن يقال لها عاجزة أعجبت به فأطلقته ولم ينقمن [1] عليه، فقال حاتم يذكر البعير الذي فصده. [من الطويل] كذلك فصدي إن سألت مطيتي ... دم الجوف إذ كلّ الفصاد وخيم «775» - عظم [2] على طيء موت حاتم فادعى أخوه أن يخلفه، فقالت له أمه: هيهات فشتان ما بين خلقيكما، وضعته فبقي سبعة أيام لا يرضع حتى ألقمت أحد ثديي طفلا من الجيران، وكنت أنت راضعا أحدهما وآخذا الآخر بيدك، فأنى لك؟! «776» - قال حذيفة بن اليمان: ربّ رجل فاجر في دينه، أخرق في   [1] ر م والأغاني: ولم ينقموا. [2] سقطت هذه الفقرة من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 معيشته، يدخل الجنّة بسماحته. «777» - كان جعفر بن محمد يقول: اللهم ارزقني مواساة من قتّرت عليه رزقك بما أوسعت علي من فضلك. «778» - قيل لأنوشروان: ما الجود الذي يسع الناس كلهم؟ قال: إرادة الخير لجميعهم، وبسط الوجه لهم. «779» - وقيل: الكريم يكرم وإن افتقر، كالأسد يهاب وإن كان رابضا، واللئيم يهان وإن أيسر كالكلب يخسأ وإن طوّق وحلّي. «780» - قال بعض العرب: يا بنيّ لا تزهدنّ في معروف فإن الدهر ذو صروف، كم راغب كان مرغوبا إليه، وطالب كان مطلوبا ما لديه، وكن كما قال أخو الدئل: [من الطويل] وعدّ من الرحمن فضلا ونعمة ... عليك إذا ما جاء للخير طالب ولا تمنعنّ ذا حاجة جاء راغبا ... فإنك لا تدري متى أنت راغب «781» - المقنع الكندي: [من الكامل] ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتى تجود وما لديك قليل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 782- آخر مثله: [من الخفيف] ليس جود الجواد من فضل مال ... إنّما الجود للمقلّ المواسي «783» - قال خالد بن عبد الله القسري وهو يخطب: أيها الناس من جاد ساد [1] ، ومن بخل رذل، وإنّ اكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والفروع من مغارسها تنمي وبأصولها تسمو، ثم قال في آخر كلامه: [من المنسرح] قد توهم النفس في تحسّسها ... وتنكر العين في تفرسها فعندها يستدلّ بالثمر ال ... عذب على مستطاب مغرسها «784» - احتضر الحكم بن المطلب، وكان من الأسخياء، فأصابته غشية، فقيل: اللهم هوّن عليه فإنه كان وكان، فأفاق فقال: إن ملك الموت يقول: إني بكلّ سخيّ رفيق. وكان الحكم هذا إذا انقطع شسعه خلع النعل الأخرى [2] ومضى، فأخذ نعليه نوبيّ فسوّى الشسع، وجاءه بالنعلين في منزله، وقال: سوّيت لك الشسع، فدعا بثلاثين دينارا فدفعها إليه وقال: ارجع بالنعلين فهما لك. «785» - ومن الأجواد عبيد الله بن أبي بكرة، كتب إلى يزيد بن ربيعة   [1] ر: من ساد جاد. [2] م: وكان الحكم هذا انقطع شسع نعله يوما فخلع الأخرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 ابن مفرغ الحميري: إني قد توجهت إلى سجستان فالحق بي، فلعلك إن قدمت عليّ ألا تندم ولا تذم [1] رأيك، فتجهز ابن مفرغ وخرج حتى قدم سجستان ممسيا، فدخل عليه وشغله بالحديث وأمر له سرا بمنزل وفرش وخدم، وجعل يطاوله حتى علم أنه قد استتم ما أمر له به، ثم صرفه إلى المنزل الذي هيّىء له، ثم دعا به في اليوم الثاني فقال له: يا ابن مفرغ إنك قد تجشمت إليّ شقة بعيدة، واتسع لك الأمل فرحلت إليّ لأقضي عنك دينك وأغنيك عن الناس، وقلت: أبو حاتم بسجستان فمن لي بالغنى بعده؟ فقال: والله ما أخطأت أيها الأمير ما كان في نفسي، فقال عبيد الله: أم والله لأفعلنّ، ولأقلّنّ لبثك عندي ولأحسننّ صلتك، وأمر له بمائة ألف درهم ومائة وصيف ومائة وصيفة ومائة نجيبة، وأمر له بما ينفقه إلى أن يبلغ بلده سوى المائة الألف، وبمن يكفيه الخدمة من غلمانه ومواليه، وقال له: إن [من] خفّة السفر أن لا تهتم بخفّ ولا حافر، فكان مقامه عنده سبعة أيام، ثم ارتحل وشيعه ابن أبي بكرة أربعة فراسخ، ثم قال له: يا ابن مفرغ انه ينبغي للمودّع أن ينصرف، وللمتكلم أن يسكت، وأنا من قد عرفت، فأنفق على الأمل وعلى حسن ظنك بي ورجائك فيّ، فإذا بدا لك أن تعود فعد، والسلام. «786» - ولزم يزيد بن مفرّغ غرماؤه بدين فقال لهم: انطلقوا نجلس على باب الأمير عسى أن يخرج الأشراف فيروني فيقضوا عني، فانطلقوا به، فكان أول من خرج إما عمر بن عبيد الله بن معمر وإما طلحة الطلحات، فلما رآه قال: أبا عثمان ما أقعدك ها هنا؟ قال: غرمائي هؤلاء لزموني بدين لهم عليّ، قال: وكم هو؟ قال: سبعون ألفا، قال: علي منها عشرة آلاف، ثم خرج الآخر على الأثر فسأله كما سأل صاحبه قال: هل خرج قبلي أحد؟   [1] الأغاني: يذم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 قالوا: نعم، قال: فما صنع؟ قال: ضمن عشرة آلاف، قال: فعليّ مثلها، قال: فجعل الناس يخرجون، فمنهم من يضمن الألف إلى أكثر من ذلك حتى ضمنوا له أربعين ألف درهم، وكان يأمل عبيد الله بن أبي بكرة، فلم يخرج حتى غربت الشمس، فخرج مبادرا فلم يره حتى كاد يبلغ بيته، فقيل له: إنك مررت بابن مفرغ ملزوما وقد مرّ به الأشراف فضمنوا عنه، فكرّ راجعا فوجده قاعدا فقال له: يا أبا عثمان ما يجلسك ها هنا؟ قال: غرمائي هؤلاء يلزمونني، قال: وكم ضمن عنك قال: أربعون ألفا، قال: فاستمتع بها وعليّ دينك أجمع. «787» - قيل لم يكن رجل من ولاة بني مروان أنفس على قومه ولا أحسد لهم من الوليد بن عبد الملك، فأذن يوما للناس فدخلوا عليه، وأذن للشعراء فكان أوّل من بدر بين يديه عويف القوافي الفزاري، فاستأذنه في الانشاد فقال: ما بقي لي بعد ما قلت لأخي زهرة؟ قال: وما قلت له مع ما قلت لأمير المؤمنين؟ قال: ألست الذي يقول له: [من الكامل] يا طلح أنت أخو الندى وحليفه ... إنّ الندى من بعد طلحة ماتا إن السماح إليك أطلق رحله ... فبحيث بتّ من المنازل باتا أو لست الذي يقول: [من الوافر] إذا ما جاء يومك يا ابن عوف ... فلا جادت [1] على الأرض السماء ولا سار العزيز [2] بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء   [1] الأغاني: مطرت. [2] الأغاني: البشير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 تساقى الناس بعدك يا ابن عوف ... ذريع الموت ليس له شفاء ألم تقم علينا الساعة يوم قامت عليه؟ لا والله لا أسمع منك شيئا، ولا أنفعك بنافعة أبدا، أخرجوه عنّي. فقال له القرشيون والشاميون: وما الذي أعطاك [1] حتى استخرج هذا منك؟ قال: أم والله لقد أعطاني غيره أكثر من عطيته، ولكن لا والله ما أعطاني أحد قط أحلى في قلبي ولا أبقى شكرا ولا أجدر ألّا أنساه، ما عرفت الصلات، من عطيّته. قالوا: وما أعطاك؟ قال: قدمت المدينة ومعي بضيّعة لي لا تساوي عشرة دنانير أريد أن أبتاع قعودا من قعدان الصدقة، فإذا برجل بصحن السوق على طنفسة قد طرحت له، وإذا الناس حوله، وإذا بين يديه إبل معقولة، فظننت أنه عامل السوق، فسلّمت عليه فأثبتني وجهلته، فقلت له: رحمك الله، هل أنت معيني ببصرك على قعود من هذه القعدان تبتاعه لي؟ فقال: نعم، أو معك ثمنه؟ فقلت: نعم، فأهوى بيده إليّ فأعطيته بضيّعتي، فرفع طنفسته فألقاها تحتها، ومكث طويلا، ثم قمت إليه فقلت: أي رحمك الله انظر في حاجتي، فقال: ما منعني منك إلا النسيان، أمعك حبل؟ قلت: نعم قال: هكذا أفرجوا، فأفرجوا حتى استقبل الابل التي بين يديه، فقال: اقرن هذه وهذه [2]-، فما برحت حتى أمر لي بثلاثين بكرة، أدنى بكرة فيها- ولا دنيّة فيها [3]- خير من بضاعتي ثم رفع طنفسته فقال: شأنك ببضاعتك فاستعن بها على من ترجع إليه، فقلت: رحمك الله أتدري ما تقول؟ فما بقي عنده إلّا من نهرني وشتمني، ثم بعث معي نفرا فأطردوها حتى أطلعوها في رأس الثنية، فو الله لا أنساه ما دمت حيا أبدا.   [1] الأغاني: أعطاك طلحة. [2] زاد في الأغاني: أدنى بكرة فيها. [3] النص مضطرب في النسخ، وأثبت ما في الأغاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 788- قيل: تراهن نفر من كلب ثلاثة على أن يختاروا من تميم وبكر نفرا ليسألوهم، فأيهم أعطى ولم يسألهم عن نسبهم ومن هم فهو أفضلهم، فاختار كلّ واحد منهم رجلا والذين اختيروا: عمير بن السليل بن قيس بن مسعود الشيباني وطلبة بن قيس بن عاصم المنقري وغالب بن صعصعة المجاشعي. فأتوا ابن السليل فسألوه مائة ناقة فقال: من أنتم؟ فانصرفوا عنه، ثم أتوا طلبة فقال لهم مثل ذلك، فردّوا عليه كردّ ابن السليل، فأتوا غالبا فسألوه فأعطاهم مائة ناقة وراعيها ولم يسألهم. «789» - قال محمد بن حبيب: كان للنمر بن تولب صديق، فأتاه النمر في ناس من قومه يسألونه في دية احتملوها، فلما رآهم وسألوه تبسم فقال النمر: [من الوافر] تبسّم ضاحكا لما رآني ... وأصحابي لدى عين التمام فقال لهم الرجل: إن لي نفسا تأمرني أن أعطيكم ونفسا تأمرني أن لا أفعل، فقال النمر: [من البسيط] أمّا خليلي فانّي لست معجله ... حتى يؤامر نفسيه كما زعما نفس له من نفوس الناس صالحة ... تعطي الجزيل ونفس ترضع الغنما ثم قال النمر لأصحابه: لا تسألوا أحدا فالدية كلها عليّ. «790» - ابن الرومي: [من الطويل] عدونا إلى ميمون نطلب حاجة ... فأوسعنا منعا وجيزا بلا مطل فقال اعذروني إنّ بخلي جبلّة ... وإنّ يدي مخلوقة خلقة القفل طبيعة بخل أكّدتها خليقة ... تخلّقتها خوف احتياجي إلى مثلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 فألقى إلينا عذرة لا نردّها ... وكان ملقّى حجة اللؤم والبخل «791» - كان رجل من البخلاء قد أفرط في البخل حتى صار مثلا، فأتى جارا له من الزهاد فجعل يشكو إليه البخل وما قد يلي به منه وأنه لا حيلة له فيه، فقال له الزاهد: لهذا القول كلام في الجواب طويل، ولكني أقول لك: إنك على ما وصفت من أنك لا تجود على نفسك بفلس غير بخيل، لأنّ البخيل يعطي ويمنع، وأنت تعطي كلّ مالك، فقال له البخيل: وكيف ذاك مع ما وصفت لك؟ قال: لأنك توفّره كلّه على من تخلّف. قال فرجع والله البخيل عن خلقه وعدّ من الأجواد. «792» - قيل: كان أسيد بن عنقاء الفزاري من أكثر الناس مالا وأشدّهم عارضة ولسانا، فطال عمره، ونكبه دهره، واختلت حاله، فخرج عشية يتبقّل لأهله، فمرّ به عميلة الفزاريّ فسلّم عليه وقال: يا عمّ ما أصارك إلى ما أرى من حالك؟ فقال بخل مثلك بماله، وصوني وجهي عن مسألة الناس، فقال: والله لئن بقيت إلى غد لأغيرنّ من حالك، فرجع ابن عنقاء إلى أهله فأخبرها بما قال له عميلة، فقالت: لقد غرّك كلام غلام جنح ليل، فكأنما ألقمت فاه حجرا، فبات متململا بين رجاء ويأس، فلما كان السحر سمع ثغاء الشاء ورغاء الابل وصهيل الخيل ولجب الاموال، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا عميلة ساق إليك ماله، قال: فاستخرج ابن عنقاء ثم قسم ماله شطرين وساهمه عليه، وأنشأ ابن عنقاء يقول: [من الطويل] رآني على ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسرّ كما جهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 دعاني فآساني [1] ولو ضنّ لم ألم ... على حين لا بدو يرجّى ولا حضر فقلت له خيرا وأثنيت فعله ... وأوفاك ما أبليت من ذمّ أو شكر ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردّى رداء سابغ الذيل واتّزر غلام رماه الله بالخير يافعا ... له سيمياء لا تشقّ على البصر كأن الثريا علّقت فوق نحره ... وفي أنفه الشعرى وفي خدّه القمر إذا قيلت العوراء أغضى [2] كأنه ... ذليل بلا ذلّ ولو شاء لانتصر «793» - دخل أعرابي على خالد بن عبد الله القسري فقال: أصلح الله الأمير، شيخ كبير حدته إليك بارية العظام، ومورثة الاسقام، ومطوّلة الأعوام، فذهبت أمواله، وذعذعت إباله، وتغيرت أحواله، فإن رأى الأمير أن يجبره بفضله، وينعشه بسجله، ويردّه إلى أهله، فقال: كل ذلك، وأمر له بعشرة آلاف درهم. «794» - بعث معاوية إلى عائشة بمائة ألف درهم فما قامت من مجلسها حتى وزعتها، فدخلت عليها الخادم فقالت: لو حبست لنا درهما نشتري به لحما، فقالت: هلّا ذكرتني ذلك قبل أن أفرقه. وكانت ترقع قميصا لها، ودخل عليها المنكدر فقال: أصابتني حاجة فأعينيني، فقالت: ما عندي شيء، ولو كانت عندي عشرة آلاف درهم بعثت بها إليك، فلما خرج من عندها جاءتها عشرة آلاف درهم من عند خالد   [1] ع: فواساني؛ م: فأستاني. [2] الأغاني: ولّى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 ابن أسيد، فقالت: ما أوشك ما ابتليت ثم أرسلت بها في أثره، فدخل السوق فاشترى جارية بألفي درهم فولدت له ثلاثة كانوا عبّاد أهل المدينة: محمد وأبو بكر وعمر. 795- جاء أسماء بن خارجة الفزاري إلى داره فوجد على بابه فتى جالسا فقال: ما يجلسك ها هنا يا فتى؟ قال: خير، فألحّ عليه فقال: جئت سائلا إلى هذه الدار فخرجت منها جارية اختطفت قلبي، فجلست لكي تخرج ثانية، فجعل يعرضهنّ عليه حتى مرّت به فقال: هي هذه، فقال: مكانك، فدخل ثم خرج إليه فقال: إنها لم تكن لي، كانت لبعض بناتي فابتعتها بثلاثة آلاف درهم، خذ بيدها بارك الله لك فيها. 796- شاعر: [من الطويل] أصبت صنوف المال من كلّ وجهة ... فما نلته إلا بكفّ كريم وإني لأرجو أن أموت وتنقضي ... حياتي وما عندي يد للئيم «797» - قال كسرى: اجتماع المال عند الأسخياء أحد الخصبين، واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين. «798» - ابن الرومي: [من المتقارب] يقتّر عيسى على نفسه ... وليس بباق ولا خالد فلو يستطيع لتقتيره ... تنفّس من منخر واحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 «799» - دخل عبد الرحمن بن أبي عمار، وهو يومئذ فقيه أهل الحجاز، على نخاس يعترض جواري له، فعلق واحدة منهن فاستهتر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه فكان جوابه: [من البسيط] يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا فانتهى خبره إلى عبد الله بن جعفر، فلم يكن له همة غيره، فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألف درهم، وأمر قيّمة جواريه أن تطيّبها وتحلّيها ففعلت، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه، فقال: مالي لا أرى ابن أبي عمار؟ فأتاه، فلما أراد أن ينهض استجلسه فقعد، فقال له عبد الله بن جعفر: ما فعل حبّ فلانة؟ قال: في اللحم والمخ والدم والعصب والعظام، قال: تعرفها إن رأيتها؟ قال: أو أعرف غيرها؟ قال: فإنا قد ضممناها إلينا، فو الله ما نظرت إليها، فأمر بها فأخرجت في الحلي والحلل، قال: أهي هذه؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي، قال: فخذ بيدها فقد جعلتها لك، أرضيت؟ قال: أي والله بأبي أنت وأمي وفوق الرضا، فقال له ابن جعفر: لكني والله لا أرضى أن أعطيكها هكذا، يا غلام احمل معه مائة ألف درهم كيلا يهتمّ بها وتهتمّ به، قال: فراح بها وبالمال. «800» - قال مروان بن أبي حفصة: دخلت على الوليد بن يزيد وأنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 غلام شاب ولي جمّة فينانة، وبيد الوليد قضيب، فجعل يشير به إلى جمتي ويقول: إنك لفينان الشعر يا ابن أبي حفصة فمن ولد سكّر أنت؟ قلت: لا، ثم أنشد الوليد شعرا له: [من الطويل] ألا أبلغوا أهل الحجاز رسالة [1] ... بأنّ سماء الضرّ عنكم ستقلع ستوشك أموال معا وزوائد ... وأعطية تأتيكم تتسرّع [2] قال مروان: فقلت معارضا للوليد: [من الطويل] أتت منك قطّان الحجاز رسالة ... فأنت بها واف وقولك مقنع وعدت بها أن تكشف الضر عنهم ... وأبلغها الركبان عنك فاسرعوا في شعر لمروان طويل؛ ثم أنشدته شعرا مضى فيه فقلت: [من البسيط] ... فقلت لهم ... ذو اللبّ يعلم أنّى تؤكل الكتف قال: ومعن بن زائدة واقف على رأس الوليد، قال: ثم انصرفت، فقبل أن أخرج من الدار أحسست بإنسان يضرب بين كتفيّ، فالتفتّ فإذا هو معن، فقال لي: يا ذا الكتف إن سمعت بي يوما من دهر قد وقعت في شيء فأتني، قال: ثم خرجت فنسيت قول معن وضرب الدهر من ضربه، ثم حججت في خلافة المنصور، فبينا أنا أطوف في البيت إذا رجل يضرب بين كتفيّ ويقول: يا ذا الكتف، فالتفتّ إليه فلم أعرفه فقال: أنا معن بن   [1] هذا الشطر روي بعدة روايات في المصادر مثل: ضمنت لكم إن لم تصابوا بمهجتي. [2] روايته في الديوان: سيوشك إلحاق بكم وزيادة ... وأعطية تأتي تباعا فتشفع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 زائدة، وقد وليت اليمن فالحق بي، فصرت إلى منزله فقلت: أعزّ الله الأمير، إنّ لي أبا شيخا كبيرا وأما عجوزا ولم أقدّر لقاءك في هذا الوجه فأخبرهما به فيسكنا إليه، فأذن لي في الرجوع إليهما واللحوق بك بعد ذلك، فأجابني إلى ما سألت، ونهضت من بين يديه، فلما كنت في بعض الدار تبعني غلام بكيس لا أعلمه إلا قال: خمسمائة دينار وبرد وشي فقال: يقول لك الأمير استعن بهذا على سفرك إلى أهلك ومن أهلك إلينا، فأخذتها ومضيت إلى منزلي، ثم خرجت إليه على طريق نجران فوافيته بصنعاء، فلما دخلت عليه أنشدته قصيدتي التي أقول فيها: [من الكامل] معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفا على شرف بنو شيبان وكان على فراش فنزل عنه، وأمر لي بمال فأعطانيه، ثم أنشدته قصيدتي التي أقول فيها: [من الكامل] مسحت ربيعة وجه معن سابقا ... لما جرى وجرى ذوو الأحساب خلّى الطريق له الجياد قواصرا ... من دون غايته وهنّ كوابي وسمت به غرّ سوابق زانها ... كرم النّجار وصحّة الأنساب فقام من مجلسه إليّ وقبّل رأسي وأمر لي بمال فأعطانيه، فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها: [من الطويل] بنو مطر يوم اللقاء كأنهم ... أسود لها في غيل خفّان أشبل هم يمنعون الجار حتى كأنما ... لجارهم بين السماكين منزل لهاميم في الإسلام سادوا ولم يكن ... كأوّلهم في الجاهلية أوّل هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا ... أجابوا وان أعطوا أطابوا وأجزلوا وما يستطيع الفاعلون فعالهم ... وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا ثلاث بأمثال الجبال حباهم ... وأحلامهم منها لدى الوزن أثقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 فأمر لي بمال أعطانيه، فقلت له: أغنيتني أغناك الله، فقال: لعن الله من يقدّر أنه قد كافأك يا ابن أبي حفصة. «801» - وولي معن أذربيجان، فقصده قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا، فدخل الحاجب فقال: أعزّ الله الأمير، إنّ بالباب وفدا من أهل العراق، قال: من أيّ العراقين؟ قال: من أهل الكوفة، فأذن لهم، فلما نظر إليهم وثب عن أريكته وأنشأ يقول (الشعر لعباد بن عباد المهلبي) [1] : [من الطويل] إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم ... مرمّتها فالدهر بالناس قلّب فأحسن ثوبيك الذي هو لابس ... وأحسن مهريك الذي هو يركب فبادر بمعروف إذا كنت قادرا ... حذار اقتدار أو غنى منك يعقب فوثب إليه رجل من القوم فقال: أصلح الله الأمير، أنا أنشدك ما هو أحسن من هذا لابن عمك ابن هرمة، فقال: هات، فقال: [من الطويل] وللنفس حاجات [2] تحلّ بها العرى ... وتسخو عن المال النفوس الشحائح إذا المرء لم ينفعك حيا فنفعه ... أقلّ إذا ضمّت [3] عليه الصفائح لأية حال يمنع المرء ماله [4] ... غدا فغدا والموت غاد ورائح   [1] الشعر ... المهلبي: سقط من ر: م: لعبادة بن عباد. [2] الجليس: تارات. [3] الديوان: رصت. [4] الديوان: لأي زمان يخبأ المرء نفعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 قال: أحسنت والله، وإن كان الشعر لغيرك، يا غلام أعطهم أربعة آلاف، أربعة آلاف ليستعينوا بها على أمورهم إلى أن يتهيأ لنا فيهم ما نريد، قال الغلام: يا سيدي أعطيهم دنانير أو دراهم؟ قال معن: لا تكون همتك أبعد من همتي صفّرها لهم، فأعطاهم دنانير. «802» - لم يغسل عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ثوبا قط، كلما استغسل ثوبه كساه، فكلما أراد أحد من أهله أو من غيرهم شيئا من ثيابه قال له: استغسل ثوبك، فيدفعه إليه. «803» - جاء رجل إلى أحمد بن أبي دواد فقال: أيها القاضي مالي إليك حاجة غير أني أحبّك لعموم معروفك، ثم أنشأ يقول: [من الكامل] مالي إلى ابن أبي دواد حاجة ... تدني إليه ولا له عندي يد إلا يد عمّت فكنت كواحد ... ممن يعين على الثناء ويحمد «804» - كانت العرب تسمي الكلب داعي الضمير، وهادي الضمير، وداعي الكرم، ومتمم النعم، ومشيد الذكر، لما يجلب من الأضياف بنباحه. والضمير: الضيف الغريب، من أضمرته البلاد إذا غيبته؛ وكانوا إذا اشتد البرد وهبّت الرياح ولم تثبت النيران فرقوا الكلاب حوالي الحيّ وجعلوا لها مظالّ، وربطوها إلى العمد لتستوحش فتنبح فتهدي الضلّال. «805» - المتنبيّ: [من الطويل] إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وللنفس أخلاق تدلّ على الفتى ... أكان سخاء ما أتى أم تساخيا 806- غزا تبع الأوس والخزرج فكان يقاتلهم نهارا ويخرجون إليه القرى ليلا. «807» - سأل الوليد بن عقبة مروان بن الحكم، وهو على المدينة، والمغيرة ابن شعبة، وهو على الكوفة، فلم يجد عندهم طائلا، فانحدر إلى عبد الله بن عامر، وهو على البصرة، فقضى عنه دينه مائة ألف، وأجازه بمائة ألف، فقال: [من الطويل] ألا جعل الله المغيرة وابنه ... ومروان نعلي بذلة لابن عامر لكي يقياه الحرّ والقرّ والأذى ... ولسع الأفاعي واحتدام الهواجر [1] «808» - قال يوسف بن محمد مولى آل عثمان: بعثني عبد الرحمن بن قطن المخزوميّ إلى حمزة بن عبد الله بن الزبير يستسلفه ألف دينار، فدخلت عليه، فأمر بنجيبة له مريء [2] ، فحلبت في عسّ وطرح فيه طبرزد فشرب وسقاني، ودعا بالألف فأعطانيه، فلم يلبث عبد الرحمن إلا يسيرا أن بعثني بالألف إليه، فدخلت عليه، فحلبت النجيبة وسقيت لبنها مع الطبرزد، وقسم الألف نصفين وقال: خذ خمسمائة وأعطه خمسمائة وقل له: إنا قوم لا نعود فيما خرج منّا.   [1] جاء في ع بعد هذا: تم الجزء الثالث من كتاب التذكرة يتلوه في الرابع إن شاء الله تعالى: قال يوسف بن محمد [مولى] آل عثمان؛ حسبنا الله ونعم الوكيل، بسم الله الرحمن الرحيم وبه أثق. وقد سقط هذا كله من ر م. [2] مريء: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 «809» - مرّ محمد بن واسع بأسود عند حائط يحفظه، وبين يديه كلب يأكل لقمة ويطعمه لقمة، فقال له: إنك تضرّ [1] بنفسك، فقال: يا شيخ عينه بحذاء عيني، أستحيي أن آكل ولا أطعمه، فاستحسن ذلك منه فاشتراه واشترى الحائط وأعتقه ووهب له الحائط، فقال: إن كان لي فهو في سبيل الله، فاستعظم ذلك منه فقال: يجود هو وأبخل أنا؟ لا كان هذا أبدا. «810» - وقف أعرابيّ على محمد بن معمر، وكان سخيا، فسأله فخلع خاتمه وأعطاه وقال له: لا تخدعنّ عن هذا الفصّ فانه قام علي بمائة دينار، فهشم الأعرابيّ الخاتم وقلع فصّه وقال: دونكه، فالفضّة تكفيني أياما فقال: هذا والله أجود مني. «811» - قدم نهيك بن مالك القشيريّ الملقب بمنهب الورق مكة بعير عليها طعام ومتاع فأنهبه، وقد أنهب ماله بعكاظ ثلاث مرات، فعاتبه خاله فقال: [من البسيط] يا خال ذرني ومالي ما فعلت به ... وخذ نصيبك منّي إنني مودي إن نهيكا أبى إلّا خلائقه ... حتى تبيد جبال الحرة السود فلن أطيعك إلا أن تخلّدني ... فانظر بكيدك هل تسطيع تخليدي الحمد لا يشترى إلّا له ثمن ... ولن أعيش بمال غير محمود «812» - لقي سليمان بن المغيرة شعبة فشكا إليه الحاجة، وكان راكب   [1] م: بصير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 حمار فقال: والله ما أملك من الدنيا إلا هذا الحمار، فنزل عنه ودفعه إليه. «813» - دخل طلحة بن عبد الله بن عوف سوق الظّهر يوما فوافق فيه الفرزدق، فقال: يا أبا فراس، اختر عشرا من الابل، ففعل، فقال: ضمّ إليها مثلها، فلم يزل يقول ذلك حتى بلغت مائة فقال: هي لك، فقال: [من الكامل] يا طلح أنت أخو الندى وعقيده ... إنّ الندى إن مات طلحة ماتا إن الندى ألقى إليك رحاله ... فبحيث بتّ من المنازل باتا «814» - وقدم الفرزدق المدينة فتلقاه من نعى إليه طلحة فقال: بفيك التراب والحجر، ودخل من رأس الثنيّة يولول ويقول: يا أهل المدينة أنتم أذلّ قوم في الأرض، غلبكم الموت على طلحة. «815» - وخرج طلحة ومع غلامه سبعة آلاف درهم، فقال له أعرابي: أعنّي على الدهر، فقال لغلامه: انثرها في حجر الأعرابي، فذهب يقلّها فعجز عنها فبكى، فقال: لعلك استقللتها، فقال: لا والله، ولكن تفكرت فيما تأكل الأرض من كرمك فبكيت. «816» - وفد أبو عطاء السنديّ على نصر بن سيار بخراسان مع رفيقين له، فأنزله وأحسن إليه وقال: ما عندك يا أبا عطاء؟ قال: وما عسى أن أقول وأنت أشعر العرب؟ غير أني قلت بيتين، قال: هاتهما، فقال: [من البسيط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 يا طالب الجود إما كنت طالبه ... فاطلب على نأيه نصر بن سيّار الواهب الخيل تعدو في أعنّتها ... مع القيان وفيها ألف دينار فأعطاه ألف دينار ووصائف ووصفاء، وحمله وكساه، فقسم ذلك بين رفيقيه ولم يأخذ منه شيئا، فبلغه ما فعل فقال: ماله قاتله الله من سنديّ فما أضخم قدره!! ثم أمر له بمثله. «817» - خرج الحسنان وعبد الله بن جعفر وأبو حبّة الأنصاريّ من مكة إلى المدينة، فأصابتهم السماء فلجأوا إلى خباء أعرابي، فأقاموا عنده ثلاثا حتى سكنت السماء، وذبح لهم، فلما ارتحلوا قال له عبد الله: إن قدمت المدينة فسل عنّا، فاحتاج الأعرابي بعد سنين، فقالت له امرأته: لو أتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان، فقال: قد أنسيت أسماءهم، قالت: سل عن ابن الطيار، فأتاه فقال: الق سيدنا الحسن، فلقيه فأمر له بمائة ناقة بفحولها ورعائها، ثم أتى الحسين فقال: كفانا أبو محمد مؤونة الابل، فأمر له بألف شاة، ثم أتى عبد الله بن جعفر فقال: كفاني أخواي الابل والشاء، فأمر له بمائة ألف درهم، ثم أتى أبا حبّة فقال: والله ما عندي مثل ما أعطوك، ولكن جئني بإبلك، فأوقرها له تمرا، فلم يزل اليسار في أعقاب الأعرابيّ. «818» - قال المأمون لمحمد بن عباد: بلغني أنّ فيك سرفا، قال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظن بالمعبود، فأمر له بمائة ألف درهم وقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 أنا مادتك، والله مادتي، فأنفق ولا تبخل. «819» - بخلاء العرب أربعة: الحطيئة وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن صفوان. «820» - أما الحطيئة فمرّ به ابن الحمامة وهو جالس بفناء بيته فقال: السلام عليكم، فقال: قلت ما لا ينكر، فقال: إني خرجت من أهلي بغير زاد، فقال: ما ضمنت لأهلك قراك، قال: فتأذن لي أن آتي ظلّ بيتك فأتفيأ به؟ فقال: دونك الجبل يفىء عليك، قال: أنا ابن الحمامة، قال: انصرف وكن ابن أيّ طائر شئت. «821» - وأتاه رجل وهو في غنم له فقال: يا صاحب الغنم، فرفع الحطيئة العصا وقال: إنها عجراء من سلم، فقال: إني ضيف، قال: لكعاب الضيفان أعددتها، فانصرف عنه. «822» - وأما حميد الأرقط فكان هجاء للضيفان فحّاشا عليهم، فنزل به ضيف ذات ليلة فقال لامرأته: نزل بك البلاء فقومي وأعدّي لنا شيئا، فجعل الضيف يأكل متنفّجا ويقول: ما فعل الحجاج بالناس؟ فلما فرغ قال حميد: [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 يحرّ على الأطناب من جذل بيتنا ... هجفّ [1] لمخزون التحية باذل يقول وقد ألقى المراسي للقرى [2] ... ابن لي ما الحجاج بالناس فاعل فقلت لعمري ما لهذا أتيتنا [3] ... فكل ودع الأخبار [4] ما أنت آكل تدبّل [5] كفّاه ويحدر حلقه ... إلى الصدر ما حازت عليه الأنامل أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل فما زال عنه اللّقم حتى كأنّه ... من العيّ لما أن تكلّم باقل «823» - ونزل به أضياف فأطعمهم تمرا وهجاهم وادّعى عليهم أنهم أكلوه بنواه فقال: [من البسيط] باتوا وجلّتنا الشهريز حولهم ... كأنّ أظفارهم فيها السكاكين فأصبحوا والنّوى ملقى معرّسهم ... وليس كلّ النوى ألقى المساكين «824» - وأما أبو الأسود فعمل دكانا عاليا يجلس عليه، فكان ربما أكل عليه فلا يناله المجتاز، فمر به أعرابيّ على جمل، فعرض عليه أن يأكل معه، وظنّ أنه لا يناله، فأناخ الاعرابيّ بعيره حتى وازى الدكان وأكل معه، فلم يجلس بعدها عليه. 825- وتصدق على سائل بتمرة، فقال له السائل: جعل الله نصيبك   [1] الهجف: الطويل الضخم. [2] البكري: مراسي مقعد. [3] البكري: طرقتنا. [4] البكري: التسآل. [5] يدبل: يعظم اللقمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 من الجنة مثلها. «826» - وكان يقول: لو أطعنا المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالا منهم. «827» - وأما خالد بن صفوان فكان إذا أخذ جائزته قال للدرهم: والله لطالما سرت في البلاد، أما والله لأطيلنّ ضجعتك ولأديمن صرعتك. «828» - وقيل لخالد: مالك لا تنفق فإن مالك عريض؟ قال: الدهر اعرض منه؛ قيل له: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله، قال: ولا أخاف أن اموت في أوله. «829» - وأحيحة بن الجلاح ممن كان يبخّل، وكان إذا هبّت الصّبا طلع من أطمه فنظر إلى ناحية هبوبها ثم يقول: هبّي هبوبك، فقد أعددت لك ثلاثمائة وستين صاعا من عجوة أدفع إلى الوليد منها خمس تمرات فيردّ علي ثلاثا لصلابتها بعد جهد، ما يلوك منها اثنتين. «830» - وتضرب العرب بمادر المثل [1] في اللؤم تقول: هو ألام من   [1] م: ويضرب المثل بمادر ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 مادر، يزعمون أنه بنى حوضا وسقى إبله، فلما أصدرها سلح في الحوض لئلا يسقي غيره فيه. «831» - وكان عمر بن يزيد الأسدي مبخّلا جدا، فأصابه القولنج، فحقنه الطبيب بدهن كثير، فانحلّ ما في بطنه في الطّست، فقال للغلام: ما تصنع به؟ قال: أصبّه، قال: لا ولكن ميّز الدهن منه واستصبح به. «832» وجاءه الحكم بن عبدل الأسدي ومعه جماعة من قومه يسألونه حاجة، فدخلوا إليه وهو يأكل تمرا، فلم يدعهم إليه، وذكروا حاجتهم فلم يقضها، فقال فيه ابن عبدل. [من البسيط] جئنا وبين يديه التمر في طبق ... فما دعانا أبو حفص ولا كادا علا على جسمه ثوبان من دنس ... لؤم وكفر ولولا أيره سادا قال ذلك لأن أباه وجده مع أمة له فكان يعيّر بذلك. «833» كان الحكم بن أيوب من ولد أبي عقيل الثقفي بخيلا، وكان عاملا على البصرة، فاستعمل رجلا من بني مازن يقال له جرير بن بيهس، ولقبه العطرّق، على العرق، [فخرج الحكم يتنزّه وهو باليمامة] فأتي بغدائه، فدعا العطرق فتغدّى معه، وجاءوا بدراجة فتناول العطرق فخذها فانتزعها، فعزله الحكم واستعمل مكانه نويرة بن شقيق أحد بني حارثة بن حرقوص، فقال نويرة: [من البسيط] قد كان بالعرق صيد لو قنعت به ... فيه غنى لك عن درّاجة الحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وفي عوارض ما تنفكّ آكلها ... لو كان يشفيك لحم الجزر من قرم وفي وطاب مملّاة متمّمة ... فيها الصريح الذي يشفي من السقم ثم استعمل الحكم مكانه رجلا من بني ضبة يقال له المحلق، فقال نويرة للحكم: [من الطويل] أبا يوسف لو كنت تعرف طاعتي ... ونصحي إذن ما بعتني بالمحلّق ولا اعتلّ سرّاق العراقة صالح ... عليّ ولا كلّفت ذنب العطرق صالح بن كدير المازني كان على استخراج الحجاج فدفع إليه رجلا ليستخرج منه مالا فدفنه حيا فلقّبه الحجاج «قفل الأمانة» . «834» - قال أنو شروان لأصحابه: أيّ شيء أضرّ على الإنسان؟ قالوا: الفقر، قال: الشحّ أضرّ منه، لأنّ الفقير إذا وجد اتسع، والشحيح لا يتّسع وإن وجد. «835» - وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: البخل جامع لمساوىء العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء. «836» - قيل لحبّى المدنية: ما السّقم الذي لا يبرأ والجرح الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة الكريم إلى اللئيم الذي [1] لا يجدي عليه.   [1] الذي: سقطت من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 «837» - قيل لجعفر بن محمد: إن أبا جعفر المنصور لا يلبس مذ صارت إليه الخلافة إلا الخشن، ولا يأكل إلا الجشب، فقال: ولم يا ويحه مع ما قد مكّن الله له من السلطان وجبى إليه من الأموال؟ فقيل له: إنما يفعل ذلك بخلا وجمعا للمال فقال: الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما ترك له دينه [1] . «838» - وكان المنصور شديد البخل، حدا به سلم الحادي في طريقه إلى الحجّ، فحدا يوما بقول الشاعر: [من الرجز] أغر بين حاجبيه نوره ... يزينه حياؤه وخيره ومسكه يشوبه كافوره ... إذا تغدّى رفعت ستوره فطرب المنصور حتى ضرب برجله المحمل ثم قال: يا ربيع، أعطه نصف درهم، فقال سلم: نصف درهم يا أمير المؤمنين؟ والله لقد حدوت بهشام فأمر لي بثلاثين ألف درهم، فقال المنصور: ما كان له أن يعطيك ثلاثين ألف درهم من بيت مال المسلمين، يا ربيع وكلّ به من يستخرج منه هذا المال، فقال الربيع: فما زلت أسفر بينهما حتى شرط عليه أن يحدو به في خروجه وقفوله بغير مؤونة. «839» - كان الحارثي يقول: الوحدة خير من جليس السوء، وأكيل السوء شر من جليس السوء، لأن كلّ أكيل جليس وليس كلّ جليس أكيلا.   [1] سقطت الفقرات 837- 843 من النسخة ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 «840» - وكان لسوار القاضي كاتبان، رزق أحدهما أربعون درهما والآخر عشرون درهما، فكتب إلى المنصور يسأله أن يلحق صاحب العشرين بالأربعين فأجابه بأن يحطّ من الأربعين عشرة ويزيدها صاحب العشرين حتى يعتدلا. «841» - وكان عبد الملك بن مروان بخيلا فقال يوما لكثّير: أيّ الشعر أفضل؟ قال: أفضله قول المقنّع: [من البسيط] إنّي أحرّض أهل البخل كلّهم ... لو كان ينفع أهل البخل تحريضي يعرّض ببخله، فقال عبد الملك وعرف ما أراد: الله أصدق من المقنّع حيث يقول: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (الفرقان: 67) . «842» - قال العبّاس بن المأمون لغلامه: إني رأيت [في] الرصافة نقلا حسنا، فاشتر لي منه بنصف درهم [فقال المأمون: أما وقد عرفت للدرهم] نصفا فو الله لا أفلحت أبدا. «843» .- (1) قال أبو الشمقمق: [من الوافر] طعامك في السحاب إذا التقينا ... وخبزك عند منقطع التراب وما روّحتنا لتذبّ عنّا ... ولكن خفت مرزئة الذباب (2) وقال أيضا في سعيد بن سلم: [من الكامل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 هيهات تضرب في حديد بارد ... إن كنت تطمع في نوال سعيد تالله لو ملك البحور بأسرها ... وأتاه سلم في زمان مدود يبغيه منها شربة لطهوره ... لأبي وقال تيممن بصعيد «844» - وقال آخر: [من الوافر] فتى لرغيفه شنف وقرط ... ومرسلتان من خرز وشذر ودون رغيفه لمس الثريا ... ويوم مثل وقعة يوم بدر وإن ذكر [1] الرغيف بكى عليه ... بكا الخنساء إذ فجعت بصخر «845» - آخر: [من البسيط] وأبغض الضيف ما بي جلّ مأكله ... لكن تنفّجه حولي إذا قعدا ما زال ينفض جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعلّ الضيف قد ولدا «846» - آخر: [من الطويل] وإنا لنجفو الضيف من غير عسرة ... مخافة أن يضرى بنا فيعود 847- آخر: [من الطويل] إذا المرء أثرى ثم قال لقومه ... أنا السيّد المفضى إليه المعمّم   [1] ر: إذا كسر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 ولم يعطهم شيئا أبوا أن يسودهم ... وهان عليهم رغمه وهو ألوم «848» - آخر: [من الطويل] إذا كنت جماعا لمالك ممسكا ... فأنت عليه خازن وأمين تؤديه مذموما إلى غير حامد ... فيأكله عفوا وأنت دفين «849» - وقال الرضي الموسوي: [من البسيط] واجعل يديك مجاز المال تحظ به ... إنّ الأشحّاء للورّاث خزّان 85» - روي أنه افتقر رجل من الصيارفة بإلحاج الناس في أخذ أموالهم التي كانت عليه، وتعذّر أمواله التي له عند الناس، فسأل جماعة من الجيران أن يصيروا معه إلى رجل من قريش كان موسرا من أولاد أجوادهم ليسدّ من خلته، فصاروا إليه فجلسوا في الصحن، فخرج إليهم يخطر بقضيب في يده، حتى ثنى وساده فجلس عليها، فذكروا حاجتهم وخلّة صاحبهم مع قديم نعمته وقرب جواره، فخطر بالقضيب ثم قال متمثلا: [من الطويل] إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة تقوى أو صديق توامقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 بخلت وبعض البخل حزم وقوة ... ولم يفتلذك المال إلا حقائقه ثم أقبل على القوم وقال: إنّا والله ما نجمد عن الحقّ ولا نتدفّق في الباطل، وان لنا لحقوقا تشغل فضول أموالنا، وما كلّ من أفلس من الصيارفة احتلنا لجبره، قوموا يرحمكم الله، قال: فابتدر القوم الأبواب. قوله: يفتلذك يقول: يقطع منك، يقال: فلذ له أي قطع له. «851» - قال الجاحظ: يقول المروزي لزائره إذا أطال عنده: تغديت اليوم؟ فان قال: نعم، قال: لولا أنك تغديت لغديتك بطعام طيّب، فإن قال: لا قال: لو كنت تغديت لسقيتك خمسة أقداح، فلا يكون في يده على هذين الوجهين قليل ولا كثير. «852» - كان أبو العتاهية ومروان بن أبي حفصة بخيلين يضرب بهما المثل، ويحسن فيهما قول أحمد بن أبي فنن: [من الطويل] وإن أحقّ الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل وكان سلم الخاسر سمحا، فكان يأتي باب المهديّ وعليه الثياب الجميلة، ورائحة الطيب تفوح منه، وتحته برذون فاره، وكان مروان يأتي وعليه فرو كبل منتن الرائحة، وكان لا يأكل اللحم حتى يقرم إليه، فإذا همّ بأكله اشترى رأسا، فقيل له في ذلك فقال: أعرف سعره فآمن خيانة الغلام فيه، وآكل منه ألوانا، آكل من غلصمته لونا، ومن عينيه لونا، ومن دماغه لونا. «853» - وقال مروان: ما فرحت بشيء قطّ فرحي بمائة ألف درهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وهبها إليّ المهدي فوزنتها فزادت درهما فاشتريت به لحما. «854» - واشترى لحما بدرهم فلما وضعه في القدر وكاد أن ينضج دعاه صديق له، فردّه على القصّاب بنقصان دانق، فشكّه القصّاب وجعل ينادي: هذا لحم مروان، وظنّ أنه يأنف لذلك، فبلغ الرشيد فقال: ويلك ما هذا؟ قال: أكره الإسراف. «855» - ولما قال أبو العتاهية: [من الوافر] تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال هب الدنيا تصير إليك عفوا ... أليس مصير ذاك إلى زوال قال سلم: ويلي على الجرّار ابن الفاعلة قد كنز الكنوز لا ينفق منها وينسبني إلى الحرص، ولا أملك غير ثوبيّ هذين؟! «856» - واجتاز مروان بامرأة من العرب فأضافته، فقال لها: عليّ إن وهب لي أمير المؤمنين مائة ألف درهم أن أهب لك درهما فأعطاه سبعين ألفا فأعطاها أربعة دوانيق. «857» - قال ثمامة بن أشرس: أنشدني أبو العتاهية: [من الطويل] إذا المرء لم يعتق من المال نفسه ... تملّكه المال الذي هو مالكه إلا إنما مالي الذي أنا منفق ... وليس لي المال الذي أنا تاركه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 إذا كنت ذا مال فبادر به الذي ... يحقّ وإلا استهلكته مهالكه فقلت له: من أين قضيت بهذا؟ فقال: من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت؛ فقلت له: هذا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم، قلت: فلم تحبس عندك سبعا وعشرين بدرة في دارك لا تأكل منها ولا تشرب ولا تزكّي ولا تقدّمها ذخرا ليوم فقرك وفاقتك؟ فقال: يا أبا معن، والله إنّ ما قلت لهو الحقّ ولكنّي أخاف الفقر والحاجة إلى الناس، قلت: وبماذا يزيد حال من افتقر على حالك، وأنت دائم الحرص، دائم الجمع، شحيح على نفسك، لا تشتري اللحم إلا من عيد إلى عيد؟ فترك جوابي كلّه ثم قال لي: والله لقد اشتريت في يوم عاشوراء لحما وتوابله وما يتبعه بخمسة دراهم، فأضحكني حتى أذهلني عن جوابه ومعاتبته، فأمسكت عنه، وعلمت أنه ممن لم يشرح الله صدره للإسلام. «858» - وقال له بعض إخوانه: أتزكّي مالك؟ فقال: والله ما أنفق على عيالي إلا من زكاة مالي، فقال: سبحان الله، إنما ينبغي أن تخرج زكاة مالك إلى الفقراء والمساكين، فقال لي: لو انقطعت عن عيالي زكاة مالي لم يكن في الأرض أفقر منهم. 859- وقيل له: مالك تبخل بما رزقك الله تعالى؟ فقال: والله ما بخلت بما رزقني الله قطّ، قيل له، وكيف ذلك، وفي بيتك من المال ما لا يحصى؟ قال: ليس ذلك رزقي، ولو كان رزقي أنفقته. «860» - حدّث ذارع من أهل البصرة قال: دعاني خالد بن صفوان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 فقسمت له مالا وأقمت حسابه، فلما كان عند الظهر دعا بالغداء فجاءوه بدجاجة، وجاءوني بزيتون وبصل، فقال لي: تشتهي أن تأكل من هذه الدجاجة؟ قلت: وما عليك لو أكلت منها؟ قال: إذن كنت أنا وأنت في مالي سواء، فما ينفعني مالي. 861- وقد قال بخيل آخر في مثل ذلك: إذا أكلت كما آكل فأين فضل المالك؟ «862» - عمل سهل بن هارون كتابا مدح فيه البخل وأهداه إلى الحسن ابن سهل، فوقّع على ظهره: قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه. «863» - قال أبو نواس [1] ، قلت لبخيل: لم تأكل وحدك؟ فقال: ليس في هذا سؤال، إنّما السؤال على من أكل مع الجماعة لأنّ ذاك تكلّف وهذا هو الأصل. «864» - قال الكندي: من ذلّ البذل أنك [2] تقول نعم مطأطئا رأسك، ومن عزّ المنع أنك [3] تقول: لا، رافعا رأسك. «865» - دخل هشام بن عبد الملك حائطا له وفيه أشجار فاكهة، ومعه   [1] م: أنوشروان. [2] م: أن. [3] م: أن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 أصحابه، فجعلوا يأكلون منه ويدعون بالبركات، فقال هشام: كيف يبارك فيه وأنتم تأكلون؟ ثم قال: يا غلام، اقلع هذا واغرس مكانه الزيتون. «866» - قال صعصعة: أكلت عند معاوية لقمة فقام بها خطيبا قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنت آكل معه فهيأ لقمة ليأكلها وأغفلها فأخذتها، فسمعته بعد ذلك يقول في خطبته: أيها الناس، أجملوا في الطلب فربّ رافع لقمة إلى فيه تناولها غيره. «867» - أصاب أعرابيّ درهما في كناسة الكوفة [1] فقال: أبشر أيها الدرهم وقرّ قرارك، فطالما خيض فيك الغمار، وقطعت فيك الأسفار، وتعرّض فيك للنار. «868» - وكان بعض البخلاء إذا صار الدرهم في يده خاطبه وناجاه وفدّاه واستبطأه وقال: بأبي أنت وأمي، كم من أرض قطعت، وكيس خرمت، وكم من خامل رفعت، ومن رفيع [2] أخملت، لك عندي ألا تعرى ولا تضحى، ثم يلقيه في كيسه ويقول: اسكن على اسم الله في مكان لا تزول عنه ولا تزعج منه. «869» - وقال محمد بن أبي المعافى [3] : كان أبي متنحّيا [4] عن المدينة.   [1] م: في الكوفة. [2] م: وكم من رفيع. [3] : ابن المعافى. [4] م: متناحيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 وكانت إلى جنبه مزرعة فيها قثّاء، وكنت صبيّا قد ترعرعت، فجاءني صبيان من جيراننا أقران لي، وكلمت أبي ليهب لي درهما أشتري به قثاء، فقال لي: أتعرف حال الدرهم؟ كان في حجر في جبل فضرب بالمعاول حتى استخرج ثم طحن ثم أدخل القدور وصبّ عليه الماء وجمع بالزئبق ثم أدخل النار فسبك ثم أخرج فضرب، وكتب في أحد شقيه لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وفي الآخر محمد رسول الله، ثم صيّر إلى أمير المؤمنين فأمر بادخاله بيت ماله، ووكّل به عوج القلانس صهب السبال ثم وهب [1] لجارية حسناء جميلة، وأنت والله أقبح من قرد، أو رزقه رجلا شجاعا وأنت والله أجبن من صفرد، فهل ينبغي لك أن تمسّ الدرهم إلا بثوب؟! «870» - أهل مرو موصوفون بالبخل، ومن عادتهم إذا ترافقوا في سفر أن يشتري كل واحد منهم قطعة لحم ويشدّها في خيط، ويجمعون اللحم كلّه في قدر، ويمسك كلّ واحد منهم طرف خيطه، فإذا نضجت القدر جرّ كلّ واحد خيطه وتفرّد بأكل ما فيه، وتساعدوا على المرقة. «871» - وحكي عنهم أنهم تخارجوا ثمن [2] بزر للسراج [3] ، وانفرد أحدهم فلم يوافقهم، فشدوا عينه لئلا يرى ضوء السراج. 872- ومن طريف [4] أمورهم أنهم يستعملون الخادم في ستة أعمال في وقت واحد: تحمل الصبيّ وتشدّ البربند في صدرها [5] فتدور وتطحن، وفي   [1] م: وهبه. [2] ثمن: سقطت من ر. [3] م: بزر السراج. [4] م: ظرائف. [5] م: وسطها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 ظهرها سقاء تمخضه باختلافها وحركتها، وتدوس طعاما قد ألقي تحت رجليها، وتلقي الحنطة في الرحى، وتطرد العصافير عن طعام قد وكلت به. «873» - قال العتبيّ: لو بذلت الجنة للأصمعي بدرهم لا ستنقص شيئا. «874» - وسأله متكفّف فقال: لا أرضى لك ما يحضرني، فقال السائل: أنا أرضى به، فقال الأصمعي: بورك فيك. «875» - أكل أعرابيّ مع أبي الأسود رطبا فأكثر، ومدّ أبو الأسود يده إلى رطبة ليأخذها، فسبقه الأعرابيّ إليها وأخذها، فسقطت في التراب فأخذها وجعل يمسحها ويقول: لا أدعها للشيطان، فقال أبو الأسود: ولا لجبريل وميكائيل لو نزلا. «876» - وسأله رجل شيئا فمنعه فقال له: يا أبا الأسود، ما أصبحت حاتميا، فقال: بل أصبحت حاتميا، أما سمعت حاتما يقول: [من الطويل] أماويّ إمّا مانع فمبيّن ... وإما عطاء لا ينهنهه الزّجر «877» - ودخل أبو الأسود السوق [يشتري ثوبا] فقال له رجل: ادن أقاربك [في هذا الثوب] قال له: إن لم تقاربني أنت باعدتك أنا [بكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 [هو] ، قال: طلب بكذا قال أبو الأسود: أراك تحدّث بخير قد فاتك. «878» - سمع أبو الأسود رجلا يقول: من يعشيّ الجائع؟ فعشّاه ثم ذهب السائل ليخرج، فقال: هيهات، عليّ أن لا تؤذي المسلمين الليلة، فوضع رجله في الأدهم وقال: لا تروّع مسلما سائر الليلة. «879» - ووقف على بابه سائل وهو يأكل فقال: السلام عليكم، قال: كلمة مقولة، قال: أدخل؟ قال: وراءك أوسع لك، قال: إنّ الرمضاء قد أحرقت رجليّ، قال: بل عليهما؛ وأغلق دونه الباب [1] . «880» - وقف أعرابيّ على أبي الأسود وهو يتغدى فسلّم فردّ عليه، ثم أقبل على الأكل ولم يعرض عليه، فقال له الأعرابي: أما إني قد مررت بأهلك، قال: كان ذلك طريقك، قال: هم صالحون، قال: كذلك هم، قال: وأمرأتك حبلى، قال: كذلك كان عهدي بها، قال: وولدت، قال: ما كان بدّ لها أن تلد، قال: ولدت غلامين، قال: كذاك كانت أمها، قال: مات أحدهما قال: ما كانت تقوى على رضاع اثنين، قال: ثم مات الآخر، قال: ما كان ليبقى بعد أخيه، قال: وماتت الأمّ، قال: حزنا على ولدها، قال: ما أطيب طعامك!! قال: ذاك حداني على أكله، قال: أفّ لك ما ألأمك، قال: من شاء سبّ صاحبه.   [1] م: الباب دونه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 «881» - كان الثوري يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرطب وتعوّدوا ابتلاعه فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفىء الكليتين، واعتبروا ذلك ببطون الصفايا وجميع ما يعتلف النوى، والله لو حملتم أنفسكم على قضم الشعير واعتلاف القتّ لوجدتموها سريعة القبول فقد يأكل الناس القتّ قداحا والشعير فريكا ونوى البسر الأخضر والعجوة، وأنا أقدر أن أبيع النوى وأعلفه الشاء، ولكن أقول هذا بالنظر لكم. «882» - وكان يقول لهم: كلوا الباقلاء بقشوره فإن الباقلاء يقول: من أكلني ولم يأكل قشوري فأنا آكله، فما حاجتكم إلى أن تصيروا طعاما لطعامكم وأكلا لما جعل أكلا لكم. «883» - قال الجاحظ: كنا نسمع باللئيم الراضع، وهو الذي يرضع الخلف لئلا يسمع صوت الحلب أو يضيّع من الشخب شيئا، ثم رأيت أبا سعيد المدائني قد صنع أعظم من ذلك، اصطبغ من دنّ خلّ حتى فني وهو قائم ولم يخرج منه شيئا. «884» - كان الكندي [1] لا يزال يقول للساكن من سكانه والمجاور له: إنّ في داري امرأة بها حمل، والوحمى ربما أسقطت من ريح القدر الطيبة فإذا طبختم فردّوا شهوتها بغرفة أو قطعة فإن النفس يردّها اليسير، وإن لم تفعل ذلك فأسقطت فعليك غرة: عبد أو أمة.   [1] ع م: المنذر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 «885» - دعبل [1] : [الكامل المجزوء] استبق ودّ أبي المقا ... تل حين تأكل من طعامه سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه وتراه من خوف النزي ... ل به يروّع في منامه «886» - ذكر أعرابيّ قوما فقال: ألقوا من الصلاة الأذان، لئلا تسمعه الآذان [2] ، فتدلّ عليهم الضيفان. «887» - قال الأصمعي: سمعت بيتين لم أحفل بهما، ثم قلت هما على حال خير من وضعهما من الكتاب، فإني عند الرشيد يوما وعنده عيسى بن جعفر، فأقبل على مسرور الكبير [3] فقال: يا مسرور [4] كم في بيت مال السرور؟ فقال: ما فيه شيء، قال عيسى: هذا بيت مال الحزن، فاغتمّ لذلك الرشيد وأقبل على عيسى وقال: والله لتعطين الأصمعيّ سلفا على بيت مال السرور ألف دينار، فوجم عيسى وانكسر، فقلت في نفسي: جاء موقع البيتين، وأنشدت الرشيد: [من الطويل] إذا شئت أن تلقى أخاك معبسا ... وجدّاه في الماضين كعب وحاتم فكشّفه عما في يديه فإنما ... تكشّف أخبار الرجال الدراهم قال: فتجلّى عن الرشيد وقال: يا مسرور، أعطه على بيت مال السرور   [1] م: وأنشد دعبل. [2] م: الأذن. [3] الكبير: زيادة من ر. [4] يا مسرور: سقطت من ع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 ألفي دينار فأخذت بالبيتين ألفي دينار وما كانا يساويان عندي در همين. «888» - كان المغيرة بن شعبة من المدمنين للشراب، فقال لصاحب له يوم خيبر [1] قد قرمت إلى الشراب، ومعي درهمان زائفان، فأعطني زكرتين، فأعطاه فصب في إحداهما ماء وأتى بعض الخمارين فقال: كل بدرهمين، فكال في زكرته فأعطاه الدرهمين فردّهما، وقال هما زائفان، فقال: ارتجع ما اعطيتني فكاله وأخذه، وبقيت بقية في الزكرة بقدر الماء فصبّها في الفارغة، ثم فعل ذلك بكل خمار أتاه حتى ملأ زكرته، ورجع ومعه درهمان. «889» - كان إبراهيم بن علي بن هرمة- جدّه هرمة [2]- دعيّا في الخلج، والخلج أدعياء في قريش، فكان يقول: أنا ألأم العرب، دعيّ أدعياء؛ وأراد الحارث بن فهر نفيه فقال: [من الطويل] أحار بن فهر كيف تطّرحونني ... وجاني العدى من غيركم يبتغي نصري فصار من ولد فهر في ساعته. «890» - قال [عبد الله بن أبي] عبيدة [3] بن محمد بن عمار بن ياسر: زرت عبد الله بن حسن [4] بباديته وزاره ابن هرمة، فجاءه رجل من أسلم، فقال ابن هرمة لعبد الله بن حسن: أصلحك الله، سل الأسلميّ أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره، فقال له عبد الله: إيذن له، فأذن له الأسلميّ،   [1] م: لصاحب له خبير (وقوله: يوم خبير محير حقا) . [2] جده هرمة: زيادة من ر. [3] ر ع م: قال أبو عبيدة. [4] بن حسن بن حسين؛ م: بن حسن بن حسن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 فقال له ابن هرمة: إني خرجت أصلحك الله أبغي ذودا فأوحشت وضفت هذا الأسلميّ، فذبح لي شاة وخبز لي خبزا وأكرمني، ثم غدوت من عنده فأقمت ما شاء الله، ثم خرجت أيضا في بغاء ذود لي فأوحشت، فقلت: لو ضفت هذا الأسلمي، فملت إليه فجاءني بلبن وتمر، ثم خرجت بعد ذلك فقلت لو ضفت الأسلمي فاللبن والتمر خير من الطوى، فضفته فجاءني بلبن حامض، فقال: قد أجبته أصلحك الله إلى ما سأل، فسله أن يأذن لي أن أخبرك لم فعلت ذلك. فقال: إيذن له، فأذن له، فقال الأسلميّ: ضافني فسألت من هو، فقال: رجل من قريش، فذبحت له الشاة التي ذكر، والله لو كان لي غيرها لذبحت له حين ذكر أنه من قريش، ثم غدا من عندي وغدا الحيّ فقالوا: من كان ضيفك البارحة؟ فقلت: رجل من قريش، فقالوا: ليس من قريش ولكنه دعيّ فيها، ثم ضافني الثانية على أنه دعيّ في قريش فجئته بلبن وتمر، وقلت: دعيّ من قريش خير من غيره، ثم غدا من عندي وغدا الحيّ فقالوا: من كان ضيفك البارحة؟ فقلت ذلك الرجل الذي زعمتم أنه دعيّ من قريش، فقالوا: لا والله ما هو دعيّ قريش، ولكنه دعيّ أدعياء قريش، فقريته الثالثة لبنا حامضا، وو الله لو كان عندي شرّ منه لقريته إياه. قال: فانخزل ابن هرمة، وضحك عبد الله وضحكنا معه. 891- وقيل: كان سليم [1] بن سلام من أبخل الناس، قال أبو الحواجب [2] الأنصاري: قال لي سليم يوما: امض إلى موسى بن إسحاق الأزرق فادعه، ووافياني مع الظهر، فجئناه فأخرج إلينا ثلاثين جارية محسنة ونبيذا ولم يطعمنا شيئا، فغمز موسى غلامه فذهب فاشترى لنا خبزا وبيضا وأدخله إلى الكنيف وجلسنا نأكل، فلما رآنا سليم غضب وخاصمنا وقال: أهكذا يفعل الناس؟ تأكلون ولا تطعموني؟ وجلس معنا يأكل أكل واحد منّا   [1] م: سلم (في هذا الموضع) . [2] م: أبو الحاجب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 حتى فني الخبز والبيض. «892» - وقد أشار جماعة من شعراء العرب إلى الحثّ على البخل بطريق الارشاد والتبصير (1) فمن ذلك قول المتلمس الضّبعيّ: [من الوافر] لحفظ المال خير من بغاه ... وسير في البلاد بغير زاد وإصلاح القليل يزيد فيه ... ولا يبقى الكثير مع الفساد (2) وقول الشماخ: [من الوافر] لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعفّ من القنوع (3) وقول أبي قيس بن الأسلت: [من الوافر] بنيّ متى هلكت وأنت حيّ ... فلا ترحم فواضلك العديما ومالك فاصطنعه وأصلحنه ... تجد فيه الفواضل والنعيما (4) وقول أحيحة بن الجلاح وكان شديد البخل: [من البسيط] ولن أزال على الزوراء أعمرها ... إنّ الكريم على الإخوان ذو المال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 «892» .- (5) وقول عدي بن زيد: [من البسيط] البس جديدك إني لابس خلقي ... ولا جديد لمن لم يلبس الخلقا «893» - قال العتبيّ: قدم معن بن أوس مكة على ابن الزبير فأنزله دار الضيفان، وكان ينزلها الغرباء وابن السبيل والضيفان، فأقام يومه لم يطعم شيئا، حتى إذا كان الليل جاءهم ابن الزبير بتيس هرم هزيل فقال: كلوا من هذا، وهم نيّف وسبعون رجلا، فغضب معن وخرج من عنده، فأتى عبيد الله بن العبّاس فقراه وحمله وكساه، ثم أتى عبد الله بن جعفر وحدّثه حديثه فأعطاه حتى أرضاه، وأقام عنده ثلاثا ثم رحل، وقال يهجو ابن الزبير ويمدح ابن جعفر وابن العبّاس: [من الطويل] ظللنا بمستنّ الرياح غديّة ... إلى أن تعالى اليوم في شر محضر لدى ابن الزبير خاسئين [1] بمنزل ... من الخير والمعروف والرفد مقفر رمانا أبو بكر وقد طال يومنا ... بتيس من الشاء الحجازيّ أعفر وقال اطعموا منه ونحن ثلاثة ... وسبعون إنسانا فيا لؤم مخبر فقلت له لا تقرين [2] فأمامنا ... جفان ابن عباس العلا وابن جعفر وكن آمنا وانعق بتيسك إنه ... له أعنز ينزو عليها وأبشر «894» - وكان عبد الله بن الزبير شديد البخل، وخبره مع عبد الله بن   [1] م والأغاني: جالسين. [2] الأغاني: لا تقرنا؛ م: تقربن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 فضالة، وقيل مع أبيه فضالة، مشهور حين أتاه مسترفدا وشكا إليه جهد سيره ونقب راحلته، فقال: أرقعها بسبت واخصفها بهلب وسر بها [1] البردين تصحّ، فقال: إني أتيتك مستحملا ولم آتك مستوصفا، فلعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنّ وراكبها، فقال عبد الله بن فضالة أبياتا منها: [من الوافر] شكوت إليه أن نقبت قلوصي ... فردّ جواب مشدود الصّفاد يضنّ بناقة ويروم ملكا ... محال ذاكم غير السّداد 895- ولما حوصر ابن الزبير كانت عنده البيوت مملوءة قمحا وذرة، وأصحابه يموتون جوعا، فقيل له فرقها فيهم، فلم يفعل، واحتجّ بأنّ قلوبهم قوية ما لم يفن. «896» - كانت بين بني الديل وبني الليث منازعة، فقتلت بنو الديل منهم رجلا ثم اصطلحوا بعد ذلك على أن يؤدوا ديته، فاجتمعوا إلى أبي الأسود يسألونه المعونة على أدائها، وألحّ عليه منهم غلام ذو بيان وعارضة يقول: يا أبا الأسود، أنت شيخ العشيرة وسيدهم، وما يمنعك من معاونتهم [2] قلة ذات يد ولا سؤدد ولا جود، فلما أكثر أقبل عليه أبو الأسود ثم قال له: قد أكثرت يا ابن أخي، فاستمع مني: إنّ الرجل والله لا يعطي ماله إلّا لإحدى خلال: إما رجل أعطى ماله رجاء مكافأة [3] ممن يعطيه، أو رجل خاف على نفسه فوقاها بماله، أو رجل أراد وجه الله وما عنده في الآخرة، أو رجل   [1] م: وسيرها. [2] ر: معانتهم. [3] ر: وجاء بمكافأة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 أحمق خدع عن ماله، والله ما أنتم أحد هذه الطبقات، ولا جئتم في شيء من هذا، ولا عمك الرجل العاجز فينخدع لها، ولما أفدتك إياه في عقلك خير لك من مال أبي الأسود لو وصل إلى بني الديل. قوموا إذا شئتم، فقاموا يتبادرون الباب. «897» - كان الفضل بن العبّاس اللهبيّ بخيلا، وكان ثقيل البدن، فكان كلما أراد يمضي [1] في حاجة استعار مركوبا، وطال ذلك من فعله، فقال له بعض بني هاشم: أنا أشتري لك حمارا تركبه وتستريح من العارية، وفعل، فكان الفضل يستعير له سرجا إذا أراد أن يركبه، فتواصى الناس بأن لا يعيره أحد سرجا، فلما طال ذلك عليه اشترى سرجا بخمسة دراهم، وقال: [من الطويل] لما رأيت المال ما كفّ [2] أهله ... وصان ذوي الأخطار أن يتبذّلوا رجعت إلى مالي فعاتبت بعضه ... فأعتبني إنّي كذلك أفعل وقال المدائني [3] ، قال للذي اشترى له الحمار: إني لا أطيق علفه فاما أن بعثت إليّ بقوته وإلا رددته. «898» - وكان خالد بن عبد الله القسري معروفا بالسماحة مشهورا بالجود [4] إلا أنه [5] كان أبخل الناس بالطعام، فوفد إليه رجل له حرمة، فأمر أن يكتب له بعشرين ألف درهم، وحضر الطعام فدعا به، فأكل أكلا منكرا، فأغضبه وقال للخازن: لا تعرض عليّ صكّه، فعرّفه الخازن ذلك، فقال: ويحك ما   [1] م: يمشي. [2] ع: يا لف. [3] وقال المدائني: من م وحدها. [4] م: مشهورا ... معروفا بالجود. [5] إلا أنه: سقط من ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 الحيلة؟ قال: تشتري له غدا كلّ ما يحتاج إليه في مطبخه وتهب للطباخ دراهم حتى لا يشتري شيئا، وتسأله إذا أكل خالد أن يقول: إنك كنت اليوم في ضيافة فلان، فاشترى له كلّ ما أراد حتى الحطب فبلغ خمسمائة درهم، فأكل خالد واستطاب ما صنع له، فقال الطباخ: إنك كنت اليوم في ضيافة فلان، فأخبره فاستحيا خالد، ودعا بصكّه فصيّره ثلاثين ألف درهم، ووقّع فيه، وأمر الخازن بتسليمه [1] إليه. «899» - وكان لبعض التجار على رجل دين، فأراد استعداء خالد عليه، فلاذ الرجل ببواب خالد وبرّه، فقال له: سأحتال لك في أمر هذا بحيلة لا يدخله عليه أبدا قال: فلما جلس خالد للأكل أذن البواب للتاجر، فدخل وخالد يأكل سمكا، فجلس فأكل أكلا شنيعا فغاظ ذلك خالدا، فلما خرج قال خالد لبوابه: فيم أتاني هذا؟ قال: يستعدي على فلان في دين يدّعيه عليه، قال: إني لأعلم أنه كاذب فلا يدخلنّ عليّ، وتقدم إلى صاحب الشرطة بأن يقبض يده عن خصمه. «900» - كانت بنو تميم اجتمعت ببغداد على عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير حين قال شعره الذي يقدّم فيه غلاما من ربيعة على شيخ بني تميم، وهو مع ذلك من بيت تميم، ولاموه فقال [2] : [من الطويل] صه يا تميم إنّ شيبان وائل ... بطرفهم عنكم أضنّ وأرغب أإن سمت برذونا بطرف غضبتم ... عليّ وما في الحقّ والصدق [3] مغضب   [1] الأغاني: بتسليمها. [2] م: فأنشد. [3] الأغاني: وما في السوق والسوم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 فان أكرمت أو أنجبت أمّ خالد ... فزند الرياحيين أورى وأثقب ثم قال عمارة: قال لي عليّ بن هشام، وفيه عصبية على العرب: قد علمت مكانك مني وقيامي بأمرك حتى قرّبك أمير المؤمنين، والمائة الألف التي وصلك بها عليّ سببها، وها هنا من بني عمّك من هو أقرب إليك وأجدر أن يعينني على ما أمر به أمير المؤمنين لك، فقلت: ومن هو؟ قال: تميم بن خزيمة، قال: قلت آتيه قال: وخالد بن يزيد بن مزيد؟ قلت: سآتيهما، فبعث معي شاكريا من شاكريته حتى وقف بي على باب تميم، فلما نظر غلمانه إليّ أنكروا أمري، فدنا الشاكريّ فقال: أعلموا الأمير أن على الباب ابن جرير الشاعر جاء مسلّما، فتوانوا وخرج غلام عرّفني أنه قد علم الأمير فحجبني، فدخلني من ذلك ما الله به عالم، فقلت للشاكريّ: أين منزل خالد بن يزيد؟ قال: اتبعني، فما كان إلا قليلا حتى وقف بي على بابه، ودخل بعض غلمانه يطلب الاذن، فما كان إلا كلا حتى خرج في قميصه وردائه يتبعه حشمه، فقال بعض القوم: هذا خالد قد أقبل إليك قال: فأردت أن أنزل إليه فوثب وثبة فإذا هو معي آخذ بعضدي، فأنزلني وأدخلني وقرّب الطعام، فأكلت وشربت، وأخرج إلى خمسة آلاف درهم وقال: يا أبا عقيل ما آكل إلا بالدّين، وأنا على جناح من ولاية، فإن صحّت لي لم أدع أن أعينك [1] ، وهذه خمسة أثواب خزّ آثرتك بها كنت قد ادخرتها، قال عمارة فخرجت وأنا أقول: [من الطويل] أأترك أن قلّت دراهم خالد ... زيارته إنّي إذن للئيم فليت بثوبيه لنا كان خالد ... وكان لبكر بالثراء تميم فيصبح فينا سابق متمهّل ... ويصبح في بكر أعمّ [2] بهيم   [1] الأغاني: أغنيك. [2] م ر ع: أعم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 قال عمارة: فلما بلغ خالد بن يزيد [1] هذا الشعر قال: يا أبا عقيل بلغك أن أهلي يرضون مني ببديل كما رضيت بي من تميم بن خزيمة؟ فقلت: إنما طلبت حظّ نفسي وسقت مكرمة إلى أهلي لو جاز ذلك، فما زال يضاحكني. «901» - كان الواقدي شيخا سمحا، وأظلّه شهر رمضان ولم يكن عنده نفقة، فاستشار امرأته بمن ينزل ظنّه من اخوانه، فقالت: بفلان الهاشمي، فأتاه فذكر له خلّته، فأخرج له صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال: والله ما أملك غيرها، فأخذها الواقدي فساعة دخل منزله جاءه بعض إخوانه وشكا إليه خلته، فدفع إليه الصرة بختمها، وعاد صاحب الصرة إلى منزله، فجاءه الهاشميّ فشكا إليه خلته فناوله الصرة فعرفها الهاشميّ فقال له: من أين لك هذه؟ فحدثه بقصته، فقال له: قم بنا إلى الواقديّ، فأتوه فقال الهاشمي: حدّثني عنك وعن إخراج الصرة فحدثه الحديث على وجهه، فقال الهاشمي: فأحقّ ما في هذه الصرة أن نقتسمها، ونجعل فيها نصيبا للمرأة التي وقع اختيارها عليّ. «902» - والشافعيّ معدود في الأجواد، قال الربيع بن سليمان: ركب يوما فمرّ في الحدادين فسقط سوطه، فوثب غلام فمسحه وأعطاه إياه، فقال لي: ما معك يا ربيع؟ قلت: عشرة دنانير، قال: ادفعها إليه، وما كان معنا غيرها. «903» - العجير السلوليّ وكان أسرع في ماله فأتلفه، ثم ادّان حتى أثقله   [1] زيد: هكذا في النسخ، وقد مرّ «يزيد» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 الدين، ثم مدّ يده إلى مال زوجته فمنعته: [من الطويل] تقول وقد غاديتها أمّ خالد ... على مالها أغرقت [1] دينا فأقصر أبى القصر من يأوي إذا الليل جنّه [2] ... إلى ضوء ناري من فقير ومقتر أيا موقدي ناري ارفعاها لعلّها ... تشبّ لمقو آخر الليل مقفر [3] أمن راكب أمسى بظهر تنوفة ... أواريك أم من جاري المتنظّر سلي الطارق المعترّ يا أمّ خالد ... إذا ما أتاني بين قدري ومجزري أأبسط وجهي إنّه أوّل القرى ... وأبذل معروفي له دون منكري أقي العرض بالمال التلاد وما عسى ... أخوك إذا ما ضيّع العرض مشتر يؤدي إليّ الليل [4] قنيان ماجد ... كريم ومالي سارحا مال مقتر إذا متّ يوما فاحضري أمّ خالد ... تراثك من سيف وطرف وأقدر «904» - وفد مطيع بن إياس إلى جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري وقد مدحه بقصيدة أولها: [من المتقارب] أمن آل ليلى عزمت البكورا ... ولم تلق ليلى فتشفي الضميرا فلما بلغ جريرا خبر قدومه دعا به ليلا ولم يعلم أحدا بحضوره وقال له: قد عرفت خبرك، وإني معجّل لك جائزتك ساعتي هذه، فإذا حضرت غدا فإني سأخاطبك مخاطبة فيها جفاء، وأزوّدك نفقة طريقك لئلا يبلغ أبا جعفر خبري   [1] ر: أعرفت. [2] الأغاني: جنني. [3] بهامش ع: يروى لعروة بن الورد. [4] الأغاني: النيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 فيهلكني، فأمر له بمائتي دينار وصرفه، فلما أصبح أتاه فاستأذنه في الإنشاد فقال له: يا هذا لقد رميت بأملك غير مرمى، وفي أيّ شيء أنا حتى تنتجعني الشعراء؟ لقد أسأت إليّ لأني لا أستطيع تبليغك محبّتك ولا آمن سخطك ولا ذمّك، فقال له: تسمع مني ما قلته فإني أقبل ميسورك وأبسط عذرك، فاستمع كالمنكر المتكلّف، فلما فرغ قال لغلامه: يا غلام كم مبلغ ما بقي من نفقتنا؟ قال: ثلاثمائة درهم، قال: أعطه مائة درهم ينصرف بها إلى أهله، ومائة درهم لنفقة طريقه، واحبس مائة درهم لنفقتنا فانصرف مطيع عنه شاكرا. فهذا تسلق [1] على المروءة عجيب، وحيلة في الجود مع الخوف من سلطانه ومباينته [2] فيه لأخلاقه. «905» - وعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي من الأجواد: كان لرجل جارية يهواها فاحتاج إلى بيعها، فابتاعها؟؟؟ منه عمر بن عبيد الله بن معمر، فلما قبض ثمنها أنشأت تقول: [من الطويل] هنيئا لك المال الذي قد قبضته [3] ... ولم يبق في كفّيّ غير التحسّر [4] أبوء بحزن من فراقك موجع ... أناجي به صدرا طويل التفكر فقال الرجل: [من الطويل] فلولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرّقنا شيء سوى الموت فاعذري عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلّا أن يشاء ابن معمر   [1] ر: تساق. [2] م: ومباهتة. [3] م: حويته. [4] م: التفكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 فقال: قد شئت، خذ الجارية وثمنها وانصرف. «906» - وكان زياد الأعجم صديقا لعمر بن عبيد الله قبل أن يلي، فقال له عمر: يا أبا أمامة لو وليت لتركتك لا تحتاج إلى أحد أبدا، فلما ولي عمر فارس قصده زياد، فلما لقيه قال: [من الطويل] أبلغ أبا حفص رسالة ناصح ... أتت من زياد مستبينا كلامها فانك مثل الشمس لا ستر دونها ... فكيف أبا حفص عليّ ظلامها فقال له عمر: لا يكون عليك ظلامها أبدا. فقال زياد: لقد كنت أدعو الله في السرّ أن أرى ... أمور معدّ في يديك نظامها فقال: قد رأيت ذلك، فقال: فلما أتاني ما أردت تباشرت ... بناتي وقلن العام لا شكّ عامها قال: فهو عامهنّ إن شاء الله تعالى، فقال: فإني وأرضا أنت فيها ابن معمر ... كمكة لم يطرب لأرض حمامها قال: فهي كذاك يا زياد، فقال: إذا اخترت أرضا للمقام رضيتها ... لنفسي ولم يثقل عليّ مقامها وكنت أمنّي النفس منك ابن معمر ... أمانيّ أرجو أن يتمّ تمامها فقال: قد أتمها الله لك، فقال: فلا أك كالمجري إلى رأس غاية ... يرجّي سماء لم يصبه غمامها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 قال: لست كذاك، فسل حاجتك، قال: نجيبة ورحالتها، وفرس رائع وسائسه، وبدرة وحاملها، وجارية وخادمها، وتخت ثياب ووصيف يحمله، فقال: قد أمرنا لك بجميع ما سألت، وهو لك علينا في كل سنة. «907» دخل حمزة بن بيض على يزيد بن المهلب وهو في السجن فأنشده: [من المنسرح] أغلق دون السماح والجود والنّ ... جدة باب حديده أشب لا بطر إن تتابعت نعم ... وصابر في البلاء محتسب برزت سبق الجواد في مهل ... وقصّرت دون سعيك العرب فقال: والله يا حمزة لقد أسأت حين نوّهت [1] باسمي في غير وقت تنويه، ثم رفع مقعدا تحته فرمى إليه بخرقة مصرورة، وعليه صاحب خبر واقف، وقال: خذ هذا الدينار، فوالله ما أملك ذهبا غيره، فأخذه حمزة وأراد أن يرده، فقال له سرا: خذه ولا تخدع عنه، قال حمزة: فلما قال: لا تخدع عنه قلت: والله ما هذا بدينار، فخرجت فقال لي صاحب الخبر: ما أعطاك يزيد؟ فقلت: أعطاني دينارا، وأردت أن أردّه عليه فاستحييت منه، فلما صرت إلى منزلي حللت الصرة وإذا فصّ ياقوت أحمر كأنه سقط زند، فقلت: والله لئن عرضت هذا بالعراق ليعلمنّ أني أخذته من يزيد فيؤخذ مني، فخرجت إلى خراسان فبعته على رجل يهوديّ بثلاثين ألفا، فلما قبضت المال وصار الفصّ في يد اليهوديّ قال لي: والله لو أبيت إلا خمسين ألف درهم لأخذته منك بها، فكأنه قذف في قلبي جمرة، فلما رأى تغير وجهي قال: إني رجل تاجر، ولست أشكّ أني قد غممتك، قلت: أي والله وقتلتني، فأخرج إليّ   [1] م: توهمت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 مائة دينار وقال: أنفق هذه في طريقك ليتوفر المال عليك. 908- وليزيد أخبار في الجود عجيبة: فمن ذلك أنّ المهلب لما مات نادى منادي يزيد ابنه: من كانت له عند المهلب عدة أو له عليه دين فليحضر، فأتاه الناس، إلى أن أتاه رجل فقال: لي عنده عدة قال: وما عدتك؟ قال: سألته شيئا فأمرني بالمقام، قال: فما ظنّك؟ قال: على قدرك، فأمر له بمائة ألف درهم. «909» قال عقيل بن أبي: لما أراد يزيد بن المهلب الخروج إلى واسط أتيته فقلت: أيها الأمير إن رأيت أن تأذن لي فأصحبك وأستظلّ بظلك وأكون في كنفك، فقال: إذا قدمت واسطا أتيتنا إن شاء الله، فشخص وأقمت، فقال لي اخواني: مالك لا تشخص؟ فقلت لهم: إن جوابه كان ضعيفا، فقالوا: أنت أضعف خلق الله، تريد من يزيد جوابا أكثر مما قال لك؟ فشخصت حتى قدمت عليه، فلما كان في الليل دعيت الى السمر، فتحدّث القوم حتى ذكروا الجواري فالتفت إليّ يزيد فقال: إيه يا عقيل فقلت: [من الوافر] أفاض القوم في ذكر الجواري ... فأما الأعزبون فلن يقولوا قال: إنك لن تبقى بعدها عزبا، فلما رجعت إلى منزلي إذا خادم له معه جارية وبدرة فيها عشرة آلاف درهم وفرس وفرش بيت، فلما كان الليلة الثانية دعيت إلى السمر، فلما رجعت إلى المنزل إذا بمثل ذلك، فمكثت عشر ليال كلما رجعت إلى منزلي وجدت مثل ذلك، فلما رأيت في بيتي عشرا من الجواري وعشرة من الخدم وعشر بدر وفرش عشرة وعشرة أفراس دخلت عليه فقلت: أيها الأمير، قد والله أغنيت وأقنيت، فإن رأيت أن تأذن لي في الرجوع فأكبت عدوي وأسرّ صديقي، قال: بل نخيّرك خلتين اختر أيتهما شئت، إما أن تقيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 فنوليك أو تشخص فنغنيك، فقلت: أو لم تغنني أيها الأمير؟ قال: لا إنما هذا أثاث المنزل ومصلحة المقدم. «910» - قال أبو العيناء: تذاكروا السخاء فاتفقوا على آل المهلّب في الدولة المروانيّة، وعلى البرامكة في الدولة العبّاسيّة، ثم اتفقوا على أن أحمد بن أبي دواد أسخى منهم جميعا وأفضل. وكان يقال للفضل بن يحيى «حاتم الاسلام وحاتم الأجواد» ، ويقال حدث عن البحر ولا حرج، وعن الفضل ولا حرج. وقالوا: ما بلغ أحد من أولاد خالد بن برمك مبلغه في جوده ورأيه وبأسه ونزاهته. وكان يحيى بن خالد يقول: ما أنا إلا شررة من نار أبي العباس. وقيل لداود الطائي: أيّ الناس أسخى؟ فذكر خالد بن برمك، فقيل: قد وصل الفضل بن يحيى منذ ترك النهروان إلى أن دخل خراسان بثمانين ألف ألف درهم، فقال: ما بلغ ذاك يوما من أيام خالد. «911» - أتى الفرزدق عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي بالمدينة وليس عنده نقد حاضر، وهو يتوقع أعطيته وأعطيته ولده، فقال: والله يا أبا فراس ما وافقت عندنا نقدا، ولكن عروضا إن شئت، قال: نعم، قال: فان عندنا رقيقا فرهة فإن شئت أخذتهم، قال: نعم، فأرسل إليه من بنيه وبني أخيه عدّة، وقال: هم لك عندنا حتى تشخص، وجاءه العطاء فأخبره [1] الحبر، وفداهم، فقال الفرزدق، ونظر إلى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وكان سيدا يطوف بالبيت يتبختر: [من البسيط] تمشي تبختر حول البيت منتحيا ... لو كنت عمرو بن عبد الله لم تزد   [1] ع: فأخبرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 «912» - وفد أبو الشمقمق إلى جنديسابور يريد محمد بن عبد السلام، فلما دخلها صار إلى منزله، فخبر أنه في دار الخراج مطالب، فقصده ودخل عليه وهو قائم في الشمس وعلى عنقه صخرة، فلما رآه محمد قال: [من الكامل] ولقد قدمت على رجال طالما ... قدم الرجال عليهم فتمولوا أخنى الزمان عليهم فكأنهم ... كانوا بأرض أقفرت فتحولوا فقال أبو الشمقمق: [من الكامل] الجود أفلسهم وأذهب مالهم ... فاليوم إن راموا السماح تجملوا فقال محمد لغلامه: ادن مني يا غلام، فدنا فقال: خذ هذه الصخرة عني ولا تضعها على الأرض، فنزع ثيابه وخاتمه ودفع ذلك إليه وقال: اردد الصخرة على عاتقي، وأخذ أبو الشمقمق الثياب والخاتم معا ومضى، فكتب صاحب الخبر إلى الخليفة يخبره وذكر فعله وشعره، فوقّع إلى عامله بجنديسابور بإسقاط الخراج عنه في تلك السنة، وإسقاط ما عليه من البقايا، وأمر له بمائة ألف درهم معونة على مروءته. «913» - قدم ربيعة على يزيد بن حاتم بمصر، فشغل عنه ببعض الأمر، فخرج وهو يقول: [من الطويل] أراني ولا كفران لله راجعا ... بخفّى حنين من نوال ابن حاتم فسأل عنه يزيد فأخبر أنه قد خرج وقال كذا، وأنشد البيت، فأرسل في طلبه، فأتي به فقال: كيف قلت؟ فأنشده البيت، فقال: شغلنا عنك وعجلت علينا، ثم أمر بخفيه فخلعتا من رجليه وملئتا مالا، وقال ارجع بهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 بدلا من خفي حنين. «914» - حدّث أبو العبّاس أحمد بن يحيى قال: كان ببغداد فتى يجنّ ستة أشهر ويفيق ستة أشهر [1] ، فاستقبلني في بعض السكك ذات يوم فقال: ثعلب؟ قلت: نعم، قال: أنشدني، فأنشدته: [من الكامل] فإذا مررت بقبره فاعقر به ... كوم الهجان وكلّ طرف سابح وانضح جوانب قبره بدمائها ... فلقد يكون أخا دم وذبائح فتضاحك وسكت ساعة ثم قال: ألا قال؟ [من الخفيف] اذهبا بي إن لم يكن لكما عق ... ر إلى ترب قبره فاعقراني وانضحا من دمي عليه فقد كا ... ن دمي من نداه لو تعلمان ثم إني رأيته يوما بعد ذلك فتأملني وقال: ثعلب؟ قلت: نعم، قال: أنشدني، فأنشدته: [الوافر المجزوء] أعار [2] الجود نائله ... إذا ما ماله نفدا [3] وإن أسد شكا جبنا ... أعار فؤاده الأسدا فضحك وقال: ألا قال؟ [من الرمل] علّم الجود الندى حتى إذا ... ما حكاه علّم البأس الأسد فله الجود مقرّ بالندى ... وله الليث مقرّ بالجلد   [1] ويفيق ... أشهر: سقط من ع م. [2] ر م: أعاد. [3] ر: فقدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 «915» - قال أبو العيناء: أضقت إضاقة شديدة فكتمتها عن أصدقائي، فدخلت على يحيى ابن أكثم القاضي فقال لي: إن أمير المؤمنين عبد الله المأمون قد جلس للمظالم وأخذ القصص، فتنشط للحضور؟ فقلت: نعم، فمضيت معه إلى دار أمير المؤمنين، فلما بصر بنا أجلس يحيى ثم أجلسني فقال: يا أبا العيناء، بالألفة والمحبة ما جاء بك في هذه الساعة؟ فانشأت أقول: [من البسيط] فقد رجوتك دون الناس كلهم ... وللرجاء حقوق كلّها يجب إلا تكن لي أسباب أمتّ بها ... ففي العلى لك أخلاق هي السبب فقال: يا سلامة، انظر أيّ شيء في بيت مالنا وخاصّنا لا في بيت مال المسلمين، فقال: بقية من مال، فقال: ادفع إليه منها مائة ألف وأدررها عليه في كل وقت مثل هذا، فقبضها؛ فلما كان بعد أحد عشر شهرا مات المأمون، فبكى عليه أبو العيناء حتى قرحت عيناه، فدخل عليه بعض ولده فقال له: يا أبتاه بعد ذهاب العين ما يغني البكاء؟ فأنشأ يقول: [من الكامل] شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيناي حتى يؤذنا بذهاب لم يبلغا المعشار من حقّيهما ... فقد الشباب وفرقة الأحباب «916» - كان أحمد بن طولون كثير الصدقة، وكان راتبه منها في الشهر ألف دينار سوى ما يطرأ عليه من نذر أو صلة أو شكر على تجديد نعمة، وسوى ما يرسله إلى أهل الستر، وسوى مطابخه التي تطبخ في دار الصدقة، وكان أحد المتولّين لصدقاته سليم الفاقو [1] الخادم المعدّل، وكان معروفا بالخير والورع، قال سليم: فقلت له أيها الأمير، إني أطوف القبائل، وأدقّ الأبواب بصدقاتك،   [1] م: الفافو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وان اليد تمتدّ إليّ فيها الحناء، وربما كان فيها الخاتم الذهب [1] ، وربما كان الدستينج والسوار الذهب، فأعطي أو أردّ؟ فأطرق طويلا ثم رفع رأسه وقال: كلّ يد امتدّت إليك فلا تردها. «917» - كان بشر بن غالب الأسدي سخيا مطعاما، وكانت له موائد يغشاها إخوانه، ثم إنّ الدهر نبا به وضاقت ذات يده، فاختفى في منزله استحياء من الناس، وأظهر أنه غائب، وكانت له مولاة تقوم بحوائجه وتقيم له مروءته بالقرض والفرض وبيع الشيء بعد الشيء، حتى جاءته يوما فقالت: يا مولاي، قد والله أعيت الحيلة وما أجد اليوم مضطربا، فإن أذنت لي احتلت لك، قال: على أن لا تذكريني لأحد، قالت لا، فأتت عكرمة بن ربعيّ الفياض، فدخلت عليه فقالت له: هل لك في عورة كريم تسترها وخلّة تسدها؟ قال: ومن هو؟ قالت: قد أمرني أن لا أذكره، فدعا بثلاثمائة درهم فدفعها إليها، ثم قال لمولاة له ذات ظرف وعقل: اتبعي هذه المرأة فانظري أين تدخل، فرجعت إليه فأخبرته أنها دخلت دار بشر بن غالب، فقال لوكيله: هيّء أربعمائة دينار في كيس، فلما كان في بعض الليل أخذ عكرمة الكيس وجاء إلى باب بشر بن غالب فقرع الباب، فقيل له إنه غائب، فقال: أخبروه أني مستغيث يستغيث به، فخرج إليه في ظلمة الليل فرمى الكيس وركض البغلة منصرفا، فناداه بشر: أنشدك الله من أنت؟ قال: أنا جابر عثرات الكرام، قال: فلما رجع بشر إلى منزله دعا مولاته فقال: أخبريني من أتيت اليوم في حاجتك، قالت: عكرمة بن ربعي، فلم يك إلا أيام يسيرة حتى قدم بشر بن مروان الكوفة، فأرسل إلى بشر بن غالب فولّاه الشرطة، وقلّده سيفا، فقال: أيها الأمير، إنّ الشرطة لحوائج الناس وشفاعاتهم،   [1] ع: الخاتم معا من. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 فاجعل لي شيئا من الخراج أستعين به، فولّاه رستاقا، فقال له: أيها الأمير بقيت لي حاجة، قال: وما هي؟ قال: عكرمة بن ربعي، كان من قصته وقصتي كيت وكيت، فإن رأى الأمير أن يأذن لي فاكرمه بهذه الولاية، قال: أنت وذاك، فلم يشعر عكرمة وهو بباب بشر بن مروان أن خرج بشر بن غالب ومعه السيف، فقلده اياه ثم قال: السلام عليك أيها الأمير. «918» - مدح بعض ولد نهيك بن إساف الأنصاري الحكم بن المطلب المخزوميّ فقال: [من الطويل] خليليّ إنّ الجود في السجن فابكيا ... على الجود إذ سدّت علينا مرافقه ترى عارض المعروف كلّ عشيّة ... وكلّ ضحى يستنّ في السجن بارقه إذا صاح كبلاه طفا فوق بحره ... لزواره حتى تعوم غرانقه «919» - وقال سلمة [1] بن عياش في جعفر بن سليمان بن علي: [من الطويل] فما شمّ أنف ريح كفّ شممتها ... من الناس إلا ريح كفّك أطيب فأمر له بألف دينار ومائة مثقال مسك ومائة مثقال عنبر. «920» - دخل القعقاع بن شور الذهلي على معاوية، والمجلس غاصّ بأهله، ففسح له رجل حتى جلس إلى جنب معاوية، وأمر له معاوية بألف فجعلها للمفسح. 921- خرج عكرمة بن ربعيّ مع الوليد بن عبد الملك إلى الصائفة   [1] م: سليمان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 ومعه ألف بعير عليها الطعام فجعل ينحر كلّ يوم سمينها ويطعم ما عليه. «922» - لزمت داود بن قحذم العبدي، وكان عامل مصعب، مائة ألف فأخذ بها، فأرسل امرأته أمّ الفضل بنت غيلان بن خرشة الضبي إلى عائشة بنت طلحة امرأة مصعب لتشفع له، فجاء مصعب فسأل أمّ الفضل ومازحها ساعة، وكانت من أجمل نساء زمانها، ثم قال لعائشة: ما حاجتها؟ فذكرتها فقال: تحطّ عنه المائة الألف ونجيزه بمثلها، فجاءت بالكتابين إلى زوجها. «923» - كان عبد العزيز بن مروان جوادا مضيافا فتغدّى عنده أعرابيّ، فلما كان من الغد رأى الناس على بابه كما رآهم بالأمس، فقال: أفي كلّ يوم يطعم الأمير؟ ثم أنشأ يقول: [من الخفيف] كلّ يوم كأنه يوم أضحى ... عند عبد العزيز أو عيد فطر وله ألف جفنة مترعات ... كلّ يوم تمدّها ألف قدر «924» - وكان الحسن بن قحطبة مضيافا له مطبخان، في كلّ مطبخ سبعمائة تنّور. «925» - وكان الزهري إذا لم يأكل أحد من أصحابه من طعامه حلف لا يحدثه عشرة أيّام. «926» - وأراد ابن عامر أن يكتب لرجل خمسين ألفا فجرى القلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 بخمسمائة ألف، فراجعه الخازن فقال: أنفذه، فو الله لإنفاذه وإن خرج المال أحسن من الاعتذار، فاستسرفه فقال: إذا أراد الله بعبد خيرا حرف القلم عن مجرى إرادة كاتبه إلى إرادته، وأنا أردت شيئا وأراد الجواد الكريم أن يعطي عبده عشرة أضعافه، فكانت إرادة الله الغالبة وأمره النافذ. «927» - وقف أعرابيّ على ابن عامر فقال: يا قمر البصرة وشمس الحجاز ويا ابن ذروة العرب وترب بطحاء مكة، نزعت بي الحاجة، وأكدت بي الآمال إلا بفنائك، فامنحني بقدر الطاقة والوسع، لا بقدر المحتد والشرف والهمة، فأمر له بعشرة آلاف، فقال: ماذا؟ تمرة أو رطبة أو بسرة؟ قيل: بل دراهم، فصعق ثم قال: ربّ إنّ ابن عامر يجاودك فهب له ذنبه في مجاودتك. «928» - تعشى الناس عند سعيد بن العاص، فلما خرجوا بقي فتى من الشام قاعدا، فقال له سعيد: ألك حاجة؟ واطفأ الشمعة كراهة أن يحصر الفتى عن حاجته، فذكر أن أباه مات وخلّف دينا وعيالا، وسأله أن يكتب له إلى أهل دمشق ليقوموا بإصلاح بعض شأنه، فأعطاه عشرة آلاف دينار وقال: لا تقاس الذلّ على أبوابهم. قال بعض القرشيين: والله لإطفاؤه الشمعة أكثر من عشرة آلاف. «929» - سمع المأمون قول عمارة بن عقيل: [من الطويل] أأترك أن قلّت دراهم خالد ... زيارته إني إذن للئيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 فقال: أو قد قلّت دراهم خالد؟ احملوا إليه مائتي ألف درهم، فعشّرها خالد لعمارة وقال: هذا مطر من سحابك [1] . «930» - كان يقال لإبراهيم الخليل عليه السلام أبو الضيفان لأنه أول من قرى الضيف وسنّ لأبنائه العرب القرى، وكان إذا أراد الأكل بعث أصحابه ميلا إلى ميل يطلبون ضيفا يؤاكله. «931» - كان أبو عبيدة [2] بن عبد الله بن زمعة القرشي جوادا مطعاما، وكان يقول: إني لأستحيي أن يدخل داري أو يمّر بي أحد فلا أطعمه، حتى إنه كان يطرح للذّر السويق والحنطة. وأراد إبراهيم بن هشام أمير المدينة أن يبخّله، فقال لأصحابه: تعالوا نفجأ أبا عبيدة فاستنزلهم فقالوا: إن كان شيء عاجل وإلا فلا ننزل، فجاءهم بسبعين كرشا فيها رؤوس، فعجب ابن هشام وقال: ترونه ذبح في ليلته من الغنم عدد هذه الرؤوس. «932» - أما أنا فما رأيت جوادا ينطلق عليه اسم الجود إلّا أن يكون أبا منصور محمد بن علي الأصفهاني الملقب بالجمال وزير الموصل، فإنه عمّ بعطائه وصلاته أهل ولايته، وتجاوزهم إلى أهل [3] العراق والجبل وأصفهان والحرمين، فكان يعطي من نأى عنه تبرعا كما يعطي من هاجر إليه سائلا، والذي أطلق   [1] ع ر: سحاب. [2] م: أبو عبد الله. [3] أهل: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 عليه اسم الجود أنه كان مؤثرا على نفسه، متقللا في خاصته، وحاصله في السنة خمسون ألف دينار، كما قيل، ولا يزال يأخذ بالدين يتمم به صلاته، وتصدّق بداره التي يسكنها، فكان يؤدي أجرتها في كلّ شهر على السبيل الذي [1] جعلها فيه. ومن عجيب أمره أنه خدم زنكي بن آق سنقر في مبدأ أمره مشرفا على الاصطبل، وكان ذاك موصوفا بالشحّ، فتقرب إليه بما يطابق هواه، حتى بما يسقط [2] من النعال، وتوسّل عنده بالتبخل [3] تكلفا تتطلع السجايا الكريمة من خلاله، ويشهد بما ستبديه الأيام من شرف جلاله، حتى صار مشرف ديوانه، فكان أقرب أصحابه إليه [4] ، فلما قتل زنكي وقام ولده بالأمر ووزر له وملك أمره، وأمن ما كان يخافه من أبيه، أظهر مكنون سجيته، وباح بما كان يضمره وأبان عن جود برمكيّ. ومن المستفيض عنه أنه لم يتضجر قطّ على سائل، ولم يبرم بملحّ، ولا منع أحدا، ولا أصغى بسمعه إلى عاذل في الجود ولا مشير. 933- وشاهدت اثنين أحدهما من أوساط الناس والآخر من فقرائهم: أما الأوّل فكان يجوع ويطعم، ويعرى ويكسو، ويتكسب بالتصرف فيلبس القميص المرقوع ويركب الدابّة الضعيف، لا زوجة له ولا ولد ولا عبد، ويصرف ما يحصله في معونة الناس وإرفادهم وإطعامهم، وأما الثاني فرجل ضعيف يجتدي الناس في الأسواق ويسألهم، ويجمع ذلك فينفقه [5] على المحبوسين: يطعمهم ويسقيهم ويداوي مرضاهم، ويضع الأجاجين على الطرق   [1] ر ع: التي. [2] م: سقط. [3] وتوسل عنده بالتبخل سقط من ع م. [4] ع م: وكان مشرف ديوانه وأقرب أصحابه منه. [5] ع م: ينفقه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 يملأها ثريدا، ويدعو الفقراء إليها، وهو بقميص متخرق مكشوف الرأس، لا يعود على نفسه مما يحصله إلا ببلغته، فهذان يستحقان اسم الكرم. «934» - وكان يوسف بن أحمد الحرزي [1] وكيل المستظهر بالله يذكر بالكرم، وليس في هذه الرتبة: كان يعطي ويفضل، لكن قليلا من كثير، ولما قبض عليه المسترشد بالله وجد له ذخائر عظيمة وأموالا جليلة [2] لا يدّخرها جواد. 934 ب- وفات [3] هؤلاء المذكورين بالكرم، وفاقهم في حسن الشيم من أهل زماننا صاحب مدينة إربل وما والاها من الأعمال، وهو الأمير مجاهد الدين قايماز، فانه كلف بحب الحسنات، وعكف على فعل الخيرات، وقصر زمانه على مكارم الأخلاق؛ فمما شاهدته من ذلك أنه كان موئلا لكل وافد عليه من بلادنا العراقيّة، ملجأ لكلّ خائف يصل إليه منها، ولقد قصده جماعة من الأكابر أصحاب الأعمال السلطانيّة هاربين إليه إذ كربتهم الحوادث واستأصلتهم النوائب [4] ، فتلقّاهم بالبشر والترحيب وأحسن إليهم وبرّهم وعطف عليهم   [1] م: ابن الجزري. [2] م: جزيلة. [3] انفردت النسخة م بهذه الفقرة. [4] زاد بعدها في م: هاربين إليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 وأشركهم في ماله وجاهه حتى أنساهم ما كانوا عليه بالعراق من حالة العمل وخدمة السلطان، فقال بعضهم فيه، وهو من أنساب الوزير عون الدين بن هبيرة: [من الوافر] كأني شانى بمهلبيّ ... ونازل عبد شمس في احتكام وهذا البيت من قصيدة طويلة امتدحه بها وشكره على ما أسداه إليه وإلى غيره من الإحسان. وشاعت هذه المكرمة عنه حتى قصده الخائفون في جميع البلاد، فأصبحت به إربل حمى لّلاجىء وملاذا للمستجير. وأما من وفد عليه من الشعراء والسؤال فكثير لا يحصى عددهم، وكان يحب الشعر ويجيز قائله بأسنى الجوائز، وخصّه الله عز وجل بالذكاء والمعرفة وصفاء النفس واتقاد الخاطر حتى إنه كان يستنبط بدقيق فكره معاني الآيات من القرآن العزيز والأخبار النبويّة والأشعار ويتفرد في ذلك بأشياء لم يسبق إليها. وأما ما منحه الله به من بذل الأموال وإنفاقها في عمارة بيوت الله تعالى وتجديد الرباطات والمدارس والجسور على الدجلة وغيرها من الأنهار وعمارة الخانات في الطرق المخوفة والقفار الخالية عن العمار والعمران فان ذلك مما لا يحتاج إلى ذكر وبيان، فإنه لم يخل بلد من البلاد التي تحت يده من ذلك، حتى أنه عمر بظاهر مدينة الموصل في خطة واحدة من الأرض مقدار رأي العين على الدجلة جامعا ورباطا للصوفيّة وبيمارستان للمرضى، غرم على ذلك مالا كثيرا يزيد على خمسين ألف دينار، ونصب على دجلة الموصل جسرا من الخشب، ووقف على هذه الوجوه الأربعة أوقافا كثيرة يحصل منها في السنة عشرة آلاف دينار أو أكثر من ذلك، فمن تسمح نفسه بهذه الأعمال لحقيق أن يوصف بالجود والكرم، ولولا أن نخرج عما يقتضيه عمل الكتاب لذكرنا من مناقبه ما يطرب السامع ويؤنق المتأمل، وفيما أشرت إليه من ذلك كفاية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 «935» - ركب الفضل بن يحيى بن خالد يوما من منزله بالخلد يريد منزله بباب الشماسية [1] فتلقاه فتى من الأبناء [2] مملك، ومعه جماعة من الناس ركبان تحملوا لإملاكه، فلما رآه الفتى نزل وقبّل يده ولم يكن يعرفه، فسأل عنه فعرف نسبه، فسأل عن مبلغ الصداق فعرف أنه أربعة آلاف درهم، فقال الفضل لقهرمانه: أعطه أربعة آلاف درهم لزوجته، وأربعة آلاف ثمن منزل ينزله، وأربعة آلاف للنفقة على وليمته، وأربعة آلاف يستعين بها على العقد وعلى نفسه. «936» - قال المهلبي للقاضي أبي بكر ابن قريعة: كنت وعدتك أن أغنيك، فهل استغنيت؟ فقال: قد أغناني جود الوزير وإنعامه، ورفع مجلسي بسطه وإكرامه، ولم يبق في قلبي حسرة إلا ضيعة تجاورني لأبي الحسين [3] ابن أبي الطيب العلوي، وأنا متأذّ به، فقال له: كم مقدار ثمنها؟ فقال له: تساوي ألف [4] دينار، قال: فهذا قريب، فلما انصرف القاضي قال المهلبي لحاجبه: إذا كان غدا فقل لأبي الحسين ابن حاجب النعمان يخرج ما على ابن أبي الطيب من بواقي معاملاته وعلقه وكفالاته، وتحضرني عملا به، فلما أحضر العمل أمر بملازمة ابن أبي الطيب عليه، فدخل العلويّ إلى فرح الخادم وحمّله رسالة إلى المهلبي، وسأله عن سبب وجده عليه، فلم يزل الكلام يتردد حتى   [1] الجهشياري: منزله بالشماسية. [2] م: الأنبار. [3] م: لأبي الحسن. [4] م: تسوى حدود ألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 ذكر له أمر الضيعة ورغبته في شرائها، فحلف أنه لا يملكها وأنها لنساء علويات في داره وبذل له خطابهن عليها ونقد الثمن من ماله، فقال: لا بل تقرره على احتياطي [1] وتعرفني لتزاح العلة فيه، فمضى وعاد بكرة غد ومعه كتاب ابتياع الضيعة باسم أحد وكلائه بعشرة آلاف درهم، فقال لفرح: لا تبرح حتى توفيه المال، فقال: ما عندي دراهم تفي بهذا، فقال تممها من الدنانير التي عندك، ففعل واستدعى الوكيل الذي كتب الكتاب باسمه فأقرّ بالضيعة لأبي بكر ابن قريعة، وأخذ المهلبيّ الكتاب مفروغا منه، وتركه تحت مطرحه، وحضر ابن قريعة على رسمه بعد يومين ولا يعلم شيئا مما جرى، وجلس مع الندماء، فلما همّ المهلبيّ بالنوم نهضوا فقال للقاضي: اجلس حتى تحدثني إلى أن أنام، ثم نهض لبعض الأمر، وقلب جانب المطرح وقال: هذا كتاب ابتياعك الضّيعة التي كنت تتأذى بها، فأخذه القاضي وقرأه وبكى فرحا، فقال له المهلبيّ: القاضي مثل الصبيّ إن منع بكى وإن أعطي بكى، فقال له القاضي: الذي أبكاني فرط السرور، فاني رأيت لنفسي وللوزير ما كنت أسمعه لغيري عن أكارم الزمان فأقدّره كذبا مجموعا وحديثا مصنوعا. «937» - الفرزدق: [من البسيط] لو أنّ قدرا بكت من طول محبسها ... عن الحقوق [2] بكت قدر ابن ختّار [3] ما مسّها دسم مذ فضّ معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار   [1] م: احتياط. [2] ر م والديوان: على الحقوق. [3] الديوان: جيار، الشريشي: عمار؛ البخلاء: حبار؛ عيون: جبار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 «938» - ابن بسام [1] : [من السريع] دار أبي العبّاس مفروشة ... ما شئت من بسط وأنماط لكنما بعدك من خبزه ... كبعد بلخ من سميساط مطبخه قفر وطبّاخه ... أفرغ من حجّام ساباط «939» - دخل الحسن البصري على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه، فرآه يصوّب النظر في صندوق في بيته ويصعّده ثم قال: أبا سعيد، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤدّ منها زكاة ولم أصل منها رحما؟ قال: ثكلتك أمك، ولمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة. قال: ثم مات فشهده الحسن، فلما فرغ من دفنه قال: انظروا إلى هذا المسكين، أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته عما رزقه الله إياه وعمره فيه، انظروا إليه كيف خرج منه محروبا [2] . ثم التفت إلى الوارث فقال: أيها الوارث لا تحدعنّ كما خدع صاحبك بالأمس، أتاك المال حلالا، فلا يكوننّ عليك وبالا، أتاك عفوا صفوا ممن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، ومن حقّ منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، ولم تقدح فيه بيمين، ولم يعرق لك فيه جبين،   [1] م: وقال ابن بسام الشاعر وقد أجاد. [2] م: محروما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 إنّ يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإنّ من أعظم الحسرات غدا أن ترى مالك في ميزان غيرك، فيا لها عثرة لا تقال وتوبة لا تنال. «940» - كان الحطيئة ساقط النفس دنيء الهمة، أتى بني كليب فقالوا: هو أشعر الناس، وهابوه وحكّموه وقالوا: سل ما أحببت يا أبا مليكة وأكثر ولا تبق علينا، فظنّوا أنه يسأل في دية، فقال: قصعة من ثريد قالوا: ألف قصعة قال: لا أريد إلا واحدة، فأكل فشبع وقال: [من الوافر] لعمرك ما المجاور في كليب ... بمقصى في المحلّ ولا مضاع ويحرم سرّ جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع وقدم المدينة فاستعدّوا له من كلّ جانب، وقال بعضهم: عليّ عشر من الإبل، وقال آخر: عليّ خمس وقال آخر: عليّ ألف درهم، وأعدّوا له كلّ ضرب من الثياب، فلما دخل قام متوكئا على عصاه فقال: من يحمل عليّ سمل نعله؟ من يعين بسحق عميمة؟ من يكسو جبيبة صوف؟ فسقط من أعينهم. وخبره مع سعيد بن العاص يشبه هذا وقد ورد في موضعه. «941» - عمرو [1] بن أحمر الباهلي: [من الطويل] إذا أنت راودت البخيل رددته ... إلى البخل واستمطرت غير مطير ومن يطلب المعروف من غير أهله ... يجد مطلب المعروف غير يسير إذا أنت لم تجعل لعرضك جنّة ... من الذمّ سار الذمّ كلّ مسير   [1] م: وقال عمرو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 «942» - دخل خالد بن صفوان في يوم شديد الحرّ على هشام، وهو في بركة فيها مجالس كالكراسيّ، فقعد على بعضها، فقال له هشام: ربّ خالد قد قعد مقعدك هذا، حديثه أشهى إليّ من الشهد، أراد خالد بن عبد الله القسري، فقال: ما يمنعك من إعادته إلى مكانه؟ قال: هيهات إنّ خالدا أدلّ فأملّ، وأوجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعا، ولا للعودة موضعا، وأنشد: [من الطويل] إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل ثم سأله أن يزاد عشرة دنانير في عطائه فردّه، فقال له: وفقك الله يا أمير المؤمنين، فأنت كما قال أخو خزاعة، يعني كثيرا: [من الطويل] إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة قربى أو صديق توامقه منعت وبعض المنع حزم وقوة ... ولم يفتلذك المال إلا حقائقه فقيل له: ما حملك على تزيينك الإمساك لهشام [1] ؟ فقال: أحببت أن يمنع غيري فيكثر من يلومه. «943» - سأل المأمون اليزيدي عن ابنه العبّاس فقال: رأيته وقد ناوله الغلام أشنانا ليغسل يده، فاستكثره فردّ بعضه في الاشناندانه ولم يلقه في الطّست، فعلمت أنه بخيل لا يصلح للملك.   [1] م: عن هشام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 «944» - كتب أنوشروان إلى ابنه هرمز لا تعدّ الشحيح أمينا، ولا الكذاب حرّا فإنه لا عفّة مع الشح، ولا مروءة مع الكذب. «945» - (1) قال محمد بن هانىء: [من الكامل] أعطى وأكثر واستقلّ هباته ... فاستحيت الأنواء وهي هوامل فاسم الغمام لديه وهو كنهور ... آل وأسماء البحار جداول لم تخل أرض من نداه ولا خلا ... من شكر ما يولي لسان قائل (2) وقال أيضا: [من الطويل] لقد جدت حتى ليس للمال طالب ... وأعطيت حتى ما لمنفسة قدر فليس لمن لا يرتقي النجم همّة ... وليس لمن لا يستفيد الغنى عذر (3) وقال أيضا: [من البسيط] الواهب الألف إلا أنها [1] بدر ... والطاعن الألف إلا أنه نسق تأتي عطاياه شتّى غير واحدة ... كما تدافع موج البحر يصطفق «946» .- (1) وقال الرضي: [من السريع] ريان والأيام ظمآنة ... من النّدى نشوان بالبشر لا يمسك العذل يديه ولا ... تأخذ منه نشوة الخمر   [1] ر ع: أنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 «946» . (2) وقال: [من المتقارب] ذخائره العرف في أهله ... وخزّان أمواله السائلونا (3) وقال: [من الكامل] كالغيث يخلفه الربيع وبعضهم ... كالنار يخلفها الدخان [1] المظلم نوادر في الجود والبخل واللؤم [2] «947» - قال الفضل بن يحيى لجعيفران الموسوس: لم لم تصر إليّ؟ فقال: أنت بحر وأنا لا أحسن أسبح؛ فوصله بمال. 94» - رأى رجل مزبدا بالرها وعليه جبة خز، وكان مزبد قد خرج إليها فحسنت حاله، فقال: يا مزبد هب لي هذه الجبة، فقال: ما أملك غيرها، فقال الرجل: إنّ الله تعالى يقول وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ (الحشر: 9) ، فقال: الله أرحم بعباده أن ينزل هذه الآية بالرها في كانون وكانون، وإنما نزلت بالحجاز في حزيران وتموز. «949» - قال عبيد الله [3] بن سليمان لأبي العيناء: إن الأخبار المذكورة   [1] م: الرماد. [2] م: نوادر في هذا الباب. [3] م: عبد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 في السخاء وكثرة العطاء أكثرها تصنيف الوراقين وأكاذيبهم، قال: ولم لا يكذبون على الوزير، أعزه الله؟ «950» - كان سعيد الدارمي بخيلا، وهو شاعر مغنّ، وكانت متفتّيات أهل مكة لا يطيب لهنّ متنزه إلّا به، فاجتمع جماعة منهنّ في متنزه لهنّ، وفيهن صديقة له، وكلّ واحدة منهن قد واعدت هواها، فخرجن حتى أتين الجحفة، فقال بعضهن لبعض: كيف لنا أن نخلو مع هؤلاء. الرجال من الدارمي فإنا إن فعلنا قطّعنا [1] في الأرض، فقالت لهنّ صاحبته: أنا أكفيكنّه، قلن: إنا نريد أن لا يلومنا، قالت: عليّ أن ينصرف حامدا، فأتته فقالت: يا دارمي إنا قد تفلنا فاحتل [2] لنا طيبا، قال: نعم هو ذا آتى سوق الجحفة فآتيكنّ منها بطيب، فأتى المكارين فاكترى حمارا وطار [3] عليه إلى مكة، وهو يقول: [من الهزج] من اللائي يردن الطي ... ب في العسرة واليسره [4] أنا بالله ذي العزّ ... وبالركن وبالصخرة وما أقوى على هذا ... ولو كنت على البصره فمكث النسوة ما شئن، ثم قدمن مكة فلقيته صاحبته ليلة في الطواف فأخرجته إلى ناحية المسجد وجعلت تعاتبه على ذهابه ويعاتبها إلى أن قالت له: يا دارميّ بحقّ هذه البنيّة تحبني؟ قال: نعم، فبربها تحبيني؟ قالت: نعم قال: فيا لك الخير فأنت تحبينني وأنا أحبك، فما مدخل الدراهم بيننا؟   [1] م: فضحنا. [2] الأغاني: فاجلب؛ م: فاحمل. [3] الأغاني: وصار. [4] الأغاني: في العسر وفي اليسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 «951» - قال الجاحظ: شوي لأحمد بن جعفر بن سليمان دجاج، ففقد فخذا، فنادى في داره: من هذا الذي تعاطى فعقر؟ والله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (الشعراء: 49) ، فقال له أكبر ولده: يا أبة، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، فجالوا في الدار فأصابوا الفخذ، فقال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف: 92) . «952» - أكل قوم عند رجل بخيل وأمعنوا، فأراد أن يقطعهم عن الأكل فبقي متحيرا وقال: ليس هذا أكل من يريد أن يتعشّى. «953» - قال بعضهم: دخلت الكوفة فرأيت صبيا ومعه رغيف، وهو يكسر منه لقمة ويومىء بها إلى شقّ في حائط يخرج منه دخان ثم يأكلها، فبقيت متعجبا منه، ووافاه أبوه فسأله عن ذلك فقال الصبيّ: هذه دار فيها عرس، وقد طبخوا سكباجة حامضة، فأنا أتأدم برائحتها، فصفعه أبوه صفعة شديدة وقال له: تريد أن تعوّد نفسك أن لا تأكل خبزك إلا بأدم. «954» - سئل أبو الحارث جمين عمن يحضر مائدة محمد بن يحيى بن خالد فقال: أكرم الخلق والأمهم، يعني الملائكة والذباب. «955» - تغدّى أعرابيّ عند رجل، فقدّم إليه جديا، فأمعن الأعرابيّ، فقال له الرجل: إنك لتمزقه كأن أمّه نطحتك، قال: لا، ولكنك تشفق عليه كأنّ أمّه أرضعتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 956- وقال أبو عمرو بن العلاء: دعاني رجل وكان بخيلا، فقدم المائدة ونحن جماعة، وقدم جديا سمينا فنحن نأكله والشاة تصيح، فقلت: سكّتوا الثكلى، فقال: كيف تسكت وقرّة عينها تمزقونه؟! «957» - قال رجل لغلامه: هات الطعام وأغلق الباب، فقال: هذا خطأ بل أغلق الباب وآتي بالطعام، فقال: أنت حرّ لعملك بالحزم. «958» - لقي أعرابيّ رجلا من الحاجّ فقال: ممن الرجل؟ قال: باهليّ فقال: أعيذك بالله من ذاك، قال: أي والله وأنا مع ذلك مولى لهم، فأقبل الأعرابيّ يقبّل يديه ويتمسّح به، فقال له الرجل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني أثق بأنّ الله عز وجل لم يبتلك بهذا في الدنيا إلا وأنت من أهل الجنة. «959» - قالت قينة لأبي العيناء هب لي خاتمك اذكرك به، قال: اذكريني بالمنع. «960» - قال مديني لآخر: صعدت إلى السماء في سلّم من زبد، كلما صعدت ذراعا نزلت ذراعا حتى أبلغ بنات نعش، فآخذ كوكبة كوكبة، لو أن لمولاك مائة بيدر من إبر خوارزمية ثم جاءه يوسف النبيّ عليه السلام وقد قدّ قميصه من دبر، ومعه جبريل وميكائيل يشفعان له، ما أعطاه إبرة منها يخيط بها قميصه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 «961» - استأذن مزبد على بعض البخلاء وقد أهدي له تين في أول أوانه، فلما أحسّ بدخوله تناول الطبق فوضعه تحت السرير، وبقيت يده معلقة ثم قال لمزبد: ما جاء بك في هذا الوقت؟ قال: يا سيدي مررت الساعة بباب فلان فسمعت جاريته تقرأ لحنا ما سمعت قطّ أحسن منه، فلما علمت من شدّة محبتك للقرآن وسماعك للألحان حفظته وجئت لأقرأه عليك، قال: فهاته، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. والزيتون وطور سينين، فقال: ويلك أين التين؟ قال: تحت السرير. «962» - قيل لأبي الحارث جمين: أتغديت عند فلان؟ قال: لا ولكني مررت ببابه وهو يتغدّى، قيل: وكيف علمت ذلك؟ قال: رأيت غلمانه بأيديهم قسيّ البندق يرمون الطير في الهواء. «963» - قال الجماز: رأيت بالكوفة رجلا وقف على بقال فأخرج له رغيفا صحيحا فقال: أعطني به كسرا وبصرفه جزرا. «964» - استوهب رجل من مخنث في الحمام خطميا فمنعه، فقال: سبحان الله، تمنعني الخطميّ وقفيز منه بدرهم؟! فقال المخنث: فاحسب حسابك على أربعة أقفزة [1] كم يصيبك بلا شيء؟ «965» - كان زياد بن عبد الله الحارثي على شرطة المدينة، وكان مبخّلا   [1] زاد في م: بدرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 على الطعام، فدعا أشعب في شهر رمضان كي يفطر عنده، فقدّمت إليه في أوّل ليلة مصليّة [1] معقودة، وكانت تعجبه، فجعل أشعب يمعن فيها وزياد يلمحه، فلما فرغوا من الأكل قال زياد: ما أظنّ أنّ لأهل السجن إماما يصلي بهم في هذا الشهر، فليصلّ بهم أشعب، فقال أشعب: أو غير ذلك أصلحك الله، قال: وما هو؟ قال: أحلف أني لا أذوق مصلية أبدا، فخجل زياد وتغافل عنه. 966- قال ابن باذشاه: كان عندنا بأصفهان رجل أعمى يطوف ويسأل، فأعطاه مرة إنسان رغيفا فدعا له وقال: أحسن الله إليك، وبارك عليك، وجزاك خيرا، وردّ غربتك؛ فقال له الرجل: ولم ذكرت الغربة؟ قال: لأنّ لي ها هنا عشرين سنة ما ناولني أحد رغيفا صحيحا. «967» - كانت بالمدينة جارية يقال لها بصبص، مغنية يجتمع الأشراف عند مولاها لسماع غنائها، فاجتمع عندها يوما محمد بن عيسى الجعفري وعبد الله بن مصعب الزبيري [2] في جماعة من أشراف المدينة، فتذاكروا أمر مزبد وبخله، فقالت بصبص: أنا آخذ لكم منه درهما فقال لها مولاها: أنت حرّة إن لم أشتر لك مخنقة بمائة دينار إن فعلت هذا، وأشتري لك مع هذا ثوب وشي بمائة دينار، وأجعل لك مجلسا بالعقيق أنحر فيه بدنة لم تركب ولم تقتب، قالت: فجيء به وارفع الغيرة عني قال: أنت حرة إن منعتك منه ولو رأيته قد رفع رجليك ولأعاوننّه على ذلك إذا حصّلت منه الدرهم، فقال عبد الله بن مصعب: أنا لكم [3] به، قال عبد الله: فصليت الغداة في مسجد   [1] م: بصلية. (وفي بعض المصادر: مضيرة) . [2] ع: الزهري. [3] م: آتيكم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 المدينة فإذا به قد أقبل، فقلت يا أبا إسحاق، ما تحبّ أن ترى بصبص؟ قال: بلى والله، وامرأته طالق إن لم يكن الله ساخطا عليّ في أمرها فقد جفتني، وإلا فأنا أسأله منذ سنة أن ألقاها فلا تجيبني، فقلت له: إذا صليت العصر فأتني هاهنا، فقال: امرأته طالق إن برح يومه من ها هنا إلى العصر، قال فتصرفت في حوائجي حتى كانت [1] العصر، فدخلت المسجد فوجدته، فأخذت بيده وأتيتهم به، واكل القوم وشربوا حتى صلّيت العتمة؛ ثم تساكروا وتنادموا [2] ، فأقبلت بصبص على مزبد فقالت: يا أبا إسحاق، كأني والله في نفسك تشتهي أن أغنيك الساعة: [من الهزج] لقد حثوا [3] الجمال ليه ... ربوا منّا فلم يئلوا فقال لها: امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في اللوح المحفوظ، فغنّته إياه ثم قالت له: أي أبا إسحاق، كأني بك تشتهي أن أقوم من مجلسي فأجلس إلى جنبك فتدخل يدك في جلبابي فتقرص عكني قرصات وأغنيك: قالت وأبثثتها وجدي فبحت به فقال لها: امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما [4] تكسب الأنفس غدا وبأيّ أرض تموت، قالت: فقم، فقام فجلس إلى جنبها وأدخل يده في جلبابها وقرصها، وغنت له، ثم قالت: برح الخفاء، أنا أعلم أنك تشتهي أن تقبلني شقّ التين وأغنيك هزجا: [من الهزج] أنا أبصرت بالليل ... غلاما حسن الدلّ كغصن البان قد أصب ... ح مسقيّا من الطلّ   [1] نثر: فاتت. [2] م: وتناوموا. [3] ر ونثر: لقد رحلوا؛ م: لقد رحل. [4] نثر: تعلمين ما في الأرحام وما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 فقال: امرأته طالق إن لم تكوني نبيّة مرسلة، فقبّلها وغنّته، ثم قالت: يا أبا إسحاق، رأيت قطّ أنذل من هؤلاء؟ يدعونك ويخرجوني إليك ولا يشترون لنا ريحانا بدرهم؟ هلمّ درهما نشتري به ريحانا، فوثب وصاح: واحرباه، أي زانية، أخطأت استك الحفرة، انقطع والله الوحي عنك، ووثب من عندها وجلس ناحية، فعطعط القوم بها، وعلموا أنّ حيلتها لم تنفذ عليه، وعادوا لمجلسهم وخرج مزبد من عندهم فلم يعد إليهم. «968» - سأل يحيى بن خالد أبا الحارث جمينا عن مائدة ابنه فقال: أما مائدته فمن نصف سمسمة، وأما صحافه فمقورة من قشور حبّ الخشخاش، وما بين الرغيف والرغيف مدّ البصر، وما بين واللون واللون فترة ما بين نبيّ ونبيّ، قال: فمن يحضرها؟ قال: خلق كثير من الكرام الكاتبين، قال فيأكل معه أحد؟ قال: نعم الذباب [1] ، قال: سوءة له، وهذا ثوبك مخرّق وأنت بفنائه تطور [2] ، فلو رقعت قميصك، قال: ما أقدر على إبرة، قال: هو يعطيك، قال: والله لو ملك بيتا من بغداد إلى النوبة مملوءا إبرا في كلّ إبرة خيط ثم جاء جبريل وميكائيل ومعهما يعقوب النبيّ عليه السلام يسألونه إبرة يخيط بها يوسف قميصه الذي قدّ من دبر ما أعطاهم. «969» - ولقيه رجل وقد تعلق به غلام، فقال: يا أبا الحارث، من هذا؟ قال: هذا غلام للفضل بن يحيى، كنت عند مولى هذا أمس فقدّم إلينا مائدة عليها رغيفان عملا من نصف خشخاشة، وثريدة في سكرّجة   [1] نثر: الذبان. [2] م: تطوف بفنائه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وخبيصة في مسعطة [1] ، فتنفست الصعداء فدخل الخوان وما عليه في أنفي، فمولاه يطالبني بالقيمة، قال الرجل: استغفر الله مما تقول، فأومأ إلى غلام معه وقال: غلامي هذا حرّ إن لم يكن لو أنّ عصفورا وقع على بعض قشور ذلك الخشخاش الذي عمل منه ذلك لما رضي مولى هذا حتى يؤتى بذلك العصفور مشويا بين رغيفين، والرغيفان من عند العصفور؛ ثم قال: وعليّ المشي إلى بيت الله الحرام إذا عطشت بالقرعاء رجعت إلى دجلة العوراء حتى أشرب منها لو أن مولى هذا كلّف في يوم قائظ شديد الحرّ أن يصعد على سلّم من زبد حتى يلتقط كواكب بنات نعش كوكبا كوكبا كان ذلك أسهل عليه من أن يشمّ شامّ تلك الثريدة أو يذوق ذائق تلك الخبيصة، فقال الرجل: عليك لعنة الله وعليّ إن سمعت منك شيئا بعد هذا. «970» - قال بعضهم لبخيل: لم لا تدعوني؟ قال: لأنك جيد المضغ سريع البلع، إذا أكلت لقمة هيأت أخرى، قال فتريد مني إذا أكلت لقمة أصلّي ركعتين ثم أعود إلى الثانية؟! «971» - قال بعض البخلاء لرجل على مائدته: اكسر ذلك الرغيف، قال: دعه يبتلى به غيري. «972» - نظر الكنديّ إلى رجل يكسر درهما صحيحا فقال: ويحك، لا تفرّق بين الله تعالى ورسوله. «973» - وقد روي أن معاوية كان شحيحا على الطعام، ونسب إليه في   [1] م ونثر: مسعط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 ذلك ما ليس بمشهور، فمن ذلك أنه قال لرجل واكله: ارفق بيدك، فقال له: وأنت فاغضض من طرفك وبصرك [1] . «974» - ووصف رجل بخيلا فقال: عينه دولاب اللقم في أيدي الأضياف. «975» - وروي أن بخيلا كان يقوم في الليل وقد نام صبيانه على الجنب الأيسر فيقلبهم إلى اليمين، فسئل عن ذلك فقال: هؤلاء ينامون على اليسار فيصبحون جياعا، فأنا أقلبهم على اليمين لئلا ينهضم ما أكلوه سريعا. «976» - دعا بخيل على صاحبه فقال له: إن كنت كاذبا فعشّيت السكارى بجبن. «977» - قيل لبخيل: ما أحسن الأيدي على المائدة؟ فقال: مقطّعة. «978» - سقى بخيل ضيفا له نبيذا عتيقا على الريق فتأوّه الرجل فقيل له: لم لا تتكلم؟ قال: إن سكتّ متّ أنا، وإن تكلمت مات ربّ البيت. «979» - استأذن جحظة على صديق له مبخّل، فقال له غلمانه: هو محموم، فقال: كلوا بين يديه حتى يعرق. «980» - وقال: أكلت مع بخيل مرة فقال لي: يا هذا ما رأيت أذلّ من الرغيف في يدك.   [1] ر م: فاغضض من بصرك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 «981» - أعطى المنصور بعضهم شيئا ثم ندم فقال له: لا تنفق هذا المال واحتفظ به، وجعل يكرر ذلك عليه فقال له: يا أمير المؤمنين، إن رأيت فاختمه حتى ألقاك به يوم القيامة. «982» - تزوج عمرو بن حريث ابنة أسماء بن خارجة فقالت له يوما: ما أحسبك وأبي تقرآن من كتاب الله تعالى إلا حرفين: قال: وما هما؟ قالت: كان أبي يقرأ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سبأ: 39) وأنت تقرأ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ (الإسراء: 27) . «983» - قال أبو العيناء: دعاني جار لي إلى وليمة، وكان بخيلا، فرأيته يدور على الموائد ويتنفّس الصعداء ويقول وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (الإنسان: 12) . «984» - حكى بعضهم أنه كان على مائدة بخيل قال: فطافت علينا هرة وصاحت، فألقينا إليها لقمة من حوّارى، فقال صاحب الدار: إن كان لا بدّ فمن الخشكار. «985» - وذكر آخر أنه كان في دعوة بعض التجار المياسير [1] ، فألقى للسنّور لقمة خبز ثم أراد أن يثنّيها، فقال التاجر: دع هذا، فليست الهرّة لنا وإنما هي للجيران. «986» - قال الجاحظ: كنا عند داود بواسط أيام ولايته كسكر، فأتته   [1] م: في دعوة بعض البخلاء وقيل بعض التجار المياسير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 زقاق فيها دوشاب [1] من البصرة في جملة هدايا حملت إليه، فقسمها بيننا، فكلنا أخذ ما أعطي غير الحزامي، فأنكرنا ذلك وقلنا إنما يجزع الحزامي من الإعطاء وهو عدوه، فأما الأخذ فهو ضالته وأمنيّته، فإنه لو أعطي أفاعي سجستان وثعابين مصر وجرّارات [2] الأهواز لأخذها إذا كان اسم الأخذ واقعا عليها، فسألناه عن سبب ذلك فتعصّر قليلا ثم باح بسره فقال: وضيعته أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب الإدبار، قلت: أول وضائعه احتمال ثقل الشكر، قال: هذا ما لم يخطر ببالي قطّ، ولكن أوّل ذلك كراء الحمّال، فإذا صار إلى المنزل صار سببا لطلب العصيدة والأرزة والبستندودة، فإن بعته فرارا من هذا البلاء صيرتموني شهرة، وإن أنا حبسته ذهب في ذلك وأشباهه وجذب ذلك شراء السمن، وصار أضرّ علينا من العيال، فإن أنا جعلته نبيذا احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الداذيّ والماء، وإن فسد ذهبت النفقة باطلا ولم نستخلفه منها بوجه من الوجوه، لأنّ خلّ الداذيّ يخضب اللحم، ويضرّ بالطبخ، ويفسد الطّعم، ويسوّد المرق، ولا يصلح للاصطباغ، وإن سلم وأعوذ بالله وجاد وصفا ولم نجد بدّا من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه، فإن قعدت في البيت أشربه لم يكن ذلك إلا بترك سلاف الفارسيّ المعسّل والدجاج المسمّن وجداء كسكر وفاكهة الجبل والنّقل الهشّ والريحان الغضّ من عند من لا ينقص [3] ماله ولا تنقطع مادته، وعند من لا يبالي على أيّ قطريه وقع [4] ، مع فوت المجلس المؤنق والسماع المطرب، وعلى أني إن قعدت في البيت أشربه لم يكن لي بدّ من واحد، وذلك الواحد لا بدّ له من لحم بدرهم، ونقل بطسوج، وريحان بقيراط، وهذا كله غرم وشؤم وحرفة وخروج عن العادة، فإن كان ذلك النديم غير موافق فأهل السجن أحسن حالا منّي، وإن كان   [1] البخلاء: دبس. [2] البخلاء: وحيات. [3] البخلاء: يغيض. [4] البخلاء: سقط. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 موافقا فقد فتح الله منه على مالي التلف، وإذا علم الصديق أن عندي زائرا ونبيذا دقّ عليّ الباب دقّ المدلّ، فان حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء، فإن بدا لي في استحسان حديث الناس عندي كما يستحسنه مني من أكون عنده فقد شاركت المسرفين، وفارقت إخواني من الصالحين [1] ، وصرت من إخوان الشياطين؛ فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من مال غيري، وصار غيري يكسب مني، وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم له، فكيف اذا ابتليت بأن أعطي ولا آخذ؟ أعوذ بالله من الخذلان بعد العصمة، ومن الحور بعد الكور، ولو كان هذا في الحداثة لكان أحسن. هذا الدوشاب دسيس [2] من الحرفة، وكيد من الشيطان، وخدعة من الحسود، وهي الحلاوة التي تعقب المرارة، وما أخوفني أن يكون أبو سليمان قد ملّني [3] فهو يحتال لي الحيل. «987» - قال بعض البخلاء: يزعمون أن خبزنا خفاف؟ وأيّ ابن زانية يقدر أن يأكل منه أكثر من رغيف؟ «988» - ودخل قوم على بعضهم وقد تغدّى مع أصحابه ولم يرفع المائدة، فقال لهم: كلوا وأجهزوا على الجرحى، يريد كلوا ما كسر ونيل منه ولا تعرضوا للصحيح. «989» - حدث محمد بن عيسى الحرفيّ، وكان جار أبي العتاهية، قال: كان لأبي العتاهية جار يلتقط النوى ضعيف سيء الحال متجمّل له   [1] البخلاء: المصلحين. [2] م: دسيس المرارة. [3] البخلاء: مل منادمتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 بنات [1] ، فكان يمر بأبي العتاهية طرفي النهار فيقول أبو العتاهية: اللهم أعنه على ما هو بسبيله، شيخ ضعيف سيّىء الحال له بنات متجمل، اللهم أعنه، اللهم اصنع له، اللهم بارك فيه، فبقي على هذا إلى أن مات الشيخ نحوا من عشرين سنة لا والله إن تصدّق عليه بدرهم ولا دانق قط، ولا زاده على الدعاء شيئا، فقلت له يوما: يا أبا إسحاق إني أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ، وتزعم أنه فقير معيل [2] فلم لا تتصدّق عليه بشيء؟ فقال: أخشى أن يعتاد الصدقة، والصدقة أخر مكاسب العبد، وإنّ في الدعاء لخيرا كثيرا. «990» - ووقف على أبي العتاهية ذات يوم سائل من العيّارين الظرفاء، وجماعة جيرانه حواليه، فسأله من بين الجيران، فقال: صنع الله لك، فأعاد السؤال فردّ عليه مثل ذلك، فأعاده الثالثة فردّ عليه مثل ذلك، فغضب وقال له: ألست الذي يقول: [من المديد] كلّ حيّ عند ميتته ... حظّه من ماله الكفن قال: نعم، قال: فبالله أتريد أن تعدّ مالك كلّه لثمن كفنك؟ قال: لا، قال: فبالله كم قدّرت لكفنك؟ قال: خمسة دنانير، قال: هي إذن حظك من مالك، قال: نعم، قال: فتصدّق عليّ من غير حظك بدرهم واحد، قال: لو تصدقت عليك لكان حظّي، قال: فاعمل على أن دينارا من الخمسة وضيعته قيراط، فادفع إليّ قيراطا واحدا، وإلا فواحدة أخرى قال: وما هي؟ قال: القبور تحفر بثلاثة دراهم، فاعطني درهما وأقيم لك كفيلا بأني أحفر لك قبرك متى متّ وتربح در همين لم يكونا في حسابك، فإن لم أحفر رددته على ورثتك أو ردّه كفيلي عليهم، فخجل أبو العتاهية وقال:   [1] الأغاني: عليه ثياب. [2] الأغاني: مقلّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 اغرب لعنك الله وغضب عليك، وضحك جميع من حضر ومرّ السائل يضحك؛ فالتفت إلينا أبو العتاهية وقد اغتاظ فقال: من أجل هذا وأمثاله حرمت الصدقة، فقلنا له: ومن حرّمها؟ ومتى حرّمت؟ فما رأيت أحدا ادّعى أنّ الصدقة حرمت قبله ولا بعده. «991» - قال محمد بن زيد بن علي بن الحسين: اجتمع قوم من قريش أنا فيهم، فأحببنا أن نأتي ابن هرمة فنعبث به، فتزودنا زادا كثيرا ثم أتيناه لنقيم عنده، فلما انتهينا إليه خرج علينا فقال: ما جاء بكم؟ فقلنا: سمعنا شعرك فدعانا إليك لما سمعناك قلت: [من الكامل] إنّ امرءا جعل الطريق لبيته ... طنبا وأنكر حقّه للئيم وسمعناك قلت [1] : [من المنسرح] كم ناقة قد وجأت منحرها ... بمستهلّ الشؤبوب أو جمل لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل قال: فنظر إلينا طويلا ثم قال: ما على الأرض عصابة أضعف عقولا ولا أسخف دينا منكم، فقلنا: يا عدوّ الله يا دعيّ، أتيناك زائرين، تسمعنا مثل هذا الكلام؟ فقال: أما سمعتم الله عز وجل يقول للشعراء وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (الشعراء: 226) أفيخبركم الله أني أقول ما لا أفعل وتريدون مني أن أفعل ما أقول؟ قال: فضحكنا منه وأخرجناه فأقام عندنا في نزهتنا يشركنا في زادنا حتى انصرفنا إلى المدينة.   [1] م: تقول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 «992» - قال يونس الخياط [1] : كان لأبي صديق وكان يدعوه يشرب معه فإذا سكر خلع عليه قميصه، فإذا صحا من الغد بعث إليه وأخذه منه، فقال أبي: [من الطويل] كساني قميصا مرتين إذا انتشى ... وينزعه مني إذا كان صاحيا فلي فرحة في سكره بقميصه ... وروعاته في الصّحو حصّت شواتيا فيا ليت حظّي من سروري وروعتي ... يكون كفافا لا عليّ ولا ليا «993» - قال أشعب: ولي المدينة رجل من ولد عامر بن لؤي، وكان أبخل الناس وأنكدهم، وأغراه الله بي يطلبني في ليله ونهاره، فإذا هربت منه هجم على منزلي بالشّرط، وإن كنت في موضع بعث إلى من أكون عنده يطلبني منه، فيطالبني بأن أحدّثه وأضحكه، ولا أسكت ولا أنام، ثم لا يطعمني ولا يعطيني شيئا، ولقيت منه جهدا عظيما وبلاء شديدا، وحضر الحج فقال لي: يا أشعب كن معي، قلت: بأبي أنت وأمي، أنا عليل وليست لي في الحج نية فقال: عليه وعليه، وقال [2] إنّ الكعبة بيت النار لئن لم تخرج معي لأودعنّك الحبس حتى أقدم، فخرجت معه مكرها، فلما نزلنا المنزل أظهر أنه صائم، ونام حتى تشاغلت وأكل ما في سفرته، وأمر غلامه أن يطعمني رغيفين بملح، فجئت وعندي أنه صائم، ولم أزل منتظرا إلى المغرب أتوقّع إفطاره، فلما صلّيت المغرب قلت لغلامه: ما ينتظر بالأكل؟ قال: قد أكل منذ زمان، قلت: أو لم يكن صائما؟ قال: لا، قلت: أفاطوي أنا؟ قال: قد أعدّ لك ما   [1] ر م: بن الخياط. [2] بأبي ... وقال: سقط من ع ر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 تأكله فكل، وأخرج إليّ رغيفين والملح، فأكلتهما وبتّ ميتا جوعا، وأصبحت فسرنا حتى نزلنا المنزل، فقال لغلامه: ابتع لنا لحما بدرهم، فابتاعه، فقال: كبب لي قطعا، ففعل، فأكله ونصب القدر، فلما اغبرت قال: اغرف لي منها قطعا ففعل، وأكلها [1] ثم قال: اطرح فيها دقة وأطعمني منها، ففعل، ثم قال: ألق توابلها وأطعمني منها، ففعل، وأنا جالس أنظر إليه لا يدعوني، فلما استوفى اللحم كلّه قال: يا غلام أطعم أشعب، فرمى إليّ برغيفين، فجئت إلى القدر فإذا ليس فيها إلّا مرق وعظام، فأكلت الرغيفين، وأخرج له جرابا فيه فاكهة يابسة، فأخذ منها حفنة فأكلها، وبقي في كفه كفّ لوز بقشره، ولم تكن له فيه حيلة، فرمى به إليّ وقال: كل هذا يا أشعب، فذهبت أكسر واحدة منه فإذا ضرسي قد انكسرت منها قطعة فسقطت بين يديّ، وتباعدت أطلب حجرا أكسر به فوجدته فضربت به لوزة فطفرت علم الله مقدار رمية حجر، وعدوت في طلبها، فبينا أنا في ذلك إذ أقبل بنو مصعب، يعني ثابتا وإخوته، يلبّون بتلك الحلوق الجهورية، فصحت بهم: الغوث الغوث بالله وبكم يا آل الزبير، الحقوني أدركوني، فركضوا إليّ، فلما رأوني قالوا: مالك ويلك؟ قلت: خذوني معكم تخلصوني [2] من الموت، فحملوني معهم، فجعلت أرفرف بيديّ كما يفعل الفرخ إذا طلب الزّقّ من أبويه، فقالوا: مالك ويلك؟ قلت: ليس هذا موضع الحديث، زقّوني زقوني ما معكم، فقد متّ ضرا وجوعا منذ ثلاث، فأطعموني حتى تراجعت نفسي وحملوني معهم في محمل ثم قالوا: أخبرنا بقصتك، فحدثتهم وأريتهم ضرسي المكسورة، فجعلوا يضحكون ويصفقون فقالوا: ويحك من أين وقعت على هذا؟ هذا من أبخل خلق الله وأدناهم نفسا. فحلفت بالطلاق أني لا أدخل المدينة ما دام له بها سلطان، فلم أدخلها حتى عزل.   [1] ونصب ... وأكلها: سقط من م ع. [2] م ع: فخلصوني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 «994» - مرّ الفرزدق بمحمد بن وكيع بن أبي سود وهو على ناقة فقال له: غدّني فقال: ما يحضرني غداء، قال: فاسقني سويقا، قال: ما هو عندي، قال: فاسقني نبيذا، قال: أو صاحب نبيذ عهدتني؟ قال: فما يقعدك في الظل؟ قال: فما أصنع؟ قال: اطل وجهك بدبس ثم تحوّل إلى الشمس فاقعد فيها حتى يشبه لونك لون أبيك الذي تزعمه. قال أبو عمرو بن الغلاء: فما زال ولد محمد يسبّون بذلك من قول الفرزدق. «995» - قال محمد بن سعد الكراني: كنّا في حلقة التوزي، فلما انفضّت قلنا: انهضوا بنا إلى محمد بن يسير، فصرنا إليه فلم يكن عنده إلا شاة وبقية خبز له أيام، فقدم ذلك لنا فقلنا: هذا جود الأذواء، أي هو من اليمن فقال: [من البسيط] ماذا عليّ إذا ضيف تأوّبني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي جهد المقلّ إذا أعطاك مصطبرا ... ومكثر من غنى سيّان في الجود لا يعدم السائلون الخير أفعله ... إما نوال وإما حسن مردود فقمنا إلى بيته غصبا فأكلنا من جلّة تمر كانت عنده أكثرها وحملنا الباقي، فكتب إلى والي البصرة عمر بن حفص هزار مرد: [من المديد] يا أبا حفص بحرمتنا ... غبت عنها [1] حين تنتهك خذ لنا ثأرا لجلتنا ... فبك الأوتار تدّرك لهف نفسي حين تطرحها ... بين أيدي القوم تفترك [2]   [1] الأغاني: عن نفسا. [2] الأغاني: تبترك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 زارنا زور فلا سلموا ... وأصيبوا أيّة سلكوا أكلوا حتى إذا شبعوا ... أخذوا الفضل الذي تركوا فأنفذ إلينا فأحضرنا وأغرمنا مائة درهم، وأخذ من كلّ واحد منا جلّة تمر وسلّم ذلك إليه. 996- قال بديح، قال لي هشام: أخبرني بأعجب شيء رأيته من ابن جعفر، قال: أتاه فتى فقال له: قد تزوجت وليس عندي من الصداق شيء، قال: كم الصداق؟ قال ثلاثون دينارا قال: يا بديح ادع بالكيس، فأتيته بكيس فيه دنانير فقال: عدّ، فعددت ومددت صوتي وطرّبت، فقال: عدّ فعددت وهو يقول عد حتى عددت [1] خمسين وأربعمائة وفني ما في الكيس، فقال ابن جعفر: ليت دام لنا ما في الكيس ودام لنا صوتك، فقال لي هشام: من الرجل؟ قلت: لا أخبرك فإني أخاف أن تأخذها منه، فقال: ويحك يعطيه ابن جعفر وآخذها أنا منه؟! «997» - دخل أبو العيناء على عبد الرحمن بن خاقان في يوم شات فقال له: كيف تجد هذا اليوم؟ قال: تأبى نعماؤك أن أجده. «998» - قال دعبل بن علي الشاعر أتيت سهل بن هارون بن راهبون الكاتب في حاجة فأطلت الجلوس عنده، وأخّر غداءه لقيامي، فجلست على عمد، فلما اضطررته وجاع قال: ويلك يا غلام غدّنا، قال: فجاءت المائدة   [1] حتى عددت: سقطت من ع م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 وعليها قصعة فيها مرق وديك ليس قبلها ولا بعدها غيرها، فاطّلع في القصعة ففقد الرأس، فقال لغلامه: أين الرأس؟ قال: رميت به يا مولاي، قال: ولم رميت به؟ قال: ظننتك لا تأكله، قال فهلا إذ ظننت أني لا آكله ظننت أن العيال يأكلونه [1] ؟ ثم التفت إليّ وقال: لو لم أكره إلا الطيرة مما صنع [2] لكان حسبي، لأن قولهم الرأس للرئيس وفيه الحواسّ، ومنه يصدح الديك، وفيه فرقه [3] الذي يتبرّك به، وعينه التي يضرب بصفائها المثل، ودماغه عجب من العجب لوجع الكليتين، وصوته الذي لولاه ما أريد لشيء، ولم أر عظما قطّ أهشّ تحت ضرس من عظم دماغ ديك، ويلك انظر أين رميت به، قال: لا أدري، قال: لكنّي أدري أين رميت به، في بطنك، والله حسيبك. «999» - أعرابيّ يرقص ولده: [من الرجز] أحبّه حبّ الشحيح ماله ... قد ذاق طعم الفقر ثم ناله إذا أراد بذله بدا له «1000» - قال أعرابيّ لنازل به: نزلت بواد غير ممطور وبرجل غير مسرور، فأقم بعدم، أو ارحل بندم. «1001» - لما قال أبو العتاهية: [مجزوء الكامل]   [1] م: لا يأكلونه. [2] م: مما صنع إلا الطيرة. [3] م: رفرفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 سافر بطرفك [1] حيث شء ... ت فلن ترى إلا بخيلا قيل له: بخّلت الناس كلّهم، قال: فاكذبوني بواحد. «1002» - قيل لبخيل: من أشجع الناس؟ قال من يسمع وقع أضراس الناس على طعامه فلا تنشقّ مرارته. «1003» - أمر عبد الله بن الزبير لأبي جهم العدويّ بألف درهم، فدعا له وشكره، فقال له: بلغني أنّ معاوية أمر لك بمائة ألف درهم فتسخطتّها وشكوته، وقد شكرتني، فقال أبو جهم: بأبي أنت، أسأل الله أن يديم لنا بقاءك، فاني أخاف إن فقدناك أن يمسخ الناس قردة وخنازير، وكان ذلك من معاوية قليلا، وهذا منك كثير، فأطرق ولم ينطق. «1004» - نزل ابن أحمر الشاعر على عمار بن مسروق، فقيل له: على من نزلت؟ فقال: على أبي الخصيب، والخبز من عندي، قيل: وكيف؟ قال: لأنّ خبزه مكتوب عليه «لا حافظ إلا الله» وهو في ثني الوسادة، وهو عليه متكىء. «1005» - دخل أبو نخيلة على هشام وعليه لحاف سمّور مظهّر بخزّ، فرمقه أبو نخيلة فقال: ما بالك ترمقه ولست من أهله؟ قال: صدقت يا أمير   [1] ديوان أبي العتاهية: فاضرب بطرفك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 المؤمنين، ولكني من أهل التشرف والافتخار به، فرمى به إليه، ثم دخل عليه وعليه رداء وشي أفواف، فجعل ينكت باصبعه الأرض ويقول: [من الرجز] كسوتنيها فهي كالتجفاف ... كأنني فيها وفي اللحاف من عبد شمس أو بني مناف ... والخزّ مشتاق إلى الأفواف فرمى بالرداء إليه. «1006» - كان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يطعم الطعام، وكان أعور، فجعل أعرابيّ يديم النظر إليه حابسا نفسه عن طعامه، فقال له: مالك؟ قال: إنه ليعجبني طعامك وتريبني عينك، قال: وما يريبك من عيني؟ قال: أراك أعور وأراك تطعم الطعام، وهذه صفة الدجّال. وكانت عينه أصيبت في قتال الروم، فقال: إنّ الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله [1] آخر باب الجود والسخاء والبخل واللؤم يتلوه باب الشجاعة والجبن [2]   [1] هنا تنتهي النسخة ر، وفي آخرها: الحمد لله حق حمده وصلواته على سيد المرسلين محمد المصطفى وعلى آله وعترته الطاهرين وكان الفراغ منه نهار الخميس عاشر جمادى الأول من شهور سنة ستة وأربعين وستمائة، وكتبه العبد الفقير إلى الله تعالى [ ... ] عفا الله عنهم وعن مصنفه وكاتبه وقارىء فيه ومن كتب له وعن جميع المسلمين، آمين يا رب العالمين. [2] م: تم الباب الخامس بحمد الله وعونه ومنه وكرمه وحسن توفيقه والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 الباب السّادس في البأس والشجاعة والجبن والضّراعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 خطبة الباب بسم الله الرّحمن الرحيم الحمد لله المخوف بطشه وبأسه، الرؤوف حين يحيط بالمرء قنوطه ويأسه، العطوف برحمته على عباده، اللطيف بمن وفّقه لتزود معاده، موقي الشجاع وقد خاض غمار المنية، وملقّي الجبان وقد استدفع حتفه بقبول الدنية، لا ينجي من قضائه قراع البيض والأسل، ولا يلجي من بلائه ادّراع السوابغ والجنن، المسوي بين النّجد والضّرع في قسمة الآجال، ومسلط الحمام حائلا دون الأماني والآمال. أحمده حمدا يكون مستحقه وأهله، وأذعن بأن لا حول ولا قوة إلا به وله [1] ، وأشهد أن لا اله إلا الله [2] وأنّ محمدا عبده ونبيه، ورسوله وصفيه، أرسله ويد البغي في العرب تقدّ وتصطلم، ونار الحرب بينها [3] تقد وتضطرم، وكل منهم مدلّ بنجدته وبسالته، ومولّ عن سنن رشده وهدايته، فدعاهم مخرجا لهم إلى الضياء من ديجور الظلام، وأنزل بمن خالفه منهم قوارع الانتقام، وأيده من أصحابه بالأبطال الأعلام، حتى قامت دعائم الاسلام، وآذنت قواعد الكفر بالانهدام، صلّى الله عليه وعليهم ما استهل الغمام، وأعقب الضياء الظلام.   [1] ح: إلا له؛ م: إلا بالله. [2] م ح: إلا هو. [3] ح: بينهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 مقدمة الباب (الباب السادس في البأس والشجاعة والجبن والضّراعة [1] ) نذكر في هذا الباب ما جاء في البأس والشجاعة، والجبن والضراعة، والحرب والمقارعة، وما استعمل فيها من الآراء والمكايد، ونصب للأعداء فيها من الأشراك والمصايد، وتسمية أبطال الإسلام وقاتليهم [2] ، ومن مات منهم حتف أنفه فلم يضرّه إقدامه، ولا دنا بخوضه الغمرات حمامه، وأتبع ذلك بنوادر من هذين النوعين، يرتاح لها المتأمل من كلال الجدّ والأين. الشجاعة عزّ والجبن ذل، وكفى بالعزّ مطلوبا، وبالذل مصروفا عنه ومرغوبا، وقد أثنى الله عز وجل على الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس وعلى الذين هم أذلّة على المؤمنين أعزة على الكافرين فقال سبحانه: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الفتح: 29) ووصف المجاهدين فقال إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف: 4) وندب إلى جهاد الأعداء، ووعد عليه أفضل الجزاء، وجعل قتالهم أجلّ الأعمال ثوابا، والفرار أكبر وزرا وآلم عقابا. والرأي في الحرب أمام الشجاعة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الحرب خدعة، وقال حكيم لابنه: كن بحيلتك أوثق منك بشدتك فالحرب حرب [3] للمتهور، وغنيمة للمتحذر.   [1] ح: الباب السادس من كتاب التذكرة في الشجاعة والجبن؛ م: الباب السادس في الشجاعة والجبن من كتاب التذكرة. [2] وقاتليهم: سقطت من م. [3] م: خدعة. انظر كنز العمال 4: 358 (رقم: 10891) والمستطرف 1: 215. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 «1007» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف الليل من خشيته. «1008» - وسمع رجل عبد الله بن قيس يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ أبواب الجنة تحت ظلال السيوف، فقال: يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوله؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدوّ فضرب به حتى قتل. «1009» - ولحق أبو الطيب المتنبي الأوائل بقوله: [من الكامل] الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أوّل وهي المحلّ الثاني لكنه لا يستغني عنها ولا يتم إلّا بها، لأن صاحب الرأي إذا عدمها ضلّ لبّه، وانخلع قلبه، فلم يتمّ له كيده، وخانه دونه بطشه وأيده. والعرب تقول: الشجاعة وقاية والجبن مقتلة، فانظر في من رأيت أو سمعت من قتل في الحرب مقبلا أكثر أم من قتل مدبرا. «1010» - قال قبيصة بن مسعود الشيباني يوم ذي قار يحرض بني وائل: الجزع لا يغني من القدر، والدنيّة أغلظ من المنية، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في الثغر خير وأكرم منه في الدبر، يا بني بكر حاموا فما من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 المنايا بدّ، هالك معذور، خير من ناج فرور. «1011» - وضدّ ذلك ما روي عن أسلم بن زرعة الكلابي، وقد خرج لمحاربة أبي بلال مرداس بن أديّة الخارجي أحد بني ربيعة بن حنظلة في الفين، ومرداس في أربعين، فانهزم منه، فقال له ابن زياد: ويلك أتمضي في ألفين وتنهزم من أربعين؟ فكان أسلم يقول: لأن يذمّني ابن زياد حيّا أحبّ إليّ من أن يمدحني ميتا. وكان أسلم بعد ذلك إذا خرج إلى السوق أو مرّ بصبيان صاحوا به: أبو بلال وراءك، حتى شكا ذلك إلى ابن زياد فأمر الشرط بكفّ الناس عنه. «1012» - قال علي بن أبي طالب عليه السلام: من أكثر النظر في العواقب لم يشجع. 101» - وقال عليه السلام: الجبن منقصة. «1014» - قيل لأكثم بن صيفيّ: صف لنا الحرب، فقال: أقلّوا الخلاف على أمرائكم، فلا جماعة لمن اختلف عليه، واعلموا أنّ كثرة الصياح من الفشل، فتثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين، وربّ عجلة تعقب ريثا، وادّرعوا الليل فإنه أخفى للويل، وتحفّظوا من البيات. «1015» - ومن كلام عليّ عليه السلام لأصحابه في الحرب: قدّموا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 الدارع وأخرّوا الحاسر، وعضّوا على الأضراس فإنه أنبا للسيوف عن الهام، والتووا في أطراف الرماح فإنه أنور [1] للأسنّة، وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل، ورايتكم فلا تميلوها ولا تحلّوها [2] ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار منكم، فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفّون براياتهم ويكتنفونها، حفافها [3] وأمامها ووراءها، لا يتأخرون عنها فيسلمونها [4] ، ولا يتقدمون عليها فيفردونها [5] ، اجزأ [6] امرؤ قرنه، وواسى أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه، وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة، أنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم، إنّ في الفرار موجدة الله والذلّ اللازم والعار الباقي، وإنّ الفارّ غير مزيد في عمره ولا محجوز بينه وبين يومه. «1016» - كتب عمر بن عبد العزيز إلى الجراح: بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا بعث جيشا أو سرية قال: اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله تقاتلون من كفر بالله، لا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا امرأة ولا وليدا، فإذا بعثت جيشا أو سرية فمرهم بذلك. «1017» - وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عند عقد الألوية:   [1] م ونهج: أمور. [2] نهج: تخلوها. [3] نهج: حفافيها. [4] نهج: فيسلموها. [5] نهج: فيفردوها؛ ح م: فيردونها. [6] ح: آخرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 بسم الله، وبالله، وعلى عون الله، امضوا بتأييد الله والنصر، ولزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تغفلوا [1] عند القدرة، ولا تسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا، توقوا [2] قتلهم إذا التقى الزحفان وعند شنّ الغارات. «1018» - كتب أنوشروان إلى مرازبة خراسان: عليكم بأهل السخاء والشجاعة فإنهم أهل حسن ظنّ بالله عز وجل. 1019- قيل لأبي مسلم من أشجع الناس؟ قال: كلّ قوم في إقبال دولتهم شجعان. «1020» - قال عمر بن الخطاب: لا تخون [3] قوى ما كان صاحبها ينزع وينزو (يقول: لا تنتكث قوته ما دام ينزع [4] في القوس وينزو في السرج من غير أن يستعين بركاب) . «1021» - ومن كلام لعلي بن أبي طالب عليه السلام: ربّ حياة سببها التعرض [5] للموت، وربّ منية سببها طلب الحياة.   [1] عيون: تمثلوا. [2] ر م: توفي. [3] عيون: لن تخور. [4] ح: ينتزع. [5] م ح: التعريض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 «1022» - ومثله قول الحصين بن الحمام المري: [من الطويل] تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدما وهي قصيدة طويلة مشهورة من جيد أشعار العرب في هذا الفن، فمن مختارها: فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما نفلّق هاما من رجال أعزّة ... علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما ولما رأينا الصبر قد حيل دونه ... وان كان يوما ذا كواكب مظلما صبرنا وكان الصبر منا سجيّة ... بأسيافنا يقطعن كفّا ومعصما ولما رأيت الودّ ليس بنافعي ... عمدت إلى الأمر الذي كان أحزما فلست بمبتاع الحياة بسبّة ... ولا مرتق من خشية الموت سلما «1023» - قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام: إن جالت الخيل فأين نطلبك؟ قال: حيث تركتموني. «1024» - وقيل له: كيف صرت تقتل الأبطال؟ قال: لأني كنت ألقى الرجل فأقدّر أني أقتله، ويقدّر أني أقتله فأكون أنا ونفسه عونين عليه. «1025» - وقال مصعب الزبيري: كان عليّ عليه السلام حذرا في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 الحروب، شديد الروغان [1] من قرنه، لا يكاد أحد يتمكّن منه، وكانت [2] درعه صدرا لا ظهر لها، فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك؟ فقال: إذا أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ. «1026» - قال ابن عبّاس: عقمت النساء أن يأتين بمثل علي بن أبي طالب عليه السلام، لعهدي به يوم صفين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، وهو يقف على شرذمة من الناس يحضّهم على القتال، حتى انتهى إليّ وأنا في كنف من الناس، وفي أغيلمة من بني عبد المطلب فقال: يا معشر المسلمين تجلببوا السكينة، وأكملوا اللأمة، وأقلقوا [3] السيوف في الأغماد، وكافحوا [4] بالظّبا، وصلوا السيوف بالخطا، فإنكم بعين الله ومع ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. عاودوا الكرّ، واستحيوا من الفرّ، فإنه عار في الاعقاب، ونار يوم الحساب، وطيبوا عن الحياة [5] أنفسا، وسيروا إلى الموت سيرا سجحا، ودونكم هذا الرواق الأعظم فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان راكب صعيديه [6] . قدّموا للوثبة رجلا وأخّروا للنكوص أخرى، فصمدا صمدا حتى يبلغ الحقّ أجله، وَاللَّهُ مَعَكُمْ، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (محمد: 25) . ثم صدر عني وهو يقرأ قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (التوبة: 14) .   [1] ح م: الروعات. [2] ح: مكان؛ م: وكان. [3] نهج: وقلقلوا. [4] نهج: ونافحوا. [5] نهج: عن أنفسكم. [6] نهج: فان الشيطان كامن في كسره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 «1027» - وقد أكثر الشعراء في مثل معنى قوله عليه السلام: صلوا السيوف بالخطا. (1) قال كعب بن مالك: [من الكامل] نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق (2) ومثله لبعض بني قيس بن ثعلبة: [من البسيط] لو كان في الألف منّا واحد فدعوا ... من فارس خالهم إياه يعنونا إذا الكماة تنحّوا أن يصيبهم ... حدّ الظباة وصلناها بأيدينا (3) ومثله: [من الطويل] إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب (4) ومثله: [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 إذا قصرت أسيافنا عن عداتنا ... جعلنا خطانا وصلها فتطول «1027» . (5) ومثله لوداك بن ثميل المازني: [من الطويل] مقاديم وصّالون في الروع خطوهم ... بكلّ رقيق الشفرتين يمان إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم ... لأيّة حرب أم بأيّ مكان «1028» - تمثّل معاوية في عبد الله بن بديل: [من الطويل] أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها ... وإن شمّرت يوما به الحرب شمّرا ويدنو إذا ما الموت لم يك دونه ... قدى الشبر يحمي الأنف أن يتأخرا «1029» - وقال نضلة السّلمي: [من الوافر] ألم تسأل فوارس من سليم ... بنضلة وهو موتور مشيح رأوه فازدروه وهو خرق ... وينفع أهله الرجل القبيح فلم يخشوا مصالته عليهم ... وتحت الرغوة اللبن الصريح فأطلق غلّ صاحبه وأردى ... جريحا منهم ونجا جريح «1030» - وقال حاتم: [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 لحا الله صعلوكا مناه وهمّه ... إذا بات [1] أن يلقى لبوسا ومطعما ولكنّ صعلوكا خميصا فؤاده ... ويمضي على الهيجاء ليثا مصمّما [2] فذلك إن يلق المنية يلقها ... كريما وإن يستغن يوما فربما «1031» - وقال الأعرج المعنيّ: [من الرجز] أنا أبو برزة إذ جدّ الوهل ... خلقت غير زمّل ولا وكل ذا قوّة وذا شباب مقتبل ... لا جزع اليوم على قرب الأجل نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل ... نحن بنو الموت إذا الموت نزل لا عار بالموت إذا حمّ الأجل ... الموت أحلى عندنا من العسل 1032- وقال الأقرع بن معاذ القشيري: [من الطويل] وفيّ على ما كان من شيب لمتي ... خلائق مما يستحبّ وينفع جوامع من قول ونفس سخية ... وقلب إذا ما غشّي الهول أشجع وغلظة إضباري إذا رامني [3] العدا ... وليني إذا حاد الضعيف المدفّع «1033» - وقال قطريّ بن الفجاءة المازني: [من الوافر]   [1] عيون: من الدهر؛ الديوان: من العيش. [2] سقط من م: عجز البيت الأول وشطر الثاني. [3] م: لامني؛ والاضبار: اجتماع الخلق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 أقول لها وقد طارت شعاعا ... من الأبطال ويحك لن تراعي فانك لو سألت بقاء يوم ... على الأجل الذي لك لم تطاعي فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلود بمستطاع ولا ثوب البقاء بثوب عز ... فيطوى عن أخي الخنع اليراع ويروى أخي الجزع، واليراع: القصب، واحدته يراعة وإنما يريد خوره، والخنع: الخضوع [1] سبيل الموت غاية كلّ حيّ ... وداعيه لأهل الأرض داع ومن لا يعتبط يسأم ويهرم ... وتسلمه المنون إلى انقطاع وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عدّ من سقط المتاع «1034» - وقال قيس بن الخطيم الأوسي: [من الطويل] وكنت امرءا لا أسمع الدهر سبّة ... أسبّ بها إلا كشفت غطاءها وإنّي في الحرب العوان موكّل ... باقدام نفس ما أريد بقاءها «1035» - وقال بعض بني قيس بن ثعلبة: [من الطويل] دعوت بني قيس إليّ فشمّرت ... خناذيذ من سعد طوال السواعد إذا ما قلوب الناس طارت مخافة ... من الموت أرسوا بالنفوس المواجد   [1] ويروى ... الخضوع: سقط من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 «1036» - وقال القتّال الكلابي: [من الطويل] إذا همّ همّا لم ير الليل عمّة ... عليه ولم تصعب عليه المراكب إذا جاع لم يفرح بأكلة ساعة ... ولم يبتئس من فقدها وهو ساغب يرى أن بعد العسر يسرا ولا يرى ... إذا كان عسر أنه الدهر لازب «1037» - وقال آخر: [من الرجز] إني إذا ما القوم كانوا أنجيه ... واضطرب القوم اضطراب الأرشيه وشدّ فوق بعضهم بالأرويه [1] ... هناك أوصيني ولا توصي بيه «1038» - وقال بعضهم: [من الرجز] قد علم المستأخرون في الوهل ... إذا السيوف عريت من الخلل أنّ الفرار لا يزيد في الأجل «1039» - وقال سالم بن وابصة: [من البسيط] عليك بالقصد فيما أنت فاعله ... إنّ التخلق يأتي دونه الخلق وموقف مثل حدّ السيف قمت به ... أحمي الذمار وترميني به الحدق   [1] الأروية: الحبال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 فما زلقت ولا أبديت فاحشة ... إذا الرجال على أمثالها زلقوا 1040- قيل: أراد تبع أن يجهّز جيشا وأن يؤمّر عليه [1] رجلا، فأتي برجل فقال: انعت لي نفسك، فقال: أنا جريء عضب لساني، أعرض عن الأمر وإن ساءني، لا أنتقص في قومي، ولا يظفر بي خصمي، قال: انصرف ليس لهذا دعوتك؛ ثم دعا آخر فقال: انعت لي نفسك، قال: إذا تطاولت علوت، وإذا ساورت استويت، وإذا قدرت عفوت، وإذا غمزت قسوت، قال: ليس لهذا دعوتك انصرف؛ ثم دعا آخر فقال: انعت لي نفسك، قال: أعطي المائة، وأحمل الدية، وأسير بالسوية، وأسبق إلى الغاية، قال: انصرف ليس لهذا دعوتك؛ ثم دعا آخر فقال: انعت لي نفسك، قال: أصطنع الجميل، وأنهض بالثقيل، وأعود وأجود، وأكرم القعيد، وأنضي الشديد، وأشبع ضيفي وإن جاع عيالي قال: كدت ولم تفعل انصرف؛ ثم دعا بآخر فقال: انعت لي نفسك قال: أضرب عند النزال، وأغشى الأبطال، وألقح الحرب بعد الحيال، إذا أدبروا طعنت، وإذا أقبلوا ضربت، أترك قرني سطيحا، وكبش القوم نطيحا، فقال الملك: سئلت فبيّنت، ونطقت فأحسنت، اذهب فأنت أنت، وولّاه. «1041» - قال عبد الملك بن مروان يوما لجلسائه، وكان يجتنب غير الأدباء: أيّ المناديل أفضل؟ فقال قائل: مناديل مصر كأنها غرقىء البيض، وقال آخر: مناديل اليمن كأنها أنوار الربيع، فقال عبد الملك: ما صنعتم شيئا، أفضل المناديل ما قال أخو تميم، يعني عبدة بن الطبيب: [من البسيط]   [1] ح م: عليهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 لما نزلنا أصبنا [1] ظلّ أخبية ... وفار للقوم باللحم المراجيل ورد وأشقر ما ينهيه [2] طابخه ... ما غيّر الغلي منه فهو مأكول ثمّت قمنا إلى جرد مسوّمة ... أعرافهنّ لأيدينا مناديل وقد جمع ذلك امرؤ القيس في بيت واحد فقال: [من الطويل] نمشّ بأعراف الجياد أكفّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهّب [3] المضهب [4] : الذي لم يدرك، ونمش: نمسح، ويقال للمنديل المشوش، وغرقىء البيض: قشره الباطن، وقشره الظاهر القيض، وينهيه: ينضجه. «1042» - كان إبراهيم بن الأشتر من الشجعان المعدودين، حارب عبيد الله بن زياد وهو في أربعة آلاف وعبيد الله في سبعين ألفا فظفر به وقتله بيده وهزم جيشه. قال عمير بن الحباب السّلمي، وكان يقال له فارس الاسلام: كان إبراهيم لي صديقا، فلما كان الليلة التي يريد أن يواقع في صبيحتها ابن زياد خرجت إليه ومعي رجل من قومي، فصرت في عسكره، فرأيته وعليه قميص هرويّ وملاءة، وهو متوشح بالسيف، يجوس عسكره فيأمر فيه وينهى، فالتزمته من ورائه فو الله ما التفت إليّ ولكن قال: من هذا؟ فقلت: عمير بن الحباب، فقال: مرحبا بأبي المغلّس، كن بهذا الموضع حتى أعود إليك. (أرأيت أشجع من هذا قط؟ يختضنه رجل من عسكر عدوه لا يدري من هو فلا يلتفت إليه؟) ثم عاد إليّ فقال: ما الخبر؟   [1] المفضليات: لما وردنا رفعنا. [2] المفضليات: لم ينهئه. [3] ح م: مهضب، المهضب. [4] ح م: مهضب، المهضب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 فقلت: القوم كثير، والرأي أن تناجزهم فإنه لا صبر بهذه العصابة القليلة على مطاولة هذا الجمع الكثير، فقال: نصبح إن شاء الله، ثم نحاكمهم إلى ظباة السيوف وأطراف القنا؛ والقصة طويلة لا يتعلق تمامها بهذا الباب. 1043- قال ابن أبي عتيق: نظرت إلى عبد الله بن الزبير وعبد الله ابن صفوان وقد ذهب الناس عنهما ولم يبق معهما أحد، وهما نائمان يغطّان في الليلة التي قتلا في صبيحتها. «1044» - ولما ذهب بهدبة بن الخشرم ليقتل انقطع قبال نعله، فجلس يصلحه، فقيل له: أتصلحه وأنت على مثل هذه الحال؟ فقال: [من الوافر] أشدّ قبال نعلي أن يراني ... عدوّي للحوادث مستكينا «1045» - وكان الناس يختبرون جلد هدبة حين أخرج ليقتل، لقيه عبد الرحمن بن حسان [1] فقال له: يا هدبة أتأمرني أن أتزوج هذه بعدك؟ يعني زوجته، فقال له: إن كنت من شرطها قال: وما شرطها؟ قال: قد قلت ذلك وهو: [من الطويل] فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا [2]   [1] م: جدعان. [2] الأنزع: الذي انحسر مقدم شعر رأسه؛ والأغمّ الذي سال شعره حتى غطى قفا رأسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 كليلا سوى ما كان من حدّ ضرسه ... أكيبد [1] مبطان العشيّات أروعا [2] ضروبا بلحييه على عظم زوره ... إذا القوم هشّوا للفعال تقنّعا [3] وحلّي بذي أكرومة وحمية ... وصبر إذا ما الدهر عضّ فأسرعا «1046» - وقالت له حبى في تلك الحال: لقد كنت أعدّك من الفتيان وقد زهدت فيك [4] اليوم لأني لا أنكر صبر الرجال على الموت، ولكن كيف تصبر عن هذه؟ فقال: والله إنّ حبي لها لشديد، وإن شئت لأصفنّ ذلك، ووقف ووقف الناس معه فقال: [من الطويل] وجدت بها ما لم تجد أمّ واحد ... ولا وجد حبّى بابن أمّ كلاب رأته طويل الساعدين شمردلا ... كما اشترطت [5] من قوة وشباب فانقمعت [6] داخلة في بيتها وأغلقت الباب دونه. «1047» - سأل ابن هبيرة عن مقتل عبد الله بن خازم، فقال رجل ممن حضر مجلسه: سألت وكيع بن الدورقية: كيف قتلته [7] ؟ قال: غلبته بفضل قنا كان لي عليه، فصرعته وجلست على صدره وقلت: يا لثارات دوبلة، يعني أخاه من أمه، فقال: ويلك تقتل كبش مضر بأخيك وكان لا يساوي كفّ نوى؟ ثم تنخم فملأ وجهي، فقال ابن هبيرة: هذه البسالة والله،   [1] م ع: اليبد؛ والاكبيد: الذي في كبده وجع. [2] الأروع: الجبان. [3] ع م: تصنعا. [4] ح: قبل. [5] الأغاني: كما تشتهي. [6] ع: فانقبعت؛ م: فانبعثت. [7] ح: قتله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 استدلّ عليها بكثرة [1] ريقه في ذلك الوقت. «1048» - لما أخذ بيهس الخارجيّ قطعت يداه ورجلاه وترك يتمرغ في التراب، فلما أصبح قال: هل أحد يفرغ عليّ دلوين فاني احتلمت في هذه الليلة، وهو عجب إن كان صادقا، وإن كان كاذبا فيدلّ أيضا على قلة مبالاته وفراغه للمجون. 1049- ووقف عليه رجل وهو مقطوع فقال: ألا أعطيك خاتما تتختم به؟ فقال له بيهس: أشهد أنك [2] إن كنت من العرب فأنت من هذيل، وإن كنت من العجم فأنت بربري، فسئل عنه فإذا هو من هذيل وأمّه بربرية. «1050» - ذكر أعرابي قوما فقال: يقتحمون الحرب كأنهم يلقونها بنفوس أعدائهم. «1051» - كان عبّاد بن الحصين الحبطيّ من فرسان الإسلام، فقيل له: في أيّ جنّة تحبّ أن تلقى عدوك؟ قال: في أجل مستأخر. «1052» - قال المهلب: أشجع الناس ثلاثة: ابن الكلبية وأحمر قريش وراكب البغلة، فابن الكلبية مصعب بن الزبير أفرد في سبعة نفر وأعطي الأمان   [1] م: استدل بها على كثرة. [2] أنك: سقطت من ح م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 وولاية العراقين فأبى ومات كريما، وأحمر قريش عمر بن عبيد الله بن معمر ما لقي خيلا قطّ إلا كان في سرعانها، وراكب البغلة عبّاد بن الحصين الحبطي ما كنّا قط في كربة إلا فرّجها؛ فقال الفرزدق [1] وكان حاضرا: فأين أنت عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن خازم؟ فقال: ويحك إنما ذكرنا الإنس، فأما الجن فلم نذكرهم بعد. «1053» - كان المهلب بن أبي صفرة وأولاده من الشجاعة والنجدة بالموضع المعروف، إلا أنّ المغيرة بن المهلب من بينهم كان أشدّ تمكنا، وكان المهلب يقول: ما شهد معي حربا إلا رأيت البشرى في وجهه، وكان أشدّ ما تكون الحرب أشدّ ما يكون تبسما، وكان إذا نظر إلى الرماح قد تشاجرت في وجهه نكس على قربوس السرج وحمل من تحتها فبراها بسيفه وأثر في أصحابها. «1054» - قيل للمهلب: إنك لتلقي نفسك في المهالك، قال: إن لم آت الموت مسترسلا أتاني مستعجلا، إني لست آتي الموت من حبه وإنما آتيه من بغضه، ثم تمثل بقوله: [من الطويل] تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدّما «1055» - وقيل له في بعض حروبه: لو نمت، فقال: إن صاحب   [1] الفرزدق: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 الحرب إذا نام نام قلبه [1] . «1056» - وقال المهلب: يا بني تباذلوا تحابوا، فإن بني الأمّ يختلفون فكيف بنو العلّات؟ البرّ ينسأ في الأجل، ويزيد في العدد، وإن القطيعة تورث القلّة وتعقب النار بعد الذلة، واتقوا زلّة اللسان فإن الرجل نزلّ رجله فينتعش ويزلّ لسانه فيهلك، وعليكم في الحرب بالمكيدة فإنها أبلغ من النجدة، فإن القتال إذا وقع وقع القضاء وبطل الخيار، فان ظفر فقد سعد، وإن ظفر به لم يقولوا فرّط؛ واقتدوا بقول نبيكم صلّى الله عليه وسلّم: الحرب خدعة، فليكن أول أمركم منها وآخره المكيدة، فإذا اضطررتم إلى المجالدة فعليكم بالمطاولة فإنها نتيجة الظفر وذريعة المكايد [2] ، وهي بعد دربة [3] الفارس وتخريج الناشىء. «1057» - قال الجاحظ، قال المهلب: ليس أنمى من سيف، فوجد الناس تصديق قوله فيما نال ولده من السيف، فصار فيهم النماء؛ وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: السيف أنمى عددا، وأكرم ولدا، ووجد الناس ذلك بالعيان الذي صار إليه ولده من نهك السيف وكثرة الذروء وكرم النجل.   [1] م: جسده. [2] ح م: المكايدة. [3] ح: درية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 «1058» - قال حبيب بن المهلب: ما رأيت رجلا مستلئما في الحرب إلا كان عندي رجلين، ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحدا، فسمع بعض أهل المعرفة هذا الكلام فقال: صدق، إن للسلاح فضيلة، ألا تراهم ينادون السلاح السلاح ولا ينادون الرجال الرجال. «1059» - قال رجل: كنت عند يزيد بن حاتم بافريقية، وكنت به خاصّا، فعرض عليه تاجر أدراعا فأكثر تقلبيها ومزاولة صاحبها [1] ، فقلت له: أصلح الله الأمير فعلام نلوم السوق؟ فقال: ويحك إنّي لست أشتري أدراعا إنما أشتري أعمارا. «1060» - قال بعض لصوص بني سعد: [من الطويل] ألم ترني صاحبت صفراء نبعة [2] ... وأسمر إلا ما تحلّل عامله [3] وطال احتضاني السيف حتى كأنما ... يلاط بكشحي جفنه وحمائله أخو فلوات صاحب الجنّ وانتحى ... عن الإنس حتى قد تقضّت وسائله له نسب في الإنس يعرف نجره ... وللجنّ منه شكله وشمائله   [1] ومزاولة صاحبها: سقطت من م. [2] خ بهامش ح: ألم ترنى صفراء أحمل نبعة. [3] الكامل: لها ربذي لم تفلل معابله. والربذي: وتر شديد الحركة عند دفع السهام، والمعابل: السهام الخفيفة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 «1061» - وقال العبّاس بن عبد المطلب: [من الطويل] أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت ... قواطع في أيماننا تقطر الدما تركناهم لا يستحلّون بعدها ... لذي رحم من سائر الناس محرما وزعناهم وزع الخوامس غدوة ... بكلّ سريجيّ إذا هزّ صمما أبا طالب لا تقبل النّصف منهم ... وإن أنصفوا حتى تعفّ وتظلما «1062» - قال أبو طالب بن عبد المطلب: [من الطويل] وإنا لعمر الله إن جدّ قومنا ... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل [1] بكفّ فتى مثل الشهاب سميدع ... أخي ثقة حامي الحقيقة باسل وحتى ترى ذا الرّدع يركب ردعه ... من الطّعن فعل الأنكب المتحامل [2] «1063» - قطري بن الفجاءة: [من الطويل] إلى كم تعاديني [3] السيوف ولا أرى ... معاداتها تدعو إليّ حماميا أقارع عن دار الخلود ولا أرى ... بقاء على حال لمن ليس باقيا   [1] ح: بالأنامل. [2] يركب ردعه: يخر لوجهه على دمه، الأنكب: المائل. [3] في رواية: تغاربني، تغازيني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 ولو قرّب الموت القراع لقد أنى ... لموتي أن يدني إليّ قراعيا [1] أغادي جلاد المعلمين كأنني ... على العسل الماذيّ أصبح غاديا وأدعو الكماة للنزال إذا القنا ... تحطّم فيما بيننا من طعانيا ولست أرى نفسا تموت وإن دنت ... من الموت حتى يبعث الله داعيا «1064» - سأل عبد الملك بن مروان عن أشجع الناس في الشعر فقالوا: عمرو بن معدي كرب فقال عبد الملك: كيف وهو الذي يقول: [من الطويل] وجاشت إليّ النفس أوّل مرة ... وردّت [2] على مكروهها فاستقرّت قالوا: فعامر بن الطفيل، قال: وكيف وهو الذي يقول: [من الطويل] أقول لنفس لا يجاد بمثلها ... أقلّي مراحا إنني غير مدبر [3] قالوا فعنترة، قال: كيف وهو الذي يقول: [من الكامل] إذ يتّقون بي الأسنّة لم أخم ... عنها ولكنّي تضايق مقدمي   [1] في رواية: أن يدنو لطول قراعيا. [2] ح م: فردت. [3] الديوان: غير مقصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 قالوا: فمن أشجعهم؟ قال: ثلاثة نفر: قيس بن الخطيم الأوسي والعبّاس بن مرداس السلمي ورجل من مزينة، أما قيس بن الخطيم فقال: [من الطويل] وإني لدى الحرب العوان موكّل ... بإقدام نفس ما أريد بقاءها وأما العبّاس بن مرداس فقال: [من الوافر] أشدّ على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها وأما المزني فقال: [من الوافر] دعوت بني قحافة فاستجابوا ... فقلت ردوا ألا طاب النزول «1065» - قيل للمهلب بن أبي صفرة: ما أعجب ما رأيت في حرب الأزارقة؟ فقال: فتى كان يخرج إلينا منهم في كل غداة فيقف ويقول: [من الطويل] وسائلة بالغيب عني ولو درت ... مقارعتي الأبطال طال نحيبها إذا ما التقينا كنت أوّل فارس ... يجود بنفس أثقلتها ذنوبها ثم يحمل فلا يقوم له شيء إلا أقعده فإذا كان من الغد عاد لمثل ذلك. «1066» - وقال زيد الخيل: [من البسيط] هلا سألت بني نبهان [1] ما حسبي ... عند الطعان إذا ما احمرّت الحدق   [1] البصرية: هداك الله؛ م: بني النبهان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 وجالت الخيل مبتلّا جحافلها [1] ... زورا يسفح من لبّاتها العرق [2] هل أطعن الفارس الحامي حقيقته ... نجلاء يهلك فيها الزيت والخرق وأضرب الكبش والخيلان جانحة ... والهام منا ومن أعدائنا فلق «1067» - وقال آخر: [من الطويل] وقد طال حملي الرمح حتى كأنه ... على فرسي غصن من البان نابت يطول لساني في العشيرة مصلحا ... على أنّني يوم الكريهة ساكت «1068» - وقال آخر: [من الطويل] حرام على أرماحنا طعن مدبر ... وتندقّ قدما في الصدور صدورها محرمة أعجاز خيلي على القنا ... محللّة لبّاتها ونحورها «1069» - وقال جابر بن حنيّ: [من الطويل] نعاطي الملوك السّلم ما قصدوا لنا ... وليس علينا قتلهم بمحرّم يرى الناس منّا جلد أسود سالخ ... وفروة ضرغام من الأسد ضيغم وعمرو بن همّام صقعنا جبينه ... بشنعاء تشفي سورة المتظلم   [1] البصرية: بالأبطال معلمة. [2] البصرية: شعث النواصي عليها البيض يأتلق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 «1070» - وقال القطامي: [من الوافر] بضرب يبصر العميان منه ... وتعشى دونه الحدق البصار «1071» - وقال الأعشى: [من الكامل] وإذا تجيء كتيبة ملمومة ... يخشى الكماة الدارعون نزالها كنت المقدم غير لابس جنّة ... بالسيف تضرب معلما أبطالها 1072- وقال رجل من بني كاهل: [من الطويل] يزيد اتساعا في الكريهة صدره ... تضايق أطراف الوشيج المقوّم فما شارب بين الندامى معلل ... بأطرب منه بين سيف ولهذم كأنّ نفوس الناس في سطواته ... فراش تهادى في حريق مضرّم «1073» - وقال أبو ذؤيب: [من الكامل] حميت عليه الدرع حتى وجهه ... من حرّها يوم الكريهة أسفع تعدو به خوصاء يفصم جريها ... حلق الرحالة فهي رخو تمزع [1] بينا تعنّقه الكماة وروغه ... يوما أتيح له جريء سلفع [2] وكلاهما متوشّح ذا رونق ... عضبا إذا مسّ الكريهة يقطع وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبّع [3]   [1] خوصاء: غائرة العين؛ تمزع: تمرّ في عدوها بخفة. [2] بينا يقبل ويراوغ ويطاعن، عرض له فارس جريء واسع الصدر. [3] مسرودتان: درعان، قضاهما: عملهما، صنع السوابغ: الماهر بعمل الدروع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 وكلاهما في كفّه يزنيّة ... فيها سنان كالمنارة أصلع [1] يتناهبان المجد كلّ واثق ... ببلائه واليوم يوم أشنع فتنازلا وتواقفت خيلاهما ... وكلاهما بطل اللقاء مخدّع فتخالسا نفسيهما بنوافذ ... كنوافذ العبط التي لا ترقع [2] وكلاهما قد عاش عيشة ماجد ... وجنى العلاء لو أنّ شيئا ينفع السلفع: الجريء، يقال: ناقة سلفع أي جريئة على السير، وقوله كالمنارة أراد المصباح نفسه فلما لم يستقم له أقام المنارة مقامه، وأصلع: براق، والمخدّع ها هنا أي ذو خدعة في الحرب، وقال أبو عمرو: مجدّع مضروب بالسيف ومخدّع أيضا بالخاء وهو المقطع بالسيوف. «1074» - أمّر عثمان بن عفان رضي الله عنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح على إفريقية فغزاها، وكان المسلمون عشرين ألفا، وفيهم عبد الله بن الزبير بن العوام، قال عبد الله بن الزبير: أحاط بنا جرجير [3] صاحب إفريقية وهو ملك فرنجة [4] في مائة وعشرين ألفا، فضاق بالمسلمين أمرهم واختلفوا في الرأي، فدخل عبد الله بن سعد فسطاطه يخلو ويفكر، قال عبد الله بن الزبير: فرأيت عورة من جرجير، والناس على مصافّهم، رأيته على برذون أشهب خلف أصحابه منقطعا منهم، معه جاريتان تظلان عليه من الشمس بريش الطواويس [5] ،   [1] اليزنية: الأسنة المنسوبة إلى ذي يزن. [2] النوافذ: يريد الطعنات النافذة، العبط: الجلود أو الأثواب المشقوقة. [3] ع: جرين؛ م ح: جرير. [4] م: افرنجة. [5] م: الطاوس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 فجئت فسطاط عبد الله بن سعد فطلبت الإذن عليه من حاجبه فقال: إنه في شأنكم وقد أمرني أن أمسك الناس عنه، قال: فدرت فأتيت مؤخر الفسطاط فرفعته فإذا هو مستلق على فراشه، ففزع وقال: ما أدخلك عليّ يا ابن الزبير؟ فقلت: انه كلّ أزبّ نفور، إني رأيت عورة من عدونا فرجوت الفرصة منها وخشيت فوتها، فاندب الناس لي، قال: وما هي؟ فأخبرته فقال: فرصة وعورة لعمري، ثم خرج فقال: أيها الناس انتدبوا مع ابن الزبير إلى عدوكم. فاخترت ثلاثين فارسا وقلت: إني حامل فاضربوا عن [1] ظهري فاني سأكفيكم من ألقى إن شاء الله تعالى، فحملت في الوجه الذي هو فيه وحملوا فذبّوا عني حتى حزتهم إلى أرض خالية وتبيّنني فصمدت صمده، فو الله ما حسب إلا [2] أني رسول ولا ظنّ أكثر أصحابه إلا ذاك، حتى رأى ما بي من السلاح فثنى برذونه هاربا. فأدركته فطعنته فسقط، فرميت بنفسي عليه، واتقت جاريتاه عنه السيف فقطعت يدا إحداهما، وأجهزت عليه ثم رفعت رأسه في رمحي، وجال أصحابه، وحمل المسلمون في ناحيتي وكثروا [3] ، فقتلوهم كيف شاءوا وكانت الهزيمة. «1075» - لما كان يوم مسكن وهرب الناس عن مصعب بن الزبير، دخل على سكينة بنت الحسين، وكانت شديدة المحبة له، وكانت تخفي ذلك عنه، فلبس غلالة وتوشح عليها وانتضى السيف، فلما رأت ذلك علمت أنه عزم على أن لا يرجع، فصاحت من ورائه واحرباه، فالتفت إليها وقال: أو هذا لي في قلبك؟ فقالت: أي والله وأكثر من هذا، فقال: أما لو علمت   [1] م: على. [2] م: ما حسبني إلا. [3] م: وكبروا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 لكان لي ولك شأن، ثم خرج فقال لابنه عيسى: يا بنيّ انج إلى نجائك فإن القوم لا حاجة بهم إلى غيري، وستفلت بحيلة أو بقيا [1] فقال: يا أبتاه لا أخّرت [2] والله عنك أبدا فقال: أما والله لئن قلت ذلك لما زلت أتعرّف الكرم في أساريرك وأنت تقلّب في مهدك، فقتل بين يدي أبيه. ففي ذلك يقول الشاعر: [من الطويل] فلو كان شهم النفس أو ذا حفيظة ... رأى ما رأى في الموت عيسى بن مصعب وأم عيسى هذا بنت فلان بن السائب من بني أسد بن عبد العزّى، وروي أن أباها زوجها عمرو بن عثمان بن عفان فلما نصت عليه طلّقها على المنصة، فجاء أبوها إلى عبد الله بن الزبير فقال له: إنّ عمرو بن عثمان طلّق ابنتي على المنصّة، وقد ظنّ الناس أنّ ذلك لعاهة، وأنت عمها فقم فادخل إليها، فقال عبد الله: أو خير من ذلك؟ جيئوني بالمصعب فخطب عبد الله فزوجها من المصعب وأقسم عليه ليدخلنّ بها في ليلته، فلا يعلم أنّ أمرأة نصت على رجلين في ليلة غيرها، فأولدها المصعب عيسى وعكاشة. «1076» - كان محمد بن الحنفية شجاعا أيّدا وله في أيده أحاديث مشهورة، منها: أن أباه عليا عليه السلام اشترى درعا فاستطالها، فقال: لينقص منها كذا، وعلّم على موضع منها، فقبض محمد بيده اليمنى على ذيلها وبالأخرى على فضلها، ثم جذبه فقطعها من الموضع الذي حدّ أبوه، وكان عبد الله بن الزبير يحسده على قوته، فإذا حدّث بهذا الحديث غضب واعتراه أفكل [3] .   [1] ح: بفنا؛ أو بقيا: سقطت من م. [2] ح: أحدث؛ م: أخذت. لعلها: أجدن.. بدّا) . [3] الأفكل: الرعدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 «1077» - كان مسلمة بن عبد الملك فارس بني أمية وشجاعهم، قال له أخوه هشام: يا أبا سعيد هل دخلك ذعر قطّ بحرب شهدتها أو لعدو؟ قال: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبّه على حيلة، ولم يفتني فيها ذعر سلبني [1] رأيي، قال هشام: هذه البسالة. «1078» - لم يكن في بني العبّاس أشجع من المعتصم، ولا أشدّ قلبا وأيدا، ولا أحسن تيقظا في الحرب، وكان من شدته يسمي ما بين إصبعيه السبابة والوسطى «المقطرة» ، واعتمد بها مرة على ساعد إنسان فدقّه، وكتب إليه ملك الروم يتهدّده، فأمر بكتب جوابه فلما قرىء عليه لم يرضه وقال للكاتب: اكتب، بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فقد قرأت كتابك والجواب ما ترى لا ما تسمع وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (الرعد: 42) . «1079» - وقال ابن أبي دواد: كان المعتصم يقول لي: يا أبا عبد الله عضّ ساعدي بأكثر قوتك، فأقول: والله يا أمير المؤمنين ما تطيب نفسي بذلك، فيقول: إنه لا يضرّني، فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنّة فكيف الأسنان؟ «1080» - ويقال إنه طعنه بعض الخوارج وعليه جوشن، فأقام المعتصم ظهره فقصف الرمح بنصفين.   [1] م ح: يسلبني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 «1081» كان عبد الملك بن صالح واليا للرشيد على الشام، فكان إذا وجه سريّة إلى أرض الروم أمّر عليها أميرا شهما وقال له: اعلم أنك مضارب الله تعالى بخلقه، فكن بمنزلة التاجر الكيّس إن وجد ربحا وإلا احتفظ برأس المال، وكن من احتيالك على عدوّك أشدّ حذرا من احتيال عدوك عليك. «1082» - وولّى العبّاس بن زفر الثغر فودّعه وقال: يا عبّاس إنّ حصن المحارب من عدوه حسن تدبيره، والمقاتل عنه جليد رأيه وصدق بأسه. «1083» - يقال: إنه لا يصدق ويصبر في اللقاء إلا ثلاثة: مستبصر في دين، أو غيران على حرمة، أو ممتعض من ذلّ. «1084» - كان حبيب بن مسلمة الفهري يغزو الترك، فخرج ذات مرّة إلى بعض غزواته فقالت له امرأته: أين موعدك؟ قال: سرادق الطاغية أو الجنة، قالت: إني لأرجو أن أسبقك إلى أيّ الموضعين كنت فيه، فجاء فوجدها في سرادق الطاغية تقاتل الترك. «1085» - قال جعفر بن علبة الحارثيّ: [من الطويل] لا يكشف الغماء إلّا ابن حرّة ... يرى غمرات الموت ثم يزورها نقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ... ففينا غواشيها وفيهم صدورها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 «1086» - وقال ابن هرمة: [من الوافر] إذا شدّوا عمائمهم ثنوها ... على كرم وإن سفروا أناروا يبيع ويشتري لهم سواهم ... ولكن بالطعان هم تجار 1087- قيل: دخل على معاوية بعض كنانة فقال له: هل شهدت بدرا؟ قال: نعم، قال: مثل من كنت يومئذ؟ قال: غلام ممدود مثل عصا الجلمود، قال: فحدثني ما رأيت وحضرت، قال: ما كنّا إلا شهودا كأغياب، وما رأيت ظفرا كان أوشك منه، قال: فصف لي من رأيت، قال: رأيت في سرعان الناس عليّ بن أبي طالب غلاما ليثا عبقريا يفري الفريّ، لا يلبث [1] له أحد إلّا قتله، ولا يضرب شيئا إلا هتكه، لم أر من الناس أحدا قطّ أثقف منه، يحمل حملة ويلتفت التفاتة كأنه ثعلب روّاغ، وكأن له عينين في قفاه، وكأنّ وثوبه وثوب [2] وحشيّ، يتبعه رجل معلم بريش نعامة، كأنه جمل يحطم يبيسا، لا يستقبل شيئا إلا هدّه، ولا يثبت له شيء إلا ثكلته أمّه، شجاع ابله يحمل بين يديه، قيل هذا حمزة بن عبد المطلب عم محمد صلّى الله عليه وسلّم قال: فرأيت ماذا؟ قال: رأيت ما وصفت لك، ورأيت جدّك عتبة وخالك الوليد حيث قتلا، ورأيت من حضر من أهلك لم يغنوا عنه شيئا، قال: فكنت من المنهزمين؟ قال: نعم لما انهزمت عشيرتك، قال: فأين كنت منهم؟ قال: لما انهزمنا كنت في سرعانهم، قال: فأين أرحت؟ قال: ما أرحت حتى نظرت إلى الهضبات [3] ، قال: لقد أحسنت الهرب،   [1] م: يثبت. [2] وثوب: سقطت من ح م. [3] ع: العضبات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 قال: قبلي ما [1] أحسنه أبوك وبعد ما اتعظت بمصرع كمصرع جدّك وخالك وأخيك، قال: إنك لغليظ الكلام، قال: إنني ممن تعرف، قال: إنكم لتبغضون قريشا، قال: أما من كان أهله منهم فنبغضه، قال: ومن الذين هم اهله [2] ؟ قال: من قطع القرابة واستأثر بالفيء وطلب الحقّ فلما أعطيه منعه، قال: ما فيك خير من أن نسكت عنك، قال: ذاك إليك، قال: قد فعلت، قال: فقد [3] سكت. «1088» - قال الحارث بن خالد المخزومي، وقد فرّ عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد من الخوارج فرارا قبيحا، على كثرة عدده [4] وقلتهم: [من الخفيف] فرّ عبد العزيز حين رأى الأب ... طال بالسفح نازلوا قطريّا عاهد الله إن نجا ملمنايا ... ليعودنّ بعدها حرميّا [5] حيث لا يشهد القتال ولا يس ... مع يوما لكرّ خيل دويا «1089» - قيل لأعرابي: ألا تغزو فإن الله قد أمرك به، فقال: والله إني لأبغض الموت على فراشي في عافية فكيف أمضي إليه ركضا، ومثله قول الشاعر: [من البسيط]   [1] م: لقد. [2] ح: من أهله. [3] ح م: قد. [4] م: عددهم. [5] ح: احدميا (دون اعجام) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 تمشي المنايا إلى قوم فأبغضها ... فكيف أعدو إليها عاري الكتف «1090» - أنفذ الحجاج رجلا من ثقيف يستحثّ المهلب على مناجزة الخوارج، فلما وقعت الحرب انهزم الثقفيّ، فقال رجل من بني عامر بن صعصعة: [من الكامل] ما زلت يا ثقفيّ تخطب بيننا ... وتعمّنا بوصية الحجّاج حتى إذا ما الموت أقبل زاخرا ... وسما لنا صرفا بغير مزاج ولّيت يا ثقفيّ غير مناظر ... تنساب بين أحزّة وفجاج ليست مقارعة الكماة لدى الوغى ... شرب المدامة في إناء زجاج «1091» - قال أعرابيّ لقومه، وقد صافّوا بعض أصحاب السلطان: يا قوم لا أعرّكم من نشّاب معهم في جعاب كأنها نيوب الفيلة، وقسيّ كأنها العتل، ينزع أحدهم حتى يتفرق شعر إبطه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء مقطع [1] ، فما بين أحدكم وبين أن ينصدع قلبه منزلة، قال: فطاروا رعبا قبل اللقاء. «1092» - قيل: كانت لفتى من قريش وصيفة نظيفة جميلة الوجه حسنة الأدب وكان بها معجبا، فأضاق واحتاج إلى ثمنها، فحملها إلى العراق زمن الحجاج فباعها، فوقعت إلى الحجاج، فكانت تلي خدمته، فقدم عليه   [1] ح م: منقطع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 فتى من ثقيف، أحد بني عقيل [1] ، فأنزله قريبا منه وألطفه، فدخل عليه يوما والوصيفة تغمز رجل الحجاج، وكان للفتى جمال وهيئة، فجعلت الوصيفة تسارق الثقفيّ النظر، وفطن الحجاج فقال للفتى: ألك أهل؟ قال: لا، قال: خذ بيد هذه الوصيفة فاسكن إليها واستأنس بها حتى [2] أنظر لك بعض [3] بنات عمك، فدعا له، وأخذها مسرورا وانصرف إلى رحله، فباتت معه ليلتها [4] وهربت بغلس، فأصبح لا يدري أين هي، وبلغ الحجاج ذلك، فأمر مناديا فنادى: برئت الذمة ممن آوى وصيفة من صفتها كذا وكذا، فلم يلبث أن أتي بها، فقال لها: يا عدوة الله، كنت عندي من أحبّ الناس، واخترت لك ابن عمي شابا حسن الوجه، ورأيتك تسارقينه النظر، فدفعتك إليه وأوصيته بك، فما لبثت إلا سواد ليلتك حتى هربت، قالت: يا سيدي، اسمع قصتي ثم اصنع ما أحببت، قال: هات، قالت: كنت لفلان القرشي، وكان بي معجبا، فاحتاج إلى ثمني فحملني إلى الكوفة، فلما صرنا قريبا من البلد دنا مني فوقع عليّ فلم يلبث أن سمع بزئير الأسد، فوثب عني إليه واخترط سيفه ثم حمل عليه فضربه وقتله [5] ، ثم أقبل إليّ وما برد ما عنده، فقضى حاجته، وكان ابن عمك هذا الذي اخترته لي لما أظلم الليل قام إليّ، فإنه لعلى بطني إذ وقعت فأرة من السقف عليه، فضرط ثم وقع مغشيا عليه، فمكث زمانا طويلا أقلّبه وأرشّ على وجهه الماء وهو لا يفيق، فخفت أن تتهمني به فهربت فزعا [6] من القتل، فما ملك الحجاج نفسه وقال: ويحك لا تعلمي بهذا أحدا، قالت: يا سيدي على أن لا تردني إليه، قال: لك ذلك.   [1] م: أبي عقيل. [2] ح م: إلى أن. [3] بعض: سقطت من م. [4] م: ليلته. [5] م: واحتز رأسه بسيفه. [6] فزعا: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 «1093» - حدّث جار لأبي حية النميري قال: كان لأبي حيّة سيف ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان يسميه لعاب المنية، فأشرفت عليه وقد انتضاه من غمده وقد استذمر، وهو واقف [1] على باب بيت في داره، وقد سمع حسا، وهو يقول: أيّها المغترّ بنا والمجترىء علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنايا [2] الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك لا أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا تملأ الفضاء خيلا ورجلا، فيا سبحان الله ما أكثرها وأطيبها، ثم فتح الباب على وجل فإذا كلب قد خرج فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفاني حربا. «1094» - قال الأخطل يذكر شجاعا: [من الطويل] وكرّار خلف المرهقين جواده ... حفاظا إذا لم يحم أنثى حليلها ثنى مهره والخيل رهو كأنها ... قداح على كفّي مفيض يجيلها يهين وراء الخيل نفسا كريمة ... لكبّة موت ليس يودى قتيلها ويعلم أنّ المرء [3] ليس بخالد ... وأن منايا المرء يسعى دليلها   [1] م: وقد انتضاه وهو واقف. [2] م ح: المنية: [3] م: الموت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 «1095» - وقال أبو كبير الهذلي: [من الكامل] صعب الكريهة لا يرام جنابه ... ماضي العزيمة كالحسام المقصل [1] يحمي الصحاب إذا تكون كريهة ... وإذا هم نزلوا فمأوى العيّل «1096» - وقال تأبّط شرا: [من الطويل] إذا حاص عينيه كرى النوم لم يزل ... له كالىء من قلب شيحان فاتك ويجعل عينيه ربيئة قلبه ... إلى سلّة من حد أخلق صائك يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أمّ النجوم الشوابك أراد المجرة وقيل الشمس [2] . «1097» - وقال موسى بن جابر الحنفي: [من الطويل] ألم تريا أني حميت حقيقتي ... وباشرت حدّ الموت والموت دونها وجدت بنفس لايجاد بمثلها ... وقلت اطمئنّي حين ساءت ظنونها وما خير مال لا يقي الذمّ ربّه ... ونفس امرىء في حقّها لا يهينها «1098» - وقال عروة بن الورد: [من الطويل]   [1] ح: المصقل. [2] أراد ... الشمس: سقط من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 ولكنّ صعلوكا صفيحة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنوّر مطلّا على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر إذا بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوّف أهل الغائب المتنظّر فذلك إن يلق الكريهة يلقها ... حميدا وإن يستغن يوما فأجدر «1099» - وقال عمرو بن كلثوم: [من الطويل] معاذ الاله أن تنوح نساؤنا ... على هالك أو أن نضجّ من القتل قراع السيوف بالسيوف أحلّنا ... بأرض براح ذي أراك وذي أثل «1100» - وقال عبد الله [1] بن سبرة: [من الطويل] وإني إذا ضنّ الأمير باذنه ... على الإذن من نفسي إذا شئت قادر «1101» - وقال تأبط شرا: [من الطويل] قليل غرار النوم أكبر همّه ... دم الثأر أو يلقى كميّا مقنّعا يماصعه كلّ يشجّع قومه ... وما ضربه هام العدى ليشجّعا قليل ادّخار الزاد إلّا تعلّة ... فقد نشز الشّرسرف والتصق المعا يبيت بمغنى الوحش حتى ألفنه ... ويصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا وإني وإن عمّرت أعلم أنني ... سألقى سنان الموت يبرق أصلعا ومن يغز بالأعداء لا بد أنه ... سيلقى بهم من مصرع الموت مصرعا   [1] م ح: عبدة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 «1102» - وقال معبد بن علقمة: [من الطويل] فقل لزهير إن شتمت سراتنا ... فلسنا بشتّامين للمتشتّم ولكننا نأبى الظّلام ونعتصي ... بكلّ رقيق الشفرتين مصمّم وتجهل أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلم وان التمادي في الذي كان بيننا ... بكفّيك فاستأخر له أو تقدّم «1103» - وقال موسى بن جابر الحنفي: [من الطويل] وإنا لوقّافون بالموقف الذي ... يخاف رداه [1] والنفوس تطلّع وإنّا لنعطي المشرفيّة حقّها ... فتقطع في أيماننا وتقطّع «1104» - تزوج الهذلول بن كعب العنبريّ امرأة من بني بهدلة، فرأته يوما يطحن وقد نزل به ضيف، فضربت صدرها وقالت: هذا زوجي [2] ؟ فقال في ذلك: [من الطويل] تقول ودقّت [3] صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس فقلت لها لا تعجبي وتبيّني ... فعالي إذا التفّت عليّ الفوارس ألست أردّ القرن يركب ردعه ... وفيه سنان ذو غرارين يابس   [1] معجم المرزباني: بالثغرة التي ... رداها. [2] م: زوجي هذا. [3] م: وصكت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 وأحتمل الأوق الثقيل وأمتري ... خلوف المنايا حين فرّ المغامس [1] وأقري الهموم الطارقات حزامة ... إذا كثرت للطارقات الوساوس إذا خام [2] أقوام تقحمت غمرة ... يهاب حميّاها الألدّ المداعس لعمر أبيك الخير إني لخادم ... لضيفي وإني إن ركبت لفارس وإني لأشري الحمد أبغي رباحه ... وأترك قرني وهو خزيان تاعس «1105» - وقال طفيل الغنوي: [من الرجز] إذا تخازرت وما بي من خزر ... ثم كسرت العين من غير عور ألفيتني ألوى بعيد المستمر ... ذا صولة في المصمئلّات الكبر أحمل ما حمّلت من خير وشر ... كالحية الصمّاء في ظلّ الحجر «1106» - قال آخر ويروى [3] لابن قيس الرقيات: [من الطويل] وإني لآبى الشرّ حتى إذا أبى ... تجنّب بيتي قلت للشرّ مرحبا وأركب ظهر الأمر حتى يلين لي ... إذا لم أجد إلا على الشرّ مركبا   [1] الأوق: العبء؛ المغامس: الشجاع. [2] خام: نكل وجين. [3] م ح: وروي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 «1107» - وقال آخر: [من الطويل] أفرّ حذار الشرّ والشرّ تاركي [1] ... وأطعن في أنيابه وهو كالح «1108» .- (1) وقال ابن هرمة: [من الطويل] إذا ما أراد الأمر ناجى ضميره ... فناجى ضميرا غير مضطرب العقل ولم يشرك الأدنين في جلّ أمره ... إذا انتقضت بالأضعفين قوى الحبل [2] (2) وقال أيضا في مثل ذلك: [من الطويل] يزرن امرءا لا يمحض القوم أمره ... ولا ينتجي الأدنين فيما يحاول إذا ما أبى شيئا مضى كالذي أبى ... وإن قال إني فاعل فهو فاعل «1109» - ومثله لسعد بن ناشب المازني: [من الطويل] إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ... ونكّب عن ذكر العواقب جانبا ولم يستشر في أمره غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا «1110» - وقال مالك بن الريب في مثله: [من الطويل]   [1] م ح: نازلي. [2] ح م: الحمل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وما أنا بالنابي الحفيظة بالوغى ... ولا المتّقي في السلم جرّ الجرائم ولا المتأرّي في العواقب للذي ... أهمّ به من فاتكات العزائم ولكنني ماضي العزيمة مقدم ... على غمرات الحادث المتفاقم قليل اختلاج الرأي في الجدّ والهوى ... جميع الفؤاد عند وقع العظائم «1111» - وقال [أبو] قيس بن الأسلت: [من السريع] قالت ولم تقصد لقيل الخنا ... مهلا فقد أبلغت أسماعي واستنكرت لونا له شاحبا [1] ... والحرب غول ذات أخداع [2] من يذق الحرب يجد طعمها ... مرّا وتتركه [3] بأوجاع قد حصّت البيضة رأسي فما ... أطعم نوما غير تهجاع أسعى على جلّ بني مالك ... كلّ امرىء في شأنه ساع أعددت للأعداء فضفاضة ... موضونة [4] كالنّهي بالقاع أحفزها [5] عني بذي رونق ... أبيض مثل الملح [6] قطّاع صدق حسام وادق حدّه ... ومارن [7] أسمر قرّاع بزّ [8] امرىء مستبسل حاذر ... للدهر جلد غير مجزاع الكيس والقوة خير من ال ... إدهان والفهّة [9] والهاع [10]   [1] المفضليات (ض) : أنكرته حين توسمته. [2] م وأصل ح: أوجاع. [3] ض: وتحبسه. [4] ض: موضونة فضفاضة. [5] م ح: أحفرها؛ ع: أحقرها. [6] ض: مهند كالملح. [7] ض: ومجنا. [8] ح: مرّ؛ م: ابن. [9] ض: والفكة. [10] الادهان: النفاق، الفكة: الضعف، والفهة: العيّ؛ والهاع: النزع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 هلا سألت القوم [1] إذ قلّصت ... ما كان إبطائي وإسراعي هل أبذل المال على حبّه ... فيهم وآتي دعوة الداعي وأضرب القونس [2] يوم الوغى ... بالسيف لم يقصر به باعي «1112» .- (1) وقال العلوي صاحب الزنج: [من الكامل] يلقى السيوف بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر ويقول للطّرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر (2) وقال أيضا: [من الرجز] إذا اللئيم مطّ حاجبيه ... وذبّ عن حريم درهميه فاقذف عنان البخل في يديه ... وقم إلى السيف وشفرتيه فاستنزل الرزق بمضربيه ... إن قعد الدهر فقم إليه (3) ومن شعره أيضا: [من المتقارب] وإنّا لتصبح أسيافنا ... إذا ما اهتززن ليوم سفوك منابرهنّ بطون الأكفّ ... وأغمادهنّ رؤوس الملوك   [1] ض: الخيل. [2] القونس: عظيم تحت ناصية الفرس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 «1113» - أبو العشائر ابن حمدان: [من الكامل] أأخا الفوارس لو رأيت مواقفي ... والخيل م تحت الفوارس تنحط لقرأت منا ما تخطّ يد الوغى ... والبيض تشكل والأسنة تنقط «1114» - وقال أبو العبّاس النامي: [من الكامل] ومنازلين إذا بدوا في شارق ... شبّوا ضياء وقوده بوقود ردّوا على داود صنعة سرده ... لغناهم [1] بالصبر عن داود لا يصبحون إذا انتضوا بيض الظبا ... وشبا القنا غير المنايا السود «1115» - ومن كلام لأبي محمد المهلبي يناسب معنى البيت الثاني: فإنهم لشدّة [2] تجهمهم، وسرعة تهجمهم [3] : [من الكامل] تركوا المكيدة والكمين لجهدهم [4] ... والنّبل والأرماح للأسياف «1116» - ومن كلامه أيضا: قد صدقه الحملة، ومنعه المهلة، [من المتقارب] وأصلاه حر جحيم الحديد ... تحت دخان من القسطل   [1] م: لغنائهم. [2] اليتيمة: فاتهم بشدة. [3] فانهم لشدة ... تهجمهم: سقط من م. [4] م ح واليتيمة: جهرهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 «1117» .- (1) وقال أبو الفرج الببغاء: [من البسيط] من كلّ متّسع الأخلاق مبتسم ... للخطب إن ضاقت الأخلاق والحيل يسعى به البرق إلا أنّه فرس ... في صورة الموت إلا أنه رجل يلقى الرماح بصدر منه ليس له ... ظهر وهادي جواد ما له كفل (2) وقال أيضا: [من البسيط] الباذلي العرف والأنواء باخلة ... والمانعي الجار والأعمار تخترم حيث الدجى النقع والبيض الكواكب وال ... أسد الفوارس والخطيّة الأجم «1118» - وقال السريّ الرفّاء: [من الوافر] طلعت على الديار وهم نبات ... وأغمدت السيوف وهم حصيد فما أبقيت إلا مخطفات ... حمى الأخطاف منها والنهود «1119» - وقال عبد الله بن رواحة الأنصاري: [من الرجز] يا نفس إن لم تقتلي تموتي ... إن تسلمي اليوم فلن تفوتي أو تبتلى فطالما عوفيت ... هذي حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت «1120» .- (1) وقال عنترة: [من الكامل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 بكرت تخوّفني الحتوف كأنني ... أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل فأجبتها إن المنية منهل ... لا بدّ أن أسقى بكأس المنهل فأقني حياءك لا أبا لك واعلمي ... اني امرؤ سأموت إن لم أقتل «1120» . (2) وقال عنترة أيضا: [من الكامل] وعلمت أن منيتي إن تأتني ... لا ينجني منها الفرار الأسرع فصبرت عارفة لذلك حرّة ... نفسي إذا نفس الجبان تطلّع «1121» - وقال العبّاس بن مرداس: [من الكامل] القائلون إذا لقوا أقرانهم ... إنّ المنايا قصر من لم يقتل فتعانقوا الأبطال في حمس الوغى ... تحت الأسنّة والغبار الاطحل «1122» - وقال ضابىء البرجمي: [من الطويل] وما الفتك ما شاورت فيه ولا الذي ... تخبّر من لاقيت أنك فاعله «1123» - وقال حارثة بن بدر: [من الطويل] ولا تلتمس أمر الشديدة بامرىء ... إذا رام أمرا عوّقته عواذله وما الفتك الا لامرىء رابط الحشا ... إذا صال لم ترعد إليه خصائله «1124» - وقال حسان بن ثابت: [من الخفيف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 كرهوا الموت فاستبيح حماهم ... وأقاموا فعل اللئيم الذليل أمن الموت يهربون فإن ال ... موت موت الهزال غير جميل «1125» - وقال هدبة بن خشرم العذري: [من الطويل] وليس أخو الحرب الشديدة بالذي ... اذا زبنته كان للسلم أخضعا ولكن أخو الحرب الحديد سلاحه ... إذا حملته فوق حال تشجعا أ خو الحرب لا ينآد للحرب متنه ... ولا يظهر الشكوى إذا كان موجعا ركوب على أثباجها متخوف ... لعوراتها ينمي إذا الثقل أضلعا «1126» - وقال الحطيئة: [من الطويل] إذا همّ بالأعداء لم يثن همّه ... كعاب عليها لؤلؤ وشنوف أخذ المعنى وبعض اللفظ كثير فقال لعبد الملك: [من الطويل] إذا ما أراد الغزو لم يثن همّه ... حصان عليها عقد درّ يزينها «1127» - وقالت امرأة من بني عبد القيس: [من الطويل] أبوا أن يفرّوا والقنا في نحورهم ... ولم يبتغوا من خشية الموت سلّما ولو أنهم فرّوا لكانوا أعزّة ... ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 «1128» - وقال آخر: [من الرجز] قد علم المستأخرون في الوهل ... إذا السيوف عريت من الخلل أنّ الفرار لا يزيد في الأجل «1129» - ومما يروى لعلي بن أبي طالب عليه السلام: [من الرجز] من أيّ يوميّ من الموت أفر ... من يوم لا يقدر أم يوم قدر «1130» - وقال المخبّل السعدي: [من الطويل] وإنا أناس تعرف الخيل زجرنا ... إذا أمطرت سحب الصوارم بالدّم وأنا لنعطي النصف من لو نضيمه ... أقرّ ونأبى نخوة المتظلم «1131» - ومما جاء في ذكر الجبناء قول الطرماح: [من الطويل] تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلّت ولو أنّ برغوثا على ظهر قملة ... يكرّ على صفّي تميم لولّت ولو جمعت يوما تميم جموعها ... على ذرّة معقولة لاستقلّت «1132» - وقال آخر: [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 إذا صوّت العصفور طار فؤاده ... وليث حديد الناب عند الثرائد «1133» - وقول الأخطل: [من الطويل] ونجّى ابن بدر ركضه من رماحنا ... ونضاحة الأعطاف ملهبة الحضر كأنهما والآل ينجاب عنهما ... إذا انغمسا فيه يعومان في بحر يسرّ إليها والرماح تنوشه ... فدى لك أمّي إن دأبت إلى العصر فظل يفدّيها وظلّت كأنها ... عقاب دعاها جنح ليل إلى وكر 1134- وقال آخر: [من البسيط] لو كنت في مائتي ألف جميعهم ... مثل المزرفن داود بن حمدان وتحتك الريح تجري حيث تأمرها ... وفي يمينك ماض غير خوّان لكنت أول فرار إلى عدن ... إذا تحرك سيف في خراسان «1135» - قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه لعمرو بن معدي كرب: أخبرني عن أشجع من رأيت، فقال: والله يا أمير المؤمنين لأخبرنّك عن أحيل الناس، وعن أشجع الناس، وعن أجبن الناس، فقال له عمر: هات، فقال: أربعت الصعابية [1] فخرجت كأحسن ما رأيت، شقّاء مقاء طويلة الأنقاء [2] [تمطّق بالعرق] تمطّق الشيخ بالمرق، فركبتها ثم آليت لا ألقى أحدا إلّا قتلته، فخرجت وهي تتقدّى [3] [بي] ، فإذا بفتى بين عرضين [4] ، فقلت   [1] الصعابية: اسم فرسه (اللباب: الضبابية) . [2] شقاء مقاء: طويلة؛ الأنقاء: عظم اليدين والرجلين. [3] تتقدى: تلزم سنن السيرة (وغيرها محقق اللباب إلى «تنقز» ) . [4] في الأصل: عن عرضين؛ والعرض: الوادي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 له: خذ حذرك فإني قاتلك، فقال: والله ما أنصفتني يا أبا ثور أنا كما ترى أعزل أميل، فأنظرني حتى آخذ نبلي، فقلت: وما غناؤها عنك؟ قال: أمتنع بها، قلت: خذها، قال: لا والله أو تعطيني من العهود ما يثلجني أنّك لا تروعني حتى آخذها، قال: فأثلجته فقال: وإلهي [1] قريش لا آخذها أبدا، فسلم والله وذهبت، فهذا أحيل الناس. ثم مضيت حتى اشتمل عليّ الليل، فو الله إني لأسير في قمر زاهر، كالنور الظاهر، إذا بفتى على فرس يقود ظعينة وهو يقول: [الرمل المجزوء] يا لدينا يا لدينا [2] ... ليتنا يعدى علينا ثم يبلى ما لدينا ثم يخرج حنظلة من مخلاته فيرمي بها في السماء فلا تبلغ الأرض حتى ينتظمها بمشقص من نبله، فصحت به: خذ حذرك ثكلتك أمّك فاني قاتلك، فمال عن فرسه فإذا هو في الأرض، فقلت: إن هذا إلّا استخفاف، فدنوت منه فصحت به ويلك ما أجهلك، فما تحلحل ولا زال عن موضعه، فشككت بالرمح إهابه فإذا هو كأنه قد مات منذ سنة، فهذا أجبن الناس. ثم مضيت فأصبحت من دكادك هرشى إلى غزال [3] ، فنظرت إلى أبيات فعدلت إليها، فإذا فيها جوار ثلاث كأنهنّ نجوم الثريا، فبكين حين رأينني، فقلت: ما يبكيكن؟ فقلن: لما ابتلينا به منك، ومن ورائنا أخت لنا هي أجمل منا، فأشرفت من فدفد، فإذا بامرىء لم أر قطّ أحسن من وجهه، وهو غلام يخصف نعله، عليه ذؤابة يسحبها، فلما نظر إليّ وثب على الفرس مبادرا، ثم ركض فسبقني إلى البيوت، فوجدهن قد ارتعن، فسمعته يقول: [من الرجز]   [1] الأغاني واللباب: وإله. [2] اللباب: يا لبينا يا لبينا. [3] غزال: ثنية قريبة من هرشى، تعرف بقرن غزال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 مهلا نسيّاتي لا تروّعن ... إن يمنع اليوم نساء تمنعن أرخين أذيال المروط وأرتعن فلما دنوت منه قال: أتطردني أم أطردك؟ فركض وركضت في أثره، حتى إذا أمكنت السنان من لفتته- واللفتة أسفل من الكتف- اتكأت عليه فإذا هو والله مع لبب فرسه، ثم استوى في سرجه فقلت: أقلني، قال: اطرد، فتبعته حتى إذا ظننت أن السنان بين ناغضتيه [1] اعتمدت عليه، فإذا هو والله قائم على الأرض والسنان زالج، ثم استوى على فرسه فقلت: أقلني، قال: اطرد فطردته حتى إذا أمكنت السنان من متنه اتكأت عليه وأنا أظنّ أن قد فرغت منه، فمال في سرجه حتى نظرت إلى يديه في الأرض ومضى السنان زالجا، ثم قال: بعد ثلاث تريد ماذا؟ اطردني ثكلتك أمك، فوليت وانا مرعوب [2] منه، فلما غشيني ووجدت مسّ السنان التفتّ فإذا هو يطردني بالرمح بلا سنان، فكفّ عني واستنزلني فنزلت، فجز والله ناصيتي وقال: انطلق فأنا أنفس بك عن القتل، فكان ذاك والله يا أمير المؤمنين عندي أشدّ من الموت، فذاك أشجع من رأيت، وسألت عن الفتى فقيل ربيعة بن مكدّم الفراسي من بني كنانة. «1136» - وكان عمرو بن معدي كرب موصوفا بالأيد والشدة عظيم الخلقة، جاء إليه رجل وهو واقف بالكناسة على فرس له وقد أسنّ، فقال: لأنظرنّ ما بقي من قوة أبي ثور، فأدخل يده بين ساقه وبين السرج، وفطن له عمرو فضمّها عليه وحرك فرسه، فجعل الرجل يعدو مع الفرس لا يقدر أن ينزع يده، حتى إذا بلغ منه قال: يا ابن أخي مالك؟ قال: يدي تحت ساقك، فخلّى عنه وقال: يا ابن أخي إن في عمك لبقية بعد.   [1] الناغضة: أصل العنق. [2] م: فوليت مرعوبا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 «1137» - ومن بليغ الشعر في الحرب والبأس والنجدة قول محمد بن هانئ: [من الطويل] ومضرمة الأنفاس جمر وطيسها ... شرنبثة [1] الكفّين فاغرة الفم ضروس لها أبناء صدق تحشّها ... فمن خادر ورد وأشجع أيهم [2] وأرعن يحموم [3] كأنّ أديمه ... إذا شرعت أرماحه ظهر شيهم [4] فما تنطق الأرماح غير تصلصل ... ولا ترجع الأبطال غير تغمغم فتملأ سمعا من رواعد رجّف ... وتملأ عينا من بوارق ضرّم فلا راجع باللأم [5] غير مبتّك ... ولا بحبيك البيض غير مثلّم رفعت على هام العدى منه قسطلا ... خضبت مشيب الفجر منه بعظلم فلا تتكلّف للخميس من العدى ... خميسا ولكن رعه باسمك يهزم لقد أعذرت فيك الليالي وأنذرت ... فقل للعقول استأخري أو تقدمي كأن قد كشفت الأمر عن شبهاته ... فلم يضطهد حقّ ولم يتهضّم وفاض دما موج الفرات فلم يجز ... لوارده طهر بغير تيمم فلا حملت فرسان حرب جيادها ... إذا لم يزرهم من كميت وأدهم ولا عذب الماء القراح لشارب ... وفي الأرض مروانيّة غير أيّم بريغون في الهيجا إلى ذي حفيظة ... طويل نجاد السيف أبلج خضرم قليل لقاء البيض إلا من الظبا ... قليل شراب الكأس الا من الدم وأيّ قوافي الشعر فيك أحوكها ... وما ترك التنزيل من متردّم   [1] شرنبئة: غليظة. [2] الأيهم: الجريء. [3] الأرعن: الجيش؛ اليحموم: الأسود بسبب كثافته ولبس الدروع. [4] الشيهم: القنفذ. [5] اللأم: الدروع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 «1138» - وكان حسان بن ثابت الشاعر من الجبناء، وكان ابن الزبير يحدث أنه كان في فارع أطم ابن ثابت، يعني حسان، مع النساء يوم الخندق ومعهم عمرو بن أبي سلمة [قال ابن الزبير] : ومعنا حسان بن ثابت ضارب وتدا في ناحية [1] الأطم، فإذا حمل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المشركين حمل على الوتد يضربه بالسيف، وإذا أقبل المشركون انحاز عن الوتد، كأنه يقاتل قرنا، يتشبه بهم كأنه يرى أنه يجاهد حين جبن [2] . وقيل إنه أتاهم في ذلك اليوم يهوديّ يطيف بالحصن، وقد قطعت قريظة ما بينها وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت صفية بنت عبد المطلب فقلت: يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدلّ على عورتنا [3] من وراءنا من اليهود، وقد شغل عنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فانزل إليه فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت: فلمّا قال ذلك ولم أر عنده شيئا اعتجرت [4] ، ثم أخذت عمودا، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلّا أنه رجل، قال: مالي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب. «1139» - كان حارثة بن بدر الغدانيّ من سادات بني تميم ووجوههم، وكان في وجه الخوارج والإمارة لغيره، فقتل صاحب الجيش فعقدوا الرياسة لآخر فقتل، فعقدوها لحارثة بن بدر فنادى في الناس: أن تثبتوا فتح الله   [1] الأغاني: آخر. [2] م: حين يضرب الوتد. [3] م والأغاني: عوراتنا. [4] الأغاني: احتجزت؛ م: اعجزت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 عليكم فللعرب زيادة فريضتين وللموالي زيادة فريضة، وندب الناس فالتقوه وانهزم حارثة وقال: [من الرجز] كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا أير الحمار فريضة لعبيدكم ... والخصيتان فريضة الأعراب فتتابع الناس على أثره منهزمين. «1140» - وكان في الخوارج امرأة يقال لها أم حكيم، وكانت من أشجع الناس وأجملهم وجها، وخطبها جماعة منهم فردتهم، وكانت في الحرب تحمل على الناس وتقول: [من الرجز] أحمل رأسا قد سئمت حمله ... وقد مللت دهنه وغسله ألا فتى يحمل عنّي ثقله وهم يفدّونها بالآباء والأمهات. «1141» - وقال الحارث بن هشام يعتذر من الفرار. [من الكامل] الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علوا فرسي بأشقر مزبد وعلمت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا يضرر عدوّي مشهدي فصددت عنهم والأحبّة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مرصد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 «1142» - وقال زفر بن الحارث وقد فرّ يوم مرج راهط عن أبيه وأخيه: [من الطويل] أيذهب يوم واحد إن اسأته ... بصالح أعمالي وحسن بلائيا ولم ير منّي زلّة قبل هذه ... فراري وتركي صاحبيّ ورائيا «1143» - وقال أزهر بن هلال التميمي: [من الطويل] أعاتك ما ولّيت حتى تبددت ... رجالي وحتى لم أجد متقدّما وحتى رأيت الورد يدمى لبانه ... وقد هزّه الأبطال فانتعل الدما أعاتك أفناني السلاح ومن يطل ... مقارعة الأبطال يرجع مكلّما «1144» - وأحسن ما قيل في الفرار قول قيس بن الخطيم: [من الطويل] إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا ... صدود الخدود وازورار المناكب صدود الخدود والقنا متشاجر ... ولا تبرح الأقدام عند التضارب «1145» - وقال مالك بن أبي كعب: [من الطويل] أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا ... وأنجو إذا غمّ الجبان من الكرب «1146» - وقال جرير يعيّر الأخطل إيقاع قيس ببني تغلب: [من الكامل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 حملت عليك حماة قيس خيلها ... شعثا عوابس تحمل الأبطالا ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم ... خيلا تكرّ عليهم ورجالا نظر المتنبي إلى المعنى فقال وأحال [1] : [من البسيط] وضاقت الأرض حتى صار هاربهم ... إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا وغير شيء ليس بشيء فيرى [2] ، وهذا مما طعن به عليه. وبيت جرير مأخوذ من قوله عز وجل: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ [3]- (المنافقون: 4) . «1147» - خرجت المغيرية [4] على خالد القسري وهو يخطب على المنبر ولا يعلم بهم، فخرجوا في التبابين [5] ينادون: لبّيك لبيك جعفر، وعرف خالد خبرهم وهو يخطب على المنبر، فدهش ولم يعقل ما يقول فزعا، فقال: أطعموني ماء، ثم خرج الناس إليهم فأخذوا، فكان ضعفه على المنبر وجبنه حين خاف من أضعف خصم، ولما أمنهم وحصلوا في قبضته جعل يأخذ للرجل طنّ   [1] ح: وأجاد (وسقطت من م) . [2] م: وغير شيء لا يرى. [3] وبيت ... العدو: سقط من م. [4] الأغاني: الجعفرية. [5] غيرها محقق الأغاني تعسفا إلى البيانية ظنا منه أن المغيرية والبيانية أتباع بيان بن سمعان خرجوا معا، وكلتا الفرقتين من الغلاة، وتعرض لهما خالد القسري، ولكن لا مجال لتغيير النصّ هنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 قصب فيطلى بالنفظ ويقال له احتضنه، ويضرب حتى يفعل ذلك، ثم يحرق، فأحرقهم جميعا، فجمع القسوة وانخلاع القلب في حالتيه، وفي ذلك يقول الكميت [1] يمدح يوسف بن عمر: [من الطويل] خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن ... كمن حصنه فيه الرتاج المضبّب وما خالد يستطعم الماء فاغرا ... بعدلك والداعي إلى الموت ينعب «1148» - لما دخلت غزالة الحروريّة الكوفة على الحجاج ومعها شبيب تحصّن منها وأغلق قصره، فكتب إليه عمران بن حطان، وكان الحجاج قد لجّ في طلبه: [من الكامل] أسد عليّ وفي الحروب نعامة ... ربداء تجفل من صفير الصافر هلّا برزت إلى غزالة في الوغى ... بل كان قلبك مثل قلب الطائر [2] صدعت غزالة قلبه بفوارس ... تركت مدابره كأمس الدابر «1149» - ويقال إن عباد بن زياد كان جبانا، فبينا هو ذات ليلة نائم في عسكره صاحت بنات [3] آوى، فثارت الكلاب إليها، ونفر بعض الدواب،   [1] ع: الشاعر. [2] ح: ويروى: بل كان قلبك في جناحي طائر. [3] م: بنو. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 ففزع عباد وظنّ أنها كبسة من العدو، فركب فرسه ودهش فقال: افتحوا سيفي، فذلك قول ابن مفرغ يعيره: [من الوافر] ويوم فتحت سيفك من بعيد ... أضعت وكلّ أمرك للضياع إذا أودى معاوية بن حرب ... فبشّر شعب قعبك بانصداع ألم تر إذ تحالف حلف حرب ... عليك عددت من سقط المتاع وكدت تموت إذ صاح ابن آوى ... ومثلك مات من خوف السباع «1150» - وجه المهلب كعب بن معدان الأشقريّ إلى الحجاج في وقت محاربته الخوارج، فقال له الحجاج: كيف كانت حالكم مع عدوكم؟ قال: كنّا إذا لقيناهم بعفونا وجهدهم أيسنا منهم، وإذا لقيناهم بجهدهم وجهدنا طمعنا فيهم؛ قال: وكيف كان بنو المهلب؟ قال: حماة الحريم نهارا، وفرسان الليل تيقّظا [1] قال: فأين السماع من العيان؟ قال: السماع دون العيان، قال: صفهم رجلا رجلا، قال: المغيرة فارسهم وسيدهم، نار ذاكية، وصعدة عالية، وكفى بيزيد فارسا شجاعا: ليث غاب وبحر جمّ [2] العباب، وجوادهم قبيصة، ليث المغار وحامي الذمار، ولا يستحيي الشجاع أن يفرّ من مدرك، وكيف لا يفرّ من الموت الحاضر، ولا يستحيي الشجاع أن يفرّ من مدرك، ويكف لا يفرّ من الموت الحاضر، والأسد الخادر؟ وعبد الملك سمّ ناقع، وسيف قاطع، وحبيب الموت الذّعاف إنّما هو طود شامخ، وبحر باذخ، وأبو عيينة البطل الهمام، والسيف الحسام، وكفاك بالفضل نجدة: ليث هرّار وبحر موّار، ومحمد ليث غاب، وحسام ضراب. قال: فأيهم أفضل؟ قال: هم   [1] الأغاني: أيقاظا. [2] ح: ويحرهم (ويحر: سقطت من م) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 كالحلقة المفرغة لا يعرف طرفها [1] ، قال: فكيف جماعة الناس؟ قال: على أحسن حال، أدركوا ما رجوا وأمنوا ما خافوا، أرضاهم العدل، وأغناهم النّفل [2] ، قال: فكيف رضاهم بالمهلب؟ قال: أحسن رضى، وكيف لا يكونون [3] كذلك وهم لا يعدمون منه إشفاق [4] الوالد ولا يعدم منهم برّ الأولاد؟ قال: فكيف فاتكم قطريّ؟ قال: كادنا ببعض ما كدناه، فتحوّل عن منزله، قال: فهلّا اتبعتموه؟ قال: حال الليل بيننا وبينه، وكان التحرز إلى أن يقع العيان ويعلم امرؤ ما يصنع أحزم، وكان الجدّ عندنا آثر من النّفل [5] . «1151» - قيل لعنترة: أأنت أشجع العرب وأشدّها؟ قال: لا، قيل له: فبم شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم اذا رأيت الإقدام عزما، وأحجم إذا رأيت الأحجام حزما، ولا أدخل موضعا لا أرى فيه مخرجا لي، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأنثني عليه فأقتله. «1152» - لقي تأبط شرا ذات يوم رجلا من ثقيف يقال له أبو وهب، وكان جبانا [6] أهوج، وعليه حلّة جيّده، فقال أبو وهب لتأبط شرا: بم تغلب الرجال يا ثابت، وأنت كما أرى دميم ضئيل؟ قال: باسمي، إنما أقول ساعة ألقى الرجل: أنا تأبط شرا فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت، فقال له الثقفي: فهل لك أن تبيعني اسمك؟ قال: نعم، فبم تبتاعه؟ قال: بهذه   [1] الأغاني: طرفاها. [2] م: وأعياهم الثقل. [3] ح م ع: يكون. [4] الأغاني: رضا. [5] الأغاني: الحد ... الفلّ (وفي الأمالي: آثرنا الحد على الفل) . [6] الديوان: حسّانا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 الحلّة وكنيتي، قال: افعل، ففعل، وقال له: لك اسمي ولي اسمك وأخذ حلّته وأعطاه طمريه ثم انصرف وقال في ذلك يخاطب زوجة الثقفي: [من الطويل] ألا هل أتى الحسناء أنّ حليلها ... تأبط شرا واكتنيت أبا وهب فهبه تسمّى اسمي وسمّاني اسمه ... فأين له صبري على معظم الخطب وأين له بأس كبأسي وسورتي ... وأين له في كلّ فادحة قلبي «1153» - البحتري: [من الطويل] وفرسان هيجاء تجيش صدورها ... بأحقادها حتى تضيق دروعها تقتّل من وتر أعزّ نفوسها ... عليها بأيد ما تكاد تطيعها إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها ... تذكرت القربى ففاضت دموعها «1154» - مرّ خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بعروة بن الزبير، وكان بينهما تباعد [1] ، فقال له: يا خالد أتدع ابن أثال وقد تفصّى [2] أوصال عمّك [3] بالشام وأنت بمكة مسبل إزارك تجرّه وتخطر فيه متخايلا؟! (وكان عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد عند معاوية بالشام، فخافه معاوية على الأمر، فدسّ إليه ابن أثال الطبيب فسقاه شربة فمات منها) ، فحمي خالد بن المهاجر ودعا مولى له يدعى نافعا فأعلمه الخبر، وقال له: لا بدّ من قتل ابن أثال، وكان نافع جلدا شهما، فخرجا حتى قدما دمشق، وكان ابن أثال يمسي [4] عند معاوية،   [1] م: وقفة وتباعد. [2] الأغاني: وقد بين؛ م: وقدسا؛ ح: تقيا. [3] الأغاني: ابن عمك. [4] ح م: يتمشى، وأثبت ما في الأغاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 فجلس له في مسجد دمشق إلى أصطوانة، وجلس غلامه إلى أخرى حتى خرج، فقال خالد لنافع: إيّاك أن تعرض له أنت، ولكن احفظ ظهري واكفني من ورائي، فإن رابك شيء من خلفي يريدني فشأنك [1] ، فلما حاذاه وثب إليه خالد فقتله [2] ، وثار إليه من كان معه فصاح بهم نافع فانفرجوا، ومضى خالد ونافع وتبعهما من كان معه، فلما غشاهما الليل [3] حملا عليهم فتفرقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقا ضيّقا ففاتا القوم، فبلغ معاوية الخبر، فقال: هذا خالد بن المهاجر، اقلبوا الزقاق، ففتش عليه فأتي به [4] فقال: لا جزاك الله من زائر خيرا قتلت طبيبي، قال: قتلت المأمور وبقي الآمر، فقال: أم والله لو كان تشهّد مرّة واحدة لقتلتك به، وحبسه وضرب نافعا مائة سوط، وألزم بني مخزوم اثني عشر ألف درهم، أدخل بيت المال منها ستة آلاف وأخذ هو ستة آلاف، فلم يزل ذلك يجري دية المعاهد حتى جاء عمر بن عبد العزيز فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه، وأثبت الذي يدخل بيت المال. «1155» - روي أن امرأة عمران بن حطان قالت له: ألم تزعم أنك لا تكذب في شعرك؟ قال: بلى، قالت: أفرأيت قولك: [الكامل المجزوء] وكذاك مجزأة بن ثو ... ر كان أشجع من أسامه أيكون رجل أشجع من أسامة؟ قال: نعم، إن مجزأة بن ثور فتح مدينة   [1] الأغاني: فان رابك شيء تراه من خلفي فشأنك. [2] ح م: فقتلاه. [3] الأغاني: فلما غشوهما؛ م: فلما غشياهما. [4] م: فجيء به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 كذا وكذا، والأسد لا يقدر على فتح مدينة. «1156» - روي أن أبا محجن عبد الله بن حبيب الثقفي كان في من خرج مع سعد بن أبي وقّاص لحرب الفرس، وكان سعد يؤتى به شاربا فيتهدّده فيقول له: لست تاركها إلّا لله، فأمّا لقولك فلا، فأتي به يوم القادسية وقد شرب الخمر فأمر به إلى القيد، وكانت بسعد خراجة فلم يخرج إلى الناس يومئذ، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، فلما اشتدّ القتال تلك الليلة صعد أبو محجن إلى سعد يستعفيه ويستقيله فزبره ورده، وأتى سلمى بنت أبي حفصة فقال لها: يا ابنة أبي حفصة هل لك إلى خير [1] ؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تحلّين عني وتعيرينني البلقاء، فلّله [2]- علي- إن سلمني الله- أن أرجع إلى حضرتك [3]- حتى تضعي [4] رجلي في قيدي، فقالت: وما أنا وذاك؟ فرجع يرسف في قيوده ويقول: [من الطويل] كفى حزنا أن تردي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا عليّ وثاقيا إذا قمت عنّاني الحديد وأغلقت ... مصاريع من دوني تصمّ المناديا وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ... فقد تركوني واحدا لا أخا ليا وقد شفّ جسمي أنني كلّ شارق ... أعالج كبلا مصمتا قد برانيا فلله درّي يوم أترك موثقا ... وتذهل عنّي أسرتي ورجاليا حبيسا عن الحرب العوان وقد بدت ... وإعمال غيري يوم ذاك العواليا فلله عهد لا أخيس بعهده ... لئن فرجت ألّا أزور الحوانيا   [1] م: في خير. [2] فلله: سقطت من ع م. [3] م: أرجع إليك. [4] م: ثم تعيدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 فقالت له سلمى: إني قد استخرت الله تعالى ورضيت بعهدك، فأطلقته ورجعت إلى بيتها، فخالفها أبو محجن إلى الفرس فأخذها وأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق، فركبها ثم دبّ عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة، وأضاء النهار وتصافّ الناس كبّر ثم حمل على الميسرة يلعب برمحه وسلاحه [1] بين الصفّين، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فبدر أمام الناس فحمل على القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفا منكرا، فعجب الناس منه [2] وهم لا يعرفونه، ولم يروه بالأمس، فقال بعض القوم: هذا من أوائل أصحاب هاشم بن عتبة أو هشام [3] ، وقال قوم: إن كان الخضر شهد الحرب فهو صاحب البلقاء، وقال آخرون: لولا أن الملائكة لا تباشر القتال ظاهرا لقلنا هذا ملك بيننا، وجعل سعد يقول، وهو مشرف ينظر إليه: الطعن طعن أبي محجن، والضبر ضبر البلقاء، لولا محبس أبي محجن لقلت: هذا أبو محجن، وهذه البلقاء، فلم يزل يقاتل حتى انتصف الليل وتحاجز أهل العسكرين، وأقبل أبو محجن حتى دخل القصر ووضع عن نفسه وعن دابته، وأعاد رجليه في قيده وأنشأ يقول: [من الوافر] لقد علمت ثقيف غير فخر ... بأنا نحن أكرمهم سيوفا وأكثرهم دروعا سابغات ... وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا وأنا رفدهم في كلّ يوم ... وان جحدوا فسل بهم عريفا وليلة فارس [4] لم يشعروا بي ... ولم أكره لمخرجي الزّحوفا فإن أحبس فقد عرفوا بلائي ... وان أطلق أجرّعهم حتوفا فقالت له سلمى: يا أبا محجن في أيّ شيء حبسك هذا الرجل؟ فقال:   [1] وسلاحه: سقطت من م. [2] م: منه الناس. [3] ع: هاشم (وسقطت من م) . [4] الأغاني: قادس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 أما والله ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية، وأنا امرؤ شاعر يدبّ الشعر على لساني فينفثه أحيانا، فحبسني لأني قلت: [من الطويل] إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة ... يروّي مشاشي بعد موتي عروقها ولا تدفنّني بالفلاة فانني ... إذا رحت مدفونا فلست أذوقها [1] قال: وكانت سلمى قد رأت من المسلمين جولة، وسعد بن أبي وقاص في القصر لعلة كانت به لم يقدر معها على حضور الحرب، وكانت قبله عند المثنّى بن حارثة الشيبانيّ فلما قتل خلف عليها سعد، فلما رأت شدة البأس صاحت: وامثّنياه ولا مثنّى لي اليوم، فلطمها سعد، فقالت: أفّ لك أجبنا وغيرة؟ وكانت مغاضبة لسعد عشية ارماث وليلة الهرير وليلة السواد، حتى إذا أصبحت أتته وصالحته وأخبرته خبر أبي محجن، فدعا به وأطلقه وقال: اذهب فلست مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، فقال: لا جرم والله لا أجيب لساني إلى صفة قبيح أبدا، وذلك قول أبي محجن: [من البسيط] إن كانت الخمر قد عزّت وقد منعت ... وحال من دونها الإسلام والحرج فقد أباكرها صرفا وأشربها ... ريا وامزج أحيانا فامتزج ولما انصرف أبو محجن إلى محبسه [2] رأته امرأته منصرفا فعيرته بفراره، فقالت له [3] : [من الكامل] من فارس كره الطّعان يعيرني ... رمحا إذا نزلوا بمرج الصّفّر فقال لها أبو محجن: [من الكامل] إن الكرام على الجياد مبيتها ... فدعي الرماح لأهلها وتعطّري   [1] م: أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها. [2] ح: حبسه. [3] ع م: فقال لها أبو محجن، ثم أورد البيتين، وهذا غير دقيق، انظر الأغاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 «1157» - وذكر المفضل [1] أن الناس لما التقوا مع العجم يوم قسّ الناطف [2] كان مع الأعاجم فيل يكرّ عليهم، فلا تقوم له الخيل، فقال أبو عبيد ابن مسعود الثقفي: هل له مقتل؟ فقيل له: نعم خرطومه، إلا أنه لا يفلت منه من ضربه، فقال: أنا أهب نفسي لله، وكمن له حتى أقبل فوثب إليه فضرب خرطومه، ثم استدار فطحن الأعاجم وانهزموا. «1158» - لما قال بكر بن النطاح الحنفي قصيدته التي يقول فيها: [من الطويل] هنيئا لأخواني ببغداد عيدهم ... وعيدي بحلوان قراع الكتائب أنشدها أبا دلف العجلي فقال له: إنك لتكثر وصف نفسك بالشجاعة، وما رأيت لذلك عندك أثرا قط ولا فيك، فقال له: أيها الأمير وأيّ غناء يكون عند الرجل الحاسر الأعزل؟ فقال: اعطوه سيفا وفرسا ودرعا ورمحا، فأعطوه ذلك أجمع، فأخذه وركب الفرس، وخرج على وجهه، فلقيه مال لأبي دلف يحمل من بعض ضياعه فأخذه، وخرج جماعة من غلمانه ومانعوه، فجرحهم جميعا وقطعهم فانهزموا، وسار بالمال فلم ينزل إلا على عشرين فرسخا، فلما اتصل خبره بأبي دلف قال: نحن جنينا على أنفسنا، وقد كنا أغنياء عن إهاجة أبي [3] وائل، ثم كتب إليه بالأمان وسوّغه المال، وكتب إليه: صر إلينا فلا ذنب لك، نحن كنا سبب فعلك بتحريكنا إياك وتحريضنا، فرجع ولم يزل معه يمتدحه حتى مات. «1159» - قال أبو الحسين الرواية، قال لي المأمون: أنشدني أشجع   [1] م: الفضل. [2] م: لما التقوا يوم القادسية. [3] ح م ع: بني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 بيت وأعفه وأكرمه من شعر المحدثين، فأنشدته: [من الطويل] ومن يفتقر منّا يعش بحسامه ... ومن يفتقر من سائر الناس يسأل وإنا لنلهو بالسيوف كما لهت ... عروس بعقد أو سخاب قرنفل فقال لي: ويلك من يقول هذا؟ فقلت: بكر بن النطاح، فقال: أحسن والله، ولكنه كذب في قوله، فما باله يسأل أبا دلف ويمدحه وينتجعه؟ هلّا أكل خبزه بسيفه كما قال؟! «1160» - قال العتبي: كتب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث إلى الحجاج مبتدئا: أما بعد فان مثلي ومثلك كما قال القائل: [من البسيط] سائل مجاور جرم هل جنيت لهم ... حربا تزايل بين الجيرة الخلط أم هل دلفت بجرّار له لجب ... يغشى الأماعز بين السهل والفرط (والشعر لوعلة الجرميّ، وثالث البيتين: حتى تركت نساء الحيّ ضاحية [1] ... في ساحة الدار يستوقدن بالغبط) هذا مثلي ومثلك، سأحملك على أصعبه، وأريحك من مركبه، فكتب الحجاج بذلك إلى عبد الملك، فكتب إليه جوابه: أما بعد فاني قد أجبت عدوّ الرحمن ب «لا حول ولا قوة إلا بالله» ولعمر الله لقد صدق وخلع سلطان الله بيمينه وطاعته بشماله، وخرج من الدين عريان كما ولدته أمه؛ وعلى أن مثلي ومثله ما قال الشاعر: [من الطويل] ألم تعلموا أني تخاف عرامتي ... وأنّ قناتي لا تذلّ على القسر   [1] م: صائحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 وإني وإياكم كمن نبّه القطا ... ولو لم ينبّه باتت الطير لا تسري أناة وحلما وانتظارا بهم غدا ... فما أنا بالواني ولا الضّرع الغمر أظنّ صروف الدهر والجهل منكم ... ستحملكم منّي على مركب وعر «1161» - قطري بن الفجاءة: [من البسيط] يا ربّ ظل عقاب قد وقيت بها ... مهري من الشمس والأبطال تجتلد وربّ يوم حمى أرعيت عقوته ... خيلي اقتسارا وأطراف القنا قصد ويوم لهو لأهل الخفض ظلّ به ... لهوي اصطلاء الوغى وناره تقد مشهرا موقفي والحرب كاشفة ... عنها القناع وبحر الموت يطّرد وربّ هاجرة تغلي مراجلها ... نحرتها بمطايا غارة تخد تجتاب أودية الأفراع آمنة ... كأنها أسد يقتادها أسد فإن أمت حتف أنفي لا أمت كمدا ... على الطعان وقصر العاجز الكمد ولم أقل لم أساق الموت شاربه ... في كأسه والمنايا شرّع ورد «1162» - وقال أبو سعيد السكري: بلغني أن أبا دلف لحق أكرادا قطعوا في عمله، وقد أردف فارس منهم رفيقا له خلفه فطعنهما جميعا فأنفذهما، فتحدّث الناس أنه أنفذ بطعنة واحدة فارسين، فلما قدم من وجهه دخل إليه بكر بن النطاح فأنشده: [من الكامل] قالوا وينظم فارسين بطعنة ... يوم اللقاء ولا يراه جليلا لا تعجبوا لو أنّ طول قناته ... ميل إذن نظم الفوارس ميلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 «1163» لما غدر أصحاب مصعب به يوم مسكن، وقتل إبراهيم بن الأشتر، بقي مصعب وابنه عيسى في نفر قليل، فدعا محمد بن مروان عيسى بن مصعب، فقال له أبوه: انظر ما يريد محمد، فدنا منه فقال له: إني لكم ناصح، إنّ القوم خاذلوكم ولك الأمان، فأبى قبول ذلك، وناشده فرجع إلى أبيه فأخبره، فقال له: إني أظنّ أنّ القوم سيفون فإن أحببت أن تأتيهم فأتهم، فقال: والله لا يتحدث نساء قريش أني خذلتك، ورغبت بنفسي عنك، قال: فتقدم حتى أحتسبك، فتقدم وتقدّم ناس معه فقتل وقتلوا، وترك أهل العراق مصعبا حتى بقي في سبعة، وجاء رجل من أهل الشام ليحتزّ رأس عيسى فشدّ عليه مصعب فقتله، وشدّ على الناس فانفرجوا، ثم رجع فقعد على مرفقة ديباج، ثم جعل يقوم عنها ويحمل على أهل الشام فيفرجون له، ثم رجع فقعد على المرفقة، ففعل ذلك مرارا، ودعاه عبيد الله بن زياد ابن ظبيان، إلى المبارزة فقال أغرب يا كلب، وشدّ عليه مصعب فضربه على البيضة فهشمها وجرحه، فرجع عبيد الله فعصب رأسه، وجاء ابن أبي فروة كاتب مصعب فقال له: جعلت فداك، قد تركك الناس، وعندي خيل مضمّرة فاركبها وانج بنفسك، فدفع في صدره وقال: ليس أخوك بالعبد، ورجع ابن ظبيان فحمل عليه هو وروق بن [1] زائدة بن قدامة، ونادى يا لثارات المختار، فقتله وحمل رأسه إلى عبد الملك، فلما وضعه بين يديه سجد، قال ابن ظبيان: فهممت والله أن أقتله حين سجد، فأكون أفتك العرب، قتلت ملكين في يوم واحد، ثم وجدت نفسي تنازعني إلى الحياة فأمسكت. «1164» - وقال عبد الملك يوما لجلسائه: من أشجع الناس؟ فاكثروا   [1] م: هو وابن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 في هذا المعنى، فقال: أشجع الناس مصعب بن الزبير، جمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين وأمة الحميد بنت عبد الله بن عاصم، وولي العراقين، وزحف إلى الحرب فبذل له الأمان والحباء والولاية والعفو عما خلص في يده، فأبى قبول ذلك واطّرح كلّ ما كان مشغولا به من ماله وأهله وراء ظهره، وأقبل بسيفه يقاتل قدما، وما بقي معه إلا سبعة، حتى قتل كريما. «1165» - وكان مصعب لما قدم الكوفة يسأل عن الحسين بن عليّ عليهما السلام وعن قتله، فجعل عروة بن المغيرة يحدثه عن ذلك، فقال متمثلا بقول سليمان بن قتة: [من الطويل] إن الأولى بالطفّ من آل هاشم ... تأسّوا فسنّوا للكرام التأسيا قال عروة: فعلمنا أن مصعبا لا يفرّ أبدا. «1166» - وقال خلاد بن فروة [1] السدوسي: لما كان يوم السبخة حين عسكر الحجاج بازاء شبيب الشاري، قال له الناس: لو تنحيت أيها الأمير عن هذه السبخة فقال لهم: ما تنحّوني إليه والله أنتن، فهل ترك مصعب لكريم مفرّا؟ ثم تمثل بقول الكلحبة: [من الطويل] إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهوينا بالفتى أن تقطّعا «1167» - حدث شيخ من أهل مكة قال: لما أتى عبد الله بن الزبير قتل   [1] الأغاني: قرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 مصعب أضرب عن ذكره أياما حتى تحدّثت به إماء مكة في الطريق، ثم صعد المنبر فجلس عليه مليا لا يتكلم، فنظرت إليه والكآبة على وجهه وجبينه يرشح عرقا، فقلت لآخر إلى جنبي: ماله لا يتكلم؟ أتراه يهاب المنطق؟ فو الله إنه لخطيب فما تراه يهاب؟ قال: أراه يريد أن يذكر قتل مصعب سيد العرب، فهو يفظع [1] بذلك، وغير ملوم هو. فقال: الحمد لله الذي له الخلق والأمر، مالك الدنيا والآخرة، يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء، إلا أنه والله لا يذلّ من كان الحقّ معه وان كان مفردا ضعيفا، ولا يعزّ من كان الباطل معه وإن كان في العدد والكثرة. ثم قال: إنه أتانا الخبر من العراق بلد الغدر والشقاق، فساءنا وسرّنا، أتانا أنّ مصعبا قتل، رحمة الله عليه ومغفرته، فأما الذي حزننا [2] من ذلك فان لفراق الحميم لذعة [3] يجدها حميمه عند المصيبة، ثم يرعوي من بعد ذوو الرأي والدين إلى جميل الصبر، وأما الذي سرّنا منه فانا قد علمنا أنّ قتله شهادة، وأنّ الله عز وجل جاعل لنا وله خيرة في ذلك، إن شاء الله. إنّ أهل العراق أسلموه وباعوه بأقلّ ثمن كانوا يأخذونه منه وأخسره، أسلموه إسلام الجمل المخطم فقتل [4] ، ولئن قتل فلقد قتل أبوه وعمه وأخوه وكانوا الخيار [5] الصالحين، إنّا والله ما نموت حتف أنوفنا، ما نموت إلا قتلا قصعا قصعا بين قصد الرماح وتحت ظلال السيوف، ليس كما تموت بنو مروان، والله ما قتل رجل منهم في جاهلية ولا إسلام. وإنما الدنيا عارية من الملك القهار الذي لا يزول سلطانه ولا ملكه [6] ، فإن تقبل الدنيا عليّ لا آخذها أخذ البطر   [1] ح: ينطق؛ م: منقطع. [2] م ح: أحزننا. [3] م: لوعة. [4] فقتل: سقطت من م. [5] م: الأخيار. [6] م: ولا يبيد ملكه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 الأشر، وإن تدبر عنّي لا أبكي عليها بكاء الخرف المهتر [1] ؛ ثم نزل. 116» - قال المفضل الضبي: خرجت مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن فلما صار [2] بالمربد وقف على دار [3] سليمان بن عليّ، فأخرج له صبيّان من ولده فضمهما إليه وقال: هؤلاء والله منّا ونحن منهم، إلّا أن آباءهما فعلوا بنا وصنعوا، وذكر كلاما يعتدّ عليهم فيه بالإساءة، ثم توجه لوجهه وتمثل: [من المنسرح] مهلا بني عمنا ظلامتنا ... إنّ بنا سورة من القلق لمثلكم تحمل السيوف ولا ... تغمز أحسابنا من الرفق إني لأنمي إذا انتميت إلى ... عزّ عزيز ومعشر صدق بيض سباط كأنّ أعينهم ... تكحل يوم الهياج بالزرق فقلت: ما أفحل هذه الأبيات، فلمن هي؟ قال: لضرار بن الخطاب، قالها في يوم جزع [4] الخندق في اجتماع المشركين على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله، وتمثّل بها عليّ عليه السلام يوم صفين، والحسين بن علي عليهما السلام يوم قتل، وزيد بن علي، ولحق القوم ثم مضى [5] إلى باخمرى، فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد فتمثل: [من الكامل] نبّئت أنّ بني ربيعة أجمعوا ... أمرا خلا لهم ليقتل خالدا إن تقتلوني لا تصب أرماحكم ... ثأري ويسعى القوم سعيا جاهدا   [1] م: الهرم. [2] م: صرنا. [3] الأغاني: رأس. [4] جزع: سقطت من الأغاني. [5] ثم مضى: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 أرمي الطريق وإن صددت لضيعة ... وأنازل البطل الكميّ الحاردا فقلت: لمن هذه الأبيات؟ فقال للأحوص بن جعفر بن كلاب تمثّل بها يوم شعب جبلة، وهو اليوم الذي لقيت فيه قيس تميما. قال: وأقبلت عساكر أبي جعفر فقتل من أصحابه وقتل من القوم حتى كاد الظفر يكون له، قال المفضل، فقال لي: حرّكني بشيء، فأنشدته هذه الأبيات: [من الطويل] ألا أيها الناهي فزارة بعد ما ... أجدّت [1] أسيرا إنما أنت حالم أبى كلّ حرّ أن يبيت بوتره ... ويمنع منه النوم إذا أنت نائم أقول لفتيان العشيّ تروّحوا ... على الجرد في أفواههنّ الشكائم قفوا وقفة من يحي لا يخز بعدها ... ومن يخترم لا تتّبعه اللوائم وهل أنت إن باعدت نفسك منهم ... لتسلم فيما بعد ذلك سالم فقال لي: أعد، فتنبهت فقلت: أو غير ذلك؟ فقال: لا أعدها فأعدتها فتمطّى في ركابيه حتى خلته قد قطعهما، فطعن رجلا وطعنه آخر فقلت: أتباشر الحرب بنفسك والعسكر منوط بك؟ فقال إليك يا أخا بني ضبة، كأن عويفا أخا بني فزارة كان ينظر إلينا في يومنا هذا حين يقول: [من المتقارب] ألمّت خناس وإلمامها ... أحاديث نفس وأسقامها يمانية من بني مالك ... تطاول في المجد أعمامها وإنّ لنا أصل جرثومة ... تردّ الحوادث أيامها تردّ الكتيبة مفلولة ... بها أفنها وبها ذامها قال: وجاءه السهم العاثر فشغله عني. «1169» - قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد لمعاوية: إني لأعجب   [1] ع ح م: أخذت؛ الأغاني: أجدت بسير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 لك، تتقدم حتى أقول: أشجع الناس، وتتأخر حتى أقول: أجبن الناس، فقال له: إنني أتقدّم ما كان التقدم حزما، وأتأخر ما كان التأخر حزما كما قيل: [من الطويل] شجاع إذا ما أمكنتني فرصة ... فإن لم تكن لي فرصة فجبان «1170» - محمد بن عبد الملك بن صالح بن علي الهاشمي: [من الكامل] وكتيبة كالليل بل هي أظلم ... فيها شعار بني النزال تقدموا تذر الاكام صفاصفا مسلوكة ... والبحر رنقا ماؤه يتقسّم ولها يمين لا تشلّ بنانها ... ولها شمال صوب درّتها الدم وكأن بين يمينها وشمالها ... نارا بأرواح الكماة تضرّم نهنهت أولاها بضرب صادق ... هبر كما عطّ الرداء المعلم وعليّ سابغة الذيول كأنها ... سلخ كسانيه الشجاع الأرقم «1171» - كان أبو موسى الأشعريّ محاصرا تستر، فخرج رجل من العجم فدعا إلى البراز، فخرج إليه شيخ مسن من باهلة يدعى حليل [1] بن أوس على فرس عجفاء، فقال أبو موسى: ممن الرجل؟ قال: من باهلة، فقال ارجع يا أخا باهلة فإنك بال على بال، وأحجم الناس عن الرجل فدعا ثانية فخرج الباهليّ فردّه أبو موسى، فأبى أن يرجع ومضى، فقال أبو موسى: اللهم إنه في حلّ، وتطاعنا فقتله الباهليّ وأقبل يجرّ رمحه ويقول: [من الوافر] رآني الأشعريّ فقال بال ... على بال ولم يعلم بلائي ومثلك قد عرضت الرمح فيه ... فبان بدائه وشفيت دائي   [1] ح: هليل؛ م: هلال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 إذا اجتمع العشائر واستكفّوا ... فجامعني إلى ظلّ اللواء فقال أبو موسى: إني لم أرد بأسا يا أخا باهلة، فقال الباهلي: وأخو باهلة لم يرد بأسا يا أخا الأشعريين. فبلغ الخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان لا يخفى عنه ما يجري بين الناس، فكتب إلى أبي موسى يلومه ويأمره أن يعرف لأهل البلاء بلاءهم وينزلهم منازلهم. «1172» - كان مالك بن الريب مع سعيد بن عثمان بن عفان حين شخص إلى خراسان وكان له منه رزق واسع، فبينا هم في بعض الطريق افتقدوا صاحب إبل سعيد والذي يحلب لهم نوقه واحتاجوا إلى اللبن، فقال مالك لبعض غلمان سعيد: أدن مني الفلانة- ناقة كانت لسعيد غزيرة- فأدناها منه فاحتلبها، فإذا أحسن الناس حلبا وأغزره درة، فانطلق الغلام فاخبر بذلك سعيدا فقال سعيد لمالك: هل لك أن تقيم في إبلي وأجزل لك الرزق إلى ما أرزقك، وأضع عنك الغزو؟ فقال مالك: [من الطويل] وإني لأستحيي الفوارس أن أرى ... بأرض العدى بوّ المخاض الروائم وإني لأستحيي إذا الحرب شمّرت ... أن أرخي دون الحرب ثوب المسالم (وبعدها أبيات تتضمن العزم ذكرت مع أمثالها في مكان آخر من هذا الباب) . «1173» - قيس بن الخطيم: [من الطويل] ومنّا الذي آلى ثلاثين ليلة ... عن الخمر حتى زاركم في الكتائب [1]   [1] هو أبو قيس بن الأسلت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 فلما هبطنا الحرث [1] قال أميرنا ... حرام علينا الخمر ما لم نضارب فسامحه منّا رجال أعزّة ... فما برحوا حتى أحلّت لشارب ويوم بعاث ألحقتنا سيوفنا ... إلى حسب في جذم غسّان ثاقب يعرّين بيضا حين نلقى عدوّنا ... ويغمدن حمرا ناحلات المضارب أطاعت بنو عوف أميرا نهاهم ... عن السلم حتى كان أول واجب [2] ترى قصد المرّان تلقى كأنها ... تذرّع خرصان بأيدي الشواطب [3] وأضربهم [4] يوم الحديقة حاسرا ... كأنّ يدي بالسيف مخراق لاعب «1174» - وفد ابن أبي محجن على معاوية فقام خطيبا فأحسن، فحسده، فأراد أن يكسره فقال: أأنت الذي أوصاك أبوك بقوله: [من الطويل] إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي [5] عروقها ولا تدفننّي بالفلاة فانني ... أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها فقال: بل أنا الذي يقول أبي: [من البسيط] لا تسأل [6] الناس ما مالي وكثرته ... وسائل [7] الناس ما جودي وما خلقي أعطي الحسام [8] غداة الروع حصّته ... وعامل الرمح أرويه من العلق   [1] الحرث: اسم موضع. [2] واجب: ميت. [3] القصد: الكسر، المران: الرماح: التذرع: قدر ذراع، الشواطب: اللواتي يشققن السعف. [4] الديوان: أجالدهم. [5] م: في الممات. [6] الأغاني: تسألي ... وسائلي. [7] الأغاني: تسألي ... وسائلي. [8] الأغاني: السنان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 ويعلم الناس [1] أني من سراتهم ... إذا سما بصر الرعديدة الفرق وأطعن الطعنة النجلاء عن عرض ... واكتم [2] السرّ فيه ضربة العنق «1175» - عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي: [من الطويل] وملمومة قد لثّم النقع وجهها ... وأثقلها حمل الوشيج المقوّم تثاقل في طود من الخيل أرعن ... وتسبح في بحر من البيض مفعم رداح كما مادت رداح خريدة ... عروس المنايا زينها نقط الدم «1176» - محمد بن إبراهيم التميمي الكموني المغربي: [من الطويل] فتى الخيل يكسوها الغبار غلائلا ... إذا صممّمت [3] فيه وهنّ عوابس طوال عليهنّ الطوال رماحهم ... عتاق عليهنّ العتاق الأبالس «1177» - عبد الله بن محمد الأزدي المعروف بالعطّار المغربي: [من الكامل] ويبيت [4] ملتحف العجاج كأنّه ... قبس يضيء سناه تحت دخان 1178- أبو عبد الله القزاز المغربي: [من الخفيف] وإذا شمرت بنو الحرب عن سا ... ق ونادى الأبطال بالأبطال   [1] الأغاني: والقوم أعلم. [2] الأغاني: وأحفظ. [3] المسالك: ضبحت. [4] المسالك: يا بنت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 وتدانى خطو الجواد لقرب ال ... طعن حتى كأنه في شكال كان فيه ثبت الجنان بعيد النف ... س في ضنكة من الأوجال يتلقّى حدّ الحديد بوجه ... مشرق تحت برقع من جمال «1179» - القاضي ابن الربيب المغربي: [من الطويل] يفلّ الخميس المجر مصلت رأيه ... إذا رأي ثبت القوم فال وأحجما إذا اشتجرت فيها الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الموت أتحما [1] ويروى أعصما [2] ومهما انبرت أقلامه برت الطّلى ... وردّ بها ظفر الخطوب مقلّما «1180» - قال عمر بن عبد العزيز لابن أبي مليكة: صف لنا عبد الله ابن الزبير، فإنه ترمرم على أصحابنا فتغشمروا عليه [3] ، فقال: والله ما رأيت جلدا قطّ ركّب على لحم، ولا لحما على عصب، ولا عصبا على عظم، مثل جلده ولحمه وعظمه، ولا رأيت نفسا بين جنبين مثل نفس ركّبت بين جنبيه، ولقد قام يوما إلى الصلاة فمرّ حجر من حجارة المنجنيق بين لحييه وصدره، فو الله ما خشع لها بصره، ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان   [1] م ح: أعصما. [2] ويروى أعصما: سقط من ح م. [3] ترمرم: نطق؛ تغشمر: ظلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 يركع؛ إن ابن الزبير كان إذا دخل في الصلاة خرج من كلّ شيء إليها، ولقد كان يركع ويسجد كأنه ثوب مطروح. «1181» - أجارت أمّ هانىء بنت أبي طالب الحارث بن هشام يوم الفتح، فدخل عليها عليّ عليه السلام فأخذ السيف ليقتله، فوثبت فقبضت على يده، فلم يقدر أن يرفع قدميه من الأرض، وجعل يتفلت منها ولا يقدر، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنظر إليها فتبسّم وقال: قد أجرنا من أجرت، ولا تغضبي عليا فإن الله يغضب لغضبه، وقال: يا علي أغلبتك امرأة؟ فقال: يا رسول الله ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض، فضحك النبي عليه السلام وقال: لو أنّ أبا طالب ولد الناس لكانوا شجعانا. «1182» - لما قتل المأمون ابن عائشة قال: [من الطويل] أنا النار في أحجارها مستكنّة ... متى ما يهجها قادح تتضرّم «1183» - رأى حكيم مدينة حصينة بسور محكم فقال: هذا موضع النساء لا موضع الرجال. «1184» - وقال المنذر بن ماء السماء: حصون العرب الخيل والسلاح؛ وقال الشاعر: [من الطويل] أرى الناس يبنون الحصون وإنّما ... بقيّة آجال الرجال حصونها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 «1185» - وقال سعد بن قرط العبقسي [1] : [من الطويل] ولما رأيت الموت لا ستر دونه ... يحوم على هامات بكر بن وائل عطفت عليهم مهرة أعوجيّة ... وناديت عبد القيس دون القبائل فجاءوا كأسد الغاب في مرجحنّة ... لها ذمرات بالقنا والمناصل ففرّجت عن بكر وكانت بحالة ... مخنقة للقوم ذات غوائل لأني وبكرا من ربيعة في الذرى ... إذا خصل الأقوام أهل الفضائل 1186- وقال السنديّ: [من الطويل] ويوم كيوم البعث ما فيه حاكم ... ولا عاصم إلّا قنا ودروع حبست به نفسي على موقف الردى ... حفاظا وأطراف الرماح شروع ولن يستوي عند الملمّات إن عرت ... صبور على مكروهها وجزوع «1187» - قال سيف بن ذي يزن لأنوشروان حين أعانه بوهرز الديلمي ومن معه: أيها الملك أين تقع ثلاثة آلاف من خمسين ألفا، فقال: يا عربي، كثير الحطب يكفيه قليل النار. 1188- داود بن رزين الواسطي في الرشيد: [من الكامل] أكّال أفئدة الرجال كأنما ... نضح الدماء بساعديه عبير يمشي العرضنة في الحروب كأنه ... أسد لهيبته القلوب تطير «1189» - صمصامة عمرو بن معدي كرب أشهر سيوف العرب، وممن   [1] م: الفقعسي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 تمثل به نهشل بن حرى، وأهداه عمرو لخالد بن سعيد بن العاص عامل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على اليمن وقال: [من الوافر] خليلي لم أخنه ولم يخنّي ... إذا ما صاب أوساط العظام خليلي لم أهبه من قلاه ... ولكنّ المواهب للكرام حبوت به كريما من قريش ... فسرّ به وصين عن اللئام وودّعت الصفي [صفيّ] نفسي [1] ... على الصمصام أضعاف السلام فلم يزل في آل سعيد [2] حتى اشتراه خالد بن عبد الله القسري بمال خطير لهشام وكان قد كتب إليه، فلم يزل عند بني مروان، ثم طلبه السفاح والمنصور والمهدي فلم يجدوه، وجدّ في طلبه الهادي حتى ظفر به وأعطاه لأبي الهول الحميري الشاعر، وقد وصفه هو وغيره من الشعراء وقال فيه: [من الطويل] حسام غداة الرّوع ماض كأنه ... من الله في قبض النفوس رسول وكان على الصمصامة كتوبا: [من الكامل] ذكر على ذكر يصول بصارم ... ذكر يمان في يمين يمان وروي أنه وقع إلى المتوكل فدفعه إلى باغر التركي فقتله به يوم قتل. «1190» - وأشهر منه ذو الفقار كان لمنبّه بن الحجاج فصار صفي   [1] م: وودعت الصبا نفسي كريما. [2] ع: السعيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة بني المصطلق، ولم يزل في بني عليّ عليه السلام يتوارثونه حتى وقع إلى بني العبّاس. قال الأصمعي: رأيت هارون متقلدا سيفا، فقال لي: يا أصمعيّ ألا أريك ذا الفقار؟ اسلل سيفي هذا، فسللته فرأيت فيه ثماني عشرة فقرة. قال المبرد في كتاب «الاشتقاق» : كانت فيه حزوز مطمئنة [1] شبّهت بفقار الظهر. وسيوف العرب المسماة كثيرة، ولم أجد فائدة في ذكرها فألغيته، وسترد صفة السيوف والسلاح فيما بعد حيث يليق بها، وهو يغني عن الإشارة إليه ها هنا. «1191» - ابن الرومي. [من السريع] لم أر شيئا حاضرا نفعه ... للمرء كالدرهم والسيف يقضي له الدرهم حاجاته ... والسيف يحميه من الحيف 1192- خوّف عليّ عليه السلام من الغيلة فقال: إن عليّ من الله جنّة حصينة، فإذا جاء يومي انفرجت عني، فحينئذ لا يطيش السّهم ولا يبرأ الكلم. «1193» - قال الاسكندر في الحرب: احتل للشمس والريح بأن تكونا لك ولا تكونا عليك؛ حبّب إلى عدوّك الفرار بأن لا تتبعهم إذا انهزموا. «1194» - قال بعض العرب: ما لقينا كتيبة فيها عليّ بن أبي طالب إلا أوصى بعض إلى بعض.   [1] م: مطمسة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 «1195» - إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في محمد أخيه حين قتل: [من الطويل] سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإنّ بها ما يدرك الطالب الوترا وإنا لقوم ما تفض دموعنا ... على هالك منّا ولو قصم الظهرا ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصّرها من جفن مقلته عصرا ولكنني أشفي فؤادي بغارة ... تلهّب في قطري كنائنها الجمرا «1196» - أمّ الحباب بنت غالب الكلابيّة: [من الطويل] إذا فزعوا طاروا إلى كلّ شطبة ... تكاد إذا صلّ اللجام تطير وزغف مثنّاة دلاص كأنها ... إذا أشرجت فوق الكميّ غدير «1197» - لم يشهد أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك بدرا، فلم يزل متحسرا يقول: أول مشهد شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيّبت عنه، إن أراني الله مشهدا آخر ليرينّ ما أصنع؛ فلما كان يوم أحد قال: واها لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، قالت أخته الربيع بنت النضر: فما عرفته إلّا ببنانه. «1198» - لما خرج عبد الله بن رواحة إلى مؤتة قيل له: نسأل الله أن يردّك سالما، فقال: [من البسيط] لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تنضح الزّبدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 أو طعنة بيدي حرّان مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقولوا إذا مرّوا على جدثي ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا 1199- في وصف جبان: يحسب خفوق الريح قعقعة الرماح؛ فرّ فرار الليل من وضح النهار. «1200» - قيل لأبي مسلم صاحب الدعوة: في بعض الكتب النازلة من قتل بالسيف فبالسيف يموت. فقال: الموت بالسيف أحبّ إليّ من اختلاف الأطبّاء، والنظر في الماء، ومقاساة الداء والدواء؛ فذكر ذلك للمنصور فقال: صادف منيّته كما أحبّ. «1201» - قيل لمحمد بن الحنفية: كيف كان علي عليه السلام يقحمك في المآزق ويولجك في المضايق دون الحسن والحسين؟ فقال: لأنهما كانا عينيه وكنت يديه، فكان يقي عينيه بيديه. «1202» - قال ابن شبرمة، قلت لأبي مسلم حين أمر بمحاربة عبد الله ابن علي: أيها الأمير إنك تريد عظيما من الأمور، فقال: يا ابن شبرمة، إنك بحديث تغلق معانيه، وشعر توضح قوافيه، أعلم منك بالحرب، إن هذه دولة قد اطّردت أعلامها، [وامتدت أيامها] وخفقت ألويتها، واتّسعت أفنيتها، فليس لمناويها والطامع فيها يد تنيله شيئا من قوة الوثوب عليها، فإذا تولت مدّتها قدح الوزغ بذنبه فيها. 1203- كان شبيب بن شبّة المنقري أحد الخطباء المصاقع، فأمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 المهدي بقتل رجل من أسارى الروم فأبى، فقال أبو الهول الحميري: [من الطويل] فزعت من الروميّ وهو مقيّد ... فكيف إذا لاقيته وهو مطلق فنحّ شبيبا عن قراع كتيبة ... وأدن شبيبا من كلام يلزّق فلم يخطب بعد هذا البيت خطبة إلا وفيها اضطراب. «1204» - كان عبد الله بن خازم من الشجاعة بالمكان المشهور، وكان يفرق من الجرذ إذا رآه، ويقال: إن هذه جبلّة موجودة في قوم من الشجعان، فبينا هو عند عبيد الله بن زياد إذا هو بجرذ أبيض دخلوا به للتعجب، فتجمع ابن حازم حتى عاد كأنه فرخ، واصفرّ كأنه جرادة، فقال عبيد الله بن زياد: أبو صالح يعصي الرحمن، ويتهاون بالسلطان، ويقبض على الثعبان، ويمشي إلى الأسد، ويلقى الرماح بوجهه، وقد اعتراه من جرذ ما ترون، أشهد أنّ الله على كلّ شيء قدير. «1205» - مزرّد: [من الطويل] فقد علمت فتيان ذبيان أنني ... أنا الفارس الحامي الذمار المقاتل وأني أردّ الكبش والكبش جامح ... وأرجع رمحي وهو ريّان ناهل «1206» - جعفر بن علبة: [من الطويل] أرادوا ليثنوني فقلت تجنبوا ... طريقي فما لي حاجة من ورائيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 «1207» - وقد أكثر المتنبي من [1] ذكر الشجاعة والحماسة، فأضفت ما اخترته من ذلك بعضه إلى بعض: [من الطويل] أحقّهم بالسيف من ضرب الطّلّى ... وبالأمر من هانت لديه الشدائد وكلّ يرى طرق الشجاعة والندى ... ولكنّ طبع النفس للنفس قائد نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنّئت الدنيا بأنّك خالد تبكّي عليهنّ البطاريق في الدجى ... وهنّ لدينا ملقيات كواسد بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد (2) وله أيضا: [من الوافر] كأنّ الهام في الهيجا عيون ... وقد طبعت سيوفك من رقاد وقد صغت الأسنّة من هموم ... فما يخطرن إلا في فؤاد (3) وله أيضا: [من البسيط] وفارس الخيل من خفّت فوقّرها ... في الدّرب والدم في أعطافها دفع وأوحدته وما في قلبه قلق ... وأغضبته وما في لفظه قذع لا يعتقي بلد مسراه عن بلد ... كالموت ليس له ريّ ولا شبع حتى أقام على أرباض خرشنة ... تشقى به الروم والصّلبان والبيع للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا ... والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا تهدي نواظرها والحرب مظلمة ... من الأسنّة نار والقنا شمع لا تحسبوا من قتلتم [2] كان ذا رمق ... فليس تأكل إلا الميت الضبع   [1] ح: في. [2] الديوان: أسرتم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 من كان فوق محلّ الشمس موضعه ... فليس يرفعه شيء ولا يضع وما حمدتك في هول ثبتّ له ... حتى بلوتك والأبطال تمتصع فقد يظنّ شجاعا من به خرق ... وقد يظنّ جبانا من به زمع إن السلاح جميع الناس يحمله ... وليس كلّ ذوات المخلب السبع (4) [1] : وله أيضا: [من الطويل] وذي لجب لا ذو الجناح أمامه ... بناج ولا الوحش المثار بسالم تمرّ عليه الشمس وهي ضعيفة ... تطالعه من بين ريش القشاعم ويخفى عليك الرعد والبرق دونه ... من الرعد [2] في حافاته والهماهم أرى دون ما بين الفرات وبرقة ... ضرابا يمشّي الخيل فوق الجماجم وطعن غطاريف كأن اكفّهم ... عرفن الردينيّات قبل المعاصم (5) [3] وقال: [من الخفيف] ولو أنّ الحياة تبقى لحيّ ... لعددنا أضلّنا الشجعانا وإذا لم يكن من الموت بدّ ... فمن العجز أن تكون جبانا كلّ ما لم يكن من الصعب في الأن ... فس سهل فيها إذا هو كانا تسمية أبطال العرب في الإسلام وقاتليهم: قد ذكر المتقدمون فرسان العرب وجعلوهم في طبقات، ولعل العصبية قدّمت عندهم من يستحقّ التأخير والهوى أخّر مستوجب التقديم، وعلى الحقيقة فلم يجتمع القوم في حلبة فيبين السابق من المسبوق، ولا لفّتهم حرب فكشفت البطل من الفروق، والأولى كان أن يذكر الأقدم عصرا فالأقدم، ويجعل أهل   [1] ديوانه: 197. [2] الديوان: من اللمع. [3] ديوانه: 470. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 كلّ عصر طبقة، فإن ذلك أسلم من الوقوع في أهوية التعصب، وأبعد من خطاء الهوى والتحزب، وأنا أسمي هاهنا فرسان الإسلام المشهورين زمانا بعد زمان، إذ كانت الأخبار عنهم مضبوطة، وألغي تسمية فرسان الجاهلية اكتفاء بما يجيء من ذكرهم في الباب الموسوم بأخبار العرب إن شاء الله. «1208» - الطبقة الأولى الذين أدركوا الجاهلية والإسلام: (1) حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أسد الله، قتل في غزاة أحد، رماه وحشيّ مولى جبير بن مطعم بحربة، ومثلت به قريش، ولاكت هند بنت عتبة بن عبد شمس كبده حنقا على قتله أباها يوم بدر، كان فارس قريش غير مدافع، وبطلها غير منازع، عظم قتله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونذر أن يقتل به سبعين رجلا من قريش، وكبّر عليه في الصلاة سبعين تكبيرة. (2) علي بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، آية من آيات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومعجزة من معجزاته، مؤيد بالأيد [1] الالهي، كاشف الكرب ومجليها، وموطّد قواعد الإسلام ومرسيها، أجلّ من أن يقاس بغيره من الأبطال، أو يمثّل بسواه من الشجعان، وآثاره وأخباره أشهر من أن ينبّه عليها، وهو المقدّم في الشجاعة على الناس كلهم بلا مرية ولا خلاف، ولو ذكرت بعض مواقفه لضاق عنها كتاب مفرد. قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة وهو في صلاة الصبح، وقيل: كان داخلا إلى المسجد بالكوفة في الغلس، وذلك في تاسع عشر شهر رمضان سنة أربعين. ومات بعد ثلاث. (3) الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى حواريّ رسول الله   [1] م: بالتأييد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 صلّى الله عليه وسلّم وابن عمته. بطل لا يجارى، وسهم من سهام الله لا يبارى [1] ، قتله عمرو بن جرموز التميمي [2] بوادي السباع وقد انصرف من حرب الجمل مقلعا، اغتاله وهو في الصلاة فطعنه في جربّان درعه، ولما لاح عمرو قال مولى الزبير: يا مولاي هذا فارس مقبل. فقال: ما يهولك من فارس؟ قال: إنه معدّ قال: وإن كان معدا. فلما قرب منه قال: وراءك. قال: إنما بعثني من ورائي لأعلم لهم حال الناس، فقال: تركتهم يضرب بعضهم بعضا، فلما أحرم بالصلاة قتله، فقالت امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: [من الكامل] غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرّد (4) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي سيف الله وسيف رسوله، بطل مذكور في الجاهلية والإسلام. وكان يوم أحد على الخيل [3] خيل المشركين، وهو صاحب أهل الردة. قتل مالك بن نويرة، وفلّ جمع طليحة الأسدي لما تنبأ واشتدت شوكته، وزحف إلى مسيلمة الحنفيّ فكانت وقعة اليمامة، ولم يلق المسلمون مثلها، وقتل فيها عالم من الصحابة رضوان الله عليهم، وقتل مسيلمة لعنه الله، وكان الفتح لخالد. وطعن قوم على خالد منهم عمر بن الخطاب عند أبي بكر رضي الله عنه لما تزوج امرأة مالك بن نويرة بعد قتله وأنكروا فعله وأكبروه، فقال أبو بكر: لا أغمد سيفا سلّه الله على أعدائه. وخالد الذي فتح دمشق وأكثر بلاد الشام، وله وقائع عظيمة في الروم أيّد الله بها الإسلام، مات على فراشه، وكان يقول: لقد شهدت كذا وكذا زحفا وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه أثر من طعنة أو ضربة أو رمية، وها أنا أموت على فراشي فلا نامت عين الجبان. ويروى أنه عدّ بجسده ثمانون ما بين طعنة وضربة، فأما السهام فلم تكن تحصى، وكان يقول: ما ليلة أسرّ من ليلة   [1] ع: يمارى. [2] التميمي: سقطت من م. [3] الخيل: سقطت من م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 يهدى إليّ فيها عروس إلا ليلة أغدوا في صبيحتها إلى قتال عدو. وهو صاحب وقعة اليرموك، وكان الروم في ثلاثمائة ألف. (5) عمرو بن معدي كرب الزبيدي: فارس من قدماء الفرسان جاهلي، له في الجاهلية مواقف مذكورة [1] ، وأسلم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام، وشهد حروب الفرس وكان له فيها أثر ونكاية، وكان موصوفا بالأيد، وقد ذكر بعض أوصافه في غير هذا المكان، وعمّر حتى ضعف وارتعش، قيل: قتل بنهاوند في وقعة الفرس، وقيل: بل مات حتف أنفه، وكان بعيد الصوت مهيب اللقاء [2] ، وهو أشهر الفرسان ذكرا. وهو معدود في الشعراء المبرزين. (6) طليحة [3] الأسدي: من أكبر الشجعان جاهلية وإسلاما، أسلم ثم ارتد فتنبأ، وجمع جمعا عظيما وأغواهم [4] ، وكان يتكهن، ففلّ ذلك الجمع خالد بن الوليد، وعاد طليحة إلى الإسلام وشهد حرب القادسية وغيرها من الفتوح، وكانت له فيها آثار ومواقف. (7) سعد بن أبي وقاص الزهري، واسم أبي وقاص مالك: كان فارسا بطلا راميا، وهو أول من رمى في سبيل الله، ولما تخير عمر رضي الله عنه من الصحابة من يؤمّره على قتال الفرس واستشار فيه قيل له: هو الليث عاديا سعد بن مالك، فبعثه حتى فتح العراق، ولما قتل عثمان اعتزل ولم يشهد الحرب بعده ومات حتف أنفه [5] .   [1] م: كثيرة مذكورة. [2] م: مهيبا في اللقاء. [3] م: طلحة. [4] وأغواهم: سقطت من م. [5] زاد في ح بخط مختلف عن خط الأصل النبذة التالية عن المقداد: المقداد بن الأسود، قتل في حرب صفين سنة سبع وثلاثين، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة مولى الأسود ابن عبد يغوث، من أشهر فرسان الإسلام وأشدهم بأسا، ومواقفه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي حرب صفين تدلّ على مكانه في الشجاعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 (8) أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري الذي أخذ سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحقّه لما عرضه على الجماعة، وخرج أبو دجانة به وقد أعلم يتبختر بين الصفين، فقال صلّى الله عليه وسلّم: انها لمشية يبغضها الله إلّا في هذا الموضع. (9) المثنى بن حارثة الشيباني هو أول من افتتح حرب الفرس في قلّ من قومه [1] . (10) أبو عبيد بن مسعود الثقفي قاتل الفيل يوم قسّ الناطف في حرب القادسيّة، وقد مضى خبره، وفيه كرّ الفيل عليه فقتله [2] . (11) عمّار بن ياسر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله: قال فيه صلّى الله عليه وسلّم: لا تؤذوني في عمار فعمار جلدة ما بين عينيّ، وقال فيه: الحقّ يدور مع عمار حيث دار، وأخبر أنه تقتله الفئة الباغية فقتل بصفين مع عليّ عليه السلام [3] . (12) بديل بن ورقاء. (13) هاشم بن عتبة: من أكابر الشجعان، صاحب راية عليّ عليه السلام بصفين، وله فتح جلولاء، وهي الوقعة المشهورة مع الفرس [4] . (14) مالك بن الحارث النخعي الأشتر: مات مسموما في شربة من عسل، فقال معاوية: إن لله جنودا منها العسل [5] . (15) القعقاع بن عمرو طاعن الفيل في عينه يوم القادسيّة.   [1] زاد بخط مغاير في ح: قتل في بعض حروبه معهم وقيل مات حتف أنفه. [2] زيادة: ولما قتل أبو عبيد الثقفي حمى المثنى بن حارثة المسلمين حتى أجازهم الجسر وكان له في ذلك موقف عظيم هائل. [3] زيادة: وكان له في هذه الحروب حملات منكرة وهو ابن نيف وتسعين سنة. [4] زيادة: قتل في وقعة صفين. [5] زيادة: وذلك في سنة ثمان وثلاثين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 1209- أيام بني أمية: الطبقة الثانية: (1) عبد الله بن الزبير بن العوام: معروف بالأيد والبسالة والاقدام وهو قاتل جرجير ملك افريقية، وكان يرى أنه أشجع أهل عصره، قتله الحجاج بعد أن حوصر بمكة وأسلمه أصحابه وعشيرته، وصلبه [1] ، ويقال: أعرق العرب في القتل عمارة بن حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد، قتل عمارة وحمزة يوم قديد، قتلتهما الاباضية الخوارج، وقتل الحجاج عبد الله بن الزبير، وقتل عمرو بن جرموز الزبير، وقتلت بنو كنانة العوام، وقتلت خزاعة خويلدا. (2) أبو هاشم محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية: كان أبوه يلقيه في البهم ويتقي به العظائم، وكان شديد الأيد ذا بأس عظيم، وكان ابن الزبير مع تقدمه في الشجاعة والنجدة يحسده ويعتريه أفكل إذا سمع ذكره، مات حتف أنفه بشعب رضوى [2] . (3) عبد الله بن خازم السلمي والي خراسان: كبش مضر، قريعها وفارسها في عصره، قتله وكيع بن أبي سود الغداني بخراسان في الفتنة [3] . (4) وكيع بن أبي سود الغداني قاتل عبد الله بن خازم: شجاع فاتك أهوج، ولي خراسان لما قتل عبد الله بن خازم ولم يضبط الأمر لهوجه، مات حتف أنفه. (5) مصعب بن الزبير: شجاع بطل جواد، جاد بماله وبنفسه، عرض عليه الأمان وولاية العراقين وقد خذله أصحابه وبقي في نفر، فأبى أن يقبل وطلب [4] أن يمضي حميدا كريما، قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان في الحرب التي   [1] زيادة: سنة ثلاث وسبعين. [2] زيادة: سنة إحدى وثمانين (في الأصل: وثلاثين) . [3] زيادة: سنة ثلاث وسبعين. [4] ح: وطالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 كانت بينه وبين عبد الملك بن مروان بمسكن [1] . (6) عبيد الله بن ظبيان قاتل مصعب: بطل فتاك مقدام [2] . (7) عمير بن الحباب السلمي فارس الإسلام: قتلته بنو تغلب بجانب الثرثار في الحرب التي كانت بينهم وبين قيس، وفي ذلك يقول الأخطل: [من الطويل] لعمري لقد لاقت سليم وعامر ... على جانب الثرثار راغية البكر وفيه قال للجحاف السلمي: [من الطويل] ألا سائل الجحاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر فحمي الجحاف وجمع جمعا فأغار على بني تغلب بالبشر، وهو ماء لهم، فقتل منهم مقتلة عظيمة وبقر بطون النساء، فقال الأخطل: [من الطويل] لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إلى الله منها المشتكى والمعوّل فإن لم تغيرها قريش بحملها ... يكن عن قريش مستراد ومرحل (8) شعيب بن مليل [3] التغلبي: قتله عمير بن الحباب يوم قتل عمير وقطعت رجله، فقاتل وهو يقول: [من الرجز] قد علمت قيس ونحن نعلم ... أنّ الفتى يفتك وهو أجذم ولما رآه عمير صريعا قال: من سرّه أن ينظر إلى الأسد معقورا [4] فلينظر إلى شعيب [5] .   [1] زيادة: سنة إحدى وسبعين. [2] زيادة: قتل مصعبا وأتى عبد الملك فسجد فهم أن يفتك به، وهمّ دفعة أخرى أن يفتك بالحجاج وهو في سلطانه، فأحسّ الحجاج فخدعه وأطعمه في الريّ فثنى عزمه وفل غربه. [3] ح: مالك. [4] م ح: صريعا. [5] جاء بعده في هامش ح: المختار بن أبي عبيد الثقفي صاحب الثأر قتله مصعب بن الزبير في قصر الكوفة وهو في مائة رجل، فقال لأصحابه اخرجوا إلى عدوكم فما بكم من قلة، فذلوا واستسلموا فقتلهم مصعب وأصحابه، وخرج هو في بضعة عشر فارسا فقاتل حتى قتل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 (9) إبراهيم بن مالك بن الحارث: وهو ابن الأشتر الآخذ بثأر الحسين ابن علي، لقي عبيد الله بن زياد في أربعة آلاف رجل، وعبيد الله في سبعين ألفا، فقتله بيده، وهزم جيشه، وحارب مع مصعب حتى لم يبق سواهما، وبذل له الأمان والولاية على أيّ بلد شاء فلزم الوفاء لمصعب، وقتل أمامه يوم مسكن. (10) مسلمة بن عبد الملك بن مروان: فحل بني أمية وفارسها وقريعها ووالي حروبها، مات حتف أنفه، جلس يقضي بمصر بين الناس فكلّمته امرأة فلم يقبل عليها فقالت [1] . ما رأيت أقلّ حياء من هذا قطّ، فكشف عن ساقه فإذا فيها أثر تسع طعنات، فقال لها: هل ترين أثر هذا الطعن؟ والله لو أخّرت رجلي قيد شبر ما أصابتني واحدة منهنّ، وما منعني من تأخيرها الا الحياء، وانت تنحليني قلّته. (11) أحمر قريش عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي [2] . (12) عبيد الله بن الحر الجعفي: شاعر شجاع فاتك، كان لا يعطي الأمراء طاعة، له وقائع عظيمة هائلة، قتل وقد تفرّق أصحابه في بعث وبقي في عشرة، صرعه أبو كدينة الباهلي، ثم إنه ألقى نفسه في سفينة ليعبر الفرات فعالجه الملاح فاتّحدا فغرقا جميعا. (13) جحدر بن ربيعة العكلي: لص فاتك شاعر أعيا الحجاج حتى احتال له فحصل عليه وحبسه، ثم اصطاد سبعا ضاريا وجعله في حفيرة وألقى جحدرا عليه مقيّدا وبيده سيف، فقتل الأسد وقال: [من الرجز]   [1] الحكاية عن مسلمة مما نقله صاحب المستطرف: 1: 224. [2] زاد في هامش ح: له وقائع مشهورة في الخوارج، قتل في بعضها ولده فقتل في وجهه ذلك منهم تسعين رجلا، وانفرد يوما من أصحابه فعمد له أربعة عشر رجلا من مذكوريهم وشجعانهم، وفي يده عمود، فجعل لا يضرب رجلا إلا صرعه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 ليث وليث في مجال ضنك ... كلاهما ذو أنف ومحك فأطلقه الحجاج، ومات حتف أنفه. (14) المهلب بن أبي صفرة، واسمه ظالم، وأولاده كلهم أنجاد أبطال، وأشهرهم بالنجدة المغيرة، وكان المهلب يجمع إلى النجدة والبسالة الرأي والحزم، وله في الحرب مكايد مشهورة، وصبر مسلّم إليه غايته، ووقائعه في الخوارج أبادتهم بعد أن كانوا استولوا على المسلمين. وكان سيدا كريما، وهو أزديّ عتكي، مات حتف أنفه، وكذلك ابنه المغيرة [1] ، وفيه يقول زياد الأعجم: [من الكامل] مات المغيرة بعد طول تعرّض ... للقتل بين أسنّة وصفائح [2] (15) القتّال الكلابي واسمه عبد الله بن المجيب بن المضرحيّ، يكنى أبا المسيب، وقيل اسمه عبادة، وقيل عتبة: بطل فاتك جنى جناية فخافها، فأقام في عماية، وهو جبل، عشر سنين يأكل من صيده، وألفه نمر هناك فكان رفيقه [3] . وكان في الخوارج فوارس مشهورون لا تلبث لهم الرجال وذكرهم يطول ويخرج عما أردناه فمنهم: (16) أبو بلال مرداس خرج في أربعين فهزم الفين.   [1] زاد في هامش ح: كان اذا اشتجرت الرماح في وجهه حمل من تحتها وبراها بسيفه، مات حتف أنفه (انظر رقم: 1053) . [2] زاد في هامش ح: عباد بن الحصين الحبطي كان يشهد الحروب على ... [3] زاد هنا بهامش ح: عتاب بن ورقاء الأصفهاني قتله شبيب الشاري وله وقائع في الخوارج مذكورة. وكان من أشهر الفرسان وأنبههم الحارث بن عميرة الهمداني قاتل الزبير بن علي السليطي الخارجي، وله يقول أعشى باهلة: إن المكارم أكملت أسبابها ... لابن الليوث الغر من قحطان الفارس الحامي الحقيقة معلما ... زاد الرفاق وفارس الفرسان ودّ الأزارق لو يصاب بطعنة ... ويموت من فرسانهم مائتان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 (17) وشبيب الخارجيّ الذي غرق في الفرات وكان أصحابه لا يبلغون ألفا، نذرت امرأته غزالة أن تصلّي في جامع الكوفة ركعتين تقرأ في إحداهما البقرة وفي الثانية آل عمران، فعبر بها جسر الفرات وأدخلها الجامع، ووقف على بابه يحميها حتى وفت بنذرها، والحجاج بالكوفة في خمسين ألفا. (18) ومنهم قطري بن الفجاءة [المازني] : قتل في بعض الوقائع بين الخوارج والمهلب، وكان قطري رأس الخوارج، وخاطبوه بامرة المؤمنين وعظموه وبجّلوه، ويكنى أبا نعامة، وأشعاره في الشجاعة تدلّ على مكانه منها [1] . 1210- الدولة الهاشمية: الطبقة الثالثة: (1) معن بن زائدة الشيباني: قتلته الخوارج بسجستان في أيام المهدي. (2) يزيد بن مزيد الشيباني [2] . (3) الوليد بن طريف الشيباني الخارجي: قتله يزيد بن مزيد، وخرجت أخته لتثأر به فضرب يزيد قطاة فرسها وقال: اغربي فقد فضحت العشيرة. (4) إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن: قتل بباخمرى في الوقعة بينه وبين عيسى بن موسى، والمنصور وراءه، وأتاه سهم غرب بعد أن ظفر وكسر الجيش. (5) عمر بن حفص هزارمرد، وهو حفص بن عثمان بن قبيصة أخي المهلب، قيل إنه كان يتصيد فتبع حمار وحش، وما زال يركض إلى أن حاذاه، فجمع جراميزه ووثب من الفرس فصار على ظهره، وما زال يحزّ عنقه بسيف أو سكين في يده حتى قتله. (6) أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي: فارس بطل شاعر مغنّ نديم جامع لما تفرق في غيره، طعن فارسين رديفين فأنفذهما، وقتل قرقورا   [1] زاد هنا بهامش ح: قتل بطبرستان. [2] زاد هنا بهامش ح: مات ببرذعة وكان فارس بني العباس ووالي غزواتهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 الشاري، وكان من المشهورين بالشدة، وجاء برمحه يحمله أربعة نفر. (7) المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد: فارس بني العبّاس وأشدهم بأسا، طعنه رجل مرة فأمال ظهره في الرمح فقصفه، وكان يسمي ما بين سبابته والوسطى «المقطرة» ، واعتمد به على عضد رجل فكسره، وكان يشدّ يده على كتابة الدينار فيمحوها، ويأخذ العمود الحديد فيلويه حتى يصير طوقا في العنق، وهمته في فتوحه تناسب شدّته في جبلّته [1] . (8) بكر بن النطاح الحنفي: فاتك شاعر نجد، له خبر مع أبي دلف يدلّ على حميته ونجدته، لم يزل معه يمتدحه ويحارب بين يديه حتى مات [2] . نوادر هذا الباب «1211» - قال أبو دلامة: أتي بي المنصور أو المهدي وأنا سكران، فحلف ليخرجنّي في بعث حرب، فأخرجني مع روح بن حاتم المهلبي لقتال الشراة، فلما التقى الجمعان قلت لروح: أم والله لو أن تحتي فرسك ومعي سلاحك لأثّرت في عدوك اليوم أثرا ترتضيه، فضحك وقال: والله العظيم لأدفعنّ إليك ذلك ولآخذنّك بالوفاء بشرطك، ونزل عن فرسه فنزع سلاحه ودفعهما إليّ، ودعا بغيرهما فاستبدل به، فلما حصل ذلك في يدي وزالت عني حلاوة الطمع قلت له: أيها الأمير هذا مقام العائذ بك، وقد قلت بيتين فاسمعها قال: هات، فأنشدته: [من الكامل]   [1] انظر رقم: 1080. [2] زاد في هامش ح: قحطبة بن شبيب الطائي من نقباء الدولة العبّاسية وصاحب حروبها، غرق في دجلة وقد اقتحمها في الحرب التي كانت بينه وبين بني أمية، وقام ابنه الحسن مقامه. قائد الجيش عبد الله بن علي بن عبد الله بن العبّاس صاحب الوقائع وقاتل مروان، كان ذا نجدة وبأس ورأي في الحرب ومراس، ومات في حبس المنصور، قيل إنه بنى [ ... ] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 إني استجرتك أن أقدّم في الوغى ... لتطاعن وتنازل وضراب فهب السيوف رأيتها مشهورة ... فتركتها ومضيت في الهرّاب ماذا تقول لما يجيء ولا يرى ... من بادرات الموت في النشاب فقال: دع ذا عنك وستعلم، وبرز رجل من الخوارج يدعو إلى المبارزة فقال: اخرج إليه يا أبا دلامة، فقلت: أنشدك الله أيها الأمير فإنه أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا، فقال: لا بدّ من ذاك، فقلت له: أنا والله جائع ما تنبعث مني جارحة من الجوع فمر لي بشيء آكله ثم أخرج، فأمر لي برغيفين ودجاجة، فأخذت ذلك وبرزت عن الصفّ فلما رآني الشاري أقبل نحوي وعليه فرو، وقد أصابه المطر فابتلّ، وأصابته الشمس فاقفعلّ، وعيناه تقدان، فأسرع إليّ فقلت له: على رسلك، فوقف فقلت: أتقتل من لا يقاتلك؟ قال: لا، قلت: أفتستحلّ أن تقتل رجلا على دينك؟ قال: لا، قلت: أتستحل ذلك قبل أن تدعو من تقاتله إلى دينك؟ قال: لا، فاذهب عنّي إلى لعنة الله، فقلت: لا أفعل أو تسمع مني، قال: هات، قلت: هل كان بيننا قطّ عداوة أو ترة أو تعرفني بحال تحفظك عليّ، أو تعرف بين أهلي وأهلك وترا؟ قال: لا والله، قلت: ولا أنا والله لك إلا على جميل، وإني لأهواك وأنتحل مذهبك وأدين بدينك وأريد السوء لمن أراده بك، قال: يا هذا جزاك الله خيرا فانصرف، قلت: إنّ معي زادا وأريد مؤاكلتك لتؤكد [1] المودة بيننا، ونري أهل العسكرين هوانهم علينا، قال: فافعل، فتقدمت إليه حتى اختلفت أعناق دوابنا، وجمعنا أرجلنا على معارفها، وجعلنا نأكل والناس قد غلبوا ضحكا، فلما استوفينا ودّعني، ثم قلت له: إن هذا الجاهل إن أقمت على طلب المبارزة ندبني لك، فتتعب وتتعبني، فإن رأيت ألا تبرز اليوم فافعل، قال: قد فعلت، ثم انصرف   [1] م: لتتوكد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 وانصرفت، فقلت لروح: أما أنا فقد كفيتك قرني، فقل لغيري أن يكفيك قرنه كما كفيتك، فأمسك، وخرج آخر يدعو إلى البراز فقال لي: اخرج إليه، فقلت: [من البسيط] إني أعوذ بربي أن تقدّمني ... إلى القتال فيخزى بي بنو أسد إن البراز إلى الأقران أعلمه ... مما يفرّق بين الروح والجسد إن المهلب حبّ الموت أورثكم ... وما ورثت اختيار الموت عن أحد لو أنّ لي مهجة أخرى لجدت بها ... لكنها خلقت فردا فلم أجد فضحك وأعفاني. «1212» - ولأبي دلامة في المعنى: [من الطويل] ألا لا تلمني إن فررت فإنني ... أخاف على فخارتي أن تحطّما فلو أنني أبتاع في السوق مثلها ... وجدّك ما باليت أن أتقدّما «1213» - وقال آخر: [من الوافر] يقول لي الأمير بغير علم ... تقدّم حين جدّ بنا المراس وما لي إن أطعتك من حياة، وما لي غير هذا الرأس راس «1214» - خطب ثمامة العوفي امرأة فسألت عن حرفته فقال: [من الطويل] وسائلة عن حرفتي قلت حرفتي [1] ... مقارعة الأبطال في كلّ مأزق   [1] م: إن حرفتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 وضربي طلى الأبطال بالسيف معلما ... إذا زحف الصفّان تحت الخوافق فلما قرأت الشعر قالت للرسول قل له: فديتك أنت أسد فاطلب لنفسك لبؤة، فاني ظبية أحتاج إلى غزال. 1214- دخل أعرابي البصرة في يوم جمعة، والناس في الصلاة، فركع معهم فزحموه، فرفع يده ولطم الذي يليه، وأخذ يزاحم ويقول في صلاته: [من الرجز] إن تزحماني تجداني مزحما ... عبل الذراعين شديدا ملطما «1215» - لما أحضر عبد الملك بن مروان حلحلة الفزاريّ وسعيد بن أبان ابن عيينة بن حصن الفزاري ليقيد منهما، قال لحلحلة: صبرا حلحل، فقال: أي والله: [من الرجز] أصبر من ذي ضاغط عركرك [1] ... ألقى بواني [2] زوره للمبرك ثم قال لابن الأسود الكلبيّ أجد الضربة، فإني ضربت أباك ضربة أسلحته فعددت النجوم في سلحته، ثم قال عبد الملك لسعيد صبرا سعيد، فقال: [من الرجز] أصبر من عود بجنبيه جلب [3] ... قد أثّر البطان فيه والحقب «1216» - لما يئس [4] من وكيع بن أبي سود أحد بني غدانة بن يربوع،   [1] العركرك: الشديد. [2] البواني: القوائم والأكتاف. [3] الجلب: آثار الدبر. [4] م ح: أيس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 وهو قاتل عبد الله بن خازم، خرج الطبيب من عنده فقال له محمد ابنه: ما تقول؟ قال: لا يصلّي الظهر، وكان محمد ناسكا، فدخل إلى أبيه وكيع فقال له: ما قال لك المعلوج؟ قال وعد أنك تبرأ، قال: أسألك بحقي عليك، قال: ذكر أنك لا تصلّي الظهر، فقال: ويلي على ابن الخبيثة، والله لو كانت في شدقي للكتها إلى العصر. «1217» - كان بهلول يوما جالسا والصبيان يؤذونه، وهو يقول: لا حول ولا قوة إلّا بالله، يعيدها مرارا، فلما طال أذاهم له أخذ عصاه وقال: حمي الوطيس وطابت الحرب، وأنا على بيّنة من ربي تعالى، ثم حمل عليهم وهو يقول: [من الوافر] أشدّ على الكتيبة لا أبالي ... أفيها كان حتفي أم سواها فتساقط الصبيان بعضهم على بعض وتهاربوا، فقال: هزم القوم وولّوا الدبر، أمرنا أمير المؤمنين ألّا نتبع موليّا ولا نذفّف على جريح، ثم رجع وجلس وطرح عصاه وقال: [من الطويل] فألقت عصاها واستقّرت بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر 1218- لبس إبراهيم بن العبّاس سواده ثم قال: يا غلام، هات ذلك السيف الذي ما ضرّ الله به أحدا غيري. «1219» - قال عمرو بن معدي كرب: [من البسيط] اذا قتلنا ولم يحزن لنا أحد ... قالت قريش ألا تلك المقادير نعطى السويّة من طعن له نفذ ... ولا سويّة إذ تعطى الدنانير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 1220- قال فيلسوف لأهل مدينته: ليت طبيبكم كان صاحب جيشكم، فإنه قد قتل الخلق وليت صاحب جيشكم كان طبيبكم فإنه لا يقتل أحدا قط. «1221» - خرج المعتصم إلى بعض متصيداته فظهر له أسد، فقال لرجل من أصحابه أعجبه قوامه وسلاحه وتمام خلقه: يا رجل فيك خير؟ قال بالعجلة: لا يا أمير المؤمنين، فضحك المعتصم وقال: قبحك الله وقبح طللك. 1222- حدث بعض مشايخ الكتاب بالريّ قال: لما مات ابن قراتكين صاحب جيش خراسان، قام بالأمر بعده واحد يقال له ينال عز، قال فكنا بين يديه يوما إذ تقدم صاحب البريد وقال: أيها الأمير قد نزل ركن الدولة بالسين خارجا من أصفهان طامعا في الري، قال: فتغير لونه وتحرك فضرط، وأراد أن يستوي قاعدا فضرط أخرى وثلث وربّع، فقال له صاحب البريد: الرجل منا بعد [1] على ثمانين فرسخا، قال: فغضب وقال له: يا فاعل تقدّر أنني هو ذا أضرط من الفزع؟ إنما أضرط من الغضب. «1223» - تزوج عمر بن عبيد الله بن معمر التيميّ رملة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية، وكانت جهمة الوجه عظيمة الأنف حسنة الجسم، وتزوج عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وجمع بينهما، فقال يوما لعائشة: فعلت في محاربتي الخوارج مع أبي فديك كذا وصنعت كذا، فذكر لها شجاعته وإقدامه، فقالت له عائشة: أنا أعلم أنك أشجع الناس، وأعلم لك يوما   [1] م: بعيد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 أعظم من هذا اليوم الذي ذكرته، قال: وما هو؟ قالت: يوم اجتليت رملة [1] وأقدمت على وجهها وأنفها. «1224» - كان أبو جلدة [2] اليشكريّ من الفرسان، وكان مع عمرو بن صوحان أخي صعصعة بن صوحان العبدي في بعض قرى بست، ومعهما جماعة يشربون، فقام أبو جلدة ليبول، وكان عظيم البطن فضرط، فتضاحك القوم به، فسلّ سيفه وقال: لأضربنّ كلّ من لا يضرط في مجلسه هذا بسيفي، أمنّي تضحكون لا أم لكم؟ فما زال حتى ضرطوا جميعا غير عمرو بن صوحان، فقال له: قد علمت أنّ عبد القيس لا تضرط، ولك بدلها عشر فسوات، قال: لا والله أو تفصح بها، فجعل ينحني ولا يقدر عليها فتركه، وقال أبو جلدة في ذلك: [من الطويل] أمن ضرطة بالجيروان [3] ضرطتها ... تشدّد مني تارة وتلين فما هو إلا السيف أو ضرطة لها ... يثور دخان ساطع وطنين 1224 ب- أنشد ابن الأعرابيّ لشفاء بن نصر الخزاعي: [من الرجز] ليت الرجال قد تلاقوا بالعطن ... بأرزنات ليس فيهنّ أبن يمتن إذ يحيين أضغان الدّمن ... طار فؤادي طيرة ثم سكن إنّ لهم بعد الجزاء واللّعن ... سبّا إذا ما ظهر السبّ بطن «1225» - محمد بن أبي حمزة الكوفي مولى الأنصار: [من البسيط]   [1] م: اختليت برملة. [2] م: أبو حلزة. [3] الأغاني: بالخيزران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 باتت تشجّعني عرسي وقد علمت ... أنّ الشجاعة مقرون بها العطب لا والذي حجّت الأنصار كعبته ... ما يشتهي الموت عندي من له أدب للحرب قوم أضلّ الله سعيهم ... إذا دعتهم إلى آفاتها وثبوا ولست منهم ولا أهوى فعالهم ... لا الجدّ يعجبني منهم ولا اللعب «1226» - فر أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد من أبي فديك الخارجي، فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام، فجلس يوما بالبصرة فقال: سرت على فرسي المهرجان من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام، فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير فلو ركبت النيروز لسرت إليهم في يوم واحد. 1227- أغار أنس بن مدركة الخثعميّ على سرح قريش في الجاهلية فذهب به، فقال له عمر رضي الله عنه في خلافته: لقد تبعناك تلك الليلة فلو أدركناك، فقال: لو أدركتني [1] لم تكن للناس خليفة. «1228» - رأى الاسكندر سميا له لا يزال ينهزم، فقال له: يا رجل، إما أن تغيّر فعلك وإما أن تغير اسمك «1229» - وقع في بعض العساكر هيج، فوثب خراسانيّ إلى دابته   [1] ح: أدركتموني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 ليلجمها فصيّر اللجام في الذنب من الدهش، فقال يخاطب الفرس: هب جبهتك عرضت، ناصيتك كيف طالت؟!. «1230» - قال الجاحظ: وصف خياط حربا فقال: لقيناهم في مقدار سوق الخلقانيّين، فما كان بمقدار ما يخيط الرجل درزين حتى تركناهم في أضيق من الجربّان، وخرجنا عليهم من وجهين كأنهما مقراضان، وتشبكت الرماح كأنها خيوط، فلو طرحت إبرة ما سقطت إلّا على درز رجل. «1231» - لما حاصر المنصور ابن هبيرة بعث إليه ابن هبيرة: لأشهرنّ امتناعك ولأعيّرنّك به، فقال المنصور: مثلنا ما قيل إن خنزيرا بعث إلى الأسد وقال: قاتلني. فقال الأسد لست بكفؤي، ومتى قتلتك لم يكن لي فخر، وان قتلتني لحقني وصم عظيم. فقال الخنزير: لأخبرنّ السباع بنكولك، فقال الأسد: احتمال العار في ذلك أيسر من التلطخ بدمك. «1232» - قيل لعقيبة المديني: ألا تغزو؟ فقال: والله إني لأكره الموت على فراشي فكيف أنتجعه؟!. «1233» - اجتاز كسرى في بعض حروبه بشيخ وقد تمدد في ظل شجرة ونزع سلاحه وشدّ دابته، فقال له: أنا في الحرب وانت على مثل هذه الحال؟ فقال الشيخ: إنما بلغت هذه السن باشتمال هذا التوقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 «1234» - قال بعض الشجعان لرفيق له وقد أقبل العدوّ: اشدد قلبك، قال: أنا أشدّه ولكنه يسترخي. نجز الباب السادس بحسن رعاية الله سبحانه وتعالى، يتلوه ان شاء الله الباب السابع في الوفاء والمحافظة والأمانة والغدر والملل والخيانة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 محتويات الكتاب مقدمة التحقيق 5 الباب الثالث في الشرف والرياسة والسيادة 11 خطبة الباب 13 مقدمة الباب 15 أقوال وأخبار في السيادة والسؤدد 16 علو الهمة من ضروب الرياسة 28 أشعار في علو الهمة 66 عود إلى الأخبار والأقوال في علو الهمة 70 الأبنية ضرب من علوّ الهمة 88 رياسة العلم والدين 91 حمل المغارم ضرب من الشرف والرياسة 97 من الرياسة الحلم والعفو والصفح 119 من الرياسة حفظ الجوار وحمي الذمار 145 نوادر تتعلق بالرياسة والسيادة 158 الباب الرابع في مكارم الأخلاق ومساوئها 167 خطبة الباب 169 مقدمة الباب 171 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 أحاديث وأخبار في مكارم الأخلاق 171 سوء الخلق وبخاصة الحسد 180 في الحقد ومساوئه 183 عود إلى مكارم الأخلاق: الحياء والمواساة والمروءة 185 حكايات وأشعار في مساوىء الأخلاق: القسوة والتشفي 202 متنوعات في مكارم الأخلاق 222 الحياء والبذاء 228 التغاضي وسعة الصدر 234 الصمت 237 معاملة الأرقاء 239 أشعار وأخبار في مساوىء الأخلاق 243 نوادر من هذا الباب 248 الباب الخامس في السخاء والجود والبخل واللؤم 255 خطبة الباب 257 مقدمة الباب 259 أحاديث وحكم في الجود والبخل 259 أشعار في الجود 264 حكايات عن بعض الأجواد (عبد الله بن جعفر) 268 عود إلى رواية الأشعار 279 عود إلى الحكايات 282 جود عبيد الله بن العباس 286 جود ابن أبي بكرة 288 أجواد الجاهلية: حاتم، هرم، كعب بن مامة 289 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 حكايات متنوعة في الجود 292 عود إلى أخبار حاتم 297 أقوال في الجود 300 عبيد الله بن أبي بكرة 301 جود معن بن زائدة (وغيره) 309 بخلاء العرب، وأخبار وأشعار في البخل 318 بخل أبي العتاهية ومروان بن أبي حفصة 327 أقوال وحكايات في البخل 330 بخل أبي الأسود والثوري والكندي و 333 الحث على البخل 335 بخل ابن الزبير (وغيره ... ) 340 أخبار في جود يزيد بن المهلب وعود إلى الأجواد 349 الأسخياء الذين عرفهم المؤلف 359 عود إلى البخلاء (الحطيئة، خالد بن صفوان..) 366 نوادر في الجود والبخل واللؤم 369 الباب السادس في البأس والشجاعة والجبن والضراعة 391 خطبة الباب 393 مقدمة الباب 395 أحاديث وحكم في الشجاعة 396 أشعار في الشجاعة 402 من أخبار الشجعان 407 عود إلى الأشعار في الشجاعة 414 أخبار تاريخية 420 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 أخبار في الجبن 425 أشعار في وصف الشجاعة والشجعان 429 شجاعة عمرو بن معد يكرب 442 متنوعات في الثبات والفرار 445 أبو محجن الثقفي في القادسية 455 مواقف أخرى بطولية 458 بعض السيوف المشهورة 472 أشعار في الحماسة للمتنبي وغيره 477 أبطال العرب الذين أدركوا الجاهلية 480 أبطال العرب في العصر الأموي 484 أبطال العرب في الدولة الهاشمية 488 نوادر من هذا الباب 489 محتويات الكتاب 499. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 الجزء الثالث الباب السابع في الوفاء والمحافظة والأمانة والغدر والملل والخيانة [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* (وما توفيقي إلّا بالله [1] ) الحمد لله الوفّي عهده وميثاقه، المخشيّ عذابه ووثاقه، مبلي الصابرين بلاءهم، ومولي الموفين جزاءهم، جاعل النّكث عائدا على أهله، ومجازي المسيء بسوء فعله، لا يملّ من الإحسان حتى يملّ عبده ولا ينقطع عنه وإن فرط صنعه ورفده، أحمده على سبوغ نعمه، وألوذ به من نوازل نقمه، وأعوذ به من شيمة الغدر الوخيم ورده، وسجيّة المختر [2] الذميم عهده، وأستمدّه توفيقا يهدينا إلى مرضيّ المساعي، وأن يكفّ عنّا يد المعتدي [3] الباغي، وأشهد أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله المحافظ على ذمّته، المؤدّي حقّ الرعاية في أمته، صلّى الله عليه وعلى آله الذين جعلهم على الناس شهداء، ولزموا في طاعته الحفاظ والوفاء.   [1] ر: وبه العون. [2] ع: الختر. [3] ر ع: المتعدي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 (الباب السابع في الوفاء والمحافظة والأمانة والغدر والملل والخيانة) «1» - قال الله عزّ وجلّ: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا) (الإسراء: 34) . وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (النساء: 58) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (المؤمنون: 8) . وعن ابن عباس في قوله تعالى: (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر: 4) . قال: أما إنه لم يأمره أن ينضحها بالماء ولكن قال: لا تلبسها على معصية ولا غدرة، أما سمعت قول غيلان بن سلمة [1] : [من الطويل] إني بحمد الله لا ثوب غادر ... لبست ولا من غدرة أتقنّع [ أحاديث في الوفاء ] 2- روي عن معاذ بن جبل أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من أمّن رجلا ثم قتله وجبت له النار وإن كان المقتول كافرا. «3» - وقال ميمون: ثلاث المؤمن والكافر فيهنّ سواء: الأمانة تؤديها إلى من ائتمنك عليها من مسلم وكافر، وبرّ الوالدين، والعهد تفي به لمن عاهدت من مسلم أو كافر.   [1] بن سلمة: سقطت من ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 «4» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له. «5» - وقال صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر رحمة الله عليه: عليك بصدق الحديث، ووفاء العهد، وحفظ الأمانة فإنها وصية الأنبياء. «6» - وعنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: القتل يكفّر الذنوب، وقال: يكفّر كلّ شيء إلّا الأمانة، قال: ويؤتى بصاحب الأمانة يوم القيامة فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: يا ربّ قد ذهبت الدنيا، فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها فيجدها هناك كهيئتها، فيحملها فيضعها على عاتقه، ثم يصعد بها حتى إذا رأى أنه قد خرج زلّت فهوت وهوى في أثرها أبد الآبدين. «7» - وروى عبد الله بن عمر عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: إنّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان. «8» - كان أبو العاص بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس، ختن رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ابنته زينب، تاجرا تضاربه قريش بأموالهم، فخرج إلى الشام سنة الهجرة، فلما قدم عرض له المسلمون فأسروه وأخذوا ما معه وقدموا به المدينة ليلا، فلما صلّوا الفجر قامت زينب على باب المسجد فقالت: يا رسول الله قد أجرت أبا العاص وما معه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت، ودفع إليه جميع ما أخذ منه، وعرض عليه الإسلام فأبى، وخرج إلى مكة ودعا قريشا فأطعمهم ثم دفع إليهم أموالهم وقال: هل وفيت؟ قالوا: نعم قد أدّيت الأمانة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 ووفيت، فقال: اشهدوا جميعا أني أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله، وما منعني أن أسلم إلّا أن تقولوا: أخذ أموالنا ثم هاجر. فأقرّه رسول الله صلّى الله عليه وسلم على النكاح، وتوفي سنة اثنتي عشرة. «9» - وقال عليّ عليه السلام: إنّ الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنّة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع، ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل منه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله، قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا خريجة له في الدين. [ صور من الوفاء ] «10» - لما قوي أمر بني العباس وظهر، قال مروان بن محمد لعبد الحميد بن يحيى كاتبه: إنّا نجد في الكتب أنّ هذا الأمر زائل عنّا لا محالة، وسيضطر إليك هؤلاء القوم- يعني ولد العباس- فصر إليهم فإني لأرجو أن تتمكّن منهم فتنفعني في مخلّفيّ وفي كثير من أموري، فقال: وكيف لي بعلم الناس جميعا أنّ هذا عن رأيك وكلّهم يقول: إني غدرت بك وصرت إلى عدوك وأنشد: [من الطويل] أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة ... فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره ثم أنشد: [من الوافر] ولؤم ظاهر لا شكّ فيه ... للائمة وعذري بالمغيب فلما سمع مروان ذلك علم أنه لا يفعل، ثم قال له عبد الحميد: إنّ الذي أمرتني به الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 أنفع الأمرين لك، وأقبحهما بي، ولك عليّ الصبر معك إلى أن يفتح الله عليك أو أقتل معك. «11» - كان الحارث بن هشام المخزومي في وقعة اليرموك وبها أصيب فأثبتته الجراح، فاستسقى ماء، فأتي به، فلما تناوله نظر إلى عكرمة بن أبي جهل صريعا في مثل حاله، فردّ الإناء على الساقي وقال له: امض إلى عكرمة بن أبي جهل [1] يشرب أولا فإنه أشرف مني، فمضى به إليه فأبى أن يشرب قبله، فرجع إلى الحارث فوجده ميتا ورجع إلى عكرمة فوجده أيضا ميتا لم يشرب واحد منهما الماء. «12» - كان مرداس بن أديّة أحد بني ربيعة بن حنظلة رأسا من رؤوس الخوارج، فحبسه عبيد الله بن زياد، فرأى السجّان شدّة اجتهاده وحلاوة منطقه، فقال له: إنّي أرى مذهبا حسنا، وإني لأحبّ أن أوليك معروفا، أفرأيتك إن تركتك تنصرف ليلا إلى بيتك أتدلج إليّ؟ قال: نعم، فكان يفعل ذلك به. ولجّ عبيد الله في حبس الخوارج وقتلهم، فكلّم في بعضهم فأبى ولجّ وقال: أقمع النفاق قبل أن ينجم، لكلام هؤلاء أسرع إلى القلوب من النار إلى اليراع؛ فلما كان ذات يوم قتل رجل من الخوارج رجلا من الشّرط، فقال ابن زياد: ما أدري ما أصنع بهؤلاء، كلّما أمرت رجلا بقتل رجل منهم فتك بقاتله، لأقتلنّ من في حبسي منهم. فأخرج السّجّان مرداسا إلى منزله كما كان يفعل، وأتى مرداسا الخبر، فلما   [1] بن أبي جهل: سقطت من ع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 كان السحر تهيّأ للرجوع، فقال له أهله: اتّق الله في نفسك، فإنّك إن رجعت قتلت، فقال: إنّي ما كنت لألقى الله غادرا. فرجع إلى السجّان وقال: إني قد علمت ما عزم عليه صاحبك، فقال: أعلمت ورجعت؟ قال: نعم. [ وفاء السموأل ] «13» - والعرب تضرب المثل في الوفاء بالسموأل، وهو ابن عريض بن عادياء الأزدي، وقيل هو من ولد الكاهن ابن هارون بن عمران. وكان من خبره أنّ امرأ القيس بن حجر أودعه أدراعا مائة، فأتاه الحارث بن ظالم (ويقال: الحارث بن أبي شمر الغساني) ليأخذها منه، فتحصّن منه السموأل، فأخذ ابنا له غلاما وناداه: إما إن أسلمت إليّ الأدراع وإما إن قتلت ابنك، فأبى السموأل أن يسلم الأدراع إليه، فضرب الحارث وسط الغلام بالسيف فقطعه، فقال السموأل: [من الوافر] وفيت بأدرع الكنديّ إني ... إذا ما ذمّ أقوام وفيت وأوصى عاديا يوما بأن لا ... تهدّم يا سموأل ما بنيت بنى لي عاديا حصنا حصينا ... وماء كلما شئت استقيت «14» - قال محمد بن السائب الكلبي: هجا الأعشى رجلا من كلب فقال: [من الوافر] بنو الشهر الحرام فلست منهم ... ولست من الكرام بني عبيد ولا من رهط جبّار بن قرط ... ولا من رهط حارثة بن زيد وهؤلاء كلهم من كلب، فقال: لا أبا لك، أشرف من هؤلاء أنا، قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 فسبّه الناس بعد بهجاء الأعشى. وكان متغيّظا عليه، فأغار على قوم قد بات فيهم الأعشى فأسر منهم نفرا وأسر الأعشى، ولا يعرفه، فجاء حتى نزل بشريح بن السموأل صاحب تيماء بحصنه الذي يقال له الأبلق، فمرّ شريح بالأعشى فنادى به: [من البسيط] شريح لا تتركنّي بعد ما علقت ... حبالك اليوم بعد القدّ أظفاري قد جلت ما بين بانقيا إلى عدن ... وطال في العجم تكراري وتسياري فكان أكرمهم عهدا وأوثقهم ... عقدا أبوك بعرف غير إنكار كالغيث ما استمطروه جاد وابله ... وفي الشدائد كالمستأسد الضاري كن كالسموأل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كسواد الليل جرّار إذ سامه خطّتي خسف فقال له ... قل ما تشاء فإني سامع حار بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدّار فقال غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظّ لمختار فشكّ غير طويل ثم قال له ... اقتل أسيرك إني مانع جاري وسوف يعقبنيه إن ظفرت به ... ربّ كريم وبيض ذات أطهار لا سرّهنّ لدينا ذاهب هدرا ... وحافظات إذا استودعن أسراري فاختار أدرعه كي لا يسبّ بها ... ولم يكن وعده فيها بختّار قال: فجاء شريح الكلبيّ فقال: هب لي هذا الأسير المضرور، فقال: هو لك. فأطلقه، وقال له: أقم عندي حتى أكرمك وأحبوك، فقال الأعشى: من تمام صنيعتك إليّ أن تعطيني ناقة ناجية وتخلّيني الساعة، قال: فأعطاه ناقة فركبها ومضى من ساعته. وبلغ الكلبيّ أنّ الذي وهب لشريح هو الأعشى، فأرسل إلى شريح: ابعث إليّ بالأسير الذي وهبت لك حتى أحبوه وأعطيه، قال: قد مضى، فأرسل الكلبيّ في طلبه فلم يلحقه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 «15» - قال الأثرم: حجّ وفاء بن زهير المازنيّ في الجاهليّة، فرأى في منامه كأنه حاض، فغمّه ذلك، وقصّ رؤياه على قسّ بن ساعدة الإياديّ، فقال له: أغدرت بمن أعطيته ذماما؟ قال: لا. قال: فهل غدر أحد من أهلك بجار لك؟ قال: لا علم لي؛ وقدم على أهله فوجد أخاه قد غدر بجار له فقتله، فانتضى سيفه، وناشده أخوه الله والرّحم، وخرجت أمّه كاشفة شعرها قد أظهرت ثدييها تناشده الله في قتل أخيه، فقال لها: علام سمّيتني وفاء إذا كنت أريد أن أغدر؟ ثم ضرب أخاه بسيفه حتى قتله وقال: [من الطويل] يناشدني قيس قرابة بيننا ... وسيفي بكفّي وهو منجرد يسعى غدرت وما بيني وبينك ذمّة ... تجيرك من سيفي ولا رحم ترعى سأرحض عنّي ما فعلت بضربة ... عقيم البديّ لا تكرّ ولا تثنى «16» - قال صعصعة بن ناجية المجاشعي للنبي صلّى الله عليه وعلى آله: إني حملت حمالات في الجاهلية، فجاء الإسلام وعليّ منها ألف بعير، فأدّيت من ذلك سبعمائة، فقال له: إنّ الإسلام أمر بالوفاء ونهى عن الغدر، فقال: حسبي حسبي، فوفى بها. [ وفاء حاجب بن زرارة ] «17» - أتى حاجب بن زرارة التميميّ- في جدب أصاب قومه بدعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم كسرى- فسأله أن يأذن لهم في دخول بلاده حتى يمتاروا، فقال: إنكم معشر العرب قوم غدر، فقال: إنّي ضامن للملك أن لا يفعلوا، قال: فمن لي بأن تفي؟ قال: أرهنك قوسي، فضحك من حوله، فقال كسرى: ما كان ليخالف، فقبلها منه، وقال: يا حاجب إنّ قوسك لقصيرة معوجّة، قال: أيها الملك إنّ وفائي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 طويل مستقيم. فمات حاجب وطلبها ابنه عطارد فردّت عليه، وكساه كسرى حلّة، فلما أسلم أهداها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يقبلها، فباعها بأربعة آلاف درهم، وبقيت فخرا لبني تميم عامّة، ولبني دارم منهم خاصة. «18» - لما طالب المنصور عيسى بن موسى بتقديم المهديّ عليه في العهد قال: [من الطويل] بدت لي أمارات من الغدر شمتها ... أظنّ رواياها ستمطركم دما وما يعلم العالي متى هبطاته ... وإن سار في ريح الغرور مسلّما [ يوم ذي قار ] «19» - ومن وفاء العرب ما فعله هانىء بن مسعود الشيبانيّ حتى جرّ ذلك يوم ذي قار. وكان من خبره أنّ النعمان بن المنذر حيث خاف كسرى وعلم أنه لا ملجأ له منه رأى أن يضع يده في يده، فأودع ماله وأهله وحلقته في بكر بن وائل عند هانىء بن مسعود، فلما أتى كسرى حبسه بساباط المدائن ثم قتله. ثم إنّ كسرى أرسل إلى هانىء بن مسعود يطالبه بوديعة النعمان، فقال له: إنّ النعمان كان عاملي فابعث إليّ بوديعته ولا تكلّفني أن أبعث إليك بالجنود تقتل المقاتلة وتسبي الذرية. فبعث إليه هانىء: إنّ الذي بلغك باطل، وما عندي قليل ولا كثير، وإن يكن الأمر كما قيل فأنا أحد رجلين: إمّا رجل استودع أمانة فهو حقيق أن يردّها على من استودعه إيّاها، ولن يسلم الحرّ أمانته، أو رجل مكذوب عليه فليس ينبغي للملك أن يأخذه بقيل عدوّ وحاسد؛ فبعث كسرى إليهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 الجيوش: عقد للنعمان بن زرعة التغلبيّ على تغلب والنمر، وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد، وعقد لإياس بن قبيصة الطائي على جميع العرب ومعه كتيبتاه الشهباء والدّوسر، فكانت العرب ثلاثة آلاف، وعقد للهامرز على ألف من الأساورة، وعقد لخنابزين على ألف، وبعث معهم باللّطيمة، وهي عير كانت تخرج من العراق فيها البزّ والعطر والألطاف توصل إلى باذام عامله على اليمن. وعهد إليهم كسرى إذا شارفوا بلاد بكر بن وائل أن يبعثوا إليهم النعمان بن زرعة، فإن اتقوكم بالحلقة ومائة غلام منهم يكونون رهنا بما أحدث سفهاؤكم فاقبلوا منهم وإلا قاتلوهم. وكان كسرى قبل ذلك قد أوقع بيني تميم يوم الصّفقة، فالعرب منه خائفة وجلة. فلما بلغ هانىء بن مسعود الخبر جاء حتى نزل بذي قار، وجاءهم النعمان بن زرعة، وكانت جدّته عجليّة، فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنكم أخوالي وأحد طرفيّ، وإنّ الرائد لا يكذب أهله، وقد أتاكم ما لا قبل لكم به من أحرار فارس وفرسان العرب، والكتيبتان: الشّهباء والدوسر، وإنّ في الشرّ خيارا، ولأن يفتدي بعضكم بعضا خير من أن تصطلموا، فانظروا هذه الحلقة فادفعوها، وادفعوا رهنا من أبنائكم. فقال له القوم: ننظر في أمرنا، ونبعث إلى من يلينا من بكر بن وائل. وبرزوا ببطحاء ذي قار بين الجلهتين. (قال الأثرم: جلهة الوادي ما استقبلك منه واتسع، وقال ابن الأعرابيّ: جلهة الوادي مقدّمه مثل جلهة الرأس إذا ذهب شعره، يقال رأس أجله) . ثم انتظروا أصحابهم، كلّما جاء سيّد انتظروا الآخر حتى جاء ثعلبة بن حنظلة بن سيّار العجليّ فقالوا له: يا أبا معدان، قد طال انتظارنا، وقد كرهنا أن نقطع أمرا دونك، وهذا ابن أختك النعمان بن زرعة قد جاءنا، والرائد لا يكذب أهله، قال: فما الذي أجمع عليه رأيكم واتفق عليه ملؤكم؟ قالوا: قلنا إنّ في الشرّ خيارا، ولأن يفتدي بعضنا بعضا خير من أن نصطلم جميعا. فقال حنظلة: قبّح الله هذا رأيا، ثم نزل ونزل الناس. ثم قال لهانىء بن مسعود: يا أبا أمامة، إنّ ذمّتكم ذمّتنا عامّة، وإنه لن يوصل إليك حتى تفنى أرواحنا، فأخرج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 هذه الحلقة ففرّقها بين قومك، فإن تظفر فستردّ عليك، وإن تهلك فأيسر مفقود. فأمر بها فأخرجت ففرّقها بينهم، ثم قال حنظلة للنعمان: لولا أنك رسول لما أبت إلى قومك سالما، فرجع النعمان، وبات الفريقان يتأهبون للحرب. وأمر حنظلة بالظّعن جميعا فوقفها خلف الناس ثم قال: يا معشر بكر ابن وائل قاتلوا عن ظعنكم أو دعوا؛ وانصرفت بنو قيس بن ثعلبة فلم يشهدوها. وقال لهم ربيعة بن عراك السكونيّ ثم التجيبي، وكان نازلا في بني شيبان: أما إني لو كنت منكم لأشرت عليكم برأي مثل عروة العكم، فقالوا: فأنت والله من أوسطنا فأشر علينا، فقال: لا تستهدفوا لهذه الأعاجم فتهلككم بنشابها، ولكن تكردسوا لهم كراديس يشدّ عليهم كردوس كردوس، فإذا أقبلوا عليه شدّ الآخر، فقالوا إنك قد رأيت رأيا، ففعلوا. وقام هانىء بن مسعود وقال [1] : يا قوم مهلك معذور خير من منجى مغرور، إنّ الحذر لا يدفع القدر، وإنّ الصبر من أسباب الظفر، المنيّة ولا الدنيّة، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في الثغر أكرم منه في الدبر؛ يا آل بكر شدّوا واستعدّوا، وإلا تشدّوا تردّوا. ثم قام حنظلة بن ثعلبة إلى وضين راحلة امرأته فقطعه، ثم تتبّع النساء فقطع وضينهنّ لئلّا يفزعهنّ الرجال، فسمّي يومئذ مقطّع الوضين- والوضين بطان الناقة- ثم إنّ القوم اقتتلوا صدر نهارهم أشدّ قتال رآه الناس إلى أن زالت الشمس، فشدّ الحوفزان، واسمه الحارث بن شريك، على الهامرز فقتله، وقتلت بنو عجل خنابزين، وضرب الله وجوه الفرس فانهزموا، وتبعتهم بكر بن وائل، وقتل خالد بن يزيد البهرانيّ، قتله الأسود بن شريك بن عمرو، وقتل عمرو بن عدي ابن زيد العبادي الشاعر، ولحق أسود بن بحتر بن عائد بن شريك العجلي النعمان ابن زرعة فقال له: يا نعمان هلمّ إليّ فأنا خير آسر، أنا خير لك من العطش. قال: ومن أنت؟ قال: الأسود بن بحتر، فوضع يده في يده فجزّ ناصيته وخلّى   [1] قد مرّت هذه الخطبة في التذكرة 2: (رقم: 1010) ونسبت لقبيصة بن مسعود وانظر التعليق عليها وتخريجها، ونهاية الأرب 3: 347. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 سبيله، وحمله الأسود على فرس له وقال له: انج على هذه فإنها أجود من فرسك، وجاء الأسود بن بحتر على فرس النعمان، وأفلت إياس بن قبيصة، وتبعتهم بكر بن وائل حتى شارفوا السواد فلم يفلت منهم كبير أحد، وكان أول من انصرف إلى كسرى بالهزيمة إياس بن قبيصة، وكان لا يأتيه أحد بهزيمة جيش إلا نزع كتفيه، فلما أتاه إياس سأله عن الخبر فقال: قد هزمنا بكر بن وائل وأتيناك بنسائهم، فأعجب ذلك كسرى وأمر له بكسوة. ثم إنّ إياسا استأذنه عند ذلك وقال: إنّ أخي مريض بعين التمر، وإنما أراد أن ينتحي عنه، فأذن له كسرى، فترك فرسه الحمامة وهي التي نجا عليها، وركب نجيبة له فلحق بأخيه، ثم أتى كسرى رجل من أهل الحيرة فسأل: هل دخل على الملك أحد؟ قالوا: نعم، إياس، قال: ثكلت إياسا أمّه، وظنّ أنه قد حدثه بالخبر، فدخل عليه فحدثه بهزيمة القوم، فأمر به فنزعت كتفاه. وكانت وقعة ذي قار بعد وقعة بدر بأشهر ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمدينة، وكان شعارهم: يا محمد. وروي أنه صلّى الله عليه وسلم تمثلت له الوقعة وهو بالمدينة، فرفع يديه ودعا لبني شيبان، ولما بلغته الوقعة قال: هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا. وفي وفائهم بالأمانة والوديعة يقول الأعشى: [1] [من المنسرح] آليت بالملح والرماد وباك ... عزى وباللات تسلم الحلقه حتى يظلّ الهمام منجدلا ... ويقرع النبل طرّة الدّرقه [ وفاء عبد الملك بن مروان ] «20» - قال مالك بن عمارة اللخمي: كنت أجالس في ظلّ الكعبة أيام   [1] هي القطعة رقم: 171 في زيادات الديوان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 الموسم عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب وعروة بن الزبير، وكنّا نخوض في الفقه مرّة، وفي المذاكرة مرّة، وفي أشعار العرب وأمثال الناس مرّة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك: من الاتساع في المعرفة، والتصرّف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدّث، وحلاوة لفظه إذا حدّث. فخلوت معه ذات ليلة فقلت: والله إني لمسرور بك لما أشاهده من كثرة تصرفك وحسن حديثك وإقبالك على جليسك، فقال لي: إنك إن تعش قليلا سترى العيون طامحة إليّ، والأعناق قاصدة، فلا عليك أن تعمل إليّ ركابك فلأملأنّ يديك. فلما أفضت إليه الخلافة شخصت أريده، فوافقته يوم جمعة وهو يخطب الناس على المنبر، فلما وقعت عينه عليّ بسر في وجهي وأعرض عنّي، فقلت: لم يثبتني معرفة أو عرفني فأظهر لي نكرة، لكني لم أبرح مكاني حتى قضيت الصلاة ودخل، فلم ألبث أن خرج الحاجب فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقمت وأخذ بيدي وأدخلني عليه، فلما رآني مدّ إليّ يده وقال: إنك تراءيت لي في موضع لم يجز فيه إلّا ما رأيت من الإعراض والانقباض، فأما الآن فمرحبا وأهلا، كيف كنت بعدي، وكيف كان مسيرك؟ قلت: بخير وعلى ما يحبّه أمير المؤمنين. فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قال، قلت: نعم وهو الذي أعملني إليك. فقال: والله ما هو بميراث ادّعيناه ولا أثر رويناه، ولكني أخبرك من نفسي بخصال سمت بها نفسي إلى الموضع الذي ترى: ما لا حيت ذا ودّ قط، ولا شمتّ بمصيبة، ولا قصدت كبيرة من محارم الله متلذّذا بها واثبا عليها، وكنت من قريش في بيتها، ومن بيتها في واسط قلادتها، فكنت آمل بهذه أن يرفع الله لي، وقد فعل، يا غلام بوّئه منزلا في الدار. فأخذ الغلام بيدي وقال: انطلق إلى رحلك، فكنت في أخفض حال وأنعم بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، فإذا حضر عشاؤه وغداؤه أتاني الغلام فقال: إن شئت صرت إلى أمير المؤمنين فإنه جالس، فأمشي بلا حذاء ولا رداء، فيرفع من مجلسي ويقبل على مجالستي، ويسألني عن العراق مرة وعن الحجاز مرّة، حتى مضت لي عشرون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 ليلة، فتغديت يوما عنده، فلما تفرّق الناس نهضت للقيام فقال: على رسلك أيها الرجل، فقعدت فقال: أيّ الأمرين أحبّ إليك: المقام عندنا، ولك النّصفة في المعاشرة والمجالسة مع المواساة أم الشخوص ولك الحباء والكرامة؟ فقلت: فارقت أهلي وولدي على أني زائر لأمير المؤمنين وعائد إليهم، فإن أمرني اخترت فناءه على الأهل والولد. فقال: بل أرى لك الرجوع إليهم فإنهم متطلّعون إلى رؤيتك، فتحدث بهم عهدا ويحدثون بك مثله، والخيار بعد في زيارتنا والمقام فيهم إليك، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار وكسوناك وحملناك، أتراني ملأت يديك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أراك ذاكرا ما رأيت عن نفسك، قال: أجل ولا خير في من ينسى إذا وعد، ولا ينسى إذا أوعد، ودّع إذا شئت، صحبتك السلامة. [ حكايات مختلفة عن الوفاء ] «21» - أحضر الحجاج رجلا من الخوارج فمنّ عليه وأطلقه، فلما عاد إلى أصحابه قالوا له: إنّ الله تخلّصك من يده ليزيدك بصيرة في مذهبك، فلا تقصّر في الخروج عليه، فقال: هيهات غلّ يدا مطلقها، واسترقّ رقبة معتقها. «22» - دخل هارون بن أبي زياد مؤدب الواثق على الواثق، فأكرمه وأظهر من برّه ما شهره به، فقيل له: يا أمير المؤمنين من هذا الذي فعلت به ما فعلت؟ قال: هذا أوّل من فتق لساني بذكر الله تعالى وأدناني من رحمته. «23» - ومن الوفاء المستحسن ما روي عن أبي زكّار الأعمى، وهو مغنّ منقطع إلى آل برمك، قال مسرور الكبير: لما أمرني الرشيد بقتل جعفر بن يحيى دخلت وعنده أبو زكار الأعمى الطّنبوريّ يغنيه: [من الوافر] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 فلا تبعد فكلّ فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي فقلت له: في هذا والله أتيتك، ثم أخذت بيده فأقمته وأمرت بضرب رقبته، فقال لي أبو زكار: نشدتك الله إلّا ألحقتني به، فقلت له: وما رغبتك في ذلك؟ فقال: إنه أغناني عما سواه بإحسانه فما أحبّ أن أبقى بعده، فقلت: أستأذن أمير المؤمنين في ذلك، فلما أتيت الرشيد برأس جعفر أخبرته بقصة أبي زكار فقال: هذا رجل مصطنع فاضممه إليك، وانظر ما كان جعفر يجريه عليه فأقمه له. «24» - لقي الفضل بن يحيى إبراهيم الموصلّي وهو خارج من دار الفضل بن الربيع، وكانا متجاورين في الشماسية، فقال: من أين يا أبا إسحاق؟ أمن عند الفضل بن الربيع إلى الفضل بن يحيى؟ هذان والله أمران لا يجتمعان لك، فقال: والله لئن لم يكن فيّ ما يتّسع لكما حتى يكون الوفاء لكما جميعا واحدا ما فيّ خير، والله لا أترك واحدا منكما لصاحبه، فمن قبلني على هذا قبلني، ومن لم يقبلني فهو أعلم، فقال له الفضل بن يحيى: أنت عندي غير متّهم، والأمر كما قلت، وقد قبلتك على ذلك. «25» - قيل إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ودوام عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوّقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه. 25 ب- قال لقمان لابنه: إذا كان خازنك حفيظا وخزانتك أمينة سدت في دنياك وآخرتك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 26- قيل: أكرم الوفاء ما كان عند الشدة، وألأم الغدر ما كان عند الثقة. 27- كان يحيى بن خالد إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي جعل الوفاء أعزّ ما برأ. «28» - أبو فراس بن حمدان: [من الطويل] بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... ومن أين للحرّ الكريم صحاب وقد صار هذا الناس إلّا أقلّهم ... ذئابا على أجسادهنّ ثياب «29» - وله: [من البسيط] أبغي الوفاء بدهر لا وفاء به ... كأنني جاهل بالدهر والناس «30» - عزل الوليد بن عبد الملك عبيدة بن عبد الرحمن عن الأرذنّ وضربه وحلقه وأقامه للناس، وقال للموكلين به: من أتاه متوجعا فائتوني به، فأتاه عديّ ابن الرقاع العامليّ، وكان عبيدة إليه محسنا، فوقف عليه وقال: [من الوافر] فما عزلوك مسبوقا ولكن ... إلى الغايات سبّاقا جوادا وكنت أخي وما ولدتك أمي ... وصولا باذلا لا مستزادا فقد هيضت بنكبتك القدامى ... كذاك الله يفعل ما أرادا فوثب الموكلون إليه فأدخلوه إلى الوليد، وأخبروه بما جرى، فتغيّظ عليه الوليد وقال له: أتمدح رجلا قد فعلت به ما فعلت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه كان إليّ محسنا، ولي مؤثرا، وبي برّا، ففي أيّ وقت كنت أكافيه بعد هذا اليوم؟ فقال: صدقت وكرمت، وقد عفوت عنه لك وعنك، فخذه وانصرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 «31» - ولما حمل رأس مروان بن محمد إلى السفّاح وهو بالكوفة جلس مجلسا عامّا، وجاءوا بالرأس فوضع بين يديه، فقال لمن حضره: أفيكم من يعرف هذا الرأس؟ فقام سعيد بن عمرو بن جعد بن هبيرة فأكبّ عليه فتأمّله مليّا ثم قال: نعم هذا رأس أبي عبد الملك خليفتنا بالأمس رحمه الله، وعاد إلى مجلسه فقعد. ووثب أبو العباس فطعن في حجزته، وانصرف ابن جعدة إلى منزله، وتحدّث الناس بكلامه، فلامه بنوه وأهله وقالوا: عرّضتنا ونفسك للبوار فقال: اسكتوا، قبّحكم الله، ألستم الذين أشرتم عليّ بالأمس بحرّان بالتخلّف عن مروان ففعلت في ذلك غير فعل أهل الوفاء والشكر؟ وما كان ليغسل عني عار تلك الفعلة إلّا هذه، وإنما أنا شيخ هامة اليوم أو غد، فإن نجوت يومي هذا من القتل متّ غدا. فجعل بنوه وأهله يتوقعون رسل السفاح أن تطرقه في جوف الليل، وغدا الشيخ فإذا هو بسليمان بن مجالد، فلما بصر به قال: ألا أسرّك يا ابن جعدة بجميل رأي أمير المؤمنين فيك؟ إنه ذكر في هذه الليلة ما كان منك فقال: أما والله ما أخرج ذلك الكلام من الشيخ إلّا الوفاء، ولهو أقرب بنا قرابة وأمس بنا رحما منه بمروان إن أحسنّا إليه، قال: أجل والله. «32» - وسأل المنصور بعض بطانة هشام عن تدبيره في بعض حروبه مع الخوارج فقال: فعل كذا وصنع كذا رحمه الله، فقال المنصور: قم عليك لعنة الله، تطأ بساطي وتترحّم على عدوي؟! فقام الرجل وهو يقول: والله إنّ نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلّا غاسلي، فقال المنصور: ارجع يا شيخ فإني أشهد أنك نهيض حرّة وغراس شريف، ودعا له بمال فأخذه وقال: لولا جلالة عزّ أمير المؤمنين وامتطاء طاعته ما لبست بعده لأحد نعمة، فقال له المنصور: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 مت إذا شئت، لله أنت، فلو لم يكن في قومك غيرك لكنت قد أبقيت لهم مجدا مخلّدا. «33» - قيل: بينما عيسى بن موسى يساير أبا مسلم في مقدمه به على أبي جعفر إذ أنشد عيسى: [من الطويل] لينهك ما أفنى القرون التي خلت ... وما حلّ في أكناف عاد وجرهم ومن كان أنأى منك عزّا ومنعة ... وأنهد بالجيش اللهام العرموم فقال أبو مسلم: علام أعطيتني عهد الله يا أبا موسى؟ قال: أعتق ما يملك إن كان أرادك بما قال، وإنما هو خاطر جرى على لساني، قال: ذاك شرّ. «34» - ومن شعر عيسى بن موسى لما خلع من العهد: [من الطويل] أينسى بنو العباس ذبّي عنهم ... بسيفي نار الحرب ذاك سعيرها فتحت لهم شرق البلاد وغربها ... فذلّ معاديها وعزّ نصيرها أقطّع أرحاما عليّ عزيزة ... وأسدي مكيدات لها وأنيرها فلما وضعت الأمر في مستقرّه ... ولا حت له شمس تلألأ نورها دفعت عن الحقّ الذي أستحقّه ... وسيقت بأوساق من الغدر عيرها [ أعرق العرب في الغدر ] «35» - يقال: أعرق العرب في الغدر آل الأشعث بن قيس، أغار قيس بن معدي كرب غدرا بمراد، وكان بينهم ولث- أي عهد- أن لا يغزوهم إلى انقضاء رجب، فوافاهم قبل الأمد بكندة. فجعل يحمل عليهم ويقول: [من الرجز] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 أقسمت لا أنزل حتى يهزموا ... أنا ابن معدي كرب فاستسلموا فارس هيجا ورئيس مصدم فقتل قيس بن معدي كرب وارتدّ الأشعث بن قيس عن الإسلام. وغدر محمد بن الأشعث بمسلم بن عقيل بن أبي طالب، وغدر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث يوم دير الجماجم، وأتيح له غادر فأسلمه، وهو رتبيل ملك الترك، لجأ إليه لما انهزم من حرب دير الجماجم فغدر به وسلّمه إلى أصحاب الحجاج، فألقى نفسه في طريقه من سطح فمات. [ حكايات في الغدر ] «36» - ذكر هشام بن محمد بن السائب الكلبيّ أنّ بابك بن ساسان كان يغشى البيت، وآخر ما زاره دفن فيه غزالا من ذهب عيناه ياقوتتان [1] ، وفي أذنيه شنفان من ذهب بدرّتين، والسيوف القلعية التي لم تكن إلّا لفارس، وهو الغزال الذي سرقه أبو لهب، وذاك أنّ أبا لهب كان يشرب ومعه ديك ودييك، موليان لخزاعة، فنفد شرابهم فقال أبو لهب: والله ما نعوّل على شيء إلّا على غزال الكعبة، فسرقوه، فعظم ذلك على قريش وقطعوا الموليين ولم يقووا على أبي لهب لمكان بني هاشم، وفيه يقول حسان: [من البسيط] أبا لهيب فبيّن لي حديثكم ... أين الغزال عليه الدرّ من ذهب «37» - كان لعمرو بن دويرة البجلي أخ قد كلف ببنت عمّ له، فتسوّر عليها فأخذه إخوتها وأتوا به خالد بن عبد الله القسري، وسرّقوه، فسأله فصدقهم   [1] ع: ياقوت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 ليدفع الفضيحة عن الجارية، فأراد خالد قطعه، فقال عمرو: [من الطويل] أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العاشق المظلوم فينا بسارق أقرّ بما لم يأته المرء إنه ... رأى القطع خيرا من فضيحة عاتق فزوّجه خالد الجارية. «38» - قال العلاء بن منهال الغنويّ: [من الكامل] إنّ العفيف [1] إذا استعان بخائن ... كان العفيف [2] شريكه في المأثم «39» - كان أحمد بن يزيد المهلبيّ نديما للمنتصر، فطلبه أبوه المتوكل لمنادمته، فلم يزل نديمه حتى قتل. فلما ولي المنتصر حجبه، ثم أذن له وأمر بنان ابن عمرو فغّنى: [من الطويل] غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... ورمت بديلا بي ولم أتبدّل والبيت للمنتصر، فاعتذر المهلبي فقال المنتصر: إنما قلته مازحا، أتراني أتجاوز بكم حكم الله (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: 5) . «40» - كان أبو بشر رزام مولى خالد بن عبد الله القسري يكتب لمحمد بن خالد، وهو يتولّى الحرمين لأبي جعفر، فصرف محمد بن خالد برياح بن عثمان المري، فحبس رزاما وطالبه بأن يرفع على صاحبه فامتنع، فكان يخرجه في كلّ   [1] بهجة المجالس: إنّ الأمير. [2] بهجة المجالس: الأمير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 يوم ويضربه خمسة عشر سوطا حتى صار جسمه كالقرحة. فأحضره يوما ليضربه فلم يجد فيه موضعا فضربه على كفّه. ولما بلغ به ما بلغ أحضره رزام كتابا يوهمه أنّ فيه رفائع على محمد بن خالد، وقد [1] جمع له رياح الناس، فلما اجتمعوا قال لهم رزام: أيها الناس إن الأمير أمرني أن أرفع على محمد بن خالد، وقد أحضرني [2] كتابا كلّ ما فيه باطل، وقد صدقت عما عندي، فأمر به فضرب مائة سوط وحبسه. فلم يزل محبوسا حتى غلب محمد بن عبد الله بن حسن بن علي على المدينة، فقتل رياحا وأطلق محمد بن خالد ورزاما كاتبه هذا. 4» - لما حلف محمد الأمين للمأمون في البيت الحرام، وهما وليّا عهد، طالبه جعفر بن يحيى بأن يقول: خذلني الله إن خذلته، فقال ذلك ثلاث مرّات. قال الفضل بن الربيع، قال لي في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله: يا أبا العباس هو ذا أجد في نفسي أنّ أمري لا يتمّ، فقال له: ولم ذاك أعزّ الله الأمير؟ قال: لأني كنت أحلف وأنا أنوي الغدر، فقلت: سبحان الله في مثل هذا الموضع؟ فقال لي: هو ما قلت لك. «42» - قال مسرور الكبير: دخلت على الرشيد بعد أن قتل جعفر بن يحيى، وقد خرج من مرقده وهو يريد الخلاء، فلما رآني أمر بكرسيّ فطرح وجلس عليه ثم قال: إني سائلك عن أمر فلا تطوّل عليّ فإني أريد الطهور [3] ، ولست أبرح أو تخبرني بما أسألك عنه، فقلت له: ليسأل أمير المؤمنين عما أحبّ، قال: أخبرني عما وجدته من المال والجوهر للبرامكة، فقلت له: ما وجدت شيئا من   [1] وقد ... خالد: سقط من الجهشياري. [2] الجهشياري: أحضرت. [3] الجهشياري: التطهير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 ذلك لهم، فقال: وكيف وقد نهبوا مالي وذهبوا بخزائني؟ فقلت له: أنفقوه في المكارم، وأصيب لهم من الجوهر ما لا يشبه أمثالهم، قال لي: فما يقول الناس فينا؟ فقلت: الله الله في أمري، فقال: ما لك؟ قلت: الصدق يغضبك، وكان استحلفني ورشيدا والحسين الخادمين أن نصدقه عن كلّ شيء يسألنا عنه، فخفت أن أصدقه فلا يعجبه، لأني كنت قد صدقته عن شيء من أمر الحرم فغضب وحجبني أربعين يوما، فأذكرته بذلك فقال: كان ذلك مني غلطة ولن أعود لمثلها. فقلت له: يقول الناس لم تف لهم، وانك طمعت في أموالهم، قال: فأيّ شيء حصلت منها؟ قلت: ضياعهم هي مال، فقال: البس سيفك وأحضرني يحيى بن خالد فأقمه وراء الستر، فقلت في نفسي: إنا لله وإنّا إليه راجعون، ماذا صنعت؟ قتلت ابنه وأقتله؟ ثم أحضرت يحيى، فلما خرج الرشيد من الخلاء قال لي: اخرج إليه فقل له ما حملك على أن حملت إلى يحيى بن عبد الله بالديلم مائتي ألف دينار؟ فقلت له ذاك، فقال: أليس قد صفحت عن هذا؟ فقال لي: أو يصفح الإنسان عن دمه؟ فقلت له ذاك، فقال: أردت أن تقوى شوكة يحيى بن عبد الله فيظفر به الفضل بعد قوّته فيكون أحظى له عندك، قال فقلت له: فما كان يؤمّنك أن يقوى فيقتل الفضل ويقتلني؟ وما حملك على أن حملت إلى أحمد بن عيسى بن زيد بالبصرة مع غلامك رباح سبعين ألف دينار؟ فقلت له ذاك، فقال، قل له: أفليس قد صفحت عن ذلك؟ فقال: أو يصفح الإنسان عن دمه؟ ثم قال: قل له: أنت تعلم موقع عيالي منّي، وطلبت منك وأنا بالبصرة ألف ألف درهم فقلت لي: إن أخذت منها درهما واحدا لهذا الشأن ذهبت هيبتك، فأمسكت، فأخذت أنت منها ألف ألف وخمسماية ألف ففرّقتها في عيالك، واحتلت أنا بقرض تولّاه يونس ما فرّقته فيهم، ثم قال لي: قل له كذا وقل له كذا حتى عدّ أربعة عشر شيئا، ثم أمرني بردّه إلى محبسه وقال: يا مسرور، يقول الناس إني ما وفيت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ما أحبّ أن تستجهلني فقال: وكيف؟ قلت: كيف لك بأن يعلم الناس كعلمي، لبودّي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 أنهم علموا ذلك، على أني أعلم أنه لو نودي فيهم دهرا من الدهور ما حفظوه. «43» - خرج سليمان بن عبد الملك ومعه يزيد بن المهلب إلى بعض جبابين الشام، وإذا امرأة جالسة عند قبر تبكي، فجاء سليمان فرفعت البرقع عن وجهها، فجلت شمسا عن متون غمامة، فوقفا متعجبين ينظران إليها، فقال لها يزيد بن المهلب: يا أمة الله هل لك في أمير المؤمنين بعلا؟ فنظرت إليهما ثم نظرت إلى القبر فقالت: [من الطويل] فلا تسألاني عن هواي فإنه ... بحوماء هذا القبر يا فتيان وإني لأستحييه والترب بيننا ... كما كنت أستحييه وهو يراني «44» - كانت عند الحسن بن الحسن بن عليّ امرأة، فضجر يوما وقال: أمرك في يدك، فقالت: أما والله لقد كان في يدك عشرين سنة فحفظته، أفأضيّعه في ساعة صار في يدي؟! قد رددت إليك حقّك، فأعجبه قولها وأحسن صحبتها. «45» - ومن أحسن الوفاء ما روي عن نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص الكلبي، تزوّجها عثمان بن عفّان، وكان أبوها نصرانيّا، فأمر ابنه ضبّا بتزويجها وحملها إليه بالمدينة، فلما أدخلت إليه قال لها: أتقومين إليّ أم أقوم إليك؟ قالت: ما قطعت إليك عرض السماوة وأنا أريد أن أكلّفك طول البيت. فلما جلست بين يديه قال: لا يروعنّك هذا الشيب، قالت: أما إني من نسوة أحبّ أزواجهنّ إليهنّ الكهل السيّد، قال: حلّي إزارك، قالت: ذاك بك أحسن. فلما قتل أصابتها ضربة على يدها، وخطبها معاوية فردّته وقالت: ما يعجب الرجل مني؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 قالوا: ثناياك، فكسرت ثناياها وبعثت بها إلى معاوية، فكان ذلك مما رغّب قريشا في نكاح نساء كلب. «46» - مرّ أبو بكر رضي الله عنه بجارية سوداء تطحن لمولاتها، فقالت له مولاتها: يا أبا بكر اشترها فإنها على دينك، فلما علم أنها مسلمة حكّم مولاتها فاشتراها على المكان، فدفع ثمنها وقال: قومي يا جارية، قالت: يا أبا بكر إنّ لها عليّ حقّا بقدم ملكها، فائذن لي أن أستتمّ طحينها، ففعل. «47» - لما أحسّ مصعب بن الزبير بالقتل دفع إلى مولاه زياد فصّ ياقوت قام عليه بألف ألف، وقال له: انج بهذا، فأخذه ودقّه بين حجرين وقال: والله لا أنتفع به بعدك. «48» - المتنبي: [من الطويل] أقلّ اشتياقا أيّها القلب إنني ... رأيتك تصفي الودّ من ليس جازيا خلقت ألوفا لو رحلت إلى الصبّا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا [ أشعار في الغدر ] «49» - وقال الرضيّ الموسويّ: [من الطويل] ومولى يعاطيني الكؤوس تجمّلا ... وقد ودّ لو أنّ العقار نجيع خبأت له ما بين جنبيّ فتكة ... دهته ويوم الغادرين شنيع فلا كان مولى لا يدوم وفاؤه ... وإنّ وفاء في الزمان بديع وبعض مقال القائلين تكذّب ... وبعض وداد الأقربين خدوع «50» - وقال أيضا: [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 وما صحبك الأدنون إلّا أباعد ... إذا قلّ مال أو نبت بك حال ومن لي بخلّ أرتضيه وليت لي ... يمينا تعاطيها الوفاء شمال «51» - وقال أيضا: [من الطويل] أحنّ إلى من لا يحنّ صبابة ... وما واحد قلبا مشوق وشائق وعندي من الأحباب كلّ عظيمة ... تزهّد في قرب الضجيع المعانق فكم فيهم من واعد غير منجز ... وكم فيهم من قائل غير صادق وفاء كأنبوب اليراع لصاحب ... وغدر كأطراف الرّماح الدّوالق «52» - قال إسحاق الموصلي: كان لزلزل الضارب جارية قد ربّاها وعلّمها الضرب، وسأل إبراهيم فطارحها، وكانت مطبوعة حاذقة، قال: فكان يصونها أن يسمعها أحد، فلما مات بلغني أنها تعرض في ميراثه، فصرت إليها لأعترضها فغنّت: [من السريع] أقفر من أو تاره العود ... والعود للأوتار معمود فأوحش المزمار من صوته ... فما له بعدك تغريد من للمزامير وعيدانها ... وعامر اللذّات مفقود الخمر تبكي في أباريقها ... والقينة الخمصانة الرّود قال: وهذا شعر رثاه به صديق له كان يألفه [1] ، قال: فأبكت والله عيني وأوجعت قلبي. فدخلت على الرشيد فحدثته بحديثها فأمر بإحضارها فأحضرت، فقال لها: غنّي الصوت الذي حدثني عنك أنك غنيّته، فغنّته وهي تبكي، فتغرغرت   [1] الأغاني: بالرقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 عينا الرشيد وقال لها: أتحبّين أن أشتريك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين لقد عرضت عليّ ما يقصّر عنه الأمل، ولكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد بعد سيدي فينتفع بي، فازداد رقّة عليها وقال: غنّي صوتا آخر فغنّت: [من البسيط] العين تظهر كتماني وتبديه ... والقلب يكتم ما ضمّنته فيه فكيف ينكتم المكنون بينهما ... والعين تظهره والقلب يخفيه فأمر بأن تبتاع وتعتق، ولم يزل يجري عليها الى ان مات. [حكاية الضّيزن صاحب الحضر وبنته] «53» - ويروى في أخبار العرب أنّ الضّيزن بن معاوية من قضاعة كان ملكا ما بين دجلة والفرات، وكان له هناك قصر مشيد يعرف بالحضر حيال تكريت، وملك الجزيرة وبلغ ملكه الشام، فأغار فأصاب أختا لسابور ذي الأكتاف، وفتح مدينة بهرسير [1] وقتل فيهم. قالوا: ثم إنّ سابور ذا الأكتاف جمع لهم وسار إليهم، فأقام على الحصن أربع سنين لا يصل منهم إلى شيء، ثم إنّ النضيرة بنت الضّيزن عركت، أي حاضت، فأخرجت إلى الرّبض، وكانت من أجمل أهل دهرها، وكذلك كانوا يفعلون بنسائهم إذا حضن، وكان سابور من أجمل أهل زمانه، فرآها ورأته فعشقته وعشقها، فأرسلت إليه: ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي؟ قال: حكمك، وأرفعك على نسائي، وأخصّك بنفسي دونهنّ، قالت: عليك بحمامة مطوّقة ورقاء، فاكتب في رجلها بحيض جارية زرقاء، ثم أرسلها فإنها تقع على حائط المدينة فتتداعى المدينة، وكان ذلك طلّسمها لا يهدمها إلا هو. ففعل وتأهّب لهم، وقالت: أنا أسقي الحرس الخمر فإذا صرعوا فاقتلهم وادخل المدينة. ففعل، فتداعت المدينة وفتحها   [1] بهرسير: قرب المدائن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 سابور عنوة، وقتل الضيزن يومئذ، وأباد بني العبيد قبيلته الدنيا، وأفنى قضاعة الذين كانوا معه، واحتمل النضيرة بنت الضيزن فأعرس بها بعين التمر، فلم تزل ليلتها تتضوّر من حشيّة في فراشها، وهي من حرير محشوّة بالقزّ. فالتمس ما كان يؤذيها فإذا هو ورقة آس ملتصقة بعكنة من عكنها قد أثّرت فيها. قال: وكان ينظر إلى مخّها من لين بشرتها. فقال لها سابور: ويحك بأيّ شيء كان أبوك يغذوك؟ [1] قالت: بالزبد والمخّ وشهد الأبكار من النحل وصفوة الخمر، فقال: وأبيك لأنا أحدث عهدا بمعرفتك وأوتر لك في أبيك الذي غذاك بما تذكرين. فكان عاقبة غدرها بأبيها وعشيرتها أنّ سابور غدر بها، فأمر رجلا فركب فرسا جموحا وضفر غدائرها بذنبه ثم استركضه فقطّعها قطعا. [ جزاء سنمار ] «54» وتقول العرب أيضا: جزاني جزاء سنمّار، وهو بنّاء غدر به النعمان ابن الشقيقة اللخمي، والشقيقة أمه، وهو الذي ساح وتنصّر. وكان من حديث غدره بسنمّار أنّ يزدجرد بن سابور كان لا يعيش له ولد، فسأل عن منزل صحيح مريء فدلّ على ظهر الحيرة، فدفع ابنه بهرام جور إلى النعمان هذا، وهو عامله على أرض العرب، وأمره أن يبني الخورنق مسكنا له ولا بنه، وينزله إيّاه، وأمره بإخراجه إلى وادي العرب. وكان الذي بنى الخورنق رجل يقال له سنمّار، فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقان عمله فقال: لو علمت أنكم توفّوني أجرتي وتصنعون بي ما أستحقّه لبنيته بناء يدور مع الشمس حيث دارت، فقالوا: وإنك لتبني ما هو أفضل منه ولم تبنه؟ ثم أمر به فطرح من أعلى الجوسق.   [1] ر: يغذيك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 وروي أنه قال: إني لأعرف في هذا القصر موضع عيب إذا هدم تداعى القصر أجمع، فقال: أم والله لا تدلّ عليه أبدا، فذلك قول أبي الطّمحان القيني: [من الطويل] جزاء سنمار جزاها وربّها ... وباللّات والعزّى جزاء المكفّر وقول سليط بن سعد: [من البسيط] جزى بنوه أبا غيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار وقول عبد العزيز بن امرىء القيس الكلبي: [من الطويل] جزاني جزاه الله شرّ جزائه ... جزاء سنمّار وما كان ذا ذنب سوى رصّه البنيان عشرين حجة ... يعلّ عليها بالقراميد والسكب «55» - قال رجل للمبرد: أسمعني فلان في نفسي [مكروها] فاحتملته، ثم أسمعني فيك فجعلتك أسوتي فاحتملته فقال: ليسا سواء، احتمالك في نفسك حلم وفي صديقك غدر. «56» - ومن كلام أبي محمد المهلبي: قد لبست سملا من عهده، وشربت وشلا من ودّه. [ عمرو بن جرموز والزبير ] «57» - وممّن اشتهر بالغدر عمرو بن جرموز، غدر بالزبير بن العوام. وكان لما انصرف من حرب الجمل مرّ بناد من أندية البصرة ممسيا، فرآه الأحنف بن قيس، وكان قد اعتزل الحرب فقال: هذا الزبير بن العوام منصرفا، والله ما هو بجبان، فمن يأتينا بخبره؟ فقال عمرو بن جرموز: أنا آتيكم بخبره، وركب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 فرسه وأخذ سلاحه واتّبعه حتى أدركه بوادي السباع، وهو على سبعة أميال من البصرة، وقد نزل الزبير يصلّي، فلما دنا ابن جرموز قال له الزبير: وراءك. فقال: إنما بعثني من ورائي لأسألك عمّا صنع القوم، فقال: تركتهم يضرب بعضهم وجه بعض بالسيف. قال ابن جرموز: فقلت في نفسي جاء هذا من الحجاز فضرب بعضنا ببعض، وألقى بيننا الشرّ ثم ينجو سالما؟! كلّا وربّ الكعبة. وأراد الزبير الصلاة فقال: إني أريد الصلاة فتأخّر عنّي أصلّ، فقال: أنت آمن فصلّ. فلما افتتح الصلاة طعنه في جربّان درعه فقتله، فقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت تحت الزبير: [من الكامل] غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرّد يا عمرو لو نبّهته لوجدته ... لا طائشا رعش السنان ولا اليد [ عضل والقارة ] «58» - ومن الغدر الشنيع ما فعلته عضل والقارة. قال قتادة: قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة، فقالوا: يا رسول الله إنّ فينا إسلاما وخيرا، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقّهونا في الدين، ويقرئونا القرآن، ويعلّمونا شرائع الإسلام. فبعث معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ستة نفر من أصحابه: مرثد بن أبي مرثد الغنويّ، وخالد بن البكر [1] حليف بني عديّ بن كعب، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخا بني عمرو بن عوف، وخبيب بن عديّ أخا بني جحجبا بن كلفة بن عمرو بن عوف، وزيد بن الدثنّة أخا بني بياضة بن عامر، وعبد الله بن طارق حليفا لبني ظفر من بليّ، وأمّر عليهم مرثد بن أبي مرثد. فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا على الرجيع، ماء لبني هذيل بناحية   [1] خالد بن أبي البكير، في مغازي الواقدي: 355. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 من الحجاز، غدروا بهم، واستصرخوا عليهم هذيلا. فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلّا الرجال في أيديهم السيوف قد غشوا، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم، فقالوا: إنّا والله ما نريد قتالكم، ولكنّا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألّا نقتلكم. فأما مرثد بن أبي مرثد وخالد بن البكر وعاصم بن ثابت فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا. فقاتلوهم حتى قتلوهم جميعا. وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فلانوا ورقّوا ورغبوا في الحياة وأعطوا بأيديهم، فأسروهم وخرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القرآن، ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بالظهران. وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما إلى مكة فباعو هما، فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل، وكان حجير أخا الحارث بن عامر لأمّه، ليقتله بأبيه. وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف. وقد كانت هذيل حين قتل عاصم بن ثابت قد أرادوا رأسه ليحملوه إلى سراقة بنت سعد بن سهيل ليبيعوه منها، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ في قحفه الخمر، فمنعته الدّبر، فلما حالت بينه وبينهم قالت: دعوه حتى نمسي فيذهب الدبر عنه فنأخذه، فبعث الله عزّ وجلّ الوادي فاحتمل عاصما فذهب به، وكان عاصم قد أعطى الله عهدا لا يمسّه مشرك أبدا ولا يمسّ مشركا في حياته، فمنعه الله تعالى بعد وفاته. وكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه أنّ الدّبر منعته: عجبا لحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر لا يمسّه مشرك ولا يمسّ مشركا في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته. وروي أنّ خبيبا لما حصل عند بنات الحارث استعار من إحداهنّ موسى يستحدّ بها للقتل، فما راع المرأة لها صبيّ يدرج إلّا بخبيب قد أجلس الصبيّ على فخذه، والموسى في يده، فصاحت المرأة، فقال خبيب: أتحسبين أني أقتله؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 إنّ الغدر ليس من شأننا، فقالت المرأة بعد: ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، لقد رأيته وما بمكة من ثمرة وإنّ في يده لقطفا من عنب يأكله إن كان إلّا رزقا رزقه الله خبيبا. ولما خرج بخبيب من الحرم ليقتلوه قال: ذروني أصلّ ركعتين، ثم قال: لولا أن يقال جزع لزدت، وما أبالي على أيّ شقّيّ كان مصرعي، وقال: [من الطويل] وذلك في ذات الإله ولو يشا ... لبارك في أوصال شلو ممزّق اللهم أحصهم عددا، وخذهم بددا، ولا تفلت منهم أحدا. وأخبر عون بن أمية عن أبيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش، قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوّف العيون، فرقيت إليها فحللت خبيبا فوقعت إلى الأرض، فاستدرت غير بعيد ثم إني التفتّ فلم أر لخبيب أثرا، فكأنما الأرض ابتلعته، فلم تذكر لخبيب رمّة حتى الساعة. وبعث صفوان بن أمية مولى له يقال له نسطاس، فأخرج زيد بن الدّثنّة من الحرم ليقتله، واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قدّم ليقتل: أنشدك يا زيد أتحبّ أنّ محمدا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه، وأنك في أهلك الآن؟ قال: والله ما أحبّ أنّ محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه فتصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. قال، يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحبّ أحدا كحبّ أصحاب محمد محمدا، ثم قتله نسطاس. «59» - قال مسعود بن عبد الله الأسدي يحسّن الغدر: [من الكامل] سائل بني يربوع إن لاقيتهم ... عن ضيفهم يخبرك منهم خابر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 قالوا غدرت فقلت إنّ وربما ... نال العلى وشفى الغليل الغادر «60» - وقال حرب بن جابر الحنفي: [من الطويل] رأيت أبا القيّار للغدر آلفا ... وللجار وابن العمّ جمّا غوائله وإنّ أبا القيار كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله «61» - وقال عارق الطائي [من الطويل] غدرت بأمر أنت كنت دعوتنا ... إليه وشرّ شيمة الغدر بالعهد وقد يترك الغدر الفتى وطعامه ... إذا هو أمسى جلّه من دم الفصد «62» - أغار حنتمة بن مالك الجعفيّ على حيّ من بني القين بن جسر، فاستاق منهم إبلا، فلحقوه ليستنقذوها منه، فلم يطمعوا فيه، ثم إنه ذكر يدا كانت لبعضهم عنده، فخلّى عما كان في يده وولّى منصرفا. فنادوه وقالوا: إنّ المفازة أمامك ولا ماء معك، وقد فعلت جميلا فانزل ولك الذمام والحباء، فنزل. فلما اطمأنّ واستمكنوا منه غدروا به فقتلوه، فقالت عمرة ابنته: [من الطويل] غدرتم بمن لو كان ساعة غدركم ... بكفّيه مفتوق الغرارين قاضب لذادكم عنه بضرب كأنّه ... سهام المنايا كلهنّ صوائب [ بنو مفروق ] «63» - تلاحى بنو مفروق بن عمرو بن محارب وبنو جهم بن مرّة بن محارب على ماء لهم، فعلتهم بنو مفروق فظهرت عليهم، وكان في بني جهم شيخ له تجربة وسنّ، فلما رأى ظهورهم قال: يا بني مفروق، نحن بنو أب واحد فلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 نتفانى؟ هلمّوا إلى الصّلح ولكم عهد الله وذمة آبائنا أن لا نهيجكم أبدا، ولا نزاحمكم في هذا الماء؛ فأجابتهم بنو مفروق إلى ذلك، فلما اطمأنوا ووضعوا السلاح عدا عليهم بنو جهم فنالوا منهم منالا عظيما، وقتلوا جماعة من أشرافهم، فقال أبيّ بن ظفر المحاربي في ذلك: [من البسيط] هلا غدرتم بمفروق وأسرته ... والبيض مصلتة والحرب تستعر لما اطمأنوا وشاموا من سيوفهم ... ثرتم إليهم وغبّ الغدر مشتهر غررتموهم بأيمان موكّدة ... والورد من بعده للغادر الصّدر [ الوفاء في النساء ] «64» - تزوج عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو أمّ هشام بنت عبد الله بن عمر ابن الخطاب، وكانت من أجمل نساء قريش، وكان يجد بها وجدا شديدا. فمرض مرضته التي هلك فيها، فجعل يديم النظر إليها وهي عند رأسه، فقالت له: إنك تنظر إليّ نظر رجل له حاجة، قال: اي والله، إنّ لي إليك حاجة لو ظفرت بها لهان عليّ ما أنا فيه، قالت: وما هي؟ قال: أخاف أن تتزوجي بعدي، قالت: فما يرضيك من ذلك؟ قال: أن توثّقي لي بالأيمان المغلّظة، فحلفت له بكلّ يمين سكنت إليها نفسه، ثم هلك. فلما انقضت [1] عدّتها خطبها عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فأرسلت إليه: ما أراك إلّا وقد بلغتك يميني، فأرسل إليها: لك مكان كلّ عبد وأمة عبدان وأمتان، ومكان كلّ علق علقان، ومكان كلّ شيء ضعفه، فتزوّجته فدخل عليها بطّال بالمدينة، وقيل بل كان رجلا من مشيخة قريش مغفّلا، فلما رآها مع عمر جالسة قال: [من الطويل]   [1] الأغاني: قضت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 تبدّلت بعد الخيزران جريدة ... وبعد ثياب الخزّ أحلام نائم فقال عمر: ويحك، جعلتني جريدة وأحلام نائم؟! فقالت أمّ هشام: ليس كما قلت، ولكن كما قال أرطأة بن سهيّة: [من الطويل] وكائن ترى من ذات شجو وعولة ... بكت شجوها بعد الحنين المرجّع وكانت كذات البوّ لما تعطّفت ... على قطع من شلوه المتمزّع متى لا تجده تنصرف لطياتها ... من الأرض أو تعمد لإلف فتربع [1] [عن الدهر فاصفح إنه غير معتب ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع] «65» - لما قدّم هدبة بن الخشرم للقتل قودا قالت زوجته: إنّ لهدبة عندي وديعة، وذلك بحضرة مروان بن الحكم، فأمهله حتى آتيك بها فقال: أسرعي فإنّ الناس قد كثروا، وكان جلس لهم بارزا عن داره، فمضت إلى السوق فانتهت إلى قصّاب فقالت: أعطني شفرتك، وخذ هذين الدرهمين، وأنا أردّها عليك، فقرّبت من حائط وأرسلت ملحفتها على وجهها ثم جدعت أنفها من أصله وقطعت شفتيها وردّت الشفرة، ثم أقبلت حتى دخلت بين الناس فقالت: أتراني يا هدبة متزوّجة بعد ما ترى؟ فقال: لا، الآن طابت نفسي بالموت، وخرج يرسف في قيوده، فإذا هو بأبويه يتوقّعان الثّكل، فهما بسوء حال، فأقبل عليهما وقال: [من الرمل] أبلياني اليوم صبرا منكما ... إنّ حزنا إن بدا بادىء شرّ   [1] بعد هذا في مخطوطة ع: تم الجزء الرابع، يتلوه إن شاء الله في الخامس: لما قدم هدبة بن الخشرم للقتل قودا. بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 لا أرى ذا اليوم إلّا هيّنا [1] ... إنّ بعد الموت دار المستقرّ اصبرا اليوم فإني صابر ... كلّ حيّ لقضاء وقدر وقد روي أنها تزوجت بعده على تشويه خلقتها ولم تدم على وفائها. «66» - كان للنمر بن تولب العكلي أخ يقال له الحارث بن تولب، وكان سيّدا معظما. فأغار الحارث على بني أسد فسبى امرأة منهم يقال لها جمرة [2] بنت نوفل، فوهبها لأخيه النمر، ففركته فحبسها حتى استقرّت، وولدت له أولادا. ثم قالت له في بعض أيامها: أزرني أهلي فإني قد اشتقت إليهم، فقال لها: إني أخاف إن صرت إلى أهلك أن تغلبيني على نفسك، فواثقته لترجعنّ إليه. فخرج بها في الشهر الحرام حتى أقدمها بلاد بني أسد، فلما أطلّ على الحيّ تركته واقفا وانصرفت إلى منزل بعلها الأول، فمكث [3] طويلا فلم ترجع إليه، فعرف ما صنعت وأنها اختدعته، فانصرف وقال: [من الطويل] جزى الله عنّا جمرة ابنة نوفل ... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب لهان عليها أمس موقف راكب ... إلى جانب السّرحان أخيب خائب وقد سألت عنّي الوشاة ليكذبوا ... عليّ وقد أبليتها في النّوائب وصدّت كأنّ الشمس تحت قناعها ... بدا حاجب منها وضنّت بحاجب «67» - ومن أخبار العرب ما رواه أبو عبيدة أنّ رجلا خرج إلى جبّانة بلده مع   [1] الأغاني: لا أراني اليوم إلا ميتا. [2] الأغاني: حمزة. [3] الأغاني: فمكثت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 أخيه وجار له ينتظرون الرفاق، وتبعه كلب له فضربه ورماه بحجر فلم ينته، فلما قعد ربض بين يديه، وجاء عدوّ له يطلبه بطائلة، فجرح جراحات وطرح في بئر قريبة القعر وحثي عليه التراب، وقد فرّ أخوه وجاره، والكلب ينبح حوله، ثم أتاه عند انصراف العدوّ فكشف التراب عن رأسه حتى تنفّس، ومرّ ناس فاستشالوه وأدّوه إلى أهله، وسمي الموضع بئر الكلب، وقيل فيه: [من الطويل] يعرّد عنه جاره وشقيقه ... وينبش عنه كلبه وهو ضاربه [ وفاء كلب ] «68» - ويحكون في ضدّه أنّ قوما خرجوا للصيد فطردوا ضبعا حتى ألجأوها إلى خباء أعرابيّ، فأجارها وجعل يطعمها، فبينما هو نائم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه ومرّت، وجاء ابن عمّ له يطلبه، فإذا هو بقير، فتبعها حتى قتلها وقال: [من الطويل] ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاق الذي لاقى مجير امّ عامر أعدّ لها لما استجارت ببيته ... أحاليب ألبان اللقاح الدرائر وأسمنها حتى إذا ما تمكّنت ... فرته بأنياب لها وأظافر فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... يجود بمعروف على غير شاكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 نوادر من هذا الباب «69» - دخل ابن أبي زهير المديني الحمام فرأى رجلا منعظا، فقال: ما شأن هذا؟ قال: ذكر صديقا له بالعراق، فقال: إيذن لي في تقبيله فقد انقطع الوفاء [1] إلّا منه. «70» - قال المنصور لعامل بلغته عنه خيانة: يا عدوّ الله وعدوّ أمير المؤمنين، أكلت مال الله؟ قال: يا أمير المؤمنين نحن عيال الله، وأنت خليفة الله، والمال مال الله، فمال من نأكل إذن؟ فضحك وقال: خلّوه ولا تولّوه. «71» - أمر الإسكندر بصلب سارق فقال: أيّها الملك، إني فعلت ما فعلت وأنا كاره، قال: وتصلب وأنت أيضا للصلب كاره. 7» - وسرق مدنيّ قميصا فأعطاه ابنه ليبيعه، فسرق منه، فجاء إلى أبيه فقال له: بكم بعته؟ قال: برأس المال. «73» - كان لمروان بن الحكم غلام قد وكله بأمواله، فقال له يوما: أظنّك   [1] البصائر: الرجاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 تخونني، فقال: قد يخطىء الظنّ، اتخذتني في مدرعة صوف ولم أملك قيراطا وأنا اليوم أتصرّف في ألوف وأتبختر في الخزوز. إني أخونك، وأنت تخون معاوية، ومعاوية يخون الله ورسوله. نجز الباب السابع من التذكرة بعون من الله وحسن رعاية. يتلوه إن شاء الله تعالى الباب الثامن: في الصدق والكذب ويتصل به فصل في العهود والمواثيق وأقسام العرب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 الباب الثّامن في الصّدق والكذب ويتّصل به فصل في العهود والمواثيق وأقسام العرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله الواجب شكره وحمده، الصادق قوله ووعده، الوفيّ ميثاقه الخفيّ برّه ورفده، الذي جعل الصدق منجاة لقائليه، والإفك مرداة لمؤتفكيه، أمر باجتناب الزّور، ونهى عن اتّباع الغرور، وندب إلى حفظ المواثيق والعهود، فقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1) وابتعث من أكرم محتد وأطيب مولد رسولا صادقا في المقالة، صادعا بالرسالة، ما كذب فؤاده ما رأى، ولا نطق عن الهوى، وأيّده من صحبه بالصادقين قولا وفعلا، والمخلصين سرّا وجهرا، صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكلّ منهم قضى نحبه مؤدّيا حقّه إليه. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا نبيّه ورسوله، وعبده وخليله، شهادة أدّخرها ليوم المعاد، وأجعلها العدّة فيه والزاد، يوم ينفع الصادقين صدقهم، ويؤدّى جزاؤهم عما قدّموه وحقّهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 [ آيات وأحاديث وأقوال في الصدق ] (الباب الثامن في الصدق والكذب (ويتصل به فصل من العهود والمواثيق وأقسام العرب)) 74- قال الله عزّ وجلّ مبشّرا للصادقين (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) (المائدة: 119) وقال عزّ وجلّ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب: 35) وقال تعالى في الكاذبين (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة: 10) وإن كان أراد الكذب عليه سبحانه في آي كثير من القرآن: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (الجاثية: 7) (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ) (النحل: 105) وفي شهادة الزور والكذب (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا) (الإسراء: 36) . «75» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنّ الطير يوم القيامة لتضرب بمناقيرها، وتقذف بما في حواصلها، وتحرّك أذنابها، من هول يوم القيامة، وما يكلّم شاهد الزور ولا تقرّ قدماه في الأرض حتى يقذف به في النار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 «76» - وقال صلّى الله عليه وسلم: إياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار. وتحرّوا الصدق فإنّ الصدق يهدي إلى البرّ والبرّ يهدي إلى الجنة. «77» - روي أنّ رجلا أتى النبي صلّى الله عليه وعلى آله فأسلم ثم قال: يا رسول الله إنّما أوخذ من الذنوب بما ظهر، وأنا أستسرّ بخلال أربع: الزنا والسّرق وشرب الخمر والكذب، فأيهنّ أحببت تركت لك سرّا. قال: دع الكذب. فلما تولّى من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم همّ بالزنا فقال: يسألني رسول الله فإن جحدت نقضت ما جعلت له، وإن أقررت حددت؛ فلم يزن، ثم همّ بالسرق، ثم بشرب الخمر فتفكّر في مثل ذلك فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد تركتهنّ جمع. «78» - ومن كلام لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك، على الكذب حيث ينفعك. «79» - وقال عمر رضي الله عنه: عليك بالصدق وإن قتلك. «80» - وقيل: ما السيف الصارم في كفّ الشجاع بأعزّ له من الصّدق. «81» - وقيل: الصدق زين إلّا أن يكون سعاية فإنّ الساعي أخبث ما يكون إذا صدق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 «82» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صلّى وصام وزعم أنه مسلم: من إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. «83» - قال الأصمعيّ: كان ربعيّ بن خراش لم يكذب قطّ، فأقبل ابنان له من خراسان من عند قتيبة وقد أخلّا بمركز هما فباتا عنده، فسعي بهما، فدعا به عامل البصرة فقال: أين ابناك؟ قال: تركتهما في المنزل قال: هما لك. «84» - لما نصب معاوية ابنه يزيد لولاية العهد أقعده في قبّة حمراء وجعل الناس يسلّمون على معاوية ثم يميلون إلى يزيد، حتى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين اعلم انك لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها، والأحنف جالس، فقال معاوية: ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟ فقال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت. فقال: جزاك الله عن الطاعة خيرا؛ وأمر له بألوف. فلما خرج الأحنف لقيه الرجل بالباب فقال: يا أبا بحر، إني لأعلم أنّ شرّ ما خلق الله تعالى هذا وابنه، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمع في استخراجها إلّا بما سمعت. قال له الأحنف: يا هذا أمسك، فإنّ ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيها. «85» - قال رجل لعبد الملك بن مروان: إني أريد أن أسرّ إليك شيئا، فقال له عبد الملك: قف، لا تمدحني فإني أعلم بنفسي، ولا تكذبني فإنّه لا رأي لمكذوب، ولا تغتب عندي أحدا. فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن في الانصراف؟ قال: إذا شئت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 «86» - روي أنّ الحجّاج جلس لقتل أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقام رجل منهم: فقال: أصلح الله الأمير، إنّ لي عليك حقّا قال: وما حقّك؟ قال: سبّك عبد الرحمن يوما فرددت عليه، فقال: من يعلم ذلك؟ قال: أنشد الله رجلا سمع ذلك إلّا شهد به. فقام رجل من الأسراء فقال: قد كان ذاك أيها الأمير، قال: خلّوا عنه. ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال: لقديم بغضي إياك، قال: وليخلّ عنه لصدقه. 87- كتب عمر بن عبد العزيز في إشخاص إياس بن معاوية المزني وعديّ ابن أرطأة الفزاري، أمير البصرة وقاضيها يومئذ، فصار إليه عديّ فقرب أن يثني عليه عند الخليفة فقال: يا أبا وائلة إنّ لنا حقّا ورحما، فقال إياس: أعلى الكذب تريدني؟! والله ما يسرّني أن كذبت كذبة يغفرها الله لي ولا يطّلع عليها إلا هذا- وأومأ إلى ابنه- ولي ما طلعت عليه الشمس. «88» - امتدح ابن ميادة جعفر بن سليمان فأمر له بمائة ناقة فقبّل يده وقال: والله ما قبّلت يد قرشيّ غيرك إلا واحدا فقال: أهو المنصور؟ قال: لا والله قال: فمن هو؟ قال: الوليد بن يزيد. فغضب، فقال: والله ما قبّلتها لله، ولكن قبّلتها لنفسي فقال: والله لا ضرّك الصدق عندي، أعطوه مائة ناقة أخرى. «89» - استشهد ابن الفرات في أيام وزارته عليّ بن عيسى فلم يشهد له وكتب إليه لما عاد إلى بيته: لا تلمني على نكوصي عن نصرتك بشهادة زور، فإنه لا اتفاق على نفاق، ولا وفاء لذي مين واختلاق، وأحر بمن تعدّى الحقّ في مسرّتك إذا رضي، أن يتعدّى إلى الباطل في مساءتك إذا غضب. «90» - قيل: أيّ الصدقين السكوت عنه أمثل؟ قيل تزكية المرء نفسه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 «91» - وقيل: إنّ الكذب يحمد إذا قرّب بين المتقاطعين، ويذمّ الصدق إذا كان غيبة. «92» - وقد رفع الحرج عن الكاذب في الحرب، والمصلح بين المرء وزوجه. «93» - وكان المهلّب في حرب الخوارج يكذب لأصحابه، يقوّي بذاك جأشهم، فإذا رأوه مقبلا إليهم قالوا: قد جاءنا يكذب. 94- وقيل: خصلتان لا تفارقان صاحبهما: الأبنة والكذب. «95» - وقال يحيى بن خالد: رأيت شرّيب خمر نزع، ولصّا أقلع، وصاحب فواحش راجع، ولم نر كذّابا قطّ صار صادقا. 96- وقالوا: لا تجعل رسولك كذّابا فإنه إن كذبك أو رطك، وإن صدقك حيّرك. «97» - قال أبو عمرو ابن العلاء: ساد عتبة بن ربيعة وكان مملقا، وساد أبو جهل وكان حدثا، وساد أبو سفيان وكان بخّالا، وساد عامر بن الطفيل وكان عاهرا، وساد كليب وائل وكان ظلوما، وساد عيينة وكان محمّقا، ولم يسد قطّ كذاب. فصلح السؤدد مع الفقر والحداثة والبخل والعهر والظلم والحمق، ولم يصلح مع الكذب، لأنّ الكذب يعمّ الأخلاق كلّها بالفساد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 «98» - قال الجاحظ: قلت لروح بن الطائفية: رأيت من يكذب فيما يضرّ وينفع، ولم أر من يكذب فيما لا يضرّ ولا ينفع غيرك، فقال: يا أبا عثمان، لا يكون الكذّاب عندنا كذّابا حتى يكذب فيما لا يضرّه ولا ينفعه. «99» - قيل لكذاب بما تغلب الناس؟ قال: أبهت بالكذاب وأستشهد بالموتى. 100- قال الأصمعي: عذلت كذابا في الكذب فقال: والله إني لأسمعه من غيري فيدار بي من شهوته. 101- من كلام سهل بن هارون: إنّ زخرف الكلام لا يثبّت زلل الأقدام، وللصدق آثار في القلوب لا تعفّيها عواصف رياح الكذوب. «102» - وللعرب أقوال منكرة، فمن ذاك قول رجل من آل الحارث بن ظالم: والله لقد غضب الحارث يوما فانتفخ في ثوبه، فبدر من عنقه أربعة أزرار، ففقأت أربعة أعين من عيون جلسائه. وتزعم الرواة أنّ عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب قال لابني الجون الكنديين: إنّ لي عليكما حقّا لرحلتي ووفادتي، فدعاني أنذر قومي من موضعي، فقالا: شأنك، فصرخ بقومه فأسمعهم على مسيرة ليلة. ويقولون إنّ أبا عروة السبّاع كان يصيح على السبع فيفتق مرارته في جوفه. ويقولون في خبر لقمان بن عاد: إنّ جارية له سئلت عما بقي من بصره لدخوله في السنّ، فقالت: لقد ضعف بصره، ولقد بقيت منه بقيّة، إنه ليفصل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 بين أثر الأنثى والذكر من الذرّ إذا دبّ على الصفا. [ عمرو بن معديكرب والكذب ] «103» - وكان عمرو بن معدي كرب مشهورا بالكذب. وكان أهل الكوفة الأشراف يظهرون بالكناسة فيتحدّثون على دوابّهم إلى أن تطردهم الشمس. فوقف عمرو بن معدي كرب وخالد بن الصّقعب النهديّ، وأقبل عمرو يحدّثه فقال: أغرنا على بني نهد فخرجوا مسترعفين [1] بخالد بن الصقعب، فحملت عليه فأذريته، ثم ملت إليه بالصمصامة فأخذت رأسه، فقال خالد: حلّا أبا ثور، إنّ قتيلك هو المحدّث. فقال يا هذا إذا حدّثت فاستمع، فإنما نتحدّث بمثل هذا لنرهب به هذه المعديّة. «104» - وقيل لخلف الأحمر، وكان شديد التعصب لليمن: أكان عمرو بن معدي كرب يكذب؟ فقال: كان يكذب في المقال، ويصدق في الفعال. «105» - وسئل أبو عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب فقال: إنّ العجم تكذب فتقول: كان رجل نصفه من نحاس ونصفه من رصاص، فتعارضها العرب بهذا وشبهه. [ تكاذب الأعراب ] «106» - قال المبرد: تكاذب أعرابيّان فقال أحدهما: خرجت مرة على فرس فإذا بظلمة شديدة فيمّمتها حتى وصلت إليها فإذا قطعة من الليل لم تنتبه، فما زلت أحمل عليها بفرسي حتى أنبهتها فانجابت. فقال الآخر: لقد رميت ظبية مرة بسهم فعدل الظبي يمنة فعدل السهم خلفه، ثم تياسر فتياسر   [1] مسترعفين: متقدمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 السهم، ثم علا الظبي فعلا السهم، ثم انحدر فأخذه. «107» - وذكروا أنّ رجلا نظر إلى ظبية فقال له أعرابيّ: أتحبّ أن تكون لك؟ قال: نعم، قال: فأعطني أربعة دراهم حتى أردّها إليك، ففعل، فخرج يمحص في أثرها فجدّت وجدّ حتى أخذ بقرنيها فجاء بها وهو يقول: [من الرجز] وهي على البعد تلوّي خدّها ... تريغ شدّي وأريغ شدّها كيف ترى عدو غلام ردّها «108» - قال العتبيّ: أنا أصدق في صغير ما يضرّني، ليجوز كذبي في كبير ما ينفعني. «109» - قال الجاحظ: قلت لخباب [1] إنك لتكذب في الحديث، قال: وما عليك إذا كان الذي أزيد فيه أحسن منه؟ فو الله ما ينفعك صدقه ولا يضرّك كذبه، وما يدور الأمر إلا على لفظ جيد ومعنى حسن. لكنك والله لو أردت ذلك لتلجلج لسانك وذهب كلامك. [ حماد الراوية والمفضل عند المهدي ] «110» - روي أنه اجتمع بدار المهديّ بعيساباذ عالم من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب فدعا بالمفضّل الضبيّ الراوية فدخل، فمكث مليّا ثم خرج ذلك الرجل بعينه فدعا بحماد الراوية، فمكث مليّا ثم خرج إلينا ومعه حماد والمفضّل جميعا، وقد بان في   [1] المحاضرات: لحيان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وجه حماد الانكسار والغمّ، وفي وجه المفضّل السرور والنشاط. ثم خرج الحسين الخادم معهما فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم، إنّ أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمادا الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس فيها، ووصل المفضّل بخمسين ألف درهم لصدقه وصحّة روايته. فمن أراد أن يسمع شعرا محدثا جيّدا فليسمع من حمّاد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضّل. فسألنا عن السبب فأخبرنا أنّ المهديّ قال للمفضّل لما دعا به وحده: إني رأيت زهير بن أبي سلمى افتتح قصيدته بأن قال: دع ذا وعدّ القول في هرم، ولم يتقدّم [له] قبل ذلك قول، فما الذي أمر نفسه بتركه؟ فقال له المفضّل: ما سمعت يا أمير المؤمنين في هذا شيئا إلّا أنّي توهّمته كان [يفكر] في قول يقوله أو يروّي في أن يقول شعرا، فعدل عنه إلى مدح هرم [وقال] : دع ذا، أو كان مفكرا في شيء من شأنه فتركه وقال: دع ذا، أي دع ما أنت فيه من الفكر وعدّ القول في هرم. ثم دعا بحماد فسأله عن مثل ما سأل عنه المفضل فقال: ليس هكذا قال زهير يا أمير المؤمنين، قال: فكيف قال؟ فأنشده: [من الكامل المرفّل] لمن الديار بقنّة الحجر ... أقوين من حجج ومن عشر [1] قفر بمندفع النجائب [2] من ... ضفوى أولات الضال والسدر دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير الكهول وسيد الحضر قال: فأطرق المهديّ ساعة ثم أقبل على حماد فقال: قد بلغ أمير المؤمنين عنك خبر لا بدّ من استحلافك عليه، ثم أحلفه بأيمان البيعة وكلّ يمين محرجة ليصدقنّه عن كلّ ما يسأله عنه، فلما توثّق منه قال له: اصدقني عن حال هذه الأبيات ومن أضافها إلى زهير، فأقّر له حينئذ أنه قالها، فأمر فيه وفي   [1] الأغاني: ومذ دهر. [2] الأغاني: النحائث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 المفضل بما أمر من شهر [1] أمرهما وكشفه. «111» - عبد الصمد بن المعذل في صديق له كان معروفا بالكذب: [من المنسرح] لي صاحب في حديثه البركه ... يزيد عند السكون والحركه لو قال لا في قليل أحرفها ... لردّها بالحروف مشتركه [2] [ نماذج من الكذابين ] «112» - لما أراد المنصور البيعة لابنه المهدي أمر بإحضار الناس، وقامت الخطباء فتكلّمت، وقالت الشعراء فأكثرت [3] في وصف المهديّ وفضائله، وفيهم مطيع بن إياس، فلما فرغ من كلامه في الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور: يا أمير المؤمنين حّدّثنا فلان بن فلان أنّ النبي صلّى الله عليه وعلى آله قال: المهديّ منّا محمد بن عبد الله، وأمّه من غيرنا، يملؤها عدلا كما ملئت جورا، وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك. ثم أقبل على العباس فقال: أنشدك الله أسمعت هذا؟ فخاف من المنصور فقال: نعم، فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهديّ. قال: ولما انقضى المجلس قال العباس بن محمد لمن يأنس به: أرأيتم هذا الزنديق، لم يرض أن كذب على الله عزّ وجلّ ورسوله عليه السلام حتى استشهدني على كذبه، فشهدت له خوفا وشهد كلّ من حضر عليّ بأنّي كاذب.   [1] الأغاني: شهرة. [2] الأغاني: مشتبكة. [3] الأغاني: فتكلموا ... فأكثروا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 «113» - قال إسحاق: دخلت على الفضل بن الربيع وقد بلغ الرشيد إطلاقه يحيى بن عبد الله بن الحسن، وقد كان أمر بقتله فلم يظهر له أنه قتله، وسأله عن خبره هل قتله؟ فقال: لا، قال: فأين هو؟ قال: أطلقته. قال: ولم؟ قال: لأنه سألني بحقّ الله ورسوله وقرابته منه ومنك، وحلف لي أنّه لا يحدث حدثا وأنه يجيئني متى طلبته، فأطرق ساعة ثم قال: امض بنفسك في طلبه حتى تجيئني به واخرج الساعة، فخرج. قال: فدخلت عليه مهنّئا بالسلامة، فقلت له: ما رأيت أثبت من جأشك، ولا أصحّ من رأيك فيما جرى، وأنت والله كما قال أشجع، ويروى أيضا لسلم الخاسر: [من الوافر] بديهته وفكرته سواء ... إذا ما نابه الخطب الكبير وأحزم ما يكون الدهر رأيا ... إذا عيّ المشاور والمشير وصدر فيه للهمّ اتساع ... إذا ضاقت عن الهمّ الصدور فكانت نجاة الفضل في صدقه. «114» - وقد روي أنّ يعقوب بن داود كذب المهديّ في مثل هذه القصة، فكان سبب فساد حاله معه، وكان بلغ به الغاية، وله أمناء في البلاد، فكان لا ينفذ للمهديّ توقيع حتى يكون معه كتاب من يعقوب إلى أمينه في ذلك البلد. ثم اتهمه المهديّ بميله إلى العلوية، وأراد اختباره، فدعا به يوما وهو في مجلس أنسه، وعلى رأسه جارية حسناء، فقال له: كيف ترى مجلسنا؟ قال: على غاية الحسن، يمتع [1] الله أمير المؤمنين به. فقال له: جميع ما فيه لك، وهذه الجارية   [1] الجهشياري: فمتع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 لك ليتمّ سرورك، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم تصرفها [1] في بعض شأنك. فدعا له بما يحبّ، وقال له: لي إليك حاجة، فقام قائما وقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا القول إلا لموجدة، وقال: أنا أستعيذ بالله من سخطك، فقال: أحبّ أن تضمن قضاءها، فقال له: السمع والطاعة. فأحلفه المهديّ، فلما استوثق منه قال له: هذا فلان بن فلان- رجل من العلوية- أحبّ أن تكفيني مؤونته وتريحني منه، فخذه إليك. فحوّله إليه وحوّل [2] الجارية وما كان في المجلس والمال، وأحضر العلويّ فوجده لبيبا فهما تقيّا فقال له: ويحك يا يعقوب، تلقى الله بدمي وأنا من ولد فاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وسلم، فقال له يعقوب: يا هذا فيك خير؟ فقال له: إن فعلت فيّ خيرا شكرت ودعوت لك واستغفرت، فقال له: خذ هذا المال وخذ أيّ طريق شئت، فقال: طريق كذا وكذا آمن لي، فقال له: امض مصاحبا. وسمعت الجارية الكلام كلّه فأرسلت به إلى المهديّ، فشحن الطريق حتى ظفر بالرجل وبالمال، ثم وجّه إلى يعقوب فأحضره وسأله عن الرجل فقال: قد أراحك الله منه، قال: مات؟ قال: نعم، قال: آلله، قال: والله، قال: فضع يدك على رأسي ففعل، وحلف له به أنّه مات. فقال: يا غلام أخرج إلينا من في هذا البيت، ففتح بابه عن العلويّ والمال، فتحير يعقوب وامتنع عليه الكلام، فقال له المهديّ: لقد حلّ لي دمك، وحبسه في مطبق، وطوى خبره عن كلّ أحد حتى أخرجه الرشيد بعد صدر من ولايته وقد عمي. «115» - قيل: كان يزيد بن أسد أكذب الناس، معروفا بذلك، وكان يسمّى خطيب الشيطان، ونشأ ابنه عبد الله فسلك منهاجه في الكذب، ثم نشأ   [1] الجهشياري: ففرقها. [2] الجهشياري: وحمل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 ابنه خالد بن عبد الله ففاق الجماعة في الكذب، إلّا أنّ الولاية [1] وسخاء كان فيه سترا بعض أمره. فقال عمرو بن يزيد [2] : فإني لجالس على باب هشام بن عبد الملك إذ قدم إسماعيل بن عبد الله أخو خالد بخبر المغيرة بن سعيد وخروجه بالكوفة، وجعل يأتي بأحاديث أنكرها، فقلت له: من أنت يا ابن أخي؟ فقال: إسماعيل بن عبد الله بن يزيد القسريّ، فقلت له: أنكرت ما جرى حتى عرفت نسبك، فجعل يضحك. «116» - وقال ابن الكلبي: أول كذبة كذبتها في النّسب أنّ خالد بن عبد الله سألني عن جدّته أمّ كرز، وكانت أمة بغيا لبني أسد يقال لها زرنب، فقلت: هي زينب بنت عرعرة بن جذيمة بن نصر بن قعين، فسرّ بذلك ووصلني. قال: ثم قال خالد ذات يوم لمحمد بن منظور الأسدي: يا أبا الصباح قد ولدتمونا، قال: ما أعرف فينا ولادة لكم، إنّ هذا لكذب. فقيل: لو أقررت للأمير بولادة ما ضرّك، قال: أفسد وأستليط [3] من ليس منّي، وأقرّ بالكذب على قومي!! «117» - روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله سأل عمرو بن الأهتم عن الزّبرقان بن بدر فقال: مانع في حوزته، مطاع في أدنيه [شديد] العارضة. فقال الزبرقان: أمّا إنّه قد علم أكثر، ولكنه حسدني شرفي. فقال عمرو: أما لئن قال ما قال فو الله ما علمته إلّا ضيّق العطن، زمر المروءة، لئيم الخال، أحمق الوالد، حديث الغنى. فلما رأى الإنكار في وجه رسول الله صلّى الله عليه وعلى   [1] الأغاني: الرياسة. [2] الأغاني: زيد. [3] أي أستلحق بالنسب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 آله قال: يا رسول الله رضيت فقلت أحسن ما علمت، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الأخرى. فقال صلّى الله عليه وسلم عند ذلك: إنّ من البيان لسحرا. [ أقوال في الصدق والكذب ] «118» - قال قائل: رأيت أرسطاطاليس في النوم فقلت: أيّ الكلام أحسن؟ فقال ما صدق قائله. قلت: ثم ماذا؟ قال: ما استحسنه سامعه، قلت: ثم ماذا؟ قال: كلّ كلام جاوز هذا فهو ونهيق الحمار بمنزلة. «119» - ويقال: الصدق أفضل من الكذب إلا في السعاية، والعزة أفضل من الذلّ إلا في الاعتداء، والأناة أنجح من العجلة إلّا في التقوى، والشجاعة أفضل من الجبن إلّا في أمر الله عزّ وجلّ، والأمن أفضل من الخوف إلا من مكر الله عزّ وجل، والراحة أفضل من التعب إلّا في طاعة الله عزّ وجلّ، والحلم أفضل من الجهل إلا عن من يعصي الله عزّ وجل، والجود أفضل من البخل إلّا في بذل الدين والعرض. 119 ب- ويقال: الكذب مفتاح كلّ كبيرة، والخمر جماع كلّ شرّ. «120» - وقيل: لا تأمن من يكذب لك أن يكذب عليك. 121- ويقال: الكذاب محلّ كلّ تهمة. «122» - وقيل: الأذلّاء أربعة: النمام والكذاب والمديون والفقير. 123- وقال بعض العلماء: الأناة قبل الرأي، والصدق توفيق المنطق. «124» - وقال حكيم: الصدق أزين حلية، والمعروف أربح تجارة، والشكر أدوم نعمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 «125» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما، وكفى بك كذبا أن لا تزال محدّثا في غير ذات الله عزّ وجلّ. «126» - وروي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: ليس بكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمى خيرا. وأنه صلّى الله عليه وعلى آله قال: يا أيّها الناس ما يحملكم على أن تتايعوا في الكذب كما يتتايع الفراش في النار. كلّ الكذب يكتب على ابن آدم إلّا في ثلاثة: رجل يكذب رجلا في إصلاح بين اثنين، أو يكذب امرأته، أو يكذب في خدعة حرب. إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب. «127» - وقال ابن سيرين: الكلام أوسع من أن يصرّح بالكذب [من الظريف] «128» - قال المنصور لهشام بن عروة: يا أبا المنذر تذكر يوم دخلت عليك وإخوتي مع أبي الخلائف- يعني أباه- وأنت تشرب سويقا بقصبة يراع، فلما خرجنا قال لنا أبونا: اعرفوا لهذا الشيخ حقّه فإنه لا يزال في قومكم خير ما بقي، قال: لا أذكر ذلك يا أمير المؤمنين. فلامه بعض أهله وقالوا: يذكرك أمير المؤمنين بما يمتّ به إليك، فتقول لا أذكره؟ فقال: لم أذكر ذلك، ولم يعوّضني الله من الصدق إلّا خيرا. [ مواقف لعمر وبلال والمأمون ] «129» - مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعجوز تبيع اللبن في سوق الليل فقال لها: يا عجوز، ألم أعهد إليك لا تشوبي لبنك بالماء؟ فقالت: والله ما فعلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 يا أمير المؤمنين، فتكلمت بنت لها من داخل الخباء فقالت: يا أمّه أغشّا وخشّا [1] جمعت على نفسك؟ فسمعها عمر فأعجبته، فالتفت إلى ولده فقال: أيّكم يتزوّجها فلعلّ الله أن يخرج منها نسمة طيّبة؟ فقال له ابنه عاصم: أنا أتزوّجها يا أمير المؤمنين، فزوّجها منه، فأولدها أمّ عاصم، تزوّجها عبد العزيز بن مروان فولدت له عمر بن عبد العزيز. «130» - روي أنّ بلالا لم يكذب منذ أسلم، فبلغ ذلك بعض من يحسده فأراد أن يعنته فقال: اليوم أكذبه، فسارّه فقال: يا بلال ما سنّ فرسك؟ قال: عظم، قال: فما جريه؟ قال: يحضر ما استطاع، قال: فأين تنزل؟ قال: حيث أضع قدمي، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن أبي وأمي، قال: فكم أتى عليك؟ قال: ليال وأيام الله يعلم عددها. فقال: هيهات، أعيت فيك حيلتي، ما أتعنّت بعد اليوم أبدا. 131- روي أنّ المأمون أمر الكتّاب أن يعملوا لعمرو بن مسعدة عملا بما يلزمه من المال عن أعمال السواد التي كان يتقلّدها، فعملوا له عملا بثمانية وعشرين ألف ألف درهم. فأمرهم المأمون بإعادة النظر فيه وإسقاط كلّ ما كان فيه تأويل أو حجّة، وتقريره على ما لا يدفع ولا يحتجّ بإبطال شيء منه. وقرر الجميع على اثنين وعشرين ألف ألف درهم، ولم يكن له في شيء منها شبهة فضلا عن حجّة. فدعا به المأمون وقال له: ما تقول في هذا المال يا عمرو؟ قال: هو صحيح وعندي منه ثمانية عشر ألف ألف درهم، وتخرّمت مؤونتي أربعة آلاف ألف درهم، فقال: ليحمل إليك من بيت المال أربعة آلاف ألف درهم مكان ما تخرّمت مؤونتك، وبارك الله لك في الجميع   [1] وخشا: هكذا في النسخ؛ ولعل صوابه: وخسّا أي خساسة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 جزاء على صدقك. فحمل إليه المال فكان بأخصّ منزلة عنده. «132» - قال عبد الله بن عمرو: جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما عمل أهل الجنة؟ فقال: الصدق، إذا صدق العبد برّ، وإذا برّ أمن، وإذا أمن دخل الجنة. فقال: يا رسول الله، ما عمل أهل النار؟ قال: الكذب، إذا كذب العبد فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار. «133» - وعنه عليه السلام: الصدق يهدي إلى البرّ، والبرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ المرء ليتحرّى الصدق حتى يكتب صدّيقا. «134» - وقالت عائشة رضي الله عنها: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم: بم يعرف المؤمن؟ قال: بوقاره ولين كلامه وصدق حديثه. «135» - وقال صلّى الله عليه وسلم: ما أملق تاجر صدوق: التاجر الصدوق إن مات في سفره مات شهيدا، وإن مات على فراشه مات صدّيقا. «136» - وقال الأحنف لابنه: يا بنيّ يكفيك من شرف الصدق أنّ الصدوق يقبل قوله في عدوّه، ومن دناءة الكذب أنّ الكذّاب لا يقبل قوله في صديقه ولا عدوّه. «137» - لكلّ شيء حلية، وحلية المنطق الصدق. «138» - الصدق يدلّ على اعتدال وزن العقل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 فصل في الأيمان والمواثيق وأقسام العرب 139- قال الله عزّ وجلّ: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) (البقرة: 224) وقال تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) (المائدة: 89) . «140» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله عزّ وجلّ وهو عليه غضبان. «141» - وقال صلّى الله عليه وسلم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه. «142» - وقال ابن عمر: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كثيرا ما يحلف: لا ومقلّب القلوب. 143- وقد أقسم الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز بمصنوعاته الدالّة على قدرته وحكمته تعظيما له تعالى لا لها. وقيل المراد: وربّ هذه الأشياء. «144» - واليمين الغموس عند الفقهاء تكون على ماض لم يكن. وقال الشافعي: يكون في خبره كاذبا وتجب بها الكفارة، وهو مذهب عطاء والزهري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 والحكم بن عيينة وعثمان البتّي. وقال أبو حنيفة ومالك والثوريّ والليث وأحمد وإسحاق لا تجب بها الكفارة، وحكي ذلك عن سعيد بن المسيب وقال: هي من الكبائر أعظم من أن تكفّر. «145» - ولغو اليمين عند الشافعي ما وقع من غير قصد ماضيا كان أو مستقبلا مثل قوله: لا والله، بلى والله. وقال أبو حنيفة: لغو اليمين الحلف على الماضي من غير أن يقصد الكذب في يمينه، كأنه يظنّ شيئا فيحلف عليه، وهو إحدى الروايتين عند أحمد، والأخرى مثل الشافعي. وحكي عن مالك أنه قال: هو اليمين الغموس. «146» - واختلفوا فيما يكون يمينا توجب الكفارة وما لا يوجبها، فقال الشافعي: إذا قال: إن فعلت كذا وكذا فأنا يهوديّ، أو بريء من الله، أو من رسوله، أو من الإسلام، لم تكن يمينا، ولم تتعلق به الكفارة، وهو مذهب مالك والأوزاعيّ والليث بن سعد. وقال أبو حنيفة وأحمد والثوري وإسحاق تتعلّق الكفارة بفعله. وقال الشافعيّ ومالك وأحمد إذا قال: وحقّ الله فهو يمين. وقال أبو حنيفة: لا تكون يمينا لأنّ حقوق الله إنما هي طاعات، وتلك مخلوقة، ولا يمكن الحلف بها يمينا. [ الحلف وتفسير بعض الأقسام ] 147- وقالوا: الحلف لا يخلو إما أن يكون بما هو عبارة عن الله تعالى خاصة، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته، فالأول يكون الحلف به يمينا بكلّ حال. وأما الثاني فالأسماء على ثلاثة أضرب: أحدها ما لا يسمّى به إلا الله تعالى، مثل الرحمن أو الأول الذي ليس قبله شيء، فهذا يكون يمينا بكلّ حال، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 والثاني ما يسمّى به الله تعالى ويسمّى به غيره على سبيل المجاز والإطلاق ينصرف إلى الله تعالى فيكون يمينا في الإطلاق إذا قصد به اليمين، وإذا أراد بالاسم غير الله تعالى لم تكن يمينا. والثالث ما يستعمل في الله تعالى ويشاركه فيه غيره، ولا ينصرف الإطلاق إليه، مثل قولهم: الموجود، الحيّ، الناطق، فذلك لا يكون الحلف به يمينا سواء قصد به الله تعالى أو لم يقصد، لأنّ اليمين إنما تنعقد بحرمة الاسم، فإذا كان مشتركا لم يكن له حرمة. فأما الثالث وهو الصفة فإذا حلف بصفة من صفات ذاته كان يمينا، قال الشافعي: مثل أن يقول وعظمة الله، أو جلال الله، أو قدرة الله. والحلف بالقرآن يكون عند الشافعي يمينا. قال أبو حنيفة: لا يكون ذلك يمينا، فهذه جمل أقوالهم. «148» - وأذكر الآن ما جاء في تفسير بعض الأقسام التي وردت في الكتاب العزيز. (أ) فمن ذلك قوله سبحانه: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا. فَالزَّاجِراتِ زَجْراً. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) (الصافات: 1- 3) قيل: المراد بالصافّات الملائكة. (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) الملائكة تزجر السحاب، وقيل كلّ ما زجر عن معصية الله عزّ وجلّ. (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) الملائكة، قال الزجّاج: وجائز أن يكون الملائكة وغيرهم ممن يتلو ذكر الله عزّ وجلّ. (ب) وقوله عزّ وجلّ (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) * (الزخرف: 1- 2 والدخان: 1- 2 ) أي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان كلّ ما تحتاج إليه الأمّة. (ج) وقوله تعالى (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً. فَالْحامِلاتِ وِقْراً. فَالْجارِياتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (الذاريات: 1- 4) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 روي أنّ ابن الكوّاء سأل عليّا عليه السلام عن هذه الآيات فقال: (الذاريات ذروا) الرياح، (فالحاملات وقرا) السحاب، (فالجاريات يسرا) الفلك، (فالمقسمات أمرا) الملائكة. «148» (د) وقوله سبحانه (وَالطُّورِ. وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ. وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ. وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (الطور: 1- 6) (والطور) جبل قيل هو الذي كلّم الله عزّ وجلّ عليه موسى عليه السلام. (والكتاب المسطور) ها هنا ما أثبت على بني آدم من أعمالهم. (رقّ منشور) الصحائف. (والسقف المرفوع) السماء. (والبيت المعمور) في التفسير أنه بيت في السماء بإزاء الكعبة يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثم يخرجون منه ولا يعودون إليه. (والبحر المسجور) جاء في التفسير أنّ البحر يسجر فيكون نار جهنّم، وأهل اللغة يقولون: (البحر المسجور) المملوء، وأنشدوا: [من المتقارب] إذا شاء طالع مسجورة ... ترى حولها النبع والسّاسما [1] يعني عينا مملوءة بالماء. (هـ) وقوله عزّ وجلّ (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (النجم: 1) قيل أقسم بالنجم. وقال أهل اللغة: النجم بمعنى النجوم، وأنشدوا: [من الطويل] فظلّت تعدّ النجم في مستحيرة ... سريع بأيدي الآكلين جمودها ومثله (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (الواقعة: 75) (وهوى) سقط، وجاء في التفسير أنّ النجم نزول القرآن نجما بعد نجم، وكان تنزل منه الآية   [1] النبع والساسم: نوعان من الشجر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 والآيتان، وعلى هذا يكون (هوى) بمعنى نزل. «148» (و) وقوله سبحانه (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة: 1- 2) [معناه] أقسم بيوم القيامة (والنفس اللوّامة) تفسيرها: أنّ كلّ نفس تلوم صاحبها في الآخرة إن كان عمل شرّا لامته نفسه، وإن كان عمل خيرا لامته على ترك الاستكثار منه. واختلفوا في تفسير (لا) فقال بعضهم: هي لغو وإن كانت في أول السورة، لأنّ القرآن كلّه كالسورة الواحدة لأنه متصل بعضه ببعض، فجعلت «لا» ها هنا بمنزلتها في قوله (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (الحديد: 9) والمعنى لأن يعلم أهل الكتاب وقال بعض النحويين: (لا) ردّ لكلام، كأنهم أنكروا البعث فقال: لا، ليس الأمر على ما ذكرتم، أقسم بيوم القيامة أنكم مبعوثون، دلّ على الجواب قوله: بلى قادرين أن نجمعهم، قادرين على أن نسوّي بنانه. (ز) وقوله تعالى (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً. فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً. وَالنَّاشِراتِ نَشْراً. فَالْفارِقاتِ فَرْقاً. فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) (المرسلات: 1- 5) جاء في التفسير: (والمرسلات) الرياح أرسلت كعرف الفرس، وكذلك (فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا) الرياح تأتي بالمطر كما قال عزّ وجلّ (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (الأعراف: 57) (فالفارقات فرقا) الملائكة جاءت بما يفرق بين الحقّ والباطل، وكذلك (فالملقيات ذكرا) . وقيل: (المرسلات) الملائكة أرسلت بالمعروف، وقيل كعرف الفرس، وقيل (العاصفات) الملائكة، تعصف بروح الكافر. والباقي إلى آخر الآيات يعنى به الملائكة. وقيل: (والمرسلات عرفا) يعني به الرسل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 «148» (ح) وقوله تعالى: (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً. وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً. وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً. فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً. فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (النازعات: 1- 5) جاء في التفسير: (والنازعات) الملائكة، وكذلك (الناشطات) تنزع روح الكافر وتنشطها ويشتد عليه أمر خروج نفسه. وقيل: (والسّابحات سبحا. فالسّابقات سبقا) أرواح المؤمنين تخرج بسهولة. وقيل: (والنازعات غرقا) القسيّ، (والناشطات نشطا) الأوهاق، (والسابحات سبحا) السّفن، (فالسابقات سبقا) الخيل، (فالمدبرات أمرا) الملائكة كلّ منهم لما وكل به. وقيل: (النازعات) النجم، تنزع من مكان إلى مكان وكذلك (السابحات) تسبح في الفلك كما قال سبحانه (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وكذلك (فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا) فالملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، والله أعلم بحقيقة ذلك. (ط) وقوله عزّ وجلّ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ. وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ. وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (البروج: 1- 3) (اليوم الموعود) : يوم القيامة، و (شاهد) يوم الجمعة (ومشهود) : يوم عرفة. (ي) وقوله تعالى: (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ) (الطارق: 1- 3) : (الطارق) النجم يعني به النجوم، وقد تقدّم الشاهد، وإنما قيل للنجم طارق لأنّ طلوعه بالليل، فكلّ ما أتى ليلا فهو طارق لأنّ الليل يسكن فيه، ومن هذا قيل: أطرق فلان إذا أمسك عن الكلام وسكن. (والثاقب) المضيء، يقال له ثقب يثقب ثقوبا إذا أضاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 «148» (ك) وقوله سبحانه (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً. فَالْمُورِياتِ قَدْحاً. فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) (العاديات: 1- 3) قيل هي الخيل، وضبحها صوت أجوافها إذا عدت. (والموريات قدحا) إذا عدت الخيل بالليل وأصابت حوافرها الحجارة انقدح منها النيران. وروي أنها سريّة كانت للنبيّ عليه السلام إلى كندة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 أقسام العرب «149» - قال الجاحظ عن الهيثم: يمين لا يحلف بها أعرابي أبدا أن يقول: لا أورد الله لك صادرا، ولا صدر لك واردا، ولا حططت رحلك، ولا خلعت نعلك. «150» - حلف أعرابيّ فقال: لا والذي شقهنّ خمسا من واحدة، وأشار إلى كفه. «151» - وقال مالك بن الحارث الأشتر: [من الكامل] بقّيت وفري وانحرفت عن العلى ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس إن لم أشنّ على ابن حرب غارة ... لم تخل يوما من نهاب نفوس خيلا كأمثال السعالي شزّبا ... تعدو ببيض في الكريهة شوس حمي الحديد عليهم فكأنه ... ومضان برق أو شعاع شموس «152» - وقال معدان بن جوّاس الكنديّ: [من الطويل] إن كان ما بلّغت عنّي فلامني ... صديقي وشلّت من يديّ الأنامل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وكفّنت وحدي منذرا بردائه ... وصادف حوطا من أعاديّ قاتل «153» - وقال عديّ بن زيد: [من الوافر] فإن لم تهلكوا فثكلت عمرا ... وجانبت المروّق والسماعا ولا ملكت يداي عنان طرف ... ولا أبصرت من شمس شعاعا ولا وضعت إليّ على خلاء ... حصان يوم جلوتها قناعا «154» - وقال عمرو بن قميئة: [من المتقارب] فإن كان حقا كما خبّروا ... فلا وصلت لي يمين شمالا «155» - وقال العلويّ البصري من أبيات قد ثبتت في موضع آخر من هذا الكتاب: [من الكامل] ويقول للطّرف اصطبر لشبا القنا ... فهدمت ركن المجد إن لم تعقر وإذا تأمّل شخص ضيف طارقا ... متسربلا سربال ليل أغبر أوما إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري 156- محمد بن الحصين الأنباري: [من الخفيف] ثكلتني التي تؤمّل إدرا ... ك العلابي وعاجلتني المنون إن تولى بظلمنا عبد عمرو ... ثم لم تلفظ السيوف الجفون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 [ نسخة بيعة لخليفة ] «157» - نسخة بيعة لخليفة ويمين: تبايع عبد الله الإمام أمير المؤمنين بيعة طوع وإيثار، ورضى واختيار، واعتقاد وإضمار، وإعلان وإسرار، وإخلاص من طويتك، وصدق من نيتك، وانشراح من صدرك، وصحة من عزيمتك، طائعا غير مكره، ومنقادا غير مجبر، مقرّا بفضلها، ومعترفا ببركتها، ومعتدّا بحسن عائدتها، وعالما بما فيها وفي توكيدها من صلاح الكافّة، واجتماع كلمة الخاصّة والعامّة، ولمّ الشعث، وأمن العواقب، وسكون الدهماء، وعزّ الأولياء، وقمع الأعداء ثم على أنّ فلانا عبد الله وخليفته، المفترض عليك طاعته، الواجبة على الأمة ولايته وإمامته، اللازم لهم القيام بحقّه، والوفاء بعهده، لا تشكّ فيه، ولا ترتاب به، ولا تداهن في أمره، ولا تميل إلى غيره، وإنك وليّ أوليائه، وعدوّ أعدائه، من خاصّ وعامّ، وقريب وبعيد، وحاضر وغائب، متمسك في بيعته بوفاء العهد وذمة العقد، سريرتك مثل علانيتك، وضميرك فيه وفق ظاهرك. على أنّ إعطاءك هذه البيعة من نفسك، وتوكيدك إياها في عنقك، لفلان أمير المؤمنين عن سلامة من قلبك، واستقامة من عزمك، واستمرار من هواك ورأيك، على أن لا تتأوّل عليه فيها، ولا تسعى في نقض شيء منها، ولا تقعد عن نصرة له في الرخاء والشدة، ولا تدع النصح له في كلّ حال راهنة وحادثه، حتى تلقى الله موفيا بها، مؤدّيا للأمانة فيها، إذ كان الذين يبايعون ولاة الأمر وخلفاء الله في الأرض (إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) (الفتح: 10) . عليك بهذه البيعة- التي طوّقتها عنقك، وبسطت لها يدك، وأعطيت فيها صفقتك، وما شرط عليك فيها من وفاء وموالاة، ونصح ومشايعة، وطاعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 وموافقة، واجتهاد ومبالغة- عهد الله، إنّ عهده كان مسؤولا، وما أخذ الله على أنبيائه ورسله عليهم السلام وعلى من أخذ من عباده من موكدات مواثيقه، ومحكمات عهوده، وعلى أن تتمسك بها فلا تبدّل، وتستقيم فلا تميل. وإن نكثت هذه البيعة أو بدلت شرطا من شروطها، أو عفّيت رسما من رسومها، أو غيّرت حكما من أحكامها، معلنا أو مسرّا أو محتالا أو متأوّلا، أو زغت عن السبيل التي يسلكها من يخفر الأمانة، وكنت ممّن يستحلّ الغدر والخيانة، ويستجيز حلّ العقود وختر العهود، فكلّ ما تملكه من عين أو ورق أو آنية أو عقار، أو سائمة أو زرع أو ضرع، أو غير ذلك من صنوف الأملاك المعتقدة والأموال المدّخرة، صدقة على المساكين، محرّم عليك أن يرجع شيء من ذلك إلى مالك بحيلة من الحيل، على وجه من الوجوه، وسبب من الأسباب، أو مخرج من مخارج الأيمان. فكلّ ما تفيده [1] في بقيّة عمرك من مال يقلّ خطره أو يجلّ، فتلك سبيله إلى أن تتوفاك منيتك أو يأتيك أجلك، وكل مملوك [2] لك اليوم من ذكر أو أنثى أو تملكه إلى آخر أيامك أحرار سائبون لوجه الله. ونساؤك يوم يلزمك الحنث، ومن تتزوّج بعدهنّ مدة بقائك، طوالق ثلاثا، طلاق الحرج والسنّة لا مثنويّة فيها ولا رجعة، وعليك المشي إلى بيت الله الحرام ثلاثين حجّة حافيا راجلا، لا يرضى الله منك إلا بالوفاء بها، ولا يقبل الله لك صرفا ولا عدلا، وخذلك يوم تحتاج إليه، وبرّأك من حوله وقوته، وألجأك إلى حولك وقوتك، والله عزّ وجلّ بذلك شهيد (وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) *. [ عودة إلى الصدق والكذب ] «158» - قال عليّ عليه السلام: أحلفوا الظالم إذا أردتم يمينه بأنّه بريء من حول الله وقوته، فإنه إذا حلف بها كاذبا عوجل، وإذا حلف بالله الذي لا إله إلّا   [1] صبح الأعشى: تعتده. [2] اضطرب هنا النص في صبح الأعشى فغيره المحقق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 هو لم يعاجل لأنه قد وحّد الله سبحانه. وقد روي أنّ جعفر بن محمد عليهما السلام أحلف مدّعيا بالله لم يزد، فهلك الحالف لوقته. وقال له القاضي ومن حضر: ما هذا؟ فقال: إنّ يمينه بما فيه ثناء على الله ومدح يؤخّر العقوبة كرما منه عزّ وجلّ وتفضّلا. «159» - وخبر يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مع الزبيريّ عبد الله بن مصعب مشهور وهو قول أبي فراس الحمداني [1] : [من البسيط] ذاق الزبيريّ غبّ الحنث وانكشفت ... عن ابن فاطمة الأقوال والتهم وهو خبر طويل يليق بهذا الموضع منه: أنّ الزبيريّ سعى بيحيى إلى الرشيد وجمع بينهما وتواقفا، ونسب يحيى إلى الزبيريّ شعرا يقول فيه: [من البسيط] قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها ... إنّ الخلافة فيكم يا بني حسن وكان الزبيري خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وأنكر الزبيريّ الشعر فأحلفه يحيى فقال: قل برئت من حول الله وقوته، واعتصمت بحولي وقوتي، وتقلّدت الحول والقوة من دون الله استكبارا واستغناء عنه واستعلاء عليه، فامتنع، حتى غضب الرشيد وقال: إن كان صادقا فليحلف، وكان للفضل بن الربيع فيه هوى فرفسه برجله وقال له: احلف ويحك، فحلف ووجهه متغير وهو يرعد، فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام، فتقطّع ومات بعد ثلاثة أيام. ولما حمل إلى قبره ليوضع فيه انخسف حتى غار عن أعين الناس، وخرجت منه   [1] ع: ابن حمدان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 غبرة عظيمة، وكلّما هالوا عليه التراب انخسف، حتى سقفوه وانصرفوا. «160» - قيل: اثنان لا تخطئهما سعادة وغبطة: سلطان حليم، ورجل صدوق. «161» - الصدق محمود من كلّ أحد إلا الساعي. «162» قال أبو حنيف [1] الأنطاكي: لا يستغني حال من الأحوال عن الصدق، والصدق مستغن عن الأحوال كلّها. «163» - لو صدق عبد فيما بينه وبين الله حقيقة الصدق لا طّلع على خزائن من خزائن الغيب، ولكان أمينا في السموات والأرض. «164» - قال عامر بن الظّرب العدوانيّ في وصيّته: إني وجدت صدق الحديث طرفا من الغيب فاصدقوا. يعني من لزم الصدق الحق وعوّده لسانه وفّق فلا يكاد يتكلّم بشيء يظنه إلّا جاء على ظنّه. «165» - قيل: الكذب والنفاق والحسد أثافيّ الذلّ. «166» - قال ابن عباس: حقيق على الله أن لا يرفع للكاذب درجة، ولا يثبت له حجة. «167» - وقال سليمان بن سعد: لو صحبني رجل وقال: لا تشترط عليّ إلا   [1] ع: حنبق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 شرطا واحدا لقلت له: لا تكذبني. «168» - سأل سعيد بن المسيّب أيوب السختياني عن حديث فقال: إني أشكّ فيه فقال: شكّك أحبّ إليّ من يقين شعبة. «169» - قيل لرقبة بن مصقلة: ما أكثر ما تشكّ!! قال: ما ذاك إلا محاماة على اليقين. «170» - خطب بلال لأخيه رباح امرأة قرشية فقال لأهلها: نحن من قد عرفتم: كنّا عبدين فأعتقنا الله، وكنّا ضالّين فهدانا الله، وكنّا فقيرين فأغنانا الله. وأنا أخطب إليكم على أخي فلانة فإن تنكحونا فالحمد لله، وإن تردّونا فالله أكبر. فأقبل بعضهم على بعض فقالوا: بلال من قد عرفتم سابقته ومشاهده ومكانه من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فزوّجوا أخاه. فلما انصرفا قال له أخوه: يغفر الله لك أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: يا أخي صدقت فأنكحك الصدق. 171- شاعر: [من الكامل] وإذا افتخرت بأعظم مقبورة ... فالناس بين مكذّب ومصدّق فأقم لنفسك في انتسابك شاهدا ... بحديث مجد للقديم محقّق «172» - قال ابن السائب: جالست وكيعا سنين فما رأيته يحلف بالله. «173» - وقال عبد الله بن السريّ، قلنا لابن المبارك: حدّثنا قال: ارجعوا فإني لست أحدّثكم. فقيل له إنك لم تحلف فقال: لو حلفت لكفّرت وحدثتكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 ولكن لست أكذب، فكان هذا أحبّ إلينا من الحديث. «174» - وقال مجاهد: يكتب على ابن آدم كلّ شيء حتى أنينه في سقمه، حتى إنّ الصبيّ ليبكي فيقول له: اسكت أشتر لك كذا، ثم لا يفعل، تكتب كذبته. «175» - قال الشعبي: وجّهني عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز، فقدمت عليه مصر وهو واليها- على رجل سخيّ صدوق اللسان، فقلت له يوما: أصلح الله الأمير، إنك تبلغ في منطقك وأنت في مجلسك ولا تفعل ذلك على منبرك، فقال: يا شعبيّ إني لأستحيي من الله أن أقول على منبري خلاف ما يعلم من قلبي. 176- اجتمع متكلمان فقال أحدهما: هل لك في المناظرة؟ فقال الآخر: على شرائط: أن لا تغضب ولا تعجب ولا تشغب، ولا تقبل على غيري وأنا أكلمك، ولا تجعل الدعوى دليلا، ولا تجوّز لنفسك دليل آية على مذهبك إلّا جوّزت لي تأويل مثلها على مذهبي، وعلى أن تؤثر التصادق، وتنقاد للتعارف، وعلى أنّ كلّا منا تبنى مناظرته على أنّ الحقّ ضالّته والرشد غايته. «177» - قال رجل: أنا لا أكذب كذبة بألف، فقال صاحبه: أمّا هذه فواحدة بلا درهم. «178» - قيل: الراوية [1] أحد الكاذبين. «179» - وقيل: إيّاك أن تكون للكذب واعيا أو راويا.   [1] ع: الزاية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 «180» - وقيل: إيّاك وحكاية ما يستبعد فيجد عدوّك سبيلا إلى تكذيبك. «181» - قيل: إذا أردت أن تعرف عقل الرجل فحدّثه في خلال حديثك بما لا يكون، فإن أنكره فهو عاقل، وإن صدّقه فهو أحمق. «182» - خطب الحجاج يوما فأطال، فقام رجل فقال: الصلاة، الوقت لا ينتظرك، والله لا يعذرك. فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أنه مجنون، وسألوه أن يخلّي سبيله، فقال: إن أقرّ بالجنون خلّيته، فقيل له فقال: معاذ الله أن أزعم أنّ الله ابتلاني وقد عافاني، فبلغ ذلك الحجاج فعفا عنه لصدقه وأطلقه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 نوادر من هذا الباب والفصل «183» - قال دغفل: حمى النعمان ظهر الكوفة [1] فخرج يوما يسير في ذلك الظهر فإذا هو بشيخ يخصف نعلا فقال: ما أولجك ها هنا؟ قال: طرد النعمان الرّعاء فأخذوا يمينا وشمالا، فانتهيت إلى هذه الوهدة في خلاء من الأرض، فنتجت الإبل وولّدت الغنم وسلأت السمن (والنعمان معتمّ لا يعرفه الرجل) فقال: وما تخاف النعمان؟ قال: وما أخاف منه؟ لربما لمست بيدي هذه بين عانة أمّه وسرتها، فأجده كأنه أرنب جاثم. فهاج غضبا وسفر عن وجهه، فإذا خرزات الملك [2] . فلما رآه الشيخ قال: أبيت اللعن لا تر أنك ظفرت بشيء، قد علمت العرب أنه ليس بين لا بتيها شيخ أكذب منّي. فضحك النعمان ومضى. «184» - ذكر أنّ قاصا كان يكثر الحديث عن هرم بن حيان، فاتفق معه هرم في المسجد وهو يقول حدثنا هرم مرّة بعد مرّة، بأشياء لا يعرفها هرم. فقال له: يا هذا أتعرفني؟ أنا هرم بن حيان، ما حدّثتك بشيء. فقال له القاصّ: وهذا أيضا من عجائبك، إنه ليصلّي في مسجدنا خمسة عشر رجلا، اسم كلّ واحد منهم هرم بن حيان، فكيف توهّمت أنه ليس في الدنيا هرم غيرك؟   [1] ظهر الكوفة: سقط من ع. [2] أي شارة الملك، وفي شعر لبيد: رعى خرزات الملك عشرين حجة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 «185» - وذكروا أنّ أعرابيّا أضلّ بعيرا له عربيا، وكان في الصائفة، فبينا هو يطوف في طلبه إذا هو عند حجرة الوالي ببختيّ لنابيه صريف، فتأمّله طويلا ثم رجع إلى أصحابه فقال: بعيري الذي ضلّ قد وجدته، فجاء معه نحو من خمسمائة رجل من قومه حمير إلى الوالي، فقالوا: نشهد أنه بعيره. فقال له الوالي: خذه، فلما انصرف قال له بعضهم: يا فلان، ألم يكن بعيرك الذي أضللته عربيّا؟ قال: بلى ولكنه أكل من شعير الأمير فتبختى. 186- قال بعض المجّان: اليمين بعد الكذب كالمترس خلف الباب. «187» - باع مزبّد جارية له على أنها طبّاخة، ولم تحسن شيئا فردّت، فلم يقبلها مزبد، وقدّم إلى القاضي وطولب بأن يحلف أنه ملكها وكانت تطبخ وتحسن، فاندفع وحلف بيمين غليظة أنه دفع إليها جرادة فطبخت منها خمسة ألوان، وفضلت منها شريحتين [1] للقديد سوى الجنب فإنها شوته، فضحك من حضر ويئس خصمه من الوصول منه إلى شيء، فخلّوه. «188» - استعدت بنو بهز من سليم عثمان بن عفان رحمه الله على الشمّاخ ابن ضرار، وادّعوا عليه أنه هجاهم، وساموه اليمين، فتلكأ عليهم ليحرّضهم عليها وليرضوا بها، فلما رضوا باليمين قال من أبيات: [من الطويل] يقولون لي احلف ولست بحالف ... أخادعهم عنها لكيما أنالها ففرّجت غمّ الموت عني بحلفة ... كما شقّت الشقراء عنها جلالها   [1] كذا هو في الأصول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 «189» - ومثل ذلك قول الآخر، وهو الأخيل بن مالك الكلابيّ: [من الطويل] تمنّعت لما قيل لي احلف هنيهة ... لتحلو في النوكى الخساس يميني فلما رأوا منّي التمنّع خيّلوا ... صعوبتها عندي كقطع وتيني ولم يعلموا أنّي قديما أعدّها ... لفكّ خناقي من وثاق ديوني «190» - وقال الأخيل أيضا: [من الوافر] فإنّ دراهم الغرماء عندي ... معلّقة لدى بيض الأنوق فإن دلفوا دلفت لهم بحلف ... كعطّ البرد ليس بذي فتوق وإن لانوا وعدتهم بلين ... وفي وعدي بنيّات الطريق وإن وثبوا عليّ وجرّروني ... حلفت لهم كإضرام الحريق «191» - وقال آخر: [من الخفيف] سألوني اليمين فارتعت منها ... ليغرّوا بذلك الإرتياع ثم أرسلتها كمنحدر السي ... ل تهادى من المكان اليفاع ذكر البحتري أنه لأخيل بن مالك الكلابي. «192» - وحلف الأخيل العجليّ بالطلاق والعتاق أن لا يهرب فهرب وقال: [من الطويل] إذا أحلفوني بالطلاق منحتهم ... يمينا كسحق الأتحميّ المخرّق [1]   [1] ح: الممزق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وإن أحلفوني بالعتاق فقد درى ... سحيم [1] غلامي أنّه غير معتق وإن أحلفوني بالطلاق رددتها ... كأحسن ما كانت إذا لم تطلّق «193» - قال مسعود بن مازن العكلي، وكان لرجل من تيم الرّباب عليه دين فجحده إياه وحلف له عليه: [من الوافر] كفى لك بالوفاء أخيّ تيم ... يميني إذ مضت عنك الحقوق وما يدريك ما أيمان عكل ... إذا يبست من الريق الحلوق أبت أيمانها إلّا مضيّا ... كما يلتجّ في الأجم الحريق «194» - قال الأصمعي: كان لأعرابيّ امرأتان فأخذه غرماؤه فأحلفوه بطلاقهما لا يغيب عنهم، فحلف، فأطلقوه فهرب، وقال: [من الكامل] لو يعلم الغرماء منزلتيهما ... ما حلّفوني بالطلاق العاجل قد ملّتا ومللت من وجهيهما ... عوجاء حاملة [2] وأخرى [3] حائل لا حلوتان فتمسكا بحلاوة ... تشفي الضجيع ولا لدل عاسل «195» - قال المدائني: كان عندنا بالمدائن دهقان يقال له دينارويه، وكان خبيثا، فقال له والي المدائن: إن كذبت كذبة لم أعرفها فلك عندي شراب ودراهم وغيرها. قال دينارويه: هرب لي غلام فغبر عنّي دهرا لا أعرف له   [1] حماسة البحتري: دهيم. [2] حماسة البحتري: شمطاء مرضعة. [3] ح ع: ونقض. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 خبرا، فاشتريت يوما بطيخا فشققته فإذا الغلام فيه يعمل خفّا، وإذا هو إسكاف. قال العامل: قد سمعت هذا. قال: كان لي برذون فدبر، فوصف لي قشور الرمان فألقيتها على دبرته فخرج من ظهره شجرة رمّان عظيمة. قال: وقد سمعت بهذا أيضا. قال: كان لغلامي فروة فقملت فحملها القمل ميلين. قال: قد سمعت بهذا. فلما رأى أنه يبطل عليه كلّ ما جاء به قال: إني وجدت في كتب أبي صكّا فيه أربعة آلاف درهم، والصكّ عليك. فقال: هذا كذب ما سمعته قط. قال: فهات ما خاطرت عليه، فأخذه. «196» - قال بعض الرواة، قلت للشرقيّ بن القطاميّ: ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فكذبت له فقلت: كانوا يقولون: [من الطويل] ما كنت وكواكا ولا بزونّك ... رويدك حتى يبعث الخلق باعثه فإذا أنا به يحدّث به في المقصورة يوم الجمعة. 197- قرع قوم الباب على الجاحظ، فخرج غلامه فسألوه ما يصنع، فقال: يكذب على الله، قالوا: كيف؟ قال: نظر في المرآة فقال: الحمد لله الذي خلقني وأحسن صورتي. «198» - شهد أعرابيّ عند حاكم فقال المشهود عليه: أتقبل شهادته وله من المال كذا ولم يحجّ؟ فقال الأعرابيّ: بل لقد حججت كذا وكذا مرة، قال: سله أصلحك الله عن مكان زمزم، فسأله فقال: إني حججت قبل أن تحفر زمزم. «199» - قال الأصمعي: كان قوم من الأعراب يسمطون أيمانهم سمطا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 للمصدّقين [1] ، فقال مصدق: هؤلاء لا يخافون الله، ولكن أستحلفهم بأيمان في أمر معاشهم، فقال: سلخك الله برصا، وأبدى عورتك، وفتّك فتّ البعرة، وحتّك حتّ الشّعرة، ولا ترك لك صاهلا ولا ناهلا، ولا خفّا ولا ظلفا، إن كان لله في مالك حق؛ فيكيع عنها. «200» - أراد قاضي البدو [2] أن يستحلف الخصم فقال: هو لا يبالي بالحلف، فقال: احمله على حلف لا يستجري عليه، فقال: جعل الله نومك نغصا، وطعامك غصصا، ومشيك رقصا، وسلخك برصا، وقطعك حصصا، وملأ عينيك رمصا، وأدخلك قفصا، وابتلاك بهذه العصا. فأبى أن يحلف وأذعن للحقّ. «201» - كان بفارس محتسب يعرف بجراب الكذب، فكان يقول: إن منعت من الكذب انشقّت مرارتي، وإني لأجد به مع ما يلحقني من عاره ما لا أجد للصدق مع ما ينالني من نفعه. «202» - شاعر: [من الكامل] وتقول لي قولا أظنّك صادقا ... فأجيء من طمع إليك وأذهب فإذا اجتمعت أنا وأنت بمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب «203» - شريك بن عبد الله القاضي: [من البسيط] صلّى وصام لدنيا كان يأملها ... فقد أصاب فلا صلّى ولا صاما   [1] يسمطون الأيمان: يوكدون الأيمان حين يحلفون. والمصدقون: جامعو الصدقات. [2] ربيع: الدوّ (وأطنب المحقق في شرحها) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 «204» - تشاجر رجلان في سواد تراءى من سطح فقال أحدهما: غراب، وقال الآخر: خفّ، وحلف كلّ واحد منهما بما قاله، فدنوا منه فطار، فقال صاحب الغراب: كيف ترى؟ فقال الآخر: امرأته طالق إن كان إلّا خفّا ولو بلغ مكة طيرانا. «205» - قال بعضهم [1] : كان أبي زرع سنة الشلجم فزكا، فكان يبلغ مساحة موضع كلّ شلجمة جريب أرض. فقال الآخر: كان أبي اتخذ مرجلا فكان يعمل فيه خمسون حدّادا لا يسمع كلّ واحد صوت مطرقة الآخر، فقال صاحبه: ما أكذبك، أيّ شيء كان يطبخ في ذلك المرجل؟ قال: الشلجم الذي زرعه أبوك. يتلوه: باب التواضع والكبر.   [1] ح: قال رجل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 الباب التّاسع في التّواضع والكبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (وبه أثق) الحمد لله ذي الجلال والعلاء، المتفرّد بصفة العظمة والكبرياء، قاصم من نازعه فيهما سمة الرداء، المتعالي عن الأشباه والنّظراء، الناهي لعباده عن الكبر والخيلاء، ندبنا إلى التواضع فكان سبب التحابّ رأفة بنا ولطفا، وأدبنا أن نختال باستمرار الشباب فجعل من بعد قوّة شيبا وضعفا، قال للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، ولو يشاء نزل من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين. أحمده شاكرا طائعا، وأعبده صاغرا خاضعا، وأومن بربوبيّته مخلصا موحّدا، وأوقن بالمعاد مصدّقا معتقدا، وأشهد أن لا إله إلّا الله منشىء الأمم ومبيدها، ومنشر الرّمم ومعيدها، لا مشارك له فيما خلق، ولا مشاجر فيما قسم من العطايا ورزق. وأشهد أنّ محمدا رسوله المأمور بخفض الجناح لمن اتّبعه، المأمون على سرّ الغيب حيث اطّلعه، صلّى الله عليه وعلى آله ما زجر الكتاب عبدا ووزعه، وقهر الحقّ باطلا وقمعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 (الباب التاسع ما جاء في التواضع والكبر والخيلاء والعجب) [ آيات وأحاديث ] 206- قد وصف الله عزّ وجلّ قوما فقال: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (المائدة: 54) وقال لنبيّه صلّى الله عليه وسلم: (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر: 88) وأبان عن سخطه على المتكّبرين بقوله عزّ وجلّ: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل: 23) وقوله تعالى: (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (النحل: 29) . وهذه الآيات مخرجها من الاستكبار في الدين. فأما الكبر الدنيويّ فالنهي عنه في قوله تعالى (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) الآية (لقمان: 18) والتصعير الميل من الكبر. وقوله تعالى: (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا) (الإسراء: 37) وقوله: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83) (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) (البقرة: 206) وقال قتادة في قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (الحج: 34) قال هم المتواضعون. «207» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنكم لتغفلون أفضل العبادة، التواضع؛ وكان صلّى الله عليه وسلم يأكل على الأرض تواضعا. «208» - وقال صلّى الله عليه وسلم: لا ترفعوني فوق قدري فتقعوا في ما قالت النصارى في المسيح، فإنّ الله عزّ وجلّ اتخذني عبدا قبل أن يتخذني رسولا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 «209» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من كبر. «210» - وقال صلّى الله عليه وسلم: لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب مع الجبّارين فيصيبه ما أصابهم. 211- وفي الأثر: من آتاه الله عزّ وجلّ زهدا وتواضعا وحسن خلق فهو إمام المتقين. «212» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: من تعظّم في نفسه واختال في مشيته لقي الله عزّ وجلّ وهو عليه غضبان. «213» - وقال صلّى الله عليه وسلم: من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه. [ أقوال للأئمة ] «214» - وقال عليّ عليه السلام: عجبت للمتكبّر الذي كان بالأمس نطفة وهو غدا جيفة. «215» - وقال عليه السلام: الإعجاب يمنع من الازدياد. 216- وقال محمد بن علي بن الحسين: إياك والكبر فإنه داعية المقت. «217» - أعطى رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله أبا سفيان مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مائة، وأعطى سهيل بن عمرو مائة، فقالوا: يا نبيّ الله، أتعطي هؤلاء وتدع جعيلا، وكان جعيل رجلا من بني غفار، فقال صلّى الله عليه وسلم: جعيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 خير من طلاع الأرض مثل هؤلاء [1] ، ولكن أعطي هؤلاء أتألّفهم، وأكل جعيلا إلى ما جعل الله عنده من التواضع. 218- وقال صلّى الله عليه وسلم: إنّ الله يأمركم أن تتواضعوا ولا يبغي بعضكم على بعض. «219» - وقال أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله يعود المريض، ويتبع الجنائز، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار. ولقد رأيته يوم حنين على حمار خطامه ليف. 220- وقال أنس أيضا: لم يكن شخص أكرم علينا من النبي صلّى الله عليه وعلى آله، وكنّا إذا رأيناه لم نقم لما نعلم من كراهيته لذلك [2] . «221» - وقال أيضا: جاء جبريل عليه السلام إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم وهو يأكل طعيما له متكئا فقال: إنّ التّكأة من النعمة، فاستوى قاعدا، فما رأيته بعدها متكئا. «222» - وقال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأشرب كما يشرب العبد. «223» - وأتاه صلّى الله عليه وسلم رجل فكلّمه فأخذته رعدة، فقال له صلّى الله عليه وسلم: هوّن عليك فإني لست بملك، وإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد. «224» - وروي أنّ عبد الله بن سلام مرّ في السوق وعليه حزمة من حطب،   [1] ع: من هؤلاء. [2] ع: لذاك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 فقيل له: أليس قد أغناك الله عن هذا؟ قال: بلى، ولكنّي أردت أن أقمع به الكبر؛ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. [ تواضع عمر ] 225- وروي أنّ عمر بن الخطاب خرج وعلى ظهره قربة، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما هذا [1] ؟ قال: إنّ نفسي أعجبتني فأحببت أن أذلّها. «226» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: إنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزّا فاعفوا يعزكم الله، وإنّ التواضع لا يزيد العبد إلّا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، وإنّ الصدقة لا تزيد المال إلّا نماء، فتصدّقوا يزد كم الله. 227- قال أبو أمامة: خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلم علينا فقمنا فقال لنا: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم لعظمائها فما قام إليه أحد منّا بعد ذلك. «228» - ومرّ صلّى الله عليه وسلم على صبيان في المكتب فسلّم عليهم. 229- وقال أبو قتادة: قدم وفد النجاشيّ على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقام يخدمهم بنفسه، فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله، فقال: إنهم كانوا لأصحابي مكرمين. «230» - وصنع عيسى عليه السلام طعاما للحواريّين فلما أكلوا وضّأهم بنفسه فقالوا: يا روح الله نحن أولى أن نفعله منك، فقال: إنما فعلت هذا لتفعلوه بمن تعلّمون.   [1] ما هذا؟ سقطت من ع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 «231» - لما تزوّج عليّ عليه السلام النهشلية بالبصرة قعد على سريره وأقعد الحسن عن يمينه، والحسين عن يساره [1] ، وجلس محمد بن الحنفية بالحضيض، فخاف أن يجد من ذلك فقال: يا بنيّ أنت ابني، وهذان ابنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم. «232» - ومن التواضع المأثور ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج ويده على المعلّى [2] ، فلقيته امرأة من قريش فقالت له: يا عمر، فوقف لها فقالت: كنّا نعرفك مرّة عميرا ثم صرت من بعد عمير عمر، ثم صرت من بعد عمر أمير المؤمنين، فاتّق الله يا ابن الخطاب، وانظر في أمور الناس، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت. فقال لها المعلّى: إيها إليك يا أمة الله فقد أبكيت أمير المؤمنين، فقال له عمر: أتدري من هذه ويحك؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من سمائه، فعمر أحرى بأن يسمع قولها ويقتدي به. 233- وجلس رجل إلى الحسين بن علي عليهما السلام، فقال له الحسين: إنك جلست إلينا ونحن نريد القيام، أفتأذن؟ «234» - أقبل رجل يمشي مرخيا يديه، طارحا رجليه يتبختر، فقال له عمر رضي الله عنه: دع هذه المشية [3] فقال: ما أطيق، فجلده فترك التبختر؛ فقال عمر: إذا لم أجلد في مثل هذا ففيم أجلد؟ فجاءه الرجل بعد ذلك فقال: جزاك الله خيرا إن كان إلا شيطانا أذهبه الله بك.   [1] في أصل ح: عن شماله. [2] ع: بن الجارود. [3] فقال له عمر ... المشية: سقط من ع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 [ كبر وائل بن حجر ] «235» - أتى وائل بن حجر النبيّ صلّى الله عليه وسلم فأقطعه أرضا وقال لمعاوية: اعرض هذه الأرض عليه واكتبها له، فخرج مع وائل في هاجرة شاوية، ومشى خلف ناقته، وقال له: أردفني على عجز راحلتك، قال: لست من أرداف [1] الملوك، قال: فاعطني نعليك، قال: ما بخل يمنعني يا ابن أبي سفيان ولكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن أنك لبست نعلي، ولكن امش في ظلّ ناقتي فحسبك بها شرفا. وهذا من كبر الجاهليّة المستهجن. قال: ثم إنّ وائلا لحق زمن معاوية ودخل عليه فأقعده معه على سريره [2] وحدّثه. «236» - قال عديّ بن أرطأة لإياس بن معاوية: إنك لسريع المشية، قال ذاك أبعد من الكبر وأسرع في الحاجة. وهو منقول من قول عمر رضي الله عنه وقد قيل له مثله فقال: هو أنجح للحاجة، وأبعد من الكبر، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) (لقمان: 19) . «237» - خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر [3] وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: من أحبّ أن يتمثّل [4] له الناس قياما فليتبوّأ مقعده من النار.   [1] ع: أرادف. [2] ح: على السرير. [3] فقام ابن عامر: سقط من ع. [4] ح: يمثل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 [ علي والتواضع ] «238» - وقال عليّ عليه السلام: عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله [1] . «239» - ولقيه دهاقين الأنبار عند مسيره إلى الشام فترجلوا له واشتدوا بين يديه فقال: ما هذا الذي صنعتموه؟ فقالوا: خلق نعظّم به أمراءنا، فقال: والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقّون به على أنفسكم، وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقة وراءها العقاب، وأربح الدعة معها الأمان من النار. «240» - ومشى معه حرب بن شرحبيل الشبّاميّ [2] وكان من وجوه قومه، وهو راكب، فقال له: ارجع فإنّ مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلّة للمؤمن. [ أقوال في التواضع والكبر ] 241- وقال الحسن عليه السلام: الحلم وزير العلم، والرفق أبوه، والتواضع سرباله. 241 ب- وقال غيره: ما آتى الله عبدا علما إلّا آتاه معه حلما وتواضعا وحسن خلق ورفقا. «242» - وقال عمرو بن الزبير: التواضع أحد مصايد الشرف. وفي لفظ آخر: التواضع سلّم الشرف.   [1] عقله: سقطت من ع. [2] ح: الشامي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 «243» - وقال جعفر بن محمد: رأس الخير التواضع فقيل له: وما التواضع؟ قال: أن ترضى من المجلس بدون شرفك، وأن تسلّم على من لقيت، وأن تترك المراء وإن كنت محقّا. وقد روي عن عليّ عليه السلام ولم يذكر المراء فيه وزاد فيه: وتكره الرياء والسمعة. «244» - وقيل: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة. «245» - ومثله: التواضع نعمة لا يفطن لها إلّا [1] الحاسد. «246» - وقالوا: المتواضع كالوهدة يجتمع فيها قطرها وقطر غيرها [2] . ونظر إلى هذا المعنى ابن المعتز فقال: متواضع العلماء أكثرهم علما كما أنّ المكان المنخفض أكثر الأماكن ماء. 247- قال الحسن: إنّ قوما جعلوا تواضعهم في ثيابهم، وكبرهم في صدورهم، حتى لصاحب المدرعة بمدرعته أشدّ فرحا من صاحب المطرف بمطرفه. 248- قال علي عليه السلام: الحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحّم في الذنوب. «249» - رؤي بعض العلماء وهو يكتب من فتى حديثا، فقيل له: مثلك   [1] إلا: سقطت من ح. [2] زاد بهامش ح: والتكبر كالربوة لا يقرّ عليها قطرها ولا قطر غيرها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 يكتب عن هذا؟ فقال: أما إني أحفظ له منه، ولكن أردت أن أذيقه كأس الرياسة ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم. «250» - كان يحيى بن خالد يقول: لست ترى أحدا تكبّر في إمارة إلّا وقد دلّ على أنّ الذي نال فوق قدره، ولست ترى أحدا تواضع في إمارة إلّا وهو في نفسه أكبر مما نال من سلطانه. «251» - ومن كلام لابن المعتز: لما عرف أهل النقص حالهم عند أهل الكمال، استعانوا بالكبر ليعظّم صغيرا ويرفع حقيرا، وليس بفاعل. «252» - والعرب تجعل جذيمة الأبرش الغاية في الكبر. ورووا أنه كان لا ينادمه أحد ترفّعا وكبرا ويقول: إنما ينادمني الفرقدان، ومن هذا قول متمم: [من الطويل] وكنّا كندماني جذيمة حقبة أراد به الفرقدين، لا كما ذكرته الرواة أنهما مالك وعقيل فإنهما لا بدّ أن يفترقا، وإنما ضرب المثل على ما لا يصحّ وقوعه، وهو تفرّق الفرقدين. «253» - وكان عبيد الله بن زياد بن ظبيان، أحد بني تيم اللات بن ثعلبة، قاتل مصعب بن الزبير، شديد الكبر والخيلاء. ولما حدث أمر مسعود بن عمرو المعني من الأزد لم يعلمه مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب، أحد بني قيس بن ثعلبة، وكان سيد بكر بن وائل في زمانه، فقال عبيد الله: أيكون مثل هذا الحدث ولا تعلمني به؟ لهممت أن أضرم دارك عليك نارا. فقال له مالك: اسكت أبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 مطر، فو الله إنّ في كنانتي سهما [1] أنا أوثق به مني بك، فقال له عبيد الله: وأنا [2] في كنانتك؟ فو الله لو قعدت فيها لطلتها ولو قمت فيها لخرقتها. فقال له مالك، وأعجبه ما سمع: أكثر الله في العشيرة مثلك، فقال: لقد سألت ربّك شططا. «254» - لما قال علي بن أبي طالب عليه السلام لصعصعة بن صوحان في المنذر بن الجارود ما قال، قال صعصعة: لئن قلت ذاك يا أمير المؤمنين، إنه لنظّار في عطفيه، نقّال [3] في شراكيه، تعجبه حمرة برديه. [ تيه عمارة بن حمزة ] «255» - كان عمارة بن حمزة أتيه الناس على جود فيه وسخاء، فمشى المهديّ يوما ويده في يد عمارة، فقال له رجل: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال المهديّ: أخي وابن عمي عمارة بن حمزة، فلما ولّى الرجل ذكر ذلك المهديّ كالممازح لعمارة، فقال عمارة: انتظرت والله أن تقول: ومولاي، فأنفض يدي من يدك، فتبسّم المهديّ. «256» - قال الواقدي: دخل الفضل بن يحيى ذات يوم على أبيه وأنا عنده، وهو يتبختر في مشيته فكره ذلك منه، فقال لي يحيى: يا أبا عبد الله أتدري ما بقّى الحكيم في طرسه؟ فقلت: لا، فقال: إنّ البخل والجهل مع التواضع أزين   [1] ع: سهم. [2] ح: أرانا. [3] النهج: تفّال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 بالرجل من الكبر مع السخاء والعلم، فيا لها حسنة غطّت على عيبين عظيمين، ويا لها سيئة غطّت على حسنتين كبيرتين. ثم أومأ إليه بالجلوس وقال لي: احفظه يا أبا عبد الله فإنه أدب كبير أخذناه عن العلماء. 257- قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [من الطويل] كفى حزنا ألّا صديق ولا أخ ... ينال غنى إلّا تداخله كبر وإلّا التوى أو ظنّ أنك دونه ... وتلك التي جلّت وما دونها صبر «258» - وكان ابن ثوابة من أقبح الناس كبرا؛ روي أنه قال لغلامه: اسقني ماء، فقال: نعم، فقال: إنما يقول نعم من يقدر أن يقول لا، وأمر بصفعه. ودعا أكّارا وكلمه، فلما فرغ دعا بماء وتمضمض استقذارا لمخاطبته. «259» - قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: [من الطويل] لقد جعلت تبدو شواكل منكما ... كأنكما بي موقران من الصخر فمسّا تراب الأرض منها خلقتما ... ومنها المعاد والمصير إلى الحشر ولا تعجبا أن تؤتيا فتكلما [1] ... فما حشي الأقوام شرّا من الكبر «260» - قال أكثم بن صيفي: من أصاب حظّا من دنياه فأصاره ذلك إلى كبر وترفّع فقد أعلم أنه نال فوق ما يستحقّ، ومن تواضع وغادر الكبر فقد أعلم أنه نال دون ما يستحقّ.   [1] الأغاني: ولا تأنفا أن تسألا وتسلّما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 «261» - مرّ بعض أولاد المهلّب بمالك بن دينار وهو يخطر فقال: يا بنيّ لو خفضت بعض هذه الخيلاء، ألم يكن أحسن بك من هذه الشهرة التي قد شهرت بها نفسك؟ قال له الفتى: أو ما تعرف من أنا؟ قال له: بلى والله أعرفك معرفة جيدة، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك حامل عذرة. فأرخى الفتى ردنيه، وكفّ مما كان يفعله، وطأطأ رأسه ومضى مسترسلا. «262» - قال محمد بن حازم: مرّ بي أحمد بن سعيد بن سلم [1] وأنا على بابي فلم يسلّم عليّ سلاما أرضاه، فكتبت رقعة وأتبعته بها فيها: [من السريع] وباهليّ من بني واثل ... أفاد مالا بعد إفلاس قطّب في وجهي خوف القرى ... تقطيب ضرغام لدى الباس وأظهر التيه فتايهته ... تيه امرىء لم يشق بالياس أعرته إعراض مستكبر ... في موكب مرّ بكنّاس [ العجب أفسد أمر خالد القسري ّ] «263» - بلغ خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسريّ من هشام بن عبد الملك محلّا رفيعا، فأفسد أمره العجب والكبر وأدّياه إلى الهلكة، وعذّب حتى مات: روي أنه التفت يوما إلى ابنه يزيد بن خالد وهو عند هشام فقال له: كيف بك يا بنيّ إذا احتاج إليك ولد أمير المؤمنين؟ فقال: أواسيهم ولو بقميصي.   [1] الأغاني: سالم؛ ح: مسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 فتبيّن الغضب في وجه هشام واحتملها. وكان إذا ذكر هشام قال: ابن الحمقاء. فسمعها رجل من أهل الشام فقال لهشام: إنّ هذا البطر الأشر الكافر لنعمتك ونعمة أبيك يذكرك بأسوأ الذكر، قال: ماذا يقول؟ لعلّه يقول الأحول، قال: لا والله ولكن يقول ما لا تلتقي به الشفتان، قال لعلّه قال: ابن الحمقاء؟ فأمسك الشاميّ فقال: قد بلغني كلّ ذلك عنه. وكان خالد يقول: والله ما إمارة العراق مما يشرّفني، فبلغ ذلك هشاما فغاظه فكتب إليه: بلغني أنك يا ابن النصرانية تقول: ما إمارة العراق مما يشرفك، وأنت دعيّ إلى بجيلة القليلة الذليلة. أم والله إني لأظنّ أنّ أوّل ما يأتيك ضغن من قيس فيشدّ يدك إلى عنقك. قال خالد بن صفوان بن الأهتم: لم تزل أفعال خالد حتى عزله هشام وعذّبه وقتل ابنه يزيد بن خالد، فرأيت في رجله شريطا قد شدّ به، والصبيان يجرّونه، فدخلت إلى هشام يوما فحدّثته فأطلت، فتنفس وقال: يا خالد، ربّ خالد كان أحبّ إليّ قربا وألذّ عندي حديثا منك، يعني خالدا القسري، فانتهزتها ورجوت أن أشفع له فتكون لي عند خالد يدا، فقلت: يا أمير المؤمنين ما يمنعك من استئناف الصنيعة عنده، فقد أدّبته بما فرط منه. فقال: هيهات إنّ خالدا أوجف فأعجف، وأدلّ فأملّ، وأفرط في الإساءة فأفرطنا في المكافأة، فحلم الأديم، ونغل الجرح، وبلغ السيل الزبى والحزام الطّبيين، ولم يبق فيه مستصلح، ولا للصنيعة عنده موضع؛ عد إلى حديثك [1] . 264- جلس الأحنف مع مصعب بن الزبير على السرير، فمدّ مصعب رجله، فنحاه الأحنف ثم قال: العجب لمن يتعظّم وقد خرج من مخرج البول مرتين.   [1] الأغاني: عد إلى ما كنت فيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 «265» - قيل لبزرجمهر: ما النعمة التي لا يحسد عليها؟ قال: التواضع، قيل: فالبلاء الذي لا يرحم؟ قال: العجب. «266» - البحتري: [من الوافر] دنوت تواضعا وعلوت مجدا ... فشأناك انحدار وارتفاع كذاك الشمس تبعد أن تسامى ... ويدنو الضوء منها والشعاع «267» - أبو محمد التيمي: [من الطويل] تواضع لما زاده الله رفعة ... وكلّ رفيع قدره متواضع «268» - قال حرسيّ عمر بن عبد العزيز: خرج علينا عمر في يوم عيد وعليه قميص كتّان وعمامة على القلنسوة لاطية، فقمنا إليه وسلّمنا عليه فقال: مه أنا واحد وأنتم جماعة، السلام عليّ والردّ عليكم، ثم سلّم وردّوا عليه، ومشى ومشينا معه إلى المسجد. «269» - كان يحيى بن خالد يقول: إذا ترقّى [1] الشريف تواضع، فأفشى السلام، وصافح العوامّ، وأنصف الضعفاء، وجالس الفقراء، وعاد المرضى، وشيّع الجنائز؛ وإذا ترقّى [2] الوضيع أمر بالمعروف، ووعظ الشريف، وأخذ   [1] ح: نفر. [2] ح: نفر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 في الحسبة، وأمّ أهل محلّته، واحتدّ على من ردّ [1] عليه، ورأى أنّ له فضيلة على كلّ أحد. 270- قال الحسن: من لبس الصوف تواضعا زاده الله نورا في بصره، ونورا في قلبه. ومن لبسه للكبر والخيلاء كوّر في جهنّم مع المردة. 271- قال عمرو بن عبيد: أتي الحسن بفالوذج فقال لي: هلمّ يا عمرو، فما فرحت بشيء فرحي بأن عرف اسمي. وكان المنصور يكنيه، فقيل له إنّ أمير المؤمنين يكنيك، فقال: ما ذكرت ذلك إلا دخلتني غضاضة. 272- قال معاوية بن سويد: لطمت مولى لنا فدعاه أبي فقال: اقتصّ منه. «273» - قال عبد الله بن حسن بن حسن، أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة، فقال لي: إذا كانت لك حاجة فأرسل إليّ رسولا أو اكتب إليّ كتابا، فإني لأستحيي من الله أن يراك على بابي. 274- اجتمع أنس بن مالك وثابت البنانيّ على طعام، فقدّم إليه أنس الطّست فامتنع، فقال أنس: إذا أكرمك أخوك فاقبل كرامته ولا تردّها. [ الرشيد يصب الماء على يدي عالم ] «275» - دعا الرشيد أبا معاوية الضرير فصبّ على يده ثم قال له: يا أبا معاوية، أتدري من صبّ على يدك؟ قال: لا، قال: صبّ على يدك أمير المؤمنين، قال: يا أمير المؤمنين، إنما أكرمت العلم وأجللته، فأكرمك الله وأجلّك. 276- ونزل الشافعي بمالك فصبّ بنفسه الماء على يده وقال: لا يرعك   [1] ح: ورد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 ما رأيت مني فخدمة الضيف فرض. «277» - قال المساور بن هند لرجل: أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا المساور ابن هند، قال: لا أعرفك، قال: فتعسا ونكسا لمن لا يعرف القمر. [عقيل بن علّقة والكبر] 278- كان عقيل بن علّقة المريّ أعرابيّا جافيا شديد الكبر. خطب إليه يزيد بن عبد الملك ابنته وقال له: زوّجني فلست بواجد في قومي مثلي، فقال عقيل: بلى والله لأجدنّ في قومك مثلك، وما أنت بواجد في قومي مثلي، وقال لابنه: يا بنيّ زوّجه فإنه [1] أحقّ بالأمة. [ لو أدرك الحجاج أربعة ] «279» - قيل للحجاج كيف وجدت منزلك بالعراق؟ قال: خير منزل، لو أدركت بها أربعة فتقرّبت إلى الله بدمائهم. قيل: ومن هم؟ قال: مقاتل بن مسمع ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما قدم البصرة بسط له الناس أرديتهم فقال: (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (الصافات: 61) ؛ وعبيد الله ابن ظبيان خطب خطبة فأوجز فيها، فناداه الناس من أعراض المسجد: كثّر الله فينا أمثالك، فقال: لقد كلّفتم ربّكم شططا؛ ومعبد بن زرارة كان ذات يوم جالسا على طريق فمرّت به امرأة فقالت له: يا عبد الله أين الطريق إلى مكان كذا؟ فقال: ألمثلي يقال عبد الله ويلك!! وأبو سمال الحنفي أضلّ ناقته فقال: والله لئن لم يردّ إليّ ناقتي لا صلّيت أبدا، فلما وجدها قال: علم أنّها مني صرّى [2] .   [1] ح: فأنت. [2] صرى: أي عزيمة قاطعة ويمين لازمة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 «280» - قال بعض الحكماء: يا بنيّ عليك بالترحيب والبشر، وإياك والتقطيب والكبر، فإنّ الإخوان يحبّون أن يلقوا بما يحبون وإن منعوا ولا يحبّون أن يلقوا بما لا يحبون وإن أعطوا [1] ، فانظر إلى خصلة غطّت على مثل اللؤم فالزمها، وانظر إلى خصلة غطّت على مثل الكرم فاجتنبها، ألم تسمع إلى قول حاتم: [من الطويل] أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والمكان جديب وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب [ المذكورون بالكبر من قريش ] «281» - قال الجاحظ: المذكورون بالكبر من قريش: بنو مخزوم وبنو أمية، ومن العرب بنو جعفر بن كلاب وبنو زرارة بن عدس. وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدّون الناس إلّا عبيدا، وأنفسهم إلّا أربابا. والكبر في الأجناس الذليلة أرسخ، ولكنّ القلّة والذلّة مانعتان من ظهور كبرهم. والجملة أنّ من قدر من الوضعاء أدنى قدرة ظهر من كبره ما لا خفاء به، وشيء قد قتلته علما وهو أني لم أر ذا كبر قطّ على من دونه إلّا وهو يذلّ لمن فوقه بمقدار ذلك ووزنه. وقال: أما بنو مخزوم وبنو أمية وبنو جعفر بن كلاب واختصاصهم بالتيه فإنهم أبطرهم ما وجدوا لأنفسهم من الفضيلة، ولو كان في قوى عقولهم فضل على قوى دواعي الحميّة فيهم لكانوا كبني هاشم في تواضعهم وإنصافهم لمن دونهم. «282» - أبو البيداء الأعرابي: [من الطويل]   [1] اضطربت هذه الجملة في ع بسقوط أحد شقّيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 ولست بتيّاه إذا كنت مثريا ... ولكنه خلقي إذا كنت معدما وإنّ الذي يعطى من المال ثروة ... إذا كان نذل الوالدين تعظّما «283» - قال رجل: ما رأيت ذا كبر قطّ إلّا تحوّل داؤه فيّ؛ يريد إني أتكبر عليه. «284» - وقال آخر: ما تاه عليّ أحد مرتين. يريد أنه إذا تاه مرة لم أعاوده. «285» - قيل لرجل من بني عبد الدار: ألا تأتي الخليفة؟ قال: أخاف أن لا يحمل الجسر شرفي. «286» - قيل للحجاج بن أرطأة: ما لك لا تحضر الجماعة؟ قال: أكره أن يزاحمني البقالون. «287» - عليّ بن الجهم: [من البسيط] جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما ... تيه الملوك وأحوال المساكين [1] «288» - استأذن نافع بن جبير بن مطعم على معاوية بن أبي سفيان فمنعه الحاجب فهشم أنفه، فقال له معاوية: أتفعل هذا بحاجبي؟ فقال له: وما يمنعني وأنا بالمكان الذي أنا به من أمير المؤمنين؟ فقال له أبوه: فضّ الله فاك، ألا قلت:   [1] كذا في النسخ وصوابه: المماليك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 وأنا بالمكان الذي أنا فيه من بني عبد مناف [1] . «289» - دخل عقال بن شبة على هشام بن عبد الملك وأراد أن يقبّل يده فقال: لا تفعل، فلم يفعل هذا من العرب إلّا هلوع، ومن العجم إلّا خضوع. «290» - ولما أفضت الخلافة إلى أبي العباس وفدت عليه قريش، فأمروا بتقبيل يده حتى دخل إبراهيم بن محمد العدوي فقال: يا أمير المؤمنين لو كان تقبيل اليد يزيد في القربة [2] منك لأخذت بحظّي منه، وإنك لغنيّ عما لا أجر لك فيه، وفيه منقصة لنا، فقارّه ولم ينقصه من حظوظ أصحابه شيئا.   [1] ع: وما يمنعني وأنا بالمكان الذي أنا به من عبد مناف. [2] ح: في القربى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 نوادر من هذا الباب «291» - مرّ رجل بجمين [1] فسلّم عليه، فلم يردّ عليه، فقيل له في ذلك فقال: سلّم عليّ بالإيماء فرددت عليه بالضمير. 29» - مرّ أبو دهمان، وهو أمير نيسابور، على رجل جالس، ومع أبي دهمان صديق له يسايره، فقام الناس إليه ودعوا له إلا ذلك الرجل، فقال أبو دهمان لصديقه الذي يسايره: أما ترى ذلك الرجل في النظّارة [2] وتيهه عليّ؟ فقال له: وكيف يتيه عليك وأنت الأمير؟ قال: لأنه قد ناكني وأنا غلام. 293- قيل لأعرابيّ كيف تقول: استخذأت أو استخذيت؟ قال: لا أقوله، قيل: ولم؟ قال: لأنّ العرب لا تستخذي. «294» - الهنادي: [من الكامل] يا قبلة ذهبت ضياعا في يد ... ضرب الإله بنانها بالنقرس يتلوه: باب القناعة والحرص إن شاء الله تعالى.   [1] ع: بجميز. ح: بحمّير. [2] ع: في انتظاره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 الباب العاشر في القناعة والظّلف والحرص والطّمع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله الوهّاب المفضل، المعطي المجزل، باسط الرزق لمن يشاء ومقدّره، ومانع ما يشاء وميسّره، الذي مدح القناعة وأعزّها، وذمّ الضّراعة وأذلّها، وأنزل الحريص بمنزلة المتسخّط فكدّر حياته وحرمه، وعلم أنّ القنوع راض بقسمته فهنّأ عيشه وسلّمه. وأعوذ بعصمته من موردات الطمع، وألوذ برأفته من مخزيات الطّبع، وأسأله أن يرضينا بما قسم لنا من رزقه، ولا يجعل لنا تطلّعا إلى ما في أيدي خلقه، والصلاة على نبيّه وصفوته، ورسوله وخيرته، الراضي من الدنيا بكفافها وميسورها، الرافض لما آتاه من كنوزها حين حيزت له بحذافيرها، وعلى آله ما حسر الصبح عن ظلم الدياجي وديجورها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 (الباب العاشر في القناعة والظّلف والحرص والطمع) [ آيات وأحاديث وحكم ] «295» - جاء في تفسير قوله عزّ وجلّ: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) (النحل: 97) أنّ المراد بها القناعة. وقال تعالى لنبيّه عليه السلام: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) (طه: 131) . «296» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: القناعة مال لا ينفد. «297» - وقال صلّى الله عليه وسلم: ما عال من اقتصد. «298» - وقال صلّى الله عليه وسلم: أربع من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، والحرص، والأمل. «299» - ومن كلام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: كفى بالقناعة ملكا، وبحسن الخلق نعيما. من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوّأ خفض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 الدعة. ما أقبح الخشوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى. الطمع مورد غير مصدر، وضامن غير وفيّ، وربما شرق شارب الماء قبل ريّه، وكلّما عظم قدر الشيء المتنافس فيه عظمت الرزيّة لفقده. والأماني تعمي البصائر. أزرى بنفسه من استشعر الطمع. 300- وقال أرسطاطاليس: لا غنى لمن ملكه الطمع واستولت عليه الأماني. 301- ويقال: لا تخلق نفسك بالحرص فتذهب عنك بهجة الوقار. «302» - وقال أعرابيّ لرجل حريص على الدنيا: يا أخي أنت طالب ومطلوب: يطلبك ما لا تفوته، وتطلب ما قد كفيته، كأنك بما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت عنه، أما رأيت حريصا محروما وزاهدا مرزوقا؟ «303» - وقال آخر: الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في رزقه. 304- قيل: أنفق ما يكون التعب إذا وعد كذاب حريصا. 305- وقال آخر: احتمل الفقر بالتنزّه عما في يدي غيرك، والزم القناعة بما قسم لك، فإنّ سوء حمل الفقر يضع الشريف، ويخمل الذكر، ويوجب الحرمان. «306» - قال أبو ذؤيب: [من الكامل] والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا تردّ إلى قليل تقنع «307» - وقال سالم بن وابصة: [من الطويل] غنى النفس ما يكفيك من سدّ خلّة ... فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 «308» - قال الكنديّ: العبد حرّ ما قنع، والحرّ عبد ما طمع. «309» - قيل: إنّ الغنى والعزّ خرجا يجولان فلقيا القناعة فاستقرّا. 309 ب- وقيل: انتقم من الحرص بالقناعة كما تنتصر من العدوّ بالقصاص. «310» - قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم فأفسداها أشدّ من حرص المرء على المال. «311» - وقال صلّى الله عليه وسلم: يهرم ابن آدم وتشبّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر. 312- وقال صلّى الله عليه وسلم: إنّ لكلّ رجل من الدنيا رزقا هو يأتيه لا محالة، من رضي به بورك له فيه ووسعه، ومن لم يرض به لم يبارك له فيه ولم يسعه. «313» - وقال صلّى الله عليه وسلم: لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب: أخذ [1] الحلال وترك الحرام. «314» - وقيل: يا رسول الله: ما الغنى؟ قال: اليأس عما في أيدي الناس؛ وإياكم والطمع فإنه الفقر الحاضر. «315» - قال عبد الملك لأعرابيّ: تمنّ. فقال: العافية. قال: ثم ماذا؟ قال: رزق في دعة، قال: ثم ماذا؟ قال: الخمول فإني رأيت الشرّ إلى ذي النباهة أسرع.   [1] ح: في أخذ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 [ أخبار في هذا الباب ] 316- قال قتيبة: إنّ الحريص ليتعجّل الذلّة قبل إدراك البغية. «317» - وقيل: لا راحة لحريص ولا غنى لذي طمع. «318» - وقال جعفر بن محمد: ثمرة القناعة الراحة. «319» - وقال عليّ بن موسى: القناعة تجمع إلى صيانة النفس وعزّ القدرة طرح مؤن الاستكثار والتعبّد لأهل الدنيا. ولا يسلك طريق القناعة إلّا رجلان: إمّا متقلّل يريد أجر الآخرة، أو كريم يتنزّه عن لئام الدنيا. «320» - وقالوا: الراضي القانع يعيش آمنا مطمئنا، مستريحا مريحا؛ والشّره الحريص لا يعيش إلّا تعبا نصبا في خوف وأذى. «321» - قال عبيد الله بن زياد بن ظبيان: إياكم والطمع فإنه يردي، والله لقد هممت أن أفتك بالحجاج، فإني لواقف على بابه بدير الجماجم إذا أنا بالحجاج قد خرج على دابة ليس معه غير غلام، فأجمعت على قتله، فكأنه عرف ما في نفسي فقال: ألقيت ابن أبي مسلم؟ قلت: لا، قال: فالقه، فإنّ عهدك معه على الريّ. قال: فطمعت وكففت عنه، وأتيت يزيد بن أبي مسلم فسألته فقال: ما أمرني بشيء. 322- قال بعض الأعراب: [من الرجز] أريد أن أبقى ويبقى ولدي ... وأن تدوم صحّتي وجلدي موفّرا عليّ ما تحوي يدي ... وهذه أمانيات الفند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 «323» - وقال كلثوم بن عمرو العتّابي: [من الطويل] تلوم على ترك الغنى باهليّة ... زوى الدهر عنها كلّ طرف وتالد رأت حولها النسوان يرفلن في الكسى ... مقلّدة أجيادها بالقلائد أسرّك أني نلت ما نال جعفر ... من المال أو ما نال يحيى بن خالد وأنّ أمير المؤمنين أغصّني ... مغصّهما بالمشرقات البوارد ذريني تجئني ميتتي مطمئنّة ... ولم أتجشّم هول تلك الموارد فإنّ جسيمات الأمور منوطة ... بمستودعات في بطون الأساود «324» - صحب أعشى همدان، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث، خالد بن عتّاب بن ورقاء فقصّر به في العطاء، وأعطى الناس عطايا جعله في أقلّها، وفضّل عليه آل عطارد، فقال من أبيات: [من الطويل] ما كنت ممّن ألجأته خصاصة ... إليك ولا ممّن تغرّ المواعد ولكنّها الأطماع وهي مذلّة ... دنت بي وأنت النازح المتباعد 325- قال المدائني: أبطأ على رجل من أصحاب الجنيد بن عبد الرحمن ما قبله وهو على خراسان، وكان يقال للرجل: زامل بن عمرو، من بني أسد بن خزيمة. فدخل على الجنيد يوما فقال: أصلح الله الأمير، قد طال انتظاري، فإن رأى الأمير أن يضرب لي موعدا أنتهي إليه فعل، قال: موعدك الحشر. فخرج زامل وارتحل متوجها إلى أهله. ودخل على الجنيد بعد ذلك رجل من أصحابه فقال: [من الطويل] أرحني بخير منك إن كنت فاعلا ... وإلّا فميعاد كميعاد زامل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 فقال: وما فعل زامل؟ قال: لحق بأهله. فأبرد الجنيد في أثره بريدا، وبعث بعهده على الكورة التي يدرك بها، فأدرك بنيسابور فوليها. «326» - وفد الوليد بن عقبة إلى معاوية، فقيل له: هذا الوليد بن عقبة بالباب فقال: والله ليرجعنّ مغيظا [1] غير معطى، فإنه قد أتانا يقول: عليّ دين وعليّ كذا وكذا. يا غلام إيذن له. فأذن له، فساءله معاوية وتحدّث معه فقال له: أما والله إن كنّا لنحبّ إتيان [2] مالك بالوادي وقد أعجب أمير المؤمنين، فإن رأيت أن تهبه ليزيد فعلت، قال الوليد: هو ليزيد. انظر يا أمير المؤمنين في شأني، فإنّ عليّ مؤونة وقد أرهقني دين [3] ، فقال له معاوية: ألا تستحيي بحسبك ونسبك [4] تأخذ ما تأخذه فتبذره ثم لا تنفكّ تشكو دينا؟! فقال الوليد: أفعل، ثم انطلق من مكانه وصار [5] إلى الجزيرة وقال: [الكامل المجزوء] تأبى فعال الخير لا ... تروى وأنت على الفرات فإذا سئلت تقول لا ... وإذا سألت تقول هات أفلا تميل إلى «نعم» ... أو ترك «لا» حتى الممات؟ وبلغ معاوية مقدمه إلى الجزيرة فخافه وكتب إليه أن أقبل إليّ، فكتب إليه: [من الطويل] أعفّ وأستغني كما قد أمرتني ... فاعط سواي ما بدا لك وانحل [6]   [1] الأغاني: معطيا. [2] الأغاني: إيثار. [3] ح: أرهقني ذلك. [4] ح: بحسبك (وسقطت نسبك) . [5] ع: وطار. [6] ح: وابخل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 سأحدو ركابي عنك إنّ عزيمتي ... إذا نابني أمر كسلّة منصل وإني امرؤ للرأي مني تطرّب [1] ... وليس شبا قفل عليّ بمقفل ورحل إلى الحجاز، فبعث إليه معاوية بصلته وجائزته. [ عروة بن أذينة والرزق ] «327» - خرج عروة بن أذينة إلى هشام بن عبد الملك في قوم من أهل المدينة وفدوا عليه، وكان ابنه مسلمة بن هشام سنة حجّ أذن لهم في الوفود عليه. فلما دخلوا على هشام انتسبوا له [2] ، فقال له: ما جاء بك [3] يا ابن أذينة؟ فقال: [من المتقارب] أتينا نمتّ بأرحامنا ... وجئنا بإذن أبي شاكر بإذن الذي سار معروفه ... بنجد وغار مع الغائر ضإلى خير خندف في ملكها لباد من الناس أو حاضر فقال له هشام: ما أراك إلّا قد أكذبت نفسك حيث تقول: [من البسيط] لقد علمت وما الإشراف [4] من خلقي ... أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني فقال له ابن أذينة: ما أكذبت [5] نفسي يا أمير المؤمنين، ولكني صدقتها وهذا من ذاك. ثم خرج من عنده وركب راحلته راجعا إلى المدينة، فلما أمر لهم هشام   [1] الأغاني: تطرف. [2] لهم ... انتسبوا له: سقط كله من النسخة ع. [3] ح: ما حاجتك. [4] ع: الاسراف. [5] ح: أكذب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 بجوائزهم تفقدهم فقال: أين ابن أذينة؟ فقالوا: غضب من تقريعك له فانصرف راجعا إلى المدينة. فبعث إليه بجائزته وقال للرسول: قل له قد أردت أن تكذبنا وتصدّق نفسك. فمضى الرسول فلحقه على ماء يتغدّى عليه فأبلغه رسالته ودفع إليه الجائزة فقال: قال له: قد صدقني الله وكذبك. وبيت عروة الذي واقفه هشام عليه من قصيدة مختارة وبعده: أسعى له فيعنّيني تطّلبه ... ولو جلست أتاني لا يعنّيني لا خير في طمع يدني إلى طبع ... وغفّة من قوام العيش تكفيني لا أركب الأمر تزري بي عواقبه ... ولا يعاب به عرضي [1] ولا ديني كم من فقير غنيّ النفس تعرفه ... ومن غنيّ فقير النفس مسكين ومن عدوّ رماني لو قصدت له ... لم آخذ النّصف منه حين يرميني ومن أخ لي طوى كشحا فقلت له ... إنّ انطواءك عني سوف يطويني إني لأنظر فيما كان من أربي ... وأكثر الصمت فيما ليس يعنيني لا أبتغي وصل من يبغي مقاطعتي ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني [ أبو دهمان الغلابي ] «328» - قال سعيد بن سلم [2] : كنت واليا بأرمينية، فغبر أبو دهمان الغلابي على بابي أياما، فلما وصل مثل بين يديّ بين السماطين فقال: إني والله لأعرف أقواما لو علموا أنّ سفّ التراب يقيم من أود أصلابهم لجعلوه مسكة لأرماقهم، إيثارا للتنزّه عن عيش رقيق الحواشي. أما والله إني لبعيد الوثبة [3] ، بطيء العطفة،   [1] ح: رزقي. [2] ح: سلام. [3] ح ع: الوثيقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 إنه والله ما يثنيني عليك إلّا مثل ما يصرفك عنّي، ولأن أكون مقلّا مقرّبا أحبّ اليّ مّن أن أكون مكثرا مبعدا، ما نسألك عملا لا نضبطه، ولا مالا إلّا ونحن أكثر منه. إنّ هذا الأمر الذي صار في يدك قد كان في يد غيرك فأمسوا والله حديثا، إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا، فتحبّب إلى عباد الله بحسن البشر ولين الحجاب، فإنّ حبّ عباد الله موصول بحبّ الله، وهم شهداء على خلقه، ورقباؤه على من اعوجّ سبيله. [ مزيد من الأخبار والأشعار ] 329- قال المنصور لبعض أصحابه: سلني، فقال: يبقي الله أمير المؤمنين. فقال: ويحك اذكر ما تريد فليس كلّ وقت تؤمر بهذا. فقال: والله ما أغتنم مالك، ولا أخاف بخلك، ولا أستقصر عمرك، وإنّ سؤالك لزين، وإنّ عطاءك لشرف، وما بامرىء بذل وجهه إليك من عار. فتلافى المنصور بالمدح بما ليس فيه، وكفته القناعة من اجتدائه. 330- رئي بهلول في مقبرة فقيل له: هلّا خالطت الناس؟ فقال: إني بين قوم إن حضرت لم يؤذوني، وإن غبت لم يغتابوني. قيل له: فادع الله تعالى فإنّ الناس في ضرّ وشدة من الغلاء، فقال: وما عليّ من ذاك ولو بلغت الحبة دينارا، وإنما عليّ أن أعبد [1] الله تعالى كما أمرني، وعليه أن يرزقني كما وعدني. «331» - قال رجل: دخلت على هند بنت المهلب فرأيت بيدها مغزلا تغزل به، فقلت لها: تغزلين؟ قالت: نعم سمعت أبي يذكر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: أعظمكنّ أجرا أطولكنّ طاقة؛ وهو يطرد الشيطان ويذهب بحديث النفس.   [1] ح: أحمد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 «332» - وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: المغزل في يد المرأة مثل الرمح في يد الغازي في سبيل الله تعالى. «333» - روي أنّ كعبا لقي عبد الله بن سلام فقال: يا ابن سلام، من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به، قال: فما أذهب العلم من قلوب العلماء بعد إذ علموه ووعوه؟ قال: الطمع وشره النفس وطلب الحوائج إلى الناس. «334» - قال شيخ كوفيّ من بني عبس: سألت الحسن عما تنبسط فيه أيدينا من الطعام فقال، قال عمر: كفى شرها إذا اشتهيت شيئا أكلته؛ وقال: إن كان عمر ليشتهي الشيء فيدافعه سنة. 335- قال فيلسوف: الإنسان يزداد على كثرة المال نهما كما تزداد النار على الحطب ضرما. 336- الطامع في وثاق الذلّ. 337- ربّ مغرق قد خاب، ومقتصد قد فاز. 338- قال الأصمعي: لقيت أعرابيّا في بعض نواحينا فقلت: ممّن الرجل؟ قال: من بني أسد، قلت: من أين أقبلت؟ قال: من البادية بأرض ما نريد بها بدلا ولا نبغي عنها حولا، بعجتها الغاديات، وحفّتها الفلوات، فنحن فيها بأرقّ عيشة وأنعم معيشة، فقلت: ما طعامكم فيها؟ فقال: بخ بخ أطيب طعام وأهنأه وأمرأه: الهبيد والفطس والعنكث والعلهز [1] ، وربّما والله أكلنا القديد واشتوينا   [1] بهامش ع: الهبيد: حب الحنظل، والعلهز: دم يعالج بالوبر يأكلونه في الشدائد، والعنكث: نبت رديء يكون بالفلاة إذا هبت الريح قطعته من أصله. والفطس: شجرة تأكل منها الإبل، فإذا شبعت منها أصابها الهيام (وبعضه بهامش ح) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 الجلد، فما نرى أنّ أحدا أحسن منا حالا، ولا أرضى منا بالا ولا أخصب رحالا، فالحمد لله على ما رزقنا من القناعة وحسن الدعة، أما سمعت ما قاله قائلنا؟ قلت: وما قال؟ فأنشدني: [من الطويل] إذا ما امتذقنا كلّ يومين مذقة ... بخمس تميرات صغار كوانز فنحن ملوك الأرض خصبا ونعمة ... ونحن ليوث الحرب عند الهزاهز «339» - وقال يزيد بن الحكم الثقفي: [من الطويل] رأيت السخيّ النفس يأتيه رزقه ... هنيئا ولا يعطى على الحرص جاشع وكلّ حريص لن يجاوز رزقه ... وكم من موفّى رزقه وهو وادع «340» - وقال عمرو بن مالك الحارثي: [من البسيط] الحرص للنفس فقر والقنوع غنى ... والقوت إن قنعت بالقوت مجزيها والنفس لو أنّ ما في الأرض حيز لها ... ما كان إن هي لم تقنع بكافيها «341» - وقال آخر: [من المتقارب] لعمرك لليأس عند اليقي ... ن خير من الطمع الكاذب «342» - وقال ابن هرمة: [من الطويل] إذا أنت لم تأخذ من اليأس عصمة ... تشدّ بها في راحتيك [1] الأصابع شربت بطرق الماء حيث لقيته ... على رنق واستعبدتك المطامع   [1] ح: في الراحتين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 «343» - وقال أيضا: [من الطويل] وفي اليأس عن بعض المطامع راحة ... ويا ربّ خير أدركته المطامع «344» - وقال هدبة بن خشرم: [من الطويل] وبعض رجاء المرء ما ليس نائلا ... عناء وبعض اليأس أعفى وأروح «345» - وقال مكنف بن معاوية التميمي: [من المتقارب] ترى المرء يأمل ما لن يرى ... ومن دون ذلك ريب الأجل وكم آيس قد أتاه الرجاء ... وذي طمع قد لواه الأمل «346» - قال عبد الله بن مسعود: لو أنّ العلماء أعزّوا العلم بما أعزّه الله تعالى، ووضعوه عند أهله، لسادوا به أهل زمانهم، وصار الناس لهم تبعا. ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا من فضلهم فهانوا عليهم. 346 ب- كان سويد بن غفلة إذا قيل له قد ولي فلان قال: حسبي كسرتي وملحي. 347- وقيل: من أمّل رجلا هابه، ومن قصرّ عن شيء عابه. «348» - قال بشر بن الحارث: خرج فتى في طلب الرزق، فبينا هو يمشي إذ أعيا، فأوى إلى خراب يستريح فيه، فبينا هو يدير بصره إذ وقعت عيناه على بناء فيه كتاب [1] : [من الكامل]   [1] ح: فيه مكتوب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 إني رأيتك قاعدا مستقبلي ... فعلمت أنك للهموم قرين هوّن عليك وكن بربّك واثقا ... وأخو التوكّل شأنه التهوين طرح الأذى عن نفسه في رزقه ... لما تيقّن أنه مضمون قال: فرجع الفتى إلى بيته وقال: اللهم أدّبنا أنت. 349- قال عامر بن عبد قيس [1] : ما أبالي ما فاتني من الدنيا بعد آيات في كتاب الله تبارك وتعالى: (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (هود: 6) (ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (فاطر: 2) (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام: 17) 350- قال أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله لا يدّخر شيئا لغد. وأهدي إليه صلّى الله عليه وعلى آله ثلاث طوائر فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتته به فقال لها لله: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد فإنّ الله يأتي برزق كلّ غد [2] . 351- وقال صلّى الله عليه وسلم: قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنّعه الله بما آتاه. 352- وقال صلّى الله عليه وسلم لابن مسعود: لا تكثر همّك، ما يقدّر يكن، وما ترزق يأتك. 353- قيل: ما ترك عيسى عليه السلام حين رفع إلّا مدرعة من صوف، وخفّي راع، وحذّافة يحذف بها الطير.   [1] ح: عبد القيس. [2] ح: كل يوم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 «354» - وروى بعض أصحاب عليّ عليه السلام قال: دخلنا عليه وبين يديه طبق من خوص عليه قرص أو قرصان من خبز شعير، وإنّ أشطاب النّخالة لتبين في الخبز، وهو يكسره على ركبته [1] ، ويأكله بملح جريش، فقلنا لجارية له سوداء يقال لها فضّة: ألا نخلت هذا الدقيق لأمير المؤمنين؟ فقالت: يأكل هو المهنّا ويكون الوزر في عنقي، فتبسّم عليّ عليه السلام وقال: أنا أمرتها أن لا تنخله. قلنا: فلم يا أمير المؤمنين؟ قال: ذاك أجدر أن يذلّ النفس، ويقتدي بي المؤمن، وألحق بأصحابي. 355- وقال سلمان الفارسي: قسمت الدنيا على درهمين: أبتاع بأحدهما خوصا والآخر طعاما، فأعمل الخوص، وإلى أن ينفد طعامي [أكون] قد عملت الخوص فأبيعه بدرهمين فأبتاع بأحدهما طعاما والآخر خوصا. 356- يقال [2] : من لزم العفاف هانت عليه موجدة الملوك. 357- قيل للزهريّ: ما الزهد؟ قال: ليس هو تقشّف الجلد ولا خشونة المطعم ولكن ظلف النفس عن محبوب الشهوات. «358» - قال عليّ عليه السلام: لا تجاهد في الطلب جهاد المغالبة، ولا تتّكل على القدر اتّكال المستسلم، فإنّ ابتغاء الفضل من السنّة، والإجمال في الطلب من العفة. «359» - قال عيسى عليه السلام للحواريين: أنتم أغنى من الملوك، قالوا: كيف؟ قال: لأنكم لا تطلبون وهم يطلبون.   [1] ح: ركبتيه. [2] ح: وقال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 360- أصحر الحسن يوما فرأى صيادا فقال: ما أكثر ما يقع في شبكتك؟ قال: كلّ طير زاقّ، فقال الحسن: هلك المعيلون. «361» - في الحديث: إنّ الصفاة الزلّاء التي لا تثبت عليها أقدام العلماء الطمع. 362- شدة الحرص من سبل المتالف. 363- المرء توّاق إلى ما لم ينل. «364» - النابغة الذبياني ويروى لأوس بن حجر: [من الوافر] ولست بخابىء لغد طعاما ... حذار غد لكلّ غد طعام 365- آخر [1] : [من الطويل] إذا كنت تأتي المرء توجب حقّه ... ويجهل منك الودّ فالهجر أوسع 366- آخر: [من البسيط] لا تنكرنّ كلامي إنّ مخرجه ... من جرأة اليأس لا من هيبة الأمل «367» - ضده لجرير [2] : [من الكامل] إني لآمل منك خيرا عاجلا ... والنفس مولعة بحبّ العاجل   [1] ح: ولغيره. [2] ح ع: لجبير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 368- هشام بن إبراهيم البصري: [من الطويل] وكم ملك جانبته عن كراهة ... لإغلاق باب أو لتشديد حاجب ولي في غنى نفسي مراد ومذهب ... إذا انصرفت عنّي وجوه المذاهب «369» - بشار [1] : [من الكامل المرفّل] اسكن إلى سكن تسرّ به ... ذهب الزمان وأنت منفرد ترجو غدا وغد كحاملة ... في الحيّ [2] لا يدرون ما تلد «370» - استشار ابن المعتز صديق له في عمل فقال: ربّما أورد الطمع ولم يصدر، وضمن [3] ولم يف، ومن تماسكت حاله في أهل طبقته وجب على عقله القناعة، وربّما شرق شارب الماء قبل ريّه، ومن تجاوز الكفاف لم يغنه الإكثار، وكلّما عظم قدر المتنافس فيه عظمت الفجيعة به. ومن ارتحله الحرص أنضاه الطلب. والأماني تعمي أبصار البصائر [4] ، والحظّ يأتي من لا يأتيه. وربما كان الطمع [5] وعاء حشوه المتالف. وأشقى الناس بالسلطان صاحبه كما أنّ أقرب الأشياء إلى النار أسرعها احتراقا. «371» - حكيم: عزّ النزاهة أحبّ إليّ من فرح الفائدة، والصبر على   [1] ح: قال بشار. [2] ح: يا صاح. [3] الصولي: ووعد. [4] الصولي: الأبصار والبصائر. [5] الصولي: وربما طاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 العسرة أحبّ إليّ من احتمال المنّة. «372» - قال قدامة بن زياد الكاتب: دخلت والحسن بن وهب إلى محمد بن عبد الملك الزيات وعنده جماعة من خاصّة إخوانه، فجعل الجماعة منهم يشكون أحوالهم والحسن ساكت، وكنت فيمن شكا، فقال له محمد: يا أبا عليّ، إن كانت حالك تستغني عن الشكوى فإنّ ذلك يسرّني، وإن كانت على غير ذلك وأنفت من الشكوى إليّ لقد سؤتني، فقال الحسن: لا ولكني أخذت بقول الكميت حيث يقول [1] : [من الطويل] صموت إذا ضجّ المطيّ كأنّما ... تكرّم عن أخلاقهنّ وترغب «373» - قال الجاحظ: إنّ الله تعالى إنما خالف بين طبائع الناس ليوفّق بينهم في مصالحهم، ولولا ذلك لاختاروا كلّهم الملك والسياسة، أو التجارة والفلاحة، وفي ذلك ذهاب المعاش وبطلان المصلحة. فكلّ صنف من الناس مزيّن لهم ما هم فيه، فالحائك إذا رأى من صاحبه تقصيرا أو خرقا قال: يا حجّام، والحجّام إذا رأى مثل ذلك من صاحبه قال: يا حائك، فأراد الله تعالى أن يجعل الاختلاف سببا للائتلاف، فسبحانه من مدبّر حكيم. وترى البدويّ في بيت من قطعة كساء، معمّد بعظام الجيف مع كلبه، لباسه شملة من وبر أو شعر، ودواؤه بول الإبل، وطيبه القطران وبعر الظباء، وحلي امرأته الودع وثمار المقل، وصيده اليربوع في مفازة لا يسمع فيها إلّا نئيم بومة، وزقاء هامة، وعواء ذئب، وهو راض بذلك مفتخر به.   [1] ح: إذ يقول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 «374» - قال الأصمعي: سمعت أعرابيّا يقول: عجبت للحريص المستقلّ لكثير ما في يده، والمستكثر لقليل ما في يد غيره، حتى طلب الفضل بذهاب الأصل، فركب مفاوز البراري ولجج البحار معرّضا نفسه للممات وماله للافات، ناظرا إلى من سلم، غير معتبر بمن عدم. [ لما افتتح الرشيد هرقلة ] 375- لما افتتح الرشيد هرقلة أباحها ثلاثة أيام، وكان بطريقها الخارج إليه بسيل الرومي، فنظر إليه الرشيد مقبلا على جدار فيه كتاب باليونانية، وهو يطيل النظر فيه، فدعا به فقال: لم تركت الانتهاب وأقبلت على هذا الجدار تنظر فيه؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنّ في هذا الجدار كتابا هو أحبّ إليّ من هرقلة وما فيها. قال الرشيد: ما هو؟ قال: بسم الله الملك الحقّ المبين، ابن آدم: غافص الفرصة عند إمكانها، وكل الأمور إلى وليها. لا تحمل على قلبك همّ يوم لم يأت، إن يكن من أجلك يأتك الله برزقك فيه، ولا تجعل سعيك في المال أسوة المغرورين، فربّ جامع لبعل حليلته. واعلم أنّ تقتير المرء على نفسه توفير منه على غيره. فالسعيد من اتّعظ بهذه الكلمات ولم يضيّعها. قال له الرشيد: أعدها عليّ يا بسيل، فأعادها حتى حفظها. «376» - قال سعد بن أبي وقاص: يا بنيّ إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنها مال لا ينفد، وإيّاك والطمع فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس فإنك لم تيأس من شيء قطّ إلّا أغناك الله عنه. الغنيّ من استغنى بالله، والفقير من افتقر إلى الناس. [ عود إلى إيراد أشعار ] «377» - قيس بن الخطيم: [من الوافر] فقل للمتّقي غرض المنايا ... توقّ وليس ينفعك اتقاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 فلا يعطى الحريص غنى بحرص ... وقد ينمي على الجود الثراء غنيّ النفس ما استغنت غنيّ ... وفقر النفس ما عمرت شقاء 378- قيل [1] : اثنان لا يجتمعان أبدا: القنوع والحسد. «379» - الرضيّ في الأمل: [من الطويل] غرست غروسا كنت أرجو لحاقها ... وآمل يوما أن تطيب جناتها فإن أثمرت لي غير ما كنت أرتجي ... فلا ذنب لي إن حنظلت نخلاتها 380- المنتصر بن المتوكل في مثله [2] : [من الطويل] متى ترفع الأيام من قد وضعنه ... وينقاد لي دهر عليّ جموح أعلّل نفسي بالرجاء وإنني ... لأغدو على ما ساءني وأروح 381- بلبل الصفّار: [من الطويل] وما صاحب السبعين والعشر بعدها ... بأقرب ممّن حنّكته القوابل ولكنّ آمالا يؤمّلها الفتى ... وفيهنّ للراجين حقّ وباطل [3] «382» - وقال الرضيّ: [من الطويل] أرى كلّ زاد ما خلا سدّ جوعة ... ترابا وكلّ المال عندي آل ومثلي لا يأسى على ما يفوته ... إذا كان عقبى ما ينال زوال   [1] ح: قال. [2] في مثله: سقطت من ح. [3] وقع هنا خرم في ح ضاع بسببه مقدار ورقة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 «383» - وقال أيضا: [من الطويل] وما جمعي الأموال إلّا غنيمة ... لمن عاش بعدي واتهاما لرازقي «384» - وقال: [من الطويل] فما التذّ طعم السير إلّا بمنية ... وإنّ الأماني نعم زاد المسافر «385» - وقال: [من المتقارب] ولا بدّ من أمل للفتى ... وأمّ المنى أبدا حامل [ مزيد من الحكايات ] 386- قال عمر بن عبد العزيز: تعلّموا العلم فإنه عون للفقر، أما إني لا أقول تطلب به الدنيا ولكن يدعو إلى القنوع. «387» - الأعشى: [من الطويل] كلانا غنيّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا «388» - أصابت داود الطائي ضيقة شديدة، فجاءه حماد بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركة أبيه، فقال: هي من مال رجل ما أقدّم عليه أحدا في زهده وورعه وطيب كسبه، ولو كنت قابلا من أحد شيئا لقبلتها إعظاما للميت وإيجابا للحيّ، ولكني أحبّ أن أعيش في عزّ القناعة. «389» - العبيد ثلاثة: عبد رقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 «390» - لقي كعب عبد الله بن سلام فقال: يا ابن سلام من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد إذ علموه؟ قال: الطمع، وشدة الحرص، وطلب الحوائج إلى الناس. «391» - قيل لحكيم: ما بال الشيخ أحرص على الدنيا من الشابّ؟ قال: لأنه ذاق من طعم الدنيا ما لم يذقه الشابّ. «392» - قيل للاسكندر: ما سرور الدنيا؟ قال: الرضى بما رزقت منها. قيل: فما غمّها؟ قال: الحرص. «393» - إبراهيم بن المهدي: [من البسيط] قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص من الدنيا لفي تعب قد يرزق المرء لم تنصب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من طلب «394» - سعيد بن جبير: الاغترار بالله المقام على الذنوب رجاء المغفرة. «395» - الفضيل: الخوف أفضل من الرجاء ما كان العبد صحيحا، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف. «396» - قيل لرجل: كيف حالك؟ قال: أخدم الرجاء إلى أن ينزل القضاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 «397» - إياكم وطول الأمل فإنّ من ألهاه أمله أخزاه أجله. «398» - أنذر أبا مسلم شيخ نصرانيّ حين دنا قتله، فبكى، فقال: لا تبك فإنك لم تؤت من رأي رنيق، ولا حزم وثيق، ولا تدبير نافع، ولا سيف قاطع، ولكن ما اجتمع لأحد أمله إلّا أسرع في تفريقه أجله. هو من قول عليّ عليه السلام: من بلغ أقصى أمله، فليتوقّع أدنى أجله. 399- قيل لراهب بالشام عليه مدرعة صوف ضيّقة الكمين: لم ضيّقت كمّيك؟ قال: إنّ المسيح أمرنا أن نضيّق أكمامنا لئلّا ندّخر فيها شيئا إذا فضل عنّا. «400» - قال عباد بن منصور: كان بالبصرة من هو أفقه من عمرو بن عبيد وأفصح، ولكنّه كان أصبرهم عن الدرهم والدينار فساد أهل البصرة. قال له خالد بن صفوان: لم لا تأخذ منّي قال: لا يأخذ أحد من أحد إلّا ذلّ له، وأنا أكره أن أذلّ لغير الله. وكان معاشه من دار غلّتها دينار في الشهر. 401- حبس عمر بن عبد العزيز الغداء على مسلمة حتى برّح به الجوع، ثم دعا بشربة سويق فسقاه، حتى إذا انتفخ بطنه دعا بالغداء فلم يقدر على الأكل فقال: يا مسلمة أما يكفيك من الدنيا ما ترى؟ قال: بلى. قال: فعلام التقحّم في النار؟. «402» - وقف الملك على سقراط وهو في المشرقة، وقد أسند ظهره إلى حبّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 كان يأوي إليه، فقال: سل حاجتك قال: حاجتي أن تزيل عنّي ظلك، فقد منعتني المرفق بالشمس. فدعا له بذهب وبكسى فاخرة من الديباج والقصب، فقال: ليس بسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود، إنّ حاجته إلى شيء يكون معه أنّى توجه. «403» - التقى عبد الرحمن بن عوف وأبو ذر، فقبّل عبد الرحمن ما بين عيني أبي ذرّ لكثرة سجوده، وقبّل أبو ذرّ يمين عبد الرحمن لكثرة صدقته. فلما افترقا بعث إليه عبد الرحمن ببدرة وقال لغلامه: إن قبلها منك فأنت حرّ، فأبى أن يقبلها. فقال الغلام: اقبل رحمك الله، فإنّ في قبولك عتقي، فقال أبو ذرّ: إن كان عتقك فيه فإنّ فيه رقّي، وردّها. «404» - من كلام عليّ عليه السلام: لا تجاهدوا الطلب مجاهدة الغالب، ولا تتكلوا على القدر اتّكال المستسلم، فإنّ ابتغاء الرزق من السنّة، والإجمال في الطلب من العفّة، وليست العفّة بدافعة رزقا، ولا الحرص بجالب فضلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 نوادر من هذا الباب «405» - قال رجل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: لم تقل هذا إلّا وفي نفسك خير تصنعه إليّ [1] . «406» - وقيل: إنه لم يمت شريف قط من أهل المدينة إلّا استعدى أشعب على وصيّه أو وارثه [وقال له: احلف أنه لم يوص لي بشيء قبل موته] [2] . «407» - وسأل سالم بن عبد الله بن عمر أشعب عن طمعه فقال: قلت لصبيان مرة هذا سالم قد فتح بيت صدقة عمر حتى يطعمكم تمرا فلما أحضروا ظننت أنه كما قلت فعدوت في أثرهم. «408» - وقال مرّة: بلغ من طمعي أني إذا رأيت دخان جاري أثرد [3] . وما رأيت اثنين يتسارّان إلّا ظننت أنهما يأمران لي بشيء.   [1] ح: تصنعه بي. [2] الزيادة من نهاية الأرب. [3] ح: فأثرد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 «409» - وقال: ما رأيت عروسا بالمدينة تزفّ إلّا كنست بيتي ورششته طمعا في أن تزفّ إليّ. «410» - ووقف على رجل يعمل طبقا من الخيزران فقال له: وسّعه قليلا، قال الخيزراني: كأنك تريد أن تشتريه؟ قال: لا ولكن يشترى لبعض الأشراف فيهدي إليّ فيه شيئا. «411» - وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم كلب أمّ حومل تبعني فرسخين وأنا أمضغ كندرا ولقد حسدته على ذلك. «412» - وسئل مرة عن مثل ذلك فقال: نعم، خرجت إلى الشام مع رفيق لي، فنزلنا بعض الديارات فتلاحينا في شيء، فقلت: أير الراهب في حر أمّ الكاذب، فلا نشعر إلّا بالراهب قد اطّلع علينا وقد أنعظ وهو يقول: أيّكما الكاذب؟ «413» - قال أشعب: تعلّقت بأستار الكعبة فقلت: اللهمّ أذهب عنّي الحرص والطلب إلى الناس، فمررت بالقرشيّين وغيرهم فلم يعطني أحد شيئا، فجئت إلى أمي فقالت: ما لك قد جئت خائبا؟ فأخبرتها فقالت: لا والله لا تدخل حتى ترجع فتستقيل ربّك، فجعلت أقول: يا ربّ أقلني. ثم رجعت فما مررت بمجلس لقريش ولا غيرهم إلّا أعطوني. ووهب لي غلام فجئت إلى أمي بحمّال موقر من كلّ شيء فقالت: ما هذا الغلام؟ فخفت أن أخبرها فتموت فرحا، فقلت: وهبوا لي، فقالت أيّ شيء قلت؟ قلت: غين. قالت: أيّ شيء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 قلت؟ قلت: لام، قالت: أيّ شيء قلت؟ قلت: ألف، قالت: أيّ شيء قلت؟ قلت: ميم. قالت: وأيّ شيء ميم؟ قلت: غلام. فغشي عليها، ولو لم أقطّع الحروف لماتت الفاسقة فرحا. «414» - وكان لأشعب خرق في بابه [1] ، فينام ويخرج يده من الخرق، يطمع أن يجيء إنسان فيطرح في يده شيئا. 415- قطع على رجل فلقيه صديق له فقال: أحسبك جئت بخفّي حنين، فقال: تلقّاني حنين في الطريق فأخذ الخفّين من رجليّ وتركني حافيا. ومما وضع على لسان الحيوان: 416- قالوا: جاء روميّ بخنزير فشدّه على اسطوانة، ووضع القتّ بين يديه ليسمّنه، وإلى جنبه أتان لها جحش كان يلتقط ما تناثر منه، فقال لأمه: ما أطيب هذا العلف، قالت: لا تغترّ بهذا العلف فإنّ وراءه الطامة الكبرى. فلما وضع السكين على حلق الخنزير ورآه الجحش وهو يضرب وينفح هرب وأتى أمه وأطلع أسنانه وقال: ويحك انظري هل بقي في خلال أسناني شيء من ذلك العلف؟ «417» - ومنه: أنّ قصّارا كان يعمل على شاطىء نهر، وكان يرى كلّ يوم كركيا يجيء فيلتقط من الحمأة دودا ويقتصر في القوت عليه، فرأى يوما بازيا قد ارتفع في الجوّ فاصطاد حماما فأكل منها بعضا وترك في موضعها البعض وطار، فتفكر الكركي في نفسه وقال: ما لي لا أصطاد الطير كما يصطاد البازيّ، وأنا أكبر جسما منه، فارتفع في الجوّ وانقضّ على حمام فأخطأه وسقط في الحمأة فتلطّخ ريشه ولم يمكنه أن يطير، فأخذه القصّار وحمله إلى منزله، فاستقبله رجل   [1] ح: في عتبة داره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 فقال له: ما هذا؟ فقال: كركي يتصقّر. 418- منصور الحراني: [من الطويل] سعى نحونا يبغي القرى طاوي الحشا ... لقد عملت فيه الظنون الكواذب فبات له منّا إلى الصبح شاتم ... يعدّد تطفيل الضيوف وضارب 419- قال عبد الملك حين حجّ لحبّى المدينية: ما فعلت خزيرتك؟ فقالت: البرمة عندي، وعندي أقط وسمن. فعملتها له، فأكل منها وقال: يا حبّى ليست كما كنت أعهد. فقالت: ألهاك عنها زمكّى الدجاج، قال: صدقت، وأمر لها بمال. «420» - قال رجل لمدنيّ: أيسرّك أنّ هذه الدار لك؟ قال: نعم، قال: وليس إلّا نعم؟ قال: وكيف أقول؟ قال: تقول نعم، وأحمّ سنة وأعوّر. «421» - وروي عن معاوية أنه قال لجلسائه مرّة: وددت لو أنّ الدنيا في يدي بيضة نيمبرشت وأحسوها كما هي. وهذا خبر غريب بعيد أورده الزمخشريّ اللغويّ في كتابه المعروف بربيع الأبرار. 422- كتب على عصا ساسان: الحركة بركة، والتواني هلكة، والكسل شؤم، والأمل زاد العجزة، وكلب طائف خير من أسد رابض، ومن لم يحترف لم يعتلف. 423- خرج جماعة إلى سلطان يتطلّبون شغلا فلم يجدوا، فقال بعضهم: تقوّتوا الإرجاف وانتظروا الدّول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 «424» - كان رجل يأكل الحوّارى ويطعم عبده الخشكار، فاستباع العبد فاشتراه آخر، فكان يأكل الخشكار ويطعمه الشعير، فاستباع فاشتراه آخر فكان يأكل الشعير ويطعمه النّخالة، فاستباع فاشتراه آخر فكان يجيعه وإذا قعد بالليل وضع السراج على رأسه فلم يستبعه، فقيل له في ذلك، فقال: أخشى إن باعني أن أقع إلى من يضع الفتيلة في حدقتي [1] . يتلوه: باب صون السرّ وتحصينه وذمّ السعاية والنميمة.   [1] في ح: نجز الباب العاشر والحمد لله رب العالمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 الباب الحادي عشر ما جاء في صون السّر وتحصينه وذمّ السّعاية والنّميمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله الذي أحاط علما بما تجنّه الضمائر، ولم يعزب عنه معرفة ما انطوت عليه السرائر، سواء عنده الإعلان والنجوى، وكلّ سارب وسار في اطلاعه شروى، الداعي إلى التخلّق بكلّ خلق كريم، النّاهي عن طاعة كلّ همّاز مشّاء بنميم. أحمده على مواهبه الجسام الحسان، وأسأله توفيقا يقبض اليد عن السوء ويقضي بخزن اللسان، وأسأله الصلاة على نبيّه الحافظ سرّ الغيب، المنزّه عن الطعن والعيب، وعلى آله البرءاء من مظنّة الشكّ والرّيب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 (الباب الحادي عشر ما جاء في صون السر وتحصينه وذم السعاية والنميمة) [ آيات وأحاديث وحكم ] 425- من شواهد الكتاب العزيز في السرّ (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) (النجم: 10) وما هو على الغيب بظنين (التكوير: 24) في قراءة من قرأة بالظاء أي بمتهم، وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير والكسائي. وفي ضده (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم: 10- 11) . الآثار «426» - روي أنّ النبي صلّى الله عليه وعلى آله قال: لعن المثلّث فقيل: يا رسول الله ومن المثلث؟ قال: الذي يسعى بصاحبه إلى سلطانه، فيهلك نفسه وصاحبه وسلطانه. «427» - وقال صلّى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يرفعنّ إلينا عورة أخيه المؤمن. 428- وقال صلّى الله عليه وسلم: إنّ ذا الوجهين لا يكون وجيها عند الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 «429» - وفي الحديث: لا يراح القتّات رائحة الجنة. وفي لفظ آخر: لا يدخل الجنة قتات؛ والقتّات النمّام. بدأنا بما جاء عن الرسول صلّى الله عليه وسلم لما يجب من تقديمه والشرف بإيراده، ونذكر الآن ما جاء في صون السرّ وتحصينه، ثم نعود إلى ما بدأنا به. «430» - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كتم سرّه كان الخيار في يده. «431» - وقال عليّ كرّم الله وجهه: الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصين السر. 432- ويقال: من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامه. «433» - وقيل من حصّن سرّه فله من تحصينه إياه خلّتان: إما الظفر بما يريد، وإما السلامة من العيب والضرر إن أخطأه الظفر. «434» - وذكر العتبي أنّ معاوية أسرّ إلى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان حديثا فقال عمرو: فجئت إلى أبي فقلت: إنّ أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثا أفأحدّثك به؟ فقال: لا، لأنه من كتم حديثه كان الخيار إليه، ومن أظهره كان الخيار عليه، فلا تجعل نفسك مملوكا بعد أن كنت مالكا. قلت: أو يدخل هذا بين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكن أكره أن يذلّل لسانك بإفشاء السر. قال: فرجعت إلى معاوية فذكرت ذلك له فقال: أعتقك أخي من رقّ الخطأ. «435» - وقيل: كلّما كثر خزّان الأسرار زادت ضياعا. انفرد بسرّك لا تودعه خازنا [1] فيزلّ ولا جاهلا فيخون. «436» - أسرّ رجل إلى صديق له حديثا فلما استقصاه قال له: أفهمت؟ قال: بل نسيت. «437» - وقيل لآخر: كيف كتمانك للسرّ؟ قال: أجحد المخبر وأحلف للمستخبر. «438» - وقال عمرو بن العاص: إذا أنا أفشيت سرّي إلى صديقي فأذاعه، فهو في حلّ، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: أنا كنت أحقّ بصيانته. «439» - وقال أيضا: من طلب لسرّه موضعا فقد أشاد به.   [1] ح: حازما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 «440» - ويقال: أصبر الناس من صبر على كتمان سرّه فلم يبده لصديقه، فيوشك أن يصير عدوّا فيذيعه. «441» - وقال المهلب: أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسرّ إليه. وقد قال الشعراء في هذا الباب فأكثروا، فمن مختار شعرهم وعيونه: [ أشعار في صون السر ] «442» - قول امرىء القيس: [من الطويل] إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ... فليس على شيء سواه بخزّان «443» - وكان عليّ عليه السلام ينشد كثيرا هذين البيتين، فقوم ينسبونهما إليه وقوم يقولون إنما كان ينشدهما متمثلا: [من المتقارب] فلا تفش سرّك إلّا إليك ... فإنّ لكلّ نصيح نصيحا فإني رأيت غواة الرّجا ... ل لا يتركون أديما صحيحا «444» - وقال قيس بن الخطيم: [من الطويل] إذا جاوز الاثنين سرّ فإنه ... ببثّ وتكثير الحديث قمين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 وإن ضيّع الإخوان سرّا فإنني ... كتوم لأسرار العشير أمين يكون له عندي إذا ما ضمنته [1] ... مكان بسوداء الفؤاد مكين «445» - وقال آخر: [من الطويل] سأكتمه سرّي وأحفظ سرّه ... ولا غرّني أني عليه كريم حليم فينسى أو جهول يضيعه ... وما الناس إلّا جاهل وحليم «446» - وقال آخر: [من الطويل] إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الذي يستودع السرّ أضيق «447» - وقال كعب بن سعد الغنويّ: [من الطويل] ولست بمبد للرجال سريرتي ... ولا أنا عن أسرارهم بسؤول «448» - وقال مسكين الدارمي: [من الطويل] وفتيان صدق لست مطلع بعضهم ... على سرّ بعض غير أني جماعها يظلون شتّى في البلاد وسرّهم ... إلى صخرة أعيا الرجال انصداعها لكلّ امرىء منهم من القلب شعبة ... وموضع نجوى لا يرام اطّلاعها   [1] ح: أمنته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 «449» - وقال أبو مسلم صاحب الدولة [1] : [من البسيط] أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذ جهدوا ما زلت أسعى عليهم في ديارهم ... والقوم في غفلة بالشام قد رقدوا حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا ... من نومة لم ينمها قبلهم أحد ومن رعى غنما في أرض مسبعة ... ونام عنها تولّى رعيها الأسد «450» - وقال ابن المعتز: [من البسيط] وربّ سرّ كنار الصخر كامنة ... أمتّ إظهاره مني فأحياني «451» - وقال أبو إسحاق الصابي: [من الطويل] لسرّ صديقي مكمن في جوانحي ... تمنّع أن تدنو إليه المباحث تغلغل مني حيث لا تستطيعه ... كؤوس الندامى والأنيس المحادث إذا الفحص آلى جاهدا أن يناله ... تراجع عنه وهو خزيان حانث فقل لصديقي كن على السرّ آمنا ... إذا لم يكن ما بيننا فيه ثالث كأنه أشار في هذا البيت إلى قول جميل: [من الطويل] ولا يسمعن سرّي وسرّك ثالث ... ألا كلّ سرّ جاوز اثنين ضائع «452» - وقال الصابي أيضا: [من الطويل]   [1] ح: صاحب الدعوة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 وللسرّ فيما بين جنبيّ مكمن ... خفيّ قصيّ عن مدارج أنفاسي أضنّ به ضنّي بموضع حفظه ... فأحميه عن إحساس غيري وإحساسي فقد صار كالمعدوم لا يستطيعه ... يقين ولا ظنّ لخلق من الناس كأنّي من فرط احتياطي أضعته ... فبعضي له واع وبعضي له ناس «453» - وقال كثير: [من الطويل] كريم يميت السرّ حتى كأنه ... إذا استنطقوه عن حديثك جاهله رعى سرّكم مستودع القلب والحشا ... شفيق عليكم لا تخاف غوائله وأكتم نفسي بعض سرّي تكرّما ... إذا ما أضاع السرّ في الناس حامله «454» - وقال الرقاشي: [من الطويل] إذا نحن خفنا الكاشحين فلم نطق ... كلاما تكلّمنا بأعيننا سرّا فنقضي ولم يعلم بنا كلّ حاجة ... ولم نكشف النجوى ولم نهتك السترا «455» - وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه: [من الطويل] إذا كان لي سرّ فحدثته العدى ... وضاق به صدري فللنّاس أعذر هو السرّ ما استودعته وكتمته ... وليس بسرّ حين يفشو ويظهر «456» - وقال الحسن: ما كتمته عن عدوّك لا تظهره لصديقك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 «457» - شاعر: [من الطويل] وأبثثت عمرا بعض ما في جوانحي ... وجرّعته من غيظ ما أتجرّع ولا بدّ من شكوى إلى ذي حفيظة ... إذا جعلت أسرار نفسي تطّلع 458- وقال الآخر: [من الطويل] لعمرك ما الشكوى بأمر حزامة ... ولا بدّ من شكوى إذا لم يكن صبر «459» - وكان خالد بن صفوان يقول: احترزوا من العين فإنّها أنمّ من اللسان. «460» - وقد قال المتغزّل في حفظ سرّ محبوبه ما لو قاله مستودع سرّ الملك لكان محسنا: [من الطويل] ومستخبر عن سرّ ريّا رددته ... بعمياء من ريّا بغير يقين فقال ائتمنّي إنني ذو أمانة ... وما أنا إن خبّرته بأمين [ في الغيبة والسعاية ] «461» - كتب محمد بن خالد إلى ابن الزيات: إنّ قوما صاروا إليه منتصحين فذكروا أنّ رسوما للسلطان قد عفت ودرست، وأنه توقّف عن كشفها إلى أن يعرف موقع رأيه فيها، فوقّع على رقعته: قرأت هذه الرقعة المذمومة، وسوق السّعاة تكسد عندنا، وألسنتهم تكلّ في أيامنا، فاحمل الناس على قانونك، وخذهم بما في ديوانك، فلم ترد الناحية لكشف الرسوم العافية، ولا لتحيي الأعلام الداثرة، وجنّبني وتجنّب قول جرير: [من الوافر] وكنت إذا حللت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 فأجر الأمر على ما يكسبنا الدعاء لنا لا علينا، واعلم أنها مدّة تنقضي فإما خزي طويل، وإما ذكر جميل. 462- قال أنس: من اغتاب المسلمين، وأكل لحومهم بغير حقّ، وسعى بهم إلى السلاطين، جيء به يوم القيامة مزرقّة عيناه، ينادي بالويل والثبور والندامة، يعرف أهله ولا يعرفونه. «463» - ابن الرومي: [من الطويل] ولو بلّغتني عنك أذني أقمتها ... لديّ مقام الكاشح المتكذّب ولست بتقليب اللسان مصارما ... خليلي إذا ما القلب لم يتقلّب «464» - قال رجل لعمرو بن عبيد: إنّ الأسواريّ لم يزل يذكرك ويقول: الضالّ، فقال عمرو: يا هذا والله ما رعيت حقّ مجالسته حين نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقّي حين أبلغتني عن أخي ما أكرهه. اعلم أنّ الموت يعمّنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا. 465- المستورد رفعه: من أكل بأخيه أكلة أطعمه الله مثلها من نار جهنّم (وهو أن يسعى بأخيه ويجترّ نفعا بسعايته) . «466» - قال عليّ عليه السلام: الساعي ظالم لمن سعى به، خائن لمن سعى إليه. «467» - وقال معاوية للأحنف في شيء بلغه عنه، فأنكره الأحنف: بلّغني عنك الثقة، فقال الأحنف: إنّ الثقة لا يبلّغ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 «468» - وقال عبد الله بن همام [من الطويل] أنت امرؤ إمّا ائتمنتك خاليا ... فخنت وإما قلت قولا بلا علم فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم «469» - وكان الفضل بن سهل يبغض السعاة، وإذا أتاه ساع قال له: إن صدقتنا أبغضناك، وإن كذبتنا عاقبناك، وإن استقلتنا أقلناك. «470» - ويشبهه ما ذكر عن الوليد بن عبد الملك أنه قال لمنتصح أتاه يستخليه: إن كانت نصيحتك لنا فأظهرها، وإن كانت لغيرنا فلا حاجة بنا إليها. فقال: لي جار أخلّ ببعثه، فقال له: أما أنت فقد خبّرتنا أنك جار سوء، فإن شئت أن ننظر فإن كنت صادقا أقصيناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت تاركناك، فقال: تاركوني. «471» - وكتب الفضل بن سهل في جواب كتاب ساع: ونحن نرى أنّ قبول السعاية شرّ من السعاية، لأنّ السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دلّ على شيء وأخبر به كمن قبله وأجازه، فاتّقوا الساعي فإنه لو كان في سعايته صادقا لكان في صدقه لئيما إذ لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة. «472» - وجاء رجل إلى الوليد بن عبد الملك فقال: إنّ فلانا نال منك، فقال: أتريد أن تقتصّ أو تارك من الناس بي؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 «473» - وقال له رجل: إنّ فلانا شتمك، فقال: أتراه [1] شتمك؟! «474» - رفع بعض السعاة إلى أبي العباس السفاح قصة بسعاية على بعض عماله، فوقّع فيها: هذه نصيحة لم يرد بها ما عند الله عزّ وجلّ، ونحن لا نقبل قول من آثرنا على الله تعالى. 475- وقال بعضهم: رأيت المأمون قد ضرب غسّان بن عباد خمس عشرة درة لإعادته حديثا على النبيذ. «476» - لما ولي عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك دمشق ولم يكن في بني أميّة ألبّ منه مع حداثة سنّه، قال أهل دمشق: هذا غلام شابّ لا علم له بالأمور وسيسمع منا. فقام إليه رجل فقال: أصلح الله الأمير، عندي نصيحة، قال: ليت شعري ما هذه النصيحة التي ابتدأتني بها من غير يد سبقت إليك مني؟ قال: جار لي عاص متخلّف عن ثغره، فقال له: ما اتّقيت الله تعالى، ولا أكرمت أميرك، ولا حفظت جوارك. إن شئت نظرنا فيما تقول: فإن كنت صادقا لم ينفعك ذلك عندنا، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أقلناك. قال: أقلني. قال: اذهب حيث شئت لا صحبك الله، إني أراك شرّ جيل رجلا. ثم قال: يا أهل دمشق، أما أعظمتم ما جاء به الفاسق؟ إنّ السعاية أحسب منه سجية، ولولا أنه لا ينبغي للوالي أن يعاقب قبل أن يعاتب، كان لي في ذلك رأي، فلا يأتينّي أحد منكم بسعاية على أحد بشيء، فإنّ الصادق فيها فاسق، والكاذب فيها بهّات. 477- قيل: من سعى بالنميمة حذره الغريب ومقته القريب.   [1] ح: أراه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 478- قال ابن المعتز: النمام جسر الشرّ. «479» - قال السريّ الرفّاء يذمّ مذيعا للسرّ: [من البسيط] سرّي لديك كأسرار الزجاجة لا ... يخفى على العين منها الصفو والكدر فاحذر من الشعر كسرا لا انجبار له ... فللزجاجة كسر ليس ينجبر وقال أيضا في مثله: [من الوافر] وانك كلّما استودعت سرّا ... أنمّ من النسيم على الرياض «480» - وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [من الطويل] أناس أمنّاهم فنمّوا حديثنا ... فلما كتمنا السرّ عنهم تقوّلوا «481» - والجيّد في ذلك قول الأول: [من البسيط] إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ... شرّا أذيع وإن لم يسمعوا كذبوا «482» - وقال آخر: [من البسيط] إنّ النّموم أغطّي دونه خبري ... وليس لي حيلة في مفتري الكذب «483» - خطب أبو الأسود الدؤلي امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد، فأسرّ أمرها إلى صديق له من الأزد يقال له الهيثم بن زياد، فحدّث به ابن عم لها كان يخطبها، وكان لها مال عند أهلها [فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 أهلها] الذين مالها في أيديهم، فأخبرهم خبر أبي الأسود وسألهم أن يمنعوها من نكاحه ومن مالها الذي في أيديهم، ففعلوا وضارّوها حتى تزوّجت ابن عمها، فقال أبو الأسود في ذلك: [من الطويل] لعمري لقد أفشيت يوما فخانني ... إلى بعض من لم أخش سرّا ممنّعا فمزّقه مزق العمى وهو غافل ... ونادى بما أخفيت منه فأسمعا حديثا أضعناه كلانا فلن أرى ... وأنت نجيّا آخر الدهر أجمعا وكنت إذا ضيّعت سرّك لم تجد ... سواك له إلّا أشتّ وأضيعا «484» - كان مسلم بن الوليد جالسا بين يدي يزيد بن مزيد فأتاه كتاب فيه مهمّ له فقرأه ثم أراد القيام، فقال له مسلم: [من البسيط] الحزم تخريقه إن كنت ذا حذر ... وإنما الحزم سوء الظنّ بالناس لقد أتاك وقد أدّى أمانته ... فاجعل أمانته في بطن أرماس قال فضحك يزيد وقال: صدقت لعمري، وخرّق الكتاب. «485» - قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو الذي أتاها. 485 ب- أبو تمام: [من الطويل] منيع نواحي السرّ منه حصينها «486» - المتنبي: [من الطويل] وللسرّ مني موضع لا يناله ... نديم ولا يفضي إليه شراب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 «487» - ابن نباتة: [من الطويل] أكاتم قلبي رأي عيني وإنه ... ليكتم عنّي سرّ كلّ خليل «488» - الأحوص: [من الطويل] كريم يميت السرّ حتى كأنه ... عم بنواحي أمره وهو خابر 489- دنا رجل من آخر فكلّمه فقال: ليس ها هنا أحد فقل، فقال: من حقّ السرّ التداني. «490» - شاعر في ضد ذلك: [من الطويل] فلا تودعي الأسرار أذني فإنما ... تصبّين ماء في إناء مثلّم «491» - آخر: [من الطويل] أمنت على السرّ امرءا غير حازم ... ولكنّه في النصح غير مريب أذاع به في الناس حتى كأنّه ... بعلياء نار أوقدت بثقوب «492» - ليم بعضهم على إفشاء السرّ فقال: المصدور إذا لم ينفث جوي، والمهجور إذا لم يشك وري. «493» - قال الزبير: لما وفدت على المتوكل قال لي: ادخل إلى أبي عبد الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 يعني المعتز، فدخلت إليه وهو صبيّ فحدثته وأنشدته، وسألني عن الحجاز وأهله، ثم نهضت لأنصرف فعثرت فسقطت فقال لي المعتز: يا زبير: [من الطويل] كم عثرة لي باللسان عثرتها ... تفرّق من بعد اجتماع من الشمل يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 نوادر من هذا الباب 494- عوتب رجل على إظهار ما في نفسه فقال: لا بدّ للملآن أن يفيض. 495- وعوتب آخر فقال: من طال صبره ضاق صدره. 496- وقال آخر: راحة ذي الأحزان في شكواه. «497» - وقيل: كان أبو إسحاق النظام أضيق الناس صدرا بحمل سرّ، وكان شرّ ما يكون إذا يؤكد [1] عليه صاحب السرّ، وكان إذا لم يؤكد عليه [ربما] نسي القصة، فسلم عليه صاحب السرّ؛ فقال له قاسم التمار: سبحان الله ما في الأرض أعجب منك، أودعتك سرّا فلم تصبر عن نشره يوما واحدا، والله لأشكونّك في الناس. فقال: يا هؤلاء سلوه، نممت عليه مرة ومرتين وثلاثا وأربعا، فلمن الذنب الآن؟ فلم يرض بأن يشاركه في الذنب حتى صيّر الذنب كلّه لصاحب السرّ. «498» - وقال شاعر: [من الطويل] لا أكتم الأسرار لكن أنمّها ... ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي فإنّ قليل العقل من بات ليله ... تقلّبه الأسرار جنبا إلى جنب   [1] ح ع: توكد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 «499» - وقال آخر: [من الوافر] وأمنع جارتي من كلّ خير ... وأمشي بالنميمة بين صحبي «500» - ضرط رجل بحضرة عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، فلما حضرت الصلاة قال عمر: عزمت على من كانت هذه الضرطة منه إلّا توضّأ، فقال جرير بن عبد الله البجلي: لو عزمت علينا جميعا أن نتوضّأ كان أستر للرجل وأكرم في الفعل. فقال عمر: جزاك الله خيرا، فلقد كنت سيّدا في الجاهلية، وأنت سيّد في الاسلام، عزمت عليكم إلّا توضّأتم. ثم قاموا جميعا، وسترت على الرجل. «501» - وضرط أبو الأسود الدؤلي بحضرة معاوية فقال: اكتمها عليّ، وكانا خاليين. ثم دخل عليه الناس فأحبّ أن يضع منه فأشاعها، فقال أبو الأسود: إنّ رجلا اؤتمن على ضرطة فلم يكتمها لحريّ أن لا يؤتمن على أمر الأمّة. «502» - كان المتوكل على بركة يصيد السمك وعنده عبادة المخنّث، فتحرك المتوكل فخرجت منه ريح، فقال لعبادة: اكتمها عليّ فإنّك إن ذكرتها ضربت عنقك. ودخل الفتح فقال: أيّ شيء صدتم اليوم؟ فقال له عبادة: ما صدنا شيئا، والذي كان معنا أفلت. «503» - قيل للوطيّ: ويحك، إنّ من الناس من يسرق ويزني ويعمل العظائم سنين كثيرة وأمره مستور، وأنت إنما لطت منذ شهور، وقد شهرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وافتضحت. فقال: من يكون سرّه عند الصبيان كيف تكون حاله؟! «504» - كان ببغداد رجل يتعبّد اسمه رويم، فولي القضاء، فلقيه جنيد فقال: من أراد أن يستودع سرّه من لا يفشيه فعليه برويم، فإنه كتم حبّ الدنيا أربعين سنة حتى قدر عليها. «505» - انقطع عبد الملك بن مروان عن أصحابه فانتهى إلى أعرابيّ فقال له: أتعرف عبد الملك؟ قال: نعم جائر بائر، قال: ويحك، أنا عبد الملك بن مروان، قال: لا حيّاك الله ولا بيّاك ولا قرّبك، أكلت مال الله وضيّعت حرمته، قال: ويلك أنا أضرّ وانفع، قال: لا رزقني الله نفعك، ولا دفع عني ضرّك. فلما وصلت خيله قال: يا أمير المؤمنين، اكتم ما جرى فالمجالس بالأمانة [1] . يتلوه: باب في العدل والجور.   [1] هنا في ح: تمّ باب السرّ وتحصينه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 الباب الثّاني عشر ما جاء في العدل والجور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله المقسط في قضائه العادل، الحكيم بين عباده الفاصل، مجزل العطاء الفاضل، ودافع البلاء النازل، مبيد الظلم وأهله، ومبير الجور وفعله. وعد على العدل أحسن الجزاء والثواب، وتوعّد الظالم المسيء بأليم العقاب. سوّى بين المشركين والقاسطين فجعلهم لجهنّم حطبا ووقودا، وأخزاهم فيها خامدين لا يستطيعون عنها حولا ولا محيدا، كافى بين الدّماء فلم يكن لملك على سوقة فيها اختصاص، وحكم بأنّ الجروح وإن اختلفت المنازل قصاص، تعديلا بين القويّ والمستضعف، وحجزا عن العدوان والتحيّف، يمهل الكافرين إذا عدلوا حتى يستوفوا أجلهم، ويعجّل للظالمين وإن أسلموا رحمة لعباده وانتقاما لهم. فله الحمد منعما ومنتقما، ولإحسانه الشكر منتصرا وراحما. والصلاة على محمد المختار للرسالة المرتضى، المأمور بالعدل في الغضب والرضى، وعلى آله ما حسر الضياء ثوب الظلام ونضا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 (الباب الثاني عشر في العدل والجور) [ آيات وأحاديث وحكم ] 506- العدل شيمة تستوجب الصفة بالكمال، ومن أوتيها ملك نفسه، ومن ملكها نجا. وقد ندب الله عزّ وجلّ إليه فعلا وقولا وخلقا، قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) (النحل: 90) وقال سبحانه: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة: 42) وكفى شرفا فضيلة يحبّ الله فاعلها. وقال عزّ وجلّ: (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) (الأنعام: 152) وقال تبارك وتعالى (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (الفرقان: 67) والآيات في ذلك وفي ذمّ الجور والوعيد عليه أكثر من أن تحصى، قال الله تعالى (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود: 18) وقال عزّ وجلّ َ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (الجن: 15) وقال سبحانه (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) (ابراهيم: 42) قيل هذه تعزية للمظلوم ووعيد للظالم. وقال تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف: 29) وقال تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء: 227) . ومن أمره بالعدل قوله سبحانه (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (ص: 26) . 507- وسئل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: من أفضل الناس؟ قال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 أكثرهم ذكرا لله؛ قيل فمن أكرم الناس؟ قال: أتقاهم لله؛ قيل: فمن المؤمن؟ قال: من يخشى الله بالغيب، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويؤدي الأمانة إلى أهلها، ويتّقي دعوة المظلوم، ويعدل لسانه عند الرضى والغضب. 508- وقال له رجل: يا رسول الله أيّ الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حقّ عند سلطان جائر. «509» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: أشدّ الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر. وفي لفظ آخر: إنّ أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدّهم عذابا إمام جائر. «510» - وقال صلّى الله عليه وسلم: لا قدّست أمّة لا تأخذ للضعيف حقّه غير متعتع. «511» - وروي عن عبادة بن الصامت انه قال: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وعلى أن نقول الحقّ أيضا حيثما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم. «512» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: إنّ الله تعالى مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تخلّى الله منه ولزمه الشيطان. «513» - وروي عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله أنه قال: إنّ الله نظر إلى أهل عرفات فباهى بهم الملائكة، فقال: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إليّ من كلّ فجّ عميق، فاشهدوا أني قد غفرت لهم إلّا التبعات التي بينهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 «514» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: رحم الله عبدا كان لأخيه قبله مظلمة في عرض أو مال، فأتاه فتحلّله منها قبل أن يأتي يوم ليس معه دينار ولا درهم. «515» - وعنه صلّى الله عليه وعلى آله أنه قال: نفس المؤمن معلّقة بدينه حتى يقضى عنه. 516- وجاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وعلى آله فقال: أرأيت إن ضربت بسيفي هذا في سبيل الله محتسبا مقبلا غير مدبر، أتكفّر خطاياي؟ قال: نعم. فلما أدبر قال: تعال، هذا جبريل عليه السلام يقول إلا أن يكون عليك دين. «517» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: من اقتطع حقّ امرىء مسلم أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة. فقال رجل: يا رسول الله ولو كان شيئا يسيرا؟ قال: ولو كان قضيبا من أراك. «518» - وجاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وعلى آله تقاضاه فأغلظ له، فهمّ أصحابه به، فنهاهم وقال: ألا كنتم مع الطالب؟ ثم قال: دعوه فإنّ لصاحب الحقّ مقالا، واشتروا له بعيرا. فلم يجدوا له إلّا فوق سنّه فقال: اشتروا له فوق سنّه، فأعطوه، فجاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: أخذت حقّك؟ قال: نعم، قال: كذلك افعلوا، خيركم أحسنكم قضاء. «519» - وقيل: مرّ عليّ عليه السلام في سوق الكوفة ومعه الدرّة، وهو يقول: يا معشر التجّار، خذوا الحقّ وأعطوا الحقّ تسلموا، لا تردّوا قليل الربح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 فتحرموا كثيره، ما منع مال من حقّ إلّا ذهب في باطل أضعافه. 520- وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا تغبطنّ ظالما بظلمه فإنّ له عند الله طالبا حثيثا ثم قرأ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (الإسراء: 97) . «521» - وقال عليه السلام: يا عليّ إيّاك ودعوة المظلوم فإنما يسأل حقّه، وإنّ الله لا يمنع من ذي حقّ حقّه. «522» - وقال صلّى الله عليه وسلم: من روّع مسلما لرضى سلطان جيء به معه يوم القيامة. «523» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: من تزوّج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان، ومن ادّان دينا لا ينوي أن يقضيه فهو سارق. «524» - قال الأحنف: إذا دعتك نفسك إلى ظلم الناس فاذكر قدرة الله على عقوبتك، وانتقام الله لهم منك، وذهاب ما أتيت إليهم عليك. «525» - ويقال: ما أنعم الله على عبد نعمة فظلم بها إلا كان حقيقا على الله أن يزيلها. 526- وقال أبو سعيد: بينما النبي صلّى الله عليه وعلى آله يقسم شيئا إذ أكبّ عليه رجل فطعنه النبي صلّى الله عليه وسلم بعرجون معه، فصاح الرجل، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله: تعال فاستقد، فقال الرجل: بل قد عفوت يا رسول الله. 527- وخبر عكاشة مشهور وله موضع آخر من هذا الكتاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 [ أخبار في العدل والجور ] «528» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام. «529» - وقال صلّى الله عليه وسلم: من حالت شفاعته دون حدّ من حدود الله فقد حادّ الله في ملكه، ومن أعان على خصومة بغير علم فقد باء بسخط الله [1] . «530» - وقال صلّى الله عليه وسلم: من أعان على باطل ليدحض بباطله حقا فقد برىء من ذمّة الله وذمة رسوله. «531» - قال يوسف بن أسباط: من دعا لظالم بالبقاء فقد أحبّ أن يعصى الله. «532» - وروي عن جعفر بن محمد أنه قال: قال الله عزّ وجلّ: وعزتي لأجيبنّ دعوة المظلوم وإن كان كافرا، كفره على نفسه وإزالة الظلم عليّ. «533» - وعنه قال: ما من عبد ظلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: أي ربّ، عبدك! ظلمت فلم أنتصر إلّا بك، إلّا قال الله عزّ وجلّ: لبيك عبدي حقا، لأنصرنّك ولو بعد حين. 534- وروي أنّ رجلا من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله جلس بين يديه وقال: يا رسول الله إنّ لي مملوكين يخونونني ويعصونني ويكذبونني، فأين أنا منهم؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: يحسب ما خانوك وعصوك وكذّبوك وعقابك   [1] ح: فقد أسخط الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 إياهم، فإن كان ذلك بقدر ذنوبهم كان ذلك كفافا لا لك ولا عليهم، وإن كان أكثر من ذنوبهم اقتصّ لهم منك. فبكى الرجل، فقال صلّى الله عليه وسلم: أما تقرأ (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (الأنبياء: 47) فقال الرجل: والله يا رسول الله ما لي في صحبة هؤلاء من خير، أشهدك أنهم أحرار كلهم. 535- قيل أوحى الله إلى نبيّ من بني إسرائيل أن مر ملوك بني إسرائيل أن ينزلوا الجدب وينزلوا الرعيّة الخصب، ويشربوا الرّنق ويسقوا الرعيّة الصّفو، وإلّا حاسبتهم بالذرّة والشعرة. «536» - سأل الاسكندر حكماء أهل بابل: أيّما أبلغ عندكم الشجاعة أم العدل؟ قالوا: إذا استعملنا العدل استغنينا عن الشجاعة. «537» - ويقال: عدل السلطان أنفع من خصب الزمان. «538» - وتزعم الفرس أنّ فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور كان عادلا إلّا أنّه كان مشؤوما على رعيّته، فقحط الناس في زمانه سنين، وغارت الأنهار والعيون والقنيّ، وقحلت الأشجار والغياض، وتماوتت الوحوش والطيور، وصارت الدوابّ والأنعام لا تطيق حمولة، فأحسن إلى الناس، وكفّ عن الجباية، وقسم ما في بيت الأموال، وأمر بإخراج ما في الهري والمطامير من الطعام، وترك الاستئثار به، وتساوى فيه غنيّهم وفقيرهم، وأخبرهم أنه متى بلغه أنّ إنسيّا مات جوعا عاقب أهل تلك المدينة أو القرية ونكّل بهم أشدّ النكال. فيقال إنه لم يهلك في تلك المجاعة واللّزبة إلّا رجل واحد من رستاق كورة أردشير. فقام عدله في الرعيّة مقام الخصب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 «539» - ويقال: إذا رغب الملك عن العدل رغبت رعيّته عن طاعته. 540- موت الملك الجائر خصب شامل. 541- قيل: أيّ شيء أرفع لذكر الملوك؟ قيل: تدبيرهم أمر البلاد بعدل، ومنعهم إياها بعزّ. 542- وكان بعضهم يوصي عمّاله فيقول: سوسوا الناس بالمعدلة، واحملوهم على النّصفة، واحذروا أن تلبسونا جلودهم، أو تطعمونا لحومهم، أو تسقونا دماءهم. 543- ذكر أعرابيّ السلطان فقال: أما والله لئن عزّوا في الدنيا بالجور، لقد ذلّوا في الآخرة بالعدل. 544- قال الشعبيّ: كان بين عبد الله بن شريح وبين قوم خصومة، فقال: يا أبت إنّ بيني وبين قوم خصومة، فإن كان الحقّ لي خاصمتهم. قال: اذكر لي قصتك. فذكرها له، فقال: ائتني بهم، فلما أتاه بهم قضى على ابنه؛ فلما رجع قال: يا أبت لو لم أخبرك بقصتي كان أعذر لك عندي، فقال: يا بنيّ أنت أعزّ عليّ من ملء الأرض مثلهم، والله تعالى أعزّ عليّ منك. كرهت أن أخبرك أنّ القضاء عليك فتصالحهم. «545» - وانصرف شريح يوما من مجلس القضاء، فلقيه رجل فقال: أما حان لك يا شيخ أن تخاف الله تعالى وتستحيي؟ قال: ويلك من أيّ شيء؟ قال: كبرت سنّك، وفسد ذهنك، وكثر نسيانك، وأدهن كاتبك، وارتشى ابنك، فصارت الأمور تجوز عليك. قال: لا والله لا يقولها لي بعدك أحد، واعتزل عن القضاء ولزم بيته. وقضى شريح بالكوفة ستين سنة، ولّاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبقي إلى أيّام الحجاج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 546- ولّى الرشيد عاملا خراج طساسيج السواد، فقال لجعفر ويحيى: أوصياه؛ فقال جعفر: وفّر واعمر، وقال يحيى أنصف وانتصف، وقال الرشيد: يا هذا أحسن واعدل. ففضّل الناس كلام الرشيد، فقيل لهما: لم نقص كلامكما عن كلامه؟ فقال جعفر: لا يعتدّ هذا نقصانا إلّا من لا يعرف ما لنا وما علينا، إنما أمرنا بما علينا أن نأمر به، وأمر أمير المؤمنين بما له أن يأمر به. «547» - وقع جعفر بن يحيى إلى عامل له: أنصف من وليت أمره، وإلّا أنصفه منك من ولي أمرك. «548» - ووقّع إلى أحمد بن هشام في قصة متظلّم: اكفني أمر هذا، وإلّا كفيته أمرك. 549- كتب الفضل بن يحيى إلى عامل له: بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد. «550» - تنازع إبراهيم بن المهدي وبختيشوع المتطبّب بين يدي أحمد بن أبي دواد القاضي في مجلس الحكم في عقار بناحية السواد، فأربى عليه ابن المهدي وأغلظ له بين يدي ابن أبي دواد، فأحفظه ذلك فقال: يا إبراهيم إذا نازعت أحدا في مجلس الحكم فلا أعلمنّ ما رفعت عليه صوتا، ولا أشرت بيدك، وليكن قصدك [1] أمما، وطريقك ثبجا [2] ، وريحك ساكنة. ووفّ   [1] ع: فصلك. [2] عيون الأنباء: نهجا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 مجالس الحكومة [1] حقّها من التوقير والتعظيم والتوجيه إلى الواجب، فإنّ ذلك أشبه [2] بك، وأجمل لمذهبك في محتدك وعظيم قدرك [3] ، ولا تعجل فربّ عجلة تعقب ريثا، والله يعصمك من الزلل، وخطل القول والعمل، ويتمّ نعمته عليك كما أتمّها على أبويك من قبل. قال إبراهيم: أصلحك الله، أمرت بسداد، وحضضت على رشاد، ولست بعائد إلى ما يثلم مروءتي [4] ، ويسقطني من عينك، ويخرجني عن مقدار الواجب إلى الاعتذار؛ فها أنا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذار مقرّ بذنبه، باخع بجرمه، فإنّ الغضب لا يزال يستفزّني بهواه [5] ، فيردّني مثلك بحلمه، وتلك عادة الله عندنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل؛ وقد وهبت حقي [6] في هذا العقار لبختيشوع، فليت ذلك يقوم بأرش الجناية، ولم يتلف مال أفاد موعظة، وبالله التوفيق. «551» - كتب المنصور إلى سوّار بن عبد الله القاضي في مال كان له على سلمة بن سعيد، لما مات سلمة، وكان عليه ديون للناس وللمنصور، فكتب إليه: استوف لأمير المؤمنين دينه، وفرّق ما يبقى بين الغرماء. فلم يلتفت إلى كتابه وضرب للمنصور بسهم من المال كما ضرب لواحد من الغرماء، ثم كتب إليه: إني رأيت أمير المؤمنين غريما من الغرماء. فكتب إليه المنصور: ملئت الأرض بك عدلا.   [1] عيون الأنباء: الخليفة. [2] عيون الأنباء: اشكل. [3] عيون الأنباء: خطرك. [4] عيون الأنباء: قدري. [5] عيون الأنباء: بمراده. [6] عيون الأنباء: خلعت حظي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 «552» - قيل: أول من أظهر الجور في القضاء في الحكم بلال بن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري، وكان أمير البصرة وقاضيها. كان يقول: إنّ الرجلين يتقدّمان إليّ فأجد أحدهما أخفّ على قلبي فأقضي له. «553» - وخاصم خالد بن صفوان إليه رجلا فقضى على خالد، فقام خالد وهو يقول: سحابة صيف عن قليل تقشّع. فقال بلال: أما إنها لا تقشّع حتى يصيبك منها شؤبوب برد، وأمر به إلى الحبس [1] . فقال خالد: علام تحبسني فو الله ما جنيت جناية، فقال بلال: يخبرك عن ذلك باب مصمت، وأقياد ثقال، وقيّم يقال له حفص. «554» - وخطب بلال بالبصرة فعرف أنهم قد استحسنوا كلامه فقال: لا يمنعنّكم ما تعلمون فينا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون منّا. «555» - تقدّم المأمون بين يدي يحيى بن أكثم مع رجل ادّعى عليه ثلاثين ألف دينار، فطرح المأمون مصلّى يجلس عليه، فقال يحيى: لا تأخذ على خصمك [2] شرف المجلس. ولم يكن للرجل بيّنة، فحلف المأمون، فلما فرغ وثب يحيى فقام على رجليه فقال: ما أقامك؟ فقال: إني كنت في حقّ الله تعالى حتى أخذته منك، وليس الآن من حقّك أن أتصدّر عليك. فأعطى الرجل ما ادّعاه، وهو ثلاثون ألف دينار، وقال: خذه، والله إني ما كنت لأحلف على فجرة ثم أسمح لك بالمال فأفسد ديني ودنياي. وو الله ما دفعت إليك هذا المال   [1] ح: وأمر بحبسه. [2] ح: لا تأخذ عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 الساعة إلّا خوفا من هذه العامة فلعلها ترى أني تناولتك من جهة القدرة، ومنعتك حقّك بالاستطالة عليك. فأما الآن فإنها تعلم أنّي ما كنت لأسمح باليمين والمال، وأمر ليحيى بثلاثين ألف دينار، وتصدّق بثلاثين ألف دينار. «556» - وكان أبو خازم [1] عبد الحميد بن عبد العزيز السّكونيّ قاضيا للمعتضد، مات في أيامه الضّبعيّ صاحب الطعام، وله أطفال، وعليه للمعتضد دين قدره أربعة آلاف دينار. فقال المعتضد لعبيد الله بن سليمان: قل لعبد الحميد أن يدفع إلينا هذا المال من تركة الضبعي، فذكر له ذلك، فقال أبو خازم: إنّ المعتضد كأسوة الغرماء في تركة الضبعي. فقال له عبيد الله: أتدري ما تقول؟ فقال أبو خازم: هو ما قلت لك. وكان المعتضد يلحّ على عبيد الله في اقتضاء المال، وعبيد الله يؤخر ما قال له أبو خازم، فلما ألحّ عليه أخبره بما قال أبو خازم، فأطرق المعتضد ثم قال: صدق عبد الحميد هو كما قال: نحن كسائر الغرماء وأسوتهم. «557» - أخذ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من رجل فرسا على سوم، فحمل عليه رجلا فعطب الفرس، فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلا، فقال له الرجل: أجعل بيني وبينك شريحا العراقيّ. فقال: يا أمير المؤمنين أخذته صحيحا سليما فعليك أن تردّه كما أخذته، فأعجبه ما قال، وبعث به قاضيا. ثم قال: ما وجدته في كتاب الله سبحانه فلا تسأل عنه أحدا، وما لم يستبن في كتاب الله فالزم السنّة، فإن لم يكن في السنة فاجتهد رأيك.   [1] في النسخ: أبو حازم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 «558» - وقال له عمر حين استقضاه: لا تشارّ ولا تضار، ولا تشتر ولا تبع، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين: [من الرجز] إنّ القضاة إن أرادوا عدلا ... ودفعوا قول الخصوم فصلا وزحزحوا بالحكم عنهم جهلا ... كانوا كغيث قد أصاب محلا «559» - ويقال: إنّ شريحا عاش مائة وستّ سنين، فقضى منها ستين سنة. «560» - قال مسروق: لأن أحكم يوما بحقّ أحبّ إليّ من أن أغزو سنة في سبيل الله. «561» - سمع ابن شبرمة ينشد: [من الطويل] يمنّونني الأجر الجزيل وليتني ... أجوز [1] كفافا لا عليّ ولا ليا 562- قال أحمد بن وزير القاضي: لما ولّاني المعتزّ القضاء قال لي: يا أحمد قد ولّيتك القضاء، وإنما هي الدماء والفروج والأموال ينفذ فيها حكمك، ولا يردّ أمرك، فاتّق الله وانظر ما أنت صانع. «563» - قال القاضي أبو عمر، وقدم خادم من وجوه خدم المعتضد بالله إلى يوسف بن يعقوب- يعني أباه- في حكم فجاء فارتفع في المجلس، وأمره الحاجب بموازاة خصمه فلم يفعل إدلالا بعظم محلّه من الدولة، فصاح القاضي   [1] وكيع: نجوت (وهي فوق أجوز في ح) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 عليه وقال: قفاه، أتؤمر بموازاة خصمك فتمتنع؟! يا غلام عمرو بن أبي عمرو النخاس لتقدم إليه الساعة ببيع هذا العبد وحمل [1] ثمنه إلى أمير المؤمنين. ثم قال لحاجبه: خذ بيده، وسوّ بينه وبين خصمه؛ فأخذ كرها وأجلس مع خصمه. فلما انقضى الحكم انصرف الخادم، فحدّث المعتضد بالحديث وبكى بين يديه، فصاح عليه المعتضد وقال: لو باعك لأجزت بيعه، وما رددتك إلى ملكي أبدا، وليس خصوصيّتك بي تزيل مرتبة الحكم فإنه عمود السلطان وقوام الأديان. «564» - قال الأحنف: ما عرضت الإنصاف قطّ على رجل فقبله إلّا هبته، ولا أباه إلّا طمعت فيه. «565» - كتب المنصور إلى سوّار في شيء كان الحقّ في خلافه، فلم ينفذ سوّار كتابه وأمضى الحكم عليه، فتغيّظ المنصور عليه وتوعّده. فقيل له: يا أمير المؤمنين إنما عدل سوّار لك ومضاف إليك وزين خلافتك، فأمسك عنه. «566» - وكتب المهديّ إلى عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة أن ينظر الأنهار التي كانت في أيام عمر وعثمان، رضي الله عنهما، فيأخذ الصدقة منها، نحو نهر معقل ونهر الأبلّة وما أشبههما، ويأخذ من الأنهار التي أحدثت بعد ذلك الخراج، فلم ينفذ كتابه، فتوعّده، فلما بلغ عبيد الله الخبر أحضر أشراف أهل البصرة من أهل العلم بالقضاء، وأشهدهم أنه قد قضى لأهل الأنهار كلّها التي بجزيرة العرب بالصدقة، فلم يردد المهديّ شيئا عليه من فعله.   [1] ح: وأخذ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 567- وقيل: كان حفص [1] بن عتاب جالسا في الشرقية يقضي، فأنفذ الخليفة يستدعيه، فقال للرسول: أفرغ من أمر [2] الخصوم، إذ كنت أجيرا لهم، وأصير إلى أمير المؤمنين. ولم يقم حتى تفرّق الخصوم. «568» - حدث وكيع القاضي قال: كنت أتقلّد لأبي خازم وقوفا في أيام المعتضد، منها وقوف الحسن بن سهل، فلما استكثر المعتضد من عمارة القصر الحسنيّ أدخل إليه بعض وقوف الحسن بن سهل التي كانت في يدي [3] ، وبلغت السّنة آخرها وقد جبيت مالها إلّا ما أخذه المعتضد، فجئت إلى أبي خازم فعرّفته اجتماع مال السنة، واستأذنته في قسمته في سبله وعلى أهل الوقف، فقال لي: فهل جبيت ما على أمير المؤمنين؟ فقلت له: ومن يجسر على مطالبة الخليفة؟ قال: والله لا قسمت الارتفاع أو تأخذ ما عليه؛ والله لئن لم يزح العلة لا وليت له عملا، ثم قال: امض إليه الساعة وطالبه، فقلت من يوصلني؟ قال: امض إلى صافي الحرمي وقل له إنك رسول أنفذتك في مهمّ، فإذا وصلت فعرّفه ما قلت لك. فجئت إلى صافي فأوصلني، وكان آخر النهار، فلما مثلت بين يدي الخليفة ظنّ أنّ أمرا عظيما قد حدث، وقال: هي قل، كأنه متشوّق، فقلت له: إني ألي لعبد الحميد قاضي أمير المؤمنين وقوف الحسن بن سهل، وفيها ما قد أدخله أمير المؤمنين إلى قصره، ولما جبيت مال هذه السنة امتنع من تفرقته إلى أن أجبي ما [4] على أمير المؤمنين، وأنفذني الساعة قاصدا بهذا السبب، وأمرني أن أقول إني   [1] ح: جعفر. [2] ح: أمور. [3] المنتظم: التي كانت مجاورة للقصر. [4] المنتظم: أجيء بما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 حضرت في مهمّ لأصل إليك. فسكت ساعة مفكرا ثم قال: أصاب عبد الحميد، يا صافي هات الصندوق. فأحضر صندوقا لطيفا فقال: كم يجب لك؟ فقلت: الذي جبيت عام [1] أول من ارتفاع هذه العقارات أربعمائة دينار. فقال: كيف حذقك بالنّقد والوزن؟ قلت: أعرفهما. قال: هاتوا ميزانا، فجاءوا بميزان حرّانيّ عليه حلية ذهب، وأخرج من الصندوق دنانير عينا فوزن لي منها أربعمائة دينار، فانصرفت بها إلى أبي خازم فقال: أضفها إلى ما اجتمع للوقف عندك، وفرّقه في غد في سبله، ففعلت. «569» - وكان عافية القاضي يتقلّد للمهديّ أحد جانبي بغداد، وكان عالما زاهدا، فصار إلى المهدي في وقت الظهر في يوم من الأيام وهو خال، فاستأذن عليه فأدخله، وإذا معه قمطره، فاستعفاه من القضاء واستأذنه في تسليم القمطر إلى من يأمره بذلك. فظنّ أنّ بعض الأولياء قد غضّ منه أو أضعف يده في الحكم، فقال له في ذلك فقال: ما جرى من هذا شيء فقال: ما سبب استعفائك؟ فقال: كان يتقدّم إليّ خصمان موسران وجيهان مذ شهران في قصة معضلة مشكلة، وكلّ يدّعي بيّنة وشهودا، ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمّل وتثبت. فرددت الخصوم رجاء أن يصطلحوا أو يعنّ لي وجه فصل ما بينهما. قال: فوقف أحدهما من خبري على أني أحبّ الرّطب السكر، فعمد في وقتنا وهو أول أوقات الرطب إلى أن جمع من الرطب السكر ما لا يتهيأ في زماننا جمع مثله إلّا لأمير المؤمنين، وما رأيت أحسن منه، ورشا بوّابي جملة دراهم على أن يدخل   [1] ح ع: عاما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 الطبق إليّ ولا يبالي أن يردّ. فلما أدخل إليّ أنكرت ذلك وطردت بوّابي وأمرت بردّ الطبق. فلما كان اليوم تقدم إليّ مع خصمه فما تساويا في قلبي ولا في عيني. وهذا يا أمير المؤمنين ولم أقبل، فكيف تكون حالي لو قبلت؟ ولا آمن أن تقع عليّ حيلة في ديني فأهلك. وقد فسد الناس. فأقلني أقالك الله وأعفني، فأعفاه. [ صفة الإمام العادل عند للحسن البصري ] «570» - نادى رجل سليمان بن عبد الملك وهو على المنبر: أيا سليمان، أيا سليمان، اذكر يوم الأذان، فنزل عن المنبر ودعا بالرجل فقال له سليمان: فما يوم الأذان؟ فقال: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (الأعراف: 44) قال: فما ظلامتك؟ قال: أرضي بمكان كذا أخذها وكيلك، فكتب إلى وكيله أن ادفع إليه أرضه وأرضي مع أرضه. 571- واستؤمر عمر بن عبد العزيز في البسط على العمّال فقال: يلقون الله بجناياتهم أحبّ إليّ من أن ألقى الله بدمائهم. «572» - كتب عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة إلى الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العدل، فكتب إليه الحسن: اعلم يا أمير المؤمنين أنّ الله تعالى جعل الإمام العدل قوام كلّ مائل، وقصد كلّ جائر، وصلاح كلّ فاسد، وقوة كلّ ضعيف، ونصفة كلّ مظلوم، ومفزع كلّ ملهوف. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الحازم الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السّباع، ويكنفها من أذى الحرّ والقرّ. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده: يسعى لهم صغارا، ويعلّمهم كبارا، يكسب لهم في حياته، ويدّخر لهم بعد وفاته. والإمام العدل يا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 أمير المؤمنين كالأمّ الشفيقة، البرّة الرفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربّته طفلا، تسهر لسهره، وتسكن لسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح لعافيته، وتغتمّ بشكاته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده. والإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد لله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيّده، واستحفظه ماله وعياله، فبدّد المال، وشرّد العيال، فأفقر أهله، وأهلك ماله. واعلم يا أمير المؤمنين أنّ الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأنّ الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتصّ لهم؟ [1] [ مالك وابن طاوس عند المنصور ] «573» - قال مالك بن أنس: بعث إليّ أبو جعفر المنصور وإلى ابن طاووس، فدخلنا عليه وهو جالس على فرش قد نضدت، وبين يديه أنطاع قد بسطت، وجلاوزة بأيديهم السيوف يضربون الأعناق، فأومأ إلينا أن اجلسا، فجلسنا وأطرق عنّا طويلا. ثم التفت إلى ابن طاووس فقال له: حدثني عن أبيك؛ قال: نعم، سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: إنّ أشدّ الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله، قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن يملأني دمه. ثم التفت إليه أبو جعفر فقال: عظني يا ابن طاووس، قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنّ الله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) إلى قوله (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)   [1] لم ينته كتاب الحسن بل بقيت منه بقية تعدل نصفه تقريبا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 (الفجر: 6- 14) قال مالك: فضممت ثيابي أيضا مخافة أن يملأني من دمه. فأمسك ساعة حتى اسودّ ما بيننا وبينه، ثم قال: يا ابن طاووس ناولني هذه الدواة، فأمسك. قال: ما يمنعك أن تناولنيها؟ قال: أخشى أن تكتب بها معصية لله فأكون شريكا [1] فيها؛ فلما سمع ذلك قال: قوما عنّي. قال ابن طاووس: (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) [2] (الكهف: 64) قال مالك: فما زلت أعرف لابن طاووس فضله. [ عود إلى الأقوال والأخبار ] «574» - قال محمد بن حريث: بلغني أنّ نصر بن عليّ أرادوه على القضاء بالبصرة، واجتمع الناس إليه فكان لا يجيبهم، فلما ألّحوا عليه دخل بيته ونام على ظهره وألقى ملاءته على وجهه وقال: اللهمّ إن كنت تعلم أني لهذا كاره فاقبضني إليك، فقبض. «575» - كتب عبيد بن ثابت مولى بني عبس إلى عليّ بن ظبيان قاضي بغداد: بلغني أنك تجلس للحكم على باريّ، وكان من قبلك من القضاة يجلسون على وطاء ويتكئون، فكتب إليه: والله إني لأستحيي إن جلس بين يديّ رجلان حرّان مسلمان على باريّ وأنا على وطاء، لست أجلس إلّا على ما يجلس عليه الخصوم. «576» - أراد عثمان استقضاء عبد الله بن عمر فقال: أليس سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول: من استعاذ بالله فقد عاذ بمعاذ، قال: بلى، قال: فإني أعوذ بالله منك أن تستقضيني.   [1] ح ع: شريكك. [2] ح ع: ذلك ما نبغي (ولم يوردها آية) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 «577» - بينا داود عليه السلام جالسا على باب داره، جاء رجل فاستطال عليه، فغضب له إسرائيليّ كان معه فقال: لا تغضب فإنّ الله إنما سلّطه عليّ لجناية جنيتها. فدخل فتنصّل إلى ربّه، فجاء الرجل يقبّل رجليه ويعتذر إليه. «578» - قال سقراط: ينبوع فرح الإنسان القلب المعتدل، وينبوع فرح العالم الملك العادل، وينبوع حزن الإنسان القلب المختلف المزاج، وينبوع حزن العالم الملك الجائر. «579» - لما جيء بالهرمزان ملك خوزستان أسيرا إلى عمر، لم يزل الموكّل به يقتفي أثر عمر حتى عثر عليه في المسجد نائما متوسّدا درّته. فلما رآه الهرمزان قال: هذا هو الملك، عدلت فأمنت فنمت؛ والله إني قد خدمت أربعة من ملوك الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحدا منهم هيبتي لصاحب هذه الدرّة. «580» - مرّ عامر بن بهدلة برجل قد صلبه الحجاج فقال: يا ربّ إنّ حلمك عن الظالمين قد أضرّ بالمظلومين، فرأى في منامه أنّ القيامة قد قامت، وكأنه قد دخل الجنة، فرأى المصلوب فيها في أعلى علّيين، وإذا مناد ينادي: حلمي عن الظالمين أحلّ المظلومين في أعلى علّيين. «581» - بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم جيشا وأمّر عليهم رجلا، قيل هو عبد الله بن محرز، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأجّج نارا وأمرهم أن يقتحموا فيها، فأبى قوم أن يدخلوها وقالوا: إنما فررنا من النار. وأراد قوم أن يدخلوها، فبلغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 ذلك النبيّ عليه السلام فقال: لو دخلوها لم يزالوا فيها. وقال: لا طاعة لمخلوق في معصية الله، إنّما الطاعة في المعروف. «582» - ومن الإنصاف في الأقوال [1] : أغلظ رجل للمهلب فحلم عنه، فقيل له جهل عليك وتحلم عنه؟! فقال: لم أعرف مساوئه فكرهت أن أبهته بما ليس فيه. «583» - قال ابن دريد، قال أبو حاتم: فاتني نصف العلم، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال تصدّرت ولم أكن للتصدّر أهلا، واستحييت أن أسأل من دوني، واختلف إليّ من فوقي، فذلك الجهل في نفسي إلى اليوم. «584» - وقال ابن المنجم: كنت أحضر وأنا صغير مجلس ثعلب، فأراه ربّما سئل عن خمسين مسألة وهو يقول: لا أدري، لا أعلم، لم أسمع. «585» - وقال اليوسفي الكاتب: كنت يوما عند أبي حاتم السجستاني إذ أتاه شابّ من أهل نيسابور فقال له: يا أبا حاتم إنّي قدمت بلد كم وهو بلد العلم والعلماء، وأنت شيخ أهل المدينة، وقد أحببت أن أقرأ عليك كتاب سيبويه. فقال له: الدين النصيحة، إن أردت أن تنتفع بما تقرأه فاقرأ على هذا الغلام محمد ابن يزيد، فتعجبت من ذلك. [ الأحنف عند معاوية ] 586- جلس معاوية يوما وعنده وجوه الناس وفيهم الأحنف، إذ دخل رجل من أهل الشام، فقام خطيبا، فكان آخر كلامه أن لعن عليا عليه السلام.   [1] في ح: جعل هذا عنوانا بخط كبير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 فأطرق الناس وتكلّم الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين إنّ هذا القائل آنفا ما قال لو علم أنّ رضاك في لعن المرسلين للعنهم، فاتّق الله تعالى ودع عليا فقد لقي الله وأفرد في حفرته، وخلا بعمله، وكان والله ما علمنا المبرّز بسبقه، الطاهر في خلقه، الميمون النقيبة، العظيم المصيبة. فقال معاوية: يا أحنف لقد أغضيت العين على [1] القذى، وقلت بغير ما ترى، وأيم الله لتصعدنّ المنبر فلتلعننّه طائعا أو كارها، قال الأحنف: إن تعفني هو خير، وإن تجبرني على ذلك فو الله لا تجري به شفتاي. قال: قم فاصعد، فقال: أما والله لأنصفنّك في القول والفعل. قال معاوية: وما أنت قائل إن أنصفتني؟ قال: أصعد فأحمد الله تعالى بما هو أهله، وأصلّي على نبيّه، ثم أقول: أيها الناس إنّ معاوية أمرني أن ألعن عليا، ألا وإنّ عليا ومعاوية اختلفا واقتتلا، وادّعى كلّ واحد منهما أنه مبغيّ عليه وعلى فئته، فإذا دعوت فأمّنوا يرحمكم الله، ثم أقول: اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك ورسلك وجميع خلقك الباغي منهما على صاحبه، والعن الفئة الباغية على الفئة المبغيّ عليها، آمين ربّ العالمين. فقال معاوية: إذن نعفيك يا أبا بحر. «587» - وقيل: لما أجمع معاوية على البيعة ليزيد جمع الخطباء فتكلموا، والأحنف ساكت، فقال: يا أبا بحر ما منعك من الكلام؟ فقال: أنت أعلمنا بيزيد ليله ونهاره، وسرّه وعلانيته، فإن كنت تعلم أنها شرّ له فلا تولّه الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة، فإنما لك ما طاب، وعلينا أن نقول: سمعنا وأطعنا. [ رقعة من أحمد بن إسماعيل إلى ابن المعتز ] «588» - كتب أحمد بن إسماعيل إلى ابن المعتز رقعة يقول فيها: ولم أر كالحقّ أصدق قائلا، ولا أفضل عاملا [2] ، ولا أجمل ظاهرا، ولا أعزّ ناصرا، ولا أوثق   [1] ع: عن. [2] البصائر: عالما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 عروة، ولا أحكم عقدة، ولا أعلى حجة، ولا أوضح محجة، ولا أعدل في النّصفة؛ لا يجري لأحد إلّا جرى عليه، ولا يجري على أحد إلّا جرى له، يستوي الملك والسوقة في واجبه [1] ، ويعتدل البغيض والحبيب [2] في تحقيقه [3] ، طالبه حاكم على خصمه، وصاحبه أمير على أمره [4] ، من دعا إليه ظهر برهانه، ومن جاهد عليه كثر أعوانه، يمكّن رعاته من آلة القهر، ويجعل في أيديهم راية النصر، ويحكم لهم بغلبة العاجلة، وسعادة الآجلة. ولم أر كالباطل أضعف سببا، ولا أوعر مذهبا، ولا أجهل طالبا [5] ولا أذلّ صاحبا؛ من اعتصم به أسلمه، ومن لجأ إليه خذله، يرتق فينفتق، ويرقع فينخرق؛ إن حاول صاحبه بيعه بارت سلعته، وإن رام ستره زادت ظلمته. لا يقارنه البرهان، ولا يفارقه الخذلان، قد قذف بالحقّ يدمغه ويقمعه فيمحقه، صاحبه في الدنيا مكذّب، وفي الآخرة معذّب، إن نطق دلّ على عيبه، وإن سكت تردّد في ريبه. [ أشعار منصفة ] «589» - ومن أشعار العرب المنصفة قول حكمة بن قيس الكنانيّ: [من الطويل] نهيت أبا عمرو عن الحرب لو يرى ... برأي رشيد أو يؤول إلى حزم دعاني يشبّ الحرب بيني وبينه ... فقلت له لا بل هلمّ إلى السلم فلما أبي أرسلت فضلة ثوبه ... إليه فلم يرجع بحزم ولا عزم وأمهلته حتى رماني بحرّها ... تغلغل من غيّ غويّ ومن إثم   [1] البصائر: واحته (وفي بعض أصوله: واجبه) ح: نواحيه. [2] ح: والخبيث. [3] البصائر: محضه. [4] البصائر: أميره. [5] ح: أجمل طلبا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 فلما رمانيها رميت سواده ... ولا بدّ أن يرمى سواد الذي يرمي فبتنا على لحم من القوم غودرت ... أسنّتنا فيه وباتوا على لحم وأصبح يبكي من بنين وإخوة ... حسان الوجوه طيّبي الجسم والنسم ونحن نبكّي إخوة وبنيهم ... وليس سواء تلّ [1] حقّ على ظلم «590» - وقال المسور بن زيادة العذري [2] : [من الطويل] وكنّا بني عمّ جرى الجهل بيننا ... فكلّ توفّى حقّه غير وادع فنلنا من الآباء شيئا وكلّنا ... إلى حسب في قومه غير واضع فلما بلغنا الأمهات وجدتم ... بني عمّكم كانوا كرام المضاجع فما لهم عندي ولا لي عندهم ... وإن أكثر المغرور وتر لتابع 591- قال الحسن بن عبادة: وجّه إليّ الأمير وإلى ابن أبي ليلى وأبي حنيفة، فسألنا عن مسألة، فأجاب هو وابن أبي ليلى جوابا واحدا، وخالفتهما أنا، وأمر الأمير بإنفاذ قوليهما وترك قولي. فتفكّر أبو حنيفة ساعة ثم قال للأمير: جوابي خطأ، والقول ما قال الحسن. فقال لابن أبي ليلى: ما تقول؟ فلم يرجع وجعل يناظرني. ثم قال أبو حنيفة: إنّ العلم يحتاج أن يعرض على الله عزّ وجلّ فلا يأنف أحد إذا أخطأ أن يرجع إلى الحقّ. «592» - قال أبو الدرداء: إياك ودعوة اليتيم ودعوة المظلوم فإنها تسري بالليل والناس نيام.   [1] ح: قتل. [2] العذري: سقطت من ح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 «593» - قال منصور بن المعتمر لابن هبيرة حين أراده على القضاء: ما كنت لألي لك بعد ما حدّثني إبراهيم. قال: وما حدّثك؟ قال: حدثني عن علقمة عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظّلمة وأعوان الظّلمة وأشباه الظّلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة، فيجمعون في تابوت حديد ثم يرمى بهم في جهنم. [ عمر بن عبد العزيز وغيلان ] «594» - قال عمر بن عبد العزيز في غيلان بن مسلم الدمشقي: من سرّه أن ينظر إلى رجل وهب نفسه لله، ليس فيه عضو إلّا ينطق بحكمة فلينظر إلى هذا. وقال له: يا أبا مروان، أعنّي أعانك الله، فقال: ولّني ردّ المظالم، فولّاه، فكان يخرج خزائن بني أمية فينادي عليها: هلمّوا إلى متاع الخونة. ونادى على جوارب خزّ قد تآكلت بلغت قيمتها ثلاثين ألفا، فقال: من عذيري ممن يزعم أنّ هؤلاء أئمة عدل؟ قد تآكلت هذه الجوارب في خزائنهم، والفقراء والمساكين يموتون جوعا. فلما ولي هشام بعث إليه واستنطقه فقال: أعوذ بجلال الله أن يأتمن الله خوّانا أو يستخلف خزّانا؛ إنّ أئمته القوّامون بأحكامه، الراهبون لمقامه؛ لم يولّ الله وثّابا على الفجور، ولا شرّابا للخمور، ولا ركّابا للمحظور. فقطع هشام يديه ورجليه. [ حكايات في الباب ] «595» - قال النبي صلّى الله عليه وسلم: زيّن الله السماء بثلاث: بالشمس والقمر والكواكب، وزيّن الأرض بثلاث: بالعلماء، والمطر، وسلطان عادل. «596» - قيل: إذا لم يعمر الملك ملكه بالإنصاف خرب ملكه بالعصيان. «597» - قيل لأنوشروان: أيّ الجنن أوقى؟ قال: الدين، قيل فأيّ العدد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 أقوى؟ قال العدل. «598» - قال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات: جلس أبي يوما للمظالم، فلما انقضى المجلس رأى رجلا جالسا فقال له: ألك حاجة؟ قال: نعم، تدنيني إليك فإنني مظلوم، فأدناه فقال: إني مظلوم وقد أعوزني الإنصاف، قال ومن ظلمك؟ قال: أنت، ولست أصل إليك فأذكر حاجتي. قال: ومن يحجبك وقد ترى مجلسي مبذولا؟ قال: يحجبني عنك هيبتك، وطول لسانك، وفصاحتك واطّراد حجتك. قال: ففيم ظلمتك؟ قال: ضيعتي الفلانية أخذها وكيلك غصبا بغير ثمن، وإذا وجب عليها خراج أدّيته باسمي لئلّا يثبت لك اسم في ملكها فيبطل ملكي، فوكيلك يأخذ غلّتها وأنا أؤدّي خراجها، وهذا ما لم يسمع في الظلم بمثله. فقال له محمد: هذا قول يحتاج إلى بيّنة وشهود وأشياء، فقال له الرجل: أيؤمّنني الوزير من غضبه حتى أجيب؟ قال: قد أمّنتك. قال: البيّنة هم الشهود، وإذا شهدوا فليس يحتاج معهم إلى شيء، فما معنى قولك: فيه شهود وأشياء؟ ما هذه الأشياء إلّا العيّ والحصر والتغطرس؟ فضحك وقال: صدقت، والبلاء موكّل بالمنطق، وإني لأرى فيك مصطنعا. ثم وقع له بردّ ضيعته وبأن يطلق له كرّ حنطة وكرّ شعير ومائة دينار يستعين بها على عمارة ضيعته، وصيّره من أصحابه واصطنعه. «599» - قيل لأعرابيّ من بني أسد: كيف تركت الناس قال: بشرّ، من مظلوم لا ينتصر، وظالم لا يقلع. 600- قال عبد الملك بن مروان: كنت أجالس بريرة قبل أن ألي هذا الأمر، فقالت لي: يا عبد الملك إنك لخليق أن تلي هذا الأمر، فإن وليته فاحذر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 الدماء، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله يقول: إنّ الرجل ليحال بينه وبين الجنة بعد أن ينظر إليها بملء كفّ من دم مسلم سفكه بغير حقّ. 601- وروي أنّ رجلا من عمّال عمر رضي الله عنه أمر رجلا أن ينزل في واد ينظر كم عمقه، فقال الرجل: إني أخاف، فعزم عليه فنزل، فلما خرج كزّ فمات، فنادى: يا عمراه، فبعث عمر إلى العامل فقال: أما لولا أني أخاف أن تكون سنة بعدي لضربت عنقك، ولكن لا تبرح حتى تؤدي ديته، والله لا ولّيتك شيئا أبدا. «602» - وروي أنّ يهوديا جاء إلى عبد الملك بن مروان فقال: إنّ ابن هرمز ظلمني، ثم أتاه الثانية ثم الثالثة فلم يلتفت اليه، فقال له اليهودي: إنا نجد في التوراة أنّ الإمام لا يشرك في ظلم أحد ولا جوره حتى يرفع إليه فإذا رفع إليه ولم يغيّر شرك في الظلم والجور. ففزع عبد الملك وأرسل إلى ابن هرمز فنزعه. 603- قال سريع الأهوازيّ: بعث إليّ عيسى بن جعفر فسألني عن النبيذ فقلت: سل عن الماء الذي يشربه النصارى واليهود والمجوس والكلاب والخنازير حلالا وتشربه أنت حراما، قال: وكيف ذاك؟ قلت: إنّ غلمانك يسخّرون الناس ويستقونه لهم. فبكى. «604» - قال محمد بن صفوان الضبي: كنت أقوم على رأس سليمان بن عبد الملك، فدخل عليه رجل من حضرموت من حكمائهم، فقال له سليمان: تكلّم بحاجتك، فقال: من كان الغالب على كلامه النصيحة وحسن الإرادة أوفى به كلامه على السلامة، وإني أعوذ بالذي أشخصني من أهلي حتّى أوفدني عليك أن ينطقني بغير الحقّ، وأن يذلّل لساني بما فيه سخطه عليّ، وإنّ إقصار الخطبة أبلغ في أفئدة أولي الفهم من الإطالة والتشديق في البلاغة، ألا وإنّ من البلاغة يا أمير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 المؤمنين ما فهم وإن قلّ، وإني مقتصر على الاقصار مجتنب لكثير من الإكثار. أشخصني إليك وال عسوف ورعية ضائعة، وانك إن تعجل تدرك ما فات، وإن تقصّر تهلك رعيتك هناك ضياعا، وها فخذها إليك قصيرة موجزة. فقال سليمان: ادع لي رجلا من الحرس فاحمله على البريد وقل له: إذا أتيت البلاد فلا تنزل من مركبك حتى تعزله، ومن كانت له ظلامة أخذت له بحقّه. ثم أمر للحكيم بمال فأبى أن يقبل وقال: إني والله يا أمير المؤمنين أحتسب سفري على الله عزّ وجلّ، وإني أكره أن آخذ عليه من غيره أجرا. قال: انطلق بارك الله عليك. فلما ولّى قال سليمان: ما أعظم بركة المؤمن في كلّ شيء. «605» - أتي المنصور ببشير الرحّال ومطر الوراق مكبّلين، وقد كانا خرجا مع إبراهيم بن عبد الله فقال لبشير: أنت القائل أجد في قلبي غمّا لا يذهبه إلّا برد عدل أو حرّ سنان؟ قال: نعم. قال: فو الله لأذيقنّك حرّ سنان يشيب منه رأسك، قال: إذن أصبر صبرا يذلّ به سلطانك، فقطعت يده فما قطّب ولا تحلحل، وقال لمطر: يا ابن الزانية، قال: إنك تعلم أنها خير من سلامة، قال: يا أحمق، قال: ذاك من باع دينه بدنياه، فرمي به من سطح فمات. 606- ظلم كبير من بني أمية حجازيا في ماله، فما تظلّم منه إلى أحد إلّا ضلع للأمويّ عليه. فخرج إلى سليمان وجعل لخصيّ أثير عنده مائتي دينار ليوصله إليه خاليا، فأوصله إليه حين سلّم في صلاته وجعل يدعو ويخطر بإصبعه نحو السماء ويتضرّع. فلما رآه كذلك رجع عنه، فسأل عنه سليمان وأمر بطلبه حتى صودف خارجا من باب دمشق، فأدخل عليه بعد شدّة شديدة [1] وإلحاح،   [1] ع: فأدخل عليه بتشديد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 فقال له: ما شأنك؟ قال: جددت في التوصّل إليك، فلما رأيتك تخطر بإصبعك نحو السماء وتتضرّع علمت أني قد أخطأت موضع طلب الحاجة، فرجعت لأطلبها من حيث طلبت أنت حوائجك. فبكى سليمان وقال: إنّ الذي طلبت إليه حاجتك قد قضاها، وأمر بردّ ما أخذ منه وإعطائه ما يصلح ماله، ووصله وكساه وحمله وأمر له بفرائض. «607» - قال الحجاج: والله لطاعتي أوجب من طاعة الله: إنّ الله يقول (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: 16) فجعل فيها مثنويّة وقال (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) (التغابن: 16) فلم يجعل فيها مثنوية، فلو قلت لرجل ادخل من هذا الباب فلم يدخل لحلّ لي دمه. «608» - وخطب مرّة فقال: أتزعمون أنّي شديد العقوبة، وهذا أنس حدثني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل أعينهم، قال أنس: فوددت أني متّ قبل أن أحدّثه، جعل عدوّ الله فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أعداء الله حيث نقضوا العهد وغدروا بالمسلمين احتجاجا لنفسه في قتل الصالحين وخيار الأمّة. «609» - إياس بن قتادة: [من الطويل] وإنّ من السادات من لو أطعته ... دعاك إلى نار يفور سعيرها «610» - قيل لأبي مسلم: لقد قمت بأمر لا يقصّر بك عن الجنّة، فقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 خوفي فيه من النار أولى من الطمع في الجنة. إني أطفأت من بني أمية جمرة، وألهبت من بني العباس نيرانا، فإن أفرح بالإطفاء فواحزنا من الإلهاب. «611» - قال عمر بن عبد العزيز: الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وقرّة ابن شريك بمصر، وعثمان بن حيان بالحجاز، ومحمد بن يوسف باليمن: امتلأت الأرض والله جورا. «612» - محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن [1] : [من السريع] متى نرى للعدل نورا فقد ... أسلمني ظلم إلى ظلم ضأمنيّة طالت عداتي بها كأنني فيها أخو حلم «613» - طرفة: [من الكامل] والظلم فرّق بين حيّي وائل ... بكر تساقيها المنايا تغلب «614» - رفع إلى أنوشروان أنّ عامل الأهواز قد جبى من المال ما يزيد على الواجب، فوقع: يردّ المال على الضعفاء، فإنّ الملك إذا كثرت أمواله بما يأخذ من رعيّته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتلع من قواعد بنائه. 615- شاعر: [من الرمل المجزوء] لا تبع عقدة مال ... خيفة الجار الغشوم   [1] ح: الحسن بن الحسن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 واصطبر للفلك الجا ... ري على كلّ ظلوم فهو الدائر بالأم ... س على آل سدوم «616» - كان معلم أنوشروان يضربه بلا ذنب، ويأخذه بأن يمسك الثلج في يده حتى يكاد كفّه يسقط، فآلى لئن ملكت لأقتلنّه. فلما ملك هرب فأمّنه، فلما أتاه سأله عن الضرب ظلما فقال: لتعرف حقد المظلوم إذا ظلمته. قال: أحسنت، فالثلج الذي كنت تعذّبني به؟ قال: ستعرف ذلك. فغزا فأصبحوا في غداة باردة فلم يقدروا على توتير قسيّهم، فوترها لهم فقاتل وظفر، فعلم مراد مؤدّبه. «617» - لما ولي الوليد بن يزيد كتب إلى أهل المدينة: [من الطويل] محرّمكم ديوانكم وعطاؤكم ... به يكتب الكتّاب والكتب تطبع ضمنت لكم إن لم تعقني منيّتي ... بأن سماء الضرّ عنكم ستقلع وهذا الشعر له وأوّله: ألا أيها الركب المخبّون بلّغوا ... سلامي سكان البلاد فأسمعوا وقولوا أتاكم أشبه الناس سنّة ... بوالده فاستبشروا وتوقعوا سيوشك إلحاق [1] لكم وزيادة ... وأعطية تأتي تباعا فتنفع فقال حمزة بن بيض يردّ على الوليد لما فعل خلاف ما قال: [من الطويل] وصلت سماء الضرّ بالضرّ بعدما ... زعمت سماء الضرّ عنا ستقلع   [1] ح: إلحاف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 فليت هشاما كان حيا يسوسنا ... وكنّا كما كنّا نرجّي ونطمع [ أحمد بن طولون ] «618» - كان أحمد بن طولون والي مصر متحلّيا بالعدل مع تجبّره وسفكه الدماء، وكان يجلس للمظالم ويحضر مجلسه القاضي بكار بن قتيبة وجماعة من الفقهاء مثل الربيع بن سليمان ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ومعمر بن محمد. وكان ابن طولون يمكّن المتكلّم من الكلام وكشف ظلامته جالسا مقرّبا. قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاويّ الفقيه: فاعترضت ضيعة لنا بالصعيد من ضياع جدّي سلامة، فاحتجت إلى الدخول إليه والتظلّم مما جرى، وأنا يومئذ شابّ، إلّا أنّ العلم ومعرفة الحاضرين بسطني إلى الكلام والتمكّن من الحجة، فخاطبته في أمر الضيعة، فاحتجّ عليّ بحجج كثيرة وأجبته عنها بما لزمه الرجوع إليه. ثم ناظرني مناظرة الخصوم بغير انتهار ولا سطوة عليّ، وأنا أجيبه وأحلّ حججه، إلى أن وقف ولم يبق له حجة، فأمسك عنّي ساعة ثم قال لي: إلى هذا الموضع انتهى كلامي وكلامك، والحجة فقد ظهرت لك، ولكن أجّلنا ثلاثة أيام، فإن ظهرت لنا حجة ألزمناك إياها، وإلّا سلّمنا إليك الضيعة، فقمت منصرفا. وقال ابن طولون بعد خروجي للحاضرين: ما أقبح ما أشهدتكم به على نفسي أقول لرجل من رعيّتي قد ظهرت له حجة: أنظرني إلى أن أطلب حجة وأبطل الحكم الذي أوجبته حجّته. من يمنعني إذا وجبت لي حجة أن أحضره وألزمه إياها؟ هذا والغصب واحد. أنتم رسلي إليه بأني قد التزمت حجّته، وأزلت الاعتراض عن الضيعة. وتقدّم بالكتاب له، وعرف الطحاوي الحال منهم فصار إلى الديوان وأخذ الكتاب بإزالة الاعتراض عن الضيّعة. «619» - وروي أنّ بعض قوّاده كان يتولّى كورة من كور مصر، فدخل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 راهب من رهبان النصارى متظلّما من ذلك القائد، فرآه بعض الحجّاب الذين يختصّون بذلك القائد فقال له ما لك؟ قال: ظلمني وأخذ مني ثلاثمائة دينار، فقال له الحاجب: لا تتظلّم وأنا أسلّم إليك ثلاثمائة دينار. فأخذه إلى داره ودفع إليه ثلاثمائة دينار فاغتنمها الراهب وطار. ونقل الخبر إلى أحمد بن طولون فأمر بإحضار القائد والحاجب والراهب وقال للقائد: أليس عللك مزاحة ورزقك دارّا، وليس لك سبب يحوجك إلى مدّ يدك؟ قال: كذاك، قال ما حملك على ما صنعت؟ وأمر بصرفه عن الكورة، وصرف الحاجب عن حجبته، وأحضر النصرانيّ وقال: كم أخذ منك؟ قال ثلاثمائة دينار فقال: لعنك الله لم لم تقل ثلاثة آلاف دينار فآخذها لك من ماله بقولك؟ ثم صاح بالقائد: إلى المطبق! المطبق! فحمل إليه. «620» - وروي أنّ العباس بن أحمد بن طولون استدعى مغنيّة وهو مصطبح، فلقيها بعض صالحي مصر ومعها غلام يحمل عودها فكسره، ودخل العباس إلى أبيه فأخبره، فأرسل أحمد بن طولون فأحضر الرجل الصالح وقال له: أنت الذي كسرت العود؟ قال: نعم، قال: فعلمت لمن هو؟ قال: نعم، قال: لمن هو؟ قال: لابنك العباس. قال: أفما أكرمته لي؟ قال: أكرم لك بمعصية، والله عزّ وجلّ يقول (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة: 71) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فأطرق أحمد بن طولون ثم رفع رأسه وقال: كلّ منكر تراه فغيّره وأنا من ورائك، وصرفه مكرّما. 621- وكان أحمد بن طولون يحبّ العلماء ويحضرهم مجلسه؛ وأراد أبا إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني الفقيه صاحب الشافعيّ أن يحضره، فامتنع عليه زهدا وتورّعا، فتهدّده بهدم داره، فلم يجبه، وأمر سوّارا حاجبه بهدمها. فقام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 المزنيّ مع سوّار يريه حدودها حين تقدّم وقال له: لا تهدم هذا الجدار فليس هو لي. فعاد سوّار فأخبره، فعظم في قلب أحمد بن طولون، وقلق إلى رؤيته. وكان أحمد بن طولون يحضر جنائز وجوه البلد وصالحيهم وأشرافهم، ويتولّى الصلاة بنفسه، فحضر يوما جنازة فقيل له: هذا أبو إبراهيم المزني في الجنازة، فقال: أرونيه من غير أن يعلم لئلّا يتأذّى، فأروه إياه. «622» - وأراد أن يحمل مالا إلى الحضرة، فأحضر القاضي والشهود ليشهدوا على القابض، فكتبوا وقد عاينوا المال ومبلغه ألف ألف ومائتا ألف دينار، فلما بلغ الكتاب إلى سليم الفانو [1] الخادم المعدّل قال له: أيها الأمير لست أشهد حتى يوزن المال بحضرتي، فغاظه ذلك، فقال للوزّانين: زنوه، فلما فرغ الوزن قالوا: أبقي لك شيء تقوله؟ قال: النقد، فغاظه ودعا بالنقد [2] ، وسليم جالس معهم حتى فرغ وختمت، وتسلّمها حاملها، فكتب شهادته وانصرف. وكان ذلك سبب اختصاص سليم بأحمد بن طولون وقربه منه. «623» - ومن الجور قصة زيد الخيل الطائيّ وقيس بن عاصم والمكسّر العجلي: وقعت حرب بين أخلاط طيّء، فنهاهم زيد الخيل عن ذلك وكرهه، فلم ينتهوا، واعتزل وجاور بني تميم ونزل على قيس بن عاصم؛ فغزت بنو تميم بكر بن وائل وعليهم قيس وزيد معه، فاقتتلوا قتالا شديدا وزيد كافّ، فلما رأى ما لقيت تميم ركب فرسه وحمل على القوم، وجعل يدعو يال تميم، ويتكنّى   [1] ح: الفافو. [2] ح: بالنقاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 كنية قيس إذا قتل رجلا وأرداه [1] عن فرسه، أو هزم ناحية، حتى هزمت بكر وظفرت تميم، فصار فخرا لهم في العرب، وافتخر بها قيس. فلما قدموا قال له زيد: اقسم لي يا قيس [نصيبي] ، فقال: وأيّ نصيب؟ فو الله ما ولي القتال غيري وغير أصحابي، فقال زيد أبياتا منها: [من الطويل] فلست بوقّاف إذا الخيل أحجمت ... ولست بكذّاب كقيس بن عاصم إذا ما دعوا عجلا عجلنا عليهم ... بمأثورة تشفي صداع الجماجم فبلغ المكسر [2] بن حنظلة العجليّ أحد بني سيار [3] قول زيد، فخرج في ناس من بني عجل حتى أغار على بني نبهان فأخذ من نعمهم ما شاء، وبلغ ذلك زيد الخيل فخرج في فوارس من بني نبهان حتى اعترض القوم فقال: ما لي وما لك يا مكسّر؟ فقال قولك: إذا ما دعوا عجلا عجلنا عليهم فقاتلهم زيد حتى استنقذ بعض ما كان في أيديهم، ومضى [4] المكسر ببقية ما أصاب. فأغار زيد على تيم الله بن ثعلبة فغنم ما شاء الله، وقال في ذلك: [من الطويل] إذا عركت عجل بنا ذنب غيرنا ... عركنا بتيم اللات ذنب بني عجل [ حلف الفضول ] «624» - وعقدت قبائل من قريش بينها حلف الفضول لما لم يكن لها ملك أو   [1] الأغاني: وأذراه. [2] الأغاني: المكشر، وهو بالسين في شرح النقائض. [3] الأغاني: سنان. [4] الأغاني: ورجع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 قائد يمنع ظلم بعضهم من بعض، فكانوا يدا على من ظلم حتى يرتجعوا منه ظلمه. فروي أنّ رجلا من خثعم قدم مكة تاجرا ومعه ابنة له يقال لها القتول أوضأ نساء العالمين [وجها] ، فعلقها نبيه بن الحجاج السهميّ، فلم يبرح حتى نقلها إليه وغلب أباها عليها، فقيل لأبيها عليك بحلف الفضول. فأتاهم فشكا ذلك إليهم، فأتوا نبيه بن الحجاج فقالوا: أخرج ابنة هذا الرجل، وهو يومئذ متبدّ بناحية مكة وهي معه، وإلا فنحن من قد عرفت، فقال: يا قوم متّعوني منها الليلة، فقالوا: قبّحك الله ما أحمقك [1] ، لا والله ولا شخب لقحة، وهي أوسع أحاليب الشائل. فأخرجها إليهم فأعطوها أباها، وركبوا وركب معهم الخثعمي، فذلك قول نبيه بن الحجاج: [الكامل المجزوء] لولا الفضول وأنه ... لا أمن من رقبائها [2] لدنوت من أبياتها ... ولطفت حول خبائها ولجئتها أمشي بلا ... هاد لدى ظلمائها فشربت فضلة ريقها ... ولبتّ في أحشائها «625» - وقد اختلف في سبب حلف الفضول، فروي أنّ قيس بن شيبة السلميّ باع متاعا من أمية بن خلف، فلواه وذهب بحقّه، فاستجار برجل من بني جمح فلم يقوموا [3] بجواره فقال: [من الرجز] يال قصيّ كيف هذا في الحرم ... وحرمة البيت وأعلاق الكرم أظلم لا يمنع منّي من ظلم   [1] الأغاني: ما أجهلك. [2] الأغاني: عدوائها. [3] الأغاني: فلم يقم (وهو أدق) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 وبلغ الخبر عباس بن مرداس فقال: [من البسيط] إن كان جارك لم تنفعك ذمّته ... وقد شربت بكأس العدل أنفاسا فأت البيوت وكن من أهلها صددا ... لا تلف [1] ناديهم فحشا ولا ياسا وثمّ كن بفناء البيت معتصما ... تلق ابن حرب وتلق المرء عباسا فقام العباس وأبو سفيان حتى ردّا عليه متاعه. واجتمعت بطون قريش فتحالفت على ردّ المظالم بمكّة، وألّا يظلم أحد إلّا منعوه وأخذوا له بحقّه. وقال آخرون: تحالفوا على مثل ما تحالف عليه قوم من جرهم في هذا الأمر لا يقرون ظالما ببطن مكة إلّا غيروه، وأسماؤهم: الفضل بن شراعة، والفضل بن قضاعة، والفضل بن سماعة [2] . «626» - وحدث ابن شهاب قال: كان شأن حلف الفضول وبدء ذلك أنّ رجلا من بني زبيد قدم مكة معتمرا في الجاهلية ومعه تجارة له، فاشتراها منه رجل من بني سهم، فآواها إلى بيته ثم إنه تغيب. فابتغى الزبيديّ متاعه فلم يقدر عليه. فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه فأغلظوا له، فعرف ألّا سبيل إلى ما له، فطوّف في قبائل قريش يستعين بهم، فتخاذلت القبائل عنه. فلما رأى ذلك أشرف على أبي قبيس حين أخذت قريش مجالسها في المسجد الحرام وقال: [من البسيط] يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنّفر ومحرم شعث لم يقض عمرته ... يا آل غالب بين [3] الحجر والحجر   [1] ح ع: لا تلق. [2] الأغاني: ابن سما. [3] الأغاني: يا آل فهر وبين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 أقائم في بني سهم بذمتهم [1] ... أم ذاهب في ضلال مال معتمر فلما نزل أعظمت قريش ذلك، فتكلّمت فيه، فقال المطّيبون: والله لئن تكلّمنا [2] في هذا لتغضبنّ الأحلاف. وقالت الأحلاف: والله لئن تكلمنا في هذا ليغضبنّ المطّيبون. وقال ناس من قريش: تعالوا فلنكن حلفاء فضولا دون المطيبين ودون الأحلاف، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان وصنع لهم يومئذ طعاما كثيرا. وكان رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله معهم يومئذ، وهو ابن خمس وعشرين سنة. فاجتمعت بنو هاشم وأسد وزهرة وتيم وتحالفوا على أن لا يظلم بمكة غريب ولا قريب، ولا حرّ ولا عبد، إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه، ويؤدوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم. ثم عمدوا إلى ماء زمزم فجعلوه في جفنة ثم بعثوا به إلى البيت فغسلت منه أركانه ثم أتوا به فشربوه. فحدثت عائشة أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله يقول: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلف الفضول. أما لو دعيت إليه [اليوم] لأجبت، وما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم وأني نقضته. وكان معهم في الحلف بنو المطلب، فكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أنّ رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس [حتى أدخل] في حلف الفضول؛ ولم يكن عبد شمس في هذا الحلف. وروي [3] أنّ سبب حلف هذه القبائل أمر الغزال الذي سرق من الكعبة. «626» ب- وقيل: كان بين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وبين الحسين بن   [1] الأغاني: بخفرتهم. [2] الأغاني: قمنا. [3] انظر الأغاني 17: 216. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 علي عليهما السلام كلام، والوليد يومئذ أمير على المدينة في زمن معاوية بن أبي سفيان، في مال كان بينهما بذي المروة. قال الحسين بن علي: استطال عليّ الوليد بسلطانه فقلت: أقسم بالله لتنصفنّي من حقي أو لآخذنّ سيفي ثم لأقومنّ في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم لأدعونّ بحلف الفضول. فقال عبد الله بن الزبير وكان عند الوليد حين قال الحسين ما قال: وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذنّ سيفي ثم لأقومنّ معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا. فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك، فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك. فلما بلغ الوليد بن عتبة ذلك أنصف الحسين من حقه حتى رضي. [ أبو الطمحان يستجير بعبد الله بن جدعان ] «626» ج- وقال عبد العزيز بن عمران: قدم أبو الطمحان القيني الشاعر، واسمه حنظلة بن الشرقي، فاستجار عبد الله بن جدعان التيميّ ومعه مال من الإبل، فعدا عليه قوم من بني سهم، فانتحروا ثلاثة من إبله، فبلغه ذلك فأتاهم بمثلها وقال: أنتم لها ولأكثر منها أهل، فأخذوها وانتهروها [1] ثم أمسكوا عنه زمانا، ثم جلسوا على شراب لهم، فلما انتشوا عدوا على إبله فاستاقوها كلّها، فأتى عبد الله بن جدعان يستصرخه، فلم يكن فيه ولا في قومه قوة ببني سهم، فأمسك عنهم ولم ينصره، فقال أبو الطمحان: [من الطويل] ألا حنّت المرقال واشتاق ربّها ... تذكّر أزمانا وأذكر معشري ولو علمت صرف البيوع لسرّها ... بيثرب [2] أن تبتاع حمضا بإذخر أجدّ بني الشرقيّ أنّ أخاهم ... متى يعتلق جارا وإن عزّ يغدر   [1] الأغاني: فانتحروها. [2] الأغاني: بمكة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 ثم ارتحل عنهم. وقدم [1] لميس بن سعد البارقيّ مكة فاشترى منه أبيّ بن خلف سلعة فظلمه إياها، فمشى في قريش فلم يجد أحدا يجيره فقال: [من الطويل] أيظلمني مالي أبيّ سفاهة ... وبغيا ولا قومي لديّ ولا صحبي وناديت قومي صارخا [2] ليجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب ويأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني جمح والحقّ يؤخذ بالغصب [3] ثم كانت قصة الزبيديّ، وقد ذكرت. فأعظم الزبير بن عبد المطلب ذلك وقال: يا قوم إني والله أخشى أن يصيبنا ما أصاب الأمم السالفة من ساكني مكة. فمشى إلى ابن جدعان، وهو يومئذ شيخ قريش، فقال له مثل ذلك، وأخبره بظلم بني سهم وبغيهم. وقد كان أصاب بني سهم أمران لا يشكّ أنهما للبغي: احترق المقاييس [4] منهم وهم قيس ومقيس وعبد قيس بصاعقة، وأقبل منهم ركب من الشام، فنزلوا بماء يقال له الغطيفة [5] ، فصبّوا فضلة خمر لهم في إناء وشربوا ثم ناموا وقد بقيت منها بقيّة، فكرع فيها حية أسود ثم تقيأ في الإناء، فهبّ القوم فشربوا منه فماتوا عن آخرهم. فأذكره هذا ومثله. فتحالف بنو هاشم وبنو المطلب وبنو زهرة وبنوت تيم: بالله القاتل إنا ليد واحدة على الظالم حتى يردّ الحق. وخرجت سائر قريش من هذا الحلف إلّا أنّ ابن الزبير ادعاه لبني أسد في الاسلام. وسأل معاوية جبير بن مطعم [6] عن دعوى   [1] الأغاني: ووفد. [2] الأغاني: بارقا. [3] لم يرد هذا البيت في الأغاني. [4] ع: المقايس. [5] الأغاني: القطيعة (والغطيفة في نسخة) ، ح: العطيفة. [6] السائل (في الأغاني) هو عبد الملك والمسؤول محمد بن جبير بن مطعم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 ابن الزبير في ذلك فقال جبير: هذا هو الباطل. [ عمر بن عبد العزيز ] «627» - قام إلى عمر بن عبد العزيز رجل وهو على المنبر فقال: [من الكامل] إنّ الذين بعثت في أقطارها [1] ... نبذوا كتابك واستحلّ المحرم طلس الذئاب [2] على منابر أرضنا ... كلّ يجور وكلّهم يتظلّم [3] وأردت أن يلي الأمانة منهم ... عدل وهيهات الأمين المسلم [ عمر بن الخطاب ] «628» - قال أنس: بينا عمر رضي الله عنه قاعد إذ جاء رجل من أهل مصر فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مقام العائذ فقال عمر: لقد عذت عائذا، فما شأنك؟ قال: سابقت على فرسي ابنا لعمرو بن العاص، وهو يومئذ على مصر، فمحك فجعل يقنّعني بسوطه ويقول: أنا ابن الأكرمين، وبلغ عمرا فخشي أن آتيك فحبسني في السجن، فانفلتّ منه، فهذا حين أتيتك. فكتب عمر إلى عمرو ابن العاص: إذا أتاك كتابي هذا فاشهد الموسم أنت وابنك فلان، وقال للمصريّ: أقم حتى يأتيك مقدم عمرو؛ فشهد الحاجّ فلما قضى عمر الحجّ، وهو قاعد مع الناس وعمرو بن العاص وابنه إلى جنبه، قام المصريّ فرمى عمر إليه بالدرّة. قال أنس: فلقد ضربه ونحن نشتهي أن يضربه، فلم ينزع عنه حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين. قال: يا   [1] الكامل: أمرتهم أن يعدلوا. [2] الكامل: الثياب. [3] الكامل: كل بنقص نصيبنا يتكلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 أمير المؤمنين قد اشتفيت، قال: ضعها على صلعة عمرو، قال: يا أمير المؤمنين قد ضربت الذي ضربني؛ قال: أم والله لو فعلت لما منعك أحد حتى تكون أنت الذي تنزع. ثم قال: يا عمرو متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟! فجعل يعتذر ويقول: إني لم أشعر بهذا. 629- قال رجل للمنصور كان يعاشره أيام بني مروان: كنت تحدّث يا أمير المؤمنين قبل هذا الوقت بشيء أين أنت عنه الساعة؟ قال ما هو؟ قال كنت تقول: إنّ الخلافة إذا لم تقابل بإنصاف المظلوم من الظالم، ولم تعارض بالعدل في الرعية، وقسمة الفيء بالسويّة، صار عاقبة أمرها بوارا، وحاق بولاتها سوء العذاب. قال: فتنفّس الصّعداء ثم قال: قد كان ما تقول، ولكن استعجلنا ما في الفانية على ما في الباقية، وكأن قد انقضت هذه الدار. فقال له الرجل: فانظر على أيّ حالة تنقضي، فقال المنصور: تبا تبا لعالم أصاره علمه غرضا لسهام الخطايا، وهو عالم بسرعة أزوف المنايا، اللهم إن تقض للمسيئين صفحا فاجعلني منهم، وإن تهب للظالمين عفوا فلا تحرمني منه ما يتطوّل به المولى على أخسّ عبيده [1] . 630- قال الأصمعيّ: سمعت أعرابيا يقول: من اقتصد في الغنى والفقر فقد استعدّ لنائبة الدهر. 631- وقال آخر: الاقتصاد ينمّي القليل، والإسراف يبير الكثير، وهذا من عدل الأفعال. 632- حدث إياس بن سلمة عن أبيه قال: مرّ عليّ عمر وأنا في السوق وهو مارّ في حاجة ومعه الدرة، فقال: هكذا أمط عن الطريق يا سلمة. قال: ثم عفقني بها عفقة فما أصاب إلّا طرف ثوبي، فأمطت عن الطريق. فسكت عنّي حتى كان في العام المقبل، فلقيني في السوق فقال: يا سلمة أردت الحج العام؟   [1] ما يتطول ... عبيده: وضع في ح بصورة عنوان، بخط كبير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فأخذ بيدي فما فارقت يده حتى دخل في بيته، فأخرج كيسا فيه ستمائة درهم فقال: يا سلمة استعن بهذه، واعلم أنها من العفقة التي عفقتك عام أوّل. قلت: والله يا أمير المؤمنين ما ذكرتها حتى ذكرتنيها؛ قال: أنا والله ما نسيتها بعد. 633- وقال الأحنف: كنت مع عمر فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان فإنه قد ظلمني، فرفع الدرة فخفق بها رأسه وقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى إذا شغل في أمر من أمر المسلمين أتيتموه: أعدني أعدني، قال: فانصرف الرجل وهو يتذمّر فقال: عليّ بالرجل، وألقى المخفقة فقال: امتثل، قال: ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله وإما أن تدعها لي، فاعلم ذلك. قال: أدعها لله. قال: انصرف. ثم جاء يمشي حتى دخل منزله ونحن معه، فافتتح الصلاة فصلّى ركعتين ثم قال: يا بنيّ الخطاب، كنت وضيعا فرفعك الله، وكنت ضالّا فهداك الله، وكنت ذليلا فأعزّك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاء رجل يستعدي فضربته، ما تقول لربك إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه في صلاته تلك معاتبة ظننا أنه من خير أهل الأرض. «634» - دخل عمر على أبي بكر رضي الله عنهما فسلّم عليه فلم يردّ، فقال لعبد الرحمن بن عوف: أخاف أن يكون قد وجد عليّ خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فكلم عبد الرحمن أبا بكر فقال: أتاني وبين يديّ خصمان، وقد فرّغت لهما قلبي وسمعي وبصري، وعلمت أنّ الله سائلي [1] عنهما وعمّا قالا وعمّا قلت. 635- كان لعثمان عبد فاستشفع بعليّ أن يكاتبه فكاتبه، ثم دعا عثمان   [1] ح: يسألني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 بالعبد فقال: إني كنت عركت أذنك فاقتصّ مني، فأخذ بأذنه ثم قال عثمان: شدّ شدّ، يا حبذا قصاص الدنيا لا قصاص الآخرة. 636- قال عبد الملك: لقد كنت أتحرّج أن أطأ نملة، وإنّ الحجاج يكتب إليّ في قتل فئام من الناس فما أحفل بذلك. فقال له الزهري: بلغني أنك شربت الطلاء قال: أي والله والدّماء. [ المنصور والفساد ] «637» - روي أنّ المنصور كان يطوف ليلا بالبيت [1] ، إذ سمع قائلا يقول: اللهمّ إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض، وما يحول بين الحقّ وأهله من الطمع. فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد، وأرسل إلى الرجل، فصلّى ركعتين واستلم الركن ثم أقبل مع الرسول، فسلّم عليه بالخلافة. فقال له المنصور: ما الذي سمعتك تذكر من ظهور الفساد والبغي في الأرض، وما الذي يحول بين الحقّ وأهله من الطمع؟ قال: إن أمّنتني يا أمير المؤمنين أعلمتك بالأمور من أصولها، وإلّا اقتصرت على نفسي؛ قال: فأنت آمن على نفسك. قال: يا أمير المؤمنين، إنّ الله استرعاك أمر عباده وأموالهم، فجعلت بينك وبينهم حجابا من الجصّ والآجرّ، وأبوابا من الحديد، وحرّاسا [2] معهم السلاح، ثم سجنت نفسك عنهم؛ وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها، وأمرت أن لا يدخل عليك من الناس إلّا فلان وفلان، ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف إليك؛ ولا أحد إلّا وله في هذا المال حقّ، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصت لنفسك، وآثرتهم على رعيتك، وأمرتهم أن لا يحجبوا دونك، تجبي الأموال وتجمعها قالوا: هذا قد خان الله، فما لنا لا نخونه، وائتمروا ألّا يصل إليك من أخبار   [1] بالبيت: لم ترد عند ابن قتيبة. [2] عيون الأخبار: وحجبته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 الناس إلّا ما أرادوا، ولا يخرج لك عامل إلّا خوّنوه عندك، وبغوه [1] حتى تسقط منزلته؛ فلما انتشر ذلك عنهم وعنك أعظمهم الناس وهابوهم وصانعوهم، وكان أوّل من صانعهم عمّالك بالهدايا والأموال ليقووا بها على ظلم رعيّتك؛ ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيّتك ليتناولوا ظلم من دونهم، فامتلأت بلاد الله بغيا وفسادا، وصار هؤلاء القوم شركاءك، وأنت غافل. فإن جاء متظلّم حيل بينه وبينك، وإن أراد رفع قصّته إليك وجدك قد نهيت عن ذلك، ووقّفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم، فإن جاء ذلك الرجل المتظلّم فبلغ بطانتك خبره، سأل بطانتك [صاحب المظالم] أن لا يرفع مظلمته إليك، فلا يزال المظلوم يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث و [هو] يدفعه، فإذا جهد وأخرج ثم ظهرت طرح [2] بين يديك، فيضرب ضربا مبرحا حتى يكون نكالا لغيره، وأنت تنظر فلا تنكر، فما بقاء الإسلام على هذا؟ وقد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصين، فقدمتها مرة وقد أصيب ملكهم بسمعه، فبكى يوما فحداه جلساؤه على الصبر فقال: أمّا إنّي لست أبكي للبليّة النازلة، ولكنّي أبكي لمظلوم يصرخ فلا أسمع صوته؛ فأمّا إذ ذهب سمعي [3] فبصري لم يذهب؛ نادوا في الناس ألّا يلبس ثوبا أحمر إلّا مظلوم. ثم كان يلتفت طرفي النهار هل يرى مظلوما. فهذا يا أمير المؤمنين مشرك بالله بلغت رأفته بالمشركين هذا المبلغ، وأنت مؤمن بالله ثم من أهل بيت نبيّه صلّى الله عليه وسلم، لا تغلبنّك [4] رأفتك بالمسلمين على شحّ نفسك. قال: فبكى المنصور ثم قال: ويحك كيف احتيالي لنفسي؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنّ للناس أعلاما يفزعون إليها في دينهم فيرضون بها [5] في دنياهم، فاجعلهم بطانتك   [1] عيون: ونفوه. [2] عيون: صرخ. [3] ع: فاما سمعي ذهب. [4] ح: لا تغلبك. [5] ع: بهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 يرشدوك، وشاورهم يسدّدوك. قال: قد نفذت إليهم فهربوا مني، قال: خافوا أن تحملهم على طريقتك؛ ولكن افتح بابك، وسهّل حجابك، وانصر المظلوم، واقمع الظالم، وخذ الفيء والصدقات على وجهها، وأنا ضامن عنهم أن يأتوك ويسعدوك على صلاح الأمة. وجاء المؤذنون فسلّموا عليه فصلّى وعاد إلى مجلسه؛ وطلب الرجل فلم يجده. [ حكايات في العدل والجور ] «638» - رفعت قصص إلى المهديّ، فإذا قصة مكتوب عليها: قصة صاحب السمكة، فقال: ما هي؟ قال الربيع: بينا أبوك مشرفا على دجلة إذ بصر بملّاح صاد سمكة، فوجّه خادما إليه ليشتريها، فاستامها بدينار، فأبى وباعها من تاجر باثني عشر درهما، فاستحضر التاجر وقد شوى السمكة فأخذها منه وأكلها وقال له: لو لم يكن معك مال لما اشتريت سمكة باثني عشر درهما، وأمر خادمه أن يذهب إلى منزله ويحمل ما أصاب في صناديقه، فجاء ببدرتين فقال: أنا رجل معيل وعليّ مؤونة، فأعطاه منها أربعمائة درهم يتعيّش بها. فأمر المهدي أن تطلب البدرتان في بيت المال فجيء بهما مكتوب عليها: مال صاحب السمكة. فقال المهدي: اجعل أبي في حلّ فإنه كان مسرفا على نفسه وخذ المال. «639» - لقي سفيان الثوري شريكا بعدما استقضي فقال: يا أبا عبد الله، بعد الإسلام والخير والفقه تلي القضاء؟! فقال: يا أبا عبد الله لا بدّ للناس من قاض، قال: يا أبا عبد الله لا بدّ للناس من شرطي. «640» - قيل: لم يرتش حكم في الجاهلية غير ضمرة بن ضمرة النهشلي، تنافر إليه عباد بن أنف الكلب الصيداوي ومعبد بن نضلة الفقعسي، فرشاه عباد مائة بعير فنفّره على معبد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 «641» - قال الحسن [1] : كان القاضي في بني إسرائيل إذا اختصم إليه الخصمان رفع أحدهما الرشوة في كمّه، فأراه إياها فلا يسمع إلّا قوله. فأنزل الله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (المائدة: 42) . «642» - قال الحجاج لبعض الدهاقين من الريّ: ما بال بلد كم قد خرب؟ فقال: لأنّ عمالكم استعملوا فيه قول شاعركم: [من السريع] لا تكسع الشّول بأغبارها ... إنك لا تدري من الناتج واصبب لأضيافك ألبانها ... فإنّ شرّ اللبن الوالج «643» - روي أنّ أبرويز نزل بامرأة متنكرا، فحلبت له بقرة، ورأى لها لبنا كثيرا. فقال للمرأة: كم يلزمك في السنة للسلطان عن هذه البقرة؟ فقالت: درهم واحد. قال: وأين ترتع؟ وبكم منها ينتفع؟ قالت: ترتع في أرض السلطان، ولي منها قوتي وقوت عيالي. فجعل في نفسه أن يجعل إتاوة على البقرة، فما لبث أن قالت المرأة: أوه إن سلطاننا همّ بجور، فقال أبرويز لها: ولمه؟ قالت: إنّ درّة البقرة انقطعت، وإنّ جور السلطان مقتض لجدب الزمان كما أنّ عدله مقتض لخصب الزمان. فأقلع أبرويز عما همّ به. 644- كتب أخ لمحمد بن يوسف الأصفهاني إليه من أصفهان، يشكو إليه   [1] ح: الحسين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 جور السلطان، فكتب إليه محمد: أما بعد، فهمت كتابك وما ذكرت فيه، وليس ينبغي لمن عمل الذنب أن ينكر العقوبة. 645- قدم مرزبان من مرازبة القرى على أبي عبد الله وزير المهدي فقال: ولّيت علينا رجلا، إن ولّيته وأنت تعرفه فما خلق الله رعية أهون عليك منا، وإن لم تعرفه فما هذا جزاء الملك الذي ولّاك أمره، وسلّطك على ملكه. فدخل الوزير على المهديّ وخرج وقال: هذا رجل كان له علينا حقّ فكافأناه فقال: أصلحك الله، إنّ على باب كسرى ساجة منقوشة بالذهب مكتوبا عليها: العمل للكفاة، وقضاء الحقوق على بيوت الأموال، فأمر بعزله. «646» - قيل لمعاوية: إنّ أبا مسلم الخولانّي يطوف ويبكي على الإسلام، فقال له: سمعت أنك تطوف وتبكي على الإسلام، فقال: نعم، ما اسمك؟ قال: معاوية. قال: يا معاوية إن عملت خيرا جزيت خيرا، وإن عملت شرّا جزيت شرّا، إنك لو عدلت بين أهل الأرض ثم جرت على واحد منهم لما وفى جورك بعدلك. 647- قال سليمان بن علي لعمرو بن عبيد: ما تقول في أموالنا التي نصرفها في سبيل الخير؟ فأبطأ عمرو في الجواب يريد به وقار العلم ثم قال: إنّ من نعمة الله على الأمير أنه أصبح لا يجهل أنّ من أخذ الشيء من حقه، ووضعه في وجهه، فلا تبعة عليه غدا. فقال: نحن أحسن ظنا بالله منكم، فقال: أقسم على الأمير بالله عزّ وجلّ هل يعلم أحدا كان أحسن ظنا بالله من رسوله؟ قال: لا، قال: فهل علمته أخذ شيئا قطّ من غير حلّه ووضعه في غير حقه؟ قال: اللهم لا، قال: حسن الظنّ بالله أن تفعل ما فعل رسول الله عليه السلام. 648- قيل: أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه عليهم السلام: إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 «649» - قال ابن عباس: ليس للظالم عهد فإن عاهدته فانقضه، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124) . «650» - قدم المنصور البصرة قبل الخلافة فنزل بواصل بن عطاء فقال: إنّ أبياتا بلغتني عن سليمان بن يزيد العدوي في العدل، فمرّ بنا إليه. فأشرف عليهم من غرفة فقال لواصل: من هذا الذي معك؟ قال عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: رحب على رحب، وقرب إلى قرب. فقال: يحبّ أن يسمع أبياتك في العدل فأنشده: [من البسيط] حتى متى لا نرى عدلا نسرّ به ... ولا نرى لولاة الحقّ أعوانا مستمسكين بحقّ قائمين به ... إذا تلوّن أهل الجور ألوانا يا للرّجال لداء لا دواء له ... وقائد ذي عمى يقتاد عميانا فقال المنصور: وددت أني رأيت يوم عدل ثم متّ. قال ابن المبارك: فهلك أبو جعفر والله وما عدل. «651» - استعدت أروى بنت أويس مروان بن الحكم على سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وقالت: أخذ حقّي فأدخله في أرضه، فقال سعيد: كيف أظلمها وقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوّقه الله من سبع أرضين يوم القيامة. وترك لها سعيد ما ادعت ثم قال: اللهم إن كانت أروى ظلمتني فأعم بصرها واجعل قبرها في بيتها، فعميت وخرجت في بعض حاجاتها فوقعت في البئر فماتت. ولما عميت سألت سعيدا أن يدعو لها وقالت: إني قد ظلمتك فقال: لا أردّ ما أعطانيه الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 652- روى عمر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: إذا جار الحاكم قلّ المطر، وإذا غدر بالذمّة ظفر العدوّ، وإذا ظهرت الفاحشة كانت الرّجفة. «653» - قال أحمد بن نصير: قدّم إليّ مجوسيّ لأضربه فقال: يا هذا اضرب بقدر ما تقوى عليه، يريد القصاص في الآخرة، فتركته وتركت عمل السلطان. «654» - قال خياط لابن المبارك: أنا أخيط ثياب السلاطين [1] ، فهل تخاف عليّ أن أكون من أعوان الظّلمة؟ قال: لا، إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة، أما أنت فمن الظّلمة أنفسهم. 655- خطب المهديّ يوما فقال: عباد الله اتقوا الله، فقام رجل فقال: وأنت فاتق الله، فإنك تعمل بغير الحقّ. فأخذ الرجل وأدخل عليه فقال: يا ابن الفاعلة تقول لي وأنا على المنبر اتق الله؟ فقال الرجل: سوءة لك، لو غيرك قالها كنت المستعدى عليه قال: ما أراك إلّا نبطيّا قال: ذاك أوكد للحجّة عليك أن يكون نبطيّ يأمرك بتقوى الله. «656» - قال عبد العزيز العمري للمهدي: اعلم أنّ دوابك التي تركب تمسح بالمناديل، ويبرّد لها الماء، وينقّى لها العلف، فتعجبك شحومها وبريقها [2] وحسن ألوانها، ودينك أعجف قاتم أغبر، والله لو رأيته لساءك منظره. 657- ذكر هشام عند محمد بن كعب القرظي وثمّ محمد بن علي بن الحسين فوقع فيه، فقال القرظي: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون. إنّ   [1] ح: السلطان. [2] ح: وبريقك (ولعلها: ويروقك) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 ملكا من ملوك بني إسرائيل عتا عليهم فانطلق نفر منهم إلى حبرهم وقالوا: تخرج عليه. فقال: ليس بأسيافكم ترجون أن تنالوا ما تريدون، ولكن انطلقوا فصوموا عشرا، وقوموا ولا تظلموا فيها أحدا ولا تطؤوا فيها امرأة. فجاءوا بعد عشر فقال: زيدوا عشرا أخر، فلم يزالوا حتى بلغوا أربعين. ثم قال لهم: اجتمعوا وادعوا الله أن يكفيكم ففعلوا. فدعا الملك ببرذون له، وأمر سائسه بإسراجه، فتشاغب وامتنع البرذون، فغضب الملك وقام وأسرجه وركبه، فجمح به حتى ألقاه فتقطع وهلك. فقال الحبر: هكذا إذا أردتم أن تقتلوا من ظلمكم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 نوادر من هذا الباب «658» - اختصم رجلان إلى قاض، فدنا أحدهما منه وقال له سرا: قد وجهت إلى الدار فراريج كسكرية وحنطة بلديّة وكذا وكذا، فقال القاضي بصوت عال: إذا كانت لك بينة غائبة انتظرناها، ليس هذا مما يسارّ به. «659» - حضر جماعة من أهل زنجان باب السلطان، فشكوا ثقل متولّيهم وتضاعف المؤن عليهم، فأجيبوا إلى حطيطة، فقالوا نحبّ أن يقتصر منّا على الأخماس بدل الأعشار، فصار ذلك بجهلهم رسما عليهم. «660» - كان الفضل بن العباس اللهبي ثقيل البدن تتعذر الحركة عليه، وكان بخيلا فاشتري له حمار، فقال للذي اشترى له الحمار: إني لا أطيق علفه، فإمّا أن بعثت إليّ بقوته وإلّا رددته. فكان يبعث إليه بعلف كلّ ليلة، ولا يدع هو أن يطلب من كلّ أحد يأنس به علفا، ويعلف الحمار التبن، ويبيع الشعير، حتى هزل وعطب. فرفع الحزين الكنانيّ إلى ابن حزم أو غيره قصة، وكتب في رأسها «قصة حمار الفضل اللهبي» ، وشكا فيها أنه يركبه ويأخذ علفه وقضيمه من الناس، فيبيع الشعير ويعلفه التبن، ويسأل أن ينصف منه فقراء الرقعة، وضحك وقال: لئن كنت مازحا إني لأظنك صادقا، فأمر [1] بتحويل الحمار إلى اصطبله ليعلفه ويركبه اللهبي متى أراد.   [1] ح: مر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 661- ابن حجاج من قصيدة له مشهورة: [من الخفيف] ومن الجور والحديث شجون ... جائع بات أيره شبعانا «662» - قيل: كان على الريّ قاض يكنى أبا حزوة [1] ، اختصم إليه قوم في عقد من لؤلؤ وجوهر، فوضع الجوهر بين يدي القاضي وهم يختصمون، فأخذ القاضي حجرا منه فوضعه في فيه ثم ابتلعه، وأعرابيّ ينظر إليه، ففطن له الأعرابي وأنشأ يقول: [من البسيط] دعوت ربّ شعيب أن ينجّيني ... من كورة يبعر الياقوت قاضيها إنّ التي [2] كان أوعاها فأخرجها ... دلّت على عذرات [3] كان يخفيها «663» - ولّى المنصور سليمان بن راميل، وضمّ إليه ألفا من العجم، فقال: قد ضممت إليك ألف شيطان تذلّ بهم الخلق. فعاثوا في نواحي الموصل، فكتب إليه كفرت النعمة يا سليمان، فأجاب (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) (البقرة: 102) فضحك المنصور وأمدّه بغيرهم. «664» - شكا رجل إلى كسرى بعض عماله وأنه غصبه ضيعة، فقال له: قد أكلتها أربعين سنة، فما عليك أن تتركها على عاملي سنة؟ قال: أيها الملك وما عليك أن تسلّم ملكك إلى بهرام فيأكله سنة؟ فأمر أن يوجأ في عنقه فقال: أيها الملك دخلت بمظلمة وأخرج بمظلمتين؟ فأمر بردّ ضيعته وقضى حوائجه.   [1] ح: حرّة. [2] ح: الذي. [3] ح: غدرات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 665- غزا محمد بن واسع خراسان مع قتيبة، فرعوا الزرع، وأخذ هو بعنان فرسه يتخلّل به الأودية. فقال له دهقان القرية: أنت الذي أهلكتني، قال: كيف؟ قال: لولا أنت لهلك هؤلاء. 666- دخل رجل على الحجاج فقال: ما عندك؟ قال: علم ألسنة الطير، فإذا هامتان تجاوبتا فقال: ما تقولان؟ قال: تخطب إحداهما بنت الأخرى فتقول لها: لا أزوّجك إلّا بأربعمائة قصر منيف خراب؟ قال: أين تجد ذلك؟ قال: ما دام مثلك حيّا لا نعدمه، قال: كيف؟ قال: إنك تقتل الأخيار وتعطّل الديار. «667» - ألحّ رجل من المتظلّمين على أحمد بن الخصيب وهو راكب إلى المنتصر، فركله فقيل فيه: [من الكامل] قل للخليفة يا ابن عمّ محمد ... اشكل وزيرك إنّه ركّال «668» - ومثله ما رفع إلى المأمون أنّ قاضيا له كان يعضّ الخصوم فوقّع في الرقعة: يشنق [1] . 669- خطب عليّ عليه السلام أهل الكوفة ودعا إلى الجهاد، فقال أريد الفزاريّ: والله لا نجيبك، فضربه قوم من همدان حتى مات، فوداه عليّ من بيت المال، فقال علاقة بن عركي التميمي: [من الطويل]   [1] م: ليسنق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 معاذ إلهي أن تكون منيّتي ... كما مات في سوق البراذين أربد تعاوره همدان خصفا نعالها ... إذا رفعت عنه يد وقعت يد 670- أخرج [1] أبو علي ابن رستم عاملا إلى بعض النواحي، وكان في القرية حمام كثير، فعدّها وأخذ واحدة منها وشقّ حوصلتها، وعدّ الحبوب الموجودة فيها، واحتسب بذلك وقال: إنّ كلّ حمامة تأكل في السنة من الحنطة كذا، فألزمهم ذلك، فكتب إليه أبو عليّ كتابا وفي آخره: [من الرجز] عجبت من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طرادي الطير عن أرزاقها في سنة قد كشّفت عن ساقها وهي من أبيات لرؤبة بن عيينة. 670 ب-[وقال آخر] [2] : [الرمل المجزوء] يتغنّى القيد في رج ... ليه ألوان الغناء باكيا لا رقأت عي ... ناه من طول البكاء 671- أقام عامل على دهقان عونين وأمرهما بنتف سباله، فقال: لم تفعل هذا أصلحك الله؟ قال: حتى تصحّح خراجك، وخراج أهل بيتك، وخراج شركائك، فلما أطال رفع رأسه إلى العونين فقال: انتفا على بركة الله. 672- كان معلّم يقعد أبناء المياسير في الظلّ، وأبناء الفقراء في الشمس ويقول: يا أهل الجنّة ابزقوا على أهل النار. 673- كان صاحب ربع يتشيّع، فارتفع إليه خصمان اسم أحدهما عليّ والآخر معاوية، فتحامل على معاوية فضربه مائة مقرعة من غير أن اتجهت عليه حجّة، ففطن من أين أتي فقال: أصلحك الله، سل خصمي عن كنيته، فإذا هو   [1] م ح: خرج. [2] جاء البيتان متصلين بما قبلهما دون فاصل. وفي إحدى نسخ رئيس الكتاب سقط البيتان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 أبو عبد الرحمن، فبطحه وضربه مائة مقرعة، فقال لصاحبه: ما أخذت مني بالاسم استرجعته منك بالكنية. «674» - كان أبو ضمضم على شرطة الكوفة، فلم يحدث في عمله حادث، فأخذ رجلا من عرض الناس فجرّده للسياط، واجتمع عليه النظارة، فقال الرجل: ما ذنبي أصلحك الله؟ قال: أحبّ أن تجمّلنا بنفسك ساعة. «675» - قال كعب: نهيق الحمار دعاء على الظلمة، فحدّث به المسيّب بن شريك فقال: لو علمت أنّ هذا حقا لزدت في قضيم حماري. «676» - قال أبو المطراب وهو من لصوص الحجاز وقد تاب فظلم: [من الوافر] ظلمت الناس فاعترفوا بظلمي ... فتبت فأزمعوا أن يظلموني فلست بصابر إلّا قليلا ... فإن لم ينتهوا راجعت ديني «677» - تقدّم رجلان إلى قاض، فتكلّم أحدهما ولم يترك الآخر يتكلّم، فقال: أيها القاضي يقضى على غائب، قال: كيف؟ قال: أنا غائب إذا لم أترك أن أتكلّم. «678» - بنى ابن أسد قصرا بالبصرة، وكانت في جانب منه حجرة صغيرة لعجوز كانت تساوي عشرين دينارا، فاحتاج إليها وطلبها بمائتي دينار، فأبت. فقيل لها: إنّ القاضي يحجر عليك لسفاهتك لأنك ضيّعت مائتين فيما قيمته عشرون، فقالت: ولم لا يحجر على من يشتري بمائتين ما يساوي عشرين؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 فحجّت فاشتريت بثلاثمائة دينار. 679- كان لسعيد بن خالد القرشي طائر اسمه كسرى، وفرخ له اسمه ساسان، فأكل الفرخ سنّور جار له يعرف بأنس، فكتب إلى العلاء بن منظور صاحب شرطة الكوفة، وهو الذي وهب له كسرى: [من الرمل] يا ابن منظور بن قيس دعوة ... ضوءها أنور من ضوء القبس إنّ ساسان بن كسرى غاله ... في سواد الليل سنّور أنس فأقدنا منه أو أخلفه أو ... خلّ بين الناس من عزّ افترس 680- قيل: أخذ رجل ذئبا وهو يعظه ويقول له: إياك وأخذ أغنام الناس فيعاقبك الله، والذئب يقول: خفّف واقتصر، فقدّامي قطيع من الغنم لا يفوتني. 681- انحدر القاضي أبو بكر ابن قريعة إلى ضيعة له، فلما وصلت سميريّته إلى شاطىء القرية سبق أكّار من أكرته يهوديّ اسمه شعيب، ومعه جماعة، فتظلّم من وكيله وأعطاه رقعة كان قد كتبها له معلّم في القرية [1] في وقتها بالحبر، وأخذها وطواها وهي رطبة فانطمس أكثرها. فلما دفعها إلى القاضي أعطاها لكاتبه فقال: اقرأ ما فيها، فلم يفهم شيئا من المكتوب فيها، فأطال استخراجه لها، والقاضي مستوفز والأكرة يصيحون، فضاق صدره واستبطأ كاتبه [2] ، فأخذ الرقعة من يديه ليقرأها فكانت صورته مثل صورة الكاتب فردّها إليه وقال له: وقّع فيها (يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) (هود: 91) وادفع الرقعة إليه، ونهض من السميرية صاعدا [3] . يتلوه: باب العقل والحمق.   [1] ح: متعلم من القرية. [2] ح: قراءة كاتبه. [3] بعد هذا في ح: بلغ. نجز الباب الثاني عشر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 الباب الثّالث عشر في العقل والحنكة والتجارب والحمق والجهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * اللهم إنّا نحمدك على مزيّة العقل التي خصصت بها الإنسان، وفضّلته بها على الحيوان، وجعلته إلى معرفتك سبيلا، وعلى فوائد فضلك دليلا، واعتمدت عليه في التكليف والعبادة، ووعدت عليهما خير الجزاء والإفادة، ووقفتنا به على دقائق المعلومات، وبيّنت لنا به مناهج الخيرات، فاهتدى إليها من اهتدى بتوفيقك وتسديدك، وضلّ عنها وحار من عدم الإعانة من توفيقك وتأييدك. ونعوذ بك من الجهل المضلّ عن سنن هداك القويم ورشدك، الداعي إلى سخطك الأليم وغضبك. وأشهد أن لا له إلّا الله وحده لا شريك له شهادة تنفي الضلالة، وتشفي من عمى الجهالة، وأسأله الصلاة على رسوله المصطفى ونبيّه المجتبى، الذي دلّت على بعثته العقول والألباب، وخصمت حجته الجهول والمرتاب، ووضحت به معالم الهدى فاستنارت، وكسدت بضائع النفاق فبارت، وعلى آله وأصحابه، أهل الفضل وأربابه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 (الباب الثالث عشر في العقل والحنكة والتجارب والحمق والجهل [1] ) [ آيات وأحاديث وحكم ] فضيلة العقل أنّ الله عزّ وجلّ لم يخاطب إلّا أهله، وجعل التكليف عليه، ورفع به درجاتهم لديه، وجعل جميع مخلوقاته التي لا تعقل، وإن عظمت جثة وقوة وبطشا، آلة وخدما وسخريّا للعقلاء؛ قال الله تعالى (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (إبراهيم: 52) (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (البقرة: 269) (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (الفجر: 5) وبيّن عزّ وجلّ خيبة من لم يعقل بقوله (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) (يس: 70) قيل عاقلا (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (الملك: 10) . «682» - وروي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله قال: أول ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم عليّ منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب.   [1] ح: في الجهل والعقل والحنكة والتجارب والحمق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 «683» - وروي عنه صلّى الله عليه وعلى آله أنه قال: إنّ الله قسم العقل على ثلاثة أجزاء، فمن كنّ فيه كمل عقله، ومن لم يكن فيه جزء منها فلا عقل له. قيل: يا رسول الله ما أجزاء العقل؟ قال: حسن المعرفة بالله، وحسن الطاعة لله، وحسن الصبر على أمر الله. 684- وقال صلّى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، اعقلوا عن ربكم، وتواصوا بالعقل تعرفوا به ما أمرتم به وما نهيتم عنه؛ والخبر طويل. «685» - وقال أنس بن مالك: أثنى قوم على رجل عند النبي صلّى الله عليه وعلى آله حتى بالغوا، فقال صلّى الله عليه وعلى آله: كيف عقل الرجل؟ فقالوا: نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: إنّ الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنّما يرتفع العباد غدا في الدرجات زلفى من ربّهم على قدر عقولهم. «686» - وعن عمر رضي الله عنه أنه صلّى الله عليه وسلم قال: ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى، ويردّه عن ردى. وما تمّ إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله. 687- وعنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال: لكلّ شيء دعامة، ودعامة المؤمن عقله، فبقدر عقله تكون عبادته. أما سمعتم قول الفاجر (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) . «688» - وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لتميم الداري: ما السؤدد فيكم؟ قال: العقل، قال: صدقت، سألت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله كما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 سألتك، فقال كما قلت، ثم قال: سألت جبريل ما السؤدد فقال: العقل. «689» - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله بأيّ شيء تفاضل الناس في الدنيا؟ قال: بالعقل، قلت: وفي الآخرة؟ قال: بالعقل. قلت: أليس إنما يجزون بأعمالهم؟ فقال: يا عائشة، وهل عملوا إلّا بقدر ما أعطاهم الله تعالى من العقل؟ فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم، وبقدر ما عملوا يجزون. 690- وقال صلّى الله عليه وسلم: إنّ أحبّ المؤمنين إلى الله من نصب في طاعة الله، ونصح لعباده، وكمل عقله، ونصح نفسه فأبصر، وعمل به أيام حياته فأفلح وأنجح. 691- وقال صلّى الله عليه وسلم: أتمّكم عقلا أشدكم خوفا، وأحسنكم فيما أمر به ونهى عنه نظرا، وإن كان أقلّكم تطوّعا. «692» - قال لقمان لابنه: يا بنيّ إنّ غاية الشرف والسؤدد في الدنيا والآخرة حسن العقل لأنّ العبد إذا حسن عقله غطّى ذلك عيوبه، وأصلح مساوئه، ورضي عنه خالقه. وكفى بالمرء عقلا أن يسلم الناس من شرّه. «693» - ومن كلامه: أن تكون أخرس عاقلا، خير من أن تكون نطوقا جاهلا. ولكلّ شيء دليل، ودليل العقل التفكّر، ودليل التفكر الصمت، وكفى بك جهلا. أن تنهى الناس عن شيء وتركبه. «694» - وقال بزرجمهر: لا شرف إلّا شرف العقل، ولا غنى إلّا غنى النفس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 «695» - وقال أردشير: من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خلال الخير عليه. «696» - قيل: مكتوب في حكمة آل داود عليه السلام: على العاقل أن يكون عالما بأهل زمانه، مالكا للسانه، مقبلا على شانه. 697- قال أبو عطاء السندي: [من الوافر] فإنّ العقل ليس له إذا ما ... تذكّرت الفضائل من كفاء وإنّ النّوك للأحساب غول ... به تأوي إلى داء عياء فلا تثقن من النوكى بشيء ... وإن كانوا بني ماء السماء [ حقيقة العقل ] «698» - وأما حقيقة العقل ومعناه وحدّه فقد كثر اختلاف الناس فيه، فقالت طائفة: هو ما وقع عليه التكليف، والناس فيه مستوون لا يتفاوتون فيه، ولا يرجح كبيرهم على صغيرهم؛ وإنما التفاوت الذي نراه في العالم بالتجارب وزيادة بعضهم على بعض في الذكاء والفطنة والحسّ وغير ذلك. وقالت طائفة: هو متفاوت، وزيادة الناس فيه بعضهم على بعض ظاهرة واضحة. وهذا معتبر معلوم، وقد نرى الصبيّ في أوّل عمره ومبدأ أمره قبل التجربة أعقل من شيخ مجرّب قد حلب الدهر أشطره، وذاق حلوه ومرّه. ومن مليح ما وصف به العقل أنه نور يقذف في القلب تدرك به المعلومات. وليس هذا موضع اختلاف الناس فيه، فإنه بكتب الأصول أليق، ولكني أورد ما بيّنه أبو حامد الغزالي رحمه الله مختصرا فإنه أنصف وحقّق وأوضح. [ فصل للغزالي في العقل ] «699» - قال أبو حامد: العقل اسم يطلق بالاشتراك على أربعة معان كما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 يطلق اسم العين مثلا على معان عدة، وما يجري هذا المجرى، فلا ينبغي أن يطلب لجميع أقسامه حدّ واحد، بل يفرد كلّ قسم بالكشف عنه: فالأول: الوصف الذي به يفارق الإنسان سائر البهائم، وهو الذي به استعدّ لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الفكرية، وهو الذي أراده الحارث المحاسبيّ حيث قال في حدّ العقل: إنه غريزة يتهيّأ بها درك العلوم النظرية. ولم ينصف من أنكر هذا وردّ العقل إلى مجرّد العلوم الضرورية، فإنّ الغافل عن العلوم والنائم يسمّيان عاقلين باعتبار وجود هذه الغريزة مع فقد العلوم، وكما أنّ الحياة غريزة بها يتهيّأ الجسم للحركات الاختيارية والإدراكات الحسيّة، فكذلك العقل غريزة بها يتهيأ بعض الحيوانات للعلوم النظرية، ولو جاز أن يسوّى بين الإنسان والحمار في الغريزة [1] . وقال [2] : لا فرق إلّا أنّ الله تعالى بحكم إجراء العادة يخلق في الإنسان علوما ليس يخلقها في الحمار والبهائم لجاز أن يسوّى بين الجماد والحمار في الحياة. ويقال لا فرق إلّا أنّ الله يخلق في الحمار حركات مخصوصة بحكم إجراء العادة، فإنه لو قدر الحمار جمادا صمتا لوجب القول بأنّ كلّ حركة تشاهد منه فالله قادر على خلقها فيه على الترتيب المشاهد. وكما وجب أن يقال لم تكن مفارقته للجماد في الحركة إلّا لغريزة اختصّت به عبّر به عنها بالحياة، فكذا [3] مفارقة الإنسان البهيمة في إدراك العلوم النظرية بغريزة يعبّر عنها بالعقل. وهي كالمرآة التي تفارق غيرها من الأجسام في حكاية الصورة والألوان لصفة اختصّت [4] بها، وهي الصّقالة؛ وكذلك العين تفارق الجبهة في هيئات وصفات بها استعدّت للرؤية. فنسبة هذه الغريزة إلى العلوم نسبة العين إلى الرؤية، ونسبة القرآن والشرع إلى هذه الغريزة في سياقها إلى انكشاف العلوم لها   [1] م: الغريزية. [2] م: ويقال. [3] ح: فهكذا. [4] ح: اقتضت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 كنسبة نور الشمس إلى البصر. فهكذا ينبغي أن تفهم هذه الغريزة. الثاني: هي العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميّز بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، كالعلم بأنّ الاثنين أكثر من الواحد، وأنّ الشخص الواحد لا يكون في مكانين. وهو الذي عناه بعض المتكلّمين حيث قال في حدّ العقل: إنه بعض العلوم الضرورية بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وهو أيضا صحيح في نفسه، لأنّ هذه العلوم موجودة وتسميتها عقلا ظاهر، وإنما الفاسد أن تنكر تلك الغريزة ويقال: لا موجود إلّا هذه العلوم. الثالث: علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال. فإنّ من حنّكته التجارب وهذّبته المذاهب يقال إنه عاقل في العادة، ومن لا يتصف به يقال إنه غبي جاهل. فهذا نوع آخر من العلوم يسمّى عقلا. والرابع: أن تنتهي قوة تلك الغريزة إلى أن يعرف عواقب الأمور، ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذّة العاجلة ويقهرها، فإذا حصلت هذه القوّة سمّي صاحبها عاقلا من حيث أنّ إقدامه وإحجامه بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب لا بحكم الشهوة العاجلة. وهذه أيضا من خواصّ الإنسان التي بها يتميّز عن سائر الحيوانات. فالأول هو الأسّ والسّنخ والمنبع، والثاني هو الفرع الأقرب إليه، والثالث فرع الأول والثاني، إذ بقوّة الغريزة والعلوم تستفاد علوم التجارب، والرابع هو الثمرة الأخيرة، وهي الغاية القصوى؛ فالأولان بالطبع، والأخيران بالاكتساب. ولذلك قال عليّ عليه السلام: العقل عقلان: فمطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع إذا لم يكن [1] مطبوع، كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع [2] .   [1] م ح: يك. [2] يكتب قول علي على شكل شعر، مع بعض تغيير، كأن تغير «يكن» فتجعل «يك» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 والأول [1] هو المراد بقوله عليه السلام: ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل. والأخير هو المراد بقوله عليه السلام: إذا تقرّب الناس بأبواب البرّ فتقرب أنت بعقلك. وهو المراد بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأبي الدرداء رضي الله عنه: ازدد عقلا تزدد من ربك قربا فقال: بأبي أنت وأمي، وكيف لي بذلك؟ فقال: اجتنب محارم الله، وأدّ فرائض الله تكن عاقلا، واعمل بالصالحات من الأعمال تزدد في عاجل الدنيا رفعة وكرامة وتنل من ربّك القرب والعزّ. وعن سعيد بن المسيب أنّ عمر وأبيّ بن كعب وأبا هريرة دخلوا على رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله فقالوا: يا رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله من أعلم الناس؟ فقال: العاقل، فقالوا: فمن أفضل الناس؟ قال: العاقل، قالوا: أليس العاقل من تمّت مروءته، وظهرت فصاحته، وجادت كفّه، وعظمت منزلته؟ فقال عليه السلام: (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) (الزخرف: 35) إنّ العاقل هو المتقي وإن كان في الدنيا خسيسا دنيّا. وقال في حديث آخر: إنما العاقل من آمن بالله، وصدّق رسله، وعمل بطاعته. ويشبه أن يكون الاسم في أصل اللغة لتلك الغريزة وكذا في الاستعمال، وإنما أطلق على العلوم من حيث أنها ثمرتها كما يعرف الشيء بثمرته، فيقال: العلم هو الخشية، والعالم من يخشى الله، فإنّ الخشية ثمرة العلم، فيكون كالمجاز لغير تلك الغريزة. ولكن ليس الغرض البحث عن اللغة [2] . والمقصود أنّ هذه الأقسام الأربعة موجودة، والاسم يطلق على جميعها، ولا خلاف [3] في وجود جميعها إلّا في القسم الأول؛ والصحيح وجودها بل هي الأصل. وهذه   [1] ح: والأولان. [2] م: العلة. [3] ع: والاختلاف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 العلوم كأنها [1] مضمنة [2] في تلك الغريزة بالفطرة، ولكن تظهر إلى الوجود إذا جرى سبب يخرجها إلى الوجود حتى كأنّ هذه العلوم ليست شيئا واردا عليها من الخارج [3] ، وكأنها كانت مستكنّة فيها فظهرت. ومثاله الماء في الأرض، فإنه يظهر بحفر القنيّ ويجتمع ويتميّز للحسّ لا بأن يساق إليها شيء جديد، وكذلك الدهن في اللوز وماء الورد، ولذلك قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف: 172) فالمراد به إقرار نفوسهم [4] لا إقرار الألسنة، فإنهم انقسموا في إقرار الألسنة حيث وجدت الألسنة والأشخاص، ولذلك قال تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (الزخرف: 87) معناه إن اعتبرت أحوالهم شهدت بذلك نفوسهم وبواطنهم (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (الروم: 30) أي كلّ آدميّ فطر على الإيمان بالله بل على معرفة الأشياء على ما هي عليه، أعني أنها كالمضمّنة فيها لقرب استعدادها للإدراك. ثم لما كان الإيمان مركوزا في النفوس بالفطرة انقسم الناس إلى من أعرض فنسي، وهم الكفّار، وإلى من أجال خاطره فتذكّر فكان كمن حمل شهادة فنسيها بغفلة ثم تذكّرها. لذلك قال تعالى: (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة: 221) [5] (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (ص: 29) (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) (المائدة: 7) (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: 17) ؛ وتسمية هذا النمط تذكرا ليس ببعيد، وكأنّ التذكر ضربان أحدهما: أن تذكر صورة كانت حاضرة الوجود في القلب لكن غابت بعد الوجود، والآخر أن يكون عن صورة كانت   [1] م: كلها. [2] ح: مصمتة. [3] ح: من خارج. [4] ح: إقرار نفسه. [5] ترد في عدة سور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 مضمّنة فيه بالفطرة. وهذه حقائق ظاهرة للناظر بنور البصيرة، ثقيلة على من ستر وجه السماع والتقليد دون الكشف والعيان، ولذلك تراه يتخبّط في مثل هذه الايات ويتعسّف في تأويل التذكّر وإقرار النفوس أنواعا من التعسّفات، ويتخايل إليه في الأخبار والآيات ضروب من المناقضات، ومثاله مثال الأعمى الذي يدخل دارا فيعثر فيها بالأواني المصفوفة في الدار، فيقول: ما لهذه الأواني لا ترفع من الطريق وتردّ إلى مواضعها؟ فيقال له: إنها في مواضعها وإنما الخلل في بصرك. فكذلك خلل البصيرة يجري مجراه وأعظم، إذ النفس كالفارس والبدن كالفرس، وعمى الفارس أضرّ من عمى الفرس. ولمشابهة بصيرة الباطن لبصيرة الظاهر قال الله تعالى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (النجم: 11) قال (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الأنعام: 75) وسمى ضده عمى فقال (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج: 46) وقال تعالى: (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) (الإسراء: 72) وهذه الأمور التي كشفت للأنبياء: بعضها كان بالبصر، وبعضها بالبصيرة، وسمّي الكلّ رؤية. قال أبو حامد: والحقّ الصريح أنّ التفاوت يتطرّق إلى الأقسام الأربعة، سوى القسم الثاني، وهو العلم الضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات. فإنّ من عرف أنّ الاثنين أكثر من الواحد عرف أيضا استحالة كون الشخص في مكانين، وكون الشيء الواحد قديما وحادثا، وكلّ من يدركه يدركه محققا من غير شك. فأما الأقسام الثلاثة فالتفاوت يتطرّق إليها. أما القسم الرابع وهو استيلاء القوة على قمع الشهوات لا يخفى تفاوت الناس فيه، بل لا يخفى تفاوت أحوال الشخص الواحد. وهذا التفاوت تارة يكون لتفاوت الشهوة إذ قد يقدر العاقل على ترك بعض الشهوات دون بعض ولكن غير مقصور عليه، فإنّ الشابّ قد يعجز عن ترك الزنا وإذا كبر وتمّ عقله قدر عليه؛ وشهوة الرياء والرياسة تزداد قوة بالكبر لا ضعفا، وقد يكون سببه التفاوت في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 العلم المعرّف لغائلة تلك الشهوة. ولهذا يقدر الطبيب على الاحتماء عن بعض الأطعمة المضرّة، وقد لا يقدر من يساويه في العقل إذا لم يكن طبيبا، وإن كان يعتقد على الجملة فيه مضرّة. وإذا [1] كان علم الطبيب أتمّ كان خوفه أشدّ، فيكون الخوف جندا [2] للعقل وعدّة في قمع الشهوة وكسرها. ولذلك يكون العالم أقدر على ترك المعاصي من العامي لقوة علمه بضرر المعاصي. فإن كان التفاوت من جهة الشهوة لم يرجع إلى تفاوت العقل، وإن كان من جهة العلم فقد سمّينا هذا الضرب من العلم عقلا فإنه يقوّي غريزة العقل فيكون التفاوت فيما رجعت التسمية إليه. وقد يكون لمجرد التفاوت في غريزة العقل فإنها إذا قويت كان قمعها للشهوة لا محالة أشدّ. وأما القسم الثالث وهو علم التجارب فتفاوت الناس فيها لا ينكر، فإنهم يتفاوتون بكثرة الإصابة وبسرعة الإدراك، ويكون سببه إما تفاوت في الغريزة، وإما تفاوت في الممارسة. أما الأول وهو الأصل- أعني الغريزة- فالتفاوت فيه لا سبيل إلى جحده فإنه مثل نور يشرق على النفس ويطلع صبحه، ومبادي إشراقه عند سنّ التمييز، ثم لا يزال ينمي ويزداد نموّا خفيّ التدرج [3] إلى أن يتكامل بقرب الأربعين سنة، ومثاله نور الصبح، فإنّ أوائله تخفى خفاء يكاد يشقّ إدراكها، ثم يتدرّج إلى الزيادة إلى أن يكمل بطلوع قرص الشمس. وتفاوت نور البصيرة كتفاوت [4] نور البصر، فالفرق مدرك بين الأعمش وبين الحادّ البصر، بل سنّة الله جارية في جميع خلقه بالتدريج في الايجاد حتى إنّ غريزة الشهوة لا تركن في الصبي عند البلوغ دفعة وبغتة، بل تظهر شيئا شيئا على التدريج، وكذا جميع القوى والصفات. فمن أنكر تفاوت الناس في هذه الغريزة   [1] ح: ولكن إذا. [2] ح: جيدا. [3] ح: التدريج. [4] ح: وتقارب نور ... كتقارب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 فكأنه منخلع عن ربقة العقل، ومن ظنّ أنّ عقل النبي صلّى الله عليه وسلم مثل عقل آحاد السواديّة وأجلاف البوادي فهو أخسّ في نفسه من آحاد السواديّة وأجلاف البوادي. وكيف ينكر تفاوت الغريزة ولولاه لما اختلف الناس في فهم العلوم ولما انقسموا إلى بليد لا يفهم إلّا بالتفهيم بعد تعب طويل من المعلّم وإلى ذكيّ يفهم بأدنى رمز وإشارة، وإلى كامل تنبعث من نفسه حقائق الأمور دون التعليم، يكاد زيته يضيء ولو لم تمسسه نار؛ وذلك مثل الأنبياء صلوات الله عليهم إذ يتضح لهم في باطنهم أمور غامضة من غير تعلّم وسماع، ويعبّر عن ذلك بالإلهام، وعن مثله عبّر نبيّنا صلّى الله عليه وسلم حيث قال: إنّ روح القدس نفث في روعي: أحبب من أحببت فإنك مفارقه، وعش ما شئت فإنك ميّت، واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به. وهذا النمط من تعريف الملائكة للأنبياء يخالف الوحي الصريح الذي هو سماع للصوت بحاسّة الأذن ومشاهدة للملك بحاسّة البصر، ولذلك أخبر عن هذا بالنّفث في الروع. ودرجات الوحي كثيرة والخوض فيها لا يليق بعلم المعاملة، بل هو من علم المكاشفة، ولا تظنّنّ أنّ معرفة درجات الوحي تستدعي منصب الوحي، إذ لا يبعد أن يعرّف الطبيب للمريض درجات الصحة، ويعلّم [العالم] الفاسق ودرجات العدالة وإن كان خاليا عنها. فالعلم شيء ووجود المعلوم شيء آخر، فلا كلّ من عرف النبوة والولاية كان نبيّا، ولا كلّ من عرف التقوى والورع ودقائقه كان تقيا. وانقسام الناس إلى من ينتبه من نفسه ويفهم، وإلى من لا يفهم إلّا بتنبيه وتعليم، وإلى من لا ينفعه التعليم أيضا ولا ينبّهه، كانقسام الأرض إلى ما يجتمع فيه الماء ويقوى فيتفجّر بنفسه عيونا، وإلى ما يحتاج إلى الحفر ليخرج في القنوات، وإلى ما لا ينفع فيه الحفر وهو اليابس، وذلك لاختلاف جواهر الأرض في صفاتها؛ فكذلك هذا لاختلاف النفوس في غريزة العقل. ويدلّ على تفاوت [1]   [1] ح: تقارب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 العقل من جهة النقل ما روي أنّ ابن سلام سأل رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله في حديث طويل في آخره وصف عظم العرش، وأنّ الملائكة قالت: يا ربّ خلقت شيئا أعظم من العرش؟ قال: نعم العقل، قالوا: وما بلغ من قدره؟ قال: هيهات لا يحاط بعلمه، هل لكم علم بعدد الرمل؟ قالوا: لا، قال: فإني خلقت العقل أصنافا شتّى كعدد الرمل، فمن الناس من أعطي حبّة، ومنهم من أعطي حبتين، ومنهم الثلاث والأربع، ومنهم من أعطي فرقا ومنهم من أعطي وسقا، ومنهم أكثر من ذلك. آخر كلام أبي حامد. ونذكر الآن ما جاء من كلام الحكماء والأدباء ونظم الشعراء في العقل والعاقل والجهل والجاهل، وأخبارا تناسب ذلك وتجري معه إن شاء الله تعالى. 700- قال أبو سليمان محمد بن بهرام السجستاني المنطقي: الناس أصناف في عقولهم، فصنف عقولهم مغمورة بشهواتهم، فهم لا يبصرون بها إلّا حظوظهم المعجّلة، فلذلك يكيسون في طلبها ونيلها، ويستعينون بكلّ طاقة ووسع على الظّفر بها. وصنف عقولهم متنبّهة لكنّها مخلوطة بسنات الجهل، فهم يحرصون على الخير واكتسابه ويخطئون كثيرا، وذلك أنهم لم يكملوا في جبلّتهم الأولى، وهذا نعت موجود في العبّاد الجهلة والعلماء الفجرة، كما أنّ النعت الأول موجود لطالبي الدنيا بكلّ حيلة ومحالة. وصنف عقولهم ذكيّة متلهّبة [1] لكنها عميّة عن الآجلة، فهي تدأب في نيل الحظوظ بالعلم والمعرفة، والوصايا اللطيفة، والسمعة الربّانية. وهذا موجود في العلماء الذين لم تثلج صدورهم بالعلم، ولا حقّ عندهم الحقّ اليقين، وقصروا عن حال أبناء الدنيا الذين يشيمون في طلبها السيوف الحداد، ويطيلون إلى نيلها السواعد الشداد، فهم بالكيد والحيلة يسعون في طلب اللذاذة والراحة. وصنف عقولهم مضيئة بما   [1] ح: ملتهبة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 فاض عليها من عند الله باللطف الخفيّ، والاصطفاء السنيّ، والاجتباء [1] الذكي، فهم يحلمون بالدنيا ويستيقظون بالآخرة، فتراهم حضورا وهم غيّب، وأشباها وهم متباينون، وكلّ صنف من هؤلاء مراتبهم مختلفة، وإن كان الوصف قد جمعهم باللفظ. وهذا كما تقول الملوك ساسة، ولكلّ واحد منهم في حاله خاصة، وهؤلاء شعراء ولكلّ واحد منهم بحر، وهؤلاء بلغاء ولكلّ واحد منهم أسلوب، وهؤلاء علماء ولكلّ واحد منهم مذهب. «701» - وقيل: العقل عقلان: فعقل تفرّد الله عزّ وجلّ بصنعه، وعقل يستفيده المرء بأدبه وتجربته. ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلّا بصحة العقل المركّب في الجسد، فإذا اجتمعا قوّى كلّ واحد منهما صاحبه تقوية النار في الظلمة نور البصر. 702- قال سهل بن هارون، فيما ترجمه عن الحكماء: إنّ المعرفة لا تحيط بمقدار عقل في إنسان، حتى إذا أراد واصف أن يصفه لم يتجاوز حدّه إلى زيادة ولم يقصّر عنه نقصان. وذلك أنّ العقل ثبات المعرفة، وقد يوجد الإنسان ثابت المعرفة بشيء وغير ثابتها بشيء آخر، فلا يقدر على إحصاء ما تثبت فيه معرفة المرء مما لا تثبت إلّا الخالق، غير أنّ قلوب ذوي الألباب موازين معرفتها لا يزن بها أحد بعد اختباره وصحة الفهم له إلّا كادت أن تضعه في ميزان عدل منها. وللقلوب في ذلك بما طوّقت من الفهم فضل على الألسن بما طوّقت من النطق وإن كانت تراجمة للقلوب. ألا ترى أنّ قائلا لو اجتهد في وصفه لما أتى على كنه معرفة قلبه، وليس ذلك لكلال من اللسان يلزمه عيبه، ولكنّ الفهم ألطف منه مدخلا وأدقّ مسلكا.   [1] ح: والاختيار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 702 ب- قال: وسبب زيادة الفهم على المنطق أنّ اللسان رسول والقلب مرسل، ولا يقوم الرسول مقام المرسل. 702 ج- قال: والعقل صيغة موجودة في ضريبة الإنسان، ليس باكتساب. 702 د- قال: وموضع اللائمة للجاهل أنّ الجهل لو كان موجودا لا عقل معه لسقطت اللوائم عن صاحبه، ولكنّه يكون للمرء جزء من العقل فيلزمه من اللوم بقدر ما أضاعه بذلك الجزء، فإن كلّفه مكلّف أكثر من طاقة عقله فقد ظلمه، وهذا كثير في الناس: أن يؤنّبوا أهل النقص بأكثر من مقدار ما يلزمهم. وإنما يؤتى اللائم في ذاك من قلّة معرفته بمقدار ما يسعه عقل الملوم، فيكلّفه فوق طاقته. ألا ترى أنّ الذنوب إذا أصابها مصيب [1] كشف الحكام وجوهها فميّزت الجهل من غيره، فحكمها في العمد وهو ارتكاب الذنب مع المعرفة به العقوبة، وفي الخطأ إزالة العقوبة، ويسقط [2] مع ذلك عنه المأثم. 702 هـ- قال: والعقل أمّ لكلّ عمود، وجنّة من كلّ مذموم، حياة النفس وراحة البدن، مدّته إلى السرور، وأيامه إلى السلامة، جامع شمل المواهب، وراجع فوت كلّ ذاهب، كنف للرحمة، ومفتاح للهدى، آخية المودّة بين الصالحين، والساقط بالظنّ على اليقين، زارع الخير، ومثمّر الغبطة، وحامي الهوى عن مراتع الهلكة، لا يخبو نوره [3] ، ولا تكبو زناده، يجنيك ثمرة العافية، ويقيك محذور العاقبة، مستصحب الصّنع وقرين التوفيق، ديوان للخيرات، ومعدن للصالحات، عليه معوّل المحروم، وفيه عوض من المعدوم. «702» و قال: ووجدت مودّة الجاهل وعداوة العاقل أسوة في الخطر،   [1] م: ذنوب. [2] ح: وبسط. [3] ح: ناره. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 ووجدت الأنس بالجاهل والوحشة من العاقل سيّان في العيب، ووجدت ظنّ العاقل أوقع بالصواب من يقين الجاهل. ووجدت غشّ العاقل أقلّ ضررا من نصيحة الجاهل، ووجدت العاقل أحفظ لما لم يستكتم من الجاهل لما استكتم. «703» - قال علي بن أبي طالب عليه السلام: قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. وقال: صديق الجاهل في تعب. «704» - وقال آخر: لأنا للعاقل المدبر أرجى منّي للأحمق المقبل. «705» - وقيل: كلّ شيء يعزّ إذا قلّ، والعقل كلما كان أكثر كان أعزّ وأغلى. «706» - وقيل لبعضهم: ما جماع العقل؟ فقال: ما رأيته مجتمعا في أحد فأصفه، وما لا يوجد كاملا فلا حدّ له. «707» - قال الزبيري: إذا أنكرت عقلك فاقدحه بعاقل. «708» - ودخل عبد العزيز بن زرارة الكلابيّ على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، جالس الألباء، أعداء كانوا أو أصدقاء، فإنّ العقل يقع على العقل. «709» - وقال الأحنف: إني لأجالس الأحمق فأتبيّن ذلك في عقلي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 «710» - وقالوا: أول أمر العاقل آخر أمر الجاهل. «711» - وقيل: عظمت المؤونة في عاقل متجاهل وجاهل متعاقل. «712» - قيل لبعضهم: العقل أفضل أم الجدّ؟ فقال: العقل من الجدّ. «713» - وقال بعضهم: لا ينبغي للعاقل أن يطلب طاعة غيره، وطاعة نفسه عليه ممتنعة. «714» - وقال بكر بن المعتمر: إذا كان العقل تسعة أجزاء احتاج إلى جزء من جهل ليقدم على الأمور، فإنّ العاقل أبدا متوان متوقف، مترقّب متخوّف. وهذا الكلام كأنه مأخوذ من قول النابغة الجعدي: [من الطويل] ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا «715» - قال أعرابي: ما تمّ عقل أحد إلّا قلّ كلامه. «716» - وقال آخر: العاقل بخشونة العيش مع العقلاء، آنس منه بلين العيش مع السفهاء. 717- وقال آخر: استشر عدوّك العاقل ولا تستشر صديقك الأحمق فإنّ العاقل يتقي على رأيه الزلل كما يتقي الورع على دينه الحرج. «718» - قيل لحكيم: ما العقل؟ قال: الإصابة بالظنّ، ومعرفة ما لم يكن بما كان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 «719» - قال أرسطاطاليس: العاقل يوافق العاقل، والجاهل لا يوافق العاقل ولا الجاهل، ومثال ذلك المستقيم الذي ينطبق على المستقيم فأما المعوج فإنه لا ينطبق على المعوج ولا على المستقيم. «720» - قال سابور: لما رأيت تأتّي الأشياء لذوي الجهل على جهلهم وانصرافها عن ذوي الألباب والعقول، علمت أنّ المدبّر غيرهما، وأنها جارية بغير تدبير من العاقل والأحمق. 720 ب- قال أردشير: نموّ العقل بالعلم. 721- قال أكثم بن صيفيّ: عدوّ الرجل حمقه، وصديقه عقله. «722» - ومن أمثالهم في الحمق: خرقاء عيّابة. 723- وقالوا: معاداة العاقل خير من مصادقة الأحمق. «724» - قال الشاعر [1] : [من المتقارب] عدوّك ذو العقل خير من الص صديق لك الوامق الأحمق «725» - والبيت السائر: [من الكامل] ولأن يعادي عاقلا خير له ... من أن يكون له صديق أحمق «726» - ومن أمثال العرب في الحمق:   [1] ح: قال شاعر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 (أ) خامري أمّ عامر، وهي الضبع تزعم العرب أنها من أحمق الدوابّ. (ب) خرقاء وجدت صوفا: يضربونه للرجل يجد مالا فيعيث. (ج) وشبيه به: عبد وحلى [1] في يديه. «727» - ويضربون المثل في الحمق بعجل بن لجيم ويزعمون أنه قيل له: إنّ لكلّ فرس جواد اسما، وإنّ فرسك هذا سابق فسمّه، ففقأ إحدى عينيه وقال: قد سميته الأعور، وفيه يقول الشاعر: [من الطويل] رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وهل أحد في الناس أحمق من عجل أليس أبوهم عار عين جواده ... فسارت به الأمثال في الناس بالجهل «728» - قيل: ما أعدمك من الأحمق فلا يعدمك منه كثرة الالتفات، وسرعة الجواب. ومن علاماته الثقة بكلّ أحد. «729» - ويقال: إنّ الجاهل مولع بحلاوة العاجل، غير مبال بالعواقب، ولا معتبر بالمواعظ، ليس يعجبه إلّا ما ضرّه، إن أصاب فعلى غير قصد، وإن أخطأ فهو الذي لا يحسن غيره. لا يستوحش من الإساءة، ولا يفرح بالإحسان. [كلما حسنت نعمة الجاهل ازداد فيها قبحا] . غضب الجاهل في قوله، وغضب العاقل في فعله. العاقل إذا تكلم بكلمة أتبعها مثلا، والأحمق إذا تكلّم بكلمة أتبعها حلفا. الأحمق إذا حدّث ذهل، وإذا تكلّم   [1] في بعض القراءات، وخلا (أو: وخليّ) وهو النبات الرطب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 عجل، وإذا حمل على القبيح فعل. «730» - وقال أبو يوسف: إثبات الحجّة على الجاهل سهل، ولكنّ إقراره بها صعب. «731» - وقد رضي قوم بالجهل فقالوا: ضعف العقل أمان من الغمّ؛ وقالوا: ما سرّ عاقل قط. «732» - وقال المتنبي: [من الكامل] من لي بعيش الأغبياء فإنه ... لا عيش إلّا عيش من لا يعلم 733- قال خالد بن صفوان: ينبغي للعاقل أن يمنع معروفه الجاهل واللئيم والسفيه، أما الجاهل فلا يعرف المعروف والشكر، واللئيم كأرض سبخة لا تنبت ولا تصلح، والسفيه يقول أعطاني فرقا من لساني. [ عمر وهرم بن قطبة ] «734» - نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى هرم بن قطبة ملتفّا في بتّ في ناحية المسجد، ورأى دمامته وقلّته، وعرف تقديم العرب له في الحلم والعلم، فأحبّ أن يكشفه ويسبر ما عنده، فقال: أرأيت لو تنافرا إليك اليوم، لأيّهما كنت تنفّر؟ يعني علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل، قال: يا أمير المؤمنين لو قلت فيهما كلمة لأعدتها جذعة. قال عمر: لهذا العقل تحاكمت إليك العرب [1] .   [1] م: حكموك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 «735» - قدم هوذة بن عليّ الحنفيّ [1] على كسرى فسأله عن بنيه، فذكر عددا، فقال: أيهم أحبّ إليك؟ قال: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يصحّ. فقال له كسرى: ما غذاؤك في بلدك؟ قال: الخبز. قال كسرى لجلسائه: هذا عقل الخبز، يفضّله على أهل البوادي الذين يغتذون اللبن والتمر. [ نصيب وجارية حمراء ] «736» - دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك فقال له: حدّثني يا نصيب ببعض ما مرّ عليك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، علقت جارية حمراء فمكثت زمانا تمنّيني الأباطيل، فلما ألححت عليها قالت: إليك عنّي فو الله لكأنّك من طوارق الليل، فقلت لها: وأنت والله كأنك من طوارق النهار، فقالت: ما أظرفك يا أسود، فغاظني قولها فقلت لها: هل تدرين ما الظّرف؟ إنما الظرف العقل، ثم قالت لي: انصرف حتى أنظر في أمرك فأرسلت إليها هذه الأبيات: [من الوافر] فإن أك حالكا فالمسك أحوى ... وما لسواد جلدي من دواء ولي كرم من الفحشاء ناء [2] ... كبعد الأرض من جوّ السماء ومثلي في رجالكم قليل ... ومثلك ليس يعدم في النساء فإن ترضي فردّي قول راض ... وإن تأبي فنحن على السواء قال: فلما قرأت الشعر قالت: المال والعقل يأتيان على غيرهما، فتزوجتني.   [1] ح: الثقفي. [2] ح ع: ناب (وهو صواب) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 «737» - كان عبد الله بن يزيد أبو خالد القسري من عقلاء الرجال. قال له عبد الملك يوما: ما مالك؟ قال: شيئان لا عيلة معهما: الرضى عن الله عزّ وجلّ والغنى عن الناس. فلما نهض من بين يديه قيل له: هلّا أخبرته بمقدار مالك؟ فقال: لم يعد أن يكون قليلا فيحقرني، أو جليلا فيحسدني. «738» - قال الرشيد لسعيد بن سلم: يا سعيد من بيت قيس في الجاهلية؟ قال: يا أمير المؤمنين بنو فزارة. قال: فمن بيتهم في الاسلام؟ قال: يا أمير المؤمنين الشريف من شرّفتموه. قال: صدقت، أنت وقومك. «739» - احتيج أن يكتب على المعتضد كتاب يشهد عليه فيه الشهود، فلما عرضت النسخة على عبيد الله بن سليمان كان ابن ثوابة قد كتبها كما يكتب في الصكاك «في صحة من عقله، وجواز من أمره» [1] فضرب عليه عبيد الله وقال: هذا لا يجوز أن يقال للخليفة وكتب: «في سلامة من جسمه، وأصالة من رأيه» . [ عند المأمون ] «740» - خاصم أحمد بن يوسف رجلا بين يدي المأمون، وكان قلب المأمون على أحمد مملوءا، فعرف أحمد ذلك فقال: يا أمير المؤمنين إنه يستملي من عينيك ما يلقاني به، ويستبين بحركتك ما تجنّه له، وبلوغ إرادتك أحبّ إليّ من بلوغ أملي، ولذة إجابتك آثر لديّ من لذّة ظفري، وقد تركت له ما نازعني فيه، وسلّمت إليه ما طالبني به. فشكر المأمون له ذلك.   [1] ح ع: وجواز أمره عليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 741- وهب المأمون لطاهر بن الحسين الهنيء والمريء، وهما نهران بقرب الرقة فقال: يا أمير المؤمنين كفى بالمرء شرها أن يأخذ كلّ ما أعطي، ما هما يا أمير المؤمنين من ضياع السّوقة، ما يصلحان إلّا لخليفة أو وليّ عهد، ولم يقبلهما. 742- وشبيه بهذا الفعل الذي هو نتيجة العقل ما روي عن الفضل بن سهل، وهو أنّ حمزة العطارة كانت تتولّى جوهر الخلافة، فلما قتل محمد الأمين حملت الجوهر إلى المأمون بمرو، فأحضر التجار والفضل بن سهل، فقوّم بعشرين ألف ألف دينار، فقال المأمون للفضل بن سهل: خذه فقد جعلته جميعه لك، فاستعفاه، والّح المأمون عليه حتى قال له: فخذ النصف فامتنع، فأخذ المأمون منه عقدا كان أكبر ما فيه وأحسنه، فحلف ليأخذنّه ففعل. فلما قتل الفضل بن سهل وجد في رحله حقّ مختوم، ففتح فإذا فيه العقد، ومعه رقعة بخطّه مكتوب فيها: كنت بحضرة المأمون وقد حمل إليه جوهر الخلافة، فقوّم بكذا، فوهبه جميعه لي، فامتنعت. ثم أمرني بأخذ نصفه فامتنعت، فأعطاني هذا العقد وحلف على أخذه ففعلت، وهو عندي لأمير المؤمنين المأمون وديعة، وليس لي فيه حقّ، فإن حدث بي حدث الموت فيحمل إلى أمير المؤمنين، فلا شيء لي فيه ولا لورثتي. «743» - كتب الحجّاج إلى قتيبة بن مسلم: إني قد طلّقت أمّ خالد بنت قطن الهلالية عن غير ريبة ولا سوء، فتزوّجها. فكتب إليه قتيبة: إنه ليس كلّ مطالع الأمير أحبّ أن أطلع، فقال الحجّاج: ويل امّ قتيبة، وأعجبه ذلك. [ ناس ذكروا بالجهل والحمق ] «744» - كان الوليد بن عبد الملك يذكر بالجهل، وذكر يوما عليّ بن أبي طالب عليه السلام على المنبر فقال: لصّ ابن لصّ، فقال بعضهم: ما أدري أيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 أمريه أعجب: لحنه فيما لا يلحن فيه أحد، أو نسبته عليا إلى اللصوصية. «745» - وقريب منه ما روي عن المتوكل أنه قال يوما لأصحابه: تكابروني في أمر عليّ بن أبي طالب، ورأيته البارحة في منامي وهو في النار، قالوا: فنحضر فلانا معبّر الرؤيا ونقصّها عليه، فلعلّ لذلك تأويلا. فأحضره وعرفه ما رآه ولم يذكر عليا، فقال له: لا يجوز أن يكون الرجل إلّا نبيّا أو في منزلة الأنبياء، فقال له: وكيف ذلك، وبما استدللت عليه قال: بقول الله تعالى (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) (النمل: 8) . «746» - وقال يوما والله لأشفعنّ للحجاج بن يوسف. وكان أخوه يزيد بن عبد الملك جاهلا مستهترا باللذات واللهو في خلافته، وكان يقول لمولاته حبابة إذا غنته: أتأذنين أن أطير؟ فتقول: وعلى من تدع الناس؟ فيقول: عليك. ولما غلبت عليه حبابة قال لها يوما: قد استخلفتك على ما ورد عليّ، ونصبت لذلك مولاي فلانا فاستخلفيه لأقيم معك أياما وأستمتع بك، فقالت: إني قد عزلته، فغضب عليها وقال: أستعمله وتعزلينه؟! وخرج من عندها مغضبا. فلما ارتفع النهار وطال عليه هجرها قال لخصيّ له: انطلق فانظر ما تصنع، فرآها تلعب بلعبها، فقال له: احتل لي حتى تمرّ بها عليّ. فانطلق الغلام فلاعبها ساعة ثم استلب لعبة من لعبها وخرج، فخرجت تحضر في أثره، فمرّت بيزيد فوثب يقول: قد عزلته، وهي تقول قد استعملته؛ فعزل مولاه وولّاه وهو لا يدري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 «747» - وقد عدّ للحجاج أقوال تدلّ على الجهل، فمن ذلك أنه كتب إلى الوليد بن عبد الملك بعد وفاة محمد أخيه: أخبر أمير المؤمنين- أكرمه الله- أنه أصيب لمحمد بن يوسف خمسون ومائة ألف دينار، فإن يكن أصابها من حلّها فرحمه الله، وإن تكن من خيانة فلا رحمه الله. فكتب إليه الوليد: أما بعد فقد قرأ أمير المؤمنين كتابك فيما خلّف محمد من المال، وإنما أصاب ذلك المال من تجارة أحللناها له، فترحم عليه رحمك [1] الله. «748» - وكتب الحجاج إلى عبد الملك: بلغني أنّ أمير المؤمنين عطس عطسة فشمّته قوم فقال: يغفر الله لنا ولكم ف (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) (النساء: 73) . «749» - ووفد مرة على الوليد فقال له وقد أكلا: هل لك في الشراب؟ فقال: ليس بحرام ما أحللته، ولكنّي أمنع أهل عملي منه، وأكره أن أخالف قول العبد الصالح (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) (هود: 88) . 750- وقيل له وقد احتضر: ألا تتوب؟ فقال: إن كنت مسيئا فليست هذه الساعة ساعة توبة، وإن كنت محسنا فليست ساعة جزع. وشكّه في نفسه بين الإساءة والإحسان من أجهل الجهل. [من اهتز ومن حمّق] «751» - كان عبيد الله بن أبي عبد الله كاتب المهدي يحمّق، وقتله المهديّ في الزندقة بعد أن أقرّ بها ولم ينكرها، وكان ذلك سبب فساد حال أبيه مع المهدي.   [1] م: يرحمك؛ ح: رحمه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وهب له المهديّ وصيفة ثم سأله بعد ذلك عنها فقال له: ما وضعت بيني وبين الأرض قطّ أوطأ منها حاشا سامع، فقال المهدي لأبيه: أتراه يعنيني أو يعنيك؟ قال: بل يعني أمّه الزانية، لا يكني. 752- قالت خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلّب للمهلب: إذا انصرفت من الجمعة فأحبّ أن تمرّ بأهلي فقال: إنّ أخاك أحمق، قالت: فأحبّ أن تمرّ بنا. فجاء وأخوها جالس فلم يوسّع له فجلس المهلب ناحية ثم أقبل عليه وقال: ما فعل ابن عمّك فلان؟ قال حاضر قال: أرسل إليه، ففعل، فلما نظر إلى المهلب غير مرفوع المجلس قال: يا ابن اللخناء، المهلب جالس ناحية وأنت في صدر المجلس، وواثبه، فتركه المهلب وانصرف، فقالت له خيرة: أمررت بأهلي؟ قال: نعم، وتركت أخاك الأحمق يضرب. «753» - قال ابن عائشة: كان مالك بن أبي السمح من أحمق الناس، فلما قتل الوليد بن يزيد كنّا حاضرين معه، فقال مالك: اهرب بنا، فقلت: وما يريدون منّا؟ قال: وما يؤمّنك أن يأخذوا رأسينا فيجعلوا رأسه بينهما ليحسّنوا أمرهم بذلك؟ قال ابن عائشة: فما رأيت أقلّ [1] منه عقلا قط قبل [2] ذلك اليوم. 754- يقولون: الخرف حمق معتّق. وقالوا: إنما يهتر كلّ إنسان بما كان مغرى به زمن الشبيبة. «754» ب- فمن ذلك أنّ بسر بن أرطأة أهتر فكان يطلب السيف ليضرب   [1] أقل: سقطت من ح. [2] ح: بعد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 به، فكانوا يعطونه سيفا من خشب، فلا يزال يضرب به كلّ ما يجده. وكان من قبل معدودا في أولي البأس، وكان سفّاكا للدماء. «754» ج- والنمر بن تولب العكلي كان من الأجواد فأسنّ وأهتر، فكان دأبه أن يقول: أصبحوا الراكب، اغبقوا الراكب، اقروا الضيف، انحروا له، أعطوا السائل، تحملوا لهذا في حمالة كذا وكذا. 754 د- وخرفت امرأة من حيّ كرام عظيم خطرهم وخطرها فيهم، فكان هجّيراها: زوّجوني، قولوا لزوجي. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد بلغه خبرها: ما لهج به أخو عكل، النمر بن تولب، في خرفه أفخر وأسرى وأجمل مما لهجت به صاحبتكم، ثم ترحّم عليه. «755» - أتى عديّ بن أرطأة شريحا ومعه امرأة من أهل الكوفة يخاصمها، فلما جلس بين يدي شريح قال عديّ: أين أنت؟ قال: بينك وبين الحائط، قال: إني امرؤ من أهل الشام، قال: بعيد سحيق، قال: وإني قدمت العراق، قال: خير مقدم، قال وتزوّجت هذه المرأة وقد أردت أن أنقلها إلى داري، قال: المرء أحقّ بأهله، قال: قد كنت شرطت لها دارها، قال: الشرط أملك، قال: اقض بيننا، قال: قد فعلت، قال: فعلى من قضيت؟ قال: على ابن أمك. «756» - قال محمد بن رياح القاضي: تقدم إليّ قثم مع ابن أخيه فادّعى عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 خمسة آلاف دينار، فقال قثم: نعم له عليّ ذلك، فمن أيّ وجه؟ فقلت: قد أقررت له بالمال فإن شاء فسّر الوجه، وإن شاء لم يفسّر. فقال ابن أخيه: أشهد أنه بريء منها إن لم أثبتها، فقلت: وأما أنت فقد أبرأته إلى أن يثبت ذلك؛ فما رأيت أضعف منهما في الحكم. «757» - خطب سعيد بن العاص عائشة بنت عثمان على [1] أخيه فقالت: لا أتزوّجه، قال: ولم؟ قالت: هو أحمق، له برذونان أشهبان، فيحتمل مؤونة اثنين وهما عند الناس واحد. «758» - وكان خالد بن عبد الله القسريّ فيما تواترت به الأخبار عنه يتظاهر بما يدلّ على الكفر والجهل، وهو في الكفر أدخل وبه أليق. ومما يليق بالجهل أنه كان يوما يخطب على المنبر وكان لحنة، وكان له مؤدّب يجلس بإزائه، فإذا شكّ في شيء أومأ إليه، وكان لخالد صديق من تغلب زنديق يقال له زمزم، فقال له وهو على المنبر: مسألة قد حضرتني، فقال له: ويحك أما ترى الشيطان عينه في عيني؟ يعني مؤدّبه، قال: لا بدّ والله منها، أخبرني عن الحمار إذا ساف وكرف [2] ثم رفع رأسه وكرف أيّ شيء يقول؟ قال: أراه يقول: يا رباه ما أطيبه. قال: صدقت، ما كان يستشهد على هذا سوى ربّه. «759» - كانت امرأة أبي خراش من أحمق النساء. قال أبو بكر الأشجعي: خرج أبو خراش الهذلي من أرض هذيل يريد مكة، فقال لزوجته أمّ خراش:   [1] ح: إلى. [2] كرف الحمار: شمّ بول الأتان ثم رفع رأسه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 ويحك إني أريد مكّة لبعض الحاج، وإنك لمن أفك النساء [1] ، وإنّ بني الديل يطلبونني بترات، فإياك أن تذكريني لأحد [من أهل مكة] حتى أصدر عنها. فقالت: أعوذ بالله أن أذكرك لأحد من أهل مكة وأنا أعرف السبب. قال: فخرج يوما بأم خراش [2] وكمن لحاجته، وخرجت إلى السوق تشتري عطرا أو بعض ما يشتريه النساء من حوائجهنّ؛ فجلست إلى عطّار فمرّ بها فتيان من بني الديل، فقال أحدهما لصاحبه: أمّ خراش وربّ الكعبة، وإنها لمن أفك النساء، وإن كان أبو خراش معها فستدلّنا عليه. قال: فوقفا عليها فسلّما وأحفيا في المسألة والسلام، فقالت من أنتما بأبي أنتما، قالا: رجلان من أهلك. قالت بأبي أنتما، فإنّ أبا خراش معي فلا تذكراه لأحد، ونحن رائحون العشيّة. فخرج الرجلان فجمعا جماعة من فتيانهم وأخذوا مولى لهم يقال له مخلد، وكان من أجود الرجال عدوا، فكمنوا في عقبة على طريقه، فلما رآهم قد لاقوه في عين الشمس قال لها: قتلتني وربّ الكعبة، لمن ذكرتني؟ قالت ما ذكرتك إلّا لفتيين من هذيل، فقال لها: والله ما هما من هذيل، ولكنهما من بني الديل، وقد جلسا لي وجمعا عليّ جماعة من قومهما، فإذا جزت عليهم فإنهم لن يعرضوا لك لئلّا أستوحش فأفوتهم، فاركضي بعيرك، وضعي عليه العصا، والنجاء النجاء؛ قال: وهي على قعود عقيليّ يسبق الريح. فلما دنا منهم وقد تلثموا ووضعوا تمرا على طريقه على كساء، فوقف قليلا كأنه يصلح شيئا، وجاوزتهم أمّ خراش فلم يعرضوا لها لئلّا ينفر منهم، ووضعت العصا على قعودها. فتواثبوا إليه ووثب يعدو، قال: فزاحمه على المحجة التي يسلك فيها على العقبة ظبي، فسبقه أبو خراش، وتصايح القوم لمخلد: يا مخلد أخذا أخذا، فقال: فات الأخذ، فقالوا: ضربا ضربا، فسبق الضرب. فقالوا: رميا رميا، فسبق الرمي. وسبقت أمّ خراش إلى الحيّ فنادت: ألا إنّ أبا خراش قد قتل، فقام الحيّ إليها وقام أبوه   [1] أي من أضعفهنّ رأيا وأحمقهنّ. [2] ح: يوما خراشا. ع: يوم خراشا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 فقال: ويحك ما كانت القصة [1] ؟ قالت: فإنّ بني الديل عرضوا له الساعة في العقبة، قال: فما رأيت أو ما سمعت؟ قالت: سمعتهم يقولون: رميا رميا، قال: فإن كنت سمعت رميا رميا فهو منا قريب. ثم صاح: يا أبا خراش، فقال أبو خراش: لبيك لبيك، فإذا هو قد وافاهم على أثرها. «760» - قال عبد الله بن محمد البواب: سألت الخيزران موسى الهادي أن يولّي خاله الغطريف اليمن، فوعدها بذلك ودافعها، ثم كتبت إليه يوما رقعة تناجزه [2] فيها أمره، فوجّه إليها برسولها يقول لها: خيّريه بين اليمن وطلاق ابنته، أو مقامي عليها ولا أولّيه اليمن، فأيّهما اختار فعلته. فدخل الرسول إليها، ولم يكن فهم عنه ما قال له فأخبرها بغيره، ثم خرج إليه فقال: تقول لك ولاية اليمن، فغضب وطلّق ابنته وولّاه اليمن. ودخل الرسول فأعلمه بذلك فارتفع الصراخ من داره فقال: ما هذا؟ فقالوا: من دار بنت خالك، قال: أولم يختر ذلك؟ قالوا: لا ولكنّ الرسول لم يفهم ما قلت وأدّى غيره، وعجلت بذلك [3] . فندم ودعا صالحا صاحب المصلّى وقال له: أقم على رأس كلّ رجل يحضرني من الندماء رجلا بسيف، فمن لم يطلّق امرأته فليضرب عنقه، ففعل ذلك، ولم يبرح من حضرته أحد منهم حتى طلّق امرأته. قال ابن البواب: فخرج الخدم إليّ فأخبروني بذلك، وعلى الباب رجل واقف متلفع بطيلسانه يراوح بين رجليه فخطر ببالي: [من الطويل] خليليّ من سعد ألما فسلّما ... على مريم لا يبعد الله مريما وقولا لها هذا الفراق عزمته ... فهل من نوال قبل ذاك فيعلما   [1] الأغاني: ما كانت قصته. [2] الأغاني: تتنجزه. [3] الأغاني: وعجلت بطلاقها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 فأنشدته بالياء، فقال لي: فنعلما بالنون، فقلت له: وما الفرق بينهما؟ فقال: إنّ المعاني تحسّن الشعر وتفسده، وإنما قال «فنعلم» ليعلم هو القصة، وليست به حاجة إلى أن يعلم الناس سرّه. فقلت له: أنا أعلم بالشعر منك، قال: فلمن هو؟ قلت: للأسود بن عمارة النوفلي قال: أو تعرفه؟ قلت: لا، قال: فأنا هو. فاعتذرت إليه من مراجعتي إياه ثم عرّفته خبر الخليفة فيما فعله، فقال: أحسن الله جزاءك، وانصرف، وقال: هذا أحقّ منزل بترك. «761» - مدح البحتري المتوكل بقصيدته التي أولها: [من الكامل المجزوء] عن أيّ ثغر تبتسم ... وبأيّ طرف تحتكم وهي من فاخر الشعر ومونقه، فصاح به أبو العنبس الصيمري من خلفه: [من الكامل المجزوء] في أيّ سلح ترتطم ... وبأيّ كفّ تلتقم أدخلت رأسك في الحرم ... وعلمت أنك تنهزم وتمامها شعر سخيف ركيك، فغضب البحتريّ وخرج، وضحك المتوكل حتى أكثر، وأمر لأبي العنبس بعشرة آلاف درهم، وقيل: أمر له بالصلة التي كانت أعدّت للبحتري. «762» - قال المدائني: قدم البصرة راجز من أهل المدينة، فجلس إلى حلقة فيها الشعراء فقال: أنا أرجز العرب، أنا الذي أقول: [من الرجز] مروان يعطي وسعيد يمنع ... مروان نبع وسعيد خروع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 وددت أني راهنت [1] في الرجز من أحبّ، والله لأنا أرجز من العجاج، فليت البصرة جمعت بيني وبينه، قال: والعجاج حاضر، وابنه رؤبة معه. فأقبل رؤبة على أبيه فقال: قد أنصفك الرجل، فقال العجاج: ها أنا ذا العجاج، وزحف إليه، فقال: وأيّ العجّاجين أنت؟ قال: ما خلتك تعني غيري، أنا عبد الله الطويل، وكان يكنى بذلك. قال المدني: ما عنيتك ولا أردتك، قال: كيف وقد هتفت باسمي؟ قال: وما في الدنيا عجاج سواك؟ قال: ما علمت، قال: لكني أعلم وإياه عنيت. قال: فهذا ابني رؤبة، قال: اللهم غفرا ما بيني وبينكما عمل، وإنما مرادي غيركما، فضحك أهل الحلقة، وكفّا عنه. «763» - قال إسحاق الموصلي: دخلت يوما على الأمين فرأيته مغضبا كالحا، فقلت له: يا أمير المؤمنين ما لي أراك كالخاثر [2] ؟ قال: غاظني أبوك الساعة، لا رحمه الله، والله لو كان حيا لضربته خمسمائة سوط، ولولاك لنبشت الساعة قبره وأحرقت عظامه. فقمت على رجليّ وقلت: أعوذ بالله من سخطك يا أمير المؤمنين. ومن أبي وما مقداره حتى تغتاظ منه؟ وما الذي غاظك؟ فلعلّ له فيه عذرا. فقال: شدة محبته للمأمون وتقديمه إياه عليّ حتى قال في الرشيد شعرا يقدّمه عليّ فيه وغنّاه فيه، وغنّيته الآن فأورثني هذا الغيظ، فقلت: والله ما سمعت هذا قطّ ولا لأبي غناء إلّا وأنا أرويه، فما هو؟ قال: قوله: [من الوافر] أبو المأمون فينا والأمين ... له كنفان [3] من كرم ولين فقلت له: يا أمير المؤمنين، لم يقدّم المأمون في هذا الشعر لتقديمه إياه في الموالاة،   [1] الأغاني: راميت. [2] ح: فقلت ما لأمير المؤمنين كالخاثر. [3] ح: كفان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 ولكنّ الشعر لم يصحّ له وزنه إلّا هكذا، فقال: كان ينبغي إذا لم يصحّ له الشعر إلّا هكذا أن يدعه إلى لعنة الله. فلم أزل أداريه وأرفق به حتى سكن. فلما قدم المأمون سألني عن هذا الحديث، فحدثته به فجعل يعجب منه ويضحك. [ أخبار عن المنصور ] «764» - كان مطيع بن إياس الكنانيّ يخدم جعفر بن أبي جعفر المنصور وينادمه، فكره ذلك أبو جعفر لما شهر به مطيع في الناس، وخشي أن يفسده، فدعا بمطيع وقال له، قد عزمت على أن تفسد ابني عليّ وتعلّمه زندقتك؟! قال: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من أن تظنّ بي هذا فأهلك، والله ما يسمع مني إلّا ما إذا وعاه جمّله وزيّنه ونبّله. قال: ما أرى ذلك ولا يسمع منك إلّا ما يضرّه ويعرّه. فلما رأى مطيع لجاجه [1] في أمره قال له: أتؤمّنني من غضبك حتى أصدقك؟ قال: أنت آمن قال: وأيّ مستصلح فيه، أو أيّ نهاية لم يبلغها في الفساد والهلاك [2] ؟! قال: ويلك بأيّ شيء؟ قال: يزعم أنه يتعشّق امرأة من الجنّ، وهو مجتهد في خطبتها، وقد جمع أصحاب العزائم عليها، وهم يغرونه ويعدونه بها ويمنّونه، فو الله ما فيه فضل لغير ذلك من جدّ ولا هزل، ولا كفر ولا إيمان. فقال له المنصور: ويلك أتدري ما تقول؟ قال: الحقّ والله أقول، فسل عن ذلك. فقال له: عد إلى صحبته واجتهد أن تزيله عن هذا الأمر، ولا تعلمه أني علمت بذلك حتى أجتهد في إزالته عنه. «765» - ودخل المنصور دار جعفر ابنه هذا، وخرج جعفر من دار حرمه، فقال لأبيه: ما حملك على أن دخلت عليّ بغير إذن؟ فقال له أبو جعفر: لعنك   [1] الأغاني: الحاحه. [2] الأغاني: والضلال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 الله، ولعن من أشبهته، قال: والله لأنا أشبه بك منك بأبيك. [عقيل بن علّفة] «766» - دخل عقيل بن علّفة المريّ على يحيى بن الحكم، وهو يومئذ أمير المدينة، فقال له يحيى: أنكح ابن خالي- يعني ابن أوفى- فلانة ابنتك، فقال له: إنّ ابن خالك ليرضى منّي بدون ذلك، قال: وما هو؟ قال: أن أكفّ عنه سنن الخيل إذا غشيت سوامه، فقال يحيى لحرسيّين بين يديه: أخرجاه، فلما ولّى قال: أعيداه، فأعاداه، فقال له عقيل: مالك تكررني تكرار الناضح؟ قال: أما والله إني لأكرّك أعرج جافيا، قال عقيل لذلك [1] قلت: [من البسيط] تعجبت أن رأت رأسي تجلّله ... من الروائع شيب ليس من كبر ومن أديم تولّى بعد جدّته ... والجفن يخلق حدّ الصارم الذكر فقال له يحيى: أنشدني قصيدتك هذه كلّها، قال: ما انتهيت إلّا إلى ما سمعت، قال: أما والله إنك لتقول فتقصر قال: إنما يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق [2] . قال فأنكحني إحدى بناتك قال: أما أنت فنعم، قال: أما والله لأملأنّك مالا وشرفا. قال: أما الشرف فقد حمّلت ركائبي منه ما أطاقت، وكلّفتها تجشّم ما لم تطق، ولكن عليك بهذا المال فإنّ فيه صلاح الأيّم ورضى الأبيّ. فزوجه ثم خرج فأهداها إليه، فلما قدمت عليه بعث إليها يحيى مولاة له لتنظر إليها، فجاءتها فجعلت تغمز عضدها، فرفعت يدها فدقّت أنفها، فرجعت إلى يحيى فقالت: بعثتني إلى أعرابية مجنونة فصنعت بي ما ترى. فنهض إليها يحيى فقال: مالك؟ فقالت: ما أردت أن بعثت إليّ أمة تنظر إليّ؟ ما أردت بما فعلت إلّا أن يكون نظرك إليّ قبل كلّ ناظر، فإن رأيت حسنا كنت قد سبقت إلى بهجته، وإن رأيت   [1] ح: كذلك. [2] ح: بالرقبة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 قبيحا كنت أحقّ من ستره [1] ، فسرّ بقولها وعقلها، وحظيت عنده. [ محمد الأمين ] 767- كان محمد الأمين مضعّفا شديد الانهماك على اللذّة، منهمكا على التصابي، مطاوعا هوى النفس وجهلها، فروي عنه أنه لاعب الفضل بن الربيع بالنرد في وقت محاربته طاهر بن الحسين، وأخذ خاتمه رهنا وعليه اسمه واسم أبيه وقام لحاجته، واستدعى نقّاشا وأمره أن يكتب تحت اسمه ينكح، ثم عاد إلى مجلسه وأعاد الخاتم إلى الفضل، وتركه أياما ثم أخذ الخاتم من يده فتأمّله وقال: ما الذي عليه مكتوب؟ قال: اسمي، قال: وما هذا تحته؟ فتأمله الفضل فكاد يجنّ وقال له: ما بقّيت في هتك سترك شيئا، هذا خاتم وزيرك تختم به الكتب الصادرة عنك إلى الآفاق، وبالأمس ختم به إلى أخيك الذي يدعو إلى خلعك، ويجهّز الجيوش لحربك، ويزعم أنه أحقّ بالأمر منك، وما يضرّ ذلك الفضل ولا الربيع، والله المستعان. 768- وذكره الفضل يوما فقال: ينام نوم الظّربان، وينتبه انتباه الذئب، همّه بطنه ولذّته، لا يفكّر في زوال نعمة، ولا يروّي في إمضاء رأي ولا مكيدة، قد شمّر له عبد الله عن ساقه، وفوّق له أسدّ أسهمه، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ والموت القاصد، قد عبأ له المنايا على متون الخيل، وناط له البلايا بأسنّة الرماح وشفار السيوف. [من الطويل] يقارع أتراك ابن خاقان ليله ... إلى أن يرى الإصباح لا يتلعثم فيصبح من طول الطراد وجسمه ... نحيل وأضحي في النعيم أصمم فشتان ما بيني وبين ابن خالد ... أمية في الرزق الذي الله يقسم ونحن نجري إلى غاية إن قصّرنا عنها ذممنا، وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا، وإنما نحن شعب من أصل: إن قوي قوينا، وإن ضعف ضعفنا. إن هذا الرجل   [1] ح: سترته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوكعاء، يشاور النساء ويعتزم على الرؤيا، قد أمكن أهل الخسارة واللهو من سمعه، فهم يمنّونه الظفر ويعدونه عقب الأيام، والهلاك أسرع إليه من السّيل إلى قيعان الرمل. [ أقوال في العقل والحمق ] «769» - والمثل يضرب في حمق هبنّقة القيسيّ، واسمه يزيد بن ثروان وكنيته أبو نافع، شرد له بعير فقال: من جاء به فله بعيران، فقيل له أتجعل في بعير بعيرين؟ قال: إنكم لا تعرفون فرحة الوجدان. «770» - قيل: أحقّ الناس بالرحمة ثلاثة: عاقل قد نفذت عليه أحكام جاهل، وبرّ سلّط عليه فاجر، وكريم عرضت له حاجة إلى لئيم. ومنه قول الأعشى: [من الكامل] حسب الكريم مذلّة ومسبّة ... أن لا يزال إلى لئيم يرغب 771- قال أبو تمام الطائي: قلت لأعرابيّ أيسرّك أنك جاهل ولك مائة ألف درهم؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال: لأنّ يسر الجاهل شين، وعسر العاقل زين، وما افتقر رجل صحّ عقله. 772- وقال الأحنف: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حليم من أحمق، وبرّ من فاجر، وشريف من دنيء. «773» - وقال أعرابي: العاقل حقيق أن يسخّي نفسه عن الدنيا علمه بأن [1]   [1] ح: بأنه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 لا ينال منها [1] شيئا إلّا قلّ إمتاعه به، ويكثر عناؤه فيه، وتشتد مرزئته عند فراقه، وتعظم التّبعة فيه بعده. «774» - قال وهب بن منبه، كان يقال: الأحمق إذا تكلّم فضحه حمقه، وإذا سكت فضحه عيّه، وإذا عمل أفسد، وإذا ترك أضاع، لا علمه يغنيه، ولا علم غيره ينفعه. تودّ أمه أنها ثكلته، وتتمنّى امرأته أنها عدمته، ويتمنّى جاره منه الوحدة، وتأخذ جليسه منه الوحشة. «775» - وقال أفلاطن: الخصال رعيّة القلب، فعلى حسب قوّة تدبير العقل صلاح الخصال وفسادها. وللعقل تدبير ظاهر وباطن، فمن ظاهره الحياء وحسن البشر، ومن باطنه الوفاء والحلم. «776» - وقال آخر: العقل صديق مقطوع، والهوى عدوّ متبوع. «777» - قالت الحكماء: العلم قائد، والعقل سائق، والنفس ذود، فإذا كان قائد بلا سائق هلكت، وإن كان سائق بلا قائد أخذت يمينا وشمالا، فإذا اجتمعا أجابت طوعا وكرها. 778- دخل رجل على سليمان بن عبد الملك فتكلّم عنده بكلام أعجب سليمان، وأراد أن يختبره وينظر: أعقله على قدر كلامه أم لا؛ فوجده مضعوفا فقال: فضل العقل على المنطق حكمة، وفضل المنطق على العقل هجنة، وخير الأمور ما صدّق بعضها بعضا، وأنشد: [من الطويل]   [1] ح: فيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 ما المرء إلّا الأصغران لسانه ... ومعقوله والجسم خلق مصوّر فإن تر منه ما يروق فربّما ... أمرّ مذاق العود والعود أخضر «779» - وقال الحسن البصري: لو كان الناس كلّهم عقول خربت الدنيا. «780» - وقال زياد: ليس العاقل الذي إذا وقع في الأمر احتال له، ولكنّ العاقل يحتال للأمر حتى لا يقع فيه. «781» - وقيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: ما بلغك [1] الجنّة وعدل بك عن النار. قال السائل: ليس هذا أريد، قال: من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يسمع [2] ، ومن لم يحسن أن يسمع [3] ، لم يحسن أن يسأل [4] ، ومن لم يحسن أن يسأل لم يحسن أن يقول [5] . قال: ليس هذا أريد؛ قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: إنّا معشر الأنبياء بكاء، أي قليلو الكلام، وهو جمع بكيء، وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله. قال السائل ليس هذا أريد [6] . قال: فكأنك تريد تحبير [7] اللفظ في حسن إفهام، قال: نعم، قال: إنك إن أردت [8] تقرير حجة الله في عقول المتكلمين [9] ، وتخفيف المؤونة عن المستمعين، وتزيين المعاني في قلوب   [1] البيان: ما بلغ بك (وزاد: وما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيّك) . [2] البيان: يستمع ... الاستماع. [3] البيان: يستمع ... الاستماع. [4] البيان: القول. [5] ومن لم يحسن ... بقول: سقط من البيان. [6] حذف المؤلف هنا عبارة كاملة. [7] البيان: تخير؛ ح: تحسين. [8] البيان: أوتيت. [9] البيان: المكلفين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 المستفهمين [1] ، بالألفاظ الحسنة، رغبة في سرعة استجابتهم، ونفي الشواغل عن قلوبهم، بالموعظة الناطقة عن الكتاب والسنة، كنت قد أوتيت فصل الخطاب. 782- سأل الحسن بن سهل عليّ بن عبيدة فقال له: من الحاكم على الملوك؟ قال: أهل الآراء والعقول (وتمام الكلام من غير هذا الباب) . 783- قيل: نفور العالم من الجاهل أشدّ من نفور العالم من الجهل. «784» - أعرابي: لولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب. 785- قيل لبزرجمهر: لم لا تعاتبون الجهلة؟ قال: لأنّا لا نريد من العميان أن يبصروا. «786» - عمرو بن أعبل [2] التميمي: [من الطويل] وإنّ عناء أن تفهّم جاهلا ... فيحسب جهلا أنه منك أفهم متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم «787» - حدّث شريك فقال عافية القاضي: ما سمعنا بهذا الحديث، فقال شريك: وما يضرّ عالما أن جهل جاهل؟! «788» - قال عيسى عليه السلام: عالجت الأكمه والأبرص فأبرأتهما، وعالجت الأحمق فأعياني.   [1] البيان: المريدين. [2] ح: أعل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 «789» - كان شريح يقول: لأن أزاول أحمق أحبّ إليّ من أن أزاول نصف الأحمق قيل: يا أبا أمية، ومن نصف الأحمق؟ قال: الأحمق المتعاقل. «790» - شاعر [من البسيط] لكلّ داء دواء يستطبّ به ... إلّا الحماقة أعيت من يداويها «791» - آخر: [من الطويل] أبا جعفر إنّ الجهالة أمّها ... ولود وأمّ العقل جدّاء حائل 792- الأدب صورة العقل فحسّن صورة عقلك كيف شئت. 793- ابن السماك: أعقل الناس محسن خائف، وأجهلهم مسيء آمن. 794- قال حكيم: من أعجب الأشياء جاهل يسلم بالتهوّر، وعاقل يهلك بالتوقّي. 795- وقيل: العقل بلا أدب فقر، والأدب بغير عقل حتف. العقل يحتاج إلى مادة الحكمة كما تحتاج الأبدان إلى قوتها من الأطعمة. «796» - قال الحسن: ثلاثة أشياء تذهب ضياعا: دين بلا عقل، ومال بلا بذل، وعشق بلا وصل. 797- قال زياد: الحديث أسمعه من عاقل أحبّ إليّ من سلافة فتقت [1] بماء ثغب في يوم ذي وديقة.   [1] ح: فنيت (اقرأ: فثئت) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 «798» - أبو ذرّ عن النبي صلّى الله عليه وسلم: يوشك أن يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع. «799» - فيلسوف: إفراط العقل مضرّ بالجد. «800» - وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: إنّ في كلّ أمّة محدّثين أو مروّعين، فإن يكن في هذه الأمة أحد فإن عمر منهم. (المحدّث المصيب في حديثه كأنما حدّث بالأمر، والمروّع الذي يلقى الأمر في روعه) . «801» - محمد بن علي الصيني في طاهر بن الحسين: [من المتقارب] كأنّك مطّلع في القلوب ... إذا ما تناجت بأسرارها فكرّات طرفك ممتدّة ... إليك بغامض أخبارها «802» - ابن المعتز: [من المتقارب] تفقّد مساقط لحظ المريب ... فإنّ العيون وجوه القلوب وطالع بوادره في الكلام ... فإنك تجني ثمار الغيوب «803» - قال فيلسوف: عقل الغريزة سلّم إلى عقل التجربة. «804» - قال أعرابيّ: لو صوّر العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صوّر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 الحمق لأضاء معه الليل. 805- الهيثم بن القاسم الخثعمي: [من البسيط] قد يرزق الأحمق المرزوق في دعة ... ويحرم الأحوذيّ الأرحب الباع كذا السّوام تصيب الأرض ممرعة ... والأسد منزلها في غير إمراع والناس من كان ذا مال وسائمة ... مدّوا إليه بأبصار وأسماع «806» - قيل لحكيم: متى عقلت؟ قال: حين، ولدت. فلما رأى إنكارهم قال: أما أنا فقد بكيت حين جعت، وطلبت الثّدي حين احتجت، وسكتّ حين أعطيت؛ يعني من عرف مقادير حاجاته فهو عاقل. وهذا كلام فاسد لأنّ ضرورات البدن والجوع والعطش يدركها العاقل والجاهل والبهائم وكلّ ذي روح، والطفل لا يعقل مقادير حاجاته. «807» - قال الحجاج لابن القريّة: من أعقل الناس؟ قال: الذي يحسن المداراة مع أهل زمانه. «808» - حكيم: العقل والتجربة في التعاون بمنزلة الماء والأرض، لا يطيق أحدهما دون الآخر إنباتا. «809» - إذا غلب العقل الهوى صرف المساوىء إلى المحاسن، فجعل البلادة حلما، والحدّة ذكاء، والمكر فطنة، والهذر بلاغة، والعيّ صمتا، والعقوبة أدبا، والجبن حذرا، والإسراف جودا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 «810» - قال أردشير بن بابك: أربعة تحتاج إلى أربعة: الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودّة، والعقل إلى التجربة. 811- قال ابن الأعرابي: قلت لشيخ من قريش: من علّمك كذا؟ قال: علّمني الذي علّم الحمامة على بلهها تقليب بيضها كي تعطي الوجهين جميعا نصيبهما من الحضن. 812- قال النظام: ثلاثة تخلق العقل: طول النظر في المرآة، والاستغراب في الضحك، ودوام النظر في البحر. «813» - المتنبي: [من الكامل] ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 نوادر من هذا الباب «814» - كان يعقوب بن المهديّ محمّقا، وكان يخطر بباله الشيء فيكتبه، ثم يثبت تحته: إنه ليس عندنا، وإنما أثبتّه ليكون ذكره عندنا إلى أن نملكه. فوجد له في دفتر: ثبت ما في الخزانة من الثياب المقّلة السكندريّة الهاشمية [1] : لا شيء، أستغفر الله، بلى عندنا زرّ من جبّة كانت للمهديّ. الفصوص الياقوت الحمر التي من حالها وقصّتها كذا وكذا: لا شيء، أستغفر الله، بلى عندنا درج كان فيه خاتم للمهدي هذه صفته. فحمل ذلك الدفتر إلى المأمون فضحك حتى فحص برجله وقال: ما سمعت مثل هذا قطّ. «815» - كان معاوية بن مروان أخو عبد الملك ضعيفا، فقال له خالد بن يزيد بن معاوية: يا أبا المغيرة ما أهونك على أخيك، لا يولّيك ولاية. قال: لو أردت لفعل، قال: كلا، قال: بلى والله، قال: فسله أن يولّيك بيت لهيا، قال: نعم. فغدا على عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين: ألست أخاك؟ قال: بلى والله إنك لأخي وشقيقي، قال: فولّني بيت لهيا قال: متى كان عهدك بخالد؟ قال: عشية أمس قال: إيّاك أن تكلّمه. ودخل خالد فقال له: كيف أصبحت يا أبا المغيرة؟ فقال: قد نهانا هذا عن كلامك، فغلب عبد الملك الضحك، فقام وتفرّق الناس.   [1] ح ع: الاسكندرية الهاشمية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 «815» ب- وأفلت لمعاوية هذا باز فصاح: أغلقوا أبواب المدينة لا يخرج. وقال له رجل: أنت الشريف ابن أمير المؤمنين، وأخو أمير المؤمنين، وابن عمّ أمير المؤمنين عثمان، وأمك عائشة بنت معاوية، قال: فأنا إذن مردّد في بني اللخناء تردادا. وصودر على ثمانية آلاف ألف دينار، وبقيت له بقية صالحة بعدها. «816» - وكان ابن الجصاص مع يساره وسعة حاله، وتمكّنه من دولة المقتدر وغيرها، موصوفا بالجهل. قال لابن الفرات يوما: أعزّ الله الوزير، امنع هؤلاء الزنادقة من الاجتماع فقد بلغني أنهم يتكلمون بالكبائر، قال: وما الذي يقولون؟ قال: بلغني أنهم يقولون إنّ الصور ليس هو من قرن. 816 ب- وسمع آية من القرآن في بعض المجالس فقال: حسن والله، هاتوا دواة وقرطاسا أكتب هذا، فقالوا له: هذا من القرآن، وفي دارك خمسون مصحفا، فكتبها وقال: لكلّ جديد لذة. وبعث بها إلى معلّم ولده وأمره أن يحفّظهم ذلك. 816 ج- وكتب إلى وكيل له بأن يحمل مائة منّ قطنا، فحملها فلما حلجت استقلّ الحليج، وكتب إلى وكيله: إنه لم يحصل من هذا القطن إلّا ربعه، فلا تزرع بعدها قطنا بحبّه وازرع الحليج، ويكون معه أيضا شيء من الصوف. 816 د- وعرض على بعض الخلفاء عقدا مثمنا فقال: هل رأيت في عرس أمّك مثله؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 «816» هـ- ودخل يوما على ابن الفرات فقال له: يا سيدي عندنا في الجزيرة كلاب لا يتركونا ننام من الصياح والقتال، قال: أحسبهم جراء، قال: لا تظنّ ذلك أيها الوزير كلّ كلب مثلي ومثلك. 816 و وكانت في فمه درّة وأراد أن يبصق، فبصق على الخليفة، ورمى بالدرّة في دجلة وهو يظنّ أنه قد ناول الخليفة الدرّة، وبصق في الماء. 816 ز- وقال بعضهم: اطلعت يوما عليه وهو يقرأ في المصحف ويبكي وينتحب ويشهق، فقلت: ما لك؟ قال: أكلت اليوم مع الجواري المخيض بالبصل فآذاني فلما رأيت في المصحف (يسألونك عن المخيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المخيض) قلت: ما أعظم قدرة الله قد بيّن كلّ شيء حتى أكل اللبن مع الجواري. 816 ح- وقرأ مرة في المصحف فجعل يقول: رخيص، رخيص. فقيل له في ذلك فقال: ويحك ما ترى تفضّل الله تعالى يقول (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) (الحجر: 3) ما هذا رخيص؟ 816 ط- وكان يدعو ويقول: اللهمّ أرخص السوق على الدقيق، اللهمّ إنك تجد من تغفر له غيري، ولا أجد من يعذبني سواك، حسيبي الله. اللهم امسخني حورية، وزوّجني من عمر بن الخطاب. فقالت زوجته: اسأل الله أن يزوّجك من النبي صلّى الله عليه وعلى آله إن كان ولا بد، قال: لا أحبّ أن أصير ضرّة عائشة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 «816» ي- ودخل ابن الجصاص على الوزير وبيده نبق مليح فسلّمه إليه وقال: [من الهزج] تفيّلت بأن تبقى ... فأهديت لك النبقا فقال له الوزير: يا أبا عبد الله ما تفيّلت ولكن تمعّزت. فضحك من حضر ولم يفطن ابن الجصاص. «817» - حجّ خراساني من أهل السنة، فلما حضر الموسم أخذ دليلا يدلّه على المناسك، فلما فرغ أعطاه شيئا يسيرا لا يرضيه، فأخذه منه ثم جاء به إلى بعض الأركان، فنطح الركن برأسه، فقال له الخراساني: ما هذا؟ قال: كان معاوية يأتي هذا الركن فينطحه برأسه، وكلما كانت النطحة أشدّ كان الأجر أعظم، فشدّ الخراساني على الركن ونطحه سالت الدماء منها على وجهه، وسقط مغشيّا عليه، فتركه الرجل ومرّ. «818» - قال بعضهم لأبيه: يا أبت قد علمت أنّ الرماديّة الذين يبولون في الرماد، فما القدرية؟ قال الذين يخرون في القدور. 819- كان في المدينة [1] غلام يحمّق، فقال لأمّه: يوشك أن تريني عظيم الشأن، قالت: وكيف؟ فو الله ما بين لابتيها أحمق منك. فقال: والله ما رجوت هذا الأمر إلّا من حيث يئست منه، أما علمت أنّ هذا زمان الحمقى وأنا أحدهم؟! «820» - جاء حائك إلى الأعمش فقال: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟   [1] ح: بالمدينة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 قال: لا بأس بها على غير وضوء، قال: فما تقول في شهادته؟ قال: تقبل شهادته مع شاهدين عدلين، فقال الحائك: هذا ولا شيء واحد. «821» - وقد أكثر الناس في رمي الحاكة بالنقص حتى قيل عن بعض العلماء انه قال: عقل سبعين امرأة عقل رجل واحد، وعقل سبعين حائكا عقل امرأة واحدة. «822» - وقال ميمون بن مهران: السلام على الحائك يوهن العقل الركين. «823» - قيل لبعضهم: قد رزقت ابنا فاختر له كنية فقال كنّوه: أبو عبد ربّ السموات السّبع وربّ العرش العظيم. 824- وقال جمين لرجل: أبو من؟ قال: أبو عبد الكريم الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه. فقال: مرحبا بك يا نصف القرآن، ارتفع. 825- وسمّى رجل بأذربيجان ابنه: عبد من الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويّات بيمينه. «826» - جاز جحا بقوم وفي كمه خوخ فقال لهم: من أخبرني بما في كمي فله أكبر خوخة فيه، فقالوا: خوخ، فقال: ما قال لكم إلّا من أمّه زانية. 826 ب- وقال له أبوه يوما: احمل هذا الحبّ فقيّره، فذهب به وقيّره من خارج. فقال أبوه: أسخن الله عينك، رأيت من قيّر الحبّ من خارج، قال جحا: إن لم ترض به عافاك الله فاقلبه مثل الخفّ حتى يصير القير من الداخل [1] .   [1] ح: إلى داخل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 826 ج- وخرج يوما بقمقم يستقي فيه من ماء النهر، فسقط من يده وغرق، فقعد على شطّ النهر، فمرّ به صاحب له فقال: ما يقعدك ها هنا؟ قال: قمقم لي قد غرق، وأنا أنتظر أن ينتفخ ويطفو فوق الماء. «827» - سئل الشيرجي عن أربعين رأسا نصفها ضأن ونصفها ما عز ما الذي يجب فيها؟ قال: يجب فيها شاة نصفها ضأن ونصفها ماعز. «828» - جازت جارية بجامع الصيدلاني فقالت: قد فني البزر، فقال: كيف يبقى وأنتم تقعدون حوله عشرة عشرة. 828 ب- ودخل السوق يوما يشتري لابنته نعلا فقالوا: كم سنّها؟ فقال: لا أدري غير أنها في حاميم السجدة. «829» - قال: اجتاز سيفويه القاص بباب شوكيّ، فوطىء الشوك ودخل في رجله شوكة، فقال للشوكيّ: اجعلني في حلّ من هذه الشوكة فإني لست أقدر على إخراجها في هذه الساعة فكنت أردّها عليك. 829 ب- وصلّى سيفويه بقوم وسلّم عن يمينه ولم يسلّم عن يساره، فقيل له في ذلك فقال: كان في ذلك الجانب إنسان لا أكلّمه. «830» - وكان عبد الأعلى القاص يتكلّف لكلّ شيء اشتقاقا فقال: الكافر إنما سمّي كافرا لأنه اكتفى وفرّ. قيل له: بماذا اكتفى؟ ومن أي شيء فرّ؟ قال: اكتفى بالشيطان وفرّ من الله سبحانه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 «830» ب- وقال: سمّي الزنديق زنديقا لأنه وزن فدقق [1] . وسمّي البلغم لأنه بلاء وغم، وسمي الدرهم درهما لأنه داء وهم، وسمي الدينار دينارا لأنه دين ونار؛ وسمي العصفور عصفورا لأنه عصى وفر. وسمي الطفشيل طفشيلا لأنه طفا وشال. وسمّي نوح نوحا لأنه ناح على قومه، وسمّي المسيح مسيحا لأنه مسح الأرض صلّى الله عليه. 83» - استفتي بعض الحمقى في إتيان النساء في أدبارهنّ فقال: مالك يبيحه، وغيره من الفقهاء يقول: إنه إذا استكرهت المرأة عليه وجب على الزوج أن يزيد في صداقها عشرة دراهم، وإن كان ذلك برضى منها نقص منه عشرة دراهم. والتفت إلى ابن له حاضر وأشار إليه فقال: تزوجت أمّ هذا على اثني عشر ألف درهم عقدت بها على نفسي، وقد حصل لي الآن عليها أربعمائة وخمسون درهما. «832» - حلق بعض القصّاص لحيته وقال: إنها نبتت على معصية. وقيّر آخر إحدى عينيه وقال: النظر بهما إسراف. «833» - وكان بعضهم يتشدد في خلق القرآن، فسئل عن معاوية أمخلوق هو؟ قال: كان إذا كتب الوحي غير مخلوق، وإذا لم يكتبه كان مخلوقا. «834» - وكان بالشام قاصّ يقول: اللهم أهلك أبا حسان الدقاق، فإنه يتربّص بالمسلمين ويغلي أسعارهم، ومنزله أول باب الدرب على يسارك.   [1] م: ودق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 «835» - قال أبو سالم القاص: لو كانت هند بنت عتبة حين لاكت كبد حمزة أجازتها إلى جوفها ما مسّتها النار، فقال النهرتيري: اللهم أطعمنا من كبد حمزة. «836» - ادعى رجل على امرأة شيئا عند القاضي فأنكرت، فقال لها: إن كنت كاذبة فأير القاضي في حرك، فتوقّفت، فقال لها القاضي: قولي وإلّا فاخرجي من حقّه. «837» - اختصم رجلان إلى قاض في ديك ذبحه أحدهما فقال: ارتفعا إلى الأمير، فإنّا لا نحكم في الدماء. «838» - كان كثّير يحمّق، وله في ذلك أخبار مشهورة. فمن نوادرها قال طلحة بن عبيد الله بن عوف، دخلت عليه يوما في نفر من قريش، وكنا كثيرا ما نتهزأ به، فقلنا له: كيف تجدك يا أبا صخر؟ قال: بخير [1] ، ما سمعتم الناس يقولون شيئا؟ قلنا: نعم يتحدثون أنك الدجال، فقال: والله إن قلتم ذاك إني لأجد في عيني هذه ضعفا منذ أيام. وكان يقول بالرجعة ويتشيع تشيعا قبيحا. 838 ب- دخل عليه عبد الله بن حسن بن حسن يعوده في مرضه الذي مات فيه، فقال له كثير: أبشر فكأنك بعد أربعين يوما قد طلعت على فرس عتيق. فقال له عبد الله بن حسن: ما لك عليك لعنة الله، والله لئن متّ لا أشهدك [2] ولا أعودك ولا أكلّمك أبدا.   [1] الأغاني: قال: أجدني ذاهبا. [2] ح: لا أشهدك والله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 «838» ج- وكان أبو هاشم محمد بن علي قد وضع الأرصاد على كثير فلا يزال يؤتى بالخبر من خبره، فيقول له إذا لقيه: كنت في كذا وكذا، إلى أن جرى بين كثير وبين رجل كلام فأتي به أبو هاشم، فأقبل كثير فقال له أبو هاشم: كنت الساعة مع فلان، فقلت له كذا وكذا، وقال لك كذا وكذا، فقال له كثير: أشهد أنك رسول الله. 838 د- ونظر إلى بني حسن بن حسن وهم صغار فقال: وابأبي هؤلاء الأنبياء الصغار. 838 هـ- وكانت لكثير عمة برزة، فكان يدخل عليها فتكرمه وتطرح له وسادة يجلس عليها. فقال لها يوما: والله لا تعرفيني ولا تكرميني حقّ كرامتي، فقالت: بلى والله إني لأعرفك، قال: ومن أنا؟ قالت: ابن فلان وابن فلانة، وجعلت تمدح أباه وأمه، فقال: قد علمت أنك لا تعرفيني، قالت فمن أنت؟ قال: أنا يونس بن متى. «839» - قيل: كان بشّار بن برد جالسا في دار المهدي، والناس ينتظرون الإذن. فقال بعض موالي المهدي، وهو المعلّى بن طريف، لمن حضر: ما عندكم في قول الله عزّ وجلّ: (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) (النحل: 68) فقال له بشار: النحل التي يعرفها الناس، قال: هيهات يا أبا معاذ، النحل بنو هاشم وقوله: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) (النحل: 69) يعني العلم، فقال له بشار: أراني الله شرابك وطعامك مما يخرج من بطون بني هاشم فقد أو سعتنا غثاثة. فغضب وشتم بشارا. وبلغ المهديّ الخبر فدعاهما فسألهما عن القصة فحدثه بشار فضحك حتى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 أمسك على بطنه، وقال للمولى: جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم فإنك بارد غثّ. «840» - اشترى المؤمّل بن جميل بن يحيى بن أبي حفصة غلاما مدينيا مغنيا من مولّدي السند على البراءة من كلّ عيب، يقال له المطرّز. فدعا أصحابا له ذات يوم، ودعا شيخين من أهل اليمامة مغنيين، يقال لأحدهما السائب وللآخر شعبة. فلما أخذ القوم مجلسهم، ومعهم المطرز، اندفع الشيخان فغنياه، فقال المطرز لمولاه: ويلك يا ابن جميل يا ابن الزانية، تدري ما فعلت ومن عندك؟ قال: ويلك، أجنننت؟ ما لك؟ قال: أما أنا فأشهد أنك تأمن مكر الله حين أدخلت منزلك هذين. 840 ب- قال: وبعثه يوما يدعو أصدقاء له، فوجدهم عند رجل من أهل اليمامة، يقال له بهلول، وهو في بستان له، فقال لهم: مولاي ابن جميل قد أرسلني أدعوكم، وقد بلّغتكم رسالته، وإن شاورتموني أشرت عليكم، قالوا: فأشر علينا، قال: فإني أرى ألّا تذهبوا إليه، فمجلسكم والله أنزه من مجلسه وأحسن، فقالوا له: قد أطعناك، قال: وأخرى، قالوا: وما هي؟ قال: تحلفون عليّ الّا أبرح، ففعلوا، فأقام عندهم. 840 ج- قال: وكان يبعثه إلى بئر لهم عذبة في بستانه يستقي ماء، فكان يستقيه ويصبّه للجيران، ويستقي مكانه من بئر لهم غليظة، فإذا أنكر مولاه قال له: سل الغلمان أما أتيت البستان فاستقيت منه؟ فيسألهم فيجده صادقا. «841» - حدث أشعب قال: كانت بنت للحسين بن علي عليهما السلام عند عائشة بنت عثمان رحمه الله، فربّتها حتى صارت امرأة؛ وحجّ الخليفة فلم يبق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 بالمدينة خلق من قريش إلّا وافى الخليفة، إلّا من لا يصلح لشيء. فماتت بنت الحسين، فأرسلت عائشة إلى محمد بن عمرو بن حزم، وهو وإلى المدينة، وكان عفيفا حديدا كبير اللحية، له جارية موكّلة بلحيته إذا ائتزر لا يأتزر عليها؛ وكان إذا جلس للناس جمعها ثم أدخلها تحت فخذه- فأرسلت عائشة: يا أخي قد ترى ما دخل عليّ من المصيبة بابنتي، وغيبة أهلي وأهلها، وأنت الوالي. فأما ما يكفي النساء من النساء فأنا أكفيكه بيدي وعيني، وأما ما يكفي الرجال من الرجال فاكفنيه: مر بالأسواق أن ترفع، ومر بتجريد من يحمل [1] نعشها، ولا يحمل نعشها إلا الفقهاء والألبّاء [2] من قريش، بالوقار والسكينة، وقم على قبرها ولا يدخله إلّا قرابتها من ذوي الحجى والفضل. فأتى ابن حزم رسولها حين تغدّى ودخل ليقيل، فقال ابن حزم لرسولها: أبلغ ابنة المظلوم [3] وأخبرها أني قد سمعت الواعية، وأردت الركوب إليها، فأمسكت عن الركوب حتى أبرد ثم أصلّي وأنفّذ كلّ ما أمرت به. وأمر حاجبه وصاحب شرطته برفع الأسواق، ودعا بحرس [4] فقال: خذوا السياط حتى تحولوا بين الناس وبين النعش، إلا ذوي قرابتها، بالسكينة والوقار. ثم نام وانتبه فأسرج له، واجتمع كلّ من كان بالمدينة، وأتى باب عائشة حين أخرج النعش، فلما رأى الناس النعش التقفوه، فلم يملك ابن حزم ولا الحرس منه شيئا، وجعل ابن حزم يركض خلف النعش ويصيح بالناس من السّفلة والغوغاء [5] ، فلم يسمعوا حتى بلغ النعش القبر، فصلّى عليها، ثم وقف فنادى من ها هنا من قريش؟ فلم يحضره إلّا مروان بن أبان بن عثمان، وكان رجلا عظيم البطن نأنأ [6] لا يستطيع أن يثني من بطنه، سخيف   [1] الأغاني: بتجويد عمل (وما هنا أدق) . [2] ح: الأولياء. [3] الأغاني: اقرىء ابنة المظلوم السلام. [4] الأغاني: ودعا الحرس. [5] زاد في الأغاني: اربعوا أي ارفقوا. [6] نأنأ أو نأناء: عاجز جبان ضعيف؛ وفي الأغاني: بادنا وفي بعض أصوله فأفاء (وكذلك ح) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 العقل، فطلع وعليه سبعة قمص كأنها درج بعضها أقصر من بعض، ورداء [1] ثمّن بألفي درهم، فقال له ابن حزم: أنت لعمري قريبها، ولكنّ القبر لا يسعك، فقال: أصلح الله الأمير، إنما تضيق الأخلاق، فقال ابن حزم: إنّا لله، ما ظننت هذا هكذا كما أرى، فأمر له أربعة فأخذوا بضبعه حتى أدخلوه القبر، ثم أتى خرا الزنج، وهو عثمان بن عمرو بن عثمان، فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، ثم قال: واسيدتاه، وابنت أختاه، فقال ابن حزم: إنّا لله، قد كان بلغني عن هذا أنه مخنّث، ولم أكن أدري أنه بلغ هذا كلّه، دلّوه فإنه عورة، هو والله أحقّ بالدفن منها. فلما أدخلا قال مروان لخرا الزنج: تنحّ إليك شيئا، فقال له خرا الزنج: الحمد لله ربّ العالمين جاء كلب الوحشيّ يطرد كلب [2] الإنسي، فقال لهما ابن حزم: اسكتا قبحكما الله، وعليكما لعنته، أيكما الإنسيّ من الوحشيّ؟ والله لئن لم تسكتا لآمرنّ بكما فتدفنان. ثم جاء خال للجارية من الحاطبيين [3] ، وهو ناقه مريض لو أخذ بعوضة لم يضبطها فقال: أصلح الله الأمير، أنا خالها وأمي سودة، وأمّها حفصة، ثم رمى نفسه في القبر فأصاب ترقوة خرا الزنج فصاح: أوه أصلح الله الأمير، دقّ والله ترقوتي. فقال ابن حزم: دقّ الله عرقوتك وترقوتك، اسكت ويلك، ثم أقبل على أصحابه فقال: ويلكم إنّي خبّرت أنّ الجارية بادن، وأنّ مروان لا يقدر أن يثني من بطنه، وخرا الزنج مخنّث لا يعقل سنّة ولا دفنا، وهذا الحاطبيّ لو أخذ عصفورا لم يضبطه لضعفه، فمن يدفن هذه الجارية؟ والله ما أمرتني ابنة المظلوم بهذا. فقال له جلساؤه: لا والله ما بالمدينة خلق من قريش، ولو كان في هؤلاء خير ما بقوا. فقال: من هاهنا من مواليهم؟ فاذا أبو هانىء الأعمى وهو ظئرها. فقال ابن حزم: من أنت رحمك الله؟ قال: أبو هانىء ظئر عبد الله بن عمرو بن   [1] الأغاني: ورداء عدني. [2] الأغاني: جاء الكلب ... الكلب. [3] ح: من الخطابيين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 عثمان، وأنا أدفن أحياءهم وموتاهم، فقال له ابن حزم: أنا في طلبك، ادخل رحمك الله فادفن هؤلاء الأحياء حتى يدلّى إليك الموتى. ثم أقبل على أصحابه فقال: وهذا أيضا أعمى لا يبصر، فنادوا من ها هنا من مواليهم، فإذا برجل بربريّ يقال له أبو موسى قد جاء، فقال له ابن حزم: من أنت أيضا؟ قال: أنا أبو موسى صالمين، وأنا ابن أبي السمط سميطين، والسعيد سعيدين، والحمد لله رب العالمين. فقال ابن حزم: والعظيم لتكوننّ لهم خامسا، رحمك الله يا بنت رسول الله، ما اجتمع على جيفة خنزير ولا كلب ما اجتمع على جثّتك، فإنا لله وإنّا إليه راجعون. «842» - قال بعضهم: مررت بسكة من سكك البصرة، وإذا معلّم قد ضرب صبيا، وأقام الصبيان صفّا وهو يقول لهم: اقرأوا، ثم جاء إلى صبيّ بجنب الصبيّ الذي ضربه فقال: قل لهذا يقرأ فإني لست أكلّمه. «843» - وكان لأبي داود المعلم ابن فمرض، فلما نزع قال: اغسلوه، قالوا: إنه لم يمت، قال: إلى أن يفرغ من غسله قد مات. «844» - وقال بعضهم: مررت يوما بمعلّم والصبيان يحذفون عينه بنوى العنب [1] ، وهو ساكت، فقلت: ويحك أرى منك عجبا فقال: وما هو؟ قلت: أراك جالسا والصبيان يحذفون عينك بنوى العنب [2] فقال: اسكت ودعهم، فما والله إلا أن يصيب عينيّ شيء فأريك كيف أنتف لحى آبائهم. «845» - وقال آخر: رأيت معلّما وقد جاءه غلامان قد تعلّق أحدهما بالآخر   [1] ح ع: بالقصب. [2] ح ع: بالقصب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 وقال: يا معلم هذا عضّ أذني، فقال الآخر: والله ما عضضتها، وإنما هو عضّ أذن نفسه، فقال المعلم: يا ابن الخبيثة صار جملا حتى يعضّ أذن نفسه؟! «846» - وقال: رأيت معلّما بالكوفة وهو شيخ مخضوب الرأس واللحية، وهو جالس يبكي، فوقفت عليه وقلت: يا عمّ ممّ تبكي؟ فقال: سرق الصبيان خبزي. «847» - قال: ورأيت بالبصرة معلّما وقد جاء صبيّ فصفعه محكمة، فقال له المعلم: أيّما أصلب هذه أم التي صفعتك بالأمس. «848» - قال: وقرأ صبيّ على معلّم: الذين يقولون لا تنفقوا إلّا من عند رسول الله فقال المعلم: من عند أبيك القرنان أولى فإنه كثير المال. «849» - قال معلّم لغلام: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (الشمس: 10) فقال الصبي: وقد داس من خبّاها، فلم يزل يكرّر ذلك عليه إلى أن أعيته الحيلة، فقال المعلم: وقد داس من خبّاها، فقال الغلام: وقد خاب من دسّاها. «850» - وقال آخر: مررت بأحدهم وصبيّ يقرأ عليه (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) (الماعون: 2) والمعلم يردّ عليه: يدعو اليتيم، ويضربه. قال: فجئت إليه وقلت: هذا من الأمر بالمعروف، فقلت: يا شيخ، الصبيّ على الصواب، وأنت على الخطأ، وإنما معنى يدعّ: يدفع قال: فزبرني وأغلظ عليّ وقال: إنما معناه يدعو اليتيم ليفسق به، قال: فوليت عنه، وإذا به لا يرضى أن يخطىء حتى يكفر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 «851» - قال: وكان معلّم يقرىء صبيا: وإذ قال لقمان لابنه لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا. قيل: ما هذا؟ قال: أبوه يدخل مشاهرة شهر في شهر، وأنا أدخله من سورة إلى سورة. «852» - قرأ صبيّ على معلّم: أريد أن أنكحك: قال: هذا إذا قرأت على أمك الزانية. «853» - وقرأ آخر على معلّم: وأما الآخر فتصلّب فقال: هذا إذا قرأت على أبيك القرنان. «854» - قيل: نكب بعض ندماء الخليفة نكبة اضطرّ معها إلى الاستتار، فاستتر وطال شعره، فقال للرجل الذي كان مستترا عنده: قد كان لي غلام سنديّ مزيّن أعتقته، ولا أعرف خبره منذ حين، فاذهب إلى موضع كذا فاطلبه، واجلس إليه، ثم اذكرني له، فإن رأيته يتوجّع لي فعرّفه مكاني وخذه معك، وإن رأيته يذمّني أو يشكوني فدعه ولا تذكرني له. فذهب الرجل حتى لقيه وجاراه خبر مولاه، فقال: يا سيّدي ومن أين تعرفه؟ فإني والله تالف شوقا إليه واغتماما له، أحسن الله صحبته حيث كان. فقال الرجل: هو عندي، وقد استدعاك. فنهض السنديّ وقبّل يد الرجل وصار معه، فلما دخل إليه أظهر سرورا به وقبّل الأرض بين يديه، وأخذ شعره وحجمه، فأعطاه دينارا. فلما خرج لقي ابنا له فقال له: ويحك أليس وجّه إليّ فلان مولاي، وهو مستتر في دار فلان في الموضع الفلانيّ، فصرت إليه وخدمته وحجمته النّقرة، فأعطاني دينارا؟! فقال له ابنه: ويلك حجمته النقرة بلا أخدعين وليس هذا حقّه علينا، ولم يعرّج على شيء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 حتى قصد الدار التي وصفها له أبوه ودقّ الباب وقال: أنا فلان ابن خادمك المزيّن، ففتحوا له فدخل، وقبّل يديه ورجليه وأظهر من الاغتمام بأمره مثل ما أظهره أبوه، ثم قال: عرّفني غلامك أبي أنه حجمك النقرة وحدها، وهذا وقت حادّ، وقد ثار الدم، والوجه أن تحجم الأخدعين. فقال: لم يكن بي إلى هذا حاجة، والآن فقد أشرت به فاستخر الله تعالى، فحجمه الأخدعين، وأعطاه دينارا وأخرجه. فلقي أخا له وحكى له ما كان منه، فمرّ مبادرا وقال له مثل قوله، وفعل مثل فعله، حتى حجمه على الساقين، وأخذ دينارا. وخرج فلقي صهرا له فأخبره بالقصة، فبادر مسرعا حتى صار إلى الباب، ودخل وفعل مثل فعلهما وقال: لا بدّ مع حجامة الساقين والأخدعين من قطع الإجهارك، فقال الرجل: نعم لا أدري أيّ شيء ذنبي إليكم يا بني القحاب، اجلس، فأجلسه وقام وجلس في سميرية وانحدر إلى دار الخليفة، فلما رآه الحجّاب يستأذن تعجّبوا، ودخلوا يستأذنون له، فلما دخل انكبّ بين يدي الخليفة فقبّل الأرض ثم قال: يا أمير المؤمنين اسمع قصتي وحالي، وقصّ عليه خبر الحجامين وما لقي منهم. وقال: هؤلاء أولاد القحاب هو ذا يأخذون دمي بالمحاجم، خذه أنت بالسيف دفعة واحدة وأرحني مما أنا فيه. فضحك ووجع له وردّه إلى منزلته. «855» - حضر القطيعيّ مع قوم جنازة رجل، فنظر إلى أخيه فقال: هذا هو الميت [1] أم أخوه؟ «856» - قال الجاحظ: كان لنا جار مغفّل جدا، وكان طويل اللحية، فقالت له امرأته يوما: من حمقك طالت لحيتك، فقال: من عيّر عيّر [2] .   [1] ح: أهو الميت. [2] ح: من عيب غيّر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 «857» - قال المأمون لمحمد بن العباس: ما حال غلّتنا بالأهواز؟ وما أتاك من خبر سعرها؟ فقال: أمّا متاع أمير المؤمنين فقائم على سوقه، وأما متاع أمّ جعفر فمسترخي، فقال له: اغرب قبّحك الله. «858» - استعمل معاوية رجلا من كلب، فذكر يوما المجوس وعنده الناس: فقال: لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم، والله لو أعطيت مائة ألف ما نكحت أمي. فبلغ ذلك معاوية فقال: قاتله الله أترونه لو زادوه على مائة ألف فعل؟! «859» - كان عبد الله [1] بن هلال الهنائي عنده زبيل حصى، فكان يسبّح بواحدة واحدة، فإذا ملّ شيئا طرح اثنتين اثنتين ثم ثلاثا، ثلاثا، فإذا ملّ شيئا قبض قبضة وقال: سبحان الله عدد هذا، وإذا ملّ شيئا قبض قبضتين وقال: سبحان الله بعدد هذا، وإذا بكّر لحاجة لحظ الزبيل وقال: سبحان الله عدد ما فيه. «860» - ولد لرجل طويل اللحية ابن، فجاء بمنجّم يعمل له مولدا، فقال له: أحبّ أن تجعل عطارد في طالعه فإنه بلغني أنه يعطي الكتابة [2] . «861» - قال حمزة بن نصير لغلام له كان أحمق منه: أيّ يوم صلينا الجمعة بالرصافة؟ قال: والله ما أذكر جيدا، ولكن أحسبه كان يوم الثلاثاء، قال:   [1] ع: عبد الملك. [2] ح: الكنية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 صدقت كذا كان. «862» - قال المنصور للربيع: كيف تعرف الريح؟ قال: أنظر إلى خاتمي، فإن كان سلسا فشمال، وإلا فهي جنوب. فقال للطلحي: فأنت كيف تعرف الريح؟ قال: أضرب بيدي إلى خصيتيّ فإن كانتا قد تقلّصتا فهي شمال، وإن كانتا قد تدلّتا فهي جنوب، فقال المنصور: أنت أحمق. 863- قال الحجاج لاسماعيل بن الأشعث، وكان يحمّق: كيف ترى قصري؟ قال: أرى قصرا أستعظم المؤونة على من أراد هدمه، فقال: قبحك الله، ويلك ما خالف بك إلى ذكر الهدم؟! «864» - مات لأبي العطوف ابن، وكان يتفلسف، فلما دلّوه في القبر قال للحفّار: أضجعه على شقّه الأيسر فإنه أهضم للطعام. «865» - عرض هشام بن عبد الملك الجند فأتاه رجل حمصيّ بفرس كلّما قدّمه نفر، فقام هشام: ما هذا عليه لعنة الله؟ قال الحمصي: يا سيدي هو فاره ولكن شبّهك ببيطار كان يعالجه فنفر. «866» - كان رجل يختلف إلى الأعمش فيؤثره، وكان أصحاب الأعمش يسوؤهم ذلك، ففتشوا الرجل فإذا هو حمار، وكان سكوته للعيّ، فقالوا: سل الأعمش كما نسأله نحن وخاطبه، فقال له يوما: يا أبا محمد متى يحرم على الصائم الطعام؟ قال: إذا طلع الفجر، قال: فإن طلع نصف الليل؟ فقال له الأعمش: عد إلى ما كنت عليه من الخرس. «867» - وقيل عن ابن خلف الهمداني إنه اطّلع في الجبّ فرأى وجهه، فعدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 إلى أمّه وقال: يا أمي في الجبّ لصّ، فجاءت الأمّ وتطلعت، وقالت: اي والله ومعه قحبة. «867» ب- وذكر بين يديه رجل فقال: هو رجل سوء، فقالوا له: من أين علمت؟ قال: قد أفسد بعض أهلنا، قيل: ومن هو؟ قال أمّي صانها الله. 867 ج- وأخذ الطلق امرأته فقال: بالله أخرجيه ابنا ولك دينار، ولك ما شئت، بالله ما أحتاج أوصيك. «868» - اعترض أبو الخندق الأرمنيّ دوابّه، فأصاب فيها واحدا أعجف مهزولا فقال: هاتوا الطبّاخ، فبطحه وضربه خمسين مقرعة، فقال: يا سيدي، أنا طبّاخ لا أعرف أمر الدوابّ، قال: فلم لم تقل لي؟ اذهب الآن فإن أذنبت ذنبا ضربت السائس ستين مقرعة، بزيادة عشرة. «869» - كتب المنصور إلى زياد بن عبد الله الحارثي ليقسم مالا بين العميان والقواعد والأيتام. فدخل عليه أبو زياد التميمي، وكان مغفّلا فقال: أصلحك الله اكتبني في القواعد، فقال له: عافاك الله، القواعد من النساء اللواتي قعدن عن أزواجهنّ، فقال له: اكتبني في العميان، قال: اكتبوه فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج 46) فقال أبو زياد: واكتب ابني في الأيتام، قال: نعم من كنت أباه فهو يتيم. «870» - قال بعضهم: رأيت رجلا محموما مصدّعا وهو يأكل التمر ويتكرّهه، فقلت له: ويحك لم تأكل هذا في حالك هذه، يقتلك. فقال: عندنا شاة ترضع وليس لها نوى، فأنا آكل هذا التمر مع كراهتي له لأطعمها النوى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 قال: فقلت له أطعمها التمر بالنوى، قال أو يجوز هذا؟ قلت: نعم، قال: والله فرّجت عنّي، لا إله إلا الله، ما أحسن العلم. 871- قال الأصمعي: دخلت البادية ومعي شيء أودعته عند امرأة منهم. طلبته منها فأنكرت وجحدت، فقدمتها إلى شيخ منهم فقرّرها، فأقامت على إنكارها. فقال: قد علمت أنه لا يلزمها إلّا اليمين أفتريد إحلافها، فقلت: لا تفعل، ألم تسمع قوله: [من الوافر] ولا تسمع لسارقة يمينا ... ولو حلفت بربّ العالمينا فقال: صدق الله [1] ثم تهدّدها وتشدّد عليها فأقرّت وردّت إليّ مالي. فالتفت إليّ الشيخ فقال في أيّ سورة هذا؟ فقلت في قوله: [من الوافر] ألا هبّي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا فقال: سبحان الله، قد كنت ظننتها في: (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (الفتح: 1) . 872- حبس مصعب بن الزبير عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ في بعض الأمور التي كان يجنيها، فكلّمت مذحج الأحنف بن قيس ليكلّم مصعبا فيه، فكلّمه حتى خلّى سبيله. فبينا الأحنف يوما جالس وعنده جماعة إذ جاءه عبيد الله بن الحر فوقف عليه وقال: كيف أنت يا أبا بحر؟ جزاك الله خيرا، قد بلغني ما كان منك، اعلم أنني نظرت في أمري وأمرك ومجازاتك، فإذا أنت أوجه مني فلست تحتاج إلى جاهي، وأنت فلا تستحلّ شيئا من مكاسبي، وإذا ليس شيء أمثل من ضربة بسيف تدخل بها الجنة وأدخل أنا بها النار. فجعل الأحنف يضحك ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وعبيد الله يقول له: إن أذنت لي عجّلتها لك.   [1] ح ع: صدقت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 873- ويشبه هذا ما حكي عن بعض العلويين أنه نزل ببعض نواحي خراسان، وكان أهلها شيعة، فأكرموه وخدموه، فلما كان الليل رآهم يتشاورون، فجاء إليه رجل وأعلمه أنهم عزموا على قتله، وقالوا: كلّ بلد جليل فيه مشهد لآل محمد عليه السلام، ونحن لا مشهد عندنا، فنقتل هذا العلويّ ونبني عليه مشهدا وقبة ويكون فخرا لنا بزيارته، فترك العلويّ رحله وهرب ليلا. «874» - اصطحب اثنان من الحمقى في طريق، فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نتمنّى، فإنّ الطريق يقطع بالحديث والتمنّي، قال: تمنّ، قال: أتمنّى قطائع غنم حتى أنتفع بألبانها وصوفها ولحمها ويخصب معها رحلي، ويشبع أهلي. قال الآخر: أنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى تأتي عليها. قال: ويحك هذا من حقّ الصحبة وحرمة العشرة؟ وتلاحما واشتدّت الملحمة بينهما، ثم قال: نرضى بأول من يطلع علينا نتحاكم إليه، فبينما هما كذلك طلع عليهما شيخ يسوق حمارا، وعليه زقّان مملوءان عسلا، فاستوقفاه وحدّثاه فقال: قد فهمت حديثكما، وفتح رأس الزقّين حتى سال العسل في التراب، وقال: صبّ الله دمي مثل هذا العسل إن كنت رأيت أحمق منكما. «875» - قيل: كان كيسان صاحب أبي عبيدة مضعّفا بليدا يأتي سهوا كثيرا، فسئل أبو عبيدة عن اسم بعض العرب فأنكر معرفته، وكيسان حاضر، فقال: أنا أعرف اسمه، فقال أبو عبيدة: ما هو؟ قال: خراش أو خداش أو رياش أو حماش أو شيء آخر. فقال أبو عبيدة: ما أحسن ما عرفته، فقال: نعم وهو مع ذاك قرشي، فاغتاظ أبو عبيدة وقال: من أين علمت أنه قرشي؟ قال: أما رأيت اكتناف الشينات عليه من كلّ جهة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 «876» - قال رجل للحسن: يا أبا سعيد أنا أفسو في ثوبي وأصلّي فيه هل يجوز؟ قال: نعم لا كثّر الله في المسلمين مثلك. 877- سمع رجل من ينشد: [من الطويل] وكان أخلائي يقولون مرحبا ... فلما رأوني معدما مات مرحب فقال: مرحب لم يمت، قتله عليّ عليه السلام. «878» - كان الوليد بن يزيد يلعب بالشطرنج، فاستأذن عليه رجل من ثقيف، فسترها ثم سأله عن حاله وقال له: أقرأت القرآن؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، قد شغلني عنه أمور وهنات. قال: أفتعرف الفقه؟ قال: لا والله؟ قال: أتروي من الشعر شيئا قال: ولاش، فكشف عن الشطرنج وقال: شاهك، فقال له عبد الله ابن معاوية: مه يا أمير المؤمنين، قال: اسكت فما معنا أحد. «879» - قالوا: استأذن العقل على الحظّ فحجبه، قال: أتحجبني وأنا خير منك؟ قال: وأنت ما تساوي إذا لم أكن معك؟ قيراط من حظّ خير من كرّ عقل. 880- قال أعرابي لابنه: ما لي أراك ساكنا والناس يتكلمون؟ قال: ما أحسن ما يحسنون. قال: إن قيل لا فقل أنت نعم، وإن قيل نعم فقل أنت لا، وشاغبهم ولا تقعد غفلا لا يشعر بك. 881- كانت بربيعة بن عمرو طرقة أي جنون، ولذلك لقّب بحوثرة، وهو أبو الحواثر من عبد القيس، فغرس فسيلا فكان يسقيه بالنهار، فإذا كان الليل اقتلعه وأدخله بيته، فقيل له في ذلك فقال: أخزى الله مالا لا تغلق عليه بابك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 «882» - المتنبي: [من المتقارب] لقد كنت أحسب قبل الخصي ... ي أنّ الرؤوس مقرّ النهى فلما نظرت إلى عقله ... رأيت النهى كلّها في الخصى «883» - قيل لمعلم: ليس لك درّة. قال: وما أصنع بها؟ أقول من لم يرفع صوته بالهجاء فأمّه قحبة، فيرفعون أصواتهم فهذا أبلغ وأسلم. 884- قال بعضهم: ما أحسن ما قال الله: اقتلوا السفلة حيث وجدتموهم فقيل له: ليس هذا بقرآن، قال: ألحقوه به فإنه آية حسنة. «885» - قال لرجل غلامه: قد سرق الحمار يا سيدي، فقال الحمد لله الذي لم أكن على ظهره. 886- مدح شاعر أميرا فقال: [من الكامل المجزوء] أنت الهمام الأريحيّ ... الواسع ابن الواسعه فقال له: من أين عرفتها؟ فقال: قد جرّبتها، فقال: أسوأ من شعرك ما أتيت به من عذرك [1] . يتلوه: باب المشورة والرأي.   [1] في ح هنا: تمّ الباب الثالث عشر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 الباب الرّابع عشر في المشورة والرأي صوابه وخطئه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله المطّلع على مصير الأمور ومآلها، العليم قبل وقوعها بأعقابها ومآبها، الموجّه دقائق الفكر والآراء لأربابها، والمنبّه لهم بتوفيقه على خطأها وصوابها، موفق الألسنة عند النطق لسدادها، وهادي القلوب عند التدبير لرشادها، يمدّ كلّا بتأييد لا يتمّ صلاحها إلّا بمدده، وتخون كلّ عدة ليست من جنوده وعدده. أحمده وله المنة على الحمد، وأستمدّ منه بصيرة تهدي إلى الرّشد. وأسأله الصلاة على نبيّه المؤيد بأمداد الغيوب، المخصوص بكشف السرّ المحجوب، وأمر مع ذلك عن غير ضرورة [1] بمشاورة نصحائه [2] ، وعضد آرائهم برائه، تأديبا لأمّته واستنانا [3] ، وإيضاحا لبركة المشورة وفضيلتها وبيانا. صلّى الله عليه وعلى آله ما قدح الرأي زناد الصواب، وكشفت التجارب بصيرة ذوي الألباب.   [1] عن غير ضرورة: سقطت من ر. [2] ح: أصحابه. [3] ح: واستباقا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 (الباب الرابع عشر في المشورة والرأي صوابه وخطئه) [ آيات وأحاديث وحكم وأشعار ] «887» - قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم: (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (آل عمران: 159) واختلف أهل التأويل في أمره بالمشاورة مع ما أمدّه بالتوفيق وأعانه بالتأييد على أربعة أوجه: أحدها أنه أمره بمشاورتهم في الحرب ليستقرّ له الرأي الصحيح فيه، فيعمل عليه، وهذا قول الحسن. وقال: ما تشاور قوم قطّ إلّا هدوا لأرشد أمورهم. والثاني: أنه أمره بمشاورتهم تألفا وتطييبا لنفوسهم، وهذا قول قتادة. والثالث: أنه أمره بمشاورتهم لما علم فيها من الفضل وعاد بها من النّفع، وهذا قول الضحّاك. والرابع: أنه أمره بمشاورتهم ليستنّ به المسلمون ويتبعه فيها المؤمنون، وإن كان عن مشاورتهم غنيا، وهذا قول سفيان. «888» - وقد روي عن الحسن أنه قال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يأمر نبيّه صلّى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه لحاجة منه إلى آرائهم، ولكنّه أحبّ أن يعلمه ما في المشاورة من البركة. «889» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا افتقر من اقتصد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 «890» - وقال عليه السلام: المستشير معان. 891- وقال عليّ كرّم الله وجهه: من أعجب برأيه ضلّ، ومن استغنى بعقله زلّ. «892» - وقال أعرابي: ما غبنت قطّ حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذاك؟ قال: لا أفعل شيئا حتى أشاورهم. 893- وكان يقال: ما استنبط الصواب بمثل المشاورة، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر. «894» - وقال ابن المقفّع: لا يقذفنّ في روعك أنك إذا استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذلك عن المشورة، فإنك لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع. ولو أنك أردت الذكر لكان أحسن الذّكرين عند الألباء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه. «895» - وقال صاحب كليلة ودمنة: لا بدّ لصاحب السرّ من مستشار مأمون يفضي إليه بسرّه، ويعاونه على رأيه؛ فإنّ المستشير وإن كان أفضل من المستشار رأيا فقد يزداد برأيه رأيا كما تزداد النار بالسّليط ضوءا. وعلى المستشار موافقة المستشير على صواب ما يرى، والرفق في تبصيره خطأ إن أتى منه، وإجالة الرأي فيما أشكل عليهما حتى يستقيم لهما بتعاونهما، فإذا لم يكن المستشار كذلك فهو على المستشير مع [1] عدوّه.   [1] ح: فهو مع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 «896» - وقال بشار: [من الطويل] إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإنّ الخوافي رافدات [1] القوادم وخلّ الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوما فإنّ الحزم ليس بنائم وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرءا غير كاتم [2] وما خير كفّ أمسك الغلّ أختها ... وما خير سيف لم يؤيّد بقائم «897» - قال الأصمعي: قلت لبشار: إنّ الناس يعجبون من أبياتك في المشورة، قال: يا أبا سعيد إنّ المشاور بين صواب يفوز بثمرته، وخطأ يشارك في مكروهه، فقلت: أنت والله في قولك أشعر منك في شعرك. «898» - وأنشد ابن الأعرابي: [من الطويل] وأنفع من شاورت من كان ناصحا ... شفيقا فأبصر بعدها من تشاور وليس بشافيك الشفيق ورأيه ... غريب ولا ذو الرأي والصدر واغر «899» - وقال جعفر بن محمد: لا تكوننّ أوّل مشير، وإياك والرأي الفطير، وتجنّب ارتجال الكلام، ولا تشر على مستبدّ برأيه، ولا على وغد ولا   [1] ر: رافعات. [2] سقط البيت من ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 متلوّن ولا على لجوج، وخف الله من موافقة هوى المستشير، فإنّ التماس موافقته لؤم، وسوء الاستماع منه خيانة. [ المشورة عند اليونان والفرس ] «900» - وقالت الفرس: ينبغي أن يكون المستشار صحيح العلم، مهذّب الرأي، فليس كلّ عالم عارفا بالرأي الصائب، وكم نافذ في شيء ضعيف في غيره. وقد يكون المستشار مستقيم الرأي، سديد التدبير، فتعرض له آفة أخرى: إما في خليقته ومقاصده، فلا يكون صوابه ملائما لما هو صواب للملك، أو يكون مائلا بهواه فيما استشير فيه إلى نفع صديق أو ضرّ عدوّ. ومثال الأول: أن يكون بخيلا فيحسّن البخل لحسنه عنده، أو جبانا فيشير بما يدعوه إلى الجبن، أو يكون مبذرا أو متهوّرا فبالضدّ. فإذا عرف الملك سلامة المستشار من هذه الشوائب وسمع مشورته، طالبه بالدليل على الصواب، فإذا أتى بالحجة عرضه الملك على رأيه، ووزنه بعقله. فإذا طابق الصواب عنده عمل به. وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر بقوله، وهي تروى لأبي الأسود الدؤلي واسمه الحارث بن ظالم [1] : [من الطويل] وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه ... وما كلّ مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند واحد ... فحقّ له من طاعة بنصيب «901» - وكان اليونان والفرس لا يجمعون وزراءهم على الأمر يستشيرون فيه، إنما يستشيرون الواحد منهم من غير أن يعلم الآخر به، لمعان شتّى منها:   [1] كذا هو في النسخ، ولعله سهو، إذ اسم أبي الأسود هو ظالم بن عمرو؛ فأما الحارث بن ظالم فإنه أحد فتاك العرب في الجاهلية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 لئلّا يقع بين المشاورين منافسة تذهب أصالة الرأي وصحة النظر فيه، لأنّ من طباع المشتركين في الأمر التنافس والتغالب والطعن من بعضهم على بعض، وربما أشار أحدهم بالرأي الصواب وسبق إليه فحسده الآخرون وتعقّبوه بالاعتراض والتأويل والتهجين، وكدّروه وأفسدوه، وشبّهوا الباطل بالحقّ ليصيّروا حقّه باطلا. وفي اجتماعهم أيضا على المشورة تعريض السرّ للإذاعة [1] والإشاعة، فإن كان ذلك لم يستطع الملك المقابلة على كشف سرّه لأنه لا يعلم أيّهم جنى فيه، فإن عاقب الكلّ عاقب بريئا بذنب مجرم، وإن عفا عنهم ألحق الجاني بمن لا ذنب له. 902- وقالت الفرس: إنما يراد الاجتماع والكثرة والتناصر في الأمور التي تحتاج إلى القوة، أو ما يخشى فيه الخيانة، فأما الآراء والأمور الغامضة فإنّ الاجتماع يفسدها، ويولّد فيها التضاغن والتنافس، وربما انقبض أحدهم عن تقسيم الآراء وذكر ما يعترض فيها لما يتخوّفه من منافسة ومشاحنة. وإنما يكون الرأي في الجفلى إذا خلصت النيّات وصفت، فحينئذ تقع المجاراة فيه والتعارض حتى يصفو ويخلص ويتّضح ولا يبقى فيه مراء ولا شكّ، وذلك في الأمر الذي يعمّ ضرره ونفعه للجماعة مثل القبيلة أو العصبة إذا حزبهم أمر يخافون من تضييع الحزم فيه بآفة [2] تعمّهم، فإنهم حينئذ يدعون التحاسد والتنافس، ويقبلون الصواب ممّن جاء به منهم لأنّ صلاح ذلك يعمّهم والخطأ فيه يشملهم. «903» - وقال ابن المقفع: اعلم أنّ المستشار ليس بكفيل، وأنّ الرأي ليس بمضمون، بل الرأي كلّه غرر لأنّ أمور الدنيا ليس شيء منها بثقة، وليس شيء من أمرها يدركه الحازم إلّا وقد يدركه العاجز؛ بل ربما أعيا الحزمة وأمكن   [1] ح: للاضافة. [2] ح: بانفة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 العجزة. فإذا أشار عليك صاحبك برأي ثم لم تحمد عاقبته فلا تجعلنّ ذلك عليه لوما وعذابا بأن تقول: أنت فعلت هذا بي، وأنت أمرتني، ولولا أنت ولا جرم لا أطعتك، فإنّ هذا كلّه ضجر ولؤم وخفّة. وإن كنت أنت المشير فعمل برأيك أو ترك فبدا صوابه فلا تمنن عليه، ولا تكثرنّ ذكره إن كان فيه نجاح، ولا تلم عليه إن كان استبان في تركه ضرر، وتقول: ألم أفعل؟ ألم أقل؟ فإنّ ذلك مجانب لأدب الحكماء. «904» - قال أفلاطن: إذا استشارك عدوّك فجرّد له النصيحة لأنه بالاستشارة قد خرج من عداوتك إلى موالاتك. «905» - وقيل: إذا أردت أن تعرف الرجل فشاوره، فإنك تقف من مشاورته [1] على جوره وعدله، وحبّه وبغضه، وخيره وشرّه. «906» - وقيل: من طلب الرّخص من النّصحاء عند المشاورة، ومن الأطباء عند المرض، ومن العلماء عند الشّبهة، أخطأ منافع الرأي، وازداد في المرض، وحمل [2] الوزر في الدين. «907» - وقيل: من بذل نصيحته واجتهاده لمن لا شكر له فإنما هو كمن بذر بذرة في السباخ، أو أشار على المعجب، أو سارّ الأصمّ. «908» - وكان ابن هبيرة يقول: إياك وصحبة من غايته خاصّة نفسه،   [1] ح ر: مشورته. [2] ر: وحمله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 والانحطاط في هوى مستشيره، وهو من [1] لا يلتمس خالص مودّتك إلّا بالتأتي لموافقة شهوتك، ومن يساعدك على سرور ساعتك ولا يفكّر في حوادث غدك. «909» - كتب الحجاج إلى المهلّب يعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: إنّ البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه [2] دون من يبصره. «910» - وكان عبد الله بن وهب الراسبيّ متقدّما في الخوارج [3] ، من ذوي آرائهم، وكان يقول: إنّ الرأي ليس بنهبى، وخمير الرأي خير من فطيره. وربّ شيء غابّه خير من طريّه، وتأخيره خير من تقديمه. وقيل له يوم عقدت له الخوارج: تكلّم، فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام القضيب. وكان يقول: نعوذ بالله من الرأي الدّبريّ، وهو الذي يعرض بعد وقوع الشيء. «911» - قال جرير: [من الطويل] ولا يعرفون الشرّ حتى يصيبهم ... ولا يعرفون الأمر إلّا تدبّرا «912» - ويقال: أناة في عواقبها درك خير من معاجلة في عواقبها فوت. «913» - وأنشد الرياشي: [من البسيط] وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا   [1] ع ح: ومن. [2] ح: ملكه. [3] ح: متقدم الخوارج. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 «914» - وللقطامي: [من الوافر] وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبّعه اتباعا «915» - ويقال: من لم ينفعك ظنّه، لم ينفعك يقينه. «916» - وقال عبد الله بن الزبير: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه. «917» - وقال أوس بن حجر: [من المنسرح] الألمعيّ الذي يظنّ لك الظ ... نّ كأن قد رأى وقد سمعا «918» - وقال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه [1] في ابن عباس: إنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. «919» - وقال الشاعر: [من الطويل] تجلّلته بالرأي حتى أريته [2] ... به ملء عينيه مكان العواقب [3] 919 ب- آخر: [من الطويل] بصير بأعقاب الأمور كأنما ... تخاطبه من كلّ أمر عواقبه   [1] ح: عليه السلام. [2] ح: رأيته. [3] ح: الكواعب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 «920» - وقال آخر: [من الطويل] من النفر المدلين في كلّ حجّة ... بمستحصد [1] من جولة الرأي محكم «921» - كان معاوية يقول: لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أنّ في قلبه عليّ ضغنا، فأستشيره، فيثور إليّ منه بقدر ما يجد في نفسه، فما يزال يوسعني شتما وأوسعه حلما حتى يرجع صديقا أستنجده فينجدني. «922» - وقال جعفر بن محمد: من استشار لم يعدم عند الصواب مادحا وعند الخطأ عاذرا. «923» - وأحسن ابن الروميّ في وصف ذي رأي محكم بقوله: [من الطويل] تراه عن الحرب العوان بمعزل ... وآثاره فيها وإن غاب شهّد كما احتجب المقدار والحكم حكمه ... عن الناس طرّا ليس عنه معرّد «924» - ومن كلام لعبد الله بن المعتز: مشاورة المشفق الحازم ظفر، ومشاورة المشفق غير الحازم خطر. ومنه: المشورة راحة لك وتعب على غيرك. «925» - وقال الأحنف: لا تشاور الجائع حتى يشبع، ولا العطشان حتى   [1] ح: بمحتصد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 يروى، ولا الأسير حتى يطلق، ولا المضلّ حتى يجد، ولا الراغب حتى ينجح. «926» - ومن الآراء قول الأحنف لأبي موسى لما حكّم: يا أبا موسى، إنّ هذا الأمر [1] له ما بعده من عزّ الدنيا أو ذلّها آخر الدهر. ادع القوم إلى طاعة عليّ فإن أبوا فادعهم إلى أن يختار أهل الشام من قريش العراق من أحبّوا، وإياك إذا لقيت ابن العاص أن تصافحه بنيّة، أو أن يقعدك على صدر المجلس، فإنها خديعة، وأن يضمّك وإياه بيت يكمن لك فيه الرجال. ودعه فليتكلّم [2] لتكون عليه بالخيار، فإنّ البادىء مستغلق، والمجيب ناطق. فعمل أبو موسى بخلاف ما أشار به، فقال له والتقيا بعد ذلك: أدخل والله قدميك في خف واحد. 927- وقال قتيبة بن مسلم في الرأي: إذا تخالجتك الأمور فاستقلّ بأعظمها خطرا، فإن لم يستبن فأرجاها دركا، فإن اشتبهت عليك فأحراها أن لا يكون لها مرجوع عليك. «928» - قال الفضل بن سهل: الرأي يسدّ ثلم السيف، والسيف، لا يسدّ ثلم الرأي. [ الرسول في غزوة بدر ] «929» - ولما سار رسول الله صلّي الله عليه وعلى آله إلى قريش في غزاة بدر نزل أدنى ماء من بدر، فقال له الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أنزلكه الله عزّ وجلّ ليس لك أن تتقدّمه ولا تتأخّره أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال: يا رسول الله فإنّ هذا ليس بمنزل، فارحل بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فتنزله، ثم   [1] ع ح: أمر. [2] ح: ليتكلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 تغوّر ما سواه من القلب، ثم تبتني عليه حوضا فتملأه، ثم تقابل القوم فتشرب ولا يشربون. فقال صلّى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي. وفعل ما أشار به مع عناية الوحي المؤيّد له عن مشورة الرأي. «930» - طاهر بن الحسين: [من البسيط] اعمل صوابا تنل بالحزم مأثرة ... فلن يذمّ لأهل الحزم تدبير فإن هلكت برأي أو ظفرت به ... فأنت عند ذوي الألباب معذور وإن ظهرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير أنكد بدنيا ينال المخطئون بها ... حظّ المصيبين والمقدور مقدور [ عود إلى أخبار وحكم ] 931- استشار المنصور خاصّة أهله وأصحابه في تولية المهديّ السواد وكور دجلة، فاستصوب كلّهم رأيه إلّا أبا العباس الطوسيّ فإنه استخلاه ثم قال له: أرأيت إن سلك المهديّ غير سيرتك، واستعمل التسهيل، كنت ترضى بذلك؟ قال: لا والله، قال فأنت تريد أن تحبّبه إلى الرعية، وتقليدك إياه يبغّضه إليهم، لا سيما ما قرب منك، ولكن تولّي هذه الولاية عيسى بن موسى، وتجعل المهديّ الناظر في ظلامات الناس منه، وتأمره بأخذه بإنصافهم، فضحك منه حتى فحص برجليه. 932- وروي أنّ الحجاج استعمل عاملا على الفلّوجتين، فلما وردها قال: هل ها هنا دهقان يعاش برأيه؟ فقيل له: جميل بن بصبهرى، فأحضره وشاوره، فقال له جميل: أخبرني أقدمت لرضى ربك، أم لرضى نفسك، أم لرضى من يقلدك [1] ؟ قال: ما استشرتك إلّا لرضى الجميع. قال: فاحفظ عني   [1] ح: لرضى تقليدك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 خلالا: لا يختلف حكمك في رعيتك. وليكن حكمك على الشريف والوضيع سواء، ولا تتخذنّ حاجبا ليردّ عليك الوارد من أهل عملك على ثقة من الوصول إليك، وأطل الجلوس لأهل عملك يتهيّبك عمّالك، ولا تقبل هدية فإنّ صاحبها لا يرضى بثلاثين ضعفا مثلها، فإذا فعلت ذلك فاسلخ جلودهم من فروعهم إلى أقدامهم. قال: فعملت برأيه فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم. «933» - قال الرضيّ: [من المنسرح] يعجبني كلّ حازم الرأي لا ... يطمع في قرع سنّه الندم إن قام خفّت به شمائله ... أو غار [1] خفّت بوطئه القدم 933 ب- وقال: [من الطويل] يغامر بالآراء قبل جيوشه ... وبيض الظّبا بيض بغير فلول فإن غنم الجيش المغير وراءه ... فما غنمه في الحرب غير غلول «934» - وقال محمد بن هانىء: [من الطويل] وكلّ أناة في المواطن سؤدد ... ولا كأناة من قدير محكّم وما الرأي إلّا بعد طول تثبّت ... ولا الحزم إلّا بعد طول تلوّم 935- ومن الآراء الصائبة ما رآه عبد الملك بن مروان لما نفى ابن الزبير بني أمية؛ قيل: لما خلع عبد الله بن الزبير يزيد بن معاوية همّ بقتل بني أمية الذين بالحجاز، فشاور في ذلك إخوته المنذر وعروة ومصعبا فأشار به عليه المنذر   [1] الديوان: أو سار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وخالفه عروة ومصعب [1] ، وقالا له: انفهم عن المدينة وإلّا أفسدوا أمرك بها، فكتب بنفيهم، وورد كتابه بذلك وعبد الملك مجدور، ففزغ مروان إلى رأي ابنه عبد الملك، وكان منذ كان غلاما مجتمع الرأي حازما صليبا، فقال له: بادر بالخروج قال: فإني قد استنظرتهم فأجّلوني أياما، قال: لا تفعل، فإنّ هذا رأي تفرّد به أو شاور فيه من إخوته من اختلفت آراؤهم فيه عليه، ولو شاور كهول أصحابه لأشاروا عليه بقتلنا، وأعلموه أنّا إن خرجنا إلى الشام جررنا عليه شرّا، فاهتبل هذا الأمر وانج قبل أن تندم، فقال له: وكيف أصنع وأنت مجدور؟ قال: إنه لا بأس عليّ. فساروا وحمل عبد الملك في هودج، واحتثّوا في المسير فلم يحلّوا عقدة حتى نزلوا شبيكة الدوم [2] . ثم شاور ابن الزبير أصحابه الكهول مثل ابن مطيع وابن صفوان ونظرائهم، فعجّزوه وفيّلوا رأيه فيما صنع، وقالوا له: أدرك القوم، فو الله لئن وصلوا إلى الشام ليرجعنّ إليك في الجيوش. فكتب إلى عامله عبد الرحمن بن حنظلة الغسيل الأنصاري: أقرر بني أمية ولا تهج منهم أحدا، فكتب إليه ابن حنظلة بخبرهم وشخوصهم. «936» - وقال إبراهيم بن العباس في وصف الرأي: [من الكامل المرفّل] يمضي الأمور على بديهته [3] ... وتريه فكرته عواقبها فيظلّ يصدرها ويوردها ... فيعمّ حاضرها وغائبها وإذا الحروب غلت [4] بعثت لها ... رأيا تفلّ به كتائبها   [1] ح: مصعب وعروة. [2] شبيكة: موضع بين مكة والزاهر؛ ولم يوردها ياقوت مضافة؛ وفي ح: شبيكة الروم. [3] الطرائف: على بدائهه. [4] الطرائف: طغت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 رأيا إذا نبت السيوف مضى ... قدما [1] بها فسقى [2] مضاربها 937- قال معن بن زائدة: كنا في الصحابة سبعمائة رجل، فكنّا ندخل على المنصور في كلّ يوم، فقلت للربيع: اجعلني في آخر من يدخل عليه، فقال لي: لست بأشرفهم فتكون في أوّلهم ولست بأخسّهم نسبا فتكون في آخرهم، وإنّ مرتبتك لتشبه نسبك. فدخلت على المنصور ذات يوم وعليّ درّاعة فضفاضة وسيف حتفيّ [3] أقرع بنعله الأرض، وعمامة قد سدلتها [4] من قدّامي ومن خلفي، فسلّمت عليه وخرجت، فلما صرت عند الستر صاح بي: يا معن، صيحة أنكرتها فلبّيتها [5] ، فقال: إليّ، فدنوت منه فإذا به قد نزل عن فرشه إلى الأرض، وجثا على ركبتيه، واستلّ عمودا من بين فراشين، واستحال لونه، ودرّت أوداجه وقال: إنك لصاحبي يوم واسط لا نجوت إن نجوت منّي. قال، قلت: يا أمير المؤمنين، تلك نصرتي لباطلهم فكيف نصرتي لحقّك؟ فقال: كيف قلت؟ فأعدت عليه القول، فما زال يستعيدني حتى ردّ العمود إلى مستقرّه واستوى متربّعا وأسفر لونه وقال: يا معن إنّ باليمن هنات، قلت: يا أمير المؤمنين ليس لمكتوم رأي، وهو أول من أرسلها مثلا، فقال: أنت صاحبي فاجلس، قال: فجلست، وأمر الربيع فأخرج كلّ من كان في الدار، وخرج الربيع. فقال لي: إنّ صاحب اليمن قد همّ بالمعصية، وأريد أن آخذه أسيرا، ولا يفوتني شيء من ماله. قال، قلت: ولّني اليمن وأظهر أنّك قد ضممتني إليه، ومر الربيع أن يزيح علّتي في كلّ ما أحتاج إليه، ويخرجني في يومي هذا لئلّا ينتشر الخبر. قال: فاستلّ عهدا من   [1] الطرائف: عزم. [2] الطرائف: فشفى. [3] ح: حنفي. [4] ح: أسدلتها. [5] ح: فلبيته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 بين فراشين، فوقّع اسمي فيه وناولنيه، ثم دعا الربيع فقال: يا ربيع إنّا قد ضممنا معنا إلى صاحب اليمن فأزح علّته في ما يحتاج إليه من السلاح والكراع، ولا يمس إلّا وهو راحل [1] . قال: ثم ودّعني فودعته وخرجت إلى الدهليز. فلقيني أبو الوالي فقال: يا معن أعزز عليّ بأن تضمّ إلى ابن أخيك. قال فقلت: إنه لا غضاضة على الرجل بأن يضمّه سلطانه إلى ابن أخيه. وخرجت إلى اليمن فأتيت الرجل فأخذته أسيرا، وقرأت عليه العهد، وقعدت في مجلسه. «938» - استأذن زياد معاوية في الحجّ فأذن له، وبلغ ذلك أبا بكرة، وكان أخاه من أمّه، أمّهما سميّة، وكان حلف أن لا يكلّم زيادا حيث رجع عن الشهادة على المغيرة، وأن لا يظلّه وإياه سقف بيت أبدا. فدخل أبو بكرة دار الإمارة على زياد، فأمر زياد بكرسيين فوضعا في صحن القصر ليمينه، فجلس أبو بكرة على أحدهما وزياد على الآخر، ومع زياد بنيّ له حيث مشى. فقال أبو بكرة لابنه: تعال يا ابن أخي، فجاء الصبيّ فجلس في حجره، فقال له: كيف أنت؟ كيف أهلك؟ اسمع منّي يا ابن أخي، وإنما يريد أن يسمع زيادا: إنّ أباك هذا أحمق، فجر في الإسلام ثلاث فجرات ما سمعنا بمثلهنّ. أما أوّلهنّ فجحوده الشهادة على المغيرة، والله يعلم أنه قد رأى ما قد رأينا فكتم، وقد قال الله تعالى (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة: 283) فحلفت ألّا أكلمه أبدا؛ وأما الأخرى فانتفاوه من عبيد وادعاوه إلى أبي سفيان، وأقسم لك يا ابن أخي صادقا ما رأى أبو سفيان سمية قطّ في ليل ولا نهار، ولا جاهلية ولا إسلام؛ وأما الثالثة فأعظمهنّ: إنّه يريد أن يوافي العام الموسم، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلّى الله عليه وسلم تأتي الموسم كلّ   [1] ولا ... راحل: سقط من ر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 عام، فإن هو أتاها فأذنت له كما تأذن الأخت لأخيها فأعظم بها مصيبة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإن هي حجبته فأعظم بها حجّة عليه. ثم نهض، فقام زياد في أثره وأخذ بقميصه وقال: جزاك الله من أخ خيرا فما تركت النصيحة لأخيك على حال، وترك الحجّ. «939» - قال الحسين بن الضحاك: كنت عازما على أن أرثي الأمين بلساني كلّه، وأشفي لوعتي، فلقيني أبو العتاهية فقال لي: يا حسين، أنا إليك مائل، ولك محبّ، وقد علمت مكانك من الأمين، وأنت حقيق بأن ترثيه، إلّا أنك قد أطلقت لسانك في التلهّف عليه والتوجّع له بما صار هجاء لغيره وثلبا له وتحريضا عليه، وهذا المأمون منصبّا إلى العراق قد أقبل إليك، فأبق على نفسك. ويحك يا حسين أتجسر على أن تقول: [من الكامل المرفّل] تركوا حريم أبيهم نفلا ... والمحصنات صوارخ هتف هيهات بعدك أن يدوم لهم ... عزّ وأن يبقى لهم شرف اكفف غرب لسانك، واطو ما قد انتشر عنك، وتلاف ما فرط منك. فعلمت أنه قد نصح لي فجزيته الخير، وقطعت القول، فنجوت برأيه، وما كدت أن أنجو. «940» - قال المثقب العبدي: [من الطويل] إذا ما تدبّرت الأمور تبيّنت ... عيانا صحيحات الأمور وعورها «941» - وقال أبو زبيد: [من الطويل] عليك برأس الأمر قبل انتشاره ... وشرّ الأمور الأعسر المتدبّر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 «942» - وقال حصين بن منذر الرقاشي: [من الطويل] أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما فما أنا بالباكي عليك صبابة ... وما أنا بالداعي لترجع سالما «943» - وقال المتلمس الضبعي: [من الطويل] عصاني فلم يلق الرشاد وإنما ... تبيّن من أمر الغويّ عواقبه فأصبح محمولا على ظهر آلة ... تمجّ نجيع الجوف منها ترائبه «944» - وقال زهير بن كلحبة اليربوعي: [من الطويل] أمرتكم أمري بمنعرج اللّوى ... ولا أمر للمعصيّ إلّا مضيّعا فلما رأوا غبّ الذي قد أمرتهم ... تأسّف من لم يمس للأمر أطوعا 945- قالت الحكماء: العاقل يستشير عارضا للآراء على رأيه، وقائسا بعضها ببعض، حتى يقع اختياره على أسدّها وأولاها بالصواب طريقا، والجاهل يستشير مترددا في أمره، لا يزداد بما يسمع من الآراء إلّا حيرة وشعاع قلب، وتفييل رأي، حتى ينزل به المحذور ويلحقه المكروه. 946- وقال لقمان لابنه: يا بنيّ إذا استشهدت فاشهد، وإذا استعنت فأعن، وإذا استشرت فلا تعجل حتى تنظر، فإنّ العاقل يرى بعين قلبه ما لا يرى بعينيه. «947» - وقال عليّ بن الحسين: الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 948- قال رجل: أريد أن أشاور غير كاتبي هذا. فبلغ الكاتب فقال له: أعزّك الله، إنّ المستشار لا ينصح نصيحة المستكفي. «949» - وقال أبو الطمحان القيني: [من الطويل] بنيّ إذا ما سامك الذلّ قاهر ... عزيز فبعض الذلّ أبقى وأحرز ولا تخز من بعض الأمور تعزّزا ... فقد يورث الذلّ الطويل التعزّز ويرويان لعبد الله بن معاوية الجعفري. 950- ولأبي الطمحان في مثله: [من البسيط] يا ربّ مظلمة يوما لطيت بها ... تمضي عليّ إذا ما غاب أنصاري حتى إذا ما انجلت عنّي غياهبها ... وثبت فيها وثوب المخدر الضاري «951» - وقريب من معنى البيتين الأولين، وقد تقدّم هذا البيت في الباب الثاني: [من الطويل] أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ... ولا يكرم النفس الذي لا يهينها «952» - شاور أعرابيّ ابن عمّ له، فأشار عليه برأي فقال: قد قلت بما يقول به الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه، وحزنه بسهله، ويحرّك الاسعاف منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح منه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا شكّ في مودّته وصافي غيبه، وما زلت بحمد الله إلى الخير منهجا واضحا وطريقا مهيعا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 953- أراد عمر بن عبد العزيز أن يذكر بني أمية وجورهم وإفسادهم ويلعن الظالمين منهم، فشاور في ذلك جماعة من أهل العلم، منهم ميمون بن مهران، فقال له ميمون: يا أمير المؤمنين إنّ القول فتنة فعليك بالعمل. «954» - قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: إذا استخار العبد ربّه، وشاور نصيحه، واجتهد رأيه، فقد قضى الذي عليه لنفسه، ويقضي الله في أمره ما أحبّ. «955» - قال عبد الله بن الحسن بن الحسن لابنه محمد أو إبراهيم: يا بنيّ إنني مؤدّ حقّ الله في تأديبك، فأدّ إليّ حقّ الله في الاستماع. أي بنيّ كفّ الأذى، وأفض النّدى، واستعن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك نفسك إلى القول، فإنّ للقول ساعات يضرّ فيها الخطأ، ولا ينفع فيها الصواب. واحذر مشاورة الجاهل، وإن كان ناصحا، كما تحذر مشاورة العاقل إذا كان غاشّا، لأنه يورّطك بمشورته، ويسبق إليك مكر العاقل والاغترار بالجاهل. واعلم يا بنيّ أنّ رأيك إذا احتجت إليه وجدته نائما، ووجدت هواك يقظان، فإياك أن تستبدّ برأيك، فإنه حينئذ هواك. ولا تفعل فعلا إلا وأنت على يقين أنّ عاقبته لا ترديك وأنّ نتيجته لا تجني عليك. 956- قال حكيم: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور. والحزم في الرأي سلامة من التفريط، وداعية إلى الظفر. والتدبر والتفكّر يبحثان عن [1] الفطنة ويكشفان الحزم. ومشاورة الحكماء بيان لليقين وقوة للبصيرة، ففكّر قبل أن تعزم، واعرض قبل أن تصرم، وتدبّر قبل أن تهجم، وشاور قبل أن تندم،   [1] ح: على. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 ولا تغفل ما أفادتك التجارب [1] فإنها عقل ثان، ودليل هاد، وأدب مستفاد. واذكر ما مضى من عمرك بما بقي منه، وافهم عن الأيام إخبارها، فقد أوضحت لك آثارها، واتعظ بما وعظك منها، وتأمّلها تأمّل ذي الفكرة فيها، فإنّ الفكرة تدرأ عنك عمى الغفلة، وتكشف لك عن خفيّات الأمور. 957- قال أعرابيّ لأخ له: اعلم أنّ الناصح لك، المشفق عليك، من طالع لك ما وراء العواقب بنظره ورويّته، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط الوعر بالسّهل من كلامه ومشورته، ليكون خوفك كفاء رجائك، وشكرك إزاء النعمة عليك. وإنّ الغاشّ لك، والحاطب عليك، من مدّ لك في الاغترار، ووطّأ لك مهاد الظلم، تابعا لمرضاتك منقادا لهواك. «958» - المتنبي: [من الخفيف] إنّما تنجح المقالة في المر ... ءإذا وافقت هوى في الفؤاد «959» - أراد نوح بن أبي مريم قاضي مرو الروذ أن يزوّج ابنته، فاستشار جارا له مجوسيا، فقال: سبحان الله، الناس يستفتونك وأنت تستفتيني؟ قال: لا بدّ أن تشير عليّ، قال: إنّ رئيسنا كسرى كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب كان يختار النسب، ورئيسكم محمد كان يختار الدين، فانظر أنت لنفسك بمن تقتدي. 960- بعض أعراب بني أسد: [من الطويل] من الناس من إن يستشرك فتجتهد ... له الرأي يستغششك ما لم تتابعه   [1] ر: التجربة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 فلا تمنحنّ النصح من ليس أهله ... فلا أنت محمود ولا الرأي نافعه 961- أراد عمرو بن مسعدة الركوب إلى دار المأمون في جبّة وشي ظاهرة، فقال له إبراهيم بن نوح: لا تفعل، فقال عمرو: أتنكر لمثلي وغلّتي في الشهر كذا؟ قال: إنّ غلّتك مسموعة، وجبّتك ملحوظة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 نوادر من هذا الباب «962» - ولي حارثة بن بدر سرّق، فخرج معه المشيّعون من البصرة وفيهم أبو الأسود الدؤلي، فلما انصرف المشيّعون دنا منه أبو الأسود فقال له مشيرا: [من الطويل] أحار بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق ولا تحقرن يا حار شيئا تصيبه ... فحظّك من مال العراقين سرّق فإنّ جميع الناس إمّا مكذّب ... يقول بما تهوى وإما مصدّق يقولون أقوالا بظنّ وشبهة ... وإن قيل هاتوا حقّقوا لم يحقّقوا ولا تعجزن فالعجز أوطأ مركب ... وما كلّ مدفوع إلى الرزق يرزق وباه تميما بالغنى إنّ في الغنى ... بسلطانه يسطو الغنيّ وينطق فقال حارثة يجيبه: [من الطويل] جزاك مليك الناس خير جزائه ... فقد قلت معروفا وأوصيت كافيا أمرت بحزم لو أمرت بغيره ... لألفيتني فيه لرأيك عاصيا ستلقى أخا يصفيك بالودّ حاضرا ... ويوليك حفظ الغيب إن كنت نائيا 963- قال الأصمعي: مرّ الفرزدق يوما في الأزد فوثب عليه ابن أبي علقمة لينكحه، وأعانه على ذلك سفهاء من سفهائهم، فجاءت مشايخ الأزد وأولو النهى منهم فصاحوا بابن أبي علقمة وبأولئك السفهاء، فقال لهم ابن أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 علقمة: ويحكم أطيعوني اليوم واعصوني الدهر، هذا شاعر مضر ولسانها، وقد شتم أعراضكم وهجا ساداتكم، والله لا تنالون من مضر مثلها أبدا. فحالوا بينه وبينه. فكان الفرزدق بعد ذلك يقول: قاتله الله، والله لقد كان أشار عليهم بالرأي [1] . تم الباب الرابع عشر بعون الله ويتلوه الباب الخامس عشر وهو في الوصايا والعهود.   [1] جاء في آخر ع: تمّ والحمد لله وحده. وكان الفراغ من هذه النسخة يوم الجمعة الثاني عشر المحرم سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وجاء في آخر ح: تم الجزء الثالث بحمد الله ومنّه. يتلوه في الرابع: الوصايا والعهود، وصلّى الله على محمد وآله. بلغ مقابلة بحسب الطاقة والإمكان. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 الباب الخامس عشر في العهود والوصايا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله الصادق في وعده، الموثوق بعهده، لا إله خالق سواه، عهد أن لا نعبد إلّا إياه، له المثل الأعلى والأسماء الحسنى، وصىّ عباده بالتقوى، وجازى كلّا بسعيه الجزاء الأوفى. أحمده على ما قدّره وقضاه، وأشكر له سيبه ونعماه، وأسأله التوفيق للعمل بعهوده ووصاياه، وأشهد أن محمدا رسوله الأوّاه، خصّه الله بأفضل سلام وأزكاه، صلّى الله عليه وعلى آله الذين سيماهم في الوجوه والجباه، ما أمر الكتاب عبدا ونهاه، ودحر الحقّ باطلا ودحاه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 (الباب الخامس عشر في الوصايا والعهود) [ الوصايا في القرآن والحديث ] 964- أما وصية الوفاة فقد ندب إليها، قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 180) . وجاء في الأثر: من مات من غير وصيّة مات ميتة جاهليّة. وأنا ذاكر منها ما تعلّق به أثر أو تضّمن أدبا وحكمة أو بيانا وبلاغة؛ وما خرج عن ذلك فلا فائدة تحته. 965- وأما وصايا التأديب والارشاد ففي الكتاب العزيز منها الجمّ الغزير، فممّا جاء بلفظ الوصية قوله تعالى (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء: 131) وقوله عزّ وجلّ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (العنكبوت: 8) وقوله عزّ وجلّ (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى، وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الانعام: 151- 153 ) . وما جاء بغير لفظ الوصية وهو في معناها فكثير، ليس هذا موضعا يقتضيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 وخطبة الوداع هي في معنى الوصيّة من الرسول صلّى الله عليه وسلم، وقد كتبت في موضعها. ووصاياه لأصحابه وأمّته المرشدة لهم والموقظة لغافلهم والدالة على حدود شريعته أكثر من أن تحصى، وأشير هنا إلى شيء منها قياما بشرط هذا الكتاب، والله الموفق للهداية والصواب. «966» - قال أبو ذر: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلم بسبع: حبّ المساكين والدنوّ منهم، وأن أنظر إلى من هو أسفل مني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أصل رحمي وإن جفاني، وأن أتكلم بمرّ الحق، وأن لا أخاف في الله لومة لائم، وأن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، [وأن لا أسأل الناس شيئا] . «967» - وقال أبو ذر أيضا: أتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست إليه واغتنمت خلوته فقال: يا أبا ذرّ، إن للمسجد تحية وتحيته ركعتان، فلما صلّيت قلت: يا نبيّ الله، إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: خير موضوع فاستكثر أو استقلّ، قلت: فأيّ العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله. قلت: أيّ المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا. قلت: فأيّ المسلمين أسلم [1] ؟ قال: من سلم الناس من لسانه ويده. قلت: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السيئات [2] . قلت: فأيّ الليل أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر. قلت: فأيّ الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت. قلت: فأيّ الصدقة   [1] الجليس: افضل. [2] الجليس: السوء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 أفضل؟ قال: جهد من مقلّ يمشي به الى فقير [1] . قلت: يا نبيّ الله، فما الصيام؟ قال: قرض مجزيّ وعند الله أضعاف كثيرة [2] . قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. قلت: فأيّ آية أنزلت عليك أعظم؟ قال: آية من عقر جواده وأهريق دمه. قلت: فأيّ آية أنزلت عليك أعظم؟ قال: آية الكرسيّ. قلت: يا نبيّ الله، كم كتاب أنزله الله؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب: أنزل الله على شيث خمسين صحيفة [وعلى ادريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشرين صحيفة] وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان. قلت: فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالا كلها، وكان فيها: قد أفلح من تزكّى. وذكر اسمّ ربّه فصلّى. بل تؤثرون الحياة الدنيا. والآخرة خير وأبقى [3] . وفيها: لا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى. وأنّ سعيه سوف يرى. ثم يجزاه الجزاء الأوفى إلى آخر السورة [4] . وفيها: أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم، فاني لا أردّها ولو كانت من كافر. وفيها: وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يتفكّر في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب. وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلّا في ثلاث: تزوّد لمعاد أو مرمّة لمعاش، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شانه، حافظا للسانه. ومن حسب الكلام من عمله أقلّ الكلام إلّا فيما يعنيه. قلت: يا نبي الله، فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلّها: عجبت لمن أيقن [بالنار ثم هو يضحك] ، عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها ثم يطمئنّ   [1] الجليس: من مقل إلى فقير في سرّ. [2] زاد في الجليس:؟؟؟ لت: أي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها. [3] سورة الأعلى: 4- 17 (ان هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى) . [4] سورة النجم: 38- 41 (أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب وهو لا يعمل. قلت: يا نبيّ الله، أوصني. قال: أوصيك بتقوى الله فانها رأس أمرك. قلت: يا نبيّ الله، زدني. قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فانه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض. قلت: يا نبيّ الله، زدني. قال: عليك بالجهاد فانه رهبانية أمتي. قلت: زدني. قال: عليك بالصمت إلا من خير فانه مطردة للشيطان وعون على أمر دينك. قلت: زدني. قال [1] : انظر إلى من هو تحتك، ولا تنظر إلى من هو فوقك فانه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك. قلت: زدني. قال: صل قرابتك وإن قطعوك. قلت: زدني. قال: لا تخف في الله لومة لائم. قلت: يا نبيّ الله زدني. قال: ليردّك [2] عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجد عليهم في ما يأتي. ثم ضرب يده على صدري فقال: يا أبا ذرّ لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق. [ وصايا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ] «968» - وفي ما وصّى به عليه السلام عائشة رضي الله عنها: إياك ومحقّرات الذنوب فان لها من الله طالبا. «969» - وصية أبي بكر عتيق بن أبى قحافة رضي الله عنه: هذا ما عهد أبو   [1] انظر الفقرة رقم: 966. [2] الجليس: ليحجزك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 بكر خليفة محمد صلّى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا، وأوّل عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتّقي [1] فيها الفاجر: إني استعملت [2] عليكم عمر بن الخطاب، فان برّ وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكلّ امرىء ما اكتسب (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء: 227) . «970» - ولما احتضر قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا عمر، إن لله تعالى حقا [3] بالليل لا يقبله بالنهار، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل، وإن الله عزّ وجلّ لا يقبل نافلة حتى تؤدّى فريضة [4] . فكن مؤمنا راغبا راهبا، ولا ترغبنّ رغبة تمنّى على الله فيها ما ليس لك، ولا ترهبنّ رهبة تلقي بها يديك إلى التهلكة. ثم قال: إنّ أوّل ما أحذّرك نفسك وهؤلاء الرهط من المهاجرين والأنصار فانهم قد انتفخت أوداجهم، وطمحت أبصارهم، وتمنّى كلّ امرىء منهم لنفسه، وان لهم نحيرة ينحرونها عن زلّة منه ومنهم، فلا تكوننّها، فانهم لم يزالوا منك فرقين ما فرقت من الله عزّ وجلّ، في ما بين ذلك. «971» - وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما طعن قيل له استخلف   [1] الشيخان: ويوقن. [2] الشيخان: استخلفت. [3] نثر: عملا. [4] بعد هذا يفترق نص الوصية عما جاء هنا، في اكثر المصادر؛ وقد خلط بها (رقم: 31) في خراج أبي يوسف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 فأبى أن يسمّي رجلا بعينه وقال: عليكم بهؤلاء الرهط الذين توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو عنهم راض: عليّ وعثمان ابني عبد مناف، وعبد الرحمن بن عوف وسعد، خالي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام حواريّه وابن عمته، وطلحة الخير، فلتختاروا رجلا منهم، ويتشاوروا لثلاثة أيام، وليصلّ بالناس صهيب، ولا يأتي اليوم الثالث إلّا وعليكم أمير منكم، ويحضر عبد الله بن عمر مشيرا ولا شيء له من الأمر؛ وطلحة شريككم، فان قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم. «972» - وقال لأبي طلحة الأنصاري: إنّ الله أعزّ الاسلام بكم، فاختر خمسين رجلا من الأنصار فاستحثّ هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا. وقال: إن اجتمع خمسة ورضوا واحدا منهم وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وان اتفق أربعة فرضوا واحدا منهم وأبى اثنان فاضرب رءوسهما، وإن رضي ثلاثة منهم رجلا وثلاثة منهم رجلا فحكّموا عبد الله بن عمر، فبأيّ الفريقين حكم فليختاروا رجلا منهم، فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس. 973- فأما عثمان بن عفان رضي الله عنه فلم تدوّن وصية عند الموت وقتل محصورا، مشغولا عن نفسه، ممنوعا من النظر لها وللأمة من بعده. 974- وأما عليّ بن أبي طالب عليه السلام فله وصية طويلة مشهورة إلى ابنه الحسن، وفيها حكم وآداب قد ضمنّت هذا الكتاب بعضها في أماكن منه متفرقة. 975- وله وصية كتبها إلى ابنه محمد بن الحنفية: أن تفقّه في الدين وعوّد نفسك الصّبر على المكروه، وكل نفسك في أمورك كلّها إلى الله، فانك تكلها إلى كاف حريز ومانع عزيز. وأخلص المسالة لربّك فانّ في يده العطاء والحرمان، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 وأكثر الاستخارة لله والاستنجاد به. واعلم أنّ من كان مطيّته الليل والنهار يسار به وإن كان لا يسير، وأن الله تعالى قد أبى إلّا خراب الدنيا وعمارة الآخرة، فان تزهد فيها زهدك كلّه فلعلّ ذلك يقيك. وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فاعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك، فانك في ديوان من كان قبلك، فأكرم نفسك عن كلّ دنيّة، وإياك إن ساقتك إلى رغب فانك لن تعتاض بما ابتذلت من نفسك. واياك أن توجف بك مطايا الطمع وتقول: متى ما أؤخره يذهب، فان هذا أهلك من هلك قبلك، وأمسك عليك لسانك، فان تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراك ما فات من نطقك. واحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء، فحسن التدبير مع الاقتصاد أكفى لك من الكثير مع الغناء، والعفّة مع الحرفة خير من السرور مع الفجور. والمرء أحفظ لسرّه. وربّ ساع في ما يكره. وإياك والاتّكال على الأماني فانها بضائع النّوكى وتثبيط عن الآخرة والأولى. ومن خير حظّ قرين صالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشرّ تبن منهم. ولا يغلب عليك سوء الظنّ فانه لا يدع بينك وبين خليل صلحا. أذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب، واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم، ومن الكرم منع الحرم. ومن حلم ساد، ومن تفّهم ازداد. امحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة، ولا تصرمه على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب. وليس جزاء من يسرّك أن تسوءه. الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك وان لم تأته أتاك. واعلم يا بنيّ أن ما لك من دنياك إلا ما أصلحت به مثواك، فأنفق من خيرك، ولا تكن خازنا لغيرك. وإن جزعت على ما تفلّت من يدك، فاجزع على ما لم يصل إليك. وربما أخطأ البصير قصده، وأبصر الأعمى رشده. لم يهلك امرؤ اقتصد، ولم يفتقر من زهد. من ائتمن الزمان خانه، ومن تعظّم عليه أهانه. ورأس الدين اليقين؛ وتمام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 الإخلاص اجتناب المعاصي. وخير المقال ما يصدّقه الفعال. سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار. واحمل لصديقك عليك، واقبل من اعتذر إليك. وأخّر الشرّ ما استطعت فانك اذا شئت تعجّلته. ولا تكوننّ على قطيعته أقوى منك على صلته، وعلى الاساءة أقوى منك على الاحسان. لا تملّكنّ المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها، فان المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، فان ذلك أصلح لحالها. واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك. وأكرم الذين بهم تصول، فاذا تطاولت فبهم تطول. أسأل الله أن يلهمك الرشد، ويقوّيك على العمل بكلّ جميل، ويصرف عنك كلّ محذور برحمته، والسلام عليك. [ وصية هرم بن حيان ] «976» - قيل لهرم بن حيان في مرضه: أوص؛ فقال: إن نفسي صدقتني في الحياة فما أترك شيئا أوصي فيه إلا فرسي ودرعي، وهما في سبيل الله، وسبعين درهما من عطائي تكفّنوني بها. وأوصيكم بخواتيم سورة النحل: (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ... ) (النحل: 125) إلى آخرها. فلما مات ودفن جاءت سحابة فرشّت على قبره. «977» - وأوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد، وقد وجهه لبعض غزواته، فقال له: اكثر من الزاد [واستظهر] بالأدلّاء، وإذا جاءتك رسل أعدائك فامنع الناس من محادثتهم حتى يخرجوا جاهلين. وأقلل الكلام فانّما لك ما وعي عنك. وكن بعيدا من الحملة فانّي لا آمن عليك من الجولة. ولا تقاتلن على جزع فانه فاتّ بعضدك [1] .   [1] في الأصل: فاقد بعضه (وكذلك هو في بعض أصول البصائر) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 «978» - قال سعيد بن عامر لعمر رضي الله عنهما: انّي موصيك بكلمات من جوامع الاسلام ومعاليه. قال: أجل، فان الله عزّ وجلّ قد جعل عندك أدبا. قال: اخش الله في الناس ولا تخش الناس في الله. ولا يخالف قولك فعلك، فانّ خير القول ما صدّقه الفعل، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين فيختلف عليك أمرك وتزيغ عن الحقّ، وأحبّ لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحبّ لنفسك وأهل بيتك. وأقم وجهك. وتضاءل لمن استرعاك الله عزّ وجلّ أمره من قريب المسلمين وبعيدهم. وخذ بأمر ذي الحجّة تأخذ بالفلج ويعينك الله ويصلح رعيتك على يديك. وخض الغمرات إلى الحقّ حيث علمته، ولا تخف في الله لومة لائم. قال: ومن يستطيع ذلك يا سعيد؟ قال: من ركب في عنقه مثل ما ركبت في عنقك. «979» - لقي رجل راهبا فقال: يا راهب، كيف ترى الدهر؟ قال: يخلق الأبدان، ويجدّد الآمال، ويباعد الأمنية، ويقرّب المنية. قال: فما حال أهله؟ قال: من ظفر به نصب، ومن فاته تعب. قال: فما الغنى عنه؟ قال: قطع الرجاء منه. قال: فأيّ الأصحاب أبرّ وأوفى؟ قال: العمل الصالح والتقى. قال: فأيّهم أضرّ وأبلى؟ قال: النفس والهوى. قال: فأين منه المخرج؟ قال: في سلوك المنهج. قال: وما ذلك؟ قال: بذل المجهود وخلع الراحة [ومداومة الفكرة] . قال: أوصني. قال: قد فعلت. [ وصية مروان بن الحكم لابنه عبد العزيز ] 980- لما انصرف مروان بن الحكم من مصر استعمل ابنه عبد العزيز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 عليها، وقال له حين ودّعه: أرسل حكيما ولا توصه. وانظر أي بنيّ، إلى أهل عملك، فان كان لهم حق عندك غدوة، فلا تؤخّرهم الى عشيّة، وإن كان لهم عشيّة فلا تؤخرهم إلى غدوة. أعطهم حقوقهم عند محلّها تستوجب بذلك الطاعة منهم. وإياك أن يظهر لرعيتك منك كذب، فانهم إن ظهر لهم منك كذب لم يصدقوك في الحقّ. واستشر جلساءك وأهل العلم، فان لم يتبين لك الرأي فاكتب إليّ لأرى لك فيه [1] وإياك إن كان [2] بك غضب على أحد من رعيتك أن تؤاخذه به عند سورة الغضب، واحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك، ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب منطفىء الجمرة، فان أوّل من جعل السجن كان حليما ذا أناة. ثم انظر إلى أهل الحسب والدين والمروءة فليكونوا أصحابك، ثم اعرف منازلهم منك على غيرهم بلا استرسال ولا انقباض. أقول قولي هذا وأستخلف الله عليك. [ وصايا متفرقة ] «981» - أوصى زيد بن عليّ ابنه فقال: يا بنيّ، إنّ الله تعالى لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فحذّرنيك؛ واعلم أنّ خير الآباء للأبناء من لم تدعه المودة إلى التفريط، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق. «982» - أوصى عبد الله بن الحسن ابنه محمدا لما أراد أن يستتر فقال: يا بنيّ اني مؤدّ إليك حقّ الله تعالى في تأديبك ونصيحتك، فأدّ إليّ حقّه في الاستماع والقبول: يا بني، كفّ من الأذى، وأفض الندى [3] ، واستعن على السلامة بطول   [1] س: إلي يأتك رأيي فيه إن شاء الله تعالى. [2] س: وإن كان (وسقطت: وإياك) . [3] البيان والحصري: وارفض البذا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 الصمت في المواطن التي تدعوك نفسك إلى الكلام فيها، فان الصمت حسن. وللمرء ساعات يضرّه فيها خطؤه ولا ينفعه فيها صوابه. واعلم أنّ من أعظم الخطأ العجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة. يا بنيّ، احذر [مشورة] الجاهل وإن كان ناصحا كما تحذر عداوة العاقل إذا كان لك عدوا، فيوشك الجاهل أن يورطك بمشورته في بعض اغترارك فيسبق إليك مكر العاقل وتوريط الجاهل. وإياك ومعاداة الرجال فانه لا يعدمك منها مكر حليم ومباراة جاهل. «983» - قال بعضهم لابنه: كن جوادا بالمال في موضع الحقّ، ضنينا بالأسرار عن جميع الخلق، فان أحمد جود المرء الانفاق في وجه البرّ، والبخل بمكتوم السرّ. «984» - وأوصى بعض الأنصار ابنه فقال: يا بنيّ، إنّي موصيك بوصية إن لم تحفظها كنت خليقا أن لا تحفظها عن غيري. يا بني اتّق الله، وإن استطعت أن تكون اليوم خيرا منك أمس، وغدا خيرا منك اليوم فافعل. وإذا عثر عاثر من بني آدم فاحمد الله ألا تكونه. وإياك والطمع فانّه فقر حاضر، وعليك باليأس مما في أيدي الناس [1] ، فانك لن تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه. وإياك وما يعتذر منه فانه لا يعتذر من خير. وإذا قمت إلى صلاتك فصلّ صلاة مودّع وأنت ترى أنّك لا تصلّي بعدها ابدا. 985- لما حضرت سعدا الوفاة دعا ابنه فقال: يا بنيّ: احفظ عني خصالا خمسا: أظهر اليأس مما في أيدي الناس فانه غنى حسن. وإياك وطلب الحاجات إليهم فانه فقر حاضر. وإياك وما يعتذر منه. وكن في اليوم الذي تستقبل خيرا   [1] مما في أيدي الناس: سقط من س. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 منك في اليوم الذي خلّفت [1] . وإذا قمت إلى الصلاة فأحسن الوضوء ثم صلّ صلاة المودّع فانه يوشك أن تصلّي صلاة لا تصلّي بعدها. ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: أشكو إلى الله بعد المفازة وقلّة الزاد. وهذه الوصية مثل التي قبلها إلا ألفاظا يسيرة. 986- كتب سفيان الثوري إلى عبّاد بن عباد: أما بعد فانّك في زمان كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتعوّذون أن يدركوه في ما بلغنا، ولهم من العزم ما ليس لنا ولا لك، ولهم من العمل ما ليس لنا ولا لك. فكيف بنا وقد أدركناه على قلّة علم وبصر، وقلّة أعوان على الخير، وكدر من الدنيا، وفساد من الناس؟ فعليك بالعزلة وقلة مخالطتهم فان عمر يقول: إياكم والطمع فانه فقر حاضر، وإن اليأس غنى، وفي العزلة راحة من خليط السّوء. وكان سعيد بن المسيب يقول: العزلة عبادة. وكان الناس إذا التقوا انتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذلك، والنجاة في تركهم فيما ترى. وإياك والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من الأشياء. وإياك أن تخدع فيقال: ذلك رجل تشفع فيه تردّه عن مظلوم أو تردّه عن مظلمة، وإنما ذلك خديعة إبليس اتّخذها فخا. وكان يقال: اتقوا فتنة العابد وفتنة العالم فان فيهما فتنة لكلّ أحد [2] . وإياك أن تكون ممن يحبّ أن يعمل بقوله أو يسمع من قوله، فاذا لم تزل كذلك فقد عرفت. وإياك وحبّ الرياسة، فان الرجل تكون الرياسة أحبّ إليه من الذهب والفضة، وهذا باب غامض لا يبصره إلّا البصير من العلماء. واعمل بنية فان الحسن رحمه الله كان يقول: رحم الله عبدا وقف عند همّه، فانه ما من عبد يعمل حتى يهمّ، فان كان له مضى، وإن كان عليه أمسك، فان النيّة ليست كلّ ساعة تقع. وان طاووس قيل له: ادع لنا بدعوات فقال: ما أجد الآن لذلك نيّة. وكان حذيفة رضي الله عنه يقول: يأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بمثل دعاء الغريق. وسئل حذيفة   [1] س: يخلف. [2] س: فتنة مفتون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 عن أيّ الفتن أشدّ فقال: أن يعرض عليك الخير والشرّ فلا تدري أيّهما تترك. وقد ذكر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: لا تزال يد الله على هذه الأمة في كنفه، ما لم يمل قرّاؤهم إلى امرائهم، وما لم يوقّر خيارهم شرارهم، وما لم يعظّم أبرارهم فجّارهم؛ فاذا فعلوا ذلك رفعها عنهم وقذف في قلوبهم الرعب، وأنزل عليهم الفاقة، وسلّط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب. وقال حذيفة: لا يأتيهم أمر يضحكون منه إلا ردف أمر يشغلهم عن ذلك. فليكن الموت من شأنك وبالك. وأقلّ الأمل وأكثر ذكر الموت فانكم إذا ذكرتموه في قليل كثّره. واعلم أنه قد دنا من الناس أمور، وحضرت أمور يشتهي لها الرجل الموت، والسلام. «987» - وصّى رجل آخر، وأراد سفرا، فقال: آثر بعملك معادك، ولا تدع لشهوتك رشادك. وليكن عقلك وزيرك الذي يدعوك إلى الهدى، ويعصمك من الرّدى. ألجم هواك عن الفواحش، وأطلقه في المكارم، فانّك تبرّ بذلك سلفك، وتشيّد شرفك. «988» - قال زياد عند موته لابنه عبيد الله: لا تدنّس عرضك، ولا تبذلنّ وجهك، ولا تخلقنّ جدّتك بالطّلب إلى من إن ردّك كان ردّه عليك عيبا، وإن قضى حاجتك جعلها عليك منّا. واحتمل الفقر بالتنزّه عما في أيدي الناس، والزم القناعة بما قسم لك، فان سوء حمل الفقر يضع الشرف، ويخمل الذكر، ويوجب الحرمان. «989» - قال مهديّ بن أبان: قلت لولّادة العبدية، وكانت أعقل النساء: أريد الحجّ فأوصيني، فقالت: أوجز فأبلغ أم أطيل فأحكم؟ قلت: ما شئت. قالت: جد تسد، واصبر تفز. قلت: أيضا. قالت: لا يبعد غضبك حلمك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 ولا هواك علمك، وق دينك بدنياك، وفر عرضك بعرضك، وتفضّل تخدم، واحلم تقدّم. قلت: فمن أستعين؟ قالت: الله عزّ وجلّ. قلت: فمن الناس؟ قالت: الجلد النّشيط والناصح الأمين. قلت: فمن أستشير؟ قالت: المجرب الكبير أو الأديب الصغير. قلت: فمن أصحب؟ قالت: الصديق المسلم أو الراجي المتكرّم. ثم قالت: يا أبتاه، إنك تفد الى ملك الملوك فانظر كيف يكون مقامك بين يديه. «990» - قال المنذر لابنه النعمان في ما أوصاه به: دع الكلام وأنت عليه قادر، وليكن لك من عقلك خبيء ترجع إليه أبدا. فقال له النعمان: مرني بأمر جامع. قال: الزم الحزم والحياء. «991» - لما حضرت الحارث بن كلدة الوفاة قيل له: أوصنا بما ننتفع به بعدك، فقال: لا تتزوجوا من النساء إلا الشوابّ، ولا تأكلوا من اللحم إلا الفتيّ، ولا من الفاكهة إلا ما نضج، ولا يتداوينّ أحدكم بدواء ما احتمل بدنه الداء، وإذا تغدّيتم فناموا قليلا، وإذا تعشيتم فامشوا خطوات. 992- وقال بختيشوع للمأمون: أوصيك يا أمير المؤمنين بأربعة أشياء: لا تأكل طعاما بين نبيذين، ولا تجامع على شبع، ولا تبت أو تخلي جوفك من الرياح والنجو، ولا تأكل لحم البقر، فو الله إني أمرّ به في الطريق فأغطّي عيني وعين برذوني من شدّة مضرّته. «993» - قال أبان بن تغلب، وكان عابدا من [عباد] البصرة: شهدت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 أعرابية وهي توصي ولدا لها يريد سفرا وهي تقول: أي بنيّ، اجلس أمنحك وصيّتي، وبالله توفيقك، فان الوصية أجدى عليك من كثير عقلك. قال أبان: فوقفت مستمعا لكلامها، مستحسنا لوصيتها، فاذا هي تقول: يا بنيّ، إياك والنميمة فانها تزرع الضّغينة، وتفرّق بين المحبين. وإياك والتعرض للعيوب فتتّخذ غرضا، وخليق ألّا يثبت الغرض على كثرة السّهام، وقلّما اعتورت السهام غرضا إلا كلمته حتى يهي ما اشتدّ من قوّته. وإياك والجود بدينك والبخل بمالك. وإذا هززت فاهزز كريما يلين لمهزّتك، ولا تهزز اللئيم فانه صخرة لا ينفجر ماؤها. ومثّل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحته من غيرك فاجتنبه، فان المرء لا يرى عيب نفسه. ومن كانت مودّته في بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرّفها. ثم أمسكت، فدنوت منها فقلت: بالله عليك يا أعرابية إلا ما زدته في الوصيّة. قالت: أوقد أعجبك كلام العرب يا عراقي؟ قلت: نعم. قالت: والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة: ريطها وسربالها. «994» - وقال بعض الحكماء لابنه: يا بني، اقبل وصيّتي وعهدي، فان سرعة ائتلاف قلوب الأبرار كسرعة ائتلاف قطر المطر بماء الأنهار، وبعد الفجّار من الائتلاف كبعد البهائم من التعاطف، وإن طال اعتلافها على آريّ واحد. كن يا بنيّ بصالح الوزراء أعنى منك بكثرة عددهم [1] ، فان اللؤلؤة خفيف محملها كثير ثمنها، والحجر فادح حمله قليل غناؤه.   [1] الأمالي: عدتهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 «995» - زوّج أسماء بن خارجة الفزاريّ ابنته هند من الحجاج بن يوسف. فلما كانت ليلة أراد البناء بها قال لها أسماء: يا بنيّة، إنّ الأمهات يؤدّبن البنات، وإن أمّك هلكت وأنت صغيرة، فعليك بأطيب الطيب الماء، وأحسن الحسن الكحل. وإياك وكثرة المعاتبة فانها مقطعة للودّ، وإياك والغيرة فانها مفتاح الطلاق. وكوني لزوجك أمة يكن لك عبدا، واعلمي أنّي القائل لأمّك حيث أقول [1] : [من الطويل] خذي العفو منّي تستديمي مودّتي ... ولا تغضبي في سورتي حين أغضب ولا تنقريني نقرك [2] الدفّ مرة ... فانك لا تدرين كيف المغيّب فاني وجدت الحبّ في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب «996» - العتبيّ عن أبيه عمرو بن عتبة، قال: كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا، فأراد سفرا فقال: يا بنيّ، تألّفوا النّعم بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد بالشكر عليها، واعلموا أنّ النفوس أقبل شيء لما أعطيت، وأعطى شيء لما سئلت، فاحملوها على مطيّة لا تبطىء إذا ركبت، ولا تسبق إذا تقدّمت. عليها نجا من هرب من النار، وأدرك من سابق إلى الجنة. فقال الأصاغر من ولده: يا أبانا، ما هذه المطية؟ قال: التوبة. «997» - قال عبد الملك بن مروان للشعبيّ وهو يعلّم أولاده: علّمهم   [1] حيث أقول: سقطت من س. [2] الأغاني: نقرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 الصّدق كما تعلّمهم القرآن، وجنّبهم السّفلة فانهم أسوأ الناس رعية [1] ، وأقلّهم أدبا، وجنّبهم الحشم فانّهم [2] لهم مفسدة. وأحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم تصحّ عقولهم وتشتدّ قلوبهم [3] ، وعلّمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا، ويمصّوا الماء مصّا ولا يعبّوه عبّا. وإذا احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في سرّ ولا يعلمه أحد من الحاشية [4] فيهونوا عليهم. 998- كتب عبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى الحسن بن عليّ عليهما السلام إذ ولّاه الناس أمرهم بعد أبيه أن شمّر للحرب وجاهد عدوّك، واشتر من الظنين دينه بما لا يثلم دينك، وولّ أهل البيوتات من تستصلح به عشائرهم. 999- قال حكيم: انتهز الفرصة فانها خلسة، وثب عند رأس الأمر ولا تثب عند ذنبه، وإياك والعجز فانه أوضع مركب، والشفيع المهين فانه أضعف وسيلة. 1000- وقال آخر: إن اتسع لك المنهج، فاحذر أن يضيق بك المخرج. 1001- وقال الشاعر: [من الكامل] واذا هممت بورد أمر فالتمس ... من قبل مورده طريق المصدر «1002» - قال المعتمر بن سليمان: كان يقال: عليك بدينك ففيه معادك، وعليك بمالك ففيه معاشك، وعليك بالعلم ففيه دينك.   [1] عيون الأخبار: رعة. [2] فانهم أسوأ ... فانهم: سقط من س. [3] عيون الأخبار: اللحم يقووا. [4] س: الغاشية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 1003- ومن وصايا أرسطاطاليس للاسكندر: وإياك أن تعتمد من أصحابك على طاعة المخافة فانك تفقدها منهم أحوج ما تكون إليها، واجتهد في إحراز طاعة المحبة منهم تجدها في أيّ وقت أردت. [ وصية الحارث بن كعب ] «1004» - أوصى الحارث بن كعب بنيه فقال: يا بنيّ، قد أتت عليّ مائة وستون سنة ما صافحت يميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلّة فاجر [1] ، ولا بحت لصديق بسرّ، ولا طرحت عندي مومسة قناعا، ولا بقي على دين عيسى ابن مريم أحد من العرب غيري وغير تميم بن مر، وأسد بن خزيمة. فموتوا على شريعتي، واحفظوا وصيّتي، وإلهكم فاتقوا يكفكم المهمّ من أمركم ويصلح لكم أعمالكم، وإياكم ومعصيته لا يحلّ بكم الدمار وتوحش منكم الديار. (في بعض الروايات: شعيب النبي [2] صلّى الله عليه وسلم وهو الأولى، فان النصارى في العرب كثير، وبنو الحارث بن كعب كلّهم نصارى) . يا بنيّ: كونوا جميعا ولا تفرّقوا فتكونوا شيعا، وإنّ موتا في عزّ خير من حياة في ذلّ وعجز. وكلّ ما هو كائن كائن. وكلّ جمع الى تباب [3] . الدهر ضربان [4] : فضرب رخاء وضرب بلاء. واليوم يومان: فيوم حبرة ويوم عبرة. والناس رجلان: فرجل لك ورجل عليك. زوّجوا النساء من الأكفاء، وليستعملن في طيبهنّ الماء، وتجنبوا الحمقاء فانّ ولدها إلى أفن ما يكون؛ ألا إنّه لا راحة لقاطع القرابة. وإذا اختلف القوم أمكنوا عدوّهم؛ وآفة العدد اختلاف   [1] زاد في المعمرون والوصايا ونثر الدر: ولا صبوت بابنة عم لي ولا كنة. [2] كذلك هو في المعمرون والوصايا. [3] المعمرون والوصايا: تباين وكذلك في س. [4] المعمرون والنثر: صرفان: فصرف ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 الكلمة، والتفضل بالحسنة يقي السيئة، والمكافأة بالسيئة الدخول فيها، والعمل بالسوء يزيل النّعماء، وقطيعة الرّحم تورث الهمّ، وانتهاك الحرمة يزيل النعمة، وعقوق الوالدين يعقب النكد، ويمحق العدد، ويخرّب البلد، والنصيحة تجرّ الفضيحة [1] ، والحقد يمنع الرفد، ولزوم الخطيّة يعقب البلية، وسوء الرعة يقطع أسباب المنفعة، والضغائن تدعو إلى التباين. ثم أنشأ يقول: [من المتقارب] أكلت شبابي فأفنيته ... وأنضيت بعد دهور دهورا ثلاثة أهلين صاحبتهم ... فبادوا وأصبحت شيخا كبيرا قليل الطعام حسير القيا ... م قد ترك الدهر خطوي قصيرا «1005» - أوصى سعد العشيرة بنيه عند موته فقال: إياكم وما يدعو إلى الاعتذار، ودعوا قذف المحصنات لتسلم لكم الأمّهات. وإياكم والبغي، ودعوا المراء والخصام تهبكم العشائر [2] ، وجودوا بالأموال تنم أموالكم، وإياكم ونكاح الورهاء فانها أدوى الداء. وأبعدوا من جار السوء داركم. ودعوا الضغائن فانها تدعو إلى التقاطع [3] . «1006» - أوصى أبو الأسود ابنه فقال: يا بنيّ، إذا جلست إلى قوم فلا تتكلم بما هو فوقك فيمقتوك، ولا بما هو دونك فيزدروك. وإذا وسّع الله عليك فابسط يديك، وإذا أمسك عليك فأمسك. ولا تجاود الله تعالى فان الله أجود منك.   [1] المعمرون: لا تهجم على الفضيحة. [2] المعمرون والنثر: ودعوا المراء والخصام تسلم لكم المروءة والأحلام. تحببوا إلى العشائر تهبكم العمائر. [3] المعمرون: التباين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 [ وصية أكثم بن صيفي ] «1007» - قال أكثم بن صيفي: يا بني تميم، لا يفوتنّكم وعظي ان فاتكم الدهر بنفسي. إن بين حيزومي [وصدري] لبحرا من الكلم لا أجد له مواقع غير أسماعكم، ولا مقارّ إلا قلوبكم، فتلقّوها بأسماع صاغية، وقلوب واعية، تحمدوا عواقبها: إن الهوى يقظان، والعقل راقد، والشهوات مطلقة، والحزم معقول، والنفس مهملة، والروّية مقيّدة، ومن جهة التواني وترك الروّية يتلف الحزم، ولن يعدم المشاور مرشدا، والمستبدّ برأيه موقوف على مداحض الزّلل. ومن سمّع سمّع به. ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن ما وجدت إلا في مقاتل الكرام. وعلى الاعتبار طريق الرشاد. ومن سلك الجدد أمن العثار. ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه ويشغل فكره ويؤرّث غيظه، ولا يجاوز نفسه ضرّه. يا بني تميم: الصبر على جرع الحلم أعذب من جني ثمر الندم. ومن جعل عرضه دون ماله استهدف للذمّ. وكلم اللسان أنكى من كلم الحسام. والكلمة مزمومة ما لم تنجم من الفم، فاذا نجمت فهي سبع محرّب، ونار تتلهّب. ورأي الناصح اللبيب دليل لا يجور. ونفاذ الرأي في الحرب أنفذ من الطعن والضرب. [ وصية أعرابية لابنتها ] «1008» - وأوصت أعرابية ابنتها وقد زوّجتها فقالت: لو تركت الوصيّة لحسن أدب أو لكرم نسب لتركتها لك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل. يا بنية، إنّك قد خلّفت العشّ الذي فيه درجت، والموضع الذي منه خرجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه. كوني لزوجك أمة يكن لك عبدا. واحفظي عنّي خصالا عشرا، تكن لك دركا وذكرا: أما الأولى والثانية فحسن الصحّابة بالقناعة، وجميل المعاشرة بالسّمع والطّاعة، ففي حسن الصحابة راحة القلب، وفي جميل المعاشرة رضى الربّ. والثالثة والرابعة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 التفقّد لموضع عينه، والتعاهد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يجد أنفه منك خبيث ريح. واعلمي أنّ الكحل أحسن الحسن الموجود، وأن الماء أطيب الطيب الموجود. والخامسة والسادسة: فالحفظ لماله والإرعاء على حشمه وعياله، واعلمي أنّ أصل الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والارعاء على الحشم والعيال حسن التدبير. والسابعة والثامنة: التعاهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فحرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. والتاسعة والعاشرة: لا تفشين له سرّا، ولا تعصين له أمرا، فانك إذا أفشيت له سرّا لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أو غرت صدره. [ وصية رجل من ربيعة لابنتها ] «1009» - أوصى رجل من ربيعة ابنه فقال: يا بنيّ، إذا حزبك أمر فحكّ ركبتيك بركبة شيخ من قومك وشاوره. قال: فأردت التزويج، فأتيت شيخا من قومي في ناديه فجلست إليه حتى خفّ من عنده، فقال: يا ابن أخي، ألك حاجة؟ قلت: نعم، أردت التزويج فأتيتك أشاورك، فقال: أقصيرة النسب أم طويلته؟ فما أجدت ولا أرديت (أي لم أقل جيدا ولا رديا) فقال: يا ابن أخي، إني لأعرف في العين إذا عرفت، وأعرف في العين إذا أنكرت، وأعرف في العين إذا لم تنكر ولم تعرف. فأمّا العين إذا عرفت فانها تتخاوص للمعرفة، وإذا أنكرت تجحظ للانكار، وإذا لم تعرف ولم تنكر فانها تسجو سجوّا، يا ابن أخي، لا تتزوج إلى قوم أهل دناءة أصابوا من الدنيا عسرة فتشركهم في دناءتهم ولا يشركونك في أموالهم، قال: فقمت وقد اكتفيت. [وصية دريد بن الصمّة] «1010» - كان دريد بن الصمّة يقول: النصيحة ما لم تهجم على الفضيحة. وإذا أجدبتم فلا ترعوا حمى الملوك، فانه من رعاه غانما لم يرجع سالما. ولا تحتقروا شرّا فان قليله كثير. ومن خرق ستركم فارقعوه، ومن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 حاربكم فلا تغفلوه، وأحيلوا حدّكم كلّه عليه [1] . ومن أسدى إليكم خطّة خير فأضعفوا له، وإلا فلا تعجزوا أن تكونوا مثله. ومن كانت له مروءة فليظهرها. ولا تنكحنّ دنيّا من غيركم فان عاره عليكم. وإياكم وفاحشة النساء. وعليكم بصلة الرحم فانها تديم [2] الفضل وتزيد النّسل. وأسلموا ذا الجريرة بجريرته، ولا تسخطنّ أحدا من غيركم فتعلقوه بينكم. [ وصية أسلم بن أفصى ] «1011» - أوصى أسلم بن أفصى الخزاعيّ بنيه فقال: يا بنيّ، اتّقوا ربكم في الليل إذا دجا وفي النهار إذا أضا، يكفكم الله كلّ ما يخاف ويتّقى. وإياكم ومعصيته فانه ليس لكم وراءه وزر، ولا لكم دونه معتصر. يا بنيّ، جودوا بالنوال، وكفّوا عن السؤال، لا تمنعنّ سائلا محقّا كان أو مبطلا، فان كان محقّا فلا تحرموه، وإن كان في حال علّة فانها تسدّ منه خلّة، وإن كان مبطلا فقد ذهب خفره وصرّح الحياء عن بصره، فأعطوه. ولا تماروا عالما ولا جاهلا، فان العالم يحاججكم [3] فيغلبكم، وان الجاهل يلجّكم فيغضبكم، فاذا جاء الغضب كان فيه العطب. وإياكم والفجور بحرم الأقوام، فانه قلّ ما انتهك رجل حرمة إلا ابتلي في حرمته. وإياكم وشرب الخمر فانها متلفة للمال، طلّابة لما لا ينال، وان كان فيها صلاح البدن فان فيها مفسدة للعقل. وإياكم والاختلاف فانه ليس معه ائتلاف. ولا يكوننّ جار السوء لكم جارا، ولا خدين السوء لكم زوّارا. وعليكم بصلة الرّحم تكثر أموالكم، ولا تقطعوها فتفو من دياركم وآثاركم. وإياكم والعجز والتواني فانهما يورثان الندامة ويكثران الملامة. يا بنيّ، أنتم مثل شجرة ثابتة الأركان ملتفّة الأغصان، فاجتمعوا ولا تفرّقوا فيطمع   [1] المعمرون: واجعلوا عليه حدكم كله. [2] المعمرون: تعظم. [3] م: يحجكم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 الناس فيكم فتفرّق الأغصان وتعجف الشجرة وتكونوا مثلا بكلّ مكان. يا بنيّ، قد أتت عليّ مائتا سنة ما شتمت ولا شتمت، ولا قلت من لوم ماذا صنعت. خذوا بوصيّتي تسلموا، ولا تخالفوا فتندموا. [وصية يزيد بن المهلّب لابنه] «1012» - أوصى يزيد بن المهلّب ابنه مخلدا حين استخلفه على جرجان فقال: يا بني، إني قد استخلفتك فانظر هذا الحيّ من اليمن، فكن منهم كما قال الشاعر: [من الطويل] إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم ... فرش واصطنع عند الذين بهم ترمي وانظر هذا الحيّ من ربيعة فانهم شيعتك وأنصارك فاقض حقوقهم. وانظر هذا الحيّ من تميم فأمطر ولا ترهم، ولا تدنهم فيطمعوا، ولا تقصهم فينقطعوا عنك، ولكن بين المطيع والمدبر. وانظر هذا الحيّ من قريش فانهم أكفاء قومك في الجاهلية ومناصفوهم في الاسلام، ورضاهم منك البشر. يا بني، إن لأبيك صنائع فلا تفسدها فانه كفى بالمرء من النّقص أن يهدم ما بناه أبوه. وإياك والدماء فانه لا بقية بعدها. وإياك وشتم الأعراض فان الحرّ لا يرضيه من عرضه عوض. وإياك وضرب الأبشار فانه عار باق ووتر مطلوب. واستعمل على النجدة والفضل دون الهوى، ولا تعزل إلا عن العجز والخيانة؛ ولا يمنعك من اصطناع رجل أن يكون غيرك قد سبقك إليه، فانك إنما تصطنع الرجال لنفسك؛ ولتكن صنيعتك عند من تكافيك عنه العشائر. واحمل الناس على حسن أدبك يكفوك أنفسهم. وإذا كتبت كتابا فأكثر النظر، وليكن رسولك في ما بيني وبينك من يفقه عني وعنك، فان كاتب الرجل موضع عقله، ورسوله موضع رأيه. أستودعك الله فانه ينبغي للمودّع أن يسكت وللمشيّع أن ينصرف، وما خفّ من المنطق وقلّ من الخطبة أحبّ إلى أبيك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 [ وصية قيس بن عاصم لابنه ] «1013» - أوصى قيس بن عاصم بنيه فقال: يا بنيّ، خذوا عنّي فلا أحد أنصح لكم مني. إذا دفنتموني فانصرفوا إلى رحالكم فسوّدوا أكبركم فان القوم اذا سودوا أكبرهم اخلفوا آباءهم، ولا تسوّدوا أصغركم فان القوم إذا سوّدوا أصغرهم أزرى ذلك بهم في أكفائهم. وإياكم ومعصية الله تعالى وقطيعة الرحم. وتمسّكوا بطاعة أمرائكم: فانهم من رفعوا ارتفع، ومن وضعوا اتّضع. وعليكم بهذا المال فأصلحوه، فانه منبهة للكريم واستغناء عن اللئيم. وإياكم والمسألة فانها أخر كسب الرّجل [1] ، وإن أحدا لم يسأل إلا ترك كسبه. وإياكم والنياحة فاني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينهى عنها. وادفنوني في ثيابي التي كنت أصلّي فيها وأصوم. ولا تعلم بكر بن وائل بمدفني فاني كنت أغتالهم [2] في الجاهلية وبيننا وبينهم خماشات [3] فأخاف أن يدخلوها عليكم فيعيبوا عليكم دينكم. وخذوا بثلاث خصال: اياكم وكلّ عرق لئيم أن تلابسوه، فانه مهما يسرّكم يوما فسوف يسوءكم يوما، واكظموا الغيظ، واحذروا بنيّ أعداء آبائكم فانهم على منهاج آبائهم لابائكم. وقال [4] : [من البسيط] أحيا الضغائن آباء لنا هلكوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء قال الكلبي: فنحل هذا البيت سابقا البربري، وقيس أول من قاله.   [1] م: الرجال. [2] س: أغالبهم؛ المعمرون: أغاورهم. [3] خماشات: جراحات. [4] البيت في عيون الأخبار 3: 107 والأغاني 4: 351 وشرح النهج 7: 141 وقد تمثل به السفاح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 «1014» - أوصى العباس بن محمد معلّم ولده فقال: قد كفيتك أعراقهم فاكفني آدابهم. لا أوتينّ فيهم منك فانك لم تؤت فيهم منّي: اغذهم بالحكمة فانها ربيع القلوب، وعلّمهم النسب والخبر فانه علم الملوك، وأيّدهم بكتاب الله تعالى فانه قد خصّهم ذكره، وعمّهم رشده [1] . وكفى بالمرء جهلا أن يجهل فضلا عنه أخذ. وخذهم بالإعراب فانه مدرجة البيان، وفقّههم في الحلال والحرام فانه حارس من أن يظلموا ومانع من أن يظلموا. «1015» - وقال الرشيد وقد سمع أولاده يتعاطون الغريب في محاورتهم، ويجنحون إلى الغليظ من الكلام: لا تحملوا ألسنتكم على وحشيّ الكلام، ولا تعوّدوها المستشنع ولا المتصنّع، فان العادة ألزم من الطّبع. واعتمدوا سهولة الكلام من غير استكراه ولا مؤونة تكلّف. سيد الكلام ما ارتفع عن طبقة العامّة، وانخفض عن درجة المتشدّقين، وخالف سبل المغرقين. فليكن كلامكم قصدا وألفاظكم عددا، فان الاكثار يمحق [2] البيان، ومن قبله تحدث الآفة على اللسان. وتحاموا الأنس بالسلطان، وكلّما رفع دونكم سترا من الحشمة فاحتجبوا عنه بستر من الإعظام، وكونوا اشدّ ما يكون لكم بسطا أشدّ ما تكونون له هيبة. ثم تمثّل بأبيات الخطفى جدّ جرير: [من الطويل]   [1] م: شكره. [2] م: يمحو. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 عجبت لازراء العييّ بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالنطق أعلما [1] وفي الصمت ستر للغبيّ وإنما ... صحيفة لبّ المرء أن يتكلما ومن لا يصب قصد الكلام لسانه ... وصاحبه الاكثار كان مذمّما إذا نلت إنسيّ المقالة فليكن ... به ظهر وحشيّ الكلام محرما وإن اكثر السلطان أنسك فاحترز ... ولا تفغرن إلا بهيبته فما [عينية عبدة بن الطّبيب] «1016» - وقال عبدة بن الطّبيب، وهو من بني سعد بن زيد مناة بن تميم، وهي من الوصايا المأثورة وفصيح الكلام: [من الكامل] أبنيّ إنّي قد كبرت ورابني ... بصري وفيّ لمصلح مستمتع فلئن هلكت لقد بنيت مساعيا ... يبقى لكم منها مناقب أربع [2] ذكر إذا ذكر الكلام يزينكم ... ووراثة الحسب المقدّم تنفع ومقام أيّام لهنّ فضيلة ... عند الحفيظة والمجامع تجمع ولهى من الكسب الذي يغنيكم ... يوما إذا احتضر النفوس المطمع أوصيكم بتقى الاله فانه ... يعطي الرغائب من يشاء ويمنع وببرّ والدكم وطاعة أمره ... إن الأبرّ من البنين الأطوع ودعوا الضغينة لا تكن من شأنكم ... إن الضغائن للقرابة توضع واعصوا الذي يسدي [3] النميمة بينكم ... متنصحا وهو السّمام المنقع يزجي عقاربه ليبعث بينكم ... حربا كما بعث العروق الأخدع   [1] سقط هذا البيت والبيت الثالث من م. [2] المفضليات: مآثر أربع. [3] المفضليات: يزجي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 حرّان لا يشفي غليل فؤاده ... عسل بماء في الإناء مشعشع لا تأمنوا قوما يشبّ صبيّهم [1] ... بين القوابل بالعداوة ينشع فضلت عداوتهم على أحلامهم ... وأبت ضباب نفوسهم لا تنزع قوم إذا دمس الظلام عليهم ... حدجوا قنافذ بالنميمة [2] تمزع أمثال زيد حين أفسد رهطه ... حتى تشتت أمرهم فتصدّعوا إنّ الذين ترونهم إخوانكم ... يشفي غليل نفوسهم أن تصرعوا وثنيّة من أمر قوم عزّة ... فرجت يداي وكان فيها المطلع ومقام خصم قائم ظلفاته ... من زلّ طار له ثناء أشنع ظلفات الرجل: ما وقع على الأرض من عيدانه فاستعاره للخصم أصدرتهم فيه أقوّم درأهم ... عضّ الثقاف وهم ظماء جوّع فرجعتهم شتّى كأنّ عميدهم ... في المهد يمرث ودعتيه مرضع ولقد علمت بان قصري حفرة ... غبراء يحملني إليها شرجع فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي ... والأقربون إليّ ثم تصدعوا وتركت في غبراء يكره وردها ... يسفى عليّ الترب [3] حين أودّع فاذا مضيت إلى سبيلي فابعثوا ... رجلا له قلب حديد أصمع إن الحوادث يخترمن وإنما ... عمر الفتى في أهله مستودع يسعى ويجمع جاهدا مستهترا ... جدا وليس بآكل ما يجمع حتى إذا وافى الحمام لوقته ... ولكلّ جنب لا محالة مصرع   [1] م: غويّهم. [2] م: خرجوا فباتوا بالنميمة. [3] المفضليات: تسفي علي الريح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 نبذوا إليه بالوداع [1] فلم يجب ... أحدا وصمّ عن النّدا لا يسمع [ ابن طباطبا يوصي أبا السرايا ] «1017» - لما اشتدت علة ابن طباطبا، وهو محمد بن إبراهيم بن اسماعيل بن إبراهيم طباطبا بن حسن، قال له أبو السرايا الخارج معه: أوصني يا ابن رسول الله فقال: الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين. أوصيك بتقوى الله فانها أحصن جنّة وأمنع عصمة، والصبر فانه أفضل منزل وأحمد معوّل، وأن تستتم الغضب لربّك تعالى، وتدوم على منع دينك، وتحسن صحبة من استصحبك واستجاب لك، وتعدل بهم عن المزالق، ولا تقدم إقدام متهوّر، ولا تضجّع تضجيع متهاون، واكفف عن الإسراف في الدماء ما لم يوهن [2] لك دينا ويصدّك عن صواب. وارفق بالضعفاء. وإياك والعجلة فان معها الهلكة. واعلم أنّ نفسك موصولة بنفوس آل محمد عليه الصلاة والسلام، ودمك مختلط بدمائهم، فان سلموا سلمت وإن هلكوا هلكت، فكن على أن يسلموا أحرص منك على أن يعطبوا. وقرّ كبيرهم وبرّ صغيرهم، واقبل رأي عالمهم، واحتمل هفوة إن كانت من جاهلهم، يرع الله حقّك، واحفظ [3] قرابتهم يحسن الله نظرك، وولّ الناس الخيرة لأنفسهم في من يقوم مقامي من آل عليّ، فان اختلفوا فالأمر إلى عليّ بن عبيد الله، رضيت [4] دينه ورضيت طريقته، فارضوا به وأحسنوا طاعته تحمدوا رأيه وبأسه.   [1] المفضليات: بالسلام. [2] م: يهون. [3] م: واحسن. [4] مقاتل: بلوت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 [ عهد لابن عبدكان ] «1018» - من عهد أنشأه ابن عبدكان: إن أولى من آثر الحقّ وعمل به، وراقب الله في سر أمره وجهره، واحترس من الزيغ والزلل في قوله وفعله، وعمل لمعاده ورجعته إلى دار فقره ومسكنته، من جعل بين المسلمين حاكما، وفي أمورهم ناظرا، فسفك الدماء وحقنها، وأحلّ الفروج وحرّمها، وأعطى الحقوق وأخذها، ومن علم أنّ الله عزّ وجلّ سائله عن مثقال الذرّة من عمله، وأنّه إنما يتقلّب في قبضته، أيام مدّته، ثم يخرج من دنياه كخروجه من بطن أمه، إمّا سعيدا بعدله، وإما شقيا بفعله. وإنا لما وقفنا عليه من سديد مذهبك وطريقتك، وحميد هديك وسيرتك، ورجوناه فيك، وقدّرناه عندك: من سلوك الطريقة المثلى، واقتداء آثار أئمة [1] الهدى، والعمل بالحقّ لا بالهوى، رأينا تقليدك القضاء بين أهل ثغر برقة، وامرناك بتقوى الله الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب، وبطاعته التى من آثرها سعد، ومن عمل بها حمد، ومن لزمها [2] نجا، ومن فارقها هوى. فصل منه: فانك أسعد بالعدل ممن تعدل عليه، وأحظى باصابة الحقّ ممن تصيبه فيه، لما تتعجله من جميل أحدوثته وذكره، ويذخر لك من عظيم ثوابه وأجره، ويصرف عنك من حوب [3] ما تتقلّده ووزره. «1019» - وأحسن العهود وأحكمها عهد عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه لمالك بن الحارث الأشتر حين ولاه مصر، وقد كتب في باب الآداب الدنيوية إذ   [1] م: واقتداء أثارة الهدى. [2] م: رامها. [3] س: وجوب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 كان أحق بها لما تضمن منها ما استوفى أقسامه، ودلّ على علمه بأمور الدنيا وسياستها كعلمه بأحكام الشريعة والدين وأوامره ونواهيه، الذي هو غير منازع فيه. ونثبت ها هنا اختيارات من عهود كتبها أبو إسحاق الصابي تجنبا للاطالة، نذكرها على جهتها، ولعلّ فيها ما يخرج عن الاختيار، فمن أراد ذلك وجده في ديوان رسائله. [ فصول من عهود للصابي ] «1020» - فمن ذلك فصول من عهد القاضي أبي محمد عبيد الله بن معروف: أمره بتقوى الله مظهرا ومبطنا، وخيفته مسرّا ومعلنا، فانهما الحصن الحصين، والملجأ الأمين، والعصمة من نزغات الشيطان المردية، ودواعي الأهواء المؤذية [1] ، وأفضل العتاد في الأولى، وخير الزاد في الأخرى، من تمسك بعلائقهما، وتشبث بوثائقهما، أقامتاه على سبيل الهدى، ويمّمتا به الطريقة المثلى، وسلكتا به محجّة النجاة، واستنقذتاه في الحياة والوفاة. والله جلّ اسمه يقول: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل: 128) . وأمره أن يواظب على قراءة القرآن متفهما آياته [2] ، معظما بيناته، متدبرا حججه الظاهرة، متأملا أدلّته القاهرة، متّبعا أوامره الرّشيدة، مستمعا مواعظه السّديدة، آخذا بعزائمه المبرمة، عاملا على فرائضه المحكمة، فانه عمود الحقّ، ومنهاج الصّدق، وبشير الثواب، ونذير العقاب، والكاشف لما استبهم، والمنوّر لما أظلم، والإمام المنجي من الضلال، والخصم الغالب عند الجدال، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.   [1] المختار: المغوية. [2] م: آيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وأمره بدراسة سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآثاره، وتعهّد أحاديثه وأخباره، متأدبا بما حضّ الناس عليه، منتهجا ما أهاب بهم إليه، منتهيا إلى حكمه ووصاياه، متقيدا بخلائقه وسجاياه، فانه صلّى الله عليه وسلم الذي يدعو إلى الهدى، ولا ينطق عن الهوى، فمن ائتمّ لأوامره غنم، ومن ارتدع من زواجره سلم. وقد قرن الله طاعته بطاعته، وجعل العمل بقوله كالعمل بكتابه، فقال عزّ وجلّ: (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (الحشر: 7) . وأمره بمجالسة [1] أهل الدين [والعلم] ومدارسة أهل الفقه والفهم، ومشاورتهم في ما يقرّره ويمضيه، والأخذ من آرائهم في ما ينيره ويسديه، فان الشّورى نتاج [2] العقول، والمباحثة رائد الصّواب، واستظهار المرء على رأيه من عزم الأمور، واستنارته بعقل أخيه من حزم التدبير؛ فقد أمر الله تعالى بالاستشارة أكمل الخلق لبابة وأولى بالاصابة، فقال لرسوله الكريم في كتابه الحكيم: (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159) . وأمره بفتح الباب، ورفع الحجاب، والبروز للخصوم، وإيصالهم إليه على العموم، وأن ينظر بين المتحاكمين بالسويّة، ويعدل فيهم عند القضيّة، ويعطيهم من نفسه أقساطا متساوية [3] ، ولا يفضّل خصما على صاحبه [4] في لحظ ولا لفظ، ولا يقوّيه عليه بقول ولا فعل، إذ كان جل اسمه قد جعل هذا الحكم سرّ [5] الحقّ وميزان القسط، وسبيل العدل في القبض والبسط، وسوّى بين الدنيّ والشريف، وأخذ به من القويّ للضعيف، ولم يجعل فيه مزية لغني على فقير ولا لكبير على   [1] م: أن يجالس. [2] المختار: لقاح. [3] المختار: متكافئة، وينزلهم من مجلسه منازل متساوية. [4] س: خصم. [5] المختار: سنن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 صغير؛ قال الله تعالى: (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء: 135) [1] . وأمره إذا ترافع إليه متحاكمان، وتنازع إليه متخاصمان، أن يطلب الحكم بينهما في نصّ الكتاب، فان عدمه هناك التمسه من سنّة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فان فقده من السنة القويمة، والآثار الصحيحة السليمة، ابتغاه في إجماع المسلمين، فان لم يجد فيه إجماعا اجتهد وحكم في الحادثة أشبه الأحكام بالأصول عنده، بعد أن يبلغ غاية الوسع في التحرّي، ويستنفد الطاقة في النظر والتقصّى، فانه من أخذ بالكتاب اهتدى، ومن اتبع السنة نجا، ومن تمسّك بالإجماع سلم، ومن اجتهد رأيه أعذر. والله يقول الحقّ وهو يهدي السّبيل. وأمره بالتثبت [2] في الحدود، والاستظهار فيها بتعديل الشهود [3] ، وأن يحترس من عجل يرهق [4] الحكم عن الموقع الصحيح، أو ريث يرجئه عن الوضوح حتى يقف عند الاشتباه، ويمضي لدى الاتجاه، ويقوم بالبينات، ويدرأ الشّبهات، ولا تستخفّه عجلة إلى بريء، ولا تاخذه رأفة بمسيء، فان الله عزّ وجلّ سمّى هذا الضرب من الأحكام حدودا تشددا [5] فيه، وإكبارا لتعدّيه، وجعله من معالم الحكم، ونسب من يجاوزه إلى الظلم، فقال تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 229) . وأمره بتصفّح أحوال من يشهد عنده فيقبل منهم من ظهرت منه العدالة، وعرفت منه الأصالة، وكان ورعا في دينه، حصيفا في عقله، ظاهر التيقّظ والحذر، بعيدا من السّهو والزلل، طيّبا بين الناس ذكره، مشهورا فيهم ستره،   [1] في المختار آية أخرى غير هذه. [2] س: ليتثبت. [3] المختار: والاستظهار عليها بالشهود. [4] س: يزهق، ولعلها يزهف. [5] المختار: تضييقا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 منسوبا إلى العفّة والظّلف، معروفا بالنزاهة والأنف، سليما من شائن الطمع، بريئا من الحرص والجشع، فان هذه الطبقة هي حجّة الحاكم في ما يحكم، وطريقه إلى ما ينقض ويبرم، فمتى أعذر في ارتيادهم، كان معذورا في الحكم بشهاداتهم وان اختلفوا. ومتى عذّر في انتقادهم، كان ملوما في سماع أقوالهم وإن صدقوا، لأن على الحاكم أن يعتام أهل الثقة والأمانة، والعفّة والصّيانة، حدسا على باطنهم من ظاهرهم، ومخيلة لخافيهم من باديهم. والله وحده يبلو السرائر ويعلم الضمائر. وقد قال جل اسمه للحكام (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) [1] (البقرة: 282) وقال تعالى في الشهود (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) (الزخرف: 19) . وأمره أن يحتاط على مال الأيتام بثقات أمناء [2] ، ويكلها إلى الحفظة الأعفّاء، ويرعيهم في ذلك عينا بصيرة، ويكلأهم بهمّة يقظى حتى يسيروا في هذه الأموال بسيرة تثمّرها وتنمّيها، وتدبّرها تدبيرا يحرسها ويزيد فيها، من غير أن يركبوا بها خطرا، ولا يجرّوا عليها غررا، وأن ينفقوا عليهم منها بالمعروف، ويسلكوا فيها سبيل القصد، حتى إذا بلغ أربابها الحلم، وأونس منهم الرشد سلّمت الأموال إليهم وأشهد بقبضها عليهم. قال الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا. وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً) (النساء: 6) . ومنه: هذا ما عهد أمير المؤمنين إليك، والاحتياط لك وعليك، وهاديك إلى طريق   [1] المختار: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط. [2] س: الأمناء: المختار: الأيتام بالأمناء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 الرّشاد، وحاديك إلى سبيل السداد، ومقيمك على المحجّة الواضحة، وكفيلك [1] بالحجّة اللائحة. وقد أعذر أمير المؤمنين فيه وأنذر، وبصّر وحذّر، لم يألك وعظا، ولم يدّخرك معه حظّا. فكن عند ظنّ أمير المؤمنين وأوف على تقديره فيك، فانه اختارك عن علم وبصيرة، وقدّمك على فكر وروية. واجعل وصيته إمامك، واتبع أمره في تدبيرك، وأنجح [2] قوله في أمورك، وطالعه بما يشكل عليك مطالعة المستعلم، وأنهه إنهاء المستفهم، ليصدر إليك من رأيه ما تحتذيه، ويرد عليك من عزمه ما تقتفيه، إن شاء الله تعالى. «1021» - من عهد كتبه للطاهر أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي بنقابة الطالبيين: وان أمير المؤمنين بنافذ عزيمته، وثاقب بصيرته، لا يهمل من الاصلاح صغيرا ولا كبيرا، ولا يضيع من الثواب [3] لا قليلا ولا كثيرا، حتى ينزل كلّ امرىء منزلته، ويؤتيه رغبته [4] ، ولا يجاوز موضعه، ولا يفاوت موقعه. ومن أجلّ الأحوال عند أمير المؤمنين وأولاها بالاهتمام والتقديم حال اختصّت أهل بيته عائدتها، وتوفرت عليهم فائدتها، وزانهم جمالها، والبسهم جلالها، وجمعت لهم إلى كرم الأحساب والأعراق، شرف الآداب والأخلاق، وأحسن الله عون أمير المؤمنين على ما ينويه، ووفّقه في ما يرتأيه، وخار له في ما يدبّره ويمضيه، وينيره [5] ويسديه، خيرة تجمع له الحظّ في العاجلة والآجلة، والنفع في الدنيا والآخرة. ولذلك ما رأى أمير المؤمنين أن يقلّدك النقابة على الطالبيين أجمعين.   [1] المختار: وزعيمك. [2] المختار: وانح. [3] س: الصواب؛ المختار: الحزم. [4] المختار: ويرتبه رتبته. [5] ينويه ... وينيره: سقط كله من م. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 ومنه: واعلم أن أمير المؤمنين قد فضّلك على أهل بيتك طرّا، ورفعك فوقهم جميعا بعد أن كنت واحدا منهم، واختصّك دونهم بعد مساواتك لهم، فسر في تطبيقهم سيرته، واسلك في ترتيبهم طريقته، حتى إذا عممتهم بالكرامة التي توجبها أنسابهم وتقتضيها قرباهم، خصصت بأكابرهم زيادة [1] الإجلال والتوقير، وإذا شملتهم بالصيانة التى يؤثرها امير المؤمنين، وتوجبها شرائط الدين، ميّزت أصاغرهم بفضل الحنوّ والعطف. وكن لأفعال كلا الفريقين [2] ممتحنا، وفي أعمالهم متفرسا، فمن وجدته متوخيا من جميل الخلائق، ومستقيم الطرائق، مذهبا للشرف موافقا، وبسجايا السّلف لائقا، فزده إحسانا تكافيه فيه عن مرضيّ إيثاره، وتدعو غيره إلى مشاركته في جميل [3] اختياره. ومن ركب قبيحا يعود على ديانته بجرح، وعلى أمانته بقدح، ما لم يستوجب حدا معلوما، ويستحقّ جزاء محتوما، فلا تعجل عليه بالعقاب، واستأن معاودته للصواب، ونبّهه بالذكرى النافعة للمؤمنين، واعطفه بالموعظة [4] الناجعة في الصالحين. فإن تراجع [5] وتاب، وأقلع وأناب [6] ، فأعنه على الأوبة، واقبل منه التوبة، وبوّئه منزل مثله ممن جهل ثم حلم، وأذنب ثم ندم، وكن له بمكانك [7] لصالحي أهله، وأجره مجرى خيار قومه. ومن ضرب عن الادّكار [8] صفحا، وطوى دون الانذار كشحا، ولم يغن فيه التوقيف دون التثقيف، ولا التعليم دون [9] التقويم، فحكّم كتاب الله عزّ وجلّ   [1] المختار: اكابرهم بزيادة. [2] المختار: وكن لافعالك على كلا الفريقين. [3] المختار: حميد. [4] المختار: بالحسنى. [5] س: راجع، المختار: رجع. [6] وأقلع وأناب: سقطت من م. [7] المختار: كونك. [8] س: الافكار. [9] التثقيف ... دون: سقط من س. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 عليه، وأطع سنّة نبيه عليه السلام فيه. وقابله عن إساءته مقابلة من لا يصرفه عن الحق مراقبة، ولا يقصر به دون الواجب بقيا ولا بقية [1] . فان أمير المؤمنين وإن أوسع كافّة أهله عطفا، ولم يأل بهم رفقا ولا لطفا، لا يصل منهم من أوجب الدين قطيعته، ولا يرعى حقّ رحم لمن لم يكن في ذات الله تعالى قربته. وليكن لك عليهم عيون من خيارهم، ينهون إليك ما انطوى عنك من أخبارهم [2] ، وأوصهم بحسن التأمّل لاثار الجماعة، وكفّهم عما ينكر بالهيبة والطاعة. فان انثنوا أو ارتدعوا، وانتهوا أو نزعوا، وإلا احتذيت ما مثّله لك أمير المؤمنين من جميع الفرق، ولا تجاوز [3] ما فصّله من غلظة وشفق. واجعل في خطابك إياهم ومحاورتك لهم شعارا من الاكرام يبينون به عن جمهور العوام. ولا تقابل أحدا منهم بسبّ، ولا تغضض منه في ذكر أمّ ولا أبّ، فان أمير المؤمنين يصون سلفهم سلفه، ويحمي نسبهم لأنهم نسبه، وقد نزّه الله أسرته عن هجنة العيب، وباعد حامته [4] عن مقارفة الريب. وإنما جعلك أمير المؤمنين أمينه فيهم، وعينه عليهم، لمّا ضنّ بهم عن الزلل، وصانهم عن الغيّ والخطل. ولتكن عنايتك إلى حماية المناسب مصروفة، وعلى حراستها موقوفة، فانها قربى النبوة ولحمة الخلافة، والسبب المتصل يوم تقطّع [5] الأسباب، والنسب المعروف يوم تناكر الأنساب [6] . وأثبت الجماعة ممن بحضرتك منهم بأعيانهم وأسمائهم، واعزهم إلى أجدادهم وآبائهم، وليعمل بمثل ذلك أصحابك في الأطراف، وخلفاؤك في البلاد، حتى تأمن غلطا تفتن به [7] في سليم، ولبسا تركن به إلى سقيم. ثم إن وجدت من قد ادّعى نسبا لا يثبت   [1] المختار: عن الحق الواجب بقيا ولا بقية. [2] م: أشرارهم. [3] المختار: ولم تتجاوز. [4] المختار: خاصته. [5] المختار: تنقطع. [6] والنسب ... الأنساب: سقط من المختار. [7] المختار: غلطا منك تشك به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 بالشهادة، ولا يعرف معرفة تزيل عنه التهم [1] ، فقابله بغليظ العقوبة ليرتدع غيره عن مثل دعواه، وأشهره شهرة يؤمّن معها اشتباه، وينزجر عن كذبة ثانية. واحتط في أمر المناكح حتى لا تصل أيّم من الجماعة إلى دنيّ، ولا يقع عليها عقد إلا لكفؤ وفيّ. «1022» - ومن تقليده الحج مضافا إلى نقابة الطالبيين: أما بعد، فان أمير المؤمنين برعايته الحرمات، ومحافظته على المواتّ [2] ، وإيجابه حقّ من تأكّدت له العصمة، وارتضيت منه الخدمة، وعرفت في الطاعة آثاره، وبليت في الموالاة أخباره، يعتقد ربّ صنيعته عندك، ومضاعفة نعمته عليك [3] ، والانافة بك على أعلى رتب ذوي الأسباب الواشجة والانساب المتشابكة [4] ، ولا سيّما وقد جمعت إلى القربى اضطلاعا بالأعباء، وإلى الموالاة قياما بحقّ الاستخدام والاستكفاء، فلن يعدم أمير المؤمنين في ما يكله إليك، ويعتمد فيه عليك، رعاية الحقّ، وصلة الرحم، وصواب التدبير، وإصلاح المهمّ. والله يحسن لأمير المؤمنين الاختيار، ويمدّه بالتوفيق والصنع في مجاري الأقدار [5] . ولما قلّدك أمير المؤمنين النقابة على الطالبيين فبان له فيها محمود سيرتك، وظهر من أفعالك ما دلّ على سلامة سريرتك، رأى أمير المؤمنين من حقّ العادة التي عوده الله فيها الصلاح، وأجرى له فيها طائر النجاح، أن يزيدك فضلا وإحسانا، ولا يألوك إنعاما وامتنانا، ويستأنف بك من إعلاء [6] الدرجة ورفع المرتبة ما يحمد به رأيك في الخدمة   [1] المختار: التهمة. [2] م: المودات. [3] المختار: لديك. [4] المختار: الشابكة. [5] س: الاقتدار. [6] م: علي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 والاجتهاد، ويستمرّ معه على طريقتك في الاستقامة والسّداد. 1023- ومن تقليد القاضي أبي القاسم عمر بن حسان جنديسابور: أمره بتقوى الله وخشيته ومراقبته وخيفته، وأن يسوّي في طاعته بين ما استسرّ من رأيه وعلن، ويخلص العمل له في ما ظهر من أمره وبطن، تلك مواد العصمة، ودواعي الرحمة، والمقيمات على سبل [1] الهداية، والمنجيات من أعقاب الغواية، وأنفع ما قدّم من زاد، وأحصن ما ادّخر من عتاد. فمن أصلح سجاياه، وجعل لهنّ سرّه ونجواه، أتمّ الله عليه نعمته، وكفاه عاجلته، وقد أدّب الله بهنّ أمير المؤمنين، وفرضهنّ على العالمين، فقال جلّ من قائل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 102) . وأمره أن يكثر تلاوة القرآن، والاستنارة بما فيه من البيان، وأن يصرف إليه فكره، ويشغل به قلبه، ويكرّره اعتبارا وتذكرا، ويتأمّله استدلالا وتدبّرا، وأن يملّكه عنانه وزمامه، ويجري عليه نقضه وإبرامه، ويتصرّف معه في ما أحبّه وكرهه، ويطيع أمره في ما سرّه وساءه، فانه حجّة الله وعهده، ووعده ووعيده [2] ، وبرهانه الباهر، ودليله القاهر، وسبيله الوسط، وطريقه الجدد، والمؤدّي إلى رحمته وثوابه، والمنجي من سطوته وعقابه. قال الله عزّ وجلّ (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 41- 42) . وأمره أن يبرز للرعية، ويحملهم على حكم السّويّة، ويفتح لهم بابه، ويرفع عنهم حجابه، ويجعل لهم مجالس للحكم في المساجد الجامعة، والمواضع الضاحية، بحيث يصل إليه القويّ والضعيف، ويبلغه الدنيّ والشّريف، وإذا أفضى إليه الخصمان عدل بينهما في لحظه ولفظه، وسوّى تقاسمهما [3] في قوله   [1] س: سبيل. [2] س: ووعيده وتوعده. [3] م: انقسامهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وفعله، حتى لا يتسلّط الهوى على حكمه، ولا يعترض الميل دون عدله، وأن يبسط للمتظلّمين وجهه، ويوطّىء لهم كنفه، ويبذل لهم بشره، ويرعيهم سمعه، ويمكّنهم من استقصاء حججهم، والابانة عن حقوقهم، وأن لا يخلو بأحد من [1] الخصماء دون صاحبه، ولا يمنعه ما يعطيه خصمه. قال الله جلّ ذكره (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (ص: 26) . وأمره أن يحضر الخصوم خاطره، ويجمع لهم رأيه، ويصرف إليهم باله، ويفرّغ لأحكامهم ذهنه، فاذا ترافعوا إليه في خصومة طلب حكمها في نصّ الكتاب، أو ثبت السنّة وإجماع المسلمين واجتهاد الرأي، فان تلك وجوه النظر في الحكم وطريق إصابة الحقّ، ومن أخذ بالقرآن اهتدى، ومن اتبع السنة نجا، ومن تمسك بالاجماع سلم، ومن بذل الوسع أعذر. قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً. وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء: 105- 106) . منه: هذا عهد أمير المؤمنين إليك، والحجة لك وعليك، قد أعذر أمير المؤمنين فيه وأنذر، وبصّر وحذّر، ولم يألك وعظا، ولم يدّخرك حظا، وأقامك على سبيل القصد، وبذل في تسديدك غاية الجهد، وظنّه بك الاصغاء إلى التذكّر، والاقتداء بالتبصّر، والعمل في ولايتك لآخرتك، والأخذ من عاجلتك لآجلتك. فكن عند ظن أمير المؤمنين بك، وقف عند مخيلته فيك، واجعل عهده إماما تقتفيه، ومثالا تحتذيه، وناج بوصيّته نفسك، واعمر بتأديبه قلبك، وأنه إليه أخبارك، واعرض عليه آثارك، واستدلله على ما يعضلك [2] واسترشده   [1] م: وألا يأخذ من. [2] م: واستدلّ الله على ما يعضل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 إلى ما يشكل عليك [1] ليرشدك [2] ، ويرد [3] عليك من ثاقب رأيه، وصائب أنحائه [4] ، ما يرشد به سعيك، ويفوز به قدحك. وثق بالله أولا وآخرا، وتوكّل عليه باطنا وظاهرا، واستكفه المهمّ يكفك، واستوهبه السداد يهدك، واسترشده الصواب يرشدك، واشكر نعمه يزدك. 1024- كتاب عن المقتدر بتقليد حامد بن العباس الوزارة: أما بعد فإنّ أحمد الأمور ما رجّي صلاحه ومنفعته، وخير التدبير ما رجّي سداده وإصابته، وأولى الأعمال ما وصل إلى الكافّة يمنه وبركته، وأفضل الولاة من كان العدل هجّيراه وسجيّته، واصلح الأعوان من [5] كان اتباع الحقّ سبيله وعادته. وإنّ الله قد جعل أمير المؤمنين، منذ قلّده أمر المسلمين، متحريا للصلاح في ما يأتي ويذر، متوخّيا للصواب في ما بطن وظهر. وأنكر من عليّ بن محمد بن الفرات أمورا رأى معها صرفه والاستبدال به، وإقامة من هو أرضى منه عنده، فصعّد وصوّب في من بحضرته من كتّابه، وبحث وسأل عن أكفى من على بابه، فاجتمعت أقوال خاصّته ونصحائه، وشهادات ثقاته وأوليائه، على أن حامد بن العباس من لا تخالجهم الشكوك في فضل ورعه وديانته، وكمال أدبه وبراعته، ونبل قدره وهمته، وعزّة نفسه وسجيته، وخفّة وطأته على رعيته، وشمول عدله ونصفته، وأنه لم يزل منذ تصرّف في الأعمال، متقدما على أكفائه من الرجال؛ لم يسع منذ اكتهل في أمور الدنيا لمباهاة ولا مكاثرة، ولم يحرص عليها لمساواة ولا مفاخرة [6] ، ولم يردها لزيادة في نشب ولا ثروة، ولم يخترها لانبساط يد بانتقام ولا سطوة؛ لا يمنع الفضل إذا أرشده الحقّ إليه، ولا يؤخّر الحزم إذا   [1] عليك: سقطت من م. [2] ليرشدك: سقطت من س. [3] س: ليرد. [4] م: إيجابه. [5] م: الاعمال ما. [6] س: ولا منافسة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 دلّه الرأي عليه. وانضاف ذلك- وهو قول لم يدخله هوى، ووصف لم يشبه بزلل ولا دعوى- إلى ما يعلمه منه ويحمده له ويرتضيه من سالف نصحه، وقديم خدمته، فأقدمه إلى حضرته، وتلقّاه ببشره وكرامته، وقلّده تدبير وزارته، وسربله سربال ثقته، وفوّض إليه سياسة خاصّته وعامّته، واعتمد عليه في تدبير ملكه ودولته، وردّ إليه الدواوين كلّها، وحمّله أوقها وثقلها، عالما باضطلاعه بها، ساكنا إلى ركونه لها، واثقا بأنه لا يزول عما يحمد، ولا يحول عما يعهد، في جهد [1] نفسه ومرتبته، وبذل وسعه وطاقته، في نصيحة أمير المؤمنين، أدام الله سلطانه، ومن وراء بابه من المسلمين. فأعلمك بما تجدّد لحامد بن العباس عنده من المحلّ والمنزلة، وتوكّد لديه من الموضع والمرتبة، لتعرف حقّه وتطيع أمره، وتجريه على أفضل رسوم أمثاله، وأكمل سنن أشكاله، وان كان عبدا لأمير المؤمنين معدوم الشّبه والمثل، والنظير والعدل، وأن تمتثل كتبه إذا وردت عليك، وترتسم ما يصدره إليك عن أمير المؤمنين اذ كان السفير بينه وبينك، ومن لا معدل لك في كلّ الأمور عنه. فاعلم ذلك واعمل به، إن شاء الله تعالى. وكتب حامد بن العباس. [ نسخة عهد جاثليق ] 1025- نسخة عهد جاثليق من إنشاء أخي رحمه الله: هذا كتاب أمر بانشائه سيدنا ومولانا أمير المؤمنين لعبد يشوع [2] الجاثليق البطرك [3] ؛ أما بعد، فالحمد لله العميم إحسانه، العظيم سلطانه، الواجب حمده، الغالب جنده، الكامل فضله، الشامل عدله، المعروف بغير رؤية تدركه ولا نظر، الخالق من غير رويّة يجيلها ولا فكر [4] ، العالم بالأشياء ما ظهر منها وما بطن، المتعالي عن التكييف ببعد الأوهام وغوص الفطن، الذي ابتدع المخلوقات على غير تمثيل،   [1] م: جهة. [2] م: يوشوع. [3] س: الفطرك. [4] س: تفكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 واخترع [1] المصنوعات بغير [2] قياس اتّبعه ولا دليل، وأقام شواهد البيّنات على وحدانيّته، ومعجزات البراهين على عجائب حكمته، ما أيقنت معه العقول والبصائر، وشهدت له القلوب العارفة والضمائر، أنّه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شارك في ملكه أحدا، ولا ولد فيكون مولودا، ولا ولد فيكون محدودا، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا. والحمد لله الذي اختار محمدا من أشرف العرب منصبا، وأكرمها أمّا وأبا، وبعثه بالبرهان الساطع، والحقّ الصادع، والحجج الواضحة، والخلائق الصالحة، والناس في مجاهل الضلالة حائرون، وعن مناهج الهدى جائرون، على حين فترة من الرسل، واشتباه من السبل، وتفرّق من الملل، واستمرار من الزيغ والزلل، فلم يزل الأمر به مبلّغا، وبجهده في إمحاض النصيحة للأمة مستفرغا، حتى طمس معالم الباطل، ودفع عن وعد الصلاح ليّ الماطل، وأضحى الاسلام مرفوعا رايته، بعيدة غايته، منتشرة في الآفاق دعوته، مؤيّدة بالنصر المبين كلمته، وأنجز الله تعالى له ما وعد في إعلاء دينه على الدين كلّه وإظهاره، وإعزاز أشياعه وأنصاره، ونسخ الملل السالفة بملّته التي ختم بها الأديان، وأنزل عليه الكتاب المبشّر لمّتبعها بما فيه من الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. فصلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاة تزلف محلّه، وتوازي شرفه وفضله، ما طرف طرف النهار بسدفة العشيّ، وصرف صرف المكروه بلطف الله الخفيّ. والحمد لله على أن حاز لأمير المؤمنين من شرف الخلافة ميراث آبائه، وصرف إليه منها ما هو أحقّ بارتداء ردائه، وبوّأه من الامامة العظيمة متبوأ [3] تخرّ الجباه سجّدا لجلاله، وتنسب مفاخر الدين والدنيا إلى جماله؛ وأطلع   [1] م: وضع. [2] م: من غير. [3] م: مبوأ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 بإمامته نجوم العدل فما تغور، وأقام بها أسواق الخيرات فما تكسد بضائع طالبيها ولا تبور، وحمى بحسن رعايته حمى الدين فما يذعر سربه، ولا يكدّر شربه، ولا يفلّ غربه؛ وخصّ الرعية من رأفته بمنحة أرهفت شذاتها، وثقّفت بعد الالتواء قناتها، وجمعت أشتات صلاحها، ويسّرت دواعي فلاحها، فهي محظوظة في كنف عدله، مغتبطة بخروجها من حزن العيش إلى سهله، بنعمته [1] التي شحذت في الطاعة بصائرها، واستخلصت مبادرتها في المتابعة ومصابرتها، وشفعت ظواهرها [2] في العكوف على الدعاء لآبائه، وبسطت آمالها بعد الانقباض وأحصدت مرائرها. وهو يستوزع الله عزّ وجلّ شكر هذه النعمة، ويستجزل بالتحدّث بها خطّة منها وقسمة. وما توفيقه إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب. وان أمير المؤمنين بما وكله الله إليه من أمور عباده، وحمّله أعباءه في أرضه وبلاده، يرعي الأمة من اهتمامه عينا يقظى، ويوليها في عامة متصرفاته [3] حراسة شاملة وحفظا. ويتفقد أحوالها، تفقدا يصلح بالها [4] ، ويصل حبالها [5] ، ويعشب مرادها، ويكثب مرادها [6] ، ويعمّ بذلك عموما يشترك فيه المسلم منها والمعاهد، والداني والمتباعد، وطوائف الملل من أهل الكتاب الذين خفرهم عهد الشرع وذمّته، وكنفتهم حياطته وحمايته، ليفيء [7] عليهم ظلّ الحسنى بأجمعهم، ويقترن مرآهم في النظر لهم بمسمعهم. ولما أنهيت حالك لأمير المؤمنين، وأنك أمثل أهل نحلتك طريقة، وأقربهم   [1] م: ومعموره. [2] واستخلصت ... ظواهرها: سقط من س. [3] س: متصرفاتها. [4] س: احوالها. [5] م: جمالها. [6] م: ويكتب موادها. [7] م: ليبقى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 إلى الصّلاح مذهبا وخليقة، وأحواهم للخلال التي أجمعوا على تمييزك بها عنهم وانفرادك، واستحقاقك للاسعاف من بينهم بمأمولك ومرادك، وكونك [1] حاليا بشروط الجثلقة المتعارفة عندهم بأدواتها، مشهودا لك بنعوتها الكاملة وصفاتها، وحضر جماعة من النصارى الذين يرجع إليهم في استعلام سيرة أمثالك، واستطلاع أنباء مضارعيك وأشكالك، وذكروا أنهم تصفّحوا أحوال ذوي الديانات فيهم، واستثبتوا باديهم منها وخافيهم، بحكم مساس حاجتهم إلى جاثليق ينظر في أمورهم، ويراعي مصالح جمهورهم، فاتفقوا باجتماع من آرائهم، والتئام من قلوبهم وأهوائهم، على اختيارك لرياسة دينهم، ومراعاة شؤونهم، وتدبير وقوفهم، والتسوية في عدل الوساطة بين قويّهم، وضعيفهم، وسألوا إمضاء نصّهم [2] عليك بالاذن الذي به تستقرى قواعده، وتصدق مواعده، وتستحكم مبانيه، وتقوى أواخيه، فأوعز باسعافهم في ما سألوه بالإيجاب، وإلحافهم في ما طلبوه جناح الاطلاب. وبرز الاذن الامامي الأشرف، لا زالت أوامره بالتوفيق معضودة، بترتيبك جاثليقا لنسطور النصارى بمدينة السلام، ومن تضمّه منهم ديار الاسلام، وزعيما لهم ولمن عداهم من الروم واليعاقبة والملكية في جميع البلاد، وكلّ حاضر من هذه الطوائف وباد، وانفرادك عن كافّة أهل نحلتك، بتقمص أهبة الجثلقة المتعارفة في أماكن صلواتكم، ومجامع عباداتكم، غير مشارك في هذا اللباس، ولا مسوّغ في التحلّي به لمطران أو أسقف أو شماس، حطّا لهم عن رتبتك، ووقوفا بهم دون محلّك الذي خصصت به ومنزلتك. وإن ولج أحد من المذكورين باب المجاذبة لك والخلاف، وراع سرب المتابعة لك وأخاف، وأبى النزول على حكمك، وعدل إلى حربك عن سلمك، كانت المقابلة به لاحقة، والعقوبة به على شقائقه حائقة، حتى تعتدل قناته، وتلين بالقرع صفاته، ويزدجر أمثاله عن مثل مقامه،   [1] وانفرادك ... وكونك: سقط من م. [2] م: أيضا نصبهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 وينحرس قانونك مما يقدح في نظامه. وأمر بحملك على مقتضى الأمثلة الامامية في حقّ من تقدّمك من الجثالقة وسبقك، وإجراء أمرك عليه ومن تلاك منهم ولحقك، والحياطة لك ولاهل ملّتك في الأنفس والأموال، والحراسة الكافلة لكم بصلاح الأحوال، واتباع العادة المستمرة في مواراة أمواتكم، وحماية بيعكم ودياراتكم، والعمل في ذلك على الشاكلة التي عمل عليها الخفاء الراشدون مع من قبلكم، ورعى بها الأئمة السابقون رضوان الله عليهم عهدكم وإلّكم. وأن يقتصر في استيفاء الجزية على تناولها من العقلاء الواجدين من رجالكم دون النساء ومن لم يبلغ الحلم من أطفالكم. ويكون استيفاؤها مرة واحدة في كلّ سنة، من غير عدول في قبضها عن قضيّة الشرع المستحسنة. وفسح في الجاثليق أن يتوسّط طوائف النصارى في محاكماتهم، فيأخذ النّصف من القويّ للمستضعف، ويقود إلى الحقّ من مال إلى القسط والجنف، وينظر في وقوفهم نظرا يقوم بحقوق الأمانة وأشراطها، ويمضي على واضح حدودها وسويّ سراطها. فقابل هذا الانعام الذي شملك، وحقّق مناك في ما ناجتك به نفسك وأمّلك، بدعاء ينبي عن الاعتراف ويعرب، ويبدع في الاخلاص ويغرب. وسبيل كافة المطارنة والقسيسين والأساقفة من الطوائف المذكورة أن يحتذوا المأمور به في هذا المثال، ويتلقّوه بالانقياد والامتثال، إن شاء الله تعالى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 نوادر في الوصايا والعهود «1026» - لما حضرت الحطيئة الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا: يا أبا مليكة أوص، قال: ويل للشعر من رواة [1] السّوء. قالوا: أوص يرحمك الله يا حطيء. قال: من الذي يقول: [من الطويل] إذا أنبض الرّامون عنها ترنّمت ... ترنّم ثكلى أوجعتها الجنائز قالوا: الشماخ. قال: أبلغوا غطفان أنّه أشعر العرب. قالوا: ويحك أهذه وصية؟! أوص بما ينفعك. قال: ابلغوا أهل ضابىء انه شاعر حيث يقول: [من الطويل] لكلّ جديد لذّة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ قالوا: اتّق الله ودع عنك هذا. أوص بما ينفعك. قال: أبلغوا اهل امرىء القيس أنه أشعر العرب حيث يقول: [من الطويل] فيا لك من ليل كأنّ نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل قالوا اتق الله ودع عنك هذا. قال: أبلغوا الأنصار أنّ صاحبهم أشعر العرب حيث يقول: [من الكامل] يغشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل   [1] الأغاني: راوية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 قالوا: إن هذا لا يغني عنك من الله شيئا فقل غير ما أنت فيه، فقال: [من الرجز] الشعر صعب وطويل سلّمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلّت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه قالوا: هذا مثل الذي كنت فيه. فقال: [من الرجز] قد كنت أحيانا شديد المعتمد ... وكنت ذا خصم على الناس ألدّ فوردت نفسي وما كادت ترد قالوا: يا ابا مليكة، الك حاجة؟ قال: لا والله، ولكن أجزع للمديح الجيد يمدح به من ليس له أهلا. قالوا: فمن أشعر الناس؟ فأومى بيده إلى فيه وقال: هذا الجحير إذا طمع في خير. واستعبر باكيا فقالوا له: قل لا إله إلا الله، فقال: [من الرجز] قالت وفيها حيدة وذعر ... عوذ بربي منكم وحجر فقيل له: ما تقول في عبيدك وإمائك؟ قال: هم عبيد قنّ ما عاقب الليل النهار. قالوا: فأوص للفقراء بشيء. قال: أوصيهم بالالحاح في المسألة فانها تجارة لا تبور، واست المسؤول أضيق. قالوا: فما تقول في مالك؟ قال: للأنثى من ولدي مثل [1] حظّ الذكرين. قالوا: ليس هكذا قضى الله، قال: لكنّي هكذا قضيت. قالوا: فما توصي لليتامى؟ قال: كلوا أموالهم ونيكوا أمّهاتهم. قالوا: فهل شيء تعهد به غير هذا؟ قال: نعم، تحملوني على أتان، وتتركوني راكبها حتى أموت، فان الكريم لا يموت على فراشه، والأتان مركب لم يمت عليه كريم قطّ. فجعلوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها حتى مات وهو يقول: [من الرجز]   [1] س: مثلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 لا أحد الأم من حطيّه ... هجا بنيه وهجا المريّه من لؤمه مات على فريّه «1027» - خطب الحجاج لما أراد الحجّ فقال: أيّها الناس، إني أريد الحجّ، وقد استخلفت عليكم ابني هذا، وأوصيته بخلاف وصية النبي صلّى الله عليه وسلم في الأنصار، فانه أمر أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم. ألا وإني قد أوصيته أن لا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم. ألا وإنكم ستقولون بعدي: لا أحسن الله له الصحابة [1] ، ألا وإني معجّل لكم الجواب: لا أحسن الله عليكم الخلافة. «1028» - كتب أبو العيناء إلى صديق له تولّى ناحية: أما بعد فأنّي لا أعظك موعظة الله تعالى لأنك غنيّ عنها ولأنّك أعلم منّي بها، ولا أرغّبك في الآخرة لمعرفتي بزهدك فيها، ولكنّي أقول كما قال الشاعر- وهي أبيات لأبي الأسود الدؤلي يقولها لحارثة بن بدر لما ولي رامهرمز: [من الطويل] أحار بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق وكاثر تميما بالغنى إن في الغنى ... لسانا به المرء الهيوبة ينطق واعلم أنّ الخيانة فطنة، والأمانة خرق، والجمع كيس، والمنع صرامة،   [1] م: لا أحسن الله إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 وليست كلّ يوم ولاية. فاذكر ايام العطلة، ولا تحقرنّ صغيرا، فمن الذّود إلى الذود إبل، والولاية رقدة فتنبّه قبل أن تنبّه: [من الرمل المجزوء] وأخو السلطان أعمى ... عن قليل سوف يبصر وما هذه الوصيّة التي أوصى بها يعقوب بنيه، ولكنّي رأيت [الحزم] أخذ العاجل وترك الآجل. 1029- احتضر بعض المجّان فقالت له زوجته: أوص، قال: وتقبلين مني؟ قالت: نعم. قال: إذا أنا متّ فادفني معي زنبيل الدقيق ودبّة البزر حتى تلحقهما ضغطة القبر فانّهما أكلا كبدي في الدنيا. «1030» - بلغ أبا الأغرّ أنّ أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شرّ، فأرسل ابنه الأغرّ وقال: يا بني، كن يدا لأصحابك على من قاتلهم، وإياك والسيف فانه ظلّ الموت، واتّق الرمح فانه رشاء المنية، ولا تقرب السهام فانها رسل لا تؤامر مرسلها. قال: فبماذا أقاتل؟ قال: بما قال الشاعر: [من الطويل] جلاميد أملاء الأكفّ كأنّها ... رؤوس رجال حلّقت في المواسم «1031» - أوصت أعرابية ابنتها عند إهدائها فقالت: اقلعي زجّ رمحه، فان أقرّ فاقلعي سنانه، فان أقرّ فاكسري العظام بسيفه، فان أقرّ فاقطعي اللحم على ترسه، فان أقرّ فضعي الإكاف على ظهره فانه حمار. «1032» - ومما ينسب إلى تميم بن مرّ انه وصّى بنيه فقال: يا بنيّ عليكم ب «لا» فانها ترفع اللحيين، وإياكم و «نعم» فانها ترخي اللحيين، وعليكم بالمسألة فان است المسؤول أضيق، ولا تحقروا اليسير أن تأخذوه فان اليسير إلى اليسير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 كثير، واستعيروا ولا تعيروا، وأظهروا للناس الحاجة لكي لا تسألوا فتمنعوا فتكون أستاهكم هي الضيقة. وإن وعدتم الناس شيئا فاكذبوهم وامطلوهم، فإن الذي يصدق في الوعد وان مطل، وهو مقلّ، يكون حريا بالنجح في الموعد إذا أمكنته المقدرة. وابدأوا الناس بالشرّ يردد عنكم الشرّ، وإياكم والوهن فيجترأ عليكم. ولا تشتطّوا في مهور النساء فان ذلك آكد لأياماكم، جمع الله أمركم. «1033» - أوصى وكيع بن حسّان بن سود فقال: يا بنيّ، إن أبي والله ما ورثني إلا درعا سحقا ورمحا خطلا، وما ورّثني دينارا ولا درهما. وقد جمعت لكم هذا المال الذي ترون من حلّه وحرامه؛ فإياكم إذا أنا متّ أن تأتيكم هذه الباعة من أهل الأسواق فيقولون: لنا على ابيكم دين. يا بني، إن كان الله تعالى يريد أن يغفر لي فوالله ما ديني في ذنوبي إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود، وإن كان لا يريد أن يغفر لي، فو الله ما ديني في تلك الذنوب إلا كحصاة رمي بها في بحر. شدّوا أيديكم على مالكم واحفظوه ولا تقضوا عني شيئا. ثم مات. «1034» - وروي أن أبا النجم العجلي أنشد هشاما: والشمس قد صارت كعين الأحول لما ذهب به الرويّ عن الفكر في عين هشام فأغضبه فأمر به فطرد، فأمّل أبو النجم رجعته، فكان يأوي إلى المسجد. فأرق هشام ذات ليلة فقال لحاجبه: ابغني رجلا عربيا فصيحا يحادثني وينشدني، فطلب له ما طلب فوقف على أبي النجم فأتي به، فلما دخل عليه قال: أين تكون منذ أقصيناك؟ قال: بحيث ألفتني رسلك. قال: فمن كان أبا مثواك؟ قال: رجلين: كلبيا وتغلبيا أتغدى عند الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 أحدهما وأتعشّى عند الآخر. فقال له: ما لك من الولد؟ قال: ابنتان. فقال: أزوّجتهما؟ قال: لا، زوّجت إحداهما. قال: فبم أوصيتها. قال: قلت لها ليلة أهديتها: [من الرجز] سبّي الحماة وابهتي عليها ... وإن نأت فازدلفي إليها ثم اقرعي بالودّ مرفقيها ... وركبتيها واقرعي كعبيها [1] وجددي الحلف به عليها [2] لا تخبري الدهر بذاك ابنيها قال: أفأوصيتها بغير هذا؟ قال: نعم، قلت: [من الرجز] وصيّت من برّة قلبا حرّا ... بالكلب خيرا والحماة شرّا لا تسأمي نهكا لها وضرّا ... والحيّ عمّيهم بشرّ طرّا وإن كسوك ذهبا [3] ودرّا ... حتى يروا حلو الحياة مرّا قال هشام: ما هكذا أوصى يعقوب ولده. قال أبو النجم: ولا أنا كيعقوب، ولا بني كولده. قال: فما حال الأخرى؟ قال قد درجت بين بيوت الحيّ ونفعتنا في الرسالة والحاجة. قال: فما قلت فيها؟ قال: قلت: [من الرجز] كأنّ ظلّامة أخت شيبان ... يتيمة ووالداها حيّان الرأس قمل كلّه وصئبان ... وليس في الرجلين إلا خيطان فهي التي يذعر منها الشيطان قال: فقال هشام: يا غلام [4] ما فعلت الدنانير المختومة التي أمرتك بقبضها؟   [1] هذان الشطران سقطا من م. [2] هذان الشطران سقطا من م. [3] س: درهما. [4] يا غلام: سقطت من م. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 قال: هي عندي، وزنها خمسمائة. قال: فادفعها إلى أبي النجم ليجعلها في رجل ظلّامة مكان الخيطين. وزيد في رواية أخرى: [من الرجز] أوصيك يا بنتي فاني ذاهب ... أوصيك أن يحمدك الأقارب والجار والضيف الكريم الساغب ... لا يرجع المسكين وهو خائب [1] ولا تني أظفارك السّلاهب ... لهنّ في وجه الحماة كاتب والزوج إن الزوج بئس الصاحب «1035» - قال لبطة بن الفرزدق: لما احتضر أبي قال: ابغني كتابا أكتب فيه وصيتي، فأتيته فكتب وصيته: [من الوافر] أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب إلى من ترجعون إذا حثوتم ... بأيديكم عليّ من التراب فقالت مولاة قد كان اوصى لها بوصية: إلى الله عزّ وجلّ. فقال: يا لبطة، امحها من الوصيّة. «1036» - مرض أبو دهمان مرضا أشفى منه [على الموت] وأملى وصيّته على كاتبه، وأوصى فيها بعتق غلام كان واقفا. فلما فرغ غدا الغلام بالرقعة فأتربها، ونظر إليه أبو دهمان فقال: أتربها يا ابن الزانية حتى تكون أنجح للحاجة. لا شفاني الله إن أنجحت. وأمر به فأخرج من وقته وبيع.   [1] هذا الشطر سقط من س. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 «1037» - أوصى بدويّ ابنه فقال: يا بني، كن سبعا خالسا، أو ذئبا خانسا، أو كلبا حارسا، ولا تكن إنسانا ناقصا. [ مقامة الوصية للهمذاني ] «1038» - من كلام أبي الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني المعروف بالبديع في ما أنشأه من المقامات: يا بنيّ، انا وإن وثقت بمتانة عقلك، وطهارة أصلك، فاني شفيق، والشفيق يسيء [1] الظنّ. ولست آمن عليك النفس وسلطانها، والشهوة وشيطانها [2] ، فاستعن عليها نهارك بالصوم، وليلك بترك النوم [3] ، إنه لبوس ظهارته الجوع وبطانته الهجوع، ما لبسها أسد إلا لانت سورته، أفهمتها يا ابن الخبيثة؟ وكما أخشى عليك ذاك فما آمن عليك لصّين [4] : أحدهما القرم والآخر [5] الكرم. فاياك وإياهما. إن الكرم أسرع في المال من السوس، وان القرم أشأم من البسوس. ودعني من قولهم إن الله كريم. إنها خدعة الصبيّ عن اللبن. بلى إن الله لكريم، ولكن كرم الله تعالى يزيدنا ولا ينقصه، وينفعنا ولا يضره، ومن كانت هذه حاله فلتكرم خصاله. فأمّا كرم لا يزيدك حتى ينقصني، ولا يريشك حتى يبريني، فخذلان، ولا أقول عبقريّ، ولكن أقول [6] بقريّ. أفهمتها يا ابن المشومة؟ إنما يخرج للتجارة، لينبط [7] الماء من الحجارة، وبين الأكلة   [1] المقامات: سيء (وكذلك س) . [2] والشهوة وشيطانها: سقط من م. [3] س: وليلك بالنوم. [4] م: اثنين. [5] المقامات: واسم الآخر. [6] أقول: سقطت من المقامات. [7] المقامات: إنما التجارة تنبط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 والأكلة ريح البحر بيد أن لا خطر، والصين، غير أن لا سفر. أفتتركه وهو معرض، ثم تتركه [1] وهو معوز؟ أفهمتها لا أمّ لك!! إنه المال عافاك الله، فلا تنفقنّ إلا من الربح، وعليك بالخبز والملح، ولك في البصل والخلّ رخصة، ما لم تدمنهما ولم تجمع بينهما؛ واللحم لحمك وما أراك تأكله، والحلواء [2] طعام من لا يبالي على أيّ جنبيه وقع [3] ، والوجبات عيش الصالحين. والأكل على الجوع واقية الفوت، وعلى الشّبع داعية الموت. ثم كن مع الناس كلاعب الشطرنج، خذ كلّ ما معهم واحفظ كل ما معك. يا بني قد أسمعت وأبلغت، فان قبلت فالله حسبك، وإن أبيت فالله خصمك [4] . [ عهد لطفيلي ] «1039» - كتب علي بن نصر الكاتب على بعض الطفيليين عهدا يوصي فيه بالنّهم والأكل: هذا كتاب من فلان في صحّة من فهمه، وسقم من جسمه، وضعف من عزمه، وأسف على هضمه، واستكلاب من شهوته، وانتكاس من علّته، عند آخر ساعة من ساعات دنياه، وأول وقت من أوقات أخراه، ومن النصيحة والصدق، والفيئة من الباطل إلى الحقّ- إلى جماعة الأكلة المتصوّفين، وذوي النّهم المتطفّلين، وأولي الطواحين الدائرة، والشّهوات الثائرة، والأشداق الفسيحة، والمبالع الصحيحة: سلام عليكم، فاني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، خالق الأنياب الحداد، والأضراس الشّداد، واللهى الواسعة، والحلاقم   [1] المقامات: تطلبه. [2] المقامات: والحلوى. [3] المقامات: يقع. [4] المقامات: حسيبك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 البالعة، وأسأله الصلاة على رسوله المبعوث بالاسلام، والآمر بافشاء السلام، وصلات الأرحام، وبذل الطعام، صلّى الله عليه وعلى آله وشرّف وكرّم. أما بعد: فاني رأيت أهل هذه الصناعة قد قلّوا، ومحّصوا حتى ذلّوا، فلم يبق لهم ذكر إلا خمل، ولا نجم إلّا أفل، ولا علم إلا فقد، ولا نهم إلا أتخم واستشهد، فصار لا يوجد منهم في البلد العظيم، والإقليم بعد الاقليم، أحد مقيم بحقوقها، ومستقلّ بأعباء علومها، ويعرف ما يعترضها من العلل [1] ، ويخبر ما فيها من المكر والحيل، وكيف التوصّل إلى الولائم المشهودة، والهجوم على الموائد المنصوبة. وإنما قصار الواحد منهم أن يأنس ببعض كرماء دهرنا بواسطة الاتّفاق، وحسبك ضيق المذاق والأخلاق، فيحضر طبقه إما مستأذنا في الوصول، أو متسببا في الحصول [2] . فاذا جلس شمّر عن ساعده تنظّفا، ورفع أذيال ثوبه تظرّفا، وأظهر أن الطعام بأنملته، لا يلتصق بحافّة من حافات شفته، مقتصرا من آلة حرفته وأداة صناعته على تجريد اللحم، وتجويد اللّقم، حتى إذا أكل المختار الطيّب، وتناول المقدار المستقرب [3] ، زعم الانتهاء، وادّعى الشّبع والاكتفاء، وجعل ما يستمدّه من بعد على وجه التملّح والتعجيب، وطريق التنادر والتقريب. وعساه لا يبلغ في الاستزادة والاكثار، أقصى مدى تلك السادة الأبرار. وهذا أيدكم الله الذي أبطل صناعتكم وعفّى آثارها، وأفسد نظامها وأطفأ أنوارها. فصار الناشىء فيها غير عارف بقوانينها، ولا واجد بصيرا بأفانينها، فهو يخبط العشواء [4] منقبضا تارة ومنبسطا، ويخلط ما جاء صوابا مرّة وغلطا، لا يعرف فضل المستكره على المختار، ولا ميزة [5] الهاجم على   [1] م: العالم. [2] م: الى المحصول. [3] م: المتقرب. [4] م: عشواء. [5] س: مزية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 المستزار، ولا يعلم أنّ المغافصة والمغالبة، والمجاحشة والمواثبة، مذاهب الأشياخ القدماء، وعادات أهل الصنعة الألبّاء، إلى غير ذلك من شرائط هذا العمل الجليل، وسنن كلّ وقاح أكيل. ونحن ننطق في كتابنا هذا إليكم بلسان الشّره المليم، ونستمدّ لكم التوفيق من شيطان المعدة الرجيم. فأول ما أفهمكم إياه، وأنفعكم معناه، معاشر الإخوان، ورفقاء المائدة والخوان، أن تعلموا أن من صفق وجهه رقّ عيشه، ومن سعت قدمه طاب مطعمه، ومن أساء أدبه بلغ أربه، ومن قلّ حياؤه ساعدته أهواؤه. وهذه وصيّة نبذت إليكم حكمها، وفرضت عليكم تعلّمها. وأن تديموا دخول الحمّام، في صبيحة كلّ يوم من الأيام، فتمرّخوا المعدة، وتطلبوا التقلّب والتمدّد، ففي ذلك راحة من كد السّهر، وحدر لبقايا الطعام المعتكر. وتعقّبوه بتناول الجوارشنات، والسفوفات الفاتقة للشهوات، ثم تطرحوا أفكاركم يمنة ويسرة، وعيونكم خفية وجهرة، فتوكدوا الوصاة [1] عليهم، وتوثّقوا في العهود إليهم: لا تتركوا بابا لمنقية ولا دربا لمنقين، ولا سفينة [2] ولا موضعا موسوما [3] بكراء الحمير، ولا صقعا معروفا بالخانات والمواخير، إلا اخترقتموه مساء وصباحا، وطرحتموه غدوة ورواحا. وتتبعوا ولائم الإعذار [4] ، ودور الورّاث والقمار، وحمالي الفرض، وشواني الربض، وحلق الممخرقين، ومقامات المثاقفين، ومظانّ مناطح الكباش، ومواطن التنازق والهراش، وتسترشدوا قوّام المشاهد، وصالحي المساجد، وعجائز العكاكيز، وروائح الدهاليز. ولا يجوز أن يخفى عليكم حينئذ خافية، ولا تستر دونكم عورة دانية ولا قاصية، فاذا عادوا بالنبأ الواضح، وفازوا بالخبر الصالح،   [1] م: الوصايا. [2] ولا سفينة: سقط من س. [3] موسوما: سقط من م. [4] م: الأعراس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 استخرتم الله عزّ وجلّ مفكّرين في بعد الطريق أو قربها، فانها إن دنت أدنت البغية، وإن نأت هيّجت الشهوة، وأن لا تخفّفوا الأكل مما حضر، طمعا في ما يأتي وينتظر، وإن كنتم له محققّين، ومن وروده على يقين، فللطعام اغتنامات، وللتأخير آفات، وربما أفسد الطبّاخ ما تراعون، وطرقت صاحب المنزل نائبة في عرض ما تأكلون، وأخطأتم في الحساب، وحصلتم على تجويع الارتقاب. وهذا سفه في العقل، وركوب غرر في فوت الأكل. وأن تتخيّروا من المواضع أفسحها، ومن المجالس أفيحها، لتكون معدكم مطمئنة هادية، وأيديكم ذاهبة جائية، فلا يتعذّر عليكم، تناول ما قرب من الأطعمة إليكم. وإن كان لأحدكم قريب، وولد أو نسيب، قرب منه أو بعد، فلا يتنغّص له، ويتمنّى أن يشاركه في ما أكله، فان ذلك مشغلة عن الاستكثار، ومقطعة عن الاحتكار، ودلالة على وهي العزم وضعفه، وإظهار لقلة [1] الرأي وسخفه، بل يستجدّ لذكراه أكلة مفردة، ويستأنف من جرّاه شهوة مجددة، فإنّ ذلك أدخل في باب التطفيل، وأولى بذوي الرأي الأصيل. وان تجعلوا السكباج مفتاح الفم، وتعظموها تعظيم الأب والأمّ، فإنها القدر المحبوبة، والشهوة المطلوبة، والعلق الصّبور، واللون الذي لا يبور. وأن تبالغوا في الإمعان، عند حضور الفرصة والإمكان، في أفخاذ الفراريج ولصيقها، وصدور الدراريج بعد تعليقها، فانها المنظر الأنيق لذي عين، واللذة القصوى لصاحب ماضغين. وأن تعتمدوا أكل الهرائس، عاريات من الملابس، خاليات من الجزمازج والجرادق، منقولات بالأصابع والملاعق، فإن فيها معنى الخبز [2] ، من لباب البرّ والأرزّ، ولا فائدة في هذا التكرار، العائد بالتملّي والاستضرار [3] .   [1] س: لأفولة. [2] م: الحزم. [3] م: والاستقرار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 واستوصوا بالصاعديّات خيرا، وبغلائلها المصبوغة حمرا، فأكبّوا على فرّوجها وعصفورها، واستكثروا من كبابها ومضفورها [1] ، وواظبوا على قرنائها وأخواتها، وبنات عمها وعمّاتها، من الاسفيذباجات والنرجسيات والمحرّقات. فكلوا أكل الأيامى فقدوا [2] الصاحب، واليتامى عدموا الكاسب [3] ، وواصلوا المضاير إذا بدت إلية الحمل، واستدارت هامة البصل، فانها طعام السّلف الماضين، وأهل السنّة المتزهدين، وبها باع الناس قديما صلاتهم وصيامهم، ولها فارقوا خليفتهم وإمامهم، ومن أجلها دفعوا عن المحال وذبّوا، وأجابوا داعي الضلال ولبّوا. وكونوا لذوات المرق إخوانا، فإن لها أنواعا من الطعوم وألوانا، وفضلا على غيرها ورجحانا، فثردها قوام الظّرف وكماله، وسنام العرف وجماله، وهي عزاء الصدور، ودواء المخمور. ولا تهملوا الحرص على لحمها المجزّع، من البشمازج والأضلع. ولفّوا لقلاياها لفّا، واستفّوا لحمها سفّا، استراحة من ناشفها إلى ممرّقها، ومراوحة من محمّصها إلى محرّقها، فانها قراضة الإبريز، وطراز المأكل الوجيز. ولا تحقروا الانتفاع بالأصباغ فنعم ظهير الأكل ومعينه، ونصيح المستكثر وأمينه. وبادروا الحلواء ساعة طلوعها في جاماتها، كالبدور في هالاتها، غير محفلين بما يقطر من أدهانها على العنافق، ويجري من مرقها على المرافق. فكلّ ذلك هيّن في جنب الظّفر بمنية النفس، وبلوغ شهوة الضّرس، ولا تستكثروا من الأنبذة فانها تضعف الشّهوة، ولذلك سمّيت الخمرة قهوة، ومن أصغر تأثيرها التملّي المانع، والخمار القاطع. وعليكم منها بما يعين المعدة على غذائها، ويكون سببا لسرعة نقائها. ولا تصغوا إلى عاذل مقبّح، ولائم متنصّح، فما ذاك إلا حسد على ما أنالكم الله من فضله: القدرة على كشف   [1] م: ومقصورها. [2] م: عدموا. [3] س: المكاسب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 أغراضكم، ولا تستقلّوا في نيل إرادتكم بكل كلح الحجاب، أو ردّة البواب، ولا تستبعدوا فتح الباب وإن أبهمت أعلاقه، وتسلّق بنيان وإن أحكم وثاقه، فطال ما خاصمت وخوصمت، وزاحمت وزوحمت، وصادمت وصودمت، ولا كمت ولو كمت، فما ترى بي أثرا، إلا أنبأتك عنه خبرا، حتى صلع رأسي فما ينبت شعرة، وعمشت عيني فما تدرك نظرة، وكسر فكّي فما آكل إلا استراطا، واسترخى جانبي فما أتمالك ضراطا، وكل هذا قد يستسهل، في بلوغ لذة المأكل. وبه أوصيكم جماعة الأودّاء [1] والاخوان، وبحفظ ما رويته لكم عن المشاهدة والعيان، والله خليفتي على فكوككم القوية، ومعدكم النارية. وكتب يوم عيد النحر ساعة توزيع لحم الأضحيات، ووقت إدراك الهرائس والوديات، وهو حسبي ونعم الوكيل. «1040» - مساور الوراق يقول لابنه يوصيه: [من الكامل] شمّر قميصك واستعد لقائل ... واحكك جبينك للشهود بثوم واجعل صحابك كلّ حبر ناسك ... حسن التعهّد للصلاة صؤوم وعليك بالغنويّ فاجلس عنده ... حتى تصيب وديعة ليتيم «1041» - إسحاق الخاركي: [من الطويل]   [1] م: الأولاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 ولا تبق في وقت السّلامة ساعة ... تفوتك لم تسعد بها وتمتّع فانّك لاق كلّما شئت ليلة ... ويوما يغصّان العيون بأدمع تم باب الوصايا والعهود بحمد الله وعونه وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 الباب السّادس عشر في الفخر والمفاخرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله الماجد القّهار، العزيز الجبار، الذي يفتخر بطاعته ذوو الفخار، ويشرف بعبوديته أولو الأخطار. تعنو له الملوك صاغرة، إذا اختالت عند غيره فاخرة، وتذلّ لعزّته مسكينة محتقرة، إذا عدّت على من سواه باذخة مستكبرة. أحمده معترفا بأياديه شاكرا، وأعبده خاضعا لعظمته صاغرا، وأسأله الصلاة على رسوله المصطفى المختار، مقتدى العالم، وسيد ولد آدم، خلع مع ذلك رداء الكبر، وقال حيث أنبأ عن محلّه «ولا فخر» صلّى الله عليه وعلى آله وعترته المؤمنين، وعلى من تلاهم بمصاحبته ومتابعته إلى يوم الدين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 (الباب السادس عشر في الفخر والمفاخرة) [ آيات وأحاديث ] «1042» - إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم منتهى الفخار، يدلنا على ذلك قوله تعالى (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) (الأنبياء: 34) فبين أنّه الغاية ولم يخلد، فكيف يخلد غيره. ومن شواهد المفاخرة قوله تعالى: (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً. لا يَسْتَوُونَ) (السجدة: 18) نزلت في عليّ بن ابي طالب عليه السلام وعقبة بن أبي معيط وكانا تفاخرا. وقوله تعالى: (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (فصلت: 40) في أبي جهل وعمار بن ياسر. والنسب إليه أشرف الأنساب، كما قال أبو الحسن الرضيّ: [من الخفيف] وإذا الناس أدركوا غاية الفخ ... ر شآهم من قال جدّي الرسول «1043» - وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلم: أنا سيّد ولد آدم ولا فخر. 1044- وقد نفى الله عزّ وجلّ الفخر بالأنساب بقوله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ) (الحجرات: 13) فالفخر في دار الاسلام بالتقوى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 «1045» - وقال صلّى الله عليه وسلم: الناس لآدم وحواء كطفّ الصاع لن تملؤه. إن الله لا يسأل عن أحسابكم ولا يسأل إلا عن [1] أعمالكم. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. «1046» - وقال صلّى الله عليه وسلم: إن نبيكم واحد، وإن أباكم واحد، وإنه لا فضل للأسود على الأحمر ولا عربي [2] على عجمي إلا بالتقوى. هل بلغت. «1047» - وروى أبو هريرة عنه صلّى الله عليه وسلم قال: ان الله قد أذهب عنكم عبّية الجاهلية وفخرها بالآباء. الناس بنو آدم، وآدم من تراب، مؤمن تقي، وفاجر شقي. ولينتهين أقوام يفخرون برجالهم، إنما هم فحم من فحم جهنم. أو ليكونن أهون [3] على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها. وقد قال الله عزّ وجلّ: (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (هود: 46) . 1048- وقال صلّى الله عليه وسلم: إيتوني بأعمالكم ولا تأتوني بأنسابكم. [ أخبار في الباب ] 1049- وقال عمر رضي الله عنه: الكرم التقوى، والحسب المال. لست بخير من فارسي [4] ولا نبطي إلا بالتقوى [5] . «1050» - ورأى رجلا يخطر بيده ويقول: أنا ابن بطحاء مكة، كديّها   [1] س: ولكن يسأل عن. [2] س: لأسود على أحمر ولا لعربي. [3] س: أهونهم. [4] فارسي ولا: سقطت من م. [5] س: لست بأخير ... إلا بتقوى. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 وكدائها، فقال له: إن يكن لك دين فلك كرم، وان يكن لك عقل فلك مروّة، وإن يكن لك مال فلك شرف، وإلا فأنت والحمار سواء. 1051- وقال علي بن الحسين: لا يفخر أحد على أحد فانكم عبيد والمولى واحد. «1052» - وقال العتابي: العجب ضربان: مفترض ومطّرح، فأما المفترض فان يعظّم الرجل [1] نعم الله عليه، ويفرح باحسانه اليه؛ وأما المطرح فعجب الاستطالة الذي نهى الله تعالى عنه. الا ترى إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، فجهر بعجب الشكر، وأسقط استطالة الكبر. وقد قيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يحسن أن يقال وإن كان حقا؟ فقال مدح الرجل نفسه والفخر. «1053» - وإن نهت عنه الأخبار النبوية وهجّنه العقل، فان العرب كانت تفتخر بما فيها من البيان طبعا لا تكلفا، وجبلّة لا تعلما، وتعتد ذلك مقارعة عن الأحساب، ومنازعة على شرف الأنساب، وتراه إرهابا للعدو في المنازلة واللقاء، ونشرا للفضيلة عند الأقران والاكفاء. ولم يكن لهم من ينطق بفضلهم إلا هم، ولا ينبه على مناقبهم سواهم. وقد كان أعرابي ليم بمدح [2] نفسه فقال: فإلى من أكلها إذن؟ وكان كعب بن زهير إذا أنشد شعرا قال لنفسه: أحسنت والله وجاوزت الاحسان، فيقال له: أتحلف على شعرك؟ فيقول: لأني أبصر به منكم. وكان الكميت إذا قال قصيدة صنع لها خطبة في الثناء عليها، وكان يقول عند   [1] الرجل: سقطت من م. [2] س: وقد ليم أعرابي بمدح. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 إنشادها: لله درّي أيّ علم بين جنبيّ، وأيّ لسان بين فكي؟ وقال الجاحظ: لو لم يصف الطبيب مصالح دوائه للمتعالجين لما كان له طالب، ولا فيه راغب. ولما أبدع ابن المقفع في رسالته سماها «اليتيمة» تنزيها لها عن المثل؛ ولو لم ينحلها هذا الاسم لكانت كسائر رسائله، فسكنت من النفوس موضع إرادته من تعظيمها. وسأذكر في هذا الباب ما نطق به البلغاء نظما ونثرا في مفاخرهم، وما ورد فيها من أخبارهم، ومن الله تعالى أستمد العصمة، وإياه أشكر على ما أولى من النعمة. [ أشعار في الفخر ] «1054» - قال أبو بكر الهذلي: سرت مع المنصور وسايرته يوما فعرض لنا رجل على ناقة حمراء، تذهب في الأرض، وعليه جبّة خزّ وعمامة عدنية، وفي يده سوط يكاد يمسّ به الأرض، سويّ الهيئة، فلما رآه أمرني بدعوته، فسألته عن نسبه وبلاده، وعن باديته وقومه، وعن ولاة الصدقة، فأحسن الجواب، فأعجبه ما رأى منه، فقال: أنشدني، فأنشده شعرا لأوس بن حجر وغيره من الشعراء من بني عمرو بن تميم، وحدّثه حتى أتى على شعر لطريف بن تميم [1] العنبري وهو قوله: [من البسيط] إن قناتي لنبع لا يؤبّسها [2] ... غمز الثقاف ولا دهن ولا نار متى أجر خائفا تأمن مسارحه ... وإن أخف آمنا تقلق به الدار إنّ الامور إذا أوردتها صدرت ... إن الأمور لها ورد وإصدار   [1] وحدثه ... تميم: سقط من م. [2] يؤبسها: يكسرها أو يذلها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 قال: ويحك، وما كان طريف فيكم حيث قال هذا الشعر؟ قال: كان أثقل العرب على عدوّه وطأة إذا نهد إليهم بثار، وأيمنهم نقيية، وأعساهم قناة على من رام هضمه، وأقراهم لضيفه، وأحوطهم من وراء جاره. اجتمعت العرب بعكاظ وكلهم أقرّ له بهذه الخلال، غير أن من اراد أن ينقص [1] به قال: والله ما أنت ببعيد النجعة ولا قاصد الرمية، فدعاه ذلك إلى أن جعل على نفسه ألا يأكل إلا لحم قنص يقتنصه، ولا ينزع كلّ عام عن غزوة يبعد فيها أثره. قال: يا أخا بني تميم، لقد أحسنت إذ وصفت صاحبك، ولكني أحق ببيته منه، أنا ذاك الذي وصفت لا هو. «1055» - تكلم الوفود عند عبد الملك حتى بلغ الكلام إلى خطيب الأزد، فقام فقبض على قائم سيفه ثم قال: قد علمت العرب أنّا حيّ فعال ولسنا حيّ مقال، وأنّا نأبى الحيف، ونعمل السيف، فمن مال قوّم السيف أوده، ومن نطق قمع الحقّ لدده؛ ثم جلس، فحفظت خطبته دون كلّ خطبة. وفي رواية: وأنا نجزي بفعلنا عند أحسن قولهم. إن السيوف [2] لتعرف الفنا، وان الموت ليستعذب أرواحنا، وقد علمت الحرب الزّبون أنّا نقدع جماحها ونحلب صراها. «1056» - قال الأسعر ابن أبي حمران الجعفي، وإنما لقب الأسعر لقوله: [من الطويل] فلا يدعني قومي لسعد بن مالك ... لئن أنا لم أسعر عليهم وأثقب   [1] م: يقصر. [2] م: الشرف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 واسمه مرثد بن الحارث: [من الطويل] وكنت إذا خيل لخيل تعرّضت ... أكون لدى الهيجاء أول طاعن وإني لوصّال لمن شئت وصله ... وإني لقطّاع حبال القرائن «1057» - وقال الحادرة: [من الكامل] أسميّ ويحك هل سمعت بغدرة ... رفع اللواء لنا بها في مجمع إنّا نعفّ فلا نريب حليفنا ... ونكفّ شحّ نفوسنا في المطمع ونقي بأيمن [1] مالنا أحسابنا ... ونجرّ في الهيجا الرماح وندّعي ونخوض غمرة كلّ يوم كريهة ... تردي النفوس وغنمها للأشجع ونقيم في دار الحفاظ بيوتنا ... زمنا ويظعن غيرنا للأمرع أسميّ ما يدريك أن رب فتية ... باكرت لذّتهم بادكن مترع بكروا عليّ بسحرة فصبحتهم ... من عاتق كدم الغزال مشعشع ومعرّض تغلي المراجل تحته ... عجّلت طبخته لقوم جوّع ولديّ أشعث باسط ليمينه ... قسما لقد أنضجت لم يتورّع ومسهّدين من الكلال بعثتهم ... بعد الكلال إلى سواهم ظلّع أودى السّفار برمّها فتخالها ... هيما مقطّعة حبال الأذرع الهيام: داء يأخذ بالابل شبيه بالحمّى من شهوة الماء فتشرب فلا تروى، فاذا أصابها ذلك فصد لها عرق فيبرد ما بها.   [1] المفضليات: بآمن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 تخد الفيافي بالمحال [1] وكلّها ... يعدو بمنخرق القميص سميدع ومناخ غير تأيّة عرّسته ... قمن من الحدثان نابي المضجع التأية: التمكث، يريد أنه مخوف. عرّسته ووساد رأسي ساعد ... خاظي البضيع عروقه لم تدسع تدسع: تمتلىء. وخاظي: مكتنز، خظا أي كثر. فرفعت عنه وهو أحمر قانىء [2] ... قد بان مني غير أن لم يقطع «1058» - وقال الشنفرى: [من الطويل] وإنّي لحلو إن أريدت حلاوتي ... ومرّ إذا نفس العزوف أمرّت أبيّ لما آبى سريع مفيئتي [3] ... إلى كلّ نفس تنتحي في مسرّتي إذا ما أتتني ميتتي لم أبالها ... ولم تذر خالاتي الدموع وعمتي «1059» - وقال عبد يغوث بن وقّاص الحارثي: [من الطويل] وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معدوّا عليه [4] وعاديا وقد كنت نحّار الجزور ومعمل ال ... مطيّ وأمضي حيث لا حيّ ماضيا وأنحر للشّرب الكرام مطيّتي ... وأصدع بين القينتين ردائيا وعادية سوم الجراد وزعتها ... بكفّي وقد أنحوا إليّ العواليا   [1] المفضليات: بالرجال. [2] المفضليات: فاتر. [3] المفضليات: مباءتي. [4] المفضليات: عليّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كرّي نفّسي عن رجاليا ولم أسبأ الزقّ الرويّ ولم أقل ... لأيسار صدق أعظموا ضوء ناريا «1060» - وقال ذو الاصبع العدواني: [من البسيط] إني لعمرك ما بابي بذي غلق ... على الصديق ولا خيري بممنون ولا لساني على الأدنى بمنطلق ... بالمنكرات [1] ولا فتكي بمأمون لا يخرج القسر مني غير مغضبة ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني «1061» - وقال أبو الطمحان القيني: [من الطويل] إني من القوم الذين هم هم ... إذا مات فيهم سيد قام صاحبه نجوم سماء كلّما غاب كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه وما زال منهم حيث كان مسوّد ... تسير المنايا حيث سارت ركائبه «1062» - وقال قيس بن رفاعة الأنصاري: [من البسيط] من يصل ناري بلا ذنب ولا ترة ... يصل بنار كريم غير غدار   [1] المفضليات: بالفاحشات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 أنا النذير لكم منّي مجاهرة ... كي لا ألام على نهي وإنذار فإن عصيتم مقالي اليوم فاعترفوا ... أن سوف تلقون خزيا ظاهر العار لتتركنّ أحاديثا وملعبة [1] ... لهو الحديث [2] ولهو المدلج الساري من كان في نفسه حوجاء يطلبها ... عندي فإني له رهن باصحار أقيم عوجته إن كان ذا عوج ... كما يقوّم قدح النبعة الباري وصاحب الوتر ليس الدهر يدركه ... عندي وإني لطلّاب بأوتار [ عود إلى الأخبار ] «1063» - لما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب ونال من عليّ عليه السلام، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّ الله تعالى لم يبعث نبيا إلا جعل له عدّوا من المجرمين، فأنا ابن عليّ وأنت ابن صخر، وأمّك هند وأمّي فاطمة، وجدّتك قتيلة، وجدّتي خديجة، فلعن الله ألأمنا حسبا، وأخملنا ذكرا، وأعظمنا كفرا، وأشدّنا نفاقا. فصاح أهل المسجد: آمين آمين. فقطع معاوية خطبته ودخل منزله. 106» - روي أن معاوية خرج حاجّا فمرّ بالمدينة فقسم في أهلها أموالا، ولم يحضر الحسن بن عليّ عليه السلام. فلما خرج من المدينة اعترضه الحسن فقال معاوية: مرحبا برجل تركنا حتى إذا نفد ما عندنا تعرّض لنا ليحلنا، فقال الحسن: ولم ينفد ما عندك وخراج الدنيا يجبى إليك؟ فقال معاوية: فاني قد أمرت لك بمثل ما قد أمرت به لأهل المدينة، وأنا ابن هند، فقال له الحسن: فاني قد رددته عليك وأنا ابن فاطمة (عليهما السلام) .   [1] القالي: لترجعن ... ملعنة. [2] القالي: المقيم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 1065- نازع بشر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب زيد بن عليّ بن الحسين، ففخر عليه زيد، فقال بشر: لا تفخر عليّ، فو الله ما رأيت أنّ لي فضلا على أحد إلا بفضلك علي. 1066- تفاخر جرير والفرزدق عند سليمان بن عبد الملك، فقال الفرزدق: أنا ابن محيي الموتى، فأنكر سليمان قوله، فقال: قال الله تعالى (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة: 32) وجدّي فدى المؤودات فأحياهنّ. فقال سليمان: إنك مع شعرك لفقيه. وكان صعصعة بن ناجية جدّ الفرزدق أوّل من أحيا المؤودات، وخبره في أخبار العرب يورد. «1067» - افتخر على شاهفريد [1] أمّ يزيد بن الوليد نساء الوليد العربيات فقالت: ليس منكن امرأة إلا وفي عشيرتها من يفخر عليها ولا يقر لها بالشرف والفضل، وليس في الدنيا أعجمية تفخر عليّ. وكانت من أولاد يزدجرد، ولذلك يقول يزيد بن الوليد: [من الرجز] انا ابن كسرى وأبي لمروان ... وقيصر جدّي وجدّي خاقان «1068» - قال أبو ذرّة الهذلي: [من الرجز] نحن بنو مدركة بن خندف ... من يطعنوا في عينه لا يطرف ومن يكونوا عزّه يغطرف ... كأنهم لجة ليل مسدف   [1] س: شاه زنان، الطبري: شاه آفريد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 [ عود إلى الأشعار ] «1069» - وقال أوس بن حجر: [من الطويل] ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم أناة وأحلاما وكان لقاؤنا ... رهينا بيوم كاسف الشّمس مظلم أرى حرب أقوام تدقّ وحربنا ... تجلّ فنعروري بها كلّ معظم ترى الأرض منا بالفضاء مريضة ... معضلة منّا بجمع عرمرم وإن مقرم منّا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم لنا مرجم ننفي به عن بلادنا ... وكلّ تميم يرجمون بمرجم رأتني تميم مصحرا [1] فتناذرت ... مبادهتي أمشي براية معلم فينهى ذوي الأحلام عنا حلومهم ... وأرفع صوتي للنعام المخزّم [2] متى تبغ عزّي في تميم ومنصبي ... تجد لي خالا غير مخز ولا عم تجدني من أشرافهم وخيارهم ... حفيظا على عوراتهم غير مجرم «1070» - وقال تميم بن أبيّ بن مقبل: [من الطويل] مصاليت فكّاكون للسبي بعدما ... يعضّ على أيدي السبيّ سلاسله وكم من مقام قد شهدت بخطّة ... نشجّ ونأسو أو كريم نفاضله وكم من كميّ قد شككنا قميصه ... بأزرق عسّال إذا هزّ عامله وإنا لنحدو الأمر حين [3] حدائه ... إذا عيّ بالأمر الفظيع قوابله نعين على معروفه ونمرّه ... على شزر حتى تجال جوائله   [1] الديوان: معدّ معلما. [2] الديوان: المصلم. [3] الديوان: عند. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 ألم تر أن الماء يخلف نسله ... ويأتي عليه حقّ دهر وباطله «1071» - وقال الأخطل: [من الطويل] وإنا لحيّ الصدق لا غرة بنا ... ولا مثل من يفري البكيء المصرّما نسير فنحتلّ المخوف فروعه ... ونجمع للحرب الخميس العرمرما وإني لحلّال بي الحقّ أتقي ... إذا نزل الأضياف أن أتجهما إذا لم تذد ألبانها عن لحومها ... حلبنا لهم منها بأسيافنا دما «1072» - وقال أيضا: [من الطويل] لعمري لئن كانت كليب [1] تتابعت ... على أمر غاويها وضلّت حلومها لقد عجموا مني قناة صليبة ... إذا ضجّ خوّار القناة سؤومها واني لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها «1073» - وقال جرير: [من الطويل] وإني لعفّ الفقر مشترك الغنى ... سريع إذا لم أرض داري انتقاليا جريء الجنان لا أهال من الردى ... إذا ما جعلت السيف قبض [2] بنانيا وليست لسيفي في العظام بقيّة ... وللسّيف أشوى وقعة من لسانيا «1074» - وقال الأقرع بن معاذ القشيري: [من البسيط]   [1] الديوان: سليم. [2] الديوان: من عن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 فإن هلكت وريب الدهر متلفة ... فلم أكن في الذي أبليتكم ورعا [1] وإن حييت [2] فجلد ذو مواضحة [3] ... أسقي العدوّ نقيع السمّ والسّلعا أصل المواضحة تباري المستبقين ثم كثر حتى استعمل في كلّ اثنين تباريا. ما سدّ مطّلع ضاقت ثنيّته ... إلّا وجدت وراء الضيق مطّلعا ولا رميت على خصم بقارعة ... إلّا رميت بخصم فرّ لي جذعا [4] كم من عدوّ أخي ضغن يجاملني ... يخفي عداوته إذ لا يرى طمعا حملت منه على عوراء طائشة ... لم أسر عنها ولم اكثر لها جزعا [5] وكم تودّعت من أمر [6] تعرّض بي ... رفّهت عنه ولو أتبعته ظلعا 1075- وقال الأقرع أيضا: [من الطويل] يسود كهول الآخرين غلامنا ... وإن كان فينا مستقيدا مقدّعا مستقيدا أي منقادا، والقدع: الكف عن الشيء، وأمة [7] قدعة: قليلة الكلام حيية، والقدع: الخنا والفحش، وفي الحديث: من قال في الاسلام شعرا مقدعا فلسانه هدر، والكلمة تحتمل أن تكون ها هنا من هذين الأصلين. ونجعل أحكام العشيرة بعد ما ... تهمّ قوى أسبابها أن تقطّعا أحكام: جمع حكم، مثل جبل وأجبال، وتروى: حكام.   [1] الورع: الجبان. [2] مجالس: بقيت. [3] مجالس: مواطحة (واصله: مواضحة) . [4] فرّ جذعا: رجع عوده على بدئه. [5] سقط هذا البيت من س. [6] المجالس: وكم تورعت عن مولى. [7] س: وامرأة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 ويتبع أطراف الأمور خطيبنا ... إذا قال حتى يبلغ القول أجمعا يعني غاياتها ونهاياتها، يعني يبلغ أقصى القول. إذا قال منّا قائل أنصتت له ... جماعتنا حتى يقول ونسمعا وما ضمّ قوم أمرهم في أكفّنا ... فنترك فيه بعد للناس مصنعا وسعنا بمال أو حكمنا حكومة ... يراها ذوو الألباب والله مقنعا ونصرف ما في الأمر والأمر مقبل ... فتطلعنا منه المحالة مطلعا وإنا لننطي النّصف من لو نضيمه ... بثورتنا لم يدفع الضيم مدفعا ونعرض عن أشياء نعلم أنّها ... لنا لو أردنا خشية أن تخشعا ونجعل للجار القليل سوامه ... سواما ونحمي سربه أن يفزّعا إذا كان منا واحد في قبيلة ... أراد أمام القوم أن يتسرعا وتحمي حمانا مقربات كأنها ... سعالي ترى منها صحاحا وظلّعا إذا ركضت بالغائط السهل غادرت ... به رهجا يذري الحليّ المنزعا عوابس يعلكن الشكيم كأنما ... يسقّين عقميا [1] من السمّ منقعا 1076- وقال أيضا: [من الطويل] خلقت من الأشراف من آل عامر ... كموقع أمّ الرأس فيه المسامع فما طمع الأعداء مني بعثرة ... ولا دنّستني عند ذاك المطامع وإني على جودي أعين سماحتي ... بمنع إذا ما قيل هل أنت مانع 1077- وقال بعض القرشيين: [من الوافر] لقد علمت قريش أنّ بيتي ... بحيث يكون فصل من نظام   [1] السم العقمي: الشديد أو المنسوب إلى حية اسمها عقام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 وأنّا نحن أول من بنينا [1] ... بمكّتنا البيوت مع الحمام «1078» - وقال النابغة الذبياني: [من البسيط] هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي ... إذا الدخان تغشى الأشمط البرما وهبّت الريح من تلقاء ذي أرل ... تزجي مع الليل من صرّادها صرما ينبيك ذو علمهم [2] عني وجاهلهم ... وليس جاهل شيء مثل من علما إنى أتمّم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما وأقطع الخرق بالخرقاء قد جعلت ... من الكلال تشكّى الأين والسأما وغادة ذات أطفال ململمة ... شعواء تعتسف الصحراء والأكما خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت الكماة وخيل تعلك اللجما أقدمتها ونواصي الخيل شاحبة ... تحتي مسوّمة أرمي بها قدما «1079» - وقالت الخرنق بنت هفان القيسية، من بني قيس بن ثعلبة: [من الكامل المرفّل] لا يبعدن قومي الذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر النازلين بكلّ معترك ... والطيبين معاقد الأزر «1080» - وقال ربيعة بن مقروم الضبي: [من الكامل]   [1] س: تبنّى. [2] الديوان: ذو عرضهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 هل نكرم الأضياف إن نزلوا بنا ... ونسود بالمعروف غير تنحّل ونعين غارمنا ونمنع جارنا ... ونزين مولى ذكرنا في المحفل ونحلّ بالثغر المخوف عدوّه ... ونردّ حال العارض المتهلّل وإذا امرؤ منّا جنى فكأنّه ... مما يخاف على مناكب يذبل ومتى يقم عند اجتماع عشيرة ... خطباؤنا بين العشيرة تفصل ودخلت أبنية الملوك عليهم ... ولشرّ قول المرء ما لم يفعل «1081» - وقال زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب: [من الطويل] وكنت إذا ما باب ملك قرعته ... قرعت بآباء ذوي حسب ضخم هم ملكوا أملاك آل محرّق ... وزادوا أبا قابوس رغما على رغم وكنّا إذا قوم رمينا صفاتهم ... تركنا صدوعا في الصفاة التي نرمي ونرعى حمى الأعداء غير محرّم ... علينا ولا يرعى حمانا الذي نحمي «1082» - وقال الراجز: [من الرجز] إن تميما أعطيت تماما ... وأعطيت مآثرا عظاما وعددا وحسبا قمقاما ... وباذخا من عزّها قدامى في الدهر أعيا الناس أن يراما ... إذا رأيت منهم الأجساما والدلّ والشيمة والكلاما ... وأذرعا وقصرا وهاما عرفت أن لم يخلقوا طغاما ... ولم يكن أبو هم مسقاما لم تر في من يأكل الطّعاما ... أقلّ منهم سقطا وذاما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 «1083» - وقال عنترة: [من الكامل] إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري بالمنصل وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحقت ... ألفيت خيرا من معمّ مخول والخيل تعلم والفوارس أنني ... فرّقت جمعهم بطعنة فيصل ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتى أنال به كريم المأكل بكرت تخوّفني الحتوف كأنني ... أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل فأجبتها إن المنية منهل ... لا بدّ أن أسقى بذاك المنهل فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي ... أني امرؤ سأموت إن لم أقتل إن المنية لو تمثّل مثّلت ... مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل والخيل ساهمة الوجوه كأنما ... يسقى فوارسها نقيع الحنظل «1084» - وقال أبو الطّمحان القينيّ: [من الطويل] فكم فيهم من سيّد وابن سيد ... وفيّ بعهد الجار حين يفارقه يكاد الغمام الغرّ يرعد إن رأى ... وجوه بني لأم وينكل بارقه «1085» - وقال الفرزدق: [من الطويل] إذا اغبرّ آفاق السماء وكشّفت ... كسور بيوت الحيّ نكباء [1] حرجف [2]   [1] الديوان: حمراء. [2] كسور: جمع كسر وهو جانب البيت؛ والحرجف: الريح الشديدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 وجاء قريع الشّول قبل إفالها ... يزفّ وراحت خلفه وهي زفّف [1] وباشر راعيها الصّلا بلبانه ... وكفّيه حرّ النار ما يتحرّف [2] وأو قدت الشّعرى مع الليل نارها ... وأمست محولا جلدها يتوسّف [3] وأصبح موضوع الصقيع كأنّه ... على سروات النبت [4] قطن مندّف [5] وقاتل كلب الحيّ عن نار أهله ... ليربض فيها والصّلا متكنّف وجدت الثرى فينا إذا يبس الثرى ... ومن هو يرجو فضله المتضيّف ترى جارنا فينا يجير وإن جنى ... ولا هو فيما ينطف الجار ينطف [6] ويمنع مولانا وإن كان نائيا ... بنا جاره فيما يخاف ويأنف وقد علم الجيران أنّ قدورنا ... ضوامن للأرزاق والريح زفزف [7] نعجّل للضيفان في المحل بالقرى ... قدورا بمعبوط تمدّ وتغرف [8] تفرّغ في شيزى كأنّ جفانها ... حياض جبى منها ملاء ونصّف ترى حولهنّ المعتفين كأنهم ... على صنم في الجاهلية عكّف وما حلّ من جهل حبى حلمائنا ... ولا قائل المعروف فينا يعنّف وما قام منّا قائم في نديّنا ... فينطق إلا بالتي هي أعرف وإني لمن قوم بهم يتّقى العدا ... ورأب الثأى والجانب المتخوف وأضياف ليل قد نقلنا قراهم ... إليهم فأتلفنا المنايا وأتلفوا [9]   [1] القريع: الفحل، الافال: صغار الابل، يزف: يعدو. [2] الصلا: الاصطلاء؛ اللبان: الصدر. [3] يتوسف: يتقشر. [4] الديوان: النيب. [5] يصف الصقيع وكيف حطّ على أعالي الشجر (أو أعالي الابل) كالقطن. [6] ينطف: يعاب. [7] زفزف: شديدة الهبوب. [8] المعبوط: المذبوح. [9] عنى بأضياف الليل الأعداء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 قريناهم المأثورة البيض قبلها ... يثجّ العروق الأزأنيّ المثقف [1] ولا نستجمّ الخيل حتى نعيدها ... غوائم من أعدائنا وهي زحّف كذلك كانت خيلنا مرة ترى ... سمانا وأحيانا تقاد وتعجف عليهنّ منا الناقصون ذحولهم ... فهنّ بأعباء المنية كنّف وجدنا أعزّ الناس أكثرهم حصى ... واكرمهم من بالمكارم يعرف وكلتاهما فينا إلى حيث تلتقي ... عصائب لاقى بينهنّ المعرّف [2] ولا عزّ إلا عزّنا قاهر له ... ويسألنا النّصف الذليل فينصف ومنا الذي لا ينطق الناس عنده ... ولكن هو المستاذن المتنصّف [3] تراهم قعودا حوله وعيونهم ... مكسّرة أبصارها ما تصرّف [4] «1086» - المتوكل الليثي: [من الكامل] ولقد علمت لو ان علمك نافع ... وأتاك ما يتحدّث الأكفاء أنّي من الحيّ الذين حصونهم ... زرق الأسنّة والحصون فضاء والعاطفين على المصاف إذا دعا ... حتى تنفس والرماح رواء قد يعلم الأقوام غير تنحّل ... أنا نجوم فوقهم وسماء إنا أناس نستثير جدودنا ... ويموت أقوام وهم أحياء   [1] المأثورة: السيوف، الأزأني: اليزني (وهو الرمح) . [2] المعرّف: عرفات. [3] المتنصف: الذي له خدم. [4] سقط هذا البيت من م. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 «1087» - وقال [1] رؤبة بن العجاج: [من الرجز] اذا تميم زخرت تدفّع ... كالبحر يزفيه العباب المترع عاذوا بأحلام لهم فأوسعوا ... وما افترشنا أرض قوم أمرعوا إلا تركنا أرضهم تصدّع ... كأننا فيها الجراد الجوّع تصدع- بصاد غير معجمة- النبت إذا هاج [2] . «1088» - وقال القليب المنقري: [من الرجز] أنا أبو الليل إذا ادلهمّا ... فرعت كعبا وذراها الشمّا قد ذاقنا الناس فذاقوا سما «1089» - علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي: [من الطويل] لقد فاخرتنا من قريش عصابة ... بمطّ خدود وامتداد أصابع فلما تنازعنا الفخار قضى لنا ... عليهم بما نهوى نداء الصّوامع ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا ... عليهم جهير الصوت من كلّ جامع «1090» - وقال أيضا [3] : [من البسيط]   [1] وقال: سقطت من س [2] هذا الشرح سقط من س. [3] س: وله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 إني وقومي من أنساب قومهم ... كمسجد الخيف من بحبوحة الخيف ما علّق السيف منا بابن عاشرة ... إلّا وهمّته أمضى من السيف [ التناوب بين الأخبار والأشعار ] «1091» - فاخر أسماء بن خارجة رجلا فقال: أنا ابن أشياخ الشرف، فقال له ابن مسعود: كذبت، ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، أولئك أشياخ الشرف ليسوا بآبائك. «1092» - قال معاوية لعبد الرحمن بن الحكم: بلغني أنك لهجت بقول الشعر، فقال: هو ذاك، فقال: إياك والمدح فانه طعمة الوقاح من الرجال، وإياك والهجاء فانك تحنق به كريما، وتستثير به لئيما، وإياك والتشبيب بالنساء فانك تفضح الشريفة وتعرّ العفيفة، ولكن افخر بمفاخر قومك وقل من الأشعار ما تزين به نفسك وتؤدّب به غيرك. 1093- دخل بعض أولاد الزبير رضي الله عنه [1] على محمد بن سليمان فجلس على نمرقته، فاغتاظ من ذلك وقال: من أجلسك ها هنا؟ فقال: صفيّة بنت عبد المطلب، فسكن غضبه. «1094» - وقال النابغة الجعدي: [من الطويل] وإنّا لقوم ما نعوّد خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا وتنكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى تحسب الجوان أشقرا   [1] رضي الله عنه: من م وحدها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 وليس بمعروف لنا أن نردّها ... صحاحا ولا مستنكر أن تعقّرا [1] بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا ولما أنشدها لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له: الى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة، فقال صلّى الله عليه وسلم: أولى لك. «1095» - قال الفرزدق: [من الطويل] وركب كأنّ الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب سروا يخبطون الليل وهي تلفّهم ... إلى شعب الأكوار من كلّ جانب إذا آنسوا نارا يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نار غالب رأوا ضوء نار باليفاع تألّقت ... تؤدي إليها كلّ أسغب لا غب إلى نار ضرّاب العراقيب لم يزل ... له من غراري سيفه خير حالب «1096» - قال الجاحظ: رأيت رجلا من غنيّ يفاخر رجلا من بني فزارة ثم أحد بني بدر بن عمرو، وكان الغنوي متمكنا من لسانه، وكان الفزاريّ بكيّا، فقال الغنوي: ماؤنا بين الرقم إلى كدا، وهم جيراننا فيه فنحن أقصر منهم رشاء وأعذب ماء، لنا ريف السهول ومعاقل الجبال، وأرضهم سبخة ومياههم أملاح، وأرشيتهم طوال، والعرب تقول: من عزّ بزّ، فبعزّنا غرنا عليهم، وبذلّهم ما رضوا منا بالضّيم. وبنو بدر هم بيت فزارة، وفزارة أشراف قيس. فقعد الفزاريّ عن حجّته لكنّه طمح بالغنويّ البيان إلى أن قابل بني بدر بقبيلته   [1] سقط هذا البيت من م. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 فصار بهم إلى قول الأخطل: [من الطويل] وقد سرّني من قيس عيلان أنني ... رأيت بني العجلان سادوا بني بدر «1097» - كتب الحكم بن عبد الرحمن المرواني من الاندلس إلى صاحب مصر يفتخر: [من الطويل] ألسنا بني مروان كيف تبدّلت ... بنا الحال أو دارت علينا الدوائر إذا ولد المولود منّا تهللت ... له الأرض واهتزت إليه المنابر وكتب إليه كتابا يهجوه فيه ويسبّه، فكتب إليه صاحب مصر: أما بعد فانك عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك، والسلام. «1098» - قال المبرد: حدّثت أنّ أسامة بن زيد قاول عمرو بن عثمان في أمر ضيعة يدّعيها كلّ واحد منهما، فلجّت بينهما الخصومة، فقال عمرو: يا أسامة، أتأنف أن تكون مولاي؟، فقال أسامة: والله ما يسرّني بولائي من رسول الله صلّى الله عليه وسلم نسبك. ثم ارتفعا إلى معاوية فلجّا بين يديه بالخصومة، فتقدّم سعيد بن العاص إلى جنب عمرو فجعل يلقّنه الحجة، فتقدم الحسن إلى جنب أسامة يلقّنه، فوثب عتبة فصار مع عمرو [ووثب الحسين فصار مع أسامة، فقام عبد الرحمن بن أم الحكم فجلس مع عمرو، فقام عبد الله بن العباس فجلس مع أسامة. فقال معاوية] الجليّة عندي؛ حضرت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد أقطع هذه الضيعة أسامة، فانصرف الهاشميون وقد قضى لهم. فقال الأمويون لمعاوية: هلّا إذ كانت هذه القضية عندك بدأت بها قبل التحزب أو أخرتها عن هذا المجلس؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 فتكلّم معاوية بكلام يدفعه بعض الناس. «1099» - قال إبراهيم بن العباس: [من الطويل] لنا إبل كوم يضيق بها الفضا ... وتغبرّ عنها أرضها وسماؤها فمن دونها أن تستباح دماؤنا ... ومن دوننا أن تستذمّ دماؤها حمى وقرى فالموت دون مرامها ... وأيسر خطب يوم حقّ فناؤها «1100» - وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [من الطويل] إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي ... ودافع ضيمي خازم وابن خازم عطست بأنف شامخ وتناولت ... يداي الثريّا قاعدا غير قائم [ بين اليمنية والقيسية ] 110» - وقال إبراهيم بن العباس: [من الطويل] وكنّا متى ما نلتمس بسيوفنا ... طوائل ترجعنا وفينا طوائل ويأمن فينا جارنا وعدوّنا ... ويرقد عنّا في المحول العواذل نهمّ فتعطينا المنايا قيادها ... وتلقي إلينا ما تكنّ المعاقل «1102» - كان أبو العبّاس السفاح يعجبه السّمر ومنازعة الرجال بعضهم بعضا، فحضر عنده إبراهيم بن مخرمة الكندي وناس من بلحارث بن كعب، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 وكانوا أخواله، وخالد بن صفوان بن الأهتم، فخاضوا في الحديث، وتذاكروا مضر واليمن، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا، وكانت لهم البدأة [1] ولم يزالوا ملوكا وأربابا، ورثوا الملك كابرا عن كابر وآخرا عن أوّل، منهم النعمانات والمنذرات والقابوسات، ومنهم عياض صاحب السحر، ومنهم من حمت لحمه الدّبر، ومنهم غسيل الملائكة، ومنهم من اهتز لموته العرش، ومنهم من يأخذ كلّ سفينة غصبا، وليس من شيء له خطر إلّا إليهم ينسب، من كلّ فرس رائع، وسيف قاطع، أو درع حصينة، أو مجنّ واق، أو حلّة مصونة أو درّة مكنونة، إن سئلوا أعطوا، وان نزل بهم ضيف قروا، لا يبلغهم مكاثر، ولا يطاولهم مفاخر. هم العرب العاربة وغيرهم المستعربة. فقال أبو العباس: ما أظنّ أن التميمي يرضى بقولك، ثم قال: ما تقول أنت يا خالد؟ قال: إن أذنت لي في الكلام وأمّنتني من المؤاخذة [2] تكلّمت. قال. تكلّم ولا تهب أحدا. فقال: أخطأ المتقحم بغير علم، ونطق بغير صواب. وكيف يكون ذلك لقوم ليس لهم ألسن فصيحة، ولا لغة صحيحة نزل بها كتاب ولا جاءت بها سنّة؛ وانهم منّا على منزلتين إن جاوزوا حكمنا قتلوا، وإن حادوا عن قصدنا أكلوا: يفخرون علينا بالنعمانات والمنذرات والقابوسات ونفخر عليهم بخير الأنام، وأكرم الكرام، محمد عليه الصلاة والسلام، ولله المنة به علينا وعليهم، لقد كانوا أتباعه: به عرفوا [3] ، وله أكرموا. فمنا النبيّ المصطفى، ومنّا الخليفة المرتضى، ولنا البيت المعمور، وزمزم والحطيم والمقام، والحجابة والبطحاء وما لا يحصى من المآثر، وليس يعدل بنا عادل، ولا يبلغنا قول قائل، ومنّا الصديق والفاروق وذو النورين والوصيّ والوليّ وأسد الله وسيد الشهداء وذو الجناحين وسيف الله، وبنا عرفوا الدين، وأتاهم اليقين، فمن   [1] الجليس: القرى. [2] الجليس: الموجدة. [3] الجليس: عزوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 زاحمنا زاحمناه، ومن عادانا اصطلمناه. ثم أقبل خالد على إبراهيم فقال: ألك علم بلغة قومك؟ قال: نعم. قال: فما اسم العين؟ قال: الجحمة [1] . قال: فما اسم السن؟ قال: المبزم [2] . قال: فما اسم الأذن؟ قال: الصنّارة. قال: فما اسم الأصابع؟ قال: الشناتر. قال: فما اسم اللحية؟ قال: الزبّ. قال: فما اسم الذئب؟ قال: الكتع [3] ، ويقال الصّتع [4] . قال: أفعالم أنت بكتاب الله عزّ وجلّ؟ قال: نعم. قال: فان الله يقول: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (يوسف: 2) وقال: (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: 195) وقال (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (إبراهيم: 4) فنحن العرب، والقرآن بلساننا نزل. ألم تر أن الله تعالى قال: (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (المائدة: 45) ولم يقل: الجحمة بالجحمة. وقال تعالى: (السِّنَّ بِالسِّنِّ) ولم يقل: المبزم بالمبزم. وقال: (الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) (المائدة: 45) ولم يقل: الصنّارة بالصنارة. وقال: (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) (البقرة: 19) ولم يقل: شناترهم في صناراتهم. وقال: تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) (طه: 94) ولم يقل بزبي. وقال: (أَكَلَهُ الذِّئْبُ) (يوسف: 14) ولم يقل: أكله الكتع. ثم قال خالد: إني أسألك عن أربع خصال، إن أقررت بهنّ قهرت، وان أنكرتهنّ كفرت. قال: ما هنّ؟ قال: الرسول منا أو منكم؟ قال: منكم، قال: فالقرآن أنزل علينا أو عليكم؟ قال: عليكم. قال: فالمنبر فينا أو فيكم؟ قال: فيكم. قال: فالبيت لنا أو لكم؟ قال: لكم. قال: فاذهب فما كان بعد هؤلاء الخصال فهو لكم. فغلّب أبو العباس خالدا وحباهم جميعا. فقام خالد وهو يقول: ما أنتم إلا سائس قرد، أو دابغ جلد، أو ناسج برد.   [1] اللسان (جحم) : الجحمة: العين بلغة اليمن. [2] اللسان (بزم) : المبزم: السنّ، وأهل اليمن يسمون السنّ البزم. [3] اللسان (كتع) : والكتع الذئب بلغة أهل اليمن. [4] الصتع: حمار الوحش. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 [ كتاب المنصور إلى محمد النفس الزكية والجواب ] «1103» - كتب المنصور إلى محمد بن عبد الله بن الحسن لما خرج يعرض عليه الأيمان، ويبذل له البذول إن رجع عما عزم عليه، فكتب إليه محمد بن عبد الله بن الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الله ابن محمد: أما بعد طسم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ. نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص: 1- 6) . وأنا أعرض عليك مثل الذي أعطيتني، فقد تعلم أنّ الحقّ حقّنا، وأنكم طلبتموه بنا، ونهضتم فيه بشيعتنا، وخطبتموه [1] بفضلنا. وإن أبانا عليا عليه السلام كان الوصيّ والامامة فيه [2] ، فكيف ورثتموه دوننا ونحن أحياء، وقد علمتم [3] أنه ليس أحد من بني هاشم يمتّ بمثل فضلنا، ولا يفخر بمثل قديمنا وحديثنا، ونسبنا وسببنا، وإنا بنو أمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاطمة بنت عمرو أم أبي طالب في الجاهلية دونكم، وبنو بنته فاطمة في الإسلام من بينكم، فأنا أوسط بني هاشم نسبا، وخيرهم أمّا وأبا، لم تلدني العجم ولم أعرق في [4] أمّهات الأولاد. وان الله تبارك وتعالى لم يزل يختار لنا، فولدني من النبيين أفضلهم محمد صلّى الله عليه وسلم، ومن الصحابة أقدمهم إسلاما، وأوسعهم   [1] الكامل: وخبطتموه. [2] الكامل: كان الوصي والامام. [3] الكامل: علمت. [4] الكامل: ولم تعرق فيّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 علما، وأكثرهم جهادا، عليّ بن أبي طالب، ومن نسائهم [1] أفضلهنّ، خديجة بنت خويلد، أول من آمن بالله وصلّى القبلة، ومن بناته أفضلهنّ وسيدة نساء أهل الجنة، ومن المولودين في دين الاسلام الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة. ثم قد علمت أنّ هاشما ولد عليا مرّتين [عبد المطلب ولد الحسن مرتين] وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولدني مرتين من قبل جديّ الحسن والحسين. فما زال الله يختار لي حتى في النار [2] فولدني أرفع الناس درجة في الجنة وأهون أهل النار عذابا، فأنا ابن خير الأخيار، وابن، خير الأشرار، وابن خير أهل النار، وابن سيد أهل الجنة. ولك عهد الله إن دخلت في بيعتي أن أؤمنك على نفسك وولدك، وكلّ ما أصبته، إلا حدّا من حدود الله، وحقا لمسلم أو معاهد، فقد علمت ما يلزمك في ذلك، فأنا أوفى بالعهد منك وأحرى بقبول الأمان. فأما أمانك الذي عرضته عليّ فأيّ الأمان هو؟ أأمان ابن هبيرة، أم أمان عمك عبد الله بن علي، أم أمان أبي مسلم، والسلام. فكتب إليه المنصور: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله [عبد الله] أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله [3] أما بعد، فقد أتاني كتابك وبلغني كلامك، فاذا جلّ فخرك بالنساء، لتضلّ به الجفاة والغوغاء، ولم تجعل [4] النساء كالعمومة، ولا الآباء كالعصبة والأولياء. ولقد جعل الله العمّ أبا وبدأ به على الولد الأدنى فقال جل ثناؤه عن نبيه صلّى الله عليه وسلم (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) (يوسف: 38) . كذا ذكر المبرد وجاءت الرواية، وليست الحجة كما ذكره في هذه الآية لان إسحاق عليه السلام جد يوسف هذا. وانما حجته في قوله سبحانه وتعالى:   [1] الكامل: نسائه. [2] الكامل: حتى اختار لي في النار. [3] محمد بن عبد الله: سقط من م. [4] الكامل: ولم يجعل الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [1] (البقرة: 133) . ولقد علمت أنّ الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلّى الله عليه وسلم وعمومته أربعة، فأجابه اثنان أحدهما أبي، وكفر به اثنان أحدهما أبوك. وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهنّ فلو أعطين على قدر [2] الأنساب وحقّ الأحساب لكان الخير كلّه لآمنة بنت وهب، لكن الله يختار لدينه من يشاء من خلقه. وأمّا ما ذكرت من فاطمة أمّ أبي طالب فان الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الاسلام، ولو فعل لكان عبد الله ابن عبد المطلب أولاهم بكلّ خير في الآخرة والأولى، وأسعدهم بدخول الجنّة غدا. لكنّ الله أبى ذلك فقال تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص: 56) . وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أمّ علي بن أبي طالب عليه السلام، وفاطمة أمّ [الحسن و] الحسين، وأن هاشما ولد عليا مرتين، وأن عبد المطلب ولد الحسن مرتين، فخير الأولين والآخرين رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يلده هاشم إلا مرة واحدة. ولم يلده عبد المطلب إلا مرة واحدة. وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فان الله جلّ ثناؤه أبى ذلك فقال تعالى: (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب: 40) ولكنكم بنو بنته، وانها لقرابة قريبة، غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا يجوز أن تومّ. فكيف تورث الامامة من قبلها، ولقد طلبها [3] ابوك بكلّ وجه، فأخرجها [4] تخاصم على ميراثها [5] فلم يحصل لها شيء، ثم إنها مرضت [6] ومرّضها سرا ودفنها ليلا. وأبى الناس إلا تقديم الشيخين. ولقد حضر   [1] لم ترد الآية الاولى في الكامل، ووردت الثانية فقط. ولعلّ هذا اتباعا للتعليق الذي أورده ابن حمدون أو ما يشبهه. [2] الكامل: قرب. [3] الكامل: طلب بها. [4] م: وان فاطمة أخرجها. [5] على ميراثها: لم ترد في س والكامل. [6] فلم يحصل ... مرضت: سقط هذا من س والكامل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 أبوك وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر بالصلاة غيره ثم أخذ الناس رجلا رجلا فلم يأخذوا اباك فيهم. ثم كان في أصحاب الشّورى فكلّ دفعه عنها: بايع عبد الرحمن عثمان، وقبلها عثمان، وحارب أباك طلحة والزبير ودعا سعدا إلى بيعته فأغلق بابه [1] دونه، ثم بايع معاوية بعده، وأفضى امر جدّك إلى أبيك الحسن، فسلّمه إلى معاوية بخرق ودراهم وأسلم في يديه شيعته، وخرج إلى المدينة فدفع الأمر إلى غير أهله، واخذ مالا من غير حلّه، فإن كان لكم فيها شيء فقد بعتموه. فأما قولك إن الله اختار لك في الكفر [2] فجعل أباك أهون أهل النار عذابا فليس في الشرّ خيار ولا من عذاب الله هيّن، ولا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفتخر بالنار. وسترد فتعلم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء: 227) . فأمّا قولك إنه لم تلدك العجم ولم تعرق فيك أمّهات الأولاد، وأنك أوسط بني هاشم نسبا وخيرهم أمّا وأبا، فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طرا وقدّمت نفسك على من هو خير منك أوّلا وآخرا وأصلا وفصلا: فخرت على إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم [وعلى والده ولده] فانظر ويحك أين تكون من الله غدا. وما ولد فيكم مولود بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أفضل من عليّ بن الحسين وهو لأمّ ولد [ولقد كان خيرا من جدك حسن بن حسن؛ ثم ابنه محمد بن علي خير من أبيك، وجدته أم ولد] ثم ابنه جعفر بن محمد وهو خير منك. ولقد علمت أن جدّك عليا حكّم حكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضى بما حكما به، فاجتمعا على خلعه، ثم خرج عمك الحسين بن عليّ على ابن مرجانة فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه. ثم أتوا بكم على الأقتاب بغير أوطية كالسّبي المجلوب إلى الشام. ثم خرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرقوكم بالنيران وصلبوكم على جذوع النخل حتى خرجنا عليهم فأدركنا بثاركم   [1] م: الباب. [2] م: في الأمر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 إذ لم تدركوه، ورفعنا أقداركم وورّثناكم أرضهم وديارهم بعد أن كانوا يلعنون أباك في أدبار الصلوات المكتوبة كما تلعن الكفرة، فعنّفناهم وكفّرناهم وبينّا فضلكم وأشدنا بذكركم، فاتخذت ذلك حجة علينا، وظننت انا لما ذكرنا من فضل علي أنا قدّمناه على حمزة والعباس وجعفر، كل أولئك مضوا سالمين مسلّما منهم، وابتلي ابوك بالدماء. [1] ولقد علمت ان مآثرنا في الجاهلية من سقاية الحجيج الأعظم وولاية زمزم، كانت للعباس دون إخوته، فنازعنا فيها أبوك إلى عمر، فقضى لنا عمر عليه. وتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وليس من عمومته واحد حيّ إلا العباس فكان وارثه دون بني عبد المطلب. وطلب الخلافة غير واحد من بني هاشم فلم ينلها إلا ولده، فاجتمع للعباس أنه أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وبنوه القادة الخلفاء، فقد ذهب بفضل القديم والحديث. ولولا أنّ العباس أخرج إلى بدر كرها لمات عمّاك طالب وعقيل جوعا أو يلحسان جفان عتبة وشيبة، فأذهب عنهما العار والشنار. ولقد جاء الاسلام والعباس يمون أبا طالب للأزمة التي أصابتهم [ثم] فدى عقيلا يوم بدر، فقد منّاكم في الكفر وفديناكم [في الاسلام] من الأسر، وورثنا دونكم خاتم الأنبياء، وحزنا شرف الآباء، وأدركنا من ثأركم ما عجزتم عنه، ووضعناكم حيث لم تضعوا انفسكم؛ [والسلام] . 1104- قالوا: قدم الزبير بن عبد المطلب من إحدى الرحلتين، فبينا رأسه في حجر وليدة له وهي تدري لمّته إذ قالت: ألم يرعك الخبر؟ قال: وما ذاك؟ قالت: زعم سعيد بن العاص أنه ليس لأبطحّي أن يعتمّ يوم عمته، فقال: والله لقد كان عندي ذا حجى، وقد فاض عندي القطر. وانتزع لمّته من يدها وقال: عليّ بعمامتي الطولى، فأتي بها فلاثها على رأسه وألقى صنيفتها قدّامه وخلفه حتى لطما قدمه وعقبه، وقال عليّ بفرسي، فأتي بها واستوى على ظهرها، ومرّ   [1] م: بالدنيا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 بحرف [1] الوادي كأنه لهيب عرفج، فلقيه سهيل بن عمرو فقال: بأبي أنت وأمي يا أبا الطاهر، ما لي أراك متغير الوجه [2] ؟ قال: أو لم يبلغك الخبر؟ هذا سعيد بن العاص يزعم أنه ليس لأبطحيّ أن يعتمّ يوم عمته. ولم؟ فو الله لطولنا عليهم أظهر من وضح النهار وقمر التمام ونجم الساري. والآن تنتثل كنانتنا فتعجم قريش عيدانها، فتعرف بازل عامنا وثنيانه. فقال له سهيل: بأبي أنت وأمي، فانه ابن عمك، ولن يعيبك شأوه ولن يقصر عنه طولك. وبلغ سعيدا الخبر فارتحل ناقته وأغرز رحله ولجأ الى الطائف، فقيل له: أتريد الجلاء؟ فقال: إني رأيت الجلاء خيرا من الفناء، ومضى قصده. [ وفد بني تميم عند الرسول ] «1105» - قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفد بني تميم، وهم سبعون أو ثمانون رجلا، فيهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعطارد بن حاجب وقيس بن عاصم وعمرو بن الأهتم، وانطلق معهم عيينة بن حصن الفزاري. فلما قدموا المدينة دخلوا المسجد فوقفوا عند الحجرات فنادوا بصوت عال جاف: اخرج يا محمد فقد جئنا لنفاخرك، وجئناك بخطيبنا وشاعرنا. فخرج إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى آله، فجلس، فقام الأقرع فقال: والله إنّ مدحي لزين، وإن ذمّي لشين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ذلك الله عزّ وجلّ. فقالوا: إنّا لأكرم العرب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أكرم منكم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. فقالوا: إيذن لخطيبنا وشاعرنا. فأذن لهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجلس فجلس معه   [1] م: يخرق. [2] س: بغير وجهك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 الناس، فقام عطارد فقال: الحمد لله الذي له الفضل علينا، وهو أهله، الذي جعلنا ملوكا، وجعلنا أعزّ أهل الشرق، وآتانا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف، وليس في الناس مثلنا. ألسنا رؤوس الناس وذوي فضلهم؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، ولو نشاء لأكثرنا، ولكنا نستحي من الاكثار فيما خوّلنا الله وأعطانا، أقول هذا فأتوا بقول أفضل من قولنا، وأمر أبين من أمرنا ثم جلس. فقام ثابت بن قيس بن شماس فقال: الحمد لله الذي السموات والأرض من خلقه، قضى فيهنّ أمره، ووسع كرسيّه علمه، ولم يقض شيئا إلا من فضله وقدرته، وكان من قدرته أن اصطفى من خلقه رسولا أكرمهم حسبا، وأصدقهم حديثا، وأحسنهم رأيا، فأنزل الله عليه كتابه وأئتمنه على خلقه، وكان خيرة الله من العالمين. ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الايمان فأجابه من قومه وذوي رحمه المهاجرون أكرم الناس أنسابا، وأصبح الناس وجوها، وأفضل الناس أفعالا. ثم كان أول من اتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من العرب واستجاب له نحن معاشر الأنصار. فنحن أنصار الله ووزراء رسول الله صلّى الله عليه وسلم نقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن آمن بالله ورسوله منع منّا ماله ودمه، ومن كفر بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلم جاهدناه في الله وكان جهاده علينا يسيرا. أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات. [ حكايات وأشعار في الفخر ] فقام الزبرقان فقال: [من البسيط] نحن الملوك [1] فلا حيّ يقاربنا ... منّا الملوك وفينا توجد الرفع [2] تلك المكارم حزناها مقارعة ... إذا الملوك على أمثالها قرعوا [3] كم قد قسرنا من الأحياء كلّهم ... عند النهاب وفضل العزّ يتّبع   [1] السيرة: الكرام. [2] السيرة: تنصب البيع. [3] لم يرد هذا البيت في السيرة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 وننحر الكوم عبطا في منازلنا ... للنازلين إذا ما استطعموا [1] شبعوا ونحن نطعم عند القحط ما أكلوا ... من العبيط إذا لم تظهر القزع وتبصر الناس تأتينا سراتهم ... من كلّ أوب فنمضي ثم نتبع [2] فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى حسان فجاءه، فأمره أن يجيبه فقال: [من البسيط] إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم ... قد بيّنوا سنّة للناس تتّبع يرضى بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا [3] قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا إن كان في الناس سبّاقون بعدهم ... فكلّ سبق لأدنى سبقهم تبع سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق يوما [4] شرّها البدع لا يرقع الناس ما أوهت أكفّهم ... عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا أعفّة ذكرت في الوحي عفّتهم ... لا يطمعون [5] ولا يزري بهم طمع ولا يضنّون عن جار [6] بفضلهم ... ولا يمسّهم من مطمع طبع يسمون للحرب تبدو وهي كالحة ... إذا الزعانف من أظفارها خشعوا لا يفرحون [7] إذا نالوا عدوّهم ... وإن أصيبوا فلا حزن ولا جزع [8]   [1] السيرة: أنزلوا. [2] السيرة: من كل أرض هويا ثم نصطنع. [3] السيرة: وكل الخير يصطنع. [4] السيرة: فاعلم. [5] السيرة: يطبعون. [6] السيرة: لا يبخلون على جار. [7] السيرة: يفخرون. [8] السيرة: فلا خور ولا هلع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 كأنهم في الوغي والموت مكتنع ... أسود بيشة [1] في أرساغها فدع خذ منهم ما أتى عفوا فإن غضبوا ... فلا يكن همّك الأمر الذي منعوا أكرم بقوم رسول الله قائدهم [2] ... إذا تفرّقت الأهواء والشيع أهدى لهم مدحتي قلب يؤازره ... في ما أراد لسان حائك صنع وانهم أفضل الأحياء كلّهم ... إن جدّ بالناس جدّ القول أو سمعوا [3] فقام حاجب بن عطارد فقال [4] : [من الطويل] أتيناك كي ما يعلم الناس فضلنا ... إذا اجتمعوا وقت [5] احتضار المواسم بأنّا فروع الناس في كلّ موطن ... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم فقام حسان فقال [6] : [من الطويل] منعنا رسول الله من غضب له [7] ... على أنف راض من معدّ وراغم هل المجد إلا السؤدد الفرد [8] والنّدى ... وجاه الملوك واحتمال العظائم فقال الأقرع بن حابس: إن هذا الرجل لمؤتى له. والله لشاعره أشعر من شاعرنا، ولخطيبه أفهم من خطيبنا، وأصواتهما أرفع من أصواتنا. أعطني يا محمد، فأعطاه، فقال: زدني، فزاده، فقال: اللهم إنه سيد العرب. ونزل فيهم (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)   [1] السيرة: أسد بحلية. [2] السيرة: شيعتهم. [3] السيرة: شمعوا. [4] نسب هذا الشعر في السيرة للزبرقان. [5] السيرة: اذا احتفلوا عند. [6] ديوان حسان: 109. [7] السيرة: نصرنا وآوينا النبي محمدا. [8] السيرة: العود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 (الحجرات: 4) ثم إن القوم أسلموا، وأقاموا عند النبيّ صلّى الله عليه وسلم يتعلّمون القرآن ويتفقهون في الدين. ثم أرادوا الخروج إلى بيوتهم فأعطاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكساهم وقال: أما بقي منكم أحد؟ وكان عمرو بن الأهتم في ركابهم، فقال قيس بن عاصم، وهو من رهطه، وكان مشاحنا له: لم يبق منا إلا غلام حديث السنّ في ركابنا، فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم. «1106» - سابّ رجل من بني عبس عنترة بن شداد، فذكر سواده وسواد أمّه واخوته وعترته، فقال عنترة: والله إنّ الناس ليترافدون بالمطعم [1] ، فوالله لما حضرت مرفد الناس لا أنت ولا أبوك ولا جدّك قط. وإن الناس ليدعون إلى الفزع فما رأيناك في خيل قط ولا كنت إلا في أوائل النساء. وإن الّلبس- يعني الاختلاط- ليكون بيننا فما حضرت أنت ولا أحد من أهلك خطّة فصل قطّ. وكنت فقعا بقرقر. ولو كنت في مرتبتك أو مغرسك الذي أنت فيه ثم ماجدتك لمجدتك، أو طاولتك لطلتك، ولو سألت أمّك وأباك هذا لأخبراك. وإني لأحضر الوغي، وأوفي المغنم، وأعفّ عند المسألة، وأجود بما ملكت، وأفصل الخطة الصّمعاء. فقال له الآخر: أنا أشعر منك، فقال له: ستعلم. وكان عنترة لا يقول من الشعر إلا البيت والبيتين في الحرب فقال قصيدته [2] : [من الكامل] هل غادر الشّعراء من متردّم وزعموا أنها أول قصيدة قالها، والعرب تسميها المذهبة. «1107» - دخل العجاج على عبد الملك بن مروان فقال له: يا عجاج، بلغني   [1] شرح السبع: بالعطية. [2] م: قصيدة وهي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 أنّك لا تقدر على الهجاء، فقال: يا أمير المؤمنين، من قدر على تشييد الأبنية أمكنه تقويض الأخبية. قال: فما يمنعك منه؟ قال: إنّ لنا عزّا يمنعنا من أن نظلم، وإن لنا حلما يردعنا عن أن نهضم، فعلام الهجاء؟ قال: لكلامك أشعر من شعرك، فأيّ عزّ لك يمنعك من أن تظلم؟ قال: الأدب البارع والفهم الناصع. قال: فما الحلم الذي يردعك أن تظلم؟ قال: الأدب المستطرف والطبع التالد. قال: يا عجاج، لقد أصبحت حكيما. قال: ما يمنعني وأنا نجيّ أمير المؤمنين؟ «1108» - قال الحكم بن عبدل: [من الطويل] وإني لأستغني فما أبطر الغنى ... وأعرض ميسوري لمن يبتغي قرضي وأعسر أحيانا فتشتدّ عسرتي ... فأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي ولست بذي وجهين في من عرفته ... ولا البخل فاعلم من سمائي ولا أرضي 1109- وفي ما يروى للوليد بن عبد الملك على أنه كان مشهورا باللحن: [من الكامل] ولقد قضيت وإن تجلّل لمتي ... شيب على رغم العدا لذّاتي من كاعبات كالدّمى ومناصف ... ومراكب للصيد والنشوات في فتية تأبى الهوان وجوههم ... شمّ الأنوف جحاجح سادات إن يطلبوا بتراتهم يعطوا بها ... أو يطلبوا لا يدركوا بترات «1110» - وقال أبو النجم العجلي: [من الكامل] والخيل تسبح بالكماة كأنّها ... طير تمطّر في ظلال عماء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 يخرجن في رهج دوين ظلاله ... مثل الجنادب من حصى المعزاء يلفظن من عجم الشكيم وعضّه ... زبدا خلطن بياضه بدماء كم من كريمة معشر أيّمنها ... وتركن صاحبها بدار ثواء إنّ الأعادي لن تنال قديمنا ... حتى تنال كواكب الجوزاء كم في لجيم من أغرّ كأنّه ... صبح يشقّ طيالس الظلماء بحر يكلّل بالسديف جفانه ... حتى يموت شمال كلّ شتاء ومحرّب خضل البنان إذا التقى ... زحف محاترة الصدور ظماء إنا وجدّك لا يكون سلاحنا ... حجر الاكام ولا عصا الطرفاء نأوي إلى حلق الحديد وقرّح ... قبّ تشوّف نحو كلّ دعاء تلكم مراكبنا وفوق كماتنا ... بيض الغضون سوابغ الأثناء قدّرن من حلق كأنّ شعاعها ... ثلج يطيش على متون نهاء تحمي الرماح لنا حمانا كلّه ... ونبيح بعد مسارح الأحياء إن السيوف تجيرنا ونجيرها ... كلّ يجير بعزة ووفاء إنّا لنعمل في الرءوس سيوفنا ... عمل الحريق بيابس الحلفاء «1111» - وقال بشار بن برد: [من الطويل] إذا نحن صلنا صولة مضريّة ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة ... ذرى منبر صلّى علينا وسلّما «1112» - الفرزدق: [من الطويل] لقد علمت أفناء خندف أننا ... ذراها وأنّا عزّها وسنامها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 وقد علم الأحياء من كلّ موطن ... إذا عدّت الأحياء أنّا كرامها وأنا إذا الحرب العوان تضرّمت ... تليها إذا ما الحرب شبّ ضرامها الى الله تشكو عزّنا الأرض فوقها ... وتعلم أنّا ثقلها وغرامها شكتنا إلى الله العزيز فأسمعت ... قريبا وأعيا من سواه كلامها نصول بحول الله في الأمر كلّه ... إذا قيل [1] من مصدوعة ما التئامها «1113» - لما ولي خالد بن عبد الله القسري العراق قدمها منه أشدّ خلق الله عصبية على نزار. قال لبطة بن الفرزدق: فلبس أبي من صالح ثيابه وخرج يريد السلام على خالد، فقلت له: يا أبت، إنّ هذا الرجل يمان، وفيه من العصبية ما قد علمت، فإن دخلت إليه فأنشده مديحك لأهل اليمن لعلّ الله أن يأتيك منه بخير، فإنك قد كبرت عن الرحلة. فجعل لا يردّ عليّ شيئا حتى دفعنا إلى البوّاب، وأذن له، فدخل وسلم فاستجلسه ثم قال: إيه يا أبا فراس، أنشدنا مما أحدثت، فأنشده: [من البسيط] يختلف الناس ما لم نجتمع لهم ... ولا خلاف إذا ما استجمعت مضر فينا الكواهل والأعناق تقدمها ... فيها الرءوس وفيها السمع والبصر ومن يمل يملأ المأثور قلته ... بحيث يلقى حفافي رأسه الشعر أما الملوك فإنا لا نلين لهم ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر ثم قام. فلما خرجنا قلت له: أهكذا أوصيتك؟ فقال: اسكت لا أمّ لك فما كنت قط أملأ لقلبه منّي الساعة.   [1] الديوان: خيف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 «1114» - ودخل الفرزدق على بعض خلفاء بني مروان [1] ففاخره قوم من الشعراء، فأنشأ يقول: [من البسيط] ما حملت ناقة من معشر رجلا ... مثلي إذا الريح القتني على الكور أعزّ قوما وأوفى عقد مكرمة ... معظم من دماء القوم مشهور فقال له الخليفة: إيه، فقال: إلّا قريشا فإنّ الله فضّلها ... على البريّة بالإسلام والخير تلقى وجوه بني مروان تحسبها ... عند اللقا مشرقات كالدنانير ففضله عليهم ووصله. [ يزيد بن شيبان والشيخ المهري ] «1115» - خرج يزيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة حاجا فرأى حين شارف البلد شيخا يحفّه ركب على إبل عتاق برحال ميس ملبسة أدما قال: فعدلت إليهم فسلّمت عليهم وبدأت به فقلت: من الرجل؟ ومن القوم؟ فأرمّ [2] القوم ينظرون إلى الشيخ هيبة، فقال الشيخ: رجل من مهرة بن حيدان بن عمران [3] بن الحاف ابن قضاعة، فقلت: حياكم الله، وانصرفت. فقال الشيخ: قف أيها الرجل، نسبتنا فانتسبنا لك ثم انصرفت ولم تكلّمنا، قلت: ما أنكرت سوءا ولكني ظننتكم من عشيرتي، فأناسبكم فانتسبتم نسبا لا أعرفه ولا أراه يعرفني. قال: فأماط [4] الشيخ لثامه وحسر عمامته وقال: لعمري لئن كنت من   [1] بني أميّة. [2] م: فأومى. [3] القالي: عمرو. [4] س والقالي: فأمال. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 جذم من أجذام العرب لأعرفنّك، قلت: فإني من أكرم أجذامها. قال: فإن العرب بنيت على أربعة أركان: مضر وربيعة واليمن وقضاعة، فمن أيهم أنت؟ قلت: من مضر، قال: أمن الأرحاء أم من الفرسان؟ فعلمت أن الأرحاء خندف والفرسان قيس، قلت: من الأرحاء. قال: فاذن أنت من خندف، قلت: أجل، قال: فمن الأرنبة أنت أم من الجمجمة؟ فعلمت أنّ الأرنبة مدركة وأن الجمجمة طابخة، فقلت: من الجمجمة. قال: فأنت إذن من طابخة. قلت: أجل. قال: فمن الصميم أم من الوشيظ؟ فعلمت أنّ الصميم تميم والوشيظ الرباب. قلت: من الصميم. قال: فاذن أنت من تميم. قلت: أجل. قال: أفمن الأكرمين أم من الأحكمين [1] أم من الأقلين؟ فعلمت أن الأكرمين زيد مناة، وأن الأحكمين عمرو بن تميم، وأن الأقلين الحارث بن تميم قلت: من الأكرمين. قال: فأنت إذن من زيد مناة. قلت: أجل. قال. أفمن الجدود أم من البحور أم من الثماد؟ فعلمت أن الجدود مالك، وأن البحور سعد، وأن الثماد بنو امرىء القيس بن زيد مناة. قلت: من الجدود. قال فأنت إذن من بني مالك. قلت: أجل. قال: أفمن الذرى أم من الأرداف؟ فعلمت أن الذرى. حنظلة، وأن الأرداف ربيعة ومعاوية، وهما الكردوسان. قلت: فمن الذرى. قال: فأنت إذن من حنظلة. قلت: أجل. قال: أمن البدور أم من الفرسان أم من الجراثيم؟ فعلمت أن البدور مالك وأن الفرسان يربوع وأن الجراثيم البراجم. قلت: من البدور. قال: فأنت إذن من مالك بن حنظلة. قلت: أجل. قال: أفمن الأرنبة أم من اللحيين أم من القفا؟ فعلمت أن الأرنبة دارم، وأن اللحيين طهية والعدوية، وأن القفا ربيعة بن حنظلة. قلت: من الأرنبة. قال: فأنت إذن من دارم. قلت: أجل. قال: أفمن اللباب أم من الهضاب أم من الشهاب؟ فعلمت أن اللباب عبد الله، وأن الهضاب مجاشع، وأن الشهاب نهشل. قلت:   [1] القالي: الأحلمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 من اللباب. قال: أنت إذن من بني عبد الله. قلت: أجل. قال: أفمن البيت أم من الزوافر؟ فعلمت أن الزوافر الأحلاف، وأن البيت بنو زرارة. قلت: من البيت. قال فإذن أنت من بني زرارة. قلت: أجل. قال: فإن زرارة ولد عشرة: حاجبا ولقيطا وعلقمة ومعبدا وخزيمة ولبيدا [1] وأبا الحارث وعمرا وعبد مناة [2] ومالكا، فمن أيهم أنت؟ قلت: من بني علقمة. قال: فإن علقمة ولد شيبان لم يلد غيره، فتزوج شيبان ثلاث نسوة: مهدد بنت حمران بن بشر بن عمرو بن مرثد فولدت له زيدا [3] ، وتزوج عكرشة بنت حاجب بن زرارة بن عدس فولدت له المأمور، وتزوج عمرة بنت بشر بن عمرو بن عدس فولدت له المقعد، فلأيتهن أنت؟ قلت: لمهدد. قال: يا ابن أخي [4] ما افترقت فرقتان بعد مدركة إلّا كنت في أفضلهما حتى زاحمك أخواك، فإنهما أن تلدني أما هما أحبّ إليّ من أن تلدني أمك. يا ابن أخي أتراني عرفتك؟ قلت: إي وأبيك وأيّ معرفة. «1116» - أتت عمرة [5] بنت معاوية أباها مراغمة لزوجها عمرو بن عثمان، فقال: ما لك يا بنية؟ أطلّقك زوجك؟ قالت: الكلب أضنّ بشحمته ولكنه فاخرني، فكلّما ذكر رجلا من قومه ذكرت رجلا من قومي حتى عدّ ابني منه، فوددت أن بيني وبينه البحر الأخضر. فقال معاوية: يا بنية آل أبي سفيان أقلّ حظا في الرجال من أن تكوني رجلا.   [1] م: وأسيدا. [2] م: وعبد مناف. [3] القالي: يزيد. [4] هنا وقع سقط في س حتى آخر الفقرة رقم: 1140. [5] القالي: رملة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 «1117» - قال أبو عبيدة: كان قيس بن رفاعة يفد سنة إلى النعمان اللخمي بالعراق وسنة إلى الحارث ابن أبي شمر الغسّانيّ بالشام، فقال له الحارث: يا ابن رفاعة، بلغني أنك تفضّل النعمان عليّ، قال: وكيف أفضّله عليك أبيت اللعن؟ فو الله لقفاك أحسن من وجهه، ولأمّك أشرف من أبيه، ولأبوك أشرف من جميع قومه، ولشمالك أجود من يمينه، ولحرمانك أنفع من بذله [1] ، ولقليلك أكثر من كثيره، ولثمادك أغزر من غديره، ولكرسيّك أرفع من سريره، ولجدولك أغمر من بحوره، وليومك أفضل من شهوره، ولشهرك أمدّ من حوله، ولحولك خير من حقبه، ولزندك أورى من زنده، ولجندك أعزّ من جنده، وإنك لمن غسان أرباب الملوك، وإنه لمن لخم الكثيري النّوك، فكيف أفضّله عليك؟. [ الأنصار ودغفل النسابة ] «1118» - وقف جماعة من الأنصار على دغفل النسّابة بعد ما كفّ فسلّموا عليه فقال: من القوم؟ قالوا: سادة اليمن. فقال: أهل مجدها القديم، وشرفها العميم كندة؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الطوال قصبا، الممحضون نسبا، بنو عبد المدان؟ قالوا: لا. قال: فأنتم أقودها للزحوف، وأخرقها للصفوف، وأضربها بالسيوف، رهط عمرو بن معديكرب؟ قالوا: لا. قال: فأنتم أحضرها قراء [2] ، وأطيبها فناء وأشدّها لقاء، رهط حاتم بن عبد الله؟ قالوا: لا. قال: فأنتم الغارسون للنخل، المطعمون في المحل، والقائلون بالعدل، الأنصار؟ قالوا: نعم.   [1] القالي: نداه. [2] م: قرى؛ والقراء (بفتح القاف) بمعناه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 «1119» - وفخر أعرابي بقومه فقال: كانوا والله إذا اصطفّوا تحت القتام، خطرت [1] بينهم السهام، بشؤبوب الحمام. وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها [2] . فربّ قرن عارم قد أحسنوا أدبه، وحرب عبوس قد ضاحكتها أسنّتهم، وخطب شئز [3] قد ذلّلوا مناكبه، ويوم عماس قد كشفوا ظلمته بالصّبر حتى ينجلي. إنما كانوا كالبحر الذي لا ينكش غماره، ولا ينهنه تيّاره. الشئز: القلق، والعماس: الشديد، وينكش: ينزح. [ عبد الله بن الحجر بن عبد المدان ومعرفته بقومه ] 1120- سأل معاوية بعد الاستقامة عبد الله بن الحجر بن عبد المدان، وكان عبد المدان وفد على النبي صلّى الله عليه وسلم فسمّاه عبد الله، فقال معاوية: كيف علمك بقومك؟ قال: كعلمي بنفسي. قال: فما تقول في النّخع؟ قال: مانعو السرب، ومسعّرو الحرب، وكاشفو الكرب. قال: فما تقول في بني الحارث ابن كعب؟ قال: فراجو اللّكاك [4] ، وفرسان العراك، ولزاز العكاك، من براك براك. قال: فما تقول في سعد العشيرة؟ قال: مانعوا الضيم، وبانو الريم [5] ، وشاتو الغيم. قال: فما تقول في جعفيّ؟ قال: فرسان الصباح، ومعلمو الصفاح، ومبارو الرماح. قال: فما تقول في بني أسد؟ قال: كماة الذياد، صبر عند الطّراد. قال: فما تقول في جنب؟ قال: كفاة يمنعون من الحريم، ويفرجون عن الكظيم. قال: فما تقول في صداء؟ قال: سمام الأعداء ومساعر الهيجاء. قال: فما تقول في رهاء؟ قال: ينهون عادية الفوارس، ويردون الموت   [1] زهر: مطرت. [2] زهر: فغرت أفواهها الحتوف. [3] زهر: مشمئز. [4] اللكاك: الزحام. [5] الريم: الزيادة والفضل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 ورد الخوامس. قال: أنت أعلم قومك بقومك. [ أشعار في الفخر ] «1121» - أبو الأسد: [من الكامل] وأنا ابن معتلج البطاح يضمّني ... كالدرّ في أصداف بحر زاخر ينشقّ عنّي ركنها ومقامها ... كالجفن يفتح عن سواد الناظر كجبالها شرفي ومثل سهولها ... خلقي ومثل ظبائهنّ مجاوري 1122- الزبير بن عبد المطلب: [من الكامل] إن القبائل من قريش كلّها ... ليرون أنّا هام أهل الأبطح وترى لنا فضلا على ساداتها ... فضل المنار على الطريق الأوضح «1123» - المتلمس الضبعي: [من الطويل] يعيرني أمي رجال ولا أرى ... أخا كرم إلّا بأن يتكرّما ومن كان ذا عزّ كريم فلم يصن ... له حسبا كان اللئيم المذمما أحارث لو أنا تساط دماؤنا ... تزايلن حتى ما يمسّ دم دما أمنتقلا من نصر بهثة خلتني ... ألا إنّنى منهم وإن كنت أينما ألا إنني منهم وعرضي عرضهم ... كذا الرأس يحمي أنفه أن يكشّما وإن نصابي إن سألت وأسرتي ... من الناس حيّ يقتنون المزنّما وكنّا إذا الجبار صعّر خدّه ... أقمنا له من ميله فتقومّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علّم الإنسان إلّا ليعلما ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما وما كنت إلّا مثل قاطع كفّه ... بكفّ له أخرى فأصبح أجذما يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها مقدّما فلما استقاد الكفّ بالكفّ لم يجد ... له دركا في أن تثّنى فأجحما إذا لم يزل حبل القرينين يلتوي ... فلا بدّ يوما من قوى أن تجذما إذا ما أديم القوم أنهجه البلى ... تفرّى وإن كتّبته وتخرّما «1124» - وكانت هنيدة المعروفة بذات الخمار بنت صعصعة عمة الفرزدق تقول: من جاءت من نساء العرب بأربعة يحلّ لها أن تضع خمارها عندهم كأربعتي: أبي صعصعة، وأخي غالب، وخالي الأقرع بن حابس، وزوجي الزبرقان بن بدر، فسمّيت ذات الخمار. 1125- قال الزبير بن بكار: وكان هند بن أبي هالة [يقول] : ان زينب بنت النبي صلّى الله عليه وسلم تقول: أنا أكرم الناس أربعة: أبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمّي خديجة، وأختي فاطمة، وأخي القاسم، فهؤلاء الأربعة لا أربعتها [1] . «1126» - عبيد الله بن الحرّ: [من الطويل] فإن تك أمّي من نساء أفاءها ... جياد [2] القنا والمرهفات الصفائح فتبّا لفضل الحرّ إن لم أنل به ... كرائم أولاد [3] النساء الصرائح   [1] الإشارة هنا إلى هنيدة عمة الفرزدق وفخرها في الفقرة السابقة. [2] القالي: أصابها سباء. [3] القالي: أبناء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 «1127» - المرثدي بن عتبة التميمي: [من الطويل] رمى الناس عن قوس تميما ولا أرى ... عداوة من عادى تميما أضرّها «1128» - عرفطة الأسدي: [من الطويل] ليهنك بغض في الصديق وظنّة ... وتحديثك الشيء الذي أنت كاذبه وأنّك مشنوء إلى كلّ صاحب ... بلاك ومثل الشرّ يكره راكبه فلم أر مثل الجهل أدنى إلى الردى ... ولا مثل بعض الناس عيّر صاحبه «1129» - وقال عمر بن لجأ التميمي: [من الكامل] تهجو النجوم وأنت مقع تحتها ... كالكلب ينبح كلّ نجم مصعد هيهات حلّت في السماء بيوتهم ... وأقام بيتك بالحضيض الأوهد «1130» - ذو الرمة: [من الطويل] وإنّا لحيّ ما تزال جيادنا ... توطّأ أكباد الكماة وتأسر أبت إبلي أن يعرف الضيم نيبها ... إذا اجتيب للحرب العوان السنوّر أبى الله إلّا أنّنا آل خندف ... بنا يسمع الصوت الأنام ويبصر لنا الهامة الكبرى التي كلّ هامة ... وإن عظمت منها أذلّ وأصغر أنا ابن النبيين الكرام فمن دعا ... أبا غيرهم لا بدّ أن سوف يقهر لنا الناس أعطاناهم الله عنوة ... ونحن له والله أعلى وأكبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 لنا موقف الداعين شعثا عشيّة ... وحيث الهدايا بالمشاعر تنحر وكلّ كريم من أناس سوائنا ... إذا ما التقينا خلفنا يتأخّر هل الناس إلّا نحن أم هل لغيرنا ... بني خندف إلّا العواريّ منبر ومنا بناة المجد قد علمت به ... معدّ ومنا الجوهر المتخيّر «1131» - المتنبي: [من الكامل] أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت ... وإذا نطقت فإنّني الجوزاء وإذا خفيت على الغبيّ فعاذر ... أن لا تراني مقلة عمياء «1132» - وله: [من الطويل] وإنّي لنجم تهتدي صحبتي به ... إذا حال من دون النجوم سحاب غنيّ عن الأوطان لا يستخفّني ... إلى بلد سافرت عنه إياب وأصدى فلا أبدي إلى الماء حاجة ... وللشمس فوق اليعملات لعاب وللسّتر منّي موضع لا يناله ... نديم ولا يفضي إليه شراب وللخود مني ساعة ثم بيننا ... فلاة إلى غير اللقاء تجاب وما العشق إلّا غرّة وطماعة ... يعرّض قلب نفسه فيصاب «1133» - تفاخر صبيّان في خطّهما إلى الحسن بن سهل فقال لأحدهما: خطّك تبر مسبوك، وقال للاخر: خطّك وشي محبوك، وقد تسابقتما إلى غاية، فوافيتما إلى نهاية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 «1134» - تفاخر صاحب السيف وصاحب القلم، فقال صاحب القلم: أنا أقتل بلا غرر، وأنت تقتل على خطر. فقال صاحب السيف: القلم خادم السيف إن مثل مراده، وإلا فإلى السيف معاده. قال البحتري: [من البسيط] من عادة السيف أن يستخدم القلما «1135» - وقال المتنبي: [من البسيط] حتى رجعت وأقلامي قوائل لي ... المجد للسيف ليس المجد للقلم اكتب بنا أبدا بعد الكتاب به ... فإنما نحن للأسياف كالخدم «1136» - وقال ابن الرومي في ضده: [من البسيط] كذا قضى الله للأقلام مذ بريت ... أنّ السيوف لها مذ أرهفت خدم «1137» - مدح الرضي أبو الحسن القادر بالله بقصيدة في آخرها مفاخرة: [من الكامل] عطفا أمير المؤمنين فإننا ... في دوحة العلياء لا نتفرّق ما بيننا يوم الفخار تفاوت ... أبدا كلانا في المعالي معرق إلّا الخلافة ميّزتك فانني ... أنا عاطل منها وأنت مطوّق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 «1138» - والبحتري: [من الخفيف] ذهبت طيّء بسابقة المج ... د على العالمين بأسا وجودا معشر أمسكت حلومهم الأر ... ض وكادت بعزهم أن تميدا بوجوه تعشي السيوف [1] ضياء ... وسيوف تعشي الوجوه وقودا «1139» - أبو تمام: [من الطويل] أنا ابن الذين استرضع المجد فيهم ... وسمّي فيهم وهو كهل ويافع نجوم طوالع جبال فوارع ... غيوث هوامع سيول دوافع مضوا فكأنّ المكرمات لديهم ... لكثرة ما وصّي [2] بهنّ شرائع إذا خفقت بالبذل أرواح جودهم ... حداها النّدى واستنشقتها المطامع رياح كريح العنبر المحض في الندى ... ولكنّها يوم اللقاء زعازع إذا ما أغاروا فاحتووا مال معشر ... أغارت عليهم فاحتوته الصنائع يمدّون بالبيض القواطع أيديا ... وهنّ سواء والسيوف القواطع «1140» - الموسوي: [من الطويل] تفرد في العلياء في أهل بيته ... فكل يهاديه إلى المجد والد وتختلف الأشجار [3] في ثمراتها ... إذا شرقت بالماء [4] والماء واحد   [1] الديوان: العيون. [2] الديوان: أوصوا. [3] الديوان: الآمال. [4] الديوان: بالريّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 «1141» - آخر: [من البسيط] لا تزرين بفتى من أن تكون له ... أمّ من الروم أو سوداء دعجاء فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللأحساب آباء «1142» - أبو عطاء السندي: [من الكامل] إنّ الخيار من البرية هاشم ... وبنو أميّة أرذل الأشرار وبنو أميّة عودهم من خروع ... ولهاشم في المجد عود نضار أما الدعاة إلى الجنان فهاشم ... وبنو أمية من دعاة النار وبهاشم زكت البلاد وأعشبت ... وبنو أمية كالسّراب الجاري «1143» - وقال الرضي: [من المتقارب] وما الشعر فخري ولكنني ... أطول به همّة الفاخر أنزّهه عن لقاء الرجال ... وأجعله تحفة الزائر فما تتهدّى إليه الملو ... ك إلّا من المثل السائر وإنّي وإن كنت من أهله ... لتنكرني حرفة الشاعر وما الفخر في أدب ناتج ... يضاف إلى مطلب عاقر «1144» - وقال أيضا: [من البسيط] وأين قوم كقومي لو سألتهم ... سوابق الخيل في يوم الوغى نزلوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 كالصخر إن حلموا والنار إن غضبوا ... والأسد إن ركبوا والوبل إن بذلوا الطاعنين من الجبّار مقتله ... والضاريين ونقع الذيل [1] منسدل «1145» - وقال أيضا: [من الطويل] وسائلة عنّي كأني لم أبح ... حمى قومها واليوم بالنّقع مسدف لئن كنت مجهولا بذلّي في الهوى ... فإني بعزّي عند غيرك أعرف يفزّع باسمي الجيش ثم يردّني ... إلى طاعة الحسناء قلب مكلّف لنا الدولة الغراء ما زال عندها ... من الجور واق أو من الظلم منصف بعيدة صوت في العلا غير رافع ... بها صوته المظلوم والمتحيّف «1146» - وقال أيضا: [من الطويل] أنا ابن الأولى إما دعوا يوم معرك ... أمدّوا أنابيب القنا بالمعاصم إذا نزلوا بالماحل استنبتوا الرّبى ... وكان نتاجا للبطون [2] العقائم قروا في حياض المجد واستذرعوا القنا ... إلى نيل أعناق الملوك القماقم وما منهم إلا امرؤ شبّ ناشئا ... على نمطي بيضاء من آل هاشم فتى لم تورّكه الإماء ولم تكن ... أعاريبه مدخولة بالأعاجم إذا همّ أعطى نفسه كلّ منية ... وقعقع أبواب الأمور العظائم وما اتخذوا إلا الرماح سرادقا ... ولا استنوروا إلا بضوء اللهاذم وما فيهم من يقسم القوم أمره ... ولا ضارع ينقاد طوع الحزائم   [1] الديوان: وذيل النقع. [2] س: العظائم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 ولا واهن [1] إن عضّه الأمر هابه ... وألقى مقاليد الذليل المسالم [2] لنا عفوات الماء من كلّ منهل ... موارد آساد العرين الضراغم لويت إلى ودّ العشيرة جانبي ... على عظم داء بيننا متفاقم ونمت عن الأضغان حتى تلاحمت ... جوائف هاتيك الندوب القدائم وأوطأت أقوال الوشاة أخامصي ... وقد كان سمعي مدرجا للنمائم وسالمت لما طالت الحرب بيننا ... إذا لم تظفّرك الحروب فسالم وقد كنت أصميهم بعوج [3] نوافذ ... تئنّ لها الأعراض يوم الخصائم صوائب من نبل العداوة لم تزل ... تعطّ قلوبا من وراء الحيازم قضيت بهم حقّ الحفائظ مدّة ... ولا بدّ أن أقضي حقوق المكارم تورّد ذكري كلّ نجد وغائر ... وألجم خوفي كلّ باغ وظالم وهدّد بي الأعداء في المهد لم يحن ... نهوضي ولم أقطع عقود تمائمي وعندي يوم لو يزيد ومسلم ... بدا لهما لاستقصرا [4] يوم واقم على العزّ مت لا ميتة مستكينة ... تزيل عن الدنيا بشمّ المراغم وخاطر على الجلّى خطار ابن حرّة ... وإن زاحم الأمر العظيم فزاحم «1147» - وقال أيضا: [من الهزج] لنا كلّ غلام هم ... مه أن يرد الحينا يخال موفّيا نذرا ... به أو قاضيا دينا   [1] س: ضارع. [2] س: المساهم. [3] الديوان: بعور. [4] س: والديوان: لاستصغرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 حديد السّمع في حيث ... تكون الأذن العينا «1148» - وقال يفتخر بقومه: [من الطويل] من القوم حلّوا في المكارم والعلا ... بملتفّ أعياص الفروع الأطايب أقاموا بمستنّ البطاح ومجدهم ... مكان النّواصي من لؤيّ بن غالب بهاليل أزوال تعاج إليهم ... صدور القوافي أو صدور النجائب عظام المقاري يمطرون نوالهم ... بأيدي مساميح سباط الرواجب وأضحوا على الأعواد تسمو لحاظهم ... كلمح القطاميّات فوق المراقب فما شئت من داع إلى الله مسمع ... ومن ناصر للحقّ ماضي الضرائب تساموا إلى العزّ الممنّع وارتقوا ... من المجد أنشاز الذّرى والغوارب بحيث ابتنت أمّ النجوم منارها ... وأوفت ربايا الطالعات الثّواقب لهم ورق من عهد عاد وتبّع ... حديد الظبا إلا انثلام المضارب فضالات ما أبقى الكلاب وطخفة ... وما أسأر الأبطال يوم الذنائب بهنّ فلول من وريدي عتيبة ... ونضح نجيع من ذؤاب بن قارب تقلقل في الأغماد هزلا وخطبها ... جسيم إذا جرّبن بعض التجارب غدوّا إلى هدم الكواهل والطّلى ... وعودا إلى حذف الذّرى والعراقب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 نوادر في الفخر «1149» - قال رجل: كان أبي الذي قيل له: [من المتقارب] يقوم القعود إذا أقبلوا فقال آخر: صدق لأنه كان بين يديه حمل شوك. «1150» - لما قال إسماعيل بن يسار قصيدته التي يفخر فيها بالفرس على العرب، ومنها: [من الخفيف] إذ نربّي بناتنا وتدسّو ... ن سفاها بناتكم في التراب قال له العربي: لأن حاجتنا إلى البنات غير حاجتكم، يعني أنهم ينكحون بناتهم. «1151» - لما قال مسكين الدارمي يفتخر: [من الكامل المرفّل] ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر قالت امرأته: صدقت لأنها ناره وقدره. ولما قال: ما ضرّ جارا لي أجاوره ... ألا يكون لبيته ستر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 قالت: إن كان له ستر هتكته. «1152» - قال بعضهم: مررت بجماعة [1] من الكناسين وقد وقفوا على بئر لينقلوها، فقالوا لأحدهم: انزل، فتجرّد ونزل وهو يقول: [من الخفيف] لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النزولا «1153» - مرّ الفرزدق بالفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب وهو يستقي وينشد: [من الرمل] من يساجلني يساجل ماجدا ... يملأ الدّلو إلى عقد الكرب فشمر الفرزدق ثيابه عنه وقال: أنا أساجلك، ثقة بنسبه، فقيل له: هذا ابن العباس بن عتبة ابن أبي لهب، فردّ الفرزدق ثيابه عليه وقال، ما يساجلك إلا من عضّ بأير أبيه. «1154» - أتي العريان بن الهيثم بشابّ سكران، فقال: من أنت؟ فقال: [من الطويل] أنا ابن الذي لا تنزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوما فسوف تعود ترى الناس أفواجا إلى باب داره ... فمنهم جثوم عندها وقعود فظنّ أنه من أولاد الملوك فأمر بتخلية سبيله، ثم قال لبعض الشّرط: أخرج فاسأل   [1] م: على جماعة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 عن هذا ابن من هو. فسأل عنه فقيل: هو ابن باقلّاني. 1155- قال العتبي: كان يجالسنا فتى من بني الحرماز فقال يوما: نظرت في نسبي فلم أجدني أصابتني هجنة إلا من قبل إبراهيم بن إسماعيل عليهما السلام. فقلنا له: أنت صريح وإسماعيل هجين، فأيكما أشرف؟ قال: فمسح سباله وقال: أما أنا فلا أقول شيئا. «1156» - تفاخر أسدي وهذلي فرضيا برجل، فقال، إني ما أقضى بينكما إلا أن تجعلا لي عقدا وثيقا ألا تضرباني، فإني لست في بلاد قومي، ففعلا. فقال: يا أخا بني أسد كيف تفاخر العرب وأنت تعلم أنه ليس حي أحبّ إلى الجيش [1] ولا أبغض إلى الضيف، ولا أقلّ تحت الرايات منكم؟ وأما أنت يا أخا هذيل فكيف تكلّم الناس وفيكم ثلاث خلال: منكم دليل الحبشة على الكعبة، ومنكم خولة ذات النحيين، وسألتم رسول الله أن يحلّ لكم الزنا. ولكن إذا أردتم بيتي مضر فعليكم بهذين الحيّين من تميم وقيس، قوما في غير حفظ الله. «1157» - قال الجاحظ. أتيت بيت أبي الربيع الغنوي، وكان من أفصح الناس وأبلغهم، ومعي رجل من بني هاشم. فقلت: أبو الربيع هاهنا؟ فخرج إليّ وهو يقول: خرج إليك رجل كريم. فلما رأى الهاشميّ استحيا من فخره بحضرته، فقال: أكرم الناس رديفا وأشرفهم حليفا. فحدثنا مليا ثم نهض الهاشميّ فقلت لأبي الربيع: يا أبا الربيع، من خير الخلق؟ قال: الناس. قلت: فمن خير الناس؟ قال: العرب. قلت، فمن خير العرب؟ قال: مضر والله. قلت: فمن خير مضر؟ قال: قيس والله. قلت: فمن خير قيس؟ قال: يعصر   [1] ر: الجليس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 والله. قلت: فمن خير يعصر؟ قال: غنيّ والله. قلت: فمن خير غنيّ؟ قال: المخاطب لك والله. قلت: فأنت خير الناس؟ قال: اي والله. قلت: أيسرّك أن تحتك ابنة يزيد بن المهلب؟ قال: لا والله. قلت: ولك ألف دينار. قال: لا، والله. قلت: ولك الجنة. فأطرق وقال: على أن لا تلد منّي. قوله: أكرم الناس رديفا يعني أبا مرثد الغنوي، كان رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وأشرفهم حليفا هو كان حليف حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. ويقال رجل كرم وامرأة كرم، وكذلك كلّ ما يوصف بالمصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمذكّر والأنثى. 1158- دعا أعرابي عند الكعبة مادّا يده وهو يقول: اللهم إن كنت ترى يدا أكرم منها فاقطعها. «1159» - مرّ نصر بن سيار الليثي بأبي الهنديّ وهو غالب بن عبد القدوس بن شبث بن ربعي، وهو يميل سكرا فقال: أفسدت شرفك. فقال له أبو الهنديّ: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان. «1160» - وزعم الأصمعيّ أنه رأى رجلا يختال في أزيّر في يوم قرّ، فقال له: ممن انت يا مقرور؟ قال: أنا ابن الوحيد أمشي الخيزلى ويدفئني حسبي. 1161- وقيل لآخر في مثل هذه الحال [1] : أما يوجعك البرد؟ قال: بلى، ولكنيّ أذكر حسبي فأدفأ. «1162» - قال بلال بن أبي بردة للهيثم بن أبي الأسود: أنا ابن أحد   [1] م: مثل هذا الباب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 الحكمين. قال: أما أحدهما ففاسق وأما الآخر فمائق، فابن أيهما أنت؟ «1163» - قدم أعرابي على يزيد بن مزيد وهو يتغدّى فقال لأصحابه: أفرجوا لأخيكم. فقال الأعرابي: لا حاجة بي إلى ذلك، إن أطنابي بحمد الله طوال. فلما جلس وتهيأ ليأكل ضرط، فقال له يزيد، واستضحك: ما أظنّ إلا أن طنبا من أطنابك قد انقطع. 1164- تفاخر بصريّ وبغداديّ، فقال البصريّ للبغدادي: بم تفاخرني؟ فقال له البغدادي: تعال حتى نتناصف، ولا يستعمل منا أحد مع صاحبه البهت. فقال البصريّ: أفعل، فقال له البغداديّ: كيف طعم مائكم؟ قال: فيه أدنى ملوحة. قال: فكيف لونه؟ قال: فيه أدنى خضرة. قال: فكيف ريحه؟ قال: فيه أدنى نتن. قال: فهذه صفة الخرا ببغداد. «1165» - قال قائل لنصيب: أيها العبد مالك وللشعر؟ فقال: أمّا قولك عبد، فما ولدت إلا وأنا حرّ، لكنّ أهلي ظلموني فباعوني، وأما السواد فأنا الذي أقول: [من الوافر] فان أك حالكا لوني فاني ... لعقل غير ذي سقط وعاء وما نزلت بي الحاجات إلّا ... وفي عرضي من الطمع الحياء «1166» - وقال نصيب أيضا يفتخر ويعتذر عن سواده: [من الكامل] ليس السواد بناقصي ما دام لي ... هذا اللسان إلى فؤاد ثابت كم بين أسود ناطق ببيانه ... ماضي الجنان وبين أبيض ساكت من كان ينفعه منابت أصله ... فبيوت أشعاري جعلن منابتي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 إني ليحسدني الرفيع بناؤه ... من فضل ذاك وليس بي من شامت 1167- أخبر أبو الحكم عبد المطلب بن عبد الله بن يزيد [1] بن عبد الملك قال: والله إني بالعقيق في قصر القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وعندي أشعب وأبو رقيّة وعمر الوادي، إذ دعوت بدينار فوضعته بين يديّ وسبقتهم في دحق، فكان أول من خسق أبو رقية فقال: أنا ابن عامر القاري، أنا ابن أول أعمى تقدم في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ثم خسق أشعب ثم قال: أنا ابن الجلندح؛ أنا ابن المحرّشة بين أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلم. قال أبو الحكم: فقلت له أي أخزاك الله، هل سمعت أحدا قطّ فخر بهذا؟ فقال: وهل فخر أحد بمثل فخري؟ لولا أنّ أمي كانت عند هن ثقة ما قبلن منها حتى تغضب بعضهنّ على بعض. يقال: دحق يده عن الشيء إذا قبضها، والدحيق: البعيد. وأدحقه الله أبعده. وأدحقت الرحم رمت بالماء فلم تقبله. والدحاق: أن يخرج رحم الأنثى بعد الولادة حتى تموت؛ وهي دحوق. وخسق السهم الهدف أصابه ولم يرتدّ وتعلّق. «1168» - خرج العجّاج محتفلا. [2] عليه جبّة من خز وعمامة من خزّ، على ناقة له قد أجاد رحلها حتى وقف بالمربد، والناس مجتمعون فأنشدهم قوله: [من الرجز] قد جبر الدين إلاله فجبر فذكر فيها ربيعة وفخر عليهم وهجاهم؛ فجاء رجل من بكر بن وائل إلى أبي النجم العجليّ، وهو في بيته، فقال: أنت جالس وهذا العجاج يهجونا في المربد   [1] س: زيد. [2] م: مختفيا (اقرأ: محتفيا) ؛ الأغاني: متحفلا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 قد اجتمع عليه الناس؟! فقال: صف لي حاله وزيّه الذي هو عليه، فوصفه له؛ فقال: ابغني جملا طحانا [1] قد أكثر عليه من الهناء، فجاء بالجمل إليه، فأخذ سراويل [2] له فجعل إحدى رجليه في السراويل واتّزر الأخرى وركب الجمل ودفع خطامه إلى من يقوده حتى أتى المربد، فلما دنا من العجاج قال: اخلع خطامه، فخلعه وأنشد: [من الرجز] تذكّر القلب وجهلا ما ذكر فجعل الجمل يدنو من الناقة ويتشمّمها ويتباعد عنه العجاج لئلا يفسد ثيابه ورحله القطران، حتى بلغ إلى قوله: شيطانه أنثى وشيطانى ذكر فعلق الناس هذا البيت، وهرب العجاج منه. 1169- نزل على رجل من طيء من بني حيّة رجل من بني الحارث بن ذهل ابن شيبان يقال له المكّاء، فذبح له شاة وسقاه من الخمر، فلما سكر الطائي قال: هلّم أفاخرك: أبنو حية أكرم أم بنو شيبان؟ فقال له الشيباني: حديث حسن ومنادمة كريمة أحبّ إلينا من المفاخرة. فقال الطائي: والله ما مدّ رجل قطّ يدا أطول من يدي. فقال الشيباني: والله لئن رفعتها [3] لأخضبنّها من كوعها، فرفع الطائي يده، فخضبها من كوعها كما قال. «1170» - قيل لجرير إن الطّرمّاح قد هجا الفرزدق وقد كبر وضعف، فلو أجبت عنه، فقال: صدى الفرزدق يفي بطيء كلّها، وقد أردت ذلك   [1] م: طحانيا. [2] س م: سراويلا. [3] س: أعدتها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 فخفت أن يقال: اجتمع فحلا مضر على مخنّث طيء. «1171» - وقع بين أبي علقمة وبين رجل ندّاف فقال له: لو وضعت يمنى رجليك على حراء، ويسراهما على ثبير، ثم تناولت قوس قزح [1] فندفت له بالغيم على حساب الملائكة [2] ، ما كنت إلّا ندافا. «1172» - مازح الفرزدق بلال بن أبي بردة فذمّ بلال بني تميم ومدح أبا موسى، فقال الفرزدق: والله لو لم تكن لأبي موسى إلّا فضيلة واحدة لكفته. قال: وما هي؟ قال: حجامته. فقال بلال: قد فعل ذلك لحاجة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى ذلك؛ وما فعله قبله ولا بعده، فقال الفرزدق: كان أبو موسى أتقى لله من أن يقدم على نبيه بغير حذق. «1173» - قال الحجاج بن عبد الملك بن الحجاج بن يوسف: لو كان رجل من ذهب لكنته، قيل: كيف؟ قال: لم تلدني أمة إلى آدم ما خلا هاجر، فقالوا له: لو لاها لكنت كلبا من الكلاب. «1174» - جندل مولى عديّ بن حاتم يفتخر بأنّه محرّر الرجال دون النساء: [من الطويل] وما فكّ رقي ذات دلّ خريدة [3] ... ولا أخطأتني غرّة وحجول نماني إلى العلياء أبيض ماجد ... فأصبحت أدري اليوم كيف أقول   [1] س: قوس الله. [2] فندفت ... الملائكة: سقط من س. [3] البيان: خبرنج (أي خلق حسن) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 1175- جعفر بن عقاب، وعقاب أمة سوداء: [من الوافر] وضمّتني العقاب إلى حشاها ... وخير الطير قد علموا العقاب فتاة من بني سام بن نوح ... سبتها الخيل غصبا والركاب «1176» - قيل لأبي العيناء: ما تقول في ابني وهب؟ فتلا قوله سبحانه وتعالى: (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) (فاطر: 12) 1177- قال سعيد بن سلم: حججنا سنة فبينا أنا أسير على حمار خلف المحامل والقباب والكنايس إذا أنا بأعرابي واقف ينظر إليها وهي تمرّ عليه. فقال لي: لمن هي يا هناه؟ فقلت: لرجل من باهلة. فقال: والله ما رأيت كاليوم قطّ. ما ظننت أنّ الله يعطي باهليا هذا ولا نصيفه ولا عشيره. فقلت: هل يسرّك أنها لك وأنك من باهلة؟ قال: لاها الله ذا. فناولته صرّة كانت معي فقال: والله لقد وافقت مني حاجة، فقلت: إني من باهلة، فردّها وقال: أكره والله أن ألقى الله ولباهليّ عندي يد. فحدثت الرشيد فضحك وقال: ما أصبرك يا سعيد. «1178» - قيل لأبي عبيدة: إن الأصمعيّ قال: بينا أبي يساير سلم بن قتيبة على فرس له، فقال أبو عبيدة: سبحان الله! المتشّبع بما ليس عنده كلابس ثوبي زور، والله ما ملك أبوه دابّة إلا في ثوبه. 1179- رؤي رجل في نظارة السباق، وقد سبق فرس، وهو يظهر النشاط وفرط سرور وابتهاج، فقيل: أهو لك؟ فقال: لا، ولكن لجامه لي. «1180» - قال سقراط لرجل عيّره بحسبه: حسبي مني ابتدأ وحسبك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 إليك انتهى. «1181» - وقال آخر: قومي عار عليّ وأنت عار على قومك. «1182» - وطعن في حسب رجل فقال: لأن يكون حسبي عيبا عليّ أصلح من أن أكون عيبا على حسبي. «1183» - وقيل: لأن يكون الرجل شريف النفس دنيء الأصيل أفضل من أن يكون دنيء النفس شريف الأصل. «1184» - قيل لرجل من ولد بشر بن مروان، وكان مأبونا، إن أباك كان سهما من سهام المسلمين وسيفا من سيوفهم فقال: وأنا جعبة من جعابهم وغمد لسيوفهم. «1185» - بعض العبيد الرعاة يفاخر آخر: [من الطويل] أتبعثني في الشاء وابن مويلك ... على هجمة قد لوّحتها الطبائخ متى كان عمران الثماليّ راعيا ... وقد راعه بالدوّ أسود سالخ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 محتويات الكتاب الباب السابع في الوفاء والمحافظة والأمانة والغدر والملل والخيانة 5 خطبة الباب 7 أحاديث في الوفاء 8 صور من الوفاء 10 وفاء السموأل 12 وفاء حاجب بن زرارة 14 يوم ذي قار 15 وفاء عبد الملك بن مروان 19 حكايات مختلفة عن الوفاء 20 أعرق العرب في الغدر 24 حكايات في الغدر 25 أشعار في الوفاء 30 حكاية الضيزن صاحب الحضر وبنته 32 جزاء سنمار 33 عمرو بن جرموز والزبير 34 عضل والقارة 35 بنو مفروق 38 الوفاء في النساء 39 وفاء كلب 42 نوادر من هذا الباب 43 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 الباب الثامن في الصدق والكذب ويتصل به فصل في العهود والمواثيق وأقسام العرب 45 خطبة الباب 47 آيات وأحاديث وأقوال في الصدق 48 عمرو بن معديكرب والكذب 54 تكاذب الأعراب 54 حماد الراوية والمفضل عند المهدي 55 نماذج من الكذابين 57 أقوال في الصدق والكذب 61 مواقف لعمر وبلال والمأمون 62 فصل في الايمان والمواثيق وأقسام العرب 65 الحلف وتفسير بعض الأقسام 66 أقسام العرب 72 نسخة بيعة لخليفة 74 عودة إلى الصدق والكذب 75 نوادر من هذا الباب والفصل 81 الباب التاسع في التواضع والكبر 89 خطبة الباب 91 آيات وأحاديث 92 أقوال للأئمة 93 تواضع عمر 95 كبر وائل بن حجر 97 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 على والتواضع 98 أقوال في التواضع والكبر 98 تيه عمارة بن حمزة 101 العجب أفسد أمر خالد القسري 103 الرشيد يصب الماء على يدي عالم 106 عقيل بن علفة والكبر 107 لو أدرك الحجاج أربعة 107 المذكورون بالكبر من قريش 108 نوادر من هذا الباب 111 الباب العاشر في القناعة والظلف والحرص والطمع 113 خطبة الباب 115 آيات وأحاديث وحكم 116 أخبار في هذا الباب 119 عروة بن أذينة والرزق 122 أبو دهمان الغلابي 123 مزيد من الأخبار والأشعار 124 لما افتتح الرشيد هرقلة 133 عود إلى إيراد الأشعار 133 مزيد من الحكايات 135 نوادر من هذا الباب 139 الباب الحادي عشر ما جاء في صون السر وتحصينه والسعاية والنميمة 145 خطبة الباب 147 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 آيات وأحاديث وحكم 148 أشعار في صون السر 151 في الغيبة والسعاية 155 نوادر من هذا الباب 163 الباب الثاني عشر ما جاء في العدل والجور 167 خطبة الباب 169 آيات وأحاديث وحكم 170 أخبار في العدل والجور 174 صفة الإمام العادل للحسن البصري 185 مالك وابن طاووس عند المنصور 186 عود إلى الأقوال والأخبار 187 الأحنف عند معاوية 189 رقعة من أحمد بن اسماعيل إلى ابن المعتز 190 أشعار منصفة 191 عمر بن عبد العزيز وغيلان 193 حكايات في الباب 193 أحمد بن طولون 200 حلف الفضول 203 أبو الطمحان يستجير بعبد الله بن جدعان 207 عمر بن عبد العزيز 209 عمر بن الخطاب 209 المنصور والفساد 212 حكايات في العدل والجور 214 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 نوادر من هذا الباب 220 الباب الثالث عشر في العقل والحنكة والتجارب والحمق والجهل 227 خطبة الباب 229 آيات وأحاديث وحكم 230 حقيقة العقل 233 فصل للغزالي في العقل 233 كلام الحكماء والأدباء وشعر الشعراء في العقل والعاقل والجهل والجاهل 241 عمر وهرم بن قطبة 248 نصيب وجارية حمراء 249 عند المأمون 250 ناس ذكروا بالجهل والحمق 251 من أهتر؛ ومن حمّق 253 أخبار عن المنصور 261 عقيل بن علفة 262 محمد الأمين 263 أقوال في العقل والحمق 264 نوادر من هذا الباب 272 الباب الرابع عشر في المشورة والرأي صوابه وخطأه 295 خطبة الباب 297 آيات وأحاديث وحكم وأشعار 298 المشورة عند اليونان والفرس 301 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 الرسول في غزوة بدر 307 عود إلى أخبار وحكم 308 نوادر من هذا الباب 319 الباب الخامس عشر في العهود والوصايا 321 خطبة الباب 323 الوصايا في القرآن والحديث 324 وصايا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي 327 وصية هرم بن حيان 331 وصية مروان بن الحكم لابنه عبد العزيز 332 وصايا متفرقة 333 وصية الحارث بن كعب 341 وصية أكثم بن صيفي 343 وصية أعرابية لابنتها 343 وصية رجل من ربيعة لابنه 344 وصية دريد بن الصمة 344 وصية أسلم بن أفصى 345 وصية يزيد بن المهلب لابنه 346 وصية قيس بن عاصم لبنيه 347 عينية عبدة بن الطبيب 349 ابن طباطبا يوصي أبا السرايا 351 عهد لابن عبد كان 352 فصول من عهود للصابي 353 نسخة عهد جاثليق 364 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 نوادر في الوصايا والعهود 369 مقامة الوصية للهمذاني 376 عهد لطفيلي 377 الباب السادس عشر في الفخر والمفاخرة 385 خطبة الباب 387 آيات وأحاديث 388 أخبار في الباب 389 أشعار في الفخر 391 عود إلى الأخبار 396 عود إلى الأشعار 398 التناوب بين الأخبار والأشعار 408 بين اليمنية والقيسية 411 كتاب المنصور إلى محمد النفس الزكية والجواب 414 وفد بني تميم عند الرسول 419 حكايات وأشعار في الفخر 420 يزيد بن شيبان والشيخ المهري 427 الأنصار ودغفل النسابة 430 عبد الله بن عبد المدان ومعرفته بقومه 431 أشعار في الفخر 432 نوادر في الفخر 442 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 الجزء الرابع التذكرة الحمدونيّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 التذكرة الحمدونيّة تصنيف ابن حمدون محمّد بن الحسن بن محمّد بن علي تحقيق احسان عبّاس وبسكر عبّاس المجلّد الرّابع دار صادر بيروت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 الباب السّابع عشر في المدح والثناء ويتصل به فصلان الشكر، والاعتذار والاستعطاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله المحمود بآلائه، الممدوح على نعمائه، المشكور بجزيل عطائه، المستعطف من حلول بلائه، كاشف الكرب وقد أظلمت، وقابل التوبة من منيب إذا خلصت، المنعم على المعتذر بكريم صفحه، ومثيب المناجي على ثنائه ومدحه، لا يستحقّ المدح الصادق سواه، ولا يستوجب الشكر الخالص إلا إياه، يمدح بأوصاف المحامد، وأقر له بذلك المعترف والجاحد، والصلاة على رسوله المشتق اسمه من الحمد، المخصوص بفضيلة الشّرف والمجد، وعلى آله وصحبه، ما طرق ظلام بشهبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 [ في المدح والثناء ] (الباب السابع عشر في المدح والثناء) «1» - ويتّصل به فصلان: الشكر، والاعتذار والاستعطاف. وألحقت هذين الفصلين بالباب لأنهما في معناه، فالشاكر مثن، والمعتذر والمستعطف راغب، وكلاهما في المعنى راج ومادح. وحقيقة المدح وصف الموصوف بأخلاق يحمد صاحبها عليها ويكون نعتا حميدا له. وهذا يصحّ من المولى في حقّ عبده، ويخرّج عليه قوله تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص: 44) وقوله سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4) وقوله عزّ وجلّ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ، إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (المؤمنون: 1- 6) وقوله تعالى: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (التوبة: 112) ومثل ذلك في الكتاب العزيز كثير. ويناسبه وصف النبيّ صلّى الله عليه وسلم لأصحابه، وإن لم يكن على جهة المدح، فإنه تنبيه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 على منازلهم، وبيان لأحوالهم، بأحسن الذّكر. والمدح ذكر مخلّد وعمر مجدّد. وكانت العرب تراه عنوان فضلها، وسمة عقلها، قال شاعرهم: [من الطويل] فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بأحسابنا إنّ الثناء هو الخلد «2» - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنة هرم: ما كنتم أعطيتم زهيرا حين قال فيكم ما قال؟ فقالت: أعطيناه قلائص تنضى وحللا تبلى، قال: لكنّ الذي أعطاكم لا يبليه الدهر. «3» - وأحسن المدح وقعا في الأسماع، وأعلقه بالأفواه، ما كان قصدا لا شطط ولا وكس، فإن صدّقه الممدوح بالفعال فهناك يسير مسير الشمس. وقد قال عليّ كرّم الله وجهه: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عيّ أو حسد. وما أقبح من استدعى مشهور الثناء وتصدّى لكشف الشعراء أن يتعرّض لقول القائل: [من الطويل] وكنت متى تسمع مديحا ظلمته ... يكن لك أهجى كلّما كان أمدحا وقد قال شاعر محدث: [من البسيط] والشعر أهجاه للإنسان أمدحه ... إذا امرؤ قيل فيه غير ما فعلا وحسبه أنّ الله تعالى ذمّه حيث أحبّ أن يحمد بما لم يفعل. وللشعراء عادة في التجوّز وتجاوز قدر الممدوح يغضى عنها إذا اقترنت بالإحسان، وتشغل عن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 المحاققة عليها بدائع البيان. وسأذكر من ذلك نظما ونثرا ما أختصره، وأجهد أن يسلم من العيّ مخبره، والله الموفق. «4» - أنشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول زهير بن أبي سلمى المزني في هرم بن سنان بن أبي حارثة: [من الكامل المرفل] دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير الكهول وسيّد الحضر لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنوّر ليلة البدر ولأنت أوصل من سمعت به ... لشوابك الأرحام والصهر ولنعم حشو الدرع أنت إذا ... دعيت نزال ولجّ في الذعر وأراك تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري أثني عليك بما علمت وما ... أسلفت في النّجدات من ذكر فقال عمر: ذاك رسول الله صلّى الله عليه وسلم. [ مدائح زهير في هرم ] «5» - ولزهير في هرم مدائح أصفاه فيها مجهوده، فمنها قوله: [من الطويل] وأبيض فيّاض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغبّ فواضله [2] بكرت عليه غدوة فوجدته ... قعودا لديه بالصريم عواذله يفدّينه طورا وطورا يلمنه ... وأعيا فما يدرين أين مخاتله فأقصرن منه عن كريم مرزّإ ... عزوم [3] على الأمر الذي هو فاعله   [1] مخبره: سقطت من م. [2] الديوان: نوافله. [3] الديوان: جموع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 تراه إذا ما جئته متهللا ... كأنك معطيه الذي أنت سائله «6» - وقال أيضا: [من البسيط] إنّ البخيل ملوم حيث كان ول ... كنّ الجواد على علّاته هرم هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم احيانا فيظّلم «7» - وله قصيدة منها قوله: [من الطويل] على مكثريهم حقّ من يعتريهم ... وعند المقلّين السماحة والبذل وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم ... مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يبلغوا [2] ولم ينالوا ولم يألوا فما يك من خير أتوه فإنّما ... توارثه آباء آبائهم قبل وهل ينبت الخطيّ إلّا وشيجه ... وتغرس إلّا في منابتها النخل «8» - وروي أنّ هرما أقسم لا يسلّم عليه زهير إلّا أعطاه عشرة أعبد وأمة، فلما كثر ذلك على زهير صار إذا مرّ بالنادي وفيه هرم قال: أنعموا صباحا ما عدا هرما وخيركم تركت، فكان فعله هذا أمدح له من شعره. «9» - وقال كعب بن زهير في [3] رسول الله صلّى الله عليه وسلم: [من البسيط] [ كعب يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ]   [1] الديوان: تعطيه. [2] الديوان: يفعلوا. [3] ب: يمدح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 إنّ الرسول لسيف يستضاء به ... مهنّد من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكّة لمّا أسلموا زولوا زالوا فما زال أنكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل معازيل شمّ العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل لا يفرحون إذا نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا لا يقع الطعن إلّا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل وله معتذرا إليه صلّى الله عليه وسلم: أنبئت أنّ رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم ... أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل وإنما لم أبتدىء بممادح رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأستكثر منها لأنّه صلّى الله عليه وسلم يجلّ عن مدح الشّعر، ومن مدحه الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز غنيّ عن مدح المخلوقين. وكان سبب قصيدة كعب بن زهير أنّ كعبا وبجيرا ابني زهير بن أبي سلمى خرجا إلى أبرق العزّاف [1] ، فقال بجير لكعب: اثبت في الغنم حتى آتي هذا الرجل- يعني النبي صلّى الله عليه وسلم- فأسمع كلامه وأعرف ما عنده. فأقام كعب ومضى بجير، فعرض عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم الإسلام فأسلم، واتّصل إسلامه بأخيه كعب فقال: [من الطويل] ألا أبلغا عنّي بجيرا رسالة ... فهل لك في ما قلت ويحك هل لكا سقاك بها المأمون كأسا رويّة [2] ... وأنهلك المأمون منها وعلّكا   [1] م ب: العراق. [2] الشعر والشعراء: سقيت بكأس عند آل محمد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 ففارقت أسباب الهدى وتبعته ... على أيّ شيء ويب غيرك دلّكا على مذهب لم تلف أمّا ولا أبا ... عليه ولم تعرف عليه أخا لكا فاتّصل الشّعر برسول الله صلّى الله عليه وسلم فأهدر دمه. فكتب بجير إلى كعب: النجاء النجاء، فقد أهدر رسول الله صلّى الله عليه وسلم دمك، وما أحسبك ناجيا. ثم كتب إليه إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما جاءه أحد يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله إلّا قبله ولم يطالبه بما تقدّم الإسلام، فأسلم وأقبل. فتوجّه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. قال كعب بن زهير: فأنخت راحلتي على باب المسجد ودخلته، وعرفت النبيّ صلّى الله عليه وسلم بالصفة التي وصفت لي، فكان مجلس رسول الله مع أصحابه مثل موضع المائدة من القوم يتحلّقون حوله حلقة ثم حلقة، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم، ثم على هؤلاء فيحدثهم، فدنوت منه فقلت: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله. الأمان يا رسول الله. قال: من أنت؟ قلت: كعب بن زهير، قال: الذي يقول ما يقول؟ ثم أقبل على أبي بكر رضي الله عنه فاستنشده الشّعر فأنشده أبو بكر: سقاك بها المأمون كأسا روية. فقلت: لم أقل هكذا، إنما قلت: سقاك أبو بكر بكأس رويّة ... وأنهلك المأمون منها وعلّكا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: مأمون والله، وأنشدته الشّعر. «10» - وقال أمية بن أبي الصلت الثّقفي يمدح عبد الله بن جدعان: [من الوافر] أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إنّ شيمتك الحياء الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 وعلمك بالأمور وأنت قرم ... لك الحسب المهذّب والسّناء كريم لا يغيّره صباح ... عن الخلق السنيّ ولا مساء إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثّناء 11- قال الحسين بن الحسن المروزيّ: سألت سفيان بن عيينة فقلت: يا أبا محمد، ما تفسير قول النبي صلّى الله عليه وسلم: كان من أكثر دعاء الأنبياء قبلي بعرفة: لا إله إلّا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير؛ وإنما هو ذكر وليس فيه من الدعاء شيء. فقال لي: أعرفت حديث مالك ابن الحارث، يقول الله جلّ ثناؤه: إذا شغل عبدي ثناؤه عليّ عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلون. قلت: نعم، أنت حدثتنيه عن منصور عن مالك بن الحارث. قال: فهذا تفسير ذلك. ثم قال: أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين خرج إلى ابن جدعان يطلب نائله وفضله؟ قلت: لا أدري، قال، قال له: أأذكر حاجتي ... إذا أثنى ... وذكر البيتين، ثم قال سفيان: فهذا مخلوق ينسب إلى الجود، قيل له: يكفينا من مسألتك أن نثني عليك ونسكت حتى تأتي على حاجتنا، فكيف بالخالق؟ [ مدائح للشماخ والحطيئة والأخطل ] «12» - وقال الشمّاخ بن ضرار: [من الطويل] وأبيض [1] قد قدّ السّفار قميصه ... يجرّ شواء بالغضا غير منضج دعوت إلى ما نابني فأجابني [2] ... كريم من الفتيان غير مزلّج   [1] الديوان: وأشعث. [2] الديوان: دعوت فلبّاني على ما ينوبني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 المزلّج من الفتيان: غير الكامل. فتى يملأ الشيزى ويروي سنانه ... ويضرب في رأس الكميّ المدجّج فتى ليس بالراضي [1] بأدنى معيشة ... ولا في بيوت الحيّ بالمتولّج «13» - وقال الحطيئة: [من الطويل] وفتيان صدق من عديّ عليهم ... صفائح بصرى علّقت بالعواتق إذا ما دعوا لم يسألوا من دعاهم ... ولم يمسكوا فوق القلوب الخوافق وطاروا إلى الجرد الجياد فألجموا ... وشدّوا على أوساطهم بالمناطق أولئك آباء الغريب وغاثة ال ... صريخ ومأوى المرملين الدّرادق أحلّوا حياض الموت فوق جباههم ... مكان النواصي من وجوه السّوابق «14» - وقال أيضا: [من الطويل] أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا وإن كانت النّعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا وإن قال مولاهم على جلّ حادث ... من الدهر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا وإنّ الشقيّ من يعادي صدورهم ... وذو الجدّ من لانوا إليه ومن ودّوا يسوسون أحلاما بعيدا أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدّ أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدوا   [1] الديوان: أبل فلا يرضى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 «15» - وقال أيضا: [من الطويل] تزور امرءا يعطي على الحمد ماله ... ومن يعط أثمان المحامد يحمد وأنت امرؤ من تعطه اليوم [1] نائلا ... بكفّيك لا تمنعه من نائل الغد ترى الجود لا يدني من المرء حتفه ... كما البخل والإمساك ليس بمخلد [2] مفيد [3] ومتلاف إذا ما سألته ... تهلّل واهتزّ اهتزاز المهنّد متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد وسمع عمر رضي الله عنه هذا البيت فقال: كذب، تلك نار موسى عليه السلام. «16» - وقال الأخطل: [من الطويل] لعمري لقد أسريت لا ليل عاجز ... بساهمة الخدّين طاوية القرب إليك أمير المؤمنين رحلتها ... على الطائر الميمون والمنزل الرّحب مناخ ذوي الحاجات يستمطرونه ... عطاء جزيلا [4] من أسارى ومن نهب ترى الحلق الماذيّ تجري فضوله ... على مستقلّ [5] بالنوائب والحرب «17» - وقال أيضا: [من الطويل] كريم مناخ القدر [6] لا عاتم القرى ... ولا عند أطراف القنا بهيوب   [1] الديوان: تزور امرءا إن يعطك اليوم [2] روايته في الديوان: يرى البخل لا يبقي على المرء ماله ... ويعلم أنّ الشحّ غير مخلد [3] الديوان: كسوب. [4] الديوان: عطاء كريم. [5] الديوان: مستخف. [6] الديوان: الضيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 كأنّ سباع الغيل والطير تعتفي ... ملاحم نقّاض الترات طلوب «18» - وقال أيضا: [من البسيط] إنّ ربيعة لن تنفكّ صالحة ... ما دافع الله عن حوبائك الأجلا أغرّ لا يحسب الدنيا تخلّده ... ولا يقول لشيء فات ما فعلا «19» - وقال حسّان بن ثابت: [من البسيط] إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم ... قد شرّعوا سنّة للناس تتّبع قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا لا يرقع الناس ما أوهت أكفّهم ... عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا لا يجهلون وإن حاولت جهلهم ... في فضل أحلامهم عن ذاك متّسع إن كان في النّاس سبّاقون قبلهم ... فكلّ سبق لأدنى سبقهم تبع كأنّهم في الوغى والموت مكتنع ... آساد بيشة في أرساغها فدع «20» - وقال المسيب بن علس: [من المتقارب] تبيت الملوك على عتبها ... وشيبان إن غضبت تعتب [2] وكالشّهد بالرّاح أحلامهم ... وأخلاقهم منهما أعذب وكالمسك ريح مقاماتهم ... وريح قبورهم أطيب   [1] الديوان: ما أخر. [2] سقط البيت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 [ مدائح لعدد من الشعراء ] «21» - وقال الأعشى: [من البسيط] لا يرقع الناس ما أوهى وإن جهدوا ... أن يرقعوه [1] ولا يوهون ما رقعا غيث الأرامل والأيتام كلّهم ... لم تطلع الشمس إلّا ضرّ أو نفعا «22» - وقال بعض بني كنانة: [من الطويل] تخيّرتها [2] للنسل فهي غريبة ... فجاءت به كالبدر خرقا معمّما فلو شاتم الفتيان في الحيّ ظالما ... لما وجدوا غير التكذّب مشتما «23» - وقال آخر: [من الكامل] إنّ المهالبة الكرام تحمّلوا ... دفع المكاره عن ذوي المكروه زانوا قديمهم بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق بحسن وجوه «24» - وقال أبو الجهم في معاوية بن أبي سفيان: [من الوافر] نقلّبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرما ولينا نميل على جوانبه كأنّا ... إذا ملنا نميل على أبينا «25» - وقال كثير: [من الطويل] ترى القوم يخفون التبسّم عنده ... وينذرهم عور الكلام نذيرها   [1] الديوان: طول الحياة. [2] البيان: تنخبتها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 فلا هاجرات القول يؤثرن عنده ... ولا كلمات النصح مقصى مشيرها «26» - وقال جرير: [من الطويل] فيومان من عبد العزيز تفاضلا ... ففي أيّ يوميه تلوم عواذله فيوم تحوط المسلمين جياده ... ويوم عطاء ما تغبّ نوافله فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله «27» - وقال أبو زياد الأعرابي: [من الوافر] [له نار تشبّ بكلّ واد ... إذا النيران ألبست القناعا] ولم يك أكثر الفتيان مالا ... ولكن كان أرحبهم ذراعا «28» - وقال ذو الرّمّة: [من الطويل] من آل أبي موسى ترى الناس حوله ... كأنّهم الكروان أبصرن بازيا مرمّين من ليث عليه مهابة ... تفادى الأسود الغلب منه تفاديا فما يغربون الضّحك إلّا تبسّما ... ولا ينبسون القول إلّا تناجيا لدى ملك يعلو الرجال بضوئه ... كما يبهر البدر النجوم السواريا فلا الفحش منه يرهبون ولا الخنا ... عليهم ولكن هيبة هي ما هيا «29» - وقال مزاحم العقيليّ: [من الطويل] ترى في سنا الماذيّ كلّ عشيّة ... على غفلات الزيّ والمتحمّل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 وجوها لو أنّ المدلجين اعتشوا بها ... صدعن الدّجى حتى ترى الليل ينجلي «30» - قال يعقوب بن داود: ذمّ رجل الأشتر فقال له رجل من النّخع: اسكت فإنّ حياته هزمت أهل الشام، وموته هزم أهل العراق. [ زوجة عروة بن الورد ] «31» - أغار عروة بن الورد على بعض أحياء العرب فأصاب امرأة منهم فنكحها فأولدها: ثم انه فادى بها من بعد، وخيّرها بين المقام مع ولدها والرجوع إلى قومها، فاختارت قومها. ثم أقبلت عليه وقالت: يا عروة، إني أقول فيك وإن فارقتك الحقّ، والله ما أعلم امرأة من العرب وضعت سترها على بعل خير منك: أغضّ طرفا، وأقلّ فحشا، وأجود يدا، وأحمى لحقيقة. وما مرّ يوم مذ كنت عندك إلّا والموت فيه أحبّ إليّ من الحياة بين قومك، لأني لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك [1] تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته، والله لا أنظر في وجه غطفانيّة أبدا، فارجع راشدا إلى ولدك وأحسن إليهم. «32» - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمتمم بن نويرة: صف لي أخاك، فإني أراك تمدحه، قال: كان أخي يجلس بين المزادتين النضوحين في الليلة القرّة معتقلا الرمح الخطل، عليه الشملة الفلوت، يقود الفرس الحرون، فيصبّح أهله ضاحكا مستبشرا. الخطل: الطويل المضطرب. الفلوت: التي لا تنضمّ على الرجل لقصرها.   [1] لأني لم أكن ... قومك: سقط من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 «33» - وقال آخر: [من الوافر] إذا لبسوا عمائمهم طووها ... على كرم وإن سفروا أناروا يبيع ويشتري لهم سواهم ... ولكن بالطعان [1] هم تجار إذا ما كنت جار بني تميم [2] ... فأنت لأكرم الثقلّين جار «34» - وقال آخر: [من الطويل] إذا ما تراآه الرجال تحفّظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب حبيب إلى الزوار غشيان بيته ... جميل المحيّا شبّ وهو أديب «35» - وقال آخر: [من الوافر] وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس ضحوك السنّ إن نطقوا بخير ... وعند الشرّ مطراق عبوس «36» - وقال إبراهيم بن هرمة: [من البسيط]   [1] في رواية: بالرماح؛ بالسيوف. [2] في رواية: بني لؤي؛ بني خريم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 قوم لهم شرف الدنيا وسؤددها ... صفو على الناس لم يخلط بهم رنق إن حاربوا وضعوا أو سالموا رفعوا ... أو عاقدوا ضمنوا أو حدّثوا صدقوا [ ابن هرمة والمنصور ] «37» - ولما مدح ابن هرمة المنصور أمر له بألفي درهم فاستقلّها، وبلغ ذلك المنصور فقال: أما يرضى أنّي حقنت له دمه وقد استوجب إراقته، ووفّرت ماله وقد استحقّ تلفه، وأقررته وقد استأهل الطرد، وقرّبته وقد استحقّ البعد. أليس هو القائل في بني أمية: [من المتقارب] إذا قيل من عند ريب الزمان [1] ... لمعترّ فهر ومحتاجها ومن يعجل الخيل عند الوغى ... بإلجامها قبل إسراجها أشارت نساء بني مالك ... إليك به قبل أزواجها قال إبراهيم بن هرمة: فإني قد قلت فيك أحسن من هذا. قال: هاته، فقال: [من المتقارب] إذا قيل أيّ فتى تعلمون ... أهشّ إلى الطعن بالذابل وأضرب للقرن عند الوغى ... وأطعم في الزّمن الماحل أشارت إليك أكفّ العباد ... إشارة غرقى إلى الساحل قال المنصور: أما هذا الشعر فمسروق، وأما نحن فما نكافىء إلّا بالتي هي أحسن، وأمر بالإحسان إليه.   [1] في رواية: من خير من يعتري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 [ أشعار في المدح ] «38» - وقال آخر: [من الطويل] فلو كنت أرضا كنت ميثاء سهلة ... ولو كنت ليلا كنت ضاحية البدر ولو كنت ماء كنت ماء غمامة ... ولو كنت نوما كنت تعريسة الفجر «39» - وقالت ليلى الأخيلية: [من الكامل] لا تقربنّ الدهر آل مطرّف ... لا ظالما أبدا ولا مظلوما قوم رباط الخيل حول بيوتهم ... وأسنّة زرق يخلن نجوما ومخرّق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما حتى إذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الخميس زعيما «40» - وقال آخر: [من الوافر] متى تهزز بني قطن تجدهم ... سيوفا في عواتقهم سيوف جلوس في مجالسهم رزان ... وإن ضيف ألمّ فهم وقوف إذا نزلوا فإنهم بدور ... وإن ركبوا فإنهم حتوف «41» - وقال الكميت بن معروف: [من الطويل] بطاء عن الفحشاء لا يحضرونها ... سراع إلى داعي الصباح المثوّب مناعيش للمولى مساميح بالقرى ... مصاليت تحت العارض المتلهّب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 «42» - وقال الكروّس بن سليم اليشكريّ: [من الطويل] هم في الذّرى من فرع بكر بن وائل ... وهم عند إظلام الأمور بدورها يطيب تراب الأرض إن نزلوا بها ... وأطيب منه في الممات قبورها إذا أخمد النيران من خشية القرى ... هدى الضيف ليلا من حنيفة نورها «43» - وقال عبد الملك بن مروان لأسيلم بن الأحنف الأسدي: ما أحسن ما مدحت به؟ فاستعفاه فأبى أن يعفيه، وهو معه على سرير، فلما أبى إلا أن يخبره، قال: قول القائل: [من الطويل] ألا أيها الركب المخبّون هل لكم ... بسيّد أهل الشام تحبوا وترجعوا من النّفر البيض الذين إذا اعتزوا ... وهاب رجال حلقة الباب قعقعوا إذا النّفر السود اليمانون تمموا ... له حوك برديه أرقّوا وأوسعوا جلا المسك والحمام والبيض كالدّمى ... وفرق المداري رأسه فهو أنزع فقال له عبد الملك: ما قال أخو الأوس أحسن مما قال فيك: [من السريع] قد حصّت البيضة رأسي فما ... أطعم نوما غير تهجاع «44» - وكان كثير يقول: لوددت أنّي كنت سبقت العبد الأسود إلى هذين البيتين، يعني نصيبا في قوله: [من الطويل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 من النّفر البيض الذين إذا انتجوا ... أقرّت لنجواهم لؤيّ بن غالب يحيّون بسّامين طورا وتارة ... يحيّون بسّامين شوس الحواجب 45- شاعر: [من الطويل] فتى مثل صفو الماء أمّا لقاؤه ... فبشر وأمّا وعده فجميل غنيّ عن الفحشاء أمّا لسانه ... فعفّ وأمّا طرفه فكليل «46» - آخر: [من الطويل] إذا ما أتاه السائلون توقّدت ... عليه مصابيح الطلاقة والبشر وأنعمه في الناس فوضى كأنها ... مواقع ماء المزن في البلد القفر «47» - وقال ابن عنقاء: [من الطويل] غلام رماه الله بالخير يافعا ... له سيمياء لا تشقّ على البصر كأنّ الثريّا علّقت في جبينه ... وفي خده الشعرى وفي وجهه القمر إذا قيلت العوراء أغضى كأنّه ... ذليل بلا ذلّ ولو شاء لانتصر ولما رأى المجد استعيرت ثيابه ... تردّى رداء واسع الذيل واتّزر فقلت له خيرا وأثبتّ فعله ... وأوفاك ما أسديت من ذمّ أو شكر «48» - وقال الأخطل: [من الطويل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 إذا متّ مات الجود وانقطع الندى ... من الناس إلّا في قليل مصرّد وردّت أكفّ السائلين وأمسكوا ... من الدين والدنيا بخلف مجدّد 49- وقال الأعرابي: [من البسيط] لا يبعد الله قوما إن سألتهم ... أعطوا وإن قلت يا قوم انصروا نصروا وإن ألمّت بهم نعماء ظاهرة ... لم يبطروها وإن نابتهم صبروا [ أخوا صعصعة بن صوحان ] «50» - سأل عبد الله بن عباس صعصعة بن صوحان العبدي عن أخويه فقال: أما زيد فكما قال أخو غنيّ: [من الطويل] فتى لا يبالي أن يكون بوجهه ... إذا نال خلّات الكرام شحوب وهي أبيات. ثم قال: كان والله يا ابن عباس عظيم المروّة، شريف الأبوة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش العروة، زين الندوة، سليم جوانح الصّدر، قليل وساوس الفكر، ذاكرا لله طرفي النهار وزلفا من الليل، الجوع والشّبع عنده سيّان، لا منافس في الدنيا، ولا غافل عن الآخرة. يطيل السكوت، ويديم الفكر، ويكثر الاعتبار، ويقول الحقّ، ويلهج بالصدق. ليس في قلبه غير ربه، ولا يهمّه غير نفسه. فقال ابن عباس: ما ظنّك برجل سبقه عضو منه إلى الجنة؛ رحم الله زيدا. فأين كان عبد الله منه؟ قال: كان عبد الله سيدا شجاعا سخيّا مطاعا، خيره وساع، وشرّه دفاع، قلّبيّ [1] النحيزة، أحوذيّ الغريزة، لا ينهنهه منهنه عما أراده، ولا يركب إلّا ما اعتاده، سمام العدا، فيّاض النّدى، صعب   [1] م ونهاية الأرب: لين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 المقادة، جزل الرّفادة، أخا إخوان، وفتى فتيان. ثم ذكر شعر حسان بن ثابت في عبد الله بن العباس: [من الطويل] إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا قضى فشفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي إربة في القوم جدّا ولا هزلا «51» - جرير: [من البسيط] الله أعطاك فاشكر فضل نعمته ... أعطاك تلك [1] التي ما فوقها شرف هذي البرية ترضى ما رضيت لها ... إن سرت ساروا وإن قلت اربعوا وقفوا هو الخليفة فارضوا ما قضى لكم ... بالحقّ يصدع ما في قوله جنف أنت المبارك والميمون غرّته [2] ... لولا تقوّم درء الناس لاختلفوا سربلت سربال ملك غير مبتدع ... قبل الثلاثين إنّ الخير مؤتنف «52» - وصف رجل رجلا [3] فقال: كان إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا أسر أطلق. «53» - حميد بن ثور: [من الطويل] قليل المعا إلّا مصيرا [4] يبلّه ... دم الجوف أو سؤر من الحوض ناقع   [1] الديوان: ملك. [2] الديوان: سيرته. [3] ب: حاتما. [4] الديوان: طوي البطن إلا من مصير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع [ وصف ضرار لعلي (ع) ] «54» - دخل ضرار بن ضمرة الكنانيّ على معاوية، فقال له: صف لي عليّا، فقال: أوتعفيني. قال: لا أعفيك، قال: أمّا إذ لا بدّ فإنه كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل وظلمته. كان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّيه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن. كان والله كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه [1] ، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقرّبه إلينا وقربه منّا لا [نكاد] نكلّمه هيبة له، فإن تبسّم فعن لؤلؤ منظوم، يعظّم أهل الدين ويحبّ المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا يأيس الضعيف من عدله. (هذه أوصاف حقيقة، وهي مدح يتجاوز قدر المادح. وتمام الكلام والخبر) : فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأنّي أسمعه اليوم وهو يقول يا ربّنا، يا ربّنا، يتضرّع إليه ثم يقول للدنيا: إليّ تعرضت؟ إليّ تشوفت؟ هيهات هيهات، غيري غرّي، قد بتتّك ثلاثا. فعمرك قصير، وخطرك كثير [2] . آه من قلّة الزاد وبعد السّفر ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشّفها بكمّه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله. كيف وجدك عليه يا   [1] القالي: ينبئنا إذا استنبأناه. [2] القالي: حقير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 ضرار؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها لا يرقأ دمعها، ولا يسكن حزنها. ثم قام فخرج. «55» - وكان الحجاج يستثقل زياد بن عمرو العتكي، فلما أتت الوفود على الحجاج عند الوليد بن عبد الملك، والحجاج حاضر عنده، قال زياد بن عمرو: يا أمير المؤمنين، إنّ الحجاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم. فحسن موقع هذا المدح منه، فلم يكن بعد أخفّ منه على قلب الحجاج. «56» - قال بدر بن سعد [1] الفقعسي: [من البسيط] مخدّمون ثقال في مجالسهم ... وفي الرحال إذا صاحبتهم خدم وما أصاحب من قوم فأذكرهم ... إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم «57» - وقال محمد بن زياد الحارثيّ: [من الطويل] تخالهم للحلم صمّا عن الخنا ... وخرسا عن الفحشاء عند التهاجر [2] ومرضى إذا لوقوا حياء وعفة ... وعند اللقاء كالليوث الخوادر   [1] الأغاني: سعيد. [2] زهر الآداب والقالي: التهاتر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 لهم عزّ إنصاف وذلّ [1] تواضع ... بهم ولهم ذلّت رقاب المعاشر كأنّ بهم وصما يخافون عاره ... وما وصمهم إلّا اتّقاء المعاير [ مدائح بين نثر وشعر ] «58» - ذكر أعرابيّ رجلا فقال: كان ينطق ليفهم، ويخالط ليعلم، ويصمت ليسلم، ويخلو ليغنم، لا يخصّ بأمانته الأصدقاء، ولا يكتم شهادته الأعداء، ولا يعمل بشيء من الحقّ رئاء، ولا يتركه حياء، إن زكّي خاف ما يقولون، واستغفر الله لما لا يعلمون. «59» - وقال أبو دهبل يمدح ابن الأزرق: [من الكامل المرفل] عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إنّ النساء بمثله عقم متهلّل بنعم وغير مباعد ... سيّان منه الوفر والعدم نزر الكلام من الحياء تخاله ... ضمنا وليس بجسمه سقم «60» - وقال النابغة الذبيانيّ: [من الطويل] لله عينا من رأى أهل قبّة ... أضرّ لمن عادى وأكثر نافعا وأعظم أحلاما وأكثر سيّدا ... وأكرم مشفوعا إليه وشافعا متى تلقهم لا تلق للبيت غرّة ... ولا الجار محروما ولا الأمر [2] ضائعا   [1] م ب: لهم ذل ... وأنس. [2] الديوان، عورة/ ولا الضيف ممنوعا ولا الجار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 «61» - وقال أيضا: [من البسيط] حطّت إلى ملك كالبدر سنّته ... ضخم الدسيعة برّ غير غدّار كم قد أحلّ بدار الفقر بعد غنى ... غمر وكم راش قوما بعد إقتار يريش قوما ويبري آخرين بهم ... لله من رائش عمرو ومن باري [ عود إلى مدائح زهير ] «62» - وقال زهير بن أبي سلمى: [من البسيط] من يلق يوما على علّاته هرما ... يلق السماحة منه والنّدى خلقا قد جعل المبتغون الخير في هرم ... والسّائلون إلى أبوابه طرقا وليس مانع ذي قربى ولا رحم ... يوما ولا معدما من خابط ورقا ليث بعثّر يصطاد الرجال إذا ... ما الليث كذّب عن أقرانه صدقا يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا فضل الجواد على الخيل البطاء فلا ... يعطي بذلك ممتنّا ولا نزقا لو نال حيّ من الدنيا بمكرمة ... أفق السماء لنالت كفّه الأفقا «63» - وقال أيضا: [من الطويل] إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية ... من المجد من يسبق إليها يسوّد سبقت إليها كلّ طلق مبرّز ... سبوق إلى الغايات غير مجلّد كفضل جواد الخيل- يسبق عفوه الس ... راع وإن يجهدن يجهد ويبعد «64» - دخلت فاطمة بنت الحسين مع أختها سكينة على هشام بن عبد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 الملك، فقال هشام لفاطمة: صفي لي يا ابنة الحسين [1] ولدك من ابن عمّك، وصفي لنا ولدك من ابن عمنا؛ قال: فبدأت بولد الحسن فقالت: أما ولد الحسن: عبد الله فسيّدنا وشريفنا المطاع فينا، وأما الحسن فلساننا ومدرهنا. وأما إبراهيم فأشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وسلم، إذا مشى تقلّع فلا يكاد عقباه يقعان على الأرض. وأمّا اللذان من ابن عمّك فإنّ محمدا جمالنا الذي نباهي به، والقاسم عارضتنا التي نمتنع بها، وأشبه الناس بأبي العاص ابن أمية عارضة ونفسا. فقال: والله لقد أحسنت صفاتهم يا بنت حسين، ثم وثب؛ فجذبت سكينة بردائه وقالت: والله يا أحول لقد أصبحت تهكّم بنا. أما والله ما أبرزنا لك إلّا يوم الطفّ. قال: أنت امرأة كثيرة الشرّ. [ النساء والمدح ] «65» - قالت امرأة من بني نمير وقد حضرتها الوفاة وأهلها مجتمعون؛ من الذي يقول: [من الوافر] لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصدور ولا قصار قالوا: زياد الأعجم. قالت: أشهدكم أنّ له الثلث من مالي، وكان كثيرا. «66» - ذكر نسوة أزواجهن، فقالت إحداهن: زوجي عوني في الشدائد، والعائد دون كلّ عائد، إن غضبت عطف، وإن مرضت لطف. وقالت الأخرى: زوجي لما عناني كاف، ولما أسقمني شاف، عناقه كالخلد، ولا يملّ طول العهد. وقالت الأخرى: زوجي الشعار حين أصرد، والأنس حين أفرد، والسّكن حين أرقد.   [1] ب: حسين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 [ الأصمعي وأعرابي ] «67» - قال الأصمعيّ: حججت فبينا أنا بالأبطح إذا بشيخ في سحق عباءة، صعل الرأس ثطّ أخزر أزرق، كأنما ينظر من فصّ زجاج أخضر، فسلّمت فردّ عليّ التحية، فقلت: ممن الشيخ؟ قال: أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. قلت: فما الاسم؟ قال: قبيصة بن مازن [1] . ثم قال: أعربي أنت؟ قلت: نعم. قال: من أية العرب أنت؟ قلت: من أهل البصرة. قال: فإلى من تعتزي؟ قلت: إلى قيس بن عيلان. قال: فأيهم؟ قلت: أحد بني يعصر [2] ، وأنا أقلب ألواحا معي. فقال: ما هذه الخشبات المقرونات؟ قلت: أكتب فيهنّ ما سمعت [3] من كلامكم. قال: وإنكم مختلّون إلى ذلك؟ قلت: نعم وأي خلّة. ثم صمت مليّا، ثم قال في وصف قومه: كانوا كالصخرة الصّلدة تنبو عن صفحتها المعاول، ثم زحمها الدهر بمنكبه فصدعها صدع الزجاجة ما لها من جابر، فأصبحوا شذر مذر أيادي سبا. وربّ يوم والله عارم قد أحسنوا تأديبه، ودهر غاشم قد قوّموا صعره، ومال صامت قد شتّتوا تألّفه، وخطة بوس قد حسمها أسوهم، وحرب عبوس ضاحكتها أسنّتهم. أما والله يا أخا قيس لقد كانت كهولهم جحاجح، وشبّانهم مراجح، نائلهم مسفوح، وسائلهم ممنوح، وزمانهم ربيع، وجارهم منيع. فنهضت لأنصرف فأخذ بمجامع ذيلي وقال: اجلس، فقد أخبرتك عن قومي حتى أخبرك عن قومك. فقلت في نفسي: إنّا لله، سينشد في قيس وصمة تبقى على الدهر، فقلت: حسبي لا حاجة بي إلى ذكرك قومي، قال: بلى. هم والله هضبة ململمة العزّ أركانها، والمجد إحصانها، تمكنت في الحسب العدّ،   [1] البصائر: حميضة بن قارب. [2] البصائر: بغيض. [3] ب والبصائر: ما أسمع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 تمكّن الأصابع في اليد. فقمت مسرعا مخافة أن يفسد عليّ ما سمعت. [ مدائح نثرية ] «68» - علّم المنصور ابنه صالحا خطبة، فقام بها في الناس في مجلسه، فلم يشيع كلامه أحد خوفا من المهديّ، فبدر شبيب بن عقال [1] المجاشعي من الصفّ فقال: والله ما رأيت كاليوم خطبة أبلّ ريقا، ولا أغمض عروقا، ولا أثبت جنانا، ولا أذرب لسانا، وقليل ذلك ممن كان أمير المؤمنين أباه والمهديّ أخاه، وهو كما قال الشاعر: [من البسيط] هو الجواد فإن يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا أو يسبقاه على ما كان من مهل ... بمثل ما قدّما [2] من صالح سبقا «69» ذكر رجل رجلا فقال: هو من أفصح خلق الله تعالى كلاما إذا تحدّث، وأحسنهم استماعا إذا حدّث، وأمسكهم عن الملاحاة إذا خولف، يعطي صديقه النافلة ولا يسأله الفريضة، له نفس عن العوراء محصورة، وعلى المعالي مقصورة، كالذهب الإبريز الذي لا يتغيّر كل زمان [3] ، والشمس المنيرة التي لا تخفى بكلّ مكان، هو النجم المضيء للحيران، والبارد العذب للعطشان. «70» - وقال رجل للرشيد عام حجّ: قد أصبح المختلفون مجتمعين على تقريظك ومدحك، حتى أنّ العدوّ يقول اضطرارا ما يقوله المولى اختيارا،   [1] زهر: عقال بن شبة. [2] زهر: فبالذي قدما. [3] ب والبصائر: يعز كل أوان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 والبعيد يثق من إنعامك عامّا بما يثق به القريب خاصّا. [ أشعار في المدح ] «71» - ابن قيس الرقيّات: [من البسيط] لولا الإله ولولا مصعب لكم ... بالطفّ قد ضاعت الأحساب والذمم أنت الذي جئتنا والدين مختلس ... والحرّ معتبد والمال مقتسم ففرّج الله غمّاها وأنقذنا ... بسيف أروع في عرنينه شمم من هبرزيّ قريش يستضاء به ... مبارك صرّحت عن وجهه الظلم «72» - قيل للخنساء: ما مدحت أخاك حين هجوت أباك، فقالت: [من الكامل المرفل] جارى أباه فأقبلا وهما ... يتعاوران ملاءة الحضر حتى إذا نزت القلوب وقد ... لزّت هناك العذر بالعذر وعلا هتاف الناس أيّهما ... قال المجيب هناك لا أدري برزت [1] صحيفة وجه والده ... ومضى على غلوائه يجري أولى وأولى أن يساويه ... لولا جلال السنّ والكبر وهما كأنهما وقد برزا ... صقران قد حطّا إلى وكر وقولها: لولا جلال السن والكبر، من قول زهير: [من الوافر]   [1] زهر: برقت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 ويقدمه إذا اختلفت عليها [1] ... تمام السنّ منه والذّكاء وزهير أوّل من نهج سبيل هذا المعنى، وقد تقدّمت له الأبيات القافية، [وقوله أيضا] : [من البسيط] دون السماء وفوق الأرض قدرهما ... عند الذّنابى فلا فوت ولا درك وتبعه الشعراء: «73» - قال عبّاد بن شبل: [من الطويل] إذا اخترت من قوم خيار خيارهم ... فكلّ بني عبد المدان خيار جروا بعنان واحد فضل بينهم ... بأن قيل قد فات العذار عذار «74» - وقال البحتري: [من الكامل] وإذا جرى من غاية وجرت من ... أخرى التقى شأواكما في المنصف «75» - وقال أيضا: [من الكامل] وإذ رأيت شمائل ابني صاعد ... أدّت إليك شمائل ابني مخلد كالفرقدين إذا تأمّل ناظر ... لم يعد موقع فرقد من فرقد [ طاهر يثني على ابنه عبد الله ] «76» - كتب المأمون إلى طاهر بن الحسين يسأله عن استقلال ابنه عبد الله،   [1] الديوان: ويفضله (ويفضلها) إذا اجتهدت عليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 فكتب إليه طاهر: عبد الله يا أمير المؤمنين، ابني إن مدحته ذممته، وإن ذممته ظلمته، ولنعم الخلف هو لأمير المؤمنين من عبده. فكتب إليه المأمون: ما رضيت أن قرّظته في حياتك، حتى وصّيتنا به بعد وفاتك. [ المفاضلة بين جرير والفرزدق والأخطل ] 77- وصف أعرابيّ رجلا فقال: يشرق بعزم لا يدجو معه خطب، ويومض بصواب لا يلبس عنده صعب، حتى يغادر المستعجم معجما، والمشكل مشكولا. «78» - قال هشام بن عبد الملك لشبة بن عقال، وعنده جرير والفرزدق والأخطل، وهو يومئذ أمير: ألا تخبرني عن هؤلاء الذين مزّقوا أعراضهم، وهتكوا أستارهم، وأغاروا بين عشائرهم في غير خير ولا برّ ولا نفع، أيّهم أشعر؟ قال شبّة: أما جرير فيغرف من بحر، وأما الفرزدق فينحت من صخر، وأما الأخطل فيجيد المدح وصفة الخمر. فقال هشام: ما فسرت لنا شيئا نحصله، فقال: ما عندي غير ما قلت. فقال لخالد بن صفوان: صفهم لنا يا ابن الأهتم، قال: أما أعظمهم فخرا، وأبعدهم ذكرا، وأحسنهم عذرا، وأشردهم مثلا، وأقلّهم غزلا، وأحلاهم عللا، الطامي إذا زخر، والحامي إذا زأر، والسامي إذا خطر، الذي إذا هدر قال، وإذا خطر صال، الفصيح اللسان، الطويل العنان، فالفرزدق. وأما أحسنهم نعتا، وأمدحهم بيتا، وأقلّهم فوتا، الذي إذا هجا وضع، وإذا مدح رفع، فالأخطل. وأما أغزرهم بحرا، وأرقّهم شعرا، وأهتكهم لعدوّه سترا، الأغرّ الأبلق، الذي إن طلب لم يسبق، وإن طلب لم يلحق، فجرير. وكلّهم ذكيّ الفؤاد، رفيع العماد، واري الزناد. فقال مسلمة بن عبد الملك: ما سمعنا بمثلك يا خالد في الأوّلين والآخرين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 وأشهد أنّك أحسنهم وصفا، وألينهم عطفا، وأعفّهم مقالا، وأكرمهم فعالا. فقال خالد: أتمّ الله عليكم نعمه، وأجزل لديكم قسمه، وأنّس بكم القربة، وفرّج بكم الكربة. وأنت والله، ما علمت أيها الأمير، كريم الغراس عالم بالناس، جواد في المحل [1] ، بسّام عند البذل، حليم عند الطيش، في ذروة من قريش، ولباب عبد شمس، ويومك خير من أمس. فضحك هشام وقال: ما رأيت كتخلّصك يا ابن صفوان في مدح هؤلاء ووصفهم، حتى أرضيتهم جميعا وسلمت عليهم. [ قيس بن عاصم وامرأته ] «79» - أسلم قيس بن عاصم المنقري وعنده امرأة من بني حنيفة، فلم تسلم معه وطالبته بالفرقة ففارقها. فلما احتملت لتلحق بأهلها قال لها قيس: أما والله لقد صحبتني سارّة، ولقد فارقتني غير عارّة، لا صحبتك مملولة، ولا أخلاقك مذمومة، ولولا أمر الله [2] ما فرّق بيننا إلّا الموت، ولكنّ أمر الله ورسوله أحقّ أن يطاع. فقالت له: أبنت عن حسبك وفضلك، وأنت والله كنت الدائم المحبة، الكثير المقة، القليل اللائمة، المعجب الخلوة، البعيد النبوة، لتعلمنّ أني لا أسكن إلى زوج بعدك. «80» - قال قتيبة لنهار بن توسعة: لست تقول فينا كما كنت تقول في آل المهلّب، قال: والله إنهم كانوا أهدافا للشعر. قال: هذا والله أمدح ممّا قلت فيهم أول. [ الكميت والهاشميات ] «81» - لما قال الكميت بن زيد الهاشميّات كتمها وسترها، ثم أتى الفرزدق   [1] م: المجلس. [2] س: ولولا ما اخترت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 ابن غالب فقال له: يا أبا فراس، إنك شيخ مضر وشاعرها، وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسديّ، قال: صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟ قال: نفث على لساني فقلت شعرا وأحببت أن أعرضه عليك، فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحا أمرتني بستره، وكنت أولى من ستره عليّ. فقال الفرزدق: أما عقلك فحسن وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك، فأنشدني ما قلت، فأنشده قوله: [من الطويل] طربت وما شوقا إلى البيض أطرب قال فقال لي: مما تطرب يا ابن أخي؟ فقلت: ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب قال: بلى، فالعب يا ابن أخي فإنك في أوان اللعب، فقال: ولم تلهني دار ولا رسم منزل ... ولم يتطرّفني بنان مخضّب فقال: ما يطربك يا ابن أخي، فقال: ولا السانحات البارحات عشيّة ... أمرّ سليم القرن أم مرّ أعضب قال: أجل فلا تتطيّر، فقال: ولكن إلى أهل الفضائل والتقى ... وخير بني حوّاء والخير يطلب قال: ومن هؤلاء ويحك؟ فقال: إلى النفر البيض الذين بحبّهم ... إلى الله في ما نابني أتقرّب فقال: أرحني ويحك، من هؤلاء؟ فقال: بني هاشم رهط النبيّ فإنني ... لهم وبهم أرضى مرارا وأغضب خفضت لهم مني جناحي مودّة ... إلى كنف عطفاه أهل ومرحب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 وكنت لهم من هؤلاء وهؤلاء ... مجنا على أنّي أذمّ وأقصب وأرمى وأرمي بالعداوة أهلها ... وإني لأوذى فيهم وأؤنّب فقال له الفرزدق: يا ابن أخي أذع، أذع، فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي. [ نثر وشعر في المدح ] «82» - وصف رجل رجلا فقال: كان والله سمحا سحّا سهلا، بينه وبين القلب نسب، وبينه وبين الحياة سبب، إنما هو عيادة مريض، وتحفة قادم، وواسطة قلادة. «83» - وصف أعرابي رجلا فقال: كان والله مطلول المحادثة، ينبذ إليك الكلام على أدراجه [1] ، كأنّ في كلّ ركن من أركانه قلبا يقد. 84- سحيم بن وثيل الرياحي: [من الكامل المرفل] من دونهم إن جئتهم سحرا ... عزف القيان ومجلس غمر لذّ بأطراف الحديث إذا ... ذكر النّدى وتنوزع الفخر هضم إذا حبّ القتار وهم ... نصر إذا ما استبطىء النصر «85» - جميل في عبد العزيز بن مروان: [من الوافر] أبا مروان أنت فتى قريش ... وكهلهم إذا عدّ الكهول تولّيه العشيرة ما عناها ... فلا ضيق الذراع ولا بخيل إليك تشير أيديهم إذا ما ... رضوا أو نابهم أمر جليل   [1] ب: ادماجه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 كلا يوميه بالمعروف طلق ... وكلّ بلائه حسن جميل «86» - لما قام الخطيب بولاية عليّ بن موسى الرضى العهد قال: أيّها الناس أتدرون من أصبح وليّ عهدكم؟ علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: [من السريع] ستة آباء وهم ما هم ... هم خير من يشرب ماء الغمام وهو من أبيات للنابغة الذبياني يقولها في النعمان بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني. «87» - مروان بن أبي حفصة: [من البسيط] له خلائق بيض لا يغيّرها ... صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب وقد قيل: ليس في شعر مروان بيت يستشهد به غير هذا البيت، ولعله مأخوذ من قول طريح بن اسماعيل الثقفي: [من المتقارب] خلائقه كسبيك النّضا ... ر لا يعمل الدهر فيها فسادا «88» - أبو عبد الله القزاز المغربي: [من الخفيف] ولنا من أبي الربيع ربيع ... ترتعيه هوامل الآمال راحة تمطر النّوال وتكفي ... معتفيه بالبذل ذلّ السؤال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 يصغر الفضل عنده فيظنّ ال ... بحر والجود لمعة من آل [ من رسالة لابن نصر ] 89- ابن نصر الكاتب من رسالة: حتى إذا برزت باهرا للعيون، عابرا مطارح الظنون، تزفّك الرّتب والأقدار، وتحفّك السكينة والوقار، أطرق الرامق، وأرمّ الناطق، وتحرّكت الأفئدة لك محبة في إعظام، وإجلالا في غرام، وحقّ لمن كذّب الآمال بالمزيد، وكفى المادح هجنة التقليد، وأحبّ المواساة والإيثار، وأبغض التفرّد والاستئثار، وعفا عالما بقدر الإجرام، وحلم قادرا على الإنتقام، ومنع عرضه اللائم، وأباح غديره الحائم، أن ينزل بحبوحة الصدور، ويتبوّأ حبّات القلوب، ويعدّ من الأيام مجيرا، وعلى النفوس أميرا، والله تعالى يحرسك ظلّا ممدودا على الأنام، وسترا ممدودا على عورة الأيام. [ جروة بنت مرة تحدث معاوية ] «90» - احتجم معاوية بمكة فأمسى أرقا فقال: من يقرب منّا من فصحاء العرب [1] ؟ فقالوا: جروة بنت مرّة، من بني تميم، وكانت مجاورة. فأرسل إليها فجاءته، فلما دخلت قال: مرحبا يا بنت مرة، أرعناك. قالت: أي والله، لقد طرقت في ساعة لا تطرق فيها الطير في أو كارها، فأرعت قلبي، وريع صبياني، وأفزعت عشيرتي، فتركت بعضهم يموجون في بعض، يديرون الكلام فرقا منك وشفقة عليّ. قال: ليفرخ روعك، ولتطب نفسك، فإنّ الأمر يجري على محبتك، قالت: أحسن الله بشارتك، وأدام لنا سلامتك. قال لها: إني احتجمت الليلة فأعقبني ذاك أرقا فأرسلت إليك لأستمتع بكلامك. قالت: أحسن الله أبدا استمتاعك، وأطال بالسلامة إمتاعك. قال: أخبريني عن قومك. قالت: عن أيّهم تسألني؟ قال: عن بني تميم. قالت: إنهم أكثر الناس   [1] ب: الناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 عددا، وأوسعهم بلدا، وأبعدهم أمدا. هم الذهب الأحمر، والعدد الأكثر، والجند [1] الأفخر. قال: صدقت فنزّليهم منازلهم. قالت: أما بنو عمرو بن تميم فأصحاب بأس ونجدة، وتحاشد وشدة، لا يتخاذلون عند اللقاء، ولا يطمع فيهم الأعداء. سلمهم فيهم، وسيفهم على عدوّهم. قال: صدقت، ونعم القوم لأنفسهم. قالت: وأما بنو سعد بن زيد مناة ففي العدد الأكثرون، وفي النسب الأطيبون. يضيرون إذا غضبوا، ويدركون إن طلبوا، أصحاب سيوف وحجف، ونزال ودلف. على أنّ بأسهم فيهم، وسيفهم عليهم. وأما حنظلة فالبيت الرفيع، والحسب الدسيع، والعز المنيع، والشرف البديع؛ المكرمون للجار، الطالبون للثار، الناقضون للأوتار. قال: إنّ حنظلة شجرة تفرّعت. قالت: صدقت، أما بنو طهيّة فقروم سرج، وأقران لجج [2] . وأما البراجم فأصابع مجتمعة، وأكفّ ممتنعة. وأما بنو ربيعة فصخرة صمّاء، وحيّة رقشاء، يغزون بغيرهم، ويفخرون بقومهم. وأما بنو يربوع ففرسان الرماح، وأسود الصباح، يعتنقون الأقران ويقتلون الفرسان. وأما بنو مالك فجمع غير مفلول، وعزّ غير مخذول، وليوث هرّارة، وخيول كرّارة. وأما بنو دارم فكرم لا يدانى، وشرف لا يبارى، وعزّ لا يوازى. قال: أنت أعلم الناس ببني تميم فكيف علمك بقيس؟ قالت: كعلمي بقومي [3] . قال: فأخبريني عنهم. قالت: أما غطفان فأكثر الناس سادة، وأمنعهم قادة. وأما فزارة فبيتها المشهور وحسبها المذكور. وأما ذبيان فخطباء شعراء، أعزّة أقوياء. وأما عبس فجمرة لا تطفأ، وعقبة لا تعلى، وحيّة لا ترقى. وأما هوازن فحلم ظاهر، وعزّ قاهر، وأما سليم ففرسان الملاحم، وأسود ضراغم.   [1] ب: والحدّ. [2] اخبار الوافدات: فقوم هوج وقرن لجوج. [3] بلاغات وأخبار: بنفسي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 وأما نمير فشوكة مسمومة، وهامة مدمومة [1] ، وراية مرفوعة، وعزة ممنوعة. وأما هلال فاسم فخم، وعزّ ضخم. وأما بنو كلاب فعدد كثير، وحلم كبير، وقمر منير. قال: لله أبوك، فما قولك في قريش؟ قالت: هم ذروة الإسلام وأصله، وبيانه وفصله، وسادة الأنام وفضله. قال: فما قولك في عليّ؟ قالت: جاز في الشرف حدّ الوصف، وما له غاية تعرف، وبالله أسألك إعفائي مما أتخوّف. قال: فعلت، وأجازها. [ أخت عمرو بن ذي الكلب ] «91» - قالت فهر [2] لأخت عمرو بن ذي الكلب: قد طلبنا أخاك، فقالت: والله لئن طلبتموه [3] لتجدنّه منيعا، ولئن أردتموه لتجدنّه سريعا [4] . قالوا لها: فهذا سلبه. قالت: ولئن سلبتموه لما وجدتم حجزته جافية، ولا ضالته كافية، ولا نيّته وافية. ولربّ ضبّ منكم قد احترشه، ونهب منكم قد اقترشه، وثدي منكم قد افترشه. قولها: ما وجدتم حجزته جافية أي كان خميص البطن، والحجزة التي تسميها العامة الحزة من السراويل والمئزر. وضالته يعني قوسا عملت من ضال، وهو السدر البري؛ وكافية: مكفوة أي معلومة. والنية هاهنا الغاية. وافية: طويلة. تقول إنه يتعاهدها أي يستحد كثيرا مخافة أن يقتل. ويوسد فيغير إذا نظر إليه، وضب احترشه: أي رب رجل منكم صاده كما يحرش الضب ويؤخذ، واقترشه أي اكتسبه من التقرش وهو الاكتساب.   [1] ب: مكسورة. [2] ب: بهز. [3] ب: أردتموه. [4] ب: مريعا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 «92» - وقال مسلم بن الوليد: [من الكامل] فلأنت أمضى في اللقاء وفي النّدى ... من باسل ورد وغاد مرعد أعطيت حتى ملّ سائلك الغنى ... وعلوت حتى ما يقال لك ازدد ما قصّرت بك غاية عن غاية ... اليوم مجدك فوق [1] مجدك في غد أقدمت والمهجات [2] تلفظ والردى ... متحيّر بين الأسنّة مهتد حتى تمخّضت المنون لهمّها ... وتعضّلت بالناكث المتمرّد دعم الإمام به دعائم [3] ملكه ... ولقد تطرّقها انتكاث الملحد ما غاب حتى آب تحت لوائه ... رأب الثأى وصلاح أمر مفسد [4] «93» - وقال بكر بن النطاح: [من الخفيف] يتلقّى النّدى بوجه حييّ ... وصدور القنا بوجه وقاح 94- ومن كلام لعمارة بن حمزة: ومن فلان؟ محسد [5] عطاء، وكاشف غمّاء، ومردى حرب، ومدره خصوم، وهو الذي زاحم أركان الزمان بركن شديد، وأناخ على معسر الأمر برأي صليب، حتى بذّ الأقران في نباهة الذكر وإحراز الشّرف.   [1] الديوان: مثل. [2] م: والهيجاء. [3] الديوان: قواعد؛ س: قوائم. [4] الديوان: المفسد. [5] م: ومن كان محد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 [ أمداح لأبي نؤاس ] «95» - وقال الحسن بن هانىء: [من الطويل] ترى الناس أفواجا على باب داره ... كأنهم رجلا دبا وجراد فيوم لإلحاق الفقير بذي الغنى ... ويوم رقاب بوكرت بحصاد «96» - وقال أيضا: [من الطويل] إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني وإن جرت الألفاظ يوما بمدحة ... لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني «97» - وقال أيضا: [من المديد] وإذا مجّ القنا علقا ... وتراءى الموت في صوره راح في ثنيي مفاضته ... أسد يدمى شبا ظفره تتأيّا الطير غدوته ... ثقة بالشّبع من جزره قد لبست الدهر لبس فتى ... أخذ [1] الآداب عن غيره «98» - وقال في الفضل بن الربيع: [من البسيط] لقد نزلت أبا العباس منزلة ... ما إن ترى خلفها الأبصار مطّرحا وكلت بالدهر عينا غير غافلة ... بجود كفّك تأسو كلّ ما جرحا «99» - وقال حبيب بن أوس: [من المنسرح] إذا أناخوا ببابه أخذوا ... حكمتهم [2] من لسانه ويده   [1] الديوان: أحكم. [2] الديوان: حكميهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 «100» - ومثله له أيضا: [من المنسرح] نرمي بأشباحنا إلى ملك ... نأخذ من ماله ومن أدبه [ إبراهيم بن العباس الصولي وغيره ] «101» - وقال إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول: [من الوافر] ولكنّ الجواد أبا هشام ... وفيّ العهد مأمون المغيب بطيء عنك ما استغنيت عنه ... وطلّاع إليك مع الخطوب وتمثل بهذين البيتين عضد الدولة أبو شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بن بويه، وقد استنجد به عز الدولة بختيار حين خرج عليه سبكتكين في الأتراك مماليك أبيه، وخلعوه من الإمارة، فتوجّه إليه عضد الدولة منجدا له، وكتب إليه بها من طريقه، وجعل مكان أبي هشام أبا شجاع. «102» - وقال إبراهيم أيضا: [من المتقارب المجزوء] لفضل بن سهل يد ... تقاصر عنها المثل فباطنها للنّدى ... وظاهرها للقبل وبسطتها للغنى ... وسطوتها للأجل «103» - فأخذ هذا المعنى ابن الرومي فقال: [من الكامل] أصبحت بين خصاصة وتجمّل ... والمرء بينهما يموت هزيلا فامدد إليّ يدا تعوّد بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 «104» - وألمّ به ابن دريد فقال: [من الكامل] يا من يقبّل كفّ كلّ ممخرق ... هذا ابن يحيى ليس بالمخراق قبّل أنامله فلسن أناملا ... لكنهنّ مفاتح الأرزاق «105» - ولابراهيم بن العباس: [من الرمل] أسد ضار إذا هيّجته [1] ... وأب برّ إذا ما قدرا يعرف الأبعد إن أثرى ولا ... يعرف الأدنى إذا ما افتقرا «106» - وقال أيضا: [من الكامل] تلج السنون بيوتهم وترى لها ... عن جار بيتهم ازورار مناكب وتراهم بسيوفهم وشفارهم ... مستشرفين لراغب أو راهب حامين أو قارين حيث لقيتهم ... نهب العفاة ونهزة للراغب «107» - وقال العتابي: [من الطويل] إمام له كفّ يضمّ بنانها ... عصا الدين ممنوع من البري عودها وعين محيط بالبريّة طرفها ... سواء عليه قربها وبعيدها   [1] الطرائف الأدبية: مانعته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 «108» - ذكرت أعرابية إسحاق بن إبراهيم الموصلي فقالت: والذي يعلم مغزى كلّ ناطق، لكأنّك في علمك ولدت فينا ونشأت معنا. ولقد أريتني نجدا بفصاحتك، وأحللتني الربيع بسماحتك، فلا أطربني قول إلّا شكرتك، ولا نسمت لي ريح إلّا ذكرتك. «109» - وقال له عبد الله بن طاهر: يا أبا محمد إنّ فضائلك لتتكاثر عندنا كما قال الشاعر في إبله: [من الرجز] إذا أتاها طالب يستامها ... تكاثرت في عينه كرامها «110» - وقال ابن أبي السمط: [من الطويل] فتى لا يبالي المدلجون بنوره ... إلى بابه ألّا تضيء الكواكب له حاجب من كلّ أمر يشينه ... وليس له عن طالب العزّ حاجب [ أقوال نثرية في المدح ] «111» - قال أبو العيناء لمحمد بن خالد الشيباني: لئن كان آدم عليه السلام أساء إلى نفسه في إخراجنا من الجنة، لقد أحسن إلينا أنّه ولدك. 112- قال عبد العزيز الحمصي يمدح العزيز صاحب مصر: وجهه صباح البشرى، ومفتاح النّعمى، وطلعة الخير، وعنوان الرحمة، وعذر الزمان المذنب. تستولي على الأمد وأنت وادع، وتلحق الطريدة وأنت ثان من عنانك، تمشي رويدا وتكون أولا. 113- آخر: ما أساء دهر أنت من محاسنه، ولا آلم وأنت تنهض بنوائبه، وتأسو كلوم حوادثه، وحسبه من كلّ إساءة أن يعتذر بك، ومن أشبه أباه فما ظلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 114- آخر: بغداد مطبّقة بظلام وقتام وحشة لفراقك، إلّا ما يطلع ضياؤه من خلال الغمام بمقام أبي فلان، فإنه ملجأ المستوحش، ومشتكى المحزون، تتجلّى فيه فضائلك، وتشاهد منه شمائلك. 115- آخر: قد أمّن عزّوجلّ سائلك من بخلك، وخائفك من ظلمك، والعائذ بك من منعك، والمسترفد لك من عللك. 116- آخر: وفي رأيك عوض من كلّ حظّ، ودرك لكلّ أمل أبطأ، وثقة بنيل ما يرجى، ودفع ما يخشى. «117» - آخر: رأيتني في ما أصف من مجدك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لا يخفى على ناظر. وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز، مقصّر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك. 118- آخر: القدرة لأهل الفضل عزّ ومغنم، ولغيرهم عار ومغرم. فذو الفضل معترض أيام قدرته لابتداء عارفة وإبداء مكرمة يزكيان فضله ويشيدان بقية الأيام ذكره، يرى ذلك أطيب مكاسبه، وأعودها في عاجله وآجله. ومن لا فضل له جاهل بدهره، عادم لرشده، مطيع لغوايته، معذور لغباوته. وأنت بالفضل أولى. 119- آخر: ما اختلفت كلمة إلّا اتّفقت عليك، ولا تشتّت نظام جماعة إلّا ائتلف بك، ولا مرقت مارقة فكان صلاحها إلا على يديك، ولا استعرت نار الحرب فأطفأها الله إلا بتدبيرك، ولا انتقضت سرائر الملك في دولة غيرك إلّا شدّ الله قواها في أيامك، وحاز شرفها ومكرمتها لك، وولي الأثام والغلول والندامة فيها سواك. وإنما كانت وزارتك للأمير في فواتح النصر وبوادي الصنع، وافقت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 أحوالا شتّى من حبل مضطرب، ونظام منتشر، وعدوّ للسطان أخذ بمكاظمه، وقعد على مراصده، فقارعت ذلك كلّه بنفسك، وأعملت فيه جدّك، ووفرت عليه سعيك، واكتنفتك فيه معاون الله التي استدعيتها من الجميل بنيتك والخالص من سريرتك. فما كان إلّا ريثما وفر الله على الملك حقّه، وحاط له أمره، وأهاب بالناكص منه إلى حظه، وردّ العدوّ بغيظه، وعادت أركان الملك إلى مراكزها، واستقرّت على قواعدها. 120- آخر: فلا أعدمك الله النية في اعتقاد خوالد المنن في أعناق الرجال، ولا أذخرك القدرة على ادّخار رغائب الكنوز في قلوب الإخوان، ولا أحوجك إلى ثمرة ذلك منهم إلّا بالرغبة في ما ينشر [1] لك عنهم من إخلاص الدعاء وحسن الثناء، كما انتشر لك عن جملة صنائعك، وحفظة ودائعك الذين ما أخليتهم عن خلال [2] فضلك، ولا أعريتهم من لباس عزّك، فأصبحوا في زهرة رياضك راتعين، وفي غمرة حياضك شارعين، فإن هززتهم لضريبة فروها بألسنة حداد، وسواعد شداد، وقلوب متناصرة، وأيد مترادفة، وإن استغنيت- دام لك الغنى عن العالمين- كانوا لك رصدا فوق أعناق الحاسدين، بصول أدفع من صواعق الموت اللهام، وقول أنفذ من نيران الحريق في الآجام، بصراء بمواسم الازدحام، وعلماء بمواضع الأقدام. «121» - البحتري: [من البسيط] ومصعد هضبات الموت [3] يطلعها ... كأنه لسكون الجأش منحدر ما زال يسبق حتى قال حاسده ... له طريق إلى العلياء مختصر   [1] ب: تيسر. [2] م: ظلال. [3] ب: في هضاب المجد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 [ عود إلى الشعر ] 122- وقال أبو ذفافة [1] المصري: [من البسيط] وما السحاب إذا ما انجاب عن بلد ... ولم يلمّ به يوما بمذموم إن جدت فالجود شيء قد عرفت به ... وإن تجافيت لم تنسب إلى لوم «123» - وقال ابن الرومي: [من البسيط] وقلّ من ضمنت خيرا طويّته ... إلّا وفي وجهه للبشر عنوان تلقاه [2] وهو مع الإحسان معتذر ... وقد يسيء مسيء وهو منّان إذا بدا وجه ذنب فهو ذو سنة ... وإن بدا وجه خطب فهو يقظان إذا تيمّمك العافي فكو كبه ... سعد ومرعاه في واديك سعدان أحيا بك الله هذا الخلق كلّهم ... فأنت روح وهذا الخلق جثمان «124» - كتب أبو العيناء إلى بعض الرؤساء: نحن أعزّك الله إذا سألنا الناس كفّ الأذى، سألناك بذل الندى، وإذ سألناهم العدل سألناك الفضل، وإذا سررناهم ببسط العذر، سررناك باستدعاء البرّ. «125» - إبراهيم بن العباس: [من الطويل] إذا السّنة الشهباء مدّت سماءها ... مددت سماء دونها فتجلّت وعادت بك الريح العقيم لدى القرى ... لقاحا فدرّت عن نداك وطلّت   [1] م: زراقة. [2] الديوان: يلقاك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 «126» - قال أبو العتاهية: [من الطويل] وهارون ماء المزن يشفى به الصّدى ... إذا ما الصّدي بالريق غصّت حناجره وأوسط عزّ [1] في قريش لبيته ... وأوّل عزّ في قريش وآخره وزحف له تحكي البروق سيوفه ... وتحكي الرعود القاصفات زماجره إذا حميت شمس النهار تضاحكت ... إلى الشمس فيه بيضه ومغافره ومن ذا يفوت الموت والموت مدرك ... كذا لم يفت هارون ضدّ ينافره [2] «127» - وقال دعبل: [من الكامل] زمني بمطّلب سقيت زمانا ... ما كنت إلّا روضة وجنانا كلّ النّدى إلّا نداك تكلف ... لم أرض بعدك كائنا من كانا أصلحتني بالبرّ بل أفسدتني ... فتركتني أتسخّط الإحسانا «128» - وقال ابن نباتة: [من الطويل] ولكنّني لا أظلم المجد حقّه ... محلّك أعلى في القلوب وأكبر أحلّك أطراف الذّرى وأحلّهم ... بطون الثرى والله بالناس أبصر [ أحمد بن يوسف وغسان بن عباد ] «129» - كان أحمد بن يوسف يوما بحضرة المأمون في جماعة من خواصه، فقال لهم: أخبروني عن غسّان بن عباد، فإنّي أريده لأمر جسيم، وكان عزم على   [1] الديوان: بيت. [2] سقط هذا البيت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 تقليده السند مكان بشر بن داود بن يزيد. فتكلّم كلّ فريق منهم في مدحه بما عنده. وقال أحمد بن يوسف: هو يا أمير المؤمنين رجل محاسنه أكثر من مساويه، لا ينصرف به أمر إلّا تقدّم فيه، ومهما تخوّف عليه فإنه لم يأت أمرا يعتذر منه، لأنّه قسم أيامه بين أيام الفضل فجعل لكلّ خلق نوبة، إذا نظرت في أمره لم تدر أيّ حالاته أعجب: ما هداه إليه عقله أم ما اكتسبه بأدبه. فقال المأمون: لقد مدحته على سوء رأيك فيه، فقال: لأني فيه كما قيل: [من الوافر] كفى ثمنا لما أسديت أنّي ... نصحتك في الصديق وفي عدائي وأني حين تندبني لأمر ... يكون هواك أغلب من هوائي فأعجب المأمون ذلك منه. [ مراوحة بين الثناء شعرا ونثرا ] «130» - أبو الحسين بن أبي البغل البغدادي [1] يمدح أبا القاسم ابن وهب: [من البسيط] إذا أبو قاسم جادت لنا يده ... لم يحمد الأجودان: البحر والمطر وإن أضاء لنا نور بغرّته ... تضاءل النيران: الشمس والقمر وإن بدا رأيه أو حدّ عزمته ... تأخّر الماضيان: السيف والقدر ينال بالظنّ ما كان اليقين به ... والشاهدان عليه: العين والأثر كأنه وزمام الدهر في يده ... يدري عواقب ما يأتي وما يذر معنى البيت الرابع مأخوذ من بيت أنشده أبو محلم: [من الطويل]   [1] ب: الآمدي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 يرى عاقبات الرأي والرأي مقبل ... كأنّ له في اليوم عينا على غد «131» - ذكر أعرابيّ رجلا فقال: لا تراه الدهر إلّا كأنه لا غنى به عنك وإن كنت إليه أحوج، وإن أذنبت إليه غفر كأنّه المذنب، وإن احتجت إليه أعطاك وكأنه السائل. «132» - وذكر آخر واليا فقال: إذا ولي لم يطابق بين جفونه، وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن آمن والمسيء خائف. «133» - أحمد بن محمد المصيصي المعروف بالنامي في سيف الدولة ابن حمدان: [من الوافر] له نعم تؤوب بآمليه ... إذا آبت إلى أحلى مآب ألذّ من انتصار بعد ظلم ... وأحلى من دعاء مستجاب «134» - الخوارزمي: [من المتقارب] كأنّ مواهبه في المحو ... ل آراؤه عند ضيق الحيل فلو كان غيثا لعمّ البلاد ... ولو كان سيفا لكان الأجل ولو كان يعطي على قدره ... لأغنى النفوس وأفنى الأمل «135» - الفيض بن أبي صالح في أبي عبيد الله كاتب المهدي: [من البسيط] فالصمت في غير عيّ من سجيّته ... حتى يرى موضعا للقول يستمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 لا يرسل القول إلّا في مواضعه ... ولا يخاف إذا حلّ الحبى الجزع «136» - كتب ابن مكرم إلى ابن المدبر: إنّ جميع أكفائك ونظرائك يتنازعون الفضل، فإذا انتهوا إليك أقرّوا لك، ويتنافسون في المنازل، فإذا بلغوك وقفوا دونك، فزادك الله وزادنا بك وفيك، وجعلنا ممن يقبله رأيك، ويقدمه اختيارك، ويقع في الأمور بموافقتك، ويجري منها على سبيل طاعتك. «137» - كان مصعب بن الزبير من أجمل الرجال، فبينا هو جالس بفنائه بالبصرة إذ وقفت عليه امرأة من طيء تنظر إليه فقال: ما وقوفك عافاك الله؟ فقالت: طفىء مصباحنا فجئنا نقتبس من وجهك مصباحا. 138- شاعر: [من الكامل المجزوء] وكأنّ بهجته اكتست ... حسن الإقالة للذنوب «139» - وصف المأمون ثمامة فقال: إنه يتصرّف في القلوب تصرّف السحاب مع الجنوب. «140» - قال عبد الله بن عروة لابنه: إنه والله ما بنت الدنيا شيئا إلّا هدمه الدين، ولا بنى الدين شيئا فاستطاعت الدنيا هدمه. ألا ترى إلى عليّ ما يقول فيه خطباء بني أميّة من ذمّه وعيبه؛ والله لكأنما كانوا يأخذون بناصيته إلى السماء؛ أو ما رأيت ما يندبون به موتاهم؛ والله لكأنما يندبون به جيفا [1] .   [1] م: بعيرا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 «141» - صاح أعرابي بعبد الله بن جعفر: يا أبا الفضل، فقيل له: ليست كنيته، قال: إن لم تكن كنيته فإنها صفته. «142» - وقال زياد الأعجم في محمد بن القاسم الثقفي: [من الكامل] قاد الجيوش لخمس عشرة حجّة ... ولداته عن ذاك في أشغال قعدت بهم أهواؤهم [1] وسمت به ... همم الملوك وسورة الأبطال «143» - وله فيه [2] : [من الكامل] إنّ المنابر أصبحت مختالة ... بمحمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب سورة سؤدد من مولد «144» - منصور النمري في الرشيد: [من الطويل] وليس لأعباء الأمور إذا عرت ... بمكترث لكن لهنّ صبور يرى ساكن الأوصال باسط وجهه ... يريك الهوينا والأمور تطير «145» - الغريبي الكوفي، غلب عليه طلب الغريب فنسب إليه، يمدح   [1] الأغاني: هماتهم. [2] سقطت هذه الفقرة من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 بعض الكتّاب: [من الكامل] إن كنت تقصدني بظلمك عامدا ... فحرمت نفع صداقة الكتّاب السائقين إلى الصديق ثرى الغنى ... الناعشين لعثرة الأصحاب والناهضين بكلّ عبء مثقل ... والناطقين بفصل كلّ خطاب والقاطعين على الصديق بفضلهم ... والطيبين روائح الأثواب ولئن جحدتهم الثناء فطالما ... جحد العبيد تفضّل الأرباب «146» - محمد بن أمية الكاتب: [من الوافر] لطافة كاتب وخشوع صبّ ... وفطنة شاعر عند الجواب «147» - خارجة بن فليح المللي (وملل [1] : مكان) : [من الطويل] كأنّ على عرنينه وجبينه ... شعاعين لاحا من سماك وفرقد هو التابع التالي أباه كما تلا ... أبوه أباه سيدا وابن سيّد [ المأمون والطعام ] «148» - وضع على مائدة المأمون يوم عيد أكثر من ثلاثمائة لون، فكان يذكر منفعة كلّ لون ومضرّته وما يختصّ به، فقال يحيى بن أكثم: يا أمير المؤمنين، إن خضنا في الطبّ فأنت جالينوس في معرفته، أو في النجوم فأنت هرمس في حسابه، أو في الفقه فأنت عليّ بن أبي طالب في علمه، أو في السخاء فأنت حاتم في صفته، أو في صدق الحديث فأنت أبو ذرّ في لهجته، أو في الوفاء   [1] ب: الملكي وملك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 فأنت السموأل بن عاديا في وفائه، فسرّ بكلامه وقال: يا أبا محمد إنّ الإنسان إنما يفضل غيره بعقله، ولولا ذاك لم يكن لحم أطيب من لحم، ولا دم أطيب من دم. «149» - قيل لفيلسوف: فلان يحسن القول فيك، قال: سأكافيه. قيل: بماذا؟ قال: بأن أحقّق قوله. [ مدح هشام بن عبد الملك ] «150» - مدح رجل هشام بن عبد الملك فقال: يا هذا إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال له: ما مدحتك، وإنما ذكرت نعم الله عليك لتجدّد لها شكرا. أشار هشام بن عبد الملك إلى الخبر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب؛ قال العتبي: هو المدح الباطل والكذب، وأما مدح الرجل بما هو فيه فلا بأس به، وقد مدح أبو طالب والعباس وكعب وحسّان وغيرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يبلغنا أنه حثا في وجوههم ترابا. ومدح هو صلّى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، ومدح نفسه وقال: أنا سيّد ولد آدم. وقال يوسف عليه السلام إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (يوسف: 55) . وفي حثو التراب معنيان [1] : أحدهما التغليظ في الردّ عليه، والثاني: أن يقال له بفيك التراب. «151» - قال أنوشروان: من أثنى عليك بما لم توله، فغير بعيد أن يرميك [2] بما لم تجنه.   [1] م: وجهان. [2] م: يعصيك؛ ب: وضع لفظة «يهجوك» فوق «يرميك» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 «152» - وقال وهب بن منبه: من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن أن يذمّك بما ليس فيك. «153» - وقال شاعر: [من الوافر] إذا ما المدح سار بلا نوال ... من الممدوح كان هو الهجاء «154» - القاسم بن أمية بن أبي الصلت الثقفي: [من الكامل] قوم إذا نزل الحريب بدارهم ... تركوه ربّ صواهل وقيان وإذا دعوتهم ليوم كريهة ... سدّوا شعاع الشمس بالخرصان لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتطلّب العلّات بالعيدان بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان [ الطرب على الثناء الحسن ] «155» - حكى الجاحظ عن إبراهيم بن السندي: قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجل من وجوهها كان لا يجفّ لبده، ولا يستريح قلمه، ولا تسكن حركته في طلب حوائج الناس وإدخال السرور على قلوبهم، والمرافق على الضعفاء، وكان عفيف الطّعمة، وجيها مفوّها: خبّرني عما هوّن عليك النّصب، وقوّاك على التّعب، قال: قد والله سمعت غناء الأطيار بالأسحار على الأشجار وسمعت خفق الأوتار، وتجاوب العود والمزمار، فما طربت من صوت حسن كطربي من ثناء حسن على رجل قد أحسن، فقلت: لله أبوك، لقد حشيت كرما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 [ مدحه وهو معزول ] «156» - قيل للجمل المصريّ: هلّا مدحت سليمان بن وهب وهو وال، ومدحته وهو معزول، فقال: عزله أكرم من ولاية غيره، وإنما أمدح كرمه لا عمله، وكرمه معه عمل أم عزل. «157» - المخبّل السعديّ: [من البسيط] إني رأيت بني سعد بفضلهم ... كلّ شهاب على الأعداء مصبوب إلى تميم حماة العزّ نسبتهم ... وكلّ ذي حسب في الناس منسوب قوم إذا صرّحت كحل بيوتهم ... عزّ الذليل ومأوى كلّ قرضوب [1] ينجيهم من دواهي الشرّ إن أزمت ... صبر عليها وفيض غير محسوب «158» - ذو الرّمّة: [من الطويل] يطيب تراب الأرض أن تنزلوا بها ... وتختال أن تعلو عليها المنابر وما زلت تسمو للمعالي وتجتبي ... جبا المجد مذ شدّت عليك المآزر إلى أن بلغت الأربعين فألقيت ... إليك جماهير الأمور الأكابر فأحكمتها لا أنت في الحكم عاجز ... ولا أنت فيها عن هدى الحقّ جائر «159» - أبو نواس: [من الطويل] إليك ابن مستنّ البطاح رمت بنا ... مقابلة بين الجديل وشدقم [2] مهاري إذا أشرعن بحر مفازة ... كرعن جميعا في إناء مقسّم   [1] صرّحت كحل: لم يكن في السماء غيم؛ وكحل: السنة المجدبة. والقرضوب: الفقير. [2] الجديل وشدقم: فحلان من الإبل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 نفخن اللّغام الجعد ثم ضربنه ... على كلّ خيشوم نبيل المخطّم حدابير ما ينفكّ في حيث برّكت ... دم من أظلّ أو دم من مخدّم [1] [ أشعار متتابعة في المدح ] «160» - ابن الرومي من غرائب معانيه: [من الكامل] ما أنت بالمحسود لكن فوقه ... إنّ المبين الفضل غير محسّد يتحاسد القوم الذين تقاربت ... طبقاتهم وتقاربوا في السؤدد [2] فإذا أبرّ كريمهم وبدا لهم ... تبريزه في فضله لم يحسد «161» - الشريف الرضي: [من المنسرح] يا مخرس الدهر عن مقالته ... كلّ زمان عليك متّهم شخصك [3] في وجه كلّ داجية ... ضحى وفي كلّ مجهل علم «162» - القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز: [من الوافر] معادن حكمة وغيوث جدب ... وأنجم خبرة وصدور ناد 163- آخر: [من البسيط] تخالف الناس إلّا في محبّته ... كأنّما بينهم في ودّه رحم   [1] حدابير: نوق هزيلة. الأظل: باطن الخف. المخدم من البعير: ما فوق الكعب منه. [2] سقط هذا البيت من ب. [3] ب: سخطك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 164- وقال آخر: [من الكامل] فرواؤه ملء العيون وفضله ... ملء القلوب وسيبه ملء اليد «165» - وقال أبو الحسن السلامي: [من الطويل] إليك طوى عرض البسيطة جاعل ... قصارى المطايا أن يلوح لها القصر وكنت وعزمي والظلام وصارمي ... ثلاثة أشباه كما اجتمع النسر وبشّرت آمالي بملك هو الورى ... ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر «166» - وقال: [من البسيط] وليلة لا ينال الفكر آخرها ... كأنّما طرفاها الصبر والجزع أحييتها ونديمي في الدجى أمل ... رحب الذّرى وسميري خاطر صنع حتى تبسّم إعجابا بزينته ... لفظ بديع ومعنى فيك مخترع «167» - محمد بن خليفة السّنبسي من شعراء عصرنا: [من الطويل] جميل المحيّا والفعال كأنّما ... تمنّته أمّ المجد لما تمنّت «168» - ومن شعره يمدح صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد [1] : [من الطويل] إذا زرته لم تلق من دون نيله [2] ... حجابا ولم تدخل عليه بشافع   [1] م: مرثد؛ ب: صدقة. [2] الخريدة: جئته ... بابه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 كماء الفرات الجمّ أعرض ورده ... لكلّ أناس فهو سهل الشّرائع تراه إذا ما جئته متهللا ... تهلّل أبكار الغيوث الهوامع [1] 169- ومن مديحه في محمد بن صدقة: [من الطويل] فتى مثل صدر الرمح يهفو قميصه ... على ليّن الأعطاف كالغصن النّضر إذا ما مدحناه تبلّج وجهه ... تبلّج إيماض السحاب على القطر وتأخذه عند الندى أريحيّة ... كما اهتزّ غصن البان في الورق الخضر قليل رقاد العين ثبت جنانه ... أخو عزمات لا ينام على وتر «170» - محمد بن الحسين الآمدي [2] من أهل النيل: [من الطويل] من القوم لما استغرب المجد غيرهم ... من الناس أمسوا فيه فوق الغوارب [3] إذا سالموا كانوا صدور مراتب ... وإن حاربوا كانوا قلوب مواكب جواد مدى لو رامت الريح شأوه ... كبت دون مرمى خطوه المتقارب وبحر ندى لو زاره البحر حدّثت ... عجائبه عن فعله بالعجائب [ عبد الله بن الزبير وأبو صخر ] «171» - لما ظهر عبد الله بن الزبير بالحجاز وغلب عليها بعد موت يزيد بن معاوية، وتشاغل بنو أمية بالحرب بينهم في مرج راهط وغيره، دخل عليه أبو صخر الهذلي [4] في هذيل وقد جاءوا ليقبضوا عطاءهم، وكان عارفا بهواه في بني   [1] لم يرد هذا البيت في الخريدة. [2] م: الأرمكدي. [3] م: الغرائب. [4] الأغاني: عبد الله بن مسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 أمية، فمنعه عطاءه فقال له: علام تمنعني حقّا لي، وأنا امرؤ مسلم ما أحدثت في الإسلام حدثا، ولا أخرجت من طاعة يدا، قال: عليك ببني أمية فاطلب عندهم عطاءك. قال: إذن أجدهم سباطا أكفّهم، سمحة أنفسهم، بذلا لأموالهم، وهّابين لمجتديهم، كريمة أعراقهم، شريفة أصولهم، زاكية فروعهم، قريبا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى آله نسبهم وسببهم، ليسوا إذا نسبوا بأذناب ولا وشائط ولا أتباع، ولا هم من قريش كفقعة القاع، لهم السؤدد في الجاهليّة والملك في الإسلام، لا كمن لا يعدّ في عيرها ولا نفيرها، ولا حكم آباؤه في نقيرها ولا قطميرها، ليس من أحلافها المطّيّبين، ولا من ساداتها المطعمين، ولا جودائها [1] الوهّابيين، ولا من هاشمها المنتخبين، ولا عبد شمسها المسوّدين، وكيف تقاس الرءوس بالأذناب، وأين النّصل من الجفن، والسّنان من الزّجّ، والذّنابى من القدامى، وكيف يفضّل الشحيح على الجواد، والسّوقة على الملك، والمجيع بخلا على المطعم فضلا؟! فغضب ابن الزبير حتى ارتعدت فرائصه وعرق جبينه، واهتزّ من فرعه إلى قدمه، وامتقع لونه ثم قال: يا ابن البوّالة على عقبيها، يا جلف، يا جاهل، أما والله لولا الحرمات الثلاث: حرمة الإسلام، وحرمة الحرم، وحرمة الشهر الحرام لأخذت الذي فيه عيناك؛ ثم أمر به إلى سجن عارم. وله بعد ذلك خبر مع عبد الملك حين ملك وقتل ابن الزبير، ليس هذا موضع ذكره. [ مديح أعرابي ] «172» - مدح أعرابيّ رجلا فقال: هو والله فصيح النسب، فسيح الأدب، من أيّ أقطاره أتيته انثنى إليك بكرم المقال وحسن الفعال.   [1] م: جوائدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 [ بدائع من مدائح المتنبي ] «173» - وهذه بدائع من مدائح المتنبي وأمثال شوارد من شعره، جمعتها متصلة متتالية: [من البسيط] ليت المدائح تستوفي مناقبه ... فما كليب وأهل الأعصر الأول خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل «174» - وله في سيف الدولة: [من الطويل] ولما تلقّاه السّحاب بصوبه ... تلقّاه أعلى منه كعبا وأكرم فباشر وجها طال ما باشر القنا ... وبلّ ثيابا طال ما بلّها الدم تلاك وبعض الغيث يتبع بعضه ... من الشام يتلو الحاذق المتعلّم وكلّ فتى للحرب فوق جبينه ... من الضّرب سطر بالأسنّة معجم ومنها: وأدّبها طول الطّراد [1] فطرفه ... يشير إليها من بعيد فتفهم تجانف عن ذات اليمين كأنّها ... ترقّ لميافارقين وترحم ولو زحمتها بالمناكب زحمة ... درت أيّ سوريها الضعيف المهدّم على كلّ طاو تحت طاو كأنّه ... من الدم يسقى أو من اللحم يطعم لها في الوغى زيّ الفوارس فوقها ... فكلّ حصان دارع متلثّم وما ذاك بخلا بالنفوس على القنا ... ولكنّ صدم الشرّ بالشرّ أحزم   [1] الديوان: القتال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 ومنها: أخذت على الأرواح كلّ ثنيّة ... من العيش تعطي من تشاء وتحرم فلا موت إلا من سنانك يتّقى ... ولا رزق إلّا من يمينك يقسم «175» - وله: [من الطويل] ألذّ من الصهباء بالماء ذكره ... وأحسن من يسر تلقّاه معدم سنيّ العطايا لو رأى نوم عينه ... من اللّوم آلى أنّها لا تهوّم «176» - وله: [من الكامل] قاد الجياد إلى الطّعان ولم يقد ... إلّا إلى العادات والأوطان كلّ ابن سابقة يغير بحسنه ... في قلب صاحبه على الأحزان إن خلّيت ربطت بآداب الوغى ... فدعاؤها يغني عن الأرسان في جحفل ستر العيون غباره ... فكأنما ينظرن بالآذان يرمي بها البلد البعيد مظفّر ... كلّ البعيد له قريب دان ومنها: المخفرين بكلّ أبيض صارم ... ذمم الدروع على ذوي التيجان متصعلكين على كثافة ملكهم ... متواضعين على عظيم الشان يتقيّلون ظلال كلّ مطهّم ... أجل الظليم وربقة السّرحان ومنها: وفوارس يحيي الحمام نفوسها ... فكأنّها ليست من الحيوان ما زلت تضربهم دراكا في الذرى ... ضربا كأنّ السيف فيه اثنان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 خصّ الجماجم والوجوه كأنّما ... جاءت إليك جسومهم بأمان رفعت بك العرب العماد وصيّرت ... قمم الملوك مواقد النيران أنساب فخرهم إليك وإنما ... أنساب أصلهم إلى عدنان يا من يقتّل من أراد بسيفه ... أصبحت من قتلاك بالإحسان «177» - وقال: [من الطويل] وما كنت ممّن أدرك الملك بالمنى ... ولكن بأيّام أشبن النّواصيا عداك تراها في البلاد مساعيا ... وأنت تراها في السماء مراقيا لبست لها كدر العجاج كأنما ... ترى غير صاف أن ترى الجوّ صافيا وقدت إليها كلّ أجرد سابح ... يؤدّيك غضبانا ويثنيك راضيا «178» - محمد بن أحمد الحرون [1] يمدح ويستزيد ويصف شعره: [من البسيط] يا مؤنس الملك والأيام موحشة ... ورابط الجأش والآجال في وجل ما لي وللأرض لم أوطن بها وطنا ... كأنّني بكر معنى سار في مثل لو أنصف الدهر أو لانت معاطفه ... أصبحت عندك ذا خيل وذا خول لله لؤلؤ ألفاظ أساقطها ... لو كنّ للغيد لاستأنسن بالعطل ومن عيون معان لو كحلت بها ... نجل العيون لأغناها عن الكحل سحر من الفكر لو دارت سلافته ... على الزمان تمشّى مشية الثّمل   [1] ب: الحزور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 [ شعراء آخرون ] «179» - إدريس بن أبي حفصة: [من البسيط] أمامها منك نور يستضاء به ... ومن رجائك في أعجازها حاد لها أحاديث من جدواك تذهلها ... عن الربوع وتلهيها عن الزاد 180- آخر: [مجزوء الوافر] فتى ما شئت من أدب [1] ... يزين فعاله الكرم إذا أثرى فليس يضي ... ع في أمواله الذّمم وإن قعد الزّمان به ... أقامت نفسه الهمم رفيع [2] القدر متّسع ... تحبّ جواره النّعم وما نزلت به النّكبا ... ت إلّا وهو مبتسم يهوّنها وإن عظمت ... ويعلم أنّها قسم «181» - محمد بن هانىء: [من الطويل] أغير الذي قد خطّ في اللّوح أبتغي ... مديحا له إنّي إذن لعنود وما يستوي وحي من الله منزل ... وقافية في الغابرين شرود «182» - وقال أيضا: [من الطويل] مقلّد وضّاء [3] من الحقّ صارم ... ووارث مسطور من الآي محكم   [1] م: كرم. [2] م: كريم. [3] الديوان: مضاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 غنيّ بما في الطبع عن مستفاده ... له كرم الأخلاق دون التكرّم إذا جمح الأعداء ردّ جماحهم ... إلى جذع يزجي الحوادث أزلم فسار بهم سير الكواكب لينة [1] ... وشلّهم شلّ الطليح المسدّم لقد رتعت آمالنا من جنابه ... بغير وبيّ المكرع المتوخّم بحيث يكون الماء غير مكدّر ... وحيث يكون الحوض غير مهدّم «183» - وقال أيضا: [من الطويل] أطافت بخرق يسبق القول فعله ... فليس ليوميه وعيد ولا وعد وليس له في غير طرف أريكة ... وليس له في غير سابغة سرد فتى يشجع الرّعديد من ذكر بأسه ... ويشرف من تأميله الرجل الوغد [ الجاحظ يمدح الكتاب ] «184» - الجاحظ في مدح كتاب: متى رأيت بستانا يحمل [2] في ردن، أو روضة تتقلّب [3] في حجر؟ من لك بزائر إن شئت جعل زيارته غبّا، ووروده خمسا، وإن شئت لزمك لزوم الظلّ، وكان منك مكان بعضك؟ الكتاب هو الذي إن نظرت فيه بجّح نفسك، وعمّر صدرك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر. ولو لم يكن من فضله عليك وإحسانه إليك، إلّا منعه لك من الجلوس على بابك والنظر إلى المارّة بك، مع ما في ذلك من التعرّض   [1] الديوان: سير الذلول براكب. [2] م: يثقل. [3] الحيوان: تقل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 للحقوق التي تلزم، ومن فضول النظر، ومن عادة الخوض [فيما لا يعنيك] ، ومن حضور ألفاظ الناس الساقطة ومعانيهم الفاسدة، وأخلاقهم الردية، وجهالاتهم المذموتة، لكان في ذلك السلامة ثم الغنيمة. «185» - خطب رجل جارية فردّ عنها وقيل: أما سمعت ما قيل فيها: [من البسيط] يظلّ خطّابها ميلا عمائمهم ... كأنّ أنضاءها أنضاء حجاج لها أب سيّد ضخم وإخوتها ... مثل الأسنّة يستثنيهم الهاجي «186» - شاعر يمدح مناظرا: [من الطويل] إذا قال بذّ القائلين مقاله ... ويأخذ من أكفائه بالمخنّق «187» - آخر في مثله: [من الكامل] يتقارضون إذا التقوا في مجلس ... نظرا يزيل مواضع الأقدام «188» - البحتري: [من الكامل] أحضرتهم حججا لو اجتلبت بها ... عصم الجبال لأقبلت تتنزّل «189» - أبو تمام: [من البسيط] ثبت الخطاب إذا اصطكّت بمظلمة ... في رحله ألسن الأقوام والرّكب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 لا المنطق اللغو يزكو في مقاومه ... يوما ولا حجّة الملهوف تستلب «190» - الأنصاري: [من الطويل] مجالسهم خفض الحديث وقولهم ... إذا ما قضوا في الأمر وحي المخاصر «191» - نظر الحسن بن رجاء إلى خطّ حسن فقال: هو متنزّه الألحاظ، ومجتنى الألفاظ. «192» - ونظر أعرابيّ كاتبا يكتب بين يدي المأمون فقال: ما رأيت أطيش من قلمه، ولا أثبت من حلمه. «193» - ابن المعتزّ: [من الطويل] إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتّح نورا أو تنظّم جوهرا «194» - قيل لبعضهم: كيف ترى إبراهيم الصولي؟ فقال: [من البسيط] يولّد [1] اللؤلؤ المنثور منطقه ... وينظم الدرّ بالأقلام في الكتب   [1] الرسائل: يثجثج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 195- قال عبد الملك لغيلان: أخبرني عن أفضل البنين فقال: الساتر البارّ، المأمون منه العار. قال: فأفضل البنات. قال: المتعجّلة إلى القبر، المفيدة أباها سنيّ الأجر. قال: فأفضل الإخوان. قال: الشديد العضد، الكريم المشهد، الذي إذا شهد سرّك، وإذا غاب برّك. قال: فأفضل الأخوات. قال: التي لا تفضح أخاها ولا تكسو عارا أباها. فقال عبد الملك: لله أمّ درّت عليك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 نوادر في المدح «196» - قال السريّ الرّفّاء يصف طبيبا: [من السريع] كأنّه من لطف أفكاره ... يجول بين الدم واللحم إن غضبت روح على جسمها ... ألّف [1] بين الروح والجسم «197» - وقال الجمل المصري في مثله: [من المنسرح] إذا سقام عراك نازله ... فاندب أبا جعفر لنازله يعرف ما يشتكيه صاحبه ... كأنما جال في مفاصله 198- وقال أبو الحسن التغلبيّ في مدح الصغار: [من الكامل] وإذا رميت بلحظ طرفك في العلا ... نجما صغيرا فهو فوق الأنجم وصغيرة الخمس الأصابع إنّها ... أولى بزينة خاتم المتختّم والرمح أصغر عقدة فيه التي ... عند السنان وذاك صدر اللهذم وكذلك الدينار يصغر حجمه ... وهو الثمين تراه فوق الدرهم   [1] الديوان: أصلح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 «199» - وقال سويد بن أبي كاهل يمدح وضحا: [من الرمل] هو زين الوجه للمرء كما ... زيّن الطّرف تحاسين البلق «200» - ومثله لعليّ بن جبلة: [من البسيط] الناس كالخيل إن ذمّوا وإن مدحوا ... قدر الشباب كذا الأوضاح في الناس «201» - عقبة الأسديّ يقوله لهند بنت أسماء لما تزوجها الحجاج: [من الوافر] جزاك الله يا أسماء خيرا ... كما أرضيت فيشلة الأمير بصدع قد يفوح المسك منه ... عليه مثل كركرة البعير إذا أخذ الأمير بمثعبيها [1] ... سمعت لها أزيزا كالصرير إذا نفحت بأرواح تراها ... تجيد الرهز من فوق السرير «202» - نزل أبو نخيلة بسليمان بن صعصعة فأمر غلامه أن يتعاهده، فكان يغاديه ويراوحه بالخبز واللحم، فقال يمدح الخباز: [من الرجز] بارك ربّي فيك من خبّاز ... ما زلت مذ كنت على أوفاز تنصبّ باللحم انصباب البازي   [1] الأغاني: بمشعبيها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 20» - ونزل أبو نخيلة على الربيع فأمر غلامه السائس أن يتفقّد فرسه، فمدح الربيع بأرجوزة، ومدح فيها معه سائسه فقال: [من الرجز] لولا أبو الفضل ولولا فضله ... ما اسطيع باب لا يسنّى قفله ومن صلاح راشد إصطبله ... نعم الفتى وخير فعل فعله يسمن منه طرفه وبغله فضحك الربيع وقال له: يا أبا نخيلة، أترضى أن تقرن بي السائس في مديح، كأنك لو لم تمدحه كان يضيع فرسك. 204- وقد مدح السوداوي الفارقيّ سائسا بمثل هذا فقال وأجاد: [من الكامل] وقّاك ربّك رمح كلّ حصان ... وكفى محسّك طارق الحدثان وأمنت من حنق الخيول إذا سطت ... وتصاهلت حنقا على الغلمان فلقد حوت منك الأواخي سيدا ... في طرح مرشحة وحزم بطان بركات كفّك للبهائم نعمة ... تغني عن الشّعران والأتبان وإذا كشفت جلالها وتخالفت ... بغرائب الأجناس والألوان ظنّ المحدّق أنّ بؤبؤ عينه ... متنزّه في روضة البستان فتبيت نفسك في القماط نزاهة ... من أن يقال غلام رحل فلان وهي طويلة أنشدنيها الشيخ الزاهد أبو عبد الله محمد بن عبد الملك الفارقي، قال: أنشدنيها أبو علي ولد شاعرها. 205- باع رجل من النمر بن تولب ناقة ثم اجتاز بها وهي خلف باب تحنّ، فسمع صوتها فقال: [من الطويل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 حلفت يمينا للوضاحيّ برّة ... وأخرى على أمثالها أنا حالف لقد شاقني تحنان عجلى ودونها ... من البيت قفل مغلق وسقائف لعمري لئن أصبحت في دار تولب ... يغنّيك بالأسحار ديك مساعف لقد طالما طوّفت في الشّول لم تري ... دجاجا ولم يعلفك في المصر عالف فكلّ المطايا بعد عجلى ذميمة ... تلائدها والناجيات الطرائف [1] فكم من خليل قد أزرت خليله ... وذي كربة نجّيته وهو خائف فلولا ديون من عروضك قضّيت ... وميرة صبيان وفقر محالف لكان بعيدا أن تكوني بعيدة ... ولو نقد المال الكثير الصيارف فلما سمع النمر بذلك أعادها ووهب له ثمنها. «206» - أبو نواس يذكر كلبا: [من الرجز] أنعت كلبا أهله في كدّه ... قد سعدت جدودهم بجدّه فكلّ خير عندهم من عنده ... يظلّ مولاه له كعبده يبيت أدنى صاحب من مهده ... وإن عرى جلّله ببرده ذا غرّة مجلّلا بزنده ... تلذّ منه العين حسن قدّه تأخير شدقيه وطول خدّه ... تلقى الظباء عنتا من طرده يشرب كأس شدّها بشدّه ... يصيدنا عشرين في مرقدّه يا لك من كلب نسيج وحده الزّند: عظم الساق هاهنا، وهو في غيره عظم الساعد. ومرقده من الارقاد وهو الإسراع.   [1] هذا البيت: سقط من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 «207» - سمع أعرابيّ قوله تعالى: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً (التوبة: 97) فامتعض ثم سمع وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ (التوبة: 99) فقال: الله أكبر، هجانا الله ثم عاد مدحنا، وكذلك فعل الشاعر حيث يقول: [من الطويل] هجوت زهيرا ثم إني مدحته ... وما زالت الأشراف تهجى وتمدح «208» - أعرابيّ يمدح ماتحا: [من الرجز] يزعزع الدلو وما يزعزعه ... يكفيه من جمع البنان إصبعه تكاد آذان الدلاء تتبعه «209» - دخل بدويّ حماما فاستطابه فقال لصاحبه: [من الرمل المجزوء] إنّ حمّامك هذا ... غير مذموم الجوار ما رأينا قبل هذا ... جنّة في وسط نار «210» - رفع إلى الحسن بن سهل أنّ الدواب وبئت فماتت ببغداد فوقّع بقتل الكلاب، فقال أبو العواذل: [من الوافر] له يومان من خير وشرّ ... يسلّ السيف فيه من القراب فأما الجود فيه فللنصارى ... وأمّا شرّه فعلى الكلاب وكانت أكلت لحوم الدوابّ فكلبت على الناس فاضطروا إلى قتلها وعلموا معنى توقيع الحسن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 211- شتم رجل الأرضة فقال له بكر بن عبد الله المزني: مه فهي التي أكلت الصحيفة التي تعاقد المشركون فيها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إلا ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وبها تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ... الآية. «212» - وقال السريّ يمدح مزينا: [من المتقارب] له راحة سيرها راحة ... تمرّ على الرأس مرّ النسيم إذا لمع البرق في كفّه ... أفاض على الرأس ماء النعيم 213- وقال آخر يمدح ابن حائك: [من المنسرح] يا ابن الذي قد زكت صنائعه ... في كلّ مصر بذاك منعوت لولا مساعي أبيك يرحمه ال ... له لكنّا كصاحب الحوت «214» - وقال عتبة الأعور في ابن حجام: [من المنسرح] أبوك أوهى النجاد عاتقه ... كم من كميّ دمّى ومن بطل يأخذ من ماله ومن دمه ... لم يمس من ثأره على وجل «215» - ركب غيلان بن حرشة الضبيّ مع عبد الله بن عامر بن كريز فمرّا على نهر عبد الله الذي يشق البصرة، فقال عبد الله: ما أصلح هذا النهر لأهل هذا المصر!! قال غيلان: أصلح الله الأمير، يتعلم صبيانهم فيه العوم، وهو لسقائهم ومسيل مياههم، وتأتيهم فيه ميرتهم. ثم مرّ غيلان بعد ذلك وهو يساير زيادا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 وهو مجانب لابن عامر، فقال زياد: ما أضرّ هذا النهر بأهل هذا المصر. قال غيلان: أجل أصلح الله الأمير، تنزّ منه دورهم، وتغرق فيه صبيانهم، ومن أجله يكثر بعوضهم. فصرف غيلان لسانه مدحا وذمّا كما شاء. 216- ويشبهه أنّ خالد بن صفوان قال لجاريته: هاتي جبنا فإنه يهيج المعدة ويشهّي الطعام، وهو حمض العرب. قالت: قد كان ونفد. قال: لا عليك، فإنه يقدح في الأسنان، ويستولي على البطن، وهو من عمل أهل الذمة. «217» - أثنى رئيس وفد على ملك، فإنه لكذلك إذ أفلتت منه ضرطة، فالتفت إلى استه وقال يخاطبها: مثل هذا الملك يصلح أن يثننى عليه بجميع الجوارح، ولكن إذا رأيت اللسان يتكلّم فاسكتي أنت. فضحك الملك وقضى حوائجهم. 218- حدثني أبو المكارم محمد بن الحسين الآمدي الشاعر قال: حضرت مرجّى بن نبيه خال ابن أبي الخير صاحب البطيحة، وكان هجّاء خبيث اللسان، وقد قال لعمر القلانسي وهو أكبر قوّاد البطيحة: إني قد مدحتك يا أصفهسلّار بشعر جيد، فقال: أسمعنيه فقال: [من مخلع البسيط] في عمر ألف ألف خير ... تمحو له ألف ألف ذنب فقال له في النصف الأول: تقول بفضلك هذا، فلما أتمّ البيت قال له: بشّرك الله بخير، فقال مرجّى: واحدة أنه حمار ... بغير مكر وغير خبّ فقال له عمر: صدقت، والله ما عندي لا خبّ ولا مكر، ولو مدحتني بهذا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 بمحضر الأمير، يعني ابن أبي الخير، لكان أنفع لي وأوقع عندي. «219» - قال ابن كناسة: لما جاءت المسوّدة سخّروا المستهلّ بن الكميت بن زيد وحملوا عليه حملا ثقيلا وضربوه، فمرّ ببني أسد فقال: أترضون أن يفعل بي هذا الفعل؟ فقالوا: هؤلاء الذين يقول فيهم أبوك: [من الخفيف] والمصيبون باب ما أخطأ النا ... س ومرسو قواعد الإسلام قد أصابوا فيك فلا تكذب أباك. «220» - سأل رجل أبا أيوب المكي، وهو يتولّى ديوان الخراج أيام المنصور، حاجة فمنعه منعا قبيحا، فقال له أحد جلسائه: قد وفّقت، فإنّ هذا الرجل قوّاد، فقال له: وهذا عندك عيب؟! قال: وأيّ عيب أكبر منه [1] ؟ قال أبو أيوب: أتدري ما كانت العرب تسمّي القواد وما هو عندهم؟ قال: لا أدري. قال أبو أيوب: كانوا يسمّونه الحكيم، وذلك أنه يأتي إلى الصعب يذلّله، والحزن يسهّله، والبعيد يقرّبه، والقريب فيباعده، والخائف فيؤمّنه، والجازع فيصبّره، والآيس فيطمعه، والمغلق فيفتحه، والمتحيّر فيرشده، والضعيف فيؤيّده، يحيي نفسين، ويجمع بين محبّين، وله يتطأطأ الممتنع، ويبرز المصون المحتجب، وبه يسهل الصعب المتوعّر، وقد مدح عمر بن أبي ربيعة قوادة فقال: [من الرمل] فأتتها طبّة عالمة ... تخلط الجدّ مرارا باللعب   [1] م: أكبر من هذا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 تغلظ القول إذا لانت لها ... وتراخي عند سورات الغضب وقال آخر: [من البسيط] في فمها من رقى إبليس مفتاح وقال ابن الرومي: [من الرمل المجزوء] لو يشا ألّف ضبا ... حسن تأليف بحوت ويقود الجمل الصع ... ب بخيط العنكبوت وقال آخر: [من الوافر] يقود من الفراهة ألف بغل ... بها حرن بخيط العنكبوت وقال الفرزدق: [من الطويل] فغلغل [1] وقّاع إليها فأقبلت ... تخوض [2] خداريّا من الليل أخضرا لطيف إذا ما انفكّ [3] أدرك ما ابتغى ... إذا هو للظبي [4] المخوف تقتّرا يزيد على ما كنت أوصيته به ... فإن ناكرته لان ثمّت أنكرا «221» - قال الأصمعي: كنت بالبادية، فرأيت امرأة تبكي على قبر وتقول: [من المتقارب]   [1] الديوان: تغلغل. [2] الديوان: تجوس. [3] الديوان: انسلّ. [4] الديوان: للطنء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 فمن للسّؤال ومن للنّوال ... ومن للمقال ومن للخطب ومن للحماة ومن للكماة ... إذا ما الكماة جثوا للرّكب إذا قيل مات أبو مالك ... فتى المكرمات قريع العرب قال: فملت إليها فقلت: من هذا الذي مات هؤلاء الخلق بموته؟ فقالت: أما تعرفه؟ قلت: اللهمّ لا. فأقبلت ودموعها تنحدر، وإذا هي مقّاء برشاء ثرماء، فقالت: فديتك، هذا أبو مالك الحجّام ختن أبي منصور الحائك. فقلت: عليك لعنة الله، والله ما ظننت إلّا أنّه سيّد من سادات العرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 الفصل الأول في الشكر [ أقوال في الشكر ] «222» - قيل: اشكر المنعم عليك، وأنعم على الشاكر لك، تستوجب من ربّك الزيادة، ومن أخيك المناصحة. «223» - وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: لا يزهدنّك في المعروف من لا يشكرك عليه، فقد يشكرك عليه من لا يستمتع بشيء منه، وقد يدرك من شكر الشاكر أكثر مما أضاع الكافر، والله يحبّ المحسنين. «224» - ومما تعزيه الفرس إلى اسفنديار: الشكر أفضل من النعمة لأنه يبقى وتلك تفنى. «225» - وقال موسى بن جعفر: المعروف غلّ لا يفكّه إلا المكافأة أو الشكر. «226» - وقال أيضا: قلة الشكر تزهّد في اصطناع المعروف. (وليس في هذا مناقضة لكلام جده علي عليه السلام لأنه فيما أخبر عن عادة النفس فيه ولم يأمر بالزهد في المعروف لقلة الشكر) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 «227» - وقال رجل لسعيد بن جبير: هذا المجوسيّ يوليني خيرا فأشكره ويسلم عليّ فأردّ عليه، فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو هذا فقال: لو قال لي فرعون خيرا لرددته عليه. 228- وقيل: ارع حقّ من عظمك بغير فاقة إليك، بإعطائه إيّاك ما تحبّ، واستعن على شكره بإخوانك، فإنّ ذلك من حقّ الحريّة عليك. [ أشعار في الشكر ] «229» - قال الأخطل: [من البسيط] لألجأتني قريش خائفا وجلا ... وموّلتني قريش بعد إقتار المنعمون بنو حرب وقد حدقت ... بي المنية واستبطأت أنصاري «230» - وقال جرير: [من البسيط] نفسي الفداء لقوم زيّنوا حسبي ... وإن مرضت فهم أهلي وعوّادي إن يجر طير بأمر فيه عافية ... أو بالفراق فقد أحسنتم زادي «231» - وقالت امرأة من العرب: [من الكامل المرفل] كم نعمة لك أخرست كرما ... صرف الزمان وألسن العسر ألبستني نعما خلعت بها ... عني ثياب مذلّة الفقر ماذا أقول لمن محاسنه ... غطّت عليّ مساوىء الدهر «232» - وقال أبو نخيلة: [من الطويل] أمسلم إنّي يا ابن كلّ خليفة ... ويا جبل الدنيا ويا زينة الأرض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 شكرتك إنّ الشكر حبل من التقى ... وما كلّ من أوليته نعمة يقضي ونبهت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذكر أنبه من بعض «233» - وقال آخر: [من الطويل] سأشكر عمرا ما تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلّت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلّت رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلّت «234» - وقال يزيد المهلبي: [من الطويل] رهنت يدي بالعجز عن نيل شكره ... وما فوق شكري للشكور مزيد ولو كان مما يستطاع استطعته ... ولكنّ ما لا يستطاع شديد «235» - وقال أبو تمام: [من السريع] كم نعمة منك تسربلتها ... كأنها طرّة برد قشيب من اللواتي إن ونى شاكر ... قامت لمسديها مقام الخطيب نظر فيه إلى قول نصيب: [من الطويل] فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 «236» - وقال عمارة بن عقيل: [من الطويل] بدأتم فأحسنتم فأثنيت جاهدا ... فإن عدتم أثنيت والعود أحمد [ رسائل في الشكر ] «237» - كتب رجل إلى بعض الملوك: حمّلت حاجتي فلانا لا أنّ شكري ضعف عن حمل أياديك، بل أحببت أن يكون إخواني أعوانا على شكرك، وشهودا على فضلك. 238- وكان جعفر بن يحيى يصل القاسم بن يحيى البصري ويلاطفه ويبرّه، ويكاتبه برقاع مختصرة مختومة، فيجيبه برقاع مستوفاة منشورة، فقال له الواشي: إنّ فلانا يريد الزّراية عليك بما تفعله في مكاتبتك. فقدح ذلك فيه عنده فعاتبه عليه، فقال القاسم: أيها الوزير، رقاعك تشمل على برّ ورقاعي تشمل على واجب شكر، وأنت تكتم تفضّلك، وأنا أنشر تطوّلك، وقال: [من الطويل] وكم لك عندي من عطاء أذيعه ... بجودك في الدنيا فإنك ساتره ومن نائل أوليتنيه مهنّأ ... فلا أنا أنساه ولا أنت ذاكره «239» - وقال أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة المهلبي: [من البسيط] يا ذا اليمينين قد أوليتني مننا ... تترى هي الغاية القصوى من المنن ولست أسطيع من شكر أجيء به ... إلّا استطاعة ذي روح وذي بدن لو كنت أعرف فوق الشكر منزلة ... أوفى من الشكر عند الله في الثمن أخلصتها لك من قلبي مهذّبة ... حذوا على مثل ما أوليت من حسن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 «240» - وقال الحسن بن هانىء: [من الكامل المرفل] قد قلت للعبّاس معتذرا ... من ضعف [1] شكريه ومعترفا أنت امرؤ جلّلتني نعما ... أوهت قوى شكري فقد ضعفا لا تسدينّ إليّ عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا «241» - وقال الحسين بن الضحاك للواثق من أبيات: [من الطويل] إذا كنت من جدواك في كلّ نعمة ... فلا كنت إن لم أفن عمري بشكركا فقال الواثق: لله درّك يا حسين ما أقرب قلبك من لسانك، فقال: يا أمير المؤمنين، جودك ينطق المفحم بالشعر، والجاحد بالشكر. 242- كتب أبو إسحاق الصابي إلى الصاحب أبي القاسم ابن عباد من كتاب: كتبت وليس مني جارحة إلّا ناطقة بشكرك وحمدك، ولا في الدهر جارحة إلا عافية بفضلك ورفدك، وأنا مستمرّ على دعائي لك لو خلوت من أن يكون عائدا بصلاحي ورائشا لجناحي لالتزمته عن الأحرار العائشين في نداه، المستظلّين بذراه، فكيف وأنا أول سائم في مراتعه، ووارد لشريعته. 243- كاتب: فإنّ الشكر تجارة رابحة جعله الله مفتاحا لخزائن رزقه، وبابا إلى مزيد فضله، فأقيموا لله تجارة الشكر يقم لكم أرباح المزيد، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: 7) .   [1] م: عظم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 244- آخر: الحمد لله الذي حقّق أملي فيك، وصدّق ظنّي بك، وذخر المنّة وأخّرها حتى كانت منك، وخصّك بوضع الصنيعة عندي، ودفع المكروه، فلم يسبقك أحد إلى الإحسان إليّ، ولم يحاصّك في الإنعام عليّ، ولم تنقسم الأيادي بشكري فهو لك موفّر عتيد، ولم يخلق وجهي فهو بك مصون جديد، ولم يزل ذمامي مضاعا حتى رعيته، وحقّي مبخوسا حتى قضيته، وأنصفتني من دهر طالما ظلمني، ووترني وعدل بالحظّ عني، وأنقذتني من لؤم غلبته، وأجرتني من تعدّيه وسطوته، وسررت بي الوليّ الودود، وأرغمت بي العدوّ الحسود، وأخذت بيدي من المذلّة، وأنهضتني من العثرة، ورفعت أملي بعد انخفاضه، وبسطت رجائي بعد انقباضه، فلست أعتدّ يدا إلا لك، ولا معروفا إلّا منك، ولا أوجّه رغبة إلّا إليك، فصانك الله عن شكر ما سواه، كما صنتني عن شكر من سواك، وبلّغك من الدنيا والآخرة غاية أملك ومنتهى رضاك. 24» - قال إسماعيل بن غزوان: لا تثقنّ بشكر من تعطيه حتى تمنعه، فالصابر هو الذي يشكر، والجازع هو الذي يكفر. [ عود إلى الشعر ] «246» - وقال البحتري: [من الطويل] إذا أنا لم أشكر لنعماك جاهلا ... فلا نلت نعمى بعدها توجب الشكرا «247» - وقال أيضا: [من الطويل] ألنت لي الأيام من بعد قسوة ... وعاتبت لي دهري المسيء فأعتبا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 وألبستني النّعمى التي غيّرت أخي ... عليّ فأضحى نازح الودّ أجنبا فلا فزت من مرّ الليالي براحة ... إذا أنا لم أصبح بشكرك متعبا وتمثّل بهذه الأبيات شرف الدين أبو القاسم علي بن طراد الزينبي لما خلع عليه المسترشد وقلّده وزارته. «248» - وقال آخر: [من الوافر] ولي في راحتيك غدير نعمى ... صفت جنباه واطّرد الحباب وظلّ لا يمازجه هجير ... وصحو لا يكدّره ضباب وأيام حسنّ لديّ حتى ... تساوى الشّيب فيها والشباب «249» - وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: [من الكامل] إني لشاكر أمسه ووليّه ... في يومه ومؤمل منه غدا «250» - وقال أبو فراس ابن حمدان: [من الطويل] وإنّك للمولى الذي بك أقتدي ... وإنّك للنجم الذي بك أهتدي وأنت الذي بلّغتني كلّ رتبة [1] ... مشيت إليها فوق أعناق حسّدي فيا ملبسي النّعمى التي جلّ قدرها ... لقد أخلقت تلك الثياب فجدّد «251» - وقال إبراهيم بن المهدي: [من البسيط] ما زلت في سكرات الموت مطّرحا ... ضاقت عليّ وجوه الأمر والحيل   [1] م: حاجة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 فلم تزل دائبا تسعى بلطفك لي ... حتى اختلست حياتي من يدي أجلي «252» - وقال آخر: [من البسيط] وكيف أنساك لا نعماك واحدة ... عندي ولا بالذي أوليت من قدم «253» - قال عبد الأعلى بن حماد الزيني: دخلت على المتوكل فقال: يا أبا يحيى، قد هممنا أن نصلك بخير، فتدافعت الأمور، فقلت: يا أمير المؤمنين: بلغني عن جعفر بن محمد الصادق: من لم يشكر الهمّة لم يشكر النعمة، وأنشدته البيتين، قال الباهلي: [من البسيط] لأشكرنّك معروفا هممت به ... إنّ اهتمامك بالمعروف معروف ولا ألومك إذ لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف «254» - وقال ابن الرومي: [من الكامل] كم من يد بيضاء قد أسديتها ... تثني إليك عنان كلّ وداد شكر الإله صنائعا أوليتها ... سلكت مع الأرواح في الأجساد «255» - وقال آخر: [من الطويل] وأحسن ما قال امرؤ فيك مدحة ... تلاقت عليها منّة وقبول وشكر كأنّ الشمس تعنى بنشره ... ففي كلّ أرض مخبر ورسول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 «256» - وقال البحتري: [من البسيط] أمّا أياديك عندي فهي واضحة ... ما إن تزال يد منها تسوق يدا لم لا أمدّ يدي حتى أنال بها ... مدى النجوم إذا ما كنت لي عضدا «257» - وقال السري الرفاء: [من الوافر] فكنت كروضة سقيت سحابا ... فأثنت بالنسيم على السّحاب «258» - وقال أيضا: [من البسيط] أصبحت أظهر شكرا عن صنائعه ... وأضمر الودّ فيه أيّ إضمار كيانع النخل يبدي للعيون ضحى ... طلعا نضيدا ويخفي غضّ جمّار «259» - كتب كاتب: ما أنتهي إلى غاية من شكرك إلّا وجدت وراءها حاديا من برّك، فلا زالت ممدودة بين أمل تبلغه، وأمل فيك تحقّقه، حتى تتملّى من الأعمار أطولها، وتنال من الدرجات أفضلها. «260» - وقال الأقرع بن معاذ القشيري يشكر برّ ابنه: [من الطويل] رأيت رباطا إذ علتني كبرة ... وشاب لداتي [1] ليس في برّه عتب إذا كان أولاد الرجال حزازة ... فأنت الحلال الحلو والبارد العذب   [1] التبريزي: حين تم شبابه وولى شبابي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 لنا جانب منه دميث وجانب ... إذا رامه الأعداء متلفة [1] صعب وتأخذه عند المكارم هزّة ... كما اهتزّ تحت البارح الغصن الرّطب وثوب إلى الأضياف في ليلة الصبّا ... إذا اجتمع السفّار والبلد الجدب [2] «261» - وقال بكير بن الأخنس: [من الطويل] نزلت على آل المهلّب شاتيا ... غريبا عن الأوطان في زمن محل ويروى: فقيرا بعيد الدار في سنة محل (زمن المحل) فما زال بي إلطافهم وافتقادهم [3] ... وبرّهم حتى حسبتهم أهلي «262» - وقال في كلمة أخرى له: [من الطويل] وقد كنت شيخا ذا تجارب جمّة ... فأصبحت فيهم كالصبيّ المدلّل 263- قيل: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر. «264» - وقيل: للشكر ثلاث منازل: ضمير القلب، ونشر اللسان، ومكافأة اليد.   [1] التبريزي: ممتنع. [2] هذا البيت لم يرد عند التبريزي. [3] م: واحتضارهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 «265» - أبو نواس: [من الطويل] أخذت بحبل من حبال محمد ... أمنت به من نائب الحدثان تغطيت من دهري بظلّ جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني فلو تسأل الأيام باسمي لما درت ... وأين مكاني ما عرفن مكاني أذلّ صعاب المكرمات محمد ... وأصبح ممدوحا بكلّ لسان [ رسالة لابن نصر في الشكر ] 266- ابن نصر الكاتب: إنّما يشكر على النعمة، ويعرف أوقات المواهب والمنحة، من يطرقه الإحسان، ويزوره الإنعام إغبابا [1] ، فيجد فرجة من الآلاء، يسدّها بمتابعة الشكر والثناء. فأما من يعمّه الإفضال، ويطمّه النوال، وتسابق الفوائد إليه، وتزاحم العطايا عليه، تصبّحه مغادية، وتعقبه مراوحة، وتحلّ إليه مضحية ومظهرة، وتفقّده معصرة ومعتمة، فلا يعرف لها مدة تحصى، ولا يغيب لها عن طرفه شخصا، فقصاراه الإقرار بالتقصير، وحماداه الاعتراف بالتعذير، وهجّيراه الدعاء بالمعونة على ما أنهض بحقوق النعمة، ولوازم الخدمة. وهو لذلك مواصل، وفضل الله تعالى بالإجابة كافل. ووصل البرّ تشرق تباشيره، وصدر إلينا تضحك أساريره، والله على المقابلة معين، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [ فصل للحسن بن وهب ] «267» - فصل للحسن بن وهب: من شكر لك على درجة رفعته إليها، أو ثروة أفدته إيّاها، فإنّ شكري لك على مهجة أحييتها، وحشاشة أبقيتها، ورمق أمسكته، وقمت بين التّلف وبينه. ولكلّ نعمة من نعم الدنيا حدّ ينتهى   [1] إغبابا: سقطت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 إليه، ومدى يوقف عليه [1] ، وغاية من الشكر يسمو إليها الطّرف، خلا هذه النعمة التي قد فاقت الوصف، وطالت الشكر، وتجاوزت كلّ قدر، وأنت من وراء كلّ غاية ردّت عنّا كيد العدوّ، وأرغمت أنف الحسود، فنحن نلجأ منها إلى ظلّ ظليل، وكنف كريم، فكيف يشكر الشاكر، وأين يبلغ جهد المجهود. 268- قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لرجل من أهل الشام: كيف عمّالنا قبلكم؟ قال: يا أمير المؤمنين إذا طابت العين عذبت الأنهار. «269» - الرضي: [من الكامل المرفل] ألبستني نعما على نعم ... ورفعت لي علما على علم وعلوت بي حتى مشيت على ... بسط من الأعناق والقمم فلأشكرنّ نداك ما شكرت ... خضر الرياض مصانع الدّيم فالحمد يبقي ذكر كلّ فتى ... ويبين قدر مواقع الكرم والشكر مهر للصنيعة إن ... طلبت مهور عقائل النّعم 270- أبو إسحاق الصابي: [من مخلع البسيط] ودونك الشكر من صديق ... واظب ودّا وزار غبّا [ الحطيئة وبني مقلد ] «271» - نزل الحطيئة، وقد أقحمته السنة، ببني مقلّد بن يربوع، فمشى   [1] ب: عنده. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 بعضهم إلى بعض وقالوا: إنّ هذا الرجل لا يسلم على لسانه أحد، فتعالوا حتى نسأله عما يحبّ فنفعله، وعمّا يكره فنجتنبه. فأتوه فقالوا: يا أبا مليكة، أنت اخترتنا على سائر العرب، ووجب حقّك علينا، فمرنا بما تحبّ أن نفعله، ولما تكره أن نتناهى عنه، فقال: لا تكثروا زيارتي فتملّوني، ولا تقطعوها فتوحشوني، ولا تجعلوا فناء بيتي مجلسا لكم، ولا تسمعوا بناتي غناء شبيبتكم، فإنّ الغناء رقية الزّنا. قال: فأقام عندهم، وجمع كلّ رجل منهم ولده وقال: على أمكم الطلاق لئن تغنّى أحد منكم والحطيئة بين أظهرنا لأضربنّه ضربة بسيفي؛ فلم يزل مقيما فيما يرضى حتى انجلت السنة، وارتحل وهو يقول: [من الكامل] جاورت آل مقلّد فحمدتهم ... إذ ليس كلّ أخي جوار يحمد أزمان من يرد الصنيعة يصطنع ... فينا ومن يرد الزهادة يزهد «272» - ومن مليح ما جاء في الشكر ومخرجه مخرج الديانة أنّ عديّ بن أرطأة لما احتفر نهر عدي بالبصرة كتب إلى عمر بن عبد العزيز: إني احتفرت لأهل البصرة نهرا أعذب به مشربهم، وجادت عليه أموالهم، فلم أر لهم في ذلك شكرا، فإن أذنت لي قسمت عليهم ما أنفقته عليه، فكتب إليه عمر: إني لا أحسب أهل البصرة عند حفرك لهم هذا النهر خلوا من رجل قال الحمد لله، وقد رضي الله سبحانه وتعالى بها شكرا من جنّته فارض بها شكرا من نهرك. [ الفضل بن سهل وملك التبت ] «273» - أدخل على الفضل بن سهل ملك التبت وهو أسير، فقال: أما ترى الله عزّ وجلّ قد أمكن منك بغير عهد ولا عقد؟ فما شكرك إن صفحت عنك، ووهبت لك نفسك؟ فقال: أجعل النفس التي أبقيتها بذلة متى أردتها، فقال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 الفضل: شكر والله. وكلّم المأمون فيه فصفح عنه. «274» - وشكر أبو العيناء الطائيّ فقال: هذا رجل إذا رضي عشنا في نوافل فضله، وإذا غضب تقوّتنا بقايا برّه. [ من كتاب للصابي ] 275- من كتاب للصابي يذكر فيه صمصام الدولة وصنيعه إليه بعد نكبة أبيه عضد الدولة: وإليه الرغبة في إطالة [عمر] مولانا عالي الكعب، قاهرا للخطب، مالكا للأمر، حاكما على الدهر، وأن يتولّى عنّي مجازاته بأفضل ما جازى به قويّا عن ضعيف، ومغيثا عن لهيف، ومنعما عن شاكر، ومحسنا عن ناشر. «276» - شاعر: [من الكامل] ومن الرزيّة أنّ شكري صامت ... عما فعلت وأنّ برّك ناطق أأرى الصنيعة منك ثم أسرّها ... إني إذن ليد الكريم لسارق [ المبرد يشكر عيسى بن فرخانشاه ] «277» - ودخل المبرد إلى عيسى بن فرخانشاه فشكره على رضاه عنه بعد أن كان قد غضب عليه، فقال: أعزّك الله، لولا تجرّعك مرارة الغضب ما التذذت حلاوة الرضا، ولا يحسن مدح الصّفو إلّا عند ذمّ الكدر، ولقد أحسن البحتريّ في قوله: [من البسيط] ما كان إلّا مكافاة وتكرمة ... هذا الرضى وامتحانا ذلك الغضب وربّما كان مكروه الأمور إلى ... محبوبها سببا ما مثله سبب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 فقال له عيسى: أطال الله بقاءك، وأحسن عنّا جزاءك، فإنك كما قال أبو نواس: [من الرجز] من لا يعدّ العلم إلّا ما عرف ... كنّا متى نشاء منه نغترف رواية لا تجتنى من الصّحف وأنا أصل البحتريّ لتمثّلك بشعره. ووصله بنحو [1] من صلته. [ أشعار في الشكر ] «278» - قال رجل من بني الحارث بن كعب: [من الطويل] وما يبلغ الإنعام في النفع غاية ... على المرء إلّا مبلغ الشكر أفضل ولا بلغت أيدي المنيلين بسطة ... من الطّول إلّا بسطة الشكر أطول ولا رجحت في الشكر يوما صنيعة ... على المرء إلا وهي بالشكر أثقل فمن شكر المعروف يوما فقد أتى ... أخا العرف من حسن المكافاة من عل [2] «279» - وقال رجل من غطفان: [من البسيط] الشكر أفضل ما حاولت ملتمسا ... به الزيادة عند الله والناس [ القطامي وزفر ] «280» - أسرت قيس القطاميّ في بعض حروبها مع تغلب، فأرادوا قتله،   [1] م: بخير. [2] في ب: ولا بذل الشكر امرؤ حق بذله ... على العرف في حسن المكافاة مزعل ويبدو أنّ اضطرابا حدث بين بيتين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 فخلّصه زفر بن الحارث الكلابي، وقام دونه وحماه وحمله وكساه وأعطاه مائة ناقة، فقال القطاميّ يشكره: [من البسيط] من مبلغ زفر القيسيّ مدحته ... عن القطاميّ قولا غير إفناد إني وإن كان قومي ليس بينهم ... وبين قومك إلّا ضربة الهادي مثن عليك بما استبقيت معرفتي ... وقد تعرض مني مقتل باد فلن أثيبك بالنعماء مشتمة ... ولن أبدّل إحسانا بإفساد لولا كتائب من عمرو تصول بها ... أوديت يا خير مندوّ له النادي إذ الفوارس من قيس بشكّتها ... حولي شهود وما قومي بشهّاد إذ يعتريك رجال يسألون دمي ... ولو أطعتهم أبكيت عوّادي وقد عصيتهم والحرب مقبلة ... لا بل قدحت زنادا غير أصلاد «281» - قال فيلسوف: من مدحك بما ليس فيك، فلا تأمن بهته، ومن شكر ما لم تأت إليه فاحذر أن يكفر نعمتك. «282» - روى نصر بن سيار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: من أنعم على رجل نعمة فلم يشكر له فدعا عليه استجيب له؛ ثم قال نصر: اللهمّ إني قد أنعمت على آل بسّام فلم يشكروا، اللهمّ فاقتلهم، فقتلوا كلّهم. [ رجل طلق امرأته ] «283» - طلق رجل امرأته فلما أراد الارتحال قال: اسمعي، وليسمع من حضر. إني والله اعتمدتك برغبة، وعاشرتك بمحبة، ولم توجد منك زلّة، ولم تدخلني عنك ملّة، ولكنّ القضاء كان غالبا. فقالت المرأة: جزيت من صاحب ومصحوب خيرا، فما استرثت خيرك، ولا شكوت ضيرك، ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 تمنّيت غيرك، ولم أزد إليك إلا شرها، ولم أجد لك في الرجال شبها، وليس لقضاء الله مدفع، ولا من حكمه علينا ممتنع. «284» - البحتري: الشكر نسيم النعم. [ عود إلى الشعر ] «285» - إبراهيم بن العباس في أحمد بن أبي دواد: [من الطويل] أتيتك شتّى الرأي لابس حيرة ... فسدّدتني حتى رأيت العواقبا على حين ألقى الرأي دوني حجابه ... فجبت خطوبا واعتسفت المذاهبا «286» - المتنبي: [من الطويل] تركت السّرى خلفي لمن قلّ ماله ... وأنعلت أفراسي بنعماك عسجدا وقيّدت نفسي في هواك [1] محبة ... ومن وجد الإحسان قيدا تقيّدا «287» - أبو الحسين الكاتب المغربي: [من الطويل] سأشكر نعماك التي انبسطت بها ... يدي ولساني فهو بالمجد ينطق وأثني بما أوليتني من صنيعة ... ومن منّة تغدو عليّ وتطرق وكلّ امرىء يرجو نداك موفّق ... وكلّ امرىء يثني عليك مصدّق «288» - بعض المغاربة: [من البسيط]   [1] الديوان: ذراك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 يا مانع الدهر أن يسطو عليّ لقد ... علقت منك بحبل ليس ينصرم ما أطيب العيش في دنيا تصرّفها ... بالعطف منك وإن لم تدننا رحم كأنها نعمة الأخرى فليس بها ... على المطيعين تنكيد ولا ألم «289» - ابن رشيق المغربي: [من الخفيف] خذ ثناء عليك غبّ الأيادي ... كثناء الرّبى على الأمطار سقط الشكر وهو موجب نعما ... ك سقوط الأنواء بالأثمار «290» - مسلم بن الوليد: [من الوافر] جلبت لك الثناء فجاء عفوا ... ونفس الشكر مطلقة العقال ويرجعني إليك إذا نأت بي ... دياري عنك تجربة الرجال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 نوادر في الشكر 291- سأل أبو العيناء رجلا ممن كان يصحب الحسن بن مخلد عن حاله فأقبل يشكره، فقال له أبو العيناء: لسان حالك يكذّب لسان شكرك. «292» - قدم أبو نخيلة على أبان بن الوليد فامتدحه فكساه ووهب له جارية جميلة، فخرج يوما من عنده فلقيه رجل من قومه فقال له: كيف وجدت أبان ابن الوليد؟ فقال: [من الرجز] أكثر والله أبان ميري ... ومن أبان الخير كلّ الخير ثوب لجلدي وحر لأيري 293- تكلّم رجل عند عبد الله بن العباس فأكثر الخطأ، فدعا بغلام له فأعتقه، فقال له الرجل: ما سبب هذا الشكر؟ فقال: إذ لم يجعلني مثلك. «294» - قيل لأعرابيّ في الشتاء: أما تصلّي؟ قال: البرد شديد وما عليّ كسوة أصلّي فيها، وقال: [من الطويل] إن يكسني ربي قميصا وريطة ... أصلّ وأعبده إلى آخر الدهر وإن لم يكن إلّا بقايا عباءة ... مخرّقة ما لي على البرد من صبر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 «295» - السريّ الرفاء الموصلي: [من المنسرح] من ذمّ إدريس في قيادته ... فإنني حامد لإدريس كلّم لي عاصيا فكان له ... أطوع من آدم لإبليس وكان في سرعة المجىء به ... آصف في حمل عرش بلقيس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 الفصل الثاني الاعتذار والاستعطاف [ أحاديث وأقوال حكمية في هذا الفصل ] «296» - وثمرتهما العفو والصفح، وهما خير مندوب إليه، وأحسن محضوض عليه، قال الله عزّ وجلّ: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ (النور: 22) . «297» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلّا من الحدود. «298» - وقال صلّى الله عليه وسلم: من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل لم يرد عليّ الحوض. «299» - وقال علي عليه السلام: أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة. «300» - وقال أيضا: العفو زكاة الظّفر. «301» - وقال أيضا: إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه. 302- وقال الحسن بن علي عليهما السلام: لا تعاجل الذنب بالعقوبة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 واجعل بينهما للاعتذار طريقا. 303- وقال أيضا: أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا ضاقت بالذنب المعذرة. 304- وقال جعفر بن محمد: شفيع المذنب إقراره، وتوبة المجرم اعتذاره. 305- وقال رجل من بني تميم لقومه: ألا أدلّكم على ما هو أفضل من الحقّ؟ قالوا: وما هو؟ قال: العفو. «306» - وقال الشاعر: [من الطويل] فإن كنت ترجو في العقوبة راحة ... فلا تزهدن عند التجاوز في الأجر «307» - وقال الحسن بن أبي الحسن رضي الله عنه: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم إلّا العافون عن الناس، وتلا قوله تعالى: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (الشورى: 40) . [ عمر بن حبيب العدوي يحدث المنصور ] 308- وقال عمر بن حبيب العدوي: كنت في وفد أهل البصرة لما قدموا على المنصور يسألونه أن يولّي عليهم قاضيا، فبينا نحن عنده إذ جيء برجل مصفّد يحمل في الحديد، فوقف بين يديه فغلّوا يده إلى عنقه، فساء له طويلا ثم بسط له نطع وأقعد عليه، ونحن ننظر إليه، فأمر بضرب عنقه، والرجل يحلف له وهو يكذّبه، ولم يتكلّم أحد من الجمع. فقمت وكنت أحدثهم سنّا، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في الكلام؟ فقال: قل. قلت: يروى عن ابن عمك رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل عذره لم يرد عليّ الحوض، وقد اعتذر إليك فاقبل عذره. فقال: يا غلام اضرب عنقه. فقلت: إنّ أباك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 حدثني عن جدك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد تحت العرش ليقم من كان له عند الله يد فلا يقوم إلا من عفا عن أخيه المسلم، فقال: آلله أنّ أبي حدّثك عن جدي عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلم بهذا؟ فقلت: آلله إن أباك حدثني عن جدك عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلم بهذا. فقال أبو جعفر: صدق أبي عن جدي عن ابن عباس بهذا. يا غلام خلّ عنه، وأمر له بجائزة وولّاني قضاء البصرة. [ المأمون والعفو ] «309» - وأتي المأمون برجل يريد أن يقتله، وعليّ بن موسى الرضا جالس، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: أقول إنّ الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو إلّا عزّا، فعفا عنه. «310» - وكان المأمون مؤثرا للعفو كأنه خلق غريزة له، وهو القائل: لقد حبّب إليّ العفو حتى أظنّ أني لا أثاب عليه. وسأذكر جملا من أخباره فيه هاهنا. «311» - وقع جعفر بن يحيى في رقعة معتذر: قد تقدّمت طاعتك ونصيحتك، فإن بدرت منك هفوة فلن تغلب سيئة حسنتين. «312» - وقال الشاعر: [من الخفيف] ارض للسائل الخضوع وللقا ... رف ذنبا خصاصة الاعتذار [ اعتذارات النابغة ] «313» - وكان النابغة الذبياني مجيدا في الاعتذار حتى قيل إنه أشعر الناس إذا رهب، ومشهورة قصائده متضمنة الاعتذار إلى النعمان بن المنذر، فمن ذلك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 قوله: [من البسيط] أنبئت أنّ أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد فلا لعمر الذي قد زرته حججا [1] ... وما هريق على الأنصاب من جسد ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه [2] ... إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي هذا لأبرأ من قول قذفت به ... طارت نوافذه حرّا على كبدي [3] «314» - ومن ذلك قوله: [من الطويل] وعيد أبي قابوس في غير كنهه ... أتاني ودوني راكس والضواجع فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة ... من الرّقش في أنيابها السمّ ناقع يسهّد من نوم العشاء [4] سليمها ... لحلي النساء في يديه قعاقع تناذرها الراقون من سوء سمّها ... تطلّقه طورا وطورا تراجع أتوعد عبدا لم يخنك أمانة ... وتترك عبدا ظالما وهو ضالع حملت عليّ ذنبه وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع   [1] الديوان: الذي مسحت كعبته. [2] الديوان: ما قلت من سيء مما أتيت به. [3] رواية الديوان: إلا مقالة أقوام شقيت بها ... كانت مقالتهم قرعا على كبدي [4] الديوان: من ليل التمام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 «315» - ومن ذلك قوله: [من الطويل] حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلّغت عنّي خيانة ... لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب ولكنني كنت امرءا لي جانب ... من الأرض فيه مستراد ومذهب ملوك وإخوان إذا ما لقيتهم [1] ... أحكّم في أموالهم وأقرّب كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم [2] ... فلم ترهم في مثل ذلك أذنبوا فلا تتركنّي بالوعيد كأنني ... إلى الناس مطليّ به القار أجرب ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرجال المهذّب [ اعتذارات طريح الثقفي ] «316» - وقال طريح بن إسماعيل الثقفي يعتذر إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك: [من البسيط] أمشمت أنت أقواما صدورهم ... عليّ فيك الى الأذقان تلتهب إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا ... شرّا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا رأوا صدودك عنّي في اللقاء فقد ... تحدّثوا أنّ حبلي منك منقضب وأنّ سخطك شيء لم أناج به ... نفسي ولم يك مما كنت أحتسب [3] قد كنت أحسب أني قد لجأت إلى ... حرز وأن لا يضروني وإن ألبوا   [1] الديوان: أتيتهم. [2] ب: اصطفيتهم. [3] الأغاني: اكتسب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 فإن وصلت فأهل العرف أنت وإن ... تدفع يديّ فلي بقيا ومنقلب إني كريم كرام عشت في أدب ... نفى العيوب وخير الشيمة الأدب قد يعلمون بأنّ العزّ منقطع ... عني [1] وأنّ الغنى لا بدّ منقلب لا يفرحون إذا ما الدهر طاوعهم ... يوما بيسر ولا يشكون إن نكبوا «317» - وقال أيضا: [من الخفيف] فإليك ارتحلت يشفع لي قر ... بي ونصح لكم وغيب سليم فاكسني البشر إنه شاهد العر ... ف كما شاهد القنوط الوجوم «318» - وقال أيضا: [من الكامل] نام الخليّ من الهموم وبات لي ... ليل أكابده وهمّ مضلع أبغي وجوه مخارجي من تهمة ... أزمت عليّ وسدّ منها المطلع جزعا لمعتبة الوليد ولم أكن ... من قبل ذاك من الحوادث أجزع فلأنزعنّ عن الذي لم تهوه ... إن كان لي- ورأيت ذلك- منزع إن كنت في ذنب عتبت فإنني ... عما كرهت لنازع متورّع فاعطف فداك أبي عليّ توسّعا ... وفضيلة فعلى الفضيلة تتبع [ اعتذارات البحتري ] «319» - وكان البحتري نابغي الاعتذار، فمن جيد قوله فيه: [من الطويل] عذيري من الأيام رنّقن مشربي ... ولقّينني نحسا من الطير أشأما   [1] م: يوما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 وأكسبنني سخط امرىء بتّ موهنا ... أرى سخطه ليلا من [1] الليل مظلما تبلّج عن بعض الرضى وانطوى على ... بقيّة عتب شارفت أن تصرّما إذا قلت يوما قد تجاوز حدّها ... تلبّث في أعقابها وتلوّما وأصيد إن نازعته الطّرف ردّه ... كليلا وإن راجعته القول جمجما ثناه العدا عنّي فاصبح مشرعا [2] ... وأوهمه الواشون حتى توهّما وقد كان سهلا واضحا فتوعّرت ... رباه وطلقا ضاحكا فتجهّما أمتّخذ عندي الإساءة محسن ... ومنتقم مني امرؤ كان منعما ومكتسب فيّ الملامة ماجد ... يرى الحمد غنما والملامة مغرما [يخوفني من سوء رأيك معشر ... ولا خوف إلّا أن تجور وتظلما] أعيذك أن أخشاك من غير حادث ... تبيّن أو جرم إليك تقدّما وأكبر ظنّي أنّك المرء لم تكن ... تحلّل بالظنّ الذمام المحرّما ولو كان ما خبّرته أو سمعته ... لما كان غروا أن ألوم وتكرما لي الذنب معروفا وإن كنت جاهلا ... به ولك العتبى عليّ وأنعما [ الجاحظ وابن أبي دواد ] «320» - أتي بالجاحظ بعد هلاك ابن الزيات، وكان من المنقطعين إليه، إلى ابن أبي دواد، وهو مقيّد وفي عنقه سلسلة، فقال له ابن أبي دواد: والله ما علمتك إلا متناسيا للنعم، كفورا للصنيعة، معدّدا للمساوىء، وما فتّني باستصلاحي لك، ولكنّ الأيام لا تصلح منك لفساد طويّتك، ورداءة دخلتك، وسوء اختيارك، فقال الجاحظ: خفّض عليك، والله لأن يكون الأمر لك عليّ خير من أن يكون لي عليك، ولأن أسيء وتحسن أجمل في الأحدوثة عنك من   [1] ب: مع. [2] الديوان: معرضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 أن أحسن وتسيء، ولأن تعفو في حال قدرتك أجمل من أن تنتقم مني. فقال ابن أبي دواد: والله ما علمتك إلا كثير تزويق اللسان، وقد جعلت بيانك أمام قلبك، واصطنعت فيه النّفاق. يا غلام، صر به إلى الحمام وأمط عنه الأذى. فأخذ الحديد عنه، وأدخل الحمام، وحمل إليه تخت ثياب وطويلة وخفّ، فلبس ذاك، وانكفأ إليه، فصدّره في مجلسه، وأقبل عليه بوجهه، وقال: هات حديثك يا أبا عثمان. فقال: من أقرب ذاك أنك فككتني من الاسار، وعرّضتني لليسار، وأدخلتني في شكرك من باب الاضطرار، واستأنفت لي حياة كنت يئست منها، وصرفت عني شماتة كنت التبست بها، فرحمك الله بي كما رحمني بك، وأمتعك بنعمتك التي أعارك. [ عبد الملك يوبخ أهل المدينة ] «321» - قدم عبد الملك بن مروان حاجّا سنة خمس وسبعين، وذلك بعد ما اجتمع الناس عليه بعامين. فجلس على المنبر وشتم أهل المدينة ووبّخهم، ثم قال: إنّي والله يا أهل المدينة قد بلوتكم فوجدتكم تنفسون القليل [1] ، وتحسدون على الكثير، وما وجدت لكم مثلا إلّا ما قال مخنثكم وأخوكم الأحوص: [من الطويل] وكم نزلت بي من خطوب ملمّة ... صبرت عليها ثم لم أتخشّع فأدبر عنّي شرّها لم أبل به ... ولم أدعكم في كربها المتطلّع فقام إليه نوفل بن مساحق فقال: يا أمير المؤمنين، أقررنا بالذنب وطلبنا المعذرة، فعد بحلمك فذلك ما يشبهنا منك وما يشبهك منّا، فقد قال من ذكرت بعد بيتيه الأوّلين:   [1] هامش ب: تنافسون على القليل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 وإني لمستأن ومنتظر بكم ... وإن لم تقولوا في الملمّات دع دع أؤمّل منكم أن تروا غير رأيكم ... وشيكا وكيما تنزعوا خير منزع [ الحسين الخليع والمأمون ] «322» - كان الحسين بن الضحاك المعروف بالخليع مدّاحا للأمين، ولما قتل أفرط في الجزع عليه وهجا المأمون وترك بغداد مخافة، واجتهد في استعطافه، وسأل ابن البواب الحاجب حتى أنشده شعره الذي يقول فيه: [من الطويل] رأى الله عبد الله خير عباده ... فملّكه والله أعلم بالعبد وما زال يلطف له حتى أوصله إلى المأمون، فلما سلّم عليه ردّ ردّا جافيا وقرّعه بأشعاره فيه وفي أخيه فقال: يا أمير المؤمنين، لوعة غلبتني، وروعة فاجأتني، ونعمة سلبتها بعد أن غمرتني، وإحسان شكرته فأنطقني، وسيّد فقدته فأقلقني، فإن عاقبت فبحقّك، وإن عفوت فبفضلك، فدمعت عين المأمون وقال: قد عفوت عنك وأمرت بإدرار أرزاقك عليك، وإعطائك ما فات منها، وجعلت عقوبة ذنبك امتناعي من استخدامك. «323» - أمر بعض ملوك العجم بقتل رجل غضب عليه، فقال الرجل: أيها الملك إن قتلتني وأنا صادق عظم جرمك، وإن تركتني وأنا كاذب قلّ وزرك، وأنت من وراء ما تريد، والعجلة موكّل بها الزّلل، فعفا عنه. 324- كتب أبو طالب الجراحي من آل علي بن عيسى: فإن رأى أن ينظر نظر راحم متعطّف، إلى خادم متلهّف، ويجعل العفو عن فرطته وكفرانه، صدقة عن بسطته وسلطانه، فأجدر الناس بالاغتفار أقدرهم على الانتصار، فعل، إن شاء الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 «325» - وقال شاعر: [من الطويل] لئن سمتني ذلّا فعفت حياضه ... سخطت ومن يأت المذلّة يعذر فها أنا مسترضيك لا من جناية ... جنيت ولكن من تجنّيك فاغفر «326» - وقال سعيد بن حميد: [من المنسرح] لم آت ذنبا فإن زعمت بأن ... أتيت ذنبا فغير معتمد قد تطرف الكفّ عين صاحبها ... فلا يرى قطعها من الرّشد [ رب ذنب أحسن من الاعتذار ] 327- ذكر عند الحسين بن علي عليهما السلام اعتذار عبد الله بن عمرو ابن العاص من مشهده بصفين فقال: ربّ أحسن من الاعتذار منه؛ فنظر إلى هذا المعنى محمود الوراق فقال: [من الطويل] إذا كان وجه العذر ليس بواضح ... فإنّ اطّراح العذر خير من العذر «328» - واعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة من أمر بلغه عنه فعذره ثم قال له: يا هذا لا يحملنّك الخروج من أمر تخلّصت منه إلى الدخول في آخر لعلّك لا تخلص منه. [ أشعار في العفو ] «329» - وقال علي بن الجهم: [من الخفيف] ليس عندي وإن تغضّبت إلا ... طاعة حرّة وقلب سليم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وانتظار الرضى فإنّ رضى السا ... دات عزّ وعتبهم تقويم «330» - وقال آخر: [من الطويل] وكنت إذا ما جئت أدنيت مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر فمن لي بالعين التي كنت مرة ... إليّ بها في سالف الدهر تنظر «331» - وقال السريّ الرفّاء في العفو: [من الكامل] تلك المكارم لا أرى متأخّرا ... أولى بها منه ولا متقدّما عفوا أظلّ ذوي الجرائم كلّهم ... حتى لقد حسد المطيع المجرما ألّم فيه بقول أبي دهبل الجمحي: [من المنسرح] ما زلت في العفو للذنوب وإط ... لاق لعان بجرمه غلق حتى تمنّى البراء أنّهم ... عندك أمسوا في القدّ والحلق «332» - وقال محمد بن أبي زرعة الدمشقيّ: [من الخفيف] لا ملوم مستقصر أنت في الجو ... د ولكن مستعطف مستزاد قد يهزّ الهنديّ وهو حسام ... ويحثّ الجواد وهو جواد 333- وقال أبو الحسن ابن منقذ: [من الكامل] أخلاقك الغرّ السجايا ما لها ... حملت قذى الواشين وهي سلاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 ومرأة رأيك في عبيدك ما لها ... صدئت وأنت الجوهر الشفّاف «334» - ولأبي العلاء ابن حسول [1] في الاعتذار: [من الكامل] قد صدّني رمد ألمّ بناظري ... عن قصد خدمة بابه ولقائه أو يستطيع الرّمد أن يستقبلوا ... لمعان نور الشمس في لألائه [ من مليح الاعتذار ] «335» - ومن مليح الاعتذار لمسيء قول شمعل بن الحصين التغلبي، وكان خاطب عبد الملك بن مروان بكلام أغلظه [2] فرماه بشيء أصاب ساقه: [من الطويل] أمن ضربة بالرجل مني تباشرت ... عداي فلا عار عليّ ولا سخر وإنّ أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر لا عار بما فعل الدهر «336» - عربد غلام هاشميّ على جيرانه فشكوه إلى عمه، فأراد أن يتناوله بالأدب فقال له: يا عمّ، إني أسأت وليس معي عقلي، فلا تسىء ومعك عقلك، فصفح عنه. 337- وقال شاعر في هفوة الكأس يعتذر عنها: [من الطويل] متى شربت ماء الحياة وجوهنا ... تنقّل عنها ماؤها وحياؤها إذا كانت الصهباء شمسا فإنما ... يكون أحاديث الرجال هباؤها [ كتاب للصاحبن بن عباد ] «338» - وكتب الصاحب أبو القاسم ابن عباد في مثل ذلك: سيدي أعرف   [1] م: حيوس. [2] ب: أغاظه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 بأحكام المروّة من أن يهدى إليها، وأحرص على عمارة سبل الفتوّة من أن يحضّ عليها، وقديما حملت أوزار السكر على ظهور الخمر، وطوي بساط الشراب على ما فيه من خطإ وصواب، واستعفيت السقاة غير دفعة فأبوا إلا إلحاحا [1] عليّ، وإتراعا إليّ، وكرهت الامتناع خشية أن أوقع الكساد في سوق الأنس، وتفاديا من أن يعقد عليّ خنصر الثّقل. فلما بلغت الحدّ الذي يوجب الحدّ، بدر مني ما يبدر ممّن لا يصحبه لبّه، ولا يساعده عقله وقلبه، ولا غرو فموالاة الأرطال، تدع الشيوخ كالأطفال. فإن رأى قبول عذري، في ما جناه سكري، وأن يهب لي جرمي لمعرفته بنيّتي في صحوي، وإن أبى إلّا معاقبتي جعلها قسمين بين المدام وبيني، فعل، إن شاء الله. 339- واعتذر كاتب من مكاتبة بعض إخوانه في ظهر فقال: [من البسيط] العذر في الظهر عند الحرّ منبسط ... إذ رأى سطوات الدهر بالنّعم وما أضنّ بخدّي لو جرى قلمي ... عليه طرسا ولو أنّ المداد دمي [ المأمون والاعتذار ] «340» - عتب المأمون على إسحاق بن إبراهيم الموصليّ في شيء فكتب إليه رقعة وأوصلها إليه من يده، ففتحها المأمون فإذا فيها: [من البسيط] لا شيء أعظم من جرمي سوى أملي ... بحسن عفوك عن جرمي وعن زللي فإن يكن ذا وذا في القدر قد عظما ... فأنت أعظم من جرمي ومن أملي فضحك وقال: يا إسحاق، عذرك أعلى قدرا من جرمك، وما جال   [1] م: لجاجا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 بفكري، ولا خطر بعد انقضائه على بالي [1] . «341» - لما ركب المأمون إلى المطبق لقتل ابن عائشة، لقيه العباس بن الحسن العلوي عائدا، فقال له: الله الله يا أمير المؤمنين في الدماء التي لا بقيّة معها ولا عقوبة بعدها؛ والبس رداء العفو الذي ألبسك الله تعالى إياه، وجمّلك به، وأسعدك باستعماله، فإنّ الملك إذا قتل أغري بالقتل حتى يصير عادة من عاداته، ولذة من لذّاته، فقال: والله يا أبا الفضل لو سمعت هذا منك قبل قتلي لابن عائشة ما كنت قتلته. [ إبراهيم بن المهدي والمأمون ] «342» - لما دخل إبراهيم بن المهدي على المأمون عند الظفر به سلّم عليه وقال له: يا أمير المؤمنين، وليّ الثأر محكّم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن مدّ له في الأناة حسن عنده الذنب، وقد جعلك الله فوق كلّ ذنب، كما جعل كلّ ذي ذنب دونك، فإن عاقبت فبحقّك، وإن عفوت فبفضلك؛ فقال المأمون: يا إبراهيم إنّي شاورت العباس ابني، وأبا أسحاق أخي، في أمرك فأشارا عليّ بقتلك، إلّا أنّني وجدت قدرك فوق ذنبك، فكرهت القتل للازم حرمتك. فقال: يا أمير المؤمنين، قد نصح المشير بما جرت به العادة في السياسة وحياطة   [1] م: على فكري؛ ب: ولا خطر ببالي بعد انقضائه؛ الأغاني: ولا أخطرته بعد انقضائه على ذكري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 الخلافة، إلّا أنك أبيت أن أطلب النصر إلّا من حيث عوّدته من العفو، فإن عاقبت فلك نظير، وإن عفوت فلا نظير لك، فإنّ جرمي أعظم من أن أنطق فيه بعذر، وعفو أمير المؤمنين أجلّ من أن يفي به شكر. فقال المأمون: مات الحقد عند هذا العذر. فاستعبر إبراهيم، فقال المأمون: ما شأنك؟ قال: الندم، إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته في الإنعام عليّ. ثم قال: يا أمير المؤمنين، إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلّغاني عفوه، وإنّ لي الشفعة: الإقرار بالذنب، وحق العمومة بعد الأب، فلا يسقط عن كرمك عمّك، ولا يقع دون عفوك عبدك. فقال: لو لم يكن في حقّ نسبك حقّ الصفح عنك لبلّغك ما أمّلت حسن تنصّلك، ولطف توصّلك. ثم أمره بالجلوس وقال له: ما البلاغة يا إبراهيم؟ قال: أن يكون معناك يجلّي عن مغزاك. فقال المأمون: هذا كلام يشذّر بالذهب؛ لقد أذهبت به وغرا كان في صدري. «343» - اعتذر كاتب إلى صديق له فأجابه: أنت في أوسع العذر عند ثقتي، وفي أضيق العذر عند شوقي. [ كتاب من ابن مقلة إلى ابن الفرات ] 344- كتب أبو علي ابن مقلة إلى أبي الحسن ابن الفرات يستعطفه: اقتصرت- أطال الله بقاء الوزير- على الاستعطاف والشكوى، على تناهي المحنة والبلوى، في النفس والمال، والجسم والحال، إلى ما فيه شفاء للمنتقم، وتقويم للمجترم، وحتى أفضيت إلى الحيرة والتبلد، وعيالي إلى الهلكة والتلدّد، وما أقول إنّ حالا أتاها الوزير أيده الله في أمري إلا بحقّ واجب، وظنّ صادق غير كاذب؛ إلّا أنّ القدرة تذهب الحفيظة، والاعتراف يزيل الاقتراف، وربّ المعروف يؤثره أهل الفضل والدين، والإحسان إلى المسيء من أفعال المتقين. وعلى كلّ حالة فلي ذمام وحرمة، وتأميل وخدمة، إن كانت الإساءة تضيعها، فرعاية الوزير تحفظها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 [ وفد الشام يعتذر إلى المنصور ] «345» - وفد وفد من أهل الشام على المنصور بعد انهزام عبد الله بن علي، وفيهم الحارث بن عبد الله بن ربيعة في عدة منهم، ثم قام الحارث فقال: أصلح الله أمير المؤمنين [1] ، لسنا وفد مباهاة، ولكنّا وفد قربة، وإنّا ابتلينا بفتنة استفزّت كريمنا واستخفّت حليمنا، فنحن معترفون، ومما سلف معتذرون، فإن تعاقبنا فقد أجرمنا، وإن تعف عنا فبفضلك علينا. فاصفح إذ ملكت، وامنن إذ قدرت، وأحسن فطالما أحسن الله إليك. فقال المنصور: قد فعلت ذلك بخطيبكم وأمر بردّ قطائعه. [ رسائل في الاعتذار والاستعطاف ] 346- ومن الاعتذار: إنك- أعزّك الله- بحسن معاشرتك للنعم، واستدامتك لها، واجتلابك ما بعد منها بشكر ما قرب، واستعمالك الصفح عن المجرم لما في عاقبته من جميل الذكر، وجزيل الأجر، تقبل العذر على معرفتك بشناعة الذّنب، وتقيل العثرة وإن لم تكن على يقين من صدق النيّة، وتدفع السيئة بالتي هي أحسن. «347» - ومن الاستعطاف [2] : شفع إبراهيم بن المهدي إلى المأمون في محبوس فقال: يا أمير المؤمنين، ليس للعاصي بعد القدرة عليه ذنب، ولا للمعاقب بعد الملكة عذر؛ قال: صدقت، ووهبه له. 348- كتب إبراهيم بن عبد الله اليقطيني إلى محمد بن ثوابة: إن كان ما أسخطك- أعزّك الله- من جرمي دون مقدار حرمتي، فالصفح عنه واجب لي، وإن كان موازيا فالحسنة تذهب السيّئة، وإن كان فوقه فإنّ الله عزّ وجلّ يقول   [1] اصلح ... المؤمنين: سقط من م. [2] ومن الاستعطاف: سقط من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (البقرة: 237) والفضل أعلى منزلة من الحقّ، وأولى بأهل الفضل والمجد. ومن قدّم- أعزّك الله- حرمة ترعى، أو ختم بإقرار وإعتاب [1] يروى لم يكن لسيّئة منه واسطة بين حسنتين جزاء من العقوبة ولا موضع من الحفيظة. 349- كتب محمد بن عبد كان عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس بن أحمد حين عصى عليه: قد كتبت إليك يا بنيّ كتابا يصل بوصول هذه الرقعة، وعظتك فيه بالعظات النوافع، واحتججت عليك فيه بالحجج البوالغ، وذكّرتك بالدنيا والدين، وخلطت لك الغلظة باللين: أردت بالغلظة تسكين نفارك، وباللين أن أثني إليّ قيادك، فلا تحسب الغلظة يا بنيّ دعتني إليها فظاظة، ولا اللين حملتني عليه ضراعة. وكن على أوثق الثقة وأصحّ المعرفة بأنّ قلبي لك سليم وأنك عليّ كريم. 350- فصل لأحمد بن يوسف: إنّ عذر المعتذر يكاد أن يلحق بمنزلة المذنب عند أكثر الناس، ولولا جلالة حقّك، ومخافة سخطك، لم أتشبّه في الاعتذار بأهل الذنوب. «351» - وكتب سعيد بن حميد إلى سليمان بن وهب: إنما يطالب الناس- أعزّك الله- بالإنصاف على قدر منازلهم في المعرفة بفضله، وتلزمهم الحجة فيه على حسب ما عندهم من العلم بشرف محلّه؛ ووردت الكتب عنه بالاستبطاء لي، وتجاوزت فيها إلى ما أستحقّ غيره بإخلاصي وميلي وصدق محبتي. فإن كان ما كتبت به- أعزّك الله- حقّا، فلست أحتشم أن أقول:   [1] واعتاب: لم ترد في م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 قد وقع الأمر في ذلك موقع الظلم لعلّتين: إحداهما أنه كان ينبغي أن تتقدّم إليّ بما تحبّ لأتّبعه وما تكره لأجتنبه، فإن ملت عن الواجب في أحد الأمرين فالعتب حينئذ واقع موقعه، وإلا فما الحجة عليّ، قال الله عزّ وجلّ وهو أولى من اتّبع علمه وأطيع أمره وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ (التوبة: 115) اللهمّ إلا أن تكون عاتبا بسبب فلان، وقد رددت الحكم فيه إليك، فإن خفّ الكتاب عليك نفذت لأمرك، وإن ثقل حملت نفسي على ما تحبّ، وإن نالني ما أكره. وكان ينبغي أن تنتظر بالعتاب رجوع الجواب، فإن خالفت أمرك فأنا أسرع إلى الحكم لك على نفسي منك. وقد أنصفت أخت جسّاس في قولها: [من الرمل] يا ابنة الأقوام إن شئت فلا ... تعجلي باللوم حتى تسألي فإذا أنت تيقّنت التي ... عندها اللوم فلومي واعذلي ولست بحمد الله ممن يعيب وليه ولا يغتنم زلّته وهفوته، بل يبسط العذر حين لا عذر له، ويقيم الحجة إن وجبت له عليه. وفي دون ما قلت ما أغنى، لأنّ الاختصار إذا لم يكن كافيا، فإنّ الإكثار أحرى أن لا يكفي. 352- قيل: وجد حماد بن أبي سليمان [1] أستاذ أبي حنيفة زلّة كانت منه إليه، فأظهر الإعراض عنه، فكتب إليه أبو حنيفة رقعة يقول فيها: من كان ذنبه إلى الكرام، والعفو عنه في أبدي الصالحين، وتوبته إلى الرحماء، وجنايته إلى الحكماء، كان حريّا بالسلامة، وجديرا بالتخلّص من الملامة، وكان ذلك من سعادة جدّه، ومن التوفيق الذي لا يسلمه إلى أشدّ [2] عاقبة أمره. فلما قرأها حماد صفح عن زلّته، وأعاده إلى رتبته.   [1] م: سليم. [2] ب: أرشد (وسقطت من م) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 «353» - خرج محمد بن البعيث بن حلبس الرّبعي على المتوكل، فأخذه وحبسه، فهرب من الحبس وعاد إلى ما كان عليه، فجيء به وقدّم ليضرب عنقه، فقال له المتوكل: يا محمد، ما حملك على ما صنعت؟ قال: الشقوة يا أمير المؤمنين، وأنت الحبل الممدود بين الله وبين خلقه، وإنّ لي بك لظنّين، أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك، وهو العفو. «354» - كتب أبو محمد المهلبي: أوجست مني [1] إبعادا لك وانعطافا عنك: [من البسيط] وهل يباعد عذب الماء ذو غصص ... أو ينثني عن لذيذ الزاد منهوم «355» - عبد العزيز بن الطارقي المغربي: [من الطويل] تمنّيت أنّ الدهر أبقاك عصمة ... يفوت بها الراجي مدى كلّ أعصما وإن عرضت دون الرضى منك نبوة ... وكادت وجوه البشر أن تتجهّما وأخفق حسن الظنّ إلّا تعلّة ... يراقب حكم الودّ أن يتلوّما فيا للنّهى هل من عذير لمشفق ... تجشّم ذنب الدهر في ما تجشّما «356» - كتب ابن المعتز جوابا عن كتاب اعتذار: والله لا قابل إحسانك   [1] اليتيمة: أوحشت عني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 مني كفر، ولا تبع إحساني إليك منّ، ولك عندي يدان: يد لا أقبضها عن نفعك، وأخرى لا أبسطها إلى ضرّك، فتجنّب ما يسخطني [1] فإني أصون وجهك عن ذلّ الاعتذار. «357» - وقال ابن شهاب: دخلت على عبد الملك بن مروان في رجال من أهل المدينة، فرآني أحدثهم سنّا، فقال لي: من أنت؟ فانتسبت له، فقال: كان أبوك وعمّك يخبّان في فتنة ابن الزبير، قلت: يا أمير المؤمنين، إنّ مثلك إذا عفا لم يعدّد، وإذا صفح لم يثرّب؛ فأعجبه ذلك. [ الاعتذار بين المنصور والمأمون ] 358- سعي بعبد الملك بن الفارسي إلى المأمون، فقال له المأمون: إنّ العدل من عدّله أبو العباس، وقد كان وصفك بما وصفك به [2] ثم أتتني الأنباء بخلاف ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ الذي بلغك حمل عليّ، ولو كان كذلك لقلت نعم كما بلغك [3] ، فأخذت بحقي من الله في الصدق، واتكلت على أمير المؤمنين في سعة عفوه؛ قال: صدقت. «359» - أقبل المنصور يوما راكبا، والفرج بن فضالة جالس على [4] باب الذهب، فقام الناس إليه ولم يقم، فاستشاط المنصور غضبا وغيظا، ودعا به فقال   [1] م: ما يسوء ظني. [2] بما وصفك به: سقط من م. [3] كما بلغك: سقط من م. [4] ابن عساكر: عند. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 له: ما منعك من القيام مع الناس حين رأيتني؟ قال: خفت أن يسألني الله عنه لم فعلت، ويسألك عنه لم رضيت، وقد كرهه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فسكن غضبه وقضى حوائجه. «360» - قال المأمون لاسحاق بن العباس: لا تحسبنّي أغفلت إجلابك مع ابن المهدي وتأييدك لرأيه، وإيقادك لناره، قال: والله يا أمير المؤمنين لإجرام قريش إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أعظم من جرمي إليك، ولرحمي أمسّ من أرحامهم، وقد قال كما قال يوسف لإخوته لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف: 92) وأنت يا أمير المؤمنين أحقّ وارث لهذه الأمة وممتنّ بها. قال: هيهات، تلك أجرام جاهلية عفا عنها الإسلام، وجرمك في إسلامك، وفي دار خلافتك. قال: والله يا أمير المؤمنين للمسلم أحقّ بالإقالة وغفران الزلّة من الكافر. هذا كتاب الله بيني وبينك. يقول الله عزّ وجلّ: سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ إلى قوله تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران: 133- 134) والناس يا أمير المؤمنين سمة دخل فيها المسلم والكافر، والشريف والمشروف. قال: صدقت، اجلس، وري بك زنادي، ولا برح بإزائي من الغابرين من أهلك أمثالك. «361» - وقال عمرو بن عبيد للمنصور، وأراد عقوبة رجل: يا أمير المؤمنين، الانتقام عدل، والتجاوز فضل، والمتجاوز قد جاوز حدّ المنصف، ونحن نعيذ أمير المؤمنين أن يرضى لنفسه بأوكس الفضلين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 «362» - قال المنصور لرجل كان واجدا عليه: تكلّم بحجتك. قال: لو كان لي ذنب لتكلمت بعذري، وعفو أمير المؤمنين أحبّ إليّ من براءتي. «363» - كان النّخعي يكره أن يعتذر إليه ويقول: اسكت معذورا فإنّ المعاذير يحضرها الكذب. [ عتبة يخاطب أهل مصر ] «364» - رقي عتبة بن أبي سفيان في مرض موته فقال: يا أهل مصر، قد تقدّمت لي فيكم عقوبات كنت يومئذ أرجو الأجر فيها، وأنا اليوم أخاف الوزر عليّ منها، فليتني لم أكن اخترت دنياي على معادي، ولم أصلحكم بفسادي، وأنا أستغفر الله منكم وأتوب إليه فيكم، ولقد هلك من شقي بين عفو الله ورحمته. [ أشعار في الاعتذار ] «365» - وكان كعب بن جعيل شاعر معاوية [يمدحه] ويذم غيره، فقال معتذرا: [من الطويل] ندمت على شتم العشيرة بعد ما ... مضى واستتبّت للرواة مذاهبه فأصبحت لا أسطيع ردّ الذي مضى ... كما لا يردّ الدرّ للضرع [1] حالبه 366- أبو نواس: [من الوافر] أقلني قد ندمت على الذنوب ... وبالإقرار عذت من الجحود   [1] ب: يرد الضرع في الدهر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 أنا استدعيت [1] عفوك من قريب ... كما استعفيت سخطك من بعيد فإن عاقبتني فبسوء فعلي ... فما ظلمت عقوبة مستقيد وإن تغفر فإحسان جديد ... سبقت به إلى شكر جديد «367» - المتنبي: [من الوافر] وكيف يتمّ بأسك في أناس ... تصيبهم فيؤلمك المصاب ترفّق أيها المولى عليهم ... فإنّ الرفق بالجاني عتاب وإنهم عبيدك حيث كانوا ... إذا تدعو لمظلمة [2] أجابوا وعين المخطئين هم وليسوا ... بأول معشر خطئوا فتابوا وجرم جرّه سفهاء قوم ... فحلّ بغير جانيه [3] العذاب «368» - اعتذر رجل إلى المنصور فقال: أتراني أتجاوز بك حكم الله حيث يقول: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ، وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الأحزاب: 5) . «369» - ومن كلام روح بن زنباع: لا تشمتنّ بي عدوّا أنت وقمته، ولا تسوءنّ بي صديقا أنت سررته، ولا تهدمنّ ركنا أنت بنيته. [ الاعتذار بين المنصور والمأمون وقصة إبراهيم بن المهدي ] «370» - لما ظفر المأمون بابراهيم بن المهدي أحبّ أن يوبّخه على رؤوس   [1] ب: استعديت. [2] الديوان: لحادثة. [3] الديوان: جارمه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 الناس، قال: فجيء بابراهيم يحجل في قيوده، فوقف على طرف الإيوان فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال المأمون: لا سلّم الله عليك ولا حفظك ولا كلأك ولا رعاك يا إبراهيم، فقال له: على رسلك يا أمير المؤمنين، فلقد أصبحت وليّ ثأري، والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له الاغترار في الأمل هجمت به الأناة على التلف، وقد أصبح ذنبي فوق كلّ ذنب، كما أنّ عفوك فوق كلّ عفو. فإن عاقبت فبحقّك، وإن تعف فبفضلك. قال: فأطرق مليّا ثم رفع رأسه وقال: إنّ هذين أشارا عليّ بقتلك؛ فإذا المعتصم والعباس بن المأمون، فقال له: يا أمير المؤمنين، أمّا حقيقة الرأي في معظم تدبير الخلافة والرياسة فقد أشارا به عليك، وما غشّاك إذ كان منّي ما كان، ولكن الله تعالى عوّدك من العفو عادة جريت عليها، دافعا ما تخاف بما ترجو، فكفاك الله يا أمير المؤمنين. فتبسّم المأمون ثم قال لثمامة: إنّ من الكلام ما يفوق الدرّ ويغلب السحر، وإنّ كلام عمي منه. أطلقوا عن عمي قيوده وردّوه إليّ مكرّما. فلما ردّ إليه قال: يا عمّ صر إلى الأنس وارجع إلى المنادمة، فلن ترى أبدا منّي إلّا ما تحبّ. «371» - وحدّث محمد بن الفضل الهاشمي قال: لما فرغ المأمون من خطابه دفعه إلى ابن أبي خالد الأحول وقال: هو صديقك فخذه إليك، فقال: وما تغني صداقتي عنه وأمير المؤمنين ساخط عليه؟! أما إني وإن كنت صديقا له لا أمتنع من قول الحقّ فيه. قال له: قل فإنّك غير متهم، فقال- وهو يريد التسلق على العفو عنه-: إن قتلته، فقد قتل الملوك قبلك أقلّ جرما منه، وإن عفوت عنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 عفوت عمّن لم يعف من قبلك عن مثله. فمكث المأمون ساعة ثم قال: [من الكامل المرفل] فلئن عفوت لأعفون جللا ... ولئن سطوت لأوهنن عظمي قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي خذه إليك يا أحمد مكرّما. فانصرف به. ثم كتب إبراهيم إلى المأمون قصيدته العينيّة التي يقول فيها: [من الكامل] الله يعلم ما أقول فإنها ... جهد الأليّة من حنيف راكع قسما فما أدلي إليك بحجة ... إلّا التضرّع من مقرّ خاشع ما إن عصيتك والغواة تمدّني ... أسبابها إلّا بنيّة طائع يقول فيها: وعفوت عمّن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع إلّا العلوّ عن العقوبة بعدما ... ظفرت يداك بمستكين خاضع [ الرشيد والعتابي ] «372» - وجد الرشيد على العتّابي، فدخل سرّا مع المتظلّمين بغير إذن، فمثل بين يدي الرشيد وقال: يا أمير المؤمنين، قد أدّبني [1] الناس لك ولنفسي فيك، وردّني ابتلاؤهم إلى شكرك، وما مع تذكّرك قناعة بأحد غيرك، ونعم الصائن لنفسي كنت لو أعانني عليك الصبر، ولذلك أقول: [من الطويل] أخضني المقام الغمر إن كان غرّني ... سنا خلّب أو زلّت القدمان أتتركني جدب المعيشة مقترا ... وكفّاك من ماء النّدى تكفان   [1] الأغاني: آذتني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 وتجعلني سهم المصائب [1] بعدما ... بللت يميني بالنّدى ولساني فخرج وعليه الخلع وقد أمر له بجائزة. «373» - وقال العتابي لرجل اعتذر إليه: إن لم أقبل عذرك كنت الأم منك، وقد قبلت عذرك، [فدم على لوم نفسك في جنايتك، تزد في قبول عذرك] والتجافي عن زلّتك. «374» - وأنكر على صديق له شيئا فكتب إليه: إمّا أن تقرّ بذنبك فيكون إقرارك حجة علينا في العفو عنك، وإلّا فطب نفسا بالانتصاف منك فإنّ الشاعر يقول: [من البسيط] أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا ... عنه فإنّ جحود الذنب ذنبان «375» - عاتب المهديّ مطيع بن أياس في شيء بلغه عنه، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن كان ما بلغك عنّي حقّا فما تغني المعاذير، وإن كان باطلا فما تضرّ الأباطيل. فقبل عذره وقال: إنّا ندعك على جملتك ولا نكشفك. [ الكميت وهشام بن عبد الملك ] «376» - لما دخل الكميت بن زيد على هشام بن عبد الملك معتذرا مما كان طلبه لأجله، سلّم ثم قال: يا أمير المؤمنين، غائب أناب [2] ، ومذنب تاب، محا بالإنابة ذنبه، وبالصدق كذبه، والتوبة تذهب الحوبة، ومثلك حلم عن ذي الجريمة، وصفح عن ذي الرّيبة. فقال له هشام: ما الذي نجّاك من اللغويّ [3]   [1] الأغاني: المطامع. [2] الأغاني: آب. [3] الأغاني: القسري.. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 فقال: صدق النية في التوبة. قال: ومن سنّ لك الغيّ وأورطك فيه؟ قال: الذي أغوى آدم فنسي ولم يجد له عزما. [ أبو نخيلة ] «377» - كان أبو نخيلة منقطعا إلى مسلمة بن عبد الملك، فلما جاءت دولة بني هاشم خافهم وبعد حتى علم أنّ السفاح قد عفا عمّن هو أعظم جرما منه وأكبر محلّا، فلما وقف بين يديه سلّم عليه ودعا وأثنى، ثم استأذن في الإنشاد، فقال له: ومن أنت؟ قال: عبدك يا أمير المؤمنين أبو نخيلة الحمّاني، فقال له: لا حيّاك الله ولا قرّب دارك يا نضو السوء، ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بالأمس: [من الطويل] أمسلم إني يا ابن كلّ خليفة ... ويا جبل الدنيا ويا ملك الأرض أما والله لولا أني قد أمّنت نظراءك لما ارتدّ إليك طرفك حتى أخضبك بدمك. فقال: [من الرجز] كنّا أناسا نرهب الأملاكا ... إذ ركبوا الأعناق والأوراكا ثم ارتجينا زمنا أباكا ... ثم ارتجينا بعده أخاكا ثم ارتجيناك لها إياكا ... وكان ما قلت لمن سواكا زورا فقد كفّر هذا ذاكا فتبسم أبو العباس وقال له: أنت شاعر وطالب خير، وما زال الناس يمدحون الملوك في دولتهم، والتوبة تكفّر الخطيئة، والظفر يزيل الحقد، وقد عفونا عنك، واستأنفنا الصنيعة لك. وأنت الآن شاعرنا فتسمّ بذلك لتزول عنك سمة بني مروان، فقد كفّر هذا ذلك، كما قلت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 نوادر في الاعتذار والاستعطاف «378» - قال المدائني: ورد على المنصور كتاب من مولى له بالبصرة أنّ سلما ضربه بالسياط، فاستشاط المنصور غضبا وقال: أعليّ يجترىء سلم؟ والله لأجعلنّه نكالا يتّعظ به غيره. فأطرق جلساؤه جميعا، وأراد ابن عياش أن يعتذر عنه، وكان أجرأهم على المنصور، فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأينا من غضبك على سلم ما شغل قلوبنا، وإنّ سلما يضرب مولاك لا بقوّته ولا قوة أبيه، ولكنّك قلّدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطامن منه ما رفعت، ويفسد ما صنعت، فلم يحتمل له ذلك. يا أمير المؤمنين، إنّ غضب العربيّ في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وإنّ غضب النبطيّ في استه فإذا خرىء ذهب عنه غضبه؛ فضحك المنصور وكفّ عن ذكر سلم. 379- قدّم إلى عبد الله بن علي أسير من بني أمية فأمر بقتله، فلما وقف على رأسه بالسيف ضرط، فوقع السيف من يد الرجل المأمور بقتله، فضحك عبد الله وعطف عليه وقال: خلّوا سبيله. فقال الأموي: وهذا أيضا من الادبار، كنّا ندفع الموت بأسيافنا، صرنا ندفعه بأستاهنا. 380- بلغ أبا إسحاق النحويّ المعروف بالهدهد أنّ أبا إسحاق الزجاج الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 عاتب عليه، وكان الهدهد أعمى، فقال لقائده: قفني على حلقة الزجّاج في الجامع، فوقفه فصاح به وقال: يا أبا إسحاق أنت مني بمرأى أو مسمع؟ فقال: نعم، فقال: أنشدني وإياك المبرد: [من الرمل المجزوء] غضبت هند وصدّت ... بعرة في المدّ الاكبر ثم انصرف. «381» - اعتذر رجل إلى يحيى بن خالد فأساء، فقال له يحيى: ذنبك يستغيث من عذرك. «382» - اعتذر رجل إلى ابن أبي خالد فأساء، فقال لأبي عبادة: ما تقول فيه؟ قال: يوهب له جرمه، ويضرب لعذره أربعمائة. 383- شاعر: [من الكامل] ارفق بعبدك إنّ فيه بلادة ... جبليّة ولك العراق ومأوه تمّ الباب السابع عشر في المدح والثناء والشكر، والحمد لله وحده، وصلواته على نبينا محمد وآله وسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 الباب الثامن عشر في التّهاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * الحمد لله مبدي الأمم ومعيدها، ومهنّىء النّعم ومفيدها، ومعطي الرّغاب ومجزلها، ومسنّي المواهب ومفضلها، جاعل الخير والشرّ لعباده بلوى وفتنة، وقاسمها بينهم اختبارا ومحنة، فجازع شقيّ وصابر سعيد، وجاحد قصيّ وشاكر مستزيد. أمر المؤمنين بالتواصل والتزاور، ونهاهم عن التقاطع والتدابر، وندبهم إلى التساهم في الرخاء، والاشتراك في السرّاء، ليشكر كلّ واحد منهم النعمة في أخيه، ويجمعهما الوفاق في المحبوب والمكروه. أحمده على تهنئة العطاء حمدا يبلغ رضاه، وأشكره شكر معترف بأياديه ونعماه، وأسأله الصلاة على رسوله المصطفى الهادي، ونبيّه الداعي إلى سبل الرشاد، وعلى آله المرتضعين درّة التوفيق والسداد، المتعاطين بينهم كأس التهاني بالصفاء والاتحاد، وسلّم تسليما كثيرا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 (الباب الثامن عشر في التهاني) [ فصول الباب الثامن عشر ] وفيه فصول تسعة: الفتوح- الولاية- الخلع- الولد- النكاح- المواسم- الاياب- الشواذ- النوادر. 384- قد جاء في كتاب الله تعالى ما يماثل هذا المعنى ويضاهيه، ويتضمّن البشرى بما أتيح للسعيد من مآل الخير، كقوله سبحانه حكاية عن أهل الجنة وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (فاطر: 34) وكقوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (الزمر: 73) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (الأعراف: 43) وقوله عزّ وجلّ: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (التوبة: 21) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 الفصل الأول فى الفتوح «385» - كتب طاهر بن الحسين إلى المأمون لما فتح بغداد وقتل محمدا الأمين: أما بعد، فإنّ المخلوع وإن كان قسيم أمير المؤمنين في النّسب واللّحمة، لقد فرّق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة، لمفارقته عصمة الدين، وخروجه عن الأمر الجامع للمسلمين. قال الله عزّ وجلّ: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (هود: 46) ولا صلة لأحد في معصية الله، ولا قطيعة في ذات الله. وكتبت إلى أمير المؤمنين وقد قتل المخلوع، وردّاه الله برداء نكثه، وأحمد لأمير المؤمنين أمره، وأنجز له ما ينتظر من صادق وعده، والحمد لله المتولي لأمير المؤمنين بنعمته، والراجع إليه بمعلوم حقّه، والكايد له ممن ختر عهده ونكث عقده، حتى ردّ له الألفة بعد تفرّقها، وأحيا الأعلام بعد دروس أثرها، ومكّن له في الأرض بعد شتات أهلها، والسلام. وبعث إليه بالبردة ورأس الأمين، وكتب إليه قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: 26) . «386» - وكتب المهلّب إلى الحجّاج في حرب الأزارقة: أما بعد، فالحمد لله الذي لا تنقطع موادّ نعمه من خلقه، حتى تنقطع موادّ الشكر. وإنا وعدوّنا كنّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 على حالتين، يسرّنا فيهم أكثر مما يسوءنا، ويسوءهم منّا أكثر مما يسرّهم. فلم يزل الله عزّ وجلّ يزيدنا وينقصهم، ويعزّنا ويذلّهم، ويؤيّدنا ويخذلهم، ويمحّصنا ويمحقهم، حتى بلغ الكتاب أجله فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (الأنعام: 45) . «387» - وكتب إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة حين ولي العراق من قبل ابن الزبير يخبره بهزيمة الخوارج: أما بعد، فإنّا مذ خرجنا نؤمّ هذا العدوّ في نعم من الله متصلة علينا، ونقمة من الله متتابعة عليهم، نقدم ويحجمون، ونحلّ ويرحلون، إلى أن حللنا بسوق الأهواز، والحمد لله رب العالمين. «388» - وكتب إليه بعد هذا الكتاب: أمّا بعد، فإنّا لقينا الأزارقة المارقة [1] بحدّ وجدّ، وكانت في الناس [2] جولة، ثم ثاب أهل الحفاظ والصبر بنيّات صادقة، وأبدان شداد، وسيوف حداد، فأعقب الله خير عاقبة، وجاوز بالنعمة مقدار الأمل، فصاروا دريئة رماحنا، وضرائب سيوفنا، وقتل الله أميرهم ابن الماحوز، وأرجو أن يكون آخر هذه النعمة كأوّلها، والسلام. 389- كاتب في فتح: نعمة جسيمة جمع الله بها الألفة، وأمّن بها من الخلاف والفرقة، وجعل لأهل دينه سكنا وثقة، وأمنا وعصمة، فلم تعر منها خاصّة ولا عامّة، ولم تخل من سعادتها قاصية ولا دانية. 390- فصل من كتاب بذكر فتح [3] : فأبي إلّا جماحا في غوايته، وتماديا في ضلالته، وتولّيا بركنه، وتعزّزا بحصنه، فلما سفه نفسه، وجهل حظّه،   [1] المارقة: سقطت من م. [2] م: النفس. [3] م: يذكر فتحا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 وغمط العافية المعرضة له، وتبيّنت أن لا فيئة عنده يراجع بها رشده، فعلت. ولجأ إلى مكان كذا مقموعا قد أكذب الله ظنّه، وأحاط به مكره، وما الله بظلّام للعبيد، فالحمد لله الفتّاح العليم، المنّان الكريم، ذي الفضل العظيم والبلاء الجسيم، الذي أنجز وعده، ونصر حقّه، حمدا يزيد ولا يبيد دون أداء حقّه وبلوغ ما يجب له. 391- آخر في مثله: فلما التقت الفئتان [1] ، وتدانى الفريقان، أتبعتهم الموعظة، وجدّدت لهم المعذرة، ليستبين جائر، ويهتدي حائر، ويقبل مدبر، ويزداد مستبصر، فمجّتها أسماعهم، ولفظتها قلوبهم، وغلبهم على أنفسهم سفه رأيهم، وصادق القول [2] عليهم، وخرجوا يدعون إلى البراز، فأخرجت إليهم أندادهم أولياء أمير المؤمنين، موقنين أنهم من أمرهم بين حسنيين، ومن قضاء الله بين خيرتين، عاجل الفلج والظفر، وآجل السعادة وكرم المنقلب، فصدقوهم القتال في المجالدة، ونشبت الحرب وحمي وطيسها، ودارت على قطبها، ودرّت على أخلافها، وجال خطامها، فمن ضارب ونابل وطاعن، وكفّ نادرة، وقدم بائنة، ومضرّج بدمه، ومغرّر بنفسه، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (الحشر: 4) . 392- أحمد بن سعد [3] من كتاب تهنئة: وواصل لك الفتوح شرقا وغربا، وطال [4] رقاب الأعداء سلما وحربا، وقاد لك أزمة الملك طوعا وكرها ورعبا ورهبا [5] . 393- آخر: وإني لما آثرت الأناة في أمره، والإعذار في الموعظة إليه،   [1] م: الجمعان. [2] م: الوعد. [3] م: سعيد. [4] م: وأعطاك. [5] وقاد ... ورهبا: سقط من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وعاودت إنذاره والاحتجاج عليه، وعرّفته نوازل العبر وعواقب البطر، وصرّفت له القول في الترغيب والترهيب، ووصلت له الوعد بالوعيد، فلما أبى إلا جماحا في غيّه، ثانيا لعطفه، توكلت على الله في مناجزته، فزحفت إليه في من اخترته، وبرز إليّ في أصحابه، فما استقروا في موقفهم حتى زلزل الله أقدامهم ونخب [1] قلوبهم، وأسكن الرعب حوباءهم [2] ، فنكصوا على أدبارهم، ووضع الأولياء سلاحهم حيث شاءوا منهم [3] ، وأتوا عليهم من عند آخرهم، وأخذ الحائن أسيرا مقهورا من غير عهد يعصمه، ولا عقد يحقن دمه، فالحمد لله الفتّاح العليم، المنّان الكريم، الذي لا يعجزه شيء أراده، ولا يتكاءده أمر طلبه، حمدا يوازي آلاءه، ويكافىء نعماءه. «394» - لما فتح الرشيد هرقلة عاد إلى الرقّة فدخلها آخر يوم من شهر رمضان، وعيّد، ثم جلس للشعراء، فبدرهم أشجع السلميّ فأنشده: [من البسيط] لا زلت تنشر أيّاما وتطويها ... تمضي بها لك أيام وتمضيها [4] مستقبلا زينة الدنيا وبهجتها ... أيّامها لك نظم في لياليها العيد والعيد والأيام مقبلة ... إليك بالنصر معقود نواصيها أمست هرقلة تهوي من جوانبها ... وناصر الدين والإسلام يرميها   [1] م: ورعب. [2] م: جوانبهم. [3] زاد في م: فاستاقوهم. [4] الأغاني: وتثنيها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 ملكتها وقتلت الناكثين بها ... بنصر من يملك الدنيا وما فيها ما روعي الدين والدنيا على قدر [1] ... بمثل هارون راعيه وراعيها فأمر له بألف دينار وقال: لا ينشدني أحد بعده، فقال أشجع: والله لأمره أن لا ينشده أحد بعدي أحبّ إليّ من صلته. «395» - ولما فتح المعتصم عمورية أكثر الشعراء ذكر هذا الفتح، وهو من أعظم فتوح الإسلام، فمن ذلك قول الحسين بن الضحاك: [من الكامل] قل للألى صرفوا الوجوه عن الهدى ... متعسّفين تعسّف المرّاق إني أحذّركم بوادر ضيغم ... درب بحطم موائل الأعناق متأهّب لا يستفزّ جنانه ... زجل الرعود ولا مع الابراق لم يبق من متعرّمين تواثبوا ... بالشام غير جماجم أفلاق من بين منجدل تمجّ عروقه ... علق الأخادع أو أسير وثاق وثنى الخيول إلى معاقل قيصر ... يختال بين أحزّة ورقاق يحملن كلّ غشمشم [2] متغشّم ... ليث هزبر أهرت الأشداق حتى إذا أمّ الحصون منازلا ... والموت بين ترائب وتراق هرّت بطارقها هرير قساور ... بدهت بأكره منظر ومذاق ثم استكانت للحصار ملوكها ... ذللا وناط حلوقها بخناق هربت وأسلمت الصليب حماتها ... لم يبق غير حشاشة الأرماق   [1] م والأغاني: قدم. [2] الأغاني: مشمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 «396» - ومن ذلك قول أبي تمام الطائي، وهي من عيون شعره، اقتصرت منها على ما يتعلق بالفتح وأولها: [من البسيط] السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب بيض الصّفائح لا سود الصحائف في ... متونهنّ جلاء الشكّ والرّيب والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب ومنها: فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ... نظم من الشّعر أو نثر من الخطب فتح تفتّح أبواب السماء له ... وتبرز الأرض في أثوابها القشب [1] يا يوم وقعة عمّوريّة انصرفت ... عنك المنى حفّلا معسولة الحلب أبقيت جدّ بني الإسلام في صعد ... والمشركين ودار الشرك في صبب أمّ لهم لو رجوا أن تفتدى جعلوا ... فداءها كلّ أمّ حرّة وأب وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها ... كسرى وصدّت صدودا عن أبي كرب بكر فما افترعتها كفّ حادثة ... ولا ترقّت إليها همّة النّوب من عهد اسكندر أو قبل ذلك قد ... شابت نواصي الليالي وهي لم تشب حتى إذا مخض الله السنين لها ... مخض الحليبة [2] كانت زبدة الحقب أتتهم الكربة السوداء سادرة ... منها وكان اسمها فرّاجة الكرب جرى لها الفأل برحا يوم أنقرة ... إذا غودرت وحشة الساحات والرّحب لما رأت أختها بالأمس قد خربت ... كان الخراب لها أعدى من الجرب   [1] هذا البيت لم يرد في م. [2] في رواية: البخيلة؛ الثميلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 ومنها: لم يغز قوما ولم ينهد إلى بلد ... إلّا تقدّمه جيش من الرّعب لو لم يقد جحفلا يوم الوغى لغدا ... من نفسه وحدها في جحفل لجب رمى بك الله برجيها فهدّمها ... ولو رمى بك غير الله لم تصب من بعد ما أشّبوها واثقين بها ... والله مفتاح باب المعقل الأشب لبيت صوتا زبطريّا هرقت له ... كأس الكرى ورضاب الخرّد العرب كانت الروم قد فتحت زبطرة، فصاحت امرأة من المسلمين بها: وا محمداه، وا معتصماه! فلما ورد الخبر إلى المعتصم ركب لوقته يؤمّ الشام وصاح: لبيك، وألحّ على حصون الروم حتى فتح أنقرة وعمورية. عداك حرّ الثغور المستضامة عن ... برد الثغور وعن سلسالها الحصب ومنها: لم ينفق الذهب المربي بكثرته ... على الحصى وبه فقر إلى الذهب إنّ الأسود أسود الغاب همّتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب خليفة الله جازى الله سعيك عن ... جرثومة الدين والإسلام والحسب بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها ... تنال إلّا على جسر من التعب إن كان بين صروف الدهر من رحم ... موصولة أو ذمام غير منقضب فبين أيامك اللائي نصرت بها ... وبين أيام بدر أقرب النسب [ مكاتبات للصابي في الفتوح ] (وللصابي مكاتبات في الفتوح) تدل على مكانه من الكتابة والبلاغة، وفيها إطالة كرهت لها أن تنقل على جهتها، فأوردت منها ما جاز، وتخيّرت من فصولها الأوجز والأفصح: 397- فمن ذلك كتابه عن صمصام الدولة إلى فخرها يذكر هزيمة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 القرامطة وفتح الكوفة: كتابي- أطال الله بقاء مولانا- والسلامة لمولانا أمير المؤمنين شاملة، والكفاية بحوزته كاملة، فظلّه على الأمير السيد وعليّ ظليل [1] ، ورأيه فينا حسن جميل، وأنا للنعمة في ذلك مبد معيد، ومنها بالشكر مستمدّ ومستزيد، والحمد لله رب العالمين. وإذا قضى الله لي- أطال الله بقاء مولانا- بعلوّ يد على مطاوليها، وظهور راية على منازليها، وحلول نقمة بالمتمرسين بي، وامتناع جانب على المتطرفين لي، رأيت أنّ الموهبة في ذلك بادئة به قبلي، وواصلة إليه ثم إليّ، لتمسّكي بطاعته وولائه، واستئثاري على الأقران بحسن معتقده ورائه، ولأنّ الحضرة التي أنا مدبّرها دار أمير المؤمنين وحماه، وظل السلطان وذراه، فبصلاحها تصلح الأوساط والأطراف، وبصيانتها تصان الأثباج والأكناف؛ هذا إلى اجتماعي معه في ذروة مفخرنا الأفخم، وذؤابة بيتنا الأعظم، الذي حصّنه الله بجلالة الأسلاف، ونجابة الأخلاف، وكرم القديم، وشرف الحديث، وتكفّلي بحياطة ما يليني من الممالك التي ينادى بشعاره في أرجائها، وتمتنع بذكره على أعدائها. وجميع هذه المنح كالثمرات المجتناة من تقوى الله وطاعته، والتحدّث [2] بآلائه ونعمه، والإقرار بالضّعف لولا أن أيّدنا الله، وبالضعة لولا أن أنهضنا، واللياذ به في كلّ أمر أهمّنا وملمّ طرقنا، وعلى حسب هذه الاستكانة منّا له، والإخبات لكبريائه وعظمته استكبار أعدائنا واستعلاؤهم، وسعيهم علينا وإجلابهم، ومخالفتهم في معاندتنا ومجاذبتنا [3] إرادة الله سبحانه فينا، إذ مكّن لنا في الأرض، وفضّلنا على كثير من الخلق؛ لا جرم أنه عزّ وجهه يحكم لنا عليهم حكومة باطنها باطن عدل وإنصاف، وظاهرها ظاهر حيف وإجحاف، لأنّ العاقبة تكون لنا على المداومة لا المداولة، والدائرة تدور عليهم على المتواترة لا على المناوبة؛ وكان الأولى بهم إذ لم يكفّهم   [1] والكفاية ... ظليل: سقط من ب. [2] ب: والحديث. [3] ومجاذبتنا: سقطت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 العلم والمعرفة أن تكفّهم العادة الجارية، وإذ لم يحجزهم التأمل والروية أن تحجزهم التجربة المتكررة. وكفى بنا وبهم استطالة عليهم منّا، وانحطاطا منهم عنّا، أنّا على ذلك نكافحهم مراقبين لله تعالى، ويواجهونا محتربين [1] على الله، حتى كأنّ تلك العادة لهم جرت لا لنا، وكأنّ بأس الله حلّ بنا لا بهم، فلهذا تنجلي عواقب ما بيننا وبينهم عن قهر جميعهم، وفضّ جموعهم، والاستظهار عليهم، والإحاطة بهم. فالحمد لله رب العالمين حمدا عائدا آخره إلى الابتداء، ومستمرّا لا إلى غاية وانتهاء. وذلك أبلغ ما يقوله ذو الأجل المحدود، في شكر المنعم المتفرّد بالخلود. ووفّر الله حظّ مولانا من دعائي هذا وكلّ دعاء صالح سمع مرفوعه وأجاب مسموعه، بمنّه وطوله، وقدرته وحوله. وكان إسحاق وجعفر الهجريّان، ومن وراءهما من الأهل والأقران، أظهروا ما أظهر أشياخهم قبلهم من شعار المسلمين، وأقاموا الدعوة لمولانا أمير المؤمنين، وعقد بيني وبينهم ذمام اقتضاني الوفاء والمحافظة عليه، والرجوع في كلّ ما يجري بيني وبينهم إليه. فلما كان مذ مديدة بلغني أنّ هذين المسمّين منهم سارا إلى البصرة في جموع أكثفاها، وطوائف حشراها [2] ، ثم نحيا إلى الكوفة، فقدّرت أنّهما مجتازان عليها الى بعض الفلوات، لمطالبة سكّانها من العرب الذين على طاعتهم بالاتاوات، على عادة لهم بذلك قد عرفت، وسنّة قد ألفت، فلم يكن عندي من الاهتمام بأمرهما والاستعداد لهما إلا ما يجب للضيف الطارق والزائر الوافد، من مكاتبة العمال بإحسان عشرتهما وإجمال معاملتهما، وإقامة الأزواد لهما ولمن في جملتهما. فحين أناخا من الكوفة بالفناء، وخالطا من كان بها من العمّال والأولياء، تأوّلا بصغائر من الأمور لا عذر للمعتذر بها، ولا حجّة للمعوّل عليها، فخلعا الرّبق المحيطة بالأعناق، وأبديا الصفحة بالعناد والشقاق، وغيّرا الخطبة عن رسمها، وأقاماها على خلاف واجبها، وانتميا إلى طاعة بعض   [1] م: متجبرين. [2] م: وطرائق تمماها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 الأهل تمويها على الأولياء، واجتذابا لهم إلى الازورار والالتواء، ولم يعلما أنّهما في ذلك يستهيجانهم فضل استهاجة، ويستزيدان من استثارتهم لدفعهما لما يعتقدونه في طاعتي من مصارمة كلّ مصارم لي وإن مسّ نسبه، وعداوة كلّ معاد وإن قرب منتسبه، ولأنهم كانوا يلقونها لو تركا هذا الاعتزاء، واطّرحا هذا الانتماء، بالقليل من الفكر فيهما، والكثير من الاستهانة بهما، فكأنّهما بما لجآ إليه من تلك الدعوى الباطلة، إنما استكثرا من حتفهم، واستوفرا من بأسهم، كل ذلك زلل في الرأي وخلل، وخطا في التدبير وخطل، فما تركت مع أول معرفتي بما فعلاه التمسك بالمعتقد الصحيح، والجري على الخلق السجيح، أن تقدمت إلى أبي الريان حمد بن محمد- أدام الله عزه- بمكاتبتهما بما دعيا فيه إلى رشدهما، واستنزلا به عن مركب غيّهما، وعرّفا أنّي أسعفهما بشيء إن كانا يسألانه، وأجيبهما إلى ما تجوز الإجابة إليه مما يلتمسانه، إذا تلافيا ما أقدما عليه، وعفّيا على ما أجريا إليه، فما ازدادا بذلك إلّا إصرارا على المنافرة، واستبصارا في المجاهرة، اغترارا بقوتهما، وكانت ألوفا من الرجال، وبمن التفّ إليهما من عشائر السواد ودعّار البلاد، وهم نحو عشرين ألف رجل. فأمرت حينئذ أبا الريان بالانتقال في مخاطبتهما عن التأنّس إلى التحمّس، وعن التلطّف إلى التعسّف، تقديما للنذر ونبذا للعذر، زمجرة الليث قبل الافتراس، ونضنضة الصلّ قبل الانتهاس، وانباض النابل للنذير، وإيماض السائف للتحذير، فأبيا إلّا تهافتا على الشرّ، كتهافت الفراش على الشّهاب، وهجوما على الأولياء كهجوم النّقد على ليوث الغاب. منها: وتقدّم أبو مزاحم بجكم الحاجب في عقد جسر على الفرات حتى عبر، فاصطكّ الجمعان، وتطاعنا وتضارب الفريقان، واشتدّت المعركة، واحتدمت الملحمة، ثم أسفرت العاقبة، وانجلت العجاجة، عن فقد ابن الجحيش هذا مرتثّا بضربات قد أثخنته، وقتل ألوف من أصحابه، وأسر كثير من أبطاله، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 وحصول ثلاثة آلاف رأس من كراعهم، وثلاثة آلاف رأس من جمالهم في أيدي الأولياء وأتباعهم، سوى ما استبدت به البادية وهو أكثر من ذلك، وتفرّق الباقون في جهات المهارب، واعتصموا بالغياض والأنهار والمسارب. ووصل الفلّ إلى إسحاق وجعفر، وقد كانا بقيا في قلّ من عسكرهما، لتوجيههما جماهيره في هذه الحرب، فما تمالكا أن انهزما ناكصين خائبين، وضربا في البلاد مذعورين هاربين. وقيل إنّ مبلغ من نجا معهما من الفرسان ستمائة فارس، وصار من سواهم من تلك الجموع العظيمة والأحزاب الكثيرة بين أسير مكبّل، وقتيل مرمّل، ومستأمن داخل في الذمّة، وتائب مستقيل من العثرة، وراجل لا تحمله رجلاه، ولا يبلّغانه النجاه، وغريق في الفرات والأنهار لم يعرف خبره ولا بان أثره. ومنها: فالحمد لله ربّ العالمين حمدا لا يقصّر عن قضاء حقّه وأداء فرضه، واستحقاق مزيده واستنجاز وعده، وإياه أسأل أن يجعل ما أنا مصرّفه من رايات مولانا أمير المؤمنين وسيدنا الأمير منصورا على كلّ صادّ عن الحقّ بوجهه، وشامخ عليه بأنفه، ومتجاوز عنه بطرفه، ومخالف له بسرّه وجهره [1] ، ومجلب عليه بخيله ورجله، إنّ ذلك إليه وبيده، وهو المأمول المرجوّ بفضله وطوله، وقوته وحوله. فإن رأى مولانا أن يضيف هذه النعمة إلى نعم الله عنده المطيفة به، ومواهبه الراهنة [2] عنده، ويعدّها من آيات إقباله وعلامات نصره، ويزيدها في محامد أوليائه، ومكايد أعدائه، ويأمر بإظهارها على ما جرت العادة به في أمثالها، ليأخذ منها المخالص حصّته، ويعالج بها المنافق غصتّه، وأجانبي بما أسكن إليه من أخباره وأحواله، وأمتثله من أوامره ونواهيه، فعل، إن شاء الله تعالى.   [1] ومخالف ... وجهره: سقط من م. [2] الراهنة: سقطت من ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 398- وكتب عن الوزير أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين بن سعدان إلى الأمير فخر الدولة عند فتح الموصل، وانهزام باد الكردي عنها: كتابي- أطال الله بقاء مولانا، ومولانا الأمير صمصام الدولة جار على أفضل حال جمع الله بينهما فيها على تمام عزّ ونصر، ونفاذ نهي وأمر، وعلوّ كلمة وراية، وسبوغ موهبة ونعمة، وشكر لله يستزيده من فضله، ويستدرّ المادة من طوله- وأنا جار في ما أحمله من أعباء خدمتها، وأتولّاه من معاظم شؤونها، على أجمل ما عوّد الله وزراء هذه المملكة المناصحين لها، وأولياءها المحامين عنها، من هداية إلى مراشد الأمور، وتوفيق لصواب التدبير، والحمد لله رب العالمين. وقد جعل الله هذه الدولة الشريفة- أطال الله بقاء مولانا الأمير الجليل- مختوما لها بقوة الأسباب، وثبات الأطناب، وعزّ الأولياء، وذلّ الأعداء، فلم تلمّ بها ملمّة من ملمّات الزمان إلّا خفّ حملها، وقلّ لبثها، وقرب الخروج منها، وحسنت العاقبة فيها، ثم يكون مآلها إلى عزّ يتجدّد ويتمهّد، ونصر يتكرّر ويتردّد، وثيقة من الله لا تنقض عقودها، ولا تنكث عهودها، وعلى حسب ذاك تكون الجولة الجائلة من عدوّها في قصر المدّة، وانحلال العقدة، والإفضاء إلى عواقب الهلاك والبوار، وغايات الخذلان والإدبار. فأدام الله ذلك ولا قطعه، وتمّمه ولا انتقصه، وألهمنا الشكر الذي هو قيد النعم وشكالها، وحبسها وعقالها، ولا أخلانا من مواظبة عليه يتنجّز بها المزيد المضمون منه، إنّه جلّ وعزّ بذلك جدير، وعليه قدير. وقد عرف مولانا حال باد الكردي في كفر النعمة وغمطها [1] ، وإنكار الصنيعة وجحدها. ومنها: وكان مولانا صمصام الدولة يتأدّب في أمره بأدب الله عزّ وجلّ في دعائه إلى رشده، والصدوف به عن غيّه، وتقديم الإعذار إليه، والأخذ بالوثيقة عليه،   [1] م ب: وعظمها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 طمعا في أن يعطف إلى ما يعطف إليه التائب المنيب، والمراجع المصيب، والنازع عن الغواية، والعادل إلى سبيل الهداية، حتى إذا تقدّمت النّذر، وبلغ الإملاء إلى الحدّ المنتظر، استأنف به طريقا أخرى في الصّمد لاستئصاله، وتنجّز عادة الله في أمثاله، فجرّد إليه عسكرا استخلف صاحب الجيش أبا حرب زياد بن سهلويه [1] واستظهر في تكثيف عدده وتوفير عدده؛ فنهض إلى عدوّ الله اللعين، متوكلا على الله ربّ العالمين، ومستشعرا شعار الدولة التي عوّدها الله إعزاز المرامي عنها والمحامي من ورائها، وإذلال المحادّ لها والساعي عليها. وورد في هذا الوقت كتابه من الموصل بأنه افتتحها ودخلها بعد حروب شديدة اضطرمت، ومعاركات متّصلة احتدمت، وثبات من ذلك الحائن للمقارعة، واستبسال في المجاهدة والمصارعة. ومنها: ونجا بحشاشته معتدّا [2] أن سلم [3] بها من أعظم غنائمه، ولا سلامة لمثلها مع عظيم ما نزل عليها وأحاط بها. ووقع الاستظهار بإنفاذ من يقتصّ أثره ويأتي بإذن الله عليه، والحمد لله ربّ العالمين حمدا يكون لانعامه [4] مجازيا، ولاحسانه موازيا، وإن كانت آلاوه عزّ وجلّ لا تجازى ولا توازى، ولا تجارى ولا تبارى، ولا تقابل إلا بالانحطاط لها [5] ، وخفض الجناح دونها، والاعتراف بالعجز عن مداها، والقصور عن منتهاها. وهنأ الله مولانا بهذا الفتح المنسوب إليه، المقصور عليه، المستثمر من بركة أيامه، المستنتج عن إقبال جدّه. وأطال الله بقاءه وبقاء مولانا صمصام الدولة لعدوّ يرغمانه، ووليّ يعزّانه، وحجة حقّ   [1] م: سهراوايه. [2] م: معتمدا. [3] م: سلمت. [4] ويأتي ... لانعامه: سقط من ب. [5] م: له، دونه، مداه، منتهاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 يثقبان زنادها، ويرفعان عمادها، وشبهة باطل يطفئان نارها، ويخفضان منارها، وجمع بينهما في هذه النعمة في أمثال كثيرة لها، لا يزالان يشتركان فيها، ويتناصفان الموهبة منها، ويتراجعان البشائر والتهاني بها، بمنّه وقدرته. 399- وكتب عن صمصام الدولة أبي كاليجار إلى فخر الدولة أبي الحسن في معنى ما جرى عليه من أمر أسفار بن كردويه عند عصيانه سنة خمسين: من أعظم النعم- أطال الله بقاء مولانا- قدرا، وأسيرها ذكرا، وأسناها خطرا، وأحسنها أثرا، نعمة سكّنت ثورة، وأطفأت فورة، وعادت على الناس بجميل الصّنع، وجليل النفع، وتظاهر [1] الأمور، وصلاح الجمهور، فتلك التي يجب أن يكون الشكر عليها مترادفا، والاعتداد بها متضاعفا، بحسب ما أزالت من المضرّة، وجدّدت من المسرّة، وأماطت من المحذور، ويسّرت من المأمول. وحقيق على الناس أن يعرفوا حقّها، ويوفوا من حمد الله قسطها، ويتنجّزوا وعده الحقّ في إدامتها وإطالة الإمتاع بها. فالحمد لله على أن جعلنا ممن يعرف ذلك ويهتدي إليه، ويعتقده وينطوي عليه، ويؤدّي فرض الاجتهاد في الاستدامة له والاستزادة [2] منه، وأن خصّنا من هذه النعم بذوات الفضل السّابغ [3] ، والظلّ الماتع، الجامعة لكبت العدوّ ومساته، وإبهاج الولي ومسرّته، وهو المسؤول- جلّ اسمه وعزّ ذكره- ألا يسلبنا ما ألبسناه من سرابيلها، وأحرزناه من فضل ذيولها، وعوّدنا من جلالة أقدارها، وتعاظم أخطارها؛ ولا يعدمنا معونة منه على بلوغ أقصى الوسع في الاعتداد بها، ومنتهى الطّوق في النّشر لها، بمنّه وطوله وقوّته وحوله. وقد عرف مولانا حال أسفار بن كردويه في اصطناع الملك السعيد عضد الدولة إياه، وجذبه بضبعه من مطارح الأصاغر إلى منازل الأكابر، ومن مزاجر   [1] ب: ونظام. [2] ب: والاستدامة. [3] ب: الشايع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 المتأخرين إلى مراتب المتقدّمين، حتى جمّت عنده الأموال، وتأثّلت له الأحوال، ووطىء عقبه من الأولياء من هم أكرم منه حسبا، وأفضل أمّا وأبا، وأنني حملته على حكم الرعاية الذي لا يزال يحمل عليه، من تظاهر الصنيعة لديه، وتقادم الإحسان إليه، إيفاء به على تلك الغاية، وزيادة له في الإيجاب والعناية، وإفاضة لسجال المواهب عليه حالا بعد أخرى، وثانية تلو [1] أولى، فكان يقابل جميع هذه الحقوق بالنّكث والنّقض، والكفر المحض، إرصادا للدولة، واستعدادا للوثبة، وإسرارا للغيلة، وإعمالا للحيلة، وإفسادا لسفهاء الرجال الذين علم منهم ضعف النحائز ولؤم الغرائز، والإسفاف إلى الدنية، والإيضاع في الفتنة. وتمادت بي وبه الأيام في تناولي إياه بالتسكين والتأنيس، ومضيّه على غلوائه في الإدهان والتلبيس، إلى أن بلغت عقاربه في دبيبها إلى الأخ أبي نصر، فصادف منه حدثا غرّا، وصبيا غمرا، فأزاله عن سبيل الرشاد، واستزلّ قدمه عن مقام السّداد، وساعده على جميع ذلك أوثق كتّابي- كان- عندي، وأقدمهم رتوعا في نعمتنا، وأولاهم بالوفاء لنا، لولا أنّ البطنة نزت به، والشقوة انتحت له، فلان بن فلان. منها: إلى أن حكم الله بينهما حكمه العادل، وأمضى عليهما أمره النافذ، بإظهار رايتنا المنصورة، وتنكيس تلك الراية المخذولة [2] ، فانهزم أسفار وفلان، فريدين وحيدين، واستباح الأولياء ما كان هذا اللعين اشتمل عليه من أموالنا، وحاربني به من سلاحي وكراعي، وحصل الأخ أبو نصر في قبضتي أسيرا نادما، ومتأسّفا واجما، وقتل في المعركة خلق كثير من أولئك الفسقة، واستأمن الباقون، ولجج سرعان الخيل في قصّ آثار الهاربين، ولا شكّ أنّ الله يظفر بهم أجمعين على عادة   [1] م: تتلو. [2] يقع هنا خرم كبير في م سأشير إلى نهايته في موضعها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 قضيته لهذه الدولة بإظهارها على كلّ غامط لها نعمة، وجارّ عليها فتنة. فالحمد لله حمدا لا تضرب عليه حدود الغايات، ولا يقف عند الأقاصي والنهايات، لكنه ينمي ويزيد، ويبدأ ويعود، حتى يبلغ رضى الله سبحانه، ويقضي حقّه ويؤدي فرضه، ويقتضي وعده، بمنّه وطوله، وإحسانه وفضله. وهذه حال يسّرها الله بيمن مولانا، وببركة أيّامه، وإقبال دولته، وسعادة جدّه، وما يجمعني إليه من جوامع الموالاة وأسباب المشاركة، فهنأه الله إياها من نعمة جلّ موقعها، وعمّ نفعها وحسن أثرها، وعزّ الولي بها، وذلّ العدوّ لها. ولا أخلاه من استماع البشائر بأمثالها في الاستعلاء والظهور، والابتهاج والحبور، وتذلّل الخطوب، وتأتّي المحبوب، واستقامة الأمور، ومسالمة المقدور، إنه بذلك جدير وعليه قدير. [ كتاب لعبد الحميد في الفتح ] «400» - كتاب لعبد الحميد بن يحيى في فتح: أما بعد فالحمد لله أهل الحمد ووليّه، الذي كرّم الإسلام وفضّله، واصطفاه لنفسه، وبعث به نبيّه صلّى الله عليه وسلم واختاره لمن كرم عليه من خلقه، ورضي به لعباده دينا، ثم تولّى حفظه وإكرامه وإعزازه، ونصر أهله ومن جاهد عليه، على من زهد فيه ورغب عنه، وحادّ أولياءه وابتغى غير سبيلهم. والحمد لله الذي أكرم أمير المؤمنين بخلافته، وعرّفه في ما ولّاه واسترعاه من أمر عباده وبلاده، وابتعثه له من مجاهدة أعدائه وأهل الالحاد في دينه والمخالفة لحقه، أفضل ما أرى أحدا من خلفائه في ما ولّاهم من ذلك وابتعثهم له: من العاقبة والنصر والتمكين والفلج في كلّ موطن يجمع فيه بين أهل طاعته وأهل الخلاف عليه والمعصية. والحمد لله على ما يحدث له من نعمه، ويتابع من فتوحه وكراماته، ويعرّفه من حسن قضائه له في ما حضره وغاب عنه ويوقع بعدوّه من قوارعه وسطواته وبأسه الذي لا يردّ عن القوم المجرمين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 واقتصّ الفتح ثم قال في آخره: وأمير المؤمنين يسأل الله أن يلهمه وإياكم من الشكر لنعمه، والعمل بطاعته، والمعرفة لحقه، في ما يتابع له ولكم من كراماته ونصره وفلجه وعاقبته ما يكون له رضى، ولحقّه أداء، ولكرامته ولنعمه إسباغا، وللزيادة من فضله استيجابا، فإنه وليّ ذلك والقادر عليه، والمرغوب إليه فيه، وإنه لا حول ولا قوّة لأمير المؤمنين إلّا به وحده لا شريك له، والسلام. «401» - إبراهيم الرقيق الكاتب المغربي يذكر فتح صور: [من الكامل] ومسائل بالثغر يقسم ظنّه ... فيه فبين مكذّب ومصدّق سائل به البيض الصوارم تصدق ... واستنطق السّمر العوالي تنطق أبقين صورا للنفاق كأنها ... آثار أقلام درسن بمهرق نظم الإمام إليهم شمل الوغى ... فأصار شمل جميعهم لتفرّق في جحفل ملأ الفضاء بعارض ... متألّق كالعارض المتألّق أحيا بها الإسلام عزم إمامها ... من بعد ما شرقت بداء مشرق ثم ذكر الفرار فقال: حيران تفرق نفسه من نفسه ... فرق العدوّ من العدوّ المحنق وغدا الفرار أبا عليه مشفقا ... لو كان ينجيه مخافة مشفق [ كتاب لأخي المؤلف ] «402» - كتب أخي رحمه الله عن ديوان الخلافة إلى الملك مسعود بن قتلمش، تهنئة بفتح، وكان الإفرنج وردوا بلاده من المغرب في عدد عظيم فبدّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 الله شملهم وعادوا خائبين: كتابي- أطال الله بقاء سيدنا الملك- ومواهب الله في الجناب الأشرف آهلة الربوع، عذبة الينبوع، صافية الورود، ضافية البرود، والحمد لله ربّ العالمين. وبعد: فهو- أدام الله علوّه- ممن اختاره الله تعالى من عباده، وجمع له بين عاجلته وخير معاده، بما جعله عن حوزه الجميل في الذبّ عن الثغور مبيّنا، وبشعار الحقّ ولو كره المشركون معلنا، فالسعادة قد حيزت له من جميع أطرارها، والمحامد منتشرة له في آفاق الأرض وأقطارها، والثناء بمناقبه زينة أحاديث الأندية وأسمارها، والمودّة له مستحكمة [1] في ضمائر القلوب على اختلافها وأسرارها. ووردت البشائر المبهجة، والأخبار المعربة، بتلاوة سور حمده الملهجة، بما أجراه الله على يده من الفتح المبين الذي فضّ به جمع الشرك وفرّقه، وأدحض الباطل وأزهقه، وفرّق فرق الكفر الناجمة أسرا وقتلا، وسقاهم كؤوس الرّدى نهلا وعلا، ورجع آمالهم التي قدّروها خائبة، وظنونهم بالإخفاق آيبة، وجعل كيدهم في تضليل، وبوّأهم من الخذلان شرّ مقيل، فأهدى ذلك من الجذل ما يوازي عظم خطره، وحسن موقع أثره، وحلّ من المراضي الشريفة الإماميّة محلّا، هو- أدام الله علوّه- بحيازة فخره حقيق، ونسب مقاماته الغرّ في كسب [2] مثله عريق، ورسم- أعلى الله المراسم وأمضاها- مكاتبته شكرا لله سبحانه باديا على ما سنّاه من هذه المنحة التي ثلجت لها الصدور، وابتسمت الثغور، وحيطت المعاقل الإسلامية وسكنت القلوب [3] الواجفة والنفوس، وانجلت غياهب الضرّاء المخوفة والبوس، وصدق الله في إظهار دينه وعده، ونصر حزبه وجنده، وأعزّ الحقّ وأداله، وقهر الباطل وأزاله، جلّت عظمته ثانيا على أن سنّاها بمن أيمن الله   [1] قد تقرأ في ب: مستكنّة. [2] هنا ينتهي الخرم في م. [3] وحيطت ... القلوب: سقط من ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 نقيبته، وأعلى في الأولى والأخرى رتبته، وأصفى في الطاعة الإمامية عقيدته، وخصّه في نصرة الدين بكلّ مقام محمود، وموقف مشهود، وحسن بلاء مألوف منه معهود. ومنها: وما يزال له من الهمم الشريفة الإمامية أنصار وجنود، وحظّ صاحبه مغبوط محسود، ومدد لا يتقلّص عنه ظلّ بركاته، ولا يعدوه بمكانة التوفيق في سكناته وحركاته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 الفصل الثاني الولاية «403» - تهنئة بخلافة: فإنّ أولى النعم بالدوام، وأرجاها للبقاء والتمام، وأجدرها بالخلود، وأقربها إلى المزيد، وأحراها بالسّلامة على نوب الأيام وتصاريف الأحداث، نعمة نشأت بفنائه، وسكنت ذراه، فحمدت مثواه، وساسها أولياؤها بحسن المجاورة وكرم المصاحبة، سياسة الحاني الشفيق، وكفلوها كفالة الحدب الرفيق، فزكت ونمت، وخصّت وعمّت، ثم اعترضها من ريب الزمان ما هاج سواكنها، وأزعج كوامنها، وأصارها إلى الوحشة بعد الأنس، والنفّرة بعد الإلف، تتقلقل تقلقل العوادي، وتشرد شرود الضوالّ، لافظة لها الأقطار، ونابية بها المحالّ، إلى أن أعادها الله تعالى بلطفه إلى معانها [1] المعروف، وربعها المألوف، واستقرّت بعد الاضطراب، وفاءت بعد الاغتراب، وتلك نعمة الله عند سيدنا أمير المؤمنين، بما جدّده له من كرامته، واصطفاه من خلافته، وطوّقه إياه من أمانته، وردّه إليه من تدبير الملك، واعتمد عليه من سياسة الأنام، فأحيا به السّنن القاصرة، وأزال به الرسوم الجائرة، ونهج به سبل العدل، وأقام به منار [2] الفضل.   [1] م: مظانها؛ نهاية الأرب: مغناها. [2] م: منازل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 404- من كتاب: وكان تفويضه إليك بعد امتحانه إياك، وتسليط الحقّ على الهوى فيك، وبعد أن ميّل [1] بينك وبين الذين سموا لرتبتك، وأجروا إلى غايتك، فأسقطهم مضمارك، وخفّوا في ميزانك. «405» - روي أنّ الوليد قام على المنبر بعد موت عبد الملك فقال: يا لها من مصيبة ما أفجعها وأعظمها وأشدّها وأوجعها وأعمّها، موت أمير المؤمنين، ويا لها من نعمة ما أعظم المنّة من الله عليّ فيها، وأوجب الشكر له بها، خلافته التي تسربلتها. فكان أول من عزّى نفسه وهنّأها بالخلافة. فأقبل غيلان بن سلمة الثقفي فسلّم عليه بالخلافة قال: أصبحت يا أمير المؤمنين ورثت خير الآباء، وسمّيت خير الأسماء، وأعطيت أفضل الأشياء، فعزم الله لك على الرزيّة بالصبر، وأعطاك في ذلك فواضل [2] الأجر، وأعانك في حسن ثوابه على الشكر، ثم قضى لعبد الملك بخير القضية، وأنزله المنازل المرضيّة. فأعجبه كلامه وقال: أثقفي أنت؟ قال: نعم، وأحد بني معتّب، فسأله في كم هو من العطاء، فقال: في مائة دينار، فألحقه بشرف العطاء. «406» - وقال محمد بن العلاء السجزي: لما ولي عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزارة دفع إليّ عبيد الله بن عبد الله بن طاهر رقعة فيها تهنئة بالوزارة فأوصلتها إلى عبيد الله بن سليمان، وفيها: [من الطويل] أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... فأسعفنا في من نحبّ ونكرم   [1] م ب: مثل. [2] م: نوافل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 فقلت له نعماك فيهم أتمّها ... ودع أمرنا إنّ المهمّ المقدم فضحك وقال لي: يا أبا عليّ، ما ترى كيف لطف بشكوى حاله في تهنئته؟ امض إليه فأبلغه سلامي وجئني برقاعه في حوائجه. فمضيت وجئته برقاعه، فوقّع في جميعها بما أحب. «407» - البحتري: [من الكامل] اليوم أطلع للخلافة سعدها ... وأضاء فيها بدرها المتلّل لبست جلالة جعفر فكأنّها ... سحر تجلّله النهار المقبل جاءته طائعة ولم يهزز لها ... رمح ولم يشهر لديها منصل حتى أتته يقودها استحقاقه ... ويقوده حظّ إليها مقبل «408» - وقال أيضا: [من الخفيف] ما تصرّفت في الولاية إلا ... فزت من حمدها [1] بحظّ جسيم لم تزل من عيوبها أبيض الثو ... ب ومن دائها صحيح الأديم «409» - وقال أيضا: [من الكامل] ولتهنك الآن الولاية إنها ... طلبتك من بلد بعيد المنزع لم تعطها أملا ولم تشغل بها ... فكرا ولم تسأل لها عن موضع «410» - وقال أيضا: [من الطويل] هنيئا لأهل الشام أنّك سائر ... إليهم مسير القطر يتبعه القطر   [1] ب: حدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 تفيض كما فاض الغمام عليهم ... وتطلع فيها مثل ما طلع البدر ولن يعدموا حسنى إذا كنت فيهم ... وكان لهم جارين جودك والبحر مضى الشهر محمودا ولو قال مخبرا ... لأثنى بما أوليت أيامه الشهر «411» - وقال أيضا: [من البسيط] أرضى الإله نفوسا طالما سخطت ... وأعتب الدهر قوما طالما عتبوا وأكسف الله بال الكاشحين على ... عمد [1] وأبطل ما قالوا وما كذبوا «412» - طريح بن إسماعيل الثقفي في المنصور: [من المنسرح] لما أتى الناس أنّ ملكهم ... إليك قد صار أمره سجدوا واستبشروا بالرّضى تباشرهم ... بالخلد لو قيل إنهم خلدوا كنت أرى أنّ ما وجدت من ال ... فرحة لم يلق مثله أحد حتى رأيت العباد كلّهم ... قد وجدوا قاربوا فيك مثل ما أجد قد طلب الناس ما بلغت فما ... نالوا ولا قاربوا وقد جهدوا يرفعك الله بالتكرّم والت ... تقوى فتعلو وأنت تقتصد قد صدّق الله مادحيك فما ... في قولهم فرية ولا فند 413- تهنئة لأبي إسحاق الصابي: أهنىء الوزير- أطال الله بقاءه- بالحال التي جدّدها الله له، كما يهنأ ناشد الضالّة إذا وجدها، أو كما يهنّا طالب الغريبة إذا ظفر بها؛ وقديما ألقت الوزارة إليه بالمقاليد، وتحمّلت به تحمّل من سواه بها، وسمت إليه سموّ غيره لها، بما جمع الله من الأدوات التي ببعضها تستحقّ   [1] الديوان: وعد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 الرياسات. فالحمد لله على أن جعله لها نصابا تستقرّ فيه، وملاذا تعتصم به، وكفؤا كريما تؤثره ولا تفركه، وتأوي إليه ولا تنشز عنه. وعرّفه الله بركة مقدمها بعد الاغتراب، واستيطانها بعد التقلّب والاضطراب، ولا أعدمه النهوض بأعبائها، ولا عرّى مناكبه من ردائها، وأعانه فيها على اكتساب المكارم، وادّخار المثاوب، مشتملا عليها حائزا، ومستبدّا بها فائزا، ليكون فناؤه [1]- عمره الله- سوقا لبضائعها، وأيامه- أطالها الله- موسما لوفودها، فيسعد بعاجل ثمرها وجناها، ويحظى بآجل ذكرها وثناها، بمنّه. 414- سعيد بن حميد: النعمة فيك أجلّ من أن يقضى حقّها بالقول دون الاجتهاد في كلّ ما يرضي الله عزّ وجلّ من الفعل. ولكنّ الله جعل تقديم الحمد عند المنعم عليه علامة من علامات الشكر، وفرقا بين العالم بالحقّ والجاهل به [2] . والحمد لله رب العالمين حمد معترف لله بأن أقصى ما يبلغه من الشكر مقصّر عن أداء ما تطوّل به من نعمه، وصلّى الله على محمد عبده ورسوله صلاة تبقى بعد موت قائلها، ويتّصل على طول الأيام تتابعها، وأسأل الله الذي بيده ملكوت كلّ شيء وهو على كلّ شيء قدير أن يتولّاك بالتوفيق للشكر [3] ، فإنّ كلّ نعمة خلت من الشكر فإنّ اسم البليّة أولى بها، وأن يمدّك بالمزيد، ويحرسك من الغير، ويحسن لك العواقب، ويبسط يدك ولسانك بأجمل القول والفعل، فإنّ أولى الدعاء بالإجابة دعاء خرج من نيّة صادقة وطويّة صحيحة، والله يعلم كيف النيّة لك، والشكر لسالف بلائك، والعلم بفضلك على كثير من أهل دهرك بل على من تقدّمهم من أهل الدهور المذكورة بالخير، الموصوفة بالفضل. 415- كاتب [4] آخر: لو أمسكت عن التهنئة بما جدده الله من هذه النعمة   [1] م: قياده. [2] من علامات ... والجاهل به: سقط من م. [3] ب: لشكره. [4] م: كتاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 اعتمادا عليك بالنية [1] ومشاركتي إياك في السرور بكلّ ما خصّك الله به من الكرامة، وخلطت بذلك ذكر ما أنا متصرّف فيه من المحنة [2] التي تحول بيني وبين كثير من الفرض والنافلة، لكنت في ذلك على سبيل [3] يجب بها العذر، وتزول معها الحجة؛ لكنّي كرهت الإخلال بالعادة، وإضاعة ما جرت به السنّة، فأقتصر على ما حضرني من القول والدعاء الذي أرجو من الله الإجابة لأنه يخرج عن إخلاص [4] من السريرة وصدق من النيّة؛ وأنا أسأل الله المتطوّل بالنعم قبل الاستحقاق لها، والهادي إلى شكرها ليوجب بذلك المزيد منها، أن يصلّي على محمد عبده ورسوله، فإنّ ذلك أولى ما تفتتح به المسألة، وتستنجح به الطّلبة، وأن يتولّاك في لطيف أمورك وجليلها بالحياطة، ولا يخليك من جميل الصنّع والكفاية، فإنه لا ضيعة على من تولّاه، ولا خوف على من حاطه وكفاه، وأن يقرن لك رأيك بالتوفيق، فإنه خير قائد وقرين، ويصل أمرك بالتسديد، فإنه أفضل صاحب ومعين، ولا يكلك إلى نفسك [5] في قريب من الأمر ولا بعيد، فإنه من وكل إلى نفسه فقد وكل إلى غير كاف، وأسلم إلى أضعف ناصر [6] ، وأن يصحبك في أمرك كلّه العافية، ويختم لك بحسن العاقبة [7] . ولم أكن أكلّفك أعزّك الله [8] الجواب في أوقات الفراغ، إبقاء عليك من الأذى، وعلى نفسي من مزلّة التثقيل [9] ، فكيف أكلّفك ذلك مع اتصال الشغل والعمل؟.   [1] بما جدده ... بالنية: سقط من ب. [2] م: المحبة. [3] م: بسبيل. [4] م: الاخلاص. [5] إلى نفسك: سقط من م. [6] م: ضعيف قاصر. [7] ويختم ... العاقبة: سقط من ب. [8] أعزك الله: سقط من م. [9] م: منزلة التنقيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 [ كتاب لعبد الحميد ] «416» - كتب عبد الحميد عن مروان بن محمد إلى الوليد بن يزيد يهنّئه بالخلافة: أصلح الله أمير المؤمنين وبارك له في ما صار إليه من ولاية عباده، ووراثة بلاده، فإنه لم يقم محمّل قطّ بمثقل أعباء الخلافة أنهض بها ولا أقوى عليها من أمير المؤمنين، زاد الله في عمره، وازداد لنا من جميل رأيه. ومنها: حتى آزره الله بأكرم مناطق الخلافة، وردّاه بأبهى أرديتها، وقلّده أعزّ سيوفها، وعطف عليه المجتنبة من قلوب رعيّته وأهل بيته، فقام بما رآه الله أهله، ثم حوى على منفسها، ونهض بمثقلها مستقلّا بما حمل منها، ولو رامها سواه قعدت به واهيات القوى ضعيفات الحيل ومذمات [1] السجايا وفواضح [2] الهمم، مثبتة [3] له ولايته في سابق القدر. فالحمد لله الذي اختار أمير المؤمنين لخلافته، وقلّده وثائق عرى دينه، إحياء لشرائعه، وذبّا له عمّن كاده فيه الظالمون له، القاطعون لرحمه، ثم جعل سعيه في ذلك خسرا عليهم وحسرة لهم، إلى أن رفعه ووضعهم، وأعزّه وأذلّهم، وأكرمه وأهانهم. فمن أقام على تلك الخسيسة من الأمر أوبق [4] نفسه، وأوتغ دينه [5] ، وأسخط ربّه، وعادى خليفته، ومن عدلت به التوبة نازعا عن باطل إلى حقّ، ومنصرفا عن ضلالة إلى هدى، وجد الله توّابا رحيما.   [1] ب: ومدبرات. [2] ب: وفاضح. [3] ب: مثيبة. [4] م ب: أوثق. [5] م: وأوقع ذنبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 [ كتاب لابن نصر ] 417- كتب ابن نصر تهنئة لوزير: إنما التهنئة- أطال الله بقاء الوزير- لمن يترقى المنازل [1] ، ويتسنّم ذروة الفضائل، فيخصّ بها لما استفاده من الكسب الطارف، واستجدّه من العزّ الآنف، وحازه من النّسب الذي عزي له وكان غريبا منه، وقدّم إليه وكان بعيدا عنه. فأما الذي تصعد المناقب إلى علائه، وتعرج الرّتب إلى سمائه، وتعلق منه الرياسة بسبب، وتجتمع معه السيادة في نسب، فالتهنئة للكافّة لما تيسّر لها من ولايته، وتسهّل من رياسته عليها وإيالته التي [بها] تبلغ الآمال، وفيها تمرع الأحوال، وعليها يرفرف الإقبال. فهنأ الله الفضل وذويه، والزمان ومن فيه، بما اختاره لهم من نظر الوزير في أمورهم، وتملّكه أزمّة تدبيرهم، وجعل التوفيق لأفعاله مصاحبا، ولعزائمه مواكبا، وبإيجابه موكولا، وبتمام أغراضه كفيلا، فلا يحاول أمرا بعيدا مناله إلّا دنا وأقبل، ولا مطلبا صعبا قياده إلّا استجاب وتذلّل، ولا إرادة إلّا أكثبت، ولا مشيئة إلّا نفذت، وخصّنا معاشر أوليائه، والمعرقين في نسب ولائه، بإدامة أيامه، وملاحظة إنعامه، والمزيد من شرف اهتمامه، ومدّ علينا سابغ ظلاله، وأسكننا طيب آصاله، إنه على كلّ شيء قدير. 418- دخل إسماعيل بن عبد الله القسري على المهدي لما أفضت الخلافة إليه فقال: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قصم بك أنياب الكفرة، وأزال بك سلطان الغصبة، وزلزل بك جبال الفجرة [2] ، وأعذب بك الآجن، وشفى صدور المسلمين. ولسنا نصفك بشيء إلا وأنت فوقه، ولا نقدر من بلوغ شكرك على ما تغمّدتنا به نعمك، غير أنك قد زنت الملك ولم يزنك، وشرّفته ولم يشرّفك، وإنك فاروق هذه الأمة، ووليّ هذه النعمة، جمع الله بك الشمل، وآمن بك السبل، فالناس جميعا يوجبون حقّك، ويعرفون فضلك، فيتذكرون مثلك في من مضى فلا يعرفونه، ولا في الذين غبروا يرتجونه، قد أخصب لهم جنابك،   [1] م: مرتقى إلى المنازل. [2] م: جبال الكفرة الفجرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 واحلولى لهم ثوابك، وكرمت مقدرتك، وحسنت نظرتك، وجبر الكسير [1] الفقير، وفككت الأسير، فأنت يا أمير المؤمنين كما قال الأول [2] : [من المنسرح] ما زلت في البذل للنوال وإط ... لاق لعان بجرمه غلق حتى تمنّى البراء أنهم ... عندك أمسوا في القدّ والحلق «419» - كان خالد بن عبد الله القسري أخا هشام بن عبد الملك من الرّضاعة، وكان يقول: إني لأرى فيك مخايل الخلافة، ولا تموت حتى تليها. قال: فإن وليتها فلك العراق. فلما ولي أتاه فقام بين السماطين فقال: يا أمير المؤمنين، أعزّك الله بعزّته، وأيّدك بملائكته، وبارك لك في ما ولّاك، ورعاك في ما استرعاك، وجعل ولايتك على أهل الإسلام نعمة، وعلى أهل الشرك نقمة، لقد كانت الولاية إليك أشوق منك إليها، وأنت لها أزين منها لك، وما مثلك ومثلها إلّا كما قال الأحوص: [من الخفيف] وإذا الدّر زان حسن وجوه ... كان للدرّ حسن وجهك زينا وتزيدين أطيب الطيب طيبا ... أن تمسّيه أين مثلك أينا «420» - قال رجل من بني تميم في المهدي لما ولي العهد: [من الكامل] يا ابن الخليفة إنّ أمّة أحمد ... تاقت إليك بطاعة أهواؤها   [1] الكسير: سقطت من ب. [2] هو أبو دهبل وقد مرّ البيتان في الفقرة: 331. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 ولتملأنّ الأرض عدلا كالذي ... كانت تحدّث أمة علماؤها حتى تمنّى لو ترى أمواتها ... من عدل حكمك ما ترى أحياؤها وعلى أبيك اليوم بهجة ملكها ... وغدا عليك إزارها ورداؤها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 الفصل الثالث الخلع وما كتب فيها 421- كتب الصابي في حمل بعض الملوك على فرس: جعل الله الخير معقد ناصيته، والإقبال غرّة وجهه، وإدراك المطالب تحجيل قوائمه، ونيل الأماني طلق شدّه، وفتح الفتوح غاية شأوه، وسلامة العواقب مثنى عنانه. «422» - أبو الحسن السلامي يذكر خلعة الطائع على عضد الدولة: [من الكامل] متسوّرا بأهلّة متطوّقا ... بالشمس أو بالبدر أو بإطاره في خلعة صبغ الشباب بلونها ... فالخلق قد جبلوا على إيثاره الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 الفصل الرابع الولد وما كتب فيه «423» - ولد للحسن بن أبي الحسن غلام فقال له بعض جلسائه: بارك الله لك في هبته، وزادك في أحسن نعمته. فقال الحسن: الحمد لله على كلّ حال حسنة، ونسأل الله الزيادة في كلّ نعمة، ولا مرحبا بمن إن كنت مقلّا أنصبني، وإن كنت غنيّا أذهلني، لا أرضى بسعيي له في الحياة سعيا، ولا بكدّي له في الحياة كدّا، حتى أشفق عليه من الفاقة بعد وفاتي، وأنا في حال لا يصل إليّ من همّه حزن، ولا من فرحه سرور. «424» - زوّج الصاحب ابن عباد ابنته من بعض العلويين فأولدها، فذكر ذلك بعض العلويين وهنأ الصاحب بالولد فقال: [من البسيط] بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا ... وكوكب المجد في أفق العلا صعدا وقد تفرّع في أرض الوزارة عن ... دوح الرسالة غصن مورق رشدا لله آية شمس للعلا ولدت ... نجما وغابة عزّ أطلعت أسدا فليهنا الصاحب المولود لم تزل ال ... سعود تجلو عليه الفارس النّجدا لم يتخذ ولدا إلّا مبالغة ... في صدق توحيد من لم يتخذ ولدا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 425- ولد لجابر الفزاري بعد ما كبر غلام له إبهامان في يد فقال: [من الرجز] الحمد لله العليّ الماجد ... أعطى على رغم العدوّ الحاسد بعد مشيب الرأس ذا الزوائد ... ليثا يرى السبعة مثل الواحد «426» - وقال آخر: [من الرجز] مدّ لك الله البقاء مدّا ... حتى ترى نجلك هذا جدّا مؤزّرا بمجده مردّى ... ثم يفدّى مثلما تفدّى كأنه أنت إذا تبدّى ... شمائلا محمودة وقدّا 427- كاتب: تفضل الله بإبقائه وإنمائه، كما تفضّل بإبدائه وإنشائه. [ كتاب لابن نصر ] 428- ابن نصر الكاتب عن بعض الملوك تهنئة إلى دار الخلافة بولد. انتهى إلينا من نبأ الأمير الوارد فرع الدولة القائمية وسنخ المنتظرين من أبنائها ما أضاءت به ظلم الأيام، وأشرقت معه أنوار الإسلام، واستحكمت به مرائر الدين، وقرّت بمطلعه عيون المسلمين، وشهد بدوام الإقبال، وتكفّل ببلوغ المنى والآمال، وتطامن معه منكب العدوّ الراصد، وعزّ به جانب الوليّ الذائد. وعلم أنّ لله عزّ اسمه عناية [1] بهذه الدعوة الميمونة لا تزال معها حتى يكثر عديدها، وينصر وحيدها، ويضمن لها الدوام، ويورثها الأيام، فلا يعترضها ثلم إلا سدّته، ولا يذوي لها غصن إلا أخلفته، لطفا من الله تعالى في حفظ نظام الألفة، وحسم مادّة الفرقة، وجمعا لشتات الكلمة والآراء، وضمّا لبدائد   [1] الراصد ... عناية: سقط من ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 الأغراض والأهواء. والحمد لله الذي أطلع بالأمير الوارد نجما لا تخبو أنواره، وشام به عضبا لا ينبو غراره، وجدّد به أملا لا تخلف أنواؤه، وعقد بمكانه عزّا لا يخلق لواؤه، وهنأ الله الحضرة النبوية الموهبة الجليلة بمقدمه، وأسعد أقطار الأرض بمواطىء قدمه، وجعل ميامنه عليها غادية رائحة، وبركاته لديها سانحة بارحة، حتى يصير لدولتها يدا ناصرة، ويرى من أبنائه ذريّة طاهرة، إنه على كلّ شيء قدير. «429» - الرضيّ يهنّىء بمولود: [من الطويل] ليهنك مولود يولّد فخره ... أب بشره للسائلين ذرائع وليد لو أنّ الليل ردّي بوجهه ... لما جاورته بالجنوب المضاجع ومبتسم يرتجّ في ماء حسنه ... له من عيون الناظرين مواقع رمى الله [1] منه كلّ قلب من العدا ... بسهم نضا أحقادهم وهو وادع يودّون أن لو كان بين قلوبهم ... مع الحقد حتى لا تراه المجامع «430» - وقال يهنّىء بمولودة: [من المتقارب] بمولد غرّاء أعطيتها ... بدوّ الأهلّة بعد السّرار ولا عجب أن ترى مثلها ... وزندك في كرم العرق وار نثرنا عليها سواد القلوب ... وكان الهنا في خلال النثار ولو أنصف الدهر لم يقتنع ... بغير قلوب النجوم الدراري وذلّت عمائم قوم بها ... كما أنها شرف للخمار [2]   [1] الديوان: الدهر. [2] م: للتجار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 الفصل الخامس النكاح «431» - ابن الرومي: [من السريع] زفّت إلى بدر الدّجى الشمس ... ولاح سعد وخبا نحس وأقبلت نفسي إلى منية ... بمثلها تغتبط النّفس وذاك عرس الدهر من أجله ... حنّ غد والتفت الأمس 432- الصابي: [من الكامل] عرس يعرّس عنده الإقبال ... وتنال في جنباته الآمال بدر يزفّ عليه وسط سمائه ... شمس عليها بهجة وجمال وإذا تقاربت السعود فعندها ... يرجى الصلاح وتحسن الأحوال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 الفصل السادس المواسم 433- هنأ رجل رجلا في يوم فطر فقال: قبل الله منك الفرض والسنة، واستقبل منك الخير والنعمة. «434» - ابن الرومي: [من الخفيف] قد مضى الصوم صاحبا محمودا ... وأتى الفطر صاحبا مودودا ذهب الصوم وهو يحكيك نسكا ... وأتى الفطر وهو يحكيك جودا «435» - وقال يهنىء أبا الصقر بيوم أضحى هو يوم النيروز: [من البسيط] عيدان أضحى ونيروز كأنهما ... يوما فعالك من بؤس وإنعام كذاك يوماك يوم سيبه ديم ... على العفاة ويوم سيفه دام أولها: اسعد بعيد أخي نسك وإسلام ... وعيد لهو طليق الوجه بسّام لا يبعد الله أياما لنا جمعت ... إلى سكون ليال أنس أيام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 «436» - الصابي: [من الكامل المجزوء] يا سيدا أضحى الزما ... ن بأنسه [1] منه ربيعا أيام دهرك لم تزل ... للناس أعيادا جميعا حتى لأوشك بينها ... عيد الحقيقة أن يضيعا «437» - أبو بكر الخالدي: [من المتقارب] رأى العيد وجهك [2] عيدا له ... وإن كان زاد عليه جمالا وكبّر حين رآك الهلال ... كفعلك حين رأيت الهلالا رأى منك ما منه أبصرته ... هلالا أضاء ووجها تلالا «438» - وقال السري الرفاء: [من الرمل] قد تقضّى الصوم محمودا فعد ... لهوى يحمد أو راح تسرّ أنت والعيد الذي عاودته ... غرّتا هذا الزمان المعتكر لذّ فيك المدح حتى خلته ... سمرا لم أشق فيه بسهر [ تهنئة لابن نصر ] 439- ابن نصر الكاتب تهنئة بمهرجان: كتابي- أطال الله بقاء مولانا- يوم المهرجان، أسعده الله بمورده، وبكلّ زمان يأتي من بعده، وأحياه لأمثاله، في سبوغ من نعمه وأفضاله، ولا زالت الأيام ترد إليه بها مرسلة، وتصدر عنه غرّاء محجّلة، قد وسمها بفخره، وأنا بما آمله من خدمته الشريفة رضيّ البال،   [1] اليتيمة: بأسره. [2] الديوان: فعلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 ولما أرجوه من المثول بحضرته العزيزة منفسح الآمال، وما زال هذا اليوم الميمون مطلعه، المأمول مرجعه، مكرّما على الأيام، معظّما بين الأنام، يرونه عيدا، ويعتقدون له مزيّة ومزيدا، حتى عادل بينها عدله، وماثل بين رتبتها إنعامه وفضله، فصار وإياها سيّان، وغدا وإحسانه فيها كفرسي رهان، فلم يبق فناء إلّا أمرع، ولا رجاء إلّا أينع، ولا نعمة إلّا سبغت، ولا أمنية إلّا بلغت، ولا زند منصلت [1] إلّا وري لقادحه، ولا باب خير مقفل إلّا استجاب لفاتحه، وخلص لخدمته بالدعاء، وصفا للتوفّر على الحمد والثناء، واشتغل المتقرّب إليه، بتجهيز ما ينفق من البضائع عليه. 440- وكتب أيضا تهنئة لوزير بتحويل سنته: أما بعد فإنّ اتصال النّعم يؤذن برضى المنعم، وامتداد الشكر مظهر لموضع البرّ، وقد منحنا الله في الوزير- أطال الله مدّته وكمّل سعادته- منحة غادرتنا [2] قرناء ذكرها، وأسراء شكرها، خلفه عامه الماضي عطرا بطيب [3] خلاله، وتقمّصه حوله الثاني مستبشرا بوصاله. فأسبغ الله علينا معاشر أوليائه، نعمته العامّة ببقائه، وموهبته الخاصة في حفظ نعمائه، حتى يخلق جدّة الدهور [4] ، ويفني مدة العصور، حاميا حوزة الدين [5] ، ناهضا بأعباء المؤمنين. [ كتاب لابي الخطاب الصابي ] 441- كتب أبو الخطاب الصابي تهنئة بإقبال السنة: يومنا هذا- أطال الله بقاء سيدي- مفتتح الحول الجديد، وغرّة العام المقبل وعيد، قد اعتاد أسلافنا تعظيمه، وألف أوائلنا تبجيله وتكريمه، وسنّوا فيه التواصل بأنواع التحف، والتقابل بصنوف اللّطف، تيمّنا بمنجمه، وتبرّكا [6] بمقدمه،   [1] م: مصلت. [2] م: عادتنا. [3] م: مطيبا. [4] م: الشهور. [5] م: المسلمين. [6] م: وتبردا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 واستبشارا بمطلعه، واغتباطا بعودته، ومحبة لتلقيه بما يزيد التصافي بينهم خلوصا، والأحوال لطفا [1] وخصوصا، وتفاؤلا بالمسرّة التي توافي بها الطرفة [2] عند حضورها، وتشكر لها التحفة مع بكورها، لأنّ أوائل العصور، وفواتح [3] الأمور، دلائل يعلم منها ما تؤذن به أواخرها، وشواهد تتيح ما تنكشف عنه عواقبها، كما يعد الوسميّ العجول بالوليّ المتتابع، ويدلّ العارض المخيل على الغيث الهامع. ولما أراني الله هذا العيد الذي عرفت بركته من سبوغ النعمة لديك، وضفوّ [4] ملابسها عليك، فكرت في ما أقيم به رسم المؤانسة، وأحيي معه سنّة المباسطة، وأجري على عادة من مضى من السلف، وبقي من الخلف، في توفيته على الدنيا كما يوفّى حقّ الدين وعمارته بالتواصل كما يعمل بالقروض، فتساوى عندي ما أتكلّفه من قليل البرّ وكثيره، وصغيره وكبيره، قصورا عن علوّك، وانحطاطا عن سموّك، وزاد عليه وإن جلّ محلّك الباسق، وفرعه وإن فخم موضعك السامق، فعدلت إلى الدعاء الذي يستوي فيه ما أضمر وأظهر، ويتوارى ما أبطن وأعلن منه، ويكون الزعيم [5] بسماعه والكفيل بتمامه أولى مخبر بالوفاء، وأحرى بالملاء، وقريب من دقيق الألطاف، ما جعلته شعارا للاقتداء بالأسلاف، وتوخّيت في أسمائه وأوصافه وصوره وهيئاته أن يكون فألها مؤذنا باستجابة ما قدّمته من الدعاء، ومحقّق ما أسلفته من الرجاء. وأنا أسأل الله الذي كلّ خير بيديه، ومتوجّه الرغبات إليه، أن يعظّم يمن هذا اليوم عليك، ويضاعف المواهب فيه لديك، ويتقبّل أعمالك من فرض ونفل، ويزكّي قرباتك من قول وفعل، ويبقيك بقاء تتوالى فيه البركات طلقا، وتنتظم فيه السعادات   [1] لطفا: سقط من م. [2] س: الطرور. [3] عند حضورها ... وفواتح: سقط من س. [4] م س: وصفو. [5] ما أضمر ... الزعيم: سقط من س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 نسقا، ويكون آتيه زائدا في الخير على ماضيه، وخاليه مقصرا في اليمن عن جائيه، ويومه أفضل من أمسه، وغده أرجى من يومه، حتى يكون خير أيامك يوم لقائك إياه [1] ، وأسعد أوقاتك يوم قدومك عليه، ويتّصل لك الحظ الفاني بالباقي، ويؤديك النعيم الأمدي إلى الأبدي، إنه جواد كريم. وقد أنفذت إليك مع هذه الرقعة ما اقتديت فيه بأحرار فارس، وهو السكّر والدرهم، فأما السكّرة فلما في مذاقها من الحلاوة التي أرجو أن تصحبك بها الأيام، وتنتظم بامتدادها لك الأعوام، فيحلولي لك جناها، ويمرع عندك مرعاها، وتجعلك السلامة أبدا في ضمانها، وتمرّ لك الليالي عقد أمانها، وتجري الأقدار فيها بمشيئتك، وتتصرّف الأقضية على طاعتك، وتأوي من أيدي الحوادث إلى معقل عزيز، وتعتصم من سهام النوائب بموئل حريز، فلا تختلك بغامض كيدها، ولا تقصفك بهائض أيدها، ويتصل ذلك ببلوغ الأماني العذاب، ونيل العطايا الرّغاب، والحياة إلى أنفس مدّد الأجل، وأرخى مدد المهل. وأما الدرهم فإنه شعار النصر، وأمارة القهر، وعلم النجاح، وعنوان الفلاح، والرائد الذي لا يخيب سعيه، والقاصد الذي لا تردّ رايته، والذريعة التي لا تخفق، والوسيلة التي لا تكدي، والشافع الذي لا تبور شفاعته، والخصم الذي لا تدحض حجته، ولسان العي الذي أفحم عن الخطاب، وهادي الغي الذي ضلّ عن الصواب، وسيف الجبان الذي خام عن القراع، ولأمة الهدان الذي أحجم عن المصاع. فتفاءلت أن يكسوك الله محبته في النفوس، ويرزقك قربه من القلوب، ويعزّك عزّه في الأقطار، ويبلّغك مبلغه من الأوطار، ويعلي ذكرك علوّ ذكره عند الأمم، ويشهر فضلك شهرته بين العرب والعجم. وأضفت إليهما أقلاما تفؤلا [2] بأن ينفذ أمرك في الأقاليم، وتجري لك سعود   [1] ب: يوم ألقاك فيه. [2] م: تفاؤلا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 النجوم بخيرتها سليمة من المعايب، مبرّأة من المثالب، جمّة المحاسن، بعيدة عن المطاعن، لم يزر بها طول ولا قصر، ولم ينقصها ضعف ولا خور، ولم يشبها لين ولا رخاوة، ولم يعمّها كزازة ولا قساوة، فهي آخذة بالفضائل من جميع جهاتها، مستوفية للممادح بسائر صفاتها، صلبة المعاجم، لدنة المقاطع، مؤنقة القدود والألوان، محمودة المخبر والعيان، قد استوى في الملامسة خارجها وداخلها، وتناسب في السلاسة عاليها وسافلها، وتعاصي الكاسر المعاسر، وتمانع المغامر المكاثر [1] ، حتى إذا انتحتها مدى التقويم، وتباشرتها شفار التعليم، أقام التثقيف أودها، وهدى التسديد زيغها، نبتت بين الشمس والظلّ، واختلف عليها الحرّ والقرّ، فلاحها وقدان الهواجر، وسفعها سماء شهر ناجر، ووقذها الشّفان بصرده، وقذفها الغمام ببرده، وصابتها الأنواء بصيبها، واستهلّت عليها السحائب بشآبيبها، فاستمرّت مرائرها على إحكام، واستحصد سحيلها بالإبرام، وجاءت شتى الشّيات، متغايرة الهيئات، متباينة المنابت والأوطان، مختلفة المحالّ والبلدان، تختلف بتباعد ديارها، وتأتلف بكرم نجارها، فمن أنابيب قنا ناسبت رماح الخطّ في أجناسها، وشابهت [2] أسود الغيل في أخياسها، وشاكلت المذهب في ألوانها، وضاهت الحرير في لمعانها، كأنها الأميال استواء، والآجال مضاء، بطيئة الحفا، ممرّة القوى، لا يشظّيها القطّ، ولا يتشعّب بها الخط: من مصريّة بيض كأنها قباطيّ مصر نقاء، وغرقىء البيض صفاء، غذاها الصعيد من ثراه بلبّه، وسقاها النيل من نميره وعذبه، لم يضوها عطش ولم يشرقها ري، فجاءت ملتئمة الأجزاء، سليمة من الالتواء، تستقيم شقوقها في أطوالها، ولا تنكب عن يمينها ولا شمالها، يقترن بها صفر كأنها معها عقيان قرن بلجين، أو ورق خلط بعين، وكأنما أشربت ماء الجساد، أو صبغت بالخلوق قبل المداد، تختال في صفر ملاحفها، وتميس في   [1] ب: المعاسر. [2] م: وشاكهت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 مذهب مطارفها، بلون غياب الشمس، وصبغ ثياب الورس. ومن منقوشة تروق العين وترقّ النفس، ويهدي حسنها الأريحية إلى القلوب، ويحلّ الطرب لها حبية الكريم [1] اللبيب، كأنها اختلاف الزّهر اللامع، وأصناف الثمر اليانع، تقول إذا رأيتها متأمّلا، ونظرت فيها متفرّسا، أهدت لها الأنوار الأنواء، أو حبتها بالبرود صنعاء. ومن بحرية موشّية اللّيط، رائقة التخطيط، كأنّ داخلها نضرة دم، أو حاشية رداء معلم، وكأنّ خارجها إهاب أرقم، أو متن واد مفعم، قصر باطنها عن حوّة [2] العظلم، وضاهى ظاهرها صبغ عندم، وتشرّبت ألوانا [3] تزري بورد الخدود، وأبدت قامات تفضح تأوّد القدود، إن امتدّ وشيها قلت تثنّي ثعبان، [أو] اعوجّ قلت: مناقذ [4] بغدان، وقرنت بها مدية حديد كأنّ القدر سابقها، والأجل سائقها، بنت سيف يمان، أو سليلة نصل هندوان [5] ، وهي تنزع بطيب [6] أعراقها وتحزّ بكرم سنخها، كأنها الحسام القاطع والعضب الباتر، لا يتوى رميّه، ولا ينبو عن ضريبة؛ مرهفة الصدر، مخطفة الخصر، ممهاة الشّفر، مطلقة الظّبة، رقيقة الحد، ملسة الطرف، يجول عليها فرند العقيق، ويترقرق فيها ماء الجوهر، كأنّ المنيّة تبرق من حدّها، والأجل يلمع في متنها، ركّبت على نصاب آبنوس، كأنما ناسب سواده خافية الغراب، واستعيد لونه من شرخ الشباب، وكأنّ الحدق نفضت عليها صبغها، وحبّ القلوب كستها لباسها، فهي آنق في العين من كلّ مرأى أنيق، وألوط بالقلب من كلّ قدّ رشيق، أخذ لها حديدها الناصع بحظّ من الروم، وضرب لها نصابها الحالك بسهم من الزّنج. وكأنها ليل من تحت نهار، أو نجم أبدى سنا نار.   [1] م: الحكيم. [2] م: وجوه. [3] م: ونشرت؛ ب: وسرت ألوانها. [4] قلت: مناقذ ... سائقها: سقط من ب. [5] م: هندي ب: هندواني. [6] م: إلى طيب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وأشهد لقد جئنك يا سيدي شوقا، وبادرن نحوك توقا، واستشعرن إليك ارتياحا، واكتسبن بك مراحا، حتى كأنها اشتاقت من أناملك أخواتها، وحنّت من دويّك إلى أمّهاتها، ولقد ردّت القوس إلى باريها، وهديت العروس إلى واليها، لأنك بحمد الله ومنّه الوثّاب للجراثيم، والخرّاج من الأضاميم، والشهاب الثاقب علما، والطّود الراسب حلما، ومن يوسعها اللؤلؤ فذّا وتؤاما، والعقود نسقا ونظاما، فتدرّ لها أخلاف البلاغة، وتسيل عليها شعاب الكتابة، وتجلو بلسانها الشبهات، وتكشف ببيانها الغمرات. لا أعدمك الله موادّ الفضل المنصبّة إليك، وجلائل المنح المقصورة عليك، بقوّته وحوله، وكرمه وطوله. [ كتاب لأخي المؤلف ] 442- وكتب أخي رحمه الله نسخة لما يبرز به التوقيع الإماميّ في عيد الفطر: الحمد لله الواجب شكره، الغالب أمره، المنصور حزبه، المثبور حربه، الدالّ على وحدانيته ببدائع فطرته، المانع [1] بعجائب صنعه من أن يتقرّر في الأوهام كنه معرفته، الذي أرسل محمدا إلى كافّة الأمم، وجلا بضياء نبوّته حنادس الظّلم، وبعثه رسولا بالحقّ صادعا، ولعرانين الشرك جادعا، حتى استعلت كلمة الايمان واتّضح مناره، وكبا زناد الباطل وخبت ناره. فصلّى الله عليه ما طرف ناظر، ورفّ غصن ناضر، والحمد لله على أن أصار إلى أمير المؤمنين ميراث الطاهرين من آبائه، وخصّه بما حاز له منه بجزيل منّه وحبائه، وحقّق للدولة القاهرة العباسية وعد النبي صلّى الله عليه وسلم إذ يقول لعمّه العباس رضوان الله عليه: ألا أبشّرك يا عمّ، بي ختمت النبوّة، وبولدك تختم الخلافة، إلى غير هذا من الأخبار التي ضلّ من أضمر عناد شيء منها وأسرّ خلافه. وجعل أيامه بالعدل آهلة، ومن مشارب الأمن ناهلة، والرعية في ظلّ إيالته الوارف وادعة، وسيرته لروائع الجور عنها وازعة. والحمد لله الذي منح عباده المؤمنين منائح من نعمه   [1] ببدائع ... المانع: سقط من ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 تستوعب الشكر، وتستوجب الإذاعة لها والنشر، فجعل لهم من أيامهم مواسم يكفّر بطاعته فيها سيئاتهم، ويرفع بتوفيقهم لصالح العمل عنده درجاتهم. وخصّ شهر رمضان بالصيام الذي ختمه لهم بعيد يبشرهم بالقبول، يتقارضون فيه التهاني بدرك المأمول. وأمرهم باتخاذ الزينة وإظهارها، وإراحة النفوس بقضاء المباح من لذّاتها وأوطارها، تكميلا لنعمته في الصوم المفضي بهم عاجله إلى آجل الفوز والرضوان، وإخراجه لهم من ضيقه إلى سعة الفطر المريح لما أجهده من الأبدان. بكلّ ذلك يجزل ثوابهم، ويحسن مآبهم، ويعرّفهم مواقع لطفه، ويريهم دلائل رحمته وعطفه، فله على ذلك حمد يمتري المزيد من آلائه، ويستدعي الإجراء على عادة إحسانه وبلائه. وقد عرف ما أنهي من حضور جماعة الأولياء، وإفاضتهم والحاضرين معهم في صالح الدعاء، الموجب لهم شرف الملاحظة والإرعاء، وأذن لهم بعد إشعارهم بتحقيق خدمتهم في الانكفاء، والسلام. «443» - قال البحتري: [من الطويل] مضى الشهر محمودا ولو قال مخبرا ... لأثنى بما أوليت أيّامه الشّهر عصمت بتقوى الله والورع الذي ... أتيت فلا لغو لديك ولا هجر وقدّمت سعيا صالحا لك ذخره ... وكلّ الذي قدّمت من صالح ذخر وحال عليك الحول بالفطر مقبلا ... فباليمن والإقبال [1] قابلك الفطر «444» - الرضي يهنّيء نصرانيّا بيوم السعانين [2] : [من البسيط]   [1] الديوان: والايمان. [2] م: شعانين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 وربّ يوم صقيل الوجه تحسبه ... مرصّعا بجباه الخرّد العين أتاك يقتاد عيدا في حقائبه ... زاد السرور على الطير الميامين فالبس جلابيبه البيض التي شرفت ... واخرج عن الصوم من أثوابه الجون جاءت تهنّيك بالودّ الذي علقت ... منا الضمائر لا يوم السعانين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 الفصل السابع الإياب «445» - قدم المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي من الحج فتلقاه محمد بن وهيب الحميري مستقبلا مع من تلقّاه، وأنشده في اليوم الثالث: [من الطويل] وما زلت أسترعي لك الله غائبا ... وأظهر إشفاقا عليك وأكتم وأعلم أنّ الجود ما غبت غائب ... وأنّ النّدى في حيث كنت مخيّم إلى أن زجرت الطير سعدا سوانحا ... وحمّ لقاء بالسعود ومقدم فظلّ يناجيني بمدحك خاطر ... وليلي ممدود الرواقين أدهم وقال طواه الحجّ فاخشع لفقده ... فلا عيش حتى يستهلّ المحرم سيفخر ما ضمّ الحطيم وزمزم ... بمطّلب لو أنّه يتكلّم أعدت إلى أكناف مكة بهجة ... خزاعية كانت تجلّ وتكرم فلو نطقت بطحاؤها وحجونها ... وخيفا منى والمأزمان وزمزم إذن لادّعت أجزاء جسمك كلّها ... تنافس في أقسامه أو تحكّم ولو ردّ مخلوق إلى بدء خلقه ... إذن كنت جسما بينهنّ يقسّم سما بك منه كلّ خيف وأبطح ... نصابك منه الجوهر المتقدّم وحنّ إليك الركن حتى كأنّه ... وقد جئته خلّ عليك مسلّم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 «446» - ابن الرومي: [من الطويل] قدمت قدوم البدر بيت سعوده ... وأمرك عال صاعد كصعوده لبست سناه واعتليت اعتلاءه ... ونأمل أن تحظى بمثل خلوده «447» - الصابي: [من الكامل] أهلا بأشرف أوبة وأجلّها ... لأجلّ ذي قدم يلاذ بنعلها فرشت لك الترب التي باشرتها ... بشفاهها من كهلها أو طفلها لم تخط فيها خطوة إلا وقد ... وضعت لرجلك قبلة من قبلها وإذا تذلّلت الرّقاب تقرّبا ... منها إليك فعزّها في ذلّها [ كتاب لابن نصر ] 448- عليّ بن نصر الكاتب يهنىء بعض إخوانه وقد قدم من سفر في زمن فتنة: ما زلت- أطال الله بقاء سيدنا- أتنسّم بركات هذا اليوم منذ تنفّس صبحه، وأتوسّمه بادية ميامنه ونجحه، وأرى في أثنائه سعودا، وفي ضيائه مزيدا، حتى باين الأيام الخالية، ونافى الأزمان الماضية، وأنا أستطرف ما أجده، استطراف من عدم منه ما يعهده، حتى إذا هزم نهاره، واستغرق بياضه اصفراره، أتت الأنباء مبشّرة بمقدمه، فظهرت العلّة الغامضة، وزالت الشبّهة العارضة، وعلمت أنه أقدم بقدومه سعدا غائبا، وأغرب بطلوعه نحسا راتبا، واستصحب الإقبال متمسكا بأذياله أين نحا ويمّم، متفيّئا بظلاله أين سار وخيّم، والله تعالى ذكره يسعده بهذا الورود، سعادة تقضي له بالبقاء والخلود، ويبلّغه فيه وفي كلّ أمر يحاوله ويبتغيه أقصى مطارح همته، وأنأى مسارح أمنيته. ولست محيلا في التأخر عن الخدمة والتباطؤ عن المشافهة بالتهنئة على قاطع علّة ولا مانع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 رحلة. غير أني أرهب هذا المرهب المستجدّ في فتنتنا هذه، وقى [1] الله شرّها، ودفع أذاها وضرّها، من إرجال الفرسان، وإعراء الأجسام. وهذا أمر لا يصبر عليه حرّ، وعذر لا يشبهه عذر، فإن رأى استماعه وبسطه، وإعطاءه من القبول حكمه وشرطه، فعل، إن شاء الله تعالى. «449» - وقال الرضي: [من الكامل] قدم السرور بقدمة لك بشّرت ... غرر العلا وعوالي التيجان قلقت ظبا الأسياف منك بفرحة ... فتكاد تنهضها من الأجفان وأتى الزمان مهنئا يحدو به ... غلّ المشوق وغلّة اللهفان قد كان هذا الدهر يلحظ جانبي ... عن طرف ليث ساغب ظمآن فالآن حين قدمت عدن صروفه ... يرمقنني بنواظر الغزلان   [1] م: وقاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 الفصل الثامن شواذ التهاني 450- حضر أعرابيّ وليمة فرأى نعمة فقال: النعم ثلاث: نعمة في حال كونها، ونعمة ترجى مستقبلة، ونعمة تأتي غير محتسبة، فأدام الله لك ما أنت فيه، وحقّق ظنّك في ما ترجوه، وتفضّل عليك بما لا تحتسبه. «451» - كتب جعفر بن يحيى إلى صديق له: ما جاوزتني نعمة خصصت بها، وما قصّرت دوني ما كان محلّها بك. «452» - وكتب أبو إسحاق الصابي إلى رجل زوّج أمّه: قد جعلك الله- وله الحمد- من أهل التحصيل، والرأي الأصيل، وصحة الدين، وخلوص اليقين، فكما أنك لا تتبع الشهوة في محظور تحلّه، فكذلك لا تطيع الأنفة في مباح تحظره. وتأدّى إليّ من اتصال الوالدة- نفّس الله لها في مدتها ومدّتك، وأحسن في البقية منها إمتاعك- بأبي فلان، أعزّه الله، ما علمت فيه أنك بين طاعة للديانة توخّيتها، ومشقة فيها تجشّمتها، وأنك جدعت أنف الغيرة لها، وأضرعت خدّ الحميّة فيها، وأسخطت نفسك بإرضائها، وعصيت هواك إليها. فنحن نهنئك بعزيمة صبرك، ونعزّيك عن فائت مرادك، ونسأل الله الخيرة لك فيه، وأن يجعلها أبدا معك في ما شئت وأتيت، وتجنّبت وأبيت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 «453» - ولكاتب متقدم في المعنى: الرضى بما يبيحه حكم الشريعة أولى من الامتعاض مما تحظره أنفة الحمية، ولا قبح في ما أحلّ الله، كما لا جمال في ما حرم الله، فعرّفك الله الخيرة في ما اختارته من طهارة العفاف ونبل الحصانة، وعطفك من برّها على ما تؤدّي به حقها، وما ألزمك من المعروف في مصاحبتها. «454» - البحتري يهنىء الفتح بن خاقان بسلامته من الغرق: [من الكامل] بعدوّك الحدث الجليل الواقع ... ولمن يكايدك الحمام الفاجع قلنا لعا لما عثرت ولا تزل ... نوب الليالي وهي عنك رواجع ولربّما عثر الجواد وشأوه ... متقدّم ونبا الحسام القاطع لن يظفر الأعداء منك بزلّة ... والله دونك حاجز ومدافع إحدى الحوادث شارفتك فردّها ... صنع الإله ولطفه المتتابع [1] وفضيلة لك أن منيت بمثلها [2] ... فنجوت مبتدئا وقلبك جامع حتى برزت لنا وجأشك ساكن ... من نجدة وضياء وجهك ساطع ما حال لونك [3] عند ذاك ولا هفا ... عزم ولا راع الجوانح رائع «455» - فرّ أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد من أبي فديك الخارجي، فدخل إليه أهل البصرة فلم يدروا كيف يكلّمونه، ولا ما يلقونه به من القول،   [1] سقط هذا البيت من ب. [2] م: بفعلها. [3] الديوان: لون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 يهنئونه أم يعزّونه، حتى دخل عبد الله بن الأهتم فاستشرف الناس له وقالوا: ما عسى أن يقول لمنهزم؟ فسلّم وقال: مرحبا بالصابر المخذول، والحمد لله الذي نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا، فقد تعرّضت للشهادة جهدك، ولكنّ الله علم حاجة أهل الإسلام إليك، فأبقاك لهم بخذلان من معك. فقال أمية: ما وجدت أحدا أخبرني عن نفسي غيرك. «456» - عزل الرشيد الفضل بن يحيى عن عمل وقلّده جعفرا أخاه، فكتب يحيى إلى الفضل: قد رأى أمير المؤمنين أن تحول الخاتم من شمالك إلى يمينك. فأجاب الفضل: سمعا لأمير المؤمنين وطاعة، وما انتقلت عني نعمة صارت إلى أخي. «457» - كتب عامل إلى المصروف به: قد قلّدت العمل بناحيتك، فهنّاك الله تجدّد ولايتك، وأنفذت خليفتي لخلافتك، فلا تخله من هدايتك إلى أن يمنّ الله بزيارتك. فأجابه: ما انتقلت عني نعمة صارت إليك، ولا خلوت من كرامة اشتملت عليك، وإني لأجد صرفي بك ولاية ثانية، وصلة من الوزير وافية، لما أرجو لمكانك من حسن الخاتمة ومحمود العاقبة، والسلام. 45» - إبراهيم ابن عيسى الكاتب يهنّىء إبراهيم بن المدبّر بالعزل عن عمل: [من الطويل] لتهن أبا إسحاق أسباب نعمة ... مجدّدة بالعزل والعزل أنبل شهدت لقد منّوا عليك وأحسنوا ... لأنّك يوم العزل أعلى وأفضل «459» - آخر في ما يشبهه: [من الكامل المجزوء] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 إنّ الأمير هو الذي ... يضحي أميرا عند عزله إن زال سلطان الولا ... ية فهو في سلطان فضله 460- وصف للمتوكل كلب بأرمينية يفترس الأسد فأرسل من جاء به، فقال له الطريحيّ: يا أمير المؤمنين هناك الله ما خصّك به من نيل مباغيك، وإدراك محابّك، فما شيء يصغر مع طلب أمير المؤمنين عن أن يهنّأ به، ويرغب إلى الله في زيادته. فقال له المتوكل: هو لك جزاء عن هذه التهنئة، فبعه منّي بحكمك. فباعه منه بألفي دينار، فألقاه على أسد فتواثبا وتناهشا حتى وقعا ميتين. [ كتاب لأخي المؤلف ] «461» - كتب أخي رحمه الله تهنئة بالسلامة من حريق وقع في دار الخلافة: الدنيا- أعزّ الله أنصار المواقف الشريفة- دار الامتحان والاختبار، ومجاز الابتلاء والاعتبار، ولله تعالى في ما نزل فيها إلى عباده من نعمه، وتخوّله من مواهبه وقسمه، عادات يقتضيها بالغ حكمته، وماضي إرادته ومشيئته، ليستيقظ الذاهل، ويعرف الجاهل، ويزداد العالم اللبيب اعتبارا، ويستفيد العاقل الأريب تفكّرا واستبصارا، فلا يغفل عن واجب الشكر إذا سيقت النعمة إليه، ولا يلهو عن استدعاء المزيد منها بالاعتراف إذا سبغت عليه، وهو أنّ الباري سبحانه إذا تابع آلاءه إلى عبده ووالاها، وهنأها له من الشوائب وأخلاها، وأماط عن مشاربها أكدار الدنيا المطبوعة على الكدر، وعمر مساربها بالأمن من طوارق الغير، خيف عليها الانتقاض والزوال، وتوقّع لها الانتهاء والانتقال. ومن ذلك الخبر المروّي أنه لما أنزل الله عزّ وجلّ قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (المائدة: 3) ابتهج الصحابة رضي الله عنهم، واعتقدوا التهنئة واستشعروا، ما عدا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه بكى من بينهم. فقالوا له: ما يبكيك وقد أكمل الله الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 لنا ديننا برحمته، وأتمّ لنا سابغ نعمته؟ فقال: يبكيني أنه ما تمّ أمر إلا بدا نقصه. فقبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قرب. وإذا كانت مشوبة برائع يتخلّل صفوها، وطارىء يجهد في بعض الأوقات عفوها، كان ذلك صارفا عنها عين الكمال، مؤذنا لها بطول الآجال، حاكما لها بتراخي عمر البقاء، دالّا على الصعود بها إلى درج المكث الطويل والارتقاء، وحكمه حكم المرض الذي تصحّ به الأجساد، ويمحّص ذنوب من يسلّط عليه من العباد: [من الطويل] فلا يبهج الأعداء سوء ظنونهم ... فلله صنع في الذي شاء ظاهر فكم طالب شيئا به الشرّ كامن ... وكم كاره أمرا به الخير وافر فالحمد لله الذي جعل ما جرت به الأقدار من الأمر الرائع ظاهره، الوجل لوقعه ناظره، لعنايته- جلّت عظمته- عنوانا، وعلى دوام نعمه دليلا واضحا وبرهانا. وإليه الرغبة في أن يجعل الديار وساكنيها، والنفائس [1] في أقاصي الدنيا وأدانيها، لشريف الحوزة التي بها صلاح العالم فداء، وعنها للمكروه وقاء، فلكلّ حادث مع دوام هذه الأيام الزاهرة خلل، وكلّ غمر من نوائب الدهر ما دافع لطف الله عنها وشل.   [1] م: والناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 نوادر في التهاني «462» - مرّ أعرابي بامرأة تبكي زوجها فقال لها ما يبكيك [1] ؟ لا جمع الله بينه وبينك في الجنة. ثم مرّ بها بعد ذلك فقال: يا فلانة رفّئيني فإني قد تزوجت فقالت: نعم بالبيت المهدوم، والطائر المشؤوم، والرّحم المعقوم. 463- وقال الجاحظ: كان لنا جار مغفّل فولد له ولد، فقيل له: ما تسمّيه؟ قال: عمر بن عبد العزيز. وهنأوه بهذا الولد فقال: هو من الله ومنكم. 464- لما خلع على أحمد خلع الوزارة اغتمّ وانخزل، فقيل له في ذلك فقال: مثلي مثل الناقة التي تزيّن للنحر، فأخذ ابن بسام هذا المعنى فقال: [من الكامل المجزوء] خلعوا عليه وزيّنو ... هـ وهو في خير ورفعه وكذاك يفعل بالجما ... ل لنحرها في كلّ جمعه «465» - شكا رجل إلى أبي العيناء امرأته فقال: أتحبّ أن تموت؟ قال: لا والذي لا إله إلا هو، قال: ولم يا ويحك، وأنت معذّب بها؟ فقال: أخشى والله أن أموت من الفرح.   [1] هنا تنقطع النسخة ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 «466» - أبو الحسن ابن سكرة الهاشمي: [من الوافر] وهنّوا بالصيام فقلت مهلا ... أما أنا طول دهري في صيام وهل فطر لمن يضحي ويمسي ... يؤمّل فضل أقوات اللئام 467- جلس عميد الدولة أبو منصور ابن جهير للتهنئة بالوزارة قادما من سفر، فدخل عليه أبو الحسن ابن فضالة النحوي، وكان من وجوه أهل الأدب، فأنشده: [من السريع] بان هناء العيش مذ بنتا ... وعادت الأفراح مذ عدتا ما أقبح الدست إذا لم تكن ... وأحسن الدست إذا كنتا فعجب الحاضرون من إسقاطه في هذا الشعر مع مشهور فضله. «468» - وأراد المردوسي تهنئة فقال: [من الوافر] فسبحان الذي أعطاك ملكا ... وعلّمك القعود على السرير فكان العجب من هذا التعويذ الثاني، وهو من أرباب الرتب ومقدمي الدولة، أشدّ، وانقضى المجلس على الضحك. تمّ الباب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 الباب التّاسع عشر في المراثي والتعازي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (وما توفيقي إلا بالله [1] ) الحمد لله الخالق الباعث، الرازق الوارث، الذي قدّر الحياة والموت، وجعل لهما أجلا لم يخش فيه الفوت، ونقل خلقه من دار الفناء إلى مقرّ البقاء، وقرن النعم إذا اطمأنّ إليها المغرور بالبلاء، مفرّق الألّاف بعد اجتماع، ومشتّت كلّ شمل ببين وانصداع، حكمة منه لا تدرك غايتها ومداها، ومنافع [2] في عباده قدّرها وأحصاها، فالطائع يبلو أخباره، والعاصي يوقظه ليتقي ناره، والصابر يعجّل له الراحة ويؤجّل له الثّواب، والجازع يردّه إلى الصبر كارها غير مثاب، ونحن مع قصر الأعمار ودنوّها، في جهاد من تجبّر النفس وعتوّها، ترى المدة قريبة وهي تقنط [3] للادّخار، والمسافة دانية وهي تستبعد الدار، فكيف بها لو طالت الآجال وامتدّت، وبلغت الآمال واطمأنت، كانت حينئذ تقسو فلا تلين، وتشحّ فلا تستكين، لا يتعلق بالأطماع صلاحها، ولا يرجى على حال فلاحها؛ فسبحان من جعل الخيرة في المكروه وله في كلّ فعل سرّ مكنون، وبكلّ غائب علم مخزون، وصلاته على رسوله الذي هو لنا قدوة، ولكلّ حيّ به في الممات أسوة، وعلى آله وأصحابه، وارثي علمه وآدابه.   [1] ورد بدل هذه العبارة في م: قال الأجلّ السعيد العالم بهاء الدين أبو المعالي [ابن] حمدون رضي الله عنه. [2] م: ومنافعه. [3] ودنوها ... تقنط: سقط من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 (الباب التاسع عشر في المراثي والتعازي) فيه ستة فصول: الملوك والرؤساء- الأهل والإخوان- الأطفال- النساء- الشواذ- النوادر. ويتّصل بهذا الباب حسن التأسّي في الشدة، والصبر والتسلّي عن نوائب الدهر. [ ذكر ما جاء في جميل العزاء ] ونقدم الآن ذكر ما جاء في جميل العزاء والحثّ عليه، وما أعدّ لصاحبه من جزيل الأجر وتعجّله [1] من الحظ. 469- قد أثنى الله عزّ وجلّ على قوم بقوله: وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ (الحج: 35) وقال في وصية لقمان لابنه وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (لقمان: 17) وقال تعالى: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة: 156) . 470- وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: «لا يزال الرجل يصاب في ماله وحامته حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة» . 471- وقال علقمة في قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (التغابن: 11) هي المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلّم لها ويرضى.   [1] م: وتعجيله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 «472» - وعزّى عليّ عليه السلام الأشعث بن قيس عن ابن له فقال: يا أشعث، إن تحزن على ابنك فقد استحقّت ذلك منك الرحم، وإن تصبر ففي الله من كلّ مصيبة خلف. يا أشعث إن صبرت جرى القدر عليك وأنت مأجور، وإن جزعت جرى القدر عليك وأنت مأزور [1] ، سرّك وهو بلاء وفتنة، وحزنك وهو ثواب ورحمة. 473- وعزّى عليه السلام قوما فقال: عليكم بالصبر فإنّ به يأخذ الحازم، وإليه يرجع الجازع. 474- وقال الحسن بن علي: المصائب مفاتيح الأجر. «475» - وقال علي بن الحسين حين مات ابنه ولم يجزع: أمر كنّا نتوقّعه فلما وقع لم ننكره. 476- وقال محمد بن علي بن الحسين: استتر من الشامتين بحسن العزاء عن المصائب. 477- وقال ابن السمّاك: المصيبة واحدة، فإن كان فيها جزع فهي اثنتان. 478- وكان محمد بن واسع يقول: المصيبة في إثر المصيبة خير حطّ للخطيئة. «479» - وقال آخر: إنما الجزع والاشفاق قبل وقوع الأمر، فإذا وقع فالرضى والتسليم.   [1] ب م: موزور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 «480» - وقال أوس بن حجر: [من المنسرح] أيتها النفس أجملي جزعا ... إنّ الذي تحذرين قد وقعا وهي أبيات مختارة نذكر تمامها ها هنا في غير موضعه لئلا تنقطع: إنّ الذي جمّع السماحة وال ... نجدة والبرّ والتقى جمعا الألمعيّ الذي يظنّ لك ال ... ظنّ كأن قد رأى وقد سمعا والمخلف المتلف المرزّأ لم ... يمتع بضعف ولم يمت طبعا ليبكك الشّرب والمدامة وال ... فتيان طرّا وطامع طمعا والحيّ إذ حاذروا الصباح وقد ... خافوا مغيرا وسائرا قلعا وازدحمت حلقتا البطان بأق ... وام وجاشت نفوسهم جزعا ونعود إلى المعنى الذي بدأنا به. «481» - قال أبو علي الرّازي: صحبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكا ولا متبسما إلا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك فقال: إنّ الله أحبّ امرا، فأحببت ما أحبّ الله. «482» - وقال صالح المري: إن تكن مصيبتك في أخيك أحدثت لك خشية فنعم المصيبة مصيبتك، وإن تكن مصيبتك بأخيك أحدثت لك جزعا فبئس المصيبة مصيبتك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 [ فصول الباب ] الفصل الأول مراثي الأكابر والرؤساء «483» - وقف عليّ بن أبي طالب عليه السلام على قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ساعة دفن وقال: إنّ الصبر لجميل إلّا عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلا عليك، وإنّ المصاب بك لجليل، وإنه قبلك وبعدك لجلل. «484» - وألمّ الشعراء بهذا المعنى فأكثروا. فمن ذلك قول إبراهيم بن إسماعيل في عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: [من الكامل] إنّ الرزية يا ابن موسى لم تدع ... في العين بعدك للمصائب مدمعا والصبر يحمد في المواطن كلّها ... والصبر أن يبكى عليك ويجزعا «485» - وقال الشماخ يرثي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [من الطويل] جزى الله خيرا من أمير وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزّق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليلحق ما قدّمت بالأمس يسبق أتيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تفتق وما كنت أخشى أن تكون وفاته ... بكفي سبنتى أزرق العين مطرق الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 «486» - وقال زهير بن أبي سلمى يرثي النعمان بن المنذر: [من الطويل] ألم تر للنعمان كان بنجوة ... من الشرّ لو أنّ امرءا كان ناجيا فغيّر عنه رشد عشرين حجة ... من الدهر يوم واحد كان غاويا فلم أر مسلوبا له مثل قرضه ... أقلّ صديقا معطيا ومؤاسيا فأين الذين كان يعطي جياده ... بأرسانهنّ والحسان الغواليا [1] وأين الذين كان يعطيهم القرى ... بغلّاتهنّ والمئين الغواديا [2] رأيتهم لم يشركوا بنفوسهم ... منيّته لما رأوا أنها هيا 487- وقالت أعرابية ترثي ابن عمّها: [من الطويل] عجبت لطود للمعالي وزاخر ... من الجود أنّى صيّر اللحد مضجعا فلم يلتحد جهم وحيدا وإنما ... حوى لحده طود المكارم أجمعا ولم يخترمه الدهر فردا وإنما ... أصاب به بحر الندى والسّدى معا وقد كانت الدنيا بجهم نضيرة ... فأحر بها من بعده أن تخشّعا «488» - وقالت ليلى بنت وهب ترثي أخاها المنتشر بن وهب الباهلي، وإنما أثبتناها في هذا الفصل لأنها أبنته تأبين الأكابر، والمقصود معنى المرثية لا من قيلت فيه، وبعض الرواة ينسبها إلى أعشى باهلة: [من البسيط] تنعى الذي لا يغبّ الحيّ جفنته ... إذا الكواكب أعمى [3] نورها القتر   [1] الديوان: الحواليا. [2] الديوان: الغواليا (والغواديا رواية) . [3] الديوان: أخوى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 من ليس في خيره شرّ [1] ينكّده ... على الصديق ولا في صفوه كدر وليس فيه إذا استنظرته عجل ... وليس فيه إذا ياسرته عسر أخو رغائب يعطيها ويسألها ... جمّ المواهب مقسوم له الظفر [2] لم تر أرضا ولم تسمع بساكنها ... إلا بها من بوادي غزوه [3] أثر لا يأمن القوم [4] ممساه ومصبحه ... من كلّ أوب وإن لم يأت [5] ينتظر يكفيه حزّة فلذ إن ألّم بها ... من الشواء ويكفي شربه الغمر لا يصعب [6] الأمر إلا ريث يركبه ... وكلّ شيء سوى الفحشاء يأتمر فإن جزعنا فمثل الخطب [7] أجزعنا ... وإن صبرنا فإنّا معشر صبر إن تقتلوه فقد أشجاكم حقبا ... كذلك الرمح ذو النصلين ينكسر إما سلكت سبيلا كنت سالكها ... فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر إما علاك عدوّ في منازلة [8] ... يوما فقد كنت تستعلي وتنتصر «489» - وقالت الخنساء ترثي أخاها صخرا: [من الوافر] ألا يا صخر إن أبكيت عيني ... لقد أضحكتني دهرا طويلا   [1] الديوان: منّ. [2] الديوان: يأبى الظلامة منه النوفل الزفر. [3] الديوان: بوادي وقعه. [4] الديوان: الناس. [5] الديوان: في كلّ فج ... يغز. [6] الديوان: يضعف. [7] الديوان: الشر. [8] الديوان: إما يصبك ... مناوأة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 دفعت بك الجليل وأنت حيّ ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا «490» - وقالت أيضا: [من الطويل] ألا هبلت [1] أمّ الذين غدوا به ... إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر وماذا يواري القبر تحت ترابه ... من الجود يا بؤس الحوادث والدهر فشأن المنايا إذ أصابك ريبها ... لتغد على الفتيان بعدك أو تسري «491» - وقال الأبيرد الرياحي يرثي أخاه: [من الطويل] تطاول ليلي لم أنمه تقلّبا ... كأنّ فراشي حال من دونه الجمر أراقب من ليل التمام نجومه ... لدن غاب قرن الشمس حتى بدا الفجر تذكّرت قرما بان منّا [2] بنصره ... ونائله يا حبّذا ذلك الذكر فإن تكن الأيام فرّقن بيننا ... فقد عذرتنا في صحابته العذر وكنت أرى هجرا فراقك ساعة ... ألا لا بل الموت التفرّق والهجر فتى إن هو استغنى تخرّق في الغنى ... وإن قلّ مالا لم يؤد متنه الفقر وسامى جسيمات الأمور فنالها ... على العسر حتى أدرك العسر [3] اليسر ترى القوم في العزّاء ينتظرونه ... إذا ضلّ رأي القوم أو حزب [4] الأمر   [1] الديوان: ثكلت. [2] الذيل: تذكر علق بان منا. [3] الذيل: العسرة. [4] الذيل: حرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 فليتك كنت الحيّ في الناس ثاويا ... وكنت أنا الميت الذي غيّب القبر فتى يشتري حسن الثناء بماله ... إذا السّنة الشهباء قلّ بها القطر ولما نعى الناعي بريدا تغوّلت ... بي الأرض فرط الحزن وانقطع الصبر عساكر تغشى النفس حتى كأنّني ... أخو سكرة مالت [1] بهامته الخمر إلى الله أشكو في بريد مصيبتي ... وبثّي وأحزانا تضمّنها [2] الصدر وقد كنت أستعفي إلهي إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر وما زال في عينيّ بعد غشاوة ... وسمعي عمّا كنت أسمعه وقر على أنني أقنى الحياء وأتقي ... شماتة أعداء عيونهم خزر فحيّاك عني الليل والصبح إذ بدا ... وهوج من الأرواح غدوتها شهر حلفت بربّ الرافعين أكفّهم ... وربّ الهدايا حيث حلّ بها النحر ومجتمع الحجّاج حيث تواقفت ... رفاق من الآفاق تكبيرها جار يمين امرىء آلى وليس بكاذب ... وما في يمين بثّها صادق وزر لئن كان أمسى ابن المعذّر قد ثوى ... بريد لنعم المرء غيّبه القبر فتى الحيّ والأضياف إن روّحتهم ... بليل وزاد السّفر إن أرمل السفر إذا جارة حلّت إليه وفى لها ... فباتت ولم يهتك لجارته ستر عفيف عن السوءات [3] ما التبست به ... صليب فما يلفى لعود به كسر سلكت سبيل العالمين فما لهم ... وراء الذي لاقيت معدى ولا قصر وكل امرىء يوما سيلقى حمامه ... وإن نأت الدعوى وطال به العمر وأبليت خيرا في الحياة وإنما ... ثوابك عندي اليوم أن ينطق الشعر   [1] الذيل: دارت. [2] الذيل: يجيش بها. [3] الذيل: الفحشاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 «492» - وقال جرير يرثي جبير بن عياض: [من الطويل] لعمري لقد عالى على النعش محرز ... فتى نال قدما عفّة وتكرّما فتى كان أحيا من فتاة حيية ... وأجرأ من ليث بخفّان مقدما إذا الأمر ناب الحيّ لم يقض دونه ... وإن طرق الأضياف ليلا تبسّما «493» - وقال يرثي قيس بن ضرار بن القعقاع بن معبد: [من الطويل] وباكية من نأي قيس وقد نأت ... بقيس نوى بين طويل بعادها أظنّ انهلال [1] الدمع ليس بمنته ... عن العين حتى يضمحلّ سوادها لحقّ لقيس أن يباح له الحمى ... وأن تعقر الوجناء إن خفّ زادها «494» - وقال الحكم بن عبدل يرثي بشر بن مروان: [من الكامل المرفل] أصبحت جمّ بلابل الصدر ... متعجّبا لتصرّف الدهر ما زلت أطلب في البلاد فتى ... ليكون لي ذخرا من الذخر حتى إذا جاء القضاء به [2] ... جاء القضاء بحينه يجري فلأصبرنّ فما رأيت دوا ... ء الهمّ غير عزيمة الصدر «495» - وقال النابغة الذبياني: [من البسيط] لا يهنىء الناس ما يرعون من كلأ ... وما يسوقون من أهل ومن مال بعد ابن عاتكة الثاوي على أمر ... أمسى ببلدة لا عمّ ولا خال   [1] م والحماسة: انهمال. [2] الأغاني: ظفرت يداي به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 ضخم الدسيعة [1] مشّاء بأقدحه ... إلى ذوات الذرى حمّال أثقال «496» - وقال أبو الشغب السعدي: [من الطويل] أبعد بني الزهراء أرجو بشاشة ... من العيش أو أرجو رخاء من الدهر غطارفة زهر مضوا لسبيلهم ... ألهفي على تلك الغطارفة الزّهر يذكرنيهم كلّ خير رأيته ... وشرّ فما أنفكّ منهم على ذكر ومثله لأعرابي: [من الطويل] يذكرنيك الخير والشرّ والذي ... أخاف وأرجو والذي أتوقع «497» - وقال أبو عطاء السندي: [من الطويل] ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود عشية قام النادبات [2] وشقّقت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود فإن تمس مهجور الفناء فربّما ... أقام به بعد الوفود وفود فإنك لم تبعد على متعهد ... بلى كلّ من تحت التراب بعيد «498» - وقال محمد بن بشير: [من الطويل] أقول وما يدري أناس غدوا به ... إلى القبر ماذا أدرجوا في السبائب وكلّ امرىء يوما سيركب كارها ... على النعش أعناق العدا والأقارب   [1] الديوان: سهل الخليقة. [2] التبريزي: النائحات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 «499» - وقال أيضا: [من الكامل] نعم الفتى فجعت به إخوانه ... يوم البقيع حوادث الأيام سهل الفناء إذا حللت ببابه ... طلق اليدين مؤدّب الخدّام وإذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيّهما أخو [1] الأرحام «500» - وقال عبد الملك بن عبد الرحيم: [من الطويل] ولما حضرنا لاقتسام تراثه ... وجدنا عظيمات الّلهى والمآثر وأسمعنا بالصّمت رجع جوابه ... فأبلغ به من ناطق لم يحاور «501» - وقال أبو الحجناء العبسي: [من البسيط] أضحت جياد أبي عبس [2] مقسّمة ... في الأقربين بلا منّ ولا ثمن ورّثتهم فتسلّوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهمّ والحزن «502» - وقال العجير السلولي: [من الطويل] تركنا أبا الأضياف في ليلة الصبّا ... بمرّ ومردى كلّ خصم يجادله تركنا فتى قد أيقن الجوع أنه ... إذا ما ثوى في أرحل القوم قاتله فتى قدّ قدّ السيف لا متضائل ... ولا رهل لبّاته وبادله [3]   [1] التبريزي: ذوو. [2] التبريزي: ابن قعقاع. [3] الحماسة: وأباجله؛ والبآدل: اللحم بين العنق والترقوة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 إذا جدّ عند الجدّ أرضاك جدّه ... وذو باطل إن شئت ألهاك [1] باطله يسرّك مظلوما ويرضيك ظالما ... وكلّ الذي حمّلته فهو حامله إذا نزل الأضياف كان عزوّرا ... على الحيّ حتى تستقلّ مراجله «503» - وقال آخر: [من الطويل] لعمرك ما وارى التراب فعاله ... ولكنما وارى ثيابا وأعظما «504» - ومثله لمنصور النمري: [من الطويل] فإن يك أفنته الليالي وأوشكت ... فإنّ له ذكرا سيفني اللياليا «505» - وقال التميمي في منصور بن زياد: [من الكامل] أما القبور فإنهنّ أوانس ... بفناء قبرك والديار قبور عمّت فواضله فعمّ مصابه ... فالناس فيه كلهم مأجور يثني عليك لسان من لم توله ... خيرا لأنك بالثناء جدير ردّت صنائعه إليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور فالناس مأتمهم عليه واحد ... في كلّ دار رنّة وزفير وقد روي البيت الثاني والثالث والخامس من هذه الأبيات لكثير في عبد العزيز   [1] م: أرضاك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 ابن مروان، ورويت لرجل من خزاعة. «506» - وقال رقيبة الجرمي: [من الطويل] أقول وفي الأكفان أبيض ماجد ... كغصن الأراك وجهه حين وسّما أحقّا عباد الله أن لست رائيا ... رفاعة بعد اليوم إلا توهّما فأقسم ما جشّمته من ملمّة ... تؤود كرام الناس إلا تجشّما ولا قلت مهلا وهو غضبان قد غلا ... من الغيظ وسط القوم إلا تبسّما «507» - وقال الربيع بن زياد العبسي: [من الكامل] من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرا يندبنه ... يلطمن أوجههنّ بالأسحار قد كنّ يخبأن الوجوه تستّرا ... فاليوم حين برزن للنظار يضربن حرّ وجوههنّ على فتى ... عفّ الشمائل طيّب الأخبار قيل [1] كان الرشيد بعد قتله البرامكة شديد الأسف عليهم والندم على ما فعله بهم، ففطن لذلك زبير بن دحمان المغني، فكان يغنيه في هذا المعنى فيحركه، فغناه يوما بهذه الأبيات فقال له: أعد، فأعاد فقال: ويحك كأنّ قائل هذا الشعر يصف به يحيى بن خالد وجعفر بن يحيى، وبكى حتى جرت دموعه، ووصل زبيرا صلة سنية. «508» - وقالت أمّ قيس الضبيّة: [من البسيط]   [1] وقع هذا التعليق بعد رقم 508 في م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 من للخصوم إذا جدّ الخصام [1] بهم ... بعد ابن سعد ومن للضمّر القود ومشهد [2] قد كفيت الغائبين به ... في مجمع من نواصي الناس مشهود فرّجته بلسان غير ملتبس ... عند الحفاظ وقلب غير مزؤود إذا قناة امرىء أزرى بها عوج [3] ... هزّ ابن سعد قناة صلبة العود «509» - وقف رجل على قبر النجاشيّ فترحّم وقال: لولا أنّ القول لا يحيط بما فيك، والوصف يقصّر دونك، لأطنبت بل لأسهبت، ثم عقر ناقته على قبره وقال: [من الطويل] عقرت على قبر النجاشيّ ناقتي ... بأبيض عضب أخلصته صياقله على قبر من لو أنني متّ قبله ... لهانت عليه عند قبري رواحله «510» - وقالت امرأة من طيء: [من الطويل] ألهفي عليك ابن الأشدّ لبهمة ... أفرّ الكماة طعنها وضرابها متى يدعه الداعي إليه فإنه ... سميع إذا الآذان صمّ جوابها هو الأبيض الوضاح لو رميت به ... ضواح من الريّان زالت هضابها الريان: جبل ببلاد بني عامر. «511» - وقالت العوراء بنت سبيع: [من الكامل المجزوء] أبكي لعبد الله إذ ... حشّت قبيل الصبح ناره   [1] التبريزي: الضجاج. [2] التبريزي: ومجمع. [3] التبريزي: خور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 طيان طاوي الكشح لا ... يرخى لمظلمة إزاره يعصي البخيل إذا أرا ... د المجد مخلوعا عذاره «512» - وقالت أخت الوليد بن طريف: [من الطويل] أيا شجر الخابور ما لك مورقا ... كأنك لم تحزن على ابن طريف فتى لا يحبّ الزاد إلّا من التّقى ... ولا المال إلّا من قنا وسيوف فقدناك فقدان الربيع وليتنا ... فديناك من دهمائنا بألوف «513» - وقال زياد الأعجم: [من الكامل] مات المغيرة بعد طول تعرّض ... للقتل بين أسنّة وصفائح والقتل ليس إلى القتال ولا أرى ... حيّا يؤخّر للشفيق الناصح إنّ السماحة والمروءة ضمّنا ... قبرا بمرو على الطريق الواضح فإذا مررت بقبره فاعقر به ... كوم الهجان وكلّ طرف سابح وانضح جوانب قبره بدمائها ... فلقد يكون أخا دم وذبائح هلا ليالي لا يزال مشمّرا ... يغشى الأسنة فوق نهد قارح الآن لما كنت أكمل من مشى ... وافترّ نابك عن شباة القارح وتكاملت فيك المروءة كلّها ... وأعنت ذلك بالفعال الصالح «514» - وقالت الخنساء ترثي معاوية أخاها: [من البسيط] اذهب فلا يبعدنك الله من رجل ... أبّاء ضيم وطلّاب بأوتار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 قد كنت تحمل قلبا غير مؤتشب ... مركّبا في نصاب غير خوّار فسوف أبكيك ما ناحت مطوّقة ... وما أضاءت نجوم الليل للساري كأنه يوم راموه بجمعهم ... راموا الشّكيمة من ذي لبدة ضار «515» - وقال ابن الغريرة، ويروى لكثير: [من البسيط] يا أوس ما طلعت شمس ولا غربت ... إلا ذكرتك والمحزون يدّكر إني يذكّرنيه كلّ نائبة ... والخير والشرّ والإيسار والعسر «516» - وقال منصور النمري: [من الطويل] أبا خالد ما كان أدهى مصيبة ... أصابت نزارا يوم أصبحت ثاويا لعمري لئن سرّ الأعادي وأظهروا ... شماتا لقد مرّوا بربعك خاليا وأوتار أقوام لديك لويتها ... وزرت بها الأحداث وهي كما هيا يعزّي فؤادي عن يزيد بن مزيد ... وأيّامه أنّ المنايا أماميا «517» - وقال الرقاشي يرثي البرامكة: [من الطويل] ألان استرحنا واستراحت ركابنا ... وقلّ الذي يجدي ومن كان يجتدي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 فقل للمطايا قد أمنت من السّرى ... وطيّ الفيافي فدفدا بعد فدفد وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر ... ولن تظفري من بعده بمسوّد وقل للعطايا بعد فضل تعطّلي ... وقل للرزايا كلّ يوم تجدّدي ودونك سيفا برمكيّا مهنّدا ... أصيب بسيف هاشميّ مهنّد 518- دخل البلاذري على علي بن موسى الرضا يعزيه عن أبيه فقال له: أنت تجلّ عن وصفنا، ونحن نقصّر عن عظتك، وفي علمك ما كفاك، وفي ثواب الله ما عزّاك. 519- وقال علي بن موسى للفضل بن سهل يهنيه ويعزّيه: التهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة. 520- وقال عليّ عليه السلام: من صبر صبر الأحرار وإلا سلا سلوّ الأغمار. وفي خبر آخر أنه قال للأشعث بن قيس: إن صبرت صبر الأكارم، وإلا سلوت سلوّ البهائم. «521» - وأتى نصراني مسلما يعزيه فقال: مثلي لا يعزّي مثلك، ولكن انظر ما زهد فيه الجاهل فارغب فيه. «522» - وقال الحسين بن الضحاك يرثي محمدا الأمين: [من الوافر] أعزّي يا محمد عنك نفسي ... معاذ الله والأيدي الجسام فهلّا مات قوم لم يموتوا ... ودوفع عنك لي يوم الحمام كأنّ الموت صادف منك غنما ... أو استشفى بقربك من سقام «523» - وللحسين في الأمين مراث مختارة فمنها قوله: [من الطويل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 ومما شجا قلبي وكفكف عبرتي ... محارم من آل النبيّ استحلّت ومهتوكة بالخلد عنها سجوفها ... كعاب كقرن الشمس حين تبدّت إذا حفزتها روعة من منازع ... لها المرط عاذت بالخشوع ورنّت وسرب نساء [1] من ذؤابة هاشم ... هتفن بدعوى خير حيّ وميّت أردّ يدا مني إذا ما ذكرته ... على كبد حرّى وقلب مفتّت فلا يأت ليل الشامتين بغبطة ... ولا بلغت آمالها ما تمنّت «524» - ابن القزاز المغربي: [من الطويل] ألا قل لركب فرّق الدهر شملهم ... فمن منجد نائي المحلّ ومتهم إذا يمّم الحادي بكم قصد بلدة ... فسرتم على قبر هناك معظّم تحلّ بمثواه الوفود رحالها ... وينحر أبناء الجديل وشدقم فعرّج به واستوقف الركب وابكه ... وصلّ على المقبور فيه وسلّم فقد ضمّ قطراها ثلاثة أقبر ... يضمّ نواحيها ثلاثة أنجم بعيدة مسرى الزائرين غريبة ... معظمة فيها رمائم أعظم تمرّ عليها الريح وهي مريضة ... ويسقي ثراها كل هتّان مثجم وقد فرّقت أيدي الفراق بحورها ... أيادي سبا في كلّ غفل ومعلم كأنّ الردى خاف الردى في اجتماعهم ... فقسّمهم في الأرض كلّ مقسم فبالعدوة القصوى من الغرب واحد ... وآخر ضمّته رجام المقطّم وبينهما قبر غريب ببرقة ... بنوه على بحر من الجود خضرم وأعجب شيء قيس شبر تضمنت ... نواحيه قطري يذبل ويلملم   [1] م: ظباء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 سأبكيك لا أنّ البكا عدل لوعتي ... ولا أنّ وجدي فيك كفؤ تندمي وقلّ لعيني أن تفيض دموعها ... عليك ولو أنّ الذي فاض من دمي «525» - القاضي الحسن بن محمد التميمي المغربي المعروف بابن الربيب: [من الكامل] ومصرّف للملك راح مصرّفا ... في الترب بين صفائح ورجام حكمت عليك الحادثات وطالما ... نزلت به قسرا على الأحكام يا قبر لا تظلم عليه فطالما ... جلّى بغرّته دجى الإظلام أعجب بقبر قيس شبر قد حوى ... ليثا وبحر ندى وبدر تمام يا ويح أيد أسلمتك إلى الثرى ... ما كنت تسلمها إلى الإعدام «526» - إبراهيم الرقيق الكاتب المغربي: [من الطويل] وهوّن ما ألقى وليس بهيّن ... بأنّ المنايا للنفوس بمرصد وأني وإن لم ألقك اليوم رائحا ... بصرف رزاياها لقيتك في غد فلا يبعدنك الله ميتا بقفرة ... معفّر خدّ في الثرى لم يوسّد تردّى نجيعا حين بزّت ثيابه ... كأن على أعطافه فضل مجسد مضاء سنان في سنان مذلّق ... وفتك حسام في حسام مهنّد «527» - حاطب بن قيس بن هيشة يرثي عمرو بن حممة الدوسي: [من الطويل] سلام على القبر الذي ضم أعظما ... تحوم المعالي حولها فتسلّم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 سلام عليه كلما ذرّ شارق ... وما امتدّ قطع من دجى الليل مظلم فيا قبر عمرو جاد أرضا تعطّفت ... عليك ملثّ دائم القطر مرزم «528» - وقفت عائشة على قبر أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقالت: يا أبة، نضر الله وجهك، وشكر لك سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلّا بإدبارك عنها، وللآخرة معزّا بإقبالك عليها. ولئن كان أجلّ الحوادث- بعد موت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآله- رزؤك، وأعظم المصائب فقدك، إنّ كتاب الله عزّ وجلّ ليعد فيك بحسن العزاء عنك، وحسن العوض منك، بالاستغفار لك، فعليك السلام ورحمة الله [توديع] غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك؛ ثم انصرفت. «529» - وقف رجل من ولد حاجب بن زرارة على قبر عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: لقد كانت حياتك مفتاح خير ومغلاق شرّ، ووفاتك مفتاح شرّ ومغلاق خير، ولو أن قبلوك بقبولك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكن آثروا الدنيا فانتقض الأمر كما ينتقض الحبل من مرائره. «530» - مات مخلد بن يزيد بن المهلب بخناصرة فخرج عمر بن عبد العزيز في جنازته وكان به معجبا لأنه كان سيّدا جوادا شجاعا، فصلّى عليه ثم تمثّل عند قبره: [من الطويل] على مثل عمرو تهلك النفس حسرة ... وتضحي وجوه القوم مسودة غبرا وقال: لو أنّ الله أراد بيزيد خيرا لأبقى له هذا الفتى. «531» - عزّيت هند بنت عتبة عن يزيد بن أبي سفيان وقيل: إنا لنرجو أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 يكون في معاوية خلف منه، فقالت: أو مثل معاوية يكون خلفا من أحد؟ فو الله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها لخرج من أيّ أعراضها شاء. 532- عباءة بن يزيد بن جعشم: [من الطويل] كأن لم يقل يوما يزيد بن جعشم ... لنار النّدى ارفع لي سناها وأوقد وأذك سنا نار النّدى علّ ضوءها ... يجيء بمقو أو طريد مشرّد فباتت على علياء نار ابن جعشم ... تشبّ لغوريّ وآخر منجد وبات النّدى والجود يصطليانها ... حليفي كريم واجد غير مجحد 533- العيزار بن الأخنس السّنبسيّ: [من الطويل] إلى الله أشكو أنّ كلّ قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام خيارها جزى الله زيدا كلما ذرّ شارق ... وأسكن من جنّات عدن قرارها «534» - الحسين بن مطير الأسدي: [من الطويل] فيا قبر معن كنت أوّل حفرة ... من الأرض خطّت للسماحة مضجعا ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البرّ والبحر مترعا بلى قد وسعت الجود والجود ميّت ... ولو كان حيّا ضقت حتى تصدّعا فلما مضى معن مضى الجود والندى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعا تعزّ أبا العباس عنه ولم يكن ... جزاؤك من معن بأن يتضعضعا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 فما مات من كنت ابنه لا ولا الذي ... له مثل ما أسدى أبوك وما سعى «535» - وقال أعشى همدان: [من الطويل] فإن يك عتّاب مضى لسبيله ... فما مات من يبقى له مثل خالد وشبيه بهذين المعنيين من قول أعشى همدان وابن مطير، قول أبي تمام: [من الكامل] أودى بخير إمام اضطربت به ... شعب الرّحال وقام خير إمام تلك الرزية لا رزية مثلها ... والقسم ليس كسائر الأقسام ما أبصر [1] الأقوام شمسا قبلها ... أفلت فلم يعقبهم بظلام «536» - وقال مسلم بن الوليد في يزيد بن مزيد: [من الكامل] قبر ببرذعة [2] استسرّ ضريحه ... خطرا تقاصر دونه الأخطار أبقى الزمان على معدّ بعده ... حزنا كعمر الدهر ليس يعار نقضت بك الآمال أحلاس الغنى ... واسترجعت نزّاعها الأمصار فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة ... أثنى عليها السهل والأوعار   [1] الديوان: ما إن رأى. [2] في رواية: بحلوان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 ومثل المعنى الأول قول امرأة عزّت المنصور على أبي العباس مقدمه من مكة: عظّم الله أجرك، فلا مصيبة أعظم من مصيبتك، ولا عوض أعظم من خلافتك. «537» - وقال أشجع السلمي: [من الطويل] مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلا له فيه مادح وما كنت أدري ما فواضل كفّه ... على الناس حتى غيّبته الصفائح فأصبح في لحد من الأرض ميتا ... وكانت به حيّا تضيق الصحاصح فما أنا من رزء وإن جلّ جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدايح «538» - وقال يحيى بن زياد الحارثي: [من الطويل] دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت ... تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا مضى فمضت عنّا به كلّ لذة ... تقر بها عيناي فانقطعا معا هما مضيا [1] واستقبل الدهر ضرعتي [2] ... ولا بدّ أن ألقى حمامي فأضرعا وما كنت إلا السيف لاقى ضريبة ... فقطّعها ثم انثنى فتقطّعا [3] «539» - وقال أبو خراش الهذلي: [من الطويل] وإن تك غالتك المنايا وصرفها ... فقد عشت محمود الخلائق والحلم   [1] الحماسة: مضى صاحبي. [2] البصرية: مصرعي. [3] هذا البيت لم يرد عند التبريزي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 كريم سجيّات الأمور محبّبا ... كثير فضول الكفّ ليس بذي وصم أشمّ كنصل السيف يرتاح للندى ... بعيدا من الآفات والخلق الوخم «540» - وقال الفرزدق يرثي مالك بن مسمع: [من الطويل] تضعضع طودا وائل بعد مالك ... وأصبح منها معطس العزّ أجدعا لقد بان لم يسبق بوتر ولم يدع ... إلى الغرض الأقصى من المجد منزعا «541» - وقال أيضا: [من الطويل] لقد رزئت حلما وحزما ونائلا ... تميم بن مرّ يوم مات وكيع وما كان وقّافا وكيع إذا بدت ... سحائب موت صوبهنّ [1] نجيع فصبرا تميم إنما الموت منهل ... يصير إليه صابر وجزوع «542» - وقال آخر: [من الطويل] سأبكيك للدنيا وللدين إنني ... رأيت يد المعروف بعدك شلّت ربيع إذا ضنّ الغمام بمائه ... وليث إذا ما المشرفيّة سلّت 543- وقال النهشلي: [من الطويل] فبعدك أبدى ذو الضغينة ضغنه ... وشدّ لي الطّرف العيون الكواشح [2] «544» - وقال الطائي: [من البسيط]   [1] الديوان: نجائب ... وبلهن. [2] م: اللوامح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 عهدي بهم تستنير الأرض إن نزلوا ... فيها وتجتمع الدنيا إذا اجتمعوا ويضحك الدهر منهم عن غطارفة ... كأنّ أيامهم من أنسها جمع «545» - قال أبو هلال العسكري: أنشد ثعلب: [من الكامل] ما كنت أحسب قبل نعشك أن أرى ... رضوى على أيدي الرجال يسير ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى ... أنّ الكواكب في التراب تغور وهي أبيات في قصيدة للمتنبي أولها: [من الكامل] إني لأعلم واللبيب خبير ... أنّ الحياة وإن حرصت غرور لعلّه ضمّنها شعره أو وهم الراوي فيها. «546» - وقال الأسود بن يعفر: [من الكامل] ماذا أؤمّل بعد آل محرّق ... تركوا منازلهم وبعد إياد أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشّرفات من سنداد أرض تخيرها لطيب مقيلها ... كعب بن مامة وابن أمّ دواد جرت الرياح على محلّ ديارهم ... فكأنهم كانوا على ميعاد ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... في ظلّ ملك ثابت الأوتاد فإذا النعيم وكلّ ما يلهى به ... يوما يصير إلى بلى ونفاد «547» - وقال الفرزدق: [من الطويل] ولو أنّ قوما قاتلوا الموت قبلنا ... بشيء لقاتلنا المنية عن بشر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 ولكن فجعنا والرزيّة مثله ... بأبيض ميمون النقيبة والأمر وما أحد ذو فاقة كان مثلنا ... إليه ولكن لا بقيّة للدهر «548» - وقال سليمان بن قتّة التيمي، تيم قريش، يرثي الحسين بن علي: [من الطويل] مررت على أبيات آل محمد ... فلم أرها أمثالها يوم حلّت فلا يبعد الله الديار وأهلها ... وإن أصبحت فيهم [1] برغمي تخلّت وكانوا رجاء [2] ثم أضحوا رزيّة ... ألا عظمت تلك الرزايا وجلّت وإنّ قتيل الطفّ من آل هاشم ... أذلّ رقاب المسلمين فذلّت «549» - لما مات الرشيد رقي الأمين المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس وخصوصا يا بني العباس، إنّ المنون مراصد ذوي الأنفاس، حتم من الله تعالى لا يدفع حلوله، ولا ينكر نزوله، فارتجعوا قلوبكم من الحزن على الماضي إلى السرور بالباقي تجزون ثواب الصابرين، وتعطون أجور الشاكرين. فتعجب الناس من جرأته وبلّة ريقه وشدة عارضته. «550» - وخطب المأمون بمرو وقد ورد عليه كتاب الأمين يعزّيه بالرشيد ويحثّه على أخذ البيعة له فقال: إنّ ثمرة الصبر الأجر، وثمرة الجزع الوزر، والتسليم لأمر الله عزّ وجلّ فائدة جليلة، وتجارة مربحة؛ والموت حوض   [1] الحماسة: منهم. [2] الحماسة: غياثا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 مورود، وكأس مشروب. وقد أتى على خليفتكم ما أتى على نبيّكم صلّى الله عليه وسلم، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فما كان إلا عبدا دعي فأجاب، وأمر فأطاع. وقد سد أمير المؤمنين ثلمه، وقام مقامه، وفي أعناقكم من العهد ما قد عرفتم، فأحسنوا العزاء عن إمامكم الماضي، واغتبطوا بالنعماء لخليفتكم الباقي. يا أهل خراسان إنّ الموت نازل والأجل طالب، وأمس واعظ، واليوم مغتنم، وغد منتظر. ثم نزل. «551» - قال العتبيّ: أغمي على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فقالت ابنته رملة أو امرأة من أهله متمثلة: [من الطويل] إذا متّ مات الجود وانقطع الغنى ... من الناس إلا من قليل مصرّد وردّت أكفّ السائلين وأمسكوا ... من الدين والدنيا بخلف مجدّد فأفاق فقال: [من المنسرح] لو فات شيء إذن لفات أبو ... حسان لا عاجز ولا وكل الحوّل القلّب الأريب ولا ... يدفع رزء المنيّة الحيل «552» - عزّى أبو العيناء عبيد الله بن سليمان عن أبيه فقال: عقم والله البيان، وخرست [1] الأقلام، ووهى النظام.   [1] ب: وحرمت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 «553» - وقف جبّار [1] بن سلمى على قبر عامر بن الطفيل فقال: كان والله لا يضلّ حتى يضلّ النجم، ولا يعطش حتى يعطش البعير، ولا يهاب حتى يهاب السيل، وكان والله خير ما يكون حين لا تظنّ نفس بنفس خيرا. «554» - وقال زهير بن أبي سلمى: [من الكامل المرفل] يا من لأقوام فجعت بهم ... كانوا ملوك العرب والعجم استأثر الدهر الغداة بهم ... والدهر يرميني ولا أرمي لو كان لي قرنا أناضله ... ما طاش عند حفيظة سهمي أو كان يعطي النّصف قلت له ... أحرزت قسمك فاله عن قسمي يا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا ووقرت في العظم وسلبتنا ما لست معقبنا ... يا دهر ما أنصفت في الحكم أجلت صروفك عن أخي ثقة ... حامي الذمار مخالط الحزم «555» - وقالت ليلى الأخيلية ترثي توبة بن الحمير: [من الطويل] أقسمت أبكي بعد توبة هالكا ... وأحفل من دارت عليه الدوائر لعمرك ما بالموت عار على امرىء [2] ... إذا لم تصبه في الحياة المعابر ومن كان مما يحدث الدهر جازعا ... فلا بدّ يوما أن يرى وهو صابر   [1] قد يختلف ضبط هذا الاسم كثيرا، فهو في م ب: حباب. [2] م: الفتى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 فلا الحيّ مما يحدث الدهر معتب ... ولا الميت إن لم يصبر الحيّ ناشر وكلّ شباب أو جديد إلى بلى ... وكلّ امرىء يوما إلى الله صائر وكلّ قريني ألفة لتفرّق ... شتات وإن ضنّا وطال التعاشر فلا يبعدنك الله يا توب هالكا ... أخا الحرب إذ دارت عليك الدوائر فأقسمت لا أنفك أبكيك ما دعت ... على فنن ورقاء أو طار طائر «556» - وقالت عمرة أخت عمرو ذي الكلب: [من البسيط] تعلّما أنّ طول العيش تعذيب ... وأنّ من غالب الأيّام مغلوب وكلّ حيّ وإن طالت سلامته ... طريقه في سبيل الشرّ دعبوب أبعد عمرو وخير القوم قد علموا ... ببطن شرية يعوي عنده الذيب الطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ... مثعنجر من دم الأجواف مسكوب تمشي النسور إليه وهي لاهية ... مشي العذارى عليهنّ الجلابيب والمخرج الكاعب الحسناء مذعنة ... في السبي ينفح من أردانها الطيب فلن يروا مثل عمرو ما خطت قدم ... وما استحثت إلى أوطانها النيب بينا الفتى ناعم راض بعيشته ... تاح [1] له من بوار الدهر شؤبوب «557» - وقال ابن سكرة الهاشمي: [من البسيط] لا عذّب الله ميتا كان ينعشني ... فقد لقيت بضرّي مثل ما لاقى طواه موت طوى عني مكارمه ... فذقت من بعده بالموت ما ذاقا   [1] م: تاحت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 «558» - كتب إبراهيم بن هلال الصابي إلى أبي الفتح ابن العميد يعزّيه بأبيه: قد سبق في العلم، وثبت في العقل- أطال الله بقاء سيدنا الاستاذ الجليل- أنّ الله عزّ وجلّ جلّت كبرياؤه [1] ، وتقدست أسماؤه، القديم بلا ابتداء، الباقي بلا انتهاء، لا يشركه [2] في ذلك غيره، ولا يختصّ به سواه، وأنه تعالى أبدع المخلوقات على اختلاف ذواتها، وتباين موجوداتها، وأعطى كلّا منها ما أوجبت الحكمة أن يعطاه، فلا سبيل إلى مزيد لها على حدودها التي وقفت عندها، ولا نقصان من غاياتها التي انتهت إليها. ولهذه المخلوقات منازل في الأعمار لا تتعداها، ومواقيت في الآجال لا تتخطاها، فلو أمكن فيها البقاء لارتفع الحدث ولساوى المفعول فاعله، والمجبول جابله، وسقط التفاضل بين الأدنى والأشرف، والأقوى والأضعف. فوجود شخص الإنسان كأن لم يزل مود إلى عدم [3] وكأن لم يكن. ولله عزّ وجلّ في ذلك منّة على البريّة لا يعرفها منهم إلّا الفذّ الفريد، والشاذّ الوحيد، لأضعاف عدد عوامّهم على خواصّهم، وجهّالهم على علمائهم. وكلّهم مركب من نفس تسمو إلى الأرفع الأسنى، ومن جسد يسفّ إلى الأدون الأدنى؛ فمن غلب أخسّ ما فيه أشرفه، قنط من الموت قنوط الغبيّ وكرهه كراهة الغرّ، وظنّ أنّ الله عزّ وجلّ قد قطع به عصمته، وأزال معه نعمته. ومن غلب أشرف ما فيه أخسّه أيقن أنّ الله لا يعبث في خلقه، ولا يفكه [4] في نطقه، ولا يخلف ما وعد، ولا ينكل عمّا ضمن، وأنه عزّ وجلّ قد جبر مصاب الميت جبرين ظاهرين يشهد بأحدهما العيان عاجلا، وبالآخر العقل آجلا، فالعاجل النسل، والآجل النشر. فإن أخطأه الأول على عادة   [1] م: جبرياؤه. [2] م: يشاركه. [3] جمهرة: عدمه. [4] م: يكفه؛ ب: يكفر؛ جمهرة: يلغو. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 الدنيا في تلوّن أحداثها وتفاضل أرزاقها فهو حاصل على الثاني لا شكّ فيه ولا شبهة عند كلّ ذي لبّ وديانة، ولا يعدم مزيدا، لأنّ حظوظه بقدر الفائت من غيره. فإذا تدبر الإنسان [أمره] وجده مبنيّا [1] على تدريج في الزيادة، قد لزم نطاقا لا يقطعه، ومنهاجا [2] لا يزول عنه، وصادف كلّ منزلة من منازله فوق التي أمامها، ودون التي وراءها، إذ كان معدوما ثم صار موجودا على ضروب [3] يخرج فيها من واحدة إلى أخرى: قد مار في ظهور الذكور، وارتكض في أرحام [4] الإناث، ثم برز إلى الهواء فنسمه، ووقع إلى الثدي فارتضعه، ونما على الأرض فحبا، ونهض فسعى، ووعى [5] وعقل ورأى، وأخذ وأعطى، واستمر به النشوء [6] مترقّيا من كلّ حال إلى ما هو أعلى، ومن كلّ غاية إلى ما هو أوفى، وهو مع ذلك [7] لا ينتقل إلى الرتبة الفاضلة إلا بمفارقة المفضولة، ولا يصل إلى المستأنفة إلا بالانفصال عن السالفة، حتى إذا نال الكمال أطلعه الله على ضروب مواهبه لديه، وصنوف إحسانه إليه، وأمره بأوامره، [وزجره بزواجره، ووعده وأوعده، وخبره وأنذره، ووفاه ما رزقه من أجله] [8] توفاه عند المحتوم من أجله، ثم بعثه إلى مقر بناه على إمكان البقاء والخلود، وسقوط التكاليف والحدود، وهناك تتناهى النعمة عليه التي هو في هذا العالم مجتاز إليها ومتوجّه نحوها في طريق قد أمر بلزوم جوادّها، ونهي عن التعسّف في أغوارها [9] ؛ لكنه ينتقل في هذه المراتب مكرها لا طائعا، ومجبرا لا مختارا.   [1] ب: مبينا. [2] جمهرة: وسياجا. [3] جمهرة: صور. [4] جمهرة: بطون. [5] جمهرة: وسمع ووعى. [6] ب م: البشرية. [7] م والجمهرة: ومع ذلك. [8] ما بين معقفين زيادة من الجمهرة. [9] ب: أعوارها؛ جمهرة: عواذلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 فمن ذلك أنه يستقر في الرحم استقرار الموافقة، ويستوطن استيطان الملاءمة، فلو كان [له] هناك عقل مع الحسّ لكره النقلة عن موضعه، لظنّه أنه أوطأ مواضعه، ولجهله بالأمر الذي فوقه. وهذه صورته في دنياه تريه البشرية أنها خير مواطنه فيفارقها ضنينا بها متأسّفا عليها، وهو إذا حصل في التي بعدها حمد الله على ما صار إليه، ولم يحبّ العود إلى ما كان فيه، لما أزاح الله علّته في العقل الآمر بالخير، الناهي عن الشر، ولم يعوّل به في كلّ أمره عليه، ولم يكله في جميعه إليه، بل بعث إليه أنبياء بآيات واضحة، وبيّنات لائحة، فأقاموا له الدليل، ووقفوه على سواء السبيل، وأرشدوه إلى الشرائع المنجية، وحذّروه من الموارد المردية. كلّ ذلك عناية من خالقه به، ورأفة منه عليه، وإرادة للأصلح فيه. ولا يصلح أن يكون الموت مبيدا له إبادة لا رجعة فيها، ولا إنابة منها، لأنّ الحكيم يصير حينئذ مبتور الحكمة، منبتّ العصمة، وتعود البريّة إلى العدم عند انقراضها، كما كانت قبل ابتدائها، فينتقض الغرض في خلقها، وتفسد العلة في إيجادها. وهو سبحانه أعظم من ذلك شأنا، وأتمّ سلطانا، وأكمل صنعا، وأتقن عملا. فالمصير إذن من هذه الدار إنما هو إلى الأخرى التي هي أرغد وأفسح، وأفضل وأصلح، وحقيق على الإنسان أن يشتاقها وينازع إليها ويستحبّها ويثابر عليها، إلّا من خالف المأمور به، وقارف المنهيّ عنه، وحطب على نفسه، وحمل على ظهره، وأسخط خالقه، واستحق عذابه، فلا بدّ أن يتقاعس عن سوء المآل، وأن يتعجّل إلى النّكال، ومن وراء ذلك رب يحمله على العدل، ويقضي [فيه] بالفصل، من القصاص الذي يظهره [1] ، وبقدر ما احتقب من الآثام التي تدنّسه، فتكون عقوبته بكسب يديه، وعاقبته بالتفضّل [2] عليه. وقد نزّه الله عن هذا المورد من أحسن العمل، وسلك الجدد، وقدّم في أولاه لآخرته، وتزوّد من عاجلته لآجلته، وأخذ من ممرّه لمقرّه، واحتشد [3] لمقدمه في سفره، وتلك   [1] م: يظاهره. [2] ب: بالفضل. [3] جمهرة: واستحشد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 حال الاستاذ الرئيس أبي الفضل- نضر الله وجهه- فيما أرجح الله [من دينه] ، وصحّح [1] من يقينه، وأجزل من أدبه، وكرّم من منقلبه. فإنه تعالى ذكره جعله في هذه الدنيا سيدا، عليّا [2] قدره، ساميا خطره، بعيدا صيته، وافيا حلمه، ثاقبا فهمه، غزيرا علمه، زاخرا بحره، فائضا برّه، وأخرجه عنها عالما بدناءتها، عازفا عن زخارفها، صادرا عن شرورها، صادفا عن غرورها، منافسا في التي بعدها، واثقا بجزيل حظّه منها، مغتبطا بتأثل محلّه فيها، مشوقا إلى ما قدّم وجهّز إليها. وأعطاه من سيدنا الاستاذ الجليل- أيّده الله- خلفا يسدّ مكانه، ويشيد بنيانه، ويحفظ معاليه، ويحرس مساعيه. وهو حريّ أن يجري على تلك الشاكلة ويوفي، ويسبق فيها ويجلّي. وكان انصرافه عنه بعد أن رأى فيه سوله، وبلغ مأموله، وقرّت عينه باستقلاله ووفائه، واضطلاعه [3] وغنائه، وشاهد فيه المنظر السارّ، وسكن منه إلى الولد البارّ. وقضى الله عزّ وجلّ بما هو الأولى بهما من تقدّم الأصل وتأخّر الفرع، ومضيّ السلف وبقاء الخلف، ووثقنا لذلك بالفوز العظيم فيما صار إليه، ولهذا بالمنح الجسيم فيما حصل عليه. وتظاهرت مواهب الله في ذلك تظاهرا تكون به المحنة منحة، والرزية عطيّة، وإلى الله جلّ اسمه الرغبة في أن يتغمّد الثاوي بأتمّ الرحمة والغفران، وأطيب التحيّة والرضوان، ويخير له فيما أقدمه عليه، ويسعده بما أسرع به إليه، ويزلفه مراتب الأعيان الأخيار، ويبوّئه منازل الصديقين الأبرار، ويعلي شأنه في دار القرار، كما أعلاه في هذه الدار، ويتولّى السيد الباقي الذي يملأ العين قرّة، والصدر مسرّة، بامتداد البقاء، وترادف النعماء، ويرعاه بعينه اليقظى، ويدافع عنه بيده الطّولى، ولا يخليه من الصنع والتأييد، والإنافة والمزيد، ويلهمه الصبر المؤدّي إلى الأجر، والاحتساب العائد بالثواب، بجوده ومجده، وطوله وحوله.   [1] ب: وصح. [2] جمهرة: عاليا. [3] ب: واستطلاعه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 ولم أطل هذه الإطالة- أيّد الله سيدنا- إغرابا عليه بها، ولا أنه [1] من النفر المحتاجين إليها، وكيف ذلك وعلمه يوفي عليها، وصدره يجيش بأضعافها، لكنني اتبعت الأمر في الذكرى وتوخّيت من إيناسه [2] الغاية القصوى، وسلكت طريق المجتهد في تعزيته، وذهبت مذهب المبالغ في تسليته، وكرهت أن أكون في شيء من ذلك واقعا [3] دون قدرتي، أو تاركا شيئا من استطاعتي. وسيدنا وليّ ما يراه في التقدم بإجابتي بذكر خبره وحاله، وأمره ونهيه، وما وليه الله به في هذا الحادث الكارث، والملمّ المؤلم، من العمل بما يرضاه، والتجنّب لما يأباه؛ إن شاء الله تعالى. «559» - كانت هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله الحارثي عند عبد الله بن حسن ابن الحسن، فلما مات أبوها جزعت عليه جزعا شديدا ووجدت وجدا عظيما، فكلم عبد الله بن الحسن محمّد بن بشير الخارجي أن يدخل إليها فيعزّيها ويؤسّيها عن أبيها، فدخل معه إليها، فلما نظر إليها صاح بأعلى صوته: [من الطويل] قومي اضربي عينيك يا هند لن تري ... أبا مثله يسمو إليه المفاخر وكنت إذا فاخرت أسميت والدا ... يزين كما زان اليدين الأساور وقد علم الأقوام أنّ بناته ... صوادق إذ يندبنه وقواصر وهي أطول من هذا. فقامت هند فصكت وجهها وعينيها، وصاحت بويلها وحربها، والخارجيّ معها، حتى لقيا جهدا. فقال له عبد الله بن الحسن: ألهذا دعوتك ويحك؟ فقال له: أظننت أنّي أعزّيها عن أبي عبيدة؟ والله ما يسلّيني عنه   [1] ب: ولا لأنه. [2] م: أنبائه. [3] م: واقفا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 أحد ولا لي عزاء عن فقده، فكيف يسلّيها عنه من ليس يسلوه؟ «560» - علي بن جبلة يرثي حميدا الطوسيّ: [من الطويل] أللدهر تبكي أم على الدهر تجزع ... وما صاحب الأيام إلا مفجّع تعزّ بما عزّيت غيرك إنها ... سهام المنايا حائمات ووقّع أصبنا بيوم من حميد لو أنه ... أصاب عروش الدهر ظلّت تضعضع وأدّبنا ما أدّب الناس قبلنا ... ولكنه لم يبق للصبر موضع ألم تر للأيّام كيف تصرّفت ... به وبه كانت تذاد وتدفع وكيف التقى مثوى من الأرض ضيق ... على جبل كانت به الأرض تمنع حمام رماه من مواضع أمنه ... حمام كذاك الخطب بالخطب يقرع وليس بغرو أن تصيب منيّة ... حمى أختها أو أن يذلّ الممنع هوى جبل الدنيا المنيع وغيثها ال ... مريع وحاميها الكميّ المشيّع وقد كانت الدنيا به مطمئنة ... فقد جعلت أوتادها تتقلّع بكى فقده روح الحياة كما بكى ... نداه الندى وابن السبيل المدفّع وأيقظ أجفانا وكان لها الكرى ... ونامت عيون لم تكن قطّ تهجع «561» - أبو عطاه السندي: [من البسيط] فاضت دموعي على نصر وما ظلمت ... عين تفيض على نصر بن سيّار يا نصر من للقاء الحرب إذ لقحت ... يا نصر بعدك أو للضيف والجار بالخندفيّ الذي يحمي حقيقتهم ... في كلّ يوم مخوف الشرّ [1] والعار   [1] البصرية: الشين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 والقائد الخيل قبّا في أعنّتها ... بالقوم حتى يلفّ الغار بالغار من كلّ أبيض كالمصباح من مضر ... يجلو بسنّته الظلماء للساري ماض على الهول مقدام إذا اعترضت ... سمر الرّماح وولّى كلّ فرار [1] إن قال قولا وفى بالقول موعده ... إنّ الكنانيّ واف غير غدّار «562» - قيل بينا جرير جالس بفناء داره بحجر إذا راكب قد أقبل، فقال له جرير: من أين أوضع الراكب؟ قال: من البصرة. فسأله عن الخبر فأخبره بموت الفرزدق فقال: [من الكامل] مات الفرزدق بعد ما جدّعته ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا ثم سكت ساعة فظنّ [2] أنه يقول شعرا، فدمعت عيناه، فقيل له: سبحان الله، أتبكي على الفرزدق؟ فقال: والله ما أبكي إلّا على نفسي، أما والله إنّ بقائي خلافه لقليل، لأنّه قلّما تصاول فحلان في شول فمات أحدهما إلا أسرع لحاق الآخر به. وقال: [من الطويل] فجعنا بحمّال الديات ابن غالب ... وحامي تميم كلّها والبراجم بكيناك حدثان الفراق وإنما ... بكيناك إذ نابت أمور [3] العظائم فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة ... ولا مدّ [4] أنساع المطيّ الرواسم «563» - كان بين سليمان بن فهد وبين أبي القاسم المغربي عداوة، وقتل   [1] م: كرار. [2] الأغاني: وظننا. [3] الأغاني: شجوا للأمور. [4] الأغاني: شد (ومدّ: رواية) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 سليمان نفسه في نكبة ومصادرة طلب بها، فقال المغربي يرثيه: [من الكامل المجزوء] يا ابن الكرام أرى الغما ... م تمرّ بي ولها حنين ولهى فتلتدم الرعو ... د لها وتسودّ الدّجون أترى لها بالموصل ال ... غرّاء مفقود دفين قبر جفاه الأقربو ... ن وباع خلّته القرين عجبا له ضمّ البلا ... غة وهو أخرس ما يبين نصر المنون ولو يشا ... ء لما تجاسرت المنون وتحكمت فيه يمي ... ن لا يجاريها يمين لو غير كفّك ساورت ... ك لردّها كيد زبون وعزائم يعيا اللبي ... ب بها أعقل أم جنون وهواجس كانت طلا ... ئعها على الغيب الظنون تبكي عليك ولو تعي ... ش إذن بكت منك العيون ثم أثارته العداوة فقال: آها سليمان بن فه ... د والحديث له شجون أفمالك لك مالك ... أم أنت موقوف رهين أم أنت منتظر فأن ... ت لناره نعم الزبون «564» - لما أتى معاوية نعي عمرو بن العاص تمثل: [من البسيط] ماذا رزئنا به من حيّة ذكر ... نضناضة بالمنايا صلّ أصلال خرّاجة من ذرى الأهوال إذ نزلت ... ولأجّة في ذراها غير زمّال الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 «565» - أعشى همدان: [من الطويل] فإن يك عتّاب مضى لسبيله ... فما مات من يبقى له مثل خالد «566» - أنشدت لأبي الفضل ابن الخازن من شعراء عصرنا وكتّابه هذه الأبيات، ثم وجدتها في أمالي أبي علي القالي قال، أنشدني إسحاق بن الجنيد قال، أنشدني أحمد الجوهري، ولم يذكر شاعرها، فإمّا وهم الراوي عن ابن الخازن أو يكون انتحلها: [مخلع البسيط] وا حربا من فراق قوم ... هم المصابيح والحصون والأسد والمزن والرواسي ... والخفض والأمن والسّكون لم تتنكّر لنا الليالي ... حتى توفّتهم المنون فكلّ نار لنا قلوب ... وكلّ ماء لنا عيون «567» - المتنبي يرثي فاتكا الكبير: [من الكامل] الحزن يقلق والتجمّل يردع ... والدمع بينهما عصيّ طيّع يتنازعان دموع عين مسهّد ... هذا يجيء بها وهذا يرجع النوم بعد أبي شجاع نافر ... والليل معي والكواكب ظلّع إني لأجبن من فراق أحبّتي ... وتحسّ نفسي بالحمام فأشجع ويزيدني غضب الأعادي قسوة ... ويلمّ بي عتب الصديق فأجزع تصفو الحياة لجاهل أو غافل ... عما مضى فيها وما يتوقّع ولمن يغالط في الحقائق نفسه ... ويسومها طلب المحال فتطمع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع تتخلّف الآثار عن أصحابها ... حينا ويدركها الفناء فتتبع المجد أخسر والمكارم صفقة ... من أن يعيش لها الكريم الأروع ولقد أراك وما تلمّ ملمّة ... إلّا نفاها عنك قلب أصمع ما زلت تدفع كلّ أمر فادح ... حتى أتى الأمر الذي لا يدفع بأبي الوحيد وجيشه متكاثر ... يبكي ومن شرّ السلاح الأدمع وإذا حصلت من السلاح على البكا ... فحشاك رعت به وخدّك تقرع «568» - وله: [من الوافر] نعدّ المشرفيّة والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال ونرتبط السوابق مقربات ... وما ينجين من خبب الليالي ومن لم يعشق الدنيا قديما ... ولكن لا سبيل إلى الوصال نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك في منامك من خيال رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال فصرت إذا أصابتني سهام ... تكسّرت النصال على النصال «569» - أبو العيزار [1] : [من الكامل] يدنو وترفعه [2] الرماح كأنه ... شلو تنشّب في مخالب ضار فثوى صريعا والرماح تنوشه ... إنّ الشراة قصيرة الأعمار   [1] م: وقال أبو العيزار (وتسقط قال أو تثبت على غير نظام) . [2] م ب: وتدفعه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 «570» - الرضي يرثي عبد العزيز بن يوسف: [من الكامل] من يشرق الخصم الألدّ بريقه ... عيّا ويقدع منه ما لم يقدع بنوافذ للقول يبلغ وقعها ... ما ليس يبلغ بالرماح الشّرّع حتى يقول الغابطون [1] وقد رأوا ... فعلاته زاحم بجدّ أو دع [2] ويودّ من حمل القنا لو أصبحت ... تلك الأداة على الكميّ الأروع إلا تكن في الجمع أمضى طعنة ... فلأنت أمضى خطبة في المجمع «571» - وقال: [من الطويل] ألا ناشد [3] ذاك الجناب الممنّعا ... وجردا يناقلن الوشيج المزعزعا ومن يملأ الأيام بأسا ونائلا ... وتثنى له الأعناق خوفا ومطمعا أجلّى إليه ذلك الخطب مقدما ... وقد كان لا يلقاه إلا مروّعا وجاز أضاميم الجياد مغيرة ... وحيّي [4] نزار حاسرين ودرّعا وسمر عقيل تحمل الموت أحمرا ... وبيض عقيل تقطر السمّ منقعا ولم يخش من حدّ الصوارم مضربا ... ولم يلق من أيدي القبائل مدفعا رأى ورق البيض الخفاف هشائما ... وشوك العوالي ناصلا ومنزّعا [5] هو القدر الألوى الذي يقص [6] القنا ... ويلوي من الجبّار جيدا وأخدعا   [1] م: القائلون. [2] من المثل: زاحم بعود أودع. [3] الديوان: ناشدا. [4] الديوان: وحيّ. [5] م: ثم مترعا. [6] الديوان: الأقوى ... يقصف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وأبيض من عليا معدّ سما به ... إلى السّورة العليا أب غير أضرعا كأنك تلقى سنّة البدر طالعا ... إذا ابتدر القوم الرواق المرفّعا فإن ألهبت فيه الحفيظة خلته ... وراء اللثام الأرقم المتطلّعا يقوم اهتزاز الرمح خبّت [1] كعوبه ... ويقعد إقعاء ابن غيل تسمّعا ضمام عن [2] الهمّ الذي بات ضيفه ... جموع على الأمر الذي كان أزمعا صليب على قرع الخطوب كأنما ... يرادين طودا من عماية أفرعا فبعدا لطيب العيش بعد فراقكم ... ولا أسمع الداعي إليه ولا دعا ألا أسفا للدهر إن صدّ مؤيسا ... ولا مرحبا بالدهر إن عاد مطمعا وإن عثر الأحياء من بعد يومكم ... فلا دعدعا للعاثرين ولا لعا «572» - وقال يرثي إبراهيم بن ناصر الدولة الحسن بن حمدان وقد قتله أبو الذواد محمد بن المسيّب العقيلي: [من الكامل] ألقي الرماح ربيعة بن نزار ... أودى الردى بقريعك المغوار وترجّلي عن كلّ أجرد سابح ... ميل الرقاب نواكس الأبصار ودعي الأعنّة من أكفّك إنها ... فقدت مصرّفها ليوم مغار وتجنبي جرّ القنا فلقد مضى ... عنهنّ كبش الفيلق الجرّار اليوم صرّحت النوائب كيدها ... فينا وبان تحامل الأقدار أين الجياد مللن من طول السرّى ... يقذفن بالمهرات والأمهار في معشر غلب الرقاب جحاجح ... غلبوا على الأقدار والأخطار   [1] م: حنت. [2] م والديوان: ضموم على. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 من كلّ أروع طاعن أو ضارب ... أو واهب أو خالع أو قار ركبوا رماحهم إلى أغراضهم ... أمم العلى وجروا بغير عثار واستنزلوا أرزاقهم بسيوفهم ... فغنوا بغير مذلّة وصغار كانوا هم الحيّ اللّقاح وغيرهم ... ضرع على حكم المقاول جار لا ينبذون إلى الخلائف طاعة ... بقعاقع الإيعاد والإنذار عقدوا لواءهم ببيض أكفّهم ... كبرا عن العقّاد والأمّار واستفظعوا خلع الملوك وأيقنوا ... أنّ اللباس لها ادّراع العاري كثر النصير لهم فلما جاءهم ... أمر الرّدى وجدوا بلا أنصار هم أعجلوا داعي المنون تعرّضا ... للطعن بين ذوابل وشفار أوليس يكفينا تسلّط بأسها ... حتى نسلّطها على الأعمار نزلوا بقارعة تشابه عندها ... ذلّ العبيد وعزّة الأحرار خرس قد اعتنقوا الصفيح وطالما اع ... تنقوا الصفائح والدماء جوار شرفا بني حمدان إنّ نفوسكم ... من خير عرق ضارب ونجار أنفت من الموت الذليل فأشعرت ... جلدا على وقع القنا الخطّار «573» - تتابع أهلي فمات منهم أحد عشر من عصبتي وجماعة من إخواني في مدة تقاربها فرثيتهم بهذه الأبيات: [من الطويل] يقولون صبرا عن محبتك الألى ... دعا بهم داعي المنون إلى القبر أبي وبنيّ ابني وولدي تتابعوا ... سراعا وإخواني فعزّ بهم صبري فلو أنّ ميتا يرتجى منه أوبة ... صبرت ولكن لا إياب إلى الحشر وهم سلكوا نحو الردى فتتابعوا ... إليه كما انفضّ الجمان من النحر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 إذا أنست نفسي الأسى عزّ فقدهم ... بحيّهم أخنت عليه يد الدهر فقدت بهم أنس الصديق وراحة ال ... رفيق وريحان العشا وقوى الأزر غنينا زمانا في سرور وغبطة ... وعيش رخيّ غير ضنك ولا وعر تطالعنا الأيام لا تستطيعنا ... ويرنو إلينا الدهر بالنظر الشزر تسر الأودّا بالسلامة والغنى ... وتعتبر الأعداء بالعدد الدثر فما برحت زرق العيون تصيبنا ... إلى أن أصابت عندنا سالف الوتر إلى الله أشكو يوم أهلي ومعشري ... وعادية ضاقت لها ساعة الصبر فيا رب أنت العدل في ما قضيته ... فلا تحبطن في لوعتي بهم أجري أسرّ إذا نوديت حبا إليهم ... سرور رياض آنست نبأة القطر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 الفصل الثاني مراثي الأهل والإخوان «574» - تمثّل عليّ كرّم الله وجهه عند قبر فاطمة عليها السلام: [من الطويل] لكلّ اجتماع من خليلين فرقة ... وكلّ الذي دون الممات قليل وإنّ افتقادي واحدا بعد واحد [1] ... دليل على أن لا يدوم خليل تروى لشقران السلاماني وأوّلها: ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني ... بردّ الهموم الماضيات كفيل «575» - وقال النابغة الذبيانّي: [من البسيط] حسب الخليلين نأي الأرض بينهما ... هذا عليها وهذا تحتها بال «576» - وقال بعض العرب يرثي قومه: [من الطويل] أبعد بني عمرو على دارة النّقا ... يرجّى البنون [2] أو تطيب الموارث أرى الأرض مذ حلّوا ثراها بسيطة ... وقد قلبت عنها الجبال المواكث   [1] في هامش م: فاطما بعد أحمد. [2] م: بنون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وأستجدب الدار الخصيبة بعدهم ... وفيها الغوادي والرياض الأثائث [1] لعمر الأكفّ الضارحات لحودهم ... لقد زلّ عنهنّ النجوم الغوائث لقد غادروني بعدهم لحمة العدى ... وطعمة ما تبغي الخصوم العوائث أضام فلا يأوي لضيمي مانع ... وأظلم لا يأتي بصوتي غائث وأعطي بكفّي للقليل من الأذى ... وقد كنت يخشاني الالدّ المماغث [2] وحيدا بنفسي لا ألايم منزلا ... كما اعتزل النسك النساء الطوامث إذا ضافني همّ وضقت بذرعه ... ظهرت بأين المصرخون المغاوث ولا خير في فرع تجاذبه الصّبا ... إذا ذهبت عنه الأصول اللوابث ورثتكم [3] الملح الأجاج على الصدى ... وإن قيل أثرى أو تمتع وارث أمصغية أحداثكم فأزيزها [4] ... منادب فيها للدموع بواعث وأصدر حاجات عنيت بحملها ... فقد يمحق الهمّ الأنيس المنافث وما كنت أرضى بالغمام لتربكم ... لو انبعثت عني العروق الفوارث وإنّي مذ أمهلت نفسي بعدكم ... فواقا لمضعوف الوثيقة ناكث «577» - وقال صخر بن عمرو أخو الخنساء يرثي أخاه معاوية: [من الطويل] إذا ما امرو أهدى لميت تحيّة ... فحيّاك ربّ الناس عنّي معاويا   [1] الأثائث: الغزيرة الوفيرة. [2] المماغث: المصارع الشديد العلاج. [3] م: وردتهم. [4] م: فأديرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 وهوّن وجدي [1] أنني لم أقل له ... كذبت ولم أبخل عليه بماليا وذي إخوة قطّعت أقران بينهم ... كما تركوني واحدا لا أخا ليا «578» - وقال آخر: [من الطويل] ومن عجب أن بتّ مستشعر الثّرى ... وبتّ بما زوّدتني متمتّعا ولو أنني أنصفتك الودّ لم أبت ... خلافك حتى ننطوي في الثّرى معا «579» - وقال آخر: [من الطويل] أبعد الذي بالنعف نعف كويكب ... رهينة رمس ذي تراب وجندل أذكّر بالبقيا على من أصابني ... وبقياي أنّي جاهد غير مؤتلي «580» - وقال لبيد بن ربيعة يرثي أخاه أربد: [من الطويل] لعمري لئن كان المخبّر صادقا ... لقد رزئت في حادث الدهر جعفر أخ لي أمّا كلّ شيء سألته ... فيعطي وأمّا [2] كلّ شيء فيغفر فإن يك نوء من سحاب أصابه ... فقد كان يعلو في اللقاء ويظفر «581» - وقال دريد بن الصمّة: [من الطويل]   [1] التبريزي: وطيب نفسي. [2] م: أيما ... وأيما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 تقول ألا تبكي أخاك وقد أرى ... مكان البكا لكن بنيت على الصبر فقلت أعبد الله أبكي أم الذي ... له الجدث الأعلى قتيل أبي بكر وعبد يغوث أو خليلي خالدا ... وعزّ مصابا حثو قبر على قبر أبى القتل إلا آل صمّة إنهم ... أبوا غيره والقدر يجري إلى القدر يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا أو نغير على وتر بذاك قسمنا [1] الدهر شطرين بيننا ... فما ينقضي إلا ونحن على شطر «582» - وقال دريد أيضا: [من الطويل] أعاذلتي كلّ امرىء وابن أمّه ... متاع كوعد الراكب المتزوّد أعاذل إنّ الرزء أمثال خالد ... ولا رزء فيما أهلك المرء عن يد دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلما دعاني لم يجدني بقعدد فما زلت حتى جرّحتني رماحهم ... وغودرت أكبو في القنا المتقصّد قتال امرىء آسى أخاه بنفسه ... ويعلم أنّ المرء غير مخلّد قليل التشكّي للمصيبات حافظ ... من اليوم أعقاب الأحاديث في غد «583» - وقال إبراهيم بن العباس يرثي ابنه: [من الكامل المجزوء] كنت السواد لمقلة [2] ... تبكي عليك وناظر   [1] الحماسة: قسمنا بذاك. [2] م: لمقلتي؛ وفي رواية: فبكى عليك الناظر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر وهو مأخوذ من قول أبي نواس: [من الطويل] طوى الموت ما بيني وبين محمد ... وليس لما تطوي المنية ناشر وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر وقول الآخر: [من الطويل] أجاري ما أزداد إلا صبابة ... عليك وما تزداد إلا تنائيا أجاري لو نفس فدت نفس ميّت ... فديتك مسرورا بنفسي وماليا وقد كنت أرجو أن أملّاك حقبة ... فحال قضاء الله دون رجائيا إلا ليمت من شاء بعدك إنما ... عليك من الأقدار كان حذاريا «584» - وقالت فاطمة بنت الأحجم: [من الكامل] قد كنت لي جبلا ألوذ بظلّه ... فتركتني أضحى [1] بأجرد ضاح قد كنت ذات حميّة ما عشت لي ... أمشي البراز وكنت أنت جناحي فاليوم أخضع للذليل وأتّقي ... منه وأدفع ظالمي بالراح وأغضّ من بصري وأعلم أنه ... قد بان حدّ فوارسي ورماحي «585» - وقالت صفية الباهلية: [من البسيط] كنا كغصنين في جرثومة سمقا ... حينا بأحسن ما يسمو له الشّجر   [1] م: أمشي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 حتى إذا قيل قد طالت فروعهما ... وطاب فيئهما واستنظر الثمر أخنى على واحدى ريب الزمان وما ... يبقي الزمان على شيء ولا يذر فاذهب حميدا على ما كان من حدث ... فقد ذهبت وأنت السمع والبصر [1] كنّا كأنجم ليل بينها قمر ... يجلو الدّجى فهوى من بيننا [2] القمر «586» - كان المأمون يحب أخاه أبا عيسى بن الرشيد حبا شديدا ويعدّه للأمر بعده، فمات في سنة تسع ومائتين، فقال المأمون: حال القدر دون الوطر. وصلّى عليه ونزل في قبره وبكى ساعة ثم مسح عينيه وتمثّل: [من الطويل] سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض ... فحسبك مني ما تجنّ الجوانح كأن لم يمت حيّ سواك ولم يقم [3] ... على أحد إلا عليك النوائح وهي من أبيات لأشجع السلميّ قد ذكرتها في موضعها. ثم التفت إلى أحمد ابن أبي داود مستنطقا فقال: هيه يا أحمد، فتمثّل بقول عبدة بن الطبيب: [من الطويل] عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما تحية من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلّما   [1] لم يرد هذا البيت عند التبريزي. [2] الحماسة: من بينها. [3] الأغاني: ولم تنح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما فبكى ساعة ثم التفت إلى عمرو بن مسعدة فقال: هيه يا عمرو فقال: [من الكامل] بكّوا حذيفة لن تبكّوا مثله ... حتى تعود قبائل لم تخلق قال: فإذا عريب وجوار معها يسمعن ما يدور بينهم، فقالت: اجعلوا لنا معكم في القول نصيبا، فقال المأمون: قولي فربّ صواب منك كثير، فقالت: [من الطويل] كذا فليجلّ الخطب أو يفدح الأمر ... فليس لعين لم يفض ماؤها عذر كأنّ بني العباس يوم وفاته ... نجوم سماء خرّ من بينها البدر «587» - لما دفن سليمان بن عبد الملك ابنه أيوب وقف على قبره ينظر إليه ثم قال: [من السريع] كنت لنا أنسا ففارقتنا ... فالعيش من بعدك مرّ المذاق ثم قرّب دابته فركب وقال: [من الطويل] وقوف على قبر مقيم بقفرة ... متاع قليل من حبيب مفارق ثم قال السلام عليك، ثم عطف دابته وقال: [من البسيط] فإن صبرت فلم ألفظك من شبع ... وإن جزعت فعلق منفس ذهبا «588» - وقال سليمان عند موت ابنه لعمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة: إني لأجد في كبدي جمرة لا يطفئها إلا عبرة، فقال عمر: اذكر الله يا أمير المؤمنين الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 وعليك بالصبر. فنظر إلى رجاء بن حيوة كالمستريح إلى مشورته فقال رجاء: أفضها يا أمير المؤمنين فما بذاك من بأس، فقد دمعت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وقال: العين تدمع، والقلب يوجع، ولا نقول ما يسخط الربّ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون. فأرسل سليمان عينه فبكى حتى قضى أربا ثم أقبل عليهما وقال: لو لم أنزف هذه العبرة لا نصدعت كبدي، ثمّ لم يبك بعدها. «589» - قال أبو ذؤيب الهذلي: [من الطويل] يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ... نشيبة والطرّاق يكذب قيلها ولو أنني استودعته الشمس لارتقت ... إليه المنايا عينها ورسولها 590- وقال معن بن زائدة يرثي ابن المقفّع: [من البسيط] كذبتك الودّ لم تقطر عليك دما ... عيني ولم تنقطع نفسي من الحزن 591- عزّى عبد الرحمن بن أبي بكرة سليمان بن عبد الملك فقال: إنّه من طال عمره فقد الأحبّة، ومن قصر عمره كانت مصيبته في نفسه. 592- وكتب محمد بن عيسى الكاتب إلى صديق له: من سرّه امتداد عمره، ساءته فجائع دهره، بفقد حميم أو طارق هموم، عادة للزمان مألوفة، وسنّة للحدثان معروفة، وأحق من سلّم للأقضية من وهب الله تعالى له جميل الاصطبار، فإن أصابته مصيبة تلقاها مصطبرا، وإن نابته نائبة وجدته محتسبا. «593» - لما مات ذرّ بن عمر بن ذرّ الهمذاني، وكان موته فجاءة، أتاه أهل بيته يبكونه فقال: ما لكم؟ إنّا والله ما ظلمنا ولا قهرنا، ولا ذهب لنا بحقّ، ولا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 أخطىء بنا، ولا أريد غيرنا، وما لنا على الله معتب. فلما وضعه في قبره قال: رحمك الله يا بنيّ، والله لقد كنت بي بارّا، ولقد كنت عليك حدبا، وما بي إليك من وحشة، ولا لي إلى أحد بعد الله فاقة، ولا ذهبت لنا بعزّ، ولا أبقيت علينا من ذلّ. ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك. يا ذرّ لولا هول المطّلع ومحشره لتمنيت ما صرت إليه، فليت شعري يا ذرّ ماذا قيل لك وماذا قلت؟ ثم قال: اللهمّ إنك وعدتني الثواب بالصبر على ذرّ، اللهمّ فعلى ذرّ صلواتك ورحمتك، اللهمّ إني قد وهبت ما جعلت لي من أجر على ذرّ لذرّ صلة منّي له؛ فلا تعرفه قبيحا وتجاوز عنه فإنك أرحم الراحمين. اللهمّ وإني قد وهبت لذرّ إساءته إليّ فهب له إساءته إليك، فإنك أجود مني وأكرم. فلما ذهب لينصرف قال: يا ذر قد انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك. «594» - وقال شاعر: [من الطويل] إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكا ... أجاب البكا طوعا ولم يجب الصبر فإن ينقطع منك الرجاء فإنه ... سيبقى عليك الحزن ما بقي الدهر «595» - وقال هشام أخو ذي الرمّة: [من الطويل] تعزّيت عن أوفى بغيلان بعده ... عزاء وجفن العين ملان مترع نعى الركب أوفى حين آبت ركابهم ... لعمري لقد جاءوا بشرّ فأوجعوا نعوا باسل الأفعال لا يخلفونه ... تكاد الجبال الشمّ منه تصدّع فلم ينسني أوفى المصيبات بعده ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 «596» - وقال حريث بن زيد الخيل: [من الطويل] ألا بكر الناعي بأوس بن خالد ... أخي الشّتوة الغبراء والزمن المحل فلا تجزعي يا أمّ أوس فإنه ... تصيب المنايا كلّ حاف وذي نعل ولولا الأسى ما عشت في الناس ساعة ... ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي والبيت الأخير يروى للشمردل بن شريك. «597» - ومثله لنهشل بن حريّ: [من الطويل] أغرّ كمصباح الدجنة يتقي ... قذى الزاد حتى تستفاد أطايبه وهوّن وجدي عن خليلي أنه ... إذا شئت لاقيت امرءا مات صاحبه أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد ... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه «598» - وروي [1] أنّ الاسكندر كتب إلى أمه قبل وفاته بقليل: إذا وصل إليك كتابي هذا فاجمعي أهل بلدك، وأعدّي لهم طعاما، ووكّلي بالأبواب من يمنع من أصابته مصيبة في أب أو أمّ أو أخ أو أخت أو ابن أو أهل أو حبيب أو صديق من حضور ذلك الطعام، ولا يحضرنه إلّا من لم يصب بمصيبة قط في أحد. فلما ورد الكتاب عليها أمرت بالطعام فاصطنع، ووكلت [2] بالأبواب قوما لا يأذنون لأحد إلّا بعد أن يسألوه عن مصابه في أهله وناسه، فصدر الناس ولم   [1] م: ويروى. [2] م: وأمرت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 يبق أحد. فلما رأت ذلك تعزّت وصبرت وأيقنت بالحال [1] وقالت: إنّ الاسكندر عزّاني عن نفسه. 599- لما مات العباس بن المأمون جزع عليه المعتصم جزعا شديدا وامتنع من الطعام، وأمر أن لا يحجب عنه أحد للتعزية. فدخل أعرابيّ في غمار الناس فأنشده: [من الكامل] اصبر نكن لك تابعين وإنما ... صبر الجميع بحسن صبر الراس خير من العباس أجرك بعده ... والله خير منك للعباس فتسلى ودعا بالطعام. كذا وجدت الخبر وأظنّه سهوا، فإنّ العباس مات في حبس المعتصم، فكيف يجزع عليه هذا الجزع وهو كان المتّهم بقتله، وخبره حيث أراد الفتك بالمعتصم ومواطأة عجيف عليه مشهور، وأظنّه العبّاس بن الفضل بن الربيع، والمعزّى به أبوه. «600» - وقال البراء بن ربعي: [من الطويل] أبعد بني أمّي الذين تتابعوا ... أرجّي الحياة أم من الموت أجزع ثمانية كانوا ذؤابة قومهم ... بهم كنت أعطى ما أشاء وأمنع أولئك إخوان الصفاء رزئتهم ... وما الكفّ إلا إصبع ثم إصبع   [1] قد تقرأ في م: بالمآل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 «601» - وقال الغطمّش الضبيّ: [من الطويل] إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني ... أرى الأرض تبقى والأخّلاء تذهب أخلّاي لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ما على الدهر معتب «602» - وقال أرطأة بن سهيّة المرّي: [من الطويل] هل أنت ابن ليلى إن نظرتك رائح ... مع الركب أم غاد غداة غد معي وقفت على قبر ابن ليلى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكى ومجزع عن الدهر فاصفح إنه غير منته [1] ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع «603» - وقال آخر: [من الطويل] عجبت لصبري بعده وهو ميّت ... وكنت له أبكي دما وهو غائب على أنها الأيام قد صرن كلّها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب 604- وقال رجل [2] يرثي أباه: [من الطويل] تحلّ رزيّات وتغزو مصائب ... ولا مثل ما أنحت علينا يد الدهر لقد عركتنا للزمان ملمّة ... أذمّت بمحمود الجلادة والصبر   [1] الحماسة: معتب. [2] م: آخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 «605» - لما أتى معاوية موت عتبة أخيه تمثّل: [من الطويل] إذا سار من خلف امرىء وأمامه ... وأوحش من أصحابه فهو سائر فلما أتاه موت زياد تمثل: [من الطويل] وأفردت سهما في الكناية واحدا ... سيرمى به أو يكسر السهم كاسر «606» - تمثلت عائشة عند قبر عبد الرحمن بن أبي بكر بقول متمم بن نويرة: [من الطويل] وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبّعا فلمّا تفرّقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا «607» - وروي أنّ متمما صلّى مع أبي بكر رضي الله عنه الفجر في عقب قتل أخيه، فلما صلّى أبو بكر قام متمم بحذائه فاتكأ على سية قوسه ثم قال: [من الكامل] نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور أدعوته بالله ثم غدرته ... لو هو دعاك بذمة لم يغدر وكان خالد بن الوليد أمر ضرار بن الأزور بقتله، في خبر طويل وأومأ متمم إلى أبي بكر فقال أبو بكر: والله ما دعوته ولا غدرته. ثم أتمّ شعره فقال: [من الكامل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه ... حلو شمائله عفيف المئزر ولنعم حشو الدرع كنت وحاسرا ... ولنعم مأوى الطارق المتنوّر ثم بكى وانحطّ على سية قوسه، وكان أعور دميما، فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء، فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: لوددت أني أشعر فكنت أرثي أخي زيدا مثلما رثيت به أخاك مالكا. فقال: يا أبا حفص، والله لو علمت أنّ أخي صار بحيث صار أخوك ما رثيته. فقال عمر: ما عزّاني أحد عن أخي بمثل تعزيته. وجاء في لفظ آخر: إن أخي قتل في عميته. وروي أنّ متمما رثى زيدا أخا عمر فلم يجد، فقال له عمر: لم ترث زيدا كما رثيت مالكا فقال: إنه والله ليحركني لمالك ما لا يحركني لزيد. «608» - وقال متمم يرثي مالكا أيضا: [من الطويل] جميل المحيّا ضاحك عند ضيفه ... أغرّ جميع الرأي مشترك الرّحل وقور إذا القوم الكرام تقاولوا ... فحلّت حباهم واستطيروا من الجهل وكنت إلى نفسي أشدّ حلاوة ... من الماء بالماذي من عسل النحل وكلّ فتى في الناس بعد ابن أمه ... كساقطة إحدى يديه من الخبل وبعض الرجال نخلة لا جنى لها ... ولا ظلّ إلا أن تعدّ من النخل «609» - وقال لبيد بن ربيعة يرثي أخاه أربد وأحرقته صاعقة، وخبره في موضع آخر: [من المنسرح] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السّماك والأسد فجّعني البرق والصواعق بال ... فارس يوم الكريهة النجد يا عين هلّا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام العدوّ في كبد ما إن تعريّ المنون من أحد ... لا والد مشفق ولا ولد «610» - وقال أيضا: [من الكامل] يا أربد الخير الكريم جدوده ... غادرتني أمشي بقرن أعضب إنّ الرزية لا رزية مثلها ... فقدان كلّ أخ كضوء الكوكب «611» - وقال رجل من قريش تتابع له بنون: [من الطويل] لقد شمت الأعداء بي وتغيرت ... عيون أراها بعد موت أبي عمرو تجرا عليّ الدهر لما فقدته ... ولو كان حيا لا جترأت على الدهر وقاسمني دهري بنيّ مشاطرا ... فلما توفّى شطره مال في شطري «612» - وقال أبو ذؤيب الهذلي يرثي بنيه وتتابعوا: [من الكامل] أمن المنون وريبها تتوجّع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع قالت أمامة ما لجسمك شاحبا ... منذ ابتدلت ومثل مالك ينفع أم ما لجسمك لا يلائم مضجعا ... إلا أقضّ عليك ذاك المضجع فأجبتها اما لجسمي إنه ... أودى بنيّ من البلاد فودّعوا أودى بنيّ وأعقبوني حسرة ... بعد الرقاد وعبرة ما تقلع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 فالعين بعدهم كأنّ حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم ... فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع وتجلّدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع «613» - كان لزهير بن أبي سلمى ابن يقال له سالم، جميل الوجه، حسن الثغر، وبعث إليه رجل ببردتين فلبسهما الفتى وركب فرسا، فمرّ بامرأة من العرب فقالت: ما رأيت كاليوم قطّ رجلا ولا بردتين ولا فرسا، فعثرت به الفرس فاندقّ عنق الفرس وعنق سالم وانشقّت البردتان، فقال زهير يرثي ابنه سالما: [من الطويل] رأت رجلا لاقى من العيش غبطة ... سلامة أعوام له وغنائم فأصبح محبورا ينظر حوله ... بمغبطة لو أنّ ذلك دائم وعندي من الأيام ما ليس عنده ... فقلت تعلّم إنما أنت حالم لعلك يوما أن تراعي بفاجع ... كما راعني يوم النّساءة سالم «614» - وقالت ليلى الأخيلية: [من الطويل] آليت أبكي بعد توبة هالكا ... وأحفل من دارت عليه الدوائر «615» - وقالت امرأة ترثي زوجها ولم يكن دخل بها: [من المنسرح] أبكيك لا للنعيم والأنس ... بل للمعالي والرمح والفرس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 أبكي على فارس فجعت به ... أرملني قبل ليلة العرس يا فارسا بالعراء مطّرحا ... خانته قوّاده مع الحرس من لليتامى إذا هم شغبوا ... وكلّ عان وكلّ محتبس أمّن لبّر أمّن لفائدة ... أمّن لذكر الإله في الغلس 616- وقالت الذلفاء بنت الأبيض ترثي زوجها وابن عمها نجدة: [من البسيط] يا قبر نجدة لم أهجرك مقلية ... ولا سلوتك عن صبر ولا جلد لكن بكيتك حتى لم أجد مددا ... من الدموع ولا عونا على الكمد وأيأستني جفوني من مدامعها ... فقلت للعين جودي من دم الكبد فلم أزل بدمي أبكيك جاهدة ... حتى بقيت بلا روح ولا جسد 617- وقالت أيضا ترثيه: [من الطويل] سئمت حياتي يوم فارقت نجدة ... ورحت وماء العين ينهلّ هامله ولم أر مثل الموت للنفس راحة ... يعاجلها من بعده أو تعاجله «618» - وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثي زوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: [من الطويل] آليت لا تنفكّ عيني حزينة ... عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا فلله عينا من رأى مثله فتى ... أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا إذا أشرعت فيه الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الجون أشقرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 وكان عبد الله بن أبي بكر يجد بعاتكة وجدا شديدا، فاجتاز به أبوه راجعا من الجمعة وعبد الله يناغيها، فقال: يا عبد الله أجمعت؟ قال: أوصلّى الناس؟ قال: نعم؛ وقد كانت شغلته عن سوق وتجارة كان فيها، فقال له أبو بكر: قد شغلتك عاتكة عن المعاش والتجارة، وقد ألهتك عن فرائض الله، طلّقها، فطلّقها تطليقة، وتحوّلت إلى ناحية الدار، فبينا أبو بكر يصلّي على سطح له في الليل إذ سمعه وهو يقول: [من الطويل] أعاتك لا أنساك ما ذرّ شارق ... وما ناح قمريّ الحمام المطوّق لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وخلق سويّ في حياء ومصدق فلم أر مثلي طلّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء تطلّق فرق له أبو بكر وقال: يا عبد الله راجع عاتكة، فقال: أشهدك أني قد راجعتها. وأشرف على غلام له يقال له أيمن فقال: يا أيمن أنت حرّ لوجه الله، أشهدك أني قد راجعت عاتكة. ثم خرج يجري إليها وأعطاها حديقة حين راجعها على أن لا تتزوّج بعده. فلما قتل عبد الله من السّهم الذي أصابه بالطائف خطبها عمر بن الخطّاب فذكرت له أمر الحديقة فاستفتى لها عليّ بن أبي طالب فقال: ردّي الحديقة على أهله وتزوّجي، ففعلت. دعا عمر رضي الله عنه جماعة من أصحاب النبي عليه السلام فيهم عليّ بن أبي طالب، فقال له عليّ: إنّ لي إلى عاتكة حاجة أريد أن أذكّرها إياها، فقل لها تستتر حتى أكلّمها. فقال لها عمر: استتري يا عاتكة فإنّ ابن أبي طالب يريد أن يكلّمك، فأخذت مرطها فلم يظهر منها إلا ما بدا من براجمها، فقال يا عاتكة: [من الطويل] فأقسمت لا تنفكّ عيني سخينة ... عليك ولا ينفكّ جلدي أصفرا فقال له: يرحمك الله، وما أردت إلى هذا؟ فقال علي: وما أرادت إلى أن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 تقول ما لا تفعل، وقد قال الله عزّ وجلّ: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (الصف: 3) هذا شيء كان في نفسي أحببت أن يخرج، فقال عمر: ما حسّن الله فهو حسن. ولما قتل عنها عمر تزوجت الزبير بن العوّام، فلما قتل تزوجت بعده الحسين ابن علي، فكانت أوّل من رفع خدّه من التراب يوم قتل. وتأيّمت بعده فخطبها مروان بن الحكم فقالت: ما كنت لأتخذ حموا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ولها في كلّ واحد من أزواجها مراث مشهورة. ولما قتل عنها الزبير خطبها عليّ عليه السلام فقالت: إني لأضنّ بك يا ابن عمّ رسول الله عن القتل. وكان عبد الله بن عمر يقول من أراد الشهادة فليتزوّج عاتكة. 619- كاتب: ولكنّه أمر الله الذي لا مدفع له، وحكمه الذي لا حيف فيه، وقدره الذي سوّى فيه بين عباده، فليس للساخط فيه عتبى، ولا للراضي منه منجى، وليس إلا الانقياد فيه لنازل القضاء. جعلك الله ممّن يتلقّى أمره بالقبول، وأقداره بالتسليم، وأصحبك في هذه الحال وفي كلّ حال التوفيق والتسديد حتى تجوز في المحنة ثواب الصابرين، وفي النعمة مزيد الشاكرين. 620- آخر [1] : أعقبك الله من فراقه عظيم الثواب، وأعقبه من دنياه حسن المآب. «621» - لما قتل ابراهيم بن عبد الله بن الحسن وحمل رأسه إلى المنصور، أنفذه المنصور مع الربيع إلى أبيه وعميّه إدريس ومحمد، وكانوا في حبسه، فوضعه   [1] آخر: سقطت من م واتصل النصّ بما قبله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 بين أيديهم، وكان أبوه عبد الله قائما يصلّي، فقال له محمد: أوجز في صلاتك، فأوجز وسلّم وأخذ الرأس فوضعه في حجره وقال: أهلا وسهلا يا أبا القاسم، والله لقد كنت من الذين قال الله فيهم الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (الرعد: 20- 21) ثمّ قبّله وأنشد: [من الطويل] فتى كان يحميه من العار سيفه ... ويكفيه سوءات الأمور اجتنابها ثم قال للربيع: قل لصاحبك [1] قد مضى من بؤسنا أيام، ومن نعيمك أيام، والملتقى بين يدي الله في غد، فما رؤي في المنصور انكسار [2] مثل ذلك اليوم. «622» - لأمّ [3] معدان الأنصارية: [من البسيط] لا يبعد الله فتيانا رزئتهم ... بانوا لوقت مناياهم فقد بعدوا أضحت قبورهم شتّى ويجمعهم ... زوّ [4] المنون ولم يجمعهم بلد ميت بمصر وميت بالعراق ومي ... ت بالحجاز منايا بينهم بدد رعوا من المجد أكنافا إلى أجل ... حتى إذا بلغت أظماوهم وردوا كانت لهم همم فرّقن بينهم ... إذا القعادد عن أمثالها قعدوا فعل الجميل وتفريج الجليل وإع ... طاء الجزيل إذا لم يعطه أحد 623- وقال الأصمعي: دفعت يوما في تلمّسي بالبادية إلى واد خلاء لا   [1] قل لصاحبك: سقطت من م. [2] م: فما رؤي المنصور أشد انكسارا. [3] م: وقالت أمّ. [4] م: رزو. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 أنيس به إلا بيت معتنز، بفنائه أعنز، وقد ظمئت فيمّمته فسلّمت فإذا عجوز قد برزت كأنّها نعامة راخم، فقلت: هل من ماء؟ فقالت: أو لبن؟ فقلت: ما كانت بغيتي إلا الماء فإذا يسّر الله اللبن فإني إليه فقير. فقامت إلى قعب فأفرغت فيه ماء ونظّفته وغسلته، ثم جاءت إلى الأعنز فتغبّرتهنّ حتى احتلبت قراب ملء القعب ثم أفرغت عليه ماء حتى رغا وطفت ثمالته كأنها غمامة بيضاء، ثم ناولتني إياه فشربت حتى تحببت ريّا واطمأننت فقلت: إني أراك معتنزة في هذا الوادي الموحش، والحلّة منك قريب، فلو انضممت إلى خبائهم فأنست بهم، قالت: يا ابن أخي، إني لآنس بالوحشة وأستريح إلى الوحدة، ويطمئنّ قلبي إلى هذا الوادي الموحش، فأتذكر من عهدت، فكأني أخاطب أعيانهم، وأتراءى أشباحهم، وتتخيّل إليّ أندية رجالهم، وملاعب ولدانهم، ومندّى أموالهم. والله يا ابن أخي لقد رأيت هذا الوادي بشع اللديدين بأهل أدواح وقباب، ونعم كالهضاب، وخيل كالذئاب، وفتيان كالرماح، يبارون الرياح، ويحمون الصباح، فأحال عليهم الجلاء قما بغرفة، فأصبحت الآثار دارسة، والمحالّ طامسة، وكذلك سيرة الدهر في من وثق به. ثم قالت: ارم بعينيك في هذا الملأ المتباطن، فنظرت فإذا قبور نحو من أربعين أو خمسين؛ فقالت: أترى تلك الأجداث؟ قلت: نعم. قالت: ما انطوت إلا على أخ أو ابن أخ أو عمّ أو ابن عمّ، فأصبحوا قد ألمأت عليهم الأرض، وأنا أنتظر ما غالهم. انصرف راشدا يرحمك الله. الغريب:- المعتنز: المنفرد، والراخم: التي تحضن بيضها، وتغبرتهن: احتلبت الغبر وهو بقية اللبن في الضرع وجمعه أغبار، وقراب وقريب واحد مثل كبار وكبير، والثمالة: الرغوة، وتحببت: امتلأت، والمندّى: المكان الذي يندّى فيه المال، وبشع: ملآن، واللديدان: الجانبان، وقما: كنسا، والقمامة: الكناسة والمقمّة: المكنسة، والغرفة: الواحدة من الغرف وهو ضرب من الشجر، والمتباطن: المتطامن، وألمأت عليهم: احتوت عليهم، وتلمأت عليه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 الأرض استوت عليه ووارته. 624- دخل قوم على سليمان بن علي يعزّونه بمصيبة نالته فكثر كلامهم فقال سليمان: إنما أموالنا وأنفسنا من مواهب الله الحسنة وعواريه الجميلة، نمتّع بما أمتع منها في سرور وغبطة، ونسلب ما سلب منها بأجر وحسبة، فمن غلب جزعه صبره حبط أجره. 625- قال عبد الله بن يعقوب بن داود: جاءنا سفيان بن عيينة يعزّي أبي عن عمّي فقال: [من البسيط] كيف أعزّيك والأحداث مقبلة ... فيها لكلّ امرىء في نفسه شغل فقال له أبي: يعزّي من بلغت النّوبة إليه وأنشد: [من الطويل] وما أنا بالمخصوص من بين من ترى ... ولكن أتتني نوبتي في النوائب 626- مسلمة الجعفي: [من الطويل] فتى لا يعدّ المال ربّا ولا ترى ... به جفوة إن نال مالا ولا كبرا وكنت أرى نأيا به بين ليلة ... فكيف ببين صار ميعاده الحشرا «627» - كلثوم بن عمرو العتابي: [من الخفيف] غرّ من ظنّ أن يفوت المنايا ... وعراها قلائد الأعناق أيّنا قدّمت سهام المنايا ... فالذي أخّرت سريع اللحاق «628» - ندبت أعرابية ابنها فقالت: لم يكن مالك لبطنك، ولا برّك لعرسك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 «629» - أبّنت الخنساء أخاها صخرا فقالت: لقد كان كريم الجدين، واضح الخدين، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد. «630» - جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك. «631» - مات عبد الله بن مطرّف فخرج مطرّف في ثياب حسنة وقد ادّهن، فأنكروا عليه، قال: أفأستكين لها وقد وعدني ربي عليها ثلاثا إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة: 157) . 632- سمع الحسن امرأة تبكي خلف جنازة وتقول: يا أبتاه مثل يومك لم أره، فقال لها: بل أبوك مثل يومه لم يره. «633» - عزّت أعرابية قوما فقالت: جافى الله عن ميتكم الثرى، وأعانه على طول البلى، وآجركم ورحمه. «634» - الرضي: [من الطويل] ولا عجب أن تمطر العين فوقه ... فإنّ سواد العين فيه دفين «635» - وقال أبو خراش الهذليّ: [من الطويل] تقول أراه بعد عروة لاهيا ... وذلك رزء لو علمت جليل فلا تحسبي أني تناسيت عهده ... ولكنّ صبري يا أميم جميل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 ألم تعلمي أن قد تفرّق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل «636» - وقال الخريمي: [من الطويل] تذكّرني شمس الضحى نور وجهه ... فلي لحظات نحوها حين تطلع وأعددته ذخرا لكلّ ملمّة ... وسهم المنايا بالذخائر مولع وإني وإن أظهرت مني جلادة ... وصانعت أعدائي عليه لموجع ملكت دموع العين حين رددتها ... إلى ناظري وأعين القلب تدمع ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع وأيقنت أنّ الحيّ لا بدّ هالك ... وأنّ الفتى في أهله لا يمتّع [1] «637» - وقال مسلم بن الوليد في إسماعيل بن جامع: [من الطويل] وإني وإسماعيل يوم فراقه ... لكالغمد يوم الرّوع فارقه النصل فإن أغش قوما بعده أو أزرهم [2] ... فكالوحش يدنيها من الأنس المحل «638» - وقال كعب بن سعد الغنويّ يرثي أخاه أبا المغوار: [من الطويل] تقول سليمى ما لجسمك شاحبا ... كأنك يحميك الشراب طبيب   [1] ب م: متمتع. [2] م: أزورهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 تتابع أحداث ذهبن بجدّتي ... وشيّبن رأسي والخطوب تشيب أتى دون حلو العيش حتى أمرّه ... نكوب على آثارهنّ نكوب لعمري لئن كانت أصابت مصيبة ... أخي والمنايا بالرجال شعوب لقد كان أما حلمه فمروّح ... علينا وأما جهله فعزيب حليم إذا ما زيّن الحلم أهله ... مع الحلم في عين العدوّ مهيب هوت أمّه ما يبعث الصبح غاديا ... وماذا يؤدّي الليل حين يؤوب أخ كان يكفيني وكان يعينني ... على نائبات الدهر حين تنوب هو العسل الماذيّ حلما ونائلا ... وليث إذا يلقى العدوّ غضوب فتى لا يبالي أن يكون بوجهه ... إذا حاز خلّات الكرام شحوب أخو القوم لا باغ عليهم بفضله ... ولا مزمهرّ في الوجوه سبوب كعالية الرمح الردينيّ لم يكن ... إذا ابتدر القوم النهاب يصيب يبيت الندى يا أمّ عمرو ضجيعه ... إذا لم يكن في المنديات حليب إذا ما تراءاه الرجال تحفّظوا ... فلم تنطق العوراء وهو قريب فتى أريحيّ كان يهتزّ للندى ... كما اهتزّ من ماء الحديد قضيب حليف الندى يدعو الندى فيجيبه ... سريعا ويدعوه الندى فيجيب 639- وقالت أعرابية: [من الطويل] لقد كنت أخشى لو تملّيت خشيتي ... عليك الليالي مرّها وانفتالها فأمّا وقد أصبحت في قبضة الرّدى ... فشأن المنايا فلتصب ما بدا لها «640» - وأنشد الأصمعيّ لامرأة من العرب: [من الطويل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 طوى الدهر ما بيني وبين أحبّة ... بهم كنت أعطى ما أشاء وأمنع فلا يحسب الواشون أنّ قناتنا ... تلين ولا أنّا من الموت نجزع ولكنّ للألّاف لا بدّ لوعة ... إذا جعلت أقرانها تتقطّع 641- وقال آخر: [من الطويل] أيا عمرو لم أصبر ولي فيك حيلة ... ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر تصبّرت مغلوبا وإني لموجع ... كما صبر العطشان في البلد القفر وما كان لي حظّ من الدهر غيره ... فويحي على فقدان حظي من الدهر «642» - وقال أراكة يرثي ابنه عمرا: [من الطويل] لعمري لئن أتبعت عينيك ما مضى ... به الدهر أو ساق الحمام إلى القبر لتستنفدن ماء الجفون [1] بأسره ... وإن كنت تمريهنّ من لجج [2] البحر تأمّل فإن كان البكا ردّ هالكا ... على أحد فاجهد بكاك على عمرو «643» - لما مات ابن عمر بن عبد العزيز خطب عمر الناس فقال: الحمد لله الذي جعل الموت حتما واجبا على عباده، فسوّى فيه بين قويّهم وضعيفهم، ورفيعهم ودنيّهم، فقال تبارك وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (آل عمران:   [1] م: الشؤون. [2] م والتعازي: ثبج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 185) فليعلم ذوو النهى منهم أنهم صائرون إلى قبورهم، مفردون بأعمالهم، واعلموا أنّ لله مسألة فاحصة [1] قال تبارك وتعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر: 92- 93) . «644» - قال محمد بن عبد الله العتبي يذكر ابنا له مات: [من الكامل] أضحت بخدّي للدموع رسوم ... أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم والصبر يحمد في المواطن كلّها ... إلا عليك فإنه مذموم وهذا معنى متداول، وقد المّ به أبو تمام فقال: [من الطويل] وقد كان يدعى لابس الصبر حازما ... فأصبح يدعى حازما حين يجزع «645» - رأى الحجاج في منامه أنّ عينيه قلعتا فطلّق الهندين: هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة، فلم يلبث أن جاءه نعي أخيه من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه فقال: هذا والله تأويل رؤياي ثم قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، محمد ومحمد في يوم واحد. وقال: [من الطويل] حسبي بقاء الله من كلّ ميّت ... وحسبي رجاء الله من كلّ هالك إذا كان ربّ العرش عنّي راضيا ... فإنّ شفاء النفس فيما هنالك وقال من يقول شعرا يسلّيني به؟ فقال الفرزدق: [من الكامل] إنّ الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمّد ومحمد   [1] م: وأنّ الله مسائل كلّ ومفاحصه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 ملكين قد خلت المنابر منهما ... أخذ الحمام عليهما بالمرصد فقال: لو زدتني، فقال الفرزدق: [من البسيط] إني لباك على ابني يوسف جزعا ... ومثل فقدهما للدين يبكيني ما سدّ حيّ ولا ميت مسدّهما ... إلا الخلائف من بعد النبيين فقال ما صنعت [1] شيئا إنما زدت في حزني، فقال: [من الطويل] لئن جزع الحجّاج ما من مصيبة ... تكون لمحزون أجلّ وأوجعا من المصطفى والمصطفى من خيارهم ... جناحاه لما فارقاه فودّعا أخ كان أغنى أيمن الأرض كلّها ... واغنى ابنه أهل العراقين أجمعا جناحا عقاب فارقاه كلاهما ... ولو نزعا من غيره لتضعضعا قال: الآن. «646» - قال الرضي أبو الحسن الموسوي [2] : [من الكامل] برد القلوب بمن نحبّ بقاءه ... مما يجرّ حرارة الأكباد يا ليت أني ما اتخذتك صاحبا ... كم قنية جلبت أسى لفؤادي وأبيات الرضيّ هذه من عيون المراثي، ومنها: مما يطيل الهمّ أنّ أمامنا ... طول الطريق وقلّة الأزواد ولقد كبا طرف الرقاد بناظري ... أسفا عليك فلا لعا لرقادي من للبلاغة والفصاحة إن همى ... ذاك الغمام وعبّ ذاك الوادي   [1] م: زدت. [2] زاد في م: رحمه الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 من للملوك تحزّ في أعدائها ... بظبا من القول البليغ حداد من للممالك لا يزال يلمّها ... بسداد أمر ضائع وسداد من للجحافل يستزلّ رماحها ... ويردّ رعلتها بغير جلاد من للموارق يسترق [1] قلوبها ... بزلازل الإبراق والإرعاد وصحائف فيها الأراقم كمّن ... مرهوبة الإصدار والإيراد ويكون سوطا للحرون إذا ونى ... وعنان عنق الجامح المتمادي ريّ الخدود من المدامع شاهد ... إنّ القلوب من الغليل صواد ضاقت عليّ الأرض بعدك كلّها ... وتركت أضيقها عليّ بلادي «647» - وله يرثي أبا عبد الله ابن الحجاج: [من المتقارب] وكم صاحب كمناط الفؤاد ... عناني من يومه ما عناني قد انتزعت من يديّ المنون ... ولم يغن ضمّي عليه بناني فزل كزيال الشباب الرّطي ... ب خانك يوم لقاء الغواني ليبك الزمان طويلا عليك ... فقد كنت خفّة روح الزمان «648» - عزّى العباس بن الحسن العلوي رجلا فقال: إني لم آتك شاكا في عزمك، ولا زائدا في علمك، ولا متّهما لفهمك، ولكنه حقّ الصديق، وقول الشفيق، فاسبق السلوة بالصبر، وتلقّ الحادثة بالشكر، يحسن لك الذخر، ويكمل لك الأجر.   [1] الديوان: يستردّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 «649» - وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا عزّى رجلا قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع فائدة، والموت أشدّ ما قبله وأهون ما بعده، واذكروا فقد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، تذلّ عندكم مصيبتكم، وعظّم الله أجركم. «650» - وكتب إبراهيم بن المهدي في تعزية: أما الصبر فمصير كلّ ذي مصيبة، غير أنّ الحازم يقدّم ذلك عند اللوعة طلبا للمثوبة، والعاجز يؤخر ذلك إلى السلوة فيكون مغبونا نصيب الصابرين. ولو ان الثواب الذي جعل الله تعالى لنا على الصبر كان لنا على الجزع لكان ذلك أثقل علينا، لأنّ جزع الإنسان قليل وصبره طويل، والصبر في أوان الجزع أيسر مؤونة من الجزع بعد السّلوة. «651» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] شجى أن أروم الصبر عنك فيلتوي ... عليّ ولؤم أن يساعدني الصبر فيا حسرتا ألّا سلوّ يطيعني ... ويا سوءتا من سلوتي إنها غدر 652- قال ابن السماك: كان يجلس إليّ رجل مسنّ فبلغتني شكايته فأتيته أعوده، فإذا هو قد نزل به الموت، وإذا أمّ له عجوز كبيرة، ولم أكن أظنّ أنّ له أمّا يومئذ. قال: فجعلت تنظر إليه حتى أغمض وعصّب وسجّي. قال: ثم قالت: رحمك الله قد كنت بنا برّا وعلينا شفيقا، فرزق الله عليك الصبر، وقد كنت تطيل القيام وتكثر الصيام، لا حرمك الله ما أمّلت من رحمته، وأحسن عنك العزاء. قال: ثم نظرت إليّ فقالت: أيها القاعد قد رأيت واعظا ونحن معك، ولو بقي أحد لأحد لبقي، فقلت في نفسي: تقول لبقي ابني لحاجتي إليه، فقالت: لبقي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآله لأمته. فخرجت وأنا أقول: ما رأيت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 امرأة أجزل منها ولا أجلّ. «653» - لما دخل المأمون بغداد دخلت عليه أمّ جعفر فقالت: يا أمير المؤمنين أهنيك بخلافة قد هنأت بها نفسي عنك قبل أن أراك، ولئن فقدت ابنا خليفة لقد عوّضت ابنا خليفة لم ألده، وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أمّ ملأت يدها منك، فأسأل الله تعالى أجرا على ما أخذ وإمتاعا بما وهب. «654» - ولما قتل الفضل بن سهل دخل المأمون إلى أمّه يعزيها فيه فقال: يا أمّه لا تحزني على الفضل فإني خلف لك منه، فقالت له: وكيف لا أحزن على ولد عوّضني خلفا مثلك؟ فتعجّب المأمون من جوابها، وكان يقول: ما سمعت جوابا قط كان أحسن منه [1] ولا أخلب للقلب. «655» - مرّ رجل بامرأة من غاضرة وإذا ابن لها مسجّى بين يديها وهي تقول: يرحمك الله يا بنيّ، فو الله ما كان مالك لبطنك، ولا أمرك لعرسك، ولقد كنت لي ليّن العطفة، يرضيك أقلّ مما يسخطك. قال، فقلت لها: يا أمه ألك منه خلف؟ قالت: بلى ما هو خير منه، ثواب الله تعالى والصبر على المصيبة. 656- لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ عليّ عليه السلام، وهي أوّل هاشمية ولدت هاشميّا، دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: رحمك الله، بأبي كنت وأمي تجوعين وتشبعينني، وتعرين وتكسينني، وتمنعين نفسك طيّب الطعام وتطعمينني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة. ثم أمر أن تغسل ثلاثا، فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه صلّى الله عليه وسلم بيده ثمّ خلع   [1] م: قط أحسن من جواب أم الفضل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 قميصه وألبسها إيّاه، وكفّنها فوقه، ثم دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاريّ وعمر بن الخطاب وغلاما أسود يحفرون قبرها، فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأخرج ترابه بيده، فلما فرغ دخل صلّى الله عليه وسلم فاضطجع فيه ثم قال: الحمد لله الذي يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت؛ اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقّنها حجّتها، ووسّع عليها مدخلها، بحقّ نبيّك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين. وكبّر عليها أربعا وأدخلها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق. «657» - قال أبو عبيدة: لما قتل جعفر بن علبة الحارثيّ قودا قام نساء الحيّ يبكين عليه، وقام أبوه إلى كلّ شاة وناقة فنحر أولادها وألقاها بين أيديها وقال: ابكين معنا على جعفر، فما زالت النوق ترغو والشاء تثغو والنساء يصحن ويبكين وهو يبكي معهنّ، فما رؤي يوم كان أوجع وأحرق مأتما في العرب من يومئذ. «658» - الشمردل بن شريك اليربوعي يرثي أخويه قدامة ووائلا: [من الطويل] أعاذل كم من روعة قد شهدتها ... وغصّة حزن من فراق أخ جزل إذا وقعت بين الحيازيم أسدفت ... عليّ الضحى حتى يثبّتني [1] أهلي أقول إذا عزّيت نفسي عن اخوة ... مضوا لا ضعاف في الحياة ولا عزل أبى الموت إلا أن كلّ بني أب ... سيمسون شتّى غير مجتمعي الشمل سبيل حبيبيّ اللذين تبرّضا ... دموعي حتى أسرع الحزن في عقلي كأن لم نسر يوما ونحن بغبطة ... جميعا وينزل بين رحليهما رحلي   [1] الأغاني: تنسيني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 خليليّ من دون الأخلّاء أصبحا ... رهيني ثواء من وفاة ومن قتل فلا يبعدا للراغبين إليهما ... إذا اغبرّ آفاق السماء من المحل فقد عدم الأضياف بعدهما القرى ... وأخمد نار الليل كلّ فتى وغل [1] «659» - وله يرثي أخاه وائلا ويذكر سامة [2] : [من الطويل] لعمري لئن غالت أخي دار فرقة ... وآب إلينا سيفه ورواحله وحلّت به أثقالها الأرض وانتهى ... بمثواه منها وهو عفّ مآكله لقد ضمنّت جلد القوى كان يتّقى ... به جانب الثغر المخوف زلازله وصول إذا استغنى وإن كان مقترا ... من المال لم يخف الصديق مسائله وصول لأضياف الشتاء كأنما ... هم عنده أيتامه وأرامله رخيص نضيج اللحم مغل بنيّه ... إذا بردت عند الصّلاء أنامله أقول وقد رجّمت عنه فأسرعت ... إليّ بأخبار اليقين مخايله [3] إلى الله أشكو لا إلى الناس فقده ... ولوعة حزن أوجع القلب داخله وتحقيق رؤيا في المنام رأيتها ... فكان أخي رمحي ترفّض عامله قيل: كان الشمردل رأى في منامه كأنّ سنان رمحه سقط منه فعبرّه فقيل له: تصاب بمن في بقائه عزّ، فأتاه نعي أخيه. بمثوى غريب ليس منّا مزاره ... بدان ولا ذو الودّ منا مواصله   [1] سقط البيت من م. [2] ويذكر سامة: سقط من م. [3] الأغاني: محاصله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 إذا ما أتى يوم من الدهر بيننا ... فحيّاك عنّا شرقه وأصائله تحية من أدّى الرسالة حبّبت ... إلينا ولم ترجع بشيء رسائله أبى الصبر أنّ العين بعدك لم يزل ... يخالط جفنيها قذى ما تزايله وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ... فأنت على من مات بعدك شاغله يذكّرني هيف الجنوب ومنتهى ... نسيم [1] الصّبا رمسا عليه جنادله وهاتفة فوق الغصون تفجعّت ... لفقد حمام أفردتها حبائله وسورة أيدي القوم إذ حلّت الحبى ... حبى الشيب واستغوى أخا الحلم جاهله فعينيّ إذ أبكا كما الدهر فابكيا ... لمن نصره قد بان منّا ونائله إذا استعبرت عوذ النساء وشمّرت ... مآزر يوم لا توارى خلاخله وأصبح بيت الهجر قد حال دونه ... وغال امرءا ما كان يخشى غوائله وثقن به عند الحفيظة فارعوى ... إلى صوته جاراته وحلائله إلى ذائد في الحرب لم يك خاملا ... إذا عاذ بالسيف المجرّد حامله كما ذاد عن عرّيسة الغيل مخدر ... يخاف الرّدى ركبانه ورواحله فما كنت ألقى لامرىء عند موطن ... أخا بأخي لو كان حيا أبادله وكنت به أغشى القتال فعزّني ... عليه من المقدار ما لا أقاتله لعمرك إنّ الموت منّا لمولع ... بمن كان يرجى نفعه ونوافله فما البعد إلا أننا بعد صحبة ... كأن لم نبايت وائلا أو نقابله سقى جدثا أعراف غمرة دونه ... ببيشة ديمات الربيع ووابله وما بي حبّ الأرض إلا جوارها ... صداه وقول ظنّ أني قائله [2]   [1] الأغاني: مسير. [2] ب: حافله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 «660» - لما كانت وقعة بدر فقتل فيها عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة بن ربيعة، أقبلت هند بنت عتبة ترثي أباها وعمّها وأخاها، وتقول فيهم الأشعار، وبلغها تسويم الخنساء هودجها بالموسم ومعاظمتها العرب بمصيبتها، وقد كانت أصيبت بأبيها عمرو بن الشريد وأخويها صخر ومعاوية، فجعلت تشهد المواسم وتبكيهم [1] وقد سوّمت هودجها براية؛ وكانت تقول أنا أعظم العرب مصيبة، وعرفت لها العرب بعض ذلك. فلما أصيبت هند بنت عتبة بما أصيبت وبلغها ما تصنع الخنساء قالت: أنا أعظم من الخنساء مصيبة، فأمرت بهودجها فسوّم براية، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت سوقا يجتمع إليها العرب، فقالت: اقرنوا [2] جملي بجمل الخنساء، ففعلوا، فلما دنت منها قالت لها الخنساء: من أنت يا أخيّة؟ قالت: أنا هند بنت عتبة بن ربيعة، وأنا أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك [فبم تعاظمينهم؟ فقالت الخنساء: بعمرو بن الشريد وصخر ومعاوية ابني عمرو] . فبم تعاظمينهم أنت؟ قالت هند: بأبي عتبة بن ربيعة وعمّي شيبة وأخي الوليد. قالت الخنساء: أوسواء هم عندك؟ ثم أنشأت تقول: [من الطويل] أبكّي أبي عمرا بعين غزيرة ... قليل إذا نام العيون [3] هجودها وصنويّ لا أنسى معاوية الذي ... له من سراة الحرّتين وفودها وصخرا ومن ذا مثل صخر إذا غدا ... بسلهبة الأبطال قبّ يقودها فذلك يا هند الرزيّة فاعلمي ... ونيران حرب حين شبّ وقودها   [1] وتبكيهم: سقطت من م. [2] ب: قربوا. [3] الأغاني: الخلي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 فقالت هند مجيبة لها: [من الطويل] أبكّي عميد الأبطحين كليهما ... وحاميهما من كلّ باغ يريدها أبي عتبة الخيرات ذلك فاعلمي ... وشيبة والحامي الحقيق وليدها أولئك آل المجد من آل غالب ... وفي العزّ منها حين ينمي عديدها ولم تزل الخنساء تبكي على أخويها وأبيها في الجاهلية حتى أدركت الاسلام، فأقبل بها بنو عمها إلى عمر بن الخطاب وهي عجوز كبيرة، فقالوا: يا أمير المؤمنين هذه الخنساء لم تزل تبكي على أبيها وأخويها في الجاهلية حتى ذهبت عيناها، وأدركت الاسلام وهي تبكي، وقد قرحت مآقيها كما ترى، فلو نهيتها رجونا أن تنتهي. فقال عمر لها: حتى متى يا خنساء؟ اتقي الله وأيقني بالموت، فقالت: إني أبكي أبي وخيري مضر: معاوية وصخرا، وإني لموقنة بالموت يا ابن الخطاب، فكأنّ عمر رحمه الله رقّ لها وقال: خلّوا سبيل عجوزكم لا أبا لكم، فإنّ كلّ امرىء يبكي شجوه، نام الخليّ عن بكاء الشجيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 الفصل الثالث ما جاء من المراثي والتعازي في الصغار والأطفال «661» - عزّى عبد الله بن عبّاس عمر بن الخطّاب رضي الله عنهم على بنيّ له فقال: عوّضك الله منه ما عوّضه منك. وهذا الصبي هو الذي قال فيه عمر رضي الله عنه: ريحانة أشمّها، وعن قريب ولد بارّ أو عدوّ حاضر. «662» - وقال علي بن عبيدة لرجل يعزّيه عن ابنه: كان أبوك أصلك، وابنك فرعك، فما بقاء شيء ذهب أصله ولم يبق فرعه؟ «663» - وقال أبو الشغب: [من البسيط] قد كان شغب لو انّ الله عمّره ... عزّا تزاد به في عزّها مضر فارقت شغبا وقد قوّست من كبر ... بئس الحليفان طول الحزن والكبر ليت الجبال تداعت عند مصرعه ... دكّا فلم يبق من أركانها حجر «664» - وقال آخر: [من الطويل] تعزّ أمير المؤمنين فإنّه ... لما قد ترى يغذى الصغير ويولد هل ابنك إلّا من سلالة آدم ... لكلّ على حوض المنيّة مورد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 «665» - وقال أبو حكيم المرّي: [من الطويل] وكنت أرجّي من حكيم قيامه ... عليّ إذا ما النعش زال ارتدانيا فقدّم قبلي نعشه فارتديته ... فيا ويح نفسي من رداء علانيا «666» - وقال العتبيّ: [من الطويل] وقاسمني دهري بنيّ مشاطرا ... فلما تقضّى شطره عاد في شطري ألا ليت أمي لم تلدني وليتني ... سبقتك إذ كنّا على غاية نجري وكنت به أكنى فأصبحت كلّما ... كنيت به فاضت دموعي على نحري وقد كنت ذا ناب وظفر على العدا ... فأصبحت لا يخشون نابي ولا ظفري «667» - وقال الفرزدق: [من الوافر] ولو أنّ البكاء يردّ شيئا ... على الباكى بكيت على صقوري بنيّ أصابهم قدر المنايا ... وما منهنّ من أحد مجيري ولو كانوا بني جبل فماتوا ... لأضحى وهو مختشع الصخور إذا حنّت نوار يهيج مني ... حزازا مثل ملتهب السعير حنين الوالهين إذا ذكرنا ... فؤادينا اللّذين مع القبور «668» - وقال أيضا: [من الطويل] أسنّة أرماح تخرّمن بعد ما ... أقيمت عواليها وسنّت حرابها إذا ذكرت عيني الذين هم لها ... قذى هيج منّي بالبكاء انسكابها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 بنو الأرض قد كانوا بنيّ فعزّني ... عليهم بآجال المنايا كتابها وداع عليّ الله لو متّ قد رأى ... بدعوته ما يتّقى لو يجابها ومن متمنّ أن أموت وقد بنت ... حياتي له شمّا عظاما قبابها فنيت وأبقت من قناتي مصيبتي ... عشوزنة زوراء صمّا كعابها على حدث لو أنّ سلمى أصابها ... بمثل بنيّ انفضّ منها هضابها «669» - وقال: [من الطويل] بفي الشامتين الترب [1] إن كان مسنّي ... رزيّة شبلي مخدر في الضراغم وما أحد كان المنايا وراءه ... ولو عاش أياما طوالا بسالم أرى كلّ حيّ ما تزال طليعة ... عليه المنايا من ثنايا [2] المخارم يذكّرني ابنيّ السما كان موهنا ... إذا ارتفعا فوق النجوم العواتم [3] وقد رزىء الأقوام قبلي بنيهم ... وإخوانهم فاقني حياء الأكارم [4] وما ابناك إلا من بني الناس فاصبري ... فلن يرجع الموتى حنين المآتم «670» - وقال ابراهيم بن المهدي يرثي بنيا له: [من الطويل] وإني وإن قدّمت قبلي لعالم ... بأنّي وإن أبطأت منك قريب وإنّ صباحا نلتقي في مسائه ... صباح إلى قلبي الغداة حبيب   [1] الديوان: الصخر. [2] الديوان: من فروج. [3] الديوان: التوائم. [4] الديوان: الكرائم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 «671» - وقال رجل من قريش في مثله: [من الكامل] بأبي وأمّي من عبأت حنوطه ... بيدي وودّعني بماء شبابه كيف السلوّ وكيف صبري بعده ... وإذا دعيت فإنّما أكنى به «672» - وقال أبو تمام يعزّي عبيد الله بن طاهر عن ابنين طفلين ماتا في يوم واحد: [من الكامل] لهفي على تلك الشواهد فيهما ... لو أمهلت حتى تكون شمائلا لغدا سكونهما حجى وصباهما ... حلما وتلك الأريحيّة نائلا إنّ الهلال إذا رأيت نموّه ... أيقنت أن سيكون بدرا كاملا نجمان شاء الله ألّا يطلعا ... إلا ارتداد الطّرف حتى يافلا إنّ الفجيعة بالرياض نواضرا ... لأجلّ منها بالرياض ذوابلا لو ينسآن لكان هذا غاربا ... للمكرمات وكان هذا كاهلا «673» - بعث معاوية بسر بن أرطأة أحد بني عامر بن لؤي، بعد تحكيم الحكمين، لقتل شيعة عليّ فمرّ في البلاد يشنّ الغارات، ولا يكفّون أيديهم عن النساء والصبيان، ففعل ذلك بالمدينة ومكة والسّراة ونجران واليمن. وكان عبيد الله بن العباس عاملا لعليّ على اليمن وكان غائبا، وقيل بل هرب من بسر، ووجد صبيين له فذبحهما ذبحا بمدية، ثم انكفا راجعا إلى معاوية. وأصاب أمّ الصبيين، واسمهما عبد الرحمن وقثم، وهي أمّ حكيم بنت فارط [1] ، على ابنيها   [1] الأغاني: قارظ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 كالجنون، فكانت لا تعقل ولا تصغي إلى قول من أعلمها أنهما قد قتلا، ولا تزال تطوف في الموسم تنشد الناس أبياتا منها: [من البسيط] يا من أحسّ بنّييّ اللذين هما ... كالدرّتين تشظّى عنهما الصّدف يا من أحسّ بنّييّ اللذين هما ... سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف نبئت بسرا وما صدّقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا أنحى على ودجي ابنيّ [1] مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف حتى لقيت رجالا من أرومته ... شمّ الأنوف لهم في قومهم شرف فالآن ألعن بسرا حقّ لعنته ... هذا لعمر أبي بسر هو السّرف ولما بلغ عليا قتل الصبيين جزع ودعا على بسر فقال: اللهمّ اسلبه دينه، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله؛ فأصابه ذلك وفقد عقله، فكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زقّ منفوخ، فلا يزال يضربه ما شاء حتى مات. ولما كانت الجماعة واستقرّ الأمر على معاوية دخل عليه عبيد الله بن العباس وعنده بسر بن أرطأة، فقال له عبيد الله: أأنت القاتل للصبيين أيها الشيخ؟ فقال بسر: نعم أنا قاتلهما، فقال له عبيد الله: لوددت أنّ الأرض أنبتتني عندك، فقال له بسر: فقد أنبتتك الآن عندي، فقال عبيد الله: ألا سيف؟ فقال بسر: هاك سيفي، فلما أهوى عبيد الله إلى السيف ليتناوله أخذه معاوية ثم قال لبسر: أخزاك الله شيخا قد كبرت وذهب عقلك، تعمد إلى رجل من بني هاشم قد وترته وقتلت ابنيه تدفع إليه سيفك؟ إنّك لغافل عن قلوب بني هاشم، والله لو تمكّن منه لبدأ بي قبلك. فقال عبيد الله: أجل والله ثم لثنيّت به.   [1] التعازي: شبلي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 «674» - وقال الأصمعي: سمع رجل من اليمن، وقد قدم مكة، امرأة عبيد الله تندب ابنيها فرقّ لها وتوصّل إلى أن اتصل ببسر وخدمه، فلما وثق به احتال لقتل ابنيه، فخرج بهما إلى وادي أوطاس فقتلهما وهرب، وقال أبياتا منها: [من البسيط] فاشرب بكأسيهما ثكلا كما شربت ... أمّ الصبيّين أو ذاق ابن عبّاس «675» - وقال إبراهيم بن العبّاس: [من الطويل] لئن كنت زينا للعيون وقرّة ... لقد صرت سقما للنفوس الصحائح وهوّن وجدي أنّ يومك مدركي ... وأني غدا من أهل تلك الضرائح 676- مات ولد لأبي العباس أحمد بن المختار بن أبي الجبر، وعمي عقيب فقده فقال: [من الكامل المجزوء] عيني وفت فكأنّما ... حلفت يمينا فيه برّه ألّا ترى من بعده ... أحدا فما سمحت بنظره 677- قال دعبل: كنت عند حميد الطوسي وقد أصيب بطفل له، فعزم على دفنه في داره، إذ أتاه بعض الخدم فقال: ليهنك الفارس أيها الأمير، فقال: يا دعبل أتعرف في الشعر صفة ما نحن فيه؟ فقلت: نعم، قول القائل: [من الكامل] ذهب الذين تكمّلوا آجالهم ... ومضوا وحان من آخرين ورود يمضي الصغير إذا انقضت أيامه ... إثر الكبير ويولد المولود والناس في قسم المنيّة بينهم ... كالزّرع منه قائم وحصيد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 678- كتب رجل إلى صديق له ولد له مولود فمات من يومه فجزع عليه: [من الطويل] فإن كنت تبكيه اطّلابا لنفعه ... فقد نال جنّات الخلود مسارعا وإن كنت تبكي أنّه فات عوده ... عليك بنفع فاسل قد صار شافعا «679» - وقال المتنبي: [من الطويل] فإن تك في قبر فإنّك في الحشا ... وإن تك طفلا فالأسى ليس بالطفل ومثلك لا يبكى على قدر سنّه ... ولكن على قدر المخيلة والأصل بدا وله وعد السحابة بالرّوى ... وصدّ وفينا غلّة البلد المحل هل الولد المحبوب إلّا تعلّة ... وهل خلوة الحسناء إلّا أذى البعل «680» - وقال محمد بن هاني: [من الرمل] نافس الدهر عليه يعربا ... ورأى موضع حقد فحقد هاب أن يجري عليه حكمه ... فنوى الغدر له يوم ولد حين لم ينظر به ريعانه ... إنما استعجله قبل الأمد «681» - وقال الرضي في موت مولود: [من الطويل] فلا تحسبن رزء الصغائر هيّنا ... فإنّ وجى الأخفاف ينضي الغواربا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 الفصل الرابع مراثي النساء «682» - قال الوليد بن يزيد بن عبد الملك يرثي امرأته سلمى، وكان هويها وتحته أختها سعدة، فطلّق أختها حتى تزوجها، فلمّا دخل بها لبثت عنده أياما وماتت: [من الكامل] يا سلم كنت كجنّة قد أطعمت ... أقناؤها دان جناها مونع أربابها شفقا عليها نومهم ... تحليل مرضعة ولما يهجعوا حتى إذا فسح الربيع ظنونهم ... نثر الخريف ثمارها فتصدّعوا «683» - وماتت امرأة الفرزدق بجمع فقال: [من الطويل] وجفن سلاح قد رزئت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أنّ المنايا أنشأته لياليا يقال: ماتت المرأة بجمع وجمع إذا ماتت وولدها في بطنها. 68» - هوي يعقوب بن الربيع جارية فطالبها سبع سنين يبذل فيها جاهه وماله وإخوانه حتى ملكها، وأقامت عنده ستة أشهر، ثم ماتت فقال فيها أشعارا كثيرة فمنها: [من الكامل المرفل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 لله آنسة فجعت بها ... ما كان أبعدها من الدّنس أتت البشارة والنعيّ معا ... يا قرب مأتمنا من العرس يا ملك نال الدهر فرصته ... فرمى فؤادا غير محترس كم من دموع لا تجفّ ومن ... نفس عليك طويلة النّفس ما بعد فرقة بيننا أبدا ... في لذة درك لملتمس «685» - ومن شعره فيها: [من الخفيف] وأتاني النعيّ منك مع البش ... رى فيا قرب أوبة من ذهاب «686» - وفيها: [من الكامل] حتى إذا فتر اللسان وأصبحت ... للموت قد ذبلت ذبول النرجس وتسهّلت منها محاسن وجهها ... وعلا الأنين تحثّه بتنفس رجع اليقين مطامعي يأسا كما ... رجع اليقين مطامع المتلمّس 687- وقال شاعر لرجل ماتت له جارية، وولد له تلك الليلة ولد، فهنّأه وعزّاه في حالة واحدة: [من الكامل] أوما رأيت الدهر أقبل معتبا ... متنصّلا بالعذر لما أذنبا بالأمس أذوى في رياضك أيكة ... واليوم أطلع في سمائك كوكبا «688» - وقال الأعين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهيل بن عمرو يرثي امرأته: [من الطويل] لعمرك إني يوم زيل بنعشها ... ولم تتّبعها مهجتي لصبور الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 كذوب الصفاء يوم ذاك موكّل ... بباقي الحياة والحياة غرور «689» - وقال محمد بن عبد الملك الزيات: [من الطويل] يقول لي العذّال لو زرت قبرها ... فقلت وهل غير الفؤاد لها قبر على حين لم أحدث فأجهل فقدها ... ولم أبلغ السنّ التي معها الصبر «690» - وقال الناجم يرثي عجائب جارية ابن مروان: [من الكامل المجزوء] أضحى الثرى بجوارها ... عطر المسالك والمسارب حلّت حفيرتها حلو ... ل المسلك من سرر الكواعب يا درّة كانت تضي ... ىء لناظر من كلّ جانب والفلاسفة يقولون: المدورة لا أول لها [1] ، وعلى ذلك قول إبراهيم بن العباس: [من الخفيف] درّة حيث ما أديرت أضاءت ... ومشمّ من حيث ما شمّ فاحا «691» - وقال ابن الرومي يرثي جارية لابن الراس: [من المنسرح] واها لذاك الغناء من طبق ... على جميع القلوب مقتدر أضحت من الساكني حفائرهم ... سكنى الغوالي مداهن السّرر يا مشربا كان لي بلا كدر ... يا سمرا كان لي بلا سهر يا طفلة السنّ يا صغيرته ... أصبحت إحدى المصائب الكبر   [1] م: المدور ... له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 «692» - وقال إسحاق بن خلف يرثي ابنة أخته وكان تبنّاها: [من البسيط] يا شقّة النفس إنّ النفس والهة ... حرّى عليك ودمع العين منسجم قد كنت أخشى عليها أن تقدمني ... إلى الحمام فيبدي وجهها العدم فالآن نمت فلا همّ يؤرّقني ... تهدا العيون إذا ما أودت الحرم للموت عندي أياد كنت أشكرها [1] ... أحيا سرورا وبي مما أتى ألم «693» - كانت لمسلم بن الوليد زوجة من أهله، وكانت تكفيه أمره، فماتت فجزع عليها، وتنسّك مدة طويلة، وعزم على ملازمة ذلك، فأقسم عليه بعض إخوانه ذات يوم أن يزوره ففعل، فأكلوا وقدّموا الشراب فامتنع منه وأباه، وأنشأ يقول: [من الطويل] بكاء وكأس كيف يجتمعان [2] ... سبيلاهما في القلب مختلفان دعاني وإفراط البكاء فإنّني ... أرى اليوم فيه غير ما تريان غدت والثرى أولى بها من وليّها ... إلى منزل ناء لعينك دان فلا حزن حتى تنزف [3] العين ماءها ... وتعترف الأحشاء بالخفقان وكيف بدفع اليأس والوجد بعدها ... وهمّاهما في القلب يعتلجان «694» - كتب عبد الحميد عن مروان بن محمد إلى هشام بن عبد الملك يعزّيه   [1] البصرية: لست أنكرها؛ م ب: لست أشكرها. [2] الأغاني: يتفقان. [3] الأغاني: تذرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 بامرأة من نسائه رسالة من جملتها: إنّ خير نعم الله على خلفائه ما رزقهم الشكر عليه، وكلّ ما اختار الله لخليفته من أمر وهبه له أو قبضه منه خير له؛ والدنيا دار متاع وبلغة، وما فيها عواريّ بين أهلها، ثم منقول عنهم سروره إن كان سارا أو مكروهه إن كان لهم ضارا. إنّ الله أمتع أمير المؤمنين من مؤنسته وقرينته متاعا بمدة إلى أجل مسمّى، فلما تمّت مواهب الله وعاريته قبض إليه العارية وليّها، وكان أحقّ بها، ثم أعطى عليها أنفس منها في المنقلب، وأرجح في الميزان، وأكفى في العوض، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. احتسب مصيبتك يا أمير المؤمنين على الله فإنه وليّك فيها وفي كلّ أمر إذا تصفّحت عواقب قضائه أسهلت بك عوائد خياره إلى المنجيات من المخاوف، والدرك للفوز من المطلب، والحرز من ظلم المهالك؛ والله وليّك فيما اختار لك وقضى عليك. إن تكن يا أمير المؤمنين أرضيت الله في شكرك إياه على الهبة وصبرك على الرزيّة، فإنّ مواهب الله لك أجزل، وثواب الله لك أفضل. فامض على رويّتك في الخير فان ما عند الله لا يبلغه كتاب، ولا يحصيه حساب، وتاليات المزايد مقرونات بشكر العباد بضمان أوفى واعد وأكرم مثيب. «695» - نعيت إلى ابن عباس بنت له في طريق مكة، فنزل عن دابته فصلّى ركعتين، ثم رفع يده وقال: عورة سترها الله، ومؤونة كفاها الله، وأجر ساقه الله؛ ثم ركب ومضى. «696» - ماتت لبعض ملوك كندة بنت فوضع بدرة بين يديه وقال: من أبلغ في التعزية فهي له، فدخل أعرابيّ فقال: عظّم الله أجر الملك، كفيت المؤونة وسترت العورة، ونعم الختن القبر، فقال: أبلغت وأوجزت؛ وأعطاه البدرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 الفصل الخامس شواذ المراثي والتعازي «697» - قال ابن سيابة، ويروى لأبي الأسد، يرثي إبراهيم الموصليّ: [من الوافر] تولّى الموصليّ فقد تولّت ... بشاشات المزاهر والقيان وأيّ بشاشة بقيت فتبقى ... حياة الموصليّ على الزمان ستبكيه المزاهر والملاهي ... وتسعدهنّ عاتقة الدنان وتبكيه الغويّة إذ تولّى ... ولا تبكيه تالية القران 698- وقال آخر فيه أيضا: [من الخفيف] بكت المسمعات حزنا عليه ... وبكاه الهوى وصفو الشراب وبكت آلة المجالس حتى ... رحم العود دمعة المضراب «699» - ابن بسام يرثي عبد الله بن المعتز: [من البسيط] لله درّك من ميت بمضيعة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب ما فيه لولا ولا ليت فتنقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 700- ابن طباطبا: [من الطويل] إذا فجع الدهر امرءا بخليله ... تسلّى ولا يسلى [1] لفقد الدفاتر 701- منيع بن كوثل السّلمي، وكان يقطع الطريق فقطع فقال يرثي يده [من الطويل] هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذّنابى مستقلّ فطائر وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيرا وغالت دابريه المقادر لقد كنت مما أحدث الدهر آمنا ... ألا ليتني ضمّت عليّ المقابر 702- حنظلة بن عرارة [2] التميمي في يزيد بن معاوية: [من الكامل] طرقت منيّته وعند وساده ... كوب وزقّ راعف مرثوم ومرنّة تبكي على نشواته ... بالصبح تقعد تارة وتقوم   [1] م: تشكى ولا مشكى. [2] م: عرادة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 الفصل السادس نوادر التعازي والمراثي «703» - دخل أبو دلامة على أمّ سلمة يعزّيها بأبي العباس السفاح زوجها، فبكى وبكت، ثم قال: [من الكامل] ولقد أردت الصبر عنك فلم يكن ... جزعي ولا صبري عليك جميلا يجدون أبدالا سواك وإنني ... لو عشت دهري ما أصبت بديلا فقالت أمّ سلمة: ما أصيب به غيري وغيرك، فقال: لا والله ولا سواء رحمك الله، لك منه ولد وليس لي أنا منه ولد، فضحكت منه أمّ سلمة، ولم تكن ضحكت قبل ذلك، وقالت: لو حدّث الشيطان لأضحكه. 704- وكان ابن الجصّاص الموصوف باليسار مغفّلا، فعزّى رجلا عن بنت له ماتت فقال له: من أنت حتى لا تموت بنتك البظراء؟! قد ماتت عائشة بنت النبي صلّى الله عليه وسلم. «705» - وذكر محمد بن إبراهيم اليزيدي أنه كان عند أبي إسحاق الزجّاج النحوي يعزّيه عن أمه، وعنده جماعة من الوجوه والرؤساء، إذ دخل ابن الجصّاص ضاحكا وهو يقول: الحمد لله يا أبا إسحاق، قد والله سرّني، فدهش الزجاج ومن حضر، فقال له بعضهم: كيف سرّك ما غمّه وغمّنا له؟ قال: ويحك بلغني أنه هو الذي، فلما صحّ عندي أنها هي التي، سرّني؛ فضحك الناس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 «706» - أصيب إسحاق بن محمد بن الصباح الكندي بابن له فجزع عليه، فدخل أهل الكوفة يعزّونه وفيهم بهلول، فقال: أيسرّك أنه بقي وأنّه مثلي؟ قال: لا والله، وإنّها لتعزية. «707» - ماتت أمّ ابن عياش فأتاه سيفويه القاصّ معزّيا فقال: يا أبا محمد عظم الله مصيبتك، فتبسّم ابن عيّاش وقال: قد فعل، فقال: يا أبا محمد هل كان لأمك ولد؟ فقام ابن عيّاش عن مجلسه وضحك حتى استلقى على قفاه. «708» - أصيب الحجاج بصديق له وعنده رسول لعبد الملك شاميّ، فقال الحجاج: ليت إنسانا يعزّينا بأبيات، فقال الشامي: أقول؟ قال: قل، فقال: كلّ خليل سوف يفارق خليله بموت أو بصلب أو وقوع من فوق البيت، أو وقوع البيت عليه، أو سقوط في بئر، أو يكون بشيء لا يعرفه. قال الحجاج: قد سلّيتني عن مصيبتي بأعظم منها في أمير المؤمنين إذ يوجّه مثلك رسولا. «709» - صارت عجوز إلى قوم تعزّيهم في ميت، فرأت عندهم عليلا، فلما أرادت أن تقوم قالت: والحركة تغلظ عليّ في كلّ وقت، فأعظم الله أجركم في هذا العليل فلعلّه يموت. «710» - عزّى إنسان ابن الجصاص عن ميّت له وقال: لا تجزع واصبر، فقال: نحن قوم لم نتعوّد أن نموت. «711» - عبد الصمد بن المعذل يرثي بعض الطفيليين: [من البسيط] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 أحزان نفسي عنها غير منصرمه ... وأدمعي من جفوني الدهر منسجمه على صديق ومولى لي فجعت به ... ما إن له في جميع الصالحين لمه كم جفنة مثل جوف الحوض مترعة ... كوماء جاء بها طبّاخها رذمه قد كلّلتها شحوم من قليّتها ... ومن سنام جزور عبطة سنمه غيّبت عنها فلم تعرف لها خبرا ... لهفي عليك وعولي يا أبا سلمه ولو تكون لها حيّا لما بعدت ... عليك يوما ولو في جاحم حطمه قد كنت أعلم أنّ الأكل يقتله ... لكنني كنت أخشى ذاك من تخمه إذا تعمّم في شبيله ثم أتى ... فإن حوزة من يأتيه مصطلمه «712» - أبو الشبل يرثي طبيبا: [من الخفيف] قد بكاه بول المريض بدمع ... واكف فوق مقلتيه ذروف ثم شقّت جيوبهنّ القواري ... ر عليه ونحن نوح اللهيف يا كساد الخيار شنبر والأق ... راص طرّا ويا كساد السفوف «713» - وكان لأبي الشبل كبش يعلفه ويسمّنه للأضحى، فأفلت يوما على قنديل له وسراج وقارورة للزيت فنطحه وكسره أجمع، فذبح الكبش قبل الأضحى، وقال يرثي سراجه: [من المنسرح] يا عين بكّي لفقد مسرجة ... كانت عمود الضياء والنّور كانت إذا ما الظلام ألبسني ... من حندس الليل ثوب ديجور شقّت بنبراسها غياطله ... شقّ دجى الليل بالتباشير صينية الصين حين أبدعها ... مصوّر الحسن بالتصاوير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وقيل ذا بدعة أتيح لها ... من عقب الدهر قرن يعفور فإن تولّت عني لقد تركت ... ذكرا سيبقى على الأعاصير من ذا رأيت الزمان ياسره ... فلم يشب يسره بتعسير ومن أتاح الزمان صفوته ... فلم يشب صفوه بتكدير مسرجتي كم كشفت من ظلم ... جلّيت ظلماءها بتنوير من لي إذا ما النديم دب إلى الن ... دمان في ظلمة الدياجير وقام هذا يبوس ذاك وذا ... ينيك هذا بغير تقدير وازدوج القوم في الظلام فما ... يسمع إلّا الرشاء في البير إن كان أودى بك الزمان فقد ... أبقيت منك الحديث في الدور دع ذكرها واهج قرن ناطحها ... وانشر أحاديثه بتفسير كان حديثي أني اشتريت فلا اش ... تريت كبشا سليل خنزير فلم أزل بالنوى أسمنّه ... والتبن والقتّ والأثاجير أبرّد الماء في القلال له ... وأتّقي فيه كلّ محذور فلم يزل يغتذي السرور وما ال ... محزون في عيشه كمسرور حتى عدا طوره وحقّ لمن ... يكفر نعمى بقرب تغيير فمدّ قرنيه نحو مسرجة ... تعدّ في صون كلّ مذخور شدّ عليها بقرن ذي حنق ... معوّد للنطاح مشهور وليس يقوى بروقه جبل ... صلد من الشمّخ المناكير [1] فكيف يبقى [2] عليه مسرجة ... أرقّ من جوهر القوارير أديل منه فباكرته يد ... من المنايا بحدّ مطرور   [1] الأغاني: المذاكير. [2] الأغاني: تقوى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 ومزّقته المدى فما تركت ... كفّ القرى منه غير تعشير واغتاله بعد كسرها قدر ... صيّره نهزة السنانير واختلسته الحداء خلسا مع ال ... غربان لم يزدجر بتطيير [1] وصار حظ الكلاب أعظمه ... تهشم أنحاءها بتكسير كم كاسر نحوه وكاسرة ... سلاحها في شغا المناقير «714» - كتب أحمد بن يوسف الكاتب إلى عمرو بن سعيد بن سلم يرثي ببغاء له ماتت: [من الخفيف] عجبا للمنون كيف أتتها ... وتخطّت عبد الحميد أخاكا شملتنا المصيبتان جميعا ... فقدنا هذه ورؤية ذاكا «715» - أبو بكر ابن العلاف من مرثيّة الهرّ المشهورة: [من المنسرح] يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلّا قنعت بالغدد أطعمك الغيّ لحمها فرأى ... قتلك أربابها من الرّشد ولم تزل للحمام مرتصدا ... حتى سقيت الحمام بالرّصد ما كان أغناك عن تسلّقك ال ... برج ولو كان جنّة الخلد لم يرحموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد   [1] الآغاني: لتكبير، لتطيير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 أذاقك الموت من أذاق كما ... أذقت أطياره يدا بيد لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد عاقبة البغي لا تنام وإن ... تأخّرت مدّة من المدد كم دخلت أكلة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد إنّ الزمان استقاد منك ومن ... يظلم بعين الزمان يستقد 716- قيل لرجل: مات فلان، فقال: من لم تنفع حياته لم يجزع لوفاته: [من الوافر] فبعدا لا انقضاء له وسحقا ... فغير مصابه الخطب العظيم «717» - وقف شاطر على قبر سارق فقال: رحمك الله فقد والله كنت أحمر الإزار، حادّ السكين، إن نقبت فجرذ، وإن تسلّقت فسنّور، وإن استلبت فحدأة، وإن ضربت فأرض، وإن شربت فحبّ؛ ولكنّك اليوم وقعت في زاوية سوء. 718- أصيب أحمد بن الخصيب بمصيبة، فخرج إلى الحاضرين لتعزيته وهو يعصر عينيه ويقول: [من الكامل] غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا فقال أحدهم: ما هذا؟ فقال: لما رأيت النساء يبكون ويلطمون حضرني هذا البيت، فقيل له: هذا لجرير، فقال: لعله اتّفاق. «719» - سرق من أبي الشبل ثلث قرطاس فقال يرثيه: [من الخفيف] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 فكر تعتري وحزن طويل ... وسقيم أنحى عليه [1] النحول ليس يبكي رسما ولا طللا مح ... ح كما تندب الربى والطّلول إنما حزنه على ثلث كا ... ن لحاجاته فغالته غول كان للسرّ والأمانة والكت ... مان إن باح بالحديث الرسول كان مثل الوكيل في كلّ سوق ... إن تلكّا أو ملّ يوما وكيل كان للهمّ إن تراكم في الصد ... ر فلم يشف من غليل غليل كان لا يتقي الحجاب من الحج ... جاب إن قيل ليس فيها دخول يقف الناس وهو أول من يد ... خله القصر غادة عطبول فإذا أبرزته فاح به في ال ... قصر مسك وعنبر معلول كان مع ذا عدل الشهادة مقبو ... لا إذا عزّ شاهدا تعديل وإذا ما التوى الهوى بالأليفي ... ن فلم يرع واصلا موصول فهو الحاكم الذي قوله بي ... ن الأليفين جائز مقبول 720- مات ولد لأعرابيّ فصلّى عليه وقال: اللهمّ إن كنت تعلم أنه كريم الجدّين، سهل الخدّين، فاغفر له، وإلا فلا. [ لابن نصر تعزية بعنز ] 721- كتب ابن نصر الكاتب يعزي بعنز ماتت عند الولادة: أحقّ الناس، أيها الحاجب، بالأنين من ألم محنته، وأخلقهم بفضل الحنين إلى نعمته، وأولاهم بالحزن الطويل، وأحراهم بالبكاء والعويل، وأشدّهم تصعيدا لأنفاسه، وأعذرهم في تناول أخدعه وراسه، من عجز بعد القدرة، وأترب بعد الثروة، وفارق السعة واليسار، ولابس الإضاقة والاقتار، وعدم ماله الزائد النامي، وفقد حرثه الرائع الزاكي. وبلغني مصابك بالعنز التي كانت لك من أعظم جاه وعزّ، وانها قبضت نفساء بمرأى عينيك، واعتبطت منقلبة   [1] ب: إليه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 على صفحتي يديك [1] ، فقلقت بما طرقك قلق المساهم في الوجد بها، المهتم بتشعّث حالك من بعدها، العالم بعدم النظير لها. وأين لك مثلها في قناء الأنف وإنافته، وانتصاب القرن وصلابته، وحمرة اللون وكمتته، وزرقة العين واتساعها، وكبر الضروع وانسدالها، والدرّ الذي لا ينزف، والإتآم الذي لا يخلف. وكيف لا تكون كربتك لازمة، وحسرتك دائمة، وقد عدمت بها جاها عريضا، وذكرا مستفيضا، وجلاء للقلب والنظر، وقضاء للشهوة والوطر، ومادة معينة على الاتصال [2] ، وسببا ينصرك [3] بأهل البذل والنوال، فألطافك منها مشتهاة محبوبة، وتحفك بها مستدعاة مطلوبة، وهداياك مشهورة على الأطباق، وتحاياك موصوفة بالقبول نصبتها نصب الدّبق، وجعلتها سلّم الرزق، فهي تستأذن لك إذا طرقت، وتؤمّنك التثقيل إذا أشفقت. فأنت بها صاحب سرّ الكيمياء، والظافر عنها بحصول الكفاف والثراء. لكنها الأيام ذات الألوان والتبدل، والحؤول والتنقّل، فالإنسان منها بعرضة المخاوف والأخطار، وعلى فرصة أحكام تجري وأقدار، لذّتها منقطعة زائلة، وسعودها غائرة آفلة، بينما ترضعه درّها مختارة طائعة، وتلبسه زينتها رائقة ناصعة، وتجنح إليه مساعدة موثرة، وتقبل عليه ضاحكة مستبشرة، حتى يمرّ مذاقها فلا يساغ، ويذهب رونقها فلا يراغ، وتجمح نافرة فلا ترجع، وتعرض مزورّة فلا تعطف، عادة جارية مستقرة، وسنّة ماضية مستمرة. فاسترجع أيها الحاجب- أيّدك الله- تذكّرا واستبصارا، واصطبر تفكّرا واعتبارا، وإن غلبتك الدموع فأجرها استرواحا، وإن هممت بالصلف فرفقا لا اعتسافا، فبماء العين تطفأ نار الوجد، وبصكّ الأخدعين يشفى غليل القلب. وكلّ ذاك حقير في جنب ما لحقك، ويسير في عظيم ما طرقك.   [1] م: خديك. [2] ب: الافضال. [3] م ب: ينظرك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 فماذا يصف الواصف من عنزك ونبلها، ويعدّد من خيرها وفضلها: أخلاقها الطيّبة أم آدابها المعجزة، أم ذكاءها عند الرجعة من الرعي، ووقوفها على بابك بالسكون والهدي، حتى إذا فتح لها ولجته ذاهبة إلى مربطها، منقادة لقائدها. فمهما تنس لا تنس أيها الحاجب لبأها المزعفر عند الولاد، ووطبها الملفّف في البجاد، والائتدام بلبنها إذا أعوز الإدام، ورواسلها العامرة للمنزل، وأنيابها المشيدة بذكرك في المحفل، وأمصالها المتناقلة بين الدور، وأبعارها الساجرة للتنّور. وكائن من عنز حاولت اللحاق بها فنكلت، ورامت المماثلة لها فعجزت؛ هذا وقد عدمت من فضلات ألبانها الوسيعة، وأثمان عنقها المبيعة، ما كان عدّتك في عامّة أمورك، ومادّتك في ملبسك وبخورك. وكم جدي لها أكرم عن الذبح، واستخلص للقراع والنّكح، قد نتج أولادا أنجابا يعرفون بك ويعزون إليك، ويحيلون بصريح نسبهم في التيوسة عليك، وهذه فضيلة مغفول عن ذكرها، ومنقبة يقصّر لسانك عن شكرها، وكأني بك متى لقيت من أسباطه نجيبا، وجارا لخصييه ينبّ نبيبا، خار صبرك وقلبك، وطار حلمك ولبّك، وتذكّرت ما يبكيك، ونسيت عند رؤيته ما كان يسليك، وحقّ لك، غير أنّ الثواب المكتسب أجلّ الأعواض عنها، والأجر المذخور خير لك منها، فلا مردّ للقضاء المحتوم فقد فقد الناس الأغنام، ومارسوا الضرورة والإعدام، ثم جبر الله المصائب، وعوّض عن الفائت الذاهب. فأحسن الله لك العزاء عن عنزك وجديك، وخفّف ثقل أسفك عليهما ووجدك، ودمل بالتسلّي خموش وجهك وخدّك، وربط على قلبك بالصبر عند مشاهدة مربطها، وآنسك بالسّلوة عن عطاسها وضرطها، ولا أخلاك من قرينة تسدّ مسدّها في عمارة خلّتك، وتقوم مقامها في مطاعمك وأغذيتك، وألحقها بالأغنام الشهداء، وجمع بينها وبين قرابين الأولياء، وحشرها مع الأضحيات، ورفعها إلى منازل الهدايا المشعرات، ووفّر أجرك عليها من متوفاة، ولا أجرى دمعك بعدها على شاة، إنه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 على كلّ شيء قدير. [ الصابي يعزي عن ثور ] «722» - كتب أبو إسحاق الصابي إلى القاضي أبي بكر ابن قريعة عن الوزير أبي طاهر ابن بقية يعزّيه عن ثور له مات: التعزية عن المفقود- أطال الله بقاء القاضي- إنما تكون بحسب محلّه من فاقده، من غير أن تراعى قيمته [ولا قدره] ولا ذاته ولا عينه، إذ كان الغرض تبريد الغلّة، وإطفاء [1] اللوعة، وتسكين الزفرة، وتنفيس الكربة. فربّ ولد عاقّ، وشقيق مشاقّ، وذي رحم عاد لها قاطعا، وقريب قوم قلّدهم عارا، وناط بهم شنارا، فلا لوم على التارك [2] للتعزية عنه، وأحر بها أن تستحيل تهنئة بالراحة منه. وربّ مال صامت أو ناطق كان صاحبه به مستظهرا وله مستثمرا، فالفجيعة به إذا فقد موضوعة موضعها، والتعزية عنه واقعة موقعها. وبلغني أنه كان للقاضي- أيّده الله- ثور أصيب به فجلس للعزاء عنه، وأنه أجهش عليه باكيا، والتدم عليه والها، وحكيت عنه حكايات في التأبين له، وإقامة الندبة عليه، وتعديد ما كان فيه من فضائل البقر التي تفرّقت في غيره واجتمعت فيه، فصار بها منفردا عنهم كالذي قيل فيه من الناس: [من السريع] وليس لله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد وأنه كان يكرب الأرض مغمورة، ويربّها [3] مزروعة، ويدور [4] في الدولاب ساقيا، وفي الرحى طاحنا، ويحمل الغلّات مستقلّا، والأثقال مستخفّا، فلا   [1] زهر: وإخماد. [2] زهر: على ترك. [3] زهر: ويثيرها. [4] زهر: ويرقص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 يؤوده عظيم، ولا يبهظه جسيم، ولا يجري في القران مع شقيقه، ولا في الطريق مع رفيقه، إلا كان مجلّيا لا يسبق، ومبرزا لا يلحق، وفائتا لا ينال شأوه ونهايته، وماضيا لا يدرك مداه وغايته. وأشهد الله أنّ الذي ساءه ساءني فيه، وما آلمه آلمني له، ولم يجز عندي في حكم ما بيني وبينه استصغار خطب جلّ عنده وأرمضه، ولا يهوننّ صعب بلغ منه وأمضّه؛ فكتبت هذه الرقعة قاضيا بها من الحقّ في مصابه بقدر ما أظهره من إكباره، وأبله من إعظامه. وأسأل الله أن يخصّ القاضي من المعوضة بأفضل ما خصّ به البشر عن البقر، وأن يفرد هذه العجماء بأثرة من الثواب، يضيفه بها إلى المكلّفين من ذوي الألباب، فإنها وإن لم تكن منهم فقد استحقّت أن تلحق بهم، بأن مسّ القاضي أيده الله سببها، وأن كان إليه منتسبها، حتى إذا أنجز الله ما وعد به عباده المؤمنين من تمحيص سيئاتهم، وتضعيف حسناتهم، والإفضاء بهم إلى الجنة التي جعلها الله لهم دارا، ورضيها لجماعتهم قرارا، أورد القاضي حينئذ موارد النعيم، مع أهل الصراط المستقيم، وثوره مجنوب معه مسموح له به. وكما أنّ الجنة لا يدخلها الخبث، ولا يكون من أهلها الحدث، إنما هو عرق يجري من أبدانهم، ويروي أغراضهم كالمسك، كذلك يجعل الله مجرى الأخبثين من هذا الثور يجريان للقاضي بالعنبر الشّحريّ، وماء الورد الجوريّ، فيصير ثورا له طورا، وجونة عطار طورا. وليس ذلك بمستبعد ولا مستنكر، ولا مستصعب ولا متعذّر، إذ كانت قدرة الله- جلّ ثناؤه- محيطة، ومواعيده لأمثاله ضامنة بما وعد الله في الجنة لعباده الصادقين، وأوليائه الصالحين، من شهوات نفوسهم وملاذّ أعينهم، وما هو سبحانه مع غامر فضله وفائض كرمه بمانعه ذاك مع صالح مساعيه ومحمود شيمه. وقلبي متعلّق بمعرفة خبره- أدام الله عزّه- فيما ادّرعه من شعار الصبر، واحتفظ به من صالح الأجر، ورجع إليه من التسليم لأمر الله عزّ وجلّ الذي طرقه، والسكون لما أزعجه وأقلقه، فليعرّفني القاضي من ذلك ما أكون به ضاربا معه بسهم المشاركة فيه، وآخذا بقسط المساعدة عليه، إن شاء الله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 الجواب من القاضي ابن قريعة: وصل توقيع سيدنا الوزير بالتعزية عن اللاي [1] الذي كان للحرث مثيرا، وللدولاب مديرا، وبالسّبق إلى كثير من المنافع شهيرا، وعلى شدائد الزمان مساعدا وظهيرا. ولعمري لقد كان بعمله ناهضا، ولحماقات البقر رافضا، وأنّى لنا بمثله وشرواه ولا شروى له، فإنه كان من أعيان البقر، وأنفع أجناسها للبشر، مضاف ذلك إلى خلائق حميدة، وطرائق سديدة. ولولا خوفي تجديد الحزن عليه، وتهييج الجزع لفقده، لعددتها فيه ليعلم أنّ الحزين عليه غير ملوم، وكيف يلام امرؤ فقد من ماله قطعة يجب في مثلها الزكاة، ومن خدم معيشته بهيمة تعين على الصوم والصلاة. وفهمته فهم متأمّل لمراميه، وشاكر على النعمة فيه، فوجدته مسكّنا ما خاطر اللبّ وخامر القلب، ففقد هذا اللاي من شدّة الحرق، وتضاعف القلق، وتزايد اللوعة، وترادف الارتماض بعظم الروعة، فرجعت إلى أمر الله فيه من التسليم والرضا، والصبر على ما حكم وقضى، واحتذيت ما مثّله سيدنا الوزير من جميل الاحتساب، والصبر على أليم المصاب، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، قول من علم أنه سبحانه أملك بنفسه وماله وولده وأهله منه، وأنه لا يملك شيئا دونه، إذ كان جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه الملك الوهّاب، المرجع ما يعوّض عنه نفيس الثواب. ووجدت أيّد الله سيدنا الوزير للبقر خاصّة على سائر بهيمة الأنعام [2] التي أكثر أقوات البشر بكدّها وعلى ظهرها وحراثها إلا قليلا، قال الله سبحانه: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (الواقعة: 63- 64) . ولما رأى الحجاج الأسعار قد تضايقت، وقرى السواد قد خربت، حرّم لحوم البقر، لعلمه وعلم جميع الناس بما في بقائها من المنافع والمصالح. ورأيت الله تعالى قد أمر في القتيل الذي وجد في بني إسرائيل أن يضرب بقطعة من بقرة بلغ ثمنها   [1] زهر: الثور الأبيض. [2] إلى هنا ينتهي النص في زهر الآداب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 ثلاثمائة ألف دينار؛ فلولا فضيلة البقر لما خصّت من بني الأنعام بذلك، ووجدت بني إسرائيل بعدما شاهدوه من قدرة الله جلّ وعلا في جفوف البحر ويبسه وأمر الحية والعصا، فلما غاب عنهم موسى عليه السلام عبدوا عجلا. ووجدت الحكمة في أربعة من الأمم: الهند والفرس والروم والعرب. فأما الهند فإنها تعظّم البقر تعظيما مشهورا، حتى إنها حرّمت لحمها وصارت ترى قتل من استحلّ ذبح شيء منها. ووجدنا الفرس تعظّمها وتتطهّر بأبوالها. ووجدنا الروم تعظّمها وقد جعلت لها عيدا، وتمنع من أكل لحومها. ووجدنا العرب قد جعلتها أجلّ قرباناتها إلى الله في أعيادها، وعقيقتها عن أولادها. ويروى عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: إنّ ملكين من حملة العرش على صورة البقرة يدعوان الله بأرزاق البهائم، فلولا ما فيها من التكريم والتعظيم والتقديم على سائر البهائم لما خصّت بهذه المناقب العظام. ولولا إشفاقي من الخروج في الإطناب عن الغرض المطلوب، والمذهب المركوب، لزدت في إيضاح مناقبها، والإفصاح بأوصافها التي تتميّز بها عن المخلوقات المركوبات، والمثيرات والحارثات، ولكن قد مضى ما فيه كفاية، وإن لم يكن بلغ النهاية. (وبعده الدعاء) . وهذا فصل نضمّه إلى الباب يتضمّن حسن التأسّي في الشدة، والصبر والتسلّي عن نوائب الدهر. «723» - ثمرة الصبر الظفر، ونتيجته الراحة. وإذا تلقّي به الحوادث فكأن لم تقع. قال عليّ عليه السلام: من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع. وقال: الصبر يناضل الحدثان، والجزع من أعوان الزمان. وقال أيضا: الصبر شجاعة. وكتب إلى أخيه عقيل بن أبي طالب من كتاب له: ولا تحسبنّ ابن أبيك، ولو أسلمه الناس، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 متضرّعا متخشّعا، ولا مقرّا للضيم واهنا، ولا سلس الزمام للقائد، ولا وطيء الظهر للراكب، ولكنه كما قال أخو بني سليم: [من الطويل] إن تسأليني كيف أنت فإنني ... صبور على ريب الزمان صليب يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة ... فيشمت عاد أو يساء حبيب 724- وقال شاعر: [من الوافر] ولو جعل الإله الحزن فرضا ... مكان الصبر في حال الخطوب لكان الحزن فيها غير شك ... أشدّ المعنيين على القلوب 725- وقال السفاح: الصبر حسن إلا على ما أوتغ [1] الدين وأوهن السلطان. «726» - سئل ابن عبّاس عن الحزن والغضب فقال: أصلهما وقوع الأمر بخلاف المحبة، وفرعاهما يختلفان. فمن أتاه المكروه ممن فوقه نتج عليه حزنا، ومن أتاه ممن دونه هيج غضبا. «727» - وأنشد الزبير بن بكار: [من البسيط] اصبر فكلّ فتى لا بدّ مخترم ... والموت أيسر مما أمّلت جشم الموت أسهل من إعطاء منقصة ... إن لم تمت عبطة فالغاية الهرم 728- وأنشد للرشيد عند موته: [من الطويل] وإني لمن قوم كرام يزيدهم ... شماسا وصبرا شدّة الحدثان   [1] م ب: أوقع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 72» - والصبر صبران: صبر على ما يكره، وصبر عمّا يحبّ، والثاني أشدهما على النفوس، وفنون ذلك تجده في باب الآداب الدينية. ونذكر هاهنا الصبر على المكاره واحتمال الفوادح. «730» - قال الشاعر: [من الطويل] تعزّ فإنّ الصبر بالحرّ أجمل ... وليس على ريب الزمان معوّل فلو كان يغني أن يرى المرء جازعا ... لحادثة أو كان يغني التذلّل لكان التعزّي عند كلّ مصيبة ... ونائبة [1] بالحرّ أولى وأجمل فكيف وكلّ ليس يعدو حمامه ... وما لامرىء عما قضى الله مزحل فإن تكن الأيّام فينا تبدّلت ... بئيسا بنعمى والحوادث تفعل فما ليّنت منا قناة صليبة ... ولا ذلّلتنا للّذي ليس يجمل ولكن رحلناها نفوسا كريمة ... تحمّل ما لا يستطاع فتحمل وقينا بحسن الصبر منّا نفوسنا ... فصحّت لنا الأعراض والناس هزّل «731» - وروي أنّ جابر بن عبد الله استأذن على معاوية فلم يؤذن له أياما ثم دخل فمثل بين يديه فقال: يا معاوية أشهد أني سمعت المبارك صلّى الله عليه وسلم يقول: ما من أمير احتجب عن الفقراء إلّا احتجب الله عنه يوم يفتقر إليه. فغضب معاوية وقال: يا جابر، ألست ذكرت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر الأنصار، سيصيبكم بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض؟ قال: قد سمعت الطيب   [1] القالي: ونازلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 المبارك صلّى الله عليه وسلم يقوله. قال معاوية: فألّا صبرت؟ قال: إذن والله أصبر كما صبرت حين ضربت أنفك وأنف أبيك حتى دخلتما في الإسلام كارهين؛ ثم انصرف وهو يقول: [من الطويل] إني لأختار البلاء على الغنى ... وأجزا بالماء القراح عن المحض وأدّرع الإملاق صبرا وقد أرى ... مكان الغنى أن لو أهين له عرضي فناشده معاوية أن يأخذ صلته، وبعث في أثره يزيد بن معاوية، فقال: والله لا يجمعني وإياه بلد أبدا. فلما خرج لقي عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن سابط، فقال له ابن عباس: قد بلغني ما كان من ابن آكلة الأكباد، وكهف النفاق، ورأس الأحزاب. هلمّ إليّ أشاطرك مالي كما قاسمتني مالك، ولك نصف داري كما أسكنتني دارك، فقال جابر: ثمّر الله مالك، وبارك لك في دارك، فقد أثبتّ ما أنت أهله، وقال معاوية ما كان [1] يشبهه. 732- وقال بعض الحكماء: امتحن صبر العباد بالعلّة، وشكرهم بالعافية. «733» - وقال جهم بن مسعدة الفزاري متسلّيا عن انهدامه: [من الرجز] إني وإن أفنى الزمان نحضي ... وابتزّني بعضي وأبقى بعضي وأسرعت أيامه في نقضي ... بمجحفات وأمور تمضي حتى حنت طولي وضمّت عرضي ... وقصّرت رجلاي دون الأرض   [1] كان سقطت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 وهمّ أهل ثقتي برفض ... ينفع حبّي ويضرّ بغضي «734» - وقال الفرزدق متأسّيا بالشامت: [من الوافر] إذا ما الدهر جرّ على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا «735» - وقال الأحوص بن محمد الأنصاري: [من الطويل] فمن يك أمسى سائلا عن شماتة ... بما ساءني أو شامتا غير سائل فقد عجمت منّي الحوادث ماجدا ... صبورا على عضّات تلك الزلازل [1] إذا سرّ لم يفرح وليس بنكبة ... ألمّت به بالخاشع المتضائل ومعنى هذا البيت مطروق متداول، فالأول فيه قول النابغة: [من الطويل] ولا يحسبون الخير لا شرّ بعده ... ولا يحسبون الشرّ ضربة لازب وتبعه كثير فقال: [من الطويل] فما فرح الدنيا بباق لأهله ... ولا شدة البلوى بضربة لازم   [1] في رواية: التلاتل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 وقال طريح مثله: [من البسيط] لا يفرحون إذا ما الدهر طاوعهم ... يوما بيسر ولا يشكون إن نكبوا وقال النابغة الجعدي: [من المتقارب] إذا مسّه الشرّ لم يكتئب ... وإن مسّه الخير لم يعجب وقال عبد الرحمن بن يزيد الهمداني: [من الكامل] باق على الحدثان غير مكذّب ... لا كاسف بالي ولا متلهّف إن نلت لم أفرح بشيء نلته ... وإذا سبقت به فلا أتلهّف وقال هدبة بن خشرم: [من الطويل] ولست بمفراح إذا الدهر سرّني ... ولا جازع من صرفه المتقلّب «736» - وكان الأحوص جلدا حين ابتلي: وفد على الوليد بن عبد الملك فامتدحه، فأنزله منزلا وأمر بمطبخه أن يمال عليه. ونزل على الوليد شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاص فكان الأحوص يراود وصفاء للوليد خبّازين على أنفسهم، وكان شعيب قد غضب على مولى له ونحّاه. فلما خاف الأحوص أن يفتضح بمراودته الغلمان اندسّ بمولى شعيب ذلك فقال له: ادخل على أمير المؤمنين فاذكر له أنّ شعيبا أرادك على نفسك؛ فالتفت الوليد إلى شعيب فقال: ما يقول هذا؟ فقال: لكلامه غور يا أمير المؤمنين فاشدد به يديك يصدقك، فشدّ عليه فقال: أمرني بذلك الأحوص. فقال قيّم الخبازين: أصلحك الله، إنّ الأحوص يراود غلمانك على أنفسهم. فأرسل به الوليد إلى ابن حزم بالمدينة وأمره أن يجلده مائة، ويصبّ على رأسه زيتا، ويقيمه على البلس، فقال وهو على البلس أبياته النونيّة التي فيها: [من الكامل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 إني على ما تعلمون محسّد ... أنمي على البغضاء والشنآن ما من مصيبة نكبة أمنى بها [1] ... إلّا تشرّفني وترفع شاني وتزول حين تزول عن متخمّط ... تخشى بوادره على الأقران إني إذا خفي الرجال وجدتني ... كالشمس لا تخفى بكلّ مكان «737» - ومن التسلّي الحسن قول مجنون: ليس في الدنيا أجلّ منّي، لا حاسب في الدنيا ولا في الآخرة. «738» - وقال أبو الشغب في حبس خالد بن عبد الله القسري: [من الطويل] ألا إنّ خير الناس قد تعلمونه ... أسير ثقيف موثقا في السلاسل لعمري لئن أعمرتم السجن خالدا ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل لقد كان نهّاضا بكلّ ملمّة ... ومعطي اللهى غمرا كثير النوافل [2] فإن تسجنوا القسريّ لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل [ أشعار في الحبس ] «739» - وقال علي بن الجهم لما حبسه المتوكل: [من الكامل] قالت حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأيّ مهنّد لا يغمد أوما رأيت الليث يألف غيله ... كبرا وأوباش السباع تردّد والبدر يدركه السّرار فتنجلي ... أيامه وكأنّه متجدّد والشمس لولا أنها محجوبة ... عن ناظريك لما أضاء الفرقد   [1] م: ما يعتريني من خطوب ملمة. [2] هذا البيت سقط من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 والزاعبيّة لا يقيم كعوبها ... إلا الثقاف وجذوة تتوقد والنار في أحجارها مخبوءة ... لا تصطلى إن لم تثرها الأزند والحبس ما لم تغشه لدنيّة ... شنعاء نعم المنزل المتورّد بيت يجدّد للكريم كرامة ... ويزار فيه ولا يزور ويحمد لو لم يكن في الحبس إلا أنّه ... لا تستذلّك بالحجاب الأعبد غير الليالي باديات عوّد ... والمال عارية يعار وينفد ولكلّ حين معقب ولربّما ... أجلى لك المكروه عما تحمد لا يؤيسنّك من تفرّج نكبة ... خطب رماك به الزمان الأنكد كم من عليل قد تخطّاه الرّدى ... فنجا ومات طبيبه والعوّد صبرا فإنّ اليوم يعقبه غد ... ويد الخلافة لا تطاولها يد «740» - ولما حبسه بلغه أنه هجاه، فنفاه إلى خراسان، وكتب إلى طاهر بن عبد الله بن طاهر بأن يصلب إذا وردها يوما إلى الليل، فصلب مجرّدا ثم أنزل فقال: [من الكامل] لم ينصبوا بالشاذياخ عشية ال ... إثنين مغمورا ولا مجهولا نصبوا بحمد الله ملء قلوبهم ... كرما وملء صدورهم تبجيلا ما عابه أن بزّ عنه ثيابه ... والسيف أهول ما يرى مسلولا إن يبتذل فالبدر لا يزري به ... أن كان ليل تمامه مبذولا أو يسلبوه المال يحزن فقده ... ضيفا ألمّ وطارقا ونزيلا «741» - وقال أبو إسحاق الصابي وحبسه عضد الدولة ونكبه: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 [من الطويل] يعيّرني بالحبس من لو يحلّه ... حلولي طالت واشمخرّت مراتبه وربّ طليق أعتق الذلّ رقّه ... ومعتقل عان وقد عزّ جانبه وإن يك قد أودت بمالي نكبة ... نظيري فيها كلّ قرم أناصبه فما كنت كالقسطار يثري بكيسه ... ويملق أن أنحى على الكيس سالبه ولكن كليث الغيل إن رام ثروة ... حوتها له أنيابه ومخالبه يبيت خميصا طاويا ثم يغتدي ... مباحا له من كلّ طعم أطابيه كذلك مثلي نفسه رأس ماله ... بها يدرك الربح الذي هو طالبه ولي بين أقلامي ولبّي ومنطقي ... غنى قلّ ما يشكو الخصاصة صاحبه «742» - وكتب إليه ابنه أبو علي المحسّن في نكبته هذه يسلّيه عنها: [من البسيط] لا تأس للمال إن غالته غائلة ... ففي حياتك من فقد اللهى عوض إذ أنت جوهرنا الأعلى وما جمعت ... يداك من طارف أو تالد عرض «743» - قيل لرجل كفّ بصره: قد سلبت حسن وجهك، فقال: صدقت غير أني منعت النظر إلى ما يلهي، وعوّضت الفكرة فيما يجدي. فحكي ذلك لبعض الخلفاء فقال: العفا على التعزّي إلا بمثل هذا الكلام. «744» - وقال الجنيد: بصرت أبا عبد الله الأشناني وكان ضريرا فقرأ قارىء يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (غافر: 19) فقال سقط عني نصف العمل وبقي عليّ نصفه وهو ما تخفي الصدور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 «745» - ومما يروى [1] لعبد الله بن عبّاس: [من البسيط] إن يأخذ الله من عينيّ نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور قلبي ذكيّ وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور «746» - ولأبي علي البصير الأنباري: [من الطويل] لئن كان يهديني الغلام لوجهتي ... ويقتادني في السير إذ أنا راكب لقد يستضيء القوم بي في وجوههم ... ويخبو ضياء العين والقلب ثاقب «747» - استقبل الخثعميّ مالك بن طوق وقد عزل عن عمل فقال مسلّيا له عن العزل: [من الطويل] فلا يحسب الواشون عزلك مغنما ... فإنّ إلى الإصدار ما غاية الورد وما كنت إلا السيف جرّد للوغى ... فأحمد فيها ثم عاد إلى الغمد «748» - وقال أبو عثمان الخالدي يسلّي نفسه عن الفقر: [من الكامل المجزوء] صدّت مجانبة نوار ... ونأى بجانبها ازورار يا هذه إن رحت في ... سمل فما في ذاك عار هذي المدام هي الحيا ... ة قميصها طين [2] وقار   [1] م: روي. [2] م: خزف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 «749» - وأنشد الأصمعيّ لامرأة من العرب مفجّعة بالحوادث لم تيأس ولم تسل: [من الطويل] أنوح على دهر مضى بغضارة ... إذ العيش غضّ والزمان موات أبكّي زمانا صالحا قد فقدته ... تقطّع قلبي إثره زفرات أيا زمنا ولّى على رغم أهله ... ألا عد كما قد كنت مذ سنوات تمطّى عليّ الدهر في متن قوسه ... فأقصدني منه بسهم شتات «750» - وقال تاج الدولة أبو الحسين أحمد بن عضد الدولة وقد عدم عزاءه عن نكبته: [من الطويل] هب الدهر أرضاني وأعتب صرفه ... وأعقب بالحسنى من الحبس والأسر فمن لي بأيام الهموم التي مضت ... ومن لي بما أنفقت في الحبس من عمري «751» - كتب محمد بن الحنفية إلى عبد الله بن عبّاس حين سيّره ابن الزبير إلى الطائف يسلّيه عن فعله به: أما بعد، فإنه بلغني أنّ لبن الزبير سيّرك إلى الطائف، فأحدث الله عزّ وجلّ بذلك ذخرا حطّ به عنك وزرا. يا ابن عمّ إنّما يبتلى الصالحون وتعدّ الكرامة للأخيار، ولو لم تؤجر إلا فيما تحبّ لقلّ الأجر. وقد قال الله تعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ (البقرة: 216) عزم الله لنا ولكم بالصبر على البلاء، والشكر على النعماء، ولا أشمت بنا عدوّا، والسلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 [ صبر عروة بن الزبير ] «752» - وكان عروة بن الزبير صبورا حين ابتلي. خرج إلى الوليد بن عبد الملك فوطىء عظما فلم يبلغ دمشق حتى ذهب به كلّ مذهب. فجمع الوليد الأطباء فأجمع رأيهم على قطعها، فقالوا له: اشرب مرقّدا، فقال: ما أحبّ أن أغفل عن ذكر الله تعالى. فأحمي له منشار، وكان قطعا وحسما، فما توجّع وقال: ضعوها [1] بين يديّ، لئن كنت ابتليت في عضو لقد عوفيت في أعضاء. فبينا هو على ذلك أتاه نعي ابنه محمد، وكان قد اطّلع من سطح على دوابّ الوليد فسقط بينها فخبطته، فقال عروة: الحمد لله لئن أخذت واحدا لقد أبقيت جماعة. ولما عاد من سفره أتاه المعزّون وفيهم عيسى بن طلحة فقال: يا أبا عبد الله ما كنّا نعدّك للسباق، وما فقدنا منك إلّا أيسر ما فيك، إذ أبقى الله لنا سمعك وبصرك وعقلك. «753» - وقدم على الوليد وفد من عبس فيهم شيخ ضرير، فسأله عن حاله وذهاب عينيه فقال: بتّ ليلة في بطن واد ولا أعلم عبسيّا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد غير صبيّ صغير وبعير، وكان صعبا، فندّ فوضعت الصبيّ عن منكبيّ وتبعت البعير، فلم أجاوز حتى سمعت صيحة الصبيّ، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله، فاستدرت بالبعير لأحبسه فنفحني برجله فحطّم وجهي فذهبت عيناي، فأصبحت لا عين ولا أهل ولا مال ولا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أنّ في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه، ويتسلى.   [1] م: دعوها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 754- وقيل: الحوادث الممضّة مكسبة لحظوظ جزيلة منها ثواب [1] مدّخر، وتطهير من ذنب، وتنبيه من غفلة، وتعريف لقدر النعمة، ومرون على مقارعة الدهر. ومن ولج في النائبة صابرا خرج منها مثقفا [2] . [ أسماء وابنها عبد الله ] «755» - ومن التأسي العجيب والاحتساب الجميل ما فعلته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما في حرب ابنها عبد الله بن الزبير: دخل عليها في اليوم الذي قتل فيه فقال: يا أمّه، خذلني الناس حتى أهلي وولدي ولم يبق إلا اليسير ومن لا دفع عنده أكثر من صبر ساعة من النهار، وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا فما رأيك؟ قالت: إن كنت على الحقّ وتدعو إليه فامض عليه فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكّن من رقبتك غلمان بني أميّة فيتلعبوا بك، وان قلت إني كنت على حقّ فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي ليس هذا فعل الأحرار، ولا فعل من فيه خير. كم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن ما [3] نقع به يا ابن الزبير. والله لضربة بالسيف في عزّ أحبّ إليّ من ضربة بسوط في ذلّ. قال لها: هذا والله رأيي الذي قمت به داعيا إلى الله، والله ما دعاني إلى الخروج إلّا الغضب لله تعالى، أن تهتك محارمه. ولكني أحببت أن أطّلع رأيك فزدتني [4] قوّة وبصيرة مع قوتي وبصيرتي [5] . والله ما تعمدت إتيان منكر، ولا عملا بفاحشة، ولم أجر في حكم، ولم أغدر في أمان، ولم يبلغني عن عمّالي ظلم فرضيت به، بل أنكرت ذلك، ولم يكن شيء عندي آثر من رضى ربي سبحانه وتعالى، اللهمّ إني لا أقول ذلك   [1] م: الثواب. [2] م: مشفقا. [3] م: مما. [4] م: فيزيدني. [5] م: مع بصيرتي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 تزكية لنفسي ولكن أقوله تعزية لأمّي لتسلو عني. قالت له: والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا بعد أن تقدمتني، فإنّ في نفسي منك حوجاء حتى أنظر إلى ما يصير أمرك. ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبرّه بأمّه. اللهمّ إني قد سلمت فيه لأمرك، ورضيت منك بقضائك، فأثبني في عبد الله ثواب الشاكرين. فودّعها فوجدت مسّ الدّرع تحت ثوبه. فقالت: ما هذا فعل من يريد ما تريد. فقال: إنما لبسته لأشدّ منك. قالت: فإنه لا يشدّ منّي. وقال لها فيما خاطبها به: إني ما أخاف القتل وإنما أخاف المثلة، فقالت: يا بنيّ إنّ الشاة لا تبالي بالسّلخ بعد الموت. وكانت تقف على خشبته وهو مصلوب فتقول: لقد قتلوك صوّاما قوّاما ظمآن الهواجر، ومن قتل على باطل فقد قتلت على حقّ؛ وما ينزل [1] من عينها قطرة. ووقفت عليه بعد مدة من صلبه فقالت: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟! [ أحاديث وأشعار في الصبر ] «756» - ومن عظيم صبر النساء وعجيبه ما كان من أمر أمّ سليم امرأة أبي طلحة الأنصاريّ: مرض ابنها منه فمات، فسجّته في المخدع ثم قامت فهيأت لأبي طلحة إفطاره، كما كانت تهيىء له كل ليلة، فدخل أبو طلحة وقال لها: كيف الصبيّ؟ قالت: بأحسن حال بحمد الله، ثم قامت فقربت إلى أبي طلحة إفطاره، ثم قامت إلى ما تقوم إليه النساء، فأصاب أبو طلحة من أهله، فلما كان في السحر قالت: يا أبا طلحة ألم تر آل فلان استعاروا عارية فلما طلبت منهم شقّ عليهم، فقال: ما أنصفوا، قالت: فإنّ ابنك كان عارية من الله وإنّ الله قد قبضه   [1] م: نزل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 إليه، فحمد الله واسترجع، ثم غدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له: يا أبا طلحة بارك الله لكما في ليتكما. «757» - ومن ذلك خبر الأنصارية لما كان [1] يوم أحد، حاص أهل المدينة حيصة وقالوا: قتل محمد حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة، فخرجت امرأة من الانصار فاستقبلت بأخيها وابنها وزوجها وأبيها قتلى، فلما مرّت بهم قالت: ما فعل النبيّ صلّى الله عليه وسلم؟ قالوا: أمامك، حتى ذهبت إليه فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: بأبي وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب. «758» - قال المدائني: أتى عبيد الله بن زياد بامرأة من الخوارج فقطع رجلها وقال لها: كيف ترين؟ قالت: إن في الفكر في هول المطلع لشغلا عن حديدتكم هذه. ثم قطع رجلها الأخرى وجذبها فوضعت يدها على فرجها فقال: إنك لتسترينه، فقالت: لكن سمية أمّك لم تستره. «759» - أتى البرد على زرع عجوز في البادية، فأخرجت رأسها من الخباء ونظرت الى الزرع وقد احترق فقالت، ورفعت رأسها إلى السماء: اصنع ما شئت فان رزقي عليك. «760» - قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: [من الوافر]   [1] لما كان: سقطت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 وإن قالت رجال قد تولى ... زمانكم وذا زمن جديد فما ذهب الزمان لنا بمجد ... ولا حسب اذا ذكر الجدود وما كنّا لنخلد إذ ملكنا ... وأيّ الناس دام له الخلود «761» - وقيل لأخيه، بعد أن رأوه حمّالا: لقد حطّك الزمان، وعضّك الحدثان، فقال: ما فقدنا من عيشنا إلا الفضول. «762» - وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابيّ: [من البسيط] وليلة من ليالي الدهر كالحة ... باشرت في هولها مرأى ومستمعا ونكبة لو رمى الرامي بها حجرا ... أصمّ من جندل الصمّان لانصدعا مرّت عليّ فلم أطرح لها سلبي ... ولا اشتكيت لها وهنا ولا جزعا ما سدّ من مطلع يخشى الهلاك به ... إلا وجدت بظهر الغيب مطلعا لا يملا الهول قلبي قبل وقعته ... ولا يضيق به صدري إذا وقعا «763» - وقال أبو هفّان: [من الطويل] لعمري لئن بيّعت في دار غربة ... ثيابي أن عزّت عليّ المآكل فما أنا إلّا السيف يأكل جلده ... له حلية من نفسه وهو عاطل «764» - وقال البحتريّ يسلّي محمد بن يوسف عن حبسه: [من الطويل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 وما هذه الأيّام إلّا منازل ... فمن منزل رحب ومن منزل ضنك وقد هذّبتك الحادثات وإنما ... صفا الذهب الإبريز قبلك بالسّبك أما في رسول الله يوسف أسوة ... لمثلك محبوسا على الظّلم والإفك أقام جميل الصبر في السجن برهة ... فآل به الصبر الجميل إلى الملك «765» - ومن الرضا بالموت وإيثاره لمعنى لطيف قول يزيد [1] بن أسد، ودعا له رجل فقال: أطال الله بقاءك، قال يزيد [2] : دعوني أمت وفيّ بقيّة تبكون بها عليّ. «766» - ووصف الحسن بن سهل المحن فقال: فيها تمحيص للذنب، وتنبيه من الغفلة، وتعريض للثواب بالصبر، وتذكير بالنعمة، واستدعاء للتوبة، وفي نظر الله عزّ وجلّ وقضاياه بعد الخيار. «767» - سئل بزرجمهر في نكبته عن حاله فقال: عوّلت على أربعة أشياء قد هوّنت عليّ ما أنا فيه، أوّلها: أني قلت القضاء والقدر لا بدّ من جريانهما، والثاني: أني قلت إن لم أصبر فما أصنع؟ والثالث: قلت قد كان يجوز أن يكون أشدّ من هذا، والرابع: قلت لعلّ الفرج قريب وأنت لا تدري. 768- قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: من هوان الدنيا على الله أنّ   [1] م: زيد. [2] م: زيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 يحيى بن زكريا عليهما السلام أهدي رأسه إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل في طست من ذهب، وفيه تسلية لحرّ فاضل يرى الناقص الذي يظفر من الدنيا بالحظّ السنيّ. «769» - قال أبو العتاهية: حبسني الرشيد لما تركت قول الشعر فأدخلت السجن وأغلق الباب عليّ، فدهشت كما يدهش مثلي لتلك الحال، وإذا أنا برجل جالس في جانب الحبس مقيّد، فجعلت أنظر إليه ساعة ثم تمثل: [من الطويل] تعودّت مسّ الضرّ حتى ألفته ... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر وصيّرني يأسي من الناس راجيا ... لحسن صنيع الله من حيث لا أدري فقلت: أعد أعزّك الله هذين البيتين، فقال لي: ويلك يا أبا العتاهية ما أسوأ أدبك، وأقلّ عقلك، دخلت عليّ الحبس فما سلّمت تسليم المسلم على المسلم، ولا سألت مسألة الحرّ للحرّ، ولا توجّعت توجّع المبتلى للمبتلى، حتى إذا سمعت بيتين من الشعر الذي لا فضل فيك غيره لم تصبر عن استعادتهما، ولم تقدّم قبل مسألتهما عذرا لنفسك في طلبهما. فقلت: يا أخي إني دهشت لهذه الحال، فلا تعذلني واعذرني متفضّلا بذلك. فقال: أنا أولى بالدّهش والحيرة منك، لأنك حبست في أن تقول شعرا به ارتفعت وبلغت، فإذا قلت أمنت، وأنا مأخوذ بأن أدلّ على ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليقتل أو أقتل دونه، وو الله لا أدلّ عليه أبدا. والساعة يدعى بي فأقتل، فأيّنا أحقّ بالدّهش؟ فقلت: أنت أولى سلّمك الله وكفاك [1] ، ولو علمت أنّ هذه حالك   [1] م: وكفاني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 ما سألتك. فقال: فلا نبخل عليك إذن، ثم أعاد البيتين حتى حفظتهما، فسألته من هو؟ فقال: أنا حاضر، داعية عيسى بن زيد وابنه أحمد. ولم نلبث أن سمعنا صوت الأقفال، فقام فسكب عليه ماء كان عنده في جرّ، ولبس ثوبا نظيفا، ودخل الحرس والجند معهم الشمع، فأخرجنا جميعا، وقدّم قبلي إلى الرشيد، فسأله عن أحمد بن عيسى فقال: لا تسألني عنه واصنع ما أنت صانع، فلو أنه تحت ثوبي هذا ما كشفته عنه؛ فأمر بضرب عنقه فضربت، ثم قال لي: أظنّك قد ارتعت يا إسماعيل، فقلت: دون ما رأيته تسيل منه النفوس، فقال: ردّوه إلى محبسه، فرددت وانتحلت البيتين وزدت فيهما: إذا أنا لم أقبل من الدهر كلّ ما ... تكرّهت منه طال عتبي على الدهر «770» - قال أحمد الأحول: لما قبض على محمد بن عبد الملك الزيات تلطّفت في الوصول إليه فرأيته في حديد ثقيل، فقلت: أعزز عليّ بما أرى، فقال: [من الرمل] سل ديار الحيّ ما غيّرها ... وعفاها ومحا منظرها وهي الدنيا إذا ما انقلبت ... صيّرت معروفها منكرها 771- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أبالي على أيّ حال أصبحت: على ما أحبّ أو على ما أكره، لأني لا أدري الخيرة في أيّهما. «772» - قال حكيم: أشدّ الناس مصيبة مغلوب لا يعذر، ومبتلى لا يرحم. 773- سئل عليّ عليه السلام: أيّ شيء أقرب إلى الكفر؟ فقال: ذو فاقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 «774» - أبو جلدة [1] اليشكري: [من البسيط] ما عضّني الدهر إلّا زادني كرما ... ولا استكنت له إن خان أو خدعا وما تزيد [2] على العلّات معجمتي ... في النائبات إذا ما سيء طبعا ولا يؤبّس [3] من عودي خوالفه ... إذا المغمّر منها خان [4] أو خضعا ما يسرّ الله من خير قنعت به ... ولا أموت على ما فاتني جزعا [5] «775» - المتنبي: [من الطويل] كثير حياة المرء مثل قليلها ... يزول وباقي عمره مثل ذاهب إليك فإني لست ممن إذا اتقى ... عضاض الأفاعي نام فوق العقارب «776» - أبو الفتح البستي: [من الطويل] فلا تعتقد للحبس غمّا ووحشة ... فأوّل كون المرء في أضيق الحبس 777- عبد الله بن المعتز بن المعتز: [من الطويل] وكانت على الأيام نفسي عزيزة ... فلما رأت صبري على الذلّ ذلّت فقلت لها يا نفس موتي كريمة ... فقد كانت الدنيا لنا ثمّ ولّت   [1] م: وقال أبو جلدة (وتزاد قال في الفقرات التالية) . [2] الأغاني: وما تلين. [3] الأغاني: ولا يليّن. [4] الأغاني: لان. [5] لم يرد البيت في الأغاني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 «778» - قال الشيباني: أخبرني صديق لي قال: سمعني شيخ وأنا أشتكي بعض ما غمّني إلى صديق، فأخذ بيدي وقال: يا ابن أخي إياك والشكوى إلى غير الله، فإنه لا يخلو من تشكو إليه أن يكون صديقا أو عدوّا، فأمّا الصديق فتحزنه ولا ينفعك، وأمّا العدوّ فيشمت بك. انظر إلى عيني هذه، وأشار إلى إحدى عينيه، والله ما أبصرت بها شخصا ولا طريقا مذ خمس عشرة سنة، وما أخبرت بها أحدا إلى هذه الغاية. أما سمعت قول العبد الصالح نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (يوسف: 86) فاجعله مشتكاك ومفزعك عند كلّ نائبة، فإنه أكرم مسؤول وأقرب مدعوّ إليه. «779» - ومثله ما روي عن الأحنف بن قيس قال: شكوت إلى عمّي صعصعة ابن معاوية وجعا في بطني، فهزّني ثم قال: يا ابن أخ، إذا نزل بك شيء فلا تشكه إلى أحد، فإنما الناس رجلان: صديق تسوءه وعدوّ تسرّه، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن إلى من ابتلاك به وهو قادر أن يفرّج عنك. يا ابن أخي إحدى عينيّ هاتين ما أبصر بها سهلا ولا جبلا من أربعين سنة وما أطلعت على ذلك امرأتي ولا أحدا من أهلي. «780» - شكا رجل إلى آخر الفقر فقال له فضيل: يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك. «781» - قال الأصمعي: مررت بأعرابية وبين يديها فتى في السّياق، ثم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 رجعت فرأيت بيدها قدح سويق تشربه، فقلت لها: ما فعل الشابّ؟ قالت: واريناه، قلت: ما هذا السويق؟ فقالت: [من الطويل] على كلّ حال يأكل المرء زاده ... على البؤس والضّرّاء والحدثان «782» - حدّث معقل بن عليّ قال: كان عندنا بالمدينة رجل من ولد كثير بن الصلت، حسن الوجه، نظيف الثياب، كثير المال، ملازم لمسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فغلبت عليه المرّة فأحرقته وذهبت بعقله، فكان بعد ذلك يتتبّع المزابل فمررت به يوما وهو على رماد حمّام فقلت: يا ابن كثير عزّ عليّ ما أرى بك فقال: الحمد لله الذي لم يجعلني ساخطا لقضائه وقدره يا أخا الأنصار. «783» - روى أهل العراق أنّ عطاء الخراساني كان يغازيهم في سبيل الله، فيقوم الليل، حتى إذا انفجر الصبح نادى بأعلى صوته: يا عبد الرحمن بن يزيد ويا هشام بن الغاز قوموا فصلّوا فإنّ مكابدة هذا الليل الطويل خير من مفظعات [1] النيران والسلاسل والأغلال. النجاء، الوحى الوحى، فلعلّ يا أخا الأنصار ما أنا فيه بدل [2] من النار. «784» - قال أبو القاسم الحسن بن حبيب النيسابوري: دخلت بهراة دار المرضى فإذا شيخ مسلسل، فقلت له: يا شيخ أتريد النجاة مما أنت فيه؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال: لأنّ القلم مرفوع عني فيما أتعاطاه، فإذا نجوت من هذه البليّة أجري عليّ القلم؛ وقد حبست وأطلق عنك وستحبس ويطلق عني.   [1] ب م: مقطعات. [2] م: خير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 «785» - سعية [1] بن عريض اليهودي: [من الكامل] إنّ امرءا أمن الحوادث وارتجى ... طول الحياة كضارب بقداح إن أمس قد سدّت عليّ مذاهبي ... أو أمس قد جمدت عليّ لقاحي فلقد أجرّ الخصم يخشى ذرعه ... وأردّ فضل جماحه بجماحي [2] «786» - سعيد بن حميد الكاتب: [من الكامل المجزوء] لا تعتبنّ على النوائب ... فالدهر يرغم كلّ عاتب واصبر على حدثانه ... إنّ الأمور لها عواقب كم نعمة مطوية ... لك أثناء النوائب ومسرّة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب «787» - أيوب عليه السلام قالت له امرأته: لو دعوت الله أن يشفيك، قال: ويحك كنا في النعماء سبعين عاما، فهلمّي نصبر على الضرّاء مثلها. فلم ينشب إلا يسيرا أن عوفي. 788- أعرابيّ: كن حلو الصبر عند مرّ النازلة. «789» - العتابي: [من الكامل المرفل]   [1] ب م: سعنة. [2] سقط البيت من ب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 اصبر إذا بدهتك نائبة ... ما عال منقطع إلى صبر الصبر أولى ما اعتصمت به ... ولنعم حشو جوانح الصّدر 790- قال الملك لبزرجمهر: ما علامة الظفر بالأمور المستصعبة؟ قال: المحافظة على الصبر، وملازمة الطلب، وكتمان السرّ. «791» - قال الأحنف: لست حليما إنّما أنا صبور. «792» - أبو حية النميري: [من البسيط] إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر وقلّ من جدّ في أمر يطالبه ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر «793» - يقال: (1) اصبر على عمل لا غنى بك عن ثوابه، وعن عمل لا صبر بك على عقابه. (2) من لم يتلقّ نوائب الدهر بالصبر طال عتبه عليه. (3) اصبر لحكم من لا تجد معوّلا إلا عليه ولا مفزعا إلّا إليه. (4) المحنة إذا تلقيت بالرضى والصبر كانت نعمة دائمة، والنعمة إذا خلت من الشكر كانت نقمة لازمة. 794- رستم: حسن الصبر طليعة الظفر. 795- علي عليه السلام: إن كنت جازعا على ما يفلت من يديك فاجزع على كلّ ما لم يصل إليك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 796- أغارت الروم على أربعمائة جاموس لبشير الطبري، فلقيه عبيده الذين كانوا يرعونها ومعهم عصيّهم فقالوا: ذهبت الجواميس، قال: فاذهبوا أنتم معها، أنتم أحرار لوجه الله، وكانت قيمتهم ألف دينار، فقال له ابنه: قد أفقرتنا [1] فقال: اسكت يا بنيّ إنّ الله اختبرني فأحببت أن أزيده. «797» - لما دفن عمر بن عبد العزيز ابنه عبد الملك رأى رجلا يتكلّم ويشير بشماله، فصاح به: إذا تكلمت فأشر بيمينك. فقال الرجل: ما رأيت كاليوم رجلا دفن أعزّ الناس عليه ثم هو يهمّه يميني من شمالي. فقال عمر: إذا استأثر الله بشيء فاله عنه. «798» - خرج معاوية يوما يسير ومعه عبد العزيز بن زرارة الكلابي، وكان مقدّما في فهمه وأدبه إلى شرفه ومنصبه، فقال له: يا عبد العزيز أتاني نعي سيد شباب العرب، فقال: ابني أم ابنك؟ قال: بل ابنك؟ قال: للموت ما تلد الوالدة. 799- هلك لأعرابيّ إبل فقال: إنّ موتا تخطّاني إلى مالي لعظيم النعمة عليّ. «800» - هلال بن نضلة الرّبعي: [من الطويل] سبّحت واسترجعت من بعد صدمة ... لها رجفت كبدي ومسّت فؤاديا صبرت فكان الصبر أدنى إلى التقى ... على حزّة قد يعلم الله ما هيا   [1] م: افتقرنا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 801- قال المحاسبي [1] : لكلّ شيء جوهر، وجوهر الإنسان العقل، وجوهر العقل الصبر. 802- بثّ رجل في وجه أبي عبيدة مكروها فقال: [من الطويل] فلو أنّ لحمي إذ وهى لعبت به ... سباع كرام أو ضباع وأذؤب لهوّن وجدي أو لسلّى مصيبتي ... ولكنّ ما أودى بلحمي أكلب «803» - آخر: [من الوافر] عذرت البزل إن هي خاطرتني ... فما بالي وبال ابن اللبون 804- آخر: [من الطويل] ولا غرو أن يبلى شريف بخامل ... فمن ذنب التنّين تنكسف الشمس «805» - بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب فقال: والله لئن عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة علينا بما أبقى الله لنا: شبّانا يشبّون الحروب، وسادة يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت. «806» - السمهري العكلي: [من الطويل] إذا حرسيّ قعقع الباب أرعدت ... فرائص أقوام وطارت قلوبها فإن تك عكل سرّها ما أصابني ... فقد كنت مصبوبا على من يريبها   [1] م: النجاشي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 «807» - الرضيّ: [من الكامل] ولربّما ابتسم الفتى وفؤاده ... شرق الجنان برنّة وعويل ولربما احتمل اللبيب مموّها ... عضّ الزمان ببشره المبذول «808» - وله من قصيدة كتب بها إلى الصابي يواسيه وقد ناله ألم المفاصل: [من الطويل] لئن رام قبضا من بنانك حادث ... لقد عاضنا منك انبساط جنان وإن أقعدتك النائبات فطالما ... سرى موقرا من مجدك الملوان وإن هدمت منك الخطوب بمرّها ... فثمّ لسان للمناقب بان وما زلّ منك الرأي والحزم والحجى ... فتأسى إذا ما زلّت القدمان ولو أنّ لي يوما على الدهر إمرة ... وكان لي العدوى على الحدثان خلعت على عطفيك برد شبيبتي ... جوادا بعمري واقتبال زماني وحمّلت ثقل الشيب عنك مفارقي ... وإن قلّ من غيري وغضّ عناني «809» - وقال يسلّي أباه عن الحبس: [من الخفيف] ظنّ بالعجز أنّ حبسك ذلّ ... والمواضي تصان بالأغماد ظنّ أنّ المدى يطول وفي الآ ... مال ما لا يعان بالأجداد كلّ حبس يهون عند الليالي ... بعد حبس الأرواح في الأجساد «810» - الخريمي: [من الطويل] لقد وقّرتني الحادثات فما أرى ... لنائبة من ريبها أتوجّع الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 نوادر من هذا الفصل «811» - لما ذهب بصر عمرو بن هدّاب، ودخل عليه الناس يعزّونه، دخل فيهم إبراهيم بن جامع، فقام بين يدي عمرو فقال: يا أبا أسيد لا تجزعنّ من ذهاب عينيك وإن كانتا كريمتيك، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنّيت أن يكون الله تعالى قد قطع يديك ورجليك، ودقّ ظهرك، وأدمى ظلفك. قال: فصاح به القوم، وضحك بعضهم، فقال عمرو: معناه صحيح ونيّته حسنة، وإن كان قد أخطأ في اللفظ. «812» - كان لمحمد بن عبد الملك الزيات برذون أشهب لم ير مثله فراهة وحسنا، فسعي به إلى المعتصم فأخذه منه، فقال محمد بن عبد الملك فيه: [من الكامل] كيف العزاء وقد مضى لسبيله ... عنّا فودّعنا الأحمّ الأشهب دبّ الوشاة فأبعدوك وربّما ... بعد الفتى وهو الأحبّ [1] الأقرب لله يوم نأيت عني ظاعنا ... وسلبت قربك أيّ علق يسلب نفس مقرّبة [2] أقام فريقها ... ومضى لطيّته فريق يجنب فالآن إذ كملت أداتك كلّها ... ودعا العيون إليك لون [3] معجب واختير من شرّ الحديد وخيره ... لك خالصا ومن الحليّ الأغرب   [1] الجليس: الحميم. [2] م: معرفة؛ الجليس: مقسمة. [3] الجليس: زي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 وغدوت طنّان اللجام كأنما ... في كلّ عضو منك صنج يضرب وكأنّ سرجك إذ علاك غمامة [1] ... وكأنما تحت الغمامة كوكب ورأى عليّ بك الصديق جلالة [2] ... وغدا العدوّ وصدره يتلهّب أنساك لا زالت إذن منسيّة ... نفسي ولا زالت بمثلك تنكب أضمرت فيك اليأس حين رأيتني ... وقوى حبالي من حبالك تقضب ورجعت حين رجعت منك بحسرة ... لله ما فعل الأصمّ الأشيب [3] 813- لما خلع المستعين قيل له: اختر بلدا تحلّه، فاختار البصرة، فقيل: هي حارّة، فقال: أترونها أحرّ من فقد الخلافة. 814- نفق دابة لجنديّ فقيل له: لا تغتمّ فلعلّه خيرة، فقال: لو كان خيرة لكان حيّا وإلى جنبه بغل. 815- أنشد ابن الأعرابيّ: [من الطويل] وليس بتعزير الأمير خزاية ... عليّ ولا عار إذا لم يكن حدّا وما الحبس إلا ظلّ بيت دخلته ... وما السّوط إلا جلدة صادفت جلدا [4]   [1] الجليس: فوق متن غمامة. [2] الجليس: مهابة. [3] يعني بالأصم الأشيب أحمد بن خالد خيلويه. [4] خاتمة النسخة م: آخر باب المراثي والتعازي ويتلوه باب المرض والعيادة والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلّم تسليما كثيرا دائما أبدا إلى يوم الدين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 الباب العشرون ما جاء في العيادة والمرض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (ربّ أعن واختم بخير [1] ) الحمد لله خالق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا، ومصيب عبده بقضائه المحتوم قدرا منه مقدورا، ومنقله بين السلامة والسقم اختبارا وابتلاء، وجاعل حاليه من نعمة وضرّ علاجا لأدواء القلوب وداء؛ نصب المرء لسهام الرزايا هدفا وغرضا، وبلاه باختلاف أطواره صحة ومرضا، فكان الصابر الراضي أحمدهما عاقبة وأكرمهما عوضا؛ إن أسدى نعمة فبكرمه يوليها، وإن اختبر عباده بنقمة يحلها ضمّن الصلاح في مطاويها؛ وأحمده على تظاهر آلائه، والعافية من عدواء الدهر ولأوائه؛ وأسأله الصلاة على محمد خير أنبيائه، المصطفى من أكرم عنصر بشرف اصطفائه، والمخصوص بكرم اختياره واجتبائه، متخذ التواضع خلقا وطبعا، وعايد الإخوان تكرمة لهم ورفعا، وسنّة يهدي إليها من ائتمّ بهداه، واقتدى بشرف سجاياه، وعلى آله وصحبه، ما همى صيّب من فتوق سحبه.   [1] من م وحدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 (الباب العشرون ما جاء في العيادة والمرض) [ أحاديث وأقوال في العيادة والمرض ] 816- قد خفّف الله عزّ وجلّ في المرض عن عباده، ورفع عنهم الجناح فيما افترضه عليهم فقال تعالى في الجهاد: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ (النساء: 102) وقال تعالى في الصيام: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (البقرة: 185) وقال في الحج: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (البقرة: 196) وقال عزّ وجلّ: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (النور: 61) فهذا التخفيف الذي منّ به عوضا عن البلوى وما وعد به من عوض الآخرة أجلّ وأعلى وأبقى. «817» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى آله: ما من مسلم يمرض مرضا إلّا حطّ الله به عنه خطاياه كما تحطّ الشجرة ورقها. «818» - وقال أبو عثمان النهدي: دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أعرابيّ ذو جثمان عظيم فقال له: متى عهدك بالحمّى؟ قال: ما أعرفها قال: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 فالصداع؟ قال: ما أدري ما هو، قال: فأصبت بمالك؟ قال: لا، قال: فرزئت بولدك؟ قال: لا، قال: إنّ الله ليبغض العفرية النّفرية الذي لا يرزا في ولده ولا يصاب في ماله. 819- عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم مريضا من الأنصار فلما أراد الانصراف أقبل عليه فقال: جعل الله ما مضى كفّارة وأجرا، وما بقي عافية لعلة وذخرا. «820» - وعاد صلّى الله عليه وعلى آله آخر فقال: اللهمّ آجره على وجعه، وعافه إلى منتهى أجله. «821» - وعنه صلّى الله عليه وسلم: أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصحّ بدنك وأروك من الماء البارد؟ «822» - وقال صلّى الله عليه وسلم: إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية. «823» - وقال صلّى الله عليه وسلم: ثلاثة في ظل العرش: عائد المرضى، ومشيع الموتى، ومعزّي الثكلى. «824» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: ثلاثة لا يعادون: صاحب الدمل، والرمد، والضرس. «825» - دخل عبد الوارث بن سعيد على رجل يعوده فقال له: كيف أنت؟ قال: ما نمت مذ أربعون ليلة، فقال: يا هذا أحصيت أيام البلاء فهل أحصيت أيام الرخاء؟! الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 «826» - مرض الفضل بن سهل مدة طويلة ثم أبلّ واستقلّ وجلس للناس، فدخلوا عليه وهنّأوه بالعافية، فأنصت لهم حتى تقضّى كلامهم، ثم اندفع فقال: إنّ في العلل نعما لا ينبغي للعقلاء أن يجهلوها، منها تمحيص الذنوب، وتعريض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة، واذكار بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة، وحضّ على الصدقة. وفي قضاء الله تعالى وقدره بعد الخيار. فانصرف الناس بكلامه وأنسوا ما قال غيره. وقد نسب هذا الكلام بعينه إلى أخيه الحسن في وصف المحن وكتبته في باب التسلّي عن الحوادث. «827» - قال أبو بكر بن عبد الله لقوم عادوه فأطالوا القعود: المريض يعاد، والصحيح يزار. «828» - وقال الشعبي: عيادة النوكى أشدّ على المريض من وجعه. «829» - كاتب: اتصل بي خبر الفترة في إلمامها [1] وانحسارها، ونبأ الشكاة في حلولها وارتحالها، فكادت تعجل القلق بأوّله عن السكون لآخره، وتذهل عادية الحيرة عن عائدة المسرّة في أثنائه، وكان التصرّف في كلتا الحالتين بحسب قدرهما: ارتياعا للأولى وارتياحا للأخرى. «830» - واعتلّ بعض إخوان الحسن بن سهل فكتب إليه الحسن: أجدني وإيّاك كالجسم الواحد إذا خصّ عضوا منه ألم عمّ سائره، فعافاني الله عزّ وجلّ   [1] م: إتمامها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 بعافيتك، وأدام لي الإمتاع بك. [ أشعار في الفصد والدواء ] «831» - دخل الأخطل على عبد العزيز بن مروان وهو مريض يعوده فقال: [من الكامل] ونعود سيّدنا وسيّد غيرنا ... ليت التشكّي كان بالعوّاد لو كان يقبل فدية لفديته ... بأناملي وبطارفي وتلادي فقال عبد العزيز: يا غلام أعطه عشرة آلاف درهم، إنّ هؤلاء والله ما يعطونا صافي ما عندهم إلا ليصيبوا خالص ما عندنا. «832» - وقال ابن قيس الرقيّات في ابن جعفر: [من الخفيف] قد أتانا بما كرهنا أبو السل ... لاس كانت بنفسه الأوجاع قال ما قال ثم راع قليلا [1] ... أدركت نفسه المنايا السراع قال يشكو الصداع وهو مريض ... بك لا بالذي عنيت الصّداع 833- وقال آخر في شارب دواء: [من المنسرح] لا زلت في صحّة من الزّمن ... لا يرتع [2] السقم منك في بدن وجال نفع الدواء فيك كما ... يجول ماء الربيع في الغصن «834» - وقال آخر: [من البسيط] يا فاصدا من يد جلّت أياديها ... ونال منها الرّدى قسرا أعاديها   [1] الديوان: سريعا. [2] م: لا رتع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 يد الندى هي فارفق لا ترق دمها ... فإنّ أرزاق طلّاب النّدى فيها «835» - وقال أبو الفرج الببغاء في محبوب افتصد: [من الخفيف] باشرته كفّ الطبيب فلو نل ... ت الأماني قبّلت كفّ الطبيب فعلت في ذراعه ظبة المب ... ضع أفعال لحظه بالقلوب فأسالت دما كأنّ جفوني ... عصفرته بدمعها المسكوب طاب جدا فلو به سمع الده ... ر لأمسى عطري وأصبح طيبي «836» - وقال أبو الحسن علي بن هارون المنجم: [من الخفيف] كيف نال العثار من لم يزل من ... هـ مقيلا في كلّ خطب جسيم أو ترقى الأذى إلى قدم لم ... تخط إلّا إلى مقام كريم «837» - وقال أبو نواس وقد طال مرضه: [من الخفيف] شعر ميت أتاك من لفظ حيّ ... صار بين الحياة والموت وقفا أنحلت جسمه الحوادث حتى ... كاد عن أعين الحوادث يخفى «838» - وله: [من الطويل] أراني مع الأحياء حيّا وأكثري ... على الدهر ميت قد تخرّمه الدهر فما لم يمت مني بما مات ناهض ... فبعضي لبعض دون قبر البلى قبر فيا ربّ قد أحسنت عودا وبدأة ... إليّ فلم ينهض بإحسانك الشكر فمن كان ذا عذر لديك وحجة ... فعذري إقراري بأن ليس لي عذر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 «839» - عمارة بن حمزة: [من الكامل المرفل] لا تشكون دهرا صححت به ... إنّ الغنى في صحة الجسم هبك الإمام أكنت منتفعا ... بغضارة الدنيا مع السقم «840» - زيد الخيل وقد مرض منصرفه من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفيها مات من أبيات: [من الطويل] هنالك لو أني مرضت لعادني ... عوائد من لم يشف منهنّ يجهد فليت اللواتي عدنني لم يعدنني ... وليت اللواتي غبن عنّي عوّدي «841» - قال لقمان: ثلاث فرق يجب على الناس مداراتهم، الملك المسلط، والمريض، والمرأة. «842» - كان يقال إذا اشتكى الرجل فعوفي فلم يحدث خيرا ولم يكفّ عن شرّ لقيت الملائكة بعضها بعضا فقالت: إنّ فلانا داويناه فلم ينفعه الدواء. 843- وقيل: إذا أكلت قفارك فاذكر العافية واجعلها إدامك. 844- ويقال: البحر لا جواز له، والملك لا صديق له، والعافية لا ثمن لها. «845» - وقال بزرجمهر: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة، وإن كان شيء مثل الحياة فالغنى، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض، وإن كان شيء مثل الموت فالفقر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 84» - وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: ثلاث قليلهنّ كثير: النار والفقر والمرض. «847» - خرجت قرحة في كف محمد بن واسع فقيل له: إنّا نرحمك منها، فقال: وأنا أشكر الله إذ لم تخرج في عيني. «848» - قيل للربيع بن خثيم: لو تداويت، فقال: قد عرفت أنّ الدواء حقّ، ولكنّ عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا كانت فيهم الأوجاع، وكانت لهم الأطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى. 849- دخل ابن السمّاك على الرشيد [1] في عقب مرض فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الله ذكرك فاذكره، وأطلقك فاشكره. «850» - دخل عليّ عليه السلام على صعصعة بن صوحان عائدا فقال له: والله ما علمتك إلّا خفيف المؤونة، حسن المعونة، فقال صعصعة: وأنت يا أمير المؤمنين إنّ الله في عينك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرحيم، وإنك بكتاب الله لعليم. فلما قام ليخرج قال: يا صعصعة لا تجعل عيادتي فخرا على قومك، فإنّ الله لا يحبّ كلّ مختال فخور. وروي: لا تتخذها أبّهة على قومك أن عادك أهل بيت نبيّك. «851» - اعتلّ المسور فجاءه ابن عباس نصف النهار يعوده، فقال المسور: هلّا ساعة غير هذه؟ قال: إنّ أحبّ الساعات إليّ أن أؤدّي فيها   [1] لهم الأطباء ... الرشيد: سقط من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 الحقّ إليك أشقّها عليّ. «852» - عاد سفيان فضيلا فقال: يا أبا محمد وأيّ نعمة في المرض لولا العوّاد؟ قال: وأيّ شيء تكره من العوّاد؟ قال: الشكيّة. 853- قيل لرجل من عبد القيس في مرضه أوصنا، قال: أنذركم سوف ... 854- اعتلّ الفضل بن يحيى فكان إسماعيل بن صبيح الكاتب إذا أتاه عائدا لم يزد على السلام والدعاء، ويخفف الجلوس، ثم يلقى حاجبه فيسأله عن حاله ومأكله ومشربه ونومه، وكان غيره يطيل الجلوس، فلما أفاق قال: ما عادني في علتي هذه إلا إسماعيل بن صبيح. «855» - قال قبيصة بن ذؤيب: كنّا نسمع نداء عبد الملك من وراء الحجرة في مرضه: يا أهل النعم لا تستقلّوا شيئا من النعم مع العافية. «856» - وروي أنه لما حضرته الوفاة أمر فصعد به إلى أعلى سطح في داره فقال: يا دنيا ما أطيب ريحك، يا أهل العافية لا تستقلّوا منها شيئا. «857» - علي بن العبّاس النوبختي: [من المنسرح] كيف رأيت الدواء أعقبك ال ... له شفاء به من السّقم أئن تخطّت إليك نائبة ... مشت جميع القلوب بالألم فالدهر لا بدّ محدث طبعا ... في صفحتي كلّ صارم خذم «858» - القصافي في الفصد: [من الطويل] أرقت دما لو تسكب المزن مثله ... لأصبح وجه الأرض أخضر زاهيا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 دما طيبا لو يطلق الدين شربه ... لكان من الأسقام للناس شافيا «859» - أبو النجم العجلي [1] : [من الرجز] والمرء كالحالم في المنام ... يقول إني مدرك أمامي من قابل ما فاتني في العام ... والمرء يدنيه إلى الحمام مرّ الليالي السود والأيام ... إنّ الفتى يصبح للأسقام كالغرض المنصوب للسهام ... أخطأ رام وأصاب رام «860» - وقال محمد بن هانىء في الفصد: [من الكامل] ما حقّ كفّك أن تمدّ لمبضع ... من بعد زعزعة القنا الأملود ما كان ذاك جزاءها بمجالها ... بين الندى والطعنة الأخدود لو ناب عنها فصد شيء غيرها ... لوقيت معصمها بحبل وريدي   [1] تقع هذه الفقرة في م بعد التالية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 نوادر من هذا الباب «861» - كان بالمدينة عجوز شديدة العين لا تنظر إلى شيء تستحسنه إلا عانته، فدخلت على أشعب وهو مريض في الموت، وهو يقول لبنته: يا بنيّة إذا متّ فلا تندبيني والناس يسمعونك، وتقولين واأبتاه أندبك للصوم والصلاة، للفقه والقرآن، فيكذّبك الناس ويلعنوني. والتفت أشعب فرأى المرأة فغطّى وجهه بكمّه وقال لها: يا فلانة، بالله إن كنت استحسنت شيئا مما أنا فيه فصلّي على النبي عليه السلام ولا تهلكيني، فغضبت المرأة وقالت: سخنت عينك، وفي أيّ شيء أنت مما يستحسن؟ أنت في آخر رمق، قال: قد علمت، ولكن قلت لا تكونين قد استحسنت خفّة الموت عليّ وسهولة النزع، فيشتدّ ما أنا فيه. فخرجت من عنده وهي تشتمه، وضحك من كان حوله من كلامه، ثم مات. 862- كان لنا صديق يعرف بأبي نصر الكلوذاني ويلقّب بالرّفشعر- جمعا بين رفاء وشاعر- مرض بواسط فأشفى، وسمع أخوه وهو ببغداد خبره فانحدر ظنّا أنه يموت فيحوز ميراثه، فلما وصل إليه وجده قد أبلّ فقال: يا أخي ما جاء بك؟ قال: سمعت بمرضك فجئت أعودك وأمرّضك، فقال: عد يا أخي فإنّ الحاجة ما قضيت. 863- مرض الأعمش فعاده رجل وأطال الجلوس، فقال: يا أبا محمد ما أشدّ شيء مرّ عليك في علتك هذه؟ قال: دخولك اليّ، وقعودك عندي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 «864» - ودخل عليه أبو حنيفة يعوده فقال له: يا أبا محمد لولا أنه يثقل عليك لعدتك في كلّ يوم، فقال له: أنت تثقل عليّ وأنت في بيتك فكيف في بيتي؟ 865- وعاده آخر فقال له: كيف نجدك؟ فقال: في جهد من رؤيتك، قال: ألبسك الله العافية، قال: نعم منك. «866» - مرض مزيد فعاده رجل فقال له: احتم، قال: يا هذا أنا ما أقدر على شيء إلا على الأماني أفأحتمي منها؟! «867» - دخل على الجماز رجل يعوده من مرضه، فلما نهض قال للجمّاز: تأمر بشيء؟ قال: نعم، بترك العودة. 868- كان إسماعيل بن عليّة أحمق، فعاد مريضا، وقد كان مات لأهل المريض [1] رجل فلم يعلموه بموته، فقال إسماعيل: يهون عليكم إذا مات هذا أن لا تعلموني أيضا؟! «869» - أصابت سعيدا الدارمي قرحة في صدره، فدخل عليه بعض أصدقائه يعوده، فرآه قد نفث نفثا أخضر، فقال له: أبشر فقد اخضرّت القرحة وعوفيت، فقال: هيهات والله لو نفثت كلّ زمرّدة في الأرض ما أفلتّ منها. 870- أصاب حمزة بن بيض حصر، فدخل عليه قوم يعودونه وهو في   [1] م: المدينة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 كرب القولنج، إذ ضرط رجل منهم فقال حمزة: من هذا المنعم عليه؟ «871» - رأى رجل قوما يعودون عليلا فعزاهم فقالوا: لم يمت بعد، فقام وهو يقول: يموت إن شاء الله. «872» - مرض حماد عجرد فعاده أصدقاؤه جميعا إلّا مطيع بن إياس، وكان خاصّا به، فكتب إليه: [من الوافر] كفاك عيادتي من كان يرجو ... ثواب الله في صلة المريض فإن تحدث لك الأيّام سقما ... يحول جريضه دون القريض يكن طول التأؤّه منك عندي ... بمنزلة الطنين من البعوض «873» - دخل عبد الله بن جعفر على عبد الملك بن مروان وهو يتأوّه فقال: يا أمير المؤمنين لو أدخلت عليك من يؤنسك بأحاديث العرب وفنون الأسمار. قال: لست صاحب هزل، والجدّ مع علّتي أحجى بي، قال: وما علّتك يا أمير المؤمنين؟ قال: هاج بي عرق النّسا في ليلتي هذه فبلغ منّي، قال: فإنّ بديحا أرقى الخلق منه، فوجّه إليه عبد الملك. فلما مضى الرسول إليه أسقط في يدي ابن جعفر وقال: كذبة قبيحة عند خليفة؛ فما كان بأسرع من أن طلع بديح، فقال له عبد الملك: كيف رقيتك من عرق النّسا؟ قال: أرقى الخلق يا أمير المؤمنين. فسرّي عن عبد الله بن جعفر لأنّ بديحا كان صاحب فكاهة يعرف بها، فمدّ رجله فتفل عليها ورقاها مرارا؛ فقال عبد الملك: الله أكبر وجدت والله خفّا، يا غلام ادع فلانة حتى تكتب الرقية فإنّا لا نأمن من هيجها بالليل، فلا نذعر بديحا. فلما جاءت الجارية قال بديح: يا أمير المؤمنين امرأته الطلاق إن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 كتبتها حتى تعجّل حبائي، فأمر له بأربعة آلاف درهم. فلما صارت بين يديه قال: وامرأته الطلاق إن كتبتها حتى يصير المال في منزلي؛ فلما أحرزه قال: يا أمير المؤمنين وامرأته الطلاق إن كنت قرأت على رجلك إلا أبيات نصيب: [من الطويل] ألا إنّ ليلى العامرية أصبحت ... على النأي مني ذنب غيري تنقم وهي أبيات مشهورة. قال: ويلك ما تقول؟ قال: امرأته الطلاق إن كان رقاك إلّا بما قال، قال: فاكتمها عليّ. قال: وكيف وقد سارت بها البرد إلى أخيك بمصر، فضحك عبد الملك حتى فحص برجله. «874» - دخل على محمد بن مغيث المغربي بعض إخوانه يعوده في مرضه الذي مات فيه، وكان ابن مغيث مستهترا [1] بالخمر، فقال له: هل تقدر على النهوض لو رمته؟ فقال: لو شئت مشيت من ها هنا إلى حانوت أبي زكريا النباذ، قال: فألّا قلت إلى الجامع؟ قال: لكلّ امرىء ما نوى، قال: ولكلّ امرىء من دهره ما تعوّدا. 875- دخل ابن مكرم على أبي العيناء يعوده فقال: ارتفع فديتك، فقال: رفعك الله إليه، أي أماتك. «876» - كان لرجل غلام من أكسل الناس، فأمره بشراء عنب وتين، فأبطأ ثم جاء بأحدهما، فضربه وقال: ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين. ثم مرض فأمره أن يأتي بطبيب، فجاء به وبرجل آخر، فسأله: من هذا فقال: أما ضربتني وأمرتني أن أقضي حاجتين في حاجة؟ جئتك بطبيب   [1] م: مشهورا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 فإن رجاك وإلا حفر هذا قبرك، فهذا طبيب وهذا حفّار. «877» - عاد أعرابيّ أعرابيّا فقال له: بأبي أنت وأمي بلغني أنك مريض، فضاق عليّ والله الفضاء لعريض، فأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض، فلما حملتني رجلاي، ولساء ما تحملان، جئتك بجرزة شيح ما مسّها عرنين قطّ، فاشممها واذكر نجدا، فهو الشفاء بإذن الله. «878» - ابن الحجاج: [من الرمل المجزوء] أيها النزلة بيني ... واصعدي [1] فوق لهاتي ودعي حلقي بحقي ... فهو دهليز حياتي 879- دخل الخليل على مريض نحوي وعنده أخ له فقال للمريض: افتح عيناك، وحرّك شفتاك، فإنّ أبو محمد جالسا، فقال: إني أرى أنّ أكثر علّة أخيك من كلامك [2] .   [1] م: وانزلي. [2] خاتمة الباب في م: آخر باب المرض والعيادة، ويتلوه باب المودة والإخاء والاستزارة، والحمد لله حق حمده وصلواته على خير خلقه محمد وآله الطاهرين وسلّم تسليما كثيرا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 الباب الحادي والعشرون في المودّة والإخاء والمعاشرة والاستزارة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (بّ أعن [1] ) الحمد لله جامع أهواء القلوب بعد شتاتها، وواصل حبال المودّة بعد بتاتها، الذي منّ على المؤمنين بأن جعلهم بعد الفرقة إخوانا، ووعدهم على التآلف مغفرة ورضوانا، وبعث رسوله من أكرم محتد وأطهر ميلاد، فأطفأ ببعثته نيران الإحن والأحقاد؛ أرسله والكفر ممتدّ الرواق، والعرب قائمة حربها على ساق، قد جبلت قلوبها على الافتراق، ودانت فيما بينها بالتباين والشّقاق، فدعاهم إلى منار الهدى، وأنقذهم من هوّة الرّدى، لاءم بين نفوس أعيت من قبله على داعيها، واستقاد بعد النفرة عاصي شاردها وآبيها، فجمعهم على المودّة والصفاء، وأزال عنهم كلفة الضغينة والشحناء، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، وعادوا بفضله بعد العداء خلّانا، صلّى الله عليه وعلى آله، صلاة تضاهي شرف مبعثه ومآله.   [1] من م وحدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 (الباب الحادي والعشرون في المودة والإخاء والمعاشرة والاستزارة) [ أحاديث وأقوال في المودة والإخاء ] 880- المودة والإخاء سبب للتآلف، والتآلف سبب القوة، والقوة حصن منيع وركن شديد، بها يمنع الضيم، ويدرك الوتر، وتنال الرغائب، وتنجح المطالب. وقد امتنّ الله عزّ وجلّ على قوم وذكّرهم نعمته عندهم بأن جمع قلوبهم على الصفاء، وردّها بعد الفرقة إلى الألفة والإخاء، فقال: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (آل عمران: 103) ، ووصف نعيم الجنة وما أعدّ فيها من الكرامة لأوليائه فكان منها أن جعلهم إخوانا على سرر متقابلين. «881» - قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله: أكثروا من إلاخوان فإنّ ربّكم حييّ كريم يستحي أن يعذّب عبده بين إخوانه. «882» - وقد سنّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الإخاء وندب إليه إذ آخى بين أصحابه. روى زيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 فقال: أين فلان بن فلان؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم ويبعث إليهم حتى توافوا عنده، فلما توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّي محدّثكم حديثا فاحفظوه وعوه، وحدّثوا به من بعدكم. إنّ الله عزّ وجلّ اصطفى من خلقه خلقا يدخلهم الجنة ثم تلا اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ (الحج: 75) وإني أصطفي منكم من أحبّ أن أصطفيه، ومواخ بينكم كما آخى الله عزّ وجلّ بين ملائكته. قم يا أبا بكر فاجث بين يديّ، فإنّ لك عندي يدا الله يجزيك بها، فلو كنت متخذا خليلا لاتخذتك خليلا، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي. ثم تنحّى أبو بكر، ثم قال: ادن يا عمر، فدنا منه فقال: لقد كنت شديد الشغب علينا أبا حفص، فدعوت الله أن يعزّ الإسلام بك أو بأبي جهل بن هشام، ففعل الله ذلك بك، وكنت أحبّ إلى الله، فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة. ثم تنحّى عمر ثم آخى بينه وبين أبي بكر. ثم دعا عثمان فقال: ادن أبا عمرو، ادن أبا عمرو، ادن أبا عمرو، فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى السماء فقال: سبحان الله العظيم، ثلاث مرات، ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده ثم قال: اجمع عطفي ردائك على نحرك. ثم قال: إنّ لك شأنا في أهل السماء، أنت ممن يرد عليّ حوضي وأوداجه تشخب دما، فأقول: من فعل بك هذا؟ فتقول: فلان وفلان، وذلك كلام جبريل، إذا هاتف يهتف من السماء فقال: ألا إنّ عثمان أمير على كلّ مخذول. ثم تنحّى عثمان، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: ادن يا أمين الله، أنت أمين الله وتسمّى في السماء الأمين، يسلطك الله على مالك بالحق. أما إنّ لك عندي دعوة قد وعدتكها وقد أخرّتها. قال خر لي يا رسول الله، قال: حملتني يا عبد الرحمن أمانة. ثم قال: إنّ لك شأنا يا عبد الرحمن، أما إنه أكثر الله مالك، وجعل يقول بيده هكذا وهكذا، ووصف حسين بن محمد: جعل يحثو بيده ثم تنحّى عبد الرحمن، ثم آخى بينه وبين عثمان. ثم دعا طلحة والزبير فقال لهما: ادنوا مني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 فدنوا منه فقال لهما: أنتما حواريّ كحواريّ عيسى بن مريم، ثم آخى بينهما. ثم دعا عمار بن ياسر وسعدا فقال: يا عمار، تقتلك الفئة الباغية، وآخى بينه وبين سعد. ثم دعا عويمر بن زيد أبا الدرداء وسلمان الفارسي فقال: يا سلمان، أنت منا أهل البيت، وقد آتاك الله العلم الأوّل والآخر والكتاب الآخر، ثم قال: ألا أرشدك يا أبا الدرداء؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إن تنتقدهم ينتقدوك [1] ، وإن تتركهم لا يتركوك، وإن تهرب منهم يدركوك [2] ، فاقرضهم عرضك ليوم فقرك، واعلم أنّ الجزاء أمامك، ثم آخى بينه وبين سلمان. ثم نظر في وجوه أصحابه فقال: أبشروا وقرّوا عينا، أنتم أوّل من يرد عليّ حوضي وأنتم في أعلى الغرف. ثم نظر إلى عبد الله بن عمر فقال: الحمد لله الذي يهدي من الضلالة، ويلبس الصلاة على من يحبّ. فقال عليّ: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبى والكرامة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلّا لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبيّ بعدي، وأنت أخي ووارثي. قال: وما أرث منك يا نبيّ الله؟ قال: ما ورثت الأنبياء من قبلي. قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنّة نبيّهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي. ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (الحجر: 47) المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض. «883» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: المؤمن مرآة أخيه المؤمن، لا يخذله ولا يخونه ولا يعيبه   [1] م: ان تنقذهم ينقذوك. [2] م: وان تزكهم لا يزكوك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 ولا يمكر به، ولا يدفعه مدفع سوء ليغشّه فيه، ولا يحلّ له من ماله إلّا ما أعطاه من طيبة نفسه. وتمام الخبر في غير المعنى. «884» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: إنما المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى عضو من أعضائه اشتكى له جسده أجمع، وإذا اشتكى المؤمن اشتكى له المؤمنون. «885» - وفي خبر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: المرء كثير بأخيه. [ إخوان السوء وإخوان الخير ] «886» - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم، فإنهم زينة في الرخاء وعدّة في البلاء. «887» - وحقّ ما قيل: القرابة تفتقر إلى المودّة، وليست المودّة مفتقرة إلى القرابة، فإنّ المودة إذا صدقت لم يكن بين الخليلين امتياز في مال ولا جاه، ولا مسرّة ولا مساءة. والقرابة إذا خلت من الودّ استدعت القطيعة، فكانت العداوة بها أشدّ من عداوة الأباعد. وما أجود قول أبي فراس ابن حمدان في نحو هذا المعنى: [من الطويل] وهل أنا مسرور بقرب أقاربي ... إذا كان لي منهم قلوب الأباعد ومن هذا المعنى قول جعفر بن محمد: ولائي لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام أحبّ إليّ من ولادتي منه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 «888» - وقد قال محمد بن علي بن الحسين يوما لأصحابه: أيدخل أحدكم يده في كمّ صاحبه فيأخذ حاجته من الدنانير والدراهم؟ قالوا: لا، قال: فلستم إذن بإخوان. «889» - وقال جعفر بن محمد: من حقّ أخيك أن تحمل له الظلم في ثلاث مواقف: عند الغضب، وعند الدالة، وعند الهفوة. وروي نحوه عن الأحنف بل هو المعنى بعينه. 890- ونظر فيثاغورس الحكيم إلى رجلين لا يكادان يفترقان فقال: أيّ قرابة بين هذين؟ فقيل له: ليس بينهما قرابة ولكنهما متصادقان، قال: فلم صار أحدهما فقيرا والآخر غنيّا؟ يريد لو كانا صديقين لتواسيا. «891» - وإلى هذا المعنى نظر إبراهيم بن العباس في قوله: [من الطويل] ولكنّ عبد الله لما حوى الغنى ... وصار له من بين إخوانه [1] مال رأى خلّة من حيث يخفى مكانها ... فساهمهم حتى استوت بهم الحال «892» - وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته، ووفاته. هذه هي الخلة المحمودة والمودة المندوب إليها والمحافظة عليها.   [1] م: إخوته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 893- ومن كلامه عليه السلام: أيها الناس إنه لا يستغني الرجل وإن كان ذا مال عن عشيرته، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه، وألمهم لشعثه، وأعطفهم عليه عند نازلة إن نزلت به. ألا لا يعدلنّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يدا واحدة وتقبض منهم عنه أيد كثيرة. ومن لم يلن جانبه لم يستدم [1] من قومه المودة. فرأى حفظ العشيرة وتألّفها بالمودة. «894» - وكذلك أوصى عبد الملك بن مروان عند موته بنيه لما رأى أنّ الرحم لا تنفعهم إلا بالتآلف والتوازر، والقرابة لا يحفظها إلا التودّد والتناصر، وأنشدهم متمثلا: [من الكامل] انفوا الضغائن والتحاسد بينكم ... عند المغيب وفي حضور المشهد بصلاح ذات البين طول بقائكم ... إن مدّ في عمري وإن لم يمدد فلمثل ريب الدهر ألّف بينكم ... بتواصل وتراحم وتودّد إنّ القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيّد عزّت فلم تكسر وإن هي بدّدت ... فالوهن والتكسير للمتبدّد «895» - قال عبد الله بن شداد بن الهاد لابنه: لا تؤاخ أحدا حتى تعاشره،   [1] م: ومن لان جانبه يستدم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 وتتفقد موارد أمره ومصادره، فإذا استطبت العشرة، ورضيت بالخبرة، فآخه على إقالة العثرة، والمواساة في العشرة، وكن كما قال أبو يزيد [1] العدوي (ويروى لعبد الله بن معاوية الجعفري) : [من الكامل] ابل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسّمنّ أمورهم وتفقّد فإذا ظفرت بذي الديانة والتّقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد ومتى يزلّ ولا محالة زلّة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد «896» - وكان عمر بن عبد العزيز ينشد في ذلك: [من الكامل المرفل] وإذا أخ لي حال عن خلق ... داويت منه ذاك بالرّفق إنّي لأمنح من يواصلني ... مني صفاء ليس بالمذق والمرء يصنع نفسه ومتى ... ما تبله ينزع إلى العرق «897» - وقال علي عليه السلام: المودة قرابة مستجدّة. وقد ذكر الله عزّ وجلّ أهل جهنم وما يلقون فيها من الحسرة والأسف، ويعانون من الكمد واللهف، إذ يقولون فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (الشعراء: 100- 101) . «898» - وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ التودد إلى الناس.   [1] م: أبو زيد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 899- وقال أنس بن مالك: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ عليه السلام: يا عليّ استكثر من المعارف من المؤمنين، فكم من معرفة في الدنيا بركة في الآخرة. فمضى عليّ فأقام حينا لا يلقى أحدا إلّا اتخذه للآخرة، ثم جاء بعد، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما فعلت فيما أمرتك؟ قال: قد فعلت يا رسول الله، فقال له: اذهب فابل أخبارهم، فأتى عليّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو منكس رأسه، فقال له، وتبسّم: ما أحسب يا عليّ ثبت معك إلّا أبناء الآخرة، فقال له عليّ: لا والذي بعثك بالحقّ، فقال له النبي عليه السلام: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (الزخرف: 67) يا عليّ أقبل على شأنك، واملك لسانك، واعقل من تعاشر من أهل زمانك، تكن سالما غانما. 900- قال صاحب كليلة ودمنة: لا يحقرنّ الكبير مودة صغير المنزلة، فإنّ الصغير ربما عظم فعظّم، كالعقب يؤخذ من الميتة فإذا عملت به القوس أكرمت، واتخذها الملك لبأسه. «901» - وقال عليّ بن الحسين عليهما السلام: لا تعادينّ أحدا وإن ظننت أنّه لا يضرّك، ولا تزهدنّ في صداقة أحد وإن ظننت أنه لا ظننت أنه لا ينفعك، فإنك لا تدري متى ترجو صديقك، ولا تدري متى تخاف عدوّك، ولا يعتذر إليك أحد إلّا قبلت عذره، وإن علمت أنّه كاذب. «902» - وقال الشاعر: [من المتقارب] وما المرء إلّا بأعوانه ... كما تقبض الكفّ بالمعصم ولا خير في الكفّ مقطوعة ... ولا خير في الساعد الأجذم «903» - وقال آخر: [من الطويل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 تثاقلت إلّا عن يد أستفيدها ... وخلّة ذي ودّ أشدّ به أزري «904» - ونظر إلى معنى [1] كلام فيثاغورس بعض العرب فقال: [من الطويل] عجبت لبعض الناس يبذل ودّه ... ويمنع ما ضمّت عليه الأصابع إذا أنا أعطيت الخليل مودّتي ... فليس لمالي بعد ذلك مانع «905» - واختر صديقك ملائما لشكلك، مناسبا لطبعك، فإنّ التباين والتنائي لقاح المقت وداعية القلى؛ وقد قيل: الصاحب كالرقعة في الثوب فاطلبه مشاكلا. «906» - وقال عبد بني الحسحاس: [من الطويل] فإن تقبلي بالودّ أقبل بمثله ... وإن تدبري أدبر على حال باليا ألم تعلمي أنّي قليل لبانتي ... إذا لم يكن شيء لشيء مؤاتيا «907» - وارتده قليل التلوّن، فإنّ الزمان لا يثبت على حالة، وأخلق به إذا لم يكن محافظا أن يدور مع الدهر كيفما دار، واحذر أن تكون منه على قول زهير: [من الوافر] لعمرك والخطوب مغيّرات ... وفي طول المعاشرة التّقالي «908» - وسأل رجل عليّا عليه السلام عن الإخوان فقال: الإخوان   [1] معنى: سقطت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 صنفان: إخوان الثقة، وإخوان المكاثرة؛ فأما إخوان الثقة فهم الكهف والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من صاحبك على حدّ الثقة فابذل له مالك ويدك، وصاف من صافاه، وعاد من عاداه، واكتم سرّه وغيبه، وأظهر منه الحسن. واعلم أيّها السائل أنهم أقلّ من الكبريت الأحمر. وأما إخوان المكاثرة فإنّك تصيب منهم لذّتك، فلا تقطعنّ ذلك فيهم، ولا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان. «909» - ومن دواعي الودّ ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ثلاث يثبتن لك الودّ في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ الأسماء إليه. وقول عليّ كرّم الله وجهه من لانت كلمته وجبت محبته. وقول جعفر بن محمد: داو المودّة بكثرة التعاهد فإن قدرت على أن يكون من تؤاخيه كما قال الشاعر: [من الطويل] أخ لي كذوب الشّهد طعم إخائه ... إذا اشتبهت بيض الليالي وسودها كأمنية الملهوف بذلا ونائلا ... وعونا على عمياء أمر يكيدها له نعم عندي بعلت بشكرها ... على أنّه في كلّ يوم يزيدها وإلّا فاقنع بالهوينا، واقبل منه عفوه، واعتذر لهفوته: [من الطويل] فلست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرجال المهذّب ومن لك بأخيك كلّه. وقد قال محمد بن علي: من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض بالعطية. وقال طلحة: كلّ أحد يتمنّى صديقا على ما يصفه، ولا يكون هو لصديقه على ما يقترحه، فلهذا يطول التشكّي ويقوى الأسف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 «910» - وقال صاحب كليلة ودمنة: المودة بين الصالحين بطيء انقطاعها، سريع اتصالها، كآنية الذّهب: بطيئة الانكسار، هيّنة الإعادة. والمودة بين الأشرار سريع انكسارها، بطيء اتصالها، كالآنية من الفخّار، يكسرها أدنى علّة ثم لا وصل لها. «911» - وسئل رسول الله صلّى الله عليه وآله: أيّ الأصحاب خير؟ قال: صاحب إن ذكرت أعانك، وإن نسيت ذكّرك. قيل: فأيّ الأصحاب شرّ؟ قال: صاحب إن نسيت لم يذكّرك، وإن ذكرت لم يعنك. «912» - وقيل: صاحب من ينسى معروفه عندك ويتذكّر حقوقك عليه. «913» - وقيل لخالد بن صفوان: أيّ إخوانك أحبّ إليك؟ قال: الذي يسدّ خللي، ويغفر زللي، ويقبل عللي. «914» - افتقد عبد الله بن جعفر صديقا له من مجلسه ثم جاءه فقال: أين كانت غيبتك؟ فقال: خرجت إلى عرض من أعراض المدينة مع صديق لي، فقال له عبد الله: إن لم تجد من صحبة الرجل بدّا فعليك بصحبة من إذا صحبته زانك، وإن خففت له صانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن رأى منك خلّة سدّها، أو حسنة عدّها، وإن وعدك لم يحرضك، وإن كثّرت عليه لم يرفضك، وإن سألته أعطاك، وإن أمسكت عنه ابتداك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 915- وقال ابن عباس رضي الله عنه: من لم يكن فيه ثلاث خصال فلا تؤاخه: ورع يحجزه عن معاصي الله عزّ وجلّ، وحلم يطرد به فحشه، وخلق يعيش به في الناس. 916- وقال حكيم لابنه: يا بنيّ، المدبر لا يوفّق لطرق المراشد، فإيّاك وصحبة المدبر، فإنك إن صحبته علق بك إدباره، وإن تركته بعد صحبتك إياه تتّبعت نفسك آثاره. «917» - وقال عمرو بن مسعدة أو ثابت أبو عباد: لا تستصحب من يكون استمتاعه بمالك وجاهك أكثر من إمتاعه لك بشكر لسانه وفوائد علمه. ومن كانت غايته الاحتيال على مالك وإطراءك في وجهك فإنّ هذا لا يكون إلّا رديء الغيب سريعا إلى الذمّ. «918» - وقال عليّ عليه السلام: لا تؤاخ الفاجر فإنّه يزيّن لك فعله، ويحبّ لو أنك مثله، ويحسّن لك سوء خصاله، ومخرجه من عندك ومدخله شين وعار. «919» - وقال: لا تؤاخ الأحمق فإنّه يجهد لك نفسه ولا ينفعك، وربّما أراد أن ينفعك فضرّك، فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته. ولا تؤاخ الكذّاب فإنّه لا ينفعك معه عيش: ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنّه ليحدّث بالصدق ولا يصدّق. «920» - وقيل: إخوان السوء كشجرة النار يحرق بعضها بعضا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 «921» - ومن كلام جمعه عبد الله بن المعتز: إخوان الخير يسافرون في طلب المودّة حتى يبلغوا الثقة؛ فتطمئن أبدان، وتؤمن خبايا الضمائر، وتلقى ملابس التخلق، وتحلّ عقد التحفّظ. وإخوان السوء ينصرفون عند النكبة، ويقبلون مع النعمة، ومن شأنهم التوسّل بالإخلاص والمحبة إلى أن يظفروا بالأنس والثقة، ثم يوكّلون الأعين بالأفعال، والأسماع بالأقوال، فإن رأوا خيرا أو نالوه لم يذكروه ولم يشكروه، وعملوا على أنهم خدعوا صاحبهم عنه وقمروه، وإن رأوا شرّا أو ظنّوه أذاعوه ونشروه، فإن أدمت مواصلتهم فهو الداء المماطل، المخوف [على المقاتل] وإن استرحت إلى مصارمتهم ادّعوا الخبرة بك لطول العشرة، فكان كذب حديثهم مصدّقا، وباطله محقّقا. 922- وروي أنه جلس أبو إسحاق الفزاري وابن عيينة وابن المبارك يتذاكرون فقال ابن المبارك: قال داود عليه السلام: يا ربّ أعوذ بك من جليس مماكر، عينه تراني، وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة كتمها، وإن رأى سيئة أذاعها. فقال أبو إسحاق: نعم الجليس هذا، فقال ابن عيينة: يا أبا إسحاق، داود نبيّ الله يتعوّذ من هذا وأنت تقول: نعم الجليس؟ قال: نعم هذا الذي ينتظر حتى يرى منّي زلّة، ليت أنه لا يرميني [1] بها قبل أن يراها مني. «923» - وقال الشاعر: [من الوافر] صديقك حين تستغني كثير ... وما لك عند [2] فقرك من صديق   [1] ب: لئلا يرميني. [2] م: حين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 فلا تغضب على أحد إذا ما ... طوى عنك الزيارة عند ضيق 924- وقيل: ليس كلّ من حنت عليه النفس يستحقّ هبة المودة، ولا يؤتمن [1] على المؤانسة، فالبسوا للناس الحشمة في الباطن، وعاشروهم بالبشر في الظاهر حتى تختبرهم المحن. «925» - وقال جعفر بن محمد عليهما السلام: من لم يقدّم الامتحان قبل الثقة، والثقة قبل الأنس، أثمرت مودّته ندما. «926» - وقال: من لم يؤاخ إلّا من لا عيب فيه قلّ صديقه، ومن لم يرض من صديقه إلّا بإيثاره إياه على نفسه دام سخطه، ومن عاتب على كلّ ذنب كثر تعتبه؛ وقريب منه قول الشاعر: [من الطويل] ومن لم يغمّض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يعش وهو عاتب 927- وقال محمد بن علي بن موسى لبعض الثقات عنده، وقد أكثر من تقريظه: أقلل من ذلك، فإنّ كثرة الملق تهجم على الظّنّة، وإذا حللت من أخيك في الثقة فاعدل عن الملق إلى حسن النيّة. «928» - وقال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المودّة سمج الثناء.   [1] م: يؤمن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 «929» - وقال عليّ عليه السلام: من ضيعه الأقرب أتيح له الأبعد؛ ومنه قول الشاعر: [من الكامل المجزوء] ولقد يكون لك الصدي ... ق أخا ويقطعك الحميم «930» - وقال عليه السلام: أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم. 931- وقال عليه السلام: لا يكوننّ أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، ولا يكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان. 932- وقيل: لا يفسدك الظنّ على صديق قد أصلحك اليقين له. لا تقطع أخاك إلا بعد عجز الحيلة عن استصلاحه ولا تتبعه بعد القطيعة وقيعة فيه فتسدّ طريقه عن الرجوع إليك؛ ولعلّ التجارب أن تردّه عليك وتصلحه لك. 933- وقال صاحب كليلة ودمنة: من اتخذ صديقا ثم أضاع ربّ صداقته حرم ثمرة إخائه، وآيس الإخوان من نفسه. ومثله قول محمد بن عبيد الأزدي ويروى لغيره: [من الطويل] ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه ... لترجعه يوما إليّ الرواجع «934» - وقال ديك الجن: [من الوافر] إذا شجر المودّة لم تجده ... سماء البرّ أسرع في الجفاف الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 935- قال محمد بن عليّ عليهما السلام: اعرف المودة لك في قلب أخيك بما له في قلبك. «936» - وقال ربيعة بن مقروم الضبي: [من الوافر] أخوك أخوك من يدنو وترجو ... مودّته وإن دعي استجابا إذا حاربت حارب من تعادي ... وزاد سلاحه منك اقترابا يواسي في كريهته ويدنو ... إذا ما مضلع الحدثان نابا وكنت إذا قريني جاذبته ... حبالي مات أو تبع انجذابا بمثلي فاشهد النجوى وعالن ... بي الأعداء والقوم الغلابا «937» - قال رجل لخالد بن صفوان: علّمني كيف أسلّم على الإخوان، فقال: لا تبلغ بهم النفاق، ولا تتجاوز قدر الاستحقاق. 938- نهض هشام بن عبد الملك عن مجلسه مرّة فسقط رداؤه عن منكبه، فتناوله بعض جلسائه ليردّه إلى موضعه، فجذبه هشام من يده وقال: مهلا إنّا لا نتّخذ جلساءنا خولا. «939» - وكان الصاحب أبو القاسم ابن عباد يقول لجلسائه ومعاشريه: نحن بالنهار سلطان، وبالليل إخوان. «940» - وقريب منه قول أبي الحسن ابن منقذ: [من الخفيف] لست ذا ذلّة إذا عضّني الده ... ر ولا شامخا إذا واتاني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 أنا نار في مرتقى نفس الحا ... سد ماء جار مع الإخوان «941» - وقال سليمان بن عبد الملك: قد أكلنا الطيّب، ولبسنا اللّين، وركبنا الفاره، وامتطينا العذراء، فلم يبق من لذتي إلّا صديق أطرح فيما بيني وبينه مؤونة التحفّظ. «942» - قال سالم بن وابصة: [من الطويل] أحبّ الفتى ينفي الفواحش سمعه ... كأنّ به عن كلّ فاحشة وقرا سليم دواعي الصّدر لا باسطا أذى ... ولا مانعا خيرا ولا قائلا هجرا إذا ما أتت من صاحب لك زلّة ... فكن أنت محتالا لزلّته عذرا «943» - وقال أوس بن حجر: [من الطويل] وليس أخوك الدائم العهد بالذي ... يذمّك إن ولّى ويرضيك مقبلا ولكنه النائي إذا كنت آمنا ... وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا «944» - وقال الهذيل بن مشجعة البولاني: [من الكامل] إني وإن كان ابن عمي غائبا ... لمقاذف من خلفه وورائه ومفيده نصري وإن كان امرءا ... متزحزحا في أرضه وسمائه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 ومتى أجده في الشدائد مرملا ... ألق الذي في مزودي بوعائه وإذا تتبّعت الجلائف ماله ... خلطت صحيحتنا إلى جربائه فإذا أتى من وجهه بطريقة ... لم أطّلع مما وراء خبائه وإذا اكتسى ثوبا جميلا لم أقل ... يا ليت أن عليّ فضل ردائه وإذا غدا يوما ليركب مركبا ... صعبا قعدت له على سيسائه «945» - وقال بعض بني غطفان: [من الطويل] إذا أنت لم تستبق ودّ صحابة ... على دخن أكثرت بثّ المعاتب وإني لأستبقي امرا السوء عدّة ... لعدوة عرّيض من الناس عائب أخاف كلاب الأبعدين ونبحها ... إذا لم تجاوبها كلاب الأقارب 946- ابن دينار الواسطي في مدح صديق: [من الطويل] بنفسي من صافيته فوجدته ... أرقّ من الشكوى وأصفى من الدمع يوافقني في الجدّ والهزل طائعا ... فينظر من عيني ويسمع من سمعي «947» - ابن الرومي في ضدّه: [من الطويل] وزهّدني في كلّ خلّ وصاحب ... من الناس كشفي صاحبا بعد صاحب وما ظفرت كفّي بخلّ تسرّني ... بواديه إلّا ساءني في العواقب ولا قلت أرجوه لدفع ملمّة ... من الدهر إلّا كان إحدى المصائب «948» - وقال أيضا في قلة الاحتمال للصديق: [من الخفيف] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 أنت عيني وليس من حقّ [1] عيني ... غضّ أجفانها على الأقذاء 949- وقال عبد الله بن المعتز يعتذر له: ربّ صديق يوتى من جهله لا من نيته. «950» - قال الحسن بن وهب: كاتب رئيسك بما يستحقّ، ومن دونك بما يستوجب. وكاتب صديقك كما تكاتب حبيبك، فإنّ غزل المودّة أرقّ من غزل الصبابة. «951» - قيل لعبد الحميد: أخوك أحبّ إليك أم صديقك؟ فقال: إنّما أحبّ أخي إذا كان صديقا. «952» - قيل لروح بن زنباع: ما معنى الصديق؟ قال: هو لفظ بلا معنى؛ يعني لعوزه. «953» - كان بعضهم يقول: اللهمّ احفظني من أصدقائي، فسئل عن ذلك فقال: إني أحفظ نفسي من أعدائي. «954» - قال بعضهم: أنا بالصديق آنس مني بالأخ فقال له ابن المقفع: صدقت، الصديق نسيب الرّوح، والأخ نسيب الجسم. «955» - قيل: أبعد الناس سفرا من كان في طلب صديق يرضاه.   [1] م: شرط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 956- صن الاسترسال حتى تجد له مستحقّا، واجعل أنسك آخر ما تبذله من ودّك. «957» - لا تعدّنّ من إخوانك من آخاك في أيام مقدرتك للمقدرة، واعلم أنه يثقل عليك في أحوال ثلاث فيكون صديقا يوم حاجته إليك، ومعرفة يوم استغنائه عنك، ومتجنّبا يوم حاجتك إليه. «958» - يحيى بن زياد: [من الكامل] وإذا تخيّرت الرجال لصحبة ... فالعاقل البرّ السجيّة فاختر «959» - إبراهيم بن العباس: [من الطويل] إذا أنت لم تملك أخاك بقلبه ... وخانتك آمال به ومطالب غدوت به مرّ المذاق وأجلبت ... عليك به في النائبات العواقب «960» - بعض بني أسد: [من الطويل] وما أنا بالنكس الدنيء ولا الذي ... إذا صدّ عني ذو المودّة أحرب ولكنني إن دام دمت وإن يكن ... له مذهب عنّي فلي عنه مذهب ألا إنّ خير الودّ ودّ تطوّعت ... به النفس لا ودّ أتى وهو متعب «961» - جرير: [من الطويل] وإنّي لسهل للصديق ملاطف ... وللكاشح العادي شجى داخل الحلق 962- وقيل: كلّ شيء شيء، ومصافاة الملوك لا شيء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 «963» - سئل شبيب بن شبّة عن خالد بن صفوان فقال: ليس له صديق في السرّ، ولا عدوّ في العلانية. 964- وقال آخر: إنّ من الناس ناسا ينقصونك إذا زدتهم، وتهون عليهم إذا خاصمتهم، ليس لرضاهم موضع تعرفه، ولا لسخطهم موضع تحذره، فإذا عرفت أولئك بأعيانهم فابذل لهم موضع المودة، واحرمهم موضع الخاصة، ليكون ما بذلت لهم من المودة حائلا دون شرّهم، وما حرمتهم من الخاصّة قاطعا لحرمتهم. «965» - صالح بن عبد القدوس: [من الطويل] تجنب صديق السوء واصرم حباله ... فإن لم تجد عنه محيصا فداره ولله في عرض السموات جنّة ... ولكنها محفوفة بالمكاره 966- وقيل: دار عدوّك لأحد أمرين: إما لصداقة تؤمنك، أو فرصة تمكنك. «967» - شاعر: [من الطويل] إذا كان ذوّاقا أخوك مصارما ... موجهة من كلّ أوب ركائبه فخلّ له ظهر الطريق ولا تكن ... مطيّة رحّال كثير مذاهبه [1] 968- آخر: [من الطويل] أخوك الذي إن سرّك الأمر سرّه ... وإن ناب أمر ظلّ وهو حزين   [1] م: مطالبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 يقرّب من قرّبت من ذي مودّة ... ويقصي الذي أقصيته ويهين «969» - أراد الحسن الحجّ فطلب ثابت البنانيّ أن يصاحبه فقال: ويحك دعنا نتعايش بستر الله. إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه. «970» - قال المنصور: ما تلذّذت بشيء تلذّذي بمصادقة عمرو بن عبيد، ثم وليت هذا الأمر فهجرني، فوالله لساعة منه أحبّ إليّ مما أنا فيه. كنت إذا أعسرت ملأ قلبي بأنس القناعة، وإذا اغتممت آنسني بنيل الثواب. «971» - ومن ظريف أفعال الإخوان ما روي عن ابن أبي عتيق أنّه جاء إلى الحسن والحسين ابني عليّ عليه السلام وعبد الله بن جعفر وجماعة من قريش فقال لهم: إنّ لي حاجة إلى رجل أخشى أن يردّني فيها، وإني أستعين بجاهكم وأموالكم عليه. قالوا: ذلك مبذول لك. فاجتمعوا ليوم وعدهم فيه، فمضى بهم إلى زوج لبني صاحبة قيس بن ذريح الكناني، (وكانت زوجته لما طلقها قيس، وكان قيس صديق ابن أبي عتيق) [1] . فلما رآهم أعظمهم وأكبر مصيرهم إليه فقالوا: قد جئناك في حاجة لابن أبي عتيق فقال: هي مقضيّة كائنة ما كانت. قال ابن أبي عتيق: قد قضيتها كائنة ما كانت من أهل ومال وملك؟ قال: نعم، قال: تهب لي ولهم زوجتك لبنى وتطلّقها، قال: فأشهدكم أنها طالق ثلاثا. فاستحيا القوم واعتذروا وقالوا: والله ما عرفنا حاجته، ولو علمنا أنها هذا ما سألناك إياه. وعوّضه الحسن من ذلك مائة ألف درهم، ولما انقضت عدّتها   [1] ما بين قوسين لم يرد في الأغاني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 تزوجها قيس، فقال قيس: [من الوافر] جزى الرحمن أفضل ما يجازي ... على الإحسان خيرا من صديق فقد جربت إخواني جميعا ... فما ألفيت كابن أبي عتيق سعى في جمع شملي بعد صدع ... ورأي جرت فيه عن الطريق وأطفأ لوعة كانت بصدري ... أغصتّني حرارتها بريقي فقال ابن أبي عتيق: يا حبيبي، أمسك عن هذا المديح فما يسمعه أحد إلّا ظنني قوادا. «972» - قال بعض بني عبد القيس: [من الطويل] وما أنا بالناسي الخليل ولا الذي ... تغيّر إن طال الزمان خلائقه ولست بمنّان على من أودّه ... ببرّ ولا مستخدم من أرافقه «973» - وقال صالح بن عبد القدوس: [من المنسرح] إذا رضيت الصديق فاصدقه في ال ... ودّ فخير الوداد ما صدقا «974» - وقال آخر: [من الطويل] وليس خليلي بالملول ولا الذي ... إذا غبت عنه باعني بخليل «975» - وقال كعب بن سعد الغنوي: [من الكامل] وإذا عتبت على أخ فاستبقه ... لغد ولا تهلك بلا إخوان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 «976» - وقال الجلاح بن عبد الله السدوسي: [من الطويل] إذا المرء عادى من يودّك صدره ... وسالم ما اسطاع الذين تحارب فلا تبله عمّا تجنّ ضلوعه ... فقد جاء منها بالشناءة راكب 977- وقال آخر: [من الكامل] كم من بعيد قد صفا لك ودّه ... وقريب سوء كالبعيد الأعزل 978- وقال ابن الحمام: [من الطويل] فلا تصفينّ الودّ من ليس أهله ... ولا تبعدنّ الودّ ممّن تودّدا «979» - أبو الأسود الدؤلي في صديق له فسد ما بينهما: [من الوافر] بليت بصاحب إن أدن شبرا ... يزدني في تباعده ذراعا أبت نفسي له إلّا اتباعا ... وتأبى نفسه إلّا امتناعا كلانا جاهد أدنو وينأى ... فذلك ما استطعت وما استطاعا «980» - وقال في ابن عامر ... وكان صديقه ثم جفاه: [من الطويل] ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الودّ قد بالت عليه الثعالب وأصبح باقي الودّ بيني وبينه ... كأن لم يكن والدهر فيه عجائب إذا المرء لم يحببك إلّا تكرّها ... بدا لك من أخلاقه ما يغالب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 «981» - وقال حماد عجرد في عيسى بن عمر: [من الكامل المرفل] كم من أخ لك لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر متصنع لك في مودّته ... يلقاك بالترحيب والبشر يطوي الوفاء وذا الوفاء ويل ... حى الغدر مجتهدا وذا الغدر فإذا عدا والدهر ذو غير ... دهر عليك عدا مع الدهر فارفض بجهد منك صحبة من ... يقلى المقلّ ويعشق المثري وعليك من حالاه واحدة ... في العسر إما كنت واليسر 982- قال حكيم: أنزل الصديق بمنزلة [1] العدوّ في رفع المؤونة عنه، وأنزل العدوّ بمنزلة [1] الصديق في تحمّل مؤونته. 983- من كلام الحسن: يا ابن آدم إياك والغيبة فإنها أسرع في الحسنات من النار في الحطب. يحسد أحدكم أخاه حتى يقع في سريرته، والله أعلم بعلانيته. يتعلّم في الصداقة التي بينهما ما يعيّره به في العداوة إذا هي كانت، فما أظنّ أولئك من المؤمنين. إنّ الله لا ينظر إلى عبد يبدي لأخيه الودّ وهو مملوء غشّا، يطريه شاهدا، ويخذله غائبا، إن رأى خيرا حسده، وإن ابتلي ابتلاء خذله. «984» - وقد قيل: الإخوان نزهة القلوب وسلوة الهموم. «985» - إبراهيم بن العباس: [من مجزوء الرمل]   [1] م: منزلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 يا أخا العرف إذا عز ... ز إلى العرف الطريق وأخا الموتى إذا لم ... يبق للميت صديق 986- قال إياس بن معاوية لبنيه: يا بنيّ تثبّتوا في من تؤاخون، فإن كانت المحاسن أكثر من المقابح فتقدموا، وإن كانت المقابح أكثر من المحاسن فتأخروا، فإنّ التحوّل عن الإخاء شديد، وليس الأخ كالثوب يبلى فيطرح، ولا كالعلق يزهد فيه فيستبدل به. 987- قال بشر بن الحارث: ينبغي أن يكون للإنسان ثلاثة إخوان: واحد لآخرته، وآخر لدنياه، وآخر يأنس به. «988» - المغيرة بن حبناء: [من الطويل] خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه ... ولا تك في كلّ الأمور تعاتبه فإنك لن تلقى أخاك مهذبا ... وأيّ امرىء ينجو من العيب صاحبه أخوك الذي لا ينقض النأي عهده ... ولا عند صرف الدهر يزور جانبه وليس الذي يلقاك بالبشر والرضى ... وإن غبت عنه لسّعتك عقاربه 989- قال أعرابيّ لابنه: يا بنيّ ابذل المودّة الصافية تستفد إخوانا، وتتخذ أعوانا، فإنّ العداوة موجودة عتيدة، والصداقة مستعزّة بعيدة. جنّب كرامتك اللئام فإنهم إن أحسنت إليهم لم يشكروا، وإن نزلت شديدة لم يصبروا. 990- وقال أكثم بن صيفي لبنيه: يا بنيّ تقاربوا في المودّة، ولا تتكلوا على القرابة. 991- شاعر: [من الكامل المرفل] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 اترك مكاشفة الصديق إذا ... غطّى على هفواته ستر واعلم بأنك لست عاطفه ... باللوم حين يفوته العذر «992» - قيل لأعرابيّ: لم تقطع أخاك وهو شقيقك وابن أمك أبيك؟ فقال: والله إني لأقطع العضو النفيس من جسدي إذا فسد، وهو أقرب إليّ من أخي. «993» - وقال عبيد الله بن عبد الله [بن طاهر] في مثل ذلك: [من الطويل] ألم تر أنّ المرء تدوى يمينه ... فيقطعها عمدا ليسلم سائره فكيف به من بعد يمناه صانعا ... بمن ليس منه حين تبدو سرائره «994» - قيل: الإخوان كالنار قليلها مشاع وكثيرها بوار. «995» - وقال عمرو بن العاص: إذا كثر الإخاء كثر الغرماء. أراد بالغرماء الحقوق. 996- وقيل: لا أنس لمن لا إخوان له، ولا ذكر لمن لا ولد له، ولا شيء لمن لا عقل له، ولا مكرمة لمن لا مال له. 997- كتب رجل إلى أخ له: أما بعد فإن كان إخوان الثقة كثيرا فأنت أولهم، وإن كانوا قليلا فأنت أوثقهم، وإن كانوا واحدا فأنت هو. «998» - مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن شمس: [من الطويل] أخوك الذي إن تجن يوما عظيمة ... بيت ساهرا والمستذيقون رقّد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 تمت إلى الأقصى بثديك كلّه ... وأنت على الأدنى صروم مجدّد «999» - شريح بن عمران اليهودي: [من الكامل المجزوء] آخ الكرام إن استطع ... ت إلى إخائهم سبيلا واشرب بكأسهم وإن ... شربوا بها السمّ الثميلا 1000- قال ابن المقفع: كل مصحوب ذو هفوات، والكتاب مأمون العثرات. 1001- وقال ابن طباطبا: [من الكامل] اجعل جليسك دفترا في نشره ... للميت من حكم العلوم نشور ومفيد آداب ومؤنس وحشة ... وإذا انفردت فصاحب وسمير 1002- قيل: محاسبة الصديق دناءة، وترك الحقّ للعدوّ غباوة. «1003» - قيل لابن السماك: أيّ الإخوان أخلق ببقاء المودّة؟ فقال: الوافر دينه، الوافي عقله، الذي لا يملّك على القرب، ولا ينساك على البعد، إن دنوت منه راعاك، وإن بعدت عنه اشتاقك، لا يقطعه عنك عسر ولا يسر، إن استعنته عضدك، وإن احتجت إليه رفدك، وتكون مودّة فعله أكثر من مودّة قوله، يستقلّ كثير المعروف من نفسه، ويستكثر قليل المودّة من صاحبه. «1004» - وقال بعض السلف: ابذل لصديقك دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، ولعدوّك إشفاقك وعدلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 «1005» - قال عليّ عليه السلام: احمل نفسك في أخيك عند صرامه على الصلة، وعند صدوده على اللطف، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنوّ، وعند شدّته على اللين، وعند جرمه على العذر حتى كأنّك له عبد، ولا تتخذنّ عدوّ صديقك صديقا فتعادي صديقك. وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة ترجع إليها إن بدا لك يوما ما، ولا تضيعنّ حقّ أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس بأخ من ضيّعت حقّه. «1006» - ابن المعتزّ: [من الطويل] وإني على إشفاق عيني من القذى ... لتجمح مني نظرة ثم أطرق كما حلّئت عن برد ماء طريدة ... تمدّ إليها جيدها وهي تفرق «1007» - وكتب إلى أبي العباس ثعلب: [من الرجز] ما وجد صاد في الحبال موثق ... بماء مزن بارد مصفّق بالريح لم يطرق ولم يرنّق ... جادت به أخلاف دجن مطبق في صخرة إن تر شمسا تبرق ... فهو عليها كالزجاج الأزرق صريح غيث خالص لم يمذق ... إلّا كوجدي بك لكن أتقي صولة من إن همّ بي لم يفرق «1008» - المتنبي: [من الطويل] أقلّ اشتياقا أيها القلب إنني ... رأيتك تصفي الودّ من ليس صافيا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبّا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا 1009- آخر: [من الخفيف] وإذا ما جهلت ودّ صديق ... فاختبر ما جهلت في الغلمان إنّ عين الغلام تنبىء عمّا ... في ضمير المولى من الكتمان 1010- آخر: [من الكامل] حشم الصديق عيونهم بحّاثة ... لصديقه عن غيبه ونفاقه فلينظرنّ المرء من غلمانه ... فهم خلائفه على أخلاقه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 فصل في الاستزارة 1011- كتب أحمد بن يوسف إلى صديق له يستدعيه: يوم الالتقاء قصير، فأعن عليه بالبكور. 1012- وكتب إلى إسحاق الموصلي، وقد زاره إبراهيم بن المهدي: عندي من أنا عنده، وحجّتنا عليك إعلامنا إياك ذلك، وقد آذناك والسلام. «1013» - كتب الحسن بن وهب إلى صديق له يدعوه: افتتحت الكتاب- جعلني الله فداك- والآلات معدّة، والأوتار ناطقة، والكأس محثوثة، والجوّ صاف، وحواشي الدهر رقاق، ومخايل السرور لائحة، ونسأل الله تعالى إتمام النعمة بتمام السلامة من شوب العوائق وطروق الحوادث. وأنت نظام شمل السرور، وكمال بهاء المجلس، فلا تحرمنا ما به ينتظم سرورنا وبهاء مجلسنا. 1014- كتب الصاحب ابن عباد: يومنا هذا يا سيدي يوم طاروني، يعجبني جوّه الفاختيّ، وإذ قد غابت شمس السماء عنّا فلا بدّ من أن تدنو شمس الأرض منا، فإن نشطت للحضور، شاركتنا في السرور، وإلّا فلا إكراه ولا إجبار، ولك متى شئت الاختيار. 1015- وكتب أيضا: نحن يا سيدي في مجلس غنيّ إلّا عنك، شاكر إلّا منك، وقد تفّتحت فيه عيون النرجس، وتورّدت خدود البنفسج، وقامت مجامر الأترج، وفتقت فازات النارنج، وأنطقت ألسنة العيدان، وقام خطباء الأوتار، وهبت رياح الأقداح، ونفقت سوق الأنس، وقام منادي الطرب، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 وطلعت كواكب الندماء، وامتدت سماء الند، فبحياتي لما حضرت لنحصل بك في جنّة الخلد، ونصل الواسطة بالعقد. «1016» - السري الرفّاء: [من المنسرح] لم ألق ريحانة ولا راحا ... إلّا ثنتني إليك مرتاحا وعندنا ظبية مهفهفة ... ترأم ريما يحنّ [1] صداحا تفسد قلبي إن أصلحته ولا ... أرى لما أفسدته إصلاحا وفتية إن تذاكروا ذكروا ... من الكلام المليح أرواحا وقد أضاءت نجوم مجلسنا ... حتى اكتسى غرّة وأوضاحا إن جمدت راحنا غدت ذهبا ... أو ذاب تفّاحنا جرى راحا عصابة إن شهدت مجلسهم ... كنت شهابا له ومصباحا أغلق باب السرور دونهم ... فكن لباب السرور مفتاحا «1017» - كتب العطوي إلى صديق له: [من المتقارب] يوم مطير وعيش نضير ... وكأس تدور وقدر تفور وعثعث تأتي إذا جئتنا ... فنسمع منها غناء يصور وعندي وعندك ما تشتهي ... هـ شعر يمرّ وعلم يدور وإذا كان هذا كما قد وصفت ... فإنّ التفرّق خطب كبير فقم نصطبح قبل فوت الزمان ... فإنّ زمان التلهّي قصير   [1] الديوان: ترأم طفلا هناك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 «1018» - وهو من كلام ذكره إسحاق الموصلي قال: كان يألفني بعض الأعراب، وكان طيبا، فجاءني يوما فقلت له: لم أرك أمس، قال: دعاني صديق لي. فقلت: صف لي ما كنتم فيه فقال: كنا في مجلس نظامه السرور، بين قدر تفور، وكأس تدور، وغناء يصور، وحديث لا يجور، وندامى كأنهم البدور. «1019» - وقال إسحاق أيضا: قلت لأعرابيّ كان يألفني: أين كنت بالأمس؟ قال: كنت عند بعض ملوك سرّ من رأى، فأدخلني إلى قبّة كإيوان كسرى، وأطمعني في صحاف تترى، وغنتني جارية سكرى، تلعب بالمضراب كأنه مدرى، فيا ليتني لقيتها مرّة أخرى. «1020» - قال إسحاق: وقلت لآخر أين كنت بالأمس قال: كنت عند صديق لي فأطمعني بنات التنانير، وأمّهات الأبازير، وحلواء الطناجير، وسقاني رعاف القوارير، وأسمعني غناء الزرازير، على العيدان والطنابير، من نواعم كالحرير، ملكت بأوقار الدراهم والدنانير. «1021» - سعيد بن حميد يستزير: [من الرمل] نحن أضيافك في منزلنا ... نتمنّاك فكن أنت القرى 102» - ابن جكينا ممن عاصرناه يقوله لأبي الحسن هبة الله بن صاعد الطبيب: [من السريع] قصدت ربعي فتعالى به ... قدري فدتك النفس من قاصد وما رأى العالم من قبلها ... بحرا مشى قطّ إلى وارد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 1023- كتب أحمد بن يوسف إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي يستزيره: [من الوافر] فزرنا غير محتشم يزرنا ... بزورتك المكارم والسماح «1024» - زار الخليل بن أحمد بعض تلامذته فقال له: إن زرتنا فبفضلك، وإن زرناك فلفضلك، فلك الفضل زائرا ومزورا. 1025- ابن نصر الكاتب: غداتنا هذه يا سيدي عميمة النعيم، عليلة النسيم، بليلة الغلائل، صقيلة الشمائل، زاهية بنفسها، غريبة في جنسها، قد تأهبت للطالب، وتشوّفت للخاطب، وتزخرفت للعشرة، وتكلّلت بالزهرة: [من الكامل] فانعم صباحا وأتنا متفضلا ... ودع الخلاف فلات حين خلاف 1026- وكتب ابن نصر أيضا: يومنا هذا يا سيدي يوم وجد أنسه، وضاعت شمسه، وصفت ظلاله، وتناسبت أحواله، فالغدوة تشبه الأصيل، والشغل موهوب للتعطيل، وبنا إليك فقر، والسرور إلى رؤيتك مضطر، فإن رأيت أن اتدرك رمق القوم الجياع، وتطرف عين الإبطاء بكفّ لإسراع، فعلت. 1027- وله في المعنى: يومنا هذا يوم مرض نوره، وصحّ سروره، فظلّه ظليل، وظهره أصيل، ولنا من برقه ثغور بادية، ومن وبله عيون جارية، فإن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 رأيت أن تطلع غرّتك مكان شمسه ليصول بضيائه على غده وأمسه، فعلت. 1028- وله أيضا في المعنى: يومنا هذا من طرّته إلى بهرته، حرام على الجدّ وعترته، وقد أعد له في داره هذه من الخيوش أقرها وأهواها، ومن الفروش أنعمها وأوطاها، ومن المطاعم أظرفها وأحبها، ومن الأغاني أطيبها وأطربها. فلا يقنعنّ- حرسه الله- مني إلّا بما بذلت، ولا يرتضي إلّا الوفاء بما ضمنت، ولا يوطىء الأرض قدمه إلّا في المجالس المقرورة، ولا يمنحها ضجعته إلّا على النمارق الوثيرة، ولا يمدّ للأكل يدا حتى يرى فراريج كسكر على ظهرها تناغيه، وحلواء السكر إلى جنبها تناجيه. ولا يقبل مني قدحا حتى يرهب الحريق من شراره [1] ويحثه الكافور بأنشاره، ثم لا يرفعه حتى تزجره [2] المثاني والمثالث، ويأخذه القديم من طربه والحادث. فمتى أخللت بخلّة فإنّي من دد ودد مني، وسيريبه- أدام الله تأييده- اعتراض هذا الشرط فيقول: وهل نحن إلّا في دد؟ وكلّا فإن جدّ يومنا هزل وهزله جدّ، وإذا تأمّل هذا المعنى الدقيق بفكر يشبهه، وقابله بذهن ينفذه، علم أنّ الشرط صحيح، والغرض به فصيح، وأرجو أن لا يجبن عنه فهمه، ويخيم دونه وهمه، فأحتاج إلى كشف البرهان، والزيادة في الشرح والبيان، بإذن الله. ورقعتي هذه صادرة والخوان منصوب، ونحن مصطفون حوله ومنتظرون طوله، وفي الإسراع حمد يفرح به سمعه، ومع الإبطاء ذمّ يضيق به ذرعه، والخيار إليه في حيازة ما هو أنفق عليه. «1029» - السريّ الرفّاء [3] : [من الكامل]   [1] م: من ناره. [2] م: ترجوه. [3] لم ترد هذه الفقرة في م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 نفسي فداؤك كيف تصبر طائعا ... عن فتية مثل البدور صباح حنت نفوسهم إليك فأعلنوا ... نفسا يعلّ بمالك [1] الأرواح وغدوا لراحهم وذكرك بينهم ... أذكى وأطيب من نسيم الرّاح فإذا جرت حببا على أقداحهم ... جعلوك ريحانا على الأقداح «1030» - الرضي وكتب بها إلى الصابي: من البسيط] لقد توافق [2] قلبانا كأنهما ... تراضعا بدم الأحشاء لا اللبن إن يدن قومي [3] إلى داري فآلفهم ... وتنا عني وأنت الروح في بدني فالمرء يسرح في الآفاق مضطربا ... ونفسه أبدا تهفو إلى الوطن أنت الكرى مؤنسا طرفي وبعضهم ... مثل القذى مانعا عيني من الوسن   [1] الديوان: نفسا يقدّ مسالك. [2] الديوان: توامق. [3] الديوان: قوم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 نوادر من هذا الباب والفصل [1] «1031» - خاصم مزيد يوما [2] امرأته وأراد أن يطلقها فقالت له: اذكر طول الصحبة، فقال: والله مالك عندي ذنب غيره. 1032- كان أبان اللاحقي صديقا لأبي النضير وهو شاعر مغنّ فتهاجرا فقال فيه: [من الخفيف] كان ذنبا أتوب منه الى اللّ ... هـ اختياريك صاحبا واتخاذي إنّ لله صوم شهرين شكرا ... إذ قضى منك عاجلا إنقاذي لا لدين ولا لدنيا ولا تص ... لح في علم ما ادّعي بنفاذ 1033- كان لأبي تمام صديق يسكر من قدحين، فكتب إليه يدعوه: إن رأيت أن تنام عندنا فافعل.   [1] والفصل: سقطت من م. [2] يوما: لم ترد في م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 محتويات الكتاب الباب السابع عشر في المدح والثناء ويتصل به فصلان: الشكر والاعتذار والاستعطاف 5 خطبة الباب 7 في المدح والثناء 8 مدائح زهير في هرم 10 كعب يمدح الرسول صلّى الله عليه وسلم 12 مدائح للشماخ والحطيئة والأخطل 14 مدائح لعدد من الشعراء 18 زوجة عروة بن الورد 20 ابن هرمة والمنصور 22 أشعار في المدح 23 أخوا صعصعة بن صوحان 26 وصف ضرار لعلي 28 مدائح بين نثر وشعر 30 عود إلى مدائح زهير 31 النساء والمدح 32 الأصمعي وأعرابي 33 مدائح نثرية 34 أشعار في المدح 35 طاهر يثني على ابنه عبد الله 37 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 المفاضلة بين جرير والفرزدق والأخطل 37 قيس بن عاصم وامرأته 38 الكميت والهاشميات 39 نثر وشعر في المدح 40 من رسالة لابن نصر 42 جروة بنت مرة تحدث معاوية 42 أخت عمرو ذي الكلب 44 أمداح لأبي نواس 46 ابراهيم بن العباس الصولي وغيره 47 أقوال نثرية في المدح 49 عود إلى الشعر 52 أحمد بن يوسف وغسان بن عباد 54 مراوحة بين الثناء شعرا ونثرا 55 المأمون والطعام 59 مدح هشام بن عبد الملك 59 الطرب على الثناء الحسن 61 مدحه وهو معزول 61 أشعار متتابعة في المدح 62 عبد الله بن الزبير وأبو الصخر 65 مديح أعرابي 66 بدائع من مدائح المتنبي 66 شعراء آخرون 69 الجاحظ يمدح الكتاب 71 نوادر في المدح 74 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 الفصل الأول : في الشكر 84 أقوال في الشكر 84 أشعار في الشكر 85 رسائل في الشكر 87 عود إلى الشعر 90 رسالة لابن نصر في الشكر 94 فصل للحسن بن وهب 94 الحطيئة وبني مقلد 95 الفضل بن سهل وملك التبت 96 من كتاب للصابي 97 المبرد يشكر عيسى بن فرخانشاه 97 أشعار في الشكر 98 القطامي وزفر 98 رجل طلق امرأته 99 عود الى الشعر 99 نوادر في الشكر 102 الفصل الثاني : الاعتذار والاستعطاف 104 أحاديث وأقوال حكمية في هذا الفصل 104 عمر بن حبيب العدوي يحدث المنصور 105 المأمون والعفو 106 اعتذارات النابغة 107 اعتذارات طريح الثقفي 108 اعتذارات البحتري 109 الجاحظ وابن أبي دواد 110 عبد الملك يوبخ أهل المدينة 111 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 الحسين الخليع والمأمون 112 رب ذنب أحسن من الاعتذار 113 أشعار في العفو 114 من مليح الاعتذار 115 كتاب للصاحب بن عباد 115 المأمون والاعتذار 116 ابراهيم بن المهدي والمأمون 117 كتاب من ابن مقلة إلى ابن الفرات 118 وفد الشام يعتذر إلى المنصور 119 رسائل في الاعتذار والاستعطاف 119 الاعتذار بين المنصور والمأمون 123 عتبة يخاطب أهل مصر 125 أشعار في الاعتذار 125 الاعتذار بين المنصور والمأمون، وقصة ابراهيم بن المهدي 126 الرشيد والعتابي 128 الكميت وهشام بن عبد الملك 129 أبو نخيلة 130 نوادر في الاعتذار والاستعطاف 131 الباب الثامن عشر في التهاني 133 خطبة الباب 135 فصول الباب الثامن عشر 136 الفصل الأول : في الفتوح 137 مكاتبات للصابي في الفتوح 143 كتاب لعبد الحميد في فتح 154 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 كتاب لأخي المؤلف 154 الفصل الثاني : الولاية 156 كتاب لعبد الحميد 162 كتاب لابن نصر 163 الفصل الثالث : الخلع وما كتب فيها 166 الفصل الرابع : الولد وما كتب فيه 167 كتاب لابن نصر 168 الفصل الخامس : النكاح 170 الفصل السادس : المواسم 171 تهنئة لابن نصر 172 كتاب لأبي الخطاب الصابي 173 كتاب لأخي المؤلف 178 الفصل السابع : الإياب 181 كتاب لابن نصر 182 الفصل الثامن : شواذ التهاني 184 كتاب لأخي المؤلف 187 نوادر في التهاني 189 الباب التاسع عشر في المراثي والتعازي 191 خطبة الباب 193 فصول الباب 194 ذكر ما جاء في العزاء 194 الفصل الأول : مراثي الأكابر والرؤساء 198 الفصل الثاني : مراثي الأهل والإخوان 238 الفصل الثالث : المراثي في الصغار والأطفال 274 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 الفصل الرابع : مراثي النساء 281 الفصل الخامس : شواذ المراثي والتعازي 286 الفصل السادس : نوادر التعازي والمراثي 288 لابن نصر تعزية بعنز 294 الصابي يعزي عن ثور 297 أشعار في الحبس 306 صبر عروة بن الزبير 311 أسماء وابنها عبد الله 312 أحاديث وأشعار في الصبر 313 نوادر من هذا الفصل 327 الباب العشرون في العيادة والمرض 329 خطبة الباب 331 أحاديث وأقوال في العيادة والمرض 332 أشعار في الفصد والدواء 335 نوادر من هذا الباب 341 الباب الحادي والعشرون في المودة والإخاء والمعاشرة والاستزارة 347 خطبة الباب 349 أحاديث وأقوال في المودة والإخاء 350 إخوان السوء وإخوان الخير 353 فصل في الاستزارة 380 نوادر من هذا الفصل 386 الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 الجزء الخامس الباب الثاني والعشرون في الهدايا والهجاء والذم باب الهدايا خطبة الباب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله هادي أوليائه سبل الرشاد، ومهدي ألطافه إليهم من جميل العهاد، ومنزل الغيث نعمة منه يطبّق به الرّبى والوهاد، ومرسل الريح بشرى بين يدي رحمته للعباد، وناصر أنبيائه في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ومصلي الظالمين نار جهنّم وبئس المهاد. أحمده حمدا يمتري أخلاف مواهبه وعطاياه، وأشهد ان لا معبود إلا إياه، وأسأله الصلاة على رسوله المنزّه عن قبول الصلات والاسعاف، المتخلق بقبول الهدايا والألطاف، وعلى آله أولي التباذل والتواصل، المحامين عن دينه بسمر السّمهرية وبيض المناصل، ما بشّر الإيماض بالحساب الهاطل، وكشفت الشمال ذيل الغمام الحافل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 فصول الباب هذا باب نذكر فيه ما جاء في استحباب الهدية والنّدب إليها، وموضع كراهيتها، والمنع من قبولها، وما يحسن إهداؤه منها ويجمل موقعه، وما يوجب الذمّ ويجتلبه، وأوصاف المتهادى منها، وملحا من نوادرها، لتكمل المعاني لطالبها، وتجري [1] على مقاصد المتمثل بها. «1» - فأما الحث عليها فقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تهادوا تزدادوا حبا. وجاء في لفظ آخر: تهادوا تحابوا، فإن الهدية تفتح الباب المصمت، وتسلّ سخيمة القلب. قال الله عزّ وجلّ حاكيا عن بلقيس في قصتها مع سليمان عليه السلام: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (النمل: 35) فدلنا ذلك على أنها أرادت بالهدية أن تسلّ السخيمة وتغفر الجريمة [2] بها. «2» - وقال صلّى الله عليه وعلى آله: لو دعيت الى كراع لأجبت، ولو أهدي إليّ كراع لقبلت.   [1] ب: ويحوي. [2] م: الجريرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 «3» - وقال عليه السلام: الهدية مشتركة. 4- وقال أبو محمد عبد الله بن عزيز: الهدية تردّ بلاء الدنيا، والصدقة بلاء الآخرة. «5» - وقال الشاعر وهو البحتري: [من الكامل المجزوء] إن الهدية حلوة ... كالسحر تجتلب القلوبا تدني البعيد من الهوى ... حتى تصيّره قريبا «6» - فأما كراهيتها فإنما تكون لأرباب القضاء والولايات، تحوّبا من الظنّة والشبهات، وتحرجا أن تقع بمعنى الرشوة. ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للرجل الذي استعمله فأهدي إليه فقال: هذا لي: «ألا جلس في حفش أمّه فينظر أكان يهدى إليه» . وروي أن امرأة أهدت إلى عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فخذ جزور ثم حاكمت خصما لها إليه فقضى عليها فقالت: يا أمير المؤمنين افصل حكومتي كما تفصل فخذ الجزور. فردّ عليها عمر قيمته وقال: إياكم والهدايا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 «7» - وقد يمنع منها هؤلاء أيضا احتياطا للمروءة والأمانة: بلغ عبد الملك بن مروان أن عاملا له قبل هدية، فسأله عن ذلك فقال: بلادك عامرة، وخراجك وافر، ورعيتك راضية، قال: أخبرني عما سألتك قال: قد قبلت، قال: لئن كنت قبلتها ولا ترى لصاحبها مكافأة إنك للئيم، وإن كنت قبلتها لتستكفي رجلا عاجزا إنك لخائن، ولئن كنت قبلتها وأنت مضمر تعويض صاحبها لقد بسطت ألسن أهل عملك بالقدح فيك، وذلك جهل، وما في من أتى أمرا لم يخل فيه من لؤم وخيانة وجهل مصطنع، وعزله. 8- وما أحسن قول القائل: أكرم الهدايا علم نافع، ونصيحة موثوق بها، ومدحة صادقة. «9» - وقال جعفر بن يحيى: ثلاثة تدل على عقول أصحابها: الهدية والرسول والكتاب. «10» - فمن إهداء المدح قول الشاعر: [من الكامل] لا تنكرن إهداءنا لك منطقا ... منك استفدنا حسنه ونظامه فالله عزّ وجلّ يشكر فعل من ... يتلو عليه وحيه وكلامه «11» - وكتب سعيد بن حميد إلى بعض إخوانه في يوم نيروز: أيها السيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 عشت أطول الأعمار في زيادة من النعم، موصولة بقرائنها من الشكر، لا تقضي حقّ نعمة حتى تجدّد لك أخرى، ولا يمرّ يوم الا كان موفيا على ما قبله، مقصّرا عما بعده. إني تصفحت حال الأتباع الذين تجب عليهم الهدايا إلى السادة في هذا اليوم فالتمست التأسّي بهم في الاهداء، وإن قصّرت الحال عن الواجب، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملك لك لا حظّ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدتها منك، فكنت إن أهديت منها شيئا كمهدي مالك إليك [ومنفق نفقتها عليك] ، ومن لم يزد على أن نبّه على نعمتك واقتضى نفسه الشكر لك؛ وفزعت إلى مودّتى وشكري فرأيتهما لك خالصين، قديمين غير مستحدثين، فرأيتني إن جعلتهما هديتي إليك لم أجدّد لهذا اليوم الجديد برّا ولا لطفا، ولم أقس منزلة من شكري بمنزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصّرا عن الحق، والنعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة. ولم أسلك سبيلا ألتمس بها برّا أعتدّ به، أو لطفا أتوصّل به، إلا وجدت إفضالك قد سبقني إليه، فقدم لك حق السبق إلى البرّ والطول، فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك بما يجب لك، والعذر عن العجز برّا أتوصّل به إليك؛ وقلت: [من الكامل المرفل] إن أهد نفسي فهو مالكها ... وله أصون كرائم الذّخر أو أهد مالا فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر أو أهد شكري فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر والشمس تستغني إذا طلعت ... أن تستضيء بسنّة البدر «12» - أهدى أحمد بن يوسف إلى إبراهيم بن المهدي هدية وكتب إليه: الأنس سهّل سبيل الملاطفة، فأهديت هدية من لا يحتشم إلى من لا يغتنم ما لا أكثّره تبجّحا، ولا أقلّله ترفعا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 «13» - كتب بعض الشعراء إلى محمد بن منصور بن زياد يستهديه جارية: إن بين يدي كلّ أمر يطالبه الرجل وبين المطلوب إليه ذريعة رجاء يتوصّل بها إلى معروفه. ولي بارتجائيك من معرفتي بفضلك وما كنت متوسلا إليك بشيء هو أرجى في حاجتي ولا أصلح لطلبتي من التأميل لك، وحسن الظن بك. وحاجتي ظريفة من الجوار، لم تتداولها أيدي التّجار، ولي فيها شريطة أعرضها عليك لترى رأيك فيها: أحبّها فرعاء، فانه يقال: إذا اتخذت جارية فاستجد شعرها، فإن الشعر أحد الوجهين؛ وتكون رائعة البياض، تامّة القوام، فإنه يقال إنّ البياض والطول نصف الحسن؛ وتكون مليحة المضحك، فإنه أول ما تجتلب به المرأة المودة، وتعتقد به الحظوة [1] ؛ وتكون سبطة البنان. ولست أكره الانكسار في الثدي فإنه ليس للنهود عندي إلا لذة النظر، فأما وطاء يستلذه المعانق فلا، ولست من قول الشاعر في شيء: [من الكامل] جال الوشاح على قضيب زانه ... رمّان صدر ليس يقطف ناهده وأكره العجيزة العظيمة وأريدها وسطا لأن خير الأمور أوساطها. لها طرف أدعج، وحاجب أزجّ، وكفل مرتجّ أو متى وافقت هذه الصفة رخيمة الصوت، شهيّة النغمة، فهي حرّة قبل أن ترسلها إلي. وحاجتي أعزّك الله يحتملها قدرك، ويستحقّها شكري، وأنا بالاسعاف جدير، وأنت بالافضال قمين، والسلام. فكتب إليه محمد بن منصور: قد سألت عن هذه الصفة، وطلبت لك هذا النعت، فأعيتني في الدنيا، وما أراني أجدها لك في الآخرة. وقد بعثت إليك بثلاثمائة دينار، فمتى أصبت جارية على ما وصفت فادفع هذه عربونا حتى أبعث   [1] بعد هذا يختلف سياق النص في الترتيب لدى الخالديين عما هو هنا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 إليك بالثمن، إن شاء الله. «14» - وأهدى البحتريّ إلى عبد الرحمن بن خاقان فرسا وكتب إليه: [من الكامل] ماذا ترى في مدمج عبل الشّوى ... من نسل أعوج كالشهاب اللائح لا تربه الجذع الذي يعتاقه ... وهن الكلال وليس كلّ القارح يختال في شية يموج ضياؤها ... موج القتير على الكميّ الرامح لو يكرع الظمآن فيها لم يمل ... طرفا إلى عذب الزلال السائح أهديته لتروح أبيض واضحا ... منه على جذلان أبيض واضح فتكون أول سنة مأثورة ... أن يقبل الممدوح رفد المادح «15» - وقال الصنوبري يستهدي: [من البسيط] الطيب يهدى وتستهدى طرائفه ... وأشرف الناس يهدي أشرف الطّيب والمسك اشبه شيء بالشباب فهب ... بعض الشباب لبعض العصبة الشيب «16» - وأهدى أبو إسحاق الصابي إلى عضد الدولة في يوم مهرجان اصطرلابا وكتب معه: [من البسيط] أهدى إليك بنو الآمال واحتفلوا ... في مهرجان جديد أنت مبليه لكنّ عبدك إبراهيم حين رأى ... علوّ قّدرك عن شيء يدانيه لم يرض بالأرض مهداة إليك فقد ... أهدى لك الفلك الأعلى بما فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 «17» - وكتب إليه من الحبس وقد أهدى إليه في نيروز در همين خسروانيين [1] وكتاب «المسالك والممالك» : [من الكامل المجزوء] أهدي إليك بقدر حا ... لي في الخصاصة درهمين وبحسب قدرك دفتري ... ن هما جميع الخافقين «18» - وأهدى السريّ الرفّاء إلى صديق له ماء ورد فارسي في قارورة بيضاء مزيّنة بقراطيس مذهبة وكتب إليه: [من الطويل] بعثت بها عذراء حالية النحر ... مشهّرة الجلباب حوريّة النّجر مضمّنة ماء صفا مثل صفوها ... فجاء كذوب الدرّ في جامد الدر ينوب بكفّي عن أبيه وقد مضى ... كما نبت عن آبائك السادة الغر «19» - وقال يستهدي مشروبا وكتب بها إلى أبي الهيجاء ابن حمدان: [من الطويل] تجنّبني حسن المدام وطيبها ... وقد ظمئت نفسي وطال شحوبها وعندي ظروف لو تظرّف دهرها ... لما بات مغرى بالكآبة كوبها وشعث دنان خاويات كأنّها ... صدور رجال فارقتها قلوبها فسقياك لا سقيا السحاب فإنما ... بي العلة الكبرى وأنت طبيبها «20» - وكتب أبو الفتح ابن العميد في مثله: قد انتظمت يا سيدي رفقة في   [1] خسروانيين: سقطت من م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 سمط الثريا، فإن لم تحفظ علينا النظام باهداء المدام صرنا كبنات نعش، والسلام. «21» - وكتب في معنى مداد أهدي إليه: [من المجتث] يا سيّدي وعمادي ... أمددتني بمداد كمسكنيك جميعا ... من ناظري وفؤادي أو كالليالي اللواتي ... رميننا بالبعاد «22» - وقال ابن الرومي: [من الخفيف] أيّ شيء أهدي إليك وفي وج ... هك من كلّ ما تهودي معنى منك يا جنة النعيم الهدايا ... أفأهدي إليك ما منك يجنى «23» - قال أبو جعفر دهقان بن ذي القرنين: قدّمت إلى الصاحب هدية أصحبنيها الأمير أبو عليّ محمد بن محمد برسمه [1] ، واعتذرت إليه بأن قلت: إنها إذا نقلت إلى حضرته من خراسان، كانت كالتمر ينقل إلى كرمان؛ فقال: قد ينقل التمر من المدينة إلى البصرة على جهة التبرك، وهذه سبيل ما يصحبك. «24» - كان ليحيى بن خالد بن برمك كاتب يختص بخدمته، ويقرب من   [1] م: بن سهر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 حضرته، فعزم على ختان ولده، فاحتفل له الناس على طبقاتهم، وهاداه أعيان الدولة ووجوه الكتّاب والرؤساء على اختلاف منازلهم. وكان له صديق قد اختّلت حاله وأضاقت يده عما يريده لذلك مما دخل فيه غيره، فعمد إلى كيسين كبيرين نظيفين، فجعل في أحدهما ملحا وفي الأخر أشنانا مكفّرا، وكتب معهما رعة نسختها: لو تمّت الارادة لأسعفت بالعادة، ولو ساعدت المكنة على بلوغ الهمة لأتعبت السابقين إلى برّك، وتقدمت المجتهدين في كرامتك. لكن قعدت القدرة عن البغية، وقصّرت الجدة عن مباراة أهل النعمة، وخفت أن تطوى صحائف البر، وليس لي فيها ذكر، فأنفذت المبتدأ بيمنه وبركته، والمختتم بطيبه ونظافته، صابرا على ألم التقصير، ومتجرّعا غصص الاقتصار على اليسير. فأما ما لم أجد إليه السبيل في قضاء حقك فالقائم فيه بعذري قول الله عزّ وجلّ: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ (التوبة: 91) . ثم حضر يحيى بن خالد الوليمة، وعرض عليه وكيله جميع ما حمل إليه من الجهات حتى أراه الملح والأشنان والرقعة، فاستظرف الهدية، وأعجب بالرقعة، وأمر الغلام أن يملأ الكيسين عينا فكان أربعة آلاف دينار، وأعادهما إليه. 25- كتب أبو الفرج الببغاء إلى بعض إخوانه يستهديه دواة وآلتها: إذا كان التفضل يا سيدي- أطال الله بقاءك- للكريم صفة، وللمنعم خليقة، فإن عوضه في ما يأتيه، معين على شكر مننه وأياديه، وهذا وصف لا يتجاوزك ولا يتعداك، ولا يأنس وحشيّه على الحقيقة بسواك. ولذلك صار أنفقنا عليك، وأهدانا لسبيل التقرب إليك، من استنزلك عن أنفس أملاكك، وابتزّك أشرف ذخائرك، بتسحّب الثقة وتسلّط التاميل. ولما كانت الدويّ- ايدك الله- للكتابة عتادا، وللخواطر زنادا، ووجدت أكثرها بظاهر اللقب مستهلكا، وبرقّ الدعاوى مستملكا، عدلت إلى الأكفاء في خطبتها، وعذت بأفخر محتد لنسبتها، فتنجّزت سؤددك- أيدك الله- منها آلة حضر الكمال حدودها، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 وعجم الاختبار عودها، فبرزت من سرّ الشّوحط وصميمه، أو عريق الأبنوس وقديمه، تختال من بدع الاختراع، وعناية الصناع، بين تناسب الطول واعتداله، واقتصاد العرض وكماله، جدوليّة العطفين، هلالية الطرفين، مسكيّة الجلدة، كافورية الحلية، فسيحة الأحشاء، مهفهفة الأعضاء، فهي من نبذ بلقتها، وو شائع حليتها: [من الخفيف] كشباب مجاور لمشيب ... أو ظلام موضّح بنهار أضمرت آلة النهى فهي كالقل ... ب وما تحتويه كالأفكار تظأر من ذخائر السّحاب، وودائع التراب، كلّ معتدل الكعوب، قويم الأنبوب، باسق الفروع، رويّ الينبوع، نقيّ الجسد، نازح العقد، مختلف الشيات، متفق الصفات، مما عنيت الطبيعة بتربيته، وتبارت الدّيم في تغذيته، فأظهرته كالجوهر المصون، أو اللؤلؤ المكنون، ملتحف الأجساد، بمثل خوافي أجنحة الجراد، إلى أن سبته الرغبة من معادنه، واجتباه التخير من مواطنه، فصار أولى باليد من البنان، وآنس بخفيّ السر من اللسان، تناط الأمور بنباهته، وتقدح الآراء من فطنته، موثوق به خؤون، متهم مأمون، مبيد مفيد، كتوم نموم: [من الطويل] يدافع في الجلّى بغير استطاعة ... ويفصح في النجوى بغير بيان موات فان ألقى به الرأي رحله ... حماه بأمضى خاطر وجنان تحكم في مهجته، وتسطو بذروته، ذات غرار ماض، وذباب قاض، ومنسر بازيّ، وجوهر هوائي، ونصاب زنجي. حتى إذا أرهفت غراريه، ونحتت روقيه، ناطته بمستدير الجسم ملمومه، مطّرد القدّ مستقيمه، ذي جسد بجراحها مكلوم، وجلد بآثارها موسوم: [من البسيط] في كلّ عضو له من وقعها ألم ... وليس ينجع فيه ذلك الألم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 كأنه وامتهان القطّ يرغمه ... أنف الحسود اذا ارغمنه النعم حتى إذا جبّ غاربه، وأطلقت مضاربه، انصاع في أصول حفير، وكرع من أعذب غدير، لا ترده غير الافهام، ولا يمتح إلّا بأرشية الأقلام، تفيض ينابيع الحكمة من أقطاره، وتنشقّ سحب البلاغة من قراره، منير مظلم، مشمس مقمر: [من البسيط] يجري وأجراؤه في الوصف جامدة ... ويستهلّ وما تهمي له مقل إذا الخواطر حامت حول مورده ... لم يروها من قراه العلّ والنّهل كأن أقلامنا فيما تحمّله ... الى القراطيس عن أسراره رسل وقد وفيت- أيدك الله- ببديع الأوصاف عاجل المهر، وجعلت ملك الهديّ كفيلا بآجل الشكر، فإن رأيت ان تؤيد يدي ولساني في نشر فضائلك، وتخليد مناقبك، وبثّ محاسنك، فعلت، إن شاء الله. 26- أهدى ابن نصر الكاتب إلى وزير سكينا ومقطّا وأقلاما، وكتب معها رسالة منها: خدمت بأنابيب كرم منبتها ومقيلها، وأرضها ريف مصر ونيلها، فكأن نصولها بعد الريّ والتمام، وأصولها بعد البلوغ والاستحكام، قد جمعت بين فضيلتي الاعتدال والاستواء، وفارقت ذميمي الالتفات والالتواء، وتقمصت حبرات الوشي المحوكة، وتوشّحت ذوائب التبر المسبوكة، زيّ البغيّ المتبرّجة، أو الكاعب المتحرجة، مقرونة بمضرمة النار، مرهفة الغرار، تنطق السنتها، وتطلق أعنتها، وتنقلها عن الأنابيب إلى الاقلام، وتجعلها مطايا المعاني والكلام. لها معين على مسكها وضبطها، وقرن في تقويمها وظهير على تحسين جريها وخطها، ينصرها فتخذله، ويطعمها فتأكله، قد عدم شكرها، ودام أنسها وبرها، لا تألم بجراحها، ولا يطمع في استصلاحها، ولا يعدم ضرارها، ولا يسأم جوارها، فعل الوامق الصبور، والعاشق المغرور. فإن رأى قبول ما أوفدته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 على فضائله، وتشريفه باستخدام أنامله، فعل. 27- يقال: أهدوا إلى الولاة فإنهم إن لم يقبلوا أحبّوا. 28- كتب شاعر يستهدي مدادا: [من الخفيف] أنا أشكو إليك أنّ دواتي ... وهي عوني [1] وعدّتي وعتادي عطّلت من مدادها فاستعاضت [2] ... يقق اللون من حلوك السواد لم تزل من بنات حام فجاءت ... من بني يافث بغير ولاد أنت للحادثات عدّة صدق ... فترى أن تمدّها بمداد «29» - البحتري يستهدي مملوكا: [من الخفيف] ما بأرض العراق يا قوم حرّ ... يفتديني من خدمة الأحرار هل جواد بأبيض من بني الأص ... فر ضخم الجدود محض [3] النجار فوق ضعف الصغار إن وكل الأم ... ر إليه ودون كيد الكبار وكأن الذكاء يبعث منه ... في سواد الأمور شعلة نار ولعمري للجود للناس بالنا ... س سواه بالثوب والدينار «30» - آخر: [من الوافر] رأيت كثير ما يهدى قليلا ... لعيدك فاقتصرت على الدعاء   [1] م: عزي. [2] ب: فاستعاذت. [3] م ب: ضخم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 31- كتب ابن نصر الكاتب يستهدي مشروبا، وقد بلغه أن صاحبه تعرض لذلك منه: لم يزل الكريم- أطال الله بقاء سيدنا- ينمّ تهلّل وجهه على خفيّ أمره، ويسعى فضل أريحيّته على مكنون سره، سلوا عن الذخائر حتى ينفقها، وصبابة بالمكارم حتى يعلقها؛ وبلغني من تحرشه بانتجاعي دياره، واستسقائي قطاره، ما أشعرني أن خزانة شرابه عمرها الله رويت بعد الحرار، وأيسرت بعد الإعسار، فأطرقت عن شيمها [1] ما دمت ممطورا، وسألت من نيلها حين اضطررت ميسورا، فإن رأى المقابلة [2] بالإسعاد، والإجابة بالإرفاد، فعل، إن شاء الله. «32» - أهدى الرّعيل [3] بن الكلب ناقة لهشام بن عبد الملك فلم يقبلها، فقال: يا أمير المؤمنين، أرددت ناقتي وهي هلواع مرياع مرباع مقراع مسياع مسناع حلبانة ركبانة، فضحك وقبلها، وأمر له بألف درهم. الهلواع: الخفيفة، والمرباع: التي تقدم الابل وتعود، والمرياع: التي تعجل اللقاح، والمقراع: التي تلقح أول ما يقرعها الفحل، والمسياع: السمينة، والمسناع: الواسعة الخطو. «33» - قال محمد بن مهدي الكاتب: [من السريع] هديّتي تقصر عن همّتي ... وهمّتي تقصر عن مالي   [1] ب: شتمها. [2] ب: قابلها. [3] م: الرغل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 وخالص الودّ ومحض الهوى ... أفضل ما يهديه أمثالي «34» - الرضي: [من الكامل] إن أهد أشعاري إليك فإنها ... كالسّرد أعرضه على داود لكنني أعطيت صفو خواطري ... وسقيت ما صبّت عليّ رعودي وسمحت بالموجود عند بلاغتي ... إنّي كذاك أجود بالموجود «35» - الصاحب [1] : [من الكامل] أهديت عطرا منك طيب ثنائه ... فكأنّما أهدي له أخلاقه 36- فقال آخر: [من السريع] وطيّب أهدى لنا طيبا ... فدلنا المهدى على الهادي «37» - وذم أبو تمام نبيذا أهدي إليه فقال: [من الخفيف] قد عرفنا دلائل المنع أو ما ... يشبه المنع باحتباس الرسول فأتتنا كدراء لم يك من تس ... نيم جريالها ولا سلسبيل لا تهدّى سبل العروق ولا تن ... سلّ في مفصل بغير دليل وهي نزر لو أنها من دموع الص ... صبّ لم تشف منه حرّ الغليل وكأنّ الأنامل اعتصرتها ... بعد كدّ من ماء وجه البخيل أحتسابا بعثتها أم تصدّق ... ت بها رحمة على ابن السبيل   [1] هذه الفقرة والتالية لها سقطتا من م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 قد كتبنا لك الأمانات أن تس ... أل منها عمر [1] الزمان الطويل كم مغطّى قد اختبرنا نداه ... وكشفنا [2] كثيره بالقليل 38- وقال آخر في مثله: [من السريع] لو كان ما أهديته إثمدا ... لم يكف إلا مقلة واحده «39» - وقال ابن الرومي في مثله: [من الخفيف] قد لعمري اقتصصت من كلّ ضرس ... كان يجني عليك في رغفانك لم تجد حيلة لنا إذ وترنا ... ك فقابلتنا بشرّ دنانك أضرستنا مدامة منك تحكي ... ضجرة تعتريك في ضيفانك قد رددناه فاتخذه [3] لسكبا ... جك في النائبات من أزمانك واتخذه على خوانك أدما ... فهو أولى بالخلّ من إخوانك «40» - وأهدي إلى دعبل فرس لم يرضه فقال: [من المتقارب] حملت على أعور أعرج ... فلا للركوب ولا للثّمن [4] حملت على زمن شاعرا ... فسوف تكافا بشعر زمن 41- وقال الحاتمي: [من البسيط]   [1] الديوان: الأمان فما تسألها عمر ذا. [2] الديوان: واعتبرنا. [3] الديوان: فادخره. [4] م: للسّمن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 طلبت عكازة للرجل تحملني ... ورمتها عند من يهوى العصا فعصا وكنت أحسبه يهوى عصا عصب ... ولم أكن خلته صبا بكلّ عصا «42» - أهدى عامل لمروان بن محمد اليه غلاما أسود فأمر عبد الحميد أن يجيبه ويذمه فكتب: أما إنك لو علمت لونا شرا من الأسود وعددا أقلّ من الواحد لأهديته، والسلام. «43» - كشاجم يذكر شمعا أهداه: [من الوافر] وصفر من بنات النحل تكسى ... بواطنها وظاهرهنّ عار كواكب لسن عنك بآفلات ... إذا ما أشرقت شمس العقار بعثت بها إلى ملك كريم ... شريف الأصل محمود النجار فأهديت الضياء بها إلى من ... محاسنه تضيء لكلّ سار «44» - وقال أيضا يستهدي شمعا: [من المتقارب] سجاياك من طيب أعراقها ... تباري النجوم بإشراقها وما للعفاة غياث سواك ... كأنّك ضامن أرزاقها وليلة ميلاد عيسى المسي ... ح قد طالبتني بميثاقها فتلك قدوري على نارها ... وفاكهتي فوق أطباقها وبنت الدنان فقد أبرزت ... من الخدر تجلى لعشاقها وقد قامت السوق بالمسمعي ... ن والمسمعات على ساقها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 فكن مهديا لي فدتك النفوس ... بجودك مسكة أرماقها نظائر صفرا غدت فتنة ... بلطف أنامل خلّاقها فللسند صفرة ألوانها ... وللروم زرقة أحداقها ومثل الأفاعي إذا الهبت ... حريقا مخافة درياقها «45» - أهدى أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع وقد قدم من مكة نعلا وقد كتب على شراكها: [من الكامل المرفل] نعل بعثت بها لتلبسها ... قدم بها تمشي إلى المجد لو كان يصلح أن أشرّكها ... خدي جعلت شراكها خدي فحملها الفضل إلى الأمين فقال: ما هذه يا عباسيّ قال: أهداها إليّ أبو العتاهية وكتب عليها بيتين شعرا، فكان أمير المؤمنين أولى بلبسها لما وصف به لابسها، فقال: ما هما؟ فقرأهما عليه، فقال: أجاد والله ما سبقه إلى هذا المعنى أحد، هبوا له عشرة آلاف درهم، فأخرجت إليه في بدرة. 46- أهدى أبو الخطاب الصابي إلى أبي إسحاق إبراهيم بن هليل [1] سكينا وكتب إليه: لو علمت يا سيدي أنك اليوم في دارك- عمرها الله وآنسها- لصرت إليك. وقد أنفذت السكين [2] وهي أمضى من القضاء المبرم، وأنفذ من القدر المتاح، وأقطع من ظبة الصّمصام، وأصرم من حدّ الحسام، وأشد ائتلاقا من البرق اللامع، وأنصع ضياء من الشهاب الثاقب؛ ثم هي مع ذاك أرشق قدّا   [1] م: هلال؛ و «هليل» تكتب كذلك، والأولى أشيع. [2] م: هذه السكين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 من الغصن، وأحلى شكلا من كلّ أنيق حسن، قد جمعت حسن المنظر والمخبر، وتملكت عنان العين والقلب، وإنما استعارت ذكاءك ومضاءك، وسربلت جمالك وبهاءك. إن قابلت الأبصار أعشت، وإن صافحت النفوس أصمت، وإن أرضيت ولت متنا كالدهان، وإن أسخطت اتّقت بناب الأفعوان. وهي كريمة الوداد، أليمة الشماس، أمينة في السلم، مخوفة في الحرب، لا عيب لها غير أنها لا فلول بها، ولا آثار للأقران فيها. وأنّى تقلّها الضرائب، أو تثلمها الكتائب، وكل عضب عندها كهام، وكلّ ماض بالقياس اليها كليل. هيهات هي أصلب من ذاك معجما، وأصمّ منه عودا، وأبقى على القضم والخضم حدّة، وأمضى على الهبر والحطم شدة، لم يكلها كرم النجار إلى صنعة القين، ولم يحوجها عتق الجوهر إلى إمهاء الحجر، ولا يزيدها اختلاف الأيام إلا إرهافا، ولا طول الاستخدام إلا مضاء ونفاذا. فإن رأيت يا سيدي أن تتفضّل بقبولها، وتشرّفها باستخدامها غير حامد لها ما ذكرته من ملائها ولا معتدّ بما وصفته من محاسنها، إذ كان الكهام يمضي بحدك، والعضب يفري بيدك، وتعرّفني وصولها ووقوعها الموقع الذي اعتمدته بها، فعلت، إن شاء الله. 47- وقديما غرّت الهدايا وخدعت: أهدى الجنيد بن عبد الرحمن لأم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام بن عبد الملك قلادة فيها جوهر، وأهدى لهشام قلادة أخرى فولّاه خراسان، ولم يكن الجنيد في موضع ذلك، وأنفذه إليها وحمله على ثمانية من البريد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 نوادر في الهدايا 48- كتب عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس إلى يزيد بن عبد الملك يستأذنه في غلام يهديه إليه فكتب إليه: إن كنت لا بدّ فاعلا فليكن جميلا ظريفا، أديبا لبيبا، كاتبا فقيها، حلوا عاقلا، ديّنا أمينا سريّا، يحضر فيزين، ويقول فيحسن، ويغيب فيؤمن. فكتب إليه: قد التمست صفة أمير المؤمنين فلم أجدها إلا في القاسم بن محمد وقد أبى أهله بيعه. «49» - وكتب رجل يستهدي حمارا فقال: أبغيه متجنبا للزلل، متوقيا للنسل، إذا خلّيت عنانه وقف، وإذا حركته سار، وإن دخلت ظلالا تطامن، وإن عطفته تلاين. فكتب إليه: ارفق قليلا لعلّ القاضي أن يمسخ حمارا فأهديه لك. «50» - وقال خلف الأحمر: [من الوافر] سقى حجّاجنا نوء الثريا ... على ما كان من منع وبخل إذا أهديت فاكهة وجديا ... وعشر دجائج بعثوا بنعل ومسواكين طولهما ذراع ... وعشر من رديء المقل خثل وإن أهديت ذاك ليحملوني ... على نعل فدقّ الله رجلي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 «51» - قال المتوكل للجمّاز: أيّ شيء أهديت لي يوم العيد؟ قال: حلقت رأسي. «52» - استعمل الحجاج الخيار بن سبرة المجاشعي على عمان، فكتب إليه الفرزدق يستهديه جارية، فكتب إليه الخيار: [من الوافر] كتبت إليّ تستهدي الجواري ... لقد أنعظت من بلد بعيد 53- ولي أبو علي المشيخي القاضي المظالم ببلخ، فكتب إليه أبو يحيى الحمادي يداعبه ويستهديه من ثمرات بلخ وفاكهتها، فأهدى إليه حمل صابون وكتب إليه كتابا قال في فصل منه: وقد بعثت إلى الشيخ- أيّده الله- حمل صابون ليغسل طمعه فيّ، والسلام. 54- قال مزبّد: الهدية تعور عين الحكيم، وسائر الناس تعميهم. 55- أهدى أبو غسان التميمي وكان سيء الادب إلى الأمير نصر بن أحمد كتابا من تصنيفه في يوم نيروز فقال: ما هذا يا أبا غسّان؟ قال: كتاب أدب النفس، قال: فكيف لا تعمل بما فيه؟ «56» - دخل ابن مكرّم على أبي العيناء مهنئا له بولد جاءه، فوضع عنده حجرا، أراد للعاهر الحجر. «57» - قال سفيان الثوري: إذا أردت أن تتزوج فأهد للأم. «58» - وقال أبو العالية: إذا دخلت الهدية صرّ الباب وضحكت الأسكفّة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 «59» - شاعر: [من الوافر] إذا أتت الهدية دار قوم ... تطايرت الأمانة من كواها «60» - جاءت عبد الله بن جعفر أعرابية بدجاجة فقالت: أصلحك الله، إن هذه دجيجة [1] دجنت في حجري، كنت أطعمها من فتوتى [2] ، وأنوّمها علي فراشي، وألمسها في آناء الليل فكأنما ألمس بنتا زلّت عن [3] كبدي، وإني نذرت لله أن أدفنها في أكرم بقعة فلم أجد تلك البقعة إلا بطنك، فضحك من قولها وأمر لها بعشرة أوقار من زبيب وبرّ فقالت: أصلحك الله، إن الله لا يحبّ المسرفين آخر باب الهدايا ويتلوه باب الهجاء ومقدماته والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم [4] .   [1] م: دجاجة. [2] م: قوتي. [3] م: نزلت من. [4] خاتمة الباب: في م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 باب الهجاء والذم خطبة الباب بسم الله الرحمن الرحيم اللهمّ إنا نحمدك على حسن البيان، وأن فضّلتنا به على سائر الحيوان؛ اللهمّ فكما جعلته من خصائص الانسان، فاخزن ألسنتنا عن موجبات الإثم والعدوان، ولا تطلقها في الإفك والبهتان، وصن أعراضنا عن طعن ذوي الشنآن. وأرضنا بما أعطيت حتى لا نحيل بالشكوى على الزمان، وأنقذنا من ظلم استزادة لتسلم دنيانا الدنية من معرّة نبوء بعارها، وننقلب إليك بجوارح سليمة من أوزارها، وصلّ على محمد المصطفى للرسالة من بين الأنام، المصفّى من العيب والذّام، وعلى آله وأصحابه الأتقياء الكرام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 مقدمات الهجاء والذم ّ «61» - لا بدّ للهاجي من سبب يدعوه إلى الهجاء ويحرّكه، ومن شأنه أن يعذر بمقدمة تنبه المهجوّ من غفلة اللوم، أو يصرّ فيقوم في هجائه العذر. وكثيرا ما يكون سبب الهجاء وسبيله وبداية الذمّ وطريقه كما قال أبو عثمان الخالدي: [من الخفيف] قل لمن يشتهي المديح ولكن ... دون معروفه مطال وليّ سوف أهجوك بعد مدح وتحري ... ك وعتب وآخر الداء كيّ وأحد هذه الفصول شكوى الزمان، إذ الزمان ظرف لا يقبل مدحا ولا ذما، وإنما شكواه ذمّ أهله. وكل ما ينسب إليه فهو اسم هم معناه، وجسد هم روحه، فكأنما هو هجاء لجملة الناس. وربما أريد به السلطان. وقد سمع زياد رجلا يسبّ الزمان فقال: لو كان يدري ما الزمان لأوجعته ضربا، إنّ الزمان هو السلطان. وهي ثلاثة فصول: الفصل الأول: العتاب والاستزادة. الفصل الثاني: التعريض بالذمّ والوقوف دون التصريح. الفصل الثالث: شكوى الزمان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 الفصل الأول العتاب والاستزادة [1] «62» - قيل: العتاب مفتاح التقالي، والعتاب خير من الحقد. ولا يكون العتاب إلا على زلّة. وقد حمده قوم فقالوا: العتاب حدائق المتحابّين وثمار الأودّاء، ودليل على الضنّ بالمودة. وقد قال أبو الحسن ابن منقذ وظرف ما شاء: [من البسيط] أسطو عليه وقلبي لو تمكّن من ... يديّ غلّهما غيظا إلى عنقي وأستعير له من سطوتي حنقا ... وأين ذلّ الهوى من عزّة الحنق 63- قال إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلما كان ببعض المناهل لقيه ابن عمّ له فتعانقا وتعاتبا، وإلى جانبهما شيخ من الحيّ يفن، فقال لهما: انعما عيشا، إنّ المعاتبة تبعث التجنيّ، والتجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة: [من الوافر]   [1] الاستزادة: معاتبة المرء لأخيه على شيء لم يرضه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 فدع ذكر العتاب فربّ شرّ ... طويل هاج أوّله العتاب «64» - وقد قيل: العتاب من حركات الشوق، وهو مستراح الوجد، ولسان الاشفاق، وهذا إنّما يكون بين المتحابين، وإن كانوا كرهوه وجعلوه رسول القطيعة، وداعي القلى، وسبب السلوّ وأول التجافي، ومنزل التهاجر، فقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: [من الطويل] إلى كم يكون العتب في كلّ ساعة ... ولم لا تملّين القطيعة والهجرا رويدك إنّ الدهر فيه كفاية ... لتفريق ذات البين فانتظري الدهرا وقال أبو الدرداء: معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله [1] . وقال يونس بن الخليل: [من الوافر] إذا كثر التجنّي من خليل ... ولم تذنب فقد ملّ الخليل «65» - فأما عتاب الأجانب ومن يتوقّع منه الخير والشرّ فانّما يقع في جواب بداية مكروهة، فإن قوبل بالاعتاب وإلّا تدرّج إلى الذمّ والهجاء. قال الحطيئة: [من البسيط] لقد مريتكم لو أنّ درّتكم ... يوما يجيء بها مسحي وإبساسي وقد مدحتكم يوما لأرشدكم ... كيما يكون لكم متحي وإمراسي   [1] ورد قول أبي الدرداء في م قبل شعر عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 لما بدالي منكم عيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحي فيكم آس أزمعت يأسا مبينا من نوالكم ... ولن ترى طاردا للحرّ كالياس فمراهم أولا فلما بدا له منهم الاصرار أزمع اليأس منهم. «66» - فأما قول عصام بن عبيد [1] المازنيّ: [من البسيط] وفي العتاب حياة بين أقوام وقول الآخر: [من الوافر] ويبقى الودّ ما بقي العتاب فمخرجه مخرج الاستعطاف. 67- فمن العتاب والاستزادة قول عبدة بن الطبيب: [من الكامل] ومعاتب في الأقربين وليتها ... كفرا ومعصية إذا وال ولى قال الأصمعي: ولى بمعنى ولي. ما بال مولى أنت ضامن غيّه ... وإذا رأيت الرشد لم ير ما ترى وترى المساعي عنده مطلولة ... كالجود يمطر ما يحسّ له ثرى ولو انه ينهاه عنّي أنه ... أعطى الحلاة ولا ألين لمن حلا أطلقت عانيه وسؤت عدوّه ... ونميت سورته إلى السّور العلا فالله يجزي بيننا أعمالنا ... وضمير أنفسنا ويوفي من جزى وتقول نفس قد أنى لك صرمه ... فاصرم فإن لكلّ شيء منتهى   [1] م: هشام بن عبد الله. 3 تذكرة 5 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 «68» - وقال معن بن أوس المزني: [من الطويل] لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أيّنا تعدو المنية أوّل وإني أخوك الدائم العهد لم أحل ... إن ابزاك [1] خصم أو نبا بك منزل أحارب من حاربت من ذي عداوة ... وأحبس مالي إن غرمت فأعقل وإن سؤتني يوما صفحت إلى غد ... ليعقب يوما منك آخر مقبل وإني على أشياء منك تريبني ... قديما لذو صفح على ذاك مجمل ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أيّ كفّ تبدّل وفي الناس إن رثّت حبالك واصل ... وفي الأرض عن دار القلى متحول إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل ويركب حدّ السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل وكنت إذا ما صاحب رام ظنّتي ... وبدّل سوءا بالذي كنت أفعل قلبت له ظهر المجنّ فلم أدم ... على ذاك إلّا ريث ما أتحوّل إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل «69» - وقال المغيرة بن حبناء: [من الطويل] ومازلت أسعى في هواك وأبتغي ... رضاك وأرجو منك ما لست لاقيا   [1] ابزاك: غلبك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 رأيتك لا تنفكّ منك رغيبة ... تقصّر دوني أو تحلّ ورائيا إذا قلت صابتني سماؤك يا منت ... ميامنها [1] أو ياسرت عن شماليا وأدليت دلوي في دلاء كثيرة ... فأبن ملاء غير دلوي كما هيا فإن تدن منّي تدن منك مودتي ... وإن تنأ عنّي تلقني عنك نائيا كلانا غنيّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا وهذا البيت الأخير ورد في شعر الأعشى، وقد أنشده المبرّد في أبيات نسبها إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، والأبيات: [من الطويل] رأيت فضيلا كان شيئا ملفّفا ... فكشّفه التمحيص حتى بدا ليا أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا فلا زاد ما بيني وبينك بعد ما ... بلوتك في الحاجات إلّا تماديا فلست براء عيب ذي الودّ كلّه ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا فعين الرضى عن كلّ عيب كليلة ... ولكن عين السّخط تبدي المساويا وبعده البيت المذكور، الأخير من القطعة المتقدم ذكرها [2] . «70» - وقال عمارة بن عقيل: [من الطويل] تبحّثتم سخطي فغيّر بحثكم ... نخيلة نفس كان نصحا ضميرها ولن يلبث التخشين نفسا كريمة ... عريكتها أن يستمرّ مريرها وما النفس إلا نطفة بقرارة ... إذا لم تكدّر كان صفوا غديرها   [1] البصائر: شآبيبها. [2] الاخير ... ذكرها: من م وحدها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 «71» - وقال معن بن أوس: [من الطويل] وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها تلك السفاهة والظلم فأسعى لكي أبني ويهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم فما زلت في لين له وتعطّف ... عليه كما يحنو على الولد الأم لأستلّ منه الضغن حتى سللته ... وقد كان ذا ضغن يضيق به الحلم 72- وقال الاقرع بن معاذ: [من الطويل] كم لك من مولى إذا ما أهنته ... ندمت وإن أكرمته كنت تندم هو الجرف الهاري الذي إن رفعته ... ليشتدّ عنك جاله يتهدم وإن قلت مهلا ثار روقا عجاجه ... عليك وإن عضّت به الحرب يرزم عطفت عليه النفس من غير رأمة ... وكذّبت عنه بعض ما كنت أعلم «73» - ومن شريف العتاب وكريمه ما دار بين عليّ وعثمان كرّم الله وجهيهما: قال قنبر مولى عليّ عليه السلام: دخلت مع عليّ على عثمان فأحبّا الخلوة، فأومأ إليّ فتنحيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتب عليا وعليّ مطرق، فأقبل عليه عثمان فقال: ما بالك لا تقول؟ فقال: إن قلت لم أقل إلا ما تكره، وليس لك عندي إلا ما تحبّ. «74» - واشتكى الوليد بن عبد الملك فبلغه قوارص وتعرّض من سليمان بن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 عبد الملك وتمنّ لموته، لما له بعده من العهد، فكتب إليه يعتب عليه الذي بلغه، وكتب في آخر الكتاب: [من الطويل] تمنّى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... لئن متّ ما الداعي عليّ بمخلد منيته تجري لوقت وحتفه ... سيلحقه يوما على غير موعد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيّا لأخرى غيرها فكأن قد فكتب إليه سليمان: قد فهمت ما كتب به أمير المؤمنين، فوالله لئن كنت تمنيت ذلك تأميلا لما يخطر في النفس إني لأول لا حق به، وأول منعيّ إلى أهله، فعلام أتمنّى ما لا يلبث من تمنّاه إلّا ريثما يحلّ السّفر بمنزل ثم يظعنون عنه؛ وقد بلغ أمير المؤمنين ما لم يظهر على لساني، ولم ير في وجهي، ومتى سمع من أهل النميمة [1] ومن لا رويّة له يوشك أن يسرع في فساد النيّات ويقطع بين ذوي الأرحام. ثم كتب في آخر كتابه: [من الطويل] ومن يتتبع جاهدا كلّ عثرة ... يصبها ولا يسلم له الدهر صاحب فقبل الوليد عذره. «75» - وكتب الوليد بن يزيد بن عبد الملك إلى عمّه هشام لما جفاه وأظهر الوقيعة فيه: قد بلغني الذي أحدث أمير المؤمنين من قطع ما قطع منّي، ومحو ما محا من صحابتي، وأنه حرمني وأهلي، ولم أكن أخاف أن يبتلي الله أمير المؤمنين بذلك فيّ، ولا ينالني مثله منه. ولم يبلغ استصحابي لابن سهيل ومسألتي في أمره أن يجري عليّ ما جرى. فإن كان ابن سهيل على ما ذكر أمير   [1] م: التهمة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 المؤمنين فحسب العنز [1] أن تقرب من الذئب، وعلى ذلك فقد عقد الله عزّ وجلّ لي من العهد، وكتب لي من العمر، وسبّب لي من الرزق، ما لا يقدر أحد دونه تبارك وتعالى على قطعه عنّي دون مدته، ولا صرفه عن مواقعه المحتومة، فقدر الله يجري على ما قدّره فيما أحبّ الناس وكرهوا، لا تعجيل لآجله، ولا تأخير لعاجله، والناس بعد ذلك يكسبون [2] الأوزار، ويقترفون [3] الآثام على أنفسهم من الله عزّ وجلّ ما يستوجبون العقوبة عليه. وأمير المؤمنين أحقّ بالنظر في ذلك والحفظ له، والله يوفّق أمير المؤمنين لطاعته، ويحسّن له القضاء الأمور بقدرته. وكتب في آخر كتابه: [من الطويل] أليس عظيما أن أرى كلّ وارد ... حياضك يوما صادرا بالنوافل وأرجع محدود الرجاء مصرّدا ... بتحلئة عن ورد تلك المناهل فأصبحت مما كنت آمل منكم ... وليس بلاق ما رجا كلّ آمل كمقتبض يوما على عرض هبوة ... يشدّ عليها كفّه بالأنامل «76» - وقال الوليد أيضا: [من الوافر] فإن تك قد مللت القرب منّي ... فسوف ترى مجانبتي وبعدي وسوف تلوم نفسك إن بقينا ... وتبلو الناس والاخوان بعدي فتندم بالذي فرّطت فيه ... إذا قايست بي ذمي وحمدي «77» - وقال أيضا: [من الطويل]   [1] الأغاني: العير. [2] الأغاني: يحتسبرن. [3] ب: ويقربون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 رأيتك تبني جاهدا في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني «78» - وقال جميل: [من الطويل] رد الماء جاءت بصفو ذنائبه ... ودعه إذا خيضت بطرق مشاربه أعاتب من يحلو عليّ عتابه ... وأترك ما لا أشتهي وأجانبه ومن لذة الدنيا وإن كنت ظالما ... عتابك مظلوما وأنت تعاتبه «79» - وقال الحارث بن خالد المخزومي لعبد الملك بن مروان: [من الطويل] صحبتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما انجلت قطّعت نفسي أذيمها «80» - وقال العتابي: [من الطويل] شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها ألمّ فيه بمعنى قول الفرزدق: [من الطويل] تصرّم عني ودّ بكر بن وائل ... وما كاد [1] عني ودّهم يتصرّم قوارص تأتيني ويحتقرونها ... وقد يملأ القطر الاناء فيفعم «81» - وقال أمية بن أبي الصلت: [من الطويل]   [1] م: كان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعلّ بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة آبتك بالشكو لم أبت ... لشكوك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني وعيني تهمل فلما بلغت السنّ والغاية التي ... إليها مدى ما كنت منك [1] أؤمل جعلت جزائي منك جبها وغلظة ... كأنك أنت المنعم المتفضل وسمّيتني باسم المفنّد رأيه ... وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقل فليتك إذ لم ترع حقّ أبوّتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل تراه معدّا للخلاف كأنه ... بردّ على أهل الصواب موكّل «82» - وقال العجاج لابنه رؤبة لما طال عمره وتمنى موته: [من الرجز] لما رآني أرعشت أطرافي ... استعجل الدهر وفيه كاف يخترم الإلف من الألّاف «83» - وقال آخر: [من الطويل] عدمت ابن عمّ لا يزال كأنّه ... وإن لم أتره منطو لي على وتر يعين عليّ الدهر والدهر مكتف ... وإن أستعنه لا يعنّي على الدهر «84» - وقال الأعشى يعاتب يزيد بن مسهر الشيباني: [من البسيط] أبلغ يزيد بني شيبان مألكة ... أبا ثبيت أما تنفكّ تأتكل   [1] م: فيك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 ألست منتهيا عن نحت أثلتنا ... ولست ضائرها ما أطّت الابل كناطح صخرة يوما ليكسرها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل «85» - وقال أيضا: [من الطويل] يزيد يغض الطرف دوني كأنما ... زوى بين عينيه علّي المحاجم فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ... ولا تلقني إلّا وأنفك راغم وأقسم إن جدّ التقاطع بيننا [1] ... لتصطفقن يوما عليك المآتم «86» - وقال ابن هرمة: [من السريع] إن كنت لا ترهب ذمّي لما ... تعلم من صفحي عن الجاهل فاخش سكوتي أن أرى منصتا ... فيك لمسموع خنا القائل فسامع الذمّ شريك له ... ومطعم المأكول كالآكل مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل ومن دعا الناس إلى ذمّه ... ذمّوه بالحقّ وبالباطل فلا تهج إن كنت ذا إربة ... حرب أخي التجربة العاقل إن أخا العقل إذا هجته ... هجت به ذا خبل خابل تبصر في عاجل شدّاته ... عليك غبّ الضّرر الآجل   [1] الديوان: وأقسم بالله الذي أنا عبده. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 «87» - وقال حضري بن عامر الأسدي: [من الكامل] ما زال إهداء الضغائن [1] بينهم ... شتم الصديق وكثرة الألقاب حتى تركت كأنّ أمرك فيهم ... في كلّ مجمعة طنين ذباب أهلكت جندك من صديقك فالتمس ... جندا تعيش به مع الأوغاب [2] ولقد طويتكم على بللاتكم ... وعرفت ما فيكم من الأذراب [3] كيما أعدكم لأبعد منكم ... ولقد يجاء إلى ذوي الأحساب 88- وقال بعض بني أسد: [من الطويل] داو ابن عمّ السوء بالنأي والغنى ... كفى بالغنى والنأي عنه مداويا يسلّ الغنى والنأي أدواء صدره ... ويبدي التداني غلظة وتقاليا «89» - وقال أعرابي: [من الكامل] ألبان إبل [4] تعلة بن مساور ... ما دام يملكها عليّ حرام وطعام عمران بن أوفى مثله ... ما دام يسلك في البطون طعام إن الذين يسوغ في أفواههم ... زاد يمنّ عليهم للئام   [1] في رواية: الصغائر، القصائد. [2] هامش م: أوغاب البيت ما كان من متاع كالبرمة وال ... [3] طوى فلانا على بللته: طواه على ما فيه من عداوة وأذى؛ الأذراب: جمع ذرب وهو فحش اللسان. [4] م: آل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 «90» - وقال بشر بن المغيرة بن أبي صفرة: [من الطويل] جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأمسى يزيد لي قد ازورّ جانبه وكلهم قد نال شبعا لبطنه ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه فيا عمّ مهلا واتخذني لنبوة ... تلمّ فإن الدهر جمّ عجائبه [1] أنا السيف إلا أن للسيف نبوة ... ومثلي لا تنبو عليك مضاربه «91» - وقال الأحوص في عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه [2] : [من الطويل] وكنّا ذوي قربى إليك فأصبحت ... قرابتنا ثديا أجدّ مصرّما [3] وقد كنت أرجى الناس عندي مودّة ... ليالي كان الظنّ غيبا مرجّما أعدّك حرزا حين أجني ظلامة ... ومالا ثريا حين أحمل مغرما تدارك بعتبى عاتبا ذا قرابة ... طوى الغيظ لم يفتح بسخط له فما وسبب هذا [4] الشعر أنّ سليمان بن عبد الملك نفى الأحوص إلى دهلك لهجائه الناس وتشبيبه بحرمهم، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أتاه رجال من الأنصار فسألوه أن يقدمه وقالوا: قد عرفت نسبه وموضعه وقديمه، وقد أخرج إلى أرض الشرك، ونسألك أن تردّه إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودار قومه، فقال لهم عمر: من الذي يقول: [من الطويل]   [1] م: نوائبه. [2] م: رحمه الله. [3] الثدي الأجد: الذي لا لبن فيه؛ مصرم: مقطوع. [4] هذا: سقطت من م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 فما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى لا أكاد أجيب قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول: [من الطويل] أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور قالوا [1] : الأحوص. قال: فمن الذي يقول: [من المنسرح] كأنّ لبنى صبير غادية ... أو دمية زيّنت بها البيع الله بيني وبين قيّمها ... يفرّ مني بها وأتّبع قالوا: الأحوص. قال: بل الله بين قيّمها وبينه [2] . فمن الذي يقول: [من الطويل] سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ... بقية حبّ [3] يوم تبلى السرائر قالوا: الأحوص؛ قال: إن الفاسق عنها يومئذ لمشغول. والله لا أردّه ما كان لي سلطان. «92» - وقال جرير: [من الطويل] بأيّ نجاد تحمل السيف بعد ما ... قطعت القوى من محمل كان باقيا بأيّ سنان تطعن القوم بعدما ... نزعت سنانا من قناتك ماضيا ألا لا تخافا نبوتي في ملمّة ... وخافا المنايا أن تفوتكما بيا   [1] سقط من م. [2] سقط من م. [3] الديوان: سريرة ودّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 فقد كنت نارا يصطليها عدوّكم ... وحرزا لما ألجأتم من ورائيا وباسط خير فيكم بيمينه ... وقابض شرّ عنكم بشماليا «93» - كتب معاوية بن عبد الله بن جعفر إلى رجل واصله بغير سبب ثم قطعه عن غير جرم: أما بعد، فقد عاقني الشكّ في أمرك عن عزيمة الرأي فيك، ابتدأتني بمودة عن غير معرفة، ثم أعقبتها جفوة عن غير ذنب، فأطمعني أولك في إخائك، وآيسني آخرك عن وفائك. فلا أنا في اليوم مجمع لك اطّراحا، ولا في غد منك على ثقة. فسبحان من لو شاء كشف بايضاح الرأي منك عن عزيمة الرأي فيك، فاجتمعنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف. «94» - وكان لمحمد بن الحسن بن سهل صديق نالته إضاقة، ثم ولي عملا فأثرى وانصرف منه، فقصده محمد مسلّما وقاضيا حقّه، فرأى منه تغيرا فكتب إليه في ذلك المعنى [1] : [من الطويل] لئن كانت الدنيا أنالتك ثروة ... فأصبحت ذا يسر وقد كنت ذا عسر لقد كشف الاثراء منك خلائفا ... من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر «95» - وقال إسماعيل بن القاسم: [من البسيط] إن السلام وإن البشر من رجل ... في مثل ما أنت فيه ليس يكفيني هذا زمان ألحّ الناس فيه على ... زهو الملوك وأخلاق المساكين   [1] في ذلك المعنى: زيادة من م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 أما علمت جزاك الله صالحة ... عني وزادك [1] خيرا يا ابن يقطين أني أريدك للدنيا وعاجلها ... وما أريدك يوم الدين للدين «96» - سعيد بن حميد: [من الطويل] أخ لي كأيّام الحياة إخاؤه ... تلوّن ألوانا عليّ خطوبها إذا عبت منه خلّة فهجرته ... تذكرت منه خلّة لا أعيبها «97» - ابن الرومي: [من الطويل] توددت حتى لم أجد متودّدا ... وأمللت [2] أقلامي عتابا مرددا كأني أستدني بك ابن حنيّة ... إذا النزع أدناه إلى الصدر أبعدا «98» - وقال أيضا: [من الطويل] طلبت إليكم بالعتاب مودّة ... وعطفا فأعتبتم باحدى البوائق فكنت كمستسق سماء مخيلة ... حيا فأصابته باحدى الصواعق «99» - وقال أيضا: [من المتقارب] أبلغ لديك بني طاهر ... أساة الخلافة من دائها   [1] م: وزادك الله؛ وهذا لا يصح إلا إذا حذفت «عني» . [2] م: وأفنيت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 علوتم علينا علوّ النجوم ... فنوؤا علينا كأنوائها «100» - وقال في أبي سهل النوبختي وقد قطع جراية دقيق كان يجريها عليه: [من الرمل] لك جار كلّما قلت جرى ... فتشوفت له قيل انقطع فرح ينتج منه ترح ... وأمان يجتنى منه فزع لا تكن كالدهر في أفعاله ... كلّما أعطى عطاياه ارتجع [1] 101- ولكاتب يستزيد وزيرا: لم يؤت الوزير من فضيلة، ولم أوت من وسيلة، وغلة الصادي تأبى له انتظار الوارد، وتعجل عن تأمّل ما بين الغدير والوادي. ولم أزل أترقّب أن يخطرني بباله ترقّب الصائم لفطره، وأنتظر انتظار الساري لفجره، إلى أن برح الخفاء، وشمت الاعداء. وإنّ في تخلفي وتقدم المقصرين، لآية للمتوسّمين. «102» - كتب أمير المؤمنين [2] عثمان بن عفان إلى أمير المؤمنين [3] علي بن أبي طالب رضي الله عنهما حين أحيط به من كلام له: [من الطويل] فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... والّا فأدركني ولمّا أمزّق ومثله: [من الطويل] فإن كنت مقتولا فكن أنت قاتلي ... فبعض منايا القوم أكرم من بعض   [1] الديوان: فجع. [2] أمير المؤمنين: سقطت في الموضعين في م. [3] أمير المؤمنين: سقطت في الموضعين في م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 «103» - ابن قيس الرقيات: [من الخفيف] تختل الناس بالكتاب فهلّا ... حين تغتابني نهاك الكتاب 104- جعفر بن علبة الحارثي: [من الطويل] وكانت عقيل أهل ودّ فأصبحت ... بصمّ الصفا والمشرفّي عتابها 105- آخر [1] [من المتقارب] أمستوحش أنت مما أسأت ... فأحسن إذا شئت واستأنس 106- أبو الجوائز: [من الكامل] طرف الرجاء إلى نوالك شاخص ... والشكر مني في المحافل خالص هل يستوي في العدل حمد خالص ... يشجى العدوّ به وحظّ ناقص 107- آخر: [من الكامل] وإذا جفوت قطعت منك منافعي ... والدّرّ يقطعه جفاء الحالب 108- آخر: [من الطويل] وكم من أخ ناديت عند ملمّة ... فألفيته منها أمضّ وأفدحا «109» - أبو علي البصير يعاتب إسحاق بن سعد: [من الوافر] وأرخصت الثناء فعفتموه ... وربّتما غلا الشيء الرخيص   [1] م: وقال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 فعفت نوالكم ورغبت عنه ... وشرّ الزاد ما عاف الخميص 110- قال رجل لصاحبه: أنا منتظر منك واحدة من اثنتين: عتبى [1] تكون منك، أو عقبى تغني عنك. «111» - كان ابن عرادة السعدي مع سلم [2] بن زياد بخراسان، وكان له مكرما، وابن عرادة يتجنّى عليه، إلى أن تركه وصحب غيره فلم يحمد أمره، فرجع إليه وقال: [من الطويل] عتبت على سلم فلما فقدته ... وصاحبت أقواما بكيت على سلم رجعت إليه بعد تجريب غيره ... فكان كبرء بعد طول من السّقم «112» - وقال دعبل [3] : [من الطويل] أخ لك عاداك الزمان فأصبحت ... مذممة في ما لديه المطالب متى ما تروّقه التجارب صاحبا ... من الناس ترجعه إليك التجارب «113» - وقال مسلم: [من الوافر] وترجعني إليك إذا نأت بي ... دياري عنك تجربة الرجال   [1] م: غنى. [2] م: سالم. [3] هذه الفقرة والتي تليها: سقطتا من ر. 4 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 «114» - ولابراهيم بن العباس بن محمد بن صول معاتبات فيما بينه وبين محمد بن عبد الملك الزيات قصد بها الاستعطاف، فتجاوزه وخشن فيها، فكانت بالعتاب أولى، فمن ذلك قوله: [من الطويل] دعوتك عن بلوى ألمّت صروفها ... فأوقدت من ضغن عليّ سعيرها وإني إذا أدعوك عند ملمة ... كداعية عند القبور نصيرها «115» - وكتب إليه: كتبت إليك وقد بلغت المدية المحز، وعدت الأيام عليّ بعد عدوي بك عليها، وكان أسوأ ظني وأكثر خوفي أن تسكن في وقت حركتها، وتكفّ عند أذاتها، فصرت أضرّ عليّ منها، فكفّ الصديق عن نصري خوفا منك، وبادر إليّ العدوّ تقرّبا إليك. وكتب تحت ذلك: [من الوافر المجزوء] أخ بيني وبين الده ... ر صاحب أيّنا غلبا صديقي ما استقام فإن ... نبا دهر عليّ نبا وثبت على الزمان به ... فعاد به وقد وثبا ولو عاد الزمان لنا ... لعاد به أخا حدبا «116» - وكتب إليه: أم والله لو أمنت ودّك لقلت، ولكني أخاف منك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 عتبا لا تنصفني فيه، وأخشى من نفسي لائمة لا تحتملها [1] لي. وما قدّر فهو كائن، وعن كلّ حادثة أحدوثة، وما استبدلت بحالة كنت فيها مغتبطا حالا أنا في مكروهها وألمها أشدّ عليّ من أني فزعت إلى ناصري عند ظلم لحقني، فوجدت من ظلمني أخفّ نية في ظلمي منه، وأحمد الله كثيرا. وكتب في أسفلها: [من المتقارب] وكنت أخي بإخاء الزمان ... فلما نبا صرت حربا عوانا وكنت أذمّ إليك الزمان ... فأصبحت فيك أذمّ الزمانا وكنت أعدّك للنائبات ... فها أنا أطلب منك الأمانا «117» - وكان أحمد بن المدبر صديقه، فلما نكب تقرّب إلى ابن الزيات بالتحريض عليه. ولما خلص إبراهيم بن العباس من النكبة جاء مهنئا وقال [من الطويل] وكنت أخي بالدهر حتى اذا نبا ... نبوت فلما عاد عدت مع الدهر فلا يوم إقبال عددتك طائلا ... ولا يوم إدبار عددتك من وتري وما كنت إلا مثل أحلام نائم ... كلا حالتيك من وفاء ومن غدر «118» - وقال إبراهيم بن العباس أيضا: [من المنسرح] كان أخا [2] ثم صار لي أملا ... فتهت بين الرجاء والأمل يصبح أعداؤه على ثقة ... منه واخوانه على وجل   [1] م: تحملها. [2] م: رجا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 119- وقال أحمد بن إبراهيم: [من الطويل] سأترك ما بيني وبينك واقفا ... فإن عدت عدنا والاخاء سليم ولو قد خبرت الناس حقّ اختبارهم ... رجعت إلى وصلي وأنت ذميم 120- وقال أبو الحسن الناشىء الأصغر: [من الطويل] إذا أنا عاتبت الملول فإنما ... أخطّ بأقلامي على الماء أحرفا وهبه ارعوى بعد العتاب ألم تكن ... مودّته طبعا فصارت تكلفا «121» - وقال محمد بن عبد الملك الزيات: [من البسيط] ما لي إذا غبت لم أذكر بصالحة ... وإن مرضت وطال السقم لم أعد ما أقبح الشيء ترجوه فتحرمه ... قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي «122» - وقال ابن العميد: [من الكامل] وسألتك العتبى فلم ترني لها ... أهلا وجئت بغدرة شوهاء وردت مموّهة فلم يرفع لها ... طرف ولم ترزق من الاصغاء وأعار منطقها التذمم سكتة ... فتراجعت تمشي على استحياء لم تشف من كمد ولم تبرد على ... كبد ولم تمسح جوانب داء من يشف من داء بآخر مثله ... أثرت جوانحه من الأدواء داوى جوى بجوى وليس بحازم ... من يستكفّ النار بالحلفاء 123- وقال آخر: [من الطويل] لئن طبت نفسا عن ثنائي إنني ... لأطيب نفسا عن نداك على عسري الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 فلست إلى جدواك أعظم حاجة ... على شدة الاعسار منك إلى شكري «124» - وقالوا: لما استتبّ الأمر لمعاوية قدم عليه عبد الله بن عباس، وهي أول قدمة قدمها عليه، فدخل وكأنه قرحة تتبجس [1] ، فجعل عتبة بن أبي سفيان يطيل النظر إليه ويقلّ الكلام معه. فقال ابن عباس: يا عتبة إنك لتطيل النظر إليّ وتقلّ الكلام معي، أفلموجدة فدامت أو لمعتبة فلا زالت؟ فقال له عتبة: ماذا أبقيت لما لا رأيت؟ أمّا طول نظري إليك فسرورا بك، وأما قلة كلامي معك فلقلّته مع غيرك، ولو سلطت الحقّ على نفسك لعلمت أنه لا تنظر إليك عين مبغض. فقال ابن عباس: أمهيت يا أبا الوليد أمهيت، لو تحقق عندنا أكثر مما ظنناه لمحاه أقلّ مما قلت. فذهب بعض من حضر ليتكلم فقال له معاوية: اسكت إنّ الداخل بين قريش لخائن نفسه. وجعل معاوية يصفّق بيديه ويقول: [من الرجز] جندلتان اصطكتا اصطكاكا ... دعوت عركا إذ دعوا عراكا يقال: أمهيت الحديدة إذا سقيتها، والامهاء: إرخاء الحبل. وأمهيت الفرس: أرخيت عنانه. ولبن ممهوّ: رقيق، وناقة ممهاء: رقيقة اللبن. «125» - وكتب عمرو بن سعيد بن العاص إلى عبد الملك بن مروان: استدراج النعم إياك أفادك البغي، ورائحة القدرة أورثتك الغفلة، فزجرت عما واقعت مثله، وندبت إلى ما تركت سبله، ولو كان ضعف الأسباب يؤيس الطالب ما انتقل سلطان ولا ذلّ عزيز [2] . وعن قليل يتبيّن من صريع بغي، وأسير   [1] م: تنبجس. [2] م: عز ذليل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 غفلة، والرحم تعطف على الابقاء عليك، مع أخذك ما غيرك أقوم به منك. «126» - قال أعرابي لابن عمّ له: ما لك أسرع إلى ما أكره من الماء إلى قراره؟ ولولا ضنّي بإخائك لما أسرعت إلى عتابك. فقال له الآخر: والله ما أعرف تقصيرا فأقلع، ولا ذنبا فأعتب، ولست أقول لك كذبت، ولا أني أذنبت. «127» - قال سهيل بن زيد الفزاري: [من الوافر] فإن أعتب عليك أبا نزار ... لتعتبني فكلّك لي مريب إذا استغنيت كنت أخا بعيدا ... وإن تحتج فأنت أخ قريب «128» - ومثله لربيع بن أبي الحقيق اليهودي: [من البسيط] يرمي [1] إليّ بأطراف الهوان وما ... كانت ركابي له مرحولة ذللا أنا ابن عمّك إن نابتك نائبة ... ولست منك اذا ما كعبك اعتدلا «129» - وقول زرارة بن حصن الخثعمي: [من الطويل] أرى ابن عطاء قد تغيّر بعدما ... مريت له الدنيا بسيفي فدرّت وكان أخانا وهو للحرب خائف ... فعاد عدوّا كاشحا حين قرّت «130» - وقال أسلم بن القصار: [من البسيط] لي ابن عمّ أزال الله نعمته ... فليس فيه ولا في مثله أرب   [1] م: يومي؛ ولعل الصواب: يرنو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 يكون مني إذا نابته نائبة ... وليس مني إذا استرخى له اللّبب «131» - وقال الحارث بن كلدة الثقفي: [من الطويل] أما إذا استغنيتم فعدوكم ... وأدعى إذا ما الدهر نابت نوائبه فإن يك خير فالبعيد يناله ... وإن يك شرّ [1] فابن عمّك صاحبه «132» - وقال أبو الأسود الدؤلى: [من الكامل] من ذا الذي بإخائه وبودّه ... من بعد ودّك أو إخائك أفرح أم ما يقول الكاشحون لنا غدا ... وعيونهم نحوي ونحوك تلمح قد رابهم من بعد حسن تواصل ... منا مباعدة وبين مفصح أمريهم ما يشتهون وفاعل ... من ذاك ما يثنى وما يستقبح أم ممسك بوصال خلّ ناصح ... محض الأخوّة مثله لا يطرح أيّا فعلت فلن تزال مقيمة ... في الصدر منك مودة لا تبرح «133» - أبو عطاء السندي: [من الوافر] قصائد حكتهنّ لقرم قيس ... رجعن إليّ صفرا خائبات رجعن وما أفأن [2] عليّ شيئا ... سوى أنّي وعدت الترهات أقام على الفرات يزيد حولا ... فقال الناس أيهما الفرات فيا عجبا لبحر بات يسقي ... جميع الناس لم يبلل لهاتي   [1] م: خيرا ... شرا. [2] ب م: أفدن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 «134» - كتب سعيد بن حميد إلى أبي العباس ابن ثوابة: [من الكامل] أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل مرة ويميل لم أبك من زمن ذممت صروفه ... إلا بكيت عليه كيف [1] يزول ولكلّ نائبة ألمّت مدة ... ولكلّ حال أقبلت تحويل والمنتمون إلى الإخاء جماعة ... إن حصّلوا أفناهم التحصيل ولعلّ أحداث الليالي والردى ... يوما ستصدع بيننا وتحويل فلئن سبقت لتبكينّ بحسرة ... وليكثرنّ عليّ منك عويل ولتفجعنّ بمخلص لك وامق ... حبل الوفاء بحبله موصول ولئن سبقت ولا سبقت ليمضين ... من لا يشاكله لديّ عديل وليذهبنّ جمال كلّ مروّة ... وليقفرنّ فناؤها المأهول وأراك تكلف بالعتاب وودّنا ... باق عليه من الوفاء دليل ودّ بدا لذوي الاخاء جميله ... وبدت عليه بهجة وقبول ولعلّ أيام الحياة قصيرة ... فعلام يكثر عتبنا ويطول «135» - دعبل يعاتب مسلم بن الوليد: [من الطويل] أبا مخلد كنّا عقيدي مودّة ... هوانا وقلبانا جميعا معا معا أحوطك بالغيب الذي أنت حائطي ... وأجزع إشفاقا من أن تتوجعا فصيّرتني بعد انتكاثك متهما ... لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا غششت الهوى حتى تداعت أصوله ... بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا   [1] م: حين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 وأنزلت من بين الجوانح والحشا ... ذخيرة ودّ طال ما قد تمنعا فلا تلحينّي ليس لي فيك مطمع ... تخرّقت حتى لم أجد لك [1] مرقعا فهبك يميني استأكلت فقطعتها ... وجشّمت قلبي صبره فتخشعا [2] 136- ابن جكينا يستزيد: [من السريع] ولست أستبطي ولكّنني ... ينقطع الغيث فأستسقي «137» - أبو العتاهية: [من البسيط] أثني عليك ولي حال تكذّبني ... فيما أقول فأستحيي من الناس حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد ... طأطأت من سوء حالي عندها راسي 138- توقيع للفضل بن سهل: لولا ما في عواقب التأنّي من الاستظهار بالحجة، والخروج من لوم العجلة، لأتاك كتابي بخلاف هذه المخاطبة. ثم لولا خشية إهمالك والرجوع إلى نفسي بالتفريط في توقيفك ودلالتك [3] على حظّك، لأمسكت عن إرشادك وتنبيهك، إذ كانت العظات لا تنجع فيك. «139» - الأخطل: [من البسيط] وكاشح معرض عنّي غفرت له ... حتى أبيّن منه الضغن والميلا [4]   [1] م: فيك. [2] م: فتقطعا. [3] م: توقيعك وولايتك. [4] م: والمللا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 ولو أواجهه منّي بقارعة ... ما كان كالذئب مغبوطا بما أكلا [1] ومرجع كان ذا قربى فجعت به ... يوما وأصبحت أرجو بعده الأملا ولا أرى الموت يأتي من يحمّ له ... إلا كفاه ولاقى عنده شغلا وبينما المرء مغبوط بعيشته [2] ... إذ خانه الدهر عما كان فانتقلا «140» - استبطأ موسى بن عيسى بن موسى سلمة بن صالح بن أبي رتبيل [3] اليشكري، وكان سلمة رأى من موسى بعض الجفاء فتخلّف عنه، فلقيه موسى يوما بالكناسة فاستبطأه وقال له: لم جفوتني بعد وصلك واخترت الأبعدين ببرّك إياهم بنفسك، كأنك لم تسمع قول الشاعر: [من الطويل] تمدّ إلى [4] الأقصى بثديك [5] كلّه ... وأنت على الأدنى صروم مجدّد فإنك لو أصلحت من أنت مفسد ... تودّدك الأقصى الذي تتودّد فقال سلمة: أصلح الله الأمير، ربّ عتاب أمضّ [6] من قطيعة وصل، ومقال يدعو الخليل إلى العذل، فإن أذن الأمير أن أبلغ الغرض الأقصى في الحجّة لي فعلت. قال: افعل، غير أنّي مشترط عليك ألّا تأتي من العتاب ما يكون أغلظ مما شكوناه من جفائك، فقال سلمة: [من الطويل] وصلت فلم أوصل وزرت ولم أزر ... وغبت فلم أفقد ولم أتعهّد   [1] م: فعلا. [2] الديوان: بمأمنه. [3] ب: بن رتبيل (ورتبيل دون اعجام) . [4] م: على. [5] ب: بدرك. [6] اب: أمضى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 فمن يك منكم بالذي قلت راضيا ... فإني به يا قومنا غير مقتد إذا المرء لم يجز الإخاء بمثله ... وكنت عليه بعد [1] ما رحت تغتدي فجذّ حبال الوصل منه وقل له ... عليك العفا من حيث ما كنت فأبعد فتغيّر وجه موسى وجعل ينظر إلى معرفة دابته، ثم أقبل على سلمة فقال: بل نصلك يا أبا الهيثم ونتعاهدك ونزورك، فكان يجيئه موسى في الشهر مرة فيتحدث معه. «141» - الرضي: [من الوافر] تسوء قطيعة وتشوق حبا ... فما أدري عدوّ أم حبيب «142» - آخر [2] : [من الطويل] ولو كنت ذا شوق لجئت مسلّما ... إلى خير أهل بالحجون نزول ولكن ودّ الغامدي مظنة ... كما أن عهد الغامدي غلول «143» - وكتب [3] محمد بن عبد الملك الزيات إلى إبراهيم بن العباس في مقامه بالأهواز: قلة نظرك لنفسك حرمتك سداد المنزلة، واغفال حظك حطك من أعلى الدرجة، وجهلك بقدر النعمة أحلّ اليأس بك والنقمة، حتى صرت من قوة الأمل معتاضا شدة الوجل، وركبت مطية المخافة بعد مجلس الأمن   [1] م: مثل. [2] لم ترد هذه الفقرة في م. [3] لم ترد هذه الفقرة في ب هنا، وستجيء في ما يلي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 والكرامة، وصرت متعرضا للرحمة بعد ما تكنفتك الغبطة. وقد قال الشاعر: [من المتقارب] إذا ما بدأت امرءا جاهلا ... ببرّ فقصّر عن حمله ولم تره قابلا للجميل ... ولا عرف الفضل من أهله فسمه الهوان فإنّ الهوان ... دواء لذي الجهل من جهله 144- آخر: [الطويل] لأي زمان أرتجيك وحالة ... إذا أنت لم تنفع وأنت وزير «145» - كشاجم: [من الكامل] يا رحمة الله التي قد أصبحت ... دون الأنام عليّ سوط عذاب «146» - آخر: [الطويل] خليليّ لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عنكما صدري فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذياني مع الدهر «147» - المتنبي: [من البسيط] يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم في من شحمه ورم وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم يا من يعزّ علينا أن نفارقهم ... وجداننا كلّ شيء بعدكم عدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 إن كان سرّكم ما قال حاسدنا ... فما لجرح إذا أرضاكم ألم وبيننا لو رعيتم ذاك معرفة ... إن المعارف في أهل النهى ذمم لئن تركن ضميرا عن ميامننا [1] ... ليحدثنّ لمن ودعتهم ندم إذا ترحّلت عن قوم وقد قدروا ... ألّا تفارقهم فالراحلون هم شرّ البلاد بلاد لا أنيس بها ... وشرّ ما يكسب الانسان ما يصم «148» - وقال: [من البسيط] رأيتكم لا يصون العرض جاركم ... ولا يدرّ على مرعاكم اللبن جزاء كلّ قريب منكم ملل ... وحظّ كلّ محب منكم ضغن وتغضبون على من نال رفدكم ... حتى يعاقبه التنغيص والمنن فغادر الهجر ما بيني وبينكم ... يهماء تكذب فيها العين والأذن سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ... ثم استمرّ مريري وارعوى الوسن فإن بليت بودّ مثل ودّكم ... فإنني بفراق مثله قمن   [1] ب: تركنا ... جوانبنا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 الفصل الثاني التعريض 149- التعريض هو عدول عن التصريح إلى الكناية والاشارة، وهذا يقع في سائر فنون الكلام وأنواع المقاصد، وإنما يتعلّق بهذا الفصل ما عدل به عن صريح الذمّ إما إبقاء وإما مراقبة، فمن ذلك قول الشاعر: [من البسيط] يا قوم إنّ سعيدا من يكون له ... من رأيه عن ركوب الغيّ مزدجر لا تبطروا [1] لبلاء الله عندكم ... فقبلكم شان أهل النعمة البطر ما غيّر الله من نعماء أنعمها ... على معاشر حتى تبدأ الغير قد أصبح المتقي منكم على وجل ... والمعتدي معرض منكم له العبر «150» - وقال البحتري: [من الوافر] وفي عينيك ترجمة أراها ... تدلّ على الضغائن والحقود وأخلاق عهدت اللين منها ... غدت وكأنها زبر الحديد وما لي قوة تنهاك عني ... ولا آوي إلى ركن شديد سوى شعل يخاف الحرّ منها ... لهيبا غير مرجوّ الخمود   [1] م: تنظروا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 ولو أني أشاء وأنت تربي ... عليّ لثرت ثورة مستقيد رأيت الحزم في صدر سريع ... إذا استوبلت عاقبة الورود 151- قال ابن عائشة: عتبت على عبيد الله بن الحسين العنبري القاضي مرّة في شيء، قال: فلقيني وهو يدخل من باب المسجد يريد مجلس الحكم وأنا أخرج، فقلت معرّضا به: [من الطويل] طمعت بليلى أن تريع وإنّما ... تقطّع أعناق الرجال المطامع فأنشدني معارضا تاركا لما قصدت له: [من الطويل] وبايعت ليلى في خلاء ولم يكن ... شهود على ليلى عدول مقانع 152- قال بشر بن مروان يوما: من يدلّني على فرس جواد سابق؟ فقال عكرمة بن ربعي: قد أصبته أصلحك الله عند حوشب بن يزيد، نجا عليه يوم الريّ، يعرض بانهزام حوشب عن أبيه وقول الشاعر: [من الكامل] نجّى خليلته وأسلم شيخه ... لما رأى وقع الأسنّة حوشب «153» - اجتمع الشعراء بباب أمير من أمراء العراق، فمرّ رجل بباز فقال رجل من بني تميم لآخر من بني نمير: هذا البازي، فقال النميري إنه يصيد القطا. عرّض الأول بقول جرير: [من الوافر] أنا البازي المطلّ على نمير ... أتيح من السماء لها انصبابا وأراد الآخر قول الطرماح: [من الطويل] تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت طرق المكارم ضلّت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 «154» - عرض معاوية أفراسه على عبد الرحمن بن الحكم، فمرّ به فرس فقال: هذا أجشّ، وآخر فقال: وهذا هزيم، يعرّض بمعاوية إذ قال الشاعر له: [من الطويل] ونجّى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجشّ هزيم والرماح دوان 155- نظر الفرزدق إلى ابن هبيرة وعليه ثياب تقعقع فقال: هي تسبّح، أراد بذلك قول الشاعر: [من الطويل] إذا لبست قيس ثيابا لزينة ... تسبّح من لؤم الجلود ثيابها «156» - قال عمر بن هبيرة الفزاريّ لأيوب بن ظبيان النميري، وهو يسايره: غضّ من بغلتك، فقال: إنها مكتّبة، أراد ابن هبيرة قول جرير: [من الوافر] فغضّ الطّرف إنك من نمير وأراد النميري قول ابن دارة: [من البسيط] لا تأمننّ فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار «157» - ومرّ الفرزدق بمضرّس بن ربعي وهو ينشد قوله: [من الطويل] تحمّل من وادي أشيقر حاضر وقد اجتمع الناس، فقال الفرزدق: يا أخا بني فقعس، متى عهدك بالقنان؟ فقال: تركته تبيض فيه الحمّر. أراد الفرزدق قول نهشل بن حرّيّ: [من الكامل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 ضمن القنان لفقعس سوآتها ... إن القنان لفقعس لمعمّر وأراد مضرّس قول أبي المهوش الأسدي: [من الكامل] قد كنت أحسبكم أسود خفيّة ... فإذا لصاف تبيض فيه الحمّر وإذا تسرّك من تميم خصلة ... فلما يسوءك من تميم أكثر 158- مرّ أبو خليفة المحاربيّ على أبي عمرو العدويّ، عديّ الرّباب، وعندهم بقرة قد ذبحت، فقال أبو خليفة: يا أبا عمرو ما ننفى عن ديارنا جيفة إلا صارت إليكم، فقال أبو عمرو: يا أبا خليفة إنما هي سحابة تمرّ فتفسد ذلك كلّه. أراد أبو خليفة قول الشاعر: [من الطويل] إذا ما نفينا جيفة عن ديارنا ... رأيت عديّا حول جيفتنا تسري وأراد أبو عمرو قول الشاعر: [من الطويل] إذا كنت ندماني على الخمر فاسقني ... بماء سحاب لم تخضه محارب 159- دخل خالد بن يزيد دار عبد الملك، وكان يسحب ثيابه، فقام إليه عبد الرحمن بن الضحاك يتلقاه فقال له: بأبي أنت وأمي لم تطعم الأرض فضول ثيابك؟ فقال: إني أكره أن أكون كما قال الشاعر: [من الطويل] قصير الثياب فاحش عند بيته ... وشرّ قريش في قريش مركّبا وهذا البيت هجي به الضحاك. 160- وهب المفضل الضبيّ لبعض جيرانه أضحية يوم الأضحى، فلما لقيه قال: كيف وجدت أضحيتك؟ قال: ما وجدت لها دما، يعرّض بقول الشاعر: [من الطويل] ولو ذبح الضبيّ بالسيف لم تجد ... من اللؤم للضبيّ لحما ولا دما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 161- دخل أبو الهنديّ على أسد بن عبد الله بن كرز البجلي وعنده رجل من جرم على سريره، فتناول أبا الهندي، فقال له أسد: مهلا يا أخا جرم، فإن له لسانا لا يطاق، فقال أبو الهنديّ: كم الكبائر؟ قال: بلغني أنهنّ أربع: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله. قال أبو الهندي: وبلغني أنهن خمس: تجفاف [1] على بعير، وسراج في شمس، ولبن في باطية، وخمر في علبة، وجرميّ على سرير؛ فبهت الجرمي. «162» - المتنبي لما رحل عن ابن حمدان قاصدا إلى كافور يعرض به: [من الطويل] رحلت فكم باك بأجفان شادن ... عليّ وكم باك بأجفان ضيغم وما ربّة القرط المليح مكانه ... بأجزع من ربّ الحسام المصمّم فلو كان ما بي من حبيب مقنّع ... عذرت ولكن من حبيب معمم رمى واتّقى رميي ومن دون ما اتقى ... هوى كاسر كفّي وقوسي وأسهمي إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدّق ما يعتاده من توهم وعادى محبّيه بقول عداته ... وأصبح في شكّ من الليل [2] مظلم وما كلّ هاو للجميل بفاعل ... وما كلّ فعّال له بمتمّم   [1] م: خفاف. [2] م: داج من الشك؛ الديوان: ليل من الشكّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 الفصل الثالث في شكوى الزمان «163» - لقد أحسن أبو عثمان الخالدي وإن كان متأخرا، واستحقّ التقديم على من تقدّمه بقوله: [من البسيط] ألفت من حادثات الدهر أكبرها ... فما أعوج على أطفالها الأخر أصفو وأكدر أحيانا لمختبري ... وليس مستحسنا صفو بلا كدر إني لأسير في الآفاق من مثل ... فرد وأملأ في الآماق [1] من قمر لقد فرحت بما عاينت من عدم ... خوف القبيحين من كبر ومن بطر وربما ابتهج الأعمى بحالته ... لأنه قد نجا من طيرة العور ولست أبكي على شيب منيت به ... يبكي على الشّيب من يأسى على العمر وما شكرت زماني وهو يصعدني ... فكيف أشكره في حال منحدري وقد نظرت إلى الدنيا وبهجتها [2] ... فاستصغرتها جفوني غاية الصغر كن من صديقك لا من غيره حذرا ... إن كان ينجيك منه شدة الحذر ما أطمئنّ إلى خلق فأخبره ... إلا تكشّف لي عن سوء [3] مختبر   [1] الديوان: وأملأ للأبصار. [2] اليتيمة والديوان: بمقلتها. [3] الديوان: لؤم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 لا عار يلحقني أنّي بلا نشب ... وأيّ عار على [1] عين بلا حور فإن بلغت الذي أهوى فعن قدر ... وإن حرمت الذي أهوى فعن عذر «164» - وقال الرضيّ أبو الحسن الموسوي: [من البسيط] دنيا ترشّف عيشي وهي كالحة ... غضبى وأبسم فيها بادي الكظم كالخمر يعبس حاسيها على مقة ... والكأس تجلو عليه ثغر مبتسم 165- قال إبراهيم بن إسماعيل بن داود: حضر الفضل بن الربيع وليمة وكنت معه، وحضرها وجوه الناس، وأخذوا من الحديث في أغثّه، ومن الكلام في أسخفه، فقال الفضل: إني لأرى النعم مسخوطا عليها فمن ثمّ صارت عند غير أهلها، قال إبراهيم: فقلت: [من البسيط] إني أرى الملك والسلطان حازهما ... قوم بأمثالهم لا تحسن النّعم فأصبح الناس بالمعروف قد فجعوا ... وأصبح اللؤم مغمورا به الكرم قد قلت إذ رجعت عودا لكم نعم ... أظنّ ذا العرش غضبانا على النعم «166» - وقال ابن الرومي: [من الكامل المرفل] دهر علا قدر الوضيع به ... وترى [2] الشريف يحطّه شرفه كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلا وتطفو [3] فوقه جيفه 167- وقال آخر: [من الرمل]   [1] م: جلا. [2] م: وغدا؛ الديوان: وهوى. [3] ب: وتعلو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 زمن تلعب بي أحداثه ... لعب النكباء بالرمح الخطل 168- وقال آخر: [من البسيط] خان الزمان فأعددت الكرام له ... فمن أعدّ إذا ما خانت العدد 169- وقال أبو إسحاق الصابي: [من الطويل] أيا ربّ كلّ الناس أبناء [1] علّة ... أما تغلط الدنيا لنا بصديق وجوه بها من مضمر الغلّ شاهد ... ذوات أديم في النّفاق صفيق إذا عرضوا عند اللقاء فإنهم ... قذى لعيون أو شجى لحلوق وإن أظهروا برد الوداد وظلّه ... أسرّوا من الشحناء حرّ حريق «170» - وكان أبو إسحاق في أيام شبيبته أسعد منه جدّا عند الكبر، وفي ذلك يقول: [من الكامل] عجبا لحظي إذ أراه مصاحبي ... عصر الشباب وفي المشيب مغاضبي أمن الغواني كان حتى ملّني ... شيخا وكان على صباي مصاحبي يا ليت صبوته إليّ تأخرت ... حتى تكون ذخيرة لعواقبي «171» - وقال، وكتب بها إلى الرضيّ أبي الحسن الموسوي من قصيدة [2] : [من الطويل] وإني على عيث [3] الردى في جوانبي ... وما كفّ من خطوي وبطش بناني   [1] م: أولاد. [2] من قصيدة: سقطت من م. [3] م: عتب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 وإن لم يدع إلّا فؤادا مروّعا ... به غبّر باق من الخفقان تلوّم تحت الحجب ينفث حكمة ... إلى أذن تصغي لنطق لسان لأعلم أني ميّت عاق دفنه ... ذماء قليل في غد هو فان إذا ما تقدّت [1] بي وسارت محفّة ... لها أرجل يسعى بها رجلان وما كنت من فرسانها غير أنها ... وفت لي لما خانت القدمان 172- وقال آخر: [من الطويل] أرى زمنا نوكاه أسعد أهله ... ولكنما يشقى به كلّ عاقل مشى فوقه رجلاه والرأس تحته ... فكبّ الأعالي بارتفاع الأسافل «173» - وقال أبو الفضل ابن العميد [2] : [من البسيط] أشكو إليك زمانا ظلّ يعركني ... عرك الأديم ومن يعدي على الزمن وصاحبا كنت مغبوطا بصحبته ... دهرا فقد ردّني فردا بلا سكن هبّت له ريح إقبال فطار بها ... إلى السرور وألجاني إلى الحزن «174» - كانت حال أبي محمد المهلبي، وهو من ولد قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، قبل اتصاله بالسلطان، حال ضعف وقلة، وكان يقاسي منها قذى عينيه وشجى صدره، فبينا [3] هو في بعض أسفاره مع رفيق له من أصحاب الجراب والمحراب، إلا أنه من أهل الأدب، إذ لقي من سفره نصبا فقال ارتجالا:   [1] م: تعدت. [2] م: وقال ابن العميد. [3] م: فبينما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 [من الوافر] ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه ألا رحم المهيمن روح عبد ... تصدّق بالوفاة على أخيه فرثى له رفيقه وأحضر له بدرهم ما سكّنه، وتحفظ الأبيات، وتفارقا. فترقت حال المهلبي إلى الوزارة، وأخنى الدهر على الرفيق، فتوصّل إلى إيصال رقعة إلى حضرته فيها: [من الوافر] ألا قل للوزير فدته نفسي ... مقال مذكّر ما قد نسيه أتذكر إذ تقول لضنك عيش ... ألا موت يباع فأشتريه فلما قرأ الرقعة تذكره، وهزته أريحية الكرم، فأمر له في عاجل الحال بسبعمائة درهم، ووقّع تحت رقعته مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 261) ثم قلده عملا يرتفق به ويرتزق منه. «175» - وقال أوس بن حجر: [من الطويل] فإني رأيت الناس إلّا أقلّهم ... خفاف العهود يكثرون التنقّلا بني أمّ ذي المال الكثير يرونه ... وإن كان عبدا سيّد الأمر جحفلا وهم لمقلّ المال أولاد علّة ... وإن كان محضا في العمومة مخولا «176» - كان زيد بن علي بن الحسين كثيرا ما يتمثل: [من السريع] شرّده الخوف وأزرى به ... كذاك من يكره حرّ الجلاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 منخرق الخفّين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو حداد قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد 177- ابن يوسف البصري المعروف بالخاطىء: [من الكامل] دنيا دنت من جاهل وتباعدت ... من كلّ ذي أدب له حجر بالت على أربابها حتى إذا ... وصلت إليّ أصابها الأسر «178» - آخر: [من الطويل] إذا مدّ أرباب البيوت بيوتهم ... على رجّح الأكفال ألوانها زهر فإن لنا منها خباء يحفّه ... إذا نحن أمسينا المجاعة والفقر «179» - أبو الأسود الدؤلي: [من الكامل] ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكلّ أمر منكر وبقيت في خلف يزيّن بعضهم ... بعضا ليدفع معور عن معور سلكوا بنيّات الطريق فأصبحوا ... متنكبين عن الطريق الأنور أبنيّ إن من الرجال بهيمة ... في صورة الرجل السميع المبصر [1] فطنا بكلّ مصيبة في ماله ... فإذا أصيب بدينه لم يشعر «180» - ابن الرومي: [من الطويل] ولو كان همي واحدا لا طّرحته ... خواطر قلبي كلّهنّ هموم   [1] هذا البيت لم يرد في ب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 181- مهيار: [من الكامل] إن كان عندك يا زمان بقية ... ما تهين به الكرام فهاتها 182- إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [من الطويل] وإني رأيت الدهر منذ صحبته ... محاسنه مقرونة ومعايبه إذا سرّني في أول الأمر لم أزل ... على حذر من أن تذمّ عواقبه «183» - دعبل: [من الطويل] أخ لك عاداه الزمان فأصبحت ... مذمّمة فيما لديه العواقب متى ما تحذّره التجارب صاحبا ... من الناس تردده إليك التجارب 184- قال علي بن أبي جعفر الحذاء [1] : سمعت رجلا يقول لشعيب بن حرب: يا أبا صالح ذهب الصفو والكدر [2] فقال له رجل: فما بقي يا أبا صالح؟ قال: بقي الحمأة. 185- شاعر: [من الكامل] لا يسقط الشرف القديم من امرىء ... إملاقه في دولة السقّاط 186- آخر: [من الوافر] وأحوال أبت إلّا التباسا ... تبثّ الشيب في رأس الوليد وتقعد قائما بشجى حشاه ... وتبعث للقيام حبى القعود وأضحت خشّعا فيها نزار ... مركبة الرواجب في الخدود   [1] م: الحداد. [2] ب: وبقي الكدر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 «187» - أبو العتاهية: [من الكامل] تأتي المكاره حين تأتي جملة ... وترى السرور يجيء في الفلتات «188» - قال الجاحظ [1] : جهد البلاء أن تظهر الخلّة، وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعرف إلا أخا صارما [2] ، وابن عمّ شامتا، وجارا كاشرا، ووليا قد تحوّل عدوّا، وزوجة مختلعة، وجارية مستبيعة [3] ، وعبدا يحقرك، وولدا ينتهرك. «189» - أبو زبيد [4] الطائي: [من الخفيف] غير ما طالبين ذحلا ولكن ... مال دهر على أناس فمالوا «190» - المتنبي: [من الطويل] وما الدهر أهل أن تؤمّل عنده ... حياة وأن يشتاق فيه إلى النسل «191» - محمد بن أبي سعيد الجذامي المغربي المعروف بابن شرف في ذلك: [من الوافر] صحبت بهذه الدنيا أناسا ... إذا غدروا فغدرهم [5] وثيق   [1] م: الخاطب. [2] م: صالحا. [3] ثمار: مضيعة. [4] ب: أبو زيد. [5] ب: فعهدهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 ولم أصحبهم ودّا ولكن ... كما جمع العدوّين الطريق «192» - جحظة: [من الوافر] ورقّ الجوّ حتى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان «193» - أبو حفص الشطرنجي: [من الطويل] وما مرّ يوم أرتجي فيه راحة ... فأخبره إلا بكيت على أمس 194- آخر: [من الطويل] أتى دون حلو العيش حتى أمرّه ... نكوب على آثارهنّ نكوب إذا ذرّ قرن الشمس علّلت بالأسى [1] ... ويأوي إليّ الحزن حين تغيب لعمر كما إن البعيد لما مضى ... وإنّ الذي يأتي غدا لقريب «195» - عبد العزيز بن محمد القرشي الطارقي المغربي: [من الطويل] ألا ليت شعري والأماني كثيرة ... وللدهر أيام كثير لجاجها أألقى الليالي وهي غير عبوسة ... فيحسن في عيني قليلا سماجها سأشكو الذي بي للمعزّ فإنني ... أرى العمر قد ولّى وفي النفس حاجها وليّك يا مولاي يشكو ظلامة ... من الدهر يرجى من يديك انفراجها «196» - أبو حبيب المغربي من أبيات: [من البسيط] مكابدا فيه ألوانا يزول بها ... صبر الجليد ويجفو جفنه الوسن   [1] م: بالمنى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 يبيضّ من هولها رأس الرضيع أسى ... ويغتدي أسودا في ضرعه اللبن «197» - دخل مسلمة بن يزيد بن وهب على عبد الملك فقال له: أيّ الزمان أدركت أفضل، وأيّ الملوك أكمل؟ قال: أما الملوك فلم أر إلا حامدا أو ذاما، وأما الزمان فيرفع أقواما ويضع أقواما، وكلهم يذم لأنه يبلي جديدهم، ويفرّق عديدهم، ويهرم صغيرهم، ويهلك كبيرهم. «198» - وقال الشيباني: أتانا يوما أبو مياس الشاعر، ونحن في جماعة فقال: ما أنتم فيه؟ وما تتذاكرون؟ قلنا: نذكر الزمان وفساده، قال: كلّا، إنما الزمان وعاء ما ألقي فيه من خير أو شرّ كان على حاله. ثم أنشأ يقول: [من الوافر] يقولون الزمان به فساد ... وهم فسدوا وما فسد الزمان «199» - وقال حبيب بن أوس: [من البسيط] لم أبك من زمن لم أرض خلّته ... إلّا بكيت عليه حين ينصرم «200» - وجد في صندوق عبد الله بن الزبير صحيفة فيها مكتوب: إذا كان الحديث خلفا، والميعاد خلفا، والمقيت إلفا، وكان الولد غيظا، والشتاء قيظا، وغاض الكرام غيضا، وفاض اللئام فيضا، فأعنز عفر في جبل قفر خير من ملك بني النضر. «201» - ركب الأصمعي حمارا دميما فقيل له: أبعد براذين الخلفاء تركب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 هذا؟ فقال متمثلا: [من الطويل] ولما أبت إلا اطّرفا بودّها ... وتكديرها الشرب الذي كان صافيا شربنا برنق من هواها مكدّر ... وليس يعاف الرّنق من كان صاديا «202» - الرضي أبو الحسن: [من البسيط] أما تحرّك للأقدار نابضة ... أما يغيّر سلطان ولا ملك قد هادن الدهر حتى لا بقاء له [1] ... وأطبق الخطب حتى ما به حرك كلّ يفوت الرزايا أن تلمّ به ... أما لأيدي المنايا فيهم درك أخلّت السبعة العليا طبائعها ... أم عطّلت [2] نهجها أم سمّر الفلك «203» - وقال يشكو للصابي من تقصير الحظّ به: [من البسيط] ما قدر فضلك ما أصبحت ترزقه ... ليس الحظوظ على الأقدار والمهن قد كنت قبلك من دهري على حنق ... فزاد ما بك في غيظي على الزمن 20» - وقال أيضا: [من الطويل] أعاتب [3] هذا الدهر إن سرّ مرّة ... أساء وإن صفّى لنا الورد [4] رنّقا كأنّي أنادي منه صمّاء صلدة ... وصلّ صفاة لا يلين على الرّقى   [1] م: لا وقاع له؛ الديوان: لا قراع له. [2] الديوان: أخطأت. [3] الديوان: أعاينت. [4] الديوان: الودّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 فلا البأس والإقدام نجّى عتيبة ... ولا الجود والاعطاء أبقى [1] المحلّقا أراه سنانا للقريب مسدّدا ... وسهما إلى النائي البعيد مفوّقا إذا ما عدا لم تبصر البيض قطّعا ... ولا الزّغف مناعا ولا الجرد سبّقا ولا في مهاوي الأرض إن شئت مهبطا ... ولا في مراقي الجوّ إن رمت مرتقى ولا الحوت إن شقّ البحار بفائت ... ولا الطير إن مدّ الجناح وحلّقا وللعمر نهج إن تسنّمه الفتى ... إلى الغاية القصوى أزلّ وأزلقا «205» - وقال: [من الكامل] جار الزمان فلا جواد يرتجى ... للنائبات ولا صديق يشفق [2] وطغى عليّ فكلّ رحب ضيّق ... إن قلت فيه وكلّ حبل يخنق «206» - وقال: [من الطويل] وكان الأذى رشحا فقد صار غمرة ... كذاك المبادي أول الألف واحد «207» - وقال: [من الطويل] وأكثر من تلقاه كالسيف مرهفا ... عليك وإن جرّبته كان نابيا [3] «208» - وقال: [من الطويل] وما يثقل الميت الصعيد وإنّما ... على الحيّ عبء للزمان ثقيل   [1] م: نجى. [2] م: مشفق. [3] م: خابيا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 «209» - وقال: [من المتقارب] فإن لم يكن فرج في الحياة ... فكم فرج في انقضاء العمر «210» - وقال: [من الكامل] أبياض رأس واسوداد مطالب [1] ... صبرا على حكم الزمان الجائر «211» - وقال: [من الطويل] وليس من الإنصاف أن حلّقت بكم ... قوادم عزّ طاح في الجوّ قابها وأصبحت محصوص الجناح مهضّما ... عليّ غواشي ذلّة وثيابها تعدّ الأعادي لي مرامي قذافها ... وتنبحني أنّى مررت كلابها 212- مات ولد لأحمد بن المختار بن أبي الجبر، فبكى عليه حتى ذهبت إحدى عينيه ثم تلتها الأخرى، فقال يشكو الزمان ويذكر [2] صرفه: [من السريع] كأنما آلى على نفسه ... ألّا يرى شملا لإثنين لم يكفه ما نال من مهجتي ... حتى أصاب العين بالعين «213» - أبو [3] فراس ابن حمدان: [من الطويل] إسار أقاسيه وليل نجومه ... أرى كلّ شيء دونهنّ يزول   [1] م: مطامع. [2] م: ويذم. [3] من هنا حتى نهاية الفصل (وبداية النوادر) سقط من م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 تطول به الساعات وهي قصيرة ... وفي كلّ دهر لا يسرّك طول 214- آخر: [من الطويل] ولو أنني أعطيت من دهري المنى ... وما كلّ من يعطى المنى بمسدّد لقلت لأيام مضين ألا ارجعي ... وقلت لأيام أتين ألا ابعدي 215- وقال علي بن عاصم: [من الكامل] سقيا لأيام لنا وليالي ... قصر الحبائب طولها بوصال ما كان طول سرورها لما انقضت ... إلّا اكتحال متيّم بخيال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 نوادر من هذه الفصول الثلاثة «216» - قال أبو الاسد التميمي يستزيد: [من المنسرح] ليتك أدّبتني [1] بواحدة ... تقنعني منك آخر الآبد تحلف ألّا تبرّني أبدا ... فإنّ فيها بردا على كبدي اشف فؤادي منّي فإن به ... عليّ قرحا نكأته بيدي إن كان رزقي إليك فارم به ... في ناظري حيّة على رصد لو كنت حرّا كما زعمت وقد ... كددتني بالمطال لم أعد لكنّني عدت ثم عدت فإن ... عدت إلى مثل هذه فعد أبعدني الله حين يحملني ... حرصي على مثل ذا من الأود وكيف أخطأت لا أصبت [2] ولا ... نهضت من عثرة إلى سدد الآن أيقنت من فعالك بي ... أني عبد لأعبد قفد [3] وصرت من قبح ما ابتليت به ... أكنى أبا الكلب لا أبا الأسد «217» - وقال أبو عثمان الخالدي: [من الكامل المجزوء] قل للشريف المستجا ... ر به إذا عدم المطر   [1] م: أدنيتني. [2] ب م: لا أصيب. [3] القفد جمع أقفد وهو الضعيف الرخو. 6 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 وابن الأئمة من قري ... ش والميامين الغرر أقسمت بالريحان والن ... نغم المضاعف والوتر لئن الشريف نأى ولم ... ينعم لعبديه النظر لنشاركنّ بني أمي ... ية في الضلال المشتهر ونقول لم يغصب أبو ... بكر ولم يظلم عمر ونرى معاوية إما ... ما من يخالفه كفر ونقول إن يزيد ما ... قتل الحسين ولا أمر ونعدّ طلحة والزبي ... ر من الميامين الغرر ويكون في عنق الشري ... ف دخول عبديه سقر «218» - وقال السري الرفاء يعرّض بالخالديين وزاد حتى شهر سيف الشقاق عليهما: [من البسيط] يا أكرم الناس إلّا أن يعدّ أبا ... فات الكرام بآباء [1] وآثار أشكو إليك حليفي غارة شهرا ... سيف الشقاق على ديباج أفكاري ذئبين لو ظفرا بالشّعر في حرم ... لمزّقاه بأنياب وأظفار سلّا عليه سيوف البغي مصلتة ... في جحفل من شنيع الظّلم جرار وأرخصاه فقل في العطر ممتهنا ... لديهما يشترى من غير عطّار لطائم المسك والكافور فائحة ... منه ومنتخب الهنديّ والغار وكلّ مسفرة الألحاظ تحسبها ... صفيحة بين إشراق وإسفار أرقت ماء شبابي في محاسنها ... حتى ترقرق فيها ماؤها الجاري   [1] اليتيمة: بأفعال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 كأنها [1] نفس الريحان يمزجه ... صبا الأصائل من أنفاس نوّار إن قلّداك بدرّ فهو من لججي ... أو ختّماك بياقوت فأحجاري باعا عرائس شعري بالعراق فلا ... تبعد سباياه من عون وأبكار مجهولة القدر مظلوم عقائلها ... مقسومة بين جهّال وأغمار ما كان ضرّهما والدرّ ذو خطر ... لو حلّياه ملوكا ذات أخطار وما رأى الناس سبيا مثل سبيهما ... بيعت عقيلته ظلما بدينار والله ما مدحا حيّا ولا رثيا ... ميتا ولا افتخرا إلّا بأشعاري «219» - وقال في ابن العصب الملحيّ الشاعر: [من الخفيف] فاغد سرّا بنا إلى قفص المل ... حيّ فالعيش فيه غضّ نضير نتوارى من الحوادث والده ... ر بصير بمن توارى خبير مجلس في فناء دجلة يرتا ... ح إليه الخليع والمستور طائر في الهواء فالبرق يسري ... دون أعلاه والحمام يطير وإذا الغيم سار أسبل منه ... كلل دون جدره وستور وإذا غارت الكواكب صبحا ... فهو الكوكب الذي لا يغور ليس فيه إلّا خمار وخمر ... وممات من سكرة ونشور وحديث كأنه زهر المن ... ثور حسنا ولؤلؤ منثور وجريح من الدنان تسيل الر ... راح من جرحه وقدر تفور ولك الظبية الغريرة إن شئ ... ت وإن عفتها فظبي غرير فتمتع بما تشاء نهارا ... ثم بت معرسا وأنت أمير   [1] م: كأنما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 كلّ هذا بدر همين فإن زد ... ت فأنت المبجّل الموفور 220- قال قائل لجحظة: توفّي عليّ بن عيسى الوزير، فسجد، وكانت بينهما عداوة، ثم قال: يا أخي قد يئسنا من خير أهل هذه الدنيا، ولم يبق الا التلذذ بنكبات أربابها، وأنشد: [من المنسرح] أحسن من قهوة معتّقة ... تخالها في إنائها ذهبا من كفّ مقدودة مهفهفة ... تقسم فينا لحاظها الرّيبا نعمة قوم أزالها قدر ... لم يحظ منها حرّ بما طلبا «221» - قال الجاحظ: قلت يوما لعبدوس بن محمد، وقد سألته عن سنه: لقد عجّل عليك الشيب، فقال: وكيف لا يعجّل عليّ وأنا محتاج إلى من لو نفذ حكمي فيه لسرّحته مع النّعاج، وألقطته مع الدّجاج، وجعلته قيّم السراج. هذا أبو ساسان أحمد بن العباس العجلي له غلّة ألف ألف درهم في كلّ سنة، عطس يوما فقلت: يرحمك الله، فقال لي: يغرقكم الله. «222» - وقال السري الرفاء الموصلي يشكو الاقتار: [من السريع] قد كانت الابرة فيما مضى ... صائنة وجهي وأشعاري فأصبح الرزق بها ضيّقا ... كأنه من ثقبها جاري «223» - وقال أبو الحسن ابن سكرة الهاشمي في مثل ذلك: [من السريع] واجر غلماني في واسط ... جوعا وكانوا لا يرامونا جادوا بما كنت ضنينا به ... فاتّسعوا ممّا يناكونا لو أنّ رزقي مثل أدبارهم ... كنت من الإثراء قارونا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 «224» - وقال أيضا: [من الرمل المجزوء] قيل ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشدّه قلت درّاعة عري ... تحتها جبّة رعده وأخذ هذا من كلام بعض الأعراب وقيل له: ما أعددت للشتاء؟ قال شدة الرعدة. 225- مر ابن أبي علقمة بمجلس بني ناجية، فكبا حماره لوجهه، فضحكوا منه فقال: ما يضحككم؟ رأى وجوه قريش فسجد. وبنو ناجية يعتدّون في قريش ويطعن في نسبهم. 226- قال رجل من بني هاشم لأبي العيناء: يا حلقيّ، فقال: مولى القوم منهم. يعرّض بولائه فيهم. «227» - وعرض ابن هبيرة على رجل من ضبة كان يمازحه فصّ فيروزج، يعرّض بقول الشاعر: [من الطويل] ألا كلّ ضبّيّ من اللؤم أزرق «228» - حمل بعض الوزراء أبا العيناء على دابة، فلما أبطأ عليه علفها استزاده فقال: أيها الوزير، هذه الدابة حملتني عليها أم حملتها عليّ؟ «229» - وقال له صاعد: ما الذي أخّرك عنا؟ قال: بنيتي. قال: وكيف؟ قال: قالت: يا أبة قد كنت تغدو من عندنا فتأتي بالخلع السرية، والجائزة السنية، ثم أنت الآن تغدو مستدفّا وترجع مغتمّا، فإلى من؟ قلت: إلى أبي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 العلاء ذي الوزارتين، قالت: أيعطيك؟ قلت: لا. قالت: أفيشفّعك؟ قلت: لا. قالت: أفيرفع مجلسك؟ قلت: لا، قالت: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ؟ (مريم: 42) «230» - وقيل لمزبّد: لم لا تكون كفلان- يعني رجلا موسرا؟ فقال: بأبي أنتم كيف أتشبّه بمن يضرط فيشمّت وأعطس فألطم؟ «231» - وقيل له ما بال حمارك يتبلّد إذا توجّه نحو المنزل وحمير الناس إلى منازلها أسرع؟ قال: لأنه يعرف سوء المنقلب. «232» - وطلب من داره بعض جيرانه ملعقة فقال: ليت لنا ما نأكله بالإصبع [1] . «233» - وقال الرشيد لأبي الحارث جمين [2] : كيف [3] تدخل إلى محمد بن يحيى؟ فقال: أدخل والله يا أمير المؤمنين وأنا أكسى من الكعبة وأخرج وأنا أعرى من الحجر الأسود. «234» - ورؤي عليه جبة قد تخرّقت فقيل له: ما هذه؟ قال: غنّت بقول الشاعر: [من المنسرح] أما فؤادي فقد بلي جزعا ... قطّعه البين والهوى قطعا   [1] م: بالأصابع. [2] م: حمير. [3] نثر الدر: لم لا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 ثم قيل له بعد ذلك: كيف تغني جبّتك؟ فقال: قد كانت تغنّي وقد صارت تلطم في مأتم. «235» - كان حماد عجرد صديقا ليحيى بن زياد، وكانا يتنادمان ويجتمعان على ما يجتمع عليه مثلهما، ثم إنّ يحيى بن زياد أظهر نزوعا [1] عما كان عليه وقراءة، وهجر حمادا وأشباهه، فكان إذا ذكر عنده حماد ثلبه وذكر تهتّكه ومجونه، فبلغ ذلك حمادا فكتب إليه [2] : [من الكامل المجزوء] هل تذكرن دلجي إلي ... ك على المضمّرة القلاص أيام تعطيني وتأ ... خذ من أباريق الرصاص إن كان نسكك لا يتم ... م بغير شتمي وانتقاصي أو كنت لست بغير ذا ... ك تنال منزلة الخلاص فعليك فاشتم آمنا ... فلك الأمان من القصاص واقعد وقم بي ما بدا ... لك في الأداني والأقاصي فلطالما زكيتني ... وأنا المقيم على المعاصي أيام أنت إذا ذكر ... ت مناضل عني مناص وأنا وأنت على ارتكا ... ب الموبقات من الحراص «236» - قال أبو عبيدة: تزوجت أخت أبي نخيلة برجل يقال له ميار [3] ،   [1] م: تورعا. [2] اليه: ليست في ر. [3] الأغاني: سيار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 فكان أبو نخيلة يقوم بمالها مع ماله، ويرعى سوامها مع سوامه، فيستبدّ عليها بأكثر منافعها. فخاصمته يوما من وراء خدرها في ذلك فأنشأ يقول: [من الرجز] أظلّ أرعى وتراهزينا ... ململما أبزى [1] له غضونا ذا أبن مقدّما عثنونا ... يطعن طعنا يقصب الوتينا ويهتك الأعفاج والرئينا ... يذهب ميار وتقعدينا وتفسدين وتبذّرينا ... وتمنحين استك آخرينا أير حمار في است هذا دينا 237- ابن بسام: [من الوافر] سنصبر ما وليت فكم صبرنا ... لمثلك من أمير أو وزير ولما لم ننل منهم سرورا ... رأينا فيهم كلّ السرور 238- جلس مولى لآل سليمان على طريق الناس، وقد رجعوا من الاستمطار، وقد سقوا فقال: ليس بي إلا سرورهم اليوم بالإجابة، وما مطروا إلا لأني غسلت ثيابي اليوم، ولم أغسلها قطّ إلا جاء الغيم والمطر، فليخرجوا غدا فإن سقوا فإني ظالم. 239- شاعر يستبطىء صديقا له على إعادة كتب أعاره إياها: [من الكامل] ما بال كتبي في يديك رهينة ... حبست على مرّ الزمان الأطول إيذن لها في الانصراف فإنها ... كنز عليه في الأنام معوّلي ولقد تغنّت حين طال ثواؤها ... طال الوقوف على رسوم المنزل   [1] ب: بزى. م: ترى. والأبزى: المرتفع العجز. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 بدأ الباب الثّالث والعشرون في الهجاء والمذمّة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 (الباب الثالث والعشرون باب الهجاء والمذمة) «240» - الهجاء مرهبة للكريم، ومحلبة من اللئيم [1] ، وهو على الشاعر أجدى من المديح المضرع، فلذلك بالغ فيه من جعله الذريعة إلى نيل مباغيه. قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه للحطيئة: ويلك لا تهج الناس، فقال: إذن أموت وأطفالي جوعا. فاشترى منه عمر رضي الله عنه أعراض المسلمين فقال: [من الكامل] وأخذت أطراف الكلام فلم تدع ... شتما يضرّ ولا مديحا ينفع وحميتني عرض اللئيم فلم يخف ... ذمّي وأصبح آمنا لا يفزع 241- والمقصود من ذكر الهجاء الوقوف على ملحه وما فيه من ألفاظ فصيحة، ومعان بديعة، لا التشفي بالأعراض والرتعة فيها. وليس الهجاء دليلا على إساءة المهجوّ ولا صدق الشاعر فيما رماه به، فما كلّ مذموم بذميم، ولا كلّ ملوم بمليم، وقد يهجى الإنسان بهتا [2] وظلما، أو تقرّبا إلى عدوّ، أو عبثا، أو إرهابا لمن يخشى الشاعر سطوته فيجبن [3] عن هجائه: [من الطويل] كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع   [1] ر: مرهبة الكريم ومحلبة اللئيم. [2] ر م: بهتانا. [3] ب: فجبن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 وقد يهجى جزاء عن فعل خصّ الهاجي ولم يعمّ، وليس في ذلك كلّه عار يلحق الأعقاب، ولا في الوقوف عليه غيبة يحصل بها العقاب. 242- أهدي إلى سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد الأسديّ كتاب ففتحه لينظر فيه، فوقعت عينه منه على هجاء بني أسد، فأطبقه وقال: [من الطويل] وما زالت الأشراف تهجى وتمدح «243» - قال المتوكل لأبي العيناء: كم تمدح الناس وتذمّهم، قال: ما أحسنوا أو أساؤا. وقد رضي الله عن عبد فمدحه فقال: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص: 30، 44) وغضب على آخر فزنّاه، فقال له: ويحك أيزنّي الله أحدا؟! فقال: نعم قال الله عزّ وجلّ: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (القلم: 12- 13) والزنيم الملصق بالقوم وليس منهم، هو مأخوذ من الزّنمة، والزنمتان ما تدلّى في حلق المعز، وقيل من آذانها. «244» - قال دعبل في المأمون بعد البيعة وقتل الأمين: [من الكامل] إنّي من القوم الذين هم هم ... قتلوا أخاك وشرّفوك بمقعد شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد فقال المأمون: ويحه ما أبهته!! متى كنت خاملا وفي حجر الخلافة ربيت، وبدرّها رضعت. «245» - وقد أحسن الزبرقان بن بدر إلى الحطيئة وأكرم ضيافته في سنة غبراء حطمت الأموال وذهبت بالخفّ والحافر، فوعده بنو أنف الناقة القريعيّون، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 وكانوا أعداء الزبرقان، أن يزيدوا في البرّ على ما فعله الزبرقان، فحمله الطمع والجشع على أن أرضاهم بهجائه فقال: [من البسيط] ما كان ذنب بغيض لا أبا لكم ... في بائس جاء يحدو آخر الناس جار لقوم أطالوا هون منزله ... وغادروه مقيما بين أرماس ملّوا قراه وهرّته كلابهم ... وجرّحوه بأنياب وأضراس دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي وهي أكثر من هذا [1] . فاستعدى الزبرقان عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنشده الأبيات فقال: ما أسمع هجاء وإنما هي معاتبة، فقال الزبرقان: أو ما بلغ من مروءتي إلا أن آكل وأشرب؟ فدعا حسان فسأله عن الشعر فقال: ما هجاه ولكن سلح عليه. «246» - ولما قتل جعفر بن يحيى بكاه أبو نواس وجزع عليه وقال: اليوم والله ذهبت المروءة والأدب، فقيل له: أتقول هذا وقد كنت تهجوه وتقطعه من قبل؟ فقال: ذاك لركوب الهوى. أيكون أكرم من جعفر وقد رفع إليه صاحب الخبر أني قلت: [من الطويل] ولست وإن أطنبت في وصف جعفر ... بأول إنسان خري في ثيابه فوقّع في رقعته: يدفع إليه عشرة آلاف درهم يغسل بها ما ذكر أنّه نال ثيابه. وكان أبو نواس مائلا إلى الفضل بن الربيع ومنحرفا عن البرامكة.   [1] زاد هنا في ر: ومثل بيت الحطيئة قول آخر: اني وجدت من المكارم حسبكم ... ان تلبسوا حرّ الثياب وتشبعوا واذا تذوكرت المكارم مرة ... في مجلس أنتم به فتقنعوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 24» - ومن العبث بالهجو ما روي أنّ الحطيئة همّ بهجاء فلم يدر من يستحقّه فجعل يجول ويقول: [من الطويل] أبت شفتاي اليوم إلّا تكلّما ... بسوء فما أدري لمن أنا قائله ثم اطلع في ركيّ فرأى وجهه فقال: أرى لي وجها شوّة الله خلقه ... فقبّح من وجه وقبّح حامله وهجا أباه وأمه فقال: [من الكامل] ولقد رأيتك في النساء فسؤتني ... وأبا بنيك فساءني في المجلس 248- ومن هذا الفن أنّ شاعرا في زماننا هجا بعض الأعيان بأبيات مطبوعة تداولها الناس فحبس وعزّر. وأراد الوزير أبو علي ابن صدقة أن يستكفّه عن الزيادة فقال له: ما أردت إلى هجاء هذا الرجل؟ هل اجتديته فمنعك، أو مدحته فحرمك، أو كانت لك حكومة فمال فيها عليك؟ قال: كلّ ذلك لم يكن، بل قطع كان على عرضه وقفاي. «249» - وضدّ هذا العبث بالأعراض قول صخر بن عمرو بن الشريد السّلميّ، وقد قتلت بنو مرّة أخاه معاوية بن عمرو، فقال له قومه: ألا تهجوهم؟ فقال: ما بيننا أجلّ من القذع، ولو لم أكفّ عن هجائهم إلّا رغبة بنفسي عن الخنا لكففت. وقال: [من الطويل] تقول ألا [1] تهجو فوارس هاشم ... وما لي إذا أهجوهم ثم ما ليا أبى الشتم أني قد أصابوا كريمتي ... وأن ليس إهداء الخنا من شماليا   [1] م: يقولون لا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 وذي إخوة قطّعت أقران بينهم ... كما تركوني واحدا لا أخا ليا فأمسك عن هجائهم، وقد وتروه، صيانة وتكرّما. 250- وكانت العرب في جاهليتها وإسلامها تتّقي الهجاء أشدّ من اتقائها السلاح، حيث كانت تحامي عن أحسابها، وترغب في اقتناء [1] المحامد الباقي ذكرها على أعقابها. ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وغير هما من الصحابة يهجون مشركيّ قريش: لهو أشدّ عليهم من وقع النبل. «251» - وكان أحدهم في الفلاة القفر لا أنيس بها معه ولا قرين، يحمي نفسه عن كلمة يعاب بها حتى كأنه يتعبّد بذلك من لا يخفى عليه خافية. فمن ذلك أنّ حذيفة بن بدر لما فرّ في حرب عبس وذبيان، ونزل وأصحابه إلى جفر الهباءة يتبرّدون في حمارّة القيظ، اقتصّ قيس بن زهير أثرهم حتى وقف عليهم في عدّة فوارس، وهم في الجفر، فأيقنوا بالهلاك فقال حذيفة: يا بني عبس فأين العقول والأحلام؟ فضرب حمل بن بدر بين كتفيه وقال: إياك ومأثور الكلام. فانظر إلى هذه الحمية والنفس الأبية، منعه أن يستعطف ابن عمّه، وهم متوقعون للقتل لئلّا يؤثر عنهم ضراعة ورقة عند الموت. وأمثال ذلك كثير، وليس هذا موضع إيراده. «252» - ومن مراقبتهم للشعر ما روي عن عبد الملك بن مروان أنه قال لولده   [1] م: إفشاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 حين حضرته الوفاة: أوصيكم بحسن جوار [1] الشعراء، فإن للشعر مواسم لا تزداد على اختلاف الجديدين إلا جدّة، وأيم الله ما أودّ أني هجيت بمثل قول الأعشى: [من الطويل] فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم ... وبحرك ساج لا يواري الدّعامصا تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا وأني ازددت إلى نعمتي أضعافها، ولوددت أني مدحت بهذه الأبيات من قول زهير: [من البسيط] لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأوّلهم أو مجدهم قعدوا وأني زلت عن نعمتي كلها. «253» - وقد قال أبو مسلم: ألأم الأعراض عرض لا يرتعي فيه حمد ولا ذم. وتلك أمة قد خلت وملة قد نسخت: [من الكامل المجزوء] جدّت أكفّ ليس ين ... بط ماءها إلا المساحي وجلود قوم ليس تأ ... لم غير أطراف الرماح ما شئت من مال حمى ... يأوي إلى عرض مباح «254» - والهجاء إنما يضع من النمرقة الوسطى. أما الخمول فلا يقع الهجاء فيه موقعا يضرّ، كما لا يرفعه المديح [2] . قال رجل ما أبالي أهجيت أم مدحت، فقال له الأحنف بن قيس: أرحت نفسك من حيث [3] تعب الكرام. وقال بعض النبط لبشار إن هجوتني تخرب ضيعتي؟ قال: لا، قال: فتموت   [1] م: جوائز. [2] م: المدح. [3] ب: فقال له الأحنف: أرحت من حيث ... 7 تذكرة 5 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 عيشونة ابنتي؟ قال: لا، قال: فرجلي مع ساقي إلى حلقي في حر أمك قال: ولم تركت رأسك؟ قال لأنظر إلى ما تصنع. وقال دعبل بل يروى لمسلم: [من الكامل] فاذهب فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل وقال إبراهيم بن العباس: [من المتقارب] نجابك لؤمك منجى الذباب ... حمته مقاذره أن ينالا وإنما ألمّا فيه بقول عويف القوافي: [من البسيط] قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا ... من لؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا «255» - وأما من علت درجته، وشاعت فضيلته، فلا يفسده الهجاء، ولا يضع من شرفه؛ وقد مثلوا بمن هجي من العرب على هذه المنازل قالوا: لم يفسد الهجاء بني بدر، وبني عدس، وبني عبد المدان، وغيرهم من أشراف العرب. هجيت فزارة بأكل أير الحمار وبكثرة شعر القفا كقول الحارث بن ظالم: [من الوافر] فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشّعر الرقابا فلم يضرهم ذلك. ثم افتخر مفتخرهم به ومدحهم الشاعر به. قال مزرد بن ضرار: [من الوافر] منيع بين ثعلبة بن سعد ... وبين فزارة الشّعر الرقاب فما من كان بينهما بنكس ... لعمرك في الخطوب ولا بكاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 وأما قصة أير الحمار فإنما اللوم على المطعم لرفيقه ما لا يعرفه، فهل كان على الفزاري في حقّ الأنفة أكثر من قتل من أطعمه الجردان من حيث لا يدري. وقد هجيت الحارث بن كعب، وكتب الهيثم بن عدي فيهم كتابا، فما وضع ذلك منهم حتى كأنه قد كتبه لهم. ولما كانت نمير دون هؤلاء في الشرف وضعهم قول جرير: [من الوافر] فغضّ الطرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا قال أبو عبيدة كان الرجل من بني نمير اذا قيل له: ممن الرجل؟ قال نميري كما ترى، حتى قال جرير بيته هذا فصار الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني عامر. فعند ذلك قال الشاعر يهجو قوما آخرين: [من الوافر] وسوف يزيدكم ضعة هجائي ... كما وضع الهجاء بني نمير ولما هجاهم أبو الردينيّ العكلي، فتوعدوه بالقتل، قال أبو الرديني: [من الوافر] توعّدني لتقتلني نمير ... متى قتلت نمير من هجاها فشدّ عليه رجل منهم فقتله. وما لقيت قبيلة من العرب مهجوة ما لقيت نمير من بيت جرير هذا. «256» - ومن متوسطي الشرف في القبائل: عنزة وجرم وسلول وباهلة وغنيّ، وهذه قبائل فيها فضل كثير، ومنها شعراء وفصحاء وفرسان مذكورون، فمحا ذلك الفضل هجاء الشعراء وغضّ منهم. ومن الحبطات حسكة بن عتّاب وعبّاد بن الحصين وولده وهم من الأشراف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 ففضح هذه القبيلة قول الشاعر: [من الوافر] رأيت الحمر من شرّ المطايا ... كما الحبطات شرّ بني تميم وكذلك أفسد ظليم البراجم قول الشاعر: [من الرجز] إن أبانا فقحة لدارم ... كما الظليم فقحة البراجم وأهلك بني العجلان قول الشاعر: [من الطويل] إذا الله عادى أهل لؤم وقلّة ... فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل قبيّلة لا يغدرون بذمّة ... ولا يظلمون الناس حبّة خردل ولا يردون الماء إلا عشية ... إذا صدر الورّاد عن كلّ منهل وأما قول الأخطل: [من الطويل] وقد سرّني من قيس عيلان أنني ... رأيت بني العجلان سادوا بني بدر فإن هذا البيت لم ينفع بني العجلان، كما لم يضرّ بني بدر، لأنه أخرجه مخرج الشماتة لأن صارت الذّنابى قادة للرؤوس. الشماتة لأن صارت الذّنابى قادة للرؤوس. 257- فأما من سلم من آفة الهجاء بالخمول فمثل غسّان وعيلان من قبائل عمرو بن تميم، وثور إخوة عكل. وابتليت عكل لأنها أنبه منها سببا [1] ، وثور خاملة، ولعلها لولا سفيان الثوري والربيع بن خثيم ما عرفت. «258» - قال الشعبي: شهدت زيادا وأتاه عامر بن مسعود بأبي علاثة   [1] ر: شيا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 التيمي فقال إنه هجاني قال: وما قال لك؟ قال، قال: [من الطويل] وكيف أرجّي ثروها ونماءها ... وقد سار فيها خصية الكلب عامر فقال أبو علاثة: ليس هكذا قلت، قال: فكيف قلت؟ قال: قلت: وإني لأرجو ثروها ونماءها ... وقد سار فيها يأخذ الحقّ عامر فقال زياد: قاتل الله الشاعر، ينقل لسانه كيف شاء؛ والله لولا أن يكون سنة لقطعت لسانك. فقام قيس بن فهد [1] الأنصاري فقال: أصلح الله الأمير، ما أدري من الرجل، فإن شئت حدثتك عن عمر بما سمعت منه، قال: وكان زياد يعجبه أن يسمع الحديث عن عمر، قال هاته، قال: شهدته وأتاه الزبرقان بن بدر بالحطيئة فقال: هجاني، قال: وما قال لك؟ قال: [من البسيط] دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي فقال عمر: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة، فقال الزبرقان: أو ما بلغ من مروءتي إلا أن آكل وأشرب؟ فقال عمر: عليّ بحسان، فجيء به، فسأله فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه. ويقال سأل لبيدا فقال: ما يسرني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأنّ لي حمر النّعم. فأمر به عمر فجعل في نقير في بئر، ثم ألقي عليه شيء فقال: [من البسيط] ماذا تقول لأفراخ بذي أمر ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسيهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر فأخرجه ثم قال: إياك وهجاء الناس. قال: إذن يموت عيالي جوعا؛   [1] ر والأنساب: قهد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 مكسبي هذا ومنه معاشي. قال: إياك والمقذع من القول، قال: وما المقذع؟ قال: أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان، قال: فأنت والله أهجى مني. ثم قال: لولا أن تكون سنّة لقطعت لسانه، ولكن اذهب فأنت له يا زبرقان خذه، فألقى الزبرقان في عنقه عمامة فاقتاده بها، وعارضته غطفان فقالوا: يا أبا شذرة، إخوتك وبنو عمك، هبه لنا، فوهبه لهم. فقال زياد لعامر بن مسعود قد سمعت ما روي عن عمر، وإنما هي السنن، فاذهب به فهو لك، فألقى في عنقه حبلا أو عمامة، وعارضته بكر بن وائل فقالوا له: إخوتك وجيرانك، فوهبه لهم. «259» - وقال الأخطل، واسمه غياث بن غوث من بني تغلب: [من البسيط] ما زال فينا رباط الخيل معلمة ... وفي كليب رباط الذلّ والعار النازلين بدار الذلّ إن نزلوا ... وتستبيح كليب حرمة الجار قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار وهذا أهجى بيت قالته العرب، فإنه مع ما وصفهم به من اللؤم والدناءة وابتذال الأم جعل نارهم ضئيلة حقيرة تطفئها البولة. «260» - وقال الأخطل أيضا: [من الوافر] فلا تدخل بيوت بني كليب ... ولا تقرب لهم أبدا رحالا ترى فيها لوامع بارقات ... يكدن ينكن بالحدق الرجالا قصيرات الخطى عن كلّ خير ... إلى السّوءات مسمحة عجالا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 «261» - وقال أيضا: [من الطويل] ونحن رفعنا عن سلول رماحنا ... وعمدا رغبنا عن دماء بني نصر ولو ببني ذبيان بلّت رماحنا ... لقرّت بهم عيني وباء بهم وتري شفى النفس من قتلى سليم وعامر ... ولم يشفها قتلى غنيّ ولا جسر ولا جشم شرّ القبائل إنها ... كبيض القطا ليست بسود ولا حمر لعمري لقد لاقت سليم وعامر ... على جانب الثّرثار راغية البكر ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدلّ عليها صوتها حيّة البحر «262» - وقال أيضا: [من الطويل] لعمرك إنّا من زهير بن جندب ... لدانون لو أنّ القرابة تنفع معاشر أمّا الخير منهم فمكفأ [1] ... وأمّا إناء الشرّ منهم فمترع «263» - وقال أيضا: [من البسيط] سود الوجوه وراء القوم مجلسهم ... كأنّ قائلهم في القوم مسترق البائتون قريبا دون أهلهم ... ولو يشاءون آبوا الحيّ أو طرقوا «264» - وقال جرير: [من الطويل] أقول وذاكم للعجيب الذي أرى ... أمال بن مال ما ربيعة والفخر محالفهم [2] فقر قديم وذلّة ... وبئس الحليفان المذلة والفقر   [1] الديوان: فاما إناء الخير فيهم ففارغ. [2] الديوان: يحالفهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 «265» - وقال أيضا: [من الطويل] ألم تر أنّ الله أخزى مجاشعا ... إذا ما أفاضت في الحديث المجالس فما زال معقولا عقال عن الندى ... وما زال محبوسا عن المجد حابس «266» - وقال أيضا: [من الطويل] ولا تعرفون [1] الشرّ حتى يصيبكم ... ولا تعرفون الأمر إلا تدبّرا «267» - آخر: [من الوافر] فما إن في الحريش ولا عقيل ... ولا أولاد جعدة من كريم أولئك معشر كبنات نعش ... رواكد لا تسير مع النجوم «268» - لما فارقت عروة بن الورد امرأته الغفارية، وأثنت عليه بما أثنت، ورجعت إلى قومها، تزوجها [2] رجل من بني عمها، فقال لها يوما من الأيام: يا سلمى أثني عليّ كما أثنيت على عروة، وقد كان قولها شهر فيه، فقالت: لا تكلّفني ذلك فإني إن قلت الحقّ غضبت، ولا والّلات والعزّى لا أكذب. فقال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي فلتثنينّ عليّ بما تعلمين. وخرج وجلس في نديّ القوم، وأقبلت، فرماها الناس بأبصارهم، فوقفت عليهم وقالت: أنعموا صباحا، إنّ هذا عزم عليّ أن أثني عليه بما أعلم، ثم أقبلت فقالت: والله إن   [1] الكامل: ولا تتقون. [2] ب: تزوجت رجلا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 شملتك لالتحاف، وإنّ شربك لاشتفاف، وإنك لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضي الأهل ولا الجانب [1] ، ثم انصرفت. ولامه قومه وقالوا: ما كان أغناك عن هذا القول منها. «269» - وقال الأخطل: [من الكامل] وإذا سما للمجد فرعا وائل ... واستجمع الوادي عليك فسالا كنت القذى في سيل أكدر مزبد ... قذف الأتيّ به فضلّ ضلالا «270» - وقال أيضا: [من البسيط] قبيلة كشراك النعل دارجة ... إن يهبطوا العفو لا يوجد لهم أثر محلّهم من بني تيم وإخوتهم ... حيث يكون من الحمارة الثفر «271» - وقال الحكم بن عبدل الأسدي: [من الوافر] نكهت عليّ نكهة أخدريّ ... شتيم أعصل الأنياب ورد فما يدنو إلى فيه ذباب ... ولو طليت مشافره بقند «272» - وقال ذو الإصبع العدواني: [من الكامل المجزوء] لو كنت ماء كنت لا ... عذب المذاق ولا مسوسا ملحا بعيد القعر قد ... فلّت حجارته الفؤوسا   [1] م: الأجانب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 منّاع ما ملكت يدا ... ك وسائلا لهم لحوسا وتبعه الشعراء في معنى البيت الأول فأكثروا؛ قال الآخر: [من الرجز] لو كنت ماء كنت غير عذب ... أو كنت سيفا كنت غير عضب أو كنت عيرا كنت عير ندب ... أو كنت لحما كنت لحم كلب وقال الآخر: [من الرجز] لو كنت ماء لم تكن طهورا ... أو كنت بردا كنت زمهريرا أو كنت ريحا كانت الدّبورا ... أو كنت مخّا كنت مخاريرا «273» - وقال ابن بسام في أخيه: [من الخفيف] يا طلوع الرقيب ما بين إلف ... يا غريما أتى على ميعاد يا ركودا في يوم غيم وصيف ... يا وجوه التّجار يوم الكساد «274» - ولابن الرومي في مثله: [من الخفيف] يا أبا القاسم الذي لست أدري ... أرصاص كيانه أم حديد أنت عندي كماء بئرك في الصي ... ف ثقيل يعلوه برد شديد «275» - وله أيضا في مثله: [من الخفيف] وثقيل جليسه في سياق ... ساعة منه مثل يوم الفراق قد قضى الله موته منذ حين ... فاحتوى الموت روحه وهو باق «276» - ولآخر مثله: [من البسيط] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 يمشي على الأرض مجتازا فأحسبه ... لبغض طلعته يمشي على بصري «277» - وقال أبو نواس في معناه: [من المتقارب] لطلعته وخزة في الفؤاد ... كوخز المشارط في المحتجم أقول له إذ أتى لا أتى ... ولا نقلته إلينا قدم فقدت خيالك لا من عمى ... وصوت كلامك لا عن صمم 278- وقال الناجم في هذا الفن: [من الرجز] يا ابن أبي النجم تسمّع في مهل ... طريفة أهديتها على عجل من نكت الشعر الرصين المنتخل ... يغرف من بحر خضمّ لا وشل يا شبه ماء البئر بردا وثقل ... يا ليلة المهجور هجران الملل يا كرب الطّلق ويا ثقل الجبل ... يا حيرة المملق أعيته الحيل يا قوة اليأس ويا ضعف الأمل ... يا ضيقة الرزق ويا وشك الأجل يا ياسمين السقم لا ورد الخجل ... أقسم لولا أنّ لي عنك شغل لجدّ فيك الشعر طورا وهزل ... ممزقا عرضك تمزيق السمل «279» - ولابن الحجاج قصيدة في عيسى بن مروان الكاتب النصراني أطال فيها جدا، وسلك فيها هذه السبيل وتغلغل في معانيها والآفات التي جرت عادته بابتداعها، وهي مشهورة اقتصرت منها على قوله: [من الكامل المجزوء] يا هيضة عرضت لشي ... خ مقعد زمن ضرير يا نتن ريح خرا اليهو ... د الفجّ في عيد الفطير وفسا النصارى في التنه ... هس [1] قبل صومهم الكبير   [1] م: التنمس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 وجشا شيوخ [1] المسلمي ... ن البخر في وقت السحور يا عثرة القلم المرشّ ... ش بين أثناء السطور يا ذلّ عان موثق ... في القدّ مغلول أسير وقعت عليه بنو كلا ... ب والمشوم بلا خفير يا ذلّة المظلوم الأصم ... بح وهو معدوم النّصير يا فجأة المكروه في ال ... يوم العبوس القمطرير يا حيرة الشيخ الأصم ... م وحسرة الحدث الضرير يا قرحة في ناظر ... غطوا عليها بالذرور يا طول حمّى الرّبع تق ... طع قوّة الشيخ الكبير يا ضجرة المحموم بال ... غدوات من ماء الشعير يا خيبة الأمل الطوي ... ل اغترّ بالعمر القصير يا وحشة الموتى إذا ... صاروا إلى ظلم القبور يا مأتما فيه تذا ... ل وجوه ربّات الخدور كلّت مقاريض النوا ... ئح فيه من جزّ الشعور خذها فقد ثبتت بلا ... ء يا [2] ابن يعقوب المدير مثل السجلّ كتابه ... يبقى إلى يوم النشور أحببت أن تحظى بها ... فخرجت فيها من قشوري «280» - وقال أبو نواس: [من الطويل] بنيت بما خنت الأمين سقاية ... فلا شربوا إلّا أمرّ من الصّبر   [1] ر: الشيوخ. [2] ر: ثبتت عليك بلا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 فما كنت إلا مثل بائعة استها ... تعود على المرضى به طلب الأجر «281» - وله: [من البسيط] لو أن عرضك في تطهير قدرك ما ... داناك في المجد لا كعب ولا هرم «282» - وقال الأخطل: [من الطويل] إذا ما التقينا عند بشر رأيتهم ... يغضّون دوني الطرف بالحدق الخزر [1] وأوجه موتورين فيها كآبة ... فرغما على رغم ووقرا على وقر «283» - وقال: [من البسيط] الآكلون خبيث الزاد وحدهم ... والسائلين بظهر الغيب ما الخبر قوم تناهت إليهم كلّ فاحشة ... وكل مخزية سبّت بها مضر وأقسم المجد حقا لا يحالفهم ... حتى يحالف بطن الراحة الشعر النصف الثاني من البيت الأول فيه معنى قول جرير: [من الوافر] وإنك لو رأيت عبيد تيم ... وتيما قلت أيّهما العبيد ويقضى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود وقريب منه [2] قول أوس بن حجر: [من الطويل] معازيل حلّالون بالغيب وحدهم ... بعمياء حتى يسألوا الغد ما الأمر   [1] ب: الخضر. [2] ر م: ومنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 فلو كنتم من الليالي لكنتم ... كليلة سرّ لا هلال ولا بدر 284- وقال الأخطل: [من الوافر] تعوذ هوازن بابني دخان ... هوازن إنّ ذا لهو الصغار ابنا دخان: غني وباهلة ابنا يعصر وهو لقب لهم، ومثله: [من الطويل] لقد خزيت قيس وذلّ نصيرها «285» - وقال طارق بن أثال الطائي: [من البسيط] ما إن يزال ببغداد يزاحمنا ... على البراذين أشباه البراذين أعطاهم الله أموالا ومنزلة ... من الملوك بلا عقل ولا دين ما شئت من بغلة سفواء ناجية ... ومن ثياب وقول غير موزون 286- وذم رجل ابن التوأم فقال: رأيته مشحّم النّعل، درن الجورب، مغضّن الخفّ، دقيق الجربّان. «287» - وقال العلاء بن المنهال [1] الغنوي: [من الوافر] فليت أبا شريك كان حيّا ... فيقصر حين يبصره شريك ويترك من تدرّيه علينا ... إذا قلنا له هذا أبوك ويحتمل خطأ هذا الشاعر في العروض لرشاقة الشعر، فإن عروضه من الوافر ويتم الوزن بحرف النفاذ، فإن فعل ذلك كان البيت الأول مرفوعا والثاني منصوبا، وهذا لم تستعمله العرب في إقوائها المستهجن، فكيف يكون في مثل   [1] ب: منهال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 هذا الشعر اللين؟ وإن وقف على السكون كان الجزء الأخير من الوافر فعول، وهو غير جائز ولم يسمع. «288» - ضاف أبو السّليل العنزيّ بني حكم فخذا من عنزة فقال: [من الوافر] أراني في بني حكم قصّيا ... على قتر أزور ولا أزار أناس يأكلون اللحم دوني ... وتأتيني المعاذر والقتار «289» - وقال آخر: [من البسيط] شتّى مراجلهم فوضى نساؤهم ... وكلهم لأبيه ضيزن سلف «290» - وقال آخر: [من البسيط] لو كنت أحمل خمرا يوم زرتكم ... لم ينكر الكلب أنّي صاحب الدار لكن أتيت وريح المسك تفغمني ... والعنبر الورد أذكيه على النار فأنكر الكلب ريحي حين أبصرني ... وكان يعرف ريح الزقّ والقار «291» - وقال عليّ بن جبلة العكوّك: [من الوافر] أقاموا الديدبان على يفاع ... وقالوا لا تنم للديدبان فإن آنست شخصا من بعيد ... فصفّق بالبنان على البنان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 تراهم خشية الأضياف خرسا ... يقيمون الصلاة بلا أذان «292» - وقال أبو مهوش الأسدي: [من الكامل] وبنو الفقيم قليلة أحلامهم ... ثطّ اللحى متشابهو الألوان لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أضحى جمعهم بعمان متأبطين بنيهم وبناتهم ... صعر الأنوف لريح كلّ دخان «293» - وقال آخر: [من البسيط] وجيرة لن ترى في الناس مثلهم ... إذا يكون لهم عيد وإفطار إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم ... وليس يدركنا ما تنضج النار «294» - وأنشد ثعلب: [من الوافر] فتى لرغيفه قرط وشنف ... ومرسلتان من خرز وشذر إذا كسر الرغيف بكى عليه ... بكا الخنساء إذ فجعت بصخر ودون رغيفه قلع الثنايا ... وحرب مثل وقعة يوم بدر «295» - وقال دعبل: [من الطويل] رأيت أبا عمران يبذل عرضه ... وخبز أبي عمران في أحرز الحرز يحنّ إلى جاراته بعد شبعه ... وجاراته غرثى تحنّ إلى الخبز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 «296» - وقال أيضا: [من البسيط] فضيف عمرو وعمرو يسهران معا ... عمرو لبطنته والضيف للجوع «297» - وقال آخر، ويروى لبعض آل المهلب: [من البسيط] قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم ... واستوثقوا من رتاج الباب والدار لا يقبس الجار منهم فضل نارهم ... ولا تكفّ يد عن حرمة الجار «298» - وقال الفرزدق: [من الطويل] وما لكليب حين تذكر أوّل ... ولا لكليب حين تذكر آخر «299» - وقال ابن أبي عيينة: [من المنسرح] لا تعدم العزل يا أبا الحسن ... ولا هزالا في دولة السّمن ولا انتقالا من دار عافية ... إلى ديار البلاء والفتن [1] ولا خروجا إلى القفار من ال ... أرض وترك الأحباب والوطن «300» - وقال أيضا في عيسى بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، وكان تزوج فاطمة بنت عمر بن حفص هزارمرد، وهو من ولد قبيصة بن أبي صفرة أخي المهلب: [من الطويل]   [1] م: والمحن. 8 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 أفاطم قد زوّجت عيسى فأيقني ... لديه بذلّ عاجل غير آجل فإنك قد زوّجت عن غير خبرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل فإن قلت من رهط النبيّ فإنه ... وإن كان حرّ الأصل عبد الشمائل فقد ظفرت كفّاه منك بطائل ... وما ظفرت كفّاك منه بطائل لعمري لقد أثبتّه في نصابه ... بأن رحت منه في محلّ الحلائل «301» - وزوّج إبراهيم بن النعمان بن بشير الأنصاري ابنته من يحيى بن أبي حفصة مولى عثمان بن عفان على عشرين ألف درهم، فقال قائل يعيره: [من الطويل] لعمري لقد جلّلت نفسك خزية ... وخالفت فعل الاكثرين الأكارم ولو كان جدّاك اللذان تتابعا ... ببدر لما راما صنيع الألائم «302» - ويحيى هذا هو جدّ مروان بن أبي حفصة الشاعر. ويزعم النسابون ان أباه كان يهوديا أسلم على يد عثمان بن عفان، وكان ذا يسار. وتزوج يحيى هذا خولة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم سيد أهل الوبر، ومهرها خرقا، ففي ذلك يقول القلاخ بن حزن: [من الطويل] لم أر أثوابا أجرّ لخزية ... وألأم مكسوّا وألأم كاسيا من الخرق اللائي صببن عليكم ... بحجر فكنّ المبقيات البواليا وقال القلاخ أيضا: [من البسيط] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 نبّئت خولة قالت حين أنكحها ... لطالما كنت منك العار أنتظر أنكحت عبدين ترجو فضل مالهما ... في فيك مما رجوت الترب والحجر لله درّ جياد أنت سائسها [1] ... برذنتها وبها التحجيل والغرر «303» - وقال آخر: [من الطويل] ألا يا عباد الله قلبي متيّم ... بأحسن من صلّى وأقبحهم بعلا [2] يدبّ على أحشائها كلّ ليلة ... دبيب القرنبى بات يقرونقا سهلا القرنبي دويبة حمراء على هيئة الخنفس منقطة الظهر، وربما كان في ظهرها نقطة حمراء، وفي قوائمها طول على الخنفس، وهي ضعيفة المشي. وهذه المقطعات المتناسبة المعاني ليست من فاخر الهجاء وانما هي في معنى شاذ ربما يتفق مثله [3] فيتمثل بها فيه، فأتيت بها على ما شرطت في الكتاب. «304» - وقال بشار: [من الطويل] خليليّ من كعب أعينا أخاكما ... على دهره إن الكريم معين ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين كأن عبيد الله لم يلق ماجدا ... ولم يدر أين المكرمات تكون   [1] ب: سابقها؛ م ر: سائقها. [2] م: فعلا. [3] م: مثلها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 فقل لأبي يحيى متى تدرك العلى ... وفي كلّ معروف عليك يمين إذا جئته في حاجة سدّ بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين قوله: في كل معروف عليك يمين مأخوذ من قول جرير: [من الطويل] ولا خير في مال عليه أليّة ... ولا في يمين عقّدت بالمآثم «305» - لما عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووليها عمر بن هبيرة قال الفرزدق: [من الكامل] راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعي فزارة لا هناك المرتع ولقد علمت إذا فزارة أمّرت ... أن سوف تطمع في الامارة أشجع وأرى الأمور تنكرت أعلامها ... حتى أمية عن فزارة تنزع فلما ولي خالد بن عبد الله القسري العراق بعد ابن هبيرة قال بعض بني أسد: [من الكامل] بكت المنابر من فزارة شجوها ... فاليوم من قسر تذوب وتجزع «306» - وقال المبّرد: أنشدني رجل من عبد القيس: [من المتقارب] أباهل ينبحني كلبكم ... وأسدكم ككلاب العرب ولو قيل للكلب يا باهليّ ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب «307» - وقال المساور بن هند: [من الوافر] زعمتم أنّ إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 أولئك أومنوا جوعا وخوفا ... وقد جاعت بنو أسد وخافوا «308» - وقال آخر: [من البسيط] إن يسمعوا ريبة طاروا لها فرحا ... عنّي وما سمعوا من صالح دفنوا صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا جهلا علينا وجبنا عن عدوّهم ... لبئست الخلّتان الجهل والجبن «309» - وقال أبو الأسد في الحسن بن رجاء لما تولى الجبل: [من الكامل] فلأنظرنّ إلى الجبال وأهلها ... وإلى منابرها بطرف أخزر ما زلت تركب كلّ شيء قائم ... حتى اجترأت على ركوب المنبر «310» - وقال إسماعيل بن عمار الأسدي: [من الطويل] بكت دار بشر شجوها إذ تبدّلت ... هلال بن مرزوق [1] ببشر بن غالب وهل هي إلا مثل عرس تبدّلت ... على رغمها من هاشم في محارب [2] «311» - وقال آخر [3] : [من الطويل] كاثر بسعد إن سعدا كثيرة ... ولا تبغ من سعد وفاء ولا غدرا   [1] م: مروان. [2] أعاد في م الشطر الثاني من البيت السابق. [3] انفردت م بهذه الفقرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 «312» - وقال آخر: [من الطويل] فسادة عبس في الحديث نساؤها ... وسادة عبس في القديم عبيدها «313» - وقال آخر: [من البسيط] أقول حين أرى كعبا ولحيته ... لا بارك الله في بضع وستين من السنين تملّاها بلا حسب ... ولا حياء ولا عقل ولا دين «314» - وقال آخر: [من الوافر] أقام اللؤم وسط بني رياح ... مطيّته وأقسم لا يريم كذلك كلّ ذي سفر إذا ما ... تناهى عند غايته مقيم «315» - وقال آخر: [من الطويل] ترى الشيخ منهم يمتري الأير باسته ... كما يمتري الثدي الصبيّ المجوّع «316» - خاصم أبو الحويرث السحيمي حمزة بن بيض إلى المهاجر بن عبد الله في طويّ له، فقال أبو الحويرث: [من البسيط] غمّضت في حاجة كانت تؤرّقني ... لولا الذي قلت فيها قلّ تغميضي قال: وما قلت لك؟ قال: حلفت بالله لي أن سوف تنصفني ... فساغ في الحلق ريق بعد تجريض قال: وأنا أحلف بالله لأنصفنك. قال: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 فاسأل ألى عن ألى أن ما خصومهم ... أو كيف أنت وأصحاب المعاريض قال: أوجعهم ضربا. قال: واسأل لجيما إذا وافاك جمعهم ... هل كان بالبئر حوض قبل تحويضي قال: فتقدمت الشهود فشهدت لأبي الحويرث فالتفت إلى ابن بيض فقال: أنت ابن بيض لعمري لست أنكره ... حقّا يقينا ولكن من أبو بيض إن كنت أنبضت لي قوسا لترميني ... فقد رميتك رميا غير تنبيض أو كنت خضخضت لي وطبا لتسقيني ... فقد سقيتك وطبا غير ممخوض فأمسك عنه ابن بيض، فقيل له: ألا تجيبه؟ فقال: والله لو قلت: أبو بيض عبد المطلب بن هاشم لم ينفعني ذلك. «317» - ذكر عند العباس بن علي رجل قد فارقه، فقال: دعوني أتذوق طعم فراقه، فهو والله الذي لا تشجى له النفس، ولا تدمع له العين، ولا يكثر في أثره الالتفات، ولا يدعى له عند فراقه بالسلامة. «318» - وكتب كاتب في ذمّ وال: خورا عند الأكفاء، وعجزا عن الأعداء، وإسراعا إلى الضعفاء، وكلبا على الفقراء، وإقداما على البرية، واحتياجا للرعية. «319» - وقال الطرماح: [من البسيط] لو كان يخفى على الرحمن خافية ... من خلقه خفيت عنه بنو أسد قوم أقام بدار الهون أوّلهم ... كما أقام عليه جذمة الوتد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 ومن أبيات الطرماح [1] : لو حان ورد تميم ثم قيل لها ... حوض الرسول عليه الأزد لم ترد لو [2] أنزل الله وحيا أن يعذّبها ... ان لم تعد لقتال الأزد لم تعد لا عزّ نصر امرىء أضحى له فرس ... على تميم يريد النصر من أحد «320» - وقال ابن أبي عيينة: [مخلع البسيط] هل كنت الا كلحم ميت ... دعا إلى أكله اضطرار وقريب من هذا المعنى قول الآخر: [من الوافر] وما أهجوك أنّك كفؤ شعري ... ولكنّي هجوتك للكساد وقول آخر: [من المنسرح] غير اختيار قبلت برّك بي ... والجوع يرضي الأسود بالجيف «321» - وقال آخر: [من البسيط] ألهى بني جشم عن كلّ مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم يفاخرون بها مذ كان أوّلهم ... يا للرّجال لفخر غير مسؤوم إن القديم إذا ما ضاع آخره ... كساعد فلّه الأيام محطوم 322- وقال عرفجة بن شريك في أمية بن عبد الله بن خالد:   [1] ومن أبيات الطرماح: سقطت العبارة من م ر. [2] ر م: أو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 [من الطويل] فلا غرو إلا من أمية إنه ... يمتّ بآباء كرام المحاتد [1] فلله آباء أمية نسلهم ... لقد شانهم أفعاله في المشاهد «323» - وقال سليمان بن قتة في سعيد بن عثمان بن عفان: [من الطويل] وكم من فتى كزّ اليدين مذمّم ... وكان أبوه عصمة الناس في المحل ومثله قول الآخر [2] : [من البسيط] لئن فخرت بآباء ذوي حسب ... لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا واحتذى ابن سكرة هذا الغرض فقال: [من المتقارب] فإن كنت من هاشم في الذّرى ... فقد ينبت الشوك وسط الاقاحي «324» - وقال لقيط بن زرارة: [من الطويل] أغرّكم أني بأكرم شيمة ... رفيق وأني بالفواحش أخرق وأنّك قد باذذتني فغلبتني ... هنيئا مريئا أنت بالفحش أحذق «325» - وقال أعرابي: [من الطويل] كأني ونضوي عند باب ابن مسمع ... من القرّ ذئبا قفرة هلعان أبيت وصنّبر الشتاء ينوشني ... وقد مسّ برد ساعدي وبناني   [1] م: المحامد. [2] م: ومثله لآخر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 فما اضرموا نارا ولا عرضوا قرى ... ولا اعتذروا من عسرة بلسان «326» - وقال الفرزدق: [من الوافر] ولو يرمى بلؤم بني كليب ... نجوم الليل ما وضحت لسار ولو لبس النهار بني كليب ... لدنّس لؤمهم وضح النهار وما يغدو عزيز بني كليب ... ليطلب حاجة الا بجار «327» - وقال أيضا: [من الكامل] قوم إذا احتضر الملوك وفودهم ... نتفت شواربهم على الأبواب «328» - وقال أيضا: [من الطويل] فإن تهج آل الزبرقان فإنما ... هجوت الطوال الشمّ من هضب يذبل وقد ينبح الكلب النجوم ودونه ... فراسخ تنضي الطرف للمتأمل أرى الليل يجلوه النهار ولا أرى ... عظام المخازي عن عطيّة تنجلي 329- وقال آخر: [من الطويل] وما يك من خير فلا تستطيعه ... وما يك من شرّ فإنّك صاحبه «330» - وقال يزيد بن المهلب: [من الطويل] لقد سرّني للنفع أنك شافعي ... وقد ساءني للدهر أنك تشفع «331» - وقال زياد الأعجم: [من البسيط] ماذا يقول لهم من كان هاجيهم ... لا يبلغ الناس ما فيهم وإن جهدوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 «332» - وقال الخزرجي: [من الكامل] أيزيد إنك لم تزل في ذلّة ... حتى لففت أباك في الأكفان فاشكر بلاء الموت عندك إنه ... أودى بلؤم الحيّ من شيبان «333» - وقال يحيى بن نوفل: [من الطويل] فواعجبا حتى سعيد بن خالد ... له حاجب بالباب من دون حاجب «334» - وقال نهار بن توسعة: [من البسيط] كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها ... وكلّ باب من الخيرات مفتوح فبدّلت بعده قردا نطوف [1] به ... كأنما وجهه بالخلّ منضوح 335- وقال الأشهب بن رميلة النهشلي: [من الطويل] ألم ينه عني غالبا أنّ غالبا ... من اللؤم أعمى ضلّ كلّ سبيل وإني من القوم الحداد سيوفهم ... وسيفك الا في العلاة كليل العلاة: السندان. «336» - وقال زياد الأعجم: [من المتقارب] قبيّلة خيرها شرّها ... وأصدقها الكاذب الآثم وضيفهم وسط أبياتهم ... وإن لم يكن صائما صائم   [1] م: نطيف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 «337» - وقال أعرابي، وتروى لدعبل: [من البسيط] أضياف عمران في خصب وفي دعة ... وفي عطاء كثير غير ممنوع وضيف عمرو وعمرو يسهران معا ... عمرو لبطنته والضيف للجوع «338» - وقال جميل بن معمر: [من الطويل] أبوك حباب سارق الضيف برده ... وجدّي يا حجّاج فارس شمّرا بنو الصالحين الصالحون ومن يكن ... لآباء صدق يلقهم حيث سيّرا فإن تغضبوا من قسمة الله حظّكم ... فلله إذ لم يرضكم كان أبصرا «339» - وقال زهير بن أبي سلمى وقد أسر الحارث بن ورقاء عبدا له وحبسه عنده: [من الوافر] إذا طمحت نساؤكم إليه ... أشظّ كأنه مسد مغار ولولا عسبه لرددتموه ... وشرّ منيحة أير معار «340» - وقال آخر: [من السريع] بنو عمير مجدهم دارهم ... وكلّ قوم لهم مجد كأنهم فقع بدوّيّة ... ليس لهم قبل ولا بعد «341» - ذم أعرابي رجلا فقال: صغير القدر، قصير الشبر، لئيم النّجر، عظيم الكبر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 342- وذم آخر رجلا فقال: ما الحمام على الاصرار، والدّين على الاقتار، وشدة السقم في الأسفار، بأشدّ من لقاء فلان. 343- وذم الجاحظ رجلا فقال: أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى إكرام [1] ، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر. «344» - وقال أحمد بن المعذل لأخيه عبد الصمد: أنت كالاصبع الزائدة إن تركت شانت وإن قطعت آلمت [2] . «345» - وقال آخر في قوم يصف حلوقهم بالدقة، وإنما يريد بذاك لؤمهم لأنّ السيد عند العرب يكون جهير الصوت: [من الطويل] كأن بني رالان إذ جاء جمعهم ... فراريج ألقي بينهنّ سويق «346» - وأنشد الجاحظ: [من الطويل] حديث بني قرط إذا ما لقيتهم ... كنزو الدّبا في العرفج المتقارب «347» - وقال آخر في خطيب: [من الطويل] مليء ببهر والتفات وسعلة ... ومسحة عثنون وفتل أصابع 348- وأنشد ابن الأعرابي: [من الرجز] فذاك نكس لا يبضّ حجره ... مخرّق العرض جديد ممطره   [1] م: كرم. [2] م: إن قطعت ... وإن تركت ... الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 في ليل كانون شديد خصره ... عضّ بأطراف الزّبانى قمره 349- وقال آخر في أسود: [من السريع] يا مشبها في لونه فعله ... لم تعد ما أوجبت [1] القسمه خلقك من خلقك مستخرج ... والظلم مشتقّ من الظلمه «350» - مدح دعبل أبا نصر ابن حميد الطوسي فقصّر في أمره، فقال يهجوه: [من البسيط] أبا نصير تحلحل عن مجالسنا ... فإن فيك لمن جاراك منتقصا أنت الحمار حرونا ان رفقت به ... فإن قصدت إلى معروفه قمصا إني هززتك لا آلوك مجتهدا ... لو كنت سيفا ولكنّي هززت عصا 351- مرّ ابن الخياط بدار رجل كان يعرفه قبل ذلك بالضعة وخساسة الحال، وقد شيّد ذلك الرجل بابه فطوّح بناءه فقال: [من الطويل] أطله فما طول البناء بنافع ... إذا كان فرع الوالدين قصيرا «352» - محمد بن وهيب الحميري في علي بن هشام، وكان قصده فلم يجد عنده ما أحبّ وتتايه عليه، والأبيات كثيرة نذكر مختارها: [من البسيط] لم تند كفّك من بذل النوال كما ... لم يند سيفك مذ قلّدته بدم كنت امرءا رفعته فتنة فعلا ... أيامها غادرا بالعهد والذمم   [1] م: أشبهت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 حتى اذا انكشفت عنه غياهبها [1] ... ورتّب الناس بالأحساب والقدم مات التخلّق وارتدتك مرتجعا ... طبيعة نذلة الأخلاق والشيم كذاك من كان لا رأس ولا ذنب ... كزّ اليدين حديث العهد بالنعم هيهات لست بحمّال الديات ولا ... معطي الجزيل ولا المرهوب في النقم ولما بلغت هذه الابيات علي بن هشام ندم على ما كان منه وجزع وقال: لعن الله اللجاج فإنه شر ما تخلقه الناس. ثم أقبل على أخيه الخليل بن هشام فقال: الله يعلم إني لأدخل على الخليفة وعليّ السيف وأنا مستحي، أذكر قول ابن وهيب فيّ: لم تند كفّك من بذل النوال كما لم ... يند سيفك مذ قلّدته بدم «353» - قال الفرزدق: لما اطردني زياد أتيت المدينة، وعليها مروان بن الحكم، فبلغه أني خرجت من دار ابن صياد، وهو رجل يزعم أهل المدينة أنه الدجال، فليس يكلّمه أحد ولا يجالسه، ولم أكن عرفت خبره. فأرسل إليّ مروان فقال: أتدري ما مثلك؟ حديث تحدث به العرب: أن ضبعا مرّت بحيّ قوم قد رحلوا، فوجدت مرآة فنظرت إلى وجهها فيها وقالت: من شرّ ما طرحك أهلك. ولكن من شرّ ما طردك أميرك، فلا تقيمنّ بالمدينة بعد ثلاثة أيام. قال: فخرجت أريد اليمن، حتى إذا صرت بأعلى ذي قسيّ، وهو طريق اليمن من البصرة، إذا رجل مقبل فقلت: من اين أوضع الراكب؟ قال: من البصرة. قلت: ما الخبر وراءك؟ قال: أتانا أن زيادا مات بالكوفة. قال:   [1] الأغاني: عمايتها: م: غيابتها؛ ر: غيايتها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 فنزلت [1] عن راحلتي مسرعا وسجدت وقلت: لو رجعت فمدحت عبيد الله بن زياد وهجوت مروان فقلت: [من الطويل] وقفت بأعلى ذي قسيّ مطيتي ... أميّل في مروان وابن زياد فقلت عبيد الله خيرهما أبا ... وأدناهما من رأفة وسداد ومضيت لوجهي حتى أتيت بلاد بني عقيل، فوردت ماء من مياههم، فإذا بيت عظيم، وإذا امرأة سافر لم أر كحسنها وهيئتها قط، فدنوت فقلت: أتأذنين في الظلّ؟ فقالت: انزل فلك الظلّ والقرى. فأنخت وجلست إليها؛ قال: فدعت جارية لها سوداء كالراعية فقالت: ألطفيه شيئا واسعي إلى الراعي فردّي عليه شاة فاذبحيها له، وأخرجت إليّ تمرا وزبدا قال: وحادثتها فما رأيت والله مثلها قط، فما أنشدتها شعرا إلّا أنشدتني أحسن منه، فأعجبني المجلس والحديث، إذ أقبل فتى بين بردتين، فلما رأته رمت ببرقعها على وجهها وجلست، وأقبلت عليه بوجهها وحديثها، ودخلني من ذلك غيظ فقلت للحين: يا فتى هل لك في الصراع؟ فقال: سوأة لك إنّ الرجل لا يصارع ضيفه. قال: فألححت فقالت له: ما عليك لو لاعبت ابن عمك؟ فقمت وقام، فلما رمى بردتيه إذا خلق عجيب، فقلت: هلكت وربّ الكعبة. فقبض عليّ ثم اختلجني إليه فصرت في صدره، ثم احتملني، فو الله ما اتقيت الأرض إلا بظهر كتدي، وجلس على صدري، فما ملكت نفسي أن ضرطت ضرطة منكرة، وثرت إلى جملي، فقال: أنشدك الله، فقالت المرأة: عافاك الله إنه الظلّ والقرى، فقلت: أخزى الله ظلكم وقراكم. فمضيت فبينا أنا أسير إذ لحقني الفتى يجنب نجيبا برحله وزمامه، ورحله من أحسن الرحال، فقال: يا هذا إنه ما سرّني ما كان، وقد أراك أبدعت، أي كلّت ركابك، فخذ هذا النجيب وإياك أن تخدع عنه، فقد والله أعطيت به مائتي دينار قلت: نعم آخذه، فأخبرني من أنت، ومن هذه المرأة   [1] م: ناقتي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 قال: أنا توبة بن الحميّر وتلك ليلى الأخيلية. وقال الفرزدق: والله ما بي أن صرعتني ولكن كأنّي بابن الأتان، يعني جريرا، وقد بلغه خبري هذا فقال فيّ يهجوني: [من الطويل] جلست إلى ليلى لتحظى بقربها ... فخانك دبر لا يزال خؤون فلو كنت ذا حزم شددت وكاءها ... كما سدّ خرقاء الدلاص قيون [1] قال: فو الله ما مضى إلا أيام [2] حتى بلغ جريرا الخبر فقال هذين البيتين. «354» - انصرف [3] الفرزدق من عند بعض الأمراء في غداة باردة، وأمر بجزور فنحرت ثم قسمها وأغفل امرأة من بني فقيم قسمها [4] ، فرجزت به فقالت: [من الرجز] فيشلة هدلاء ذات شقشق ... مشرفة اليافوخ والمحوّق مدمجة ذات حفاف [5] أحلق ... نيطت بحقوي قطم عشنّق أولجتها في سبّة الفرزدق قال أبو عبيدة: فبلغني أنه هرب فدخل في بيت حمّاد بن الهيثم. ثم إن الفرزدق قال فيها بعد ذلك: [من الطويل] قتلت قتيلا لم ير الناس مثله ... أقلّبه كالتومتين مسوّرا   [1] ب م: فنون؛ ر: القلاص. [2] م: أياما. [3] م: وانصرف. [4] ر: نسيها. [5] ب م: خفاف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 حملت إليه [1] طعنتي فطعنته ... فغادرته بين الحشايا مكوّرا ترى جرحه من بعد ما قد طعنته ... يفوح كمثل المسك خالط عنبرا وما هو يوم الزحف بارز قرنه ... ولا هو ولّى يوم لاقى فأدبرا بني دارم ما تأمرون بشاعر ... برود الثنايا ما يزال مزعفرا إذا ما هو استلقى رأيت جهازه ... كمقطع عنق الناب أسود أحمرا وكيف أهاجي شاعرا رمحه استه ... أعدّ ليوم الروع درعا ومجمرا فقالت المرأة: ألا أرى الرجال يذكرون مني هذا. فعاهدت الله ألا تقول شعرا، فسقطت. «355» - قال أبان بن عبد الله النميري يوما لجلسائه، وفيهم أبو نخيلة: والله لوددت أنه قيل فيّ ما قيل في جرير بن عبد الله: [من الرجز] لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله وأني أثيب على ذلك. فقال أبو نخيلة: هلم الثواب، فقد حضرني من ذلك ما تريد، فأمر له بدراهم فقال: اسمع يا طالب ما يخزيه: [من الرجز] لولا أبان هلكت نمير ... نعم الفتى وليس فيها خير 35» - كان عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يهاجي فروة بن خميصة الأسدي؛ قال عمارة: فكنت يوما جالسا مع المأمون فإذا أنا بهاتف يهتف بي من خلفي ويقول: [من البسيط]   [1] ر م: عليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 نجّى عمارة منّا أنّ مدّته ... فيها تراخ وركض السابح النّقل ولو ثقفناه أوهينا جوانحه ... بذابل من رماح الخطّ معتدل فإنّ أعناقكم للسيف مجلبة ... وإن مالكم المرعيّ كالهمل قال: وهذا الشعر لفروة بن خميصة فيّ. قال: فدخلني من ذلك ما قد علمه الله، وما علمت أن شعر فروة وقع إلى ما هناك. ثم خرج عليّ عليّ بن هشام من المجلس وهو يضحك فقلت: أبا الحسن تفعل بي مثل هذا وأنا صديقك؟ فقال: ليس عليك في هذا شيء. قلت: من أين وقع لك؟ فقال: وهل بقي كتاب إلا وهو عندي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أأهجى وأنا في دارك وبحضرتك؟ فضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين أنصفني، فقال: دع هذا وأخبرني بخبر هذا الرجل، وما كان بينك وبينه. فأنشدته قصيدتي فيه، فلما انتهيت إلى قولي: [من الكامل] ما في السويّة أن تكرّ عليهم ... وتكون يوم الرّوع أوّل صادر أعجب المأمون هذا البيت فقال لي: ألهذه القصيدة نقيضة؟ قلت: نعم، قال: فهاتها، فقلت: أوذي سمعي بلساني؟ فقال: على ذلك، فأنشدته إياها، فلما بلغت إلى قوله: وابن المراغة جاحر [1] من خوفنا ... بالوشم منزلة الذليل الصاغر يخشى الرماح بأن تكون طليعة ... أو أن تحلّ به عقوبة قادر قال: أوجعك يا عمارة، قلت: ما أوجعته أكثر. وقيل إن البيت من شعر عمارة كان سبب قتل فروة، ولما أنشده قال: والله لا قتلني إلّا هذا البيت. فلما تكاثرت عليه الخيل يوم قتل قيل له: انج بنفسك قال: كلّا والله، لا حققت قول عمارة، فصبر حتى قتل. وكان أحسن الناس   [1] ب م: حاجز. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 شعرا ووجها وقدا، لو كان امرأة لاشتجرت [1] عليه بنو أسد. وقيل لعمارة: أقتلت فروة؟ فقال: والله ما قتلته، ولكني أقتلته، أي سببت له سببا قتل به. «357» - وكان عمارة يقول: ما هاجيت أحدا قطّ إلا كفيت مؤونته في سنة أو أقل من سنة، إما أن يموت أو يقتل أو أفحمه، حتى هاجاني أبو الرديني العكلي فخنقني بالهجاء، ثم هجا بني نمير فقال: [من الوافر] أتوعدني لتقتلني نمير ... متى قتلت نمير من هجاها فكفانيه بنو نمير وقتلوه، فقتلت به عكل، وهم يومئذ ثلاثمائة رجل، أربعة آلاف رجل من بني نمير، وقتلت لهم شاعرين: رأس الكبش وشاعرا آخر. «358» - وهجا عمارة امرأة ثم أتته في حاجة بعد ذلك فجعل يعتذر إليها فقالت له: خفّض عليك، فلو قتل الهجاء أحدا لقتلك وقتل أباك وجدّك. «359» - أبو الأسد في أحمد بن أبي داود: [من الكامل] أنت امرؤ غثّ الصنيعة رثّها ... لا تحسن النّعمى إلى أمثالي نعماك لا تعدوك إلا في امرىء ... في مسك مثلك من ذوي الأشكال فإذا نظرت إلى صنيعك لم أجد [2] ... أحدا سموت به إلى الافضال فاسلم لغير سلامة ترجى لها ... إلّا لسدّك خلّة الأنذال «360» - وقال دعبل [3] : [من البسيط]   [1] م: تشاجرت. [2] ر: نظرت ... تجد. [3] سقطت هذه الفقرة من ب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 أنت الحمار حرونا إن رفقت به ... وان قصدت إلى معروفه قمصا اني هززتك لا آلوك مجتهدا ... لو كنت سيفا ولكني هززت عصا «361» - دعبل [1] : [من المتقارب] وضعت رجالا فما ضرّهم ... وشرّفت قوما فلم ينبلوا 362- أعرابي: [من الرجز] لا يوقدون النار إلا بسحر ... ويسترون النار من غير حذر ثمّت لا توقد إلّا بالبعر «363» - بعث محمد بن حميد الطائي إلى محمد بن حازم الباهليّ بعد أن كان قد هجاه وشهره بألف درهم وعشرة أثواب، فردّها عليه وكتب إليه: [من الكامل المرفل] ولقد جنحت إلى مسالمتي ... وأنبت [2] عند تفاقم الأمر وحذوت حذو ابن المهلب إذ ... قصد الفرزدق بالنّدى الغمر وبعثت بالأموال ترغبني ... كلّا ورب الشّفع والوتر لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عارا مدى الدهر 364- قال أعرابي لابن عم له: والله ما جفانكم بعظام، ولا أجسامكم   [1] م: وله. [2] ب م: وأتيت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 بوسام، ولا بدت لكم قط نار، ولا طولبتم بثار. «365» - عاب أعرابي قوما فقال: أقلّ الناس ذنوبا إلى أعدائهم، وأكثرهم إجراما إلى أصدقائهم، يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء. «366» - بشر: [من الوافر] فإنكم ومدحكم بجيرا ... أبا لجأ كما امتدح الألاء يراه الناس أخضر من بعيد ... وتمنعه [1] المرارة والاباء «367» - عبد الرحمن بن حسان: [من الطويل] ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم شكرها واصطناعها أبى لك فعل الخير رأي [2] مقصّر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها إذا هي حثّته على الخير مرّة ... عصاها وإن همّت بسوء أطاعها 368- ابن وكيع: [من الطويل] لئن نلت ما أملت منك فسرّني ... لقد ساءني أن صرت ممن يومّل 369- آخر: [من الطويل] شنئتكم حتى كأنكم الغدر ... وعفتكم حتى كأنكم الهجر   [1] ر م: وتمزجه. [2] م: فعل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 وما زلت أرشو الدهر صبرا على التي ... تسوء إلى أن سرّني فيكم الدهر 370- آخر: [من الوافر] ولولا وقفة للبين فيها ... متاع من وداع واعتناق وآمال مسوّفة لقلنا ... كأنك قد خلقت من الفراق [1] «371» - وذم أعرابي رجلا فقال: ليس له أول يحمل عليه، ولا آخر يرجع اليه، ولا عقل يزكو به عاقل لديه. «372» - قال عصام الزماني في يحيى بن أبي حفصة يهجوه: [من الوافر] تنكّر بطن حجر واقشعرّا ... وبدّل بعد حلو العيش مرّا وبدّل بعد سادته الموالي ... كفى حجرا بذاك اليوم شرّا فقال يحيى بن أبي حفصة يردّ عليه: [من الوافر] أإن أبصرت أنجمنا استنارت ... وغال النجم لؤمك فاستسرّا بكيت على الزمان وقلت مرّ ... وما زال الزمان عليك مرّا فما فعلت بنو زمّان خيرا ... وما فعلت بنو زمّان شرا وما خلقت بنو زمّان إلا ... أخيرا بعد خلق الناس طرّا «373» - حدّث أحمد بن عبد الله المعروف بصيني، راوية كلثوم بن عمرو العتابي، وكان سميرا لعبد الله بن طاهر قال: بينا أنا معه ذات ليلة إذ تذاكرنا الأدب   [1] هنا في م ر فقرة: ذم ابن سيابة رجلا فقال: هو والله غث (وهي الفقرة رقم: 462) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 وأهله وشعراء الجاهلية والاسلام، إلى أن صرنا إلى المحدثين، ثم ذكرنا دعبل بن عليّ الشاعر الخزاعيّ فقال لي عبد الله: ويحك يا صيني إني أريد أن أوعز إليك بشيء تستره عليّ حياتي، فقلت: أصلح الله الأمير، وأنا عندك في موضع تهمة؟ قال: لا ولكن أطيب لنفسي أن توثّق بأيمان أركن إليها ويسكن قلبي عندها، فأخبرك، فقلت: أصلح الله الأمير، إذا كنت عنده في هذه الحال فلا حاجة له إلى إفشاء سره إلي، فاستعفيته مرارا فلم يعفني، فاستحييت من مراجعته وقلت: لير الأمير رأيه. قال: يا صيني قل: والله، فأمرّها عليّ غموسا ووكّدها بالبيعة والطلاق، ثم قال لي: ويحك أشعرت أني أظنّ أنّ دعبلا مدخول النّسب، وأمسك، فقلت: أعزّ الله الأمير، أفي هذا أخذت عليّ الأيمان والعهود والمواثيق؟ قال: اي والله لأني رجل لي في نفسي حاجة، ودعبل رجل قد حمل جذعه على عنقه، فهو لا يصيب من يصلبه عليه، وأتخوّف إن بلغه أن يبقي عليّ من الخزي ما يبقى على الدهر، وقصاراي أني إن ظفرت به وأمكنني ذلك منه وأسلمته اليمن، وما أراها تسلمه، لأنه اليوم لسانها وشاعرها والذابّ عن أعراضها والمحامي عنها والمرامي دونها، أن أضربه مائة سوط، وأثقله حديدا، وأصيره في مطبق باب الشام، وليس في ذلك عوض مما سار فيّ من الهجاء وفي عقبي من بعدي؛ قال، قلت: أتراه كان يفعل ويقدم عليك؟ قال: يا عاجز أهون عليه مما لم يكن. أتراه أقدم على سيدي هارون ومولاي المأمون وعلى أبي رحمه الله ولم يكن يقدم عليّ؟! قال، قلت: إذا كان الأمر على ما وصفه الأمير فقد وفّق فيما أخذ عليّ. قال: وكان دعبل لي صديقا. فقلت: هذا قد عرفته، ولكن من أين قال الأمير إنه مدخول النسب؟ فو الله لعلمته في البيت الرفيع من خزاعة، وما أعلم فيها بيتا أكرم من بيته إلا بيت أهبان مكلّم الذئب، وهم بنو عمه دنية، فقال: كان دعبل غلاما خاملا أيام ترعرع لا يؤبه له، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد الأنصاريّ إزار لا يملكان غيره شيئا، فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 البيت، وكذاك يفعل الآخر إذا خرج رفيقه، وكانا إذا اجتمعا لدعوة يتلازقان، يطرح هذا شيئا منه عليه، والآخر مثله، وكانا يعبثان بالشعر إلى أن قال دعبل بن علي هذا الشعر: أين الشباب وأيّة سلكا فثقفه بعض المغنين فغّنى به هارون الرشيد فاستحسنه واستجاد قوله: ضحك المشيب برأسه فبكى فقال للمغني: لمن هذا الشعر ويحك؟ قال: لبعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له. قال هارون: ومن هو؟ قال: دعبل بن عليّ الخزاعي. قال: يا غلام أحضرني عشرة آلاف درهم، وحللا مما ألبسها أنا، ومركبا من مراكبي خاصة يشبه هذا. ودعا صاحبا له وقال: اذهب بهذا حتى توصله إلى دعبل بن علي الخزاعي، وأجاز المغني بجائزة عظيمة، وتقدّم إلى الرجل الذي بعثه إلى دعبل أن يعرض عليه المصير إلى هارون فإن صار وإلا أعفاه. فانطلق الرسول حتى أتى دعبلا في منزله، وخبره كيف كان سبب ذكره، وأشار عليه بالمصير إليه، فانطلق معه، فلما مثل بين يدي هارون قرّبه واستنشده الشعر وأعجب به، فأقام عنده يمتدحه ويجري عليه الرشيد الاجراء السنيّ، فكان الرشيد أول من جرّأه على قول الشعر وبعثه عليه، فو الله ما كان إلا بقدر ما غيّب الرشيد في حفرته إذ أنشأ يمتدح آل عليّ ويهجو الرشيد بقصيدة يقول فيها [1] : [من البسيط] وليس حيّ من الأحياء نعلمه ... من ذي يمان ولا بكر ولا مضر إلا وهم شركاء في دمائهم ... كما تشارك أيسار على جزر قتل وأسر وتحريق ومنهبة ... فعل الغزاة بأرض الروم والخزر   [1] الشعر في ديوان دعبل: 178- 179 وزهر الآداب: 92. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 أرى أمية معذورين إن قتلوا ... ولا أرى لبني العباس من عذر أبناء حرب ومروان وأسرتهم ... بنو معيط ولاة الحقد والوغر قوم قتلتم على الاسلام أوّلهم ... حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر اربع بطوس على القبر الزكيّ بها ... ان كنت تربع من دين على وطر قبران في طوس خير الناس كلّهم ... وقبر شرّهم هذا من العبر ما ينفع الرجس من قرب الزكيّ ولا ... على الزكيّ بقرب الرجس من ضرر هيهات كلّ امرىء رهن بما اكتسبت ... له يداه فخذ ما شئت أو فذر يعني قبر هارون وعلي بن موسى الرضا. فو الله ما كافأه، وكان سبب نعمته بعد الله. فهذه واحدة يا صيني. وأما الثانية فإنه لما استخلف المأمون جعل يطلب دعبلا إلى أن كان من أمر إبراهيم بن شكلة ما كان، وخروجه مع أهل العراق يطلب الخلافة، فأرسل إليه دعبل بشعر يقول فيه [1] : [من الكامل] علم وتحليم وشيب مفارق ... طلّسن ريعان الشباب الرائق وإمارة في دولة ميمونة ... كانت على الّلذات أشغب عائق فالآن لا أغدو ولست برائح ... في كبر معشوق وذلّة عاشق أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسق عن فاسق نعر [2] ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كلّ أطلس مائق إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق قال: فضحك المأمون وقال: قد غفرنا لدعبل كلّ هجاء هجانا به بهذا البيت، وكتب له إلى طاهر أبي أن يطلب دعبلا حيث كان ويعطيه الأمان. قال:   [1] الشعر في الأغاني 20: 139 وديوان دعبل: 115. [2] ر: نفر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 فكتب أبي إليه فتحمل إليه، وكان واثقا بناحيته، وأقرأه كتاب المأمون، وأجازه بالكثير، وحمله إلى المأمون، وثبت المأمون في الخلافة، وأقبل يجمع الآثار في فضائل آل الرسول، قال: فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قول دعبل [1] : [من الطويل] مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات لآل رسول الله بالخيف من منى ... وبالركن والتعريف والجمرات قال: فما زالت تتردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل، فقال له: أنشدني ولا بأس عليك، ولك الأمان من كل شيء فيها، فإني أعرفها وقد رويتها إلا أني أحبّ أن أسمعها من فيك، قال: فأنشده حتى إذا صار إلى هذا الموضع: ألم تر أني مذ ثلاثون حجّة ... أروح وأغدو دائم الحسرات أرى فيئهم في غيرهم متقسّما ... وأيديهم من فيئهم صفرات فآل رسول الله نحف جسومهم ... وآل زياد غلّظ القصرات بنات زياد في الخدور مصونة ... وبيت رسول الله في الفلوات إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم ... أكفّا عن الأوتار منقبضات فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد ... تقطّع قلبي إثرهم حسرات قال: فبكى المأمون حتى جرت دموعه على نحره، وكان أول داخل إليه وآخر خارج من عنده [2] . فو الله إن شعرنا بشيء إلا وقد عتب على المأمون فأرسل إليه بشعر يقول فيه [3] : [من الكامل]   [1] الشعر في ديوان دعبل: 36- 43 وزهر الآداب: 93. [2] إلى هنا ينتهي السياق في الأغاني. [3] ديوان دعبل: 69. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 ويسومني المأمون خطّة عاجز ... أو ما رأى بالأمس راس محمد يوفي على هام الخلائق مثل ما ... توفي الجبال على رؤوس القردد لا تحسبن جهلي كحلم أبي فما ... حلم المشايخ مثل جهل الأمرد إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرّفتك بمقعد شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد قال: فو الله ما كافأه وما كافأ أبي بما أسدى إليه، وذلك أنه لما توفي أبي أنشأ يقول [1] : [من الوافر] وأبقى طاهر فينا خلالا ... عجائب تستخفّ لها الحلوم ثلاثة إخوة لأب وأمّ ... تمايز عن ثلاثتهم أروم فبعضهم يقول قريش قومي ... ويدفعه الموالي والصميم وبعض في خزاعة منتماه ... ولاء غير مجهول قديم وبعضهم يهشّ لآل كسرى ... ويزعم أنه علج لئيم لقد كثرت مناسبهم علينا ... وكلّهم على حال مليم [2] قال: فهذه الثالثة يا صيني. وأما الرابعة فإنه لما استخلف المعتصم دخل إليه دعبل ذات يوم فأنشده فقال: أحسنت والله يا دعبل، فسلني ما أحببت. قال: مائة بدرة قال: نعم، تمهلني مائة سنة وتضمن لي أجلي معها. قال: قد أمهلتك ما شئت؛ وخرج مغضبا فلقي خصيّا للمعتصم قد كان عوّده أن يدخل إليه مدائحه ويجعل له شيئا من الجائزة فقال: ويحك إني كنت عند أمير المؤمنين وأغفلت حاجة لي أن أذكرها له، أفأذكرها في أبيات وتدخلها إليه؟ قال: ولي نصف الجائزة؟ فماكسه ساعة ثم   [1] ديوان دعبل: 148 والأغاني 20: 112. [2] ب: لئيم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 أجابه، فأخذ رقعة وكتب فيها [1] : [مخلع البسيط] بغداد دار الملوك كانت ... حتى دهاها الذي دهاها ما غاب عنها سرور ملك ... أعاره بلدة سواها ما سرّ من را بسّر من را ... بل هي بؤس لمن رآها عجّل ربي لها خرابا ... برغم أنف الذي ابتناها ثم ختم الرقعة ودفعها على الخصيّ فلما نظر فيها المعتصم قال: من صاحب الرقعة؟ قال: دعبل وقد جعل لي نصف الجائزة، فطلب فكأنّ الأرض انطوت عليه. فقال المعتصم: أخرجوا الخصيّ فأجيزوه بألف سوط نصف ما أردنا أن نجيز به دعبلا. ثم لم يلبث أن كتب إليه من قمّ [2] : [من الطويل] ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم يأتنا عن ثامن لهم كتب كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... غداة ثووا فيه وثامنهم كلب وإني لأزهي كلبهم عنك رغبة ... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب وهمّك تركيّ عليه سماجة ... فأنت له أمّ وأنت له أب كأنك إذ ملّكتنا لشقائنا ... عجوز عليها التاج والعقد والإتب فقد ضاع أمر الناس حين يسوسهم ... وصيف وأشناس وقد عظم الخطب وإني لأرجو أن ترى من مغيبها ... مطالع شمس قد يغصّ بها الشّرب وإن ابن مروان سيثلم ثلمة ... تعمّ جميع الناس ليس لها شعب فهذه رابعة [3] . وأما الخامسة فإن أحمد بن أبي دواد كان يعطيه الجزيل من ماله ويقسم له على أهل عمله فقال فيه [4] : [من الوافر]   [1] ديوان دعبل: 160. [2] ديوان دعبل: 19. [3] م: فهذه رابعة ليس لها خامسة. [4] ديوان دعبل: 61- 62. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 أبا عبد الإله أصخ لقولي ... وبعض القول يصحبه السّداد ترى طسما تعود به الليالي ... إلى الدنيا كما عادت إياد قبائل جذّ أصلهم فبادوا ... وأودى ذكرهم زمنا فعادوا وكانوا غرّزوا في الصخر بيضا ... فأمسكه كما غرز الجراد فلما أن سقوا درجوا ودبّوا ... وزادوا حين جادهم العهاد هم بيض الرماد انشقّ عنهم ... وبعض البيض يشبهه الرماد غدا يأتيك إخوتهم جديس ... وجرهم قصّر وتعود عاد فتعجز عنهم الأمصار ضيقا ... وتمتلىء المنازل والبلاد فلم أر مثلهم بادوا فعادوا ... ولم أر مثلهم قلّوا فزادوا توغّل فيهم سفل وخوز ... وأوباش فهم لهم مداد وأنباط السواد قد استحالوا ... بهم عربا [1] فقد خرب السواد فلو شاء الإمام أقام سوقا ... فباعهم كما بيع السماد «374» - وقال [2] في ابن أبي دواد لما تزوج في عجل: [من الوافر] أيا للناس من خبر طريف ... تفرّق ذكره في الخافقين أعجل أنكحوا ابن أبي دواد ... ولم يتأملوا فيه اثنتين أرادوا نقد عاجله فباعوا ... رخيصا عاجلا نقدا بدين بضاعة خاسر بارت عليه ... فباعك بالنّواة التمرتين ولو غلطوا بواحدة لقلنا ... يكون الوهم بين العاقلين   [1] ر م: فهم عرب. [2] م: وله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 ولكن شفع واحدة بأخرى ... يدلّ على فساد المنصبين لحا الله المعاش بفرج أنثى ... ولو زوّجتها من ذي رعين ولما أن أفاد طريف مال ... وأصبح رافلا في الحلّتين تكنى وانتمى لأبي دواد ... وقد كان اسمه ابن الزانيين فردّوه إلى فرج أبيه ... وزرياب فألأم والدين «375» - وقال في أخيه رزين: [من الطويل] مهدت له ودّي صغيرا ونصرتي ... وقاسمته مالي وبوّأته حجري وقد كان يكفيه من العيش كلّه ... رجاء ويأس يرجعان إلى فقر وفيك عيوب ليس يحصى عديدها ... فأصغرها عيبا يجلّ عن الكفر ولو أنني أبديت للناس بعضها ... لأصبحت من بصق الأحبة في بحر فدونك عرضي فاهج حيّا فإن أمت ... فبالله إلّا ما خريت على قبري «376» - وقال في امرأته: [من الكامل] يا ركبتي خزز وساق نعامة ... وزبيل كنّاس وشدق بعير يا من أشبهها بحمّى نافض ... قطاعة للقلب ذات زفير صدغاك قد شمطا ونحرك يابس ... والصدر منك كجؤجؤ الطنبور يا من معانقها يبيت كأنه ... في محبس قمل وفي ساجور قبّلتها فوجدت طعم لثاتها ... فوق اللسان كلسعة الزنبور 377- قال رجل لأخيه من أبويه [1] : والله لأهجونّك هجاء يدخل معك   [1] ر م: لأبويه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 قبرك. قال: كيف تهجوني وأبي أبوك وأمي أمك؟ فقال: [من الطويل] غلام أتاه اللؤم من شطر نفسه ... ولم يأته من شطر أمّ ولا أب فقال: قتلتني قتلك الله. «378» - ومثله للمغيرة بن حبناء يهجو أخاه صخرا: [من الوافر] أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... تباينت الطبائع والظروف وأمّك حين تنسب أمّ صدق ... ولكنّ ابنها طبع سخيف «379» - وقال أبو تمام: [من الوافر] سمعت بكلّ داهية نآد ... ولم أسمع بسراج أديب أما لو أنّ جهلك كان علما ... إذن لنفذت في علم الغيوب وما لك بالغريب يد ولكن ... تعاطيك الغريب من الغريب «380» - وقال أيضا: [من الرجز] وملك في كبره ونبله ... وسوقة في قوله وفعله بذلت مدحي فيه باغي بذله ... فجذّ حبل أملي من أصله من بعد ما استعبدني بمطله ... ثم اغتدى معتذرا بجهله يعجب من تعجّبي من بخله ... يلحظني في جدّه وهزله لحظ الأسير حلقات كبله ... حتى كأني جئته بعزله يا واحدا منفردا بعدله ... ألبسته الغنى فلا تملّه ما أقبح الجفن بغير نصله ... والشعر ما لم يك عند أهله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 381- وكان أبو تمام والبحتري معا، مع تقدمهما في الشعر وضروبه، ناقصي الحظّ من الهجاء، ولا طائل لهما فيه. إلا أنّ ابن الرومي كان فيه غاية بل آية، زاد على من تقدّمه بالتصرّف في فنونه، والغوص على دقيق معان استنبطها لم يسبق إليها، ونهج السبيل لمن تبعه. وأنا جامع ها هنا جملة من أهاجيه متتابعة. «382» - فمن ذلك قوله: [من السريع] صبرا أبا الصقر فكم طائر ... خرّ صريعا بعد تحليق زوّجت نعمى لم تكن كفؤها ... فصانها الله بتطليق لا قدّست نعمى تسربلتها ... كم حجّة فيها لزنديق وروي أنه اقتدح زناد هذا المعنى من رجل اجتاز به وهو يقول: لو كان هاهنا عدل في العطية، وقسم بالسوية، ما ملك أبو الصقر ما يملك. «383» - وقال أيضا: [من البسيط] وما تكلمت إلا قلت فاحشة ... كأنّ فكّيك للأعراض مقراض مهما نطقت فنبل منك مرسلة ... وفوك قوسك والأعراض أغراض إن متّ عاش من الأعراض ميّتها ... وإن حييت فما للناس أعراض «384» - وقال أيضا: [من الخفيف] نحن جمّ وأنت أقرن والل ... هـ حسيب القرناء للجمّاء 10 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 لو علمت الخفيّ من كلّ علم ... جامعا بينه وبين البغاء أعجب الناس ما وعيت وقالوا ... عسل طيّب خبيث الوعاء «385» - وقال: [من البسيط] إن كنت من جهل حقّي غير معتذر ... وكنت من ردّ مدحي غير متّئب فأعطني ثمن الطرس الذي كتبت ... فيه القصيدة أو كفارة الكذب «386» - وقال: [من البسيط] رأيتكم تستعدّون السلاح ولا ... تقاتلون ولا يحمى لكم سلب كالنخل يشرع شوكا لا يذود به ... عن حمله كفّ جان فهو منتهب «387» - وقال من أبيات: [من البسيط] هل سبّة يا أبا العباس نعلمها ... إلّا وأنت بها في الناس مسبوب سمّيت أحمد مظلوما ولست به ... كلّا ولكن من الأسماء مقلوب «388» - وقال: [من المنسرح] عجبت من معشر بعقوتنا ... باتوا [1] نبيطا فأصبحوا عربا مثل أبي الصقر إن فيه وفي ... دعواه شيبان آية عجبا بيناه علجا على جبلّته ... إذ مسّه الكيمياء فانقلبا 389- وقال: [من السريع]   [1] م: كانوا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 يسترق السمع على قرنه الش ... شيطان في جوّ السموات «390» - وقال: [من المتقارب] إذا ما مدحت أبا صالح ... فأعدد له الشتم قبل المديح فإني ضمينك عن لؤمه ... ببخل عتيد وفعل [1] قبيح وأنّى يجود ولا عرقه ... كريم ولا وجهه بالصّبيح «391» - وقال: [من الوافر] رددت عليّ مدحي بعد مطل ... وقد دنّست ملبسه الجديدا وقلت امدح به من شئت غيري ... ومن ذا يقبل المدح الرديدا ولا سيما وقد أعبقت فيه ... مخازيك اللواتي لن تبيدا وما للحيّ في أكفان ميت ... لبوس بعد ما ملئت صديدا «392» - وقال: [من المنسرح] أصبح ذا والد وذا ولد ... من بعد ما كان بيضة البلد لما ادّعى والدا فجاز له ... تطلّعت نفسه إلى ولد «393» - وقال: [من الكامل] أثني عليك بمثل ريحك ميّتا ... وقد انصدعت وأنت منبوش الصدا   [1] الديوان: وردّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 ولما صداك يسيل منه صديده ... يوما بأنتن منك حيّا يجتدى أسلمت نفسك للهجاء ولو غدا ... أو راح يملك فدية منك افتدى 394- وقال: [من البسيط] أشرجت قلبك من بغضي على حنق ... أضرّ من حرقات الحبّ في الجسد عرّضت نفسك حتى صرت لي غرضا ... قد يقدم العير من ذعر على الأسد «395» - وقال أيضا: [من المتقارب] فقدتك يا ابن أبي طاهر ... وأطعمت ثكلك قبل العشاء فلا برد شعرك برد الشراب ... ولا حرّ شعرك حرّ الصّلاة تذبذب فنّك بين الفنون ... فلا للطبيخ ولا للشّواء «396» - وقال أيضا: [من الرمل] ولعمري إن تأملناهم ... ما علوا لكن طفوا مثل الجيف جيف تطفو على بحر الغنى ... حين لا تطفو خبيئات الصّدف «397» - وقال أيضا: [من البسيط] يا من يقلّب طومارا ويلثمه ... ماذا بقلبك من حبّ الطوامير فيه مشابه من شيء تسرّ به ... طولا بطول وتدويرا بتدوير «398» - وقال أيضا: [من الوافر] ترى العمل الجسيم إذا تولّى ... سياسته كعبد يستبيع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 فإن هو بيع من أمم عليه ... وإلّا فالإباق له شفيع «399» - وقال في مغنّ: [من الخفيف] وتغنّي كأنّ صوتك في أن ... فك صوت الزنبور في جوف كوز «400» - وقال يهجو أبا سليمان الطنبوري: [من المنسرح] كأنني طول ما أشاهده ... أشرب كأسي ممزوجة بدم إذا الندامى دعوه آونة ... تنادموا كأسهم على ندم «401» - وله يهجو قينة: [من السريع] خضراء كالعقرب في صفرة ... نمشاء كالحيّة في رقطه في الصوت منها أبدا بحّة ... توهمني أنّ بها خبطه قميئة الخلق على أنها ... أعتق في الدنيا من الحنطه إذا رأت فيشلة ضخمة ... خرّت لها قائلة حطّه «402» - وقال أيضا: [من الوافر] فقدتك يا كنيزة كلّ فقد ... وذقت الموت أول من يموت فقد أوتيت رحب فم وفرج ... كأنك من كلا طرفيك حوت سأقترح السكوت عليك جهدي [1] ... فأحسن ما تغنّين السكوت   [1] الديوان: دهري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 «403» - وقال أيضا: [من الخفيف] ريحها وهي حيّة ريح ميت ... بات في القبر ثم أبداه نبش وتراها تستكتم الطيب والمر ... تك أسرار نتنها وهي تفشو وجهها الأغبر المجدّر يحكي ... جعس أمس أصاب أعلاه طشّ جدريّ ما شانها وهو شين ... كلّ إثر في ذلك الوجه نقش كلّ شيء محا حلاها فزين ... كلّ شيء وارى التراب ففرش تتناغى وعودها بنهيق ... كنهيق الحمار ناغاه جحش قلت مستهزئا بها إذ تبدّت ... أنت بلقيس لو أحاطك عرش لا يعدّ الرّشا لها نائكوها ... هي أولى بأن تناك وترشو «404» - وقال أيضا: [من السريع] للكحل والغمرة في وجهها ... والجلجلونات شهادات زور أعضاؤها تدعو إلى قطعها ... كأنها مخلوقة من بظور «405» - وقال أيضا: [من المنسرح] لقّبها معشر مغنّية ... كعقرب الحشّ لقّبت تمره تجذر فلسا على الغناء ولا ... تسكت إلّا وجذرها بدره تنقّط المحسنات في غرر ال ... أوجه طرّا وأنت في النقره «406» - وقال: [من الخفيف] إن تطل لحية عليك وتعرض ... فالمخالي معروفة للحمير علّق الله في عذارك مخلا ... ة ولكنّها بغير شعير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 أيما كوسج يراها فيلقى ... ربّه بعدها صحيح الضمير لو رأى مثلها النبيّ لأجرى ... في لحى الناس سنّة التقصير «407» - وقال من أبيات: [من الكامل] لو جاء يحكي لون كلّ أب له ... لرأيت جلدته كيمنة عبقر خذها إليك مشيحة سيّارة ... تلقاك من باد ومن متحضّر تغدو عليك بحاصب وبتارب ... وعلى الرواة بلؤلؤ متخيّر كالنار تحرق من تعرّض لفحها ... وتكون مرتفق امرىء متنوّر «408» - وقال: [من الطويل] إذا ما جزى الأقوام خيرا فبئس ما ... جزيتم به أسلافكم آل طاهر جنوا لكم أن تمدحوا وجنيتم ... بأفعالكم أن تشتموا في المقابر «409» - وقال: [من الخفيف] كان للكركدنّ قرن فأضحى ... قرنه عند قرنك اليوم مدرى من يكن تاجه كتاجك هذا ... فليكن بابه كإيوان كسرى «410» - وقال: [من البسيط] يا من إذا ما رأته عين والده ... بين الرجال اتقاهم بالمعاذير أقسمت بالله أن لو كنت لي ولدا ... لما جعلتك إلّا في المطامير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 «411» - وقال: [من الطويل] عشقنا قفا عمرو وإن كان وجهه ... يذكّرنا قبح الخيانة والغدر فتى وجهه كالهجر لا وصل بعده ... وأما قفاه فهو وصل بلا هجر «412» - وقال: [من الوافر] أتيتك مادحا فهجوت شعري ... وكانت هفوة مني وغلطه لقد أذكرتني مثلا قديما ... جزاء مقبّل الوجعاء ضرطه «413» - وقال: [من الوافر] وإنّ سكوتها عندي لبشرى ... وإنّ غناءها عندي لمنعى فقرّطها بعقرب شهرزور ... إذا غنّت وطوّقها بأفعى «414» - وقال: [من الكامل] قاسيت منه ليلة مذكورة ... لولا دفاع الله لم تتكشّف وكأنّ ليلته عليّ لطولها ... باتت تمخّض عن صباح الموقف «415» - وقال: [من البسيط] يا أحمد بن سعيد لا تمت جزعا ... فالحبّ طعمان ممرور ومعسول نبّئت أنّ محبّا بات كعثبها ... زيدا وزيد بحكم النحو مفعول غنّت نهارا وباتت وهي زامرة ... حتى الصباح وللأحوال تحويل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 يا أحمد بن سعيد لو بصرت بها ... وصدعها [1] لأيور القوم منديل غدا عليها بنو اللذّات فابتذلوا ... من سول نفسك ما صان السراويل هوّن عليك فإنّ الأمر وافقها ... وكان منها اعتناق فيه تقبيل إحدى المصائب فاصبر يا ابن أمّ لها ... وهل على حدثان الدهر تعويل تساكرت كي يقول القائلون لها ... لا يسلب المرء إلّا وهو مقتول واعلم جزيت أبا العباس عارفة [2] ... أنّ المحبّ له تاج وإكليل صبرا جميلا فإنّ الصبّ مصطبر ... على القرون وإن أودى بها الطول ولا تكلّف فتى أودى بعذرتها ... عقلا فإنّ دم الأستاه مطلول ولا تغاضب لتسفيل القريض بها ... فكلّ ما لقيت بالأمس تسفيل لا تمتعض للتي قالت [3] قوابلها ... قد التقت دجلة العوراء والنيل «416» - وقال: [من الخفيف] قال لما اشترى غلاما كفاه ... كثرة الغرم واكتراء الرجال صنت مالي عن الفساد بمالي ... حان لي أن أصون مالي بمالي كان يستدخل الأيور حراما ... فاستعفّ الفتى بأير حلال «417» - وقال: [من الخفيف] ذات فرج هو استها طائريّ [4] ... شائع الذرع ليس بالمقسوم   [1] الديوان: وذيلها. [2] الديوان: نافلة. [3] الديوان: صاحت. [4] م: طيري؛ ر: طبري. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 ينظم الأكمه القلائد فيه ... ويرى الذرّ في الظلام البهيم يسع السبعة الأقاليم طرّا ... وهو في إصبعين من إقليم كضمير الفؤاد يلتهم الدن ... يا وتحويه دفتا حيزوم وهي قصيدة طويلة أكثرها مختار، وفيها مبالغات تحرجت من إيرادها. «418» - وقال: [من البسيط] أضحى وزيرا أبو يعلى وحقّ له ... بعد المحاجم والمشراط والجلم قد قال قوم وغاظتهم كتابته ... يا ربّ ليتك ما علّمت بالقلم «419» - وقال: [من الطويل] تبحثت عن أخباره فكأنما ... نبشت صداه بعد ثالثة الدفن «420» - وقال ولم أجدها في مجموع شعره: [من المنسرح] قبلك والدّبر مذ بذلتهما ... تكفّلا أن تعيش في رغد وسّعت هذا فعشت في سعة ... وقام هذا فقام بالأود «421» - وقال ابن بسام [1] : [من الخفيف] قلت لما رأيته في قصور ... مشرفات ونعمة لا تعاب ربّ ما أبين التفاوت فيه ... منزل عامر وعقل خراب «422» - وقال ابن لنكك البصري يهجو أبا رياش اليمامي وقد ولي عملا:   [1] م: البسام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 [من الكامل] قل للوضيع أبي رياش لا تبل ... ته كلّ تيهك بالولاية والعمل ما ازددت حين وليت إلا خسّة ... كالكلب أنجس ما يكون إذا اغتسل 423- وقال آخر: [من الطويل] وليتم فما أوليتم الناس طائلا ... ولا حزتم شكرا ولا صنتم حرّا فإن تفقدوا لا يؤلم الناس فقدكم ... وإن تذكروا لا يحسنوا لكم ذكرا 424- وقال محمد بن عبد الله الأصفهاني المنشىء: [من المنسرح] قل للخصيبيّ قول من صدقه ... لا تفرحن بالوزارة الخلقه إن كنت قد نلتها مفاجأة ... فهي على الكلب بعدها صدقه 425- ولآخر فيه: [من المتقارب] ليهن الخصيبيّ أنّ الوزار ... ة بعد الخصيبيّ لا تعترض ولو قيل للكلب من بعده ... بأن ستليها أبى وامتعض 426- وقال آخر [1] : [من الطويل] أبا دلف يا أكذب الناس كلّهم ... سواي فإني في مديحك أكذب 427- وقال آخر: [من الكامل] إني امتدحتك كاذبا فأثبتني ... لما امتدحتك ما يثاب الكاذب 428- وقال الجهرمي: [من المتقارب] مشى بغلامين عبد السلام ... يقيمان ما مال من جانبيه وهل ينكرون لذي نعمة ... غلام له وغلام عليه   [1] هذه الفقرة لم ترد في م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 «429» - وقال كشاجم: [من الرمل المجزوء] ومغنّ بارد النغ ... مة مختلّ اليدين ما رآه أحد في ... دار قوم مرتين «430» - وقال في خادم يسمى كافورا: [من المتقارب] حكيت سميّك في برده ... وأخطأك اللون والرائحه «431» - ابن لنكك في الرملي الشاعر: [من الرجز] إنّ الرميليّ بعيد خاطره ... يشعر ما دامت له دفاتره فالشعراء كلّهم خواطره «432» - وقال مخلد الموصلي: [من الوافر] أراكم تنظرون إليّ شزرا ... كما نظرت إلى الشّيب الملاح تحدّون الحداق إليّ مقتا ... كأني في عيونكم السماح 433- قال أبو العتاهية لابنه: يا بنيّ إنك لا تصلح لمشاهدة الملوك، قال: لم يا أبه؟ قال: لأنّك حارّ النسيم، بارد المشاهدة، ثقيل الظلّ. 434- وقال آخر: أنت والله ثقيل الظلّ، مظلم الهواء، جامد النسيم. «435» - أبو نواس: [من الطويل] إذا ما تنادوا للرحيل سعى بهم ... أمامهم الحوليّ من ولد الذرّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 43» - زياد الأعجم: [من البسيط] إني لأكرم نفسي أن أكلّفها ... هجاء جرم وما يهجوهم أحد ماذا يقول لهم من كان هاجيهم ... ما يبلغ الناس ما فيهم ولو جهدوا «437» - وله: [من البسيط] لو أنّ بكرا براه الله راحلة ... لكان يشكر منها موضع الذنب ليسوا إليه ولكن يعلقون به ... كما تعلّق راقي النخل بالكرب 438- آخر: [من البسيط] لو سابق الذرّ مشدودا قوائمه ... يوم الرهان لكان الذرّ يسبقه 439- آخر: [من الخفيف] قد ذممنا العبيد حتّى إذا نح ... ن بلونا المولى حمدنا العبيدا «440» - المساور بن هند: [من الكامل] شقيت بنو أسد بشعر مساور ... إنّ الشقيّ بكلّ حبل يخنق «441» - وصف رجل قوما بالعيّ فقال: منهم من ينقطع كلامه قبل أن يصل إلى لسانه، ومنهم من لا يبلغ كلامه أذن جليسه، ومنهم من يقتسر الآذان فيحمّلها إلى الأذهان شرّا طويلا. 442- ذكر رجل امرأته فقال: مجفرة منكرة، منتفخة الوريد، كلامها وعيد، وبصرها حديد، وخيرها بعيد، وشرّها شديد، سفعاء فوهاء، قليلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 الإرعاء، كثيرة البكاء، سريعة الوثبة، حديدة الركبة، سمعمع سلفع، لا تروى ولا تشبع، مئناث كأنها بغاث، لا فوها بارد، ولا بطنها والد، ولا شعرها وارد، ولا عيبها واحد، ولا أنا إن ماتت عليها واجد. فقيل لها ما تقولين؟ أما تسمعين؟ فقالت لعنه الله مذكورا قضمة خضمة، ضيّق الصدر، قليل الصبر، لئيم النجر، كثير الفخر، عظيم الكبر. «443» - أعرابي: [من الرجز] ومجلس ليس بشاف للقرم ... ولا بمعروف بأخلاق الكرم ليس بمنسوب إلى الفرع الأشم ... جالسته من عوز ومن عدم فازددت منه سقما على سقم «444» - ابن المعتز: [من المتقارب] بأنتن من هدهد ميّت ... أصيب فكفّن في جورب «445» - آخر: [من المنسرح] يزداد لؤما على المديح كما ... يزداد نتن الكلاب في المطر 446- أبو الفرج الأصفهاني: [من البسيط] كأنه التيس قد أودى به هرم ... فلا للحم ولا عسب ولا ثمن «447» - أبو علي ابن عبدوس الرازي: [من البسيط] هم الكشوث فلا أصل ولا ورق ... ولا نسيم ولا ظلّ ولا زهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 448- سئل ابن عباس عن رجل فقال: هو فصل لا حرّ ولا برد، وهو عوسجة لا ظلّ ولا ثمر. 449- وقال آخر: هو كالسّمرة التي قلّ ورقها وكثر شوكها، وصعب مرتقاها، لا كالكرمة التي حسن ورقها، وطاب ثمرها، وسهل مجتناها. لا يؤمن خباله، ولا يرجى نواله، حديث غثّ، وسلاحه رث، عيال في الجدب، عدوّ في الخصب، قليل الخير، جمّ الضير. «450» - شاعر: [من المنسرح] ليس له ما خلا اسمه نسب ... كأنه آدم أبو البشر 451- آخر: [من السريع] يقول سهل والدي صاعد ... فقل لسهل من أبو صاعد للناس آباء وما ينتهي ... سهل إلى أكثر من واحد «452» - ابن أبي عيينة في أخوين: [من الكامل] داود محمود وأنت مذمّم ... عجبا لذاك وأنتما من عود فلربّ عود قد يشق لمسجد ... نصف وسائره لحشّ يهود «453» - وقال الرضي: [من البسيط] وغافلين عن العلياء قائدهم ... في كلّ غيّ فتيّ العقل مكتهل سنّوا الخضاب حذارا أن نطالبهم ... بحكمة الشيب أو يقصيهم الغزل عارين إلّا من الفحشاء يسترهم ... ثوب الخمول وتنبو عنهم الحلل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 قوم بأسماعهم عن منطقي صمم ... وفي لواحظهم عن منظري قبل 454- وقال أيضا: [من الرمل] كسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان وما يدعى لأب 455- وقال: [من الطويل] يقدم أعجاز النساء رجالكم ... إذا قدّمت قومي صدور الذوابل «456» - وقال: [من الوافر] يلوم وقد ألام وشرّ شيء ... إذا لاقاك لوم من مليم 457- وقال أبو قيس التميمي، وهو نهروانيّ الأصل والمولد: [من الوافر] نزلت على أبي عمرو فحيّا ... وهيّأ عنده فرش المقيل وقال عليّ بالطباخ حتى ... يزيد من البوارد والبقول فغدّاني برائحة الأماني ... وعشّاني بميعاد جميل «458» - وقال أبو القاسم الضرير ويروى لدعبل: [من البسيط] لا تحمدن حسنا في الجود إن مطرت ... كفّاه جزلا ولا تذممه إن رزما فليس يبخل إشفاقا على جدة ... ولا يجود لفضل الجود مغتنما لكنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما 459- وقال آخر: [من الوافر] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 وشرّك حاضر في كلّ يوم ... وخيرك رمية من غير رام «460» - وقال أبو الفرج ابن هندو في مجد الدولة أبي طالب بن بويه: [من الطويل] لنا ملك ما فيه للملك آلة ... سوى أنه يوم السلام يتوّج أقيم لإصلاح الورى وهو فاسد ... وكيف استواء الظلّ والعود أعوج «461» - كتب أبو العيناء إلى عيسى بن فرخانشاه: أنا أحمد الله تعالى على ما تأدّت إليه أحوالك، ولئن كانت أخطأت فيك النعمة، لقد أصابت فيك النقمة، ولئن أبدت الأيام مقابحها بالإقبال عليك لقد أظهرت محاسنها بالانصراف عنك. «462» - كتب رجل إلى ابن سيابة يسأله عن رجل فكتب في الجواب: هو والله غثّ في دينه، قذر في دنياه، رثّ في مروءته، سمج في هيئته، منقطع إلى نفسه، راض عن عقله، بخيل بما وسع الله تعالى عليه من رزقه، كتوم لما آتاه الله من فضله، حلّاف مهين لجوج، لا ينصف إلّا صاغرا، ولا يعدل إلّا راغما، ولا يرفع نفسه عن منزلة إلّا ذلّ بعد تعززّه فيها. 463- ذمّ أعرابيّ رجلا فقال: أنت والله ممن إذا سأل ألحف، وإذا سئل سوّف، وإذا حدّث حلف، وإذا وعد أخلف، تنظر نظر حسود، وتعرض إعراض حقود. 464- تذامّ قوم من العرب فقال أحدهم للآخر: هو والله خبيث الزاد، لاصق الزناد، قصير العماد، تبّاع للأزواد. وقال الآخر: هو والله منّاع للموجود، سآل عن المفقود، بكّاء على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 المعهود، فناؤه واسع، وضيفه جائع، وشرّه شائع، وسرّه ذائع. وقال الآخر: هو زريّ المنظر، سيّء المخبر، لئيم المكسر، يهلع إذا أعسر، ويبخل إذا أيسر، ويكذب إذا أخبر؛ إن عاهد غدر، وإن اؤتمن ختر، وإن قال أهجر، وإن وعد أخلف، وإن سأل ألحف. يرى البخل حزما، والسفاه حتما، والمرزئة كلما. «465» - ذكر أعرابيّ رجلا بقلّة الحياء فقال: لو رضّ بوجهه الحجارة لرضّها، ولو خلا بالكعبة لسرقها. «466» - شاعر: [من الوافر] شربت مدامة وسقيت خلّا ... لقد جاوزت في الفعل اللئاما نبيذا كان للممقور دهرا ... تفتّت منه أكباد الندامى فشبهناه وجهك [1] فهو وجه ... عبوس قمطرير لن يراما «467» - قال الحجاج لجرير والفرزدق: إيتياني في لباس آبائكما في الجاهلية، فلبس الفرزدق الديباج والخزّ، وقعد في قبّة. وشاور جرير دهاة بني يربوع فقالوا: ما لباس آبائنا إلا الحديد، فلبس جرير درعا، وتقلّد سيفا، وأخذ رمحا، وركب فرسا لعبّاد بن الحصين، وأقبل في أربعين فارسا من بني يربوع. وجاء الفرزدق في هيأته. فقال جرير: [من الطويل] لبست سلاحي والفرزدق لعبة ... عليه وشاحا كرّج وجلاجله   [1] التشبيهات: أشبهه بوجهك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 أعدّوا مع الحلي الملاب فإنّما ... جرير لكم بعل وأنتم حلائله فقال الفرزدق: [من الطويل] عجبت لراعي الضأن في حطميّة ... وفي الدرع عبد قد أصيبت مقاتله وما ألبسوه الدرع حتى تزيّلت ... من الخزي دون الجلد منه مفاصله «468» - عليّ بن الجهم في أبي أحمد بن الرشيد: [من الرمل المجزوء] يا أبا أحمد لا ين ... جي من الشعر الفرار لبني العباس أحلا ... م عظام ووقار ولهم في الحرب إقدا ... م ورأي واصطبار ولهم ألسنة تب ... ري كما تبري الشفار ووجوه كنجوم ال ... ليل تهدي من يحار ونسيم كنسيم الر ... روض جادته القطار ولعطفيك عن المج ... د شماس وازورار إن تكن منهم بلا شك ... ك فللعود قتار «469» - المساور بن هند العبسي: [من البسيط] ما سرّني أنّ أمّي من بني أسد ... وأنّ ربّي ينجيني من النار وأنهم زوجوني من بناتهم ... وأنّ لي كلّ يوم ألف دينار 470- نعمة بن عتاب التغلبي: [من الوافر] سموت ولم تكن أهلا لتسمو ... ولكن دهرنا دهر انقلاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 471- فضالة بن عبد الله الغنوي: [من الطويل] لئن أنت قد أعطيت خزّا تجرّه ... تبدّلته من فروة وإهاب فلا تيأسن أن تملك الناس إنني ... أرى أمة قد آذنت بذهاب 472- معن بن زائدة: [من الكامل] لا تيأسنّ من الخلافة بعدما ... خفق اللواء على ذؤابة حزقل «473» - محمد بن بشير الخارجي: [من الطويل] أبى لك كسب الخير رأي مقصّر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها إذا هي حثّته على الخير مرّة ... عصاها وإن همّت بشرّ أطاعها ونثبت ها هنا مقطعات في ذمّ القصار. «474» - فمن ذلك قول أبي عثمان الناجم: [من السريع] إنّ ابن عمّار له قامة ... يطولها منقار فرّوج ندّ إلينا دون أصحابه ... من ردم يأجوج ومأجوج «475» - وله: [من السريع] كأنه البرغوث لم يخطه ... في صغر الجثمان والقرص «476» - وقال المصّيصى: [من السريع] تقطع دوّاجا له سابغا ... وريقة من ورق التّوث إني أراه في حشا أمّه ... صوّر من نطفة برغوث الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 «477» - وقال أبو نواس: [من المنسرح] بدت لنا في ثياب لعبتها ... تجرّ أثوابها لقلّتها «478» - وقال ابن الرومي: [من السريع] قميئة الخلقة دحداحة ... تطرحها القلّة في المنسى نكهتها تقتل جلّاسها ... لقرب محشاها من المفسى «479» - وقال: [من السريع] قصيرة القامة دحداحة ... قامتها قامة فقّاعه تضلّ في السربال من قلّة ... كصعوة في جوف قفّاعه «480» - وقال الناجم: [من الخفيف المجزوء] وقصير لا تعمل الش ... شمس ظلّا لقامته يعثر الناس في الطري ... ق به من دمامته «481» - وقال آخر: [من الطويل] أظنّ خليلي من تقارب شخصه ... يعضّ القراد باسته وهو قائم «482» - وقال آخر: [من الطويل] وأقسم لو خرّت من استك بيضة ... لما انكسرت لقرب بعضك من بعض ومما قيل في ذمّ النساء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 «483» - قول الشاعر: [من الطويل] أتوني بها قبل المحاق بليلة ... فكان محاقا كلّه ذلك الشهر أما لك عمر إنما أنت حيّة ... إذا هي لم تقتل تعش آخر الدهر ثلاثين حولا لا أرى منك راحة ... لهنّك في الدنيا لباقية العمر شربت دما إن لم أرعك بضرّة ... بعيدة مهوى القرط طيّبة النشر 48» - وقال آخر: [من الكامل المجزوء] رحلت أنيسة بالطلاق ... وعتقت من رقّ الوثاق بانت فلم يألم لها ... قلبي ولم تبك المآقي ودواء ما لا تشتهي ... هـ النفس تعجيل الفراق لو لم أرح بفراقها ... لأرحت نفسي بالإباق وخصيت نفسي لا أري ... د حليلة حتى التلاقي «485» - وقال آخر: [من الطويل] لا تنكحنّ الدهر ما عشت أيما ... مجرّبة قد ملّ منها وملّت تجود برجليها وتمنع درّها ... وإن طلبت منها المودة هرّت «486» - وقال المتوكل الليثي: [من الطويل] ولا تنكحنّ الدهر إن كنت ناكحا ... عشوزنة لم يبق إلّا هريرها تجود برجليها وتمنع مالها ... وإن غضبت راع الأسود زئيرها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 إذا فرغت من أهل دار تبيرهم ... سمت سموة أخرى لدار تبيرها «487» - وقال أعرابيّ: [من الرجز] يا ربّ صبرني على أمّ اللهم ... على جزور ذات سلح للّقم وهي إذا قلت كلي قالت نعم ... كأنما تقذف في بحر خضمّ سريعة السّرط لحوس للبرم ... قد هرّمتني قبل أيام الهرم من عالها فهو حريّ بالعدم «488» - وقال الرحّال: [من الطويل] فلا بارك الرحمن في عود أهلها ... عشيّة زفّوها ولا فيك من بكر ولا فرش ظوهرن من كلّ جانب ... كأني ألوّى فوقهنّ على الجمر ولا الزعفران حين مسّحنها به ... ولا الحلي منها حين نيط إلى النحر فيا ليت أنّ الذئب كان مكانها ... وإن كان ذا ناب حديد وذا ظفر «489» - وقال آخر: [من السريع] جارية في جلدها سهكة ... كأنها ملبسة جلد حوت تحسبها للضعف من صوتها ... ذبابة في قبضة العنكبوت «490» - وقال ابن المعتز يهجو زامرة: [من المنسرح] قابلكم دهركم بزامرة ... تقدح في وجه كلّ سرّاء فزبطروا شدقها إذا نفخت ... فذاك أولى بها من النّاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 «491» - وقال دعبل: [من السريع] إنّ ابن زبّان له قينة ... أربت على الشيطان في القبح سوداء فوهاء لها شعرة ... كأنها نمل على مسح فلو بدت حاسرة في الضحى ... لاسودّ منها فلق الصبح «492» - وقال أيضا: [من البسيط] لا بارك الله في ليل يقرّبني ... إلى مضاجعة كالدلك بالمسد لقد لمست معرّاها فما وقعت ... مما لمست يدي إلّا على وتد في كلّ عضو لها عظم تصكّ به ... جسم الضجيع فيضحي واهي الجسد «493» - وقال أيضا: [من الكامل] صدغاك قد شمطا ونحرك يابس ... والصدر منك كجؤجؤ الطنبور يا من معانقها يبيت كأنه ... في محبس قمل وفي ساجور قبّلتها فوجدت لذعة ريقها ... فوق اللسان كلدغة الزنبور «494» - وقال آخر: [من البسيط] الاست رسحاء مشلول مناكبها ... كأن معلف شاة في تراقيها والثدي منها على الفخذين منسدل ... كأنه قربة قد سال ما فيها «495» - وقال آخر: [من البسيط] أعوذ بالله من زلّاء فاحشة ... كأنما نيط ثوباها على عود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت ... وفي الذنابى وفي العرقوب تحديد وفي ضد ذلك: «496» - قول امرأة تزوجت بشيخ قصير: [من الطويل] أيا عجبا للخود يجري وشاحها ... تزفّ إلى شيخ من القوم تنبال دعاها إليه أنه ذو قرابة ... فويل الغواني من بني العمّ والخال 497- ولأخرى: [من الطويل] ومن صولة الأيام والدهر أن يرى ... غزال النّقا في ذمّة الظّربان «498» - وقالت حميدة بنت النعمان بن بشير: [من الطويل] وهل أنا إلّا مهرة عربية ... سليلة أفراس تحلّلها بغل فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى ... وإن يك إقراف فما أنجب الفحل كذا يرويه من تجنّب الاقواء، والرواية في قولها: فمن قبل الفحل. وقد ذكرنا كلام امرأة عروة بن الورد في زوجها بعده فيما تقدم. وهذه مقطعات من أهاجي شعراء عصرنا. 499- قال أبو منصور ابن الأصباغي: [من الكامل المرفل] قل للمغرّب عن مواطنه ... إيّاك أن تأتي بني عوف قوم يموت الجار بينهم ... بالأنكدين الجوع والخوف 500- أبو تمام الدبّاس: [من الخفيف] مات أبو حامد ومات جلال الد ... دين فاستحضر الهجا والمديح كنت أهجو هذا وأمدح هذا ... فأنا اليوم خاطري مستريح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 فصل في نوادر الهجاء والذم «501» - الأهاجي في معانيها تقارب النوادر، وأسيرها ما كان خفيفا سهلا، إلّا أني لما شرطته في الكتاب أخرجت في هذا الفصل ما قصد به القائل قصد الهزل. فمن ذلك ما رواه صاعد بن ثابت قال: بلغ أبا الحسين [1] البريدي خبر قصيدة أبي الفرج الأصفهاني فيه، وسمع استحسان قوم لها فقال لجلسائه: من يحفظها؟ فقالوا: ليس فينا من يحفظها. فقال: دعوا هذا عنكم، ومن أنشدنيها فهو آمن، وله ألف درهم. وكان أبو القاسم ابن أبي موّاس [2] أبسط الجماعة عليه، فقال: لست أحفظها ولكنّي أحضرك نسختها ولي الأمان والصلة. قال: افعل. قال: آلله؛ قال: آلله. ثم صافحه أنه لا يبقى في نفسه شيء إذا هو فعل ذاك. فأحضره نسختها وقرأها عليه وهو يفرك يديه ويزداد غيظا حتى انتهى إلى قوله: [من الخفيف] هو أزنى ممّن نقدّر أمّا ... ليس ممّن يصاد بالتقليد قال: فضحك حتى قهقه ثم قال: صدق العاضّ بظر أمّه، لست ممّن يصاد   [1] م: بلغ الحسين. [2] م: مراس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 بالتقليد، وقطع أبو القاسم الإنشاد ولم يستعده، ووقّع له بألف درهم تسلّم إليه من الخزانة. ومعنى هذا البيت أنّ الراضي كان قلّده الوزارة، ليحتال عليه ويحصّله؛ وكان البريديّ أخبث من ذلك، فاستناب في الوزارة وهو بالبصرة ولم يدخل بغداد إلّا مالكها. وأول قصيدة أبي الفرج: [من الخفيف] يا سماء اقلعي ويا أرض ميدي ... قد تولّى الوزارة ابن البريدي «502» - وقال أبو الفرج الأصفهاني: سكر المهلبيّ ليلة وأنا عنده، ولم يبق من ندمائه [1] غيري، فقال لي: يا أبا الفرج، أنا أعلم أنك تهجوني سرّا، فاهجني الساعة ظاهرا. فقلت: الله الله، أطال الله بقاء الوزير، إن كنت قد مللتني حتى أنقطع، وإن كنت تؤثر قتلي فمتى شئت فبالسيف صبرا، قال: دع هذا، لا بدّ من أن تهجوني قال: وكنت سكران، فقلت: أير بغل بلولب فسبقني هو وقال: في حر امّ المهلّبي هات مصراعا آخر فقلت: الطلاق لازم للأصفهاني إن زاد على هذا أو كانت عنده زيادة. «503» - وقال السري الرفّاء في أحد الخالديان: [من السريع] يا سارق الأغفال ما حبّروا ... من الخوافي والمشاهير   [1] م: جلسائه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 أعط قفا نبك أمانا فقد ... أمست بقلب منك مذعور «504» - قال المبّرد بلغني أنّ أعرابيّا لقي رجلا من الحاجّ فقال له: ممّن الرجل؟ قال: من باهلة، قال: أعيذك بالله من هذا، قال: أي والله، وأنا مع ذاك مولى لهم. فأقبل الأعرابيّ يقبّل يديه ويتمسّح به، فقال له الرجل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني أثق بأنّ الله تعالى لم يبتلك بهذا في الدنيا إلّا وأنت في الجنة. 505- وقال أبو الشمقمق لبشّار بن برد: أنت ثقيل عليّ وأنا ثقيل عليك، فتعال حتى يصف كلّ واحد منّا صاحبه، فقال بشّار: أنت عندي أثقل من الكرب في آب، والصدام في كانون، والرقيب على العاشق، والغريم على المفلس، ومن عسر الولادة، ومن شماتة الأعداء. قال أبو الشمقمق: أما أنا فأختصر: أنت عندي أثقل من موت الفجأة وزوال النعمة. «506» - وقال شاعر: [من الطويل] إلى الله أشكو أنني بتّ طاهرا ... فجاء سلوليّ فبال على رجلي فقلت اقطعوها لا أبا لأبيكم ... فإني كريم غير مدخلها رحلي «507» - دخل أبو دلامة على المهديّ وعنده إسماعيل بن عليّ [1] وعيسى بن موسى والعباس بن محمد ومحمد بن إبراهيم الإمام وغيرهم من بني هاشم، فقال له المهدي: أنا أعطي الله عهدا لئن لم تهج واحدا ممّن في البيت لأقطعنّ لسانك. فنظر إليه القوم وغمزه كلّ واحد منهم بأنّ عليّ رضاك. قال أبو دلامة: فعلمت أنّي قد وقعت، وأنها عزمة من عزماته لا بدّ منها، فلم أر أحدا أحقّ بالهجاء   [1] الأغاني: اسماعيل بن محمد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 مني، ولا أدعى إلى السلامة من هجائي نفسي، فقلت: [من الوافر] ألا أبلغ لديك أبا دلامه ... فلست من الكرام ولا كرامه جمعت دمامة وجمعت لؤما ... كذاك اللؤم تتبعه الدمامه فإن تك قد أصبت نعيم دنيا ... فلا تفرح فقد دنت القيامه فضحك القوم ولم يبق منهم أحد إلّا أجازه. 508- رؤي أعرابيّ يبول في المسجد فصاحوا عليه فقال: أنا والله أفقه منكم، إنه مسجد باهلة. «509» - وقيل لأعرابيّ: أيسرّك أن تدخل الجنة وأنت باهليّ؟ قال: على أن لا يعرف فيها نسبي. «510» - وقال أحمد بن سعيد الباهلي لأبي العيناء: إني أصبت لباهلة فضيلة لا توجد في سائر العرب، قال: وما هي؟ قال: لا يصاب فيهم دعيّ، قال: لأنه ليس فوقهم من يقبلهم، ولا دونهم أحد فينزلون إليه. «511» - وقيل له: ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم؟ قال: هما الخمر والميسر وإثمهما أكبر من نفعهما. «512» - وسقط نجاح بن سلمة عن دابته، فوثب إليه إبراهيم بن عتاب فأخذه من الأرض، فقال أبو العيناء: يا أبا الفضل لميتة مجهزة أصلح من عافية على يد ابن عتاب. «513» - واعترضه يوما أحمد بن سعيد فسلّم عليه، فقال أبو العيناء: من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 أنت؟ قال: أحمد بن سعيد، فقال: إني بك لعارف، ولكن عهدي بصوتك مرتفع إليّ من أسفل، فما له منحدر عليّ من علو؟ قال: لأني راكب قال: لا إله إلّا الله، لعهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله تعالى في رغيف لأعضّك بما تكره. «514» - وقال له رجل: ما أنتن إبطك!! قال: نلقاك أعزّك الله بما يشبهك. «515» - وقال لرجل: والله ما فيك من العقل شيء إلّا مقدار ما تجب الحجّة به عليك، والنار لك. «516» - تغدّى الجماز عند إنسان هاشميّ، ومرّ الغلام بصحفة فقطر منها شيء على ثوب الجمّاز، فقال الهاشميّ: يا غلام اغسل ثوبه، فقال الجمّاز: دعه فمرقتكم لا تدسّم الثوب. «517» - وقف رجل على بهلول فقال له: تعرفني؟ قال بهلول: اي والله وأنسبك نسب الكمأة: لا أصل ثابت، ولا فرع نابت. «518» - شاعر: [من السريع] أمّ زياد لم ولدتيه ... ملتحفا بالكبر والتيه ليتك إذ جئت به هكذا ... أكلته لما خريتيه «519» - عليّ بن خليل في دعيّ: [من السريع] متى تعرّبت وكنت امرءا ... من الموالي صالح الدين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 لو كنت إذ صرت إلى دعوة ... فزت من القوم بتمكين لكفّ من وجدي ولكنني ... أراك بين الضبّ والنون فلو تراه صارفا أنفه ... عن ريح خيريّ ونسرين لقلت جلف من بني دارم ... حنّ إلى الشيح بيبرين دعموص رمل زلّ عن صخرة ... فعاف أرواح البساتين تنبو عن القاقم أعطافه ... والخزّ والسنجاب واللين «520» - كان لهشام النحويّ جارية يقال لها خنساء، وكانت تقول الشعر، فعبث بها يوما أبو الشبل فأغضبها، فقالت له: ليت شعري بأيّ شيء تدلّ؟ أنا والله أشعر منك، ولئن شئت لأهجونّك حتى أفضحك، فأقبل عليها وقال: [من مخلع البسيط] خنساء قد أفرطت علينا ... فليس منها لنا مجير تاهت بأشعارها علينا ... كأنما ناكها جرير فخجلت حتى بان ذلك فيها وأمسكت عن جوابه. 52» - قال ابن قتيبة: مكثت ميّة زمانا لا ترى ذا الرمّة، وهي تسمع مع ذلك شعره، فجعلت لله عليها أن تنحر بدنة يوم تراه. فلما رأته رجلا أسود دميما قالت: واسوأتاه وابؤساه، واضيعة بدنتاه، فقال ذو الرّمة: [من الطويل] على وجه ميّ مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا قال فكشفت ثوبها عن جسدها ثم قالت: أشينا ترى لا أمّ لك؟ فقال: ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 فقالت: أمّا ما تحت الثياب فقد رأيته وعلمت ألّا شين فيه، ولم يبق إلّا أن أقول لك: هلمّ حتى تذوق ما وراءه، والله لا ذقت ذلك أبدا. فقال: فيا ضيعة الشّعر الذي لجّ فانقضى ... بميّ ولم أملك ضلال فؤاديا «522» - خالد الكاتب: [من السريع] وقائل إنّ حماري له ... مشي إذا صوّب أو صعّدا فقلت لكنّ حماري إذا ... حثثته لا يلحق المقعدا يستعذب الضرب فإن زدته ... كاد من اللذة أن يرقدا 523- ومثله لابن الحجّاج يذكر فرسه: [من السريع] حاشاه أن يعدو ولكنني ... أمشي فلا يلحقني إن عدا إذا البراذين غلا سعرها ... فسعره في السوق سعر الجدا 524- وتبعهما مرجّى بن نبيه فقال: [من الخفيف] هي تعدو والخيل تمشي فما تل ... حق إلّا غبارها بعد حين «525» - أبو الأسد: [من البسيط] صنع من الله أني كنت أعرفكم ... قبل اليسار وأنتم [1] في التبايين فما مضت سنة إلّا رأيتكم ... تمشون في الخزّ والقوهيّ واللين وفي المشارق [2] ما زالت نساؤكم ... يصحن تحت الدوالي بالوراشين   [1] م: وكنتم. [2] الأغاني: المشاريق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 فصرن يرفلن في وشي العراق وفي ... طرائف الخزّ من دكن وطاروني أنسين قطع الحلافي من منابتها ... وحملهنّ كشوثا في الشقابين حتى إذا أيسروا قالوا وقد كذبوا ... نحن الشّهاريج [1] أبناء الدهاقين في است امّ كسرى عمود إن أقرّ بكم ... وأير بغل مشظّ في است شيرين من ذا يخبّر كسرى وهو في سقر ... دعوى النبيط وهم بيض الشياطين وأنهم زعموا أن قد ولدتهم ... كما ادّعى الضبّ أني نطفة النّون فكان ينحز جوف النار واحدة ... تفري وتصدع خوفا قلب قارون أما تراهم وقد حطّوا براذعهم ... عن أتنهم واستبدوا بالبراذين فأفرجوا عن مشارات البقول إلى ... دور الملوك وأبواب السلاطين «526» - عبد الصمد بن المعذل في ابن أخيه: [من البسيط] لو كان يعطى المنى الأعمام في ابن أخ ... أصبحت في جوف قرقور إلى الصّين يا أبغض الناس في فقر وميسرة ... وأقذر الناس في دنيا وفي دين تيه الملوك إذا فلس ظفرت به ... وحين تفقده ذلّ المساكين لو شاء ربي لأضحى واهبا لأخي ... من مرّ ثكلك أجرا غير ممنون وكان أحظى له لو كان متّزرا ... في السالفات على غرمول عنّين إنّ القلوب لتطوى منك يا ابن أخي ... إذا رأتك على مثل السكاكين «527» - أعرابيّ يهجو أمه: [من الرجز] شائلة أصداغها لا تختمر ... تعدو على الضيف بعود منكسر   [1] م: الشماريخ. 12 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 حتى يفرّ أهلها كلّ مفرّ ... لو نحرت في بيتها عشر جزر لأصبحت من لحمهنّ تعتذر ... بحلف مين ودمع منهمر شائلة أصداغها: يريد أنّ شعرها قد قام من الخصومة، لا تختمر: من مبادرتها إلى الشرّ، وبعود منكسر: أي عصا قد انكسرت مما تضرب بها. 528- ابن الحجاج: [من السريع] أعيذكم بالله من عصبة ... تباع مجّانا ولا تشترى فإنكم من حيث ما استنشقت ... روائح الآمال فيكم خرا [1]   [1] في م ر: آخر باب الهجاء ويتلوه باب الإغراء والتحريض، والحمد لله وحده، وصلواته على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين وسلّم تسليما كثيرا.. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 الباب الرّابع والعشرون الإغراء والتّحريض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 خطبة الباب بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله الحمد لله باعث النّذر بالآيات والبراهين، ومرسلهم بالنور المبين، وجاعل متبعهم متمسكا بالحبل المتين، لاجئا منه إلى ظلّ ظليل مديد، وائلا إلى معقل منيع شديد؛ حثّ على الجهاد وحرّض، وعنّف من اثّاقل عنه وأعرض، ووعد من سارع إليه أفضل الجزاء، وأغرى القلوب بطلب منازل الشهداء، وأعلى مراتبهم حتى طمحت إليها النواظر، وتعلّقت بها الهمم والخواطر. فله الحمد على تكرمته بإضعاف الثواب لمن أطاعه وعمل بأمره، وله الشكر لما أسبغ علينا من مواهبه وظاهر من برّه؛ والصلاة على رسوله المجاهد في سبيله المحامي عن دينه، محاماة القسورة عن عرينه، محرض المؤمنين على القتال، ودامغ جبابرة الأقيال، وعلى آله وأصحابه الأعلام الأبطال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 (الباب الرابع والعشرون في ما جاء في الإغراء والتحريض) 529- مما يدخل في هذا المعنى من الكتاب العزيز حكاية عن قول نوح عليه السلام: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً (نوح: 26- 27) وعن قول موسى عليه السلام: رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (يونس: 88) . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرّض أصحابه على الجهاد وفي الحرب. وقد قال الله عزّ وجلّ له: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ (الأنفال: 65) وقد قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (التوبة: 38) . «530» - من كلام عليّ عليه السلام يحرّض على حرب أهل الشام: أفّ لكم قد سئمت عتابكم. أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا، وبالذلّ من العزّ خلفا؟! إذا دعوتكم إلى جهاد عدوّكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة، ما أنتم إلّا كإبل ضلّ رعاتها، وكلّما جمعت من جانب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 انتشرت من آخر. لبئس لعمر الله سعر [1] نار الحرب أنتم. تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم ولا تمتعضون، لا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون. غلب والله المتخاذلون. وايم الله إني لأظنّ بكم أن لو حمس الوغى واستحرّ الموت قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس. والله إنّ امرءا يمكّن عدوّه من نفسه يعرق لحمه ويهشم عظمه، ويفري جلده، لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره. أنت فكن ذاك إن شئت، فأما أنا فو الله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية يطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء. «531» - ومن كلامه كرّم الله وجهه [2] : وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة. أنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم. إنّ في الفرار لموجدة الله، والذلّ اللازم، والعار الباقي، وإنّ الفارّ غير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه. من رائح إلى الله كالظمآن يرد الماء؟ الجنة تحت أطراف العوالي. اليوم تبلى الأخبار. 532- قام مروان بن الحكم يوم الجمل يحرّض الناس فقال بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على نبيّه عليه السلام: إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمدا صلّى الله عليه وسلم رسولا ختم به الرسل، ونسخ بدينه الأديان، ثم لم يقبضه حتى استوسق الإسلام وثبتت أركانه، وأنارت أحكامه، وعرف كلّ وارد مشربه، وكلّ سار مصدره، فجعل الحقّ أبين من المجرّة لا يجهلها الدليل ولا يضلّ عنها الساري. فلما قبض صلّى الله عليه وسلم ولي الأمر أبو بكر رحمة الله عليه فتألّب عليه الأعداء، وناصبته   [1] م: طعم. [2] ر م: عليه السلام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 العرب الحرب، فاستنفر كالفحل بذنبه [1] وتحرّك لأمر ربّه، وضرب بمن أطاع من عصى حتى أعاد الدين جديدا، وأبرم ما انتقض منه، ورأب ما انصدع، وردّ الأمور إلى حقائقها، ثم مضى على صراط سويّ [2] مستقيم، وأحكام عادلة وسنن هادية. واجتهد لما ذنت منيّته، وناصح نفسه والمسلمين نظرا منه لهم، فبايع عمر [3] بن الخطاب رحمة الله عليه واستخلفه، فألفيناه والله ماضي العزيمة، صادق النيّة، غير خوّار القناة، ولا قلق الوضين، ولا رخو اللّبب. وكره ذلك رجال شمخوا بأنوفهم، وصغوا بأعناقهم إلى أمر قصروا [4] عنه وناله، فأرغم معاطسهم، وكعمهم وقمعهم، ووسمهم بالحقّ سمة الرعاء آذان الغنم، فتفاجّت عن خبيئها تفجّي الناقة لدرّة الحلب، حتى إذا نالته يد القضاء وخبطته يد المنية لانقضاء المدة المعلومة والأنفاس المعدودة، أشفق من الاختلاف والفرقة، فجعل الأمر شورى لا يعقد إلّا على إجماع، فمخضوا الآراء مخض الزبدة بالوطاب، وامتطوا [5] رواحل الفكر خوف الهلكة، وأجالوا الرأي لئلّا يهلك مشاور عن مشورته [6] ، فلم يروا أحدا أحقّ بالخلافة ولا أقوم بها [7] من ابن عفان، فقلدوها أسمحهم نفسا، وأفسحهم صدرا، وأطولهم باعا، فمضى يقفو الأثر ويتبع المنهاج على سنة من تقدم [8] كقدّ الشراك، فلما طال به العمر ونزحت الدار بأنصاره، بادر الأشقياء إلى قتله وقالوا: خصّ أهله، وآثر أصحابه، وزاغ عن الحق إذ لم يكونوا لما أرادوا منه أهلا، بعد اجتماعهم عليه، ومسارعتهم إليه،   [1] م: بدينه. [2] م: مستوي. [3] م ر: لعمر. [4] ب: قصر. [5] ب: وأشطوا. [6] ر: مشاورته. [7] ولا أقوم بها: سقطت من ر. [8] ر: تقدمه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 واختيارهم له، فوثبوا فنحروه نحر البدنة، فخار في دمه مفرى [1] الأوداج قد خضب مصحفه بدمه، رحمة الله عليه؛ وكان صائما تاليا للقرآن مكبّا على المصحف، فيا عظم مصيبة أثكلت المسلمين إمامهم؛ عظم والله الخطب بأمير المؤمنين وصهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ابنتيه، ومجهّز جيش العسرة، وموسّع المسجد، من غير جرم قتلوه بعد أن اختاروه، فسارعوا رحمكم الله إلى الطّلب بدمه، وقتال قاتله، إذ فاتكم نصره، فإنّ ذلك أفضل من جهاد المشركين. نسأل الله حسن المعونة على الطلب بدمه، والنّصرة على من ظلمه، وأستغفر الله لي ولكم. «533» - أوفد معاوية الزرقاء بنت عديّ بن غالب [2] فقال لها: ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين بين الصفين، توقدين الحرب، وتحضّين على القتال، فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين، إنّه [3] قد مات الرأس وبقي [4] الذنب، والدهر ذو غير، ومن تفكر [5] أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر. قال لها: صدقت، فهل تحفظين كلامك يوم صفين؟ قالت: ما أحفظه، قال: لكني والله أحفظه، لله أبوك لقد سمعتك تقولين: أيّها الناس، إنكم في فتنة غشيتكم جلابيب الظلم، وجارت [6] بكم عن قصد المحجّة، فيا لها من فتنة عمياء صمّاء، لا يسمع لقائلها، ولا ينقاد لسائقها. أيها الناس، إنّ المصباح لا يضيء في   [1] م: مفري. [2] م: وفدت الزرقاء بنت عدي على معاوية ... [3] انه: سقطت من م. [4] الوافدات: وبتر. [5] الوافدات: تذكر. [6] الوافدات: وحادت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 الشمس، وإنّ الكواكب لا تقد [1] في القمر، وإنّ البغل لا يسبق الفرس، ولا يقطع الحديد إلّا الحديد. ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن استخبرنا أخبرناه، إنّ الحقّ يطلب ضالّته، فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار، فكأن قد اندمل شعب الشتات، والتأمت [2] كلمة العدل، وغلب الحقّ باطله، فلا يعجلنّ أحد فيقول: كيف وأنّى، ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ألا إنّ خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير في الأمور وأحمد في عواقبها. إيها إلى الحرب قدما غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده. ثم قال معاوية: والله يا زرقاء لقد شركت [3] عليّا في كلّ دم سفكه، فقالت: أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين، وأدام سلامتك، مثلك من بشّر بخير وسرّ جليسه. قال لها: وقد سرّك ذلك؟ قالت: نعم والله سرّني قولك فأنّى بتصديق الفعل، فقال: معاوية: والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب إليّ من حبّكم له في حياته. «534» - وأوفد معاوية أمّ الخير بنت الحريش البارقية فقال لها: كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر؟ قالت: لم أكن والله رويته [4] قبل ولا دوّنته بعد، وإنما كانت كلمات نفثهنّ لساني حين الصدمة، فإن شئت أن أحدث [5] لك مقالا غير ذلك فعلت، قال: لا أشاء ذلك. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أيّكم حفظ كلام أمّ الخير؟ قال رجل من القوم: أنا أحفظه، قال: هاته، قال:   [1] ر م: تضيء؛ الوافدات: وان الكوكب لا ينير. [2] الوافدات: وظهرت. [3] م: شاركت. [4] م: دونته. [5] ب: فان شئت أحدث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 نعم، كأني بها في ذلك اليوم وعليها برد زبيديّ كثيف الحاشية [1] ، وهي على جمل أورق أربد، وقد أحيط حولها حواء، وبيدها سوط منتشر الضّفر، وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول: يا أيّها الناس، اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم. إنّ الله تعالى قد أوضح الحقّ، وأبان الدليل [2] ، ونوّر السبيل، ورفع العلم، فلم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء [3] مدلهمّة، فإلى أين تريدون رحمكم الله؟ أفرارا عن [أمير] المؤمنين أم فرارا من الزحف، أم رغبة عن الإسلام؟ أم ارتدادا عن الحق؟ أما سمعتم الله سبحانه وتعالى يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ (البقرة: 155) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (محمد: 31) ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: اللهمّ قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرعية [4] ، وبيدك يا ربّ أزمّة القلوب، فاجمع اللهمّ الكلمة على التقوى، وألّف القلوب على الهدى، واردد الحقّ إلى أهله. هلمّوا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والوصيّ الوفيّ، والصدّيق الأكبر. إنها إحن بدريّة، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة، ليدرك بها ثارات بني عبد شمس. ثم قالت: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (التوبة: 12) صبرا يا معشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا على بصيرة من ربّكم وثبات من دينكم، وكأنّي بكم غدا قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (المؤمنون: 40) حين تحلّ بهم الندامة فيطلبون الإقالة؛ إنه والله من ضلّ عن الحقّ وقع في الباطل، ومن لم يسكن الجنّة نزل النار. أيّها   [1] ر م: الحواشي. [2] الوافدات: الباطل. [3] الوافدات: عشواء. [4] ر: الرغبة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 الناس إنّ الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها، واستبطأوا [1] مدّة الآخرة فسعوا لها. والله أيها الناس لولا أن تبطل الحقوق وتعطّل الحدود، ويظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وزوج ابنته وأبي ابنيه، خلق من طينته، وتفرّع من نبعته، وخصّه بسرّه، وجعله باب مدينة علمه وعلم المسلمين [2] ، وأبان ببغضه المنافقين، فلم يزل كذلك يؤيّده الله تعالى بمعونته، ويمضي على سنن استقامته. هو مفلّق الهام، ومكسّر الأصنام، صلّى والناس مشركون، وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرّق جمع هوازن، فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا، وردّة وشقاقا. قد أجهدت [3] في القول، وبالغت في النصيحة، وبالله التوفيق، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. فقال معاوية: والله يا أمّ الخير ما أردت بهذا الكلام [4] إلّا قتلي، وو الله لو قتلتك ما حرجت في ذلك، قالت: والله ما يسوءني [5] يا ابن هند أن يجري الله تعالى ذلك على يدي من يسعدني الله تعالى بشقائه. قال: هيهات يا كثيرة الفضول. ما تقولين في عثمان بن عفان؟ قالت: وما عسيت أن أقول فيه؟ استخلفه الناس وهم كارهون، وقتلوه وهم راضون [6] ، فقال معاوية: إيها أمّ الخير، هذا والله أصلك الذي تبنين عليه. قالت لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (النساء: 166) ما   [1] الوافدات: واستطالوا. [2] الوافدات: وعم بحبه المسلمين. [3] الوافدات: اجتهدت. [4] م: القول. [5] ر: يسوءني ذلك. [6] في ر عكس القول وشطب كلمتي: كارهون، راضون، وجعل الواحدة مكان الأخرى (بخط مختلف) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 أردت لعثمان نقصا، ولقد كان سبّاقا إلى الخيرات، وإنه لرفيع الدرجة قال: فما تقولين في طلحة بن عبيد الله؟ قالت: وما عسى أن أقول في طلحة؟ اغتيل من مأمنه، وأتي من حيث لا [1] يحذر. وقد وعده رسول الله صلّى الله عليه وسلم الجنة. قال: فما تقولين في الزبير؟ قالت: وما عسيت أن أقول في الزبير؟ ابن عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحواريّه، وقد شهد له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالجنة، لقد كان سبّاقا إلى كلّ مكرمة من الإسلام. وإني أسألك بحقّ الله يا معاوية فإنّ قريشا تحدث بأنك من أحلمها [2] فأنا أسألك بأن تسعني بفضلك وحلمك، وأن تعفيني من هذه المسائل، وامض لما شئت من غيرها. قال: نعم وكرامة، وقد أعفيتك؛ وردّها مكرّمة إلى بلدها [3] . «535» - وفي يوم ذي قار برز نساء بكر بن وائل يحرّضن رجالهنّ ويقلن: [من الرجز] نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق الدرّ في المخانق ... والمسك في المفارق إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق فراق غير وامق وفي ذلك اليوم يقول لهم هانىء بن مسعود: يا قوم مهلك معذور، خير من   [1] ب: لم. [2] م: من أخيارها. [3] إلى بلدها: سقطت من ر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 منجى فرور [1] ، وإنّ الحذر لا ينفع من القدر، وإنّ الصبر من أسباب الظفر. المنيّة ولا الدنية، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في الثّغر، أكرم منه في الدبر. يال بكر شدّوا واستعدوا، وإلّا تشدّوا [2] تردّوا. «536» - لمّا استنزل عبد الملك بن مروان زفر بن الحارث من قرقيسيا أقعده معه على سريره، فدخل عليه [3] ابن ذي الكلاع، فلمّا نظر إليه مع عبد الملك على السرير بكى، فقال له: ما يبكيك؟ قال: يا أمير المؤمنين كيف لا أبكي وسيف هذا يقطر دما من دماء قومي في طاعتهم لك وخلافهم عليه، ثم هو معك على السرير، وأنا على الأرض. قال: إني لم أجلسه معي لأن يكون أكرم عليّ منك، ولكن لسانه لساني وحديثه [4] يعجبني، فبلغت الأخطل وهو يشرب فقال: أم [5] والله لأقومنّ في ذلك مقاما لم يقم به ابن ذي الكلاع؛ ثم خرج حتى دخل على عبد الملك فلما ملأ عينيه منه قال: [من الوافر] وكأس مثل عين الديك صرف ... تنسّي الشاربين لها العقولا إذا شرب الفتى منها ثلاثا ... بغير الماء حاول أن يطولا [6] مشى قرشية لا شكّ فيها ... وأرخى من مآزره الفضولا فقال له عبد الملك: ما أخرج هذا منك يا أبا مالك إلّا خطة في رأسك،   [1] ب ر: مغرور. [2] م: ولا تفشلوا. [3] عليه: سقطت من م ر. [4] م ر: وحديثه (ثم رمج عليها في ر) . [5] ر: أما. [6] كتب في ر إلى جانبها: يصولا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 قال: أجل والله يا أمير المؤمنين، حين يجلس [1] هذا عدوّ الله معك على سريرك [2] وهو القائل بالأمس: [من الطويل] وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات الصدور [3] كما هيا قال: فقبض عبد الملك رجله، ثم ضرب بها صدر زفر فقلبه عن السرير، وقال: لا أذهب الله حزازات تلك الصدور. فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين والعهد الذي أعطيتني؟ فكان زفر يقول: ما أيقنت بالموت قط إلا تلك الساعة حين قال الأخطل ما قال. «537» - ومثل بيت زفر قول الأخطل يغري به: [من البسيط] إنّ الضغينة تلقاها وإن قدمت ... كالعرّ يكمن حينا ثم ينتشر بني أمية إني ناصح لكم ... فلا يبيتنّ فيكم آمنا زفر واتخذوه عدوا إن شاهده ... وما تغيّب من أخلاقه دعر «538» - قال معاوية لعبد الله بن الزبير، وهو عنده بالمدينة: يا ابن الزبير ألا تعذرني من حسن، ما رأيته منذ قدمت إلا مرّة واحدة. قال: دع عنك حسنا، فأنت والله وهو كما قال الشمّاخ: [من الطويل] أجامل أقواما حياء وقد أرى ... صدورهم تغلي عليّ مراضها   [1] ر: جلس. [2] ر: السرير. [3] م ر والأغاني: النفوس. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 والله لو يشاء حسن أن يضربك بمائة ألف سيف ضربك. والله لأهل العراق به أرأف من أمّ الحوار بحوارها. قال معاوية: أردت أن تغريني به، والله لأصلنّ رحمه ولأقبلنّ عليه: [من الطويل] ألا أيها المرء المحرّش بيننا ... ألا اقتل أخاك لست قاتل أربد أبى قربه مني وحسن بلائه ... وعلمي بما يأتي به الدهر في غد والشعر لعروة بن قيس. «539» - جرير: [من البسيط] بني عديّ ألا فانهوا سفيهكم ... إنّ السّفيه إذا لم ينه مأمور «540» - أنشد الأصمعي: [من الرجز] يا ربّ إن كان يزيد قد أكل ... لحم الصديق عللا بعد نهل ودبّ بالسوء دبيبا [1] ونسل ... فاقدر له أصلة من الأصل [2] كبساء كالقرصة أو خفّ الجمل ... لها سحيف وفحيح وزجل [3] لو نفحت غصنا رطيبا لذبل ... أو نكزت فيلا مسنّا لانجدل وازّيلت أوصاله أو اقفعلّ ... أو حاريا من القتيرات الأول يموت بالهجر ويحيا بالطّفل ... تنغّش الدّعموص في الرّنق السمل   [1] ر: إلينا وفي الهامش: نسخة دبيبا. [2] الأصلة: الأفعى. [3] كبساء: عظيمة الرأس؛ والسحيف: صوت جلدها، والفحيح من فمها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 وإن تأذّى بمكان فارتحل ... لآخر قفّز قفزا فحجل تزلّف الأعرج ريع فقزل «541» - المتلمس: [من البسيط] يا آل بكر ألا لله أمكم ... طال الثواء وثوب العجز ملبوس أغنيت شأني فأغنوا اليوم شأنكم ... واستحمقوا في مراس [1] الحرب أو كيسوا «542» - وقال أيضا: [من البسيط] سيروا كما سارت الأملاك قبلكم ... نحو الحجاز وعزّ الناس مضطهد إلى ملوك عطاء الله شيّبهم ... والمنشدون إذا جيرانهم نشدوا ولن يقيم على خسف يسام به ... إلا الأذلّان عير الحيّ والوتد هذا على الخسف مربوط برمّته ... وذا يضام ولا يأوي له أحد كونوا كمن نازل الأملاك قبلكم ... بالعزّ إن كنتم بكرا وما ولدوا 543- قال المأمون لأبي دلف: هلّا [2] كان منك في استصغار الحسن بن رجاء بك ما يوازي شرفك ويشاكل منصبك؟ قال: يا أمير المؤمنين إنك أحللته محلّا أوجب التطاطي له، ومكّنته تمكينا تضاءل الشرف عنده، وكانت الطاعة تعارض الانتصار منه. قال: لله أبوك. «544» - القعقاع بن توبة العقيلي: [من البسيط]   [1] م: طريق؛ وكذلك في ر وفوقها: مراس. [2] م: هل. 13 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 لا أصلح الله حالي إن أمرتكم ... بالصّلح حتى تصيبوا آل شداد حتى يقال لواد كان مسكنهم ... قد كنت تعمر يوما أيّها الوادي «545» - وقال المتنبي: [من الوافر] فلا تغررك ألسنة موال ... تقلّبهنّ أفئدة أعاد وكن كالموت لا يرثي لباك ... بكى منه ويروي وهو صاد فإنّ الجرح ينغر بعد حين ... إذا كان البناء على فساد وإنّ الماء يجري من جماد ... وإنّ النار تخرج من زناد وكيف يبيت مضطجعا جبان ... فرشت لجنبه شوك القتاد 546- قال بعض جلساء الرشيد: أنا قتلت جعفر بن يحيى، وذاك أني رأيت الرشيد يوما وقد تنفّس تنفّسا منكرا، فأنشدت في أثره: [من الرمل] واستبدّت مرّة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبدّ فأصغى إليه واستعاده، وقتل جعفرا بعد ذلك عن كثب. وقد روي أنّ عليّ بن يقطين طالبه البرامكة بخراج كان عليه، ووكلوا به في الديوان، فدخل على الرشيد وأنشده هذا البيت وقبله: ليت هندا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا ممّا تجد والبيتان لعمر بن أبي ربيعة، فكان ذلك مما أغرى الرشيد بالبرامكة. «547» - بعض الغسانيين يحرّض الأسود بن المنذر على قتل أعدائه: [من البسيط] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 ما كلّ يوم ينال المرء فرصته [1] ... ولا يسوغه المقدار ما وهبا فأحزم الناس من إن نال فرصته ... لم يجعل السبب الموصول منقضبا لا تقطعن ذنب الأفعى فترسلها [2] ... إن كنت شهما فأتبع رأسها الذنبا «548» - الجعدي: [من الطويل] ألا إنّ قومي أصبحوا مثل خيبر ... بها داؤها ولا تضرّ الأعاديا «549» - سرق شظاظ الضبّي ناقة لشيخ من أهل البصرة من أصحاب الأكفان كان يصدرها من الحج إلى الحج، وكانت ترعى في عرق ناهق، وهو حمى لأهل البصرة، فقال شظاظ يغري اللصوص بالسّرق، وتروى الأبيات لرئاب [3] بن عقبة العبشمي: [من الطويل] من مبلغ الفتيان عني رسالة ... فلا تهلكوا فقرا على عرق ناهق فإنّ به صيدا غزيرا وهجمة ... نجائب لم ينتجن [4] فتل المرافق نجيبة ضيّاط يكون بغاؤه ... دعاء وقد جاوزن عرض الشقائق الضياط والضيطان الذي يطيل الجلوس في المكان يلزمه فلا يبرح منه حتى يسمن ويكثر لحمه. وبلغ الشيخ الشعر فقال: اللهمّ صدق ليس بغائي إلّا الدعاء لأنّها لو كانت   [1] م ر: ما طلبا. [2] ر: وتتركها. [3] م: لزياد. [4] ر: لا ينتجن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 لرجل قويّ لركب حتى يأخذها، فأدركه لي يا ربّ. فأخذه الحجاج بالكوفة في سرقة أخرى فأقرّ أنه سرق هذه الناقة بالبصرة، فقطع يديه ورجليه وصلبه، وبعث بالناقة إلى البصرة إلى الحكم بن أيوب فعرّفها، فردّت إلى الشيخ فقال: ربي كان خيرا لي من سرقته. 550- قدّم هدبة بن الخشرم ليقاد بابن عمه زيادة، وأخذ ابن زيادة السيف وقد ضوعفت له الدية حتى بلغت مائة ألف درهم، فخافت أمّ الغلام أن يقبل ابنها الدية ولا يقتله، فقالت: أعطي الله عهدا لئن لم تقتله لأتزوجنّه فيكون قد قتل أباك ونكح أمك، فقتله. «551» - تزوج خالد بن يزيد بن معاوية نساء هنّ أشرف منه، منهن [1] أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وآمنة بنت سعيد بن العاصي، ورملة بنت الزبير بن العوام، ففي ذلك يقول بعض الشعراء يحرّض عليه عبد الملك بن مروان: [من الطويل] عليك أمير المؤمنين بخالد ... ففي خالد عمّا تحبّ صدود إذا ما نظرنا في مناكح خالد ... عرفنا الذي ينوي وأين يريد فطلّق آمنة بنت سعيد فتزوجها الوليد بن عبد الملك. «552» - دخل سديف مولى آل أبي لهب على أبي العباس السفاح بالحيرة، وهو جالس في مجلسه على سرير، وبنو هاشم دونه على الكراسيّ، وبنو أميّة على   [1] منهن: سقطت من ر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 الوسائد قد ثنيت لهم، وكانوا في أيام دولتهم يجلسون هم والخليفة [1] منهم على السرير، وبنو هاشم على الكراسيّ. فدخل الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين بالباب رجل حجازيّ أسود راكب على نجيب متلثم يستأذن ولا يخبر باسمه ويحلف ألّا يحسر اللثام عن وجهه حتى يراك، فقال: هذا مولاي سديف يدخل، فدخل فلما نظر إلى أبي العباس وبنو أمية حواليه حدر اللثام عن وجهه وأنشأ يقول: [من الخفيف] أصبح الملك ثابت الآساس ... بالبهاليل من بني العبّاس بالصدور المقدّمين قديما ... والرؤوس القماقم الروّاس يا أمير المطهرين من الذم ... م ويا رأس منتهى كلّ راس أنت مهديّ هاشم وهداها ... كم أناس رجوك بعد إياس [2] لا تقيلنّ عبد شمس عثارا ... واقطعن كلّ رقلة وغراس [3] أنزلوها بحيث أنزلها الل ... هـ بدار الهوان والإتعاس خوفهم أظهر التودّد منهم ... وبهم منكم كحزّ المواسي أقصهم أيها الخليفة واحسم ... عنك بالسيف شأفة الأرجاس واذكرن مصرع الحسين وزيد ... وقتيلا بجانب المهراس [4] والإمام الذي بحرّان أمسى ... رهن قبر في غربة وتناس [5] فلقد ساءني وساء سوائي ... قربهم من نمارق وكراسي   [1] الأغاني: والخلفاء. [2] ر: أناس. [3] الرقلة: النخلة الطويلة. [4] القتيل الذي بجانب المهراس هو- فيما يقال- حمزة بن عبد المطلب، ونسب قتله إلى بني أمية لأنّ أبا سفيان شيخ بني أمية كان قائد المكيين يوم أحد. [5] يعني ابراهيم الإمام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 نعم كبش [1] الهراش مولاك لولا ... أود من حبائل الإفلاس فتغير وجه [2] أبي العباس وأخذه الزّمع [3] والرعدة، فالتفت بعض ولد سليمان ابن عبد الملك إلى رجل منهم فقال: قتلنا والله العبد. وكان إلى جنب أبي العباس أبو الغمر سليمان بن هشام، وكان صديق أبي العباس قديما وحديثا، يقضي حوائجه في أيامهم ويبرّه، فأقبل أبو العباس عليهم وقال: يا بني الفواعل ألا أرى أهلي من قتلاكم قد سلفوا وأنتم أحياء تتلذذون في الدنيا!! خذوهم، فأخذتهم الخراسانية بالكافر كوبات فأهمدوا إلا ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فإنه استجار بداود بن علي وقال: إنّ أبي لم يكن كآبائهم، وقد علمت صنيعه إليكم، فأجاره واستوهبه من السفّاح وقال له: قد علمت يا أمير المؤمنين صنيع أبيه إلينا. فوهبه له وقال: لا يريّني وجهه، وليكن بحيث يأمن. وكتب إلى عماله في النواحي بقتل بني أمية، وأقبل [4] السفّاح على سليمان بن هشام فقال له: يا أبا الغمر ما أرى لك في الحياة بعد هؤلاء خيرا، قال: لا والله، فقال: اقتلوه، وكان إلى جنبه، فقتل [5] . وصلبوا في بستانه حتى تأذى جلساؤه بروائحهم [6] ، وكلّموه في ذلك فقال: والله لهذا ألذّ عندي من شمّ المسك والعنبر غيظا عليهم. «553» - وقد جاء في رواية أخرى أنّ سديفا دخل على السفاح وعنده رجال   [1] الأغاني: كلب. [2] الأغاني: لون. [3] الزمع: شدة الارتعاش. [4] من هنا حتى آخر الفصة ورد في الأغاني 4: 353. [5] ر: فقتلوا. [6] ر: من روائحهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 بني أمية متوافرون فأنشده: [من الخفيف] يا ابن عمّ النبيّ أنت ضياء ... استبنّا بك اليقين الجليّا جرّد السيف وارفع السوط [1] حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويّا لا يغرّنك ما ترى من رجال ... إنّ تحت الضلوع داء دويّا قطن البغض في القديم وأضحى ... ثابتا [2] في قلوبهم مطويّا وهي طويلة. فقال: يا سديف خلق الإنسان من عجل، ثم قال السفاح متمثلا: [من البسيط] أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء ثم أمر بهم فقتلوا. «554» - وقال بعض شيعة بني العباس يحرّضهم [3] على بني أمية: [من البسيط] إياكم أن تلينوا لاعتذارهم [4] ... فليس ذلك إلّا الخوف والطمع لو أنهم أمنوا أبدوا عداوتهم ... لكنّهم قمعوا بالذلّ فانقمعوا أليس في ألف شهر قد مضت لكم ... سقوكم جرعا من بعدها جرع حتى إذا ما انقضت أيام دولتهم ... متّوا إليكم بالارحام التي قطعوا هيهات لا بدّ أن يسقوا بكأسهم ... ريّا وأن يحصدوا الزرع الذي زرعوا   [1] خ بهامش ر: العفو. [2] الأغاني: ثاويا. [3] ر م: يحرضه. [4] ر م: الاعتذار لهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 «555» - وقال عبد الرحمن بن دارة الفزاري: [من الطويل] يا راكبا إمّا عرضت فبلغن ... مغلغلة عني القبائل من عكل لئن أنتم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا نساء [1] للخلوق وللكحل وبيعوا الرّدينيّات بالحلي واقعدوا ... عن الحرب وابتاعوا المغازل بالنبل «556» - وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط: [من الوافر] ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فإنّك من أخي ثقة مليم قطعت الدهر كالسّدم المعنّى ... تهدّر في دمشق ولا تريم فإنك والكتاب إلى عليّ ... كدابغة وقد حلم الأديم لك الويلات أوردنا عليه ... وخير الطالبي الترة الغشوم فلو كنت القتيل وكان حيّا ... لشمّر لا ألفّ ولا سؤوم «557» - لما انحازت إياد إلى الفرات مجفلين من كسرى بعث إليهم جيشا فبيّتت إياد ذلك الجمع حين عبروا شطّ الفرات الغربي، فلم يفلت منهم إلّا القليل، وجمعوا جماجمهم وأجسامهم فكانت كالتلّ العظيم، وكان إلى جانبهم دير فسمّي دير الجماجم. وبلغ كسرى الخبر فبعث مالك بن حارثة أحد بني كعب بن زهير بن جشم في أربعين ألفا من الأساورة، فكتب إليهم لقيط بن يعمر الإيادي ينذرهم ويحرضهم: [من البسيط] يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا ... على نسائكم كسرى وما جمعا   [1] نساء: سقطت من م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 هو الجلاء الذي تبقى مذلّته ... إن طار طائركم يوما وإن وقعا هو الفناء الذي يجتثّ أصلكم ... فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا هذا كتابي إليكم والنذير لكم ... إني أرى الرأي إن لم أقص قد نصعا وقد بذلت لكم نصحي بلا دخل ... فاستيقنوا إنّ خير العلم ما نفعا وجعل عنوان الكتاب: [من الوافر] كتاب في الصحيفة من لقيط ... إلى من بالجزيرة من إياد بأنّ الليث كسرى قد أتاكم ... فلا يشغلكم سوق النّقاد والأبيات العينيّة هي من محاسن أشعار العرب ومشاهيرها، وفيها حكمة مستفادة، وقد ذكرت شطرها ومختارها في مكان آخر من هذا الكتاب. «558» - لما وثب إبراهيم بن المهديّ على الخلافة اقترض من مياسير التجار مالا، وأخذ من عبد الملك الزيات عشرة آلاف دينار وقال له: أنا أردّها عليك إذا جاءني مال؛ ولم يتمّ أمره فاستخفى ثم ظهر ورضي عنه المأمون. فطالبه الناس بأموالهم فقال: إنّما أخذتها للمسلمين، وأردت قضاءها من فيئهم، والأمر فيها الآن [1] إلى غيري، فعمل محمد بن عبد الملك قصيدة يخاطب بها [2] المأمون، ومضى إلى إبراهيم بن المهدي فأقرأه إياها وقال: والله لئن لم تعطني المال الذي اقترضته من أبي لأوصلنّ هذه القصيدة إلى المأمون. فخاف أن يقرأ القصيدة المأمون فيتدبر ما قاله فيوقع به، فقال: خذ مني بعض المال ونجّم بعضه عليّ، ففعل ذلك، بعد أن أحلفه إبراهيم بآكد الأيمان ألّا يظهر القصيدة في حياة   [1] ر: الآن فيه. [2] ر: فيها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 المأمون، فوفى له محمد بذلك، ووفى إبراهيم بأداء الأموال [1] . والقصيدة طويلة ومنها ما هو تحريض بابراهيم من جملة أبيات كثيرة ألغيتها [2] : [من الطويل] ألم تر أنّ الشيء للشيء علة ... تكون له كالنار تقدح بالزند كذلك جرّبت الأمور وإنّما ... يدلّك ما قد كان قبل على البعد وظنّي بابراهيم أنّ مكانه ... سيبعث يوما مثل أيامه النكد وكيف بمن قد بايع الناس والتقت ... ببيعته الركبان غورا إلى نجد ومن صكّ تسليم الخلافة سمعه ... ينادى به بين السماطين من بعد وأيّ امرىء سمّى [3] بها قطّ نفسه ... ففارقها حتى يغيّب في اللحد وليس سواء خارجيّ رمى به ... إليك سفاه الرأي والرأي قد يردي ومن هو في بيت الخلافة تلتقي ... به وبك الآباء في ذروة المجد فمولاك مولاه وجندك جنده [4] ... وهل يجمع القين الحسامين في غمد وقد رابني من أهل بيتك أنني ... رأيت لهم وجدا به أيّما وجد يقولون لا تبعد من ابن ملمّة ... صبور عليها النفس ذي مرّة جلد فما كان فينا من أبى الضّيم غيره ... كريم كفى ما في القبول وفي الردّ وجرّد إبراهيم للموت نفسه ... وأبدى سلاحا فوق ذي ميعة نهد وأبلى ولم يبلغ من الأمر جهده ... فليس بمذموم وإن لم يكن يجدي فهذي أمور قد يخاف ذوو النّهى ... مغبّتها والله يهديك للرشد   [1] ر م: المال. [2] ر: فألغيتها. [3] ر: سوّى. [4] وضع تحتها في ر: وجدك جده.. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 نوادر من الباب 559- تزوج عبد الملك بن مروان لبابة بنت عبد الله بن جعفر فقالت له يوما: لو استكت فقال: أمّا منك فأستاك، وطلقها فتزوجها علي بن عبد الله بن عباس وكان أقرع لا تفارقه قلنسوته، فبعث إليه عبد الملك جارية وهو جالس مع لبابة، فكشفت رأسه على غفلة لتري ما به، فقالت للجارية: قولي له: هاشميّ أصلع أحبّ إلينا من أمويّ أبخر. «560» - كان أعشى همدان شديد التحريض على الحجاج في حرب ابن الأشعث، فجال أهل العراق جولة ثم عادوا، فنزل عن سرجه ونزعه عن فرسه، ونزع درعه فوضعها فوق السرج ثم جلس عليها وأحدث والناس يرونه ثم قال: لعلّكم أنكرتم ما صنعت. قالوا: أو ليس هذا بمنكر؟ قال: لا، كلكم قد سلح في سرجه ودرعه خوفا وفرقا، ولكنكم سترتموه وأظهرته، فحمي القوم وقاتلوا أشدّ قتال يومهم إلى الليل، وشاع فيهم الجراح [1] والقتلى، وانهزم أهل الشام يومئذ ثم عاودوهم من غد وقد نكأتهم الحرب، وجاء مدد من الشام، فباكروهم القتال وهم مستريحون فهرب ابن الأشعث. ومما حرضهم به أبو جلدة في ذلك اليوم أبيات منها: [من الطويل] وناديننا أين الفرار وكنتم ... تغارون أن تبدو البرى والوشائح   [1] ر م: الجراحات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 أأسلمتمونا للعدوّ وطرتم ... شلالا وقد طاحت بهنّ الطوائح فما غار منهم غائر لحليلة ... ولا عزب عزّت عليه المناكح «561» - أبو نواس في معلّم بعض أولاد الأكابر: [من البسيط] قل للأمير جزاك الله صالحة ... لا تجمع الدهر بين السّخل والذيب السخل يعلم أنّ الذئب آكله ... والذئب يعلم ما في السّخل من طيب 562- البسّامي: [من الوافر المجزوء] ألا يا دولة السّفل ... أطلت المكث فانتقلي ويا هذا الزمان أفق ... نقضت الشّرط في الدول [1]   [1] بعد هذا في ر: آخر باب الإغراء والتحريض ولله الحمد والمنة، ويتلوه باب التقريع والتوبيخ، والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 الباب الخامس والعشرون التقريع والتّوبيخ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 خطبة الباب بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي [1] الحمد لله الواهب سجحا بلا تعقيب، والعفوّ صفحا فلا [2] تثريب، مسبل ستر التجاوز عن المسيء فلا [3] تقريع، ومسيم المحسن في مرعى من سعة رحمته مريع، باسط الرزق لعباده ما بسطوا، ومنزل الغيث من بعد ما قنطوا. أحمده حمدا يكون للمقصّر بلاغا وللمشمر زادا، ومن المكاره حمى وللنجاة عتادا، وأعود على نفسي بالتوبيخ والتعنيف، لما اطمأنت إليه من التعليل والتسويف، وأسأله توفيقا للتنبّه من سنة الغفلة، والتيقّظ لاغتنام أيام المهلة. والصلاة على رسوله الكريم المسامح، وعلى آله البهاليل الجحاجح.   [1] وبه ثقتي: من م؛ ر: وما توفيقي إلا بالله. [2] ر: بلا. [3] ر: بلا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 (الباب الخامس والعشرون في ما جاء في التقريع والتوبيخ) 563- في الكتاب العزيز مواضع تتضمّن التوبيخ على سوء الفعل، فمن ذلك قوله عزّ وجلّ حكاية عن أهل الجنة إذ يقولون لأهل النار: وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (الأعراف: 44) وقوله عزّ وجلّ: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (الأعراف: 50) [1] وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (آل عمران: 106) وقوله تعالى: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (غافر: 75) . 56» - ولما قتل أهل بدر وقف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال: يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقّا فإني وجدت ما وعدني ربي   [1] انفردت ر بإيراد هذه الآية في الحاشية، بخط الأصل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 حقّا. فقال له أصحابه: يا رسول الله أتكلّم قوما موتى؟ فقال: لقد علموا أنّ ما وعدتهم حق. قالت عائشة رحمها الله: والناس [1] يقولون: لقد سمعوا ما قلت لهم، وإنما قال صلّى الله عليه وسلم لقد علموا [2] . قالوا: معناه إنهم الآن ليعلمون أنّ الذي كنت أقول لهم هو الحق. «565» - وقال صلّى الله عليه وسلم يومئذ: يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيّكم، كذبتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس. 566- قال سميع لأهل اليمامة بعد إيقاع خالد بهم: يا بني حنيفة، بعدا [3] كما بعدت عاد وثمود، قد والله أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه وكأني أسمع جرسه وأبصر غبّه، ولكنكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندامة، وإنني لما رأيتكم تتّهمون النصيح، وتسفّهون الحليم، استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. والله ما منعكم الله التوبة ولا أخذكم على غرّة، ولقد أمهلكم حتّى ملّ الواعظ وهزىء الموعوظ به. وكنتم كأنّما يعنى بما أنتم فيه غيركم، فأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق، ومن نصيحتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء، ومن ذلّكم الجزع، وأصبح [4] ما مضى غير مردود، وما بقي غير مأمون.   [1] ر: وأناس. [2] زاد في ر بخط الأصل في الحاشية: ما قلت لهم. [3] زاد في هامش ر: لكم. [4] سقطت بعد هذا ورقة من ر، فانقطع النصّ. 14 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 «567» - ومن كلام عليّ عليه السلام يوبّخ أهل العراق على تخاذلهم عن حرب أهل الشام: أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء. تقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد. ما عزّت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، دفاع ذي الدين المطول، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحقّ إلّا بالجد. أيّ دار بعد داركم تمنعون؟ ومع أيّ إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، ومن رمى منكم فقد رمى بأفوق ناصل. أصبحت والله لا أصدّق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدوّ بكم. ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبكم؟ القوم رجال أمثالكم. أقولا بغير علم، وغفلة من غير ورع، وطمعا في غير حق؟ «568» - خطب الحجاج بعد دير الجماجم فقال: يا أهل العراق، إنّ الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم والعصب والمسامع والأطراف والشغاف، ثم أفضى إلى الأمخاخ والأصماخ، ثم ارتفع فعشّش، ثم باض وفرّخ، ثم دب ودرج، فحشاكم نفاقا وشقاقا، وأشعركم خلافا، فاتخذتموه دليلا تتبعونه، وقائدا تطيعونه، ومؤامرا تشاورونه. فكيف تنفعكم تجربة، وتعظكم نصيحة، أو يحجزكم إسلام أو ينفعكم بيان؟ ألستم أصحابي بالأهواز حيث رمتم المكر، وسعيتم بالغدر، وأجمعتم على الكفر، وظننتم أنّ الله يخذل دينه وخلافته، وأنا أرمقكم بطرفي: تتسللون لواذا، وتنهزمون سراعا. ثم يوم الزاوية وما يوم الزاوية، بها كان فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم، وبراءة الله منكم، ونكوص وليّكم عنكم، إذ ولّيتم كالإبل الشوارد إلى أوطانها، النوازع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 إلى أعطانها، لا يسأل المرء عن أخيه، ولا يلوي الشيخ على بنيه، حين عضكم السلاح، وقصمكم الرماح. ثم يوم دير الجماجم وما يوم دير الجماجم؟ بها كانت المعارك والملاحم، بضرب يزيل الهام عن مقيله، ويذهل الخليل عن خليله. يا أهل العراق، الكفرات بعد الفجرات، والغدرات بعد الخترات، والنزوة بعد النزوات. إن بعثتم إلى ثغوركم غللتم وخنتم، وإن أمنتم أرجفتم، وإن خفتم نافقتم. لا تتذكرون نعمة، ولا تشكرون معروفا. هل استخفكم ناكث، أو استغواكم غاو، أو استنفركم عاص، أو استنصركم ظالم، أو استعضدكم خالع إلّا لبّيتم دعوته، وأجبتم صيحته، ونفرتم إليه خفافا وفرسانا ورجلانا. يا أهل العراق هل شغب شاغب، أو نعب ناعب، أو زفر زافر، إلّا كنتم أتباعه وأنصاره؟ يا أهل العراق ألم تنهكم المواعظ، ألم تزجركم الوقائع، ألم يشدد الله عليكم وطأته، ويذيقكم حرّ سيفه وأليم بأسه ومثلاته. 569- لما استكفّ الناس بالحسين بن علي عليه السلام استنصت [1] الناس وحمد الله تبارك وتعالى، وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلم ثم قال: تبّا لكم أيها الجماعة وترحا، أحين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفا كان بأيماننا [2] وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّكم وعدوّنا، فأصبحتم إلبا على أوليائكم، ويدا عليهم مع أعدائكم، لغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ومن غير حدث كان فينا، ولا رأي تفيّل منا؟ فهلّا لكم الويلات أذكيتموها وتركتموها والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لم يستحصف؟ ولكن استسرعتم إليها كطيرة الذّباب، وتداعيتم عليها كتداعي الفراش؛ فشجا وبهلة لطواغيت الأمة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكلم، ومطفئي السنن، وملحقي العهر بالنسب، واسف المؤمنين، ومراجي المستهزئين، الذين جعلوا القرآن   [1] هنا يعود النص في ر. [2] ر: في أيماننا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 عضين. لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. أفهؤلاء تعضدون، وعنّا تتخاذلون؟ أجل والله. خذل فيكم معروف وشجت عليه عروقكم، وتأزّرت عليه أصولكم فأفرعتم، فكنتم أخبث ثمر: شجى للناظر، وأكلة للغاصب. ألا فلعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلوا الله عليهم كفيلا. ألا وإنّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين الشدة والذلة، وهيهات منا الدنية، يأبى الله ورسوله ذلك والمؤمنون، وحجور طابت، وحجز طهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، أن تؤثر مقام اللئام على مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلة الناصر: [من الوافر] فإن نهزم فهزّامون قدما ... وإن نهزم فغير مهزمينا وما إن طبّنا جبن ولكن ... منايانا ودولة [1] آخرينا ألا ثمّ لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور. عهد عهده إليّ أبي عليّ، فأجمعوا أمركم وشركاء كم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم أفضوا إليّ ولا تنظرون. «570» - علقمة بن عبدة: [من الطويل] ومولى كمولى الزبرقان دملته ... كما دملت ساق تهاض بها وقر إذا ما أحالت والجبائر فوقها ... إلى الحول لا يرؤ جميل ولا كسر نراه كأنّ الله يجدع أنفه ... وأذنيه إن مولاه ثاب له وفر ترى الشرّ قد أفنى دوائر وجهه ... كضبّ الكدى أفنى براثنه الحفر   [1] ب: وطعمة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 «571» - ابن نباتة: [من الطويل] ولكنّما سامرت أحلام باطل ... وحاورت وسنانا ينام وأسهر تفكر لما جئت مستصرخا به ... ولا يصرخ المحروب من يتفكّر رأى المجد بين الجحفلين غنيمة ... تكون لمن يغشى الطعان ويصبر فلم يركب التغرير في طلب العلا ... تسربل ثوب الذلّ من لا يغرر لحا الله ملآن الفؤاد من المنى ... إذا أمكنته فرصة لا يشمّر يلاحظها حتى يفوت طلابها ... ويصبح في أدبارها يتدبّر دعوتكم للخيل وهي تلفّني ... فكنتم إماء للقوابل تزجر ومن حذر البلوى فررت إليكم ... فلاقيت منكم فوق ما كنت أحذر ولم أدر أنّ الذلّ يوم لقيتكم ... تخيّرته في بعض ما أتخيّر وقلت لكم ردّوا وسيقة جاركم ... فلم تقدروا أنتم على الذلّ أقدر «572» - مسلم بن الوليد يوبّخ نفسه: [من الطويل] وإني لأستحيي القنوع ومذهبي ... عريض وآبى الشحّ إلّا على عرضي وما كان مثلي يعتريك رجاؤه ... ولكن أساءت شيمة من فتى محض وإني وإشرافي عليك بهمّتي ... لكالمبتغي زبدا من الماء بالمخض «573» - خطب عتبة بن أبي سفيان أهل مصر فقال: يا أهل مصر قد طالت معاتبتنا إياكم بأطراف الرماح وظبا السيوف؛ أفحين استرخت عقد الباطل عنكم حلّا واشتدّت عقد الحقّ عليكم عقدا، أرجفتم بالخليفة، وأردتم توهين الخلافة، وخضتم الحقّ إلى الباطل، وأبعد عهدكم به قريب؟! فاربحوا أنفسكم إذ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 خسرتم دينكم، فهذا كتاب أمير المؤمنين بالخبر السارّ عنه والعهد القريب منه. 574- قال شبيب بن شيبة: كثر قطع بني تميم الطريق بين مكة والبصرة، فبعثني المنصور أقوم في المناهل، وأتكلّم فأذمّ أهل البادية وأوبّخهم بما يردعهم، فلم أرد ماء إلّا تكلمت بما حضرني فما أحد ينطق، حتى قمت على ماء لبني تميم، فلما انقضى كلامي قام رجل منهم دميم فقال: الحمد لله أفضل ما [1] حمدته وحمده الحامدون قبلك وبعدك، وصلّى الله على محمد نبيّه ونجيّه أفضل صلاة وأتمّها، وأخصّها وأعمّها. ثم إني قد سمعت ما تقول في مدح الحضارة وأهلها، وذمّ البداوة وأهلها، ومهما كان منا أهل البادية من شرّ فليس فينا نقب الدور، ولا شهادة الزور، ولا نبش القبور، ولا نيك الذكور. قال: فأفحمني، فتمنيت أني لم أخرج لذلك الوجه. «575» - عتب عبد الله بن طاهر على كاتب له فنحّاه فرفع إليه رقعة يعتذر فيها، فوقّع عبد الله بين سطورها: قلة نظرك لنفسك حرمك سنيّ المنزلة، وغفلتك عن حظّك حطّتك عن أعلى الدرجة، وجهلك موضع النعمة، أحلّ بك الغير والنّقمة، وعماك عن سبيل الدّعة، أسلكك طريق المشقة، حتى صرت من قوة الأمل معتاضا شدّة الوجل، ومن رخاء العيش معتقبا يأس الأبد، وحتى ركبت مطية المخافة بعد مجلس الأمن والكرامة، وصرت موضعا للرحمة بعد أن كنت موضع الغبطة. على أني أرى أملك أمريك بك أدعاهما إلى المكروه إليك، وأوسع حاليك لديك أضعفهما متنفّسا عليك، كقول القائل: [من المتقارب] إذا ما بدأت امرءا جاهلا ... ببرّ فقصّر عن حمله ولم تلقه قابلا للجميل ... ولا عرف العزّ من ذلّه   [1] ر: مما. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 فسمه الهوان فإنّ الهوان ... دواء لذي الجهل من جهله 576- نفيع بن صفّار الكوفيّ يقوله للأخطل: [من الطويل] أبا مالك لا يدرك الوتر بالخنا ... ولكن بأطراف المثقّفة السمر قتلتم عميرا لا تعدّون غيره ... وكم قد قتلنا من عمير ومن عمرو «577» - القاسم بن طوق بن مالك التغلبي يقوله شامتا بموت الفضل بن مروان، وهي في معنى التقريع: [من الوافر] أبا العباس صبرا واعترافا ... بما يلقى من الظّلم الظّلوم رزقت سلامة فبطرت فيها ... وكنت تخالها أبدا تدوم لقد ولّت بدولتك الليالي ... وأنت ملعّن فيها ذميم وزالت لم يعش فيها كريم ... ولا استغنى بثروتها عديم فبعدا لا انقضاء له وسحقا ... فغير مصابك الحدث العظيم «578» - يقال إنّ النعامة إذا انكسرت إحدى رجليها بقيت جاثمة لا تمشي خلاف كلّ ذي رجلين، وكان لبعض الأعراب أخ اسمه دحية، وكانت امرأته تطرده فقال: [من الطويل] أدحية عنّي تطردين تبدّدت ... بلحمك طير طرن كلّ مطير فإني وإياه كرجلي نعامة ... على كلّ حال من غنى وفقير 579- لما قبض المعتصم على الفضل بن مروان قعد للعامة فوجد قصة فيها: [من البسيط] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 يا فضل لا تجزعن ممّا بليت به ... من خاصم الدهر جاثاه على الركب خنت الإمام وهذا الناس قاطبة ... وجرت حتى أتى المقدار في الكتب جمعت شتى وقد أدّيتها جملا ... لأنت أخسر من حمّالة الحطب 580- دخل أبو العيناء إلى أحمد بن أبي دواد لما فلج فقال له: ما جئتك مسلّيا ولا معزّيا، ولكن جئت لأحمد الله فيك إذ حبسك في جلدك، وأبقى لك عينا تنظر بها إلى زوال النعمة عنك. «581» - إبراهيم بن العباس: [من الطويل] تخذتكم درعا وترسا لتدفعوا ... نبال العدى عنّي فكنتم نصالها «582» - ابن الزيات: [من الخفيف] خلتكم عدّة لصرف زماني ... فإذا أنتم صروف الزّمان 583- قال حفص بن غياث: مررت بعليّان فسمعته يقول: من أراد سرور الدنيا وخزي الآخرة فليتمنّ ما هذا فيه. قال: فو الله لتمنيت أني متّ قبل أن ألي القضاء. «584» - قال الرضيّ: [من الكامل] للذلّ بين الأقربين مضاضة ... والذلّ ما بين الأباعد أروح وإذا رمتك من الرجال قوارص ... فسهام ذي القربى القريبة أجرح البس نسيج الذلّ إن ألبسته ... متململا وإناء قلبك يطفح ما دمت تنتظر العواقب لابدا ... لا تغتدي لعلا ولا تتروّح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 وضجيعك العضب الذي لا ينتضى ... وخليطك الزّور الذي لا يبرح واعلم بأنّ البيت إن أوطنته ... سجن وطول الهمّ غلّ يجرح أأخيّ لا تك مضغة مزؤودة [1] ... تنساغ ليّنة القياد وتسرح ألّا أبيت وأنت من جمراتها ... ومن العجائب جمرة لا تلفح كن شوكة يعيي انتفاش شباتها ... أو حمضة يشجى بها المتملّح وانفض يديك من الثراء فكم مضى ... من دون ثروته البخيل المصلح يبقى لوارثه كرائم ماله ... ولقد يرقّع عيشه ويرقّح قد ينتج المرء العشار بجدّه ... وسواه يعتام الفحول ويلقح   [1] ر: مزرودة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 نوادر من هذا الباب «585» - قال الشعبي: حضرت عبد الله بن الزبير وهو يخطب بمكة، فقال في آخر خطبته: أما والله لو كانت الرجال تصرف لصرّفتكم تصريف الذهب والفضة. أما والله لوددت أنّ لي بكلّ رجلين منكم رجلا من أهل الشام، بل بكلّ خمسة، بل بكلّ عشرة، فما بكم يدرك الثار، ولا بكم يمنع الجار. فقام إليه رجل من أهل البصرة فقال: ما نجد لنا ولك مثلا إلا قول الأعشى: [من البسيط] علّقتها عرضا وعلّقت رجلا ... غيري وعلّق أخرى ذلك الرجل علقناك وعلقت أهل الشام، وعلق أهل الشام بني مروان، فما عسينا أن نصنع [1] ؟!   [1] في ر م بعد هذا: آخر باب التقريع والتوبيخ ويتلوه [إن شاء الله تعالى] باب الوعيد والتحذير، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله وحده. وفي ر: بلغ مقابلة ولله الحمد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 الباب السّادس والعشرون الوعيد والتّحذير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 خطبة الباب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المطلوب ثوابه، المرهوب عذابه، الذي لا يفوت طلابه، ولا يؤمن عقابه، قرن الوعد بالوعيد ترغيبا وتحذيرا، وخوّف من النار موئلا ومصيرا، وبعث إلينا رسوله مبشّرا ونذيرا، فدعا إلى معالم الإيمان، وهدم دعائم الشرك والطغيان، وأمر بطاعة الرحمن، ونهى عن متابعة الشيطان، وقمع عبدة الطاغوت والأوثان، وأوجب به الحجة على الجاحدين، وأيقظ بدعوته قلوب الغافلين، حتى استقام عمود الإسلام وارتفع، ووضحت سبل الهدى واستبانت لمن اتبع. وصلّى الله عليه وعلى آله ما نجم نجم وطلع، وأضاء بارق [1] ولمع.   [1] ر: برق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 (الباب السادس والعشرون ما جاء في الوعيد والتحذير) 586- في كتاب الله تعالى من آيات [1] الوعيد والتحذير الكثير الجم، ومخرجها الوعظ والزجر، ونقتصر هنا على ما يحصل [2] معه الوفاء بقاعدة هذا المجموع: قال الله عزّ وجلّ: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ (آل عمران: 28، 30) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (ق: 45) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (الطور: 7- 8) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (الطور: 45) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ. وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (هود: 122) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً. وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (المزمل: 12- 13) . «587» - قال الأصمعي في قول الشاعر: [من البسيط] أحسنت ظنّك بالأيّام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر   [1] ر: آيات الله في. [2] ر م: يقع به. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر كأنه مأخوذ من قول الله عزّ وجلّ: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً (الأنعام: 44) . «588» - خطب عتبة بن أبي سفيان بمصر فقال: يا حاملي ألأم آناف ركّبت بين عرانين، إنّما قلّمت أظفاري عنكم ليلين مسّي إياكم، وسألتكم صلاح أمركم إذ كان فساده راجعا عليكم، فإن أبيتم إلّا الطّعن على الولاة والتعرّض للسيف فو الله لأقطعنّ على ظهوركم بطون السّياط، فإن حسمت داءكم وإلّا فالسيف من ورائكم. فكم من موعظة منّا لكم مجّتها قلوبكم، وزجرة صمّت عنها آذانكم، ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذا جدتم لنا بالمعصية، ولا أويسكم من مراجعة الحقّ إن صرتم إلى التي هي أبرّ وأتقى. «589» - قال أعرابي لرجل: ويحك إنّ فلانا وإن ضحك إليك فإنّ قلبه يضحك منك، وإن أظهر الشفقة عليك فإنّ عقاربه لتسري إليك. فإن لم تتخذه عدوّا في علانيتك، فلا تجعله صديقا في سريرتك. «590» - وحذر آخر رجلا فقال: احذر فلانا فإنه كثير المسألة، حسن البحث، لطيف الاستدراج، يحفظ أول كلامك على آخره، وباثّه مباثّة الآمن، وتحفّظ منه تحفّظ الخائف. واعلم أنّ من يقظة المرء إظهار الغفلة مع الحذر. «591» - قطع ناس من بني مخزوم الطريق فكتب إليهم الحجاج: أما بعد فقد استخفتكم الفتنة، فلا عن حقّ تقاتلون، ولا عن منكر تنتهون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 «592» - بلغ قتيبة بن مسلم أنّ سليمان بن عبد الملك يريد عزله واستعمال يزيد بن المهلّب، فكتب إليه ثلاث صحائف وقال للرسول: ادفع كتابي الأول إلى سليمان، فإن دفعه إلى يزيد بن المهلب فادفع إليه الثاني، فإن شتمني عند الثاني فادفع إليه الثالث. فدفع إليه الكتاب الأوّل فإذا فيه: إنّ بلائي في طاعة أبيك وأخيك كذا. قال: فرمى بالكتاب إلى يزيد، فأعطاه الثاني فإذا فيه: كيف تأمن يزيد على أسرارك وكان أبوه لا يأمنه على أمهات أولاده؟! قال: فشتمه فدفع إليه الكتاب الثالث، فإذا فيه: من قتيبة بن مسلم إلى سليمان بن عبد الملك، سلام على من اتّبع الهدى، أما بعد: فلأوثقنّ لك آخيّة لا ينزعها المهر الأرن. فقال سليمان: ما أرانا إلّا قد عجلنا على قتيبة. يا غلام، جدّد له عهده على خراسان. «593» - كتب إبراهيم بن العباس إلى أهل حمص: أما بعد فإنّ أمير المؤمنين يرى من حقّ الله سبحانه وتعالى عليه استعمال ثلاث يقدّم بعضهنّ على بعض: الأولى تقديم تنبيه وتوقيف، ثم ما يستظهر به من تحذير وتخويف، ثم التي لا ينفع لحسم الداء غيرها: [من الطويل] أناة فإن لم تغن أعقب بعدها ... وعيدا فإن لم يجد أغنت عزائمه ويقال: إن هذا أول كتاب صدر عن خليفة من بني العباس وفيه شعر. وقيل إنّ ابراهيم لم يعتمد أن يقول شعرا، ولكنه لما رآه موزونا تركه. 594- ولإبراهيم: [من السريع] يا أيها السادر في بغيه ... لم تخف الله وإرصاده إنّي من الله على موعد ... فيك ولن يخلف ميعاده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 «595» - وقال أيضا: [من المنسرح] إيها أبا جعفر فللدهر كر ... رات وعما يريب متّسع بعثت ليثا على فرائسه ... وأنت منها فانظر متى تقع لمّظته قوته وفيك له ... لو قد تقضّت أقواته شبع «596» - وقال: [من الطويل] أبا جعفر خف نبوة بعد دولة ... وعرّج قليلا عن مدى غلوائكا فإن يك هذا اليوم يوما حويته ... فإنّ رجائي في غد كرجائكا «597» - النجاشي الحارثي: [من البسيط] أبلغ شهابا أخا [1] خولان مألكة ... أنّ الكتائب لا يهزمن بالكتب تهدي الوعيد برأس السرو متكئا ... فإن أردت مصاع القوم فاقترب وإن تغب في جمادى عن وقائعنا ... فسوف نلقاك في شعبان أو رجب «598» - وفد الحتات المجاشعيّ عمّ الفرزدق على معاوية في وفد قومه، فخرجت جوائزهم، فانصرفوا، ومرض الحتات فأقام عند معاوية حتى مات، وأمر معاوية بماله فأدخل في [2] بيت المال، فخرج الفرزدق إلى معاوية وهو غلام،   [1] ر: أبا. [2] في: سقطت من ر م. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 فلما أذن للناس مثل ما بين السّماطين فقال: [من الطويل] أبوك وعمّي يا معاوي أورثا ... تراثا ويحتاز التراث أقاربه فما بال ميراث الحتات أكلته ... وميراث حرب جامد لك ذائبه فلو كان هذا الأمر في جاهليّة ... علمت من المولى القليل [1] حلائبه ولو كان هذا الأمر في ملك غيركم ... لأدّيته أو غصّ بالماء شاربه فقال له معاوية: من أنت؟ قال: أنا الفرزدق بن غالب، قال: ادفعوا إليه ميراث عمّه [2] الحتات، وكان ألف دينار، فدفع إليه. 599- قبيصة بن ذؤيب يقوله لامرىء القيس: [من الطويل] لعلّك أن تستوخم الورد أن غدت ... كتائبنا في مأزق الموت تمطر 600- لما قتل عبد الملك بن مروان مصعبا دخل الكوفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس إنّ الحرب صعبة مرّة، وإنّ السلم أمن ومسرّة، وقد زبنتنا [3] الحرب وزبنّاها، فعرفناها وألفناها، فنحن بنوها وهي أمنا. أيها الناس فاستقيموا على سبل [4] الهدى، ودعوا الأهواء المردية، وتجنّبوا فراق جماعة المسلمين، ولا تكلّفونا أعمال المهاجرين الأولين وأنتم لا تعملون أعمالهم، ولا أظنكم تزدادون بعد الموعظة إلّا شرّا، ولن نزداد بعد الإعذار إليكم والحجة عليكم إلا عقوبة، فمن شاء منكم أن يعود بعد لمثلها فليعد، فإنما مثلي ومثلكم كما قال قيس بن رفاعة: [من البسيط] من يصل ناري بلا ذنب ولا ترة ... يصل بنار كريم غير غدّار   [1] م: الحليل. [2] عمه: سقطت من م. [3] بهامش ر: يعني دفعتنا. [4] م: سبيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 وهي أبيات مختارة قد وردت في باب الفخر [1] . 601- لقي أبو عليّ البصير عليّ بن الجهم في بعض ما جرى بينهما، فقال له أبو علي: يا أبا الحسن لا تزد في أعدائك، فلعله أن يقع عليك مطبوع من الشعراء يسهل عليه من حوك القريض ما يعسر [2] على غيره. واعلم أنّ مع الملوك ملالة، فلا تأتهم من حيث لا يحبّون فينبو بك منهم المطمئن، فقال ابن الجهم: نصيحة، وإن كان مخرج الكلام مخرج تهدّد. «602» - نازع عبد الله بن الزبير مروان بن الحكم عند معاوية، فقال ابن الزبير: يا معاوية لا تدع مروان يرمي جماهير قريش بمشاقصه، ويضرب صفاتهم بمعوله، فإنه لولا مكانك لكان أخفّ على رقابنا من فراشة وريشة [3] نعامة، وأقلّ في نفوسنا من خشاشة؛ ولئن ملك أعنّة خيل تنقاد له ليركبنّ منك طبقا تخافه. فقال له معاوية: إن يطلب هذا الأمر فقد طمع فيه من هو دونه، وإن تركه تركه لمن هو فوقه؛ وما أراكم منتهين حتى يبعث الله عليكم من لا يعطف عليكم بقرابة، ولا يذكر كم عند ملمّة، ويسومكم خسفا، ويوردكم حتفا [4] . قال ابن الزبير: إذن والله نطلق عقال الحرب بكتائب تمور كرجل الجراد حافتاه الأسل، لها دويّ كدويّ الريح، تتبع غطريفا من قريش لم تكن أمّه براعية ثلّة. فقال معاوية: أنا ابن هند أطلقت عقال الحرب، فأكلت ذروة السنام، وشربت عنفوان المكرع، وليس للآكل إلّا الفلذة، ولا للشارب إلّا الرّنق. 603- من كلام ابن نصر الكاتب في التحذير: فكن- حرسك الله- لابسا   [1] انظر ما تقدم 3 رقم: 1062. [2] م: يصعب. [3] ر م: وريش. [4] ر م: ويغلظ عليكم حنقا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 جنّة التوقي والاحتراس، راصدا فرصة الوثبة والافتراس، غير مهوّن الأمر وإن دقّ خطبه، ولا مسترسل فيه وإن تضاءل خطره؛ فان الهفوات تهتدي جهة القارّ [1] الغافل، وتسري في محجّة الغارّ [2] الذاهل، فتتنكّب طريق العالم المستبصر، وتتجنّب سبيل الحازم المستظهر. «604» - المتنبي: [من البسيط] توهّم القوم أنّ العجز قرّبنا ... وفي التقرّب [3] ما يدعو إلى التّهم ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة ... بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم من اقتضى بسوى الهنديّ حاجته ... أجاب كلّ سؤال عن هل بلم هوّن على بصر ما شقّ منظره ... فإنما يقظات العين كالحلم ولا تشكّ إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم وكن على حذر للناس تستره ... ولا يغرّك منهم ثغر مبتسم «605» - أنشد الجاحظ: [من الرجز] القوم أمثال السّباع فانشمر ... فمنهم الذئب ومنهم النّمر والضبع الغثراء والليث الهمر [4] 606- آخر: [من الكامل] فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطنين أجنحة الذباب يضير   [1] م: الغار. [2] ر م: القار. [3] ر م: التوهم. [4] الحيوان: العرجاء ... الهصر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 «607» - أوس بن حجر: [من الطويل] رأيت بريدا يدّريني بعينه ... تشاوس رويدا إنني من تأمّل «608» - كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أهل البصرة: فإن خطت بكم الأهواء المردية والآراء الجائرة إلى منابذتي وخلافي فها أناذا قد قرّبت جيادي، ورحلت ركابي؛ ولئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم [1] الجمل إليها إلّا كلعقة لاعق، مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله، ولذي النّصيحة حقّه، غير متجاوز متّهما إلى بريّ، ولا ناكثا إلى وفيّ. «609» - قطع على قوم بالبادية فكتب الحجاج إلى عمرو بن حنظلة: أما بعد فإنكم أقوام قد استخفتكم هذه الفتنة فلا على حقّ تقيمون، ولا عن [2] باطل تمسكون، وإني أقسم بالله لتأتينكم مني خيل تدع أبناءكم يتامى، ونساءكم أيامى، ألا وأيما رفقة مرّت بأهل ماء [3] فأهل الماء ضامنون لها حتى تأتي الماء الآخر. فكانت الرفقة إذا وردت أهل الماء أخذوها حتى يوردوها الماء الآخر. «610» - بلغ داود بن علي أنّ أهل المدينة ينقمون عليه قتله من قتل من بني   [1] م: وقعة. [2] م: على. [3] م: مرت بماء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 أمية، وبسط ألسنتهم بما يكره من ذكره، فنادى في أهله: الصلاة جامعة. فاجتمعوا وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلم ثم قال: يا أيها الناس النوّام، حتى متى يهتف بكم صريخكم؟ أما آن لراقدكم أن يهبّ من رقدته؟ بل هم كما قال الله عزّ وجلّ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين: 14) . أغرّكم [1] الإمهال حتى خلتموه الإهمال، أيهات منكم وكيف بكم والسوط لفا [2] والسيف مشيم؟ لا والله لا تنفرون من سنتكم حتى يجوس أولياب الله بسيوفهم خلال دياركم: [من الكامل] حتى تبيد قبيلة وقبيلة ... ويعضّ كلّ مذكّر بالهام يخرجن ربّات الخدور حواسرا ... يمسحن عرض ذوائب الأيتام معاشر السبابة [3] ، فاقبلوا العافية قبل نزول البلايا بسيوف المنايا. ثم نزل. 611- معاذ بن كليب الخويلدي: [من الطويل] فلا تحسبنّ الدّين يا غلب منسيا ... ولا الثائر الحران [4] ينسى التقاضيا «612» - الأخطل: [من البسيط] حتى استكانوا وهم مني على مضض ... والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر 613- مالك بن الرّيب: [من الطويل] فشأنكم بي يا آل مروان فاطلبوا ... سقاطي فما فيه لباغيه مطمع   [1] ر ب: أذلكم. [2] العقد: في كفي. [3] ر: السبائية؛ م: الشباب. [4] ر: الحيران. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 وما أنا كالعير المقيم لأهله ... على القيد في بحبوحة الضيم يرتع فلولا رسول الله إذ كان منكم ... تبيّن من بالنّصف يرضى ويقنع «614» - بعض العلوية: [من الوافر] أرى نارا تشبّ بكلّ واد ... لها في كلّ ناحية شعاع وقد رقدت بنو العبّاس عنها ... وباتت وهي آمنة رتاع كما رقدت أميّة ثم هبّت ... لتدفع حين ليس بها دفاع 615- تسابّ بدويّان فقال أحدهما لصاحبه: أراك والله تعطس عن أنف طالما جدع على الهوان، فقال صاحبه: والله لئن لم تكفّ عني شرّ [1] لسانك، ولم تستر دوني عورة سبّك، لأصدعن صفاتك بمعول لا ينبو عن مضربه، ولأحصدنّ رأسك بمنجل لا ينثني عن مأخذه. فقال له الأول: لا تسعّر نارنا، ولا تطلب عوارنا [2] ، فإنّ سفه الجاهل بلسانه، وسفه النّسيب في يده، وكأني بك وقد وعيت منّي كلاما يمنعك الشراب البارد، ويشمت بك الصادر والوارد، وقلّ من تمرّد على العافية إلّا تمرد عليه [3] البلاء. فانقلب عنه مغيظا يهمهم. 616- سوّار بن مضرّب: [من الطويل] أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا   [1] ب: شدة. [2] ر: عواثرنا. [3] م: على. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 617- أبو نهشل ابن حميد الطائي: [من الوافر] أما والراقصات بذات عرق ... وربّ الركن والبيت العتيق لقد أطلعت لي تهما أراها ... ستحملني على مضض العقوق 618- سويد بن منجوف: [من الوافر] فأبلغ مصعبا عني رسولا ... وهل يلفى النصيح بكلّ واد تعلّم أنّ أكثر من تناجي ... وإن ضحكوا إليك هم الأعادي 619- وقع الطاعون بالكوفة فخرج في من خرج صديق لشريح فكتب إليه: أما بعد فإنك والمكان الذي أنت به بعين من لا يعجزه هرب، ولا يفوته طلب، وإنّ المكان الذي خلّفته لا يعجل أحدا إلى حمامه، ولا يظلمه شيئا من أيامه. وأنا وإياكم لعلى بساط واحد، وإنّ النجف من ذي قدرة لقريب. 620- ابن ميمون الأنباري الكاتب: [من السريع] يا وزراء الملك لا تفرحوا ... أيامكم أقصر أيّام وزارة مختصر عمرها ... أطولها يقصر عن عام 621- نظر الفضل بن مروان في رقاع الناس فإذا رقعة فيها: [من الطويل] تعزّزت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك مات الفضل والفضل والفضل ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادتهم الأقياد والحبس والقتل وإنك قد أصبحت للناس ظالما ... ستودي كما أودى الثلاثة من قبل يعني الفضل بن يحيى والفضل بن الربيع والفضل بن سهل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 622- أعرابي يقوله لوال: ما أطول سكر كأس شربها، ولما يخاف من عاقبتها أشدّ سكرا، ولئن كانت الدنيا مشغولة به ليوشك أن تكون فارغة منه حيث لا ترجى له أوبة، ولا تقبل منه توبة. «623» - ابن نباتة: [من المتقارب] فلا تحقرنّ عدوّا رماك ... وإن كان في ساعديه قصر فإنّ السيوف تجذّ الرقاب ... وتعجز عما تنال الإبر 624- آخر: [من المنسرح] لا تحقرنّي فربما نفذت ... في ردم يأجوج حيلة الجرذ «625» - الرضيّ: [من الطويل] حذار فإنّ الليث قد فرّ نابه ... وقد أوتر الرامي المصيب فأنبضا «626» - وقال: [من المتقارب] وصلعاء من مظلمات الخطو ... ب عمياء ليس لها مطلع يكاد وجيب قلوب الرجا ... ل من خوف مكروهها يسمع «627» - وقال: [من السريع] هيهات لا يرجو لها رقعة ... أثأى عليك الخرق يا راقع «628» - وقال: [من الطويل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 حذار بني العنقاء من متطاول ... إلى الحرب لا يخشى جناية جان فهذا وعيد سطوتي من ورائه ... وعنوان ناري أن يبين دخاني فلا تحسب الأعداء كيدي غنيمة ... ولا أنني في الشرّ غير معان فإني بحمد الله أقوى على الأذى ... وأنمي على البغضاء والشنآن «629» - وقال أيضا: [من الكامل] لا تدنينّ مواربين دعوتهم ... يوم الطعان فسوّفوك إلى الغد تركوا القنا تهفو إليك صدوره ... والقوم بين مهلّل ومعرّد حتى اتّقّوا بك ثمّ فاغرة الردى ... فنجوا وأنت على طريق المزرد قذفوك في غمّائها وتباعدوا ... عنها وقالوا قم لنفسك واقعد قطع الزمان قبال نعلك فانتعل ... أخرى تقيك من العثار وجدّد «630» - وقال: [من الخفيف] ربّ قول نمى إليّ وعزمي ... غافل والهموم عنّي نيام وتعرّفت قائليه ولكن ... آه لو كان في يميني حسام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 نوادر من هذا الباب 631- أغارت عكل على إبل لبني حنظلة، فاستغاثوا باسحاق بن إبراهيم، فكتب إلى عامله كتابا فخرج الحنظليّ وخرّق الكتاب وقال: [من الطويل] جعلتم قراطيس العراق سيوفكم ... ولن يقطع القرطاس رأس المكابر وقلتم خذوا البرّ التقيّ فإنه ... أقلّ امتناعا واتركوا كلّ فاجر فرحنا بقرطاس طويل وطينة ... وراحت بنو أعمامنا بالأباعر 632- تزوج سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بنت سفيان بن معاوية ابن يزيد بن المهلب، وكان قد تزوّجها قبله رجلان فدفنتهما فكتب إليه أبو عيينة المهلبي: [من الوافر] رأيت أثاثها فرغبت فيه ... فكم نصبت لغيرك بالأثاث إلى دار المنون فجهّزتهم ... تحثهم بأربعة حثاث فصيّر أمرها بيدي بنيها ... وعيشك من حبالك بالثلاث وإلا فالسلام عليك مني ... سأبدأ من غد لك بالمراثي م: آخر باب الوعيد والتحذير ويتلوه إن شاء الله تعالى باب النعوت والصفات، والحمد الله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد النبي [وآله الطاهرين] وسلم [تسليما كثيرا إلى يوم الدين] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 الباب السّابع والعشرون في الأوصاف والنعوت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 خطبة الباب بسم الله الرحمن الرحيم ربّ يسّر وأعن الحمد لله المستعلي عن الشبيه والنظير، المستغني عن المشير والظهير، البعيد بجلاله وكبريائه، القريب بعطفه على أوليائه، السميع بلا جارحة واعية، البصير الذي لا تخفى عنه خافية. أحمده على صدق اليقين، وأسأله شكر الموحدين المتقين، وأستمده الرشاد والهداية، وأومن بالإعادة كما كانت منه البداية، وأعوذ به أن أتّخذ الهوى إلها، وأن أجعل له أندادا وأشباها. والصلاة على نبينا المصطفى، ورسوله المجتبي، المبعوث جلاء للأفهام من صدأ الارتياب، وشفاء للأوهام من علل الشبهات والأوصاب، وعلى آله مصابيح كلّ ليل داج مظلم، ومفاتيح كلّ مشكل مستبهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 (الباب السابع والعشرون في الأوصاف والنعوت) 633- في الكتاب العزيز روائع من التشبيهات، وبدائع من الأوصاف، وأنا ألمّ بذكر شيء منها ثم أعود إلى أنواع ما جاء في هذا المعنى مضيفا كل معنى إلى جنسه. فمن ذلك قوله تعالى في صفة الأفعال: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ (ابراهيم: 18) . وقوله عزّ وجلّ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور: 39) وقوله عزّ وجلّ: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس: 39) وقوله سبحانه وتعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ (النور: 35) . 634- ويشتمل هذا الباب على أربعين نوعا: الخيل وما يتبعها. وصف البغال والحمير. الإبل. الفيل. الأسد. وحش الفلاة وسباعها. القنص وآلاته وأماكنه من الحيوان. الطير. أنواع شتى من الحيوان. الحية. الهوام والحشرات. النساء: لباسهن وزينتهنّ. الغلمان السودان. السماء والنجوم وما يتعلق بها. الليل والصبح وما جاء في طول الليل وقصره. السحاب والغيث وما كان منهما. الرياح. الخصب والمحل. المياه والغدران والأنهار. السفن والبحر. الرياض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 والأزهار. النخل والشجر. الحرب والجيش. السلاح والجنن. أنواع القتل والجراح. الأبنية والمعاقل. الديار والرسوم. الفلاة. السير والسرى. البيان والمحاورة. القوافي. الكتاب والقلم وآلاتهما. النار والحر وما يتنوع منهما. القر والصلا. المآكل والأكول. القدر. الملاهي. الشواذ. النوادر. وصف الخيل «635» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: الخيل معقود في نواصيها الخير. وخصّ الناصية من بين سائر الأعضاء لأنّ العرب تقول: فلان مغضور الناصية أي مباركها. «636» - وقال صلّى الله عليه وسلم، وذكر الخيل: بطونها كنز وظهورها حرز [1] . «637» - وروي عن مكحول قال: سبق رسول الله صلّى الله عليه وسلم على فرس فجثا على ركبتيه وقال: إنه لبحر. فقال عمر، رضي الله عنه: كذب الحطيئة حيث يقول: [من الطويل] وإنّ جياد الخيل لا تستفزنا ... ولا جاعلات الرّيط فوق المعاصم 638- وقد أمر الله عزّ وجلّ بإعدادها إرهابا لأعدائه. وكانت العرب تفتخر بارتباطها وتراه من أسرى مآثرها وتجيع لها العيال. والأخبار في ذلك تجيء في أماكنها. وهذا موضع إثبات ما جاء في أوصافها من معنى بديع ولفظ بليغ.   [1] خ بهامش ر: عز. 16 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 «639» - والمقدم في ذلك قول امرىء القيس، وليس إخلاقه بتداول الألسن بمانعه من هذه الرتبة: [من الطويل] وقد أغتدي والطير في وكناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطّه السيل من عل له أبطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل «640» - وقال بشر بن أبي خازم الأسديّ يصف جملة خيل: [من الوافر] متى ما أدع في أسد تجبني ... على خيل مسوّمة صيام تراها نحو داعيها سراعا ... كما انسلّ الفريد من النظام «641» - وقال الأسعر بن أبي حمران الجعفيّ: [من الكامل] باعوا جوادهم لتسمن أمهم ... ولكي يعود على فراشهم فتى لكن قعيدة بيتنا مجفوّة ... باد جناجن صدرها ولها غنى [1] تقفى بغيبة أهلها وثابة ... أو جرشع عبل المحازم والشّوى [2] ولقد علمت على تجشّمي الرّدى ... أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى راحوا بصائرهم على أكتافهم ... وبصيرتي يعدو بها عتد وأى [3]   [1] الجناجن: عظام الصدر؛ ولها غنى: أي عندها ما يكفيها من طعام. [2] تقفى: تؤثر؛ الجرشع: المنتفخ الجنبين؛ الشوى: الأطراف؛ ب م: تقفى بعيشه. [3] البصيرة: الدم، أي نسوا الثأر؛ العتد: الفرس التام الخلق؛ الوأى: الطويل (وفي شرح هذا البيت اجتهادات كثيرة) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 نهد المراكل مدمج أرساغه ... عبل المعاقم لا يبالي ما أتى إني وجدت الخيل عزّا ظاهرا ... تنجي من الغمّى ويكشفن الدجى ويبتن بالثغر المخوف طليعة ... ويبتن للصعلوك جمّة ذي الغنى يخرجن من خلل الغبار عوابسا ... كأصابع المقرور أقعى فاصطلى «642» - وقال مزرّد بن ضرار أخو الشمّاخ: [من الطويل] وعندي إذا الحرب العوان تلقّحت ... وأبدت هواديها الخطوب الزلازل أجشّ صريحيّ كأنّ صهيله ... مزامير شرب جاوبتها جلاجل [1] متى ير مركوبا تقل باز قانص ... وفي مشيه عند القياد تساتل [2] تقول إذا أبصرته وهو صائم ... خباء على نشز أو السّيد ماثل خروج أضاميم وأحصن معقل ... إذا لم يكن إلا الجياد معاقل [3] يرى طامح العينين يرنو كأنه ... مؤانس ذعر فهو بالأنس خاتل وصمّ الحوامي ما يبالي إذا عدا ... أوعث نقا عنّت له أم جنادل [4] «643» - وقال جرير يصف حالا منها: [من الكامل] وطوى الطراد مع القياد بطونها ... طيّ التّجار بحضرموت برودا «644» - وقيل لأعرابي: كيف عدو فرسك؟ فقال: يعدو ما وجد أرضا.   [1] صريحي: منسوب إلى فحل اسمه صريح. [2] تساتل: تتابع. [3] الأضاميم: جماعات الخيل؛ المعقل: موطن الاحتراز؛ أي هو نسيج وحده بين سائر الخيل. [4] أي حوافره صمّ الحوامي، والحوامي: جوانب الحوافر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 «645» - وقال زهير بن أبي سلمى: [من الطويل] صبحت بمشتدّ النواشر سابح ... ممرّ أسيل الخدّ نهد مراكله أمين شظاه لم يخرّق صفاقه ... بمنقبة ولم تقطّع أباجله إذا ما غدونا نبتغي الصيد مرّة ... متى نره فإننا لا نخاتله فبتنا عراة عند رأس جوادنا ... يزاولنا عن نفسه ونزاوله فنضربه حتى اطمأنّ قذاله ... ولم يطمئنّ قلبه وخصائله النواشر: عروق الذراع، واحدها ناشرة، والنهد: الضخم، والممر: المفتول، والشظا: عظم ملصق بالذراع، وبعضهم يقول: الشظا: انشقاق العصب. والصفاق: الجلدة السفلى تحت الجلد الذي عليه الشعر. المنقب: حيث ينقب البيطار من البطن، والمنقبة حديدة ينقب بها البيطار، وتقال منقبة بكسر الميم، والخصائل جمع خصيلة وكلّ لحمة في عصبة خصيلة. «646» - وقال زهير أيضا: [من الكامل المرفل] ولقد غدوت على القنيص بسابح ... مثل الوذيلة جرشع لأم قيد الأوابد ما يغيّبها ... كالسّيد لا ضرع ولا قحم صعل كسافلة القناة من ال ... مرّان ينفي الخيل بالعذم الوذيلة: الفضة شبّه بريقه وصفاءه بها، والجرشع: الضخم الجنبين [واللأم: الملتئم الشديد] والسيد: الذئب، والضّرع: الصغير السنّ. القحم: الكبير. والصّعل: الدقيق العنق الصغير الرأس. والمران: شجر تتّخذ منه الرماح. والعذم: العض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 «647» - وقال آخر: [من الرجز] جاء كلمع البرق جاش ماطره ... تسبح أولاه ويطفو آخره فما يمسّ الأرض منه حافره «648» - وصف عبد الحميد فرسا ركبها فقال: همّها أمامها، وسوطها عنانها، وما ضربت قطّ إلّا ظلما. «649» - وصف ابن القرّيّة فرسا أهداه الحجاج إلى عبد الملك بن مروان فقال: قد وجّهت إليك بفرس أسيل الخدّ، حسن القدّ، يسبق الطّرف، ويستغرق الوصف. «650» - وقال عبد العزيز الحمصي [في] وصف فرس [1] : كأنه إذا علا دعاء، وإذا هبط قضاء. «651» - وقال النجاشي الحارثي: [من الطويل] ونجّى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجشّ هزيم والرماح دواني من الأعوجيّات الطوال كأنّه ... على شرف التقريب شاة إران شديد على فأس اللجام شكيمه ... يفرّج عنه الرّبو بالعسلان كأنّ عقابا كاسرا تحت سرجه ... يحاول قرب الوكر بالطّيران إذا قلت أطراف العوالي ينلنه ... مرته به السّاقان والقدمان   [1] م: يصف فرسا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 إذا ابتلّ بالماء الحميم رأيته ... كقادمة الشّؤبوب ذي النفيان كأنّ جنابي سرجه ولجامه ... من الماء ثوبا ماتح خضلان جزاه بنعمى كان قدّمها له ... بما كان قبل الحرب غير مهان «652» - وقال أبو تمام في وصف فرس أصفر: [من المنسرح] يكاد يجري الجاديّ من ماء عطفي ... هـ ويجنى من متنه الورس هذّب في جنسه ونال المدى ... بنفسه فهو وحده جنس ضمّخ من لونه فجاء كأن ... قد كشّفت في أديمه الشمس «653» - وقال البحتريّ في مثله: [من الخفيف] شية تخدع العيون ترى أن ... ن عليه منها سحالة تبر صبغة الأفق بين آخر ليل ... منقض شأنه وأول فجر «654» - وقال أبو تمام: [من السريع] ترى رزان القوم قد أسمحت ... عيونهم في حسنه فهي شوس كأنما لاح لهم بارق ... في المحل أو زفّت إليهم عروس سام إذا استعرضته زانه ... أعلى رطيب وقرار يبيس كأنما خامره أولق ... أو غازلت هامته الخندريس عوّذه الحاسد بخلا به ... ورفرفت خوفا عليه النفوس «655» - وقال البحتري وكان وصّافا للخيل: [من الكامل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 أمّا الجواد فقد بلونا يومه ... وكفى بيوم مخبرا عن عامه جارى الجياد فطار عن أوهامها ... سبقا وكاد يطير عن أوهامه جذلان تلطمه جوانب غرّة ... جاءت مجيء البدر عند تمامه واسودّ ثم صفت لعيني ناظر ... جنباته فأضاء في إظلامه مالت نواحي عرفه فكأنّها ... عذبات أثل مال تحت حمامه وكأنّ فارسه وراء قذاله ... ردف فلست تراه من قدّامه لانت معاطفه فخيّل أنه ... للخيزران مناسب بعظامه في شعلة كالشيب مرّ بمفرقي ... غزل لها عن شيبه بغرامه وكأنّ صهلته إذا استعلى بها ... رعد يقعقع في ازدحام غمامه مثل الغراب مشى يباري صحبه ... بسواد صبغته وحسن قوامه والطّرف أجلب زائر لمؤونة ... ما لم تزره بسرجه ولجامه «656» - وقال يستهدي ابن حميد فرسا: [من الكامل] فأعن على غزو العدوّ بمنطو ... أحشاؤه طيّ الكتاب المدرج إما بأشقر ساطع أغشى الوغى ... منه بمثل الكوكب المتأجّج متسربل شية طلت أعطافه ... بدم فما يلقاك غير مضرّج أو أدهم صافي السواد كأنه ... تحت الكميّ مظهّر بيرندج ضرم يهيج السّوط من شؤبوبه ... هيج الجنائب من حريق العرفج خفّت مواقع وطئه فلو آنه ... يجري برملة عالج لم يرهج أو أشهب يقق يضيء وراءه ... متن كمتن اللجة المترجرج يخفي الحجول ولو بلغن لبانه ... في أبلق متألق كالدّملج أوفى بعرف أسود متغرّب ... فيما يليه وحافر فيروزجي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 أو أبلق يلقى العيون إذا بدا ... من كلّ لون معجب بنموذج أرمي به شوك القنا وأردّه ... كالسّمع أثّر فيه شوك العوسج «657» - وقال: [من الكامل] وأغرّ في الزمن القديم محجّل ... قد رحت منه على أغرّ محجل كالهيكل المبنيّ إلّا أنّه ... للحسن جاء كصورة في هيكل ذنب كما سحب الرداء فذبّ عن ... عرف وعرف كالقناع المسبل تتوهّم الجوزاء في أرساغه ... والبدر غرّة وجهه المتهلّل صافي الأديم كأنما عنيت به ... لصفاء نقبته مداوس صيقل وكأنما نفضت عليه صبغها ... صهباء للبردان أو قطربّل وتخاله كسي الخدود نواعما ... مهما تواصلها بلحظ تخجل ملك العيون فإن بدا أعطيته ... نظر المحبّ إلى الحبيب المقبل هزج الصهيل كأنّ في نغماته ... نبرات معبد في الثقيل الأوّل «658» - وقال ابن المعتز: [من الرجز] أسرع من ماء إلى تصويب ... ومن وقوع لحظة المريب ومن نفوذ الفكر في القلوب «659» - وقال: [من الرجز المجزوء] قد ضحكت غرّته ... في موضع التقطيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 «660» - وقال أبو الفرج الببغا: [من الكامل] إن لاح قلت أدمية أم هيكل ... أو عنّ قلت أسابح أم أجدل تتخاذل الألحاظ في إدراكه ... ويحار فيه الناظر المتأمّل فكأنه في اللطف فهم ثاقب ... وكأنه في الحسن حظّ مقبل «661» - وقال محمد بن هانىء وأغرق في المبالغة: [من الكامل] عرفت بساحة سبقها لا أنها ... علقت بها يوم الرهان عيون فأجلّ علم البرق فيها أنها ... مرّت بجانحتيه وهي ظنون «662» - ويستحبّ العرب في الخيل أن يطول بطنه، ويقصر ظهره، ويشرف منسجه، وتعرض أوظفة رجليه، وتحدب أوظفة يديه، ويدقّ زوره وهو الصدر، وتعظم بركته، والبركة عظم الصدر وما عليه من اللحم، فإذا أسقطوا الهاء فتحوا الباء فقالوا بركا، وكان يقال لزياد أشعر بركا، وكان كثير شعر الصدر، وأن يرهل منكباه، ويتسع جلده، ويرق أديمه، وتقصر شعرته، ويطول عنقه، ويعرض منخره، ويدق مذبحه، ويلهز ماضغه، أي يغلظ فيكثر عصبه؛ وأن يعرض خدّاه، ويرقّ مستطعمه أي جحافله، ويتسع منخره، ويرحب شدقاه، ويجشع حجاجه، ويحد كعبه وطرفه وعرقوبه، وتؤلّل أذنه، وتتسع ضلوعه، وتقصر طفطفته، ويعرض كتفه ووركه وجبهته، ويلحب متنه فيقلّ لحمه وتظمأ فصوصه، وتتمحص قوائمه، وتمكن أرساغه، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 ويشتد صهيله، ويضحى عجانه، أي يظهر؛ وتحبط قصيراه، وهي آخر الأضلاع أي ينتفج جنباه، ويشرف عنقه، والتحنيب في الرجلين شبه الرّوح، وهو أن يكون فيهما ميل إلى وحشيّهما. ويستحب طول الوظيفين في الرجلين، وقصر الوظيفين في اليدين. ويكره في الخيل الهضم وهو اضطمار الجنبين، والقنا وهو احديداب الأنف، وعظم الزور، وقصر العصبة، وغلظ العنق، واضطراب الأذن، وطول الشعر، وكثرة لحم المتن، وقصر الضلع، وطول العسيب، وضيق الجلد على الكتف، وضيقه على العضد، وغلظ الذّفرى والجحفلة، وكثرة لحم الوجه، واستدارة القوائم، واصطراب الحوافر ورححها، واستواء مقدّمه ومؤخره، وظهور النسور، وقلة الدماع، وضعف الضرس، واصطرار المتن، ودنوّ الصدر من الأرض، ونكس الجاعرة، وطمأنينة القطاة، وضيق الشدق، وانمساخ الحماة [1] ، أي اضطمارها؛ وموج الرّبلة، وطول النّسا، والفحج الفاحش، والبدد في اليدين، وهو تباعد ما بين الركبتين والاقعاد في الرجلين، وهو أن تفرش جدا فلا ينتصب، ويقال مفروش الرجلين، والعزل وهو ميل في الذنب في أحد الشقّين. وهذا القدر كاف ليعرف المحمود منها فتصفه والمذموم فتجتنبه، ولا نتعداه إلى ذكر أنساب الخيل، وأسماء المشهورة منها، وأنواع مشيها وجريها، والعيوب في كل عضو من أعضائها، وأصناف ألوانها وشياتها وأسنانها، فنخرج عن فنّ الكتاب ومقصده. ونعود إلى ما قيل في وصفها: «663» - قال ابن نباتة السعدي: [من الكامل]   [1] بهامش ر: الحماتان: اللحمتان في عرض الساق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 يا أيها الملك الذي أخلاقه ... من خلقه ورواؤه من رائه قد جاءنا الطّرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه أولاية أوليتنا فبعثته ... رمحا سبيب العرف عقد لوائه تختال منه على أغرّ محجّل ... ماء الدياجي قطرة من مائه وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتصّ منه وخاض في أحشائه متهللا متمهلا والبرق من أسمائه ... متبرقعا والحسن من أكفائه ما كانت النيران يكمن حرّها ... لو كان للنيران بعض ذكائه لا تعلق الألحاظ في أعطافه ... إلا إذا كفكفت من غلوائه فهناك تنتهب العيون كأنما ... وقف الوجيه عليه من آبائه لا يكمل الطّرف المحاسن كلّها ... حتى يكون الطّرف من أسرائه 664- اشترى شاب من العرب فرسا فجاء إلى أمه وقد كفّ بصرها فقال: يا أماه، قد ابتعت فرسا. قالت: صفه لي، قال: إذا استقبل فظبي ناصب، وإذا استدبر فهقل خاضب، وإذا استعرض فسيّد قارب، مؤلّل المسمعين، طامح الناظرين، مذعلق الصّبيين. قالت: أجودت إن كنت أعربت، قال: إنه مشرف التليل، سبط الخصيل، وهواه الصّهيل، قالت: أكرمت فارتبط. الهقل: الذكر من النعام، والأنثى هقلة. والخاضب: الذي أكل الربيع فاحمرت ظنبوباه وأطراف ريشه. والسيد: الذئب، ومؤلل: محدّد، وطامح: مشرف، والذعلوق: نبت يشبه الكراث يلتوي وهو طيب للأكل. والصبيان: مجتمع لحييه من مقدميهما. قال أبو عبيدة: الصبيان العظمان المنحنيان من حرفي وسط اللحيين من ظاهرهما عليهما لحم، والحصيل: كلّ ما انماز من لحم الفخذ بعضه من بعض، والوهوهة: صوت تقطعه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 «665» - وقال شاعر: [من الخفيف] فوق طرف كالطّرف في سرعة الشّد ... د وكالقلب قلبه في الذكاء ما تراه العيون إلا خيالا ... وهو مثل الخيال في الإنطواء «666» - وقال عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي: [من الطويل] بيوم تسامى فيه ورد مسوّم ... وأشقر يعبوب وسابحة حجر ودهم كأنّ الليل ألقى رداءه ... عليها فمرفوع النواحي ومنجرّ وقبّلها ضوء الصباح كرامة ... فهنّ إلى التحجيل مرثومة غرّ وبلق تقاسمن الدجنّة والضّحى ... فمن هذه شطر ومن هذه شطر ولاحقة الأقراب لو جازت الصّبا ... كبت خلفها واعتاق ريح الصّبا حسر كرائم مكتوم أبوها ومذهب ... يلوح عليهنّ المشابه والنجر مجزّعة غرّ كأنّ جلودها ... تجزّع فيها اللؤلؤ الرطب والشذر وصفر كأنّ الزعفران خضابها ... وإلا فمن ماء العقيق لها قشر وشهب من اللجّ استعيرت متونها ... ومن طرر الأقمار أوجهها القمر إذا هزّها مشي العرضنة عارضت ... قدود العذارى هزّ أعطافها السكر سوابق بشّرن الربيع منوّرا ... عليك يباهيه ربيعك والنشر «667» - وقال ابن ميخائيل المغربي: [من الكامل] ولقد ذعرت الوحش وهي كوانس ... بوثيق أوظفة اليدين إذا ارتمى من نسل أعوج هجته فكأنما ... حاولت برقا لاح أو غيثا همى ذي غرّة محفوفة بسواده ... كالنجم أشرق في ظلام أدهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 يجري لغاية ما أريد كأنه ... علم المراد فما يريد معلّما 668- وقال غيلان بن الحريث: [من الرجز] قد أغتدي والليل داج ستره ... والصبح قد كادت تضيء طرره بأعوجيّ حسن معذّرة ... مرتفع الحارك وحف عذره [1] يكاد مما يزدهيه أشره ... يطير لولا أننا نوقّره «669» - جاءت فرس لهشام سابقة، فأمر الشعراء أن يقولوا فيها، فاستمهلوا، فقال أبو النجم: هل لك في من ينقدك إذا استنسأوك؟ قال: هات، فقال: [من الرجز] أشاع للغرّاء فينا ذكرها ... قوائم عوج أطعن أمرها ملبوّة [2] شدّ المليك أسرها ... أسفلها وبطنها وظهرها يكاد هاديها يكون شطرها «670» - وقال محمد بن هانىء: [من الكامل] إن شيم أقبل عارضا متهللا ... أو ريع أقبل خاضبا إجفيلا صلتان يعنف بالبروق لوامعا ... ولقد يكون لأمّهنّ سليلا يستغرق الشأو البعيد معنّقا ... ويجيء سابق حلبة مشكولا ونتبع هذا الفصل ما جاء في:   [1] بهامش ر: خصل العرف (يعنى العذر) . [2] ر: ملبونة؛ م: ملمومة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 2- وصف البغال والحمير «671» - قال البحتري يذكر بغلا: [من الكامل] وأقبّ نهد للصواهل شطره ... يوم الفخار وشطره للشحّج خرق يتيه على أبيه ويدّعي ... عصبيّة لبني الضّبيب وأعوج مثل المذرّع جاء بين عمومة ... في غافق وخؤولة في الخزرج «672» - وقال الحطيئة في حمار: [من الطويل] رباع أبوه أخدريّ وأمّه ... من الحقب فحّاش على العرس باسل «673» - عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي يصف حمار الوحش: [من الطويل] وأخرج صلصال لأخدر ينتمي ... أمين الفصوص لم يدمّث [1] له ظهر كأنّ العيون النّجل صيغت بجلده ... رأت رقباء فهي مشطورة خزر تولّع منها الجلد حتى كأنما ... صباح وليل فيه حطّهما قدر تعاطى لباس الخيل فاختال راكضا ... له حلّة لا تدّعي لبسها الحمر كأنّ الحجار الصلّبيّة قدّرت ... فجاءت لها وفقا حوافره الحفر إذا اختال واستولى به رديانه ... توالى صفير منه ترجيعه نبر «674» - وقال بعضهم: إذا اشتريت بغلة فاشترها طويلة العنق- تجده   [1] ر: يديث. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 في نجائها، مشرفة الهادي- تجده في طاعتها، مجفرة الجوف- تجده في صبرها. «675» - كان خالد بن صفوان والفضل بن عيسى الرقاشي يختاران ركوب الحمار ويجعلان أبا سيّارة الذي يضرب المثل بحماره فيقال: أصحّ من عير أبي سيارة قدوة لهما وحجة. وقيل للفضل لم تركبه؟ فقال: لأنه أقلّ الدوابّ مؤونة، وأكثرها معونة، وأسلمها جماحا، وأخفضها مهوى، وأقربها مرتقى، يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويدعى مقتصدا وقد أسرف في ثمنه، ولو شاء أبو سيارة لركب جملا مهريّا أو فرسا عربيّا ولكنه امتطى عيرا أربعين سنة. وقال خالد بن صفوان: عير من نسل الكداد، أصحر السّربال، محملج القوائم، مفتول الأجلاد، ويحمل الرحلة، ويبلّغ العقبة، ويقلّ داؤه، ويخفّ دواؤه، ويمنعني أن أكون جبارا عنيدا، ولولا ما في الحمار من المنافع ما امتطاه أبو سيارة أربعين سنة. فعارضهما أعرابي فقال: الحمار إن ركبته أدلى، وإن تركته ولّى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى الغرارة، بطيء في الغارة، لا ترقأ به الدماء، ولا تمهر به النساء، ولا يحلب في الإناء. 3- صفات الإبل 676- قال عبدة بن الطبيب: [من الطويل] وقام إلى وجناء كالفحل حرّة ... بثني زمام بعد ما كاد يشرق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 رجيع براها الكور إلا جناجنا ... فقد جعلت في صفرة النّسع تقلق لها عجز كالباب سدّ رتاجه ... يطوف به بوّابه وهو مغلق وزور كطيّ البئر جأب ضلوعه ... وإبط ودفّ كالخليط ومرفق ومستنتل كالكور فعم يزينه ... دسيع بصفقيه ودأي موثّق المستنتل: المتقدم، يعني متقدّم سنامها وفعم ممتلىء، والدسيع: مغرز العنق في الزور، وصفقاه: جانباه. وأتلع فيه بالزمام نحيله ... يضايقه منها إذا شاء مصدق وساجيتان يطحران قذاهما ... ووجه عليه نقبة العنق تبرق النقبة: ها هنا الأثر، وهي في غير هذا اللون، وهي الجرب أيضا. نجاة إذا كلّت كأنّ صريفها ... وقد قلقت أنساعها فهي محنق ترنّم خطّاف بحبلي محالة ... له محور يجري بدلوين أخلق شبه صرير أنيابها بصوت خطّاف البكرة، وأخلق: أملس، يعني المحور. وعوج تحاسي بالحصى كلّ وجهة ... ولاء كما ارفضّ الزجاج المفلّق تحاسي: أي ترمي به حسا، أي فردا، في كلّ ناحية. تردّ يداها خلفها ما أصابتا ... وتنجرّ رجلاها نفيّا فيلحق وتعطيه منها كلما جدّ جدّها ... هويّا كتخليط المؤارب أدفق النفيّ: ما تطاير منه، والمؤارب: الضارب بالقداح؛ ورفع «أدفق» على الاستئناف. 677- وقال الأقرع بن معاذ القشيري: [من الطويل] مذكرة الثنيا مساندة القرا ... جماليّة تجتبّ ثم تنيب مخيّسة ذلّا وتحسب أنها ... إذا ما بدت للناظرين قضيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 كمثل أتان الوحش أما فؤادها ... فصعب وأمّا ظهرها فركوب ترى ظلّها عند الرواح كأنّها ... إلى جنبها رأل يخبّ جنيب يشجّ بها الموماة مستحكم القوى ... له من أخلّاء الصفاء حبيب متين حبال الودّ مطّلع العدا ... أكول على غيظ الرجال شروب «678» - وقال زهير بن أبي سلمى: [من الطويل] ثنت أربعا منها على ثني أربع ... فهنّ بمثنيّاتهنّ ثماني إليك من الغور اليماني تدافعت ... يداها ونسعا غرضها قلقان تظلّ تمطّى في الزمام كأنها ... إذا بركت قوس من الشرّيان نهوز بلحييها أمام سفارها ... ومعتلّة إن شئت في الجمزان الغرض: حزام الرحل، والشّريان: شجر تتّخذ منه القسيّ، وحرّك الراء. والنهوز: التي تمدّ عنقها تنهز به الزمام من نشاطها. والسفار: حديدة تجعل على أنف البعير مثل الحكمة، وجماعها سفر. «679» - وقال ذو الرمة: [من البسيط] كأنّ راكبها يهوي بمنخرق ... من الجنوب إذا ما ركبها نصبوا تشكو الخشاش ومجرى النّسعتين كما ... أنّ الجريح إلى عوّاده الوصب لا تشتكى سقطة منها وقد سقطت ... بها المفاوز حتى ظهرها حدب تخدي بمنخرق السربال منصلت ... مثل الحسام إذا أصحابه شحبوا تصغي إذا شدّها بالكور جانحة ... حتى إذا ما استوى في غرزها تثب «680» - وقال: [من الطويل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 سرى ثم أغفى عند روعاء حرّة ... ترى خدّها في ظلمة الليل يبرق رجيعة أسفار كأنّ زمامها ... شجاع لدى يسرى الذراعين مطرق «681» - وقال أيضا: [من الطويل] ألمّت بشعث كالسيوف وأينق ... حراجيج من نسل الجديل وداعر جذبن البرى حتى شدقن وأصعرت ... أنوف المهارى لقوة في المناخر شدقن: ملن؛ يقول مال عنقها حتى كأنّ به لقوة، والحراجيج: الطوال واحدها حرجوج. «682» - وقال الشماخ: [من الطويل] كأنّ ذراعيها ذراعا مدلّة ... بعيد السّباب حاولت أن تعذّرا كأنّ بذفراها مناديل فارقت ... أكفّ رجال يعصرون الصّنوبرا كأنّ ابن آوى موثق تحت غرضها ... إذا هو لم يكلم بنابيه ظفّرا شبه يديها بيدي مدلّة بجمال ومنصب قد سابّت وأقبلت تعتذر، ووصفها بسواد الذفرى وهي أعلى القفا، ووصفها بأنها ليست تستقرّ فكأنّ ابن آوى يعضّها بنابيه. ومثل البيت الأول قول الآخر: [من الطويل] كأنّ ذراعيها ذراعا بذية ... مفجّعة لاقت ضرائر عن عفر «683» - وقال بشامة بن الغدير: [من المتقارب] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 كأنّ يديها إذا أرقلت ... وقد جرن ثم اهتدين السبيلا يدا سابح خرّ في غمرة ... وقد شارف الموت إلّا قليلا إذا أقبلت قلت مشحونة ... أطاعت لها الريح قلعا جفولا وإن أدبرت قلت مذعورة ... من الرّبد تتبع هيقا ذمولا [1] «684» - وقال الأخطل: [من البسيط] ومهمه طامس تخشى غوائله ... قطعته بكلوء العين مسفار [2] بحرّة كأتان الضّحل أضمرها ... بعد الرّبالة ترحالي وتسياري الضحل: الماء القليل. والربالة: السّمن. أخت الفلاة إذا شدّت معاقدها ... زلّت قوى النّسع عن كبداء ميهار [3] كأنها برج روميّ يشيّده ... لزّ بجصّ وآجرّ وأحجار «685» - وقال في ذلك أيضا: [من الطويل] ومحبوسة في الحيّ ضامنة القرى ... إذا الليل وافاها بأشعث ساغب [4] معقّرة لا يدرك السيف [5] وسطها ... إذا لم يكن فيها معسّ لحالب مرازيح في المأوى إذا هبّت الصّبا ... تطيف أوابيها بأكلف ثالب [6]   [1] الهيق: ذكر النعام؛ الذمول: المسرع. [2] الديوان: مسهار، أي قوية على السهر، وكلوء العين: متيقظة. [3] الديوان: مسفار؛ وقوى النسع: طاقات الحبل الذي يشد به الرحل؛ كبداء: ضخمة الصدر. [4] هذه إبل قد حبست لتذبح قرى للأضياف. [5] الديوان: لا تنكر السيف؛ والمعسّ: المطلب. [6] مرازيح: ثقيلة في مباركها؛ الأوابي: التي أبت أن تلقح في عامها؛ الأكلف: الأسفع الخدين، الثالب: المسنّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 إذا ما الدم المهراق خودر عزمه [1] ... وناب رهنّاها بأعلى النوائب «686» - وقال كثير: [من الطويل] ألمّت بنا والعيس تسري كأنها ... أهلّة محل زلّ عنها قتامها «687» - وقال القطامي: [من البسيط] يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصدور على الأعجاز تتّكل فهنّ معترضات والحصى رمض ... والريح ساكنة والظلّ معتدل «688» - وقال أيضا: [من الطويل] إذا بركت خرّت على ثفناتها ... مجافية صلبا كقنطرة الجسر كأنّ يديها حين تجري ضفورها ... طريدان والرجلان طالبتا وتر 689- وقال عنترة بن عبفس النميري من أبيات: [من الطويل] فراحت ترامى في الزمام كأنها ... سحابة صيف آخر الليل أمطرا «690» - وقال الفرزدق: [من البسيط] تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة ... نفي الدراهم تنقاد الصياريف «691» - وقال آخر ويروى للقصافي، وهو عمرو بن نصر التميمي:   [1] الديوان: أضلع حمله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 قال دعبل: إنّ القصافيّ قال الشعر ستين سنة، فلم يعرف له إلّا هذا البيت: [من البسيط] خمص نواج إذا حثّ الحداة بها ... حسبت أرجلها قدّام أيديها «692» - وقال الغطمش الضبي: [من الطويل] كأنّ يديها حين جدّ نجاؤها ... يدا سابح في غمرة يتبوّع «693» - وقال رؤبة: [من الرجز] كأنّ أيديهنّ بالقاع القرق ... أيدي جوار يتعاطين الورق «694» - وقال مروان بن أبي حفصة: [من الكامل] يتبعن جاهلة الزّمام كأنّها ... إحدى القناطر وهي حرف ضامر «695» - وقال بشّار: [من الكامل] وإذا المطيّ متحن في أعطافه ... فات المطيّ بكاهل وتليل وكأنه والناعجات يردنه ... قدح تطلّع من قداح مجيل «696» - وقال سالم بن عمرو الخاسر: [من الكامل] وكأنّهنّ من الكلال أهلّة ... أو مثلهنّ عواطف الأقواس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 قود طواها ما طوت من مهمه ... نابي الصّوى ومناهج أدراس «697» - وقال العتّابي يصف كلالها: [من البسيط] إذ الركائب مخسوف نواظرها ... كما تضمنت الدّهن القوارير «698» - وقال أبو نواس: [من الطويل] ألا حبّذا عيش الوحاد وضجعة ... إلى جنب مقلاق الوضين سعوم الوضين للبعير مثل الحزام للدابة. والسّعوم: الواسعة الخطو. ترامت بها الأهوال حتى كأنما ... تحيّف من أقطارها بقدوم «699» - وقال في سرعتها: [من الكامل] وتجشّمت بي هول كلّ تنوفة ... هو جاء فيها جرأة إقدام تذر المطيّ وراءها وكأنها ... صفّ تقدّمهنّ وهي إمام «700» - وقال الرضي: [من الكامل] قعدت بها الأخفاف من طول السّرى ... محسورة ومشت بها الأعراق «701» - وقال أبو تمام: [من الوافر] أتينا القادسية وهي ترنو ... إليّ بعين شيطان رجيم فما بلغت بنا عسفان حتى ... رنت بلحاظ لقمان الحكيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 وبدّلها السّرى بالجهل حلما ... وقدّ أديمها قدّ الأديم بدت كالبدر وافى ليل سعد ... وآبت مثل عرجون قديم «702» - وقال البحتري: [من الخفيف] يترقرقن كالسّراب وقد خض ... ن غمارا من السحاب الجاري كالقسيّ المعطّلات بل الأس ... هم مبريّة بل الأوتار «703» - وقال أيضا: [من الخفيف] كالربى في الربى ويحسبن أحيا ... نا نسوعا مجدولة في نسوع «704» - وقال ابن المعتز: [من الكامل] ترنو بناظرة كأنّ حجاجها ... وقب [1] أناف بشاهق لم يحلل وكأنّ مسقطها إذا ما عرّست ... آثار مسقط ساجد متبتّل وكأنّ آثار النسوع بدفّها ... مسرى الأساود في هيام أهيل 705- قال الأصمعي: وصف أعرابيّ ناقة فقال: تقطع الأرض عرضا، وترضّ الحجارة رضّا، وتنهض في الزمام نهضا، سريعة الوثوب، بطيئة النكوب، مدلاج سروب. 706- وقال أعرابيّ آخر: إذا اكحالّت عينها، وألّلت أذنها، وسجح خدّها، وهدل مشفرها، واستدارت جمجمتها، فهي الكريمة.   [1] بهامش ر: الوقب: النقرة في الجبل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 707- وقال أعرابيّ: [من الرجز] انزع بدلويك لحمر كالضّرب ... فهي صواف لونها من الرتب كالفضة البيضاء حيصت بالذهب ... بنات ذيّال صهابيّ أقبّ حناجر يوعبن أحرار القلب ... كالوحد الأحقب أو ثور العرب أو كأديم الصّرف أو عرق النّجب 4- وصف الفيل «708» - قال عبد الصمد بن بابك: [من الكامل المجزوء] وممسّك البردين في ... شبه النّقا شية وقدّا فكأنما نسجت علي ... هـ يد السحاب الجون جلدا وإذا لوتك صفاته ... أعطتك متن الدرع نقدا فكأنّ معصم غادة ... في ماضغيه إذا تصدّى وكأنّ عودا عاطلا ... في صفحتيه إذا تبدّى جأب المطوّق قد تفر ... رد بالكرامة [1] واستبدّا فإذا تجلّل [2] هضبة ... فكأنّ جنح الليل مدّا وإذا هوى فكأنّ رك ... نا من عماية قد تردّى وإذا استقل رأيت في ... أعطافه هزلا وجدّا «709» - أبو محمد الخازن: [من الكامل المجزوء]   [1] ر: بالكراهة؛ اليتيمة: بالفراهة. [2] اليتيمة: تخلل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 من كلّ جهم خلته ... يوم الوغى غولا تصدى وعليه طارونيّة ... يزهى بها حرّا وبردا وكأنما خرطومه ... راووق خمر مدّ مدّا وكأنما انقلبت عصا ... موسى غداة بها تحدّى يكسى الحداد وتارة ... يكسى نسيج الدرع سردا كفل تموّج كالكثي ... ب يميله [1] صوبا وصعدا وكأنّه يوم الوغى ... يكسى من الخيلاء بردا «710» - وما وجدت للعرب شعرا في صفة الفيل إلا ما لا طائل فيه مثل قول رؤبة: [من الرجز] أجرد كالحصن طويل النابين ... مشرّف اللّحي صغير الفقمين عليه أذنان كفضل البردين وكقول أبي الحلال الهدادي: [من الطويل] وما كنت يوم الفيل فوق مطيّة ... ولكن على وطفاء جون ربابها وقد واقعه قوم منهم في الإسلام، وذكروا شجاعتهم في قتاله، لكنهم لم يصفوه؛ وهاتان القطعتان من الشعر فيه سببهما أنّ الصاحب أبا القاسم ابن عباد حصل على الفيل في وقعة كانت بجرجان، فأمر الشعراء أن يصفوه، وكان أبو القاسم عبد الصمد بن بابك عنده وهو يتهمه بالانتحال، وقد انتدب له عدوّ   [1] اليتيمة: تهيله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 ينسبه إلى انتحال شعر ابن نباتة، فأمره الصاحب أن يصف الفيل في شعر على وزن قول عمرو بن معد يكرب: [من الكامل المجزوء] أعددت للحدثان سا ... بغة وعدّاء علندا فقال، وقالت الشعراء، فكانت قصيدته مفضّلة على غيرها، فحينئذ عرف الصاحب موضعه من الفضل، وزالت الشبهة في حقّه. فقال عدوّه: أيها الصاحب هذا معه ستون قصيدة لابن نباتة في نعت الفيل على هذا الوزن. «711» - وقال عبد الكريم النهشلي المغربي: [من الطويل] وأضخم هنديّ النّجار تعدّه ... ملوك بني ساسان إن رابها دهر من الرّوق لا من ضربة الورق يرتعي ... أضاخ ولا من ورده الخمس والعشر يجيء كطود جائل فوق أربع ... مضبّرة لمّت كما لمّت الصّخر له فخذان كالكثيبين لبّدا ... وصدر كما أوفى من الهضبة الصدر ووجه به أنف كراووق خمرة ... ينال به ما تدرك الأنمل العشر وجنبان لا يروي القليب صداهما ... ولو أنه بالقاع منهرت جفر وأذن كنصف البرد تسمعه النّدا ... خفيّا وطرف ينفض الغيب مزورّ ونابان شقّا لا يريد سواهما ... قناتين سمراوين طعنهما نتر له لون ما بين الصباح وليله ... إذا نطق العصفور أو غرّد الصقر 5- نعت الأسد «712» - قال زهير بن أبي سلمى: [من الكامل المرفل] ورد عراض الساعدين حدي ... د الناب بين ضراغم غثر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 يصطاد إحدان الرجال فما ... تنفكّ أجريه على ذخر «713» - وقال مالك بن خالد الهذلي: [من البسيط] ليث هزبر مدلّ عند خيسته ... بالرّقمتين له أجر وأعراس أحمى الصريمة إحدان الرجال له ... صيد ومستمع بالليل هجّاس صعب البديهة مشبوب أظافره ... مواثب أهرت الشدقين هرّاس [1] «714» - دخل أبو زبيد الطائي على عثمان رحمه الله فاستنشده فأنشده قوله: [من البسيط] من مبلغ قومي النائين إذ شحطوا ... أنّ الفؤاد إليهم شيّق ولع ووصف الأسد فقال له عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت، والله إني لأحسبك جبانا هدانا، فقال: كلّا يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت [2] منه منظرا، وشهدت مشهدا [3] ، لا يبرح ذكره يتردّد ويتجدّد في قلبي، ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال له عثمان: وأنّى كان ذلك؟ قال: خرجت [4] في صيّابة   [1] ر: هرماس. [2] ر: نظرت. [3] جمهرة: شنيعا ... فظيعا. [4] جمهرة: خرجت ذات يوم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 أشراف من أفناء قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة [1] ، ترتمي بنا المهارى ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام، فاخروّط بنا السير في حمارّة القيظ حتى إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وشوّلت [2] المياه، وأذكت الجوزاء المعزاء، وذاب الصيّهد، وصرّ الجندب، وضاف العصفور الضبّ وجاوره في جحره [3] ، وقال قائل: أيها الركب غوّروا بنا في ضوج هذا الوادي، وإذا واد قد بدا لنا كثير الدّغل، دائم الغلل، شجراؤه مغنّة، وأطياره مرنّة، فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات متهدّلات، فأصبنا من فضلات المزاود وأتبعناها الماء السلس البارد، فإنّا لنصف حرّ يومنا ومماطلته، إذ صرّ أقصى الخيل أذنيه، وفحص الأرض بيديه، فو الله ما لبث أن جال ثم حمحم فبال، ثم فعل فعله الفرس الذي يليه واحدا فواحدا، فتضعضعت الخيل، وتكعكعت الإبل، وتقهقرت البغال، فمن نافر بشكاله، وناهض بعقاله، فعلمنا أن قد أتينا، وعلمنا أنه السبع، ففزع كلّ رجل منا إلى سيفه فاستلّه من جربّانه، ووقفنا رزدقا، فأقبل يتظالع كأنه مجنوب أو في هجار، لصدره نحيط، ولبلاعمه غطيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض، كأنما يخبط هشيما، ويطأ صريما، وإذا هامة كالمجن، وخدّ كالمسنّ، وعينان سجراوان، وكأنهما سراجان يقدان، وقصرة ربلة، وكتد معبط، وزور مفرط، وساعد مجدول، وعضد مفتول، وكفّ شثنة البراثن، إلى مخالب كالمحاجن، فضرب بيده فأرهج، وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة، وفم أشدق، كالغار الأخرق، ثم تمطّى فأشرع بيديه، وحفز وركيه برجليه، حتى صار ظلّه مثليه، ثم أقعى فاقشعرّ، ثم مثل فاكفهرّ، ثم تجهّم فازبأرّ، فلا وذو بيته في السماء ما اتقيناه إلّا بأخ لنا من فزارة، كان ضخم الجزارة، فوقصه ثم نفضه نفضة   [1] جمهرة: ذوي هيئة حسنة وشارة جميلة. [2] جمهرة: وغاضت. [3] جمهرة: وجاره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 فقضقض متنيه، وجعل يلغ في دمه. فذمرت أصحابي فبعد لأي ما استقدموا، فهجهجنا به فكرّ مقشعرّا كأنّ به شيهما حوليّا، فاختلج رجلا أعجز ذا حوايا فنفضه نفضة تزايلت لها مفاصله، ثم نهم فقرقر، ثم زفر فبربر، ثم زأر فجرجر، ثم لحظ، فو الله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه، من عن شماله ويمينه، فأرعشت الأيدي، واصطكّت الأرجل، وأطّت الأضلاع، وارتجّت الأسماع، وشخصت العيون، وانخزلت المتون، وساءت الظنون. فقال له عثمان: اسكت قطع الله لسانك فقد أرعبت قلوب المؤمنين. 715- قال شعبة، قلت للطرماح بن حكيم: ما شأن أبي زبيد وشأن الأسد؟ فقال: إنه لقيه بالنّجف، فلما رآه سلح من فرقه، فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت. 6- نعت وحش الفلاة وسباعها «716» - قال الأخطل يذكر الثور الوحشيّ: [من البسيط] فما به غير موشيّ أكارعه ... إذا أحسّ بشخص نابىء مثلا كأنّ عطّارة باتت تطيف به ... حتى تسربل ماء الورس وانتعلا من خضب نور خزامى قد أطاع له ... أصاب بالقفر من وسميّه خضلا بات إلى حقف أرطاة يلوذ بها ... إذا أحسّ بسيل تحته انتقلا كأنه ساجد من نضخ ديمته ... مقدّس [1] قام تحت الليل فابتهلا ينفي التراب بروقيه وكلكله ... كما استماز رئيس المقنب النّفلا   [1] الديوان: مسبح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 «717» - وله في مثله: [من البسيط] أو مقفر خاضب الأظلاف جاد له ... غيث [1] تظاهر من ميثاء مبكار بات إلى جنب أرطاة تكفّئه ... ريح شآميّة هبّت بأمطار إذا أراد بها التغميض أرّقه ... سيل يدبّ بهدم الترب موّار حتى إذا انجاب عنه الليل وانكشفت ... سماؤه عن أديم مصحر عار آنس صوت قنيص أو أحسّ بهم ... كالجنّ يهفون من جرم وأنمار فانصاع كالكوكب الدريّ ميعته ... غضبان يخلط من معج وإحضار [2] فأرسلوهنّ يذرين التراب كما ... يذري سبائخ قطن ندف أوتار حتى إذا قلت نالته سوابقها ... وأرهقته بأنياب وأظفار أنحى إليهنّ عينا غير غافلة ... وطعن محتقر الأقران كرّار تضمّه الضاريات اللاحقات به ... ضمّ الغريب قداحا بين أيسار «718» - وقال ذو الرمّة يصف عدو ثورين: [من البسيط] لا يذخران من الإيغال باقية ... حتى تكاد تفرّى عنهما الأهب «719» - وقال أيضا، ويروى لعديّ بن الرقاع في مثله: [من الكامل] يتعاوران من الغبار ملاءة ... بيضاء محكمة هما نسجاها   [1] بهامش ر: الغيث ها هنا البقل. [2] ر: وإضمار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 تطوى إذا وردا مكانا جاسيا ... وإذا السنابك أسهلت نشراها «720» - خلف الأحمر في مثله: [من الكامل المرفل] كالكوكب الدريّ مبتذلا ... شدّا يفوت الطّرف أسرعه فكأنما جهدت أليّته ... أن لا تمسّ الأرض أكرعه «721» - وقال الطرماح في مسافر: [من الكامل] يبدو وتضمره البلاد كأنّه ... سيف على شرف يسلّ ويغمد «722» - وقال النابغة الذبياني: [من البسيط] كأنها ذو وشوم بات منكرسا ... في ليلة من جمادى أخضلت ديما منكرس: منقبض. بات بحقف من البقّار يهدمه ... إذا استكفّ قليلا تربه انهدما البقار: أرض ذات رمال، والحقف من الرمل ما استدار. تقابل الريح روقيه وكلكله ... كالهبرقيّ تنحّى ينفخ الفحما «723» - وقال أوس بن حجر يذكر الثور والكلاب تتبعه: [من البسيط] ففاتهنّ وأزمعن اللحاق به ... كأنهنّ بجنبيه الزنابير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 حتى إذا قلت نالته أوائلها ... ولو يشاء لنجّته المثابير [1] كرّ عليها ولم يفشل يمارسها ... كأنّه بتواليهنّ مسرور يشكّها بذليق حدّه سلب [2] ... كأنه حين يعلوهنّ موتور ثم استمر يباري ظلّه جذلا ... كأنه مرزبان [3] فاز محبور «724» - وقال الشماخ يصف فحل العانة: [من الوافر] فوجّهها قوارب فاتلأبّت ... له مثل القنا المتأوّدات يعضّ على ذوات الضغن منها ... كما عضّ الثقاف على القناة وهنّ يثرن بالمعزاء نقعا ... نرى منه لهنّ سرادقات «725» - وقال أبو ذؤيب يذكره والأتن تتبعه: [من الكامل] فكأنهنّ ربابة وكأنه ... يسر يفيض على القداح ويصدع وكأنما هو مدوس متقلّب ... بالكفّ إلّا أنه هو أضلع المدوس: حجر تسنّ به السيوف. والأضلع والضليع: الغليظ الشديد. «726» - وقال الشماخ في الأروى: [من الوافر] وما أروى وإن كرمت علينا ... بأدنى من موقّفة حرون تطيف بها الرماة وتتّفيهم ... بأوعال معطّفة القرون   [1] لعلّ معناها التي تثابر على اللحاق به. [2] الذليق: الحاد؛ السلب: الخفيف في الطعن. [3] مرزبان: فارس شجاع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 «727» - وقال تميم بن أبي بن مقبل يصف الثور: [من الطويل] يظلّ بها ذبّ الرّياد [1] كأنّه ... سرادق أغراب [2] بحبلين مطنب تحدّر صبيان الصّبا [3] فوق متنه ... كما لاح في سلك جمان مثقّب لياح تظلّ الآبدات يسفنه ... كسوف العذارى ذا القرابة منجب الذبّ: الذي لا يستقر، والأغراب: جمع غرب أي قوم غربوا، صبيان الصّبا: صغار القطر، ولياح: أبيض، أراد لياح منجب. «728» - وقال حميد بن ثور: [من الطويل] ترى طرفيه يعسلان كلاهما ... كما اهتزّ عود السّاسم المتتابع [4] ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع 7- نعت القنص وآلاته وأماكنه «729» - قال ابن أبي كريمة في الفهد: [من الطويل] مدّنرة [5] ورق كأنّ عيونها ... حواجل تستذري متون الرواكب [6]   [1] ذب الرياد: ثور الوحش. [2] الديوان: أعراب. [3] ر: الصنا. [4] الساسم: شجر أسود تتخذ منه السهام؛ وفي الديوان: المتتايع أي المستوي. [5] م ر: مذربة. [6] مدنرة: عليها بقع كالدنانير؛ الحواجل: القوارير؛ الرواكب: رؤوس الجبال، تستذريها أي تنظر إلى الذرى. 18 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 إذا قلّبتها في العجاج حسبتها ... سنا ضرم في ظلمة الليل ثاقب مولعة فطح الجباه عوابس ... تخال على أشداقها خطّ كاتب ذوات أشاف [1] ركّبت في أكفّها ... نوافذ في صمّ الصخور نواشب معقفة الترهيف عوج [2] كأنها ... تعقرب أصداغ الملاح الكواعب توسّد أجياد الفرائس أذرعا ... مرمّلة تحكي عناق الحبائب «730» - وقال عبد الصمد في مثله: [من الرجز] كأنّها والخزر من أحداقها ... والخطط السود على أشداقها ترك جرى الإثمد في آماقها «731» - وقال ابن طاهر فيه: [من الرجز] وليس للطراد إلّا فهد ... كأنما ألقت عليه الكرد من خلقها أو ولدته الأسد ... وهو كفيل النجح حين يعدو «732» - وقال ذو الرمة وذكر كلبا: [من البسيط] كأنه كوكب في إثر عفرية ... مسوّم في سواد الليل منقضب «733» - وقال آخر فيه: [من الطويل] تفوت خطاها الطرف سبقا كأنها ... سهام مغال [3] أو رجوم الكواكب   [1] الأشافي: المخارز يعني مخالبها. [2] الحيوان: ذراب بلا ترهيف قين. [3] المغالي: المرامي بالسهام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 كأنّ بنات القفر حين تفرقت ... غدون عليها بالمنايا الشواعب «734» - وقال أبو نواس فيه: [من الرجز] كأنّ متنيه لدى انسلابه ... متنا شجاع لجّ في انسيابه كأنما الأظفار في قنابه ... موسى صناع ردّ في نصابه تراه في الحضر إذا هاها به ... يكاد أن يخرج من إهابه [1] «735» - وقال أيضا: [من الرجز] أرسله كالسهم إذ غالى به ... يسبق طرف العين في التهابه كلمعان البرق في سحابه «736» - وقال ابن المعتز: [من الرجز] وكلبة يغدو بها فتيان ... أطلقهم من يده الزمان كأنها إذا تمطّت جان ... أو صعدة وخطمها السنان ونجمت [2] للحظها الغزلان ... فلحقت ما لحق العيان   [1] ورد في ر بعد هذا لأبي نواس: كأن خلف ملتقى أشعاره ... جمر غضا بدد في استعاره فانصاع كالكوكب في انكداره ... لفت المشير موهنا بناره [2] ر: ولحمت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 «737» - وقال أيضا: [من الرجز] وأبصرت سربا من الظباء ... فغادرتهنّ بلا إعياء ترضى من اللحوم بالدماء «738» - وقال أبو نواس: [من الرجز] تحمل حملاقا سريع الطّحر ... كأنه مكتحل بتبر في هامة لمّت كلمّ الفهر ... وجؤجؤ كالحجر القهقر القهقر: الصلب. وعين طحور: إذا كانت تخرج القذى. «739» - وقال: [من السريع] ومنسر أكلف [1] فيه شغا ... كأنه عقد ثمانينا «740» - وقال ابن المعتز: [من الرجز] ونذعر الصّيد بباز أقمر ... كأنه في جوشن مزرّر وجؤجؤ منمنم محبّر ... كأنه رقّ خفيّ الأسطر «741» - وقال أيضا: [من الرجز] غدوت في ثوب من الليل خلق ... بطارح النظرة في كلّ أفق ومقلة تصدقه إذا رمق ... مبارك إذا رأى فقد رزق   [1] ر: أغلف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 «742» - وقال أيضا: [من الرجز] قد أغتدي في نفس الصباح ... بقرم للصيد ذي ارتياح معلّق الألحاظ بالأشباح ... عليه منه كحباب الرّاح «743» - وقال أيضا: [من الرجز] وزرّق ريّان من شبابه ... كأنّ سلخ الأيم من أثوابه «744» - وقال أيضا: [من الوافر] وفتيان غدوا والليل داج ... وضوء الصبح متّهم الطلوع كأنّ بزاتهم أمراء جيش ... على أكتافهم صدأ الدروع «745» - وقال أبو ذؤيب الهذلي في تشبيه الصائد: [من البسيط] حتى استبانت مع الإصباح صائدها ... كأنه في حواشي ثوبه صرد [1] «746» - وقال ابن الرومي في قوس البندق: [من الطويل] متاح لراميها المنايا [2] كأنما ... دعاها له داعي المنايا فأسمعا تقلّب نحو الجوّ [3] عينا بصيرة ... كعينك بل أذكى ذكاء وأسرعا   [1] استبانت يعني البقر؛ الصرد: طائر، يعني الصائد تضاءل حتى أصبح في حجم صرد. [2] الديوان: الرمايا. [3] الديوان: الطير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 يحاذرها العفريت عند انصلاتها ... فيعجله الإشفاق أن يتسمّعا لها عولة أولى بها من تصيبه ... وأجدر بالاعوال من كان موجعا وهذا المعنى ينظر إلى قوله أيضا وذكر امرأة: [من البسيط] يشكو المحبّ وتشكو [1] وهي ظالمة ... كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان 747- وقال آخر: [من الكامل] قد أغتدي ملث الظلام بفتية ... للرمي قد حسروا له عن أذرع متنكّبين خرائطا لبنادق ... من بين مضفور وبين مرصّع بأكفّهم قضبان روض قد غدوا ... للطير قبل نهوضها للمرتع تقذي منيات الطيور عيونها ... يوما إذا رمدت بأيدي النزّع صفر البطون كأنّ ليط ظهورها ... سرق الحرير نواظر لم تسمع «748» - وكتب أبو اسحاق الصابي إلى محمد بن العباس بن فسانجس في صفة رمي البندق وآلاته: مآرب الناس- أطال الله بقاء سيدنا الوزير- منزّلة بحسب قربها من هزل أو جدّ، ومرتّبة على قدر استحقاقها من ذمّ أو حمد. فإذا وقع المتأمّل عليها وجد أولاها بأن تعتدّه الخاصّة نشوة وملعبا، والعامّة حرفة ومكسبا، الصيد الذي فاتحته طلاب لذّة ووطر، وخاتمته حصول مغنم وظفر. وقد اشتركت الملوك والسوقة في استجماله، واتفقت الشرائع المختلفة على استحلاله، ونطقت الكتب المنزّلة بالرخصة فيه، وبعثت المروءات على مزاولته وتعاطيه. وهو رائض للأبدان، وجامع لشمل الإخوان، وداع إلى اتّصال العشرة   [1] الديوان: تشكي المحب وتلفى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 منهم والصحبة، وموجب لاستكمال الالفة بينهم والمحبة. ولما كانت الجوارح المثمنة لكلّ الناس غير ممكنة، بل لمن جلّ منهم قدره، وعلا فيهم خطره، وعظم شأنه وحاله، وجمّ وفره وماله، جعلت القول مقصورا على قسيّ البندق التي لا تتعذر على مكثر ولا مملق، ولا تضيق على اتّخاذها يد موسر ولا معسر، ولو لم أفعل ذلك لبلغ الأسف من العادم الفاقد، أكثر من الجذل من القادر الواجد. لكنني اعتمدت الذي يتوافق في استطاعته الأدنى والأشرف، ويتلاحق في التمكن منه الأقوى والأضعف، فأنا أكتفي في ترغيب من كان عنه منحرفا، وتثبيت من كان إليه متشوّفا، بوصف موقف منه شهدته، ومنظر استحسنته، في بعض ظواهر مدينة السلام: هناك غيضة ذات ماء صاف أزرق، وشجر مرجحنّ مورق، فبينا أنا ماثل فيها، متنزّه في نواحيها، وقد تضوّعت بالأرج أرجاؤها، وتأوّدت في حلل الورد شجراؤها، وتفاوحت بفوائح [1] المسك أنوارها، وتفاوضت بغرائب النطق أطيارها، إذ أقبلت رفقة من الرماة قد برزت قبل الذّرور للشروق، وشمّرت عن الأذرع والسّوق، متقلدين خرائط شاكلت السيوف بحمائلها ونياطاتها، وناسبتها في آثارها ونكاياتها، تحمل من البندق الملموم، ما هو في الصحّة والاستدارة كاللؤلؤ المنظوم، كأنما خرط بالجهر، فجاء كبنات الفهر، قد اختير طينه، وملك عجينه، فهو كالكافور المصّاعد [2] في الملمس والمنظر، وكالعنبر الأذفر إلا في المشمّ والمخبر، مأخوذ من خير مواطنه، مجلوب من أطيب معادنه، كافل بمطاعم حامليه، محقّق لآمال آمليه، ضامن لحمام الحمام، متناول لها من أبعد مرام، يعوج [3] إليها وهو سمّ ناقع، ويهبط بها وهي رزق نافع. وبأيديهم قسيّ مكسوّة بأغشية السندس، مشتملة منها بأفخر ملبس، مثل الكماة في   [1] ر: بروائح. [2] ر: المصعد. [3] ر: يعرج. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 جواشنها ودروعها، والجياد في جلالها وقطوعها؛ حتى إذا جرّدت من تلك المطارف، وانتضيت من تلك الملاحف، رأيت منها قدودا مخطفة رشيقة، وألوانا معجبة أنيقة، صليبة المكاسر والمعاجم، نجيبة المنابت والمناجم، خطّية الانتماء والمناسب، سمهريّة الاعتزاء والمناصب، تركبت من شظايا الرماح الداعسة، وقرون الأوعال الناخسة، فحازت الشرف من طرفيها، واحتوت عليه بكلتا يديها، قد تحنّت تحنّي المشيخة النسّاك، وصالت صيال الفتية الفتّاك، واستبدلت من قديمها في هزّ الفوارس، بحديثها في قبض المعاجس، وانتقلت عن جدها في طرد الغارات، إلى هزلها في طرد المتنزّهات. ظواهرها صفر وارسة، ودواخلها سود دامسة، كأنّ شمس أصيل طلعت على متونها، أو جنح ليل اعتكر في بطونها، أو زعفرانا جرى فوق مناكبها، أو غالية جمدت على ترائبها، أو هي قضبان فضة أذهب شطرها وأحرق شطر، أو حيات رمل اعتنق السود منها والصّفر. فلما توسّطوا تلك الروضة، وانتشروا على أكناف تلك الغيضة، وثبتت للرمي أقدامهم، وشخصت إلى الطير أبصارهم، وتّروها بكلّ وتر فوق سهمه منه، ومفارق للسّهم وخارج عنه، مضاعف عليها من وترين، كأنه برد ذو جسدين، أو عناق ضمّ ضجيعين، في وسطه عين كشريحة كيس مختوم، أو سرّة بطن خميص مهضوم، محوّلة عن المحاذاة، مزورّة عن الموازاة، كأنها متخازر ينظر شزرا، أو مصغ يسّمّع رزّا، تروع قلوب الطير بالإنباض، وتصيب منهم مواقع الأعراض. فلم يزل القوم يرمون ويصيبون، وينجحون ولا يخيبون، حتى خلت من البندق خرائطهم، وامتلأت بالصيد حقائبهم. فكم من أفرخ زغب أيتموها فضاعت، ومن آباء لها وأمّهات استجابوها فأطاعت، قد انقادت نوافرها صعرا، واقتسرت أوايبها قسرا، وكسرت أجنحتها وجآجيها، واستطارت في الجوّ قوادمها وخوافيها، فأصبحت بين عاثر لا ينهض من عثاره، ومهيض لا يطمع في انجباره، يداوى جريحها بالإجهاز، ويتلافى عقيرها بالتذكية والإنجاز، تعاجل قبل فناء ذمائها، ويصير ريشها كالمجاسد من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 دمائها، مصرّعة شرّ مصارعها، مستقرة في أخفى مضاجعها، محمولة على حكم الكفار، إذ يقتلون ومصيرهم إلى النار، تغسل بالاستقصاء في سمطها، وتكفّن بالتعرية من ريطها، وتحنّط بتوابلها وأبازيرها، وتوارى في قدورها وتنانيرها. ثم تبعث إلى إخوان متوافقين، وخلّان مترافقين، قد تطابقوا في الآراء، وتألّفوا في الأهواء، وتمالحوا في الطعام، وتراضعوا بالمدام، نداؤهم تفدية، وجوابهم تلبية، لا يضبّون على الأحقاد، ولا يتنافسون في الوداد، ولا يشوب صفوهم شائب، ولا يعيب فضلهم عائب. فالحمد لله الذي أباحنا لذيذ المطاعم، ونهج لنا سبل الغنائم، وهدانا إلى رخص الطيبات، ووقف بنا على حدود اللذات، ووفّقنا أن نأخذ منها بأمره، ونزدجر عنها بزجره، ونتصرّف مع الشرائع في إحلال ما أحلّت، واجتناب ما حرّمت وحظرت. وأطال الله بقاء الوزير ما اختار البقاء، وعلا [1] كعبه ما امتد العلاء، وجعل له من كلّ رزق هنيء حظّا جزيلا، وإلى كلّ مشرب عذب هاديا ودليلا، بمنّه وطوله، وقدرته وحوله. 749- وكتب أبو إسحاق عن ابن فسانجس إلى بختيار بن أحمد بن بويه في صفة متصيّد كان له بواسط: من حلّ محلي من اصطناع الأمير عز الدولة- أطال الله بقاءه- واصطفائه، وانتهى إلى غايتي من أثرته واجتبائه، كان حقيقا في التسوية في طاعته بين سرّه وجهره، والجمع في نصيحته بين جدّه وهزله، غير مسامح نفسه بقضاء وطر لا حظّ له فيه، ولا موسّع له في بلوغ أرب لا فائدة له منه، تمسكا بعلائق الولاية في سائر الأحوال، وأداء الفريضة الأمانة في صغير وكبير الأعمال، والله بلطفه يمدّني في خدمته بالتوفيق، ويقف بي منها على سواء الطريق، ويهب لي تحفظا يحرس من الزيغ والزلل، وتيقظا يعصم من الخطأ والخطل.   [1] ر م: وأعلى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 ووجدت في سفري هذا- أيد الله الأمير عزّ الدولة- فضلا في زماني عن المهمات، يستروح [1] النفوس إلى توفيره على المحبوبات، فاعتمدت منها التصيّد تأدبا بأدبه- أطال الله بقاءه- في الولوع به، واعتمادا لعائدته على من يحضرني من أوليائه وعبيده، في قوّة أبدانهم ونشاطها، ورياضة خيلهم وانبساطها، واعتيادهم طراد ما يسنح ويعنّ، واستثارة ما يستكنّ ويستجنّ، وإغرائهم بطلب ما يحاولونه، وإضرابهم عن الفتك بمن يساورونه، إذ كان هذا الأمر مثالا يحتذى في مطاعنة الفرسان، ومنهجا يقتفى في مطاردة الأقران. واتفق لي من السرور لذلك يوم غاب نحسه وهوى، وطلع سعده واعتلى، وصدّق الله أيامنه وسوانحه، وأكذب أشائمه وبوارحه، بما رزقناه من اجتماع الصيد ووفوره، وكثرته وجمومه [2] ، وسهّله لنا من إدراك ما طلبناه منه وأرغناه، والوصول إلى ما اعتمدناه وانتحيناه، بظلّ مولانا الأمير عزّ الدولة- أدام الله عزه الممدود علينا- وبركة اسمه الذي به استنجحنا والزمان ساقطة جماره [3] ، مفعمة أنهاره، مورقة أشجاره، مغرّدة أطياره، ونحن غبّ سماء أقلع بعد الارتواء، وأقشع عند الاستغناء، والبقل خضل ممطور، والنقع ساكن محصور، والرياض كالعرائس في وشيها ومطارفها، متجلية في خلعها وملابسها، متبرّجة في حللها ومجاسدها، باسطة زرابيّها وأنماطها، ناشرة حبراتها ورياطها، زاهية بحمرائها وصفرائها، تائهة بعوانها وعذرائها، كأنما عارضت [4] عصبا، أو فاخرت صحبا، أو احتفلت لوفد، أو هي من حبيب على وعد، تتبارى طيبا وحسنا، وتتفاوح أرجا وعرفا، فما نرد منها حديقة إلا استوقفتنا بهجتها ونضارتها، واستنزلتنا جدّتها وغضارتها، وخيلنا كالأمواج المتدفّقة، والأطواد الموثقة، متشوفة عاطية،   [1] ر: تستروح. [2] ر: وجموعه. [3] ر: حمارّه. [4] ر: عرضت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 مستبقة جارية، تشتاق إلى الصيد وهي لا تطعمه، وتحنّ إليه كأنّه قضيم تقضمه، وعلى أيدينا جوارح مؤلّلة المخالب والمناسر، ومذرّبة النّصال والخناجر، طامحة الألحاظ والمناظر، بعيدة المرامي والمطارح، ذكيّة القلوب والنفوس، قليلة القطوب والعبوس، ذات قوادم كثّة أثيثة، وخواف وحفة أثيرة، سابغة الأذناب، كريمة الأنساب، صليبة الأعواد، قويمة الأوصال، تزيد إذا ألحمت شرها وقرما، وتضّاعف إذا شبعت كلبا ونهما. فبينا نحن سائرون، وفي الطلب ممعنون، إذ وردنا ماء زرقا جمامه، طامية أرجاؤه، يبوح بأسراره صفاؤه، وتلوح في قراره حصباؤه، وأفانين الطير به محدقة، وغرائبه عليه واقعة، متغايرة الألوان والصفات، مختلفة اللغات والأصوات، فمن بين صريح خلص وتهذّب نوعه، ومن مشوب تهجّن أو أقرف عرقه. فلما أوفينا عليها، أرسلنا الجوارح إليها، كأنها رسل المنايا، أو سهام القضايا، فلم تسمع إلّا مسمّيا، ولم تر إلّا مذكّيا. ثم عدنا لشأننا دفعات، وأطلقنا مرات، حتى ازددنا واستكثرنا، وانتهينا واكتفينا، وانطلقنا بعد ذلك نعتام ونتخيّر، ونقترح ونتحكّم. فكان الدرّاج أطرف مطلوباتنا، وأنظف مأكولاتنا، فاستثرناه عن مجاثمه، وانتزعناه من مكامنه، واختطفنا ببزاتنا ما طار منه وانتشر، وبعثنا بوازجنا على ما تبنّج واستتر، فاهتدت إليها كالودائع المستودعة، وأظهرتها كالكنوز المستخرجة، تستدلّ عليها بالشميم، وتستنبطها بالنسيم. فلم يفتنا ما برز، ولا سلم منا ما احتجز. ثم عدلنا- أيّد الله الأمير- عن مطارح الحمام، إلى مسارح الآرام، نستقري ملاعبها، ونؤمّ مجامعها، لا نألو بحثا وفحصا، ولا نفتر اجتهادا وحرصا، وأمامنا أدلّة فرهة يهدون، وروّاد مهرة يرشدون، حتى أفضينا إلى أسراب كثيرة العدد، متصلة المدد، لاهية بأطلائها، راتعة في أكلائها، غارّة بما أحاط بها، ذاهلة عما أعدّ لها؛ ومعنا فهود أخطف من البروق، وأثقف من الليوث، وأجدى من الغيوث، وأمكن من الثعالب، وأنزى من الجنادب، وأدبّ من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 العقارب، خمص الخصور، قبّ البطون، رقش المتون، حمر الآماق، خزر الحداق، هرت الأشداق، عراض الجباه، غلب الرقاب، كاشرة عن أنياب كالحراب، تلحظ الظباء من أبعد غاياتها، وتعرف حسّها من اقصى نهاياتها، تتبع مرابضها وآثارها، وتنسّم روائحها وأنشارها. فأقبلنا من تجاه الريح إليها وأغذذنا السير نحوها، ثم دببنا لها الضّراء، وشننّا عليها الغارة الشعواء، وأرسلنا [1] فهودنا إليها، فانقضّت كالشهب عليها، جائلة في أدمها وعفرها، صائلة بعترها وشصرها [2] . وجرت خيلنا في آثارها، كاسعة لأدبارها، فألقينا كلّا منها على ظبي قد افترسه وافترشه، وصرعه وجعجعه، فصانعناها بالدماء فقنعت وولغت، واستنزلناها عن الظباء فسامحت ونزلت. وأوغلنا من بعد في اللحاق بما شذّ وشرد، وقصّ أثر ما ندّ وبعد؛ قد انتهت النوبة إلى الكلاب والصقور، وفي صحبتنا منها كلّ كلب عريق المناسب، نجيح المكاسب، حلو الشمائل، نجيب المخايل، حديد الناظرين، أغضف الأذنين، أسيل الخدين، مخطف الجنبين، عريض الزّور، متين الظهر، أبيّ النفس، ملهب الشدّ، لا يمسّ الأرض إلا تحليلا وإيماء، ولا يطأها إلا إشارة وإيحاء؛ وكلّ صقر عميم الجسم، مصمت العظم، ماض كالحسام، قاض كالحمام، كثير التلفّت، طويل التلهف، متيقّظ في نواظره، مشتطّ في مطالبه، خفيف النهضة إلى ما يريد، ثقيل الوطأة على ما يصيد. فما لبثنا أن أشرفنا على يعافير متطرّفة، ويحامير متعزّبة، فخرطنا القلائد والشّباقات، فمرّت مترافقات متوافقات، قد تباينت في الصور والأجناس، وتألّفت في الارتياد والالتماس، فسبقت الصقور إليها ضاربة وجوهها، ناكسة رؤوسها، ولحقت الكلاب بها منشبة فيها، مدمّية لها. وبادرناها مجهزين، وغنمناها فائزين. واعترضنا في المرجع- أيد الله الأمير- عانة من حمير، لم نحتسبها ولم نطمع في الوقوع على مثلها، فثاورها سرعان خيلنا، وخالطها فتّاك   [1] ر: بعنزها. [2] الشصر: الظبي بلغ أن ينطح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 فرساننا، فصرعنا منها جحشا ومنعنا مما سواه شدّة الكلال والملال، وامتلاء الحقائب من الأثقال. وانقلبنا- أيد الله الأمير- إلى معرّس كنا استطبناه بادئين، وأعددناه للاستراحة عائدين. وقد وجب الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، فنزلنا ريثما صلينا، وعرفنا عدد ما صدنا، واجتمع إلينا أهل موكبنا، ونهضنا فأتممنا، وأخذنا في صيد ما يقرب ويحفّ، وتحصيل ما يلوح ويستدفّ، فكان ذلك حبارى أرسلنا بعض شواهيننا إليه، فثاوره وهو يتّقيه، وثاقفه وهو ينتحيه، يعلو عليه تارة ويستفل [1] عنه أخرى، كالفارسين المتطاردين، والبطلين المتنازلين، فداما كذلك ساعة أو ساعتين، إلى أن اعتلقه، وهبط به، وخبطه وجثم عليه. وكان قريبا منه قنبر أطلقنا عليه يؤيؤا لنا، فعرج إلى السماء عروجا، ولجّج في إثره تلجيجا، كأنّ ذلك يعتصم منه بالخالق، وكأنّ هذا يستطعمه من الرازق، حتى غابا عن النظار، واحتجبا عن الأبصار، وصارا كالغيب المرجّم، والظنّ المتوهّم، حتى خطفه ووقع به وهما كهيئة الطائر الواحد، فأعجبنا أمرهما، وأطربنا منظرهما، ووردنا المنازل سالمين، وولجناها غانمين، والغزالة مصوّبة للغروب، مؤذنة بالمغيب، والجوّ في أطمار منهجة من أصائله، وشفوف مورّسة من غلائله. فالحمد لله الذي قدر الأرزاق ونزّلها، ويسّرها وسهّلها، وآتاها عباده من مستصعب جهاتها، وممتنع مراماتها، وجعل لهم في الأطيار السارية والوحوش الجارية طعما من أطايبها، وخدما من جنائبها، وعلمهم تذليل شامسها وآبيها، واستجابة نافرها وعاصيها، إسباغا للمواهب، وإرغادا للمعايش، وإمتاعا بالأوطار، وإسعافا بالمسارّ. وإياه أسأل أن ينصر راية الأمير في دقيق الأغراض وجليلها، ويقضي الظفر لها في جسيم المطالب وضئيلها، حتى يكون شعاره في   [1] ر: ويسفل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 الجميع ضامنا للظهور والغلبة، وافيا له كفيلا باليمن والبركة، ويلهمنا من شكره جلّ ثناؤه ما يؤذن بالدوام والتمام، ويؤمن من الانفصام والانصرام، بمنّه وطوله، وقدرته وحوله. «750» - أبو نواس: [من الرجز] ما البرق في ذي عارض لمّاح ... ولا انقضاض الكوكب المنصاح [1] ولا انبتات الحوأب المنداح ... حين دنا من راحة المتّاح أجذّ في السرعة من سرياح ... يكاد عند ثمل المراح يطير في الجوّ بلا جناح الحوأب: الدلو، والمنداح: الواسع، ومنه: لك عن كذا مندوحة. والمتّاح: المستقي. والسرياح: اسم كلب. «751» - ولأبي نواس: [من الرجز] كأنه إذ لجّ في كياده ... محتسب للأجر في جهاده يحظر ما صاد على فهّاده ... تحنّن الشيخ على أولاده فليس يغدو معه بزاده «752» - وقال المخزومي في الفخ: [من الرجز] ذو قصر أحدب من غير كبر ... محتقر المنظر جبّار الخبر مستضعف لكن إذا ضيم انتصر ... مستأنس فإن مسسناه نفر   [1] ر: المصباح؛ والمصباح: المستنير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 وإن جنى جناية لم يعتذر ... منعطف مثل الهلال في الصغر مفوّق سهما إذا شد استمر ... نصاله الحبّ ومأواه الحفر لما رأى العصفور حبّا قد بذر ... ارتاب بالحنطة ما بين المدر ولم يزل بين الرجاء والحذر ... يبعثه الحرص ويثنيه الخطر ثم هوى مستيقنا لما افتكر ... أنّ بني الدنيا جميعا في غرر وأمّل النفع ولم يخش الضرر ... فشدّه الفخّ بأشراك الغير ولم يطق دفع القضاء والقدر ... فكثرة الأطماع آفات البشر وفي تصاريف الليالي معتبر ... والحزم أن تجزع من حيث تسرّ فآخر الصّفو وإن لذّ الكدر 753- وقال الشمردل: [من الرجز] قد أغتدي قبل طلوع الشمس ... للصّيد في يوم قليل النّحس بأحجن الخطم كميّ النفس ... غرثان إلّا أكلة من أمس يطرح للطّمس وراء الطّمس ... كنظر الغضبان أو ذي المسّ حتى إذا عاين بعد الحبس ... عشرين من حباريات عبس يمشين مشي الخاطبات [1] القعس ... أو كالنّصارى في ثياب طلس فهنّ بين أربع وخمس ... صرعى ومستدم أميم الرأس كأنّما مخلبه في ورس ... من علق الأجواف بعد النّهس وخرب قد ذلّ بعد القعس ... كالبكر يعطي رأسه للعكس لاح وقد أرضاهم في الحدس ... على شمال قانص معتسّ كأنه وهو لها في درس ... جلمود قذّاف قليل الوكس ململم من صخرات ملس   [1] ر: الحاطيات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 8- نعت الطير «754» - قال عنترة يصف غرابا: [من الكامل] ظعن الذين فراقهم أتوقّع ... وجرى ببينهم الغراب الأبقع خرق الجناح كأنّ لحيي رأسه ... جلمان بالأخبار هشّ مولع «755» - وقال صخر الغيّ يذكر العقاب: [من الطويل] ولله فتخاء الجناحين لقوة ... توسّد فرخيها لحوم الأرانب كأنّ قلوب الطير في جوف وكرها ... نوى القسب ملقى عند بعض المآدب والمقدم قول امرىء القيس في مثله: [من الطويل] كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي «756» - وقالت جنوب أخت عمرو ذي الكلب: [من البسيط] تمشي النّسور إليه وهي لاهية ... مشي العذارى عليهنّ الجلابيب وقال النابغة الذبياني وذكر اتّباعها للجيش ترقب القتلي: [من الطويل] تراهنّ خلف القوم خزرا عيونها ... جلوس الشيوخ في مسوك الأرانب [المسوك] جمع مسك: وهو الجلد. «757» - وقال آخر ينعت حمامة: [من الطويل] مزبرجة الأعناق نمر ظهورها ... مخطّمة بالدرّ خضر روائع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 ترى طررا بين الخوافي كأنّها ... حواشي برود أحكمتها الوشائع ومن قطع الياقوت صيغت عيونها ... خواضب بالحنّاء منها الأصابع «758» - وقال ابن المعتز في الديك: [من المنسرح] بشّر بالصبح طائر هتفا ... هاج من الليل بعد ما انتصفا مذكّر بالصّبوح صاح بنا ... كخاطب فوق منبر وقفا صفق إما ارتياحة لسنا ال ... فجر وإمّا على الدجى أسفا «759» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] كأنّ بنات الماء في صرح متنه ... إذا ما علا روق الضّحى فترفّعا زرابيّ كسرى بثّها في صحانه ... ليحضر وفدا أو ليجمع مجمعا وأخضر كالطاووس يحسب رأسه ... بخضراء من حرّ الحرير مقنّعا يتيه بمنقار عليه حبائك ... يخيّلن في ضاحيه جزعا مجزّعا يلوح على إسطامه وشم صفرة ... ترقّش منها متنه فتلمّعا كملعقة الصينيّ أخدمها يدا ... صناعا وإن كانت يد الله أصنعا «760» - وقال أبو إسحاق الصابىء يصف قبجة: [من الرجز] أنعت طارونيّة الثياب ... لابسة خزّا على الإهاب تصنّعت تصنّغ التصابي ... وأبرزت وجها بلا نقاب ريّان من محاسن الشباب ... مكحولة العينين كالكعاب كأنما تسقى دم الرقاب ... تسمعنا منها وراء الباب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 تمتمة بالقاف في الخطاب ... كأنّما تقرأ من كتاب قهقهة الإبريق بالشراب ... أهلا بصيّاد لها جلّاب جاء بها كريمة النّصاب ... ربيبة الجبال والهضاب كرديّة الأعراق والأنساب ... لم تدر ما بادية الأعراب غريبة صارت من الأحباب «761» - وقال ذو الرمة في الظليم: [من البسيط] شخت الجزارة مثل البيت سائره ... من المسوح خدبّ شوقب خشب «762» - وقال علقمة بن عبدة فيه: [من البسيط] هيق كأنّ جناحيه وجؤجؤه ... بيت أطافت به خرقاء مهجوم 763- سأل المهديّ رجلا عن طائر جاء من الغابة فقال: لو لم يبن بفضيلة السبق لبان بحسن الصّورة. فقال: صفه لي، فقال: قدّ قدّ الجلم، وقوّم تقويم القلم، لو كان في ثوب خرقه، أو في صندوق فلقه؛ يمشي على عنمتين، ويلقط بدرّتين، وينظر بجمرتين، إذا أقبل فدّيناه، وإذا أدبر حميناه. «764» - وقال عبد الواحد بن فتوح المعروف بالزقاق المغربي في الحمام: [من الكامل] يجتاب أردية السّحاب بخافق ... كالبرق أو مض في السّحاب فأبرقا لو سابق الريح الجنوب لغاية ... يوما لجاءك مثلها أو أسبقا يستقرب الأرض البسيطة مذهبا ... والأفق ذا السّقف الرفيعة مرتقى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 ويظلّ مسترق السّماع يخافه ... في الجوّ تحسبه الشهاب المحرقا يبدو فيعجب من رآه بحسنه ... وتكاد آية عتقه أن تنطقا مترفرفا من حيث درت كأنّما ... لبس الزجاجة أو تجلبب زئبقا 76» - وقال أبو نواس في الإوزّ: [من الرجز] كأنما يصفرن من ملاعق ... صرصرة الأقلام في المهارق «766» - وقال يصف الديك: [من الرجز] أنعت ديكا من ديوك الهند ... أحسن من طاووس قصر المهدي أشجع من غادى عرين الأسد ... ترى الدجاج حوله كالجند يقعين من خيفته للسّفد 9- نعت أنواع من الحيوان «767» - قال محمد بن أبي محمد اليزيدي يصف قنفذا رآه فأطعمه وسقاه: [من الطويل] وطارق ليل جاءنا بعد هجعة ... من الليل إلّا ما تحدّث سامر قريناه صفو الزاد حين رأيته ... وقد جاء خفاق الحشا وهو سادر جميل المحيا في الرضى فإذا أبي ... حمته من الضيم الرماح الشواجر ولست تراه واضعا لسلاحه ... يد الدهر موتورا ولا هو واتر «768» - وقال ذو الرمة في صفة الحرباء: [من البسيط] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 يظلّ مرتبئا للشمس تصهره ... إذا رأى الشمس مالت جانبا عدلا كأنه حين يمتدّ النهار له ... إذا استقام يمان يقرأ الطّولا «769» - وقال أيضا: [من الطويل] كأنّ يدي حربائها متشمّسا ... يدا مذنب [1] يستغفر الله تائب «770» - وقال أيضا: [من الطويل] يصلّي [2] بها الحرباء للشمس ماثلا ... على الجذل إلّا أنّه لا يكبّر إذا حوّل الظلّ العشيّ رأيته ... حنيفا وفي قرن الضّحى يتنصّر «771» - وقال أيضا: [من البسيط] كم دون ميّة من خرق ومن علم ... كأنه لامع عريان مسلوب كأنّ حرباءه في كلّ هاجرة ... ذو شيبة من رجال الهند مصلوب «772» - وقال أبو دواد الايادي: [من البسيط] أنّى أتيح له حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلّا ممسكا ساقا الحرباء تأتي شجرة تعرف بالتّنضبة وما أشبهها من ذوات الأغصان فتمسك   [1] الديوان: مجرم. [2] الديوان: يظل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 بيديها غصنين من الشجرة، وتقابل بوجهها عين الشمس، فكلما زالت عين الشمس عن ساق خلّت الحرباء يدها عنه وأمسكت ساقا أخرى حتى تغيب الشمس، ثم تستخفي [1] . «773» - وقال آخر يصف الضفادع: [من الرجز] ومقعدات ما لهنّ أرجل ... كقعدة الناكح حين ينزل «774» - وقال في الضبّ: [من الطويل] شديد اصفرار الكشيتين كأنما ... تطلّى بورس بطنه وشواكله فذلك أشهى عندنا من بياحكم ... لحا الله شاريه وقبّح آكله «775» - دخل أعرابيّ البصرة فاشترى خبزا فأكله الفأر فقال: [من الرجز] عجّل رب البيت بالعقاب ... لعامرات البيت بالخراب كحل العيون وقصّ الرقاب ... مجرّرات أحبل الأذناب كيف لنا بأنمر الإهاب ... منهرت الشدق حديد النّاب كأنما برثن بالحراب ... يفرسها كالأسد الوثّاب «776» - قال أبو عمرو بن العلاء: رأيت باليمن غلاما من جرم ينشد عنزا له، فقلت: يا غلام صفها، فقال: حسراء مقبلة، شعراء مدبرة، ما بين غثرة   [1] بهامش ر: الحرباء مذكر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 الدّهسة، وقنوء الدبسة، سجحاء الخدين، خطلاء الأذنين، فشقاء الصورين، كأنّ زنمتيها تتوا قلنسية، يا لها أمّ عيال، وثمال مال. الغثرة: غبرة كدرة، والدهسة: لون كلون الدهاس، قال الأصمعي: الدهاس من الرمل كلّ لين لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين. [والديسة: حمرة كدرة. والسجحاء: السهلة الخدين. والخطلاء: الطويلة الأذنين] وفشقاء: منتشرة متباعدة، والصوران: القرنان، والتتوان: ذؤابتا القلنسوة، وفي القلنسوة لغات إحداها قلنسية. «777» - وقال ابن قاضي ميلة المغربي، وذكر كلب البحر، والمغاربة يسمونه عدا قرش، وكان التقف إنسانا فتتبعه صاحب الولاية حتى صيد، ووجد بعض أشلاء الرجل في جوفه: [من المتقارب] وأشغى بكفّيه مثل المدى ... طويل القرا مدمج الأعظم تصرّفه في ضمان المياه ... ومهجته في يد الخضرم يخاف الهواء ويخشى الضياء ... وإن كان أجرأ من ضيغم ولما ارتقت نفسه للأذى ... وبات مع البغي في مجثم وعزّته منعته بالبحار ... ومثواه في زاخر مظلم دعاه إلى حتفه حينه ... فأقعص مرءا من العوّم فألقاه سعدك في راحتيك ... وقيّده سفكه للدم ونزّهك الله عن أن تضيع ... بأرضك نفس امرىء مسلم 778- وقال ابن زهير الكلبي: [من الرجز] قل لأبي الجوديّ عند الفجر ... أتاك حصّاد بغير أجر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 مسربلين في ملاء خضر ... لا يتشكّين انقلاب الدهر 779- من كلام عليّ عليه السلام: إن شئت قلت في الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفيّ، وفتح لها الفم السويّ، وجعل لها الحسّ القويّ، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزرّاع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبّها ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها. 10- نعت الحية «780» - قال النابغة الذبياني، ووجدتها في بعض الكتب منسوبة إلى خلف الأحمر: [من الرجز] صلّ صفا لا ينطوي من القصر ... طويلة الإطراق من غير خفر داهية قد صغرت من الكبر ... كأنما قد ذهبت به الفكر مهروتة الشدقين حولاء النظر ... تفترّ عن عوج حداد كالإبر «781» - وقال الهذلي، وذكر آثارها على الطريق: [من الوافر] كأنّ مزاحف الحيّات فيه ... قبيل الصبح آثار السّياط «782» - وقال خلف الأحمر: [من الكامل] وكأنما لبست بأعلى لونها ... بردا من الأثواب أنهجه البلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 في عينها قبل وفي حيزومها ... [1] فطس وفي أنيابها [2] مثل المدى «783» - وقال أيضا: [من الرجز] وحيّة مسكنها الرمال ... كأنها إذا شتت [3] خلخال «784» - وقال آخر: [من الرجز] أرقش بين حنش وثعبان ... كأنما في رأسه سنانان وفي حجاجي رأسه مغاران [4] «785» - وقال هميان بن قحافة: [من الرجز] وأفعوان مسّه كالمبرد ... في قدر شبرين كساق المقعد كأنّ عينيه سراجا موقد ... تخال رزّ نفخه المردّد صريف نابي جمل في قردد ... أو غليان مرجل لم يبرد «786» - وقال آخر: [من الكامل] خلقت لهازمه عزين ورأسه ... كالقرص فلطح من دقيق شعير وكأنّ شدقيه إذا استعرضته ... شدقا عجوز مضمضت لطهور   [1] التشبيهات: خيشومها. [2] ر: في عينه ... حيزومه ... أنيابه. [3] التشبيهات: انثنى. [4] التشبيهات: سراجان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 «787» - وقال عنترة بن الأخرس: [من الطويل] لعلك تمنى من أراقم أرضنا ... بأرقم يسقى السمّ من كلّ منطف تراه بأجواز الهشيم كأنما ... على متنه أخلاق برد مفوّف كأنّ بضاحي جلده وسراته ... ومجمع ليتيه تهاويل زخرف كأنّ تثني نسعه تحت حلقه ... لما قد طوى من جلده المتعطف «788» - وقال أشجع: [من الكامل] وكأنما التدريج في بطنانها ... أمواج دجلة في هبوب الشمأل 789- وقال ابن المعتز: [من البسيط] تلقي إذا انسلخت في الأرض جلدتها ... كأنها كمّ درع قدّه بطل «790» - وقال ابن نباتة: [من الطويل] ففي الهضبة الحمراء إن كنت ساريا ... أغيبر يأوي في صدور الشواهق يسالم ركبان الطريق نهاره ... إلى الليل مخبوء لأحدى البوائق كأنّ بقايا ما سرى من قميصه ... على متنه أفواف برد شبارق يقصّر عن يافوخه حين ينطوي ... حقيبة مملوء من الشر [1] زاهق وغرهم منه وهم يخدعونه ... كراه على أيمانهم والمرافق ودون الذي يرجون من سقطاته ... حفيظة مشبوب اللحاظ مرافق   [1] ر: السمّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 مطول إذا ماطلته الكيد سادر ... جريء إذا بادهته بالحقائق 11- نعت الهوامّ والحشرات «791» - قال أبو رياح الأسدي: [من الطويل] تطاول بالفسطاط ليلي ولم يكن ... بحنو الغضا ليلي عليّ يطول تؤرّقني حدب قصار أذلّة ... وإن الذي يؤذينه لذليل إذا جلت بعض الليل منهن جولة ... تعلقن بي أو جلن حيث أجول إذا ما قتلناهنّ أضعفن كثرة ... علينا ولا ينعى لهنّ قتيل ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... وليس لبرغوث عليّ سبيل «792» - وقال أعرابي: [من الطويل] ألا يا عباد الله من لقبيلة ... إذا ظهرت في الأرض شدّ مغيرها فلا الدين ينهاها ولا هي تنتهي ... ولا ذو سلاح من معدّ يضيرها «793» - وقال السلاميّ في الزنبور: [من الطويل] ولابس ثوب [1] واحد وهو طائر ... ملوّنة أبراده وهو واقع أغرّ محشّى الطيلسان مدبّج ... وسود المنايا في حشاه ودائع إذا حكّ أعلى رأسه فكأنّما ... بسالفتيه من يديه جوامع يخاف إذا ولّى ويؤمن مقبلا ... ويخفى على الأقران ما هو صانع   [1] ر: لون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 بدا فارسيّ الزيّ يعقد خصره ... عليه قباء زيّنته الوشائع يرجّع ألحان الغريض ومعبد ... ويسقي كؤوسا ملؤها السمّ ناقع فمعجره الورديّ أحمر ناصع ... ومئزره التبريّ أصفر فاقع «794» - وقال عبد الصمد في العقرب [1] : [من الرجز] يا ربّ ذي إفك كثير خدعه ... يبرز كالقرنين حين يطلعه في مثل صدر السّبت حين تقطعه ... أسود كالسبحة فيه مبضعه لا تصنع الرقشاء ما لا يصنعه ... ينطف فيها سمّه وسلعه 795- وروي أنّ عبد الرحمن بن حسان دخل على أبيه يبكي وهو صبي، فقال: ما يبكيك؟ قال: لسعني طائر كأنه ملتفّ في بردي حبرة. فقال: قلت والله الشعر. «796» - وقال عنترة: [من الكامل] وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنّم هزجا يحكّ ذراعه بذراعه ... فعل المكبّ على الزّناد الأجذم «797» - وقال الصابىء في البق: [من البسيط] طافوا علينا وحرّ الصيف يطبخنا ... حتى اذا نضجت أجسادنا أكلوا وأول الأبيات:   [1] ووردت الأشطار بهامش ر بخط الأصل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 وليلة لم أذق من حرّها وسنا ... كأنّ في جوفها النيران تشتعل أحاط بي عسكر للبقّ ذو لجب ... ما فيه إلّا شجاع فاتك بطل من كلّ شائلة الخرطوم طاعنة ... لا تمنع الحجب مسراها ولا الكلل «798» - وقال آخر: [من الرجز] إذا البعوض زجلت أصواتها ... وأخذ اللحن مغنّياتها لم تطرب السامع زامراتها ... صغيرة كبيرة أذاتها يقصر عن بغيتها بغاتها ... فلا تصيب أبدا رماتها رامحة خرطومها قناتها «799» - وقال ابن المعتز: [من الرجز] بتّ بليل ساهرا [1] لم أطرف ... جرجسه كالزئبر المنتّف [2] تنفذ في الجسم [3] وراء المطرف ... حتى ترى فيه كشكل المصحف أو مثل رشّ العصفر المدوّف [4] «800» - وقال أبو نواس: [من الكامل المجزوء] يا ربّ مستخف بحر ... ز الدّرز يكنفه صؤابه أنحى له بمذلّق ال ... حدّين إصبعه نصابه   [1] التشبيهات: كله؛ ر: ساهر. [2] ر: المنسف. [3] التشبيهات: يثقب الجلد. [4] م: المندف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 لله درّك من أخي ... قنص أصابعه كلابه «801» - وقال آخر: [من الكامل] للقمل حول أبي العلاء مصارع ... من بين مقتول وبين عقير وكأنهنّ إذا علون قميصه ... فذّ وتوأم سمسم مقشور «802» - وقال أبو عثمان الخالدي: [من الرجز] كأنما قمل أبي رياش ... ما بين صئبان قفاه الفاشي وذا وذا قد لجّ في انتعاش ... شهدانج بدّد في خشخاش «803» - وقال ابن المعتز يصف الأرضة: [من الرجز] أرقط ذو شيب كلون المكتهل ... تخاله مكتحلا وما اكتحل راكب كفّ أين ما شاء رحل ... مثل العروق لا ترى فيها خلل يبني أنابيب له فيها سبل 804- بعض المحدثين من أبيات: [من المنسرح] إذا تغنى بعوضه طربا ... ساعد برغوثها الغنا فرقص فهل سمعتم بمطربي أحد ... تقاسموه على الجذور حصص 805- وقال آخر مثله: [من المنسرح] كأنّ جنبي البيت الحرام فما ... يؤنس منه إلّا بمستلم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 كأنّ حرب البسوس قد فرشت ... تحتي فمن ظافر ومنهزم 806- وقال آخر: [من الرجز] قبيلة في طولها وعرضها ... لم يطبقوا عينا لها بغمضها خوف البراغيث وخوف عضّها ... كأنّ في جلودها من مضّها عقاربا ترفضّ من مرفضّها ... إن دام هذا هربت من أرضها يا ربّ فاقتل بعضها ببعضها 12- نعت النساء جملة وتفصيلا 807- قد ذكرنا في باب الغزل والنسيب من ذلك ما يليق به، ونقتصر ها هنا على ما هو وصف ونعت مدحا كان أو ذمّا. قال الله عزّ وجلّ في مدح [1] الحور العين كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (الرحمن: 58) وقال تعالى في موضع آخر: (كأنّهنّ بيض مكنون) (الصافات: 49) . «808» - وقال عدي بن زيد: [من الكامل المرفل] بيض عليهنّ الدمقس وفي ال ... أعناق من تحت الأكفّة درّ كالبيض في الرّوض المنوّر قد ... أفضى بهنّ إلى الكثيب بهر يأرج من أردائهنّ مع ال ... مسك الزكيّ عنبر وقطر 809- وقد وصفهنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم موجزا فقال: النساء حبائل الشّيطان.   [1] بهامش ر: ذكر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 «810» - وما أحسن ما عرّفهنّ علقمة بن عبدة حيث يقول: [من الطويل] فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له في ودهنّ نصيب تراهنّ لا يحببن من قلّ ماله [1] ... وشرخ الشباب عندهنّ عجيب «811» - وقال جرير: [من البسيط] ما استوصف الناس من شيء يروقهم ... إلا رأوا أمّ عمرو فوق ما وصفوا كأنها مزنة غراء لائحة [2] ... أو درّة لا يواري ضوءها الصّدف «812» - وقال النابغة الذبيانيّ يصف امرأة النعمان بن المنذر: [من الكامل] سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد بمخضّب رخص كأنّ بنانه ... عنم على أغصانه لم يعقد وبفاحم رجل أثيث نبته ... كالكرم مال على الدّعام المسند نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العوّد زعم الهمام بأنّ فاها بارد ... عذب إذا ما ذقته قلت ازدد والبطن ذو عكن لطيف ليّن ... والصدر ينفجه بثدي مقعد وتخالها في البيت إذ فاجأتها ... قد كان محجوبا سراج الموقد صفراء كالسّيراء أكمل خلقها ... كالغصن في غلوائه المتأوّد وإذا لمست لمست أخثم جاثما ... متحيّرا بمكانه ملء اليد   [1] الديوان: يردن ثراء المال حيث علمنه. [2] الديوان: رائحة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسّة بالعبير مقرمد وإذا نزعت نزعت من مستحصف ... نزع الحزوّر بالرشاء المحصد لا وارد منها يريد إذا استقى ... صدرا ولا صدر يجوز لمورد «813» - وقال عبد الصمد: [من الكامل المجزوء] وهتكت ثني [1] الليل عن ... بيض السّوالف والصفاح فكأنما ضحكت سجو ... ف الليل [2] عن بيض الأداحي «814» - وقال آخر: [من الطويل] مريضات أوبات التهادي كأنما ... تخاف على أحشائها أن تقطّعا تسيب انسياب الأيم أخصره الندى ... فرفّع من أعطافه ما ترفّعا «815» - وقال بكر بن النطاح: [من الكامل] بيضاء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه وهو جثل أسحم فكأنّها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم «816» - وقال بشار: [من الكامل المجزوء] وكأنّ تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا وتخال ما ضمّت علي ... هـ ثيابها ذهبا وعطرا   [1] ر: برد. [2] بهامش ر: الريط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 817- يقال للصبيّ إذا كان في بطن أمه جنين، فإذا ولد قيل له وليد، فإذا زاد على هذا قيل له طفل، فإذا أرضعته أمّه قيل له رضيع، فإذا فطمته قيل له فطيم، فإذا زاد على هذا قيل له جفر، فإذا زاد على هذا قيل له جحوش، فإذا زاد عليه قيل له حزوّر، فإذا قوي وعدا واستقلّ قيل له بدر، ويقال له مذ يفطم إلى أن يبلغ عشر [1] سنين غلام، ويقال له بعد ذلك يافع، فإذا قارب الإدراك قيل له مراهق وكوكب، فإذا أدرك قيل له حالم ومحتلم ومترعرع، فإذا جاز الإدراك قيل له ناشىء وأمرد، فإذا ابتدأت لحيته تخرج قيل له طارّ، فإذا اسودّ الشعر في عارضيه قيل له محمم وفتىّ وشابّ، فإذا استوت لحيته قيل له مجتمع. ويقال له من خمس عشرة إلى خمس وعشرين قمد، ومن خمس وعشرين إلى ثلاثين عنطنط، ومن ثلاثين إلى أربعين صمل، ومن أربعين إلى خمسين كهل، ومن خمسين إلى ثمانين شيخ، ويقال له بعد الثمانين يفن. «818» - قال عمر بن أبي ربيعة: [من الكامل المرفل] زهراء آنسة مقبّلها ... عذب كأنّ مذاقه الخمر [2] وإذا تراءت في الظلام جلت ... دجن الظلام كأنها البدر نظرت إليك بعين مغزلة ... حوراء خالط طرفها فتر «819» - وقال: [من الطويل] قليلة ازعاج الحديث يروعها ... تعالي الضّحى لم تنتطق عن تفضّل نؤوم الضحى ممكورة الخلق غادة ... هضيم الحشا حسّانة المتعطّل   [1] ر: سبع. [2] ر: خمر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 «820» - وقال أبو القاسم الزاهي: [من الطويل] سفرن بدورا وانتقبن أهلّة ... ومسن غصونا والتفتن جآذرا وأطلعن في الأجياد بالدرّ أنجما ... جعلن لحبات القلوب ضرائرا «821» - واحتذى في البيت الأول قول المتنبي: [من الوافر] بدت قمرا ومالت خوط بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا «822» - وقال عدي بن الرقاع العاملي: [من الكامل] وكأنها بين النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم وسنان أقصده النّعاس فرنّقت ... في عينه سنة وليس بنائم «823» - وقال عبيد بن الأبرص: [من البسيط] كأنّ ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... من ماء أدكن في الحانوت فضّاح أو من مشعشعة كالمسك نشوتها ... ومن أنابيب رمّان وتفّاح «824» - وقال كعب بن زهير: [من البسيط] تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالرّاح معلول شجّت بذي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه ... من صوب سارية بيض يعاليل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 «825» - كان هيت المخنث يدخل على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، فدخل ذات يوم دار أم سلمة وهو صلّى الله عليه وسلم عندها، فأقبل على أخي أم سلمة عبد الله بن أبي أميّة فقال: إن فتح الله عليكم الطائف فسل أن تنفّل بنت غيلان بن سلمة بن معتّب الثقفي فإنها مبتّلة هيفاء، شموع نجلاء، تناصف وجهها في القسامة، معتدلة في القامة، جامعة للوسامة، إن قامت تثنّت، وإن قعدت تبنّت، وإن تكلمت تغنّت. أعلاها قضيب، وأسفلها كثيب، في شيء بين فخذيها كالقعب المكفأ، كما قال قيس بن الخطيم: [من المنسرح] تغترق الطرف وهي لاهية ... كأنما شفّ وجهها نزف بين شكول النساء خلقتها ... قصد فلا جبلة ولا قضف فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قوله فقال: ما لك سباك الله، ما كنت أحسبك إلّا من غير أولي الإربة من الرجال، ولذلك كنت لا أحجبك عن نسائي. وأمر أن يسيّر إلى خاخ، ففعل. فدخل بعض الصحابة في أثر الحديث فقال: أتأذن لي أن أتبعه فأضرب عنقه؟ قال: لا، إنّا قد أمرنا ألّا نقتل المصلّين. 826- وكتب أبو اسحاق الصابىء في صفة جارية: ممشوقة القدّ، أسيلة الخدّ، ساجية اللحظ، شاجية اللفظ، صادقة الدّعج، ظاهرة الغنج، حوراء الطرف، قنواء الأنف، مائلة الرّدف، جائلة العطف، رائقة الشكل، بارعة الشّكل، مليحة النحر، صحيحة الصدر، دقيقة الخصر، مشرقة الثغر، جعدة الشّعر، مريضة النظر، كثيرة الخفر، شديدة الكحل، مبينة الخجل، نقيّة اللون، خمصانة البطن، زجّاء الحواجب، سبطاء الرواجب، سوداء الذوائب، بيضاء الترائب، غضّة المحاجر، سهلة ما كفّت [1] المعاجر، سقيمة الجفون،   [1] ر: لفت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 غليظة القرون، متراصفة الأسنان، باردة اللسان، رطبة الأطراف، أرجة الأعطاف، معتدلة القوام، بطيئة القيام، مدوّرة السرّة، واضحة الطرّة، حسنة المنقب، جميلة المعصّب، قائمة العنق، ناهدة الثديين، متساوية اليدين، كاسية الساقين، غليظة الفخذين، مناصفة الأعضاء، هضيمة الأحشاء، ذكية القلب، ممتلئة القلب، ريّا السّوار، سبغى [1] الإزار، إن التفتت فخشف، وإن انفتلت [2] فحقف، أو تبدّت فوثن، أو تثنت فغصن، أو أقبلت فقضيب، أو ولّت فكثيب، أو طلعت فشمس، أو سفرت فبدر، أو ابتسمت فعن برد مرصوف، أو نطقت فعن درّ مشوف. فرعها ليل، ووجهها صبح، وخدّها ورد، وعرقها [3] ندّ، وريقها خمر، ولفظها سحر، وقدّها جدل عنان، وسوالفها صفيحة [4] يمان، وصدغها نون كاتب، وأنفها حدّ قاضب، تتأرج عن نسيم الرياض، وتضحك عن نقيّ البياض، وتفترّ عن عذب المذاق، وتكشف عن حلو العناق، وتخطر بعطف الشباب، وترشف بطعم الشراب. تحلو في كلّ جارحة منك جارحة منها أو معنى من معانيها: فالوجه لعينك، والنطق لسمعك، والريق لفمك، والعرف لأنفك، والصدر لضمّك، والنحر للثمك: [من الكامل] شرك النفوس ونزهة ما مثلها ... للمطمئنّ وعقلة المستوفز والشعر لابن الرومي. «827» - تمام أبيات قيس في صفة المرأة: [من المنسرح] قضى لها الله حين صوّرها ال ... خالق أن لا يجنّها السّدف   [1] ر: شبعى. [2] ر: انقلبت. [3] ر: وعرفها. [4] ر: صفحة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 تنام عن كبر شانها فإذا ... قامت رويدا تكاد تنغرف [1] خود يغثّ الحديث ما سكتت [2] ... وهو بفيها ذو لذّة طرف تخزنه وهو مشتهى حسن ... وهو إذا ما تكلّمت أنف حوراء جيداء يستضاء بها ... كأنها خوط بانة قصف تمشي كمشي المبهور في دهس [3] الر ... رمل إلى السهل دونه الجرف 828- أهدى المنذر بن ماء السماء جارية إلى كسرى أنوشروان وكتب معها إليه: قد أهديت [4] إليك جارية معتدلة الخلق، نقيّة اللون والثغر، بيضاء قمراء، وطفاء دعجاء، حوراء عيناء، قنواء شماء، زجّاء برجاء، أسيلة الخد جثلة الشعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء عريضة الصدر، كاعب الثدي، مشاشة المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكفّ، سبطة البنان، لطيفة طيّ البطن، خميصة الخصر، غرثى الوشاح، رداح القبل، رابية الكفل، مفعمة الساق، لفّاء الفخذين، ريّا الروادف، ضخمة المأكمتين، مشبعة الخلخال، لطيفة الكعب والقدم، قطوف المشي، مكسال الضحى، بضّة المتجرّد، شموع [5] للسيّد، ليست بخنساء ولا سفعاء، ذليلة الأنف، عزيزة النفس، لم تغذ في بؤس، حييّة رزينة، حليمة ركينة، كريمة الخال، تقتصر بنسب أبيها دون فصيلتها، وبفصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها التجارب في الأدب، فرأيها رأي أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفّين، قطيعة اللسان، رهوة الصوت، تزين البيت، وتشين العدو، إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت، تحملق عيناها، وتحمرّ وجنتاها، وتذبذب   [1] تنغرف: تسقط. [2] الديوان: ولا يغث ... ما نطقت. [3] الديوان: كمشي الزهراء في دمث. [4] ر: بعثت. [5] شموع: لعوب ضحوك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 شفتاها، وتبادرك الوثبة. «829» - قال أبو العباس لخالد بن صفوان: يا خالد إنّ الناس قد أكثروا في النساء، فأيّ النساء أحبّ إليك؟ قال: يا أمير المؤمنين، أحبّها ليست بالضّرع الصغيرة، ولا بالفانية الكبيرة، وحسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب، أعلاها عسيب، وأسفلها كثيب، غذيت في النّعيم وأصابتها حاجة، فأدبها النعيم وأذلّها الفقر، لم تقرأ فتجبن، ولم تفتك فتمجن، الهلوك على زوجها، الحصان من جارها. إذا خلونا كنا أهل دنيا، وإن تفرقنا كنا أهل آخرة. «830» - ومن الجيّد في وصف أخلاقهنّ قول يزيد بن الحكم، ويروى لابن قيس الرقيّات: [من البسيط] إنّ النساء إذا ينهين عن خلق ... فكلّ ما قيل لا يفعلن مفعول وما وعدنك من شرّ وفين به ... وما وعدن من الخيرات تضليل إنّ النساء كأشجار نبتن معا ... فيهنّ مرّ وبعض المرّ مأكول 831- وصف أعرابيّ امرأة فقال: هي أرق من الهواء، وأطيب من الماء، وأحسن من النعماء، وأبعد من السماء. «832» - ومن كلام أحمد بن يوسف في صفة جارية كاتبة: كأنّ خطّها أشكال صورتها، وكأنّ مدادها سواد شعرها، وقرطاسها أديم وجهها، وكأنّ قلمها بعض أناملها، وكأنّ لسانها سحر مقلتها، وكأنّ مبراتها سيف لحظها، وكأنّ مقطّها قلب عاشقها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 «833» - وقال إبراهيم الرقيق الكاتب المغربي: [من الطويل] وما أمّ ساجي الطّرف خفّاقة الحشا ... أطاع لها الحوذان والسّلم النّضر إذا ما دعاها نصّت الجيد نحوه ... أغنّ قصير الخطو في عظمه فتر بأملح منها ناظرا أو مقلّدا ... ولكن عداني عن تقنّصها الهجر 834- وقال أعرابي: [من الرجز] بيضاء في وجنتها احمرار ... يعبنها جاراتها القصار هنّ الليالي وهي النهار 835- أنشد أحمد بن يحيى: [من الوافر] إذا نطقت سمعت لها صوابا ... وتخطىء في الفعال فما تصيب إذا أعطيتها كفرت وألوت ... وإن منعت فعابسة قطوب «836» - وقال ساعدة بن جؤيّة الهذلي: [من الكامل] ومنصّب كالأقحوان منطّق ... بالظّلم مغلوث [1] العوارض أشنب كسلافة العنب العصير مزاجه ... عود وكافور ومسك أصهب «837» - وقال آخر: [من الكامل] تجري الأراك على أغرّ كأنّه ... برد تحدّر من متون غمام   [1] ر والديوان: مصلوت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 «838» - وقال النابغة: [من الكامل] تجلو بقادمتي حمامة أيكة ... بردا أسفّ لثاته بالإثمد كالأقحوان غداة غبّ سمائه ... جفّت أعاليه وأسفله ند «839» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] ألا ربّما سؤت الغيور وساءني ... وبات كلانا من أخيه على وحر وقبّلت أفواها عذابا كأنّها ... ينابيع خمر حصّبت لؤلؤ البحر «840» - وجمع البحتري كلّ ما يشبّه به الثغر في بيت واحد فقال: [من السريع] كأنما يضحك [1] عن لؤلؤ ... منضّد أو برد أو أقاح «841» - وقال الأعشى وذكر مشيهنّ فأحسن وتبعه الناس: [من البسيط] كأنّ مشيتها من بيت جارتها ... مرّ السّحابة لا ريث ولا عجل غرّاء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل «842» - وقال آخر: [من المنسرح] تمشي الهوينا إذا مشت فضلا ... مشي النزيف المخمور في صعد   [1] هامش ر: يبسم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 تظلّ من زور بيت جارتها ... واضعة كفّها على الكبد «843» - وقال الحارث بن حلزة وذكر العجيزة: [من الكامل المرفل] وتنوء تثقلها روادفها ... فعل الضعيف ينوء بالوسق وهذا من المقلوب، إنما الوسق ينوء بالضعيف، قال الله عزّ وجلّ: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (القصص: 76) . «844» - وقال آخر: [من الطويل] وبيض نضيرات الوجوه كأنّما ... تأزّرن دون الأزر رملات عالج «845» - وقال التمّار وأجاد: [من المنسرح] آخرها متعب لأوّلها ... فبعضها جائر على بعض «846» - وقال آخر: [من الرجز] مجدولة الأعلى كثيب نصفها ... إذا مشت أقعدها ما خلفها 847- وكانت عائشة بنت طلحة موصوفة بعظم العجيزة، فإذا نهضت فلا تستقلّ، فكانت تقول: إنّي لمعنّاة بكما. «848» - وقال البحتري: [من البسيط] رددن ما خفّفت منه الخصور إلى ... ما في المآزر فاستثقلن أردافا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 «849» -[وقال] ابن الرومي: [من الكامل المجزوء] وهبت له عيني الهجوعا ... فأثابها منه الدموعا ظبيّ كأنّ بخصره ... من دقّة ظمأ وجوعا «850» - وقال عمرو بن كلثوم: [من الوافر] وثديا مثل حقّ العاج رخصا ... حصانا من أكفّ اللامسينا «851» - وقال مسلم بن الوليد: [من الطويل] فأقسمت أنسى الداعيات إلى الصبا ... وقد فاجأتها العين والستر واقع فغطّت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع «852» - وقال ابن الرومي: [من الوافر] صدور فوقهنّ حقاق عاج ... وثغر زانه حسن اتّساق يقول القائلون إذا رأوه ... أهذا الدرّ [1] من تلك الحقاق «853» - وقال الأصمعي: ما وصف أحد الثغر بأحسن من بيت بشر بن أبي خازم: [من الوافر] يفلّجن الشّفاه عن اقحوان ... جلاه غبّ سارية قطار ولا وصف اللون بأحسن من قول عمر بن أبي ربيعة: [من الخفيف]   [1] الديوان: أهذا الحلي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 وهي مكنونة تحدّر [1] عنها ... في أديم الخدين ماء الشباب ولا وصف أحد امرأة إلا احتاج إلى قول عديّ بن الرقاع: [من الكامل] وكأنها بين النساء أعارها وقد كتبنا البيتين. وذكر الأصمعي بعد ذلك ما لا يليق [2] بهذا الباب. 854- وقال عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص: [من البسيط] هيفاء فيها إذا استقبلتها عجف ... عجزاء غامضة الكعبين معطار من الأوانس مثل الشمس لم يرها ... بساحة الدار لا بعل ولا جار 855- وقال خالد بن صفوان المنقريّ: [من الطويل] عليك إذا ما كنت لا بدّ ناكحا ... ذوات الثنايا الغرّ والأعين النّجل وكلّ هضيم الكشح خفاقة الحشا ... قطوف الخطا بلهاء وافرة العقل «856» - وقال ذو الرمّة: [من البسيط] تريك سنّة وجه غير مقرفة ... ملساء ليس بها خال ولا ندب تزداد للعين إبهاجا إذا سفرت ... وتحرج العين منها حين تنتقب لمياء في شفتيها حوّة لعس ... وفي اللّثات وفي أنيابها شنب كحلاء في برج صفراء في نعج ... كأنها فضّة قد مسّها ذهب البرج: سعة العين، والنّعج بياضها.   [1] ر والديوان: تحير. [2] ر: ما يتعلق. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 12 ب- نعت لباسهنّ وزينتهنّ «857» - قال عمر بن أبي ربيعة: [من الخفيف] لا يزال الخلخال فوق الحشايا ... مثل أثناء حيّة مفتول «858» - وقال الطائي: [من الطويل] من الهيف لو أنّ الخلاخيل صيّرت ... لها وشحا جالت عليها الخلاخل «859» - وقال ابن الرومي: [من الكامل المجزوء] فإذا لبسن خلاخلا ... كذّبن أسماء الخلاخل تأبى تخلخلهنّ سو ... ق مرجحنّات بخادل 860- وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: [من السريع] وشاحها [1] يحسد خلخالها ... كجائع يحسد شبعانا 861- وقال منصور بن كيغلغ: [من السريع] كأنّها والقرط في أذنها ... بدر الدجى قرّط بالمشتري قد كتب الحسن على وجهها ... يا أعين الناس قفي فانظري 862- وصف إسحاق بن إبراهيم الموصلي قميصا فقال: كأنه قدّ من جرم الزّهرة.   [1] م: وساقها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 863- وذكر شاعر معشوقا لبس ثوبا أزرق فقال: [من الكامل المجزوء] الآن صرت البدر حى ... ن لبست لون سمائه «864» - وقال ابن الرومي: [من البسيط] كأنها وعثان المسك [1] يشملها ... شمس عليها ضبابات وأدجان «865» - وقال الصابىء مثله: [من المنسرح] تبخّرت والعثان يكنفها ... فكانت البدر وسط هالته 866- كاتب: ثوب كلعاب الشمس، وخلع الهلال، لو رآه أصحاب الكلام، لجعلوه من حيز الأعراض لا الأجسام. والهلال ها هنا الحية. 13- نعت الغلمان «867» - أحسن البحتري في قوله: [من الطويل] وأهيف مأخوذ من النفس شكله ... ترى العين ما تختار [2] أجمع فيه «868» - وقال أبو محمد المهلّبي الوزير في تكين الجاندار [3] غلام معزّ الدولة: [من الكامل المجزوء]   [1] الديوان: الند. [2] الديوان: ما تحتاج. [3] ر: الجامدار. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 ظبي يرقّ الماء في ... وجناته فيرفّ عوده ويكاد من شبه العذا ... رى فيه أن تبدو نهوده ناطوا بمعقد خصره ... سيفا ومنطقة تؤوده جعلوه قائد عسكر ... ضاع الرعيل ومن يقوده «869» - وقال ابن المعتز في غلام عذّر: [من الكامل المرفل] ظبي يتيه بحسن صورته ... عبث الفتور بلحظ مقلته وكأنّ عقرب صدغه وقفت ... لما دنت من نار وجنته «870» - وقال أيضا: [من الطويل] له مقلة ترمي القلوب ووجنة ... تفتّح فيها الورد من كلّ جانب وعذّر خدّاه بخطّين قوّما ... كما أثّر التسطير في رقّ كاتب «871» - وكان أبو نواس والحسين بن الضحاك الخليع أول من أطنب في وصف الغلمان، وجعلاه مذهبا، فمن شعر أبي نواس في المعنى: [من البسيط] من كفّ مضطمر الزنّار معتدل ... كأنه غصن بان غير ذي أود ومنه: [من الكامل المرفل] في مثل وجهك يحسن الشعر ... ويكون فيه لذي الهوى عذر ما إن نظرت إلى محاسنه ... إلّا تداخلني له كبر تتزيّن الدنيا بطلعته ... ويكون بدرا حين لا بدر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 ومنه: [من الكامل المرفل] فإذا بدا اقتادت محاسنه ... قسرا إليه أعنّة الحدق «872» - وقال أبو عثمان الخالدي: [من الرمل المجزوء] يا شبيه البدر حسنا ... وضياء ومثالا وشبيه الغصن لينا ... وقواما واعتدالا أنت مثل الورد لونا ... ونسيما وملالا «873» - وقال المعروف بالعطار المغربي: [من السريع] مهفهف القامة ممشوقها ... مستملح الخطرة معشوقها في طرفه من سقم ألحاظه ... دعوى وفي جسمي تصديقها «874» - وقال ابن ميخائيل المغربي: [من السريع] صوّر عبد الله من مسكة ... وصوّر الناس من الطين مهفهف القدّ هضيم الحشا ... يكاد ينقدّ من اللين كأنّ في أجفانه منتضى ... سيف عليّ يوم صفّين 14- نعت السودان «875» - الغاية المومى إليها قول ابن الرومي: [من المنسرح] غصن من الآبنوس ركّب في ... مؤتزر معجب ومنتطق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 في لين سمّورة تخيرها ال ... فرّاء أو لين جيّد الدلق أكسبها الحسن أنها صبغت ... صبغة حبّ القلوب والحدق فانصرفت نحوها الضمائر وال ... أبصار يعنقن أيّما عنق يفترّ ذاك السواد عن يقق ... من ثغرها كاللآلىء النّسق كأنها والمزاح يضحكها ... ليل تفرّى دجاه عن فلق وكانت حاملا فقال: أخلق بها أن تقوم عن ذكر ... كالسيف يفري مضاعف الحلق إنّ جفون السيوف أكثرها ... أسود والحقّ غير مختلق «876» - وقال بشار: [من الوافر] يكون الحال في خدّ مليح ... فيكسوه الملاحة والدّلالا [1] ويوقفه لأعين مبصريه ... فكيف إذا رأيت اللون خالا «877» - وقال أبو عليّ البصير: [من الخفيف] لم يعبها استحالة اللون عندي ... إنها صبغة كلون الشباب «878» - وقال آخر: [من الخفيف] مشبهات الشباب والمسك تفدي ... هنّ نفسي من الردى والخطوب كيف يهوى الفتى الأريب وصال ال ... بيض والبيض مشبهات المشيب   [1] خ بهامش ر: والجمالا (وكذلك الديوان) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 «879» - وقال الرضي أبو الحسن الموسوي: [من الطويل] إذا كنت تهوى الظبي ألمى فلا تلم ... جنوني على الظبي الذي كلّه لمى حببتك يا لون الشباب لأنني ... رأيتكما في العين والقلب توأما «880» - وقال أبو إسحاق الصابىء: [من الخفيف] لك وجه كأنّ يمناي خطّت ... هـ بلفظ تملّه آمالي فيه معنى من البدور ولكن ... نفضت صبغها عليه الليالي «881» - وقال أعشى بني سليم في امرأته، وكانت سوداء، ورآها تختضب: [من الرجز] تختضب كفّا بتكت [1] من زندها ... فتخضب الحناء من مسودّها كأنها والكحل في مرودها ... تكحل عينيها ببعض جلدها 882- وقيل لآخر: لم تحبّ السودان؟ قال: لأنهنّ أسخن، فقيل: نعم هنّ أسخن للعين. 883- نظر ابن أبي عتيق إلى سوداء فقال: لو اقتسمتها الغواني خيلانا لحظين بها. 884- وقال يعقوب بن رافع: [من الطويل] فجئني بمثل المسك أطيب نكهة ... وجئني بمثل الليل أطيب مرقدا   [1] ر: تبلت. 21 تذكرة 5 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 885- وقال آخر: [من الخفيف] كسيت من أديمها الحالك الجو ... ن [1] غشاء أحسن به من غشاء مشبها صبغة الشباب ولمّا ... ت العذارى ولبسة الخطباء 15- نعت السماء والنجوم وما يتعلق بها 886- قال أعرابي في صفة الشمس: [من الطويل] مخبأة أما إذا الليل جنّها ... فتخفى وأما بالنهار فتظهر إذا انشقّ عنها ساطع الفجر وانجلى ... دجى الليل وانجاب الحجاب المستر وألبس عرض الأرض لونا كأنه ... على الأفق الشرقيّ ثوب معصفر ولون كردع الزعفران يشبّه ... شعاع يلوح فهو أزهر أصفر إلى أن علت وابيضّ منها اصفرارها ... وجالت كما جال المنيح المشهّر ترى الظلّ يطوى حين تعلو وتارة ... تراه إذا مالت إلى الأرض ينشر وأفنت قرونا وهي ذاك ولم تزل ... تموت وتحيا كلّ وقت وتنشر «887» - وقال الطرماح: [من الكامل] والشمس معرضة تمور كأنّها ... ترس يقلّبه كميّ رامح «888» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] إذا رنّقت شمس الأصيل ونفّضت ... على الأفق الغربيّ ورسا مذعذعا   [1] ر: اللون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 وودّعت الدنيا لتقضي نحبها ... وشوّل باقي عمرها فتسعسعا ولا حظت النّوار وهي مريضة ... وقد وضعت خدّا إلى الأرض أضرعا كما لا حظت عوّاده عين مدنف ... توجّع من أوصابه ما توجّعا «889» - وقال أبو النجم العجلي في إصغاء الشمس للمغيب: [من الرجز] والشمس قد صارت كعين الأحول وقال آخر: [من الرجز] والشمس كالمرآة في كفّ الأشلّ «890» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] كأنّ حنوّ الشمس ثم غروبها ... وقد جعلت في مجنح الليل تمرض تخاوص عين مسّ أجفانها الكرى ... يرنّق فيها النوم ثم تغمّض «891» - وأنشد ثعلب لجميل يريد الهلال: [من المتقارب] كأنّ ابن مزنتها جانحا ... فسيط تساقط من خنصر الفسيط: قلامة الظفر. «892» - وقال ابن المعتز: [من الكامل] في ليلة أكل المحاق هلالها ... حتى تبدّى مثل وقف العاج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 «893» - وقال أيضا: [من البسيط] ولاح ضوء هلال كاد يفضحه ... مثل القلامة قد قصّت من الظّفر «894» - وقال الناجم: [من السريع] والبدر قد قابلني طالعا ... كأنه حزّة بطّيخ «895» - وقال آخر: [من الرجز] ما للهلال ناحلا في المغرب ... كالنّون قد خطّ بماء الذّهب «896» - وقال ابن المعتز: [من الكامل المجزوء] يا ليلة ما كان أط ... يبها سوى قصر البقاء أحييتها وأمتّها ... وطويتها طيّ الرداء حتى رأيت الشمس تت ... لو البدر في أفق السماء وكأنها وكأنّه ... قدحان من خمر وماء وقد أكثر الشعراء في وصف الثريا، ووصفوها فأغربوا. «897» - فمن أحسن ما قيل فيها قول امرىء القيس: [من الطويل] إذا ما الثريا في السماء تعرّضت ... تعرّض أثناء الوشاح المفصّل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 «898» - وقال يزيد بن الطّثرية: [من الطويل] إذا ما الثريا في السماء كأنها ... وشاح وهى من سلكه فتبدّدا «899» - وقال ذو الرمّة: [من الطويل] وردت اعتسافا والثريّا كأنّها ... على قمة الرأس ابن ماء محلّق يدبّ على آثارها دبرانها ... فلا هو مسبوق ولا هو يلحق «900» - وقال ابن الرومي: [من الخفيف] طيّب ريقه إذا ذقت فاه [1] ... والثريا في جانب الغرب قرط 901- ووصفها مرقّش على اختلاف حالها فقال: [من المنسرح] في الشرق كأس وفي مغاربها ... قرط وفي أوسط السماء قدم «902» - وذكر ابن المعتز المعنى الأخير وزاد فيه فقال: [من الكامل] وأرى الثريّا في السماء كأنها ... قدم تبدّت من ثياب حداد «903» - وقال ابن المعتز أيضا: [من الطويل]   [1] التشبيهات: قد تشربت ريقه بعد وهن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 فناولنيها والثريّا كأنها ... جنى نرجس حيّا النديم [1] به الساقي «904» - وقال أيضا: [من الوافر] وقد أصغت إلى الغرب الثريا ... كما أصغى إلى الحسّ الفروق كأنّ نجومها والفجر باد ... لأعيننا سقيمات تفيق «905» - وقال جران العود: [من الطويل] أراقب لمحا من سهيل كأنّه ... إذا ما بدا من آخر الليل يطرف «906» - وقال آخر: [من الطويل] يقرّ بعيني أن أرى بمكانه ... سهيلا كطرف الأخزر المتشاوس «907» - وقال أرطأة بن سهيّة: [من الطويل] ولاح سهيل من بعيد كأنه ... شهاب ينحّيه عن الريح قابس «908» - وقال ابن المعتز: [من الطويل] وقد لاح للساري سهيل كأنه ... على كلّ نجم في السماء رقيب «909» - وقال البحتري: [من الطويل]   [1] فوقها في ر: الندامى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 كأنّ سهيلا شخص ظمآن جانح ... من الليل في نهي من الماء يكرع «910» - وقال جرير وذكر جملة النجوم: [من الطويل] سرى نحوهم ليل كأنّ نجومه ... قناديل فيهنّ الذّبال المفتّل وهو من قول امرىء القيس: [من الطويل] نظرت إليها والنجوم كأنها ... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال وتبعهما ذو الرمّة فقال: [من الطويل] وردت وأرداف النجوم كأنّها ... قناديل فيهنّ المصابيح تزهر «911» - وقال إبراهيم بن المهدي: [من البسيط] طرقتها ونجوم الليل خاضعة ... كأنها في أديم الليل عنقود «912» - وقال كعب بن سعد الغنوي: [من الطويل] وقد مالت الجوزاء حتى كأنها ... فساطيط ركب بالفلاة نزول «913» - وقال الدلفي: [من الرجز المجزوء] إذا السماء روضة ... نجومها كالزّهر والجوّ صاف لم يك ... دّره انتشار البشر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 «914» - وقال ابن المعتز: [من الوافر] كأنّ سماءنا لما تجلّت ... خلال نجومها عند الصباح رياض بنفسج خضل نداه ... يفتّح بينه نور الأقاحي «915» - وقال أيضا: [من الكامل] والصبح يتلو المشتري فكأنّه ... عريان يمشي في الدجى بسراج «916» - وقال العلوي الكوفي في النسر: [من الطويل] وركب ثلاث كالأثافي تعاوروا ... دجى الليل حتى أومضت سنّة الفجر إذا جمعوا أسميتهم باسم واحد ... وإن فرّقوا لم يعرفوا آخر الدهر 917- وقال محمد بن الحسين الآمدي من شعراء عصرنا: [من الطويل] ورثّ قميص الليل حتى كأنّه ... سليب بأنفاس الصّبا متوشّح ورفّع منه الذيل صبح كأنه ... وقد لاح شخص أشقر اللون أجلح ولاحت بطيئات النجوم كأنها ... على كبد الخضراء نور مفتّح «918» - وله أيضا: [من الطويل] وقد غرّد النسر الشماليّ هابطا ... كما عكست في هامش دال كاتب وقد وسّط النجم السماء كأنّه ... طليعة جيش أو دليل ركائب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 «919» - وقال ابن حيان المغربي: [من الخفيف] وكأنّ المجرّ جدول ماء ... نوّر الأقحوان في جانبيه 16- نعت الليل والصبح وما جاء في طوله وقصره «920» - قال ذو الرمّة: [من الطويل] وليل كجلباب العروس [1] ادّرعته ... بأربعة والشخص في العين واحد أحمّ علافيّ وأبيض صارم ... وأعيس مهريّ وأروع ماجد «921» - وقال أبو نواس: [من الوافر] أبن لي كيف صرت إلى حريمي ... وجفن الليل مكتحل بقار ومثله لأبي تمام: [من الطويل] إليك هتكنا جنح ليل كأنه ... قد اكتحلت منه الليالي بإثمد «922» - وقال ابن المعتز: [من الرجز] يا ربّ ليل أسود الجلباب ... ملتحف بخافقي غراب «923» - وقال ذو الرمّة يذكر الصبح: [من الطويل]   [1] الديوان: كأثناء الرويزي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 كمثل [1] الحصان الأنبط البطن قائما ... تمايل عنه الجلّ واللون اشقر أخذه ابن المعتز فقال: [من الطويل] وما راعنا إلّا الصباح كأنه ... جلال قباطيّ على سابح ورد «924» - وقال ذو الرمّة: [من الطويل] كأنّ عمود الصبح جيد ولبّة ... وراء الدجى من حرّة [2] اللون حاسر «925» - وقال أيضا وأحسن: [من الطويل] أقامت به حتى ذوى العود في الثرى ... وساق الثريّا في ملاءته الفجر «926» - وقال حميد بن ثور: [من الكامل] وترى الصباح كأنّ فيه مصلتا ... بالسيف يحمله حصان أشقر «927» - وقال أبو نواس: [من البسيط] فقمت والليل يجلوه الصباح كما ... جلّى التبسّم عن غرّ الثنيّات «928» - وقال أيضا: [من الرجز] لما تبدّى الصبح من حجابه ... كطلعة الأشمط من جلبابه   [1] الديوان: كلون. [2] ر: حمرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 «929» - وقال أيضا: [من الرجز] قد أغتدي والصبح في حريمه ... معسكر في الزّهر من نجومه والصبح قد نسّم في أديمه ... يدعّه بكتفي حيزومه دعّ الوصيّ في قفا يتيمه «930» - وقال ابن المعتز: [من الرجز] قد أغتدي على الجياد الضمّر ... والصبح قد أسفر أو لم يسفر حتى بدا في ثوبه المعصفر ... كأنه غرّة مهر أشقر «931» - وقال: [من الرجز] حتى بدا ضوء صباح فاتق ... مثل تبدّي الشيب في المفارق «932» - وقال، وذكر خيلا: [من الرجز] فوردت قبل الظلام المعتدي ... والأفق الغربيّ ذو التورّد كأنه أجفان عين الأمرد «933» - وقال امرؤ القيس: [من الطويل] وليل كموج البحر أرخى سدوله ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي فقلت له لما تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 فيا لك من ليل كأنّ نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل كأنّ الثريّا علّقت في مصامها ... بأمراس كتّان إلى صمّ جندل «934» - وقال النابغة: [من الطويل] كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطي الكواكب تقاعس حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الذي يرعى النجوم بآيب «935» - وقال آخر: [من الوافر] كأنّ الليل أوثق جانباه ... وأوسطه بأمراس شداد «936» - وقال بشّار: [من الطويل] خليليّ ما بال الدجى ليس ينزح ... وما لعمود الصبح لا يتوضّح أضلّ النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كلّه ليس يبرح وطال عليّ الليل حتى كأنه ... بليلين موصولين ما يتزحزح أظنّ الدجى طالت وما طالت الدجى ... ولكن أطال الليل همّ مبرح «937» - وقال سويد بن أبي كاهل: [من الرمل] وإذا ما قلت ليل قد مضى ... عطف الأول منه فرجع وقال البعيث: [من الطويل] تطاول هذا الليل حتى كأنه ... إذا ما مضى تثنى عليه أوائله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 ومنهما أخذ بشار قوله: [من البسيط] حتى كأنه بليلين موصولين وقد مضى الشعر. وتبعهم خالد بن يزيد فقال: [من البسيط] والليل وقف علينا ما يفارقنا ... كأنما كلّ وقت منه أوّله 938- وقد ظرف القائل: [من المتقارب] وليل المحبّ بلا آخر وقول اليقطيني أظرف: [من الطويل] عدمتك من ليل أما لك آخر «939» - وقال عدي بن الرقاع: [من الكامل] وكأنّ ليلي حين تغرب شمسه ... بسواد آخر مثله موصول أرعى النجوم إذا تغيّب كوكب ... أبصرت آخر كالسراج يجول «940» - وقال أصرم بن حميد: [من الطويل] وليل طويل الجانبين قطعته ... على كمد والدمع تجري سواكبه كواكبه حسرى عليه كأنها ... مقيّدة دون المسير كواكبه «941» - وقال علي بن محمد بن نصر: [من السريع] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 لا أظلم الليل ولا أدعي ... أنّ نجوم الليل ليست تغور ليلي كما شاءت فإن لم تجد ... طال وإن جادت فليلي قصير «942» - وقال عباس بن الأحنف: [من الخفيف] أيها الراقدون حولي أعينو ... ني على الليل حسبة وائتجارا حدثوني عن النهار حديثا ... أو صفوه فقد نسيت النهارا «943» - وقال آخر: [من البسيط] ليل تحيّر ما ينحطّ في جهة ... كأنه فوق متن الأرض مشكول نجومه ركّد ليست بزائلة ... كأنما هنّ في الجوّ القناديل حتى أرى الصبح قد لاحت بشائره ... والليل قد مزّقت عنه السرابيل لا فارق الصبح كفي إن ظفرت به ... وإن بدت غرّة منه وتحجيل «944» - وقال القاضي أبو القاسم التنوخي: [من الطويل] وليلة مشتاق كأنّ نجومها ... قد اغتصبت عيني الكرى فهي نوّم كأنّ عيون السامرين لطولها ... إذا شخصت للأنجم الزّهر أنجم كأنّ سواد الفجر والليل ضاحك ... يلوح ويخفى أسود يتبسم «945» - وقال ابن الرومي: [من الخفيف] ربّ ليل كأنه الدهر طولا ... قد تناهى فليس فيه مزيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 ذي نجوم كأنهنّ نجوم الش ... شيب ليست تزول لا بل تزيد «946» - وقال أبو نواس في قصره: [من الخفيف] ليلة كاد يلتقي طرفاها ... قصرا وهي ليلة الميلاد أخذه محمد بن أحمد الأصبهاني ونقص في المعنى فقال: [من الخفيف] يوم لهو قد التقى طرفاه ... فكأنّ العشيّ منه غدوّ «947» - وقال ابن المعتز: [من المنسرح] يا ليلة كاد من تقاصرها ... يعثر منها العشاء بالسّحر «948» - وقال أيضا: [من الرجز] لم تك غير شفق وفجر ... حتى تولّت وهي بكر الدهر «949» - وقال حبيب بن عيسى الكاتب: [من الكامل] إنّا خلونا ليلة مشهورة ... طاب الحديث وعفّت الأسرار في كلّ مقمرة كأنّ بياضها ... للسامرين إذا استشفّ نهار فكأنها كانت علينا ساعة ... وكذا ليالي العاشقين قصار 950- قال أعرابيّ: خرجت في ليلة حندس قد ألقت أكارعها على الأرض، فمحت صور الأبدان، فما كنا نتعارف إلّا بالآذان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 «951» - وقال جحظة: [من الوافر] وليل في كواكبه حران ... فليس لطول مدّته انتهاء عدمت تبلّج الإصباح فيه ... كأنّ الصبح جود أو وفاء «952» - وقال آخر: [من الكامل المرفل] وكأنما الليل الطويل بها ... قصرا وطيبا قبلة الخلس 17- نعت السحاب والغيث وما كان منهما 953- بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس مع أصحابه ذات يوم إذ نشأت سحابة فقالوا: يا رسول الله هذه سحابة، قال: كيف ترون قواعدها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ تمكنها. قال: كيف ترون رحاها؟ قالوا: ما أشدّ استقامتها، قال: كيف برقها، أوميضا أم خفوا أم يشقّ شقّا؟ قالوا: بل يشقّ شقّا. فقال صلّى الله عليه وسلّم: الحيا، فقالوا: يا رسول الله ما رأينا أفصح منك، قال: وما يمنعني وإنما أنزل الله عزّ وجلّ القرآن بلسان عربيّ مبين. قواعدها: أسافلها، ورحاها: وسطها ومعظمها، وإذا استطار البرق من قطرها إلى قطرها فذلك الانشقاق والانبثاق، وإذا كان البرق كالتبسم في خلل السحاب فذلك الوميض، وومض السحاب وأومض لغتان. والخفو: أقل من الومض، يقال: خفا يخفو خفوا، وهو أن يلمع تارة ثم يسكن. «954» - وروي أنّ أعرابيّا مكفوفا خرج مع ابنته يرعى غنما له، فقال الشيخ: أجد ريح النسيم قد دنا، فارفعي رأسك فانظري قالت: أراها كأنها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 سرب معز هزلى، أو بطن حمار أصحر. قال: ارعي واحذري. ثم مكث ساعة فقال: إني أجد ريح النسيم قد دنا فما ترين؟ قالت: أراها كأنها بغال دهم تجرّ جلالها، قال: ارعي واحذري. ثم سكت ساعة فقال: إني أجد ريح النسيم قد دنا فما ترين؟ قالت: أراها كما قال الشاعر: [من البسيط] دان مسفّ فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالرّاح كأنما بين أعلاه وأسفله ... ريط منشّرة أو ضوء مصباح فمن بعقوته كمن بنجوته ... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح فقال: انجي لا أبا لك. فما انقضى كلامه حتى هطلت السماء عليها. والأبيات لأوس بن حجر وأولها: يا هل ترى البرق لما بتّ أرقبه ... كما استضاء يهوديّ بمصباح إني أرقت ولم يأرق معي صاح ... لمستكنّ بعيد النوم لوّاح يهدي الجنوب بأولاه وناء به ... أعجاز مزن تسحّ الماء دلاح كأنّ مزنته [1] لما علا شطبا ... أقراب أبلق ينفي الخيل رماح كأنّ فيه إذا ما الرعد فجّره ... دهما مطافيل قد همّت بإرشاح فأصبح الروض والقيعان مترعة ... من بين مرتتق منها ومنصاح «955» - وقال الأخطل: [من الطويل] بمرتجز داني الرّباب كأنه ... على ذات ملح مقسم لا يريمها فما زال يسقي بطن خبت وعرعر ... وأرضهما حتى اطمأنّ جسيمها   [1] ر: ريقته. 22 تذكرة 5 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 وعمّهما بالماء حتى تواضعت ... رؤوس المتان سهلها وحزونها إذا قلت قد خفّت عزاليه أقبلت ... به الريح من عين سريع جمومها 95» - وقال: [من البسيط] ومظلم تعلن [1] الشكوى حوامله ... مستفرغ بسجال الغين منشطب دان أبسّت [2] به ريح يمانية ... حتى تبجّس من حيران منثعب «957» - وقال ابن ميادة: [من الطويل] سحائب لا من صيّف ذي صواعق ... ولا محرقات ماؤهنّ حميم إذا ما هبطن الأرض قد جفّ عودها ... بكين بها حتى يعيش هشيم 958- قيل لبعض العرب: من أين أقبلت؟ قال: من الفج العميق. قيل: أين تريد؟ قال: البيت العتيق. قيل: وهل كان من مطر؟ قال: نعم حتى عفّى الأثر، وأنضر الشجر، ودهده الحجر. 959- بعث يزيد بن المهلب سريعا مولى عمرو بن حريث إلى سليمان بن عبد الملك، قال سريع: فعلمت أنه سيسألني عن المطر، ولم أكن أرتق بين كلمتين، فدعوت أعرابيّا فأعطيته درهما وقلت له: كيف تقول إذا سئلت عن المطر؟ فكتبت ما قاله وجعلته بيني وبين القربوس حتى حفظته. فلما قدمت قرأ كتابي وقال: كيف المطر يا سريع؟ قلت: يا أمير المؤمنين، عمد الثرى، واستأصل العرق، ولم أر واديا إلا داريا. فقال سليمان: هذا كلام لست بأبي   [1] الديوان: تعمل. [2] أبست به: جمعته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 عذره. فقلت: بلى، قال: اصدقني، فصدقته، فضحك حتى فحص برجليه وقال: لقنته والله لابن بجدتها. «960» - أنشد المبرد: [من المتقارب] إذا الله لم يسق إلّا الكرام ... فأسقى ديار بني حنبل ملثّا مريّا له هيدب ... صدوق الرواعد والأزمل كأنّ الرّباب دوين السحاب ... نعام تعلّق بالأرجل الرباب: سحاب دون سحاب. «961» - وقال آخر: [من الرجز] جاءت تهادي مشرفا ذراها ... تخرّ أولاها على أخراها مشي العروس ناقصا خطاها ... كأنما تحطّ من حشاها قراقر الجراد أو دباها «962» - وقال أبو ذؤيب: [من الطويل] له هيدب يعلو الشّراج وهيدب ... مسفّ بأذناب التلاع خلوج [1] علاجمه [2] غرقى رواء كأنها ... قيان شروب رجعهنّ نشيج الشراج: شعاب الحرار.   [1] يروى حلوج: يجيء ويذهب وينشر كل شيء؛ وخلوج: يجذب الماء؛ ويروى دلوج أي يمر مثقلا بمائه. [2] الديوان: ضفادعه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 «963» - وقالت أعرابية: [من المتقارب] فبينا نرمّق أحشاءنا ... أضاء لنا عارض فاستنارا وأقبل يزحف زحف الكسير ... سياق الرعاء البطاء العشارا يغنّي وتضحك حافاته ... أمام الجنوب وتبكي مرارا فلما خشينا بأن لا نجاء ... وأن لا يكون قرار قرارا أشار له آمر فوقه ... هلمّ فأمّ إلى ما أشارا «964» - وقال عنترة: [من الكامل] جادت عليها كلّ بكر حرّة ... فتركن كلّ قرارة كالدرهم «965» - وقال أبو عون الكاتب: [مخلع البسيط] في مزنة طبّقت فكادت ... تصافح الأرض [1] بالغمام «966» - وقال ابن المعتز: [من الرجز] جاءت بجفن أكحل وانصرفت ... مرهاء من إسبال دمع منسكب وقال أيضا: [من البسيط] يكسو البلاد قميصا من زخارفه ... كأنه فوق جيب الأرض مزرور   [1] ر: فوقها: الترب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 ظلّت جآذره صرعى مطرّحة ... كأنها لؤلؤ في الأرض منثور وقال أيضا: [من الخفيف] ما ترى نعمة السماء على الأر ... ض وشكر الرياض للأمطار وكأنّ الربيع يجلو عروسا ... وكأنا من قطره في نثار «967» - وقال البحتري: [من الرجز] ذات ارتجاز لحنين [1] الرعد ... مجرورة الذيل صدوق الوعد مسفوحة الدمع لغير وجد ... لها نسيم كنسيم الورد ورنّة مثل زئير الأسد ... ولمع برق كسيوف الهند جاءت بها [2] ريح الصبّا من نجد ... فانتثرت مثل انتثار العقد فراحت الأرض بعيش رغد ... من وشي أثواب الربى في برد كأنما غدرانها في الوهد ... يلعبن من حبابها بالنّرد «968» - وقال الطائي: [من الرجز] لم أر عيرا جمّة الدؤوب ... تواصل التهجير بالتأويب أبعد من أين ومن لغوب ... منها غداة السارق المهضوب [3] كالليل أو كاللّوب أو كالنّوب ... منقادة لعارض غربيب كالشيعة التفّت على النقيب ... آخذة بطاعة الجنوب   [1] ر: بحنين. [2] ر: به. [3] ر: الهضوب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 ناقضة لمرر الخطوب ... تكفّ غرب الزّمن العصيب محّاءة للأزمة اللّزوب ... محو استلام الركن للذنوب لمّا دنت للأرض من قريب ... تشوّفت لوبلها السكوب تشوّف المريض للطبيب ... وطرب المحبّ للحبيب وفرحة الأديب بالأديب ... وخيّمت صادقة الشؤبوب فقام فيها الرعد كالخطيب ... وحنّت الريح حنين النّيب والشّمس ذات حاجب محجوب ... والأرض في ردائها القشيب في زاهر من نبتها رطيب ... بعد اشهباب الثلج والضريب كالكهل بعد السنّ والتحنيب ... تبدّل الشباب بالمشيب كم آنست من جانب غريب ... وفتقت من مذنب يعبوب ونفّست عن بارض مكروب ... ومكّنت من نافر الجنوب تحفظ عهد الغيب بالمغيب ... كأنها تهمي على القلوب «969» - وقال الفرزدق وذكر الثلج: [من الطويل] وأصبح مبيضّ الصقيع كأنه ... على سروات النّيب قطن مندّف «970» - وقال العرجي: [من الطويل] كأنّ سقيط الثلج ما حصبت به ... على الأرض قطن أو دقيق مغربل «971» - وقال ابن المعتز: [من الطويل] أرقت له والركب ميل رؤوسهم ... يخوضون ضحضاح الكرى بهم فتر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 علاهم جليد الليل حتى كأنّهم ... بزاة تجلّى في مراتبها قمر «972» - وقال امرؤ القيس يصف البرق: [من الطويل] أصاح ترى برقا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبيّ مكلّل يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أمال السّليط بالذبال المفتّل وقد أكثر الشعراء في ذكر البرق ولكن اعتمادنا على ما فيه وصف أو تشبيه. «973» - قال دعبل: [من الطويل] أرقت لبرق آخر الليل منصب ... خفيّ كبطن الحيّة المتقلّب «974» - وقال في ذلك: [من البسيط] ما زلت أكلأ برقا في جوانبه ... كطرفة العين يخبو ثم يختطف برق تحاسر من خفّان لامعه ... يقضي اللبانة من قلبي وينصرف «975» - وقال آخر ويروى لعبد الله بن العباس الربيعي: [من المتقارب] ألا من لبرق سرى موهنا ... خفيّ كغمزك بالحاجب كأنّ تألقه في السماء ... يدا حاسب أو يدا كاتب «976» - وقال كلثوم بن عمرو العتابي وذكر أنواعا من التشبيه: [من البسيط] أرقت للبرق يخبو ثم يأتلق ... يخفيه طورا ويبديه لنا الأفق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 كأنه غرة شهباء لائحة ... في وجه دهماء ما في جلدها بلق أو ثغر زنجيّة تفترّ ضاحكة ... تبدو مشافرها طورا وتنطبق أو سلة البيض في جأواء مظلمة ... وقد تلقّت ظباها البيض والدرق «977» - وقال الطائي وذكر سحابة: [من الرجز] سيقت ببرق ضرم الزناد ... كأنه ضمائر الأغماد «978» - وقال في ذلك: [من الرجز] يا سهم للبرق الذي استطارا ... بات على رغم الدجى نهارا آض لنا ماء وكان نارا ... أرضى الثرى وأسخط الغبارا «979» - وقال أيضا: [من الطويل] إليك سرى بالمدح ركب كأنهم ... على الميس حيّات اللصاب النضانض يشمن بروقا من نداك كأنها ... وقد لاح أخراها عروق نوابض «980» - وقال الحسين بن مطير: [من الكامل] مستضحك بلوامع مستعبر ... بمدامع لم تمرها الأقذاء فله بلا حزن ولا بمسرّة ... ضحك يراوح بينه وبكاء كثرت لكثرة ودقه أطباؤه ... فإذا تحلّب فاضت الأطباء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 وكأنّ بارقه حريق يلتقي ... ريح عليه وعرفج وألاء لو كان من لجج السواحل ماؤه ... لم ييق في لجج السواحل ماء 981- وقال أبو الحسن علي بن إسحاق بن خلف الزاهي يصف قوس قزح: [من الكامل] ضحك الزمان لدمع عين مقبل ... ينهلّ بين شمائل وجنائب وكأنّ وجه الجوّ نيط ببرقع ... وكأنّ شمس الدجن وجنة كاعب وكأنّ قوس المزن في تخطيطه ... شفة بدت من تحت خضرة شارب «982» - وأنشدني أبو الفوارس بن الصفي لنفسه متشبّها بالقدماء: [من الكامل] دان تكاد الوحش تكرع وسطه ... وتمسّه كفّ الوليد المرضع متتابع جمّ كأنّ ركامه ... ركبات قيصر أو سرايا تبّع فهمى فألقى بالعراء بعاعه ... سحّا كمندفع الأتيّ المترع فتساوت الأقطار من أفواهه ... فالقارة العلياء مثل المدفع وغدا سراب القاع بحر حقيقة ... فكأنه لتيقّن لم يخدع متغطمطا غصب الوحوش مكانها ... تياره فالضبّ جار الضفدع «983» - وقال عبيد: [من الكامل المجزوء] سقّى الرباب مجلجل ال ... أكناف لمّاح بروقه جون تكفكفه الصّبا ... وهنا وتمريه خريقه مري العسيف عشاره ... حتى إذا درّت عروقه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 ودنا يضيء ربابه ... غابا يضرّمه حريقه حتى إذا ما ذرعه ... بالماء ضاق فما يطيقه هبّت له من خلفه ... ريح شآمية تسوقه حلّت عزاليه الجنو ... ب فثجّ واهية خروقه 18- نعت الأرواح «984» - قال الفرزدق: [من الطويل] وركب كأنّ الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب سروا يخبطون الليل وهي تلفهم ... إلى شعب الأكوار من كلّ جانب ثم افتخر بعد ذلك بما ليس هاهنا موضع إيراده. «985» - وقال البحتري: [من الوافر] كأنّ الريح والمطر المناجي ... خواطرها عتاب واعتذار كأن مدار دجلة حين جاءت ... بأجمعها هلال أو سوار «986» - وقال ابن المعتز: [من السريع] يا ربّ ليل سحر كلّه ... مفتضح البدر عليل النسيم تلتقط الأنفاس برد الندى ... فيه فتهديه لحرّ الهموم «987» - وقال ابن الرومي: [من الرجز] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 وشمأل باردة النسيم ... ألوت عن الهموم بالهموم تشفي حزازات القلوب الهيم ... مشّاية في الليل بالنميم بين نسيم الروض والخيشوم ... كأنها من جنّة النعيم «988» - وقال في ذلك: [من الوافر] كأن نسيمها أرج الخزامى ... ولاها بعد وسميّ وليّ هدية شمأل هبّت بليل ... لأفنان الغصون بها نجيّ إذا أنفاسها نسمت سحيرا ... تنّفس كالشجيّ لها الخليّ «989» - وقال: [من البسيط] حيتك عنا شمال طاف ريّقها ... بجنة فجرت روحا وريحانا هبّت سحيرا فناجى الغصن صاحبه ... سرّا بها فتنادى الطير إعلانا ورق تغني على خضر مهدّلة ... تسمو بها وتمسّ الأرض أحيانا تخال طائرها نشوان من طرب ... والغصن من هزّه عطفيه نشوانا 990- وذكر أعرابي ركود الهواء فقال: ركد حتى كأنه أذن تسمع. «991» - وقال السري الرفاء: [من البسيط] والريح وسنى خلال الروض وانية ... فما يراع لها مستيقظ التّرب «992» - وقال ابن المعتز: [من البسيط] والريح تجذب أطراف الرداء كما ... أفضى الشفيق إلى تنبيه وسنان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 «993» - وله أيضا: [من الخفيف] ونسيم يبشّر الأرض بالقط ... ر كذيل الغلالة المبلول ووجوه البلاد تنتظر الغى ... ث انتظار المحبّ رجع الرسول 19- نعت الخصب والمحل 994- بعث رجل ابنين له يرتادان في خصب، فقال أحدهما: رأيت ماء غيلا، يسيل سيلا، وحوضه يميل ميلا، يحسبه الرائد ليلا. قال الثاني: رأيت ديمة على ديمة، في عهاد غير قديمة، يشبع منها الناب قبل الفطيمة. 995- سئل بعض العرب: ما وراءك؟ قال: التراب يابس، والأرض عابس. 996- قال أبو عمرو بن العلاء: وقعت إلى ناحية فيها نفير من الأعراب، فرأيتها مجدبة، فقلت لبعضهم: ما بال بلدكم هذا؟ قال: لا ضرع ولا زرع. قلت: فكيف تعيشون؟ قالوا: نحترش الضباب، ونصيد الدواب فنأكلها. قلت: فكيف صبركم عليه؟ فقال: ياهناه، سئل خالق الأرض: هل سوّيت؟ قال: بل أرضيت. «997» - وقال الطائي وذكر الخصب بالغيث: [من الطويل] إذا ما ارتدى بالبرق لم يزل الثرى ... له تبعا أو يرتدي الروض بالبقل سحابا إذا ألقت على خلفه الصبّا ... يدا قالت الدنيا أتى قاتل المحل ترى الأرض تهتزّ ارتياحا لوقعه ... كما ارتاحت البكر الهديّ إلى البعل إذا انتشرت أعلامه حوله انطوت ... بطون الثرى منه وشيكا على حمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 «998» - قدمت ليلى الأخيلية على الحجاج فقال لها: ما أتى بك يا ليلى؟ قالت: إخلاف النجوم، وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله ردءا. قال فأخبريني عن الأرض، قالت: الأرض مقشعرة، والفجاج مغبرة، وذو الغنى مختلّ، وذو الحد منفلّ. قال: وما سبب ذاك؟ قالت: أصابتنا سنون مجحفة مظلمة، لم تدع لنا فصيلا ولا ربعا، ولم تبق عافطة ولا نافطة، فقد أهلكت الرجال، ومزّقت العيال، وأفسدت الأموال. «999» - وقالت أعرابية: [من المتقارب] ألم ترنا غبّنا ماؤنا ... زمانا فظلنا نكدّ البئارا فلما عدا الماء أوطانه ... وجفّ الثماد فصارت حرارا وفتّحت الأرض أفواهها ... عجيج الجمال وردن الجفارا وضجّت إلى ربّها في السماء ... رؤوس العضاه تناجى السرارا لبسنا لدى عطن ليلة ... على اليأس أثوابنا والخمارا وقلنا أعيروا النّدى حقّه ... وعيشوا كراما وموتوا حرارا فإن النّدى لعسى مرّة ... يردّ إلى أهله ما استعارا فبينا نوطّن أحشاءنا ... أضاء لنا بارق فاستطارا وأقبل يزحف زحف الكسير ... كسوق الرعاء البطاء العشارا يغنّي وتضحك حافاته ... خلال الغمام ويبكي مرارا فلما خشينا بأن لا نجاء ... وأن لا يكون فرار فرارا أشار له آمر فوقه ... هلمّ فأمّ إلى ما أشارا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 «1000» - وقال أعرابي: [من الطويل] مطرنا فلما أن روينا تهادرت ... شقاشق منها رائب وحليب ورامت رجال من رجال ظلامة ... وعدّت ذحول بيننا وذنوب ونصّت ركاب للصبا فتروّحت ... ألا ربما هاج الحبيب حبيب وطئن فناء الحي حتى كأنّه ... رجا منهل من كرّهنّ لحيب بني عمّنا لا تعجلوا ينضب الثرى ... قليلا ويشفي المترفين طبيب فلو قد توالى النبت وامتيرت القرى ... وخبّت ركاب الحيّ [1] حين تؤوب وصار غبوق الخود وهي كريمة ... على أهلها ذو جدّتين مشوب وصار الذي في أنفه خنزوانة ... ينادى إلى هادي الرجا [2] فيجيب أولئك أيام تبيّن للفتى ... أكاب سكيت أم أشمّ نجيب 20- نعت المياه والأنهار والغدران «1001» - قال جابر بن رالان: [من الطويل] فيا لهف نفسي كلما التحت لوحة ... على شربة من بعض أحواض مارب بقايا نطاف أودع الغيم صفوها ... مصقّلة الأرجاء زرق المشارب ترقرق ماء المزن فيهنّ والتقت ... عليهنّ أنفاس الرياح الغرائب «1002» - وقال آخر: [من الطويل]   [1] ر: القوم. [2] ر: هذي الرحى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 فما انشقّ ضوء الصبح حتى تبيّنت ... جداول أمثال السيوف القواطع «1003» - وقال آخر: [من الطويل] ألا ليت شعري هل أرى جانب الحمى ... وقد أنبتت سلّانه نفلا جعدا وهل أردنّ الدهر ماء وقيعة ... كأن الصبّا شدّت على متنه بردا «1004» - وأنشد الطائي: [من الكامل] اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كلّ المشارب مذ هجرت ذميم سقيا لظلك بالعشي وبالضحى ... ولبرد مائك والمياه حميم 1005- وقال آخر: [من الطويل] وماء كضوء الصبح كدّرت صفوه ... بأخفاف عيس في الأزمّة تمرح صقيل كمتن السيف قد جرّ فوقه ... ذيول رياح تغتدي وتروّح «1006» - وقال ذو الرمة يذم ماء: [من الطويل] وماء قديم العهد بالناس آجن ... كأن الدّبا ماء الغضا فيه تبصق «1007» - وقال أيضا: [من الطويل] وماء كلون الغسل أقوى فبعضه ... أواجن أسدام وبعض مغوّر [1]   [1] الغسل: ما يغسل به الرأس؛ أسدام: خربة؛ مغوّر: مندفن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 «1008» - وقال ابن المعتز في مثله: [من الوافر] وماء دارس الآثار خال ... كدمع حار في جفن كحيل «1009» - وقال ابن الرومي: [من الرجز] على حفافي جدول مسجور ... أبيض مثل المهرق المنشور أو مثل متن المنصل المشهور ... ينساب مثل الحية المذعور «1010» - وقال أبو الحسن السلامي: [من الوافر] ونهر تمرح الأمواج فيه ... مراح الخيل في رهج الغبار إذا اصفرت عليه الشمس خلنا ... نمير الماء يمزج بالعقار «1011» - وقال السري الرفاء: [من الرجز] وضاحك الروض محلّى المنزل ... سبط هبوب الريح جعد المنهل موشح بالنّور أو مكلّل ... مفروجة حلّته عن جدول أقبل قد غصّ بمّد مقبل ... والطير ينقضّ عليه من عل 1012- وصف بعضهم الماء فقال: إن قلت إنه متصل فبذاك يشهد انتظامه، وإن قلت متباين فعلى ذاك يدلّ انقسامه. أوائله جاذبة لأواخره، وأعجازه طوع صدوره، وهو طبيب الأرض من سقامها، يقذف ما تضمنته بطونها على ظهورها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 1013- أنشد تغلب: [من الرجز] ومنهل فيه الغراب ميت ... كأنه من الأجون الزّيت سقيت منه القوم واستقيت «1014» - وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي يذكر نهرا أجراه المعزّ إلى الساحل: [من البسيط] يا حسن ماجلنا [1] وخضرة مائه ... والنهر يفرغ فيه ماء مزبدا كاللؤلؤ المنثور إلا أنه ... لما استقرّ به استحال زبرجدا وإذا الشمال [2] سطت على أمواجه ... نثرت حبابا فوقهن منضّدا فكأنما الفلك الأثير أداره ... فلكا وضمّنه النجوم الوقدا «1015» - وقال أبو اسماعيل ابن عبدون الكاتب المغربي: [من الكامل] والنيل بين الجانبين كأنما ... قدّت بصفحته صفيحة منصل يأتيك من كدر الزواخر مدّه ... بممسّك من مائه ومصندل فكأن ضوء البدر في تمويجه ... برق تموج في سحاب مسبل وكأن نور السرج من جنباته ... زهر الكواكب تحت ليل أليل مثل الرياض مفتّقا نوارها ... تبدو لعين مشبّه وممثّل   [1] ر: ساحلنا. [2] ر: الرياح. 23 تذكرة 5 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 21- وصف [1] السفن «1016» - قال طرفة: [من الطويل] يشق حباب الماء خيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد «1017» - وقال الحسن بن هانىء: [من الطويل] سأرحل من قود المهارى شملّة ... مسخّرة لا تستحثّ بحاد مع الريح ما راحت فإن هي أعصفت ... تروح [2] برأس كالعلاة وهاد «1018» - وقال البحتري: [من الكامل] يا من تأهب مزمعا لرواح ... متيمما بغداد غير ملاح في بطن جارية كفتك بسيرها ... رقلان كلّ شناحة وشناح [3] فكأنها والماء ينضح [4] صدرها ... والخيزرانة في يد الملاح جون من العقبان تبتدر الدجى ... تهوي بصفّ واصطفاق جناح «1019» - وقال أبو فراس ابن حمدان: [من الرجز] كأنما الماء عليه الجسر ... درج بياض خطّ فيه سطر   [1] ر: نعت. [2] الديوان: نهوز. [3] الديوان (شولر) كل مساحة ومساح؛ ح: الجمل الطويل. [4] الديوان: ينطح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 كأننا لما استتبّ العبر ... أسرة موسى يوم شقّ البحر «1020» - وقال أبو إسماعيل ابن عبدون الكاتب المغربي: [من الكامل] بر كائب سود الرّحال نجائب ... لين العرائك سابقات ذلّل خضر وصفر تزدهيك شياتها ... بمولّع وملمّع في أشكل كالزهر في تلوينه موشية ... في بنية مثل القصور المثّل وترى زبازبها تمشّى خلفه ... بين البطيء مسيره والمعجل جري الجياد فجاهد متأخّر ... دون المدى عن سابق متمهل وزوارقا كادت تطير كأنما ... حملت مقادمها قوادم شمأل تعلو بها الأرواح ثم تحطّها ... فتكاد تلحق بالقرار الأسفل 22- نعت الرياض والأزهار «1021» - قال ابن الرومي: [من الرجز] وروضة عذراء غير عانسه ... جادت لها كلّ سماء راجسه كأنما الألسن عنها خارسه [1] ... فيها شموس للبهار وارسه كأنها جماجم الشمامسه ... تروقك النورة منها الناكسه بعين يقظى وبجيد ناعسه ... لؤلؤة الطلّ عليها فارسه «1022» - وقال في ذلك: [من الخفيف] ورياض تخايل الأرض فيها ... خيلاء الفتاة في الأبراد   [1] التشبيهات والديوان: لاحسه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 ذات وشي تكلفته [1] سوار ... لبقات تحوكه وغواد شكرت نعمة الوليّ على الوس ... ميّ ثم العهاد بعد العهاد فهي تثني على السماء ثناء ... طيّب النشر شائعا في البلاد «1023» - وقال في ذلك: [من الرجز] أصبحت الدنيا تروق من نظر ... بمنظر فيه جلاء للبصر واها لها مصطنعا لقد شكر ... أثنت على الأرض بآلاء المطر والأرض في روض كأفواف الحبر ... تبرجت بعد حياء وخفر تبرج الأنثى تصدّت للذكر «1024» - وقال أبو الفتح البكتمري الكاتب: [من الرجز] وروضة راضية عن الدّيم ... وطئتها بناظري دون القدم وصنتها صوني بالشكر النعم «1025» - وقال العلوي الحماني: [من الكامل المجزوء] دمن كأنّ رياضها ... يكسين أعلام المطارف وكأنما غدرانها ... فيها عشور في مصاحف وكأنما أنوارها ... تهتز بالريح العواصف   [1] الديوان: تناسجته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 طرر الوصائف يلتقين ... [1] بها إلى طرر الوصائف «1026» - وقال البحتري: [من الطويل] أتاك الربيع الطّلق يختال ضاحكا ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما وقد نبّه النيروز في غلس الدجى ... أوائل ورد كنّ بالأمس نوّما يفتّحه برد الندى فكأنه ... ينثّ حديثا كان قبل مكتما «1027» - وأنشد الزبير بن بكار: [من الطويل] شموس وأقمار من النّور طلّع ... لذي اللهو في أكنافها متمتّع نشاوى تثنّيها الرياح فتنثني ... ويلثم بعض بعضها ثم يرجع كأن عليها من مجاجة طلّها ... لآلىء إلا أنها ليس تلمع وتحدرها عنها الصّبا فكأنها ... دموع مراها البين والبين يفجع «1028» - وقال آخر: [من البسيط] سقيا لأرض إذا ما شئت نبهني ... بعد الهدوّ بها قرع النواقيس كأن سوسنها في كلّ شارقة ... على الميادين أذناب الطواويس «1029» - وقال ابن المعتز: [من الرجز المجزوء] كأن آذريونها ... والشمس فيه كاليه مداهن من ذهب ... فيها بقايا غاليه   [1] ر: يلتفتن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 «1030» - وقال أيضا يصف جملة من الأنوار: [من الرجز] ألا ترى البستان كيف نوّرا ... ونشر المنثور بردا أصفرا وضحك الورد إلى الشقائق ... واعتنق القطر اعتناق الوامق في روضة كحلل العروس ... وخرّم كهامة الطاووس وياسمين في ذرى الأغصان ... منتظم كقطع العقيان والسرو مثل قطع [1] الزبرجد ... قد استمد الماء من ترب ندي على رياض وثرى ثريّ ... وجدول كالمبرد المجلي وفرج الخشخاش جيبا وفتق ... كأنه مصاحف بيض الورق أو مثل أقداح من البلّور ... تخالها تجسّمت من نور تبصره قبل انتشار الورد ... مثل الدبابيس بأيدي الجند والسوسن الأزاذ منشور الحلل ... كقطن قد مسّه بعض البلل وقد بدت فيه ثمار الكنكر ... كأنه جماجم من عنبر وحلّق البهار بين الآس ... جمجمة كهامة الشمّاس وجلّنار كاحمرار الخدّ [2] ... أو مثل أعراف ديوك الهند والأقحوان كالثنايا الغرّ ... قد صقلت أنواره بالقطر «1031» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] وظلت عيون الروض [3] تخضلّ بالندى ... كما اغرورقت عين الشجيّ لتدمعا   [1] الديوان: قضب. [2] ر: فوقها: الورد. [3] ر: تحتها: النور. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 «1032» - وقال آخر: [من الخفيف] وكأن البنفسج الغضّ يحكي ... أثر اللطم في خدود الغيد «1033» - وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في النرجس: [من المنسرح] ترنو بأبصارها إليك كما ... ترنو إذا خافت اليعافير مثل اليواقيت قد نظمن على ... زمرّد فوقهنّ كافور كأنها والعيون ترمقها ... دراهم وسطها دنانير «1034» - وقال أبو نواس: [من الطويل] لدى نرجس غضّ القطاف كأنه ... إذا ما منحناه العيون عيون مخالفة في شكلهنّ فصفرة ... مكان سواد والبياض جفون «1035» - وقال آخر وذكر العلة في أنه عين لا تطرف فتم التشبيه: [من السريع] كأنما النرجس يحكي لنا ... عين محبّ أبدا تنظر لا تطرف الدهر لاشفاقها ... تخوفا من نظرة تقصر «1036» - وقال آخر: [من الخفيف] وكأن العيون في النرجس الغض ... ض عيون قد وكّلت بالسهود «1037» - وقال ابن الرومي يفضل النرجس على الورد: [من الكامل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 خجلت خدود الورد من تفضيله ... خجلا تورّدها عليه شاهد للنرجس الفضل المبين وإن أبى ... آب وحاد عن الطريقة حائد يحكي مصابيح السماء وتارة ... يحكي مصابيح السماء تراصد وإذا احتفظت به فأمتع صاحب ... بحياته لو أن شيئا خالد ينهى النديم عن القبيح بلحظه ... وعلى المدامة والسّماع مساعد فصل القضية أن هذا قائد ... زهر الربيع وأن هذا طارد شتان بين اثنين هذا موعد ... بتسلّب الدنيا وهذا واعد هذي النجوم هي التي ربّتهما ... بحيا السحاب كما يربّي الوالد فانظر الى الأخوين من أدناهما ... شبها بوالده فذاك الماجد أين الخدود من العيون نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد «1038» - وكان ابن الرومي يكره الورد ويذمه فقال: [من البسيط] وقائل لم هجوت الورد قلت له ... وذاك من قبحه عندي ومن غمطه كأنه سرم بغل حين يفتحه ... وقت البراز وباقي الروث في وسطه «1039» - وقال ابن الرومي يستسقي نبيذا ويذكر النرجس: [من الكامل المرفل] أدرك ثقاتك إنهم وقعوا ... في نرجس معه ابنة العنب فهم بحال لو بصرت بها ... سبّحت من عجب ومن عجب ريحانهم ذهب على درر ... وشرابهم درّ على ذهب يا نرجس الدنيا أقم أبدا ... للإقتراح ودائر النّخب ذهب العيون إذا مثلن لنا ... ورد الجفون زبرجد القصب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 «1040» - وقال السري الرفاء: [من السريع] لو رحّبت كأس بذي زورة [1] ... لرحّبت بالورد إذ زارها جاء فخلناه خدودا بدت ... مضرمة من خجل نارها قد عطّر الدنيا فطابت به ... لا عدمت دنياه عطّارها «1041» - وقال ابن الجهم: [مخلع البسيط] ما أخطأ الورد منك شيئا ... طيبا وحسنا ولا ملالا اقام حتى إذا أنسنا ... بقربه أسرع انتقالا «1042» - وقال البحتري: [من الطويل] شقائق يحملن الندى فكأنه ... دموع التصابي في خدود الخرائد «1043» - وقال محمد بن هانىء المغربي: [من الكامل] الورد في رامشنة من نرجس ... والياسمين وكلهنّ غريب فكأن هذا عاشق وكأن ذا ... ك معشّق وكأن ذاك رقيب 1044- وقال الشمشاطي في وصف الأرض المجودة [2] : [من البسيط] الجوّ يبكي ووجه الأرض مبتسم ... فالجوّ في مأتم والأرض في عرس   [1] ر: بذي أوبة. [2] ر: المحمودة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 «1045» - وقال آخر: [من البسيط] أما ترى الأرض قد أعطتك عذرتها ... مخضرة واكتسى بالنّور عاريها فللسماء بكاء في جوانبها ... وللربيع ابتسام في نواحيها «1046» - وقال ابن رشيق المغربي: [من الرجز] شقائق أنستك حسن الورد ... بكلّ محمرّ إلى مسودّ كمقلة أو شامة في خدّ ... كأنها وسط ثراها الجعد تلحظ خلسا من عيون رمد 1047- وقال عبد الكريم بن ابراهيم النهشلي المغربي وجمع أنواعا من التشبيه وأوردتها متصلة لأحفظ نظمها البديع من التصديع: [من الخفيف] بارق في خلال غيم دلوح ... صدع الليل كالصباح الصّديع بات يزجي سوامه من قطيع ... مكفهرّ مثل السّوام القطيع فهو فيها كطرة المطرف المذ ... هب أو سلّة الحسام الصنيع قائما ينثر الحباب على ور ... د خدود الربيع نثر الدموع في فضاء مضمخ من عبير ... وهواء مخلّق من ردوع يعتلي الفجر فيهما ذا حياء ... وتمر الرياح ذات خضوع في رياحين تأخذ الريح عنهن ... ن معاني جيب العروس الشموع شجر ذاب فوقه القطر فاختا ... ل من الحسن في رداء وشيع وفياء الرياض في توشيع ... ووشاح السماء في تجزيع وأصيل معصفر الجيب يجري ... ماؤه جري أدمع التوديع خفقت فوقه الصّبا وأدارت ... لحظها الشمس فيه تحت خشوع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 23- نعت النخل والشجر «1048» - قال النمر بن تولب في صفة النخل: [من الوافر] ضربن العرق في ينبوع عين ... طلبن معينه حتى روينا بنات الدهر لا يخشين محلا ... إذا لم تبق سائمة بقينا كأن فروعهنّ بكلّ ريح ... عذارى بالذوائب ينتصينا «1049» - وقال عبد الصمد يصف البلح: [من الرجز] كأنّه في ناضر الأغصان ... زمرّد لاح على تيجان حتى إذا تمّ له شهران ... وانسدلت عثاكل القنوان فصّلن بالياقوت والمرجان ... رأيته مختلف الالوان من قانىء أحمر أرجوان ... وفاقع أصفر كالنيران مثل الأكاليل على الغواني «1050» - وقال البحتري: [من الطويل] ومن شجر ردّ الربيع لباسه ... عليه كما نشّرت وشيا منمنما أحلّ فأبدى للعيون بشاشة ... وكان قذى للعين إذ كان محرما 1051- حكي ان النظام جاء به أبوه إلى الخليل بن أحمد وهو حدث ليعلّمه، فقال الخليل يوما يمتحنه، وفي يده قدح زجاج: يا بنيّ صف لي هذه الزجاجة، قال أبمدح أم بذم؟ قال: بمدح قال: تريك القذى، ولا تقبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 الأذى، ولا تستر ما وراءها. قال: فذمها، قال: سريع كسرها، بطيء جبرها، قال: فصف هذه النخلة، وأومى إلى نخلة في داره، قال: أبمدح أم بذم؟ قال: بمدح قال: هي حلو مجتناها، باسق منتهاها، ناضر أعلاها. قال: فذمها قال: هي صعبة المرتقى، بعيدة المجتنى، محفوف بها الأذى. قال الخليل: يا بني نحن إلى التعلّم منك أحوج. «1052» - قال سعيد بن حميد: [من الكامل] حفّت بسرو كالقيان تلبّست ... خضر الحرير على قوام معتدل فكأنها والريح تخطر بينها ... تنوي التعانق ثم يمنعها الخجل «1053» - وقال: [من الكامل] وترى الغصون إذا الرياح تنفست ... ملتفة كتعانق الأحباب «1054» - وقال ابن المعتز: [من الطويل] ظللت بملهى خير يوم وليلة ... تدور علينا الكأس في فتية زهر لدى نرجس غض وسرو كأنه ... قدود جوار رحن في أزر خضر «1055» - وقال كشاجم: [من الرجز] لنا على دجلة نخل منتخل ... نسلفه ماء ويسقينا عسل كأنما أعذاقه إذا حمل ... غدائر من شعر وحف رجل وفيه عمريّ كعمر مقتبل ... كذهب الابريز لونا ومحل وجيسوان طعمه يشفي العلل ... كأنه أطراف ربّات الكلل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 وعظم الآزاذ فيه ونبل ... لولا النوى يشدّ منه لهطل «1056» - وقال ابن المعتز في الكرم: [من البسيط] حتى إذا حرّ آب جاش مرجله ... بفاتر من هجير الصيف مستعر ظلّت عناقيده يخرجن من ورق ... كما احتبى الزنج في خضر من الأزر «1057» - قال معاوية لصحار العبدي: ما هذه البلاغة التي فيكم؟ قال: شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا. فقال له رجل من عرض القوم: هؤلاء بالبسر أبصر منهم بالخطب. فقال صحار: أجل والله إنا لنعلم أنّ الريح لتلقحه وان البرد ليعقده، وان القمر ليصبغه، وان الحرّ لينضجه. قال معاوية: فما تعدون البلاغة فيكم؟ قال: الايجاز قال: وما الايجاز قال: أن تجيب فلا تبطىء، وتقول فلا تخطىء. 24- نعت الحرب والجيش «1058» - قال معقر بن الحارث بن أوس بن حمار البارقي: [من الطويل] وقد جمعا جمعا كأنّ زهاءه ... جراد سفا في هبوة متطاير يفرّج عنا كلّ خوف نخافه ... جواد كسرحان الأباءة ضامر وكلّ طموح في الحراء كأنها ... إذا اغتسلت في الماء فتخاء كاسر فباكرهم عند الشروق كتائب ... كأركان سلمى سيرها متواتر كأن نعام الدوّ باض عليهم ... وأعينهم تحت الحديد جواحر ضربنا حبيك البيض في غمر لجّة ... فلم ينج في الناجين منهم مفاخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 «1059» - وقال الحصين بن الحمام المري: [من الطويل] فليت أبا شبل رأى كرّ خيلنا ... وخيلهم بين الستار وأظلما نطاردهم نستنقذ الجرد كالقنا ... ويستنقذون السمهريّ المقوما عشية لا تغني الرماح مكانها ... ولا النبل إلا المشرفيّ المصمما لدن غدوة حتى أتى الليل ما ترى ... من الخيل الا خارجيا مسوّما واجرد كالسرحان يضربه الندى ... ومحبوكة كالسّيد شقّاء صلدما يطأن من القتلى ومن قصد القنا ... خبارا فما يجرين إلا تجشما عليهنّ فتيان كساهم محرّق ... وكان إذا يكسو أجاد وأكرما صفائح بصرى أخلصتها قيونها ... ومطردا من نسج داود مبهما يهزّون سمرا من رماح ردينة ... إذا حرّكت بضّت عواملها دما 1060- وقال رميض بن رشيد العنزي: [من الطويل] فجئنا بجمع لم ير الناس مثله ... يكاد له ظهر الوديقة يطلع بأرعن دهم ينشد البلق وسطه ... له عارض فيه المنية تلمع 1061- وقال زيد الخيل: [من الطويل] بجيش تضلّ البلق في حجراته ... ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر «1062» - ومن كلام لعبد الحميد في صفة الحرب: والله لكأني أنظر إلى شؤبوبها قد همع، وعارضها قد لمع، وكأني بالوعيد قد أورى نارا، فأقلعت عن براجم بلا معاصم، ورؤوس بلا غلاصم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 «1063» - وقال زهير: [من البسيط] يطعنهم ما ارتموا حتى إذا طعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا «1064» - وقال مهلهل، وذكر الحرب وتناصفهم فيها: [من الوافر] كأنا غدوة وبني أبينا ... بجنب عنيزة رحيا مدير «1065» - وقال: [من الخفيف] أنبضوا معجس القسيّ وأبرق ... نا كما توعد الفحول الفحولا «1066» - وقال: [من الوافر] دلفت له بأبيض مشرفّي ... كما يدنو المصافح للسلام «1067» - وقال قيس بن الخطيم: [من الطويل] إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا ... صدود الخدود وازورار الحواجب صدود الخدود والقنا متشاجر ... ولا تبرح الأقدام عند التضارب «1068» - وقال البحتري: [من الطويل] لقد كان ذاك الجأش جأش مسالم ... على أنّ ذاك الزيّ زيّ محارب «1069» - وقال: [من الطويل] تسرّع حتى قال من شهد الوغى ... لقاء عدوّ أم لقاء حبائب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 «1070» - وقال: [من الكامل] لله درك يوم بابك باسلا ... بطلا لأبواب الحتوف قروعا لما أتوك تقود جيشا أرعنا ... يمشى عليه كثافة وجموعا في معرك ضنك تخال به القنا ... بين الضلوع اذا انحنين ضلوعا وزعتهم بين الأسنّة والظبا ... حتى أبدت جموعهم توزيعا «1071» - وقال ابن المعتز: [من الطويل] وعمّ السماء النقع حتى كأنه ... دخان وأطراف الرماح شرار «1072» - وقال أبو الهول في قتل يزيد بن مزيد الوليد بن طريف: [من الكامل] قل للقوافل والجنود وغيرهم ... سيروا فقد قتل الوليد يزيد لا ذا يني طلبا ولا ذا يأتلي ... هربا فذا نصب وذا مجهود كالليل يطلبه النهار بضوئه ... فظلام ذاك بنور ذا مطرود «1073» - وقال آخر: [من الطويل] عشية كنّا بالخيار عليهم ... أننقص من أعمارهم أم نزيدها 1074- وقال أبان بن عبدة بن العباس بن مسعود: [من الطويل] إذا الدين أودى بالفساد فقل له ... يدعنا ورأسا من معدّ نصادمه ببيض خفاف مرهفات قواطع ... لداود فيها أثره وخواتمه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 وزرق كستها ريشها مضرحية ... أثيث خوافي ريشها وقوادمه بجيش تضلّ البلق في حجراته ... بيثرب أخراه وبالشام قادمه إذا نحن سرنا بين شرق ومغرب ... تنبّه يقظان التراب ونائمه «1075» - وقال الاخطل يذكر الفرار والحضر: [من الطويل] ونجّى ابن بدر ركضه من رماحنا ... ونضّاخة الأعطاف ملهبة الحضر إذا قلت نالته العوالي تقاذفت ... به سوحق الرجلين صائبة الصدر كأنهما والآل ينجاب عنهما ... إذا انغمسا فيه يعومان في بحر يسرّ اليها والرماح تنوشه ... فدى لك أمي إن دأبت إلى العصر فظلّ يفدّيها وظلّت كأنها ... عقاب دعاها جنح ليل إلى وكر «1076» - وقال تميم بن أبي بن مقبل يصف الكتيبة: [من الطويل] وشهباء ينبو الليل عنها كأنها ... صفا زلّ عن أركانها المتزحلف لها كلكل أعيا على كلّ غامز ... به زور باد من العزّ أجنف «1077» - وقال الخوارزمي: [من الوافر] بجيش عنده للأكم ثار ... وجسم الشمس في يده ضئيل إذا الأرض اشتكته إلى سماء ... أجابتها السماء كذا أقول فكاهل هذه منه ثقيل ... وناظر هذه منه كليل [1]   [1] ر: كحيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 «1078» - وقال الحاتمي: [من الطويل] بيوم عقيم يلقح البيض بأسه ... ولود المنايا وهو اشمط ثاكل إذا ما أسرّ النقع أنوار شمسه ... أذاعت بأسرار المنايا المناصل «1079» - وقال أبو الفرج الببغاء: [من الكامل] قاد الجياد إلى الجياد عوابسا ... شعثا ولولا بأسه لم تنقد في جحفل كالسّيل أو كالليل أو ... كالقطر صافح موج بحر مزبد متوقد الجنبات يعتنق القنا ... فيه اعتناق تواصل وتودد مثعنجر بظبا الصوارم مبرق ... تحت الغبار وبالصواهل مرعد ردّ الظلام على الضحى واسترجع ال ... إظلام من ليل العجاج الأربد وكأنما نقشت حوافر خيله ... للناظرين أهلّة في الجلمد وكأن طرف الشمس مطروف وقد ... جعل الغبار له مكان الاثمد 1080- وكتب كاتب: حتى إذا اشتد الكرب، وعظم الخطب، وكثر الطعان والضرب، وثار الرهج، وسالت المهج، وضاقت الحلق، واحمرّت الحدق، وقامت الحرب على ساق، وأنزل الله النصر، وحكم لنا بالعلو والقهر، وولوا هربا، واتبعناهم طلبا، قد خامرهم الوهل، واستولى عليهم الأجل، وأخطأهم الأمل، فمن بين قتيل طريح، وعقير جريح، وهارب طائح، ومستأمن جانح، قد أصبح رجاؤه خائبا، وظنه كاذبا، وباله كاسفا، وقلبه خائفا. 1081- وكتب آخر: فبرز الفاجر الكافر في عدة تشتمل على كذا خيلا كأتيّ السيل، ورجلا كحلول الليل، بالصفائح المذلّقة، والرماح المثقفة، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 والقسيّ المطورة، والآل المطرورة، والجواشن الحصينة، والحلق الموضونة، والتقت الفتيان قد انتضت مناصلها، وهزّت عواملها، فمن مثلّم في الهام مغمود، ومجرد في الأصلاب مقصود، ورديع بنجيع الأحشاء، وهاتك شغف السويداء. 1082- وكتب آخر: قد خسروا الدين بما شروه من خسائس الأعراض، وفاتتهم الدنيا بما أتيح لهم من حواضر الآجال، وصاروا أغراضا لمواقع الغير، ونصبا لمواضع العبر. 1083- وكتب آخر: قانعا من الأمر الذي قصد له بحشاشة يستبقيها، راضيا من مسعاته في الطمع بنفسه أن يؤوب بها، وانثال الأولياء فاصلين من العجاج اليهم، منقضين من الجبال عليهم. 1084- وكتب آخر: فهم بين ميّت مقبور بين مدرج السيول ومهبّ الرياح، عوائده السباع وحواضره الذئاب، قد اكتسب آثاما وخدت به إلى مصارع الذلة، ومضاجع الهلكة، ومصاير أهل الشقوة، من العذاب الواصب، والخزي الدائم، وبين مأسور مقهور، قد أوبقته بجرائره ذنوبه، وأسلمته إلى الذلة مكاسبه، فهو في ضيق الأسر، وذل القهر، وخشوع العبودية، وخضوع الاستكانة، يتلهف على فرطاته نادما، ويحاول قبول توبته آيبا، ويهتف بوله الاعتذار مستكينا. 1085- وكتب آخر: حتى إذا لقحت الحرب عوانا، وبركت بكلكلها، ودارت رحاها، وتلاقت الصفوف، وتدانت الزحوف، وترامى القوم أرشاقا، فترّنمت القسيّ، وكثر الدوي، ورنّت الأوتار، وشقّت الأبصار، وسارت الكتائب، وتهاوت المقانب إلى المقانب، واطّعنت بالرماح، وتدافعت بالراح، فلم ير إلا مقعص أو جريح، أو مأطور أو نطيح، أو مائل أو سطيح، وقد ثار الغضب، وانقطع السبب، واشتدت الحمية، وذهبت الروية، واعترك الزحام، وضاق مع سعة الفضاء المقام، وتغيّرت الألوان وكشّرت الأسنان، وصار الدهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 شقرا، والشقر كمتا، والرجال بهتا، فعند ذلك حمي الوطيس، وأسلم الرئيس، وحال الموت دون الفوت، وصار الأكسّ كالأروق، والمحتال كالأحمق، وذو البصيرة كالأخرق. «1086» - وقال أبو الحسن السلامي: [من الكامل] فالروض من زهر النحور مضرّج ... والماء من ماء الترائب أشكل والنقع ثوب بالنسور مطيّر ... والأرض فرش بالجياد مخيّل تهوي العقاب على العقاب ويلتقي ... بين الفوارس أجدل ومجدّل وسطور خيلك إنما ألفاتها ... سر تنقّط بالدماء وتشكل 25- نعت السلاح والجنن «1087» - قال الرضي: [من الطويل] وجيش يسامي كلّ طود عجاجه ... ويفترّ عنه كلّ واد يضمّه تخطّف أبصار الأعادي سيوفه ... وتملأ أسماع القبائل لجمه إذا سار صبحا طارد الشمس نقعه ... وإن سار ليلا طبّق الأرض دهمه تراجع حمرا في دم الضرب بيضه ... وتنجاب شقرا من دم الطعن دهمه «1088» - وقال قيس بن الخطيم: [من الطويل] أجالدهم يوم الحديقة حاسرا ... كأنّ يدي بالسيف مخراق لاعب «1089» - وقال معقر بن حمار: [من الوافر] وحامى كلّ قوم عن أبيهم ... فصارت كالمخاريق السيوف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 «1090» - وقال إسحاق بن خلف في السيف أيضا: [من الكامل المجزوء] ألقى بجانب خصره ... أمضى من الأجل المتاح وكأنما ذرّ الهبا ... ء عليه أنفاس الرياح «1091» - وقال أبو الهول: [من الطويل] حسام غداة الروع ماض كأنه ... من الله في قبض النفوس [1] رسول إذا ما تمطّى الموت في يقظاته ... فلا بدّ من نفس هناك تسيل كأنّ علي إفرنده موج لجة ... تقاصر في ضحضاحه وتطول «1092» - وقال أيضا: [من الخفيف] وكأن الفرند والرونق الجا ... ري في صفحتيه ماء معين يستطير الأبصار كالقبس المش ... عل ما تستبين فيه العيون ما يبالي إذا الضريبة حانت ... أشمال نيطت به أم يمين نعم مخراق ذي الحفيظة في الهي ... جاء يعصى به ونعم القرين «1093» - قال البحتري وأجاد: [من الكامل] يتناول الروح البعيد مناله ... عفوا ويفتح في القضاء المقفل ماض وان لم تمضه يد فارس ... بطل ومصقول وإن لم يصقل   [1] ر: فوقها: الحياة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 يغشى الوغى فالترس ليس بجنّة ... من حدّه والدرع ليس بمعقل يصغي [1] إلى حكم الردى فإذا مضى ... لم يلتفت وإذا قضى لم يعدل متوقد يفري بأول ضربة ... ما أدركت ولو انها في يذبل وإذا أصاب فكلّ شيء مقتل ... وإذا أصيب فما له من مقتل «1094» - وقال علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي: [من الكامل] ومهند عضب الغرار كأنّه ... تحت العجاجة لجة خضراء نقش الفرند ذبابه فكأنما ... سلخت عليه الحية الرقطاء [2] ألقى عزيمته أبو موسى على ... متنيه فهو لحدّه إمضاء «1095» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] يشيّعه قلب رواع [3] وصارم ... صقيل بعيد عهده بالصياقل تشيم بروق الموت في صفحاته ... وفي حدّه مصداق تلك المخايل «1096» - وقال ابن المعتز: [من الطويل] ولي صارم فيه المنايا كوامن ... فما ينتضى الا لسفك دماء ترى فوق متنيه الفرند كأنه ... بقية غيم رقّ دون سماء «1097» - وقال ابن الرومي: [من الوافر]   [1] ر: مصغ. [2] ر: الرقشاء. [3] ر: رواء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 يقول القائلون إذا رأوه ... لأمر ما تعوليت الدروع «1098» - وقال مزرد بن ضرار أخو الشماخ يصف الرمح: [من الطويل] ومطّرد لدن الكعوب كأنه ... تغشّاه منباع من الزيت سائل أصمّ إذا ما هزّ مارت سراته ... كما مار ثعبان الرمال الموائل له فارط ماضي الغرار كأنه ... هلال بدا في ظلمة الليل ناحل 1099- وقال آخر: [من البسيط] وصارم فيه ماء لو ألمّ به ... نوح على فلكه لم يأمن الغرقا وبين أمواجه نار مسعّرة ... لو حلّ فيها خليل الله لاحترقا «1100» - وقال محمد بن هانىء: [من البسيط] وأبيض كلسان البرق مخترط ... من دون حقّ معزّ الدين إصليت منية ليس تبغي غير طالبها ... وكوكب ليس يبغي غير عفريت «1101» - وقال عنترة في الرماح: [من الكامل] يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم «1102» - وقال دريد بن الصمة: [من الطويل] فجئت إليه والرماح تنوشه ... كوقع الصّياصي في النسيج الممدّد «1103» - وقال الطائي: [من البسيط] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 مثقّفات سلبن الروم زرقتها ... والعرب ألوانها والعاشق القضفا «1104» - وقالت ليلى الأخيلية: [من الكامل] إن الخليع [1] ورهطه في عامر ... كالقلب ألبس جؤجؤا وحزيما قوم رباط الخيل وسط بيوتهم ... وأسنّة زرق يخلن نجوما «1105» - وقال الطائي: [من البسيط] من كل أزرق نظّار بلا نظر ... إلى المقاتل ما في متنه أود كأنه كان ترب الحبّ مذ زمن ... فليس يعجزه قلب ولا كبد «1106» - وقال ساعدة بن جؤية: [من الكامل] وأعدّ أزرق في الكماة كأنه ... في طخية الظلماء ضوء شهاب 1107- وقال آخر: [من الطويل] وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى ... القسب قد أرمى ذراعا على العشر «1108» - وقال مالك بن نويرة: [من الطويل] وسمر كأشطان الجرور نواهل ... يجور بها زوّ المنايا ويهتدي يقعن معا فيهم بأيدي كماتنا ... كأنّ المنون للرماح بموعد «1109» - وقال سلامة بن جندل: [من البسيط]   [1] ر: الخليط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 سنّ الثقاف قناها فهي محكمة ... قليلة الزيغ من همّ وتركيب كأنها بأكفّ القوم إذا لحقوا ... مواتح البئر أو أشطان مطلوب [1] «1110» - وقال ابن المعتز وجمع: [من الكامل] أعددت أخرس للطعان ونثرة ... زغفا ومطّردا من الخرصان وكعوب شوحطة كأن حنينها ... بالكفّ عولة فاقد مرنان وسلاجما زرقا كأن ظباتها ... مشحوذة بضرائم النيران أفواقها حشو الجفير كأنها ... أفواه أفرخة من النّغران «1111» - وقال الشماخ يصف قوسا: [من الطويل] إذا أنبض الرامون عنها ترنّمت ... ترنّم ثكلى أوجعتها الجنائز «1112» - وأنشد ثعلب فيها: [من الرجز] وهي أذا أنبضت فيها تسجع ... ترنّم الثكلى أبت لا تهجع وأولها: نزعت فيها وهي فرع أجمع ... وهي ثلاث أذرع وإصبع «1113» - وافتخرت جاريتان من العرب بقوسي أبيهما فقالت إحداهما: قوس أبي طروح مروح، تعجل الظبي أن يروح. وقالت الأخرى: قوس أبي كزّة، تعجل الظبي النّقزة.   [1] مطلوب: اسم بئر أو ماء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 1114- وقال محمد بن بشير: [من الكامل] ومشمّرين عن السواعد حسّر ... عنها بكلّ رفيقة التوتير ليس الذي تشوي يداه رميّة ... منهم بمعتذر ولا معذور عطف السّيات موانع في عطفها ... تعزى اذا نسبت إلى عصفور [1] «1115» - وقال أبو العيال الهذلي في السهام: [من الكامل] فترى النبال تعير في أقطارها ... شمسا كأن نصالهنّ السنبل «1116» - وقال أبو كبير الهذلي: [من الكامل] فتعاوروا نبلا كأنّ سوامها ... نفيان قطر في عشيّ مسدف [2] «1117» - وقال: [من الكامل] ومعابلا صلع الظبات كأنها ... جمر بمسهكة يشبّ لمصطلي نجفا بذلت لها خوافي ناهض ... حشر القوادم كاللفاع الأطحل وإذا تسلّ تخشخشت أرياشها ... خشف الجنوب بيابس من إسحل [3] مسهكة: موضع ريح شديدة، ونجف: جمع نجيف أي عريض، وحشر لطيف، واللفاع: لحاف يتلفع به، وأطحل: أسود.   [1] عصفور: اسم قواس معروف (هامش ر) . [2] الديوان: مردف. [3] الاسحل: نوع من الشجر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 «1118» - وقال أبو دواد وذكر الدرع: [من المتقارب] وأعددت للحرب فضفاضة ... تضاءل في الطيّ كالمبرد «1119» - وقال امرؤ القيس: [من المتقارب] ومسرودة النسج [1] موضونة ... تضاءل في الطيّ كالمبرد تفيض على المرء أردانها ... كفيض الأتيّ على الجدجد [2] «1120» - وقال آخر: [من الطويل] وأرعن ملموم الكتائب خيله ... مضرّجة أعرافها ونحورها عليها مذالات القيون كأنها ... عيون الأفاعي سردها وقتيرها «1121» - وقال جزء بن ضرار: [من الطويل] ومسفوحة فضفاضة تبّعيّة ... وآها القتير تجتويها المعابل دلاص كظهر النون لا يستطيعها ... سنان ولا تلك الحظاء الدواخل [3] الحظاء: جمع حظوة وهي سهام صغار لا نصل لها. 1122- وقال حزن بن عامر الطائي: [من الوافر] لباسهم إذا فزعوا دروع ... كأن قتيرها حدق الجراد   [1] الديوان: ومشدودة السك. [2] الجدجد: الأملس من الأرض. [3] دلاص: درع لينة؛ النون: لسمكة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 «1123» - وقال آخر: [من الكامل] فتخال موج البحر يصفق بعضه ... بعضا وميض قتيرها وسرادها «1124» - وقال محمد بن عبد الملك الحلبي: [من الكامل] وعليّ سابغة الذيول كأنها ... سلخ كسانيه الشجاع الأرقم 1125- وقال أبو الحسين ابن لنكك البصري: [من الكامل] يا ربّ سابغة حبتني نعمة ... كافأتها بالسوء غير مفنّد أضحت تصون عن المنايا مهجتي ... وظللت أبذلها لكلّ مهند 1126- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمرو بن معديكرب: أخبرني عن السلاح قال: عن أيه تسأل؟ قال: أخبرني عن الرمح قال: أخوك وربما خانك، قال فالسهام، قال: منايا تخطىء وتصيب قال: فالدرع: قال مشغلة للفارس، متعبة للراجل، وإنها لحصن حصين، قال: فالترس، قال: ذاك مجنّ وعليه تدور الدوائر. قال: فالسيف، قال: هناك قارعتك أمك الهبل. ولهذا الخبر تمام لا يليق بهذا المكان إيراده. «1127» - قال الرقاشي في قوس: [من الرجز] مجلوزة الأكعب في استواء ... سالمة من أبن السّيساء فلم تزل مساحل البرّاء ... تأخذ من طرائف اللحاء حتى بدت كالحيّة الصفراء ... ترنو إلى الطائر في الهواء بمقلة سريعة الإقذاء ... ليست بكحلاء ولا زرقاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 1128- وقال آخر فيها: [من الرجز] صفراء نبع خطموها بوتر ... لام ممرّ [1] مثل حلقوم النّغر حدت ظباة اسهم مثل الشرر ... فصرّعتهنّ بأخفاف القتر حور العيون بابليات النظر ... يحسبها الناظر من خير البشر «1129» - وقال ابن نباته في سكين: [من السريع] ما أبصر الناظر من قبلها ... ماء ونارا جمعا في مكان 1130- ووصفها آخر فقال: أقطع من البين. 1131- النامي في سيف: [من الكامل] فيريك في لألائه متوقدا ... حنق المنون به على الآجال 26- نعت أنواع القتل والجراح «1132» - قال معقّر بن حمار البارقي: [من الوافر] كأن جماجم الأبطال لما ... تلاقينا ضحى حدج نقيف «1133» - وقال عنترة: [من الكامل] وحليل غانية تركت مجدّلا ... تمكو فريصته كشدق الأعلم سبقت يداي له بعاجل طعنة ... فوهاء نافذة كلون العندم   [1] ر: تمرّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 «1134» - وقال أبو خراش الهذلي: [من الطويل] فنهنهت أولى القوم عنّي بضربة ... تنفّس منها كلّ حشيان مجحر [1] وطعن كرمح الشّول أمست غوارزا ... جواذبها تأبى على المتغبّر الغوارز: التي قد ذهبت ألبانها فإذا طلب منها الدرّ رمحن. والغبّر بقية اللبن. «1135» - وقال قيس بن الخطيم: [من الطويل] طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشّعاع أضاءها ملكت بها كفي فانهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها «1136» - وقال أبو النجم يصف الطعنة: [من الرجز] لنصرعن ليثا يرنّ مأتمه ... بطعنة نجلاء فيها ألمه يجيش من نهر تراقيه دمه ... كمرجل الصبّاغ جاش بقّمه «1137» - وقال محمد بن عبد الملك الحلبي: [من الكامل] نهنهت أولاها بضرب صادق ... هبر كما خطّ الرداء المعلم «1138» - وقال السري الرفاء: [من البسيط] لما تراءى لك الجمع الذي نزحت ... أقطاره ونأت بعدا جوانبه   [1] الحشيان: الذي امتلأ جوفه نفسا من العدو والكرب؛ مجحر: منهزم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 تركتهم بين مصبوغ ترائبه ... من الدماء ومخضوب ذوائبه فحائد وشهاب الرمح لاحقه ... وهارب وذباب السيف طالبه يهوي إليه بمثل النجم طاعنه ... وينتحيه بمثل البرق ضاربه يكسوه من دمه ثوبا ويسلبه ... ثيابه فهو كاسيه وسالبه ونظر في هذا المعنى إلى قول البحتري: [من الكامل] سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... محمرّة فكأنهم لم يسلبوا «1139» - وأنشد المبرد في مصلوب: [من الرجز] قام ولما يستعن بساقه ... الف مثواه على فراقه كأنما يضحك من أشداقه «1140» - وقال مسلم بن الوليد في مثله: [من البسيط] ورأس مهران قد ركّبت قلّته ... لدنا كفاه مكان اللّيت والجيد وضعته حيث ترتاب الرياح به ... وتحسد الطير فيه أضبع البيد ما زال يعنف بالنعمى ويغمطها ... حتى استقلّ به عود على عود تعدو السباع فترميه بأعينها ... تستنشق الجوّ أنفاسا بتصعيد «1141» - وقال الطائي: [من الكامل] ولقد شفى الأنفاس [1] من برحائها ... أن صار بابك جار مازيّار   [1] ر: الأحشاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 سود اللباس [1] كأنما نسجت لهم ... أيدي السموم مدارعا من قار بكروا وأسروا في متون ضوامر ... قيدت لهم من مربط النجار لا يبرحون ومن رآهم خالهم ... أبدا على سفر من الأسفار «1142» - وقال البحتري في مثله: [من الكامل] وتراه مطّردا على أعواده ... مثل اطراد كواكب الجوزاء مستشرفا للشمس منتصبا لها ... في أخريات الجذع كالحرباء «1143» - وقال الأخيطل الواسطي: [من البسيط] كأنه عاشق قد مدّ بسطته [2] ... يوم الفراق الى توديع مرتحل أو قائم من نعاس فيه لوثته ... مداوم لتمطّيه من الكسل «1144» - وقال أبو الحسن الانباري في ابن بقية لما صلبه عضد الدولة فوصف حاله وإن كان مخرجه مخرج التأيين: [من الوافر] علوّ في الحياة وفي الممات ... بحقّ أنت إحدى المعجزات ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضمّ علاك من بعد الممات أصاروا الجوّ قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السّافيات كأن الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصّلات كأنك قائم فيهم خطيبا ... وكلهم قيام للصلاة   [1] ر: الثياب. [2] هامش ر: صفحته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 مددت يديك نحوهم احتفاء ... كمدهما إليهم بالهبات أسأت الى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثار النائبات 27- نعت المعاقل والابنية «1145» - قال أبو تمام وذكر عمورية: [من البسيط] وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها ... كسرى وصدّت صدودا عن أبي كرب بكر فما افترعتها كفّ حادثة ... ولا ترقّت اليها همة النوب من عهد اسكندر أو قبل ذلك قد ... شابت نواصي الليالي وهي لم تشب «1146» - وقال آخر في وصف قلعة: [من الطويل] وخلقاء قد تاهت على من يرومها ... بمرقبها العالي وجانبها الصّعب يزرّ عليها الجوّ جيب غمامه ... ويلبسها عقدا بأنجمه الشّهب فأبرزتها مهتوكة الجيب بالقنا ... وغادرتها ملصوقة الخدّ بالترب «1147» - وقال علي بن الجهم: [من المتقارب] وقبّة ملك كأنّ النجو ... م تصغي إليها بأسرارها لها شرفات كأن النجوم [1] ... كستها طرائف أنوارها وهنّ كمصطبحات خرجن ... لعيد النصارى وإفطارها فمن بين عاقصة شعرها ... ومصلحة عقد زنّارها   [1] فوقها في ر: الرياض؛ الديوان: الربيع. 25 تذكرة 5. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 «1148» - وقال البحتري: [من الكامل] لما كملت رويّة وعزيمة ... أعملت رأيك في ابتناء الكامل ذعر الحمام وقد ترقّت [1] فوقه ... من منظر خطر المزلّة هائل وكأن حيطان الزجاج بجوّه ... لجج يمجن على جوانب ساحل [2] وكأن تفويف الرخام إذا التقى ... تأليفه بالمنظر المتقابل حبك الغمام رصفن بين منمّر ... ومسيّر [3] ومقارب ومشاكل «1149» - وقال: [من البسيط] يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها ... والآنسات إذا لاحت مغانيها ما بال دجلة كالغيرى تنافسها ... في الحسن طورا وأطوارا تباهيها كأنّ جنّ سليمان الذين ولوا ... إبداعها فأدقّوا في معانيها فلو تمرّ بها بلقيس عن عرض ... قالت هي الصرح تمثيلا وتشبيها إذا علتها الصّبا أبدت لها حبكا ... مثل الجواشن مصقولا حواشيها إذا النجوم تراءت في جوانبها ... ليلا حسبت سماء ركّبت فيها كأنها حين لجّت في تدفقها ... يد الخليفة لما سال واديها «1150» - وقال: [من الخفيف] غرف من بناء دين ودنيا ... يوجب الله فيه أجر الامام   [1] ر والديوان: ترنم. [2] هامش ر: على متون سواحل؛ الديوان: على جنوب سواحل. [3] مسير: معلم مخطط. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 شوقتنا إلى الجنان فزدنا ... في اجتناب الذنوب والآثام «1151» - وقال المتوكل لأبي العيناء وقد بنى بناء [1] : كيف ترى دارنا؟ قال: رأيت الناس يبنون دورهم في الدنيا، وأنت بنيت الدنيا في دارك. «1152» - وقال أبو سعيد الرستمي في دار بناها الصاحب: [من الطويل] هي الدار أبناء الندى من حجيجها ... نوازل في ساحاتها وقوافلا فكم أنفس تأوي إليها مغذّة ... وافئدة تهوي إليها حوافلا وسامية الاعلام تلحظ دونها ... سنا النجم في آفاقها متضائلا نسخت بها إيوان كسرى بن هرمز ... فأصبح في أرض المدائن عاطلا فلو أبصرت ذات العماد عمادها ... لأمست أعاليها حياء أسافلا ولو لحظت جنات تدمر حسنها ... درت كيف تبني بعدهنّ المجادلا متى ترها خلت السماء سرادقا ... عليها وأعلام النجوم تماثلا «1153» - وقال علي بن يوسف المغربي التونسي: [من الطويل] بنى منظرا يسمى العروسين رفعة ... كأن الثريا عرّست في قبابه إذا الليل أخفاه بحلكة لونه ... بدا ضوءه كالبدر تحت سحابه تمكّن من سعد السعود محلّه ... فأضحى ومفتاح الغنى قرع بابه ولو شاده عزم المعزّ ورأيه ... على قدره في ملكه ونصابه لكان حصى الياقوت والتبر مفرغا ... على المسك من آجرّه وترابه وكانت أعاليه سموّا ورفعة ... تباشر ماء المزن قبل انسكابه   [1] ر: دارة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 «1154» - سأل عثمان رضي الله عنه بعض من وفد عليه عن حصن بناحية هراة فقال قي ذلك: [من الطويل] محلّقة دون السماء كأنها ... غمامة صيف زال عنها سحابها فما تبلغ الأروى شماريخها العلى ... ولا الطير إلّا نسرها وعقابها وما خوّفت بالذئب ولدان أهلها ... ولا نبحت الا النجوم كلابها 28- نعت الدار والرسوم «1155» - قال زهير بن أبي سلمى: [من الوافر] لمن طلل برامة لا يريم ... عفا وخلاله حقب قديم يلوح كأنه كفّا فتاة ... ترجّع في معاصمها الوشوم «1156» - أبو نواس: [من الطويل] لمن دمن تزداد حسن رسوم ... على طول ما أقوت وطيب نسيم تجافى البلى عنهنّ حتى كأنما ... لبسن على الاقواء ثوب نعيم «1157» - وقال الطائي: [من البسيط] إن شئت أن لا ترى صبرا لمصطبر ... فانظر على أيّ حال أصبح الطلل كأنما جاد مغناه فغيّره ... دموعنا يوم بانوا وهي [1] تنهمل   [1] ر: فهي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 «1158» - وقال البحتري: [من الطويل] أرى بين ملتفّ الأراك منازلا ... مواثل لو كانت مهاها مواثلا لقينا المغاني باللوى فكأنما ... لقينا الغواني الآنسات عواطلا «1159» - وقال معلى الطائي: [من الطويل] لبسن البلى حتى كأنّ رسومها ... طعمن الهوى أو ذقن فقد [1] الحبائب «1160» - وقال محمد [2] بن وهيب: [من الكامل المرفل] لبسا البلى فكأنما وجدا ... بعد الأحبة مثل ما أجد «1161» - وقال الطائي [3] : [من الكامل] أو ما رأيت منازل ابنة مالك ... رسمت له كيف الزفير رسومها وكأنما ألقى عصاه بها النوى ... من نيّة قذف فليس يريمها «1162» - وقال ابن هرمة: [من الكامل] نبكي على دمن ونؤي هامد ... وجواثم سفع الخدود رواكد عرّين من عقب القدور وأهلها ... فعكفن بعدهم بهاب لابد ووقينه عبث الصبا فكأنّه ... دنف مرته الربع بين عوائد   [1] فوقها في ر: هجر. [2] ر: مثله لمحمد. [3] ب م: القطامي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 «1163» - وقال أبو نواس: [من الطويل] لمن طلل عاري المحلّ دفين ... خلا عهده إلا خوالد جون كما اقترنت [1] عند المبيت حمائم ... بعيدات ممسى ما لهن وكون «1164» - وقال أيضا في الأثافي في معرض الذمّ: [من الطويل] رأيت قدور الناس سودا من الصّلا ... وقدر الرقاشيين بيضاء كالبدر نبينها للمعتفي بفنائهم ... ثلاث كنقط الثاء من نقط الحبر «1165» - وقال الطائي: [من الوافر] أثاف كالخدود لطمن حزنا ... ونؤي مثل ما انفصم السوار «1166» - وقال: [من الكامل] والنؤي أهمد شطره فكأنه ... تحت الحواجب حاجب مقرون «1167» - وقال ابن المعتز: [من الطويل] عفا غير سفع مائلات كأنها ... خدود عذارى مسّهنّ شحوب «1168» - وقال القطامي: [من البسيط] وما هداني لتسليم على دمن ... بالغمر غيرهنّ الأعصر الأول   [1] ر: افترقت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 فهن كالحلل الموشيّ ظاهرها ... أو كالكتاب الذي قد مسّه بلل «1169» - وقال ذو الرمة: [من البسيط] كأنّها بعد أحوال مضين لها ... بالاشيمين يمان فيه تسهيم أودى بها كلّ عراص ألثّ بها ... أو جافل من عجاج الصيف مهجوم [1] منازل الحيّ إذ لا الدار نازحة ... بالأصفياء وإذ لا العيش مذموم كادت بها العين تنبو ثم بيّنها ... معارف الأرض والجون اليحاميم «1170» - وقال بعض أهل المعرة، وهو ابن النوت، وتروى لأبي العلاء وليست له: [من الطويل] مررت بربع في سياث فراعني ... به زجل الأحجار تحت المعاول تناولها عبل الذراع كأنما ... جنى الحقد فيما بينهم حرب وائل أهادمها شلّت يمينك خلّها ... لمعتبر أو واقف أو مسائل منازل قوم أذكرتنا حديثهم ... ولم أر أحلى من حديث المنازل 29- وصف [2] الفلاة والآل «1171» - قال الاخطل: [من الطويل] وبيداء ممحال كأنّ نعامها ... بأرجائها القصوى أباعر همّل   [1] العراص: الغيم الذي يفتر برقه؛ الجافل: الذي يزعزع ما يمر به؛ مهجوم: ملقى على الناس القاء. [2] ر: نعت. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 ترى لامعات الآل فيها كأنها ... رجال تعرّى تارة وتسربل وجوز فلاة ما يغمّض ركبها ... ولا عين هاديها من الخوف تغفل بكلّ بعيد الغول لا يهتدى به ... بعرفان أعلام وما فيه منهل ملاعب جنّان كأن ترابه ... إذا اطردت فيه الرياح مغربل أجزت إذا الحرباء أوفى كأنه ... مصلّ يمان أو أسير مكبّل ترى الثعلب الحوليّ فيها كأنه ... إذا ما علا نشزا حصان مجلّل «1172» - وقال زهير: [من الكامل] وتنوفة عمياء لا يجتازها ... الا المشيّع [1] ذو الفؤاد الهادي قفر هجعت بها ولست بنائم ... وذراع ملقية الجران وسادي وعرفت ان ليست بدار إقامة ... فكصفقة بالكفّ كان رقادي «1173» - وقال جرير: [من الطويل] وهاجد موماة بعثت إلى السّرى ... وللنوم أحلى عنده من جنى النحل يكون نزول الركب فيها كلا ولا ... غشاشا [2] ولا يدنين رحلا إلى رحل «1174» - وقال ذو الرمة: [من الطويل] وغبراء يقتات الأحاديث ركبها ... وتشفي ذوات الضغن من طائف الجهل ترى قورها يغرقن في الآل مرة ... وآونة يخرجن من غامر ضحل   [1] المشيع: الشجاع الجريء. [2] غشاشا: في استعجال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 ورمل عزيف الجنّ في عقداته ... هزيز كتضراب المغنّين بالطبل «1175» - وقال أيضا: [من الطويل] ودوية جرداء جدّاء خيّمت ... بها هبوات الصيف من كلّ جانب سباريت [1] يخلو سمع مجتاز خرقها ... من السمع الا من ضباح الثعالب «1176» - وقال: [من الطويل] ومشتبه الارباء يرمي بركبه ... يبيس الثرى نائي المناهل أخرق إذا هبّت الريح الصّبا درجت به ... غرائب من بيض هجائن دردق فأصبحت أجتاب الفلاة كأنني ... حسام جلت عنه المداوس مخفق [2] الأرباء: جمع ربوة، وأخرق: بعيد واسع، ودردق: صغار ولا واحد لها من لفظها، وأراد بالغرائب: فراخ النّعام. «1177» - وقال أيضا: [من الوافر] وساحرة السراب من الموامي ... ترقّص في عساقلها الأروم العساقل: السراب، والأروم: الاعلام. ... يموت قطا الفلاة بها أواما ويهلك في جوانبها النسيم ... مللت بها المقام وأرقتني هموم ما تنام ولا تنيم ... أبيت الليل أرعى كلّ نجم وشرّ رعاية العين النجوم   [1] سباريت: خالية لا شيء فيها. [2] المداوس: آلات صقل السيوف؛ السيف المخفق: الذي يمر سريعا في القطع. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 «1178» - وقال مسعود أخو ذي الرمة: [من الرجز] ومهمه فيه السراب يلمح ... يدأب فيه القوم حتى يطلحوا ثم يظلّون كأن لم يبرحوا ... كأنما أمسوا بحيث أصبحوا وكان أبو حامد البصري إذا رأى أهل النظر وتفرقهم بعد الكلام في المجلس والخصام تمثل بأبيات مسعود هذه. 1179- وقال آخر: [من الطويل] أخوّف بالحجّاج حتى كأنما ... تحرّك عظم في الفؤاد مهيض ودون يد الحجاج من أن تنالني ... بساط لأيدي الناعجات عريض مهامه أشباه كأنّ سرابها ... ملاء بأيدي الغاسلات رحيض «1180» - وقال مسلم بن الوليد: [من الطويل] وقاطعة رجل السبيل مخوفة ... كأنّ على أرجائها حدّ مبرد مؤزرة بالآل فيها كأنها ... رجال قعود في ملاء معمّد «1181» - وقال إسحاق الموصلي وتشبّه بذي الرمة: [من الطويل] ومدرجة للريح تيهاء لم يكن ... ليجشمها زمّيلة غير حازم يضل بها الساري وإن كان هاديا ... وتقطع أنفاس الرياح النواسم تعسفت أفري جوزها بشملّة ... بعيدة ما بين القرا والمحازم كأن شرار المرو من نبذها به ... نجوم هوت أخرى الليالي العواتم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 «1182» - وقال القلاخ: [من الرجز] وبلد أغبر مخشيّ العطب ... يضحي به موج السراب مضطرب لو قذف الكتّان فيه لالتهب ... قطعت أحشاه بسير منجذب «1183» - وقال ذو الرمة: [من البسيط] قد أعسف النازح المجهول معسفه ... في ظلّ أغضف يدعو هامه البوم بين الرجا والرجا من جنب واصية ... يهماء خابطها بالخوف معكوم للجنّ بالليل في أرجائها زجل ... كما تناوح يوم الريح عيشوم دوّيّة ودجى ليل كأنهما ... يمّ تراطن في حافاته الروم كأننا والقنان القود تحملنا ... موج الفرات إذا التجّ الدياميم 30- وصف السير والسرى «1184» - قال الأخطل: [من الطويل] وغارت عيون العيس والتقت العرى ... فهنّ من الضرّاء والجهد نحّل وقد ضمرت حتى كأنّ عيونها ... بقايا قلات او ركيّ ممكّل ممكل: غار ماؤها ونزح ثم جمّ بعد النزح، يقال فيه مكلة من ماء اي قليل اجتمع بعد النزح. وصارت بقاياها الى كلّ حرّة ... لها بعد إسآد مراح وأفكل [1]   [1] الاسآد: السير ليلا ونهارا، والأفكل: الرعدة (من شدة النشاط) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 وقعن وقوع الطير فيها وما بها ... سوى حرّة ترجيعها متطلل «1185» - وقال ذو الرمة: [من الطويل] ونشوان من طول النّعاس كأنّه ... بحبلين في مشطونة يترجّح أطرت الكرى عنه وقد مال رأسه ... كما مال رشّاف الفضال المرنّح إذا مات فوق الرمل أحييت روحه ... بذكراك والعيس المراسيل جنّح «1186» - وقال الحطيئة: [من الطويل] وأشعث يهوى النوم قلت له ارتحل ... اذا ما الثّريا أعرضت واسبطرت فقام يجرّ الثوب لو أنّ نفسه ... يقال له خذها بكفيك خرّت 1187- وقال الفرزدق: [من الطويل] وأبيض مخمور يميل برأسه ... نعاسا ولم يشرب طلاء ولا خمرا إذا لم يجد بدا من الأمر هجته ... وجيب الذراع لا يضيق به صدرا 1188- وقال أعرابي: [من الطويل] بدأن بنا وابن الليالي كأنه ... حسام جلا عنه القيون صقيل فما زلت أفني كلّ يوم شبابه ... إلى أن أتتك العيس وهو ضئيل «1189» - وقال مسكين الدارمي: [من الطويل] ومنعقد ثني اللسان بعثته ... تخال النعاس في مفاصله خمرا رماه الكرى في الرأس حتى كأنه ... أميم جلاميد تركن به وقرا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 «1190» - وقال ذو الرمة: [من الطويل] وأشعث مثل السيف قد لاح جسمه ... وجيف المهارى والهموم الأباعد سقاه السّرى كأس النعاس فرأسه ... لدين الكرى من آخر الليل ساجد أقمت له صدر المطيّ وما درى ... أجائرة أعناقها أم قواصد ترى الناشىء الغرّيد يضحي كأنّه ... على الرحل مما منّه السير عاصد منّه: أي جهده، وعصد البعير: إذا لوى عنقه للموت. «1191» - وقال مسلم بن الوليد: [من الطويل] إليك أمين الله راعت بنا القطا ... بنات الفلا في كلّ نشز وفدفد أخذن السّرى أخذ العنيف وأسرعت ... خطاها بها والنجم حيران مهتد لبسن الدجى حتى نضت وتصوّبت ... هوادي نجوم الليل كالدحو باليد «1192» - وقال العتابي: [من الطويل] وأشعث مشتاق رمى في جفونه ... غريب الكرى بين الفجاج السباسب أمات الليالي شوقه غير زفرة ... تردّد ما بين الحشا والترائب سحبت له ذيل السرى وهو لابس ... دجى الليل حتى صحّ ضوء الكواكب ومن فوق أكوار المهارى لبانه ... أحلّ لها أكل الذّرى والغوارب إذا ادّرع الليل انجلى وكأنه ... بقية هنديّ حسام المضارب بركب ترى كسر الكرى في جفونهم ... وعهد الفيافي في وجوه شواحب «1193» - وقال الطائي وجعل السير طريقا إلى همة مروّته: [من الطويل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 وركب كأمثال الأسنّة عرّسوا ... على مثلها والليل تسطو غياهبه لأمر عليهم أن تتمّ صدوره ... وليس عليهم أن تتمّ عواقبه 1194- وقال جحدر بن ربيعة العكلي: [من الطويل] وركب تعادوا بالنّعاس كأنما ... تساقوا عقارا خالطت كلّ مفصل سريت بهم حتى مضى الليل كلّه ... ولاحت هوادي الصبح للمتأمل وقالوا وقد مالت طلاهم من الكرى ... أنخ إنها نعمى علينا وأفضل فطاوعتهم حتى أناخوا كلا ولا ... مهارى لهوا منها ولما تعقل ومالوا على أعطافها وتوسّدوا ... إلى الرّكب اليسرى سواعد أشمل ولاثوا بأيديهم فضول أزمّة ... تصور البرى أزرارها لم تحلّل غشاشا غرار العين ثم تنبهوا ... سراعا الى أكوار سدس وبزّل «1195» - وقال أبو النجم العجلي: [من الرجز] وبلدة ما الإنس من أهّالها ... ولا ضعيف القوم من رجالها زوراء تبكي الجن من إمحالها ... قطعت بالعيس على كلالها 31- نعت البيان والمحاورة «1196» - قال حسان بن ثابت: [من الطويل] لساني وسيفي صارمان كلاهما ... ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي «1197» - وقال جرير فأخذ اللفظ والمعنى: [من الطويل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 لساني وسيفي صارمان كلاهما ... وللسيف أشوى وقعة من لسانيا «1198» - وقال الأخطل: [من البسيط] أفحمت عنكم بني النجار قد علمت ... عليا معدّ وكانوا طالما هدروا حتى استكانوا وهم مني على مضض ... والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر «1199» - وقال محمد بن هانىء: [من الكامل] حكم يجلّي غيب كلّ ملمّة ... كالشمس تكشف جنح كلّ ظلام 1200- وقال آخر: [من البسيط] من كل معنى يكاد الميت يفهمه ... حسنا ويعبده القرطاس والقلم «1201» - وقال الصابي: [من الخفيف] فقر لم يزل إليها فقيرا ... كلّ مبدي فصاحة ومعيد يغتدي البارع المفيد اليها ... لاحقا بالمقصّر المستفيد ببيان شاف ولفظ مصيب ... واختصار كاف ومعنى سديد «1202» - وقال أيضا: [من الطويل] ولي فقر تضحي الملوك فقيرة ... إليها لدى أحداثها حين تطرق أردّ بها رأس الجموح فينثني ... وأجعلها سوط الحرون فيعنق فإن حاولت لطفا فماء مرقرق ... وإن حاولت عنفا فنار تألّق «1203» - وقال أبو فراس ابن حمدان: [من البسيط] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 وروضة من رياض الفكر دبّجها ... صوب القرائح لا صوب من المطر كأنما نشرت يمناك بينهما ... بردا من الوشي أو بردا من الحبر 1204- وقال آخر: [من الوافر] نطقت بحكمة جلّى سناها ... عن المعنى اللطيف دجى الظلام تلذّ كأنها راح وروح ... تمشّى في العروق وفي العظام 1205- وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا» هو الغاية إيجازا وبلاغة. «1206» - وكتب الصاحب بن عباد: خطّ أحسن من عطفات الأصداغ، وبلاغة كالامل آذن بالبلاغ. فقر كما جيدت الرياض، وفصول كما تغامزت المقل المراض. ألفاظ كما نوّرت الأشجار، ومعان كما تنفست الاسحار. 1207- وقال الماهر: [من الخفيف المجزوء] وحديث كأنه ... أوبة من مسافر فهو أحلى من الرقا ... د لدى طرف ساهر «1208» - وقال بشار: [من الكامل المجزوء] وكأن رجع حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا وكأن تحت لسانها ... هاروت ينفث فيه سحرا «1209» - وقال السري الرفاء: [من الكامل] يتنازعون على الرحيق غرائبا ... يحسبن زاهرة كؤوس رحيق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 صدرت عن الأفكار وهي كأنها ... رقراق صادرة عن الراووق 1210- وقال محمد بن أحمد الحزوّر: [من البسيط] لله لؤلؤ ألفاظ أساقطها ... لو كنّ للغيد لاستأنسن بالعطل ومن عيون معان لو كحلت بها ... نجل العيون لأغناها عن الكحل سحر من الفكر لو دارت سلافته ... على الزمان تمشّى مشية الثمل 1211- وصف العباس بن الحسن العلوي رجلا بفصاحة فقال: ما شبهته يتكلم إلا بثعبان ينهال من رمال، أو ماء يتغلغل بين جبال. 1212- وقال ثمامة: كان جعفر بن يحيى أنطق الناس، قد جمع التمهّل والجزالة والحلاوة وإفهاما يغنيه عن الاعادة، ولو كان في الأرض ناطق يستغني بمنطقه عن الاشارة لاستغنى جعفر عن الاشارة كما استغنى عن الاعادة. 1213- وقال: قلت لجعفر: ما البيان؟ فقال: أن يكون الكلام يحيط بمعناك، ويجلّي عن مغزاك، وتخرجه من الشركة، ولا تستعين عليه بالفكرة، والذي لا بدّ منه أن يكون سليما من التكلف، بريئا من التعقيد، غنيا عن التأويل. الجاحظ: هذا تأويل قول الأصمعي: البليغ من طبّق المفصل، وأغناك عن المفسّر. 1214- قال المفضل: قلت لأعرابيّ: ما البلاغة؟ قال: الايجاز في غير عجز، والاطناب في غير خطل. 1215- وذكر أعرابي امرأة فقال: كلامها الوبل على المحل، والعذب البارد على الظمأ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 «1216» - والجيّد قول القطامي: [من البسيط] فهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلّة الصادي «1217» - وقول الأخطل: [من البسيط] وقد تكون بها سلمى تحادثني ... تساقط الحلي حاجاتي وأسراري «1218» - وقول الشماخ: [من الطويل] حديث لو انّ اللحم يصلى ببعضه ... غريضا أتى أصحابه وهو منضج 1219- قال عبد الحميد بن يحيى: البلاغة ما رضيته الخاصة، وفهمته العامة. 1220- وقال أيضا: خير الكلام ما قلّ ودلّ ولم يملّ 1221- قال آخر: اللفظ الحسن إحدى النفاثات في العقد. 32- نعت القوافي «1222» - وقال عدي بن الرقاع: [من الكامل] وقصيدة قد بتّ أجمع شملها ... حتى أقوّم ميلها وسنادها نظر المثقّف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منآدها وعلمت أني لست أسأل واحدا ... عن حرف واحدة لكي أزدادها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 «1223» - وقال بشر بن أبي خازم: [من الوافر] فأبعثهنّ أربعة وخمسا ... بألفاظ مثقّفة عذاب وكنت إذا وسمت بهنّ قوما ... كأطواق الحمائم في الرقاب «1224» - وقال الفرزدق: [من الوافر] ومن يك خائفا لأذاة شعري ... فقد أمن الهجاء بنو حرام هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام «1225» - ومثله قول ابن هرمة: [من البسيط] إني إذا ما امرؤ خفّت نعامته ... في الجهل واستحكمت منه قوى الوذم عقدت في ملتقى أوداج لبّته ... طوق الحمائم لا يبلى على القدم «1226» - وقال جرير: [من الطويل] وعاو عوى من غير شيء رميته ... بقافية أنفاذها تقطر الدما خروج بأفواه الرواة كأنها ... قرا هندوانيّ إذا هزّ صمّما «1227» - وقالت الخنساء: [من المتقارب] وقافية مثل حدّ السنا ... ن تبقى ويذهب من قالها نطقت ابن عمرو فسهّلتها ... ولم ينطق الناس أمثالها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 «1228» - وقال أبو تمام الطائي: [من الطويل] ووالله لا أنفكّ أهدي شواردا ... إليك يحمّلن الثناء المنخّلا تخال به بردا عليك محبّرا ... وتحسبه عقدا عليك مفصلا ألذّ من السلوى وأ طيب نفحة ... من المسك مفتوقا وأيسر محملا أخفّ على روح وأثقل قيمة ... وأقصر في سمع الجليس وأطولا ويزهى له قوم ولم يمدحوا به ... إذا مثّل الراوي به أو تمثلا «1229» - وقال علي بن الجهم: [من الطويل] ولكنّ إحسان الخليفة جعفر ... دعاني إلى ما قلت فيه من الشعر فسار مسير الشمس في كلّ بلدة ... وهبّ هبوب الريح في البرّ والبحر «1230» - وقال البحتري: [من البسيط] وقد أتتك القوافي غبّ مسألة [1] ... كما تفتّح غبّ الوابل الزّهر «1231» - وقال: [من الطويل] وكنت إذا استبطأت ودّك زرته ... بتفويف شعر كالرداء المحبّر عتاب بأطراف القوافي كأنه ... طعان بأطراف القنا المتكسر فأجلو به وجه الإخاء وأجتلي ... حياء كصبغ الأرجوان المعصفر   [1] فوقها في ر: فائدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 «1232» - وقال: [من الطويل] ألست الموالي فيك نظم قصائد ... هي الأنجم اقتادت مع الليل أنجما ثناء كأنّ الروض فيه منوّر ... ضحى وكأنّ الوشي فيه منمنما [1] «1233» - وقال: [من الطويل] إليك القوافي نازعات قواصدا ... يسيّر ضاحي وشيها وينمنم ومشرقة في النظم غرّا يزينها [2] ... بهاء وحسنا أنها لك تنظم ضوامن للحاجات إما شوافعا ... مشفعة أو حاكمات تحكّم وكائن غدت لي وهي شعر مسيّر ... وراحت علي وهي مال مسوّم «1234» - وقال أيضا: [من الخفيف] في نظام من البلاغة ما شك ... ك امرؤ انه نظام فريد ومعان لو فصلتها القوافي ... هجّنت شعر جرول ولبيد حزن مستكمل الكلام اختيارا ... وتجنبن ظلمة التعقيد وركبن اللفظ القريب فأدرك ... ن به غاية المرام البعيد «1235» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] ودونكها من شاعر لك شاكر ... وان حرّك الخيم الكريم وحضّضنا وما ازداد فضل فيك بالمدح شهرة ... ولكنه كالمسك صادف مخوضا   [1] هامش ر: مسهما. [2] هامش ر: يزيدها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 «1236» - وقال أيضا: [من الكامل] خذها إليك مشيحة سيّارة ... في الناس من باد ومن متحضّر تغدو عليك بحاصب وبتارب ... وعلى الرواة بلؤلؤ متخيّر «1237» - وقال: [من البسيط] خذها تبوعا لمن ولّى مسوّمة ... كأنها كوكب في إثر عفريت «1238» - وقال دعبل وذكر التفاوت ما بين المجيد والمسيء: [من الطويل] يموت رديء الشعر من قبل أهله ... وجيده يبقى وإن مات قائله أخذ السري الرفاء هذا المعنى فقال: [من الكامل] فتعيش بعد مماته أشعاره ... ويموت قبل مماتها أشعارها «1239» - وقال الصاحب ابن عباد: [من المتقارب] أتتني بالأمس أشعاره [1] ... تعلّل روحي بروح الجنان كبرد الشباب وبرد الشراب ... وظلّ الأمان ونيل الأماني وعهد الصّبا ونسيم الصّبا ... وصفو الدنان ورجع القيان فلو أن ألفاظها جسّمت ... لكانت عقود نحور الغواني   [1] ر والديوان: أبياته. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 «1240» - وقال القاضي أبو القاسم التنوخي: [من الكامل المجزوء] وقصيدة ألفاظها ... في النظم كالدّر النثير جاءت إليّ كأنها الت ... توفيق في كلّ الأمور بأرق من شكوى وأح ... سن من حياة في سرور فكأنها أمل تحق ... قق بعد يأس في الصدور أو كالمنام لساهر ... أو كالأمان لمستجير وكأنما هي من شبا ... ب أو وصال أو نشور من كل معنى كالسلا ... مة أو كتيسير العسير «1241» - وقال يزيد بن مفرغ: [من الخفيف] يغسل الماء ما صنعت وشعري ... راسخ منك في العظام البوالي «1242» - وقال أبو تمام: [من الطويل] يودّ ودادا انّ أعضاء جسمه ... إذا أنشدت شوقا إليه مسامع «1243» - وقال المتنبي: [من الوافر] إذا ما صافح الأسماع يوما ... تبسمت الضمائر والقلوب 1244- قيل لمعتوه: ما أجود الشعر؟ قال: ما دلّ صدره على عجزه، ولا يحجبه شيء دون بلوغه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 «1245» - وقال الكندي: [من الوافر] تقصّر عن مداها الريح جريا ... وتعجز عن مواقعها السهام تناهب حسنها حاد وشاد ... فحثّ بها المطايا والمدام [1] 33- وصف الكتاب والقلم وما يجانسهما «1246» - قال أبو تمام الطائي: [من الطويل] لك القلم الأعلى الذي بشباته ... تصاب من الأمر الكلى والمفاصل لعاب المنايا القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل له ريقة طلّ ولكنّ وقعها ... بآثاره في الشرق والغرب وابل فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل أطاعته أطراف الرماح وقوّضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل إذا استغزر الذهن الجلّي وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل وقد رفدته الخنصران وسدّدت ... ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنى وجسيما خطبه وهو ناحل «1247» - وقال ابن الرومي: [من المتقارب] لعمرك ما السيف سيف الكميّ ... بأخوف من قلم الكاتب   [1] ورد بعد هذا بيتان لابن الرومي، وهما قد وردا رقم: 1236. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 له شاهد إن تأمّلته ... ظهرت على سرّه الغائب سنان المنية في جانب ... وسيف المنية في جانب «1248» - وقال السري الرفاء: [من الوافر] لك القلم الذي يضحي ويمسي ... به الإقليم محميّ الحريم هو الصلّ الذي لو عضّ صلّا ... لأسلمه إلى ليل السليم «1249» - وقال العتابي: الأقلام مطايا الفطن. «1250» - وقال سهل بن هارون: القلم لسان الضمير، إذا رعف أعلن سراره وأنار آثاره. «1251» - قال علي بن عبيدة فيه: أصمّ يسمع النجوى ويخبر بالغائب. «1252» - وقيل: الخطّ هندسة روحانية، وإن ظهرت بآلة جسدانية. «1253» - وقيل: فضل الخطّ على اللفظ ان الخطّ للقريب والبعيد، واللفظ للقريب فقط. 1254- وقال جالينوس: الخط كلام ميت، واللفظ كلام حي. ولو تمم المعنى لقال: الخطّ كلام ميت وحيّ. «1255» - وقيل: الدواة منهل، والقلم ماتح، والكتاب عطن. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 1256- وقال آخر: [من الخفيف] خطّه روضة وألفاظه الأز ... هار يضحكن والمعاني الثمار 1257- وقال آخر: [من الطويل] مكررة ألفاظنا في فصوله ... فإن نحن أتممنا قراءته عدنا إذا ما نشرناه فكالمسك نشره ... ونطويه لا طيّ السآمة بل ضنّا 1258- وقال الصابىء: [من البسيط] فخاتم كامن في بطن راحتها ... وفي أناملها سحبان مستتر 1259- وقال آخر: [من الطويل] وأدى خطابا في سطور كأنها ... مخانق درّ في نحور الكواعب «1260» - وقال التنوخي: [من الكامل المجزوء] خطّ وقرطاس كأن ... نهما السوالف والشعور وكأنه ليل يمو ... ج خلاله صبح منير وبدائع تدع القلو ... ب تكاد من طرب تطير في كلّ معنى كالغنى ... يحويه محتاج فقير أو كالفكاك يناله ... من بعد ما يأس أسير وكأنما الاقبال جا ... ء أو الشفاء أو النشور وكأنه شرخ الشبا ... ب وعيشه الغضّ النضير «1261» - وله من أبيات ذكر فيها قصيدة ثم ذكر فيها الخط: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 [من الكامل المجزوء] وكأنّه إذ لاح من ... فوق المهارق والسطور ورد الخدود اذا انتقل ... ت به على راح الثغور كتبت بحبر كالنوى ... أو كفر نعمى من كفور [1] في مثل أيام التوا ... صل أو كإعتاب الدهور «1262» - وقال علي بن الجهم: [من السريع] يا رقعة جاءتك مثنيّة ... كأنها خدّ على خدّ نبذ سواد في بياض كما ... ذرّ فتيت المسك في الورد ساهمة الأسطر مصروفة ... من نبذ الهزل إلى الجدّ يا كاتبا أسلمني عتبه ... إليه حسبي منك ما عندي «1263» - وقال آخر: [من الوافر] سواد مثل خافية الغراب ... وأقلام كمرهفة الحراب وقرطاس كرقراق السراب ... وألفاظ كأيام الشباب «1264» - وقال ابن المعتز: [من الخفيف] قلم ما أراه أم فلك يج ... ري بما شاء قاسم ويسير راكع ساجد يقبّل قرطا ... سا كما قبل البساط شكور   [1] البيت من هامش ر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 «1265» - وقال أيضا: [من الطويل] إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتح نورا أو تنظّم جوهرا «1266» - قال الجاحظ في وصف كتاب: لا أعلم جارا أبرّ، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلما أخضع، ولا صاحبا أظهر كفاية ولا أقل خيانة، ولا أبدى نفعا، ولا أقلّ إبراما وإملالا، ولا أحمد أخلاقا، ولا أقل خلافا، ولا أتم سرورا، ولا أقل غيبة، ولا أكثر أعجوبة، ولا أبعد مراء، ولا أزهد في جدال، ولا أكفّ عن قتال، ولا آمن على كشف الأسرار والاطلاع على شكوى ذات النفس، من كتاب. 1267- ونظر المأمون إلى ابنه الفضل وهو ينظر في كتاب فقال له: ما هذا يا بني؟ قال: يا أمير المؤمنين هذا بعض ما يشحذ الفطنة، ويؤنس من الوحدة، فقال: الحمد لله الذي رزقني من ولدي من يرى بعين عقله أكثر مما يرى بعين جسمه. «1268» - وقال ابن الرومي: [من الرجز] حبر ابي حفص لعاب الليل ... كأنّه ألوان دهم الخيل يجري إلى الإخوان جري السيل ... بغير وزن وبغير كيل كأنه من نهر الرفيل [1] 1269- ووصف عبد الله بن المعتز الكتاب فقال: هو والج الأبواب،   [1] التشبيهات: الدجيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 جريء على الحجاب، مفهم لا يفهم، وناطق لا يتكلم. 1270- قال الرياشي، قال الأصمعي: ألا أدلّك على بستان يكون في كمّك، وروضة تكون في حجرك، وميت ينطق، وأخرس يتكلم، يحدثك إذا شئت، ويقطع عنك إذا سئمت؟ قلت: بلى، قال: عليك بكتابك. «1271» - سئل بعض الكتاب: متى يستحقّ الخطّ أن يوصف بالجودة؟ قال: إذا اعتدلت أقسامه، وطالت ألفه ولامه، واستقامت سطوره، وضاهى صعوده حدوره، وتفتحت عيونه، ولم يشتبه واوه ونونه، وأشرق قرطاسه، وأظلمت أنفاسه، ولم تختلف أجناسه، وأسرع إلى العيون تصورّه، وإلى القلوب تميزه، واندمجت فصوله، وتناسب دقيقه وجليله، وخرج عن نمط الوراقين، وبعد عن تصنّع المحررين، وقام لكاتبه مقام النسبة والحلية، وكان حينئذ كما قيل: [من المتقارب] إذا ما تجلّل قرطاسه ... وساوره القلم الأرقش تضمّن من خطّه حلّة ... كنقش الدنانير أو أنقش حروف تعيد لعين الكليل ... نشاطا ويقرأها الأخفش 34- نعت النار والحرّ وما يتعلّق بهما ويتبعهما «1272» - قال جران العود: [من الطويل] ونار كسحر العود يرفع ضوءها ... مع الليل هبّات الرياح الصّوارد «1273» - وقال جميل: [من الطويل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 رأيت وأصحابي بأيلة موهنا ... وقد غار نجم الفرقد المتصوّب لبثنة نارا ما تبوخ كأنها ... إذا ما رمقناها مع البعد كوكب «1274» - وقال آخر: [من الطويل] ويوم كأن المصطلين بحرّه ... وإن لم يكن جمر قيام على الجمر صبرت له حتى تجلّى وإنما ... تفرّج أيام الكريهة بالصبر «1275» - وقال آخر: [من الطويل] بحرّ لو ان اللحم يصلى بحرّه ... غريضا أتى أصحابه وهو منضج «1276» - وقال مسكين الدارمي: [من الطويل] وهاجرة ظلّت كأن ظباءها ... إذا ما اتقتها بالقرون سجود تلوذ بشؤبوب من الشمس فوقها ... كما لاذ من حرّ السنان طريد «1277» - ومن كلام لأبي الفضل ابن العميد: وممتحن بهواجر يكاد أوارها يذيب دماغ الضبّ، ويصرف وجه الحرباء عن التحنف ويزويه عن التنصّر، ويقبضه عن إمساك ساق وإرسال ساق: [من البسيط] ويترك الجأب في شغل عن الحقب ... ويقدح النار بين الجلد والعصب ويغادر الوحش قد مالت هواديها: [من الطويل] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 سجودا لدى الأرطى كأن رؤوسها ... علاها صداع أو فواق يصورها وكما قال الفرزدق: [من الطويل] بيوم أتت دون الظلال شموسه ... فظلّ المها صورا جماجمها تغلي 1278- قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يعاتب أخاه ويقول: أما والله لربّ يوم كتنّور الطّهاة رقّاص بأكمامه [1] ، قد رميت بنفسي في أجيج سمومه، أتحمل منه ما تكره لما تحب. «1279» - سمع الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة قول أخيه عمر: [من الطويل] ويوم كتنور الطواهي سجرنه ... وألقين فيه الجمر حتى تضرّما قذفت بنفسي في أجيج سمومه ... وبالعنس حتى ابتلّ مشفرها دما فقال: الله أكبر أخذت في فن آخر، فلما سمع: أؤمل أن ألقى من الناس عالما ... بأخباركم أو أن ألمّ مسلّما قال: إنك لفي ضلالك القديم. «1280» - وقال الصابي يصف الشمعة: [من البسيط] ولا دليل سوى هيفاء مخطفة ... تهدي الركاب وجنح الليل معتكر غصن من الذهب الإبريز أثمر في ... أعلاه ياقوتة صفراء تستعر   [1] ر: بأكامه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 يأتيك ليلا كما يأتي المريب فإن ... لاح الصباح طواه دونك الحذر «1281» - وقال السريّ الرفاء فيها: [من المتقارب] فلما دجا الليل فرّجته ... بروح تحيّف جثمانها غصون من التبر قد أزهرت ... لهيبا يزيّن أفنانها فيا حسن أرواحها في الدجى ... وقد أكلت فيه أبدانها «1282» - وقال فيها أبو إسماعيل الكاتب منشىء السلطان محمد بن ملكشاه: [من الكامل] ومساعد لي بالبكاء مؤانس ... بالليل يؤنسني بطيب لقائه هامي المدامع أو يصاب بعينه ... حامي الأضالع أو يموت بدائه ساويته في لونه ونحوله ... وفضلته في بؤسه وشقائه هب أنه مثلي بحرقة قلبه ... وسهاده طول الدجى وعنائه أفوادع طول النهار مرفّه ... كمعذّب بصباحه ومسائه «1283» - وقال الصاحب: [مخلع البسيط] ورائق القدّ مستحبّ ... يجمع أوصاف كلّ صبّ سهاد ليل ودمع عين ... ولون جسم وحرّ قلب «1284» - وقال كشاجم: [من الرجز] أعددت لليل إذا الليل غسق ... أغصان تبر عرّيت من الورق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 ثمارها مثل مصابيح الأفق ... يغني الندامى ضوءها عن الفلق شفاؤها إن مرضت ضرب العنق «1285» - وقال الصنوبري فيها: [من الرجز المجزوء] مجدولة في قدها ... حاكية قدّ الأسل كأنها عمر الفتى ... والنار فيها كالأجل «1286» - وقال المتنبي فيها: [من البسيط] قد شابهتني في لون وفي قضف ... وفي احتراق وفي دمع وفي سهر 1287- وقال سوار بن مضرّب: [من المتقارب] وهاجرة تشتوى بالسّموم ... جنادبها في رؤوس الأكم إذا الموت أخطأ حرباءها ... رمى رأسه بالعمى والصمم 35- نعت البرد [1] والصلاء «1288» - قال مرة بن محكان: [من البسيط] في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلفّ على خيشومه الذنبا «1289» - وقالت أخت عمرو ذي الكلب: [من البسيط]   [1] فوقها في ر: القرّ. 27 تذكرة 5 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 وليلة يصطلي بالفرث جازرها ... يختصّ بالنّقرى المثرين داعيها لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى الصباح ولا تسري أفاعيها «1290» - وقال آخر (الشنفرى) : [من الطويل] وليلة قرّ يصطلي القوس ربّها ... وأقدحه اللاتي بها يتنبّل 1291- وقال كشاجم يصف الثلج: [من الكامل] راحت به الأرض الفضاء كأنّها ... من كلّ ناحية بثغرك تضحك 1292- ويقال: برد الربيع مونق، وبرد الخريف موبق. «1293» - وقال القاضي أبو القاسم التنوخي: [من البسيط] فانهض بنار إلى فحم كأنهما ... في العين ظلم وإنصاف قد اتفقا جاءت ونحن كقلب الصبّ حين سلا ... بردا فصرنا كقلب الصبّ إذ عشقا «1294» - وقال أبو بكر الخالدي يصف الكانون: [من المنسرح] ومقعد لا حراك ينهضه ... وهو على أربع قد انتصبا مصفّر محرق تنفّسه ... تخاله العين عاشقا وصبا إذا نظمنا في جيده سبجا ... صيّره بعد ساعة ذهبا «1295» - وقال ابن حيان المغربي: [من المنسرح] كأنما الفحم والرماد وما ... تفعله النار فيهما لهبا شيخ من الزنج شاب مفرقه ... عليه درع منسوجة ذهبا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 «1296» - وقال آخر: [من الطويل] وفحم كأيّام الوصال فعاله ... ومنظره في العين يوم صدود كأن لهيب النار بين خلاله ... بوارق لاحت في عمائم سود 36- نعت الأكول والمآكل «1297» - أنشد ثعلب: [من الطويل] ترى كلّ محلول الإزار كأنما ... يطيّن سطحا أو يلقّم ناصحا «1298» - وقال البحتري: [من الخفيف] وكأنّ الفتى يطمّ ركايا ... قد تهوّرن أو يسدّ بثوقا معدة أوّلية كرحى البز ... ر [1] تلقّى حبّا وتلقي دقيقا «1299» - وقال ابن المعتز: [من الطويل] كأنّ أكفّ القوم في جنباته ... قطا لم ينفّره عن الماء سارح «1300» - وقال ابن الرومي: [من السريع] إلا يلاقوك فتلقي بهم ... أكل يتامى ما لهم كاسب من كلّ شحذان الحشا بائس ... يأكل ما لا يحسب الحاسب فكاه كالعصرين من دهره ... كلاهما في شأنه دائب   [1] ر: البر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 كأنما الفروج في كفّه ... فريسة ضرغامها دارب «1301» - وقال: [من الرمل المجزوء] يا عدوّ الزاد يا ثع ... بان موسى المتلقف 1302- وقال آخر: [من السريع] لم تر عيني آكلا مثله ... يأكل باليسرى معا واليمين تلعب في القصعة أطرافه ... لعب أخي الشطرنج بالشاه بين «1303» - وقال ابن الرومي: [من البسيط] ما أنس لا أنس خبازا مررت به ... يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر ما بين رؤيتها في كفّه كرة ... وبين رؤيتها قوراء كالقمر إلا بمقدار ما تنداح دائرة ... في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر «1304» - وقال أيضا يصف سمكا استهداه: [من الكامل المرفل] وبنات دجلة في فنائكم ... مأسورة في كلّ معترك بيض كأمثال السبائك بل ... مشحونة بالشحم كالعكك تفرى بأمثال الدروع وأح ... يانا بمثل نوافذ الشّكك تغني عن الزيّات قاليها ... وتبخر الشاوين بالودك حسنت مناظرها وساعدها ... طعم كحلّ معاقد التكك «1305» - وقال يستهدي لوزينجا: [من السريع] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 لا يخطئنّي منك لوزينج ... إذا بدا أعجب أو عجّبا لم تغلق الشهوة أبوابها ... إلا أبت زلفاه أن يحجبا لو شاء أن يذهب في صخرة ... لسخّر الطيب له مذهبا يدور بالنفخة [1] في جامه ... دورا ترى الدهن له لولبا عاون فيه منظر مخبرا ... مستحسن ساعد مستعذبا كالحسن المحسن في شدوه ... تم فأضحى مضربا مطربا مستكثف الحشو ولكنه ... أرقّ جلدا من نسيم الصّبا كأنما قدّت جلابيبه ... من أعين القطر إذا قبّبا يخال من رقة خرشائه [2] ... شارك في الأجنحة الجندبا لو أنه صوّر في خبزه ... ثغرا لكان الواضح الأشنبا «1306» - وقال يصف دجاجة: [من الكامل] وسميطة صفراء ديناريّة ... ثمنا ولونا زفّها لك حزور عظمت فكادت أن تكون إوزّة ... ونزت فكاد إهابها يتفطّر طفقت تجود بذوبها جوذابة ... فأتى لباب اللوز فيها السكّر نعم السماء هناك ظلّ صبيبها ... يهمي ونعم الأرض ظلّت تمطر ظلنا نقشّر جلدها عن لحمها ... فكأن تبرا عن لجين يقشر «1307» - وقال في الرؤوس: [من الكامل] ما إن علمنا من طعام حاضر ... نعتدّه لفجاءة الزوّار   [1] ر: بالفخة. [2] الخرشاء: القشرة الرقيقة في البيضة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 كمهيّئين من المطاعم فيهما ... شبه من الأبرار والفجار هام وأرغفة وضاء ضخمة ... قد أخرجا من جاحم فوّار كوجوه أهل الجنة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النار «1308» - وقال كشاجم في مثله: [من الخفيف] قد عزمنا على مباكرة الشر ... ب ولكن ما عندنا من طعام غير ما راج من رقاق هنيء ... مع هام على عداد الهام تلك كالماء ذي الحباب وهاتى ... ك عليها كمثل طير سام يمتطين الخوان أرؤس خرفا ... ن وينزلن عنه بيض نعام «1309» - وقال ابن الرومي يصف العنب: [من الرجز] ورازقيّ مخطف الخصور ... كأنه مخازن البلّور قد ضمّنت مسكا إلى الشطور ... وفي الأعالي ماء ورد جوري لم يبق منه وهج الحرور ... الا ضياء في ظروف نور له مذاق العسل المشور ... وبرد مسّ الخصر المقرور ونفحة المسك مع الكافور ... ورقّة الماء على النحور لو أنه يبقى على الدهور ... قرّط آذان الحسان الحور «1310» - وقال السريّ الرفاء ينعت حملا مشويّا: [من الرجز] أنعته معصفر البردين ... أبيض قاني حمرة الجنبين خلّف شهرين على الخلفين ... ثم رعى بعدهما شهرين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 فجسمه شبران في شبرين ... يا حسنه وهو صريع الحين بين ذراعين مفصّلين ... كسارق حدّ من اليدين وطرف يستوقف الطّرفين ... كمثل مرآة من اللجين مذهبة المقبض والوجهين ... بكفّ شاو عطر الكفين شقّ حشاه عن شقيقتين ... أختين في القدّ شبيهتين كما قرنت بين كمأتين ... أو كرتي مسك لطيفتين 1311- وقال الأعرج الخثعمي: [من الرجز] طاب له مأكله ومشربه ... حديقة فيها ثمار تعجبه يكثر فيها موزه ورطبه ... يلقاه منها حين يجنى أطيبه بعيد ما يجنيه منه أقربه 37- نعت القدور قد أكثر الناس في وصفها وإنما يكنون بذلك عن سعة القرى وكمال المروءة. «1312» - قال جحدر بن ربيعة العكلي: [من الطويل] وقدر كجوف الليل أنعمت غليها ... ترى الفيل فيها طافيا لم يفصّل على راسيات بينهنّ خصاصة ... ثلاث كأثباج النعامات مثّل ومن كلّ قوم يعرفون عيالها ... إذا الشول راحت كالحنيّ المعطل «1313» - وقال ابن أحمر: [من الطويل] ودهم تصاديها الولائد جلّة ... إذا جهلت أجوافها لم تحلّم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 ترى كلّ هرجاب لجوج لهمّة ... زفوف بشلو الناب هو جاء عيلم [1] لها لغط جنح الظلام كأنّه ... عجارف غيث رائح متهزّم [2] «1314» - وقال ربيع بن أصرم بن خارجة العنبري: [من الطويل] وسمحاء تستوفي الجزور نصبتها ... فجاءت كأجلاد الحصان المقيّد تفرغ في الشيزى الجماع كأنها ... إذا مدّت الأيدي شريعة مورد «1315» - وقال أبو ذؤيب: [من الطويل] وسود من الصيدان فيها مذائب ... نضار إذا لم يستفدها نعارها الصيدان: جمع صيداء وهي البرم، والمذانب: المغارف واحدتها مذنبة، والنضار: الاثل. لهنّ نشيج بالنّشيل كأنّها ... ضرائر حرميّ تفاحش غارها [3] إذا استعجلت بعد الهدوّ [4] ترازمت ... كهزم الظّؤار جرّ عنها حوارها الظؤار: جمع ظئر، وهي العاطفة على الفصيل. ورزمة الناقة: صوتها، يقال: أرزمت إرزاما: اذا حنت.   [1] الهرجاب: الضخم؛ لهمة: واسعة تلتهم ما تجد؛ زفوف: يكاد شلو الناب لا يظهر فيها لسعتها؛ عيلم: كثيرة الاستيعاب. [2] عجارف غيث: غيث مختلط الأصوات؛ متهزم: متدفق. [3] النشيل: ما انتشل من القدر؛ حرمي: من أهل الحرم؛ غارها: غيرتها. [4] هامش ر والديوان: الخبوّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 «1316» - وقال الفرزدق: [من الطويل] وقد علم الجيران أن قدورنا ... ضوامن للأرزاق والريح زفزف نرى حولهنّ المعتفين كأنهم ... على صنم في الجاهليّة عكّف «1317» - وقال: [من الطويل] بعثت له دهماء ليست بلقحة ... تدرّ إذا ما هبّ نحسا عقيمها كأن المجال الغرّ في حجراتها ... عذارى بدت لما أصيب حميمها مخصّرة لا يجعل الستر دونها ... اذا المرضع الهوجاء جال بريمها «1318» - وقال معن بن أوس: [من الطويل] إذا ما امتطاها الموقدون [1] رأيتها ... لوشك قراها وهي بالجزل تشعل سمعت لها لغطا إذا ما تغطمطت ... كهدر الجمال رزّما وهي تجفل «1319» - وقال أمية بن أبي الصلت: [من الكامل المجزوء] وقدوره بفنائه ... للضيف مترعة زواخر وكأنهن بما شجي ... ن وما حمين به ضرائر زبد وقرقرة كقر ... قرة الفحول إذا تخاطر يقال: خطر البعير بذنبه خطرا وخطرانا.   [1] الديوان: انتحاها المرملون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 «1320» - وقال النابغة الذبياني: [من الطويل] له بفناء البيت سوداء ضخمة ... تلقّم أوصال الجزور العراعر بقية قدر من قدور تورّثت ... لآل الجلاح كابرا بعد كابر يظل الإماء يبتدرن قديحها ... كما ابتدرت كلب مياه قراقر «1321» - وقال مسكين الدارمي: [من الوافر] كأنّ قدور قومي كلّ يوم ... قباب الترك ملبسة الجلال كأن الموقدين بها جمال ... طلاها الزفت والقطران طال بأيديهم مغارف من حديد ... أشبهها مقيّرة الدوالي «1322» - وقال ابن المعتز: [من الرجز] والسيف راعي ابلي في المحل ... سلّمها إلى قدور تغلي مثل الليالي سامحت بهطل ... ترقل فيها بالوقود الجزل إرقالها في السير تحت الرحل «1323» - وقال ابن حيان المغربي: [من الطويل] كأن الأثافي حول كلّ معرّس ... نزلناه غربان على الأرض جثّم 38- نعت الملاهي «1324» - قال الحمدوني في العود: [من البسيط] وناطق بلسان لا ضمير له ... كأنه فخذ نيطت إلى قدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 يبدي ضمير سواه في الحديث كما ... يبدي ضمير سواه الخطّ بالقلم «1325» - وقال السري الرفاء يصف الطبل: [من الكامل المجزوء] ومقيّد الطرفين يض ... رب عند تضييق القيود ولقد يلطّم خده ... في حال ترفيه الخدود وكأنما زأراته ... يحسبن زأرات الأسود انظر إليه مع المدا ... م ترى بروقا في رعود 1326- وقال آخر في راقص: [من الوافر] إذا اختلس الخطى واهتزّ لينا ... رأيت لرقصه سحرا مبينا يمسّ الأرض من قدميه وهم ... كرجع الطرف يخفى أن يبينا ترى الحركات منه بلا سكون ... فتحسبها لخفّتها سكونا كسير الشمس ليس بمستقر ... وليس بممكن أن يستبينا 39- نعت الشواذ التي يقلّ اهتمام الواصفين بها ويبعد تكررها. «1327» - في وصف دعوة مظلوم: [من الطويل] وسارية لم تسر بالليل تبتغي ... محلّا ولم يقصر لها القيد مانع تحلّ وراء الليل والليل ضارب ... بجثمانه فيه سمير وهاجع إذا وردت لم يردد الله وفدها ... على أهلها والله راء وسامع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 تفتح أبواب السماوات دونها ... إذا قرع الأبواب منهنّ قارع وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميع الظنّ ما الله صانع 1328- ذكرت العمائم عند أبي الأسود الدؤلي فقال: هي جنّة في الحرب، ومكنّة من الحر، ومدفأة من القر، ووقار في النديّ، وواقية من الأحداث، وزيادة في القامة، وهي بعد عادة من عادات العرب. 1329- وقال آخر يصف الحبس: [من المتقارب] نزلت بأحصنها منزلا ... ثقيلا على عنق السالك ولست بضيف ولا في كرى ... ولا مستعير ولا مالك وليس بغصب ولا كالرهون ... ولا شبه الوقف [1] عن هالك ولي مسمعان فأدناهما ... يغّني ويسلك في الحالك وأقصاهما ناظر في السما ... ء عمدا وأوسخ من عارك 1330- وروي عن يوسف عليه السلام أنه كتب على باب السجن: هذه منازل البلوى، وقبور الأحياء، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء. 1331- وقال آخر: [من الرجز] قد أشهد اللهو بفتيان غرر ... على جياد كتماثيل الصّور كأنما خيطوا عليها بالإبر ... أو سمّر الفارس فيها فانسمر «1332» - وقال آخر في مريض: [من الكامل] أمسى يجود بنفسه وكأنه ... قمر تغشّاه الدجى بكسوف   [1] ر: يشبه الوقف. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 ومشى البلى في جسمه فكأنه ... ورد قطيف مؤذن بجفوف «1333» - وقال الصابىء في عتيدة الطيب: [من الكامل] وعتيدة للطيب إن تستدعها ... تبعث إليك أمامها ببشيرها يلقاك قبل عيانها أرج لها ... فكأنه مستأذن لحضورها لا عيب فيها غير أنّ نسيمها ... مثل اللسان يشيع سرّ ضميرها «1334» - وقال تميم بن أبي بن مقبل يصف القدح: [من الطويل] غدا وهو مجدول فراح كأنّه ... من الصكّ والتقليب في الكفّ أفطح خروج من الغمّى إذا صكّ صكة ... بدا والعيون المستكفّة تلمح مفدّى مؤدّى باليدين ملعّن ... خليع لجام فائز متمنح خليع لجام: مثل يريد القمار، والخليع: الذي خلعه أهله وتبرؤوا من جريرته ..... أي مستدير جوفه. إذا امتنحته من معدّ عصابة ... غدا ربّه قبل المفيضين يقدح 1335- وقال آخر يذكر ماء في العين: [من الطويل] يقولون ماء طيّب خان عينه ... وما ماء عين خان عينا بطيّب ولكنه أزمان أنظر طيبا ... بعيني قطاميّ علا فوق مرقب كأن ابن حجل [1] مدّ فضل جناحه ... عليّ بانسانيهما المتغيّب   [1] الحجل: اليعسوب العظيم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 1336- وقال آخر في الحول: [من الطويل] حمدت إلهي إذ بلاني بحبها ... على حول يغني عن النظر الشّزر نظرت إليها والرقيب يظنني ... نظرت إليه فاسترحت من العذر 1337- وقال آخر فيه: [من الطويل] ونجمين في برجين هاد وجائر ... إذا طلعا حلّ الكسوف بواحد لهذا على التقدير قوة زهرة ... وفي ذا على التشبيه طرف عطارد إذا أفل الهادي ووافاه برجه ... تراءى لنا المكسوف في زيّ قاصد من الأنجم اللائي جرت في بروجها ... ولم تدر ما معنى نجوم الفراقد 1338- وقال أبو نواس في أعور: [من الرمل] أعور المقلة من تحت دعج ... لو عداه عور العين سمج تحسب النكتة في ناظره ... درة بيضاء في فصّ سبج 1339- وقال آخر يصف طيب يومه: [من الرمل المجزوء] أنت والله من الأي ... يام لدن الطرفين كلما قلّبت عيني ... ي ففي قرّة عين 1340- وقال آخر يذكر الدواليب: [من الكامل المرفل] بكرت تحنّ وما بها وجدي ... وأحنّ من وجد إلى نجد فدموعها تحيا الرياض بها ... ودموع عيني أقرحت خدي «1341» - وقال الطرماح يصف الخوف: [من الطويل] كأنّ بلاد الله وهي عريضة ... على الخائف المذعور كفّة حابل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 تؤدي إليه أنّ كلّ ثنيّة ... تيممها ترمي إليه بقاتل «1342» - وقال الفرزدق: [من الطويل] وخافوك حتى القوم تنزو قلوبهم ... كنزو القطا ضمّت عليه الحبائل «1343» - وقال الطرماح: [من الطويل] وقد زادني حبّا لنفسي أنني ... بغيض إلى كلّ امرىء غير طائل إذا ما رآني قطّع الطرف بينه ... ويبني فعل العارف المتجاهل ملأت عليه الأرض حتى كأنها ... من الضيق في عينيه كفّة حابل «1344» - وقال آخر في محجمة: [من المتقارب] وخضراء لا من بنات الهدير ... يلفّف بالسيف منقارها كأن مشقّ عيون القطا ... إذا هنّ هوّمن آثارها «1345» - وقال خلف بن خليفة في حجام: [من المتقارب] وكان سلاحك في جونة ... تعلّق في سيرها ودعه سلاح امرىء يدع الآدميّ ... كأنّ ورا أذنه هقعه 1346- وقال ابن نصر الكاتب في سمستجه: وأنا أتنجز سؤدده، أباها طويلة كفضله، عريضة كطوله، نقية كعرضه، دقيقة كفكره، رقيقة كلفظه، مفوفة كخطّه، مشوفة من شرطه، قد زانها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 باستعماله، وصانها بابتذاله، فتعطّرت بذكاء أنامله، وقطرت من ماء محاسنه، تذكر مواقع منحته، وتحرك بشكر منّته. 1347- ولمحدث فيها: [من الكامل] يا ربّ مسعدة حليف صبابة ... وكآبة لعب الغرام بلبّه محمولة إمّا كواكف عبرة ... من عينه أو روعة من قلبه «1348» - وقال آخر: [من الرمل المجزوء] يا ابن من يكتب في الأر ... قاب من غير دواة لم يكن يكتب فيها ... غير خطّ الألفات «1349» - وقال الطائي يصف رداء خلعه عليه الحسن بن وهب: [من الخفيف] كالسراب الرقراق في النعت إلا ... أنه ليس مثله في الخداع وتراه تسترجف الريح متني ... هـ بأمر من الهبوب مطاع رجفانا كأنه الدهر منه ... كبد الصبّ أو حشا المرتاع 1350- وقال كشاجم في البطيخ: [من الرجز] وزائر زار وقد تعطّرا ... أسرّ شهدا وأذاع عنبرا ملتحفا للحرّ ثوبا أصفرا ... معمدا من الحرير أخضرا يظنه الناظر إن تبصّرا ... دبّ الدبا في متنه فأثرا 135» - وقال ابن الجهم: [من المتقارب] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 وفوارة ثارها في السماء ... فليست تقصّر عن ثارها تردّ على المزن ما أنزلت ... على الأرض من صوب أمطارها 1352- وقال كشاجم: [من الخفيف] طلعة غضّة أتتنا تحاكي ... سفطا فيه لؤلؤ منظوم ما جواد من جاد بالمال لكن ... ن المواسي هو الجواد الكريم 1353- وقال آخر في الرمان: [من الوافر] ورمّان رقيق القشر يحكي ... ثديّ الغيد في أثواب لاذ إذا قشّرته طلعت علينا ... نجوم [1] من عقيق او بجاذي 1354- وقال أبو الحسن الجهرمي في المشمش: [من الرجز] وهاجر دهرا يزور شهرا ... زان وطاب مخبرا وخبرا مثل الجساد صبغة ونشرا ... خالف ما أعلن ما أسرّا جسما حلا يضمّ قلبا مرا ... كما تضمّ الصّدفات الدرا يكاد في الأيدي يذوب قطرا 1355- ولكشاجم في كيزان الفقّاع: [من الرجز] دواء داء الثمل المخمور ... رشف شراب شبم مقرور رقّ كدمع العاشق المهجور ... في قعر كيزان من الصخور يدفع قضبانا من البلّور ... في نفس مثل جنى الكافور   [1] ر: قصوص. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 النوادر من هذا الباب «1356» - قال الحمدوني: [من الخفيف] ما أرى إن ذبحت شاة سعيد ... حاصلا في يديّ غير الإهاب ليس إلا عظامها لو تراها ... قلت هذي أرازن في جراب «1357» - وقال آخر: [من الطويل] فإن تمنعوا منا السلاح فعندنا ... سلاح لنا لا يشترى بالدراهم جلاميد أمثال الاكفّ كأنها ... رؤوس رجال حلّقت في المواسم «1358» - وقال أبو عليّ البصير يذكر بيتا: [من الوافر] وليلة عارض لا نوم فيها ... أرقت بها إلى الصبح الفتيق تفيض عيون جيرتنا علينا ... إذا نظروا الى الغيم الرقيق تواصلت السحائب وهو بيت ... وأجلت وهو قارعة الطريق 1359- وقال ابن الحجاج في مثله: [من الخفيف] جوف بيت لم تبق منه الليالي ... غير رسم رثّ المعالم فاني منزل ما تقوم جدرانه الرث ... ثة إلا بقدرة الرحمن تتثنّى حيطانه من هبوب الر ... ريح فيه تثنّي الأغصان وإذا دبّ عنكبوت على السط ... ح تداعت جوانب الحيطان «1360» - وقال ابن سكرة يصف فرسا: [من المنسرح] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 تعطيك مجهودها فراهتها ... في السير والحضر عندها وتد «1361» - وقال ابن الرومي يصف خادما: [من الخفيف] نمشة فوق صفرة فتراه ... كونيم الذباب في اللفّاح «1362» - وقال آخر: [من الخفيف] وهو مستهتر ببرشاء نمشا ... ء كحبّ الشونيز في الشيراز «1363» - وقال ابن الرومي: [من الخفيف] ولها كعثب كظلف غزال ... فيه صدع كأنما هو خدش 1364- وقال المصيصي وذكر دينارا أعطاه ممدوح: [من السريع] قد لعب السّقم بجثمانه ... فهو خيال واقف النّفس كأنه في الكفّ من خفة ... مقداره من صفرة الشمس «1365» - وقال ابن الرومي: [من المنسرح] رأيك في جبّة مخرّقة ... أطول اعمار مثلها يوم وطيلسان كالآل تلبسه ... على قميص كأنه غيم 1366- وقال ابن الحجاج: [من الرمل المجزوء] قال لي الغسال لما ... جئته قولا صحيحا مر حبيبي أنا لا أغ ... سل بالصابون ريحا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 «1367» - وللحمدوني في طيلسانه أوصاف مطبوعة فضل فيها غيره، وجعله دأبه كما انفرد راشد الكاتب بصفة عوده؛ فمن ذلك قوله: [من السريع] إن ابن حرب جاد لي كاسيا ... بطيلسان هرم قشعم انظر إلى كثرة تمزيقه ... كأنه مزّق في مأتم يصدعه اللحظ بإيماضه ... صدع فؤاد العاشق المغرم تذكرني كثرة تمزيقه ... تفرّق الناس عن الموسم «1368» - وقال أيضا: [من السريع] وطيلسان إن توهّمته ... قددته بالطول والعرض كأن إشفاقي عليه إذا ... عدوت إشفاقي على عرضي لو أنه بعض بني آدم ... كان أسير الله في الأرض 1369- وقال أيضا: [من السريع] كأنني من طول رفقي [1] به ... يملكني مذ صار في ملكي «1370» - وقال أيضا: [من السريع] كأنّ كفيّ إذا ضمّتا ... عليه خوف الريح في غلّ «1371» - وقال: [من الخفيف] يا ابن حرب أطلت فقري برفوي ... طيلسانا قد كنت عنه غنيا   [1] ر: رفوي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 فهو في الرفو آل فرعون في العر ... ض على النار غدوة وعشيا 1372- وقال: [من الخفيف] كم رفوناه إذ تمزّق حتى ... بقي الرفو وانقضى الطيلسان 1373- وقال: [من الكامل] فيما كسانيه ابن حرب معتبر ... فانظر إليه فإنه إحدى الكبر قد كان أبيض ثم ما زلنا به ... نرفوه حتى اسودّ من صدأ الإبر 1374- وقال: [من الطويل] شكا ثقل اسم الطيلسان لضعفه ... فسميته ساجا فهل ذاك نافعي «1375» - وقال ابن الرومي: [من الرجز] كأن وقع الأعجر المتين ... في طيز ذات الكفل الرزين صوت يد العجّان في العجين ... تواضعت لا للتقى والدين تحت فتى من قلبها مكين ... تواضع البطّة للشاهين «1376» - وقال آخر: [من الرجز] أنعت عيرا هو أير كلّه ... حافره ورأسه وظلّه أنعظ حتى طار عنه جلّه ... كأن حمّى خيبر تملّه إدخاله عام وعام سلّه «1377» - وقال آخر: [من الرجز] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 انعت أيرا من أيور الزطّ ... كأنما قطّ على مقطّ كأنه صلعة شيخ ثطّ «1378» - وقال راشد الكاتب: [من الطويل] ينام على كفّ الفتاة وتارة ... له حركات ما تحسّ بها الكفّ كما يرفع الفرخ ابن يومين رأسه ... إلى أبويه ثم يدركه الضعف تطوّق فوق الخصيتين كأنه ... رشاء على ظهر الركية ملتفّ «1379» - وقال: [من السريع] أير ضعيف المتن رخو القوى ... لو شئت أن تعقده لانعقد إن يمس كالبقلة في لينها ... فطالما أصبح مثل الوتد «1380» - وقال: [من المتقارب] وقد كنت تملأ كفّ الفتاة ... فأصبحت تدخل في الخاتم «1381» - وقال: [من البسيط] كأنه وهو مقع فوق خصيته ... مسافر تحته خرجان من أدم «1382» - وقال: [من البسيط] أير تعقّف واسترخت مفاصله ... مثل العجوز حناها شدة الكبر تراه حين يريد البول منحنيا ... كأنه قوس ندّاف بلا وتر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 1383- وقال: [من البسيط] كأنه ويد الحسناء تلمسه ... سير الإداوة لما مسّه البلل 1384- وقال: [من المنسرح] : كأن أيري من لين مقبضه ... خريطة قد خلت من الكتب كأنه حيّة مطوقة ... قد جعلت رأسها على الذنب «1385» - وقال آخر: [من الكامل] ولقد غدوت بمشرف يافوخه ... عسر المكرّة ماؤه يتدفّق أرن يسيل من النشاط لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتمزق 1386- وقال ابن المعتز: [من الطويل] ألا ربما أنعظت حتى أخاله ... سينقدّ او ينعطّ أو يتمزّق فأغمده حتى إذا قلت قد ونى ... أبى وتمطّى جامحا يتمطق «1387» - وقال بشار: [من الكامل] وتراه بعد ثلاث عشرة قائما ... مثل المؤذن شكّ يوم سحاب «1388» - وقال أيضا يصف فرج المرأة وقيل فرج الرجل: [من البسيط] وصاحب مطرق من طول صحبته ... لا ينفع الدهر إلا وهو محموم تأتيك في شدة الحمّى منافعه ... فإن أفاق بدا في وجهه اللّوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 «1389» - وقال الفرزدق: [من الوافر] فبتن بجانبيّ مصرّعات ... وبتّ أفضّ أغلاق الختام كأن مفالق الرمان فيه ... وجمر غضا قعدن عليه حامي «1390» - وقال: [من الرجز] يا رب خود من بنات الزنج ... تمشي بتنّور شديد الوهج أخثم مثل القدح الخلنج 1391- وقال أيضا: [من البسيط] ثم اتقتني بجهم لا سلاح له ... كمنخر الثور محبوسا على البقر كأنه وجه تركيين قد غضبا ... مستهدف لطعان غير منجحر 1392- وقال رجل من بني دارم: [من المتقارب] وأنت رويبة قد تعلمين ... فضلت النساء بضيق وحرّ ويعجبني منك عند النكاح ... حياة الكلام وموت النظر فقال له الفرزدق: يا هذا لقد دللت فاحترس. «1393» - وقال أبو النجم: [من الرجز] كأن تحت درعها المنعطّ ... وقد بدا منها الذي تغطي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 شطا رميت فوقه بشطّ ... كهامة الشيخ اليماني الثط لم ينز في البطن ولم ينحطّ ... رابي المجسّ حسن المحطّ كأنه قطّ على مقط ... فيه شفاء من أذى التمطي الشط: شط السّنام، وكل سنام له شطان، وناقة شطوطى: عظيمة السنام. «1394» - وكان الناس يقدمون قول النابغة: [من الكامل] وإذا لمست لمست أخثم جاثما ... متحيّزا بمكانه ملء اليد وهي أبيات قد تقدم ذكرها- على جميع ما قيل في معناه حتى قال بشار في ذلك: [من السريع] عجزاء من سرّ بني مالك ... لها حر من بطنها أرفع زيّن أعلاه باشرافه ... وانضمّ من أسفله المشرع وما أنصف من عاد عن تقديم أبيات النابغة، فلو لم يكن منها إلا قوله «متحيزا بمكانه» لكفاه فصاحة وحلاوة، ولكن الناس مولعون بالمحدث، ولكلّ جديد لذّة. 1395- وقال أعرابي: [من الرجز] جاءت عروسا تفضل العرائسا ... شكلا وألفاظا ودلّا خالسا ومركبا مثل الأمير جالسا ... جهم المحيا ينفج الملابسا يدخل مبلولا ويبدو يابسا ... لا يفضل الاول منه السادسا «1396» - وقال آخر [1] : [من الرجز]   [1] ر: أنشده المبرد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 فكشفت عن أبيض حبكّ ... كأنه قعب نضار مكّي أو جبنة من جبن بعلبك ... تسمع فيه الدلك بعد الدلك مثل صرير القتب المنفكّ ... أو حكّ صفّار شديد الحكّ «1397» - وقال سحيم: [من الرجز] أبصرتها تميل كالوسنان ... من الظباء الخرّد الحسان تمشي بمثل القدح الجيشاني «1398» - وقال آخر: [من الرجز] يا ربّ خود من بنات الكرك ... تمشي بجهم مثل وجه التركي «1399» - وقال آخر: [من الرجز] فقربت رحبا خبيث المفلق ... متى ينكه نائك يبقبق بقبقة الجرّ بكف المستقي «1400» - وقال المعذل بن غيلان: [من الرجز] وركب كبيضة الأدحي ... كأنّ بيت الشّعر المطلي عليه شونيز على فرنيّ «1401» - وقال ابن الرومي في سوداء: [من المنسرح] لها حرّ تستعير وقدته ... من قلب صبّ وصدر ذي حنق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 كأنما حرّه لخابره ... ما أوقدت في حشاه من حرق يزداد ضيقا على المراس كما ... تزداد ضيقا انشوطة الوهق «1402» - ونظر سحيم إلى امراة تضحك منه وهو يمضي ليقتل فقال: [من الطويل] فإن تضحكي مني فيا ربّ ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرّج «1403» - وجاءت امرأة بزوجها إلى المغيرة تستعديه عليه وتذكر أنه عنّين، فقال الزوج: [من الكامل] الله يعلم يا مغيرة أنني ... قد دستها دوس الحصان المرسل وأخذتها أخذ المقصّب شاته ... عجلان يذبحها لقوم نزّل فقال المغيرة: إني لا أرى ذلك في شمائلك. «1404» - وقال المؤمل وذكر العجيزة: [من الخفيف المجزوء] من رأى مثل حبتي ... تشبه البدر إذ بدا تدخل اليوم ثم تد ... خل أردافها غدا «1405» - وقال ابن الرومي: [من الرجز] ولحية كذنب البرذون ... لو أنها كانت على فرعون لاحتاج أن يحملها بعون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 «1406» - وقال أيضا: [من الخفيف] إن تطل لحية عليك وتعرض ... فالمخالي معروفة للحمير علّق الله في عذاريك مخلا ... ة ولكنها بغير شعير لو رأى مثلها النبي لأجرى ... في لحى الناس سنّة التقصير 1407- وقال إسحاق بن خلف: [من البسيط] ما سرني أنني في طول داود ... وأنني علم في البأس والجود ماشيت داود فاستضحكت من عجب ... كأنني والد يمشي بمولود ما طول داود إلا طول لحيته ... يظلّ داود فيها غير موجود تكنه خصلة منها إذا نفحت ... ريح الشمال وجفّ الماء في العود «1408» - ركب يزيد بن مفرغ إلى جنب عباد بن زياد، وكان عباد عظيم اللحية كأنها جوالق فدخلت فيها الريح فنفشتها، فضحك ابن مفرغ وقال لرجل من لخم كان إلى جانبه: [من الوافر] الا ليت اللحى كانت حشيشا ... فنعلفها خيول المسلمينا 1409- دخل مخنث الحمام فرأى رجلا كبير الذكر كثير الشعر فقال: انظروا الحليفة في القطيفة. 1410- قدم الى أبي العيناء قدر كثيرة العظام فقال: هذه قدر أم قبر؟! «1411» - رأى رجل الهلال فاستحسنه فقال له الجماز: وما يستحسن منه؟! فو الله إن فيه لخصالا لو كانت إحداهن في الحمار لردّ بها، قال: وما هي؟ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 قال: إنه يدخل الروازن، ويمنع من الدبيب، ويدلّ على اللصوص، ويسخن الماء، ويحرق الكتان، ويورث الزكام، ويحلّ الدّين، ويزهم اللحم. 1412- قيل لأعرابي: ما صفة الأير عندكم؟ قال: عصبة ينفخ فيها الشيطان فلا ترد. 1413- سئل رقبة بن مصقلة عن مأدبة حضرها فقال: أتينا بخوان كأنه جوبة من الأرض، ورقاق كآذان الفيلة، وجرجير كآذان المعزى، ثم أتينا بساكنة ماء كأن ظهرها طائر قرطاسي، وبفالوذج رعديد كأن الزنبق والجاذيّ ينبعان منه ترى النقش من تحته. «1414» - أتى رجل مكفوف نخاسا فقال: الطلب لي حمارا ليس بالصغير المحتقر، ولا الكبير المشتهر، إن خلا الطريق تدفق، وإن كثر الزحام ترفّق، لا يصادم السواري، ولا يدخلني تحت البواري، إن أقللت علفه صبر، وإن أكثرت شكر، وإن ركبته هام، وإن ركبه غيري نام. فقال له النخاس: اصبر فإن مسخ الله القاضي حمارا قضيت حاجتك. «1415» - وقالت أم الورد بنت أوس العجلانية: [من الرجز] هن لعمّارة جهم منظره ... يروق عيني كلّ خرق يبصره ظلّت به لاهية تزعفره ... مثل السنام طار عنه وبره كأن حجاما شديدا أبهره ... يمصّ ماء ظهره ويحدره كأن رمانا يفت أحمره ... بعثره في جوفه مبعثره تمّ له منظره ومخبره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 1416- وقالت: [من الرجز] بيضاء من مصايد الشيطان ... لها هن مستهدف الأركان أقمر تطليه بزعفران ... أخثم يملا راحة الانسان بجبهة كالقدح الجيشاني ... كأن فيه فلق الرمان أو لهبا من لهب النيران ... رابي المجسّ مشرف المكان تراه عند الشمّ والتداني ... مبرطما برطمة الغضبان بشفة ليست على أسنان ... ادرد معشوق من الدردان يزلّ عنه الفعل في الطعان ... كما يزلّ طرف السنان عن ترس مخشيّ من الفرسان 1417- رأى عبادة دابة تحت مخارق يقرمط فقال: برذونك هذا يمشي على استحياء [1] . آخر باب الصفات والنعوت يتلوه باب الشيب وهو الباب الثامن والعشرون من كتاب التذكرة والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين [2] .   [1] جاء بعد هذا في احدى النسخ: على يد العبد الضعيف الفقير الى الله تعالى الراجي عفوه وغفرانه علي بن أبي طالب بن أبي عبد الله الحسيني الموسوي. تمّ المجلد الخامس من التذكرة الحمدونية في تاسع رجب المبارك من سنة تسع وأربعين وستمائة بمدينة دمشق المحروسة بمدرسة معين الدين، وهو يسأل من الله تعالى حسن الخاتمة له ولجميع المسلمين، آمين آمين ربّ العالمين. [2] وفي آخر ر: تمّ باب النعوت والصفات بحمد الله وعونه، ويتلوه إن شاء الله باب الشيب وحسبنا الله ونعم الوكيل. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 ملحق [قصيدة في تحريض اللخميين على قتال أسرى الغسانيين] [1] كانت حرب بين ملوك الشام وهم غسان، وملوك العراق وهم لخم، فظفر الغسانيون باللخميين وقتلوا منهم جماعة. ثم في آخر السنة التقوا في ذلك الموضع، وقد كان جمع اللخميون جمعا عظيما فظفروا بالغسانيين وأسروا منهم جماعة، وأراد ملكهم البقيا عليهم فقام إليه رجل من قومه، وكان قد قتل له أخ، يحرضه على قتلهم وقال: [من البسيط] ما كل يوم ينال المرء ما طلبا ... ولا يسوغه المقدار ما وهبا وأحزم الناس من إن نال فرصته ... لم يجعل السبب الموصول مقتضبا وأنصف الناس في كل المواطن من ... يسقي المعادين بالكأس الذي شربا وليس يظلمهم من راح يضربهم ... بحدّ سيف به من قبلهم ضربا والعفو إلا عن الاكفاء مكرمة ... من قال غير الذي قد قلته كذبا قتلت عمرا وتستبقي يزيد لقد ... رأيت رأيا يجر الويل والحربا لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها ... إن كنت شهما فألحق رأسها الذنبا هم جردوا السيف فاجعلهم له جزرا ... وأضرموا النار فاجعلهم لها حطبا واذكر لمنجاهم مثوى أبي كرب ... وجيش آل عدي عندهم حقبا أمست تضرب بالبلقاء هامته ... ونحن نستعمل اللذات والطربا أنم حقودا لنا فيهم مماطلة ... وما تنام اذا لم تنبه الغضبا   [1] انظر الفقرة رقم: 547 في ما تقدّم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 محتويات الكتاب الباب الثاني والعشرون في الهدايا 5 خطبة الباب 7 فصول الباب 8 الهدية في أقوال الرسول 8 مدح الهدية 9 كراهية الهدية ومنعها 9 اهداء المدح 10 رسالة لسعيد بن حميد في يوم نيروز 10 استهداء جارية 12 البحتري يهدي فرسا 13 اهداء اصطرلاب 13 اشعار في الاهداء والاستهداء 14 اهداء ملح وأشنان 16 رسالة للببغاء يستهدي دواة 16 رسالة لابن نصر يهدي أدوات الكتابة 18 ضروب من الاهداء والاستهداء 19 رسالة لابن نصر يستهدي مشروبا 20 أشعار في الهدايا 21 رسالة لأبي الخطاب الصابي في اهداء سكين 24 نوادر في الهدايا 26 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 مقدمات الباب الثالث والعشرين خطبة الباب 29 مقدمات الهجاء والذم 30 الفصل الأول: العتاب والاستزادة 31 أقوال وأشعار في العتاب 31 كتاب الوليد بن يزيد إلى عمه هشام يعاتبه 37 اشعار في العتاب 39 كتاب لمعاوية بن عبد الله بن جعفر يعاتب 45 عود إلى الشعر 45 معاتبات لإبراهيم بن العباس 50 نماذج من العتاب شعرا ونثرا 53 رسالة من ابن الزيات إلى إبراهيم بن العباس 59 شعر للمتنبي في العتاب 60 الفصل الثاني: التعريض 62 الفصل الثالث: في شكوى الزمان 67 نوادر من هذه الفصول الثلاثة 81 [بدء] الباب الثالث والعشرين في الهجاء والمذمّة 89 الهجاء مرهبة للكريم ومحلبة من اللئيم 92 المقصود من ذكر الهجاء 92 كم تمدح الناس وتذمهم 93 الزبرقان والحطيئة 93 من العبث بالهجو 95 ضدّ هذا العبث 95 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 العرب تتقي الهجاء 96 الهجاء يضع من النمرقة الوسطى 97 متوسطو الشرف في القبائل 99 من سلم من الهجاء بالخمول 100 أهجى بيت 102 شعر في الهجاء للأخطل وجرير 102 امرأة عروة وابن عمها 104 أشعار في الهجاء 105 أقوال نثرية في الذم 110 عود إلى الاشعار 110 أخبار للفرزدق 113 حكايات عن بعض الهجائين 114 عود إلى الشعر 117 قصة دعبل وأهاجيه 126 حظ أبي تمام والبحتري في الهجاء 145 أهاجي ابن الرومي 145 أشعار في الهجاء لغير ابن الرومي 154 وصف رجل بالعي 157 رجل يذكر امرأته 157 اشعار وأقوال نثرية في الهجاء 158 رسالة أبي العيناء إلى عيسى بن فرخانشاه 161 رسالة لابن سيابة 161 اقوال الاعراب في الذم 161 جرير والفرزدق يأتيان في لباس آبائهما 162 عود إلى إيراد أشعار الهجاء 163 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 ذم القصار 164 ذم النساء 165 مقطعات من أهاجي شعراء العصر 169 فصل في نوادر الهجاء والذم 170 الباب الرابع والعشرون في الاغراء والتحريض 179 خطبة الباب 181 خطبة مروان بن الحكم يوم الجمل 183 تحريض الزرقاء في صفين 185 كلام أم الخير البارقية يوم قتل عمار 186 تحريض النساء يوم ذي قار 189 عبد الملك وزفر وتحريض الأخطل 190 ابن الزبير ومعاوية والحسن 191 أشعار في الاغراء والتحريض 192 كيف كان سببا في قتل جعفر البرمكي 194 شظاظ يسرق ناقة لشيخ بصري 195 هدبة بن الخشرم يقدم للقتل 196 تزوج خالد بن يزيد نساء شريفات 196 سديف يحرض السفاح 198 بعض شيعة العباسيين يحرض على بني أمية 199 الوليد بن عقبة يحرض معاوية 200 لقيط وتحريضه لاياد 200 ابراهيم بن المهدي وعبد الملك الزيات 201 نوادر من الباب 203 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 الباب الخامس والعشرون في التقريع والتوبيخ 205 خطبة الباب 207 بعض ما في القرآن والحديث من التوبيخ 208 سميع يقرّع أهل اليمامة بعد ايقاع خالد بهم 209 علي يوبخ أهل العراق 210 الحسين بن علي يوبخ 211 اشعار في التوبيخ 212 عتبة بن أبي سفيان يقرع أهل مصر 213 رجل من تميم يردّ على تقريع شبيب 214 توقيع لعبد الله بن طاهر يقرع كاتبا 214 قطعتان في التوبيخ 214 الأعرابي وامرأته ودحية 215 عود إلى المقطعات الشعرية 216 نوادر من هذا الباب 218 عبد الله بن الزبير يقرع أهل مكة 218 الباب السادس والعشرون في الوعيد والتحذير 219 خطبة الباب 221 ما جاء من الوعيد والتحذير في القرآن 222 خطبة لعتبة في أهل مصر 223 أقوال نثرية في التحذير 223 قتيبة وسليمان بن عبد الملك 224 كتاب ابراهيم بن العباس إلى أهل حمص 224 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 مقطعات لابراهيم بن العباس 224 الفرزدق ومعاوية وميراث الحتات 225 خطبة عبد الملك بعد قتل مصعب 226 أبو علي البصير وابن الجهم 227 ابن الزبير ومعاوية 227 من كلام ابن نصير في التحذير 227 كتاب علي إلى أهل البصرة 229 كتاب الحجاج إلى بني عمرو بن حنظلة 229 داود بن علي يتوعد أهل المدينة 229 اربع مقطعات في التحذير 230 بدويان يتسابان 231 شريح حين وقع الطاعون بالكوفة 232 قولة أعرابي لوال 233 أشعار في التحذير 233 نوادر من هذا الباب 235 الباب السابع والعشرون في الأوصاف والنعوت 237 خطبة الباب 239 1- وصف الخيل 241 2- وصف البغال والحمير 254 3- صفات الابل 255 4- وصف الفيل 264 5- نعت الأسد 266 6- نعت وحش الفلاة وسباعها 269 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 7- نعت القنص وآلاته وأماكنه 273 رسالة للصابي في رمي البندق 278 رسالة للصابي في صفة متصيد 281 طرديات 282 8- نعت الطير 288 9- نعت أنواع من الحيوان (قنفذ- حرباء ... ) 291 10- نعت الحية 295 11- نعت الهوام والحشرات 298 12- نعت النساء جملة وتفصيلا 302 صفة جارية للصابي 307 صفة جارية أهداها المنذر إلى كسرى 309 12 ب- نعت لباسهن وزينتهن 316 13- نعت الغلمان 317 14- نعت السودان 319 15- نعت السماء والنجوم وما يتعلق بها 322 16- نعت الليل والصبح وما جاء في طوله وقصره 329 17- نعت السحاب والغيث وما كان منها 336 18- نعت الأرواح 346 19- نعت الخصب والمحل 348 20- نعت المياه والأنهار والغدران 350 21- وصف السفن 354 22- نعت الرياض والأزهار 355 23- نعت النخل والشجر 363 24- نعت الحرب والجيش 365 25- نعت السلاح والجن 372 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 26- نعت أنواع القتل والجراح 381 27- نعت المعاقل والأبنية 385 28- نعت الدار والرسوم 388 29- وصف الفلاة والآل 391 30- وصف السير والسرى 395 31- نعت البيان والمحاورة 398 32- نعت القوافي 402 33- وصف الكتاب والقلم وما يجانسهما 408 34- نعت النار والحر وما يتعلق بهما ويتبعهما 413 35- نعت البرد والصلاء 417 36- نعت الاكل والمأكول 419 37- نعت القدور 423 38- نعت الملاهي 426 39- نعت الشواذ (دعوة مظلوم- العمائم- الحبس ... ) 427 40- النوادر من هذا الباب 434 ملحق: قصيدة في تحريض اللخميين على قتل أسرى الغسانيين 447. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 الجزء السادس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله محيي الأموات، وجامع الرّفات، مقدّر الآجال، ومقرّب الآمال، خالق الموت والحياة ليبلو أحسن الأعمال، وجاعل الشّيب نذيرا بالزّوال، نقل الإنسان في عمره أطوارا، وجعل حالتيه من قوّة وضعف ذكرى له واعتبارا، فكان الشباب ليلا يغطي على جهله واستتارا، والشّيب نهارا يستضيء به «1» ووقارا. أحمده على ما أسبغ من إنعامه فغمر، وأسأله توفيق من عمّر فتذكّر، وأن يعفو عمّا جنته سكرات الصّبا وغرّاته، وجرّته حوادث الهوى ونزعاته، وأن ينبهنا لبوادر الشّيب وفجآته، ويوقظنا لنوازله وفجعاته، ويلهمنا استعدادا يقضي بحسن الخاتمة، ويفضي إلى كرم رحمته الواسعة، وصلواته على محمد سيّد البشر، المكرّم بالشّفاعة في المحشر، الذي سبقت بمبعثه النّذر والآيات، ودلّت عليه قبل وجوده المعجزات، وامتدّت الأعناق وهو في المهد لنبوّته، وبشّر شيبة الحمد أنه من ولده وذرّيّته، وعلى آله الأكرمين وصحابته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 الباب الثامن والعشرون باب الشيّب ويشتمل على خمسة فصول: 1- الفجيعة بالشيّب وحلوله. 2- والرضى به والتسلّي عن نزوله. 3- الخضاب. 4- أخبار المعمّرين. 5- النوادر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 الفصل الأول الفجيعة بالشيّب وحلوله [1]- يقال: إنّ أوّل من شاب إبراهيم الخليل عليه السلام ليتميّز به عن إسحاق فإنه كان شديد الشّبه به، فلما وخطه الشيّب قال: يا ربّ ما هذا؟! قال: هو الوقار، قال: يا ربّ زدني وقارا، ولم يكن أحد رأى الشيّب قبله. [2]- والشّيب رائد الموت، قال الله عزّ وجلّ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ (فاطر: 37) . جاء في التفسير: أنه الشيّب. [3]- وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: لو لم يوكل بابن آدم إلّا الصحة والسلامة لأوشك أن يردّاه إلى أرذل العمر. [4]- وقال صلّى الله عليه وسلّم: كفى بالسّلامة داء. [5]- وقال النمر بن تولب: [من الطويل] يسرّ الفتى طول السلامة جاهدا ... فكيف ترى طول السلامة يفعل [6]- ومثله لحميد بن ثور: [من الطويل]   [1] محاضرات الراغب 3: 323. [3] ربيع الأبرار 2: 611. [4] الجامع الصغير 2: 90. [5] التشبيهات: 217 والمعمرون: 80 وزهر الآداب: 223 والتمثيل والمحاضرة: 56 وبهجة المجالس 2: 237. [6] التشبيهات: 217 وزهر الآداب: 223 والشعر والشعراء: 13 وطبقات فحول الشعراء (حاشية: 677) ومصورة ابن عساكره: 341 وبهجة المجالس: 238 وديوان حميد بن ثور: 7. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصحّ وتسلما [7]- وقال عبد الرحمن بن سويد المرّي: [من الكامل] كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء ودعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحّني فإذا السلامة داء [8]- كعب بن زهير: [من البسيط] كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول [9]- بعض المعمّرين: [من الكامل] وإذا رأيت عجيبة فاصبر لها ... فالدهر قد يأتي بما هو أعجب ولقد أراني والأسود تخافني ... وأخافني من بعد ذاك الثعلب [10]- قال ابن عباس: ما آتى الله عبده علما إلا شابّا، والخير كلّه في الشباب، ثم تلا قوله تعالى: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (الأنبياء: 60) وقوله عزّ وجلّ: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (الكهف: 13) وقوله تعالى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (مريم: 12) . 11- وكان أنس يقول: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، فقيل له: يا أبا حمزة وقد أسنّ؟ فقال: لم يشنه الله تعالى بالشيّب، فقيل: أوشين هو؟ قال: كلّكم يكرهه. 12- قال بعض الزهّاد: الشيّب للجاهل نذير، وللعاقل بشير.   [7] عيون الأخبار 1: 201 (لعمرو بن قميئة) وديوانه: 77 والتشبيهات: 217 وزهر الآداب: 223 والفاضل: 70 (للنمر بن تولب) وبهجة المجالس: 238 (للبيد) وربيع الأبرار 2: 612. [8] ديوان كعب: 19. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 [13]- وقال آخر: الشيّب تبسّم المنايا. [14]- كان عيسى عليه السلام إذا مرّ على الشباب قال لهم: كم من زرع لم يدرك الحصاد، وإذا مرّ على الشيوخ قال: ما ينتظر بالزرع إذا أدرك إلا أن يحصد. [15]- وقال مسروق: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله. 16- أنس رفعه: من أتى عليه أربعون سنة ولم يغلب خيره شرّه فليتجهّز إلى النار. [17]- محمد بن علي بن الحسين عليهما السلام: إذا بلغ الرجل أربعين سنة نادى مناد من السماء: دنا الرحيل فاتخذ زادا. [18]- قال النخعي: كانوا يطلبون الدنيا فإذا بلغوا الأربعين طلبوا الآخرة. [19]- وقال الشّعبيّ: الشّيب علّة لا يعاد عنها، ومصيبة لا يعزّى عليها. [20]- وقال عمرو بن قميئة: [من الطويل] كأني وقد جاوزت تسعين حجّة ... خلعت بها عنّي عذار لجامي على الرّاحتين مرّة وعلى العصا ... أنوء ثلاثا بعدهنّ قيامي رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يرمى وليس برام فلو أنها نبل إذا لاتّقيتها ... ولكنّني أرمى بغير سهام إذا ما رآني الناس قالوا ألم يكن ... حديثا حديد الطرف غير كهام وأفنى وما أفني من الدهر ليلة ... ولم يغن ما أفنيت سلك نظام   [14] ربيع الأبرار 2: 449. [15] ربيع الأبرار 2: 423. [17] ربيع الأبرار 2: 425. [18] ربيع الأبرار 2: 425. [19] ربيع الأبرار 2: 441. [20] المعمرون: 113 وحماسة البحتري: 200- 201 والهفوات: 80 وأمالي المرتضى 1: 45 والمختار من شعر بشار: 279 وديوان عمرو: 38- 39 وهي من قصائد منتهى الطلب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 وأهلكني تأميل يوم وليلة وتأميل عام بعد ذاك وعام [21]- وأنشد الفرّاء: [من الوافر] حنتني حانيات الدهر حتى ... كأنّي حابل يدنو لصيد قصير الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيّدا أنّي بقيد [22]- الأخطل: [من البسيط] وقد لبست لهذا الدهر أعصره ... حتى تجلّل رأسي الشّيب واشتعلا فبان مني شبابي بعد لذّته ... كأنما كان ضيفا طارقا نزلا وبينما المرء مغبوط بعيشته «1» ... إذ خانه الدهر عما كان فانتقلا [23]- وقال أيضا: [من البسيط] أعرضن عن شمط في الرأس لاح به ... منهنّ منه إذا أبصرنني «2» حيد يا قلّ خير الغواني كيف رعن به ... فشربه وشل منهنّ تصريد قد كنّ يعهدن مني منظرا «3» حسنا ... ومفرقا حسرت عنه العناقيد إنّ الشباب لمحمود لذاذته «4» ... والشّيب منصرف عنه ومصدود   [21] أمالي القالي 1: 110 وديوان المعاني 2/161 ومحاضرات الراغب 3: 329 وحلية المحاضرة 1: 420 ومجموعة المعاني: 123 والتشبيهات: 218 وسترد في الفقرة (رقم: 113) منسوبة لأبي الطمحان القيني. [22] ديوان الأخطل: 142 وبهجة المجالس 2: 219 (بيتان) . [23] ديوان الأخطل: 146- 147. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 [24]- وقال بعض العرب، بل هي للتيمي: [من الطويل] إذا كانت السبعون سنّك لم يكن ... لدائك إلا أن تموت طبيب وإن امرءا قد عاش سبعين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم ... وخلّفت في قرن فأنت غريب [25]- رأى إياس بن قتادة العبشمي شيبة في لحيته فقال: أرى الموت يطلبني وأراني لا أفوته، أعوذ بك من فجآت الأمور، يا بني سعد قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبي، ولزم بيته، فقال أهله: تموت هزلا، قال: لأن أموت مهزولا مؤمنا أحبّ إليّ من أن أموت منافقا سمينا. [26]- وقال غسان خال الفرّار: [من الكامل] ابيضّ مني الرأس بعد سواد ... ودعا المشيب حليلتي لبعاد واستحصد القرن الذي أنا منهم ... وكفى بذاك علامة لحصاد [27]- وقال نافع بن لقيط الفقعسي: [من الكامل] فلئن بليت لقد عمرت كأنني ... غصن تثنّيه الرياح رطيب وكذاك حقّا من يعمّر يبله ... كرّ الزمان عليه والتقليب حتى يعود من البلى وكأنّه ... في الكفّ أفوق ناصل معصوب مرط القذاذ فليس فيه مصنع ... لا الريش ينفعه ولا التعقيب   [24] مختلف في نسبتها وقد استقصى تخريجها الدكتور المعيبد في حماسة الظرفاء؛ وأدرجت في ديوان الخوارج: 259- 261 وفيه تخريج كثير، وانظر ربيع الأبرار 2: 423 (ففيه بيتان منها) . [25] بهجة المجالس 2: 211 وربيع الأبرار 2: 440. [26] مجموعة المعاني: 123. [27] في الألفاظ «ابن ملقط» والأول والثاني من أبياته في التشبيهات: 214. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 [28]- وقال النابغة الجعدي: [من المتقارب] وما البغي إلا على أهله ... وما الناس إلا كهذي الشّجر ترى المرء في عنفوان الشّباب ... يهتزّ في بهجات خضر زمانا من الدهر ثم التوى ... وعاد إلى صفرة فانكسر 29- وقال آخر: [من الرجز] من عاش دهرا فسيأتيه الأجل ... والمرء توّاق إلى ما لم ينل والمرء يبلوه ويلهيه الأمل [30]- وقال لبيد: [من الطويل] وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع نظر ابن الرومي إلى المعنى فقال: [من الطويل] محار الفتى شيخوخة أو منيّة ... ومرجوع وهّاج المصابيح رمدد [31]- آخر: [من الطويل] لعمري لئن حلّئت عن منهل الصّبا ... لقد كنت ورّادا لمشربه العذب ليالي أغدو بين برديّ لاهيا ... أميس كغصن البانة الناعم الرطب سلام على سير القلاص مع الركب ... ووصل الغواني والمدامة والشرب سلام امرىء لم تبق منه بقيّة ... سوى نظر العينين أو شهوة القلب   [28] التشبيهات: 214 والمختار من شعر بشار: 335 واللسان (عسر) وديوان الجعدي: 219. [30] الشعر والشعراء: 151 وأمالي المرتضى 2: 107 والتشبيهات: 216 وديوانه: 169 وبيت ابن الرومي في التشبيهات: 216 وديوانه: 587. [31] أمالي المرتضى 1: 606 وربيع الأبرار 2: 462. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 [32]- ابن مقبل: [من البسيط] يا حرّ إن سواد الرأس خالطه ... شيب القذال اختلاط الصّفو بالكدر يا حرّ من يعتذر من أن يلمّ به ... ريب الزمان فإني غير معتذر [33]- وقال منصور النمري: [من البسيط] ما تنقضي حسرة مني ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع بان الشباب وفاتتني بشرّته ... صروف دهر وأيام لها خدع ما كنت أوفي شبابي كنه غرّته ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع أبكي شبابا رزيناه وكان ولا ... توفي بقيمته الدنيا ولا تسع ما واجه الشيب من عين وإن ومقت ... إلا لها نبوة عنه ومرتدع [34]- محمد بن خازم: [من البسيط] لا تكذبنّ فما الدنيا بأجمعها ... من الشباب بيوم واحد بدل كفاك بالشّيب ذنبا عند غايته ... وبالشباب شفيعا أيّها الرجل 35- وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: [من الطويل] ... إذا المرء قاسى الدهر وابيضّ رأسه وثلّم تثليم الإناء جوانبه ... فليس له في العيش خير وإن بكى على العيش أو رجّى الذي هو كاذبه   [32] التشبيهات: 219 وديوان ابن مقبل: 73 والأول في حلية المحاضرة 1: 415 وينسب الشعر إلى سلامة بن جندل أيضا. [] 33 حماسة ابن الشجري: 239 وبهجة المجالس 3: 218، 235 وأمالي المرتضى 1: 606 وديوان المعاني 2: 153 وحلية المحاضرة 1: 411 والزهرة 1: 451 وديوانه: 95- 97. [34] حماسة ابن الشجري: 239 وديوان المعاني 2: 152 وأمالي المرتضى 1: 606 والزهرة 1: 445. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 [36]- وقال أبو دلف العجلي: [من البسيط] في كلّ يوم أرى بيضاء قد طلعت ... كأنما نبتت في ناظر البصر لئن قصصتك بالمقراض عن بصري ... لما قصصتك عن همّي ولا فكري [37]- وقال يحيى بن خالد بن برمك: [من الكامل] [الليل شيّب والنهار كلاهما ... رأسي بكثرة ما تدور رحاهما] الشّيب إحدى الميتتين تقدّمت ... أولاهما وتأخّرت أخراهما [38]- أبو تمّام: [من الطويل] غدا الشّيب مختطّا بفوديّ خطة ... طريق الرّدى منها إلى النفس مهيع هو الزّور يجفى والمعاشر يجتوى ... وذو الإلف يقلى والجديد يرقّع له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفع ونحن نرجّيه على الكره والرّضى ... وأنف الفتى من وجهه وهو أجدع [39]- وقال: [من الخفيف] لو رأى الله أنّ في الشّيب فضلا ... جاورته الأبرار في الخلد شيبا [40]- وقال: [من الخفيف]   [36] عيون الأخبار 2: 325 ومعجم الشعراء: 216 وسمط اللآلي 1: 311 والزهرة 2: 70 وأمالي المرتضى 1: 608 ومحاضرات الراغب 2: 316 وشعراء عباسيون 2: 70. [37] أمالي المرتضى 1: 609 وربيع الأبرار 2: 411. [38] أمالي المرتضى 1: 609 وحماسة ابن الشجري: 241- 242 ونهاية الأرب 2: 25 (ثلاثة أبيات) ومجموعة المعاني: 125 وديوان أبي تمام 3: 324. [39] أمالي المرتضى 1: 610 والزهرة 1: 448 ومحاضرات الراغب 3: 324 وديوان أبي تمام 1: 168. [40] أمالي المرتضى 1: 612 والزهرة 1: 447 وزهر الآداب: 897 ومجموعة المعاني: 125 وديوانه 1: 360. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 شاب رأسي وما رأيت مشيب الر ... راس إلا من فضل شيب الفؤاد وكذاك القلوب في كلّ بؤس ... ونعيم طلائع الأجساد طال إنكاري البياض وإن عم ... مرت شيئا أنكرت لون السّواد [41]- البحتري: [من الطويل] وكنت أرجّي في الشباب شفاعة ... فكيف لباغي حاجة بشفيعه مشيب كبثّ السّرّ عيّ بحمله ... محدّثه أو ضاق صدر مذيعه تلا حق حتى كاد يأتي بطيئه ... بحثّ الليالي قبل أتي سريعه [42]- وقال: [من البسيط] جاوزت حدّ الشباب النّضر ملتفتا ... إلى بنات الصّبا يركضن في طلبي والشيب مهرب من جارى منيّته ... ولا نجاء له من ذلك الهرب والمرء لو كانت الشّعرى له وطنا ... صبّت عليه صروف الدهر من كثب [43]- وقال: [من الخفيف] خلّياه وجدّة اللهو ما دا ... م رداء الشباب غضّا جديدا إنّ أيامه من البيض بيض ... ما رأين المفارق السّود سودا [44]- ابن الرومي: [من الخفيف] لو يدوم الشباب مدّة عمري ... لم تدم لي بشاشة الأوطار كلّ شيء له تناه وحدّ ... كلّ شيء يجري إلى مقدار   [41] أمالي المرتضى 1: 618 والشهاب: 13 وديوان البحتري: 1279. [42] أمالي المرتضى 1: 619 والشهاب: 14 وديوانه: 119. [43] ديوان البحتري: 590. [44] مجموعة المعاني: 126 وديوان ابن الرومي 3: 1105. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 [45]- أبو العتاهية: [من الوافر] ألا يا موت لم أر منك بدّا ... أتيت فما تحيف ولا تحابي كأنك قد هجمت على مشيبي ... كما هجم المشيب على شبابي [46]- دخل أبو الأسود الدؤلي على عبيد الله بن زياد وقد أسنّ، فقال له عبيد الله يهزأ به: يا أبا الأسود إنك لجميل فلو علّقت تميمة، فقال أبو الأسود: [من البسيط] أفنى الشباب الذي أفنيت جدّته ... كرّ الجديدين من آت ومنطلق لم يتركا لي في طول اختلافهما ... شيئا أخاف عليه لذعة الحدق 47- قيل لشيخ: ما صنع الدهر بك؟ فقال: فقدت المطعم وكان المنعم، وأجمت النساء وكنّ الشفاء، فنومي سبات، وسمعي خفات، وعقلي تارات. [48]- وسئل آخر فقال: ضعضع قناتي، وأوهن شهواتي، وجرأ عليّ عداتي. [49]- ابن الرومي: [من الطويل] كفى بسراج الشّيب في الرأس هاديا ... إلى من أضلّته المنايا لياليا أمن بعد إبداء المشيب مقاتلي ... لرامي المنايا تحسبيني ناجيا وكان كرامي الليل يرمي ولا يرى ... فلما أضاء الشّيب شخصي رمانيا   [45] ديوان أبي العتاهية: 28. [46] نور القبس: 10 والفاضل: 72 والإمتاع والمؤانسة 3: 177 وأمالي المرتضى 1: 293 وديوان أبي الأسود: 161. [48] محاضرات الراغب 3: 329. [49] أمالي المرتضى 1: 627 وديوان ابن الرومي 6: 2645. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 [50]- عبد العزيز الطارقي المغربي: [من الطويل] سقى الله أيام الصّبا كلّ ريّق ... إذا جادها صوب البشاشة أرزما فلا زال يرتاد الزّمان لرجعها ... رقيب متى غمّت عن اللحظ رجّما فما هي إلا بهجة العيش قوّضت ... هناك وإلا نور عيني أظلما [51]- ضرار بن عمرو، وتروى للعتبي: [من البسيط] من عاش أخلقت الأيام جدّته ... وخانه الثقتان السمع والبصر قالت عهدتك مجنونا فقلت لها ... إن الشباب جنون برؤه الكبر [52]- المخارق اليشكري: [من الطويل] وكنت أباهي الرائحين بلمّتي ... فأصبح باقي نبتها قد تقصّبا فقد ذهبت إلا شكيرا كأنه ... على ناهض لم يبرح العشّ أزغبا [53]- أبو حيّة النميري: [من الوافر] ترحّل بالشباب الشّيب عنّا ... فليت الشّيب كان به الرحيل وقد كان الشباب لنا خليلا ... فقد قضّى مآربه الخليل لعمر أبي الشباب لقد تولّى ... حميدا ما يراد به بديل إذ الأيام مقبلة علينا ... وظلّ أراكة الدنيا ظليل [54]- ابن الرومي: [من الطويل] أعر طرفك المرآة فانظر فإن نبا ... بعينيك عنك الشّيب فالبيض أعذر   [51] مجموعة المعاني: 124. [52] مجموعة المعاني: 124 وربيع الأبرار 1: 847. [53] أمالي المرتضى 1: 605 وحماسة ابن الشجري: 239 وربيع الأبرار 2: 434. [54] أمالي المرتضى 1: 620 وزهر الآداب: 895. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 إذا شنئت وجه الفتى عين نفسه ... فعين سواه بالشناءة أجدر [55]- وقال العتبي: [من الطويل] رأين الغواني الشّيب لاح بمفرقي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر وكنّ إذا أبصرنني أو سمعن بي ... سعين فرقّعن الكوى بالمحاجر فصرن إذا أبصرنني أو سمعنني ... نهضن فرقّعن الكوى بالمعاجر [56]- الحماني: [من الوافر] لعمرك للمشيب أشدّ مما ... فقدت من الشباب أشدّ فوتا تملّيت الشباب فصار شيبا ... وأبليت المشيب فصار موتا [57]- أبو العتاهية: [من الوافر] عريت من الشباب وكان غضّا ... كما يعرى من الورق القضيب فيا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب [58]- الحماني: [من الكامل المجزوء] واها لمنزلة وطيب ... بين الأجارع والكثيب واها لأيام الشبا ... ب وعيشه الغضّ الرطيب واها لأيام الشبا ... ب بعدن عن عهد قريب أيام كنت من الغوا ... ني في السواد من القلوب   [55] حلية المحاضرة 1: 420 وربيع الأبرار 2: 139 (الأول والثاني) وكذلك نهاية الأرب 4: 28 ونسبا لمحمد بن أمية. [56] ديوان المعاني 2: 158 وربيع الأبرار 2: 442 وحلية المحاضرة 1: 417. [57] ديوان المعاني 2: 155 وربيع الأبرار 2: 456 ونهاية الأرب 4: 26 وديوان أبي العتاهية: 32. [58] ربيع الأبرار 2: 469 (أربعة أبيات) وديوان المعاني 2: 154 (الرابع والخامس) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 لو يستطعن خبأنني ... بين المخانق والجيوب [59]- مزرّد: [الطويل] فلا مرحبا بالشّيب من وفد زائر ... متى يأت لا تحجب عليه المداخل وسقيا لريعان الشباب فإنه ... أخو ثقة في الدهر إذ أنا جاهل [60]- أبو نواس: [الكامل المرفل] كان الشباب مطيّة الجهل ... ومحسّن الضّحكات والهزل كان الجميل إذا ارتديت به ... ومشيت أخطر صيّت النعل كان الفصيح إذا نطقت به ... وأصاخت الآذان للمملي كان المشفّع في مآربه ... عند الفتاة ومدرك التّبل والباعثي والناس قد رقدوا ... حتى أبيت خليفة البعل والآمري حتى إذا عزفت ... نفسي أعان يديّ بالبخل «1» فالآن صرت إلى مقاربة ... وحططت عن ظهر الصبا رحلي   [59] هما من المفضلية السابعة عشرة، وانظر مجموعة المعاني: 124 وديوان مزرد: 33. [60] أمالي المرتضى 1: 607 وديوان أبي نواس: 191- 192. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 الفصل الثاني الرضى بالشّيب والتسلّي عن جدّته [61]- جاء في الأثر أنّ الشّيب وقار، ومنه قول الشاعر: [من الخفيف] لا يرعك المشيب يا ابنة عبد ال ... لّه فالشّيب حلية ووقار إنّما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار [62]- وقال طريح بن إسماعيل الثقفي: [من الكامل] والشّيب للحكماء من سفه الصّبا ... بدل تكون له الفضيلة مقنع والشّيب غاية من تأخّر حينه ... لا يستطيع دفاعه من يجزع إنّ الشّباب له لذاذة جدّة ... والشّيب منه في المغبّة أنفع لا يبعد الله الشباب ومرحبا ... بالشّيب حين أرى إليه المرجع [63]- وقال بشّار، ويروى لمسلم: [من البسيط] الشيب كره وكره أن يفارقني ... أعجب بشيء على البغضاء مودود   [61] ديوان المعاني 2: 156 لأبي عبد الله الأسباطي، وكذلك في نهاية الأرب 2: 24 وانظر: أمالي القالي 1: 112 وحلية المحاضرة 1: 419 وبهجة المجالس 2: 209 وأمالي المرتضى 1: 602 والشهاب: 26 والأول في ربيع الأبرار 2: 446. [62] أمالي المرتضى 1: 602 ومجموعة المعاني: 124 والثالث والرابع في حماسة البحتري: 187 194 (مع أبيات أخرى) وشعراء أمويون 3: 307. [63] المختار من شعر بشار: 337 وديوان بشار (جمع العلوي) 92- 93 وديوان مسلم: 311 وتاريخ بغداد للخطيب 13: 98 وزهر الآداب: 901 وحلية المحاضرة 1: 417 والتشبيهات: 221 وحماسة ابن الشجري: 245 ومجموعة المعاني: 124 والأول في ديوان المعاني 2: 158 وفي نهاية الأرب 2: 22. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 يمضي الشباب ويأتي بعده خلف ... والشّيب يذهب مفقودا بمفقود [64]- بعض العرب: [من الطويل] ألا قالت الحسناء يوم لقيتها ... كبرت ولم تجزع من الشّيب مجزعا رأت ذا عصا يمشي عليها وشيبة ... تقنّع منها رأسه ما تقنعا فقلت لها لا تهزئي بي فقلّما ... يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا وللقارح اليعبوب خير علالة ... من الجذع المجرى وأبعد منزعا [65]- دعبل: [من الكامل] أهلا وسهلا بالمشيب فإنّه ... سمة العفيف وحلية المتحرّج وكأن شيبي نظم درّ زاهر ... في تاج ذي ملك أغرّ متوّج [66]- والجيّد في ذلك قول الآخر: [من الكامل] والشّيب إن يحلل فإنّ وراءه ... عمرا يكون خلاله متنفّس لم ينتقص مني المشيب قلامة ... الآن حين بدا ألبّ وأكيس [67]- أبو تمام: [من البسيط] فلا يؤرّقك إيماض القتير به ... فإنّ ذاك ابتسام الرأي والأدب [68]- وقد اعتذر البحتري للشّيب وكرّر ذلك في مواضع من شعره فقال:   [64] مجموعة المعاني: 124. [65] التشبيهات: 221 والبصائر 5: 55 (رقم: 182) وحلية المحاضرة 1: 418 ومحاضرات الراغب 3: 323 وأمالي القالي 1: 110، 2: 206 وبهجة المجالس 1: 209 وربيع الأبرار 2: 468 وديوان دعبل (نجم) : 53. [66] أمالي القالي 1: 112 وعيون الأخبار 4: 52 والتشبيهات: 222 وحلية المحاضرة 1: 415 وربيع الأبرار 2: 432 (لغيلان بن سلمة الثقفي) . [67] محاضرات الراغب 3: 323 والشهاب: 10 ومجموعة المعاني: 125 وديوان أبي تمام 1: 116. [68] أمالي المرتضى 1: 600 والشهاب: 25 وديوان البحتري 1: 84. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 [من الخفيف] عيّرتني المشيب وهي بدته ... في عذاري بالصدّ والاجتناب لا تريه عارا فما هو بالشّي ... ب ولكنّه جلاء الشّباب وبياض البازيّ أصدق حسنا ... إن تأمّلت من سواد الغراب [69]- وقال: [من الخفيف] ورأت لمّة ألمّ بها الشي ... ب فريعت من ظلمة في شروق ولعمري لولا الأقاحي لأبصر ... ت أنيق الرياض غير أنيق وسواد العيون لو لم يحسّن ... ببياض ما كان بالموموق ومزاج الصهباء بالماء أملى ... بصبوح مستحسن وغبوق أيّ ليل يبهى بغير نجوم ... أو سحاب يبدى بغير بروق وهذا من قول الآخر: [من الطويل] تفاريق شيب في الشباب لوامع ... وما حسن ليل ليس فيه نجوم [70]- البحتري أيضا: [من الخفيف] طبت نفسا عن الشباب وما سو ... ود من صبغ برده الفضفاض فهل الحادثات يا ابن عويف ... تاركاتي ولبس هذا البياض [71]- وقال: [من الطويل]   [69] أمالي المرتضى 1: 601 والشهاب: 25 والزهرة 1: 450 وديوان البحتري: 1485- 1486 . أما قول الآخر فينسب إلى الفرزدق في بهجة المجالس 2: 208 وانظر أمالي المرتضى 1: 601 وديوان المعاني 2: 156 وعيون الأخبار 4: 52. [70] أمالي المرتضى 1: 620 والشهاب: 14 ومجموعة المعاني: 126 وديوان البحتري: 1209. [71] أمالي المرتضى 1: 621 والشهاب: 17 وديوان البحتري: 771- 772. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 رأت فلتات الشّيب فابتسمت لها ... وقالت نجوم لو طلعن بأسعد أعاذل ما كان الشباب مقرّبي ... إليك فألحى الشّيب إذ كان مبعدي [72]- فأما ما ورد في الأثر من رأفة الله عزّ وجلّ بالشيخ، وما أعدّ له من صنوف الرحمة والعفو، فتلك حال مقترنة بالطاعات، ويوجبها التقلّب في العبادات، وإلا فهو كلّما أسنّ في المعاصي كان أبعد له عن الله، وأنأى مما أمّله ورجاه، وليس هذا موضع ذكرها، ولا يليق بإيرادها؛ وقد روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ الله تعالى عزّ ذكره يقول: «وعزّتي وجلالي وفاقة خلقي إليّ إني لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام أن أعذّبهما» . ثم بكى، فقيل له: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أبكي ممّن يستحي الله منه وهو لا يستحي من الله. 73- وقال أبو الفرج حمد بن خلف الهمذاني: [من الطويل] تعيّرني وخط المشيب بعارضي ... ولولا الحجول البيض لم تحسن الدّهم حتى الدهر قوسي فاستمرّت عزيمتي ... ولولا انحناء القوس لم ينفذ السهم 74- وقال النمر بن تولب: [من الطويل] فإنّ تك أثوابي تمزّق عن بلىّ ... فإني كنصل السّيف في خلق الغمد [75]- لبيد: [من الطويل] فأصبحت مثل السيف أخلق جفنه ... تقادم عهد القين والنصل قاطع 76- ومثله للعجير السّلولي: [من الطويل] لقد آذنت بالهجر هيفاء ليتها ... به آذنتنا والفؤاد جميع وإنّي وإن واجهن شيئا كرهنه ... لكالسيف يبلى الجفن وهو قطوع   [72] الحديث في ربيع الأبرار 2: 418. [75] التشبيهات: 282 والأغاني 17: 22 ومجموعة المعاني: 123 وديوان لبيد: 171. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 [77]- المتنبي: [من الطويل] وشى بالمشيب الشّيب عند الكواعب ... فهنّ وإن واصلن ميل الحواجب رأين بياضا في سواد كأنه ... بياض العطايا في سواد المطالب هو الليل لا يزري عليه بأن ترى ... جوانبه محفوفة بالكواكب 78- بلغ أبو بكر هبة الله بن الحسن الشيرازي تسعين سنة ولم تبيضّ له شعرة فقال يتبرّم بالشباب من قصيدة: [من الوافر] إلام وفيم يظلمني شبابي ... وتلبس لمّتي حلك الغراب وآمل شعرة بيضاء تبدو ... بدوّ البدر من خلل السحاب وأدعى الشّيخ ممتلئا شبابا ... كذي ظمإ يعلّل بالشراب وكافور المشيب أجلّ عندي ... وفي فوديّ من مسك الشباب وأين من الصباح ظلام ليل ... وأين من الرّباب دجى ضباب 79- قال أفلاطون: هرم النفس شباب العقل؛ أخذ ذلك ابن المعتز ونظمه فقال: [من المتقارب] وما ينتقص من شباب الرجال ... يزد في نهاها وألبابها 80- قال أبو مجيب الأعرابي، وقد رأى قوما يعذلون شابّا: لا تعذلوه فقد رأيتني وأنا شاب أعضّ على الملام عضّ الجموح على اللّجام، حتى أخذ الشّيب بعنان شبابي. [81]- روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: الا أنبئكم بخياركم، قالوا: بلى يا   [77] هذه النسبة خطأ؛ وربما تصحف لفظ المتنبي عن العتبي أو ما أشبه ذلك. [82] ربيع الأبرار 2: 419. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 رسول الله، قال: أطولكم أعمارا في الإسلام إذا سددوا. [82]- وقال الحسن: أفضل الناس ثوابا يوم القيامة المؤمن المعمّر. [83]- رأى حكيم طارىء شيبة فقال: مرحبا بثمرة الحكمة، وجنى التجربة، ولباس التقوى. [84]- وكان المأمون يتمثل: [من الطويل] رأت وضحا في الرأس منّي فراعها ... فريقان مبيضّ به وبهيم تفاريق شيب في السواد لوامع ... وما حسن ليل ليس فيه نجوم [85]- العكوّك: [من الكامل] وأرى الليالي ما طوت من قوتي ... ردّته في عظتي «1» وفي افهامي وعلمت أنّ المرء من سنن الرّدى ... حيث الرميّة من سهام الرّامي 86- عبد الله بن محمد الأزدي المعروف بالعطار المغربي: [الكامل] سلني بوقعات الزمان فإنما ... هذا القتير غبار ذاك الموكب ولقد عذلت الدهر ثم عذرته ... ورأيت ظلما عذل من لم يذنب وحمدته لمّا علمت بأنه ... يسم المجرّب بالعذار الأشيب وعجبت أن طلع المشيب بلمّتي ... فنكرته والليل ثوب الكوكب   [82] ربيع الأبرار 2: 440. [83] ربيع الأبرار 2: 442. [84] ربيع الأبرار 2: 446 والثاني مرّ في رقم: 69. [85] حلية المحاضرة 1: 416 وربيع الأبرار 2: 469 والتمثيل والمحاضرة: 87 ونهاية الأرب 3: 86 ومجموعة المعاني: 125 وديوان العكوك المجموع: 104. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 الفصل الثالث ما جاء في الخضاب [87]- أول من خضب من أهل مكة بالسواد عبد المطلب بن هاشم، خضبه بذلك ملك من ملوك حمير وزوّده، وأقبل عبد المطلب من عنده، فلما قرب من مكة اختضب ودخلها فقالت نثيلة بنت جناب بن كلب أمّ العباس بن عبد المطّلب: يا شيبة الحمد ما أحسن هذا الخضاب لو دام، فقال لها عبد المطّلب: [من الطويل] فلو دام هذا يا نثيل حمدته ... ولكن بديل من شباب قد انصرم تمتّعت منه والحياة قصيرة ... ولا بدّ من موت نثيلة أو هرم وماذا الذي يجدي على المرء خفضه ... ونعمته يوما إذا عرشه انهدم فموت جهيز عاجل لا شوى له ... أحبّ إلينا من مقالكم حطم «1» 88- وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: غيّروا الشّيب ولا تشبّهوا باليهود. 89- وكان جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم يخضبون، وسئل عليّ عليه السلام عن خبر النبي صلّى الله عليه وسلم هذا فقال: إنما قال صلّى الله عليه وسلم ذلك والدين قلّ، فأمّا   [87] المنمق: 123- 124 وطبقات ابن سعد 1: 86، 87 وانظر الأوائل لابن قتيبة: 31 وما يلي الفقرة: 97. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار. [90]- وقد أحسن ابن الرومي في قوله: [من الطويل] إذا دام للمرء الشباب ولم تدم ... غضارته ظنّ الشّباب خضابا فكيف يظنّ المرء أنّ خضابه ... يخال سوادا أو يظنّ شبابا [91]- الخضاب بالسواد مكروه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: خير شبابكم من تشّبه بشيوخكم، وشرّ شيوخكم من تشبّه بشبابكم، ونهى عن الخضاب بالسواد وقال: هو خضاب أهل النار، وفي لفظ آخر: الخضاب بالسواد خضاب الكفّار، والخضاب بالحمرة والصفرة جائز تلبيسا للشّيب على الكفار في الغزو والجهاد. وقال صلّى الله عليه وسلّم: الصّفرة خضاب المؤمنين، وكانوا يخضبون بالحنّاء للحمرة، وبالخلوق والكتم للصّفرة، وخضب بعض العلماء بالسّواد، وذلك لا بأس به إذا صحّت النيّة، ولم يكن فيه هوى وشهرة. [92]- قال محمود الوراق في إنكار الخضاب: [من مجزوء الكامل] يا خاضب الشّيب الذي ... في كلّ ثالثة يعود إنّ النّصول إذا بدا ... فكأنه شيب جديد فدع المشيب لما تري ... د فلن يعود كما تريد [93]- ولابن المعتز يعتذر عن ذلك: [من المتقارب]   [90] تاريخ بغداد للخطيب 12: 24 ومعاهد التنصيص 1: 115 ومجموعة المعاني: 126 وديوان ابن الرومي: 243. [91] الحديث «خير شبابكم ... » في الجامع الصغير 2: 10 وبهجة المجالس 2: 211 وحديث «الصفرة صبغة المؤمنين» في الجامع الصغير 2: 50. [92] التشبيهات: 223 (بيتان فقط) وحماسة ابن الشجري: 217 وبهجة المجالس 2: 216 ونهاية الأرب 2: 30. [93] التشبيهات: 223 وأمالي القالي 1: 110 ومحاضرات الراغب 3: 334 ونهاية الأرب 2: 29 وديوان ابن المعتز (ليوين) 4: 204. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 وقالوا النصول مشيب جديد ... فقلت الخضاب شباب جديد إساءة هذا بإحسان ذا ... فإن عاد هذا فهذا يعود 94- وقال أبو الفرج حمد بن خلف الهمذاني: [من الطويل] وأنكر جاراتي خضاب ذوائبي ... وهنّ به سوّدن بيض الأنامل فواعجبا منهنّ ينكرن باطلا ... عليّ ولم يجلبن قلبي بباطل فسلّ مشيبي من خضابي كأنما ... تسلّ من الأغماد بيض المناصل وكنت متى أبدى النصول بياضها ... رأيت نصولا ركّبت في مقاتلي [95]- حدّث بعضهم قال: خرجت إلى ناحية الطفاوة فإذا أنا بامرأة لم أر أحسن منها فقلت: أيتها المرأة إن كان لك زوج فبارك الله لك فيه، وإلا فأعلميني، قال فقالت: وما تصنع بي وفيّ شيء لا أراك ترتضيه، قلت: وما هو؟ قالت: مشيب في رأسي، قال: فثنيت عنان دابّتي راجعا، فصاحت بي: على رسلك أخبرك بشيء، فوقفت وقلت: ما هو يرحمك الله؟ قالت: والله ما بلغت العشرين بعد وهذا رأسي (وكشفت عن عناقيد كالحمم) وما رأيت في رأسي بياضا قط، ولكن أحببت أن تعلم أنّا نكره منكم ما تكرهون منا وأنشدت: [من الوافر] أرى شيب الرجال من الغواني ... بموضع شيبهنّ من الرجال قال: فرجعت خجلا كاسف البال. [96]- قال الأصمعي: بلغني عن بعض العرب فصاحة، فأتيته لأسمع من   [95] نهاية الأرب 2: 25 وقارن بربيع الأبرار 2: 445 والبيت «أرى شيب الرجال» ورد في عيون الأخبار 4: 45 ومحاضرات الراغب 3: 325 (ونسب للمتنبي) وربيع الأبرار 2: 445 (ونسب للنميري) . [96] ورد هذا الخبر في الجليس الصالح (المجلس: 87) وفيه بيتان، والأول من الأبيات مع آخر في التشبيهات: 216. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 كلامه، فصادفته وهو يخضب، فلما رآني قال: إنّ الخضاب لمن مقدّمات الضعف، ولئن كنت قد ضعفت فطالما مشيت أمام الجيوش، وعدوت على الوحوش، ولهوت بالنساء، واختلت في الرّداء، وأرويت السيف، وقريت الضّيف، وأبيت العار، وحميت الجار، وغلبت القروم، وعاركت الخصوم، وشربت الرّاح، ونادمت الجحجاح، فاليوم قد حناني الكبر، وضعف البصر، وجاءني بعد الصفو الكدر، ثم أنشد: [من البسيط] شيب نعلّله كيما ندلّسه ... كهيئة الثوب مطويّا على حرق قد كنت كالغصن ترتاح الرياح له ... فصرت عودا بلا ماء ولا ورق صبرا على الدهر إنّ الدهر ذو غير ... وأهله فيه بين الصّفو والرّنق 97- يقال: إنّ أول من خضب بالسواد فرعون؛ وتزوّج رجل على عهد عمر رضي الله عنه فكان يخضب بالسواد، فنصل خضابه وظهرت شيبته، فرفعه أهل المرأة إلى عمر فردّ نكاحه وأوجعه ضربا، وقال غررت القوم بالشباب، ولبّست عليهم بشيبتك. 98- سئل الحسن عن الخضاب فقال: هو جزع قبيح. 99- قال أسماء بن خارجة لجاريته اخضبيني، قالت: حتى متى أرقّعك، فقال: [من البسيط] عيّرتني خلقا أبليت جدّته ... وهل رأيت جديدا لم يعد خلقا [100]- المتنبي: [من الطويل] وما خضب الناس البياض لأنه ... قبيح ولكن أحسن الشّعر فاحمه مشبّ الذي يبكي الشباب مشيبه ... فكيف توقّيه وبانيه هادمه   [100] ديوان المتنبي: 246 والأول في نهاية الأرب 2: 29. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 الفصل الرابع أخبار المعمّرين [101]- زعموا أنّ الربيع بن ضبع الفزاري كان من المعمّرين، وأنه دخل على بعض خلفاء بني أمية فقال له: وأبيك يا ربيع لقد طلبك جدّ غير عاثر، ثم قال: فصّل لي عمرك، قال: عشت مائتي سنة في الفترة، فترة عيسى بن مريم، وعشرين ومائة سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام، فقال: أخبرني عن الفتية من قريش المتواطئي الأسماء، قال: سل عن أيّهم شئت، قال: أخبرني عن عبد الله بن عباس، قال: فهم وعلم وعطاء جذم، ومقرىء ضخم، قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر، قال: حلم وعلم وطول كظم وبعد عن الظلم، قال: فأخبرني عن عبد الله بن جعفر، قال: ريحانة طيّب ريحها، ليّن مسّها، قليل على المسلمين ضرّها، قال: فأخبرني عن عبد الله بن الزبير، قال: جبل وعر ينحدر منه الصخر، قال: لله درّك يا ربيع ما أخبرك بهم! قال: يا أمير المؤمنين قرب جواري وكثر استخباري. 102- أتي معاوية برجل من جرهم قد أتت عليه الدهور، فقال له: أخبرني عمّا رأيت في سالف عمرك، قال: رأيت مثل ما رأيت، رأيت الدنيا ليلة في إثر ليلة، ويوما في إثر يوم، ورأيت الناس بين جامع مالا مفرّقا، ومفرّق مالا مجموعا، وبين قويّ يظلم، وضعيف يظلم، وصغير يكبر، وكبير يهرم، وحيّ يموت، وجنين يولد، وكلّهم بين مسرور بموجود، ومحزون بمفقود. والعرب لا تعدّ معمّرا إلا من بلغ مائة وعشرين سنة فصاعدا.   [101] هناك طرف من أخباره في المعمرون، ولكنه لم يورد النصّ المثبت هنا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 [103]- ومن المعمّرين المستوغر بن ربيعة، وهو عمر بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مرّ، قيل إنه أدرك الإسلام أو كاد يدرك أوله، ونسبه إلى تميم، وبقاؤه إلى الإسلام أو قبله يدلّ على طول بقائه، قيل إنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة حتى قال: [من الكامل] ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وعمرت من عدد السنين مئينا مائة أتت من بعدها مائتان لي ... وازددت من عدد الشهور سنينا هل ما بقي إلا كما قد فاتنا ... يوم يكرّ وليلة تحدونا وإنما سمّي المستوغر لبيت قاله وهو: [من الوافر] ينشّ الماء في الرّبلات منها ... نشيش الرضف في اللبن الوغير الربلات: واحدها ربلة بفتح الباء وإسكانها، وهي لحمة غليظة، والرّضف: الحجارة المحماة، والوغير: لبن تلقى فيه حجارة محماة ثم يشرب، أخذ من وغيرة الظهيرة، وهي أشدّ ما يكون من الحرّ، ومنه وغر صدر فلان يغر وغرا إذا التهب من الغيظ من غضب أو حقد. [104]- ومنهم دويد «1» بن زيد بن نهد بن زيد بن أسلم بن الحاف بن قضاعة: قال أبو حاتم: عاش دويد بن زيد أربعمائة سنة وستا وخمسين سنة. وقال ابن دريد: لما حضرت دويد بن زيد الوفاة قال لبنيه: أوصيكم بالناس شرّا، لا ترحموا لهم عبرة، ولا تقيلوا لهم عثرة، قصّروا الأعنّة، وطوّلوا الأسنّة،   [103]- المعمرون: 12- 13 وأمالي المرتضى 1: 234- 235 والشعر في طبقات ابن سلام: 33. [104] دويد وشعره في المعمرون: 25- 26 وأمالي المرتضى 1: 236- 237 وقوله: «اليوم يبنى لدويد ... » في طبقات ابن سلام: 32 وكذلك قوله: «ألقى عليّ الدهر» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 واطعنوا شزرا، واضربوا هبرا، وإذا أردتم المحاجزة فقبل المناجزة؛ والمرء يعجز لا المحالة، بالجدّ لا بالكدّ، التجلّد ولا التبلّد، المنيّة ولا الدنيّة، لا تأسوا على فائت وإن عزّ فقده، ولا تحنوا إلى ظاعن وإن ألف قربه، ولا تطمعوا، ولا تهنوا فتجزعوا، ولا يكون لكم المثل السوء، إن الموصّين بنو سهوان، إذا متّ فأرحبوا حطّ مضجعي ولا تصبوا عليّ برحب الأرض، وما ذاك بمؤدّ إليّ نفعا، ولكن حاجة نفس خامرها الإشفاق. ثم مات؛ وهو القائل عند موته: [من الرجز] اليوم يبنى لدويد بيته ... يا ربّ نهب صالح حويته وربّ قرن بطل أرديته ... ومعصم مخضّب ثنيته لو كان للدهر بلى أبليته ومن قوله أيضا: [من الرجز] ألقى عليّ الدهر رجلا ويدا ... والدهر ما أصلح يوما أفسدا يفسد ما أصلحه اليوم غدا قوله: الموصون بنو سهوان مثل، أي لا تكونوا كمن تقدم إليهم فسهوا وأعرضوا عن الوصيّة. [105]- ومن المعمّرين عبيد بن شرية، أتى عليه مائتان وعشرون سنة، سأله معاوية عمّن رأى من القرون، فقال: أدركت الناس يقولون: ذهب الناس. [106]- وممّن عمّر عديّ بن حاتم الطائي، ولما غلب المختار بن أبي عبيد على الكوفة وقع بينهما، فهمّ عديّ بالخروج عليه، ثم عجز لكبر سنّه، وكان قد بلغ مائة وعشرين سنة وقال: [من المنسرح]   [105] المعمرون: 50. [106] المعمرون: 46. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 أصبحت لا أنفع الصديق ولا ... أملك ضرّا للشانىء الشّرس وإن جرى بي الجواد منطلقا ... لم تملك الكفّ رجعة الفرس [107]- وعمّر زهير بن أبي سلمى المزني مائة وثماني سنين فقال: [من الطويل] بدا لي أني عشت تسعين حجة ... خلعت بها عن منكبيّ ردائيا بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا وما إن أرى نفسي تقيها كريمتي ... وما إن تقي نفسي كريمة ماليا 108- وروي أن أكثم بن صيفيّ طال عمره فقال: [من الطويل] وإن امرءا قد عاش تسعين حجة ... إلى مائة لم يسأم العيش جاهل مضت مائتان غير ستّ وأربع ... وذلك من عدّ الليالي قلائل [109]- وقيل إن رجلا من جرهم وفد على معاوية بن أبي سفيان وقد أتت عليه مائتان وأربعون سنة، فقال له معاوية: ممّن الرجل؟ قال: من جرهم، قال: وهل بقي من جرهم باق؟! قال: بقيت ولو لم أبق لم ترني، فقال له معاوية: صف لي الدنيا وأوجز، قال: نعم سنيّات رخاء وسنيّات بلاء، يولد مولود ويهلك هالك، ولولا المولود لباد الخلق، ولولا الهالك لضاقت الأرض بأهلها، ثم أنشأ يقول: [من الطويل] وما الدهر إلّا صدر يوم وليلة ... ويولد مولود ويفقد فاقد وساع لرزق ليس يدرك رزقه ... ومهدى إليه رزقه وهو قاعد   [107] المعمرون: 83- 84. [109] المعمرون: 10- 11. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 [110]- ومنهم زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك ابن عمرو بن زيد بن مرّة بن زيد بن مالك بن حمير. قال أبو حاتم: عاش زهير بن جناب مائتي سنة وعشرين سنة، وأوقع مائتي وقعة، وكان سيدا مطاعا شريفا في قومه، ويقال: كان فيه عشر خصال لم تجتمع في غيره من أهل زمانه، كان سيد قومه وشريفهم وخطيبهم وشاعرهم وقائدهم إلى الملوك وطبيبهم، والطبّ في ذلك الزمان شرف، وحازي قومه: أي كاهنهم، وكان فارس قومه، وله البيت فيهم والعدد منهم. وأوصى بنيه فقال: يا بني إني قد كبرت سنّي، وبلغت حرسا من دهري، فأحكمتني التجارب والأمور تجربة واختبارا، فاحفظوا عني ما أقول وعوا، وإياكم والخور عند المصائب، والتواكل عند النوائب، فإن ذلك داعية للغمّ وشماتة العدوّ وسوء الظنّ بالربّ. وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترّين، ولها آمنين، ومنها ساخرين، فإنه ما سخر قوم قط إلا ابتلوا، ولكن توقّعوها، فإنما الإنسان في الدنيا غرض تعاوره الرماة، فمقصّر دونه ومجاوز موضعه، وواقع عن يمينه وشماله، ثم لا بدّ أنه مصيبه. وكان زهير بن جناب على عهد كليب وائل، ولم تجتمع قضاعة إلا عليه وعلى رزاح بن ربيعة. وسمع زهير بعض نسائه تتكلّم بما لا ينبغي أن تتكلّم به امرأة عند زوجها فنهاها، فقالت: اسكت عنّي وإلّا ضربتك بهذا العمود، فو الله ما كنت أراك تسمع شيئا وتعقله فقال: [من الطويل]   [110] أخبار زهير بن جناب وأشعاره في أمالي المرتضى 1: 238- 241 وقوله «ابني إن أهلك فقد» في المعمرون: 33 وطبقات ابن سلام 36- 37؛ وقوله «لقد عمرت حتى ما أبالي ... » في المعمرون: 34. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 ألا يا لقومي لا أرى النجم طالعا ... ولا الشمس إلا حاجتي بيميني معزبتي عند القفا بعمودها ... يكون نكيري أن أقول ذريني أمين على سرّ النساء وربما ... أكون على الأسرار غير أمين فللموت خير من حداج موطّإ ... مع الظّعن لا يأتي المحلّ لحين وهو القائل: [من الكامل المجزوء] أبنيّ إن أهلك فقد ... أورثتكم مجدا بنيّه وتركتكم أبناء سا ... دات زنادكم وريّه من كلّ ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه فالموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيّه من أن يرى الشيخ البجا ... ل وقد تهادى بالعشيه وقال، وقد مضت له مائتا سنة من عمره: [من الوافر] ولقد عمّرت حتّى ما أبالي ... أحتفي في صباحي أم مسائي وحقّ لمن أتت مائتان عاما ... عليه أن يملّ من الثّواء [111]- ومن المعمّرين ذو الإصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرّث بن الحارث بن ربيعة بن وهب بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عتّاب بن يشكر بن عدوان، وهو الحارث بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر، وإنما سمي الحارث عدوان: لأنه عدا على أخيه فهمّ بقتله، وقيل بل فقأ عينيه، وقيل إن اسم ذي الإصبع حرثان بن حويرث، وقيل: ابن حرثان بن حارثة، ويكنّى: أبا عدوان، وسبب لقبه بذي الإصبع: أن حيّة نهسته على إصبعه فشلّت فسمّي بذلك، ويقال: إنه عاش مائة وتسعين سنة.   [111] أخبار ذي الاصبع في أمالي المرتضى 1: 244- 251. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 وقال أبو حاتم: عاش ثلاثمائة سنة. وهو أحد حكام العرب في الجاهلية، وروي أنه كان أثرم، وروي عنه: [من الكامل المرفل] لا يبعدن عصر الشباب ولا ... لذّاته ونباته النضر لولا أولئك ما حفلت متى ... عوليت في حرجي إلى قبري هزئت أثيلة أن رأت هرمي ... وأن انحنى لتقادم ظهري وخبر بناته اللواتي زوّجهنّ مشهور يرد في موضعه. وهو القائل: [من الوافر] إذا ما الدهر جرّ على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا [112]- ومن المعمّرين معدي كرب من آل ذي رعين، وهو القائل وقد طال عمره: [من الوافر] أراني كلّما أفنيت يوما ... أتاني بعده يوم جديد يعود ضياؤه في كلّ فجر ... ويأبى من شبابي لا يعود [113]- ومن المعمّرين أبو الطمحان القيني، واسمه حنظلة بن الشرقي من بني كنانة بن القين. قال أبو حاتم: عاش أبو الطمحان القيني مائتي سنة، وقال في ذلك: [من الوافر] حنتني حانيات الدهر حتى ... كأني خاتل يدنو لصيد قصير الخطو يحسب من رآني ... ولست مقيّدا أمشي بقيد   [112] خبر معدي كرب وشعره في أمالي المرتضى 1: 253. [113] خبر أبي الطمحان في المعمرون: 72 وأمالي المرتضى 1: 257- 263 وانظر أمالي القالي 1: 110. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 [114]- ومن المعمّرين عبد المسيح بن بقيلة الغسّاني، وبقيلة اسمه ثعلبة، وقيل: الحارث، وإنما سمّي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا له: ما أنت إلا بقيلة فسمّي بذلك. وذكر ابن الكلبي وأبو مخنف وغيرهما أنه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم وكان نصرانيّا. وروي أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة وتحصّن أهلها منه، أرسل إليهم: ابعثوا لي رجلا من عقلائكم وذوي أسنانكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن بقيلة، فأقبل يمشي حتى دنا من خالد، فقال: أنعم صباحا أيها الشيخ، قال: قد أغنانا الله عن تحيتك هذه، فمن أين أقصى أثرك أيها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي، قال: فمن أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض، قال: ففيم أنت؟ قال: في ثيابي، قال: أتعقل لا عقلت؟ قال: أي والله وأقيّد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال خالد: ما رأيت كاليوم قط، إني أسأله عن الشيء وينحو بي في غيره، قال: ما أنبأتك إلا عمّا سألت، فسل ما بدا لك، قال: أعرب أنتم أم نبط؟ قال: عرب استنبطنا، ونبط استعربنا، قال: فحرب أنتم أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما هذه الحصون؟ قال: بنيناها لسفيه نحذر منه حتى يجيء الحليم ينهاه، قال: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاثمائة سنة، قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترقى إلينا في هذا الجرف، ورأيت المرأة من أهل الحيرة مكتلها على رأسها، لا تزوّد إلا رغيفا واحدا حتى ترد الشام، ثم قد أصبحت اليوم خرابا، وذلك دأب الله تعالى في العباد والبلاد. قال: وبيده سم ساعة يقلبه في كفه، فقال له خالد: ما هذا في كفك؟ قال: السمّ، قال: وما تصنع به؟ قال: إن كان عندك ما يوافق قومي وأهل بلدي حمدت الله تعالى وقبلته، وإن كانت الأخرى لم أكن أوّل من ساق إليهم ذلّا، أشربه وأستريح من الحياة، فإن ما بقي من عمري ليسير، قال خالد:   [114] خبر عبد المسيح في أمالي المرتضى 1: 260 وتاريخ الطبري 1: 981- 984. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 هاته، فأخذه وقال: بسم الله وبالله ربّ الأرض والسماء الذي لا يضرّ مع اسمه شيء ثم أكله، فتجللّته غشية ثم ضرب بذقنه في صدره طويلا، ثم عرق وأفاق فكأنما نشط من عقال، فرجع ابن بقيلة إلى قومه فقال: جئتكم من عند شيطان أكل سمّ ساعة فلم يضرّه، صانعوا القوم وأخرجوهم عنكم، فإن هذا أمر مصنوع لهم، فصالحوهم على مائة ألف درهم. وقال عبد المسيح: لما بنى بالحيرة قصره المعروف بقصر بني بقيلة: [من الوافر] لقد بنّيت للحدثان حصنا ... لو انّ المرء تنفعه الحصون طويل الرأس أقعس مشمخرّا ... لأنواع الرياح به حنين وذكر أن بعض مشايخ أهل الحيرة خرج إلى ظهرها فخطّ ديرا، فلما حفر موضع الأساس وأمعن في الاحتفار، أصاب كهيئة البيت، فدخله فإذا رجل على سرير من زجاج، وعند رأسه كتابة: أنا عبد المسيح بن بقيلة: [من الوافر] حلبت الدهر أشطره حياتي ... ونلت من المنى بلغ المزيد وكافحت الأمور وكافحتني ... ولم أحفل بمعضلة كؤود وكدت أنال في الشرف الثريّا ... ولكن لا سبيل إلى الخلود [115]- ومن المعمّرين: النابغة الجعدي، واسمه قيس بن عبد الله بن ربيعة ابن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ويكنى: أبا ليلى. وروى أبو حاتم السجستاني قال: كان النابغة الجعدي أسنّ من النابغة   [115] أخبار النابغة الجعدي في أمالي المرتضى 1: 263- 264 والجليس الصالح (المجلس: 90) وفيه قطعة من شعره وانظر شعره المجموع: 36- 37، 161- 162، 191، 77- 78. وقوله «المرء يأمل أن يعيش ... » في بهجة المجالس: 233 (ونسب للبيد) وهو في الجليس الصالح (المجلس: 89) وينسب للحارث بن حبيب الباهلي، وأمالي القالي 2: 8 وشعره في كبره في التشبيهات: 219 أيضا والمعمرون: 102 وحماسة البحتري: 207 ومجموع شعره: 239 (وتنسب الأبيات لغيره) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 الذبياني، والدليل على ذلك قوله: [من الطويل] تذكرت والذكرى تهيج على الهوى ... ومن حاجة المحزون أن يتذكّرا نداماي عند المنذر بن محرّق ... أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا كهول وشبّان كأنّ وجوههم ... دنانير مما شيف في أرض قيصرا فهذا يدلّ على أنه كان مع المنذر بن محرق، والنابغة الذبياني كان مع النعمان بن المنذر بن محرق، ويقال: إنّ النابغة غبر ثلاثين سنة لا يتكلم، ثم تكلّم بالشعر، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة. وروي عن هشام بن محمد الكلبي: أنه عاش مائة وثمانين سنة، وروى ابن دريد عن أبي حاتم أنه عاش مائتي سنة، ووفد النابغة على عبد الله بن الزبير في خلافته، وروي أنه مات بأصبهان، وبها كان ديوانه، ومن شعره: [من الوافر] ومن يك سائلا عنّي فإني ... من الفتيان أيام الخنان أيام الخنان: كانت للعرب قديمة، هاج بها فيهم مرض من أنوفهم وحلوقهم. وقال محمد بن حبيب: بل هي وقعة كانت لهم، قال قائل منهم وقد لقوا عدوهم خنّوهم بالرماح: مضت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذاك وحجتان فأبقى الدهر والأيام مني ... كما أبقى من السيف اليماني يفلّل وهو مأثور جراز ... إذا جمعت بقائمه اليدان قيل: وعمّر بعد ذلك طويلا، ومن ذلك قوله: [من الكامل المجزوء] المرء يأمل أن يعي ... ش وطول عيش قد يضرّه تفنى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مرّه وتسوءه الأيام حت ... تى لا يرى شيئا يسرّه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 كم شامت بي إن هلك ... ت وقائل لله درّه وتمثّل المنصور بهذه الأبيات عند موته. ومن شعره في المعنى: [من المتقارب] لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا «1» ويروى أن النابغة كان يفتخر ويقول: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم وأنشدته: [من الطويل] بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنبغي فوق ذلك مظهرا فقال عليه السلام: أين المظهر يا أبا ليلى؟ فقلت: الجنة يا رسول الله، فقال عليه السلام: أجل إن شاء الله. وأنشده القصيدة، فقال صلّى الله عليه وسلم: لا يفضض الله فاك، وفي رواية أخرى: لا يفضض فوك، فيقال: إنه لم يسقط من فمه سنّ ولا ضرس. ومن شعره في كبره: [من الكامل] شيخ كبير قد تخدّد لحمه ... أفنى ثلاث عمائم ألوانا سوداء داجية وسحق مفوّف ... ودروس مخلقة تلوح هجانا ثم المنية بعد ذلك كلّه ... وكأنما يعنى بذاك سوانا [116]- ويزعمون أن أماناة بن قيس بن الحارث بن شيبان بن العاتك ابن معاوية الكندي عاش ثلاثمائة وعشرين، وفي ذلك يقول المثلم النخعي:   [116] شعر المثلم النخعي في حماسة البحتري 207- 208. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 [من الطويل] ألا ليتني عمّرت يا أمّ خالد ... كعمر أماناة بن قيس بن شيبان لقد عاش حتى قيل ليس بميّت ... وأفنى فئاما من كهول وشبّان فحلّت به من بعد حرس وحقبة ... دويهية حلّت بنصر بن دهمان [117]- ومنهم عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي، قال عبد العزيز بن عمران: خرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي قبل الإسلام في نفر من قريش يريدون اليمن، فأصابهم عطش شديد ببعض الطريق، فأمسوا على الطريق، فساروا جميعا فقال لهم أبو سلمة: إني أرى ناقتي تنازعني شقّا، أفلا أرسلها وأتبعها؟ قالوا: فافعل، فأرسل ناقته وتبعها فأصبحوا على ماء وحاضر، فأسقوا وسقوا، فإنهم لعلى ذلك إذا أقبل رجل فقال: من القوم؟ فقالوا: من قريش، فرجع إلى شجرة أمام القوم فتكلم عندها بشيء ورجع فقال: لينطلق أحدكم معي إلى رجل يدعوه، قال أبو سلمة: فانطلقت معه، فوقف بي تحت شجرة، فإذا وكر مغلق، فصوّت يا أبه، فزعزع شيخ رأسه فأجابه، فقال: هذا الرجل، فقال لي: ممّن الرجل؟ قلت: من قريش، قال: من أيها؟ قلت: من بني مخزوم بن يقظة، قال: من أيها؟ قلت: أنا أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة، قال: ايهات أنا ويقظة بسنّ واحد، أتدري من يقول؟ [من الطويل] كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر قلت: لا، قال: أنا قائلها، أنا عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي،   [117] الشعر في هذا الخبر في مادتي «أجياد» و «قعيقعان» من معجم البلدان لياقوت، والمنمق: 355 والمعمرون: 8. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 أتدري لم سمّي أجيادا؟ قلت: لا، قال: جادت بالدماء يوم التقينا نحن وقطورا، أتدري لم سمّي فعيقعان؟ قلت: لا، قال: لتقعقع السلاح على ظهورنا لما طلعنا عليهم منه. [118]- دخل سليمان بن عبد الملك مسجد دمشق فرأى شيخا يزحف فقال: يا شيخ أيسرك أن تموت؟ قال: لا، قال: ولم، وقد بلغت من السنّ ما أرى؟ قال: ذهب الشباب وشرّه، وبقي الكبر وخيره، إذا أنا قعدت ذكرت الله، وإذا قمت حمدت الله، فأحبّ أن تدوم [لي] هاتان الخصلتان. [119]- وقد جاءت الأخبار عن القرن الأول دالّة على طول العمر المضاعف على أعمار هذا العصر، فمن الحجة فيها عمر نوح عليه السلام في قومه الذي لا خلاف فيه، دلّ عليه كتاب الله تعالى والتوراة وسائر الكتب. وقال وهب: إن أصغر من مات من ولد آدم عليه السلام ابن مائتي سنة فبكته الإنس والجنّ لحداثة سنّه. وقال عبد الله: كان الرجل ممن كان قبلكم لا يحتلم حتى تأتي عليه ثمانون سنة.   [118] ربيع الأبرار 2: 422. [119] قول عبد الله «كان الرجل ممن كان قبلكم» في ربيع الأبرار 2: 419 يليه قول وهب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 الفصل الخامس نوادر هذا الباب [120]- قال سهل بن غالب الخزرجي في معاذ بن مسلم جدّ يحيى بن معاذ: [من المنسرح] إن معاذ بن مسلم رجل ... ليس لميقات عمره أمد قد شاب رأس الزمان واكتهل الد ... دهر وأثواب عمره جدد قل لمعاذ إذا مررت به ... قد ضجّ من طول عمرك الأبد يا بكر حوّاء كم تعيش وكم ... تسحب ذيل الحياة يا لبد قد أصبحت دار آدم خربت ... وأنت فيها كأنّك الوتد تسأل غربانها إذا نعبت ... كيف يكون الصّداع والرمد فاشخص ودعنا فإنّ غايتك ال ... موت وإن شدّ ركنك الجلد 121- قيل لأعرابي: ألا تغيّر مشيبك بالخضاب؟ قال: ألا بلى! ففعل ذلك مرة ثم لم يعاوده، فقيل له: لم لم تعاود الخضاب؟ فقال: يا هناه لقد تشد لحياي فجعلت إخالني ميتا. [122]- نظر يزيد بن مزيد الشيباني إلى رجل ذي لحية عظيمة وقد تلفّفت على صدره وإذا هو خاضب، فقال له: إنّك من لحيتك لفي مؤونة؟ قال: أجل! ولذلك أقول: [من الطويل]   [120] الحيوان للجاحظ 3: 423 وعيون الأخبار 4: 59 والعقد 2: 52 وثمار القلوب: 377 وربيع الأبرار 2: 420 وابن خلكان 5: 218- 219. [122] ربيع الأبرار 1: 848- 849. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 لها درهم للزيت في كلّ جمعة ... وآخر للحنّاء يبتدران فلولا نوال من يزيد بن مزيد ... لصوّت في حافاتها الجلمان [123]- قيل للجمّاز وقد أسنّ: ما بقي من شهوتك للنساء؟ قال: القيادة عليهنّ. [124]- نظر شابّ إلى شيخ تقارب خطاه فقال له: من قيّدك؟ قال: الذي تركته يفتل قيدك. 125- قال رجل لجارية أراد شراءها: لا يريبك شيبي فإنّ عندي قوة، قالت: أيسرّك أن عندك عجوزا مغتلمة؟!. [126]- بعض العرب: [من الرجز] رأت شبابا بان واضمحلّا ... وفاتها الدهر به فولّى وصار شيخا فانيا انقحلا ... فاستعبرت تهمر سجلا سجلّا الإنقحل: المسن الذي تجاوز المائة. تقول للموت بهذا أولى ... بئس امرؤ هذا لمثلي بعلا 127- مازح شيخ جارية من الأعراب فقالت: [من البسيط] يا أيها الشيخ ما عنّاك للغزل ... قد كنت في مقعد عن ذا ومعتزل رضت القلاص فلم تحكم رياضتها ... فاعمد برحلك نحو الجلّة الذلل [128]- صاح صبيّ بشيخ قد احدودب: بكم ابتعت هذه القوس يا عمّاه؟   [123] نثر الدر 3: 253. [124] التشبيهات: 218 والبصائر 5: 64 (رقم: 227) وبهجة المجالس 2: 230 وربيع الأبرار 2: 443. [126] انظر الشطر الثالث في اللسان (قحل) . [128] ربيع الأبرار 2: 444. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 قال: يا بنيّ إن عشت أعطيتها بغير ثمن. 129- رأى الخليل مع رجل دفترا بخطّ دقيق فقال: يا هذا أيئست من طول العمر؟ [130]- عبد المحسن الصّوري: [من البسيط] أهدى لي الشّيب رجلا منه ثالثة ... وكنت من قبله أمشي برجلين هدية كنت آباها فصيّرها ... عليّ بالرغم مني قرّة العين [131]- أبو نواس: [من الكامل] قالوا كبرت فقلت ما كبرت يدي ... عن أن تحثّ إلى فمي بالكاس 132- نظر رجل إلى فيلسوف يؤدّب شيخا فقال: ما تصنع؟ قال: أغسل مسحا لعلّه يبيض. آخر باب الشّيب، ويتلوه باب النسيب والغزل، والحمد لله أولا وآخرا وحسبنا الله ونعم الوكيل.   [130] لم نجدهما في ديوان عبد المحسن الصوري. [131] ديوان أبي نواس: 162. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 (الباب التاسع والعشرون في الغزل والنّسيب) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 بسم الله الرحمن الرحيم وبه الإعانة اللهمّ إنّا نحمدك على ما سترت من العيوب، وأسبلت دونه من ذيل عفوك المطلوب، ونستغفرك من موبقات الذنوب، ونسألك عصمة الأجساد والقلوب، حتى لا تسعى تلك إلى هواها، ولا ترتع هذه عن هداها، وأن تجعل الصّون لنا شعارا، والعفّة سجيّتنا إعلانا وإسرارا، ولا تؤاخذنا بلغو الألسنة الناطقة عن قلوب سليمة، ولا بطرب النفوس المرتاحة ما لم تكن ذا نيّة سنيّة وعزيمة، ونسألك الصلاة على نبيّك الداعي إلى دار السلام، الناهي عن الرهبانية في الإسلام، وعلى آله الأصفياء الكرام. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 الباب التاسع والعشرون في النسيب والغزل وهو اثنان وعشرون نوعا: هذا الباب تتداخل معانيه، ويتضمّن كلّ بيت منه صحبة أخيه. فإن فصل وأضيف كلّ معنى إلى بابه، انقطع البيت عن قرينه، وتبدّد نظام تأليفه وترتيبه، فذهبت بهجة الكلام وسلب رونقه، وعلى ذلك فقد أفردت منه عشرين نوعا ميّزتها لحاجة شاهد إن دعت إليها وهي: شدّة الغرام والوجد، الإعراض والصدّ والهجر، الشوق والنزاع، ذكر الوداع، المسرّة باللقاء عند الإياب، الطيف والخيال، الرقّة والنحول، البكاء والهمول، إحماد المواصلة ولذة العناق، شكوى البين والفراق واحتمالهما، الأرق والسّهاد، تعاطي الصّبر والتجلّد، العذول والوشاة والرقيب، وصف المحبوب، طيب الأفواه، وصف الثغر، إسرار الهوى وإعلانه، عشق الحلائل، غزل العبّاد وتساهلهم، أخبار من قتل بالكمد. وما عدا ذلك على كثرة فنونه وعدد ضروبه جعلته بابا واحدا، وأتبعته بفصل من نوادر هذا الباب، على ما شرطته في أول الكتاب. وقد تجيء أبيات وأخبار تتضمن عدة معان من الأنواع المفردة، فلا أرى حلّ نظامها وتفريق التئامها، فأضيفها إلى الفصل العام، وأثبتها في بعض الأنواع إذا كان يتضمن معنى منها، محافظة على أن تلج الأسماع متصلة لم تسلب حسن ازدواجها، وترد على القلوب مكسوّة رونق ألفتها واصطحابها، والله الموفّق للصواب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 النوع الأول شدة الغرام والوجد [133]- قال جرير: [من الكامل] لا يستطيع أخو الصبابة أن يرى ... حجرا أصمّ ولا يكون حديدا الله يعلم لو أردت زيادة ... في الحبّ عندي ما وجدت مزيدا [134]- وقال أيضا: [من الكامل] أسرى بخالدة الخيال ولا أرى ... شيئا «1» أحبّ من الخيال الطارق إنّ البليّة من تملّ حديثه ... فانشح فؤادك من حديث الوامق أهواك فوق هوى النفوس ولم يزل ... ما بنت قلبي كالجناح الخافق [135]- وقال الصمة بن عبد الله القشيري: [من الطويل] لعمري لئن كنتم على النأي والقلى ... بكم مثل ما بي إنكم لصديق إذا زفرات الحبّ صعّدن في الحشا ... رددن ولم ينهج لهنّ طريق   [133] ديوان جرير: 337. [134] ديوان جرير: 389. [135] الأغاني 6: 4 وبهجة المجالس 1: 817 ومجموعة المعاني: 209 وديوانه: 117. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 [136]- وقال بعض بني طيء: [من الطويل] هويتك حتى كاد يقتلني الهوى ... وزرتك حتى ملّني «1» كلّ صاحب وحتى رأى مني أدانيك لينة ... لديهم «2» ولولا أنت ما لان جانبي ألا حبّذا لو ما الحياء «3» وربما ... منحت الهوى من ليس بالمتقارب بأهلي ظباء من ربيعة عامر ... عذاب الثنايا مشرفات الذوائب «4» [137]- وقال المتنبي: [من الطويل] وما هي إلا نظرة بعد نظرة ... إذا نزلت في قلبه رحل العقل جرى حبّها مجرى دمي في مفاصلي ... فأصبح لي عن كلّ شغل بها شغل كأن رقيبا منك سدّ مسامعي ... عن العذل حتى ليس يدخلها العذل [138]- وقال البحتري: [من الطويل] رأى البرق مجتازا فبات بلا لبّ ... وأصباه من ذكر البخيلة ما يصبي وقد عاج في أطلالها غير ممسك ... لدمع ولا مصغ إلى عذل الركب وكنت جديرا يوم أعرف منزلا ... لآل سليمى أن يعنّفني صحبي وبي ظمأ لا يملك الماء دفعه ... إلى نهلة من ريقها الخصر العذب   [136] شرح الحماسة للتبريزي 3: 188. [137] ديوان المتنبي: 39- 40. [138] ديوان البحتري: 104- 105. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 تزوّدت منها نظرة لم تجد بها ... وقد يؤخذ العلق الممنّع بالغصب وما كان حظّ العين من ذاك مذهبي ... ولكن رأيت العين بابا إلى القلب [139]- وقال أيضا: [من الكامل] شوق إليك تفيض منه الأدمع ... وجوى عليك تضيق عنه الأضلع وهوى تجدّده الليالي كلما ... قدمت وترجعه السّنون فيرجع يقتادني طربي إليك فيغتلي ... وجدي ويدعوني هواك فأتبع كلفا بحبّك مولعا ويسرّني ... أنّي امرؤ كلف بحبّك مولع [140]- وقال أيضا: [من الطويل] قضى الله أني منك ضامن لوعة ... تقضّى الليالي وهي ثاو مقيمها أميل بقلبي عنك ثم أردّه ... وأعذر نفسي فيك ثم ألومها [141]- وقال جميل: [من الطويل] أظنّ هواها تاركي بمضلّة ... من الأرض لا مال لديّ ولا أهل محاحبّها حبّ الأولى كان قبلها ... وحلّت مكانا لم يكن حلّ من قبل [142]- وقال كثير: [من الطويل] أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل وقالوا نأت فاختر من الصبر والبكا ... فقلت البكا أشفى إذن لغليلي   [139] ديوان البحتري: 1310- 1311. [140] ديوانه: 2023. [141] لم ترد في ديوانه المجموع. [142] ديوان كثير: 108- 114. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 [143]- وقال ذو الرمّة: [من الطويل] إذا ذكرت عندي أئنّ لذكرها ... كما أنّ من حرّ السلاح جريح .............. «1» ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح «2» أبى الناس ويب الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علّة بصحيح [144]- وقال أيضا: [من الطويل] وجدت بها وجد المضلّ بعيره ... بمكّة والحجاج غاد ورائح وجدت بها ما لم تجد أمّ واحد ... بواحدها تطوى عليه الصفائح وجدت بها ما لم يجد ذو حرارة ... يراقب جمّات الركيّ البرائح [145]- وقال أيضا: [من الطويل] إذا غيّر النأي المحبّين لم أجد ... رسيس الهوى من ذكر ميّة يبرح فلا القرب يدني من هواها ملالة ... ولا حبّها إن تبرح الدار يبرح «3» تصرّف أهواء القلوب ولا أرى ... نصيبك من قلبي لغيرك يمنح إذا خطرت من ذكر ميّة خطرة ... على القلب كادت في فؤادك تجرح أناة يطيب البيت من طيب نشرها ... بعيد الكرى زين له حين يصبح   [143] لم يرد في ديوانه. [144] لم ترد في ديوانه. [145] ديوان ذي الرمة: 1192- 1200 (باختلاف في الترتيب) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 لئن كانت الدنيا عليّ كما أرى ... تباريح من ذكراك للموت أروح ويروى: من ميّ فللموت أروح [146]- وقال أعرابي: [من الطويل] أيا منشر الموتى أعنّي على التي ... بها نهلت نفسي سقاما وعلّت لقد بخلت حتى لو اني سألتها ... قذى العين من سافي التراب لضنّت ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... على الغصن ماذا هيّجت حين غنّت تغنّت بصوت أعجميّ فهيّجت ... هواي الذي كانت ضلوعي أجنّت فلو قطرت عين امرىء من صبابة ... دما قطرت عيني دما وألّمت إذا قلت هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لي بأخرى في غد قد أطلّت حلفت لها بالله ما أمّ واحد ... إذا ذكرته آخر الليل أنّت «1» وما وجد أعرابيّة قذفت بها ... صروف النّوى من حيث لم تك ظنّت إذا ذكرت ماء العضاه وطيبه ... وبرد حصاه آخر الليل حنّت «2» بأكثر منّي لوعة غير أنني ... أجمجم أحشائي على ما أجنّت [147]- وقال عروة بن حزام: [من الطويل] وإني لتعروني لذكراك فترة «3» ... لها بين جلدي والعظام دبيب   [146] الأغاني 5: 326- 327- 328 والحماسة البصرية 2: 143 وفي مجموعة المعاني: 205 (الأول والثاني) وفي أمالي القالي 1: 23 (4 أبيات) 1: 131 (3 أبيات) . [147] الأغاني 23: 306 والحماسة البصرية 2: 209. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 وما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب عشية لا عفراء منك بعيدة ... فتسلو ولا عفراء منك قريب لئن كان برد الماء حرّان صاديا ... إليّ حبيبا إنها لحبيب [148]- وقال عمرو بن ضبيعة: [من الطويل] تضيق جفون العين عن عبراتها ... فتسفحها بعد التجلّد والصّبر وغصة صدر أظهرتها فرفّهت ... حرارة حرّ في الجوانح والصدر ألا ليقل من شاء ما شاء إنما ... يلام الفتى فيما استطاع من الأمر قضى الله حبّ المالكية فاصطبر ... عليه فقد تجري الأمور على قدر [149]- وقال خلف بن خليفة: [من الطويل] سلبت عظامي لحمها فتركتها ... مجرّدة تضحى إليك وتخصر وأخليتها من مخّها فتركتها ... أنابيب في أجوافها الريح تصفر إذا سمعت باسم الفراق تقعقعت ... مفاصلها من هول ما تتنظّر خذي بيدي ثم ارفعي الثوب فانظري ... بي السقم إلا أنني أتستّر وليس الذي يجري من العين ماؤها ... ولكنّها روح تذوب فتقطر [150]- وقال عبد الله بن الدمينة الخثعمي: [من الطويل] أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهمّ بالليل جامع نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزّتني إليك المضاجع إذا نحن أنفدنا الدموع عشيّة ... فموعدنا قرن من الشمس طالع   [148] حماسة التبريزي 3: 187 والثالث والرابع في مجموعة المعاني: 205. [149] حماسة التبريزي 3: 196- 197 (للحارثي) وأمالي القالي 1: 162. [150] ديوان ابن الدمينة: 88، 90. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 [151]- وقال أيضا: [من الطويل] يقولون مجنون بسمراء مولع ... نعم زيد في حبّ لها وولوع وإني لأخفي حبّ سمراء في الحشا «1» ... ويعلم قلبي أنه سيشيع أظلّ كأني واجم لمصيبة ... ألمّت وأهلي سالمون جميع [152]- وقال أيضا: [من الطويل] ولما أبى إلا جماحا فؤاده ... ولم يغن «2» عن ليلى بمال ولا أهل تسلّى بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلّى بها تغري بليلى ولا تسلي [153]- وقال حسان بن ثابت: [من الطويل] كأنّ فؤادي في مخاليب طائر ... إذا ذكرتك النفس شدّت به قبضا كأنّ فجاج الأرض حلقة خاتم ... عليّ فما تزداد طولا ولا عرضا 154- وقال المأمون: [من المديد] نفس تدمى مسالكه ... وحنين لست أملكه والذي أخفيه من سقم ... فلسان الدمع يهتكه [155]- وقال ديك الجن: [من الطويل] كأنّ على قلبي قطاة تذكرت ... على ظمأ وردا فهزّت جناحها   [151] ديوان ابن الدمينة: 91- 92. [152] ديوانه: 94- 95 وأمالي القالي 1: 213 والحماسة البصرية 2: 173. [153] لم ترد في ديوان حسان. [155] مجموعة المعاني: 210 وديوان ديك الجن: 163. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 ولي كبد حرّى ونفس كأنها ... بكفّ عدوّ «1» ما يريد سراحها [156]- وقال بعض بني قشير: [من الطويل] ولما تبيّنت المنازل باللوى ... ولم تقض لي تسليمة المتزوّد زفرت إليها زفرة لو حشوتها ... سرابيل أبدان الحديد المسرّد لقصّت حواشيها وظلّت لحرّها ... تلين كما لانت لداود في اليد [157]- وقال آخر: [من الطويل] إذا كنت لا يسليك عمّن تودّه ... تناء ولا يشفيك طول تلاق فهل أنت إلّا مستعير حشاشة ... لمهجة نفس آذنت بفراق [158]- وقال أبو الشيص الخزاعي: [من الكامل] وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبّا لذكرك فليلمني اللّوم أشبهت أعدائي فصرت أحبّهم ... إذ كان حظّي منك حظّي منهم وأهنتني فأهنت نفسي عامدا ... ما من يهون عليك ممّن أكرم إن كان عندك قد أذلّني الهوى ... فبكلّ ناحية أعزّ وأكرم 159- وقال ابن الحجاج: [من الطويل] بديعة حسن الوجه ليس بمنكر ... عليك جوى قلبي ولا ببديع   [156] مجموعة المعاني: 210. [157] مجموعة المعاني: 210. [158] حماسة التبريزي 3: 174 والزهرة: 60 وأمالي القالي 1: 160 والحماسة البصرية 2: 149. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 سأبكيك لا أنّ المنى «1» يستفزّني ... لعود ووصل منك أو لرجوع ولكنّ نار الشوق لم أر مطفيا ... لها في فؤادي مثل فيض دموعي تبدّلت بي من لا يكون قنوعه ... يسرّ وما تولينه كقنوعي فعيشكما لا زال إلّا منغّصا ... وشملكما لا زال غير جميع 160- آخر: [من الطويل] كأنّ هموم الناس في الأرض كلّها ... عليّ وقلبي فيهم قلب واحد ولي شاهدا عدل سهاد وعبرة ... وكم مدّع للحبّ من غير شاهد [161]- وقال أبو نواس: [من مجزوء الخفيف] دع جنانا وذكرها ... عنك إن كنت عاقلا لا تذكّر بنفسك ال ... موت ما دام غافلا [162]- عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي: [من الطويل] أواجدة وجدي حمائم أيكة ... تميل بها ميل النزيف غصونها نشاوى وما مالت بخمر رقابها ... بواك وما فاضت بدمع عيونها أعيدي حمامات اللّوى إنّ عندنا ... لشجوك أمثالا يعود حنينها وكلّ غريب الدار يدعو همومه ... غرائب محشود عليها شجونها [163]- أبو إسحاق الحصري الأنصاري المغربي: [من الكامل]   [161] ديوان أبي نواس: 877. [162] الأنموذج: 176. [163] الأنموذج: 47. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 ولقد تنسّمت الرياح لعلّني ... أرتاح أن يبعثن منك نسيما فأثرن من حرق الصبابة كامنا ... وأذعن من سرّ الهوى مكتوما وكذا الرياح إذا مررن على لظى ... نار بدت ضرّمنها تضريما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 النوع الثاني في الإعراض والصد ّ [164]- قال البحتري: [من الطويل] علمتك إن منّيت منّيت موعدا ... جهاما وإن أبرقت أبرقت خلّبا فواأسفا حتّام أسأل مانعا ... وآمن خوانا وأعتب مذنبا [165]- وقال أيضا: [من الكامل] أين الغزال المستعير من النّقا ... كفلا ومن نور الأقاحي مبسما تظما مراشفنا إليه وريّها ... في ذلك اللّعس الممنّع واللّمى متعتّب في غير ما «1» متعتّب ... إن لم يجد جرما لديّ «2» تجرّما ألف الصدود فلو يمرّ خياله ... بالصبّ في سنة الكرى ما سلّما [166]- وقال عروة بن أذينة: [من الكامل] إنّ التي زعمت فؤادك ملّها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها   [164] ديوان البحتري: 197. [165] ديوان البحتري: 1958- 1959. [166] حماسة التبريزي 3: 121 وزهر الآداب: 166 والحماسة البصرية 2: 149 وشعر عروة: 358. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقّها وأجلّها حجبت تحيّتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلّها وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير إلى الفؤاد فسلّها [167]- وقال البحتري: [من البسيط] تصرّم الدهر لا وصل فيطمعني ... فيما لديك ولا يأس فيسليني ولست أعجب من عصيان قلبك لي ... يوما «1» إذا كان قلبي فيك يعصيني [168]- وقال آخر: [من الطويل] إذا كان هذا منك حقّا فإنني ... مداوي الذي بيني وبينك بالهجر ومنصرف عنك انصراف ابن حرّة ... طوى ودّه والطيّ أبقى من النشر [169]- وقال عبد الله بن الدّمينة: [من الطويل] ولما بدا لي منك ميل مع العدى ... عليّ ولم يحدث سواك بديل صددت كما صدّ الرميّ تطاولت ... به مدة الأيّام وهو قتيل وعزيت نفسا عن نوار كريمة ... عليّ بها من لوعة وغليل [170]- وقال أيضا: [من الكامل] وإذا غضبت «2» عليّ بتّ كأنني ... بالليل مستحر الفؤاد كليم   [167] ديوان البحتري: 2247- 2248 ومجموعة المعاني: 206. [168] حماسة التبريزي 3: 157 والحماسة البصرية 2: 180. [169] أمالي القالي 1: 217 وديوان ابن الدمينة: 36. [170] ديوان ابن الدمينة: 48 ومنها ثلاثة أبيات في حماسة التبريزي 3: 178. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 ولقد أردت الصبر عنك فعاقني ... علق بقلبي من هواك قديم يبقى على حدث الزمان وريبه ... وعلى جفائك إنّه لكريم واريته زمنا فعاد بحلمه ... إنّ المحبّ عن الحبيب حليم وعتبت حين صحوت «1» وهو بدائه ... شتّى العتاب مصحّح وسقيم [171]- وقال النظار الفقعسي: [من الطويل] يقولون هذي أمّ عمرو قريبة ... دنت بك أرض نحوها وسماء ألا إنّما قرب الحبيب وبعده ... إذا هو لم يوصل إليه سواء [172]- وقال ابن نباتة: [من المتقارب] ملالك علّمني في هوا ... ك أن أتمنّى النّوى والصدودا وكيف السبيل إلى رقدة ... أذكّر طيفك فيها العهودا [173]- وأغرب ابن الروميّ فحمد الإعراض فقال: [من مجزوء الرجز] ما ساءني إعراضه ... عنّي ولكن سرّني سالفتاه عوض ... عن كلّ شيء حسن عوّضني من حسنه ... حسنا فماذا ضرّني ما قلت أن قد عقّني ... بالصدّ إلا برّني [174]- وقال قيس بن ذريح: [الطويل]   [171] حلية المحاضرة 2: 225 ومجموعة المعاني: 206. [172] ديوان ابن نباتة: 2: 147. [173] ديوان ابن الرومي: 2335. [174] لم ترد في ديوانه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 وقد أيقنت نفسي ببينك برهة ... من الدهر لو يأتي بيأس يقينها صلي الحبل يحمل ما سواه فإنه ... يعفّي على غثّ الأمور سمينها [175]- وقال إسماعيل بن يسار: [من الكامل] لو تبذلين لنا دلالك مرّة ... لم نبغ منك سوى دلالك محرما ما ضرّ أهلك لو تطوّف عاشق ... بفناء بيتك أو ألمّ مسلّما [176]- وقال أبو الطيب المتنبي: [من البسيط] وما صبابة مشتاق على أمل ... من اللقاء كمشتاق بلا أمل والهجر أقتل لي مما أفارقه ... أنا الغريق فما خوفي من البلل 177- وقال ابن الحجاج: [من السريع] يا مولعا بالهجر مهلا فقد ... علّمتني الصبر على الهجر وقد تسببت لقلبي إلى ... سلوّه من حيث لا تدري صبرا وتسليما وهل لي إذا ... جنت سوى التسليم والصبر كم تتجنّى والتجنّي إذا ... فكّرت فيه أوّل الغدر [178]- عتب المأمون على عريب وهجرها أياما، ثم اعتلّت فعادها فقال: كيف وجدت طعم الهجر؟ فقالت: يا أمير المؤمنين لولا مرارة الهجر ما عرفت حلاوة الوصل، ومن ذمّ بدء الغضب حمد عاقبة الرضى؛ فخرج المأمون إلى جلسائه فحدثهم بالقصة وقال: أترى لو كان من كلام النّظام لم يكن كثيرا؟.   [175] الأغاني 4: 415. [176] ديوان المتنبي: 328. [178] الأغاني 21: 90. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 [179]- وكلّمها دفعة بكلام أغضبها فهجرته، فدخل أحمد بن أبي دواد فقال: يا أحمد اقض بيننا، فقالت عريب: لا حاجة لي في قضائه ودخوله بيننا، ثم أنشأت تقول: [من المنسرح] ونخلط الهجر بالوصال ولا ... يدخل في الصلح بيننا أحد [180]- وقال ابن مقبل: [من الطويل] فأصبحن لا يسقيننا من مودّة ... بلالا ولو سالت بهنّ الأباطح إذا الناس قالوا كيف أنت وقد بدا ... ضمير الهوى بي قلت للناس صالح أري الناس أني لا أحبّ وأنني ... سلوت وفي قلبي كلوم جوارح [181]- وقال عتيق بن مفرج المغربي: [من الكامل] خمصانة ملء الإزار إذا مشت ... تمشي الهوينا خطوها مقصور قالت وقد نظرت إليّ بمقلة ... هاروت من أجفانها مسحور عرّضت نفسي في الهوى وتلومها ... إنّ المحبّ على الهوى لجسور ما أنت أوّل مغرم هجر الكرى ... لما تيقّن أنه مهجور   [179] الأغاني 21: 91. [180] من قصيدة في ديوانه: 40- 47 وقد سقط البيت الأول المذكور هنا. [181] عتيق بن مفرج من أبناء تونس، ترجم له ابن رشيق في الأنموذج: 256 ولكن لم ترد أبياته هنالك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 النوع الثالث في الشوق والنزاع [182]- قال ابن ميّادة، وهو الرمّاح بن أبرد: [من الطويل] ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بحرّة ليلى حيث ربّبني أهلي بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وقطّعن عني حيث أدركني عقلي وروي أنّ عبد السلام ابن القتّال الكلابيّ أنشد ابن ميّادة البيت الثاني فأغار عليه وأدخله شعره. يقال: ربّيته ورببته، ومنه قول الأحوص: [من الطويل] وفي بيته مثل الغزال المربّب [183]- وقال آخر: [من الطويل] لعمرك إني يوم بانوا ولم أمت ... خفاتا على آثارهم لصبور أهذا ولّما تمض للبين ليلة ... فكيف إذا مرّت عليك شهور [184]- وقال آخر: [من الطويل] يقرّ بعيني أن أرى من بلادها ... ذرى عقدات الأجرع المتقاود   [182] حماسة ابن الشجري: 166 وتنسب في الحماسة البصرية 2: 130 لغيره. [183] أمالي القالي 2: 267 وحماسة ابن الشجري: 161- 162 والحماسة البصرية 2: 127. [184] أمالي القالي 1: 63 والحماسة البصرية 2: 134 (لثعلبة الكلابي) وهي في السمط: 226 لنبهان العبشمي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 وأن أرد الماء الذي وردت به ... سليمى وقد ملّ السّرى كلّ واحد وألصق أحشائي ببرد ترابه ... ولو كان ممزوجا بسمّ الأساود [185]- وقال جميل: [من الطويل] وما صاديات حمن يوما وليلة ... على الماء يغشين العصيّ حواني لوابث لا يصدرن عنه لوجهة ... ولا هنّ من برد الحياض دواني يرين حباب الماء والموت دونه ... فهنّ لأصوات السقاة رواني بأوجع مني جهد شوق وغلّة ... إليك ولكنّ العدوّ عداني [186]- وقال أبو الطيب المتنبي: [من الطويل] وما شرقي بالماء إلا تذكّرا ... لماء به أهل الحبيب نزول يحرّمه لمع الأسنّة فوقه ... فليس لظمآن إليه سبيل [187]- وقال آخر: [من الطويل] رعاك ضمان الله يا أمّ مالك ... ولله عن يشقيك أغنى وأوسع يذكرنيك الخير والشرّ والذي ... أخاف وأرجو والذي أتوقّع [188]- وقال عبد الله بن نمير بن حسوسة الثقفي: [من الطويل] تعزّ بصبر لا وجدّك لن ترى ... عراض الحمى إحدى الليالي الغوابر كأنّ فؤادي من تذكّره الحمى ... وأهل الحمى يهفو به ريش طائر   [185] ديوان جميل: 201 والمختار من شعر بشار: 54 وزهر الآداب: 176. [186] ديوان المتنبي: 348. [187] حماسة التبريزي 3: 152 والحماسة البصرية 2: 222. [188] الأغاني 6: 6 (للصمة القشيري) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 [189]- وقال آخر، وجدتها في ديوان إبراهيم بن العباس: [من الكامل] باتت تشوّقني برجع حنينها ... وأبيت أسعدها برجع حنيني إلفان مغتربان بين مهامه ... طويا الضلوع على هوى مكنون [190]- وقال آخر: [من الطويل] ولو وقفت ليلى بقبري وقد عفت ... معالمه واستفتحت بسلام لحنّت إليها بالتحيّة رمّتي ... ورنّت بترجيع السلام عظامي [191]- وقال آخر: [من الطويل] لا تعذلينا في الزيارة إنني ... وإياك كالظمآن والماء بارد تراه قريبا دانيا غير أنّه ... تحول المنايا دونه والرواصد 192- وقال عون الكندي الكاتب: [من الطويل] سقى الله أيّاما لنا ولياليا ... مضين فما يرجى لهنّ رجوع إذ العيش صاف والأحبّة جيرة ... وإذ كلّ أيام الزمان ربيع وإذ أنا أمّا للعواذل في الصبا ... فعاص وأمّا للهوى فمطيع [193]- وقال عمرو بن قميئة: [من الكامل] لله عيشتنا بجوّ سويقة ... والعيش غضّ والزمان غرير طابت فقصّر طيبها أيامها ... فكأنما فيها السنون شهور   [189] الطرائف الأدبية: 151 (رقم: 84) . [190] مجموعة المعاني: 206. [191] مجموعة المعاني: 206. [193] لم ترد في ديوانه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 [194]- وقال يحيى بن طالب الحنفي: [من الطويل] إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاني الهوى وارتاح قلبي إلى الذكر كأنّ فؤادي كلّما مرّ راكب ... جناح عقاب رام نهضا إلى الوكر أحقّا عباد الله أن لست ناظرا ... إلى قرقرى يوما وأعلامها الغبر يقولون إنّ الهجر يشفي من الجوى ... ولا ازددت إلّا ضعف ما بي من الهجر تنحّيت عنها كارها وتركتها ... وهجرانها عندي أمرّ من الصبر [195]- وقال قيس بن ذريح: [من الطويل] لقد خفت ألّا تقنع النفس بعدها ... بشيء من الدنيا وإن كان مقنعا وأعذل فيها النفس إذ حيل دونها ... وتأبى إليها النفس إلّا تطلعا [196]- وقال أيضا، ويروى لمزاحم: [من الطويل] إلى الله أشكو فقد ليلى «1» كما اشتكى ... إلى الله فقد الوالدين يتيم بكت دارهم من نأيهم وتهلّلت ... دموعي فأيّ الجازعين ألوم أمستعبر يبكي من الشوق والبلى ... أم آخر يبكي شجوه ويهيم [197]- وقال الصمة بن عبد الله القشيري: [من الطويل] ألا قاتل الله اللّوى من محلة ... وقاتل دنيانا بها كيف ولّت غنينا زمانا باللّوى كيف «2» أصبحت ... عراض اللّوى من أهلها قد تخلّت   [194] الحماسة البصرية 2: 136 وأمالي القالي 1: 123 ومعجم البلدان (قرقرى) . [195] الأغاني 9: 190 ومجموعة المعاني 206. [196] الأغاني 9: 196. [197] ديوان الصمة: 38. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 وأول الأبيات وهي من هذا النوع: ألا من لعين ما ترى قلل الحمى ... ولا أبرق الظمآن إلّا استهلّت لجوج إذا لجّت بكيّ إذا بكت ... بكت فأدقّت في البكا وأجلّت 198- أبو بكر الوراق التميمي المغربي: [من الخفيف] تعبي راحتي وأنسي انفرادي ... وشفائي الضنّا ونومي سهادي لست أشكو فعال من صدّ عني ... أيّ بعد وقد ثوى في فؤادي هو يختال بين قلبي وعيني ... وهو ذاك الذي يرى في السواد 199- أنشد الجاحظ: [من الطويل] عسى أن تحلّ الحيّ جرعاء وابل ... وعلّ النوى بالظاعنين تريع أفي كلّ عام زفرة مستجدّة ... تضمّنها منّي حشا وضلوع [200]- وقال جميل: [من الطويل] أشوقا ولمّا يمض لي غير ليلة ... رويد الهوى حتى يغبّ لياليا لحى الله أقواما يقولون إننا ... وجدنا بعيد النأي للحبّ شافيا 201- ومثله: [من الطويل] أشوقا ولمّا تمض لي غير ليلة ... فكيف إذا جدّ المسير بنا عشرا [202]- ومثله لكثير: [من الطويل] لعمرك إنّ الجزع أمسى ترابه ... من الطيب كافورا وعيدانه رندا   [200] لم ترد في ديوان جميل، والأول في الكامل: 385 للمجنون. [202] لم ترد في ديوان كثير. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 وما ذاك إلا أن مشت في عراصه ... عزيزة في سرب وجرّت به بردا وأصبح ماء الشعب خمرا وأصبحت ... جلاميده مسكا وأوراقه وردا وظلّت ظبا البيداء ترعى خمائلا ... سقتها رياح الجوّ من سحبها شهدا [203]- وقال آخر: [من الطويل] فإن ترجع الأيّام بيني وبينها ... بذي الأثل صيفا مثل صيفي ومربعي أشدّ بأعناق النوى بعد هذه ... مرائر إن جاذبتها لم تقطّع [204]- وقال الصمة القشيري، ويروى لغيره: [من الطويل] وأذكر أيّام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تقطّعا فليست عشيّات الحمى برواجع ... عليك ولكن خلّ عينيك تدمعا [205]- وقال آخر: [من الطويل] سقى بلدا أمست سليمى تحلّه ... من المزن ما تروى به وتسيم وإن لم أكن من ساكنيه فإنه ... يحلّ به شخص عليّ كريم ألا حبّذا من ليس يعدل قربه ... لديّ وإن شطّ المزار نعيم ومن لا مني فيه حبيب وصاحب ... فردّ بغيظ صاحب وحميم [206]- وقال ابن نباتة: [من البسيط] يا حبذا أرض نجد كيف ما سمحت ... بها الخطوب على يسر وإعسار   [203] حماسة التبريزي 3: 179- 180. [204] حماسة التبريزي 3: 113، 114 وأمالي القالي 1: 190- 191 وديوان الصمة: 96. [205] أمالي القالي 1: 37 والحماسة البصرية 2: 186. [206] مجموعة المعاني: 206 (الثالث والرابع) وديوان ابن نباتة 1: 554. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 وحبّذا دمث من أرضها عبق ... هبّت عليه رياح غبّ أمطار أحبّها وبلاد الله واسعة ... حبّ البخيل غناه بعد إقتار ما كنت أول من حنّت ركائبه ... شوقا وفارق إلفا غير مختار [207]- وقال أبو القمقام الأسدي: [من الكامل] اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كلّ المشارب مذ هجرت ذميم سقيا لظلّك بالعشيّ وبالضّحى ... ولبرد مائك والمياه حميم لو كنت أملك برد مائك لم يذق ... ما في قلاتك ما حييت لئيم 208- وقال ابن الحجاج: [من السريع] يا ليلتي هل لك أن ترجعي ... حتى أرى فيك حبيبي معي ماذا على الصبح الذي راعني ... لو أنه أبطا ولم يسرع اذانه شتّت شمل الهوى ... ليت أذان الصبح لم يسمع [209]- وقال رجل من بني كلاب: [من الطويل] نحنّ إلى الرّمل اليماني صبابة ... وهذا لعمري إن رضيت كثيب فأين الأراك الدّوح والسّدر والغضا ... ومستخبر عمّن نحبّ قريب هناك تغنّينا الحمام ونجتني ... جنى اللهو يحلولي لنا ويطيب [210]- وقال خارجة بن فليح: [من الطويل] أحنّ إلى ليلى وقد شطّ وليها ... كما حنّ محبوس عن الإلف نازع   [207] حماسة التبريزي 3: 176 وأمالي القالي 1: 141 ومعجم البلدان (وشل) . [209] أمالي القالي 1: 125. [210] أمالي القالي 1: 223 ومجموعة المعاني: 206. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 إذا خوّفتني النفس بالنأي تارة ... وبالصّرم منها كذّبتها المطامع أكلّ هواك الطّرف عن كلّ بهجة ... وصمّت عن الداعي إليك المسامع [211]- وقال ذو الرمّة: [من الطويل] ومن حاجتي لولا التنائي وربّما ... منحت الهوى من ليس بالمتقارب عطابيل بيض من ربيعة عامر ... رقاق الثنايا مشرفات الحقائب [212]- وقال أيضا: [من البسيط] تعتادني زفرات حين أذكرها ... تكاد تنقضّ منهنّ الحيازيم هام الفؤاد لذكراها وخامره ... منها على عدواء الدار تسقيم فما أقول ارعوى إلا تهيّضه ... حظ له من خبال الشوق مقسوم [213]- وله أيضا: [من الطويل] أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق وقفنا فسلّمنا فكاد بمشرف ... لعرفان صوتي دمنة الدار تنطق تجيش إليّ النفس في كلّ منزل ... لميّ ويرتاح الفؤاد المشوّق [214]- وله أيضا: [من الطويل] إذا ذكّرتك النفس ميّا فقل لها ... أفيقي فأيهات الهوى من مزارك وما ذكرك الشيء الذي ليس راجعا ... به الوجد إلا خفقة من ضلالك «1»   [211] ديوان ذي الرمة: 194. [212] ديوان ذي الرمة: 381، 384، 386. [213] ديوان ذي الرمة: 456. [] 214) ديوان ذي الرمة: 420. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 أما والذي حجّ الملبّون «1» بيته ... شلالا ومولى كلّ باق وهالك لئن قطع اليأس الحنين فإنه ... رقوء لتذراف الدموع السوافك لقد كنت أهوى الأرض ما يستفزّني ... لها الشوق إلا أنّها من ديارك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 النوع الرابع في ذكر الوداع [215]- وقال الشماخ: [من الطويل] وأعجلنا وشك الفراق وبيننا ... حديث كتنفيس المريضين مزعج حديث لو انّ اللحم يصلى بحرّه ... غريضا أتى أصحابه وهو منضج [216]- وقال بعض العرب: [من الطويل] ومما شجاني أنها يوم ودّعت ... تولّت وماء العين في الجفن حائر فلما أشارت من بعيد بنظرة ... إليّ التفاتا أسلمتها المحاجر يقولون لا تنظر وتلك بليّة ... ألا كلّ ذي عينين لا بدّ ناظر ألام بأن حنّت قلوصي من الهوى ... ولا ذنب لي في أن تحنّ الأباعر [217]- وقال البحتري: [من الكامل] رحلوا فأيّة عبرة لم تسكب ... أسفا وأيّ عزيمة لم تغلب لو كنت شاهدنا وما صنع الهوى ... بقلوبنا لحسدت من لم يحبب شغل الرقيب وأسعدتنا خلوة ... في هجر هجر واجتناب تجنّب   [215] ديوان الشماخ: 433 والتشبيهات: 110 ومجموعة المعاني: 179، والبيتان لأم الضحاك المحاربية في الوحشيات: 191 وانظر أمالي القالي 2: 86. [216] حماسة التبريزي 3: 123. والبيتان الثالث والرابع في مجموعة المعاني: 206. [217] ديوان البحتري: 78- 79. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 تشكو الفراق إلى قتيل صبابة ... شرق المدامع بالفراق معذّب [218]- وقال المتنبي: [من الكامل] وجلا الوداع من الحبيب محاسنا ... حسن العزاء وقد جلين قبيح فيد مسلّمة وطرف شاخص ... وحشا يذوب ومدمع مسفوح [219]- وقال جرير: [من الوافر] أتنسى إذ تودّعنا سليمى ... بعود بشامة سقي البشام فلو وجد الحمام كما وجدنا ... بسلمانين لا كتأب الحمام بنفسي من تجنّبه عزيز ... عليّ ومن زيارته لمام ومن أمسى وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام [220]- وقال البحتري: [من الكامل] وأنا الفداء لمرهف غضّ الصبا ... يوهيه حمل وشاحه وعقوده قصرت تحيّته فجاد بخدّه ... يوم الوداع لنا وضنّ بجيده ولو استطاع لكان يوم وصاله ... للمستهام مكان يوم صدوده [221]- وقال ابن الرومي: [من المنسرح] لو كنت يوم الفراق حاضرنا ... وهنّ يطفين غلّة الوجد لم تر إلا دموع باكية ... تسفح من مقلة على خدّ كأنّ تلك الدموع قطر ندى ... يقطر من نرجس على ورد   [218] ديوان المتنبي: 60 ومجموعة المعاني: 206. [219] ديوان جرير: 279. [220] ديوان البحتري: 694. [221] مجموعة المعاني: 207 وديوان ابن الرومي 1: 767. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 [222]- وقال أيضا: [من الوافر] تلاقينا لقاء لافتراق ... كلانا منه ذو قلب مروع فما افترّت شفاه عن ثغور ... بل افترّت جفون عن دموع 223- وقال الطائي: [من الكامل] مدّت إليك بنانة أسروعا ... تصف الفراق ومقلة ينبوعا كادت لعرفان النوى ألفاظها ... من رقة الشكوى تكون دموعا [224]- وقال البصير: [من الطويل] ألمّت بنا يوم الرحيل اختلاسة ... فأضرم نيران الهوى النظر الخلس تأنّت قليلا وهي ترعد خيفة ... كما تتأنّى حين تعتدل الشمس فخاطبها صمتي بما أنا مضمر ... وأبلست حتى ليس يعلم لي حسّ وولّت كما ولّى الشباب لطيّة «1» ... طوت دونها كشحا على نأيها النفس 225- وقال الحسن بن هاني: [من الكامل المرفل] وكأنّ سلمى إذ تودّعنا ... وقد اشرأبّ الدمع أن يكفا رشأ تواصين القيان به ... حتى عقدن بأذنه شنفا [226]- وقال المرتضى أبو القاسم الموسوي: [من الطويل] ويوم وقفنا للوداع وكلّنا ... يعدّ مطيع الشوق من كان أحزما   [222] ديوان ابن الرومي 4: 1470. [224] التشبيهات: 301. [226] ديوان المرتضى 3: 201 وأماليه 1: 116. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 نصرت بقلب لا يعنّف في الهوى ... وعين متى استمطرتها قطرت دما [227]- وقال أبو المطاع ابن ناصر الدولة بن حمدان: [من الكامل] لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... فشهدت حين نكرّر التوديعا أيقنت أنّ من الدموع محدّثا ... وعلمت أنّ من الحديث دموعا 228- وقال أبو الحسين بن لنكك البصري: [من الوافر] وقفنا موقف التوديع نوطي ... نجوم الدمع آفاق الغروب تعجّب من عناق حرّ دمعا ... وتقبيل يشيّع بالنحيب وقد ضاق العناق فلو فطنّا ... دخلنا في المخانق والجيوب 229- وقال جعفر بن علبة الحارثي: [من الطويل] أشارت بطرف العين وهي حزينة ... تودّعنا إذ لم يبيّن كلامها فلو كنت أبكي للفراق صبابة ... شفى بعض وجدي من جفوني انسجامها ولكنها عين كتوم لدمعها ... إذا ما حبال الوصل جدّ انصرامها وخبّرتها تهدي السلام ودونها ... جبال السرى تثليثها وإكامها فإنّ التي أهدت على نأي دارها ... سلاما لمردود عليّ سلامها [230]- وقال ذو الرمّة: [من الطويل] عدون فأحسنّ الوداع فلم نقل ... كما قلن إلا ما تشير الأصابع ولما تلاحقنا ولا مثل ما بنا ... من الوجد لا تنقضّ منه الأضالع تخلّلن أبواب الخدور بأعين ... غرابيب والألوان بيض صوادع   [227] ابن خلكان 2: 280؛ 3: 207. [230] ديوان ذي الرمة: 1285. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 وخالسن تبساما إلينا كأنما ... تصيب به حبّ القلوب القواطع [231]- وقال آخر: [من الطويل] ولا أنسى من أسماء بالأمس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكامل تمتّع بذا اليوم القصير فإنه ... رهين بأيام الشهور الأطاول [232]- وقال البحتري: [من السريع] إن أنت ودّعت بتقبيلة ... كانت يدا مشكورة للفراق أحاذر البين من اجل النوى ... طورا وأهواه من اجل العناق [233]- وقال أبو دهبل: [من الطويل] فوا ندما إذ لم أعج إذ تقول لي ... تقدّم فشيّعنا إلى ضحوة الغد فأصبحت مما كان بيني وبينها ... سوى ذكرها من قابض الماء باليد وأنشد أبو السائب ذلك فقال: ما صنع شيئا، اكترى حمارا يشيّعهم ولا يقول: فواندمي، وأظنّه قد كان له عذر ولا يقدر يذكره، وقال للرجل: ما تقول أنت؟ فقال الرجل: وأنا أظنّه قد كان له عذر، قال: وما هو، قال الرجل: لا أدري، قال: أظنّه قد كان مثلي لا يجد شيئا. [234]- الحسين بن الضحاك: [من الكامل] نفسي الفداء لخائف مترقّب ... جعل الوداع إشارة بعناق إذ لا جواب لمفحم متحيّر ... إلا الدموع تصان بالإطراق   [231] أمالي القالي 1: 161 والحماسة البصرية 2: 110. [232] ديوان البحتري: 1514. [233] ديوان أبي دهبل: 115. [234] أشعار الحسين: 84. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 [235]- المتنبي: [من الطويل] ولم أر كالألحاظ يوم رحيلهم ... بعثن بكلّ القتل من كلّ مشفق عشيّة يعدونا عن النظر البكا ... وعن لذّة التوديع خوف التفرّق نودّعهم والبين فينا كأنه ... قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق   [235] ديوان المتنبي: 336 والأول والثاني في مجموعة المعاني: 207. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 النوع الخامس في المسرة واللقاء عند الإياب [236]- قال البحتري: [من الطويل] وقد ضمّنا وشك التلاقي ولفّنا ... عناق على أعناقنا ثمّ ضيّق فلم نر إلّا مخبرا عن صبابة ... بشكوى وإلا عبرة تترقرق فأحسن بنا والدمع بالدمع واشج ... يمازجه والخدّ بالخدّ ملصق ومن قبل قبل التشاكي وبعده ... نكاد بها من شدّة الوجد نشرق فلو فهم الناس التلاقي وحسنه ... لحبّب من أجل التلاقي التفرّق [237]- وقال أيضا: [من الطويل] ولما التقينا والنقا موعد لنا ... تعجّب رامي الدّرّ حسنا ولا قطه فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه [238]- وقال الأخطل: [من الطويل] وإنّي وإياها إذا ما لقيتها ... لكالماء من بين الغمامة والخمر [239]- وقال عمرو بن حكيم بن معية: [من الطويل] خليليّ أمسى حبّ خرقاء عامدي ... ففي القلب منه زفرة وصدوع ولو جاورتنا الآن خرقاء لم نبل ... على جدبنا الّا يصوب ربيع   [236] ديوان البحتري: 1535 ومجموعة المعاني: 207 (الأول والثاني والخامس) . [237] ديوان البحتري: 123 ومجموعة المعاني: 212. [238] ديوان الأخطل: 212. [239] حماسة التبريزي 3: 194. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 النوع السادس في ذكر الطّيف والخيال [240]- من أحسن ما قيل في الخيال قول قيس بن الخطيم: [من الكامل] أنّى سربت وكنت غير سروب ... وتقرّب الأحلام غير قريب ما تمنعي يقظى فقد تؤتينه ... في النوم غير مصرّد محسوب [241]- وتبعه البحتري فقال: [من الخفيف] ما نقضّي لبانة عند لبنى ... والمعنّى بالغانيات معنّى هجرتنا يقظى وكادت على مذ ... هبها في الصدود تهجر وهنا وقال أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي: أخطأ البحتريّ في قوله: هجرتنا يقظى، قال: لأنّ خيالها يتمثل له في كل أحوالها، أيقظى كانت أو وسنى؛ قال: والجيّد في هذا المعنى قوله: [من البسيط] أردّ دونك يقظانا ويأذن لي ... عليك سكر الكرى إن جئت وسنانا قال: والذي أوقعه في ذلك قول قيس بن الخطيم، وكان الأجود أن يقول: ما تمنعي في اليقظة فقد تؤتينه في النوم، أي ما تمنعنيه في يقظتي فقد تؤتينه في   [240] التشبيهات: 15 وطيف الخيال: 45 وأمالي القالي 2: 273 وحلية المحاضرة 1: 207 ومجموعة المعاني: 145 ونهاية الأرب 2: 237 وديوان قيس: 15- 16. [241] ديوان البحتري: 2143 وطيف الخيال: 39 (ومعه التعليق) وانظر الموازنة 1: 353- 355. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 حال نومي، حتى يكون النوم واليقظة منسوبين إليه، لأنّ خيال المحبوب يتمثل في حال نومه ويقظته جميعا، إلا أنه يتسع من التأويل في هذا لقيس ما لا يتسع للبحتري، لأنّ قيسا قال: فقد تؤتينه في النوم، ولم يقل: تؤتينه نائمة، وقد يجوز أن يحمل على أنه أراد ما تمنعي يقظى أي وأنا يقظان، فقد تؤتينه في النوم، أي: في نومي، ولا يسوغ مثل ذلك في بيت البحتري لأنه قال: وسنى، ولم يقل: في الوسن. 242- وقال عمرو بن مالك الجعدي: [من الطويل] ألا طرقتنا أمّ أوس ودونها ... من القفّ أعلام له وجنود فلما انتبهنا للخيال الذي سرى ... إذا الأرض قفر والمزار بعيد فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ... لعلّ خيالا طارقا سيعود [243]- وقال البحتري: [من الطويل] ألمّت بنا بعد الهدوّ فسامحت ... بوصل متى نطلبه في الجدّ تمنع وربّ لقاء لم يؤمّل، وفرقة ... لأسماء لم تحذر ولم تتوقّع أسرّ بقرب من ملمّ مسلّم ... وأشجى ببين من حبيب مودّع فكائن لنا بعد النوى من تفرّق ... تزجّيه أحلام الكرى، وتجمّع [244]- وقال أيضا: [من الطويل] وإني وإن ضنّت عليّ بودّها ... لأرتاح منها للخيال المؤرّق يعزّ على الواشين لو يعلمونها ... ليال لنا نزدار فيها ونلتقي فكم غلّة للشوق أطفأت حرّها ... بطيف متى يطرق دجى الليل يطرق   [243] ديوان البحتري: 1237- 1238 ومجموعة المعاني: 145 (الأول والرابع) والأول مع آخر في أمالي القالي 1: 228- 229. [244] ديوان البحتري: 1508- 1509 ومجموعة المعاني: 145 (الثالث والرابع) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 أضمّ عليه جفن عيني تمسّكا ... به عند إجلاء النعاس المرنّق [245]- وقال أيضا: [من الطويل] ولم أر مثلينا ولا مثل شأننا ... نعذّب أيقاظا وننعم هجّدا [246]- وقال أيضا: [من الطويل] وليلة هوّ منا على العيس أرسلت ... بطيف خيال يشبه الحقّ باطله فلولا بياض الصبح طال تشبّثي ... بعطفي غزال بتّ وهنا أغازله [247]- وقال العباس بن الأحنف: [من الوافر] خيالك حين أرقد نصب عيني ... إلى وقت انتباهي لا يزول وليس يزورني صلة ولكن ... حديث النفس عنك به الوصول وتبعه أبو تمام في هذا المعنى فقال: [من البسيط] زار الخيال بها لا بل أزاركه ... فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم ظبي تقنّصته لما نصبت له ... في آخر الليل أشراكا من الحلم وقال أيضا في المعنى: [من الخفيف] نم فما زارك الخيال ولكن ... أنت بالفكر زرت طيف الخيال [248]- وقال علي بن يحيى: [من المديد]   [245] ديوان البحتري: 671 وطيف الخيال: 38. [246] ديوان البحتري: 1611 وطيف الخيال: 38 والتشبيهات: 78. [247] أمالي القالي 1: 229 (وفيه شعر أبي تمام) والتشبيهات: 76 ونهاية الأرب 1: 240 وديوان العباس: 231 وبيتا أبي تمام في طيف الخيال: 7- 8 والحماسة البصرية 2: 164 والتشبيهات: 76 ونهاية الأرب 1: 240، والبيت بعدهما في طيف الخيال: 13. [248] أمالي القالي 1: 229 والتشبيهات: 78؛ وأبيات أحمد بن يوسف في التشبيهات: 78 أيضا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 بأبي والله من طرقا ... كابتسام البرق إذ خفقا زارني طيف الحبيب فما ... زاد أن أغرى بي الأرقا ومثله لأحمد بن يوسف الكاتب: [من الرمل] في سبيل الله ودّ حسن ... دام من قلبي لوجه حسن وهوى ضيّعته في سكن ... ليس حظّي منه غير الحزن يرقد الليل ويستعذبه ... فإذا استعذبت طيب الوسن زارني منه خيال ما له ... أرب في غير أن يوقظني 249- وأنشد أبو القاسم ابن الفضل لنفسه بيتا ألمّ فيه بهذا المعنى وزاد عليه: [من البسيط] ما زارني طيفه إلّا موافقة ... على الكرى ثم ينفيه وينصرف في قوله: موافقة معنى لطيف لم أعثر عليه لمن تقدّم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 النوع السابع في الرقّة والنحول [250]- قال أعرابي: [من الطويل] ولو أنّ ما أبقيت مني معلّق ... بعود ثمام ما تأوّد عودها [251]- وقال المجنون: [من الطويل] ألا إنما غادرت يا أمّ مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب [252]- وقال المتنبي: [من الطويل] ولو قلم ألقيت في شقّ رأسه ... من السّقم ما غيّرت من خطّ كاتب [253]- وقال أيضا: [من الخفيف] حلت دون المزار فاليوم لو زر ... ت لحال النحول دون العناق 254- وقال العلوي: [من البسيط] أبقى الهوى فيه جسما كالهواء ضنى ... تنسّم الريح فيه وهو مفقود   [250] الكامل للمبرد 1: 140 وأمالي القالي 1: 43 وحلية المحاضرة 2: 214 ومجموعة المعاني: 210. [251] ديوان المجنون: 80 وحلية المحاضرة 2: 214 ومجموعة المعاني: 210. [252] ديوان المتنبي: 209. [253] ديوان المتنبي: 224 ومجموعة المعاني: 210. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 أتبعتها نفسا تدمى مسالكه ... كأنّه من حمى الأحشاء مقدود [255]- وأشار المتنبي إلى النحول فأحسن في قوله: [من الكامل] أمر الفؤاد جفونه ولسانه ... فكتمنه وكفى بجسمك مخبرا [256]- وقال أبو الحسن السلامي: [من البسيط] ما ضنّ عنك بموجود ولا بخلا ... أعزّ ما عنده النفس التي بذلا يحكي المطايا حنينا والهجير جوى ... والمزن دمعا وأطلال الديار بلى [257]- وقال الماهر: [من الوافر] وما أبقى الهوى والشوق مني ... سوى روح تردّد في خيال خفيت على النوائب أن تراني ... كأنّ الروح منّي في محال [258]- وقال ديك الجن: [من الهزج] كلانا غصن شطب ... فذا بال وذا رطب إذا ما هبت الريح ... ومال المرط والإتب أبانت منه ما طاب ... ومني ما برى الحبّ [259]- وقال أبو عثمان الخالدي: [من الطويل] بنفسي حبيب بان صبري لبينه ... وأودعني الأحزان ساعة ودّعا وأنحلني بالهجر حتى لو انني ... قذى بين جفني أرمد ما توجّعا   [255] ديوان المتنبي: 538 ومجموعة المعاني: 210. [256] يتيمة الدهر 2: 407. [257] مجموعة المعاني: 210. [258] ديوان ديك الجن: 210 عن شرح مقصورة حازم 1: 57. [259] ديوان الخالديين: 139. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 [260]- وقال ابن دريد: [من السريع] إنّ الذي أبقيت من جسمه ... يا متلف الصبّ ولم تشعر صبابة لو أنها دمعة ... تجول في جفنك لم تقطر   [260] ديوان ابن دريد: 39 وأمالي القالي 1: 207. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 النوع الثامن في البكاء والهمول [261]- قال ذو الرمّة، وهو قدوة في البكاء على الطلول: [من البسيط] ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلى مفريّة سرب [262]- وقال أيضا: [من الطويل] وما شنّتا خرقاء واهيتا الكلى ... سقى بهما ساق ولما تبلّلا بأضيع من عينيك للدمع كلّما ... تذكّرت ربعا أو توهّمت منزلا [263]- وقال أيضا: [من الطويل] قف العيس في أطلال ميّة فاسأل ... رسوما كأخلاق الرداء المسلسل أظنّ الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعا كتبديد الجمان المفصّل 264- وقال آخر: [من البسيط] استبق دمعك لا يودي البكاء به ... واكفف بوادر من عينيك تستبق ليس الشؤون وإن جادت بباقية ... ولا الجفون على هذا ولا الحدق [265]- وقال أحمد بن يوسف: [الكامل] عذب الفراق لنا قبيل وداعه ... ثم اجتدحناه بسمّ ناقع   [261] التشبيهات: 80 وديوان ذي الرمة: 9. [262] التشبيهات: 81 وأمالي القالي 1: 208 وديوان ذي الرمة: 1897. [263] ديوان ذي الرمة: 1451. [265] التشبيهات: 83 وقول الناشىء الأوسط في التشبيهات: 83؛ وبيتا السري الرفاء في ديوانه: 283 وبيت البحتري ليس في ديوانه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 وكأنما أثر الدموع بخدّها ... طلّ سقيط فوق ورد يانع وقريب منه قول الناشىء الأوسط: [من المتقارب] بكت للفراق فقد راعني ... بكاء الحبيب لقرب الديار كأنّ الدموع على خدّها ... بقية طلّ على جلّنار ومثله للسّريّ الرّفّاء: [من الوافر] وقفنا نحمد العبرات لما ... رأينا البين مذموم السجايا كأنّ خدودهنّ إذا التقينا ... شقيق فيه من طلّ بقايا وهذه كلّها مأخوذة من قول البحتري في عكسه لأحمد بن يوسف فإنه في عصره متقدّم عليهم: [من الطويل] شقائق يحملن النّدى فكأنها ... دموع التصابي في خدود الخرائد [266]- وقال الطائي: [من الكامل] ظعنوا فكان بكاي حولا كاملا ... ثم ارعويت وذاك حكم لبيد أجدر بلوعة جمرة إطفاؤها ... بالدمع أن تزداد طول وقود [267]- وقال أيضا: [من الكامل] نثرت فريد مدامع لم تنظم ... والدمع يحمل بعض ثقل المغرم وصلت دموعا بالنجيع فخدّها ... في مثل حاشية الرداء المعلم [268]- وقال أيضا: [من الكامل]   [266] ديوان أبي تمام 1: 392. [267] التشبيهات: 82 وديوان أبي تمام 3: 248. [268] التشبيهات: 85 وديوان أبي تمام 4: 148. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 مطر من العبرات خدّي أرضه ... حتى الصباح ومقلتاي سماؤه أحبابه ما يفعلون بقلبه ... ما ليس يفعله به أعداؤه [269]- وقال مسلم بن الوليد: [من الطويل] فآه من الأحزان إن أسفر الضحى ... وفي كبدي من بينهنّ حريق مزجنا دما بالدّمع حتى كأنّما ... يذاب بعيني لؤلؤ وعقيق [270]- وقال العباس بن الأحنف: [من المتقارب] بكت غير آنسة بالبكا ... ترى الدمع في مقلتيها غريبا وأسعدها بالبكا نسوة ... جعلن مغيض الدموع الجيوبا [271]- وقال أيضا: [من الكامل] نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عينا لغيرك دمعها مدرار من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار [272]- وقال دعبل: [من الكامل المرفل] لا أبتغي سقيا السحاب لها ... في مقلتي خلف من السقيا [273]- وقال أبو نواس: [من الخفيف] لا جزى الله دمع عيني خيرا ... وجزى الله كلّ خير لساني نمّ دمعي فليس يكتم شيئا ... ووجدت اللسان ذا كتمان   [269] التشبيهات: 83 ولم يردا في ديوانه. [270] التشبيهات: 85 وديوان العباس: 51. [271] التشبيهات: 86 وأمالي القالي 1: 209 وديوان العباس: 116. [272] أمالي القالي 1: 209 ولم يرد في ديوانه (نجم) . [273] التشبيهات: 86 وأمالي القالي 1: 209. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 كنت مثل الكتاب أخفاه طيّ ... فاستدلّوا عليه بالعنوان 274- وقال الصّولي: [من الطويل] فلا تنكرن لون الدموع فإنها ... يبيّضها تصعيدها من دم القلب ومثله لأبي العباس الضبي: [من البسيط] لا تحسبنّ دموعي البيض غير دمي ... وإنما نفسي الحامي يصعّده [275]- وقال البحتري: [من الكامل] سالت مقدمة الدموع وخلّفت ... حرقا توقّد في الحشا ما ترحل إنّ الفراق كما علمت فخلّني ... ومدامعا تسع الفراق وتفضل إلا يكن صبر جميل فالهوى ... نشوان يحمل فيه ما لا يجمل [276]- وقال أيضا: [من الوافر] وقفنا والعيون مشغّلات ... يغالب دمعها نظر كليل نهته رقبة الواشين حتى ... تعلّق لا يغيض ولا يسيل ونحوه قول ابن طاهر عبيد الله بن عبد الله: [من الطويل] ولا مقلتي من غامر الماء تنجلي ... ولا مدمعي من مكمد الوجد يقطر وهذا البيت أجاز به قول الأول أبي حيّة: [من الطويل] وقفت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من فرط الصبابة أنظر   [275] ديوان البحتري: 1753. [276] التشبيهات: 80 وأمالي القالي 1: 209 وديوانه: 1822. وشعر أبي حية في التشبيهات: 79 وأمالي القالي 1: 208 والحماسة البصرية 2: 120. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 فعيناي طورا تغرقان من البكا ... فأعشى وطورا تحسران فأبصر [277]- وقال آخر: [من الطويل] رعى الله عينا من بكاها على الحمى ... تجفّ ضروع المزن وهي حلوب بكت وغدير الحيّ طام فأصبحت ... عليه الجمال الحائمات تلوب وما كنت أدري أنّ عينا زكية ... ولا أنّ ماء المقلتين شروب [278]- وقال رجل من بني نهشل: [من الطويل] ألام على فيض الدموع وإنني ... بفيض الدموع الجاريات جدير أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه ... وأصبر عنها إنني لصبور 279- وقال آخر: [من الطويل] مررنا بأعلى الجزع من قلّة الحمى ... على طلل لم تبق إلّا معالمه وددت وقد عجنا نحيّيه أنّ لي ... دموع الورى دمع وأنّي ساجمه [280]- أبو حبيب المغربي، وقد أبدع: [من البسيط] تجري جفوني دماء وهو ناظرها ... ومتلف القلب وجدا وهو مرتعه إذا بدا حال دمعي دون رؤيته ... يغار منّي عليه فهو برقعه   [277] مجموعة المعاني: 207. [278] أمالي القالي 1: 131 ومجموعة المعاني: 207. [280] اسمه عبد الرحمن بن أحمد ولد بالمحمدية وتأدب بالأندلس ومدح محمد بن هشام بن عبد الجبار القائم بقرطبة. انظر الأنموذج: 141 والبيتان فيه ص: 143. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 النوع التاسع في إحماد المواصلة والعناق [281]- قال البحتري: [من البسيط] قد أطرق الغادة البيضاء مقتدرا ... على الشباب فتصبيني وأصبيها في ليلة لا ينال الصبح آخرها ... علقت بالراح أسقاها وأسقيها عاطيتها غضّة الأطراف مرهفة ... شربت من يدها خمرا ومن فيها [282]- وقال الحاتمي: [من الطويل] وعيش كنوّار الرياض استرقته ... اختلاسا وأحداث الليالي غوافل لماما وأغصان الشبيبة رطبة ... وماء الصبا في ورد خدّيّ جائل ويوم كحلي الغانيات سلبته ... حليّ الرّبى حتى انثنى وهو عاطل سبقت إليه الصبح والشمس غضّة ... وصبغ الدجى من مفرق الصبح «1» ناصل ونشوان من خمر الدلال سقيته ... شمولا فنمّت عن هواه الشمائل إذ العيش مخضرّ الأصائل ناعم ... وإذ زبرج الدنيا خليل مواصل   [282] ديوان البحتري: 2415- 2416. [282] اليتيمة 3: 110. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 [283]- وقال ابن الرومي: [من الطويل] أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تدان كأنّ فؤادي ليس يشفي غليله ... سوى أن يرى الروحين يمتزجان [284]- وقال أبو فراس ابن حمدان: [من الطويل] وكم ليلة ماشيت بدر تمامها ... إلى الصبح لم يشعر بأمري شاعر ولا ريبة إلا الحديث كأنه ... جمان وهى أو لؤلؤ متناثر أقول وقد ضجّ الحليّ وأشرفت ... ولم أر منها للصباح بشائر أيا ربّ حتى الحلي مما أخافه ... وحتى بياض الصبح مما أحاذر فيا نفس ما لاقيت من لاعج الهوى ... ويا قلب ما جرّت عليك النواظر [285]- وقال البحتري: [من الخفيف] تلك نعم لو أنعمت بوصال ... لشكرنا في الوصل إنعام نعم نسيت موقف الجمار وشخصا ... نا كشخص أرمي الجمار وترمي [286]- وقال أيضا: [من المتقارب] ولم أنس ليلتنا في الودا ... ع لفّ الصّبا بقضيب قضيبا [287]- وقال بكر بن خارجة: [من البسيط] رأيت شخصك في ليلي يعانقني ... كما يعانق لام الكاتب الألفا   [283] أمالي القالي 1: 226 ومجموعة المعاني: 207 وديوان المعاني 1: 223 وديوان ابن الرومي 2475. [284] ديوان أبي فراس: 105- 106. [285] ديوان البحتري: 1940. [286] ديوان البحتري: 150. [287] هو لبكر بن النطاح في الأغاني 19: 41. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 [288]- وقال ابن المعتز: [من السريع] كأنني عانقت ريحانة ... تنفّست في ليلها البارد فلو ترانا في قميص الدجى ... حسبتنا في جسد واحد [289]- وقال علي بن الجهم: [من الطويل] سقى الله ليلا ضمنّا بعد هجعة ... وأدنى فؤادا من فؤاد معذّب فبتنا جميعا لو تراق زجاجة ... من الراح فيما بيننا لم تسرّب [290]- وقال أيضا: [من الطويل] فبتنا معا لا يخلص الماء بيننا ... إلى الصبح دوني حاجب وستور [291]- وقال البحتري: [من الطويل] ولم أنسه إذ قام ثاني جيده ... إليّ وإذ مالت عليّ ذوائبه عناق يهدّ الصبر وشك انقضائه ... ويذكي الجوى أو يسكب الدمع ساكبه [292]- وقال آخر: [من الطويل] فبتنا على رغم الحسود وبيننا ... حديث كنشر المسك شيب به الخمر حديث لو انّ الميت نوجي ببعضه ... لأصبح حيّا بعد ما ضمّه القبر   [288] ديوان ابن المعتز (السامرائي) 1: 248 وأمالي القالي 1: 226. [289] ديوان ابن الجهم: 95 والذخيرة لابن بسام 1: 315 والمحب والمحبوب 1: 316. [290] لم نجده في ديوانه؛ والبيت في أمالي القالي 1: 226 (لبشار) وبعده البيت الثاني في القطعة رقم: 289. [291] ديوان البحتري: 214. [292] مجموعة المعاني: 207. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 293- وقال مزاحم بن الحارث العقيلي: [من الطويل] فبتنا ندامى ليلة لم نذق بها ... حراما ولم يبخل بحلّ ضنينها صفاحا بأيمان ترى أنّ مسّها ... شفاء الصّدى من علّة طال حينها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 النوع العاشر في شكوى الفراق واحتماله [294]- قال جميل: [من الطويل] وما مرّ يوم مذ تراخت «1» بنا النوى ... ولا ليلة إلا هوى منك رادف أهمّ بشكوى منك ثم تردّني ... إليك وتثنيني عليك العواطف فلا تحسبنّ النأي أسلى مودتي ... ولا أنّ عيني ردّها عنك طارف «2» 295- وقال آخر: [من البسيط] يا قلب ويحك ما سلمى بذي سلم ... ولا الزمان الذي قد فات يرتجع أكلّما مرّ ركب لا يلائمه ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا علّقتني بهوى منهم فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع لما دنا البين بين الحيّ واقتسموا ... حبل النوى وهي في أيديهم قطع جادت بأدمعها سلمى وعاجلني ... وشك الفراق فمن أبكي ومن أدع [296]- وقال ذو الرمّة: [من الطويل] نظرت إلى أظعان ميّ كأنها ... مولّية ميس تميل ذوائبه   [294] مجموعة المعاني: 211 وديوانه: 126. [296] ديوان ذي الرمة: 825. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 فأبديت منّي الدمع والدمع كاتم ... بمغرورق نمّت عليّ سواكبه فلمّا عرفنا آية البين بغتة ... وردّت لأحداج الفراق ركائبه ولم يستطع إلف لإلف تحية ... من الناس إلا أن يسلّم حاجبه تراءى لنا ما بين سجفين لمحة ... غزال أحمّ العين بيض ترائبه [297]- وقال قيس بن ذريح، ويروى لعبد الله بن مصعب الزبيري: [من الطويل] فإن يحجبوها أو يحل دون وصلها ... مقالة واش أو وعيد أمير فلن يمنعوا عينيّ من دائم البكا ... ولن يذهبوا ما قد أجنّ ضميري وكنّا جميعا قبل أن يظهر الهوى ... بأنعم حالي غبطة وسرور فما برح الواشون حتى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة لظهور لقد كان حسب النفس لو دام وصلها ... ولكنّما الدنيا متاع غرور [298]- وقال أيضا: [من الوافر] بكيت نعم بكيت وكلّ إلف ... إذا بانت قرينته بكاها وما فارقت لبنى عن تقال ... ولكن شقوة بلغت مداها [299]- وقال أيضا: [من الطويل] مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى لبنى الغداة شفيع يقولون صبّ بالنساء موكّل ... وما ذاك من فعل الرجال بديع إلى الله أشكو أمّة شقّت العصا ... هي اليوم شتّى وهي أمس جميع   [297] الأغاني 9: 193- 194 والأول والثاني في مجموعة المعاني: 208. [298] الأغاني 5: 192. [299] الأغاني 9: 206 وديوان المجنون: 190- 192. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 لعمرك إني يوم جرعاء مالك ... لعاص لأمر المرشدين مطيع ندمت على ما كان مني ومنكم ... كما ندم المغبون حين يبيع 300- وقال آخر: [من الطويل] وكلّ مصيبات الزمان عرفتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب وقلت لقلبي حين لجّ به الهوى ... وكلفني «1» ما لا أطيق من الحبّ ألا أيّها القلب الذي قاده الهوى ... أفق لا أقرّ الله عينك من قلب [301]- وقال أبو العباس النامي، وأحسن في قوله: [من الخفيف] سألت بالفراق صبا وماين ... بئها بالفراق مثل خبير هو بين الحشا صدوع وفي الأع ... ين ماء وجمرة في الصدور [302]- وقال علي بن الجهم: [من الكامل المرفل] فارقتكم وأعيش بعدكم ... ما هكذا كان الذي يجب إني لألقى الناس معتذرا ... من أن أعيش وأنتم غيب [303]- وقال ابن المعتز: [من الكامل] ومتيّم جرح الفراق فؤاده ... فالدمع من أجفانه يترقرق هزّته فرقة ساعة فكأنما ... في كلّ عضو منه قلب يخفق [304]- وقال أيضا: [من الطويل]   [301] اليتيمة 1: 245 ومجموعة المعاني: 208. [302] مصارع العشاق 2: 260. [303] التشبيهات: 303 وديوان ابن المعتز 1: 312. [304] التشبيهات: 276 وديوان ابن المعتز 1: 217. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 يقولون لي والبعد بيني وبينها ... نأت عنك ليلى وانطوى سبب القرب فقلت لهم والحبّ يفضحه البكا ... لئن فارقت عيني لقد سكنت قلبي يوهّمنيك الشوق حتى كأنما ... أناجيك من قرب وإن لم تكن قربي [305]- وقال أبو العتاهية: [من الطويل] أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي [306]- وقال ابن المعتز: [من مجزوء الرمل] ما أبالي بظنون ... وعيون أتّقيها لي من ذكراك مرآ ... ة أرى وجهك فيها [307]- وقال آخر: [من البسيط] إن كنت لست معي فالذكر منك معي ... يراك قلبي وإن غيّبت عن بصري العين تبصر من تهوى وتفقده ... وناظر القلب لا يخلو من النظر [308]- وقال الناجم: [من الطويل] لئن راح عن عينيّ أحمد غائبا ... لما هو عن عين الفؤاد بغائب له صورة في القلب لم يقصها النوى ... ولا تتخطّاها أكفّ النوائب إذا ساءني منه شحوط دياره ... فضاقت عليّ في هواه مذاهبي عطفت على شخص له، غير نازح ... منازله بين الحشا والترائب 309- وكتب المستظهر بالله أبو العباس إلى يوسف بن أحمد الجزري   [305] التشبيهات: 279 وأمالي القالي 2: 196 وديوان أبي العتاهية: 491. [306] التشبيهات: 279 وديوان ابن المعتز 1: 370. [307] التشبيهات: 280 ومعجم الأدباء: 824 (تحقيق عباس) . [308] التشبيهات: 280. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 وكيله في سفرة سافرها متمثلا: [من السريع] قلت وقالوا بان أحبابه ... وبدّلوه البعد بالقرب والله ما شطّت نوى نازح ... سار عن العين إلى القلب [310]- وقال البحتري: [من الكامل] وأبي الظعائن يوم رحن لقد مضى ... فيهنّ مجدول القوام قضيفه شمس تألّق بالفراق غروبها ... عنّا وبدر والرحيل كسوفه [311]- وقال العلوي: [من الكامل] ولقد نظرت إلى الفراق فلم أجد ... للموت لو فقد الفراق سبيلا «1» إنّ المصائب لو تصوّر ما عدت ... مترحّلا بالبين أو مرحولا يا ساعة البين انبري فكأنما ... وصلت بساعات القيامة طولا 312- وقال بعض العرب: [من البسيط] روّعت بالبين حتى ما أراع له ... وبالمصائب في أهلي وجيراني لم يترك الدهر لي علقا أضنّ به ... إلا اصطفاه بنأي أو بهجران [313]- وقال ابن نباتة: [من الطويل] فزعت إلى يأسي فلم أسل عنهم ... إذا اليأس لم يسل المحبّ فما يسلي تلافيت فيها قسوة الهجر بالبكا ... وداويت فيها عزّة الحبّ بالذلّ   [310] التشبيهات: 301 وديوان البحتري: 1422- 1423. [311] التشبيهات: 302. [313] ديوان ابن نباتة 1: 302. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 عشية أستعدي على البين مسعدا ... فينصرني دمعي ويخذلني أهلي فيا بين حل بيني وبين عواذلي ... إذا لم تحل بين المطيّة والرحل ويا دمع لا تهتك عليّ سرائري ... فلو شئت يوم البين كذبت ما تملي [314]- وقال المتنبي: [من الكامل] كم غرّ صبرك وابتسامك صاحبا ... لما رآه وفي الحشا ما لا يرى قد كنت أحذر بينهم من قبله ... لو كان ينفع حائنا أن يحذرا [315]- وأنشد ثعلب: [من المنسرح] ولّت بهم عنك نيّة قذف ... غادرت الشعب غير ملتئم واستودعت نشرها الديار فما ... تزداد طيبا إلا على القدم 316- وقال ابن الحجاج: [من الخفيف] إنّ يوم الفراق مذ بعدت في ... هـ وشطّت دار الحبيب القريب شرّد النوم عن جفوني كما أل ... لف ما بين مقلتي والنحيب 317- وقال أيضا: [من البسيط] يا مزعج النوم عن أجفان مغتبق ... على السهاد وبالأحزان مصطبح بيني وبينك وعد ليس يخلفه ... بعد المزار وعهد غير مطّرح فما ذكرتك والأقداح دائرة ... إلا مزجت بدمعي باكيا قدحي ولا سمعت بصوت فيه ذكر نوى ... إلا عصبت عليه كلّ مقترحي 318- وقال أيضا: [من البسيط] أما الغزال الذي نهوى فقد ظعنا ... فاستشعر الصبر أو مت بعده حزنا   [314] ديوان المتنبي: 537- 538. [315] زهر الآداب: 742 (لأعرابي) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 ما لي وللبين لم يترك على كبدي ... إلفا تقرّ به عيني ولا سكنا قد كنت أكتم وجدي بعد بينكم ... فاليوم يا حادي الأظعان قد علنا حمى جفوني الكرى شوقا إلى سكني ... يحرّك الوجد فينا كلّما سكنا [319]- وأنشد الجاحظ: [من الخفيف] أنا أبكي خوف الفراق لأني ... بالذي يفعل الفراق عليم   [319] مجموعة المعاني: 208. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 النوع الحادي عشر في الأرق والسهاد [320]- وقال ابن الرومي: [من المنسرح] حارب أجفانه الرقاد فما ... يسكن من ليله إلى سكن لم يخلق الدمع لامرىء عبثا ... الله أدرى بلوعة الحزن أساء بي ما أتيت من حسن ... إليّ في ما مضى من الزمن منعتني بعدك العزاء به ... يا ليت ما كان منك لم يكن [321]- وقال آخر: [من الوافر] جفت عيني عن التغميض حتى ... كأنّ جفونها عنها قصار 322- وقال ابن الحجاج: [من البسيط] يا من رضيت بها رزقا أعيش به ... وحدي وليس يفوت المرء ما رزقا أسلمت طرفي إلى شوق يعلّمه الس ... سهاد فامتحنته كيف قد حذقا نامي هنيئا لعينيك الرقاد فما ... أمسيت أعلم إلا الهمّ والأرقا إن فرّق الدهر شخصينا مراغمة ... فثمّ قلبان لا والله ما افترقا 323- وقال ابن المعتز: [الطويل] كليني لعين بالدموع شغلتها ... كما جاد يوما ذو أهاضيب ماطر وقد كنت أرعى النجم أنسبها به ... ولكن جفوني مطرقات سواهر   [320] ديوان ابن الرومي: 2441. [321] التشبيهات: 209 (لبشار) وديوانه (العلوي) : 110 وزهر الآداب: 946. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 النوع الثاني عشر في تعاطي الصبر والتجلّد [324]- قال غلام من بني فزارة: [من الطويل] فأعرض كيما يحسب الناس أنّما ... بي الهجر لا والله ما بي لك الهجر ولكن أروض النفس أنظر هل لها ... إذا فقدت يوما أحبّتها صبر [325]- وأنشد التّوزي: [من الطويل] فلو كنت أدري أن ما كان كائن ... هجرتك «1» أيام الفؤاد سليم تقاضيك عيناك الدموع كما لنا ... كما يتقاضاك الديون غريم ولكن حسبت الهجر شيئا أطيقه ... وما كان لي فيما حسبت عزيم [326]- وقال آخر: [من الطويل] وإن أك عن ليلى سلوت فإنما ... تسلّيت عن يأس ولم أسل عن صبر وإن يك عن ليلى غنى وتجلّد ... فربّ غنى نفس قريب من الفقر فيا ربّ إن أهلك ولم ترو هامتي ... بليلى أمت لا قبر أعطش من قبري   [324] مجموعة المعاني: 211. [325] الأول والثالث في أمالي القالي 2: 33. [326] مجموعة المعاني: 211 وحماسة المرزوقي: 1224. وهي للمجنون في ديوانه: 165. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 [327]- وقال نصيب: [من الطويل] أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها وما هجرتك النفس يا ميّ أنها ... قلتك ولكن قلّ منك نصيبها ولكنهم يا أحسن الناس أولعوا ... بقول إذا ما جيت هذا حبيبها [328]- وقالت ظبية الخضرية: [من الطويل] فلا يفرح الواشون بالهجر ربما ... أطال الحبيب الهجر والحبّ ناصح ويغدو النّوى بين المحبين والهوى ... مع القلب مطويّ عليه الجوانح [329]- وقال ذو الرمة: [من الطويل] وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع وأشفق من هجرانكم وتشفني ... مخافة وشك البين والشمل جامع وأعمد للأمر الذي لا أريده ... لترجعني يوما إليك الرواجع وأهجركم هجر البغيض وحبكم ... على كبدي منه شؤون صوادع [330]- ويروى للمجنون وغيره: [من الطويل] وأحبس عنك النفس والنفس صبّة ... بذكراك والممشى إليك قريب مخافة أن يسعى الوشاة بظنّة ... وأكرمكم أن يستريب مريب لقد جعلت نفسي وأنت اخترمتها ... وكنت أعزّ الناس عنك تطيب ولو شئت لم أغضب عليك ولم يزل ... لك الدهر مني ما حييت نصيب أما والذي يبلو السرائر كلّها ... ويعلم ما يبلو به ويغيب   [327] شعر نصيب (سلوم) : 68. [328] بلاغات النساء: 197. [329] ديوان ذي الرمة: 1286. [330] ديوان المجنون: 51. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 لقد كنت ممّن تصطفي النفس خلّة ... لها دون خلّان الصفاء حجوب [331]- وقال الصمة القشيري، ويروى للأقرع بن معاذ وغيره: [من الطويل] أتبكي على ليلى ونفسك باعدت ... مزارك من ليلى وشعباكما معا فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع «1» أن داعي الصبابة أسمعا بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا [332]- وقال أبو دهبل: [من الطويل] أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذا لصبور عفا الله عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكما عليّ تجور ويا عطشي والماء عذب أخوضه ... ويا وحشتا والمؤنسون كثير ويا حسرة في القلب يوم رحيلهم ... وليلى على ظهر البعير تسير وقال أبو القاسم بن المعتمر الزهري: أنشدت أبا السائب أبيات أبي دهبل هذه فقال لي: وابأبي، كنت والله أحبك وتثقل عليّ، وأنا الآن أحبك وتخفّ عليّ. 333- وقال أبو عبد الله ابن الحجاج: [من الطويل] هجرتك لا أنّ البعاد أفادني ... سلوا ولا أني بعهدك غادر   [331] الحماسة البصرية 2: 138 وحماسة التبريزي 3: 112 وديوان الصمة: 93. [332] ديوان أبي دهبل: 77- 78 (ولم يرد فيه الثالث والرابع) والأغاني 7: 140 (وفيه خبر أبي السائب) وينسب للمجنون وهو في ديوانه: 139. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 ولكن هو الهجر الذي كلّ كائن ... لمدته فيه وإن طال آخر [334]- غضبت متيم الهشامية على مولاها علي بن هشام، فتمادى عتبها فكتب إليها: الإدلال يدعو إلى الإملال، وربّ هجر دعا إلى صبر، وإنما سمي القلب قلبا لتقلّبه، ولقد صدق العباس بن الأحنف حيث يقول: [من الخفيف] لا أراني إلا سأهجر من لي ... س يراني أقوى على الهجران ملّني واثقا بحسن وفائي ... ما أضرّ الوفاء بالإنسان قال: فخرجت إليه من وقتها [ورضيت] [335]- عبد الله بن مصعب: [من الطويل] وإني وإن قصّرت عن غير بغضة ... لراع لأسباب المودّة حافظ وأنتظر العتبى وأغضي عن القذى ... ألاين طورا مرة وأغالظ وإني ليدعوني إلى الصّرم ما أرى ... وآبى وتثنيني إليك الحفائظ وأنتظر الإقبال بالودّ منكم ... وأصبر حتى أوجعتني المغائظ وجربت ما يسلي المحبّ من الهوى ... فأقصرت والتجريب للمرء واعظ [336]- أم فروة: [من الطويل] وما ماء مزن أي ماء تقوله ... تحدّر من غرّ طوال الذوائب بمنعرج أو بطن واد تقابلت ... عليه رياح المزن من كلّ جانب   [334] الأغاني 7: 285. [335] أمالي القالي 1: 254. [336] زهر الآداب: 185 (لعاتكة المرية) والزهرة 1: 121 (لزينب بنت فروة) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 نفى نسم الريح «1» القذى عن متونه ... فما إن به عيب يكون لشارب «2» بأطيب ممّن يقصر الطرف دونه ... تقى الله واستحياء ما في العواقب 337- وقال آخر: [من الطويل] ألا ربّ همّ يمنع النوم برحه ... أقام كقبض الراحتين على الجمر وشوق كأطراف الأسنّة في الحشا ... ملكت عليه طاعة الدمع أن يجري الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 النوع الثالث عشر في ذكر العذول والرقيب [338]- وقال بعض العرب: [من الطويل] يقولون مجنون بسمراء مولع ... بنفسي جنون في هوى «1» وولوع إذا أمرتني العاذلات بهجرها ... أبت كبد عمّا يقلن صديع وكيف أطيع العاذلات وحبّها ... يؤرقني والعاذلات هجوع [339]- وقال أحمد بن سليمان بن وهب، قال لي أبي: قد عزمت على معاتبة عمك، يعني الحسن بن وهب، في حبه لبنات، فقد شهر بها وافتضح، فكن معي وأعنّي عليه، وكان هواي مع عمي، فمضيت معه فقال له أبي وقد طال عتابه: يا أخي جعلت فداك الهوى ألذّ وأمتع، والرأي أصوب وأنفع، فقال عمي متمثّلا: إذا أمرتني العاذلات ... البيت فالتفت إليّ أبي ينظر ما عندي فتمثلت: [من الطويل] وإني ليلحاني على فرط حبّها ... رجال أطاعتهم قلوب صحائح فنهض أبي مغضبا وضمّني عمي إليه وقبّلني وانصرفت إلى بنات فحدثتها بما   [338] أمالي القالي 2: 60 (للضحاك) واختلفت رواية البيتين الثاني والثالث. والثاني والثالث في الأغاني 22: 542 وقارن برقم: 151. [339] الأغاني 22: 541- 542. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 جرى وعمي يسمع، فأخذت العود وغنّت: [من الوافر] يلومك في محبتها «1» رجال ... لو انهم برأيك «2» لم يلوموا [340]- وقال ابن الرومي: [من الكامل] وشكى الشجي من الخلي ملامة ... وشكى «3» الوفيّ تلوّن المذّاق فدع المحبّ من الملامة إنها ... بئس الدواء لموجع مقلاق لا تطفئنّ جوى بلوم إنه ... كالريح تغري النار بالإحراق [341]- وقال الحسن بن هانىء: [من السريع] ما حطّك الواشون من رتبة ... عندي وما ضرّك مغتاب كأنما أثنوا ولم يعلموا ... عليك عندي بالذي «4» عابوا [342]- وقال محمد بن وهيب الحميري: [من المتقارب] ونظرة عين تلافيتها ... غرارا كما نظر الأحول مقسّمة بين وجه الحبيب ... ولحظ الرقيب متى يغفل [343]- وقال البحتري: [من الطويل] ولا بدّ من واش يتاح على النوى ... وقد يجلب الشيء البعيد جوالبه   [340] ديوان ابن الرومي 4: 1663. [341] ديوان أبي نواس: 721. [342] الأغاني 19: 6. [343] ديوان البحتري: 213. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 أفي كلّ يوم كاشح متكلّف ... ينم «1» علينا أو رقيب نراقبه [344]- وقال عبد الله بن المعتز: [من الخفيف] وابلائي من محضر ومغيب «2» ... وحبيب منّي بعيد قريب لم ترد ماء وجهه العين إلّا ... شرقت قبل ريّها برقيب [345]- وكان للمراكبي جارية يقال لها مظلومة، مليحة الوجه يبعثها مع عريب ترقبها، وكانت أجمل منها، فقال فيها الشاعر: [من الوافر] لقد ظلموك يا مظلوم لما ... أقاموك الرقيب على عريب ولو أولوك إنصافا وعدلا ... لما أخلوك أنت مع الرقيب أتنهين المريب عن المعاصي ... فكيف وأنت من شأن المريب وكيف يفارق «3» الجاني ذنوبا ... لديك وأنت داعية الذنوب [346]- وقال آخر في مثله: [من المتقارب] فديتك لو أنهم أنصفوا ... لما منعوا العين عن ناظريك ألم يقرأوا ويحهم ما يرو ... ن من وحي طرفك في مقلتيك وقد جعلوك «4» رقيبا لنا ... فمن ذا يكون رقيبا عليك   [344] ديوان ابن المعتز 1: 213. [345] الأغاني: 21: 72. [346] الأغاني 21: 72 (قال: وأظنه للناشىء) والبصائر 9: 26 (رقم: 64) وديوان المعاني 2: 228- 229 وإنباه الرواة 2: 129 وابن خلكان 3: 92 وأدرجت في مجموع شعر الناشىء في مجلة المورد (وفي البصائر تخريج كثير) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 تصدّين أعيننا عن سواك ... وهل تنظر العين إلّا إليك [347]- والجيّد في قول الوشاة قول أبي دهبل: [من الطويل] لقد قطع الواشون ما كان بيننا ... ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج هم منعونا ما نحبّ وأوقدوا ... علينا وشبّوا نار صرم تأجّج ولو تركونا لا هدى الله هديهم «1» ... ولم يلحموا قولا من الشرّ ينسج لأوشك صرف الدهر تفريق بيننا ... ولا يستقيم الدهر والدهر أعوج وإني لمحزون عشيّة زرتها ... وكنت إذا ما جئتها لا أعرّج فلما التقينا لجلجت في حديثها ... ومن آية الصدّ «2» الحديث الملجلج [348]- وقال العرجي: [من الكامل] وأطعت فيها الكاشحين فأكثروا ... فيها المقالة شامتا ومعرّضا وسفاهة بالمرء صرم حبيبه ... يرضي بهجرته العدوّ المبغضا [349]- وقال ذو الرمة: [من الطويل] وكنت إذا ما جئت ميّا مسلّما ... أتوني وفودا بين ساع وجالس غضابا إذا ما جئت ميّا أزورها ... عليّ ألا رغما لتلك المعاطس فإنّا على ما يزعم الناس بيننا ... من الودّ لا نهوى دنيّ المجالس كلانا أبى أن يقري السوء نفسه ... وفي النفس للإنسان أحرس حارس   [347] ديوان أبي دهبل: 54- 57. [348] لم نجد هذا الشعر في ديوانه. [349] لم ترد الأبيات في ديوان ذي الرمة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 النوع الرابع عشر في وصف المحبوب [350]- وقال حميد بن ثور الهلالي: [من الطويل] ولما استقلّ الحيّ في رونق الضّحى ... قضينا الوصايا والحديث المكتما «1» من البيض عاشت بين أمّ عزيزة ... وبين أب برّ أطاب «2» وأكرما منعمة لو يدرج الذرّ ساربا ... على جلدها بضّت مدارجه دما رقود الضحى لا تقرب الجيرة القصى ... ولا الجيرة الأدنين إلا تجشّما [351]- وقال الأخطل: [من الطويل] نواعم لم يلقين في العيش ترحة ... ولا عثرة من حدّ سوء يزيلها ولو بات يسري الذرّ فوق جلودها ... لأثّر في أبشارهنّ محيلها [352]- وقال تميم بن أبي بن مقبل: [من البسيط] ومأتم كالدّمى حور مدامعها ... لم تبأس العيش أبكارا ولا عونا   [350] مجموعة المعاني: 213 وديوان حميد: 20، 17. [351] مجموعة المعاني: 213 وديوان الأخطل: 242. [352] التشبيهات: 100 (6، 7، 4) وكذلك أمالي القالي 1: 229 وانظر ديوان ابن مقبل: 325- 330 . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 شمّ مخصّرة هيف منعّمة ... من كلّ داء بإذن الله يشفينا كأنهنّ الظباء الأدم أسكنها ... ضال بغرّة أو ضال بدارينا يمشين هيل النّقا لانت «1» جوانبه ... ينهال حينا وينهال الثرى حينا من رمل عرنان أو من رمل أسنمة ... جعد الثرى بات في الأمطار مدجونا يهززن للمشي أوصالا منعّمة ... هزّ الجنوب ضحى عيدان يبرينا أو كاهتزاز ردينيّ تعاوره «2» ... أيدي التّجار فزادوا متنه لينا نازع ألبابها لبّي بمختزن ... من الأحاديث حتى ازددن لي لينا في ليلة من ليالي الدهر صالحة ... لو كان بعد انصراف الدهر مأمونا [353]- وقال سحيم: [من الطويل] كأنّ الثريا علّقت فوق نحرها ... وجمر غضا هبّت له الريح ذاكيا تريك غداة البين كفّا ومعصما ... ووجها كدينار الأعزّة صافيا [354]- وقال عمرو بن شأس: [من الطويل] إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى للمطايا نور وجهك «3» هاديا أليس يزيد العيس خفة أذرع ... إذا كنّ حسرى أن تكوني أماميا 355- وقال بشر بن عقبة العدوي: [من الطويل] رأيتك فوق الناس يا أمّ مالك ... بجملة حسن أخرست من يعيبها   [353] ديوان سحيم عبد بني الحسحاس: 17، 18. [354] ديوان المعاني 1: 224 والحماسة البصرية 2: 145- 146. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 فو الله ما أدري أأنت كما أرى ... أم العين مزهوّ إليها حبيبها [356]- وقال آخر: [من الطويل] أحبّ اللواتي في صباهنّ غرّة ... وفيهنّ عن أزواجهنّ طماح مسرّات حبّ مظهرات عداوة ... تراهنّ كالمرضى وهنّ صحاح [357]- وقال ذو الرمة: [من البسيط] زين الثياب وإن أثوابها استلبت ... فوق الحشيّة يوما زانها السّلب تريك سنّة وجه غير مقرفة ... ملساء ليس بها خال ولا ندب إذا أخو لذّة الدنيا تبطّنها ... والبيت فوقهما بالليل محتجب سافت بطيّبة العرنين مارنها ... بالمسك والعنبر الهنديّ مختضب [358]- وقال أيضا: [من الطويل] إذا نازعتك القول ميّة أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه فيا لك من خدّ أسيل ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلّل جادبه [359]- وقال آخر: [من الكامل] أبت الروادف والثديّ لقمصها ... مسّ البطون وأن تمسّ ظهورا وإذا الرياح مع العشيّ تناوحت ... نبّهن حاسدة وهجن غيورا   [356] الحماسة البصرية 2: 182 ومصارع العشاق 2: 113، 179. [357] ديوان ذي الرمة: 29- 31. [358] ديوان ذي الرمة: 834. [359] حماسة التبريزي 3: 139 والمرزوقي: 1284 (رقم: 490) وأمالي القالي 1: 24 والحماسة البصرية 2: 91 والمحب والمحبوب 1: 253. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 [360]- وقال آخر: [من الطويل] تأملتها مغترّة فكأنما ... رأيت بها من سنّة البدر مطلعا إذا ما ملأت العين منها ملأتها ... من الدمع حتى أنزف الدمع أجمعا 361- وقال آخر: [من الكامل] بيضاء آنسة الحديث كأنّها ... قمر توسّط جنح ليل مبرد موسومة بالحسن ذات حواسد ... إنّ الحسان مظنّة للحسّد وترى مدامعها ترقرق مقلة ... سوداء ترغب عن سواد الإثمد [362]- وقال تميم بن مقبل: [من الطويل] ألم تر أنّ القلب ثاب وأقصرا ... وجلّى عمايات الشباب وأبصرا وبدّل حلما بعد جهل ومن يعش ... يجرّب ويبصر شأنه ان تبصّرا وكنّا اجتنينا مرّة ثمر الصّبا ... فلم يبق منه الدهر إلّا تذكّرا وعمدا تصدّت يوم شاكلة الحمى ... لتنكأ قلبا قد صحا وتوقّرا عشية أبدت جيد أدماء مغزل ... وطرفا يريك الإثمد الجون أحورا وأسحم مجاج الدّهان كأنه ... عناقيد من كرم دنا فتهصّرا وأشنب تجلوه بعود أراكة ... ورخصا علته بالخضاب مسيّرا فيا لك من شوق بقلب متيّم ... يجنّ الهوى منها ويا لك منظرا [363]- وقال الحسن بن هانىء: [من السريع] لو مسّ ميتا عاد حيّا ولم ... يضمّه من بعده قبر   [360] الزهرد 1: 73. [362] ديوان ابن مقبل: 142- 144. [363] ديوان أبي نواس (شولر) 2: 214. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 أو مرّ ذرّ فوق سرباله ... يوما لأدمى جلده الذرّ [364]- وقال أيضا: [من الكامل المرفل] في مثل وجهك يحسن الشّعر ... ويكون فيه لذي الهوى عذر تتزيّن الدنيا بطلعته ... ويكون بدرا حين لا بدر [365]- وقال أيضا: [من المديد] ما هوى إلّا له سبب ... يبتدي منه وينشعب فتنت قلبي محجّبة ... برداء الحسن تنتقب «1» خلّيت والحسن تأخذه ... تنتقي منه وتنتخب فاكتست منه طرائفه ... واستزادت فضل ما تهب صار جدّا ما مزحت به ... ربّ جدّ جرّه اللعب [366]- وقال أبو ذؤيب: [من الطويل] وإنّ حديثا منك لو تعلمينه «2» ... جنى النحل في ألبان عود مطافل مطافيل أبكار حديث نتاجها ... تشاب بماء مثل ماء المفاصل المفاصل: منفصل السهل من الجبل حيث يكون الرضراض، فالماء الذي يستنقع فيه أطيب ماء.   [364] ديوان أبي نواس (شولر) 2: 392. [365] ديوان أبي نواس (شولر) 2: 14. [366] شرح أشعار الهذليين 1: 141. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 [367]- وقال البحتري: [من الكامل] ووراء تسدية الوشاة مليّة ... بالحسن تملح في القلوب وتعذب كالبدر إلّا أنّها لا تجتلى ... كالشمس إلّا أنّها لا تغرب [368]- وقال أيضا: [من الخفيف] ذات حسن لو استزادت من الحس ... ن إليه لما أصابت مزيدا فهي كالشمس بهجة والقضيب ال ... غضّ لينا والريم طرفا وجيدا [369]- وقال أيضا: [من السريع] لا تلحني إن عزّني الصبر ... فوجه من أهواه لي عذر غانية لم أغن عن حبّها ... يقتل في أجفانها السحر إن نظرت قلت بها ذلّة ... أو خطرت قلت بها كبر يهتزّ أعلاها فتعتاقه ... رادفة يعيا بها الخصر أصبحت لا أطمع في وصلها ... حسبي أن يبقى لي الهجر [370]- وقال أيضا: [من الطويل] غرير تراءاه العيون كأنما ... أضاء لها من تحت داجية فجر إذا انصرفت يوما بعطفيه لفتة ... أو اعترضت من لحظه نظرة شزر رأيت هوى قلب بطيء نزوعه ... وحاجة نفس ليس عن مثلها صبر [371]- وقال أيضا: [من الوافر]   [367] ديوان البحتري 1: 72. [368] ديوان البحتري 1: 591. [369] ديوان البحتري 2: 966. [370] ديوان البحتري 2: 1067. [371] ديوان البحتري 3: 1822. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 إذا خطرت تأرّج جانباها ... كما خطرت على الروض القبول ويحسن دلّها والموت فيه ... وقد يستحسن السيف الصقيل [372]- وقال أيضا: [من الطويل] ضمان على عينيك أني لا أسلو ... وأنّ فؤادي من جوى بك لا يخلو ألا إنّ وردا لو يذاد به الصدى ... وإنّ شفاء لو يصاب به الخبل أطاع لها دلّ غرير وواضح ... شتيت وقدّ مرهف وشوى خدل وألحاظ عين ما علقن بفارغ ... فخلّينه حتى يكون له الشغل [373]- وقال أيضا: [من الطويل] وأهيف مأخوذ من النفس شكله ... ترى العين ما تختار «1» أجمع فيه ولم تنس نفسي ما سقيت بكفّه ... من الرّاح إلا ما سقيت بفيه [374]- وقال أيضا: [من البسيط] بيضاء أوقد خدّيها الصّبا وسقى ... أجفانها من سلاف الرّاح ساقيها في حمرة الورد شكل من تلهّبها ... وللقضيب نصيب من تثّنيها قد علمت «2» أنني لم أرض كاشحها ... فيها ولم أستمع من قول واشيها [375]- وقال أبو تمام: [من الكامل] عنّت له سكن فهام بذكرها ... أيّ الدموع وقد بدت لم يجرها   [372] ديوان البحتري 3: 1615. [373] ديوان البحتري 4: 2398. [374] ديوان البحتري 4: 2409. [375] ديوان أبي تمام 4: 211- 212. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 بيضاء يحسب شعرها من وجهها ... لما بدا أو وجهها من شعرها تعطيك منطقها فتحسب أنه ... لجنى عذوبته يمرّ بثغرها وأظنّ حبل وصالها لمحبّها ... أوهى وأضعف قوة من خصرها [376]- وقال ابن الرومي: [من الخفيف] وغزال ترى على وجنتيه ... قطر سهميه من دماء القلوب جرحته العيون فاقتصّ منها ... بجوى في القلوب دامي الندوب [377]- وقال أيضا: [من السريع] يا غصنا من لؤلؤ رطب ... فيه سرور العين والقلب أحسن بي يوم أرانيكم ... وما على المحسن من عتب 378- وقال أيضا: [من الخفيف] من جوار كأنهنّ جوار ... يتسلسلن من مياه عذاب لابسات من الشفوف لبوسا ... كالهواء الرقراق أو كالسراب يؤنس الليل ذكرهنّ فينجا ... ب وإن كان حالك الجلباب عن وجوه كأنهنّ شموس ... وبدور طلعن غبّ سحاب سالمتها الأنداب وهي من الرق ... قة أولى الوجوه بالأنداب لو ترى القوم بينهنّ لأخبر ... ت صراحا ولم تقل باكتساب وإذا ما تعجّب الناس قالوا ... هل يصيد الظباء غير الكلاب [379]- وقال أيضا: [من المنسرح] يا وجنتيه اللتين من بهج ... في صدغيه اللذين من دعج   [376] ديوان ابن الرومي 1: 172- 173. [377] ديوان ابن الرومي 1: 248. [379] ديوان ابن الرومي 2: 475. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 ما حمرة فيكما أمن خجل ... أم صبغة الله أم دم المهج خدّان فينا لظى حريقهما ... ونوره فيهما بلا وهج ما إن تزال القلوب في حرق ... عليهما والعيون في لجج [380]- وقال أيضا: [من المنسرح] ظبي وما الظبي بالشّبيه له ... في الحسن إلا استراقه حوره وحسن أجياده ومقلته ... ونفرة فيه من رقى السحره «1» محاسن كلهنّ مسترق ... منه وكلّ رآه فاغتفره ولحظ عينين لو أدارهما ... لفارس في سلاحه أسره وخنث جفنيهما وغنجهما ... تعلّم السحر ماهر السّحره ومضحك واضح به شنب ... يعرف من شام برقه مطره وصحن خدّ حريقه ضرم ... يقذف في القلب دائما شرره أعاره الورد حسن صبغته ... بل صبغة الورد منه معتصره كأنما الله حين صوّره ... خيّره دون خلقه صوره يكفيه رعي الخلاء أنّ له ... من كلّ قلب ممنّع ثمره [381]- وقال أيضا: [من الكامل المرفل] ومهفهف تمّت محاسنه ... حتى تجاوز منية النّفس تصبو الكؤوس إلى مراشفه ... وتهشّ في يده إلى الحبس أبصرته والكأس بين فم ... منه وبين أنامل خمس   [380] ديوان ابن الرومي 3: 935، 937، 939. [381] ديوان ابن الرومي 3: 1175. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 فكأنها وكأنّ شاربها ... قمر يقبّل عارض الشمس [382]- وقال أبو فراس ابن حمدان: [من الوافر] مسيء محسن طورا وطورا ... فما أدري عدوّي أم حبيبي يقلّب مقلة ويدير لحظا ... به عرف البريء من المريب وبعض الظالمين وإن تباهى ... شهيّ الظلم مغتفر الذنوب [383]- وقال ابن نباتة: [من الطويل] وكم بالحمى ودّعت من وصل خلّة ... وغانية ينأى من القرط جيدها ألذّ من النّيل المعجّل وعدها ... وأنفع من وصل الغواني صدودها منعمة يروى من الدمع جفنها ... ولم يرو من ماء الشبيبة عودها [384]- وقال ابن الرومي: [من مجزوء الرمل] يا شبيه البدر في الحس ... ن وفي بعد المنال جد فقد تنفجر الصخ ... رة بالماء الزلال [385]- وقال أبو الحسن السلامي: [من الطويل] وفيهنّ سكرى اللّحظ سكرى من الصّبا ... تعاتب حلو اللفظ حلو الشمائل أدارت علينا من كؤوس حديثها ... سلافا «1» وغنّتنا بصوت الخلاخل   [382] ديوان أبي فراس: 38. [383] ديوان ابن نباتة 1: 467. [384] ديوان ابن الرومي 5: 1910. [385] يتيمة الدهر 2: 403. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 386- وقال أبو الخطاب الجبلي: [من الكامل] دمث يكاد من الحياء يذيبه ... لحظي وليس يلينه استعطافي هيهات تسلي عن هواه ذنوبه ... ظلم الهوى أحلى من الإنصاف [387]- وقال علي بن جبلة العكوّك: [من الوافر] أغرّ تولّد الشهوات منه ... فما تعدوه أهواء القلوب وما اكتحلت به عين فتبقى ... مسلّمة الضمير من الذنوب [388]- وقال السّريّ الرّفّاء: [من الكامل] ضعفت معاقد خصره وعقوده «1» ... فكأنّ عقد الخصر عقد وفائه [389]- وقال الرشيد في ماردة أم المعتصم: [من الكامل المرفل] وإذا نظرت إلى محاسنها ... فبكلّ موقع نظرة نبل وتنال منك بحدّ مقلتها «2» ... ما لا ينال بحدّه النصل ولقلبها حلم يباعدها ... عن ذي الهوى ولطرفها جهل ولوجهها من وجهها قمر ... ولعينها من عينها كحل 390- وقال عبد الله بن الحجاج: [من الكامل] ومدلّل أما القضيب فقدّه ... شكلا وأما ردفه فكثيب   [387] شعر علي بن جبلة: 37. [388] ديوان السري الرفاء: 5. [389] الديارات للشابشتي: 226. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 يمشي وقد فعل الصبا بقوامه ... فعل الصّبا بالغصن وهو رطيب أرمي مقاتله فتخطي أسهمي ... غرضي ويرمي مقتلي فيصيب نفسي فداؤك إن نفسي لم تزل ... يحلو فداؤك عندها ويطيب ما لي وما لك لا أراك تزورني ... إلا ودونك مانع «1» ورقيب 391- وقال: [من السريع] فديت من نادمته ليلة ... ووجهه والكاس مصباحي أجفانه في مجلسي نرجسي ... وخدّه وردي وتفّاحي مزجت كأسي من جنى ريقه ... بمثل ما فيها من الرّاح 392- وقال: [من السريع] يا من إذا قابل شمس الضّحى ... خرّت له راكعة ساجده كيف احتيالي في جحودي هوى ... عيني على قلبي به شاهده 393- وقال: [من السريع] فديت إنسانا على وصله ... وهجره يحسدني الناس لما احتوى الورد على خدّه ... ودبّ في عارضه الآس مزجت كأسي من جنى ريقه ... بمثل ما دارت به الكاس 394- وقال: [من مخلع البسيط] وشادن خلقه دليل ... فينا على قدرة الحكيم يفعل بالشمس في ضحاها ... ما تفعل الشمس بالنجوم مرّ بنا والصباح منه ... يشرق تحت الدجى البهيم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 يعلّم الغصن وهو يمشي ... تثنّي الغصن في النسيم 395- وقال: [من مجزوء الرمل] قل لمن ريقته مس ... ك وشهد ومدام والذي حلّل قتلي ... وهو محظور حرام أيها النائم عمّن ... عينه ليس تنام كلّ نار غير ناري ... فيك برد وسلام [396]- أنشد أبو حاتم لرجل من كلب: [من الطويل] لقد منعت برد المقيل وقطعت ... برمّان أنفاس المطيّ صعود قصيرة همّ الروح أمّا شتاؤها ... فسخن وأمّا قيظها فبرود من هاهنا أخذ عمر بن أبي ربيعة قوله فزاد وأحسن: [من الخفيف] سخنة في الشتاء باردة الصي ... ف سراج في الليلة الظّلماء [397]- وقال أعرابي: [من الوافر] منعّمة يحار الطرف فيها ... كأنّ حديثها سكر الشباب من المتصدّيات لغير سوء ... تسيل إذا مشت مشي «1» الحباب   [396] بيت عمر بن أبي ربيعة لم يرد في ديوانه. [397] أمالي القالي 1: 84 ومجموعة المعاني: 214. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 النوع الخامس عشر في طيب الأفواه [398]- وقال امرؤ القيس: [من المتقارب] كأن المدام وصوب الغمام ... وريح الخزامى ونشر القطر يعلّ به برد أنيابها ... إذا طرّب الطائر المستحر [399]- وقال جميل: [من الكامل] وكأنّ طارقها على علل الكرى ... والنجم وهنا قد بدا لتغوّر يستاف ريح مدامة معلولة ... بذكيّ مسك أو سحيق العنبر [400]- وقال آخر: [من الطويل] كأنّ على أنيابها الخمر شابها ... بماء الندى من آخر الليل غابق وما ذقته إلا بعيني تفرّسا ... كما شيم في أعلى السحابة بارق [401]- وقال أبو صعترة البولاني: [من الطويل] فما نطفة من حبّ مزن تقاذفت ... بها جنبتا الجوديّ والليل دامس   [398] التشبيهات: 104 وزهر الآداب: 237 وحماسة ابن الشجري: 192 والمحب والمحبوب 1: 148 وديوان امرىء القيس: 157- 158 واللسان (قطر) . [399] ديوان جميل: 107- 108 وزهر الآداب: 235. [400] التشبيهات: 107 وحماسة ابن الشجري: 192 وهما لابن ميادة في المحب والمحبوب 1: 142 وتنسب لغيره (انظر التخريج) . [401] حماسة التبريزي 3: 138 وسمط اللآلي: 522. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 فلما أقرّته اللصاب تنفّست ... شمال لأعلى مائه فهو قارس بأطيب من فيها وما ذقت طعمه ... ولكنّني في ما ترى العين فارس [402]- وقال حرملة بن مقاتل: [من الطويل] وما ضرب في رأس نيق ممنّع ... بتيهاء قد يستنزل العصم نيقها بأطيب من فيها وما ذقت طعمه ... وقد جفّ بعد النوم للنوم ريقها إذا اعتلّت الأفواه واستمكن الكرى ... وقد حان من نجم الثريّا خفوقها وماذقت فاها غير شيء رجوته ... ألا ربّ راجي شربة لا يذوقها [403]- وقال أبو ذؤيب: [من الطويل] عصاني إليها القلب إني لأمره ... مطيع «1» فما أدري أرشد طلابها أراد أرشد طلابها أم غي فحذف، وفي الكتاب العزيز: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ (النحل: 81) ولم يقل: وتقيكم البرد، وعادة العرب الحذف إذا كان فيما بقي دليلا على ما حذف، ويرون ذلك من الفصاحة؛ وقال الشاعر: «تمرّ بها رياح الصيف دوني» . فقلت لقلبي يا لك الخير إنما ... يدلّيك للموت الجديد حبابها فأقسم ما إن بالة «2» لطميّة ... تفتح باب الفارسيين بابها ولا الراح راح الشّام جاءت سبيئة ... لها راية تهدي الكرام عقابها   [402] مجموعة المعاني: 214. [403] شرح أشعار الهذليين 1: 43- 45، 54. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 عقار كماء النيء ليست بخطمة ... ولا خلّة يكوي الشروب شهابها «1» بأطيب من فيها إذا جئت طارقا ... من الليل والتفّت عليّ ثيابها [404]- وقال بشّار: [من البسيط] يا أطيب الناس ريقا غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك [405]- وقال ابن الرومي: [من الطويل] وما تعتريها آفة بشريّة ... من النوم إلا أنها تتخثّر كذلك أنفاس الرياض بسحرة ... تطيب وأنفاس الأنام تغيّر وما ذقته إلا بشيم ابتسامها ... وكم مخبر يبديه للعين منظر وغير عجيب طيب أنفاس روضة ... منوّرة باتت تراح وتمطر [406]- وقال أيضا: [من البسيط] هي الفتاة إذا اعتلّت مفاصلها ... بالنوم واعتلّت الأفواه بالسحر طابت هناك لحين لا يطيب له ... إلا الرياض كأن ليست من البشر [407]- وقال القطامي: [من الطويل] وما ريح قاع ذي خزامى وحنوة ... له أرج من طيّب النبت عازب   [404] أمالي القالي 1: 228 وديوان المعاني 1: 241 والتشبيهات: 107 وحماسة ابن الشجري: 193 وديوان بشار (العلوي) : 173 (وفيه تخريج كثير) . [405] ديوان المعاني 1: 239 والأول والثاني في التشبيهات: 104 وفي مجموعة المعاني: 214 والأول والرابع والثاني في حماسة ابن الشجري: 192 وديوان ابن الرومي 3: 907. [406] ديوان ابن الرومي 3: 116. [407] ديوان المعاني 1: 259 وديوان القطامي: 44- 45. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 بأطيب من فيها إذا ما تقلّبت ... من الليل وسنى جانبا بعد جانب [408]- وقال جرير: [من الطويل] سقين البشام المسك حين رشفنه ... رشيف الغريريّات ماء الوقائع إذا ما رجا الظمآن ورد شريعة ... ضربن حبال الموت دون الشرائع [409]- وقال ابن الدمينة: [من الطويل] وما نطفة صهباء صافية القذى ... بحجلاء تجري تحت نيق حبابها «1» سقاها من الأشراط ساق فأصبحت ... تسيل مجاري سيلها وشعابها يحوم بها صاد يرى دونها الرّدى ... محيطا فيهوى وردها ويهابها بأطيب من فيها ولا قرقفيّة ... يشاب بماء الزنجبيل رضابها   [408] مجموعة المعاني: 214 وديوان جرير (الصاوي) : 360. [409] مجموعة المعاني: 214 وديوان ابن الدمينة: 62- 63. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 النوع السادس عشر في وصف الثغر [410]- وقال القطامي: [من الطويل] منعمة تجلو بعود أراكة ... ذرى برد عذب شنيب المناصب كأنّ فضيضا من عريض غمامة ... على ظمأ جادت به أمّ غالب [411]- وقال آخر: [من البسيط] كأنما ثغرها من حسنه برد ... مما تهاديه أيدي الريح مصقول كأنه أقحوان غبّ سارية ... مديّم واجهته الريح مشمول [412]- وقال مسلم: [من الطويل] تبسّم عن مثل الأقاحي تبسّمت ... له مزنة صيفيّة فتبسّما 413- وقال آخر: [من الطويل] حاذر في الظلماء أن تستشفّني ... عيون الغيارى في وميض المضاحك [414]- وقال السمهري: [من الطويل] وبيضاء مكسال لعوب خريدة ... لذيذ لدى ليل التمام شمامها   [410] مجموعة المعاني: 214 وديوان القطامي: 43. [411] مجموعة المعاني: 215. [412] ديوان مسلم: 340. [414] حماسة ابن الشجري: 193 (للنميري) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 كأنّ وميض البرق بيني وبينها ... إذا حان من بعض البيوت ابتسامها [415]- وقال جميل: [من الطويل] وقامت تراءى بعد ما نام صحبتي ... لنا وسواد الليل قد كاد يجلح بذي أشر كالأقحوان يزينه ... ندى الطلّ إلا أنه هو أملح   [415] ديوان جميل: 44. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 النوع السابع عشر في إسرار الهوى وإعلانه [416]- وقال نصيب: [من الطويل] وما زال كتمانيك حتى كأنّني ... برجع جواب السائلي عنك أعجم لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حيّ من الناس يسلم [417]- وقال الأخطل: [من الطويل] ولما تلاحقنا نبذنا تحيّة ... إليهنّ فالتذّ الحديث أصيلها فكان لدينا السرّ بيني وبينها ... ولمع غضيضات العيون رسولها 418- وقال آخر: [من الطويل] بنفسي الذي إن قال خيرا وفى به ... وإن قال شرّا قاله وهو مازح ومن قد رماه الناس حتى اتقاهم ... ببغضي إلا ما تكنّ الجوانح [419]- وقال أعرابي: [من الطويل] وما بحت يوما بالذي كان بيننا ... كما يستباح الهذريان المبيّح   [416] شعر نصيب (سلوم) : 123. [417] ديوان الأخطل: 242. [419] المحب والمحبوب 2: 32. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 سوى أنني قد قلت والعيس ترتمي ... بنا عرصات في الأزمّة جنّح هنيئا لمسواك الأراك فإنه ... بخمر «1» ثنايا أمّ عمرو يصبّح وللطوق مجراه وللقرط إنه ... على نفنف من جيدها يتطوّح [420]- وقال ابن سماعة الأسدي فيما رواه أبو هلال العسكري: [من الطويل] بنفسي من لا بدّ أنّي هاجره ... ومن أنا في الميسور والعسر ذاكره ومن قد رماه الناس حتى اتقاهم ... ببغضي إلا ما تجنّ ضمائره أحبك يا ليلى على غير ريبة ... ولا خير في حبّ تذمّ سرائره أكفكف دمعي أن يكون طليعة ... على سرّ نفسي حين ينهلّ قاطره والبيتان الأولان الأصح أنهما ليزيد بن الطثرية من قصيدة طويلة من هذا النوع، وأنا أذكر مستحسنها ومختارها هاهنا لئلا ينقطع: ألا يا شفاء النفسي لو يسعف الهوى ... ونجوى فؤاد لا تباح سرائره أثيبي أخا ضارورة أصفق العدى ... عليه وقلّت في الصديق معاذره بنفسي من إن يدن ينفع دنوّه ... وإن ينأ لا تخز الصديق جرائره ومستخبر عنها ليعلم ما الذي ... لها في فؤادي ودّ أني أحاذره تركت على عمياء منه ولم أكن ... إذا ما وشى واش بليلي أناظره أتهجر بيتا بالحجاز تكنّفت ... جوانبه الأعداء أم أنت زائره   [420] انظر القصيدة رقم: 12 في مجموع شعر يزيد بن الطثرية (ص: 76- 77) ثم القصيدة رقم: 11 ثم شعر الحسين بن مطير (غياض) 54- 57. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 فإن آته لا أنج إلا بظنّة ... وإن يأته غيري تنط بي جرائره ولا بأس بالهجر الذي ليس عن قلى ... إذا شجرت عند الحبيب شواجره وقد روي شطر هذه الأبيات للحسين بن مطير، ومنها قوله: ألا حبّ بالبيت الذي أنت هاجره ... وأنت بتلماح من الطرف زائره لأنك من بيت لعينيّ معجب ... وأملح في عيني من البيت عامره أصدّ حياء أن يلجّ بي الهوى ... وفيك المنى لولا عدوّ أحاذره وفيك حبيب النفس لو تستطيعه ... لمات هوى والشوق حين تجاوره وكان حبيب النفس للقلب واترا ... وكيف يحبّ القلب من هو واتره فإن يكن الأعداء أحموا كلامه ... علينا فلن تحمى علينا مناظره أحبك حبّا لن أعنّف بعده ... محبّا ولكني إذا ليم عاذره لقد مات قلبي أول الحبّ فانقضى ... ولو متّ أضحى الحبّ قد مات آخره [421]- وقال ابن ميادة: [من الخفيف] يا خليليّ هجّرا كي تروحا ... هجتما للرواح قلبا قريحا إن تريغا لتعلما سرّ سعدى ... تجداني بسرّ سعدى شحيحا إنّ سعدى لمنية المتمنّي ... جمعت عفّة ووجها صبيحا [422]- وقال جميل: [من الطويل] سأمنح طرفي غيركم إن لقيتكم ... لكي يحسبوا أنّ الهوى حيث أنظر وأكني بأسماء سواك وأتقي ... زيارتكم والحبّ لا يتغيّر   [421] شعر ابن ميادة (حنا حداد) : 98. [422] ديوان جميل: 92. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 [423]- وقال الحسن بن هانىء: [من الخفيف] لأبيحنّ حرمة الكتمان ... راحة المستهام في الإعلان قد تعزّيت بالسكوت وبالإط ... راق جهدي فنمّت العينان تركتني الوشاة نصب المشيري ... ن وأحدوثة بكلّ مكان ما أرى خاليين في السرّ إلا ... قلت ما يخلوان إلا لشاني [424]- وقال البحتري: [من الطويل] إذا العين راحت وهي عين على الجوى ... فليس بسرّ ما تسرّ الأضالع [425]- وقال تميم بن أبي بن مقبل: [من الطويل] لقد طال ما أخفيت حبّك في الحشا ... وفي القلب حتى كاد في القلب يجرح قديما ولم يعلم بذلك عالم ... وإن كان موثوقا يودّ وينصح فردّي فؤادي أو أثيبي ثوابه ... فقد يملك المرء الكريم فيسجح سبتك بمأشور الثنايا كأنه ... أقاحي غداة بات بالدّجن ينضح [426]- وقال ابن الدمينة: [من الطويل] هجرتك أياما بذي الغمر إنني ... على هجر أيام بذي الغمر نادم هجرتك إشفاقا عليك من الرّدى ... وخوف الأعادي واجتناب النمائم وإني وذاك الهجر لو تعلمينه ... كعازبة عن طفلها وهي رائم   [423] ديوان أبي نواس (شولر) 2: 121. [424] ديوان البحتري 2: 1303. [425] ديوان ابن مقبل: 48. [426] في أمالي القالي 1: 187 الأول والثالث؛ وأبيات في 3: 84 مختلفة في الرواية ما عدا الأول، وديوان ابن الدمينة: 21- 23. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 فما أعلم الواشين بالسرّ بيننا ... ونحن كلانا للمودة كاتم [427]- ويستحسن قول أبي الطيب في المعنى: [من الخفيف] وإذا خامر الهوى قلب صبّ ... فعليه لكلّ عين دليل [428]- وأحسن ما قيل في ذلك قول قيس بن ذريح: [من الطويل] لو انّ امرءا أخفى الهوى عن ضميره ... لمتّ ولم يعلم بذاك ضمير ولكن سألقى الله والنفس لم تبح ... بسرّك والمستخبرون كثير [429]- وقال آخر: [من الطويل] يقولون ليلى بالمغيب أمينة ... له وهو راع سرّها «1» وأمينها فإن تك ليلى استودعتني أمانة ... فلا وأبي ليلى «2» إذا لا أخونها أأرضي بليلى الكاشحين وأبتغي ... كرامة أعدائي لها وأهينها معاذة وجه الله أن أشمت العدى ... بليلى وإن لم تجزني ما أدينها سأجعل ديني «3» جنّة دون دينها «4» ... وعرضي ليبقى عرض ليلى ودينها   [427] ديوان المتنبي: 427. [428] أمالي القالي 2: 176. [429] أمالي القالي 1: 70- 71. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 النوع الثامن عشر في عشق الحلائل [430]- وقال القحيف: [من الطويل] لقد أرسلت خرقاء نحوي رسولها ... لتجعلني خرقاء ممّن أضلّت وخرقاء لا تزداد إلّا ملاحة ... ولو عمّرت تعمير نوح وجلّت [431]- وقال أبو الأسود الدّؤلي: [من الطويل] أبى القلب إلا أمّ عمرو وحبّها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفنّد كسحق اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد [432]- وقال آخر: [من الطويل] تقول العدى لا بارك الله في العدى ... قد اقصر عن ليلى ورثّت وسائله ولو أصبحت ليلى تدبّ على العصا ... لكان هوى ليلى جديدا أوائله [433]- وقال أبو وجزة السعدي: [من الكامل] حتّام أنت موكّل بقديمة ... أمست تجدّد كاليماني الجيّد زاد الجلال كمالها ووشى بها ... عقل وفاضلة وشيمة سيّد ضنّت بنائلها عليك وأنتما ... غرّان في طلب الشباب الأغيد فالآن ترجو أن تثيبك نائلا ... هيهات نائلها مكان الفرقد   [430] الأغاني 23: 245. [431] البيان والتبيين 1: 224 وعيون الأخبار 4: 43 وديوان أبي الأسود: 87. [432] هي الحماسية رقم: 536 (ص: 1335) عند المرزوقي. [433] الأغاني 12: 242 والشعر والشعراء: 592. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 النوع التاسع عشر في غزل العبّاد وتساهلهم فيه [434]- كان عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار من بني جشم بن معاوية فقيها عابدا من عبّاد مكة، يسمّى القسّ من عبادته، وكان يشبّه بعطاء بن أبي رباح، وكانت بمكة لسهيل بن عبد الرحمن مغنّية محسنة، فسمعها القس من غير تعمّد منه لذلك، فبلغ غناؤها منه كلّ مبلغ، فرآه مولاها فقال له: هل لك أن تدخل فتسمع؟ فأبى. فقال له مولاها: أنا أقعدها تسمع غناءها ولا تراها ولا تراك، فأبى، فلم يزل به حتى دخل فأسمعه غناءها، فأعجبته فقال: هل لك أن أخرجها إليك؟ فأبى، فلم يزل حتى أخرجها، فأقعدها بين يديه فغنّت، فشغف بها وشغفت به، وعرف ذلك أهل مكة حتى سمّيت به، فصارت تعرف. بسلامة القس، فقالت له يوما: أنا والله أحبك، فقال: وأنا والله أحبك، قالت: وأحبّ أن أضع فمي على فمك، قال: وأنا والله أحبّ ذلك، قالت: وألصق بطني ببطنك، قال: وأنا والله أحبّ ذلك، قالت: فما يمنعك؟ فو الله إنّ الموضع لخال، قال: إني سمعت الله عزّ وجلّ يقول: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (الزخرف: 67) وإني أكره أن تكون خلّة ما بيني وبينك تؤول إلى عداوة. ثم قام فانصرف، وعاد إلى ما كان عليه من النسك. [434 ب]- وله فيها أشعار كثيرة فمنها: [من الكامل] قد كنت أعذل في السفاهة أهلها ... فاعجب لما تأتي به الأيام   [434] الأغاني 8: 337 وما بعدها. [434] ب الأغاني 8: 338. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 فاليوم أعذرهم وأعلم إنّما ... سبل الضلالة والهدى أقسام [434 ج]- ومنها: [من الكامل] أسلام هل لمتيّم تنويل ... أم هل صرمت وغال ودّك غول لا تصرفي عني دلالك إنه ... حسن إليّ وإن بخلت جميل [434 د]- ومنها: [من الكامل] أسلام إنك قد ملكت فاسجحي ... قد يملك الحرّ الكريم فيسجح [435]- وقال أبو السائب المخزومي لجرير المغني: ما معك من مرقصات «1» ابن سريج؟ فغنّاه شعر عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل] فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحج أفتن ذا هوى وكم من قتيل لا ينال به دم ... ومن غلق رهنا إذا ضمّه منى وكم مالىء من عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى يسحبن أذيال المروط بأسوق ... خدال وأعجاز مآكمها روى أوانس يسلبن الحليم فؤاده ... فيا طول ما شوق ويا حسن مجتلى قال أبو السائب: كما أنت حتى أتحرم لهذا بركعتين. [436]- وحدث بعضهم قال: أنشدت أبا السائب المخزومي قول قيس بن   [434 ج] الأغاني 8: 339. [434 د] الأغاني 8: 340. [435] الأغاني 1: 259. [436] الأغاني 9: 183. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 ذريح، هكذا وفي الخبر الصحيح أن الأبيات لعبيد الله بن عتبة بن مسعود: [من الوافر] صدعت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفطور تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور فصاح بجارية له سندية تسمى زبدة: أي زبدة عجلي، فقالت: إني أعجن، فقال لها: ويحك تعالي ودعي العجين، فجاءت، فقال لها أنشدي بيتي قيس، فأعادتهما، فقال لها: يا زبدة أحسن قيس، وإلا فأنت حرة، ارجعي الآن إلى عجينك، أدركيه لا يبرد. [437]- وكان عبيد الله هذا فقيها عالما ورعا، وهو أحد الفقهاء المشهورين، وهو الذي قال فيه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: وددت أنّ لي ليلة من عبيد الله بألف دينار من بيت المال، فقيل له يا أمير المؤمنين: مثلك يقول هذا مع تخوفك! فقال: إنكم لا تدرون، إني أرجع منه بأضعاف ذلك فيما أنتفع به منه، أو نحو هذا الكلام. [437 ب]- وكان عبيد الله مع هذا غزلا وله أشعار معروفة رقيقة في النسيب، فمن ذلك قوله: [من الطويل] ألا من لنفس ما تموت فينقضي ... عناها ولا تحيا حياة لها طعم أأترك إتيان الحبيب تأثّما ... ألا إنّ هجران الحبيب هو الإثم فذق هجرها قد كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربما كذب الزعم [437 ج]- ومنه قوله: [من الطويل]   [437] الأغاني 9: 136 وما بعدها. [437 ب] الأغاني 9: 146. [437 ج] الأغاني 9: 146. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 لعمري لئن شطّت بعثمة دارها ... لقد كدت من وشك الفراق أليح أروح بهمّ ثم أغدو بمثله ... وتحسب أني في الثياب صحيح [437 د]- وقال أبو الزناد: قدمت المدينة امرأة من هذيل، وكانت جميلة فرغب الناس فيها، فخطبوها وكادت تذهب بعقول أكثرهم، فقال فيها عبيد الله ابن عبد الله: [من الطويل] أحبّك حبّا لا يحبّك مثله ... قريب ولا في العاشقين بعيد أحبّك حبّا لو شعرت ببعضه ... لجدت ولم يصعب عليك شديد وحبّك يا أمّ الصبيّ مدلّهي ... شهيدي أبو بكر فنعم شهيد ويعرف وجدي قاسم بن محمد ... وعروة ما ألقى بكم وسعيد ويعلم ما أخفى سليمان علمه ... وخارجة يبدي بنا ويعيد أبو بكر: عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب بن حزن، وسليمان بن يسار مولى ميمونة بنت الحارث الهلالية، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسابعهم عبيد الله قائل الأبيات، هم الفقهاء السبعة، فقهاء المدينة الذين أخذ عنهم الرأي والسنن. [438]- قال الخليل بن سعيد: مررت بسوق الطير فإذا الناس يركب بعضهم بعضا، فإذا أبو السائب المخزومي قائم على غراب يباع وهو آخذ طرف ردائه، وهو يقول للغراب: أيقول لك قيس بن ذريح: [من الطويل] ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع ثم لا تقع؟! ثم يضربه بردائه والغراب يصيح، قال: فقال له قائل: يا أبا   [437 د] الأغاني 9: 144. [438] الأغاني 9: 208. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 السائب ليس هذا ذاك الغراب، فقال: قد علمت، ولكني آخذ البريء حتى يقع النطف «1» . [439]- وكان أبو السائب هذا مع زهده وعفافه مشغوفا بالغزل والغناء، وكذلك كان ابن أبي عتيق؛ أنشد كثير ابن أبي عتيق كلمته التي يقول فيها: [من الطويل] ولست براض من خليل بنائل ... قليل ولا أرضى له بقليل فقال له هذا كلام مكافىء ليس بعاشق؛ القرشيّان أصدق وأقنع منك، ابن أبي ربيعة حيث يقول: [من الخفيف] ليت حظّي كطرفة العين منها ... وكثير منها القليل المهنّا وقوله: [من الخفيف] فعدي نائلا وإن لم تنيلي ... إنه ينفع المحبّ الرجاء وابن قيس الرقيّات حيث يقول: [من الوافر] رقيّ بعيشكم لا تصرمينا ... ومنّينا المنى ثم امطلينا عدينا من غد ما شئت إنّا ... نحبّ وإن مطلت الواعدينا وذكر ذلك لأبي السائب المخزومي ومعه ابن المولى فقال: صدق ابن أبي عتيق وفقه الله، ألا قال المديون كثّير كما قال هذا حين يقول: [من الطويل] وأبكي فلا ليلى بكت من صبابة ... لباك ولا ليلى لذي الودّ تبذل   [439] الأغاني 5: 85- 86. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 وأخنع بالعتبى إذا كنت مذنبا ... وإن أذنبت كنت الذي أتنصل [440]- نظر أبو حازم المدايني «1» ، وكان من أعبد الناس وأزهدهم، إلى امرأة تطوف بالبيت مسفرة أحسن خلق الله تعالى وجها، فقال: أيتها المرأة اتقي الله، لقد شغلت الناس عن الطواف، فقالت: أما تعرفني؟ قال: من أنت؟ فقالت: [من الطويل] من اللائي لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفلا فقال: إني أسأل الله أن لا يعذّب هذا الوجه الحسن بالنار، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال رحمه الله: أما لو كان بعض عبّاد العراق لقال: اغربي يا عدوة الله، ولكنه ظرف عبّاد أهل الحجاز. [441]- قال سائب راوية كثير: قال لي كثير يوما ونحن بالمدينة: اذهب بنا إلى ابن أبي عتيق نتحدث معه، فذهبت إليه معه، فاستنشده ابن أبي عتيق فأنشد قوله: [من الطويل] أبائنة سعدى نعم ستبين حتى بلغ إلى قوله: وأخلفن ميعادي وخنّ أمانتي ... وليس لمن خان الأمانة دين قال ابن أبي عتيق: أعلى الأمانة تبعتها؟ فانكف واستغضب نفسه وصاح وقال:   [440] الأغاني 19: 162. [441] الأغاني 5: 88- 89. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 كذبن صفاء الودّ يوم محلّه ... وأدركني من عهدهنّ رهون «1» فقال ابن أبي عتيق: ويحك فذاك أملح لهنّ وأدعى للقلوب إليهنّ؛ سيدك ابن قيس الرقيّات كان أعلم منك وأوضع للصواب موضعه فيهنّ، أما سمعت قوله: [من المديد] حبّ ذاك الدلّ والغنج ... والتي في طرفها دعج والتي إن حدّثت كذبت ... والتي في وعدها خلج وترى في البيت صورتها ... مثل ما في البيعة السّرج خبروني هل على رجل ... عاشق في قبلة حرج فسكن كثير واستحلى ذلك وقال: لا إن شاء الله، فضحك ابن أبي عتيق حتى ذهب به. ولأبي السائب في ابن أبي عتيق في هذا الفن أخبار كثيرة كرهت الإطالة في إيرادها. [442]- وروي أنّ سعيد بن المسيب، وهو من العلم بالمكان المشهور، مرّ في بعض أزقّة مكة، فسمع الأخضر الحربيّ يتغّنى في دار العاص بن وائل، والشعر لمحمد بن عبد الله النميري: [من الطويل] تضوّع مسكا بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوة عطرات فضرب برجله فقال: هذا والله مما يلذّ استماعه ثم قال: وليست كأخرى وسّعت جيب درعها ... وأبدت بنان الكفّ للجمرات وعلّت بنان المسك وحفا مرجّلا ... على مثل بدر لاح في الظلمات وقامت تراءى يوم جمع فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفات   [442] الأغاني 6: 192. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 فكانوا يرون أنّ هذا الشعر لسعيد بن المسيب. [443]- أنشد إنسان قول الأحوص: [من البسيط] سقيا لربعك من ربع بذي سلم ... وللزمان به إذ ذاك من زمن إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصية ... وإذ أجرّ إليكم سادرا رسني فوثب أبو عبيدة بن عمّار بن ياسر قائما ثم أرخى رداءه ومضى يمشي على تلك الحال ويجرّه حتى بلغ العرض ثم رجع، وكان ذلك بمحضر إبراهيم بن هشام المخزومي، وهو والي المدينة، فقال إبراهيم حين جلس أبو عبيدة: ما شأنك؟ فقال: أيها الأمير: إني سمعت هذا البيت مرة فأعجبني، فحلفت ألا أسمعه إلّا جررت رسني. [444]- قال عبد الملك بن عبد العزيز: أنشدت أبا السائب المخزومي شعر الأحوص: [من الطويل] لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... [وإني إلى معروفها لفقير] حتى انتهيت إلى قوله: [أزور على أن لست أنفك] كلما ... أتيت عدوا بالبنان يشير فأعجبه ذلك وطرب وقال: أتدري يا ابن أخي كيف كانوا يقولون؟ قلت: لا، قال: كانوا يقولون: الساعة دخل، الساعة خرج، [الساعة] مرّ، الساعة رجع، وجعل يومىء بإبهامه إلى وراء منكبيه، وسبابته إلى حيال وجهه، ويقلبها، يحكي ذهابه ورجوعه.   [443] الأغاني 4: 263- 264. [444] الأغاني 6: 244. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 [445]- وسمع أبو السائب رجلا ينشد قول أبي دهبل: [من الطويل] أليس عظيما أن نكون ببلدة ... كلانا بها ثاو ولا نتكلم فقال له: قف يا حبيبي، فوقف، فصاح بجارية له: [يا سلامة] اخرجي، فخرجت، فقال له: أعد بأبي أنت البيت، فأعاده، فقال: بلى والله إنه لعجيب عظيم وإلا فسلامة حرة لوجه الله، اذهب فديتك مصاحبا، ثم دخل وجعلت الجارية تقول: ما لقيت منك، لا تزال تقطعني عن شغلي فيما لا ينفعك ولا ينفعني. [446]- قال عروة بن عبيد الله بن عروة بن الزبير: جاءني أبو السائب المخزومي يوما فسلم وجلس إليّ، فقلت له بعد الترحيب به: ألك حاجة يا أبا السائب؟ قال: وكما تكون الحاجة، أبيات لعروة بن أذينة، بلغني أنك سمعتها منه، قلت: أيّ أبيات، قال: وهل يخفى القمر؟ [قوله] : [من الكامل] إن التي زعمت فؤادك ملّها فأنشدته إياها [فلما بلغت إلى قوله: فقلت لعلها قال: أحسن والله] ، ما يروم هذا إلا أهل المعرفة والفضل، هذا والله الصادق الودّ، الدائم العهد، لا الهذلي الذي يقول: [من الكامل] إن كان أهلك يمنعونك رغبة ... عني فأهلي بي أضنّ وأرغب لقد عدا الأعرابيّ طوره، وإني لأرجو أن يغفر الله لابن أذينة في طلب العذر لها، وحسن الظنّ بها، فدعوت له بطعام فقال: لا والله حتى أروي هذه الأبيات، فلما رواها وثب، فقلت له: كما أنت يغفر الله لك حتى تأكل، فقال: والله ما   [445] الأغاني 7: 118. [446] الأغاني 18: 247- 248. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 كنت لأخلط بمحبتي لها وأخذي إياها غيرها، وانصرف. [447]- وكان أبو السائب واقفا على رأس بئر فأنشده ابن جندب: [من الكامل] غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا فرمى بنفسه في البئر بثيابه فبعد لأي ما أخرجوه «1» .   [447] الأغاني 16: 247. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 النوع العشرون في أخبار من قتله الكمد [448]- ممّن ادعي له ذلك الصمة بن عبد الله القشيري وكان يهوى ابنة عمّ له فخطبها إلى عمه، فاشتطّ عليه في المهر، فسأل أباه أن يعاونه، وكان كثير المال، فلم يعنه بشيء، فسأل عشيرته فأطاعوه «1» ، فأتى عمه بالإبل، فقال له: لا أقبل هذه في مهر ابنتي، فسل أباك أن يبدلها لك، فسأل أباه فأبى عليه، فلما رأى فعلهما قطع عقلها وخلّاها، فعاد كلّ بعير منها إلى ألّافه، وتحمل الصمة [راحلا] ، فقالت له ابنة عمه حين رأته: تالله ما رأيت كاليوم رجلا باعته عشيرته بأبعرة، ومضى لوجهه حتى لحق بثغر الديلم «2» ، فمات به كمدا وقال: [من الطويل] أتبكي على ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريّا وشعباكما معا وحدّث رجل من أهل طبرستان قال: بينا أنا أمشي في ضيعة لي فيها ألوان من الفاكهة والزعفران وغير ذلك من الأشجار إذا أنا بإنسان في البستان مطروح عليه أثواب خلقان، فدنوت منه فإذا هو يتحرك ولا يتكلم، فأصغيت إليه فإذا هو يقول بصوت خفيّ: [من الطويل]   [448] الأغاني 6: 8، وقارن بتزيين الأسواق: 167. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 تعزّ بصبر لا وجدّك لا ترى ... بشام الحمى إحدى الليالي الغوابر كأن فؤادي من تذكّره الحمى ... وأهل الحمى يهفو به ريش طائر فما زال يردّد هذين البيتين حتى فاضت نفسه، فسألت عنه، فقيل لي: هذا الصمّة بن عبد الله القشيري. [449]- وقال بعض بني عقيل: مررت بالصمة يوما وهو وحده جالس يبكي ويخاطب نفسه ويقول: لا والله ما صدقتك فيما قالت، قلت: من تعني بهذا ويحك؛ أجننت؟ قال [أعني] التي أقول فيها: [من الطويل] أما وجلال الله لو تذكرينني ... كذكراك ما كفكفت للعين مدمعا فقالت: بلى وجلال الله ذكرا لو انّه ... يصبّ على صمّ الصّفا لتصدّعا أسلي نفسي وأخبرها أنها لو ذكرتني كما قالت لكانت في مثل حالي. [450]- وقال محمد بن معن الغفاري: أقحمت السنة ناسا من الأعراب، فخلّوا المذار وأبرقوا، وإذا غلام منهم قد صار جلدا وعظما، فرفع عقيرته يتغنى بأبيات وهي: [من الطويل] ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنّك من برق عليّ كريم لمعت اقتداء الطير والقوم هجّع ... فهيّجت أحزانا وأنت سليم فبتّ بحدّ المرفقين أشيمه ... كأني لبرق بالنسار رحيم فهل من معير طرف عين خليّة ... فإنسان طرف العامريّ كليم رمى قلبه البرق اليمانيّ رمية ... بذكر الحمى وهنا فكاد يهيم   [449] الأغاني: 6: 8. [450] أمالي القالي 1: 220- 221. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 فقلت: يا غلام، دون ما بك ما يفحم عن الشعر، قال: أجل، ولكن البرق أنطقني، فما مكث يومه حتى مات. [451]- وممّن روي أنه مات كمدا كعب بن مالك المعروف بالمخبّل، وهو من بني لأي بن شمّاس، وكان عنده ابنة عمّ له يقال لها: أم عمرو، وكان إليها مائلا، وبها معجبا، فنظر إليها متجردة من ثيابها، فقال لها: يا أم عمرو هل تعرفين أجمل منك وأكمل؟ قالت: نعم أختي ميلاء، قال لها: فإني أشتهي أن أراها، فقالت: إن علمت بمكانك لم تجىء، ولكني أحتال وأحضرها، ففعلت ذلك، فلما حضرت ورآها علقها وغلبت على قلبه، ووجدت هي به كوجده بها، فأخبرت أم عمرو بشأنهما، وصادفتهما وهما يتحدثان، فانصرفت إلى إخوتها، وهم سبعة، فقالت: إما أن تزوّجوا هذا الرجل من ميلاء وتفرقوا بيني وبينه، وإما أن تغيبوها عني، فلما وقف على ذلك هرب إلى الشام وأنشأ يقول: [من الطويل] أفي كلّ يوم أنت من بارح الهوى ... إلى الشمّ من أعلام ميلاء ناظر وكان مقيما بالحجاز، فروى هذا البيت رجل من أهل الشام ثم خرج [الشامي] إلى الحجاز لحاجة له فاجتاز بأم عمرو وميلاء، فاستدل أمّ عمرو على الطريق فقالت: يا ميلاء صفي له [الطريق] ، فلما سمع ذكر ميلاء ذكر الأعرابي، وأنشد البيت الذي أخذه عنه، فارتاحت ميلاء ورحّبت بالرجل، وقالت له: اجلس حتى يجيء إخوتي فيكرموك ويقفوك على الطريق، فلما جاءوا وأخبرتهم ميلاء بما سمعت منه، وقد كانوا يحبون أن يعرفوا خبر كعب، فعرّفهم أنه نزل عليه وسمع هذا الشعر منه وشعرا آخر، فقالوا أنشدناه، فأنشدهم: [من الطويل]   [451] هو المخبل القيسى، الأغاني 23: 511 (مع بعض اختلاف) وتزيين الأسواق: 170. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 خليليّ قد رضت الأمور وقستها ... بنفسي وبالفتيان كلّ مكان «1» فلم أخف لوما للصديق ولم أجد ... خليّا ولا ذا البثّ يستويان من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليّان لولا الناس قد قضياني منوعان ظلامان لا ينصفانني ... بدلّهما والحسن قد خلباني خليليّ أما أم عمرو فمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني بلينا بهجران ولم نر مثلنا ... من الناس إنسانين يهتجران أشدّ مصافاة وأبعد عن قلىّ ... وأعصى لواش حين يكتنفان يبيّن طرفانا الذي في ضميرنا ... إذا استعجمت بالمنطق الشفتان فو الله ما أدري، أكلّ ذوي الهوى ... على ما بنا أم نحن مبتليان وكنّا كريمي معشر حمّ بيننا ... هوى فحفظناه بكلّ صيان نذود النفوس الحائمات عن الهوى ... وهنّ بأعناق إليه ثوان فأكرموا الرجل، ووقفوه على الطريق، وخرجوا إلى الشام إلى كعب بن مالك فأقدموه، فلما دخل الحيّ جلس ناحية فرأى مجمعا للحي وغليما، فدعا الغليم فقال له: من أبوك؟ فقال كعب بن مالك، وقد كان خلّف ابنه صغيرا فعرفه، فقال: ما هذا الجمع؟ فقال: لخالتي ميلاء ماتت الساعة، فراعه ذلك وقام منه وقعد، وشهق شهقة مات، فدفنت ميلاء ثم دفن إلى جانب قبرها. [452]- وممّن نسب إلى العشق ومات كمدا محمد بن داود الأصفهاني صاحب المذهب. روي عن أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي نفطويه، قال: دخلت على محمد بن داود في مرضه الذي مات فيه، فقلت له:   [452] تاريخ بغداد 5: 262 وسير أعلام النبلاء 13: 112- 113. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 كيف تجدك؟ قال: حبّ من تعلم أورثني ما ترى، فقلت: ما منعك عن الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين، أحدهما النظر المباح، والثاني اللذة المحظورة، أمّا النظر المباح فأورثني ما ترى، وأمّا اللذة المحظورة فإنه منعني عنها ما حدّثني أبي قال، حدثنا سويد بن سعيد قال، حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتّات عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: من عشق وكتم وعفّ وصبر غفر الله له وأدخله الجنة. ثم أنشد لنفسه: [من البسيط] انظر إلى السحر يجري من لواحظه ... وانظر إلى دعج في طرفه الساجي وانظر إلى شعرات فوق عارضه ... كأنهنّ نمال دبّ في عاج وأنشد لنفسه: [من الخفيف] ما لهم أنكروا سوادا بخدي ... - هـ ولا ينكرون ورد الغصون إن يكن عيب خده بدء ذا الشع ... ر فعيب العيون شعر الجفون فقلت له: نفيت القياس في الفقه وأثبته في الشعر، فقال: غلبة الهوى وملكة النفوس دعوا إليه، قال: ومات من ليلته، أو في اليوم الثاني. [453]- ومنهم حبيشة بنت حبيش إحدى بني عامر بن عبد مناة بن كنانة، كانت تهوى ابن عمها عبد الله بن علقمة ويهواها، تواردا في الهوى وهما طفلان، وبعث النبي صلّى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني عامر بن عبد مناة وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوه وإلا قاتلهم، فصبّحهم خالد بالغميصاء وقد سمعوا به فخافوه، وكانوا قتلوا أخاه الفاكه بن الوليد، وعمّه الفاكه بن المغيرة في الجاهلية، وكانوا من أشد حيّ في كنانة بأسا، كانوا يسمّون لعقة الدم، فلما   [453] الأغاني 7: 271- 274 وتزيين الأسواق: 153. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 صبّحهم خالد ومعه بنو سليم، وكانت بنو سليم تطلبهم بمالك بن خالد بن صخر الشريد وإخوته كرز وعمرو والحارث، وكانوا قتلوهم في موطن واحد، فلما صبّحهم خالد في ذلك اليوم، ورأوا معه بني سليم زادهم ذلك نفورا، فقال لهم خالد: أسلموا، فقالوا: نحن قوم مسلمون، قال: فألقوا سلاحكم وانزلوا، قالوا: لا والله ما نلقي سلاحنا، ولا نحن لك ولا لمن معك آمنين، قال خالد: فلا أمان لكم إلا أن تنزلوا، فنزلت فرقة [منهم فأسرهم، وتفرق بقية القوم فرقتين، فأصعدت فرقة] وسفلت أخرى، فبعث خالد جندا في أثر ظعن مصعدة يسوق بهنّ فتية، فقال: أدركوا أولئك؛ فخرجوا في أثرهم، فلما أدركوهم وقف لهم غلام شابّ على الطريق، فجعل يقاتلهم ويرتجز ويقول: [من الرجز] أرخين أذيال المروط وارتعن ... مشي حييّات كأن لم يفزعن إن يمنع اليوم نساء تمنعن فقاتلهم قليلا فقتلوه ومضوا حتى لحقوا الظعن، فخرج إليهم غلام كأنّه الأول فجعل يقاتلهم ويقول: [من الرجز] أقسم ما إن خادر ذو لبده ... يدرم «1» بين أيكة ووهده يفرس ثنيان «2» الرجال وحده ... بأصدق الغداة منّا نجده فقتلوه وأدركوا الظعن فأخذوهن، فإذا فيهن غلام وضيء به صفرة في لونه كالمنهوك، ربطوه بحبل وقدموه ليقتلوه، فقال لهم: هل لكم في خير؟ قالوا: وما هو؟ قال: تدركون بي الظعن أسفل الوادي ثم تقتلوني، فلما كان بحيث يسمعهنّ الصوت نادى بأعلى صوته: اسلمي حبيش عند نفاد العيش، فأقبلت عليه جارية حسناء بيضاء وقالت: وأنت فاسلم على كثرة الأعداء وشدة البلاء، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 قال: سلام عليك دهرا، وإن بنت «1» عصرا، قالت: وأنت سلام عليك عشرا وشفعا تترى، وثلاثا وترا فقال: [من الطويل] إن يقتلوني يا حبيش فلم يدع ... هواك لهم مني سوى غلّة الصدر فقالت: [من الطويل] وأنت فلا تبعد فنعم أخو الهوى ... جميل العفاف والمودة في ستر وقال لها: [من الطويل] ألم يك حقا أن ينوّل عاشق ... تكلّف أدلاج السّرى والودائق فقالت: بلى والله فقال: فلا ذنب لي قد قلت إذ نحن جيرة ... أثيبي بودّ قبل إحدى الصفائق «2» أثيبي بودّ قبل أن تشحط النوى ... وينأى الخليط بالحبيب المفارق قال: فضربوا عنقه، فتقتحم الجارية من خدرها حتى أهوت «3» نحوه فالتقمت فاه، فنزعوا منها رأسه، وإنها لتنشع «4» بنفسها حتى ماتت مكانها. وروي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودى القتلى، بعث عليا عليه السلام فوداهم، قال علي عليه السلام: قدمت عليهم فقلت لهم: هل لكم أن تقبلوا هذا «5» بما أصيب منكم من القتلى والجرحى، وتحلّلوا رسول الله قالوا: نعم، فقلت لهم: هل لكم في أن تقبلوا الثاني بما دخلكم من الروع والفزع؟ قالوا: نعم، فقلت لهم: فهل لكم في أن تقبلوا الثالث وتحللوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم مما علم ومما لم يعلم؟ قالوا: نعم، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 فدفعته إليهم، وجعلت أديهم، حتى إني لأدي ميلغ الكلب، وفضلت فضلة فدفعتها إليهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أقبلوها؟ قال: نعم، قال: فو الذي أنا عبده لهي أحبّ إليّ من حمر النّعم. [454]- روي أنّ رجلا من بني تميم يقال له الخضر، أبق له غلامان، قال: فخرجت في طلبهما وأنا على ناقة لي عيساء كوماء أريد اليمامة، فلما صرت في ماء لبني حنيفة يقال له الصّرصران، ارتفعت سحابة فرعدت وبرقت وأرخت عزاليها، فعدلت إلى بعض ديارهم، وسألت القرى فأجابوا. فدخلت دارا لهم، وأنخت الناقة وجلست تحت ظلّة لهم من جريد النخل، وفي الدار جويرية لهم سوداء، إذ دخلت جارية كأنها سبيكة فضة، وكأن عينيها كوكبان دريّان، فسألت الجارية: لمن هذه العيساء؟ تعني ناقتي، فقيل: لضيفكم هذا، فعدلت إليّ وقالت: السلام عليكم، فرددت عليها السلام، فقالت لي: ممن الرجل؟ فقلت: من بني حنظلة، فقالت: من أيّهم؟ فقلت: من بني نهشل، فتبسمت وقالت: أنت إذن ممن عناه الفرزدق بقوله: [من الكامل] إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول بيتا بناه لنا المليك وما بنى ... ملك السماء فإنه لا ينقل بيتا زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل قال فقلت: نعم جعلت فداك، وأعجبني ما سمعت منها، فضحكت وقالت: فإن ابن الخطفى قد هدم عليكم بيتكم هذا الذي فخرتم به حيث يقول: [من الكامل] أخزى الذي رفع السماء مجاشعا ... وبنى بناء بالحضيض الأسفل   [454] الأغاني 8: 43- 45. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 بيتا يحمّم قينكم بفنائه ... دنسا مقاعده خبيث المدخل قال: فوجمت، فلما رأت ذلك في وجهي قالت: لا عليك، فإن الناس يقال فيهم ويقولون، ثم قالت: أين تؤمّ؟ قلت: اليمامة، فتنفست الصعداء ثم قالت: ها هي تلك أمامك ثم أنشأت تقول: [من الوافر] تذكرني بلادا خير أهلي ... بها أهل المروءة والكرامه ألا فسقى الإله أجشّ صوبا ... يسحّ بدرّه بلد اليمامه وحيّا بالسلام أبا نجيد ... فأهل للتحيّة والسلامه قال: فأنست بها وقلت: أذات خدن أم ذات بعل؟ فأنشأت تقول: [من الوافر] إذا رقد النيام فإن عمرا ... تؤرّقه الهموم إلى الصباح تقطّع قلبه الذكرى وقلبي ... فلا هو بالخليّ ولا بصاح سقى الله اليمامة دار قوم ... بها عمرو يحنّ إلى الرواح فقلت لها: من عمرو هذا؟ فأنشأت تقول: [من الوافر] سألت ولو علمت كففت عنه ... ومن لك بالجواب سوى الخبير فإن تك ذا قبول إنّ عمرا ... هو القمر المضيء المستنير وما لي بالتبعّل مستراح ... ولو ردّ التبعل لي أسيري قال: ثم سكتت سكتة كأنها تسمع إلى كلام، ثم تهافتت وأنشأت تقول: يخيّل لي هيا عمرو بن كعب ... بأنك قد حملت على سرير يسير بك الهوينا القوم لما ... رماك الحبّ بالغلق العسير فإن تك هكذا يا عمرو إني ... مبكرة عليك إلى القبور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 ثم شهقت شهقة خرّت ميتة، فقلت لهم: من هذه؟ فقالوا: عقيلة بنت الضحاك بن عمرو بن محرق بن النعمان بن المنذر، فقلت لهم: فمن عمرو هذا؟ قالوا: ابن عمها عمرو بن كعب بن محرق بن النعمان بن المنذر، فارتحلت من عندهم، فلما دخلت اليمامة سألت عن عمرو هذا، فإذا هو قد دفن في ذلك الوقت الذي قالت فيه ما قالت. [455]- قال عكرمة: إني لمع ابن عباس بعرفة إذا فتية أدمان يحملون فتى في كساء معروق الوجه ناحل البدن أحلى من رأيت من الفتيان، حتى وضعوه بين يدي ابن عباس وقالوا له: استشف له يا ابن عمّ رسول الله، فقال ابن عباس: وما به؟ فأنشأ الفتى يقول: [من الطويل] بنا من جوى الأحزان والحبّ لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب ولكنما أبقى حشاشة معول ... على ما به عود هناك صليب قال وأنشأ الفتى يقول: [من الطويل] وبي لوعة لو تشتكي الصمّ مثلها ... تفطرت الصمّ الصلاد فخّرت ولو قسم الله الذي لي من الجوى ... على كلّ نفس حظّها لألّمت ولكنما أبقى حشاشة معول ... على ما به صلب النجار فمدت قال: فأقبل ابن عباس على عبيد الله بن حميد بن زهير بن سهيل بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، فقال: أخذ هذا البدوي العود علي وعليه، قال: ثم حملوه، فخفت في أيديهم فمات، فقال ابن عباس: هذا قتيل الحبّ لا عقل ولا قود. قال عكرمة: فما رأيت ابن عباس يسأل الله تلك العشية حتى أمسى إلا العافية مما ابتلي به ذلك الفتى.   [455] الأغاني 23: 316 (والحكاية هنا أتمّ مما هي في الأغاني) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 [456]- وممّن قيل إنه مات كمدا: عبد الله بن عجلان النهدي، روي أنه رأى أثر كفّ محبوبته في ثوب زوجها فمات. وهذا الفصل نذكر فيه جملة الأخبار والأشعار في الغزل، ونقتصر على ما يؤمن معه الملل، ونعدل عن الإكثار، فإن استقصاءه غير ممكن، وهو فنّ يلهج به الناس، وقد أكثروا منه واختلفوا فيه. 457- قيل: الهوى جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب مهلك، ومالك قاهر، مسالكه لطيفة، ومذاهبه متضادة، وأحكامه جائرة، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأعطي خزام طاعتها، وقود تصرّفها، توارى عن الأبصار مدخله، وغيّض في القلوب مسلكه، وقد رأينا الهوى يشجع قلب الجبان، ويسخي كفّ البخيل، ويصفّي ذهن الغبي، ويبعث حزم العاجز، ويخضع له عزة كل متجبّر. [458]- فمن مختار الشعر فيه قول الشنفرى: [من الطويل] فواكبدا على أميمة بعد ما ... طمعت فهبها نعمة العيش ولّت «1» لقد أعجبتني لا سقوطا قناعها ... إذا ما مشت ولا بذات تلفّت تحلّ بمنجاة من اللوم بيتها ... إذا ما بيوت بالمذمّة حلّت أميمة لا يخزي نثاها حليلها ... إذا ذكر النسوان عفّت وجلّت إذا هو أمسى آب قرّة عينه ... مآب السعيد لم يقل أين ظلّت فدقّت وجلّت واسبكرّت وأكملت ... فلو جنّ إنسان من الحسن جنّت فبتنا كأنّ البيت حجّر فوقنا ... بريحانة ريحت عشاء وطلّت   [456] أخباره في الأغاني 22: 245- 254. [458] من المفضلية رقم: 20 في شرح ابن الأنباري، ص: 194 وما بعدها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 [459]- وقال جميل: [من الطويل] يقولون جاهد يا جميل بغزوة ... وأيّ جهاد غيرهنّ أريد لكلّ حديث بينهن بشاشة ... وكلّ قتيل بينهنّ شهيد علقت الهوى منها وليدا ولم يزل ... إلى اليوم ينمي حبّها ويزيد وأفنيت عمري بانتظاري نوالها ... وأفنت بذاك الدهر وهو جديد وقد تلتقي الأشتات بعد شتاتها ... وقد تدرك الحاجات وهي بعيد إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحبّ قالت ثابت ويزيد [460]- وقال ذو الرمة: [من الطويل] ألا لا أبالي الموت إن كان دونه ... لقاء لميّ وارتجاع من الوصل أناة كأنّ المرط حين تلوثه ... على دعصة غرّاء من عجم الرمل أسيلة مستنّ الوشاحين قانىء ... بأطرافها الحناء في سبط طفل من المشرقات البيض في غير مرهة ... ذوات الشّفاه الحوّ والأعين النجل إذا ما امرؤ حاولن أن يقتتلنه ... بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل تبسّمن عن نور الأقاحيّ في الثرى ... وفتّرن من أبصار مضروجة كحل «1» وإنا لنرضى حين نشكو بخلوة ... إليهنّ حاجات النفوس بلا بذل وما الفقر أزرى عندهنّ بوصلنا ... ولكن جرت أخلاقهنّ على البخل [461]- وقال قيس بن ذريح: [من الطويل]   [459] ديوان جميل: 61- 67 (مع اختلاف في ترتيب الأبيات) . [460] ديوان ذي الرمة: 142. [461] الأغاني 9: 196- 197 (مع اختلاف كثير في الترتيب) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 سلي هل قلاني من عشير صحبته ... وهل ذمّ «1» رحلي في الرفاق رفيق وهل يجتوي القوم الكرام صحابتي ... إذا اغبرّ مخشيّ الفجاج عميق ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني ... لكم والهدايا المشعرات صديق صبوحي إذا ما ذرّت الشمس ذكركم ... ولي ذكركم عند المساء غبوق تتوق إليك النفس ثم أردّها ... حياء ومثلي بالحياء حقيق وإني وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من احداث الردى لشفيق تكاد بلاد الله يا أمّ معمر ... بما رحبت يوما عليّ تضيق أذود سوام الطرف عنك وهل له ... على أحد إلا عليك طريق وحدثتني يا قلب أنك صابر ... على البعد من لبنى فسوف تذوق فمت كمدا أو عش سقيما فإنما ... تكلّفني ما لا أراك تطيق دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا ... بأعين أعداء وهنّ صديق وهذه الأبيات متنازعة، وقد أنشد أبو هلال العسكري الرابع منها، والسادس والثامن لمضرّس بن الحارث المرّي، والبيت الآخر هو لجرير في ديوانه. [462]- قال عبيد الله بن سليمان الوزير: دعاني المعتضد يوما، فقال لي: ألا تعاتب بدرا على ما لا يزال يستعمله من التخرّق في النفقات والإثابات والزيادات والصلات، وجعل يؤكد القول عليّ في ذلك، فلم أخرج من حضرته حتى دخل عليه بدر، فجعل يستأمره في إطلاقات مسرفة، ونفقات واسعة، وصلات سنيّة، وهو يأذن فيها، فلما خرج رأى في وجهي إنكارا لما فعله بعد ما جرى   [462] الأغاني 10: 70؛ 14: 155- 156 والحكم بن قنبر شاعر بصري من شعراء الدولة العباسية، وبينه وبين مسلم بن الوليد مهاجاة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 بيني وبينه، فقال: يا عبيد الله: قد عرفت ما في نفسك، وإني وإياه لكما قال الشاعر: [من البسيط] في وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب مطاع حيثما شفعا مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت ... منه الإساءة معذور بما «1» صنعا وهذه أبيات يقولها الحكم بن قنبر البصري أولها: ويلي على من أطار النوم فامتنعا ... وزاد قلبي على أوجاعه وجعا كأنما الشمس في أعطافه «2» لمعت ... حسنا أو البدر من أزراره طلعا [463]- وقال أبو صخر الهذلي: [من الطويل] أما والذي أبكي وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذّعر فيا حبّها زدني جوى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر [464]- وقال آخر: [من الطويل] وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كلّه أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر   [463] الأغاني 5: 170، 23: 278- 281 وحماسة المرزوقي: 1231 وشرح أشعار الهذليين 2: 950- 956 . [464] حماسة التبريزي 3: 122 والمرزوقي: 1238 (رقم: 465) والحماسة البصرية 2: 121. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 [465]- وقال الحسين بن مطير: [من الطويل] وكنت أذود العين أن ترد البكا ... فقد وردت ما كنت عنه أذودها خليلي ما بالعيش عتب لو اننا ... وجدنا لأيام الصبا من يعيدها «1» ولي نظرة بعد الصدود من الجوى ... كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها هل الله عاف عن ذنوب تكشّفت ... أم الله إن لم يعف عنها يعيدها إذا جئتها بين النساء منحتها ... صدودا كأن النفس ليست تريدها [466]- وقال آخر: [من الطويل] لعمرك ما ميعاد عينك والبكا ... بداراء إلا أن تهبّ جنوب أعاشر في داراء من لا أودّه ... وبالرمل مهجور إليّ حبيب [467]- وقال بعض الأعراب: [من البسيط] لا خير في الحبّ وقفا لا تحرّكه ... عوارض اليأس أو يرتاحه الطمع لو كان لي صبرها أو عندها جزعي ... لكنت أملك ما آتي وما أدع لا أحمل اللوم فيها والغرام بها ... ما حمّل الله نفسا فوق ما تسع 468- وقال آخر: [من الطويل] لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللكفّ مرتاد وللعين منظر وللحائم العطشان ريّ بريقها ... وللمرح الذيال ملهى ومسكر أقلّب طرفي في السماء لعله ... يصادف طرفي طرفها حين أنظر   [465] أمالي المرتضى 1: 434 وشعر الحسين بن مطير (غياض) : 46. [466] معجم البلدان (داراء) وداراء من نواحي البحرين وحماسة المرزوقي: 1331 (رقم: 532) . [467] أمالي القالي 2: 273 لرجل من بني جعدة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 [469]- وقال الأحوص: [من الطويل] ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا فما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبا ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا [470]- وقال ذو الرمة: [من الطويل] ألمّا على الدار التي لو وجدتها ... بها أهلها ما كان وحشا مقيلها ولو لم يكن إلا تعلّل ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها [471]- وقال أبو حيّة النميري: [من الطويل] وإن دما لو تعلمين جنيته ... على الحيّ جاني مثله غير سالم أما إنه لو كان غيرك أرقلت ... إليه القنا بالراعفات اللهاذم ولكن لعمر الله ما طلّ مسلما ... كغرّ الثنايا واضحات الملاغم «1» إذا هنّ ساقطن الحديث كأنه ... سقاط حصى المرجان من سلك ناظم رمين فأقصدن القلوب فلم نجد ... دما مائرا إلا جوى في الحيازم وخبّرك الواشون أن لن أحبكم ... بلى وستور الله ذات المحارم   [469] الشعر والشعراء: 425 والأغاني 13: 157 وشعر الأحوص (سليمان) : 98. [470] الثاني منهما في ديوان ذي الرمة: 913. وورد بدلا من الأول: ألما بميّ قبل أن تطرح النوى ... بنا مطرحا أو قبل بين يزيلها والبيت الوارد هنا في هامش ص: 912 نقلا عن معاهد التنصيص. [471] أمالي القالي 2: 280- 281 (مع اختلاف في الترتيب) وحماسة ابن الشجري: 153 وزهر الآداب: 14 وسمط اللآلي: 925 والحماسة البصرية 2: 85- 86 وأمالي المرتضى 2: 68 والمحب والمحبوب 1: 164- 166. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 أصدّ وما الصدّ الذي تعلمينه ... عزاء بنا إلّا اجتراع العلاقم حياء وبقيا أن تشيع نميمة ... بنا وبكم أفّ لأهل النمائم [472]- ويروى للمجنون: [من الطويل] شفيعي إليها قلبها إن تعتّبت ... وقلبي لها فيما تروم شفيع لقد ظفرت مني بسمع وطاعة ... وكلّ محبّ سامع ومطيع 473- وقال أبو العميثل: [من الطويل] سلام على الوصل الذي كان بيننا ... تداعت به أركانه فتضعضعا تمنّى رجال ما أحبوا وإنما ... تمنّيت أن أشكو إليها فتسمعا وإني لأنهى النفس عنها ولم يكن ... بشيء من الدنيا سواها لتقنعا أرى كلّ معشوقين غيري وغيرها ... قد استعذبا طعم الهوى وتمتعا كأني وإياها على حال رقبة ... وتفريق شمل لم نبت ليلة معا [474]- وقال أبو عبد الله بن الدمينة الخثعمي، وهذه الأبيات من قصيدة مشهورة، وقد تنوزع أكثرها، ونسبت أبيات منها إلى عدد من الشعراء، والمقصود الشعر لا شاعره، فلذلك جمعت المختار منها في مكان واحد: [من الطويل] أحقا عباد الله أن لست واردا ... ولا صادرا إلا عليّ رقيب ولا زائرا فردا ولا في جماعة ... من الناس إلا قيل أنت مريب وهل ريبة في أن تحنّ نجيبة ... إلى إلفها أو أن يحنّ نجيب وإنّ الكثيب الفرد من أيمن الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيب أميم لقد عذّبتني وأريتني ... بدائع أخلاق لهنّ ضروب   [472] لم يرد في ديوان المجنون. [473] ديوان ابن الدمينة: 103- 118 وهي أبيات متباعدة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 صدودا وإعراضا كأنّي مذنب ... ألا ليس لي إلا هواك ذنوب تضنّين حتى يذهب البخل بالمنى ... وحتى تكاد النفس عنك تطيب فيا حسرات القلب من غربة النوى ... إذا اقتسمتها نية وشعوب ومن خطرات تعتريني وزفرة ... لها بين جلدي والعظام دبيب فلا تتركي نفسي شعاعا فإنها ... من الوجد قد كادت عليك تذوب أحبّك أطراف النهار بشاشة ... وبالليل يدعوني الهوى فأجيب ولما رأيت الهجر أبقى مودّة ... وطارت بأضغان عليّ قلوب هجرت اجتنابا غير بغض ولا قلى ... أميمة مهجورا إليّ حبيب لك الله إني واصل ما وصلتني ... ومثن بما أوليتني ومثيب وآخذ ما أعطيت عفوا وإنني ... لأزورّ عما تكرهين هيوب وإني لأستحييك حتى كأنّما ... عليّ بظهر الغيب منك رقيب ولو أنني أستغفر الله كلّما ... ذكرتك لم تكتب عليّ ذنوب تلجين حتى يزري الهجر بالهوى ... وحتى تكاد النفس عنك تطيب أميم احذري نقض الهوى لم يزل لنا ... على النأي والهجران منك نصيب وكوني على الواشين لدّاء شغبة ... كما أنا للواشي ألدّ شغوب بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ... بذكر الهوى لم يدر كيف يجيب ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل ... به سكتة حتى يقال مريب ألا لا أبالي ما أجنّت صدورهم ... إذا نصحت ممّن أودّ جيوب ألا ليت شعري عنك هل تذكرينني ... فذكرك في الدنيا إليّ حبيب وهل لي نصيب من فؤادك ثابت ... كما لك عندي في الفؤاد نصيب [475]- ومما يروى للمجنون: [من الطويل]   [475] ديوان مجنون ليلى: 52- 53. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 ألا أيها البيت الذي لا أزوره ... وإن حلّه شخص إليّ حبيب هجرتك إشفاقا وزرتك خائفا ... وفيك عليّ الدهر منك رقيب سأستعتب الأيام فيك لعلّها ... بيوم سرور في الزمان تؤوب جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتيّ غروب وما ذاك إلا حين أيقنت أنه ... يمرّ بواد أنت منه قريب يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقّى طيبكم فيطيب أظلّ غريب الدار في أرض عامر ... ألا كلّ مهجور هناك غريب [476]- وقال الأقرع بن معاذ القشيري: [من الطويل] ألا حبذا ريح الغضا حين زعزعت ... بقضبانه بعد الضلال جنوب تجيء بريا من عثيمة طلّة ... يعيش لها القلب الدوي فيثيب لقد طرقتنا أمّ عثمان بعد ما ... هوى النجم والساري إليّ حبيب كأني وإن كانت شهودا عشيرتي ... إذا بنت عني يا عثيم غريب ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر ... حبيبا ولم يطرب اليك حبيب وأكببت إكباب الدنيّ وباعدت ... لك النفس حاجات وهنّ قريب فلا تعديني الفقر يا أم خالد ... فإنّ الغنى للمنفقين قريب [477]- وقال ابن الدمينة: [من الطويل] قفي يا أميم القلب نقض لبانة ... ونشك الهوى ثم افعلي ما بدا لك سلي البانة الغيناء بالأبطح الذي ... به البان هل حيّيت أطلال دارك وهل قمت في أطلالهنّ عشية ... مقام أخي البأساء واخترت ذلك   [476] البيت الخامس في أمالي القالي 2: 40 لرجل من عبس. [477] ديوان ابن الدمينة: 13- 17، 165- 167، وبعض أبياتها في الزهرة 1: 86 لخليفة بن روح الأسدي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 وهل كفكفت عيناي في الدار عبرة ... فرادى كنظم اللؤلؤ المتدارك فيا بانة الوادي أليست مصيبة ... من الله أن تحمي علينا ظلالك ويا بانة الوادي أثيبي متيما ... أخا سقم أنشبته في حبالك عدمتك من نفس وأنت سقيتني ... بكأس الردى في وصل من لم يوالك ومنيتني لقيان من لست لاقيا ... نهاري ولا ليلي ولا بين ذلك فما بك من صبر ولا من جلادة ... ولا من عزاء فاهلكي في الهوالك ليهنك إمساكي بكفي على الحشا ... ورقراق دمعي رهبة من زيالك ولو قلت طأ في النار أعلم أنه ... هدى منك أو مدن لنا في وصالك لقدّمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدى منك لي أو غبّة في ضلالك [478]- وقال أيضا: [من الطويل] خليليّ إني اليوم شاك إليكما ... وهل تنفع الشكوى إلى من يزيدها تفرّق ألّاف وإسبال عبرة ... أظلّ بأطراف البنان أذودها وكائن ترى من ذي هوى حيل دونه ... ومتبع إلف نظرة لا يعيدها نظرت بمغضى سيل تربان نظرة ... هل الله لي قبل الممات معيدها إلى رجّح الأكفال غيد كأنّها ... ظباء الفلا أعناقها وخدودها خليليّ شدا بالعصائب فانظرا ... إلى كبدي هل بتّ صدعا عهودها وكنا إذا تدنو بعصماء نية ... رضينا بدنيانا فلا نستزيدها [479]- وقال أيضا: [من الطويل] ولما لحقنا بالحمول انبرى لنا ... خفيف الحشا توهي القميص عواتقه   [478] ديوان ابن الدمينة: 50- 51. [479] ديوان ابن الدمينة: 52. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 قليل قذى العينين يعلم أنّه ... هو الموت إن لم تصرعنّا بوائقه وقفنا فسلّمنا فسلّم كارها ... علينا وتبريح من الوجد خانقه فساءلته حتى اطمأنّ وقد بدا ... لنا برد منه تطير صواعقه فسايرته ميلين يا ليت أنني ... على سخطه حتى الممات أرافقه فلما رأت أن لا جواب وأنه ... مدى الصّرم مضروب علينا سرادقه رمتني بطرف لو كميّا رمت به ... لبلّ نجيعا نحره وبنائقه [480]- ومن طوال قصائد الغزل ومختارها قول كثير، وقد اقتصرت على بعضها: [من الطويل] خليليّ هذا ربع «1» عزّة فاعقلا ... قلوصيكما ثم انزلا «2» حيث حلّت وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا ... ولا موجعات الحزن «3» حتى تولّت فقد حلفت جهدا بما نحرت له ... قريش غداة المأزمين وصلّت وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرة نذرا فأوفت وحلّت فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت ولم يلق إنسان من الحبّ ميعة ... تعمّ ولا غمّاء إلا تجلّت كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصمّ لو تمشي بها العصم زلّت صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها ... وحلّت تلاعا لم تكن قبل حلّت   [480] ديوان كثير: 95- 103. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 فما أنصفت أما النساء فبغّضت ... إلينا وأما بالنوال فضنّت يكلّفها الخنزير شتمي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلّت هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت وو الله ما قاربت إلا تباعدت ... بصرم ولا أكثرت إلا أقلّت فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا ... وحقّت لها العتبى إلينا وقلّت وإن تكن الأخرى فإن وراءنا ... مناديح لو سارت بها العيس كلّت أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلّت وإني وإن صدّت لمثن وصادق ... عليها بما كانت إلينا أزلّت فما أنا بالداعي لعزّة بالردى ... ولا شامت ان نعل عزّة زلّت فلا يحسب الواشون أنّ صبابتي ... بعزّة كانت غمرة فتجلّت فيا عجبا للقلب كيف اعترافه ... وللنفس لما وطّنت كيف ذلّت وإني وتهيامي بعزّة بعد ما ... تخلّيت مما بيننا وتخلّت لكالمرتجي ظلّ الغمامة كلّما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلّت كأني وإياها سحابة ممحل ... رجاها فلما جاوزته استهلّت [481]- قال عبد الله بن أبي عبيد: قلت لأبي السائب المخزومي: ما أحسن عروة بن أذينة حيث يقول: [من الكامل] لبثوا ثلاث منى بمنزل غبطة ... وهم على غرض هنالك ما هم متجاورين بغير دار إقامة ... لو قد أجدّ رحيلهم لم يندموا ولهنّ بالبيت العتيق لبانة ... والركن يعرفهنّ لو يتكلم لو كان حيّا قبلهنّ ظعائنا ... حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم   [481] الأغاني 18: 248- 250 وشعر عروة: 367- 368 وشعر كثير: 410 وشعر العرجي 42- 43. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 وكأنهنّ وقد حسرن لواغبا ... بيض بأكناف الحطيم مركّم قال: فقال: لا والله ما أحسن ولا أجمل، ولكنه أهجر وأخطل في صفتهنّ بهذه الصفة، ثم لا يندم على رحيلهنّ، أهكذا قال كثير حيث يقول: [من الطويل] تفرّق أهواء الحجيج على منى ... وصدّعهم شعب النوى صبح أربع فريقان منهم سالك بطن نخلة ... وآخر منهم سالك بطن تضرع فلم أر دارا مثلها دار غبطة ... وملقى إذا التفّ الحجيج بمجمع أقلّ مقيما راضيا بمقامه ... وأكثر جارا ظاعنا لم يودّع انظر إليه كيف تقدّمت شهادته علمه، وكفى لسانه ببيانه، وهل يغتبط عاقل بمقام لا يرضى به، ولكن مكره أخوك لا بطل؛ والعرجيّ كان بالعهد أوفى منهما، وأولى بالصواب حين تعرّض لها نافرة من منى، فقال لها عاتبا مستكينا: [من الكامل المرفل] عوجي عليّ فسلّمي جبر ... ماذا الوقوف وأنتم سفر ما نلتقي إلا ثلاث منى ... حتى يفرّق بيننا النّفر [482]- قال المدائني: انتجع أهل جنوب ناحية حسي والحمى، وقد أصابها الغيث وأمرعت، فلما أرادوا الرحيل وقف لهم مالك بن الصمصامة (وجنوب هي بنت محصن الجعدية بنت عم مالك) حتى إذا بلغته أخذ بخطام بعيرها ثم قال: [من الطويل] أريتك إذ أزمعتم اليوم نية ... وغالك مصطاف الحمى ومرابعه   [482] الأغاني 22: 85. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 أترعين ما استودعت أم أنت كالذي ... إذا ما نأى هانت عليه ودائعه فبكت وقالت: بل أرعى والله ما استودعت، ولا أكون كمن هانت عليه ودائعه، فأرسل بعيرها وبكى حتى سقط مغشيّا عليه، وهي واقفة، ثم أفاق وهو يقول: ألا إن حسيا دونه قلّة الحمى ... منى النفس لو كانت تنال شرائعه وكيف ومن دون الورود عوائق ... وأصبغ حامي ما أحبّ ومانعه فلا أنا فيما صدّني عنه طامع ... ولا أرتجي وصل الذي هو قاطعه 483- قال بعضهم: رأيت امرأة مستقبلة البيت في غاية الضرّ والنحافة، رافعة يديها تدعو، فقلت لها: هل من حاجة؟ قالت: حاجتي أن تنادي في الموقف بقولي: [من الطويل] تزوّد كلّ الناس زادا يقيمهم ... وما لي زاد والسلام على نفسي ففعلت، فإذا أنا بفتى منهوك فقال: أما الزاد فمضيت به إليها، فما زادت على النظر والبكاء، ثم قالت له: انصرف مصاحبا، فقلت: ما علمت أن لقاء كما يقتصر على هذا، فقالت: أمسك، أما علمت أنّ ركوب العار ودخول النار شديد؟! [484]- وقال الناجم: [من الرجز] طالبت من شرّد نومي وذعر ... بقبلة تحسن في القلب الأثر فقال لي مستعجلا وما انتظر: ... ليس لغير العين حظّ في القمر أخذه من قول علي بن الجهم: [من الطويل] وقلن لنا نحن الأهلة إنما ... نضيء لمن يسري بليل ولا نقري   [484] التشبيهات: 93 وأمالي القالي 1: 230 وشعراء عباسيون 3: 389، 422 وشعر ابن الجهم في ديوانه: 144 (من قصيدته: عيون المهابين الرصافة والجسر) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 فلا نيل إلا ما تزوّد ناظر ... ولا وصل إلا بالخيال الذي يسري [485]- وقال سليمان بن أبي دباكل الخزاعي: وقد وجدت بعض هذه الأبيات في ديوان أبي ذؤيب: [من الكامل] يا بيت خنساء «1» الذي أتجنّب ... ذهب الشباب وحبّها لا يذهب أصبحت أمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك على الصدود لأجنب ما لي أحنّ إذا جمالك قرّبت ... وأصدّ عنك وأنت مني أقرب تبكي «2» الحمامة شجوها فتهيجني ... ويروح عازب همّي المتأوّب وتهبّ سارية الرياح من ارضكم ... فأرى الرياح لها تطلّ وتجنب «3» وأرى الصديق «4» يودّكم فأودّه ... إن كان ينسب منك أو لا ينسب وأخالف الواشين فيك تجمّلا ... وهم عليّ أولو ضغائن ذرّب ثم اتخذتهم عليّ وليجة ... حتى غضبت ومثل ذلك يغضب وأرى السّميّة باسمكم فيزيدني ... شوقا إليك حنانك المتنسّب [486]- وقال يزيد بن الطّثريّة: [من الطويل] بنفسي من لو مرّ برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله   [485] ورد الشعر في الأغاني 21: 108- 109 لابن أبي دباكل نفسه، ولم يذكر أية صلة لهذا الشعر بأبي ذؤيب، وقد ورد في ديوانه 1: 205 ولم يعرفه الأصمعي وقال خالد هي لرجل من خزاعة وقال زبير هي لابن أبي دباكل. وانظر الجليس الصالح 3: 268 ففيه الشعر منسوبا لابن أبي دباكل؛ وفي المصادر المذكورة اختلافات كثيرة في رواية الأبيات. [486] شعر ابن الطثرية: 54. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 ومن هابني في كلّ أمر وهبته ... فلا هو يعطيني ولا أنا سائله [487]- وقال أيضا: [من الطويل] عقيلية أمّا ملاث إزارها ... فدعص وأما خصرها فبتيل تقيظ بأكناف الحمى ويظلّها ... بنعمان من وادي الأراك مقيل أليس قليلا نظرة إن نظرتها ... إليك وكلّا ليس منك قليل فيا خلّة النفس التي ليس دونها ... لنا من أخلّاء الصفاء خليل ويا من كتمنا حبّه لم يطع به ... عدوّ ولم يؤمن عليه دخيل أما من مقام أشتكي غربة النوى ... وخوف العدا فيه إليك سبيل فديتك أعدائي كثير وشقّتي ... بعيد وأنصاري لديك قليل وكنت إذا ما جئت جئت بعلّة ... فأفنيت علّاتي فكيف أقول فما كلّ يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كلّ وقت لي إليك رسول صحائف عندي للعتاب طويتها ... ستنشر يوما والعتاب يطول فلا تحملي إثمي وأنت ضعيفة ... فحمل دمي يوم الحساب ثقيل [488]- قيل لما تأيمت عائشة بنت طلحة كانت تقيم بمكة سنة وبالمدينة سنة، وتخرج إلى مال عظيم لها بالطائف، وقصر كان لها هناك تتنزّه فيه، وتجلس فيه بالعشيات تناضل بين الرماة، فمرّ بها النميريّ الشاعر، فسألت عنه فنسب لها، فقالت ائتوني به، فأتوا به، فقالت له: أنشدني ممّا قلت في زينب، تعني زينب بنت يوسف أخت الحجاج بن يوسف، وكان النميريّ يتعشّقها، وهو محمد بن عبد الله بن نمير من ثقيف، فامتنع عليها، وقال: بنت عمي وقد   [487] شعر ابن الطثرية: 87- 90. [488] الأغاني 11: 179- 180 وقارن بالأغاني 6: 192- 193 وانظر معجم البلدان (الهماء) والفقرة: 442. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 صارت عظاما بالية، قالت: أقسمت عليك إلّا فعلت، فأنشدها قوله، وهي أبيات ذكرت هاهنا مختارها: [من الطويل] تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة عطرات فأصبح ما بين الهماء وجدوة «1» ... إلى الماء ماء الجزع ذي العشرات له أرج من مجمر الهند ساطع ... تظلع ريّاه من الكفرات «2» تهادين ما بين المحصّب من منى ... وأقبلن لا شعثا ولا غبرات مررن بفخّ رائحات عشيّة ... يلبّين للرحمن معتمرات يخمّرن «3» أطراف البنان من التّقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات تقسم لبّي يوم نعمان إنني ... رأيت فؤادي عارم النظرات جلون وجوها لم تلحها سمائم ... حرور ولم يسفعن بالسّبرات «4» قالت: والله ما قلت إلّا جميلا، ولا ذكرت إلا كرما وطيبا، ولا وصفت إلا دينا وتقى، أعطوه ألف درهم. فلما كانت الجمعة الأخرى تعرّض لها، فقالت: عليّ به، فجاءها فقالت له: أنشدني من شعرك في زينب، فقال لها: أو أنشدك من شعر الحارث بن خالد فيك، فوثب مواليها إليه، فقالت: دعوه، فإنه أراد أن يستقيد لبنت عمه، هات ممّا قال الحارث، فأنشدها: [من الكامل المرفل] ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدوا بلبك مطلع الشرق في البيت ذي الحسب الرفيع ومن ... أهل التقى والبرّ والصدق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 أترجّة عبق العبير بها ... عبق الدهان بجانب الحقّ ما صبّحت أحدا برؤيتها ... إلا غدا بكواكب الطلق فقالت: والله ما ذكر إلا جميلا، ذكر أني إذا صبّحت زوجا غدا بوجهي، غدا بكواكب الطلق، وأني غدوت مع أمير تزوّجني إلى المشرق، وأني أحسن الخلق في البيت ذي الحسب الرفيع، أعطوه ألف درهم واكسوه حلّتين، ولا تعد تأتينا يا نميري. [489]- وكان الحارث بن خالد المخزومي مع منصبه وشرفه وفضله شديد الغزل، خالعا فيه العذار، ولّاه عبد الملك بن مروان مكة، فأذّن له المؤذّن وخرج إلى الصلاة، فأرسلت إليه عائشة بنت طلحة أن بقي من طوافي شيء لم أتمّه، فأمر المؤذنين فكفّوا عن الإقامة حتى فرغت من طوافها، والناس يصيحون به ويضجّون، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فعزله، وكتب إليه يؤنّبه فيما فعل، فقال: ما أهون والله غضبه عليّ إذا رضيت عائشة، والله لو لم تفرغ من طوافها إلى الليل لأخرت الصلاة إلى الليل. [490]- وكانت العرب في جاهليتها وإسلامها مع شدة بأسها وغلظ أكبادها ترقّ عند الغزل وتلين، حتى مات كثير منهم كمدا وشغفا، وكانت تستحسن منه ما هو مستهجن عند غيرها من طوائف الأمم، ألا ترى أن الشاعر منهم كان ينسب بالمرأة الجليلة ذات الحسب والعشيرة المنيعة، فلا ينكرون ذلك ولا يغيرونه حتى كانوا ينسبون بنساء الملوك، فلا يكون منهم له نكير. ذكر النابغة الذبياني المتجردة زوجة النعمان بن المنذر في شعره، فقال قصيدة أولها: [من الكامل] أمن آل ميّة رائح أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزوّد   [489] الأغاني 11: 180- 181. [490] انظر قصيدة النابغة في الأغاني 11: 8، 10 والتعليق ص: 13. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 ووصف أعضاءها وأفحش حتى قال: وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسّة بالعبير مقرمد وهي أبيات قد كتبتها في مكان آخر من هذا الكتاب، وأنشدها النعمان غير مراقب، فقال بعض أعدائه: ما يستطيع أن يقول ذلك إلا من جرّب، فأغراه به. [491]- وتنسّب أبو دهبل الجمحي بعاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان، فاحتمله معاوية ووصله وزوّجه ليكفّ ويقطع القالة عن ابنته. روي أن عاتكة بنت معاوية حجّت فنزلت بذي طوى، فمرّ بها أبو دهبل الجمحي في وقت الهاجرة وهي غافلة عنه، فوقف ينظر إليها، فلما تنبّهت له شتمته فانصرف، وقال فيها الشعر، فبلغها فضحكت وبعثت إليه بكسوة، وجرت الرسل بينهما، وكان أبو دهبل من أجمل الناس، فلما صدرت عن مكة خرج معها إلى الشام، فنزل قريبا منها، وكانت تعاهده بالبرّ والألطاف، حتى دخلت دمشق وورد معها، فانقطعت عن لقائه، وبعد من أن يراها، ومرض بدمشق مرضا طويلا وقال في ذلك: [من الخفيف] طال ليلي وبتّ كالمحزون ... ومللت المقام في جيرون «1» وأطلت المقام بالشام حتى ... ظنّ أهلي مرجّمات الظنون فبكت خشية التفرّق جمل ... كبكاء القرين إثر القرين وهي زهراء مثل لؤلؤة الغو ... واص ميزت من جوهر مكنون وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دون تجعل المسك واليلنجوج والند ... د صلاء لها على الكانون   [491] الأغاني 7: 119- 123. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 ثم خاصرتها إلى القبّة البي ... ضاء تمشي في مرمر مسنون قبّة من مراجل ضربوها ... عند برد الشتاء في قيطون عن يساري إذا دخلت من البا ... ب وإن كنت خارجا فيميني «1» ثم فارقتها على خير ما كا ... ن قرين مقارنا لقرين ولقد قلت إذ تطاول ليلي ... وتقلّبت ليلتي في فنون ليت شعري أمن هوى طار نومي ... أم براني الباري قصير الجفون وشاع هذا الشعر حتى بلغ معاوية فأمسك عنه، حتى إذا كان يوم الجمعة دخل عليه الناس وفيهم أبو دهبل، فقال معاوية لحاجبه: إذا أراد أبو دهبل الخروج فامنعه واردده إليّ، وجعل الناس يسلّمون وينصرفون، فقام أبو دهبل لينصرف، فناداه معاوية: يا أبا دهبل هلمّ إليّ، فلما دنا أجلسه حتى خلا به، ثم قال: ما ظننت في قريش أشعر منك حيث تقول: ولقد قلت إذ تطاول ليلي وذكر بعض الأبيات، وو الله إنّ فتاة أبوها معاوية، وجدّها أبو سفيان، وجدتها هند بنت عتبة لكما ذكرت، فأيّ شيء زدت في قدرها، ولقد أسأت والله في قولك: «ثم خاصرتها إلى القبّة الخضراء» . فقال له يا أمير المؤمنين: والله ما قلت هذا، وإنما قيل على لساني، فقال له معاوية: أما من جهتي فلا خوف عليك لأني أعلم صيانة ابنتي نفسها، وأعلم أن فتيان الشعراء لم يتركوا أن يقولوا النسيب في كلّ من جاز أن يقولوه فيه، وكل من لم يجز، وإنما أكره لك جوار يزيد، وأخاف عليك وثباته، فإنّ له سورة الشباب وأنفة الملوك. وإنما أراد معاوية أن يهرب أبو دهبل وتنقضي القالة عن ابنته. فحذر أبو دهبل وخرج إلى مكة هاربا على وجهه، وكان يكاتب عاتكة، فبينما معاوية ذات يوم في مجلسه إذ جاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 خصيّ فقال له: يا أمير المؤمنين والله لقد سقط اليوم إلى عاتكة كتاب، فلما قرأته بكت ثم أخذته فجعلته تحت مصلاها، وما زالت خاثرة النفس منذ اليوم، فقال له: اذهب والطف لهذا الكتاب حتى تأتيني به، فانطلق الخصيّ فلم يزل حتى أصاب منها غرّة، فأخذ الكتاب وأقبل به إلى معاوية وإذا فيه: [من الطويل] أعاتك هلّا إذ بخلت فلم تري ... لذي صبوة زلفى لديك ولا حقّا رددت فؤادا قد تولّى به الهوى ... وسكّنت عينا لا تملّ ولا ترقا ولكن خلعت القلب بالوعد والمنى ... ولم أر يوما منك جودا ولا صدقا أتنسين أيامي بربعك مدنفا ... صريعا بأرض الشام ذا جسد «1» ملقى وليس صديق يرتضى لوصيّة ... وأدعو لأوتى بالشراب فما أسقى وأكبر همي أن أرى لك مرسلا ... وطول نهاري جالس أرقب الطرقا فواكبدي إذ ليس لي منك مجلس ... فأشكو الذي بي من هواك وما ألقى رأيتك تزدادين للصبّ غلظة ... ويزداد قلبي كلّ يوم لكم عشقا فلما قرأ معاوية هذا الشعر، بعث إلى يزيد بن معاوية، فأتاه فدخل عليه، فوجده مطرقا، فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا الإطراق الذي شجاك؟ فقال: أمر أرمضني وأقلقني منذ اليوم، وما أدري ما أنتم «2» في شأنه، قال: وما هو؟ قال: هذا الفاسق أبو دهبل كتب هذه الأبيات لأختك عاتكة، ولم تزل باكية منذ اليوم، وقد أفسدها فما ترى فيه؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين إنّ الشأن في أمره لهيّن، قال: وما هو؟ قال: عبد من عبيدك يكمن له في أزقّة مكة فيريحنا منه، فقال له معاوية: أفّ لك، والله إنّ امرءا يريد بك ما يريد، ويسمو بك إلى ما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 يسمو لغير ذي رأي، وأنت قد ضاق ذرعك بكلمة، وقصر فيها باعك، حتى أردت أن تقتل رجلا من قريش، أوما تعلم أنك إن فعلت ذلك صدّقت قوله وجعلتنا أحدوثة أبدا! قال: يا أمير المؤمنين إنه قد قال قصيدة أخرى، فأنشدها أهل مكة، وسارت حتى بلغتني وأوجعتني، وحملتني على ما أشرت فيه، قال: وما هي؟ قال: قال: [من الطويل] ألا لا تقل مهلا فقد ذهب المهل ... وما كلّ من يلحى محبّا له عقل لقد كان في حالين «1» حالا ولم أزر ... هواي وإن خوّفت عن حبها شغل حمى الملك الجبار عني لقاءها ... فمن دونها تخشى المتالف والقتل فلا خير في حبّ نخاف وباله ... ولا في حبيب لا يكون له وصل فواكبدي إني شهرت بحبها ... ولم يك فيما بيننا ساعة بذل ويا عجبا إني أكاتم حبّها ... وقد شاع حتى قطّعت دونها السبل قال له: قد والله رفّهت عني، والله ما كنت آمن أن يكون قد وصل إليها، أما الآن، وهو يشكو أنه لم يكن بينهما وصل ولا بذل، فالخطب فيه يسير، قم عني وانصرف. وحج معاوية في تلك السنة، فلما انقضت أيام الحج كتب أسماء وجوه قريش وأشرافهم وشعرائهم، وكتب فيهم اسم أبي دهبل، ثم دعا بهم، ففرّق في جميعهم صلات سنيّة، وأجازهم جوائز كثيرة، فلما قبض أبو دهبل جائزته وقام لينصرف دعا به معاوية، فرجع إليه، فقال: يا أبا دهبل، ما لي أرى أبا خالد يزيد بن معاوية ابن أمير المؤمنين عليك ساخطا في قوارص تأتيه عنك، وشعر لا تزال قد نطقت به وأنفذته «2» إلى خصياننا وموالينا؟ لا تعترض لأبي خالد. فجعل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 يعتذر إليه، ويحلف أنه مكذوب عليه. فقال له معاوية: لا بأس عليك، وما يضرك هذا عندنا، هل تأهّلت؟ قال: لا، قال: فأيّ بنات عمك أحبّ إليك؟ قال: فلانة، قال: قد زوجكها أمير المؤمنين وأصدقها ألفي دينار، فلما قبضها قال: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفو عما مضى، فإن نطقت ببيت في معنى ما سبق فقد أبحت دمي، وفلانة التي زوجتنيها طالق البتة، فسرّ بذلك معاوية، وضمن له رضى يزيد عنه، ووعده بإدرار ما وصله به في كلّ سنة، فانصرف إلى دمشق، ولم يحجّ معاوية في تلك السنة إلا من أجل أبي دهبل. [492]- ومن حلاوة الهوى والغزل عندهم وضعوا أخبارا وأشعارا نسبوها إلى المجنون وغيره، وممّا نسب إلى المجنون: أنه لما اختلط في حب ليلى، قيل لأبيه احجج إلى مكة وادع الله عزّ وجلّ، ومره أن يتعلق بأستار الكعبة، واسأل الله أن يعافيه ممّا به، ويبغض ليلى إليه، فلعل الله عزّ وجلّ أن يخلصه من هذا البلاء، فحج به أبوه، فلما صاروا بمنى سمع صائحا في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخة ظنوا أنّ نفسه قد تلفت، وسقط مغشيّا عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح، وقال له أبوه: تعلق بأستار الكعبة، واسأل الله عزّ وجلّ أن يعافيك من حب ليلى، فتعلق بالأستار وقال: اللهم زدني لليلى حبّا وبها كلفا، ولا تنسني ذكرها أبدا، فهام حينئذ واختلط ولم يضبط، فكان يهيم في البرية مع الوحش. [493]- وروي أنه مرّ بزوج ليلى وهو جالس يصلي في يوم شات، فوقف عليه ثم قال: [من الوافر] بربّك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبّلت فاها وهل رفّت عليك قرون ليلى ... رفيف الأقحوانة في نداها   [492] الأغاني 2: 20، 21. [493] الأغاني 2: 23. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 فقال له: اللهم إذ حلّفتني فنعم؛ فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من نار فما فارقهما حتى سقط مغشيّا عليه، وسقط الجمر مع لحم راحتيه، فقام زوج ليلى مغموما بفعله متعجّبا. والأخبار المنسوبة إلى المجنون كثيرة، وهي تخرج عن المعنى الذي قصدت. [494]- وأعود إلى مستحسن الأشعار في المعنى، فمن ذلك قول جرير: [من الطويل] كأنّ عيون المجتلين تعرّضت ... لشمس تجلّى يوم دجن سحابها إذا ذكرت للقلب كاد لذكرها ... يطير إليها واعتراه عذابها حمى أهلها ما كان منّا وأصبحت ... سواء علينا نأيها واقترابها [495]- وقال ذو الرمة: [من الطويل] عدتني العوادي عنك يا ميّ برهة ... وقد يلتوى دون الحبيب فيهجر على أنني في كلّ سير أسيره ... وفي نظري من نحو أرضك أصور فإن تحدث الأيام يا ميّ بيننا ... فلا ناشر سرّا ولا متغيّر أقول لنفسي كلما خفت هفوة ... من القلب في آثار ميّ فأكثر ألا إنما ميّ فصبرا بليّة ... وقد يبتلى المرء الكريم فيصبر [496]- وقال أيضا: [من الطويل] وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم ... وما بال تكليم الديار البلاقع فما كلّمتنا دارها غير أنّها ... ثنت هاجسات من خبال مراجع   [494] ديوان جرير (الصاوي) : 52. [495] ديوان ذي الرمّة: 617- 619. [496] ديوان ذي الرمة: 778- 786. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 عفت غير آجال الصّريم «1» وقد يرى ... بها وضّح اللبّات حور المدامع إذا الفاحش المغيار لم يرتقبنه ... مددن حبال المطمعات الموانع فما القرب يشفي من هوى أم سالم ... وما البعد منها من دواء بنافع من البيض مبهاج عليها ملاحة ... نضار وروعات الحسان الروائع هي الشمس إشراقا إذا ما تزيّنت ... وشبه النّقا مغترّة في الموادع «2» ولما تلاقينا جرت من عيوننا ... دموع كففنا فيضها بالأصابع ونلنا سقاطا من حديث كأنه ... جنى النحل ممزوجا بماء الوقائع «3» [497]- وقال أبو ذؤيب الهذلي: [من الطويل] أبى القلب إلا أمّ عمرو فأصبحت ... تحرّق ناري بالشّكاة ونارها وعيّرها الواشون أني أحبّها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها فإن أعتذر منها فإني مكذّب ... وإن تعتذر يردد عليها اعتذارها فلا يهنأ الواشين أن قد هجرتها ... وأظلم دوني ليلها ونهارها فما أمّ خشف بالعلاية مشدن «4» ... تنوش البرير حيث نال اهتصارها بأحسن منها يوم قامت فأعرضت ... تواري الدموع حيث جدّ انحدارها [498]- ومما ينسب إلى قيس بن الملوّح المجنون: [من الطويل] دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة يوما كي تمحّى ذنوبها   [497] شرح أشعار الهذليين 1: 70- 73. [498] قارن بالأغاني 2: 70 وديوان المجنون: 69 وبعضها ص: 67. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 وناديت يا مولاي أوّل حاجة ... بنفسي ليلى ثم أنت حسيبها تمرّ الصبا صفحا بساكن ذي الغضا ... ويصدع قلبي أن يهبّ هبوبها قريبة عهد بالحبيب وإنما ... هوى كلّ نفس حيث حلّ حبيبها [499]- وقال رجل من بني الحارث: [من الطويل] منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى ... وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا أمانيّ من سلمى حسان كأنما ... سقتك بها سلمى على ظمإ بردا 500- وقال ابن ياسين: [من الطويل] إلهي منحت الودّ مني بخيلة ... وأنت على تغيير ذاك قدير شفاء الجوى بثّ الهوى واشتكاؤه ... وإنّ امرءا أخفى الهوى لصبور [501]- وينشد للصمّة: [من البسيط] تختال عيني في يوميك واجدة ... تبكي لفرط صدود أو نوى دار 502- وقال آخر: [من الطويل] إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل مني وتبذل علقما أفي الله أن أنسى ولا تذكرينني ... وعيناي من ذكراك قد ذرفت دما أبيت فما تنفكّ لي منك حاجة ... رمى الله بالحبّ الذي كان أظلما [503]- عبد العزيز بن [خلوف] النحوي المغربي: [من الكامل] إنّ التي فتنته ودّ حماتها ... لو تستعير سيوفهم لحظاتها   [499] حماسة المرزوقي: 1413 (رقم: 582) . [501] لم يرد في شعره المجموع. [503] أنموذج الزمان: 165 (الأبيات: 2، 5، 6) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 الجانيات هوى أمرّ مذاقة ... من صدّها وألذّ من رشفاتها الواقعات بنا نوافذ تلتقي ... في القلب أكلمها وحبّ رماتها إني لأرضى أن أبيع بلحظة ... منها مدامع مقلتي وسناتها إنّ الأمرّ من الحمام مذاقة ... لفراق دنيا تلك من لذاتها بيني وبين سلوّها ما بينها ... في حسن صورتها وحسن لداتها [504]- وقال الأحوص بن محمد: [من الطويل] لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وإني إلى معروفها لفقير وقد أنكرت بعد اعتراف زيارتي ... وقد وغرت فيها عليّ صدور أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور أزور البيوت اللاصقات بأرضها «1» ... وقلبي إلى البيت الذي لا أزور «2» وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بدّ أن سيزور [505]- وقال أبو اسحاق الحصري الأنصاري المغربي: [من الكامل المجزوء] هتفت سحيرا والربى ... للقطر رافعة العيون يا هل بكيت كما بكت ... ورق الحمائم في الغصون ذكّرنني عهدا مضى ... للأنس منقطع القرين فكأنما صاغت على ... شجوي شجى تلك اللحون وتصرّمت أيامه ... فكأنها رجع الجفون   [504] شعر الأحوص (عادل سليمان) : 125. [505] الأبيات في ترجمته من معجم الأدباء؛ وفي سرور النفس: 99 والأنموذج: 46- 47. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 [506]- وقال آخر: [من الطويل] وددتك لما كان حبّك خالصا ... وأعرضت لما صار نهبا مقسّما ولا يلبث الحوض الجديد بناؤه ... على كثرة الورّاد أن يتهدّما 507- قال بعض العرب لبنيه: صفوا لي شهواتكم من النساء، فقال الأكبر: تعجبني القدود والخدود والنهود، وقال الأوسط: تعجبني الأطراف والأعطاف والأرداف، وقال الأصغر: تعجبني الثغور والنحور والشعور. [508]- روي أنّ سكينة بنت الحسين مرّت بعروة بن أذينة، فقالت: يا أبا عامر أنت الذي تقول: [من البسيط] إذا وجدت أوار الحبّ في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترد هبني تبرّدت برد «1» الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتّقد وأنت القائل: [من البسيط] قالت وأبثثتها وجدي فبحت به ... قد كنت عندي تحب الستر فاستتر ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطّى هواك وما ألقى على بصري قال: نعم، قالت: هن حرائر- وأشارت إلى جواريها- إن كان هذا خرج من قلب سليم. [509]- أنشد الجاحظ: [من الكامل المرفل]   [506] الأغاني 6: 296. [508] الأغاني 18: 245، 246 وشعر عروة: 316، 323 وقوله «تحب الستر فاستتر» في أمالي القالي 2: 110. [509] البيان والتبيين 1: 198؛ 3: 341 والشعر للأحوص. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 قامت تخاصرني لقبّتها ... خود تأطّر غادة بكر كلّ يرى أنّ الشباب له ... في كلّ مبلغ لذّة عذر [510]- وقال الحسن بن هانىء: [من المديد] ظنّ بي من قد كلفت به ... فهو يجفوني على الظّنن نام لا يعنيه ما لقيت ... عين ممنوع من الوسن رشأ لولا ملاحته ... خلت الدنيا من الفتن كلّ يوم يسترقّ له ... حسنه عبدا بلا ثمن [511]- وقال أبو الطيب: [من الطويل] لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحبّ ما لم يبق مني وما بقي وبين الرضى والسّخط والقرب والنّوى ... مجال لدمع المقلة المترقرق وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربّه ... وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتّقي [512]- وقال البحتري: [من الكامل] أرسوم دار أم سطور كتاب ... ذهبت بشاشتها مع الأحقاب يجتاز زائرها بغير لبانة ... ويردّ سائلها بغير جواب ولربّما كان المكان محبّبا ... فينا بمن فيه من الأحباب ترنو فتنقلب القلوب للحظها ... مرضى السلوّ صحائح الأوصاب رفعت من السجف المنيف وسلّمت ... بأنامل فيهنّ درس خضاب وتعجّبت من لوعتي فتبسّمت ... عن واضحات لو لثمن عذاب   [510] لم ترد في ديوانه. [511] ديوان المتنبي: 335. [512] ديوان البحتري: 294- 295. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 لو تسعفين وما سألت مشقة ... لعدلت حرّ جوى ببرد رضاب ولئن شكوت ظماي إنك للّتي ... قدما جعلت من السّراب شرابي [513]- وقال أيضا: [من الطويل] تمادى بها وجدي وملّك وصلها ... خلي الحشا في وصلها جدّ زاهد وما الناس إلا واجد غير مالك ... لما يبتغي أو مالك غير واجد [514]- وقال أيضا: [من الكامل] لغريرة أدنو وتبعد في الهوى ... وأجود بالوصل «1» المصون وتبخل وعليلة الألحاظ ناعمة الصبا ... غري الوشاة بها ولجّ العذّل لا تكذبنّ فأنت ألطف في الحشا ... عهدا وأحسن في الضمير وأجمل لو شئت عدت إلى التناصف في الهوى ... وبذلت من مكنونه ما أبذل أحنو عليك وفي فؤادي لوعة ... وأصدّ عنك ووجه ودّي مقبل وإذا هممت بوصل غيرك ردّني ... ولهي عليك وشافع لك أوّل وأعزّ ثم أذلّ ذلّة عاشق ... والحبّ فيه تعزّز وتذلّل [515]- وقال أيضا: [من المتقارب] أحبّ على أيّ «2» ما حالة ... إساءة ليلى وإحسانها أراك وإن كنت ظلّامة ... صفيّة نفسي وخلّانها «3»   [513] ديوان البحتري: 622. [514] ديوان البحتري: 1599- 1600. [515] ديوان البحتري: 2174. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 ويعجبني فيك أن أستديم ... صبابات نفسي وأشجانها وما سرّني أنّ قلبي أعير ... عزاء القلوب وسلوانها [516]- وقال أبو تمام: [من البسيط] ما أقبلت أوجه اللذّات سافرة ... مذ أدبرت باللوى أيامنا الأول إن شئت أن لا ترى صبرا لمصطبر ... فانظر على أيّ حال أصبح الطلل كأنما جاد مغناه فغيّره ... دموعنا يوم بانوا وهي تنهمل [517]- وقال أيضا: [من الوافر] أرامة كنت مألف كلّ ريم ... لو استمتعت بالأنس القديم أدار البؤس غيرّك التصابي ... إليّ فصرت جنّات النعيم لئن أصبحت ميدان السّوافي ... لقد أصبحت ميدان الهموم ومما ضرّم البرحاء أنّي ... شكوت فما شكوت إلى رحيم أظنّ الدمع في خدّي سيبقى ... رسوما من بكائي في الرسوم وليل بتّ أكلأه كأني ... سليم أو سهرت على سليم فأقسم لو سألت دجاه عنّي ... لقد أنباك عن وجد عظيم «1» [518]- وقال ابن الرومي: [من الطويل] ثنى شوقه والمرء يصحو ويسكر ... رسوم كأخلاق الصحائف دثّر لأيدي البلى فيها سطور مبينة ... عبارتها أن كلّ بيت سيهجر   [516] ديوان أبي تمام 3: 6. [517] ديوان أبي تمام 3: 160- 161. [518] ديوان ابن الرومي 3: 1043. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 وقفت بها صحبي فظلّت عراصهم ... بدمعي وأنفاسي تراح وتمطر [519]- وقال أيضا: [من المنسرح] مذ صرت همّي في النوم واليقظه ... أتعبت مما أهذي بك الحفظه كم واعظ فيك لي وواعظة ... لو كنت ممّن تنهاه فيك عظه وكيف بالصبر عنك يا حسنا ... يأمر بالسيّئات من لحظه يا من حلا في الفؤاد منظره الحلو ... فما مجّه ولا لفظه ويحي إلى كم تصيد رقته ... قلبي وقلب كم أشتكي غلظه [520]- وقال أيضا: [من الطويل] جعلت لها صدري مرادا تروده ... وبوّأتها من حبّة القلب منزلا فما علقت من قبلها النفس معلقا ... ولا اتخذت من بعدها متعلّلا [521]- وقال: [من الكامل] نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ... ثم انثنت عني «1» فكدت أهيم ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهنّ أليم [522]- وقال أبو عثمان الخالدي: [من البسيط] أنباك شاهد أمري عن مغيّبه ... وجدّ جدّ الهوى بي في تلعّبه   [519] ديوان ابن الرومي 4: 1456 (وبين النصين اختلافات) . [520] ديوان ابن الرومي 5: 2008. [521] ديوان ابن الرومي 6: 2397. [522] هي في ديوان الخالديين: 29- 30 لأبي بكر الخالدي (ولم يرد البيت الثالث) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 يا نازحا نزحت دمعي قطيعته ... هب لي من الدمع ما أبكي عليك به ولي فؤاد إذا لجّ الغرام به ... هام اشتياقا إلى ذكرى معذّبه 523- وقال أبو بكر اليوسفي: [من الطويل] سقى البارق العلويّ عذبا من الحيا ... محلّتنا بين العذيب وبارق وأغنى مغانيها وأرضى رياضها ... وشقّ بلطم القطر خدّ الشقائق محلّة إيناس ومغنى أوانس ... ومركز رايات ومرعى أيانق فيا يومها كم من مناف منافق ... ويا ليلها كم من مواف موافق ومنها: فلم أنتبه إلا وذكراك صاحبي ... ولم أغتمض إلا وطيفك طارقي أغار على رياك من كلّ ناشق ... لها وعلى ذكراك من كلّ ناطق [524]- وقال ابن نباتة: [من الكامل المجزوء] كيف السلوّ وأين بابه ... والحيّ قد خطفت ركابه زعم المخبر أنه ... ضربت على سلع قبابه فطلبتهم كالأيم أو ... كالسيل في الليل انسيابه فإذا أحمّ المقلتين ... يشين أنمله خضابه يهتزّ مثل السمهريّ ... تدافعت فيه كعابه وقف الولائد دونه ... كالقلب يستره حجابه أقبلت أسأله وأعلم ... أنّ حرماني جوابه ويلي على متلوّن الأخلاق ... يعجبه شبابه لا رسله تترى إلينا ... بالسلام ولا كتابه   [524] ديوان ابن نباتة 2: 103- 104. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 [525]- وقال أيضا: [من الطويل] وبدر تمام بتّ ألثم رجله ... وأكبره عن أن أقبّل خدّه تعشّقت فيه كلّ شيء يحبّه ... من الجور حتى صرت «1» أعشق صدّه ولا بدّ لي من جهلة في وصاله ... فمن لي بخلّ أودع الحلم عنده [526]- وقال أبو الحسن السلامي: [من الكامل] أنسيم هل الصلح عندك موضع ... فيزور طيف أو يهبّ نسيم والشيب دونك وهو موت مضمر ... والهجر وهو تفرّق مكتوم 527- وقال من أبيات: [من الوافر] وسمّوه مع القربى غريبا ... كنور العين سمّوه سوادا [528]- كان سعيد بن حميد الكاتب يتعشق فضل الشاعرة مولاة المتوكل وتهواه، فكتبت إليه تعاتبه على حضوره مع مغنية وتجميشه إياها، وكتبت في آخرها: [من الخفيف] خنت عهدي وليس ذاك جزائي ... يا صناع اللسان مرّ الفعال وتبدّلت بي بديلا فلا يهنك ... ما اخترته من الأبدال فأجابها يعتذر بجواب طويل، وكتب في آخره: [من الطويل]   [525] ديوان ابن نباتة 1: 337- 338 ومنها بيتان في اليتيمة 2: 381. [526] اليتيمة 2: 412. [528] شعر فضل ورد سعيد بن حميد في الإماء الشواعر: 70- 71 وشعر سعيد في الأغاني 18: 93، 94، وانظر رسائل سعيد وأشعاره: 131- 132. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 تظنّون أني قد تبدّلت بعدكم ... بديلا وبعض الظنّ إثم ومنكر إذا كان قلبي في يديك رهينة ... فكيف بلا قلب أصافي وأهجر [529]- وقال أبو الفرج الدمشقي المعروف بالوأواء: [من الطويل] رعى الله من لم يرع لي ما رعيته ... وإن كان في كفّ المنيّة مودعي فيا أسفي زدني جوى كلّ ليلة «1» ... ويا كبدي وجدا عليه تقطّعي [530]- وقال أيضا: [من البسيط] هبني أخادع طرفي في تأمّله ... فكيف أخدع قلبا ليس ينخدع يا من إذا رمت عنه الصبر يمنعني ... شوق مجيب وصبر عنه ممتنع «2» [531]- وقال العباس بن الأحنف: [من المنسرح] أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا صرت كأني ذبالة نصبت ... تضيء للناس وهي تحترق [532]- وقال المرتضى أبو القاسم الموسوي: [من الطويل] فيا ربّ إن لقّيت وجها تحية ... فحيّ وجوها بالمدينة سهّما تجافين عن مسّ الدهان وطالما ... عصمن عن الحنّاء كفّا ومعصما وكم من جليد لا يخامره الهوى ... شننّ عليه الوجد حتى تتيّما   [529] ديوان الوأواء: 142. [530] ديوان الوأواء: 139. [531] ديوان العباس بن الأحنف: 197. [532] ديوانه 3: 200. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 أهان لهنّ النفس وهي كريمة ... وألقى إليهنّ الحديث المكتّما 533- وقال أبو عبد الله ابن الحجاج: [من السريع] يا ظالما قلبي إلى جوره ... يحنّ مشتاق ويرتاح أفسدتني بعد صلاحي وهل ... يرجى لإفسادك إصلاح 534- وقال أيضا: [من الوافر] بنفسي من أحبّ العيش فيه ... وأكره ما يشير به النصيح يطيب لي الكريه به ويحلو ... ويحسن منه في عيني القبيح ولم أر كالمليح الوجه مهما ... أتاه فإنه حسن مليح 535- وقال [من الطويل] تأوّبه هذا الهوى فهو قاتله ... وعاوده جهل التصابي وباطله وأخلق بأمر لم تؤدّ فروضه ... إلى أهله ألا تؤدّى نوافله فقد أنبأتني في هواك بما جنت ... أواخره حتما عليّ أوائله وإنّ أخا التحصيل من بات قبلنا ... ينبهه عن آجل الأمر عاجله 536- وقال: [من الطويل] إلى الله أشكو مقلة لا دموعها ... تجفّ ولا تقري كراها جفونها ونفسا إلى أحبابها مذ تحملوا ... يطول على بعد المزار حنينها وكانت تمنّيها الشكوك سفاهة ... وتوطئها بسط الغرور ظنونها مواعيد قد ملّ التقاضي غريمها ... وشدّت بأمراس المطال ديونها 537- وقال أيضا: [من المنسرح] أفدي بنفسي من لا أسميّه ... أكتم وجدي به وأخفيه أستره بين أضلعي شفقا ... والدمع بين الوشاة يبديه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 ظبي سقاني المدام من يده ... ممزوجة بالرحيق من فيه قد ملك الحسن لا ينافسه ... يوسف فيه ولا يباريه فالبدر في التمّ من صنائعه ... والشمس في الدّجن من جواريه يمنع ماعونه ويسألني ... سواد عيني اليمنى فأعطيه قد عيل صبري ممّا أعاتبه ... وضاق صدري ممّا أداريه يحسن لي وجهه الجميل كما ... يسيء لي في الهوى تجنّيه وكلما رمت أن أعاتبه ... على تماديه في تعدّيه جاءت على غفلة محاسنه ... تسألني الصفح عن مساويه 538- وقال مقداد بن المطاميري، وهو ممّن عاصرناه، وكان قليل البضاعة في الأدب على حلاوة ألفاظه ورشاقة معانيه: [من البسيط] إن حال في الحبّ عما كنت أعهده ... وبات يرقد ليلا لست أرقده فلا طويت الحشا إلا على حرق ... يبلي من الصبر عنه ما أجدّده يا عاذلي إنّ يوم البين ضلّ هوى ... قلبي المعنّى فقل لي أين أنشده زار الخيال طليحا قلّما أنست ... جفونه بالكرى أو لان مرقده أهلا به زائرا تدنيه من جسدي ... ضمائري وخفوق القلب يبعده 539- وقال أيضا: [من المتقارب] ومجدولة مثل جدل العنان ... صبوت إليها فأصبيتها إذا لام في حبّها العاذلات ... أسخطتهنّ وأرضيتها كأني إذا ما نهيت العيون ... عن الدمع بالدمع أغريتها [540]- لما صرمت الثريا عمر بن أبي ربيعة قال فيها: [من الخفيف]   [540] الأغاني 1: 210- 212. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 من رسولي إلى الثريّا فإني ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب سلبتني مجّاجة المسك عقلي ... فسلوها ماذا أحلّ اغتصابي وهي مكنونة تحيّر منها ... في أديم الخدّين ماء الشباب أبرزوها مثل المهاة تهادى ... بين خمس كواعب أتراب فلما سمع ابن أبي عتيق قوله قال: إيّاي أراد وبي نوّه، لا جرم، والله لا أذوق أكلا حتى أشخص وأصلح بينهما، ونهض. قال بلال مولاه: ونهضت معه، فجاء إلى قوم من بني الديل بن بكر لم تكن تفارقهم نجائب لهم فره يكرونها، فاكترى منهم راحلتين وأغلى لهم، فقلت له: استوضعهم أو دعني أماكسهم فقد اشتطوا عليك، فقال: ويحك، أما علمت أنّ المكاس ليس من أخلاق الكرام، ثم ركب إحداهما، وركبت الأخرى، فسار سيرا شديدا، فقلت: أبق على نفسك، فإنّ ما تريد ليس يفوت، فقال: ويحك [من الطويل] أبادر حبل الودّ أن يتقضّبا وما حلاوة الدنيا إن تمّ الصدع بين عمر والثريّا؟! فقدمنا مكة [ليلا] غير محرمين، فدقّ على عمر بابه، فخرج إليه فسلم عليه ولم ينزل عن راحلته، وقال: اركب أصلح بينك وبين الثريّا فأنا رسولك الذي سألت عنه. فركبا معا وقدمنا الطائف، وقد كان عمر أوصى أم نوفل، فكانت تطلب له الحيلة لإصلاحها فلا يمكنها. فقال ابن أبي عتيق للثريا: هذا عمر قد جشّمني السفر من المدينة إليك، فجئتك به معترفا بذنب لم يجنه، معتذرا إليك من إساءتك إليه، فدعيني من التعداد والترداد، فإنه من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون. فصالحته أتمّ صلح وأحسنه وأجمله، وكررنا إلى المدينة. [541]- تزوّج زيد بن عمرو بن عثمان سكينة بنت الحسين، فعتب عليها   [541] الأغاني 3: 362 (والشعر: علق القلب لعمر بن أبي ربيعة) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 يوما، فخرج إلى مال له، فذكر أشعب أنّ سكينة دعته فقالت: إنّ ابن عثمان خرج عاتبا عليّ فاعلم لي حاله، قلت: لا أستطيع أن أذهب إليه الساعة، قالت: فأنا أعطيك ثلاثين دينارا، قال: فأعطتني إيّاها، فأتيته ليلا فدخلت الدار، فقال: انظروا من في الدار، فأتوه فقالوا أشعب، فنزل عن فرشه وصار في الأرض وقال: شعيب؟ قلت: نعم، قال: ما جاء بك؟ قلت: أرسلتني سكينة بنت الحسين لأعلم خبرك، أتذكرت منها ما تذكّرت منك؟ وأنا أعلم أنك قد وجلت «1» حين نزلت عن فرشك وصرت إلى الأرض، فقال: دعني من هذا وغنّني: [من السريع] عوجا به فاستنطقاه فقد ... ذكّرني ما كنت لم أذكر فغنّيته فلم يطرب، ثم قال: غنّني ويلك غير هذا، فإن أصبت ما في نفسي فلك حلّتي هذه، وقد اشتريتها آنفا بثلاثمائة دينار، فغنّيته: [من الخفيف] علق القلب بعض ما قد شجاه ... من حبيب أمسى هوانا هواه ما ضراري نفسي بهجران من ليس ... مسيئا ولا بعيدا نواه واجتنابي بيت الحبيب وما الخلد ... بأهوى إليّ من أن أراه قال: ما عدوت والله ما في نفسي، خذ الحلّة، فأخذتها ورجعت إلى سكينة فقصصت عليها القصة فقالت: أين الحلّة؟ قلت: معي، فقالت: أفأنت الآن تريد أن تلبس حلّة ابن عثمان، لا والله ولا كرامة، فاشترتها مني بثلاثمائة دينار. [542]- وروي أنّ رجلا كان له جارية يهواها وتهواه، فغاضبها يوما وتمادى الهجر بينهما، واتفق أن دخلت إليها مغنيّة فغنّتها:   [542] الأغاني 3: 363. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 ما ضراري نفسي [بهجران من ليس ... ] البيت المتقدّم ذكره، فقالت الجارية: لا شيء والله إلا الحمق، وقامت إلى مولاها وقبّلت رأسه واصطلحا. [543]- أحبّ المتوكل أن ينادم الحسين بن الضحاك، وأن يرى ما بقي من ظرفه وشهوته لما كان عليه، فأحضره وقد كبر وضعف، وسقاه حتى سكر، وقال لخادمه شفيع: اسقه، فسقاه حتى سكر، وحيّاه بوردة، وكان على شفيع ثياب موردة، فمدّ الحسين يده إلى ذراع شفيع، فقال له المتوكل: ويحك يا حسين أتجمّش أخصّ خدمي عندي بحضرتي؟ فكيف لو خلوت؟ ما أحوجك إلى أدب، وكان المتوكل غمز شفيعا على العبث به، فقال الحسين بن الضحاك: يا سيدي أريد دواة وقرطاسا، فأمر له بذلك، فكتب بخطه: [من الطويل] وكالوردة الحمراء حيّا بوردة ... من الوشي «1» يمشي في قراطق كالورد له عبثات عند كلّ تحيّة ... بعينيه يستدعي الحليم إلى الوجد تمنّيت أن أسقى بكفّيه شربة ... تذكّرني ما قد نسيت من العهد سقى الله عيشا لم أبت فيه ليلة ... من الدهر إلا «2» من حبيب على وعد ثم دفع الرقعة إلى شفيع وقال له: ادفعها إلى مولاك، فلما قرأها استملحها وقال له: أحسنت والله يا حسين، لو كان شفيع ممّن تجوز هبته لوهبته لك، ولكن بحياتي يا شفيع إلا كنت ساقيه بقيّة يومه هذا واخدمه كما تخدمني، وأمر له بمال، فحمل معه لما انصرف.   [543] الأغاني 7: 167- 168. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 [544]- ومن شعر الحسين بن الضحاك: [من مجزوء الخفيف] لا وحبّيك لا أصا ... فح للدمع مدمعا من بكى شجوه استراح ... وإن كان موجعا كبدي من هواك أسقم ... من أن تقطعا لم تدع سورة الضنى ... فيّ للسقم موضعا [545]- سعت أمة لبثينة بها إلى أخيها وأبيها، وقالت لهما: إنّ جميلا عندها الليلة، فأتياها مشتملين على سيفين، فرأياه جالسا حجرة منها يحدّثها ويشكو إليها بثّه، ثم قال لها: يا بثينة أرأيت ودّي إيّاك وشغفي بك؟ ألا تجرّبينه؟ قالت: بماذا؟ قال: بما يكون من المتحابّين، فقالت له: يا جميل: أهذا تبغي؟ والله لقد كنت عندي بعيدا منه، ولئن عاودت تعريضا بريبة لا رأيت وجهي أبدا، فضحك وقال: والله ما قلت لك هذا إلا لأعلم ما عندك فيه، ولو علمت أنك تجيبينني إليه، لعلمت أنك تجيبين غيري، ولو علمت منك مساعدة عليه لضربتك بسيفي هذا ما استمسك قائمه في يدي، ولو أطاعني قلبي لهجرتك هجرا للأبد، أوما سمعت قولي؟ [من الطويل] وإني لراض من بثينة بالذي ... لو استيقن الواشي لقرّت بلابله بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى ... وبالأمل المرجوّ قد خاب آمله وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي ... أواخره لا نلتقي وأوائله فقال أبوها لأخيها: قم فما ينبغي لنا بعد هذا اليوم أن نمنع هذا الرجل من لقائها، فانصرفا وتركاهما.   [544] الأغاني: 7: 172. [545] الأغاني 8: 105. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 [546]- قال إسحاق الموصلي: صرت إلى الواثق فقال: بأيّ شيء أطرفتني من أحاديث الأعراب وأشعارهم؟ فقلت يا أمير المؤمنين: جلس إليّ فتى من الأعراب في بعض المنازل، فحادثني فرأيت منه أحلى ما رأيت من الفتيان منظرا وحديثا وظرفا وأدبا، فاستنشدته فأنشدني: [من الطويل] سقى العلم الفرد الذي في ظلاله ... غزالان مكحولان مؤتلفان إذا أمنا التفّا بجيدي تواصل ... فطرفاهما للرّيب يسترقان أرغتهما ختلا فلم أستطعهما ... ورميا ففاتاني وقد قتلاني ثم تنفّس نفسا ظننت أنّ حيازيمه قد تقطّعت، فقلت: ما لك بأبي أنت؟ فقال: وراء هذين الجبلين لي شجن، وقد حيل بيني وبين المرور بهذه البلاد، وقد نذر دمي، وأنا أتمتع بالنظر إلى هذين الجبلين تعلّلا بهما إذا قدم الحجاج، ثم يحال بيني وبين ذلك، فقلت له: زدني مما قلت في ذلك فأنشدني: [من الطويل] إذا ما وردت الماء في بعض أهله ... حضور فعرّض بي كأنّك مازح فإن سألت عنّي حضور فقل لها ... به غبّر من دائه وهو صالح فأمرني الواثق فكتبت الشعرين وغنّي الواثق بهما بعد أيام، ووصلني بصلتين، وذكر خبرا طويلا ليس هذا موضعه. [547]- قال حمّاد الراوية: أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمر بن أبي ربيعة المخزومي، فتذاكروا العذريين، فقال عمر بن أبي ربيعة: كان لي صديق من بني عذرة يقال له الجعد بن مهجع، وكان أحد بني سلامان، وكان يلقى مثل الذي ألقى من الصبابة بالنساء والوجد بهنّ، على أنه كان لا   [546] الأغاني 9: 282- 283. [547] الأغاني 11: 157- 163. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 عاهر الخلوة، ولا سريع السلوة، وكان يوافي الموسم في كلّ سنة، فإذا راث «1» عن وقته رجّمت «2» عنه الأخبار، وتوكّفت الأسفار حتى يقدم، فغمّني ذات سنة إبطاؤه حتى قدم حجّاج عذرة، فأتيت القوم أنشد صاحبي، فإذا غلام قد تنفّس الصّعداء ثم قال: عن أبي المسهر تسأل؟ قلت: نعم وإياه أردت، قال: هيهات أصبح والله أبو المسهر لا مؤيسا فيهمل، ولا مرجوّا فيعلّل، أصبح والله كما قال القائل: [من الطويل] لعمرك ما حبّي لأسماء تاركي ... أعيش ولا أقضي به فأموت قلت: وما الذي به؟ قال: مثل الذي بك من تهوّركما «3» في الضلال وجرّكما أذيال الخسار، فكأنما «4» لم تسمعا بجنة ولا نار! قلت: من أنت منه يا ابن أخي؟ قال: أخوه، قلت: أما والله يا ابن أخي ما يمنعك أن تسلك مسلك أخيك من الأدب، وأن تركب مراكبه «5» ، إلا أنك وأخاك كالبرد والبجاد لا يرفعك ولا ترفعه، ثم صرفت وجه ناقتي وأنا أقول: [من الطويل] أرائحة حجّاج عذرة وجهة ... ولما يرح في القوم جعد بن مهجع خليلان نشكو ما نلاقي من الهوى ... متى ما يقل أسمع وإن قلت يسمع ألا ليت شعري أيّ شيء أصابه ... فلي زفرات هجن ما بين أضلعي فلا يبعدنك الله خلّا فإنني ... سألقى كما لاقيت في الحبّ مصرعي «6» ثم انطلقت حتى وقفت موقفي من عرفات، فبينا أنا كذلك إذا أنا بإنسان قد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 تغيّر لونه وساءت هيئته، فأدنى ناقته من ناقتي حتى خالف بين أعناقهما ثم عانقني وبكى حتى اشتدّ بكاؤه، فقلت: ما وراءك؟ فقال: برّح العذل وطول المطل، ثم أنشأ يقول: [من الوافر] لئن كانت عديّة ذات لبّ ... لقد علمت بأنّ الحبّ داء ألم تنظر إلى تغيير جسمي ... وأني لا يفارقني البكاء وأني لو تكلّفت الذي بي ... لقفّ الكلم وانكشف الغطاء وإنّ معاشري ورجال قومي ... حتوفهم الصبابة واللقاء إذا العذريّ مات خليّ بال ... فذاك العبد يبكيه الرشاء فقلت: يا أبا المسهر: إنها ساعة تضرب إليها أكباد الإبل من شرق الأرض وغربها، فلو دعوت وأنت بمنى كنت قمينا أن تظفر بحاجتك، وأن تنصر على عدوّك، قال: فتركني وأقبل على الدعاء؛ فلما تدلت «1» الشمس للغروب، وهمّ الناس أن يفيضوا، سمعته يتكلّم بشيء، فأصغيت إليه فإذا هو يقول: [من الرجز] يا ربّ كلّ غدوة وروحه ... من محرم يشكو الضّحى ولوحه أنت حسيب الخلق يوم الدوحه فقلت: وما يوم الدوحة؟ فقال: والله لأخبرنّك وإن لم تسألني، فيمّمنا نحو مزدلفة، فأقبل عليّ وقال: إني رجل ذو مال كثير من نعم وشاء، وذو المال لا يسعه «2» القلّ، ولا يرويه الثماد، وإني خشيت عاما أوّل على مالي التلف، وقطر الغيث أرض كلب، فانتجعت أخوالي منهم، فأوسعوا لي عند صدر المجلس، وسقوني جمّة الماء، وكنت فيهم في خير حال، ثم إني عزمت على موافقة إبلي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 بماء لهم يقال له الحوذان، فركبت فرسي، وسمطت خلفي شرابا كان أهداه إليّ بعضهم، ثم مضيت حتى إذا كنت بين الحيّ ومرعى الغنم، رفعت لي دوحة عظيمة، فنزلت عن فرسي وشددته بغصن من أغصانها، وجلست في ظلّها، فبينا أنا كذلك إذ سطع غبار من ناحية الحيّ، ثم رفعت لي شخوص ثلاثة، ثم تبيّنت فإذا فارس يطرد مسحلا «1» وأتانا، فتأمّلته فإذا عليه درع أصفر وعمامة خزّ سوداء، وإذا فروع شعره تضرب خصره، فقلت: غلام حديث عهد بعرس أعجلته لذّة الصيد فترك ثوبه ولبس ثوب امرأته، فما جاز عني إلّا قليلا حتى طعن المسحل وثّنى طعنة للأتان، فصرعهما وأقبل راجعا نحوي وهو يقول: [من السريع] نطعنهم سلكى ومخلوجة ... كرك لأمين على نابل فقلت له: إنك قد تعبت وأتعبت فلو نزلت، فثنى رجله ونزل، وشدّ فرسه بغصن من أغصان الشجرة، وألقى رمحه وأقبل حتى جلس، فجعل يحدّثني حديثا ذكرت فيه قول أبي ذؤيب: [من الطويل] وإنّ حديثا منك لو تعلمينه «2» ... جنى النحل في ألبان عوذ مطافل فقمت إلى فرسي فأصلحت من أمره، ثم رجعت وقد حسر العمامة عن رأسه، فإذا غلام كأنّ وجهه الدينار المنقوش، فقلت: سبحانك اللهم ما أعظم قدرتك وأحسن صنعتك! فقال لي: ممّ ذاك؟ قلت: ممّا راعني من جمالك وبهرني من نورك، قال: وما الذي روّعك من حبيس التراب وأكيل الدوابّ؟ ثم لا يدري أينعم بعد ذلك أم يبأس؟ قلت: لا يصنع الله بك إلا خيرا؛ ثم تحدّثنا ساعة، فأقبل عليّ فقال: ما هذا أراه قد سمطته خلفك في سرجك؟ قلت: شراب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 أهداه إليّ بعض أهلك، فهل لك فيه من أرب؟ قال: أنت وذاك، فأتيته به فشرب منه وجعل ينكت أحيانا بالسوط على ثناياه، فكان والله يتبيّن لي ظلّ السوط فيهنّ، فقلت: مهلا فإني خائف أن تكسرهنّ، فقال: ولم؟ قلت: لأنهنّ رقاق عذاب، قال: ثم رفع عقيرته يتغنّى: [من الطويل] إذا قبّل الإنسان آخر يشتهي ... ثناياه لم يحرج «1» وكان له أجرا فإن زاد زاد الله في حسناته ... مثاقيل يمحو الله عنه بها الوزرا ثم قام إلى فرسه فأصلح من أمره، ثم رجع إليّ فبرقت لي بارقة من تحت الدرع فإذا ثدي كأنه حقّ عاج فقلت: ناشدتك الله امرأة أنت؟ قالت: إي والله إلا أنها تكره العهر «2» وتحبّ الغزل، ثم جلست فجعلت تشرب معي ما أفتقد من أنسها شيئا، حتى نظرت إلى عينيها كأنهما عينا مهاة مذعورة، فو الله ما راعني إلا ميلها على الدوحة سكرى، فزيّن والله لي الغدر وحسن في عيني، ثم إنّ الله عزّ وجلّ عصمني، فجلست منها حجرة، فما لبثت إلا يسيرا حتى انتبهت فزعة، فلاثت عمامتها برأسها، وجالت في متن فرسها وقالت: جزاك الله عن الصحبة خيرا، قلت: ولم لا تزوّديني منك زادا، فناولتني يدها فقبّلتها، فشممت والله منها ريح المسك المفتوت، فذكرت قول الشاعر: [من البسيط] كأنها إذ تقضّى النوم وانتبهت ... وسنانة ما بها عين ولا أثر فقلت: أين الموعد؟ قالت: إنّ لي إخوة شرسا وأبا غيورا، والله لأن أسرّك أحبّ إليّ من أن أضرّك، ثم انصرفت فجعلت أتبعها بصري حتى غابت، فهي والله يا ابن أبي ربيعة أحلّتني هذا المحلّ وأبلغتني هذا المبلغ. فقلت: يا أبا المسهر إنّ الغدر بك مع ما تذكر لمليح، فبكى واشتدّ بكاؤه. فقلت له: لا تبك، ما قلت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 لك إلا مازحا، ولو لم أبلغ حاجتك إلا بمالي لسعيت في ذلك حتى أقدر عليه، فقال لي خيرا. فلما انقضى الموسم شددت على ناقتي، وشدّ على ناقته، ودعوت غلامي فشدّ على بعير له، وحملت عليه قبّة حمراء من أدم كانت لأبي ربيعة المخزومي، وحملت معي ألف دينار ومطرف خزّ، وانطلقنا حتى أتينا بلاد كلب، فنشدنا عن أبي الجارية فوجدناه في نادي قومه، وإذا هو سيّد الحيّ، وإذا الناس حوله، فوقفت على القوم فسلّمت، فردّ الشيخ السلام، ثم قال: ممّن الرجل؟ قلت: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، فقال: المعروف غير المنكر، فما الذي جاءك؟ فقلت: خاطبا، قال: الكفاء والرغبة، قلت: إني لم آت ذلك لنفسي عن غير زهادة فيك ولا جهالة بشرفك، ولكني أتيتك في حاجة ابن أختكم العذري، وها هو ذاك، فقال: إنه والله لكفيء الحسب رفيع البيت، غير أنّ بناتي لم يقعن إلا في هذا الحيّ من قريش، فوجمت لذلك، وعرف التغيّر في وجهي فقال: أما إني سأصنع بك ما لم أصنع بغيرك، قلت: فما ذاك؟ فقال: أخيّرها، فهي وما اختارت، قلت: ما أنصفتني أو تختار لغيري وتولي الخيار غيرك، فأشار إليّ العذري: أن دعه يخيّرها، فأرسل إليها أنّ من الأمر كذا وكذا، فأرسلت إليه ما كنت أستبد برأي دون القرشي، والخيار في قوله وحكمه، فقال لي: إنها قد ولّتك أمرها، فاقض ما أنت قاض. فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت: أشهد أني قد زوّجتها من الجعد بن مهجع، وأصدقتها هذه الألف دينار، وجعلت تكرمتها العبد والبعير والقبة، وكسوت الشيخ المطرف؛ وسألته أن يبتني بها من ليلته، فأرسل إلى أمها فأتته فقالت: تخرج ابنتي كما تخرج الأمة؟ فقال الشيخ: جهّزي «1» في جهازها، فما برحت حتى ضربت قبّة في وسط الحريم، ثم أهديت إليه ليلا، وبتّ أنا عند الشيخ، فلما أصبحت أتيت القبة، فصحت بصاحبي فخرج إليّ، وقد أثّر السرور في وجهه، فقلت: كيف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 كنت بعدي؟ وكيف هي بعدك؟ فقال: أبدت والله لي كثيرا مما كانت تخفيه يوم لقيتها، فسألتها عن ذلك فأنشأت تقول: [من الطويل] كتمت الهوى لما رأيتك جازعا ... وقلت فتى بعض الصديق يريد وأن تطّرحني أو تقول فتيّة ... يضرّ بها برح الهوى فتعود فورّيت عما بي وفي داخل الحشا ... من الوجد برح فاعلمنّ شديد فقلت: أقم على أهلك، بارك الله لك فيهم، وانطلقت وأنا أقول: [من الطويل] كفيت أخا العذريّ ما كان نابه ... وإني لأعباء النوائب حمّال وقال العذريّ: [من الطويل] إذا ما أبو الخطّاب خلّى مكانه ... فأفّ لدنيا ليس من أهلها عمر فلا حيّ فتيان الحجازين بعده ... ولا سقيت أرض الحجازين بالمطر [548]- كان الرشيد يجد بماردة أمّ المعتصم وجدا شديدا، فغضبت عليه وغضب عليها، وتمادى بهما الهجر، فأمر جعفر بن يحيى العباس بن الأحنف فقال: [من الكامل] راجع أحبّتك الذين هجرتهم ... إن المتيّم قلّ ما يتجنّب إنّ التجنّب إن تطاول منكما ... دبّ السلوّ له فعزّ المطلب وأمر ابراهيم الموصلي فغنّى به الرشيد، فلما سمعه بادر إلى ماردة فترضاها، فقالت: من السبب في ذلك؟ فعرفته فأمرت لكل واحد من العباس وإبراهيم بعشرة آلاف درهم «1» .   [548] الأغاني 5: 218. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 [549]- هوي ديك الجنّ، وهو عبد السلام بن رغبان، امرأة نصرانية واستهيم بها ودعاها إلى الإسلام ليتزوّجها، ففعلت وفعل، ثم إنه سافر عنها إلى دمشق وخلّفها بحمص، وكان له ابن عمّ يعاديه، فسعى بها إليه ليكدّر حاله، وادّعى عليها الفساد، ووضع من أشاع عنها الفساد، حتى عاد ديك الجنّ إلى حمص، ورصده ابن عمّه وقت وصوله، ووضع الرجل الذي أشير بالتهمة إليه، فدقّ الباب عليها وديك الجنّ يسائلها عما قرفت به وهي تنكر، فحين طرق الباب فقال: أنا فلان، فقال لها ديك الجنّ: يا زانية زعمت أنك لا تعرفين من هذا الأمر شيئا، ثم اخترط سيفه فضربها به حتى قتلها، وقال في ذلك أشعارا كثيرة، فمن قوله فيها: [من مجزوء الخفيف] لك نفس مواتيه ... والمنايا معاديه أيها القلب لا تعد ... لهوى البيض ثانيه ليس برق يكون أخلب ... من برق غانيه خنت سرا من لم يخنك ... فموتي علانيه ثم إنه عرف الخبر على حقيقته وتيقّنه فندم، ومكث شهورا لا يستفيق من البكاء ولا يطعم إلا ما يقيم رمقه من بلغة يسيرة، وقال في ندمه على قتلها: [من الكامل] يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الرّدى بيديها روّيت من دمها الثرى ولطالما ... روّى الهوى شفتيّ من شفتيها قد بات سيفي في مجال وشاحها ... ومدامعي تجري على خدّيها فوحقّ نعليها فما وطىء الحصى ... شيء أعزّ عليّ من نعليها ما كان قتليها لأني لم أكن ... أبكي إذا سقط الذباب عليها   [549] الأغاني 14: 53- 56. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 لكن ضننت على العيون بحسنها ... وأنفت من نظر العيون «1» إليها وقد رويت هذه الأبيات لفتى من غطفان يقال له: السليك بن مجمع، وكان من الفرسان، وكان مطلوبا بدماء، وكان يخطب بنت عمّ له يهواها، فيمنعها أبوها ثم زوّجها خوفا منه، فدخل بها في دار أبيها ثم نقلها بعد أسبوع إلى عشيرته، فلقيه من بني فزارة ثلاثون فارسا كلّهم يطالبه بذحل، فحلّقوا عليه، وقاتلهم فقتل منهم عددا، وأثخن بالجراح حتى أيقن بالموت، فعاد إليها وقال: ما أسمح بك نفسا لهؤلاء، وإني أحبّ أن أقدمك قبلي، قالت: افعل، فلو لم تفعله أنت لفعلته أنا بعدك، فضربها بسيفه حتى قتلها، وقال هذه الأبيات، ثم عمد إليها وتمرّغ في دمها، ثم تقدّم فقاتل حتى قتل، وحفظت فزارة الأبيات فنقلوها؛ وقيل: بل أدركه قومه وبه رمق، فسمعوه يردّد هذه الأبيات، فحفظوها عنه، وبقي عندهم يوما ومات. [550]- ومن شعر ديك الجن في المقتولة: [من الكامل] أشفقت أن يرد الزّمان بغدره ... أو أبتلى بعد الوصال بهجره قمر أنا استخرجته من دجنة ... لبليّتي وجلوته من خدره فقتلته وله عليّ كرامة ... ملء الحشا وله الفؤاد بأسره عهدي به ميتا كأحسن نائم ... والحزن يسفح عبرتي في نحره لو كان يدري الميت ماذا بعده ... بالحيّ منه بكى له في قبره غصص تكاد تفيض منها نفسه ... وتكاد تخرج قلبه من صدره   [550] الأغاني 14: 57. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 [551]- قال معبد اليقطيني المغني: كنت منقطعا إلى البرامكة أخدمهم «1» وألازمهم، فبينا أنا ذات يوم في منزلي إذا بابي يدقّ، فخرج غلامي ثم رجع إلي، فقال: على الباب رجل ظاهر المروءة يستأذن عليك، فأذنت له، فدخل عليّ شاب قلّما رأيت أحسن وجها، ولا أنظف ثوبا، ولا أجمل زيّا منه، من رجل دنف عليه أثر السقم، فقال لي: إني أحاول لقاءك منذ مدة، فلا أجد إليه سبيلا، وإنّ لي حاجة، قلت: وما هي؟ فأخرج ثلاثمائة دينار فوضعها بين يديّ ثم قال: أسألك أن تقبلها وتصنع في بيتين قلتهما لحنا تغنّيني به، قلت: هاتهما، فأنشدني: [من البسيط] والله يا طرفي الجاني على بدني ... لتطفئنّ بدمعي لوعة الحزن أو لأبوحنّ حتى يحجبوا سكني ... فلا أراه ولو أدرجت في كفني قال: فصنعت فيهما لحنا ثم غنّيته إياه، فأغمي عليه حتى ظننت أنه قد مات، ثم أفاق فقال: أعد، فديتك! فناشدته الله في نفسه، وقلت: أخشى أن تموت، فقال: هيهات، أنا أشقى من ذلك، وما زال يخضع ويتضرّع حتى أعدته، فصعق صعقة أشدّ من الأولى، حتى ظننت نفسه قد فاضت، فلما أفاق رددت الدنانير عليه، فوضعتها بين يديه، وقلت: يا هذا خذ دنانيرك وانصرف عني، فقد قضيت حاجتك، وبلغت وطرك فيما أردت، ولست أحبّ أن أشرك في دمك، فقال: يا هذا لا حاجة لي في الدنانير وهذا مثلها لك، ثم أخرج ثلاثمائة دينار فوضعها بين يديّ وقال: أعد الصوت عليّ مرّة أخرى وحلال دمي، فشرهت نفسي إلى الدنانير، ثم قلت له: ولا بعشرة أضعافها إلا على ثلاث شرائط، قال: وما هنّ؟ قلت: أولهنّ أن تقيم عندي وتتحرّم بطعامي، والثانية   [551] الأغاني 14: 110- 114. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 أن تشرب أقداحا من النبيذ تشدّ قلبك عليك، وتسكّن ما بك، والثالثة أن تحدّثني بقصّتك، فقال: أفعل ما تريد، فأخذت الدنانير ودعوت بالطعام فأصاب منه إصابة معذّر، ثم دعوت بالنبيذ فشرب أقداحا، وغنّيته بشعر غيره في نحو معناه، وهو يشرب ويبكي، ثم قال: الشرط أعزّك الله، فغنّيته صوته فجعل يبكي أحرّ بكاء، وينشج أشدّ نشيج وينتحب، فلما رأيت ما به قد خفّ عما كان يلحقه، ورأيت النبيذ قد شدّ من قلبه، كرّرت عليه صوته مرارا، ثم قلت له: حدّثني حديثك. فقال: أنا رجل من أهل المدينة، خرجت متنزّها في ظاهرها، وقد سال العقيق، في فتية من أقراني وأخداني، فبصرنا بفتيات «1» قد خرجن لمثل ما خرجنا له، فجلسن حجرة منّا، وبصرت فيهنّ بفتاة كأنها قضيب قد طلّه الندى، تنظر بعينين ما ارتدّ طرفها إلا بنفس من يلاحظها، فأطلنا وأطلن حتى تفرّق الناس وانصرفنا، وقد أبقت بقلبي جرحا بطيئا اندماله، فعدت إلى منزلي وأنا وقيذ، وخرجت من غد إلى العقيق وليس به أحد، فلم أر لها ولا لصواحباتها أثرا «2» ، ثم جعلت أتبعها في طرق المدينة وأسواقها، فكأنّ الأرض أضمرتها، وسقمت حتى أيس مني أهلي، وخلت بي ظئر لي فاستعلمتني حالي وضمنت لي كتمانها والسعي في ما أحبه منها، فأخبرتها بقصتي، فقالت: لا بأس عليك، هذه أيام الربيع، وهي سنة خصب وأنواء، وليس يبعد عنك المطر، ثم غدا العقيق «3» فتخرج حينئذ وأخرج معك، فإنّ النسوة يجئن، فإذا فعلن ورأيتها اتبعتها حتى أعرف موضعها، ثم أصل بينك وبينها، وأسعى لك في تزويجها. فكأنّ نفسي اطمأنت إلى ذلك ووثقت به وسكنت إليه، فقويت وطمعت، وتراجعت نفسي. وجاء المطر بعقب ذلك، فسال العقيق، وخرج الناس وخرجت مع إخواني إليه، فجلسنا مجلسنا الأول بعينه، فما كنا والنسوة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 إلا كفرسي رهان، فأومأت إلى ظئري، فجلست حجرة منها ومنهنّ، وأقبلت على إخواني وقلت: لقد أحسن القائل: [من الطويل] رمتني بسهم أقصد القلب وانثنت ... وقد غادرت جرحا به وندوبا فأقبلت على صواحباتها وقالت: أحسن والله القائل، وأحسن من أجابه حيث يقول: [من الطويل] بنا مثل ما تشكو فصبرا لعلّنا ... نرى فرجا يشفي السقام قريبا فأمسكت عن الجواب خوفا من أن يظهر مني ما يفضحني وإيّاها، وعرفت ما أرادت. ثم تفرّق الناس وانصرفنا، وتبعتها ظئري حتى عرفت منزلها، وصارت إليّ. فأخذت بيدي ومضينا إليها، فلم تزل تتلطّف حتى وصلت إليها، فتلاقينا وتزاورنا على حال مخالسة ومراقبة، حتى شاع حديثي وحديثها، وظهر ما بيني وبينها، فحجبها أهلها، وتشدّد عليها أبوها، فما زلت أجتهد في لقائها فلا أقدر عليه، وشكوت إلى أبي حالي لشدّة ما نالني فيها، وسألته خطبتها لي، فمضى أبي ومشيخة أهلي إلى أبيها فخطبوها فقال: لو كان ذلك قبل أن يفضحها ويشهّر بها لأسعفته بما التمس، ولكنه قد فضحها، فلم أكن لأحقّق قول الناس فيها بتزويجه إيّاها، فانصرفت على يأس منها ومن نفسي. قال معبد: فسألته أين تنزل؟ فخبرني، وصارت بيننا عشرة، ثم جلس جعفر بن يحيى للشرب، فكان أوّل صوت غنّيته صوتي في شعر هذا الفتى، فطرب طربا شديدا وقال: ويحك إنّ لهذا الصوت حديثا، فما هو؟ فحدثته خبر الصوت فأمر بإحضار الفتى فأحضر من وقته، واستعاده الحديث فأعاده عليه، فقال له: هي في ذمتي حتى أزوّجك إيّاها، فطابت نفسه وأقام معنا ليلتنا حتى أصبح؛ وغدا جعفر إلى الرشيد، فحدّثه الحديث فتعجب منه، وأمر بإحضارنا جميعا فأحضرنا، وأمر بأن أغنّيه الصوت فغنّيته، فشرب عليه وسمع حديث الفتى، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 وأمر من وقته بكتاب إلى عامل الحجاز بإشخاص الرجل وابنته وجميع أهله إلى حضرته، فلم يمض إلا مسافة الطريق حتى أحضر، فأمر الرشيد بإيصاله اليه فأوصل، وخطب إليه الجارية للفتى، وأقسم عليه ألا يخالف أمره، فأجابه، وزوّجه إيّاها، وحمل الرشيد إليه ألف دينار لجهازها وألف دينار لنفقة الطريق، وأمر للفتى بألفي دينار، ولي بألف دينار، وأمر لنا جعفر بألفي دينار لي وله، وكان المدني بعد ذلك في جملة ندماء جعفر. [552]- قال عصمة بن مالك: جمعني وذا الرمّة مربع مرة، فقال: هيا عصمة إنّ ميّة من منقر، ومنقر أخبث حيّ وأقفى للأثر، وأثبته في نظر، وأعلمه بشرّ، وقد عرفوا آثار إبلي، فهل عندك من ناقة نزدار عليها مية؟ قلت: أي والله عندي الجؤذر، فقال: فعليّ بها، فأتيته بها فركب وردفته، فأتينا محلة ميّة والقوم خلوف، والنساء في الرحال، فلما رأين ذا الرمة اجتمعن إلى ميّ، وأنخنا قريبا وأتيناهنّ وجلسنا إليهنّ، فقالت ظريفة منهن: أنشدنا يا ذا الرمّة، فقال: أنشدهنّ يا عصمة، فأنشدتهنّ قصيدته التي يقول فيها: [من الطويل] نظرت إلى أظعان ميّ كأنها ... ذرى النخل أو أثل تميل ذوائبه فأسبلت العينان والقلب كاتم ... بمغرورق نمّت عليه سواكبه بكاء فتى جاء الفراق ولم تجل ... جوائلها أسراره ومعاتبه فقالت الظريفة: فالآن فلتجل ثم أنشدت حتى أتيت على قوله: وقد حلفت بالله ميّة ما الذي ... أحدّثها إلا الذي أنا كاذبه إذا فرماني الله من حيث لا أرى ... ولا زال في أرضي عدوّ أحاربه فقالت ميّة: ويحك يا ذا الرمّة، خف عواقب الله، ثم أنشدت حتى أتيت   [552] الأغاني 17: 350- 351. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 على قوله: إذا سرحت من حبّ ميّ سوارح ... على القلب آبته جميعا عوازبه فقالت الظريفة: قتلته قتلك الله، فقالت ميّة: ما أصحّه وهنيئا له، فتنفّس ذو الرمّة تنفسة كاد حرّها يطير بلحيتي، ثم أنشدت حتى أتيت على قوله: إذا نازعتك القول ميّة أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه فما شئت من خدّ أسيل ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلّل جادبه فقالت الظريفة: قد بدا لك الوجه وتنوزع القول، فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه، فقالت لها ميّة: قاتلك الله، ماذا تأتين به، فتضاحكت الظريفة وقالت: إنّ لهذين لشأنا، فقوموا عنهما، فقمنا معها، فخرجت فكنت قريبا حيث أراهما، وأسمع ما ارتفع من كلامهما، فو الله ما رأيته تحرّك من مكانه الذي خلّفته فيه، حتى ثاب أوائل الرجال، فأتيته، فقلت له: انهض بنا فقد ثاب القوم، فقام فودعها وولّت، وردفته وانصرفنا. قد أتيت من هذه الأخبار والأشعار في هذا الباب وغيره بآخر قبل أول، وبأول بعد آخر، ولم ألزم الترتيب في الشعراء وغيرهم، على قدر منازلهم وأعصارهم، لأني تبعت الخاطر فيما أملّ، وأصبحت عندما تذكرت أو نقلت لأبرأ من كدر الكلفة وظلامها، وليس في ذلك خلل يلحق الغرض الذي أممته. فلا يظنّه المتصفح وصما، ولا يعده غباوة ونقصا، فالله تعالى يحرسنا من جهل يطلق ألسنة الزّارين، ويوقظنا من غفلة تنبّه علّنا لا نتبع الغاوين، بمنّه وسعة فضله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 نوادر من هذا الباب 553- ممّن أحسن في نوادره، ولطف في بدائعه أبو عبد الله ابن الحجاج، فمن شعره: [من الهزج] بنفسي الفارغ القلب ... وقلبي منه ملآن غزال ناعس الطّرف ... ولا يقال نعسان أراه فرّ من رضوا ... ن لما نام رضوان 554- وقوله: [من المنسرح] إن غدرت بي فلست أجحدها ... إني أهل لذلك الغدر شيب وفقر والغدر أحسن ما ... يكون بين المشيب والفقر والله يا سادتي يمين فتى ... تعلّم الصدق من أبي ذرّ لو أنّ لي ما لزوجها لرأت ... بحر ندى فوق بيتها يجري لو أنّ لابن الجصّاص فيشلتي ... لصيّرت عنده على الجحر قد بقيت بيننا مدهدهة ... في المدّ من فكرها وفي الجزر ثمّ غنيّ بغير فيشلة ... وها هنا أيّر بلا الدرّ 555- وله في السخف غزل كثير حلو عجيب الفتنة لافراط فيه، فمنه قوله: [من الكامل المجزوء] ووصيفة مثل الغلام ... نصيحة فيها عياره لما انتبهت أثرتها ... والصيد في يد من أثاره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 يحيي القلوب وصالها ... وتشقّ جفوتها المراره 556- وقوله: [من الكامل] أعرضت عن سهري بطرف نائم ... ولهوت عن ولهي بقلب سالم وزعمت أني قد سلوتك صارما ... حبلي وخنت بعهدك المتقادم هيهات ألهاني جماعك فاعلمي ... مذ ذقت شربك عن جميع العالم 557- وقوله: [من مجزوء الرجز] قد انزعجت فاسكني ... وقد جسرت فاجبني لا تقدمي على دم ... لكافر أو مؤمن نحن عبيد فهبي ... مسيئنا للمحسن ولا تضنّي في الهوى ... على محبّ قد ضني على سقيم ميّت ... محنّط مكفّن لو اشترى منك الرضى ... بروحه لم يغبن ويح الضّنى إلى متى ... لا يشتفي من بدني عجبت ممّن عزمها ... في السرّ أن تقتلني ترى بلائي ثم لا ... أطمع أن ترحمني وقد رثى لي من رأى ... ما بي ومن لم يرني جارية حبّي لها ... يطوى معي في كفني كالبدر حين ينجلي ... والغصن حين ينثني 558- وقال ابن سكرة الهاشمي في عشق أعرج: [من الكامل] قالوا بليت بأعرج فأجبتهم ... العيب يحدث في قضيب البان ماذا عليّ إذا استجدت شمائلا ... وروادفا تغني عن الكثبان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 إني أحبّ جلوسه وأريده ... للنوم لا للجري في الميدان في كلّ عضو منه حسن كامل ... ما ضرّني أن زلّت القدمان [559]- قال حسين بن الضحاك الخليع: كان صالح بن الرشيد يتعشّق يسرا خادم أخيه أبي عيسى، وكان يراوده عن نفسه، فيعده ولا يفي له، فأرسله أبو عيسى يوما إلى صالح أخيه في السحر يقول: يا أخي إني قد اشتهيت اليوم أن اصطبح، فبحياتي إلا ما ساعدتني، وصرت إليّ حتى نصطبح اليوم جميعا. فصار يسر إلى صالح وهو منتش قد شرب في السحر، فأبلغه الرسالة، قال: نعم وكرامة، اجلس أولا، فجلس، فقال: يا غلام احضرني عشرة آلاف درهم، فأحضرها، فقال له: يا يسر دعني من مواعيدك ومطلك هذه عشرة آلاف درهم، فاقض حاجتي وخذها، وإلّا فليس ها هنا إلا الغصب، فقال: يا سيدي أنا أقضي الحاجة ولا آخذ المال، ثم فعل ما أراده فطاوعه فقضى حاجته، وأمر صالح بحمل العشرة آلاف درهم معه. قال حسين: ثم خرج إليّ صالح من خلوته، فقال: يا حسين قد رأيت ما كنا فيه، فإن حضرك شيء فقل، فقلت: [من الهزج] أيا من طرفه سحر ... ويا من ريقه خمر تجاسرت فكاشفتك ... لما غلب الصبر وما أحسن في أمرك ... أن ينهتك الستر وإما لامني الناس ... ففي وجهك لي عذر فدعني من مواعيدك ... إذ حيّنك الدهر فلا والله لا نبرح ... أو ينفصل الأمر فإما الغصب والذم ... وإما البذل والشكر   [559] الأغاني 7: 185. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 فلو شئت تيسرت ... كما سميت يا يسر فكن كاسمك لا تمن ... عك النخوة والكبر فلا فزت بحظي منك ... إن ذاع له ذكر قال الحسين: فضحك ثم قال: لعمري لقد تيسّر يسر كما قلت، فقلت: نعم، ومن لا يتيسّر بعد أخذ الدية، فلو أردتني بهذا أيضا لتيسّرت، فضحك ثم قال: نعطيك يا حسين الدية لحضورك ومساعدتك، ولا نريدك لما أردنا له يسرا، فبئست المطية أنت. [560]- وقال حسين بن الضحاك: كان يألفني إنسان من جند الشام عجيب الخلقة والزيّ والشكل، غليظ جلف، فكنت أحتمل ذلك منه، ويكون حظّي التعجّب منه، وكان يأتيني بكتب من عشيقة له، ما رأيت أحلى ولا أظرف منها، ولا أبلغ ولا أشكل من معانيها، ويسألني أن أجيب عنها، فأجهد نفسي في الجواب، وأصرف عنايتي إليه على علمي بأنّ الشامي لا يميّز بين الخطأ والصواب لجهله، ولا يفرّق بين الابتداء والجواب. فلما طال ذلك عليّ حسدته، وتنبّهت على إفساد حاله عندها، فسألته عن اسمها، فقال: بصبص، فكتبت إليها في جواب كتاب منها كان جاءني به: [من السريع] أرقصني حبّك يا بصبص ... والحبّ يا سيدتي يرقص أرمصت أجفاني بطول البكا ... فما لأجفانك لا ترمص وابأبي وجهك ذاك الذي ... كأنه من حسنه عصعص فجاءني بعد ذلك فقال: يا أبا عليّ، ما كان ذنبي إليك وما أردت بما صنعت بي؟ فقلت له: وما ذاك عافاك الله؟ قال: ما هو والله إلا أن وصل إليها ذلك   [560] الأغاني 7: 195. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 الكتاب حتى بعثت إليّ إني مشتاقة إليك، والكتاب لا ينوب عن الرؤية، فتعال إلى الروشن الذي بالقرب من بابنا، قف بحياله حتى أراك، فتزيّنت بأحسن ما قدرت عليه، وصرت إلى الموضع، فبينا أنا واقف أنتظر مكلّما لي أو مشيرا إليّ، إذا أنا بشيء قد صبّ عليّ فملأني من مفرقي «1» إلى قدميّ، وأفسد ثيابي وسرجي، وصيّرني وجميع ما عليّ ودابتي في نهاية السواد والقذر، وإذا هو ماء قد خلط ببول وسواد وسرجين، فانصرفت بخزي، وكان ما مرّ بي من الصبيان وسائر من مررت به من الضحك والطنز والصياح بي أغلظ مما جرى عليّ، ولحقني من أهلي ومن في منزلي شرّ من ذلك، وأعظم من ذلك أنّ رسلها انقطعت عنّي جملة. فجعلت أعتذر إليه وأقول له: إنّ الآفة أنها لم تفهم الشعر لجودته وفصاحته، وأنا أحمد الله عزّ وجلّ على ما ناله وأسرّ الشماتة به. [561]- قال المدائني: دخل أبو النجم العجلي على هشام بن عبد الملك، وقد أتت له سبعون سنة، فقال له هشام: ما رأيك في النساء؟ قال: إني لأنظر إليهنّ شزرا، وينظرن إليّ خزرا، فوهب له جارية، وقال له: اغد عليّ فأعلمني ما كان منك، فلما أصبح غدا عليه فقال: ما صنعت شيئا وما قدرت عليه، وقد قلت في ذلك: [من الكامل] نظرت فأعجبها الذي في درعها ... من حسنها ونظرت في سرباليا فرأت لها كفلا ينوء بخصرها ... وعثا روادفه وأخثم رابيا ورأيت منتشر العجان مقلّصا ... رخوا مفاصله وجلدا باليا أدني له الرّكب الحليق كأنما ... أدني إليه عقاربا وأفاعيا   [561] الأغاني 10: 166 والمختار من شعر بشار: 209- 210. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 ما بال رأسك من ورائي طالعا ... أظننت أن حر الفتاة ورائيا فاذهب فإنك ميّت لا ترتجى ... أبد الأبيد ولو عمرت لياليا أنت الغرور إذا خبرت وربما ... كان الغرور لمن رجاه شافيا لكنّ أيري لا يرجّى نفعه ... حتى أعود أخا فتاء ناشيا 562- مرض علي بن عبيدة، فقيل له: ما تشتهي؟ قال: عيون الرقباء، وألسن الوشاة، وأكباد الحسّاد. 563- قال علي بن عبد العزيز يعرّض بالتحاء معشوق: [من السريع] قد برّح الحبّ بمشتاقك ... فأوله أحسن أخلاقك لا تجفه وارع له حقّه ... فإنه آخر عشّاقك 564- وقال آخر: [من المديد] بأبي من عينه أبدا ... في عدات وهي لا تعد 565- ولآخر في معشوق أحول: [من الطويل] ونجمين في برجين هاد وحائر ... إذا طلعا حلّ الكسوف بواحد لهذا على التمثيل قوة زهرة ... وهذا على التشبيه طرف عطارد [566]- وقال آخر: [من السريع] كأنما الخيلان في خدّه ... كواكب أحدقن بالبدر 567- وقال آخر: [من البسيط] رحمت أسود هذا الخال حين بدا ... في لجّة الخد مرموقا بأبصار   [566] التشبيهات: 392. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 كأنه بعض عبّاد الهنود وقد ... ألقى بمهجته في لجّة النار 568- ذكر أن أبا القمقام بن بحر السقا عشق مدنية، فبعث إليها إنّ إخوانا لي زاروني فابعثي لي برؤوس حتى نتغدى ونصطبح على ذكرك، ففعلت، فلما كان اليوم الثاني، بعث إليها: إننا لم نفترق فابعثي لي بسنبوسك حتى نصطبح على ذكرك، ففعلت، فلما كان في اليوم الثالث بعث إليها: أصحابي مقيمون فابعثي إليّ ببقرية منقورية وجزورية شهيّة حتى نأكلها ونصطبح على ذكرك، فقالت لرسوله: إني رأيت الحبّ إذا حلّ بالقلب يفيض على الكبد والأحشاء ويمنع من شهوة الطعام، وإنّ حبّ صاحبنا هذا ليس يجاوز معدته. [569]- ودعت أبا الحارث جمينا واحدة كان يحبها، فجعلت تحادثه ولا تذكر الطعام، فلما طال ذاك به، قال: لا أسمع للغداء ذكرا، قالت: أما تستحي؟ أما في وجهي ما يشغلك عن هذا؟ فقال: جعلني الله فداك، لو أنّ جميلا وبثينة قعدا ساعة لا يأكلان شيئا لبصق كل واحد منهما في وجه صاحبه وافترقا. [570]- وأنشد الأعرابي في ضده: [من الطويل] فلو كنت عذريّ العلاقة لم تكن ... سمينا وأنساك الهوى كثرة الأكل [571]- وواعد العرجيّ امرأة شعثاء من الطائف، فجاء على حمار ومعه غلام، وجاءت على أتان ومعها جارية، فوثب العرجيّ على المرأة، ووثب الغلام على الجارية، ووثب الحمار على الأتان، فقال العرجيّ: هذا يوم غائب رقباؤه عنا «1» .   [569] نثر الدر 3: 251. [570] ربيع الأبرار 3: 125. [571] الأغاني 1: 372. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 [572]- وحدّث أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: كنا نختلف إلى المجالس ونحن أحداث نكتب عن الرواة ما يروونه من الآداب والأخبار، وكان يصحبنا فتى من أحسن الناس وجها، وأنظفهم ثوبا، وأجملهم زيّا، ولا نعرف باطن أمره. فانصرفنا يوما من مجلس المبرّد، وجلسنا في مجلس نتقابل بما كتبنا، ونصحّح المجلس الذي شهدنا، فإذا بجارية قد طلعت وطرحت في حجر الفتى رقعة ما رأيت أحسن من شكلها، مختومة بعنبر، فقرأها منفردا ثم أجاب عنها، ورمى بها إلى الجارية، فلم يلبث أن خرج خادم من الدار في يده كرسيّ «1» ، فدخل إلينا فصفع الفتى به حتى رحمناه، وخلّصناه من يده، وقمنا أسوأ الناس حالا. فلما تباعدنا سألناه عن الرقعة، فإذا فيها مكتوب: [من الطويل] كفى حزنا أنّا جميعا ببلدة ... كلانا بها ثاو ولا نتكلم فقلنا له: هذا ابتداء طريف، فأيّ شيء أجبت؟ فقال: هذا صوت سمعته يغنّى به، فلما قرأته في الرقعة، أجبت عنه بصوت مثله، فسألناه ما هو؟ فقال: كتبت في الجواب: أراعك بالخابور نوق وأجمال فقلنا له: ويلك، ما وفّاك القوم حقّك، قد كان ينبغي أن يدخلونا معك في القصة بدخولك معنا، ولكن نحن نوفّيك حقّك، ثم تناولناه فصفعناه حتى لم يدر أين يأخذ، وكان آخر عهده بالاجتماع معنا. [573]- روى مصعب بن عبد الله الزبيري عن أبيه قال: أتاني أبو السائب ليلة بعدما رقد النيام، فأشرفت عليه فقال: سهرت وذكرت أخا لي أستمتع به،   [572] الأغاني 7: 118- 119. [573] الأغاني 1: 374. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 فلم أجد سواك، فلو مضينا إلى العقيق وتناشدنا وتحادثنا، فمضينا وأنشدته في بعض ذلك بيتين للعرجيّ: [من الكامل] باتا بأنعم ليلة حتى بدا ... صبح تلوّح كالأغرّ الأشقر فتلازما عند الفراق صبابة ... أخذ الغريم بفضل ثوب الأعسر فقال: أعده عليّ، فأعدته، فقال: أحسن والله، امرأته طالق إن نطق بحرف غيره حتى يرجع إلى بيته، قال: فلقينا عبد الله بن الحسن، فلما صرنا إليه وقف بنا وهو منصرف من ماله يريد المدينة، فقال: كيف أنت يا أبا السائب؟ فقال له: فتلازما عند الفراق، فالتفت إليّ وقال: متى أنكرت صاحبك؟ فقلت: منذ الليلة، فقال: إنّا لله، وأيّ كهل أصيبت به قريش. ثم مضينا فلقينا محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة يريد مالا له على بغلة، ومعه غلام على عنقه مخلاة فيها قيد البغلة، فسلّم وقال: كيف أنت يا أبا السائب؟ فقال: فتلازما عند الفراق، فالتفت إليّ فقال: متى أنكرت صاحبك؟ قلت: آنفا، فلما أراد المضيّ قال: أتدعه هكذا، والله ما آمن أن يتهور في بعض آبار العقيق، فقال: يا غلام قيد البغلة، فوضعه في رجله وهو ينشد البيت ويشير بيده إليه، يري أنه يفهم عنه قصته، ثم نزل الشيخ وقال لغلامه: احمله على بغلتي، وألحقه بأهله، فلما كان بحيث علمت أنه قد فاته أخبرته بخبره، فقال: قبحك الله ماجنا، فضحت شيخا من قريش وغررتني. [574]- قال اسحاق الموصلي: كنت يوما بحضرة الرشيد أغنّيه، وهو يشرب، فدخل الفضل بن الربيع، فقال له: ما وراءك؟ قال: خرج إليّ يا أمير المؤمنين ثلاث جوار لي، مكية ومدينية وعراقية، فقبضت المدينية على هني، فلما أنعظ وثبت العراقية عليه، فقالت لها: ما هذا التعدي؟ ألم تعلمي أنّ مالكا حدثنا   [574] الأغاني 16: 269- 270 وفيه شعر هارون في الحواري الثلاث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 عن الزهري عن عبد الله بن ظالم «1» عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من أحيا أرضا ميتة فهي له؟ فقالت الأخرى: وقد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: الصيد لمن صاده، لا لمن أثاره، فدفعتهما الأخرى «2» عنه، وقالت: هذا لي وفي يدي حتى تصطلحا على شيء. فلما سمع الرشيد ضحك، وأمر بحملهنّ إليه، فحظين عنده، وفيهنّ يقول الشاعر: [من الكامل] ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكلّ مكان ما لي تطاوعني البرية كلّها ... وأطيعهنّ وهنّ في عصياني ما ذاك إلا أنّ سلطان الهوى ... وبه عززن أعزّ من سلطاني 575- قال: طلب أشعب من عشيقته خاتما كان معها، فقالت: يا سيدي هذا ذهب وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود حتى تعود. 576- وكتب رجل إلى عشيقته: ايذني لخيالك أن يلمّ بي، فكتبت إليه: ابعث بدينارين حتى أجيئك أنا بنفسي. 577- قال بعضهم: رأيت أم جعفر سكرى في إيوان كسرى، بيدها مذرى، عليها قباء خزّ طاروني، وهي تكتب على الحائط: [من المتقارب] فلا تأسفنّ على ناسك ... وإن مات ذو طرب فابكه ونك من لقيت من العالمين ... فإنّ الندامة في تركه قال: فقلت لها: يا سيدة عبد مناف ما هذا الشعر؟ فقالت: اسكت هذا الذي بلغنا عن آدم لما جامع حواء فقالت له: يا أبا محمد ما هذا؟ فقال: هذا يقال له: النيك فقالت: زدني منه فإنه طيب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 578- قال: وكان رجل يتعشّق امرأة ويتبعها في الطرقات دهرا، إلى أن أمكنته من نفسها، فلما أفضى إليها لم ينتشر عليه، فقالت له: أيرك هذا أير لئيم، فقال: بل هو من الذين قال فيهم الشاعر: [من البسيط] وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا 579- نظر مغيرة بن المهلب يوما إلى يزيد أخيه وهو يطالع امرأته ويقول لها: اكشفي ساقك ولك خمسون ألف درهم، فقال: ويلك يا فاسق، هات نصفها وهي طالق. 580- ومثل هذه الحكاية ما سمعته من شرف الدين علي بن طراد الزينبي الوزير، وإن لم يكن من فن الغزل، قال: كان ينادمني البارع أبو عبد الله الحسين الدباس، وهو من أعيان أهل الأدب والرواية، وكان حديدا، فيولع به أبدا فتجيء منه نوادر تضحك، قال: فولع به أحمد الحاجب، وأخرجه من الاعتدال، فقال أبو عبد الله البارع: والله لقد وزنت خمسة الدنانير لمن حمل إليّ امرأتك، فقال أحمد ولم يتحرك ولم يضجر: أضعت مالك، كنت تعطيني خمسة قراريط حتى أحملها إليك طوعا. 580 ب وقال: [من الرجز] لا ينفع الجارية الخضاب ... ولا الوشاحان ولا الحقاب من دون أن تصطفق الأركاب ... وتلتقي الأسباب والأسباب 581- وقال آخر: [من الطويل] وإني أشدّ القوم وجدا وناقتي ... أشدّ ركاب القوم رجع حنين يشوق الحمى أهل الحمى ويشوقني ... حمى بين أفخاذ وبين بطون [582]- وقال آخر: [من الرجز]   [582] الرجز للدهناء بنت مسحل في البيان والتبيين 2: 207. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 والله لا تمسكني بضمّ ... ولا بتقبيل ولا بشمّ إلا بزعزاع يسلّي همي ... يسقط منه فتخي في كمي [583]- وقال آخر: [من الطويل] جزى الله خيرا ذات بعل تصدّقت ... على عزب كيما يكون له أهل فإنّا سنجزيها بما صنعت بنا ... إذا ما تزوّجنا وليس لها بعل أفيضوا على عزّابكم من نسائكم ... فما في كتاب الله أن يحرم الفضل 584- ومرّ أبو نواس بغلام حسن الوجه خفيف العجز، فسئل عنه فقال: [من السريع] ماشئت من دنيا ولكنه ... منافق ليست له آخره 585- ورأى المأمون القاضي يحيى بن أكتم يحدّ النظر إلى الواثق بالله فقال: يا أبا محمد حوالينا ولا علينا. 586- وسمع مخنث رجلا يغني: [من مجزوء الرمل] واقف في الماء عطشان ... ولكن ليس يسقى فقال له: زن دينارا وغرقه. 587- قال رجل لامرأة: أنا أحبك، قالت: وما الدليل على ذلك؟ قال: تعطيني قفيز دقيق حتى أعجنه بدموع عينيّ، قالت: على أن تجيء بخبزه إلينا، قال: يا سيدتي، أنت تريدين خبّازا لا تريدين عاشقا. 588- كتب رجل إلى غلام كان يعشقه: وضعت خدّي على الثرى إرضاء لك، فقال الغلام: هات عشرة دراهم وضع خدّك على خدي.   [583] حماسة التبريزي 4: 165 والمرزوقي رقم: 834. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 [589]- أنشد المأمون قول العباس بن الأحنف: [من الطويل] هم كتموني سيرهم ثم أزمعوا ... وقالوا اتّعدنا للرواح وبكروا فقال: سخروا من أبي الفضل أعزّه الله. 590- قال أبو العيناء: أنشد أبو الهذيل شعرا: [من الكامل] وإذا توهّم أن يراها ناظر ... ترك التوهّم وجهها مكلوما فقال: كان ينبغي أن تناك هذه بأير من خاطر. وأنشد النظام: [من الوافر] إذا همّ النديم له بلحظ ... تمشّت في مفاصله الكلوم قال: ما ينبغي أن ينادم هذا إلا أعمى. [591]- كتب عليّ بن الجهم إلى جارية يهواها شعرا: [من الطويل] خفي الله في من قد سلبت فؤاده ... وتيّمته حتى كأنّ به سحرا «1» دعي البخل لا أسمع به منك إنما ... سألناكم ما ليس يعري لكم ظهرا [592]- قال ميمون بن هارون: كنا عند الحسن بن وهب، فقال لبنات غنّي: [من البسيط] أتأذنون لصبّ في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر لا يفعل السوء إن طال المقام به ... عفّ الضمير ولكن فاسق النظر   [589] الأغاني 8: 364. [591] الأغاني 10: 221. [592] الأغاني 8: 359. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 والشعر للعباس بن الأحنف، فضحكت ثم قالت: فأيّ خير فيه إن كان كذا وأيّ معنى؟ فخجل الحسن من نادرتها عليه، وعجبنا من حدّة جوابها وفطنتها. 593- اغتسلت نعم التي يقول فيها عمر بن أبي ربيعة: [من الطويل] أمن آل نعم أنت غاد فمبكر في غدير، فأقام عليه عمر يشرب منه حتى جفّ. [594]- رؤي علي بن عبيدة الريحاني مع جارية له كان يهواها عند إخوانه، فحان وقت الظهر فبادروا الصلاة، وهما يتحدثان فأطالا حتى كادت الصلاة تفوت، فقيل يا أبا الحسن: الصلاة فقال: رويدك حتى تزول الشمس، أي حتى تقوم الجارية. 595- أبو نواس شعر: [من مجزوء الرمل] وغزال تشره النفس إلى حلّ إزاره ... بسطته بدوة الكاس لنا بعد ازوراره فأطفنا بنواحيه ولم نلمم بداره [596]- وقال: [من المنسرح] مرّ بنا والعيون تأخذه ... تجرح منه مواضع القبل أفرغ في قالب الجمال فلا ... يصلح إلا لذلك العمل 597- ومرّت به جارية للقاسم بن الرشيد في يديها نرجس، فلم تكلّمه، فقال لها: ما أقبح هجرك، فقالت: أقبح منه إفلاسك، فقال: [من السريع] قلت وقد مرّت بنا ظبية ... رعبوبة في كفّها نرجس   [594] ربيع الأبرار 3: 125. [596] ديوان أبي نواس (شولر) 2: 300. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 ما أقبح الهجر فقالت لنا ... أقبح منه عاشق مفلس 598- ومن شعره: [من الوافر] وناظرة إليّ من النقاب ... تلاحظني بطرف مستراب كشفت قناعها فإذا عجوز ... مسوّدة المفارق بالخضاب فما زالت تجمشني طويلا ... وتأخذ في أحاديث التصابي تحاول أن يقوم أبو زياد ... ودون قيامه شيب الغراب أتت بجرابها تكتال فيه ... فقامت وهي فارغة الجراب متى تشفى العجوز إذا استكانت ... بأير لا يقوم على الشباب 599- آخر: [من مخلع البسيط] أشكو إلى الله من عجوز ... تأخذها هبة الغيور ولا زوردية الثنايا ... قد خضبت كفّها بقير كأنما وجهها قميص ... قد فركوه على الحصير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 الباب الثّلاثون فى أنواع شتّى من الخطب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله الحمد لله مسدي الإحسان وموليه، وفاتق اللسان بالبيان «1» ومؤتيه، يمنح الحكمة أهل الاجتباء والإيثار، ويختصّ برحمته من يشاء ويختار، جعل النطق ترجمان الضمير، وله ولاية الإخبار «2» والتّعبير، وفضّل بعضا على بعض في الرّصف والتحبير، فكان القاصر عن إبداء ما أجنّه الآخر حسيرا ملوما، والزائد على ما تضمّنه هذرا مذموما، وكانت الخطابة في ذكر مواهب الله وآلائه، ونشر ما خصّنا به من صنوف نعمائه، والإبانة من وحدانيته وأوّليّته، والدلالة على ربوبيته وأزليّته، وجدال أهل الباطل حتى يفيئوا، ونضال المعاندين ليرجعوا وينيبوا، أولي الخصيم الأدره، والخطيب الأفوه، وأجدر أن نقابل نعمة الله بشكرها، ونستعمل آلة الفضيلة المعطاها في حقها وقدرها؛ والصلاة على رسوله النبي الأمّي، المرسل باللسان المبين العربي، الذي سلّم له الفصاحة المقرّ والجاحد، وشهد ببلاغته الغائب والشاهد، وعلى آله أولي المواقف المشهورة والمشاهد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 الباب الثلاثون في الخطب 600- من شواهد الخطابة في الكتاب العزيز قوله سبحانه في حقّ داود عليه السلام: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (ص: 20) . 601- قال بعضهم: تتبّعت خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوجدت أوائل أكثرها: الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. [602]- خطبته عليه السلام في حجة الوداع: الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.   [602] وردت الخطبة في البيان والتبيين 2: 31 والعقد 4: 57 وسيرة ابن هشام 4: 603 وطبقات ابن سعد 2: 184 وتاريخ الطبري 3: 150 (تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم) وابن الأثير 2: 302 وتاريخ اليعقوبي 2: 109 وامتاع الأسماع 1: 522- 523، 529- 532 ومغازي الواقدي 1103 ونثر الدر 1: 190 وإعجاز القرآن للباقلاني: 197، 198- 200 والوثائق السياسية: 306 (وفيه ذكر لمصادر أخرى) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثّكم على العمل بطاعته «1» ، وأستفتح الله بالذي هو خير. أما بعد، أيّها الناس «2» إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد. فمن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها. وإنّ ربا الجاهلية موضوع، وأوّل ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب. وإنّ دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وإنّ مآثر الجاهلية موضوعة غير السّدانة والسقاية. والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن ازداد فهو من الجاهلية. أيها الناس، إنّ الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنّه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك فيما تحقرون من أعمالكم. أيها الناس، إنما النسيء زيادة في الكفر، يضلّ به الذين كفروا، يحلّونه عاما ويحرّمونه عاما ليواطئوا عدّة ما حرّم الله. وإنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ورجب الذي بين جمادى وشعبان. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقا، [ولكم عليهن حق] ، فعليهنّ أن لا يوطئن فرشكم ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإنّ الله تعالى قد أذن لكم أن تعضلوهنّ، وتهجروهنّ في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 المضاجع، وتضربوهنّ ضربا غير مبرّح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف، فإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهنّ شيئا، أخذتموهنّ بأمانة الله تعالى، واستحللتم فروجهنّ بكتاب الله، فاتّقوا الله في النساء واستوصوا بهنّ خيرا. أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحلّ لامرىء من مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد. ولا ترجعنّ كفارا بعدي يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله. ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد. أيها الناس، إنّ ربّكم واحد، وإنّ أباكم واحد، [كلكم] لآدم وآدم من تراب؛ إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربيّ على عجميّ فضل إلّا بالتقوى. ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلّغ الشاهد الغائب. أيها الناس إنّ الله تعالى قسم لكلّ وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز لوارث وصيّة في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادّعى إلى غير أبيه، ومن تولّى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. [603]- لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم خطب سهيل بن عمرو فقال: والله إنّ هذا الدين الذي أصبحنا فيه سيمتدّ كامتداد الشمس في طلوعها. فقيل له: وأنّى علمت ذلك؟ قال: رأيت رجلا وحيدا فريدا لا مال له ولا عزّ ولا عدد، قام في ظلّ الكعبة فقال: أنا رسول الله إليكم؛ فكنّا من بين ضاحك وهازل، ومستجهل وراحم؛ فلم يزل أمره ينمي حتى دنّا طوعا وكرها، ولو كان ذلك من عند غير الله تعالى ما كان إلا كالكرة في يد بعض سفهاء قريش. فلا يغرّنكم   [603] بعضه في البصائر 9: 97 (رقم: 312) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 هذا- يعني أبا سفيان- من أنفسكم، فإنه يعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكنّ حسد بني عبد المطلب قد جثم على صدره وتمكّن في حشاه. [604]- خطب سعد بن أبي وقاص في يوم الشورى فقال: الحمد لله بديّا كان وآخرا يعود، أحمده كما أنجاني من الضلالة، وبصّرني من العماية؛ فبرحمة الله فاز من نجا، وبهدي الله أفلح من وعى، وبمحمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم استقامت الطرق واستبانت «1» السبل، فظهر كلّ حقّ ومات كلّ باطل، إياكم أيها النفر وقول أهل الزور وأمنيّة الغرور، فقد سكنت «2» الأمانيّ قبلكم قوما ورثوا ما ورثتم، ونالوا ما نلتم، فاتخذهم الله أعداء ولعنهم لعنا كثيرا، قال الله عزّ وجلّ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (المائدة: 78- 79) . وإني نكبت قرني فأخذت سهمي الفالج، وأخذت لطلحة بن عبيد الله في غيبته ما ارتضيت لنفسي في حضوري، فأنا به زعيم، وبما أعطيت عنه كفيل، والأمر إليك يا ابن عوف بصدق النفس وجهد النصح، وعلى الله قصد السبيل وإليه المصير. [605]- وقال لعمر ابنه حين نطق مع القوم فبذّهم، وكانوا كلّموه في الرضا عنه قال: هذا الذي أغضبني عليه، إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم كما تلحس البقر الأرض بألسنتها.   [604] نثر الدر 2: 110- 111 وجمهرة خطب العرب 1: 268. [605] نثر الدر 2: 111. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 [606]- ومن خطبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام في التوحيد: [الحمد لله] المعروف من غير رؤية، الخالق من غير رويّة، الذي لم يزل قائما دائما إذ لا سماء ذات أبراج، ولا حجب ذات أرتاج، ولا ليل داج، ولا بحر ساج، ولا جبل ذو فجاج، ولا فجّ ذو اعوجاج، ولا أرض ذات مهاد، ولا خلق ذو اعتماد؛ ذلك مبتدع الخلق [ووارثه، وإله الخلق] ورازقه، ومسخّر الشمس والقمر دائبين في مرضاته، يبليان كلّ جديد، ويقرّبان كل بعيد، قسم أرزاقهم، وأحصى آثارهم وأعمالهم، وعدد أنفاسهم وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضمير، ومستقرّهم ومستودعهم من الأرحام والظهور، إلى أن تتناهى بهم الغايات؛ هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته، [واتسعت رحمته] لأوليائه في شدة نقمته، قاهر من عازّه، ومدمّر من شاقّه، ومذلّ من ناواه، وغالب من عاداه؛ من توكّل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن اقترضه قضاه، ومن شكره جزاه. عباد الله، زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا، ونفّسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق، واعلموا أنه من لم يعن [على] نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها لا زاجر ولا واعظ. [607]- ومن خطبة له عليه السلام في المعنى: الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليته، وباشتباههم على أن لا شبه له، لا تشمله «1» المشاعر، ولا تحجبه السواتر، لافتراق   [606] نهج البلاغة: 122- 123 (رقم: 90) . [607] نهج البلاغة: 211- 212 (رقم: 152) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 الصانع والمصنوع، والحادّ والمحدود، والربّ والمربوب، الأحد بلا تأويل عدد، والخالق لا بمعنى حركة ونصب، والسميع لا بأداة، والبصير لا بتفريق آلة، والشاهد لا بمماسة، والبائن لا بتراخي مسافة، والظاهر لا برؤية، والباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها، وبانت الأشياء بالخضوع له والرجوع إليه؛ من وصفه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزليّته «1» ، ومن قال «كيف» فقد استوصفه، ومن قال «أين» فقد حيّزه، عالم إذ لا معلوم، وربّ إذ لا مربوب، وقادر إذ لا مقدور. 608- ومن خطبة له في ذكر النبي صلّى الله عليه وسلم: اختاره من شجرة الأنبياء، ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء، وسرّة البطحاء، ومصابيح الظلمة، وينابيع الحكمة. [609]- وفي مثل ذلك والصلاة عليه: اللهم داحي المدحوّات، وداعم المسموكات، وجابل القلوب على فطرتها، شقيّها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمعلن الحقّ بالحقّ، والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صولات الأضاليل، كما حمّل فاضطلع، قائما بأمرك، مستوفزا في مرضاتك، غير ناكل عن قدم ولا واه في عزم، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على إنفاذ أمرك، حتى أورى قبس القابس، وأضاء الطريق للخابط، وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن والآثام، [وأقام] موضحات الأعلام ونيرات الأحكام؛ فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك بالحق، ورسولك إلى الخلق.   [609] نهج البلاغة: 100- 102 (رقم: 72) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 اللهم افسح لهم مفسحا في ظلّك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك، اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم لديك منزله، وأتمم له نوره، واجزه على ابتعاثك له مقبول الشهادة ومرضي المقالة، ذا منطق عدل «1» وخطة فصل؛ اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة، وأمن الشهوات ولهو اللّذات، ورخاء الدّعة ومنتهى الطمأنينة وتحف الكرامة. [610]- ومن خطبة له عليه السلام: أين من سعى واجتهد، وجمع وعدّد، وبنى وشيّد، وزخرف ونجّد، وفرش ومهّد. قال جعفر بن يحيى وقد ذكر هذا الكلام: هكذا تكون البلاغة: أن يقرن بكلّ كلمة أختها، فتلوّح الأولى بالثانية قبل انقضائها، وتزيد كلّ واحدة في نور الأخرى وضيائها. [611]- ومن خطبة له عليه السلام: نحمده على ما أخذ وأعطى، وعلى ما أبلى وابتلى، الباطن بكلّ خفيّة، الحافظ «2» لكل سريرة، العالم بما تكنّ الصدور وما تخون العيون. ونشهد أن لا إله غيره، وأنّ محمدا نجيّه «3» وبعيثه، شهادة يوافق فيها السرّ الإعلان «4» والقلب اللسان. [612]- قال نوف البكالي: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وهو   [610] نثر الدر 1: 278 (وفيه تعليق جعفر بن يحيى) . [611] نهج البلاغة: 189- 190. [612] نهج البلاغة: 260- 263 (رقم: 182) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي، وعليه مدرعة من صوف، وحمائل سيفه من ليف، وفي رجليه نعلان من ليف وكأنّ جبينه ثفنة بعير، فقال: الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق وعواقب الأمر، نحمده على عظيم إحسانه، ونيّر برهانه، ونوامي فضله وامتنانه، حمدا يكون لحقّه قضاء، ولشكره أداء، وإلى ثوابه مقرّبا، ولحسن مزيده «1» موجبا، ونستعين به استعانة راج لفضله، مؤمّل لنفعه، واثق بدفعه، معترف له بالطّول، مذعن له بالعمل والقول، ونؤمن به إيمان من رجاه موقنا، وأناب إليه مؤمنا، وخضع «2» له مذعنا، وأخلص له موحّدا، وعظّمه ممجّدا، ولاذ به راغبا مجتهدا، لم يولد «3» سبحانه فيكون في العزّ مشاركا، ولم يلد فيكون موروثا هالكا، ولم يتقدّمه وقت ولا زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم، فمن شواهد خلقه خلق السموات موطّدات بلا «4» عمد، وقائمات بلا سند، دعاهنّ فأجبن طائعات مذعنات. ومنها: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش، وأسبغ عليكم المعاش، فلو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلّما أو لدفع الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود، عليهما السلام، الذي سخّر له ملك الجنّ والإنس مع النبوة وعظيم الزّلفة، فلما استوفى طعمته، واستكمل مدّته «5» ، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطّلة، ورثها قوم آخرون. وإنّ لكم في القرون السالفة لعبرة: أين العمالقة وأبناء العمالقة؟ أين الفراعنة وأبناء الفراعنة؟ أين أصحاب مدائن الرسّ الذين قتلوا النبيّين، وأطفأوا سنن المرسلين، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 وأحيوا سنن الجبّارين؟ أين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا الألوف، وعسكروا العساكر، ومدّنوا المدائن. [613]- ومن خطبة له عليه السلام: أحمده «1» شكرا لإنعامه، وأستعينه على وظائف حقوقه، عزيز الجند عظيم المجد، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، دعا إلى طاعته وقهر «2» أعداءه جهادا عن دينه، لا يثنيه عن ذلك اجتماع على تكذيبه، والتماس لإطفاء نوره. فاعتصموا بتقوى الله، فإنّ لها حبلا وثيقا عروته، ومعقلا منيعا ذروته، وبادروا الموت وغمراته، وأمهدوا له قبل حلوله، وأعدّوا له قبل نزوله، فإنّ الغاية القيامة، وكفى بذلك واعظا لمن عقل، ومعتبرا لمن جهل. وقبل بلوغ الغاية ما تعلمون من ضيق الأرماس، وشدة الإبلاس، وهول المطّلع، وروعات الفزع، واختلاف الأضلاع، واستكاك الأسماع، وظلمة اللحد، وخيفة الوعد، وغمّ الضريح، وردم الصّفيح. فالله الله عباد الله، فإنّ الدنيا ماضية بكم على سنن، وأنتم والساعة في قرن، وكأنها قد جاءت بأشراطها، وأزفت بأفراطها، ووقفت [بكم] على صراطها؛ وكأنها قد أشرفت بزلازلها، وأناخت بكلاكلها، وانصرمت الدنيا بأهلها، وأخرجتهم من حضنها، وكانت كيوم مضى وشهر انقضى، وصار جديدها رثّا، وسمينها غثّا، في موقف ضنك المقام، وأمور مشتبهة «3» عظام، ونار شديد كلبها، عال لجبها، ساطع لهبها، مغيظ «4» زفيرها،   [613] نهج البلاغة: 280- 283 (رقم: 190) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 متأجّج سعيرها، بعيد خمودها، ذاك وقودها، مخوف وعيدها، عميق «1» قرارها، مظلمة أقطارها، حامية قدورها، فظيعة أمورها وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً (الزمر: 73) قد أمن العذاب، وانقطع العتاب، وزحزحوا عن النّار واطمأنّت بهم الدار، ورضوا المثوى والقرار، الذين كانت أعمالهم في الدنيا زاكية، وأعينهم باكية، وكان ليلهم في دنياهم نهارا تخشّعا واستغفارا، وكان نهارهم ليلا توحّشا وانقطاعا، جعل «2» الله لهم الجنّة ثوابا، وكانوا أحقّ بها وأهلها في ملك دائم ونعيم قائم. فارعوا عباد الله ما برعايته يفوز فائزكم، وبإضاعته يخسر مبطلكم، وبادروا آجالكم بأعمالكم، فإنكم مرتهنون بما أسلفتم، ومدينون بما قدمتم، وكأن قد نزل بكم المخوف فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون، استعملنا الله وإياكم بطاعته وطاعة رسوله، وعفا عنّا وعنكم بفضل رحمته. الزموا الأرض واصبروا على البلاء، ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجّله الله لكم، فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته مات شهيدا، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما يؤتى «3» من صالح عمله، وقامت النيّة مقام إصلاته لسيفه، فإنّ لكلّ شيء مدة وأجلا. [614]- وخطب لما ورد عليه مقتل محمد بن أبي بكر وغلبة أصحاب معاوية   [614] تجمع هذه الخطبة بين ما جاء في النهج: 408 (في رسالة إلى عبد الله بن عباس بعد مقتل محمد ابن أبي بكر) وما جاء فيه ص: 81- 82 (مع اختلافات واضحة) ، ويتفق ما أورده صاحب التذكرة مع ما جاء في نثر الدر 1: 314- 315 والأخبار الموفقيات: 348 وتاريخ الطبري 5/108 (تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 على مصر، فقال بعد أن حمد الله تعالى: ألا إن مصر أصبحت قد فتحت «1» ، ألا وإن محمد بن أبي بكر قد أصيب «2» ، رحمه الله وعند الله نحتسبه، أما والله إن كان لمن ينتظر «3» القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحبّ هدي المؤمن. إني والله لا ألوم نفسي في تقصير ولا عجز؛ إني بمقاساة الحرب جدّ عالم خبير، وإنّي لأتقدّم «4» في الأمر فأعرف وجه الحزم، وأقوم فيه بالرأي المصيب معلنا، وأناديكم نداء المستغيث فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمرا، حتى تصير الأمور إلى عواقب الفساد «5» ، وأنتم لا تدرك بكم الأوتار، ولا يشفى بكم الغليل. دعوتكم إلى غياث إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ «6» ، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نيّة في جهاد عدوّ ولا احتساب أجر «7» ، وخرج جيل «8» ضعيف كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون. 615- خطب الحسن بن علي عليهما السلام بعد وفاة أبيه فقال: أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام شدة ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فسبقت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع. وكنتم في مبتداكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم ودنياكم أمام دينكم، وكنا لكم وكنتم لنا، فصرتم الآن كأنكم علينا، ثم أصبحتم بعد ذلك تعدون قتيلين: قتيلا بصفّين تبكون عليه وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره. فأما الباكي فخاذل، وأما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 الطالب فثائر، وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه إليه، وحاكمناه إلى الله تعالى، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا بالرضى. فناداه القوم البقية البقية. [616]- خطب معاوية بالمدينة فقال: أما بعد، فإنّا قدمنا على صديق مستبشر، وعلى عدوّ مستبسر «1» ، وناس بين ذلك ينظرون وينتظرون، فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون «2» ، ولست أسع «3» الناس كلّهم، فإن تكن محمدة فلا بدّ من لائمة، ليكن لوما هونا إذا ذكر غفر، وإياكم والعظمى التي إن ظهرت أوبقت، وإن خفيت أوتغت «4» . [617]- خطب معاوية «5» بالمدينة فقال، وكان رقي المنبر فأرتج عليه، فاستأنف فأرتج عليه، فقطع الخطبة، وقال: سيجعل الله بعد عسر يسرا، وبعد عيّ بيانا، وأنتم إلى أمير فعّال أحوج منكم إلى أمير قوّال. فبلغ كلامه عمرو بن العاص فقال: هن مخرجاتي من الشام، استحسانا لكلامه.   [616] العقد 4: 82 ونثر الدر 3: 17، 24 والبصائر 1: 216 (رقم: 664) وجمهرة خطب العرب 2: 183 (عن العقد) . [617] عيون الأخبار 2: 256- 257 والعقد 4: 147 والقول فيها منسوب ليزيد بن أبي سفيان وجمهرة خطب العرب 3: 351 (لمعاوية) وفي أمالي المرتضى 2: 103 كلام مقارب منسوب إلى عثمان. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 [618]- وصعد زياد المنبر فلما حمد الله وأثنى عليه أراد الخطبة فأرتج عليه فقال: معاشر الناس إنّ الكلام يجيء أحيانا وربما كوبر «1» فعسا، وتكلّف فأبى، والتعمل لأتيّه خير من التعاطي لأبيّه «2» ، وسأعود فأقول؛ ثم نزل. [619]- وقدم زياد البصرة واليا لمعاوية والفسق فيها ظاهر فاش، فخطب خطبة قال فيها: الحمد لله على إفضاله، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه، اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا. أما بعد فإن الجاهلية الجهلاء، والضلالة العمياء، والغيّ الموفي بأهله على النار، ما أصبح فيه «3» سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، كأنكم لم تقرأوا كتاب الله عزّ وجلّ، ولم تسمعوا ما أعدّ الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، في الزمن السرمديّ الذي لا يزول. أتكونون كمن طرفت الدنيا عينه وسدّت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تدركون «4» أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه، من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر،   [618] عيون الأخبار 2: 257 والعقد 4: 148 وبهجة المجالس 1: 74 والأخبار الموفقيات: 202- 203 وجمهرة خطب العرب 3: 351- 352 والكلام فيه لخالد القسري. [619] البيان 2: 611 وعيون الأخبار 2: 241 والكامل للمبرد 1: 268 ونوادر القالي: 185 والموفقيات: 304 والبصائر 2 (رقم: 729) وبهجة المجالس 1: 334 والجليس الصالح 3: 256 ونثر الدر 5: 12 وشرح النهج 4: 74، 16: 200 وتهذيب ابن عساكر 5: 415 وهي في المصادر التاريخية كالطبري واليعقوبي وأنساب الأشراف، وتجيء في روايات مختلفة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 والعدد غير قليل؟ ألم يكن فيكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار؟ قرّبتم القرابة وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتغضون عن المختلس. كلّ امرىء منكم يذبّ عن سفيهه، صنع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادا. ما أنتم بالحلماء «1» ، ولقد اتبعتم السفهاء، فلم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الرّيب. حرام عليّ الطعام والشراب حتى أسوّيها بالأرض هدما وإحراقا. إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف. وإني أقسم بالله لأخذنّ الوليّ بالمولى، والمقيم بالظّاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم في نفسه بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: أنج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم. إن كذبة المنبر تلقى منشورة «2» ، فإذا تعلّقتم عليّ بكذبة فقد حلّت لكم معصيتي: من نقب عليه فأنا ضامن له ما ذهب منه «3» ؛ فإيّاي ودلج الليل، فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه، وقد أجّلتكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر من الكوفة ويرجع إليكم؛ وإيّاي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد أحدا دعا بها «4» إلا قطعت لسانه. وقد أحدثتم أحداثا لم تكن، وقد أحدثنا لكلّ ذنب عقوبة: من غرّق قوما غرّقناه، ومن أحرق على قوم «5» أحرقناه، ومن نقب على قوم بيتا نقبنا عليه قلبه «6» ، ومن نبش قبرا دفنّاه فيه حيا. كفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفّ عنكم يدي ولساني. ولا يظهر من أحدكم خلاف «7» ما عليه عامّتكم إلا ضربت عنقه. وقد كانت بيني وبين أقوام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 إحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي، فمن كان محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان مسيئا فلينزع عن إساءته. إني لو علمت أنّ أحدكم قد قتله السّلّ من بغضي لم أكشف له قناعا، ولم أهتك له سترا، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره «1» . فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فربّ مبتئس بقدومنا سيسرّ، ومسرور بقدومنا سيبتئس. أيها الناس إنّا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطاناه «2» ونذود عنكم بفيء الله الذي خوّلنا «3» . فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولينا؛ فاستوجبوا عدلنا وفيأنا بمناصحتكم إيّانا. واعلموا [أني] مهما قصّرت عنه فلن أقّصّر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقا بليل، ولا حابسا عطاء ولا رزقا عن إبّانه، ولا مجمّرا «4» لكم بعثا. فادعوا الله تعالى بالصلاح لأئمتكم فإنهم ساستكم المؤدبون، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا؛ ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتدّ لذلك غيظكم «5» ، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم فيهم كان شرّا لكم. أسأل الله تعالى أن يعين كلّا على كلّ. وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله. وايم الله، إنّ لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كلّ امرىء منكم أن يكون من صرعاي. فقام عبد الله بن الأهتم فقال: أشهد أيها الأمير لقد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب. فقال: كذبت ذاك نبيّ الله داود. فقام الأحنف فقال: إنما الثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء؛ وإنّا لا نثني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 حتى نبتلي، ولا نحمد حتى نعطى. قال له زياد: صدقت. فقام أبو بلال يهمس وهو يقول: أنبأنا الله عزّ وجلّ بغير ما قلت، قال الله عزّ وجلّ: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (النجم: 37- 41 ) . فسمعها زياد فقال: إنّا لا نبلغ ما نريد فيك وفي أصحابك «1» حتى نخوض إليكم الباطل خوضا. 620- قيل لبعض الخطباء: لقد جوّدت في خطبتك. فقال: إنني عرفت هذا الأمر وعودي قريب من العلوق، وطينتي قابلة للطبع، لم يعترضني شاغل الأزمان، ولم يعتلقني طارق الحدثان، فأنا كما قال مهديّ ابن الملوّح: [من الطويل] أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا فارغا فتمكّنا [621]- خطبة قس بن ساعدة الإيادي «2» : أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا: إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت، أقسم قسّ قسما لا كذب فيه ولا إثم: إنّ في السماء لخبرا، وإنّ في الأرض لعبرا، سقف مرفوع، ومهاد موضوع، وبحر مسجور، ونجوم تسير ولا تغور. ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا؟ أقسم بالله قسما: إنّ لله دينا هو أرضى من دين نحن   [621] العقد 4: 128 (باختلاف) وإعجاز القرآن للباقلاني: 230- 232 وصبح الأعشى 1: 212 والبيان والتبيين 1: 308- 309 وجمهرة خطب العرب 1: 38- 39. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 عليه؛ وأراكم قد تفرقتم بآلهة شتّى. وان كان الله ربّ هذه الآلهة، إنه ليجب أن يعبد وحده. كلّا إنه الله الواحد الصمد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى، وإليه المعاد «1» غدا. وقال «2» : [من الكامل المجزوء] في الذاهبين الأوّلين ... من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر أيقنت أنّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر 622- خطبة لجبلة بن حريث العبدي: أيها الناس، إنّما البقاء بعد الفناء، وقد خلقنا ولم نك شيّا، وسنعود إلى مبدانا فإما رشدا وإما غيّا. إنّ العواري اليوم والهبات غدا، لا بدّ من رحيل عن محل نازل؛ ألا وقد تقارب سلب فاحش وعطاء جزل، وقد أصبحتم في محلّ منزل لا يثبت فيه سرور يسر، ولا أصابه حضور عسر، ولا تطول فيه حياة مرجوّة إلا اخترمها موت مخوف، ولا يوثق فيها بحلف ماض، وأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، تسوقكم إلى الفناء، فلم تطلبون البقاء؟. 623- خطبة للعملّس: هل لكم في الكلمات: مطر ونبات، وبنون وبنات، وآباء وأمهات، وآيات في إثر آيات: سماء مبنية، وأرض مدحيّة، ضوء وظلام، وليال وأيام، وسعيد وشقيّ، ومحسن ومسي، وفقير وغني. أين الأرباب الفعلة، ليجدنّ كلّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 عامل عمله؟ أين ثمود وعاد؛ أين الآباء والأجداد؟ أين الخيل التي تشكم، وأين الظلم الذي لم ينقم؟. الأصل مدحوّة ولكنه زاوج بينها وبين مبنية وتكون مبنية من دحيت، والعرب تفعل ذلك وتقول: مجفو ومجفيّ وهو مبني من جفي. [624]- خطبة لهاشم «1» بن عبد مناف: خطب فقال: أيها الناس، الحلم شرف والصبر ظفر، والجود سؤدد والمعروف كنز، والجهل سفه، والعجز ذلّة، والحرب خدعة، والظفر دول، والأيام غير، والمرء منسوب إلى فعله ومأخوذ بعمله، فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد، واستشعروا الجدّ تفوزوا به، ودعوا الفضول يجانبكم «2» السفهاء، وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وحاموا عن الحقيقة يرغب في جواركم، وأنصفوا من أنفسكم يوثق «3» بكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنيّة فإنّها تضع الشرف وتهدم المجد، والسلام. [625]- خطب أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب عند تزويج رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: الحمد لله الذي جعلنا من ذريّة إبراهيم وزرع إسماعيل، وجعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوجا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إنّ محمّدا بن عبد الله ابن أخي من لا   [624] جمهرة خطب العرب 1: 75 (عن بلوغ الأرب 1: 322) . [625] نثر الدر 1: 396 والمنتظم لابن الجوزي (دار الكتب العلمية) 2: 315 (مع اختلاف في الرواية) وصبح الأعشى 1: 213 وإعجاز القرآن للباقلاني: 234 وجمهرة خطب العرب 1: 77. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 يوازن به فتى من قريش إلا رجح به برّا وفضلا، وكرما وعقلا، ومجدا ونبلا، وإن كان في المال قلّ فإنّ المال ظلّ زائل وعارية مسترجعة، وله في خديجة ابنة خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصّداق فعليّ. «626» - خطبة النبي صلّى الله عليه وسلم وخبر تزويج فاطمة عليها السلام: روي عن أنس أنه «1» قال: بينا أنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ غشيه الوحي، فمكث «2» هنيهة ثم أفاق فقال لي: يا أنس أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش عزّ وجلّ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: إنّ ربي تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب عليهما السلام. انطلق ادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعدّتهم من الأنصار، فانطلقت فدعوتهم، فلما أخذوا مقاعدهم قال النبي صلّى الله عليه وسلم: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المرهوب من عذابه، المرغوب في ما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه صلّى الله عليه وسلم. ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لا حقا وأمرا مفترضا، وشّج به الأرحام، وألزمه الأنام، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً، وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (الفرقان: 54) . فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكلّ قضاء قدر، ولكلّ قدر أجل يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (الرعد 39) ثم إنّ ربّي تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ بن أبي طالب، وقد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال من فضة إن رضي بذلك عليّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد بعث عليا في حاجة، ثم إنه دعا بطبق من برّ، فوضعه بين أيدينا ثم قال: انتهبوا؛ فبينا نحن ننتهب إذ دخل عليّ، فتبسم النبي صلّى الله عليه وسلم في وجهه، ثم قال: يا عليّ إنّ ربّي عزّ وجلّ قد أمرني أن أزوّجك فاطمة، وقد زوجتك إياها على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت يا عليّ. قال: رضيت يا رسول الله. ثم إنّ عليا خرّ ساجدا شكرا لله تعالى، فلما رفع رأسه، قال رسول الله «1» صلّى الله عليه وسلم: بارك الله عليكما وبارك فيكما، وأسعد جدّكما، وأخرج منكما الكثير الطيّب؛ قال أنس: فو الله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب. [627]- خطبة علي عليه السلام حين تزوج فاطمة عليها السلام: الحمد لله الذي قرب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنة من يتّقيه، وقطع بالنار عذر من يعصيه، أحمده بجميع محامده وأياديه، وأشكره شكر من يعلم أنه خالقه وباريه، ومصوّره ومنشيه، ومميته ومحييه، ومقرّبه ومنجيه، ومثيبه ومجازيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغه وترضيه، وأشهد أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم عبده ورسوله، صلاة تزلفه وتدنيه، وتعزّه وتعليه، وتشرّفه وتجتبيه. أما بعد، فإنّ اجتماعنا مما قدّره «2» الله ورضيه، والنكاح مما أمر الله به وأذن فيه، وهذا محمد صلّى الله عليه وسلم قد زوّجني فاطمة ابنته على صداق مبلغه أربعمائة وثمانون درهما، ورضيت به فاسألوه، وكفى بالله شهيدا. [628]- قيل لما بلغ فاطمة عليها السلام ما أجمع عليه من منعها فدكا لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى دخلت على أبي   [627] جمهرة خطب العرب 3: 345. [628] بلاغات النساء: 16 ونثر الدر: 4: 8. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم أجمعين، وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء وارتجّ المجلس، ثم أمهلت هنيهة «1» حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله «2» صلّى الله عليه «3» وسلم ثم قالت: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة: 128) . فإن تعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلّغ الرسالة صادعا بالنّذارة بالغا بالرسالة، مائلا عن سنن «4» المشركين، ضاربا لثبجهم، يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، آخذا بأكظام المشركين، يهشم الأصنام ويفلق الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدّبر، وحتى تفرّى الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين «5» ، وتمّت كلمة الإخلاص، وكنتم على شفا حفرة من النار، نهزة الطامع، ومذقة الشارب، وقبسة العجلان، وموطىء الأقدام، تشربون الطّرق وتقتاتون القدّ «6» ، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، حتى أنقذكم الله تعالى برسوله صلّى الله عليه وسلم، بعد اللّتيّا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان «7» ، أو فغرت فاغرة للمشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفىء حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويطفىء عادية لهبها بسيفه،- (أو قالت: يخمد لهبها بحدّه) - مكدودا في ذات الله تعالى، وأنتم في رفاهية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 فاكهون «1» آمنون وادعون «2» ، حتى إذا اختار الله لنبيّه صلّى الله عليه وسلم دار أنبيائه، ظهرت حسكة «3» النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفلين «4» ، وهدر فنيق «5» المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخا بكم، فدعاكم فألفاكم لدعوته «6» مستجيبين، وللغرّة ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم؛ هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل. بماذا زعمتم: خوف الفتنة؟ ألا في الفتنة سقطوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ* (التوبة: 49، العنكبوت: 54) . فهيهات منكم وأنى بكم وأنّى تؤفكون، وكتاب الله تعالى بين أظهركم، زواجره بيّنة، وشواهده لائحة، وأوامره واضحة، أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون؟ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (الكهف: 50) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (آل عمران: 85) . ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفس نغرتها، تسرّون حسوا في ارتغاء «7» ، ونصبر منكم على مثل حزّ المدى، وأنتم الآن تزعمون ألا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون «8» ؟ إيها معشر المسلمة المهاجرة، أأبتزّ إرث أبي؟! أبى الله؛ أفي الكتاب يا ابن أبي قحافة أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريّا. فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمّد صلّى الله عليه وسلم، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 والموعد القيامة، وعند الله يحشر المبطلون، ولكل نبأ مستقرّ، وسوف تعلمون. ثم انكفأت على قبر أبيها صلّى الله عليه وسلم وقالت: [من البسيط] قد كان بعدك أنباء وهنبثة «1» ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ... واختلّ أهلك فاحضرهم ولا تغب وذكر أنها لما فرغت من كلام أبي بكر رضي الله عنه والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت: يا معشر الفئة، وأعضاء الملّة، وحضنة «2» الإسلام، ما هذه الفترة في حقّي والسّنة في ظلامتي؟ أما كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يحفظ في ولده؟ لسرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة «3» ؟ أتقولون مات محمد صلّى الله عليه وسلم فخطب جليل استوسع وهيه، واستنهر «4» فتقه، وفقد راتقه، وأظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وخشعت الجبال، وأكدت الآمال، وأضيع الحريم، وأذيلت الحرمة عند مماته صلّى الله عليه وسلم، وتلك نازلة أعلن «5» بها كتاب الله تعالى في فتنتكم «6» ، في ممساكم ومصبحكم، تهتف في أسماعكم، ولقبله ما حلّت بأنبياء الله ورسله صلّى الله عليه وعليهم، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران: 144) . إيها بني قيلة، أأهتضم تراث أبيه وأنتم بمرأى مني ومسمع، تلبسكم الدعوة، وتشملكم الحيرة، وفيكم العدد والعدّة، ولكم الدار وعندكم الجنن، وأنتم الألى، نخبة الله التي انتخب لدينه، وأنصار رسوله صلّى الله عليه، وأهل الإسلام، والخيرة التي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 اختار الله تعالى لنا أهل البيت، فنابذتم العرب، وناهضتم الأمم، وكافحتم البهم، لا نبرح نأمركم فتأتمرون، حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام، ودرّ حلب الأيام، وخضعت نعرة الشرك، وباخت «1» نيران الحرب، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق «2» نظام الدين، فأنّى جرتم بعد البيان، ونكصتم بعد الإقدام، وأسررتم بعد الإعلان «3» ، لقوم نكثوا أيمانهم؟ أتخشونهم؟ فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين «4» . ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وركنتم إلى الدّعة، فعجتم عن الدين، ومحجّتكم التي وعيتم، ولفظتم التي سوّغتم. إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (ابراهيم: 8) . ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة مني بالخذلان الذي خامر صدوركم، واستشعرته قلوبكم، ولكن قلته فيضة النّفس، ونفثة الغيظ، وبثّة الصدر، ومعذرة الحجّة. فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظّهر، ناقبة الخفّ، باقية العار، موسومة بشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (الشعراء: 227) ، وأنا ابنة نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (سبأ: 46) ، فاعملوا إِنَّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (هود: 121- 122) . [629]- بلغ عائشة رضي الله عنها أنّ ناسا يتناولون أبا بكر الصديق رضي   [629] بلاغات النساء: 3- 6 ونثر الدر 4: 17 والعقد 4: 262 وعيون الأخبار 2: 313 ونهاية الأرب 7: 230 وشرح خطبة عائشة لابن الانباري: 20. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 الله عنه، فأرسلت إلى أزفلة «1» من الناس، فلما حضروا سدلت «2» أستارها، وعلت وسادها، ثم دنت فحمدت الله عزّ وجلّ وأثنت عليه وصلّت على نبيّه صلّى الله عليه وعذلت وقرّعت وقالت: أبي وما أبي «3» ! أبي والله لا تعطوه الأيدي، ذاك طود «4» منيف وظلّ مديد، هيهات هيهات، كذبت الظنون، أنجح والله إذ أكديتم وسبق إذ ونيتم: [من البسيط] سبق الجواد إذا استولى على الأمد «5» فتى قريش ناشئا، وكهفها كهلا، يريش مملقها، ويفكّ عانيها، ويرأب شعبها «6» ، حتى حلّته قلوبها، ثم استشرى في دينه، فما برحت شكيمته في ذات الله حتى بنى «7» بفنائه مسجدا يحيي فيه ما أمات المبطلون. وكان رحمة الله عليه «8» غزير الدمعة وقيذ الجوانح شجيّ النشيج، فانغضت «9» إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزئون به، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (البقرة: 15) . وأكبرت ذلك رجالات قريش، فحنت له قسيّها، وفوّقت له سهامها، وانتتلوه «10» غرضا، فما فلّوا له صفاة ولا قصفوا له قناة، ومرّ على سيسائه «11» ، حتى إذا ضرب الدين بجرانه، وألقى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 بركه «1» ، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجا، ومن كلّ شرعة أشتاتا وأرسالا، اختار الله جلّ اسمه لنبيّه صلّى الله عليه وسلم ما عنده. فلما قبض الله عزّ وجلّ رسوله صلّى الله عليه وسلم ضرب الشيطان برواقه، ومدّ طنبه، ونصب حبائله، وأجلب بخيله ورجله، واضطرب حبل الإسلام، ومرج عهده، وماج أهله، وبغي الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نهزتها، ولات حين الذي يرجون، وأنّى والصدّيق بين أظهرهم. فقام حاسرا مشمّرا، قد جمع بين حاشيتيه، ورفع قطريه، فردّ نشر الدين على غرّه، ولمّ شعثه بطيّه، وأقام أوده بثقافه، فامذقرّ النفاق بوطئه، وانتاش الدين فنعشه. فلما أراح الحقّ على أهله، وأقرّ الرؤوس على كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، حضرته منيّته، نضّر الله وجهه، فسدّ ثلمه بنظيره في الرّحمة «2» ، ومقتفيه في السيرة والمعدلة، ذاك عمر بن الخطاب، لله أمّ حملت به ودرّت عليه لقد أوحدت. فشرّد الشرك شذر مذر، وبخع الأرض ونخعها، (يقال: بخع نفسه قتلها غمّا والنخع أن يجوز بالذبح إلى النخاع، وفي الحديث أن أنخع الأسماء أي أقتلها لصاحبه، والناخع العالم) فقاءت أكلها، ولفظت خبيئها، ترأمه ويصد عنها، وتصدّى له ويأباها. ثم وزّع فيئها، وودّعها كما صحبها. فأروني ماذا ترون «3» ، وأيّ يومي أبي تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أو يوم ظعنه إذ نظر لكم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. [630]- ولما قتل عثمان أمير المؤمنين قالت عائشة رضي الله عنها: قتل؟! قالوا: نعم، قالت: فرحمه الله وغفر له؛ أما والله لقد كنتم إلى تسديد الحقّ   [630] بلاغات النساء: 14- 15 (مع حذف أجزاء هنا) ونثر الدر 4: 24. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 وتأييده، وإعزاز الإسلام وتأكيده، أحوج منكم إلى ما نهضتم إليه من طاعة من خالف عليه، ولكن كلما زادكم الله تعالى نعمة في دينكم ازددتم تثاقلا في نصرته طمعا في دنياكم. أما والله لهدم النعمة أيسر من بنائها، وما أردناه إليكم بالشكر بأسرع من زوال النعمة عنكم بالكفر؛ وايم الله، لئن كان أفنى أكله واخترم أجله، لقد كان عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولئن كان برك الدهر عليه بزوره، وأناخ عليه بكلكله، إنها لنوائب تترى تلعب بأهلها وهي جادّة، وتجدّ بهم وهي لاعبة؛ أما والله لقد حاط الإسلام وكنفه، وعضد الدين وأيّده، ولقد هدم الله به صياصي الكفر، وقطع به دابر المشركين، وقلّم «1» به أركان الضلالة. فلله تعالى المصيبة به ما أفجعها، والفجيعة ما أوجعها، صدع الله بمقتله صفاة القلوب في الدين «2» ، وشملت مصيبته ذروة الإسلام. [631]- قيل لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام وجّه ابن زياد رأسه والنسوة إلى يزيد فأمر «3» أن يحضر رأس الحسين في طست، وجعل ينكت ثناياه بقضيب وينشد: [من الرمل] ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل «4» (الأبيات المعروفة «5» وقائلها عبد الله بن الزّبعرى السهمي) . قالت زينب بنت علي: صدق الله ورسوله يا يزيد:   [631] بلاغات النساء: 25- 27 ونثر الدر 4: 26. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (الروم: 10) . أظننت يا يزيد حين أخذ علينا بأطراف الأرض وأكناف السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أنّ بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة، وأنّ هذا لعظم خطرك فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان فرحا حين رأيت الدنيا مستوسقة لك، والأمور متّسقة عليك، وقد مهّلت ونفّست وهو قول الله تبارك وتعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (آل عمران: 178) . أمن العدل يا ابن الطّلقاء تخديرك نساءك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد هتكت ستورهنّ، وهنّ مكتئبات، تخدي بهنّ الأباعر، وتحدوبهن الأعادي من بلد إلى بلد، لا يراقبن ولا يؤوين، يتشوّفهنّ القريب والبعيد، ليس معهن وليّ «1» من رجالهنّ؟ وكيف يستبطأ في بغضتنا من نظر إلينا بعين الشّنف والشنآن، والإحن والأضغان؟ أتقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا، غير متأثم ولا مستعظم وأنت تنكث ثنايا أبي عبد الله بمخصرتك؟ ولم لا تكون كذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشّأفة، بإهراقك دماء ذرية محمد صلّى الله عليه وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب؟! ولتردنّ على الله وشيكا موردهم ولتودّنّ أنك عميت وبكمت ولم تقل: لأهلّوا واستهلّوا فرحا «2» . اللهم خذلنا بحقّنا، وانتقم لنا ممن ظلمنا. والله ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك، وسترد على رسول الله صلّى الله عليه وسلم برغمك، وعترته ولحمته في حظيرة القدس يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشّعث، وهو قول الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ (آل عمران: 169- 170) . وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 المؤمنين إذا كان الحاكم «1» الله تعالى والخصم محمد صلّى الله عليه وسلم، وجوارحك شاهدة عليك، فبئس للظالمين بدلا، وأيكم شرّ مكانا وأضعف جندا «2» ، مع أني والله يا عدوّ الله وابن عدوّه أستصغر «3» قدرك، وأستعظم تقريعك، غير أنّ العيون عبرى، والصدور حرّى، وما يجزي ذلك أو يغني عنّا. وقد قتل الحسين عليه السلام حزب الشيطان تقرّبا إلى حزب السفهاء ليعطوهم أموال الله تعالى على انتهاك محارم الله. فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، وهذه الأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الزواكي تقتاتها غيلان «4» الفلوات. فلئن اتّخذتنا مغنما لنتخذنّك مغرما حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك، تستصرخ بابن مرجانة ويستصرخ بك، ونتقاضى «5» عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرية محمد صلّى الله عليه وسلم؛ فو الله ما اتقيت غير الله، ولا شكواي إلا إلى الله، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا يرحض عنك عار ما أتيت إلينا أبدا. والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبان «6» الجنان، وأوجب لهم الجنة. أسأل الله أن يرفع لهم الدرجات، وأن يوجب لهم المزيد من فضله فإنه وليّ قدير. [632]- وقال بعضهم: رأيت أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام بالكوفة، ولم أر خفرة والله أنطق منها كأنها تنطق على لسان أمير المؤمنين، وقد أومأت إلى الناس وهم يبكون على الحسين أن اسكتوا، فلما سكنت فورتهم وهدأت الأجراس قالت: أبدأ بحمد الله والصلاة على نبيّه صلّى الله عليه وسلم. أما بعد، يا أهل الكوفة،   [632] بلاغات النساء: 27- 29 ونثر الدر 4: 29- 31. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 يا أهل الختر والخذل والختل، ألا فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنّة، إنما مثلكم كمثل التي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ (النحل: 92) . ألا وهل فيكم إلا الصّلف والشّنف وملق الإماء وغمز الأعداء؟ وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة أو كقصعة «1» على ملحودة؟ ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم: أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون «2» . أتبكون؟ إي والله، فابكوا، فإنكم والله أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فقد فزتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا. وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنة، ومنار محجّتكم ومدرة حجّتكم، ومفزع نازلتكم؟ فتعسا ونكسا، لقد خاب السعي، وخسرت الصّفقة، وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذّلّة والمسكنة. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (مريم: 89- 90) . أتدرون أيّ كبد «3» لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فريتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ لقد جئتم بها شوهاء خرقاء طلاع «4» الأرض والسماء. أفعجبتم أن قطرت دما؟ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (فصلت: 16) . فلا يستخفّنّكم المهل، فإنه لا تحفزه المبادرة، ولا يخاف عليه فوت الثأر. كلا إنّ ربّك لنا ولهم ولكم بالمرصاد. ثم ولّت عنهم فتركت الناس حيارى وقد ردّوا أيديهم إلى أفواههم. ورأيت شيخا كبيرا من بني جعفر وقد اخضلّت لحيته من دموع عينيه، وهو يقول بصوت حزين: [من الطويل] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 كهولهم خير الكهول ونسلهم ... إذا عدّ نسل لا يبور ولا يخزى «633» - خطبت حفصة بنت عمر رضوان الله عليها فقالت: الحمد لله الذي لا نظير له، الفرد الذي لا شريك له. وأما بعد: فكلّ العجب من قوم زيّن لهم الشيطان أفعالهم «1» وارعوى إلى صنيعهم، ودبّ إلى الفتنة لهم، ونصب حبائله فختلهم، حتى همّ عدوّ الله بإحياء البدعة ونشر «2» الفتنة، وتجديد الجور بعد دروسه، وإظهاره بعد دثوره، وإراقة الدماء، وإباحة الحمى، وانتهاك محارم الله عزّ وجلّ بعد تحصينها، فتضرّم «3» وهاج وتوغّر وثار غضبا لله عزّ وجلّ ونصرة لدين الله، فخسأ «4» الشيطان ووقم كيده، وكفّ إرادته، وقدع محنته، وأصعر خدّه، لسبقه إلى مشايعة أولى الناس بخلافة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، الماضي على سنته، المقتدي بدينه، المقتصّ لأثره، فلم يزل سراجه زاهرا، وضوؤه لامعا، ونوره ساطعا، له من الأفعال الغرر، ومن الآراء المصاص «5» ، ومن التقدّم في طاعة الله تعالى اللباب، إلى أن قبضه الله تعالى إليه، قاليا لما خرج منه، شانئا لما ترك «6» من أمره، شنفا لما كان فيه، صبّا إلى ما صار إليه، وائلا إلى ما دعي إليه، عاشقا لما هو فيه. فلما صار إلى التي وصفت، وعاين ما ذكرت، أومأ بها إلى أخيه في المعدلة، ونظيره في السيرة، وشقيقه في الديانة؛ ولو كان غير الله سبحانه أراد لأمالها إلى ابنه، ولصيّرها في عقبه، ولم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 يخرجها من ذرّيته. فأخذها بحقها، وقام فيها بقسطها، لم يؤده ثقلها، ولم يبهظه حفظها، مشرّدا للكفر عن موطنه، ونافرا له عن وكره، ومثيرا له عن مجثمه، حتى فتح الله عزّ وجلّ على يديه أقطار البلاد، ونصر الله يقدمه، وملائكته تكنفه، وهو بالله تعالى معتصم وعليه متوكّل، حتى تأكّدت عرى الحقّ عليكم عقدا، واضمحلّت عرى الباطل عنكم حلّا، نوره في الدّجنّات ساطع، وضوؤه في الظلمات لامع، قاليا للدنيا إذ عرفها، لافظا لها إذ عجمها، وشانئا لها إذ سبرها، تخطبه ويقلاها، وتريده ويأباها، لا تطلب سواه بعلا، ولا تبغي سواه فحلا، أخبرها أنّ التي يطلب ويخطب أرغد منها عيشا، وأنضر منها حبورا، وأدوم منها سرورا، وأبقى منها خلودا، وأطول منها أياما، وأغدق منها أنهارا، وأنعت منها جمالا، وأتمّ بلهنية، وأعذب منها رفاهية «1» ، فبشعت نفسه بذلك لعادتها، واقشعرّت لمخالفتها، فعركها بالعزم الشديد حتى أجابت، وبالرأي الجليد حتى انقادت. وأقام فيها دعائم الإسلام، وقواعد السنة الجارية، ورواسي الآثار الماضية، وأعلام أخبار النبوّة الطاهرة، وظلّ خميصا من بهجتها، قاليا لإتائها، لا يرغب في زبرجها، ولا يطمح إلى جدتها، حتى دعي فأجاب، ونودي فأطاع على تلك الحال، فاحتذى في الناس بأخيه، فأخرجها من نسله، وصيّرها شورى بين إخوته، فبأيّ أفعاله تتعلقون؟ وبأيّ مذاهبه تتمسكون؟ أبطرائقه القويمة في حياته أم بعدله فيكم عند مماته؟ ألهمنا الله وإيّاكم طاعته، وإذا شئتم ففي حفظ الله «2» وكلاءته. [634]- لما قتل عثمان بن عفان رحمة الله عليه صاحت ابنته عائشة: يا   [634] بلاغات النساء: 72 ونثر الدر 4: 33- 36. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 ثارات عثمان! إنّا لله وإنّا إليه راجعون. أفيتت نفسه وطلّ دمه في حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومنع من دفنه؛ ولو «1» يشاء لامتنع ووجد من الله تعالى حاكما، ومن المسلمين ناصرا، ومن المهاجرين شاهدا، حتى يفيء إلى الحقّ من شذّ عنه أو تطيح هامات وتفرى غلاصم وتخاض دماء؛ ولكن استوحش مما أنستم به، واستوخم ما استمرأتموه. يا من استحلّ حرم الله ورسوله واستباح حماه، لقد نقمتم عليه أقلّ مما أتيتم إليه، فراجع ولم تراجعوه «2» ، واستقال فلم تقيلوه، رحمة الله عليك يا أبتاه، احتسبت نفسك وصبرت لأمر ربك حتى لحقت به، وهؤلاء الآن قد ظهر منهم تراوض الباطل، وإذكاء الشنآن، وكوامن الأحقاد، وإدراك الإحن والأوتار، وبذلك وشيكا كان كيدهم وتبغّيهم، وسعي بعضهم ببعض، فما أقالوا عاثرا، ولا استعتبوا مذنبا، حتى اتخذوا ذلك سببا إلى سفك الدماء وإباحة الحمى، وجعلوا سبيلا إلى البأساء والعنت، فهلّا علت كلمتكم وظهرت حسكتكم إذ ابن الخطاب قائم على رؤوسكم، ماثل في عرصاتكم، يرعد ويبرق بإرعابكم، يقمعكم غير حذر من تراجعكم الأمانيّ بينكم، وهلّا نقمتم عليه عودا وبدءا إذ ملك ويملك عليكم من ليس فيكم بالخلق اللّين والمنظر الفضيل «3» ، يسعى عليكم وينصب لكم، لا تنكرون ذلك منه خوفا من سطوته، وحذرا من شدّته، أن يهتف بكم متقسورا أو يصرخ بكم مغذمرا، إن قال صدّقتم قالته، وإن سأل بذلتم سألته؛ يحكم في رقابكم وأموالكم كأنكم عجائز صلع وإماء قطع، فبدأ معلنا لابن أبي قحافة بإرث نبيكم على بعد رحمه وضيق بلده، وقلّة عدده. فوقى الله شرّها. زعم لله دره ما أعرفه بما صنع، أو لم يخصم الأنصار بقيس، ثم حكم بالطاعة لمولى أبي حذيفة، يتمايل بكم يمينا وشمالا، قد خطب عقولكم، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 واستمهر وجلكم «1» ، ممتحنا لكم، ومتعرّفا أخطاركم. وهل تسمو هممكم إلى منازعته، ولولا تيك لكان قسمه خسيسا، وسعيه تعيسا، لكن بدأ بالرأي «2» وثّنى بالقضاء وثلّث بالشورى، ثم غدا سامرا مسلّطا، درّته على عاتقه، فتطأطأتم له «3» ، وولّيتموه أدباركم، حتى علا أكتافكم، ينعق بكم في كلّ مرتع، ويشد منكم على كلّ مخنّق، لا ينبعث لكم هتاف، ولا يأتلق لكم شهاب، عرفتم أو أنكرتم، لا تألمون ولا تستنطقون، حتى إذا عاد الأمر فيكم ولكم وإليكم في مونقة من العيش، عرقها وشيج، وفرعها عميم، وظلّها ظليل، تتناولون من كثب ثمارها أنّى شئتم رغدا، وحلبت عليكم عشار الأرض دررا، واستمرأتم أكلكم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، تنامون في الخفض، وتسكنون إلى الدّعة، ومقتم زبرجة الدنيا، واستحليتم غضارتها ونضرتها، وظننتم أنّ ذلك سيأتيكم من كثب عفوا، ويتحلّب عليكم رسلا، فانتضيتم سيوفكم، وكسرتم جفونكم، وقد أبى الله أن تشام سيوف جرّدت بغيا وظلما؛ ونسيتم قول الله عزّ وجلّ: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (المعارج: 19- 21) . فلا يهنئكم الظفر، ولا يستوطن بكم الحضر، فإنّ الله تعالى بالمرصاد، وإليه المعاد. والله ما يقوم الظّليم إلّا على رجلين، ولا ترنّ القوس إلّا على سيتين. فأثبتوا في الغرز أرجلكم فقد ضللتم هداكم في المتيهة الخرقاء كما أضلّ أدحيته الحسل «4» . وسيعلم كيف يكون إذا كان الناس عباديد، وقد نازعتكم الرّجال، واعترضت عليكم الأمور، وساورتكم الحروب باللّيوث، وقارعتكم الأيام بالجيوش، وحمي عليكم الوطيس، فيوما تدعون من لا يجيب، ويوما تجيبون من لا يدعو. وقد بسط باسطكم كلتا يديه يرى أنّهما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 في سبيل الله، فيد مقبوضة وأخرى مقصورة، والرؤوس تنزو «1» عن الطلى والكواهل، كما ينقف التنّوم «2» ، فما أبعد نصر الله من الظالمين، وأستغفر الله تعالى مع المستغفرين، والحمد لله ربّ العالمين. وإن في هذه الخطب التي ذكرناها للنساء بيانا عن فضيلة العرب بما خصّهم الله تعالى من النطق والبيان، وميّزهم فيه على سائر الأمم. [635]- قال الجاحظ: لا تعرف الخطب إلا للعرب والفرس؛ فأما الهند فلهم معان مدوّنة وكتب مخلّدة، لا تضاف إلى رجل معروف ولا إلى عالم موصوف، وإنما هي كتب متوارثة، وآداب على وجه الدهر مذكورة. ولليونانيين فلسفة وصناعة منطق. وكان صاحب المنطق نفسه بكيء اللسان، غير موصوف بالبيان، مع علمه بتمييز الكلام وتفصيله ومعانيه وخصائصه. وهم يزعمون أنّ جالينوس كان أنطق الناس، ولم يذكروه بالخطابة، ولا بهذا الجنس من البلاغة. وفي الفرس خطباء إلا أنّ كلّ كلام للفرس وكلّ معنى للعجم فإنما هو عن طول فكرة، وعن اجتهاد [رأي وطول] خلوة، وعن مشاورة ومعاونة، وعن طول التفكر ودراسة «3» الكتب وحكاية الثاني علم الأوّل، وزيادة الثالث في علم الثاني، حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم. وكلّ شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالة فكر ولا استعانة، وإنما هو [أن] يصرف وهمه   [635] البيان والتبيين 3: 27- 29. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 إلى الكلام، أو إلى رجز يوم الخصام، أو حين يمتح على رأس بئر أو يحدو ببعير، أو عند المقارعة أو المناقلة، أو عند صراع أو في حرب، فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني أرسالا، وتنثال عليه الألفاظ انثيالا، ثم لا يعيده «1» على نفسه، ولا يدرسه أحد من ولده. وكانوا أمّيين لا يكتبون، ومطبوعين لا يتكلّفون، وكأنّ الكلام الجيّد عندهم أكثر وأظهر، وهم عليه أقدر وله أقهر، وكلّ واحد في نفسه أنطق، ومكانه في البيان أرفع. وخطباؤهم [للكلام] أوجد «2» ، والكلام عليهم أسهل، وهو عندهم «3» أيسر من أن يفتقروا إلى تحفّظ، ويحتاجوا إلى تدارس؛ وليس هم كمن حفظ علم غيره، واحتذى على كلام من كان قبله، فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتّصل بعقولهم من غير تكلّف ولا قصد ولا تحفّظ ولا طلب. وإن شيئا هذا الذي في أيدينا جزء منه لبالمقدار الذي لا يعلمه إلا من أحاط بقطر السحاب وعدد التراب، وهو الله المحيط بما كان، والعالم بما سيكون. ونحن إذا ادّعينا للعرب أصناف البلاغة من القصيد والأرجاز، ومن المنثور والأسجاع، ومن المزدوج وما لا يزدوج، فمعنا على ذلك لهم شاهد «4» صادق من الديباجة الكريمة، والرّونق العجيب، والسبك والنحت الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم، ولا أرفعهم في البيان أن يقول مثل ذلك إلا في اليسير والشيء «5» القليل. ونحن لا نستطيع أن نعلم أنّ الرسائل التي في أيدي الناس للفرس صحيحة غير مصنوعة، وقديمة غير مولّدة، إذ كان مثل ابن المقفّع وسهل بن هارون وأبي عبيد الله وعبد الحميد وغيلان يستطيعون أن يولّدوا مثل تلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 الرسائل، ويصنعوا مثل تلك السّير. [636]- والمثل يضرب في الخطابة بسحبان وائل، وكان خطيب العرب غير مدافع ولا منازع، وكان ابنه عجلان أيضا خطيبا بليغا، وكان سحبان إذا خطب لم يعد حرفا، ولم يتوقف ولم يتحبّس، ولم يعد كلاما ولم يتفكر في استنباط، وكان يسيل عرقا كأنه آذيّ بحر. ويقال إنّ معاوية قدم عليه وفد من خراسان، وجّههم سعيد بن عثمان، فطلب سحبان فلم يوجد عامّة النهار، ثم اقتضب من ناحية كان فيها اقتضابا، فأدخل عليه فقال: تكلم، فقال: انظروا لي عصا تقيم من أودي. فقالوا: وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير المؤمنين؟ قال: ما كان يصنع بها موسى صلّى الله عليه وهو يخاطب ربّه وعصاه في يده؟ فضحك معاوية وقال: هاتوا له عصا. فجاءوه بها، فركضها «1» برجله فلم يرض ثقلها، فقال: هاتوا عصاي. فانطلق الرسول فجاءه بعصاه، فأخذها ثم قام فتكلم منذ صلاة الظهر إلى أن فاتت صلاة العصر، ما تنخّع ولا سعل، ولا توقّف ولا تحبّس، ولا ابتدأ في معنى فخرج عنه وقد بقي عليه فيه شيء، ولا سأل عن أيّ جنس من الكلام يخطب فيه. فما زالت تلك حاله، وكلّ عين في السماطين والحفل قد شخصت نحوه، إلى أن أشار إليه معاوية الصلاة فقال: هي أمامك ونحن في صلاة يتبعها تمجيد وتحميد، وعظة وتنبيه وتذكير، ووعد ووعيد. قال معاوية: أنت أخطب العرب قاطبة. قال سحبان: والعجم والجنّ والإنس. [637]- لما دخل عبد الملك بن مروان الكوفة بعد قتل مصعب خطبهم   [636] قارن بالبيان والتبيين 3: 120، وهو أتمّ في سرح العيون: 146- 147 وفي الشريشي 2: 220- 221 . [637] لعبد الملك في أمالي القالي 1: 11 (وعنه جمهرة خطب العرب 2: 194- 195) خطبة قالها بعد مقتل مصعب، ولكن لا علاقة لها بالخطبة الواردة هنا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 فقال: يا أهل العراق إني إذا قلت مقالا عقدته بفعال، ووصلت وعيدي بمطال، ثم جعلت من نفسي عليها رقيبا يتقاضاني الوفاء، فأسبق بالعقاب إلى أهل الظّنّة، وأتناول بالكرامة من قعد عن الفتنة. فإياكم وإياكم ما دمت أستكفّ نفسي عنكم، وإياكم وإياكم وعدا غير ملويّ، وزجرا غير منسيّ، فطالما أوضعتم في أودية الضلالة، واعتقبتم مطايا المعصية، واستدرّتنا أكفّكم العقوبة، فلما مريتم أخلاف النقمة صررناها بمصاهرة النعمة. وإذا أهملتم ركائب السّطوة عقلناها بفضل العائدة. تدفعون حقنا ويأبى قضاء الله إلا تقليدكم إياه، وتوجفون «1» في غيّكم ونكدح في إقبالكم، فبذنوبكم سفه رأيكم: ترابية مرة، وزبيرية أخرى. حتى متى، وإلى متى نسعى في صلاحكم؟ ألا وإني لا آخذ بسالف الجرائم، ولا أعاقب بمتقدّم العصيان، وإنما أستأنف بكم ما استقبلتم به أنفسكم. ألا وكلّ ما كان فتحت قدمي ودبر أذني، رغبة لكم فيما لم ترغبوا فيه لأنفسكم، وحرصا على ما أضعتموه منا فيكم. فأعقبوا بين الدول، واجعلوا للحقّ نصيبا منكم، واغدوا على أعطياتكم. [638]- ولما أتى عبد الله بن الزبير قتل مصعب أخيه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه أتانا خبر قتل مصعب فسررنا واكتأبنا، فأما السرور فلما قدّر له «2» من الشهادة وخير له من الثواب، وأما الكآبة فلوعة يجدها الحميم عند فراق حميمه، وإنا والله ما نموت حبجا «3» كميتة آل أبي العاص، إنما نموت قتلا   [638] عيون الأخبار 2: 240 والعقد 4: 109 والأغاني 19: 63 والأخبار الموفقيات: 539- 541 ونثر الدر 3: 179 وتاريخ الطبري 6: 161 (تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم) ومروج الذهب 3: 314 وجمهرة خطب العرب 2: 176- 177. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 بالرماح، وقعصا «1» تحت ظلال السيوف، وإن يهلك المصعب فإنّ في آل الزبير منه خلفا له. [639]- ولما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير ارتجّت مكة بالبكاء، فأمر الحجاج «2» بجمع الناس إلى المسجد، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل مكة، بلغني إكباركم واستعظامكم «3» قتل ابن الزبير، ألا وإنّ ابن الزبير كان من خيار هذه الأمّة حتى رغب في الخلافة، ونازع فيها أهلها، فخلع طاعة الله واستكنّ بحرم «4» الله. ولو كان شيء مانعا للقضاء لمنع آدم حرمة الجنة، لأنّ الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأباحه جنّته، فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطئه، وآدم أكرم على الله من ابن الزبير، والجنّة أعظم حرمة من الكعبة، فاذكروا الله تعالى يذكركم. [640]- وصعد المنبر بعد قتله متلثّما، فحطّ اللثام عن وجهه وقال: موج ليل التطم فانجلى بضوء صبحه. يا أهل الحجاز، كيف رأيتموني؟ ألم أكشف عنكم ظلمة الجور وطخية «5» الباطل بنور الحقّ؟ والله لقد وطئكم الحجاج وطأة مشفق عطفته رحم ووصل قرابة «6» . فإياكم أن تزلّوا عن سنن ما أقمناكم فأقطع عنكم ما وصلته لكم بالصارم البتّار، وأقيم من أودكم ما يقيم المثقّف من أود القنا بالنار، إليكم! ثم نزل وهو يقول [من الطويل] :   [639] نثر الدر 5: 40. [640] نثر الدر 5: 40. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها ... وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا [641]- وخطب فقال: يا أهل العراق، إنّ الفتنة تلقح بالنجوى، وتنتج بالشكوى، وتحصد بالسيف، أما والله لئن أبغضتموني فما تضرّوني، ولئن أحببتموني فما تنفعوني، وما أنا بالمستوحش لعداوتكم، ولا المستريح لمودّتكم. زعمتم أني ساحر وقال الله تعالى: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (طه: 69) ؛ وزعمتم أني أحسن الاسم الأعظم «1» ، فلم تقاتلون من يعلم ما لا تعلمون؟ ثم التفت إلى أهل الشام فقال: لأرواحكم أطيب من ريح المسك، ولدنوّكم آنس من الولد، وما مثلكم إلا كما قال أخو ذبيان: [من الوافر] إذا حاولت في أسد فجورا ... فإنّي لست منك ولست منّي هم درعي التي استلأمت فيها ... إلى يوم النّسار وهم مجنّي ثم قال: يا أهل الشام بل أنتم كما قال الله عزّ وجلّ: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (الصافات: 171- 172) . [642]- قام خالد بن عبد الله القسريّ على المنبر بواسط خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس، تنافسوا في المكارم، وسارعوا إلى المغانم، واشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا «2» بالمطل ذمّا، ولا تعتدّوا بالمعروف ما لم تعجّلوه، ومهما يكن لأحد «3» عند أحد نعمة فلم يبلغ شكرها فالله أحسن لها جزاء وأجزل عليها عطاء؛ واعلموا أنّ حوائج الناس   [641] نثر الدر 5: 37 وشرح النهج 2: 346. [642] نثر الدر 5: 81- 82 ونهاية الأرب 7: 255. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 إليكم نعم من الله تعالى عليكم، فلا تملّوا النّعم فتحول نقما؛ واعلموا أنّ أفضل المال ما أكسب أجرا وأورث ذكرا؛ ولو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه حسنا جميلا، يسرّ الناظرين ويفوق العالمين؛ ولو رأيتم البخل رجلا لرأيتموه رجلا مشوّها قبيحا، تنفر عنه القلوب وتغضي عنه الأبصار. أيها الناس إنّ أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفوا من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل من قطعه، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والأصول عن مغارسها تنمو، وبأصولها تسمو. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. [643]- قيل لما ولي أبو بكر بن عبد الله بن حزم المدينة وطال مكثه عليها، كان يبلغه عن قوم من أهلها تناول لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإسعاف من آخرين لهم على ذلك، فأمر أهل البيوتات ووجوه الناس في يوم الجمعة أن يقربوا من المنبر، فلما فرغ من خطبة الجمعة قال: أيّها الناس، إني قائل قولا، فمن وعاه وأدّاه فعلى الله جزاؤه، ومن لم يعه فلا يعدمنّ ذمّا، مهما قصرتم عنه في تفصيله فما تعجزون عن تحصيله، فأرعوه أبصاركم، وأوعوه أسماعكم، وأشعروه قلوبكم، فالموعظة «1» حياة، والمؤمنون إخوة، وعلى الله قصد السبيل، ولو شاء لهداكم أجمعين. فاتقوا الله وأتوا الهدى تهتدوا، واجتنبوا الغيّ ترشدوا، وأنيبوا إلى الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. والله جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه أمركم بالجماعة ورضيها لكم، ونهاكم عن الفرقة وسخطها منكم، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ   [643] نثر الدر 5: 82- 86 ونهاية الأرب 7: 256 وصبح الأعشى 1: 220 وجمهرة خطب العرب 3: 226. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها (آل عمران: 102- 103 ) . جعلنا الله وإيّاكم ممّن يتّبع رضوانه ويتجنّب «1» سخطه، فإنما نحن به وله. إنّ الله تعالى بعث محمّدا صلّى الله عليه وسلم بالدين، واختاره على العالمين، واختار له أصحابا على الحقّ، ووزراء دون الخلق، اختصّهم به، وانتخبهم له، فصدّقوه وعزّروه ووقّروه، فلم يقدموا إلا بأمره، ولم يحجموا إلا عن رأيه، وكانوا أعوانه بعهده، وخلفاءه من بعده، فوصفهم بأحسن صفتهم، وذكرهم فأثنى فقال عزّ وجلّ وقوله الحق: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الفتح: 29) . فمن غاظوه فقد كفر وخاب وفجر وخسر، قال الله عزّ وجلّ: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (الحشر: 8- 10) . فمن خالف شرائط «2» الله تعالى عليه لهم، وأمره إيّاه فيهم، فلا حقّ له في الفيء، ولا سهم له في الإسلام، في آي كثير من القرآن؛ فمرقت مارقة من الدين وفارقوا المسلمين، وجعلوهم عضين، وتشعّبوا أحزابا، وأشابات وأوشابا، فخالفوا كتاب الله فيهم، وثناءه عليهم، وآذوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فخابوا وخسروا الدنيا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (محمد: 14) . ما لي أرى عيونا خزرا، ورقابا صعرا، وبطونا بجرا، وشجى لا يسيغه الماء، وداء لا يؤثّر فيه الدواء. أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (الزخرف: 5) ، كلا بل والله هو الهناء والطّلاء، حتى يطرّ العرّ ويبوح الشرّ «1» ، ويضح العيب، ويستوسق الجيب، فإنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى. ويحكم إني لست إتاويّا أعلّم، ولا بدويّا أفهّم، وقد حلبتكم أشطرا، وقلبتكم أبطنا وأظهرا، فعرفت أنجاءكم، وعلمت أنّ قوما أظهروا الإسلام بألسنتهم وأسرّوا الكفر في قلوبهم، فضربوا بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ببعض، وضربوا الأمثال، ووجدوا على ذلك من أهل الجهل من أبنائهم أعوانا، يأذنون لهم ويصغون إليهم. مهلا قبل وقوع القوارع، وحلول الروائع؛ ومع ذلك فلست أؤنّب تأنيبا «2» ، عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه، والله عزيز ذو انتقام. فأسرّوا خيرا وأظهروه، واجهروا به وأخلصوا، فطالما مشيتم القهقرى ناكصين، وليعلم من أدبر وأصرّ أنّها موعظة بين يدي نقمة، ولست أدعوكم إلى هوى يتّبع، ولا إلى رأي يبتدع، إنما أدعوكم إلى الطريقة المثلى التي فيها خير الآخرة والأولى، فمن أجاب فإلى رشده، ومن عمي فعن قصده. فهلمّوا إلى الشرائع لا إلى الخدائع، ولا تولّوا غير سبيل المؤمنين، ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (الكهف: 50) . وإياكم وبنيّات الطريق، فعندها الرّهق «3» ، وعليكم بالجادّة فهي أسدّ وأردّ، ودعوا الأمانيّ فقد أردت من كان قبلكم، وليس للإنسان إلا ما سعى ولله الآخرة والأولى. لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ، وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (طه: 61) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (آل عمران: 8) . 644- خطب محمد بن الوليد بن عتبة بن أبى سفيان إلى عمر بن عبد العزيز وهو خليفة ابنته فزوجه وخطب فقال: الحمد لله ذي العزّة والكبرياء، وصلّى الله على محمد خاتم الأنبياء، أما بعد، فقد أحسن بك الظنّ من أودعك حرمته، واختارك ولم يختر عليك، وقد زوّجتك على ما في كتاب الله فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (البقرة: 229) . [645]- قال الأصمعي خطب داود بن علي بالمدينة فأرتج عليه فقال: إنّ اللسان بضعة من الإنسان، يكلّ بكلاله إذا نكل، وينبسط بانفساحه إذا ارتجل، ألا وإنّ الكلام بعد الإفحام كالإشراق بعد الإظلام، وإنّا لا ننطق هذرا، ولا نسكت حصرا، بل ننطق مرشدين، ونسكت معتبرين، ونحن أمراء الكلام، فينا وشجت عروقه، وعلينا تهدّلت غصونه، وبعد مقامنا هذا مقام، ووراء أيامنا أيام، يعرف فيها فصل الخطاب، ومواضع الصواب. ومن الخطب في الاستسقاء [646]- روي أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم خرج للاستسقاء، فتقدم فصلّى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية. فلما قضى صلاته استقبل القبلة بوجهه، وقلب رداءه ثم جثا على ركبتيه، ورفع   [645] ورد بعضه في زهر الآداب: 663 منسوبا إلى عبد الملك بن صالح ونسب في أمالي المرتضى 2: 103 إلى السفاح؛ وانظر جمهرة خطب العرب 3: 17. [646] الدعاء في سنن أبي داود 1: 266- 267 وشرح النهج 7: 273 والفائق للزمخشري 1: 317. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 يديه وكبّر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: اللهمّ اسقنا غيثا مغيثا، وحيا ربيعا، وجدا طبقا غدقا، مونقا عامّا، هنيئا مريئا، وابلا سابلا مسيلا مجلّلا دائما دررا نافعا غير ضارّ، عاجلا غير رائث، غيثا اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغا للحاضر منّا والباد. اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها. اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا، فأحي به بلدة ميتا، واسقه مما خلقت لنا أنعاما وأناسيّ كثيرا. [647]- تتابعت السنون على قريش فخرج عبد المطّلب بن هاشم حتى ارتقى أبا قبيس، ومعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو غلام، فقال: اللهم سادّ الخلّة، وكاشف الكربة، أنت عالم غير معلّم، ومسؤول غير مبخّل، وهذه عبدّاؤك «1» وإماؤك بعذرات «2» حرمك، يشكون إليك سنتهم التي أكلت «3» الظّلف والخفّ، فاسمعنّ اللهم وأمطرن غيثا مريئا مغدقا. فما راموا حتى انفجرت السماء بمائها وكظّ الوادي ثجثجه، فقال شيخان قريش وجلّتها: هنيئا لك أبا «4» البطحاء. [648]- ومن خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: اللهم قد انصاحت جبالنا، واغبرّت أرضنا، وهامت دوابّنا، وتغيّرت «5» مرابضها، وعجّت عجيج الثّكالى على أولادها، وملّت التردّد في مراتعها،   [647] شرح النهج 7: 271- 272. [648] نهج البلاغة: 171 (رقم: 115) وشرح النهج 7: 262- 263. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 والحنين إلى مواردها. فارحم أنين الآنّة، وحنين الحانّة. اللهم وارحم حيرتها في مذاهبها، وأنينها في موالجها. اللهم خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السنين، وأخلفتنا مخايل الجود، وكنت الرجاء للمبتئس، والبلاغ للملتمس، ندعوك حين قنط الأنام، ومنع الغمام، وهلك السّوام، ألا تؤاخذنا بأعمالنا [ولا تأخذنا] بذنوبنا، وانشر علينا رحمتك بالسحاب المنبعق، والربيع المغدق، والنبات المونق، سحّا وابلا تحيي به ما قد مات، وتردّ به ما قد فات. اللهم اسقنا منك سقيا محيية مروية، تامّة عامّة، مباركة، مريئة «1» ، زاكيا نبتها، ثامرا فرعها، ناضرا ورقها، تنعش بها الضعيف من عبادك، وتحيي بها الميّت من بلادك. اللهم اسقنا منك ديمة «2» تعشب بها بلادنا «3» ، وتجري بها وهادنا، ويخصب بها جنابنا، وتعيش بها مواشينا، وتدنى «4» بها أقاصينا، وتستغني «5» بها ضواحينا، من بركاتك الواسعة، وعطاياك الجزيلة على بريّتك المرملة، ووحشك المهملة. وأنزل علينا سماء مخضلّة، مدرارا هاطلة، يدافع الودق منها الودق، ويحفز القطر منها القطر، غير خلّب برقها، ولا جهام عارضها، ولا قزع ربابها، ولا شفّان ذهابها، حتى يخصب لإمراعها المجدبون، ويحيا ببركتها المسنتون، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا، وتنشر رحمتك وأنت الوليّ الحميد. غريب هذه الخطبة: انصاحت: أي تشقّقت؛ وهامت: من الهيام وهو داء يصيب الإبل من العطش فتكوى له مشافرها؛ والحدابير: جمع حدبار؛ وهي الناقة التي أنضاها السير، شبّه بها سنة الجدب [والقزع: القطع الصغار من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 السحاب] ؛ وقوله: ولا شفّان ذهابها: أراد ذات شفّان، والشفّان: الريح الباردة؛ والذّهاب: الأمطار اللينة. [649]- ومن خطبة له عليه السلام: ألا وإنّ الأرض التي تحملكم «1» ، والسماء التي تظلّكم مطيعتان لربّكم، وما أصبحتا تجودان لكم ببركتهما توجّعا لكم، ولا زلفة إليكم، ولا لخير ترجوانه منكم، ولكن أمرتا بمنافعكم فأطاعتا، وأقيمتا على حدود مصالحكم فقامتا. إنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيّئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكّر متذكّر، ويزدجر مزدجر. وقد جعل الله الاستغفار سببا لدرور الرزق، ورحمة الخلق «2» ، فقال: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (نوح: 10- 11 ) . فرحم الله امرءا استقبل توبته، واستقال خطيئته، وبادر منيّته. إنّا خرجنا إليك من تحت الأستار والأركان «3» ، بعد عجيج البهائم والولدان، راغبين في رحمتك، وراجين فضل نعمتك، وخائفين من عذابك ونقمتك. اللهم فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، يا ارحم الراحمين. اللهم إنّا خرجنا نشكو إليك ما لا يخفى عليك، حين ألجأتنا المضايق الوعرة، وأجاءتنا «4» المقاحط المجدبة «5» ، وأعيتنا المطالب المتعسّرة، وتلاحمت   [649] نهج البلاغة: 199 (رقم: 143) وشرح النهج 9: 76- 77. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 علينا الفتن المستصعبة. اللهم إنّا نسألك ألّا تردّنا خائبين، ولا تقلبنا واجمين، ولا تخاطبنا بذنوبنا، ولا تقايسنا بأعمالنا. اللهم انشر علينا غيثك وبركتك ورزقك ورحمتك، واسقنا سقيا ناقعة مروية معشبة، تنبت بها ما قد فات، وتحيي بها ما قد مات، نافعة الحيا، كثيرة المجتنى، تروي بها القيعان، وتسيل البطنان «1» ، وتستورق الأشجار، وترخص الأسعار، إنك على ما تشاء قدير. [650]- لما خرج عمر بالعباس يستسقي قال: اللهمّ إنّا نتقرّب إليك بعمّ نبيّك، وبقيّة آبائه وكبر رجاله، فإنك تقول وقولك الحق وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً (الكهف: 82) ، فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ نبيّك في عمّه، فقد دلونا به إليك مستشفعين ومستغفرين. ثم أقبل على الناس فقال: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (نوح: 10- 11) . قال الراوي: ورأيت العباس رضي الله عنه «2» وقد طال عمره وعيناه تنضحان، وشيبته تجول على صدره وهو يقول: اللهم أنت الراعي فلا تهمل الضالّة، ولا تدع الكبير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، ورقّ الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السرّ وأخفى. اللهم فأغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا، إنّه لا ييأس من روحك إلّا القوم الكافرون. قال: فنشأت سحابة «3» ، وقال الناس: ترون؟ ثم تلامّت واستتمّت ومشت   [650] شرح النهج 7: 274 والفائق 2: 366. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 فيها ريح ثم هدأت «1» ودرّت، فوالله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء وقلّصوا الميازر، وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون: هنيئا لك ساقي الحرمين. 651- شهد أبو حنيفة نكاحا فقالوا له تكلم، فقال: الحمد لله شكرا لنعمته، وسبحان الله خضوعا لعظمته، ولا إله إلا الله إقرارا بتوحيده، وصلّى الله على سيدنا محمد عند ذكره. إنّ الله عزّ وجلّ خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا، على أن أحلّ النكاح «2» وحرّم السفاح وأمرنا «3» بالإصلاح، ثم إنّ فلانا خطب إلى فلان، فعلى اسم الله فلتكن الإجابة، وعلى الخيرة تكون منه العقدة، زوجت وأنكحت. 652- خطبة نكاح من إنشاء علي بن نصر الكاتب: الحمد لله أهل الحمد وخالقه، فاطر الخلق ورازقه، ومرشد المرء وواعظه، ومنزّل الذكر وحافظه، الذي بسط الآمال ونشرها، وطوى الآجال وسترها، وأنشأ السحاب وأزجاه، وأنشأ العقاب وأرجاه، جلّ عن صفة الواصف، وتعالى عن معرفة العارف، ألا فإنه الله الذي لا إله إلا هو، وسع كلّ شيء رحمة وعلما. أحمده على ما نفع وضرّ، وأشكره على ما ساء وسرّ، وأستعينه على ما بهظ وأثقل، وأتوكّل عليه في ما ألمّ وأعضل، واؤمن به إيمان من اهتدى واستنصر، وأفوّض أمري إليه تفويض من استقال واستغفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تغني من العسرة، وتقي الندامة يوم الحسرة، وتنفّس كربة المكروب، وتضيء في ظلم الخطوب، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، انتخبه من أشرف أرومة وعنصر، وابتعثه أرأف هاد ومنذر، فبلّغ الرسالة، وأوضح الدلالة، وأدّى الأمانة في ما سمعه، وخفض الجناح لمن اتّبعه، وحذّر من شاقّه وعصاه، وأنذر من حادّه وعاداه، مغمضا على القذى، وواطئا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 على جمرات الأذى، حتى غضب الله لحلمه، ونصره بأخيه وابن عمّه، وجعلهما الله ومن اتّبعهما الغالبين، فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين، صلّى الله عليهما صلاة غادية رائحة، سانحة بارحة. ثم إنّ الله تعالى أمرنا بالتواصل والتكاثر، ومنعنا من التقاطع والتدابر، وخبّرنا أنه خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربّك قديرا. وهذا فلان يخطب فلانة. [653]- دخل عبد الله بن الأهتم على عمر بن عبد العزيز مع العامّة، فلم يفجأ عمر إلا وهو ماثل بين يديه، فتكلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد فإنّ الله خلق الخلق غنيّا عن طاعتهم، آمنا معصيتهم «1» ، والناس يومئذ في المنازل والرأي مختلفون: فالعرب بشرّ تلك المنازل: أهل الحجر والوبر وأهل المدر الذين تحتاز دونهم طيبات الدنيا ورفاهة عيشها، ميّتهم في النار وحيّهم أعمى، مع ما لا يحصى من المرغوب عنه والمرهوب منه «2» . فلما «3» أراد الله تعالى أن ينشر عليهم من رحمته «4» ، بعث إليهم رسولا من أنفسهم عزيزا عليه ما عنتوا، حريصا عليهم، بالمؤمنين رؤوفا رحيما. فلم يمنعهم ذلك أن جرّحوه في جسمه، ولقّبوه في اسمه، ومعه كتاب من الله ناطق [وبرهان صادق] لا يرحل إلا بأمره، ولا ينزل إلا بإذنه، واضطروه إلى بطن غار. فلما أمر بالعزمة انبسط «5» لأمر الله لونه، فأفلج الله حجّته، وأعلى كلمته، وأظهر دعوته، وفارق الدنيا نقيّا تقيّا. ثم قام بعده أبو بكر، فسلك سنّته، وأخذ بسبيله، فارتدّت العرب، فلم يقبل منهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا الذي كان قابلا   [653] البيان والتبيين 2: 117- 120 (عبد الله بن عبد الله بن الأهتم) وسيرة عمر لابن عبد الحكم: 109 ولابن الجوزي: 136 والعقد 4: 93. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 منهم، فانتضى السيوف من أغمادها، وأوقد النيران في شعلها، ثم ركب بأهل الحقّ إلى أهل الباطل، فلم يبرح يفصل أوصالهم ويسقي الأرض دماءهم «1» ، حتى أدخلهم في الذي خرجوا منه، وقرّرهم بالذي نفروا عنه. وقد كان أصاب من مال الله بكرا يرتوي عليه، وحبشية ترضع ولدا له، فرأى من ذلك غصّة في حلقه «2» عند موته، فأدّى ذلك إلى الخليفة من بعده، وبرىء إليهم منه، وفارق الدنيا تقيّا نقيّا على منهاج صاحبه. ثم قام بعده عمر بن الخطاب، فمصّر الأمصار، وخلط الشدّة باللين، فحسر عن ذراعيه، وشمّر عن ساقيه، وأعدّ للأمور أقرانها، وللحرب آلتها، فلما أصابه فتى المغيرة استهلّ بحمد الله ألا يكون أصابه ذو حقّ في الفيء فيستحلّ دمه بما استحلّ من حقّه. وقد كان أصاب من مال الله بضعة وثمانين ألفا، فكسر بها رباعه، وكسر «3» بها كفالة أولاده من بعده، وفارق الدنيا تقيّا نقيّا على منهاج صاحبيه. ثم إنّا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع، ثم إنك يا عمر ابن الدنيا، ولدتك ملوكها، وألقمتك ثديها، فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله، فالحمد لله الذي جلابك حوبتنا، وكشف بك كربتنا، امض ولا تلتفت، فإنه لا يعز على الحقّ شيء «4» ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات. ولما أن قال: ثم إنّا والله ما اجتمعنا بعدهما إلا على ظلع، سكت الناس إلا هشاما، فإنه قال: كذبت، كان عثمان هاديا مهديا. [654]- لما قام السفاح أبو العباس أول خلافته على المنبر، قام بوجه كورقة المصحف فاستحيا فلم يتكلم، فنهض داود بن علي عمّه حتى صعد المنبر. قال   [654] عيون الأخبار 2: 252 ونثر الدر 1: 432 وجمهرة خطب العرب 3: 11. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 المنصور، فقلت في نفسي: شيخنا وكبيرنا يدعو إلى نفسه، فانتضيت سيفي وغطّيته بثوبي وقلت: إن فعل ناجزته، فلما رقي عتبا استقبل الناس بوجهه دون أبي العباس، ثم قال: أيها الناس، إنّ أمير المؤمنين يكره أن يتقدّم قوله فعله، ولأثر الفعال أجدى [عليكم] من تشقيق الكلام، وحسبكم كلام الله ممتثلا فيكم، وابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خليفة عليكم، والله قسما برّا لا أريد بها إلا الله، ما قام بهذا المقام بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحقّ به من عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأمير المؤمنين هذا، فليظنّ ظانّكم وليهمس هامسكم. قال أبو جعفر المنصور: ثم نزل فشمت سيفي. [655]- ولداود بن علي خطبة مشهورة، خطبها وأبو العباس على المنبر، صعد دونه بمرقاة فقال: شكرا شكرا، أظنّ عدوّ الله أن لن نقدر عليه، أرخى له في زمامه، حتى عثر بفضل خطامه، فالآن طلعت الشمس من مشرقها، وأخذ القوس باريها، وعاد السهم إلى النّزعة، وصار الأمر إلى أهل بيت نبيّكم، أهل الرأفة والرحمة. والله ما نزلنا مقهورين حتى أتاح الله لنا شيعتنا من أهل خراسان، والله ربّ هذه البنيّة لا يظلم منكم أحد، وأشار بيده إلى المسجد ثم نزل. [656]- فقام سديف مولاهم إلى جنب «1» المنبر فقال: أيزعم الضلّال- حبطت أعمالهم- أنّ غير آل محمّد أحقّ بالخلافة، فلم وبم؟ أيها الناس، ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي القرابة، الشركاء في النسب، الورثة للسلب، الخاصّة في الحياة، الولاة «2» عند الوفاة، مع ضربهم على الدين جاهلكم، وتأمينهم بعد   [655] العقد 4: 101 (مع اختلافات واضحة) والبيان والتبيين 1: 332 وجمهرة خطب العرب 3: 14. [656] العقد 4: 485 وجمهرة خطب العرب 3: 19. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 الخوف سائلكم، وإطعامهم في اللأواء جائعكم؟ كم قصم الله بهم من جبّار طاغ، ومنافق باغ، وفاسق ظالم «1» ؟ لم يسمع بمثل العباس، لم تخضع له الأمة لواجب حقّ الحرمة، أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد أبيه، وأمينه ليلة العقبة، ورسوله يوم مكة، وحاميه يوم حنين، لا يخالف له كلما، ولا يعصي له قسما. إنكم والله معشر قريش ما اخترتم لأنفسكم من حيث اختار الله لنفسه «2» طرفة عين، ما زلتم تختارون تيميّا مرة وعدويّا مرة، فأصبحتم بين ظهراني قوم آثروا «3» العاجل على الآجل، والفاني على الباقي، أهل خمور وماخور، وطنابير ومزامير، إن ذكّروا لم يذكروا، وإن قوّموا بحقّ أدبروا، بذلك كان زمانهم، وبه كان سلطانهم، حتى أتاكم من هذه الخرسية من لا تعرفون له وجها، ولا تثبتون له نسبا، فضربكم بالسيف حتى أعطيتموها عنوة وأنتم صاغرون، وأنشد: [من الكامل] أمست أميّة قد تشتّت شعبها ... شعب الضّلال وشتّتت أهواؤها زعمت أميّة وهي غير حكيمة ... أن لن تزول ولن يهدّ بناؤها وقضى الإله بغير ذاك فذبّحت ... حتى تريع على الفجاج دماؤها [657]- خطب سليمان بن علي فقال: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء: 105) ، قضاء فصل، وقول مبرم، فالحمد لله الذي صدق عبده وأنجز وعده، وبعدا للقوم الظالمين الذين اتخذوا الكعبة غرضا والدين هزؤا، والفيء إرثا، والقرآن عضين، لقد   [657] العقد 4: 99. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 ضلّ عنهم «1» ما كانوا يستهزؤون، وكأيّن ترى من بئر معطّلة وقصر مشيد، ذلك بما قدّمت أيديهم «2» وما الله بظلّام للعبيد، أمهلهم حتى اضطهدوا [العترة] وأمنوا الغرّة، ونبذوا السّنّة، وخاب كلّ جبّار عنيد، ثم أخذهم فهل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا «3» . 658- وخطب عبد الله بن علي لما قدم مروان بن محمد دورا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (ابراهيم: 28- 29) ، ركض بكم يا أهل الشأم آل حرب وآل مروان، يتسكعون بكم الظلم، ويخوضون بكم مداحض المراقي، ويوطئونكم محارم الله تعالى ومحارم رسوله. فما يقول علماؤكم غدا عند الله تعالى إذ يقولون رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ فيقول: لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (الأعراف: 38) . أما أمير المؤمنين فقد ائتنف بكم التوبة، وغفر لكم الزّلّة، وبسط لكم الإقالة بفضله، فليفرّخ روعكم، ولتعظكم مصارع من كان قبلكم، فهذه الجثى منكم مصرّعة، وبيوتهم خاوية، بما ظلموا والله لا يحبّ الظالمين. ثم نزل عن المنبر. [659]- وصعد بعده صالح بن علي فقال: الحمد لله، يا أهل «4» النفاق وعمد الضّلالة، أغرّكم لين الإبساس وطول الإيناس «5» ، حتى ظنّ جاهلكم أنّ ذلك   [659] العقد 4: 100 ونثر الدر 1: 435. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 لفلول حدّ وخور قناة. فإذ استوبأتم «1» العافية فغدا فطام ونكال، وسيف يعضّ بالهام. 660- خطب زيد بن علي فقال: أوصيكم عباد الله بتقوى الله التي من اكتفى بها كفته، ومن اجتنّ بها وقته، وهي الزاد وعليها المعاد، زاد مبلّغ ومعاد منج، دعا إليها أسمع داع فوعاها خير واع، فأعذر داعيها وفاز واعيها. عباد الله إنّ تقوى الله حمت أولياء الله محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته حتى أسهرت ليلهم وأظمأت هواجرهم، فأخذوا الراحة بالنّصب، والريّ بالظمأ، واستقربوا «2» الأجل، فبادروا بالعمل، وكذّبوا الأمل، ولا حظوا الأجل. طوبى لهم وحسن مآب. ثم إنّ الدنيا دار فناء وعناء، وغير وعبر، فمن العناء أنّ المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله تعالى لا مالا حمل ولا بناء نقل، ومن الفناء أنّ الدهر موتّر قوسه، ثم لا تخطىء سهامه، ولا توسى جراحه، يرمي الحيّ بالموت، والصحيح بالعطب. آكل لا يشبع، وشارب لا يروى. ومن غيرها أنك تلقى المحروم مغبوطا، والمغبوط محروما، وليس ذلك إلا لنعيم زال، وبؤس نزل. ومن عبرها أنّ المشرف على أمله يقطعه أجله، فلا أمل يدرك، ولا مؤمّل يترك، فسبحان الله ما أغرّ سرورها، وأظمأ ريّها، وأضحى فيّها. فكأنّ الذي كان من الدنيا لم يكن، وكأنّ الذي هو كائن منها قد كان. صار أولياء الله فيها إلى الأجر بالصبر، وإلى الأمل بالعمل، جاوروا الله تعالى في داره ملوكا خالدين. إنّ الله عزّ وجلّ خلق موتا بين حياتين: موت بعد حياة، وحياة ليس بعدها موت. وإنّ أعداء الله نظروا فلم يجدوا شيئا بعد الموت إلّا والموت أهون منه، فسألوا الله عزّ وجلّ الموت فقالوا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (الزخرف: 77) . وإنّ أولياء الله نظروا فلم يجدوا شيئا بعد الموت إلا والموت أشدّ منه، فسألوا الله الحياة جزعا من الموت؛ ولكلّ مما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 هو فيه مزيد. فسبحان الله ما أقرب الحيّ من الميت باللحاق به، وما أبعد الميّت من الحيّ لانقطاعه عنه، وليس شيء بخير من الخير إلا ثوابه، وليس شيء بشرّ من الشرّ إلا عقابه، وكلّ شيء من الدنيا سماعه أعظم «1» من عيانه، وكلّ شيء من الآخرة عيانه أعظم «2» من سماعه. فليكفكم من السماع العيان، ومن الغيب الخبر. إنّ الذي أمرتم به أوسع مما نهيتم عنه، وما أحلّ لكم أكثر مما حرّم عليكم، فذروا ما قلّ لما كثر، وماضاق لما اتّسع. وقد تكفّل لكم بالرزق وأمركم بالعمل، فلا يكوننّ المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم، مع أنه والله قد اعترض الشكّ ودخل اليقين، حتى كأنّ الذي ضمن لكم قد فرض عليكم، وكأنّ الذي فرض عليكم قد وضع عنكم. فبادروا العمل، وخافوا بغتة الأجل، فإنه لا يرجى من رجعة الحياة ما يرجى من رجعة الرّزق، فإنّ ما فات اليوم من الرّزق يرجى غدا ارتداده «3» ، وما فات أمس من العمر لم ترج اليوم رجعته. [661]- خطب محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم طباطبا بن الحسن بن الحسن بن عليّ الخارج مع أبي السرايا، فقال:- وكان أبو السرايا قد انتهب قصر العباس بن موسى بن عيسى- أما بعد، فإنّه لا يزال يبلغني أنّ القائل منكم يقول: إنّ بني العباس فيء لنا نخوض في دمائهم، ونرتع في أموالهم، ويقبل قولنا فيهم، وتصدّق دعوانا عليهم. حكم بلا علم وعزم بلا رويّة. عجبا لمن أطلق بذلك لسانه أو حدّث به نفسه. أبكتاب الله عزّ وجلّ أخذ، أم لسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلم اتبع؟ أو في ميلي معه طمع، أو بسط يدي له بالجور أمّل؟ هيهات هيهات، فاز ذو الحقّ بما نوى، وأخطأ طالب ما تمنّى، حقّ كلّ ذي حقّ في يده، وكل مدّع   [661] نثر الدر 1: 376 وجمهرة خطب العرب 3: 124. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 على حجّته. ويل لمن اغتصب حقّا وادّعى باطلا، وأفلح من رضي بحكم الله تعالى، وخاب من أرغم الحقّ أنفه. العدل أولى بالأثرة وإن رغم الجاهلون. حقّ لمن أمر بالمعروف أن يجتنب المنكر، ولمن سلك سبيل العدل أن يصبر على مرارة الحقّ. كلّ نفس تسمو إلى همّتها، ونعم الصاحب القناعة. أيها الناس، إنّ أكرم العبادة الورع، وأفضل الزّاد التقوى، فاعملوا في دنياكم، وتزوّدوا لآخرتكم، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ، وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران: 102) . وإيّاكم والعصبية وحميّة الجاهلية، فإنهما يمحقان الدين، ويورثان النفاق، خلّتان ليستا من ديني ولا دين آبائي «1» . وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ (المائدة: 2) ، يصلح لكم دينكم، وتحسن المقالة فيكم. الحقّ أبلج، والسبيل نهج، والباطل لجلج، والناس مختلفون، ولكلّ في الحقّ سعة. من حاربنا حاربناه، ومن سالمنا سالمناه. الناس جميعا آمنون إلا رجلين: رجل نصب لنا نفسه وأعان علينا بماله، ولو شئت أن أقول، ورجل قال فينا يتناول من أعراضنا، قلت، ولكن حسب امرىء وما اكتسب، وسيكفي الله الظالمين. [662]- خطبة تنسب إلى يزيد: أيّها الناس، سافروا بأبصاركم في كرّ الجديدين، ثم أرجعوها كليلة عن بلوغ الأمل، فإنّ الماضي عظة للباقي، ولا تجعلوا الغرور سبيل العجز فتنقطع حجّتكم في موقف الله سائلكم فيه ومحاسبكم على ما أسلفتم. أيها الناس، أمس شاهد فاحذروه، واليوم مؤدّب فاعرفوه، وغدا رسول فأكرموه، وكونوا على حذر من هجوم القدر. أعمالكم تطلق أبدانكم «2» ، والصراط ميدان يكثر فيه   [662] نثر الدر 3: 34. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 العثار، فالسالم ناج، والعاثر في النار. [663]- خطب محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله فقال: الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأومن به، وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ داعيا، وبالعدل آمرا، وبالجنة مبشّرا، ومن النار منذرا، وبلّغ رسالته، وجاهد من عند عن سبيل ربّه حتى أكمل الله له دينه، وأظهر حجّته، وصلّى الله عليه وعلى آله كما صلّى على إبراهيم وآل إبراهيم. أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحضّكم على طاعة الله، وأرضى لكم ما عند الله، فإنّ تقوى الله أفضل ما تحاثّ الناس عليه وتداعوا إليه، وتواصوا به، فاتّقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا، وأنفقوا خيرا لأنفسكم، ولا تغرّنّكم الدنيا فإنها غرّارة، مغرور من اغترّ بها، ألا ترونها لم ترفع أحدا إلا وضعته؟ ولم تعزّ جبّارا إلا أذلّته؟ ولم تذق أبناءها من حلاوتها إلا أعقبتهم سمّا قاتلا وذعافا موبيا؟ قد أعدّت لهم مصارع الردى ومدارج التلف لطول الحسرة والندامة، يوم تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها (الحج: 2) . فلمثل هذه تسعون، وفي مثلها ترغبون، وإليها تركنون، ولها تجمعون، وأنتم ترون مصارع الملوك الذين كانوا أطول منكم أعمارا، وأكثر منكم أموالا وأعتد عتادا فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (القصص: 58) . فاحذروها كما حذّركم الله فإنّها بالموضع الذي وضعها الله، والصفة التي وصفها، قال الله عزّ وجلّ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (الكهف: 45) ، وقال عزّ وجلّ: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (الشعراء:   [663] البيان والتبيين 2: 129 (ببعض اختلاف) وكذلك نثر الدر 1: 447. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 128- 130 ) . فاعملوا عباد الله لدار المتّقين، فإنّ الدار الآخرة هي الحيوان «1» ودار المقامة التي لا يمسّ أهلها فيها نصب ولا يمسّهم فيها لغوب. 664- خطب المأمون فقال: اتّقوا الله عباد الله وأنتم في مهل، بادروا الأجل ولا يغرنّكم الأمل، فكأن بالموت وقد نزل، فشغلت المرء شواغله، وتركت عنه بواطله، وهيّئت أكفانه، وبكاه «2» جيرانه، وصار إلى المنزل الخالي بجسده البالي، قد فارق الرفاهية وعاين الداهية، فوجهه في التراب عفير، وهو إلى ما قدّم فقير. خطب لابن نباتة [665]- الحمد لله الذي علا في ارتفاع مجده عن أعراض الهمم، وخلا باتساع «3» رفده عن اعتراض التّهم، وجلا قلوب أوليائه بينابيع الحكم، وهداهم بنور اجتبائه لأرشد نعم، أحمده على صنوف النّعم، حمدا تضيق بإحصائه الكلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تشفي القلوب من السقم، وتكفي المرهوب من النّقم «4» ، وأشهد أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم عبده ورسوله، نقله في أطهر صلب ورحم، واختصّه بأحمد الأخلاق والشّيم، وأرسله إلى العرب والعجم، وجعل أمّته خير الأمم، فشفى الأسماع من الصّمم، ووفى بالعهود والذّمم، ونفى بنوره حنادس الظّلم، صلّى الله عليه وعلى أهل بيته «5» أهل الفضل   [665] هو عبد الرحيم بن محمد بن اسماعيل بن نباتة، توفي سنة 374 بميافارقين ودفن بها (انظر ابن خلكان 3: 156- 158) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 والكرم. أيها الناس، ما أسلس قياد من كان الموت جريره، وأبعد سداد من كان هواه أميره، وأسرع فطام من كانت الدنيا ظئيره، وأمنع جناب من أصبحت التقوى ظهيره. فاتّقوا الله عباد الله حقّ تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنّه يراه، وتأهّبوا لو ثبات المنون، فإنّها كامنة في الحركات والسّكون، بينما المرء مسرورا بشبابه، مغرورا بإعجابه، مغمورا بسعة اكتسابه، مستورا عنه ما خلق له بما يغرى به، إذ سعّرت فيه الأسقام شهابها، وأعلقت به ظفرها ونابها، فسرت فيه أوجاعه، وتنكّرت عليه طباعه، وأظلّ رحيله ووداعه، وقلّ عنه منعه ودفاعه، فأصبح ذا بصر حائر «1» ، وقلب طائر، ونفس غابر «2» ، في قطب هلاك دائر، قد أيقن بمفارقة أهله ووطنه، وأذعن بانتزاع روحه من بدنه، فأومأ إلى حاضر عوّاده، موصيا لهم بأصغر «3» أولاده، والنفس بالسياق تجذب، والموت بالفواق «4» يقرب، والعيون لهول مصرعه تسكب، والحامّة تعدّد عليه وتندب، حتى تجلّى له ملك الموت- صلّى الله عليه- من حجبه، فقضى فيه قضاء أمر به، فعافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وزوّد من ماله كفنا، وحصل في الأرض «5» بعمله مرتهنا، وحيدا على كثرة الجيران، بعيدا على قرب المكان، مقيما بين قوم كانوا فزالوا، وجرت عليهم الحادثات فحالوا، لا يخبرون بما إليه آلوا، ولو قدروا على المقال لقالوا، قد شربوا من الموت كأسا مرّة، ولم يفقدوا من أعمالهم ذرّة، وآلى عليهم الدهر أليّة برّة، ألّا يجعل لهم إلى دار الدنيا كرّة، كأنهم لم يكونوا للعيون قرّة، ولم يعدّوا في الأحياء مرّة، أسكتهم والله الذي أنطقهم، وأبادهم الذي خلقهم، وسيجدّهم كما أخلقهم «6» ، ويجمعهم بعد ما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 فرّقهم، يوم يعيد الله العالمين خلقا جديدا، ويجعل الظالمين لنار جهنّم وقودا، يوم تكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (آل عمران: 30) . جعلنا الله وإيّاكم ممّن قدر قدره، فقبل أمره، وأدام في الخلوات ذكره، وجعل تقوى عالم الخفيّات ذخره، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين. سمعت هذه الخطبة على الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقّي مع غيرها من خطب ابن نباتة، وما رأيت مخبرا أعرف منه بما يقرأ عليه، كان يحفظ خطب ابن نباتة كأنما يقرأها من كفّه، ويردّ على القارىء من حفظه ولفظه. وحدثنا من فيه قال: أخبرنا الشيخ الخطيب أبو القاسم يحيى بن طاهر بن محمد بن عبد الرحيم، قال: أخبرنا أبي طاهر عن أبيه محمد عن أبيه عبد الرحيم ابن محمد بن إسماعيل الفارقي، قال «1» : لما عملت هذه الخطبة وخطبت بها يوم جمعة، بتّ ليلة السبت فرأيت فيما يرى النائم كأنّي بظاهر مدينة ميافارقين عند الجبّانة، ورأيت بين المقابر جمعا كثيرا، فقلت: ما هذا الجمع؟ فقال لي قائل: هذا النبيّ صلّى الله عليه وسلم ومعه الصحابة، فقصدته لأسلّم عليه، فلما قربت منه التفت فرآني فقال: أهلا ومرحبا يا خطيب الخطباء، كيف تقول- وأومأ إلى القبور- فقلت كأنهم لم يكونوا للعيون قرّة، ولم يعدّوا في الأحياء مرة، أسكتهم والله الذي أنطقهم، وأبادهم الذي خلقهم، وسيجدّهم كما أخلقهم، ويجمعهم كما فرّقهم، يوم يعيد الله العالمين خلقا جديدا، ويجعل الظالمين لنار جهنّم وقودا، يوم تكونون شهداء على الناس- وأومأت إلى الصحابة، وأومأت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم- ويكون الرسول عليكم شهيدا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً . قال: فقال لي النبي صلّى الله عليه وسلم: احسنت لا فضّ الله فاك، ادنه ادنه، قال: فدنوت منه فأخذ وجهي فقبّله وتفل في فيّ وقال: وفقك الله. فانتبهت من النوم وبي من السرور ما يجلّ عن الوصف، وأخبرت أهلي بما رأيت، وبقيت بعد هذا المنام لا أطعم الطعام ولا أشتهيه، وكان يوجد في فمي مثل رائحة المسك. قال شيخنا أبو القاسم رحمة الله عليه: ولم يبق بعد هذا المنام إلّا قليلا «1» حتى توفي- رحمة الله عليه- وله دون الأربعين سنة. 666- ومن خطبة: الحمد لله ناقض عزائم المخلوقين بإبرام عزمه، وقابض خزائم أنفس الآبقين لإلزام حكمه، وحالّ عقد الشبهات عن بصائر أهل ودّه، وفالّ عدد ذوي الرغبات عن محجّة قصده، أحمده حمدا يستوجبه فضله، وأعلم أنّ اختلاف مقاديره عدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أجدّد بها في مقام مقالا، وأمجّد بها ذا الجلال والإكرام تعالى، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أرسله والحقّ خافية صواه، واهية قواه، حلّ حرمه، فلّ عصمه، طامسة أعلامه، دارسة أحكامه، منكورة أيامه، مبتورة أوذامه، فأقدم صلّى الله عليه وسلم على إظهاره ونصرته، وأعلم في أنصاره وأسرته، وناصح لله في تشييد ملّته، وكافح أعداءه على الإقرار بوحدانيّته، حتى دكّ رعان البهتان فأصحرها، وفكّ أركان الطغيان فدمّرها، وأطلع شمس اليقين وندب إليها، وشرع شرائع الدّين فأوضحها لديها، صلّى الله عليه وعلى آله صلاة تسوق ثوابه بين يديها، وتؤمّن عقابه من أمّن من العالمين عليها. أيها الناس، أسيموا القلوب في رياض الحكم، وأديموا النحيب على ابيضاض اللّمم، وأطيلوا الاعتبار بانتقاض النّعم، واجتلوا الأفكار في انقراض الأمم، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 الذين كانوا من قبلكم في الأرض قاطنين، وعلى مهاد الخفض مستوطنين، وبعهود الأيّام واثقين، وإلى غايات الأماني سابقين، ممّن تبوّأ عرعرة دهر أصبحتم بحضيضه، وتملّى صفو زمان جاد عليكم بقروضه، حتى إذا استحكمت فيهم طماعية التخليد، واستولت عليهم رفاهية التمهيد، وقادوا الخليقة بأزمّة الرّغب والرّهب، وسارت بهم الدنيا مسير التقريب والخبب، وعموا عن مناصب أشراك جدّها في مراعي اللّعب، ولهوا عما يدلّ عليه الاعتبار فيها من سوء المنقلب، رغا في وسط ديارهم سقب العطب، وأعدى فيهم الهلاك إعداء الجرب، وأوقعت بهم المنون إيقاع الغضب، وأدّت إليكم الأيام من أخبارهم أنواع العجب، سحبت عليهم الهوج أذيال نقائمها، وحلبت عليهم المنون سجال غمائمها، فأضحوا رهائن أجداث موصدة، وودائع قبور ملحدة، ذهبوا والله فلم يرجعوا، وندبوا فلم يسمعوا، وأزعجوا فلم يمنعوا، واستضيموا فلم يدفعوا، أتراهم رضوا بدار الغربة دارا، أم آثروا قرار الوحشة قرارا؟ لا والله ما اختاروا فرقة الأحباب، والكون تحت أطباق التراب، ولكن صال عليهم القضاء فأطرقوا، وطال عليهم العفاء فأخلقوا، واتفقت عليهم الحادثات فتفرقوا، وأعنقت إليهم المثلات فتمزّقوا، فليت شعري ماذا قيل لهم وماذا لقوا؟ أسعدوا بمكتسبهم في الآخرة أم شقوا؟ فهلمّ عباد الله إلى محاسبة النفوس، قبل مواثبة النّحوس، ومقارنة الرّموس، ومعاينة اليوم العبوس، يوم غضّ الرؤوس، وفضّ الطّروس، والفحص عن المحسوس والملموس، بين يدي الملك القدّوس يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ، وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (الفرقان: 25) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا (المزمل: 14) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (الإسراء: 71) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء: 52) . طيّبنا الله وإيّاكم بطيب كتابه، وأدّبنا وإيّاكم بآدابه، ووفّقنا وإياكم للأخذ بصوابه، ووفّقنا وإيّاكم عند ما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 أمرنا به، إنّ أولى ما اهتديتم بإرشاده، وأحقّ ما صدّقتم بوعده وإيعاده، كلام من جعلكم من خير عباده، ويقرأ فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ ... الآية. 667- خطبة له أخرى يذكر فيها الشيب: الحمد لله المدرك المقيت، المهلك المفيت، المنشر المميت، مالك أزمّة الجمع والتشتيت، الذي فات حدود الأوصاف والنعوت، واحتجب عن الأبصار بعزّ الملكوت، سبحانه له الخلق خضوع قنوت، وهو الواحد الحيّ الذي لا يموت، أحمده حمدا يمري سبل عهاد رزقه، ويوري شعل زناد الشكر في خلقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة كرّ على اللسان لفظها، وقرّ في مقرّ الجنان حفظها، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أرسله بوجه طلق، ولسان ذلق، وشرع صدق، ودين حقّ، فصدّ عن سبيل الهلكة، وأمدّ باليمن والبركة، حتى صارت الكلمة سددا، والأمّة في الحقّ شرعا أحدا، صلّى الله عليه وعلى آله صلاة لا تنقطع عددا، ولا تنقضي أبدا. أيها الناس، إنّ ضياء نهار المشيب في إظلام ليل اللّحى والرؤوس، حقّق عند الفطن اللبيب قرب انهدام القوى واخترام النفوس، ذلك صباح ما بعده ليل ينتظر، واجتياح لا ملجأ منه ولا وزر، وضيف على رغم المضيف واغل، وسيف لموصول الحياة فاصل، ونور طالع بأفول النسم، ومنشور بالاشخاص إلى محلّ الرّمم، فلا تحرقوا- رحمكم الله- نور مشيبكم بنار ذنوبكم، وارمقوا غير الحوادث بأبصار قلوبكم، تركم ما خفي عنكم من عيوبكم، فكما حلّ بكم من المشيب ما تكرهون، فكذلك يحلّ بكم الموت، أفلا تنتهون؟! ألا وإنّ الشيب ثغر الحياة الذي لا يمكن سداده، وكسر القناة الذي لا يصلح الدّهر فساده. فيا معشر الشيوخ هل بعد ابيضاض الزرع إلا حصاده؟ ويا معشر الكهول ما تنصّف من الثمار آن جداده، ويا معشر الشباب كم من زرع أباده قبل البلوغ قمله وجراده، إن هي إلا ترجمة الأحداث عن حتم الفناء، آثارها في الأجسام آثار الهدم في البناء. فما بقاء من صحّته في دنياه سقمه، وغنيمته من الحياة غرمه، ومقامه فيها سفر، وأيامه بتقلّبها عبر، تريه إعطاء ما تسلبه، وبناء ما تخرّبه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 وبعيدا ما تقرّبه، وعتيدا ما تجنّبه. فيا عجبا لمأمور بالتزوّد قد حان سفره، وأقام من تقدّمه عليه ينتظره، وهو خليّ من التأهّب لرحلة تذكّره، مع صحّة علمه أنّ المنيّة لا تؤخّره. فرحم الله امرءا أهمّه «1» معاده، وتقدّمه زاده، وكان إلى التقوى انقياده، ولهواه جهاده، قبل إخلاق الجدّة، وإنفاق المدّة، وانهدام العدّة، واقتحام الشدّة، قبل هطلان الرّحضاء، وبطلان الأعضاء، وضيق رحب الفضاء، وحيرة الفتور والإغضاء، لورود حتم القضاء، هنالك صالت «2» عليك بسطوتها شعوب، وحالت عن سجيّتها اللعوب، ورقّت لكرب سياقك القلوب، وشقّت على قرب فراقك الجيوب، وطلعت سافرة عن صفحتها المخدّرة العروب، إذ حان منك في ظلمات التّراب غروب. فأنيبوا أيها الغافلون إذ كنتم موقنين أنّكم صائرون إلى هذا المصير، وأذيبوا جامد الدموع بنيران الزّفير، وأطيبوا التزوّد لوشك المسير، واستجيبوا لربّكم من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من الله، ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير. جعلنا الله وإياكم ممّن أدّبته العبر، وهذّبته الفكر، فأملت عليه غرر الأمور أنباء عواقبها، وتجلّت له ستر المحذور عن لألاء قواضبها، فاستعظم في بقية عمره ادّخار الحسنات، واستعصم بهضبة الحقّ من شرّ ما هو آت. إنّ أحسن نظم اللاقط ونثره، وأبلغ وعظ الواعظ وزجره، كلام من تطمئنّ القلوب بذكره. ويقرأ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (النحل: 70) . [668]- ومن خطبة لقطريّ بن الفجاءة المازني الخارجي:   [668] لقطري خطبة في البيان والتبيين 2: 126 والعقد 4: 141 وبعضها في عيون الأخبار 2: 250 ونهاية الأرب 7: 250 وصبح الأعشى 1: 223 وجمهرة الخطب 2: 454 ولكن المشابه بينها وبين الخطبة التي أثبتها صاحب التذكرة ضئيلة، وإن كانت الخطبتان في ذمّ الدنيا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (هود: 15) . ألا فبئست الدار لمن أقام فيها، فاعملوا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها عما قليل، فإنّها كما وصفها من أنشأها، وكما ذمّها من ابتدأها، فقال: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (الكهف: 45) . من ذمّ الله أعمالهم كيف حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا، وأنزلوا فلا ينزلون ضيفانا، وجعل لهم من الضّريح أكفانا، ومن التراب أكنانا، ومن الرّفات جيرانا، فهم جيرة وهم أبعاد، متناؤون لا يزورون ولا يزارون، حلماء قد ذهبت أضغانهم، وجهلاء قد ماتت أحقادهم، لا يخشى دفعهم، ولا يرجى منعهم، كما قال الله عزّ وجلّ: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (مريم: 98) ، وقال تبارك وتعالى: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (القصص: 58) ، استبدلوا بظهر الأرض بطنها وبالسّعة ضيقا، وبالأهل غربة، وبالنّور ظلمة، فجاوروها كما فارقوها، حفاة عراة فرادى، غير أنّهم ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة، وإلى خلود الأبد، فكانوا كما قال الله عزّ وجلّ: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ* (الأنعام: 62، القصص: 75) ، فاحذروا ما حذّركم الله، فإنه قد أعذر وأنذر، ووعد وأوعد لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ (النساء: 165) يقولوا: رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (طه: 134) . عصمنا الله وإيّاكم بطاعته، ورزقنا وإيّاكم أداء حقّه. [669]- قال مالك بن دينار رضي الله عنه: غدوت إلى الجمعة، فقعدت قريبا من المنبر، فجاء الحجاج فصعد المنبر، فذكر الله وحمده ومجّده وأثنى عليه،   [669] العقد 4: 117 وعيون الأخبار 2: 250 والبيان والتبيين 2: 173. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 وصلّى على محمد نبيّه ثم قال: امرؤ تزوّد «1» عمله، امرؤ حاسب نفسه، امرؤ فكّر فيما يقرؤه في صحيفته ويراه في ميزانه، امرؤ كان عند قلبه زاجر وعند همّه ممسك، امرؤ أخذ بعنان قلبه كما يأخذ الرجل بخطام جمله، فإن قاده إلى طاعة الله تبعه، وإن قاده إلى معصيته كفّه. 670- خطبة منبرية من إنشاء علي بن نصر الكاتب: الحمد لله الذي برأ الخلائق تفضّلا، وجعل من الملائكة رسلا، وانتخب من عباده صفوة أنزل عليهم وحيه، وحمّلهم أمره ونهيه، وابتعثهم مبشّرين، وأرسلهم منذرين، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيا من حيّ عن بيّنة، وإنّ الله لسميع عليم، جلّ عن الأشباه والأنداد، وتقدّس عن الصواحب والأولاد، وعزّ عن الإدراك بالجوارح، وتنزّه عن الظّلم والقبائح، وتعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا، ذو العلم المحيط بكلّ شيء، والقدرة القابضة لنفس كلّ حيّ، والعزّة المالكة لكلّ قلب، والرحمة الواسعة لكلّ ذنب. أحمده منعما لا يأس من رحمته، وأعوذ به منتقما لا ملجأ من سطوته، وأستعينه ناصرا لا غالب لجنده، وأومن به مصدّقا لقوله ووعده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تجبر نقائص الأعمال، وتغفر خطايا الأقوال والأفعال، وتكون زادا للسفر إليه، وعتادا ليوم العرض عليه. وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، انتخبه من أكرم أرومة ولباب، ونقله في أطهر متون وأصلاب، حتى برز والأنوار تضيء بين يديه، والشواهد تنمّ إلى قلوب ذوي الإيمان عليه، فما زال مقبولا محبّبا، ومتبوعا مرحّبا، نطقه الحمد والاستغفار، وشعاره السّكينة والوقار، إلى أن دنا الأمد المضروب لإظهاره، وبلغ الأجل المكتوب في إنذاره، فأرسله- صلّى الله عليه- على حين فترة امتدّت أشطانها، وفتنة تمرّد شيطانها، حين فتحت الغواية أبوابا، واتّخذت الأصنام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 أربابا، وافتريت على الله الأباطيل، وعبدت دونه الصّور والتماثيل، فجهر بكلمة الصّدق، وصدع بدعوة الحقّ، ودلّ على الدين القويم، وهدى إلى الصراط المستقيم، حتى بدا الإسلام مشرقا، واستنبط الكفر نفقا، وظهر أمر الله وهم كارهون. صلّى الله عليه وسلّم، وشرّف وكرّم، صلاة دائمة تلاقيه وتصافحه، وسلاما يغاديه ويراوحه، وشرفا ينمي إذا ذوت الحدائق، وكرامة تبقى إذا فنيت الخلائق، وعلى أهل بيته وناصريه، وصحابته ومؤازريه، وذوي الرتبة الفائتة للمساعي، والدرجة العالية عن المرعيّ والراعي. أوصيكم عباد الله وإيّاي بتقوى الله، وأحذّركم الدنيا فإنها منزل مكر وأطماع، ودار غرور وخداع، وطريق ميل واعوجاج، ومحلّ قلعة وانزعاج «1» ، درّتها مقطوعة، ونفرتها ممنوعة، وعقدها مجذوذ، وعهدها منبوذ، بينا هي مقبلة حتى تدبر، ومستأنسة حتى تنفر، ومسعدة حتى تخذل، ومصحبة حتى تحرن، صحّتها أسقام، ولذّتها أحلام، ونعيمها بوس، وأسعدها «2» نحوس، من سكن إليها فتنته، ومن اعتمد عليها أسلمته، ومن همّت باقتناصه استهوته، ومن نهيت عن اعتباطه أهرمته، المرء فيها حليف هموم وأشجان، وأليف غموم وأحزان، وطليح نصب ولغوب، وطريح نوب وخطوب، فالسعيد من فقه أغراضها، والسّليم من كره أعراضها، والعزيز من زهد في عاجلها، والنّزيه من صدف عن باطلها، عالما بعظم عنائها، وموقنا بوشيك انقضائها، ومنقطعا عنها إلى ربّه، بخلوص من سريرته وقلبه، يسهر ليله اعتبارا، ويسكب دمعه حذارا، ويفني وقته استغفارا، قد أيقن بسرعة المنقلب، وتحقّق ألّا وزر ولا مهرب، فهو يرهب الفارط من الإجرام، ويفرق الواقع من الانتقام، فذلك المكتوب من الخائفين، وعسى أن يكون من المفلحين، والشقيّ من اغترّ بتعاليلها، واستمرّ في غيّها وأضاليلها، وصبا إلى خضراء دمنها، ولها عن طارق لأوائها ومحنها، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 واستغزر الحلب من أخلافها، واستمرأ العذب من نطافها، لا يرى لها انقطاعا، ولا يخشى على درّتها مصاعا، فهو على لذّاتها منهمك، وبحبال خدعها متمسّك، يسحب فيها ذيل الأشر الخليع، وينقاد إليها انقياد المؤتمر المطيع، نومته على السّكر والمزمار، وصبحته على النّشوة «1» والخمار، لا يلتفت إلى نوبها التي أقرحت الجفون، ومناياها التي أفنت القرون، ولا يرى عليه من أجله رقيبا، ووراءه من خالقه طليبا، ينتزعه من يد الناصر ولا يجد امتناعا، ويسلبه لفتة الناظر فلا يستطيع دفاعا، فذاك المعدود من الأخسرين أفعالا، والمحسوب من الأضلّين أعمالا. فاتّقوا الله عباد الله حقّ تقاته، واعتدّوا لدنوّ الأجل وميقاته، واعملوا لقبر لحده مظلم، وسفر يخاف فيه سوء المقدم، واحذروا الموت قبل التوبة، وعضّ الأنامل يوم الأوبة يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء: 88- 89) . جعلنا الله وإيّاكم ممن ائتمر وازدجر، وعلم واستبصر، واعتبر وتذكّر، واستقال واستغفر، استغفروا الله لي ولكم ولسائر «2» المسلمين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 نوادر الخطب [671]- خطب وال باليمامة فقال: إنّ الله لا يقارّ عباده على المعاصي، وقد أهلك أمة عظيمة في ناقة ما كانت «1» تساوي مائتي درهم، فسمّي مقوّم الناقة «2» . [672]- خطب عديّ بن وثّاب فقال: أقول كما قال العبد الصالح: ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى، وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (غافر: 29) . قالوا: ليس هذا قول عبد صالح إنما هو قول فرعون، قال: من قاله فقد أحسن. [673]- صعد بعض الأعراب على المنبر في عمله «3» يخطب، فقال: والله إن أكرمتموني أكرمتكم، وإن أهنتموني أهنتكم، ولتكوننّ أهون عليّ من ضرطتي هذه، ثم ضرط. [674]- ولّى المهلب بعض الأعراب كورة بخراسان، وعزل واليا كان بها، فلما وردها الأعرابيّ وصعد المنبر حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس   [671] نثر الدر 6: 467 وعيون الأخبار 2: 45 والبيان والتبيين 2: 235 وبهجة المجالس 1: 76. [672] نثر الدر 6: 467 وبهجة المجالس 1: 76. [673] نثر الدر 6: 478. [674] نثر الدر 6: 480. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 اقصدوا لما أمركم الله تعالى به، فإنه عزّ وجلّ رغّبكم في الآخرة الباقية، وزهّدكم في الدنيا الفانية، فرغبتم في هذه ونبذتم تلك، فيوشك أن تفوتكم الفانية، ولا تحصل لكم الباقية، فتكونوا كما قال الله: لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت، واعتبروا بهذا المعزول عنكم كيف سعى فصار ذلك إليّ على رغم أنفه، وصار كما قال في محكم كتابه: [مجزوء الخفيف] انعمي أمّ خالد ... ربّ ساع لقاعد [675]- قال الأصمعي: ولي أعرابيّ تبالة، فصعد المنبر فلم يحمد الله ولم يثن عليه، ولم يصلّ على النبي صلّى الله عليه وسلم، وقال: إنّ الأمير أعزّه الله ولّاني بلدكم، وإني والله ما أعرف من الحقّ غير مقدار سوطي، وإني لا أوتى بظالم ولا مظلوم إلا أوجعته ضربا. فكانوا يتعاطون الحقّ بينهم ولا يترافعون إليه. 676- ولي العلاء بن عمرو بلاد سارية، وكان جائرا، فأصاب الناس القحط، وأمسكت السماء مطرها، فخرجوا يستسقون، وصعد العلاء المنبر فقال في دعائه: اللهم ارفع عنّا البلاء والغلاء. فوثب معتوه كان بها فقال: والعلاء، فإنه شرّ من الغلاء، وأغلظ من جميع البلاء. فضحك الناس وخجل العلاء وانصرف. 677- استعمل المنصور سلما «1» الكلبيّ- وكان أخاه من الرضاعة- على الريّ، وكان أعرابيّا، فاستعمل أخاه ناصحا على أذربيجان، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم اجعل بصري في طاعتك بصر الصقر، وقوّتي في مرضاتك قوّة النمر، وعمري في محبّتك عمر النسر، اللهم أصلح أمير المؤمنين   [675] نثر الدر 6: 469. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 صلاحا «1» ، وأمتع به متاعا يا هناه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ ثم نزل. فأتاه نعي ابنه فأظهر الجزع وأرجف به أهل عمله، فصعد المنبر وقال: أيها الناس أظننتم أنّ موت ابني كسرني؟ فو الله ما كنت قطّ أجرأ على الله وعليكم مني الساعة، فأدّوا خراجكم. فبلغ المنصور ذلك، فوجّه إليه فعزله. 678- خطبة في الطلاق، لبعض الظرفاء: الحمد لله الذي جعل في الطلاق اجتلابا للأرزاق، فقال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ (النساء: 130) ، أوصيكم عباد الله بالقساوة «2» والملالة، والتجنّي والجهالة، واحفظوا قول الشاعر: [من الخفيف] اذهبي قد قضيت منك قضائي ... وإذا شئت أن تبيني فبيني 679- خطبة نكاح لبعض الظرفاء: تعاهدوا نساءكم بالسبّ، وعاودوهنّ بالضّرب، وكونوا كما قال الله تعالى: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ (النساء: 34) واضربوهنّ، ثم إنّ فلانا في خمول نسبه، ونقصان أدبه، خطب إليكم فازهدوا فيه، فرّق الله بينهما، وعجّل لهما حينهما. [680]- خطب رجل خطبة نكاح فأطال، فقام بعض القوم فقال: إذا فرغ هذا فبارك الله لكم، فعليّ شغل. [681]- حصر عبد الله بن عامر على منبر البصرة، فاشتد جزعه، فقيل إنّ   [680] الشريشي 3: 437. [681] قارن بما جاء في بهجة المجالس 1: 74، 75. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 هذا مقام صعب فامتحن فيه غيرك، فأمر وادع «1» بن مسعود أن يصعد ويخطب، فلما ابتدأ الكلام حصر فقال: لا أدري ما أقول لكم، ولكن أشهدكم أنّ امرأتي طالق، فهي التي أكرهتني على حضور الصلاة. ثم أمر آخر فصعد المنبر ونظر إلى أصلع، فقال: اللهمّ العن هذه الصلعة. [682]- خطبة خطبها القاضي أبو بكر ابن قريعة في دار أبي إسحاق الصابي: الحمد لله الذي تيّن فوزّر، وعنّب فرزّق، ورطّب فسكّر، وخوّخ فشطّب، وكمثر فخثر، ومشمش فصفّر، وبطّخ فعسّل، وتفّح فعطّر، وموّز فأنضج، ودقّق فجوّز، وجردق فسمّذ، وبورد فكثّر، وسكرج فلوّز، وملّح فطيّب، وخلّل فسفتج، وخردل فحرّف، وبقل فخضّر، وقثّأ فدقّق، وبورن فنعّم، ومصّص فحمّض، وطجّن فجفّف، وسنبس فثلّث، وسكبج فزعفر، وهرّس فصولج، وبصّل فعقّد، وسبذج فصعّد، وسمّق فمزّز، وطبهج فحرّف، وبيّض فعجّج، وجدّا فرضّع، وبطّط فسمّن، ودجّج فصدّر، وفرّخ فشام، وحبّب فبزّر، وجوذب فخشخش، ورزّز فألبن، وخبّص فلوّز، وفلذج فحمّر، وقطّف فعرّف، ولوزج فسكّر. أحمده على الضّرس الطحون، والفم الجروش، والحلق البلوع، والمعدة الهضوم، والسفل النّثور، والذكر القؤوم، والغداء والعشاء، والفطور والسحور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق السموات ومحلّل   [682] قد صاغ في هذه الخطبة أفعالا من نسبة الفواكه والأطعمة، تين فوزر أي خلق التين الوزيري؛ وعنّب فرزق أي أوجد العنب الرازقي؛ ... وقوله وجردق فسمذ أي خلق الجرادق وهو الرغيف، وجعله من السميذ ... وهكذا في سائر الخطبة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 الطيّبات، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، مبيح المحلّلات، وحاظر المحرّمات. وإنّ أبا إسحاق إبراهيم بن هلال، أرشده الله، أطعمنا فصدرنا، وماهنا فأثلجنا، وسقانا فروانا، ومدّ ستارته فأسمعنا وأطربنا، واستنشدناه فأنشدنا، واستحدثناه فحدّثنا، فارفعوا أيديكم إلى الله عباد الله، فالدعاء له بما يردّ ثواب فعله إليه، ويسهّل الدعوة الثانية عليه، إنّه قريب مجيب، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين. آخر باب الخطب والحمد لله وحده ويتلوه إن شاء الله باب المكاتبات والرسائل وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 الباب الحادي والثلاثون في المكاتبات والرسائل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مجزل العطايا والقسم، منزّل البلايا والنّقم، معلّم الإنسان بالقلم «1» ، خصّه منه بأنواع المنافع والفوائد، وجعل الغائب به في حكم الشاهد، يرى به البعيد النائي كالقريب الداني، ويبرز ما في الضمير، مستغنيا عن الوسيط والسّفير، زاد على فضيلة اللسان بأن ناجى القاصي كمناجاة الداني، وبما له من الضبط الباقي على الحقب والأزمان يجمع المتفرّق ويحصره، وينبّه النّاسي ويذكّره، لولاه تلاشت العلوم بالنسيان الإنسيّ، ولم يحو «2» نشرها الفكر البشريّ، وضاعت الحقوق المضبوطة بالأشهاد، ولم يقم بآدابها قلب حافظ ولا فؤاد، وأبلاها طول التقادم، وأنساها السهو الموكول بهذا العالم. اللهم فكما واليت علينا من إحسانك، فلا تؤاخذنا بالتقصير في شكر امتنانك، واجعل لنا في كلّ نعمة آتيتنا حظّا يدنينا من عفوك ورضوانك، وصلّ على محمد النبيّ الأبيّ الذي منعته الشعر والكتاب، وآتيته الحكمة وفصل الخطاب، وجعلت علمه بالأوّلين والآخرين مع عدمهما من دلائل نبوّته وخصائص رسالته، وجمعت له بذاك معاني الإعجاز والبراهين، وتكذيب من قال: إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* (الأنعام: 25) «3» . وصلّى الله على محمد وآله الغرّ الميامين «4» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 الباب الحادي والثلاثون في المكاتبات والرسائل 683- الرسائل والمكاتبات أبسط من الشّعر مقالا، وأفسح مجالا، وإن كان أربابها أقلّ عددا فإنّهم أشرف محلا ومحتدا، وقد ذكر الصابي الفرق بين المترسّل والشاعر فأجاد، وحكم فأنصف، وسأذكر رسالته هذه في أثناء الباب. وقد اقتصرت على ما تضمن «1» معنى بديعا، ولفظا فصيحا، أو سيرة معربة، أو قضية معجبة، وتجنّبت الإكثار إذ كان استقصاء فنونها واستغراق فصولها يحتاج إلى كتاب مفرد، ويكون وإن أطيل مختصرا. وكانت القدماء توجز المكاتبات وتختصرها، وتقنع من الألفاظ بمبلغها، وترى الإطالة عجزا والإيجاز إعجازا، ولذلك قال يحيى بن خالد لأولاده «2» : إن استطعتم أن تكون كتبكم كلّها توقيعات فافعلوا. وعدل الناس الآن إلى الإسهاب، واعتاضوا عن البلاغة بالتفريع في الألفاظ، فمن البليغ الموجز ما قال الله عزّ وجلّ «3» حكاية عن كتاب سليمان عليه السلام: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (النمل: 30- 31) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 [684]- وكانت كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم كلّها مختصرة، وهو صلّى الله عليه وسلم الذي لا خلاف في فصاحته عند المقرّ والجاحد، بلسانه نزل «1» القرآن بلسان عربيّ مبين. كتب إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغسانيّ، صاحب دمشق: سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله، فإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك. وكتب إلى أبرويز بن هرمز ملك فارس: من محمّد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس، سلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلى الناس كافّة لينذر من كان حيّا، أسلم تسلم، وإن أبيت فعليك إثم المجوس. فهذا ونحوه ما كان يكتب عنه صلّى الله عليه وسلم، ومكاتبات الصدر الأوّل على هذا النمط كانت، إلا ما يتضمن بلاغا أو حجاجا، فيكون الإسهاب فيه أنجع وأوقع، وقد مضى في هذا الكتاب من كتبهم المختصرة وفقرهم ما تجده متفرّقا في أماكنه اللائقة به. 685- وقد كتب بعضهم إلى متلوّم مترجّح بين الطاعة والمعصية: أما بعد، فإني أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، فاعتمد على أيتهما شئت. فهذا غاية الإيجاز مع قوة الإعذار في الإنذار.   [684] كتاب الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر في إعلام السائلين: 102- 103 (وفيه ذكر لمصادر أخرى) ومجموعة الوثائق السياسية: 97 (وفيه مزيد من تخريج) وكتابه إلى أبرويز في الأول ص: 62 وفي الثاني: 110 (وانظر التخريج في كليهما) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 [686]- وكتب عبد الحميد بن يحيى عن مروان بن محمد إلى أبي مسلم كتابا يدعوه إلى الطاعة ويخوّفه عاقبة الفتن يحمل على جمل من حجمه، وضمن إن قرأه وسمعه من يطيف به أنه يعود إلى الطاعة أو تتفرّق كلمتهم، وهذا عكس الأوّل في الإطناب والإطالة. واعتمد أبو مسلم على إحدى الرّجلين وبالغ في الإيجاز، فلم يقرأ الكتاب وأعاده وكتب عليه: [من الطويل] محا السيف أسطار البلاغة وانتحت ... عليك ليوث الغاب من كل جانب فإن تقبلوا نعمل سيوفا شحيذة ... يهون عليها العتب من كلّ عاتب 687- كتب معاوية إلى أبي موسى بعد الحكومة وهو بمكة عائذ بها من علي عليه السلام، وأراد بذلك أن يضمّه إلى أهل الشام: أما بعد، فإنه لو كانت النيّة تدفع خطأ لنجا المجتهد وأعذر الطالب، ولكنّ الحقّ لمن قصد له فأصابه، ليس لمن عارضه فأخطأه، وقد كان الحكمان إذا حكما على رجل لم يكن له الخيار عليهما، وقد اختار القوم عليك، فاكره منهم ما كرهوه منك، وأقبل إلى الشام فهي أوسع لك. فكتب إليه أبو موسى: أما بعد فإنّي لم أقل في عليّ إلا ما قال صاحبك فيك، إلا أنّني أردت ما عند الله تعالى، وأراد عمرو ما عندك، وقد كان بيننا للمحكوم عليه الخيار، فإنما ذلك في الشاة والبعير، فأما في أمر هذه الأمّة فليس أحد آخذا لها بزمام ما كرهوا، وليس يذهب الحقّ بعجز عاجز ولا مكيدة كايد، فأما دعاؤك إيّاي إلى الشام، فليست بي عن حرم إبراهيم عليه السلام رغبة، والسلام. [688]- قيل ثلاثة تدلّ على عقول أصحابها: الكتاب والهدية والرسول.   [686] انظر كتاب «عبد الحميد الكاتب وما تبقى من رسائله» : 40 (وهنالك تخريج كثير) وقد ورد ذكر هذه الرسالة في التذكرة نفسها 2 رقم: 49 (وتم تخريجها هنالك أيضا) . [688] عين الأدب والسياسة (دار الكتب العلمية) : 84. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 689- قال زياد: ما قرأت كتاب رجل قطّ إلا عرفت عقله فيه، وما رأيت مثل الرّبيع بن زياد رجلا: ما كتب إليّ كتابا قطّ إلا جرّ منفعة أو دفع مضرّة، ولا سألته عن شيء قطّ إلا وجدت عنده منه علما، ولا ناظرته في شيء إلا وجدته قد سبق الناس فيه، ولا سايرني قطّ فمست ركبته ركبتي. [690]- ومن رسالة لعبد الحميد بن يحيى في الفتنة: ففي طاعة الأئمة في الإسلام ومناصحتهم على أمورهم، والتّسليم لما أمروا به، حفظ «1» كلّ نعمة فاضلة، وكرامة باقية، وعافية مجلّلة، وسلامة ظاهرة وباطنة، وقوة بإذن الله مانعة، وفي الخلاف عليهم والمعصية لهم ذهاب كلّ نعمة، وتفرّق كلّ كرامة، ومحق كلّ عصمة «2» ، وهلاك كلّ سلامة وألفة، وموت كلّ عزّ وقوّة، والدعاء لكلّ بليّة، ومقارفة كلّ ضلالة، واتباع كلّ جهالة، وإحياء كلّ بدعة، وإماتة كلّ سنّة، واجتلاب كلّ ضرر على الأمة، وإدبار كلّ منفعة، والعمل بكلّ جور وباطل، وإفناء كلّ حقّ. وبمعصية خليفة الله لا يزال رجل من المسلمين يضرب بسيفه الذي في يديه سيف أخيه الذي كان يعتمد عليه، ويوهن عضده، ويهدم حصنه، ويقلّ عدده، ويهلك ثروته، وينفرد من ناصره، ويعطب من يدعوه ويفزع إليه، ويكثر بمكانه، ويحرسه من غفلته عن الأعداء إذا غفل، ويكون عينا له من خلفه فلا يزال بالمعصية منهم والاختلاف دم يهراق بغير حقّه، وطفل من أبناء المسلمين قد يتّم من أبيه، ومذلّة قد دخلت عليه، ونعمة قد زالت عنه، ووحشة حدثت، وضغائن في القلوب قد نشبت، وشحناء قد ظهرت، وأوتار   [690] أدرجت هذه الرسالة في كتاب عبد الحميد الكاتب وما تبقى من رسائله (رقم: 16 ص: 209) نقلا عن التذكرة، وانظر أمراء البيان 1: 65. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 قد بقيت، وعداوة في الأنفس قد استقرّت، وخوف قد ظهر، وسبل قد قطعت، وامرأة قد أرملت، وصبيّة قد يتّمت، وبلاد عامرة قد خربت، وعدد قد نقص، وبلايا قد عمّت وشملت، وعدوّ قد شمت، ومنافق قد رفع إلى ما كان يؤمّل رأسه، وعدوّ من المشركين قد طمع، وقوي بعد ضعف، وعزّ بعد مذلّة، ورعيّة قد ضاعت، وناعبة قد ولولت، وحميم قد قتل حميمه، ومودة قد صارت عداوة، واجتماع من الأهواء قد عاد إلى فرقة، وأرحام قد تقطّعت. فانظروا يا معشر المسلمين ماذا تفعل الفتنة والمعصية، وكيف يدبّ الشيطان لها، ويسعى فيها، ويحتال بخديعته ومكره ولطيف «1» مسالكه، حتى يلهبها ويشعلها، ويرفعها من قلّتها «2» إلى الكثرة، ومن صغرها إلى كبرها، فإنه إنما يبدأ بالطعن على الولاة، ثم يترامى إلى الشّكاة والسخط والغضب، وزيّن لهم القتال، فبلغ الهلاك الأعظم والشرّ الأكبر، بطرف أمر صغير الخطر في الظاهر عظيم البليّة في الباطن، فلا يزال الرجل ينظر منهم إلى قاتل أبيه وأخيه وحميمه وذوي قرابته وأهل مودته، والنافع- كان- له، ثم يحمل العداوة في قلبه، والحقد في نفسه، والضغينة العظيمة عليه، ويستعدّ للنقمة منه، وطلب الذّحل عنده، فتثبت تلك الضغائن في الأبناء بعد الآباء. فانظروا يا أهل الإسلام من أين دبّ الشيطان بلطيف مسالكه، وعلى أيّ شيء ورد، وإلى أيّ أمر ترامى حتى عمّ بالمعصية أهل الإسلام عامة. [691]- ومن كلامه- يعني عبد الحميد- في الطاعة: أما بعد، فإنّ الله تباركت أسماؤه، وجلّ ثناؤه، وتعالى ذكره، اختار لنفسه من الأديان والملل كلّها الإسلام، ثم جعل أهله الذين أكرمهم به، واصطفاهم له، خيرته من عباده   [691] أدرجت في كتاب عبد الحميد (رقم 17 ص: 210) نقلا عن التذكرة الحمدونية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 وأهل صفوته، وبعث به إليهم نبيّه صلّى الله عليه وسلم، وسمّاهم المسلمين، وهو الذي شرع لساكني سماواته من ملائكته، ولأهل الأرض من أنبيائه، ثم بعثهم به فقال: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى (الشورى: 13) إلى آخر الآية. فبلّغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم رسالات ربّه ونصح لأمّته، ومضى لأمره، وجاهد على حقّه من خالفه وعاداه وابتغى سبيلا غير سبيله، ثم آمن به وصدّقه وعزّزه ونصره، واتّبع النور الذي أنزل معه، وهم يومئذ قليل مستضعفون في الأرض، يخافون أن يتخطّفهم الناس كما وصفهم الله تبارك وتعالى في كتابه، أمرا رضيه لنفسه ونبيّه، ابتعثه له حتى أتمّ الله الإسلام وكمّله وفضّله وجعله دينه، وأعلم حقّه من شاء من عباده وخلقه، وبيّن لهم أنّه إلههم وربّهم، أمرهم بطاعته، والاعتصام بحبله، والتمسّك بعهده، ثم توكّل لهم بالحفظ والدّفع والنصر والقهر، والظهور على من خالفهم، وابتغى غير سبيلهم، ما حفظوا أمره، وتمسّكوا بطاعته، ووفوا بعهده، والله وليّ الإسلام، والناصر له على عدوّه، ووليّ إعزازه وإظهاره على الدّين كلّه ولو كره المشركون، قضاء منه بتّا لا مردّ له، وموعدا لا خلف له، وسنّة ماضية في الذين خلوا من قبل وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا* (الأحزاب: 62، الفتح: 23) . فإنّ الله بعهده ونعمته لم يزل يصنع لهذا الدّين، ويغلب له بالفئة القليلة من أهله الفئة الكثيرة من عدوّه، قضاء منه أوجبه على نفسه، لم يجعل فيه مثنويّة، تصغي إليه أفئدة أهل الرّيبة والشّكّ في أمره، ولكن حتمه على نفسه، وأوجبه لهم في كتابه، وأعلمهم فيه معالم طاعته ومسالك معصيته، ليهلك من هلك عن بيّنة، وإنّ الله لسميع عليم. فدين الله الذي خصّ به أولياءه أوّلهم وآخرهم، تامّ على ما بعث به نبيّه صلّى الله عليه وسلم، فإنّ الله ختم به الأنبياء، وقفّى به الرسل، وجعل أمّته خير أمّة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وجعل الله نظام الدّين الذي اختاره لنفسه، وشرعه لمن أكرم من خلقه، فارتضى لتنزيل وحيه من ملائكته، وتبليغ رسالاته من أنبيائه، إلى عباده. وقوامه وعصمته الطاعة التي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 جمع الله فيها شعب الخير وأنواع البرّ ومناقب الفضل، وجعلها واصلة بالإسلام سببا إلى كلّ هدى وفضيلة، واختيارا لكلّ سعادة وكرامة، في عاجل وآجل، مع ما توكّل به من حفظها ومنعها، والذبّ عن حرمتها، والنصر لمن جاهد عليها، والإعلاء لمن أوجبها له من ولاة الحقّ وأنصار الدّين، والإظهار لهم على من خالفهم ونكّب عن سبيلهم، وأراد المفارقة لحقّهم، إلى ما كان أعدّ لحزبها وأوليائها الذين نصرهم الله وأحلّهم- بما لزموا منها وحدبوا عليها من التمسّك بها- في رضوان الله والنعيم المقيم لا تغيير له ولا انقطاع ولا زوال، عطاء من ربك غير مجذوذ. وجعل المعصية شقاء وخسارا وتبارا، وسببا لكل نقص وذلّ وهوان وحسرة، فمن اعتصم بها، وأقام عليها، ودعا إليها، كان من إخوانها والغواة فيها، مع ما يريهم الله في عاجل أمرهم: من إدحاض حجّتهم، وسوء مصارعهم، وقطع مددهم، وتفريق نظامهم، وإزهاق باطلهم، وإظهار أهل الطاعة عليهم، وإمكانه منهم في كلّ مجمع يجمع الله منهم جماعة، إلى ما أعدّ الله لهم من أليم العقاب، وسوء الحساب، وشديد العذاب، لا يفتر عنهم، ولا هم فيه مبلسون. فمن أراد الله إسعاده وتوفيقه وتبصيره حظّه لزم الطاعة وعرف حقّها، وما جعل الله فيها من السعة والعصمة والمخرج، وآثرها وواظب عليها، وكان من أهلها، وأدّى الحقّ الذي أوجبه الله عليه لوليّها إليه، فأحرز بذلك نفسه، وسلّم به دينه، واستكمل به أفضل ما يرغب به من ثواب ربّه، ولم يكن متخوفا للغير في دنياه، متوقّعا للنّقم، متوكّفا للقوارع أحلّت بأهل المعصية والخلاف والمفارقة للحقّ وأهله، وكان من ذلك في أمن ونجاة وسلامة وعافية. ومن أراد الله به غير ذلك، لما يعلم من ضميره ودفينه، تخلّى منه، وأسلمه إلى قرينه وما يسوّل له من غروره، ويمنّيه من أباطيله، فاستشعروا ركوبها ودخلوا مع الغواة فيها، ودعوا إليها، فكانوا خائفين، ولائذين مترقبين للدوائر التي يخافون أن تحلّ بهم، وتأتي عليهم. فإنّ الله تعالى يقول: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (الرعد: 31) . وأمير المؤمنين يسأله أن يلهمه الرأفة والرحمة برعيّته، والإصلاح إليهم، والمعدلة فيهم، وأن يلهم رعيّته الطاعة والوفاء والمناصحة، ويزيد المحسن منهم إحسانا، ويقبل توبة التائب، ويراجع المسيء إلى محبّته، وأن يلهمه وإيّاكم خالص الشكر وصالح العمل. [692]- أمر المأمون أحمد بن يوسف أن يكتب في الآفاق بتعليق المصابيح في المساجد في شهر رمضان، قال: فأخذت القرطاس لأكتب فاستعجم عليّ، ففكرت طويلا ثم غشيتني نعسة فرأيت في النوم قائلا يقول لي: اكتب فإنّ في كثرة المصابيح إضاءة للمتهجدين، وأنسا للسّابلة، ونفيا لمكامن الرّيب، وتنزيها لبيوت الله عزّ وجلّ عن وحشة الظّلم. [693]- قال حمدون بن إسماعيل: دخلت على المأمون يوما وهو في بعض صحون بساتينه يمشي حافيا، وفي يده كتاب يصعّد بصره فيه ويصوبه، فالتفت إليّ وقال: أحسبك راعك ما رأيته، قلت: وأي شيء أروع لي من نظري إلى سيدي يمشي حافيا ويقرأ كتابا قد شغله وأذهله، فقال لي: إني سمعت الرشيد يقول شيئا لم أتوهّمه ينسبك على حقيقته، وهو أنه قيل لبعض البلغاء: ما البلاغة؟ قال: التقرّب من المعنى البعيد، والتباعد من حشو الكلام، والدلالة بالقليل على الكثير؛ وهذا كتاب عمرو بن مسعدة، قد أتى في حرفين بما كان يأتي به غيره في طومار، وصف حال الجند وطاعتهم. ثم دفعه إليّ، فإذا فيه: كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قبلي من قوّاده وأجناده، من الانقياد للطاعة على أحسن ما تكون طاعة جند تأخّرت أرزاقهم واختلّت أحوالهم، والسلام.   [692] المحاسن والمساوىء للبيهقي: 443 ونثر الدر 5: 101 وكتاب الأوراق (أخبار الشعراء المحدثين) : 231 وأمراء البيان: 200. [693] زهر الآداب: 836- 837 ورسالة عمرو بن مسعدة في نهاية الأرب 7: 260. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 ثم قال: أشهد أنّي قد قضيت حقّ هذا الكلام وكتبت إلى جندي بأعطياتهم، وتركتهم لا يتمنّون موتي، وأمرت بالزيادة في أرزاقهم. 694- كتب أحمد بن سعد الكاتب: وقديما غرّقت الفتن أبناءها، وأسكنتهم ربعها، وأرضعتهم درّها، وألحفتهم ظلّها، وأسحبتهم ذيلها، ونقّلتهم في مراتع الغرور، وأرتهم الثّقة بدوام السّرور، والأمن لعوارض المحذور وعواقب المقدور، فتمادوا في منهج الضّلال، وتراموا في مسلك الفساد، وتشعّبوا في طريق الغيّ، حتى إذا تمّ الرّضاع، ونجم الفطام، وآن لحكم الله أن يمضي، ولبأسه أن ينزل، سلّط الله عليهم سيوف الحقّ، فصاروا لأهله جزرا، وللباطل وأهله عبرا، وللمواعظ السالفة نتيجة، وللمواعد المحدودة حقيقة، ولبصيرة ذوي البصائر قوّة، ولثقة أهل العصمة مادّة، ولسوط العذاب منصبا، ولنار الجحيم حطبا، وما الله بظلّام للعبيد. ب- فصل: من معقل إلى عقّال، ومن أجل إلى آجال. [695]- عبد الحميد في ذكر الفتنة: فإنّ الفتنة تستشرف بأهلها، متشوّفة بآنق منظر، وأزين ملبس، تجرّر لهم أذيالها، وتضرّيهم وتعدهم تتابع درّاتها حتى ترمي بهم في حدرات أمواجها مسلمة لهم، تعدهم الكذب وتمنّيهم الخدع، فإذا لزمهم عضاضها، ونفر بهم شماسها، تخلّت عنهم خاذلة لهم، وتبرّأت منهم معرضة عنهم، قد سلبوا أجمل لباس دينهم، واستنزلوا عن حصن دنياهم، الغني البهيّ منظره، الجميل أثره، حتى تطرحهم في فضائح أعمالهم إلى الإيجاف في التّعب وسوء المنقلب، فمن آثر دينه على دنياه، تمسّك بطاعة ولاته، وتحرّز بالدخول إلى مرضاته في الجماعة، تاركا لأثقل الأمرين وأوبل الحالين.   [695] هي الرسالة رقم: 18 في عبد الحميد الكاتب وما تبقى من رسائله، ووردت في صبح الأعشى 8: 254 وانظر أمراة البيان 1: 61؛ ويبدو أن الفصلين التاليين (ب، ج) من الرسالة نفسها؛ إلا أن (ج) وردت في عبد الحميد برقم: 34 أي بعيدة عن موضعها الصحيح؛ وانظر سرح العيون: 240 ورسائل البلغاء: 220 وجمهرة رسائل العرب 2: 555. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 ب- فصل: [فزرعوا] الضغائن في قلوبكم، وغرسوا أشجار الإحن في صدوركم، وأوقدوا نيران الأحقاد بينكم، الله الله في ذكر الحميّة وفخر الجاهلية، وملاقح الشّنآن، ومنافح الشيطان. ج- فصل: حتى أعنقوا في حنادس ظلم جهالته، ومهاوي سبل ضلالته، ذللا على سياقه، وسلسا في قياده، إلى نزل من حميم، وتصلية جحيم، سوى ما ألقحت الحفيظة في نفسه من عوائد الحسد، وقدحت الحميّة في نفسه من نار الغضب، ونفخ الشيطان في سحره «1» من ريح الكبر، مضادّة لله تعالى بالمناصبة، ومبارزة لأمير المؤمنين بالمحاربة، ومجاهرة للمسلمين بالمخالفة «2» . 696- فصل من كتاب للمأمون، وقد ولّى عبد الله بن طاهر في فتنة: ممتدّة إلى الفتن أعناقهم، متطلعة إليها أنفسهم، مرتاحة لها قلوبهم، مصيخة إلى دعواها أسماعهم، فلم تذك للفتنة نار إلا منهم ساعر يشبّ ضرامها، إما موجفا ركابه، مبديا صفحته في مباشرتها، وإمّا مورّيا عن نفسه يدبّ الخمر، ويستتر تحت الشّبه، ليحسب أنّه بمعزل عنها، ونافذ كيده يسري في تسهلها. 697- أحمد بن سعد من كتاب فتح: الحمد لله العظيم شانه، العليّ مكانه، المنير برهانه، القويّ سلطانه، الذي ابتدع الخلق بحكمته، وأنشأهم بقدرته، وأجرى الأمور على مشيئته، وصرفها على إرادته، وحكم لأوليائه وأهل طاعته، الذائدين عن حريمه، المانعين لحوزته بالإعلاء والتمكين، والنصر والتأييد، وعلى أعدائه الغامطين لنعمته، الناهكين لحرمته، السّاعين بالفساد في بلاده، والعدوان على عباده، بالخذلان والتشريد، والنكال المبيد. 698- ومن رسالة له في السّلم: فاكتفوا في المعرفة به جلّ جلاله بخبر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 العقول وشهادة الأفهام، ثم استظهر لهم في التبصرة، وعليهم في الحجة، برسل أرسلهم، وآيات بيّنها، ومعالم أوضحها، ومنارات بمسالك الحقّ رفعها، وشرع لهم الإسلام دينا، وارتضاه واصطفاه، وفضّله وأسناه، وشرّفه وأعلاه، وجعله مهيمنا على الدين كلّه ولو كره المشركون، وقرن العزّ بحزبه وأهله، فقال عزّ من قائل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* (التوبة: 33، الصف: 9) ، وأيّده بأنبيائه الدّاعين إليه، والناهجين لطرقه، والهادين لفرائضه، والمخبرين عن شرائعه، قرنا بعد قرن، وأمّة بعد أمّة، في فترة بعد فترة، وفئة بعد فئة، حتى انتهى بقدره جلّ ذكره إلى مبعث النبيّ الأميّ، الفاضل الزكيّ، الذي قفّى به على الرسل، ونسخ بشريعته شرائع الملل، وبدينه أديان الأمم، على حين فترة وترامي حيرة، فأباخ به نيران الفتن، بعد اضطرامها، وأضاء به سبل الرّشاد بعد إظلامها، على علم منه تعالى ذكره، بما وجد عنده من النهوض بأعباء الرسالة، والقيام بأداء الأمانة، فأزاح بذلك العلّة وقطع المعذرة، ولم يدع للشّاكّ موضع شبهة، ولا للمعاند دعوى مموّهة، حتى مضى حميدا فقيدا، تشهد له آثاره، وخلّف في أمّته ما أصارهم به إلى عطف الله ورحمته، والنجاة من عقابه وسخطته، إلّا من شقي بسوء اختياره، وحرم الرّشد بخذلانه، صلّى الله عليه وعلى آله أفضل صلاة وأعمّها، وأوفاها وأتمّها. والحمد لله الذي خصّ سيّدنا الأمير بالتوفيق، وتوجّه له بالإرشاد والتسديد، في جميع أنحائه ومواقع آرائه، وجعل همّته- إذ كانت الهمم إلى خدع الدنيا صادفة، وزخارفها التي تتجلى بها لأبنائها وتدعو إلى نفسها- مقصورة إلى ما يجمع له رضى ربه، وسلامة دينه، واستقامة أمور مملكته، وصلاح أحوال رعيّته، وأيّده في هذه الحال العارضة، والشبهة الواقعة، التي تحار في مثلها الآراء، وتضطرب الأهواء، وتتنازع خواطر النفوس، وتعتلج وساوس الصّدور، ويخفى موضع الصواب، ويشكل منهج الصلاح، بما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 اختاره له من السّلم والموادعة والصلح والموافقة التي أخبر الله عن فضله، والخير الذي في ضمنه يقوله بقوله: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (النساء: 128) وقوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (الأنفال: 61) . فأصبح السيف مغمودا، ورواق الأمن ممدودا، والأهواء متّفقة، والكلمة مجتمعة، ونيران الفتن والضّلالة خامدة، وظنون بغاتها الساعين لها كاذبة، وطبقات الأولياء والرعيّة بما أعيد إليهم من الأمنة بعقب الخيفة، والأنسة بعد الوحشة، مستبشرين، وإلى الله في إطالة بقاء الأمير راغبين، وفي مسألته مخلصين. ولو لم يكن السّلم في كتاب الله مأمورا به، والصلح مخبرا عن الخير الذي فيه، لكان فيما ينتظم من حقن الدّماء وسكون الدّهماء، ويجمع من الخلال المحمودة والفضائل المعدودة المقدّم ذكرها، ما حدا عليه، ومثّل للعقول السليمة والآراء الصحيحة موضع الخيرة فيه، وحسن العائدة على الخاصّ والعامّ، فيما ينجلي للعيون من مشتبهات الظنون، إذ الريب واقع، والشكّ خالج بين المحقّ والمبطل، والحقّ والباطل، والجائر والمقسط، وقد قال الله عزّ وجلّ: لَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ (الفتح: 25) ، ناظرا للمسلمين من معرّة أو مضرّة تلحق بعضهم بغير علم، ومؤثرا تطهيرهم من ظنن العدوان، مع رفعه عنهم فرطات النّسيان، وكافّا أيدي المسلمين عن المشركين، كما كفّ أيديهم عن المسلمين، تحسّنا على بريّته، وإبقاء على أهل معصيته، إلى أن تتمّ لهم المحنة للذي ارتآه، والأمر الذي ارتضاه، وموقع الحمد في عاقبته، والسلامة في خاتمته، وبلّغه من غايات البقاء أمدها، ومن مواقع العيش أرغدها، مقصّرا أيدي النوائب عما خوّله، ومغضوضيا أعين الحوادث عما نوّله، إنه جوّاد ماجد. 699- وفي مثل ذلك: الحمد لله ذي النعمة السابغة، والحكمة البالغة، والبلاء الجميل، والعطاء الجزيل، الذي جعل بعد عسر يسرا، وبعد ضنك رحبا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 وبعد تناء تدانيا، وبعد تعاد «1» تصافيا وحبّا، وأعقب افتراقا من المتشاحنين اعترافا، واختلافا ائتلافا، وتدابرا تناصرا، وتخاذلا تظاهرا، نظرا لخلقه وعائدة عليهم، واعتمادا لما فيه مصالح آخرتهم ودنياهم، ومدح الصّلح وحدا عليه، وحمد السلم إذا جنح الخصم إليه، فقال عزّ من قائل: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (النساء: 128) وقال: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها (الأنفال: 61) وألّف بين القلوب في سبيله، ولأمها في نصرة رسوله، وقال: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ، إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال: 62- 63) وصان المسلمين- عند الفتح العامّ للبلد الحرام، وإظهار الإسلام على الدّين كلّه، والإدالة من الكفر وأهله- عمّا يلحق من في دارهم من مسلم أو مسلمة- غمرتها الجملة وأخفت من موضعها الشبهة- من مضرّة، وسمّاها للمسلمين معرّة، وجعلها واصلة إليهم إذا وصلت إلى أولئك منهم، فقال جلّ ذكره: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ (الفتح: 25) فحماهم من يسير الإثم، وإن كان ساقطا بعد العلم؛ واختار لهم الخلوص من الشّوائب في الدّين، وجعل هذه الخلال الرضيّة والخصال الحميدة لهم أدبا، ولمصالحهم سببا، فندبهم لها، وأرشدهم إلى سوابق نعمه، ونفائس قسمه، التي بدأ بها قبل الاستيجاب، وأوجب على شكرها حسن الثّواب، حمدا يرتفع إليه، ويزكو لديه، ويمضي ما فرض في تحميده، ويوجب ما يأذن به من مزيده، وصلّى الله على محمد عبده وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، والمبعوث لإحياء دينه ونصرة حقّه، وعلى الطيبين من آله وسلّم تسليما. 700- وفي مثل ذلك ... الحمد لله مقلّب القلوب وعالم الغيوب، الجاعل بعد عسر يسرا، وبعد عداوة ودادا «2» ، وبعد تحارب اجتماعا، وبعد تباين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 اقترابا، رأفة منه بعباده ولطفا، وتحنّنا عليهم وعطفا، لئلا يستمرّ بهم التّتايع في التدابر والتقاطع، وليكونوا بررة إخوانا، وعلى الحقّ أعوانا، لا يتنكّبون له منهجا، ولا يركبون من الشبهة ثبجا، بغير دليل يهديهم قصد المسالك، ولا مرشد يذودهم عن ورود المهالك؛ أحمده على نعمه التي لا يحصي الواصفون إحصاءها، ومننه «1» التي لا يؤدّي الشاكرون جزاءها، وأياديه التي لا يحمل الخلق أعباءها، حمدا يتجدّد على مرّ الأزمان والدّهور، ويزيد على فناء الأحقاب والعصور، ويقع بمحابّه في جميع الأمور، فإنّ أحقّ ما استعمله الغالون، ونطق «2» به التالون، وآثره المؤمنون، وتعاطاه بينهم المسلمون، فيما ساء وسرّ، ونفع وضرّ، ما أصبح به الشّمل ملتئما، والأمر منتظما، والفتق مرتتقا، والصلح متّسقا، والسيف مغمودا، ورواق الأمن ممدودا، فحقنت به الدّماء، وسكنت به الدّهماء، وانقمع له الأعداء، واتّصل به السرور، وأمنت معه الشّرور، وليس شيء بذلك أولى، وإلى إحراز الثّواب به أدنى، من الصّلح الذي أمر الله تبارك وتعالى به، ورغّب فيه وندب إليه، فقال وقوله الحقّ: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ (فصلت: 42) فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (الحجرات: 10) . [701]- كتب سهل بن هارون إلى ذي الرياستين: إنّ للأزمة فرجا، فكن من ولاة فرجها، ولأيامها دولا، فخذ بحظّك من دولتك منها، ولدولها امتدادا فتروّد قبل أوان تصرّمها، فإن تعاظمك ما أنبأتك عنه فانظر في جوانبها تأخذك الموعظة من جميع نواحيها، واعتبر بذلك الاعتبار على أنّك مسلم ما سلّم إليك منها. فكتب عهده على فارس.   [701] نثر الدر 5: 113. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 [702]- كتب عمرو بن مسعدة: وأنا أحبّ أن يتقرّر عندك أنّ أملي فيك أبعد من أن أختلس الأمور اختلاس من يرى في عاجلك عوضا من آجلك، وفي الذّاهب من يومك بدلا من المأمول في غدك. [703]- قال المبرد: كانت في الحسن بن رجاء شراسة، وفي كفّه ضيق، فكتبت إليه: النّاس- أعزّ الله الأمير- رجلان: حرّ وعبد، فثمن الحرّ الإكرام، وثمن العبد الإنعام، فأصلحه هذا القول لي ولغيري مدّة ثم رجع إلى طبعه. 704- كاتب: الحمد لله الذي جعل محنته عطفا وأدبا، ولم يجعلها هلكة ولا عطبا، وجعل أوائلها ناطقة على صواب أواخرها، وبواديها مخبرة عن حميد عواقبها، ومواردها مبشّرة بالسلامة في مصادرها. 705- إبراهيم بن العباس في ذكر خليفة: الحمد لله الذي يجتبي إليه من يشاء باصطفائه، ويهدي إليه من ينيب باجتبائه، ويرفع درجات من يشاء بقدرته، ويختار لهم بلطفه، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، ويودع منائح نعمته، ويولي مقاسم فضله، ويكسو عزّ سلطانه، مصطفي آل إبراهيم بالكتاب والحكمة، ومختصّهم بالملك والعظمة، ومؤتيهم الحكمة في الذّكر القديم، فقال تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (النساء 54) . والحمد لله الذي جعل الخلافة عقيب الرّسالة، فأحيا بها أيّامها، ووطّد بها أعلامها، وأنفذ فيها أحكامها، وانتخب لها من أهل الوراثة ولاة راشدين، وهداة مهديّين، أساة للعالمين ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (آل عمران: 34) . فأنار بهم معالم دينه الّذي اصطفاه، وأوضح دلائل الحقّ الذي أعلاه، وظاهر بهم فضله الذي أولاه، وخصّهم من إظهاره وإظفاره، بما يأذن   [702] نثر الدر 5: 121. [703] البصائر 6: 50 (رقم: 135) وربيع الأبرار 2: 302. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 لأوليائه وأنصاره. والحمد لله الذي أكرم أمير المؤمنين بما قاد إليه من الخلافة، وأصار إليه من الوراثة، ووطّأ له من الأمانة على مشارف بنيانه، وأرسى قواعد أركانه، وحمى حريم سلطانه، وجعل أيّامه أيّام نضارة وغضارة، وأمن وسلامة، وهدوء واستقامة، بما أسند إليه من مراعاة صلاح عباده، وإضافة العدل في بلاده، والاجتهاد في تلافي كلّ فاسد، وضمّ كلّ ناشر، واستعادة كلّ نافر، حتى اعتدلت قناة الملك في يده، وشرف منار الحقّ في دولته، وزهق الباطل في دعوته، وسارعت الرّفاهة في إيالته، واتصلت السّعادة بسياسته، فأصبحت الدهماء ساكنة، والثغور مسدّدة. 706- فصل من كتاب عن أجناد طرف يذكر طاعتهم: قد أعدّ الله منّا لأمير المؤمنين في نصرة الدولة، وحماية البيضة، ودفع الخطوب الملمّة، وكفاية الأمور المهمّة، عزائم ماضية، وأيديا على الحقّ متناصرة، وأعوانا على الخير متوازرة، لا يتخوّنهم وهن في الأيد، ولا ضعف في الكيد، ولا انتقاص في العدد، ولا انقطاع في المدد، باغين عند الله الحسنى بجميل بلائهم، وعند أمير المؤمنين الزّلفى بصادق ولائهم. 707- فصل في وصف وال: نعمه عامّة لجميع المسلمين، عائدة بعمارة الدّين، منتظمة بعزّ الدولة، وحماية البيضة، وصيانة المملكة، بعد شمول البلاء، واضطراب الدّهماء، وتشعّب الأهواء، وتطلّع أقاصي الأعداء، وانتهاء الفساد إلى حيث يعيي حسمه، والفتق إلى حيث يعجز رتقه. فإنّ سيّدنا نهض من هذا الخطب العظيم الذي لم يمرّ بالإسلام مثله، ولا حملت الكواهل بعض ثقله، فساسه بصائب رائه، وشفاه من معضل دائه، بما قد أعيا قدما أنصار الدولة والملوك الذين جملت السّير بذكرهم، وأثر ما بان من فضلهم. 708- فصل في ولاية خليفة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 ولم يزل الله منذ اضطرب حبل المملكة، وظهر «1» أعداء الدّولة، يصرّف مشيئته، وينقل إرادته، مختارا لموضع إمامته «2» ، ومرتادا لمحلّ خلافته، وإن كان قد تقدّم علمه بمواقع الاختيار، لكنه جلّ جلاله تجري عادته في الأناة تأديبا للخليقة، وزجرا لذوي العجلة عن تورّد الأمور المشكلة، وتقحّم أثباجها قبل إعمال الرّويّة، حتى وقف اصطفاءه وقصر اجتباءه على أمير المؤمنين، فأقرّها منه في موطنها، وثبّتها في معدنها؛ ووجده لمّا اصطفاه بها ناهضا، وفيها قائما بحقّها، راتقا لفتقها، صادفا عن الدّنيا ورائعات زبرجها، ومونقات زخرفها، لا تثنيه دواعي لذاتها «3» ، ولا تطّبيه عوارض شهواتها، عن طلب ما عند الله، وابتغاء الزلفة بين يديه، والقربة إليه، في عمارة الدّين، وحياطة المسلمين، وإقامة معالم الحقّ، وإحياء سنن العدل، طاويا كشحه على صفاء نيّته، ونقاء سريرته، وصارفا همّه إلى ما فيه المزيّة والمعدلة في البريّة، وساميا بهمّته إلى تأييد المملكة وتأكيد «4» أسبابها، وتعديل أحوالها، بعد مشارفتها الإصفار من بهجتها، والإخفاق من زينتها، والإخلاق من جديدها، والتشعّث من نضرتها، حتى استقامت على أفضل سبلها، وخلصت من شوائب الآفات المكتنفة لها، وثاب إلى الدّين عزّه، وإلى الإسلام نوره، واستودعت الأمانة من أدّاها، وسيقت الإيالة إلى من يقوم بحكم الله فيها، وحاط من الزّيغ حواشيها، ونهد للأعداء الممتدّة أعناقهم، المنطلقة أطماعهم، برأي يفلّ السّيف الحسام، وعزم يكلّ الجحفل اللهام، فثنى من غربهم، وهوّن من خطبهم، وأصبح بنعمة من الله لزمانه قريعا، وللخلق غياثا وربيعا، وللمسلمين وزرا وحصنا منيعا، وقام فيما ناطه الله به، وطوّقه إيّاه، مقام السالفين من آبائه الطاهرين، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 والأئمّة الراشدين، سابقا لشأوهم بمهله، وموفيا عليهم بصالح عمله، وإن كانوا في الفضل على تشابه في المقاييس، وتصاقب في المنازل، غير أنّ الله تعالى فاوت بين الأنبياء في الدّرجات، وإن كان قد انتظمهم في مجامع الخيرات. 709- كتب المعتصم إلى المأمون في كتاب فتح تولّاه له: وكتابي هذا كتاب منه لخبر، لا معتدّ بأثر. [710]- كتب أبو الفضل ابن العميد- وهو محمد بن الحسين بن محمد، وأبوه أبو عبد الله الحسين، وكان وزيرا كاتبا بخراسان وأصله من قم- إلى ملكان ونداد خرشيد «1» عند استعصائه على ركن الدولة أبي علي: كتابي وأنا مترجّح بين طمع فيك، ويأس «2» منك، وإقبال عليك، وإعراض عنك، فإنك تدلّ بسابق حرمة، وتمتّ بسالف خدمة، أيسرهما يوجب رعاية، ويقتضي محافظة وعناية، ثم تشفعهما بحادث غلول وخيانة، وتتبعهما بآنف خلاف ومعصية، وأدنى ذلك يحبط أعمالك، ويمحق كلّ ما يرعى لك. لا جرم أني وقفت بين ميل إليك، وميل عنك، أقدّم رجلا لصمدك، وأؤخّر أخرى عن قصدك، وأبسط يدا لاصطلامك واجتياحك، وأثني ثانية نحو استبقائك واستصلاحك، وأتوقّف عن امتثال بعض المأمور فيك، ضنّا بالنعمة عندك، ومنافسة في الصّنيعة لديك، وتأميلا لفيئتك وانصرافك، ورجاء لمراجعتك وانعطافك، فقد يغرب العقل ثم يؤوب، ويعزب اللّبّ ثم يثوب، ويذهب الحزم ثم يعود، ويفسد العزم ثم يصلح، ويضاع الرأي ثم يستدرك، ويسكر المرء ثم يصحو، ويكدر الماء ثم يصفو؛ وكلّ ضيقة فإلى رخاء، وكل غمرة فإلى انجلاء. وكما أنك أتيت من   [710] يتيمة الدهر 3: 167 ونهاية الأرب 7: 265 وانظر أمراء البيان: 517. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 إساءتك بما لم تحتسبه أولياؤك، فلا تدع «1» أن تأتي من إحسانك بما لا يرتقبه أعداؤك. وكما استمرّت بك الغفلة حتى ركبت ما ركبت، واخترت ما اخترت، فلا عجب أن تنتبه انتباهة تبصر فيها قبح ما صنعت، وسوء ما آثرت، وسأقيم على رسمي في الإبقاء والمماطلة ما صلح، وعلى الاستيناء والمطاولة ما أمكن، طمعا في إيناسك «2» ، وتحكيما لحسن الظنّ بك. فلست أعدم فيما أظاهره من إعذار، وأرادفه من إنذار «3» ، احتجاجا عليك، واستدراجا لك، فإن يشأ الله يرشدك، ويأخذ بك إلى حظّك ويسدّدك، فإنه على كل شيء قدير. فصل منها: وزعمت أنّك في طرف من الطاعة بعد أن كنت متوسّطها، فإذا كنت كذاك فقد عرفت حاليها، وحلبت شطريها، فنشدتك الله لما صدقت عما سألتك عنه: كيف وجدت ما زلت عنه؟ وكيف وجدت «4» ما صرت إليه؟ ألم تكن من الأوّلين «5» في ظلّ ظليل، ونسيم عليل، وريح بليل، وهواء عذي، وماء رويّ، ومهاد وطيّ، وكنّ كنين، ومكان مكين، وحصن حصين، يقيك المتالف، ويؤمّنك المخاوف، ويكفيك من نوائب الزّمان، ويحفظك من طوارق الحدثان، عززت به بعد الذّلّة، وكثرت بعد القلّة، وارتفعت بعد الضّعة، وأيسرت بعد العسرة، وأثريت بعد المتربة، واتّسعت بعد الضّيقة، وأطافت بك الولاة «6» وخفقت فوقك الرّايات، ووطىء عقبك الرّجال، وتعلّقت بك الآمال، وصرت تكاثر ويكاثر بك، وتشير ويشار إليك، ويذكر على المنابر اسمك، وفي المحاضر ذكرك؟ ففيم الآن أنت من الأمر وما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 العوض مما عدّدت؟ والخلف مما وصفت؟ وما استعددت «1» حين أخرجت من الطاعة نفسك، ونفّضت منها كمّك «2» ، وغمست في خلافها يدك؟ وما الذي أظلّك بعد انحسار ظلها عنك؟ أظلّ ذو ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب؟. ومنها: تأمّل حالك، وقد بلغت هذا الفصل من كتابي «3» مستكرها «4» ، والمس جسدك، وانظر هل يحسّ؟ وأجسس عرقك هل ينبض؟ وفتّش ما حنيت عليه أضلاعك، هل تجد في عرضها قلبك؟ وهل حلا بصدرك أن تظفر بموت سريح، أو بفوت مريح؟ ثم قس غائب أمرك بشاهده، وآخر شأنك بأوّله. حكي عن ملكان- وكان آدب أمثاله- أنه كان يقول: والله ما كانت حالي «5» عند قراءة هذا الفصل إلا كما أشار إليه الأستاذ الرئيس، ولقد ناب كتابه عن الكتائب في عرك أديمي واستصلاحي، وردّي إلى طاعة صاحبه. [711]- ومن كتاب إلى عضد الدولة: وقد يعدّ أهل التّحصيل في أسباب انقراض العلوم وانتقاص مددها، وانتقاض مررها، والأحوال الداعية إلى ارتفاع جلّ الموجود منها، وعدم الزّيادة فيها: الطوفان بالماء والنار، والموتان العارض من عموم الأوباء، وتسلّط المخالفين في المذاهب والآراء، فإنّ كلّ ذلك يخترم العلوم اختراما، وينتهكها انتهاكا، ويجتثّ أصولها اجتثاثا. وليس- عندي-   [711] يتيمة الدهر 3: 169 وانظر أمراء البيان: 549. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 الخطب في جميع ذلك يقارب ما يولده [تسلّط ملك جاهل تطول مدته، وتتسع قدرته، فإن] البلاء به لا يعدله بلاء. وبحسب عظم المحنة بمن هذه صفته، والبلوى بمن هذه صورته، تعظم النّعمة في تملّك سلطان عالم عامل «1» كالأمير الجليل الذي أحلّه الله من الفضائل بملتقى طرقها، ومجتمع فرقها، فهي نور نوافر ممن لاقت حتى تصير إليه، وشرّد نوازع حيث حلّت حتى تقع عليه، تتلفّت إليه تلفّت الوامق، وتتشوّف نحوه تشوّف الصبّ العاشق، قد ملكتها وحشة المضاع، وحيرة المرتاع: [من الطويل] فإن تغش قوما بعدهم أو تزورهم ... فكالوحش يدنيها من الأنس المحل [712]- فصل من كلام الصابي في تقليد المطيع ابنه الطائع ما كان إليه من الخلافة: ولما صار في السّنّ العليا والعلّة العظمى، بحيث يحرج أن يقيم معه على إمامة قد كلّ عن تحمّل كلّها، وضعف عن النّهوض بعبئها، خلع ذلك السّربال على أمير المؤمنين الطائع لله خلع الناصّ عليه، المسلّم إليه، خارجا إلى ربّ العالمين وجماعة المسلمين من الحقّ في حسن إيالتهم وسياستهم، مما استقلّ واضطلع، وفي حسن الاختيار والارتياد لهم، حين حسر وظلع. [713]- ومن كلامه: للنّعم شرط «2» من الشّكر لا تريم ما وجدته، ولا تقيم إذا فقدته «3» ، وكثيرا ما تسكر الواردين حياضها، ويغشي عيون المقتبسين   [712] بعض هذا الفصل في يتيمة الدهر 2: 251. [713] يتيمة الدهر 2: 252. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 إيماضها، فيذهلون عن امتراء درّتها «1» ، ويعمهون «2» عن الاستمتاع بنضرتها، ويكونون كمن أطار طائرها لما وقع، ونفّر وحشيّها حين أنس، فلا يلبثون أن يتعرّوا من جلبابها، وينسلخوا من إهابها، ويتعوّضوا منها الحسرة والغليل، والأسف الطويل. [714]- ولما نقل بختيار ابنته المزوّجة بأبي تغلب ابن حمدان كتب عنه الصابي في معناها فصلا، وهو: قد توجّه أبو النجم بدر الحرمي- وهو الأمين على ما يلحظه، والوفيّ بما يحفظه- نحوك يا سيّدي ومولاي بالوديعة، وإنما نقلت من وطن إلى سكن، ومن مغرس إلى معرّس، ومن مأوى برّ وانعطاف، إلى مثوى كرامة وألطاف، ومن منبت درّت لها نعماؤه، إلى منشإ تجود عليها سماؤه، وهي بضعة مني انفصلت إليك، وثمرة من جنى قلبي حصلت لديك، وما بان عني من وصلت حبله بحبلك، وتخيّرت له باهر فضلك، وبّوأته المنزل الرّحب من جميل خلائقك، وأسكنته الكنف الفسيح من كريم شيمتك وطرائقك، ولا ضياع على ما تضمّنته أمانتك، ويشتمل عليه حفظك ورعايتك. وأرجو أن يقرن الله موردها بالطائر السعيد، والأمر الرّشيد، والعزّ الزائد والجدّ الصاعد، والنّماء في الائتلاف، والعصمة من الفرقة والخلاف، حتى تكون عوائد البركة بأحوالها منوطة، ومن عوادي الأيّام وغيرها محوطة. [714]- ب- ولما قرىء هذا الفصل بحضرة أبي تغلب، اعتمد للجواب عنه أبو الفرج الببغا فأجاب عنه بما نسخته: وأما أبو النجم بدر الحرميّ المستوجب للارتضاء والإحماد، الموفي بمناصحته   [714] نثر الدر 5: 112 إلى قوله: «ورعايتك» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 على كلّ مراد، فقد أدّى الأمانة إلى متحمّلها، وسلّم الذخيرة الجليلة إلى متقبّلها، فحلّت من محلّ العزّ في وطنها، وأوت من حمى السّؤدد إلى مستقرّها وسكنها، منتقلة عن عطف الفضل والكمال، إلى كنف السعادة والإقبال، وصادرة عن أنبل ولادة ونسب، إلى أشرف اتّصال وأنبه سبب، وفي اليسير من لوازم فروضها وواجبات حقوقها، ما صان رعايتي عن الوصاة بها، ونزّه وفائي عن الاستزادة لها. وكيف يوصى الناظر بنوره؟ أم كيف يحضّ القلب على حفظ سروره؟ وإنّ سببا قرن بإحماد أمير المؤمنين ذكري، ووصل بحبل السيّد العمّ ركن الدولة حبلي، ومنح عزّ الدولة مكنون ودّي، واختصّ الإخوة من ولد أبيه السعيد- رحمه الله وأيّدهم- بوثيق عهدي، إلى أن صرت بفضل الجماعة قائلا، ودونها بالنّيّة والفعل مناضلا، وبمحاسنها المجموعة لي ناطقا، وبما لي عندها من المساهمة والمشاركة واثقا، لحقيق بالتباهي في الإعظام، وخليق بالمبالغة في الإيجاب والإكرام. والله تعالى يعين على ما أعتقده من ذلك وأنويه، ويوفّقني لما يوفي على المحبة والبغية فيه، بمنّه وقدرته، وحوله وقوّته. [714]- ج- وإنما ألمّ الصابي في تسميته إياها بالوديعة بما كتبه جعفر بن ثوابة عن المعتضد إلى ابن طولون في ذكر ابنته قطر النّدى المنقولة إليه. وهو: وأمّا الوديعة- أعزّك الله- فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك، عناية بها، وحياطة لها، ورعاية لولائك فيها. فلما عرضه على الوزير أبي القاسم عبيد الله بن سليمان استحسنه جدا وقال له: تسميتك إياها الوديعة نصف البلاغة، ووقّع له بالزيادة في إقطاعه ومشاهرته «1» . [715]- من كتاب لأبي القاسم عبد العزيز بن يوسف الى اهل الشام: قد   [715] يتيمة الدهر 2: 314. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 علمتم بشهادة الآثار، وتظاهر الأخبار، ما أعدّ الله لأمير المؤمنين بطاعة وليّه المنصور، وصفيّه المبرور، عضد الدولة- أيده الله- من حام حقيقته، سادّ خلّته، راع سدّته ورعيته، لا يثنيه عن غاياته عارض السأم ولا يلهيه عن همّاته راحة الجمام: [من الطويل] مضاميره أعيت على من يرومها ... فكلّ مدى عن غايتيه قصير وهو عين أمير المؤمنين إذا نظر، ولسانه إذا نطق، ويده إذا لمس، ألانت أم أمضّت، ووطّأت أم أقضّت. [716]- ومن كتاب في ذكر أبي تغلب: وقد كان الغضنفر بن حمدان حين نفضته المذاهب، ولفظته المهارب، وأجهضته عن مكامنه «1» المكايد والكتائب، تطوّح في بلاد الشّام، يتنقّل بين مصارع يحسبها مرابع «2» ، ومجاهل يعدّها معالم، يروم انتعاشا والجدّ خاذله، ويبتغي انتياشا والبغي طالبه. [717]- وكتب إلى الصاحب ابن عباد: وقف مولانا على ما كتب مولاي معرّضا بخدمته، ومجلّيا عن نيّته، فصدّقه وحقّقه، وقال أدام الله سلطانه: إنّ لسان أثره في الفصاحة كلسان قلمه، يتجاريان كفرسي رهان، وناهيك بالأوّل اشتهارا ووضوحا، وبالثاني غررا وحجولا. وكنا لمثل هذه الحال نعدّه ونعتدّه، ونتنجّز عدات الفضل منه، وحسبنا ما أفادتنا التجارب فيه، كافلا بالسعادة ودرك الإرادة، وما زالت مخايله وليدا وناشيا، وشمائله صغيرا ويافعا، نواطق بالحسنى عنه، ضوامن للنجح   [716] يتيمة الدهر 2: 316. [717] يتيمة الدهر 2: 319- 320. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 منه، فقد أصبح الظنّ إيقانا، والضّمار عيانا، والتقدير بيانا، والاستدراك برهانا. [718]- كتب أبو إسحق الصابي مقاطعة: هذا كتاب من عبد الله الفضل، الإمام المطيع لله أمير المؤمنين، لفلان بن فلان. إنك رفعت قصّتك تذكر حال ضيعتك المعروفة بكذا وكذا، من رستاق كذا وكذا، من طسّوج كذا وكذا، وأنها أرض رقيقة قد توالى عليها الخراب وانغلق أكثرها [بالسدّ والدّغل] ، وإنّ أمير المؤمنين أمر بمقاطعتك عن هذه الضّيعة على كذا من الورق المرسل [في كل سنة] على استقبال سنة كذا وكذا الخراجيّة، مقاطعة مؤبّدة، ماضية مقرّرة نافذة، يستخرج مالها في أوّل المحرّم من كلّ سنة، ولا تتبع بنقض ولا بتأوّل متأوّل فيها، ولا يعترض معترض في مستأنف الأيّام [إن] اجتهدت في عمارتها، وتكلّفت الإنفاق عليها، واستخراج سدودها، وقفل أراضيها، واحتفار سواقيها، واجتلاب الأكرة إليها، وإطلاق البذور والتقاوي فيها، وإرغاب المزارعين بتخفيف طسوقها بحقّ الرّقبة ومقاسماتها، وكان في ذلك توفير لحقّ بيت المال، وصلاح ظاهر لا يختلّ. وسألت أمير المؤمنين الأمر والتقدّم بالإسجال لك به، وإثباته في ديوان السّواد ودواوين الحضرة وديوان الناحية، وتصييره ماضيا لك ولعقبك وأعقابهم، ولمن لعلّ هذه الضيعة أو شيئا منها ينتقل إليه ببيع أو ميراث أو صدقة أو غير ذلك من ضروب الانتقال: وإنّ أمير المؤمنين بإيثاره الصلاح، واعتماده أسبابه، ورغبته فيما عاد بالتّوفير على بيت المال والعمارة للبلاد والترفيه للرعية، أمر بالنّظر فيما ذكرته، واستقصاء البحث عنه، ومعرفة وجه التدبير، وسبيل الحظ فيه، والعمل بما يوافق الرّشد في جميعه. فرجع إلى الديوان في تعرّف ما   [718] صبح الأعشى 13: 124 (مع اختلاف) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 حكيته من أحوال هذه الضّيعة، فأنفذ منه رجل مختار ثقة مأمون من أهل الخبرة بأمور السواد وأعمال الخراج، قد عرف أمير المؤمنين أمانته وديانته، وعلمه ومعرفته؛ وأمر بالمصير إلى هذه الناحية، وجمع أهلها من الأدلّاء والأكرة والمزارعين وثقات التّناء والمجاورين، والوقوف على هذه الأقرحة، وإيقاع المساحة عليها، وكشف أحوال عامرها وغامرها، والمسير على حدودها، وأخذ أقوالهم وآرائهم في وجه صلاح وعمارة كلّ قراح منها، وما يوجبه صواب التدبير فيما التمسته من المقاطعة بالمبلغ الذي بذلته، وذكرت أنّه زائد على الارتفاع، والكتاب بجميع ذلك إلى الديوان ليوقف عليه، ورسم ما يعمل عليه، وينهى إلى أمير المؤمنين فينظر فيه: فما صحّ عنده منه أمضاه، وما رأى الاستظهار على نظر النّاظر فيه استظهر فيما يرى منه، حتى يقف على حقيقته، ويرسم على ما يعمل عليه. فذكر ذلك الناظر أنه وقف على هذه الضّيعة وعلى سائر أقرحتها وحدودها، وطافها «1» بمشهد من أهل الخبرة بأحوالها من ثقات الأدلّاء والمجاورين والأكرة والمزارعين والتّنّاء الذين يرجع إلى أقوالهم ويعمل عليها؛ فوجد مساحة بطون الأقرحة المزروعة من جميعها، دون سواقيها ومروزها «2» وتلالها وجاريتها «3» ومستنقعاتها، وما لا يعتمل «4» من أراضيها، بالجريب الهاشمي الذي تمسح به الأرض في هذه الناحية كذا وكذا جريبا، منها [جميع] القراح المعروف بكذا وكذا، ومنها موضع الحصن والبيوت والساحات والراحات «5» والبراحات والخرابات «6» ، ووجد حالها في الخراب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 والانسداد وتعذّر العمارة والحاجة إلى عظيم المؤونة ومفرط النفقة على ما حكيته وشكوته. ونظر في مقدار أصل هذه الجربان «1» من هذه الضّيعة، وما يجب عليها، وكشف الحال في ذلك. ونظر أمير المؤمنين في ما رفعه هذا المؤتمن المنفذ من الديوان، واستظهر فيه بما رآه من الاستظهار، ووجب عنده من الاحتياط، فوجد ما رفعه صحيحا صحة عرفها أمير المؤمنين وعلمها، وقامت في نفسه وثبتت عنده، ورأى إيقاع المقاطعة التي التمسها «2» على حقّ بيت المال في هذه الضيعة، فقاطعك عنه في كلّ سنة هلاليّة، على استقبال سنة كذا وكذا الخراجية، على كذا وكذا درهما براسم «3» صحاحا مرسلة بغير كسر ولا كفاية «4» ولا حقّ جزر «5» ولا جهبذة، ولا محاسبة ولا زيادة، ولا شيء من جميع المؤن وسائر التّوابع «6» والرسوم، تؤدى في أوّل المحرّم من كلّ سنة حسب ما تؤدّى المقاطعات، مقاطعة ماضية مؤبدة نافذة ثابتة على مضيّ الأيام وكرور الأعوام، لا تنقض ولا تفسخ ولا تتبع ولا يتأوّل فيها ولا تغيّر، على أن يكون هذا المال، وهو من الورق المرسل، كذا وكذا في كلّ سنة مؤدّى إلى بيت المال، ومصحّحا عند من يورّد عليه إلينا في هذه الناحية أموال خراجهم ومقاطعاتهم وجباياتهم، لا يعتلّ فيها بآفة تلحق الغلّات، سماوية ولا أرضية، ولا بتعطيل أرض، ولا نقصان ريع، ولا بانحطاط سعر، ولا بتأخّر قطر، ولا بشوب غلّة، ولا بحرق ولا سرق، ولا بغير ذلك من الآفات، بوجه [من الوجوه] ولا سبب من الأسباب؛ ولا يحتجّ في ذلك بحجّة يحتجّ بها التّنّاء والمزارعون وأرباب الخراج في الالتواء بما عليهم، وعلى أن لا تدخل عليك في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 هذه المقاطعة يد ماسح ولا مخمّن ولا حازر، ولا مقدّر ولا أمين ولا خاطر «1» ولا ناظر، ولا متتّبع «2» ولا متعرّف لحال زراعة وعمارة، ولا كاشف لأمر زرع وغلة، ماضيا ذلك لك ولعقبك من بعدك وأعقابهم، وورثتك وورثتهم، أبدا ما تناسلوا، ولمن عسى أن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه بإرث أو بيع أو هبة أو نحل أو صدقة أو وقف أو مناقلة أو إجارة أو مهايأة، أو تمليك أو إقرار أو بغير ذلك من الأسباب التي تنتقل بها الأملاك من يد إلى يد، ولا ينقض ذلك ولا شيء منه ولا يغيّر ولا يفسخ، ولا يزال ولا يبدّل ولا يتعقّب، ولا يعترض فيه معترض بسبب زيادة عمارة، ولا ارتفاع سعر، ولا وفور غلّة، ولا زكاء ريع، ولا إحياء موات، ولا اعتمال معطّل، ولا عمارة خراب، ولا استخراج غامر، ولا إصلاح شرب، ولا استحداث غلّات لم يجر الرسم باستحداثها وزراعتها، ولا يعدّ ولا يمسح ما عسى أن يغرس في هذه الأقرحة من النخل وأصناف الشجر المعدود والكروم، ولا يتأوّل عليك بما لعلّ أصناف «3» المساحة أن يزيد به فيما يعمّره ويستخرجه من الجبابين والمستنقعات، ومواضع المشارب المستغنى عنها، إذ كان أمير المؤمنين قد عرف ذلك، وجعل كل ما يجب على كلّ شيء منه عند وجوبه داخلا في هذه المقاطعة وجاريا معها. وعلى أنّك إن فضّلت شيئا من مال هذه المقاطعة على بعض هذه الأقرحة من جميع الضيعة، وأفردت باقي مال المقاطعة بباقيها عند ملك ينتقل منها عن يدك، أو فعل ذلك غيرك، ممن جعل له في هذه المقاطعة ما جعل لك، من ورثتك وورثتهم، وعقبك وأعقابهم، ومن لعلّ هذه الضيعة أو شيئا من هذه الأقرحة ينتقل إليه بضرب من ضروب الانتقال قبل ذلك التفضيل منكم عند الرضا، والاعتراف ممن تفضّلون باسمه، وتحيلون عليه، وعوملتم على ذلك، ولم يتأوّل عليكم في شيء منه. وعلى أنّك إن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 التمست أو التمس من يقوم مقامك ضرب منار على هذه الضيعة تعرف به رسومها وطسوقها وحدودها، ضرب ذلك المنار أيّ وقت التمستموه، ولم تمنعوا منه، وإن تأخّر ضرب المنار لم يتأوّل عليكم به، ولم يجعل علّة في هذه المقاطعة، إذ كانت شهرة هذه الضّيعة وأقرحتها في أماكنها، ومعرفة مجاوريها بما ذكر من تسميتها ومساحتها، يغني عن تحديدها أو تحديد شيء منها، ويقوم مقام المنار في إيضاح معالمها، والدّلالة على حدودها وحقوقها ورسومها. وقد سوّغك يا فلان بن فلان أمير المؤمنين وعقبك من بعدك وأعقابهم وورثتك وورثتهم أبدا ما تناسلوا، ومن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه، جميع الفضل بين ما كان يلزم هذه الضّيعة أو أقرحتها من حقّ بيت المال وتوابعه، على الوضيعة التّامّة وعلى الشّروط القديمة، وبين ما يلزمها على هذه المقاطعة، وجعل ذلك خارجا عن حاصل طسوج كذا وكذا، وعما يرفعه المؤتمنون، ويوافق عليه المتضمّنون، على غابر الدّهور ومرّ السنين وتعاقب الأيّام والشهور، فلا يقبل في ذلك سعاية ساع، ولا قدح قادح، ولا قرف قارف، ولا إغراء مغر، ولا قول معتب، ولا يرجع عليك فيما سوّغته ونظر إليك به بحال من الأحوال، ولا برجوع في التقديرات، ولا بنقض للمعاملات وردّها إلى قديم أصولها، ولا ضرب من ضروب الحجج والتأويلات، التي يتكلّم عليها أهل العدل على سبيل الحكم والنظر، وأهل الجور على سبيل العدوان والظّلم. ولم تكلّف يا فلان بن فلان، ولا عقبك من بعدك ولا ورثتك وأعقابهم، ولا أحد ممّن تخرج هذه الضيعة أو هذه الأقرحة أو شيء منها إليه على الوجوه والأسباب كلّها، إخراج توقيع ولا كتاب مجرّد، ولا منشور بإنفاذ شيء من ذلك، ولا إحضار سجلّ به، ولا إقامة حجّة فيه في وقت من الأوقات. وعلى ألا يلزمك ولا أحدا ممّن يقوم في هذه المقاطعة مقامك مؤونة ولا كلفة ولا ضريبة ولا زيادة ولا بقسط كري ولا مصلحة ولا عمل بزند، ولا نفقة ولا مؤونة حماية ولا خفارة، ولا غير ذلك. ولا يلزم بوجه من الوجوه في هذه المقاطعة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 زيادة على المبلغ المذكور المحدود المؤدّى في بيت المال في كلّ سنة خراجية، وهو من الورق المرسل كذا وكذا، ولا يمنع من روز جهبذ أو حجّة كاتب أو عامل بمال هذه المقاطعة إذا أدّيته وأدّيت شيئا منه أوّلا، حتى يتكامل الأداء وتحصل في يدك البراءة كلّ سنة بالوفاء لجميع المال لهذه المقاطعة، وعلى أن تعاونوا على أحوال العمارة وصلاح الشّرب، وتوفّر عليكم الصّيانة والحماية والذّبّ والرّعاية. ولا يتعقّب ما أمر به أمير المؤمنين أحد من ولاة العهود والأمور والوزراء وأصحاب الدواوين، والكتّاب والعمّال والموفين والضمناء والمؤتمنين، وأصحاب الخراج والمعاون وجميع طبقات المعاملين وسائر ضروب المتصرّفين، لشيء يبطله أو يزيله عن جهته، أو ينقضه أو يفسخه أو يغيّره أو يبدّله، أو يوجب عليك أو على عقبك من بعدك وأعقابهم وورثتهم أبدا ما تناسلوا، و [من] تخرج هذه الضيعة أو شيء منها إليه، حجة على سائر طرق التأويلات، ولا يلزمكم شيئا ولا يكلّفكم عوضا من إمضائه؛ ولا ينظر في ذلك أحد منهم نظر تتبّع ولا كشف ولا فحص ولا بحث. وإن خالف أحد منهم ما أمر به أمير المؤمنين أو تعرّض لكشف هذه المقاطعة أو مساحتها أو تخمينها، أو اعتبارها أو الزيادة في مبلغ مالها، أو ثبّت في الدواوين في وقت من الأوقات شيء يخالف ما رسمه أمير المؤمنين فيها، إما على طريق السّهو والغلط أو العدوان والظّلم والعناد والقصد، فذلك كلّه مردود باطل منفسخ، وغير جائز ولا سائغ، ولا قادح في صحة هذه المقاطعة وثبوتها ووجوبها، ولا معطّلا لها، ولا مانعا من تلافي السّهو واستدراك الغلط في ذلك، ولا مغيّرا لشيء من شرائط هذه المقاطعة، ولا حجة تقوم عليك يا فلان بن فلان، ولا على كلّ من يقوم مقامك في هذه المقاطعة بشيء من ذلك، إذ كان يأمر به أمير المؤمنين في ذلك على وجه من وجوه الصلاح وسبيل من سبله، رآهما وأمضاهما، وقطع بهما كلّ اعتراض ودعوى، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 واحتجاج وقرف، وأزال معهما كلّ بحث وصفح «1» ، وتبعة وعلاقة. وإن كان من الشرائط فيما سلف من السنين، وخلا من الأزمان، ما هو أوكد وأتمّ وأحكم، وأحوط لك، ولعقبك وورثتك وأعقابهم وورثتهم، ومن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليهم، مما شرط في هذا الكتاب، لحال أوجبها الاحتياط «2» على اختلاف مذاهب الفقهاء والكتّاب، وغيرهم مما للخلفاء أن يفعلوه وتنفذ فيه أمورهم، حملت وحملوا عليه، وهو لكم ومضاف إلى شروط هذا الكتاب التي قد أتى عليها الذكر، ودخلت تحت الحصر «3» ، ولم يكلّف أحد منكم إخراج أمر به. [وإن] التمست أو أحد من ورثتك وأعقابك، ومن عسى أن تنتقل هذه الضيعة أو هذه الأقرحة أو شيء منها إليه في وقت من الأوقات، تجديدا بذلك، أو مكاتبة عامل أو مشرف، أو إخراج توقيع أو منشور إلى الديوان بمثل ما تضمّنه هذا الكتاب، أجبتم إليه ولم تمنعوا منه. وأمر أمير المؤمنين بإثبات هذا الكتاب في الدواوين، وإقراره في يدك، حجّة لك ولعقبك من بعدك وأعقابهم وورثتك وورثتهم، وثيقة في أيديكم، وفي يد من عسى أن تنتقل هذه الضّيعة إليه، أو الأقرحة أو شيء منها، بضرب من ضروب الانتقال التي ذكرت في هذا الكتاب والتي لم تذكر فيه، وأن لا تكلّفوا إيراد أمر بعده، ولا يتأوّل عليكم متأوّل فيه. فمن وقف على هذا الكتاب وقرأه أو قرىء عليه من جميع الأمراء وولاة العهود والوزراء والكتّاب والعمّال والمشرفين والمتصرّفين والنّاظرين في أمور الخراج، وأصحاب السيوف على اختلاف طبقاتهم وتباين منازلهم وأعمالهم، فليمتثل ما أمر به أمير المؤمنين فيه ولينفّذ لفلان بن فلان ولورثته ولورثتهم وعقبه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 وأعقابهم، ولمن تنتقل هذه الأقرحة أو شيء منها إليه، بهذه المقاطعة، من غير مراجعة فيها ولا استئمار عليها، ولا تكليف أحد ممّن يقوم بأمرها إيراد حجّة بعد هذا الكتاب، وليعمل بمثل ذلك من وقف على نسخة من هذا الكتاب في ديوان من دواوين الحضرة وأعمالها والناحية، وليقرّ في يد فلان بن فلان ويد من يورده ويحتجّ به ممّن يقوم مقامه، إن شاء الله تعالى. وكتب الوزير فلان في تاريخ كذا. 719- فصل من كتاب لأحمد بن إسماعيل الكاتب، المعروف بنطاحة: البليغ من عرف السّقيم من المعتلّ، والمقيّد من المطلق، والمشترك من المنفرد، والمنصوص من المتأوّل، والإيماء من الإيحاء، والفصل من الوصل، والأصل من الفصل، والتّلويح من التّصريح. ومن شروط البليغ أن يكون حادّ الفطنة، صحيح القريحة، صافي الذّهن، وأن يعرف في وجهه التحفظ وسجيّة المتحرّز، والخجل والوجل، ويتبيّن في لحظه الرضى والغضب، والسرور والحزن، والأمن والخوف، والأمر والنهي، والذكاء والغباء، والفكر والسهو. 720- وجدت كتابا منسوبا إلى ابن العميد كتبه إلى الصاحب أبي القاسم ابن عباد- وفيه ما يشكك في قبوله- وفيه اذكار بسياسة مستفادة: مولاي وإن كان سيدا بهرتنا نفاسته، وابن سيّد تقدّمت علينا رياسته، فإننا نعتدّه سندا ووالدا، وأعدّه ولدا واحدا، ومن حقّ ذلك أن يعضد رأيي رأيه ليزداد استحكاما، ويستمرّ عقدا وإبراما، وحضرة مجلس ركن الدولة تفاوضني ما جرى بينه وبين مولاي طويلا، ووصل به كلاما بسيطا، وأطلعني على أنّ مولاي لم يزد بعد الاستقصاء والاستيفاء على التقضي والاستعفاء وألزم عبده أنا أن أكره مولاي إكراه المسألة وأجبره إجبار الطلبة، علما بأنه إن دافع المجلس المعمور طلبا للتحرز، لم يزد وساطتي أخذا بالتطول. وأقول بعد أن أقدم مقدمة: مولاي غني عن هذا بتصوّنه وتقلله وعزوفه بهمته عن تكاثر المال وتحصيله، ولكن العمل فقير إلى كفايته، محتاج إلى كفالته. وما أقول ومرادي ما يعقد من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 حساب، وينشأ من كتاب، ويستظهر به من جمع، وعطاء ومنع. فكل ذلك وإن كان مقصودا، وفي آيات الوزارة معدودا، ففي كتّاب مولاي من يفي به ويستوفيه، ويوفي عليه بأيسر مساعيه، ولكن ولي النعمة يريده لتهذيب من هو وليّ عهده، والمأمول ليومه وغده، أيد الله أيامه وبلّغه فيه مرامه. فلا بدّ وان كان الجوهر كريما، والمجد صميما، والسنخ عظيما، ومركب العقل سليما، من مناب من يعلم ما السياسة والرئاسة، وكيف تدبّر العامّة والخاصة، وبماذا تعقد المهابة، ومن أين تجتلب الأصالة والإصابة، وكيف ترتّب ويعالج الخطب إذا ضاقت المذاهب، وتعصى الشهوة لتحرس الحشمة، وتهجر اللّذة لتحصيل الإمرة. ولا بدّ من محتشم يقوم في وجه صاحبه فيردّه إذا بدر منه الرأي المتقلّب، ويراجعه إذا جمح به اللّجاج المرتكب، ويعاوده إذا ملكه الغضب المنتشر. فلم يكن السبب في أن فسدت جهة وبلدان عدّة، إلا أن خفضت أقدار الوزارة فانقبضت أطراف الإمارة. ولن تفسد- على ما أرى- بقيّة الأرض إلا إذا استعين بالأذناب على هذا الأمر. فلا يبخلنّ مولاي على وليّ نعمته بفضل معرفته، فمن هذه الدولة جرى ماء فضله وفضل شيخه من قبله. فإن كان مسموعا كلامي، وموثوقا به اهتمامي، فلا يقعنّ انقباض عني، ولا إعراض عما سبق مني. ومولاي محكّم بعد الإجابة إلى العمل فيما يشترط، غير مراجع فيما يقترحه. وهذا خطي به، وهو على وليّ النعمة حجة، لا يبقى معها شبهة، وتتأصّل المكاتبة بالمشافهة إما بحضوري لديه، أو تجشّمه إلى هذا العليل الذي قد ألّح النقرس عليه، والسلام. 721- نسخة كتاب ورد من الصاحب إسماعيل بن عباد إلى أبي «1» عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان: كتابي، أطال الله بقاء الأستاذ مولاي ورئيسي، أدام الله تأييده ونعماءه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 يوم كذا، ومولانا الأمير السيّد فخر الدولة شاهنشاه، أطال الله بقاه، وكبت أعداه، فيما يرفع الله من قواعد ملكه، ويعضد يمن سواعد عزه، ويعمّ من استظهاره، ويفسح من أفنية استيلائه واقتداره، على ما تقرّ به عيون أولياء الدولة، وأنصار البيضة، وحماة الحوزة، وثقات الدعوة. وأنا سالم والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين، وعندي للأستاذ مولاي كتب أنا رهين برّها، وعبد «1» شكرها، وما عن تقصير في حقّها ذهبت عن الإجابة، ولا لاقصار عن فرضها قبضت يدي عن الكتابة. وكيف وقد علم من له الخلق والأمر، وسواء عنده السرّ والجهر، أنّي لم أستفد منذ دهر، لا أضبط أطرافه امتدادا، ولا أحصي أيامه تعدادا، موهبة في نفسي أكرم منبتا من ودّه، وفي صدري أوكد موثقا من عهده، ولكن حوادث اعترضت وأجحفت، وكوارث ألحّت فألحبت، وأتت الليالي بما لم يحسب طروقه، وهجمت الخطوب بما لم يرتقب حدوثه، ومضى أمير الأمراء وسعيد السعداء، رضوان الله عليه، فعاد النهار أسود، والعيش أنكد، والملك أغبر بل أربد، وأصبحت خصوما والحياة خصم يمال عليه، والموت سلّم نحن إليه. وقد كان قدّس الله مثواه وأكرم مأواه، عند بلوغ الأمر إلى حيث لا مطمع في العمر، أشار إلى مولانا الأمير السيّد فخر الدولة إشارة الناصّ، وعيّن على ذكره بالاسم الخاصّ، عالما بأنّه سداد الأمر، وسداد الثغر، والكافل معه بالشمل حتى يجتمع، وبالحبل حتى يتّصل، وبالشعث حتى يلمّ، وبالنشر حتى يضم. فحقق الله مخيلته في حياته، وحفظ حقيقته بعد وفاته. وقبل ذلك ما كان- سوّغه الله تعالى رضوانه- كلّفني الاستمالة به- أدام الله سلطانه- لتمار تلك الأحقاد عن الصدور، وتقارّ عواطف النفوس والقلوب، ويتساهم إحسان الله الموفور، لاسيما وقد تخوّن الدهر الملك السعيد طود الأطواد، وعضد الأعضاد، فوجب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 أن يزاد في التناصر، ويحصّن الملك بالتظاهر. وبذلت جهد النّاصح، وهديت بالأدب الصالح، إلى الطريق الواضح، فثنى الأمير السيّد فخر الدولة عنانه عن نيسابور لإعادة الألفة، وجدّ على سمت جرجان ماحيا للنّبوة، إلا أنّ القضاء سبق فلم يلحق، وفرط فلم يدرك، وقبض أمير الأمراء- قدّس الله روحه- إلى قبضة الرحمة، والصلوات الجمّة، بعد أن ذلّل الخصوم، وأدال القروم، واسترقّ الأعداء، وساس الدّهماء، واستقلّ بالأعباء، وخلّف أطيب الأبناء. فخدمت الدولة بالضبط بقدر ما استطعت، وتكلّفت بقدر ما كفلت له واتسعت، إلى أن عاد مولانا فخر الدّولة إلى منصبه الممهود، وسريره الموروث، ورواق عزّه الممدود، ومستقرّ ملكه المنصور، فتجلّت الغمم، ونهضت الهمم، وقويت المنن، وانزاحت الظّلم، وأصفقت الكافّة، ونزلت الرحمة والرأفة، وشفى الله صدور قوم مؤمنين، وقيل الحمد لله ربّ العالمين. ورأى أهل البصائر أن قد أعاد الله الدولة أجدّ ما شوهدت، وأشبّ ما عوهدت، نافضة غبارها، رافعة منارها، خافقة بلوائها، مستعلية على أعدائها، مرسية بدعامتها عند من يوفّيها نذورها، ومفوّضة زعامتها إلى من يحميها محذورها. فكان من أول ما فاتحته- حرس الله ملكه- فقرأت منه صحيفة السعادة، وأخذت منه بوثيق الإرادة، ما أعلمنيه من عكوف همّته على عمارة ما أثّله الأمراء السعداء بينهم قبل انخراطها في سلك الاتفاق، وانحطاطها في شعب الائتلاف، ودعا الأمراء السادة من أهله- بحق الكبر وفضل التجريب لأطوار الدّهر- إلى التّناصر والتناصف، والإعراض عن التّباعد والتّخالف، ورفض المنافسة التي تهيج كوامن النفوس، وتثير سواكن القلوب، فقد آتى الله تعالى في التماسك فسحة، ولم يوجد في المشاحنة المباينة رخصة. هذا ولو كانت على أشدّ تضايق وأتمّ تقارب، لوجب أن يتساهم عليها، فإنّ يسير الحظّ مع التعاون والتآزر خير من كثيره مع التقاطع والتّدابر. فإن كان منهم من تأخذه العزّة بالإثم، ويبغي تجاوز سابق الوصيّة والحكم، كانت الجماعة يدا عليه، إلى أن يفيء للحسنى، ويعود طوعا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 أو كرها للطريقة المثلى. فأما الذي عنده- أعلى الله جدّه- لمولانا الأمير صمصام الدولة وشمس الملّة، فالانصباب بالمودّة التي لا مطلع من بعدها، ولا منزع من وراء حدّها، وبالإشفاق المتناهي إلى حيث لا اقتراح وراءه للمريد، ولا استزادة لملتمس المزيد، والله يمنع بعضا ببعض، ويمدّ هذه الظلال على بسيط الأرض، حتى لا يعرف لها من سواهم ملك يطاع، ولا مالك يقع عليه الإجماع، إنّ الله سميع مجيب. وأرجع إلى ما افتتحت له المخاطبة. كان كتاب الأستاذ الأوّل قد ملأ اليدين فضلا، وحمّل الكاهل ثقلا، وأيقنت أنّ أولى المودّات بالثقة الوكيدة، وأحراها بالاستقامة الشديدة، مودّته التي طلعت من أفق فضل، وشيّدها كرم أصل، فأتت تبرّعا من غير استجلاب، وتطوّعا من دون استكراه، ورجوت أن أكون نعم الناهض بحقّ المقاطعة، وإن حاز بالمبرّة الرتبة السابقة، ووجدته قد بذل من نفسه في المشاركة، ما لو كلّفته إيّاه لكنت متحكّما، أو مائلا على جانبه، متسحّبا، فغدوت أرى الحال بيننا أولى ما أصرف الهمم إلى حفظه من جوانبه، وأوكل الفكر بحراسته، عن الدّهر ونوائبه. وليس ذلك إلا نتيجة ما قدّمه، وثمرة ما تجشّمه، وإلا فقد علم الأستاذ أنّ كثيرا ممّن سدّ خصاص المجلس الذي سدّه، وإن لم يسدّ في الكفاية والبراعة مسدّه، كاثرني فحققت، وباسطني فتقبضت، لا تقصيرا بالواحد، ولكن علما بالمصادر والموارد. فلما وجدت من جمع مزيّة الاستقلال إلى كرم الخلال، وشرف النجار إلى من كان أهلا للإكبار، ومن هنئت به الأمور قبل أن يهنّا، وأولاه الله أدب الصدور قبل أن يولّى، أرسلت نفسي على سجيّتها، وأعدتها لفطرة أوّليتها، وظننت الله قد أنشر الفضلاء الأعيان الذين كنت أتجمّل بودادهم، وأتكثّر باعتقادهم، وآنست قلّة الصديق من بعدهم. والآن حين أعتب الزّمان فغفرت له أكثر جرائره، وسحبت ذيل التجاوز على معظم جرائمه، ورد بعده كتابان جعلا التفضّل منه عادة، والبرّ إبداء وإعادة. ولو قد وفيت بما سبق، لوفيت الحقّ في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 ما لحق، إلا أني إلى الآن معذور أو معتذر، ومقصر أو مقتصر. ولئن كانت محامد الأستاذ مولاي تسابق يقين العارف، وتستغني عن لسان الواصف، إني قد خطبت في مجلس مولانا الأمير السيّد فخر الدولة فيها بخطب إن لم تفتتح بالتحميد فقد شحنت بالتعظيم، وإن لم تكن قرئت على درج المنابر، فقد تليت في أشرف المحاضر، وحقّقت عنده أنّ الأستاذ مولاي يرى الخدمتين خدمة واحدة، ويعدّ الغائبة شاهدة، واعتدّ لذلك أشدّ اعتداد، فأسلف عنه أتمّ إحماد. وقد نفذ إليه عن حضرته العالية ما ليس بغاية يوقف عندها، حتى تردف مع استقرار المخاطبات بما يجب بعدها، بمشيئة الله. وإذ قد جمعنا الله على ما جمع فالانقباض هجنة، والاحتشام وصمة. وكنت- أدام الله تأييد الأستاذ- وقد يسّر الله من سدّ الثّلمة ما استدعت النفوس أن ينسدّ، وسهّل من ارتداد الظلمة ما استبعدت العقول أن يرتد، آمل ظفرا بما لم أزل أنازع إليه، وأقارع الآمال عليه، من اعتزال الأشغال التي كان يحسن الانقطاع إليها، وفي الأيام بقية، والعمر في إقباله، والنشاط في استقباله، والشباب بحاله، والأشدّ على استقلاله؛ إلا أنّ مولانا الأمير خاطبني في هذا الباب بمخاطبات لم أستطع معها أن أبلغ ما أردت، وأيمّم إلى حيث قصدت، وأنتهي في التعظيم إلى ما لا يقسم للمشارك القسيم، فلم أطق شكر نعمته إلا بأن أتطوّق فرض خدمته، وأوردت هذا الفصل اعتذارا إلى الوفاء وأهله، من النظر بعد ما لا تؤرّخ السّير بمثله، وإنه كان الله قد أدال من القنوط اللازم بالإحسان الفائض، وانتضى للملك أكمل سائس وأشرف رائض. وقد خاطبت أبا العلاء في كلّ باب بما يؤدّى فيه حق المناب، وعلى ذكره فإني أرعى له حقوقه التي لديّ ووسائله إليّ أن أدّى إليّ عن الأستاذ مولاي ما كتب بالإخلاص على سواد القلب، وجعل المودة شريعة لا تعقب بالنسخ؛ فإن رأى مولاي الأستاذ أن يخاطبني بما يخاطب الموثوق به، المسكون إليه، المعتمد منه ما لا استظهار عليه، ويقرر عند مولانا الأمير صمصام الدّولة وشمس الملّة، أني وإن غبت فخادم متصرّف بإخلاص حاضر، وعبد قد ورثه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 كابرا عن كابر، ويصرفني بين أمره ونهيه، فعل، إن شاء الله تعالى. 722- نسخة الجواب من إنشاء أبي إسحاق الصابي: كتابي، أطال الله بقاء سيّدنا الصاحب، وأدام عزّه وتأييده وعلوّه، ونعم الله عند مولانا الملك السيّد صمصام الدّولة وشمس الملّة- أطال الله بقاه، وأدام نصره وعلاه- سابغة راهنة، وأحوال مملكته- رعاها الله- مستقيمة منتظمة، والله جلّ اسمه متكفّل له بحفظ الحوزة وحياطتها، وإظهار الراية ونصرتها، والتمكين في الأرض بأفضل ما مكّن به للملوك المؤيّدين، وولاة الأمر المنتخبين المختارين، تصاعدا وسموّا وتزايدا «1» ونموّا، وتوقّلا في هضبات الفخر والمجد، وترقّيا في درجات الحظّ والجدّ، وهو- أدام الله أيامه- مقابل لذلك بالشّكر لوليه «2» ، والاستمداد للطيف صنعه فيه، ومدّ الظّلّ الظّليل على كلّ عامّ وخاصّ، وإفاضة الفعل الجميل في كلّ دان وقاص، فالأولياء على طاعته مجمعون، وفيها مخلصون، والرعايا في كنف سياسته وإيالته ساكنون وادعون. وأما ما خصّني الله به من تفويضه إليّ وتعويله عليّ، وإنفاذه أمري في البسط عنه والقبض، والإعلاء والخفض، فلساني يقصّر عن ذكره موجزا مجملا، فكيف به مشروحا مفصّلا. والحمد لله على ذلك حمدا ينتهي باتّصاله وترادفه، وتوافيه وتضاعفه، إلى مجازاة هذه المنن كلّها، وإن كانت استطاعتنا متخلّفة عنها وواقفة دونها، وناقصة عن الوفاء بحقّها، حتى يتممه عفوه وفضله، وإحسانه وطوله. وفضل كتاب سيّدنا الصاحب، منصورا بنظير ما صدر كتابي هذا، من منائح الله الجليلة، لما في نفسه ولي فيه ولنا جميعا، في سلامة مولانا الأمير الأجلّ فخر الدولة، أطال الله بقاءه، وأدام تمكينه ونعماءه، وانتظام أحواله واطّراد شؤونه ونفاذ أمره، في ما أحسن الله توفيقه له، وإرشاده إليه من توفيته حقّه، وإنزاله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 منزلته، وإيفائه به إلى أعلى مراقي الكمال والفضل، ومفيضا عليّ من صنوف البرّ والإكرام، وضروب المنن الجسام، ما يستعبد الأحرار بأقلّه، وتسترقّ الأعناق بأيسره، ومفوّضا «1» إليّ من جلائل الأمور ومعاظم الشّؤون، ما يجب أن تكون المفاوضات بيننا فيه متردّدة، وسبل المواصلة به وبأمثاله معمورة، وفهمته. فأما تذمّم سيّدنا الصاحب من تأخّر الأجوبة عن كتبي المتواترة إليه، واعتذاره من ذلك بما اعتذر به، فقد قام عندي إحضاره إياها، وحفظه عددها، وتوكّل فكره ومراعاته بها، وجمعه الجواب عنها في الكتاب الذي هذا جوابه، مقام المكاتبة الجارية على المواظبة، المستمرّة على المداومة، لاسيما مع ما تناولني به من لفظه الجميل، وبرّه الهني، ومطاولته البالغة، ومناقشته الشافية، وعلى حسب ظمأي- كان- إلى ذلك والتياحي، وسروري الآن به وارتياحي. وهذه حال تخفّف عنه كلفة الاعتذار، وتوجب له مزيدا في الاعتداد، لا أعدمني الله تحمّل عوارفه، وتطوّل مننه، مع الإنهاض بها، والمعونة على شكرها. وأما ما ذكره سيّدنا الصاحب من الأثقال الفادحة التي حملها، والأمور المنتشرة التي نظمها، بين الرزيّة في أمير الأمراء مؤيّد الدولة، رضي الله عنه، التي نكأت القلوب وأقرحت الأكباد، وبين العطيّة في مولانا الأمير الأجلّ فخر الدولة التي أقرّت العيون، وأثلجت الصدور، فلقد كنت لجميع ذلك متصوّرا وبه محيطا، ولو لم أعلمه بالمراعاة، وأضرب فيه بسهم الموالاة، لعلمته بالقياس والاستدلال، لأني كافحت الثانية للأولى، ولاقيت الداهية الجلّى في الملك الأعظم، والسيّد المقدّم عضد الدولة وتاج الملّة، لقّاه الله روحه وريحانه، وبوّأه جنّته ورضوانه، وقاسيت شدائد متعبة فيما خدمته به أيام علّته المتطاولة، وفيما نفّذته بعده من وصاياه المؤكّدة. ولما انتقل إلى جوار ربّه وانقلب إلى كرامته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 وعفوه، ثنيت وجهي إلى احتذاء مراسمه، وامتثال أوامره، فيما عقده من العهد للملك القائم بعده، السادّ ثلمة مكانه، الوارث شرف منزلته، المستقرّ في علياء رتبته، مولانا صمصام الدولة وشمس الملّة، مستمليا فيما أخذت وتركت، وأوردت وأصدرت، من سديد آرائه، ومستضيئا بوميض لألائه، وضاربا وجوه النوائب بيمن طائره، وسعادة طالعه، إلى أن تجلّت غماؤها، وأسمح إباؤها، وتذللت صعابها، وتفلّلت أنيابها، وضربت الدولة بجرانها، واستعلت بأركانها، واطمأنّت على مهادها، وطرف الله عين شنائها وحسّادها؛ هذا على شوائب كانت تعترض ثم تقلع، وتطلّ ثم لا تقشع، لا تخلو الدول المتجدّدة من اعتنان أمثالها وأشكالها، وأحسن بها مع حسن عقباها ومآلها. فلو وصفت لسيّدنا ما مرّ بي في هذه الأحوال من إصلاح الفاسد، وتقويم المائد، وقبض المنبسط، وإرضاء المتسخّط، وتألّف المخالف، واستقادة المتجانف، ومقابلة كلّ داء بدوائه، وتعديل كلّ أمر خيف من اضطرابه والتوائه، لطال الخطب واتصل القول. وأنا أحمد الله على أن جمع بيننا فيما تولّانا به من المعونة التي قضينا بها حق موالينا الأمراء السادة، صلوات الله على من مضى منهم وسلف، وأطال الله بقاء من قام بعدهم وخلف، وإيّاه أسأل إدامتهم والزيادة فيها، ليشار إلينا في المستقلّين بحمل أياديهم، كما يشار إليهم في الإنعام على مواليهم، بمنّه وطوله. وأما ما أورده سيّدنا الصاحب في الحضّ على التآلف والتعطّف، والنهي عن التقاطع والتّدابر، فمثله- ولا مثل له- قال ذلك وأرشد إليه، وأشار به وحثّ عليه. وحقيق علينا فيما نلتزمه من شكر النّعم التي خصّتنا خصائصها، وتظاهرت علينا ملابسها، أن نكرّر على أسماع موالينا ما يعود عليهم وعلينا في ظلّهم، باجتماع الشّمل، واتّصال الحبل، والتعاضد الكابت لأعدائهم، الزّائد في عليائهم. وبالله ما أجد عند مولانا صمصام الدولة مستزادا في ذلك، ولا موضعا لبعث باعث عليه، إذ كان يرجع إلى أكرم طبيعة، وأشرف غريزة، وأفخر نجار، وأثقب رأي وأصحّ اختيار، ويرى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 لمولانا وعمه وسيدنا «1» الأمير الأجلّ فخر الدولة ما ينبغي أن يراه من الحق العظيم، والفضل الكبير، ويثق بما له عنده من مثل ذلك، ويعتقد في سيّدنا الصاحب ما يعتقد في أوّل الوزراء، وأجلّ الكبراء، والأوحد في الدولة، والمتفرّد بكلّ فضيلة، والمعوّل على رأيه، والمرجوع إلى تدبيره في ما خصّ وعمّ، وجلّ ودقّ، وما أخلّ برأب هذه الحال وعمارتها وحراستها، ونفي الأقذاء والشوائب عنها، وبلوغ كلّ غاية في تقريرها وتمهيدها، وتثبيتها وتوطيدها، غير موجب لنفسي فيها من الحمد إلا ما يجب للعارف بالحق والمؤدي للفرض. وأما تمهيد سيّدنا الصاحب عذر مولانا الأجلّ فخر الدولة، وإصداره ما صدر إليّ عن حضرته، ووعده بما وعد به من مستأنف زيادته، فقد شكرت ذلك، وتحمّلت المنّة فيه، ووثقت من سيّدنا الصاحب بأنّ كرمه وكيل لي عليه، ونائب عني عنده، في توفيتي من جهتها جميعا، ما أستحقّ بالموالاة الممحوضة غير المشوبة، والطاعة المصدوقة غير المكذوبة، وبما وسمني به مولانا الملك السيّد صمصام الدولة وشمس الملّة من نعماه وأثرته، وفوّضه إليّ من وزارته ومظاهرته، مؤهّلا لي في ذلك التفرّد والاستبداد، وذاهبا بي عما كان أمر الوزارة جاريا عليه من الشركاء والأنداد. ولست أخاف وقد عرفت لسيّدنا الصاحب حقّ السابق المجلّي أن يمنعني حقّ التالي المصلّي، في ما تراه العيون ظاهرا، أو تتناقله الأخبار سائرا، ومن ورائه باطن مني في التعبّد له، والانحطاط عنه، أشهد الله على سماحة نفسي به، وانشراح صدري له، وصل الله ما تقرّر في قلبي من إعظامه، وتحصّل في يدي من عهده وذمامه، بأحسن ما اتّصلت به ذات بين، والتأم عليه شمل فريقين، بطوله ومنّه، ومشيئته وإذنه. وقد سمعت من أبي العلاء ما أدّاه، وأجبت عنه بما اقتضاه، واعتددت له الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 شكر ما أشكره، وإن كنت لا أرضى حدّا أقف عنده في مراعاة مثله ممّن انتسب إلى جملته الجليلة، وفئته الشريفة، وكان مرسوما منها بالسفارة، موسوما بتحمّل الرسالة، وقبل ذلك وبعده، فإني أرغب إلى سيّدنا الصاحب في إمدادي بأمره ونهيه، وتصريفي في عوارض خدمته، واختصاصي بمفاوضته ومباسطته، واعتمادي بحاجاته وأوطاره، وإطلاعي على سائر أحواله وأخباره، ومتجدّد نعم الله عنده، ومواهبه له، فإن رأى أن يتوخّاني بالمنّة في ذلك، محقّقا سالف ظنّي به، ومنجزا آنف وعده، فعل، إن شاء الله تعالى. 723- كتب كاتب إلى خارجي: استزلّك الشيطان بمكره وخديعته فأطعته، ودعاك بعداوته إلى ما فيه فساد دنياك فأجبته، وخرجت إلى المعصية وقد عرفت وعورة مركبها، وصعوبة مسلكها، وخشونة مصحبها، وسوء مصرعها، ثم فعلت ذلك حين استبصر المستبصرون، وأناب المنيبون، ونزع العارفون «1» ، لما أظهر الله من فضل إمامهم ونشر من عدله، وغمر «2» به من إحسانه وفضله. 724- كتب «3» بعض الكتّاب القدماء: ليس لمن «4» قد عرف مثل الذي عرفت من فضلك عذر في إضاعة حظّه منك، ولا حجّة في الإمساك عن إذكارك بالحقوق «5» التي تربّها برعايتك. وإذا تأمّلت أمري وتصفّحت أحوال أهل دهري، علمت أنّ لكلّ رجل بضاعة ينفق بها، ووسيلة بها يتوسّل، وسوقا يجلب إليها تلك البضاعة، وأملا يقصده بتلك الوسيلة. وإنّك أولى الناس وأحقّهم بالإمساك عليّ، لأنّ سوقي ليست بنافقة عند الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 أحد نفاقها عندك، وبضاعتي ليست زاكية عند أحد كزكائها في حيزك «1» . وأنا وإن كانت الأيّام دخلت بيني وبينك، وبين حظّي منك، وعارضتني في أملي فيك، فليس إلى أن أقطع أسباب رجائي منك، وأنصرف عن الأمور الداعية إليك سبيل. وليس إمساك السماء عن طالب الغيث في حال من الأحوال، بمانع من رجائها في مستقبل الأيّام، ولا داع إلى اليأس منها في غابر الدهر. وما منعني من الكتاب إليك منذ حدثت هذه الحوادث إلا الانتظار أن تسكن النائرة، فإنّ لكلّ شيء حمة «2» ، ولكلّ مكروه مدّة، ولكلّ حادث تناهيا، فالزوال أولى به، ولا خير في مساورة النوائب وهي مقبلة، ولا في معارضة الدهر في وقت حدّته وشدّته، وربّما تطأطأ المرء للمحنة فتخطّته، وعدل عن سنن الشرّ فنجا منه، وفارق مدرجته، فأمن معرّته. وإنّ هذه المحنة لمحنة ألمّت بي، وما أعرف للزّمان فيها عذرا، ولا لما جنى عليّ منها سببا، لأنه إن كان ذلك لحال كانت بيني وبين من كنت أواصل، فو الله ما ظننت المودّات بين الناس ذنبا عند السلطان فأجتنبه، ولا جرما محتسبا فأتنكّبه. فصل من هذه المكاتبة: فأنت العدّة على الزمان، والعون على الدهر المستنجد على الأيام. وقد قصدتك بكتابي هذا لتجدّد ما لعلّ الغيبة أخلقته من الحال، فإنها ربما أحدثت في القلوب النسيان، وقد قيل في ذلك: [من الوافر] إذا ما شئت أن تنسى خليلا ... فأكثر دونه عدّ الليالي فما أسلى فؤادك مثل نأي ... ولا أبلى جديدا كابتذال ولم يرد عليّ وارد هو أبلغ من تقوية أملي واستحكام رجائي من العلم بدوام ما كنت أعهد منك، وأنّ هذه المحنة لم تؤثر عليّ أثرا من رأيك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 725- وكتب أبو اسحاق الصابي إلى بعض إخوانه: وقد سألتني عن الفرق بين المترسل والشاعر، وكنت سألتني- أدام الله عزّك- عن السبب في أنّ أكثر المترسلين البلغاء لا يفلقون في الشعر، وأنّ أكثر الشعراء الفحول لا يجيدون في الترسّل. فأجبتك بقول مجمل، ووعدتك بشرح له مفصّل، وأنا فاعل ذلك بمشيئة الله فأقول: إنّ طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه، لأنّ أفخر الترسل هو ما وضح معناه، وأعطاك غرضه في أول وهلة سماعه، وأفخر الشعر ما غمض فلم يعط غرضه إلا بعد مماطلة منه لك، وعرض منك عليه. فلما صارت الإصابتان في الأمرين متراميتين على طريقين متباينين بعد على الفراغ أن تجمعهما، فشرّقت إلى هذا فرقة، وغرّبت إلى ذاك أخرى، ومال كلّ من الجميع إلى الجانب الموافق لطبعه. ثم ترتّبوا في المسافة بينهما، فكان الأفضل من أهل كل مذهب من وقع في الغاية أو قريبا منها، وجعل الوسط خاليا أو كالخالي لقلة عدد الواقعين فيه. فليس يكاد يوجد جامع بين الإحسانين إلا على شرط يزيد به الأمر تعذرا والعدد تنزرا، وهو أن يكون طبعه طائعا له، ممتدا معه، فإذا دعاه إلى التطرّف به إلى أحد الجانبين أطاعه وانقاد إليه، كابراهيم بن العباس الصولي وأبي علي البصير ومن جرى مجراهما؛ فهذا جواب مسألتك. وتبقى فيها زيادات وانفصالات لا بأس بإيرادها ليكون القول قد استغرق مداها، وتمت أولاه بأخراه؛ ذلك أنّ للسائل أن يقول: فمن أية جهة صار الأحسن في معاني الترسّل الوضوح وفي معاني الشعر الغموض؟ فالجواب أنّ الشعر بني على حدود مقرّرة وأوزان مقدّرة، وفصّل أبياتا كلّ واحد منها قائم بذاته وغير محتاج إلى غيره إلا ما يتفق أن يكون مضمنا بأخيه، وهو عيب فيه. فلما كان النفس لا يمكنه أن يمتدّ في البيت الواحد بأكثر من مقدار عروضه وضربه، وكلاهما قليل، احتاج إلى أن يكون الفضل في المعنى، فاعتمد أن يلطف ويدق، ليصير المفضي إليه والمطلّ عليه بمنزلة الفائز بذخيرة خافية استفادها، والظافر بخبيئة دفينة استخرجها واستنبطها. ثم إنّ للمتأمّل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 وقفات على أعجاز الأبيات، وقد وضعت لإدراك المعنى والفطنة للمغزى، وفي مثل ذلك تحسن خفايا الأثر وبعد المرمى. والترسّل مبنيّ على مخالفة هذه الطريقة ومعاكستها، إذ كان كلاما واحدا لا يتجزّأ ولا ينفصل إلا فصولا طوالا. وهو موضوع وضع ما يهذّ هذّا أو يقرأ متصلا، ويمر على أسماع شتى الأحوال: من خاصّة ورعية، وذوي أفهام ذكية وغبيّة. فإذا كان متسهّلا ومتسلسلا ساغ فيها وقرب إذنه في أفهامها، وتساوقت الألسن في تلاوته، والألباب في درايته. فجميع ما يستحبّ في الأول يستكره في الثاني، وجميع ما يستحبّ في الثاني يستكره في الأول، حتى إن ما قدّمناه من عيب في التضمين في الشعر هو فضيلة في فصول الرسائل. ألا ترى أن حسنها ما كان متعلّقا بعضه ببعض، ومقتضيا تعطّفا من الهوادي على التوالي، وردّا من الأواخر على المبادي. فمتى خرج الشعر على سنن الابتداع والاختراع فكان ساذجا مغسولا، فقائله معيب غير مصيب، والترك له أدلّ على العقل وأولى بذوي الفضل. ومتى خرج الترسّل عن أن يكون جليّا سلسا تعثرت الأسماع في حزونته، وتحيّرت الأفهام في مسالكه، فأظلم مشرقه، وتكدّر رونقه، وكان صاحبه مستكره الطريقة، مستهجن الصناعة. وقد بقيت في الباب زيادة أخرى: وهي الإخبار عن سبب قلة المترسلين وكثرة الشعراء، وعن العلّة في نباهة أولئك وخمول هؤلاء. فالجواب عن ذلك أنّ الشاعر إنما يصوغ قصيدته بيتا [بيتا] ، فهو يجمع قريحته وقدرته على كلّ بيت منها، فيقرّره ويبلغ إرادته منه، وله من الوزن والقافية قائد وسائق يقومان له بأكثر حدود الشعر، فكأنه إنما يحذوه على مثال، أو يفرغه في قالب مماثل. والمترسّل يصوغ رسالته متّحدة متجمّعة، ويضمّها من أقطار متراخية متسعة، وربما أسهب حتى تستغرق الواحدة من رسائله أقدار القصائد الطوال الكثيرة. هذا إلى ما يتعاطاه من فخامة الألفاظ اللائقة بأن يصدر مثلها عن السلطان وإليه، والتصرّف فيها على ضروب ما تتصرّف عليه أحوال الزّمان وعوارض الحدثان. فلذلك صار وجود المضطلعين بجودة النثر أعزّ، وعددهم أنزر. فأما ارتفاع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 طبقتهم على تلك الطبقة، فإنّ المترسّلين إنما يترسّلون في جباية خراج، أو سدّ ثغر، أو عمارة بلاد، أو إصلاح فساد، أو تحريض على جهاد، أو احتجاج على فئة، أو مجادلة لملّة، أو دعاء إلى ألفة، أو نهي عن فرقة، أو تهنئة بغبطة، أو تعزية على رزيّة، أو ما شاكل ذلك من جلائل الخطوب ومعاظم الشؤون التي يحتاجون فيها أن يكونوا ذوي أدوات كثيرة، ومعرفة مفنّنة. وقد وسمتهم الكتابة بشرفها، وبوّأتهم منزلة رياستها، فأخطارهم عالية بحسب علوّ خطر ما يفيضون فيه ويذهبون إليه. والشعراء إنما أغراضهم التي يرتمون نحوها، وغاياتهم التي يجرون إليها، وصف الدّيار والآثار، والحنين إلى الأهواء والأوطار، والتشبيب بالنساء، والطلب والاجتداء، والمديح والهجاء. فليس يجرون مع أولئك في مضمار، ولا يقاربونهم في الاقتدار «1» . وهذا قول فيما أردناه إن شاء الله تعالى. [726]- وكتب أبو اسحاق الصابي من كتاب إلى رعية خرجت عن الطاعة: أما بعد، أحسن الله توفيقكم؛ إنّ الشيطان لا يزال يكسو الخدع والشبهات سرابيل الحجج والبيّنات ليشعل بها الأحلام، ويستزلّ الأقدام، وتتّجه له المداخل على عقول ربما استضعفها «2» ، ومال بها إلى موارد غوايتها، وأزلها عن سنن هدايتها، وأراها الحقّ محالا، والرّشد ضلالا، والخطأ إصابة، والخطل أصالة. بذلك جرت منه العادة، وقامت عليه الشهادة، واستحقّ أن تعصب به اللعنة، وتتوقّى منه الفتنة. وإذا كان ذلك كذلك، فحقيق على كلّ ناظر لنفسه، وحافظ لدينه، أن يتحرّز من الوقوع في أشراكه المبثوثة، وحبائله المنصوبة،   [726] المختار من رسائل الصابي: 197. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 وخطاطيفه الحجن التي تجتذب القلوب، وتغتال الألباب، وتورد الموارد التي لا صدر عنها، ولا انفكاك منها، وأن يتّهم هواجس فكره، ووساوس صدره، ويعرضها على نظره وفحصه، وتأمّله وبحثه. ومنه: وقد علمتم- رعاكم الله «1» - أنّ هذا الشيطان اللعين نازغ لكم منذ حين، وأنكم على ثبج من خطّة فتنة قد برقت «2» بوارقها، وزمجرت رواعدها، وجرّت الفرقة التي لا شيء أضرّ منها، ولا أنفع من تجنّبها، والنزوع عنها. قال الله تعالى، وهو أصدق القائلين، وأكرم المنعمين: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها (آل عمران: 103) . ومن خالف آدابه وسننه فقد خسر دنياه وآخرته، وأضاع عاجلته وآجلته، وتبوّأ مقعده من النار، واستحقّها استحقاق الكفّار الأشرار، والله يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء. ومنه: وأمير المؤمنين يستعيذ بالله لنفسه ولكم من زلّة القدم، وعاقبة الندم، ويسأله أن يردّكم إلى الأولى ويلهمكم التقوى، ويصدف بكم عن المناهج الغويّة والموارد المخزية، بمنّه وحوله وطوله. 727- وكتب عن نفسه إلى الصاحب ابن عباد: كتابي- أطال الله بقاء مولانا «3» - عن حظّ من السلامة وافر، وظلّ من الكفاية ساتر، والحمد لله رب العالمين. وقد كنت فيما قبل أقلّ من مكاتبة مولانا إقلال المخلّ بحقّ يجب، والمقارف لذنب ينكر، وأسكن مع ذاك إلى أنّ معرفته الثّاقبة تستنبط عذري وإن غمض، ومعدلته الفائضة تمحّص ذنبي وإن ظهر. ومع تقابل فطنته وإشارتي، وتوارد صفحه ومعذرتي، فلا بأس بأن أوضح الأمر لغيره، ممّن عسى أن يكون خفي عنه لأسلم عليه من التعجب، سلامتي على مولانا الصاحب من التعتّب، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 وهو أنني كنت منذ سنين كثيرة مرميّا بعطلة، وموسوما بعزلة، فتخوّفت أن يتطرّق لبعض المنحرفين عني، والباغين عليّ، قول ربما تطرّق مثله على من نبا به زمانه، وهرّته أوطانه، فأكون قد أبديت لمراصده عن مقاتلي، ولمخاتله عن حزّ مفاصلي، فلزمت التقيّة، وكرهت الأذيّة، وانتظرت الإمكان، وتوقّعت دورة الزمان، وعلى ذاك فو الله- أطال الله بقاء مولانا «1» - ما فارقت منذ عرضت بيني وبينه الشّقّة، وأبعدتني عنه الشّقوة، ذكره وشكره، والثناء عليه والاعتداد به؛ وإنّ محاسن وجهه لنصب عيني، ومخارج لفظه حشو سمعي، ونوادر فضله جلّ أدبي، والإسناد عنه كنه فخري. هذا وإنما خدمته أيّام كانت رياسته سرّا في ضمير الزمان، ودينا في ضمان الأيام، فكيف لو رأيته آمرا ناهيا بين وسادتيه، ورأى خادما ماثلا بين يديه؟ وما يمكنني أن أهجو دهرا قصّر خطوتي عنه، وقد أعطاه من استحقاقه ما أعطى، ولا أن أمدحه وقد حرمني من جواره ما حرم. فإن أوجبت له شكرا فلعظم بلائه عنده، وإن ألحقت به ذمّا فلاتّصال القواطع عنه، ولا سيما وإنما حماني عن ورود بحر زاخر، وحجبني عن ضياء بدر زاهر، ومنعني من بلال نوء ماطر، وأخرجني عن غمرة غيث قاطر، وحال بيني وبين من إليه الشكوى له، ومنه العدوى عليه، حتى خلا بي فأفرط ظلمه، وتحكّم فيّ فجار حكمه. 728- وكتب إلى صديق له: وصل كتاب مولاي وفهمته. فأما ما شكاه من الشوق إليّ، فأحلف بالله إنه صادق فيه، مستغن عندي عن إقامة شاهد بما أجده من مثله. كيف لا يكون كذلك وقد أوحشنا الزمان من الإخوان، وأفردنا دون الأقران، فصار كلّ منّا بضاعة صاحبه المزجاة الواحدة، وذخيرته الشاذّة للشدة الفاردة. ومنذ فرق الدهر بين دارينا، فقد دانى بين قلبينا، وعرّفنا فضل صنيعه إلينا، بأن أبقانا من بين من أفنى، وأخّرنا عمّن مضى وأودى. وحياة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 مولاي- أطالها الله- ما تتعلّل عيني إلا بتصوّره، ولا قلبي إلا بتذكّره، ولا قطعت كتبي عنه إلا بنيّة واصلة له، ومودّة مواظبة عليه، ومخالصة لا ينقصها الإغباب، ولا يزيد فيها الإدمان. وأرجو أن يزول بنا دوران الزمان، وكرّات الليالي والأيّام، إلى اتصال حبل وانتظام شمل، واستقرار دار، وتداني جوار. 729- وكتب عن قاضي القضاة محمد بن معروف إلى الوزير أبي منصور محمد بن الحسين: الدنيا- أطال الله بقاء سيدنا الوزير- مذمومة ممّن تساعد، فضلا عمّن تعاند. وقد علم الله أنني لم أزل زاهدا فيها، ذاهبا عنها، أيام الإقبال والشبيبة، فكيف عند وشك الرحيل والمفارقة؟! ولو سلم الأحرار فيها من دواعي الحاجة، وعوارض الخلّة، لهانت عليهم مقاطعتها ومصارمتها، واستتبّ طريقهم إلى متاركتها ومفارقتها، وخاصة من كان مثلي في تداني المدى، وتقاصر الخطى، والتوجه إلى الدار الأخرى. لكنه لا بدّ فيها للمجتاز، وإن كان لابثا على أوفاز من مادة تسبل ستر التجمّل عليه، وتمنع من ظهور الخصاصة به. ولمولانا الملك عليّ نعم سوابغ، وأياد سوابق، وقد كان سبيلي أن أشتغل بشكرها، وأستمرّ على نشرها، والحديث بها، وأتوقّف عن استضافة غيرها إليها لولا المعذرة التي قدّمتها، والضرورة التي أومأت إليها، ومن تمام هذه النّعم أن يكون الوجه مصونا والقوت موجودا. 730- وكتب عن ابن بقية إلى عضد الدولة: فأما اعتقاده- أطال الله بقاءه- حفظ الألفة، ودحض ما ألّم بها من الوحشة، فمشاكل لآرائه الصحيحة وأخلاقه السجيحة، ولما لم أزل أبعث وأحثّ عليه، وأدعو وأرشد إليه. وإذا كان هذا رأيه، وكان عند مولانا الأمير عزّ الدولة مثله، وكنت بينهما مسديا ملحما فيه، وباذلا وسعي في تقرير أواخيه، فما ينبغي أن تقعد بنا حال عن الجمع بين القول والفعل، والمساواة بين الشاهد والغائب، والمطابقة بين البادي والخافي. وأمّا اللزوم لسنن موالينا الماضين- رضي الله عنهم أجمعين- فمولانا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 أولى من حافظ عليها، وتمسّك بها، وكلّ من بعده من موال- أدام الله نعماءهم- فبهم يقتدى، وبآدابهم «1» يهتدى. وما يخالف في ذلك إلا من الحقّ خصمه، والحجة عليه، والله تعالى من وراء معونته إن انثنى وراجع، أو المعونة عليه إن أصرّ وتتايع. وهاهنا- أيّد الله مولانا- أحوال أخر، ودواع إلى اعتقاد هذه الألفة لو لم تسبق الوصيّة بها من القرن الخالف: فمنها أنّ الأدوات التي أدّت الماضين إلى تلك الآراء السديدة الرشيدة، هي في الغابرين الباقين- مدّ الله في أعمارهم- أوجد، وعليهم أحسن، وهم بأن يستأنفوها ويستقبلوها أولى من أن يتعلّموها ويتقيّلوها، لارتفاع العصابة التي مولانا وسيّدنا زعيمها، واللحمة التي هو كبيرها وعظيمها؛ ومنها أنّ انتشار التّظالم «2» إن بدا- والعياذ بالله- لم يقف عند الحدّ الذي يقدّر أن يقف عنده، ولم يخصّ الجانب الذي يظنّ أنه يلحقه وحده، بل يدبّ دبيب النار في الهشيم، ويسري كما يسري النغل في الأديم. وكثيرا ما يعدي الصحاح مبارك الجرب، ويتخطى الأذى إلى المرتقى الصعب، في مثل ذلك «3» ، وانعكاس المتحمّلات في مثل ذلك أقرب من استتبابها، والتواؤها أسرع من اعتدالها. 731- وكان أبو إسحاق الصابي محبوسا في دار المطهّر بن عبد الله، وصودر على مال أجحف به، وكان المطهر يراعي حاله، وكان معه ابناه محبوسين، ويخرج كلّ واحد منهما في نوبة له. واتّفق أنّ المطهّر تفقّد حال أبي إسحاق في مطعمه ومشربه، فأنكر خللا رآه، وضرب الطبّاخ ومنع المستخرج من مطالبته ببقيّة كانت عليه، وحال بينه وبين مخاطبته، وكان ذلك في نوبة ابنه الأصغر أبي عليّ المحسن، فكتب إليه: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 يا أبا عليّ، جعلني «1» الله فداك، عشنا بعدك ما شينا، وشبعنا وروينا، وأرخت السماء عزاليها، واثعنجرت بما فيها، فغمر الماء الزّبى، ونقع من الصّدى، ولبست الأرض قناعها الأخضر، ونضت شعارها الأغبر، وعاضنا الغضّ العميم من المصوّح الهشيم، وجزأنا الرّطب المخضوم من اليابس المقضوم، فعاشت العاملة والماشية، وهاجت الآبية الغاشية، وارتجعت روايا المطايا، ما أخذت منها المخارم والثنايا، مستردّة بمشافرها ما جذب البرى بمناخرها، سائمة بين الكثيف الكثّ، من الطّبّاق والشث، وسارحة في المناخ الفسيح، من القيصوم والشّيح، فنحن في سوابغ من النّعم، نرتع فيها رتعة النّعم، قد عزّ عندنا أن يستضاف [لدينا] ضيف كريم، واستغنى أن يرتضع لئيم، وأترعت الجفان وذما، واستحال القرم بشما وحالت البطنة دون الفطنة، ومنع الطعام دون تراجع الكلام، فلو أنّ قسّا بيننا لخرس، أو دغفلا لأبلس، وكأنّ الشاعر إنما أراد أحدنا بقوله: [من الطويل] أتانا ولم يعدله سحبان وائل ... بيانا وعلما بالّذي هو قائل فما زال عنه اللّقم حتّى كأنّه ... من العيّ لما أن تكلّم باقل فهزيلنا بحمد الله سامن، وضئيلنا بإذن الله بادن، وأخلافنا دارّة، وغلّاتنا مترعة، ورياضنا مخصبة، وعرصاتنا معشبة، ومشاربنا متأقة، وأنهارنا متدفّقة، وأشجارنا مورقة مرجحنة، وأطيارنا مغرّدة، وريحنا رخاء، وعيشنا سرّاء، وزماننا ربيع كلّه، وليلنا سحر من أوّله، ونهارنا ضحى إلى آخره. وقد أخرجنا الله من شدّة إلى بلهنية، ومن ضغطة إلى رفاهية، ومن شقوة إلى سعادة، نأكل الطيّب المستمرأ بعد الخبيث «2» المستوبأ، ونشرب البارد العذب، بعد الآجن الملح. وأدركتنا هزّة الرعاية، وأطّت بنا عند سلاطيننا- أطال الله بقاءهم- الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 رحم الولاية، وأبدلنا من الاطّراح محافظة وعناية، ومن الإدالة صونا ووقاية، وحصلنا في ضيافة سيّدنا الأستاذ الكريمة، واستنقذنا من ملكة المستخرج السيئة اللئيمة، فها هو ذا يكذب دوننا إذا حمل، ويغني عنّا إذا نظر، ويتعزّل بيتنا تعزّل الأحوص بيت عاتكة، يرانا منه بنجوة، وكنّا له بالأمس طعمة، ويصرف أنيابه حسرة، وكنّا له قبل اليوم مضغة، ويهرّ على غيرنا مع الأحرار هريرا، ويملأ أسماعنا فيهم زئيرا، قد ذلّت لنا من بينهم صعبته، ولانت في أيدينا صعدته، وجار على عجمنا عوده، ومال على غمرنا عموده، فطرفه مغضوض، وإبهامه معضوض، ومنار عظمته مخفوض، ومبرم هيبته منقوض. قد شكل عنّا بشكال، ونشطنا على رغمه من عقال، فهو بالصغر باشّ بنا بعد اكفهرار، وهاشّ لنا بعد اقشعرار، ومتبسّم في وجوهنا بعد تجهم، ومقيّد ألفاظه عنا بعد تهجّم، ومتثعلب في مخاطبتنا بعد تقسور، ومصانع بعد تغشمر، وذلك ما ألبسناه الله من عزّ الرّضى وصلاح المنقلب والمفضى. والحمد لله ربّ العالمين، وإيّاه نسأل أن يبلغنا منتهى آمالنا، والغاية من اقتراحنا في هذه الدولة التي تقادمت فيها علائقنا، واستحكمت وثائقنا، ولم تزل نعمها متوقّعة مضمونة، ونقمها مصلحة مأمونة، ونحن الآن طلائح نكبة، وطرائح محنة، قد أوجب الله لنا فيها الثواب بعد العقاب، والجنّة بعد الحساب، والتعويض بعد التمحيص، والتأنيب بعد التخصيص، وبالله التوفيق. 732- فأجابه أبو علي: وصلت رقعة سيّدي- أطال الله بقاءه- مبشّرة بالغيث الذي غمر الورى، وروّى الثرى، وبلغ الزبى، ونقع الصّدى، وحرش الضّباب، وأهاج الذئاب، وأسال التلاع، وملأ البقاع: [من البسيط] فمن بمخلفه كمن بنجوته ... والمستكنّ كمن يمشي بقرواح قد لبست الأرض أفخر حللها، وتحلّت بعد عطلها، وابتسمت عن نوّارها، وضحكت عن زوارها، وثقلت بعد خفّها، وتضوّعت عن نسيم عرفها، بالكلأ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 الذي طبّق البلاد، وعلا الوهاد، وعمّ السّهوب، وشفى القلوب، فالحاطب بطيء الأوبة، والقابس قرين الخيبة، قد جنّ ذبابه، ونعب غرابه، وسمنت حواشيه، وغزرت مواشيه، فكأنّ الثلج في مواطنها، والقطن المندوف بين معاطنها، يتطرف ولا يتنحّى، ويتتبع ولا يستقصى. قد أكثبها السّعدان، وأحسبها المكر والضّيمران، فما تبرح عن مأوى ولا تنزح عن طلب مرعى، قد ألقت رعاتها عصيّها، واستوقفت مضاجعها، وجعلت حبالها على غواربها، وأهملتها في مسارحها، فانداحت بطونها، وانبسطت غضونها، واستحشت أكرعها، واستحنت أضلعها، فكأنّ القائل لها وصف، وإيّاها عنى، في قوله: [من الخفيف] إبلي الإبل لا يحوّزها الرا ... عون مجّ النّدى عليها الغمام «1» سمنت فاستحشّ أكرعها لا الن ... نيّ ولا السّنام سنام وما ألبسه- أدام الله تأييده- من سوابغ النّعم، ومنحه من مطايب الطّعم، وأترع له من الجفان الرّذم، وشمله من أريحيّات الكرم، حتى كظّ البشم، وذهب القرم، وأودت الفطن، وعييت اللّسن، وصار قسّ في خطابته كباقل، إذ عيّ عن حسابه، ودغفل كبعض الأعراب وقد سئل عن النّضناض ففتح عن فيه، وأدار لسانه فيه، أو كأحمد بن هشام الذي استطرد القائل عليه بقوله «2» : [من الطويل] وصافية تعشي العيون رقيقة ... رهينة عام في الدّنان وعام أدرنا بها الكأس الرّويّة بيننا «3» ... من الليل حتى انجاب كلّ ظلام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 فما ذرّ قرن الشّمس حتّى كأنّنا ... من العيّ نحكي أحمد بن هشام أو كأنا في إجابته التي بعد منها المرام، وتقاصرت دونها الأفهام، فهي كالسّماك في علوّه، والعيّوق في سموّه، تحرن في يد مقتادها، وتعزّ على مرتادها، محاولها مقهور، والسالك إليها حسير. وضربت معه- أدام الله تأييده- بالسهم الفائز، وأخذت بالنصيب الوافر، في كلّ ما عدّد ووصف، وأبان وعرف، من إطلال السّعود، وكبت الحسود، وانحسار النوائب، وإسعاف المطالب، وعود السلطان- أطال الله بقاءه- إلى ما يوجبه علاه، ويقتضيه إياه، من قديم الحرمة، وسالف الموالاة والخدمة، له، من المحافظة على الوليّ المخلص، والعبد المتحقّق، بعد التهذيب والتأديب، اللذين لم يعدوا الإصلاح ولم يتجاوزا الإرشاد؛ والحصول في كنف سيّدنا ومولانا الأستاذ الجليل- أطال الله بقاءه- الذي من تبوّأه سلم ونجا، ومن تنكّبه هلك وهوى؛ وضيافته التي وضحت سبلها، واشتهرت طرقها، وجواره العزيز الذي لا تستطيعه النوائب، ولا تتخوّنه الحوادث، والانقاذ من ملكة المستخرج، القصير النسب، الدقيق الحسب، الذي لا يراقب، ولا يخاف العواقب، ولا تدركه هزّة، ولا تعطفه أريحيّة، والخروج عن يده الكزّة الأصابع، القليلة المنافع، اللئيمة الظّفر، الكثيرة الضّرّ، التي لا مخلّص لمن وقع بين أناملها، ولا منتزع لمن نشب في مخالبها. فالحمد لله الذي كفّها عنا بعد الانبساط، وقصرها «1» بعد الاشتطاط، وجعل مقلّها يكدمها دوننا عضّا، ويبدّلها بالبسط علينا قبضا، قد ذلّلته الهيبة، وقيّدته الطاعة، فأنس بعد نفاره، وعدل عن ازوراره، حمدا يقضى له الحق، ويؤدّى الفرض، ويمترى المزيد من النّعم، ويؤمّن نوازل النّقم؛ وإيّاه أسأل أن يجعل سيّدي في حماه الذي لا يرام، ويلحظه بعينه التي لا تنام، ويجريه على العادة، ولا يقطع عنه المادّة، بمنّه وقدرته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 733- لما قبض هلال بن بدر بن حسنويه على أبيه بدر، وقال الناس في ذلك ما شاءوا «1» ، فمن منكر لفعله مستفظع، ومن مصوّب له عاذر، سئل أبو الحسن عليّ بن نصر الكاتب إنشاء كتاب يبين فيه عن عذر هلال ويحسّن أثره، فكتب: إنّ أولى ما استمع، وأحرى ما اقتفي واتبع، كتاب الله تعالى المنزل على قلب نبيّه صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، وأزلف محلّه لديه إذ يقول جلّ جلاله وصدق مقاله، مؤدّبا للخلق، وحاضّا على قول الحقّ، ومخوّفا من الإثم المكتسب، ومحذّرا من الوزر المحتقب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (الحجرات: 12) ويقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (الأحزاب: 70) ، فجعل التقوى له منوطة بالقول السّديد، والنّطق الرّشيد. فلا يجب لأحد من الخاصّة والعامّة، وجد الرّياء في خليقته، وشيئا باين طبعه وسليقته، أن يحكّم التّهم عليه، ويوجّه الظنن إليه، استنكارا لظاهره المستهجن، دون استشفاف باطنه المستحسن، لا سيما إن صدر من ذي رئاسة، وبصير بسياسة، قد لابس الخير والشرّ، ومارس النفع والضّرّ، وعلم كيف تصرّف الأمور، وتقلّب الأيّام والدهور. فإنّ لكلّ بدء خاتمة يورد عليها، وعاقبة يفضى إليها، ولربّ جميل انكشف عن القبيح غطاؤه، وقبيح انحسر عن الجميل غشاؤه، ولا يعلم الإنسان ما في المغيّب. وإنّ الله جلّ ثناؤه «2» ، وتقدّست أسماؤه، جعل الإسلام دينا قيّما يهدي إليه من الجهالة، وطريقا مستقيما أوضح عليه الدّلالة، وسببا مبينا استنقذ به من الضّلالة، ختم به الأديان والملل، وحتّم أتباعه على كافّة الشرائع والنحل، وجعل العاجلة لمن جهل واضح «3» حجّته، وعدل عن لائح محجته، وبغى الفساد فيه، وخالف أوامره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 ونواهيه، واستحلّ ما حرّم الله تعالى من أهليه، سفكا للدماء المحقونة، وهتكا للمحارم المصونة، وفتكا بالنفوس المحرّمة، ونهكا للأموال المجتمعة، سيفا يحصد شوكته، وحقّا يقصم شرّته، وخوفا يشرّد طمأنينته، وأصاره في الآجلة إلى نار تلظّى، لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذّب وتولّى. ثم وعد غير الراضي بفعله، والجاري في مذاهبه وسبله، جزاء الأسف والنّدامة، وردّاه برداء الخزي يوم القيامة، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (آل عمران: 85) ، وقال: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (النساء: 115) . وخبّر نبيّه صلّى الله عليه وسلم بصورة المؤمنين وصفة المتّقين، فقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (المجادلة: 22) . فحقّ لمن عقّ في الله أباه، وهجر في مرضاته زوجه وأخاه، وقطع في طاعته رحمه، وحادّ في ذاته عشيرته ولحمه، أن يلحقه بعباده الذين ارتضى فعلهم، وشكر سعيهم وعملهم، وأعدّ الجنّة ثوابا لهم، إذ كان ما يتكلّفه من هذه الحال التي تأباها الطّباع، وتنفر منها القلوب والأسماع، مبالغة في القربة إلى ربّه، وحرصا على تحصيل ثوابه وأجره. ومنها: وإنّا لما وجدنا أبانا- هداه الله إلى الهدى وعدل به إلى السبيل المثلى- قد استمرّ على مزلقة مردية، ومدرجة مودية، مع تخلّق العمر، ونزول الأمر، ومشارفة حلول القبر، رأينا له الكفّ عن غربه أصلح، والتخفيف عن ذنبه أربح، وقصره عن استزادة السيّئات أكمل في برّه، وحصره عن الاستكثار من الموبقات أفضل في شكره، فقبضنا يده المبسوطة بالشّرّ، وكففنا سهامه المبثوثة بالضّرّ، وأخفناه على نفسه خيفة تردعه، وتلجمه وتزعه، عسى الله أن يهديه لرشده، ويردّه إلى سواء قصده، فيطفو من غمرته، ويصحو من سكرته، ويرجع إلى ربّه رجوع المضطر، وينزع نزوع الذي مسّه الضّرّ، ومعه بقيّة من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 عمره، يتدارك بها الفائت من أمره، بتوبة متحنّف ضاجّ، ودعوة متلهّف راج، فإنه تعالى يقول: ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (النحل: 53) ، فنكون لحقّ تربيته قاضين، ولحرمة أبوّته حافظين، باجتذابنا إيّاه إلى مصلحته، واستلابنا له من ضلالته وفتنته، قبل فوت وقته ومدّته. ونسأل الله تعالى توفيقا لما قرّب منه، وأزلف عنده ولديه، وله- جلّ ثناؤه- الحمد الطويل، والشّكر الجزيل، على ما أنعم به علينا، وأزلّه من منحه إلينا، وسبّبه بتوفيقه لنا من إصلاح الفاسد، وردّ الحائد، وتقويم الزائل، وتعديل المائل، ورمّ الثّلم وزمّ الكلم، وإمرار حبل الدّين، ونظم شمل المسلمين، حمد من قدر منحته بقدرها، وعرف لها حقّ شكرها، وإليه الرغبة في الإمتاع بجميل الموهبة، وإلهام الصّبر على ما امتحنّا به من مكافحة شيخنا، في اتّباع دينه وكتابه، واجتناب جوالب سخطه وعقابه. فليعلم الخاصّ والعامّ ممّن انتهى إليه هذا الأثر، وقرىء عليه هذا الخبر، أنّ النّعمة إن لم تخصّه في ما فعلناه، فلم تبعده بمشاركة الكافة في ما أرغناه، ومساهمة الجماعة في ما آثرناه من مصالحهم وابتغيناه. فلينصف من نفسه، وليصرف عنها وساوس هجسه، وما يخطر لها من تخيّل أبنّا خلله، وأوضحنا بطوله وزلله، ليسرّ الطاعة في قلبه، وليظهرها في فعله ونطقه، يجد من الله هاديا رؤوفا، ومن سائسه راعيا عطوفا، ومن الرّشد طريقا مهيعا، ومن القصد سبيلا متّبعا، فإنّ الله مع المؤمنين، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. 734- وعمل فصولا على ألسنة جماعة من المتقدّمين، عرضت على الوزير أبي العباس، فلما قبلت ومدحت كتب مقرّا بها فيما بعد: الألفاظ- أطال الله بقاء الوزير- نتائج الأفكار «1» ، وحالّة من القلوب محلّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 الأولاد: يكون منهم القرّة والعرّة، وبكليهما يقع الافتتان والمسرّة، وليس يصحّ لأحد علم جميلها من قبيحها، ومعرفة سقيمها من صحيحها، إلّا بأن يسلّط عليها ثواقب الأفهام، وجهابذة الكلام، ثم يتخلّى عنها، ويتبرّأ منها، ليسلم ذامها من المراقبة والمحاباة، ويبعد مما اصطلحت عليه الطّباع، واتفقت عليه الأسماع، من مقابلة ما يورده المتأخّر بالرّدّ، أمام التّصفّح له والنقد، واستشعاره تقصيره فيه، قبل تأمّل ألفاظه ومعانيه. فإنّ المحدث مظلوم، والمحدث خاصة مفهوم، وفي ذلك أخبار متعالمة، وأحاديث متعارفة متداولة. ولا عذر لمن شافهه من الوزير- أطال الله بقاءه- لسان البلاغة، وواجهه إنسان عين الفصاحة، وقوّمه شخص الكتابة، واستخدمه ملك الخطابة «1» ، ألّا يجري بالسّداد قلمه، والصواب كلمه؛ كما لا حرج عليه مع تشبّث الهموم بفكره، وتمكّنها من صدره، أن يكثر خطأه وخطله، ويتّصل عثاره وزلله. وكنت خدمته بفصول مختلفة المباني والأصول، تقلّبت فيها تقلّبي في إحسانه، ونشرت مطويّها نشري لإنعامه وامتنانه، ونحلت حملا منها من لا يتجمّل بملكه، وإن تحمّلت «2» بانخراطها في نظمه وسلكه، متعمّدا بذلك ما قدّمته، معتقدا فيه ما قرّرته، وما أنشط الآن مع نفاقها في سوق مجده، ابتعاثها شرارة من زنده، لتركها، ومن لم يعرق في استنباطها جبينه، ولا درّ لاستخراجها وتينه، وأرجو أن لا يجلب هذا الإقرار تغييرا «3» ، ولا يولّد على السنّة المألوفة نقيصة ولا تقصيرا. وهذه ظلامة لا يسع العادل تركها، ولا يسوغ في النّصفة العدول عنها، وليس تجري المطالبة بها مجرى الرجوع في الهديّة، وإنما هو كاسترداد القرض والعاريّة. والله يحسن توفيقي لطاعته، ولا يسلبني حسن تثقيفه وهدايته، بمنّه وقدرته، وهو حسبي ونعم الوكيل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 735- وكتب إلى صديق له: قد عرفت، أيها الأخ، الدّهر وتبدّله، والزّمان وتنقّله، وأنه غير ملتزم لوتيرة، ولا مبرم الفتل على مريرة، بينا هو مقبل حتى يعرض، ومنبسط حتى ينقبض، ومعط حتى يحرم، ومعاف حتى يسقم، وعادل حتى يظلم، وبان حتى يهدم؛ الغدر سجيّته ودأبه، والفتك بغيته وطلابه. فالعاقل غير ساكن إلى حبائه، والحازم غير واثق بوفائه. لا يجد الإنسان عليه ظهيرا، ولا من نوائبه نصيرا، إلا أخا ادّخره في رخائه لشدّته، وذا ودّ اعتقده بأصالة رأيه لفاقته، فعساه أن يلطف لإزالة بلواه، إذا غاض صبره على سكون من النّفس إليه، وأمان من الشماتة بما يقف من حاله عليه. فكثيرا ما خرج الأحرار بأحزانهم مستروحين بنفثها، وباحوا بأشجانهم بائحين ببثها، إلى مستبشر بما لحقهم، وإن كتم استبشاره وحزنه، ومبتهج بما طرقهم وإن ستر ابتهاجه وشجنه، وما أحسن وصية المتنبي، سقى الله صداه، في قوله: [من البسيط] لا تشك يوما إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم فليس بقليل الحظّ من ظفر بخلّ أمن سرّه وجهره، وعلم خيره وشرّه، وطعم حلوه ومرّه. وما زلت على مرّ الليالي والأزمان، أنتقي الأخلّاء والإخوان لأضيف إليك آخر أعضدك ونفسي باختصاصه، ويشدّ عضدك ويدي باستخلاصه، حتى طلع في السنين المتطاولة، وبعد ليّ الأيام المماطلة، في أفق المودّة والإخاء، وسماء المخيلة والرّخاء، السيّد أبو فلان، وألفيته متخلّصا من شوائب القتام، موفيا في رضاع سخيله على بدر التمام. فأوّلت رؤيته «1» أمرا مقبلا وسللت على عنق الأيام منه منصلا، وما زالت الخبرة توفي على الخبر، والتجربة تزيد في حسن الأثر، إلى أن استحكمت قواعد الوداد، وضربت الثقة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 دون سداده بالأسداد، ثم أراني الحظّ الآن أمرا مخالفا لما كنت به عارفا، وأسمع لفظا منافيا ما كنت له آلفا، من إخلال بوصال أحال فيه على موجب الحال، وقوة من خطاب كانت لا تخطر قديما له ببال، وتنزّه عن الاعتذار عند الفرطات كان مبذولا على مرّ الساعات، وأمارات بعد هذا وأمارات؛ وأنا لطبيّ أطبّ العلّة بالصبر، ولسوء ظنّي أستجيب لما أسامه من أمره وفساد مثله، حرسه الله، غير مسموح به. وتغيّر العادة على مثلي أبلغ شيء في أذى قلبه، فأنا بين مصابرة ومساترة، ومواربة «1» ومساورة: [من الطويل] يقولوا تجنّب عادة ما عرفتها ... شديد على الإنسان ما لم يعوّد فإن رأيت أن تقف على هذه الجملة سرّا، وتوسعها تدبيرا وفكرا، وتسبل عليها من كتمانك جناحا وسترا، وتهدي لرأي تعمله لأعمله، وتمثّله لأمتثله، فعلت، إن شاء الله تعالى. 736- ومن كلام له: ومثله- أدام الله تأييده- ممّن تراعى حسناته وتلحظ، وتزوى زلّاته وتحفظ، ويثنى عليه بصحّة العهد والذّمام، ويسرع إليه قدح العيب «2» والملام، يجعل الأناة زماما لأعماله، والرّويّة رائدا لأفعاله، فيسيء بالعجلة ظنّا، ويقلب الرأي ظهرا وبطنا، حتى إذا صفا من الشوائب، وشفّ «3» له عن غيب العواقب، أبداه عن يقين لا يطور به الشّكّ، وأمضاه على تحقيق لا يسوغ معه الترك، والله- عزّ اسمه- يهديه للأوفق، ويرشده إلى الأحرى بفضله والأليق، إنه على كل شيء قدير. 737- وكتب إلى دار الخلافة في معنى سقوط فرس: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 انتهى إلينا نبأ شغل القلب وروّعه، وقسم الفكر ووزّعه، وجلب الاهتمام ودعاه، وأوجب الإزعاج واقتضاه، وتعقّبه خبر دفع الكربة وصرفها، ورفع الغمّة وكشفها، وطرد المساءة بالمسرّة، وأبدل الإشفاق بالحبرة، من عثرة زلّت لها يد الجواد، وكبوة «1» كانت والسلامة على ميعاد، وإنما قرنها الله تعالى بها ملاحظة، وأجراها معها محافظة، لتصرف روعة باديها، وتكفى عاقبة عواديها، وتحسم مادة الأذى والضّرر فيها. وإن كان ما يتّخذ من المراكب للخدمة الشريفة كريما نسبه وعرقه، مهذبا مذهبه وخلقه، أمينا خببه وركضه، وثيقة سماؤه وأرضه، فإنه يتضاءل عند أعباء المجد، ويضعف عند امتطاء الشرف العدّ، ويري أنّ عليه من عزّ الخلافة وفخارها، وحكم الإمامة ووقارها، ما تزلّ معه الأطواد الفارعة، وتضيق به الأقطار الواسعة. فذنبه بعذره ممزوج، وعثاره لاستقلاله موهوب. والحمد لله الذي كمّل لدينا البرّ والإنعام، وكفى المسلمين والإسلام، وجعل المخافة بالنّعمة مقرونة، والسلامة مع الحذر مضمونة، وإليه الرغبة في حراسة الحضرة النّبويّة، من عوارض المحذور، وطوارق الدهور، وأن يجعل أيّامها موصولة بالأمن واليمن، وسعادتها منظومة بين الإحسان والحسن، فلا تتخلّلها شائبة، إنه على كلّ شيء قدير. أنبأناك هذه الجملة لتقوم بإنهائها على عادة منابتك، وتشفي اختصارها بإسهابك وإطالتك، وتجيئنا بما نسكن إليه. ونشكر الله الكريم عليه، ونعتدّه منك ولك، إن شاء الله تعالى. 738- كتب أبو القاسم الحسين بن علي المغربي إلى أبي القاسم سليمان بن فهد، وقد أهدى إليه خمسة أقلام في يوم نيروز: للناس- أطال الله بقاء الأستاذ الجليل- عادة في مثل هذا اليوم بتهادي الأقلام، وقد كان يجب أن يكون هذا الفعل محظورا إلا عليه، وممنوعا إلا منه، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 لأنّ الأقلام إذا أهديت إليه قد أعطيت قوس البلاغة باريها، وأعلمت أفراس الكتابة مجريها، وأنصفت هذه الآلة ولم تظلم، وأكرمت هذه الأداة الخطرة ولم تهتضم. وإذا عدل عنه- حرسه الله- فقد أنزلت دار غربة، وأحلّت منزل هوان وذلّة، وشتّتت عن أوطانها، وشرّدت عن ميدانها، وفرّق بينها وبين من يستخدمها في توشية برود المجد، وتسهيم ملابس الحمد، وتأنّق روض الفصاحة، واستثمار جنى البلاغة، وما أحقّ هذا المعنى بما قيل: [من الكامل] إقرأ على الوشل السّلام وقل له ... كلّ المشارب مذ هجرت ذميم لو كنت أملك منع مائك لم يذق ... ما في قلاتك ما حييت لئيم ولكن لو ملكت إمارة هذه الصناعة، لحميت منابت اليراع، وصنت مغارس الغياض، ولمنعتها إلا من كلّ صنع اللسان واليد، كريم القول والفعل، ولخصصته- أدام الله تأييده- بأبيات ابن عنمة كلّها: [من الخفيف] أنت خير من ألف ألف من النا ... س إذا ما كبت وجوه الرجال عندك البرّ والتقى وأسى النّفس ... وحمل لمضلع الأثقال وصلات الأرحام قد علم الله ... وفكّ الأسرى من الأغلال وعلى هذه المقدمات التي طغى بها اللفظ، ولم أعتمد فيها إلا ما بيّن عن القصد، فقد نفذت خمسة أقلام لا أصفها بالجودة ولا الجود، فأطعن على فروسيّة يده التي تمتطي الصعب والذّلول، وتمرّ في الوعث والسهول، وهو- أدام الله تأييده- يشفّع في قلّتها نيّة منفذها، إن شاء الله تعالى. 739- ومن كلام أخي أبي نصر الحسن بن الحسن بن حمدون: وقد كان الاحتياط من طعن الغائب يقتضيني إخلاء هذا الجمع مما يتّهم هواي فيه، وحكم الإنصاف عليّ بأن أوفّيه حقّه إذ كان لاحقا بالقدماء في صناعته؛ تشهد له بذلك رسائله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 740- رسالة كتبها جوابا عن تاج الدولة أبي طالب بن الطاهر نقيب الطالبيين إلى أبي عبد الله أحمد بن علي بن المعمّر: أوصل إليّ فلان- أدام الله علوّ الجانب الفلاني وقدرته، ورفع في الآخرة كما رفع في الدنيا درجته، وكمّل بنيل الأماني جذله ومسرّته، وأضاء باتّصال البشائر والتهاني لديه أسرّته، وجمّل بطول بقائه عترته الطاهرة وأسرته- كتابا كريما يشتمل على ضروب من البرّ وفنون، وأبكار من الطّول المتتابعة أمداده اليّ وعون، وفضل يذعن له بالسبق كلّ ذي براعة وخطّ، يهزأ حسنا بما تخطّه يد كلّ ذي يراعة وتصرّف في العبارة، لم يكن للصّاحب ولا ابن العميد، وتمكّن في البلاغة لم يعطه مولى العلاء بن وهب عبد الحميد؛ ويقسم للمعاني التي ركّبت في جسد الكلام روحا، وجعلت صدر قارئها وسامعها بالالتذاذ بها مشروحا. ووقفت عليه مجيلا في ميدان الثناء بأياديه المتتالية جوادي، وشاكرا لما نزله إليّ من عوارفه شكر الرّياض المجودة منن الغوادي، ومعترفا بآلاء البيت الكريم المعضودة عوائدها عندي بالبوادي، السائرة أخبارها في الحواضر والبوادي. وعرفت ما تضمّنه من الإشارة إلى غزير فضله الذي نحلنيه، ووصفه الجميل الذي أعارنيه، وعلمه الذي لا يساجله فيه مساجل ولا يدانيه، والشهادة لي من ذلك تمريه، لولا جلالة قدره، وشرف عنصره الزاكي ونجره، لقلت دافعا ما شهد لي به، وكساني حلل الفخر: بحسبه أنّ الفضائل لا يسعها إلا أوعية حامليها، والعلوم تفضح عند الاختبار منتحلها كاذبا ومدّعيها، لكن إذا شهد لي مثله من الأماجد وفرسان الأدب، الذين يقرّ ببراعتهم فيه كلّ جاحد، فليس إلا التلقي بيد القابل الشاكر، واستخدام الأفكار في الثناء على معاليه والخواطر. فأما ما كلّف موصل الخطاب حمله، وأوعز إليه بالمشافهة به تفصيلا وجملة، فقد أورد ما عزاه إلى التقدّم التاجي وأسنده، وحقّق القول فيه وأكّده، وجلا وجود العوائق للنفوس عن راحتها، وأزال المكاره المناسبة لأحوال الوقت بساحتها، فالفرصة في قصد تلك الخدمة منتهزة، والغنيمة بالفوز بها- إن شاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 الله- مع وجود السبيل محرزة. 741- وكتب إلى صديق له من البغداديين انتقل إلى الموصل وصار إليها، وعرّض فيها بذكر الجمال محمد بن علي الأصبهاني، وزير الشام والموصل، المشهور بالأفضال والجود: سيّدنا- أطال الله بقاءه، وأدام ارتفاعه إلى فلك «1» المعالي وارتقاءه، ويسّر له كلّ أرب تسمو نحوه همّته- وصل النجح ولقاءه، وضاعف عناء حسوده الرّاغم وشقاءه- حجّة بغداد على من جحد فضلها، ولسانها المجادل بالحقّ لمن عاند أهلها، وعنوان ما خصّها الله به من المحاسن التي لا ينكرها إلا ظالم معتد، ولا يخالف عليها إلا كلّ جائر عن القصد غير مهتد، فإنه البارع في كرمه، الفارع هضاب الانفراد عن الأقران بشيمه، الحاوي قصب السبق بما اشتهر من مروءته، المغبّر في أوجه الكهول في ريعان شبيبته، الجامع أشتات المحامد بأخلاقه الممدوحة بكلّ لسان، المحبوبة إلى كلّ إنسان، فقد رفع عنا في المحاجّة دونها كلفة المقال، ووضع عنا وزر المراء المنهيّ عن المباهاة به وإثم الجدال. وصارت الموصل تزهى به وتدّعيه، وتقول لنفسها إن همّ بفراقك فلا تدعيه، فقد ازدانت بسداده عرصتك، وذهب كمدك بحلول من مثله وغصّتك، واتسع لك في مفاخرة بغداد بادّعائك إياه ضيق المجال، ووجدت به ضالتك في زمان أضحى وهو محطّ الرحال. هذه إشارة لا ينكر ذوو الألباب، العالمون بدليل الخطاب، أنّ لسان الحال بها من لسان المقال أفصح، وميدان المستدلّ عليها أفسح، وميزانه أوفى عند إثبات البيّنات وأرجح، وحجّته أظهر يومئذ وأوضح. وعرض عليّ فلان فصلا كريما من حضرته، يتضمّن إهداء السلام إليّ وشكر ما تأدّى إليه من ثنائي لمحاسنه التي لا منّة لي في وصفها المتعيّن عليّ، فوقفت منه مع اختصاره على بلاغة في إيجاز، وعبارة تستدعي من متدبّرها نشوة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 طرب واهتزاز. وسرّحت سوام طرفي من خطّه في رياض مونقة، وحدائق بالأزهار مشرقة: [من الكامل] كتفتح النوار فتّقه الحيا ... أو كالصبّاح فرى الدجى بعموده «1» وما زلت قبل وروده أناجي نفسي بقرع باب المكاتبة وأحدّثها، وأحملها على عمارة سبيل المواصلة وأبعثها، وأهجّن عندها المقاطعة المتصلة، والمصارمة المستعملة، مهما تأكّد في سالف الأيام بين الأسلاف، من الوداد الجميل الأوصاف، وكون ذلك عند الأبناء قرابة مرعية ونسبا، وإلى تقارض المودّة في ذات بينهم سببا. فتقول لي: العادات سنن متبوعة، وملل مشروعة، والذي استمرّ به العرف أن يكون ابتداء المكاتبات من المسافر، والمفاتحة بها من الظاعن عن وطنه السائر، فلا تثريب عليك في الانقباض ولا ملام، ولا مقال للزّاري عليك في ترك المباسطة ولا كلام. لكن لما استمرّت مدة الانقباض المستهجن وطالت، وأسهبت المحافظة في توبيخها على تراخي هذه الحال وأطالت، ووصلني الفصل الذي وفر حبرتي واغتباطي، وحرّك لتلافي فارط التقصير نشاطي، رأيت أنّ مثله- وإن عزّ وجوده- يحتسب له ولا يحاسب، وتبذل له العتبى ولا يعاتب. فنشطت قلمي من عقاله، وعجت عن هجر الاسترسال إلى وصاله، مشعرا له- أدام الله علوّه- أنّ كثيرا من الأجانب، ومن لم يرني من الجوانب، يقلّدني نجاد المنة بخير ينبي عند ذكري، وقول جميل أبناؤه نحوي تسري، أو كتاب يصدره إليّ مفتتحا، أو يشكر به خدمة رأى تقرّبي بها متضحا، فكيف لي أن يقتدي في حقي بالبعداء من يحلّ مني محلّ الأعزة والأقرباء، إما بمواصلة جميلة، أو نيابة بتحسين الذكر كفيلة. وهذا مقام لا يستغنى فيه عن الإفصاح بالحقيقة التي يمنع الحزم من التصريح بها، وألمعيّته كافية في لمحها، والاستدلال بجملتها على شرحها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 وبعد، فأنا ممّن ألهمه الله حبّ الفضائل وأهلها، وأغراه بشنأة من بلي بجهلها، فإذا رأيت الدهر قد سمح بماجد كريم، وعوّض سوام الآمال بمرعى مريع غير هشيم، وجاد بعد ضنة بارعوائه وإعتابه، وعدل بعد ظلم بإقرار حقّ في نصابه، وجدت في منّتي قوة كنت عدمتها، ومن همّتي حركة منذ الأمد الطويل ما علمتها، واعتقدت أنّ بضائع الفضل البائرة قد نفقت، وأيدي مشتريها على أيدي مجهّزيها بالربح قد أصفقت، وأنّ النقص الذي استولى على الأرض من أطرافها، واشترك فيه الأعمّ الأغلب من مشروفي ساكنيها وأشرافها، قد رفع عاره عن الأمّة، وكشف بإزالته عنها حجاب الغمّة. وما برحت، منذ أنشر الله رميم الكرم الداثر الدارس، وأعاد روح المعالي زاكية المنابت نامية المغارس، بالجانب الفلاني- جمع الله بدوام سعادته شمل المجد، وبلّغه الغاية القصوى من علوّ الجد- أضوّع المحافل بعطر مدحه والأندية، وأوشّي المطارف من الثناء على مناقبه والأردية، وأبالغ في ذلك مبالغة من ملك الشّغف قلبه فما يراقب في المغالاة خلقا، ولا يخاف التكذيب من يقول حقّا، ما لم يكن لطمع عرضي، وربّ مقام قمته، وعذر في الاجتهاد أبليته وأقمته، وقد جرى ذكر هذا الجانب- أدام الله علاه- فقلت: نفس عصام سوّدت عصاما وهل الفخر الأوفى، وشرع المجد الأصفى، وقدح الرّياسة المعلّى، والسيادة المجاوزة رتبة الفرقدين محلّا، إلّا من وفّق الله له هذا الماجد الحلاحل، والجواد الذي ليس لبحر جوده ساحل، والكريم الذي أضحت أمواله مقسّمة بأيدي عفاته منتهبة، وأعينها لما منيت به من بغضائه منتحبة، وهمّته العليّة مستغرقة للأوقات في رسم عاف يعيده، وبرّ واف للمجتدين يفيده، ودين يقوم في حفظ معالمه إذا قعد الجميع، ويجيب داعيه وقد تصامم عنه كلّ سميع، ومصلحة جامعة يحيي رفاتها، ونفس مجدود يقضي من أوطارها ما فاتها، وعلم تنشر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 أعلامه بإرفاد حامليه، وصنع جميل يتخذه عند آمليه، ومكرمة يصيب بها مواقعها، وأحدوثة جميلة يكتسي وشائعها، وذكر ملأ الآفاق نشره طيبا، وأصبح كلّ لسان بمدحه خطيبا. وهل ما يتداوله الرّواة، وتتناقله في الكتب الأفواه، من أخبار شيخ البرامك يحيى بن خالد، ومآثر كلّ كريم من قديم الزمان ماجد، والنفوس تنكر بعضه استعظاما، وتعتده سمرا أو مناما، إلّا دون ما نراه عيانا، ونستوضح في كلّ ساعة دليلا عليه وبرهانا. لعلّ وجوها كانت في هذا المقام حاضره، وأعينا رامقة إليّ ناظره، فزويت عني تلك غيظا وامتقعت، وأغريت هذه بمسارقة النظر المريب نحوي وأولعت، وأنا خالع بالمضيّ في شوطي للعذار، غير ملتفت فيما يكمد الحاسدين إلى الاعتذار. ورأيت في تصفّح هذه المفاتحة متأمّلا، وقراءتها متلقّيا بحسن القبول متقبّلا، واستئناف المواصلة بكتبه الكريمة التي تمهّد مباني الوداد، وتعمر سبل المحافظة التي يعدّها أمثاله من أولي البصائر أجمل مكتسب، وأعلى في مجاري أحواله- أجراها الله على إيثاره، وأمدّها بجنود السعادة في ليله ونهاره- ما اشتبهت أرواح الإنس بمعرفته، ولشكر صنع الله عنده في مقابلته أعلى. **** وما وضع صدور الأدباء رسائل أسماء بغير أجسام، وألفاظا بغير معان، إلا ليدلوا على موضعهم من البراعة، وينبّهوا على محلّهم من البلاغة. فمنهم الجاحظ وكان مسهبا يستقي من بحر لا ينزح ماؤه، ويمتري أثباج درّ لا تقلع سماؤه، ويهدر هدير الفنيق بلا نهاية، ويؤمّ نهجا لا مقصد له ولا غاية، والمعرّي يحوم ولا يعوم، ويلوب ولا يرد، ويلغز ولا يبرّز، كأنما عنده مضمر يخاف من كشفه، وخلل إن أظهره آذن بحتفه. وله رسائل كثيرة لكنها موشيّة بوهمات الإلحاد، ومبنيّة على اختلاطه في الاعتقاد، كأنّه شاكّ مريب أو هازىء عابث، وقد استكثر من روايتها فإن تركت معجمة أهملت، وإن فسّرت خرجت عن معنى الرسائل، وصارت بكتب اللغة أشبه، مع أنّ الحرج يمنع من التعرض لتدوينها، وقد اقتصرت منها على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 رسالة هي من أسلمها. وللبديع والحريريّ مع تبريز هما أبدا صريحهما عن الرغوة، وإعلانهما بالاختلاف والغربة، فوضعا حكايات مفعولة، عن أسماء مجهولة، أبانا بها عن فضائل ليست بمفضولة. نسأل الله السلامة من موبق الضلال والمين، وأن يكشف عن بصائرنا غياهب الهوى والرّين. [742]- رسالة كتبها أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ إلى مويس بن عمران: زينك الله بالتقوى، وكفاك ما أهمك من أمر الآخرة والدنيا، وأعزّك بالقناعة، وختم لك بالسعادة، وجعلك من الشاكرين. من عاقب- أبقاك الله- على الصغير بعقوبة الكبير، وعلى الهفوة بعقوبة الإصرار، وعلى الخطأ بعقوبة العمد، وعلى معصية المقلّين، فقد تناهى في الظّلم. ومن لم يفرّق بين الأعالي والأسافل، وبين الأقاصي والأداني، عاقب على الزنا بعقوبة السّرق، وعلى القتل بعقوبة القذف. ومن خرج إلى ذلك في باب العقاب، خرج إلى مثله في باب الثواب. ولا أعلم نارا أبلغ في إحراق اهلها من نار الغيظ، ولا حركة أنقض لقوى الأبدان من طلب الطّوائل، ولا أعظم خسرانا، ولا أخفّ ميزانا، من عداوة العاقل العالم، وإطلاق لسان الجليس المداخل. والشّعار دون الدّثار، والخاصّ دون العامّ. والطالب- جعلت فداك- بغرض ظفر ما لم يخرج المطلوب الجبان، وما لم تقع المنازلة «1» .   [742] مويس بن عمران: كان من اصحاب النظام، ذكره الجاحظ في مؤلفاته فوصفه في البخلاء: 63 بالسخاء وقال في الحيوان (5: 468) كان هو والكذب لا يأخذان في طريق؛ وانظر أيضا البخلاء: 262 (ففيه تعريف به) ومواطن أخرى في الحيوان، ورسائل الجاحظ 2: 278. وقد أورد التوحيدي في البصائر 9: 123 (رقم: 394) رسالة وجهها مويس إلى الجاحظ يدعوه فيها الى طعام، فكتب إليه الجاحظ: مجلسك المجلس الذي يمنع المصرّ من التوبة، وينقض عزمة الاواه الحليم، وأنا علة من قرني إلى قدمي من حملي على نفسي ما ليس من عادتها، فهب لي نفسي هذا الاسبوع ثم انا بين يديك تقتادني حيث شئت، فعلت إنّ شاء الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 ومن الحزم ألّا تخرج إلى العدوّ إلّا «1» ومعك من القوى ما يعمّ الفضلة التي يتيحها لك «2» الاخراج، ولا بدّ أيضا من حزم يحذّرك مصارع البغي، ويخوّفك ناصر المظلوم. وبعد، فأنت- أبقاك الله- تضرّ من ألم الغيظ نفسك، والغيظ عذاب أليم، وربما زاد التشفي في الغيظ ولم ينقص منه «3» . ولست على يقين من أن يعود سهمك في ضرّك، كما أيقنت بموضع الغيظ من صدرك. والحازم لا يلتمس شفاء غيظه باجتلاب ضغنه، ولا يطفىء نار غضبه بأحرّ من غضبه، ولا يسدّد سهمه إلّا والغرض ممكن، والغاية قريبة، ولا يهرب والهرب معجز. إنّ سلطان الغيظ غشوم، وإنّ حكم الغضب جائر، وأضعف ما يكون العزم عند التصرّف، وأضعف ما يكون الجزم والغضب في طباع سلطان [الهوى] ، والهوى يتصوّر في صورة امرأة، [و] لا يبصر مساقط العيب ومواقع السّرف «4» إلّا كلّ معتدل الطباع، مستوي الأسباب. والله لقد كنت أكره سرف الرضى مخافة جواذبه إلى سرف الهوى، فما ظنّك بسرف الغضب وبغلبة الغيظ، ولا سيما ممّن تعوّد إهمال النّفس، ولم يعوّدها الصبر، ولم يعرّفها موضع الحظّ في تجرّع المرارة، وأنّ المراد من الأمور عواقبها عواجلها. ولقد كنت أشفق عليك من إفراط السرور، فما ظنّك بافراط الغضب؟ وقد قال الناس: لا خير في طول الراحة إذا كان يورث الغفلة، ولا في طول الكفاية إذا كان يؤدّي إلى المعجزة، ولا في كثرة العيّ إذا كان يخرج إلى البلادة. جعلت فداك، إنّ داء الحزن، وإن كان قاتلا، فإنّه داء مماطل، وسقمه مطاول، ومعه من التمهل بقدر قسطه من أناة المرّة السوداء، وداء الغيظ سفيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 طيّاش، وعجول فحّاش، يعجل عن التوبة، ويقطع دون الوصيّة، ومعه من الحرق بقدر قسطه من التهاب المرّة الحمراء. وأنت روح كما أنت جسم، من قرنك إلى قدمك. وعمل الآفة في الدّقاق العتاق «1» أسرع، وصدّها عن الغلاظ الجفاة آكد، فلذلك اشتدّ جزعي لك من سلطان الغيظ وغلبة الغضب. فإذا أردت أن تعرف مقدار الذنب إليك، من مقدار عقابك عليه، فانظر في علّته وفي مخرج سببه، وإلى معدنه الذي فيه «2» نجم، وعشّه الذي منه درج، ومغرسه الذي فيه نبت، وإلى جهة صاحبه في التتايع والنّزع، وفي التسرّع والثبات، وإلى حاله عند التقريع «3» ، وإلى حيائه عند التعريض، إلى فطنته عند الرشق والتورية، فإن فضل الغيظ ربّما دلّ على فرط الاكتراث بكون الاقدام والاحجام، فكلّ ذنب كان سببه الرأي، أو ضيق صدر وغلق طباع، وجد مرارا، أو من جهة تأويل أو من جهة الغيظ في المقادير أو من طريق فرط الأنفة، وغلبة طباع الحمية من بعض الجفوة أو لبعض الأثرة، أو من جهة استحقاقه عند نفسه، وفيما زيّن له عمله أنّه مقصّر به، مؤخّر عن مرتبته، أو كان مبلّغا عنه، أو مكذوبا عليه، أو كان ذلك جائزا فيه غير ممتنع منه، فإذا كانت ذنوبه من هذا الشكل وعلى هذه الأسباب، وفي هذه المجاري، فليس يقف عليها كريم، ولا يلتفت لفتها حليم، ولست أسميه بكبير معروفه كريما، حتى يكون عقله غامرا لعلمه، وعلمه غالبا لطبعه، كما أني لا أسمّيه بالذي أرى من كفّه «4» [عن] القصاص حليما «5» ، حتى يكون عالما بما ترك، وعارفا بما اخذ. واسم الحلم «6» جامع للظّلم والقدرة والفهم، فإذا وجدت الذّنب بعد ذلك لا سبب له إلّا البغضة وإلّا تشفّي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 النفس «1» والعناد الغالب، فلو لم ترض لصاحبه بعقاب دون قعر جهنم لعدّلك كثير من العقلاء، ولصوّب رأيك عالم من الأشراف. ومتى كانت طبيعته البذاء، وخليقته الشرارة والتسرّع، فاقتله قتل العقارب، وادمغه دمغ رؤوس الحيّات. وإذا كان ممّن لا يسىء فيك القول، ولا يرصدك بالمكروه، إلّا لتعطيه على الخوف، وتمنع عرضك من جهة التقية، فامنعه من جميع رفدك، واحتل في منعه من قبل غيرك. فإنك إن أعطيته على هذه الشريطة، وأعظمته مع هذه الحكومة، فقد شاركته في سب نفسك، واستدعيت الألسنة البذيئة إلى عرضك، فكنت عينا لهم عليك «2» ، وبابا لهم إليك. وكيف تعاقبه على ذنب لك شطره، وأنت فيه قسيمه، إلّا أنّ عليك غرمه وله غنمه؟ ومن العدل المحض والانصاف الصريح أنّ تحطّ عن الحسود نصف عقابه، وتقتصر به على مقداره، لأنّ ألم حسده لك قد كفاك مؤونة شطر غيظك عليه. وأمّا الوادّ فلا تعرض له ألبتة، ولا تلتفت لفته، ولو أتى على الحرث والنسل، وجثا على الروح والقلب. ولا تغترّ بقوله إني أودّ، ولا تحكم له بدعواه أني جدّ وامق، وانظر أنت في حديثه وإلى مخارج لفظه، وفي لحن قوله، وإلى طريقه وطبعه، وإلى خلقه وخليقته، وإلى تصرّفه وتصميمه، وإلى توقّفه وتهوّره؛ وتأمّل مقدار جزعه من قلّة اكتراثه، وانظر إلى غضبه فيك ولك، وإلى انصرافه عمّن انصرف عنك، وميله إلى من مال إليك، وإلى تسلّمه من الشرّ، وتعرّضه له، وإلى مداهنته وكشف قناعه، بل لا تقض له بجميع ذلك ما كان ذلك في أيام دولتك، ومع إقبال إمرتك، وإنّ طالت الأيّام وكثرت الشهور، حتى تنتظم له الحالات وتستوي فيه الأزمان؛ نعم، ثمّ لا تحكم له بذلك حتى يكون خلقه حالة مقصورة على محبتك، ومحتوية عليك وعلى نصيحتك، بالعلل التي توجب الأفعال، والأسباب التي تسخّر القلوب للمودّات. فإن أنت لم تحكم له بالعادة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 مع احتمال هذه العلل فيه، ومع توافيها إليه، ولم تقض له بأقصى النهاية، مع ترادف هذه الأسباب، وتكافل هذه الدلائل، وتعاون هذه البرهانات، فكلّ بيّنة إذن زور، وكل دلالة فاسدة. وقد قال الأول: إنّ دلائل الأمور أشدّ تثبيتا من شهادات الرجال، إلّا أن يكون في الخبر دليل ومع الشهادة برهان، لأن الدليل لا يكذب ولا ينافق، ولا يزيد ولا يبدّل، وشهادة الإنسان لا تمنع من ذلك، وليس معها أمان من فساد ما كان الإمكان قائما. فإن جهلت- أعزّك الله- علّة غضبك، فتمثّل جهل من لا علّة له؛ وإن عجزت عن احتمال عقابك، فتمثّل عجز ما لا يطاق حمله، ولا عار على جازع إلّا فيما يمكن في مثله الصبر، ولا لوم على جاهل فيما لا ينجح في مثله الفكر. وليس هذا أوّل شرك نصبته، ولا أوّل كيد أرغته، وما هي بأوّل دنيّة غطّيتها وسترتها، وحيلة أكمنتها «1» ورمقتها «2» . وقد كانت التقيّة أحزم، والاقتضاء أسلم؛ بل كان العفو أرحم، والتغافل أكرم. ولا خير في عقوبة تشمت العدوّ القديم، ويتنادى بها العدوّ الحادث. والأناة أبلغ من الحزم، وأبعد من الذمّ، وأحمد مغبّة، وأبعد من مخوف العجلة، وقد قال الأول: عليك بالأناة فإنّك على ايقاع ما أنت موقعه أقدر منك على ردّ ما أوقعته، وقد أخطأ من قال «3» : [من البسيط] قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل بل لو كان قال: المتأنّي بدرك حاجاته أحقّ، والمستعجل بفوت حاجاته أخلق، كان قد وفّى المعنى حقّه، وأعطى اللفظ حظّه، وإن كان القول الأوّل موزونا والثاني منثورا. وليس يصارع الغضب أيام شبابه وغرب نابه شيء إلّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 صرعه، ولا ينازعه قبل انتهائه وإدباره شيء إلّا قهره؛ وإنما يحتال له قبل هيجه، ويتوثّق منه قبل حركته، ويتقدّم في حسم أسبابه، وفي قطع حباله، فإذا تمكن واستفحل وأذكى ناره واشتعل، ثم لاقى ذلك من صاحبه قدرة، ومن أعوانه سمعا وطاعة، فلو أسعطّه بالتوراة وأوجرته بالانجيل، ولددته «1» بالزّبور، وأفرغت على رأسه القرآن إفراغا، وأتيته بآدم عليه السلام شفيعا، لما قصّر دون أقصى قوّته، ولتمنّى أن يعار أصناف قدرته. وقد جاء في الأثر: إنّ أقرب ما يكون العبد من غضب ربّه إذا غضب. وقال قتادة: ليس يسكّن غضب العبد إلّا ذكره غضب الرّب. فلا تقف- حفظك الله- بعد مضيّك في عتابي التماسا للعفو عني، ولا تقصّر عن إفراطك من طريق الرحمة لي، ولكن قف وقفة من يتّهم الغضب على عقله، والسلطان على دينه، ويعلم أنّ للعقل خصوما، وللكرم أعداء؛ وتمسّك إمساك من لا يبرّىء نفسه من الهوى، ولا يبرىء الهوى من الخطأ، ولا تنكر لنفسك أن تزلّ، ولعقلك أن يهفو، فقد زلّ آدم عليه السلام «2» وهفا، وغرّه عدوّه، وخدعه خصمه، وعيب باخلاف عزمه، وسكون قلبه إلى خلاف ثقته؛ هذا وقد خلقه الله بيده وأسكنه في دار أمنه «3» ، وأسجد له ملائكته، ورفع فوق العالمين درجته. فلست أسألك إلّا ريثما تسكن نفسك، ويرتدّ إليك ذهنك، وترى الحلم وما يجلب من السلامة وطيب الأحدوثة. إنّ الله ليعلم، وكفى به عليما، وليشهد وكفى به شهيدا، وكفى بجزاء من يعلمه ما لا يعلم جزاء وتعرضا، وكفى به عند الله بعدا ومقتا. لقد أردت أن أفديك بنفسي في بعض كتبي، وكنت عند نفسي في عداد الموتى وفي حيّز الهلكى. فرأيت أنّ من الخيانة لك، ومن اللؤم في معاملتك، أن أفديك بنفس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 ميّتة وأن أريك أني قد جدت لك بأنفس علق والعلق معدوم. وأنا أقول لك- أبقاك الله- كما قال أخو ثقيف: مودة الأخ التّالد وإنّ أخلق خير من مودّة الطارف، وإن ظهرت بشاشته وراعتك جدّته. سلّمك الله وسلّم عليك، وحفظك وكلأك، وكان لك ومعك. [743]- رسالة أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري تسمى الإغريضية: السلام عليك أيتها الحكمة المغربيّة، والألفاظ العربيّة، أيّ هواء رقاك، وأيّ غيث سقاك، برقه كالإحريض «1» ، وودقه مثل الإغريض «2» ، حللت الرّبوة، وجللت عن الهبوة «3» ، أقول لك ما قال أخو نمير «4» لفتاة بني عمير «5» : [من الوافر] زكا لك صالح وخلاك ذمّ ... وصبحّك الأيامن والسعود لأنا آسف على قربك من الغراب الحجازيّ، على حسن الزّيّ، لما أقفر «6» ، وركب السّفر، فقدم جبال الرّوم في نوّ «7» ، أنزل البرس «8» من الجوّ، فالتفت إلى عطفه،   [743] هي الرسالة العاشرة من رسائل أبي العلاء، بتحقيق احسان عباس، وقد اعتمد في تحقيقها على نسخة كوبريللي رقم: 1396 والتيمورية رقم: 227 وعلى شرح للرسالة لمحمد بن أحمد بن يحيى البكر باذي، بمكتبة عاطف افندي رقم: 2777 وعلى التذكرة الحمدونية وصبح الأعشى للقلقشندي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 وقد شمط فأسي، وترك النّعيب أو نسي، وهبط الأرض فمشى في قيد وتمثّل ببيت دريد «1» : [من الطويل] صبا ما صبا حتّى علا الشّيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد واراد الإياب في ذلك الجلباب، فكره الشّمات فكمد حتى مات؛ وربّ وليّ أغرق في الإكرام، فوقع في الإبرام، إبرام السّأم، لا إبرام السّلم «2» . فحرس الله سيّدنا حتى تدغم الطّاء في الهاء «3» ، فتلك حراسة بغير انتهاء، وذلك أنّ هذين ضدّان، وعلى التّضادّ متباعدان، رخو وشديد، وهاو وذو تصعيد، وهما في الجهر والهمس، بمنزلة غد وأمس. وجعل الله رتبته التي هي كالفاعل والمبتدا، نظير الفعل في أنها لا تنخفض أبدا. فقد جعلني إن حضرت عرف شاني، وإن غبت لم يجهل مكاني، ك «يا» في النداء، والمحذوف من الابتداء، إذا قلت زيد أقبل، والإبل الإبل، بعد ما كنت كهاء الوقف إنّ ألغيت فبواجب، وإن ذكرت فغير لازب، إني وإن غدوت في زمان كثير الدّد، كهاء العدد، لزمت المذكّر فأتت بالمنكر، مع إلف يراني في الأصل، كألف الوصل، يذكرني لغير الثناء، ويطرحني عند الاستغناء، وحال كالهمزة تبدل العين، وتجعل بين بين، وتكون تارة حرف لين، وتارة مثل الصّامت الرّصين، فهي لا تثبت على طريقة، ولا تدرك لها صورة على «4» الحقيقة، ونوائب ألحقت الصّغير بالكبير «5» ، كأنّها ترخيم التصغير، وردّت المستحلس إلى حليس، وقابوس إلى قبيس، لأمدّ صوتي بتلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 الآلاء، مدّ الكوفيّ صوته في هؤلاء «1» ، وأخفّف «2» عن حضرة «3» سيّدنا الرئيس الحبر «4» ، تخفيف المدنيّ «5» ما قدر عليه من النبر، إن كاتبت فلا ملتمس جواب، وإن أسهبت في الشكر فلا طالب ثواب. حسبي ما لديّ من أياديه، وما غمر من فضل السيّد الأكبر أبيه، أدام الله لهما «6» القدرة ما دام الضّرب الأوّل من الطويل صحيحا «7» ، والمنسرح خفيفا سريحا «8» ، وقبض الله يمين عدوّها عن كلّ معن، قبض العروض من أوّل وزن «9» ، وجمع له المهانة إلى التقييد، كما جمعا في ثاني المديد «10» وقلم قلم الفسيط، وخبل كسباعيّ البسيط «11» ، وعصب الله الشرّ بهامة شانيهما وهو مخزوّ، عصب الوافر الثالث وهو مجزوّ «12» ، بل أضمرته الأرض إضمار ثالث الكامل «13» ، وعداه أمل الآمل، وسلم سيّدانا- أعز الله نصرهما، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 ومن أحباه وقرباه- سلامة متوسّط «1» المجموعات «2» ، فإنه آمن من المروّعات؛ فقد افتننت في نعمهما الرائعة، كافتنان الدائرة الرّابعة، وذلك أنّها أمّ ستّة موجودين، وثلاثة مفقودين «3» . وأنا أعد نفسي مراسلة حضرة سيّدنا الجليلة، عدة ثريّا الليل، وثريّا سهيل «4» ، هذه القمر، وتلك عمر، وأعظّمه في كلّ وقت إعظاما في مقة، وبعض الإعظام في مقت، فقد نصب للآداب قبّة صار الشام فيها كشامة المعيب، والعراق كعراق الشّعيب «5» ، أحسب ظلالها من البردين «6» ، وأغنت العالم عن الهندين: هند الطّيب، وهند النّسيب، ربّة الخمار، وأرباب قمار «7» ، أخدان التّجر، وخدينة الهجر. ما حاملة طوق من الليل، وبرد من المنتجع «8» مكفوف الذيل، أوفت الأشاء «9» ، فقالت للكئيب ما شاء، تسمعه غير مفهوم، لا بالرّمل ولا بالمزموم، كأنّ سجعها قريض، ومراسلها الغريض «10» ، فقد ماد لشجوها العود، وفقيدها لا يعود، تندب هديلا «11» فات، وأتيح له بعض الآفات، بأشوق إلى هديلها من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 عبده إلى مناسمة أنبائه، ولا أوجد على إلفها منه على زيارة فنائه، وليس الأشواق، لذوات الأطواق، ولا عند السّاجعة، عبرة متراجعة، إنّما رأت الشّرطين، قبل البطّين، والرّشاء «1» بعد العشاء، فحكت صوت الماء في الخرير، وأتت براء دائمة التكرير، فقال جاهل فقدت حميما، وثكلت ولدا قديما، وهيهات يا باكية أصبحت فصدحت، وأمسيت فتناسيت، لا همام لا همام، ما رأيت أعجب من هاتف الحمام، سلم فناح، وصمت فهو مكسور الجناح. إنما الشوق لمن يدّكر «2» في كلّ حين، ولا يذهله مضيّ السنين. وسيّدنا- أطال الله بقاه- القائل النظم في الذّكاء مثل الزّهر، وفي النقاء مثل الجوهر، تحسب بادرته التّاج «3» ارتفع عن الحجاج «4» ، وغابرته الحجل «5» في الرّجل يجمع بين اللّفظ القليل، والمعنى الجليل، جمع الأفعوان في لعابه بين القلّة وفقد البلّة «6» ، خشن ولان فما هان، لين الشكير يدلّ على عتق المحضير «7» ، وحرش الدينار «8» ، آية كرم النجار، فصنوف الأشعار بعده كألف السّلم، يلفظ بها في الكلام، ولا تثبت لها هيئة بعد اللام، خلص من سبك النقد خلوص الذّهب من اللهب، واللجين من يد القين، كأنه لآل، في أعناق حوال، وسواه لطّ، في عنق ثطّ «9» ، ما خانته قوة الخاطر الأمين، ولا عيب بسناد «10» ولا تضمين، وأين النّثرة من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 العثرة «1» ، والغرقد من الفرقد «2» ، فالساعي في أثره فارس عصا بصير «3» ، لا فارس عصا قصير «4» ، وأنا ثابت على هذه الطوّية «5» ثبات حركة البناء «6» ، مقيم تلك الشهادة بلا استثناء، غنيّ عن الأيمان فلا عدم، مقيم على ما قلت فلا حنث ولا ندم، وإنما تخبأ الدرّة للحسناء الحرة، ويجاد باليمين، في العلق الثمين، ما أنفسه خاطرا اقترى الفضّة من القضّة، والوصاة من مثل الحصاة «7» ، وربما نزعت الأشباه، ولم يشبه المرء أباه، ولا غرو لذلك: الخضرة «8» أمّ اللهيب، والخمرة بنت الغربيب «9» . وكذلك سيدنا: ولّد من سحر المتقدّمين، حكمة للحنفاء المتديّنين. كم له من قافية تبني السّود «10» ، وتثني الحسود، كالميت من شرب العاتقة الكميت، نشوره قريب، وحسابه تثريب «11» . أين مشبّهو الناقة بالفدلمي «12» ، والصحصح برداء الرّدن «13» ، وجب الرّحيل، عن الرّبع المحيل. نشأ بعدهم واصف، غودروا له كالمناصف «14» ، إذا سمع الخافض صفته للسهب الفسيح، والرّهب الطليح، «15» ودّ أنّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 حشيّته بين الأحناء، وخلوقه عصيم الهناء «1» ، وحكم بالقود في الرّقود، وصاغ برى ذوات الأرسان، من برى البيض الحسان «2» ، شنفا لدرّ النحور وعيون الحور، وشغفا بدرّ بكيّ وعين مثل الرّكيّ «3» ، وإعراضا عن بدور، سكنّ في الخدور، إلى حول كأهلّة المحول «4» ، فهنّ أشباه القسىّ ونعام السّي. وإن أخذ في نعت الخيل فيا خيبة من سبّه الأوابد بالتقييد، وشبّه الحافر بقعب الوليد «5» ، نعتا غبط به الهجين المنسوب، والبازيّ اليعسوب «6» ، إذ رزق من الخير ما ليس لكثير من سباع الطّير، وذلك أنّه على الصّغر سميّ بعض الغرر. وقد مضى حرس، وخفت جرس «7» ، وللقالع أبغض طالع، والأزرق يجنّبك عنه الفرق «8» . فالآن سلمت الجبهة من المعض، وشمل بعضها بركات بعض «9» ، فأيقن النطيح أنّ ربّه لا يطيح، والمهقوع نجا راكبه من الوقوع «10» ، فلن يحرب قائد المغرب «11» ، ولن يرجل سائس الأرجل «12» . والعاب وإن لحق الكعاب، ناكب عن ناقلات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 المراكب «1» . وقالت خيفانة امرىء القيس الدّباءة، لراعي المباءة، والأثفية للقدر الكفية «2» ، نقما على جاعل عذرها كقرون العروس، وجبهتها كمحذّف التروس «3» ، وأنى للكندي، قواف كهجمة السعديّ «4» : [من الوافر] إذا اصطكّت بضيق حجرتاها ... تلاقى العسجديّة واللطيم «5» فالقسيب «6» في تضاعيف النسيب، والشباب في ذلك التشبيب، ليس رويّه بمقلوب، ولكنه من إرواء القلوب. قد جمع أليل ماء الصّبا، وصليل ظماء الظّبا «7» ، فالمصراع كوذيلة الغريبة، حكت الزّينة والرّيبة، وأرت الحسناء سناها والسّمجة ما عناها «8» . فأما الراح فلو ذكرها لشفت من الهرم، وانتفت من الكرم إلى الكرم، ولم ترض دنان العقار، بلباس القار، ونسيج العناكب على المناكب، ولكن تكسى من وشي ثيابا، ويجعل طلاؤها زريابا «9» . ولقد سمعته ذكر خيمة يغبط المسك أن يكون جارها من الشّيام، ويود سعد الأخبية أنه سعد الخيام «10» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 ووقفت على مختصر إصلاح المنطق الذي كاد بسمات الأبواب، يغني عن سائر الكتاب، فعجبت كلّ العجب من تقييد الأجمال بطلاء الأحمال «1» ، وقلب البحر إلى قلت النحر «2» ، وإجراء الفرات، في مثل الأخرات «3» ، شرفا له تصنيفا شفى الريب، وكفى من ابن قريب «4» ، ودلّ على جوامع اللغة بالإيماء، كما دلّ المضمر على ما طال من الأسماء، أقول في الإخبار، أمرت أبا عبد الجبار، فإذا أضمرته عرف متى قلت أمرته، وأبلّ من المرض والتمريض، بما أسقط من شهود القريض، كأنهم في تلك الحال، شهدوا بالمحال، عند قاض عرف أمانتهم بالانتقاض على حقّ علمه بالعيان، فاستغنى فيه عن كلّ بيان. وقد تأملت شواهد «إصلاح المنطق» فوجدتها عشرة أنواع، في عدّة إخوة الصدّيق، لما تظاهروا على غير التحقيق «5» ، وتزيد على العشرة بواحد، كأخ ليوسف لم يكن بالشاهد. والشعر الأوّل، وإن كان سبب الأثرة، وصحيفة المأثرة «6» فإنه كذوب القالة نموم الإطالة، وإنّ «قفا نبك» على حسنها وقدم سنّها، لتقرّ بما يبطل شهادة القول الرضى، فكيف بالبغيّ الأنثى؟ قاتلها الله عجوزا لو كانت بشريّة، كانت من أغوى البريّة. وقد تمادى بأبي يوسف «7» - رحمه الله- الاجتهاد، في إقامة الأشهاد، حتى أنشد رجزا لضبّ «8» ، وإنّ معدّا من ذلك لجدّ مغضب. أعلى فصاحته يستعان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 بالقرض «1» ، ويستشهد بأحناش الأرض «2» ؟ ما رؤبة عنده في نفير «3» ، فما قولك في ضبّ دامي الأظافير؟ ومن نظر في كتاب يعقوب وجده كالمهمل، إلّا باب، فعل وفعل، فإنّه مؤلّف على عشرين حرفا: ستة مذلّقة، وثلاثة مطبقة «4» ، وأربعة من الحروف الشديدة «5» ، وواحد من المزيدة «6» ، ونفيثين: الثاء والذال «7» ، وآخر متعال «8» ، والأختين العين والحاء، والشين مضافة إلى حيّز الرّاء، فرحم الله أبا يوسف لو عاش لفاظ كمدا، أو احفاظّ «9» حسدا، سبق ابن السكّيت ثم صار كالسّكيت «10» ، وسمق ثم حار وتدا للبيت، كان الكتاب تبرا في تراب معدن، بين الحثّ والمتّدن «11» ، فاستخرجه سيّدنا واستوشاه، وصقله فكره ووشّاه «12» ، فغبطه النّيرات على الترقيش، والآل النقيش، فهو محبوب ليس بهين، على أنه ذو وجهين، وما نمّ قط ولا همّ، ولا نطق ولا أرمّ «13» . قد ناب في كلام العرب الصميم، مناب مرآة المنجم في علم التنجيم، شخصها ضئيل ملموم، وفيها القمران والنجوم. وأقول بعد في إعادة اللفظ: إنّ حكم التأليف في ذكر الكلمة مرتين كالجمع في النكاح بين أختين، الأولى حلّ يرام، والثانية بسل حرام. كيف يكون في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 الهودج لميسان، وفي الجمعة «1» خميسان؟ يا أمّ الفتيات، حسبك من الهنود، ويا أبا الفتيان شرعك «2» من السعود، عليك أنت بزينب ودعد، وسمّ أيها الرجل بسوى سعد، ما قلّ أثير، والأسماء كثير. مثل يعقوب مثل خود كثيرة الحليّ، ضاعفته على التراق، وعطلت الخصر والساق. كان يوم قدوم تلك النسخة يوم ضريب «3» ، حشر الوحوش «4» مع الإنس، وأضاف الجنس إلى غير الجنس، ولم يحكم على الظباء بالسباء، ولا رمى الآجال «5» بالأوجال، ولكنّ الأضداد تجتمع فتسمع، وتنصرف باللذات «6» أذاة. وإنّ عبده موسى لقيني نقابا «7» ، فقال هلمّ كتابا، يكون لك شرفا، وبموالاتك في حضرة سيدنا معترفا، فتلوت عليه هاتين الآيتين إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (طه: 118- 119) وأحسبه رأى نور السؤدد فقال لمخلّفيه، ما قال موسى صلّى الله عليه لأهليه إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (طه: 10) . فليت شعري ما يطلب، اقبس ذهب أم قبس لهب؟ بل يتشرف بالأخلاق الباهرة ويتبرّك بالأحساب الطاهرة: [من البسيط] باتت حواطب ليلى يقتبسن «8» لها ... جزل الجذا غير خوّار ولا دعر «9» وقد آب من سفرته الأولى ومعه جذوة من نار قديمة إن لمست فنار إبراهيم، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 وإن أونست فنار الكليم؛ واجتنى بهارا حبت به المرازبة كسرى، وحمل في فكاك الأسرى، وأدرك نوحا مع القوم، وبقي غضّا إلى اليوم، وما انتجع موسى إلّا الرّوض العميم، ولا اتبع إلّا أصدق مغيم «1» . وورد عبده الزهيري «2» من حضرته المطهّرة كأنه زهرة نقيع «3» ، أو وردة ربيع، كثيرة الورق، طيبة العرق، ليس هو في نعمته كالرّيم، في ظلال الصّريم «4» ، والجاب في السحاب المنجاب «5» ، لأنّ الظلام يسفر والغمام ينسفر «6» ، ولكنه مثل النون في اللّجّة، والأعفر تحت جربة «7» . وقد كنت عرّفت سيدنا فيما سلف أنّ الأدب كعهود في إثر عهود، أروت النجاد فما ظنّك بالوهود؟ وأنّي نزلت من ذلك الغيث ببلد طسم كأثر الوسم «8» ، منعه القراع من الإمراع «9» ، يا بوس بني سدوس، العدو حازب، والكلا عازب «10» ؛ يا خصب بني عبد المدان، ضان في الحربث وضأن في السّعدان «11» ، فلما رأيت ذلك أتعبت الأظلّ «12» ، فلم أجد إلّا الحنظل، فليس في اللبيد إلّا الهبيد «13» ، جنيته من شجرة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار؛ لبن الإبل عن المرار مرّ، وعن الأراك طيّب حرّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 هذا مثلي في الأدب، فأما في النّشب، فلم يزل لي بحمد الله وبقاء سيدنا «1» بلغتان: بلغة صبر وبلغة وفر، أنا منهما بين الليلة المرعيّة، واللّقوح الرّبعيّة «2» هذه عام، وتلك مال وطعام، والقليل سلّم إلى الجليل، كالمصلّي يريغ الضّوء باسباغ الوضوء، والتكفير بادامة التعفير، وقاصد بيت الله يغسل الحوب «3» بطول الشّحوب. وأنا في مكاتبة حضرة سيدنا الجليلة، والميل عن حضرة سيدنا الأجلّ والده- أعزّ الله نصره- كسبأ بن يعرب لما ابتهل في التقرّب إلى خالق النور ومصرف الأمور، نظر فلم ير أشرف من الشمس يدا، فسجد لها تعبّدا، وغير ملوم سيدنا لو أعرض عن شقائق النعمان الرّبعيّة، ومدائحه اليربوعية «4» ، مللا عن أهل البلد المضاف إلى هذا الاسم، فغير معتذر «5» ، من أبغض لأجلهم بني المنذر، وهم إلى حضرته السنية رجلان: سائل وقائل، فأما السائل فألحّ، وأما القائل فغير مستملح، وقد سترت نفسي عنها ستر الخميص بالقميص، وأخي الحتر بسجوف السّتر، فظهر بي فضله الذي مثله مثل الصبح إذا تصرّف الحيوان في شؤونه، فخرج من بيته اليربوع، وبرز عن الملك من أجل الربوع. وقد يولع الهجرس بأن يجرس في البلد الجرد قدّام أسد ورد «6» ، وإني خبّرت أنّ تلك الرسالة الأولى عرضت بالموطن الكريم «7» ، فأوجب ذلك رحيل أختها، متعرّضة لمثل بختها، وكيف لا تنقع، وفي اليم تقع؟ وهي بمقصد سيدنا فاخرة، ولو نهيت الأولى لا نتهت الآخرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 [744]- ومن رسائل أبي الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني المعروف ببديع الزمان المسماة بالمقامات: حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت وأنا في عنفوان «1» سنّي، أشدّ رحلي لكلّ عماية «2» ، وأركض طرفي إلى كلّ غاية «3» ، حتى شربت العمر سائغه، ولبست للدهر «4» سابغه. فلما صاح «5» النهار بجانب ليلي، وجمعت للمعاد ذيلي، وطئت ظهر المروضة «6» ، لأداء المفروضة، وصحبني في الطريق رفيق ما أنكره «7» من سوء. فلما تجالينا، خبرنا بحالينا، أسفرت «8» القصة عن أصل كوفيّ، ومذهب صوفيّ. وسرنا فلما حللنا المدينة «9» ملنا إلى دارة ودخلناها «10» ، وقد بقل وجه النهار واخضرّ جانبه، فلما اغتمض جفن الليل وطرّ شاربه، قرع علينا الباب، فقلنا من [القارع] المنتاب؟ فقال: وفد الليل وبريده، وفلّ الجوع وطريده، وحرّ قاده الضّرّ والزمن المرّ، وضيف وطؤه خفيف، وضالّته رغيف، وجار يستعدي على الجوع، والجيب المرقوع، وغريب أوقدت النار في أثره «11» ، وأنبح العوّاء على سفره «12» ، ونبذت خلفه الحصاة «13» ، وكنست بعده العرصات، نضوه طليح، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 وعيشه تبريح، ومن دون فرخيه مهامه فيح. قال عيسى بن هشام: فقبضت من كيسي قبضة الليث، وبعثت بها «1» إليه، وقلت: زدنا سؤالا، نزدك نوالا. فقال: ما عرض عرف العود على أحرّ من نار الجود، ولا لقي وفد البرّ بأحسن من بريد الشكر، ومن ملك الفضل فليواس، فلن يذهب العرف بين الله والناس «2» . وأما أنت فحقّق الله آمالك، وجعل اليد العليا لك. قال عيسى بن هشام: ففتحنا له الباب [وقلنا له ادخل] فدخل، فإذا هو والله شيخنا أبو الفتح الإسكندري. فقلت: يا أبا الفتح شدّ ما بلغت بك الخصاصة، [وهذا الزي خاصة] . فتبسم ثم أنشأ يقول: [من مجزوء الخفيف] لا يغرّنّك الذي ... أنا فيه من الطّلب أنا في ثروة يشققّ ... لها برده الطّرب أنا لو شئت لاتخذت ... شنوفا من الذهب [745]- ومما أنشأه عبد الله أبو القاسم ابن محمد الخوارزمي وسماه الرّحل: وصية لكل لبيب، متيقظ أريب، عالم أديب، يكره مواقف السقطات، ويتحفّظ من مصادف الغلطات، ويتلطف من مخزيات الفرطات، أن يدّعي   [745] صاحب هذه الرسالة (أو الرحلة) هو عبد الله بن محمد بن علي أبو القاسم الخوارزمي الملقب بالكامل، وكان معاصرا للحريري صاحب المقامات وقد كتب ست عشرة رحلة هذه إحداها، وقد سقطت ترجمته من معجم الأدباء، وأوردها ابن الفوطي 5: 88 (ط. لاهور) وانباه الرواة 2: 136 والوافي 17: 541 وقد أعدتها إلى موضعها من معجم الأدباء (ترجمة رقم: 670) لأن الذين أوردوا ترجمته نقلوا عن ياقوت، وأوردت هنالك رحلته هذه (ص: 1552- 1559 ) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 دون مقامه، ويقتصر من تمامه، ويغضّ من سهامه، ويظهر بعض شكيمته، ويساوم بأيسر قيمته، ويستر كثيرا من بضاعته، ويكتم دقيق صناعته، ولا يبلغ غاية استطاعته، وأن يعاشر الناس بأصدق المناصحة، وجميل المسامحة، وأن لا يحمله الإعجاب بما يحسنه، على الازدراء بمن يستقرنه، والافتراء على من يعترضه ويلسنه، ليكون خبره أكثر من خبره، ونظرته أروع من منظره، ويكون أقرب من الإعذار، وأبعد من الخجلة والانكسار: [من الطويل] فليس الفتى من قال إني أنا الفتى ... ولكنّه من قيل أنت كذلكا ومن مدع ملكا بغير شهادة ... له خجلة إن قيل أن لست مالكا ولقد نصرت بالاتّضاع، على ذي نباهة وارتفاع، وذلك أني أصعدت في بعض الأيام، مع جماعة من العوام، بين ناجر وزائر وثاجر وتامر «1» إلى الغريّ والحائر «2» ، حتى انتهينا إلى قرية شارعة، آهلة زارعة، وما منا إلّا من أملته السّميريّة «3» فأغرضته، وأسقمته فأمرضته، وفتّرته فقبضته، فكثر منا الجؤار، واستولى علينا الدّوار، فخرجنا منها خروج المسجون، وقد تقوّسنا تقويس العرجون، فاسترحنا بالصعود، من طول القعود: [من الرجز] كأننا الطير من الأقفاص ... ناجية من أحبل القنّاص طيّبة الأنفس بالخلاص ... منفّضات الريش والعناصي «4» فما استتمّت الراحة، ولا استقرت بنا الساحة، حتى وقف علينا واقف وهتف بنا هاتف: أيّكم ابن الخوارزمي؟ فقالوا له: ذلك الغلام المنفرد، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 والشابّ المستند، فأقبل إليّ وسلّم عليّ وقال: إنّ الناظر يستزيرك، فليعجّل إليه مصيرك. فقمت معه، يتقدّمني وأتبعه، حتى انتهى إلى جلّة من الرجال، ذوي بهاء وجلال، وزينة وكمال، من أشراف الأمصار، وأعيان ذوي الأخطار، من أهل واسط وبغداد، والبصرة والسواد: [من الطويل] ترى كلّ مرهوب العمامة لاثها ... على وجه بدر تحته قلب ضيغم فقام إليّ ذو المعرفة لإكرامه، وساعده الباقون على قيامه، وأطال في سؤاله وسلامه، وجذبوني إلى صدر المجلس فأبيت، ولزمت ذناباه واحتبيت، وأخذوا يستخبرونني عن الحال، والمعيشة والمال، وداعية الارتحال، وعن النية والمقصد، والأهل والولد، والجيران والبلد: [من الطويل] وما منهم إلّا حفيّ مسائل ... وواصف أشواق ومثن بصالح ومستشفع في أن أقيم لياليا ... أروح وأغدو عنده غير بارح ثم قال قائلهم: هل لقيت عين الزمان وقلبه، ومالك الفضل وربّه، وقليب الأدب وغربه، وإمام العراق، وشمس الآفاق؟ فقلت: ومن صاحب هذه الصفة المهولة، والكناية المجهولة؟ فقالوا: أو ما سمعت بكامل هيت، ذي الصوت والصيت؟: [من السريع] ذاك الذي لو عاش قس إلى ... زمانه ذا وابن صوحان وابن دريد وأبو حاتم ... وسيبويه وابن سعدان وعامر الشعبيّ وابن العلا ... وابن كريز وابن صفوان قالوا فخارا كلّهم إنه ... سيدنا إذ قال غلماني فقلت لهم: قلدتم المنّة، وهيّجتم الحنّة، إلى لقاء هذا العالم المذكور، والسيّد المشهور، وقد كانت الرياح تأتيني بنفحات هذا الطيب، وهدر هذا الخطيب، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 فالآن لا أثر بعد عين، سأصبح لأجله عن سرى القين، اغتناما للفائدة، والنعمة الباردة، ووجدانا للضالّة الشاردة: [من الخفيف] أين أمضي وما الذي أنا أبغي ... بعد إدراكي المنى والطّلابا فإذا ما وجدت عندكم العلم ... قريبا فما أريد الثوابا اذهبوا أنتم فزوروا عليا ... لأزور الهيتيّ والآدابا لن أبالي إن قيل إنّ الخوارز ... ميّ أخطا في فعله أو أصابا فقالت الجماعة: بل أصبت، ووجدت ما طلبت، وقديما كنا ننشر أعلاقك، ونتمنى اتّفاقك، ونتداول أوصافك، ونحبّ مضافك، ونكثر لديه ذكرك، ونعظّم لديه قدرك، فيتحرّك منه ساكنه، ويتقلقل بك أماكنه، ونسأل الله سبحانه أن يجمع بينك وبينه بمحضرنا، وتلامح عينك عينه بمنظرنا، فيلتفّ غبارك بغباره، ويمتزج تيّارك بتيّاره، ويختلط مضمارك بمضماره، فنعرف منكما السابق والسّكيت، والسّوذانق والكعيت «1» ، ويتبين من الذي يحوي القصب، ومن يشتكي العصب، فانكما قال الشاعر: [من الوافر] هما رمحان خطّيان كانا ... من السّمر المثقفة الصعاد تهال الأرض أن يطآ عليها ... بمثلهما نسالم أو نعادي فقلت: لقد تنكبتم الانصاف، وأخطأتم الاعتراف، وأبعدتم القياس، وأوقعتم الالتباس، أين ابن ثلاثين إلى ابن ثمانين، وأبن ابن اللّبون من البازل الأمون؟ والمهر الرازح، من الجواد القارح، والكودن المبروض، من المجرّب المروض؟ [من البسيط] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس «1» كيف لربيب بطائح وسباخ، وساكن صرائف وأكواخ، بين سواديّة أنباط، وعلوج أشراط، ورعاع أخلاط، وسفل سقّاط، في بلدة إن جاوزت سورها، وعبرت جسورها، صحت واغربتا! وإن رأيت وجها غريبا ناديت وا أبتاه، لا أعرف غير النبطية كلاما، ولا ألقى سوى والدي إماما، في معشر ما عرفوا الترحال، ولا ركبوا السروج والرّحال، ولا فارقوا الجدار والظلال والأطلال: [من الوافر] أولئك معشر كبنات نعش ... خوالف لا تغور مع النجوم بمصاولة رجل جوّال، رحّال حلّال، بهيت وضع، وبالكوفة أرضع، وببغداد أثغر، وبواسط أجفر، وبالحجاز وتهامة فطامه، وبمصر والمغرب كان احتلامه، وبنجد والشآم بقل عارضه، واشتدت عوارضه، وباليمن وعمان قويت نواهضه، وبخراسان بلغ أشدّه، وببخارى وسمرقند تناهى جدّه، وبغزنة والهند شاب واكتهل، ومن سيحون وجيحون علّ ونهل، وبميسان والبصرة عوّد وقرح، وبالجبال جله وجلح، فهو يعدّ المازني إمامه، وابن جنّي غلامه، والمتنبي من رواته، والمعريّ حامل دواته، والصابي باري قلمه، والصاحب رافع علمه، وبني مقلة ناقلي غاشيته، وبني أبي حفصة بعض حاشيته، وقد قرأ الكتب وتلاها، وحفظ العلوم ورواها، ودرس الآداب ووعاها، ودوّن الدواوين وألّفها، وأنشأ الحكم وصنّفها، وفصّل المشكلات وشرحها، وارتجل الخطب ونقّحها، فهو البحر المورود، والإمام المقصود، والعلم المصمود، هذا بون بعيد، ومرتقى شديد: [من المتقارب] أتلقون بالأعزل الرامحا ... وبالأكشف الحاسر الدارعا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 وبالكودن السابق السّابحا ... وبالمنجل الصارم القاطعا فما استتم كلامنا حتى مثل، فإذا نحن به قد طلع مهرولا، وأقبل مستعجلا، فرأيت رجلا أجلح، أهتم أقلح أفطح أروح، طويلا عنطنط، يحكي ذئبا أمعط، أخمع أخبط، فتلقّوه معظمين، وله مفخمين، فقصد في المجلس صدره، وأسند إلى المخدّة ظهره. فما استقر به المكان، حتى قيل له: هذا فلان، فقبض من أنفه، ونظر إليّ بشطر من طرفه، وقال ببعض فيه، هلمّوا ما كنتم فيه، تعسا للشوهاء وجالبيها، والقرعاء وقالبيها: [من المنسرح] جاء دريد مجرّرا رسنه ... فحل فلا تمنعنّه سننه أحبه قومه على شوه ... إنّ القرنبى لأمّها حسنه «1» فقال: كان لنا شيخ بالأنبار، كثير الأخبار، قد بلغ من العمر أملاه، ومن السنّ أعلاه، قرأت عليه جميع الكتاب، وعلم الأنساب، وأدب الكتّاب، وشعر الأعراب، ومعاني الزجّاج، ومسائل ابن السرّاج، وديوان العجّاج، وكتاب الإصلاح، وشروح الايضاح، وشعر الطرماح، والعين للفرهودي، والجمهرة للأزدي، وأكثر من المصنفات المجهولات والمعروفات. ينفخ في شقاشقه، ويزيد في بقابقه، ويتعاظم في مخارقه. وجعل القوم يقسمون بيننا الألحاظ، ويحسنون الألفاظ، وما منهم إلّا من اغتاظ، لسكوتي وكلامه، وتأخّري وإقدامه، ثم هذى الشيخ إذ وصف له رجل على الغيب ثم رآه، فاحتقره وازدراه، وأنشد متمثلا: [من الوافر] لعمر أبيك تسمع بالمعيدي ... بعيد الدار خير أن تراه وقال: هذا المعيديّ هو ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّة بن أدّ بن طابخة بن الياس ابن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان، والمعيديّ تصغير معدّيّ وهو الذي قالت فيه نادبته: [من الرجز] أنعى الكريم النهشليّ المصطفى ... أكرم من خندف أو تخندفا فقلت: ما بعد هذا المقال، وجه للاحتمال، وما يجب لي بعد هذه المواقحة، غير المكافحة، ولم يبق بعد المكاذبة من مراقبة: [من الرجز] ما علّتي وأنا جلد نابل ... والقوس فيه وتر عنابل ترنّ من تحريكها المعابل ما علّتي وأنا [جلد] جلد ... والقوس فيه وتر عردّ مثل ذراع البكر أو أشدّ فعطفت عليه عطفة الثائر العاسف، والتفتّ إليه التفاتة الطائر الخائف، فقلت له: يا أخا هيت، قد قلت ماشيت، فأجب الآن إذ دعيت، والزم مكانك، وغضّ عنانك، وقصّر لسانك: إن نادبة ضمرة خندفته، لما وصفته، وما سمعت في نسبتك إياه لخندف ذكرا، فأبن عن ذلك عذرا، فقال: إنّ خندف هي امرأة إلياس بن مضر غلبت على بنيها فنسبوا إليها كطهيّة ومزينة، وبلعدوية وعرينة، والسلكة وجهينة، وندبة وأذينة، وكشبيب بن البرصاء وبلعرجاء، فقلت: سئلت فأجبت، وقلت فأصبت، فأخبرني عن خندف، هل هو اسم موضوع، أو لقب مصنوع؟ فوقف عند ذلك حماره، وخمدت ناره، وركد جريانه، وسكن هذيانه، وقرّ غليانه، وظهر حرانه، وذلّ وانقمع، وانطوى واجتمع، فاضطرّه الحياء، وألجأه الاستخذاء، إلى أن قال وهو يخفي لفظه، ويطرق لحظه، أظنه لقبا. فقلت: هو كما ظننت فما معناه وما سببه؟ وكيف كان موجبه؟ ولم يجد بدا من أن يقول: لا أدري؛ فقال وقد أذقته مرّ الإماتة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 وأحسّ من القوم بتظاهر الشماتة: [من الطويل] وودّ بجدع الأنف لو أنّ صحبه ... تنادوا وقالوا في المتاح له قم ثم أقبلوا إليّ، وانعكفوا عليّ، بأوجه متهللة، وألسن متوسّلة، في شرح الحال، والقيام بجواب السؤال، فقلت: هذا بديع عجيب، أنا أسأل وأنا أجيب؟ إنّ إلياس بن مضر تزوج ليلى ابنة تغلب بن حلوان بن الحاف بن قضاعة بن معدّ (في بعض النسب) فولد له منها عمرو وعامر وعمير، ففقدهم ذات يوم فأنحى على ليلى باللوم، فقال: أخرجي في أثرهم، وأتيني بخبرهم. فمضت في طلبهم، وعادت بهم، فقالت: ما زلت أخندف في ابتغائهم، حتى ظفرت بلقائهم. فقال لها إلياس: أنت خندف، والخندفة في الاتباع، تقارب خطو في إسراع. وقال عمرو: يا أبه، أنا أدركت الصيد فلويته، فقال له: أنت مدركة إذ حويته. وقال عامر: أنا طبخته وشويته، فقال له: أنت طابخة إذ شويته، فقال عمير: وأنا انقمعت في الخباء، فقال له: فأنت قمعة للاحتباء. فلصقت بها وبهم هذه الألقاب، وجرت بها إليهم الأنساب. فقال حينئذ: هذا علم استفدته، وفضل استزدته، وقد قال الحكيم: مذاكرة ذوي الألباب، نماء الآداب. فقلت له متمثلا: [من الطويل] أقول له والرمح يأطر متنه ... تأمل خفافا إنني أنا ذلكا ثم لم يحتبس إلّا قليلا، ولم يمتسك طويلا، ولم ير من رأي فتيلا، حتى عاد إلى هديره، وأخذ في تهذيره، طمعا أن يأخذ بالثار، ويعود الفصّ له في القمار، فعدل عن العلوم النّسبيّة، وجال في ميدان العربية، ولم يحسّ أنّ باعه فيها أقصر، وطرفه دون حقائقها أحسر، فقال: حضرت يوما حلبة من حلبات العلوم، وموسما من مواسم المنثور والمنظوم، وقد غصّ بكلّ خطيب مصقع، وحكيم مقنع، وعالم مصدع، وملىء من كلّ عتيق صهّال، وفنيق صوّال، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 ومنطيق جوّال، فأخذوا في فنون المعارضات، وصنوف المناقضات، وسلكوا في معاني القريض، كلّ طويل وعريض، حتى إذا أخذ السائل منهم بالمخنق، ببيت الفرزدق: [من الطويل] وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلّا مسحتا أو مجلّف ثم لم يحتبس فيها إلّا قليلا، فكثر فيه الجدال، وطال المقال، وما منهم أحد أجاد القياس، وأصاب القرطاس، ووقع على الطريق، وأتى بالتحقيق. فلما رأيتهم وهم في غمرتهم ساهون، وفي ضلالتهم يعمهون، ناديتهم إليّ فأرعوا، ومنّي فاستمعوا، فإني ابن بجدته، وعالم ما تحت جلدته، ثم إني أبديت لهم أسراره، وأثقبت ناره، وحللت عقده، ومخضت زبده، واطرت لبده، وبجست حجره، وأبثثتهم عجره وبجره. فقالوا: لله أبوك، فإنّك أسبقنا إلى غاية، وأكشفنا لغياية، وأجلانا لشبهة، وأضوانا في بدهة، وما أعلم اليوم على ظهرها من يقوم بعلم ما فيه، ويطّلع على خافيه. فأذكرني الامتعاض، وأخذني الانتفاض، فأنشدته: [من البسيط] من ظن أنّ عقول الناس ناقصة ... وعقله زائد أزرى به الطمع ثم قلت له: ادعيت فوق ما وعيت، فأخبرني عن أوّل هذا البيت: يا مجري الكميت، وكيف تنشده وعضّ بالفتح أو وعضّ بالضم؟ فقال: كلاهما مرويّ، فقلت: تبتدىء بالفعل ثم تعود إلى الاسم يا ذا الاعجاب، تهيأ للسائل في الجواب، مبنيّ عليه، لا يضاف سواه إليه. فقلت: هذا الجواب نعلمه، ومن صبيان المكتب لا نعدمه، وإنما ألتمس منك الفائدة فيها، وأطلب كشف خافيها. فقال: ما جاء عن أئمة النحاة، وسائر الرواة، في هذا غير ما شرحته، ولا زادوا على ما أوضحته. فقلت: دع عنك هذا، وأخبرني عن هذا البناء: ألعلّة أم لغيرها؟ فأقبل يتردّد ويتزحزح، ويتثاءب تارة ويتنحنح، فلما سدّ عليه من طريقه، وحصل في مضيقه، وغصّ بريقه، قال: لا أعلم. فقالت الجماعة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 أعذر إليك من ألقى سلاحه، وغضّ جماحه، ومن أدبر بعد إقباله، عدل عن قتاله: [من الكامل] والحقّ أبلج لا يخيل سبيله ... والحقّ يعرفه ذوو الألباب والآن فقد فازت قداحك، وبانت غررك وأوضاحك، وأجدت المصال، وأدركت الخصال، فأوضح لنا عما سألت، وأرشدنا إلى ما دللت لئلا يقال: هذا بهت، ومحال بحت. فقلت: حبّا وكرامة، اسمع أنت يا طغامة: إنّ الفعل من فاعله، كالوليد من ناجله، لا يخلو الفعل من علامة فاعل، في لفظ كلّ قائل، وهي الفتح من ماضيه وواقعه، والزوائد في مستقبله ومضارعه، وبيان ذلك أنّ الفتحة من ماضيه «1» لا تكون مع التاء والنون، فنقول: اخرج فتثبت الفتحة، ثم تقول أخرجت وأخرجننا فيسقط ما ذكرنا، وعلامتان لمعنى محال، لا يوجبهما الحال، فإن كانت النون التي مع الألف ضمير المفعول، عادت الفتحة فتقول: أخرجنا الأمير، فهذا بيّن منير. فصفقت الجماعة وشمّخت، وحسّنت وبخبخت، وجعل الأديب يضطرب اضطراب العصفور، ويتقلب تقلب المصغور، متيقنا أنّ أسده صار جرذا، وأنّ بازيه صار صردا، ودرّه انقلبت مخشلبا، وزيتونه تحوّل غربا، وقناه تغيّر قصبا، وأنّ مستقيمه تعوّج، وجيده تبهرج، وصحيحه تدحرج، وحديده تكرّج، فقال منشدهم: [من الوافر] ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وتحت ثيابه أسد مزير ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ظنّك الرجل الطرير فما عظم الرّجال لهم بفخر ... ولكن فخرهم كرم وخير فأخذه الإبلاس، وضاقت به الأنفاس، وسكنت منه الحواسّ، ورفضه الناس، وجعل ينكت الأرض، ويواصل لكفّه العضّ، ويتشاءم بيومه، ويعود على نفسه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 بلومه، يمسح جبينه، ويكثر أنينه. فقمت فقامت معي الجماعة وتركته، واستهانت به وفركته، فلما بقي وحده، تمنى لحده، وأسبل دمعته، وودّ أنّ الأرض بلعته: [من الطويل] وكان كمثل البوّ ما بين روّم ... يلوذّ بحقويه السّراة الأكابر فأصبح مثل الأجرب الجلد مفردا ... طريدا فما تدنو إليه الأباعر فقام فتبعني، ووقف وودّعني، وأطال الاعتذار، وأظهر التوبة والاستغفار، وقال: مثلك من سدّ الخلل، وأقال العثرة والزلل، فقد اغتررت من سنّك بالحداثة، ومن زيّك بالرثاثة، ومن أخلاقك بالدماثة. فقلت: كلّ ذلك مفهوم معلوم، وأنت فيه معذور لا ملوم، وما جرى بيننا منسيّ غير مذكور، ومطويّ غير منشور، ومخفي غير مشهور: [من الكامل] وجدال أهل العلم ليس بقادح ... ما بين غالبهم إلى المغلوب ثم سكت فما أعاد، ونزلت وعاد، وكان ذلك أول عهد به وآخره، وباطن لقاء وظاهره، وكلّ اجتماع وسائره. (وبعد ذلك شعر ألغيت ذكره) . [746]- ومما أنشأه أبو محمد القاسم بن علي الحريري من مقاماته: حكى الحارث بن همّام قال: ملت في ريّق زماني «1» الذي غبر، إلى مجاورة أهل الوبر، لآخذ أخذ نفوسهم «2» والسنتهم العربيّة، فشمّرت تشمير من لا يألو جهدا، وجعلت أضرب في الأرض غورا ونجدا، إلى أن اقتنيت هجمة من   [746] هذه هي المقامة الوبرية، انظر شرح الشريشي على مقامات الحريري 3: 297 (والرمز ش لهذا الشرح) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 الراغية، وثلة من الثاغية «1» ، ثم أويت إلى عرب أرداف أقيال «2» ، وأبناء أقوال «3» ، فأوطنوني أمنع جناب، وفلوا عني حدّ كلّ ناب، فما تأوّبني عندهم همّ، ولا قرع صفاتي سهم، إلى أن أضللت في ليلة منيرة البدر لقحة غزيرة الدرّ، فلم أطب نفسا بالغاء طلبها، وإلقاء حبلها على غاربها، فتدثرت فرسا محضارا «4» ، واعتقلت لدنا خطّارا، وسريت ليلتي جمعاء أجوب البيداء، وأقتري كلّ شجراء ومرداء «5» ، إلى أن نشر الصبح راياته، وحيعل الداعي إلى صلاته، فنزلت عن متن الرّكوبة لأداء المكتوبة. ثم جلت في صهوتها، وفررت عن شحوتها «6» ، وسرت لا أرى أثرا إلّا قفوته، ولا نشزا إلّا علوته، ولا واديا إلّا جزعته، ولا راكبا إلّا استطلعته، وجدّي مع ذلك يذهب هدرا، ولا يجد ورده صدرا، إلى أن حانت صكّة عميّ «7» ، ولفح هجير يذهل غيلان عن ميّ، وكان يوما أطول من ظلّ القناة، وأحرّ من دمع المقلات «8» ، فايقنت أني إن لم أستكنّ من الوقدة وأستجمّ بالرقدة، أدنفني اللغوب، وعلقت بي شعوب، فعجت إلى سرحة كثيفة الأغصان وريقة الأفنان، لأغوّر تحتها إلى المغيربان «9» . فو الله ما استروح نفسي، ولا استراح فرسي، حتى نظرت إلى سانح، في هيئة سائح، وهو ينتجع نجعتي ويشتد إلى بقعتي، فكرهت انعياجه إلى معاجي، واستعذت بالله من شرّ كل مفاجي. ثم ترجّيت أن يتصدّى منشدا، أو يتبدّى مرشدا، فلمّا اقترب من الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 سرحتي وكاد يحلّ بساحتي، ألفيته شيخنا السّروجيّ متّشحا بجرابه، ومضطغنا أهبة تجوابه «1» ، فآنسني إذ ورد، وأنساني ما شرد، ثم استوضحته من أين أثره، وكيف عجره وبجره «2» ، فأنشد بديها، ولم يقل إيها: [من الخفيف] قل لمستطلع دخيلة أمري ... لك عندي كرامة وعزازه (وهي أبيات تركت إثباتها هاهنا حتى لا أكدر صفاء بلاغته في منثوره بتقصيره في منظومه) . قال: ثمّ رفع إليّ طرفه، فقال: لأمر ما جدع قصير أنفه. فأخبرته خبر ناقتي السّارحة، وما عانيته في يومي والبارحة، فقال: دع الالتفات إلى ما فات، والطّماح إلى ما طاح، ولا تأس على ما ذهب، ولو أنّه واد من ذهب، ولا تستمل من مال عن ريحك، وأضرم نار تباريحك، ولو كان ابن بوحك «3» أو شقيق روحك، ثم قال: هل لك في أن تقيل، وتتحامى القال والقيل؟ فإن الأبدان أنضاء تعب، والهاجرة ذات لهب، ولن يصقل الخاطر، وينشّط الفاتر، كقائلة الهواجر، وخصوصا في شهري ناجر، فقلت: ذاك إليك، وما أريد أن أشقّ عليك. فافترش التّرب واضطجع، وأظهر ان قد هجع، وارتفقت على أن أحرس ولا أنعس، فأخذتني السنة حين زمّت الألسنة، فلم أفق إلّا والليل قد تولّج، والنجم قد تبلّج، ولا السروجيّ ولا المسرج. فبت بليلة نابغية، وأحزان يعقوبية، أساور الوجوم، وأساهر النجوم، تارة أفكر في رجلتي، وأخرى في رجعتي، إلى أن وضح لي عند افترار ثغر الضوّ، في وجه الجو، راكب يخد في الدّوّ؛ فألمعت إليه بثوبي، رجاء أن يعرّج إلى صوبي، فلم يعبأ بإلماعي، ولا أوى لالتياعي، بل سار على هينته، وأصماني بسهم إهانته، فأوفضت إليه لأستردفه، وأحتمل تغطرفه، فلما أدركته بعد الأين، وأجلت فيه مسرح العين، وجدت ناقتي مطيّته، وضالتي لقطته، فما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 كذبت أن أذريته عن سنامها، وجاذبته طرف زمامها، فقلت له: أنا صاحبها ومضلّها، ولي رسلها ونسلها، فلا تكن كأشعب، فتتعب وتتعب. فجعل يلدغ ويصي «1» ويتّقح ولا يستحي، وبينا هو ينزو ويلين «2» ، ويستأسد ويستكين، إذ غشينا أبو زيد لابسا جلد النمر «3» ، وهاجما هجوم السيل المنهمر، فخفت والله أن يكون يومه كأمسه، وبدره مثل شمسه، فألحق بالقارظين «4» ، وأصير خبرا بعد عين. فلم أر إلّا أن أذكرته مودته «5» المنسيّة، وفعلته «6» الأمسيّة، وناشدته الله أوافى للتلافي، أم لما فيه إتلافي، فقال: معاذ الله أنّ أجهز على مكلومي، وأصل حروري بسمومي «7» ، وإنما وافيتك لأخبر كنه حالك، وأكون يمينا لشمالك. فسكن عند ذلك جاشي، وانجاب استيحاشي، فأطلعته طلع اللقحة، وتبرقع صاحبي بالقحة، فنظر إليه نظر ليث العرّيسة إلى الفريسة، ثم أشرع قبله الرمح، وأقسم له بمن أنار الصبح، لئن لم ينج منجى الذّباب، ويقنع من الغنيمة بالإياب، ليوردنّ سنانه وريده، وليفجعنّ به وليده ووديده. فنبذ زمام النّاقة وحاص، وأفلت وله حصاص «8» ، فقال لي أبو زيد: تسّلمها وتسنّمها، فإنها إحدى الحسنيين، وويل أهون من ويلين. قال الحارث بن همام: فحرت بين لوم أبي زيد وشكره، وزنة نفعه بضرّه، فكأنّه نوجي بذات صدري، أو تكهّن ما خامر سرّي، فقابلني بوجه طليق وأنشد بلسان ذليق: [من مجزوء الرمل] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 يا أخي الحامل ضيمي ... دون إخواني وقومي إن يكن ساءك أمسي ... فلقد سرّك يومي فاغتفر ذاك لهذا ... واطّرح شكري ولومي ثم قال: أنا تئق وأنت مئق فكيف نتفق «1» ؟ ثم ولّى يفري أديم الأرض، ويركض طرفه أيمّا ركض، فما عدوت «2» أن ارتكضت «3» مطيتي، وعدت لطيّتي، حتى انتهيت «4» إلى حلتي، بعد اللّتيّا والّتي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 نوادر من المكاتبات [747]- كتب أبو الفضل ابن العميد: كتابي- جعلني الله فداك- وأنا في كدّ وتعب منذ فارقت شعبان، وفي جهد ونصب من شهر رمضان، وفي العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر من ألم الجوع ووقع الصوم ومرتهن بتضاعيف: [من الطويل] حرور لو انّ اللحم يصلى ببعضها ... غريضا أتى أصحابه وهو منضج وممتحن بهواجر يكاد أوارها يذيب دماغ الضبّ، ويصرف وجه الحرباء عن التحنف، ويزويه عن التنصّر، ويقبض يده عن إمساك ساق وإرسال ساق: [من البسيط] ويترك الجأب في شغل عن الحقب ... ويقدح النار بين الجلد والعصب ويغادر الوحش قد مالت هوادبها: [من الطويل] سجودا لدى الأرطى كأنّ رؤوسها ... علاها صداع أو فواق يصورها وكما قال الفرزدق: [من الطويل] بيوم أتت فيه الظلال سمومه ... وظلّ المها صورا جماجمها تغلي وكما قال مسكين الدارمي: [من الطويل] وهاجرة ظلّت كأنّ ظباءها ... إذا ما اتقتها بالقرون سجود   [747] وردت هذه الرسالة في يتيمة الدهر 3: 165. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 تلوذ بشؤبوب من الشمس فوقها ... كما لاذ من حرّ السّنان طريد وممنوّ بأيام تحاكي ظلّ الرمح طولا، وليال كإبهام القطاة قصرا، ونوم كلا ولا قلّة، وكحسو الطائر من ماء الثماد دقّة، وكتصفيقة الطائر [المستحرّ] خفة: [من الطويل] كما أبرقت يوما عطاشا غمامة ... فلما رجوها أقشعت وتجلت و: [من المنسرح] كنقر العصافير وهي خائفة ... من النواطير يانع الرطب وأحمده على كل حال، وأسأله أن يعرفني [فضل] بركته، ويلقّيني الخير في باقي أيامه وخاتمته، وارغب إليه في أن يقرّب على القمر دوره، ويقصّر سيره، ويخفف حركته، ويعجل نهضته، وينقص مسافة فلكه ودائرته، ويزيل بركة الطّول عن ساعاته، ويردّ عليّ غرة شوّال، فهي أسر الغرر عندي وأقرها لعيني، ويسمعني النّعرة في قفا شهر رمضان، ويعرض عليّ هلاله أخفى من السر، وأظلم من الكفر، وأنحف من مجنون بني عامر، وأضنى من قيس بن ذريح، وأبلى من أسير الهجر، ويسلّط عليه الحور بعد الكور، ويرسل عليه كلفا يغمره وكسوفا يستره، ويرينيه مغمور النّور، مقهور الضوء «1» ، قد جمعه والشمس برج واحد ودرجة مشتركة، وينقص من أطرافه [كما تنقص] النيرات من طرف الزند، ويبعث عليه الأرضة، ويهدي إليه السوس، ويغري به الدّود، ويبليه بالفأر، ويخترمه بالجراد ويبيده بالنمل، ويجتحفه بالذرّ، ويجعله من نجوم الرجم، ويرمي به مسترق السمع، ويخلصنا من معاودته، ويريحنا من دوره، ويعذبه كما عذب عباده وخلقه، ويفعل به فعله بالكتّان، ويصنع به صنعه بالألوان، ويقابله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 بما تقتضيه دعوة السارق إذا افتضح بضوئه، وتهتّك بطلوعه: ويرحم الله عبدا قال آمينا وأستغفر الله جلّ جلاله مما قلته إن كرهه، وأستعفيه من توفيقي لما يذمّه، واسأله صفحا يفيضه وعفوا يسيغه، وحالي بعدما شكوته صالحة، وعلى ما تحبّ وتهوى جارية، ولله الحمد- تقدّست أسماؤه- والشكر. 748- ومن كلام أبي الحسن ابن نصر الكاتب إلى صديق له اشترى حمارا يداعبه برسالة من جملتها: عرفت- أبقاك الله- حين وجدت من سكرة الأيام إفاقة، وأنست من وجهها العبوس طلاقة، وتنسّمت رياح المسرّة، واعتضت من ظلمة الضيق نور السّعة، أجبت داعي همتك، وأطعت أمر مروّتك، في التنزه عن الرحلة والانتزاع بذوي الأخطار والهيئة، فسررت بكون هذه المنقبة التي أضمرها الإعدام، ونمّ على كرم سرّها الإمكان، واستدللت منها على خبايا فضل، وتنبهت بها على مزايا نبل، كانت مأسورة في قبضة الإعسار، وكانعة في سدفة الإقتار، وقلت: أيّ قدم أحقّ بولوج الركب «1» من قدميه، وحاذ أولى ببطون القب من حاذيه؟ وأيّ أنامل أبهى من أنامله إذا تصرّفت في الأعنّة يسراها، وتختمت بالمخاصر يمناها؟ وكيف يكون ذلك الخلق العميم والوجه الوسيم، وقد بهر جالسا، إذا طلع فارسا؟ ثم اتهمت آمالي بالغلوّ فيك، واستبعدت مغافصة الزمان بإنصاف معاليك، فقبضت ما انبسط من عنانها، وأخمدت ما اشتعل من نيرانها، حتى وقفت على محجّة الشك أرجو علوّ همتك بحسن اختيارك، وأخشى منافسة الأيام في درك أوطارك، فإنها كالظّانّة في ولدها، والمحادثة بالسوء في واحدها، يدني الأمل مسارها، ويزجي القلق حذارها، حتى أتتني الأنباء تنعى رأيك الفائل، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 وتبكي عزمك الآفل، بوقوع اختيارك على فاضح صاحبه، ومسلم راكبه، الجامد في حلبة الجياد، والحاذق بالحرن والكياد، الشؤم ديدنه ودابه، والبلادة طبيعته وشأنه، لا يصلحه التأديب، ولا تقرع له الظّنابيب، إن لحظ عيرا نهق، أو لمح أتانا شبق، أو وجد روثا شمّ وانتشق، فكم هتم سنّا لصاحبه، وكم أسعط أنف راكبه بأنفاسه؟ وكم استردّه خائفا فلم يردده، وكم رامه خاطبا فلم يسعده؟ يعجل إن أحبّ الأناة والإبطاء، ويرسخ إن حاول الحثّ والنّجاء، مطبوع على العكس والخلاف، موضوع للضعة والاستخفاف، عزيز حتى تهينه السياط، كسول ولو أبطره النّشاط، ما عرف في النجابة أبا، ولا أفاد من الوغى أدبا، الطالب به محصور، والهارب عليه مأسور، الممتطي له راجل، والمستعلي بذروته نازل، له من الأخلاق أسواها، ومن الأسماء أشناها، ومن الأذهان أصداها، ومن القدود أحقرها، ومن تجحده المراكب، وتجهله المواكب، وتعرفه ظهور السوابل، وتألفه سباطات المنازل «1» . ومنها: جعلت فداك، لم حيث شاورت لم تستشر عليما إن عدمته نصيحا، وبصيرا إن لم تظفر به شفيقا «2» ، وذا منّة نافذة إن عدمت ذينك بواحدة؛ وإن وجدك بعزلة من العتاق، وحجزة من ذوات الإعناق، أمالك «3» إلى الهماليج التي زانها التصنيع، وراضها التخليع، فأصبحت منسربة كالحباب، متدافعة كالسحاب، وأمطاك المركبة البدع، بين كرم الأصل وكرم الفرع، سفواء روميّة، أو دهماء أعوجية، لها طرفان من الحمد والذمّ، وخبران لنسب الأب من الأمّ، يكرم راكبها ولا يهاب «4» ، وينجو صاحبها فلا يصاب، ذات خطى تسبق الأوفاز، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 ومطى يشتّت الإعجاز، نهاية في كمالها، زاهية بإخوانها، تطرد الطّرف وقد حازها، وتسترجع الطّرف وقد جازها، فأنت عليها كالبدر أو أنبه، وقد يجنح لك الرأي أو نهيه، ولكن بقيت إلى ذلك دقيقة جليلة المعنى، وقريبة بعيدة المرمى، بها شرف المطالب، وليست مما تكسب يد الكاسب: كرم الطبيعة والنجار، واتساع همّة المشاور والمستشار، فإن وجدت هذا يا مولاي بالغالي من الثمن فابتعه، أو أدركته بالشاقّ من السفر فاتّبعه، أو وصف لك دواء يشفي من صغر المنة فاشربه، أو عرض عليك هول من الأخطار كرها فاركبه. هيهات قلص المرام، وشلّت يد الرام، وغاض الماء، وأهوت سنة الحالم، وهوت شفة الحائم، ونفقت المكارم وحضر طالبها، ونتجت الكرائم ثم جاء خاطبها. وعندي الآن أبواب حيل أفتحها، وغوامض خدع أوضحها، تطفيلا بالرأي لا تستوجبه، وتغريبا في المكر لا تستغربه، أن تستحدث سيفا فيكون بعض آلات ما تسومه من الخيل المسوّمة، وترومه من البغال المخزّمة، فعل النحرير من الأجناد، المستظهر بتقديم الأهبة والاستعداد، فإن انتشر عنك هذا الخبر، وامّحى ذلك الرّقم والأثر، عدت لرسمك مستسعيا قدمك في مهمّك، وماحيا طمع الجلالة في وهمك، وقرنته بأتان، وجمعت بينهما في مكان، بعد أن تحلّها له نكاحا أو تمتعا، وتمهرها عنه جلّا أو برقعا، فتنتفع بالجحاش، ويكون الولد للفراش. هذان فنان من التوصّل، ونوعان من التغلغل: فاختر وما فيهما حظّ لمختار ثم لا أعلم أيّ فكر من الأفكار، أوهمك النباهة في ركوب الحمار، ولا من أين وقع لك هذا وحصل، ودعني من التهاويس بأخبار العزير «1» وجندل، فإني أعرف منّتك ثم أنكرها، وألوم همتّك ثم أعذرها، فليس طريق العلاء منقوضة لكلّ دايس، ولا ظهرها مسرجا لكلّ فارس، ولا كل من رام خليقة ما طبع لها، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 وعادة ليس من أهلها، ومنقبة ماذاق صرفها، وطبيعة ما اشتم عرفها، أتته منقادة مجيبة، وأطاعته مختارة مريدة، فلكلّ درجة قدم ترقاها، ولكل حسنة ناظر يرعاها، والإنسان بنفسه أعرف، ولشاكلته آلف. فإن يكن ما أتيت- أبقاك الله فكذلك تكون إن شاء الله- زلّة العالم وعثرة الحازم، وغفلة المتحفظ، وغفوة المتيقظ، فأمط العار بجواد حصين الصّهوة محلق الجبهة، أمين الحوافر، فسيح المناخر، عريق المفاخر، ربقة الأفكار، ومزلقة الأبصار، أو بغلة تسطو تيها على أبيها، وتبغّض الأرض إلى ممتطيها، كأنما تحطها في صبب، أو تطأ بقوائمها على لهب، وإلّا فاترك الأبّهة كما تركتك، وافركها كما فركتك، وتنحّ عن سنن الفارط، وانسلّ انسلال المغالط، وارجع لأول أمرك، لا مخطئا ولا مصيبا، ولا نبيه القدر ولا معيبا «1» . 749- ومن رسالة له إلى بعض إخوانه وقد ولي ولاية: وأقول- أدام الله عز القاضي- إنّ الدهر كلّه كلّ، ودأبه عقد وحلّ، يحلو مرة ثم يمرّ، وينفع تارة ويضرّ، ويصفو يسيرا ثم يكدر، ويفي قليلا ثم يغدر، فالكيّس من أبنائه من انتهز فرصة عطفه وإبقائه، تشاغلا بهزله وطيبه، وتغافلا عن جدّه وتعذيبه، صلة للّذات والمسارّ، وهجرة للغثاثة والوقار. ففي هذه الحلبة جرينا، ولأخلاف هذه مرينا، فنبذنا ترتيب القضاء والشهادة، وتركنا كلفة الانحناء والسجادة، ورأينا الرّخص مأخوذا بها، والشبه مفتوحة أبوابها، وأنّ اختلاف الأئمة رحمة الله «2» إلى الأمة «3» . ولجأنا إلى كتاب الحيل عند ضيق الأمر، ورأي ابن اللبّان في طهارة الخمر، وأنّ الإجماع ليس بحجّة. والبصريون- أدام الله عز القاضي- يتبعون شيخا من شيوخ ناعمة طاحية، يزعم أنّ التوبة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 بعد السبعين ماحية، وأنها في الشبيبة كذابة تردّ على عقبها، ويضرب بها وجه صاحبها، وله في ذلك كلام مفيد، وقد أخذت عنه تعليقة إذا فرغ الإنسان منها فقد نبذ كتاب الله ظهرا، وخرج من الدّين ببركته صفرا، ولولا ضيق الصدر والوقت، لطويت هذه السطور على شيء من كلامه لتتدبّر معانيه، وترى حسن تصرفه فيه، ولكن حال الجريض دون القريض، وما أخوفني أن يظنّ هذه الفكاهة إنما هي انفساح الحال، واتّساع المجال، وقوة الأنس، وانبساط النفس. وما هي الا سرور بما تيسّر من مفاوضته، وتسنّى من أسباب مناسمته التي نشرت بها على الهم جناحا، وجعلتها لسدفة فكري مصباحا، وإني إذا سامحني الدهر بمحادثة فضله، وأمكنني من مباثّة مثله، فضضت بنات صدري، ونفضت بها أثقال ظهري: [من الطويل] ومن لك في الدّنيا بأروع ماجد ... يواسيك في أهوالها أو يشارك والمرء بأخيه، بعدت داره أم قربت، والمعرفة حرمة بين الأحرار قويت أم ضعفت، فأمّا إذا ضمّهم ذمام الأدب، فهم فيه بنو أب، وما أبعد عهدي بيد للأيام عندي، إلى حين الاجتماع بالأستاذ أبي الفضل، الذي علوت به من السرور مرقبا، وجعلته إلى هذه المفاوضة المؤنسة لي سببا، والله تعالى يمتّعني من القاضي بالفضل الراجح، ويمدّني من دياره بالخبر الصالح، فإن رأى مقابلة ما أصدرته بوجه من القبول ورضى، وخلق بالترحيب مضى، وإتحافي بمبهج أخباره، وإيناسي بسانح أوطاره، فعل، إن شاء الله تعالى. [750]- من المقامات التي أنشأها أبو محمد القاسم بن علي الحريري: أخبر الحارث بن همام قال: أزمعت التبريز من تبريز، حين نبت بالذّليل والعزيز، وخلت من المجير والمجيز؛ فبينا أنا في إعداد الأهبة، وارتياد الصّحبة،   [750] هي المقامة الأربعون، شرح الشريشي (ش) 4: 320. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 لقيت «1» أبا زيد السروجي ملتفا بكساء ومحتفّا بنساء، فسألته عن خطبه، وأين «2» يسرب مع سربه. فأومأ إلى امرأة منهنّ باهرة «3» السّفور، ظاهرة النفور، وقال: تزوجت هذه لتؤنسني في الغربة، وترحض «4» عني قشف «5» العزبة، فلقيت منها عرق القربة «6» ، تمطلني بحقّي وتكلفني فوق طوقي، فأنا منها نضو وجى «7» ، وحلف شجو وشجى، وها نحن قد تساعينا إلى الحاكم ليضرب على يد الظالم، فإن انتظم بيننا الوفاق، وإلّا فالطّلاق والانطلاق. قال: فملت إلى أن أخبر لمن الغلب، وكيف يكون المنقلب، فجعلت شغلي دبر أذني «8» ، وصحبتهما وإن كنت لا أغني «9» . فلما حضرا القاضي، وكان ممّن يرى فضل الإمساك «10» ، ويضنّ بنفاثة السواك، جثا أبو زيد بين يديه وقال: أيّد الله القاضي وأحسن إليه، إنّ مطيتي هذه أبيّة القياد، كثيرة الشراد؛ مع أنّي أطوع لها من بنانها، وأجنى عليها من جنانها، فقال لها القاضي: ويحك! أما علمت أنّ النشوز يغضب الربّ، ويوجب الضرب؟ فقالت: إنّه ممن يدور خلف الدّار، ويأخذ الجار بالجار «11» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 فقال له القاضي: تبا لك أتبذر في السباخ، وتستفرخ حيث لا إفراخ «1» ؟ اغرب عني، لا نعم عوفك «2» ، ولا أمن خوفك. فقال له أبو زيد: إنّها- ومرسل الرياح- لأكذب من سجاح، فقالت: كلّا هو- ومن طوّق الحمامة وجنح النعامة- لأكذب من أبي ثمامة «3» حين مخرق باليمامة. فزفر أبو زيد زفير الشّواظ، واستشاط استشاطة المغتاظ، وقال لها: ويلك يا دفار يا فجار، يا غصّة البعل والجار، أتعمدين في الخلوة لتعذيبي، وتبدين في الحفلة تكذيبي؟ وقد علمت أني حين بنيت عليك ودنوت «4» إليك، ألفيتك أقبح من قردة، وأيبس من قدّة «5» ، وأخشن من ليفة، وأنتن من جيفة، وأثقل من هيضة «6» ، واقذر من حيضة، وأبرز من قشرة، وأبرد من قرة، وأحمق من رجلة «7» وأوسع من دجلة، فسترت عوارك ولم أبد عارك، على أنه لو حبتك شيرين بجمالها، وزبيدة بمالها، وبلقيس بعرشها، وبوران بفرشها، والزباء بملكها، ورابعة بنسكها، وخندف «8» بفخرها، والخنساء بشعرها في صخرها، لأنفت أن تكوني قعيدة رحلي وطروقة فحلي. قال: فتذمرت المرأة وتنمرت، وحسرت عن ساعديها وشمّرت، وقالت: يا ألأم من مادر، وأشأم من قاشر «9» ، وأجبن من صافر، وأطيش من طامر «10» ، أترميني بشنارك، وتفري عرضي بشفارك؟ وأنت تعلم أنك أحقر من قلامة، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 وأعيب من بغلة أبي دلامة، وأفضح من حبقة «1» في حلقة، وأحير من بقّة في حقّة، وهبك الحسن «2» في لفظه ووعظه، والشعبي في علمه وحفظه، والخليل في عروضه ونحوه، وجريرا في غزله وهجوه، وقسّا في فصاحته وخطابته، وعبد الحميد في بلاغته وكتابته، وأبا عمرو في قراءته وإعرابه، وابن قريب في روايته عن أعرابه؛ أتظنني أرضاك إماما لمحرابي وحساما لقرابي؟ لا والله ولا بوّابا لبابي، ولا عصا لجرابي. فقال لهما القاضي: أراكما شنّا وطبقة، وحدأة وبندقة، فاترك أيها الرجل اللدد «3» واسلك في سيرك الجدد، وأما أنت فكفي عن سبابه، وقري إذا أتى البيت من بابه. فقالت المرأة: والله ما أسجن عنه لساني، إلّا إذا كساني، ولا أرفع له شراعي دون إشباعي، فحلف أبو زيد بالمحرجات الثلاث «4» ، أنه لا يملك سوى اطماره الرثاث. فنظر القاضي في قصصهما نظر الألمعي، وأفكر فكرة اللوذعي. ثم أقبل عليهما بوجه قد قطبه، ومجنّ قد قلبه، وقال: ألم يكفكما التّسافه في مجلس الحكم، والإقدام على هذا الجرم، حتى تراقيتما في فحش المقاذعة إلى خبث المخادعة؟ وايم الله لقد أخطأت استكما الحفرة، ولم يصب سهمكما الثغرة، فإن أمير المؤمنين، أعزّ الله ببقائه الدين، نصبني لأقضي بين الخصماء لا لأقضي دين الغرماء، (وتمام هذه المقامة تركته اختصارا) . 751- ومن رسالة كتب بها الشريف أبو يعلى ابن الهبارية من كرمان إلى الشيخ الخطيب أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي جوابا: [من الطويل] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 أفدي الكتاب بناظري فبياضه ... ببياضه وسواده بسواده فلقد جدّد عهدي بالسرور والجذل، وأعاد عليّ «1» عصر الطرب، وأنالني من الزمان ما يوفي على الأمل، وأحيا ميّت نشاطي، وأجرى الروح في رميم جذلي وانبساطي، وردّ لي ما غاب «2» من فرحي واغتباطي، وفرج «3» عن روحي المكروبة، وأزاح علل عازب الهموم عن نفسي بما حقّقه من سلامة سيّدنا. نعم، وصلني كتابه فالتقطت من نفائس درره، ولقد كنت فقيرا إلى بدائع فقره، وتعجبت من ملح كلامه، ونكت نثاره ونظامه. وهو إن كان في العين كتابا، فقد وجدته في القلب كتيبة ملئت طعانا وضرابا، لأنه- حرس الله فضله- شحنه عتابا، وملاما وسبابا، آلمني وقعه وأحرقني لذعه، لكنه خلق سيدنا وطبعه. [من السريع] والشيخ لا يترك أخلاقه «4» زعم أني ذو ملّة طرف «5» ، والملال- أطال الله بقاء سيدنا- بئست الخلّة كما عرف، وفي المثل المقول: لا مودة لملول، كلا والله لأنا له أوفى من الإفلاس والإعسار، وأحفظ لعهده من الخمول والإقتار، لأحوال الأدباء الأحرار، بل من الكلف لوجه البدر، والخمار لعاقبة الخمر. والله ما نسيت عهده ولا سلوت ودّه ولا تركت مكاتبته عمدا. يقول فيها: فسيدنا معروف في الآفاق، غير مفتقر إلى المقام بالعراق، لكني أظنّ ظباء الحريم قد عقلت عقله، وأحسب آرام الصّراة لا الصّريم قد ربطت فضله، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 وأنه صريع الكأس والحدق البّخل، وإنّ سخاء صبيان نهر المعلّى يغطّي على ما في رؤسائه من الشحّ والبخل، فهو- دام فضله- أسير الغزلان، وربيط الوجوه الحسان؛ أعليّ يتجالد سيدنا ويتدارى؟ لقد تغلغل في النّفاق وتناهى. هب أنّ الخلافة المستظهرية- نصر الله أعلامها- أذنت في مسيره، والمكارم الرّضويّة سمحت بزاده وبعيره، أتأذن له الجفون المراض، والقدود الرّشاق، والخصور الدقاق، والألفاظ الرخيمة، والألحاظ السّقيمة، والقدود الهيف، والغنج الذي يجلّ عن التكييف، والثغور المعسولة، والخصور المظلومة؟: [من المجتث] كم قد أردت مسيرا ... عن بردشير البغيضه فردّ عزمي عنه ... هوى الجفون المريضه والله لجلسة على صدور زنبريات «1» الجسر، بين العشاء والعصر، مع غزال إنسيّ لا وحشيّ يسمّى الزيت، ويكنى مخرّب البيت، وقد فركت نفحات الأصيل بيد النسيم غلالة دجلة الزرقاء، وزرنق يساير السمارية «2» الدهماء، وفيها حورية حوراء، بأعطاف ولا اليزنية السمراء، وألحاظ ولا المشرفية البيضاء، وألفاظ لو سمعها ابن قريب، لما روى شعر أبي ذؤيب. ويلاه لنقر الدّفّ، وصرير الخفّ، وتكسّر الألحان، على كان وكان، في وكنات الجنات، ومشاتمات الحمايات والكنات، في المأمونية ودرب القيّار، والقربّة ودار دينار، وقولها: وستغ الله وستغ الله، إنك حقب البيت، لأحلى من نبرات زلزل في الثقيل الأول منها ويلاه فما خطيت: [من المديد] هات باليسرى فقد ضعفت ... يدي اليمنى عن القدح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 [من البسيط] : ورد الخدود ورمان النهود وأغصان ... القدود سبت عقلي فلا تلم قد قيدت بالهوى عقلي وقد عقلت ... قلبي فما نافعي إن أطلقت قدمي يا سيدي، جعلت فداك، هاهنا من التين التركيّ، والموز الهندي في بساتين الحضور، وأقرحة الأسافل، وأزقة الأوساط، ما لا يذكر معه الوزيريّ المشفى، فما في العوجاء ولا باقطينا، ولا بالرقة ولا الزلّاقة منه شيء ولا واحدة. فديته يقطر عسله، ويسيل دبسه، وينتثر قنده، ويذوب شهده، ولكن السنون قد كسرت الشرّة وقنعتني بحر الحرة؛ والنفاق النفاق، فهو زمان ومكان يروج فيه النفاق. اللهم غفرا ما لي وللهراء من الكلام، وذكر الغلامة والغلام، بعد ما خوطبت بالشريف الإمام، واستفتيت في الحلال والحرام. وكأني بسيدنا الشريف الخطيب أبي البقاء عند بلوغه إلى هذا الفصل من مكتوبي يعدّه من جملة ذنوبي، ويرفع عقيرته بهتك ستر الله عن عيوبي، ويقول: قد تصابى ابن عمي بعد شيبه، ونادى على نفسه بعيبه، وأمرّ بذنبه وريبه، ولعهدي به وهو في عنفوان شبابه، متميزا بالنسك عن أضرابه، ومنفردا بالتبعصم عن أترابه، ولم يقرع باب اللهو، ولم يبده بهراء من قوله ولا لغو، ولا غازل غزالا، ولا ناك إلّا حلالا، فما هذا الجهل بعد الشيب؟ أصبا بعد ما شاب، أم شاب الدهر وبرده كما شاب؟ فعاد زيرا غزلا بعد ما كان عزهاة معتزلا، فينبذ كتابي من يده متبعصما، ويعرض عن موصله بوجهه المليح صدودا وتجهما، ويقول سيدنا البارع، وشهادته السيف القاطع: والله لو بلغ أبو يعلى إلى العرش، لما كان إلّا أسقط من سنجة قيراط في حش. ومنها: فيعارضه الرئيس الأجلّ الموفّق أبو الفضل ابن عيشون دام جماله، والسحر مقاله، والكرم خلاله، والشرف خصاله، فيقول: يا قوم لا تهتكوا ستر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 اخيكم، ولا تعجلوا بقطع أسبابكم عن أسبابه ونزع أواخيه من أواخيكم، فعلى هذا عاشرتموه، وقديما ياسرتموه، أظننتموه يحول، وحسبتم حمقه يزول؟! ومنها: فيقول سيدي أبو الفضائل المروزيّ بعد أن يحرّك الدّبّة ويهزّ المذبّة، سلوا عنه صديقه القديم، وحميمه الخبير به العليم حشابور، فهو يعرف من مخازيه ما لا يعدله شيء ولا يوازيه، وكفاه قوله: [الكامل المجزوء] وربيبة زيّنتها ... فأتت كجارية ربيبه وهي أبيات فيها سخف «1» . يغتابونني وهم لا يعلمون، كأنهم نسوا قول الله تعالى: وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (الشعراء: 226) . يا سيدنا أنا أقول وأفعل ولكن ما في قلبي شيء. وجملة الأمر وتفصيله أني كما قال أبو بصير، وسيدنا به عين البصير «2» : [من البسيط] علقتها عرضا وعلقت رجلا ... غيري وعلق أخرى غيرها الرجل [من المنسرح] : قد عشقت محنتي فواحربا ... علجا غليظ القفا له عضل وقد تبدّلت واتخذت فتى ... كالبدر فيه من مثلها بدل مساعدا مسعفا يجود بما ... أطلب ما في خلاله بخل لكنني للعفاف يقنعني ... كما علمت الحديث والقبل وواحد واحد على عجل ... آخذه منه وهو مشتغل (وهي طويلة وفيها هزل سخيف ألغي) . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 752- وكتب عليّ بن نصر الكاتب إلى أمرد خرجت لحيته: لكل حادثة يفجع بها الدهر- أحسن الله معونتك- حدّ من القلق والالتياع، ومبلغ من التحرق والارتياع، يستوجب فنّا من التعزية، ويستحقّ نصيبا من العظة والتسلية، والاختصار فيها لما قرب خطبه وشانه، والإكثار لما جلّ محله ومكانه، ومصابك هذا- أعزّك الله- في بياض عارضك لمّا اسودّ كمصابك في سواده إذا ابيضّ، والألم بنبات روضه جميما، نظير الألم به يوم يعود هشيما، فليس أحد يدفع عظم النازل بك، ولا يستصغر جسيم الطارق لك، وإن كان ما يتعقبه من المشيب أقذى للعيون وأذلّ، بيد أنّ الحاضر من النبات الذي تمنيت أن يكون معوزا، ووددت أرضك دونه جرزا، ألقى عنك النواظر وكانت ملتفتة إليك، ووقف عنك الخواطر وكانت موقوفة عليك، وصيرك قذى الأجفان، وكنت جلاها، وجعلك كربة النفوس وكنت هواها، وأبدلك من أنس التقبل وحشة التنقّل، وعوضك من رقة الترفرف كلفة التأفف، فصرت لا ترى إلّا معرضا، بعد أن كنت لا ترى إلّا متعرّضا، فتبارك الذي صرف عنك الأبصار، ونقل منك الأوطار، فكنت إربة الناكح، فصرت إربة المنكوح، ولذة الناطح، فغدوت لذة المنطوح، فأنت أبلق السّوطين إقبالا وإدبارا، وصاحب الوزرين ملوطا به ولائطا، وكاسب الإثمين مسوطا كرّة وسائطا، فعويلا دائما وبكاء، وعزاء عن الذكر الجميل عزاء، فلكلّ أجل كتاب، وعن كلّ جائحة ثواب. وقد استوفيت أمد الصّبا والصبابة، واستنبت الحسرة عليها والكآبة، فرزيّتك راتبة والرزايا سوائر، ومصيبتك ثابتة والمصائب عوائر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لقد فجعت بعلق ما كان أحسن وأجمل، ثم لا حيلة فإنّها الأيام لا تثبت على حالة، ولا تعرف غير التنقّل والاستحالة، تسوء تارة وتسرّ، وتحلو طورا ثم تمرّ، سرائرها خبيثة، ومرائرها نكيثة، من طيّبت له اعتبطته، ومن لهت عنه أخرمته، فآجرك الله في وجه نضب ماؤه، وذهب رواؤه، ومات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 حياؤه، وفي ضيعة استأجم برّها، واستدغل نورها، واتسع «1» طريقها، واتسعت بثوقها.. وفي جاه كان عامرا فخرب، ودخل كان وافرا فذهب، وتذكار كان واصلا إلى القلوب منك فحجب، فأصبحت مسبوق السّكيت، وظلت حيا وأنت الميت، قد نطق المرمّ بهجائك، وخيّمت النحوس بفنائك، فأنت تمشي القهقرى، وكلّ يوم حظّك إلى ورا، ولا قوة إلّا بالله من محن دفعت إليها، ولم تعن بحال عليها؛ قد يشغل الإنسان عن نوائبه المشاركون فيها، ويسلّيه عنها المساهمون في معنى من معانيها، وأنت من بين هذه المنزلة لا شريك لك، فإنهم يعتاضون عنها ولست بمعتاض، فيرتكضون للعيش ولست بركّاض، والدهر يطوي محاسنك طيّ السجلّ كتابه، وينشر مقابحك نشر اليمانيّ ابراده، ويقلي الطرف رؤيتك فلا يفتق عليك جفنا، ويمجّ السمع ذكرك فلا يجد عنده أذنا، وتتهم الأدباء طرقك فلا تفتح لك رتاجا. فأنت الطريد الذي لا يجار، والربع الذي لا يزار، والظانّ المريب، والظنين المعيب، والعار الفاشي، والمقبور الناشي. وقد أعنتك برقعتي هذه جامعة بين البكاء عليك والأنين، وناظمة بين العزاء لك والتأبين، لها حلاوة النثر، وعليها طلاوة الشعر، نتجتها قريحة عليك، ونسجتها خواطر خطرت إليك، تخفف عزمك «2» والناس مشاغيل بتثقيله، وتكرم مكانك والإجماع واقع على تهوينه. فإن عرفت لي ذاك وإلّا عرفه الصدق، وإن شكرته وإلّا شكره الحق، والسلام عليك من أسير لا يخلّص بالفدية، وقتيل بسيف السبال واللحية. 753- أراد كاتب أن يكتب جوازا لرجل وحش الصورة، فلم يقدر على تحليته لفرط دمامته، فكتب: يأتيك بهذا الجواز آية من آيات الله، فدعه يذهب إلى نار الله وسقره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 754- ذمّ الجاحظ الكتّاب فقال: ما قولك في قوم أوّل من كتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم بالوحي خالفه في كتابه، فأنزل الله فيه أيات بينات، فهرب إلى جزيرة العرب فمات كافرا؛ ثم استكتب معاوية فكان أول من غدر بإمامه، وحاول نقض عرى الإسلام في أيّامه؛ ثم كتب عثمان لأبي بكر مع طهارة أخلاقه، فلم يمت حتى أدّاه عرق الكتابة إلى ذمّ من ذمّه من أوليائه؛ ثم كتب لعمر زياد بن أبيه، فانعكس لشر مولود، وكتب لعثمان مروان بن الحكم، فخانه في خاتمه وأشعل حربا في مملكته. 755- كان لرافع بن الحسين بن حماد بن مقن كاتب رقيع نصرانيّ يقال له ابو الحسين بن طازاد، فكتب إليه: أمير الأمراء الأجلّ الرفيع المحلّ، الشاكر المراقب، الناظر في العواقب، مظاهر الدولة والمناقب. [756]- ذكر بديع الزمان أبو الفضل الهمذاني في مجلس أبي الحسين ابن فارس، فقال ما معناه: إنّ البديع قد نسي حقّ تعليمنا إياه وعقّنا، وطمح بأنفه عنا، فالحمد لله على فساد الزمان وتغيّر نوع الإنسان. وبلغ ذلك البديع، فكتب إلى أبي الحسين: نعم أطال الله بقاء الشيخ الإمام، إنه الحما المسنون، وإنّ ظنّت به الظنون، والناس «1» لآدم، وإن كان العهد قد تقادم، وتركبت «2» الأضداد، وأخلاط «3» الميلاد، والشيخ الإمام يقول: فسد الزمان، أفلا يقول: متى كان صالحا؟ أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها، وسمعنا أولها، أم المدّة المروانية وفي أخبارها، لا تكسع الشّول   [756] رسائل بديع الزمان: 414 ويتيمة الدهر 4: 270 ونهاية الأرب 7: 262. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 بأغبارها «1» ؛ أم السنين الحربية «2» : [الكامل المجزوء] والسيف يغمد في الطّلا ... والرمح يركز في الكلى ومبيت حجر بالفلا ... والحرّتان وكربلا أم البيعة الهاشمية والعشرة براس من بني فراس، أم الإمارة العدويّة وصاحبها يقول: هل بعد القفول «3» إلّا النزول؛ أم الخلافة التّيّميّة وهو يقول: طوبى لمن مات في نأنأة «4» الإسلام؛ أم على عهد الرسالة ويوم قيل: اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة؛ أم في الجاهلية ولبيد يقول: [من الكامل] وبقيت في خلف كجلد الأجرب «5» أم قبل ذلك وأخو عاد يقول: [من الطويل] بلاد بها كنا وكنّا نحبها ... إذ الناس ناس والزمان زمان أم قبل ذلك ويروى عن آدم عليه السلام: [من الوافر] تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح أم قبل ذلك والملائكة تقول لبارئها أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ (البقرة: 30) . ما فسد الناس، ولكن اطرد القياس، ولا أظلمت الأيام، وإنما امتدّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 الظلام. وهل يفسد الشيء إلّا عن صلاح، ويمسي المرء إلّا عن صباح؟ ولعمري لئن كان كرم العهد كتابا يرد، وجوابا يصدر إنه لقريب المنال، وإني على توبيخه لي لفقير إلى لقائه، شفيق على بقائه، منتسب إلى ولائه، شاكر لآلائه، لا أحل حريدا عن أمره، ولا أقف بعيدا عن قلبه، ولا نسيته ولا أنساه؛ إنّ له على كلّ نعمة خولنيها نارا، وعلى كل كلمة علمنيها منارا؛ ولو عرفت لكتابي موقعا من قلبه لاغتنمت خدمته به، ولرددت إليه سؤر كاسه، وفضل أنفاسه. ولكني خشيت أن يقول: هذه بضاعتنا ردّت إلينا، وله أيده الله العتبى والمودة في القربى، والمرباع وما ناله الباع، وما ضمّه الجلد وضمنه المشط، وليست رضى ولكنها جلّ ما أملك. واثنتان- أيد الله الشيخ الإمام- قلّما يجتمعان، الخراسانية والإنسانيّة، فإن لم أكن خراساني الطينة فإني خراسانيّ المدينة، والمرء من حيث يوجد، لا من حيث يولد، والإنسان من حيث يثبت لا من حيث ينبت. فإذا انضاف إلى خراسان ولادة همذان ارتفع القلم، وسقط التكليف، فالجرح جبار، والجاني حمار، ولا جنة ولا نار. فليحتملني على هناتي، أليس صاحبنا الذي يقول: [من الخفيف] لا تلمني على ركاكة عقلي ... أن تيقّنت أنني همذاني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 محتويات الكتاب الباب الثامن والعشرون في الشيب والخضاب 5 خطبة الباب 7 الفصل الأول: الفجيعة بالشيب وحلوله 9 الفصل الثاني: الرضى بالشيب والتسلي عن جدته 22 الفصل الثالث: ما جاء في الخضاب 28 الفصل الرابع: أخبار المعمّرين 32 الربيع بن ضبع 32 رجل من جرهم 32 المستوغر بن ربيعة 33 دويد بن زيد 33 زهير بن أبي سلمى 35 زهير بن جناب 36 ذو الأصبع العدواني 37 معدي كرب 38 أبو الطمحان القيني 38 عبد المسيح بن بقيلة 39 النابغة الجعدي 40 أماناة بن قيس 42 عمرو الجرهمي 43 الفصل الخامس: نوادر هذا الباب 45 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 الباب التاسع والعشرون في النسيب والغزل 49 خطبة الباب 51 عدة أنواعه 52 النوع الأول: شدة الغرام والوجد 53 النوع الثاني: في الإعراض والصدّ 63 النوع الثالث: في الشوق والنزاع 68 النوع الرابع: في ذكر الوداع 77 النوع الخامس: في المسرة واللقاء عند الإياب 83 النوع السادس: في ذكر الطيف والخيال 84 النوع السابع: في الرقة والنحول 88 النوع الثامن: في البكاء والهمول 91 النوع التاسع: في إحماد المواصلة والعناق 96 النوع العاشر: في شكوى الفراق واحتماله 100 النوع الحادي عشر: في الأرق والسهاد 107 النوع الثاني عشر: في تعاطي الصبر والتجلد 108 النوع الثالث عشر: في ذكر العذول والرقيب 113 النوع الرابع عشر: في وصف المحبوب 117 النوع الخامس عشر: في طيب الأفواه 130 النوع السادس عشر: في وصف الثغر 134 النوع السابع عشر: في إسرار الهوى وإعلانه 136 النوع الثامن عشر: في عشق الحلائل 141 النوع التاسع عشر: في غزل العبّاد وتساهلهم فيه 142 النوع العشرون: في أخبار من قتله الكمد 152 نوادر من هذا الباب 217 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 الباب الثلاثون في أنواع شتى من الخطب 233 خطبة الباب 235 خطبة عليه السلام في حجة الوداع 236 خطبة لسهيل بن عمرو 238 خطبة لسعد بن أبي وقاص 239 خطبة لعلي بن أبي طالب 240 خطبة للحسن بن علي 246 خطبتان لمعاوية 247 خطبة زياد البتراء 248 خطبة قس بن ساعدة 251 خطبة لجبلة بن حريث العبدي 252 خطبة للعملس 252 خطبة لهاشم بن عبد مناف 253 خطبة لأبي طالب في تزويج الرسول 253 خطبة للرسول وخبر تزويج فاطمة 254 خطبة علي حين تزوج فاطمة 255 خطبة فاطمة حين منعت فدكا 255 خطبة لعائشة في أبي بكر 259 خطبة لها في مقتل عثمان 261 خطبة لزينب بنت علي 262 خطبة لأم كلثوم بنت علي 264 خطبة لحفصة بنت عمر 266 خطبة لعائشة بنت عثمان 267 رأي الجاحظ في الخطابة عند العرب وغيرهم 270 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 خطبة لعبد الملك بعد مقتل مصعب 272 خطبة لعبد الله بن الزبير لما قتل مصعب 273 خطبة للحجاج 274 خطبة لخالد بن عبد الله القسري 275 خطبة لأبي بكر ابن حزم 276 خطبة لمحمد بن الوليد بن عتبة 279 خطبة لداود بن علي 279 خطبة في الاستسقاء 279 خطبة نكاح من إنشاء علي بن نصر 284 خطبة لعبد الله بن الأهتم 285 خطبة لأبي العباس بن السفاح 286 خطبة لداود بن علي 287 خطبة لسليمان بن علي 288 خطبة لعبد الله بن علي 289 خطبة لصالح بن علي 289 خطبة لزيد بن علي 290 خطبة لابن طباطبا 291 خطبة تنسب إلى يزيد 292 خطبة لمحمد بن سليمان بن علي 293 خطبة للمأمون 294 خطب لابن نباتة 294 خطبة لقطري بن الفجاءة 300 خطبة لحجاج 301 خطبة منبرية من إنشاء علي بن نصر 302 نوادر الخطب 305 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 الباب الحادي والثلاثون في المكاتبات والرسائل 311 خطبة الباب 313 مقدمة في المكاتبات والرسائل 314 نموذجان من رسائل النبي صلّى الله عليه وسلم 315 كتاب عبد الحميد إلى أبي مسلم 316 كتاب معاوية إلى أبي موسى بعد الحكومة 316 من رسالة لعبد الحميد في الفتنة 317 من رسالة لعبد الحميد في الطاعة 318 رسالة لأحمد بن يوسف في تعليق المصابيح 321 رسالة موجزة لعمرو بن مسعدة 321 رسالة لأحمد بن سعد 322 رسالة لعبد الحميد في ذكر الفتنة 322 رسالة للمأمون في فتنة 323 رسالة لأحمد بن سعد في فتح 323 رسالة له في السلم 323 رسالة أخرى في السلم 325 رسالة ثالثة في السلم 326 رسالة لسهل بن هارون 327 رسالة لعمرو بن مسعدة 328 رسالة من المبرد إلى الحسن بن رجاء 328 رسالة لابراهيم بن العباس في ذكر خليفة 328 فصل من كتاب عن أجناد الأطراف 329 فصل في وصف وال 329 فصل في ولاية خليفة 329 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 كتاب من المعتصم إلى المأمون 331 كتاب ابن العميد إلى ملكان 331 كتاب إلى عضد الدولة 333 فصل للصابي في تقليد المطيع 334 فصول أخرى للصابي 334 جواب عن كتاب الببغا 335 فصول من الكتب لعبد العزيز بن يوسف 336 مقاطعة للصابي 338 فصل من كتاب لنطاحة 345 كتاب من الصاحب إلى ابن سعدان 346 جواب من إنشاء الصابي 351 كتاب إلى خارجي 355 كتاب لبعض الكتّاب القدماء 355 كتاب في الفرق بين الشاعر والمترسل للصابي 357 كتاب الصابي إلى رعية خرجت عن الطاعة 359 كتاب الصابي إلى الصاحب ابن عباد 360 كتاب من الصابي إلى صديق له 361 كتاب للصابي عن قاضي القضاة ابن معروف 362 كتاب للصابي عن ابن بقية إلى عضد الدولة 362 كتاب للصابي وهو محبوس 363 جوابه من أبي علي ابنه 365 كتاب من ابن نصر عن هلال بن بدر 368 فصول لابن نصر على ألسنة جماعة من المتقدمين 370 كتاب ابن نصر إلى صديق 372 من كلام لابن نصر 373 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 كتب ابن نصر إلى دار الخلافة 373 كتاب الوزير المغربي إلى ابن فهد 374 جواب للوزير المغربي عن تاج الدولة 376 رسالة للوزير المغربي إلى صديق له 377 رسالة الجاحظ إلى مويس بن عمران 381 الرسالة الإغريضية للمعري 387 مقامة لبديع الزمان 400 رحلة لأبي القاسم الخوارزمي 401 المقامة الوبرية للحريري 411 نوادر من المكاتبات 416 رسالة لابن العميد في رمضان 416 رسالة لابن نصر إلى من اشترى حمارا 418 رسالة لابن نصر إلى بعض إخوانه 421 المقامة الأربعون للحريري 422 رسالة أبي ليلى ابن الهبارية إلى التبريزي 425 رسالة ابن نصر إلى أمرد خرجت لحيته 430 ذم الجاحظ للكتاب 432 رسالة بديع الزمان إلى ابن فارس 432 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 الجزء السابع [ الباب الثاني والثلاثون في شوارد الأمثال ] [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه الثقة والعون الحمد لله المتنزّه عن الضّريب والمثال، المستعلي عن ضرب المقاييس له والأمثال، المتفرّد بصفة الكبرياء والجلال، مجري البحار ومرسي الجبال، ومحصي عدد القطر والرّمال، خالق الجانّ من مارج من نار، والإنسان من حمإ صلصال، عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال؛ ضرب لنوره مثلا من المشكاة والمصباح، وخلق الشمس والقمر حسبانا وفلق الإصباح، وجعل اللّيل مطيّة الراغبين إليه ليحمدوا سراهم عند الصباح. أحمده حمدا يحرس نعمه عندنا من الزيال والانتزاح، ويقرن غدوّ مواهبه لدينا بالرّواح. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، شهادة تنقذ مخلصها من عماية الضلال، وتكون له خير ذخر في العقبى والمآل، والصلاة على رسوله محمد المخصوص بمعجز البلاغة والبيان، الناطق بنبوّته الحصى والسّرحان، المنعوت في الإنجيل والتوراة والقرآن، وعلى آله وأصحابه المتألّفة قلوبهم في اتّباعه بعد البغضاء والشنآن. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 [ مقدمة الباب ] (الباب الثاني والثلاثون في شوارد الأمثال) أمثال العرب كثير، وإن وقعت عليها أشعارهم، ومن تلاهم من المخضرمين والمحدثين، لم يضبطها حصر. وفي الأمثال الخامل والنادر، والبعيد المغزى، والعقد المعنى، والجافي اللفظ. فاعتمدت في هذا الباب على المشهور منها، وما جزلت ألفاظه، وسهلت معانيه، وحسن استعماله في عصرنا، ولم يكن بعيدا من الملاءمة، فمن الأمثال: «البس لكلّ حالة لبوسها» . واقتصدت فيما أوردته في الأمثال النبويّة، مع أنّ كلامه صلّى الله عليه وسلم حكمة، وأمثاله كثيرة، وفيما أوقعته عليها من الشعر. فإنّ الكتاب الذي هذه الأمثال باب من أبوابه، قد تضمّن من كلامه صلّى الله عليه وسلم، ومن الأشعار في كلّ أبوابه ما يقع شاهدا في عموم المعاني والمقاصد، فلا حظّ في تكريرها. وأضفت كلّ معنى إلى ما يجانسه ويقاربه لئلا تكثر الفصول فيضلّ المتأمّل لها. وهي اثنان وسبعون فصلا: شواهد من الكتاب العزيز، من كلام الرسول عليه السلام، منتهى التمثيل في لفظ أفعل التفضيل، والحنكة والتجارب، الأخذ بالحزم والاستعداد للأمر، الاغترار والتحيل والاطماع، البرّ والعقوق، الحمية والأنف، الحلم والثبات، الصدق والكذب، وصف الرجل بالتدبير والفعل الجميل، التمسك بالأمر الواضح، التوسط في الأمور، التساوي في الأمر، المجازاة، التفرق والزّيال، حفظ اللسان، التصريح والمكاشفة، التسويف والوعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 والوعيد، المكر والمداهنة، الضرورة والمعذرة والأعذار، تعذر الكمال المحض، تعلّق الفعل بما يبعد، والامتناع عنه ما اتّصل المانع أو فعله ما استمر الشيء، وضع الشيء في موضعه، وضع الشيء في غير موضعه، إصلاح المال، تسهيل الأمور ودفع الأقدم بالأحدث، العداوة والشماتة والرمي بالعصبية، الاتفاق والتحابّ والاستمالة، قوة الخلق على التخلّق، دليل استعان بمثله، النفع والضرّ وفي معانيهما، النفع من حيث لا يحتسب، المبالغة، الأمر النادر، الجبن والذل، الجهل والحمق، البلية على البلية، خيبة الأمل والسعي، العدة تأوي إليها، ألزم الأمور بصاحبها، الجاني على نفسه، الإحالة بالذنب على من لم يجنه، لقاء الشيء بمثله أو أشد، تنافي الحالات، الرضى بالميسور إذا تعذر المنشود، الأمر المضاع والمهمل، ارتفاع الخامل، خمول النبيه، الشرّ وراءه الخير، ضد ذلك، الخطأ والاختلاط، الجميل يكدّر بالمنّ، اغتنام الفرصة، اللقاء، تعذر الأمر وما يعرض من دونه، طلب الحاجة، التعجيل وفوت الأمر، سوء المكافأة وظلم المجازاة، الظن، التبرّي من الأمر، الاستهانة وقلة الاحتفال، المشاركة في الرخاء والخذلان في الشدة، والرخاء والسعة، المعجب بخاصة نفسه، الساعي لنفسه في صلاحه، اليسير يحيي الكثير، الشدة والداهية، الدعاء. 1- من شواهد الكتاب العزيز على أنه يحيط بما لا تفنى عجائبه، ولا تنفد غرائبه، وإنما نشير إلى ما يقتضيه شرط الكتاب، والله الموفّق للصواب. 1- قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (يونس: 24) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 2- وقال الحسن: ضرب الله مثلا، فأقلّ النّاس انتفع به وأبصره، يقول الله عزّ وجلّ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (البقرة: 266) . ثم قال: هذا الإنسان حين كبرت سنّه وكثر عياله ورق عظمه، بعث الله على جنّته نارا فأحرقتها، أحوج ما كان إليها، فهذا مثل ضربه الله ليوم القيامة، يوم يقوم ابن آدم عريان ظمآن، ينتظر ويحذر شدّة ذلك اليوم، فأيّكم سرّه أن يذهب عمله أحوج ما كان إليه؟. 3- وقال تعالى في خيبة السّعي: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (الكهف: 103- 104) . 4- وقال عزّ وجلّ: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (الفرقان: 23) . 5- وقال سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (ابراهيم: 18) . 6- وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، والصّراط الإسلام» . 7- وقال عزّ من قائل: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 73- 74) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 8- وقال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ (القلم: 42) . وإنّما يراد بذلك الشّدّة- العرب تفرّق فتقول: كشف عن ساقه، وحسر عن ذراعه، وأسفر عن وجهه. هذا هو الفصيح، وربّما وضعت هذه الأفعال بعضها موضع بعض ولا يفسد الكلام. 9- وقال عزّ وجلّ: أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (النازعات: 10) . 10- وقال سبحانه: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 261) . العرب تقول: عاد فلان في حافرته، أي عاد إلى طريقه الأولى. 2- ومن الأمثال المأخوذة عن النبي عليه السلام «11» - «إيّاكم وخضراء الدّمن» . فهذا كلام مفهوم من لفظه، والمراد به غير خضراء الدّمن، فلما سئل عنها قال: المرأة الحسناء في منبت السوء. «12» - وقال صلّى الله عليه وسلم: «إنّ مما ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ» . يريد بذلك على ما في عاقبة الغنى وزخرف الدنيا وزبرجها من الخطر، وأنّ من ذلك ما يؤدّي إلى هلاك المرء في دينه وآخرته. «13» - وقال صلّى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن كمثل الخامة من الزّرع تفيئها الريح مرّة هاهنا ومرّة هاهنا، ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذية على الأرض حتى يكون انجعافها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 مرّة» . الخامة من الزّرع قصبته ويقال: الأصل خامة، والأرزة العرعرة، وهي شجرة صلبة، والمجذية القائمة، الانجعاف الانقلاع. «14» - وقوله عليه السلام: «الإيمان قيّد الفتك» . وليس هناك قيد، وإنما معناه الإسلام حاجز عما حظره. «15» - وقوله عليه السلام في أهل الإسلام والشرك: «لا تراءى ناراهما» . «16» - وقوله صلّى الله عليه وسلم: «لا ترفع عصاك عن أهلك» . «17» «18» - وقد قال صلّى الله عليه وسلم: «لا يلسع المؤمن من جحر مرتين» . و «لا ينتطح فيها عنزان» ، تسهيلا لأمر القتل لأنّ العنز إنما تشام في نطاحها وترجع. «19» - وقال عليه السلام: «كل ما أصميت ودع ما أنميت» . العرب تقول: رمى فأصمى إذا أثقله فلم يتحامل، ورمى فأنمى إذا تحامل بالرمية، ورمى فأشوى إذا أصاب غير المقتل، والشّوى الأطراف. 3- منتهى التمثيل في لفظ أفعل التفضيل «20» - ويقع التمثيل به في معان كثيرة جدا، والعرب تقول: هو «أعزّ من الأبلق العقوق» ، تعني في الشيء الذي لا يوجد، لأن العقوق إنما هو في الإناث دون الذكور. وكان المفضل يخبر أنّ المثل لخالد بن مالك النّهشلي، قاله للنعمان ابن المنذر، وكان أسر ناسا من بني مازن بن تميم، فقال: من يكفل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 هؤلاء؟ فقال خالد: أنا، فقال النعمان: وبما أحدثوا؟ فقال خالد: نعم وإن كان الأبلق العقوق. فذهبت مثلا. «21» - قال الأصمعي: إذا أرادوا العزّ والمنعة قالوا: «إنه لأمنع من أمّ قرفة» ، وهي امرأة مالك بن حذيفة بن بدر، كان يعلّق في بيتها خمسون سيفا كلّهم محرم. وقال غير الأصمعي: هي بنت ربيعة بن بدر الفزارية. «22» - ومن أمثالهم: هو «أعزّ من كليب وائل» ، وهو كليب بن ربيعة التغلبي، كان أعزّ العرب في دهره، فقتله جسّاس بن مرّة، ففيه كانت حرب بكر وتغلب ابني وائل، وهي حرب البسوس. «23» - ويقال: «هو أعزّ من مروان القرظ» ؛ «أعزّ من الزباء» ؛ «أعزّ من حليمة» ؛ «أعزّ من عقاب الجوّ» ؛ «أعزّ من قنوع» ؛ «أمنع من لهاة الليث» ؛ «أعزّ من است النمر» . «24» - ويقولون: هو «أذلّ من فقع القرقر» ؛ وهو «أذلّ من وتد» ، وذلك لأنه يدقّ. وإنه «لأذلّ من يد في رحم» ، ومعناه أنّ صاحبها يتوق أن يصيب بيده شيئا؛ وهو «أذلّ من الحوار» ؛ و «أذلّ من عير» ؛ «أذلّ من حمار قعيد» ، «أذلّ من قيسي بحمص» ؛ «أذلّ من النقد» ؛ «أذلّ من قراد» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 «25» - ويقولون: هو «أحلم من الأحنف» ؛ «أحلم من قيس بن عاصم» ، وأخبارهما قد وردت في مكان آخر. «26» - ويقولون هو «أجود من حاتم» ؛ و «أجود من كعب بن مامة» ؛ «أجود من هرم» وأخبارهم مشهورة، و «أجود من لافظة» يقال: إنها الرحى سمّيت بذلك لأنها تلفظ ما تطحنه، وقيل: إنها العنز، وجودها أنها تدعى إلى الحلب وهي تعتلف، فتلقي ما في فيها وتميل للحلب. «27» - ويقال: هو «أشجع من ليث عفرّين» قال أبو عمرو: هو الأسد. وقال الأصمعي: هو دابّة مثل الحرباء تتعرّض للراكب، وهو منسوب إلى عفرّين اسم بلد؛ وهو «أجرأ من خاصي الأسد» ؛ و «أجرأ من ذي لبد» ؛ و «أشجع من أسامة» ؛ و «أجرأ من قسورة» ؛ و «أجرأ من ليث بخفّان خادر» . قال الشاعر: [من الطويل] فتى كان أحيا من فتاة حييّة ... وأشجع من ليث بخفّان خادر «28» - ويقولون: إنه «لأجبن من المنزوف ضرطا» . قال ابراهيم بن أبان: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 المنزوف دابّة تكون في البادية، إذا صحّت بها لم تزل تضرط حتى تموت؛ و «أجبن من صافر» ، وهو ما يصفر من الطير، ولا يكون الصفير في سباع الطير، إنما يكون في خشاشها وما يصاد منها. و «أجبن من صفرد» . «29» - ويقولون: «أبخل من مادر» ، لاط حوضه وسقى منه، فلما استغنى عنه سلح فيه لئلا يستقي منه غيره. «أبخل من ذوي معذرة» ؛ «أبخل من الضنين بنائل غيره» . «30» - ويقولون: «أقرى من أزواد الركب» ؛ وهم ثلاثة نفر من قريش؛ «أقرى من غيث الضّريك» ، وهو قتادة بن مسلمة الحنفي؛ «أقرى من مطاعيم الريح» ؛ وهم أربعة: أحدهم أبو محجن الثقفي، وقد كان لبيد بن ربيعة العامريّ يطعم إذا هبّت الصّبا إلى أن تنقضي. «31» - «أوفى من عوف بن محلّم» ؛ وخبره مع مهلهل، أخي كليب، لما أمّنه يوم التحالق مشهور؛ «أوفى من السموأل» ؛ وخبره مشهور؛ «أوفى من الحارث» ، يقول نصر: هو الحارث بن عباد. «32» - ويقولون: «هو أحسن من الطاووس» ؛ و «أجمل من ذي العمامة» ، وهو سعيد بن العاص بن أمية ويكنى أبا أحيحة، وله يقول الشاعر: [من البسيط] أبو أحيحة من يعتمّ عمّته ... يضرب وإن كان ذا مال وذا ولد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 «33» - ويقولون: إنه «لأمضى من السهم» ؛ و «أمضى من سليك المقانب» . «34» - ويقولون: «أعلى فداء من حاجب بن زرارة» ؛ و «من بسطام بن قيس» ؛ و «من الأشعث» ، أسرته مذحج ففدى نفسه بثلاثة آلاف بعير. «35» - ويقولون: «أفتك من البرّاض» ، و «أفتك من الحارث بن ظالم» . «36» - ويقولون: «أنجب من مارية» ، ولدت لزرارة حاجبا ولقيطا وعلقمة؛ «أنجب من بنت الخرشب» ولدت لزياد العبسيّ بنيه الكملة وهم: ربيع الكامل، وعمارة الوهّاب، وقيس الحفاظ، وأنس الفوارس؛ «أنجب من أمّ البنين» ، ولدت لمالك بن جعفر بن كلاب: ملاعب الأسنّة عامرا، وفارس قرزل طفيلا، وربيع المقترين ربيعة، ونزّال المضيق سلمى، ومعوّد الحكماء معاوية، «أنجب من عاتكة» ، ولدت لعبد مناف هاشما وعبد شمس والمطّلب. «37» - ويقولون: «أسرع من نكاح أمّ خارجة» ، وهي بنت سعد بن قدار من بجيلة، ولدت في نيف وعشرين حيا من العرب من آباء، وكان الرجل يقول لها: «خطب» فتقول: «نكح» . كذلك قال يونس بن حبيب، وقد قيل خطب ونكح. فنظر بنوها إلى عمرو بن تميم قد ورد بلادهم، فأحسّوا بأنه أراد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 أمّهم، فبادروا إليها ليمنعوه من تزوّجها، وسبقهم لأنه كان راكبا، فقال لها: إنّ فيك لبقيّة، فقالت: إن شئت. فجاءوا وقد بنى عليها، ثم نقلها بعد إلى بلاده. فزعم الرواة أنها جاءت معها بالعنبر صغيرا، وأنه ابن عمرو بن بهراء، وبهراء من قضاعة، وأولدها عمرو بن تميم أسيّدا والهجيم والقليب، فخرجوا ذات يوم يستسقون، فقلّ عليهم الماء، فأنزلوا مائحا من تميم، فجعل المائح يملأ الدلو إذا كانت للهجيم وأسيّد والقليب، فإذا وردت دلو العنبر تركها تضطرب، فقال العنبر: [من الرجز] قد رابني من دلوي اضطرابها ... والنّأي عن بهراء واغترابها إلّا تجىء ملأى تجىء قرابها المائح الذي يستقي من أسفل البئر؛ والماتح الذي يستقي من أعلاها. «38» - ويقولون: «أسرع من العين» ؛ و «من طرف العين» ؛ ومن «لمح البصر» ؛ و «أسرع من اليد إلى الفم» ؛ و «أعجل من نعجة إلى حوض» ؛ و «أسرع من دمعة الخصيّ» . 3» - ويقولون: «أعدا من الشنفرى» ؛ «أعدا من السّليك» ، «أسرع من عدوى الثوباء» ، وذلك أن الإنسان إذا تثاءب أعدى غيره. «40» - ويقولون: «أبطا من فند» ، وهو مولى لعائشة بنت طلحة [1] ، بعثت به مولاته ليقتبس نارا، فأتى مصر فأقام بها سنة، ثم جاء يشتدّ ومعه نار، فتبدّدت   [1] حمزة والعسكري: عائشة بنت سعد بن أبي وقاص. [2] حيث لم يذكر اسم الكتاب فإن المقصود هو الدرة الفاخرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 ناره، فقال: «تعست العجلة» . «41» - ويقولون: «أحذر من غراب» ؛ «أحذر من ذئب» ؛ «أحذر من عقعق» ؛ «أروغ من ثعالة» ؛ «أختل من ثعالة» ، و «أختل من ذئب» . «42» - ويقولون: «أخنث من هيت» ؛ «أخنث من طويس» ، وهما مخنثان؛ «أخبث من [ذئب] الخمر» ؛ و «أخبث من ذئب الغضا» . «43» - ويقولون: «إنه لأصنع من تنوّط» ، وهو طائر يصنع عشّه مدلّى من الشجر؛ و «أصنع من سرفة» ، وهي دودة تكون في الحمض تصنع بيتها مربّعا من قطع العيدان. «44» - ومن أمثالهم: «هو أصدق من قطاة» ، وذلك لأنها تقول: قطا قطا فاسمها من صوتها، قال النابغة: [من البسيط] تدعو القطا وبه تدعى إذا انتسبت ... يا صدقها حين تدعوها فتنتسب «45» - ويقال: «لأكذب من الشيخ الغريب» ؛ و «أكذب من أخيذ الجيش» ، قيل: هو الذي يأخذه أعداؤه فيستدلونه على قومه، فهو يكذبهم بجهده، وهو «أكذب من الأخيذ الصبحان» ؛ و «أكذب من المهلب» ، وكان يكذب لأصحابه في الحرب، يعدهم بالنجدة والأمداد؛ و «أكذب من أسير السّند» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 «46» - ومن أمثالهم: إنه «لأحمق من تراب العقد» ، يعني عقد الرمل، قيل: وحمقه أنه ينهار ولا يثبت. قال الفراء: «إنه لأحمق من راعي ضأن ثمانين» ، قال: وذلك أن أعرابيا بشّر كسرى بشارة سرّ بها فقال: سلني ما شئت، قال: أسألك ضأنا ثمانين؛ «أحمق من العقعق» ، وحمقه أن ولده أبدا ضائع؛ «أحمق من الممتخط بكوعه» ؛ «أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها» ، قال: وذلك أن زوجها قضى حاجته منها ثم طلقها، فقالت: أعطني مهري، فأخذ أحد خلخاليها من رجلها فأعطاها إياه، فرضيت به وسكتت، وإنه «لأحمق من دغة» ، وهي امرأة عمرو بن جندب بن العنبر، وخبرها في حمقها قبيح مستهجن ذكره؛ و «أحمق من حمامة» ، وذلك أنها تبيض على الأعواد، فربما وقع بيضها فانكسر، و «أحمق من الضبع» ؛ و «أحمق [1] من ناكثة غزلها» ، وهي امرأة من قريش. « [أتيه من] أحمق ثقيف» وهو يوسف بن عمر. وفي الخبر: سيكون في ثقيف كذّاب ومبير وأحمق؛ قيل: الكذّاب المختار، والمبير الحجاج، والأحمق يوسف. «47» - ومن أمثالهم: «آبل من حنيف الحناتم» ؛ «آبل من مالك بن زيد مناة» . «48» - ومنها: هو «أبلغ من سحبان وائل» ؛ و «أبين من قسّ» ؛ و «أخطب   [1] م وكتب الأمثال: أخرق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 من قسّ» ؛ وهو «أعيا من باقل» ، وهو رجل من ربيعة كان عييّا فدما. «49» - وهو «أخلى من جوف حمار» ، وهو رجل من عاد، وجوفه واد كان ينزل به، فلما كفر أخرب الله واديه. «50» - ومنها: «أخجل من مقمور» . «51» - و «أطمع من أشعب» . «52» - ويقولون: «أزهى من غراب» ، و «أخيل من مذالة» ، يضرب للمتكبر في نفسه، وهو عند الناس مهين، والمذالة الأمة المهانة، وهي في ذلك تتبختر، و «أخيل من واشمة استها» ؛ و «أزهى من ثعلب» . «53» - ومن أمثالهم: «هو أبصر من غراب» ؛ «أبصر من الزرقاء» ، وهي زرقاء اليمامة؛ ويقال: هو «أسمع من فرس» ؛ و «أسمع من قراد» ؛ «أسمع من سمع أزلّ» . «54» - ويقال: هو «أنوم من فهد» ؛ و «أنوم من غزال» ، و «أنعس من كلب» ، و «أنوم من عبّود» ، وهو عبد نام في محتطبه أسبوعا، وإذا أرادوا خفة النوم قالوا: «أخفّ رأسا من الذئب» ؛ و «أخفّ رأسا من الطائر» . «55» - ويقولون: «أملخ من لحم الحوار» أي ليس له طعم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 «56» - ومن أمثالهم: «أظلم من الحية» ، ومن «حية الوادي» ، و «أظلم من ذئب» ، «أظلم من الجلندى» ، و «أظلم من التمساح» . «57» - ومن أمثالهم: إنه «لألصّ من شظاظ» ، وهو رجل من بني ضبة كان لصا مغيرا فصار مثالا، وله خبر غريب قد ذكر في باب الحيل؛ و «أسرق من جرذ» ؛ و «ألصّ من عقعق» ؛ و «أخطف من عقاب» . «58» - ويقال: إنه «لأصرد من عنز جرباء» للذي يشتد عليه البرد. «59» - ومن أمثالهم: إنه «لأطيش من فراشة» . «60» - ويقولون: إنه «لأجوع من كلبة حومل» ، وهي كلبة كانت في الأمم السالفة، و «أجوع من زرعة» وهي كلبة؛ و «أجوع من ذئب» ؛ و «أجوع من قراد» . «61» - ويقال: إنه «لأفحش من فاسية» ، يريد الخنفساء، وذلك أنها إذا حركت نتنت، و «أبذى من مطلّقة» ؛ و «أقود من ظلمة» ، و «ألوط من دبّ» ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 و «أسفد من ديك» ؛ «وأسفد من عصفور» ، و «أزنى من سجاح» ، و «أزنى من قرد» ، وهو قرد بن معاوية بن هذيل؛ و «أزنى من هرّ» وهي امرأة يهودية، وهي التي قطع المهاجر يدها في من قطع من النساء حين شمتن بموت النبي صلّى الله عليه وسلم؛ و «أشبق من حبّى المدينية» ؛ و «أسلح من دجاجة» ، و «أسلح من حبارى» . «62» - ويقولون: إنه «لأبرّ من العملّس» ، وكان رجلا برّا بأمّه حتى كان يحملها على عاتقه؛ و «أبرّ من فلحس» ، وهو رجل من شيبان حمل أباه على ظهره وحجّ به؛ وانه «لأعقّ من ضبّ» وذلك لأنه يأكل ولده. «63» - ويقولون: إنه «لأحيا من ضبّ» ، من الحياة وذلك «أطول من ذماء الضبّ» ، و «أطول ذماء من الحية» ، و «أطول صحبة من الفرقدين» ، و «أطول من اللّوح» ، و «أطول من السّكاك» . «64» - ومن أمثالهم: «أصبر من عود بدفّيه الجلب» ، والدفّان الجنبان، والجلب آثار الدّبر؛ و «أصبر من جذل الطعان» ؛ و «أصبر من ضبّ» . «65» - ويقال: إنه «لأدمّ من البعرة» ، في دمامة خلقته. «66» - وإنه «لأعرى من المغزل» ؛ و «أكسى من البصل» . «67» - ومن أمثالهم: وإنه «لأبعد من بيض الأنوق» ، وذلك أنها لاتبيض إلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 في قلل الجبال؛ و «أبعد من النجم» ، و «أناى من الكواكب» ؛ و «أرفع من السماء» ، «أبعد من مناط العيّوق» . «68» - ويقولون: إنه «لأنمّ من صبح» ، إذ كان لا يكتم شيئا، وقد جاء في شعر محدث: [من الوافر] أنمّ من النسيم على الرياض ... أنمّ من الرياض على السحاب «أنمّ من الزجاج» . «69» - ومن أمثالهم: إنه «لأسأل من فلحس» ، وهو الذي يتحيّن طعام النّاس، يقال منه «أتانا يتفلحس» ، وهو الذي تسميه العامة الطّفيلي. وقال ابن حبيب: هو رجل من شيبان، كان سيدا عزيزا يسأل سهما في الجيش وهو في بيته، فيعطى فإذا أعطيه سأل لامرأته، فإذا أعطي سأل لبعيره، وكان له ابن يقال له زاهر فكان مثله، فقيل له: «العصا من العصية» . «70» - ويقولون: «أمطل من عرقوب» ، وخبره يجيء فيما بعد. «71» - ويقولون: إنه «لأشهر من فارس الأبلق» ؛ و «أشهر من الشمس» ، و «أشهر من البدر» ، و «أشهر من القمر» ؛ و «أشهر من قطرب» . «72» - ومن أمثالهم: إنه «لأروى من النقّاقة» ، وهي الضفدع، وذلك أن مسكنها الماء؛ و «أروى من ضبّ» ، لأنه لا يشرب الماء، و «أروى من الحوت» ، و «أظمأ من حوت» أيضا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 «73» - ومن أمثالهم: هو «أشأم من خوتعة» ، وهو رجل من بني عميلة بن قاسط، أخي النّمر بن قاسط، وكان مشؤوما؛ و «أشأم من قدار» ، وهو عاقر الناقة؛ و «أشأم من أحمر عاد» ، وهو عاقرها أيضا، وإنما هو أحمر ثمود؛ و «أشأم من طويس» ، وهو مخنّث كان يقول: ولدت يوم مات رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وفطمت يوم مات أبو بكر رضي الله عنه، وبلغت الحنث يوم قتل عمر رضي الله عنه، وتزوجت يوم قتل عثمان، وولد لي ليلة قتل عليّ عليه السّلام، و «أشأم من الأخيل» وهو الشقرّاق، و «أشأم من منشم» ، وهي امرأة عطّارة، قال زهير [1] : [من الطويل] تداركتما عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم «أشأم من غراب البين» ؛ «أبين شؤما من زحل» ؛ «أشأم من البسوس» ، وهي ناقة كانت لخالة جسّاس بن مرّة، رماها كليب بسهم فاختلط لبنها ودمها، فكانت سبب قتله، وفيها كانت حرب بكر وتغلب. «74» - ومن أمثالهم: هو «أصحّ من عير أبي سيارة» ، قال الأصمعي: دفع بالناس من جمع أربعين سنة على حماره. «75» - ويقولون: إنه «لأخيب صفقة من شيخ مهو» ، وهم حيّ من عبد   [1] شرح ديوانه: 15. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 القيس، لهم في هذا المثل قصة قبيحة: اشترى الفسو من إياد- وكانوا يعرفون به- ببردي حبرة، فعرفت بعد ذلك عبد القيس بالفسو، ويروى «أحمق من شيخ مهو» ، ويقال: «أخسر صفقة من أبي غبشان» ، باع مفاتيح الكعبة من قصيّ بزقّ من خمر. «76» - ومن أمثالهم: «أهون مقتول أمّ تحت زوج» ، وأصله أنّ ربيعة البكّاء، وهو ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، رأى أمّه تحت زوجها، فقدّر أنه يقتلها، فبكى وصاح، فسمّي البكّاء، وقيل فيه هذا المثل، وضرب به المثل في الحمق، وقيل «أحمق من ربيعة البكّاء» [1] ؛ وقد قال الشاعر في الحمق: [من الطويل] رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وهل أحد في النّاس أحمق من عجل قالوا: كان له فرس جواد فقيل له: لكلّ جواد من خيل العرب اسم، فما اسم جوادك؟ ففقأ عينه وقال: أسمّيه الأعور. «أهون من تبالة على الحجّاج» ، وتبالة بلد صغير من بلدان اليمن، يقال إنها أوّل بلدة وليها الحجّاج، فلما سار إليها قال للدليل: أين هي؟ قال: قد سترتها عنك هذه الأكمة، فقال: أهون بعمل بلدة تسترها الأكمة، ورجع. «أهون من قعيس على عمته» ، رهنته على صاع من برّ فلم تفتكّه. «أهون هالك عجوز في عام سنة» ، «أهون مظلوم عجوز معقومة» ، «أهون مظلوم سقاء مروّب» ، أصله السّقاء يلفّ حتى يبلغ أوان المخض، والمظلوم السقاء الذي   [1] الدرة 1: 142. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 يمخض قبل أوان المخض، «أهون من الشّعر الساقط» ؛ «أهون من ذباب» . «77» - ومن أمثالهم: «أضلّ من موؤدة» ؛ «أضلّ من سنان» ؛ «أتيه من فقيد ثقيف» ؛ أما سنان فهو ابن أبي حارثة المرّي، وكان قومه عنّفوه على الجود، فركب ناقة ورمى بها الفلاة، فلم ير بعد ذلك، وسمّته العرب ضالّة غطفان، وقالوا: إن الجنّ استفحلته تطلب كرم نجله؛ وأما فقيد ثقيف فهو الذي هوي امرأة أخيه فتآخيا، وله قصة طويلة. وهو «أضلّ من ولد اليربوع» ؛ و «أضلّ من قارظ عنزة» ، ويقولون: «هو أهدى من النجم» ؛ و «أهدى من اليد إلى الفم» . «78» - ومن أمثالهم: «أحيا من هديّ» ؛ «أحيا من فتاة» ؛ «أحيا من مخبّاة» ؛ «أحلى من ميراث العمّة الرّقوب» ؛ و «أحلى من الولد» ؛ و «أحنى من الوالد» ؛ وقال أعرابي: «هو أفرح من المضلّ الواجد، والظمآن الوارد، والعقيم الوالد» . «79» - ومن أمثالهم: «أدهى من قيس بن زهير» ؛ «أشدّ من لقمان بن عاد» ؛ «أبطش من دوسر» ، وهي كتيبة النعمان، «أرمى من ابن تقن» ، وهو رام كان في زمن لقمان بن عاد، وكان ينافر لقمان حتى همّ بقتله. «80» - «أفرغ من حجّام ساباط» ؛ «أفرغ من يد تفتّ اليرمع» . يقال إنّ حجّام ساباط كان إذا أعوزه من يحجمه حجم أمّه، فلم يزل بها حتى نزف دمها وماتت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 «81» - «أغزل من امرئ القيس» . «82» - «أكفر من ناشرة» ، من كفران النعمة. «83» - «أنعم من خريم» ، رجل من ولد سنان بن أبي حارثة، كان في زمن الحجّاج، «أنعم من حيّان أخي جابر» . «84» - ومن أمثالهم: «أنكح من ابن ألغز» ، هو رجل من إياد كان ينام فتأتي الفصلان تحتكّ بذكره تحسبه أصل شجرة، وله خبر مشهور مع شيرين زوجة كسرى، ولأجله نفى إيادا إلى أرض الروم. «أنكح من جويرية» ، وهو رجل من عبد القيس. «أشغل من ذات النّحيين» ، هي امرأة من هذيل، وخبرها مع خوّات بن جبير أشهر من أن يذكر. «85» - ويقولون: هو «ألزم لليمين من الشمال» ؛ و «ألزم لك من شعرات قصّك» ، وذلك لأنها كلما حلقت نبتت. «86» - ويقولون: هو «أندم من الكسعيّ» ، وكان أرمى الناس لا يخطئ له سهم، فرمى في الليل فأنفذ، فظنّ أنه أخطأ، فخلع إبهامه، فلما أصبح رأى رميّته فندم على ما فعل بنفسه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 «87» - ويقولون: هو «أبكى من يتيم» ؛ «أدنى من حبل الوريد» ؛ «أحقد من جمل» ؛ «أخلف من ثيل البعير» ؛ «أشرب من الهيم» ؛ «أغير من الفحل» ؛ «أثقل من حمل الدّهيم» ، وهي ناقة لها خبر يجيء في مكان آخر، «أنفر من ظبي» ، وشرحه يرد في مكان غير هذا. «88» - ومن أمثالهم: «أقصر من أنملة» ؛ «أقصر من ظمء الحمار» ؛ «أقصر من إبهام القطاة» ؛ «أقصر من إبهام الحبارى» ؛ «أصغر من صعوة» ؛ «أصغر من قراد» ؛ «أقصر من إبهام الضبّ» ؛ «أصغر من صؤابة» ؛ «أضعف من بعوضة» . «89» - «آمن من ظبي بالحرم» ؛ «آمن من حمام مكّة» ، «آلف من حمام مكة» ؛ «آلف من كلب» . «90» - «أوقل من وعل» . «91» - «أبلد من ثور» ؛ «أبلد من سلحفاة» . «92» - «أبخر من أسد» ؛ «أبخر من صقر» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 «93» - «أحرص من ذئب» ؛ «أكسب من ثعلب» ، «أكسب من ذرّ» ؛ «أكسب من النمل» . «94» - «أحرس من كلب» ؛ «أوقح من ذئب» ؛ «ألأم من كلب عقور» ؛ «آكل من السوس» ؛ «أفسد من السّوس» ، «أفسد من الجراد» ، «أحطم من جراد» ؛ «أجرد من جراد» ، «أجرد من صلعة» ؛ «أجمع من ذرّة» ؛ «أدبّ من قراد» ؛ «أدبّ من قرنبى» ؛ «أنزى من الجراد» ، «ألحّ من الذّباب» ؛ «ألحّ من الخنفساء» ؛ «أشرد من ورل» ؛ «أعقد من ذنب الضّبّ» ؛ «أسبح من نون» ؛ «أكثر من النمل» ، «أثبت من قراد» ، «أكثر من الدّبّاء» ؛ «أخشن من الشّيهم» ؛ «أخفّ حلما من العصفور» . «95» - ويقولون: هو «أدب من الشمس إلى غسق الظّلمة» ؛ «أرقّ من الهواء» ، «أضيع من قمر الشتاء» . «96» - «أقفط من تيس بني حمّان» ، يزعمون أنه قفط سبعين عنزا بعد ما فريت أوداجه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 4- غلبة الأقدار والجدود «97» - من أمثالهم في هذا: «حارب بجدّ أو دع» ؛ ويقال: «عارك» . «98» - «إذا جاء القدر عشي البصر» ؛ قاله ابن عباس لنافع بن الأزرق لما سأله عن الهدهد ونظره إلى الماء من تحت الأرض، ولا يرى الفخ تحت التراب، وفي الخبر: لا حذر من قدر [1] «99» - وقال أكثم بن صيفي: «من مأمنه يؤتى الحذر» . وتمثّل به عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على المنبر وقد ذكر ما كان عليه في الجاهلية وما آل أمره إليه من الخلافة [2] : [من المتقارب] هوّن عليك فإنّ الأمور ... بكفّ الإله مقاديرها فليس بآتيك منهيّها ... ولا قاصر عنك مأمورها وقال عبد الله بن يزيد الهلالي [3] : [من الكامل] الجدّ أملك بالفتى من نفسه ... فانهض بجدّ في الحوادث أو ذر   [1] في كتب الأمثال: لا ينفع (لا ينفعك) حذر من قدر. [2] البيتان للأعور الشني، وهما في الكتاب لسيبويه وأمثال ابن سلام: 193 ومجموعة المعاني: 10. [3] الأول في بهجة المجالس 1: 186- 187 (دون نسبة) والثاني فيه (1: 182) لعبد الله بن المبارك؛ وهو في حماسة البحتري لعبد الله بن يزيد الهلالي، وفي معجم الأدباء: 9: 14 للأصبهاني، وانظر مجموعة المعاني: 10 ولباب الآداب: 361. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 ما أقرب الأشياء حين يسوقها ... قدر وأبعدها إذا لم تقدر وقال السموأل بن عاديا [1] : [من المتقارب] فلسنا بأوّل من فاته ... على رفقه بعض ما يطلب وقد يدرك الأمر غير الأريب ... وقد يصرع الحوّل القلّب وقال فيها: ولكن لها آمر قادر ... إذا حاول الأمر لا يغلب وقال توبة بن مضرس [2] : [من الطويل] تجوز المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب صرف الدّهر بالحازم الجلد «100» - ومن أمثالهم: «كيف توقّى ظهر ما أنت راكبه» ؛ وقال شريح في الذين فرّوا من الطاعون: إنّا وإيّاهم من طالب لقريب. وقال نصيب [3] : [من الطويل] ومن يبق مالا عزّة وصيانة ... فلا الدّهر مبقيه ولا الشّحّ وافره ومن يك ذا عود صليب يعدّه ... ليكسر عود الدّهر فالدّهر كاسره وقال آخر: [من الرجز]   [1] مجموعة المعاني: 10. [2] توبة بن مضرس يعرف بالخنّوت بن عبد الله من بني تميم، وبيته هذا في المؤتلف والمختلف للآمدي: 92 ومجموعة المعاني: 10. [3] شعر نصيب (سلوم) : 92 ومجموعة المعاني: 10- 11 وهو في المؤتلف والمختلف لتوبة ابن الحمير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 والسبب المانع حظّ العاقل ... هو الذي سبّب رزق الجاهل وقال آخر [1] : [من الطويل] يخيب الفتى من حيث يرزق غيره ... ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه نظر إليه المتنبي فقال وأحسن وزاد: [من الطويل] ويختلف الرّزقان والسّعي واحد ... إلى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا وقال بشار [2] : [من الكامل] تأتي اللئيم وما سعى حاجاته ... عدد الحصى ويخيب سعي الدّائب «101» - ومن أمثالهم: «لا جدّ إلّا ما أقعص عنك ما تكره» ، قاله معاوية حيز مات عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، وكان خافه على الأمر. «102» - وقال معاوية أيضا حين مات الأشتر من شربة عسل: «إنّ لله جنود منها العسل» ، وقالت جنوب أخت عمرو ذي الكلب: [من البسيط] كلّ امرئ بطوال العيش مكذوب ... وكلّ من غالب الأيّام مغلوب وقال النابغة [3] : [من البسيط] ما يطلب الدّهر تدركه مخالبه ... والدّهر بالوتر ناج غير مطلوب   [1] مجموعة المعاني: 11 (وفيه بيت المتنبي) . [2] ديوان بشار 1: 167. [3] ديوان النابغة ... : 11. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 وقال آخر [1] : [من الطويل] لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتّقي ... إذا هو لم يجعل له الله واقيا وقال أبو قلابة الهذلي [2] : [من البسيط] إنّ الرّشاد وإنّ الغيّ في قرن ... بكلّ ذلك يأتيك الجديدان لا تأمننّ وإن أصبحت في حرم ... إنّ المنايا بجنبي كلّ إنسان ولا تقولن لشيء لست أفعله ... حتى تبيّن ما يمني لك الماني [3] أي يقدر لك القادر الله تعالى. وقال آخر: [من الطويل] ومن كان مسرورا بطول حياته ... فإني زعيم أن سيصرعه الدّهر وقال ابن الرومي [4] : [من الكامل] طامن حشاك فإنّ دهرك موقع ... بك ما تخاف من الأمور وتكره وإذا حذرت من الأمور مقدّرا ... وفررت منه فنحوه تتوجّه 5- الحنكة والتجارب «103» - ويقولون في أمثالهم: «أنا ابن بجدتها» .   [1] مجموعة المعاني: 11. [2] شرح أشعار الهذليين 2: 713 ومجموعة المعاني: 11. [3] الديوان: سوف أفعله؛ يمني: يقدر، الماني: القادر. [4] مجموعة المعاني: 11 ولم نجدهما في ديوان ابن الرومي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 «104» - ويقولون: «حلب الدهر أشطره» ، أي اختبر الدهر شطريه من خير وشرّ. وأصله من حلب الناقة، يقال: حلبتها شطرها أي نصفها، وذلك أنه حلب خلفين من أخلافها فهو شطر، ثم يحلبها الثانية خلفين أيضا فيقول: حلبتها شطرين، ثم يجمع فيقول: أشطر. «105» - ويقولون: «فلان مؤدم مبشر» ، وهو الذي يجمع لينا وشدة، وأصله من أدمة الجلد، وهي باطنه، وبشرته وهي ظاهره. «106» - ويقولون: «عند جهينة الخبر اليقين» ويروى «جفينة» ، ولذلك خبر معروف متداول، وهو رجل كان عنده خبر من قتل قد خفي أمره. «107» - وقال المنذر بن الحباب بن الجموح الأنصاري يوم السقيفة: «أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب» ؛ الجذيل تصغير الجذل، وهو أصل الشجرة تقطع أغصانها وتبقى قائمة، فتجيء الجرباء من الإبل فتحتكّ به، وهو يسمّى جذل الحكاك، وأما العذيق فهو تصغير العذق، وهي النخلة نفسها إذا كرمت حملت ما لا تطيقه، فتنحني فتبنى في أصلها دعامة تعتمد عليها، فذلك التّرجيب. «108» - وقال علي عليه السّلام: «رأي الشيخ خير من مشهد الغلام» ، فصار هذا الكلام مثلا متداولا، ويقولون في التجارب: «رجل منجّذ» . وأنشد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 الأصمعي [1] : [من الوافر] أخو الخمسين مجتمع أشدّي ... ونجّذني مداورة الشؤون «109» - ويقولون في الخبر: «كفى برغائها مناديا» . «110» - «أعط القوس باريها» . «111» - ومن أمثالهم: «من يشتري سيفي وهذا أثره» ، يدل أثره على مخبره. «112» - ويقولون: «أتعلّمني بضبّ أنا حرشته» . «113» - «أنت أعلم باللقمة أم من غصّ بها» ، أي الغاصّ باللقمة أخبر بها. «114» - «الخيل أعلم بفرسانها» . «115» - «الجواد عينه فراره» . «116» - «عين عرفت فذرفت» . «117» - «أفواهها مجاسّها» ، أصله أن الإبل إذا أحسنت الأكل اكتفى الناظر بذلك عن معرفة سنّها واستغنى عن جسّها.   [1] البيت لسحيم بن وثيل الرياحي من قصيدة أصمعية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 «118» - «ربّ لحظ أصدق من لفظ» . «119» - «ليس الخبر كالعيان» . «120» - «است البائن أعلم» . «121» - «كمعلّمة أمّها البضاع» . «122» - «إني إذا حككت قرحة أدميتها» ، المثل لعمرو بن العاص، وكان انعزل في خلافة عثمان رضي الله عنه، فلما بلغه حصره وقتله، قال: أنا أبو عبد الله، إني إذا حككت قرحة أدميتها، فسارت مثلا، يعني أنه كان يظنّ هذا الأمر واقعا فكان كما ظن. «123» - ومن أمثالهم في المجرّب للأمور: «العوان لا تعلّم الخمرة» . «124» - ويقولون: «إذا هززت فاهتز، وإذا رمي بك فارتزّ» . 6- الأخذ بالحزم والاستعداد للأمر «125» - ومن كلام لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اعقل وتوكّل» . «126» «127» - ومن كلام العرب وأمثالهم: «عشّ ولا تغترّ» . «أن ترد الماء بماء أكيس» . معنى الأوّل أن يمرّ صاحب الإبل بالأرض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 المكلئة فيقول: أدع أن أعشّي إبلي منها حتى أرد على أخرى، ولا يدري ما الذي يرد عليه. وتأويل المثل الثاني: أن الرّجل يمرّ بالماء فلا يحمل منه اتّكالا على ماء آخر يصير إليه، فيقال له: أن تحمل معك ماء أحزم لك، وإن أصبت ماء آخر لم يضرّك، وإن لم تحمل فأخفقت من الماء عطبت. «128» - قال حماد الراوية: أنشدت أبا عطاء السّندي هذا البيت: [من المتقارب] إذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما ولا توصه فقال أبو عطاء: بئس ما قال، فقلت: فكيف كان يقول؟ قال: كان يقول: [من الوافر] إذا أرسلت في أمر رسولا ... فأفهمه وأرسله أديبا فإن ضيّعت ذاك فلا تلمه ... على أن لم يكن علم الغيوبا «129» - ومن أمثالهم: «قد أحزم لو أعزم» . «130» - وقال الشعبي: أصاب متأمّل أو كاد، وأخطأ مستعجل أو كاد. ومنه قول القطامي [1] : [من البسيط] قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل   [1] ديوان القطامي: 25. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 «131» - ومن أمثالهم في الجد: «اجمع جراميزك» ؛ و «اشدد حزيمك» ؛ وأنه قول عليّ عليه السّلام: [من الهزج] (اشدد) حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيكا «132» - ويقولون في مثله: «اتّخذ اللّيل جملا» ؛ «هذا أوان الشدّ فاشتدي زيم» ، وزيم هاهنا اسم فرس، وهو في موضع آخر المتفرق؛ و «لتخرم فإذا استوضحت فاعزم» ؛ قال بشار: [من الطويل] وخلّ الهوينا للضّعيف ولا تكن ... نووما فإنّ الحزم ليس بنائم «133» - ومن أمثالهم: «اشتر لنفسك وللسوق» . «134» - ومنها: «قبل الرّمي يراش السهم» . «135» - ومنها: «قبل الرّمي تملا الكنائن» . «136» - «دمّث لنفسك قبل النّوم مضطجعا» ، وقال الحمال العبدي: [من الطويل] إذا خفت في أمر عليك صعوبة ... فأصحب به حتى تذلّ مراكبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 وقال بعض بني سدوس: [من الكامل] وإذا ظلمت فكن كأنّك ظالم ... حتى يفيء إليك حقّك أجمع «137» - ومن أمثالهم: «رمت المحاجزة قبل المناجزة» . «الفرار بقراب أكيس» . المثل الأول لأكثم بن صيفي، والثاني لجابر بن عمرو المازني، وذاك أنه كان يسير يوما في طريق إذ رأى رجلين شديدا كلبهما عزيزا سلبهما، فقال: الفرار بقراب أكيس ثم مضى. 138- «انج يا ثعالة فالقتل لا شوى له» . «139» - ويقولون: «زاحم بعود أو دع» ، أي لا تستعن إلا بأهل القوة، وقال الشاعر: [من الطويل] إذا المرء لم يبدهك بالحزم كلّه ... قريحته لم تغن عنك تجاربه «140» - ومن أمثالهم في الاستعداد: «مخرنبق لينباع» ، أي مطرق ليثب. «141» - ونحوه: «تحسبها حمقاء وهي باخس» . «142» - وقولهم: «أطرّي فإنّك ناعلة» ، أي اركب الأمر الشديد فإنك قوي عليه. وأصل هذا أنّ رجلا قال لراعية له، وكانت تترك الحزونة وترعى في السهولة، أطرّي: خذي طرر الوادي، وهي نواحيه. قال أبو عبيد: أحسبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 يعني بالنعلين غلظ جلد القدمين. «143» - ومن التحذير والحزم: قولهم: «انج سعد فقد هلك سعيد» . «144» - ومن أمثالهم في الجد: «قرع له ساقه» ، و «قرع له ظنبوبه» . «145» - ويقولون: «عدوك إذ أنت ربع» ، يؤمر الرجل بأن يأتي من الحزم ما كان يأتيه من قبل. 7- ما جاء في الاغترار والتحيل والإطماع وما يقارب هذه المعاني «146» - «النساء حبائل الشيطان» ، قاله ابن مسعود رضي الله عنه. «147» - ومن أمثالهم: «مرعى ولا أكولة» ، «عشب ولا بعير» . وقد يقع هذان المثلان في معنى وجود الشيء حيث لا ينتفع به. «148» - «برد غداة غرّ عبدا من ظمأ» ، وذلك أنه خرج في برد غداة ولم يتزوّد الماء لما رأى من روح النهار، فلما حميت عليه الشمس بالفلاة هلك عطشا. «149» - «ليس بأوّل من غرّه السّراب» . «150» - ومن أمثالهم: «كيف بغلام قد أعياني أبوه» ، ومنه قول الشاعر [1] :   [1] البيت في الميداني والعسكري وابن سلام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 [من البسيط] ترجو الصغير وقد أعياك والده ... وما رجاوك بعد الوالد الولدا ويشبهه قول الفرزدق وإن كان أراد به الهجاء [1] : [من الطويل] ترجّي ربيع أن تجيء صغارها ... بخير وقد أعيا ربيعا كبارها «151» - ويقولون: «يا عاقد اذكر حلّا» ، يضربون لمن يبالغ في الأمر وينسى عاقبته، وأصله الذي يشدّ عليه رحله ويسرف في الاستيثاق. «152» - ويقولون: «لا تقتن من كلب سوء جروا» . «153» - «والذئب خاليا أسد» ، ومثله قول المتنبي [2] : [من الخفيف] وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنّزالا 154- ويقولون في الاطماع: «أما كفى العبد أن ينام حتى يحلم برتبة» . «155» - «إنّك لا تجني من الشّوك العنب» . وقال كعب بن زهير [3] : [من البسيط] فلا يغرّنك ما منّت وما وعدت ... إنّ الأمانيّ والأحلام تضليل   [1] ديوان الفرزدق 1: 272. [2] ديوان المتنبي: 405. [3] من «بانت سعاد» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 «156» - يقولون: «إنباض بغير توتير» ، أي نبّض القوس من غير أن يوتّرها. «157» - «قد نفخت لو نفخت في فحم» ، قاله الأغلب العجلي في شعر له. «158» - ويقولون: هو «بنت الجبل» ، يعنون الصّدى، أي هو مع كل من يتكلم. «159» - ويقولون أيضا: «ما أنت إلا كابنة الجبل مهما يقل تقل» . ومن كلام المهلبي في الاغترار: «من ضاف الأسد قراه أظفاره، ومن حرّك الدّهر أراه اقتداره» . 8- البر والعقوق والمحافظة على الأهل والإخوان «160» - من أمثالهم في هذه المعاني: «منك عيصك وإن كان أشبا» ، أي منك أهلك وإن كانوا على خلاف ما تريد. «161» - ومثله: «منك أنفك وإن كان أجدع» . «162» - ومنه: «الحفاظ يحلل الأحقاد» ، ومنه قول القطامي [1] : «وترفضّ عند المحفظات الكتائف» والكتائف السخائم.   [1] هو لمسكين الدارمي في أمثال ابن سلام: 181 ونسب لغيره أيضا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 «163» - ويقولون: «لا يعدم الحوار من أمّه حنّة» . «164» - «لا يضرّ الحوار وطء أمّه» . وقال الشاعر [1] : [من الطويل] أخاك أخاك إنّ من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح وقال آخر: [من الطويل] وإنّ ابن عمّ المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح والنصف الثاني من هذا البيت مثل سائر [2] . «165» - ويقال في الأخ متمسك بإخائه: «ما عقلك بأنشوطة» . ومن ذلك قول ذي الرمة [3] : [من الطويل] وقد علقت ميّ بقلبي علاقة ... بطيئا على مرّ الشّهور انحلالها «166» - ويقولون: «هو على حبل ذراعك» . «167» - ويقولون: «لا تدخل بين العصا ولحائها» . «168» - وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «معاتبة الأخ خير من فقده» ،   [1] هذا البيت مع الذي بعده في أمثال ابن سلام لمسكين الدارمي: 181. [2] الميداني 2: 404 والمستقصى 2: 392. [3] أمثال ابن سلام: 176 واللسان (علق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 فصارت مثلا. وقال طرفة بن العبد [1] : [من الطويل] وأعلم علما ليس بالظّنّ أنّه ... إذا مات مولى المرء فهو ذليل وقال بدر بن علماء العامري [2] : [من الطويل] إذا سيم مولاك الهوان فإنّما ... تراد به فاقصد له وتشدّد وقال ابن المولى [3] : [من الطويل] لا تطلبي عزّا بذلّ عشيرة ... فإنّ الذّليل من تذلّ عشائره ولما قال الشاعر في جرير بن عبد الله البجلي: [من الرجز] لولا جرير هلكت بجيلة ... نعم الفتى وبئست القبيلة قال قائل: ما مدح من هجي قومه. «169» - ومن الأمثال في العقوق: «العقوق ثكل من لم يثكل» . «170» - «الملك عقيم» . «171» - ومن أمثال البرّ قول بيهس لأمّه لما قتل إخوته وعاد فحنّت إليه وكانت من قبل تقصيه: «الثكل أرأمها» .   [1] مجموعة المعاني: 62 وديوانه (صادر) : 81. [2] (مجموعة المعاني: 63. [3] مجموعة المعاني: 63. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 «172» - وقالت له: أجئت من بينهم؟ فقال: «لو خيّروك لاخترت» . «173» - ومن أمثالهم: «وابأبي وجوه اليتامى» ، حكاه المفضل عن سعد القرقرة، وهو رجل من أهل هجر كان النعمان يضحك منه، فدعا بفرسه اليحموم، وقال لسعد: اركبه فاطلب عليه الوحش، قال سعد: إذن والله أصرع، فأبى النعمان إلا أن يركبه، فلما ركبه سعد نظر إلى بعض ولده فقال: وابأبي وجوه اليتامى. «174» - ومن كلامهم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» . «175» - ويقولون: «أعن أخاك ولو بالصوت» ، أي إن لم تقدر على معونته بيدك فاستصرخ له حتى يغاث. «176» - ويقولون: «مولاك ولو عناك» . 9- ومن الأمثال في الحمية والأنفة «177» - قول أكثم بن صيفي: «تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها» . «178» - «الفحل يحمي معقولا شوله» . «179» - ومنه: «الخيل تجري على مساويها» ، أي وإن كان بها أوصاب وعيوب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 «180» - وقولهم: «من عزّ بزّ» ، قاله جابر بن ألاف للمنذر. «181» - وقولهم: «محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا» ، هو سالم بن دارة، هجا فزارة فأفحش فاغتاله أحدهم فقتله. 182- ومن الحميّة قولهم: «هاجت زبراء» ، وهي أمة كانت للأحنف كان يصغي إلى قولها كثيرا، ولها معه خبر قد ورد في موضعه، والأبيات السائرة في هذا المعنى كثيرة، فمن ذلك قول عبد الله بن الزّبير الأسدي [1] : [من البسيط] فلن ألين لغير الحقّ أسأله ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر وقال مالك بن الريب [2] : [من الطويل] وما أنا كالعير المقيم لأهله ... على القيد في بحبوحة الدّار يرتع وقال النابغة [3] : [من البسيط] تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتّقي صولة المستأسد الحامي وقال معارك بن مرة العبدي [4] : [من الطويل] أتطمع في هضمي لدن شاب عارضي ... وقد كنت آبى الضّيم إذ أنا أمرد وقال منقذ الهلالي [5] : [من الوافر]   [1] مجموعة المعاني: 52. [2] مجموعة المعاني: 52. [3] مجموعة المعاني: 52 واللسان (ثغر) . [4] مجموعة المعاني: 52. [5] مجموعة المعاني: 53. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 سئمت العيش حين رأيت دهرا ... يكلّفني التّذلّل للرّجال فحسبك بالتّنصّف ذلّ حرّ ... وحسبك بالمذلّة سوء حال وقال امرؤ القيس ويروى للخنساء [1] : [من المتقارب] سأحمل نفسي على آلة ... فإمّا عليها وإمّا لها وقال أبيّ بن حمام بن قراد بن مخزوم العبسي: [من الطويل] ولست بمهياب لمن لا يهابني ... ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا وقال العباس بن مرداس [2] : [من الطويل] فخذها فليست للعزيز بخطّة ... وفيها مقال لامرىء متذلّل وقال محمد بن وهيب الحميري [3] : [من الطويل] ألا ربما كان التصبّر ذلّة ... وأدنى إلى الحال التي هي أسمج وقد يركب الخطب الذي هو قاتل ... إذا لم يكن إلا عليه معرّج وقال مهيار فأحسن فجاز إلحاقه بالتمثيل بالقدماء [4] : [من المنسرح] فاقعد إذا السعي جرّ مهلكة ... وجع إذا ما أهانك الشّبع «183» - ومن أمثالهم: «لو كرهتني يدي لما صحبتني» ؛ وقال الشاعر:   [1] ديوان الخنساء (أبو سويلم) : 84. [2] ديوان العباس بن مرداس: 99. [3] مجموعة المعاني: 53 ومعجم المرزباني: 43. [4] ديوان مهيار 2: 173. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 [من الطويل] فلو رغبت عنّي يميني قطعتها ... وفيها لمن رام الوصال وصال 10- ما جاء في الحلوم والثبات يشبه هذا المعنى قوله صلّى الله عليه وسلم: «جدع الحلال أنف الغيرة» . «184» - ومن أمثالهم: «إذا نزابك الشّرّ فاقعد» أي فاحلم ولا تسارع إليه. 185- وقال الأحمر في مثله: «الحليم مطيّة الجهول» ، يعني أنه يحتمل جهله ولا يؤاخذ به. «186» - ومن أمثالهم: «إنّه لواقع الطائر» . «187» - و «إنّه لساكن الريح» . «188» - و «هو واقع الغراب» ؛ «واقع الطير» ، وقال الشاعر [1] : [من البسيط] قل ما بدا لك من زور ومن كذب ... حلمي أصمّ وأذني غير صمّاء «189» - ومنه: «ملكت فأسجح» . قالته عائشة لعلي عليه السلام يوم الجمل.   [1] البيت في أمثال ابن سلام: 152 واللسان (صمم) وهو لبشار في ديوانه 1: 125. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 «190» - ومن أمثالهم فيه: «إذا ارجحنّ شاصيا فارفع يدا» . يقول: إذا رأيته قد خضع واستكان فاكفف عنه، والشّاصي الرافع رجله، والمرجحنّ الساقط الثقيل. «191» - ومن أمثالهم في الحلم والإيقاظ له: [من الطويل] لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علّم الإنسان إلا ليعلما قيل: هو عامر بن الظرب العدواني حاكم العرب، عاش حتى أنكر عقله، فكان إذا زاغ في الحكم قرعت له العصا فينتبه ويعود إلى الحقّ؛ وقيل: أكثم بن صيفي، وقيل: أوّل من قرعت له العصا سعد بن مالك الكناني، وقيل هو عمرو ابن حممة الدوسي. «192» - ومن كلام العرب: «عركت ذلك بجنبي» أي احتملته. 193- «ربط بالأمر جأشا» أي وطّن نفسه عليه. 11- ما جاء في الصدق والكذب «194» - من أمثال العرب: «سبّني واصدق» . «195» - «إذا سمعت بسرى القين فإنه مصبح» . يضرب للكذوب ولا يصدّق ولو صدق، وأصله أن القين إذا نزل بالحيّ قال لهم: إني أسري الليلة، يحثهم بذلك على معاملته ثم يصبح بمكانه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 «196» - ويقولون في كلامهم: «من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه» . «197» - وقال حكيم: «الصدق عزّ والكذب خضوع» . «198» - ومن أمثالهم: «لا يكذب الرائد أهله» . «199» - ومنها: «الكذب داء والصدق شفاء» . «200» - ومنها: «ليس لمكذوب رأي» ، كان المفضل يحدّث أنّ صاحب هذا المثل هو العنبر بن عمرو بن تميم قاله لابنته الهيجمانة؛ وذلك أن عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم كان يزورها، فنهاه قومها فأبى، حتى وقعت الحرب بين قومه وقومها، فأغار عليهم عبد شمس في جيشه، فعلمت الهيجمانة فأخبرت أباها، وقد كانوا يعلمون إعجاب الهيجمانة به كإعجابه بها. «201» - فلما قالت هذه المقالة لأبيها قال مازن بن مالك بن عمرو بن تميم: «حنّت ولات هنّت، وأنّى لك مقروع» ، وهو عبد شمس بن سعد كان يلقب به، فقال لها أبوها عند ذلك: أي بنيّة، اصدقيني أكذاك هو فإنه لا رأي لمكذوب. «202» - فقالت: «ثكلتك إن لم أكن صدقتك فانج ولا إخالك ناجيا» ، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 فذهبت كلمته وكلمتها وكلمة مازن مثلا. «203» - ومن أمثالهم: «إن الكذوب قد يصدق» . «204» - «عند النوى يكذبك الصادق» . قال المفضل: إن رجلا كان له عبد فلم يكذب قطّ، فبايعه رجل ليكذّبنّه، وجعل الخطر بينهما أهلهما ومالهما، فقال الرجل لسيد العبد: دعه يبيت عندي الليلة، ففعل؛ فأطعمه الرجل لحم حوار وأسقاه لبنا حليبا في سقاء قد كان فيه لبن حازر؛ فلما أصبحوا تحمّلوا وقالوا للعبد: الحق بأهلك، فلما توارى عنهم نزلوا؛ فأتى العبد سيّده فسأله فقال: أطعموني لحما لا غثّا ولا سمينا، وسقوني لبنا لا محضا ولا حقينا، وتركتهم قد ظعنوا فاستقلوا فساروا بعد أو حلّوا، وفي النوى يكذبك الصادق، فأرسلها مثلا. وأحرز مولاه مال الذي بايعه وأهله. «205» - ومن أمثالهم: «لا يدري الكذوب كيف يأتمر» . «206» - «القول ما قالت حذام» ، المثل للجيم بن مصعب بن علي بن بكر بن وائل وحذام امرأته. «207» - «صدقته الكذوب» أي نفسه. «208» - «صدقني سنّ بكره» . قال علي عليه السّلام في رجل أخبره بشيء فصدقه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 «209» - «لا أليّة لسالية» ، زعم يونس أن ذلك لكذبها، تحلف أنّها قليلة السّلاء مخافة العين. 210- وفي الكذوب أحاديث «وبان استه حين أصعدا» . 12- وصف الرجل بالتبريز والفعل الحميد «211» - من أمثالهم في هذا: «هو نسيج وحده» ، إذا كان مكتفيا بنفسه. «212» - ويقولون: «هو يرقم على الماء» ، يضرب في الحذق. «213» - ويقولون في المحافظة والحمى: «جار كجار أبي دواد» . «214» - وفي الوفاء «أنجز حرّ ما وعد» ، قال ذلك الحارث بن عمرو بن حجر الكندي لصخر بن نهشل بن دارم، وكان له مرباع من حنظلة، فقال له: هل أدلّك على غنيمة ولي خمسها؟ قال: نعم. فدلّه على قبيلة فأغار عليها بقومه، فتنجّزه ما بذله له. «215» - ويقولون في المجرّب: «جري المذكّي القارح» . «216» - وقال قيس بن زهير لحذيفة بن بدر في الرهان بينهما: «جري المذكّيات غلاب» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 «217» - ويقولون للرجل المبرّز: «ما يشقّ غباره» ، وأصله قول قصير بن سعد في العصا فرسه حين قال لجذيمة: اركبها فإنه لا يشق غبارها، والخبر مشهور. «218» - ويقولون: «ما يقعقع له بالشنان» ؛ و «لا يصطلى بناره» . «219» - ويقولون: هو «ألوى بعيد المستمرّ» ، للشرس الشديد، قاله النعمان بن المنذر لخالد بن معاوية السعدي. وقال الشاعر: [من الرجز] وجدتني ألوى بعيد المستمرّ ... أحمل ما حمّلت من خير وشرّ «220» - ومن أمثالهم: «هل يخفى على الناس النهار» . «221» - و «هل يجهل القمر» . وقال ذو الرمة [1] : [من البسيط] لقد بهرت فما تخفى على أحد ... إلا على أحد لا يعرف القمرا «222» - ومن أمثالهم: «لا حرّ بوادي عوف» ، المثل للمنذر يقوله لعوف بن محلّم الشيباني وقد أجار عليه، وقيل هو عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم،   [1] البيت في أمثال ابن سلام: 93 وديوان ذي الرمّة 1163. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 وكان يقتل الأسارى ولا يعتقهم. «223» - ويقولون في الرجل المقدام على الأمور: «ما يبالي على أي قتريه وقع» ، ويقال: قطريه، أي جانبيه. «224» - ويقال: «بمثلي تنكا القرحة» . «225» - ويقولون: «هو عندي باليمين» عند الوصف والإحماد. «226» - «ولا تجعلني في اليد الشمال» ، أي لا تحقرني. 227- ويقولون: «رجل مقابل مدابر» أي كريم الطرفين. 13- التمسك بالأمر الواضح «228» - من أمثالهم فيه: «من سلك الجدد أمن العثار» . «229» - ومن أمثالهم: «الحقّ أبلج والباطل لجلج» ، يتردد صاحبه فيه فلا يجد مخرجا. «230» - «ليس لعين ما رأت ولكن لكفّ ما أخذت» . 23» - «أكرمت فارتبط» . «232» - ومنه: «اشدد يديك بغرزه» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 «233» - ويقولون: «محسنة فهيلي» ، يضربونه للأمر المستقيم، وأصله أن رجلا نزل بامرأة ومعه سلف دقيق، فلما غاب الرجل اغتنمت غيبته، فجعلت تهيل من سلفه [1] الدقيق في سلفها؛ فهجم عليها غفلة فدهشت فجعلت تهيل من دقيقها في دقيقه، فعند ذلك قال: محسنة فهيلي. «234» - ويقولون: «خلاؤك أقنى لحيائك» ، أقنى أي ألزم، ومنه قول عنترة [2] : [من الكامل] فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي ... أنّي امرؤ سأموت إن لم أقتل «235» - ومن أمثالهم: «اقصدي تصيدي» . «236» - «دع عنك بنيّات الطريق» ، أي عليك واضح الأمر، ودع الرّوغان يمينا وشمالا. 14- التوسط في الأمور «237» - من ذلك قوله صلّى الله عليه وسلم حين ذكر العبادة والغلوّ فيها: «إنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» . يقول إذا كلّف نفسه فوق طاقتها من العبادة بقي حسيرا كالذي أفرط في إغذاذ السّير حتى عطبت راحلته ولم يقض سفره.   [1] حاشية ر: السلف: الجراب. [2] ديوان عنترة: 252. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 «238» - «لا تكن حلوا فتسترط ولا مرّا فتعقى» ، أي تلفظ من المرارة، يقال: قد أعقى الشيء إذا اشتدّت مرارته، قال أبو عبيدة: وقول العامّة «فتلفظ» غير صحيح. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إن هذا الأمر لا يصلحه إلا لين في غير ضعف وشدّة في غير عنف» . «239» - وقيل: «خير الأمور الأوساط» . 240- وقالوا في مثله: «لا وكس ولا شطط» . وقال زهير [1] : [من البسيط] دون السماء ودون الأرض قدرهما ... دون الذّنابى فلا فوت ولا درك وقال عنترة [2] : [من الكامل] لا ممعنا هربا ولا مستسلم «241» - وقالوا: «شرّ السّير الحقحقة» . وفي الخبر: «خير الأمور أوساطها» . فالوسط محمود على كلّ حال إلا في العلوم؛ فإن الغايات فيها خير وأولى. وقيل: سائر العلوم والصناعات ينفع فيها التوسّط ولا يضرّ، كالنحو ليس يضرّ من أحسن باب الفاعل والمفعول، وباب الإضافة، وباب المعرفة والنكرة، أن يكون جاهلا ببقية أبواب النحو؛ وكذلك   [1] شرح ديوان زهير: 174. [2] شرح ديوانه: 209. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 من نظر في علم الفرائض فليس يضرّ من أحكم باب الصّلب أن يجهل باب الجدّ. وغاية ذلك أن يكون علم من ذلك العلم نوعا دون نوع إلّا علم الطبّ والكلام، فأصلح الأمور لمن تكلّف علم الطبّ أن لا يحسن منه شيئا أو يكون حاذقا، فإنه إن أحسن منه شيئا ولم يبلغ فيه المبالغ هلك أو أهلك المرضى؛ وكذلك العلم بصناعة الكلام: إن قصّر فيه عرضت إليه الشّبهة، ولم يبلغ الغاية التي تزيلها فيضلّ ويضلّ. 15- التساوي في الأمر «242» - «سواسية كأسنان الحمار» . «243» - «سواسية كأسنان المشط» . «244» - «القوم إخوان وشتّى في الشّيم» . «245» - «هما كركبتي البعير» ، هذا مثل قاله هرم بن قطبة الفزاري في منافرة عامر بن الطّفيل وعلقمة بن علاثة إليه. «246» - «هما كفرسي رهان» . «247» - «هما زندان في وعاء» . «248» - هما كحماري العبادي حين قيل له أيّهما شرّ؟ فقال: هذا ثم هذا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 وهذا المثل لا يوضع في المدح. «249» - ومن أمثالهم: «وقعا كعكمي عير» . «250» - «أنصف القارة من راماها» . قال هشام: والقارة هم عضل والديش ابنا الهون بن خزيمة، وإنما سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم؛ قال أبو عبيدة: وأصل القارة الأكمة وجمعها قور. قال ابن واقد: وإنما قيل قد أنصف القارة من راماها في حرب كانت بين قريش وبكر بن عبد مناة بن كنانة، وكانت القارة مع قريش وهم قوم رماة؛ فلما التقى الفريقان راماهم الآخرون فقيل: قد أنصفكم هؤلاء إذ ساووكم في العمل الذي هو شأنكم وصناعتكم. «251» - ومن أمثالهم: «سواء علينا سالباه وقاتله» ، وهو نصف بيت للوليد بن عقبة من شعر قاله في قتل عثمان رضي الله عنه، وأصله أن رجلا يقال له الحطم قتل فصارت خميصة له إلى غير القاتل، فرؤيت معه فقال: لست بقاتله، فقيل له ذلك. «252» - ومن أمثالهم: «أشبه امرؤ بعض بزّه» ، قاله ذو الإصبع العدواني، وهو خبر طويل يجيء في موضعه. «253» - «كلّ ذات صدار خالة» ؛ قاله همّام بن مرّة الشيباني. «254» - ويقولون: «ما أشبه الليلة بالبارحة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 «255» - و «حذو القذّة بالقذة» . «256» - «كلّ نجار إبل نجارها» . «257» - «لا تنبت الحقلة إلا بقلة» ، أي لا يلد الوالد إلا مثله. 16- المجازاة «258» - من أمثالهم في هذا: «أضىء لي أقدح لك» . ويقال: «اكدح لي» ، أي كن لي أكن لك. «259» - ومنها: «من ينكح الحسناء يعط مهرا» . «260» - ومنها: «أساء سمعا فأساء إجابة» . قال النابغة [1] : [من البسيط] لقد جزتكم بنو ذبيان ضاحية ... بما فعلتم ككيل الصّاع بالصّاع لما مات محمد بن الحجاج بن يوسف اشتدّ جزع أبيه الحجاج عليه، ودخل الناس عليه يعزّونه ويسلّونه وهو لا يزداد إلا جزعا، وكان ممن دخل عليه رجل كان الحجاج قتل ابنه يوم الزاوية، فلما رأى جزع الحجاج وقلّة ثباته شمت به وتمثّل بقول طفيل الغنوي [2] : [من الطويل]   [1] مجموعة المعاني: 79 وديوانه (ابن عاشور) : 177. [2] مجموعة المعاني: 79 والعسكري 1: 125 واللسان (حوب) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 فذوقوا كما ذقنا غداة محجّر ... من الغيظ في أكبادنا والتّحوّب وقال حسان بن عمرو [1] : [من الطويل] متى ما يشأ مستقبض [2] الشّرّ يلقه ... سريعا وتجمعه إليه أنامله 17- التفرق والزيال «261» - من أمثالهم في ذلك: «أتى أبد على لبد» ، وهو نسر لقمان السابع. «262» - «من يجتمع يتقعقع عمده» ، أي قصار اهم التفرّق. «263» - «طارت بهم العنقاء» . «264» - «أودت بهم عقاب ملاع» . «265» - «ذهبوا أيدي سبأ» . «266» - ويقال في مثله: «خفّت نعامته» . «267» - و «شالت نعامته» . «268» - و «زفّ رأله» .   [1] مجموعة المعاني: 79. [2] مجموعة: مستقبس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 «269» - ويقولون: «فسا بينهم ظربان» . 270- «أودى كما أودى إرم» . وقال الخنّوت السعديّ وهو توبة بن مضرّس [1] : [من الطويل] أربّ بهم ريب المنون كأنّما ... على الدّهر فيهم أن يفرّقهم نذر «271» - ومن أمثالهم: «لكلّ ذي عمود نوى» . 18- حفظ اللسان من ذلك قوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ [2] . وفي الحديث: «وهل يكبّ النّاس على مناخرهم في النار إلّا حصائد ألسنتهم» . «272» - وقال أكثم بن صيفي: «مقتل الرّجل بين فكّيه» ، يعني لسانه. «273» - وقال عمر بن عبد العزيز: «التّقيّ ملجم» . «274» - وقال بعض العرب لرجل يوصيه: «إياك أن يضرب لسانك عنقك» . ومنه قول الشاعر [3] : [من المتقارب] رأيت اللسان على أهله ... إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا   [1] مجموعة المعاني: 6. [2] الآية: 3 من سورة الصف. [3] البيت في فصل المقال: 23 والعسكري 2: 228. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 «275» - وقال علقمة بن علاثة: «أوّل العيّ الاختلاط، وأسوأ القول الإفراط» . «276» - ومن أمثالهم: «من أكثر أهجر» . «277» - «اجعل هذا في وعاء غير سرب» . «278» - ويقولون: «صدرك أوسع لسرّك» . «279» - في أمثال أكثم بن صيفي: «لكلّ ساقطة لاقطة» ، يحذّر به من سقط الكلام. «280» - ومن أمثاله: «ربّ قول أنفذ من صول» ، يضرب لحفظ اللسان، فيما يبقى من العار. وقال طرفة بن العبد [1] : [من الطويل] وإنّ لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل وقال كعب بن سعد [2] : [من الطويل] إذا أنت جالست الرّجال فلا يكن ... عليك لعورات الرّجال دليل وكان يجالس الأحنف رجل يطيل الصّمت حتى أعجب به الأحنف، فقال   [1] مجموعة المعاني: 70. [2] مجموعة المعاني: 70. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 الرجل يوما للأحنف: يا أبا بحر، هل تقدر أن تمشي على شرف المسجد؟ فتمثل الأحنف [1] : [من الطويل] وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلّم «281» - ومن أمثال العرب: «سكت ألفا ونطق خلفا» ، قال ابن الأعرابي: الخلف الرديء من القول. يقال: فأس ذات خلفين، أي ذات رأسين، والخلف الطريق وراء الجبل. ويقال: خلف صدق من أبيه وخلف سوء. ويقال لمن هلك والده: أخلف الله عليك، أي كان الله خليفة والدك عليك. ويقال لمن ذهب ماله: أخلف الله عليك، وخلف الرجل الوالي إذا كان خليفته. ويقال: خلف فوه من الصّيام يخلف خلوفا إذا تغيّر. ويقال: هو خالف أهله وخالفة أهله إذا كان فاسدا. ويقال في مثله: خلفناة وخليفة، ويقال: عبد خالف، أي فاسد. ويقال: أبيعك العبد وأبرأ إليك من خلفته، ورجل ذو خلفة؛ والخالفة عمود من أعمدة البيت، وخوالف البيت زواياه، واحدتها خلفة. قال الأصمعي: خلف فلان يخلف خلوفا إذا فسد ولم يفلح والخوالف النساء اللواتي غاب أزواجهنّ عنهنّ وليس عندهنّ رجال. قال الله تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ* (التوبة 87، 93) وحيّ خلوف، أي غيّب، وخلوف حضور؛ والخلفة الورقة تخرج بعد الورق اليابس. ويقال: الليل والنهار خلفة، أي إذا ذهب هذا جاء هذا. ويقال: خلف ثوبه إذا قطع وسطه وجمع بين طرفيه. ويقال: برئت إليك من خلفة العبد، أي فساده؛ والخلف طرف الضّرع. ويقال: أخلف بيده إذا أهوى بها إلى خلفه   [1] البيت في أمثال ابن سلام: 55 وهو للهيثم بن الأسود النخعي ونسب لغيره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 ليتناول شيئا؛ والإخلاف أن يعيد على الناقة فلا تلقح، والإخلاف أن يعد الرجل عدة فلا ينجزها؛ والإخلاف أن يجعل الحقب وراء الثّيل، والثيل وعاء مقلم البعير، وهو قضيبه؛ يقال: أخلف عن بعيرك. قال أبو زيد: الخالف الفاسد الأحمق، وقد خلف يخلف خلافة. ويقال: جاء فلان خلافي وخلفي، وهما واحد، وقد جاءت اللغتان في كتاب الله عزّ وجلّ؛ ويقال اختلف فلان صاحبه في أهله اختلافا، وذلك أن يناظره حتى إذا غاب عن أهله جاء فدخل عليهن. قال: ويقال: خلف الشراب واللبن يخلف خلوفا إذا حمض ثم أطيل إنقاعه ففسد. وقال أبو زيد والأصمعي: خلفت نفسي عن الطعام، تخلف خلوفا إذا أضربت عنه من مرض. وقال أبو زيد: لا يقال ذلك إلا من المرض. قال الأصمعي واللحياني في الخلف المربد يكون وراء البيت. وقال الأصمعي: الخلفة الاستقاء. يقال: من أين خلفتكم؟ أي من أين تستقون. ويقال: نتاج فلان خلفة، أي عام ذكر وعام أنثى؛ والخلفة النّبت في الصيف، والخلفة اختلاف البهائم وغيرها. ويقال: حلب الناقة خليف لبأها، يعني الحلبة التي بعد ذهاب اللبأ؛ والخليف الطريق في الجبل، وقال أبو نصر: هو الطريق وراء الجبل أو في أصله. وقال اللحياني: الخليف الطريق في ما وراء الجبل أو بين الجبلين؛ ويقال المخلفة: الطريق أيضا، يقال: عليك المخلفة الوسطى. 19- ما جاء في التصريح والمكاشفة «282» - من ذلك قولهم: «صرّح الحقّ عن محضه» . «283» - «أبدى الصريح عن الرّغوة» ، الرّغوة والرّغوة، لغتان. وهذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 المثل لعبيد الله بن زياد قاله لهانىء بن عروة المرادي في شأن مسلم بن عقيل. يقال للبن حين يحلب: حليب، فإذا ذهبت رغوته فهو صريح. فإذا أمكن أن يصبّ في الإناء فهو صريف، ثم نقيع يومه، ثم حقين إذا جعل في السّقاء، فإذا أخذ طعم السّقاء فهو ممحّل، فإذا أخذ في الحمض فهو قارس، فإذا راب فأمكن أن يمخض فهو ظليم ومظلوم، فإذا انقطع زبده فلم يخرج مستقيما فهو مثمر وثامر، فإذا خرج زبده فهو رائب، فإذا اشتد حمضه فتقطّع فصار اللبن ناحية والماء ناحية فهو الممذق، فإذا اشتدّ حمضه جدا فهو الأدل. يقال: جاءنا بأدلة تروي الوجه، فإذا بلبل وغلظ فهو الهدبد والعكلط والعجلط، وهو الغنميّ إذا صبّ فلم يسمع من خثورته، والمحض الذي لم يخالطه ماء. والخامط الذي أخذ ريحا، فإذا ذهبت عن اللبن حلاوته قيل له السامط، والحازر الذي يشتدّ أيضا، والضّريب الذي حقن أياما فاشتدّت حموضته، والدّواية شبيه الجليدة تعلو اللبن، والرثيئة حليب يصبّ على حامض وقد رثأته. والصّير ماء الجبن والمصل- عربيّ صحيح- والماء الذي يسيل منه المصالة، ويقال للكشك الزّهيدة، والنّسء حليب يصبّ عليه ماء، نسأته أنسوه نسئا، والنّخيسة لبن الضأن يصبّ عليه لبن المعزى. والضّيح الذي كثر ماؤه وهو الضّياح، والمذيق الذي فيه ماء. والرّخف الرّخو من الزّبد، والنّهيد الذي لم يتمّ روب لبنه، والصّرد أن ينقطع منتفثا لا يلتئم. «284» - ومن أمثالهم: «قد بيّن الصبح لذي عينين» . «285» - ومنها: «برح الخفاء» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 «286» - ومنها: «أخبرته بعجري وبجري» ، أي أظهرته من ثقتي على معايبي، وأصل العجر العروق المتعقدة، فأما البجر فهي أن تكون في البطن خاصة. «287» - ومنها: «لبست له جلد النّمر» . «288» - «قشرت له العصا» . «289» - «لا مخبأ لعطر بعد عروس» ؛ وقد يضرب في الخطأ وترك الشّيء وقت الحاجة إليه. قال أبو زيد: وأصله أن رجلا تزوج بامرأة فوجدها تفلة، فقال: أين الطيب؟ فقالت: خبّأته فعنّفها، قال: «لا مخبأ لعطر بعد عروس» . وذكر المفضل: أن المثل لامرأة عروس، وكان رجلا جميلا يسمّى عروسا، فهلك فحملت المرأة عطرا وآلة النساء والطيب، فمرّ بها بعض معارفها فوبّخها وعنّفها، فقالت عند ذلك هذا المثل. «290» - ومن أمثالهم: «لا أطلب أثرا بعد عين» ، وقد يضرب في الاحتياط للأمر، المثل لمالك بن عمرو الباهلي، كان له أخ يقال له سماك، فقتله رجل من غسّان، فلقيه مالك فأراد قتله، فقال الغسّاني: دعني ولك مائة من الإبل، فقال: لا أطلب أثرا بعد عين، ثم قتله. «291» - ومن أمثالهم: «ترك الخداع من أجرى من مائة» ، المثل لقيس بن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 زهير في رهان داحس والغبراء لما جعل المدى مائة غلوة. «292» - ويقولون في المكاشفة والتحذير: «قد أعذر من أنذر» . «293» - «وما له ستر ولا حجر» ، السّتر هاهنا الحياء والحجر العقل. «294» - ويقولون في الأمر الجلي: «ما يوم حليمة بسرّ» ، وحليمة بنت الحارث بن أبي شمر الغسّاني، ويوم حليمة من أيام العرب المشهورة، ولها فيه حديث معروف، وقد ذكر هذا اليوم في موضع آخر بشرحه. «295» - ومن أمثالهم في الأمر الشائع: «يكفيك من شرّ سماعه» ، قالته فاطمة بنت الخرشب الأنمارية أمّ الربيع بن زياد، وهي أمّ الكملة إحدى المنجبات، لقيس بن زهير، وكان الربيع أخذ منه درعا فعرض لها قيس ليرتهنها عليه، فقالت: يا قيس أترى بني زياد مصالحيك وقد ذهبت بأمّهم يمينا وشمالا فقال الناس ما شاءوا، ويكفيك من شرّ سماعه. «296» - ومن أمثالهم: «عند التصريح تريح» . 20- ما جاء في التسويف والوعد والوعيد «297» - يقولون: «مطله مطلا كنعاس الكلب» ، وذاك أنه دائم متصل. «298» - ويقولون: «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا» ، والطّحن الدقيق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 «299» - ومن أمثالهم: «الصدق ينبي عنك لا الوعيد» ، غير مهموز من نبا ينبو. «300» - ومنها: «جاء ينفض مذرويه» ، إذا جاء يتوعّد ويتهدّد، ولا يقال هذا إلا لمن يتوعد من غير حقيقة، والمذروان فرعا الإليتين. «301» - ومنها ويقاربها قولهم: «ارق على ظلعك» . «302» - والمثل السائر: «مواعيد عرقوب» . قالوا: كان عرقوب رجلا من العماليق أتاه أخ له يسأله شيئا فقال له عرقوب: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت أتى الرجل أخاه للعدة فقال: دعها حتى تصير بلحا، فلما أبلحت أتاه فقال له: دعها حتى تصير زهوا، فلما أزهت قال: دعها حتى تصير ثمرا، فلما أثمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجدّها ولم يعط أخاه منها شيئا، وفيه يقول الأشجعي [1] : [من الطويل] وعدت وكان الخلف منك سجيّة ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب «303» - ويقولون في الوعيد: «برّق لمن لا يعرفك» .   [1] البيت في اللسان (عرقب) وأمثال ابن سلام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 «304» - ويقولون لمن يعد ولا ينجز وعده «ذكر ولا حساس» . «305» - ومن أمثالهم في التسويف: «إلى ذاك ما باض الحمام وفرخا» . 21- المكر والمداهنة «306» - ومن أمثالهم في ذلك: «يسرّ حسوا في ارتغاء» . «307» - «أمكر وأنت في الحديد» ؛ قاله عبد الملك بن مروان لعمرو بن سعيد الأشدق عند قتله؛ وخبره معه طويل، وقد ذكر في موضع آخر، وقال له عمرو حين قيّده: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن لا تفضحني بأن تخرجني إلى أهل الشام فتقتلني بحضرتهم فافعل؛ وإنما أراد عمرو أن يخالفه فيخرجه، فإذا ظهر منعه أصحابه وحالوا بينه وبين عبد الملك. «308» - ومن أمثالهم: «من حفر مغوّاة وقع فيها» . «309» - «أعن صبوح ترقّق» . أصل المغوّاة البئر تحفر للذئب ثم يجعل فيها جدي أو غيره، فيسقط الذئب فيها ليأخذه فيصطاد. والمثل الثاني: قال المفضل الضبي فيه: كان نزل رجل بقوم أضافوه ليلا وغبقوه فلما فرغ قال لهم: إذا أصبحتموني غدا فكيف آخذ في حاجتي؟ فقالوا له: أعن صبوح ترقّق؟ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 «310» - «عاد الرمي على النّزعة» ، والنّزعة الرماة. «311» - ومن أمثالهم في هذا المعنى: «لأمر ما جدع قصير أنفه» ، وخبر جذيمة يشتمل على هذا المثل وغيره فلا حاجة إلى إعادة ذكره. «312» - «أطرق كرى إنّ النّعام في القرى» . «313» - «ما زال يفتل في الذّروة والغارب» ، إذا بالغ في الخداع. «314» - «الإيناس قبل الإبساس» . «315» - «إيّاك أعني واسمعي يا جارة» ، المثل لسهل بن مالك الفزاري، قاله لأخت حارثة بن لأم الطائي. «316» - ومن أمثالهم في المكر: «خامري أمّ عامر» . «317» - ويقارب ذلك قولهم: «أمر نهار قضي ليلا» . 318- ويقولون للخبّ: «أروغا ثعالة» . 22- حفظ المودة بالتباعد «319» - من أمثالهم في هذا: «فرّق بين معدّ تحابّ» . وكتب عمر بن الخطاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 رضي الله عنه إلى أبي موسى أن مر ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا [1] ، وروي عنه وابن مسعود أنهما قالا [2] : «خالطوا الناس وزايلوهم» ، أي خالطوهم في المعاشرة والأخلاق وزايلوهم بأعمالكم، ويحتمل المباعدة أيضا، ويقارب هذا الكلام قول صعصعة بن صوحان: إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا تكلمنه. ويشبه ما روي عن عيسى عليه السّلام: «كن وسطا وامش جانبا [3] » . 23- ما جاء في الضرورة والمعذرة والاعتذار «أزهد الناس في عالم جاره» ويروى أهله [4] . «320» - ومن أمثالهم في ذلك: «مكره أخوك لا بطل» ، خبره في قصة بيهس نعامة، وهو مذكور في مكانه من هذا الكتاب. «321» - «لو ترك القطا لنام» ، هو لامرأة عمرو بن أمامة، وكان نزل بقوم من مراد فطرقوه ليلا فلما رأت امرأته سوادهم أنبهته فقالت: قد أتيت، فقال: إنما هذه القطا، فقالت: لو ترك القطا لنام. فأتاه القوم فبيتوه فقتلوه. «322» - ومن أمثالهم: «الشرّ ألجأه إلى مخّ العراقيب» ، وقد يضرب عند مسألة اللئيم.   [1] الميداني 1: 150. [2] الميداني 1: 243. [3] الميداني 2: 157 والعسكري 2: 144. [4] أمثال ابن سلام: 207 والميداني 1: 325. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 «323» - ويقولون: «الطعن أظأر» ، يضرب للبخيل يعطي عن ضرورة، يقول: إذا خاف أن يطعنه عطفه ذلك عليه فجاد بماله خوفا منه. «324» - ويقولون: «الخلّة تدعو إلى السّلّة» ، أي الحاجة تدعو إلى السرقة. «325» - ويقولون: «لكلّ جواد كبوة ولكلّ عالم هفوة ولكلّ صارم نبوة» . «326» - ويقولون: «ترك الذّنب أيسر من الاعتذار» . «327» - ومن أمثالهم: «حيّاك من لا خلا فوه» ، وأصله أن رجلا سلّم عليه وهو يأكل فلم يردّ السلام، فلما فرغ قال هذه المقالة أي كنت مشغولا. «328» - ومن أمثالهم في الضرورة: «بيتي يبخل لا أنا» . «329» - «شغلت شعابي جدواي» . «330» - «بالساعد تبطش الكفّ في الضرورة» ، هذا المثل يضرب أيضا في قلّة الأعوان. «331» - ومن الاعذار قول قصير بن سعد لعمرو بن عديّ حين أمره أن يطلب ثأر خاله جذيمة من الزّباء، «افعل كذا وخلاك ذمّ» . قال الشاعر: [من الطويل] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 إذا ما شفيت النّفس أبلغت عذرها ... ولا لوم في أمر إذا بلغ العذر «332» - ومن أمثال الضرورة: «يلبس الخلق من لا جديد له» . 24- تعذر الكمال والمحض «333» - من أمثالهم فيه: «أيّ الرّجال المهذّب» . «334» - وقول أبي الدرداء رضي الله عنه: «من لك بأخيك كله» . «335» - وقولهم: «لا تعدم الحسناء ذاما» ، مخفّف وهو العيب. 25- تعلّق الفعل بما يتعذر والامتناع عنه ما اتّصل المانع، أو فعله ما استمرّ الشيء «336» - ومن أمثالهم في هذا: «لا آتيك ما حنّت النّيب» . «337» - ومثله: «لا آتيك ما أطّت الإبل» . «338» - وقال أبو زيد: «لا آتيك ما اختلفت الدرة والجرة» ، واختلافهما أن الدرّة تنتقل إلى الضّروع والجرة تعلو إلى الرأس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 «339» - «ما اختلف الملوان» ، وهما الليل والنهار، والواحد منهما ملى مقصور. «340» - ومثله: «ما اختلف الأجدّان» ، وكذلك: «ما اختلف الفتيان» ، ومنه قول الشاعر [1] : [من الكامل] ما لبث الفتيان أن عصفا بهم ... ولكلّ قفل يسّرا مفتاحا «341» - ويقولون: «ما أفعله ما سمر ابنا سمير» . «342» - «ولا آتيك السّمر والقمر» ، يريدون ما كان السمر وما طلع القمر. «343» - «ولا آتيك سنّ الحسل» ، والحسل ولد الضبّ، حتى تسقط أسنانه، ويقال إنها لا تسقط أبدا حتى يموت. «344» - قال الأحمر في هذا: «لا آتيك سجيس الأوجس» . «345» - «سجيس عجيس» ، ومعناهما: الدهر. «346» - «ولا آتيك الأزلم الجذع» ، وهو الدهر.   [1] البيت في أمثال ابن سلام: 381 واللسان (فتا) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 «347» - «وما حيّ حيّ وما مات ميت» . ويروى عن المفضل أنه قال: هذا المثل للقمان بن عاد. «348» - ومثله: «لا أفعله دهر الداهرين، وعوض العائضين» . «349» - «وأبد الآبدين، وأبد الأبيد» . «350» - «وما حملت عيني الماء» . «351» - «وحتى يرجع السهم على فوقه» [وهو لا يرجع] أبدا إنما مضاؤه قدما. «352» - وقال ابن الكلبي: من هذا قولهم: «لا أفعل ذلك معزى الفزر» ، قال: والفزر سعد بن زيد مناة بن تميم، وكان وافى الموسم بمعزى فأنهبها هنالك، فتفرقت في البلاد، فالمعنى في معزى الفزر حتى تجتمع تلك، وهي لا تجتمع الدهر كله، وإنما سمي الفزر لأنه قال: من أخذ منها واحدة فهي له، ولا يؤخذ منها فزر، قال: وهي الاثنان. «353» - «ولا أفعل ذلك حتى يؤوب القارظان» ، وهما من عنزة، فالأول منهما يذكر بن عنزة لصلبه، عشق فاطمة بنت خزيمة بن نهد، وخبرهما يرد في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 أخبار العرب، والقارظ الآخر زهير بن عامر بن عنزة خرج يجتني القرظ فلم يرجع ولا علم بخبره. «354» - ومن أمثالهم: «حتى يؤوب المنخّل» ، وخبره شبيه بهذا الخبر. 26- وضع الشيء في موضعه 355- من أمثالهم في هذا: «ذكّرتني الطعن وكنت ناسيا» . وأصله أن رجلا حمل على رجل ليقتله، وكان في يد المحمول عليه رمح فأنساه الدّهش والجزع ما في يده، فقال الحامل: ألق الرمح، فقال الآخر: أرى معي رمحا وأنا لا أشعر به، ذكّرتني الطعن وكنت ناسيا، وكرّ على صاحبه فقتله أو هزمه، وقيل إن الحامل: صخر بن معاوية السّلمي والمحمول عليه: يزيد بن الصعق الكلابي. «356» - ومن أمثالهم: «خلع الدّرع بيد الزّوج» . «357» - «التجرّد لغير النكاح مثلة» ، وهما مثلان قالتهما رقاش بنت عمرو ابن تغلب بن وائل، تزوجها كعب بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة فقال لها: اخلعي درعك، فقالت: خلع الدرع بيد الزوج، فقال: اخلعيه لأنظر إليك، فقالت: التجرّد لغير النكاح مثلة. «358» - وقريب من معنى هذا الفصل قولهم: «اذكر الغائب يقترب» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 «359» - «اذكر غائبا تره» . والثاني قاله عبد الله بن الزبير وقد ذكر المختار وهو غائب فقدم عليه. وقال عتبة بن أبي سفيان: العجب من علي بن أبي طالب عليه السّلام ومن طلبه الخلافة وما هو وهي؟ فقال معاوية: اسكت يا اوزه، فوالله إنه فيها كخاطب الحرة إذ يقول: [من الطويل] لئن كان أدلى خاطب فتعذّرت ... عليه وكانت رائدا فتمطّت لما تركته رغبة عن حباله ... ولكنها كانت لآخر حطت وقال النجاشي الحارثي [1] : [من البسيط] إني امرؤ قلّ ما أثني على أحد ... حتى أبيّن ما يأتي وما يذر لا تحمدنّ امرءا حتى تجرّبه ... ولا تذمّنّ من لم يبله الخبر وفي بعض الحديث: لا تعجلوا بحمد الناس ولا ذمّهم، فإنّ أحدا لا يدري بما يختم له. «360» - ومن أمثال العرب: «لا تحمدنّ أمة عام اشترائها ولا حرّة عام بنائها» . «361» - ومثله: «لا تهرف قبل أن تعرف» ، والهرف الإطناب.   [1] مجموعة المعاني: 81. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 27- وضع الشيء في غير موضعه قال أوس بن حجر: كمن دبّ يستخفي وفي الحلق جلجل. «362» - ومن أمثال العرب: «خرقاء ذات نيقة» . «363» - ومنها: «كالحادي وليس له بعير» . «364» - ومن أمثالهم. «وحمى ولا حبل» ، يضربونه للشهوان وليس بجائع. «365» - ومنها: «يحمل شنّ ويفدّى لكيز» ، وهما ابنا قصيّ بن عبد القيس، قاله شنّ لأمهما، وكانت تؤثر لكيزا عليه. «366» - ويقولون: «ليس هذا بعشك فادرجي» . «367» - ويقولون: «كمستبضع التمر إلى هجر» . «368» - «متى كان حكم الله في كرب النخل» وهو نصف بيت لجرير قاله لشاعر من عبد القيس وقد حكم للفرزدق على جرير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 «369» - وقال الشاعر: [من الوافر] فإنّك والكتاب إلى عليّ ... «كدابغة وقد حلم الأديم» «370» - يقولون: «كالأمة تفخر بحجر ربتها» . وقال ابن هرمة [1] : [من المتقارب] «كتاركة بيضها بالعراء» ... وملحفة بيض أخرى جناها قيل: أراد الكروان، فإنه يترك بيض نفسه ويحضن بيض غيره، وإن حمل على العموم كان حسنا. وقال العديل بن الفرخ العجلي [2] : [من الطويل] وكنت كمهريق الذي في سقائه ... لرقراق آل فوق رابية صلد كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت ... بني بطنها هذا الضلال عن القصد وقال آخر [3] : [من الطويل] وإن كلام المرء في غير كنهه ... لكالنّبل ترمى ليس فيها نصالها وقال يزيد بن ضبة [4] : [من الكامل]   [1] بيت ابن هرمة في أمثال ابن سلام: 294 (وفيه تخريج) ومجموعة المعاني: 83. [2] مجموعة المعاني: 83. [3] مجموعة المعاني: 83. [4] مجموعة المعاني: 83. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 لا تبدينّ مقالة مأثورة ... لا تستطيع إذا مضت إدراكها وقال آخر [1] : [من الطويل] إذا عركت عجل بنا ذنب طيّء ... عركنا بتيم اللّات ذنب بني عجل وقال حارثة بن بدر، ويروى لأنس بن زنيم الليثي [2] : [من الطويل] أهان وأقصى ثم يستنصحونني ... ومن ذا الذي يعطي نصيحته قسرا وقال آخر: [من الطويل] ولم أر ظلما مثل ظلم ينالنا ... يساء إلينا ثم نؤمر بالشكر وقال آخر: [من الوافر] وكم من موقف حسن أحيلت ... محاسنه فعدّ من الذّنوب «371» - ومن أمثالهم: «تبصر القذاة في عين أخيك وتعمى عن الجذع في عينك» ، «وتدع الجذع المعترض في حلقك» . وقد روي هذا المثل بألفاظ مختلفة، فمنها: أن رجلا كان أبوه صلب في حرب، ثم إنه قاول آخر وعابه، فقال له الآخر: أحدكم يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع معترضا في است أبيه. «372» - ويقولون: «في ذنب الكلب تطلب الإهالة» والإهالة الودك، لمن يطلب الشيء من غير وجهه.   [1] مجموعة المعاني: 83. [2] مجموعة المعاني: 83. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 28- ما جاء في إصلاح المال «373» - «لا جديد لمن لا يلبس الخلق» ، قالته عائشة رضي الله عنها، وقد وهبت مالا عظيما ثم رقعت ثوبا لها. «374» - وقال أحيحة بن الجلاح: «التمرة إلى التمرة تمر» ؛ «والذّود إلى الذّود إبل» . ومنه [1] : [من الوافر] قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد «375» - ويقولون: «من ذهب ماله هان على أهله» . «376» - ويقرب منه قولهم: «الشحيح أعذر من الظالم» . «377» - ومن أمثالهم: «لا تفاكه أمة ولا تبل على أكمة» . 29- تسهيل الأمور ودفع الأقدم بالأحدث «378» - ومن أمثالهم فيه: «كان جرحا فبرأ» ، قاله بعض العرب وأصيب بابن له فسئل عنه بعد مدة.   [1] البيت في أمثال ابن سلام: 190 وهو للمتلمس الضبعي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 379- ومثله قول أبي خراش [1] : [من الطويل] بلى إنها تعفو الكلوم وإنما ... نوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي «380» - ومنه قولهم: «هوّن عليك ولا تولع بإشفاق» . وقال الأحوص [2] : [من البسيط] إن القديم وإن جلّت رزيّته ... ينضو فينسى ويبقى الحادث الأنف «381» - ويقولون: «جاء ثانيا من عنانه» ، إذا جاء وقد قضى حاجته. «382» - ويقولون: «لا تعدم صناع ثلّة» : والثلة الصوف تغزله المرأة. 383- و «لن تعدم سارقة حثيثا» . «384» - ومن أمثالهم: «أنجد من رأى حضنا» ، وحضن جبل بنجد، يضرب ذلك لمن بلغ مقصده. «385» - ومن أمثالهم في تسهيل الشيء: «أوردها سعد وسعد مشتمل» ، يعني أنه أورد إبله شريعة الماء ولم يوردها على بئر فيحتاج إلى الاستقاء.   [1] بيت أبي خراش في أمثال ابن سلام: 162 وديوان الهذليين 2: 158. [2] شعر الأحوص: 158. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 «386» - ومنه: «أهون السقي التشريع» . «387» - «هذا على طرف الثّمام» ، وذلك أن الثمام لا يطول فيشقّ على المتناول. «388» - ومنه: «كلا جانبي هرشى لهنّ طريق» ، يضرب إذا سهل الأمر من الوجهين. ومن التسهيل والمقاربة كلام ابن المعتز: أبق لرضاك من غضبك، وإذا طرت فقع قريبا. وقال أعرابي: [من الطويل] وقد غضبوا حتى إذا ملأوا الربى ... ولو أن إقرارا على الضّيم أروح وقال عمرو بن أسيد الأسدي: [من الطويل] كأنّك لم تسبق من الدّهر ليلة ... إذا أنت أدركت الذي أنت تطلب ومثله: [من الطويل] كأنّ الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى ... ولم يك صعلوكا إذا ما تموّلا «389» - وقال النبي صلّى الله عليه وسلم لما قتل القاري الأنصاري عصماء بنت مروان اليهودية وكانت تهجو النبي صلّى الله عليه وسلم فطرقها ليلا فقتلها: «لا ينتطح فيها عنزان» . وذلك أن العنز لا تبالغ، وإنما تشام وترجع، فهو أسهل ما يكون بين المتلاقيين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 «390» - ومن أمثالهم: «كل امرىء في بيته صبي» ، ويراد به تسهيل الخلق. «391» - ويقولون في التسهيل وما يجتزىء به: «قد تقطع الدّوّيّة الناب» . 30- ما جاء في العداوة والشماتة والرمي بالعضيهة «392» - من أمثالهم في هذا: «رماه بثالثة الأثافي» ، وهي القطعة المتصلة بالجبل يجعل إلى جنبها اثنتان. وقال خفاف بن ندبة: [من الوافر] فإن قصيرة شنعاء منّي ... إذا حضرت كثالثة الأثافي «393» - ويقولون: «لا تدّريه لعرضك فيلزم» ، تدّريه تغريه ويلزم يضرى. «394» - ويقولون: «لا ترى العكليّ إلا حيث يسوءك» . «395» - ويقولون: «رماه بالعضيهة وبالأفيكة وبالبهيتة» . «396» - «ورماه بأقحاف رأسه» . «397» - ومن أمثالهم: «رمتني بدائها وانسلّت» ، وقال المفضل: المثل لرهم بنت الخزرج من كلب وكانت امرأة سعد بن زيد مناة، وكان لها ضرائر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 فسابّتها إحداهن يوما فرمتها رهم بعيب كان في رهم، فقالت ضرّتها: رمتني بدائها وانسلّت، فذهبت مثلا. ويشبه هذا المثل [1] : [من الكامل] لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم وقال عدي بن زيد: [من الرمل] واجتنب أخلاق من لم ترضه ... لا تعبه ثم تقفو في الأثر وقال عبد الله بن معاوية الجعفري [2] : [من المتقارب] ولا تقربنّ الصنيع الذي ... تلوم أخاك على مثله «398» - ومن أمثالهم في هذا: «محترس من مثله وهو حارس» . «399» - ويقال في العداوة: «هو أزرق العين» . «400» - «وهم سود الأكباد» . «401» - «وهم صهب السّبال» ، في كشف العداوة. «402» - ويقال: «بينهم داء الضّرائر» .   [1] البيت للمتو كل الليثي في أمثال ابن سلام: 74 وحماسة البحتري. [2] شعره المجموع: 75. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 «403» - ويقولون: «جلّى محبّ نظره» . قال زهير [1] : [من الوافر] فإن يك في صديق أو عدوّ ... تخبّرك العيون عن القلوب «404» - وقال أكثم بن صيفي: «من لا حاك فقد عاداك» . «405» - ويقولون: «هو يعض على الأرّم» ، يقال ذلك في الغيظ، يقال إنها الحصى ويقال الأضراس. «406» - ويقولون: «بينهم عطر منشم» ، يراد به الشرّ العظيم. «407» - ويقولون: «عصبه عصب السّلمة» ، وهي شجرة لها شوك إذا أرادوا قطعها عصبوا أغصانها حتى يصلوا إليها. «408» - ويقولون في الشماتة: «من ير يوما ير به» . ومنه قول نهشل بن حريّ [2] : [من الطويل] ومن ير بالأقوام يوما يرونه ... معرّة يوم لا توازى كواكبه   [1] شرح ديوانه: 333. [2] مجموعة المعاني: 66. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 فقل للّذي يبدي الشماتة جاهلا ... سيأتيك كأس أنت لا بدّ شاربه وقال حارثة بن بدر [1] : [من البسيط] يا أيها الشّامت المبدي عداوته ... ما بالمنايا التي عيّرت من عار تراك تنجو سليما من غوائلها ... هيهات لا بدّ أن يسري بك الساري والمستحسن في ذلك قول عدي بن زيد [2] : [من الخفيف] أيها الشامت المعيّر بالده ... ر أأنت المبرّأ الموفور وقال الأخطل [3] : [من الطويل] لقد عثرت بكر بن وائل عثرة ... فإن عثرت أخرى فلليد والفم وقال تميم بن [أبي بن] مقبل [4] : [من الطويل] إذا الناس قالوا كيف أنت وقد بدا ... ضمير الذي بي قلت للناس صالح ليرضى صديق أو ليبلغ كاشحا ... وما كلّ من أسلفته الودّ ناصح وقد أحسن المتنبي في قوله [5] : [من البسيط] ولا تشكّ إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرّخم   [1] مجموعة المعاني: 67. [2] مجموعة المعاني: 66 وديوان عدي: 87. [3] شعر الأخطل 2: 472. [4] ديوان ابن مقبل: 42- 43. [5] ديوان المتنبي: 513. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 31- ما جاء في الاتفاق والتحابّ والاستمالة «409» - من أمثالهم في هذا: «كانت لقوة صادفت قبيسا» ، تضرب في سرعة الاتفاق، قال أبو عبيدة، اللقوة السريعة الحمل والقبيس العجل السريع الإلقاح. «410» - ومنه: «التقى الثّريان» ، والثرى التراب النديّ، فإذا جاء المطر الكثير رسخ في الأرض حتى يلتقي بنداه، والندى الذي يكون في بطن الأرض. «411» - ومن أمثالهم: «لا تنقش الشوكة بالشوكة فإن ضلعها معها» . «412» - ويقولون: «ألقى عليه شراشره» . «413» - «وألقى عليه بعاعه» ، أي ألقى عليه نفسه من حبه. «414» - ويقولون: «نظرة من ذي علق» . «415» - ومنها: «وافق شنّ طبقة» ، وفيه تأويلان: أحدهما أنهما قبيلتان كان فيهما شرّ فالتقتا، وشنّ من عبد القيس وطبقة من إياد؛ والآخر أنّ الشنّ القربة الخلق عمل منها إداوة فجاء موافقا، وقد فسّر بوجه ثالث قد ذكر في باب الكناية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 «416» - ويقولون: «هما كندماني جذيمة» ، قيل هما مالك وعقيل من بلقين كانا لا يفترقان. وقيل إن جذيمة كان لا ينادم أحدا ترفّعا وكبرا، ويقول: إنما أنادم الفرقدين، والشعر قد دلّ على الأول وهو الأصح. «417» - ومن أمثالهم في الاستمالة: «أرغوا لها حوارها تحنّ» ، أصله أن الناقة إذا سمعت رغاء حوارها سكنت وهدأت. 418- ومنه قول معاوية حين رفع قميص عثمان: حرّك لها حوارها تحنّ. «419» - ومنها: «إن الرثيئة مما يفثأ الغضب» وأصله أن رجلا كان غضبانا على قوم، قال أبو زيد: وأحسبه كان جائعا، فسقوه رثيئة فسكن غضبه. «420» - ومنها: «العاشية تهيج الآبية» ، أي تراها تأكل فتميل فتأكل بعد الإباء. 32- ما جاء في قوة الخلق على التخلّق «421» - من أمثالهم في هذا: «إن العناء رياضة الهرم» . «422» - ويقولون: «إن العروق عليها ينبت الشجر» ، يضربونه في شبه الفرع بالأصل. قريب من هذا المعنى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 «423» - يقولون: «أعييتني بأشر فكيف بدردر» ، يقول: لم تقبلي الأدب وأنت شابة ذات أشر فكيف وقد أسننت وبدأت درادرك، وهي مغارز الأسنان. «424» - ويقولون: «أعييتني من شبّ إلى دبّ» ، أي من [لدن] شببت إلى أن دببت هرما. وقال ذو الاصبع العدواني [1] : [من البسيط] كلّ امرىء صائر يوما لشيمته ... وإن تخلّق أخلاقا إلى حين وهو القائل أيضا [2] : [من البسيط] اعمد إلى الحقّ فيما أنت فاعله ... إن التخلّق يأتي دونه الخلق وقال المخضّع النبهاني [3] : [من الطويل] ومن يقترف خلقا سوى خلق نفسه ... يدعه وترجعه إليه الرواجع وقال سليمان بن المهاجر، وتروى لحاتم [4] : [من الطويل] ومن يبتدع ما ليس فيه سجيّة ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها وقال آخر: [من الوافر] وكيف ملامتي إذ شاب رأسي ... على خلق نشأت به غلاما   [1] مجموعة المعاني: 160. [2] مجموعة المعاني: 160. [3] مجموعة المعاني: 160. [4] مجموعة المعاني: 160. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 وقال عمرو بن كلثوم [1] : [من الطويل] ولكن فطام النّفس أيسر محملا ... من الصخرة الصمّاء حين ترومها وقال صالح بن عبد القدوس [2] : [من الطويل] ولن يستطيع الدهر تغيير خلقه ... لئيم ولن يسطيعه متكرّم كما أنّ ماء المزن ما ذيق سائغ ... زلال وماء البحر يلفظه الفم 33- ما جاء في ذليل استعان بمثله «425» - من أمثالهم فيه: «مثقل استعان بدفّيه» ، وأصله البعير يحمل عليه الحمل الثقيل ولا يقدر على النهوض، فيعتمد على دفّيه على الأرض، والدف الجنب. «426» - ومثله «عبد صريخه أمة» . قال الفرزدق: لقد خزيت قيس وذلّ نصيرها. وقال آخر: وداعية عند القبور نصيرها. 42» - ومن أمثالهم: «ذليل عاذ بقرملة» ، والقرمل نبات كل من رآه انتزعه من أصله لضعفه.   [1] مجموعة المعاني: 161. [2] مجموعة المعاني: 163. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 34- ما جاء في النفع والضر ومعايبهما «428» - من أمثالهم في ذلك: «سبق درّته غراره» ، الغرار قلة اللبن، والدّرة كثرته. يقولون: «سبق شرّه خيره» . «429» - ويقولون: «هل بالرّمل أوشال؟» أي لا خير عنده، كما أن الرمل لا يكون فيه وشل. «430» - ويقولون: «ما يبضّ حجره» ، والبضّ أدنى ما يكون من السّيلان. «431» - ومن أمثالهم: «ما هو في العير ولا في النفير» ، فالعير عير قريش والنفير نفير قريش من مكة لحماية العير، فكانت غزوة بدر. «432» - «صقر يلوذ بحمام العوسج» . «433» - «خير مالك ما نفعك» . «434» - «لم يضع من مالك ما وعظك» ، وهذا المثل لأكثم بن صيفي. «435» - ويقولون: «ما عنده خلّ ولا خمر» ، أي ما عنده من الخير شيء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 «436» - ويقولون: «من شرّ ما ألقاك أهلك» ، يضرب لمن يتجافاه الناس ولا نفع عنده. وقال ابن لنكك البصري [1] : [من البسيط] وهبك كالشمس في حسن ألم ترنا ... نفرّ منها إذا مالت إلى الضّرر وقال البحتري [2] : [من الطويل] يقلّ غناء القوس نبع نجارها ... وساعد من يرمي عن القوس خروع وقال عدي بن زيد [3] : [من الطويل] إذا أنت لم تنفع بودّك أهله ... ولم تنك بالبوسى عدوّك فابعد وقال قيس بن الخطيم [4] : [من الطويل] إذا المرء لم يفضل ولم يلق نجدة ... مع القوم فليقعد بضعف ويبعد وقال عبد الله بن معاوية [5] : [من الطويل] إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنما ... يراد الفتى كيما يضرّ وينفع وقال آخر: [من الطويل] وإن فتى الفتيان من راح أو غدا ... لضرّ عدوّ أو لنفع صديق   [1] اليتيمة 2: 358. [2] ديوان البحتري: 1269. [3] مجموعة المعاني: 175 وديوان عدي: 105. [4] مجموعة المعاني: 175 وديوان قيس 73. [5] مجموعة المعاني: 175. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 35- ومن أمثالهم مما جاء في النفع من حيث لا يحتسب «437» - «جباب فلا تعقّ آبرا» : يضرب في عدم النفع، والجباب الجمّار الذي لا طلع فيه، والآبر الذي يلقح النخل. 36- ما جاء في المبالغة «438» - «ربّ أخ لك لم تلده أمّك» ، يقال إنه للقمان بن عاد، وذلك أنه رأى رجلا مستخليا بامرأة فاتهمه فقال: من هذا؟ فقالت: أخي، وصار قوله مثلا لغير ما قصد له. «439» - ويقولون: «الضّجور قد تحلب العلبة» ، ويضرب للمنوع قد ينال منه الشيء. «440» - ويقولون: «ربّ رمية من غير رام» . «441» - و «في الخواطىء سهم صائب» ، وقريب منه: «الأمر يجيء فوق ما في النفس» . «442» - «ليس الري عن التشافّ» ، وأصل التشاف أن يشرب الرجل الشّفافة كلّها، وهي بقية الماء في الإناء. يقول: قد يروى الشارب قبل بلوغ تلك وكذلك الحاجة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 «443» - ويقولون: «قد يبلغ القطوف الوساع» . «444» - و «قد يبلغ الخضم القضم» . «445» - يقولون: «خذها ولو بقرطي مارية» ، وهي أم ولد جفنة الغسانيين، يقال للرجل يطلب الشيء فيحث على المبالغة فيه. «446» - ومن هذا الفن قوله صلّى الله عليه وسلم لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب لما جاء مسلما وكان هجا النبي صلّى الله عليه وسلم: «كل الصيد في جوف الفرا» . «447» - ويقولون: هو «بين الخلب والكبد» للمبالغة في الحنوّ والإشفاق. «448» - ويقولون: «ليس لما قرّت به العين ثمن» . «449» - ويقولون: «إذا لم تسمع فألمع» . «450» - «إذا ضربت فأوجع» . ويكون الأول لا تترك في الأمر شبهة. 37- ما جاء في الأمر النادر «451» - من أمثالهم في ذلك: «إنما هو كبارح الأروى» ، يضرب للرجل لا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 يرى منه شيء إلا في الزمان مرة، لأن الأروى مساكنها الجبال، ولا تكاد ترى سانحة ولا بارحة. «452» - «است لم تعوّد المجمر» . «453» - «كانت كبيضة العقر» . 38- ما جاء في الجبن والذل «454» - «إن الجبان حتفه من فوقه» ، قاله عمرو بن مامة في شعر له. «455» - «كلّ أزبّ نفور» ، قاله زهير بن جذيمة العبسي، وإنما كان نفار الأزب من الإبل لكثرة شعره، ويكون ذلك في عينه، فكلما رآه ظنّ أنه شخص يطلبه فنفر من أجله. «456» - «عصا الجبان أطول» ، وإنما يطيلها من جبنه إرهابا لعدوّه. «457» - ومنها: «روغي جعار فانظري أين المفرّ» . «458» - ومنها: «أفلت وانحصّ الذنب» ، المثل لمعاوية، وكان بعث رجلا من غسان إلى ملك الروم، وجعل له ثلاث ديات على أن ينادي بالأذان إذا دخل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 عليه مجلسه، ففعل ذلك الغسّاني وعند ملك الروم بطارقته، فوثبوا عليه ليقتلوه، وثاروا إلى وجهه بالسيوف فنهاهم ملكهم وقال: كنت أظنّ أنّ لكم عقولا، إنما أراد معاوية أن أقتل هذا غدرا وهو رسول، فيفعل ذلك بكل مستأمن منا ويهدم كلّ كنيسة في مملكته، فجهّزه وأكرمه وردّه. فلما رآه معاوية قال: أفلت وانحصّ الذنب، فقال: كلا إنه لبهلبه، وحدثه الحديث، فقال معاوية: لقد أصاب ما أردت. «459» - ومن أمثالهم: «أفلت وله حصاص» . «460» - «أفلتني جريعة الذقن» ، إذا كان منه قريبا. «461» - ويقال للخائف: «أفرخ روعك» ، والمثل لمعاوية، قاله لزياد. 39- الجهل والحمق «462» - ومن أمثالهم: «لا يدري ما هرّ من برّ» . «463» - و «لا يدري أي طرفيه أطول» ، معناه أنسب أبيه أفضل أم نسب أمه؟ «464» - ومنها: «لا يدري أسعد الله أكثر أم جذام» وهما حيان بينهما من التفاوت ما لا يخفى على جاهل، قاله حمزة بن الضليل البلوي لروح بن زنباع الجذامي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 وقال الشاعر: [من الوافر] لقد أفحمت حتى لست تدري ... أسعد الله أكثر أم جذام «465» - ويقولون: «ضلّ الدّريص نفقه» ، وهو تصغير الدّرص، والدّرص ولد اليربوع، يضرب في الحجة إذا أضلّها الباغي. «466» - «قد يضرط العير والمكواة في النار» ، كأنه جاهل بما يراد به. ويروى هذا المثل عن عمرو بن العاص. «467» - ويقولون: «حدّث حديثين امرأة فإن أبت فأربعة» . ويروى «حدّث حديثين امرأة فإن لم تفهم فأربع» ، أي كفّ عنها واسكت. «468» - ومن أمثالهم: «ربما كان السكوت جوابا» . «469» - ويقولون: «كالممهورة من مال أبيها» . «470» - و «كالممهورة إحدى خدمتيها» . «471» - ويقولون: «خرقاء عيّابة» . «472» - ومن أمثالهم: «من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه» . «473» - «سفه بالناب الرغاء» ، أي سفه بالشيخ التصابي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 40- البلية على البلية «474» - من أمثالهم في هذا: «أغيرة وجبنا» ، قالته امرأة من العرب لزوجها، وقال أبو عبيدة: هذه امرأة المثنى بن حارثة، قالته يوم القادسية لسعد ابن أبي وقاص، كان قد تزوجها بعد قتل المثنى. «475» - ومن أمثالهم: «هو بين حاذف وقاذف» ، والحاذف بالعصا والقاذف بالحجر. «476» - ويقولون: «ضغث على إبالة» ، الإبّالة الحزمة من الحطب، والضغث الجرزة التي فوقها. «477» - ويقولون: «أحشفا وسوء كيلة» . «478» - ومن قول عامر بن الطفيل: «أغدّة كغدة البعير وموتا في بيت سلولية» . قال الشاعر [1] : [من الكامل] غضبت تميم أن تقتّل عامر ... يوم النّسار فأعقبوا بالصّيلم «479» - ومن أمثالهم: «كالمستغيث من الرّمضاء بالنار» . أخذ العسس   [1] البيت في اللسان (صلم) لبشر بن أبي خازم وديوانه: 180. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 المستهلّ بن الكميت بن زيد في أيام المنصور فحبس، فكتب يشكو حاله وكتب في آخر الرقعة [1] : [من الطويل] إذا نحن خفنا في زمان عدوّكم ... وخفناكم إن البلاء لراكد فقال المنصور: صدق المستهلّ وأمر بتخلية سبيله. «480» - ومن أمثالهم: «إن جرجر العود فزده ثقلا» . «481» - ومنها: «هل بعد السلب إلا الإسار» . 41- خيبة الأمل والسعي «482» - ومن أمثالهم في نحو هذا: «كطالب القرن جدعت أذنه» . «483» - ومنها: «كالباحث عن الشفرة» . «484» - «كالشاة تبحث عن سكين جزار» . «485» - «سقط العشاء به على سرحان» .   [1] البيت في الأغاني 16: 348. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 «486» - «كمبتغي الصيد في عرّيسة الأسد» . وقال جرير [1] : [من الطويل] يشقّ على ذي الحلم أن يتبع الهوى ... ويرجو من الأمر الذي ليس لاقيا وإني لمغرور أعلّل بالمنى ... ليالي أرجو أنّ مالك ماليا وقال الأقرع بن معاذ: [من الطويل] وكم سقت في آثاركم من نصيحة ... وقد يستفيد الظّنّة المتنصّح وقال عديّ بن زيد [2] : [من الرمل] لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري «487» - ومن أمثال أكثم بن صيفي: «من فسدت بطانته كان كمن غصّ بالماء» . «488» - ومن أمثالهم: «رجع فلان من حاجته بخفّي حنين» ، وحنين إسكاف بالحيرة، ساومه أعرابي بخفّين فاختلفا حتى أغضبه الأعرابي، فلما ارتحل ألقى أحد خفّيه في طريقه ثم ألقى الآخر في موضع آخر، فلما مرّ الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا بخفّ حنين، لو كان معه الآخر أخذته؛ ومضى فلما   [1] ديوان جرير: 80. [2] بيت عدي في أمثال ابن سلام: 179 والحيوان 5: 138 واللسان (عصر- شرق) وديوانه: 93. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول، فلما مضى الأعرابي عمد حنين إلى راحلته وما عليها وذهب بها، وأقبل الأعرابي ليس معه غير الخفّين، فقال له قومه: ماذا جئت به من سفرك؟ فقال: قد جئتكم بخفّي حنين، فصار مثلا. «489» - ويقال للرجل إذا جاء من حاجته فارغا: «جاء يضرب أصدريه» ، أي عطفيه، ويقرب من هذا المعنى قول الشاعر: [من الطويل] يقولون إن العام أخلف نوؤه ... وما كلّ عام روضة وغدير «490» - ويقرب من ذلك قولهم: «أسمن كلبك يأكلك» ، ويقال سمّن. قال المفضل: كان لرجل من طسم كلب يسقيه اللبن ويطعمه اللحم، وكان يأمل فيه أن يصيد، فضري الكلب على ذلك، فجاع يوما وفقد اللحم، فجاء ربّه فوثب عليه وأكل من لحمه. 42- ما جاء في العدة بارتحالها فيجدها «491» - من الأمثال في ذلك قولهم: «إلى أمه يلهف اللهفان» . «492» - و «لمثله كنت أحسيك الحسى» ، وأصله الرجل يغذو فرسه بالألبان فيقول ذلك عند الهرب والنجاة. ومثله قول القطامي [1] : [من الكامل]   [1] بيت القطامي في أمثال ابن سلام: 180 وعيون الأخبار 3: 2 وديوانه: 111. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 وإذا يصيبك والحوادث جمّة ... حدث حداك إلى أخيك الأوثق «493» - ويتصل بهذا المعنى من وجه آخر قولهم: «كلّ ضبّ عنده مرداته» ، والمرداة الحجر الذي يرمى به، ويقال: إن الضب قليل الهداية فلا يتخذ جحره إلا عند حجر يكون علامة له، فبه يرميه الطالب له، فهو كالعدة له. 43- ألزم الأمور بصاحبها «494» - من أمثالهم في هذا: «ابنك ابن بوحك» . «495» - «ابنك من دمّى عقبيك» . ويروى: ولدك. وكان المفضل يخبر بهذا المثل عن امرأة لطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب، وهي امرأة من بلقين، فولدت له عقيل بن الطفيل فتبنّته كبشة بنت عروة بن جعفر بن كلاب، فقدم عقيل على أبيه يوما فضربه، فجاءته كبشة فمنعته وقالت: ابني، فقالت القينية: ابنك من أدمى عقبيك. «496» - ومن أمثالهم من ذلك: «منك الحيض فاغسليه» . «497» - ومن أمثالهم في تقارب هذا المعنى: «الحريص يصيدك لا الجواد» . «498» - وقال المساور بن هند: «إن الشقي بكل حبل يخنق» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 «499» - ومثله: «إن الشقاء على الأشقين مصبوب» . «500» - ومن أمثالهم: «شنشنة أعرفها من أخزم» . «501» - «لا يدعى للجلّى إلا أخوها» . «502» - «ربّ مملول لا يستطاع فراقه» . 503- «ربّ مخالفة لا يمكن طلاقها» . «504» - «لا يعجز مسك السّوء عن عرف السوء» . «505» - ويقرب من هذا المعنى قولهم: «أينما أذهب ألق سعدا» ، قاله الأضبط ابن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، آذته عشيرته من بني سعد، فخرج عنهم فجعل لا يجاور قوما إلا آذوه، أي أفرّ من الأذى إلى مثله. 44- الجاني على نفسه «506» - من أمثالهم في هذا: «أتتك بحائن رجلاه» . «507» - «يداك أوكتا وفوك نفخ» ، الأول قاله عمرو بن هند وكان آلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 ليقتلنّ من تميم مائة رجل- في خبر طويل- وليحرقنّهم، فأحرق تسعة وتسعين وأعوزه الرجل، فإذا براكب يخبّ وقد رأى القتار فظنّه الطعام يصنع، فلما أشرف على عمرو وقال له من أنت؟ قال: من البراجم. 508- فقال له عمرو: «إن الشقيّ راكب البراجم» ، فأرسلها مثلا، ثم أحرقه؛ والمثل الثاني أصله أن رجلا كان في بعض جزائر العرب، فأراد أن يعبر على زقّ قد نفخ فيه فلم يحسن إحكامه حتى إذا توسط البحر خرجت منه الريح فغرق، فلما غشيه الموت استغاث برجل فقال له هذه المقالة. 509- ومن أمثالهم: «لا يضرّ الشرّ إلا من جناه» . «510» - «لا يحزنك دم ضيّعه أهله» . «511» - «على أهلها دلّت براقش» . الأول قاله جذيمة الأبرش لما قطعت الزبّاء رواهشه فقال قائل: احفظوا دم الملك لا يقطر منه إلى الأرض شيء فقال جذيمة عند ذلك هذا المثل. وأما براقش فهي كلبة نبحت على جيش مرّوا ولم يشعروا بالحي الذي فيه الكلبة، فلما سمعوا نباحها علموا أن أهلها هناك، فعطفوا عليهم فاستباحوهم. «512» - ومن أمثالهم مما يقارب هذا: «كانت عليهم كراغية البكر» وهو بكر ثمود، وخبره سائر. «513» - ويقولون: «نزت به البطنة» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 «514» - ومن أمثالهم: «كالنازي بين القرينين» ، وأصله في الإبل أن يترك الذكر فيأخذ في النزوان حتى يوثق في القران، ويقرب من هذه المعاني قول ابن هرمة [1] : [من الوافر] وحسبك تهمة ببريء قوم ... يضمّ على أخي سقم جناحا «515» - ومن أمثالهم: «كمجير أمّ عامر» . «516» - ومنها: «ما لاقى يسار الكواعب» ، وكان من حديثه أن عبدا لبعض العرب ولمولاه بنات فجعل يتعرّض لهنّ ويراودهنّ عن أنفسهنّ، فقلن له: يا يسار اشرب ألبان هذه اللقاح ونم في ظلال هذه الخيام، ولا تتعرّض لبنات الكرام، فأبى؛ فلما أكثر عليهنّ واعدنه ليلا فأتاهنّ وقد أعددن له موسى، فلما خلا بهنّ قبضن عليه فجببن مذاكيره، فصار مثلا لكلّ جان على نفسه متعدّ لطوره. «517» - ومن أمثالهم: «كالكبش يحمل شفرة وزنادا» . 518- «أحسن فوق» . وقال نصيب [2] : [من الطويل] وإني وإياهم كساع لقاعد ... مقيم وأشقى الناس بالشعر قائله   [1] ديوان ابن هرمة: 83. [2] شعر نصيب: 117. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 45- الإحالة بالذنب على من لم يجنه من ذلك قول النابغة [1] : [من الطويل] وحمّلتني دنب امرىء وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع والعرّ داء يأخذ الإبل في مشافرها وقوائمها، تزعم العرب أنهم إذا كووا الصحيح برىء السقيم، والعرّ بالفتح الجرب. «519» - ومن أمثالهم: «كالثور يضرب لما عافت البقر» ، من شرب الماء ضربوا الثور يزعمون أن الجنّ تركب الثيران فتصدّ البقر عن الشرب. قال الحارث بن حلزة [2] : [من الخفيف] عنتا باطلا وظلما كما تع ... تر عن حجرة الرّبيض الظباء كان الرجل ينذر إذا بلغت إبله أو غنمه مبلغا ما ذبح عنها كذا، فإذا بلغت ضربها وعمد إلى الظباء يصطادها ويذبحها وفاء بالنذر. وقال الفرزدق [3] : [من الطويل] وشيّبني أن لا يزال مرجّم ... من القول مأثور خفيف محامله تقوّله غيري لآخر مثله ... ويرمى به رأسي ويترك قائله وقال نهشل بن حري: [من الطويل]   [1] ديوان النابغة: 37. [2] شرح السبع: 486. [3] ديوان الفرزدق 2: 113. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 تخلّيت من داء امرىء لم يكن له ... شريكا وألقى رحله في الحبائل فإن تغرموني داء غيري أحتمل ... ذنوب ذئاب القريتين العواسل «520» - ومن أمثالهم: «ما لي ذنب إلا ذنب صحر» . «521» - «جزاني جزاء سنمار» ، وخبرهما، قال المفضل: هي صحر بنت لقمان العادي، وكان أبوها لقمان وأخوها لقيم، فخرجا مغيرين فأصابا إبلا كثيرة، فسبق لقيم إلى منزله، فعمدت أخته صحر إلى جزور منها مما قدم به لقيم فنحرتها وصنعت منها طعاما يكون معدا لأبيها لقمان إذا جاء تتحفه به، وكان لقمان حسد ابنه لقيما لتبريزه- كان- عليه، فلما قدم لقمان قدّمت صحر إليه الطعام وعلم أنه من غنيمة لقيم لطمها لطمة فقأت عينها، فصارت عقوبتها مثلا لكل من لا ذنب له يعاقب. وكان من حديث سنمار أنه كان بناء وكان مجيدا، وهو من الروم، فبنى الخورنق الذي بظهر الكوفة للنعمان بن امرىء القيس، فلما نظر إليه النعمان كره أن يعمل مثله لغيره فألقاه من أعلى الخورنق فخرّ ميتا. وفيه يقول القائل [1] : [من الطويل] جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب «522» - ومثله: «إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا» .   [1] البيت في اللسان (سنمر) دون نسبة وأمثال ابن سلام: 273. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 «523» - «الحديد بالحديد يفلح» . «524» - «النبع يقرع بعضه بعضا» . «525» - «رمي فلان بحجره» . 526- ويقولون: «ليس هو حقيقة ولكنه قريب منه» . «527» - «لئن التقى روعي وروعك لتندمنّ» . «528» - ويقولون: «ادفع الشر بمثله إذا أعياك غيره» . وقال الفند الزّمّاني [1] : [من الهزج] وفي الشرّ نجاة حي ... ث لا ينجيك إحسان 46- دواء الشيء بمثله أو أشد «529» - «إن على أختك تطردين» ، وذلك أن فرسا نفرت فطلبت أختها، يضرب للرجل يلقى مثله في الدهاء والشجاعة أو غير ذلك. «530» - ومثله: «إن تك ضبّا فإني حسله» .   [1] بيت الفند الزماني في الأغاني 24: 91، والحماسة (المرزوقي) : 38 وحماسة البحتري: 56. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 «531» - ويقولون: «باءت عرار بكحل» ، وهما ثور وبقرة كانا لسبطين من بني إسرائيل، فقتل أحد السبطين الثور، فكادوا يتفانون بينهم حتى أباءوا به البقرة. 532- ويقولون: «قد بل بعير أعزل» أي يمر بين يدي عدة. «إن يكن بطريرا فإني صهصلق» ، كلاهما بمعنى صخوب. 47- تنافي الحالات من شواهد الكتاب العزيز في ذلك قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (الزمر: 9) . وقوله عزّ وجلّ: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ (التوبة: 109) . قيل نزلت في شأن مسجد قباء ومسجد الضّرار الذي بناه أبو عامر الراهب، أحد المنافقين، بناه ليقطع به النبيّ صلّى الله عليه وسلم والمؤمنين عن مسجد قباء. قوله سبحانه: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (السجدة: 18) . قيل نزلت في علي بن أبي طالب عليه السّلام وعقبة بن أبي معيط، وكان عقبة فخر على عليّ عليه السّلام فقال له عليّ عليه السّلام: اسكت إنما أنت فاسق، فنزلت هذه الآية، وشهد ما بعدها لعلي عليه السّلام بالجنة ولعقبة بالنار بقوله: أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ (السجدة 19، 20) . ذكره الزجاج وغيره. «533» - ومن أمثال العرب: «ماء ولا كصدّاء» ، وصدّاء بئر؛ وأصل هذا المثل أن ابنة هانىء بن قبيصة لما قتل عنها زوجها لقيط بن زرارة تزوجها رجل من أهلها، فكان لا يزال يراها تذكر لقيطا، فقال لها ذات يوم: ما استحسنت من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 لقيط؟ فقالت: كل أموره كانت حسنة، ولكني أحدّثك أنه خرج مرة إلى الصيد وقد انتشى، فركب ورجع وبقميصه نضح من صيده، والمسك يضوع من أعطافه، ورائحة الشراب من فيه، فضمّني ضمّة وشمّني شمّة فيا ليتني متّ ثمّة، قال: ففعل زوجها مثل ذلك ثم ضمّها إليه وقال: أين أنا من لقيط؟ فقالت: ماء ولا كصدّاء. «534» - ومثله: «رجل ولا كمالك» ، يعنون مالك بن نويرة. «535» - و «مرعى ولا كالسّعدان» ، قالته امرأة من طيء لامرىء القيس، وكان مفرّكا، فقال لها: أين أنا من زوجك الأول؟ فقالت: مرعى ولا كالسعدان. وأنشدوا للأسعر بن أبي حمران الجعفي: [من المتقارب] أريد دماء بني مازن ... وراق المعلّى بياض اللبن خليلان مختلف بالنا ... أريد العلاء ويبغي الثمن يريد المعلّى فرسه، وكانت بنو مازن قتلت أباه وكانت خالته ناكحا في بني مازن؛ فكان الأسعر إذا وجد غفلة أغار على بني مازن فقتل فيهم؛ فقالت لهم خالته: بوّلوا الودق على حافة الطريق وضعوا لبنا فلعل الفرس إذا وجد ريح ذلك احتبس فأصبتموه؛ ففعلوا ذلك وأغار عليهم وانصرف كعادته يحمي أصحابه حتى إذا أراد أن تسرح الفرس طفق الفرس إلى ريح اللبن والأبوال، وكثروه حتى اكتنفوه، فلما رأى ذلك قال: واثكل أماه وخالتاه! فلما سمعت ذلك خالته قالت: لا أراني إلا إحدى الثاكلتين، فنادت به أن اضرب فيه، ففعل فانسرح الفرس وذهب، وإنما أمرتهم بذلك لأن الفرس كان غذاؤه اللبن. وقال الأعشى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 وبيته هذا مثل سائر: [من السريع] شتّان ما يومي على كورها ... ويوم حيّان أخي جابر «536» - ومن أمثال العرب: «أنت تئق وأنا مئق فكيف نتفق» ؟ ويروى: فمتى نتفق. التئق السريع إلى الشرّ، والمئق السريع البكاء. ويقال الممتلىء من الغضب. «537» - ومن أمثالهم: «ما يجمع بين الأروى وبين النعام» ، يقولون: تلك في رؤوس الجبال وهذه في السهولة. «538» - ومنها: «لا يجتمع السيفان في غمد» . ومنه قول أبي ذؤيب [1] : [من الطويل] تريدين كيما تجمعيني وخالدا ... وهل يجمع السيفان ويحك في غمد ولهذا الشعر خبر قد ذكر في موضعه. «539» - ومنها: «ما يلقى الشجيّ من الخليّ» . «540» - ويقولون: «هان على الأملس ما لاقى الدّبر» .   [1] ديوان الهذليين: 159. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 «541» - ومن أمثالهم: «حنّ قدح ليس منها» ، وأصله أن رجلا مدح قوما وأطراهم وليس منهم. ولما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم بدر بضرب عنق عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بالسيف صبرا قال: أقتل من بين قريش صبرا؟ فقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: حنّ قدح ليس منها، أي أنك لست من قريش، وكان عمر قائفا. ويروى أن أبا عمرو بن أمية كان عبدا في صفورية وكان أمية قد عمي فكان يقوده، فغناه ببيت جرير يقوله لعديّ بن الرقاع: [من البسيط] وابن اللبون إذا ما لزّ في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس وقال عدي بن الرقاع [1] : [من الكامل] والقوم أشباه وبين حلومهم ... بون كذاك تفاضل الأشياء كالبرق منه وابل متتابع ... جود وآخر ما يجود بماء والمرء يورث مجده أبناءه ... ويموت آخر وهو في الأحياء «542» - ويقولون في تنافي الحال بين الشبيبة والهرم: «كنت وما أخشّى بالذئب» ؛ ويقال: «كنت وما أخشى من الذئب» . «543» - «كنت وما يقاد بي البعير» ، والمثل لسعد بن زيد مناة بن تميم. «544» - ومن أمثالهم: «أريها السهى وتريني القمر» .   [1] ديوان عدي: 163. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 «545» - «تفرق من صوت الغراب وتفرس الأسد المشتّم» . «546» - «بئس العوض من جمل قيده» . «547» - «رأس في السماء واست في الماء» . «548» - «أضرطا وأنت الأعلى» . «549» - ويقولون: «سلكى ومخلوجة» ، يريدون الاختلاف. ويقولون إنما السلكى المستقيمة والمخلوجة المعوجة. «550» - ويقولون: «لا تجعل قدّك إلى أديمك» . القدّ مسك السخلة، وجمعه قداد، والأديم الجلد العظيم. «551» - ومن أمثالهم: «مرة جيش ومرّة عيش» . «552» - «اليوم خمر وغدا أمر» ، قاله امرؤ القيس لما ورد عليه خبر قتل أبيه، وكان يشرب فذهبت مثلا. «553» - ومن أمثالهم: «شخب في الإناء وشخب في الأرض» ، وقد يضرب مثلا للرجل يخطىء ويصيب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 «554» - ومثله: «يشج مرة ويأسو أخرى» . «555» - ومثله: «أطرقي وميشي» ، وأصله خلط الصوف بالشعر، وقد يضرب للرجل يخلط كلامه بين صواب وخطأ. «556» - ومما يناسب هذا المعنى المثل السائر: «شبّ عمرو عن الطوق» ، معناه كبر عن سن الصغير الذي يلبس الطوق. «557» - وكذلك قولهم: «جلّت الهاجن عن الولد» ، قال أبو عبيد: الهاجن هي الصغيرة، ومنه يقال: اهتجنت الجارية إذا افترعت قبل الأوان، وإنما أرادوا صغرت. قال: وأنا أحسب هذا من الأضداد لأنهم يقولون للعظيم جلل. ويقال أيضا في الحقير جلل؛ قال امرؤ القيس [1] : [من المتقارب] لقتل بني أسد ربّهم ... ألا كل شيء سواه جلل وقال لبيد في العظيم [2] : [من الرمل] ومن الأرزاء رزء ذو جلل ومما يليق بهذا المعنى قول الشاعر: [من الوافر] ألم تر أنّ سير الخير ريث ... وأن الشرّ سائره يطير   [1] ديوان امرىء القيس: 261. [2] شرح ديوان لبيد: 197. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 وقال آخر: [من الطويل] إذا ما بريد الشام أقبل نحونا ... ببعض الدّواهي المفظعات فأسرعا فإن كان شرّا سار يوما وليلة ... وإن كان خيرا أبطأ السير أربعا وتمثل بهذا البيت الثاني معاوية لما بلغه وفاة الحسن بن علي عليهما السلام. وقال أبو ذؤيب [1] : [من المتقارب] فيا بعد داري من داركم ... كبعد سهيل من الفرقد وقال المؤمّل: [من الكامل] والقوم كالعيدان يفضل بعضهم ... بعضا كذاك يفوق عود عودا 558- ومن أمثالهم: «إن كنت ذوّاقا فإني نشبة» ، يقول: إن كنت لا وفاء لك، فإني دائم العهد، والنشبة الذي إذا عبث بالشيء لم يفارقه. «559» - ومنها: «جلّ الرّفد عن الهاجن» . الرفد: العسّ، والهاجن البكرة تنتج قبل أن يخرج لها سنّ. 48- الرضا بالميسور إذا تعذر المنشود «560» - من أمثالهم في هذا النحو: «إذا عزّ أخوك فهن» ، قاله الهذيل بن هبيرة الثعلبي، وكان أغار على بني ضبّة فغنم وأقبل بالغنائم، فقال أصحابه: اقسمها بيننا، قال: إني أخاف إن تشاغلتم بالاقتسام أن يدرككم الطلب، فلما   [1] لم يرد في ديوان الهذليين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 لم يقبلوا قال المثل حينئذ، ثم نزل فقسم بينهم الغنائم. «561» - ويقارب ذلك قولهم: «إن لم تغلب فاخلب» . «562» - «سوء الاستمساك خير من حسن الصرعة» . «563» - ويناسبه: «كلّ الحذاء يحتذي الحافي الوقع» . وأصله الرجل يمشي في الوقع- وهي الحجارة- حافيا فيصيبه الوجى. «564» - ومنه: «ولكن من يمشي سيرضى بما ركب» . «565» - ومثله: «ركب الصعب من لا ذلول له» . «566» - ومنه: «رضي من الوفاء باللفاء» ، واللفاء دون حق الرجل. «567» - ومنه: «إن تسلم الجلة فالسخل هدر» . «568» - ويقولون: «ارض من المركب بالتعليق» . «569» - ويقولون: «الثيّب عجالة الراكب» . «570» - ويقولون: «من حقر حرم» ، يحضون على المعروف ولا يحقر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 قليله. وقال الشاعر: [من البسيط] وكلّ ما سدّ فقرا فهو محمود [من الرجز] يكفيك ما بلّغك المحلّا وقال امرؤ القيس بن حجر [1] : [من الوافر] إذا ما لم تجد إبلا فمعزى ... كأن قرون جلّتها العصيّ إذا ما قام حالبها أرنّت ... كأنّ القوم صبّحهم نعيّ فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وريّ قاله امرؤ القيس بن حجر، وقد نزل على المعلّى بن تيم الطائي حين طردته العرب، واتخذ هناك إبلا فغدا قوم من جديلة يقال لهم بنو زيد فطردوا الإبل، وكانت لامرىء القيس رواحل مقيّدة خوفا من أن يدهمهم أمر ليسبق عليهنّ، فخرج نفر منهم فركبوا الرواحل ليطلبوا الإبل، فأخذتهم جديلة، فرجعوا إليه بلا شيء، فذلك قوله [2] : [من الطويل] فدع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديث ما حديث الرواحل ففرقت عليه بنو نبهان فرقا من معزى يحتلبها. ومن ذلك قول عمرو بن معدي كرب [3] : [من الوافر] إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع يقول ذلك من أبيات أولها:   [1] ديوان امرىء القيس: 136 وفيه «ألا إلا تكن ... » . [2] ديوان امرىء القيس: 94. [3] ديوانه: 142. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 أمن ريحانة الدّاعي السميع ... يؤرّقني وأصحابي هجوع وريحانة أخته سباها الصّمّة الجشميّ أبو دريد، فلم يقدر عمرو على استنقاذها، ثم تزوجها الصّمّة فأولدها دريدا وعبد الله وقيسا وخالدا وعبد يغوث. «571» - ومنه قولهم: «إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون» . قال زياد بن منقذ: [من الطويل] إذا سدّ باب عنك من دون حاجة ... فدعه لأخرى ينفتح لك بابها وقال يحيى بن زياد: [من الكامل] وإذا توعّر بعض ما تسعى له ... فاركب من الأمر الذي هو أسهل وقال أيضا: [من الوافر] إذا كدرت عليك أمور ورد ... فجزه إلى موارد صافيات «572» - ويقولون: «إن الرشف أنقع» . «573» - و «قبح الله معزى خيرها خطّة» . «574» - ويقولون: «كل فضل من أبي كعب درك» ، لمن يطلب المعروف من بخيل فينيل يسيرا فيرضى به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 49- الأمر المضاع المهمل «575» - من أمثالهم في ذلك: «صفقة لم يشهدها حاطب» ، أصله أن بعض أهل حاطب باع بيعة غبن فيها، فقيل ذلك. «576» - ويقارب ذلك قولهم: «يخبط خبط عشواء» . «577» - ومن أمثالهم: «لا أبوك نشر ولا التراب نفد» . «578» - ومنها: «لا ماءك أبقيت ولا إناءك أنقيت» . قال الأحمر في المثل الأول: أصل هذا أن رجلا قال: لو علمت أين قتل أبي لأخذت من تراب موضعه فجعلته على رأسي، فقيل له ذلك، أي لا تدرك بهذا آثار أبيك ولا ينفد التراب. وأما المثل الثاني فأصله أن رجلا كان في السفر ومعه امرأته، وكانت عاركا، فحضرها طهرها ومعها ماء يسير فاغتسلت به، فلم يكفها لغسلها وقد أنفدت الماء، فبقيت هي وزوجها عطشانين. «579» - ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «النساء لحم على وضم إلا ما ذبّ عنه» . «580» - وقول كعب بن زهير: «أوسعتهم سبّا وراحوا [1] بالإبل» ، وكانت   [1] رواية المثل في كتب الأمثال «وأودوا» ورواية أخرى «وساروا» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 بنو أسد أغارت على إبلهم فهجاهم. «581» - ويقرب من هذه المعاني قولهم: «إن الموصّين بنو سهوان» ، يراد أنهم يغفلون ويسهون عما يوصون به. «582» - ويقرب منه قولهم: «كفّ مطلقة تفتّ اليرمع» ، كأنها تفعل فعلا لا يفيدها. «583» - ويقولون: «بعد خيرتها يحتفظ» أي راعي الغنم، يضرب في الحذر بعد الإضاعة. «584» - «كثرت الحلبة وقلّ الرعاء» ، يضرب في ضياع الأمر مع كثرة الولاة. 50- ارتفاع الخامل «585» - «إن البغاث بأرضنا يستنسر» ، وقد يريدون بذلك وصف بلادهم وأن الضعيف بها الجبان يصير شجاعا. «586» - ومن أمثالهم في هذا المعنى: «كان كراعا فصار ذراعا» ، وهذا يروى عن أبي موسى الأشعري. «587» - ومنها: «لكن بشعفين أنت جدود» ، وأصله أن امرأة أخصبت بعد هزل فذكرت درة لبتها ففرحت بها فقيل لها: لكن بشعفين أنت جدود، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 لم تكوني كذلك، وهو اسم موضع كانت تنزله. «588» - ومن أمثالهم: «استنّت الفصال حتى القرعى» . «589» - ويقولون: «الذئب يكنى أبا جعدة» ، وربما يريدون به إكرام من لا يراد إكرامه. «590» - ويقرب من هذا في طلب الزيادة ممن ليس لها بأهل: «أعطي العبد كراعا فطلب ذراعا» ، وأصله أن جارية يقال لها أم عمرو، وكانت لمالك وعقيل ندماني جذيمة، فجلس إليهما رجل طويل الشعر والأظافير هو عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة فناولاه شيئا من الطعام فطلب أكثر منه، فعندها قالت أم عمرو: أعطي العبد ذراعا. ثم صاروا إلى الشراب فجعلت أمّ عمرو تسقي صاحبيها وتدع عمرا، ففيها يقول عمرو بن كلثوم [1] : [من الوافر] صددت الكأس عنا أمّ عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا فذهب كلامه وكلامها مثلين، وكان هذا كله قبل أن يعرفوه، فلما انتسب إلى مالك وعقيل فرحا وقدما به على خاله جذيمة، فكان من أمره وأمرهما ما ذكرت في موضعه. وما أحسن ما قال البحتري في هذا المعنى [2] : [من الطويل]   [1] لم يرد في معلقته في شرح السبع الطوال. [2] ديوان البحتري: 2399. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 متى أرت الدنيا نباهة خامل ... فلا تنتظر إلا خمول نبيه 51- خمول النبيه مما يقارب ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلم في استعاذته: «اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور» ، أي من النقصان بعد الزيادة. «591» - ومن أمثال العرب: «غلبت جلّتها حواشيها» ، الجلّة مسانّ الإبل وحواشيها صغارها ورذالها. «592» - ويقولون: «كان حمارا فاستأتن» . «593» - ويقولون في قريب منه: «أودى العير إلا ضرطا» . «594» - ومن أمثالهم: «استنوق الجمل» ، وهذا المثل لطرفة بن العبد، وكان عند بعض الملوك وشاعر ينشده شعرا، فوصف جملا ثم حوّله إلى نعت ناقة، فقال ذلك عندها، وقد يضرب هذا المثل في التخليط. «595» - ومن أمثالهم: «الحمّى أضرعتني لك» . «596» - ويقولون: «لم يبق منه إلا قدر ظمء حمار» ، يقال: إن الحمار أقل الدواب ظمئا. «597» - ويقولون: «كان جوادا فخصي» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 52- ما جاء في الشرّ وراءه الخير من ذلك قوله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (الشرح: 5) . وقوله سبحانه: فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً (النساء: 19) . وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (البقرة: 216) . وقيل لبعض الصالحين وقد أجهد نفسه في العبادة: أتعبت نفسك قال: راحتها طلبت. وقال يزيد بن محمد المهلبي: [من الرجز] ربّ زمان ذلّه أرفق بك ... لا عار إن ضامك دهر أو ملك وقال آخر: [من الطويل] أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ... ولا يكرم النفس الذي لا يهينها «598» - ومن أمثال العرب: «لا يضرّ الحوار ما وطئته أمّه» . «599» - ومن أمثالهم: «لم يذهب من مالك ما وعظك» ، يقول: إذا ذهب من مالك شيء فحذّرك أن يحلّ بك مثله، فتأديبه إياك عوض من ذهابه. «600» - ومن أمثالهم: «الغمرات ثم ينجلين» . «601» - «عند الصباح يحمد القوم السّرى» ، المثلان للأغلب العجلي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 «602» - ومنها: «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» ، قاله النعمان بن المنذر للصقعب بن عمرو النهدي. هذا قول ابن الكلبي، وزعم أن قضاعة ابن معدّ، ونهد بطن من قضاعة؛ وأما المفضل فقال: إنّ المثل للمنذر بن ماء السماء قاله لشقة بن ضمرة النهشليّ، فقال له شقة: أبيت اللّعن إن الرجال ليسوا بجزر يراد منهم الأجسام، وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، ذهبت مثلا، وأعجب المنذر ما رأى من بيانه وعقله، فسماه باسم أبيه وقال: أنت ضمرة بن ضمرة. 53- ما جاء في ضد ذلك من شواهد الكتاب العزيز في هذا المعنى قوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (الأحقاف: 24) . وقوله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (الأنبياء: 111) . «603» - ومن أمثال العرب: «ربّ صلف تحت الراعدة» ، والصلف قلّة الخير، والراعدة السحابة ذات الرعد. وقال أعرابي: ربّ مونق موبق. ومثله لشاعر ينهى عن تزوّج الحسناوات: [من البسيط] ولن تمرّ بمرعى مونق أبدا ... إلا وجدت به آثار مأكول وقد تقدّم ذكر قوله صلّى الله عليه وسلم: «إياكم وخضراء الدمن» . وقال رجل من عبد القيس: [من الرمل] جامل الناس إذا ما جئتهم ... إنما الناس كأمثال الشّجر منهم المذموم في منظره ... وهو صلب عوده حلو الثّمر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 وترى منه أثيثا نبته ... طعمه مرّ وفي العود خور وقال آخر: [من البسيط] ألح جودا ولم تضرر سحائبه ... وربما ضرّه في الحاجة المطر وقال أبو نواس: [من البسيط] بل استترت بإظهار البشاشة لي ... بالبشر مثل استتار النار بالعود «604» - ومن أمثالهم: «يا حبذا الميراث لولا الذلة» ، قاله نعامة حين قتل إخوته. «605» - «نعم كلب في بؤس أهله» ، يقول: إذا وقع الموت في مواشي القوم نعم كلبهم. «606» - ومثله: «سمن كلب ببؤس أهله» . وقال زهير [1] : [من الكامل المرفل] والستر دون الفاحشات وما ... يلقاك دون الخير من ستر «607» - ويقارب هذه المعاني قولهم: «ربّ عجلة تهب ريثا» . «608» - «من سرّه بنوه ساءته نفسه» ، هذا المثل لضرار بن عدي الضبي،   [1] شرح ديوانه: 95. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 وكان طعنه عامر بن مالك فأرداه عن فرسه، فأشبل عليه بنوه حتى استشالوه. ودخل ضرار على المنذر فقال له: ما الذي نجاك يومئذ؟ قال: تأخير الأجل وإكراهي نفسي على المقّ الطّوال. «609» - ومن أمثالهم: «ربّ أمنيّة قادت إلى منية» . «610» - ويقولون: «شرّ يوميها وأغواه لها» ، أصله أن امرأة من طسم يقال لها عنز سبيت فحملوها في هودج وألطفوها بالقول والفعل فقالت هذه المقالة. ولها يقول الشاعر [1] : [من الرمل] شر يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدج جملا «611» - ويقولون: «تجنّب روضة وأحال يعدو» ، أي ترك الخصب واختار الشقاء. 612- ويقولون: «تبرد هذا الضبّ فذنّب» ، أي أخرج ذنبه فحان، أراد أن يقع في الخير فوقع في الشر. 54- الخطأ والاختلاط «613» - «إن أخا الظلماء أعشى بالليل» ، يضرب لمن يخطئ حجته ولا يبصر المخرج منها. «614» - ومن أمثالهم: «أساء رعيا فسقى» ، وأصله أن يسيء الراعي رعي   [1] البيت في فصل المقال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 الإبل نهاره، حتى إذا أراد أن يريحها إلى أهلها كره أن يظهر سوء أثره فيسقيها الماء فتمتلئ أجوافها. «615» - ويقولون في الاختلاط: «اختلط الحابل بالنابل» . «616» - ويقولون: «اختلفت رؤوسها فرتعت» ، يضرب مثلا في الاختلاط واختلاف الكلمة. 55- الجميل يكدّر بالمنّ قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً، لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (البقرة: 264) . «617» - ومن أمثال العرب: «شوى أخوك حتى إذا أنضج رمّد» ، وينسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال الحطيئة: [من الطويل] «وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا» [1] «618» - ومن أمثالهم: «ما ضفا ولا صفا عطاؤك، كدّره ما قال أحباؤك» ، أي يمنّون علي والمنّة تكدّر المعروف.   [1] عجز بيت صدره: «وان كانت النعمى عليهم جزوا بها» ديوانه: 41. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 56- ما جاء في اغتنام الفرصة «619» - من أمثالهم في ذلك: «خذ من جذع ما أعطاك» . قال المفضل: كان من حديثه أن غسان كانت تؤدي إلى ملوك سليح دينارين كلّ سنة عن كلّ رجل، فكان الذي يلي ذلك سبطة بن المنذر السليحي. فجاء سبطة بن المنذر إلى جذع بن عمرو الغساني يسأله الدينارين، [فقال: أعجل لك أحدهما وأخر عليّ الآخر حتى أوسر، فقال سبطة: ما كنت لأؤخّر عليك شيئا] ، فدخل جذع إلى منزله ثم خرج مشتملا على سيفه، فضرب سبطة حتى سكت ثم قال: خذ من جذع ما أعطاك. فذهب مثلا، وامتنعت غسان من الدينارين بعد ذلك. «620» - ومنه قولهم: «أسر وقمر بدر» . ويقاربه قولهم: «إذا أصبت إبلا فاذهب بها وأبعدن مراحها من ريّها» ، يقال هذا للرجل بين القوم فيؤمر أن ينأى عنهم كيلا يصيبوه بمثل ما أصابهم. 57- ومن أمثالهم في اللقاء «621» - يقولون في اللقاء عن قرب: «لقيته أدنى ظلم» . «622» - و «لقيته أول عين» ، أي أول شيء. «623» - و «لقيته أول ذات يدين» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 «624» - و «لقيته شدّ النهار ومدّه» ، ومدّه ارتفاعه. «625» - و «لقيته سراة اليوم» ، أي أوله. «626» - و «لقيته أديم الضحى» ، أي أوسطه وأوله [ولقيته] التقاطا. قال الشاعر: [من الرجز] «ومنهل وردته التقاطا» «627» - ويقال في المواجهة: «لقيته كفاحا» . «628» - و «لقيته صراحا» . «629» - و «لقيته كفّة» . «630» - وإذا لقيته في اليومين أو الثلاثة قلت: «لقيته في الفرط» . قال الأحمر: ولا يكون الفرط في أكثر من خمس عشرة ليلة. «631» - فإن لقيته بعد شهر أو نحوه قلت: «لقيته عن عفر» . «632» - فإن لقيته بعد الحول قلت: «لقيته عن هجر» . «633» - ويقولون: «لقيته بين سمع الأرض وبصرها» ، إذا كان يأتيه ثم يمسك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 ثم يأتيه، والاعتمار الزيارة متى كانت، قال أعشى باهلة: [من البسيط] وراكب جاء من تثليث معتمرا وقال أبو عبيدة: هو المعتمّ بالعمامة، وكل شيء جعلته على رأسك من عمامة أو قلنسوة أو تاج أو إكليل فهو عمار. 58- تعذّر الأمر وما يعرض دونه «634» - من أمثالهم في ذلك: «من لي بالسانح بعد البارح» ؛ وأصله أن رجلا مرّت به ظباء بارحة فكره ذلك، فقيل إنها ستمر بك سانحة، فعندها قال ذلك. «635» - ومنها: «لا تك كالمختنقة على آخر مدّها» ، وذلك أنها طحنت طحينها فلما بقي مدّ انكسر قطب الرحى. «636» - ومن أمثالهم: «حيل بين العير والنّزوان» . قال الشاعر [1] : [من الطويل] أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان «637» - ويقولون: «قد علقت دلوك دلوا أخرى» ، يريدون أنها تعلق بها فتمنعها من الصعود، وقد يقال ذلك في الاشتراك. قال الشاعر: [من الطويل] وفي نظر الصادي إلى الماء حسرة ... إذا كان ممنوعا سبيل الموارد   [1] من أبيات لصخر بن عمرو أخي الخنساء الأغاني 15: 63. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 «638» - ومن أمثالهم: «حال الجريض دون القريض» ، والمثل لعبيد بن الأبرص في قصته مع النعمان. «639» - ومنها: «سدّ ابن بيض الطريق» . أصله أن رجلا في الزمن الأول يقال له «ابن بيض» عقر ناقة على ثنيّة فسدّ بها الطريق، فمنع الناس من سلوكها. وقال المفضل: كان ابن بيض رجلا من عاد وكان تاجرا مكثرا، وكان لقمان بن عاد يخفره في تجارته، ويجيره على خرج يعطيه ابن بيض يضعه له على ثنية إلى أن يأتي لقمان فيأخذه، فإذا أبصره لقمان قد فعل ذلك قال: قد سدّ ابن بيض السبيل. يقول: إنه لم يجعل لي سبيلا على أهله وماله حتى وفى لي بالجعل الذي سمّاه. «640» - ويقرب من ذلك قولهم: «من لك بذناب «لو» ؛ أي من لك بأن يكون «لو» حقا. 59- ما جاء في طلب الحاجة وما يليق بذلك «641» - ومن أمثالهم: «أتبع الفرس لجامها» ، يضرب للحاجة يطلب تمامها. المثل لعمرو بن ثعلبة الكلبي أخي عدي بن جناب، وكان ضرار بن عمرو الضبي قد أغار عليهم فسبى يومئذ سلمى بنت وائل الصائغ، وكانت يومئذ أمة لعمرو بن ثعلبة وكان له صديقا، فقال له: أنشدك بالإخاء والمودة إلا رددت عليّ أهلي، فجعل يردّ شيئا بعد شيء حتى بقيت سلمى، وكانت قد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 أعجبت ضرارا فأبى أن يردّها، فقال عمرو: يا ضرار أتبع الفرس لجامها، فأرسلها مثلا. وردّها عليه ضرار. «642» - ومن أمثالهم: «تمام الربيع الصيف» ، وأصله في المطر، فأوّله الربيع والصيف الذي يليه. «643» - ومنها: «السّراح مع النجاح» . «644» - ومنها: «ألق دلوك في الدلاء» . قال الشاعر [1] : [من الوافر] وليس الرزق عن طلب حثيث ... ولكن ألق دلوك في الدلاء تجيء مليئة طورا وطورا ... تجيء بحمأة وقليل ماء «645» - ويقولون: «لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا» ، يضربونه مثلا لمن يسأل حاجة بعد حاجة قضيت له. 60- ومن أمثالهم في الطلب «646» - «من أجدب انتجع» . «647» - «إن جانب أعياك فالحق بجانب» .   [1] هو أبو الأسود الدؤلي، والبيتان في أمثال ابن سلام: 200. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 «648» - ومثله: «وفي الأرض للحرّ الكريم منادح» . والندحة السّعة. «649» - ويقولون: «النفس تعرف من أخوها النافع» . «650» - ومن كلامهم: «أدرّها وإن أبت» . «651» - «سبق سيله مطره» . «652» - ويقولون إذا اهتمّ بها: «جعلها نصب عينيه» . «653» - وفي ضدّه: «جعلها بظهره» . 61- ما جاء في التعجيل وفوت الأمر «654» - من أمثالهم في هذا: «انقطع السّلا في البطن» ، أي فات الأمر. «655» - ويقولون للساهي يفوته الأمر: «يذهب يوم الغيم ولا تشعر به» . قال البعيث: [من الطويل] ولا تبكين في إثر شيء ندامة ... إذا نزعته من يديك النّوازع «656» - ومن أمثالهم: «لا أدري أي الجراد عاره» ، للأمر يفوت، أي أيّ الناس آخذه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 «657» - ويقولون: «ضحّ رويدا» ، أي لا تعجل. «658» - ومن أمثالهم: «سبق السيف العذل» ، كان المفضل يحدث بهذا المثل عن ضبة بن أدّ، وبدء ذلك أنه كان له ابنان سعد وسعيد، فخرجا في طلب إبل لهما، فرجع سعد ولم يرجع سعيد، وكان ضبة كلما رأى شخصا مقبلا قال: «659» - «أسعد أم سعيد» ؟ فذهبت هذه كلمته مثلا. قال: ثم إن ضبة بينما هو يسير ومعه الحارث ابن كعب في الشهر الحرام إذ أتيا على مكان فقال الحارث لضبّة: أترى هذا الموضع فإني لقيت به فتى من هيئته كذا وكذا فقتلته وأخذت منه هذا السيف، وإذا هو صفة سعيد؛ فقال له ضبّة: أرني السيف أنظر إليه، فناوله فعرفه ضبّة، فقال عندها: «660» - «إن الحديث ذو شجون» . فذهبت كلمته هذه الثانية مثلا، ثم ضرب به الحارث حتى قتله، قال: فلامه الناس في ذلك وقالوا: أتقتل في الشهر الحرام؟ فقال سبق السيف العذل. فذهبت هذه الثالثة مثلا. «661» - ومن أمثالهم في ترك التعجيل: «الليل طويل وأنت مقمر» ، قاله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 السّليك لما هجم عليه الرجل وجلس على صدره وقال استأسر، يريد بالكلمة لا تعجل حتى تصبح. «662» - «الحذر قبل إرسال السهم» ، أي لا تفعل ما تخاف أن يفوت. «663» - ويقولون: «لا يملك حائن دمه» . «664» - «لا عتاب على الجندل» ، أي قد وقع الأمر الذي لا مردّ له. «665» - ومن أمثالهم في الفوت: «هلك القيد وأودى المفتاح» . «666» - ومن الفوت قولهم: «الصّيف ضيّعت اللّبن» ، المثل لعمرو بن عمرو بن عدس، وكانت عنده دختنوس ابنة لقيط بن زرارة، وكان ذا مال كثير إلا أنه كان كبير السنّ، ففر كته فلم تزل تسأله الطلاق حتى فعل، فتزوجها بعده عمرو بن معبد بن زرارة ابن عمها، وكان شابا إلا أنه معدم، فمرّت إبل عمرو ابن عمرو ذات يوم بدختنوس فقالت لخادمتها: انطلقي فقولي له يسقينا من اللبن، فقال لها هذه المقالة، فذهبت مثلا؛ قال: ولعله كان طلقها بالصيف. 62- ما جاء في سوء المكافأة وظلم المجازاة «667» - من أمثالهم في هذا المعنى: «من استرعى الذئب ظلم» . «668» - وقال أكثم بن الصيفي: «ليس من العدل سرعة العذل» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 «669» - ومن كلامهم: «ربّ لائم مليم» . «670» - ومن أمثالهم: «الحرب غشوم» ، أي يقتل فيها من لم يكن له فيها جناية ولا ذنب. «671» - ويقولون: «الظلم مرتعه وخيم» . قال الشاعر: [من الكامل المجزوء] البغي يصرع أهله ... والظّلم مرتعه وخيم «672» - ومن أمثالهم: «أحشّك وتروثيني» ، يخاطب فرسا له، يقول: أعلفك الحشيش وأنت تروثين علّي. «673» - ومن أمثالهم: «شرّ الرّعاء الحطمة» . وقال الشاعر [1] : [من الوافر] أعلّمه الرّماية كلّ يوم ... فلما اشتدّ ساعده رماني «674» - ومن أمثالهم: «لو ذات سوار لطمتني» . «675» - «لا تبل في قليب شربت منه» ، أي لا تذمّنّ من أسدى إليك معروفا.   [1] البيت لمالك بن فهم الدوسي وهو في أمثال ابن سلام: 296 وعده أبو عبيد مثلا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 63- ما جاء في الظن قال الله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (الحجرات: 12) . «676» - ومن أمثالهم: «الشّفيق بسوء الظنّ مولع» . «677» - وقال أكثم بن صيفي: «من أحسن الظنّ أراح نفسه» . «678» - وقالوا: «من يسمع يخل» . وقال الطرماح [1] : [من الطويل] متى ما يسو ظنّ امرىء بصديقه ... وللظّنّ أسباب عراض المسارح يصدّق أمورا لم يجئه يقينها ... عليه ويعشق سمعه كلّ كاشح وقال ابن مقبل [2] : [من المتقارب] سأترك للظنّ ما بعده ... ومن يك ذا ريبة يستبن ولا تتبع الظنّ إنّ الظنون ... تريك من الأمر ما لم يكن وقال يحيى بن زياد [3] : [من البسيط]   [1] مجموعة المعاني: 143 وديوان الطرماح: 94. [2] مجموعة المعاني: 143 وديوان ابن مقبل: 298. [3] مجموعة المعاني: 143 وشعراء عباسيون 3: 48. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 وسوء ظنّك بالأدنين داعية ... لأن يخونك من قد كان مؤتمنا وقال أيضا [1] : [من الطويل] إذا أنت خونت الأمين بظنّة ... فتحت له بابا إلى الخون مغلقا فإياك إياك الظنون فإنها ... وأكثرها كالآل لما ترقرقا وقال آخر [2] : [من الطويل] إذا أنت لم تبرح تظنّ وتقتضي ... على الظنّ أردتك الظنون الكواذب 679- ويقرب من البناء على الظن قولهم: «من يرقد يحلم» . 64- ما جاء في التبرّي من الأمر «680» - من أمثالهم في هذا: «لا ناقة لي في هذا ولا جمل» ، قاله الحارث بن عباد في قتل جساس كليبا. «681» - ويقولون: «ما لي بهذا الأمر يدان» . «682» - ويقولون: «هذا أحقّ منزل بترك» . «683» - ويقاربه: «لا يطاع لقصير أمر» ، قاله قصير بن سعد صاحب الزباء حين أشار على جذيمة فصدف عن رأيه.   [1] مجموعة المعاني: 143 وشعراء عباسيون 3: 32. [2] مجموعة المعاني: 143. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 «684» - ويقولون: «خلّ سبيل من وهى سقاؤه» ، أي خلّ سبيل من لا يريد صحبتك. «685» - ومثله: «إنما يضنّ بالضنين» . قال لبيد [1] : [من الكامل] فاقطع لبانة من تعرّض وصله ... ولخير واصل خلّة صرّامها «686» - ومن أمثالهم: «لا قرار على زأر من الأسد» . «687» - ويقولون: «خلّ امرءا وما اختار، وإن أبى إلا النار» . «688» - ويقولون: «ألق حبله على غاربه» ، وأصله الناقة إذا أرسلت ترعى ألقي حبلها على غاربها؛ ولا يترك ساقطا فيمنعها من الرعي. 65- ما جاء في الاستهانة وقلة الاحتفال «689» - يقولون: «على غريبتها تحدى الإبل» ، يريدون به تهاون الإنسان بمال غيره. «690» - والمثل السائر: «أحق الخيل بالركض المعار» . «691» - ومن أمثالهم: «عثيثة تقرض جلدا أملسا» ، قاله الأحنف لحارثة بن   [1] بيت لبيد في أمثال ابن سلام: 112 وديوانه: 303. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 بدر الغداني وعابه عند زياد، وذلك أنه طلب إلى علي عليه السّلام أن يدخله في الحكومة، فلما بلغه عيب حارثة إياه قال الأحنف ذلك. وهو مثل يضرب عند احتقار الرجل واحتقار كلامه. «692» - ويقولون: «من باع بعرضه فقد أنفق» ، أي من أهان عرضه للشتم وجده حاضرا. «693» - ومن أمثالهم: «احمل العبد على الفرس فإن هلك هلك وإن ملك ملك» . «694» - «ترى من لا حريم له يهون» . «695» - ومما يشبه ذلك ويضرب في من يفعل أمرا عظيما ولا يحتفل به ويظن أنه لم يصنع شيئا، ما حكاه يونس عن العرب: أن غلاما أخذ بعيرا فشق نصفه ثم أخرج مصيره وجعل يطويه فمرّ به قوم فقالوا: مه يا غلام؟ فقال: «إني لا أضيره وإنما أطوي مصيره» . «696» - ومن أمثالهم: «أهون هالك عجوز في عام سنة» . «697» - ويقال: «خلّه درج الضبّ» ، أي يذهب حيث يشاء. «698» - ويقولون: «أجع كلبك يتبعك» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 وقال البريق الهذلي [1] : [من الطويل] وكنت إذا الأيام أحدثن هالكا ... أقول شوى ما لم تصب بصميم تصب من صاب أي قصد. وقال الفرزدق في الاستهانة [2] : [من الكامل] ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها ... أو بلت حيث تناطح البحران وقال آخر [3] : [من الرمل] ما يضرّ البحر أضحى زاخرا ... أن رمى فيه غلام بحجر وقال آخر: [من الطويل] وربّ أمور لا تضيرك ضيرة ... وللقلب من مخشاتهنّ وجيب وقال آخر [4] : [من الطويل] أنار النار في أحجارها مستكنّة ... فإن كنت ممّن يقدح النار فاقدح أنا الليث وابن الليث في حومة الوغى ... فإن كنت ممّن ينبح الليث فانبح وقال ابن الرومي: [من البسيط] لينبح الكلب ضوء البدر ما نبحا وقال الأخطل [5] : [من الطويل]   [1] شرح أشعار الهذليين (وروايته: ما لم يصبن صميمي) ومجموعة المعاني: 75 (وهو محرّف) . [2] ديوان الفرزدق 2: 344. [3] مجموعة المعاني: 75 (ونسبه للفرزدق) . [4] مجموعة المعاني: 75. [5] ديوان الأخطل. 21. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 عتبتم علينا آل غيلان كلّكم ... وأيّ عدوّ لم نبته على عتب وقال آخر [1] : [من الطويل] أهينوا مطاياكم فإني رأيته ... يهون على البرذون موت الفتى الندب وقال آخر [2] : [من البسيط] لا يجفل البرد من يبلي حواشيه ... ولا يبالي على من راحت الإبل وقال آخر [3] : [من الطويل] ألا لا يبالي البرد من جرّ فضله ... كما لا تبالي مهرة من يقودها 66- المشاركة في الرخاء والخذلان في الشدة «699» - من أمثالهم في ذلك: «يربض حجرة ويرتعي وسطا» . ومثله [4] : [من الوافر] موالينا إذا افتقروا إلينا ... وإن أثروا فليس لنا موالي وقريب منه [5] : [من البسيط] لا أعرفنّك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زوّدتني زادي   [1] مجموعة المعاني: 75. [2] مجموعة المعاني: 75. [3] مجموعة المعاني: 76. [4] البيت في أمثال ابن سلام: 181 وعيون الأخبار 3: 84 ومجموعة المعاني: 64. [5] البيت لعبيد بن الأبرص، انظر أمثال ابن سلام: 182 وديوانه: 48 ومجموعة المعاني: 64. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 «700» - ويقولون: «من فاز بفلان فاز بالسهم الأخيب» ، لمن يخذل في وقت الحاجة، وقاله علي عليه السّلام فيما كان يستبطىء به أصحابه. 67- ما جاء في الرخاء والسعة «701» - يقولون في ذلك: «هم في شيء لا يطير غرابه» . ومن شعر النابغة: ليس غرابها بمطار [1] . وأصله أنّ الغراب إذا وقع في موضع منه لم يحتج أن يتحوّل إلى غيره. وقد يضرب هذا المثل في الشدة أيضا. «702» - ويقرب منه قوله: «وجد ثمرة الغراب» ، إنما ينتقي من الثمر أطيبه وأجوده. «703» - ويقولون: «هم في مثل حدقة البعير» ، يريدون الخصب والعشب. «704» - «جاء بالضّحّ والريح» . الضح الشمس. «705» - و «جاء بالطّمّ والرّمّ» ، يريدون الكثرة. «706» - ومن أمثالهم: «إن أضاخا منهل مورود» .   [1] بيت النابغة: ولرهط حراب وقد سورة ... في المجد ليس غرابها بمطار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 «707» - ومنها: «يوم توافى شأوه وأنعمه» ، لمن يملك أمره ويكثر جمعه. «708» - ومنها: «تتابعي بقر» ، خبر ذلك أن بشر بن أبي خازم خرج سنة أسنت فيها قومه فمرّ بصوار من البقر وإجل من الأروى فذعرت منه فركبت جبلا وعرا ليس له منفذ، فلما نظر إليها قام على شعب من الجبل وأخرج قوسه وجعل يشير إليها كأنّه يرميها، فتلقي أنفسها فتكسّر، وجعل يقول [1] : [من الرجز] أنت الذي تصنع ما لم يصنع ... أنت حططت من ذرا مقنّع كلّ شبوب لهق مقنع ويقول: تتابعي بقر، فخرج إلى قومه فدعاهم إليها فأصابوا من اللحم ما شاءوا وانتعشوا. «709» - ومن أمثالهم في السعة لمن يفسد في المال ويضيعه: «ليس عليك نسجه فاسحب وجر» . «710» - «وقعت في مرتعة فعيثي» . «711» - «عبد وحلي في يديه» . «712» - «عبد ملك عبدا» .   [1] ديوان بشر: المقطوعة 10 من ملحق الديوان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 «713» - «ارعي فزارة لا هناك المرتع» . «714» - «عيثي جعار» . «715» - «خلا لك الجوّ فبيضي واصفري» . وتمثل بذلك عبد الله بن العباس لما خلت مكة لعبد الله بن الزبير وسار الحسين بن علي عليهما السّلام إلى العراق. «716» - ومن أمثالهم في نحو ذلك: «كلّ ذات ذيل تختال» . «717» - «من يطل ذيله ينتطق به» . 68- المعجب بخاصة نفسه «718» - من أمثالهم في ذلك: «كل مجر بالخلاء يسرّ» . «719» - «زيّن في عين والد ولده» . «720» - «كلّ فتاة بأبيها معجبة» ، يروى هذا المثل للأغلب العجلي في شعر له، وقيل هو للعجفاء بنت علقمة، وقيل هو لكاهنة منهم تنافر إليها نسوان كلّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 واحدة منهن تذكر مجد أبيها وتفخر به. وأنشد الرياشي [1] : [من المنسرح] زيّنه الله بالفخار كما ... زيّن في عين والد ولده وقال أبو تمام [2] : [من الكامل] ويسيء بالإحسان ظنا لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون 69- الساعي لنفسه وفي خلاصه «721» - من أمثالهم في هذا: «سمنكم هريق في أديمكم» ؛ لمن ينفق على نفسه ويمنع الناس. «722» - «كلّ امرىء في شأنه ساع» . «723» - «كلّ جان يده إلى فيه» . أصل المثل أن جذيمة الأبرش نزل منزلا وأمر الناس أن يجنوا الكمأة، فكان بعضهم إذا وجد شيئا يعجبه آثر به نفسه، وكان عمرو ابن عدي يأتيه بخير ما يجده فعندها قال عمرو بن عدي [3] : [من الرجز] هذا جناي وخياره فيه ... وكلّ جان يده إلى فيه وتمثل بذلك علي عليه السّلام لما جبيت إليه العراق، فنظر إلى فتنتها وذهبها: يا حمراء يا بيضاء: احمرّي وابيضّي، غرّي غيري   [1] جمهرة العسكري وعيون الأخبار 3: 95 وفصل المقال: 218. [2] ديوان أبي تمام 3: 331. [3] يرد هذا في قصة عمرو بن عدي، انظر المفضل الضبي: 149. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 هذا جناي وخياره فيه ... وكل جان يده إلى فيه «724» - وقال أكثم بن صيفي: «من ضعف عن كسبه اتكل على زاد غيره» . «725» - ويقولون في الرضا بما في اليد والإياس مما في يد الغير: «ملء عينيك وشيء غيرك» . 70- اليسير يجني الكثير «726» - من أمثالهم: «الشرّ تبدوه صغاره» . قال مسكين الدارمي [1] : [من الكامل المجزوء] ولقد رأيت الشرّ بي ... ن الحيّ تبدوه صغاره ولو انهم يأسونه ... لتنهنهت عنهم كباره «727» - ومنها: «إن دواء الشقّ أن تحوصه» ، وأصل الحوص الخياطة، يعني قبل تفاقمه. وقال طرفة بن العبد: [2] [من الكامل] قد يبعث الأمر الكبير صغيره ... حتى تظلّ له الدماء تصبّب وقال يزيد بن الحكم [3] : [من الكامل المجزوء]   [1] البيت الأول في أمثال ابن سلام: 153 ومجموعة المعاني: 154 (البيتان) . [2] مجموعة المعاني: 153. [3] في الحماسة (المرزوقي) رقم: 445. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 اعلم بني فإنه ... بالعلم ينتفع الحكيم إن الأمور دقيقها ... مما يهيج له العظيم وقال أنس بن مساحق العبدي: [من المتقارب] بأنّ الدقيق يهيج الجليل ... وأنّ العزيز إذا شاء ذلّ وقال عقيل بن هاشم القيني: [من البسيط] فبينما المرء تزجيه أصاغره ... إذ شمّرت فحمة شهباء تستعر تعيي على من يداويها مكايدها ... عمياء ليس لها سمع ولا بصر [1] ويقارب هذه المعاني قول ابن نباتة [2] : [من المتقارب] فلا تحقرنّ عدوّا رماك ... وإن كان في ساعديه قصر فإن الحسام يجزّ الرقاب ... ويعجز عما تنال الإبر ومن كلام العرب يقولون: «الحرب أوّلها كلام» . «728» - ويقال: «صغارها شرارها» ، أي أصغرهنّ أكثرهنّ شرّا. «729» - ومن أمثالهم: «إن الخصاص يرى في جوفه الرّقم» ، أي أن الشيء الحقير الصغير يرى فيه العظيم، والخصاصة الفرجة بين الشيئين والرّقم الداهية.   [1] مجموعة المعاني: 154 شمس ولا قمر. [2] ديوان ابن نباته 2: 73. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 71- ما جاء في الشدة والداهية «730» - قولهم: «جاوز الماء الزّبى» . «731» - و «بلغ الحزام الطبيين» . «732» - «جرحه حيث لا يضع الراقي أنفه» ، أي لا دواء له. «733» - ومثله: «غادر وهيا لا يرقع» ، أي فتق فتقا لا يقدر على رتقه «734» - ويقال: «جاء فلان وقد لفظ لجامه» ، إذا جاء مجهودا. «735» - ومثله: «جاء وقد قرض لنا رباطه» . «736» - ويقال في الشدة: «جاء بعد اللّتيّا والتي» . «737» - و «لقيت منه عرق القربة» . «738» - «المنايا على الحوايا» ، والحوايا ها هنا مراكب، واحدتها حوية، كل ذلك في الشدة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 «739» - ويقولون في مثله: «رأى فلان الكواكب مظهرا» ، معناه أظلم عليه يومه حتى رأى الكواكب عند الظهر. «740» - ويقولون: «قد أخذ منه بالمخنّق» . «741» - ويقولون: «لقي منه الأمرّين، والفتكرين، والبرحين» . «742» - «ولقيت منه بنات برح» . «743» - ويقولون: «تركته على مثل ليلة الصّدر» ، يعنون نفر الناس وصدرهم من حجهم، يضرب في الاصطلام. «744» - ومثله: «تركته على مثل مشفر الأسد» . «745» - و «تركته على مثل مقلع الصمغة» . «746» - و «تركته على أنقى من الراحة» . «747» - ويقولون: «صبرا وإن كان قترا» ، والقتر شدة الزمان. 748- و «صبرا وإن كان جمرا» . «749» - ومنه: «أساف حتى ما يشتكي السواف» ، يعني أنه اعتاده، والإسافة ذهاب المال واجتياحه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 «750» - ويقولون: «ما له ثاغية ولا راغية» . «751» - ويقولون للرجل إذا كان داهية: «صلّ أصلال» ؛ و «هتر أهتار» . «752» - وهو «حوّل قلّب» . «753» - وهو «عضلة من العضل» . «754» - و «داهية الغبر» ؛ و «صماء الغبر» . «755» - ويقولون في الدواهي: قد «بدت جنادعه» . «756» - «وقع في أم جندب» . «757» - «وقع في هياط ومياط» وهو الصخب والضجر. 758- و «وقع في الدّهيم» ، وأصله أن إخوة قتلوا فحملوا على ناقة يقال لها الدهيم، فصارت مثلا. «759» - ويقولون: «أتتكم الدهيم ترمي بالنشف والتي بعدها ترمي بالرضف» . «760» و «جاء بالداهية الدهياء» ، و «الزباء والشعراء» . «761» - و «جاء بالعنقفير» . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 «762» - و «جاء بإحدى بنات طبق» ، وأصلها من الحيات. «763» - ويقولون: «صمّي صمام» . «764» - و «صمّي ابنة الجبل» . ويسمون الدواهي المآود واحدتها موئدة. 72- في الدعاء يقولون في الدعاء: «765» - «هوت أمّه» . «766» - و «هبلت أمّه» ، ويريدون بذلك المديح، وكأنه أخرج مخرج التفجّع. قال أعشى باهلة: [من الطويل] ألا هبلت أمّ الذين غدوا به ... إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر «767» - ويقولون في الدعاء له: «نعم عوفك» ، أي نعم بالك. 768- ويقولون في الدعاء عليه: «لا نعم عوفك» . «769» - «لا قبل الله منه صرفا ولا عدلا» ، فالعدل الفرض والصرف التطوع. «770» - ويقولون: «رماه الله بالطلاطلة والحمّى المماطلة» ، الطلاطلة سقوط اللهاة، ويقال: الذبحة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 «771» - ويقولون في الشماتة: «لليدين وللفم» ، والمثل لعائشة رضي الله عنها. «772» - و «للمنخرين» ، أي أكبّه الله على منخريه، والمثل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، قاله لرجل أتي به سكران في شهر رمضان. «773» - ويقال: «بجنبيه الوجبة» ، يعني الصرعة. «774» - و «من كلا جانبيك لا لبّيك» . «775» - «به لا بظبي» . «776» - «لا لعا لفلان» . «777» - وقولهم: «بفيه الحجر» . «778» - و «بفيه الأثلب والكثكث» . تمّ الباب بحمد الله ومنّه والحمد لله وحده، ويتلوه إن شاء الله تعالى الباب الثالث والثلاثون في الحجج البالغة والأجوبة الدامغة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 الباب الثّالث والثّلاثون في الحجج البالغة والأجوبة الدامغة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه الثقة والعون الحمد لله الملك الدّيان، المفضل المنّان، خالق الإنسان، ومفضّله بالبيان، ومؤتيه الحكمة وفصل الخطاب، موفّق بديهته لصواب الجواب، ومسدّده للقراع والنضال، ومؤيّده عند الخصام والجدال، له النّعم السابغة، والآيات الصادعة، والمعجزات الرادعة، والكلمة العليا القاطعة، والبطشة الكبرى الوازعة، وصلواته على نبيّه وصفيّه، محمد عبده ونبيّه، الذي أظهر حجّته، وأوضح محجّته، وآتاه جوامع الكلم، وخصّه بأكرم الأخلاق والشيم، وعلى آله مصابيح الظّلم، ودراريّ البهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 [ مقدمة الباب ] (الباب الثالث والثلاثون في الحجج البالغة والأجوبة الدامغة) في الكتاب العزيز من الحجج القاطعة ما يكون غاية لمن تمثّل به، وكيف لا يكون ذلك وهو برهان الشريعة ودليلها، ومحجّة الهداية وسبيلها، فمن ذلك قوله تعالى: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ (يس: 78) وقال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى، ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (القيامة: 36- 40) وقوله عزّ وجلّ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (الروم: 27) أي في تقدير عقولكم وقياس ظنونكم المأخوذين من معارفكم. وقوله عزّ وجلّ حكاية عن إبراهيم عليه السلام: وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (الأنعام: 81) . ومن آيات الحجاج القاطع في إقامة التوحيد وتوهين الشرك قوله سبحانه: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (الاسراء: 42) وقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (المؤمنون: 91) وقوله تعالى في تفرّده بخلق البريّة: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 73- 74 ) ومن الحجة في أمر كتابه: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (البقرة: 23) وقال في الدلالة على إثبات نبوّة رسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بتأمّل أحواله وتدبّر ما جاء به: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ، أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (المؤمنون: 68- 69) فإنه كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعرف في قريش قبل البعثة بالصادق والأمين. وقوله تعالى: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (يونس: 16) . ولما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم قام فقال: «يا معشر قريش، لو قلت لكم إنّ خيلا تطلع عليكم من هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا: نعم قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . فلما أقرّوا بصدقه خاطبهم بالإنذار ودعاهم إلى الإسلام. والآن نذكر ما تحاور به الناس فيما بينهم، وتحاجّوا به بعضهم على بعض في خطابهم ومقاصدهم. 77» - قال عثمان بن عفّان رضي الله عنه لعامر بن عبد قيس العنبري ورآه ظاهر الأعرابية: يا أعرابي أين ربك؟ قال: بالمرصاد. «780» - استعمل عتبة بن أبي سفيان رجلا من آله على الطائف، فظلم رجلا من أزد شنوءة، فأتى الأزديّ عتبة فمثل بين يديه فقال: [من البسيط] أمرت من كان مظلوما ليأتيكم ... فقد أتاكم غريب الدار مظلوم ثم ذكر ظلامته فقال عتبة: إني أراك أعرابيا جافيا. والله ما أحسبك تدري كم تصلّي في كلّ يوم وليلة. فقال: أرأيتك إن أنبأتك ذاك أتجعل لي عليك مسألة؟ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 قال: نعم، فقال الأعرابي: [من الرجز] إن الصلاة أربع وأربع ... ثم ثلاث بعدهنّ أربع ثم صلاة الفجر لا تضيع قال: صدقت، فسل، قال الأعرابي: كم فقار ظهرك؟ قال: لا أدري، قال الأعرابي: أفتحكم بين الناس وأنت تجهل هذا من نفسك؟ قال: ردوا عليه ظلامته. «781» - لما انتهى إلى علي عليه السلام يوم السقيفة أنّ الأنصار قالت: منا أمير ومنكم أمير، قال عليه السلام: فهلّا احتججتم عليهم بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصّى بأن نحسن إلى محسنهم ونتجاوز عن مسيئهم. قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟ قال: لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم. «782» - ومما ينظر إلى هذا المعنى وإن كان مخرجه مخرج علوّ الهمة وارتفاعها قول عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق، وقد دخل بعد موت أبيه على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: إنّ أبي أوصى إليّ ولم يوص بي. «783» - وفي يوم السقيفة أيضا قال الحباب بن المنذر: أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب، إن شئتم كررناها جذعة، منا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجريّ شيئا في الأنصار ردّه عليه الأنصاريّ، وإن عمل الأنصاريّ شيئا في المهاجرين ردّه عليه المهاجريّ، فأراد عمر الكلام فقال أبو بكر رضي الله عنه: على رسلك، نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاما، وأوسطهم دارا، وأكرم الناس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 حسبا وأحسنهم وجوها، وأكثر الناس ولادة في العرب، وأمسّهم رحما بالرسول صلّى الله عليه وسلم، أسلمنا قبلكم وقدّمنا في القرآن عليكم، فأنتم إخواننا في الدّين وشركاؤنا في الفيء، وأنصارنا على العدوّ؛ آويتم وآسيتم، فجزاكم الله خيرا؛ نحن الأمراء وأنتم الوزراء؛ لا تدين العرب إلا لهذا الحيّ من قريش، وأنتم محقوقون أن لا تنفسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم. قالوا: فإنّا قد رضينا وسلّمنا. «784» - وقال عيسى بن يزيد: قال أبو بكر رضي الله عنه: نحن أهل الله وأقرب الناس بيتا من بيت الله، وأمسّهم رحما برسول الله؛ إن هذا الأمر إن تطاولت له الخزرج لم تقصّر عنه الأوس، وإن تطاولت له الأوس لم تقصّر عنه الخزرج، وقد كان بين الحيّين قتلى لا تنسى، وجراح لا تداوى، فإن نعق منكم ناعق فقد جلس بين لحيي أسد: يضغمه المهاجريّ ويخرجه الأنصاري. قال ابن دأب: فرماهم والله بالمسكتة. «785» - قال رجل للربيع بن خثيم وقد صلّى ليلة حتى أصبح: أتعبت نفسك فقال: راحتها أطلب، إن أفره العبيد أكيسهم. 785 ب- وهذا قول حقّ في مقام صدق، أخذه روح بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب في مقام الباطل، ونظر إليه رجل واقفا بباب المنصور في الشمس فقال له: قد طال وقوفك في الشمس، قال روح: ليطول وقوفي في الظّلّ. 786- رؤي عبيد الله بن الحسن القاضي على باب جعفر بن سليمان، والشمس تنقله من ظلّ إلى ظلّ، فقيل له: أمثلك في علمك ومكانك يقف هذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 الموقف؟ فقال: [من الطويل] أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ... ولا يكرم النفس الذي لا يهينها 787- وكأن هذه المعاني تنظر إلى قول الأعشى: [من الطويل] تقول سليمى لو أقمت لسرّنا ... ولم تدر أنّي للمقام أطوف وقول عنترة: [من الكامل] ولقد أبيت على الطّوى وأظلّه ... حتى أنال به كريم المأكل «788» - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي مريم السلولي: والله لا أحبّك حتى تحبّ الأرض الدّم، قال: أفتمنعني حقّا؟ قال: لا، قال: لا بأس، إنما يأسى على الحبّ النساء. «789» - دخل يزيد بن أبي مسلم على سليمان بن عبد الملك، وكان قبيحا، فلما رآه سليمان، قال: قبح الله رجلا أجرّك رسنه وأشركك في أمانته، فقال له يزيد: يا أمير المؤمنين، رأيتني والأمر عنّي مدبر، ولو رأيتني وهو عليّ مقبل لاستكبرت مني ما استصغرت، واستعظمت مني ما استحقرت، فقال: أترى الحجّاج استقرّ في قعر جهنم بعد؟ قال: يا أمير المؤمنين، لا تقل ذلك في الحجاج، فإن الحجاج وطّأ لكم المنابر، وذلّل لكم الجبابرة، وهو يأتي يوم القيامة عن يمين أبيك وعن يسار أخيك، فحيث كانا كان. «790» - أرسل أهل البصرة رجلا يقال له كليب الجرمي إلى عليّ بن أبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 طالب عليه السّلام لما قرب منها ليعلم لهم حقيقة حاله ورأيه في أهل الجمل، فبيّن له من أمرهم ما علم أنّه على الحقّ، ثم قال له: تبايع؟ قال: إني رسول قوم، ولا أحدث حدثا حتى أرجع إليهم، فقال له: أرأيت لو أنّ الذين وراءك بعثوك رائدا لهم تبتغي مساقط الغيث فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ والماء، فخالفوا إلى المعاطش والمجادب، ما كنت صانعا؟ قال: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلأ والماء، فقال له: فامدد إذن يدك، فقال الجرميّ: فوالله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجة عليّ، فبايعته. «791» - قال بعض اليهود لعليّ عليه السّلام: ما دفنتم نبيّكم حتى اختلفتم، فقال له: إنما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيّكم: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (الأعراف: 138) . «792» - قال معاوية لأبي الأسود: بلغني أنّ عليا أراد أن يدخلك في الحكومة، فعزمت عليك أيّ شيء كنت تصنع؟ قال: كنت آتي المدينة فأجمع ألفا من المهاجرين وألفا من الأنصار، فإن لم أجدهم تمّمتهم من أبنائهم، ثم أستحلفهم بالله العظيم: المهاجرون أحقّ أم الطّلقاء؟ فتبسّم معاوية وقال: إذن والله ما كان اختلف عليك اثنان. «793» - كتب عليّ عليه السّلام إلى معاوية جوابا عن كتاب منه: وأمّا طلبك الشّام فإني لم أكن لأعطيك اليوم شيئا منعتكه أمس، وأما قولك: إنّ الحرب قد أكلت العرب إلّا حشاشات أنفس بقيت: ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 النار، وأما استواؤنا في الحرب والرجال: فلست بأمضى على الشكّ منّي على اليقين، وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة، وأما قولك إنا بنو عبد مناف: فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطّليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحقّ كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنّم، وفي أيدينا بعد فضل النبوّة التي [1] أذللنا بها العزيز، ونعشنا بها الذليل. ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجا، وأسلمت له هذه الأمّة طوعا وكرها، كنتم ممن دخل في الدين إمّا رغبة وإما رهبة، على حين فاز أهل السّبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم، فلا تجعلنّ للشيطان فيك نصيبا وعليك [2] سبيلا. «794» - وكتب إليه أيضا، وهو من محاسن الكتب، أخذ عليه فيه بالحجة ورماه بالمسكتة: أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا صلّى الله عليه وسلم لدينه، وتأييده إيّاه بمن أيّده الله به من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا بآلاء الله عندنا ونعمه علينا في نبيّنا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، أو داعي مسدّدة إلى النضال. وزعمت أنّ أفضل الناس في الإسلام فلان وفلانّ، فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه، وإن نقص لم يلحقك ثلمه، وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس، وما للطّلقاء وأبناء الطّلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حنّ قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها. ألا تربع على ظلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخّر حيث أخرّك القدر؟! فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر، وإنك   [1] ر: الذي. [2] م: وعلى نفسك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 لذهّاب في التيه، روّاغ عن القصد. ألا ترى غير مخبر لك، لكن بنعمة الله أحدّث: أن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين، ولكلّ فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيّد الشهداء، وخصّه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسبعين تكبيرة حين صلّى [1] عليه؟ أو لا [2] ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله، ولكلّ فضل، حتى إذا فعل بواحد منّا كما فعل بواحدهم قيل: الطيّار في الجنة وذو الجناحين؟ ولولا ما نهى الله عزّ وجلّ عن تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجّها آذان السامعين. فدع عنك من مالت به الرّيبة [3] فإنّا صنائع ربّنا، والناس بعد صنائع لنا، لم يمنعنا قديم عزّنا وعاديّ طولنا على قومنا [4] أن خلطناهم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء، ولستم هناك، وأنّى يكون ذلك كذلك ومنّا النبيّ ومنكم المكذّب، ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب، في كثير مما لنا وعليكم؟ فإسلامنا ما قد سمع، وجاهليتنا لا تدفع، وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنا، وقوله سبحانه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ* (الأنفال: 75) وقوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران: 68) . فنحن مرّة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطاعة. ولما احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلّى الله عليه وسلم فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم. وزعمت أني لكلّ الخلفاء حسدت وعلى كلّهم بغيت: فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك، وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.   [1] م: عند صلاته. [2] م: ألا. [3] م: الرتبة. [4] م: قومك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر الله، لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه، ولا مرتابا بيقينه [1] ، وهذه حجّتي إلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها. ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان: ولك أن تجاب عن هذه لرحمه منك: فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقالته؟ أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفّه؟ أم من استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه، حتى أتى قدره عليه؟ كلّا والله. لقد علم الله المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا، وما كنت أعتذر من أنّي كنت أنقم عليه أحداثا، فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له، فربّ ملوم لا ذنب له. وقد يستفيد الظنّة المتنصّح وما أردت إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود: 88) . وذكرت أنه ليس لي عندك ولأصحابي إلا السيف: فلقد أضحكت بعد استعبار: متى ألفيت بنو عبد المطلب عن الأعداء ناكبين، وبالسيوف مخوّفين؟ فالبث قليلا يلحق الهيجا حمل، فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد، وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم، متسربلين سرابيل الموت، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم، قد صحبتهم ذرّية بدرية، وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدّك وأهلك، وما هي من الظالمين ببعيد. 795- كان قبيصة بن جابر ممن كثّر على الوليد بن عقبة لما ولي الكوفة، فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده: يا قبيصة، ما كان شأنك وشأن الوليد؟   [1] م: في نفسه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 قال: خير يا أمير المؤمنين في أول وصل الرحم وأحسن الكلام، فلا تسأل عن شكر وحسن ثناء، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه، وكنّا منهم، فإما ظالمون فنستغفر الله، وإما مظلومين فيغفر الله له، وخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين فإن الحديث ينسي القديم. قال: ولم؟ فو الله لقد أحسن السيرة وبسط الخير وكفّ الشرّ، قال: فأنت أقدر على ذلك منه يا أمير المؤمنين، فافعل، قال: اسكت لا سكتّ. فسكت وسكت القوم، ثم قال له معاوية: ما لك لا تتحدث؟ قال: نهيتني عما أحبّ فسكتّ عما أكره. «796» - قال معاوية للأحنف حين وبّخه بتخذيله عن عائشة ومشهده صفّين: فعلت وفعلت. فقال: يا أمير المؤمنين لم تردّ الأمور على أعقابها؟ أما والله إنّ القلوب التي أبغضناك بها بين جوانحنا، وإنّ السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن مددت يدا بشرّ من غدر لنمدّن باعا من ختر، وإن شئت لتستصفينّ كدر قلوبنا بصفو حلمك، قال: فإني بها أفعل. «797» - روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم إلى الشام ومعه عبد الرحمن بن عوف رحمه الله وهما على حمارين قريبين من الأرض، فتلقاهما معاوية في كبكبة حسناء، فثنى وركه فنزل وسلّم عليه بالخلافة فلم يردّ عليه، فقال له عبد الرحمن أو أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أحصرت الفتى فلو كلّمته، فقال: إنك لصاحب الجيش الذي أرى؟ قال: نعم، قال: مع شدّة احتجابك ووقوف ذوي الحوائج ببابك؟ قال: أجل، قال: ولم ويلك؟ قال: لأنّا في بلاد يكثر فيها جواسيس العدوّ، فإن نحن لم نتّخذ العدّة والعدد استخفّ بنا، وهجم على عوراتنا، وأنا- بعد- عاملك، فإن وقفتني وقفت، وإن استزدتني زدت، وإن استنقصتني نقصت؛ قال: فو الله لئن كنت كاذبا إنه لرأي أريب، وإن كنت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 صادقا إنه لتدبير أديب، ما سألتك عن شيء قطّ إلا تركتني منه في أضيق من رواجب الضرس، لا آمرك ولا أنهاك. فلما انصرف قال أبو عبيدة أو عبد الرحمن: لقد أحسن الفتى في إصدار ما أوردت عليه، قال: لحسن إصداره وإيراده جشّمناه ما جشّمناه. «798» - روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعسّ بالمدينة في الليل، فسمع صوت رجل في بيته فارتاب بالحال، فتسوّر فوجد رجلا عنده امرأة وخمر، فقال: يا عدوّ الله، أكنت ترى أنّ الله يسترك وأنت تعصيه [1] ؟ فقال الرجل: لا تعجل عليّ يا أمير المؤمنين، إن كنت عصيت الله في واحدة فقد عصيته في ثلاث، قال الله سبحانه وتعالى: وَلا تَجَسَّسُوا (الحجرات: 12) وقد تجسّست، وقال: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها (البقرة: 189) ، وقد تسوّرت، وقال: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا (النور: 61) وما سلّمت. فقال عمر: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: بلى والله يا أمير المؤمنين، لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبدا، فعفا عنه. «799» - خطب رجل إلى عبد الله بن عباس يتيمة كانت في حجره، فقال: لا أرضاها لك، قال: ولم؟ قال: لأنها تشرّف وتنظر، وهي مع ذلك بذيئة، قال: فإني لا أكره ذلك، فقال ابن عباس: أمّا الآن فإني لا أرضاك لها. «800» - قيل وقع بين عليّ وعثمان كلام فقال عثمان: ما أصنع بكم إن كانت قريش لا تحبّكم وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف   [1] م: على معصيته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 الذهب تشرب آنفهم قبل شفاههم. «801» - قدم حماد بن جميل من فارس فنظر إليه يزيد بن المنجاب وعليه جبّة وشي، فقال: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (الإنسان: 1) ، فقال حماد: كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (النساء: 94) . «802» - دخل وفد على عمر بن عبد العزيز فأراد فتى منهم الكلام، فقال عمر: ليتكلّم أسنّكم، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، إنّ قريشا لترى فيها من هو أسنّ منك، فقال: تكلّم يا فتى. «803» - قال معاوية يوما: الأرض لله وأنا خليفته، فما أخذت فلي حلال، وما تركت للناس فلي عليهم فيه منّة، فقال صعصعة: ما أنت وأقصى الأمّة فيه إلا سواء، ولكن من ملك استأثر. فغضب معاوية وقال: لقد هممت، قال صعصعة: ما كلّ من همّ فعل، قال: ومن يحول بيني وبين ذلك؟ قال: الذي يحول بين المرء وقلبه. «804» - وجّه معاوية رجلا إلى ملك الرّوم ومعه كتاب تصديره: «إلى طاغية الرّوم» ، فقال ملك الرّوم للرجل: ما لذي الفخر بالرسالة والمتسمّي بخلافة النبوّة والسّفه؟ أظنكم ولّيتم هذا الأمر بعد إعواز، لو شئت كتبت: من ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيّه، العامل بما يكفّره عليه كتابه، لكني أتجالل عن ذلك. 805- روي أنّ عائشة رضي الله عنها بعثت إلى معاوية وهو بالمدينة تذكر حاجة من آل أبي بكر، فأرسل إليها بثلاثين ألف درهم صلة لها وبمثلها لآل أبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 بكر، وبعث إلى أمّ حبيبة أخته عشرين ألف درهم، فقالت: أتفضّل عليّ وأنا أختك، وحقّي ما تعلم؟ فقال: إني آثرت هوى رسول الله صلّى الله عليه وسلم واقتديت به فيكما، فقالت: إن كنت صادقا فاعتزل ما أنت فيه، وخلّ بينه وبين من أدخلك في الإسلام، فو الله لهوى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه كان فوق هواه فيك، فقال معاوية: لله درّ الحقّ ما أقمعه. «806» - سمع زياد امرأة تقول: اللهم اعزل عنا زيادا فقال: يا أمة الله، زيدي في دعائك: وأبدلنا به من هو خير لنا منه. «807» - قال الأصمعي: ناظر قوم من الخوارج الحسن البصريّ فقال: أنتم أصحاب دنيا، قالوا: وكيف؟ قال: أيمنعكم السلطان من الصلاة؟ قالوا: لا، قال: أفيمنعكم من الحجّ؟ قالوا: لا، حتى عدّد وجوه البرّ ويقولون لا، قال: فأراه إنّما منعكم الدرهم فقاتلتموه. 808- قال حاطب بن أبي بلتعة: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية، فأتيته بكتاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم فأبلغته رسالته، فضحك ثم قال: كتب إليّ صاحبك يسألني أن أتبعه على دينه، فما يمنعه إن كان نبيّا أن يدعو الله فيسلّط عليّ البحر فيغرقني فيكفى مؤونتي ويأخذ ملكي؟ قلت: فما منع عيسى عليه السلام إذ أخذته اليهود فربطوه في حبل وجعلوا عليه [1] إكليلا من شوك، وحملوا خشبته التي صلبوه عليها على عنقه، ثم أخرجوه وهو يبكي حتى نصبوه على الخشبة، ثم طعنوه حيّا بحربة [2] حتى مات- هذا على زعمكم- فما منعه أن يدعو الله فيجيبه فيهلكهم ويكفى مؤونتهم،   [1] م: وحلقوا وسط رأسه. [2] بحربة: سقطت من ر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 ويظهر هو وأصحابه عليهم؟ وما منع يحيى بن زكريا حين سألت امرأة الملك الملك أن يقتله، فقتله وبعث [1] برأسه إليها حتى وضع بين يديها، أن يسأل الله أن ينجيه ويهلك الناس؟ فأقبل على جلسائه وقال: والله إنه لحكيم، وما يخرج الحكيم إلّا من عند الحكماء. 809- قال خالد بن يزيد القرشي: كانت لي حاجة بالجزيرة فاتخذتها طريقا مستخفيا، قال: فبينا أنا أسير بين أظهرهم إذا أنا بشمامسة ورهبان- وكان خالد رجلا لبيبا لسنا ذا رأي- فقلت لهم: ما جمعكم ها هنا؟ قالوا: إن لنا شيخا سيّاحا نلقاه كلّ عام في مكاننا هذا مرّة [2] فنعرض عليه ديننا وننتهي فيه إلى رأيه، قال: وكنت رجلا معنيا بالحديث فقلت: لو دنوت من هذا فلعلّي اسمع منه شيئا أنتفع به، قال: فدنوت منه، فلما نظر إليّ قال لي: من أنت؟ أأنت من هؤلاء؟ قلت: أجل، قال: من أمّة أحمد [3] ؟ قلت: نعم، قال: من علمائهم أنت أو من جهالهم؟ قلت: لست من علمائهم ولا من جهالهم، قال: ألستم تزعمون في كتابكم أنّ أهل الجنّة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوّطون؟ قال، قلت: نعم نقول ذلك وهو كذلك، قال: فإن لهذا مثلا في الدنيا، فما هو؟ قلت مثل هذا الصبي في بطن أمه يأتيه رزق الرحمن بكرة وعشية ولا يبول ولا يتغوّط، فتربّد وجهه وقال لي: ألم تزعم أنّك لست من علمائهم؟ قلت: بلى ما أنا من علمائهم ولا من جهّالهم، ثم قال: ألستم تزعمون أنكم تأكلون وتشربون ولا ينتقص ما في الجنة شيء؟ قال: نقول ذلك وهو كذلك، قال: فإن لهذا مثلا في الدنيا، فما هو؟ قلت: مثل هذا مثل رجل أعطاه الله علما وحكمة في الدنيا وعلّمه كتابه، فلو اجتمع من خلق الله فتعلّموا منه ما نقص ذلك من علمه شيئا، قال: فتربّد وجهه وقال: ألم تزعم أنّك لست من علمائهم؟ قال، قلت: أجل ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم، فقال: ألستم تقولون في   [1] ر: فبعث. [2] مرة: سقطت من م. [3] م: محمد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 صلواتكم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ قال: قلت نعم، قال: فلها عنّي ثم أقبل على أصحابه وقال: ما بسط لأحد من الأمم ما بسط لهؤلاء من الخير، إنّ أحدهم إذا قال في صلواته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لم يبق عبد صالح في السموات والأرض إلا كتب الله له به عشر حسنات، ثم قال: ألستم تستغفرون لأنفسكم وللمؤمنين والمؤمنات؟ قال، قلت بلى، فقال لأصحابه: إن أحد هؤلاء إذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات لم يبق عبد لله مؤمن في السموات والأرض من الملائكة والمؤمنين ولا من كان على عهد آدم أو كائن إلى يوم القيامة إلا كتب الله له به عشر حسنات، ثم أقبل عليّ فقال لي: إن لهذا مثلا في الدنيا فما هو؟ فقلت: كمثل رجل مرّ بملأ كثيرا كانوا أو قليلا، فسلّم عليهم فردّوا عليه، أو دعا لهم فدعوا له، قال: فتربّد وجهه ثم قال: أتزعم أنك لست من علمائهم؟ قلت: أجل ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم، فقال لي: ما رأيت من أمّة محمد من هو أعلم منك، سلني عما بدا لك؟ فقلت: كيف أسأل من يزعم أنّ لله ولدا؟ قال: فشقّ عن مدرعته حتى أبدى بطنه، ثم رفع يديه فقال: لا غفر الله لمن قالها، منها فررنا واتخذنا الصّوامع، وقال: إني سائلك عن شيء فهل أنت مخبري؟ قال، قلت: نعم، قال: أخبرني هل بلغ ابن القرن فيكم أن يقوم إليه الناشىء والطفل فيشتمه ويتعرض لضربه ولا يغيّر ذلك عليه؟ قال، قلت: نعم، قال: ذلك حين رقّ دينكم، واستحببتم دنياكم، وآثرها من آثرها منكم. فقال له رجل من القوم: ابن كم القرن؟ قلت: أمّا أنا فأقول ابن ستين سنة، وأما هو فقال ابن سبعين. فقال رجل من جلسائه: يا أبا هشام ما كان يسرّنا أن أحدا من هذه الأمّة لقيه غيرك. 810- قال العتبي: وفد زياد على معاوية فأتاه بهدايا وأموال عظام وسفط مملوء جوهرا لم ير مثله، فسرّ معاوية به سرورا شديدا، فلما رأى زياد ذلك صعد المنبر وقال: أنا والله يا أمير المؤمنين أقمت صعر العراق، وجبيت لك مالها، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 وألفظت إليك بحرها. فقام إليه يزيد بن معاوية فقال: إن تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى ولاء قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن زياد بن عبيد إلى حرب بن أمية، فقال معاوية: اجلس فداك أبي وأمي. 811- قال موسى بن عقبة: حجّ عبد الملك فلقيه رجل من ولد عمر بن الخطاب وقد نالته ولادة من أبي بكر رحمهما الله، فسأله فحرمه وقال متمثلا: [من الطويل] ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم فقال له رجل من القوم: إذا ذدت ابن الفاروق وابن الصديق فمن يرده؟ قال: يرده عبد مناف. 812- سأل رجل رجلا حاجة فقال المسؤول: اذهب بسلام، سل الله تعالى، فقال السائل: قد أنصفنا من ردّنا إلى الله. 813- حجّ الرشيد فلقيه موسى بن جعفر على بغلة، فقال له الرشيد: مثلك في حسبك وشرفك وتقدّمك يلقاني على بغلة؟ فقال: تطأطأت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن دناءة [1] العير، وخير الأمور أوسطها. «814» - قدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان، فقالت عائشة بنت عثمان: وا أبتاه! وبكت. فقال معاوية: يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم [2] أمانا، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، ومع كلّ   [1] م: ذلة. [2] م: فأعطيناهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 إنسان سيفه، وهو يرى مكان أنصاره، فإن نكثناهم نكثوا بنا، ولا ندري أعطينا يكون أم لنا، ولأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عرض المسلمين. «815» - دخل زفر بن الحارث على عبد الملك بن مروان بعد الصّلح فقال: ما بقي من حبّك للضحّاك؟ قال: ما لا ينفعني [1] ولا يضرّك، قال: شدّ ما أحببتموه معاشر قيس، قال: أحببناه ولم نؤاسه ولو آسيناه لقد كنّا أدركنا ما فاتنا منه، قال: فما منعكم من مواساته يوم المرج؟ قال: ما منع أباك من مواساة عثمان يوم الدار. 816- قال قريش بن أنس: حضرنا جماعة عند عمرو بن عبيد فقال: يؤتى بي يوم القيامة فيقام بي بين يدي الله عزّ وجلّ فيقول لي: أقلت إني لا أغفر للقاتل وإني أدخله النار؟ فأقول: أنت قلت: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها (النساء: 93) . فسكتت الجماعة، فقلت له، وما في البيت أصغر مني: أرأيت إن قال لك قد قلت: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ* (النساء: 48، 116) فمن أين علمت أنّي لا أشاء أن أغفر للقاتل؟ فما ردّ عليّ شيئا. «817» - قال الحجّاج لبعض الخوارج: أجمعت القرآن؟ قال: أو متفرّقا كان فأجمعه؟ قال: أتقرؤه ظاهرا؟ قال: بلى أقرؤه وأنا أبصره، قال: فتحفظه؟ قال: وهل أخشى فراره فأحفظه؟ قال: ما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: لعنه الله ولعنك معه، قال: إنك مقتول فكيف تلقى الله؟ قال: ألقاه بعملي وتلقاه بدمي.   [1] البصائر: ينفعه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 «818» - دنا سقّاء من فقيه على باب سلطان فسأله عن مسألة، فقال له: أهذا موضع المسألة؟ فقال له السّقّاء: أو هذا موضع الفقه؟ «819» - كان الحسن يقول: لا توبة لقاتل مؤمن متعمّدا. فدسّ إليه عمرو بن عبيد رجلا وقال قل له: إنّه لا يخلو من أن يكون مؤمنا أو كافرا أو منافقا أو فاسقا. فإن كان مؤمنا فإن الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (التحريم: 8) ، وإن كان كافرا فإنه يقول: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (الانفال: 38) ، وإن كان منافقا فإنه يقول: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (النساء: 145- 146) ، وإن كان فاسقا فإنه يقول: أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (النور: 4- 5) . فقال الحسن للرجل: من أين لك هذا؟ قال: شيء اختلج في صدري، قال: اصدقني. فقال الرجل: عمرو بن عبيد، فقال الحسن: عمرو بن عبيد، وما عمرو؟ إذا قام بأمر قعد به، وإذا قعد بأمر قام به. «820» - لما أخذ عمر بن الخطاب في التوجّه إلى الشام قال له رجل: أتدع [1] مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: أدع مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم لصلاح أمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولقد هممت أن أضرب رأسك بالدّرّة حتى لا تجعل الردّ على الأئمّة عادة فيتخذها الأجلاف سنّة. 821- ولما أخذ سابور ماني الزنديق قال له نصحاؤه: اقتله، قال: إن قتلته من غير أن أغلبه بالحجّة قال عامّة الناس بقوله، ويقولون ملك جبّار قتل زاهدا،   [1] م: تدع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 ولكني أحاجّه فإن غلبته بالحجّة حينئذ قتلته، ففعل، ثم حشا جلده تبنا وصلبه. 82» - قال الحجاج بن يوسف ليحيى بن سعيد بن العاص: بلغني أنّك تشبه إبليس في قبح وجهك؛ قال: وما ينكر الأمير أن يكون سيّد الإنس يشبه سيّد الجنّ؟!. 823- قال إياس بن معاوية: كنت أختلف وأنا غلام إلى رجل من اليهود أتعلّم منه الحساب، فسمعته يوما يقول: ألا تعجبون من المسلمين، يزعمون أن أهل الجنّة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوّطون؟ قال إياس: فقلت يا معلّم ألست تزعم أن الدنيا مرآة الآخرة؟ قال: نعم، قلت: فأخبرني عما يأكله ابن آدم أيصير كلّه ثفلا؟ قال: لا ولكن بعضه ثفل وبعضه غذاء؛ قال، قلت: فما أنكرت أن يكون بعضه في الدنيا غذاء ويصير كلّه في الآخرة غذاء؛ فقال لي: قاتلك الله من غلام ما أفهمك. 824- قال المنتصر لأبي العيناء: ما أحسن الجواب؟ قال: ما أسكت المبطل وحيّر المحقّ. «825» - وقال المسور بن مخرمة: دخلت على معاوية، فقال: ما فعل طعنك على الأئمّة يا مسور؟ فاستعفيته فأقسم عليّ؛ فو الله ما تركت عيبا إلا ذكرته. فقال: لا تبرأ من ذنب، فهل لك يا مسور ذنوب تخافها أن تهلك بها إن لم يغفرها الله لك؟ قلت: نعم؛ قال: فما جعلك أحقّ أن ترجو المغفرة مني؟ فكان المسور إذا ذكره استغفر له وقال خصمني. «826» - خطب معاوية ذات يوم فقال: إنّ الله يقول: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (الحجر: 21) ، فما نلام نحن؟ فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له: يا معاوية، إنّا والله ما نلومك على ما في خزائن الله، وإنما نلومك على ما أنزل الله علينا من خزائنه فأغلقت بابك دونه. «827» - خطب المنصور بمكة، وقد أمّل الناس عطاءه، فقال: أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده، وخازنه على فيئه، أعمل فيه بمشيئته، وأقسمه بإرادته؛ وقد جعلني الله تعالى قفلا عليه، إذا شاء أن يفتحني فتحني، وإذا شاء أن يقفلني [1] أقفلني. فارغبوا إلى الله أيّها الناس في هذا اليوم الذي عرّفكم من فضله ما أنزله في كتابه، فقال عزّ وجلّ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (المائدة: 3) ، أن يوفقني للصّواب، ويسدّدني للرّشاد، ويلهمني الرأفة بكم والإحسان اليكم، ويفتحني لأعطياتكم وقسم أرزاقكم فيكم، إنه قريب مجيب. فقال له ابن عياش المنتوف: أحال أمير المؤمنين بالمنع على ربّه تعالى. «828» - قال صالح بن علي بن عبد الله بن عباس لابنه عبد الملك وقد غضب عليه: يا ابن الفاعلة؛ فقال عبد الملك: الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ (النور: 3) ، وأنشد: [من الطويل] عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فإنّ القرين بالمقارن مقتد فلم يكلّمه صالح حتى مات. 829- وكانت أمّ عبد الملك بن صالح جارية لمروان بن محمد، فلما قتله صالح بمصر، اتّخذ أمّ عبد الملك لنفسه. فلما سعى قمامة كاتب عبد الملك به   [1] ر: يغلقني أغلقني. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 إلى الرشيد واعتزم على حبسه كلّمه وأغلظ له، فقال الرشيد: ما أنت منا؛ فقال: والله ما أبالي لأيّ الفحلين كنت، لصالح بن عليّ أو لمروان بن محمد. «830» - كلّم عروة بن الزبير عبد الملك بكلام غليظ والحجاج قائم على رأسه، فقال: يا ابن العمياء، أتكلّم أمير المؤمنين بمثل ما أسمع؟ قال عروة: يا ابن المتمنّية، وما ذكرك عجائز الجنّة؟ وكانت جدّة الحجاج القائلة: [من البسيط] هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجّاج وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتاز بالمرأة وهي تنشد هذا الشعر، فأحضر نصر بن حجّاج، وهو شابّ جميل ذو وفرة مليحة، فحلق شعره فكان أجمل، فنفاه، وقال: لا أسمع النّساء يتمنّينك في حجالهنّ. فقال عبد الملك: أقسمت عليك إلّا أمسكت. 831- قال أبو حاتم: كنت في حلقة ابي عبيدة، فجاء إلينا غلام من آل المهلّب وضيء الوجه في منطقه لين، فكأنّ القوم استقبحوا منطقه. فقال له رجل من آل صباح بن خاقان المنقريّ: يا غلام ممن أنت؟ قال: من آل المهلّب؛ قال: ومن أمّك؟ قال: سبيّة من القندهار، قال: نزعت [1] فيك رخاوة الهند؛ فبعث منه شيطانا؛ فقال [2] : أيها المتكلّم فمن أنت؟ قال: من بني تميم؛ قال: أمكنت والله من مقاتلك: أمّ شبيبكم وفارسكم سوداء، وأمّ عنترتكم سوداء، وأمّ ذي الرّقيبة سبيّة من أمانيا، وأمّ عمرو بن العاص سبيّة من عنزة، وأمّ عبيد الله بن زياد بن ظبيان سبيّة من أصفهان، وأمّ ابن زياد الذي مزّقكم كلّ   [1] م: أثر. [2] م: فتعجب منه وقال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 ممزّق مرجانة، وأمّ زياد الذي شدخ رؤوسكم سميّة، وأمّ الشعبي من جلولاء، وأمّ خالد بن عبد الله الذي غمركم نواله سبيّة من الروم، وأمّ وكيع ابن الدورقية الذي أدرك ثأركم سبيّة من دورق، وأمّ عبد الله بن خازم الذي أباد غابركم بخراسان سبيّة، فأيّتهنّ تعيب لا أمّ لك؟ ثم قام الغلام فما أبقى في الحلقة إلا ضاحكا أو شامتا. 832- وروي عن رجل من قريش، قال: كنت أجالس سعيد بن المسيّب فقال لي يوما: من أخوالك؟ قلت: أمّي فتاة، فكأني نقصت من عينه، وأمهلت حتى دخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر، فلما خرج من عنده قلت: من هذا يا عمّ؟ قال: سبحان الله، أتجهل هذا من قومك؟ هذا سالم بن عبد الله بن عمر، قلت: فمن أمّه؟ قال: فتاة؛ ثم أتاه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق فجلس إليه فنهض، فقلت: من هذا يا عمّ؟ قال: أتجهل من أهلك مثله؟ ما أعجب هذا! هذا القاسم بن محمد بن أبي بكر، قلت: فمن أمّه؟ قال: فتاة؛ قال: فأمهلت حتى جاء عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فسلّم عليه ثم نهض، فقلت له: يا عمّ، من هذا؟ قال: هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله، هذا عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قلت: فمن أمّه؟ قال: فتاة؛ قال: فقلت يا عمّ رأيتني نقصت في عينك لما علمت أني لأمّ ولد، أما لي في هؤلاء أسوة؟ قال: فجللت في عينه جدا. «833» - وتزوج عليّ بن الحسين أمة له أعتقها، فلامه عبد الملك بن مروان وكتب إليه: أما بعد فإنه بلغني أنّك أعتقت أمتك وتزوّجتها، وقد كان لك في أكفائك من قريش ما تستكرم به في الصهر، وتستنجب به في الولد، فلم تنظر لنفسك ولا لولدك ونكحت في اللّؤم. فكتب إليه علي: أما بعد، فإنّي أعتقتها بكتاب الله عزّ وجلّ وارتجعتها بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإنّه والله ما فوق رسول الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 الله صلّى الله عليه وسلم مرتقى لأحد في مجد، إن الله عزّ وجلّ قد رفع بالإسلام الخسيسة، وأتمّ النّقيصة، وأكرم به من اللؤم، فلا عار على مسلم، هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم تزوّج أمته وامرأة عبده. فقال عبد الملك: إن عليّ بن الحسين يشرف من حيث يتّضع الناس. «834» - سأل الرشيد موسى بن جعفر فقال: لم زعمتم أنّكم أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم منّا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لو أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنشر فخطب إليك كريمتك أكنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله، وكنت أفتخر بذلك على العجم والعرب؛ فقال: لكنه لا يخطب إليّ ولا أزوّجه لأنه ولدنا ولم يلدكم. «835» - وروي أنه قال: هل كان يجوز أن يدخل على حرمك وهن متكشّفات؟ فقال: لا، قال: لكنه كان يدخل على حرمي كذلك، وكان يجوز له. «836» - وقيل إنّه سأله أيضا: لم قلتم إنّا ذرية رسول الله، وجوّزتم للناس أن ينسبوكم إليه فيقولون يا بني رسول الله وأنتم بنو عليّ، وإنما ينسب الرجل إلى أبيه دون جدّه؟ فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ (الأنعام: 84- 85) ، وليس لعيسى أب، وإنما ألحق بذريّة الأنبياء من قبل أمّه، وكذلك ألحقنا بذريّة النبيّ صلّى الله عليه وسلم من قبل أمّنا فاطمة عليها السلام، وأزيدك يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ (آل عمران: 61) . ولم يدع عليه السّلام عند مباهلة النصارى غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين وهم الأبناء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 «837» - قال الرشيد للجهجاه: أزنديق أنت؟ قال: وكيف أكون زنديقا وقد قرأت القرآن، وفرضت الفرائض، وفرّقت بين الحجة والشبهة؟ قال: والله لأضربنّك حتى تقرّ، قال: هذا خلاف ما أمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أمرنا أن نضرب الناس حتى يقرّوا بالإيمان وأنت تضربني حتى أقرّ بالكفر. «838» - قال المنصور لإسحاق بن مسلم العقيلي: أفرطت في ولائك لبني أمية، فقال: من وفى لمن لا يرجى كان لمن يرجى أوفى، فصدقه. «839» - ودخل المكيّ على المأمون، وكان مفرط القصر والدمامة، فضحك المعتصم، فقال المكيّ: ممّ ضحك هذا؟ فوالله ما اصطفى الله يوسف عليه السّلام لجماله وإنما اصطفي لبيانه، وقد نصّ الله عزّ وجلّ على ذلك بقوله: فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (يوسف: 54) ، وبياني أحسن من هذا. «840» - قال معاوية لرجل من أهل اليمن: ما كان أحمق قومك حين ملّكوا عليهم امرأة، قال: قومك أشدّ حماقة إذ قالوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ (الأنفال: 32) ، هلّا قالوا: فاهدنا له. «841» - طاف رجل من بني تغلب بالبيت، وكان وسيما جسيما، فبصر به رجل من قريش كان حسودا، فسأل عنه فخبّر أنه من تغلب، فلما حاذاه قال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 القرشي ليسمعه: إنها لرجلان قلّما وطئت البطحاء. فالتفت إليه التغلبي وقال له: يا هذا البطحاوات ثلاث: فبطحاء الجزيزة وهي لي دونك، وبطحاء ذي قار وأنا أحقّ بها منك، وهذه البطحاء سواء العاكف فيه والباد. قال: فتحيّر الرجل فما أعاد كلمة. «842» - قال الرشيد لإسماعيل بن صبيح: وددت أنّ لي حسن خطّك، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان حسن الخطّ مكرمة لكان أولى الناس بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم. «843» - قال محمد بن عبد الملك الزيات لبعض أولاد البرامكة: من أنت ومن أبوك؟ قال: أبي الذي تعرفه، ومات وهو لا يعرفك. 844- ومثل هذا أو قريب منه ما حكي أن المروانيّ صاحب الأندلس كتب إلى صاحب مصر كتابا وملأه بسبّه وسبّ أبيه، فكتب إليه في الجواب: يا هذا، عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك، والسلام. «845» - دخل شابّ من بني هاشم على المنصور، فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مرض رضي الله عنه يوم كذا، ومات رحمه الله يوم كذا، وترك رحمه الله من المال كذا. فانتهره الربيع وقال: بين يدي أمير المؤمنين توالي الدّعاء لأبيك. فقال الشاب: لا ألومك لأنّك لم تعرف حلاوة الآباء. قال: فما علمنا أنّ المنصور ضحك في مجلسه قطّ ضحكا افترّ عن نواجذه إلا يومئذ- وكان الربيع لقيطا. «846» - واستبطأ عبد الملك بن مروان ابنه مسلمة في مسيره إلى الروم فكتب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 إليه: [من الكامل] لمن الظّعائن سيرهنّ تزحّف ... سير السّفين إذا تقاعس يجذف فكتب إليه مسلمة في الجواب: [من الطويل] ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم «847» - وسمع مسلمة رجلا تمثّل بقول الشاعر وقد دلّي بعض بني مروان في قبره: [من الطويل] وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما فقال له مسلمة: لقد تكلمت بكلمة شيطان، هلا قلت: [من الطويل] إذا مقرم منّا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم «848» - سابق مسلمة في حلبة فسبق وعبد الملك حاضر، فقال عبد الملك، والشعر لبعض بني عبس: [من الطويل] نهيتكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرّهان فتدركوا فتضعف ساقاه وتفتر كفّه ... وتخدر فخذاه فلا يتحرّك وما يستوي المرآن هذا ابن حرّة ... وهذا هجين ظهره متشرّك قعدن به خالاته فاختزلنه ... ألا إنّ عرق السّوء لا بدّ مدرك فقال مسلمة، والشعر لمسكين الدارمي: [من الطويل] وما أنكحونا طائعين فتاتهم ... ولكن نكحناها بأسيافنا قهرا كريم إذا اعتلّ الزمان وجدته ... وقد سار في ظلمائه قمرا بدرا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 فما زادها فينا السّباء مذلّة ... ولا خبزت خبزا ولا طبخت قدرا وكائن ترى فينا من ابن سبيّة ... إذا التقت الخيلان يطعنها شزرا ولكن خلطناها بحرّ نسائنا ... فجاءت بهم بيضا غطارفة زهرا «849» - لما استخلف المهدي أخرج من في السجون، فقيل له: إنما تزري على أبيك، فقال: لا أزري على أبي، ولكن أبي حبس بالذنب وأنا أعفو عنه. 849 ب- وجزع المهديّ على رخيم جاريته جزعا شديدا، فكان يأتي المقابر ليلا فيبكي. فبلغ ذلك المنصور فكتب إليه: كيف ترجو أن أولّيك أمر الأمّة وأنت تجزع على أمة؟ فكتب إليه المهدي: إني لم أجزع على قيمتها وإنما جزعت على شيمتها. «850» - عرض رجل للرشيد وهو يطوف بالبيت فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلّمك بكلام فيه خشونة، فاحتمله لي، قال: لا ولا كرامة، قد بعث الله تعالى من هو خير منك إلى من هو شرّ مني فقال: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه: 44) . «851» - قال رجل لمعاوية: والله لقد بايعتك وأنا كاره، فقال معاوية: قد جعل الله لك في الكره خيرا كثيرا. «852» - قال الحجاج يوما على المنبر: تزعمون أنّا من بقايا ثمود، والله جلّ وعزّ يقول: وَثَمُودَ فَما أَبْقى (النجم: 51) . وقال مرة أخرى: لئن كنّا من بقايا ثمود فما أنجى الله مع صالح إلا خيارهم. وبنو ثقيف يزعمون أن ثقيفا هو قسيّ بن منبّه بن بكر بن هوازن بن منصور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر؛ وقال قوم: إن ثقيفا والنخع أخوان من إياد، وقوم آخرون يزعمون أن ثقيفا من بقايا ثمود. 853- أتي الوليد بن عبد الملك برجل من الخوارج، فقيل له ما تقول في أبي بكر وعمر: فقال خيرا، قيل فعثمان: قال خيرا. قيل فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك: فقال: الآن جاءت المسألة، ما أقول في رجل الحجّاج خطيئة من خطاياه. «854» - قال معاوية يوما لأهل الشام، وعنده عقيل بن أبي طالب: هذا أبو يزيد لولا أنه علم أني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، فقال له عقيل: أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي. «855» - وقال له مرة أخرى: أنت معنا يا أبا يزيد، قال: ويوم بدر كنت معكم. «856» - مرّ معاوية بقوم من قريش، فلما رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس، فقال: يا ابن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك؟ ما ذاك إلا لموجدة أنّي قاتلتكم بصفّين، فلا تجد، فإن عثمان بن عفان [1] قتل مظلوما. قال ابن عباس: فعمر بن الخطاب قتل مظلوما، قال: إن عمر قتله كافر، قال ابن عباس فمن قتل عثمان؟ قال: المسلمون، قال: فذاك دحض لحجتك. «857» - لقي أبو العيناء بعض إخوانه في السّحر، فجعل يعجب من بكوره ويقول: يا أبا عبد الله، أتركب في مثل هذا الوقت؟ فقال له أبو العيناء: تشاركني بالفعل وتفردني بالتعجب.   [1] نثر الدر: فإن عثمان ابن عمير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 «858» - وكان أبو العيناء في جملة أبي الصقر، وكان يعادي ابن ثوابة لمعاداته لأبي الصقر. فاجتمعا في مجلس صاعد، فتلاحيا، فقال له ابن ثوابة: أما تعرفني؟ فقال له أبو العيناء: بلى والله، أعرفك ضيّق العطن، كثير الوسن، قليل الفطن، خارّا على الذقن. قد بلغني تعدّيك على أبي الصقر، وإنما حلم عنك لأنه لم يجد عزّا فيذله، ولا علوّا فيضعه، ولا مجدا فيهدمه، فعاف لحمك أن يأكله، وسهك دمك أن يسفكه. فقال له اسكت، فما تسابّ اثنان إلا غلب ألأمهما، فقال له أبو العيناء: فلهذا غلبت أبا الصقر بالأمس. 859- قال عبد الصمد بن علي: كنت عند عبد الله بن علي في عسكره بالشام لما خالف المنصور ودعا إلى نفسه، وكان أبو مسلم بإزائه يقاتله، فاستؤذن لرسول ابي مسلم عليه فأذن له، فدخل رجل من أهل الشام فقال له: يقول لك الأمير علام قتالك إيّاي وأنت تعلم أني أهزمك؟ فقال، قل له: يا ابن الزانية، ولم تقاتلني عنه وأنت تعلم أنه يقتلك. «860» - وشبيه بهذا ما حكي عن الأمين أنه كتب إلى طاهر بن الحسين وقت محاربته إياه: يا طاهر، اعلم أنّه ما قام لنا قائم بأمر فكان جزاؤه منا إلا السيف، فخذ لنفسك أودع. فكان طاهر يقول بعد ذلك: والله لقد جعلني على مثل النار من الحذر. «861» - لما هرب ابن هبيرة من حبس خالد بن عبد الله القسريّ قال له خالد: أبقت إباق العبد، فقال: نعم، حين نمت نوم الأمة عن عجينها. «862» - قال المهدي لشريك وعيسى بن موسى عنده: لو شهد عندك عيسى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 كنت تقبله؟ وأراد أن يغري بينهما، فقال شريك: من شهد عندي سألت عنه، ولا يسأل عن عيسى غير أمير المؤمنين، فإن زكّيته قبلته. فقلبها عليه. «863» - وقال مروان بن محمد لحاجبه يوم الزّاب وقد ولّى منهزما: كرّ عليهم بالسيف، فقال: لا طاقة لي بهم؛ قال: والله لئن لم تفعل لأسوأنّك، قال: وددت أنّك تقدر على ذلك. «864» - قال بحيرا الراهب لأبي طالب: احذر على ابن أخيك فإنه سيصير إلى كذا وكذا. قال: إن كان الأمر على ما وصفت فهو في حصن من الله تعالى. «865» - قال رجل لهشام بن الحكم: أليس اختصم العباس وعليّ إلى عمر؟ قال: بلى، قال: فأيهما كان الظالم؟ قال: ليس فيهما ظالم، قال: سبحان الله كيف يتخاصم اثنان وليس فيهما ظالم؟ قال: كما تخاصم الملكان إلى داود وليس فيهما ظالم. «866» - قال رجل لشريك: أخبرني عن قول عليّ عليه السلام للحسن: ليت أباك كان قد مات قبل هذا اليوم بعشرين سنة، أقاله إلّا وهو شاكّ في أمره؟ قال له شريك: أخبرني عن قول مريم: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (مريم: 23) ، قالته شاكة في عفتها؟ فسكت الرجل. «867» - دخل الوليد بن يزيد على هشام وعلى الوليد عمامة وشي، فقال هشام: بكم أخذت عمامتك؟ قال بألف درهم. فقال هشام: عمامة بألف درهم؟ يستكثر ذلك، قال: يا أمير المؤمنين إنها لأكرم أطرافي، وقد اشتريت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 أنت جارية بعشرة آلاف دينار لأخسّ أطرافك. «868» - بايت المفضّل الضّبيّ المهديّ، فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر حمّاد الراوية، فقال له المهدي: ما فعل عياله ومن أين يعيشون؟ قال: من ليلة مثل هذه كانت مع الوليد بن يزيد. «869» - شكا يزيد بن أسيد إلى المنصور ما ناله من العباس بن محمد أخيه، فقال المنصور: اجمع إحساني إليك وإساءة أخي فإنهما يعتدلان؛ قال: إذا كان إحسانكم إلينا جزاء لإساءتكم كانت الطاعة منا تفضلا. «870» - لما بنى محمد بن عمران قصره حيال قصر المأمون قيل: يا أمير المؤمنين، ماراك وباهاك. فدعاه فقال: لم بنيت هذا القصر حذائي؟ قال: يا أمير المؤمنين، أحببت أن ترى أثر نعمتك عليّ فجعلته نصب عينيك. فاستحسن جوابه وأجزل عطيّته. «871» - قال الأشعت بن قيس لشريح القاضي: يا أبا أميّة، عهدي بك وإنّ شأنك لشؤين، فقال: يا أبا محمد، أنت تعرف نعمة الله على غيرك وتجهلها في نفسك. «872» - تظلم أهل الكوفة إلى المأمون من عامل ولّاه عليهم، فقال المأمون: ما علمت في عمّالي أعدل ولا أقوم بأمر الرّعيّة، ولا أعود بالرفق عليهم منه. فقام رجل من القوم فقال: يا أمير المؤمنين، ما أحد أولى بالعدل والإنصاف منك، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 فإذا كان عاملنا بهذه الصفة فينبغي أن تعدل بولايته بين أهل البلدان وتساوي به أهل الأمصار، حتى يلحق كلّ بلد وأهله من عدله وإنصافه مثل الذي لحقنا؛ وإذا فعل ذلك أمير المؤمنين فلا يصيبنا منه أكثر من ثلاث سنين، فضحك المأمون وعزل العامل عنهم. «873» - وكتب إبراهيم بن سيابة إلى رجل كثير المال يستسلف منه نفقة، فكتب إليه: العيال كثير، والدخل قليل، والدّين ثقيل، والمال مكذوب عليه. فكتب إليه إبراهيم: إن كنت كاذبا فجعلك الله صادقا، وإن كنت محجوجا فجعلك الله معذورا. 874- نظر إلى هذا المعنى أبو عبد الله ابن الحجاج فقال من أبيات له: [من السريع] مدحته يوما برائيّة ... نفخت في انشادها شدقي فلم يزل يقعد لي تارة ... وتارة في الدّست يستلقي كأنه في شهرها حامل ... قد نخت يومين بالطلق ثم اشتكى الفقر وقال ادع لي ... بأن يزيد الله في رزقي فقلت يا ربّ بحقّ الذي ... أرسلته يدعو إلى الحقّ إن كان فيما يدّعي كاذبا ... فافتح له بابا إلى الصدق «875» - صار الفضل بن الربيع إلى أبي عبّاد في نكبته يسأله حاجة فأرتج عليه، فقال له: يا أبا العباس، بهذا البيان خدمت خليفتين؟ فقال: إنّا تعوّدّنا أن نسأل ولا نسأل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 «876» - قال مالك بن طوق للعتابي: سألت فلانا حاجة فرأيتك قليلا في كلامك. قال: كيف لا أقلّ في كلامي ومعي حيرة الطلب، وذلّ المسألة، وخوف الردّ. «877» - قالت بنو تميم لسلّامة بن جندل: مجّدنا في شعرك. فقال: افعلوا حتى أقول. «878» - ساير ابن لشبيب بن شبة عليّ بن هشام، وعليّ على برذون له فاره، فقال له: سر، قال: كيف أسير وأنت على برذون إن ضربته طار وإن تركته سار، وأنا على برذون إن ضربته قطف وإن تركته وقف. فدعا له ببرذون وحمله عليه. «879» - عاتب الفضل بن سهل الحسين بن مصعب في أمر ابنه طاهر والتوائه عليه وتلوّنه، فقال له الحسين: أنا أيها الأمير شيخ في أيديكم، لا تذمّون اخلاصي، ولا تنكرون نصحي؛ فأما طاهر فلي في أمره جواب مختصر، وفيه بعض الغلظ، فإن أذنت ذكرته، قال: قل، فقال: أيها الأمير، أخذت رجلا من عرض الأولياء، فشققت صدره وأخرجت قلبه، ثم جعلت فيه قلبا قتل به خليفة، وأعطيته آلة ذلك من الرجال والأموال والعبيد، ثم تسومه بعد ذلك أن يذلّ لك ويكون كما كان؟ لا يتهيّأ هذا إلا أن تردّه إلى ما كان، ولا تقدر على ذلك. فسكت الفضل. «880» - أتي هشام برجل قد رمي بخيانة، فأقبل يحتجّ عن نفسه، فقال له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 هشام: أو تتكلّم أيضا؟ فقال الرجل: إن الله سبحانه يقول: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها (النحل: 111) ، أفنجادل الله تعالى جدالا ولا نكلّمك كلاما؟ فقال: تكلّم بما أحببت. «881» - كتب الحسن بن زيد إلى صاحب الزّنج بالبصرة: عرّفني نسبك؟ فأجابه: ليعنك من شأني ما عناني من أمرك. «882» - قيل لأبي الهذيل: إنّ قوما يلعنونك، قال: أرأيت إن أنا اتّبعتهم هل يلعنني قوم آخرون؟ قال: نعم، قال: فأراني لا أتخلّص من لعن طائفة، فدعني مع الحقّ وأهله. «883» - خلع الرشيد على يزيد بن مزيد، وكان في مجلسه رجل من أهل اليمن، فقال: اجرر يا يزيد ما لم يعرق فيه جبينك، قال: صدقت عليكم نسجه وعلينا سحبه. «884» - قال عمرو بن العاص لمعاوية: ما أشدّ حبّك للمال، قال: ولم لا أحبّه وأنا أستعبد به مثلك وأبتاع دينك ومروءتك. «885» - قال أبو العيناء: قال لي المتوكل يوما: لا تكثر الوقيعة في الناس، فقلت: إن لي في بصري شغلا عن ذلك، فقال: ذاك أشدّ لحقدك على أهل العافية. 886- وقال له المتوكل يوما: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك، فقال: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (المطففين: 29) . «886» ب- وقال له ابن السّكّيت: تراك أحطت بما لم أحط به؟ قال: ما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 أنكرت؟ فو الله لقد قال الهدهد- وهو أخسّ طائر- لسليمان: أحطت بما لم تحط به. «887» - وقال أبو العيناء: قال لي المتوكل: امض إلى موسى بن عبد الملك واعتذر إليه ولا تعلمه أنّي وجّهتك. فقلت له: تستكتمني بحضرة ألف؟ قال: إنما عليك أن تنفذ لما تؤمر به، قلت: وعليّ أن أحترس مما أخاف منه. «888» - وقال له يوما عبيد الله بن سليمان: كيف حالك؟ قال: أنت الحال، إذا صلحت صلحت. «889» - وقرّبه يوما فقال: تقريب المولى وحرمان العدوّ. «890» - قيل له: لا تعجل فإنّ العجلة من الشيطان، فقال: لو كان كذلك لما قال موسى: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (طه: 84) . «891» - وقال أبو العيناء: أنا أوّل من أظهر العقوق بالبصرة، قال لي أبي: يا بنيّ إن الله قرن طاعته بطاعتي فقال: اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ (لقمان: 14) ، فقلت: يا أبة إن الله تعالى ائتمنني عليك ولم يأتمنك علي فقال سبحانه وتعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ (الاسراء: 31) . «892» - وقال أبو العيناء: قال لي المتوكل يوما: بلغني أنّك رافضيّ. فقلت: للدّين أم للدنيا؟ فإن أك للدين ترفّضت فأبوك مستنزل الغيث؛ وإن أك لدنيا ففي يدك خزائن الأرض. وكيف أكون رافضيا وأنا مولاك، ومولدي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 البصرة، وأستاذي الأصمعي، وجيراني باهلة؟! فقال: إن ابن سعدان زعم ذلك، فقلت: ومن ابن سعدان! والله ما يفرّق بين الإمام والمأموم، والتابع والمتبوع، إنما ذلك حامل درّة ومعلّم صبية، وآخذ على كتاب الله أجرة. قال: لا تفعل، فإنه مؤدّب المؤيّد؛ قلت: يا أمير المؤمنين، لم يؤدّبه حسبة، وإنّما أدّبه بأجرة، فإذا أعطيته حقّه فقد قضيت ذمامه. «893» - وقف بهلول على رجل فقال: خبرني عن قول الشاعر: [من الكامل] وإذا نبا بك منزل فتحوّل كيف هو عندك؟ قال: جيد، قال: فإن كان في الحبس فكيف يتحول؟ فانقطع الرجل. فقال بهلول: الصواب قول عنترة: [من الطويل] إذا كنت في دار يسوؤك أهلها ... ولم تك مكبولا بها فتحوّل «894» - قيل لمجنون: ما فعل ضربك للصبيان؟ فقال: [من الطويل] وإنّ امرءا يمسي ويصبح سالما ... من الناس إلا ما جنى لسعيد 895- تزوج أعرابي امرأة أشرف منه حسبا ونسبا فقال: يا هذه إنك مهزولة، فقالت: هزالي أولجني بيتك. «896» - نظر رجل إلى امرأتين تتلاعبان فقال: مرّا، لعنكما الله، فانّكن صويحبات يوسف. فقالت إحداهما: يا عمّ فمن رمى به في الجبّ؟ أنحن أم أنتم؟ «897» - قال عليّ بن عبيدة: تزاور أختان من [أهل] القصر فأرهقتهما الصلاة، فبادرت إحداهما فصلّت صلاة خفيفة، فقال لها بعض النساء: كنت حريّة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 أن تطوّلي الصلاة في هذا اليوم شكرا لله تعالى حيث التقيتما، قالت: لا ولكن أخفّف صلاتي اليوم وأتمتّع بالنظر إليها، وأشكر الله تعالى في صلاتي غدا. «898» - قالت عائشة للخنساء: إلى كم تبكين على صخر، وإنما هو جذوة في النار؟ قالت: ذاك أشدّ لجزعي عليه. «899» - جاءت امرأة إلى عديّ بن أرطأة تستعديه على زوجها وتشكو أنه عنّين لا يأتيها، فقال عدي: إني لأستحي للمرأة أن تستعدي على زوجها في مثل هذا، فقالت: ولم لا أرغب فيما رغبت فيه أمّك، فلعل الله أن يرزقني ابنا مثلك. «900» - مدح رجل هشاما فقال: يا هذا إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال له: ما مدحتك وإنما أذكرتك نعم الله تعالى لتجدّد له شكرا. «901» - قال المغيرة بن شعبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في جواب كلام اشار فيه إلى تجنب الفاجر: يا أمير المؤمنين، الضعيف المؤمن له أمانته وعليك ضعفه، والفاجر القويّ لك قوّته وعليه فجوره. فولّاه الكوفة. «902» - لما فتح قتيبة بن مسلم سمرقند أفضى إلى أثاث ومتاع لم ير مثله، وكان في جملة ذلك قدور يرقى إليها بالسلالم. فأراد أن يري الناس عظيم ما فتح الله عليهم، فأمر بدار ففرشت له، وفي صحنها تلك القدور، فإذا بالحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرّقاشي قد اقبل والناس جلوس على مراتبهم، والحضين شيخ كبير. فلما رآه عبد الله بن مسلم قال لأخيه قتيبة: ائذن لي في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 معابثته، قال: لا ترده فإنه خبيث الجواب، فأبى عبد الله إلا أن يأذن له- وكان عبد الله يضعّف، وكان تسوّر حائطا إلى امرأة قبل ذلك- فأقبل على الحضين، فقال له: أمن الباب دخلت يا أبا ساسان؟ قال: أجل، أسنّ عمّك عن تسوّر الحيطان؛ قال: أرأيت هذه القدور؟ قال: هي أعظم من أن لا ترى؛ قال: ما أحسب بكر بن وائل رأى مثلها؛ قال: أجل ولا عيلان، ولو كان رآها لسمّي شبعان ولم يسمّ عيلان، فقال له عبد الله: يا أبا ساسان أتعرف الذي يقول [1] : [من الطويل] عزلنا وأمّرنا وبكر بن وائل ... تجرّ خصاها تبتغي من تحالف قال: أعرفه وأعرف الذي يقول: [من الوافر] وخيبة من يخيب على غنيّ ... وباهلة بن يعصر والرباب قال: أتعرف الذي يقول: [من الطويل] كأن فقاح الأزد حول ابن مسمع ... إذا عرقت أفواه بكر بن وائل قال: نعم وأعرف الذي يقول [2] : [من الكامل] قوم قتيبة أمّهم وأبوهم ... لولا قتيبة أصبحوا في مجهل قال: أما الشعر فأراك ترويه، فهل تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: أقرأ منه الأكثر الأطيب: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (الانسان: 1) . قال: فأغضبه، فقال: والله لقد بلغني أن امرأة الحضين حملت إليه وهي حامل من غيره، قال: فما تحرك الشيخ عن هيئته الأولى، ثم قال على رسله: وما يكون؟ تلد غلاما على فراشي فيقال فلان ابن   [1] البيت في الطبري 2: 445، 449 والنقائص: 112، 729 وأنساب الاشراف 4/1: 406 ونسب لحارثة بن بدر الغداني وإلى الفرزدق. [2] البيت في الامتاع والمؤانسة 3: 172 وفيه أظنه لخداش بن زهير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 الحضين كما يقال: عبد الله بن مسلم. فأقبل قتيبة على عبد الله وقال: لا يبعد الله غيرك. «903» - قام عمرو بن العاص بالموسم فأطرى معاوية وبني أمية، وتناول من بني هاشم، وذكر مشاهده بصفين، فقال له ابن عباس: يا عمرو، إنك بعت دينك من معاوية وأعطيته ما في يدك، ومنّاك ما في يد غيره، فكان الذي أخذ منك فوق الذي أعطاك، وكان الذي أخذت منه دون ما أعطيته، وكلّ راض بما أخذ وأعطى؛ فلما صارت مصر في يدك تتبّعك فيها بالعزل والتنقّص، حتى لو أن نفسك فيها ألقيتها إليه. وذكرت مشاهدك بصفين، فما ثقلت علينا وطأتك ولا نكأتنا فيها حربك، وإن كنت فيها لطويل اللسان قصير البنان [1] ، آخر الحرب إذا اقبلت وأوّلها إذا أدبرت، لك يدان: يد لا تبسطها إلى خير، ويد لا تقبضها عن شرّ، ووجهان: وجه مونس ووجه موحش، ولعمري إنّ من باع دينه بدنيا غيره لحريّ أن يطول حزنه على ما باع واشترى؛ ولك بيان وفيك خطل، ولك رأي وفيك نكد، ولك قدر [2] وفيك حسد، فأصغر عيب فيك أعظم عيب غيرك. فقال عمرو: أما والله ما في قريش أثقل وطأة منك عليّ، ولا لأحد من قريش عندي مثل قدرك. «904» - ولما استقام رأي الناس على أبي موسى بصفّين، أتاه عبد الله بن عباس- وعنده وجوه الناس وأشرافهم- فقال: يا أبا موسى، إنّ الناس لم   [1] نثر: السنان. [2] نثر: قدرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 يرضوا بك ولم يجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه، وما أكثر أشباهك من المهاجرين والأنصار والمقدّمين قبلك، ولكنّ أهل الشّام ابوا غيرك، وايم الله إنّي لأظنّ ذلك شرّا لنا وخيرا لهم، وإنّه قد ضمّ إليك داهية العرب، وليس في معاوية خصلة يستحقّ بها الخلافة؛ فإن تقذف بحقّك على باطله تدرك حاجتك، وإن تطمع باطله في حقّك يدرك حاجته فيك. اعلم أنّ معاوية طليق الإسلام، وأنّ أباه من الأحزاب، وأنّه ادعى الخلافة من غير مشورة، فإن صدّقك فقد صرّح بخلعه، وإن كذّبك فقد حرم عليك كلامه، وإن ادعى أنّ عمر وعثمان استعملاه فصدق: فأمّا عمر استعمله وهو الوالي عليه، بمنزلة الطبيب من المريض يحميه مما يشتهي ويؤخّره مما يكره، ثم استعمله عثمان برأي عمر، وما أكثر من استعملاه ثم لم يدّعوا الخلافة، وهو منهم واحد. واعلم أنّ لعمرو مع كلّ شيء يسرّك حينا يسوءك. ومهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، فإنها بيعة هدى، وأنّه لم يقاتل إلا غاصبا أو ناكثا. فقال أبو موسى: رحمك الله والله ما لي إمام غير عليّ، وإني لواقف عند ما أرى، ولرضى الله أحبّ إليّ من رضى أهل الشام، وما أنا وأنت إلّا بالله. «905» - دخل زيد بن عليّ على هشام بن عبد الملك الرّصافة فسلّم تسليم الخلافة، ثم مال فجلس، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه ليس أحد فوق أن يوصى بتقوى الله وإني أوصيك بتقوى الله، وكفى به جازيا لعباده الصالحين ومثيبا. فظنّ هشام أنه يريد أن يتظلّم، فقال: أنت الراجي للخلافة المنتظر لها، وكيف ترجوها وأنت ابن أمة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن شئت اجبت وإن شئت سكتّ، قال: أجب، قال: إنه ليس أحد أعظم عند الله منزلة من نبيّ بعثه رسولا، فلو كانت ولادة أمّ ولد تقصّر به عن بلوغ غاية الأنبياء والرسل لم يبعث الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 الله إسماعيل بن إبراهيم، وكانت أمّه مع أمّ إسحاق كأمّي مع أمّك، ثم لم يمنعه ذلك أن يبعثه الله نبيّا، وكان عند ربه مرضيّا، وكان أبا العرب وأبا خير البشر وخاتم المرسلين؛ فالنبوّة أعظم خطرا أم الخلافة؟ وما عار الرجل بأمّه وهو ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابن عليّ بن أبي طالب؟ ثم طفق فخرج. 906- قال الإسكندر لابنه: يا ابن الحجّامة! فقال: أما أمّي فقد أحسنت التخيّر، وأما أنت فلم تحسن. «907» - وقال أعرابيّ لابنه: يا ابن الأمة! فقال: لهي والله اعذر منك حيث لم ترض إلا حرّا. «908» - قال رجل لأعرابي: أتجلب التمر إلى هجر؟ قال: نعم إذا أجدبت أرضها وعدم نخلها. 909- لما بلغ معاوية وفاة الحسن بن عليّ عليه السّلام دخل عليه ابن عباس قبل أن يعلم بها، فقال له: آجرك الله أبا عباس في أبي محمد الحسن بن عليّ- ولم يظهر حزنا- فقال ابن عباس: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وغلبه البكاء فردّه، ثم قال: لا يسدّ والله مكانه حفرتك، ولا يزيد موته في أجلك، والله لقد أصبنا بمن هو أعظم منه فقدا فما ضيّعنا الله بعده. قال له معاوية: كم كانت سنّه؟ قال: هو أشهر من أن تجهل سنّه. قال: أحسبه ترك أولادا صغارا؟ قال: كلّنا كان صغيرا فكبر، ولئن اختار الله لأبي محمد ما عنده وقبضه إلى رحمته، فلقد أبقى الله أبا عبد الله، وفي مثله الخلف الصالح. «910» - لما أهديت بنت عقيل بن علّفة إلى عبد الملك بن مروان أو إلى الوليد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 ابنه بعث مولاة له لتأتيه بخبرها قبل أن يدخل بها. فأتتها فلم تأذن لها وكلّمتها فأحفظتها فهشمت أنفها. فرجعت إليه فأخبرته، فغضب من ذلك، فلما دخل عليها قال: ما أردت إلى عجوزنا هذه؟ قالت: أردت والله إن كان خيرا أن تكون أوّل من لقي بهجته، وإن كان شرّا أن تكون أحقّ من ستره. «911» - أرسل مسلمة بن عبد الملك إلى هند بنت المهلّب يخطبها على نفسه، فقالت لرسوله: والله لو أحيا من قتل من أهل بيتي ومواليّ ما طابت نفسي بتزويجه، بل كيف يأمنني على نفسه وأنا أذكر ما كان منه، وثأري عنده؟ لقد كان صاحبك يوصف بغير هذا في رأيه. «912» - قال بعضهم: رأيت بالمدينة امرأة بين عينيها سجّادة وعليها ثياب معصفرة، فقلت لها: ما أبعد زيّك من سمتك؟ فقالت بصوت نشيط: [من الطويل] ولله منّي جانب لا أضيعه ... وللهو مني جانب ونصيب ولست أبالي من رماني بريبة ... إذا كنت عند الله غير مريب «913» - قال بعضهم: خرجت في حاجة فلما كنت بالسّيالة، وقفت على باب إبراهيم بن هرمة، فصحت: يا أبا إسحاق، فأجابتني ابنته، قالت: خرج آنفا؛ قلت: هل من قرى فإني مقو [1] من الزّاد؟ قالت: لا والله، قلت: فأين قول أبيك: [من المنسرح] لا أمتع العود بالفصال ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل   [1] م: مقفر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 قالت: فذاك أفناها. «914» - وقيل انه اجتمع بباب ابن هرمة جماعة من الشعراء فسألوا ابنته عنه فقالت: وما تريدون منه؟ قالوا: جئنا لنهاجيه، قالت: [من الطويل] تجمّعتم من كلّ أوب ووجهة ... على واحد لا زلتم قرن واحد «915» - قيل لسعيد بن المسيّب وقد كفّ بصره: ألا تقدح عينك؟ قال: حتى أفتحها على من؟. «916» - قال رجل لعامر بن الطفيل: استأسر، قال: بيت أمّك لا يسعني. «917» - وقف رجل للحجاج فقال: أصلح الله الأمير، جنى جان في الحي فأخذت بجريرته وأسقط عطائي، فقال: أما سمعت قول الشاعر: [من الكامل المرفل] جانيك من يجني عليك وقد ... يعدي الصحاح مبارك الجرب ولربّ مأخوذ بذنب صديقه ... ونجا المقارف صاحب الذّنب فقال الرجل: كتاب الله تعالى أولى ما اتّبع، قال الله عزّ وجلّ: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ (يوسف: 79) ؛ فقال الحجاج: صدقت، وأمر بردّ عطائه. «918» - مرّ الأحنف بعكراش بن ذؤيب- وكان ممن شهد الجمل مع عائشة فقطعت يداه جميعا- فصاح به عكراش: يا مخذّل، فقال الأحنف: أما إنك لو أطعتني لأكلت بيمينك وتمسّحت بشمالك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 «919» - وقال له رجل: تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه، قال: وما ذممت فيّ يا ابن أخي؟ قال: الدمامة وقصر القامة، قال: لقد عبت ما لم أؤامر فيه. «920» - وشخص يزيد بن عمر بن هبيرة إلى هشام فتكلّم، فقال هشام: ما مات من خلّف مثل هذا؛ فقال الأبرش الكلبي: ليس هناك، أما تراه يرشح جبينه لضيق صدره؟ فقال يزيد: ما لذاك أرشح، لكن لجلوسك في هذا الموضع. «921» - خرج يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري يسير بالكوفة إلى مسجد بني غاضرة وقد أقيمت الصلاة، فنزل فصلّى واجتمع الناس لمكانه في الطريق، وأشرف النساء من السطوح، فلما قضى صلاته قال: لمن هذا المسجد؟ قيل: لبني غاضرة، فتمثل قول الشاعر: [من الكامل] ولما تركن من الغواضر معصرا ... إلّا فصمن بساقها خلخالا فقالت له امرأة من المشرفات: [من الكامل] ولقد عطفن على فزارة عطفة ... كرّ المنيح وجلن ثمّ مجالا فقال يزيد: من هذه؟ قالوا: بنت الحكم بن عبدل، فقال: هل تلد الحيّة إلا حيّة. «922» - دخل طريح بن إسماعيل الثقفي على أبي جعفر المنصور في جملة الشعراء، فقال له المنصور حين سلّم: لا حيّاك الله ولا بيّاك، أما اتّقيت الله ويلك حيث تقول للوليد: [من المنسرح] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 لو قلت للسّيل دع طريقك وال ... موج عليه كالهضب يعتلج لساخ وارتدّ أو لكان له ... في سائر الناس عنك منعرج - ويروى إلى طريق سواك. فقال طريح: قد علم الله أنّي قلت ذاك ويدي ممتدة إليه عزّ وجلّ، وإيّاه تبارك وتعالى عنيت، فقال المنصور: يا ربيع أما ترى هذا التخلص؟ «923» - أنشد إسماعيل بن يسار النساء عبد الملك بن مروان قصيدة مدحه بها يقول فيها: [من الطويل] جعلت هشاما والوليد ذخيرة ... وليّين للعهد الوثيق المؤكّد قال فنظر إليهما عبد الملك مبتسما، والتفت إلى سليمان فقال: أخرجك إسماعيل من هذا الأمر، فغضب سليمان ونظر إلى إسماعيل نظر مغضب، فقال: يا أمير المؤمنين إنما وزن الشعر أخرجه من البيت الأول وقد قلت بعده: [من الطويل] وأمضيت عزما في سليمان راشدا ... ومن يعتصم بالله مثلك يرشد فأمر له بألفي درهم، وأمر أولاده الثلاثة فأعطوه ثلاثة آلاف درهم. «924» - ومثله أن أبا تمّام أنشد أحمد بن المعتصم: [من الكامل] إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس فقال له مؤدّبه- وأراد الغضّ منه-: الأمير أكبر من كلّ من وصفت. فقال أبو تمام: الكلام بآخره، ثم أنشد: [من الكامل] لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في النّدى والباس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 فالله قد ضرب الأقلّ لنوره ... مثلا من المشكاة والنّبراس وقيل انه ارتجل البيتين لوقته. «925» - اعترض الرشيد قينة ليشتريها فغنت: [من المنسرح] ما نقموا من بني أميّة إل ... لا أنّهم يجهلون إن غضبوا ثم تنبهت فقالت: وإنهم معدن النفاق فما ... تفسد إلا عليهم العرب فقال الرشيد ليحيى بن خالد: سمعت يا أبا علي؟ فقال: تبتاع، يا أمير المؤمنين، وتسنى لها الجائزة، ويعجّل لها الإذن ليسكن قلبها، قال: ذلك جزاؤها. وقال لها: أنت مني بحيث تحبّين، فأغمي على الجارية. والشعر الذي غنّت لعبيد الله بن قيس الرقيات وهو [1] : [من المنسرح] ما نقموا من بني أمية إل ... لا أنهم يحلمون إن غضبوا وأنّهم معدن الملوك فما ... تصلح إلا عليهم العرب «926» - جلس عمرو بن هدّاب للشعراء فأنشده طريف بن سوادة أرجوزة فيه حتى انتهى إلى قوله: [من الرجز]   [1] الأغاني 4: 349. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 أبرص فيّاض اليدين أكلف ... والبرص أندى باللهى وأعرف وكان عمرو أبرص فصاح به بعض حاضريه: اسكت قطع الله لسانك، فقال عمرو: مه إن البرص من مفاخر العرب، أما سمعت قول ابن حبناء: [من البسيط] لا تحسبنّ بياضا فيّ منقصة ... إنّ اللهاميم في أقرابها بلق «927» - أحضر عبد الملك بن مروان رجلا يرى رأي الخوارج، فأمر بقتله وقال: ألست القائل: [من الطويل] ومنا سويد والبطين وقعنب ... ومنّا أمير المؤمنين شبيب فقال: يا أمير المؤمنين إنما قلت: أمير المؤمنين شبيب، أردت بك يا أمير المؤمنين فحقن دمه. 928- خرج رجل على عبد الله بن طاهر كان اصطنعه وأحسن إليه: فحاربه عبد الله فظفر به، فقال له: ما حملك على ما صنعت مع إحساني إليك؟ فقال: حملني على ذلك قولك أيها الأمير: [من المنسرح] حتى متى تصحب الرجال ولا ... تصحب يوما لأمّك الهبل فصفح عنه وأعاده إلى مرتبته وزاد في برّه. «929» - مرت امرأة من العرب بمجلس من مجالس نمير، فرماها جماعة منهم بأبصارهم، فوقفت وقالت: يا بني نمير لا لأمر الله أطعتم ولا لقول الشاعر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 سمعتم، قال الله عزّ وجلّ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ (النور: 30) ، وقال الشاعر: [من الوافر] فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا قال: فما اجتمع منهم بعد ذلك في مجلس اثنان. «929» ب- أنشد إبراهيم بن هرمة عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بحضرة عبد الله بن الحسن بن الحسن شعرا يقول فيه: [من الوافر] وجدنا غالبا كانت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح فغضب عبد الله بن الحسن حتى انقطع زرّه ثم وثب مغضبا وتجوز ابن هرمة في الإنشاد ثم لحقه فقال: جزاك الله خيرا يا ابن رسول الله، فقال: ولكن لا جزاك الله خيرا يا ماصّ بظر أمّه، أتقول لابن مروان «وكان أبوك قادمة الجناح» بحضرتي وأنا ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام؟ فقال ابن هرمة: جعلني الله فداك، إنّي قلت قولا أخدعه به طلبا للدنيا، وو الله ما قست بكم أحدا قط، أو لم تسمعني قد قلت فيها: وبعض القول يذهب في الرّياح. قال: فضحك عبد الله وقال له: قاتلك الله فما أطرفك. «930» - حجّت سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وكانت عائشة أحسنهما آلة وثقلا، وكان معها ستون بغلا فحدا حادي عائشة فقال: [من الرجز] عائش يا ذات البغال الستين ... لا زلت ما عشت كذا تحجين فشقّ ذلك على سكينة فنزل حاديها فقال: [من الرجز] عائش هذي ضرّة تشكوك ... لولا أبوها ما اهتدى أبوك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 فأمرت عائشة حاديها فكفّ. 931- عرض محمد بن واسع حمارا له على البيع فقال له رجل: أترضاه لي؟ فقال لو رضيته ما بعته. وهذا إنما قال تحرّجا وتحوّبا وفيه جواب مسكت. 932- دعا بعض القرّاء بعض الأمراء باسمه فغضب وقال: أين الكنية لا ابا لك؟ فقال: إن الله تعالى سمّى أحبّ الخلق إليه فقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (آل عمران: 144) ، وكنّى أبغض الخلق إليه فقال: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ (المسد: 1) . «933» - وناظر ابن الزّيات رجلا فصالحه على مال فقال له: عجّله، فقال: أظلم وتعجيل؟ فقال ابن الزيات: أصلح وتأجيل؟ 934- كانت قبيحة أمّ المعتزّ تحرّضه على قتل الأتراك الذين قتلوا أباه، وتبرز إليه قميصه المضرّج بدمه، فقال لها يوما: ارفعيه وإلا صار القميص قميصين، فما عادت لعادتها بعد ذلك. «935» - لما أراد هشام أن ينزل الرّصافة قيل له: لا تخرج فإن الخلفاء لا يطعنون [1] ولم نر خليفة طعن، قال: أنتم تريدون أن تجرّبوني، ونزل الرصافة وهي برّيّة. «936» - وأتي هشام بعود فقال للوليد بن يزيد: ما هذا؟ قال: خشب يشقّق ثم يرقّق ثم يلصق ثم تعلّق عليه أوتار فينطق فتضرب الكرام برؤوسها الحيطان سرورا   [1] لا يطعنون أي لا يصابون بالطاعون. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 به، وما في المجلس إلّا من يعلم ما أعلمه وأنت أوّلهم يا أمير المؤمنين. وقد قيل إن هذا الكلام للوليد بن مسعدة الفزاري مع عبد الملك بن مروان. «937» - ركب الرشيد لينظر إلى هدايا بعث بها عليّ بن عيسى بن ماهان بعد صرف الفضل بن يحيى عن خراسان، وجعفر بن يحيى يسايره، فقال لجعفر: أين كان هذا أيام أخيك؟ قال: في منازل أربابه، فلم يحر جوابا. 938- قال التّوّزي: كان رجل من ولد جرير في حلقة يونس بن حبيب، وفيها رجل من بني شيبان، وأمّ جرير منهم، فقال الجريري يفتخر على الشيباني: [من الطويل] نمتني من شيبان أمّ نزيعة ... كذلك ضرب المنجبات النزائع أما والله- يا أخا بني شيبان- ما أخذناها إلا بأطراف الرماح. فقال له الشيباني: صدقت والله، لأنت ألأم من أن يزوّجوك بها طوعا أو يرضوك لها كفؤا. 939- وقف الإسكندر على ذيوجانس فقال: أما تخافني؟ فقال: أخير أنت أم شرّ؟ قال: بل خير. فقال ذيوجانس: فإني لا أخاف الخير بل أحبّه. 940- سأل رجل جاهل أفلاطن: كيف قدرت على كثرة ما تعلّمت؟ قال: لأني أفنيت من الزّيت أكثر مما أفنيت من الشراب. «941» - تكلّم صعصعة عند معاوية فعرق، فقال: بهرك الكلام يا صعصعة؟ فقال: الخيل الجياد نضّاخة بالماء. «942» - نظر ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى أهل الشام فشتمهم، فقال له سعيد بن عثمان بن عفان: تشتمهم لأنهم قتلوا أباك؟ قال: صدقت، ولكنّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 المهاجرين والأنصار قتلوا أباك. «943» - دخل معن بن زائدة على المنصور يقارب في خطوه، فقال أبو جعفر: كبرت سنّك يا معن؛ قال: في طاعتك؛ قال: وإنك لجلد قال: على أعدائك، قال: وإن فيك بقية؛ قال: هي لك يا أمير المؤمنين. 944- مرّ أعرابي بمجلس قوم فسخروا منه واستهزأوا به، فرجع إليهم وقال: يا هؤلاء إنّ الناس رجلان: متكلّم غانم، وساكت سالم، فوالله ما سلمتم سلامة الصّامت، ولا غنمتم غنيمة المتكلّم. 945- قال عبد الله بن عباس: بعثني عليّ عليه السّلام إلى عائشة أمّ المؤمنين يأمرها بالرحيل إلى بلادها. فأتيتها فدخلت عليها فلم يوضع لي شيء أجلس عليه، فتناولت وسادة كانت في رحلها فقعدت عليها، فقالت عائشة: يا ابن عباس، أخطأت السنّة: قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا، فقلت: ما هذا بيتك، بيتك الذي أمرك الله سبحانه أن تقرّي فيه، ولو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلا بإذنك. ثم قلت: إنّ أمير المؤمنين عليا أرسلني إليك يأمرك بالرحيل إلى بلادك. قالت: وأين أمير المؤمنين؟ ذاك عمر. فقلت: ذاك عمر وعليّ أيضا، قالت: أبيت! أبيت!. قلت: أما والله ما كان إباؤك إلا قصير المدّة، عظيم التّبعة، قليل المنفعة، ظاهر الشّؤم، بيّن النكد، وما عسى أن يكون إباؤك وما كان أمرك إلا كحلب شاة حتى صرّت، لا تأمرين ولا تنهين، ولا تأخذين ولا تعطين، وما كان مثلك إلا كقول أخي بني أميّة حيث يقول: [من الكامل] ما زال إهداء الضغائن بينهم ... تترى الحديث وكثرة الألقاب حتى تركت كأنّ صوتك بينهم ... في كلّ مجمعة طنين ذباب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 قال: فبكت حتى سمعت نحيبها من وراء الحجاب، ثم قالت: إني معجلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله، والله ما من بلد أبغض إليّ من بلد أنتم فيه. قال: ولم ذاك؟ فو الله لقد جعلنا أباك صدّيقا، قالت: يا ابن عباس، أتمنّ عليّ برسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقلت: ما لي لا أمنّ عليك بمن لو كان منك لمننت عليّ [1] . «946» - وقال بعض أصحاب الرشيد: كنت واقفا على رأس الرشيد وقد دخل عليه عبد الملك بن صالح، فأقبل عليه الرشيد فقال: كأني أنظر إلى شؤبوبها وقد لمع، وإلى غبارها وقد سطع، وإلى الوعيد وقد أورى نارا، وقد كشف عن لهازم بلا حلاقم ورؤوس بلا غلاصم، فمهلا مهلا يا بني هاشم، لا تستوعروا السّهل ولا تستسهلوا الوعر، ولا تبطروا النعم، ولا تستجلبوا النقم، فعن قليل يذمّ ذو الرأي منكم رأية، وينكص ذو الحزم منكم على عقبيه، وتستبدلوا الذّلّ بعد العزّ، وتستشعروا الخوف بعد الأمن. فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين، أفذّا أتكلّم أم تواما؟ قال: بل فذّا؛ قال: إن لله عليك حقا فيما ولاك فأده، واحفظه في رعيّته، ولا تجعل الكفر في موضع الشكر، ولا العقاب موضع الثواب، ولا تقطع رحمك التي أوجب الله عليك صلتها، وألزمك حقّها، ونطق الكتاب بها، فإنّ عقوقها كفر؛ وجاز ذا الحقّ على حقّه، ولا تصرف الحقّ إلى غير أهله؛ جمعت عليك القلوب بعد افتراقها، وسكّنتها بعد نفارها، وشددت أواخي ملكك بأشدّ من أركان يلملم، وكنت كما قال أخو بني جعفر ابن كلاب: [من الرمل] ومقام ضيّق فرّجته ... بلساني ومقامي وجدل   [1] هنا حاشية دخلت في المتن جاء فيها: وهذه حكاية خشنة ينبغي اسقاطها من الكتاب ولا يتكلم بما شجر بينهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 لو يقوم الفيل أو فيّاله ... زلّ عن مثل مقامي وزحل فقال الرشيد: هذا ابنك يخبرنا عنك بمعصيتك وشقاقك. قال: ليس يخلو ابني من أن يكون مأمورا أو عدوّا، فإن كان مأمورا فمعذورا وعدوّا فمحذورا، وقد قال الله تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (التغابن: 14) ، قال: فهذا كاتبك قمامة بن يزيد يخبر بمثل ذلك، وقد سأل أن يجمع بينك وبينه، قال: إن من كذب عليّ وأشاط بدمي غير مأمون أن يبهتني، وخرج. 947- قال ابن مروان لأبي يوسف القزويني الفقيه الحنفي وقد أراه سور آمد وعجّبه من حصانته وإحكامه: كيف تراه؟ فقال له أبو يوسف: يحفظك بالليل، ويردّ عنك السبل، ولا يحجب عنك دعوة المظلوم. «948» - كان أحمد بن يوسف يكتب بين يدي المأمون، فطلب منه السكين فدفعها إليه والنصاب في يده، فنظر إليه المأمون نظر منكر، فقال: على عمد فعلت ذلك، ليكون الحدّ على أعدائك. فعجب الناس من سرعة جوابه وشدّة فطنته. «949» - وقال المأمون لأحمد بن يوسف: إنّ أصحاب الصدقات تظلّموا منك، فقال: والله، يا أمير المؤمنين، ما رضي أصحاب الصدقات عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى أنزل الله تعالى فيهم: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (التوبة: 58) ، فكيف يرضون عني؟ فاستضحك المأمون وقال له: تأمّل أحوالهم وأحسن النظر في أمرهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 «950» - لما ولي يحيى بن أكثم قضاء البصرة استصغروا سنّه، فقال له رجل: كم سنّ القاضي أعزّه الله؟ قال: سنّ عتّاب بن أسيد حين ولّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكّة، فجعل جوابه احتجاجا. «951» - قيل لابن شبرمة: لم تركت النبيذ؟ فقال: إن كان حلالا فحظّي تركت، وإن كان حراما فبالحزم أخذت. «952» - لما قال النابغة الجعديّ في ليلى الأخيلية من أبيات: [من الطويل] ألا حيّيا ليلى وقولا لها هلا ... فقد ركبت أيرا أغرّ محجّلا وقد اكلت بقلا وخيما نباته ... وقد شربت من آخر اللّيل أيلا - يعني ألبان الأيّل وقد تورث الغلمة- أجابته ليلى من أبيات: [من الطويل] تعيّرني داء بأمّك مثله ... وأيّ حصان لا يقال لها هلا فغلبته. «953» - لما قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين قتل عثمان رضي الله عنه أبياته المشهورة التي من جملتها: [من الطويل] هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه أجابه الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بأبيات منها يقول: [من الطويل] وشبّهته كسرى وقد كان مثله ... شبيها بكسرى هديه وعصائبه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 «954» - أرسل أبو ذؤيب الهذليّ خالد بن زهير إلى امرأة بينه وبينها خلّة، فأفسدها خالد لنفسه، وكان أبو ذؤيب من قبل قد فعل مثل ذلك مع عويمر بن مالك بن عويمر، فلما عرف أبو ذؤيب ما فعله خالد كتب إليه بأبيات منها: [من الطويل] خليلي الذي دلّى لغيّ خليلتي ... جهارا وكلّ قد أصاب غرورها ونفسك فاحفظها ولا تفش للعدى ... من السّرّ ما يطوى عليه ضميرها فأجابه خالد بن زهير: [من الطويل] فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها ... فأوّل راض سنّة من يسيرها أي جعلتها سائرة. ويروى «من سنة» وعلى هذه الرواية يروى «من يسيرها» بضم أوله، وفي ذلك يقول أبو ذؤيب: [من الطويل] تريدين كيما تجمعيني وخالدا ... وهل يجمع السّيفان ويحك في غمد «955» - شبّب الأحوص بن محمد الأنصاري بأمّ جعفر، وهي امرأة من الأنصار، وشاع شعره فيها، فأوعده أخوها أيمن وتهدّده فلم ينته، فاستعدى عليه عمر بن عبد العزيز، فربطهما في حبل ودفع إليهما سوطين وقال لهما: تجالدا، فغلب أخوها وسلح الأحوص في ثيابه وهرب، وتبعه أيمن حتى فاته الأحوص هربا. وإنما فعل ذلك عمر اقتداء بعثمان بن عفان، فإنّه لما تهاجى سالم بن دارة ومرّة بن رافع [1] الغطفاني لزمهما عثمان بحبل وأعطاهما سوطين فتجالدا بهما.   [1] الأغاني: واقع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 وكان الأحوص قال في أمّ جعفر من أبيات: [من الطويل] لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وإنّي إلى معروفها لفقير فقال السائب [أحد بني] عمرو بن عوف يعيّره فراره ويعارضه في هذه الأبيات: [من الطويل] لقد منع المعروف من أمّ جعفر ... أخو ثقة عند الجلاد صبور علاك بمتن السوط [1] حتى اتّقيته ... بأصفر من ماء الصّفاق يفور فقال الأحوص: [من الطويل] إذا أنا لم أغفر لأيمن ذنبه ... فمن ذا الذي يغفر له ذنبه بعدي أريد انتقام الذّنب ثم تردّه [2] ... يد لأدانيه مباركة عندي «956» - هجا الأخطل سويد بن منجوف فقال: [من الطويل] وما جذع سوء خرّق السّوس متنه ... لما حمّلته وائل بمطيق فقال سويد: والله يا أبا مالك ما تحسن أن تهجو ولا تمدح. أردت هجائي فمدحتني، جعلت وائلا تحمّلني أمورها وما طمعت في بني ثعلبة [3] فضلا عن بكر. «957» - طعن عامر بن الطفيل ضبيعة بن الحارث فقال ضبيعة:   [1] م: بمتن السبت. [2] الأغاني: تردني. [3] الأغاني ونثر: تغلب؛ وفي حاشية م: أي أنه لم يكن يطمع في بني ثعلبة من بكر فجعله مقصد بكر وتغلب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 [من الكامل] لولا اعتراض في الأغرّ وجرأة ... لفعلت فاقرة بجيش سعيد فقال عامر: يعجز عن فرسه ويتوعّدني. «958» - أنشد جرير قول الأخطل: [من الطويل] وإنّي لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها فقال: صدق، أنا لا أقوم عند است قسّ لآخذ القربان ولا بين يدي سلطان لأداء الجزية. «959» - أنشد رجل يحيى بن خالد: [من البسيط] إني امرؤ في أعالي بيت مكرمة ... إذا تمزّق ثوبي أرتدي حسبي فقال يحيى: ما أقلّ غناء هذا الرّداء في كانونين. «960» - قصد شاعر أبا دلف فقال له: ممن أنت؟ قال: من بني تميم، فقال أبو دلف: من الذين يقول فيهم الشاعر: [من الطويل] تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا قال: نعم، بتلك الهداية جئتك؛ فخجل أبو دلف واستكتمه وأحسن جائزته. «961» - لما قتل مسلمة بن عبد الملك يزيد بن المهلب قال ثابت قطنة يرثيه: [من الكامل] يا ليت إخوتك الذين تغيّبوا ... كانوا ليومك بالعراق شهودا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 فقال مسلمة: وأنا والله وددت حتى أسقيهم بكأسه. «962» - لما أسلمت بنت شيبة بن ربيعة قالت هند بنت عتبة لها: [من الوافر] تدين مع الأولى قتلوا أباها ... أقتل أبيك جاءك باليقين فقالت: نعم قتله جاءني باليقين. «963» - عرض بلال بن أبي بردة الجند، فمرّ به رجل من بني نمير ومعه رمح قصير، فقال له بلال: يا أخا بني نمير ما أنت كما قال الشاعر: [من الوافر] لعمرك ما رماح بني نمير ... بطائشة الصّدور ولا قصار فقال: أصلح الله الأمير ما هو لي إنما استعرته من رجل من الأشعريين. «964» - بصر الفرزدق بجرير محرما فقال: والله لأفسدنّ على ابن المراغة حجّه، ثم جاءه مستقبلا وقال: [من الطويل] فإنك لاق بالمشاعر من منى ... فخارا فخبّرني بمن أنت فاخر فقال جرير: لبّيك اللهمّ لبّيك. «965» - قال الحسن بن قحطبة: دخلت على المهديّ بعيساباذ فدخل شريك القاضي فسلّم، فقال المهدي: لا سلّم الله عليك يا فاسق، فقال شريك: إن للفاسق علامات تعرف: شرب الخمور واتّخاذ القينات والمعارف. قال: قتلني الله إن لم أقتلك. قال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت في المنام كأني مقبل عليك أكلّمك وأنت تكلّمني من قفاك. فقال لي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 المعبّر: هذا رجل يطأ بساطك وهو مخالف لك. فقال شريك: إن رؤياك ليست كرؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تستحلّ بالأحلام. فنكس المهديّ رأسه ثم أشار إليه أن اخرج، فخرج وخرجت خلفه. فقال لي: ما رأيت ما أراد صاحبك أن يفعل؟ فقلت: اسكت فلله أبوك!. «966» - جاء رجل إلى شريح فكلّمه بشيء وأخفاه، فلما قام قال له رجل: يا أبا أمية، ما قال لك؟ قال: يا ابن أخي أما رأيته أسرّه منك؟ «967» - وقيل للشعبي- وقد بنى بأهله-: كيف وجدت أهلك؟ قال: ولم أرخيت الستور إذن. «968» - دعا الرشيد أبا يوسف ليلا فسأله عن مسألة فأفتاه، فأمر له بمائة ألف درهم، فقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بتعجيلها قبل الصبح، فقال: عجّلوها له، فقيل إنّ الخازن في بيته والأبواب مغلقة، فقال أبو يوسف: وقد كنت في بيتي والدروب مغلقة، فحين دعاني فتحت. «969» - قال عبيد الله بن زياد لبعض بني بكر بن وائل: ما تقول فينا وفي الحسين وفي قتلنا إيّاه؟ فقال: ما أقول، يجيء جدّه يوم القيامة فيشفع له ويجيء جدّك فيشفع لك. «970» - كان أبو الأسود يتشيّع، وكان ينزل في بني قشير وهم عثمانية، فكانوا يرمونه بالليل، فإذا أصبح شكا ذلك. فشكاهم مرّة فقالوا له: ما نحن نرميك ولكنّ الله يرميك، فقال: كذبتم لو كان الله يرميني لما أخطأني. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 «971» - كان بعض أهل البصرة يتشيّع، وكان له صديق يفد إليه ويوافقه على مذهبه، فأودعه مالا فجحده، فاضطر إلى أن قال لمحمد بن سليمان، وسأله أن يحضره ويحلّفه بحقّ عليّ ففعل ذلك. فقال الرجل: أعزّ الله الأمير، هذا الرجل صديقي وهو أعزّ عليّ وأجلّ من أن أحلف له بالبراءة من مختلف في ولايته وإيمانه، ولكنّي أحلف له بالبراءة من المتّفق على إيمانهما وولايتهما أبي بكر وعمر. فضحك محمد بن سليمان، والتزم المال، وخلّى الرجل. «972» - دخل أبو الطّفيل عامر بن واثلة الكناني على معاوية فقال له: أنت من قتلة عثمان؟ قال: لا ولكني ممن حضره فلم ينصره، قال: وما منعك من نصره؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار؛ قال معاوية: لقد كان حقّه واجبا وكان يجب عليهم أن ينصروه، قال: فما منعك يا أمير المؤمنين من نصرته ومعك أهل الشام؟ قال: أو ما طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك عامر وقال: أنت والله وعثمان كقوله: [من البسيط] لا أعرفنّك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زوّدتني زادي فقال له معاوية: دع عنك هذا وقل لي ما بقّى الدهر من ثكلك عليّ بن ابي طالب؟ قال: ثكل العجوز المقلات والشيخ الرقوب، قال: كيف حبّك له؟ قال: حبّ أمّ موسى لموسى، وإلى الله أشكو التقصير. «973» - أتي الحجّاج بامرأة من الخوارج فقال لمن حضره: ما ترون فيها؟ قالوا اقتلها. فقالت: جلساء أخيك خير منك ومن جلسائك قال: ومن أخي؟ قالت: فرعون، لما شاور جلساءه في موسى قالوا: أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (الأعراف: 111) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 «974» - أتي عتّاب بن ورقاء بامرأة من الخوارج، فقال لها: يا عدوّة الله ما دعاك إلى الخروج؟ أما سمعت الله تبارك وتعالى يقول: [من الخفيف] كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جرّ الذّيول قالت: يا عدوّ الله، أخرجني قلّة معرفتك بكتاب الله تعالى. «975» - قال المنصور لبعض الخوارج وقد ظفر به: عرّفني من أشدّ أصحابي إقداما كان في مبارزتك؟ قال: ما أعرفهم بوجوههم ولكني أعرف أقفاءهم، فقل لهم يدبروا حتى أصفهم؛ فاغتاظ وأمر بقتله. «976» - قال الحجّاج لرجل من الخوارج: والله إني لأبغضكم، فقال الخارجي: أدخل الله أشدّنا بغضا لصاحبه الجنّة. «977» - خفّف أشعب الصلاة مرّة، فقال له بعض أهل المسجد: خففت الصلاة جدا، قال: لأنه لم يخالطها رياء. «978» - عاد المعتصم أبا الفتح ابن خاقان، والفتح صغير، فقال له: داري أحسن أم دار أبيك؟ قال: يا أمير المؤمنين، دار أبي ما دمت فيها. «979» - اجتاز عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير، فتهاربوا إلا عبد الله، فإنه وقف. فقال له عمر: لم لم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 تفرّ مع أصحابك؟ قال: لم يكن لي جرم فأفرّ منك، ولا كان الطريق ضيّقا فأوسّعه عليك. 980- أتي الحجاج بأعرابيّ في أمر احتاج إلى مساءلته عنه، فقال الحجاج: قل الحقّ وإلا قتلتك، فقال له: اعمل به أنت، فإن الذي أمرك بذلك أقدر عليك منك عليّ، فقال الحجاج: صدق. فخلّوه. «981» - قدم أعرابيّ على سلطان ومعه قصة، فجعل يقول: هاؤم اقرأوا كتابيه، فقيل له: هذا يقال يوم القيامة، فقال: هذا شرّ من يوم القيامة، إنه يؤتى يوم القيامة بحسناتي وسيّئاتي، وأنتم جئتم بسيّئاتي وتركتم حسناتي. «982» - حلف أعرابيّ بالمشي إلى بيت الله الحرام لا يكلّم ابنه، فحضرته الوفاة، فقيل له: كلّمه قبل أن تفارق الدنيا، فقال: والله ما كنت قطّ أعجز عن المشي إلى بيت الله تعالى منّي الساعة. «983» - قيل لأعرابي ينسج: ألا تستحي أن تكون نسّاجا فقال: إنما أستحي من أن أكون أخرق لا أنفع أهلي. «984» - مدّ المأمون يده إلى أعرابيّ ليقبّلها، فتناولها بكمّه، فقال: أتتقزّز منها؟ قال: لا بل أتقزز لها. «985» - قال رجل: رأيت أعرابيّا في إبل قد ملأت الوادي، فقلت: لمن هذه؟ قال: لله في يدي. «986» - سأل أعرابي فقيل له: بورك فيك، وتوالى عليه ذلك من غير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 مكان، فقال: وكلكم الله إلى دعوة لا تحضرها نيّة. «987» - سألت أعرابيّة المنصور في طريق مكّة فحرمها، فقالت: [من الطويل] إذا لم يكن فيكنّ ظلّ ولا جنى ... فأبعدكنّ الله من شجرات «988» - وسألته أخرى فمنعها، فقالت: [من الطويل] دنوّك إن كان الدّنوّ كما أرى ... علي وبعد الدّار يستويان «989» - قيل لجاذوسيس الصقليّ: إنّك من مدينة خسيسة، قال: أما أنا فيلزمني العار من قبل بلدي، وأما أنت فعار لازم لأهل بلدك. «990» - وعيّر آخر سقراط ببلده، فقال سقراط: نسبي مني ابتدأ، ونسبك إليك انتهى. «991» - قيل: طاف الرشيد بالبيت فوطىء جرادة، فلم يدر ما عليه فيها، فبعث بالمأمون إلى الفضيل بن عياض فسلّم عليه وقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: لنا إليك حاجة، فأحبّ أن تعبر إلينا. فلم يجب الفضيل بشيء، فرجع المأمون وقال: رأيت رجلا ليست به إليك حاجة، فقام الرشيد مغضبا حتى خيف على الفضيل منه؛ فوقف عليه وسلّم، فوسّع الفضيل له وردّ عليه السّلام. فلما جلس أقبل على الفضيل فقال: رحمك الله، قد كان الواجب أن تأتينا وتعرف حقّنا إذ ولّانا الله أموركم فصيّرنا الحكام في دمائكم، والذّابّين عن حريمكم، وإذ لم تأتنا فقد أتيناك؛ إني وطئت الآن في الطواف على جندبة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 فما ديتها؟ قال: فبكى الفضيل بكاء شديدا حتى علا صوته وقال: إذا كان الراعي يسأل عن الغنم هلكت الغنم، وإنما يجب على الراعي أن يرتاد لغنمه المرعى، وجيّد الكلأ، وعذب الماء، فإذا كنت يا أمير المؤمنين تسألني عن معالم الدّين فبأيّ شيء تسوس رعيّتك؟ قال: فخجل الرشيد حتى عرق وانصرف. ومما وضع على لسان البهائم: «992» - قالوا: عيّر الثعلب لبؤة بأنها لم تلد في عمرها إلا جروا واحدا، فقالت: نعم إلا أنّه أسد. «993» - وقالوا: صحب ذئب وثعلب أسدا فاصطادوا عيرا وظبيا وأرنبا. فقال الأسد للذئب: اقسم هذا بيننا، فقال: العير لك، والظبي لي، والأرنب للثعلب. فغضب الأسد وأخذ بحلق الذئب حتى قطع رأسه، وقال للثعلب: اقسمه أنت، فقال: العير لغدائك، والظبي لعشائك، والأرنب تتفكّه به في الليل، فقال: من علّمك هذه القسمة العادلة؟ قال: رأس الذئب الذي بين يديك. «994» - قالوا: تعلّق ذئب بعوسجة ليصعد حائطا فعقرته، فأقبل يلومها فقالت: يا هذا لم نفسك في التعلّق، فما يتعلّق بكلّ شيء. «995» - كان أبو أيوب المورياني، وزير المنصور، إذا دعاه المنصور يصفرّ ويرعد مع مكانه منه ومحله عنده. فقيل له في ذلك، فقال: مثلي ومثلكم في هذا مثل باز وديك تناظرا، فقال البازي: ما أعرف أقلّ وفاء منك، قال: وكيف ذلك؟ قال: تؤخذ بيضة فيحضنك أهلك، وتخرج على أيديهم فيطعمونك بأكفّهم ويحسنون إليك، حتى إذا وجدت منهم غفلة طرت وصحت وعلوت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 الحيطان، وفارقت الدار التي ربيت بها وطرت إلى غيرها؛ وأنا أوخذ من الجبال فأوثق وتخاط عيني، وأطعم الشيء اليسير، وأونس يوما أو يومين ثم أطلق على الصيد، فأطير وحدي، وآخذ الصيد لصاحبي، وأمسكه عليه، وأعود إلى مكاني. فقال له الديك: ذهب عليك الصواب، أنت والله لو رأيت على السّفافيد من البزاة اليسير من الكثير الذي أراه أنا من الدّيكة ما عدت قطّ إليهم. ولكن لو عرفتم من المنصور ما أعرفه لكنتم أسوأ حالا منّي عند طلبه لكم. «996» - تهاجى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت وعبد الرحمن بن الحكم فأفحشا، فكتب معاوية إلى سعيد بن العاص، وهو عامله على المدينة، أن يجلد كلّ واحد منهما مائة سوط؛ وكان ابن حسان صديقا لسعيد، وما مدح أحدا قطّ غيره، فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمّه، فأمسك عنهما؛ ثم ولي مروان بن الحكم فضرب ابن حسان مائة سوط ولم يضرب أخاه. فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير وهو عند معاوية فعرّفه. فعزم معاوية على مروان أن يضرب اخاه مائة، فسأل مروان الأنصار سؤال ابن حسان أن يعفو فأبى، فطلبوا إليه أن يقتصر على خمسين ففعل. فلقي ابن حسان بعض من كان لا يهوى ما ترك من ذلك، فقال: ضربك مائة وتضرب خمسين، بئس ما صنعت إذ وهبتها له، فقال: إنه عبد وإنما يضرب العبد نصف ما يضرب الحرّ، فحمل هذا الكلام حتى شاع في المدينة، فبلغ ابن الحكم فشقّ عليه وأتى أخاه مروان وأخبره الخبر، فقال: فضحني لا حاجة لي فيما ترك، فهلمّ فاقتصّ، فضرب ابن الحكم خمسين أخرى. 997- روي أنّ امرأة أبي الأسود خاصمته إلى زياد في ولدها، فقالت: أيها الأمير، إنّ هذا يريد أن يغلبني على ولدي، وقد كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له فناء؛ فقال أبو الأسود: بهذا تريدين أن تغلبيني على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 ولدي، فو الله لقد حملته قبل أن تحمليه، ووضعته قبل أن تضعيه؛ قالت: لا سواء، إنّك حملته خفّا وحملته ثقلا، ووضعته شهوة ووضعته كرها. فقال له زياد إنّي أرى امرأة عاقلة يا أبا الأسود، فادفع إليها ابنها فأخلق أن تحسن أدبه. «998» - لما حبس الحلّاج عند القشوري مرض ابن له فاشتهى التفّاح الشاميّ، وكان لا يصاب لفوت أوانه، فتلطّف الحلّاج واحتال حتى سأله القشوري تفاحة شامية، قصد بها تعرّف أمر الحلّاج في صدقه وكذبه، وأراد أيضا بلوغ مراده في ولده، وكان الحلّاج قد أعدّ تفاحة لذلك، فحين سأله أومى بيده هكذا وأعادها بتفاحة، وتناولها القشوري يقلّبها ويتعجّب منها، والحلّاج يقول: الساعة قطعتها من الجنّة، قال القشوري: إني أرى في موضع منها عيبا، قال الحلاج- غير مطرق ولا مكترث-: أما علمت أنّها إذا أخرجت من دار البقاء إلى دار الفناء لحقها جزء من البلاء، فكان جوابه أحسن من حيله وفعله. «999» - وكان كثيّر قصيرا لا يبلغ ضروع الإبل، فقال له جرير: أيّ رجل أنت لولا دمامتك؟ فقال كثيّر: [من الطويل] إن أك قصدا في الرّجال فإنّني ... إذا حلّ أمر ساحتي لطويل «1000» - روي أنّ عزّة قالت لبثينة: تصدّي لكثيّر وأطمعيه في نفسك حتى أسمع ما يجيبك به؛ ثم أقبلت إليه وعزّة تمشي ورآها متخفّية وعرضت عليه الوصل فقاربها، ثم قال: [من الطويل] رمتني على فوت بثينة بعد ما ... تولّى شبابي وارجحنّ شبابها بعينين نجلاوين لو رقرقت بها ... لنوء الثريّا لاستهلّ ربابها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 فكشفت عزّة عن وجهها، فبادرها الكلام ثم قال: ولكنّما ترمين نفسا مريضة ... لعزّة منها صفوها ولبابها فضحكت ثم قالت: أولى لك! بها نجوت، وانصرفتا تتضاحكان. «1001» - قال يزيد بن عروة: لما مات كثيّر لم تتخلّف امرأة بالمدينة ولا رجل عن جنازته، وغلب النساء عليها يبكينه ويذكرن عزّة في ندبهنّ له، فقال أبو جعفر محمد بن علي: أفرجوا لي عن جنازة كثيّر لأرفعها، قال: فجعلنا ندفع النساء عنها، وجعل محمد بن علي يضربهنّ بكمّه ويقول: تنحّين يا صواحبات يوسف. فانتدبت له امرأة منهن فقالت: يا ابن رسول الله لقد صدقت، إنّا لصواحباته وقد كنّا خيرا منكم له، فقال أبو جعفر لبعض مواليه: احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفت. قال فلما انصرف أتي بتلك المرأة كأنها شرر النار، فقال لها محمد بن علي: أنت القائلة: إنكنّ ليوسف خير منا؟ قالت: نعم، تؤمّنني غضبك يا ابن رسول الله؟ قال: أنت آمنة من غضبي فأنبئيني. قالت: نحن- يا ابن رسول الله- دعوناه إلى اللذات من المطعم والمشرب والتمتّع والتنعّم، وأنتم معاشر الرجال ألقيتموه في الجبّ وبعتموه بأبخس الأثمان، وحبستموه في السّجن، فأيّنا كان عليه أحنى وبه أرأف؟ فقال محمد: لله درّك، لن تغالب امرأة إلا غلبت، ثم قال لها ألك بعل؟ قالت: لي من الرجال من أنا بعله، فقال أبو جعفر: ما أصدقك، مثلك من تملك زوجها ولا يملكها، قال: فلما انصرفت قال رجل من القوم: هذه بنت فلانة بنت معيقيب. «1002» - أخبر كثيّر عن قطام صاحبة ابن ملجم في قدمة قدمها الكوفة، فأراد الدخول إليها ليوبّخها، فقيل له: لا تردها فإنّ لها جوابا، فأبى كثيّر وأتاها؛ فوقف على بابها وقرعه، فقالت: من هذا؟ قال: كثيّر بن عبد الرحمن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 الشاعر، فقالت لبنات عمّ لها تنحّين حتى يدخل الرجل، فولجن البيت، وأذنت له فدخل، وتنحّت من بين يديه فرآها وقد ولّت، فقال لها: أنت قطام؟ فقالت: نعم قال: صاحبة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام؟ قالت: صاحبة عبد الرحمن بن ملجم، قال: أليس فيك قتل عليّ بن أبي طالب؟ قالت: بل مات بأجله، قال: أم والله لقد كنت أحبّ أن أراك، فلما رأيتك نبت عيني عنك، فما احلوليت في صدري، قالت: والله إنك لقصير القامة، عظيم الهامة، قبيح المنظر، وإنك لكما قال الأول: تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه، فقال: [من الطويل] رأت رجلا أودى السّفار بوجهه ... فلم يبق إلا منظر وجناجن فإن أك معروق العظام فإنّني ... إذا وزن الأقوام بالقوم وازن وإني لما استودعتني من أمانة ... إذا ضاعت الأسرار للسرّ دافن فقالت: أنت لله أبوك كثيّر عزّة؟ قال: نعم، فقالت: الحمد لله الذي قصّر بك فصرت لا تعرف إلا بامرأة، قال: ليس الأمر كذلك، والله لقد سار بها شعري، وطار بها ذكري، وقرب من الخليفة مجلسي، وإنّها لكما قلت: [من الطويل] فما روضة بالحزن طيّبة الثّرى ... يمجّ النّدى جثجاثها وعرارها بأطيب من أردان عزّة موهنا ... وقد أوقدت بالمندل الرّطب نارها فإن خفيت كانت لعينك قرّة ... وإن تبد يوما لم يغمّك عارها فقالت: تا لله ما رأيت شاعرا قطّ أنقص عقلا ولا أضعف وصفا منك حيث تقول هذا، ألا قلت كما قال امرؤ القيس: [من الطويل] ألم ترياني كلّما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب فخرج وهو يقول: [من الكامل] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 الحقّ أبلج لا تخيل سبيله ... والحقّ يعرفه ذوو الألباب «1003» - حجّ سليمان بن عبد الملك ومعه الشعراء، فمرّ بالمدينة منصرفا، فأتي بأسراء من الروم نحو من أربعمائة اسير. فقعد سليمان وعنده عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي عليهم السلام، وعليه ثوبان ممصّران، وهو أقربهم منه مجلسا، فأدنوا إليه بطريقهم وهو في جامعة، فقال لعبد الله بن الحسن: ثم فاضرب عنقه! فقام فما أعطاه أحد سيفا حتى دفع إليه حرسيّ سيفا كليلا، فضربه فأبان عنقه وذراعه وأطنّ ساعده وبعض الغلّ، فقال له سليمان: اجلس، فو الله ما ضربته بسيفك ولكن بحسبك، وجعل يدفع الأسراء إلى الوجوه فيقتلونهم، حتى دفع إلى جرير رجلا، فدسّت إليه بنو عبس سيفا قاطعا في قراب أبيض، فضربه فأبان رأسه؛ فدفع إلى الفرزدق أسيرا، فدسّت إليه القيسيّة سيفا كليلا، وقيل بل دفع إليه سليمان سيفا وقال: اقتله به، فقال: لا، أضربه بسيف مجاشع، واخترط سيفه فضربه فلم يغن شيئا، فقال له سليمان أم والله لقد بقي عليك عارها وشنارها، فقال جرير قصيدة يهجوه فيها، منها في المعنى: [من الطويل] بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم وقيل: إن الفرزدق قال لسليمان: يا أمير المؤمنين هب لي هذا الأسير، فوهبه له، فأعتقه وقال: [من الطويل] فهل ضربة الروميّ جاعلة لكم ... أبا عن كليب أو أبا مثل دارم كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط التّمائم ولا نقتل الأسرى ولكن نفكّهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم وروي أنه سبق جريرا إلى البيتين الأوّلين المذكورين، وقال: كأني بابن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 المراغة قد قال كذا؛ فما لبث إلّا مدّة يسيرة حتى جاءته القصيدة وفيها البيتان. «1004» - ومن أجوبة الفرزدق المستحسنة في هذه القصيدة، وعرّض بسليمان لأنّ بني عبس أخواله: [من الطويل] فإن يك سيف خان أو قدر أتى ... بتعجيل نفس حتفها غير شاهد فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد [1] وقوله أيضا: [من البسيط] فما نبا السيف عن جبن ولا دهش ... عند الإمام ولكن أخّر القدر ولو ضربت به عمدا مقلّده ... لخرّ جثمانه ما فوقه شعر وما يقدّم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصّمصامة الذكر «1005» - قال أبو العيناء: نظر المأمون إلى يحيى بن أكثم يلحظ خادما له، فقال للخادم: تعرض له إذا قمت، فإني سأقوم للوضوء، وأمره أن لا يبرح، وعد إليّ بما يقول لك، فلما قام غمزه الخادم بعينه، فقال يحيى: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (سبأ: 31) فمضى الخادم إلى المأمون فأخبره، فقال له: عد إليه فقل له: أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (سبأ: 32) فخرج إليه الخادم وقال له ذلك، فأطرق يحيى وكاد يموت جزعا، فخرج المأمون وهو يقول: [من الطويل]   [1] حاشية في ر: هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، كان خالد بن جعفر بن كلاب قتل أباه زهيرا، فأدركه ورقاء، فضربه بسيفه فلم يغن شيئا ونجا خالد، فقال ورقاء: رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادر فشلت يميني يوم أضرب خالدا ... ويمنعه مني الحديد المظاهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها ... وقاضي قضاة المسلمين يلوط قم واتّق الله وأصلح دينك. «1006» - لما هجا يزيد بن مفرّغ بني زياد فأفحش، وظفر به عبيد الله أمر به فسقي نبيذا حلوا قد خلط معه الشّبرم فأسهل بطنه، وطيف به وهو على تلك الحال، وقرن به هرّ وخنزير، فجعل يسلح والصبيان يقولون: إين جست؟ فيقول: آنست ونبيذ است وعصارة زبيب است وسمية روسبي است، وجعل كلما جرّ الخنزير ضغت فيقول: [من البسيط] ضجّت سميّة لما لزّها قرني ... لا تجزعي إنّ شرّ الشّيمة الجزع فلما خافوا عليه الهلاك أمر به أن يغسل، فلما غسل قال: [من الخفيف] يغسل الماء ما صنعت وقولي ... راسخ منك في العظام البوالي 1007- لما وقع التباين بين محمد بن عبد الملك الزيات وبين أحمد بن أبي دواد في أيام الواثق، وسعى كلّ واحد منهما بصاحبه، دخل يوما محمد بن عبد الملك دار الواثق وابن أبي دواد هناك، فلما رآه وثب يصلّي صلاة الضحى، فقال محمد بن عبد الملك وأنشدها يسمعه: [من الكامل] صلّى الضّحى لما استفاد عداوتي ... وأراك تنسك بعدها وتصوم لا تعدمنّ عداوة من واحد ... تركتك تقعد بعدها وتقوم 1008- مات رجل وأوصى إلى أبي حنيفة وهو غائب، فقدم أبو حنيفة وارتفع إلى ابن شبرمة، وادعى الوصية وأقام البيّنة، فقال له ابن شبرمة، يا أبا حنيفة، احلف أنّ شهودك شهدوا بحقّ، قال: ليس عليّ يمين، كنت غائبا، قال: ضلّت مقاليدك يا أبا حنيفة، قال: ضلّت مقاليدي؟ ما تقول في أعمى شجّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 فشهد له شاهدان أنّ فلانا شجّه، أعلى الأعمى يمين أنّ شهوده شهدوا بحقّ وهو لا يرى؟ «1009» - قال أعرابيّ لعبد الملك: الناقة إذا كانت تمنع الحلب قوّمتها العصا، قال: إذن تكفأ الإناء وتكسر أنف الحالب. «1010» - اجتمع شريك بن عبد الله ويحيى بن عبد الله بن الحسن في دار الرشيد، فقال يحيى لشريك: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: فقليله أم كثيره؟ قال: بل قليله، قال: ما رأيت خيرا قط إلا والازدياد منه خير إلّا خيرك هذا فإن قليله خير من كثيره. «1011» - كتب ملك الروم إلى الرشيد: إني متوجّه إليك بكلّ صليب في مملكتي وكل بطل في جندي، فوقع الرشيد في كتابه: وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار [1] . 1012- قال أبو حنيفة: قال لي حماد بن أبي سليمان: إذا سئلت عن معضلة فاقلبها سؤالا على سائلك حتى تتخلّص من مسألته، قال: فدسّ إليّ رجل على الباب وأنا عند ابن هبيرة قد أمر بي إلى السجن، فتبعني الرجل إلى السجن فقال لي: يا أبا حنيفة يحلّ للرجل إذا أمره السلطان الأعظم بقتل رجل أن يقتله؟ قال، قلت: وكان الرجل ممن يستحقّ القتل عليه؟ قال: نعم، قلت: فليقتله، قال: فإن لم يكن ممن وجب عليه القتل؟ قلت: إن السلطان الأعظم لا يأمر بقتل من لا يستحقّ عليه القتل.   [1] اشارة الى الآية: 42 من سورة الرعد (وسيعلم الكفار ... ) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 1013- قال موسى بن عبد الله بن الحسن لامرأته أمّ سلمة وكانت من ولد أبي بكر الصديق: [من الطويل] إني زعيم أن أجيء بضرّة ... فراسية فرّاسة للضرائر فقال الربيع بن سليمان مولى الحسينيين: [من الطويل] أبنت أبي بكر تريد بضرّة ... لعمري لقد حاولت إحدى الكبائر 1014- أعتق عمر بن عتبة غلاما كبيرا، فقال له عبد صغير: اذكرني يا مولاي ذكرك الله بخير، فقال: إنك لم تخرف؟ فقال: إن النخلة تجتنى زهوا قبل أن تصير معوا، فقال: قاتلك الله لقد استعتقت فأحسنت، وقد وهبتك لواهبك، كنت أمس لي واليوم مني. المعو: الجنيّ الرّطب، وجاء عن العرب عشر كلمات عينها عين ولامها واو- البعو: الجناية، الجعو: الطين، الدّعو: مصدر دعا يدعو، السّعو: الشمع، والسّعو أيضا الرجل الضعيف، وهو أيضا طائر أصغر من العصفور، القعو: من البكرة، اللّعو: الحريص والذئب في بعض اللغات، والمعو: وقد ذكر، النّعو: الشقّ في مشفر البعير. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 نوادر من هذا الباب «1015» - قال نصر بن سيّار بخراسان لأعرابي: هل اتخمت قطّ؟ قال: أما من طعامك وطعام أبيك فلا. فيقال إن نصرا حمّ من هذا الجواب أياما، وقال: ليتني خرست ولم أفه بسؤال هذا الشيطان. «1016» - بعث معن بن زائدة إلى ابن عياش المنتوف ألف دينار، وكتب إليه: قد بعثت إليك بألف دينار واشتريت بها دينك. فكتب إليه: وصل ما أنفذت وقد بعتك ديني ما خلا التوحيد لعلمي بقلّة رغبتك فيه. «1017» - دخل أشعري على الرشيد فسأله، فقال: احتكم، فقال: أشعري يحكّم بعد أبي موسى؟ فضحك وأعطاه. «1018» - اعترض عمرو بن الليث فارسا من جيشه، وكانت دابته في غاية الهزال، فقال له: يا هذا، تأخذ مالي فتنفقه على امرأتك وتسمّنها وتهزل دابّتك التي تحارب عليها وبها تأخذ الرزق؟ امض لشأنك فليس لك عندي شيء. فقال الجندي: أيها الأمير لو استعرضت امرأتي لاستسمنت دابّتي. فضحك عمرو وأمر بإعطائه رزقه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 «1019» - قال زياد لرجل: يا ابن الزانية، فقال: أتسبني بشيء شرفت به. «1020» - لما قال ابن هرمة: [من المتقارب] ومهما ألام على حبّهم ... فإني أحبّ بني فاطمة بني بنت من جاء بالمحكما ... ت والدين والسنّة القائمة لقيه رجل فسأله: من قائلها؟ فقال: من عضّ بظر أمّه، فقال له ابنه: ألست قائلها؟ قال: بلى، قال: فلم شتمت نفسك؟ قال: أليس [أن] يعضّ المرء بظر أمّه خير من أن يأخذه ابن قحطبة. «1021» - ومر ابن هرمة على جيرانه وهو ميّت سكرا حتى دخل منزله. فلما كان من الغد، دخلوا إليه فعاتبوه على الحال التي رأوه عليها، فقال لهم: أنا في طلب مثلها منذ دهر، أما سمعتم قولي: [من الخفيف] أسأل الله سكرة قبل موتي ... وصياح الصبيان يا سكران فنفضوا ثيابهم وخرجوا وقالوا: لا يفلح هذا أبدا. «1022» - شهد رجل عند أبي العاج [1]- وكان على البصرة- على رجل من المعيطيّين بشهادة، وكان الشاهد سكران، فقال المعيطي المشهود عليه: أعزّك الله، إنه لا يحسن أن يقرأ من السكر، فقال الشاهد: بلى إني لأحسن، فقال اقرأ فقال: [من الرمل المجزوء] علق القلب الربابا ... بعد ما شابت وشابا   [1] الأغاني: أبي العجاج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 وإنما تماجن بذلك على المعيطي ليحكي به الوليد بن عقبة وإنشاده هذا البيت وهو يصلي في محراب الكوفة. وكان أبو العاج محمّقا وظنّ أن هذا قرآن، فقال: صدق الله ورسوله. ويلكم فلم تعلمون ولا تعملون. «1023» - لما مات جعفر بن محمد عليهما السلام، قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: مات إمامك، قال: لكن إمامك لا يموت إلى يوم القيامة، يعني إبليس. فقال له أبو حنيفة: ما تقول في المتعة؟ قال: حلال، قال: أفيسرّك أن تكون بناتك وأخواتك يتمتّع بهن؟ قال: شيء قد أحلّه الله إن كرهت فما حيلتي؟ قال شيطان الطاق: فما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: أفيسرّك أن تكون بناتك وأخواتك نبّاذات؟ «1024» - قال رجل من ولد سعيد بن سلم لأبي العيناء: إن ابني يبغضك، قال: يا بني إن لي أسوة بآل محمد صلّى الله عليه وسلم. 1025- قال رجل للفرزدق: ما أقبح وجهك كأنه خلق من أحراح، فقال: انظر هل ترى حر أمّك فيه. «1026» - وقيل لأبي الأسود: كأنّ وجهك من فقاح مجتمعة، فقال للقائل: فهل فقحة أمّك فيها. وعلى كلامه احتذى الفرزدق. 1027- قيل لبشار: ما أذهب الله ناظري أحد إلا عوّضه منهما شيئا، فما الذي عوّضك؟ قال: أن لا أرى مثلك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 «1028» - تزوج أعمى امرأة فقالت: لو رأيت حسني وبياضي لعجبت، فقال: اسكتي، لو كنت كما تقولين ما تركك لي البصراء. 1029- نظر ذيوجانس إلى رجل مبذّر لماله فقال له: هب لي منّا فضة، قال له: كيف صرت تسأل الناس الحبّة والفلس وتسألني منا فضة؟ قال: لأني لا أرجو إليك العودة ولا أرجوها منك إذ كان لا يبقى معك. 1030- نظر حكيم إلى معلّم رديء الكتابة فقال له: لم لا تعلّم الصّراع؟ فقال: لا أحسنه، قال: هو ذا أنت تعلم الكتابة ولا تحسنها. «1031» - ولي موسى بن مصعب الموصل فاستعمل رجلا من أهل حرّان على كورة باهدرا، وهي أجلّ كور الموصل، فأبطأ عليه الخراج فكتب إليه: [من المنسرح] هل عند رسم برامة الخبر ... أم لا فأيّ الأشياء ننتظر احمل ما عندك يا ماصّ بظر أمّه وإلّا فقد أمرت رسولي يشدّك وثاقا ويأتيني بك. فأخذ الرجل ما كان معه من الخراج ولحق بحرّان وكتب إليه في الجواب في آخر الرقعة: [من البسيط] إن الخليط الذي تهوى قد ائتمروا ... للبين ثم أجدّوا السير فانشمروا اجهد جهدك يا ابن الزانية. فلما قرأ موسى كتابه ضحك وقال: أحسن والله الجواب، والله لا أطلبه أبدا. 1032- قال الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وهو وليّ عهد، للعباس بن الوليد بن عبد الملك وقد تماضّا: اسكت يا ابن البظراء، وكانت أمّ العباس رومية، فقال له العباس: أتفخر عليّ بما قطع من بظر أمك؟ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 1033- قال الوليد لأشعب: تمنّ؟ فقال أشعب: يتمنى أمير المؤمنين ثم أتمنى؟ فقال الوليد: إنما أردت أن تغلبني، إني أتمنّى ضعفي ما تتمنى، فقال أشعب: إني أتمنى كفلين من العذاب، قال: إذن نوفّرهما عليك. «1034» - كانت سعدة بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان تحت الوليد ابن يزيد بن عبد الملك، فهوي أختها سلمى، فطلّق سعدة طمعا أن يتزوّج أختها، فلم يزوجه أبوها. وندم على طلاقه سعدة واستهام بها، فتزوجت سعدة فأيس منها. فقال الوليد لأشعب: هل لك في عشرة آلاف درهم على أن تبلغ سعدة رسالتي؟ قال: أحضرها حتى أنظر إليها، فأحضرها الوليد، فوضعها أشعب على عاتقه وقال: هات رسالتك، فقال الوليد تقول لها: [من الوافر] أسعدة هل إليك لنا سبيل ... وهل حتى القيامة من تلاق بلى ولعلّ دهرا أن يواتي ... بموت من خليل أو فراق فأصبح شامتا وتقرّ عيني ... ويجمع شملنا بعد افتراق فأتى أشعب باب سعدة فاستأذن عليها، فأخبرت بمكانه فأمرت بفرش لها ففرشت وجلست وأذنت له. فلما دخل أنشدها ما أمر به، فقالت لخدمها: خذوا الفاسق، فقال: يا سيدتي، إنها بعشرة آلاف درهم، قالت: والله لأقتلنّك أو تبلّغه كما بلغتني، قال: وما تهبين لي؟ قالت بساطي الذي تحتي، قال: قومي عنه، فقامت فطواه، ثم قال: هاتي رسالتك- جعلت فداك- قالت، قل له: [من الطويل] أتبكي على لبنى [1] وأنت تركتها ... فقد ذهبت لبنى فما أنت صانع   [1] في حاشية ر: سعدى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 فأقبل أشعب فدخل على الوليد فأنشده البيت، فقال: أوّاه! قتلتني يا ابن الزانية! ما أنا صانع؟ اختر إما أن أدلّيك منكّسا على رأسك في البئر، أو أرمي بك منكّسا من فوق القصر، أو أضرب رأسك بعمودي هذا ضربة، هذا الذي أنا صانع، فاختر الآن ما أنت صانع. قال أشعب: ما كنت لتفعل من هذا شيئا، قال: ولم يا ابن الزانية؟ قال: ما كنت لتعذّب عينين قد نظرتا إلى سعدة، قال: صدقت؛ أوّاه! أفلتّ مني بهذا والله يا ابن الزانية! «1035» - كان بالرّقّة قاصّ يكنى أبا عقيل يكثر التحدّث عن بني إسرائيل فيظنّ به الكذب، فقال له يوما الحجاج بن خيثمة: ما كان اسم بقرة بني إسرائيل؟ قال: خيثمة، فقال له رجل من ولد أبي موسى الأشعري: في أيّ كتاب وجدت هذا؟ قال: في كتاب عمرو بن العاص. «1036» - وكان أبو الهندي، وهو عبد المؤمن بن عبد القدوس بن شيث بن ربعي الرياحي، عجيب الجواب. فجلس إليه رجل مرة يعرف ببردين المناقير [1] ، وكان أبوه صلب في حرابة [2] ، والحرابة عندهم سرق الإبل خاصة، فأقبل يعرّض لأبي الهندي بالشراب، فلما أكثر عليه قال أبو الهندي: أحدهم يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في است أبيه. «1037» - ومر به نصر بن سيار الليثي وهو يميل سكرا فقال له: أفسدت شرفك، فقال أبو الهندي: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان.   [1] الأغاني: يقال له برزين ناسكا. [2] الأغاني: خرابة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 «1038» - وخطب إلى رجل من بني تميم فقال له: لو كنت مثل أبيك لزوّجتك، فقال له أبو الهندي: لكن لو كنت مثل أبي ما خطبت إليك. «1039» - كانت حميدة بنت النعمان بن بشير تحت روح بن زنباع الجذاميّ، فأشرفت على قوم من جذام وفدوا على روح فزجرها روح فقالت: إني والله لأبغض الحلال من جذام، فكيف تخافني على الحرام منهم؟ وخلف عليها بعده الفيض بن محمد عمّ يوسف، فقالت فيه: [من البسيط] سمّيت فيضا وما شيء تفيض به ... إلا بسلحك بين الباب والدار وتمثل الفيض يوما بهذا البيت: [من البسيط] إن كنت ساقية قوما على كرم ... صفو المدامة فاسقيها بني قطن ثم تحرك فضرط، فقالت: وهذه أيضا فاسقيها بني قطن. «1040» - جلس معن بن زائدة يقسم سلاحا في جنده إذ دفع إلى رجل منهم سيفا، وكان سيف سوء، فقال معن: خذه فإنها مأمورة، فقال: هذا مما قد أمر أن لا يقطع شيئا أبدا، فأبدله له وزاد في عطائه. «1041» - أمر بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري بتفريق بين رجل وامرأته، فقال له: يا آل أبي موسى، إنما خلقكم الله للتفريق بين المسلمين. «1042» - وقال أبو العيناء: قال لي المتوكل يوما: هل رأيت طالبيا حسن الوجه قطّ؟ قلت: نعم، رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنة واحدا، قال: تجده كان يؤاجر وكنت تقود عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين، قد بلغ هذا من فراغي، أدع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 مواليّ مع كثرتهم وأقود على الغرباء؟! فقال المتوكل للفتح: أردت ان أشتفي منهم فاشتفى لهم مني. «1043» - وقدّم إلى مائدة عليها أبو هفّان وأبو العيناء فالوذجة، فقال أبو هفان: لهذه أحرّ من مكانك في جهنم، فقال له أبو العيناء: إن كانت حارّة فبرّدها بشعرك. 1044- وقال أبو العيناء: أدخل على المتوكّل رجل قد ادعى النّبوّة، فقيل له: ما علامة نبوّتك؟ قال: أن يدفع إليّ أحدكم امرأة فإني أحبلها في الحال، فقال: يا أبا العيناء، هل لك أن تعطيه بعض الأهل؟ فقال: إنما يعطيه من كفر به. فضحك وخلّاه. «1045» - وقال: فلج بعض المجّان فرأيته وهو يأكل سمكا ولبنا فعاتبته على ذلك فقال: آمن ما يكون الطريق إذا قطع فيه. «1046» - ومرت جارية بقوم ومعها طبق مغطّى، فقال لها بعضهم: أيّ شيء معك على الطبق؟ قالت: فلم غطّيناه؟ «1047» - قالت امرأة مزبد لمزبّد: يا قرنان! يا مفلس! قال: إن صدقت فواحدة من الله تعالى والأخرى منك. «1048» - رفع مزبّد مرّة إلى والي المدينة ومعه زق فارغ، فأمر بضربه فقال له: لم تضربني؟ قال: لأنّ معك آلة الخمر، قال: وأنت- أعزّك الله- معك آلة الزنا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 «1049» - قال الرشيد لبهلول: من أحبّ الناس إليك؟ قال من أشبع بطني، قال: فأنا أشبعك فهل تحبني؟ قال الحبّ بالنّسيئة لا يكون. «1050» - وقال له الرشيد: أبو بكر وعمر خير أم عليّ؟ فقال: واحد بإزاء الاثنين لا يجوز، ولكن عليّ والعباس خير من أبي بكر وعمر. 1051- وشبيه بهذا ما حكي عن السّندي بن شاهك أنه أحضر رجلا ادعى عليه الرفض فقال له: ما تقول في أبي بكر؟ فأثنى عليه، قال: فعمر؟ قال: لا أحبّه فاخترط السندي سيفه وقال: لم ويلك؟ قال: لأنه جعل الشورى في ستة من المهاجرين وأخرج العباس منهم، فشام سيفه ورضي عنه. «1052» - ضرط ابن صغير لعبد الملك بن مروان في حجره، فقال له: قم إلى الكنيف، فقال: أنا فيه. وكان عبد الملك شديد البخر. «1053» - دخل إبراهيم الحرانيّ الحمام فرأى رجلا عظيم الذكر فقال له: أيباع [متاع] البغل؟ قال: لا بل نحملك عليه. فلما خرج بعث إليه بصلة وكسوة وقال لرسوله، قل له: اكتم هذا الحديث فإنه كان مزاحا. فردّه وقال، قل له: لو قبلت حمالتنا لقبلنا صلتك. «1054» - قال الفرزدق لزياد الأعجم: يا أقلف، فقال يا ابن النمّامة. «1055» - كان لبعضهم ابن دميم فخطب إلى قوم، فقال الابن لأبيه يوما: بلغني أن العروس عوراء، فقال الأب: يا بنيّ، بودّي أنّها عمياء حتى لا ترى سماجة وجهك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 «1056» - كانت رقية بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان- وأمها فاطمة بنت الحسين- عند هشام بن عبد الملك، وكان يحبّها وتبغضه، فاعتلّت، فجلس عند رأسها فقال لها: ما تشتكين؟ قالت: بغضك، فسكت عنها ساعة ثم قال لها: ما تشتهين؟ قالت: فقدك. «1057» - وكان بالبصرة رجل طيّب يقال له حوصلة، وكان له جار يعشق ابنا له، فوجّه حوصلة بابنه هذا إلى بغداد في حاجة له ولم يعلم جاره بذلك، فجاء ليلة يطلبه فصاح بالباب: أعطونا نارا، فقال حوصلة: المقدحة ببغداذ. «1058» - وقد حكي مثل هذا سواء عن ابن أبي عتيق وقد جاء صديق لجاريته يطلب نارا، فقال له: قدّاحتنا في البستان. «1059» - وقال بعض العلويّة لأبي العيناء: أتبغضني ولا تصحّ صلاتك إلا بالصلاة عليّ إذا قلت: اللهم صلّ على محمد وآله؟ قال أبو العيناء: إذا قلت «الطيبين الطاهرين» خرجت منهم. «1060» - سكر مزبّد يوما فقالت امرأته: أسأل الله أن يبغّض إليك النبيذ، قال: والفتيت إليك. «1061» - قالت امرأة مزبّد يوما، وكانت حبلى ونظرت إلى قبح وجهه: الويل لي إن كان الذي في بطني يشبهك، فقال لها: الويل لي إن كان الذي في بطنك لا يشبهني. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 «1062» - سأل بعض الخلفاء بعض من لا يستحقّ الولاية فقال: ولّني يا أمير المؤمنين ارمينية، قال: يبطىء على أمير المؤمنين خبرك. «1063» - وقال رجل لحميد الطوسي، وكان عاتيا: رأيت في النوم كأنّ القيامة قد قامت، وكأن الله تعالى قد دعاك وغفر لك وأدخلك الجنّة. فقال: إن كانت رؤياك حقّا فالجور ثمّ أكثر منه ها هنا. «1064» - مرّ الفرزدق وهو راكب على بغلة فضرطت، فضحكت منه امرأة، فالتفت إليها وقال: ما يضحكك؟ فو الله ما حملتني أنثى قطّ إلّا ضرطت. فقالت له المرأة: قد حملتك أمّك تسعة أشهر يا ابن الضرّاطة. «1065» - تنبّأ رجل فادعى أنه موسى بن عمران، وبلغ خبره الخليفة فأحضره وقال: من أنت؟ قال: موسى بن عمران الكليم قال: وهذه عصاك التي صارت ثعبانا؟ قال: نعم، قال: فألقها من يدك وأمرها أن تصير ثعبانا كما فعل موسى، قال: قل أنا ربّكم الأعلى كما قال فرعون حتى أصيّرها ثعبانا كما فعل موسى. «1066» - وتنبّأت امرأة على عهد المأمون فأوصلت إليه، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا فاطمة النبيّة، قال لها المأمون: أتؤمنين بما جاء به محمد فهو حقّ؟ قالت: نعم، قال: فإنّ محمدا قال لا نبيّ بعدي، قالت: صدق عليه السلام، فهل قال لا نبيّة بعدي؟ قال المأمون لمن حضره: أما أنا فقد انقطعت، فمن كان عنده حجّة فليأت بها، وضحك حتى غطّى وجهه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 «1067» - وتنبأ آخر في أيام المعتصم، فلما أحضر بين يديه قال له: أنت نبيّ؟ قال: نعم، قال: إلى من بعثت؟ قال: إليك، قال: أشهد إنّك لسفيه أحمق، قال: إنما يبعث إلى كلّ قوم مثلهم، فضحك المعتصم وأمر له بشيء. «1068» - وتنبّأ آخر في خلافة المأمون فقال له: ما أنت؟ قال: نبيّ، قال: فما معجزتك؟ قال: سل ما شئت- وكان بين يديه قفل- فقال: خذ هذا القفل فافتحه، قال: أصلحك الله، لم أقل لك إنني حدّاد، قلت: أنا نبيّ. فضحك المأمون واستتابه وأجازه. 1069- قال بصيلة: دخلت سقاية بالكرخ فتوضّأت، فلما خرجت تعلّق بي السّقاء وقال: هات قطعة فضرطت ضرطة وقلت: خلّ الآن سبيلي فقد نقضت وضوئي، فضحك وخلّاني. «1070» - دخل رجل من ولد قتيبة بن مسلم الحمّام وبشار بن برد فيه فقال: يا أبا معاذ وددت لو أنّك مفتوح العين، قال: ولم ذاك؟ قال: لترى استي فتعرف أنّك قد كذبت في شعرك حيث تقول: [من الوافر] على أستاه سادتهم كتاب ... موالي عامر وسم بنار قال: غلطت يا ابن أخي إنما قلت: على أستاه سادتهم، ولست منهم. «1071» - كان بعضهم يتقلّد أعمال السلطان، فجاءه أبوه يوما يسأله في أمر إنسان فاشتدّ ذلك عليه وضجر، فقال لأبيه: أحبّ وأسألك أن تقول إذا جاءك إنسان وقال: كلّم ابنك بسببي قل: ليس ذلك بابني، فقال الأب: أنا هو ذا أقول هذا منذ ثلاثين سنة وما يقبل منى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 «1072» - كان أبو حنيفة وشيطان الطاق يمشيان ذات يوم إذ سمعا رجلا يقول: من يدلّنا على صبيّ ضالّ؟ فقال شيطان الطاق: أما الصبي فلا أدري ولكن إن أردت أن أدلّك على شيخ ضالّ فها هو ذا، وأومأ إلى أبي حنيفة. «1073» - وكان لشيطان الطاق ابن أحمق فقال له أبو حنيفة: أنت من ابنك هذا في بستان، قال: هذا لو كان ابنك. «1074» - لما أخذ محمد بن سليمان صالح بن عبد القدوس ليوجّه به إلى المهدي قال له: أطلقني حتى أفكّر فيولد لك ولد ذكر، ولم يكن لمحمد بن سليمان غير بنت واحدة، قال: بل أصنع ما هو أنفع لك، أفكّر حتى تفلت من يدي. «1075» - حمل بعض الصوفيّة طعاما إلى طحّان ليطحنه فقال: أنا مشغول، فقال: اطحنه وإلّا دعوت عليك وعلى حمارك ورحاك، قال: فأنت مجاب الدعوة؟ قال: نعم، قال: فادع الله عزّ وجلّ أن يصير حنطتك دقيقا فهو أنفع لك وأسلم لدينك. «1076» - دخل الشّعبيّ الحمّام وفيه رجل متكشّف، فغمّض عينيه فقال له الرجل: يا شيخ متى ذهبت عينك؟ قال: منذ هتك الله سترك. «1077» - قال رجل من أهل الحجاز لابن شبرمة: من عندنا خرج العلم، قال: ثمّ لم يعد إليكم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 «1078» - اعترض رجل المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من العرب، قال: ما ذاك بعجب، قال: وإني أريد الحجّ، قال: الطريق أمامك نهج، قال: وليست لي نفقة، قال: قد سقط الفرض عنك، قال: إني جئتك مستجديا لا مستفتيا. فضحك وأمر له بصلة. «1079» - وتنظر هذه الحكاية إلى قصّة عبد الله بن فضالة الأسدي مع ابن الزبير لما قال: إني جئتك مستجديا لا مستوصفا، فلعن الله ناقة حملتني إليك؛ إلّا أن المأمون ولع بالأعرابي وابن الزبير قصد المنع لمجتديه، فلم أثبت الحكاية ها هنا لهذا السبب إذ كان لا يليق بها. «1080» - قال الأصمعي: مررت بكنّاس يكنس كنيفا بالبصرة وهو ينشد: [من الوافر] أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر فقلت له: أما سداد الكنيف فأنت مليء به، وأما سداد الثغر فلا علم لي بك كيف أنت فيه- وكنت حديث السنّ وأردت العبث به- قال: فأعرض عني مليّا ثم أقبل علي وأنشد متمثلا: [من الطويل] وأكرم نفسي إنّني إن أهنتها ... وحقّك لم تكرم على أحد بعدي فقلت له: والله ما يكون من الهوان شيء أكثر مما بذلتها له، فبأيّ شيء أكرمتها؟ فقال: بلى والله، إنّ من الهوان ما هو شرّ مما أنا فيه، فقلت: ما هو؟ فقال: الحاجة إليك وإلى أمثالك من الناس. 1081- أتى الحكم بن عبدل ابن بشر بالكوفة، فسأله فقال: أخمسمائة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 أحبّ إليك الآن أم ألف في القابل؟ قال: ألف في القابل، فلما أتاه قال: ألف أحب إليك أم ألفان في القابل؟ قال: ألفان في القابل. فلم يزل ذلك دأبه حتى مات ابن بشر وما أعطاه شيئا. 1082- ثم إن امرأة موسرة بالكوفة كانت لها على الناس ديون بالسواد، فاستعانت بابن عبدل في دينها وقالت: إني امرأة ليس لي زوج، وجعلت تعرّض بأنّها تزوّجه نفسها. فقام ابن عبدل في دينها حتى اقتضاه؛ فلما طالبها بالوفاء كتبت إليه: [من الوافر] سيخطيك الذي أخطاك مني ... فقطّع حبل وصلك من حبالي كما أخطاك معروف ابن بشر ... وكنت تعدّ ذلك رأس مال 1083- قال محمد بن إبراهيم الإمام لسعيد الدارميّ: لو صلحت عليك ثيابي لكسوتك، قال: فديتك إن لم تصلح عليّ ثيابك صلحت عليّ دنانيرك. 1084- قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: عمل محمد الأمين سفينة فأعجب بها وركب فيها يريد الأنبار وأنا معه. فقال لي: يا إسحاق كيف ترى سفينتي؟ قلت حسنة يا أمير المؤمنين، عمّرها الله ببقائك. وقام يريد الخلاء، وقال: قل فيها أبياتا، فقلت: نعم، وخرج. فقمت بالأبيات إليه فاشتهاها جدا وقال لي: أحسنت يا إسحاق، وحياتي لأهبنّ لك عشرة آلاف دينار، فقلت: متى يا أمير المؤمنين، إذا وسّع الله عليك؟ فضحك ودعا بها على المكان. 1085- وفي حكاية أخرى عنه أنه طرب على غنائه فخرق درّاعته وقال: وحياتي لأهبنّ لك عشرة آلاف درهم، فقال متى يا سيدي؟ إذا بويعت بالخلافة وكنت بين يديك أغنّي، ووفّق لي أن طربت على غنائي؟ «1086» - وقد حكي عن الحجّاج ما يقارب هذا، وخرج في مقام الجدّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 والسخاء، وذلك أنه حجّ فلما أراد الصّدر قال: اعذرونا يا أهل مكة فإنّا على سفر. فقام إليه رجل من قريش فقال: لا عذر الله من يعذرك، أمير المصرين وابن عظيم القريتين، فإذا عذرناك فمن نلوم؟ فقال الحجاج: عليّ بالتجار فأحضروا، فاستسلف منهم ألف ألف درهم وقسمها منهم. 1087- رأى رجل رجلا يأخذ حجارة قد أعدّها لبناء له فاستحيا منه، فقال الآخذ: لم أعلم أنها لك؟ فقال: هب أنّك لم تعلم أنها لي، ألم تعلم أنها ليست لك؟ «1088» - دخل أبو الأقرع على الوليد فقال له: أنشدني قولك في الخمر، فأنشده: [من الطويل] كميتا إذا شجّت وفي الكأس وردة ... لها في عظام الشاربين دبيب تريك القذى من دونه وهي دونه ... لوجه اخيها في الإناء قطوب فقال له الوليد: شربتها وربّ الكعبة، فقال: يا أمير المؤمنين، لئن كان نعتي لها رابك لقد رابتني معرفتك بها. 1089- قدّم رجل عجوزا دلّالة إلى القاضي، فقال: أصلح الله القاضي، زوّجتني هذه امرأة فلما دخلت بها وجدتها عرجاء، فقالت: أصلح الله القاضي، زوّجته امرأة يجامعها أو زوّجته حمارة يحجّ عليها؟! «1090» - قيل لامرأة ظريفة: أبكر أنت؟ قالت: أعوذ بالله من الكساد. «1091» - قال أبو العيناء: خطبت امرأة فاستقبحتني فكتبت إليها: [من الطويل] فإن تنفري من قبح وجهي فإنني ... أديب أريب لا عييّ ولا فدم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 فأجابت: ليس لديوان الرسائل أريدك. «1092» - خرجت حبّى المدينية في جوف الليل فلقيها إنسان فقال: أتخرجين في هذا الوقت؟ قالت: وما أبالي؟ إن لقيني الشيطان فأنا في طاعته، وإن لقيني رجل فأنا في طلبه. «1093» - غاب رجل عن امرأته فبلغها أنّه اشترى جارية، فاشترت غلامين، فبلغ الخبر زوجها فجاء مبادرا وقال لها: ما هذا؟ فقالت: أما علمت أن الرحى أحوج إلى بغلين من البغل إلى رحوين، بع الجارية حتى نبيع الغلامين. ففعل ذلك. «1094» - أدخل علويّ امرأة فلما طالبها قالت له: هات شيئا؟ قال: أما ترضين أن يلج فيك بضعة منّي؟ قالت: هذا ينفق بقمّ. «1095» - دخل ابن يونس فقيه مصر على بعض الخلفاء، فقال له: ما تقول في رجل اشترى شاة فضرطت فخرجت من استها بعرة فقأت عين رجل؟ على من الدّية؟ قال: على البائع، قال: ولم؟ قال: لأنه باع شاة في استها منجنيق ولم يبرأ من العهدة. «1096» - كان ابن قريعة القاضي في مجلس المهلّبي، فوردت عليه رقعة فيها: ما يقول القاضي- أعزّه الله- في رجل دخل الحمّام فجلس في الأبزن لعلّة كانت به، فخرجت منه ريح وتحول الماء زيتا، فتخاصم الحمّاميّ والضارط، وادعى كلّ واحد منهما أنّه يستحقّ جميع الزيت بحقّه فيه؟ فكتب القاضي في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 الجواب: قرأت هذه الفتيا الظريفة في هذه القصّة السخيفة، وأخلق بها أن تكون عبثا باطلا وكذبا ماحلا، وإن كان ذلك كذلك فهو من أعاجيب الزمان وبدائع الحدثان. والجواب- وبالله التوفيق- أنّ للصاقع نصف الزيب بحقّ وجعائه، وللحمّاميّ نصف الزيت بحقّ مائه، وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما عن خبث أصله وقبح فصله، حتى يستعمله في مسرجته، ولا يدخله في أغذيته. «1097» - وجد شيخ مع زنجية في ليلة الجمعة في مسجد وقد نوّمها على الجنازة، فقيل له: قبّحك الله يا شيخ، قال: اذا كنت أشتهي وأنا شيخ فما ينفعني شبابكم؟ قالوا: فزنجية؟ قال: فمن يزوّجني منكم بعربية؟ قالوا: ففي المسجد؟ قال: من يفرغ لي منكم بيته ساعة؟ قالوا: فعلى الجنازة؟ قال: من يعطيني سريره؟ قالوا: فليلة الجمعة؟ قال: إن شئتم جئتكم ليلة السبت. فضحكوا منه وخلّوه. «1098» - وقف أعرابي من بني فقعس على جماعة يسألهم، وهو عريان فأنشد: [من الوافر] كساني فقعس وكسا بنيه ... عطاف المجد إن له عطافا فقال بعضهم: لو كساك خرقة تواريك كانت أصلح لك من هذا العطاف. «1099» - قال شاعر في الصّاحب: [من المتقارب] وردنا لنشكر كافي الكفاة ... ونسأله الكفّ عن برّنا فقال له بعضهم: فقد كفيت فليس يعطي أحدا شيئا. «1100» - غضب سعيد بن وهب يوما على غلام له فأمر به فبطح وكشف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 عنه الثوب ليضربه، وقال له: يا ابن الفاعلة، إنما غرّتك استك هذه حتى اجترأت عليّ هذه الجرأة، وسأريك هوانها عليّ. فقال الغلام: طالما غرتك هذه الاست حتى اجترأت على الله تعالى، وسوف ترى هوانك عليه. قال سعيد: فورد عليّ من جوابه ما حيّرني وسقط السّوط من يدي. «1101» - ركب أعرابيّ بحيرة، فقيل له: إنها حرام لا يحلّ ركوبها، فقال: يركب الحرام من لا حلال له. «1102» - وسأل أعرابيّ عبد الملك فقال: سل الله تعالى، فقال الأعرابي: قد سألته فأحالني عليك. فضحك وأعطاه. «1103» - ودخل أعرابيّ المخرج فخرج منه صوت، فجعل فتيان حضور يضحكون منه، فقال: يا فتيان، هل سمعتم شيئا في غير موضعه؟ «1104» - وقال بعض المجان: حضرنا مجلسا فيه قينة، فتحرّكت فضرطت وتشوّرت وقطعت الزير، فتغافلوا عنها، ثم قالت لبعضهم: ما تحبّ أن أغنيك؟ قال [من المنسرح] : يا ريح ما تصنعين بالدمن ... كم لك من محو منظر حسن قال: فكان خجلها في اقترحه أشدّ من خجلها من ضرطها. «1105» - وقال ابن أبي البغل لرجل: ولد لي مولود فما أسمّيه؟ قال: لا تخرج من الاصطبل وسمّه ما شئت. «1106» - قال برصوما الزّامر لأبيه: لم تجد اسما تسميني به أحسن من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 هذا؟ قال: لو علمت أنّك تجالس الخلفاء لسميّتك يزيد بن مزيد. «1107» - لما قال إبراهيم بن هرمة: [من المنسرح] لا أمتع العود بالفصال ولا ... ابتاع إلا قريبة الأجل قال مزيد: صدق ابن الخبيثة فإنه لا يشتري إلا شاة الأضحى التي يذبحها من ساعته. «1108» - لما قال أرطأة بن سهيّة، وهي أمّه، للربيع بن قعنب: [من البسيط] لقد رأيتك عريانا ومؤتزرا ... فما علمت أأنثى أنت أم ذكر قال له: لكن سهيّة قد علمت، فغلبه. «1109» - قال محمد بن الحارث بن بسخنّر: كان علويه بعيد الخجل صفيق الوجه لا يكاد يخجله شيء. فاجتمعنا يوما عند المعتصم ومعنا إبراهيم بن المهدي، فلما خرجنا قال إبراهيم لعلويه: هل أحدثت شيئا من الغناء؟ قال: صنعت: [من الطويل] إذا كان لي شيئان يا أمّ مالك ... فإن لجاري منهما ما تخيّرا وفي واحد إن لم يكن غير واحد ... أراه له أهلا وإن كنت معسرا قال إبراهيم: وإن كانت امرأتك؟ فانقطع علوية انقطاعا قبيحا، وخجل حتى لم ينتفع بنفسه ذلك اليوم. ومما وضع على لسان البهائم أيضا: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 «1110» - وقع في شرك صيّاد ثعلبان، فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي أين ترى نلتقي؟ قال: في الفرّائين بعد ثلاثة أيام. «1111» - دخل كلب مسجدا خرابا فبال في المحراب، وفي المسجد قرد نائم، فقال للكلب: أما تخاف تبول في المحراب؟ فقال الكلب: ما أحسن ما خلقك حتى تتعصّب له. «1112» - وقالوا: إن جديا وقف على سطح يشتم ذئبا في الأرض، فقال له الذئب: لست الذي تشتمني ولكن مكانك الذي يفعل ذلك. «1113» - عدا كلب خلف ظبي فقال له الظبي: إنك لا تلحقني، قال: لم؟ قال: لأني أعدو لنفسي وأنت تعدو لصاحبك. «1114» - هاج بأبي علقمة الدّم فأتوه بحجّام يحجمه، فقال له: اشدد قصب الملازم وأرهف ظبة المشارط، وأسرع الوضع، وعجّل النّزع، وليكن شرطك وخزا، ومصّك نهزا، ولا تكرهنّ أبيّا، ولا تردّنّ آتيا. فوضع الحجّام محاجمه في جونته وقال: اسقوا هذا شربة فإنه إلى الدواء أحوج منه إلى الحجامة. «1115» - استأجر رجل حمّالا ليحمل معه قفصا فيه قوارير على أن يعلّمه ثلاث خصال ينتفع بها. فلما بلغ ثلث الطريق قال: هات الخصلة الأولى، قال: من قال لك إنّ الجوع خير من الشّبع فلا تصدّقه، قال: نعم. فلما بلغ نصف الطريق قال: هات الثانية، قال: من قال لك إن المشي خير من الركوب فلا تصدّقه، قال: نعم. فلما بلغ إلى باب الدار قال: هات الثالثة، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 قال: من قال لك إنه وجد حمالا أرخص منك فلا تصدّقه. فرمى الحمال بالقفص وقال له: من قال لك إنه بقي في القفص قارورة واحدة فلا تصدّقه. 1116- جاء رجل إلى السيد الحميري فقال: بلغني أنك تقول بالرجعة، قال: صدق الذي أخبرك وهذا ديني، قال: أفتعطيني دينارا بمائة دينار إلى الرجعة؟ قال السيّد: نعم وأكثر من ذلك إن وثقت لي بمن يضمن لي أنّك ترجع إنسانا. قال: وأي شيء أرجع؟ قال: أخشى أن ترجع كلبا أو خنزيرا أو حمارا وتذهب بمالي، فأفحمه. 1117- وقف مطيع بن إياس على رجل يعرف بأبي عمير من أصحاب المعلّى الخادم، فجعل يعبث به ويمازحه إلى أن قال له: [من الوافر] ألا أبلغ لديك أبا العمير ... أراني الله في استك نصف أير فقال له أبو العمر: يا أبا سلمى، لو جدت بالأير كلّه لأحد لجدت لي به لما بيننا من المصادقة، ولكنك لحبّك له لا تريده كلّه إلا لك. فأفحمه ولم يعاود العبث به. وكان مطيع يرمى بالأبنة. «1118» - ألقى أبو دلف العجلي على فضل الشاعرة المتوكلية يوما: [من الكامل] قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... اشهى المطيّ إليّ ما لم يركب كم بين حبّة لؤلؤ مثقوبة ... لبست وحبّة لؤلؤ لم تثقب فقالت فضل مجيبة له: [من الكامل] إنّ المطيّة لا يلذّ ركوبها ... ما لم تذلّل بالزّمام وتركب والحبّ ليس بنافع أربابه ... ما لم يؤلّف للنّظام ويثقب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 1119- وقف الفرزدق بالبصرة على رجل يكري النساء الحمير يعرف بباب المكاري، فقال له: أنت باب؟ قال: نعم، فقال: [من الطويل] كم من حر يا باب ضخم حملته ... على الرّحل فوق الأخدريّ المكرّم فقال: الساعة والله- جعلني الله فداك- نزلت النّوار- استودعها الله- عن ذلك الحمار، وأشار بيده إلى بعض الحمير، فقال له ابنه: ما كان أغناك عن هذا العبث. 1120- تكلم البصريّ مع بعض المتكلمين في مجلس المرتضى فقال البصريّ: إن العقل غير العلم، وقال الآخر: العقل هو العلم. فدلّ البصريّ وأوضح حجّته والخصم يردّه بجحود وبهت لا دليل وراءه؛ فلما أعياه وضحك الحاضرون من فهمه، قال البصري: قد أتيت بالبرهان لست تقبله، وقد بقي عندي دليل واضح أذكره ولا تردّه، قال: ما هو؟ قال: أنت، فإنّك غاية في العلم والفضل، وليس لك عقل كلب. فاستشاط الآخر وسبّه وسفه عليه، وقال: يا زوج كذا، فقال البصريّ وأشار إلى الحاضرين: سيدنا يدلّ. 1121- قال الأصمعي: ولي أعرابيّ على تيماء، وكان هناك قوم من بني ضبة، وكان فيهم امرأة ماجنة. فمرّ بها الوالي ذات يوم وهو وحده وليس معه أحد من أعوانه، فقالت: أيها الرجل إني أحبّ الشّعر وسماعه، فهل تروي لجميل شيئا؟ قال: نعم، وأراد أن يجمّشها، فقال: أروي قوله [1] : [من الطويل] هممت بأمر يا بثينة لو مضى ... لشدّ بواقي حبّها من فؤاديا لأجعل فخذا من بثينة كالنقا ... يمينا وأخرى مثلها عن شماليا وأراد أن تنقمع وتحتشم بسماع هذا وتنصرف عنه. فقالت: ما أحسن ما فوّق   [1] لم يرد البيتان في ديوانه المجموع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 لو أصاب القرطاس، فقال: قبّحك الله ما أمجنك، وانصرف مستحييا. «1122» - قال شريك الحارثيّ لجارية سوداء: لمن أنت يا سوداء؟ - وكان أصلع- قالت: أنا لفلان يا أصلع، فغضب وقال: كأنّك لست سوداء، فلم غضبت؟ فقالت له: الحقّ أغضبك، لا تسبّ حتى لا تسبّ. 1123- جلس بعض الأعراب يبول وسط الطريق بالبصرة فقيل له: يا أعرابي أتبول في طريق المسلمين؟ قال: وأنا من المسلمين، بلت في حقّي من الطريق. 1124- كان في يحيى بن أكثم حسد شديد، وكان مفنّنا في العلوم، إذا ناظر رجلا فرآه عالما بالفقه أخرجه إلى الحديث، وإن وجده عالما بالفقه والحديث أخرجه إلى العربيّة، فقدم من أهل خراسان رجل له افتنان في العلوم فناظره، فجعل يحيى لا يخرجه إلى فنّ إلّا قام به. فناظره في الحديث وقال له: ما تحفظ من الأصول؟ قال: أحفظ عن شريك عن أبي إسحاق عن الحارث أن عليا عليه السلام رجم لوطيّا. فسكت يحيى ولم يناظره بعد ذلك بحرف. 1125- أخرج نصر بن سيار محمد بن قطن الأسدي إلى قتال الكرماني كارها، فأصابه سهم غرب فقتله، ورمي ذلك اليوم برذون الكرماني فنفق، فصاح أصحاب نصر: يا أصحاب الكرماني، ما فعل البرذون؟ فصاحوا بهم: ركبه محمد بن قطن إلى النار. «1126» - قال رجل لبعض الأعراب: لا أحسبك تحسن الخراءة قال: بلى وأبيك، إني بها لحاذق، أبعد الأثر، وأعدّ المدر، وأستقبل الشّيح، وأستدبر الريح، وأقعي إقعاء الظبي، وأجفل إجفال النعام. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 «1127» - قال أبو زيد الأنصاري: دعا ابن أبي بردة أبا علقمة، وهو معتوه بصريّ، فلما دخل عليه قال: تدري لم أرسلت إليك؟ قال: لا، قال: لأسخر منك. فقال أبو علقمة: لئن فعلت ذاك لقد سخر أحد الحكمين من صاحبه. فلعنه ابن أبي بردة وأمر بحبسه. فبقي أياما ثم أخرجه يوم السبت، فلما وقف بين يديه قال له: أبو علقمة ما هذا الذي في كمك؟ قال: طرف من طرف السجن، قال: أفلا تهب لنا منه، قال: هذا يوم لا نأخذ فيه ولا نعطي، قال ابن أبي بردة: ما أبردك وأثقلك يا أبا علقمة، قال: أبرد مني وأثقل من كانت جدّته يهودية من أهل السواد. 1128- قال أبو زيد النحوي: مرّ رجل من قيس ومعه ابن له يريد الجمعة، وأبو علقمة المعتوه هذا على باب المسجد جالس. فقال الغلام لأبيه: أكلّم أبا علقمة؟ قال: لا، فأعاد عليه الكلام ثلاثا، فقال له أبوه: أنت أعلم. فقال له الغلام: يا أبا علقمة، ما بال لحى قيس خفيفة قليلة المؤونة ولحى اليمن كبيرة عريضة شديدة المؤونة؟ قال: من قول الله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً (الأعراف: 58) ، مثل لحية أبيك، قال: فجذب القيسيّ يده من يد ابنه ودخل في غمار الناس حياء وخجلا. «1129» - قيل كان في همذان مجنون يجتمع عليه الناس، فإذا اجتمعوا عليه قال لهم: هل ترون ما أنتم فيه من حيرتكم وغفلتكم شيئا؟ ما هو إلا محنة العبودية ووطأة الشريعة في الدنيا، والحبس والسؤال والعذاب في الآخرة، وإنما الراحة ما أنا فيه: لا حرج في الدنيا ولا حساب في الآخرة. «1130» - مرّ حوشب بمجنون من بني أسد وهو راكب قصبة والصبيان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 معه. فقال حوشب: قبّحك الله! تصنع هذا وأنت امرؤ من العرب؟ فأنشأ المجنون يقول: [من الكامل] نجّى وليدته وأسلم شيخه ... بئس الفتى عند الحفيظة حوشب واتبعه الصبيان يصيحون به: بئس الفتى عند الحفيظة حوشب، وهو يركض هاربا. 1131- وقيل بينا أحمد بن طولون في فيئته إذ سمع صائحا يصيح: يا أحمد بن طولون، يا أخا ثمود، يا أحمد بن طولون، يا أخا فرعون! فقال: عليّ بهذا الصائح، فمضوا وعادوا وقالوا: هو أبو نصر المجنون- لمجنون كان بمصر- فجيء به فقال: ما لك يا أبا نصر؟ قال جائع. قال: فأمر بطعام فجيء به وشواء وحلواء، فأكل الطعام والحلواء وشرب ثم نام بحضرة ابن طولون فما أيقظه بحرف، ولم يزل ساكتا حتى انتبه. فقال له: متى نراك يا أبا نصر؟ قال: حتى أجوع. «1132» - قال عبد الله بن خزيمة لبعض أصحابه، وكان صاحب شرطته، ذات يوم: أين تذهب يا هامان؟ قال: أبني لك صرحا. «1133» - قال رجل لصاحب منزل: أصلح خشب هذا السقف فإنه يتفرقع، قال: لا تخف إنما هو تسبيح، فقال: أخاف أن تدركه رقّة فيسجد. «1134» - سمع إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة يحيى بن أكثم يغضّ من جدّه، فقال: ما هذا جزاؤه منك، قال: حين فعل ماذا؟ قال: حين أباح النبيذ ودرأ الحدّ عن اللوطي. 1135- قال رجل لحسين بن منصور الحلاج: إن كنت فيما تدّعيه صادقا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 فامسخني قردا، فقال لو هممت بذاك لكان نصف العمل مفروغا منه. 1136- سأل رجل رجلا: ما اسمك؟ قال: بحر، قال: أبو من؟ قال: أبو الفيض، قال: ابن من؟ قال: ابن الفرات قال: ما ينبغي لصديقك أن يلقاك إلا في زورق. 1137- وأسرت مزينة حسّان بن ثابت في الجاهلية فأراد أهله أن يفادوه، فقالت مزينة: لا نفاديه إلا بتيس أجمّ، فقالوا: والله لا نرضى أن يفتدى شاعرنا ولساننا بتيس، فقال حسان ويحكم أتغبنون أنفسكم عيانا، إنّ القوم تيوس، فخذوا من القوم أخاكم وأعطوهم أخاهم. «1138» - قال موسى بن قيس المازني قلت لأبي فراس المجنون: أنت النهار كلّه ماش أفتشتكي بدنك بالليل؟ فقال: [من المتقارب] إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلّب فيه فتى موجع فقلت: يا أحمق أسألك عن حالك وتنشدني الشعر؟ قال: أجبتك يا مجنون، قلت: أتقول لي هذا وأنا سيّد من سادات الأنصار فقال: [من الطويل] وإن بقوم سوّدوك لفاقة ... إلى سيّد لو يظفرون بسيّد ثم لطم عينه، ومرّ وهو يقول: هكذا يكون الجواب المقشّر. تمّ الباب بحمد الله وعونه والحمد لله، اللهم صلّ على محمد النبي وآله وسلّم. ويتلوه باب كبوات الجياد وهفوات الأمجاد والله المعين والموفق بحوله وقوّته قوبل بجميعه فصحّ وكان الفراغ منه في سابع عشر رجب من سنة تسعين وستمائة، والله يطيل بقاء مالكه ويمتّعه به آمين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 الباب الرّابع والثّلاثون في كبوات الجياد وهفوات الأمجاد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وما توفيقي إلا بالله الحمد الله الذي تفرّد بالكمال، وتعالى عن الأشباه والأمثال، قوله الحقّ وأمره الفصل، وبيده الخير وله الفضل، خصّ البشر بالنقص وألزمهموه، ليعرفوا الخالق برتبة الكمال فيوحّدوه، ما استفزّ العجب ذا فضيلة إلا كشفته هفوته، ولا استقرّ في خياله التّمام إلا أكذب النقص مخيلته، ولا امتدّ سابق في جراء إلا والعثار غايته، ولا اشتدّ صاعد في ذروة علاء إلا والهبوط عاقبته، ولا اشتدّ ساعد في رماء إلا خان وقد أمكنت رميّته. أحمده حمد مسلم معترف، وأسأله راغبا في قبول الإنابة من مقرّ مقترف. وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أعوذ بها من هفوات القول والعمل، وألوذ بعصمتها من فرطات الخطأ والخطل، والصلاة على محمد نبيّه المعصوم من الزّلل والعثار، المؤيّد بالسّكينة والوقار، المختصّ بالاحتباء والاختيار، وعلى آله وأصحابه الأتقياء الأبرار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 [ مقدمة الباب ] (الباب الرابع والثلاثون في كبوات الجياد وهفوات الأمجاد) ويتصل به سرقات فحول الشعراء وسقطاتهم. 1139- قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (آل عمران: 155) . فهذه كانت هفوة من المسلمين وفيهم سادات الصّحابة وأعيان الشّجعان في يوم حنين غفرها الله وعفا عنها. وكان بعض القوم قال في ذلك اليوم: لن نؤتى اليوم من قلّة، وهم في اثني عشر ألفا، فأنزل الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (التوبة: 25) . 1140- ويليق بهذا الباب قصص الأنبياء عليهم السلام التي نسب إليهم فيها الخطأ: كخطيئة أبينا آدم عليه السّلام، وكقضيّة داود في الحكم، وقضيّة سليمان في قوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (ص: 34) فغفرنا له ذلك [1] ؛ وقد نسبوا إلى الخليل ابراهيم عليه السّلام نحو ذلك، حيث رأى الكوكب ثم القمر ثم الشمس؛ وقصة يوسف عليه السّلام حيث همّت به وهمّ بها.   [1] فغفرنا له ذلك: هذا من آية أخرى في قصة داود. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 ولكني ألغيت شرح هذه الأخبار التي أوردها أصحاب السّير تنزيها لهم، وإكبارا عن تمثيلهم ممن أدركه الزلل فهفا، وعثر في سنن هديه فكبا؛ وعلى أن الناس مختلفون فيما يجوز عليهم من الخطأ، وفيهم من لم يجوز [1] عليه وقوع الخطيئة، لا كبيرها ولا صغيرها، قبل النبوّة وبعدها. فأما الذين جوّزوا وقوع الخطأ منهم واختلفوا، فجوز [2] أصحاب الحديث ومن تابعهم وقوع الكبائر منهم قبل النّبوّة؛ وأفرط قوم منهم فجوّزوها في حال النّبوّة، سوى الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة؛ ومنهم من جوّز ذلك في حال النّبوّة بشرط الإسرار [3] دون الإعلان؛ وفيهم من جوّزه على الأحوال كلّها، ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفّة من الأنبياء عليهم السلام قبل النّبوّة وفي حالها، وجوّزت في الحالين وقوع ما لا يستخفّ من الصغائر، ثم اختلفوا: فمنهم من جوّز على النبيّ الإقدام على المعصية الصغيرة لا على سبيل العمد، ومنهم من منع ذلك وقال: إنهم لا يقدمون على ما يعملونه معصية على سبيل التأويل. وحكي عن النّظّام وجعفر بن مبشّر أنهما قالا مع جماعة اتبعتهما إنّ ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السّهو والغفلة، وأنّهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعا عن أممهم لقوّة معرفتهم وعلوّ مرتبتهم، وحجج هذه المقالات وتسمية قائليها والذاهبين إليها، تحتاج إلى بيان وشرح لا يليق بهذا الكتاب. وحصل من هذا إجماع أكثر الناس أن أحدا لا يخلو من هفوة وزلّة، والله بكرمه وليّ العفو عنها والمسامحة بها، فلا يعاب ذو فضيلة بوقوعها منه. 1141- كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ناقة تسبق ما يجاريها. فجاء أعرابيّ بناقة له فسبقها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: حقيق على الله تعالى أن لا يرفع شيئا إلا وضعه.   [1] م: لم يجز. [2] م: فاختلفوا فجوز. [3] رم: الاستسرار، وفي حاشية ر ما أثبتناه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 «1142» - وقال الأحنف: الشريف من عدّت سقطاته. قال النابغة: «أيّ الرّجال المهذّب» . وقالوا: كلّ صارم ينبو، وكلّ جواد يكبو. ومنه قول الآخر: [من الطويل] «هو السيف إلا أنّ للسيف نبوة» 1143- وكان الأحنف حليما سيّدا، يضرب به المثل، وقد عدّت له سقطات. فمن ذلك أنه نظر إلى خيل لبني مازن وقال: هذه خيل ما أدركت بالثار ولا نقضت الأوتار؛ فقال له سعيد بن العلقم المازني: أمّا يوم قتلت أباك فقد أدركت بثأرها. فقال الأحنف: لشيء ما قيل: دع الكلام حذر الجواب. وكانت بنو مازن قتلت أبا الأحنف في الجاهلية. «1144» - ومن سقطاته أنّ عمرو بن الأهتم دسّ إليه رجلا يسفّهه، فقال: يا أبا بحر من كان أبوك في قومه؟ قال: كان من أوسطهم لم يسدهم ولم يتخلّف عنهم، فرجع إليه ثانية ففطن أنه من قبل عمرو، فقال: ما كان مال أبيك؟ قال: كانت له صرمة [1] يمنح منها ويقري ولم يكن أهتم سلّاحا. «1145» - ولما خرج الأحنف مع مصعب أرسل إليه بمائة [2] ألف درهم، ولم يرسل إلى زبراء جاريته بشيء، فجاءت حتى تقدّمت بين يدي الأحنف ثم أرسلت عينيها، فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما لي لا أبكي عليك إذا [3] لم تبك   [1] الصرمة: القطيع من الإبل. [2] نثر: بثلاثين. [3] م: إذ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 على نفسك؟ أبعد نهاوند ومرو الرّوذ تجمع [1] بين غارين [2] من المسلمين؟ فقال: نصحتني والله في ديني إذ لم أنتبه لذلك، ثم أمر بفساطيطه فقوّضت، فبلغ مصعبا ذلك فقال: ويحكم! من دهاني في الأحنف؟ فقالوا: زبراء، فبعث إليها بثلاثين ألف درهم، فجاءت حتى أرخت عينيها بين يديه فقال: ما لك يا زبراء؟ قالت: جئت بإخوانك من أهل البصرة تزفّهم كما تزفّ العروس حتى إذا صيّرتهم في نحور أعدائهم أردت أن تفتّ في أعضادهم، قال: صدقت والله، يا غلام دع الفساطيط، فاضطرب العسكر بمجيء زبراء مرّتين فذهبت مثلا. 1146- وأنا أجتنب ذكر ما جاء في هفوات الصالحين والصّدر الأوّل إجلالا لهم عن سوء الظّنّ إلا أن يجيء ما ليس بخطأ على الحقيقة، وإنما اعترفوا به تواضعا، كما جاء عن عمر رضي الله عنه، قال: لا يبلغني أن أحدا تجاوز بصداقه صداق النبيّ صلّى الله عليه وسلم إلا ارتجعته منها. فقامت امرأة فقالت: ما جعل الله تعالى ذلك لك، يا ابن الخطاب، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (النساء: 20) ، فقال عمر: ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟ ناضلت إمامكم فنضلته، وعمر رضي الله عنه إنما قال ذلك زجرا ليقتدوا بسنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلم في صدقات النساء ولم يوجبه عليهم، والآية التي احتجت بها المرأة ليست في الصّداق [3] .   [1] م: جمع. [2] الغار: الجماعة أو الجيش الكثير. [3] حاشية ر: قال عمر رضي الله عنه ذلك تواضعا، إن صحت هذه الحكاية عنه، وليس المراد من الآية الصداق وإنما المراد الهبة. وهناك حاشية أخرى طويلة بغير خط الناسخ وفيها رد على ما قاله المؤلف بالمقصود من الآية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 «1147» - روى قتادة أنّ الحسن سئل عن قوله تعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (مريم: 24) ، فقال: إن كان لسريا وإن كان لكريما، فقال: من هو؟ قال: المسيح، فقال له حميد بن عبد الرحمن: أعد نظرا إنما السّريّ الجدول فتمعّر لونه، وقال: يا حميد، غلبنا عليك الأمراء [1] . «1148» - وكان أبو حنيفة يلحن، فسمعه أبو عمرو بن العلاء يتكلّم في الفقه ويلحن، فاستحسن كلامه واستقبح لحنه، فقال: إنه لخطاب لو ساعده صواب، ثم قال لأبي حنيفة: إنك أحوج إلى إصلاح لسانك من جميع الناس. «1149» - وسأله رجل يوما فقال: ما تقول في رجل تناول صخرة فضرب بها رأس رجل فقتله أتقيده به؟ فقال: لا ولو ضربه بأبا قبيس. وقد احتجّ قوم لأبي حنيفة وزعموا أنه لم يلحن، وقالوا: اسم الجبل كذا وليس بكنية؛ وروي أنّ عطاء كذا كان يقول، وكذاك ابن عباس، ولا يشكّ في فصاحته، ويحتجون بلغة بلحارث بن كعب، وأنهم يسوّون في التثنية بين النصب والجرّ؛ وينشدون بيت المتلمس: [من الطويل] فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغا لناباه الشجاع لصمّما ويقولون: رأيت أباه ومررت بأباه وينشدون: [من الرجز] إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها والأحسن في هذا أن يكون قولهم: أبا قبيس اسما للجبل ليس بكنية، فلا يغيّر بتغيير العوامل فيه، ويصير كالاسم الواحد.   [1] نثر: الإماء. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 «1150» - وكان بشر المريسي يقول لجلسائه: قضى الله لكم الحوائج على أحسن الوجوه وأهنؤها، فسمع قاسم التمّار قوما يضحكون من ذلك فقال: هذا كما قال الشاعر: [من المنسرح] إنّ سليمى والله يكلوّها ... ضنّت بشيء ما كان يرزؤها فكان احتجاجه لبشر أعجب من لحنه، وهما متقدمان في أصحاب الكلام. 1151- قال سعيد بن المسيب: ما فاتني الأذان في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة، ثم قام يريد الصلاة فوجد الناس يخرجون من المسجد. 1152- وقال قتادة: ما نسيت شيئا قطّ، ثم قال: يا غلام ناولني نعلي، قال: النعل في رجلك. 1153- كان عامر بن عبد الله بن الزبير في غاية الفضل والدّين، وكان لا يعرف الشرّ، فأتي بعطائه إلى المسجد فأخذه، وقام إلى منزله ونسيه ثم ذكره في بيته، فقال لخادمه: ادخل المسجد فائتني بعطائي، قال: وأين تجده بعد؟ قال: سبحان الله ويأخذ أحد ما ليس له؟! «1154» - قال الحسن بن زياد: مرّ ابن أبي ليلى بجبّانة الكوفة على امرأة مجنونة يقال لها أمّ عمران تعرّض لها رجل فشتمته، فأمر ابن أبي ليلى بإدخالها إلى المسجد وبأن تضرب الحدّ، فشتمت آخر بأقبح من شتيمة الأوّل، فأمر أن تضرب الحدّين. قال فبلغ أبا حنيفة ذلك، قال الحسن: وكنت حاضرا مجلس أبي حنيفة، فبعث بأربعة أنفس واحدا بعد واحد حتى تقصّوا الخبر وعادوا إليه، فوقف على صحته، فقال: إن للعلماء زلّات، ولكن يجب أن تخفى وأن يقال لهم في السّرّ: فإن كان الأمر كما قلتم فانظروا من يثق به من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 أصدقائه يلقاه في سرّ، ويخبره أن الذي قد عمل قد وهم فيه. أما أولها فإن المجنون لا يجب عليه الحدّ، وأنه حكم بغير خصم حاضر ادّعى ذلك، وذلك أن الرجل الذي شتمته مضى ولم يقف؛ وأنه أقام حدا في المسجد، والحدود لا تقام في المساجد؛ وجمع عليها حدّين في مقام واحد، ولا يجوز أن يجمع على مسلم حدّان [1] في موضع حتى يبرأ الأوّل ويقام عليه الثاني. وأما حدّه إياها وهي قائمة، فليس بين المسلمين خلاف أنّ المرأة لا تضرب قائمة، ولكن تضرب جالسة، والمرأة إذا احتاج الحاكم أن يحدّها، أحضر وليّها حتى يتولّى من سترها ما لعلّه أن ينكشف منها؛ وأما انكشاف شعرها حين ضربت فلم يأمر أحدا أن يغطّيه، وقد كان يجب أن يأمر امرأة تغطيه. «1155» - قال الشعبي: أخطأت عند عبد الملك بن مروان في أربع، حدثني بحديث فقلت: أعده عليّ، فقال: أما علمت أنّ أمير المؤمنين لا يستعاد؛ وقلت حين أذن لي: أنا الشعبيّ يا أمير المؤمنين؟ فقال: ما أدخلناك حتى عرفناك؛ وكنيت عنده رجلا فقال: أما علمت أنه لا يكنّى أحد عند أمير المؤمنين؛ وسألته أن يكتبني حديثا، فقال: إنّا نكتب ولا نكتب. وليس ما ذكره الشعبيّ عن نفسه ونسبها فيه إلى الخطأ بخطأ، وإنما تخلّق عبد الملك بأخلاق الجبابرة، وخالف أخلاق الحنيفيّة السهلة، فكان غلط الشعبيّ مضافا إليها. 1156- وأنا أكره ذكر ما أخذ على الفقهاء ونسبوا فيه إلى الغلط، بل لكل منهم [2] فضيلة الاجتهاد، وزلّة الرأي- ما لم يتعمّد- مغفورة. وترك ما وهموا   [1] م: ولا يجتمع حدان. [2] م: بل كل منهم له. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 فيه وتجنّبه، مع الاعتراف لهم، جامع للاحتياط وحسن الظنّ بهم. قال المعتمر بن سليمان: إيّاك والاقتداء بزلّات أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فتقول: فلان شرب النبيذ، وفلان سمع الغناء، وفلان لعب بالشطرنج، فيجيء منك فاسق تام. 1157- كان هشام بن عبد الملك من رجال بني أميّة ودهاتهم، وكان المنصور يعدّه أفضل من معاوية ومن عبد الملك أبيه، وعدّت له سقطات، منها أن الحادي حدا به فقال: [من الرجز] إن عليك أيها البختيّ ... أكرم من يمشي به المطيّ فقال هشام: صدق. والأخرى ذكر عنده سليمان فقال: والله لأشكونّه يوم القيامة إلى أمير المؤمنين عبد الملك. والأخرى [1] أنه لما ولي الخلافة خطب فقال: الحمد لله الذي أنقذني من النار بهذا المقام. «1158» - كان الحجاج فصيحا محبّا للبلاغة، متحفّظا في خطبه، حتى انه غيّر القرآن خوف اللّحن، حيث بدر لسانه إلى فتح الهمزة في إنّ، فقرأ أنّ ربّهم يومئذ، ثم علم أن اللام لا تكون إلا في جواب إنّ المكسورة فقال: خبير، ومع هذا قرأ: إنّا من المجرمون منتقمين. «1159» - قدم العريان بن الهيثم على عبد الملك بن مروان فقيل له: تحفّظ من مسلمة فإنه يقول: لأن يلقمني رجل حجرا أحبّ إليّ من أن يسمعني لحنا، فأتاه العريان ذات يوم فسلّم عليه فقال: كم عطاءك؟ قال العريان: ألفين، فقال: كم عطاؤك؟ قال: ألفان، قال: ما الذي دعاك إلى اللّحن الأوّل؟ قال: لحن الأمير   [1] م: وأخرى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 فكرهت أن أعرب، وأعرب فأعربت. فاستحسن كلامه. «1160» - وكان يزيد بن المهلب فصيحا لم تؤخذ عليه زلّة في لفظ، ثم أخذ عليه غلط، فإنه قال على المنبر- وذكر عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب- فقال: وهذه الضبعة العرجاء، فاعتدّت عليه لحنا، لأن الأنثى إنما يقال لها الضّبع ويقال للذكر الضّبعان. [ نماذج من التصحيف ] «1161» - قال الزبير: عيب على ابن قيس الرقيّات قوله: [من الطويل] تقدّت بي الشهباء نحو ابن جعفر ... سواء عليها ليلها ونهارها فناقض بين صدر البيت وعجزه لأنه قال في الأوّل: إنّه سار سيرا غير عجل، ثم قال في عجز البيت: «سواء عليها ليلها ونهارها» ، وهذا غاية الدأب في السير. «1162» - وقد أخطأ أيضا في قوله: [من المنسرح] ما مرّ يوم إلّا وعندهما ... لحم رجال أو يالغان دما هكذا الرواية، فغيّرته الرّواة إلى الصحيح وهو: أو يولغان دما. «1163» - العنزي أحد رواة العرب المشهورين، قال: دخلت على زياد فقال: أنشدني، فقلت: من شعر من أيها الأمير؟ قال: من شعر الأعشى فأنشدته: [من الكامل] رحلت سميّة غدوة أجمالها فما أتممت القصيدة حتى تبيّنت الغضب في وجهه، وقال الحاجب للناس: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 ارتفعوا، فقاموا. قال: ثم لم أعد إليه والله بعدها. واستمع حماد لرواية هذه الحكاية قال: فكنت بعد ذلك إذا استنشدني خليفة أو أمير تنبّهت قبل أن أنشده لئلا يكون في القصيدة ذكر امرأة له أو بنت أو أمّ. «1164» - قال ابن دريد: وجدت للجاحظ في كتاب البيان تصحيفا شنيعا، فإنه قال: حدثني محمد بن سلام قال: سمعت يونس يقول: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم؛ وإنما هو عن أبي عثمان البتّيّ. فأمّا النبي صلّى الله عليه وسلم فلا شك عند الملّي والذّمّي انه كان أفصح الخلق. «1165» - وفي هذا الكتاب قال الجاحظ: يستحسن من النساء اللحن، وأنشد لمالك بن أسماء بن خارجة يحتجّ لقوله: [من الخفيف] منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحنا قال عليّ بن المنجم: قلت له: مثلك في فضلك وعلمك يقول هذا؟ وإنّما أراد وصفها بالظرف والفطنة، وأنها تورّي عمّا قصدت له، وتتنكّب التصريح. فاعترف بذلك وقال: إني تنبّهت له من بعد؛ قلت: فلم لا تغيّره من الكتاب؟ فقال: كيف بما سارت به الرّكبان؟ واللحن هنا: الكناية عن الشيء والتعريض بذكره، والعدول عن الإيضاح به على معنى قوله تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (محمد: 30) . وقد تبع عبد الله بن مسلم بن قتيبة الجاحظ، فذكر في كتابه المعروف بعيون الأخبار أبيات مالك هذه، واعتذر لها من لحن ان أصيب فيه. وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لعلّ أحدكم ألحن بحجته» ، أي أفطن وأغوص عليها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 «1166» - من هذا أيضا: أنشد أبو البيداء الرياحي أبا عمرو: [من الطويل] ولو أن حيا للمنايا مقاتلا ... يكون لقاتلنا المنيّة عن معن فتى لا يقول الموت من حرّ وقعه ... لك ابنك خذه ليس من شيمتي دعني فقال له أبو عمرو: صحّفت، إنما هو «قتالا يقول الموت» . «1167» - أنشد العماني الراجز الرشيد شعرا يقول منه: [من الرجز] كأنّ أذنيه إذا تشوّفا ... قادمة أو قلما محرّفا وعلم الجماعة أنّه لحن ولم يهتدوا إلى إصلاحه؛ فقال الرشيد: اجعله «تخال أذنيه» . 1168- كان اسحاق بن ابراهيم الموصلي من الأدب والفضل بالمكان المشهور، وكان الأصمعي يعارضه. فأنشده اسحاق بيتين كان يعجب بهما وهما: [من الخفيف] هل إلى نظرة إليك سبيل ... يرو منك الصدى ويشف الغليل إنّ ما قلّ منك يكثر عندي ... وكثير من المحبّ القليل فقال له الأصمعي: قد لحنت في قولك «يرو» ، وأخذت البيت الثاني من قول عمر بن أبي ربيعة: [من الخفيف] وكثير منها القليل المهنّا فلم يكن من اسحاق جواب- وقد احتجّ قوم لاسحاق بما أنشده أبو اسحاق الشيرازي: [من الرجز] كفّاك كفّ لا تليق درهما ... جودا وأخرى تعط بالسيف الدما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 وقالوا: الأصل في الأفعال الجزم، وإنما دخل في المضارع لمضارعته الأسماء، واستعملوه كذا في ضرورة الشعر. اسحاق مع كثرة فضائله، وتوفّر معانيه وخصائصه، ومنها دماثته وكمال عقله، يتحقق بالشجاعة والفروسية، ويحبّ أن ينسب إليها آفة من الآفات المعترضة على العقول، وغفلة لا يخلو منها ذوو الحلوم؛ وشهد بعض الحروب فأصابه سهم فنكص على عقبيه حتى قال أخوه طيّاب فيه: [من المتقارب] وأنت تكلّف ما لا تطيق ... وقلت أنا الفارس الموصلي فلما أصابتك نشّابة ... رجعت إلى بيتك الأوّل «1169» - قال كيسان: سمعت أبا عبيدة ينشد: [من البسيط] ما زال يضربني حتى خزيت له ... وحال من دون بعض البغية الشّفق فقلت: خزيت خزيت؟ وضحكت فغضب وقال: كيف هو؟ قلت: إنما هو خذيت. فانخزل وما أحار جوابا. «1170» - وروى أبو عبيدة أبيات لقيط في يوم جبلة: [من الرجز] يا قوم قد حرقتموني باللّوم ... ولم أقاتل عامرا قبل اليوم سيّان هذا والعناق والنّوم ... والمشرب البارد في ظل الدّوم وقالوا: يعني في ظلال نخل المقل. قال الأصمعي: قد أحال ابن الحائك؛ إنما هو «في الظلّ الدّوم» ، أي الدائم وجبلة بنجد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 «1171» - وروى الأصمعي بيت الحارث بن حلّزة: [من الخفيف] عنتا باطلا وظلما كما تع ... نز عن حجرة الرّبيض الظّباء وقال: العنزة الحربة ينخز [1] بها. فردّ عليه أبو عمرو وقال: إنما هو «تعتر» من العتيرة وهي ذبيحة للصنم، وكانوا ينذرون للأصنام ذبيحة ثم تشحّ نفوسهم فيذبحون عنها الظّباء. «1172» - وروى لذي الرّمّة: [من البسيط] «فيها الضفادع والحيتان تصطخب» فقيل: هو «تصطحب» ، ولا صوت لها. «1173» - وروى لرؤبة: [من الرجز] «شمطاء تنوي الغيظ حين ترأم» وإنما هو «تبوى» ، أي تجعله بمنزلة البوّ. «1174» - وروى المفضل: [من الطويل] «نمسّ بأعراف الجياد أكفّنا» فقال له خلف: إنما هو «نمشّ» وهو مسح اليد؛ ومنه قيل للمنديل «مشوش» . 1175- وليس علينا أن يزلّ الوهم أو يجنح الخاطر، أو يشذّ عنه علم في   [1] نثر: ينحر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 وقت ثم يثوب فيدركه. قال أبو موسى الحامض: قرئ على ثعلب كتاب بخطّ ابن الأعرابي [فيه] خطأ فردّه، فقيل إنّه بخطّه فقال: هو خطأ؛ قيل: فيغيّر؟ قال: دعوه ليكون عذرا لمن أخطأ. «1176» - كان حماد الراوية لا يقرأ القرآن، فاستقرىء فقرأ في المصحف فصحّف في نيّف وعشرين موضعا. فمن جملتها: وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتا ومن الشّجر وممّا يغرسون [1] ؛ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدة وعدها أباه [2] ؛ ليكون لهم عدوّا وحربا [3] ؛ وما يجحد بآياتنا إلا كلّ جبّار كفور [4] ؛ فعزّزوه ونصروه [5] ؛ وتعززوه وتوقّروه [6] ؛ لكل امرىء منهم يومئذ شأن يعنيه [7] ؛ هم أحسن أثاثا وريّا [8] ؛ عذابي أصيب به من أساء [9] ؛ يوم يحمى غليها [10] في نار جهنّم فبادوا ولات حين مناص [11] ؛ ونبلو خياركم [12] ؛ صنعة الله ومن أحسن من الله صنعة [13] ؛ فاستعانه الذي من   [1] وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (النحل: 68) . [2] وَعَدَها إِيَّاهُ (التوبة: 114) . [3] عَدُوًّا وَحَزَناً (القصص: 8) . [4] خَتَّارٍ كَفُورٍ (لقمان: 32) . [5] وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ (الأعراف: 157) . [6] وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ (الفتح: 9) . [7] شَأْنٌ يُغْنِيهِ (عبس: 37) . [8] أَثاثاً وَرِءْياً (مريم: 74) . [9] مَنْ أَشاءُ (الأعراف: 156) . [10] يُحْمى عَلَيْها (التوبة: 35) . [11] فنادوا (ص: 3) . [12] وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (محمد: 31) . [13] صِبْغَةَ اللَّهِ ... صبغة (البقرة: 138) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 شيعته [1] ؛ سلام عليكم لا نتبع الجاهلين [2] ؛ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العائذين [3] . «1177» - قال الحزنبل: كنّا عند ابن الأعرابي ومعنا أبو هفّان، فأنشد ابن الأعرابي عمّن أنشده، فقال ابن أبي سبّة العبليّ: [من المتقارب] أفاض المدامع قتلى كذا ... وقتلى بكبوة لم ترمس فغمز أبو هفان رجلا وقال: قل له ما معنى كذا؟ فقال: يريد كثرتهم. فلما قمنا قال لي أبو هفان: سمعت إلى هذا المعجب الرّقيع هو ابن أبي سنّة، وصحّف في بيت واحد موضعين، فقال: قتلى كذا وهو «كدا» ، وقال: بكبوة وهو «بكثوة» ؛ وأغلط من هذا على أنه يفسّر تصحيفه بوجه وقاح. وابن أبي سنّة هو أبو سعيد مولى فايد من موالي بني أمية، وكان شاعرا مغنيا؛ وهذا البيت من شعره يرثي به مواليه ويذكر قتل بني هاشم ايّاهم. «1178» - وذكر أبو تمام في كتاب الحماسة شعر ابن المقفّع يرثي يحيى بن زياد: [من الطويل] فإن تك قد فارقتنا وتركتنا ... ذوي خلة ما في سداد لها طمع فقد جرّ نفعا فقدنا لك إنّنا ... أمنّا على كلّ الرزايا من الجزع فقال أبو رياش: هذا مأخوذ من قول النمري منصور [4] : [من الوافر]   [1] فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي (القصص: 15) . [2] لا نَبْتَغِي (القصص: 55) . [3] الْعابِدِينَ (الزخرف: 81) . [4] م: منصور النمري. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 لقد عزّى ربيعة أنّ يوما ... عليها مثل يومك لا يعود وإنما يأخذ الأحدث من الأقدم، وابن المقفّع قتل في خلافة المنصور، والنمري إنما عرف شعره في خلافة الرشيد، فهو الأولى بأن ينسب إلى اقتفاء ابن المقفّع. 1179- قصد محمد بن الفضل بن يعقوب ابن داود العتبي- وكان قد وقع بين محمد وبين أبيه الفضل وحشة- فقال له: كنت عند أبي فتهدّم عليّ تهدّم الحائط، فتركته حتى سكن غباره، ثم جعلت أتأتّى له، فادخل بيني وبينه حتى يرضى عني. فقال العتبي: إني لأكره أن أدخل بين الرجل وبين أبيه. فقال له محمد: هذه سقطة قد كنت آمنها عليك، إنّك لتدخل بين الرجل وبين ربّه فتقول له: كل كذا، واصنع كذا، ودع كذا، فقال العتبي: يا غلام أسرج لي، فقال محمد: لا حاجة لي في ركوبك، من كان هذا إسقاطه عند الأبناء كيف يكون تهوّره عند الآباء؟ «1180» - قال أبو الحسن الطوسي: كنّا في مجلس عليّ اللحياني، وكان عازما على أن يملي نوادر ضعف ما كان أملى. فقال يوما: تقول العرب: مثقل استعان بذقنه، فقام إليه يعقوب بن السّكّيت، وهو يومئذ حدث، فقال له: يا أبا الحسن، العرب تقول: مثقل استعان بدفّيه، يريدون الجمل إذا نهض بحمله استعان بجنبيه. فقطع الإملاء. فلما كان المجلس الثاني أملى فقال: العرب تقول هو جاري مكاشري. فقام إليه يعقوب فقال: أعزّك الله، إنما هو مكاسري كسر بيتي إلى كسر بيته، فقطع الإملاء فما أملى شيئا بعد ذلك. 1181- مرض أبو يوسف فعاده أبو حنيفة مرارا، ورآه في آخر مرّة ثقيلا، فاسترجع وقال: لقد كنت أؤمّلك بعدي للمسلمين، ولئن أصيب الناس بك ليموتنّ علم كثير معك، ثم رزق العافية وخرج من العلة؛ وأخبر أبو يوسف بقول أبي حنيفة فيه، فارتفعت نفسه، وانصرفت وجوه الناس إليه؛ فعقد لنفسه مجلسا، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 وقصّر عن حضور مجلس أبي حنيفة. فسأل عنه فأخبر بحاله، فدعا بغلام كان له عنده قدر وقال له: صر إلى مجلس يعقوب وقل له: ما تقول في رجل دفع إلى قصّار ثوبا ليقصره بدرهم، فصار إليه بعد أيام في طلب الثوب، فقال له القصّار: ما لك عندي شيء وأنكره؛ ثم إن ربّ الثوب رجع إليه، فدفع إليه الثوب مقصورا، أله أجرة؟ فإن قال: له أجرة فقل: أخطأت، وإن قال: لا أجرة له، فقل: أخطأت. فصار إليه وسأله فقال: له أجرة، فقال: أخطأت، فنظر ساعة ثم قال: لا أجرة له، فقال: أخطأت. فقام أبو يوسف من ساعته فأتى أبا حنيفة فقال له: ما جاء بك إلا مسألة القصّار، قال: أجل؛ قال: سبحان الله، من عقد لنفسه مجلسا وقعد يفتي الناس، ويتكلّم في دين الله وهذا قدره، لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات. فقال: يا أبا حنيفة علّمني. قال: إن كان قصره بعدما غصبه فلا أجرة له، لأنه قصره لنفسه، وإن كان قصره قبل أن غصبه فله أجرة لأنه قصره لصاحبه. ثم قال: من ظنّ أنه يستغني عن العلم فليبك على نفسه. «1182» - مات ولد طفل لسليمان بن عليّ، فأتاه الناس من أهل البصرة يعزّونه، وفيهم شبيب بن شيبة وبكر بن حبيب السهمي. فقال شبيب: أوليس يقال: إنّ الطفل [1] لا يزال محبنظيا بباب الجنّة حتى يدخل أبواه- فجاء بظاء معجمة- فقال له بكر بن حبيب، محبنطئا- بطاء غير معجمة فقال شبيب: ألا إنّ من بين لابتيها يعلم أن القول كما أقول، فقال بكر: وخطأ ثان، ما للبصرة واللّوب؟ أذهبت إلى ما قيل بالمدينة: «ما بين لابتيها» ، أي حرّتيها؟ واستشهد في المحبنطئ بقول القائل: [من الرجز] إنّي إذا سئلت لا أحبنطي ... ولا أحبّ كثرة التمطّي   [1] اللسان: ان السقط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 فصل في سرقات فحول الشعراء وسقطاتهم 1183- ليس منهم فحل مذكور ولا شاعر مشهور إلا وقد أسقط وجاء بالرّذل الذي لا يرضاه المضعوف البكيّ، وما فيهم إلا من وجد سارقا مغيرا على من تقدّمه، وقد تتبّعوا بأغلاط. فأما فحول الجاهلية فخرّج العلماء لأغاليطهم وجها، واضطروا إلى ذلك لأن اللغة والإعراب عنهم أخذا، فلو جعلوا ما جاء عنهم غير جائز في لغتهم بطل الاستشهاد بأشعارهم؛ ثم إنهم لم يجيزوا ذلك لمن أخذ العربية نقلا وتلقينا. وأنا ذاكر من ذلك ما يحضرني ويليق بهذا الكتاب مقتصرا ومستدلّا بالبعض على الكلّ، والله الموفّق للصواب. 1184- وخرق الإجماع والخروج عنه منكر؛ وإلا فلو قال قائل: ما المانع من نسبة العربيّ الفصيح الجاهليّ إذا أتى بغير المعتاد من لغتهم إلى الغلط والخطأ، فلو نبّه عليه لعاد إلى الواجب إذ كان غير معصوم ولا محفوظ من وقوع الزّلل عليه، لم يكن عن ذلك جواب محقّق. «1185» - وقد كان النابغة الذّبياني كثير الإقواء في شعره، فلما دخل الحجاز هابوه أن يواقفوه على هذه العادة المستهجنة، فأمروا قينة فغنّته في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 قوله: [من الكامل] أمن آل ميّة رائح أو مغتدي ... عجلان ذا زاد وغير مزوّد زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا ... وبذاك خبّرنا الغراب الأسود فاستبان فحش الإقواء وقال: ما هذا؟ فقالوا: كذا قلت. فجعله «وبذاك تنعاب الغراب الأسود» ، وترك الإقواء. «1186» - ولو أنصف متأوّل بيت امرىء القيس: [من السريع] فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل على أنه أراد «أشرب غير» ثم أسكن الباء وجعل «رب غ» مثل عضد، ولمّا جاز عندهم عضد وعضد قاس «رب غ» عليه، لعلم أنّ هذا الوجه إذا استعمل في الكلام لم يلحن أحد واستغني عن الإعراب. «1187» - وكذلك قال امرؤ القيس في قصيدته التي أولها: [من الطويل] خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... نقضّ لبانات الفؤاد المعذّب ثم قال فيها: عقيلة أتراب لها لا ذميمة ... ولا ذات خلق إن تأمّلت جأنب ولو استعمل غيره السّناد في قصيدته على غير حرف السّناد لمنع منه. «1188» - وكم له من غاية تلهي السامع ثم يدركه نقص البشر فيقول: [من الطويل] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 أمن ذكر ليلى أن نأتك تنوص ... فتقصر عنها خطوة وتبوص تبوص [1] وكم من دونها من مفازة ... ومن أرض جدب دونها ولصوص «1189» - وزهير، وهو أصفاهم ألفاظا وأدقّهم كلاما، يقول: [من الطويل] فأقسمت جهدا بالمنازل من منى ... وما سحقت فيه المقادم والقمل فانظر كيف ختم البيت بلفظة «القمل» وهي أهجن لفظة وأبعدها من الاستعمال، والمقاطع أولى بالمراعاة، فإنها ملموحة مكشوفة، وعليها يقف الكلام. «1190» - وقالوا: إنّ امرأ القيس أخذ قوله: [من الطويل] كأنّ مكاكيّ الجواء غديّة ... صبحن سلافا من رحيق مفلفل من قول أبي دواد الإيادي: [من المتقارب] تخال مكاكيّة بالضحى ... خلال الدقاريّ شربا ثمالا الدقاريّ الرياض، واحدتها دقرى محرّكة. «1191» - والأعشى أخذ قوله في صفة الطيف: [من الكامل] يلوينني ديني الغداة وأقتضي ... ديني إذا وقذ النّعاس الرّقّدا من قول عمرو بن قميئة: [من المتقارب] نأتك أمامة إلا سؤالا ... وإلا خيالا يوافي خيالا   [1] م: تنوص. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 يوافي مع اللّيل ميعادها ... ويأبى مع الصّبح إلا زوالا «1192» - وعبيد بن الأبرص أخذ قوله: [من الكامل] والناس يلحون الغويّ إذا هم ... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد من قول المرقش الأصغر [1] : [من الطويل] فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما «1193» - وأخذ جرير قوله: [من الطويل] وإني لعفّ الفقر مشترك الغنى ... سريع إذا لم أرض داري احتماليا من قول المخبل السعدي: [من الكامل] إني لترزوني النوائب في الغنى ... وأعفّ عند مشحّة الإقتار ولكن جريرا أكمل المعنى وجاء به في نصف بيت في أعذب لفظ وأسلمه. «1194» - وأخذ عبدة بن الطبيب قوله: [من الطويل] فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما من قول امرىء القيس، ولكنه كشف المعنى وبيّنه: [من الطويل] فلو أنها نفس تموت سويّة ... ولكنها نفس تساقط أنفسا   [1] في الأصل: الأكبر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 «1195» - وأخذ أبو حية النميري قوله: [من الطويل] فألقت قناعا دونه الشمس واتّقت ... بأحسن موصولين كفّ ومعصم من قول النابغة الذبياني: [من الكامل] سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد فأحسن أبو حية كلّ الإحسان وزاد زيادات ليست في بيت النابغة. «1196» - وكانت قصة الراعي النّميري ضد ذلك حيث أخذ قوله: [من الطويل] وأعلم أنّ الموت يا أمّ عامر ... قرين محيط حبله من ورائيا من قول طرفة: [من الطويل] لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطّول المرخى وثنياه باليد فإنه قصّر عن طرفة كلّ التقصير معنى ولفظا. «1197» - والأعشى الكبير ميمون بن قيس، وهو أرقّهم طبعا، وأسلمهم لفظا، وأقلّهم إغلاقا، يقول وهو يتغزل ويصف ريّق شبابه ولهوه مع أترابه، وقبوله عند الكواعب، وما قضّاه في صباه من المآرب: [من الكامل] فرميت غفلة عينه من شاته ... فأصبت حبّة قلبها وطحالها ويقول في مقام الوصف ومنتهى التمثيل: [من المتقارب] وهل تنكر الشمس شمس النهار ... ولا القمر الباهر الأبرص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 ويقول في مدح الملوك: [من الطويل] ويقسم أمر الناس يوما وليلة ... وهم ساكتون والمنيّة تنطق فأحسن وأبلغ ثم قصّر وتأخّر وأفحش فقال بعده: [من الطويل] ويأمر لليحموم في كلّ ليلة ... بقتّ وتعليق فقد كاد يسنق فانظر إلى هذا التباعد والفصال. «1198» - ثم يقول في موضع الحكمة ومظنّة تهذيب اللفظ والمعنى، فيأتي بما لا معنى فيه ولا لفظ له: [من المنسرح] إنّ محلّا وإن مرتحلا ... وإن للسّفر ما مضى مهلا قال نقّاد الشّعر: الشّعر أربعة أضرب: ضرب حسن لفظه ومعناه، فإذا نثر لم يفقد حسنه، وذلك نحو: [من البسيط] في كفّه خيزران ريحه عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم وضرب حسن لفظه وخلا معناه نحو: [من الطويل] ولما قضينا من منى كلّ حاجة ... ومسّح بالأركان من هو ماسح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطيّ الأباطح وضرب جاد معناه وقصّر لفظه نحو: [من الطويل] خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمدّ بها أيد إليك نوازع وضرب قصّر معناه ولفظه نحو: [من المنسرح] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 إنّ محلّا وإنّ مرتحلا ... وإن للسّفر ما مضى مهلا المعنى إن لنا محلا، وإن لنا مرتحلا، وإن لنا مهلا بعد السفر الذي مضى. 1199- وما أحسن ما قال الوائلي: [من الطويل] وحاطب ليل في القريض زجرته ... وقلت له قول النّصيح المجامل إذا أنت لم تقدر على درّ لجّه ... فدعه ولا تعرض لحصباء ساحل «1200» - وقد أخذ الأعشى قوله من قول النابغة: [من الكامل] تجلو بقادمتي حمامة أيكة ... بردا أسفّ لثاته بالإثمد وتبعه القتّال الكلابيّ فقال، ولم يمنعه اشتهار هذين البيتين من الإغارة وسلك في سرقة الشعر مسلكه في الغارة على المال، فإنه كان من مشهوري اللصوص وفتّاكهم وشعرائهم: [من الكامل] تجلو بقادمتي حمامة أيكة ... برد أسفّ لثاته مثلوج وفي إعرابه كلام وتأويل. «1201» - ومن المصالتة والمجاهرة في السرقة قول قيس بن الخطيم، وهو شاعر الأوس وفتاها وشجاعها: [من الطويل] وما المال والأخلاق إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد وكيف يخفى مأخذه مع اشتهار قصيدة طرفة بن العبد، وهي معلّقة على الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 الكعبة، وهو يقول فيها: [من الطويل] لعمرك ما الأيّام إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد «1202» - قال أبو نواس: قد قال شاعران بيتين ووضعا التشبيه فيهما في غير موضعه، فلو أخذ البيت الثاني من شعر أحدهما فجعل مع البيت الآخر، وأخذ بيت ذاك فجعل مع هذا، كان لفقا له ومشبها، فقيل له: أيّ ذلك تعني؟ قال: قول جرير للفرزدق: [من الطويل] فإنك إذ تهجو تميما وترتشي ... تبابين قيس أو سحوق العمائم كمهريق ماء بالفلاة وغرّه ... سراب أثارته [1] رياح السّمائم وقول ابن هرمة: [من المتقارب] وإني وتركي ندى الأكرمين ... وقدحي بكفيّ زندا شحاحا كتاركة بيضها بالعراء ... وملحفة بيض أخرى جناحا فلو قال جرير: فإنك إذ تهجو تميما، وبعده كتاركة بيضها بالعراء، لكان أشبه ببيته، ولو قال ابن هرمة مع بيته: وإني وتركي ندى الأكرمين، وبعده كمهريق ماء بالفلاة، لكان أشبه به. 1203- هكذا جاءت الرواية عن أبي نواس؛ وهو أيضا وهم فإن الشّعر للفرزدق من قصيدته التي أولها: [من الطويل] «تحنّ بزوراء المدينة ناقتي»   [1] عيار: أذاعته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 قالها لما قتل وكيع بن أبي سود قتيبة بن مسلم بخراسان. وجرير كان مولعا بمدح قيس، والفرزدق يهجوهم، وذلك محقّق لما ذكرته أيضا. «1204» - قال سلمة بن عياش: دخلت على الفرزدق السّجن وهو محبوس، وقد قال قصيدته التي فيها: [من الكامل] إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول وقد أفحم وأجبل، فقلت له: ألا أرفدك؟ فقال: وهل ذاك عندك؟ فقلت: نعم، ثم قلت: بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل فاستجاد البيت وغاظه قولي، فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من قريش؛ قال: فمن أيها أنت؟ قلت: من بني عامر بن لؤيّ فقال: لئام والله رضعة؛ جاورتهم بالمدينة فما أحمدتهم. فقلت: الألأم والله منهم وأرضع قومك، جاءك رسول مالك بن المنذر، وأنت سيّدهم وشاعرهم، فأخذ بأذنك يقودك حتى حبسك، فما اعترضه ولا نصرك أحد. فقال: قاتلك الله ما أنكرك؛ وأخذ البيت فأدخله في قصيدته. «1205» - ولما قال ذو الرّمّة: [من الطويل] أحين أعاذت بي تميم نساءها ... وجرّدت تجريد اليماني من الغمد ومدّت بضبعيّ الرّباب ومالك ... وعمرو وسالت من ورائي بنو سعد ومن آل يربوع زهاء كأنّه ... زها الليل محمود النكاية والرّفد قال له الفرزدق لا تعودنّ فيها، فأنا أحقّ بها منك؛ قال: والله لا أعود فيها ولا أنشدها أبدا إلا لك، فهي في قصيدة الفرزدق التي يقول فيها: [من الطويل] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 وكنّا إذا القيسيّ نبّ عتوده ... ضربناه فوق الأنثيين على الكرد ويروى: وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه. «1206» - ومرّ الفرزدق بالشّمردل يوما وهو ينشد: [من الطويل] وما بين من لم يعط سمعا وطاعة ... وبين تميم غير حزّ الغلاصم فقال والله لتتركنّه أو لتتركنّ عرضك، فقال: هو لك. فانتحله الفرزدق في قصيدته التي أولها: تحنّ بزوراء المدينة ناقتي «1207» - أنشد الكميت بن زيد نصيبا فاستمع له فكان فيما أنشده: [من البسيط] وقد رأينا بها حورا منعّمة ... بيضا تكامل فيها الدلّ والشّنب فثنى نصيب خنصره فقال له الكميت: ما تصنع؟ قال: أحصي خطأك تباعدت في قولك: «تكامل فيها الدلّ والشنب» ، هلّا قلت كما قال ذو الرّمّة: [من البسيط] لمياء في شفتيها حوّة لعس ... وفي اللّثاث وفي أنيابها شنب ثم أنشده في أخرى: [من المتقارب] إذا ما الهجارس غنّينها ... تجاوبن بالفلوات الوبارا فقال له نصيب: الوبار جمع وبرة وهي دابّة معروفة لا تسكن الفلوات. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 كأنّ الغطامط من جريها ... أراجيز أسلم تهجو غفارا فقال له نصيب: ما هجت أسلم غفارا قطّ. فاستحيا الكميت فسكت. والذي عابه نصيب من قبيح الكلام وفاحشه، فإن أحسن الكلام ما اتّسق وتشاكلت معانيه، وتقاربت ألفاظه، ولذلك قال ابن لجأ لابن عمّ له: أنا أشعر منك، قال: وكيف؟ قال: لأني أقول البيت وأخاه، وأنت تقول البيت وابن عمّه. «1208» - وأنشد الجاحظ: [من الطويل] وشعر كبعر الكبش فرّق بينه ... لسان دعيّ في القريض دخيل قال ذلك لأنّ بعر الكبش يقع متفرقا. ولذلك عيب على أبي تمّام قوله: [من الكامل] لا والذي خلق الهوى إن النّوى ... صبر وإنّ أبا الحسين كريم «1209» - ولما قال ذو الرّمّة: [من الطويل] أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم وقف بالمربد ينشد والناس مجتمعون عليه، فإذا هو بخيّاط يطالعه ويقول يا غيلان: [من الطويل] أأنت الذي تستنطق الدار واقفا ... من الجهل هل كانت بكنّ حلول فقام ذو الرّمّة وفكر زمانا ثم عاد فقعد بالمربد ينشد، فإذا الخياط قد وقف عليه وقال له: [من الطويل] أأنت الذي شبهت عنزا بقفرة ... لها ذنب فوق استها أمّ سالم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 فقام ذو الرّمّة فذهب ولم ينشد في المربد بعدها حتى مات الخياط. «1210» - وقال غيلان بن المعذّل: قدم علينا ذو الرّمّة الكوفة فأنشدنا بالكناسة وهو على راحلته قصيدته الحائية التي يقول فيها: [من الطويل] إذا غير النأي المحبّين لم يكد ... رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح فقال له عبد الله بن شبرمة: قد برح يا ذا الرّمّة، ففكر ساعة ثم قال: لم أجد رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح. قال: فأخبرت أبي بما كان من قول ذي الرّمّة واعتراض ابن شبرمة عليه، فقال: أخطأ ذو الرّمّة في رجوعه عن قوله الأول، وأخطأ ابن شبرمة في اعتراضه عليه. هذا مثل قول الله عزّ وجلّ: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها (النور: 40) هو لم يرها ولم يكد. «1211» - قال أبو عبد الله الزبيري: اجتمع راوية جميل وراوية كثيّر وراوية جرير وراوية الأحوص وراوية نصيب، فافتخر كلّ واحد منهم بصاحبه، وقال صاحبي أشعر، فحكّموا سكينة بنت الحسين لما عرفوه من عقلها وبصرها بالشّعر، فخرجوا حتى استأذنوا عليها، وذكروا لها الذي كان من أمرهم، فقالت لراوية جرير: أليس صاحبك الذي يقول: [من الكامل] طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين [1] الزيارة فارجعي بسلام وأيّ ساعة أحلى للزيارة من الطّروق؟ قبّح الله صاحبك وقبّح شعره، ألا قال: ادخلي بسلام.   [1] الأغاني: وقت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 ثم قالت لراوية كثيّر: أليس صاحبك الذي يقول: [من الطويل] يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرّت وليس شيء أقرّ بعينها من النكاح، أفيحب صاحبك أن ينكح؟ قبّح الله صاحبك وقبّح شعره. وقالت لراوية جميل: أليس صاحبك الذي يقول: [من الطويل] فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي فما أرى بصاحبك هوى، إنما طلب عقله، قبّح الله صاحبك وقبّح شعره. ثم قالت لراوية نصيب: أليس صاحبك الذي يقول: [من الطويل] أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي فما أرى له همّة إلا من يعشقها بعده؟ قبّحه الله وقبح شعره ألا قال: [من الطويل] أهيم بدعد ما حييت وإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي ثم قالت لراوية الأحوص: أليس صاحبك الذي يقول: [من الكامل] من عاشقين تواعدا وتراسلا ... ليلا إذا نجم الثريّا حلّقا باتا بأنعم ليلة وألذّها ... حتى إذا وضح الصّباح تفرّقا قال: نعم، قالت: قبّحه الله وقبّح شعره، هلّا قال: تعانقا. فلم تثن على أحد منهم ولم تقدّمه. وليس كلّ ما ذكرته ساقطا، ولكلّ منه وجه ولصاحبه فيه قصد، وإنما حسن الخبر إذ كان من امرأة قد تتبعت فحول الشعراء وظرفت في ما تتبعتهم به، وقصّر رواتهم عن جوابها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 «1212» - وشبيه به الخبر الذي رواه الزبير بن بكّار قال: خرج عمر بن أبي ربيعة إلى مكة فخرج معه الأحوص واعتمرا. قال السائب راوية كثيّر: فلما مرّا بالروحاء استتلياني فخرجت أتلوهما حتى لحقتهما بالعرج رواحهما؛ فخرجنا جميعا حتى وردنا ودّان؛ فحبسهما نصيب وذبح لهما وأكرمهما؛ وخرجنا وخرج معنا نصيب. فلما جئنا كليّة عدلنا جميعا إلى منزل كثيّر، فقيل لنا: هبط قديدا، فأتينا قديدا فذكر لنا أنّه في خيمة من خيامها، فقال لي ابن أبي ربيعة: اذهب فادعه لي؛ فقال نصيب: هو أحمق وأشدّ كبرا من أن يأتيك؛ فقال لي عمر: اذهب كما أقول لك فادعه لي. فجئته فهشّ لي وقال: اذكر غائبا تره، لقد جئت وأنا أذكرك. فأبلغته رسالة عمر فحدّد نظره إليّ وقال: أما كان عندك من المعرفة ما يردعك عن إتياني بمثل هذا وتردعه عن مثل هذه الرسالة؟ قلت: بلى والله، ولكني سترت عليك وأبى الله إلا أن يهتك سترك. فقال لي: إليك يا ابن ذكوان، ما أنت من شكلي، فقل لابن أبي ربيعة: إن كنت قرشيا فأنا قرشيّ، فقلت: ألا تترك هذا التّلصّق وأنت تقرف عنهم كما تقرف الصمغة؟ فقال: والله لأنا أثبت فيهم منك في سدوس. ثم قال: وقل له إن كنت شاعرا فأنا أشعر منك، فقلت له: هذا إذا كان الحكم إليك. فقال: وإلى من هو؟ ومن أولى بالحكم مني؟ وبعد هذا يا ابن ذكوان فاحمد الله على لؤمك فقد منعك مني اليوم. فرجعت إلى عمر فقال: ما وراءك؟ فقلت: ما قال لك نصيب، فقال: وإن؟ فأخبرته فضحك وضحك صاحباه ظهرا لبطن. ثم نهضوا معي إليه فدخلنا عليه في خيمته فوجدناه جالسا على جلد كبش، فو الله ما أوسع للقرشيّ. فلما تحدثوا مليا وأفاضوا في ذكر الشعر أقبل على عمر فقال له: أنت تنعت المرأة وتنسب بها ثم تدعها وتنسب بنفسك، أخبرني عن قولك: [من المنسرح] قالت تصدّي له ليعرفنا ... ثم اغمزيه يا أخت في خفر قالت لها قد غمزته فأبى ... ثم اسبطرّت تشتدّ في أثري الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 وقولها والدموع تسبقها ... لنفسدنّ الطواف في عمر أتراك لو وصفت بهذا هرّة أهلك، ألم تكن قد قبّحت وأسأت وقلت الهجر؟ إنما توصف الحرّة بالإباء والحياء والالتواء والبخل والامتناع كما قال هذا، وأشار إلى الأحوص: [من الطويل] أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور وما كنت زوّارا ولكنّ ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بدّ أن سيزور قال: فدخلت الأحوص أبّهة وعرفت الخيلاء فيه. فلما استبان ذلك كثيّر منه قال: أبطل آخرك أوّلك، أخبرني عن قولك: [من الوافر] فإن تصلي أصلك وإن تبيني ... بصرمك بعد وصلك لا أبالي ولا ألفى كمن إن سيم صرما ... تعرّض كي يردّ إلى الوصال أما والله لو كنت فحلا لباليت ولو كسرت أنفك، [هلا قلت] كما قال هذا الأسود، وأشار إلى نصيب: [من الطويل] بزينب ألمم قبل أن يرحل الرّكب ... وقل إن تملّينا فما ملّك القلب قال: فانكسر الأحوص ودخلت نصيبا الأبّهة. فلما نظر إلى الكبرياء قد دخلته، قال له: وأنت يا ابن السوداء فأخبرني [1] عن قولك: [من الطويل] أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فواكبدا من ذا يهيم بها بعدي أهمّك من ينيكها بعدك؟ فقال نصيب: استوت القرفة [2] ، وهي لعبة لهم مثل المنقلة، قال سائب: فلما أمسك كثيّر أقبل عليه عمر فقال له: قد أنصتنا لك فاسمع يا مذبذب إليّ. أخبرني عن تخيّرك لنفسك وتخيّرك لمن تحبّ حيث   [1] م: أخبرني. [2] الأغاني: القرف. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 تقول: [من الطويل] ألا ليتنا يا عزّ كنّا لذي غنى ... بعيرين نرعى في الخلاء ونعزب كلانا به عزّ فمن يرنا يقل ... على حسنها جرباء تعدي وأجرب إذا ما وردنا منهلا صاح أهله ... علينا فما ننفكّ نرمى ونضرب وددت وبيت الله أنّك بكرة ... هجان وأني مصعب ثم نهرب نكون بعيري ذي غنى فيضيعنا ... فلا هو يرعانا ولا نحن نطلب ويلك! أتمنيت لها ولنفسك الرّقّ والجرب والرّمي والطّرد والمسخ؟ فأي مكروه لم تتمنّ لها ولنفسك؟ لقد أصابها منك مثل قول الأول: معاداة عاقل خير من مودّة أحمق. قال: فجعل يختلج جسده كلّه، ثم أقبل عليه الأحوص فقال له: إليّ يا ابن استها، أخبرني بخبرك وتعرّضك للشرّ وعجزك عنه وإهدافك لمن رماك، أخبرني عن قولك: [من الطويل] وقلن- وقد يكذبن- فيك تعيّف ... وشؤم إذا ما لم تطع صاح ناعقه وأعييتنا لا راضيا بكرامة ... ولا تاركا شكوى الذي أنت صادقه وأدركت صفو الودّ منّا فلمتنا ... وليس لنا ذنب فنحن مواذقه وألفيتنا سلما فصدّعت بيننا ... كما صدّعت بين الأديم خوالقه والله لو احتفل عليك هاجيك لما زاد على ما بؤت به على نفسك. قال: فخفق كما يخفق الطائر. ثم أقبل عليه نصيب فقال: أقبل عليّ يا زبّ الذباب، فقد تمنّيت معرفة غائب عندي علمه فيك حيث تقول: [من الطويل] وددت وما تغني الودادة أنّني ... بما في ضمير الحاجبيّة عالم فإن كان خيرا سرّني وتركته ... وإن كان شرّا لم تلمني اللّوائم انظر في مرآتك، واطّلع في جيبك، واعرف صورة وجهك، تعرف ما عندها لك. فاضطرب اضطراب العصفور، وقام القوم يضحكون، وجلست عنده. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 فلما هدأ شأوه قال لي: أرضيتك فيهم؟ فقلت له: أما في نفسك فنعم، لقد نحس يومك معهم، وقد بقيت أنا عليك فما عذرك- ولا عذر لك- في قولك: [من الطويل] سقى دمنتين لم تجد لهما أهلا ... بحقل لكم يا عزّ قد رابني حقلا [1] نجاء الثريّا كلّ آخر ليلة ... يجودهما جودا ويتبعه وبلا ثم قلت في آخرها: وما حسبت ضمريّة جدريّة ... سوى التّيس ذي القرنين أنّ لها بعلا [2] أهكذا يقول الناس: «سوى التيس ذي القرنين» ؟ ويحك! ثم تظنّ ذلك قد خفي ولم يعلم به أحد، فتسبّ الرجال وتعيبهم؟ فقال: ما أنت وهذا؟ وما علمك بمعنى ما أردت؟ فقلت: هذا أعجب من ذاك، أتذكر امرأة تنسب بها في شعرك وتستغزر لها الغيث في أوّل شعرك، ثم تحمل عليها التيس في آخره؟ قال: فأطرق وذلّ وسكن. فعدت إلى أصحابي وأعلمتهم ما كان من خبره، فقالوا: ما أنت أهون حجارته التي رمي بها اليوم منّا، قال، فقلت لهم: لم يترني فأطلبه بذحل، ولكني نصحته لئلا يخلّ هذا الإخلال الشديد، ويركب هذه العروض التي ركب في الطعن على الأحرار والعيب لهم. «1213» - ومن السرقة الفاحشة قول كثيّر في عبد الملك بن مروان: [من الطويل] إذا ما أراد الغزو لم يثن همّه ... حصان عليها عقد درّ يزينها   [1] حقل: مكان دون أيلة بخمسة عشر ميلا كان لعزة فيه بستان (ياقوت) . [2] جدرية: نسبة الى جدرة، حي من الأزد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 أخذه من قول الحطيئة مصالتة فلم يغيّر سوى الرويّ: [من الطويل] إذا ما أراد الغزو لم يثن همّه ... حصان عليها لؤلؤ وشنوف 1214- ومثل ذلك فعل الفرزدق في قوله: [من الطويل] فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت تعرف نقله من قول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: [من الطويل] إذا مجلس الأنصار خفّ بأهله ... وحلّت بواديهم غفار وأسلم فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت تعلم «1215» - وجرير على سعة بحره وقدرته على غرر الشعر وأبكار الكلام نقل قوله: [من الوافر] فلو كان الخلود لفضل قوم ... على قوم لكان لنا الخلود من قول زهير، وهو شعر مشهور يحفظه الصبيان وترويه النساء: [من الطويل] فلو كان حمد يخلد المرء لم يمت ... ولكنّ حمد المرء غير مخلّد «1216» - وقد قال جرير: [من الطويل] فأنت أبي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أبا ليا فأخذه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فقال: [من الطويل] أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 وهو من قصيدة له مشهورة أجاد فيها وأحسن كلّ الإحسان، ولم تمنعه قدرته على ذلك الإحسان من الشّره إلى ما ليس له. «1217» - وقد قال الشماخ: [من الطويل] وأمر ترجّي النفس ليس بنافع ... وآخر يخشى ضيرة لا يضيرها فأغار عليه شبيب بن البرصاء فقال: [من الطويل] ترجّي النفوس الشيء لا تستطيعه ... وتخشى من الأشياء ما لا يضيرها «1218» - وكان أبو العتاهية مع تقدّمه في الشعر كثير السقط، فروي أنه لقي محمد بن مناذر بمكة، فمازحه وضاحكه، ثم دخل على الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين هذا شاعر البصرة يقول قصيدة في كلّ سنة، وأنا أقول في السنة مئين قصائد. فأدخله الرشيد إليه فقال ما يقول أبو العتاهية. فقال: يا أمير المؤمنين لو كنت أقول كما يقول لقلت مثله كثيرا: [من الهزج] ألا يا عتبة الساعة ... أموت الساعة الساعة لقلت مثله كثيرا، ولكنني أقول: [من الخفيف] إنّ عبد المجيد يوم تولّى ... هدّ ركنا ما كان بالمهدود ما درى نفسه ولا حاملوه ... ما على النّعش من عفاف وجود فقال الرشيد: أنشدنيها، فأنشده إيّاها، فقال: ما لها عيب إلا أنها في سوقة، وما كان ينبغي إلا أن تكون في خليفة أو وليّ عهد، ثم أمر له بعشرة آلاف درهم؛ فكاد أبو العتاهية يموت غمّا وأسفا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 «1219» - ذكر أبو الشّيص يوما في مجلس الرياشي فقال: أخطأ أبو الشّيص في بيت واحد في أربعة أماكن، وهو قوله: [من المتقارب] أشاقك واللّيل ملقى الجران ... غراب ينوح على غصن بان فالكلام شاقك لا غير، فجعل أفعل مكان فعل؛ وذكر أن الذي شاقه بالليل غراب، والغراب لا يصيح بالليل؛ وقال: غراب ينوح، وصياح الغراب لا يقال له نوح إنما يقال: نعب الغراب ونعق وشحج؛ وقال: غراب ينوح على غصن بان، وغصن البان أضعف من أن يحمل غرابا. «1220» - استحسن من أبي نواس قوله: [من الطويل] إليك رمت بالقوم هوج كأنما ... جماجمها تحت الرحال قبور وهو مأخوذ من قول الوليد بن عديّ بن حجر الكندي: [من البسيط] كأنّ هامتها قبر على شرف ... تمدّ للسير أوصالا وأصلابا وطرق الراعي المعنى فقال: [من الوافر] فهنّ سوابغ الأبدان غلب ... كأن رءوسهنّ قبور عاد وتبعهما كثير فقال: [من الكامل] كالقبر هامة رأسها وكأنما ... منها أمام الحاجبين قدوم وأبو حية النميري فقال: [من الكامل] وكأنّ هامته إذا استعرضته ... قبر برابية عليه الجندل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 «1221» - قال الحسن بن رشيق الأزدي الكاتب المغربي في ما جمعه من شعر المغاربة: اجتمعت وأنا حدث بيعلى بن إبراهيم الأربسي، وكانت له مكانة من الخطّ والترسّل وعلم الطبّ والهيئة مع تقدّمه في الشعر، فأخذ في ذكر الشعراء وغضّ من عبد الكريم النهشلي- وهو من أعيان وقته- فأغلظت له في الجواب. فالتفت إليّ منكرا عليّ وقال: وما أنت وما دخولك بين الشيوخ يا بني؟! فقلت له: ومن يكون الشيخ أيّده الله؟ فعرّفني نفسه ثم أخرج رقعة من خطّه فيها شعره: [من البسيط] إياة شمس حواها جسم لؤلؤة ... يغيب من لطف فيها ولم تغب صفراء مثل النّضار السّكب لابسة ... درعا مكلّلة درّا من الحبب لم يترك الدهر منها غير رائحة ... تضوّعت وسنا ينساح كاللهب إذا النديم تلقّاها ليشربها ... صاغت له الراح أطرافا من الذهب فقال: كيف رأيت؟ فقلت- وأردت الاشتطاط عليه: أما البيت الأوّل فناقص الصنعة، مسروق المعنى، فيه تنافر، قال: وكيف ذلك؟ قلت: لو كان ذكر الياقوتة مع اللؤلؤة كما قال أبو تمام: [من الكامل] أو درّة بيضاء بكر اطبقت ... حبلا على ياقوتة حمراء لكان أتمّ تصنيعا [وأحسن ترصيعا] ولو ذكرت روح الخمر مع ذكرك جسم اللؤلؤة- يعني الكأس- لكان أوفى للمعنى، ولو قلت مع قولك «إياة» : «شمس حواها نهار» وعنيت به الكأس كما قال ابن المعتز، ويروى للقاضي التنوخي: [من المتقارب] وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نهار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 لكنت قد ذهبت إلى شيء عجيب غريب؛ أما قولك: «يغيب من لطف فيها ولم يغب» ، فمن قول البحتري: [من الكامل] يخفي الزجاجة لونها فكأنّها ... في الكفّ قائمة بغير إناء وأما البيت الثاني فأكثر من أن ينبّه عليك فيه، وأما الثالث فمن قول ابن المعتز: [من البسيط] أبقى الجديدان من موجودها عدما ... لونا ورائحة في غير تجسيم وأما البيت الأخير، فمن قول مسلم بن الوليد: [من الطويل] أغارت على كفّ المدير بلونها ... فصاغت له منها أنامل من ذبل وقوله أيضا: [من الطويل] إذا مسّها الساقي أعارت بنانه ... جلابيب كالجاديّ من لونها صفرا وفيه عيب يقال له التوكّؤ، وهو تكريرك ذكر الراح، وأنت مستغن عنه، قال: فماذا كنت أنت تسدّ مكان الراح، قلت: كنت أقول: «صاغت ليمناه أطرافا من الذهب» . وأنشدته لنفسي دون أن أعلمه: [من الطويل] معتقة يعلو الحباب جنوبها ... فتحسبه فيها نثير جمان رأت من لجين راحة لمديرها ... فجادت له من عسجد ببنان ثم أنشد يصف بستانا: [من البسيط] تفيض بالماء منه كلّ فوّهة ... فكلّ فوارة بالماء تنذرف كأنّها بين أشجار منوّرة ... ظلّت بمستحسن اللبلاب تستجف مجامر تحت أثواب مجلّلة ... على مشاجبها دخانها يهف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 فقال: هل تعلم في هذا المعنى شيئا؟ فلم أرد مكاشفته، فأضربت عن أبيات عليّ ابن العباس الرومي في تشبيه المجمرة بالفوّارة، وإنما عكسه يعلى، وقلت: بل قريبا منه، وأنشدته لنفسي شعرا؛ فقال: لمن أنشدتني بدءا وعودة؟ قلت: للذي أنكرت عليه أن يدخل بين الشيوخ؛ فعرف، وعرّف بي فاستصحبني منذ ذلك اليوم. «1222» - لما ورد الخالديان العراق قال فيهما السريّ الرفاء يخاطب أبا الخطّاب الصابي: [من الكامل] بكرت عليك مغيرة الأعراب ... فاحفظ ثيابك يا أبا الخطاب ورد العراق ربيعة بن مكدّم ... وعتيبة بن الحارث بن شهاب وهي قصيدة مشهورة من عيون شعره. فاستحسن هذا المعنى واستجيد، وإنما أخذه من قول أبي تمّام، وقد سرق شعره محمد بن يزيد الأموي فمدح به: [من الخفيف] من بنو عامر من ابن الحباب ... من بنو تغلب غداة الكلاب من طفيل بن عامر ومن الحا ... رث أم من عتيبة بن شهاب «1223» - وبشّار يسمونه أبا المحدثين لتقدّمه وتسليمهم إليه الفضيلة والسبق، وبعض أهل اللغة يستشهدون بشعره لزوال الطعن عليه فيها فمما أسقط فقال: [من الرمل] إنما عظم سليمى حبّتي ... قصب السّكّر لا عظم الجمل وإذا أدنيت منها بصلا ... غلب المسك على ريح البصل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 يقول هذا مع قوله في معنى مثله: [من الوافر] إذا قامت لمشيتها تثنّت ... كأنّ عظامها من خيزران ومع قوله في الفخر: [من الطويل] كأنّ مثار النّقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه ومع قوله: إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه وقال له خلاد: إنّك لتجيء بالشيء المهجّن المتفاوت، قال: وما ذاك؟ قال: بينما تقول شعرا تثير به النقع وتخلع القلوب مثل قولك: [من الطويل] إذا ما غضبنا غضبة مضريّة ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما إذا ما أعرنا سيّدنا من قبيلة ... ذرى منبر صلى علينا وسلّما على أن بيتي بشّار منقولان، فالأول أنشده أبو هلال العسكري للقحيف وأوّله: [من الطويل] إذا ما فتكنا فتكة مضرية ... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما والثاني هو بيت جرير بعينه: [من الطويل] منابر ملك كلّها مضرية ... يصلّي علينا من أعرناه منبرا إلى أن تقول: [من الهزج] ربابة ربّة البيت ... تصبّ الخلّ في الزيت لها عشر دجاجات ... وديك حسن الصوت فقال: لكلّ شيء وجه وموضع؛ فالقول الأوّل جدّ، وهذا قلته في ربابة جاريتي، وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة هذه لها عشر دجاجات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 وديك، فهي تجمع البيض لي وتحفظه عندها؛ فهذا قولي عندها أحسن من «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل» عندك. وهذا عذر غير واضح، وهو باستئناف ذنب أولى. وقد كان يسعه أن يقول ما تفهمه الأمة ولا يسقط هذا السقوط. وما الذي أحوجه إلى أن يدوّنه ويروى عنه؟ وأيّ حجّة له في البيتين الأوّلين لولا الزّلل والنقص المستوليان على البشر. «1224» - وأبو تمام، مع باهر فضله وبديع نظمه ونطقه بالشعر الذي لو سمي سحرا لكان أليق، يقول: [من الوافر] خشنت عليه أخت بني خشين ويظن ذلك من البديع الذي اخترعه وسلك مذهبه. ويقول يمدح رجلا ويصفه بالتنين: [من الكامل] ولّى ولم يظلم وهل ظلم امرؤ ... حثّ النجاء وخلفه التّنين وقال أيضا وهجن: [من الكامل] كانوا رداء زمانهم فتصدّعوا ... فكأنّما لبس الزمان الصّوفا وأغار على زهير حيث يقول: [من الوافر] «لمن طلل برامة لا يريم» فقال: [من الوافر] أرامة كنت مألف كلّ ريم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 وقد قال، وبعد عن الفصاحة وهو إمامها: [من الكامل] والمجد لا يرضى بأن ترضى بأن ... يرضى امرؤ يرجوك إلا بالرضا «1225» - وكذلك الرضيّ أبو الحسن الموسوي ممن شهد بفضله الأعداء، وترجم شعره أكابر العلماء، وقد كان علمه أكثر من شعره، وله تصنيف في علم القرآن برّز فيه على القدماء، ثم لم يمنعه اقتداره على درر الكلام وجواهر المعاني من التعرّض لما ليس له، والغارة الشعواء على متقدّمي الشعراء. وقد كان غنيّا ببنات صدره عن الاستلحاق، ومكفيّا بمصون خاطره عن الاستطراق. وقد عثرت له على زلل يرتفع قدره عنه، وسهو لو تنبّه له غيّره. ولعلّ غليان الخاطر وازدحام البيان، شغله عن تفقّد ما جرى به اللسان. وسأقتصر على البعض إذ كان القصد بكشف غلط مثله من صدور العلم إقامة عذر من لم يبلغ شأوه. (1) فممّا سها في إعرابه وغفل عن تصحيحه قوله: [من البسيط] ترجو وبعض رجاء الناس متعبة ... قد ضاع دمعك يا باك على الطلل فرفع المنادى المشبّه بالمضاف وحقّه النصب. (2) ومثله قوله أيضا: [من الطويل] ولم أنسه غاد وقد أحدقت به ... أدان تروّي نعشه وأقارب (3) ومن ذلك قوله: [من الطويل] وأين المطايا تذرع البيد والدجى ... إلى أقرب من نيل عزّ وأبعد ولم تستعمل العرب أفعل التفضيل إلا جاءت «بمن» ، كقولهم: أقرب من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 كذا، أو يأتي بالألف واللام فيخرج عن معنى التفضيل كقولهم الأقرب والأبعد. «1225» .- (4) ومنه قوله: [من الطويل] ألا إنّ أصناف السيوف كثيرة ... وأقطعها هنديّها ويمانها وإنما هو سيف يمان إذا خفّف الياء، فأما نقله إلى ما يجري الاعراب عليه في حالة الرفع فما تكلّمت به العرب. (5) ومما أهمل قوافيه وأجرى منصوبه مجرى مرفوعه، ولم يرخّص أحد في مثله، قوله: [من الطويل] إذا سكر العسّال من قطراتها ... سقيت حميّاها أغرّ يماني (6) وقوله: [من الكامل] كم من طويل العمر بعد وفاته ... بالذكر يصحب حاضرا أو بادي على أن المعنى واللفظ لغيره وهو: [من الكامل] كم من طويل العمر بعد مماته ... ويموت آخر وهو في الأحياء وقول المتنبي: ذكر الفتى عمره الثاني والأصل قول الأول: «إنّ الثناء هو الخلود» (7) ومما استعار فيه كلام المتقدمين ولم يراقب تصفّح المتأمّلين قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 [من البسيط] هل تعلمون على نأي الديار بكم ... أنّ الضمير إليكم شيّق ولع وهو قول أبي زبيد الطائي بعينه: [من البسيط] من مبلغ قومي النائين إن شحطوا ... أن الفؤاد إليهم شيّق ولع «1225» .- (8) وقوله: [من الطويل] مرمّون من قبل اللقاء مهابة ... إذا رقموا باب الطّراف الممدّد من قول جرير: [من الطويل] مرمّون من ليث عليه مهابة ... تفادى الأسود الغلب منه تفاديا (9) وقوله: [من الوافر] أروني من يقوم لكم مقامي ... أروني من يقول لكم مقالي فقوله: أروني من يقوم لكم مقامي، هو صدر بيت لجرير: [من الوافر] أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب (10) وقوله: [من الكامل] لا تبعدنّ وأين قربك بعدها ... إن المنايا غاية الإبعاد من قول مالك بن الريب: [من الطويل] يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ... وأين مكان البعد إلا مكانيا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 «1225» .- (11) وقوله: [من الكامل] قرف على قرح تقادم عهده ... إنّ القروف على القروح لأوجع من بيت الحماسة المشهور: [من الطويل] فلم تنسني أوفى المصيبات بعده ... ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع (12) وقوله: [من البسيط] فكاذب النفس يمتدّ الرجاء لها ... إنّ الرجاء بصدق النّفس ينقطع من قول لبيد: [من الرمل] واكذب النّفس إذا حدّثتها ... إنّ صدق النّفس يزري بالأمل (13) وقوله: [من الخفيف] وندامى تفرّقوا بعد إلف ... شغلوا الدمع بعدهم أن يعارا وهو قول الشمردل اليربوعي بعينه: [من الطويل] وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ... فأنت على من مات بعدك شاغله (14) وقوله في صفة الخيل: [من الطويل] خوارج من ذيل الغبار كأنّها ... أنامل مقرور دنا النار صاليا هو بيت الأسعر بن [أبي] حمران الجعفي في مثله: [من الكامل] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 يخرجن من خلل الغبار عوابسا ... كأنامل المقرور أقعى فاصطلى «1225» .- (15) وقوله: [من الكامل المجزوء] مستلأمين بها كأنّ ... رؤوسهم بيض النعام وهو قول النابغة: [من الوافر] فصبّحهم ململمة رداحا ... كأنّ رؤوسهم بيض النعام (16) وقوله: [من الطويل] وما كنت إلّا كالثريّا تحلّقا ... يدفّ على آثارها دبرانها من قول ذي الرمة: [من الطويل] يدفّ على آثارها دبرانها ... فلا هو مسبوق ولا هو يلحق (17) وقوله: [من الكامل] هنّ القسيّ من النحول فإن سما ... طلب فهنّ من النجاء الأسهم أخذه من قول البحتري وإن كان زاد في المعنى ونقص: [من الخفيف] كالقسيّ المعطفات بل ... الأسهم مبرية على الأوتار (18) وفي هذه القصيدة يقول يصف الدرع [1] : [من الكامل]   [1] م: الدروع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 من كل ضاحكة القتير كأنّها ... برد أعاركها [1] الشجاع الأرقم نقله من محمد بن عبد الملك بن صالح الهاشمي في قوله يصفها: [من الكامل] وعليّ سابغة الدروع كأنها ... سلخ كسانيه الشجاع الأرقم «1225» .- (19) ومن ذلك قوله: [من السريع] إصلاحك المال ابن عمّ الغنى ... والبخل خير من سؤال البخيل وهو مسلوخ من قول ابن المعتز: [من السريع] فاشدد عرى مالك واستبقه ... فالبخل خير من سؤال البخيل (20) وقوله: [من الطويل] فما آب حتى استفزع المجد كلّه ... شروب على غيظ الرجال أكول منقول من قول الأقرع بن معاذ: [من الطويل] متين حبال الودّ مطّلع العدى ... أكول على غيظ الرجال شروب (21) ومن ذلك قوله: [من الكامل المجزوء] يا حسنكم في الدهر أذ ... نابا وأقبحكم رؤوسا من قول الأوّل: [من المتقارب] فيا قبحهم في الذي خوّلوا ... ويا حسنهم في زوال النّعم   [1] الديوان: أعاركه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 1226- وأبو الطيب المتنبي، مع فضله المشهور، وبحره الغزير، وأخذه برقاب الكلام، ووقوفه على دقائق المعاني، واتيانه بها في أبهج رونق وأصفى سبك وأرقّ لفظ، وعلى ما في شعره من الحكم والأمثال السائرة، يغلط ويحيل ويجيء بالمعنى الشنيع واللفظ الرّذل، ثم لا يتصفّحه فيسقطه أو ينبّه عليه من بعد فيضعه. (1) فمن غلطه قوله: [من الكامل] ملك زهت بمكانه أيامه ... حتى افتخرن به على الأيّام وإنما هو زهيت، يقال: زهيت علينا يا رجل، وزها النبت إذا اصفرّ وظهر زهوه أي صفرته، وزها البسر وأزهى إذا احمرّ وإذا اصفرّ. وفي الخبر أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نهى عن بيع التمر حتى يزهو، ويروى حتى يزهي، والزّهو البسر والزّهو أيضا الكذب. «1226» -. (2) وقوله: [من الكامل] وصلت إليك يد سواء عندها ال ... بازيّ الاشهب والغراب الأبقع وهو البازي غير مشدّد، وقد وصل ألف القطع في قوله «الاشهب» وإنما احتذى في البازيّ قول البحتري: [من الخفيف] وبياض البازيّ أحسن لونا ... إن تأمّلت من سواد الغراب وحكمها في هذا الإخلال عند من أخذه عليهما واحد. (3) وأخذ على المتنبي قوله: [من الكامل] وقتلن دفرا والدّهيم فما ترى ... أمّ الدّهيم وأمّ دفر هابل والدّهيم اسم الداهية، وأصل ذلك ناقة اسمها الدهيم حملت رؤوس قتلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 جماعة إلى أبيهم؛ والعرب تسمي الدنيا أمّ دفر لما فيها من المزابل والدّفر النتن، فجعل المتنبي الدفر الداهية ووهم في ذلك. «1226» .- (4) وقوله: [من الخفيف] لأمة فاضة أضاة دلاص ... أحكمت نسجها يدا داود والمسموع مفاضة ولم تقل العرب فاضة. (5) وقوله: [من الطويل] فأرحام شعر يتّصلن لدنّه ... وأرحام مال ما تني تتقطّع فقالوا: لم تقل العرب لدنّ بالتشديد. (6) وعيب في القوافي بقوله: [من الكامل] أنا بالوشاة إذا ذكرتك أشبه ... تأتي الندى ويذاع عنك فتكره وإذا رأيتك دون عرض عارضا ... أيقنت أنّ الله يبغي نصره فإنه إن جعل الهاء حرف الرّويّ لم يجز لأن هاء الضمير لا تكون رويّا إلّا إذا سكّن ما قبلها، وإن جعل الراء الرويّ- وهو أولى- جاءه الخلل في التصريع بأشبه في البيت الأول. (7) وأحال في قوله: [من البسيط] وضاقت الأرض حتى صار هاربهم ... إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا وغير شيء معناه المعدوم، والمعدوم لا يرى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 «1226» .- (8) وأحال في قوله: [من الخفيف] يفضح الشمس كلّما ذرّت ... الشمس بشمس منيرة سوداء (9) وفي قوله أيضا: [من الطويل] وإن نلت ما أمّلت منك فربّما ... شربت بماء يعجز الطير ورده فجعله في عسر المنال كالماء الذي يعجز الطير أن يرده فأحال المدح هجوا. (10) وسقط في مواضع كثيرة، فمن ذلك قوله في سيف الدولة: [من الطويل] خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت حاضت في الخدور العواتق أراد أن يمدحه فنسب به. (11) وقوله فيه: [من الطويل] فإن كان بعض الناس سيفا لدولة ... ففي الناس بوقات لها وطبول (12) وقوله: [من الكامل] إنّي على شغفي بما في خمرها ... لأعفّ عما في سراويلاتها فافتضح مع قول الرضيّ رضي الله عنه من بعده: [من الطويل] يحنّ إلى ما تضمر الخمر والحلى ... ويصدف عما في ضمان المآزر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 «1226» . (13) وقوله: [من البسيط] العارض الهتن بن العارض الهتن ... بن العارض الهتن بن العارض الهتن (14) وقوله: [من الكامل] فكأنّه حسب الأسنّة حلوة ... أو ظنّها البرنيّ والآزاذا (15) وقوله: [من الكامل] «قلق المليحة وهي مسك هتكها» (16) وقوله: [من مخلع البسيط] ماذا يقول الذي يغنّي ... يا خير من تحت ذي السماء (17) وقوله: [من الكامل] أنّى يكون أبا البريّة آدم ... وأبوك والثقلان أنت محمّد تقدير الكلام: كيف يكون آدم أبا البريّة وأبوك محمد وأنت الثقلان، يعني الإنس والجنّ، وآدم واحد من الإنس، وقد فصل بين المبتدأ الذي هو «أبوك» وبين الخبر الذي هو «محمد» بالجملة التي هي «والثقلان أنت» ، وهذا تعسف قبيح. (18) ويناسبه قوله: [من الطويل] حملت إليه من ثنائي حديقة ... سقاها الحجى سقي الرياض السحائب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 أراد سقي السحائب الرياض. وليس كلّ ما استعملته العرب يحسن استعماله بالمحدثين. «1226» .- (19) ومثله من شعره: [من الكامل] فتبيت تسئد مسئدا في نيّها ... إسآدها في المهمه الإنضاء تقديره: مسئدا في نيّها الإنضاء إسآدها في المهمه. وقد كان يكفيه في هذا البيت التكرير الذي لا فائدة فيه حتى أضاف إليه هذا التعقيد في التقديم والتأخير. (20) ومن الساقط المستهجن قوله: [من الوافر] جواب مسائلي أله نظير ... ولا لك في سؤالك لا ألا لا (21) فأما ما اقتبس معناه واحتذى فيه على مثال من تقدّمه فكثير، ولا يعدّ عيبا، إنما اعتدّه عليه ضدّ أو شانىء. والمعاني ليست مملوكة، وأولى الناس بها من كساها لفظا رائقا وكملها وأحسن مجتلاها. (22) وقد تتوارد الخواطر في المعاني فلا ينسب الثاني إلى السرقة ما كانت مصالتة لفظا ومعنى، أو بيتا كاملا، كما أخذ الفرزدق، وكما قيل في بيت أبي تمام: [من الطويل] وأحسن من نور تفتّحه الصّبا ... بياض العطايا في سواد المطالب إنه مأخوذ من قول الأخطل: [من الطويل] رأين بياضا في سواد كأنه ... بياض العطايا في سواد المطالب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 ويقول من يتعصب لأبي تمام: إن هذا البيت مصنوع ولم يصحّ [1] عن الأخطل، وهذا الأصح، فإنّ ديوانه لم يتضمّنه ولا وجد في نسخة من النسخ. لكن قد قال العمّي [2] في ذكر الشيب: [من الطويل] رأين بياضا في سواد كأنّه ... بياض العطايا في سواد المطالب «1226» .- (23) ومن سقطات المتنبي: [من الطويل] ولا واحدا في ذا الورى بل جماعة ... ولا البعض من كلّ ولكنك الضعف ولا الضعف حتى يبلغ الضعف ضعفه ... ولا ضعف ضعف الضّعف بل مثله ألف أقاضينا هذا الذي أنت أهله ... غلطت ولا الثلثان هذا ولا النصف (24) ومن معانيه المسروقة المنقولة في أفحش لفظ وأهجنه قوله: [من الوافر] ونهب نفوس أهل النّهب أولى ... بأهل المجد من نهب القماش وأصله قول عمرو بن كلثوم: [من الوافر] فآبوا بالنّهاب وبالسبايا ... وأبنا بالملوك مصفّدينا وأخذ المعنى أبو تمّام، لكنه زاد وبيّن وهذّب اللفظ فقال: [من البسيط] إن الأسود أسود الغاب همّتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السّلب   [1] م: ولم تصحّ الرواية فيه. [2] م: العتبي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 «1226» .- (25) وممّا استهجن لفظه وبعد عن الاستعمال ومجّته الأسماع قوله: [من الكامل] ولديه ملعقيان والأدب المفا ... د وملحياة وملممات مناهل (26) وقوله: [من الكامل] جفخت وهم لا يجفخون بها بهم ... شيم على الحسب الأغرّ دلائل (27) وقوله: [من الوافر] أروض الناس من ترب وخوف ... وأرض أبي شجاع من أمان (28) وقوله: [من الخفيف] كل آخائه كرام بني ... الدنيا ولكنه كريم الكرام (29) وقوله: [من الكامل] لو لم تكن من ذا الورى اللّذ منك هو ... عقمت بمولد نسلها حوّاء (30) ويجري مجراه في ركاكة لفظه والتكرير الذي لا معنى تحته إلا العيّ قوله: [من الطويل] ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنّه بي جاهل (31) وقوله: [من الطويل] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 فقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشا ... قلاقل عيش كلّهنّ قلاقل «1226» .- (32) وقوله: [من الوافر] وأفقد من فقدنا من وجدنا ... قبيل الفقد مفقود المثال (33) وقوله: [من الطويل] «وطعن كأنّ الطعن لا طعن عنده» (34) وقد خرّج متتبّعوه معاني من شعره مترذلة، اقتصرت منها على قوله مضافا إلى ما سبق في أول هذا الفصل: [من البسيط] لو استطعت ركبت الناس كلّهم ... إلى سعيد بن عبد الله بعرانا (35) وله وقد جمع قبح اللفظ وبرد المعنى: [من الكامل] إن كان مثلك كان أو هو كائن ... فبرئت حينئذ من الإسلام (36) وقوله: [من الكامل] خلت البلاد من الغزالة ليلها ... فأعاضهاك الله كي لا تحزنا (37) وعيب عليه قوله في صفة فرس: [من الرجز] «وزاد في الأذن على الخرانق» ، وهو الأرنب، فدلّ على جهله بالخيل والمستحسن من صفاتها والمستقبح. وإنما توصف بصغر الأذن ودقتها، وهي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 ضدّ صفة الأرنب. «1226» .- (38) وأخذ عليه في العروض استعماله فاعلاتن في عروض الرّمل في أبيات كثيرة غير مصرّعة من قصيدة أولها: [من الرمل] إنّما بدر بن عمّار سحاب ... هطل فيه ثواب وعقاب فجاء به على تمام الدائرة، ولم تستعمله العرب، وإنما جاء في شعرها على فاعلن. (39) ومنه قوله: [من الطويل] تفكّره علم ومنطقه حكم ... وباطنه دين وظاهره ظرف فجاء في عروض الطويل مفاعيلن ولم يرد في أشعار العرب إلا مفاعلن إلا في التصريع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 نوادر من هذا الباب «1227» - قيل لم ير الأحنف ضجرا قطّ إلا مرة واحدة، فإنه أعطى خياطا قميصا يخيطه فحبسه حولين، فأخذ الأحنف بيد ابنه بحر، فأتى به الخياط وقال: إذا متّ فادفع القميص إلى هذا. «1228» - قال أبو حاتم: كنت أقرأ شعر المتلمّس على الأصمعي فانتهينا إلى قوله: [من البسيط] أغنيت شأني فأغنوا اليوم شأنكم ... واستحمقوا في هراس الحرب أو كيسوا فغلطت فقلت أغنيت شاتي، فقال الأصمعي: فأغنوا اليوم تيسكم، وأشار إليّ، فضحك جميع الحاضرين. «1229» - قيل إنّ عبد الله بن أحمد بن حنبل قرأ في الصلاة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، فقيل له: أنت وأبوك في طرفي نقيض، زعم أبوك أن القرآن ليس بمخلوق، وقد جعلت أنت ربّ القرآن مخلوقا. «1230» - قال بعضهم: سمعت ابن شاهين المحدّث في جامع المنصور يقول في الحديث: نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلم عن تشقيق الحطب، فقال بعض الملاحين: يا قوم فكيف نعمل والحاجة ماسة. وهو تشقيق الخطب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 «1231» - قال: وسمعته مرّة أخرى وهو يفسّر قوله تعالى: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (المدثر: 4) ، قال: قيل لا تلبسها على غدرة، وإنما هو عذرة. 1232- كان عند عمر بن عبد العزيز رجلان، فجعلا يلحنان، فقال الحاجب: قوما فقد أوذيتما أمير المؤمنين، فقال عمر أنت والله أشدّ أذى لي منهما. 1233- خرج إسحاق بن مسلم العقيلي مع المنصور إلى مكة فأمعن في السير وطوى المراحل، فقال إسحاق: إنّا قد هلكنا يا أمير المؤمنين، فما هذه العجلة؟ قال: نخاف أن يفوتنا الحجّ، فقال: اكتب إليهم ليؤخّروه عشرة أيام. «1234» - قيل للنسّابة البكريّ: يا أبا ضمضم، آدم من أبوه؟ فحمله استقباح الجهل عنده حتى أن قال: آدم بن الصاء بن الحملح وأمّه صاعدة بنت فرزام. فتضاحكت العرب. 1235- محمد بن وهيب الحميري يذكر داخلا فيما لا يحسنه وليس بمن شأنه: [من الطويل] تشبّهت بالأعراب أهل التّعجرف ... فدلّ على مثواك قبح التكلّف لسان عراقيّ إذا ما صرفته ... إلى لغة الأعراب لم يتصرّف 1236- قرأ الرشيد ليلة: وما لي لا أعبد الذي فطرني، فأرتج عليه، فأخذ يردد وابن أبي مريم بقربه في الفراش، فقال: لا أدري والله لم لا تعبده. فضحك الرشيد وقطع صلاته. 1237- مدح عليّ بن الجهم المتوكّل بقصيدة قال في أولها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 [من الكامل] الله أكبر والنبيّ محمّد ... والحقّ أبلج والخليفة جعفر فاستبرد هذا اللفظ والافتتاح. وقال فيه مروان ابن أبي الجنوب- ويقال ابن أبي الحكم- يهزأ به: [من الطويل] أراد عليّ أن يقول قصيدة ... بمدح أمير المؤمنين فأذّنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 الباب الخامس والثلاثون في أخبار العرب الجاهلية وأوابدهم، وغرائب من عوائدهم وجمل من بلاغتهم، وعجائب من أكاذيبهم، وفنون من سيرهم ووقائعهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين اللهمّ إنّا نحمدك على ما هديتنا له من الإيمان واليقين، وحملتنا عليه من الصّراط الواضح المبين، وأنقذتنا من عمى الجهالة، ونجّيتنا من الزّيغ والضّلالة، وأريتنا من الآيات في أنفسنا فأبصرنا، ووقفتنا عليه من المعجزات فأقصرنا، حمدا يزيدنا من توفيقك وتسديدك، ويقف بنا عند أوامرك وحدودك، ونسألك الصّلاة على نبيّك العربيّ، ورسولك الأميّ، الذي بعثته والعرب في جاهليّة جهلاء، وعلى سبيل من الضّلال عمياء، فردّهم عن زيغ الطغيان إلى سنن الإيمان، وشرّد بالأنصاب [1] التي اتخذوها آلهة والأوثان، ونقلهم من ذلّ دين الآباء إلى عزّ الإسلام، وعدل بهم عن جماح الإباء إلى ذلّ الاستسلام، وعلى آله وأصحابه الذين قمع بهم أهل [2] العناد، وجمع بهم كلمة الرشاد، آمين.   [1] ر: بالأباليس. [2] أهل: من م. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 [ مقدمة الباب ] (الباب الخامس والثلاثون في أخبار العرب الجاهلية وأوابدهم، وغرائب من عوائدهم، وجمل من بلاغتهم، وعجائب من أكاذيبهم، وفنون من سيرهم ووقائعهم) للعرب أوابد وعوائد كانوا يرونها دينا، وضلالا يعتقدونه هدى، وقد دلّ على بعضها القرآن، وأكذب الله عزّ وجلّ دعاويهم فيها. «1238» - فمن ذلك قوله تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (المائدة: 103) . قال أهل اللغة: البحيرة ناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن، وكان آخرها ذكرا، بحروا أذنها، أي شقّوها، وامتنعوا من ذكاتها وذبحها، ولا تطرد عن ماء، ولا تمنع من مرعى. وكان الرجل إذا أعتق عبدا وقال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث. وأما الوصيلة ففي الغنم، كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكرا يجعلونه [1] لآلهتهم، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذّكر لآلهتهم. وأما الحامي فالذكر من الإبل، كانت العرب إذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا حمى ظهره، فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.   [1] ر: جعلوه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 «1239» - قوله عزّ وجل: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (المائدة: 90) . فالخمر ما خامر العقل، ومنه سمّيت الخمر، والميسر القمار كلّه. وأصله أنه كان قمارا في الجزور سأشرحه بعد تمام التفسير. والأنصاب حجارة كانت لهم يعبدونها وهي الأوثان، الواحد نصاب، وجمعه نصب، والأنصاب جمع نصب. والأزلام واحدها زلم وزلم، وهي سهام كانت لهم مكتوب على بعضها: «أمرني ربّي» ، وعلى بعضها «نهاني ربّي» . وروي أنّهم كان لهم آخر مكتوب عليه «متربّص» ، فإذا أراد الرجل سفرا أو أمرا هو مهتمّ به ضرب بتلك القداح، فإذا خرج سهم الأمر مضى لحاجته، وإذا خرج الناهي لم يمض في أمره. 1240- القداح عشرة؛ ذوات الحظّ منها سبعة وهي: الفذّ، والتّوأم، والرّقيب ويسمّى الضريب، والحلس، والنّافس، والمسبل، ويسمّى المصفح، والمعلّى؛ وثلاثة أغفال لا حظوظ لها وهي: السّفيح والمنيح والوغد. والمنيح له مواضع يمدح فيها ويذمّ. فالمذموم الذي لا حظّ له، والممدوح قدح يمنح أي يستعار فيدخل في القداح ثقة بفوزه أيّ قدح كان من السبعة، ويسمّى المستعار أيضا، والشجير والغريب، ومنه قول المنخّل اليشكريّ [1] : [من الكامل المجزوء] بمري قدحي أو شجيري وللفذّ نصيب واحد، ولكلّ واحد واحد يلي الآخر زيادة عليه بنصيب، حتى تكون للسابع سبعة أنصبة على كلّ قدح فرض بعدد أنصبائه.   [1] الأغاني 21: 9 والبيت كاملا: ألفيتني هش اليدين ... بمري قدحي أو شجيري الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 والفرض: الحزّ وربما كانت العلامات بالنار، فتلك يقال لها القرم، الواحدة قرمة، وهي السمة؛ واللواتي بلا حظوظ لا علامة عليها، ولذلك تدعى الأغفال، وإنما تجعل الأغفال بين ذوات الحظوظ لتجول فيها فيؤمن من معرفة الضارب بها. والقداح متشابهة المقادير كالنّبل، والسهم إذا لم يكن له نصل ولا ريش فهو قدح، فإذا كان ذا نصل وريش فهو سهم. والأيسار سبعة على عدد القداح، وربما كانوا أقلّ من سبعة لأنّ الرجل يأخذ قدحين أو ثلاثة، فيكون عليه غرم الخائب يحتمله لجوده ويساره، وله حظّ الفائز منها؛ وإنما يأخذون القداح على أحوالهم ويسارهم، فالقدح لا يكثر غنمه ولا غرمه، لأنه يأخذ حظّا واحدا ويغرم واحدا. وكانوا إذا أرادوا أن ييسروا ابتاعوا ناقة بثمن مسمّى وضمنوه لصاحبها، ولم يدفعوا إليه شيئا حتى يضربوا فيعلموا على من يجب الثمن فينحرون [1] قبل أن ييسروا وتقسم عشرة أقسام: فأحد الوركين جزء، والآخر جزء، والمنهل جزء، والكاهل جزء، والزور جزء، والملحاء [2] جزء، والكتفان جزء وهما العضدان، والذراع جزءان، وأحد الفخذين جزء والآخر جزء؛ ثم يعمدون إلى الطفاطف، وفقر الرقبة فتفرّق على تلك الأجزاء بالسواء، فإن بقي عظم أو بضعة بعد القسم، فذلك الرّيم وهو للجازر، وسمّي بذلك لأنه فصله، والرّيم العلاوة توضع فوق الجمل، وقال الشاعر [3] : [من الطويل] وكنت كعظم الرّيم لم يدر جازر ... على أيّ بدأي مقسم اللحم يجعل فالبدء النصيب، ويستثني بائع الناقة لنفسه، وأكثر ما يستثنى الرأس والأطراف والفرث.   [1] م: ثم ينحرون. [2] الملحاء: لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز من البعير. [3] في اللسان (ريم) لشاعر من حضرموت؛ وروايته «وكنتم ... » . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 وربما ضربوا القداح على الإبل، وجعلوا مكان كلّ جزء من أعشار البعير جزورا أو ما شاءوا من مضاعفة العدد. وإذا أرادوا أن يفيضوا بالقداح أحضروا رجلا يسمّونه الحرضة، لأنه نذل من الرجال لا يأكل لحما بثمن، إنما يستطعمه، فشدّوا عينيه ثم ألقوا على يديه مجولا، وهو ثوب أبيض، لئلا يفهم مجسّة [1] القداح ويعصب على يديه الرّبابة، وهي سلفة فيها القداح كالخريطة الواسعة تستدير فيها القداح وتستعرض وتجلجل، ومخرجها يضيق عن أن يخرج منه قدحان، ويؤتى برجل فيقعد أمينا عليها يقال له الرقيب. قال أبو ذؤيب يذكر حميرا [2] : [من الكامل] فوردن والعيّوق مقعد رابىء الض ... ضرباء خلف النّجم لا يتتلّع النجم ها هنا الثريّا، شبّه العيوق وراءها برابىء الضّرباء وهو الرقيب، لأنه يربأ أي يشرف، فإذا قعد قعد الرّقيب وراءه بعد شدّ عينيه وشدّ الرّبابة على يديه. وقيل جلجل، فيجلجلها مرتين أو ثلاثا، ثم يفيضها؛ والإفاضة أن يدفعها دفعة واحدة إلى قدّام ليخرج منها قدح، وكذلك الإفاضة من الحجّ، إنما هي من عرفات للدفع إلى جمع. فإذا برز منها قدح قام الرّقيب فأخذه ونظر إليه، فإن كان غفلا ردّه في الرّبابة وقال للحرضة: جلجل، وكان الخارج لغوا لا غنم فيه ولا غرم، وإن كان من السبعة دفعه إلى صاحبه فأخذ نصيبه، ثم تعاد الجلجلة والإفاضة، فإذا خرج من القداح ما يستوعب جميع الأعشار قطع الإفاضة، وكان ثمن الجزور على الذين لم تخرج قداحهم موزّعا في قدر سهامهم إن استوت حظوظ السّهام والأعشار، فإن زادت الحظوظ الخارجة عن عشرة كان غرم الزيادة لأرباب القداح الفائزة على من لم تخرج قداحه مع ثمن الجزور على قدر سهامهم أيضا، وربما حضر بعد فوز الواحد والاثنين من يسألهم أن   [1] نهاية الأرب (3: 119) : مسّ. [2] من عينيته (ديوان الهذليين 1: 6) واللسان (عوق) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 يدخل قدحه في قداحهم فيفعلون، وهذا يعدّونه من شريف فعالهم لأنه من كرم النفس وسعة الخلق. قال المرقش: [من الطويل] جديرون أن لا يحبسوا مجتديهم ... للحم وأن لا يدرءوا قدح رادف الرادف الذي يجيء بعد إغلاق الخطر. «1241» - وأد البنات: ومن أوابدهم وأد البنات، نهاهم الله عزّ وجلّ عنه في قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ (الإسراء: 31) . وكانوا يقتلونهنّ كما ذكر تعالى خشية إملاق، وقد ذكر أنّهم كانوا يقتلونهنّ خوف العار وأن يسبين وليس يمتنع وقوع السبّبين [1] ، وقد جاءت أخبارهم دالّة عليهما. وكان قيس بن عاصم المنقريّ يئد بناته، وكان من وجوه قومه له من المال ما شاء. فمن قتلهم إيّاهنّ خشية الإملاق ما روي عن صعصعة بن ناجية المجاشعيّ جدّ الفرزدق أنه لما أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله إني كنت أعمل عملا في الجاهلية، فينفعني ذلك اليوم؟ قال: وما عملك؟ قال: أضللت ناقتين عشراوين، فركبت جملا ومضيت في بغائهما فرفع لي بيت جريد فقصدته، فإذا رجل جالس بفناء الدار، فسألته عن الناقتين فقال: ما تارهما؟ قلت: ميسم بني دارم، قال: هما عندي، وقد أحيا الله بهما قوما من أهلك من مضر. فجلست معه فإذا عجوز قد خرجت من كسر البيت فقال لها: ما وضعت فإن كان سقبا   [1] م: الشيئين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 شاركنا في أموالنا، وإن كانت حائلا وأدناها، فقالت العجوز: وضعت أنثى، قلت: أتبيعها؟ قال: وهل تبيع العرب أولادها؟ قال، قلت: وإنما أشتري حياتها ولا أشتري رقّها، قال: فبكم؟ قلت: احتكم، قال: بالناقتين والجمل، قلت: ذلك لك على أن يبلغني الجمل وإيّاها، قال: ففعل. فآمنت بك يا رسول الله وقد صارت لي سنّة على أن أشتري كلّ موؤدة بناقتين عشراوين وجمل، فعندي إلى هذه الغاية ثمانون ومائتا موؤدة قد أنقذتها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا ينفعك ذلك لأنك لم تبتغ به وجه الله عزّ وجلّ، وإن تعمل في إسلامك عملا صالحا تثب عليه، فذلك قول الفرزدق يفتخر به: [من المتقارب] وجدّي الذي منع الوائدين ... وأحيا الوئيد فلم توءد وفاخر الفرزدق رجلا عند بعض خلفاء بني أميّة فقال: أنا ابن محيي الموتى، فأنكر ذلك من قوله، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يقول: وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (المائدة: 32) وجدّي منع من وأد البنات واشتراهنّ بماله، فذلك الإحياء، فقال الخليفة: إنك مع شعرك لفقيه. قوله: عشراوان، العشراء الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر، وحمل الناقة سنة، وقد تسمّى النّوق بعدما تضع عشارا، والجريد المنفرد، يقال انجرد الجمل إذا انتحى عن الإناث فلم يترك معها. وقوله: وإن كان سقبا وإن كانت حائلا، قال الأصمعي: إذا وضعت الناقة فولدها سليل قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى، فإذا علم فإن كان ذكرا فهو سقب وأمّه مسقب، وإن كانت أنثى فهي حائل وأمّها أمّ حائل، قال الهذليّ [1] : [من الطويل] فتلك التي لا يبرح القلب حبّها ... ولا ذكرها ما أرزمت أمّ حائل وهي مؤنث، وقد آنثت أي جاءت بأنثى، وقد أذكرت فهي مذكر إذا   [1] هو أبو ذؤيب، انظر: ديوان الهذليين 1: 145. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 جاءت بذكر، وإن كان من عادتها أن تضع الإناث فهي مئناث، وإن كان من عادتها أن تضع الذكور فهي مذكار، وإذا قوي ومشى مع أمّه فهو راشح، والأم مرشح، وإذا حمل في سنامه شحما فهو محدود معكر، ثم هو ربع، وسئل العجاج عن الرّبع، فقال: الرّبع ما نتج في أوّل الربيع والهبع ما نتج في آخره، فإذا مشى الهبع مع الرّبع أبطره ذرعا فهبع بعنقه أي استعان به. ثم هو حوار، فإذا فصل عن أمّه- والفصال الفطام- فهو فصيل والجمع فصلان، ومنه الحديث: «لا رضاع بعد فصال» . فإذا أتى عليه حول فهو ابن مخاض، وإنما سمّي ابن مخاض لأنّ أمّه لحقت بالمخاض وهي الحوامل، وإن لم تكن حاملا، فإذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة فهو ابن لبون، والأنثى بنت لبون، وإنما سمّي ابن لبون لأنّ أمّه كانت من المخاض في السنة الثانية، فإذا وضعت في الثالثة، فصار لها ابن فهي لبون، وهو ابن لبون، فلا يزال كذلك حتى يستكمل الثالثة، فإذا دخل الرابعة فهو حينئذ حقّ، والأنثى حقّة لأنها قد استحقّت أن يحمل عليها وتركب، فإذا استكمل الرابعة ودخل في الخامسة فهو جذع، والأنثى جذعة، فإذا دخل في السادسة فهو ثنيّ والأنثى ثنيّة، فإذا دخل في السابعة فهو رباع والأنثى رباعيّة، فإذا دخل في الثامنة فهو سديس وسدس، والأنثى سديسة. فإذا دخل في التاسعة وبزل نابه يبزل فهو بازل، يقال بزل نابه يبزل بزولا وشقأ يشقأ شقوءا، أو شقأ وشقىء أيضا، وشقّ يشقّ شقوقا، وفطر يفطر فطورا، وبزغ وصبأ وعرد عرودا، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، ثم ليس له اسم بعد الإخلاف، ولكن يقال بازل عام وبازل عامين ومخلف عام ومخلف عامين. «1241» ب- وممّن ذكر أنّ الوأد كان خوف العار أبو عبيدة معمر بن المثنّى قال: منعت تميم النعمان بن المنذر الإتاوة وهي الأربان، فوجّه إليهم أخاه الريّان بن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 المنذر، وكانت للنعمان خمس كتائب: إحداهنّ الوضائع، وهم قوم من الفرس، كان كسرى بعثهم عنده عدّة ومددا، فيقيمون سنة عند الملك من ملوك لخم، فإذا كان رأس الحول ردّهم إلى أهليهم وبعث بمثلهم؛ وكتيبة يقال لها الشهباء وهي أهل بيت الملك، وكانوا بيض الوجوه يسمّون الأشاهب؛ وكتيبة ماكثة يقال لها الصنائع، وهم صنائع الملك، أكثرهم من بكر بن وائل؛ وكتيبة رابعة يقال لها الرهائن، وهم قوم كان يأخذهم من كلّ قبيلة فيكونون رهنا عنده، ثم يوضع مكانهم مثلهم؛ والخامسة دوسر، وهي كتيبة ثقيلة تجمع فرسانا وشجعانا من كلّ قبيلة. فأغزاهم أخاه وكلّ من معه من بكر بن وائل، فاستقاق النّعم وسبى الذراري، فوفدت إليه بنو تميم، فلما رآها أحبّ البقيا فقال النعمان: [من البسيط] ما كان ضرّ تميما لو تعمّدها ... من فضلنا ما عليه قيس عيلان فأثاب [1] القوم وسألوه النساء، فقال النعمان: كلّ امرأة اختارت أباها تركت عليه، فكلّهن اخترن آباءهنّ إلّا ابنة لقيس بن عاصم فإنها اختارت صاحبها عمرو ابن المشمرج، فنذر قيس ألّا يولد له ابنة إلا قتلها، واعتلّ بهذا من وأد وزعم أنّه أنفة وحميّة. وبمكّة جبل يقال له أبو دلامة كانت قريش تئد فيه البنات، وخبر قيس مع النبي صلّى الله عليه وسلم في ذلك قد ذكر في موضع آخر. «1242» - قوله عزّ وجلّ: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ (التوبة: 37) ، النسيء تأخير الشيء، وكانوا يحرّمون القتال في المحرّم، ثم إذا عزموا أن يقاتلوا فيه جعلوا صفرا كالمحرّم وقاتلوا في المحرّم وأبدلوا صفرا منه. فأعلم الله عزّ وجلّ أنّ ذلك زيادة في كفرهم ليواطئوا عدّة ما حرّم الله، فيجعلوا صفرا   [1] نهاية: فأناب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 كالمحرّم في العدد، ويقولون: إنّ هذه أربعة أشهر بمنزلة أربعة، والمواطأة المماثلة والموافقة. والأشهر الحرم: المحرّم ورجب وذو القعدة وذو الحجة. «1243» - الرّتم شجر معروف. كانت العرب إذا خرج أحدهم إلى سفر عمد إلى هذا الشجر فعقد غصنا منه بغصن، فإذا عاد من سفره إن وجده قد انحلّ قال: قد خانتني امرأتي، وإن وجده على حاله قال: لم تخنّي. وذلك قول الشاعر: [من الرجز] هل ينفعنك اليوم إن همّت بهمّ ... كثرة ما توصي وتعقاد الرّتم «1244» - البليّة: ناقة. كانت العرب إذا مات أحدهم عقلوا ناقة عند قبره وشدّوا عينيها حتى تموت، يزعمون أنه إذا بعث من قبره ركبها، وذلك قول الحارث بن حلّزة اليشكريّ: [من الخفيف] أتلهي بها الهواجر إذ كل ... ل ابن همّ بليّة عمياء «1245» - اغلاق الظهر: كان الرجل منهم إذا بلغت إبله مائة عمد إلى البعير الذي أمأت به فأغلق ظهره لئلا يركب ويعلم أنّ صاحبه تمأى، وإغلاق ظهره أن ينزع سناسن فقره ويعقر سنامه. «1246» - التعمية والتفقئة: كان الرجل إذا بلغت إبله ألفا فقأ عين الفحل، يقول إنّ ذلك يدفع عنها العين والغارة. قال الشاعر: [من الرجز] وهبتها وأنت ذو امتنان ... تفقأ فيها أعين البعران فإذا زادت الإبل على الألف فقأ العين الأخرى فهو التعمية. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 «1247» - العتيرة: كان الرجل منهم يأخذ الشاة فيذبحها ويصبّ دمها على رأس صنم، وتسمّى الشاة العتيرة والمعتورة، وذلك يكون في رجب، وفيهم من يضنّ بالشاة فيذبح عنها الظّباء، وذلك قول الحارث بن حلّزة: [من الخفيف] عنتا باطلا وزورا كما تع ... تر عن حجرة الرّبيض الظّباء «1248» - العرّ: داء يأخذ الإبل شبيه بالجرب، كانوا يكوون السليم ويزعمون أنّ ذلك يبرىء ذا العرّ، وذلك قول النابغة: [من الطويل] حملت عليّ ذنبه وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع «1249» - ضرب الثور عن البقر: كانوا إذا امتنعت البقر من شرب ضربوا الثور، ويزعمون أنّ الجنّ تركب الثيران فتصدّ البقر عن الشرب، وذلك قول الشاعر: [من البسيط] كالثور يضرب لما عافت البقر «1250» - عقد السّلع والعشر: كانوا إذا استمطروا في الجدب يعمدون إلى البقر فيعقدون في أذنابها السّلع والعشر، ثم يضرمون فيها النار ويصعدونها في الجبل، ويزعمون أنهم يمطرون في الوقت. «1251» - دائرة المهقوع: وهو الفرس الذي به الدابرة التي تسمّى الهقعة، يزعمون أنه إذا عرق تحت صاحبه اغتلمت حليلته وطلبت الرجال، قال الشاعر: [من الطويل] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت ... حليلته وازداد حرّا عجانها «1252» - وطء المقاليت: المقلات التي لا يعيش لها ولد، يزعمون أنّ المرأة المقلات إذا وطئت قتيلا شريفا عاش أولادها. قال بشر بن أبي خازم: [من الطويل] تظلّ مقاليت النّساء يطأنه ... يقلن ألا يلقى على المرء مئزر «1253» - الهامة: زعموا أنّ الإنسان إذا قتل ولم يطلب بثأره خرج من رأسه طائر يسمّى الهامة، وصاح على قبره: أسقوني! إلى أن يدرك ثأره، وذلك قول ذي الإصبع: [من البسيط] يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث [1] تقول الهامة اسقوني «1254» - الصّفر: زعموا أنّ الإنسان إذا جاع عضّ على شرسوفه الصّفر، وهي حية تكون في البطن، وذلك قول أعشى باهلة، ويروى لأخت المنتشر الباهلي: [من البسيط] لا يتأرّى لما في القدر يرقبه ... ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر «1255» - تثنية الضربة: زعموا أنّ الحية تموت من أوّل ضربة فإذا ثنّيت عاشت، قال تأبّط شرّا: [من الوافر] فقالت عد رويدك قلت إني ... على أمثالها ثبت الجنان   [1] نثر والنهاية: حتى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 «1256» - حيض الضبع: يقولون إنّ الضبع تحيض وإنها تنتاب جيف القتلى فتركب كمرها، وحملوا قول الشاعر على هذا: [من المديد] تضحك الضّبع لقتلى هذيل ... وترى الذئب لها يستهلّ وللعرب أقوال وأفعال تناسب هذه الأوابد وهي دونها في الاشتهار والالتزام. «1257» - كانوا يقولون: من علّق عليه كعب الأرنب لم تصبه عين ولا سحر، وذلك أنّ الجنّ تهرب من الأرنب لأنها تحيض وليست من مطايا الجنّ. وقيل لبعضهم: أحقّ ما يقولون: إنّ من علّق على نفسه كعب أرنب لم يقربه جنّان الحيّ وعمّار الدار؟ قال: إي والله! وشيطان الحماطة وجانّ العشيرة وغول القفر وكلّ الخوافي، إي والله! ويطفىء عنه نيران السعالي. «1258» - وزعموا أنّ الإنسان إذا غشي ثم قلي له سنام وكبد فأكله، فكلما أكل لقمة مسح جفنه الأعلى بسبّابته وقال: يا سنام وكبد، ليذهب الهدبد ليس شفاء هدبد إلا سنام وكبد، عوفي. والهدبد العشاء. «1259» - ويزعمون أنّ المرأة إذا أحبت رجلا وأحبها ثم لم تشقّ عليه رداءه ويشقّ عليها برقعها فسد حبّهما، فإذا فعلا ذلك دام حبّهما. «1260» - ويزعمون أنّ الرجل إذا خدرت رجله فذكر أحبّ الناس إليه ذهب الخدر عنه. قالت امرأة من كلاب: [من الطويل] إذا خدرت رجلي ذكرت ابن مصعب ... فإن قلت عبد الله أجلى فتورها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 «1261» - ويزعمون أنّ الرجل إذا دخل قرية فخاف وباءها فوقف على بابها قبل أن يدخلها فعشر كما ينهق الحمار لم يصبه وباؤها. قال عروة بن الورد: [من الطويل] لعمري لئن عشّرت من خشية الرّدى ... نهاق الحمير إنني لجزوع «1262» - ويزعمون أنّ الحرقوص، وهو دويبة أكبر من البرغوث، يدخل أحراح الأبكار فيفتضّهنّ. وأنشدوا: [من الرجز] ما لقي البيض من الحرقوص ... من مارد لصّ من اللصوص يدخل بين الغلق المرصوص ... بمهر لا غال ولا رخيص «1263» - لوجدان الضالة: يزعمون أنّ الرجل إذا ضلّ قلب ثيابه فاهتدى. «1264» - ويزعمون أنّ الذئاب إذا ظهر بأحدها دم أحال عليه صاحبه فقتله. «1265» - وكانوا يكرهون نوء السّماك ويقولون فيه داء الإبل. «1266» - ويزعمون أنّ الكلاب تنبح السماء في الخصب، وكلما ألحّت عليها السماء بالمطر نبحت. قال الشاعر: [من الطويل] وما لي لا أغزو وللدهر كرّة ... وقد نبحت نحو السماء كلابها 1267- وكانوا إذا نفرت الناقة ذكروا اسم أمّها وزعموا أنها تسكن حينئذ. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 1268- ويقولون سبب بكاء الحمام أنه أضلّ فرخا على عهد نوح عليه السّلام، فهو يبكيه، وهو الهديل. «1269» - خرزة السلوان: ولهم خرزة يزعمون أنّ العاشق إذا حكّها وشرب ما يخرج منها صبر ويسمّى السلوان، قال رؤبة: [من الرجز] لو أشرب السلوان ما شفيت ... ما بي غنى عنك وإن غنيت «1270» - نكاح المقت: ونكاح المقت من سننهم، وهو أنّ الرجل إذا مات قام أكبر ولده فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها، فإن لم يكن له فيها حاجة تزوّجها بعض إخوته بمهر جديد، فكانوا يرثون نكاح النساء كما يرثون المال. 1271- ويقولون: إنّ الدّبران خطب الثريّا، وأراد القمر أن يزوّجه فأبت عليه وولّت عنه، وقالت: ما أصنع بهذا السّبروت الذي لا مال له؟ فجمع الدّبران قلاصه يتموّل بها، وهو يتبعها حيث توجّهت يسوق صداقها قدّامه، يعنون القلاص. 1272- ويزعمون أنّ الجدي قتل نعشا فبناته تدور تريده كما قيل: ابن من غير الجنّ والإنس، فإنه إذا جمع قيل: بنات، كما يقال: بنات الماء لضرب من الطير، الواحد ابن ماء. قال ذو الرمّة: [من الطويل] على قمة الرأس ابن ماء محلّق وقال الآخر وجمع: [من الطويل] صياح بنات الماء أصبحن وقّعا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 وكذاك بنات آوى وبنات عرس وبنات أوبر وبنات النقا، كلّ واحد من هذه البنات ابن، ولم يأت في ذلك مذكر إلا في بيتين شاذّين عن الباب؛ قال الأعشى: [من الكامل] حتى يقيدك من بنيه رهينة ... نعش ويرهنك السّماك الفرقد وقال نابغة بني جعدة: [من الطويل] تمزّزتها والديك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا 1273- وزعموا أنّ سهيلا خطب الجوزاء فركضته برجلها فطرحته حيث هو، وضربها هو بالسيف فقطع وسطها. «1274» - يقولون: كان سهيل والشعريان مجتمعة وانحدر سهيل فصار يمانيا، وتبعته العبور فعبرت إليه المجرّة، وأقامت الغميصاء فبكت حتى غمصت. «1275» - ويقولون: إنّ الله تعالى لم يدع ماكسا إلا أنزل به بليّة، وإنه مسخ منهم اثنين ذئبا وضبعا؛ وإنّ الضبّ وسهيلا كانا ماكسين فمسخ الله أحدهما في الأرض والآخر في السماء، وفي ذلك يقول الحكم بن عمرو البهرانيّ: [من الخفيف] مسخ الماكسين ضبعا وذئبا ... فلهذا تناجلا أم عمرو مسخ الضبّ في الجدالة قدما ... وسهيل السماء عمدا بصغر الجدالة: الأرض. «1276» - ومن أكاذيبهم ما حكاه أبو عمرو الجرمي، قال: سألت أبا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 عبيدة عن قول الراجز: [من الرجز] أهدّموا بيتك لا أبا لكا ... وزعموا أنك لا أخا لكا وأنا أمشي الدّألى حوالكا فقلت: لمن هذا الشّعر؟ قال: يقول العرب هذا يقوله الضبّ للحسل أيام كانت الأشياء تتكلّم. الدّألى: مشي كمشي الذئب، يقال هو يدأل في مشيته إذا مشى كمشية الذئب، ومنه قول امرىء القيس: [من الطويل] «أقبّ حثيث الرّكض والدّألان» ومن روى بيت ابن عنمة الضبيّ: [من الوافر] «تعارضه مربّبة دؤول» بالدال غير معجمة أراد هذا، ومن قال «ذؤول» بالذال معجمة أراد السرعة، يقال: مرّ يذأل أي يسرع. 1277- وزعموا أنّ الضبّ قاضي الطير والبهائم، وأنها اجتمعت إليه أوّل ما خلق الإنسان فوصفوه له فقال: تصفون خلقا ينزل الطير من السماء ويخرج الحوت من الماء، فمن كان ذا جناح فليطر، ومن كان ذا مخلب فليحتفر. «1278» ومن دعاويهم أنّ أبا عروة كان يزجر الذئاب ونحوها مما يغير على الغنم، فيفتق مرارة السّبع في جوفه، فذلك قول النابغة الجعدي: [من المنسرح] زجر أبي عروة السباع إذا ... أشفق أن يختلطن بالغنم وقال من يطعن في هذا، السبع أشدّ أبدا من الغنم، فإذا فعل ذلك بالسبع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 هلكت الغنم قبله، وقال من يحتجّ له: إنّ الغنم كانت قد أنست بهذا منه. «1279» - ويزعمون أنّ عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب قال لابني الجون الكنديين يوم جبلة: إنّ لي عليكما حقا لرحلتي ووفادتي، فدعوني أنذر قومي من موضعي هذا، فقالوا: شأنك. فصرخ بقومه فأسمعهم على مسيرة ليلة. 1280- وذكروا أنّ أبا عطية عفيفا في الحرب التي كانت بين ثقيف وبني نصر نادى: يا سوء صباحاه، أتيتم يا بني نصر، فأسقطت الحبالى بصيحته فقيل فيه: [من الطويل] وأسقط أحبال النساء بصوته ... عفيف وقد نادى بنصر [1] فثوّبا «1281» - قال التوّزي: سألت أبا عبيدة عن مثل هذه الأخبار فقال: إنّ العجم تكذب فتقول: كان رجل ثلثه من نحاس وثلثه من نار وثلثه من ثلج، فتعارضها العرب بهذا وما أشبهه. «1282» - قال أبو العميثل: تكاذب أعرابيّان فقال أحدهما: خرجت مرة على فرس لي، فإذا أنا بظلمة شديدة فيمّمتها حتى وصلت إليها، فإذا قطعة من الليل لم تنتبه، فما زلت أحمل عليها بفرسي حتى أبهتّها فانجابت. فقال الآخر: لقد رميت ظبيا مرة بسهم فعدل الظبي يمنة فعدل السهم خلفه، فتياسر الظبي فتياسر السهم خلفه، ثم علا الظبي فعلا السهم خلفه، ثم انحدر فانحدر حتى أخذه. «1283» - وكان عمرو بن معدي كرب الزبيدي معروفا بالكذب على رئاسته في قومه وتقدّمه وبسالته، وكان أشراف الكوفة يظهرون بالكناسة على   [1] فوقها في ر: بصوت. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 دوابّهم فيتحدّثون إلى أن تطردهم الشمس. فوقف عمرو بن معدي كرب وخالد ابن الصقعب النّهديّ، فأقبل عمرو يحدّثه فقال: أغرنا مرة على بني نهد فخرجوا مسترعفين بخالد بن الصقعب، فحملت عليه فطعنته فأرديته [1] ثم ملت عليه بالصمصامة فأخذت رأسه. فقال له خالد: حلّا أبا ثور، إنّ قتيلك هو المحدّث، فقال له: يا هذا إذا حدّثت بحديث فاستمع، فإنما نتحدّث بمثل ما تسمع لنرهب به هذه المعيدية. قوله مسترعفين أي متقدمين، يقال: جاء فلان يرعف الجيش، ويؤمّ الجيش إذا جاء متقدّما لهم، وقوله: حلّا أي استثن، يقال: حلف ولم يحلّل. «1284» - وقد زعموا أنّ رجلا نظر إلى ظبية فقال له أعرابيّ: أتحبّ أن تكون لك؟ قال: نعم، قال: فأعطني أربعة دراهم حتى أردّها إليك، ففعل؛ فخرج يمحص في أثرها، وجدّ حتى أخذ بقرنيها فجاء بها وهو يقول: [من الرجز] وهي على البعد تلوّي خدّها ... تريغ شدّي وأريغ شدّها كيف ترى عدو غلام ردها «1285» - ويحكون في خبر لقمان بن عاد أنّ جارية له سئلت عما بقي من بصره، فقالت: والله لقد ضعف، ولقد بقيت منه بقيّة، وأنه ليفصل بين أثر الأنثى والذكر من الذر إذا دبّ على الصّفا. «1286» - قال حماد الراوية: قالت ليلى بنت عروة بن زيد الخيل لأبيها: أرأيت قول أبيك: [من الطويل]   [1] م وحاشية ر: فأذريته. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 بني عامر هل تعرفون إذا غدا ... أبو مكنف قد شدّ عقد الدوابر بجيش تضلّ البلق في حجراته ... ترى الأكم منه سجّدا للحوافر يقول: لكثرة الجيش يطحن الأكم حتى يلصقها بالأرض. وجمع كمثل اللّيل مرتجس الوغى ... كثير تواليه سريع البوادر أبت عادة للورد أن يكره الوغى ... وعادة رمحي في نمير وعامر هل حضرت مع أبيك هذه الوقعة؟ قال: نعم، قلت: فكم كانت خيلكم؟ قال: ثلاثة أفراس أحدها فرسه. فذكرت هذا لابن أبي بكير الهذليّ، فحدّثني عن أبيه وقال: حضرت يوم جبلة- وقد بلغ مائة سنة وأدرك أيام الحجاج- قال: فكانت الخيل في الفريقين مع ما كان لابني الجون ثلاثين فرسا. قال فحدّثت بهذا الحديث الخثعميّ، وكان راوية أهل الكوفة، فحدّثني أنّ خثعم قتلت رجلا من بني سليم بن منصور فقالت أخته ترثيه: [من الطويل] لعمري وما عمري عليّ بهيّن ... لنعم الفتى غادرتم آل خثعما وكان إذا ما أورد الخيل بيشة ... إلى جنب أشراج أناخ فحمحما فأرسلها زهوا رعالا كأنها ... جراد زهته ريح نجد فأتهما فقيل لها: كم كانت خيل أخيك؟ قالت: اللهم إني لا أعرف إلا فرسه. «1287» - وسأل الحجاج محمد بن عبد الله بن نمير الثقفيّ عن قوله في أخته زينب بنت يوسف حيث شبّب بها: [من الطويل] ولما رأت ركب النّميريّ أعرضت ... وكنّ من ان يلقينه حذرات كم كان ركبك يا نميري؟ قال: والله إن كنت إلا على حمار هزيل ومعي رفيق لي على أتان مثله. ويقال بل قال كان معي ثلاثة أحمرة أجلب عليها القطران. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 «1288» - وعلى هذا قول مهلهل: [من الوافر] فلولا الريح أسمع من بحجر ... صليل البيض تقرع بالذكور وإنما كانت الوقعة بعنيزة، وهي من حدود الشام فكم بينها وبين حجر اليمامة؟ «1289» - وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى عمّن حدّثه أنّ بكر بن وائل أرادت الغارة على قبائل تميم فقالوا إن علم بنا السّليك أنذرهم، فبعثوا فارسين على جوادين يريغان السّليك، فبصرا به فقصداه، وخرج يحضر كأنه ظبي، وطارداه سحابة يومهما، فقالا: هذا النهار ولو جنّ عليه الليل لقد فتر. فجدّا في طلبه، فإذا بأثره قد بال فرغا في الأرض وقد خدّها، فقالا: قاتله الله ما أشدّ متنه، ولعلّ هذا كان من أوّل الليل. فلما اشتدّ به العدو فتر، فاتّبعاه، فإذا به قد عثر بأصل شجرة فندر منها كمكان تلك، وانكسرت قوسه فارتزّت قصدة منها في الأرض فنشبت. فقالا: قاتله الله، والله لا نتبعه بعد هذا، فرجعا عنه. فأتمّ إلى قومه فأنذرهم فلم يصدّقوه لبعد الغاية عنه. ففي ذلك يقول: [من الطويل] يكذّبني العمران: عمرو بن جندب ... وعمرو بن عمرو [1] والمكذب أكذب ثكلتهما إن لم أكن قد رأيتها ... كراديس يهديها إلى الحيّ موكب كراديس فيها الحوفزان وحوله ... فوارس همّام متى يدع يركبوا فصدقه قوم فنجوا، وكذّبه الباقون فورد عليهم الجيش فاكتسحهم. 1290- وكان تأبّط شرا عجبا، وهو من العدائين الفتّاك الشجعان،   [1] الكامل: وعمرو بن كعب؛ الدرة: وعمرو بن سعد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 وكان يسبق الخيل عدوا على رجليه هو والشّنفرى الأزديّ وعمرو بن برّاق، وله أخبار تبعد عن الصحّة. وهو ثابت بن جابر بن سفيان بن عديّ بن كعب بن حرب بن شيم بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن غيلان. فمن أخباره أنه كان يأتي امرأة يقال لها الزرقاء، وكان لها ابن من هذيل معها في أهلها، فقال لها ابنها وهو غلام قد قارب الحلم: ما هذا الرجل عليك؟ قالت: عمك، إنه كان صاحبا لأبيك. فقال لها: إني والله ما أدري ما شأنه، ولا رأيته عندك! والله لئن رأيته عندك لأقتلنّه قبلك. فلما رجع إليها تأبّط شرا أخبرته الخبر فقالت: إنه شيطان من الشياطين! والله ما رأيته مستثقلا نوما قط، ولا ممتلئا ضحكا قط، ولا همّ بشيء قط مذ كان صغيرا إلا فعله؛ ولقد حملته فما رأيت عليه دما حتى وضعته، وحملته وإني لمتوسّدة سرجا في ليلة هرب، وإنّ نطاقي لمشدود وإنّ على أبيه لدرع حديد، فاقتله، فأنت والله أحبّ إليّ منه. قال: أفعل. فمرّ به وهو يلعب مع الغلمان فقال: انطلق معي أهبك نبلا. فمشى معه شيئا ثم وقف: وقال: لا أرب لي في نبلك. ثم رجع فلقي أمّه فقال: والله ما أقدر عليه. وحال بينهما الغلام سنوات، ثم قال لها: إني قاتله، أغزو به فأقتله، فقالت: افعل. فقال تأبّط شرا للغلام: هل لك في الغزو؟ قال: نعم. فخرج معه غازيا لا يرى له غرّة حتى مرّ بنار ليلا، وهي نار بني أم قترة الفزاريين، وكانوا في نجعة. فلما رأى تأبّط شرا النار وقد عرفها وعرف أهلها وأنهما لا يلقيان شيئا إلا أهلكاه، أكبّ على رجله وقال: بهشت بهشت! النار النار! فخرج الغلام يهوي قبل النار حتى صادف عليها رجلين فواثباه فقتلهما جميعا، ثم أخذ جذوة من النار وأقبل يهوي إليه، فلما رأى النار تهوي قبله قال في نفسه: قتل والله واتبعوا أثره. قال تأبّط فخرجت أسعى حتى إذا بلغت النار حيث كنت استدرت طوفا أو طوفين ثم اتّبعت أثره. فما نشب أن أدركني ومعه جذوة من نار ويطرد إبل القوم، فقال: ما لك ويلك! أتعبتني منذ الليلة، قال: قلت إني والله ظننت أنك قتلت، قال: لا والله، بل قتلت الرجلين، عاديت بينهما. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 قال أبو عمرو وقد سمعت ابن أنس السلمي يقول: ليسا من بني فزارة إنما هما ابنا قترة من الأزد، ولقد لقيت أهل ذلك البيت وحدثتهم. فقال تأبّط شرا لصاحبه: الهرب الهرب الآن! فالطلب والله في أثرك. ثم أخذ به غير الطريق، فما سار إلا ساعة أو قليلا حتى قال له الغلام: أنت مخطىء، الطريق ما تستقيم الريح فيه. قال: قلت فأين؟ قال هذا المكان، فو الله ما جرم أن استقبل الطريق، وما كان سلكها قط. فأصبحنا فما برحت أطرد به حتى رأيت عينيه كأنهما خيط، فقلت: انزل فقد أمنت، فقال: هل تخاف شيئا؟ قلت له: لا، قال: فنزلنا وأنخنا الإبل، ثم انتبذنا فنام في طرفها ونمت في الطرف الآخر ورمقته حتى أوى إلى نفسه وخط طرفاه نوما. فقمت رويدا فإذا هو قد استوى قائما فقال: ما شأنك؟ فقلت: سمعت حسّا في الإبل، فطاف معي بينها حتى استثرناها، فقال: والله ما أرى شيئا، أتخاف أن تكون نمت وأنت تخاف شيئا؟ فقلت: لا والله لقد أمنت، فقال: فنم. فنمت ونام، فقلت: عجلت أن يكون استثقل نوما فأمهلته حتى أوى إلى نفسه وتملا، فقمت رويدا فإذا هو قد استوى قائما فقال: ما شأنك؟ قلت: سمعت حسّا في الإبل، قال: أتخاف شيئا؟ قلت: لا والله، قال: فنم ولا تعد فإني قد ارتبت منك. قال: فأمهلته حتى أدى نفسه واستثقل نفسه نوما فقذفت بحصاة إلى رأسه فو الله ما عدا أن وقعت فوثب وتناومت، فأقبل فركضني برجله فقال: أنائم أنت؟ قلت: نعم، قال: أسمعت ما سمعت؟ قلت: لا، قال: والله لقد سمعت مثل بركة الجزور عند رأسي، قال: وطفت معه في البرك، فلم ير شيئا فرجع إلى مكانه ورجعت، فلما استثقل نوما، قذفت بحصاة إلى رأسه. فو الله ما عدا أن وقعت فوثب وتناومت فجاء فركضني برجله وقال: أسمعت ما سمعت؟ قلت له: لا، قال: والله لقد سمعت عند رأسي مثل بركة الجزور. فطاف فلم ير شيئا، ثم أقبل عليّ مغضبا توقّد عيناه، فقال: أتخاف شيئا؟ قلت: لا، قال والله لئن أيقظتني ليموتنّ أحدنا: أنا أو أنت. ثم أتى مضجعه، قال: فو الله لقد بتّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 أكلؤه أن يوقظه شيء. وتأملته مضطجعا فإذا هو على حرف لا يمسّ الأرض منه إلا منكبه وحرف ساق، وإنّ سائر ذلك لناشز منه. فلما فرغ من نومه قال: ألا تنحر جزورا فنأكل منها؟ قال: قلت بلى، فنحرنا جزورا فاشتوينا منها واحتلب ناقة فشرب ثم خرج يريد المذهب، وراث عليّ جدا. فلما ارتبت اتّبعت أثره، فأجده مضطجعا على مذهبه، وإذا يده داخلة في جحر وإذا رجله منتفخة مثل الوتر، وإذا هو قد مات. فانتزعت يده من الجحر، وإذا به قابض على رأس أسود، وإذا بهما ميتان. فقال تأبّط شرا في ذلك: [من الكامل] ولقد سريت على الظلام بمغشم ... جلد من الفتيان غير مثقّل وهي أبيات الحماسة المشهورة. «1291» - ومن أخباره التي تشبه أكاذيب العرب ودعاويهم: أنه قتل الغول وقال في ذلك: [من الوافر] ألا من مبلغ فتيان فهم ... بما لاقيت عند رحى بطان [1] وإني قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان فقلت لها كلانا نضو أرض ... أخو سفر فخلّي لي مكاني فشدّت شدّة نحوي فأهوى ... لها كفّي بمصقول يمان فأضربها بلا دهش فخرّت ... صريعا لليدين وللجران الجران: جلد الحلق، وسمّي جران العود بسوط كان في يده من جران عوده. فقالت عد فقلت لها رويدا ... مكانك إنني ثبت الجنان   [1] هامش ر: رحى بطان: موضع قفر من بلاد العرب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 فلم أنفكّ متّكئا لديها ... لأنظر مصبحا ماذا دهاني إذا عينان في رأس قبيح ... كرأس الهرّ مسترق اللسان وساقا مخدج وسراة كلب ... وثوب من عباء أو شنان «1292» - كان من خبر سجاح وادّعائها النبوّة وتزويج مسيلمة إياها أنّ سجاح التميمية ادّعت النبوّة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فاجتمعت عليها بنو تميم وكان فيما ادّعت أنه أنزل عليها: «يا أيها المتقون، لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكنّ قريشا قوم يبغون» . واجتمعت بنو تميم كلّها لنصرها، وكان فيهم الأحنف بن قيس وحارثة بن بدر ووجوه بني تميم كلّها. وكان مؤذّنها شبث بن ربعي الرياحي، فعمدت في جيشها إلى مسيلمة الكذّاب وهو باليمامة، فقالت: يا معشر تميم، اقصدوا اليمامة، فاضربوا فيها كل هامة، وأضرموا فيها نارا ملهامة، حتى تتركوها سوداء كالحمامة. وقالت لبني تميم: إنّ الله لم يجعل هذا الأمر في ربيعة، وإنما جعله في مضر، فاقصدوا هذا الجمع، فإذا فضضتموه كررتم على قريش. فسارت في قومها وهم الدّهم الداهم. وبلغ مسيلمة خبرها، فضاق به ذرعا وتحصّن في حجر حصن اليمامة. وجاءت في جيوشها فأحاطت به. فأرسل إلى وجوه قومه وقال: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تسلّم الأمر إليها وتدعنا، فإن لم تفعل فهو البوار. وكان مسيلمة داهية، فقال: سأنظر في هذا. ثم بعث إليها أنّ الله تبارك وتعالى أنزل عليك وحيا وأنزل عليّ وحيا، فهلمّي نجتمع ونتدارس ما أنزل علينا، فمن عرف الحقّ نفعه [1] ، واجتمعنا فأكلنا العرب أكلا بقومي وقومك.   [1] م والأغاني: تبعه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 فبعثت إليه: أفعل. فأمر بقبّة أدم فضربت، وأمر بالعود المندل فسجر فيها، وقال: أكثروا من الطّيب والمجمر، فإنّ المرأة إذا شمّت رائحة الطّيب ذكرت الباءة. ففعلوا ذلك. وجاءها رسوله يخبرها بأمر القبّة المضروبة للاجتماع، فأتته فقالت: هات ما أنزل الله عليك، فقال: «ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج منها نسمة [1] تسعى، ما بين صفاق وحشا، من بين ذكر وأنثى، وأموات وأحيا، ثم إلى ربّهم يكون المنتهى» . قالت: وماذا؟ قال: «ألم تر أنّ الله خلقنا أفواجا، وجعل النّساء لنا أزواجا، فنولج فيهنّ قعسا إيلاجا، ونخرجها منهنّ إذا شئنا إخراجا» . قالت: فأيّ شيء أمرك؟ قال: [من الهزج] ألا قومي إلى النّيك ... فقد هيّي لك المضجع فإن شئت ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع وإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع فقالت: لا، إلا به أجمع، فقال: كذلك أوحي إليّ. فواقعها. فلما قام عنها قالت: «إنّ مثلي لا يجري أمرها كذا فيكون وصمة على قومي وعليّ، ولكن أنا مسلّمة إليك النبوّة فاخطبني إلى أوليائي يزوّجوك، ثم أقود تميما معك» . فخرج وخرجت معه، فاجتمع الحيّان من حنيفة وتميم، فقالت سجاح: إنه قرأ عليّ ما أنزل عليه، فوجدته حقا فاتبعته. ثم خطبها فزوّجوه إياها، ثم سألوه عن المهر، فقال: قد وضعت عنكم صلاة العصر. فبنو تميم إلى الآن بالرمل لا يصلّونها، ويقولون: هذا حقّ لنا ومهر كريمتنا لا نردّه.   [1] الأغاني: نطفة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 وقال شاعر بني تميم يذكر أمر سجاح: [من البسيط] أضحت نبيّتنا أنثى يطاف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا قال: وسمع الزّبرقان بن بدر الأحنف يومئذ، وقد ذكر مسيلمة وما تلاه عليهم، فقال الأحنف: تالله ما رأيت أحمق من هذه الأنبياء قطّ، فقال الزبرقان: والله لأخبرنّ بذلك مسيلمة، فقال: إذن والله أحلف أنك كذبت فيصدّقني ويكذّبك، قال: فأمسك الزبرقان وعلم أنه قد صدق. قال: وحدّث الحسن البصري بهذا فقال: أمن والله أبو بحر من نزول الوحي. وأسلمت سجاح بعد ذلك وبعد قتل مسيلمة، وحسن إسلامها. وقال الأغلب العجليّ في تزويج مسيلمة الكذّاب بسجاح: [من الرجز] قد لقّيت سجاح من بعد العمى ... ملوّحا في العين مجلوز القرا [1] مثل الفنيق في شباب قد أتى ... اللّجيميّين أصحاب القرى [2] ليس بذي واهنة ولا نسا ... نشا بلحم وبخبز ما اشتهى حتى شتا تنتح ذفراه الندى ... خاظي البضيع لحمه خظا بظا [3] كأنّما جمّع من لحم الخصى ... إذا تمطّى بين برديه صأى كأنّ عرق أيره إذا ودى ... حبل عجوز ضفّرت سبع قوى يمشي على خمس قوائم زكا ... يرفع وسطاهنّ من برد الندى قالت متى كنت أبا الخير متى ... قال حديث لم يغيّرني البلى ولم أفارق خلّة لي عن قلى ... فانتشغت فيشته نصف الشّوى كأنّ في أجيادها سبع كلى ... ما زال عنها بالحديث والمنى   [1] مجلوز: مجتمع الخلق؛ القرا: الظهر. [2] الفنيق: الجمل المكرم. [3] خاظي البضيع: مكتنز اللحم، خظا بظا: متراكب اللحم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 والحلف السّفساف يردي في الرّدى ... قالت ألا ترينه قالت أرى قال ألا أدخله قالت بلى ... فشام فيها مثل محراث الغضا يقول لما غاب فيها واستوى ... لمثلها كنت أحسّيك الحسى وأما خبر مسيلمة في قتله فهو مع المغازي، وقتله جيش أبي بكر رضي الله عنه باليمامة بعد حرب عظيمة. وكان معظم الصحابة رضي الله عنهم في الجيش، وقتل منهم عدد كثير. وكانت لخالد بن الوليد فيها نكاية شديدة. «1293» - وتنّبأ قبل وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلم الأسود العنسيّ باليمن، واشتدت شوكته واستطار أمره كالحريق فقتله الأبناء باتفاق من زوجته بصنعاء. «1294» - وتنّبأ طلحة الأسديّ في بني أسد بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، ثم عاد إلى الإسلام وشهد وقائع الفرس، وكان له فيهم نكاية. وهو معدود من الفرسان. وكان يتكهّن. «1295» - قال الجاحظ: كان مسيلمة قبل التنبّؤ يدور في الأسواق التي بين دور العجم والعرب كسوق الأبلّة وسوق الأنبار وسوق بقّة وسوق الحيرة، يلتمس تعلّم الحيل والنيرنجات واحتيالات أصحاب الرقى والنجوم، وقد كان أحكم حيل الحزاة وأصحاب الزجر والخطّ. فمن ذلك أنه صبّ على بيضة من خلّ حاذق قاطع فلانت حتى إذا مدّدها استطالت واستدقّت كالعلك، ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس وتركها حتى انضمّت واستدارت وعادت كهيئتها الأولى، فأخرجها إلى قومه وادّعى النبوّة فآمن به جماعة منهم وقيل فيه: [من الطويل] ببيضة قارور وراية شادن ... وتوصيل مقصوص من الطير جادف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 يريد براية الشادن [1] الراية التي يعملها الصبيّ من القرطاس الرقيق، ويجعل لها ذنبا وجناحا، ويرسلها يوم الريح بالخيوط الطّوال. وكان يعمل رايات من هذا الجنس ويعلّق فيها الجلاجل ويرسلها في ليلة الريح ويقول: الملائكة تنزل عليّ وهذه خشخشة الملائكة وزجلها. وكان يصل جناح الطائر المقصوص بريش معه فيطير. «1296» - قوله سبحانه وتعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ (البقرة: 189) . كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم سئل عن الهلال في بدئه دقيقا، وعن عظمه بعد، وعن رجوعه دقيقا كالعرجون القديم. فأعلم الله عزّ وجلّ أنه جعل ذلك ليعلّم الناس أوقاتهم فيما فرض عليهم من حجّهم وعدّة نسائهم وجميع ما يريدون علمه مشاهرة، لأنّ هذا أسهل على الناس من حفظ عدد الأيام، يستوي فيه الحاسب وغيره. واشتقاق الهلال من قولهم: استهل الصبيّ إذا بكى حين يولد، وأهلّ القوم بحجّ وعمرة أي رفعوا أصواتهم بالتّلبية. وكذلك الهلال حين يرى يهلّ الناس بذكره، ويقال: أهلّ الهلال واستهلّ، ولا يقال اهتلّ. ويقال: أهللنا الهلال وأهللنا شهر كذا وكذا، أي دخلنا فيه. وسمّي الشهر شهرا لشهرته وبيانه. واختلف الناس في الهلال إلى متى يسمّى هلالا، وإلى متى يسمّى قمرا. فقال بعضهم: يسمّى هلالا لليلتين من الشهر، ثم لا يسمّى هلالا إلى أن يعود في الشهر الثاني. وقال بعضهم: يسمّى هلالا حتى يحجّر، أي يستدير بخطة دقيقة، وهو قول الأصمعي. وقال بعضهم: يسمّى هلالا إلى أن يبهر بضوئه [2] سواد الليل، فإذا كان كذلك قيل له قمر، وهذا لا يكون إلا في الليلة السابعة.   [1] في هامش ر هنا: تفسير راية شادن. [2] ر: يبهر ضوءه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 قال أبو إسحاق الزجّاج: والذي عندي وما عليه الأكثر أن يسمّى هلالا ابن ليلتين، فإنه في الثالثة يبين ضوؤه. واسم القمر الزّبرقان، واسم دارته الهالة، واسم ضوئه الفخت، وقال بعض أهل اللغة: لا أدري الفخت اسم ضوئه أو ظلمته على الحقيقة، واسم ظلّه السّمر، ومن هذا قيل للمتحدّثين ليلا سمّار. ويقال: ضاء القمر وأضاء، ويقال طلع القمر، ولا يقال: طلعت القمراء، ويقال أضاءت القمراء وضاءت. «1296» ب- قال أبو زيد وابن الأعرابي: يقال للقمر ابن ليلة عتمة سخيلة، حلّ أهلها برميلة، وقال غيرهما: رضاع سخيلة. وابن ليلتين، حديث أمتين، كذب ومين. وقال ابن الأعرابي: بكذب ومين. وابن ثلاث، حديث فتيات، غير مؤتلفات. وقيل: ابن ثلاث قليل اللّباث. ابن أربع: عتمة ربع، لا جائع ولا يرضع. وعن ابن الأعرابي: عتمة ابن الربع. وابن خمس: حديث وأنس، وقال أبو زيد: عشاء خلفات قعس. وابن ست سر وبت. وابن سبع دلجة الضّبع. وابن ثمان: قمراء إضحيان. وقيل: قمر اضحيان وبالتنوين فيهما. وابن تسع، عن أبي يزيد: انقطع الشسع. وعن غيره يلتقط فيه الجزع. وابن عشر: ثلث الشهر. عن أبي زيد وعن غيره: فخنق الفجر، وفي رواية: أودتك إلى الفجر. ولم تقل العرب في صفة ليلة بعد العشر كما قالت في هذه العشر، كذا قال الزجّاج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 وجاء عن الأصمعيّ وغيره وصفها إلى آخر الشهر: قالوا: ابن إحدى عشرة، أطلع عشاء وأرى بكرة، وقيل: وأغيب بسحرة. قيل: ما أنت ابن اثنتي عشر؟ قال فويق البشر في البدو والحضر. قيل: ما أنت ابن ثلاث عشرة؟ قال: قمر باهر يعشى له الناظر. قيل: ما أنت ابن أربع عشرة؟ قال: مقتبل الشباب، أضيء دجنّات السحاب. قيل: ما أنت ابن خمس عشرة؟ قال: ثمّ الشباب، وانتصف الحساب. قيل: ما أنت ابن ستّ عشرة؟ قال: نقص الحلق في الغرب والشرق. قيل: ما أنت ابن سبع عشرة؟ قال: أمكنت المقتفر القفرة. قيل: ما أنت ابن ثماني عشرة؟ قال: قليل البقاء، سريع الفناء. قيل: ما أنت ابن تسع عشرة؟ قال: بطيء الطلوع، بيّن الخشوع. قيل: ما أنت ابن عشرين؟ قال: أطلع سحرة وأضيء بالبهرة. قيل: ما أنت ابن إحدى وعشرين؟ قال: أطلع كالقبس، يرى بالغلس. قيل: ما أنت ابن اثنتين وعشرين؟ قال: لا أطلع إلا ريثما أرى. قيل: ما أنت ابن ثلاث وعشرين؟ قال: أطلع في قتمة ولا أجلو الظّلمة. قيل: ما أنت ابن أربع وعشرين؟ قال: لا قمر ولا هلال. قيل: ما أنت ابن خمس وعشرين؟ قال: دنا الأجل، وانقطع الأمل. قيل: ما أنت ابن ستّ وعشرين؟ قال: دنا ما دنا فما يرى مني الأشقا. قيل: ما أنت ابن سبع وعشرين؟ قال: أطلع بكرا ولا أرى ظهرا. قيل: ما أنت ابن ثمان وعشرين؟ قال: أسبق شعاع الشمس. قيل: ما أنت ابن تسع وعشرين؟ قال: ضئيل صغير ولا يراني إلا البصير. قيل: ما أنت ابن ثلاثين. قال: هلال مستبين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 تفسير هذه الألفاظ ومعانيها أما قوله رضاع سخيلة: فالمعنى أن القمر يبقى بقدر ما نزل قوم فتضع شاتهم ثم ترضعها ويرتحلون. وقوله حلّ أهلها برميلة يحتمل الإخبار عن قلة اللباث وسرعة الانتقال، لأنّ الرمل ليس بمنزل مقام للقوم، لأنهم كانوا يختارون في منازلهم جلد الأرض وهضبها والأماكن التي لا تستولي عليها السيول؛ فخصّ الرميلة لهذا المعنى. وقوله حديث أمتين بكذب ومين: يريد أنّ بقاءه قليل بقدر ما تلقى الأمة الأمة فتكذب لها حديثا ثم يفترقان. وقوله حديث فتيات غير مؤتلفات: أراد أنه يريد أنه يبقى بقاء فتيات اجتمعن على غير موعد فيتحدّثن ساعة وينصرفن غير مؤتلفات. وقوله عتمة أم ربع: يقال: عتمت إبله إذا تأخرت عن العشاء، ومن هذا سمّيت العتمة لأنه أخّر الوقت في العشاء. وقوله أم ربع يعني الناقة، وهو تأخير حلبها. يريد أنّ بقاءه بمقدار حلب ناقة لها ولد ولدته في أول الربيع، وهو أول النّتاج، والولد في هذا الوقت يسمّى ربعا إذا كان بكرا، فإن كان أنثى قيل: ربعة، فإن كان في آخر النتاج قيل: هبع للذكر والأنثى هبعة. وقوله عشاء خلفات قعس: فالخلفات اللواتي قد استبان حملهنّ، واحدتها خلفة. وهي واحدة المخاض من لفظها، وإنما قال عشاء خلفات لأنها لا تعشّى إلى أن يغيب القمر في هذه الليلة؛ والقعساء الداخلة الظهر الخارجة البطن. وقوله سر وبت: يريد أنه يبقى بقدر ما يبيت الإنسان ثم يسير، فقلب المعنى لأنه يسير في الضوء. وقوله قمر إضحيان بالتنوين فيهما: أي ضاح بارز. ويقال قمر إضحيان بالإضافة، ومنه قيل: ليلة إضحيانة إذا كانت نقية البياض. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 وقوله منقطع الشّسع: أي أنه يبقى بقدر ما يبقى شسع من قدّ يمشى به حتى ينقطع. وقوله يلتقط فيه الجزع: أي أنه مضيء أبلج لو انقطعت مخنقة فتاة فيها شذور مفصّلة بجزع ما ضاع منها شيء لصفائه وبقائه. وقوله أضيء بالبهرة: يعني به وسط الليل لأنّ بهرة الشيء وسطه. وقوله أمكنت المقتفر القفرة: فالمقتفر الذي يتتبّع الآثار، وقفرته موضعه الذي يقصده. وقد جزّأت العرب الليل عشرة أجزاء، فجعلوا لكل ثلاث صفة، فقالوا: ثلاث غرر، وبعضهم يقول: غرّ، وثلاث شهب، وثلاث بهر وبهر، وثلاث عشر، وثلاث بيض، وثلاث درع ودرع، ومعنى الدّرع سواد مقدّم الشاة وبياض مؤخّرها، وإنما قيل لها درع لأنّ القمر يغيب في أولها فيكون الليل أدرع، لأنّ أوّله أسود وما بعده مضيء، وثلاث خنس، وإنما قيل لها خنس لأنّ القمر يخنس فيها أي يتأخر، وثلاث دهم لأنها تظلم حتى تدهامّ. وقال بعضهم: ثلاث حنادس، وثلاث قحم، لأنّ القمر ينقحم فيها أي يطلع في آخر الليل، وثلاث دآديّ، وهي أواخر الشهر، وإنما أخذ من الدأدأة؛ وهو ضرب من السير تسرع فيه الإبل نقل أرجلها من موضع أيديها، فالدأدأة آخر نقل القوائم، وكذلك هي أواخر أيام الشهر. وفي حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «الوليمة في أربع: في عرس أو خرس أو إعذار أو توكير» . فالعرس طعام المبتني، والخرس طعام الولادة مأخوذ من الخرسة؛ وهو طعام النّفساء، والإعذار طعام الختان، والوكيرة طعام البناء، كان الرجل إذا فرغ من بنائه أطعم أصحابه، يتبرّك بذلك. يقال: غلام معذور. وقال بعض أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم: كنّا من أعذار عام واحد، يريد تقارب أسنانهم. «1297» - كانت العرب أشدّ الأمم عناية بمعرفة النجوم وأنوائها، وهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 أحوج إليها لأنهم أهل عمد وطنب، وحلّ وترحال، فلهم في كلّ نوء حال يصرّفون أمرهم عليها. 1298- وقد قيل لأعرابيّ: ما أعلمك بالنجوم؟ قال: من الذي لا يعلم أجذاع بيته؟ 1299- وقيل لأعرابيّة: تعرفين النجوم؟ قالت: سبحان الله أما نعرف أشياخنا وقوفا علينا كل ليلة؟ «1300» - ولهم فيها أسجاع محفوظة متداولة. قالوا: إذا طلع النجم عشاء ابتغى الراعي كساء. إذا طلع الدّبران توقّدت الحزّان، واستعرت الدبان، ويبست الغدران. إذا طلعت الجوزاء توقّدت المعزاء وأوفى على عوده الحرباء، وكنست الظباء، وعوق العلباء، وطاب الخباء. إذا طلع الدراع حسرت الشمس القناع، وأشعلت في الأفق الشعاع، وترقرق السراب بكل قاع. إذا طلعت الشعرى، نشّفت الثرى، وأجن الصرى، وجعل صاحب النحل يرى. إذا طلعت الجبهة، كانت الولهة، وتغارت السفهة. إذا طلع سهيل، طاب الليل، وحدى النيل، وامتنع القيل، وللفصيل الويل، ورفع كيل، ووضع كيل. إذا طلعت الصرفة، اختال كل ذي حرفة، وجفر كل ذي نطفة. إذا طلعت العوّاء، ضرب الخباء، وطاب الهواء، وكره العراء، وسنن السقاء. إذا طلعت السماك ذهبت العكاك، وقل على الماء اللكاك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 إذا طلعت الزبانى أحدثت لكل ذي عيال شانا، ولكل ذي ماشية هوانا، وقالوا كان وكانا، فاجمع لأهلك ولا توان. إذا طلع الإكليل هبّت الفحول، وشمّرت الذيول، وخيفت السيول. إذا طلع القلب، جاء الشتاء كالكلب، وصار أهل البوادي في كرب. إذا طلع الهرّاران، هزلت السّمان، واشتد الزمان، وجوّع الولدان. والهرّاران قلب العقرب والنسر الواقع يطلعان معا. إذا طلعت الشولة، أخذت الشيخ البولة، واشتدّت على العيال العولة، وقيل شتوة زولة، أي عجيبة. إذا طلع سعد السعود ذاب كل جمود، واخضرّ كلّ عود، وانتشر كل مصرود. إذا طلع الحوت، خرج الناس من البيوت. «1301» - وهذا موضع آرائهم وأقوالهم في الأنواء. قال أبو جعفر محمد بن حبيب: العهاد الوسميّ من المطر، والوليّ ما كان من مطر بعد الوسميّ حتى تنقضي السنة، فذلك كلّه وليّ. والوسميّ أوّل مطر يقع في الأرض، وله سبعة أنجم: الفرع والموخر والحوت والشرطين والبطين والثريا- وهو النجم- والدّبران والهقعة. والوسمي يسمّى العهاد، ثم يكون الوسميّ الدفيء وهو مطر الشتاء وهو الربيع، وأنجمه الهقعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزّبرة وهي الخراتان والصّرفة آخر مطر الشتاء. ويقال: إذا سقطت الجبهة نظرت الأرض بإحدى عينيها، فإذا سقطت الصرفة نظرت الأرض بعينيها كلتيهما لاستقبال الصيف وتقضّي الشتاء واستحلاس الأرض وتناول المال. ثم أنجم الصيف: العواء وهو السماك، والغفر والزبانيان والإكليل والقلب والشولة، فهذه كواكب الصيف، فإذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 استهلّت هذه الأنجم بعد ما قد قضى وثق الناس بالحيا. ثم بعد الصيف مطر الحميم وهو أربعة أنجم، وهو مطر الفيض، أوّلهن العنائم ثم البلدة ثم سعد الذابح ثم سعد بلع، فهذه أنجم الحميم، وإنما سمي الحميم لأنه مطر في أيام حارة، وقد هاجت الأرض فتنشر عليه الأرض، فإذا أكلته الماشية لم تكد تسلم فأصابها الهرار والسهام؛ والهرار هو سلال الماشية وذلك أن تشرب الماء فلا تروى فتسلح حتى تموت، والسهام تبرأ منه والهرار لا تكاد تبرأ منه، ثم أنجم الخريف ثلاثة: فأولهن سعد السعود وسعد الأخبية وفرغ الدلو المقدّم. «1302» - والبوارح أربعة: فأولهن النجم، وهي الثريا، ثم الدّبران والجوزاء والشعرى، فهذا لبّ القيظ وغرّته وشدة حرّه. «1303» - وقولهم أيام العجوز: زعموا أنّ عجوزا دهريّة كانت من العرب كانت تخبر قومها ببرد يقع آخر الشتاء يسوء أثره على المواشي، فلم يكترثوا بقولها، وجرّوا أغنامهم واثقين بإقبال الربيع، فإذا هم ببرد شديد أهلك الزرع والضّرع، فقالوا: أيام العجوز. وقيل هي عجوز كان لها سبعة بنين، فسألتهم أن يزوّجوها وألحّت، فقالوا لها ابرزي للهواء سبع ليال حتى نزوّجك ففعلت، والزمان شتاء كلب، فماتت في السابعة، فنسبت الأيام إليها. وقيل هي الأيام السبعة التي أهلك فيها عاد. وقيل الصواب أيام العجز وهي أواخر أيام الشتاء. «1304» - أسماء الأيام عند العرب: الأحد أول، الإثنين أهون، الثلاثاء جبار، الأربعاء دبار، الخميس مؤنس، الجمعة عروبة، السبت شيار. وأنشدوا في ذلك شعرا كأنه مصنوع لأنه مختل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 الإعراب وهو: [من الوافر] أؤمّل أن أعيش وأنّ يومي ... بأوّل أو بأهون أو جبار أو التالي دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيار أنشد ذلك أبو عمر الزاهد. «1305» - يقال: إنّ بدء تفرّق ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام عن تهامة، ونزوحهم عنها إلى الآفاق، وخروج من خرج منهم عن نسبه، أنّ خزيمة بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة بن معدّ كان مشؤوما فاسدا متعرّضا للنّساء، فعلق فاطمة بنت يذكر بن عنزة، واسم يذكر عامر، فشبّب بها، وقال فيها: [من الوافر] إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظّنونا وحالت دون ذلك من همومي ... هموم تخرج الشّجن الدّفينا أرى ابنة يذكر ظعنت وحلت ... جنوب الحزن يا شحطا مبينا فمكث كذلك زمانا، ثم إن خزيمة بن نهد قال ليذكر بن عنزة: أحبّ أن تخرج معي حتى نأتي بقرظ، فخرجا جميعا، فلما خلا خزيمة بيذكر قتله، فلما رجع وليس هو معه سأله أهله عنه فقال: لست أدري، فارقني وما أدري أين سلك. فتكلّموا فيه فأكثروا، ولم يصحّ على خزيمة بن نهد عندهم شيء يطالبونه به حتى قال خزيمة بن نهد: [من المتقارب] فتاة كأنّ رضاب العبير ... بفيها يعلّ به الزّنجبيل قتلت أباها على حبّها ... فتبخل إن بخلت أو تنيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 فلما قال هذين البيتين تساور الحيّان فاقتتلوا وصاروا أحزابا، فكانت نزار بن معد وكندة، وهي يومئذ تنتسب فتقول كندة بن جنادة بن معد، وحاء وهم يومئذ ينتمون ويقولون: حاء بن عمرو بن ودّ بن أدد ابن أخي عدنان بن أدد، والأشعرون ينتمون إلى الأشعر بن أدد، فكانوا يتبدّون من تهامة إلى الشام، فكانت منازلهم بالصفاح من الصفاح، وكان مرّ وعسفان لربيعة بن نزار، وكانت قضاعة بين مكة والطائف، وكانت كندة تسكن من العمر إلى ذات عرق، فهو إلى اليوم يسمّى عمر كندة، وكانت منازل حاء بن عمرو بن أدد والأشعر بن أدد وعك بن عدنان بن أدد فيما بين جدة إلى البحر. قال فيذكر بن عنزة أحد القارظين اللذين قال فيهما الهذلي [1] : [من الطويل] وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... ويرجع في القتلى كليب لوائل والآخر من عنزة أيضا يقال له: أبو رهم، خرج يبغي القرظ فلم يرجع ولم يعرف له خبر. هذا قول من يجعل قضاعة من معدّ، وجعل هذه القبائل أيضا من ولد إسماعيل عليه السّلام. والأشهر من قول النسّابين أنها من قحطان، وقضاعة يقولون ابن مالك بن حمير، والله أعلم. «1306» - قالوا: وكان سبب اصطلام طسم وجديس أنّ الملك كان في طسم، وطسم بن لوذ بن إرم بن سام بن نوح، وجديس بن جاثر بن إرم بن سام ابن نوح. فانتهى ملكهم إلى عمليق، فبغى وتمادى في الغشم والظّلم حتى أمر أن لا تزوّج بكر من جديس ولا تهدى إلى زوجها حتى يفترعها هو قبله. فلقوا من ذلك ذلّا وجهدا. فلم يزل يفعل ذلك حتى زوّجت الشّموس، وهي عفيرة   [1] ديوان الهذليين 1: 139 وروايته: وينشر في القتلى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 بنت عباد الجديسية، أخت الأسود الذي وقع إلى جبل طيّ فقتلته طيّ، وسكنت من بعده الجبل. فلما أرادوا نقلها إلى زوجها انطلقوا بها إلى عمليق لينالها قبله، ومعها القيان يغنّين، ويقلن: [من الرجز] ابدي بعمليق وقومي فاركبي ... وبادري الصبح لأمر معجب فسوف تلقين الذي لم تطلبي ... وما لبكر عنده من مهرب فلما دخلت عليه افترعها وخلّى سبيلها، فخرجت إلى قومها في دمائها، شاقّة درعها من قبل ومن دبر، والدّم يتبيّن وهي في أقبح منظر، وهي تقول: [من الرجز] لا أحد أذلّ من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس يرضى بهذا يا لقومي حرّ ... أهدى وقد أعطى وسيق المهر لأخذة الموت كذا لنفسه ... خير من ان يفعل ذا بعرسه وقالت تحرّض قومها فيما أتي إليها: [من الطويل] أيجمل ما يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم أناس [1] فيكم عدد النّمل وتصبح تمشي في الدماء عفيرة ... عفيرة زفّت في الدّماء إلى بعل فلو أننا كنا رجالا وكنتم ... نساء حجال لم نقرّ بذا الفعل فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم ... ودبّوا لنار الحرب بالحطب الجزل وإلا فخلّوا بطنها وتحمّلوا ... إلى بلد قفر وموتوا من الهزل فللبين خير من مقام على أذى ... وللموت خير من مقام على الذلّ وإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تعاب من الكحل ودونكم طيب العروس فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل   [1] أيام العرب: رجال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 فبعدا وسحقا للذي ليس دافعا ... ويختال يمشي بيننا مشية الفحل قال: فلما سمع أخوها الأسود ذلك، وكان سيّدا مطاعا، قال لقومه: يا معشر جديس، إنّ هؤلاء القوم ليسوا بأعزّ منكم في داركم إلا بما كان من ملك صاحبهم علينا وعليهم، ولولا عجزنا وإدهاننا ما كان له فضل علينا، ولو امتنعنا لكان لنا منه النّصف، فأطيعوني فيما آمركم به، فإنه عزّ الدهر، وذهاب ذلّ العمر فاقبلوا رأيي. قال: وقد أحمى جديسا ما سمعوا من قولها، فقالوا: نحن نطيعك ولكنّ القوم أكثر وأقوى، قال: فإني أصنع للملك طعاما ثم أدعوهم إليه جميعا، فإذا جاؤوا يرفلون في الحلل ثرنا إلى سيوفنا وهم غارّون فأهمدناهم، قالوا: نفعل. فصنع طعاما كثيرا، وخرج بهم إلى ظهر بلدهم، وكان منزلهم أرض اليمامة، ودعا عمليقا وسأله أن يتغدّى عنده هو وأهل بيته، فأجابه إلى ذلك، وخرج إليه مع أهله يرفلون في الحلى والحلل، حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدّوا أيديهم إلى الطعام، أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم، فشدّ الأسود على عمليق وكل رجل على جليسه حتى أناموهم، فلما فرغوا من الأشراف شدّوا على السّفلة فلم يدعوا منهم أحدا، ثم إنّ بقيّة طسم لجأوا إلى حسّان بن تبّع، فغزا جديسا فقتلها وخرّب بلادها. فهرب الأسود قاتل عمليق فأقام بجبل طيّ قبل نزول طيّ إياها، وكانت طيّ تسكن الحرف من أرض اليمن، وهي اليوم محلة مراد وهمدان، وكان سيّدهم يومئذ أسامة بن لؤي بن الغوث بن طيّ، وكان الوادي مسبعة، وهم قليل عددهم، وقد كان ينتابهم بعير في زمان الخريف لا يدرى أين يذهب ولا يرونه إلى قابل. وكانت الأزد قد خرجت من اليمن أيام العرم. فاستوحشت طيّ لذلك وقالت: قد ظعن إخواننا فصاروا إلى الأرياف. فلما هموا بالظعن قالوا لأسامة بن لؤي: إنّ هذا البعير الذي يأتينا من بلد ريف وخصب، وإنّا لنرى في بعره النوى، فلو أنّا نتعهّده عند انصرافه فشخصنا معه لعلّنا نصيب مكانا خيرا من مكاننا هذا. فأجمعوا أمرهم على هذا. فلما كان الخريف جاء البعير يضرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 في إبلهم. فلما انصرف احتملوا، فجعلوا يسيرون ويبيتون حيث يبيت حتى هبط على الجبلين، فقال أسامة بن لؤي: [من الرجز] اجعل ظريبا لحبيب ينسى ... لكلّ قوم مصبح وممسى قال: وظريب اسم الموضع الذي كانوا ينزلونه. فهجمت طيّ على النخل في الشعاب وعلى مواشي كثيرة، وإذا هم برجل في شعب من تلك الشعاب، وهو الأسود الجديسي، فهالهم ما رأوا من عظم خلقه وتخوّفوه، ونزلوا ناحية من الأرض واستبروها هل يرون أحدا غيره، فلم يروا أحدا. فقال أسامة بن لؤي لابن له يقال له الغوث: يا بني إنّ قومك قد عرفوا فضلك عليهم في الجلد والبأس والرمي، وإن كفيتنا هذا الرجل سدت قومك إلى آخر الدهر، وكنت الذي أنزلتنا هذا البلد. فانطلق الغوث حتى أتى الرجل فكلّمه وساءله، فعجب الأسود من صغر خلق الغوث، فقال له: من أين أقبلتم؟ قال: من اليمن، وأخبره خبر البعير ومجيئهم معه، وأنهم رهبوا ما رأوا من عظم خلقه وصغرهم عنه. قال وشغله بالكلام، فرماه الغوث بسهم فقتله، وأقامت طيّ بالجبلين بعده، فهم هناك إلى اليوم. 1307- قال يعقوب بن إسحاق السّكّيت: ضبيعات العرب ثلاثة: ضبيعة بن ربيعة، وضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وأمّه مارية بنت الجعيد العبدية، وضبيعة بن عجل بن لخم، وأمّه المفداة بنت سوادة بن بلال بن سعد بن بهشة. وكان العزّ والشرف في ربيعة بن نزار وفي ضبيعة أضجم وهو ضبيعة بن ربيعة، وأمّه أمّ الأصبغ بنت الحاف بن قضاعة. وكان يلي ذلك منهم الحارث بن عبد الله ابن ربيعة بن دوفر بن حرب، وكان يقال للحارث أضجم، أصابته لقوة فضجم فمه، وهو أوّل بيت كان في ربيعة، وأوّل حرب كانت في ربيعة فيه. ثم انتقل ذلك فصار يليه منهم القدار بن عمرو بن ضبيعة بن الحارث بن الدّول بن صباح ابن العتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 ثم صار في عبد القيس فكان يلي ذلك منهم الأفكل وهو عمرو بن الجعيد بن صبرة بن الديل بن شن بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن حديلة بن أسد بن ربيعة. وعمرو بن الجعيد الذي ساقهم إلى البحرين من تهامة من ولده الثنى بن مخرمة صاحب علي عليه السّلام، وعبد الرحمن بن أذينة ولي قضاء البصرة، وعبد الله بن أذينة كان عاملا. ثم صار في النمر بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي، فكان يلي ذلك منهم عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط، وربع عامر الضحيان ربيعة أربعين سنة، وأمه ليلى بنت عامر بن الظّرب العدواني، وإنما سمّي الضحيان لأنه كان يجلس لهم في الضحى. ثم انتقل الأمر إلى بني يشكر بن بكر بن وائل، فكان يلي ذلك منهم الحارث ابن غبر بن غنم بن حبيب بن كعب بن يشكر. والحارث هو صاحب الفرخ الذي كان يضعه على الطريق الذي وطئه عمرو بن شيبان الأعمى بن ذهل بن ربيعة بن تغلب، فوثب الحارث على عمرو ووثب بنو عمرو فمنعوه، فاقتتلوا قتالا شديدا، وقتل الحارث بن غبر. ثم انتقل الأمر إلى بني تغلب بن وائل، فصار يليه ربيعة بن مرّة بن الحارث ابن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، ثم وليه من بعده كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر، وكان من أمره في البسوس ما كان، فاختلف الأمر وذهبت الرئاسة. ثم ضربت القبة على عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، فكان آخر بيوت ربيعة، فولد عبد الله بن عمرو خالدا وهو ذو الجدّين، فلم يزل البيت فيهم إلى الآن. فأما مضر فلم يجمعها رئيس واحد، وكان في كل قبيلة منها بيت، فبيت تيم في زرارة بن عدي، وبيت قيس عيلان في آل بدر الفزاريين، ولم يكن لذلك البيت التقدّم في القبيلة، إنما كان الشرف فيهم والحسب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 1308- خبر نزار بن معد بن عدنان فيما عينه لبنيه: روي عن عبد الله بن عباس أنّ نزار بن معد بن عدنان لما حضره الموت أوصى بنيه وهم أربعة: ربيعة ومضر وإياد وأنمار، وقسم ماله بينهم فقال: يا بنيّ هذا الفرس الأدهم والخباء الأسود والقدر وما أشبهها من مالي لربيعة، فسمّي ربيعة الفرس؛ وهذه القبة الحمراء وما أشبهها من مالي لمضر، فسموا بذلك مضر الحمراء، وهذه الخادمة وما أشبهها من مالي لإياد، وكانت شمطاء فأخذ البلق من غنمه؛ والنّدوة وهي المجلس لأنمار. وروي عن غير ابن عباس رحمه الله أنه قال لبنيه: إن أصبتم فقد أوجبت حنونة نسبا، فذهبت مثلا، فإذا لم تسمع فالمع، وإن اختلفتم فتحاكموا إلى أفعى نجران، وهو جرهميّ. فلما اختلفوا توجهوا إليه فبينا هم في مسيرهم إذ رأى مضر كلأ قد رعي فقال: إنّ البعير الذي قد رعى هذا الكلأ أعور؛ فقال ربيعة: وهو أزور؛ وقال إياد: وهو أبتر؛ فقال أنمار: وهو شرود. فلم يسيروا إلا قليلا، فلقيهم رجل فسألهم عن البعير، فقال مضر: هو أعور، قال: نعم، فقال ربيعة: وهو أزور، قال: نعم، وقال إياد: وهو أبتر، قال: نعم، وقال أنمار: هو شرود، قال: نعم، هذه صفة بعيري دلّوني عليه. فحلفوا أنهم لم يروه، فلم يصدّقهم، وسار معهم إلى الأفعى، وقال: هؤلاء أصحاب بعيري وصفوه لي وقالوا لم نره. فقال الجرهمي: كيف وصفتموه ولم تروه؟ فقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة فعلمت أنه أفسدها بشدة وطئه؛ وقال مضر: رأيته يرعى جانبا ويدع جانبا فعلمت أنه أعور؛ وقال إياد: عرفت بتره باجتماع بعره، ولو كان ذيّالا لمصع ببعره، وقال أنمار: عرفت أنه شرود لأنه كان يرعى في المكان الملتفّ نبته ثم يجوز إلى مكان آخر أرقّ منه وأخبث. فقال الجرهمي للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه. ثم سألهم من هم، فأخبروه. فرحّب بهم وقال: أتحتاجون إليّ وأنتم كما أرى؟ ثم دعا بطعام وشراب فأكلوا وشربوا. فقام عنهم الشيخ ووقف بحيث يسمع كلامهم فقال ربيعة: لم أر كاليوم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 لحما أطيب لولا أنه غذّي بلبن كلبة، وقال مضر: لم أر يوما كاليوم خمرا أجود لولا أنها على قبر، وقال إياد: لم أر كاليوم رجلا أسرى لولا أنه ليس لمن ينسب إليه، وقال أنمار: لم أر كاليوم كلاما أنفع في حاجتنا. وسمع الشيخ كلامهم فقال: ما هؤلاء؟ إنهم لشياطين. فسأل أمّه فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا يولد له، فكرهت أن يذهب الملك منهم، فأمكنت رجلا نزل بهم من نفسها فوطئها؛ وقال للقهرمان الخمر التي شربناها ما أمرها؟ قالت: من حبلة غرستها على قبر أبيك؛ وقال للراعي: اللحم الذي أطعمتنا ما أمره؟ قال: شاة أرضعناها من لبن كلبة، فقال: قصّوا أمركم، فقصّوه فقضى بينهم. فاقتسموا مال أبيهم على ما وصفناه. 1309- وجاء من أخبار العرب أنّ نزار بن معد كان اسمه خالدا فقدم على يشتاسف ملك الفرس، وكان رجلا نحيفا، فقال له: أي نزار فسمّي نزارا، ورووا لقمعة بن الياس بن مضر بن نزار: [من الطويل] خلفنا جديسا ثم طسما بأرضنا ... فأعظم بنا يوم الفخار فخارا تسمّى نزارا بعد ما كان خالدا ... وأمسى بنوه الأطيبون خيارا «1310» - وخندف التي ينسب إليها بنو إلياس بن مضر هي امرأته ليلى بنت تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ولدت له عمرا وعامرا وعميرا، فقدهم ذات يوم، فقال لها: اخرجي في أثرهم، فخرجت وعادت بهم، فقالت: ما زلت أخندف في طلبهم حتى ظفرت بهم، فقال لها إلياس: أنت خندف. والخندفة تقارب الخطو في إسراع. وقال عمرو: يا أبه أنا أدركت الصيد فلويته، فقال: أنت مدركة. وقال عامر: أنا طبخته وشويته، فقال له: أنت طابخة، وقال عمير: أنا انقمعت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 في الخباء، فقال: أنت قمعة. ولصقت بها وبهم هذه الألقاب وغلبت على أسمائهم، فالقبائل من أبنائهم ينتسبون إلى ألقابهم دون أسمائهم. «1311» - هاشم بن عبد مناف اسمه عمرو، وسمّي هاشما لأنه هشم الثريد لقومه. «1312» - وحلف المطيبين من قريش: بنو عبد مناف وبنو أسد بن عبد العزّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرّة والحارث بن فهر، غمسوا أيديهم في خلوق ثم تحالفوا. «1313» - والأحلاف بنو عبد الدار وبنو مخزوم وبنو جمح وبنو سهم وبنو عديّ، نحروا جزورا وغمسوا أيديهم في دمها وتحالفوا فسمّوا لعقة الدم. «1314» - الأحابيش: الذين حالفوا قريشا من القبائل، اجتمعوا بذنب حبشيّ- جبل بمكة، فقالوا: تالله إنهم يد على من خالفهم ما سجا ليل وما رسا الحبشيّ مكانه. وقيل هو من التحبيش وهو من الاجتماع، الواحد أحبوش. «1315» - الحمس: حمس قريش وكنانة وخزاعة وعامر وثقيف، سمّوا بذلك لتحمّسهم في دينهم أي تشدّدهم. «1316» - قصي: اسمه زيد، أقصي عن دارة قومه لأنه حمل من مكة في صغره بعد موت أبيه، فلما شبّ رجع إلى مكة ولم ينشب أن ساد. وكانت قريش في رؤوس الجبال والشعاب، فجمعهم وقسّم بينهم المنازل بالبطحاء، فقيل له مجمّع. «1317» - شيبة الحمد: عبد المطلب: لقّب بشيبة كانت في رأسه حين ولد، وسمّي عبد المطلب لأنّ عمه المطلب مرّ به في سوق مكة مردفا له، فجعلوا يقولون: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 من هذا وراءك؟ فيقول: عبد لي. واسمه عامر. 1318- همدان واسمه أوسلة بن مالك. أصابه أمر أهمّه فقال: هذا همّ دان، فلقّب بهمدان. «1319» - ولد نبت بن زيد بن يشجب والشعر نابت على جميع بدنه، فلقّب بالأشعر، فغلبت عليه، وولده الأشعرون، منهم أبو موسى. «1320» - أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان أبو غنيّ وباهلة القبيلتين، اسمه منبّه، سمّي أعصر لقوله: [من الكامل] قالت عميرة ما لرأسك بعدما ... فقد الشّباب أتى بلون منكر أعمير إنّ أباك غيّر رأسه ... مرّ الليالي واختلاف الأعصر «1321» - جعفر بن قريع التميمي: نحر أبوه ناقة قسّمها بين نسائه، فأدخل يده في أنفها فجرّ الرأس إلى أمه فنبز به وعيّر أولاده به إلى أن جاء الحطيئة فقال: [من البسيط] قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يساوي بأنف الناقة الذّنبا فصار فخرا لهم. «1322» - خثعم: يقال لهم في الجاهلية الفجّار لأنهم لم يكونوا في الجاهلية يحجّون. وخثعم هم سعد الريث وهم الفزر. وبنو قحافة أبناء عفرس بن بجيلة ابن أنمار بن نزار؛ وهم رهط ابن الدثنة ابن عفرس، تحالفت هذه القبائل، غمست أيديها في الدم ثم وضعتها على ورك جمل يقال له الخثعم، فسمّيت به. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 «1323» - مزيقياء: هو عمرو بن عامر بن ماء السماء جدّ الأزد، سمّي بذلك لأنه كان يمزّق كل يوم حلّة جديدة لئلا يلبسها غيره؛ وقيل كان ينسج له كلّ سنة حلّة من ذهب فيلبسها يوم العيد، فإذا أمسى مزّقها، ويقوم بنسج أخرى لعيد السنة القابلة؛ وقيل لأنّ الله تعالى مزّقهم، وذلك قوله: وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ (سبأ: 19) . «1324» - جذيمة بن سعد الخزاعي: قيل له المصطلق لحسن صوته وشدّته، من الصّلق وهو شدّة الصوت. 1325- بنو أمية بن عبد شمس يقال لهم: الأعياص والعنابس. والعنابس: حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو، وأبلوا في حرب فشبّهوا بالعنابس، وهي الأسد. والأعياص: العاص وأبو العاص، والعيص وأبو العيص، والعويص، وهم أحد عشر ولدا. «1326» - مذحج: أكمة ولدت عليها مدلّة بنت ذي منجشان مالك بن أدد، فنسب ولد مالك إليها، فمنهم الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد، ومنهم همدان بن مالك بن أدد، ومنهم زيد وجعفيّ والنخع. «1327» - مهلهل بن ربيعة التغلبي: اسمه عدي، والمهلهل لقب غلب عليه لأنه أول من هلهل الشعر أي أرقّه، ويقال إنه أوّل من قصّد القصائد. «1328» - الأسعر ابن أبي حمران الجعفي: لقّب الأسعر لقوله: [من الطويل] فلا يدعني قومي لسعد بن مالك ... لئن أنا لم أسعر عليهم وأنقب واسمه مرثد بن الحارث. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 «1329» - المتلمّس: اسمه جرير بن عبد المسيح الضبعي، وقيل جرير بن يزيد الضبعي، سمّي المتلمّس لقوله: [من الطويل] فذاك أوان العرض حي ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمّس «1330» - تأبّط شرا الفهمي: اسمه ثابت بن جابر. يزعمون أنه قتل الغول وجاء متأبّطا لها، فألقاها وسط أصحابه، فقالوا: لقد تأبّط شرا، فغلبت عليه. وقيل: بل أخذ جونة فملأها حيّات ثم أتى بها أمّه متأبّطها فقالت: تأبّط شرا. «1331» - الحادرة هو: قطبة بن حصن. غلب عليه الحادرة ببيت قاله وهو: [من المتقارب] كأنك حادرة المنكبين ... رصعاء تنفض في جامر «1332» - النابغة الذبياني: اسمه زياد بن عمرو ويكنى أبا أمامة، غلب عليه النابغة لأنه غبر برهة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله. «1333» - وكذلك النابغة الجعدي: اسمه قيس بن عبد الله ويكنى أبا ليلى، وهو أسنّ من النابغة الذبياني، وطال عمره حتى أدرك أيام بني أمية. «1334» - الأعشى الكبير ميمون بن قيس من بني قيس بن ثعلبة، غلب عليه اللقب لعشا في عينيه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 1335- وكذلك أعشى باهلة، وأعشى همدان. «1336» - الفرزدق همّام بن غالب. لقّب الفرزدق لأنه كان جهم الوجه فشبّهته امرأة [1] بالفرزدقة وهي القطعة من العجين يعمل منها الفتوت، وقيل إن أباه لقّبه بذلك تشبيها بدهقان يعرفه. «1337» - الأخطل: اسمه مالك بن غياث بن غوث، وقال أبو عمرو: غويث بن الصلت، قال له رجل وهو صبي: يا غلام إنك لأخطل، فغلبت عليه وقيل لخطل في لسانه وثقل في كلامه. 1338- أبو بكرة: اسمه نضيع [2] . كان مولى الحارث بن كلدة بالطائف، فلما حاصرها النبي صلّى الله عليه وسلم قال: أيما عبد نزل إليّ فهو حرّ، فتدلّى من السور على بكرة فسمّي أبا بكرة. 1339- الحطيئة: اسمه جرول بن أوس بن جؤيّة بن مخزوم بن ربيعة بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، حبق في مجلس قومه فقال: إنما هي حطأة فسمّي الحطيئة. «1340» - ذو الرمّة اسمه غيلان بن عقبة من عديّ الرباب سمّي ذا الرمّة بمعاذة علّقت عليه في صغره بخيط وكان خشي عليه المسّ. «1341» - القطامي الشاعر التغلبي: شبّه بالقطامي وهو الصقر واسمه عمير ابن شييم.   [1] م: امرأته. [2] ر: نقيع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 «1342» - غسان: ماء بالسليّل، من نزل عليه من الأزد قيل له غساني. «1343» - وبارق: جبل، من نزله من الأزد قيل له بارقي. 1344- جذيمة بن عوف الأنماري: ضربه أثال بن لجيم فجذمه، فسمّي جذيمة، وضرب هو أثالا فحنف رجله فسمّي حنيفة، قال: [من الوافر] إن تك خنصري بانت فإني ... بها حنفت حاملتي أثال «1345» - غلبة قريش على مكة: مات كلاب بن مرّة بن لؤي بن غالب وابنه قصيّ صغير، فتزوّجت أمّه فاطمة بنت سعد من ربيعة بن حزام العذريّ، فولدت له رزاحا ومحمودا وحيا وجلهمة. وكان قصيّ لا يعرف أبا غير ربيعة حتى كان بينه وبين رجل من غسان شيء، فعيّره الرجل بالغربة، فرجع إلى أمه فسألها فقالت: صدق ما أنت منهم بل أنت أفضل منهم، أنت ابن كلاب بن مرّة بن لؤي بن غالب، وقومك عند بيت الله الحرام. فأزمع قصيّ أن يلحق بقومه، وطلبت إليه أمه أن يؤخّر ذلك إلى حين خروج الحاج، فخرج مع حاجّ قضاعة، وكان رجلا جلدا أديبا عاقلا جوادا، فخطب إلى الخليل بن حبشة الخزاعي ابنته حيّة، وخزاعة يومئذ بمكة ولهم حجابة البيت، فزوّجه فولدت له عبد مناف وعبد الدار وعبد العزّى وعبد قصيّ. ولما هلك الخليل، رأى قصيّ أنه أحق بولاية البيت وأنه بيت آبائه. فكلم من لقي من قريش ودعاهم إلى إخراج خزاعة، وقال: قوم طروا عليكم من أهل اليمن فغلبوا أوليتكم على مسجدهم، فأنتم أحقّ أن يكون في أيديكم، فقالوا: إنّ خزاعة لها عدد وعدّة، ولا نجدة لنا، وإخواننا من كنانة حلفاؤهم وأنصارهم؛ فإن تابعونا فقد هلك القوم. فمشى في كنانة وغيرهم، فكتب إلى رزاح بن ربيعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 العذريّ أخيه لأمه، فقدم عليه في ألف رجل من عذرة. فانحازت خزاعة عن قصيّ، واقتتلوا حتى كادوا يتفانون، ثم رجعوا عن القتال وراسلوا في الصلح. فرجع الأمر إلى قصيّ، وهدرت الدماء بينهم. فكان قصيّ أوّل من أصاب الملك من بني كعب بن لؤي، فكانت إليه الحجابة والسّقاية والرّفادة والنّدوة واللواء. فقسم مكة أرباعا بين قومه، وأمر بقطع شجرها وبناها بيوتا. قال: فهابت ذلك قريش، فأمر قصيّ أعوانه فقطعوها، وقطع معهم بيده، وسمّي قصيّ مجمّعا لأنه أول من جمع قريشا، وكانت في نواحي مكة وفي بني كنانة وما يليها من العرب. ولما ظهر أولاد قصيّ تفرّقت لؤيّ، فلحق سامة بن لؤي بأزد عمان، وصارت الحارث بن لؤي إلى غير حيّ من بني شيبان بن ثعلبة عن عكابة، وهم عائذة، وصارت سعد بن لؤي من بني ذبيان بن بغيض، وهم بنو مرّة بن عوف، فلم يعد قصيّ منهم إلا على ولد كعب بن لؤي بن عامر بن لؤي. «1346» - وقيل في خروج سامة بن لؤي غير هذا، قال ابن الكلبي: كان سبب خروج سامة بن لؤي من تهامة إلى عمان أنه فقأ عين عامر بن لؤي، وذلك أنه ظلم جارا له فغضب عامر، وكان شرسا سيّء الخلق، فخاف سامة أن يقع بمكة شرّ فيقال كان سامة سببه. وقيل: إنّ سامة كان يشرب بعكاظ، فلما أخذ منه الشراب أتاه ابن لعامر بن لؤيّ، فقال: يا عمّ هل لك في لحم؟ - وقد قرم سامة إلى اللحم للشراب الذي شربه- فقال: نعم. فمضى الغلام إلى جفرة لسامة فذبحها وأتاه بها. فعرفها سامة، فأخذ صخرة ففضخ بها رأس الغلام فقتله، ومضى سامة ومعه الحارث ابنه وهند ابنته وأمّهما هند بنت تيم الأدرم ابن غالب، وإنما سمّي الأدرم لنقصان ذقنه، فنزل قرية على بني عامر بن صعصعة. وكانت بنت الحارث بن سامة خالة كلاب بن ربيعة وأمّهم مجدانية ابنة تيم بن غالب ولدت كلابا وعامرا وكليبا وكعبا ومحمسا. فدرج محمس، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 فجعل الحارث بن سامة يصارع عامرا فيصرعهم رجلا رجلا، فخشي سامة أن يقع بينهم الشر، فأتى عمان، فتزوّج ناجية بنت جرم بن زبان وهو علاف بن حلوان، فأقام بها فنهشته حية فمات. ويقال: إنّ سامة بن لؤيّ شرب هو وأخوه شرابا، فلما أخذ الشراب من كعب بن لؤي أقبل على امرأة سامة فقبلها، فأنف سامة من ذلك وقال: لا أساكنك في بلد، فلم يزل يرتاد حتى نزل عمان. فلما أصاب المواطن التي يشتهي رجع فحمل امرأته إلى عمان واسمها ناجية، وإنما سمّيت ناجية لأنها عطشت فجعل يقول لها: هذا الماء هذا الماء حتى نجت، وركب هو ناقة، فبينا هو يسير عليها إذ مرّ بواد مخصب، فتناولت ناقته من حشيشه فعلقت بمشفرها أفعى فاحتكت بالغرز، فنهشت الأفعى ساق سامة فخرّا جميعا ميتين. قال الشاعر: وقيل [1] إنها لأخيه كعب: [من الخفيف] عين بكّي لسامة بن لؤي ... غلقت ما بساقه العلّاقه ربّ كأس هرقتها ابن لؤيّ ... حذر الموت لم تكن مهراقه وبنو ناجية ينتسبون في قريش، وبعض النسابين ينكرون ذلك، ويزعمون أنّ سامة لما مات من نهشة الأفعى تزوّجت امرأته رجلا من البحرين فولدت منه الحارث، ومات أبوه وهو صغير، فلما ترعرع طمعت أمّه أن تلحقه بقريش فأخبرته أنه ابن سامة بن لؤي، فرحل عن البحرين إلى عمه كعب فأخبره أنه ابن أخيه سامة، فعرف كعب أمه وظنّه صادقا فقبله. ومكث عنده مدة حتى قدم ركب من البحرين، فرأوا الحارث فسلّموا عليه وحادثوه، فسألهم كعب بن لؤي: من أين تعرفونه؟ قالوا: هذا ابن رجل من بلدنا يقال له فلان وشرحوا له خبره فنفاه كعب ونفى أمه، فرجعا إلى البحرين فكانا هناك، وتزوّج الحارث فأعقب هذا العقب. وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: عمي سامة لم يعقب. وأما الزبير بن بكار فإنه   [1] م: يقال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 أدخلهم في قريش العازبة، وإنما سمّوا العازبة لأنهم عزبوا عن قومهم فنسبوا إلى أمهم ناجية. ولعل الزبير يقول ذلك على مذهبه في التعصّب ومخالفة أمير المؤمنين علي عليه السلام. وكان بنو ناجية ارتدوا عن الإسلام، فلما ولي علي عليه السلام الخلافة دعاهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام الباقون على الرّدّة، فسباهم واسترقّهم، فاشتراهم مصقلة بن هبيرة الشيباني ثم أعتقهم وهرب من تحت ليلته إلى معاوية فصاروا أحرارا ولزمه الثمن. فشعث علي عليه السلام شيئا من داره، وقيل بل هدمها، فلم يدخل مصقلة الكوفة حتى قتل علي عليه السلام. «1347» - زعموا أنّ الخطيم بن عديّ الأوسي قتله رجل من بني عامر بن ربيعة ابن صعصعة يقال له مالك، وقتل عديّ بن عمرو أباه رجل من عبد القيس. فلما شبّ قيس بن الخطيم بن عديّ، رضمت أمّه حجارة كهيئة القبر وجعلت تقول: هذا قبر أبيك وجدّك، مخافة أن يسمع بقتلهما فيطلب بدمائهما فيقتل، وكان قيس قويّا شديدا. وإنه نازع غلاما من قومه فقال له الغلام: أما والله لو ألقيت كرعك- يعني بدنك- وقوّتك على قاتل أبيك وجدّك لكان أولى بك. فرجع إلى أمّه فقال لها: أخبريني عن أبي وجدّي. قالت: يا بني ماتا في وجع البطن وهذان قبراهما، فأخذ سيفه فوضع ذبابه بين ثدييه فقال: والله لتخبريني خبرهما أو لأتحمّلنّ عليه حتى يخرج من ظهري؟ فقالت له: إنّ أباك قتله رجل من بني عامر، وإنّ جدّك قتله رجل من بني عبد القيس. فخرج بسيفه حتى أتى ناضحه وهو يسنو، فضرب رشاءه فهوى الغرب في البئر، واختطم البعير فأقبل به عليه فشدّ جهاره حتى وقف على نادي قومه فقال: أيكم يكفيني مؤونة هذه العجوز بفضل ثمرة مالي، فإن رجعت فمالي لي وإن هلكت فلها حتى تموت ثم المال له. فقال بعضهم: أنا، فدفعه إليه ثم سار، فقالت له أمه: يا بنيّ إن كنت لا بدّ فاعلا فأت خداش بن زهير فإنه قد كانت لأبيك عنده نعمة، فسله أن يقوم معك. فمضى حتى انتهى إلى مرّ الظهران، ثم سأل عن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 مظلّة خداش بن زهير فأتاها، فسأل امرأته عنه، فقالت: ليس هو ها هنا، قال: فهل عندك من قرى؟ قالت: نعم، قال: فهلمّ. فأخرجت إليه قباع تمر فتناول تمرة فأكل نصفها وردّ نصفها في القباع، ثم تنحّى فنزل في ظلّ شجرة، فلم ينشب أن طلع خداش. فدخل على امرأته فأخبرته الخبر فقال: هذا رجل متحرّم. وركب قيس بعيره ثم أقبل حتى سلّم. فقال خداش: والله لكأنّ قدم هذا الفتى قدم الخطيم صديقي اليثربي. ودخل عليه قيس فانتسب له وأخبره ما الذي جاء به، فقال له: يا ابن أخي قاتل أبيك ابن عمي وإن أردت دفعه إليك لم أقدر مع قومي، ولكن سأجلس العشيّة إلى قاتل أبيك فأحدّثه وأضرب بيدي على فخذه، فإذا رأيت ذلك فشدّ عليه واقتله فإني سأمنعك. فلما كان العشاء جلس خداش بن زهير فصنع ذلك بالرجل، وأقبل قيس إليه فضربه بالسيف حتى قتله، ووثبوا إليه ليقتلوه فحال بينهم وبينه خداش وقال: إنما قتل قاتل أبيه. قال له: ما تريد يا ابن أخي؟ قال: الطلب بدم جدي، قال: فأنا معك. وركبا جميعا فسارا حتى أتيا البحرين، فلما دنوا من قاتل جدّه قال له خداش: إني سأكمن في هذه الدارة من الرمل، فاخرج حتى يأتي الرجل فقل له: إني أقبلت أريد بلادكم، فلما كنت بهذا الرمل برح بي لصّ فسلبني وأخذ متاعي، وقد جئتك لتركب معي لتستنقذ لي ذلك؛ فإن هو أمر ناسا بالركوب معك فاضحك، فإن سألك عن ضحكك فقل له: إنّ السيّد مثلك لا يفعل مثل فعلك، إنما يخرج وحده إذا استعين على شيء حتى يفرغ منه. فخرج قيس حتى أتاه، فأمر خداش، فأحمسه فدعا بفرسه فركب معه وحده حتى أتى خداشا، فنهض إليه خداش فقال: يا ابن أخي إن شئت كفيتكه، فقال قيس: لا بل دعني أنا وإياه فإن قتلني لا يفتك، ونازله قيس فطعنه بحربة معه فقتله. فقال له خداش: إنّا إن أخذنا الطريق طلبنا وظفر بنا، ولكن اكمن بنا في هذا الرمل حتى يهدأ الطلب عنا، فكمنا فيه وفقد القوم صاحبهم فخرجوا في طلبه فوجدوه قتيلا، فتفرّقوا في كل وجه فلم يظفروا بأحد، فرجعوا وانصرف خداش وقيس راجعين، حتى إذا بلغا مأمنهما أقبل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 قيس نحو قومه وهو يقول [1] : [من الطويل] تذكّر ليلى حسنها وصفاءها ... وباتت فأمست [2] لا ينال لقاءها ومثلك قد أصبيت ليست بكنّة ... ولا جارة أفضت إليّ حياءها سرّها، ويروى حباءها، يقول: أخبرتني بما تكتم وتسرّ. إذا ما اصطبحت أربعا خط [3] مئزري ... وأتبعت دلوي في السماح [4] رشاءها ثأرت عديّا والخطيم فلم أضع ... ولاية أشياخ [5] جعلت إزاءها ويروى ورثت عديّا. ضربت بذي الزّرين ربقة مالك ... وأبت بنفس قد أصبت شفاءها طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشّعاع أضاءها الشّعاع بالفتح المنتشر. ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها ... يرى قائما من دونها [6] ما وراءها يهون عليّ أن يروع جراحها ... عيون الأواسي إذ حمدت بلاءها وشاركني [7] فيها ابن عمرو بن عامر ... خداش فأدّى نعمة وأفاءها وكانت شجى في النفس ما لم أبؤ بها ... فأبت ونفسي قد أصبت دواءها وكنت امرءا لا أسمع الدهر سبّة ... أسبّ بها إلا كشفت غطاءها   [1] ديوان قيس: 3. [2] ديوانه: فأمسى. [3] حط: بالحاء المهملة وبالخاء. [4] الديوان: السخاء. [5] في رواية:، وصابة أشياخ. [6] الديوان: من خلفها. [7] في رواية: وسامحني، وساعدني. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة ... لنفسي إلا قد قضيت قضاءها وإنّي لدى الحرب العوان موكّل ... بإقدام نفس لا أريد بقاءها لقد جرّبت منّا لدى كلّ مأقط ... دحيّ إذا ما الحرب ألقت رداءها ونلقحها مبسورة ضرزنيّة ... بأسيافنا حتى نذلّ إباءها مبسورة: مستكرهة، ضرزنيّة: شديدة. وإنّا منعنا من بعاث نساءنا ... وما منعت م المخزيات نساءها وأدرك قيس بن الخطيم الإسلام، وخرج مع قوم من الأنصار إلى مكة بعد العقبة الأولى، فلقوا النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فدعا قيسا إلى الإسلام وقرأ عليه القرآن، فقال له قيس: والله إنّ حسبك لكريم، وإنّ وجهك لحسن، وللّذي أنت عليه خير من الذي أنا عليه، أفرأيت إن أنا بايعتك أيحلّ لي الزّنا؟ قال: لا، قال: أفيحلّ لي الهجاء؟ قال: لا، قال: أفيحلّ لي القتل؟ قال: لا، قال: ففي نفسي من هذه الخصال شيء، فأنا أرجع إلى بلدي فأقضي أربي، فإذا قدمت اتبعتك. فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: فإن لي إليك حاجة، قال قيس: هي لك، قال: إنّ امرأتك حواء بنت يزيد مسلمة فلا تؤذها ولا تحل بينها وبين الإسلام، قال: ذلك لك، وما علمت بذلك. وهي أخت رافع بن يزيد الأشهلي، وهو ممن شهد بدرا. ثم رجعوا إلى المدينة وقد فشا الإسلام في الأوس والخزرج، ودخل بعضهم في كفة بعض بعد الحرب المتصلة بينهم. وكان قيس من ذوي البلاء فيها. فاجتمع ناس [1] من بني سلمة فيهم رجل من بني مازن بن النجار، فقالوا: قد علمتم ما صنعت بكم الأوس يوم بعاث، وقيس بن الخطيم فتى الأوس وشاعرها فتهيّأوا لقتله، فإنّا إن قتلناه أدركنا ثأرنا. فاجتمع ملأهم على ذلك، وسألوا عنه   [1] في اغتيال قيس بن الخطيم انظر أسماء المغتالين (نوادر المخطوطات) 2: 274. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 فقالوا: إنه يخرج في كلّ عشيّة فيأخذ على بني حارثة حتى يأتي ماله بالشوط. فخرجوا حتى جاؤوا محيصة وحويصة والأحوص من بني مسعود، وكانت بنو سلمة أخوالهم، فمتّوا إليهم بالخؤولة وذكّروهم إخراج بني عبد الأشهل إيّاهم إلى خيبر وما صنعوا بهم في تلك الحروب. وقالوا لهم: إنّ قيس بن الخطيم يمرّ على أطمكم كلّ عشيّة، وقد أردنا قتله، فإن رأيتم أن تتركونا حتى نكمن له فيكم. فأذنوا لهم في ذلك، فكمنوا له في رأس أطمهم. فلما كان من العشيّ أقبل يمشي في ثوبين له مورّسين، حتى إذا جاء الأطم رموه، فوقعت في صدره ثلاثة أسهم، فصاح صيحة سمعها بنو ظفر. فأقبلوا يسعون إليه فقالوا: ما لك؟ قال: قتلني بنو حارثة بأيدي بني سلمة. فخرجوا يحملونه حتى جاؤوا به منزله. فلما رأته امرأته خرجت تصيح وتولول، قالت: فنظر إليّ نظرا علمت أنه لو عاش لقتلني، لا والله ما رأى عندي رجلا قطّ إلا أنه قد كان يأتي بالأسير فيأمرني فأدهنه وأرجّله ثم يقوم إليه فيضرب عنقه. فمكث قيس أياما، ويخرج [1] رجل من قومه حتى أتى بني مازن بن النجار وهم في مجلسهم، فقال: أين ابن أبي صعصعة؟ قالوا: في منزله، فخرج حتى أتاه، فقال: يا عمّ أخل، فخلا معه في بيت في داره، فحدثه شيئا ثم وثب عليه فضرب عنقه، ثم اشتمل على رأسه فخرج وأجاف الباب عليه. فلما طلع على بني مازن خشي أن ينذروا به فيطلبوه، فقال: قوموا إلى سيّدكم يا بني مازن فإنه يدعوكم، فوثبوا وقالوا: هذا أمر حدث من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ورفع الآخر جراميزه حتى انتهى إلى قيس وهو بآخر رمق، فقال: يا قيس قد ثأرت بك. قال: عضضت أير أبيك إن كنت عدوت أبا صعصعة، قال: فإني لم أعده. وأخرج له رأسه فلم يلبث قيس أن مات. وقال قيس حين رمي وجاءت رزاح من بني ظفر لينظروا إليه، وكان بينه وبينهم شرّ فقال [2] : [من السريع]   [1] م: وخرج. [2] ديوان قيس: 148. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 كم قاعد [1] يحزنه مقتلي ... وقاعد يرقبني شامت أبلغ رزاحا [2] أنّني ميّت ... كلّ امرىء ذي حسب مائت أيام العرب: وأيام العرب ووقائعها كثيرة لا يحويها كتاب مفرد ولو أسهب جامعه. وقد ذكرت بعض المشهور منها على إيجاز واختصار وحذف للمصنوع المضاف إليها، والأشعار التي قيلت فيها مما فيه أدب يستفاد، أو تجربة تقتبس أو فعل مستغرب. «1348» - فمن أيامهم المشهورة يوم حليمة. يقولون في أمثالهم: ما يوم حليمة بسرّ. وخبره أنّ المنذر بن ماء السّماء اللخميّ ملك الحيرة، غزا الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ ملك العرب بالشام، فأتاه في زهاء مائة ألف، فهابه الحارث وخاف البوار على قومه. فأتاه شمر بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عبد العزّى بن سحيم بن مرّة بن الدّول بن حنيفة ابن لجيم بن مصعب بن علي بن بكر بن وائل في جمع من قومه، وقد كان المنذر أغضبه في شيء. فأشار شمر على الحارث بأن يريّث المنذر عن الحرب، ويعده بأن يعطيه مالا ويدين له. ففعل الحارث ذلك فاغترّ المنذر بذلك، ثم قال لفتيان غسان الذين هم كانوا من بيت الملك: أما تجزعون أن يتقسّم اللخميّون نساءكم؟ فانتدب منهم مائة، وفيهم لبيد بن أخي الحارث بن أبي شمر بن عمرو بن الحارث بن عوف بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد واسمه درء بن الغوث بن   [1] الديوان قائم. [2] الديوان: خداشا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 نبت بن مالك بن زيد بن كهلان، وليس الحارث من بني جفنة، وقد نسب إلى بني جفنة لأنّ الملوك كانوا منهم. وأخرج الحارث ابنته حليمة، وكانت أجمل نساء العرب، فدافت مسكا في جفنة وبرزت. فجعلت تطلي هؤلاء الفتيان بذلك المسك، وكان آخرهم لبيد. فلما خلّقته قبض عليها وقبّلها، فصاحت وولولت. فقال أبوها: ما شأنك؟ فأخبرته فقال: قدمناه للقتل فإن يقتل فقد كفيت أمره وإن يسلم- وهو أحبّهما إليّ- زوّجتك إياه، فهو كفؤ لك كريم. فلما تجهّزوا قال لهم شمر: ائتوا المنذر وأعلموه أنكم خرجتم مراغمين للحارث لسوء أثره فيكم، فإنه سيسرّ بمكانكم فكونوا قريبا من قبّته، فإذا رأيتمونا قد زحفنا إليه فشدّوا على حرسه وحجّابه. ففعل الفتيان ما أمرهم به، فلما زحف الحارث وأصحابه شدّ الفتية على الحرس فقاتلوهم أشدّ قتال، وقتلوا منهم بشرا وقتلوا كلّهم، ولحقهم شمر فيمن معه من جفنة، ولم يكن له همة إلا قتل المنذر، فقصده فدخل عليه فقتله. ولم ينج من أهل المائة إلا لبيد صاحب حليمة، فرجع وقد اسودّت فرسه من العرق، فأخبر الحارث بأنّ شمر بن عمرو قد قتل المنذر. ثم حمل على أصحاب المنذر، فقال له الحارث: ويحك! أين تمضي؟ ارجع وقد زوّجتك حليمة، فقال: والله لا تحدّث العرب أني بقيت فلّ مائة. ولحق الحارث الناس فقتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر شأس بن عبدة أخا علقمة بن عبدة الذي يعرف بعلقمة الفحل في سبعين من أشراف تميم سوى الشرط، وأسر من أسد وقيس جمعا كثيرا. وهذا اليوم أيضا يسمّى عين أباغ. ووفد علقمة [1] بن عبدة بن النعمان بن قيس أحد بني عبيد بن ربيعة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم إلى الحارث فامتدحه بقوله: [من الطويل] طحا بك قلب في الحسان طروب وهي من قلائد أشعار العرب يقول فيها:   [1] ديوان علقمة الفحل: 33، 48. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 وفي كلّ حيّ قد خبطت بنعمة ... فحقّ لشأس من نداك ذنوب فأطلق له شأسا مع أسرى تميم. 1349- ومن أيامهم المشهورة يوم ذي قار وقد مضى خبره في باب الوفاء. خبر ابن الهبولة: «1350» - هو زياد بن الهبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم بن حماطة واسمه: سعد ابن سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وكانت الضجاعمة ملوك الشام قبل غسان. وكان سبب قتله أنه أغار على حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مريع الكندي، وكان يسكن عاقلا، فأخذ ما وجد في عسكره وأخذ امرأته هندا وعمرو غاز، ثم إنّ زيادا انكفأ راجعا، وقد كان استاق إبلا لعمرو بن أبي ربيعة بن شيبان بن ثعلبة، فأتاه عمرو وهو بالبردان فقال له: يا خير الفتيان أردد عليّ فحل إبلي، فقال: هو لك. فامتنع الفحل على عمرو فأخذ ذنبه ثم أقعده حتى سقط على جنبه؛ فحسده ابن الهبولة على ما رأى من شدته، فقال: يا معشر بني شيبان لو كنتم تقتعدون الرجال كاقتعادكم الإبل كنتم أنتم أنتم. فقال له عمرو: لقد وهبت قليلا، وشتمت مجيلا، وجنيت على نفسك شرّا طويلا، ولئن قدرت عليك لأضربنّك. ثم ركض فرسه وارتحل الضجعمي من موضعه ذلك، فعسكر بموضع آخر يقال له حفير، وعمّى على حجر موضع عسكره. واستغاث حجر ببكر بن وائل، فأتاه أشرافهم، فقال لضليع بن عبد غنم بن ذهل بن شيبان وسدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة: اعلما لي علم معسكره وعدة من معه. فذهبا متنكّرين حتى انتهيا إلى موضع معسكره في ليلة قرّة. وكان ابن الهبولة قد نادى من أتى بشيء من حطب فله من التمر مثله، ولم يكن أحد يدخل عسكره إلا بحطب. فاحتطبا ثم دخلا العسكر، فوضعا الحطب بين يديه، الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 وكان جالسا أمام قبّة له، فأعطاهما من التمر الذي كان أخذه من معسكر حجر. فقال ضليع: هذه أمارة، هذا التمر من تمر حجر فترجع [1] به. وأما سدوس فقال: لست براجع إلا بعين جليّة. فانصرف ضليع وأقام سدوس، وأوقد السلمي نارا ودخل قبّته وقال لأصحابه: تحارسوا، ولينظر كلّ امرىء منكم من جليسه. فضرب سدوس بيده إلى جليسه، فقال: من أنت؟ مخافة أن يسبق إليها، فقال: أنا فلان، فقال: معروف. ونوموا [2] . ودنا سدوس من القبّة، فداعب ابن الهبولة هندا امرأة حجر ساعة ثم قال لها: ما ظنّك بحجر لو علم مكاني منك؟ قالت: والله لو علم لأتاك سريع الطلب، شديد الكلب، فاغرا فاه كأنه جمل آكل مرار، وكأني بفتيان بكر بن وائل معه يذمرهم ويذمرونه. فرفع يده فلطمها ثم قال: والله ما قلت هذا إلا من حبه، قالت: والله ما قلت هذا إلا من بغضه، ووالله ما أبغضت بغضه أحدا، وسأخبرك من بغضي إياه بشيء لتعلم أني صادقة، قال: ما هو؟ قالت: كان ينام فيستيقن نوما ويبقى عضو من جسده لا ينام، وما رأيت أحدا أحزم منه قطّ نائما ويقظان. فبينا هو نائم ذات يوم قد مدّ إحدى يديه وبسط الأخرى، ومدّ إحدى رجليه وبسط الأخرى، إذ أقبل ثعبان أسود فأهوى إلى رجله الممدودة فقبضها، ثم أهوى الى يده المبسوطة فقبضها، ثم أهوى الى عسّ فيه لبن، فشرب ثم مجّه فيه، فقلت في نفسي: يشربه فيهلك فأستريح منه. فما كان بأسرع من أن استوى جالسا فقال: لقد ألّم بنا ملمّ، لقد دخل علينا عدوّ. قالت: قلت ومن يدخل عليك وأنت ملك؟ فأهوى إلى العسّ فأخذه فسقط من يده، والكلام بأذن سدوس. فلما أصبح عدا إلى حجر وهو يقول: [من الوافر]   [1] م: فرجع. [2] م: وناموا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 أتاك المرجفون برجم غيب ... على دهش وجئتك باليقين فمن يأتي بأمر فيه لبس [1] ... فقد آتي بأمر مستبين فقصّ عليه القصّة، وخبّره بموضع معسكره. فنادى حجر في أصحابه، فأغار عليه، وشدّ سدوس على ابن الهبولة فقتله وأخذ رأسه، وأخذ هندا وأتى بها حجر فقال: يا سدوس قصّ عليها القصة فقصّ، فدعا بفرسين: صادر ووارد، فربطها فيهما ثم ضربا فقطّعاها. فقال حجر في ذلك: [من الخفيف] إنّ من غرّه النساء بشيء ... بعد هند لجاهل مغرور حلوة الدلّ واللسان ومرّ ... كلّ شيء أجنّ منها الضمير كلّ أنثى وإن بدا لك منها ... آية الحبّ حبّها خيتعور الخيتعور: الدنيا، وكل شيء لا يدوم فهو خيتعور. «1351» - قال أبو عبيدة: غزا صخر بن عمرو أخو الخنساء بني أسد بن خزيمة، فاكتسح إبلهم، فأتى الصريخ بني أسد، فركبوا حتى تلاحقوا بذات الأثل، فاقتتلوا قتالا شديدا، فطعن ابن ثور الأسدي صخرا في جنبه وفات القوم فلم يقعص مكانه، وجوي منها فكان يمرّض قريبا من حول حتى ملّه أهله، فسمع امرأة تسأل سلمى امرأته: كيف بعلك؟ فقالت: لا حيّ فيرجى ولا ميّت فينعى، لقينا منه الأمرّين. وقال عبد القاهر بن السري: طعنه ربيعة الأسدي، فأدخل حلقات من حلق الدّرع في جوفه، فضمن منها زمانا ثم كان ينفث الدم وينفث تلك الحلق معها، فملّته امرأته، وكان يكرمها ويعينها على أهله، فمرّ بها رجل وهي قائمة، وكانت   [1] أيام العرب: فمن يك قد أتاك بأمر لبس. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 ذات خلق وأوراك، فقال: أيباع الكفل؟ قالت: عمّا قليل. وكل ذلك يسمعه صخر، فقال: لئن استطعت لأقدّمنّك أمامي، وقال لها: ناوليني السّيف أنظر هل تقلّه يدي فإذا هو لا يقلّه. فقال صخر: [من الطويل] أرى أمّ صخر لا تملّ عيادتي ... وملّت سليمى مضجعي ومكاني فأيّ امرىء ساوى بأمّ حليلة ... فلا عاش إلا في أذى وهوان لعمري لقد نبّهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغترّ بالحدثان فللموت خير من حياة كأنّها ... معرّس يعسوب برأس سنان وقال أبو عبيدة: فلما طال به البلاء وقد نتأت قطعة من جنبه مثل اليد في موضع الطعنة، قالوا له: لو قطعتها رجونا أن تبرأ، فقال: شأنكم. وأشفق عليه بعضهم فنهاه فأبى، فأخذوا شفرة فقطعوا ذلك المكان فيئس من نفسه، وقال: [من الطويل] كأني وقد أدنوا لحزّ شفارهم ... من الصبر دامي الصفحتين نكيب فمات فدفنوه إلى جنب عسيب، وهو جبل إلى جنب المدينة. ورثته أخته خنساء بنت عمرو، وفيه كان جلّ مراثيها دون أخيها معاوية. وكانت قد آلت ألا تنزع المسوح عنها أبدا بعد صخر. ورجت أن يأمرها عمر رضي الله عنه بنزعها، فقال لها: في بما جعلت على نفسك. وقال المتلمّس الضبعي [1] : [من الطويل] ألم تر أنّ المرء رهن منيّة ... صريع لعافي الطّير أو سوف يرمس   [1] ديوان المتلمّس: 110- 116. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة ... وموتن بها حرا وجلدك أملس فمن حذر الأوتار ما حزّ أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس نعامة لما صرّع القوم رهطه ... تبيّن في أثوابه كيف يلبس أما قصير [1] وخبره مع الزبّاء، وجدعه أنفه حتى احتال عليها، وأنست إليه، وجعلته وكيلها يحمل إليها الأمتعة والتجارة من البلاد، فلما اطمأنّت إليه وسكنت كلّ السكون، جعل الرجال في الغرائر ومعهم السلاح، فيهم عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة مولى قصير حتى قتلها، وفيه خبر مشهور وقد أخلق بكثرة التداول فيه، وفيه طول على أنه يتضمّن حكما وأمثالا وحيلا، وليس هذا موضعه. وأما بيهس [2] المعروف بنعامة، فذكر أبو يوسف أنه كان رجلا من بني غراب ابن ظالم بن فزارة بن ذبيان بن بغيض، وكان سابع سبعة أخوة. فأغار عليهم ناس من أشجع بن ريث بن غطفان، وكانت بينهم حرب، وهم في إبلهم، فقتلوا منهم ستة وبقي بيهس، وكان يحمّق وهو أصغرهم، فأرادوا قتله، فقالوا: ما تريدون من قتل هذا؟ يحسب عليكم برجل ولا خير فيه. فقال: دعوني أتوصّل معكم إلى الحيّ، فإنكم إن تركتموني وحدي أكلتني السّباع أو قتلني العطش، ففعلوا. فأقبل معهم فنزلوا منزلا فنحروا جزورا في يوم شديد الحرّ، فقال بعضهم: أظلوا لحمكم لا يفسد، فقال بيهس: لكن بالأثلات لحما لا يظلّل. فقالوا إنه منكر، وهموا بقتله، ثم إنهم تركوه، ففارقهم حين انشعب به الطريق إلى أهله، فأتى أمّه فأخبرها الخبر، فقالت: ما جاء بك من بين إخوتك؟ فقال: لو خيّرك القوم لاخترت، فذهبت مثلا. ثم إنّ أمّه عطفت عليه ورقّت له   [1] خبر قصير في قصة جذيمة والزباء، انظر أمثال المفضل الضبي: 143- 147 (وفيه تخريج الأمثال المتصلة بهذا الخبر) . [2] خبر بيهس والأمثال المتصلة به في أمثال الضبي: 110- 113 وفيه تخريج. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 وأعطته ميراثه من إخوته. فقال: يا حبّذا التراث لولا الذّلة، فذهبت مثلا. فقال الناس: أحبت أمّ بيهس بيهسا، فقال بيهس: ثكل أرأمها ولدا، فذهبت مثلا، فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم إنه مرّ على نسوة في قومه وهنّ يصلحن امرأة منهنّ يردن أن يهدينها إلى زوجها، وهو من بعض من قتل إخوته. فكشف ثوبه عن استه وغطّى رأسه، فقلن: ويلك! أيّ شيء تصنع؟ فقال: البس لكلّ حالة لبوسها، إما نعيمها وإما بوسها. فأتى على ذلك ما شاء الله لكنه جعل يتتبّع قتلة إخوته ويتقاصّهم حتى قتل منهم ناسا وقال في ذلك: [من الرجز] يا لها نفسا أنّى لها ... المطعم والسلامه قد قتل القوم إخوتها ... فبكلّ واد زقاء هامه فلأطرقنّ قوما وهم نيام ... فلأبركنّ بركة النّعامه قابض رجل وباسط أخرى ... والسيف أقدمه أمامه وهذا الشعر مزحوف في أصل النسخة، قال: فسمّي بيهس نعامة بقوله: فلأبركنّ بركة النعامة. قال: ثم إنه أخبر أنّ أناسا من أشجع يشربون في غار. فانطلق بخال له يقال له أبو حشر وقال له: هل لك في غار فيه ظباء؟ قال: نعم، فانطلق حتى قام على فم الغار، ثم دفع أبا حشر فيه، وقال ضربا أبا حشر. فقال بعض القوم: إنّ أبا حشر لبطل، فقال أبو حشر: مكره أخوك لا بطل، فأرسلها مثلا. وقتل القوم. قوله: البس لكلّ حالة لبوسها، إما نعيمها وإما بوسها: يقول: أنتم مسرورون بعرسكم وأنا مهتوك السّتر موتور، فأبدي عن دبري حتى أدرك بثأري. 1352- وفعل أبو جندب أخو أبي خراش الهذليّ مثل ذلك. قتل جيران له كانوا في جواره، فأتى مكة فجعل يطوف بالبيت مكشوف الدّبر، فقيل له: ما هذا؟ قال: إني موتور ولا ينبغي لمثلي أن يطوف البيت إلا هكذا حتى يدرك بثأره. فأتى بالخلعاء فأغار بهم على الذين فعلوا بجيرانه ما فعلوا حتى انتقم منهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 خبر طرفة في صحيفته ومقتله ومبدأ أمره: «1353» كان المسيّب بن علس الضبعي شاعر ربيعة في زمانه، وإنه وقف على مجلس لبني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة فاستنشدوه فأنشدهم شعرا له: [من الطويل] وقد أتناسى الهمّ عند احتضاره ... بناج عليه الصّيعريّة مكدم الصّيعرية: سمة كان أهل اليمن يسمون بها النّوق دون الفحول. كميت كناز اللحم دون علالة ... إذا انتعلت أخفافهنّ من الدّم وطرفة يسمع نشيده مع القوم، وهو يومئذ غلام حين قال الشّعر، فقال طرفة: نعتّ جملا أول مرة، ثم إذا هي ناقة، استنوق الجمل! فذهبت مثلا. فضحك القوم من قول طرفة، فقال المسيّب: ما هذا الغلام ويحكم؟ قالوا: غلام منّا وقد قال بعض الشّعر، قال: مروه فلينشدني، فأنشده، فقال: يا غلام أخرج لسانك فأخرجه، فإذا فيه خطّ أسود، فقال المسيّب: ويل لهذا من هذا- يريد طرفة من لسانه. ثم إنّ طرفة شهر وذكر شعره حتى وفد به إلى الملوك، وقد كان عبد عمرو ابن بشر بن عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ربيعة من أجمل أهل زمانه وأعظمهم، وكان رجلا بضّا بادنا جميلا، وكانت أخت طرفة عنده، فشكت إلى طرفة شيئا من زوجها كرهته، فقال طرفة: [من الطويل] أيا عجبا من عبد عمرو وبغيه ... لقد رام ظلمي عبد عمرو فأنعما ولا خير فيه غير أنّ له غنى ... وأنّ له كشحا إذا قام أهضما فروي هذا الشّعر ورفع إلى عمرو بن هند الملك، وهند أمّه بنت الحارث الملك ابن عمرو المقصور. وإنّما سمّي المقصور لأنه اقتصر على ملك أبيه فلم يتجاوزه عمرو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 ابن حجر آكل المرار الكنديّ. وكان عمرو بن هند على الحيرة وعلى ما سقى الفرات مما يلي ملك فارس من أرض العرب، وهو محرّق الأحدث، وسمّي محرّقا لأنه حرق باليمامة قرى كثيرة لبني حنيفة، وكان شمر بن عمرو الحنفي قتل أباه المنذر يوم عين أباغ مع الحارث بن جبلة الغسّاني. وكان عمرو هذا شديد السلطان والبطش متجبّرا قليل العفو، وكانت ربيعة تسمّيه مضرّط الحجارة. وكانت لعبد عمرو منزلة عظيمة من عمرو بن هند. فوافق عنده المتلمّس الضبعي، وهو جرير بن عبد المسيح بن عبد الله بن زيد بن دوفن بن حرب بن وهب بن جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وقال أبو عبيدة: اسمه جرير بن يزيد وكان ينادم الملك. وكان للملك أخ يقال له قابوس لأبيه وأمه، وكان يحبّه ويرشّحه للملك بعده. فجعل له صحابة وأمر لهم بمعروف، وأمرهم بلزومه ومجالسته، وكان في من أمر بذلك طرفة والمتلمّس. وكان قابوس غلاما معجبا بالصيد، وكان يركب ويركبون معه فيتصيّدون يومهم ويركضون حتى يرجعوا وقد ملّوا من التعب، ثم يغدون عليه، فيتشاغل عنهم بالسّماع والشراب، فيستثقل اجتماعهم عنده، فلا يأذن لهم ولا يصرفهم، فيظلّون وقوفا عامّة نهارهم. فضجّ من ذلك طرفة وثقل عليه، وكره مكانه معه، وسأله الملك أن يكون معه فأمره بلزومه، فقال طرفة يهجوه: [من الوافر] فليت لنا مكان الملك عمرو ... وغوثا حول قبّتنا تدور [1] فرويت هذه القصيدة حين أتمّها ولم يتستّر. فخرج عمرو بن هند يتصيّد ومعه عبد عمرو، فرمى الملك حمارا فصرعه، فقال: يا عبد عمرو انزل فأجهز عليه، فنزل فاضطرب من عظمه وذهب الحمار؛ وضحك الملك وقال آخرون: بل دخل معه الحمام. فلما تجرّد نظر إلى بدنه، فقال: لله درّ ختنك وابن عمّك ما كان أبصره بك حين يقول فيك ما قال، وأنشده الشّعر. فقال عبد عمرو: أبيت اللعن ما قال فيك شرّ مما قال فيّ، قال: وما قال؟ قال: أكرم الملك أن   [1] م ر: تخور. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 أنشده إياه. قال: لتفعلنّ، فلم يزل حتى أنشده قول طرفة. قال الملك: فقد بلغ أمره إلى هذا؟ ووقعت في نفسه واختبأها عليه، فكره أن يريه أنه غضب عليه فتدركه الرّحم فينذر طرفة فيهرب، فقال: كذبت أنت متّهم عليه. وسأل عمرو عما قال فوجده والمتلمّس قد قالا فيه قولا سيّئا، فسكت عنهما أياما ثم قال لهما: ما أظنكما إلا قد سرّكما إتيان أهليكما وغرضتما بمكانكما؟ قالا: أجل. قال: فإني كاتب لكما بها بحباء وكرامة إلى عامل هجر. فكتب لهما أن يقتلا، وجهّزهما بشيء إلى عامله على البحرين، وعامله معضد بن عمرو بن عبد القيس، ثم من الجواثر، وبنو تغلب تقول: كتب له إلى عبد هند بن حر بن حري بن حرورة بن حمير التغلبيّ، وكان عامله على البحرين. فخرجا فمرّا بنهر الحيرة، فإذا هما بغلمان يلعبون في المآء، فرأى المتلمّس في ثياب بعضهم أثر الأنقاس، فقال: يا غلام هل تكتب؟ قال: نعم. فقال لطرفة: تعلم أنّ ارتياح الملك لي ولك من بين شعراء بكر بن وائل لأمر مريب، وقد رأيت من نظر الملك إلينا أشياء ارتبت بها، فهل لك أن تنظر في كتابينا، فإن كان ما نحبّ فختمناهما ورجعنا، وإن كان ما نكره رجعنا إلى مأمننا، فقال طرفة: ما أخاف، ما كان ليكتب إلا بما قال، ولو أراد غير ذلك لكان قادرا عليه، وما كان ليجترىء عليّ وعلى قومي. فدفع المتلمّس كتابه إلى الغلام العبادي، فلما فضّ ختامه ونظر فيه جعل يقرأ ويقول: ثكلت المتلمّس أمّه، فقال: ويلك وما في الكتاب؟ قال: فيه يقتل المتلمّس. فقال لطرفة: في كتابك والله مثل ما في كتابي، فألق صحيفتك. فأبى، وألقى المتلمّس صحيفته في الماء، وقال: [من الطويل] وألقيتها بالثني من شطّ كافر ... كذلك أقنو كلّ قطّ مدلّل الثني من أثناء الوادي والنهر، وكافر نهر الحيرة، كفر: غطّى ووارى فهو كافر، وأقنو أجزي، والقط: الصحيفة والصك، ومنه قوله عزّ وجلّ: عَجِّلْ لَنا قِطَّنا (ص: 16) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 ومضى طرفة على وجهه حتى أتى عامل عمرو بن هند، فلما قرأ الكتاب قال: أتدري ما في كتابك؟ قال: لا، قال: فإنه قد كتب إليّ بقتلك، وأنت رجل شريف، وبيني وبينك وبين أهلك إخاء فانج ولا تعلم بمكانك، فإنك إن قرىء كتابك لم أجد بدّا من قتلك، فخرج فلقي شبّانا من عبد قيس، فجعلوا يسقونه الشراب ويقول الشّعر، فقال عامّة شعره هناك، وعلم الناس بمكانه فقدمه وقتله، فأغار رجل من بني مرثد على الجواثر فأخذ نعما فساقها إلى معبد أخي طرفة فذلك قول المتلمّس: [من الكامل] لن يرحض السوءات عن أحسابكم ... نعم الجواثر أن تساق لمعبد فلما بلغ عمرو بن هند صنيع المتلمّس قال إنّ حراما عليه حبّ العراق أن يطعم منه حبّة ما عاش، فذلك قوله: [من البسيط] آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه ... والحبّ يأكله في القرية السّوس ولحق بالشام فصار في دين الغسانيين. النّعم: الإبل والبقر والغنم، فإذا انفردت الإبل قيل لها نعم، فإذا انفردت البقر والغنم لم يقل لها نعم. والإبل: جمع لا واحد له من لفظه، ومثله قوم وغنم ونساء وخيل ومذاكير الرجل، ومحاسن المرأة ومطايب الجزور. واختلفوا في المخاض والأبابيل والعقابيل، وقال أبو عبيدة: المداحيض. وقد وضعوا لكلّ حالة من حالات الإبل صيغة اسم تتميّز به عن الأخرى: فالقلوص من الإبل بمنزلة الجارية من النساء، والبكر من الإبل بمنزلة الفتى من الرجال، وقد يقال للقلوص بكرة، والجمل بمنزلة الرجل، والناقة بمنزلة المرأة، والبعير بمنزلة الإنسان يقع على الجمل والناقة كما يقع الإنسان على الرجل والمرأة. وخبر المتلمّس مع عمرو بن هند يدلّ على أقواء العرب وجهدها، إذ كانت عقوبة هذا الملك الجبّار لهذا الشاعر المشهور أهم غايتها منعه من حبّ العراق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 1354- وأخبار العرب في الجهد والجوع كثيرة. قال حماد الرواية عن قتادة، قال زياد لغيلان بن خرشة: أحبّ أن تحدّثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها لنحمد الله على النعمة التي أصبحنا بها. قال غيلان: حدثني عمي قال: توالت على العرب سنون حصّت كلّ شيء، فخرجت على بكر لي في العرب، فمكثت سبعا لا أذوق شيئا إلا ما ينال بعيري أو من حشرات الأرض، حتى وقعت على حواء عظيم، فإذا بيت جحيش عن الحيّ، فملت إليه فخرجت إليّ امرأة طوالة حسّانة، فقالت: من؟ فقلت: طارق ليل يلتمس القرى، فقالت: لو كان عندنا شيء آثرناك به، والدالّ على الخير كفاعله، جس هذه البيوت ثم انظر أعظمها، فإن يك في شيء منها خير ففيه. ففعلت حتى دفعت إليه، فرحّب ثم قال: من؟ قلت: طارق ليل يلتمس القرى، فقال: يا فلان! فأجابه، فقال: هل عندك طعام؟ قال: لا، قال: فوالله ما وقر في أذني شيء كان أشدّ عليّ منه، فقال: هل عندك شراب؟ قال: لا، ثم تأوّه ثم قال: قد بقّينا في ضرع الفلانية شيئا لطارق إن طرق، قال: فأت به، فأتى العطن فابتعثها. فحدّثني عمي أنه شهد فتح أصفهان وتستر ومهرجان قذق وكور الأهواز وفارس، وجاهد عند السلطان، وكثر ماله وولده، قال: فما سمعت شيئا قط كان ألذّ من شخب تلك الناقة في تلك العلبة، حتى إذا ملأها ففاضت جوانبها وارتفعت عليها شكرة أي رغوة كجمّة الشّيخ، أقبل بها نحوي، فعثر بعود أو حجر فسقطت العلبة. فلما رأى ذلك ربّ البيت خرج شاهرا سيفه، فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناما على ظهرها مثل رأس الصعل، فكشف عرقوبها، ثم أوقد نارا واجتبّ سنامها، ودفع إليّ مدية وقال: يا عبد الله اصطل واجتمل، فجعلت أهوي بالبضعة إلى النار فإذا بلغت إناها أكلتها، ثم مسحت ما بيدي من إهالتها على جلدي، وكان قد قحل جلدي كأنه شنّ، ثم شربت ماء وخررت مغشيّا عليّ فما استفقت إلى السّحر. وقطع زياد الحديث وقال: لا عليك أن تخبرنا بأكثر من هذا فمن المنزول به؟ قلت: عامر بن الطفيل. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 «1355» - خبر عامر بن الطفيل وأربد بن قيس في وفودهما على النبيّ صلّى الله عليه وسلم. قال ابن جريج: قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس العامريان، فقال عامر لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: أدخل في دينك على أن أكون الخليفة من بعدك، قال: ليس ذاك لك ولا لأحد من قومك. قال: أفأدخل في دينك على أن أكون على أهل الوبر وأنت على أهل المدر؟ قال: لا، قال: فأيّ شيء تعطيني إذا أنا أسلمت؟ قال: أعطيك أعنّة الخيل تقاتل عليها في سبيل الله فإنك رجل شجاع، قال عامر: أو ليست أعنّة الخيل بيدي؟ ثم انصرف وهو يقول: لأملأنّها عليك خيلا ورجالا، ثم قال لأربد: إما أن تكفينيه وأقتله أو أكفيكه وتقتله؟ قال أربد: بل تكفينيه وأقتله. فأقبلا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له عامر: إني أريد أن أشاركك [1] بشيء. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ادن، فدنا منه وجنأ عليه، وسلّ أربد بعض سيفه، فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بريق سيفه تعوّذ بآية من القرآن فيبست يد أربد على سيفه، وأرسل الله عليه صاعقة فأحرقته، ومضى عامر هاربا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهم اهد بني عامر وأرح الدنيا من عامر وأصبه بسهم من سهامك نافذ؛ فألجأه الموت إلى بيت امرأة من سلول، فجعل يقول أغدّة كغدّة الجمل، وفي بيت امرأة من سلول؟ فلم يزل يردّد هذا القول حتى خرجت نفسه. وقال لبيد بن ربيعة [2] يرثي أخاه لأمه أربد بن قيس: [من المنسرح] أخشى على أربد الحتوف ولا ... أحذر [3] نوء السّماك والأسد   [1] م ر: أشارك. [2] شرح ديوان لبيد: 158. [3] ر: أرهب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 فجّعني البرق [1] والصواعق بال ... فارس يوم الكريهة النّجد وأنزل الله تعالى في قصة عامر وأربد مع النبي صلّى الله عليه وسلّم: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (الرعد: 13) . وروي عن ابن عباس أنه قال في شديد المحال: شديد المكر شديد العداوة؛ وقال أبو عبيدة: شديد المكر والعداوة والنكال، وقال اليزيدي: هو من المماحلة وهي المجادلة. وفي الحديث: «إنّ هذا القرآن شافع فمشفع وماحل فمصدق» ، ومنه: «اللهم لا تجعل القرآن بنا ماحلا» . وقال ابن قتيبة هو المكر والكيد. وأصل المحال والحول الحيلة. «1356» - وأصل هذه القصة أنّ عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب عم عامر بن الطفيل وهو ملاعب الأسنة أصابته الدبيلة فاستطبّ لها فلم ينتفع، فدعا ابن أخيه لبيد بن ربيعة الشاعر فقال: يا ابن أخي إنك من أوثق أهل بيتي في نفسي، فأت هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فاستطبّ لي منه واهد له إبلا. فانطلق لبيد فأتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال صلّى الله عليه وسلّم: أما الهدية فلسنا نقبلها إلا من رجل على ديننا، ولو كنت قابلها من أحد قبلتها منه. قال: فذكر له وجعه، فأخذ صلّى الله عليه وسلّم حثوة من الأرض فتفل فيها ثم قال للبيد: مثها له في ماء ثم اسقها إياه. قال: فانصرف لبيد فأخبره ما قال، قال عامر: ما فعلت في طبي؟ قال: ذاك أحقر ما رأيت منه، قال: وكيف ذاك؟ قال: أخذ حثوة من الأرض فتفل فيها ثم قال مثها له في ماء واسقها إياه، وها هي ذه في جهازي، فقال: هاتها، فماثها في ماء فشرب منه فكأنما نشط من عقال، فرغب أبو براء في الإسلام، فبعث إلى النبي   [1] الديوان: الرعد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 صلّى الله عليه وسلّم: إبعث لنا قوما يفقهونا ويعلّمونا وأنا لهم جار. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المنذر ابن عمرو الساعدي فعقد له على ثلاثين رجلا، منهم ستة وعشرون رجلا من الأنصار وأربعة من المهاجرين وهم: عامر بن فهيرة مولى أبي بكر وعمرو بن أمية الضمري من كنانة ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعروة بن أسماء بن الصلت السليمي. فخرجوا حتى انتهوا إلى ماء لبني عامر بن صعصعة يقال له بئر معونة، وبلغ عامر بن الطفيل مكانهم فاستجاش عليهم بني عامر، فقالوا: ما كنا لنخفر أبا براء، فاستنجد قوما من قيس فيهم ناس من بني سليم، ثم من بني عصيّة وذكوان، فخرج عامر بن طفيل يريدهم، وقد بعث أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في رعي إبلهم عمرو بن أمية وحرام بن ملحان النجاري، وهجم عليهم على بئر معونة فقتلهم جميعا. وفي رواية أنّ كعب بن زيد الديناري نزل وبه رمق فعاش حتى قتل يوم الخندق، ونظر الرجلان اللذان مع الإبل إلى العقبان تقذف بالعلق، فقالا: لقد كانت في أصحابنا وقعة أو معركة بعدنا فرجعا؛ ولقيهما عامر بن الطفيل فقال: أمن القوم أنتما؟ فقالا: نعم، فقال لحرام: ممن أنت؟ قال: من الأنصار، فضرب عنقه، ثم قال لعمرو: ممن أنت؟ قال: من مضر، فخلّى عنه ثم ردّه معه إلى المعركة، فقال: انظر هل تفقد أحدا من أصحابك بين القتلى؟ فقال: نعم أفقد رجلا واحدا، قال: ومن هو؟ قال عامر بن فهيرة وكان خيارنا، قال: فإني أخبرت عنه بعجب، طعنه هذا- وأشار إلى خيار بن سلمى بن مالك بن جعفر- فأنفذه فأخذ من رمحه ثم صعد به إلى السماء حتى توارى عنا. وأتى الخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال لحسان: قل شعرا واذكر إخفار عامر بن الطفيل لعامر بن مالك، فقال: [من الوافر] بني أمّ البنين ألم يرعكم ... وأنتم من ذوائب أهل نجد تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره وما خطأ كعمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أحدثت في الحدثان بعدي أبوك أبو الخطوب أبو براء ... وخالك ماجد حكم بن سعد يعني حكم بن أبي سعد بن أبي عمرو القيسي، وأخته كبيشة بنت سعد أم ربيعة. وبلغ شعر حسان بن ثابت ربيعة بن عامر بن مالك، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال له: هل يذهب خفرة أبي عندك أن أطعن عامر بن الطفيل متمكّنا بالغا ما بلغت؟ فرجع وأخذ الرمح وعامر بن الطفيل جالس مع بني الطفيل، فلما نظر إلى ربيعة وبيده الرمح عرف الشرّ في وجهه فولّى فطعنه فأشواه. وثار بنو الطفيل وبنو عامر بن مالك، فقال عامر بن الطفيل حيث خاف أن يقع الشر: يا بني جعفر، حكموني في هذه الطعنة، قالوا: قد حكمناك فيها، فخرج يمشي حتى برز من الحيّ، ثم قال: احفروا لي حفيرة، فحفروا له قعدة الرجل، فقال: يا بني جعفر إني قد جعلت طعنتي في هذه الحفرة فأهيلوا التراب عليها ففعلوا. وأما أبو براء عامر بن مالك فإنه جمع بني عامر، فقال: قد ترون ما صنع هذا الفاسق وإخفاره إياي، وسألهم أن ينجدوه فتثاقلوا، فقال: قد بلغ من أمري أن أعصى فلا يقبل لي رأي؟ فوضع سيفه في رهابته حتى خرج من ظهره. قال أبو النضر: الرهابة موضع القلادة من النحر. وفي رواية أنه شرب الخمر صرفا حتى مات. وقد روي أنّ أبا براء هو الذي قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد لو بعثت رجالا إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك؛ فقال عليه السلام: أخشى عليهم أهل نجد، قال أبو براء: أنا جار لهم فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك. وروي أنه قال لقومه وهو شيخ كبير: من كان منكم يأتي المدينة فليعرض عليّ ما جاء به محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فعرضوا عليه ما يقول، فقال: كريم الحسب محتنك قد بلغ الأربعين يدعو إلى مكارم الأخلاق ويأمر بها، والله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 إنّ هذا لأهل أن يتّبع وأن ينصر. وبعث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ابعث إليّ من قبلك قوما يفهموننا الذي جئت به وتدعونا إليه. وأما عمرو بن أمية فإنه لما عاد من المعركة لقي رجلين من بني عامر معهما عقد وجوار من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يعلم بذلك عمرو. فنزلا معه في ظل فسألهما: من أنتما؟ فقالا: من بني عامر؛ فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى أن قد أصاب ثأره من بني عامر، فلما قدم عمرو على النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبره الخبر، فقال له: لقد قتلت اثنين لأدينّهما، ثم قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها. وقيل لعامر بن الطفيل: إنك إن أتيت محمدا صلّى الله عليه وسلّم أمنّك على ما صنعت، فأقبل هو وأربد وكان من شأنهما ما تقدّم ذكره. منافرة عامر وعلقمة . «1357» من أخبار العرب المشهورة المنافرة بين عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب، وعلقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب. وقد أكثرت الرواة فيها وأطالت، فأتيت منها بأخصر ما يكون ويمكن، وحذفت الفضول. كان عامر بن الطفيل من أشهر فرسان العرب بأسا ونجدة حتى كان قيصر إذا قدم عليه قادم من العرب قال له: ما بينك وبين عامر بن الطفيل؟ فإن ذكر نسبا عظم عنده به حتى وفد عليه علقمة بن علاثة فانتسب له، فقال له: أنت ابن عمّ عامر، فغضب علقمة وقال: أراني لا أعرف إلا بعامر، وكان ذلك مما أوغر صدره ودعاه إلى المنافرة. وغزا عامر بن مالك ملاعب الأسنّة اليمن بقبائل من بني عامر، فرجع وقد ظفر وملأ يده، فلما صاروا إلى مأمنهم وأرادوا أن يتفرّقوا إلى محالهم خطبهم عامر فقال: إنّ الله قد أثرى عددكم وكثّر أموالكم وقد ظفرتم، ومن الناس البغي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 والحسد، ولم يكثر قوم قط إلا تباغوا ولست آمنها عليكم وبينكم حسائف وأضغان، وتواعدوا ماء النطيم يوم كذا، فأعطى بعضكم من بعض واستلّ ضغن بعضكم من بعض؛ فقالوا: ما تعقبنا قط من أمرك إلا يمنا وحزما، ونحن موافوك بالنطيم في اليوم الذي أمرت بموافاتك فيه. فاجتمعت بنو عامر ولم يفقد منهم أحد غير عامر بن الطفيل فانتظروه، فقام علقمة بن علاثة مغضبا، وكان له جد في ناديهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: ننتظر أبا علي، فقال: وما تنتظرون منه؟ فو الله إنه لأعور البصر، عاهر الذكر، قليل الذكر والنفر. فقال له عامر بن مالك: اجلس ولا تقل لابن عمك إلا خيرا، فلو شهد وغبت لم يقل فيك مقالتك فيه. وأقبل عامر على ناقة له، فتلقّاه بعض من غضب له من فتيان بني مالك بن جعفر وأخبره بمقالة علقمة، قال: فهل قال غير هذا؟ قالوا: لا، قال: قد والله صدق ما لي ولد وإني لعاهر الذكر وإني لأعور البصر؛ ثم قال للذي أخبره: فهل ردّ عليه أحد؟ قال: لا، قال: أحسنوا. وجاء حتى وقف راحلته على ناديهم فحياهم وقال لهم: لم تقرون بشتمي؟ فو الله ما أنا عن عدوكم بجبان، ولا إلى أعراضكم بسريع، وما حبسني عنكم إلا خمر قدم بها إليّ فسبأتها وجمعت عليها شباب الحيّ، فكرهت أن أدعهم يتفرّقون حتى أنفدتها؛ وقد علمت لأيّ شيء جمعكم أبو براء، فأصلح الله شأنكم ولمّ شعثكم وكثّر أموالكم. ثم قال: كل قرامة أو خداش أو حق أو ظفر يطلبه بنو عامر فهو في أموال بني مالك، مالي أول ذلك. قال أعمامه: وكل شيء لنا فيكم فهو لكم، قال أعمامه: قد رضينا بما فعل وحملنا ما يحمل، فتصدّع الناس على ذلك. وكان ذلك مما زاد صدر علقمة عليه وغرا حتى دعاه إلى المنافرة. وقال عامر في مراجعته لعلقمة: والله لأنا أركب منك في الحماة، وأقتل منك للكماة، وخير منك للمولى والمولاة. فقال علقمة: والله إني لبرّ وإنك لفاجر، وإني لوفيّ وإنك لغادر، ففيم تفاخرني يا عامر؟ فقال: والله لأنا أنزل منك للفقرة، وأنحر منك للبكرة، وأضرب منك للهدي، وأطعن منك للنثرة. فقال علقمة: والله إنك لكليل البصر، نكد الذكر، وثاب على جاراتك في السحر. فقال: بنو خالد بن جعفر، وكانوا يدا مع بني الأحوص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 على بني مالك بن جعفر: إنك لن تطيق عامرا، ولكن قل له أنا أنافرك بخيرنا وأقربنا للخيرات، وخذ عليه بالكبر. فقال له علقمة هذا القول، فقال له عامر: وعنز وتيس، وتيس وعنز، فأرسلها مثلا، نعم، على مائة من الإبل إلى مائة يعطاها الحكم أينا نفّر عليه صاحبه أخرجها، ففعلوا ووضعوا بها رهنا من أبنائهم على يدي رجل من بني الوحيد. وخرج علقمة في من معه من بني خالد، وخرج عامر في من معه من بني مالك، وقد أتى عمه عامر بن مالك فقال: يا عماه أعنّي، قال: يا ابن أخي سبّني؛ فقال: لا أسبّك وأنت عمي؛ قال: فسبّ الأحوص، فقال عامر: لا أسبّ والله الأحوص وهو عمي، قال: فكيف أعينك إذن؟ ولكن دونك نعليّ فإني ربعت فيهما أربعين مرباعا فاستعن بهما في نفارك، وكره ما كان بينهما. وجعلا منافرتهما إلى أبي سفيان بن حرب فلم يقل بينهما شيئا وكره ذلك لحالهما وحال عشيرتهما وقال: أنتما كركبتي البعير الأدرم؛ فأتيا اليمنى، قال: كلا كما يمنى، وأبى أن يقضي بينهما. فانطلقا إلى أبي جهل ابن هشام بن المغيرة لعنه الله فأبى أن يحكم بينهما. وكانت العرب تحاكم إلى قريش فأبت أن تحكم بينهما. فأتيا عيينة بن حصن فأبى أن يحكم ويقول بينهما شيئا. فأتيا غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي فردّهما إلى حرملة بن الأشعر المرّي، فردّهما إلى هرم بن سنان بن قطبة بن سيار بن عمرو الفزاري. فانطلقا حتى نزلا به. وقيل إنهما ساقا الإبل حتى أثنت وأربعت، فجعلا لا يأتيان أحدا إلا هاب أن يقضي بينهما. فقال هرم: لعمري لأحكمنّ بينكما ولأفضّلن، ولست أثق بواحد منكما، فأعطياني موثقا أطمئن به أن ترضيا بما أقول وتسلّما لما قضيت بينكما، وأمرهما بالانصراف، ووعدهما ذلك اليوم من قابل، فانصرفا. حتى إذا بلغ الأجل خرجا إليه، فخرج علقمة والأحوص ولم يتخلّف منهم أحد، معهم القباب والجزر والقدور، ينحرون في كلّ منزل ومعهم الحطيئة. وجمع عامر ببني مالك فقال: إنما تخاطرون عن أحسابكم فأجابوه وساروا معه، ولم ينهض أبو براء عامر بن مالك معه وقال لعامر: والله لا تطلع ثنية إلا وجدت الأحوص منيخا بها، وخرج معهم لبيد بن ربيعة والأعشى. وقال رجل من غني: يا عامر ما صنعت؟ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 أخرجت بني مالك تنافر بني الأحوص ومعهم القباب والجزر وليس معك شيء تطعمه الناس، ما أسوأ ما صنعت! فقال عامر لرجلين من بني عمه: أحصيا كلّ شيء مع علقمة، ففعلا. وقال: يا بني مالك إنها المقارعة عن أحسابكم فأشخصوا، بمثل ما شخصوا، ففعلوا. وقال لبيد [1] : [من الرجز] إني امرؤ من مالك بن جعفر ... علقم قد نافرت غير منفّر نافرت سقبا من سقاب العرعر فقال قحافة بن عوف بن الأحوص: [من الرجز] نهنه إليك الشعر يا لبيد ... واصدد فقد ينفعك الصدود ساد أبونا قبل أن تسودوا ... سؤددكم مطرّف زهيد وقال الأعشى: [من السريع] علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر سدت بني الأحوص لم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر وكره كل واحد من البطنين هذه المنافرة، فقال عامر بن مالك: [من الوافر] أؤمر أن أسبّ أبا شريح ... ولا والله أفعل ما حييت ولا أهدي إلى هرم لقاحا ... فيحيي بعد ذلك أو يميت أكلّف سعي لقمان بن عاد ... فيا لأبي شريح ما لقيت أبو شريح: هو الأحوص. وقال عبد عمرو بن شريح بن الأحوص: [من الطويل] لحى الله وفدينا وما ارتحلا به ... من السوأة الباقي عليهم وبالها   [1] شرح ديوان لبيد: 334. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 402 ألا إنما يردى صفاة متينة ... أبى الضيم أعلاها وأثبت حالها والأشعار في هذه القصة كثيرة وليست كلها مختارة. قال: فأقام القوم عند هرم أياما، فأرسل إلى عامر فأتاه سرّا لا يعلم به علقمة، قال: يا عامر، قد كنت أظنّ أنّ لك رأيا وأنّ فيك خيرا، وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك، أتنافر رجلا لا تفخر أنت ولا قومك إلا بآبائه، فما الذي أنت به خير منه؟ فقال عامر: أنشدك الله والرحم أن لا تفضل عليّ علقمة فوالله لئن فعلت ذاك لا أفلح بعدها، هذه ناصيتي بيدك فاجززها واحتكم في مالي، وإن كنت لا بدّ فاعلا فسوّ بيني وبينه. قال له هرم: انصرف فسوف أرى رأيي. فخرج عامر وهو لا يشكّ أنه منفّر عليه. ثم أرسل إلى علقمة سرا لا يعلم به عامر، فأتاه فقال: يا علقمة، والله إني كنت أحسب أنّ فيك خيرا [1] . وعاش هرم حتى أدرك خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسأله عمر فقال: يا هرم أي الرجلين كنت مفضّلا لو فضّلت؟ فقال: لو قلت ذلك اليوم يا أمير المؤمنين لعادت جذعة ولبلغت شعفات هجر، فقال عمر: نعم مستودع السرّ ومسند الأمر إليه يا هرم أنت، مثل هذا فليستودع وليسد العشيرة. وقال: إلى مثلك فليستبضع القوم أحكامهم. 1358- قال الهيثم بن عدي: قالت الأعاجم لكسرى بن هرمز: إنّ العرب لا عقول لهم ولا أحلام ولا كتاب لهم يدرسونه ولا إله يعبدونه، إنما يعبدون الحجر، فإذا أرادوا أحسن منه طرحوا الذي يعبدونه وأخذوا الذي هو أحسن منه فعبدوه،   [1] في الأغاني هنا زيادة حذفها ابن حمدون لأنها مكررة وهي: وأن لك رأيا، وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك. أتفاخر رجلا هو ابن عمك في النسب وأبوه أبوك، وهو مع هذا أعظم قومك غناء وأحمدهم لقاء؟ فما الذي أنت به خير منه؟ فقال له علقمة: أنشدك الله والرحم أن لا تنفر عليّ عامرا، اجزز ناصيتي واحتكم في مالي، وإن كنت لا بد أن تفعل فسوّ بيني وبينه. فقال: انصرف فسوف أرى رأيي. فخرج وهو لا يشك أنه سيفضل عليه عامرا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 403 وإنّ بعضهم يقتل بعضا. فعجب كسرى من ذلك وقال: بلغت حيلة قوم أن يكونوا على ما تصفون؟ قالوا: نعم. وكتب إلى النعمان بن المنذر يخبره بما قالت الأعاجم وأنه أنكر ذلك، وأمره أن يكتب إليه بشيء من كتبهم ليعتبر به عقولهم. فكتب النعمان إلى أكثم بن صيفي أن اكتب إلينا أمرا نبلغه عنك الملك، وأخبره بما رفع إلى الملك من قلة عقول العرب، فكتب إليه أكثم: لن يهلك امرؤ حتى يستصغر أفعال الناس عند فعله، ويستبدّ على قومه برأيه في أموره، ويعجب بما يظهر من مروءته، ويعبر بالضعف عن قوته، والعجز عن الأمر يتأتّى له، وإنه ليس للمختال في حسن الثناء نصيب، ولا للوالي المعجب في بقاء سلطانه ظفر به، وإنه لا تمام لشيء مع العجب، ومن أتى المكروه إلى أحد فبنفسه بدأ، لقاء الأحبة مسلاة، اللهم ومن أسر ما يشتبه إعلانه فلم يعالن الأعداء بسريرته سلم الناس عليه وعظم عندهم شأنه. والغيّ أن تتكلم فوق ما يشبه حاجتك، وينبغي لمن له عقل أن لا يثق بإخاء من لم تضطرّه إليه حاجة، وأقلّ الناس راحة الحسود، من أتى بيده ما يقصده بقلبه فأعفه من اللائمة، ولا تحل رحمتك دون عقوبتك، فإن الأدب رفق، والرفق يمن؛ إنّ كثير النصح يهجم على كثير الظّنّة؛ إن أردت النصيحة فبعد إسرافك على الفضيحة؛ وانّ أكيس الكيس التّقى وأحمق الحمق الفجور. فبعث النعمان بهذا الكتاب إلى كسرى فقرىء عليه وفسّر له، فقال لأصحابه: أهؤلاء الذين زعمتم أنهم لا عقول لهم، ما على الأرض قوم أعقل من هؤلاء وليكوننّ لهم نبأ. خبر النعمان ووفود العرب معه على كسرى. 1359- قال الكلبي: قدم النعمان بن المنذر على كسرى وعنده وفود الروم والهند والصين، فذكروا ملوكهم وبلادهم، فافتخر النعمان بالعرب وفضّلهم على جميع الأمم لا يستثني فارسا ولا غيرها. فقال كسرى- وأخذته غيرة الملك-: يا نعمان لقد فكرت في أمر العرب وغيرهم من الأمم، ونظرت في حال من يقدم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 404 عليّ من وفود الأمم، فوجدت الروم لها حظ في اجتماع ألفتها وعظم سلطانها وكثرة مدائنها ووثيق بنيانها، وأنّ لها دينا يبين حلالها وحرامها، ويردّ سفيهها ويقوّم جاهلها؛ ورأيت الهند لها نحو من ذلك في حكمتها وطبها، مع كثرة أنهار بلادها وأثمارها، وعجيب صناعتها، وطيب أشجارها، ودقيق حسابها مع كثرة عددها؛ وكذلك الصين في اجتماعها وكثرة صناعات أيديها وفروسيتها وهمتها في آلة الحرب وصنعة الحديد، وإنّ لها ملكا يجمعها؛ والترك والخزر على ما بهم من سوء الحالة والمعاش وقلة الريف والثمار، وما هو رأس عمارة الدنيا من المساكن والملابس، لهم ملوك تضم قواصيهم وتدبر أمرهم؛ ولم أر للعرب شيئا من خصال الخير في أمر دين ولا دنيا ولا حزم ولا قوة ولا عقل ولا حكمة، مما يدل على مهانتها وذلّها وصغر همّتها، محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة والطيور الطائرة الحائرة، يقتلون أولادهم من الفاقة، ويقتل بعضهم بعضا من الحاجة، وقد خرجوا من مطاعم الدنيا وملابسها ولهوها ولذتها، فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم الإبل التي يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها. هذا خبر تشهد معانيه أنه مصنوع، فإنّ ألفاظه مولدة، ورجال العرب والذين نسب إليهم الحكاية [1] متباعدة أعصارهم، لكنه يتضمن محاسن العرب والاحتجاج على من ينتقصهم ويقدح فيهم، وفي هذه الفائدة كفاية لأجلها نقلته إلى هاهنا. وإن قرى أحدهم ضيفا عدّها مكرمة، وإن أطعم أكلة عدّها غنيمة، تنطق بذلك أشعارهم، وتفتخر بذلك رجالهم، ما خلا هذه التنوخية الذي استنّ جدي اجتماعها وشيّد مملكتها ومنعها من عدوّها، فحريّ لها ذلك إلى يومنا هذا، وإنّ لها مع ذلك آثارا ولبوسا وقرارا وحصونا، نسبه بعض أمور الناس- يعني أهل   [1] م: الخطابة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 405 اليمن- ثم لا أراكم تستكينون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة والبؤس، حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب الناس. قال النعمان: أصلح الله الملك، حق لأمة الملك منها أن تسمو بفضلها، ويعظم خطبها، وتعلو درجتها، إلّا أنّ عندي في كل ما نطق به الملك جوابا في غير ردّ عليه ولا تكذيب له، فإن أمّنني من غضبه نطقت به. قال كسرى: قل فأنت آمن. قال النعمان: أما أمتك أيها الملك فليس تنازع في الفضل لموضعها الذي هي به في عقولها وأحلامها وبسط محلها وبحبوحة عزها، وما أكرمها الله به من ولاية آبائك وولايتك، وأما الأمم الذي ذكرت فأيّ أمة قرنتها بالعرب إلا فضلتها. قال كسرى: بماذا؟ قال النعمان: بعزّها ومنعتها وحسن وجوهها وألوانها وبأسها وسخائها، وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتها ووفائها. فأما عزّها ومنعتها فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوّخوا البلاد ووطّدوا الملك وقادوا الجنود، لم يطمع فيهم طامع ولم ينلهم نائل، حصونهم ظهور خيولهم ومهادهم الأرض وسقفهم السماء وجنتهم السيوف وعدّتهم الصبر، ثم إنّ غيرهم من الأمم إنما عزّها الحجارة والطين وجزائر البحار. وأما حسن وجوهها وألوانها فقد تعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المحترقة والصين المحسمة والترك المشوهة والروم المقشرة. وأما أنسابها فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أولاها وأخراها حتى إنّ أحدهم يسأل عما وراء أبيه دنية فلا ينسبه ولا يعرفه، وليس أحد من العرب إلا يسمّي آباءه أبا فأبا، حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه ولا ينسب إلى غير نسبه ولا يدعى إلى غير أبيه. وأما سخاؤهم فإنّ أدناهم رجلا للذي عنده البكرة يكون عليها بلاغه في حمولته وشبعه وريه، فيطرقه الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويحتزىء بالسّربة فيعقرها له ويرضى أن يخرج له عن دنياه كلّها فيما يكسبه من أحدوثة الشكر وطيب الذكر. وأما حكمة ألسنتها فإنّ الله أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه، مع معرفتهم بالإشارة وضربهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 406 الأمثال، وإبلاغهم في الصفات ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس. ثم خيلهم أفضل الخيول، ونساؤهم أعفّ النساء، ولباسهم أفضل اللباس، ومعادنهم الفضة والذهب، وحجارة جبالهم الجزع، ومطاياهم التي تبلغ على مثلها السفر ويقطع بمثلها البلد القفر. وأما دينها وشريعتها فإنهم متمسكون به حتى يبلغ أحدهم من تمسكه بدينه أنّ لهم أشهرا حراما وبلدا محرّما وبيتا محجوجا ينسكون فيه مناسكهم، ويذبحون ذبائحهم، فيلقى الرجل قاتل أبيه وأخيه- وهو قادر على أخذ ثأره وإدراك دمه- فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله. وأما وفاؤها فإنّ أحدهم يلحظ اللحظة ويومىء الإيماءة فهي عقدة لا يحلّها إلا خروج نفسه، وإنّ أحدهم يرفع عودا من الأرض فيكون رهنا في يده، فلا يغلق رهنه ولا تخفر ذمّته، وإن أحدهم يبلغه أنّ رجلا استجار به، وعسى أن يكون نائيا عن داره، فيصاب فلا يرضى حتى تفنى القبيلة التي أصابته أو تفنى قبيلته لما يخفر من جواره، وإنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث عن غير معرفة ولا قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه وأموالهم دون ماله. وأما قولك أيها الملك إنهم يئدون أولادهم من الحاجة فإنما يفعله من يفعله منهم بالإناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج. وأما قولك إنّ أفضل طعامهم لحوم الإبل على ما وصفت منها، فما تركوا ما دونها إلا احتقارا له، فعمدوا إلى أجلّها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم، مع أنها أكثر البهائم شحوما، وأطيبها لحوما، وأرقّها ألبانا، وأقلّها غائلة، وأحلاها مضغة، وأنه لا شيء من اللحم يعالج بما يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه. وأما تحاربهم وقتل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من أنفسها ضعفا وتخوّفت نهوض عدوّها إليها بالزحف، وإنه إنما تكون المملكة العظيمة لأهل بيت واحد يعرف فضله على سائرهم، فيلقون إليه أمورهم وينقادون إليه بأزمتهم. فأما العرب فإنّ ذلك كثير فيهم، حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا أجمعين، مع أنفتهم من أداء الخراج والوطء والعسف. فأما اليمن التي وصفها الملك فإنما أتى الملك إليها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 407 الذي أتاه عند غلبة الحبشي له على ملك متّسق وأمن مجتمع، فأتاه مسلوبا طريدا مستصرخا قد تقاصر عن إيوائه، وصغر في عينه ما شيد من بنيانه، ولولا ما وتر به ممن يليه من العرب لمال إلى محتل، ولو وجد من يجيد الطعان ويعصب الأحرار من غلبة العبيد الأشرار. قال: فعجب كسرى لما أجابه به، وقال: إنك لأهل لموضعك من الرئاسة في أهل إقليمك ولما هو أفضل، ثم كساه من كسوته وسرحه إلى موضعه من الحيرة. فلما قدم النعمان الحيرة وفي نفسه ما فيها مما سمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين أمرهم، بعث إلى أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة التميميين، وإلى الحارث بن عباد وقيس بن مسعود البكريين، وإلى خالد بن جعفر وعلقمة ابن علاثة وعامر بن الطفيل العامريين، وإلى عمرو بن الشريد السلمي وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، والحارث بن ظالم المرّي. فلما قدموا عليه في الخورنق قال لهم: قد عرفتم حال هذه الأعاجم وقرب جوار العرب منهم، وقد سمعت من كسرى مقالة تخوّفت أن يكون لها غور وأن يكون إنما أظهرها لأمر أراده أن يتخذ العرب خولا كبعض طماطميه في أدائهم الخراج إليه كما يفعل ملوك الأمم الذين حوله، واقتصّ عليهم مقالة كسرى وما ردّ عليه. فقالوا: وفّقك الله أيها الملك فمرنا بأمرك وادعنا إلى ما شئت، قال: إنما أنا رجل منكم وإنما ملكت وعززت بمكانكم وبما يتخوّف من ناحيتكم، وليس شيء أحبّ إليّ مما سدد الله به أمركم وأصلح شأنكم وأدام عزّكم، والرأي أن تسيروا بجماعتكم أيها الرهط وتنطلقوا بكتابي هذا إلى باب كسرى، فإذا دخلتم عليه نطق كل رجل منكم بما حضره ليعلم أنئ العرب على غير ما ظنّ أن حدّثته نفسه، ولا ينطق رجل منكم بما يغضبه، فإنه ملك عظيم السلطان كثير الأعوان، مترف معجب بنفسه، ولا تنخزلوا له انخزال الخاضع الذليل، وليكن أمرا بين ذلك يظهر به وثاقة حلومكم وغور عقولكم وفضل منزلتكم وعظيم أخطاركم. وليكن أول من يبدأ منكم بالكلام أكثم بن صيفي لسنّه وحاله، ثم تتابعوا على الولاء من منازلكم التي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 408 وضعتكم بها، فإنما دعاني إلى التقدمة إليكم علمي بحرص كلّ رجل منكم على التقدّم قبل صاحبه، فلا يكوننّ ذلك منكم فيجد في أدبكم طعنا، فإنه ملك مترف وقادر متسلّط. ثم دعا لهم بما في خزانته من طرائف حلل الملوك، فكسا كلّ رجل منهم حلّة وعمّمه بعمامة وختمه بياقوتة، وأمر لكل رجل منهم بنجيبة ومهرية وفرس يجنب معه، وكتب لهم كتابا فيه: أما بعد فإنّ الملك ألقى إليّ من أمر العرب ما قد علم، وأجبته فيه بما قد فهم، مما أحبّ أن يكون منه على علم، ولم يتلجلج في نفسه أنّ أمة من الأمم التي افتخرت دونه بملكها وحمت ما يليها بفضل قوتها يبلغها في شيء من الأمور التي يتعزّز بها ذوو الحزم والقوة والتدبير والمكيدة. ولقد أنفذت إليك أيها الملك رهطا من العرب لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم، فليسمع الملك منهم وليغمض عن جفاء إن ظهر منهم، وليكرمني بإكرامهم ويعجّل سراحهم، وقد نسبتهم في أسفل كتابي هذا إلى عشائرهم. فخرج القوم في أهبتهم حتى دفعوا إلى باب كسرى بالمدائن، فدفعوا إليه كتاب النعمان فقرأه وأمر بإنزالهم إلى أن يجلس لهم مجلسا يسمع منهم. فلما كان من الغد أمر مرازبته ووجوه أهل مملكته فحضروا مجلسه، وجلس على سريره، وتتوّج بتاجه، وتهيّأ لهم بأعظم الهيئة، ثم أذن لهم فدخلوا وأجلسوا على كراس عن يمينه وعن شماله، ثم دعا بهم على الولاء والمراتب التي وصفهم بها النعمان في كتابه، فقام الترجمان ليؤدي إليه كلامهم، ثم أذن لهم في الكلام. (1) فقام أكثم بن صيفي فقال: إنّ أفضل الأشياء أعاليها، وأعلى الرجال ملوكها، وأفضل الملوك أعمّها نفعا، وخير الأزمنة أخصبها، وأفضل الخطباء أصدقها: الصدق منجاة، والكذب مهواة، والشر لجاجة، والحزم مركب صعب، والعجز مركب وطيء، وآفة الرأي الهوى، والعجز مفتاح الفقر، وخير الأمور مغبة الصبر، حسن الظنّ ورطة، وسوء الظنّ عصمة، إصلاح فساد الرعية خير من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 409 إصلاح فساد الراعي، من فسدت بطانته كان كالغاصّ بالماء، شرّ البلاد بلاد لا أمير بها، شرّ الملوك من خافه البريء، المرء يعجز لا المحالة، أفضل البرّ برّ برة، خير الأعوان من لم يرائي بالنصيحة، أحقّ الجنود من حسنت سيرته، يكفيك من الزاد ما بلغك المحلّ، حسبك من شرّ سماعه، الصمت حكم وقليل فاعله، البلاغة الإيجاز، من تشدّد نفّر ومن تراخى ألّف. فتعجّب كسرى من أكثم ثم قال له: ويحك يا أكثم ما أحكمك وأوثق كلامك لولا وضعك آخر كلامك في غير موضعه. قال أكثم: الصدق ينبي عنك لا الوعيد، قال كسرى: لو لم يكن للعرب غيرك لكفاها، قال أكثم: ربّ قول أنفذ من صول. 2) ثم قام حاجب بن زرارة التميمي فقال: وري زندك، وعلت يدك، وملّئت سلطانك، إن العرب أمة غلظت أكبادها، واستحصدت مرّتها، وهي لك واقعة ما تألفتها، مسترسلة ما لاينتها، سامعة ما سامحتها، وهي العلقم مرارة، والصاب فظاظة، والعسل حلاوة، والماء الزلال سلاسة، نحن وفودها إليك وألسنتها لديك، ذمتنا محفوظة، وأحسابنا ممنوعة، وعشائرنا فينا سامعة مطيعة، إن بادرت لك حامدين جرى لك بذاك عموم محمدتها، وإن لم تذمم لم تخصّ بالذم دونها. قال كسرى: يا حاجب ما أشبه حجل التلال بألوان صخرها، قال حاجب ابن زرارة: زئير الأسد بصولتها، قال كسرى: وذاك. 3) ثم قام الحارث بن عباد فقال: دامت لك المملكة باستكمال جزيل حظّها وعلوّ سنائها، من طال رشاؤه كثر متحه، ومن ذهب ماله قلّ منحه، وعند تناقل الأقاويل يعرف اللبّ، وهذا مقام يستوجب بما ينطق فيه الركب، ويعرف كنه ألباب العجم والعرب، ونحن جيرتك الأدنون وأعوانك الأعلون، خيولنا جمة وجيوشنا قحمة، إن استجرنا فغير ريض، وإن استطرقنا فغير جهض، وإن طلبنا فغير غمض، لا ننثني لذعر، ولا نتنكّر لدهر، رماحنا طوال وأعمارنا قصار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 410 قال كسرى: أنفس عزيزة وآلة ضعيفة؟ قال الحارث: أيها الملك وأنّى تكون للضعيف عزة وللصغير مرة؟ قال كسرى: لو قصر عمرك لم تستول على لسانك نفسك. قال الحارث: أيها الملك إنّ الفارس إذا حمل نفسه على الكتيبة مغرّرا بنفسه على الموت فهي منية استقبلها وحياة استدبرها، والعرب تعلم أنّي أبعث الحرب قدما وأجلسها وهي تصرف نابها، حتى إذا حشّت نارها وسعّرت لظاها وكشفت عن ساقها، جعلت مقادها رمحي وبرقها سيفي ورعدها زئيري، ولم أقصّر عن خوض ضحضاحها حتى أنغمس في غمرات لججها وأكون ملكا لفرساني إلى بحبوحة كبشها، فأستمطرها دما وأترك حماتها جزر السباع وكلّ نسر قشعم. قال كسرى لمن حضره من العرب: أكذلك هو؟ قالوا: فعاله أنطق من لسانه. فقال كسرى: ما رأيت كاليوم وفدا أحدّ ولا شهودا أرفد. 4) ثم قام عمرو بن الشريد السلمي فقال: أيها الملك نعم بالك، ودام في السرور حالك، إنّ عاقبة الكلام متدبّرة، وأشكال الأمور معتبرة، وفي كثير القول ثقلة، وفي قليله بلغة، وفي الملوك سورة العزة وهذا منطق له ما بعده، شرف فيه من شرف، وخمل فيه من خمل؛ لم نأت لضيمك، ولم نفد لسخطك، ولم نتعرّض لرفدك؛ إنّ في أموالنا مستندا وعلى عزّنا معتمدا، وإن أورينا نارا اتقينا، وإن أود دهرنا اعتدلنا، إلا أنّا مع هذا لجوارك حافظون، ولمن رامك مكافحون، حتى يحمد الصّدر، ويستطاب الخبر. قال كسرى: ما يقوم قصد منطقك بإفراطك، ولا مدحك بذمّك، قال عمرو: كفى بقليل قصدي هاديا، وبأيسر إفراطي مخبرا، ولم يلم من عرفت نفسه عما يعلم، ورضي من القصد بما بلغ. قال كسرى: ما كل ما يعرف المرء ينطق به اللسان، اجلس. 5) ثم قام خالد بن جعفر الكلابي فقال: أحضر الله الملك إسعادا، وأرشده إرشادا؛ إنّ لكلّ منطق فرصة، وإنّ لكل حاجة غصّة، وعيّ المنطق أشدّ من عيّ السكوت، وعثار القول أنكى من عثار الوعث، وما فرصة المنطق عندك إلا بما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 411 تهوى، وغصة المنطق بما لا تهوى غير مستطاعة، وتركي ما أعلم من نفسي ويعلم من سمعني أني له مطيق أحبّ إليّ من تكليفي ما لا أتخوّف وتتخوّف مني، وقد أوفدنا إليك ملكنا النعمان، ونعم حامل المعروف والإحسان؛ إنّ أنفسنا لك بالطاعة باخعة، ورقابنا لك بالنصيحة خاضعة، وأيدينا لك بالوفاء رهينة. قال كسرى: نطقت بعقل، وسموت بفضل، وعلوت بنبل. 6) ثم قام علقمة بن علاثة فقال: نهجت لك سبل الرشاد، وخضعت لك رقاب العباد، إنّ للأقاويل مناهج، وللآراء موالج، وللعويص مخارج، وخير القول أصدقه، وأفضل الطلب أنجحه؛ إنّا وإن كانت المحبة أحضرتنا، والوفادة قرّبتنا، فليس من حضرك منا بأفضل ممن عزب عنك، بل لو فتّشت كلّ رجل منهم وعلمت منهم ما علمنا لوجدت له في آبائه أندادا وأكفاء، كلهم إلى الفضل منسوب، وبالشرف والسؤدد موصوف، وبالرأي الفاضل والأدب النافذ معروف، يحمي حماه، ويروي نداماه، ويذود أعداه، ولا تخمد ناره ولا يحترز منه جاره، أيها الملك من يبل العرب يعرف فضلهم، فاصطنع العرب فإنها الجبال الرواسي عزا، والبحور الزواخر طما، والنجوم الزواهر شرفا، والحصى عددا، فإن تعرف لهم فضلهم يعزّوك، وإن تستصرخهم لا يخذلوك. قال كسرى- وخشي أن يأتي منه كلام يحمله على السخط عليه-: حسبك أبلغت وأحسنت. 7) ثم قام قيس بن مسعود الشيباني فقال: أصاب الله بك المراشد، وجنّبك المصائب، ووقاك مكروه الشصائب [1] ، فما أحقنا إذ أتيناك بإسماعك ما لا يحش صدرك، ولا يزرع لنا حقدا في قلبك، لم نقدم أيها الملك لمباهاة، ولم ننتسب لمعاداة، ولا نزرع لنا حقدا في قلبك، ولكن لتعلم أنت ورعيّتك ومن حضرك من وفود الأمم أنّا في المنطق غير مفحمين وفي الناس غير مقصّرين، إن جوزينا   [1]- الشصائب: الشدائد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 412 فغير مسبوقين وإن سوبقنا فغير مغلوبين. قال كسرى: غير أنكم إذا عاهدتم غير وافين، وهو يعرض به في تركه الوفاء بضمانه السواد. قال قيس: أيها الملك ما كنت في ذلك إلا كواف غدر به وكخافر خفر بذمته. قال كسرى: ما يكون لضعيف ضمان ولا لذليل خفارة. قال قيس: أيها الملك ما أنا فيما تخفر من ذمتي بألزم بالعار منك فيما قتل من رعيتك وانتهك من حرمتك. قال كسرى: كذلك من ائتمن الخانة واستخدم الأثمة ناله من الخطأ ما نالني، وليس كل الناس سواء. كيف رأيت حاجب بن زرارة؟ ألم يحكم قوله فيبرم، ويعهد فيوفي ويعد فينجز؟ قال: ما أحقه بذلك وما رأيته الأولى. قال كسرى: القوم بزل فأفضلها أشدها. 8) ثم قام عامر بن الطفيل فقال: كثر فنون المنطق، ولبس القول أعمى من حندس الظلماء، وإنما العجز في الفعال، والفخر في النجدة، والسؤدد مطاوعة القدرة، ما أعلمك بقدرنا وأبصرك بفضلنا وبالجزاء إن دالت الأيام وثابت الأحلام أن تحدث أمور لها أعلام. قال كسرى: وما تلك الأعلام والأيام؟ قال: مجتمع الأحياء من ربيعة ومضر في أمر يذكر. قال كسرى: وما الأمر الذي يذكر؟. قال: ما لي علم بأكثر ما خبرني مخبر. قال كسرى: ومتى تكهّنت يا ابن الطفيل؟. قال عامر: لست بكاهن ولكني بالرمح طاعن. قال كسرى: فإن أتاك آت من ناحية عينك العوراء ما أنت صانع؟. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 413 قال: ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي، وما أذهب عيني عبث ولكن مطاعنة المعث. 9) ثم قام عمرو بن معدي كرب الزبيدي فقال: إنّ المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فبلاغ المنطق الصواب، وملاك النجدة الارتياد، وعفو الرأي خير من استكراه الفكرة، وتوقيف الخيرة خير من اعتساف الخيرة، فاجتبذ طاعتنا بلطفك، واكظم بادرتنا بحلمك، وألن لنا كنفك، يسلس لك قيادنا؛ وإنّا أناس لم يكسر صفاتنا قراع منافر أراد لها قصما، ولكن منعنا حمانا من كلّ من رام لنا هضما. 10) ثم قام الحارث بن ظالم فقال: إنّ من آفة المنطق الكذب، ومن لؤم الأخلاق الملق، ومن خطل الرأي صفة الملك المسلط، فإن أعلمناك أنّ مواجهتنا لك من ائتلاف، وانقيادنا لك عن إنصاف، ما أنت لقبول ذلك منا بخليق وللاعتماد عليه بحقيق، ولكن الوفاء بالعهود وإحكام ولث العقود، والأمر بيننا وبينك معتدل، ما لم يأت من قبلك ميل وزلل. قال كسرى: من أنت؟ قال: الحارث بن ظالم، قال: إنّ في أسماء آبائك لدليلا على قلّة وفائك، وأن تكون أولى بالغدر، وأقرب من الوزر. قال الحارث: إنّ في الحق مغضبة والسر والتغافل، ولم يستوجب أحد الحكم إلا مع المقدرة، فليشبه أفعالك مجلسك. فقال كسرى: هذا فتى القوم. ثم قال كسرى: قد فهمت ما نطق فيه خطباؤكم، وتفنّن فيه متكلّموكم، ولولا أني أعلم أنّ الأدب لم يثقف أودكم ولم يحكم أموركم، وأنه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده منطق الرعيّة الخاضعة الباخعة، فنطقتم بما استولى على ألسنتكم وغلب على طبائعكم، لم أجز لكم كثيرا مما تكلمتم به، وإنني لأكره أن أجبه وفودي وأخشّن صدورهم، وللذي [أطلب] أحبّ من إصلاح مدبركم، وتألّف سوادكم والإعذار إلى الله فيما بيني وبينكم، وقد قبلت ما كان من منطقكم من صواب، وصفحت عما فيه من خلل، فانصرفوا إلى ملككم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 414 فأحسنوا مؤازرته، والزموا طاعته، واردعوا سفهاءكم، وأقيموا أودهم، وأحسنوا أدبهم، فإنّ في ذلك صلاح العامة وأخذا بطول السلامة. ثم أمر لكل رجل منهم بخمسين دينارا وحلة، وصرفهم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 415 نوادر من هذا الباب «1360» - لما زفّت ميسون بنت بحدل الكلبية إلى معاوية تشوفت إلى البادية فقالت: [من الوافر] لبيت تخفق الأرواح فيه ... أحبّ إليّ من قصر منيف وأصوات الرياح بكل فجّ ... أحبّ إليّ من نقر الدفوف وكلب ينبح الطّراق عني ... أحبّ إليّ من هرّ ألوف وبكر يتبع الأظعان صعب ... أحبّ إليّ من بغل زفوف ولبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشّفوف وخرق من بني عمي كريم ... أحبّ إليّ من علج عليف وتروى الأبيات لأعرابيّ وأولها: لضأن ترتعي الذكران حولي ... أحبّ إليّ من بقر علوف وشرب لبينة وتطيب نفسي ... أحبّ إليّ من أكل الرغيف فلما بلغت الأبيات معاوية قال: والله ما رضيت بنت بحدل حتى جعلتني علجا عليفا. «1361» - قال الفرزدق: أصابني بالبصرة مطر جود ليلا فإذا أنا بأثر دواب قد خرجت ناحية البرية، فظننت أنّ قوما قد خرجوا لنزهة، فقلت: خليق أن يكون معهم سفرة وشراب، فقصصت آثارهم حتى دفعت إلى بغال عليها رحائل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 416 موقوفة على غدير فأغذذت السير نحو الغدير، فإذا نسوة مستنقعات في الماء؛ فقلت: لم أر كاليوم قط ولا يوم دارة جلجل، وانصرفت مستحييا منهن. فنادينني بالله يا صاحب البغلة ارجع نسألك عن شيء، فانصرفت إليهن وهنّ في الماء إلى حلوقهن، فقلن: بالله لما حدثتنا بحديث دارة جلجل، فقلت: إنّ امرأ القيس كان يهوى ابنة عمّ له يقال لها عنيزة، فطلبها زمانا فلم يصل إليها حتى كان يوم الغدير، وهو يوم دارة جلجل، وذلك أنّ الحيّ احتملوا فتقدّم الرجال وتخلّف النساء والخدم والثقل، فلما رأى ذلك امرؤ القيس تخلّف بعد ما سار مع الرجال غلوة، فكمن في غيابة من الأرض حتى مرّ به النساء، فإذا فتيات وفيهن عنيزة، فلما وردن الغدير قلن: لو نزلنا فذهب بعض كلالنا، فنزلن إليه ونحين العبيد عنهنّ، ثم تجرّدن فاغتمسن في الغدير كهيئتكنّ الساعة، فأتاهنّ امرؤ القيس مخاتلا كنحو ما أتيتكنّ وهنّ غوافل، فأخذ ثيابهنّ فجمعها. ورمى الفرزدق بنفسه عن بغلته فأخذ بعض أثوابهنّ فجمعها ووضعها على صدره وقال لهنّ كما أقول لكنّ: والله لا أعطي جارية منكنّ ثوبها ولو قامت في الغدير يومها حتى تخرج مجرّدة. قال الفرزدق: فقالت إحداهنّ وكانت أمجنهنّ: هذا امرؤ القيس كان عاشقا لابنة عمه، أفعاشق أنت لبعضنا؟ قال: لا والله ما أعشق منكنّ واحدة ولكن أستهبكنّ، قال: فنعرن وصفقن بأيديهنّ وقلن: خذ في حديثك فلست منصرفا إلا بما تحبّ. قال الفرزدق في حديث امرىء القيس: فتأبّين عليه إلى آخر النهار وخشين أن يعصرن دون المنزل الذي أردنه، فخرجت إحداهنّ فدفع لها ثوبها ووضعه ناحية فأخذته ولبسته، وتتابعن على ذلك حتى بقيت عنيزة وحدها، فناشدته الله أن يطرح إليها ثوبها، فقال: دعينا منك فأنا حرام إن أخذت ثوبك إلا بيدك، قال: فخرجت فنظر إليها مقبلة ومدبرة، فوضع لها ثوبها فأخذته، وأقبلن عليه يعذلنه ويلمنه ويقلن: عرّيتنا وحبستنا وجوّعتنا، قال: فإن نحرت لكنّ ناقتي تأكلن منها؟ قلن: نعم، فأخذ سيفه فعرقبها ونحرها وكشطها وصاح بالخدم فجمعوا له حطبا فأجّج نارا عظيمة، وجعل يقطع لهنّ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 417 سنامها وأطاييها وكبدها، فيقلبها على الجمر فيأكل ويأكلن معه، ويشرب من ركوة كانت معه، ويغنيهنّ وينبذ إليهنّ وإلى العبيد والخدم من الكباب حتى شبعن وطربن. فلما أراد الرحيل قالت إحداهنّ: أنا أحمل طنفسته، وقالت الأخرى: أنا أحمل رحله، وقالت الأخرى: عليّ حشيته وأنساعه. فتقاسمن رحله، وبقيت عنيزة فلم يحمّلها شيئا، فقال لها امرؤ القيس: يا ابنة الكرام لا بدّ أن تحمليني معك فإني لا أطيق المشي وليس من عادتي؛ فحملته على غارب بعيرها، وكان يدخل رأسه في خدرها فيقبّلها فإذا امتنعت مال حدجها فتقول: يا امرأ القيس عقرت بعيري فانزل، فذلك قوله: [من الطويل] تقول وقد مال الغبيط بنا معا ... عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل فلما فرغ الفرزدق من حديثه، قالت تلك الماجنة: قاتلك الله فما أحسن حديثك وأطرفك فمن أنت؟ قلت: من مضر، قالت: فمن أيها؟ قلت: من تميم، قالت: فمن أيها؟ قال: إلى ها هنا انتهى جوابي، قالت: إخالك الفرزدق، قلت: الفرزدق شاعر وأنا راوية، قالت: دعنا من توريتك عن نفسك، أسألك بالله: أنت هو؟ قلت: أنا هو والله، قالت: فإن كنت أنت هو فلا أحسبك تفارق ثيابنا إلا عن رضى. قلت: أجل، قالت: فاصرف وجهك عن وجهنا ساعة، وهمست إلى صواحباتها بشيء لم أفهمه، فانعطفن من الماء فتوارين وأبدين رؤوسهن وخرجن ومع كل واحدة منهنّ ملء كفّها طينا، وجعلن يتعادين نحوي ويضربن بذلك الطين والحمأة وجهي وثيابي وملأن عيني، ووقعت على وجهي مشغولا بعينيّ وما فيهما، وشددن على ثيابهنّ فأخذنها، وركبت تلك الماجنة بغلتي وتركتني متخبّطا بأسوأ حال وأخزاها، ويقلن: زعم الفتى أنه لا بدّ له أن ينيكنا. فما زلت في ذلك المكان حتى غسلت وجهي وثيابي وجففتها وانصرفت عند مجيء الظلام إلى منزلي على قدميّ، وبغلتي قد وجّهن بها إلى منزلي مع رسول وقلن له: قل له يقلن لك أخواتك: طلبت منا ما لا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 418 يمكننا، وقد وجّهنا إليك بزوجتك فنكها سائر ليلتك، وهذا كسر درهم يكون لحمامك إذا أصبحت. وكان إذا حدّث بهذا الحديث يقول: ما منيت بمثلهن. 1362- حكى يونس عن أبي عمرو بن كعب بن أبي ربيعة: اشترى لأخيه كلاب بن ربيعة بقرة بأربعة أعنز، فركبها كلاب ثم أجراها فأعجبه عدوها، فجعل يقول: فدى لها أبو أبي بويب الغصن بي ثم التفت إلى أخيه كعب فقال: زدهم عنزا حين أعجبته، فذهبت مثلا للأحمق إذ أمره بالزيادة بعد البيع. ويزعمون أنه ألجمها من قبل استها وحوّل وجهه إلى استها. قال: ولما ركب كلاب البقرة نظر إلى أرنب ففزع منها وركض البقرة وقال: [من الرجز] الله نجّاك وجري البقره ... من جاحظ العينين تحت الشجره 1363- ويقولون: كان الأسد يهاب الحمار ويرى فيه القوة والمنعة، فاستجرّه ذات يوم ليبلوه، فقال: يا حمار ما أكبر أسنانك! قال: للتمام، قال: ما أنكر حوافرك! قال: للصم ذاك، قال: ما أتم أذنك! قال: للذب ذاك، قال: ما أعظم بطنك! قال: ضرط أكثر ذاك. فلما سمع مقالته اغتنم فيه فوثب عليه فافترسه. فكلّهن يضربن مثلا للمنظر الذي يخالف المخبر. 1364- حدث الأصمعي عن يونس قال: صرت إلى حيّ بني يربوع فلم أجد إلا النساء فأضرّ بي الجوع، فصرت إليهنّ وقلت: هل لكنّ في الصلاة؟ قلن: أيم الله إنّ لنا فيها لأهلا، فأذّنت وأقمت وتقدّمت وكبّرت وقرأت الحمد لله رب العالمين، ثم قلت: يا أيها الذين آمنوا إذا نزل بكم الضيف فلتقم ربة البيت فتملأ قعبا زبدا وقعبا تمرا فإنّ ذلك خير وأعظم أجرا، قال: فو الله ما انقلبت من صلاتي إلا وصحاف القوم حولي، فأكلت حتى امتلأت. ثم جاء رجال الحي، فسمعت امرأة وهي تقول لزوجها: يا فلان ما سمعت قرآنا أحسن من قرآن قرأه اليوم ضيفنا، فقال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 419 لها زوجها: تبارك ربنا إنه ليأمرنا بمكارم الأخلاق. 1365- قيل لأعرابيّ: ما أصبركم على البدو، قال: كيف لا يصبر من طعامه الشمس وشرابه الريح، ولقد خرجنا في إثر قوم تقدّموا مراحل ونحن حفاة والشمس في قلة السماء حيث انتعل كل شيء ظلّة، وما زادنا إلا التوكّل وما مطايانا إلا الأرجل حتى لحقناهم. 1366- عبيد: [من الطويل] لعمرك إني والظليم بقفرة ... لمشتبها الأهواء مختلفا النجر خليلا صفاء بعد طول عداوة ... ألا يا لتقليب القلوب وللدهر 1367- قال: اجتمع السرور والنوك والخصب والوباء والمال والسلطان والصحة والفاقة بالبادية، فقالوا: إنّ البادية لا تسعنا فتعالوا نتفرّق في الآفاق، فقال السرور: أنا منطلق إلى اليمن، قال النوك: أنا معك، قال الخصب: أنا إلى الشام، قال الوباء: أنا معك، قال المال: أنا إلى العراق، قال السلطان: أنا معك، قال الفاقة: ما بي حراك، فقالت الصحة أنا معك، فبقيت الفاقة والصحة بالبادية. 1368- الحرقوص دويبة أكبر من البرغوث وعضّها أشدّ. تزعم العرب أنها مولعة بفروج النساء، ويقال لها: النهيك، وقيل هو البرغوث بعينه، قال أعرابي وقد عضّ بهن امرأته: [من الطويل] وإني من الحرقوص إن عضّ عضّة ... بما بين رجليها لجدّ غيور تطيّب نفسي عندما يستفزّني ... مقالتها إنّ النهيك صغير ويتلوه الباب السادس والثلاثون والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد نبيّه وآله وصحبه وسلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 420 محتويات الكتاب الباب الثاني والثلاثون في شوارد الأمثال 5 خطبة الباب 7 مقدمة الباب 8 1- من شواهد الكتاب العزيز 9 2- من الأمثال المأخوذة عن النبي 11 3- منتهى التمثيل في لفظ أفعل 12 4- غلبة الأقدار والجدود 30 5- الحنكة والتجارب 33 6- الأخذ بالحزم والاستعداد للأمر 36 7- ما جاء في الاغترار والتحيل والإطماع 40 8- البر والعقوق والمحافظة على الأهل والإخوان 42 9- في الحمية والأنفة 45 10- في الحلوم والثبات 48 11- في الصدق والكذب 49 12- وصف الرجل بالتبريز والفعل الحميد 52 13- التمسك بالأمر الواضح 54 14- التوسط في الأمور 55 15- التساوي في الأمر 57 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 421 16- المجازاة 59 17- التفرق والزيال 60 18- حفظ اللسان 61 19- في التصريح والمكاشفة 64 20- في التسويف والوعد والوعيد 67 21- المكر والمداهنة 69 22- حفظ المودة بالتباعد 70 23- في الضرورة والمعذرة والاعتذار 71 24- تعذر الكمال والمحض 73 25- تعلق الفعل بما يتعذّر والامتناع عنه 73 26- وضع الشيء في موضعه 76 27- وضع الشيء في غير موضعه 78 28- ما جاء في إصلاح المال 81 29- تسهيل الأمور ودفع الأقدم بالأحدث 81 30- ما جاء في العداوة والشماتة 84 31- ما جاء في الاتفاق والتحاب 88 32- ما جاء في قوة الخلق على التخلّق 89 33- ما جاء في ذليل استعان بمثله 91 34- ما جاء في النفع والضر ومعايبهما 92 35- ما جاء في النفع من حيث لا يحتسب 94 36- ما جاء في المبالغة 94 37- ما جاء في الأمر النادر 95 38- ما جاء فى الجبن والذل 96 39- في الجهل والحمق 97 40- البلية على البلية 99 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 422 41- خيبة الأمل والسعي 100 42- ما جاء في العدة بارتحالها فيجدها 102 43- ألزم الأمور بصاحبها 103 44- الجاني على نفسه 104 45- الاحالة بالذنب على من لم يجنه 107 46- دواء الشيء بمثله أو أشدّ 109 47- تنافي الحالات 110 48- الرضا بالميسور اذا تعذّر المنشود 166 49- الأمر المضاع المهمل 120 50- ارتفاع الخامل 121 51- خمول النبيه 123 52- ما جاء في الشر وراءه الخير 124 53- ما جاء في ضد ذلك 125 54- الخطأ والاختلاط 127 55- الجميل يكدر بالمنّ 128 56- ما جاء في اغتنام الفرصة 129 57- في اللقاء 129 58- تعذّر الأمر وما يعرض دونه 131 59- ما جاء في طلب الحاجة وما يليق بذلك 132 60- في الطلب 133 61- ما جاء في التعجيل وفوت الأمر 134 62- ما جاء في سوء المكافأة وظلم المجازاة 136 63- ما جاء في الظن 138 64- ما جاء في التبري من الأمر 139 65- ما جاء في الاستهانة وقلّة الاحتفال 140 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 423 66- المشاركة في الرخاء والخذلان 143 67- ما جاء في الرخاء والسعة 144 68- المعجب بخاصة نفسه 146 69- الساعي لنفسه وفي خلاصه 147 70- اليسير يجني الكثير 148 71- ما جاء في الشدّة والداهية 150 72- في الدعاء 153 الباب الثالث والثلاثون في الحجج البالغة والأجوبة الدامغة 155 خطبة الباب 157 مقدمة الباب 158 الباب الرابع والثلاثون في كبوات الجياد وهفوات الأمجاد 259 خطبة الباب 261 مقدمة الباب 262 نماذج من التصحيف 270 فصل في سرقات فحول الشعراء وسقطاتهم 279 الفرزدق يأخذ شعر غيره غصبا 286 ذو الرمّة وما أخذ عليه في المربد 289 رواة الشعر يحكمون سكينة 290 هفوات الشريف الرضي 304 هفوات المتنبي 310 نوادر من هذا الباب 319 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 424 الباب الخامس والثلاثون في أخبار العرب الجاهلية وأوابدهم وغرائب من عوائدهم 323 خطبة الباب 325 مقدمة الباب 326 البحيرة والسائبة والحام 326 الميسر والقداح 327 الحرضة في الميسر 329 رابىء الضرباء 329 وأد البنات 330 النسيء 333 الرتم وعقده 334 إغلاق ظهر البعير 334 العتيرة 335 العرب- وضرب الثور عند الورود 335 عقد السلع 335 المهقوع اذا عرق 335 المقلات- الهامة- الصفر- تثنية الضربة 336 حيض الضبع 337 كعب الأرنب- الهدبد- شق الرداء- خدر الرجل 337 التعشير- قلب الثياب- اذا نفرت الناقة ذكروا اسم أمها 338 سبب بكاء الحمام- خرزة السلوان- أساطيرهم حول النجوم 339 مسخ الماكسين 340 أساطيرهم حول الضب وغيره 341 تكاذب الأعراب 342 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 425 عدو السليك- تأبط شرا 345 تأبط شرا والغول 348 خبر سجاح ومسيلمة 349 بقية المتنبئين 352 حالات القمر 353 أجزاء الليل 357 أسجاع في طلوع النجوم 358 آراء العرب وأقوالهم في الأنواء 359 البوارح- أيام العجوز- أسماء الأيام 360 بدء تفرق ولد اسماعيل 361 القارظان 362 سبب اصطلام طسم وجديس 362 ضبيعات العرب 365 خبر نزار بن معد 367 خندف 368 هاشم بن عبد مناف 369 حلف المطيبين- الأحلاف- الحمس- الأحابيش 369 قصي- شيبة الحمد 369 همدان 370 الأشعر- أنف الناقة- خثعم 370 مزيقياء 371 جذيمة بن سعد- العنابس والأعياص- مذحج- مهلهل 371 الأسعر الجعفي 371 المتلمس 372 تأبط شرا- الحادرة- النابغة- الأعشى 372 الجزء: 7 ¦ الصفحة: 426 الفرزدق 373 الأخطل 373 أبو بكرة- الحطيئة- ذو الرمّة- القطامي 373 غلبة قريش على مكّة 374 خروج سامة بن لؤي إلى عمان 375 قيس بن الخطيم يثأر لأبيه وجده 377 من أيام العرب المشهورة 382 يوم حليمة 382 يوم ذي قار 384 خبر ابن الهبولة 384 خبر صخر بن عمرو 386 قصير والزباء 388 بيهس المعروف بنعامة 388 خبر طرفة والمتلمس والصحيفة 390 أخبار العرب في الجهد والجوع 394 خبر عامر بن الطفيل واربد 395 خبر يوم بئر معونة 396 منافرة عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة 399 خبر النعمان ووفود العرب معه على كسرى 404. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 427 الجزء الثامن الباب السّادس والثّلاثون في الكهانة والقيافة والزّجر والعيافة والفأل والطيرة والفراسة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (وما توفيقي إلا بالله) الحمد لله الذي نفذ في خلقه أمره، ولا يردّ حكمه بعيق الطير وزجره، ولا معقّب لما حكم، ولا ماح لما أجرى به القلم، تفرّد بالغيب فلم يظهر على غيبه من أحد، ولم يجعل السانح والبارح مخبرا بما يكون في غد. أحمده حمد راض بقضائه، عالم أن سرّ الغيب لا كاشف لغطائه، وتمام [1] الصلاة على محمد رسوله، داحض البهتان ومشرّد عبدة الأوثان، ومبطل دعوى الكهان، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بالإحسان.   [1] م: وأسأله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 (الباب السادس والثلاثون في الكهانة والقيافة و الزجر والعيافة والفأل والطيرة والفراسة) [ الطيرة وموقف الحمس منها ] 1- قد نهى الله عزّ وجلّ عن الطيرة، ودلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ حكاية عن الكافرين: قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (النمل: 47) . وأمر بتركها في قوله تعالى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها (البقرة: 189) . وهذا إخبار عن تطيّر كانت العرب تعتمده فنهاهم الله عزّ وجلّ عنه. قال أكثر أهل التفسير: كان الحمس [1] ، وهم قوم من قريش وبنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة، إذا أحرموا لا يأقطون الأقط ولا ينتفون الوبر ولا يسلأون السمن، وإذا خرج أحدهم في الإحرام لم يدخل من باب بيته. وقيل: كان جماعة من العرب إذا خرج الرجل منهم في حاجة فلم يقضها ولم تيسّر له رجع ولم يدخل من باب بيته سنة، يفعل ذلك طيرة. سمّوا الحمس لأنهم تحمّسوا في دينهم، أي تشدّدوا، والحماسة الشدة في الغضب وفي القتال وفي كلّ شيء. قال العجاج: [من الرجز] وكم قطعنا من قفار حمس [2] أي شداد   [1] في الحمس: انظر المحبر: 178 وكتب التفسير لآية البقرة: 189 والنمل: 47 (مثلا القرطبي 2: 341) واللسان (حمس) . [2] رجز العجاج في اللسان (حمس) وفي روايته: قفاف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 «2» - وجاء في الحديث (1) : «الطّيرة والعيافة والطّرق من الجبت» وجاء فيه أيضا (2) : «الطّيرة شرك وما منّا إلا ويجد ذلك في نفسه، ولكنّ الله تعالى يذهبه بالتوكل» ، وفيه أيضا: «ثلاثة لا ينجو منهن أحد: الظن والطيرة والحسد» . فإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيّرت فامض ولا تنثن. والفأل جائز ومستحسن؛ كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتفاءل، ولما نزل المدينة على كلثوم دعا غلامين له: يا يسار يا سالم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر رحمه الله: سلمت لنا الدار؛ وقال صلّى الله عليه وآله: سمّوا أولادكم أسماء الأنبياء، فأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها الحارث وهمّام وأقبحها حرب ومرّة. [ الزجر والعيافة ] «3» - وكانت العرب شديدة العناية بالزجر والعيافة، ويرون ذلك حقا ودينا، ولهم فيه مذهب وعادة وسير. وفي هذا الباب من أخبارهم ما يدل على وجه الزجر، وكانوا يتيمنون بالسانح من الطير وغيره وهو ما ولاك ميامنه، ويتشاءمون بالبارح وهو ما ولاك مياسره. ويكرهون الناطح وهو ما يلقاك بجبهته، والكادس ما يجيء من خلفك يقفوك. وكل ما تطير به يسمّى طيرة العراقيب، وفيهم من ليس ذلك من رأيه، ولا يعتمد عليه في انحائه. قال طرفة: [من الطويل] إذا ما أردت الأمر فامض لوجهه ... وخل الهوينا جانبا متنائيا ولا يمنعنك الطير ممّا أردته ... فقد خطّ في الألواح ما كان خافيا «4» - وكانوا يستقسمون بالأزلام، واحدها زلم وزلم، وهي سهام الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 مكتوب على بعضها «أمرني ربي» ، وعلى بعضها «نهاني ربي» . فإذا أراد الرجل سفرا وأمرا يهتم به ضرب بتلك القداح، فإن خرج السهم الذي عليه «أمرني ربي» مضى لحاجته، وإن خرج الذي عليه «نهاني ربي» لم يمض في أمره. وكان لهم قدح آخر مكتوب عليه «متربص» . ولما اراد امرؤ القيس بن حجر غزو بني أسد ليطلب ثأر أبيه فيهم، نزل بتبالة وبها صنم يسمى ذا الخلصة تستقسم العرب عنده بالسهام. فاستقسم امرؤ القيس فخرج الناهي فردّه، ثم عاد فاستقسم فخرج الناهي فأعاده، ثم استقسم فخرج الناهي، فضرب بالسهام وجه ذي الخلصة وقال: عضضت بأير ابيك! لو أبوك قتل ما نهيتني؛ ومضى لوجهه، فأوقع ببني أسد. فلم يستقسم بعد عند ذي الخلصة حتى جاء الإسلام. فهدمه جرير بن عبد الله البجلي. [ الكهانة ] «5» - وأما الكهانة فكانت فاشية في الجاهلية حتى جاء الإسلام، فلم يسمع فيه بكاهن، وكان ذلك من معجزات النبوة وآياتها. وأخبار كهنة العرب عجيبة إن كانت صحيحة. فمن ذلك خبر سطيح حين ورد عليه عبد المسيح وهو يعالج الموت، فأخبره- على ما يزعمون- ما جاء لأجله وبتأويله. والخبر: لما كانت ليلة ولد فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم ارتجس ايوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرافة، وخمدت نار فارس، ولم تكن خمدت قبل ذلك ألف عام، وغيضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى تصبّر تشجّعا، ثم رأى أن لا يكتم ذلك عن وزرائه ومرازبته. فلبس تاجه وقعد على سريره، وجمعهم فأخبرهم بالذي جمعهم له. فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار، فازداد غما إلى غمه، فسأل الموبذان، وكان أعلمهم في أنفسهم، فقال: حادث يكون من ناحية العرب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر. أما بعد فوجه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه. فوجه إليه بعبد المسيح بن حيان بن بقيلة الغساني. فقال له كسرى: أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليخبرني الملك، فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه، فأخبره بما رآه، فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح؛ قال: فأته فاسأله عما سألتك عنه وأتني بجوابه. وركب عبد المسيح حتى قدم على سطيح وقد أشرف على الموت، فسلّم عليه وحيّاه فلم يحر عبد المسيح جوابا. وأنشده عبد المسيح شعرا قاله يذكر فيه أنه جاء برسالة من قبل العجم، ولم يذكر ما حاله، فرفع رأسه وقال: عبد المسيح على جمل مشيح، إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الايوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها؛ يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وبعث صاحب الهراوة، وفاض وادي سماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك فيهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه. فسار عبد المسيح إلى رحله وهو يقول: [من البسيط] شمّر فإنك ماضي العزم شمّير ... لا يفزعنّك تفريق وتغيير إن كان ملك بني ساسان أفرطهم ... فان ذا الدهر أطوارا دهارير فربما ربما أضحوا بمنزلة ... تهاب صولهم الأسد المهاصير منهم أخو الصرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وسابور وسابور والناس أولاد علّات [1] فمن علموا ... أن قد أقلّ فمحقور ومهجور وهم بنو الأمّ أما إن رأوا نسبا ... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور   [1] أضافت م: يقال للجماعة إذا كانت أمهم واحدة وآباؤهم جماعة أخياف، وإذا كانوا لأب واحد وأمهاتهم جماعة أولاد علات، وإذا كانوا جميعا لأب وأم أولاد أعيان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 والخير والشرّ مقرونان في قرن ... فالخير متّبع والشرّ محذور فقال كسرى: إلى أن يملك ساسان أربعة عشر قد كانت أمور. فملك منهم عشرة أربع سنين، وملك الباقون إلى زمن عثمان رحمه الله. 6- ويزعمون أن أمية بن أبي الصلت الثقفي، بينا هو يشرب مع إخوان له في قصر غيلان بالطائف، إذ سقط غراب على شرفة القصر، فنعب نعبة، فقال أمية: بفيك الكثكث- وهو التراب- فقال أصحابه: ما يقول؟ قال: يقول: إنك إذا شربت الكأس الذي بيدك مت. ثم نعب نعبة أخرى، فقال أمية: كذلك، فقال أصحابه: ما يقول؟ قال زعم أنه يقع على هذه المزبلة أسفل القصر فيستثير عظما ويبتلعه فيشجى به ويموت، فقلت: نحو ذلك. فوقع الغراب على المزبلة فأثار العظم وابتلعه فشجي به فمات، فانكسر أمية، ووضع الكأس من يده، وتغير لونه. فقال له أصحابه: ما أكثر ما سمعنا مثل هذا وكان باطلا، وألحّوا عليه حتى شرب الكأس، فمال في شق أغمي عليه، ثم أفاق ثم قال: لا بريء فأعتذر ولا قوي فأنتصر [1] ، ثم خرجت نفسه. وهذا وإن كان مخرجه مخرج الزجر فهو بالكهانة أليق، فإن الزجر الذي يستخرج باللفظ أو بالأمارات ولا ينتهي إلى هذا البيان، على أن إدراك ذلك لبشر من غير وحي ولا إلهام إلهي غير مقبول. وقد كان أمية يتكهن ويطمع في النبوة، ويزعم أن له رئيّا يأتيه من شقه الأيسر، ويحب أن يأتيه في ثياب سود، وذكر ذلك لراهب [2] قال: كدت أن تكونه ولست هو، إن صاحب هذا الأمر يأتيه رئيه من شقه الأيمن، وأحب الثياب إليه أن يأتيه فيها البياض. وأدرك عدوّ الله نبوة نبينا صلّى الله عليه وسلّم، فحسده ولم يؤمن به بعد أن كان يتوقع النبوة في رجل من العرب، ويتحقق أن ذلك كائن.   [1] سيأتي مثل هذا القول في وفاة عمرو بن العاص. [2] الأصل الراهب. وما أثبتناه عن م ر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 «7» - وجاء في تفسير قوله عزّ وجلّ: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (الأعراف: 175) أراد به أمية، وقيل غيره والله أعلم. 8- وقد رووا أنه نزل بأسد بن خزيمة نفر من الجن، فأتاهم بقرى وتنحّى عنهم، فسمع أحدهم يقول: إن بنيه هؤلاء ليس لصلبه منهم إلا واحد- وله يومئذ كاهل وعمرو ودودان- فلو خرج بهم إلى دوحة موضع كذا وكذا، فنزل تحتها لأخبره كل واحد منهم من أبوه. وقال أحدهم: إنه ليتناول الماء من مكان بعيد وأحد أطنابه على ماء عذب [1] . وقال آخر: إن في إبله دويبة هي آفتها، فلو أنه حين تثور الإبل نظر في أعطانها فقتلها سلمت إبله. فحفظ مقالتهم، واحتفر في أصل طنب من أطنابه فإذا ماء كما ذكر. ونظر في عطن إبله فوجد الدابة فقتلها. ثم خرج ببنيه فتصيد ساعة ثم أتى الدوحة فقال تحتها، ثم تلفف بكسائه فنام؛ فقال كاهل ما صلحت هذه الدوحة إلا أن تجعل منها أصرة؛ قال: يقول أسد هذا والله ابن الراعي؛ قال عمرو: لا والله ما صلحت إلا أن تحرق فتجعل فحما، قال أسد: هذا والله ابن القين، قال دودان: ما صلحت إلا لقوم كرام تصيدوا يومهم ثم نزلوا تحتها؛ فقال أسد: هذا والله ابني. فقيل لكاهل الأصرة ولعمرو القيون. «9» - وممّا يروونه في الكهانة، أن هند بنت عتبة بن ربيعة كانت عند الفاكه بن المغيرة، وكان الفاكه من فتيان قريش، وكان له بيت للضيافة، خارجا من البيوت يغشاه الناس عن غير إذن. فخلا البيت ذات يوم، واضطجع هو وهند فيه. ثم نهض لبعض حاجته، فأقبل رجل ممّن كان يغشى البيت فولجه، فلما رآها رجع   [1] م: الماء العذب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 هاربا، وأبصره الفاكه، فأقبل إليها فضربها برجله، وقال لها: من هذا الذي خرج من عندك؟ قالت: ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتني؛ قال لها: ارجعي إلى أبيك. وتكلم الناس فيها، فقال أبوها: يا بنية، إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني نبأك؛ فإن كان الرجل عليك صادقا دسست عليه من يقتله، فتنقطع عنك القالة، وإن يك كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن. فقالت: لا والله! ما هو علي بصادق: فقال له: يا فاكه! إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن. فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، ومعهم هند ونسوة. فلما شارفوا البلاد قالوا: غدا نرد على الرجل، تغيرت حال هند، فقال لها عتبة: إني أراك وأرى ما بك من تنكر الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك؛ قالت: لا والله! ولكني أعرف أنكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب، ولا آمنه أن يسمني ميسما يكون علي فيه سبّة؛ فقال: إني سوف أختبره لك. فصفر لفرسه حتى أدلى، ثم أدخل في إحليله حبة حنطة وأوكأ عليها بسير؛ فلما أصبحوا قدموا على الرجل فأكرمهم ونحر لهم؛ فلما تغدّوا قال له عتبة: قد جئناك في أمر وقد خبأنا لك خبئا نختبرك به، فانظر ما هو؛ فقال: ثمرة في كمرة؛ قال: إني أريد أبين من هذا؛ قال: حبة برّ في إحليل مهر. قال: انظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من احداهن فيضرب بيده على كتفها، ويقول لها: انهضي! حتى دنا من هند، فقال: انهضي غير وخساء ولا زانية، ولتلدن ملكا اسمه معاوية، فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها، فجذبت يدها من يده وقالت: إليك عني! فو الله لأحرصنّ أن يكون ذلك الملك من غيرك، فتزوجها أبو سفيان. [ من الزجر المستحسن ] «10» - ومن الزجر المستحسن ما روي أن كسرى أبرويز [1] بعث إلى النبي   [1] نثر: كسرة شيرويه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 صلّى الله عليه وسلّم حين بعث زاجرا ومصورا وقال للزاجر: انظر ما ترى في طريقك وعنده، وقال للمصور: إيتني بصورته. فلما عاد إليه أعطاه المصور صورته صلّى الله عليه وآله وسلّم، فوضعها كسرى على وسادته. وقال للزاجر: ما رأيت؟ فقال: ما رأيت ما أزجر به حتى الآن، وأرى أمره يعلو عليك لأنك وضعت صورته على وسادتك. «11» - وقال قائل: حضرت الموقف مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فصاح به صائح: يا خليفة رسول الله! ثم قال: يا أمير المؤمنين! فقال رجل من خلفي دعاه باسم ميت! مات والله أمير المؤمنين! فالتفت فإذا برجل من بني لهب، وهم من بني مضر من الأزد، وهم أزجر قوم. قال: فلما وقفنا لرمي الجمار إذا حصاة قد صكّت صلعة عمر فأدمته، فقال قائل: أشعر والله أمير المؤمنين، والله لا يقف هذا الموقف أبدا، فالتفت فإذا ذلك اللهبي بعينه. فقتل عمر قبل الحول. «12» - والزجر إنما يؤخذ من اللفظ، وكذلك الفأل. وقد بين ذلك ذو الرمة في قوله: [من الطويل] رأيت غرابا ساقطا فوق قضبة ... من القضب لم ينبت لها ورق خضر. فقلت غراب لاغتراب وقضبة ... لقضب النوى هذي العيافة والزجر. 13- وفسره الآخر في قوله: [من الوافر] وقدما هاجني فازددت شوقا ... بكاء حمامتين تجاوبان تجاوبتا بلحن أعجميّ ... على عودين من غرب وبان فكان البان أن بانت سليمى ... وفي الغرب اغتراب غير دان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 [ من غرائب الفأل يوما النعيم والبؤس ] «14» - ومن غرائب الفأل والطيرة ما يروى عن المنذر بن ماء السماء في يومي نعيمه وبؤسه. وأصل ذلك فيما زعموا أن المنذر نادمه رجلان من بني أسد، أحدهما خالد بن المضلل والآخر عمرو بن مسعود بن كلدة، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بأن يحتفر لكلّ واحد منهما حفيرة في ظهر الحيرة، ثم يجعلا في تابوتين ويدفنا في الحفيرة، ففعل ذلك بهما حتى إذا أصبح سأل عنهما، فأخبر بمكانهما وهلاكهما. فندم على ذلك وغمّه، ثم ركب حتى نظر إليهما فأمر ببناء الغريّين عليهما، فبنيا. وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريين، سمى أحدّهما يوم نعيم والآخر يوم بؤس؛ فأول من طلع عليه يوم نعيمه يعطيه مائة من الإبل سهما أي سودا، وأوّل من يطلع عليه يوم بؤسه يعطيه رأس ظربان أسود ثم يأمر به فيذبح ويغرى بدمه الغريان. فلبث بذلك برهة من دهره. ثم إن عبيد بن الأبرص كان أوّل من أشرف عليه في يوم بؤسه، فقال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد، فقال: أتتك بحائن رجلاه، فأرسلها مثلا؛ فقال له المنذر: أو أجل بلغ مداه، وقال له المنذر: أنشدني فقد كان شعرك يعجبني، فقال عبيد: حال الجريض دون القريض وبلغ الحزام الطّبيين، فأرسلها مثلا؛ فقال له: المنذر: اسمعني، فقال: المنايا على الحوايا، فأرسلها مثلا؛ فقال المنذر: قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك، فقال عبيد: من عزّ بزّ، فأرسلها مثلا؛ فقال المنذر: أنشدني قولك: «أقفر من أهله ملحوب» ، فقال عبيد: [من الرجز] أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد غنّت له خطة كؤود ... وحان منه فاعلمن ورود الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 فقال له المنذر: ويحك أنشدني قبل أن أذبحك، فقال عبيد: إن متّ ما يضرني وإن عشت فواجده؛ فقال له المنذر: إنه لا بد من الموت، ولو أن النعمان عرض لي في يوم بؤسي لذبحته، فاختر إن شئت الأكحل، وإن شئت الأبجل، وإن شئت من الوريد. فقال عبيد: ثلاث خصال كسحابات واردها شرّ وارد، وحاديها شرّ حاد، ومعادها شرّ معاد، ولا خير فيها لمرتاد، وإن كنت لا محالة قاتلي فاسقني الخمر حتى إذا ماتت مفاصلي فشأنك وما تريد. فأمر له المنذر بحاجته من الخمر حتى إذا أخذت فيه وطابت نفسه، أمر به المنذر ففصد، فلما مات غرّي بدمه الغريّان. فلم يزل كذلك حتى مرّ به رجل من طيء يقال له حنظلة بن عفراء أو ابن أبي عفراء، فقال له: أبيت اللعن؛ إني والله أتيتك زائرا، ولأهلي من خيرك مائرا، فلا تكن ميرتهم قتلي؛ فقال: لا بدّ من ذلك، وسلني حاجة قبله أقضها لك؛ قال تؤجلني سنة أرجع فيها إلى أهلي وأحكم من أمرهم ما أريد، ثم أصير إليك في حكمك؛ قال: فمن يكفل لي بك؟ فنظر في وجوه جلسائه فعرف فيهم شريك بن عمرو أبا الحوفزان فأنشأ يقول: [مجزوء الرمل] . يا شريكا يا ابن عمرو ... ما من الموت محاله يا شريكا يا ابن عمرو ... يا أخا من لا أخا له يا أخا شيبان فك ال ... يوم رهنا قد أنى له يا أخا كلّ مصاف ... وحيا من لا حيا له إن شيبان قتيل ... أكرم الله رجاله فوثب شريك وقال: أبيت اللعن! يدي يده ودمي بدمه إن لم يعد إلى أجله، فأطلقه المنذر. فلما كان من القابل جلس في مجلسه، فنظر حنظلة ليقتله فلم يشعر إلا براكب قد طلع عليهم، فتأملوه فإذا هو حنظلة قد أقبل متحنطا متكفنا معه نادبته تندبه، وقد قامت نادبة شريك تندبه، فلما نظره المنذر عجب من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 وفائهما وكرمهما فأطلقهما، وأبطل تلك السّنة. «15» - قال هشام: خرج عمر رضي الله عنه إلى حرة واقم، فلقي رجلا من جهينة، فقال له: ما اسمك؟ قال: شهاب، قال: ابن من؟ قال: ابن جمرة، قال: وممّن أنت؟ قال: من الحرقة، قال: ثم ممّن؟ قال: من بني ضرام، قال: وأين منزلك؟ قال: بحرّة ليلى، قال: فأين تريد؟ قال: لظى- وهو موضع- فقال عمر: أدرك أهلك فما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا. قال: فأدركهم وقد أحاطت بهم النار. «16» - وقال المدائني: وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان حين أتاها، فخرج هاربا منه فنزل بقرية من الصعيد يقال لها سكر. فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك، فقال له عبد العزيز: ما اسمك؟ قال: طالب بن مدرك، فقال: أواه! ما أراني راجعا إلى الفسطاط أبدا، ومات في تلك القرية. «17» - كانت نائلة بنت عمار الكلبي تحت معاوية. فقال لفاختة بنت قرظة: اذهبي فانظري إليها. فذهبت ونظرت فقالت له: ما رأيت مثلها، ولكني رأيت تحت سرّتها خالا ليوضعن معه رأس زوجها في حجرها. وطلقها معاوية فتزوجها بعده رجلان: أحدهما حبيب بن مسلمة، والآخر النعمان بن بشير. فقتل أحدهما ووضع رأسه في حجرها. «18» - قيل بينا مروان بن محمد جالسا في إيوان له ينفذ الأمور بجدّ وصرامة إذ تصدّعت زجاجة من الإيوان فوقعت منها الشمس على منكب مروان. وكان هناك عيّاف يسمع منه مروان كثيرا، فقال: صدع الزجاج أمر منكر، على أمير المؤمنين يكبر. ثم قام فاتبعه ثوبان مولى مروان، فقال له: ويحك! ما قلت؟ قال: صدع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 الزجاج صدع السلطان، ستذهب الشمس بملك مروان، بقوم من الترك أو خراسان، ذلك عندي واضح البرهان. فو الله ما ورد لذلك شهران حتى ورد خبر أبي مسلم. [ صوت ذي الرمة ] 1» - أنشد ذو الرمة شعرا له وصف فيه الفلاة وهو بالثعلبية. فقال له حليس الأسدي: إنك لتنعت الفلاة نعتا لا تكون منيتك إلا بها. قال: وصدر ذو الرمة عن أحد جفري بني تميم، وهما على طريق الحاجّ من البصرة، فلما أشرف على الفلاة قال: [من الطويل] إني لعاليها وإني لخائف ... لما قال يوم الثعلبيّة حلبس فقال: إن هذا آخر شعر قاله. فلما توسّط الفلاة نزل عن راحلته فنفرت منه، ولم تكن تنفر، وعليها طعامه وشرابه، فكلما دنا منها نفرت حتى مات. فيقال إنه قال عند ذلك: [من الطويل] ألا أبلغ الركبان عني رسالة ... أهينوا المطايا هنّ أهل هوان فقد تركتني صيدح بمضلّة ... لساني ملتاث من الطّلوان وذكروا أن ناقته وردت على أهله، فركبها أخوه وقصّ أثره حتى وجده ميّتا، ووجد هذين البيتين مكتوبين على قوسه، وقد قيل في موته غير هذا، وليس هذا موضع ذكره. [ كثير والمرأة الخزاعية ] «20» - وقيل إن كثّيرا تعشّق امرأة من خزاعة يقال لها أمّ الحويرث، فشبب بها. وكرهت أن يسمع بها فيفضحها كما فضح عزة. فقالت له: إنك رجل فقير لا مال لك، فابتغ مالا يعفى عليك، ثم تعال فاخطبني كما يخطب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 الكرام، قال: فاحلفي لي ووثقي أنك لا تتزوجين حتى أقدم عليك، فحلفت ووثّقت له. فمدح عبد الرحمن بن أريق الأزدي، وخرج إليه فلقيته ظباء سوانح، ولقي غرابا يفحص الترب بوجهه؛ فتطير بذلك حتى قدم على حي من لهب، فقال: أيكم يزجر؟ قالوا: كلنا، فمن تريد؟ قال: أعلمكم بذلك، قالوا: ذلك الشيخ المنحني الصّلب. فأتاه فقص عليه القصة، فكره ذلك له، وقال له: قد ماتت أو تزوجت رجلا من بني عمّها، فأنشأ كثير يقول: [من الطويل] تيمّمت لهبا أبتغي العلم عندهم ... وقد ردّ علم العاشقين إلى لهب تيمّمت شيخا منهم ذا نجالة ... بصيرا بزجر الطير منحني الصّلب فقلت له ماذا ترى في سوانح ... وصوت غراب يفصح الوجه بالتّرب فقال جرى الطير السنيح ببيننا ... وقال الغراب جدّ منهمر السكب فإلا تكن ماتت فقد حال دونها ... سواك خليل ناطق من بني كعب قال: فمدح الرجل الأزدي، فأصاب منه خيرا، ثم قدم عليها فوجدها قد تزوجت رجلا من بني عمها، فأخذه الهلاس، فكشح جنباه بالنار. فلما اندمل من علّته ووضع يده على ظهره إذا هو برقمتين. فقال: ما هذا؟ فقالوا: إنه أخذك الهلاس، وزعم الأطباء أنه لا علاج لك إلا الكشح بالنار، فكشحت بالنار، فأنشأ يقول: [من الطويل] عفا الله عن أمّ الحويرث ذنبها ... علام تعنّيني وتعمي دوائيا فلو يأذنوني قبل أن يرقموهما ... لقلت لهم أمّ الحويرث دائيا [ من الفراسة ] «21» - ومن الفراسة قول عمرو بن مرّة العبدي: [من الوافر] إذا ما الظنّ أكذب في أناس ... رميت بصدقه ستر الغيوب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 «22» - بعث صاحب الروم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم رسولا وقال: انظر أين تراه جالسا، ومل إلى جانبه، وانظر ما بين كتفيه حتى الخاتم والشامة، فقدم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأعلى نشز واضعا قدميه في الماء، وعن يمينه علي عليه السلام. فلما رآه صلّى الله عليه وسلّم قال: تحوّل فانظر ما أمرت به. فنظر ثم رجع إلى صاحبه فأخبره الخبر، فقال: ليعلونّ أمره وليملكنّ ما تحت قدمي. تفاءل بالنّشز العلوّ وبالماء الحياة. «23» - ولما توارى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد الهجرة، خرجت قريش بمعقل بن أبي كرز الخزاعي، فوجدوا أثره عليه السلام، فقال معقل: لم أر وجه محمد قط، ولكن إن شئتم ألحقت لكم هذا الأثر. قالوا: قل، قال: هو الذي في مقام إبراهيم. فبسط أبو سفيان بن حرب ثوبه عليه وقال: قد خرفت وذهب عقلك. [ من القيافة ] «24» - اختلف رجلان من القيّافة يوم الصدر في أثر بعير فقال أحدهما: هو جمل، وقال الآخر: هي ناقة فإذا بعير واقف فاستدار به، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فنظر فإذا هو خنثى، وقد أصابا جميعا. 25- عجب بعض الكتّاب من إلحاق القافة الولد بالشبه. فقال له قائف: أعجب من هذا ما يبلغنا من تمييزكم الخطوط. «26» - وروى المدائني أن عليا عليه السلام بعث معقل بن قيس الرياحي من المدائن في ثلاثة آلاف، وأمره أن يأخذ على الموصل ويأتي نصيبين ورأس العين حتى يأتي الرقة فيقيم بها. فسار معقل فنزل الحديثة، فبينا هو ذات يوم جالس إذ نظر إلى كبشين ينتطحان حتى جاء رجلان وأخذ كل واحد منهما كبشا فذهب به. فقال شداد بن أبي ربيعة الخثعمي- وكان زاجرا-: تنصرفون في وجهكم هذا فلا تغلبون ولا تغلبون، قالوا: وما علمك؟ قال: أو ما رأيتم الكبشين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 انتطحا حتى حجز بينهما اثنان ليس لواحد على صاحبه فضل؟ «27» - وزعموا أن رجلا من لهب خرج في حاجة ومعه سقاء من لبن. فسار صدر يومه ثم عطش فأناخ يشرب، فإذا غراب ينعب فأثار راحلته ثم سار، فلما أظهر أناخ يشرب، فنعب الغراب وتمرّغ في التراب. فضرب الرجل السّقاء بسيفه، فإذا فيه أسود ضخم فقتله. ثم سار، فإذا غراب واقع على سدرة فصاح به فوقع على سلمة، فصاح به فوقع على صخرة، فانتهى إليها فأثار كنزا. فلما رجع إلى أبيه قال له: إيه! ما صنعت في طريقك؟ قال: سرت صدر يومي ثم أنخت لأشرب، فنعب الغراب وتمرغ في التراب، قال: اضرب السقاء وإلا لست بابني! قال فعلت، وإذا أسود ضخم؛ قال: ثم مه؟ قال: ثم رأيت غرابا واقعا على سدرة، قال: أطره وإلا لست بابني! قال: أطرته فوقع على سلمة، قال: أطره وإلا لست بابني! قال: فعلت فوقع على صخرة، فقال: أحذني يا بني فأحذاه. [ في التفاؤل والتطير ] 27 ب- ومن كلام علي عليه السلام في التفاؤل: الحوض مقدمة الكون. «28» - ومن التطيّر: قال علويه المغني: كنت مع المأمون لما خرج إلى الشام، فدخلنا دمشق فطفنا فيها، وجعل يطوف على قصور بني أمية ويتتبع آثارهم، فدخلنا صحنا من صحونهم، فإذا هو مفروش بالرخام الأخضر كله، وفيه بركة ماء يدخلها ويخرج منها من عين تصب إليها، وفي البركة سمك، وبين يديها بستان على أربع زواياه أربع سروات كأنها قصّت بمقراض من التفافها، أحسن ما رأيت من السرو قدّا وقدرا. فاستحسن ذلك وعزم على الصبّوح وقال: هاتوا لي الساعة طعاما، فأتي ببزماورد فأكله ودعا بالشراب، وأقبل عليّ فقال: غنني ونشطني. وكأنّ الله تعالى أنساني الغناء إلا هذا الصوت من شعر عبد الله بن قيس الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 الرقيات: [من المنسرح] لو كان حولي بنو أمية لم ... ينطق رجال أراهم نطقوا من كلّ قرم محض ضرائبه ... عن منكبيه القميص ينخرق فنظر إلى مغضبا وقال: عليك وعلى بني أمية لعنة الله! ويلك! أقلت لك سرّني أو سؤني؟ ألم يكن لك وقت تذكر فيه بني أمية إلا هذا الوقت تعرّض بي؟ فتجلّدت عليه وعلمت أني قد أخطأت، فقلت: أتلومني على أن أذكر بني أمية؟ هذا مولاكم زرياب عندهم يركب في مائتي غلام مملوك لهم، ويملك ثلاثمائة ألف دينار، وأنا أموت عندكم جوعا. فقال: أولم يكن لك شيء تذكّرني به نفسك غير هذا؟ فقلت: هكذا حضرني حين ذكرتهم. فقال: اعدل عن هذا وتنبه إلى إرادتي وغنّ، فأنساني الله كل شيء أحسنه إلّا هذا الصوت: [من الكامل المرفل] الحين ساق إلى دمشق وما ... كانت دمشق لأهلنا بلدا قادتك نفسك فاستقدت لها ... وأرتك أمر غواية رشدا فرماني بالقدح فأخطأني وانكسر القدح، وقال: قم عني إلى لعنة الله وحرّ سقره! وقام فركب، فكانت تلك الحال آخر عهدي به، ومرض فمات بعد قليل. «29» - وشبيه بذلك ما روي عن إبراهيم بن المهدي قال: أرسل إليّ محمد بن زبيدة في ليلة من ليالي الصيف مقمرة: يا عمي! إن الحرب بيني وبين طاهر قد سكنت، فصر إليّ فإني إليك مشتاق. فجئته وقد بسط له على سطح زبيدة وعنده سليمان بن أبي جعفر وعليه كساء روذباري وقلنسوة طويلة وجواريه بين يديه، وضعف جاريته عنده. فقال لها: غنيني فقد سررت بعمومتي. فاندفعت فغنته: [من الطويل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما فعلت يوما بكسرى مرازبه بني هاشم كيف التواصل بيننا ... وعند أخيه سيفه ونجائبه هكذا غنت وإنما هو: وعند عليّ سيفه ونجائبه. فغضب وتطير وقال لها: ما قصتك ويحك! انتهي وغنيني ما يسرني فغنت: [من الكامل المجزوء] هذا مقام مطرّد ... هدمت منازله ودوره فازداد تطيرا ثم قال: انتهي وغني غير هذا! فغنت: [من الطويل] كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدم فقال: قومي إلى لعنة الله! فوثبت. وكان بين يديه قدح بلّور، وكان لحبه إياه يسميه محمدا باسمه، فأصابه طرف ردائها فسقط على بعض الصواني فانكسر وتفتت. فأقبل عليّ فقال: أرى والله يا عمّ أن هذا آخر أمرنا. فقلت: كلا، بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين ويسرك. قال: ودجلة يا بني هادئة، والله ما فيها صوت مجداف ولا أحد يتحرك ولا شيء؛ فسمعت هاتفا يهتف: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. قال، فقال لي: أسمعت ما سمعت يا عم؟ فقلت: وما هو؟ - وقد والله سمعت الصوت الذي جاء الساعة من دجلة. فقلت: ما سمعت شيئا ولا هذا ألا توهم؛ فإذا الصوت قد عاد، فقال: انصرف يا عمّ، بيتك الله بخير، فمحال ألا تكون الآن سمعت ما سمعت. فانصرفت وكان آخر عهدي به. «30» - وحدث بعض أشياخ البرامكة قال: كنت عند إبراهيم بن المهدي قد اصطبحنا، وعنده عمرو بن بانة وجماعة من إخوانه وعمرو الغزّال، ونحن في أطيب ما كنا فيه إذ غنى عمرو الغزّال، وكان إبراهيم بن المهدي يستثقله. قال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 فاندفع عمرو الغزال يغني في شعر محمد بن أمية: [من السريع] ما تمّ لي يوم سرور بمن ... أهواه مذ كنت إلى الليل أغبط ما كنّا بما نلته ... منه أتتني الرسل بالويل قال: فتطير إبراهيم ووضع القدح من يده وقال: أعوذ بالله من شرّ ما قلت! فو الله ما سكنت- وأخذنا نتلافى إبراهيم- حتى دخل علينا حاجبه يعدو، فقال له: ما الخبر؟ قال: خرج الساعة مسرور من دار أمير المؤمنين حتى دخل على جعفر بن يحيى، فلم يلبث أن خرج ورأسه بين يديه، وقبض على أبيه وإخوته وأهله. فقال إبراهيم: إنا لله وإنا إليه راجعون، ارفع يا غلام. فرفع ما كان بين أيدينا وتفرّقنا، ثم ما رأيت عمرا بعدها في داره. 31- كان عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس ثقيل الرجل لا يقدم على أحد من أهل بيته إلا مات. فقدم على أخيه سليمان بن علي بالبصرة فمات فصلّى عليه. ثم رحل فقدم البصرة بعد مدة محمد بن سليمان صحيح فاضطرب فقال: لأمر ما قدم عمي؛ فاعتل واشتد جزعه ثم عوفي، فتصدق بمائة ألف دينار. ولما مات عبد الصمد قال الرشيد: الحمد لله الذي مات عنوان الموت! لا يحمل عمي غيري. فكان أحد حملته إلى حفرته. وروي أن جعفر بن سليمان مات حين قدم عليه عبد الصمد، وإن عبد الصمد عمي في ذلك الوقت، فقال إسماعيل بن جعفر: أخذنا بعض ثأرنا. «32» - قال البحتري: أنشدت شيئا من شعري أبا تمام فتمثل ببيت أوس بن حجر: [من الطويل] إذا مقرم منّا ذرا حدّ نابه ... تبيّن منّا حدّ آخر مقرم ثم قال: نعيت إليّ نفسي فقلت: أعيذك بالله من هذا القول. فقال: إن عمري الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 لن يطول وقد نشأ في طيء مثلك؛ أما علمت أن خالد بن صفوان رأى شبيب بن شبة- وهو من رهطه- يتكلم، فقال: يا بني لقد نعي إليّ نفسي إحسانك في كلامك لأنّا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله، فقلت: بل يبقيك الله ويجعلني فداك. قال: فمات بعد سنة. «33» - قال القاضي أبو علي الجويني: حضرت بين يدي سيف الدولة أبي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس، وابنه أبو المكارم محمد إذ ذاك مريض مرضه الذي مات فيه، وقد أتى بديوان أبي نصر ابن نباتة، فتصفحه فوقّع في يده وقال يعزّي سيف الدولة أبا الحسن ويرثي ابنه أبا المكارم محمدا، فأخذت المجلد وأطبقته؛ فعاد سيف الدولة فتصفحه ثانيا فخرج ذلك من القصيدة التي غناها قوله: [من الطويل] فإن بميّا فارقين حفيرة ... تركنا عليها ناظر الجود داميا تضمّنها الأيدي فتى ثكلت به ... غداة ثوى آمالها والأمانيا ولما عدمنا الصبر بعد محمد ... أتينا اباه نستفيد التعازيا «34» - شخص أبو الشمقمق مع خالد بن يزيد بن مزيد وقد تقلّد الموصل، فلما أراد الدخول إليها اندق لواؤه في أول درب منها، فتطير من ذلك وعظم عليه. فقال أبو الشمقمق: [من الكامل] ما كان مندقّ اللواء لريبة ... تخشى ولا أمر يكون مبذلا لكن هذا الرمح ضعف متنه ... صغر الولاية فاستقلّ الموصلا فسرّي عن خالد. وكتب صاحب البريد بذلك إلى المأمون فزاده ديار ربيعة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 وكتب إليه هذا لتضعيف الموصل متن رمحك. فأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم. «35» - كان أبو الحسن ابن الفرات في وزارته الأولى يشرب كل يوم ثلاثاء- وهو اليوم الذي قبض عليه في غده- ويعمل في خلال شربه، إذ مرت به رقعة فيها: [من البسيط] إن كان ما أنتم فيه يدوم لكم ... ظننت ما أنا فيه دائما أبدا لكن سكنت إلى أني وأنكم ... سنستجدّ خلاف الحالتين غدا فكأنه اغتم لذلك، ثم أخذ في شأنه، وقال لجارية في المجلس كان يألف غناءها ويتفاءل بما لا تزال تغنيه: غني. فابتدأت وغنت: [من الطويل] أمغيبة بالبين ليلى ولم تمت ... كأنك عما قد أظلّك غافل ستعلم إن جدّت لكم غربة النوى ... ونادوا بليلى أنّ صبرك زائل فتنغص ووافته بدعة الصغيرة في ذلك اليوم، فقام إلى دار له جديدة، ودعا بالشراب، وتناول قدحا والتمس من بدعة صوتا، فتطلبت له صوتا يتفاءل به بسبب الدار الجديدة، فغنت: [من المنسرح] أمرت لي منزلا فأسكنه ... فصرت عنه المبعد القاصي ولم تحفظ البيت الثاني. فلما كان الغد حدثت عليه الحادثة. «36» - ولما توجّه المسترشد للقاء السلطان مسعود بن محمد ونزل بذات مرج وقع على الشمسية التي ترفع على رأسه طائر من الجوارح وألحّ، كلما نفّر عاد؛ فتفاءل الناس له بذلك وسرّ هو به. فقال له انسان يعرف بملك دار: هذا جارح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 ومنقبض الكف وليس فيه بشرى بل ضدها. وأقبل السلطان في جيشه وكانت الكسرة وقبض على المسترشد، وقتل من بعد. «37» - دخل الحجاج الكوفة متوجها إلى عبد الملك. فصعد المنبر، فانكسر تحت قدمه لوح، فعلم أنهم قد تفاءلوا عليه بذلك. فالتفت إلى الناس قبل أن يحمد الله تعالى وقال: شاهت الوجوه، وتبّت الأيدي، وبؤتم بغضب من الله! أإن انكسر عود خروع ضعيف تحت قدم أيّد شديد تفاءلتم بالشؤم؟ وإني على أعداء الله لأنكد من الغراب الأبقع، وأشأم من يوم نحس مستمر. وإني لأعجب من لوط وقوله: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (هود: 80) . وأي ركن أشدّ من الله تعالى؟ أو ما علمتم ما أنا عليه من الشخوص إلى أمير المؤمنين؟ فقد قلّدت عليكم أخي محمد بن يوسف، وقد أمرته بخلاف ما أمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذا في أهل اليمن، فإنه أمره أن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وقد أمرته أن يسيء إلى محسنكم وألا يتجاوز عن مسيئكم. وأنا أعلم أنكم تقولون بعدي: لا أحسن الله له الصحابة، وأنا معجّل لكم الجواب: لا أحسن الله عليكم الخلافة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي دونكم. «38» - قال أبو ذؤيب الهذلي: بلغنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليل، فأوجس أهل الحيّ خيفة عليه، فبتّ بليلة ثابتة النجوم طويلة الأناة، لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها، حتى إذا قرب السحر خفقت فهتف بي هاتف يقول: [من الكامل] خطب أجلّ أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومقعد الآطام قبض النبيّ محمد فعيوننا ... تذري الدموع عليه بالتسجام قال أبو ذؤيب: فوثبت فزعا، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 فتفاءلت به ذبحا يقع في العرب، وعلمت أن النبي عليه السلام قد مات أو هو ميت من علته. فركبت ناقتي وسرت حتى إذا أصبحت طلبت شيئا أزجره. فعنّ لي شيهم قد أرم على صلّ وهو يتلوّى عليه، والشيهم يقصمه حتى أكله، فزجرت ذلك شيئا مهمّا، وقلت: تلوّي الصلّ انفتال الناس عن الحقّ على القائم بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم أوّلت أكل الشيهم إياه عليه القائم على الأمر. فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالعلية زجرت الطير فأخبرني بوفاته، ونعب غراب سانحا بمثل ذلك، فتعوّذت من شرّ ما عنّ لي في طريقي. ثم قدمت المدينة ولأهلها ضجيج كضجيج الحجيج أهلّوا جميعا بالإحرام، فقلت: مه؟ قالوا: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجئت المسجد فأصبته خاليا، فأتيت بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأصبت بابه مرتجا وقد خلا به أهله. فقلت: أين الناس؟ فقيل في سقيفة بني ساعدة، صاروا إلى الأنصار. فجئت السقيفة فوجدت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة وسالما وجماعة من قريش؛ ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة ومعهم شعراؤهم وأمامهم حسان بن ثابت وكعب في ملأ منهم، فأويت إلى الأنصار. وتكلم الأنصار وأكثروا الصواب. وتكلم أبو بكر، فلله درّ رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع الفصل، والله لتكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له ومال إليه، وتكلم بعده عمر بكلام دون كلامه، ومد يده فبايعه، ورجع أبو بكر ورجعت معه، وشهدت الصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشهدت دفنه. ولقد بايع الناس من أبي بكر رجلا حلّ قداماها ولم يركب ذناباها، وانصرف أبو ذؤيب إلى باديته وثبت على إسلامه. «39» - وجه أبو موسى الأشعري في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه السائب بن الأقرع إلى مهرجا نقذق، ففتحها وجمع السبي والغنائم، ودخل دار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 الهرمزان فرأى في بعض مجالسها تصاوير فيها تمثال ظبي وهو مشير باحدى يديه إلى الأرض. فقال السائب: لأمر ما صوّر هذا الظبي هكذا، إن له لشأنا. فأمر بحفر الموضع الذي الإشارة إليه، فأفضى إلى حوض من الرخام فيه سفط جوهر. فأخذه السائب وخرج به إلى عمر رضي الله عنه. «40» - لما أراد ابن الزبير المبايعة قال: بايعوني، فقام إليه عبد الله بن مطيع فقال: ابدأ فادع أبناء المهاجرين والأنصار قبل. فقال ابن الزبير: ادع عبيد الله بن علي بن أبي طالب. فقال أعرابي كان في ناحية المسجد: والله لا تتم له بيعة أبدا، أليس قد دعا عبد الله بن مطيع فأبى. «41» - حدث مصعب بن عبد الله الزبيري عن رجل قال: شردت لنا إبل فأتيت حليسا الأسدي فسألته عنها، فقال لبنت له: خطّي، فخطت ونظرت ثم تقبضت وقامت منصرفة. فنظر حليس في خطها فضحك وقال: أتدري لم قامت؟ قلت: لا: قال: رأت أنك تجد إبلك وأنك تتزوجها، فاستحيت فقامت. فخرجت فأصبت إبلي ثم تزوجتها بعد. «42» - قال شريح بن الأقعس العنبري: عزبت لي إبل فأتيت رجلا من بني أسد فقلت: انظر لي، فخطط خطوطا ثم نظر فقال: تصيب إبلك وتذهب أحدى عينيك وتتزوج امرأة أشرف منك. قال: فخرجت وما شيء أبغض إليّ من أن أصيب إبلي ليكذب في ما قال؛ فأتيت الكناسة فأصبت إبلي، وخرجت مع الأشعث فأصيبت عيني، وحججت مع ابنة قيس بن الحسحاس العنبري، فقالت لي مولاة لها: هل لك أن تتزوج مولاتي؟ قلت: وددت، قالت: فاخطبها إذا قدمت، ففعلت فأبوا فلم أزل حتى زوجونيها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 «43» - ولّى يزيد بن معاوية عمرو بن سعيد بن العاص مكة والمدينة والطائف. فقدم المدينة في شهر رمضان من سنة ستين قبيل العتمة، فصلّى العتمة بالناس فقرأ: لم يكن وإذا زلزلت الأرض. فلما أصبح خرج إلى الناس وعليه قميص أحمر ورداء أحمر وعمامة حمراء، فرماه الناس بأبصارهم، فقال: يا أهل المدينة ما لكم ترمونا بأبصاركم كأنكم تريدون أن تغزوا بنا سيوفكم [1] ، أنسيتم ما فعلتم؟ أما لو أنّا ننقم منكم في الأولى ما عدتم في الثانية. أغرّكم أن قتلتم عثمان فوجدتم بعده ثائرا [2] حليما ومسنا مأمونا قد فني غضبه وذهبت أذاته. فاغنموا أنفسكم فقد وليناكم بالشابّ المقتبل البعيد الأمل، قد اعتدل جسمه، واشتد عظمه، ورمى الدهر ببصره، واستقبله ببأسه، فهو إن عضّ نهش وإن وطئ فرس، لا يقلقل له الحصى، ولا تقرع له العصا. فرعف وهو يتكلم، فألقى إليه رجل عمامة فمسح بها فقال رجل من خثعم: دم على منبر في عمامة وقال: فتنة عمّت وعلا ذكرها وربّ الكعبة، فكانت الفتنة المشهورة. «44» - لما بنى عبيد الله بن زياد داره البيضاء بالبصرة، بعد قتله الحسين بن علي عليهما السلام، صوّر على بابها رؤوسا مقطّعة، وصوّر في دهليزها أسدا وكبشا وكلبا، وقال: أسد كالح، وكبش ناطح، وكلب نابح. فمر بالباب أعرابي فرأى ذلك فقال: أما إن صاحبها لا يسكنها إلا ليلة لا تتم. فرفع الخبر إلى ابن زياد فأمر بضرب الأعرابي وحبسه. فما أمسى حتى قدم رسول ابن الزبير إلى وجوه أهل البصرة في أخذ البيعة، ودعا الناس إلى طاعته فأجابوه، ووثبوا بابن   [1] العقد: أن تضربونا بسيوفكم. [2] العقد: ثائرنا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 زياد من ليلتهم، ونذر بهم فهرب من داره في ليلته تلك، واستجار بالأزد فأجاروه، ووقعت الحرب المشهورة بينهم وبين تميم بسببه، وألحقوه بالشام. وكسر الحبس وأخرج الأعرابي، وكان من قتل ابن زياد بالخازر ما كان. [ من الفراسة ] «45» - من الفراسة: يقولون: عظم الجبين يدلّ على البله، وعرضه على قلة العقل، وصغره على لطف الحركة، واستدارته على الغضب؛ والحاجبان إذا اتصلا على استقامة دلا على تخنيث واسترخاء، وإذا تزجّجا منحدرين إلى طرف الأنف دلا على لطف وذكاء، وإذا تزجّجا نحو الصدغين دلا على طنز واستهزاء؛ والعين إذا كانت صغيرة الموق دلّت على سوء خلة وخبث شمائل، وإذا وقع الحاجب على العين دلّ على الحسد، والعين المتوسطة في حجمها دليل فطنة وحسن خلق ومروءة، والناتئة على اختلاط عقل، والغائرة على حدّة، والتي يطول تحديقها على قحة وحمق، والتي يكثر طرفها على خفة وطيش؛ والشّعر على الأذن يدلّ على جودة السمع؛ والأذن الكبيرة المنتصبة تدلّ على حمق وهذيان. «46» - كانت الفرس تقول: إذا فشا الموت في الخنازير دل على عموم العافية في الناس. وإذا فشا في الوحش أصابهم ضيقة، وإذا فشا في الفأر دلّ على الخصب؛ وإذا كثر نقيق الضفادع وقع موتان؛ وإذا نعب غراب فجاوبته دجاجة عمّ الخراب، وإذا قوّقت دجاجة فجاوبها غراب خرب العمران، وإذا نزا ديك على تكأة رجل نال شرفا ونباهة، وإذا نزت عليها دجاجة فبالعكس، والدجاجة يتفاءل بذكرها. 47- حكي أنه لما ولد لسعيد بن العاص عنبسة، قال سعيد لابنه يحيى: أي شيء تنحله؟ قال: دجاجة بفراريجها، وإنما أراد احتقاره بذلك لأن أمّه كانت أمّة. فتفاءل سعيد وقال: إن صدق الطير ليكوننّ أكثركم ولدا. وكان كما تفاءل، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 وولده كثير بالمدينة والكوفة. 48- والعرب تتطير بالعطاس. قال الشاعر: [من الكامل] أرحلت من سلمى بغير متاع ... قبل العطاس ورعتها بوداع 49- كان ببغداد كاتب أديب ظريف، إلا أنه لم يستكتبه أحد إلا سلّط عليه الدمار، فتحاموه تطيرا منه. فطلب نصر بن منصور بن بسام كاتبا فاضلا فقيل: أصبناه لك لولا، قال: وما لولا؟ قيل: هو مشؤوم، قال: لا عدوى ولا طيرة، ائتوني به. فبرّه واستكتبه، فما مضت أيام إلى أن برسم نصر ومات. فقال ابن عائشة فيه: [من السريع] آخر قتلاه إذا حصّلوا ... نصر بن منصور بن بسّام وكان بالسيف يلاقيهم ... فصار يلقاهم ببرسام «50» - ونظيره سعد حاجب عبيد الله، قال فيه البحتري: [من الكامل] يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة ... كلّ عليه منك وسم لائح وبدأت تخدم رابعا لتبيره ... ارفق به فالشيخ شيخ صالح يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعد ولكن أنت سعد الذابح [ من التفاؤل ] «51» - تفاءل هشام بن عبد الملك باسم نصر بن سيار فولاه خراسان، فزال أمر بني أمية في ولايته. «52» - ولما طلب عامر بن إسماعيل مروان بن محمد اعترضه بالفيّوم قوم من العرب، فسأل رجلا: ما اسمك؟ قال: منصور بن سعد وأنا من سعد العشيرة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 فتبسم تفاؤلا به واستصحبه، فظفر بمروان تلك الليلة. «53» - قال بشير غلام حرب الراوندي للمنصور يوم قتل أبي مسلّم: يا أمير المؤمنين، رأيت اليوم ثلاثة أشياء تطيّرت لأبي مسلّم منها، قال: وما ذاك؟ قال: ركب فوقعت قلنسوته عن رأسه، قال: الله أكبر، تبعها والله رأسه يا بشير؛ قال: وكبا به فرسه، قال: الله أكبر، كبابه والله جدّه وأصلد زنده؛ قال: وقال إني مقتول وإنما أخادع نفسي. فإذا رجل ينادي في الصحراء يقول لآخر: اليوم آخر الأجل بيني وبينك، قال: الله أكبر، ذهب أجله وانقطع من الدنيا أثره. 54- شاعر: [من الطويل] وسمّيته يحيى ليحيا فلم يكن ... إلى ردّ أمر الله فيه سبيل تيمّمت فيه الفأل حين رزقته ... ولم أدر أن الفأل فيه يفيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 نوادر من هذا الباب 55- كان حارثة الضمري صديقا لعبد الملك بن مروان، وخرج مع ابن الزبير، فلما قتل ابن الزبير استأمن الناس وأحضر حارثة، فقال له عبد الملك: كنت مني بحيث علمت، فأعنت ابن الزبير. قال: يا أمير المؤمنين، هل رأيتني في حرب أو سباق أو اتصال إلا والفئة التي أنا فيها مغلوبة، وإنما خرجت مع ابن الزبير لتغلبه بي على رسمي. فضحك عبد الملك وقال: والله كذبت! ولكن عفوت عنك. «56» - كان عمير الكاتب قبيح الوجه جدا، فلقي دعبلا يوما بكرة وقد خرج لحاجة. فلما رآه دعبل تطيّر من لقائه فقال فيه: [من الوافر] خرجت مبكرا من سرّ من را ... أبادر حاجة فإذا عمير فلم أثن العنان وقلت أمضي ... لأنك يا عمير خرا وخير «57» - كرهت أم جعفر أصواتا من الغناء القديم فأرسلت رسولا لها يلقيها في البحر، ثم غنتها بعد ذلك جارية لها: [من الوافر] سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام فقالت: هذا أرسلوا به رسولا واحدا إلى دهلك ليلقيه في البحر خاصة. وإنما فعلت أمّ جعفر هذا تطيرا على ابنها أيام محاربته المأمون. والأصوات: [من الطويل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما فعلت يوما بكسرى مرازبه [من الطويل] : كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر جرما منك ضرّج بالدم [من الطويل] : رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادره [من الطويل] : أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض [من الخفيف] : أزجر العين كي تبكّي الطلولا ... إن في القلب من كليب غليلا 5» - خلع المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات في أول خلافته فاجتاز في الخلع بيزدن الكاتب، فقال يزدن: [من الكامل المرفل] جاء الشقيّ بخلعة البكر ... كالهدي جلّل ليلة النحر لا تم شهر بعد خلعته ... حتى تراه طافي الجمر «59» - ذكر أن عبد الرحمن بن عنبسة مر يوما فإذا هو بغلام أصحّ الغلمان وأحسنهم، ولم يكن لعبد الرحمن ولد. فسأل عنه فقيل له: يتيم من أهل الشام، قدم أبوه العراق في بعث فقتل، وبقي الغلام هاهنا. فضمه ابن عنبسة إليه وتبنّاه فوقع الغلام في ما شاء من الدنيا. ومرّ يوما على برذون ومعه خدم على حمزة بن بيض، وحول ابن بيض عياله في يوم شات، وهم شعت غبر عراة، فقال ابن بيض: من هذا؟ فقيل يتيم ابن عنبسة، وكان اسمه صدقة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 فقال: [من المنسرح] تشعّث صبياننا وما يتموا ... وأنت صافي الأديم والحدقه فليت صبياننا إذا يتموا ... يلقون ما قد لقيت يا صدقه عوّضك الله من أبيك ومن ... أمّك في الشام بالعراق مقه كفاك عبد الرحمن فقدهما ... فأنت في كسوة وفي نفقة تظل في درمك وفاكهة ... ولحم طير ما شئت أو مرقه تأوي إلى حاضن وحاضنة ... زادا على والديك في الشفقه فكل هنيئا ما عاش ثم إذا ... مات فلغ في الدماء والسرقه وخالف المسلمين قبلتهم ... وضلّ عنهم وخادن الفسقة واستر بهذا التليل ذا خصل ... لصوته في الصهيل صهصلقه واقطع عليه الطريق تلق غدا ... ربّ دنانير جمة ورقه فلما مات عبد الرحمن أصابه ما قال ابن بيض أجمع من الفساد والسرقة وصحبة اللصوص، ثم كان آخر ذلك أنه قطع الطريق وصلب. «60» - وخرج حمزة بن بيض يريد سفرا فاضطره الليل إلى قرية عامرة كثيرة الأهل والمواشي من الشاء والبقر، كثيرة الزرع، فلم يصنعوا به خيرا، فغدا عليهم وقال: [من الكامل] لعن الإله قرية يممتها ... فأضافني ليلا إليها المغرب الزارعين وليس لي زرع بها ... والحالبين وليس لي ما أحلب فلعل ذاك الزرع يردي أهله ... ولعل ذاك الشاء يوما يجرب ولعل طاعونا يصيب علوجها ... ويصيب ساكنها الزمان فتخرب فلم يمرّ بتلك القرية سنة حتى أصابهم الطاعون فباد أهلها وخربت. فمر بهم ابن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 بيض فقال: زعمتم أني لا أعطى أمنيتي؟ قالوا: وأبيك لقد أعطيتها، فلو كنت تمنيت الجنة لكان خيرا لك. قال: أنا أعلم بنفسي، لا أتمني ما لست له بأهل، ولكني أرجو رحمة ربي. «61» - تراءى المأمون بهلال شهر رمضان وأخوه أبو عيسى معه، فقال أبو عيسى: [من الطويل] دهاني شهر الصوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرا بعده آخر الدهر فلو كان يعديني الإمام بقدرة ... لاستعديت جهدي على الشهر فناله بعقب هذا القول صرع، فكان يصرع في اليوم مرات، إلى أن مات ولم يبلغ شهرا مثله. «62» - خرج بعض ملوك الفرس إلى الصيد، فأول من استقبله أعور فأمر بحبسه وضربه، ثم خرج وتصيّد صيدا كثيرا. فلما عاد استدعى الأعور وأمر له بصلة؛ فقال الأعور: لا حاجة لي في صلتك، ولكن إيذن لي في الكلام، فقال: تكلم، فقال: تلقيتني فضربتني وحبستني، وتلقيتك فصدت وسلمت فأينا أشأم؟ فضحك وخلاه. والحمد لله ربّ العالمين وصلواته على سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 الباب السابع والثّلاثون ما جاء في اليسر بعد العسر والرخاء بعد الضرّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (وما توفيقي إلا بالله) الحمد لله مرسل الرياح ومنشئها، ومحيي العظام الرّميم ومنشرها، ومسهّل الأمور بعد العسر وميسّرها، ومصرّف الأقدار على من يشاء ومدبّرها؛ جعل من كل ضيق وحرج مخرجا، ولكل كرب وهمّ فرجا، عقّب من الكره خيرا كثيرا، وكان أكرم عاقب، ولم يجعل البلاء علينا ضربة لازب. أحمده على تصرّف بلواه، وأشهد أن لا إله سواه، وأن محمدا رسوله الأمين، أيّده بالكتاب المبين، وأمدّه بالأنصار والمهاجرين، فآمنوا به ونصروه، وجاهدوا معه وعزّروه، وكانوا مفاتيح الإيمان والتصديق، وفي كل ملحمة فكاكا لحلق المضيق، صلّى الله عليه وعليهم ما طرد عسرا يسر ونفى، وقبل كريم صفوح عذرا وعفا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 (الباب السابع والثلاثون ما جاء في اليسر بعد العسر، والرخاء بعد الضر) [ آيات وأحاديث ] ممّا يليق بهذا الباب من كتاب الله عزّ وجلّ: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (الطلاق: 7) وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ (الشورى: 28) وقوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ (يوسف: 110) وقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ ... فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ (الأعراف: 57) . «63» - ومن أخبار الرسول صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: «اشتدّي أزمة تنفرجي» . «64» - وممّا ينسب إلى كلامه صلّى الله عليه وسلّم قوله لعلي عليه السلام: «إن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا» . «65» - وقال عليه السلام لحبّة وسواء ابني خالد: «لا تيئسا من روح الله ما تهزّزت رؤوسكما» ، فإن أحدكم يولد أحمر لا قشر عليه ثم يكسوه الله ويرزقه» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 «66» - وقال علي عليه السلام: عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء. [ من كلام الحكماء والشعراء ] «67» - ومن كلام الحكماء: إن تيقنت لم يبق الهم. «68» - وأنشد أبو حاتم: [من الوافر] إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب وأوطئت المكاره واطمأنّت ... وأرست في مكامنها الخطوب ولم ير لانكشاف الضّرّ وجها ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث ... يمنّ به اللطيف المستجيب وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فمقرون بها فرج قريب «69» - وقال عبد الله بن الزبير الأسدي: [من البسيط] لا أحسب الشر جارا لا يفارقني ... ولا أحزّ على ما فاتني الودجا ولا نزلت من المكروه منزلة ... إلا وثقت بأن ألقى لها فرجا «70» - وقال محمد بن بشير: [من البسيط] إن الأمور إذا انسدّت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا لا تيأسنّ وإن طالت مطالبه ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا «71» - آخر: [من المنسرح] يا قارع الباب ربّ مجتهد ... قد أدمن القرع ثم لم يلج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 فاطو على الهمّ كشح مصطبر ... فآخر الهمّ أول الفرج «72» - أنشد إبراهيم بن العباس قول الشاعر: [من الخفيف] ربما تجزع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال فقال إبراهيم بديهة: [من الكامل] ولربّ نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنها لا تفرج [ حكايات في الخروج من الشدة ] «73» - فممّن خرج من شدته ما روي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى صالح بن عبد الله المري، عامله على المدينة، أن ابرز الحسن بن الحسن بن علي- وكان محبوسا- واضربه في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسمائة سوط. فأخرجه إلى المسجد واجتمع الناس، وصعد صالح ليقرأ عليهم الكتاب ثم ينزل فيأمر بضربه. فبينا هو يقرأ الكتاب إذ جاء علي بن الحسين عليه السلام، فأفرج له الناس حتى انتهى إلى الحسن، فقال: يا ابن عمّ! ما لك! ادع الله تعالى بدعاء الكرب يفرّج الله عنك، فقال: ما هو يا ابن عمّ؟ قال: قل لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين. قال: وانصرف علي وأقبل الحسن يكررها، فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب نزل، قال: أرى سحنة رجل مظلوم؛ أخّروا أمره، وأنا أراجع أمير المؤمنين في أمره، ثم أطلق بعد أيام. 74- وروي أن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال: علّمت دعاء الكرب في منامي، وهو: يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين، فإن لكل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 مسألة عندك جوابا عتيدا وسمعا حاضرا، وإنّ عندك لكل صاحب علما محيطا، أسألك بأياديك الفاضلة، ورحمتك الواسعة، أن تفعل بي كذا وكذا. 75- وجد في كنيسة للنصارى بالشام بين الصور مكتوب: يقول صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، نزلت هذه الكنيسة يوم كذا من شهر كذا من سنة ثماني عشرة ومائة، وأنا مكبّل بالحديد محمول إلى أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك: [من البسيط] ما سدّ باب ولا ضاقت مذاهبه ... إلا أتاني وشيكا بعده ظفر فبعد أربع عشرة سنة نزل صالح بتلك الكنيسة محاربا لمروان بن محمد، فكان من ظفر بني هاشم ببني مروان ما كان. «76» - قال الربيع: لما حبس المهديّ موسى بن جعفر رأى في النوم عليا عليه الصلاة والسلام وهو يقول: يا محمد فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (محمد: 22) قال الربيع: فأرسل إليّ ليلا فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتا. فعرّفني خبر الرؤيا وقال: عليّ بموسى بن جعفر، فجئته به، فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين قرأ عليّ كذا، أفتؤمّنني أن تخرج عليّ أو على أحد من ولدي؟ فقال: والله ما ذاك من شأني. قال: صدقت، يا ربيع! أعطه ثلاثة آلاف دينار وردّه إلى أهله إلى المدينة. قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا على الطريق خوف العوائق. «77» - قال أبو الزبير المنذر بن عمرو- وكان كاتبا للوليد بن يزيد-: أرسل إليّ الوليد صبيحة اليوم الذي أتته فيه الخلافة فقال: يا أبا الزبير، ما أتت عليّ ليلة أطول من هذه الليلة، عرضت لي أمور وحدثت نفسي فيها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 بأمور، وهذا الرجل قد أولع بي، فاركب بنا نتنفس. فركب وسرت معه، فسار ميلين ووقف على تل، فجعل يشكو هشاما، إذ نظر إلى رهج قد أقبل، وسمع قعقعة البريد، فقال: أعوذ بالله من شرّ هشام، وقال: إن هذا البريد قد أقبل بموت وحيّ أو ملك عاجل؛ فقلت: لا يسؤك الله أيها الأمير، بل يسرّك ويبقيك؛ إذ بدا رجلان على البريد مقبلان، أحدهما مولى لآل أبي سفيان بن حرب، فلما قربا أتيا الوليد يعدوان حتى سلّما عليه بالخلافة، فوجم، وجعلا يكرران التسليم عليه بالخلافة، فقال: ويحكما ما الخبر؟ أمات هشام؟ قالا: نعم، فقال: مرحبا بكما! ما معكما؟ قالا: كتاب سالم مولاك. فقرأ الكتاب وانصرفنا. وسأل عن عياض بن مسلّم كاتبه الذي كان هشام حبسه وضربه، فقالا: لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام امر الله تعالى. فلما صار إلى حال لا ترجى الحياة لمثله معها، أرسل عياض إلى الخزّان: احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلنّ أحد إلى شيء. فأفاق هشام إفاقة، فطلب شيئا فمنعه، فقال: أرانا كنّا خزّانا للوليد؛ وقضى من ساعته. فخرج عياض من السجن ساعة قضى هشام، فختم الأبواب والخزائن؛ وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفّنوه من الخزائن، فكفّنه غالب مولى هشام، ولم يجدوا قمقما حتى استعاروه. [ أسفار فى الاتساع بعد الضيق ] «78» - إسماعيل بن يسار: [من البسيط] وكل كرب وإن طالت بليّته ... يوما تفرّج غمّاه وتنكشف «79» - وقال عبيد الله بن الحرّ الجعفي: [من البسيط] الأمن والخوف أيام مداولة ... بين الأنام وبعد الضيق متّسع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 «80» - وقال مسكين الدارمي: [من البسيط] لم يجعل الله قلبي حين ينزل بي ... همّ يضيقني ضيقا ولا حرجا ما أنزل الله بي أمرا فأكرهه ... إلا سيجعل لي من بعده فرجا «81» - وقال آخر: [من الطويل] وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها ... بكائنة إلا سيتبعها يسر فلا تقتلنّ النفس همّا وحسرة ... فحشو الليالي إن تأمّلتها غدر [ أخبار ابن مفرغ الحميري ] «82» - هجا يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري بني زياد في قصة كانت بينهم طويلة، وهرب منهم إلى معاوية بعد أن كان عبّاد بن زياد قد حبسه بخراسان. فردّه معاوية إلى عبيد الله بن زياد، وقال: اشف نفسك منه بما يشدّ سلطانك ولا تتجاوز إلى نفسه، واعلم أنها عزمة مني. فسقاه عبيد الله نبيذا حلوا قد خلط بالشبرم حتى سلح، وقرن به هرّا وخنزيرا وطاف به في السواق، وجعل يسلح والصبيان يصيحون وراءه؛ ثم أنفذه إلى أخيه عبّاد بخراسان. وكان ابن مفرغ، حيث هجاهم وتنقل من خوفه منهم، يكتب هجاءهم على أبواب القرى التي ينزلها؛ فأمر الموكلين الذين معه أن يلزموه بحك تلك الكتابة بأظفاره، فكان يفعل ذلك حتى ذهبت أظفاره، فكان يمحو بعظام أصابعه ودمه يسيل؛ ومنعه أن يصلّي إلى الكعبة وألزمه الصلاة إلى قبلة النصارى للمشرق، وسلّمه الموكلون إلى عباد فحبسه وضيق عليه. فذلك قول ابن مفرغ: [من الطويل] قرنت بخنزير وهرّ وكلبة ... زمانا وشان الجلد ضرب مشرّب وجرّعتها صهباء في غير لذّة ... تصعّد في الجثمان ثم تصوّب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 وأطعمت ما لا إن يحل لآكل ... وصليت شرقا بيت مكة مغرب فلو أن لحمي إذ هوى لعبت به ... كرام الملوك أو أسود وأذؤب لهوّن وجدي أو لزلّت بصيرتي ... ولكنما أودت بلحمي أكلب أعبّاد ما للّؤم عنك محوّل ... ولا لك أمّ في قريش ولا أب وقل لعبيد الله ما لك والد ... بحقّ ولا يدري امرؤ [1] كيف تنسب فلما طال مقام ابن مفرغ في السجن، استأجر رسولا إلى دمشق وقال له: إذا كان يوم الجمعة فقف على درج جامع دمشق، ثم اقرأ هذين البيتين بأرفع ما يمكنك من صوت. وكتب له في رقعة وهما: [من البسيط] أبلغ لديك بني قحطان قاطبة ... عضّت بأير أبيها سادة اليمن أضحى دعيّ زياد فقع قرقرة ... يا للعجائب يلهو بابن ذي يزن ففعل الرسول ما أمره به. فحميت اليمانية وغضبوا له، ودخلوا على معاوية فسألوه فيه، فدافعهم عنه، فقاموا غضابا، وعرف ذلك في وجوههم، فردهم ووهبه لهم، ووجه رجلا من بني أسد يقال له حجام [2] بريدا إلى عبّاد، وكتب له عهدا وأمره أن يبدأ بالحبس فيخرج ابن مفرغ ويطلقه قبل أن يعلم عبّاد بما قدم له فيغتاله. ففعل ذلك، فلما خرج من الحبس قرّبت له بغلة من بغال البريد فركبها وقال: [من الطويل] عدس! ما لعبّاد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق وإن الذي نجّى من الكرب بعد ما ... تلاحم في درب عليك مضيق أتاك بحجام فأنجاك فالحقي ... بأرضك لا يحبس عليك طريق لعمري لقد أنجاك من هوّة الردى ... إمام وحبل للإمام وثيق   [1] م: فيدري ناسب. [2] ر: جمجام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 سأشكر ما أوليت من حسن نعمة ... ومثلي لشكر المنعمين حقيق فلما دخل على معاوية بكى، وقال: ركب مني ما لم يركب من مسلّم قط على غير حدث في الإسلام، ولا خلع يد من طاعة ولا جرم، فقال: ألست القائل: [من الوافر] ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني أتغضب أن يقال أبوك عفّ ... وترضى أن يقال أبوك زان فاشهد أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان واشهد أنها ولدت زيادا ... وصخر من سميّة غير دان فقال: والذي عظّم حقّك يا أمير المؤمنين، ما قلته، ولقد بلغني أن عبد الرحمن ابن الحكم قاله ونسبه إليّ، قال أفلم تقل: [من الوافر] شهدت بأن أمّك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع ولكن كان أمر فيه لبس ... على وجل شديد وارتياع أولست القائل: [من المنسرح] إن زيادا ونافعا وأبا ... بكرة عندي من أعجب العجب إن رجالا ثلاثة خلقوا ... في رحم أنثى وكلّهم لأب ذا قرشي كما يقول وذا ... مولى وهذا بزعمه [1] عربي في أشعار كثيرة قلتها في زياد وبنيه؟ اذهب فقد عفوت عن جرمك، ولو إيانا تعامل لم يكن شيء ممّا كان، فاسكن أيّ أرض أحببت. فاختار الموصل فنزلها. [ مسلم بن الوليد في دكان خياط ] «83» - قال مسلّم بن الوليد: كنت يوما جالسا في دكان خياط بازاء منزلي إذ   [1] الأغاني: ابن عمه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 رأيت طارقا بابي، فقمت إليه فإذا هو صديق لي من أهل الكوفة قد قدم من قمّ، فسررت به، وكأنّ انسانا لطم وجهي لأنه لم يكن عندي درهم واحد أنفقه عليه. فقمت فسلّمت عليه وأدخلته منزلي، وأخذت خفّين كانا لي أتجمّل بهما، فدفعتهما إلى جاريتي، وكتبت معها إلى بعض معارفي في السوق أساله أن يبيع الخفين ويشتري لحما وخبزا بشيء سميته. فمضت الجارية وعادت إليّ وقد اشترت ما حددته لها [1] وقد باع الخف بتسعة دراهم، وكانت كأنها [2] جاءتني بخفين جديدين. فقعدت أنا وضيفي نطبخ وسألت جارا أن يسقينا قارورة نبيذ، فوجه بها إليّ، وأمرت الجارية أن تغلق الباب. فإنا لجالسان نطبخ حتى طرق الباب طارق، فقلت للجارية: انظري من هذا. فنظرت من شقّ الباب، فإذا رجل عليه سواد وشاشيّة ومنطقة ومعه شاكريّ؛ فخبرتني بموضعه فأنكرت أمري، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: لست بصاحب دعارة ولا للسلطان عليّ سبيل. ففتحت الباب وخرجت إليه، فنزل عن دابته وقال: أنت مسلّم؟ فقلت: نعم. قال: كيف لي بمعرفتك؟ قلت: الذي دلّك إلى منزلي يصحّح لك معرفتي، فقال لغلامه: امض إلى الخياط فاسأله عنه. فمضى إليه فسأله عني فقال: نعم هو مسلّم بن الوليد. فأخرج لي كتابا من خفّه وقال: هذا كتاب الأمير يزيد بن مزيد إليّ يأمرني ألا أفضّه إلا عند لقائك. فإذا فيه: إذا لقيت مسلّم ابن الوليد فادفع إليه هذه العشرة آلاف درهم التي أنفذتها تكون له في منزله، وادفع إليه ثلاثة آلاف درهم نفقة ليتحمّل بها إلينا. فأخذت الثلاثة آلاف والعشرة آلاف ودخلت إلى منزلي، والرجل معي. فأكلنا ذلك الطعام، وأزددت منه ومن الشراب، واشتريت فاكهة واتّسعت ووهبت لضيفي من الدراهم ما يهدي به هدية لعياله. وأخذت في الجهاز، ثم ما زلت معه حتى صرنا بالرقة إلى باب يزيد بن مزيد. فدخل الرجل فإذا هو أحد حجابه، فوجده في الحمام، فخرج   [1] م: والأغاني: وقد اشترى ما حددته له. [2] م: فكأنها إنما ... الجزء: 8 ¦ الصفحة: 50 إليّ فجلس معي. ثم خرج الحاجب فأدخلني إليه، فإذا هو على كرسي جالس وعلى رأسه وصيفة بيدها غلاف مرآة ومشط يسرح لحيته. فقال لي: يا مسلّم، ما الذي أبطأ بك عنّا؟ فقلت له: أيها الأمير قلة ذات اليد. فأنشدته قصيدتي التي مدحته بها: [من البسيط] أجررت حبل خليع في الصبا غزل فلما صرت إلى قولي: [من البسيط] لا يعبق الطيب خديه ومفرقه قال للجارية: انصرفي فقد حرّم مسلّم علينا الطيب. فلما فرغت من القصيدة قال لي: يا مسلّم، أتدري ما الذي حداني على أن وجهت إليك؟ قلت: لا والله ما أدري. فقال: كنت عند الرشيد منذ ليال أغمّز رجليه إذ قال: يا يزيد من القائل فيك: [من البسيط] سلّ الخليفة سيفا من بني مطر ... يمضي فيخترم الأجسام والهاما كالدهر لا ينثني عما يهمّ به ... قد أوسع الناس إنعاما وإرغاما فقلت: لا والله ما أدري، فقال الرشيد: يا سبحان الله! إنك مقيم على أعرابيتك، يقال فيك مثل هذا الشعر ولا تدري من قائله؟ فسألت عن قائله فأخبرت أنك أنت هو؛ فقم حتى أدخلك على أمير المؤمنين. ثم قام فدخل إلى الرشيد، فما علمت حتى خرج عليّ الآذن، فأدخلت على الرشيد فأنشدته ما لي فيه من الشعر، فأمر لي بمائتي ألف درهم. فلما انصرفت إلى يزيد أمر لي بمائة وتسعين ألفا وقال لي: لا يجوز لي أن أعطيك مثل ما أعطاك أمير المؤمنين، وأقطعني اقطاعات تبلغ غلتها مائتي ألف درهم. [ حكايات متنوعة ] «84» - قال المستعين: كان المنتصر قد جعلني في ناحية أخيه موسى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 51 الأحدب، وكان لأبيه وأمه وأحسن إلي. فلما قتل اغتممت ورأيت موسى مسرورا طامعا في الخلافة، فانصرفت إلى بيتي مغموما. فطرقني رسول أو تامش، ففزعت لذلك، وودعت أمي وخرجت مع جماعة من الموالي، حتى أدخلت إلى حجرة، وجاءني كاتب أو تامش، فسكّن مني وجعل يؤنسني ويخدمني [1] ، فأصبحت صائما، وأخرجوني في عشية ذلك اليوم فبايعوني. «85» - قال الوضاح بن خيثمة: لما ولي عمر بن عبد العزيز أمرني فحبست يزيد بن أبي مسلّم، فلما مات عمر ولي يزيد بن أبي مسلّم افريقية ونذر دمي. وكنت أتخبا منه، فوقّعت في يده، فقال: طال والله ما نذرت دمك. فقلت: وأنا والله طال ما استعذت بالله منك، قال: فلا والله ما أعاذك الله مني، والله لو أن ملك الموت سابقني إلى قبض روحك لسبقته. قال: فأمر بي فكتفت ووضعت في النطع، وقام السياف وأقيمت الصلاة للعصر وقام يصلّي، فما فرغ من صلاته حتى قطّع [2] إربا إربا، وحلّ [3] كتافي، وقالوا: انطلق. قيل: وكان سبب قتله أن جنده كانوا من البربر، فوسم في يدي كل واحد في إحدى يديه حرسي وفي الأخرى اسم الرجل؛ فأنفوا من ذلك فوثبوا عليه فقتلوه. «86» - قال إسحاق بن إبراهيم المصعبي: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم ذات ليلة وهو يقول: أطلق القاتل. فارتعت لذاك ودعوت بالشموع ونظرت في الكتب الواردة لأصحاب السجون، فلم أجد كتابا فيه ذكر قاتل، فأمرت باحضار السندي وعياش، وسألتهما هل رفع إليهما أحد ادعي عليه القتل؟   [1] م: ويحدثني. [2] م: قطعوه. [3] م: وحلوا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 52 فقال لي عياش: نعم، وقد كتبنا بخبره. فأعدت النظر فوجدت الكتاب في أضعاف القراطيس، وإذا الرجل قد شهد عليه بالقتل وأقر به. فأمرت باحضاره، فلما رأيت ما به من الارتياع قلت له: إن صدقتني أطلقتك. فانبرى يحدثني، وذكر أنه كان هو وعدة من أصحابه يرتكبون كلّ عظيمة ويستحلون كل محرّم، وأنه كان اجتماعهم في منزل بمدينة أبي جعفر المنصور يعكفون فيه على كل بليّة؛ فلما كان هذا اليوم جاءتنا عجوز كانت تختلف للفساد ومعها جارية بارعة الجمال، فلما توسطت الجارية الدار صرخت صرخة عظيمة ثم أغمي عليها؛ فلما أفاقت قالت: الله! الله في! فإن هذه العجوز خدعتني وأعلمتني أن في جيرانها قوما لهم حقّ عظيم لم يكن مثله، وشوقتني إلى النظر إلى ما فيه، فخرجت معها واثقة بقولها، فهجمت بي عليكم، وجدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمي فاطمة وأبي الحسين بن علي، فاحفظوهم فيّ! قال: فكأنها أغرتهم بنفسها. فقمت دونها ومنعت منها، وقاتلت من أرادها، ونالتني جراحات أظهرها فرأيتها، قال: وعمدت إلى أشدّهم كان في أمرها، فقتلته وخلّصت الجارية آمنة ممّا خافته؛ فسمعتها تقول: سترك الله كما سترتني، وكان لك كما كنت لي! وسمع الجيران فدخلوا إلينا، والرجل متشحط بدمائه، والسكين في يدي، فرفعت على هذه الحال. قال إسحاق: فقلت له قد وهبتك لله ورسوله، قال: فوحق الذي وهبتني لهما لا عاودت معصية ولا دخلت في ريبة أبدا. «87» - أمر الحجاج باحضار رجل من السجن، فلما حضر أمر بضرب عنقه، فقال: يا أيها الأمير أخّرني إلى غد، قال: وأي فرج لك في تأخير يوم واحد؟ ثم أمر برده إلى السجن. فسمعه الحجاج وهو يذهب به إلى السجن يقول: [من الطويل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 53 عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كلّ يوم في خليقته أمر فقال الحجاج: والله ما أخذه إلا من كتاب الله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (الرحمن: 29) وأمر باطلاقه. «88» - قال بعض جلساء المعتمد: كنا بين يديه ليلة، فحمل عليه النبيذ، فجعل يخفق نعاسا، وقال: لا تبرحوا أنتم. ثم نام مقدار نصف ساعة، وانتبه كأنه ما شرب شيئا، فقال: أحضروني ممّن في الحبس رجلا يعرف بمنصور الجمال، فأحضر فقال: مذ كم أنت في السجن محبوس؟ قال: منذ ثلاث سنين؛ قال: فاصدقني عن خبرك؛ قال: أنا رجل من أهل الموصل كان لي جمل أحمل عليه وأعود بأجرته على عائلتي، فضاق المكسب بالموصل عليّ، فقلت أخرج إلى سر من رأى فإن العمل ثمّ أكثر؛ فخرجت فلما قربت منها إذا جماعة من الجند قد ظفروا بقوم يقطعون الطريق، وكتب صاحب البريد بخبرهم وكانوا عشرة، فأعطاهم واحد من العشرة مالا على أن يطلقوه، فأطلقوه وأخذوني مكانه، وأخذوا جملي، فسألتهم بالله عزّ وجلّ، وعرفتهم خبري فأبوا وحبسوني معهم، فمات بعض القوم وأطلق بعضهم وبقيت وحدي. فقال المعتمد: أحضروني خمسمائة دينار، فجاءوا بها، فدفعها إليه وأجرى له ثلاثين دينارا في كل شهر، وقال: اجعلوا إليه أمر جمالنا. ثم أقبل علينا وقال: رأيت الساعة النبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم، وقال لي: يا أحمد وجّه الساعة إلى الحبس فأخرج منصورا الجمال فإنه مظلوم، وأحسن إليه. ففعلت ما رأيتم، ثم نام. «89» - قال المدائني: أرسل زياد إلى رجل من بني تميم من قعدة الخوارج، فاستدعاه فجاءه خائفا. فقال له زياد: ما منعك من إتياني؟ قال: قدمت علينا فقلت: إني لا أعدكم خيرا ولا شرا إلا وفيته وأنجزته، وقلت من كفّ يده ولسانه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 54 لم أعرض إليه؛ وكففت يدي ولساني وجلست في بيتي. فأمر له بصلة. فخرج إلى الناس ومعه الجائزة، وهم يتوقعون خروجه مقتولا. فقالوا: ما قال لك الأمير؟ فقال: ما كلكم أستطيع أن أخبره ما كان بيننا، ولكن وصلت إلى رجل لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، فرزق الله منه خيرا. [ الرشيد ورجل من بني أمية ] «90» - حدث منارة صاحب الخلفاء قال: رفع إلى هارون الرشيد أنّ بدمشق رجلا من بقايا بني أمية عظيم الجاه، واسع الحال، كثير المال والأملاك، مطاعا في البلد، له جماعة أولاد ومماليك وموال يركبون الخيل ويحملون السلاح ويغزون الروم، وأنه سمح جواد كثير البذل والضيافة، وأنه لا يؤمن منه فتق يتعذّر رتقه، فعظم ذلك على هارون. قال منارة: وكان وقوف الرشيد على هذا إذ هو بالكوفة في بعض خرجاته إلى الحج، وقد عاد من الموسم وبايع لأولاده، فدعاني وهو خال فقال لي: قد دعوتك لأمر يهمني، وقد منعني النوم، فانظر كيف تعمل وكيف تكون. ثم قص عليّ خبر الأموي، وقال: اخرج الساعة فقد أعددت لك الجمّازات وأزحت علّتك في الزاد والنفقة والآلات وضمّ إليك مائة غلام واخرج في النوبة، وهذا كتابي إلى أمير دمشق، وهذه قيود إذا دخلت البلد فابدأ بالرجل. فان سمع وأطاع فقيده بها وجئني به، وإلا فتوكل أنت ومن معك به حتى لا يهرب، وأنفذ الكتاب إلى أمير البلد ليركب في جيشه، فاقبضوا عليه وجئني به؛ وقد أجّلتك لذهابك ستا ولعودك ستا ويوما لمقامك، وهذا محمل يجعل في شقّه إذا قيدته، وتقعد أنت في الشق الآخر، ولا تكل حفظه إلى غيرك حتى تأتيني به في اليوم الثالث عشر من خروجك؛ فإذا دخلت داره فتفقدها وجميع ما فيها وولده وأهله وحاشيته وغلمانه وما يقولون، وقدّر النعمة والحال والمحلّ، واحفظ ما يقوله الرجل حرفا بحرف من ألفاظه منذ وقوع طرفك عليه إلى أن تأتيني به، وإياك أن يشذ عليك شيء من أمره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 55 قال منارة: فخرجت فركبت الإبل وسرت على ما أمر لي إلى أن وصلت إلى دمشق في أول الليلة السابعة، وأبواب البلد مغلقة. فكرهت طروقها، فنمت بظاهر البلد إلى أن فتح من غد، فدخلت على هيئتي حتى أتيت باب دار الرجل، وعليه صفف عظيمة وحاشية كثيرة، فلم أستأذن ودخلت بغير إذن. فلما أن رأى ذلك القوم سألوا بعض من معي عني، فقالوا: هذا منارة رسول أمير المؤمنين الرشيد إلى صاحبكم، فسكتوا. فلما صرت في صحن الدار نزلت ودخلت مجلسا رأيت فيه قوما جلوسا، فظننت الرجل فيهم. فقاموا ورحبوا بي وأكرموني، فقلت: أفيكم فلان؟ قالوا: لا، نحن أولاده وهو في الحمام. قلت: فاستعجلوه. فمضى بعضهم يستعجله وأنا أتفقد الدار والحال والحاشية، فوجدتها قد ماجت بأهلها موجا شديدا. فلم أزل كذلك حتى خرج الرجل بعد أن أطال، فاشتد قلقي وخوفي من أن يتوارى، إلى أن رأيت شيخا قد أقبل من الحمام يتمشى في الصحن وحوله جماعة كهول وأحداث حسان هم أولاده وغلمان كثير، فعلمت أنه الرجل. فجاء حتى جلس وسلّم عليّ سلاما خفيفا وسألني عن أمير المؤمنين واستقامة أمر حضرته، فأخبرته بما وجب. وما قضى كلامه حتى جاءوه بأطباق فاكهة، فقال لي: تقدم يا منارة، فقلت: ما بي إلى ذلك حاجة. فلم يعاودني وأكل هو والحاضرون عنده، ثم غسل يده، ودعا بالطعام فجاءوه بمائدة حسنة عظيمة لم أر مثلها إلا في دار الخليفة، فقال: تقدّم يا منارة، ساعدنا على الأكل. وهو لا يزيدني على أن يدعوني باسمي كما يدعوني الخليفة. فامتنعت فما عاودني. وأكل هو وأولاده- وكانوا تسعة، عددتهم- وجماعة كثيرة من أصحابه وحاشيته وجماعة من أولاد أولاده، وتأملت أكله في نفسه، فوجدته أكل الملوك، ووجدت جأشه رابطا، وذلك الاضطراب الذي كان في داره قد سكن. ووجدته لا يرفع من بين يديه شيء قد جعل على المائدة إلا نهب. وقد كان غلمانه لما نزلت الدار أخذوا جمالي وغلماني فغدوا بهم إلى دار له فما أطاقوا ممانعتهم، وبقيت وحدي ليس بين يدي إلا خمسة أو ستة منهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 56 كانوا وقوفا على رأسي. فقلت في نفسي هذا جبّار عنيد، فإن امتنع عليّ من الشخوص فأنا ومن معي هالكون. فجزعت ولا سبيل إلى إعلام أمير البلد، وإلى أن يلحقني أمير البلد لا أملك لنفسي دفع ضرر يريده بي، وذاك أني استربت باستخفافه بي، وتهاونه ودعائه لي باسمي، ولا يفكر في امتناعي من الأكل، ولا يسأل عما جئت له، بل أكل مطمئنا. وأنا أفكر في ذلك إذ فرغ من طعامه وغسل يده، ودعا ببخور فتبخّر، وقام إلى الصلاة فصلّى وطوّل، وأكثر من الدعاء والابتهال، ورأيت صلاته حسنة، فلما انفتل من المحراب أقبل عليّ وقال: ما أقدمك يا منارة؟ قلت: أمر لك من أمير المؤمنين. فأخرجت الكتاب ودفعته إليه ففضّه وقرأه، فلما استتم قراءته دعا أولاده وحاشيته، فاجتمع منهم خلق كثير، فلم أشكّ إلا أنه يريد أن يوقع بي، فلما تكاملوا ابتدأ فحلف أيمانا مغلظة، فيها الطلاق والحج والصدقة والوقف والحبس، إن اجتمع منهم اثنان في موضع واحد إلى أن ينكشف له أمر يعمل عليه. وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين يأمرني بالمصير إلى بابه، ولست أقيم بعد هذا ولا لحظة واحدة لأنظر في أمري مسارعة إلى أمره؛ فاستوصوا بمن ورائي من الحرم، وما بي حاجة إلى أن يصحبني غلام. هات أقيادك يا منارة. فدعوت بها وكانت في سفط، وأحضرت حدادا ومدّ ساقيه فقيدته، وأمرت غلماني حتى حصل في المحمل، وركبت في الشقّ الآخر، وسرت من وقتي لم ألق أمير البلد ولا غيره، وسرت بالرجل ليس معه أحد إلى أن صرنا بظاهر دمشق، فابتدأ يحدثني بانبساط حتى انتهينا إلى بستان حسن بالغوطة. فقال لي: أترى هذا؟ قلت: نعم، قال: إنه لي، وفيه من غرائب الأشجار كيت وكيت، ثم انتهى إلى آخر فيه مثل ذلك، ثم انتهينا إلى قرى حسان سرية، فأقبل يقول: هذا لي، ويصف كل شيء من ذلك. فاشتدّ غيظي منه فقلت له: علمت أني شديد التعجب، قال: ولم تعجب؟ قلت: ألست تعلم أن أمير المؤمنين قد أهمّه أمرك حتى أرسل إليك من انتزعك من بين أهلك وولدك ومالك، وأخرجك عن جميع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 57 مالك وحيدا فريدا مقيدا، لا تدري إلى ما تصير إليه ولا كيف تكون، وأنت فارغ البال من هذا تصف بساتينك وقراك وضياعك، هذا بعد أن رأيتني قد جئت وأنت تعلم فيم جئت، بل أنت ساكن الجأش مطمئن القلب، ولقد كنت عندي شيخا فاضلا. فقال لي مجيبا: إنا لله وإنا إليه راجعون! أخطأت فراستي فيك، قدّرتك رجلا كامل العقل وأنك ما حللت من الخلفاء هذا المحلّ إلا بعد ما عرفوك بذلك، فإذا عقلك وكلامك يشبه كلام العوام وعقولهم، والله المستعان! أما قولك في أمير المؤمنين وازعاجه لي وإخراجه إياي إلى بابه على صورتي هذه فإني على ثقة بالله عزّ وجلّ الذي بيده ناصية كلّ شيء، ولا يملك شيء لنفسه ضرّا ولا نفعا ولا لغيره إلا بإذن الله ومشيئته، ولا ذنب لي عند أمير المؤمنين أخافه، وبعد فإذا عرف أمري وعرف سلامتي وصلاح ناصيتي، وأنّ الحسدة والأعداء رموني عنده بما لست في طريقته، وتقوّلوا عليّ الأكاذيب الباطلة، لم يستحلّ دمي وتحرّج من أذيّتي وازعاجي، فردّني مكرّما أو أقامني ببابه معظما. وإن كان قد سبق في علم الله تعالى أن تبدر إليّ منه بادرة من سوء وقد حضر أجلي، وحان سفك دمي على يده، فلو اجتهدت الملائكة والأنبياء وأهل الأرض والسماء على فوت ذلك وتزحزحه عني ما استطاعوه؛ فلم أتعجّل الهمّ والغمّ وأتسلّف الفكر فيما قد فرغ منه؛ وإني أحسن الظنّ بالله عزّ وجلّ الذي خلق ورزق، وأمات وفطر، وجبل وأحسن وأجمل؛ وقد كنت أظنّ أنّ مثلك يحسن ويعرف هذا؛ والآن قد عرفتك حق معرفتك، وعلمت حد فهمك، فإني لا أكلمك بعد هذا حتى تفرّق حضرة أمير المؤمنين بيني وبينك. ثم أعرض عني فما سمعت له لفظة بغير التسبيح والقرآن إلا طلب الماء أو حاجة تجري مجراه، حتى شارف الكوفة في اليوم الثالث عشر بعد الظهر. وإذا النّجب قد استقبلتني على فراسخ من الكوفة يتحسّسون خبري؛ فحين رأوني رجعوا عني متقدمين بالخبر إلى أمير المؤمنين. ودخلت إلى الرشيد فقبّلت الأرض بين يديه ووقفت. قال: هات ما عندك، وإياك أن تغفل منه لفظة واحدة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 58 فسقت الحديث من أوله إلى آخره، حتى انتهيت إلى ذكر الفاكهة والطعام والغسل والطهور والبخور والصلاة، وما حدثت به نفسي من امتناعه، والغضب يظهر في وجهه ويتزايد، حتى انتهيت إلى فراغ الأموي من الصلاة والتفاته إليّ ومسألته إياي عن سبب قدومي، ودفعي الكتاب إليه، ومبادرته إلى أمر ولده وأسبابه وأهله وأصحابه وخدمه ألا يتبعه أحد منهم، وصرفه إياهم، ومدّ رجليه حتى قيدته. فما زال وجه الرشيد يسفر، فلما انتهيت إلى ما خاطبني به عند توبيخي إياه، فقال: صدق والله! ما هذا إلا رجل محسود على النعمة مكذوب عليه؛ ولعمري لقد أزعجناه وآذيناه وأرعبناه وأرعبنا اهله، فبادر بنزع أقياده عنه، وأتني به. فخرجت فنزعت قيوده وأدخلته إلى الرشيد. فما هو أن رآه حتى رأيت الحياء يجول في وجه الرشيد. فدنا الأموي فسلّم بالخلافة ووقف، فردّ عليه السلام ردا جميلا، وأمره بالجلوس فجلس. وأقبل عليه الرشيد يسائله عن حاله، ثم قال له: بلغنا عنك فضل هيئة، وأمور أحببنا أن نراك معها، ونسمع كلامك فاذكر حاجتك، فأجاب الأموي جوابا جميلا وشكر ودعا وقال: أما حاجتي فلا حاجة لي إلا واحدة. وقال: مقضية فما هي؟ قال: يا أمير المؤمنين، تردّني إلى بلدي وأهلي وولدي، قال: نحن نفعل ذلك، ولكن سل ما تحتاج إليه من صلاح جاهك ومعاشك، فمثلك لا يخلو أن يحتاج إلى شيء من هذا. فقال: عمال أمير المؤمنين منصفون، وقد استغنيت بعدله عن مسألة شيء من أمواله، وأموري منتظمة، وأحوالي مستقيمة، وكذلك أمور أهل بلدي بالعدل الشامل في ظل دولة أمير المؤمنين، فلا استغنم ماله. فقال له الرشيد: انصرف محفوظا إلى بلدك، واكتب إلينا بأمر إن عرض لك. فودّعه الأمويّ. فلما ولّى خارجا قال لي الرشيد: يا منارة احمله من وقته، فسر به راجعا كما سيّرته إلينا حتى إذا أوصلته إلى المجلس الذي أخذته منه فدعه فيه وانصرف. ففعلت ذلك. [ مزيد من حكايات الفرج بعد الشدة ] 91- حدث أبو عبد الله الحسين بن محمد السمري كاتب ديوان البصرة قال: وكان أبو محمد المهلبي في وزارته قد قبض عليّ بالبصرة، وطالبني بما لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 59 قدرة لي عليه، وأطال حبسي حتى أيست من الفرج. فرأيت ليلة من الليالي، وأنا أشدّ ما كنت فيه من الهمّ، كأن قائلا يقول لي: اطلب من ابن الراهبوني دفترا خلقا عنده، على ظهره دعاء فادع به فإن الله عزّ وجلّ يفرّج عنك. قال: وكان ابن الراهبوني هذا صديقا لي من أبناء أهل واسط، وهو مقيم بالبصرة حينئذ. فلما كان من غد أنفذت إليه: أعندك دفتر على ظهره دعاء؟ فقال: نعم. فقلت: جئني به، فجاءني به، فرأيت على ظهره مكتوبا: اللهم أنت أنت، انقطع الرجاء إلا منك، وخاب الأمل إلا فيك، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، ولا تقطع اللهم منك رجائي، ولا رجاء من يرجوك في شرق الأرض ولا في غربها، يا قريبا غير بعيد، يا شاهدا لا يغيب ويا غالبا غير مغلوب، اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، وارزقني رزقا واسعا من حيث لا أحتسب، إنك على كل شيء قدير. قال: فواصلت الدعاء بذلك، فما مضت إلا أيام يسيرة حتى وجّه المهلبي فأخرجني من الحبس وقلّدني الإشراف على أبي الحسن أحمد بن محمد الطويل بأسافل الأهواز. «92» - وذكر المدائني ان توبة العنبري [1] قال: أكرهني يوسف بن عمر على العمل، ثم أخذني وقيّدني وحبسني حتى لم يبق في رأسي شعرة سوداء؛ فأتاني آت في منامي فقال لي: يا توبة، أطالوا حبسك؟ قلت: أجل، فقال: سل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة ثلاثا. فاستيقظت وكتبتها، ثم توضأت وصليت ما شاء الله، ثم جعلت أدعو بها حتى وجبت صلاة الصبح فصليتها، فجاء حرسي فقال: أين توبة العنبري، فحملني في أقيادي وأدخلني عليه وأنا أتكلم بهن، فلما رآني أمر باطلاقي، قال: وعلّمتها وأنا في السجن رجلا، فقال: لم أدع إلى عذاب فقلتها إلا   [1] م: الأنباري. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 60 خلّي عني، فدعي بي يوما إلى العذاب، فجعلت أتذكرها فلم أذكرها حتى جلدت مائة سوط، ثم ذكرتها فقلتها فخلي عني. 93- قال نعيم بن أبي هند: كنت عند يزيد بن أبي مسلّم وهو يعذب الناس، فذكر رجل في السجن فبعث إليه بغضب وغيظ، وأنا لا أشك في أنه سيوقع به؛ فلما وقف بين يديه رأيته يحرّك شفتيه بشيء لم أسمعه، فرفع يزيد رأسه إليه وقال: خلوا سبيله. فقمت إلى الرجل فقلت له: ما الذي قلت؟ قال: قلت اللهم إني أسألك بقدرتك التي تمسك بها السموات السبع أن يقع بعضهن على بعض أن تكفينيه. 9» - قال أبو عمرو بن العلاء: كنت هاربا من الحجاج فسمعت منشدا ينشد: [من الخفيف] ربما تجزع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال فقلت له: ما الخبر؟ قال: مات الحجاج. فما أدري بأي قوليه كنت أفرح: بقوله فرجة أم بقوله مات الحجاج، وكان أبو عمرو يقرأ: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً (البقرة: 249) احتاج إلى شاهد، ففرح بقول المنشد «فرجة» وقبل هذا البيت: [من الخفيف] صبّر النفس عند كلّ مهمّ ... إن في الصبر حيلة المحتال لا تضيقنّ في الأمور فقد تك ... شف لأواؤها بغير احتيال «95» - عبد الله بن المعتز: [من الطويل] لهذا الزمان الصعب يا نفس فاصبري ... فما ناصحات المرء إلا تجاربه ولا تحزني ان أغلق الصبر بابه ... فبعد انغلاق الباب يأذن حاجبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 61 «96» - حدث عبيد الله بن سليمان بن وهب عن أبيه قال: كنت وأبا العباس أحمد ابن الخصيب مع خلق من العمّال والكتّاب معتقلين في يد محمد بن عبد الملك الزيات في آخر وزارته للواثق، نطالب ببقايا مصادرتنا، ونحن آيس ما كنا من الفرج، إذ اشتدت علّة الواثق وحجب الناس ستة أيام. فدخل عليه أبو عبد الله أحمد بن أبي داود القاضي، فقال له الواثق: يا أبا عبد الله، ذهبت مني الدنيا والآخرة، قال: كلا يا أمير المؤمنين، قال: بلى والله، أما الدنيا فقد ذهبت كما ترى من حضور الموت وذهبت الآخرة بما أسلفت من العمل القبيح، فهل عندك من دواء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قد عزل محمد بن عبد الملك الزيات من العمّال والكتّاب عالما وملأ بهم الحبوس، يصادرهم ولم يحصل من جهتهم على كثير شيء، وهم عدد كثير، ووراءهم ألف يد ترتفع بالدعاء إلى الله تعالى، فتأمر باطلاقهم لترتفع تلك الأيدي بالدعاء لك، فلعل الله سبحانه وتعالى يهب عافيتك، على كل حال فأنت محتاج إلى أن تقل خصومك. فقال: نعم ما أشرت به عليّ؛ وقال: وقع إليه عني باطلاقهم، فقال: إن رأى خطي عاند ولجّ ولكن يغتنم أمير المؤمنين المثوبة، ويتساند ويحمل نفسه، ويوقع بخطه. فوقع الواثق بخطه وهو مضطرب إلى ابن الزيات باطلاقهم وإطلاق من في الحبوس من غير استئمار ولا مراجعة. وتقدّم إلى ايتاخ أن يمضي بالتوقيع ولا يدعه يعمل شيئا أو يطلقهم وأن يحول بينه وبين الوصول إليه أو كتب رقعة واستئمار أو اشتغال بشغل إلا بعد إطلاقهم، وإن لقيه في الطريق أن ينزله عن دابّته ويجلسه على غاشيته في الطريق حتى يوقّع. فتوجه إيتاخ فلقي ابن الزيات يريد دار الخليفة، فقال له: تنزل عن دابتك وتجلس على غاشيتك فارتاع، وظن أنّ الحال قد نزلت به، فنزل وجلس على غاشيته. فأوصل إليه التوقيع فامتنع، وقال: إذا أطلقت هؤلاء فمن أين أنفق الأموال وأقيم الأنزال؟ فقال: لا بد من ذلك. فقال: أركب وأستأذنه، فقال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 62 ليس إلى ذلك سبيل، قال: فدعني أكاتبه. قال: ولا إلى هذا. فما تركه يبرح من موضعه حتى وقع باطلاق الكل. فصار إيتاخ إلينا ونحن في الحبس آيس ما كنا من الفرج، وقد بلغنا اشتداد علّة الواثق، وأرجف لابنه بالخلافة، وكان صبيا. فخفنا أن يتم ذلك، فيجعل ابن الزيات الصبيّ شيخا ويتولّى التدبير فيتلفنا. وقد امتنعنا لفرط الغمّ والهمّ من الأكل والشرب. فلما دخل ايتاخ لم نشكّ أنه دخل إلا لبلية، فأطلقنا وعرّفنا الصورة. فدعونا الله لابن أبي دواد والخليفة، وانصرفنا إلى منازلنا. فجلسنا لحظة ثم خرجنا فوقفنا لابن أبي دواد [1] فحين رأيناه ترجلنا له ودعونا له وشكرناه، فأكبر ذلك ومنعنا من الترجل فلم نمتنع، ووقف حتى ركبنا وسايرناه. فأخذ يخبرنا الخبر حتى زدنا في الشكر، وهو يستقصر ما فعله ويقول: هذا أقلّ حقوقكم عليّ، وكان الذي لقيه أنا وأحمد بن الخصيب، وقال: وستعلمان ما أفعله مستأنفا. ورجع ابن أبي دواد إلى دار الخليفة عشاء فقال له الواثق: قد تبركت برأيك يا أبا عبد الله، ووجدت خفّا من العلة، ونشطت وأكلت خمسة دراهم خبزا بصدر درّاج. فقال له: يا أمير المؤمنين، تلك الأيدي التي كانت ترتفع بالدعاء عليك صارت ترتفع بالدعاء لك غدوة وعشية، ويدعو لك بسببهم خلق كثير من رعيتك، إلا أنهم قد صاروا إلى دور خراب وأحوال قبيحة، بلا فرش ولا كسوة ولا دواب ولا ضياع، موتى جوعا وهزالا، قال: فما ترى؟ قال: يا أمير المؤمنين، في الخزائن والاصطبلات بقايا ما أخذ منهم، فلو أمرت بأن ينظر في ذلك، فكل من وجد له شيء باق من هذا ردّ عليه، وأطلقت عن ضياعهم، فعاشوا وخفّ الإثم، وتضاعف الدعاء، وقويت العافية. قال: فوقّع بذلك عني، فوقع ابن أبي دواد، فما شعرنا من الغد إلا وقد رجعت نعمتنا علينا. ومات الواثق بعد ثلاثة أيام أو أربعة، وفرّج الله عنا بابن أبي دواد، وبقيت له   [1] بعده في م: لنشكره على الطريق وترقبنا خروجه من دار الخليفة إلى داره فحين ..... الجزء: 8 ¦ الصفحة: 63 المكرمة العظيمة في أعناقنا. «97» - وحدث جماعة من أهل الموصل: أن فاطمة بنت أحمد الهزارمردي الكردي زوجة أبي ثعلب ابن حمدان اتهمت غلاما لها يقال له ابن أبي قبيصة من الموصل بجناية من مالها، فقبضت عليه وحبسته في قلعتها ثم رأت أن تقتله، وكتبت إلى الموكّل بالقلعة بقتله. فورد عليه الكتاب، وكان أميا وليس عنده من يقرأ ويكتب إلا ابن أبي قبيصة، فدفع الكتاب إليه، وقال له: اقرأه. فلما رأى الأمر فيه بقتله قرأ الكتاب بأسره إلى الموضع الذي أمر فيه بقتله، وردّ الكتاب عليه. قال ابن أبي قبيصة: ففكرت وقلت: أنا مقتول على كل حال إن أقمت، فلا بد أن يرد كتاب آخر في معناي، ويتفق حضور من يقرأه فينفذ فيّ الأمر، فسبيلي أن أحتال فيه بحيلة، إن تمّت سلمت وإن لم تتم فليس غير القتل، ولا يلحقني أكثر منه، وأنا حاصل فيه، فتأملت القلعة فإذا فيها موضع يمكنني أن أطرح منه نفسي إلى أسفلها، وإلا أنّ بينه وبين الأرض ثلاثة آلاف ذراع، وفيه صخر لا يجوز أن يسلّم من يقع عليه من بعد. قال: فلم أجسر؛ ثم ولّد لي الفكر أن تأملت الثلج وقد سقط عدة ليال فغطى تلك الصخور، وصار فوقها أمر عظيم، يجوز أن أسقط عليه وكان في أجلي تأخير ان أسلّم؛ وكنت مقيدا، فقمت لما نام الناس وطرحت نفسي من الموضع قائما على رجليّ؛ فحين حصلت في الهواء ندمت وأقبلت أستغفر الله وأتشهد، وأغمضت عينيّ حتى لا أرى كيف أموت، وجمعت رجليّ بعض الجمع لأني كنت سمعت قديما أن من اتفق عليه أن يسقط من موضع عال إذا جمع رجليه ثم أرسلهما إذا بقي بينه وبين الأرض ذراع أو أكثر قليلا أنه يسلّم من أن يناله ما ينال مثله، وتنكسر حدة الوقوع، ويصير بمنزلة من سقط من ذراعين. قال: ففعلت ذلك، فلما سقطت إلى الأرض ذهب علي أمري وزال عقلي، ثم ثاب إليّ عقلي، فلم أجد ما كان ينبغي أن يلحقني، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 64 فاقبلت أجسّ أعضائي شيئا شيئا فأجدها سالمة، وقمت وقعدت وحركت يديّ ورجليّ فوجدت ذلك سالما كله. فحمدت الله عزّ وجلّ على حالي [1] ، وأخذت صخرة لأكسر بها قيودي، فوجدت الحديد الذي في رجليّ قد صار كالزجاج لشدة البرد. قال: فضربته فانكسر، وقطعت تكتي، فشددت بعضها على القيد إلى ساقي وقمت أمشي في الثلج على المحجة، ثم خفت أن يروا أثري في غد في الثلج على المحجة فيتبعوني فلا أفوتهم، فعدلت عن المحجة إلى الخابور. فلما صرت على شاطئه نزلت في الماء إلى ركبتي، وأقبلت أمشي كذلك فرسخا أو أكثر حتى انقطع أثري؛ وربما حصلت في موضع لا يمكنني المشي لأنه يكون جرفا فأسبح، على ذلك أربعة فراسخ حتى حصلت في خيم فيها قوم، فأنكروني وهمّوا بي، فإذا هم أكراد؛ فقصصت عليهم قصتي، واستجرت بالله وبهم، فرحموني ودفأوني وغطّوني، وأوقدوا بين يديّ نارا، وأطعموني وستروني، وانتهى الطلب إليهم من غد فما أعطوهم خبري. فلما انقطع الطلب سيروني، فدخلت الموصل مستترا، وكان ابن حمدان بها إذ ذاك، فانحدرت إليه فأخبرته بخبري كله، فعصمني من زوجته وأحسن إليّ وصرفني. «98» - أخذ الحجاج رجلا أتهمه برأي الخوارج وكتب إسمه في أسماء من يقتل. فجاءت أمه فوقفت عليه وقالت: أصلح الله الأمير! امنن عليّ بابني فلان، فإنه والله لضهياء دبّاء. فقال الحجاج لجلسائه: أتدرون ما قالت؟ قالوا: لا والله، قال: الضهياء التي لا تحيض والدّباء التي لا تلد، خلوا سبيل ابنها. فدفعه إليها وقال: خذ بيدها، لعنك الله إن لم تبرّها. وأتي بأسرى فأمر بضرب رقابهم، فقال رجل منهم: لا جزاك الله يا حجاج   [1] م: سلامتي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 65 عن السنة والمروءة خيرا، فإن الله تعالى يقول: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (محمد: 4) . فهذا قول الله في كتابه. وقال شاعركم فيما وصف به قومه من مكارم الأخلاق: [من الطويل] وما نقتل الأسرى ولكن نفكّهم ... إذا أثقل الأعناق حمل القلائد فقال الحجاج: ويحكم! أعجزتم أن تخبروني ما أخبرني هذا المنافق، وأمسك عمن بقي. 99- وأتي معاوية يوم صفين بأسير من العراق فقال: الحمد الله الذي أمكنني منك. قال: لا، لا تقل ذلك يا معاوية فانها مصيبة، قال: وأي نعمة أفضل من أن أمكنني الله من رجل قتل جماعة من أصحابي في ساعة واحدة؟ اضرب عنقه يا غلام. فقال الأسير: الحمد لله، أشهد أن معاوية لم يقتلني فيك، ولا أنك ترضى بقتلي في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله. قال له: ويحك! لقد سببت فأبلغت ودعوت فأحسنت، خليّا عنه. «100» - لما ظفر المأمون بأبي دلف العجلي، وكان يقطع في الجبال، قال: يا أمير المؤمنين دعني أركع ركعتين. فركع وكبّر، وصنع أبياتا ثم وقف بين يديه وقال: [من مجزوء الرمل] . بع بي الخلق فإني ... خلق ممّن تبيع واتخذني لك درعا ... قلصت عنه الدروع وارم بي بحر عدوّ ... فأنا السهم السريع فأطلقه وولاه تلك الناحية، فأصلحها وحسنت آثاره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 66 101- جرف الطاعون أهل بيت فسدّ بابه، وثمّ طفل لم يشعروا به. ففتح بعد شهر فإذا الطفل وثمّ كلبة مجر قد عطفها الله عليه، فكانت ترضعه مع جرائها. 102- وسجن رجل شهرا، وقد أغلق بيته على زوجي حمام طيارين وزوجين مقصوصين فتخلّص وهو لا يشك في هلاك المقصوصين، فإذا هو بهما سالمان قد هدى الله الطائرين إلى زقهما حتى عاشا. 103- حبس عضد الدولة أبا إسحاق الصابي فأطال حبسه، واستصفى ماله، بعد أن همّ بقتله. فسأل فيه عبد العزيز بن يوسف والمطهّر بن عبد الله حتى استحياه واقتصر على حبسه ومصادرته. ولبث في الاعتقال سنين إلى أن دخل الصاحب على عضد الدولة بهمذان، وهو مكبّ على دفتر يقرأه، فقال: يا أبا القاسم، هذه رسالة لك في بعض فتوحنا، نحن نأخذها بأسيافنا، وأنت تجمّلها بأقلامك، فقال: المعنى مستفاد من مولانا وإن كانت الألفاظ لخادمه ثم أنشد: [من البسيط] وأنت أكتب مني في الفتوح وما ... تجري مجيبا إلى شأوي ولا أمدي فقال: لمن البيت؟ فقال: لعبده أبي إسحاق الصابي. فأمر بالإفراج عنه والخلعة عليه. فكان ذلك سبب خلاصه من نكبته. «104» - سعيد بن حميد: [من الكامل المجزوء] . كم فرجة مطوية ... لك بين أثناء النوائب ومسرّة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب 105- رأى دهقان أصحاب نصر بن سيار ضعفاء، فأخذ دوابهم فقطع جحافلها وأذنابها، فلما أصبحوا قال نصر: أبشروا بخير فإني رأيت في النوم كأن قائلا يقول: [من المجتث] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 67 إذا ابتليت فصبرا ... فالعسر يعقب يسرا. فبعد مدة يسيرة ولي خراسان فأخذ الدهقان فضربه ألف سوط وحبسه. 106- أراد عمر بن هبيرة قتل رجل فضاقت عليه الأرض بما رحبت، فرأى في منامه من يقول: [من الرجز] ما يسبق الانسان قيد فتر ... ما كان في اللوح عليه يجري فما تمّ عليه شهر حتى قتله أبو جعفر. 107- أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن الجراح في المقتدي: [من البسيط] وافى البشير فأعطى السمع منيته ... وقوّض الهمّ لما خيّم الفرج [ من أخبار الفرج السريع ] 108- من أخبار الفرج السريع الآتي بغير سعي ولا تدبير ما كان من أمر المقتدر لما خلع ونصب أخوه القاهر أبو منصور مكانه، وجلس على السرير، وبايعه الناس، واستحكم أمره، وقبض على المقتدر وحبس في خزانة. واتفق في بقية اليوم أن شغب الرجالة في طلب حق البيعة، وأدّى شغبهم إلى أن قالوا: أخرجوا لنا خليفتنا، ولم يكن وقع تأهب لهم، فلجّوا في الشغب حتى هجموا على الدار، ودلّهم خادم على المقتدر في محبسه، وكسروا عليه الباب؛ وظنهم يقتلونه، فاستعاذ منهم، وتضرّع إليهم. فأخذوه على أعناقهم وهو يستغيث وهم يقولون: إنما نعيدك إلى الخلافة. ووضعوه على سريره وسلموا أخاه القاهر إليه، فعاد ملكه من يومه. وقد كان خلع قبلها ونصّب عبد الله بن المعتز ولقب المرتضي بالله، وبايعه الناس كلهم، وراسل المقتدر بالانتقال إلى الحريم الظاهري فأجاب. ثم إن جماعة من غلمان الدار والخدم أصعدوا في شذاءات بدجلة لينظروا الأمر وعبد الله بن المعتز في دار المحرم. فتطاير من كان معه لغير سبب، وهرب هو واستتر في دار ابن الجصاص فعثر عليه وأهلك، وعاد الأمر إلى المقتدر بغير سعي ولا أعوان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 68 وكانت له نوبة أخرى أول أمره وفي بداية خلافته. وذاك أن الناس أنكروا صغر سنه، فعزم الوزير العباس بن الحسين- وهو المستولي على التدبير حينئذ- على خلعه، وأعدّ لذلك أبا عبد الله محمد بن المعتمد وخالفه وقرر القاعدة معه، وانتظر قدوم بارس صاحب أحمد بن إسماعيل من خراسان ليتقوى به على ما همّ به، فاتفق ان فلج محمد بن المعتمد ومات، وانتقض ذلك الأمر وحيل دونه، وقضاء الله لا يرد، وحكمه لا يغالب. [ حكايات من عصر المؤلف ] 109- حدثني النقيب أبو الغنائم ابن المختار العلوي قال: حدثني اصفهسلار شيخ مقدم الخراسانية على باب محمد بن ملكشاه قال: لما قبض السلطان محمد على وزيره سعد الملك ابي المحاسن سعد بن علي الآبي وصلبه، قبض على أصحابه ومن جملتهم أبو إسماعيل الكاتب المنشىء وسلمه إليّ، وكان صديقي وله عليّ حقوق؛ ثم إنه استدعاني في بعض الأيام ووقفني حيث لم تجر عادتي به وتقدم إليّ وأمرني بالخروج من حضرته وعرض أبا إسماعيل على العذاب حتى يؤدي عشرين ألف دينار أو يموت تحت العقوبة، وتشدد عليّ، فخرجت وأحضرته مقيدا وعرّفته ما جرى. فحلف أنه لا يقدر على أكثر من أربعة آلاف دينار هي مودعة عند انسان ذكره، وليس لي ملك ولا ذخيرة. فقلت لا بد من انفاذ أمر السلطان فيك. فتضوّر وبكى. فلم أتمكن من الدفع عنه مع مودتي له خوفا من السلطان ولتمكّن هيبته في النفوس. قال: فأمرت به فضرب ثلاث مقارع، فإذا بمن يستدعيني إلى السلطان حثيثا. فأمرت أصحابي بأن يكون على حاله إلى أن أرجع. فلما دخلت عليه قال: ما فعلت في أمر أبي إسماعيل؟ فأخبرته. فلما انتهيت إلى ذكر العقوبة، قال: ليتك لم تكن فعلت. ثم قال: اخرج فاحمله إلى الحمام، وأمط عنه الدرن، وخذ له من الخزانة جبّة وعمامة، ومره بأن يباكر إلى الدار قبل الكتّاب وقبل الناس كلهم. فخرجت من بين يديه وأنا شديد التعجب، وأمرت به إلى الحمام فارتاب بي، وأخذ يتمرغ على قدمي، ويقول: من أنا حتى أقتل في الحمام؟ وأنا أقول له: لا بأس عليك. وكلما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 69 سكّنته انزعج، إلى أن أحضرت المزين فأخذ من شعره وألبسته ثيابا نظيفة، وجيء بالجبة والعمامة من الخزانة فلبسها، وركب وأصحابي معه. وشاع الخبر، فاستغربه الوزير وجماعة الكتّاب. وحضر أبو إسماعيل من بكرة غد، فوصل إلى الخدمة السلطانية، وأقام ستة شهور يخلو بالسلطان كل يوم من بكرة إلى الظهر، والناس يهابونه ويواصلونه بالتحف والخدم والألطاف، وأنا منهم، ولا نعرف السبب فيما اتفق له به. ثم ظهر من بعد أن السلطان ورد عليه مكتوب مستظهري، وقد كتب عنه جوابه بخط الكاتب، ومن العادة أن يكون عنوان الكتاب السلطاني إلى الخليفة بخط السلطان، فتأمل خط الخليفة فاستحسنه واسترذل خطه، وقال: كيف أكتب الجواب عن هذا الخط الحسن بهذا الخط الرذل؟ فألهمه الله لما قدّره من خلاص أبي إسماعيل أن يجوّد خطه وأن يعوّل عليه في ذلك. وأسر إليه هذا الأمر وطواه عن كل أحد، وكانت خلوته لأجله، وقربه منه وقدمه وجعله طغرائيا، وكبر محلّه عنده. 110- كنت واقفا على فرسي بسوق الخيل، وبهروز الخادم إذ ذاك والي بغداد، وقد ورد الخبر بتولية آخر مكانه. وقد أخرج من حبسه اثنان: أحدهما قاطع طريق والآخر عليه قود، وقدما للقتل. فبدأ بقاطع الطريق فقتل، ثم قرّب الآخر إلى السياف فطلعت خيل أخر، فاشتغل أصحاب بهروز وأعادوا الرجل إلى الحبس، ونحن وقوف؛ وخرج منه أصحاب الجرائم وذلك الرجل فيهم وهو يحجل في عتلته، وتبعه أرباب الدم وكانوا أطفالا ونساء فعجزوا عنه وهرب حتى لحق بالدار السلطانية، واعتصم بها فنجا. 111- حدثت عن نجاح الخادم المسترشدي قال: أعطيت رقعة عن محبوس ونحن بحلوان في الخدمة المقتفية، فعرضتها بين يدي فوقع فيها: ليخلّد في السجن. فانزعجت وقلت في نفسي: ليتني لم أكن عرضتها، ولم يكن لي فيها حيلة، فإنه وقع فيها وألقاها بين الرقاع لتخرج في الجمع إلى الوزير على العادة. قال: ثم أعاد التأمل للرقاع فوقعت تلك الرقعة في يده، فخرق التوقيع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 70 الأول ووقع: يسأل عن حاله؛ وألقاها في الجمع. ثم قلب الرقاع فعادت في يده، فخرق التوقيع الثاني ووقع فيها: ليفرج عنه. 112- كان اسفنديار بن رستم العارض ديّنا كثير العبادة والصدقة. وهو مع ذاك يتعمّل ويخدم السلاطين. فقبض عليه المسترشد، وقصده الوزير أبو علي ابن صدقة وقرر عليه خمسمائة دينار أخذ خطه بها وهو في الاعتقال ليؤديها. وكان الوزير يدخل على الخليفة ويلقاه كل جمعة. فدخل عليه في يوم نوبته فقال له: أفرج عن اسفنديار بن رستم. فقال له: يا مولانا قد أخذنا خطه بخمسمائة دينار. فقال: أعد عليه خطه ولا تأخذ منه شيئا. فراجعه فقال: قد أمر في حقه من لا يمكن مخالفة أمره. فخرج الوزير من الخدمة، وأحضره وأعاد خطه عليه، وصرفه إلى منزله، فأخذ في شكره والدعاء للخليفة. فقال: لا تشكر أحدا، والزم ما أنت عليه. وقيل إنه رأى في النوم الأمر بتخلية سبيله. 113- وقد كان اسفنديار هذا قبض عليه دبيس بن صدقة بن منصور، فاعتقله في مخيّمه تحت الرقة ببغداد، وكان ينقم عليه صحبته وخدمته لسعيد بن حميد العمري صاحب جيش أبيه، وخافه اسفنديار على نفسه. فبينا هو على حاله إذ انتبه دبيس نصف الليل، وجلس على فراشه، واستدعى اسفنديار من محبسه، فانزعج وظن أنه يريد به الهلاك في ذلك الوقت، وإخفاء أمره. فلما حضر عنده قام واعتنقه، واعتذر إليه وصرفه. وكان ذلك لمنام رآه. ومن العجب أن أمه كانت تلك الليلة بمقابر قريش ملازمة تدعو له. فرأت في منامها البشارة بالافراج عنه، فجاءت فرأته مخلّى سبيله [1] . 114- حدثني أبو الحارث ابن المعجون المغني، قال: كنت في شرب بالكرخ وقد صلب الشحنة جماعة من العيارين على باب المساكين. فلما   [1] م: مخلى السبيل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 71 انتصف الليل تعاطى الجماعة شدة القلب والجلد، فقالوا: من يخرج فيقف على هؤلاء المصلوبين في هذا الوقت ويأتي بعلامة منهم؟ فانتدب أحدهم، فلما وصلهم رأى رجلا منهم [1] يتضور في خناقه، فدنا منه فوجده حيا، وقد وقع الحبل تحت حنكه، وهو بآخر رمق؛ فأرخى الحبل وحطّه وحمله على ظهره إلينا، وقال: هذه علامة لا تنكر. وعاش الرجل، فكان ما تعاطاه أولئك الجهلة في نصف الليل سببا لحياته واستنقاذه. 115- حدثني أبو طالب ابن البابقوني قال: حبست في محبس المخزن بسعي تقدم من أبي القاسم ابن الأيسر في حقي، وكان يتولى مكروهي وانتدب لأذيتي. واتفق من بعد فساد حال ابن الأيسر، وظهر عليه أخذه أموال الناس بما كان يعتمده من تخويفهم بشرّه، وانكشف من ذلك مال عظيم أعيد عليهم ما تهيأ منه، وقبض عليه وحمل إلى الموضع الذي أنا فيه، وجمعنا الحبس. قال: فكان كل وقت يطلب أن أحالّه فأمتنع عليه واقول له: لا مال لي يؤخذ فأطيب نفسا عنه، وما بقي إلا روحي وما أحالّك عنها، وأنا هالك هاهنا. فقال لي: كلانا هالكان، فقلت: لا جرم أنني آمل الجنة لأني أهلك مظلوما، وأنت تدخل النار بظلمك. قال: فبتّ في بعض الليالي آيسا قلقا، ولجأت إلى الله تعالى، ونذرت عتق عبد كان لي، والصدقة والزيارة والحجّ إن وجدت النفقة، ونمت فأريت [2] وقت السحر في المنام امرأة حسناء وضعت يدها على بدني كأني أجد لين مسها يقظان، وقالت لي: قم واخرج ولا تنتظر هذا- يعني ابن الأيسر- فإنه يقيم هاهنا ست سنين. قال: فانتبهت أروّي: هل أخبره بالرؤيا أم لا؟ فبينا أنا في ذلك إذ فتح الباب وأخرجت ولا أعلم كيف ذاك ولا ما سببه إلى الآن.   [1] م: رأى أحد المصلوبين. [2] م: فرأيت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 72 نوادر من هذا الفن 116- قدّم عبد الله بن علي بعض الأمويين للقتل، وجرّد السيف ليقتله، فضرط الأموي، فانزعج السيّاف فألقى السيف من يده، فضحك عبد الله بن علي وأمر بتخليته. فقال الأموي: وهذا ايضا من الإدبار: كنا ندفع الموت بأسيافنا ونحن الآن ندفعه باستاهنا. تم الجزء والحمد لله حق حمده وصلواته على محمد نبيه تسليما وعلى آله وسلّم تسليما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 73 الباب الثامن والثّلاثون ما جاء في الغنيّ والفقر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 75 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (وما توفيقي إلا بالله) الحمد لله الغنيّ عن عباده وهم الفقراء، القويّ بقدرته عليهم وهم الضعفاء، الذي قدّر الأرزاق وقسمها في خلقه، وجعل حذق المرء محسوبا عليه من رزقه، قرن الغني بالعناء في الدنيا والخطر في دار الندامة، والفقر بالراحة فيها والسلامة، إلا من عمل في ذاك بطاعته، فكان نعم المطية إلى آخرته، أو تلقى هذا بسوء الاحتمال، فانقلبت به إلى شرّ عقبى ومآل؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة غنيّ به عن سواه، عالم ألا معبود إلا إياه، وأعوذ به من بطر الثراء واليسر، واسأله العصمة في قنوط العدم والعسر؛ والصلاة على محمد رسوله الذي صبر نفسه مع عيّل صحابته، ودعا بان يكون المحيا والممات مع مساكين أمّته، وعلى آله مؤثري الافتقار [1] على اليسار، وعلى عترته، وسلّم تسليما كثيرا.   [1] م: الاقتار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 77 (الباب الثامن والثلاثون ما جاء في الغني والفقر) [ آيات وأحاديث ] قد دلّ قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (العلق: 6، 7) ، على ذمّ الغني إذ كان سبب الطغيان. «117» - وسئل أبو حنيفة عن الغني والفقر فقال: وهل طغى من طغى من خلق الله إلا بالغني؟ وتلا هذه الآية. «118» - والمحققون يرون الغني والفقر في الأنفس لا في المال. وفي قوله تعالى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا (البقرة: 268) ، وقوله عزّ وجلّ: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ (البقرة: 273) ، معنى في هذا وإشارة إليه. 119- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلاك أمّتي في شيئين: ترك العلم وجمع المال» . «120» - وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا يعجبك أمرؤ كسب مالا حراما، فإنه إن أنفق لم يقبل منه، وإن أمسك لم يبارك الله له فيه، وإن مات وتركه كان زاده إلى النار» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 78 [ حكايات عن الصحابة والنبي (ص) ] «121» - وفي الحديث: «مثل الفقر للمؤمن كمثل فرس مربوط بحكمته إلى أخيّة، كلما رأى شيئا ممّا يهوى ردّته حكمته» . «122» - قال وهب: وجدت في كتب الأنبياء: من استغنى بأموال الفقراء، جعلت عاقبته الفقر، وأيّ دار بنيت بالضعفاء جعلت عاقبتها الخراب. 123- حدث أبو سعيد الخدري أنه أصبح ذات يوم وليس لهم طعام، وأصبح وقد عصب على بطنه حجرا من الجوع، فقالت امرأتي: ائت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقد أتاه فلان فأعطاه. فأتيته وهو يخطب وهو يقول: من يستعفّ يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن سألنا شيئا فوجدناه أعطيناه وواسيناه، ومن استعفّ واستغنى فهو أحبّ إلينا. قال: فرجعت وما سألته حتى ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا. 124- قال جابر بن عبد الله: جاء عبد الرحمن بن عوف يوما إلى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين، أعنّي بنفسك وبمن حضر من المسلمين، قال عمر: وما ذاك؟ قال: جهّزت ألف بعير إلى الشام فيها مائتا مملوك يمتارون لي ما قدروا عليه من أصناف التجارات، فلما قمت الليلة أصلي وردي حدثت نفسي وقدّرت الإبل كأنها قدمت وساومني التجار بما فيها، وضعّفوا لي ما كنت أتمناه، فو الله ما أدري على ما أصبحت: على قرآن أم هذيان، فدونكها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها ومماليكها، فاجعلها في سبيل الله، فلا حاجة لي فيما يشغلني عن عبادة ربي. 125- قال محمد بن كعب القرظي: سمعت عليا عليه السلام يقول: لقد رأيتني وأنا أربط الحجر على بطني في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الجوع، وإن صدقتي اليوم أربعون ألف دينار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 79 «126» - وكانت الصحابة رضوان الله عليهم ترى الفقر فضيلة ومنزلة يتنافس عليها، وفي بعض هذه الأخبار ما يدل على ذلك. 127- وروي أن عمر رضي الله عنه خطب الناس وهو خليفة، وعليه إزار فيه ثلاث عشرة رقعة إحداها من أدم، وعليه عمامة وبيده الدرة. 128- وقال ابن سيرين: كنا عند أبي هريرة وعليه ممشقتان من كتان فتمخط فيهما فقال: بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني أجرّ فيما بين منبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى حجرة عائشة مغشيا عليّ من الجوع، فيجيء الرجل فيجلس على صدري فأرفع رأسي فأقول: إنه ليس ذاك إنما هو الجوع. «129» - وقال أبو بردة عن أبيه: لو رأيتنا مع نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم ظننت أن ريحنا ريح الضأن، لباسنا الصوف وطعامنا الأسودان: الماء والتمر. 130- وقال محمد بن سيرين: كان أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم يجتزىء أحدهم بالفلذة يشويها، فإذا لم يجد شيئا أقام صلبه بخشبة أو حجر يوثقه على صلبه. 131- وقال سهل بن سعد: كنا نفرح بيوم الجمعة. قيل: ولم ذاك؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إليّ بضاعة، فتأخذ من أصول السلق، وتنثر عليه حبات من شعير فيطرحه، وكنا نأتيها إذا صلينا الجمعة ونسلّم عليها فتقدمه إلينا. فكنا نفرح بيوم الجمعة لأجل ذلك. «132» - حدث الحسن أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم بأربعين عاما. فقال جليس للحسن يقال له فروخ: أمن الأغنياء أنا أم من الفقراء؟ فقال الحسن: أتغديت اليوم؟ قال: نعم، قال: فعندك ما تتعشى به الليلة؟ قال: نعم، قال: أنت من الأغنياء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 80 «133» - وقال صلّى الله عليه وسلّم لرجل: استغن بغنى الله، قالوا: يا رسول الله وما غنى الله؟ قال: غداء يوم وعشاء ليلة. 134- وقال أبو هريرة: دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي جالسا، فقلت: يا نبي الله، أتصلي جالسا؟ فما أصابك؟ قال: الجوع. فبكيت، فقال: لا تبك فإن شدة يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا. «135» - وقال ابن عباس: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يبيت طاويا ليالي ما له ولأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير. 136- وروى أنس بن مالك أن فاطمة عليها السلام جاءت بكسرة من خبز إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ما هذه يا فاطمة؟ قالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة. فقال: أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث. 137- وقال أنس بن مالك: ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رغيفا محوّرا حتى لقي الله. 138- وروى عروة عن عائشة قالت: لقد كان يأتي على آل محمد شهر لا يخبزون فيه، فقلت: ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصنع؟ قالت: كان له خيرة من الأنصار جزاهم الله خيرا، وكان لهم شيء من لبن فيهدون منه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأهله. 139- وقال أبو هريرة: ما شبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا. 140- قال يزيد بن أبي رافع: نزل بالنبي صلّى الله عليه وآله سلّم ضيف، فبعثني إلى يهودي فقال: قل له إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لك بعنا أو أسلفنا إلى وقت؛ قال: فقلت له، فقال: والله لا أبيعه ولا أسلفه إلّا برهن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 81 فرجعت إلى النبي صلّى الله عليه واله وسلّم، فقال: أم والله لو باعني أو أسلفني لأعطيته وقضيته، وإني لأمين في السماء، أمين في الأرض، اذهب بدرعي الحديد فارهنها. فرهنتها، قال: فنزلت هذه الآية يعزيه عن الدنيا: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا (طه: 131) . 141- قال أبو طلحة: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الجوع، ورفعنا عن بطوننا حجرا حجرا فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بطنه حجرين. «142» - وروي أن رجلا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني والله لأحبّك في الله، فقال: فإن كنت صادقا فأعدّ للفقر تجفافا، فالفقر إلى من يحبني أسرع من شبعت حمدتك وشكرتك. «143» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: عرض عليّ ربي أن يجعل لي الصفا ذهبا، فقلت: لا يا رب! ولكن أشبع يوما وأجوع يوما، فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك. «144» - وروي أنه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقول: اللهم توفّني إليك فقيرا ولا توفّني إليك غنيا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة، وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة. 145- وقيل إن ضجاعه عليه السلام- كان من أدم حشوه ليف. 146- رؤي يحطب وعليه عباءة شامية. وكان يسم الغنم وهو مؤتزر بكساء. 147- وقال علي عليه السلام: أهديت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما كان فراشنا إلا مسك كبش. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 82 148- روي عن داود عليه السلام أنه قال: نعم العون الغنى واليسار على الدين. هذا عذر لمن عمل فيه بطاعة الله، وأنفقه في سبيل الله، حتى نال به الدرجات العلى. فأما من شحّ على المال وأعدّ الغنى لدنياه، فالحجة عليه قوله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (التوبة: 34- 35) . 149- عيّرت اليهود عيسى بن مريم عليه السلام بالفقر، فقال: من الغنى أتيتم. 150- وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: هلك المثرون؛ وقال في الثالثة: إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وشماله وأمامه وخلفه، وقليل ما هم. «151» - قال بعض الزهاد: تأمل ذا الغنى ما أدوم نصبه وأقلّ راحته، واخسر من ماله حظّه، وأشدّ من الأيام حذره، ثم هو بين سلطان يهتضمه، وعدوّ يبغي عليه، وحقوق تلزمه، واكفاء يسوءونه، وولد يودّ فراقه. قد بعث الغنى عليه من سلطانه العنت، ومن أكفائه الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق الذمّ، ومن الولد الملامة. 152- ليم أفلاطون على الزهد في المال فقال: كيف أرغب فيما ينال بالبخت لا بالاستحقاق، ويأمر البخل والشره بحفظه والجود والزهد باتلافه. 153- خطب اثنان إلى حكيم ابنته، وكان أحدهما غنيا والآخر فقيرا، فاختار الفقير. وسأله الإسكندر عن ذلك فقال: لأن الغنيّ كان جاهلا فكنت أخاف عليه الفقر، والفقير كان عاقلا فرجوت له الغنى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 83 «154» - قال رجل لسقراط: ما أفقرك! قال: لو عرفت راحة الفقر لشغلك التوجّع لنفسك عن التوجّع لي، فالفقر ملك ليس عليه محاسبة. 155- قال ابن المعتز: الناس ثلاثة أصناف: أغنياء وفقراء وأوساط. فالفقراء موتى إلا من أغناه الله عزّ وجلّ بعزّ القناعة، والأغنياء سكارى إلا من عصمه الله تعالى بتوقع الغير، وأكثر الخير مع أكثر الأوساط، وأكثر الشر مع الفقراء والأغنياء لسخف الفقر وبطر الغنى. «156» - وفي الحديث أن قيس بن عاصم قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هذا سيّد أهل الوبر، فقلت: يا رسول الله ما المال الذي ليست عليّ فيه تبعة في إمساكه من طالب ولا ضيف؟ فقال عليه السلام: نعم المال أربعون والكثر ستون، ويل لأصحاب المئين إلا من أعطى الكريمة ومنح الغزيرة، ونحر السمينة، فأكل وأطعم القانع والمعترّ. وفي رواية أخرى إلا من أعطى من رسلها، وأطرق فحلها، وأفقر ظهرها، وذبح من غزيرتها، وأطعم القانع والمعترّ. فقلت: يا رسول الله ما أكرم هذه الأخلاق وأحسنها، إنها لا تحلّ بالوادي الذي فيه إبلي من كثرتها. قال: فكيف تصنع في العطية؟ قلت: أعطي البكرة وأعطي الناب، قال: وكيف تصنع في المنحة؟ قلت: إني لأمنح المائة، قال: كيف تعطي الطروقة؟ قلت: يغدو الناس بإبلهم فلا يوزع رجل عن جمل يختطمه فيمسكه ما بدا له حتى يكون هو الذي يردّه. وفي الرواية الأخرى قال: فكيف تصنع في الإطراق؟ قلت: يغدو الناس فمن شاء أن يأخذ رأس بعير فيذهب به، قال: فكيف تصنع بالافقار؟ قلت: إني لأفقر الناب المدبرة والضّرع الصغيرة، قال: فكيف تصنع في المنحة؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 84 قلت: إني لأمنح في السنة المائة، قال: فمالك أحب إليك أم مال مواليك؟ قلت: لا بل مالي، قال: فإن مالك ما أكلت فأفنيت وأعطيت فأمضيت. وفي الرواية الأخرى أو لبست فأبليت وسائره لمواليك. قلت: لا جرم والله لئن رجعت لأقلن عددها. المنحة: الناقة والشاة يدفعها الرجل إلى من يحلبها ويردها، ومنه الحديث: العارية مؤداة والمنحة مردودة. والقانع: الذي يسأل، والمعتر الذي يجلس عند الذبيحة ولا يسأل وكأنه يعرض بالمسألة ولا يصرح بها. والناب: الناقة الهرمة. وقوله: لا يوزع رجل أي لا يمنع ولا يحبس، يقال وزعت الرجل توزيعا أي منعته وكففته، والوزع: الرجل المتحرج المانع نفسه مما تدعوه إليه. والطروقة: التي قد حان لها أن تطرق وهي الحقة. والرّسل: اللبن، والأفقار: هو أن يركبها الناس وتحملهم على ظهورها، مأخوذ من فقار الظهر. والأطراق للفحول: هو أن يبذلها لمن ينزيها على إناث إبله. [ أقوال في الغنى ] 157- سئل بعضهم عن الغنى فقال: شرّ محبوب، وعن الفقر فقال: ملك ليس فيه محاسبة. «158» - وقالوا: سوء احتمال الغنى يورث مقتا وسوء حمل الفاقة يضع شرفا. وسوء احتمال الغنى تسميه العرب الحجل، وتسمي سوء احتمال الفقر الدّقع. ومنه الحديث المرفوع في النساء: انكن إذا سبغتن حجلتنّ وإذا جعتنّ دقعتنّ. 159- وقال بعضهم: في مجاوزتك ما يكفيك فقر لا منتهى له حتى تنتهي عنه. «160» - ويقال: العفاف زينة الفقر والشكر زينة الغنى. 161- قيل لبعض الحكماء: أي الأمور أعجل عقوبة وأسرع لصاحبها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 85 صرعة؟ قال: ظلم من لا ناصر له إلا الله سبحانه وتعالى، ومجاوزة النعم بالتقصير، واستطالة الغني على الفقير. 162- ليس الموسر من ينقص على النفقة ماله، ولكن الموسر من يزكو على الإنفاق ماله. 163- وقال آخر: احتمال الفقر أحسن من احتمال الذل، على أن الرضا بالفقر قناعة والرضا بالذلّ ضراعة. 164- قيل لبعضهم: إن فلانا أفاد مالا عظيما، قال: فهل أفاد معه أياما ينفقه فيها؟ 165- سافر سقراط مع بعض الأغنياء، فقيل لهما: في الطريق صعاليك يأخذون سلب الناس ويطالبونهم بالمال، فقال الغنى: الويل لي إن عرفوني، فقال سقراط: الويل لي إن لم يعرفوني. «166» - سمع العطوي رجلا يحدث أن رجلا قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن فلانا قد جمع مالا، فقال له عمر: فهل جمع له أياما؟ فأخذ العطوي هذا المعنى فقال: [من البسيط] أرفه بعيش فتى يغدو على ثقة ... أن الذي قسّم الأرزاق يرزقه فالعرض منه مصون لا يدنّسه ... والوجه منه جديد ليس يخلقه جمعت مالا فقل لي هل جمعت له ... يا جامع المال أياما تفرّقه المال عندك مخزون لوارثه ... ما المال مالك إلا حين تنفقه [ فقر آل الرسول (ص) ] «167» - قال جابر: دخل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على فاطمة وهي تبكي وتطحن بالرحى وعليها كساء من أجلّة الإبل. فلما رآها بكى، وقال لها: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 86 يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا، فأنزل الله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (الضحى: 5) . 168- وقال عطاء: كانت فاطمة تعجن حتى تضرب عقيصتها الجفنة. 169- وقال علي عليه السلام لابن أعين: ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكانت أحبّ أهله إليه، وجاءت عندي فجرّت بالرحى حتى أثّرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثّرت في نحرها، وقمشت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار حتى دكنت ثيابها، في حديث طويل. 170- وقال أنس: بينا النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، وقريش والأنصار ينتظرون بلالا أن يجيء فيؤذن احتبس عليهم ثم جاء، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: ما حبسك يا بلال عن الأذان؟ قال: خرجت مقبلا إليك، لكني مررت على باب فاطمة عليها الصلاة والسلام وهي تطحن واضعة ابنها الحسن عند الرحى وهي تبكي، فقلت لها: أيما أحب إليك: إن شئت كفيتك ابنك، وإن شئت كفيتك الرحى؟ فقالت: أنا أرفق بابني؛ فأخذت الرحى فطحنت؛ فذاك الذي حبسني عنك. فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: رحمتها رحمك الله. [ نماذج من تصرف الأغنياء ] 171- وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما زوّج فاطمة، بعث معها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف وجرتين وزوجي سقاء. قال علي عليه السلام: فقلت لفاطمة عليها السلام: لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بالسبي. فأتياه جميعا، فذكرا ذلك له وقالا: أخدمنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والله لا أخدمكما وأدع أهل الصّفّة تنطوي بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم. فرجعا فدخلا في خميلتهما، فجاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فتبادرا، فقال: مكانكما! ألا أخبركما بشيء خير لكما مما سألتماني، علّمنيه جبريل عليه السلام: تكبّران في عقب كل صلاة عشرا وتسبحانه عشرا وتحمدانه عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما حمدتما الله ثلاثا وثلاثين وتسبّحان ثلاثا وثلاثين وتكبّران أربعا وثلاثين. قال علي عليه السلام: فو الله ما تركتهن منذ علمنيهنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 87 ابن الكواء: ولا ليلة صفين؟ قال علي: قاتلكم الله يا أهل العراق، ولا ليلة صفين. 172- وعن أنس: جاءت فاطمة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم تشكو مجلا بيدها من الطحين. فأتاها النبي صلّى الله عليه وسلّم بغلام وعليها ثوب، فذهبت تغطى وجهها فتخرج رجلاها، فذهبت تغطي رجليها فذهب رأسها. فقال صلّى الله عليه وسلّم: إنما هو أبوك وغلامك. 173- ومدح الفقر والرضا به مخرجة من الدنانير. فأما المنغمس في الدنيا والراغب فيها فجماله وفخره في الغنى، ووباله وفساد حاله وفضائله الفقر. وقد أكثر الناس في ذلك، فكانوا أكثر ممّن رضي بالفقر، كنسبة كثرة الراغبين في الدنيا إلى قلة طالبي الآخرة. «174» - وقد قالوا: الفقر رأس كل بلاء، وداعية إلى مقت الناس، وهو مع ذلك مسلبة للعقل والمروءة، ومذهبة للحياء والأدب والعلم، معدن للتهمة. ومتى نزل بالرجل الفقر لم يجد بدّا من ترك الحياء. ومن فقد حياءه فقد مروءته، ومن فقد مروءته مقت، ومن مقت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن أنكر عقله، واستحال ذهنه، وذهب حفظه وفهمه، ومن صار إلى ذلك كان قوله وفعله عليه لا له. وإذا افتقر الرجل اتهمه من كان له مؤتمنا، وأساء به الظن من كان ظنه به حسنا. فإن أذنب غيره أظنوه، وكان عندهم للتهمة أهلا. وليست خلّة هي للغني مدح إلا وهي للفقير عيب، فإن كان شجاعا قيل أهوج، وإن كان جوادا قيل مبذر، وإن كان حليما قيل ضعيف، وإن كان وقورا قيل بليد، وإن كان لسنا قيل مهذار، وإن كان صموتا قيل عيي. 175- وأوصى قيس بن معدي كرب الكندي بنيه فقال: عليكم بهذا المال فاطلبوه أجمل الطلب، واجعلوه جنة لاعراضكم يحسن في الدنيا مقالكم، فإن بذله كمال الشرف وثبات المروءة، وإنه ليسوّد غير السيد، ويقوّي غير الأيّد، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 88 حتى يكون في أنفس الناس نبيها، وفي أعينهم مهيبا. ومن كسب مالا فلم يصل منه رحما، ولم يعط منه سائلا، ولم يصن به عرضا، بحث الناس عن أصله، فإن كان ناقصا [1] هتكوه، وإن كان صحيحا كسبوه إمّا دنية أو عرقا لئيما حتى يمتحنوه. [ أقوال في الفقر والفقير ] 176- قال لقمان لابنه: إني قد ذقت المرّ فلم أذق أمرّ من الفقر، فإن افتقرت يوما فاجعل فقرك فيما بينك وبين الله ثم سله، فما من أحد دعا الله فلم يجبه، أو سأله فلم يعطه. ولا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم ويبغضوك. 177- وقيل للقمان: أي الناس أعلم؟ قال: من ازداد من علم الناس إلى علمه. قيل: فأي الناس أغنى؟ قال: من رضي بما أوتي. قيل: فأي الناس خير؟ قال: المؤمن الغني. قيل: الغنى من المال؟ قال: بل الغنى من العلم، فإن احتاج الناس إليه وجدوا عنده علما، وإن لم يحتج الناس إليه أغنى نفسه. 178- باع طلحة ضيعة بخمسين ألف درهم وتصدق بها، ثم راح إلى الجمعة في قميص مرقوع. 179- وقال قيس بن عاصم في وصيته لولده: أكرموا الإبل فإن فيها مهر الكريمة ورقوء الدم. ورقوء الدم حبسه، وكذلك الدمع يقال لا أرقأ الله له مدمعا. 180- ومن أمثالهم في اكرام المال: من ذهب ماله هان على أهله. «181» - ودخل أحيحة بن الجلاح حائطا، فرأى تمرة ساقطة فتناولها، فعوتب في ذلك فقال: التمرة إلى التمرة تمر، والذود إلى الذود إبل، فذهبا   [1] م: مدخولا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 89 مثلين. وهو القائل: [من البسيط] استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب ... من ابن عمّ ولا عمّ ولا خال إني أقيم على الزوراء أعمرها ... إن الحبيب إلى الإخوان ذو المال «182» - ومن محبتهم للمال والغنى أمروا بإصلاحه، ومنه البيت السائر: [من الوافر] قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد وهو للمتلمس. وقبله: لحفظ المال خير من بغاه ... وسير في البلاد بغير زاد 183- ومنه الخبر عن عائشة رضي الله عنها أنها وهبت مالا كثيرا ثم أمرت بثوب لها أن يرقع، وقالت: لا جديد لمن لا يلبس الخلق. 184- ومن أمثال العرب: من استغنى كرم على أهله. قال الشاعر: [من الرمل] يكرم الناس دنّيا مكثرا ... ويهان الماجد العفّ العديم «185» - وقال بعض الفرس: من زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كاذب حتى يثبت صدقه، فإن ثبت صدقه فهو عندي أحمق. «186» - وروي عن رجل من أهل العلم أنه مرّ به رجل من أرباب المال فنحر له وأكرمه، فقيل له بعد ذلك: أكانت لك إلى هذا حاجة؟ قال: لا والله، ولكني رأيت ذا المال مهيبا، أو قال رايت المال مهيبا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 90 18» - ويشبه ذلك قول عروة بن الورد: [من الوافر] ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرّهم الفقير وأبعدهم وأهونهم عليهم ... وان أمسى له حسب وخير ويقضيه الدنيّ وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير وتلقى ذا الغنى وله جلال ... يكاد فؤاد صاحبه يطير قليل ذنبه والذنب جمّ ... ولكنّ الغنى ربّ غفور 187 ب- ورأى أنو شروان فقيرا جاهلا فقال: بئس ما اجتمع على هذا، فقر ينغص دنياه وجهل يفسد آخرته. 188- وقال آخر: نعم أخو الشريف درهمه: يغنيه عن اللئام ويتجمل به في الكرام. 189- وقال آخر: الفقير في الأهل مصروم، والغني في الغربة موصول. 190- قيل لرجل مستهتر بجمع المال: ما هذا كله؟ قال: إنما أجمعه لروعة الزمان، وجفوة السلطان، وتخلّي الإخوان، ودفع الأحزان. 191- قال رجل: كنت أمشي مع سفيان بن عيينة، فسأله سائل فلم يكن معه ما يعطيه فبكى. فقلت له: وما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: وأي مصيبة أعظم من أن يؤمّل فيك رجل خيرا فلا يصيبه منك. 192- قال سعيد بن عبد العزيز: ما ضرب العباد بسوط أوجع من الفقر. «193» - وكان العياشي [1] يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع   [1] م والمستطرف: العباس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 91 للشمس، ومن الذنب للمصرّ، ومن الحكم للمقرّ؛ وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من الماء، وأحلى من الشهد، وأذكى من الورد؛ خطأه صواب، وسيئته حسنة، وقوله مقبول؛ يغشى مجلسه ولا يملّ حديثه. قال: والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظّة، ومن مرآة اللقوة؛ لا يسلّم عليه إن قدم، ولا يسأل عنه إن غاب؛ إن غاب شتموه، وإن حضر زبروه، وإن غضب صفعوه؛ مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع الصلاة؛ أثقل من الأمانة، وأبغض من الملحف المبرم. 194- رأى أعرابيّ إبل رجل قد كثرت بعد قلة، فقيل: إنه زوّج أمّه فجاءت بمال. فقال: اللهم إنا نعوذ بك من بعض الرزق. 195- وقال أعرابيّ: اجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق وتطعم الجردق. 196- وقال بعضهم: طلبت الراحة لنفسي فلم أجد شيئا أروح لها من ترك ما لا يعنيها، وتوحشت في البرية فلم أر وحشة أشدّ من قرين سوء، وشهدت الزّحوف ولقيت الأقران فلم أر قرنا أغلب للرجل من امرأة سوء، ونظرت إلى كل ما يذلّ العزيز ويكسره فلم أر شيئا أذلّ له ولا أكسر من الفاقة. 197- قال حضين بن المنذر: لوددت أن لي أساطين مسجد الجامع ذهبا وفضة لا أنتفع منه بشيء. قيل له: لم يا أبا ساسان؟ قال: يخدمني والله عليه موتان الرجال. 198- قال علي بن سويد بن منحوف: أعدم أبي إعدامة بالبصرة، فخرج إلى خراسان فلم يصب بها طائلا، فبينا هو يشكو تعذّر الأشياء عليه إذا عدا غلامه على كسوته وبغلته فذهب بها، فأتى أبا ساسان حضين بن المنذر الرقاشي، فشكا إليه حاله، فقال له: والله يا ابن أخي ما عمّك ممّن يحمل محاملك، ولكن لعلي أحتال لك. فدعا بكسوة حسنة فألبسني إياها، ثم قال: امض بنا. فأتى باب السلطان فدخل وتركني بالباب، فلم ألبث أن خرج الحاجب يقول: علي بن سويد بن منحوف، فدخلت على الوالي فإذا حضين على فراش إلى جنبه. فسلمت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 92 على الوالي فردّ عليّ. ثم أقبل عليه حضين فقال: أصلح الله الأمير هذا علي بن سويد بن منحوف سيد فتيان بكر بن وائل وابن سيد كهولها، وأكثر الناس مالا، وقد تحمّل بي على الأمير في حاجة، قال: حاجته مقضية؛ قال: فإنه يسألك أن تمد يدك من ماله ومراكبه وسلاحه إلى ما أحببت، قال: لا والله ما أفعل ذلك بل نحن أولى بزيادته؛ قال: فقد أعفيناك من هذه إذ كرهتها، وهو يسألك أن تحمّله حوائجك بالبصرة؛ قال: إن كان فيها حاجة فهو فيها ثقة، ولكني أسألك أن تكلمه في قبول معونة منّا فإنا نحب أن نرى على مثله من أثرنا. فأقبل عليّ فقال: يا أبا الحسن، عزمت عليك أن لا ترد على عمك شيئا أكرمك به. فسكت فدعا لي بمال ودواب وكسوة ورقيق. فلما خرجت قلت: يا أبا ساسان لقد وافقتني على خطة، قال: اذهب! إليك يا ابن أخي، فعمك أعلم بالناس منك، إن الناس إن يعلموا لك غرائر من مال حشوا لك أخرى، وإن علموا أنك فقير تعدّوا عليك مع فقرك. «199» - كان سعية بن غريض اليهودي ينادم قوما من الأوس والخزرج، ويأتونه فيقيمون عنده، ويزورونه في أوقات قد ألف زيارتهم فيها، فأغار عليه بعض ملوك اليمن فانتسف ماله حتى افتقر، فانقطع عنه إخوانه وجفوه، فلما أخصب وتراجعت حاله راجعوه. فقال في ذلك: [من الوافر] أرى الإخوان لما قل مالي ... وأجحفت النوائب ودّعوني فلما أن غنيت وعاد مالي ... أراهم لا أبا لك راجعوني وكان القوم خلانا لمالي ... وإخوانا لما خوّلت دوني فلما شذّ مالي باعدوني ... ولما عاد مالي عاودوني صخر بن حبناء: [من الطويل] رأيت لما نلت مالا وعضّنا ... زمان نرى في حدّ أنيابه شغبا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 93 تجنّى عليّ الذنب أنك موسر ... فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا 200- كاتب: حسر الدهر عن تجملي قناع القناعة، ولكني مع الظمأ عن ذي الموارد نافر، ومع الفاقة بغنى النفس مكاثر. «201» - قال رجل لابن عبد الرحمن بن عوف: ما ترك أبوك؟ قال: ترك مالا كثيرا، فقال له: ألا أعلمك شيئا هو خير لك ممّا ترك أبوك؟ إنه لا مال لعاجز، ولا ضياع على حازم، والرفق جمال وليس بمال، فعليك من المال بما لا يعولك ولا تعوله. 202- قيل: لا تصحب غنيا فإنك إن ساويته في الانفاق أضربك، وإن تفضل عليك استنصر واستذلك. 203- قال الحجاج لكاتبه: لا تجعلن مالي عند من لا أستطيع أخذه منه. قال: ومن لا يستطيع الأمير أن يأخذ منه ماله؟ قال: المفلس. 204- فكان من شأن الفقير على هذا أن لا يعامل. ومن لا يعامل انقطعت موارد [1] كسبه. [ التظاهر بالغنى مروءة ] 205- وقد كانوا يتظاهرون بالغنى، ويرونه مروءة وفخرا، فمن ذلك ما اعتمده الحسن بن سهل حين زوج بوران ابنته من المأمون، وتكلّفه في ذلك مشهور. قيل إنه نثر على الناس كتب الأملاك، فمن حصل بيده شيء منها جعل له ما تضمنه، وأعوزهم الحطب فأوقد عوضه العود المندلي. «206» - ابن الرومي: [من الطويل] وصبري على الاقتار أيسر محملا ... عليّ من التغرير بعد التجارب   [1] م: موادّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 94 ومن يلق ما لاقيت في كل مجتنى ... من الشوك يزهد في الثمار الأطايب «207» - أنشد أبو عثمان الخالدي: [من البسيط] تزيدني قسوة الأيام طيب ثنا ... كأنني المسك بين الفهر والحجر لقد فرحت بما عانيت من عدم ... خوف القبيحين من كبر ومن بطر «208» - أنشد سفيان بن عيينة: [من البسيط] كم من قويّ قويّ في تصلّبه ... مهذّب الرأي عنه الرزق منحرف ومن ضعيف ضعيف العقل مختلط ... كأنه من خليج البحر يغترف هذا دليل على أنّ الإله له ... بالخلق سرّ خفيّ ليس ينكشف [ الأعراب والإخلال ] 209- استضاف رجل أعرابيا فقال لامرأته: هل من لبن تسقينا؟ قالت: لا والله، قال: فتمرات، قالت: لا والله، قال: فكسيرات، قالت: لا والله، فالتفّ بكسائه وخرج على ضيفه وهو يقول: [من الطويل] إلى الله أشكو ما طوى من سجيتي ... ومن خلقي هذا الزمان المبرّح 210- قال قبيصة بن المهلب: نظر أعرابي إلى المنصور بالكوفة بعد أن ولي الخلافة وكان يعرفه في أيامه الأولى، فقال: ولي هذا الخلافة؟ قيل: نعم، فنظر إليه ساعة ثم قال: [من الطويل] حديث غنى لاقى من الدهر شبعة ... يحاذر أن يلقى بها جوع قابل 211- أبو العالية: [من البسيط] إذا رأيت امرءا في حال عسرته ... مصافيا لك ما في ودّه خلل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 95 فلا تمنّ له أن يستفيد غنى ... فإنه بانتقال الحال ينتقل 212- كان سعد بن عبادة يقول: اللهم هب لي حمدا وهب لي مجدا، لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه. «213» - القاضي أبو الحسن ابن عبد العزيز: [من الطويل] قالوا توصل بالخضوع إلى الغنى ... وما علموا أن الخضوع هو الفقر وبيني وبين المال بابان حرّما ... عليّ الغنى نفسي الأبية والدهر إذا قيل هذا اليسر أبصرت دونه ... مواقف خير من وقوفي بها العسر وماذا على مثلي إذا خضعت له ... مطامعه في كفّ من حصل التبر وأكثر ما عندي لمن قعدت به ... فضائله الاعراض والنظر الشزر 214- قال حكيم: احتمال الفقر أحسن من احتمال الذل، على أن الرضى بالفقر قناعة، والرضى بالذل نذالة. [ الحجاج يزوج ابنه ] 215- وروي أن الحجاج بن يوسف لما زوّج محمد بن الحجاج قال: لأصنعنّ طعاما لم يسبقني إليه الأولون ولا يلحقني به الآخرون. فقيل له: لو وجهت إلى المدائن فسألت كيف يصنع كسرى بالطعام فعملت على نحو ذلك. فأرسل إلى بعض من يعلم ذلك، فقال: حين تزوج كسرى هندا بنت بهرام كتب إلى عماله في الآفاق: ليقدم عليّ كل رجل منكم وخليفة شرطته، فوافى عنده اثنا عشر ألفا، فأطعمهم في ثلاثة أيام، كل يوم أربعة آلاف خوان، يقعدون على بسط الديباج المنسوجة بالذهب ووسائد الديباج المنسوجة بالذهب؛ فلما أكلوا أتى كل واحد بمثقال من مسك فغسل به يده، فلما قاموا بعث بتلك الآنية والبسط فقسمت عليهم. فقال الحجاج: أفسدت عليّ لعنك الله! اذهبوا فاشتروا الجزر فانحروها في مربعات واسط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 96 [ تيه الغنى ومذة الفقر ] «216» - وقيل: دخل خمارويه بن أحمد بن طولون يوما إلى بعض بساتينه، فرأى قراح نرجس قد فتّح جميع زهره فاستحسنه، فدعا بغدائه فتغدى، ثم دعا بشرابه، فلما انتشى قال: عليّ بألف مثقال مسك الساعة، ثم قال: يسحق ويسمّد به النرجس. فجعلوا ينثرونه على أوراقه ويطرح في أصوله. وهذا الغنى المفسد الذي يكبّ صاحبه على وجهه. 217- كان يونس يقول: لا تعادوا القضاة فيختاروا عليكم المذاهب، ولا العلماء فيضعوا عليكم المثالب، ولا المياسير فيبذلوا في تلفكم الأموال. «217» ب- شاعر: [من الطويل] إذا قلّ مال المرء قلّ صديقه ... وأهوت إليه بالعيوب الأصابع 218- وقال آخر: [من الطويل] ولا خير في رزق وإن كان واسعا ... إذا كنت في مجنى اللئيم تطالبه 218 ب- وقال آخر: [من الطويل] ولا مستزاد تبتديه بذلة ... وتفضي إلى منّ عليك عواقبه «219» - وقال آخر: [من الكامل المرفل] خلقان لا أرضاهما أبدا ... تيه الغنى ومذلّة الفقر فإذا غنيت فلا تكن بطرا ... وإذا افتقرت فته على الدهر «220» - قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: نعم العون الغنى على طاعة الله عزّ وجلّ، ونعم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 97 السلّم إلى الغنى طاعة الله وتلا: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ (المائدة: 66) ، وقوله: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ (نوح: 10- 12) . 221- وقال حكيم لابنه: اطلب المال فإنه عزّ في قلبك وذلّ في قلب عدوك. «222» - وقال آخر لابنه: أوصيك باثنتين لن تزال بخير ما تمسكت بهما: درهمك لمعاشك، ودينك لمعادك. 223- وقالوا: يجمع المال فيصان به العرض، وتحمى به المروءة، وتوصل به الرحم. 224- وقال عبد الرحمن بن عوف: حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرّب به إلى ربي. 225- وقال سفيان الثوري: صلاح المؤمن في هذا الزمان المال. 226- قال حكيم: لا توحشنّك الغربة إذا أنست بالكفاية. 226 ب- الغنى أنس الأوطان. 226 ج- لا تفزع لفراق الأهل مع لقاء اليسار. [ المال والحرص ] 227- ذكر عند سعيد بن المسيب المال وحرص الناس عليه، فقال سعيد: لا خير في من لا يحبّ المال، أقضي به ديني، وأصل به رحمي، وأتقرّب به إلى ربي عزّ وجلّ، وأستعين به على معاشي وأكف به وجهي. «228» - وكان عروة بن الورد العبسي موسرا، وكان له ابن عم معسر، وكانا يسكنان الأردن وكان عروة كثيرا ما يعطف عليه ويبرّه، وكان ذاك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 98 يشكو إليه الحاجة، فلما أكثر عليه كتب إليه- وتروى الأبيات لأبي عطاء السندي-[من الطويل] إذا المرء لم يكسب معاشا لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا وصار على الأدنين كلا وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكّرا فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا فما طالب الحاجات من حيث يبتغي ... من الناس إلا من أجدّ وشمّرا ولا ترض من عيش بدون ولا تنم ... وكيف ينام الليل من كان معسرا [ حكايات في الغنى وأشعار ] 229- عبد الله بن همام السلولي: [من البسيط] وأطعم الله أقواما على قدر ... ولم يحاسبكم في الرزق والطّعم «230» - المتوكل الليثي: [من الكامل] ومعيّري بالفقر قلت له اقتصد ... إني أمامك في الزمان قديم قد يكثر النّكس المقصّر همّه ... ويقلّ مال المرء وهو كريم 231- الأقرع بن معاذ: [من البسيط] فاختر لنفسك جيرانا تجاورهم ... لا يصلح المال حتى يصلح الجار «232» - مرّ رجل من أهل المال برجل من أهل العلم، فأكرمه فقيل له بعد ذلك: أكانت لك إلى هذا حاجة؟ قال: لا، ولكني رأيت ذا المال مهيبا أو قال رأيت المال مهيبا. «233» - أبو الفتح البستي: [من البسيط] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 99 إذا حوى فاضل ذو همة نشبا ... بني به لبنيه بعده رتبا ومن سعى يطلب العليا بلا سبب ... من ثروة وغنى أعياه ما طلبا أما ترى النار والعلياء مركزها ... لا ترتقي صعدا إن لم تجد حطبا 234- قال الأصمعي: لقيت أعرابيا فسايرته ثم نزلت معه، وكانت له حالة رثة بذة، فحادثته واستنشدته، فأنشدني أشعارا كأنه هو قائلها، واستخبرته عن أخبار وكأنه كان مشاهدها، فطفقت أتعجب من جماله وكماله وسوء حاله، فسكت سكتة ثم أنشأ يقول: [من الكامل المجزوء] أأخيّ إن الحادثا ... ت عركنني عرك الأديم ففللن غرب بطالتي ... عن ذي مماحكة خصيم لا تنكرن أن قد رأي ... ت أخاك في طمري عديم إن كن أثوابي بلى ... ن فإنهن على كريم 235- الأعشى: [من الكامل] والمال زين في الحياة وغبطة ... ولقد ينال المال غير كريم 236- قال حميد بن هلال: خطبنا عتبة بن غزوان فقال: لقد رأيتني مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سابع سبعة قد سلعت أفواهنا من أكل الشجر، وقد رأيتني وأنا وسعد التقطنا بردة فشققناها بيننا نصفين، وإنا اليوم ليس منا رجل إلا وهو أمير على مصر، ألا وإني أعوذ بالله من أن أكون في نفسي عظيما وفي أعين الناس صغيرا، ألا وإنها لم تكن نبوة إلا تناسخت ملكا، وستجربون الأمراء بعدي. 237- وقال عبد الرحمن بن أزهر: سمعت أبا عبيدة بن الجراح قال: كنت حفارا أحفر القبور بمكة ولا مال لي، فأسلمت وأنا أكسب طعام يومي، فكنت حين أسلمت إذا حفرت قبرا صنعت طعاما فجئت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان لا يفارقه عمّار وخباب بن الأرت، وكنا يومئذ إنما نحن بضعة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 100 عشر رجلا، وإني حفرت يوما قبرا بدرهمين فمررت بشملة تباع بدرهمين فابتعتها، وكنت قد عريت، فلما وقعت في يدي ندمت ألا أكون صنعت بها طعاما لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإنها لمعي إذ مرّ بي رجل فساومني بها وبعته بأربعة دراهم، فما وصلت إلى منزلي حتى ابتعت شملة خيرا منها بدرهمين وابتعت بدرهمين خبزا ولحما، فجئت به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأرسل وجمع إليه أصحابه فأكلنا، ثم قال: اللهم إنا قليل فكثّرنا، وإنا مقلّون فكثّر لنا. قلت: يا نبي الله ألا ترى إلى هذه الشملة عليّ؟ ألا أخبرك بخبرها؟ فقصصت عليه خبرها فضحك ثم قال: أما إنه لو أخبرتكم بما يفتح الله عليكم سرّكم، ولو أخبرتكم كيف تكونون فيها ساءكم. قلنا: يا نبي الله فلا حاجة بالدنيا. قال: يأبى الله. قلنا: ونهلك وأنت بين أظهرنا؟ قال: لا تصلحون ما بقيت وتهلكون إذا هلكت إلا قليلا. قلنا: وكيف ذلك؟ قال: تفتح فارس فتأكلون طعامهم وتلبسون ثيابهم، وليس من قبل هذا تهلكون، ولكنكم تنعمون فتشبعون وتوسرون فتطغون، وتفتح الروم فيكون كذلك. قلنا: يا رسول الله فأوصنا، فقال: إن الدنيا أفضت إليكم فما لقيتم منها فلا تأخذوه إلا طيبا وما لبستم فلا تلبسوا مشهورا، يرفع إليكم البصر وأنتم ملوكها وأمراؤها، فاقضوا عدلا، وسيروا قصدا، ولا تتخذوا مجالس الرفعة فإنها وضيعة، وسوف ألقاكم غدا، فمن قبض على طريقتي فأولئك هم السالمون، فأقول فلان بن فلان؟ فيقال: ربك أعلم، فأقول: ربي أعلم. 238- وروي أن عليا عليه السلام حدث، قال: لقد غدوت في غداة شاتية جائعا خصرا، وأيم الله لو كان في بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم طعام لأطعمت منه، وقد أخذت إهابا مطعونا فجئت وسطه ثم شددته عليّ ليدفئني ألتمس كسبا لعلي أجد شيئا آكله، فمررت بيهودي وهو في حائط له ينزع فيه بيده يسقيه، فأطلعت عليه من ثلمة الحائط، فقال: يا أعرابي ما لك؟ هل لك في كلّ دلو بتمرة؟ قلت: نعم، افتح الباب. ففتحه لي فدخلت فأعطاني دلوا، فجعلت كلما نزعت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 101 دلوا أعطاني تمرة، حتى إذا امتلأت كفاي طرحت إليه دلوه وقلت: حسبي، ثم أكلتهن وحمدت الله، وشربت من الماء الذي نزعت بكفي حتى رويت، ثم أقبلت حتى جئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدته جالسا في المسجد في الناس، فبينما نحن عنده إذ طلع مصعب بن عمير في بردة خلق مرقوعة بفرو، فجاء وهو مستحيي يتقفّى الناس حتى جلس في أدناهم، فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر ما كان فيه من النعمة وذكر ما أصابه من الجهد في الإسلام. قال: فذرفت عينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم قال: يوشك أن يغدو أحدكم في حلّة ويروح في أخرى، وأن يغدى على أحدكم بجفنة ويراح عليه بأخرى ويستر بيته كما تستر الكعبة أفأنتم يومئذ خير منّا اليوم؟ فقلنا: يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم، كفينا المؤونة فتفرغنا للعبادة، قال: بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ. 239- قال جعفر بن سليمان لأعرابي رآه في إبل قد ملأت الوادي: لمن هذه الإبل؟ قال: لله في يدي. فهذا الشكر الجميل النافع. 240- قال النخعي: إنما يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال. 241- أبو بكر العرزمي: [من الطويل] أرى عاجزا يدعى جليدا لغشمه ... ولو كلّف التقوى لكلّت مضاربه وعفا يسمى عاجزا لعفافه ... ولولا التقى ما أعجزته مذاهبه وليس بعجز المرء أخطأه الغنى ... ولا باحتيال أدرك المال كاسبه 242- آخر: [من المنسرح] كم من لئيم الآباء شرّفه ال ... مال أبوه وأمه الورق ومن كريم الجدود ليس له ... عيب سوى أن ثوبه خلق 243- الحسن: إن أشد الناس صراخا يوم القيامة رجل سنّ سنة ضلالة فاتّبع عليها، ورجل فارغ مكفيّ قد استعان بنعم الله على معاصيه. [ مصادر المال ] 244- قيل: أمور الدنيا أربعة: إمارة وتجارة وصناعة وزراعة، فمن لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 102 يكن أحد أهلها كان كلّا على الناس. 245- قوام الدين والدنيا والعلم والكسب، فمن رفضهما وقد ابتغى الزهد لا العلم ولا الكسب وقع في الجهل والطمع. 246- قال حكيم: الدّين مجمع كلّ بؤس، همّ بالليل وذلّ بالنهار، وهو ساجور الله في أرضه، فإذا أراد أن يذل عبدا جعله طوقا في عنقه. [ ألهتنى القروض عن القريض ] «247» - قال الشاعر: [من الوافر] لقد كان القريض سمير قلبي ... فألهتني القروض عن القريض «248» - أبو سعيد المخزومي: [من الطويل] ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر «249» - العتابي: [من البسيط] إني امرؤ هدم الإقتار مأثرتي ... واجتاح ما بنت الأيام من خطري أيام عمرو بن كلثوم يسوّده ... حيّا ربيعة والأحياء من مضر أرومة عطلتني من مكارمها ... كالقوس عطّلها الرامي من الوتر «250» - قال رجل لفيلسوف: ما أشد فقرك، فقال: لو علمت ما الفقر لشغلك الغم لنفسك عن الغم لي. «251» - قرىء على درهم على أحد جانبيه: [من السريع] قرنت بالنجح وفي كل ما ... يراد من ممتنع يوجد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 103 وفي الجانب الآخر: وكلّ من كنت له آلفا ... فالجن والإنس له أعبد «252» - وقال الحسن: ما أعز أحد الدرهم إلا أذلّه الله، ومن حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: دينه وعرضه. 252 ب- قال الثوري: المال في هذا الزمان عزّ للمؤمن. 252 ج- وقال: المال سلاح المؤمن في هذا الزمان، وكان بين يديه دنانير يقلّبها، فقيل له: أتحبها؟ قال: دعنا منك، فلولا هذه لتمندلت بأعراضنا القوم تمندلا. 253- وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنما يخشى المؤمن الفقر مخافة الآفات على دينه. «254» - ترك ابن المبارك دنانير وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجمعها إلا لأصون بها حسبي وديني. [ لم تحب هذه الدنانير ] 255- وقيل لآخر: لم تحب هذه الدنانير والدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ قال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها. «256» - وقال ابن عيينة: من كان له مال فليصلحه، فإنكم في زمان من احتاج فيه إلى الناس كان أول ما يبذل دينه. «257» - قال أبو الفضل الميكالي: [من الطويل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 104 وقد يهلك الانسان كثرة ماله ... كما يذبح الطاووس من أجل ريشه «258» - وقيل: الغنى ينبوع الأحزان. «259» - عبد الله بن طاهر: [من الطويل] ألم تر أن الدهر يهدم ما بنى ... ويأخذ ما أعطى ويفسد ما أسدى فمن سره ألا يرى ما يسوؤه ... فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا «260» - مالك بن حريم الهمداني جد مسروق بن الأجدع: [من الطويل] انبيك والأيام ذات تجارب ... وتبدي لك الأيام ما لست تعلم بأن ثراء المال ينفع ربّه ... ويثني عليه الحمد وهو مذمم وإن قليل المال للمرء مفسد ... يحز كما حز القطيع المخذم يرى درجات المجد لا يستطيعها ... ويقعد وسط القوم لا يتكلم 261- قال الأصمعي: كان رجل من العرب مؤاخيا لابن عمّ له، فهاجر أحدهما فنال شرفا وكسب مالا، فقدم عليه الأعرابي فألفاه قد تنكّر له، فأقام عنده يوما وقد نكر حاله، فشد كوره على راحلته وأقبل حتى وقف على ابن عمه وقال: [من الطويل] إن تك قد أوتيت مالا فلا تكن ... به بطرا فالحال قد يتحوّل فكم قد رأينا من أناس ذوي غنى ... وجدّة عيش أصبحوا قد تبدّلوا ثم كر راحلته وولّى راجعا إلى بلده. 262- دخل داود عليه السلام غارا فيه رجل ميت وعند رأسه لوح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 105 مكتوب فيه: أنا فلان بن فلان ملكت ألف عام، وبنيت ألف مدينة، وتزوجت ألف امرأة، وهزمت ألف جيش، ثم صار أمري إلى أن بعثت إلى السوق قفيزا من الدراهم في رغيف فلم يوجد، فبعثت قفيزا من الدنانير فلم يوجد، فبعثت قفيزا من الجواهر فلم يوجد، فدققت الجواهر فاستففتها فمت مكاني، فمن أصبح له رغيف وهو يحسب أن على وجه الأرض أغنى منه فأماته الله كما أماتني. [ ثروة بعض الأغنياء ] 263- وذكر أن عبد الرحمن بن زياد ولي خراسان، فعاد وقد كسب ثمانين ألف ألف درهم وافية، وقدر لنفسه أنه إذا عاش مائة سنة ينفق في كل يوم ألفا أنه يكفيه، فرئي بعد مدة على حمار تنال رجله الأرض، واحتاج حتى باع حلية مصحفه. 264- وقال هيثم بن خالد الطويل: دخلت على صالح مولى منارة في يوم شات وهو جالس في قبة له مغشاة بالسمور وجميع فرشها سمور، وبين يديه كانون فضة يسجر عليه العود، ثم رأيته بعد ذلك في رأس الجسر وهو يسأل الناس ويقول: أنا مولى منارة، فربما وهب له الدرهم والشيء [اليسير] . 265- ومثل هذا كثير لا يحصى. وقد رأينا في عصرنا مسعود بن المؤمل ابن الهيتي اليهودي، ملك مائتي ألف دينار عينا وأجناسا وقروضا، ثم رأيناه بعد وقد أسلم وهو يطلب رغيف خبز من اليهود يقتاته في السوق مكانه. 266- ورأينا نصر بن الدريج ملك ستين ألف دينار عينا سوى ما له من الأملاك والعقار، ثم احتاج حتى كتب رقاعا يستميح الناس، ومات على تلك الحال. وهذان لما ابتدأت حالهما في التناقص، وقبل أن تنتهي إلى الفقر لم يراقبا الله ولا استعانا بلطفه في حفظ ما أبقى من نعمتهما، بل طلبا العوض عما ذهب منهما بضمان المكس والدخول في المحرمات، فآل بهما فعلهما إلى الفقر الذي ذكرناه. 267- وأعجب من كل ما وجد في السّير خبر القاهر وخروجه إلى جامع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 106 المدينة في حشو جبّة بغير ظهارة يمد كفه إلى الناس، بعد الخلافة ونفاذ أمره في أقطار الأرض. فتبارك الذي يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء. [ المال عون على التقى ] 268- قال علي عليه السلام: إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما منع غني، والله سائلهم عن ذلك. 269- وعنه: العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى. «270» - إبراهيم بن أدهم: اكتسب فإنك إن لم تفعل احتجت فداهنت الناس للطمع، فخالفت حينئذ الحق وأهله. «271» - كان لعمر بن عبد العزيز سفينة يحمل فيها الطعام من مصر إلى المدينة فيبيعه وهو واليها. فحدثه محمد بن كعب القرظي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أيما عامل تجر في رعيته هلكت رعيته. فأمر بما في السفينة فتصدق به، وفكّكها وتصدّق بخشبها على المساكين. 272- قيل لرجل أصابته حاجة: لو خالطت هؤلاء فأصبت من دنياهم، فقال: دعوني عنكم فإني قد لقيت من فقر الدنيا ما لا أحب أن أجمع إليه فقر الآخرة. 273- أبو نواس: [من الطويل] كفى حزنا أن الجواد مقتّر ... عليه ولا معروف عند بخيل «274» - آخر: [من الطويل] ألم تر أن المال عون على التقى ... وليس جواد معدم كبخيل 275- المتنبي: [من الخفيف] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 107 والغنى في يد اللئيم قبيح ... قدر قبح الكريم في الإملاق 276- يقال: كثرة مال الميت تعزّي عنه ورثته. 277- قيل للحسن البصري: لم صارت الحرفة مقرونة بالعلم، والثروة مقرونة مع الجهل؟ قال: ليس كما قلتم، ولكن طلبتم قليلا في قليل فأعجزكم، طلبتم المال وهو قليل في أهل العلم وهم قليل، ولو نظرتم إلى من يحارف من أهل الجهل لوجدتموهم أكثر. «278» - وقد قال أبو إسحاق الصابي ولم يقنعه قول الحسن: [من الطويل] فحيث يكون النقص فالرزق واسع ... وحيث يكون الفضل فالرزق ضيّق وهذا معنى مطروق، وقد تداوله الشعراء وأصحاب النثر كلهم. نظروا إلى الخبر المشهور: حذق المرء محسوب عليه من رزقه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 108 نوادر من هذا الباب 279- دخل اللصوص على رجل فقير ليس في بيته شيء، وجعلوا يطلبون ويفتشون، فانتبه الرجل فرآهم فقال: يا فتيان هذا الذي تطلبون بالليل قد طلبناه بالنهار فلم نجده. 280- دخل لصّ دارا فلم يجد فيها شيئا إلا دواة، فكتب على الحائط: عزّ علي فقركم وغناي. 281- احتاج مزبّد أن يبيع جبة لسوء حاله فنادى المنادي عليها فلم تطلب بشيء، فقال مزبد: ما كنت أعلم أني كنت عريانا إلا الساعة. 282- قيل لأعرابي فقير: ما تلبس؟ قال: الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس. 283- أتى أعرابي الحضر فجعل يؤجر بعيره ويحمل عليه، فقيل: قد أتعبت نفسك وكددت بعيرك، فقال: [من الرجز] يشكو إليّ جملي طول السّرى ... يا جملي ليس إليّ المشتكى الدرهمان كلفاني ما ترى ... حمل الجواليق وجذبا بالعرى صبرا قليلا فكلانا مبتلى «284» - كان أبو الشمقمق الشاعر أديبا ظريفا عاقلا محارفا صعلوكا متبرما قد لزم بيته في أطمار مسحوقة. وكان إذا استفتح أحد بابه خرج فنظر من فروج الباب، فإن أعجبه فتح له وإلا سكت عنه. فأقبل إليه بعض إخوانه، فلما رأى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 109 سوء حاله قال له: أبشر أبا الشمقمق فإنا نجد في الحديث أن العارين في الدنيا الكاسون في الآخرة. قال: لئن كان هذا الذي تقوله حقا لأكونن يوم القيامة بزّازا، وقال: [من الرمل المجزوء] أنا في حال تعالى ال ... له ربّي أي حال ليس لي شيء إذا قي ... ل لمن ذا قلت ذا لي ولقد أفلست حتى ... محت الشمس خيالي ولقد أملقت حتى ... حل أكلي لعيالي «285» - وقال: [من الخفيف] أتراني أرى من الدهر يوما ... لي فيه مطية غير رجلي حيثما كنت لا أخلّف شيئا ... من رآني فقد رآني ورحلي «286» - آخر: [من الخفيف] خلق المال واليسار لقوم ... وأراني خلقت للإملاق أنا فيما أرى بقية قوم ... خلقوا بعد قسمة الأرزاق «287» - حبس عمرو بن الليث أبا سعيد الكاتب وعلي بن النضر فتبلّح أبو سعيد في أداء ما طولب به، فحلف المطالب ليقلعنّ أضراسه إن لم يؤدّه، فلما خبأ ماله في كيس عمد إليه ابن النضر فسرقه ودعا بالطبيب والكلبتين فقلعت أضراسه. ونمي الخبر إلى عمرو فاغتم له وأطلقه، فلما كان بعد مدة أتاه علي بالكيس، فقال: ما حملك على ما فعلت، دخلت في ذنبي وفجعتني بأضراسي؟ قال: اسكت فإنه إذا لم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 110 يكن لك أضراس ولك دراهم اتخذت الهرائس والأخبصة، وإذا لم يكن لك مال وأنت سالم الأضراس متّ جوعا. فضحك وتسلّى. «288» - نظر ابن سيابة إلى مبارك التركي على دابة، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا ربّ هذا حمار له فرس وأنا انسان وليس لي حمار. 289- أنشد أبو محلم لنفسه في مثله: [مخلع البسيط] ما يصنع الليل والنهار ... ما للفتى منهما انتصار من لم يؤدّبه والداه ... أدّبه الليل والنهار كم من حمار له جواد ... وسيّد ما له حمار «290» - آخر: [من الوافر] رضينا قسمة الرحمن فينا ... لنا أدب وللثقفي مال 291- سأل بعض رؤساء المغاربة الجرواني الشاعر: أي بروج السماء لك؟ فقال: واعجبا منك! ما لي بيت في الأرض، يكون لي برج في السماء؟ فضحك وأمر له بدار وأحسن إليه. تمّ الجزء والحمد لله وحده وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وسلّم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 111 الباب التاسع والثّلاثون ما جاء في الأسفار والاغتراب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 113 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (وما توفيقي إلا بالله) الحمد لله الذي لا تنأى فوائد جوده ولا تنزح، ولا تبعد عوائد فضله ولا تبرح، ينجي الملجّج في غمرات البحار، كما يحفظ مقتحم الفلوات والقفار، الذي قسم الأيام بين عباده دولا، وألزمهم أحكامه فلم يستطيعوا عنها حولا، وقضى على كلّ نفس بما توجهت له حتى لا تدري بأيّ أرض تموت، وغيّب عنها ما تستقبله حتى لا تدري ما تكسب غدا وما تقوت، وأعقب الاستقرار نقلة وظعنا، وجعل النهار معاشا والليل سكنا. أحمده على ما آتانا من رزقه وادعين ومرتكضين، وأيدنا به من كلاءته مطمئنين ومغتربين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يعضد الإقرار بها اليقين، وترفع الناطق بها مخلصا في عليين، وأسأله الصلاة على رسوله البشير الداعي إلى دار القرار، النذير المحذر من التداعي في درك النار، جاعل طيبة دار هجرته، وهجرة الوطن سبب نصرته، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعترته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 115 (الباب التاسع والثلاثون ما جاء في الأسفار والاغتراب، وينضم إلى المعنى ما قيل في الوداع والمسرة بالإياب، وورود الكتاب واصدار الجواب) [ آيات وأحاديث ] في قوله عزّ وجلّ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ (الملك: 15) ، باعث على طلب الرزق والأسفار. «292» - وفي الأثر: سافروا تغنموا. «293» - وجاء فيه أيضا: السفر قطعة من العذاب، ولكل منهما موضع، فالغنيمة بما فيه من ربح التجارات وحصول التجارب وغير ذلك من فوائد لا توجد في المقام، والعذاب بالعناء ومشقّة الأجساد والإعياء. «294» - وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا أراد سفرا قال: اللهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهمّ أصحبنا بنصح، وأقبلنا بنجح، اللهمّ ازو لنا الأرض، وهوّن علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب. 295- وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: الغني في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة. وفي هذا الكلام حث على السفر عند الضرورة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 116 [ أقوال الحكماء ] 296- قال محمد بن سيرين: ثلاثة ليس معها غربة: حسن الآداب، وكفّ الأذى، ومجانبة الريب. 297- وقال بزرجمهر: يستحب من الخريف الخصب، ومن الربيع الزهر، ومن الجارية الملاحة، ومن الغلام الكيس، ومن الغريب الانقباض. «298» - قيل: السفر ميزان الأخلاق. ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للرجل الذي وصف عنده آخر: أعاملته أو سافرت معه؟ 299- قيل لرجل أراد السفر: تموت في الغربة، قال: ليس بين الموت في الوطن والموت في الغربة فرق، لأن الطريق إلى الآخرة واحد. «300» - قال عروة بن الورد العبسي: [من الوافر] ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرّهم الفقير وهي أبيات قد كتبت في باب الغنى والفقر لأنها به أليق. وكان عروة بن الورد كثير الاغتراب والارتكاض، ضاربا في الأرض حرصا على الغنى. وكان شجاعا فاتكا كريما جوادا، يجمع الصعاليك ويغير بهم على العرب. وله أخبار ترد في موضعها من هذا الكتاب. وكان يسمى عروة الصعاليك لفعله هذا ولا يزداد بتردد أسفاره وتوالي غاراته إلا فقرا، ولا يزداد الغنى منه إلا بعدا. وكان عبد الله بن جعفر ينهى معلم ولده أن يروّيهم أبيات عروة هذه، ويقول: هي تدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم. وكان عروة مغرى بالأسفار كثير الحضّ عليها، وله في ذلك شعر كثير، فمن ذلك قوله: [من الطويل] دعيني أطوّف في البلاد لعلني ... أفيد غنى فيه لذي الحقّ محمل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 117 أليس عظيما أن تلمّ ملمّة ... وليس علينا في الحقوق معوّل وقوله: [من الطويل] أرى أمّ حسّان الغداة تلومني ... تخوّفني الأعداء والنفس أخوف لعل الذي خوّفتنا من أمامنا ... يصادفه في أهله المتخلّف إذا قلت قد جاء الغنى حال دونه ... أبو صبية يشكو المفاقر أعجف له خلّة لا يدخل الحقّ دونها ... كريم أصابته حوادث تجرف تقول سليمى لو أقمت لسرّنا ... ولم تدر أني للمقام أطوّف وقوله: [من الطويل] لعل ارتيادي في البلاد وبغيتي ... وشدي حيازيم المطيّة بالرحل سيدفعني يوما إلى ربّ هجمة ... يدافع عنها بالعقوق وبالبخل [ أشعار في السفر والاغتراب ] «301» - قيس بن الخطيم: [من الوافر] ولم أر كامرىء يدنو لضيم ... له في الأرض سير والتواء وما بعض الاقامة في ديار ... يهان بها الفتى إلا عناء «302» - وقال عبد قيس بن خفاف البرجمي: [من الكامل] احذر محلّ السوء لا تحلل به ... وإذا نبا بك منزل فتحوّل دار الهوان لمن رآها داره ... أفراحل عنها كمن لم يرحل «303» - الفرزدق: [من الطويل] وفي الأرض عن دار القلى متحوّل ... وكلّ بلاد أوطئت كبلادي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 118 «304» - عبيد الله بن الحر الجعفي: [من الطويل] فإن تجف عني أو ترد لي إهانة ... أجد عنك في الأرض العريضة مذهبا فلا تحسبنّ الأرض بابا سددته ... عليّ ولا المصرين أمّا ولا أبا 305- سلمة بن زيد البجلي: [من الكامل] لا خير في بلد يضام عزيزه ... وعن الهوان مذاهب ومنادح «306» - النسير العجلي: [من الطويل] وإن بلدة أعيا عليّ طلابها ... صرفت لأخرى رحلتي وركابي «307» - أسامة [1] بن زيد: [من الطويل] فلا يمنعنك من طريق مخافة ... ولا حذر وانفذ فهن المقادر ولا تدع الأسفار من خشية الردى ... فكم قد رأينا من رد لا يسافر ولو كان يبدو شاهد الأمر للفتى ... كأعجازه ألفيته لا يؤامر «308» - أبو الأسود: [من الطويل] لا تحسبنّ السير أقرب للردى ... من الخفض في دار المقامة والثّمل فكم قد رأينا حافظا [2] متحفظا ... أصيب وألقته المنية في الأهل   [1] م: أسد. [2] م: حاذرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 119 309- بعض الطرداء: [من الخفيف] لو تراني بذي المجازة فردا ... وذراع ابنة الفلاة وسادي ترب بثّ أخا هموم كأن ال ... فقر والبؤس وافيا ميلادي أتصدى الردى وأدّرع اللى ... ل بهوجاء فوقها أقتادي حظ عيني من الكرى خفقات ... بين شرخ ومنحنى أعواد شرخا الرحل: آخره وواسطته. أوحش الناس جانبيّ فما آ ... نس إلا بوحدتي وانفرادي. «310» - آخر: [من الطويل] رمى الفقر بالفتيان حتى كأنهم ... بأطراف آفاق البلاد نجوم «311» - إياس بن القائف: [من الطويل] يقيم الرجال الموسرون بأرضهم ... وترمي النوى بالمقترين المراميا فأكرم أخاك الدهر ما دمتما معا ... كفى بالممات فرقة وتنائيا إذا زرت أرضا بعد طول اجتنابها ... فقدت صديقى والبلاد كما هيا «312» - ولآخر: [من الطويل] وفارقت حتى ما أبالي من النوى ... وإن بان جيران عليّ كرام فقد جعلت نفسي على النأي تنطوي ... وعيني على فقد الحبيب تنام «313» - آخر: [من البسيط] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 120 لا يمنعنّك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان تلقى بكل بلاد إن حللت بها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران 314- وقال آخر: [من الكامل] ومشتّت العزمات لا يلوي على ... وطن ولا أهل ولا جيران ألف النوى حتى كأن رحيله ... للبين رحلته إلى الأوطان «315» - آخر: [من البسيط] لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب في الليالي حندس الظّلم وزادني رغبة في العيش معرفتي ... ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرحم أحاذر الفقر يوما أن يلمّ بها ... فيهتك السّتر عن لحم على وضم تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ... والموت أكرم نزّال على الحرم أخشى فظاظة عمّ أو جفاء أخ ... وكنت أبقي عليها من أذى الكلم 316- ابن بسام رحمه الله: [من المنسرح] لي صبية أشتكي فراقهم ... فقد سئمت الحياة مذ ولدوا أرفه بخلق يبيت ليلته ... مستثقلا ليس خلفه أحد همته نفسه فإن عسر الر ... رزق كفاه يسير ما يجد لم يتعلق بعرضه طمع ... ولا عليه للمنعمين يد لم يعرف الناس ما دخيلته ... أذو يسار أم ماله سبد حيث أناخت به مطيته ... فخير داريه ذلك البلد «317» - امرؤ القيس بن حجر: [من الوافر] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 121 لقد نقّبت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالاياب 318- بعض المحدثين: [من الوافر] رجعنا سالمين كما بدأنا ... وما خابت غنيمة سالمينا «319» - آخر وأبدع، وهو عبد الله بن محمد بن أبي عيينة: [من الطويل] هو الصبر والتسليم لله والرضى ... إذا نزلت بي خطّة لا أشاؤها إذا نحن أبنا سالمين بأنفس ... كرام رجت أمرا فخاب رجاؤها فأنفسنا خير الغنائم إنها ... تؤوب وفيها ماؤها وحياؤها «320» - ابن الرومي: [من الطويل] أفادتني الأسفار ما بغّض الغنى ... إليّ وأغراني برفض المكاسب فأصبحت في الاثراء أزهد زاهد ... وقد كنت في الإثراء أرغب راغب ومن يلق ما لا قيت في كل مجتنى ... من الشوك يزهد في الثمار الأطايب «321» - وله في بعض أسفاره يذكر بغداد: [من الكامل] بلد صحبت به الشبيبة والصبا ... ولبست فيه العيش وهو جديد فإذا تمثّل في الضمير رأيته ... وعليه أفنان الشباب تميد «322» - وله في المعنى: [من الطويل] وحبّب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضّاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 122 323- آخر: [من البسيط] لئن تنقّلت من دار إلى دار ... وصرت بعد ثواء رهن أسفار فالحرّ حرّ عزيز النفس حيث ثوى ... والشمس في كل برج ذات أنوار «324» - البحتري: [من الكامل] وأحب آفاق البلاد إلى الفتى ... أرض ينال بها كريم المطلب 325- محمد بن أحمد الحزوّر: [من البسيط] ما لي وللأرض لم أوطن بها وطنا ... كأنني بكر معنى سار في مثل 326- أبو الحسن ابن منقذ: [من الوافر] ونفسك فز بها إن خفت ضيما ... وخلّ الدار تنعى من بناها فإنك واجد أرضا بأرض ... ولست بواجد نفسا سواها «327» - الطائى: [من الطويل] وطول مقام المرء في الحيّ مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدّد فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... إلى الناس إذ ليست عليهم بسرمد «328» - نظر إليه ابن المعتز فقال: [من الطويل] كما يخلق الثوب الجديد ابتذاله ... كذا يخلق المرء العيون اللوامح «329» - ولابن المعتز: [من البسيط] إني غريب بأرض لا كرام بها ... كغربة الشعرة السوداء في الشّمط الجزء: 8 ¦ الصفحة: 123 لا أبسط العين في شيء أسرّ به ... ولست أبدي الرضا إلا على سخط «330» - وجد على حائط مكتوب لبعض الغرباء: [من الكامل] وبقيت بين عزيمتين كلاهما ... أمضى وأنفذ من شباة سنان همّ يشوّقني إلى طلب العلى ... وهوى يشوّقني إلى الأوطان «331» - ابن أبي عيينة: [من المنسرح] من أوحشته البلاد لم يقم ... فيها ومن آنسته لم يرم ومن بيت والهموم قادحة ... في صدره بالزناد لم ينم ومن ير النقص في مواطنه ... زلّ عن النقص موطئ القدم [ أخبار عبد الله بن أبي معقل الأوسي ] «332» - كان عبد الله بن أبي معقل الأوسي كثير الأسفار، فلامته امرأته أم نهيك عن ذلك وقالت له: لا تزال في أسفارك هذه تتردد حتى تموت، فقال: أو أثري، ثم أنشأ يقول: [من الطويل] أأمّ نهيك ارفعي الظن صاعدا ... ولا تيأسي أن يثري الدهر بايس سيغنيك سيري في البلاد ومطلبي ... وبعل التي لم يخط في الحي جالس سأكسب مالا أو تبيتن ليلة ... بصدرك من وجد عليّ وساوس ومن يطلب المال الممنع بالقنا ... يعش مثريا أو يود في ما يمارس «333» - ودخل يوما على مصعب بن الزبير وهو يندب الناس إلى غزاة زرنج ويقول: من لها؟ فوثب إليه عبد الله فقال: أنا لها، فقال: اجلس! كذاك ثلاث مرات وهو يجلسه. فقال له عبد الله: أدنني إليك فأدناه فقال: قد علمت أنه ما يمنعك مني إلا أنك تعرفني، ولو انتدب لها رجل لا تعرفه لبعثته، فلعلك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 124 تحسدني أن أصيب خيرا أو أستشهد فأستريح من الدنيا والطلب لها. فأعجبه قوله وجزالته فولّاه، فأصاب في وجهه ذلك مالا كثيرا وانصرف إلى المدينة، فقال لزوجته: ألم أخبرك أنه سيغنيك سيري في البلاد ومطلبي؟ قالت: بلى والله! لقد أخبرتني وصدق خبرك. 334- قيل لأعرابي: إنكم لتكثرون من التجول والرحيل وتهجرون الأوطان، قال: ليس الوطن بأب والد ولا بأمّ مرضع، فأي بلد طاب فيه عيشك، وحسنت فيه حالك، وكثر فيه درهمك ودينارك، فاحطط به رحلك، فهو وطنك وأبوك وأمك وأهلك. [ أقوال أبي محلم الشاعر ] «335» - قال أبو محلّم الشاعر: شخصت مع عبد الله بن طاهر إلى خراسان في الوقت الذي شخص، وكنت أعادله فأسايره، فلما صرنا إلى الريّ مررنا بها سحرا، فسمعنا أصوات الأطيار من القماريّ وغيرها، قال لي عبد الله: لله درّ أبي كبير الهذلي حيث يقول: [من الطويل] ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك ميّاد ففيم تنوح ثم قال: يا أبا محلم هل يحضرك في هذا شيء؟ فقلت: أصلح الله الأمير كبرت سني، وفسد ذهني، ولعل شيئا أن يحضرني، ثم حضر شيء فقلت: أصلح الله الأمير حضر شيء، تسمعه؟ فقال هاته، فقلت: [من الطويل] أفي كل عام غربة ونزوح ... أما للنوى من ونية فيريح لقد طلّح البين المشتّ ركائبي ... فهل أرينّ البين وهو طليح وذكرني بالري نوح حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح على أنها ناحت ولم تذر دمعها ... ونحت وأسراب الدموع سفوح وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 125 عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فنلقي عصا التطواف وهي طريح فقال عبد الله: يا غلام لا والله لا جزت معي خفّا ولا حافرا حتى ترجع إلى أفراخك، كم الأبيات؟ قلت ستة، قال: يا غلام أعطه ستين ألفا ومركبا وكسوة. وودعته وانصرفت. «336» - زهير: [من الوافر] فحلي في ديارك إن قوما ... متى يدعوا ديارهم يهونوا وتمثل بهذا البيت عروة بن الزبير عند عبد الملك بن مروان، وكان وفد عليه فأكرمه خاليا وأهانه في الملأ بين أهل الشام. فقال له يوما: بئس المرء أنت، تكرم زورك في الخلاء وتهينه في الملأ، وأنشد البيت واستأذنه في الرجوع إلى المدينة، فأذن له وقضى حوائجه. «337» - معقّر بن حمار البارقي: [من الطويل] فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر «338» - عمرو بن الأهتم: [من الطويل] لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق. [ جعفر بن يحيى في الشام ] 339- لما توجه جعفر بن يحيى إلى الشام لاصلاح ما فسد من أمورها، شيعه الرشيد وجميع من بحضرته من الوجوه والأشراف وفيهم عبد الملك بن صالح. فلما ودعه عبد الملك قال له: اذكر حاجاتك، قال: حاجتي أعزّ الله الأمير أن يكون لي كما قال الشاعر: [من الطويل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 126 وكوني على الواشين لدّاء شغبة ... كما أنا للواشي ألدّ شغوب فقال له جعفر: بل أكون كما قال الآخر: [من الرمل] وإذا الواشي أتى يسعى بها ... نفع الواشي بما جاء يضر 340- أوس بن حجر: [من الطويل] أمن رهبة آتى المتالف سادرا ... وأية أرض ليس فيها متالف 341- آخر: [من الطويل] إذا ما حمام المرء كان ببلدة ... دعاه إليها حاجة أو تطرّب [ شعر لحسن بن علي الصيرفي المغربي ] 342- حسن بن علي الصيرفي المغربي وقد سافر يريد الحج: [من البسيط] يا نعمة فزت من بين الأنام بها ... وسؤل نفسي بل يا منتهى وطري يا منّة كنت مملوء اليدين بها ... فعاقني دونها صرف من القدر قد كنت تعلم حالي في مغيبك عن ... عيني وإن كنت لم أنجد ولم أغر فكيف ظنك بي والدار نازحة ... ولم أجد منك في كفي سوى الذّكر والله لا فارقت نفسي عليك أسى ... ما غبت عن بصري أو ينقضي عمري ولا وحقك لا أخليت قلبي من ... وجد عليك ولا عينيّ من سهر ولا سمعت بموصولين نالهما ... سهم من الهجر أو سهم من السفر إلا بكيت وما يغني البكاء وقد ... عاثت يد الدهر في سمعي وفي بصري ما أحسب البعد إلا كان يحسدني ... على دنوك يا شمسي ويا قمري فسهل البين عندي فيك موقعه ... وغيّر الدهر بي والدهر ذو غير [ أشعار لآخرين ] 343- ابن نباتة: [من الكامل] ثم استثارهم دليل فارط ... يسمو لغانية بعيني أجدل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 127 يدعى بكنيته لآخر ظمئها ... يوما ويدعى باسمه في المنهل لبس الشحوب من الظهائر وجهه ... فكأنه ماويّة لم تصقل سار بلحظته إذا اشتبه الهدى ... بين المجرة والسّماك الأعزل «344» - وله: [من البسيط] رد الهجير بثوب الشمس ملتثما ... واعقد بطرفك سير الأنجم الشهب كيما تنال من الدنيا نهايتها ... إما حماما وإما حسن منقلب سعى رجال فنالوا قدر سعيهم ... لم يأت رزق بلا سعي ولا تعب 345- قال المأمون: لا شيء ألذّ من السفر في كفاية وعافية، لأنك تحل كل يوم في محلّة لم تحلها، وتعاشر قوما لم تعرفهم. 346- قال مكحول للحسن: إني أريد أن أخرج إلى مكة، فقال: لا تصحبن رجلا يكرم عليك فينقطع الذي بينك وبينه. «347» - مالك بن الريب المازني: [من الطويل] أقول وقد حالت قرى الكرد دوننا ... جزى الله عمرا خير ما كان جازيا إن الله يرجعني من الغزو لا أكن ... وإن قلّ مالي طالبا ما ورائيا لعمري لئن غالت خراسان هامتي ... لقد كنت عن بابي خراسان نائيا فلله درّي يوم أترك طائعا ... بنيّ بأعلى الرقمتين وماليا ودرّ الظباء السانحات عشية ... يخبرن أني هالك من أماميا تقول ابنتي لما رأت وشك رحلتي ... سفارك هذا تاركي لا أبا ليا تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد ... سوى السيف والرمح الرّدينيّ باكيا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 128 وأشقر خنذيذ يجرّ عنانه ... إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا أقول لأصحابي ارفعوني لأنني ... يقرّ بعيني أن سهيل بدا ليا فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ... برابية إني مقيم لياليا أقيما عليّ اليوم أو بعض ليلة ... ولا تعجلاني قد تبيّن شانيا وخطا بأطراف الرماح [1] لمصرعي ... وردّا على عينيّ فضل ردائيا ولا تحسداني بارك الله فيكما ... من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا خذاني فجراني ببردي اليكما ... فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا وقد كنت عطافا إذا الخيل أدبرت ... سريعا لدى الهيجا إلى من دعانيا فقوما على بئر الشبيك فأسمعا ... بها الوحش والبيض الحسان الروانيا بأنكما خلفتماني بقفرة ... تهيل عليّ الريح فيها السوافيا يقولون لا تبعد وهم يدفنوني ... وأين مكان البعد إلا مكانيا ويا ليت شعري هل بكت أم مالك ... كما كنت لو عالوا نعيّك باكيا إذا مت فاعتادي القبور وسلمي ... على الرّمس أسقيت السحاب الغواديا أقلب طرفي في الرقاق [2] فلا أرى ... به من عيون المؤنسات مراعيا وبالرمل منا نسوة لو شهدنني ... بكين وفدّين الطبيب المداويا وما كان عهد الرمل عندي وأهله ... ذميما ولا ودعت بالرمل قاليا فمنهن أمي وابنتاي وخالتي ... وباكية أخرى تهيج البواكيا «348» - صافح أبو العميثل عبد الله بن طاهر عند قدومه من سفر فقبل يده، فقال له عبد الله: خدش شاربك كفي، فقال: شوك القنفذ لا يضر برثن   [1] م والأمالي: الزجاج. [2] الأمالي: الديار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 129 الأسد. فتبسم عبد الله وقال: كيف كنت بعدي؟ قال: إليك مشتاقا، وعلى الزمان عاتبا، ومن الناس مستوحشا؛ فأما الشوق إليك فلفضلك، وأما العتب على الزمان فلمنعه منك، وأما الاستيحاش من الناس فإني لا أراهم بعدك. فاحتبسه، فلما حضر الشراب سقاه بيده فقال: [من البسيط] نادمت حرا كأن البدر غرّته ... معظّما سيّدا قد أحرز المهلا فعلّني برحيق الراح راحته ... فملت سكرا وشكرا للذي فعلا [ الحركة ولود والسكون عاقر ] «349» - أبو هريرة يرويه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو يعلم الناس رحمة الله للمسافر لأصبح الناس على ظهر سفر. إن الله بالمسافر رحيم. «350» - لما خرج يوسف عليه السلام من الجب واشتري، قال لهم قائل: استوصوا بهذا الغريب خيرا، فقال لهم يوسف: من كان مع الله فليس عليه غربة. «351» - وقالوا: الحركة ولود والسكون عاقر. «352» - وقالت الفرس: وجدنا في مهارقنا القديمة: إذا لم يساعد الجدّ فالحركة خذلان. «353» - قالت قريبة الأعرابية: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذل. «354» - أعرابي: لا يغني المخلب ما دام في المقنب. «355» - حكيم: لا توحشنّك الغربة إذا أنستك الكفاية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 130 [ أقوال للأعراب ] «356» - قيل لأعرابي: ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزوم الأوطان. 357- إن أعانتك الغربة على الزمن فلا تطع النزاع إلى الوطن. «358» - يقال للرجل المسفار: خليفة الخضر. قال أبو تمام: [من البسيط] خليفة الخضر من يربع على وطن ... في بلدة فظهور العيس أوطاني بالشام قومي وبغداد الهوى وأنا ... بالرقمتين وبالفسطاط إخواني «359» - قيل لأعرابي: إنك لتبعد السفر، قال: رأيت ما في أيدي الناس أبعد ممّا في السفر. «360» - قيل لابن الأعرابي: لم سمي السفر سفرا؟ قال: لأنه يسفر عن أخلاق القوم، أي يكشف. «361» - قال علي عليه السلام: ست من المروءة: ثلاث في الحضر وثلاث في السفر. فأما اللاتي في الحضر: فتلاوة كتاب الله، وعمارة مساجد الله، واتخاذ الإخوان في الله، وأما اللاتي في السفر: فبذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح في غير معاصي الله. «362» - أغار حذيفة بن بدر على هجائن المنذر، وسار في ليلة مسيرة ثمان، فضرب بمسيره المثل فقيل: سار فلان مسير حذيفة. «363» - قال قيس بن الخطيم: [من الوافر] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 131 هممنا بالإقامة ثم سرنا ... مسير حذيفة الخير بن بدر ويضربون المثل بسير أبي ذكوان، وهو مولى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة. [ أشعار للفقر ] «364» - الأقرع بن معاذ: [من الطويل] فما أنس مل اشياء لا أنس قولها ... بنفسي بيّن لي متى أنت راجع فقلت لها والله ما من مسافر ... يحيط له علم بما الله صانع فألقت على فيها اللثام وأدبرت ... وأقبل بالكحل السحيق المدامع وقالت إلهي كن عليه خليفتي ... وحقك ما خابت لديك الودائع «365» - قال عبد العزيز بن عبد الملك الماجشون من فقهاء المدينة، قال لي المهدي: يا ماجشون! حين فارقت أصحابك الفقهاء ما قلت؟ فقلت، قلت: [من البسيط] لله باك على أحبابه جزعا ... قد كنت أحذر من ذا قبل أن يقعا إن الزمان رأى إلف السرور لنا ... فدبّ بالبين فيما بيننا وسعى ما كان والله شؤم الدهر يتركني ... حتى يجرّعني من بعدهم جرعا فليصنع الدهر بي ما شاء مجتهدا ... فلا زيادة شيء فوق ما صنعا فقال: والله لأغنينك. فأعطاني عشرة آلاف دينار. 366- غريب مريض: [من الرجز] لو أن سلمى أبصرت تخدّدي ... ودقّة في عظم ساقي ويدي وبعد أهلي وجفاء عوّدي ... عضّت من الوجد بأطراف اليد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 132 «367» - النابغة الذبياني: [من الطويل] إن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ... ويأت معدّا خصبها وربيعها ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد ... وتلك المنى لو أننا نستطيعها «368» - وله: [من البسيط] لا يبعد الله جيرانا تركتهم ... مثل المصابيح تجلو طخية الظلم لا يبرمون إذا ما الأفق جلّله ... صرّ الشتاء من الأمحال والعدم هم الملوك وأبناء الملوك لهم ... فضل على الناس في الآلاء والنعم أحلام عاد وأجساد مطهرة ... من المعقّة والآفات والأثم «369» - مطيع بن إياس: [من الطويل] أيا ويحه لا الصبر يملك قلبه ... فيصبر لما قيل سار محمد ولا الحزن يفنيه ففي الموت راحة ... فحتى متى في جهده يتجلد فأضحى كئيبا [1] باديات عظامه ... سوى أن روحا بينها تتردد كئيبا يمني نفسه بلقائه ... على نأيه والله بالحزن يشهد يقول لها صبرا عسى الموت آيب ... بإلفك أو جاء بطلعته الغد وكنت يدا كانت بها الدهر قوتي ... فأصبحت ما لي [2] حين فارقني يد 370- ابن طباطبا: [من الكامل]   [1] الأغاني: فأضحى صريعا. [2] الأغاني: مضنى حين ... الجزء: 8 ¦ الصفحة: 133 نفسي الفداء لغائب عن ناظري ... ومحلّه في القلب دون حجابه لولا تمتّع ناظري بلقائه ... لوهبته لمبشّري بإيابه 371- آخر: [من المنسرح] ودعته حيث لا تودّعه ... روحي ولكنها تسير معه ثم تولى وفي القلوب له ... ضيق مجال وفي الدموع سعه «372» - أبو تمام الطائي: [من الكامل] هي فرقة من صاحب لك ماجد ... فغدا إذابة كلّ دمع جامد فافزع إلى ذخر الشؤون وغربة ... فالدمع يذهب بعض جهد الجاهد وإذا فقدت أخا ولم تفقد له ... دمعا ولا صبرا فلست بفاقد «373» - ابن نباتة: [من الكامل] بتنا نودع بالثنيّة ماجدا ... يصف البلاغة عقله وبيانه يغنيه عن حمل المثقف طرفه ... وعن الحسام المشرفيّ لسانه طوبى لشعب حل فيه فإنه ... تندى رباه وتكتسي قيعانه [ إبراهيم بن المدبر وأبو شراعة ] «374» - ولي إبراهيم بن المدبر البصرة فأحسن إلى أهلها، فلما صرف عنها شيّعه أهلها وتفجعوا لفراقه، فجعل يردهم أولا أولا على قدر منازلهم، حتى لم يبق إلا أبو شراعة، فقال له إبراهيم: يا أبا شراعة، إن المشيع مودع لا محالة وقد بلغت اقصى الغايات، فبحقي عليك إلا رجعت، ثم أمر غلامه فحمل إليه ثيابا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 134 وطيبا ومالا، فودعه أبو شراعة وبكى، ثم قال: [من الرمل] يا أبا إسحاق سر في دعة ... وامض مصحوبا فما منك خلف ليت شعري أيّ أرض أجدبت ... فأغيثت بك من بعد العجف حكم الرحمن باللطف لهم ... وحرمناك بذنب قد سلف إنما أنت ربيع باكر ... حيث ما صرّفه الله انصرف [ كتابات في السفر والوداع ] 375- كتب الوزير ذو السعادات ابن أبي الفرج بن فسانجس إلى أبي غالب ابن بشران النحوي: [من الوافر] أودعكم وإني ذو اكتئاب ... وأرحل عنكم والقلب آبي وإنّ فراقكم في كل حال ... لأوجع من مفارقة الشباب أسير وما ذممت لكم جوارا ... ولا ملّت مباركها ركابي لكم مني المودة في اغتراب ... وأنتم إلف نفسي في اقتراب وروعات الفراق وإن أغامت ... تقشّعها مسرات الإياب «376» - أبو عثمان الخالدي وقد عزم على توديع المهلبي: [من البسيط] إنا لنرحل والأهواء أجمعها ... لديك مستوطنات ليس ترتحل لهن من خلقك الروض الأريض ومن ... نداك يغمرهن العارض الهطل لكن كلّ فقير يستفيد غنى ... دعاه شوق إلى أوطانه عجل وكل غاز إذا جلت غنيمته ... فإن آثر شيء عنده القفل «377» - وكتب السري الرفاء إلى بني فهد يتشوقهم: [من الطويل] تناءوا ولما ينصرم حبل عزهم ... وحاشا لذاك الحبل أن يتصرما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 135 فشرّق منهم سيّد ذو حفيظة ... وغرّب منهم سيّد متشائما كأن نواحي الجو تنثر منهم ... على كل فجّ قاتم اللون أنجما [ أشعار في الوداع ] «378» - البحتري: [من الكامل] أما مصافحة الوداع فإنها ... ثقلت فما اسطاعت تنوء بها يدي فعليك تضعيف السلام فإنني ... إما أروح غدا وإما أغتدي «379» - وله: [من الكامل] سأودع الإحسان بعدك واللهى ... إذ حان منك البين والتوديع وسأستقل لك الدموع صبابة ... ولو ان دجلة لي عليك دموع ومن البديع أن انتأيت ولم يرح ... جزعي على الأحشاء وهو بديع «380» - إسحق الموصلي ودّع بها الفضل بن يحيى: [من المتقارب] فراقك مثل فراق الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الديم عليك سلام فكم من وفاء ... أفارق فيك وكم من كرم «381» - المتنبي يودع: [من الوافر] وإني عنك بعد غد لغاد ... وقلبي عن فنائك غير غاد محبك حيث ما اتجهت ركابي ... وضيفك حيث كنت من البلاد «382» - سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة من بيت مغنية: [من الطويل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 136 تطاول هذا الليل وازورّ جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه فو الله لولا الله لا شيء غيره ... لزعزع من هذا السرير جوانبه فأمر برد زوجها. «383» - المتنبي: [من الطويل] يضاحك في ذا العيد كلّ حبيبه ... حذائي وأبكي من أحبّ وأندب أحنّ إلى أهلي وأهوى لقاءهم ... وأين من المشتاق عنقاء مغرب فإن لم يكن إلا أبو المسك أو هم ... فإنك أحلى في فؤادي وأعذب وكل امرىء يولي الجميل محبّب ... وكلّ مكان ينبت العزّ طيب «384» - وله: [من المنسرح] إذا صديقي نكرت جانبه ... لم تعيني في فراقه الحيل في سعة الخافقين مضطرب ... وفي بلاد من أختها بدل «385» - سيّر الوليد بن عقبة كعب بن ذي الحنكة النهدي إلى دنباوند فقال: [من الطويل] وإن اغترابي في البلاد وجفوتي ... وشتمي في ذات الإله قليل وإن دعائي كلّ يوم وليلة ... عليكم بدنباوندكم لطويل «386» - الرضيّ الموسوي: [من السريع] ما الرزق بالكرخ مقيما ولا ... طوق العلى في جيد بغداد وما مقام الحرّ في عيشة ... لها المقادير بمرصاد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 137 «387» - وقال: [من الطويل] أروغ كأني في الصباح طريدة ... وأسري كأني في الظلام خيال تمطى بنا أذوادنا كل مهمه ... خفائف تخفيها ربى ورمال خوارج من ليل كأن وراءه ... يد الفجر في سيف جلاه صقال تقوّم أعناق المطايا نجومه ... فليس لسار فوقهن ضلال «388» - وقال: [من الكامل] كم مهمه لبست إليك ركابنا ... والأرض برد بالمنون مسهم حتى تراعفت المناسم والذرى ... فسواء الأعلى ذرىّ والمنسم «389» - وقال: [من الوافر] وماء قد تخفّر بالدياجي ... عن الطّراق والسّلم المقيم وردن ولا دلاء لهن إلا ... مشافرهن في الورد الجموم وعدن وقد وهى سلك الثريا ... وكرّ الصبح في طلب النجوم وقد لاحت لأعيننا ذكاء ... وراء الفجر كالخدّ اللطيم ألا هل أطرق السمرات يوما ... بريء القلب من عبث الهموم وألصق بالنقا كبدي ويهفو ... عليّ من النقا ولع النسيم [ استقبال الرسائل ] «390» - أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف يصف كتابا ورد من الصاحب رحمه الله: [من الطويل] كتاب لو ان الليل يلقى بمثله ... لألقت يدا في حجرتيه ذكاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 138 تهادى بأبكار المعاني وعونها ... وأعيان لفظ ما لهن كفاء شوارد إلا أنهن أوالف ... ضرائر إلا أنهن سواء «391» - أبو الفتح البستي: [من البسيط] لما أتاني كتاب منك مبتسم ... عن كل فضل وبرّ غير محدود حكت معانيه في أثناء أسطره ... آثارك البيض في أحوالي السود «392» - المهلبي: [من مجزوء الكامل] ورد الكتاب مبشرا ... نفسي بأوراد السرور وفضضته فوجدته ... ليلا على صفحات نور مثل السوالف والخدو ... د البيض زينت بالشعور أنزلته في القلب من ... زلة القلوب من الصدور «393» - الطائي: [من الوافر] لقد جلى كتابك كل بث ... جو وأصاب شاكلة الرميّ فضضت ختامه فتبلجت لي ... غرائبه عن الخبر الجلي وكان أغض في عيني وأندى ... على كبدي من الزهر الجني وأحسن موقعا مني وعندي ... من البشرى أتت بعد النعي وضمن صدره ما لم تضمن ... صدور الغانيات من الحلي فكائن فيه من معنى خطير ... وكائن فيه من لفظ بهي كتبت به بلا لفظ كريه ... على أذن ولا خط قمي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 139 لئن غربتها في اللفظ بكرا ... لقد زفّت إلى سمع كفي وإن تك من هداياك الصفايا ... فرب هدية لك كالهدي 394- آخر: [من المتقارب] وكان خطابك يا سيدي ... ألذ وأحلى من العافيه وأجدى على النفس من قوتها ... وأطيب من عيشة راضيه 395- آخر: [من المتقارب] سرور الكريم بيوم القرى ... وأنس العيون بطيب الكرى 396- آخر: [من المتقارب] سرور الرياض بصوب الغمام ... وأنس العيون بطيب المنام 397- أنشد المبرد في ضده: [من الكامل] إني أتتني من لدنك صحيفة ... مختومة عنوانها كالعقرب فعلمت أن الشر في مفتاحها ... ففضضتها عن مثل ريح الجورب 398- محبة الوطن مستولية على الطباع، مستدعية لشدة التشوف إليها والنزاع. «399» - روي أن أبان بن سعيد قدم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: يا أبان، كيف تركت أهل مكة؟ قال: تركتهم وقد جيدوا، وتركت الإذخر وقد أعذق، وتركت النمام وقد حاص. فاغرورقت عيناه صلّى الله عليه وآله وسلّم. أعذق: خرجت ثمرته، وحاص: صار أحوص. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 140 [ من حب الوطن ] «400» - ومن حب الوطن وصّى يوسف عليه السلام أن يحمل تابوته إلى مقام آبائه، فمنع أهل مصر أولياءه. فلما بعث موسى عليه السلام وأهلك فرعون حملها إلى مقابرهم، فقبره علم [1] بأرض بيت المقدس بقرية تسمى حامي [2] . «401» - ووصى الاسكندر أن تحمل رمته في تابوت من ذهب إلى بلد الروم حبا لوطنه. «402» - وقيل لما غزا اسفنديار بلاد الخزر اعتل بها، فقيل له: ما تشتهي؟ قال: شمة من تربة بلخ وشربة من ماء واديها. «403» - واعتل سابور ذو الأكتاف بالروم، وكان أسيرا، فقالت له بنت الملك وقد عشقته: ما تشتهي؟ قال: شربة من ماء دجلة وشميما من تراب اصطخر. فأتته بعد أيام بشربة من ماء وقبضة من تراب، وقالت: هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك. فشرب واشتم بالوهم، فأفاق فيقة من علته. «404» - وقالت الهند: حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك، إذ كان غذاؤك منهما وغذاؤهما منه. «405» - وقالت الفرس: تربة الصبا تغرس في القلب حرمة كما تغرس الولادة في القلب رقة.   [1] علم: سقطت من م؛ وفي الحنين: معلوم. [2] الحنين: حسامى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 141 «406» - قال ابن عباس رضي الله عنه: لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى عبد الرزق. 407- وقال عمر رضي الله عنه: عمر الله البلدان بحب الأوطان. «408» - والعرب تقول: حماك أحمى لك، وأهلك أحفى بك. 409- وقال ابن الزبير: ليس الناس بشيء من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم. «410» - قيل لأعرابي: أتشتاق إلى وطنك؟ فقال: كيف لا أشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها ورضيع غمامها. 411- بعض العرب: [من الطويل] ألا ليت شعري هل تخلّف ناقتي ... بصحراء من نجران ذات ثرى جعد وهل تنفضنّ الريح أفنان لمّتي ... على لاحق الأطلين مضطمر ورد وهل أردنّ الدهر حسي مزاحم ... وقد ضربته نفحة من صبا نجد 412- وقال صاحب الزّنج في اليوم الذي قتل فيه، وكان هرب من داره: [من الطويل] عليك سلام الله يا خير منزل ... خرجنا وخلفناه غير ذميم فإن تكن الأيام أحدثن فرقة ... فمن ذا الذي من ريبها بسليم «413» - قال الجاحظ: رأيت المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه تربة مولده في جراب يتداوى به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 142 414- وقد كان شرف الملك أبو سعيد مستوفي ملكشاه يسافر إلى العراق والشام وسائر الأقطار ومعه حنطة خوارزم يأكل منها، وماؤها في قوارير يشرب منه، وكذلك شربه من خمرها، ويقول: هذه مآلف مزاجي فلا أغيرها. [ أقوال في فضائل بلدان مختلفة ] 415- قال سفيان: والله ما أدري أي البلاد أسكن؟ فقيل له: خراسان، فقال: مذاهب مختلفة وآراء فاسدة؛ قيل: فالشام، قال: يشار إليك بالأصابع- أراد الشهرة-؛ قيل: فالعراق، قال: بلد الجبابرة؛ قيل: فمكة، قال تذيب الكيس والبدن. «416» - وصف بعضهم بلاد الهند فقال: بحرها درّ، وجبالها ياقوت، وشجرها عود، وورقها عطر. 417- وقال عبيد الله بن سليمان في نهاوند: أرضها الزعفران، وسماؤها الفاكهة، وحيطانها الشهد. 418- وقال عمرو بن الليث في نيسابور: حجرها الفيروزج، وترابها النقل، وحشيشها الريباس. «419» - وقال الحجاج لعامله على أصفهان: قد ولّيتك بلدة حجرها كحل وذبابها النحل، وحشيشها الزعفران. «420» - كان يقال للبصرة: خزانة العرب وقبة الإسلام، لانتقال قبائل العرب إليها، واتخاذ المسلمين لها وطنا ومركزا. 421- دخل الرشيد منبج فقال لعبد الملك بن صالح الهاشمي، وكان لسان بني العباس: هذا البلد مقر لك، قال: يا أمير المؤمنين هو لك ولي بك. قال: كيف منازلك به؟ قال: دون منازل أهلي وفوق منازل غيرهم. قال: كيف صفة مدينتك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 143 هذه؟ قال: عذبة الماء، طيبة الهواء، قليلة الأدواء. قال: كيف ليلها؟ قال: سحر كله، ولتربها عن الطيب غنى، وهي تربة حمراء، وسنبلة صفراء، وشجرة خضراء وفياف فيح، بين قيصوم وشيح. فقال الرشيد: هذا الكلام والله أحسن منها. 422- قال أبو العتاهية يوما لبدوي: هل لك في أرض الريف والخصب، أرض العراق؟ قال: لولا أن الله أرضى بعض العباد بشرّ البلاد لما وسع خير البلاد جميع العباد. 423- وقال الجاحظ في ذكر العراق: موضع التميمة، وواسطة القلادة، فيه تلاقحت الطبائع، وصرحت عن اللبّ الأصيل، والخلق الجميل. «424» - ابن زريق الكاتب: [من البسيط] سافرت أبغي لبغداد وساكنها ... مثلا وذلك شيء دونه الياس هيهات بغداد الدنيا بأجمعها ... عندي وسكان بغداد هم الناس 425- ويقال لأهل العراق: ملائكة الأرض للطافة أخلاقهم وخفة أرواحهم. قال: [من المتقارب] ملائكة الأرض أهل العراق ... وأهل الشآم شياطينها 426- وقال: وكان أبو إسحاق الزجاج يقول: بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية. 427- وكان أبو الفضل بن العميد إذا امتحن رجلا من أهل العلم سأله عن بغداد فإن وجده منتبها على خصائصها، وعن الجاحظ: فإن رآه منتسبا إلى مطالعة كتبه، رجح في عينيه وإلا لم يعبأ به. 428- وسأل أبو الفضل بن العميد الصاحب أبا القاسم ابن عباد عن بغداد فقال: بغداد في البلاد كسيدنا في العباد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 144 نوادر من هذا الباب 429- قال الأقرع بن معاذ القشيري: [من البسيط] إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره ... وساقني طبق منه إلى طبق فليس أصبو إلى إلف يفارقني [1] ... ولا يقطع أحشائي من الشفق «430» - لقي رجل المهلب فنحر ناقته في وجهه فتطير من ذلك وقال: ما قصتك؟ فقال: [من الكامل] إني نذرت لئن لقيتك سالما ... أن يستمر بها شفار الجازر فقال المهلب: فأطعمونا من كبد هذه المظلومة ووصله. «431» - ولقيته امرأة من الأزد، وقد قدم من حرب كان نهض إليها، فقالت: أيها الأمير إني نذرت إن وافيت سالما أن أقبل يدك وأصوم يوما وتهب لي جارية سغدية وثلاثمائة درهم. فضحك المهلب وقال: قد وفينا لك بنذرك فلا تعاودي مثله، فليس كل أحد يفي لك به. «432» - وروي أن أبا دلامة لقي المهدي لما قدم بغداد فقال: [من الكامل] إني نذرت لئن رأيتك سالما ... ترد العراق وأنت ذو وفر لتصلينّ على النبي وآله ... ولتملأن دراهما حجري   [1] م: فلا أسيت إلى أرض تفارقني. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 145 فقال له: صلّى الله على محمد وآله وسلّم، وأما الدراهم فلا سبيل إليها. فقال: أنت أكرم من أن تعطيني أسهلهما عليك وتمنعني الآخر. فضحك وأمر له بما سأل. 433- لقي مخنث آخر ليودعه فقال: أحمد الله على بعد سفرك، وانقطاع أثرك، وشدة ضررك. فقال له الآخر: أستودعك العمى والضنا وقلة الرزق من السماء. 434- شاعر في مثله: [من الطويل] فسر غير مأسوف عليك فما النوى ... ببرح وما الخطب الملمّ بفادح 435- دعا أعرابي على مسافر بالبارح الأشأم، والسانح الأعضب، والصرد الأنكد، والكد الملهب، والهم المكرب، والطائر المنحوس، والظهر المركوس، والرحل المنكوس، فإن عاد لا عاد إلا بكآبة المنقلب، وندامة المعتقب. 436- خرج أعرابي وكانت له امرأة تفركه، فأتبعته نواة وقالت: شطّت نواك، ونأى سفرك، ثم أتبعته روثة وقالت: رثيتك وراث خبرك، ثم أتبعته حصاة وقالت: حاص رزقك، وحص أثرك. 437- أراد بعض الأعراب السفر في أول السنة فقال: إن سافرت في المحرم كنت جديرا أن أحرم، وإن رحلت في صفر خشيت على يدي أن تصفر. فأخر السفر إلى شهر ربيع. فلما سافر مرض ولم يحظ بطائل فقال: ظننته من ربيع الرياض فإذا هو من ربيع الأمراض. 438- شاعر: [من الطويل] بدأن بنا وابن الليالي كأنه ... حسام جلت عنه القيون صقيل فما زلت أفني كل يوم شبابه ... إلى أن أتتك العيس وهو ضئيل 439- سرى شيخ من العرب مع رفيق له فتعب فقال لرفيقه: هذا الجدي فاضبط الأمّ به، وأراه السمت، حتى أغفى على راحلته، ثم انتبه وقد جار به عن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 146 القصد فقال: ما صنعت ويلك؟ فقال: إنه والله اختلط بالجدي جداء كثيرة فلم أدر أيتها هو. 440- كتب كشاجم: كتبت أعزك الله من المحل الجديب والبلد القفر الذي أنا به، غريب عن سلامة الجوارح والحواس، إلا حاسة التمييز، فإنها لو صحت لما اخترت المقام بهذه المفازة: [من الطويل] بلاد كأن الجوع يطلب أهلها ... بذحل إذا ما الصيف صرّت جنادبه 441- أبو العطاف الغنوي: [من الطويل] أقول لميمون وقد حنّ حنة ... إلى الريف واغبرت عليه الموارد سيكفيك ذكر الريف ضبّ ومذقة ... ونبت بوعثاء الجنينة فارد وريح بنجد طيّب نسماتها ... وأسود من ماء العذيبة بارد 442- قدم رجل من اليمامة فقيل له: ما أحسن ما رأيت بها؟ قال: خروجي منها. 443- سافر أعرابي فرجع خائبا فقال: ما ربحنا من سفرنا إلا ما قصرنا من صلاتنا. 444- خرج رجلان من خراسان إلى بغداد في متجر لهما. فمرض أحدهما وعزم الآخر على الخروج، فقال له: ما أقول لمن يسألني عنك؟ قال: قل لهم لما دخل بغداد اشتكى رأسه وأضراسه، ووجد خشونة في صدره، وحززا في طحاله، وخفقانا في فؤاده، وضربانا في كبده، وورما في ركبتيه ورعشة في ساقيه وضعفا عن القيام على رجليه، فقال: بلغني أن الايجاز في كل شيء مما يستحب، وأنا أكره أن أطول عليهم لكني أقول لهم: قد مات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 147 445- ابن الحجاج: [من المنسرح] سافرت من منزلي إليك على ... نحول جسمي وضعف تركيبي أسير سيرا جاد الكميت به ... مذللا في نهاية الطيب فعدت وهو الشقي مجتهد ... يفتلني تارة ويكبو بي أصيح واظهري القطيع إذا ... صاح من السير واعراقيبي ينام تحتي ضعفا فتنبهه ... مقرعة لي طويلة السيب فالحمد لله أنني رجل ... مذ كنت لا تنقضي أعاجيبي تمّ الجزء والحمد لله وحده وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم تسليما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 148 الباب الأربعون في تنجّز الحوائج والحثّ عليها والسّعي فيها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 149 (الباب الأربعون في تنجّز الحوائج والحثّ عليها والسّعي فيها) [ آيات ] ويتضمّن الوعد والإنجاز والمطل، والشفاعة والسؤال، وما يناسب هذه المعاني ممّا يليق التمثّل به في الحوائج به كتاب الله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى (المائدة: 2) وفي الوعد وإنجازه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (الصف: 2) وفي الشفاعة: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها (النساء: 85) وفي النّهي عن السؤال قوله تعالى حاكيا عن شعيب عليه السلام إذ يقول لقومه: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ (هود: 85) ؛ وقوله عزّ وجلّ: وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ* إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ [1] (محمد: 36- 37) . فأما ما في الكتاب العزيز من ذكر وعده الصادق، ووعيده المخوف، وخيبة الشافعين فكثير، وليس هذا موضعه. والآثار النبويّة نذكر في كلّ فصل منها ما يليق به ويناسبه، والله الموفّق.   [1] حاشية ر: والصواب قوله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً (البقرة: 273) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 151 تنجّز الحوائج والحثّ عليها والسّعي فيها «446» - قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ الله عزّ وجلّ خلق خلقا لحوائج الناس، يفزع إليهم الناس في حوائجهم. هم الآمنون غدا من عذاب الله عزّ وجلّ. «447» - وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله عزّ وجلّ في حاجته. من فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله تعالى يوم القيامة. «448» - وقال صلّى الله عليه وسلّم: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان لها؛ فإنّ كلّ ذي نعمة محسود عليها. وروي: فإنّ لكلّ ذي نعمة حسدة، ولو أنّ امرءا كان أقوم من قدح لكان له من الناس غامز. «449» - عن عليّ عليه السلام يرفعه: إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكّر في طلبها يوم الخميس، وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران، وآية الكرسيّ، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر، وأمّ الكتاب، فإنّ فيها حوائج الدنيا والآخرة. 450- وروي عنه عليه السلام أنه قال: قلت وأنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك، فقال عليه السلام: لا تقولوا هكذا؛ فإنّه ليس أحد إلّا وهو محتاج إلى الناس. قلت: فكيف أقول يا رسول الله؟ قال، قل: اللهم لا تحوجنا إلى شرار خلقك؛ قلت: من شرار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 152 خلقه؟ قال: الذين إذا أعطوا منّوا، وإذا منعوا عابوا. 451- وأنشد عليّ عليه السلام: [من الكامل] وإذا طلبت ثواب ما أوليته ... فكفى بذاك لنائل تكديرا [ أقوال لعلي عليه السلام وغيره ] «452» - قال عليّ عليه السلام: فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها. 453- وقال: لا يستقيم قضاء الحوائج إلّا بثلاث: استصغارها لتعظم، واستكثارها لتطهر، وبتعجيلها لتهنأ. «454» - وقال لكميل بن زياد النّخعيّ: يا كميل، مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة من هو نائم. والذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلبا سرورا إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفا، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الابل. 455- وقال عليه السلام: إنّ لله عبادا يخصّهم بالنّعم لمنافع العباد، فيقرّها في أيديهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم ثم حوّلها إلى غيرهم. 456- وقال بعضهم: ما رددت أحدا عن حاجة إلا تبيّنت العزّ في قفاه والذلّ في وجهي. «457» - وقال الحسن البصري: لأن أقضي حاجة أخ لي أحبّ إليّ من أن أعتكف سنة. 458- من كلام الحكماء: اللّطف في الحاجة أجدى من الوسيلة. «459» - إذا سألت كريما حاجة فدعه يتفكّر، فإنه لا يفكّر إلا في خير، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 153 وإذا سألت لئيما حاجة فأجّله حتى يروض نفسه. لا تسأل الحوائج غير أهلها، ولا تسألها في غير حينها، ولا تسأل ما لست له مستحقّا، فتكون للحرمان مستوجبا. «460» - وكان الأحنف يقول: لا تطلبنّ الحاجة إلى ثلاثة: كذوب، فإنّه يقرّبها عليك وهي بعيدة، ويباعدها وهي قريبة؛ ولا إلى أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك؛ ولا إلى رجل له إلى صاحب الحاجة حاجة فإنه يجعل حاجتك وقاية لحاجته. 461- سأل أعرابيّ رجلا حاجة فمنعه، فقال: الحمد لله الذي أفقرني من معروفك، ولم يغنك من شكري. «462» - وقال آخر: ألم أكن نهيتك أن تريق ماء وجهك بمسألتك من لا ماء في وجهه؟ «463» - قال ذو الرياستين لثمامة بن أشرس: ما أدري ما أصنع بكثرة الطلاب وغاشية الباب، فقال له ثمامة: زل عن موضعك وعليّ أن لا يلقاك منهم أحد؛ فقال له: صدقت، وجلس لهم وقضى حوائجهم. 464- وقال ابن شبرمة: إذا سألت رجلا حاجة وهو يقدر على قضائها ولم يقضها، فكبّر عليه أربعا. «465» - سأل رجل المهلّب في حاجة فقال: إنّ لي حاجة لا ترزؤك في مالك، ولا تنكؤك في نفسك؛ قال: والله لا قضيتها؛ قال: ولم؟ قال: لأنّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 154 مثلي لا يسأل مثلها. [ حكايات في تنجز الحوائج ] 466- دخل ابن شبرمة على عيسى بن موسى وسأله حوائج استكثرها، فقال له: أقضي لك نصفها؛ قال: فما عذري عند الباقين من أربابها؟ قال: فأقضي لك الثّلثين، قال: أيّها الأمير، من أولى الناس بالجنابة؟ قال: جانيها؛ قال: فأنت الجاني إليّ إذ أدنيتني وقرّبت مجلسي حتى رغب الناس في حوائجهم إليّ، ورغبت إليك فيها، فإن قضيت الكلّ وإلا فأقصني منك حتى لا يأتوني ولا آتيك. فقضى حوائجه بأجمعها. 467- حدّث أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي في أيام عطلته وكبر سنّه ولزومه بيته قال: عرضت على أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات رقعة في حاجة، فقرأها ووضعها بين يديه ولم يوقّع فيها، فأخذتها وقمت وأنا أقول متمثّلا من حيث يسمع: [من الكامل] وإذا خطبت إلى كريم حاجة ... وأني فلا تعقد عليه بحاجب فلربّما منع الكريم وما به ... بخل، ولكن سوء حظّ الطالب فقال وقد سمع ما قلت: ارجع يا أبا جعفر بغير شؤم جدّ الطالب، ولكن إذا سألتمونا الحاجة فعاودونا فيها فإنّ الله تعالى يقلّب القلوب، هات رقعتك. فناولته إياها فوقّع بما أردته فيها. «468» - وقال البحتريّ: [من الطويل] وكنت إذا مارست عندك حاجة ... على نكد الأيام هان علاجها فإن تلحق النّعمى بنعمى فإنّه ... يزين اللآلي في النظام ازدواجها «469» - آخر: [من الكامل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 155 من عفّ خفّ على الصديق لقاؤه ... وأخو الحوائج قربه مملول 470- لمّا قدم الأحنف على عمر رضي الله عنه في وفد أهل البصرة، فقضى حوائجهم قال الأحنف: يا أمير المؤمنين إنّ أهل هذه الأمصار نزلوا على مثل حدقة البعير من العيون العذاب تأتيهم فواكههم لم تخضد، وإنّا نزلنا سبخة نشّاشة، طرف لها بالفلاة وطرف بالبحر الأجاج، يأتينا ما يأتينا في مثل مريء النعامة، فإن لم ترفع خسيستنا بعطاء تفضّلنا به على سائر الأمصار نهلك. 471- كان ابن أبي دواد من أكثر الناس سعيا في حوائج الناس، فقال له الواثق: إنّ حوائجك ومسائلك تستنفد بيوت الأموال! فقال: يا أمير المؤمنين، أتخاف الفقر والله مادّتك؟! 472- كان الزّوار يسمّون السّؤال إلى أيام خالد بن برمك، فقال خالد: هذا والله اسم أستقبحه لطالب الخير، وأرفع قدر الكريم عن أن يسمّى به أمثال المؤمّلين، لأنّ فيهم الأشراف والأحرار وأبناء النّعم، ومن لعلّه خير ممّن يقصد وأفضل أدبا. لكنا نسمّيهم الزّوّار. 473- قال محمد بن علي الشطرنجي: سألني رجل أن أسأل رجلا من آل سليمان بن وهب كتابا إلى مالك بن طوق في حاجة له؛ فصرت إلى الرجل وسألته ذاك، فقال: نعم وكرامة، فقلت: تأذن لي أعزّك الله في البكور [1] إليك مسلّما ومذكّرا؟ فقال: افعل ما بدا لك. وجئته من غد سحرا فألفيت دابته مسرجة على بابه، فقلت لغلامه: ما خبره؟ قال: ادخل، فدخلت فوجدته جالسا على حصير صلاته بثياب ركوبه، وسلّمت عليه وقلت: أحسبك تريد الركوب في حاجتي، فقال: غفر الله لك! قد مضيت فيها وقد قضيتها؛ وأعطاني الكتاب الذي سألته إيّاه وهو على سحاءة، فوقفت عليه وكان على غاية التأكيد. ودعوت [2] له، فقال لي:   [1] م: في الخروج والبكور. [2] م: فدعوت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 156 أتدري ما الذي حداني على ذلك يا أبا جعفر؟ فقلت: إن رأيت أن تعلمني، قال: بيتان لبعض الشعراء رويتهما وتأدّبت بهما، وهما: [من الطويل] أبوك الذي أعطى على الحمد ماله ... وحاز المعالي واحتوته المكارم يروح إلى جمع المناقب والعلى ... ويدلج في حاجات من هو نائم «474» - كتب أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان: أنا وولدي زرع من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسّني منك جفاء بعد برّ، وإغفال بعد تعهّد، وشمت عدوّ وتكلّم حاسد، وتعبّثت بي ظنون رجال. وشديد عادة منتزعه [ أشعار في هذا الموضوع ] «475» - كتب أبو إسحاق الصابي إلى بعض الرؤساء يستدعي منه إجراء رزق لولده: [من الطويل] وما أنا إلّا دوحة قد غرستها ... وسقّيتها حتى تراخى بها المدى فلما اقشعرّ العود منها وصوّحت ... أتتك بأغصان لها تطلب الندى «476» - وقال أيضا في ابن سعدان: [من الطويل] وما زلت من قبل الوزارة جابري ... فكن رائشي إذ أنت ناه وآمر أمنت بك المحذور إذ كنت شافعا ... فبلّغني المأمول إذ أنت قادر لعمري لقد نلت المنى لك كلّها ... وإني إلى نيل المنى بك ناظر «477» - نظر زياد إلى رجل على مائدته قبيح الوجه يذرع في الأكل فقال له: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 157 كم عيالك؟ قال: تسع بنات؛ قال: فأين هنّ منك؟ قال: أنا أجمل منهنّ وهنّ آكل مني. قال: ما أحسن ما سألت! وفرض لهن فرضا كان سبب غناه. 478- روي عن الحسين بن عليّ عليهما السلام أنّه قال: كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الناس. «479» - سأل سعيد بن عبد الرحمن بن حسان أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم حاجة يكلّم له فيها سليمان بن عبد الملك، فلم يقضها له، ففزع له فيها إلى غيره فقضاها، فقال له: [من الطويل] سئلت فلم تفعل وأدركت حاجتي ... تولّى سواكم حمدها واصطناعها أبى لك كسب الحمد رأي مقصّر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها إذا ما أرادته على الخير مرّة ... عصاها، وإن همّت بشرّ أطاعها «480» - أبو عطاء السندي: [من الطويل] وما يدرك الحاجات من حيث ينبغي ... من القوم الّا المصبحون على رجل 481- صالح بن عبد القدّوس: [من الطويل] وما لحق الحاجات مثل مثابر ... ولا عاق عنها النّجح مثل تواني «482» - قال أبو إسماعيل: سألت إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ حاجة فردّني، فقلت: أيّها الأمير، أفتأذن لي في إنشادك شعرا؟ قال: نعم، فقلت: [من الكامل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 158 لا يؤيسنّك من كريم نبوة ... ينبو الفتى وهو الجواد الخضرم فإذا نبا فاستبقه وتأنّه ... حتى تفيء به الطباع الأكرم فضحك وقضى حاجتي. [ عود إلى الحكايات ] 483- كاتب: قد عرضت لي حاجة، فإن نجحت فالفاني منها حظّي والباقي حظّك، وإن تعذّرت فالخير مظنون بك، والعذر ممهّد لك. «484» - قال عروة بن الزبير: كان الرجل فيما مضى إذا أراد أن يشين جاره أو صاحبه طلب حاجته إلى غيره. «485» - رفع طريح بن إسماعيل الثقفي حاجة إلى كاتب داود بن عليّ فرفعها إلى داود، وجاء متقاضيا له، قال: هذه حاجتك مع حاجة فلان أخيك من الأشراف، فقال طريح: [من الوافر] تخلّ لحاجتي واشدد قواها ... فقد أمست بمنزلة الضّياع إذا أرضعتها بلبان أخرى ... أضرّ بها مشاركة الرّضاع «486» - قال شريح: من سأل حاجة فقد عرض نفسه على الرّقّ، فإن قضاها المسؤول استعبده بها، وإن ردّه عنها رجع حرّا، وهما ذليلان: هذا بذلّ البخل، وهذا بذلّ الردّ. 487- قيل: الق صاحب الحاجة بالبشر، فإن عدمت شكره لم تعدم عذره. 488- حسن البشر مخيلة النّجح. 489- قال الفضل بن محمد بن منصور بن زياد: أتيت عبد الله بن العباس العلويّ في حاجة لبعض جيراننا بعد وفاة أبي، وكانت بينه وبينه مودّة، فمتتّ بها، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 159 ثم قلت له: جئت في حاجة إن سهل قضاؤها أعظم الأمير بها المنّة، وإن تعذّر فالأمير معذور؛ فقال لي: يا حبيبي، إذا كنت معذورا فلم جئتني؟ إذا أوجبت على نفسك أن تنهض لرجل في حاجة فاغضب فيها وارض، وإلّا فالزم منزلك. الوعد والاقتضاء به والإنجاز والمطل 490- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: العدة دين. 491- وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: عدة المؤمن كأخذ باليد. «492» - وقال الحسن بن عليّ عليهما السلام: الوعد مرض في الجود، والإنجاز دواؤه. 493- ومن كلامه عليه السلام: المسؤول حرّ حتى يعد، ومسترقّ بالوعد حتى ينجز. 49» - وقال بعض القرشيين: من خاف الكذب أقلّ من المواعيد. «495» - وقيل: أمران لا يسلمان من الكذب: كثرة المواعيد، وشدّة الاعتذار. «496» - وقال المهلّب لبنيه: يا بنيّ، إذا غدا عليكم الرجل وراح مسلّما فكفى بذلك تقاضيا. «497» - قال الشاعر: [من الطويل] أروح لتسليم عليك وأغتدي ... فحسبك بالتسليم مني تقاضيا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 160 كفى بطلاب المرء ما لا يناله ... عناء وباليأس المصرّح ناهيا «498» - قال الموبذ: الوعد سحابة والإنجاز المطر. «499» - وقيل: الوعد إذا لم يشفعه إنجاز يحقّقه كان كلفظ لا معنى له، وجسم لا روح فيه. «500» - وقال الأبرش الكلبيّ لهشام بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين، لا تصنع إليّ معروفا حتى تعدني؛ فإنّه لم يأتني منك سيب على غير وعد إلّا هان عليّ قدره وقلّ مني شكره. فقال له هشام: لئن قلت ذلك لقد قال سيد أهلك أبو مسلم الخولانيّ: أنجع المعروف في القلوب وأبرده على الأكباد معروف منتظر بوعد لا يكدّره المطل. «501» - وكان يحيى بن خالد لا يقضي حاجة إلّا بوعد، ويقول: من لم يبت مسرورا بوعد لم يجد للصنيعة طعما. 502- وقالوا: الخلف ألأم من البخل، لأنه من لم يفعل المعروف لزمه ذمّ اللؤم وذمّ الخلف وذمّ العجز. «503» - أبو نواس: [من الطويل] تأنّ مواعيد الكرام فربّما ... حملت من الإلحاح سمحا على بخل 504- ابن داود: [من البسيط] أنت ابتدأت بميعادي فأوف به ... ولا تربّص به صرف المقادير ولا تكلني إلى عذر تزخرفه ... فالغدر أحسن من بعض المعاذير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 161 «502» «505» - بشار: [من البسيط] لا تجعلنّي ككمّون بمزرعة ... إن فاته الماء أغنته المواعيد «506» - نقله ابن الروميّ إلى الهجو فقال: [من المنسرح] كم شامخ باذخ بنعمته ... أضلّه قبلي المضلّونا جعلته بالهجاء قلقلة ... إذ جعلتني مناه كمّونا «507» - وقال أيضا: [من البسيط] ما لي لديك كأني قد زرعت حصى ... في عام جدب فوجه الأرض صفوان أما لزرعي إبّان فأنطره ... حتى يريع كما للزرع إبّان «508» - آخر: [من الطويل] وعدت فأكّدت المواعيد جاهدا ... وأقلعت إقلاع الجهام بلا وبل وأجررت لي حبلا طويلا تبعته ... ولم أدر أنّ اليأس في طرف الحبل «509» - أبو تمّام: [من الطويل] وما نفع من قد كان بالأمس صاديا ... إذا ما سماء اليوم طال انهمارها وما العرف بالتسويف إلّا كخلّة ... تسلّيت عنها حين شطّ مزارها «510» - بشار: [من الكامل المرفل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 162 وعد الكريم يحث نائله ... كالغيث يسبق رعده مطره «511» - ابن الرومي: [من الخفيف] يتخطّى العدات عمدا إلى البذ ... ل كسحّ الحيا بلا إيماض 512- وقال: [من الخفيف] أنجز الوعد إنّ خير مواعي ... دك ما جاء خلفه مصداقك لا يكن ما وعدته حين تلقا ... هـ قذاة تحيلها آماقك «513» - وقال أنس بن زنيم لعبيد الله بن زياد: [من الرمل] سل أميري ما الذي غيّره ... عن وصالي اليوم حتى ودّعه لا تهنّي بعد إكرامك لي ... فشديد عادة منتزعه لا يكن وعدك برقا خلّبا ... إنّ خير البرق ما الغيث معه [ مواعيد عرقوب ] «514» - والعرب تضرب المثل بمواعيد عرقوب، وكان رجلا من العماليق أتاه أخ له يسأله شيئا، فقال له عرقوب: إذا أطلعت هذه النخلة، فلك طلعها. فلما أطلعت أتاه الرجل للعدة، فقال: دعها حتى تصير بلحا؛ فلما أبلحت قال: دعها حتى تصير زهوا؛ فلما أزهت قال: دعها حتى تصير رطبا؛ فلما أرطبت قال: دعها حتى تصير تمرا؛ فلما أتمرت عمد إليها عرقوب فجدّها ولم يعط أخاه منها شيئا. وفيه يقول الأشجعي: [من الطويل] وعدت وكان الخلف منك سجيّة ... مواعيد عرقوب أخاه بيثرب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 163 [ أشعار في المواعيد والمطل ] «515» - ابن الرومي: [من الطويل] إذا أنت أزمعت الصنيعة مرّة ... فلا تعتصر ماء الصنيعة بالمطل ولا تخلط الحسنى بسوء فإنّه ... يجشّمنا أن نخلط الشكر بالعذل «516» - آخر: [من البسيط] إن كنت لم تنو فيما قلت لي صلة ... فما انتفاعك من حبسي وترديدي فالمنع أجمله ما كان أعجله ... والمطل من غير عسر آفة الجود «517» - آخر: [من الكامل] وكّلت مجدك باقتضائك حاجتي ... وكفى به متقاضيا ووكيلا «518» - قال ابن السّكّيت للمهدي: يا أمير المؤمنين، لو كان الوعد يستنزل بالإهمال والسكوت لشكرتك القلوب بالضمير، ولنظرت إلى فضلك العيون بالأوهام؛ فقال المهديّ: هذا جزاء التفريط فيما يكسب الأجر ويدّخر الشكر، وأمر بقضاء حاجاته. 519- وعد رجل رجلا حاجة، فأبطأت عدته عنه، فقال: صرت بعدي كذّابا فقال: [من البسيط] نصرة الحقّ أفضت بي إلى الكذب 520- وعد بعض الأمراء شاعرا جائزة فأبطأ بها عنه وأطال، فكتب إليه الشاعر: [من البسيط] لولا الممات وأنّ العمر منقطع ... لما اكترثت لما تأتي من العلل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 164 فإن عزمت على تطويل وعدك لي ... فاحرس حياتي من الآفات والزلل [ رسائل في الموضوع ] «521» - كتب أبو العيناء: ثقتي بك تمنعني من استبطائك، وعلمي بشغلك يدعوني إلى إذكارك، ولست آمن، مع استحكام ثقتي بطولك والمعرفة بعلوّ همّتك، اخترام الأجل، فإنّ الآجال آفات الآمال، فسح الله في أجلك، وبلّغك منتهى أملك. 522- من كلام أبي الحسن عليّ بن القاسم القاشاني: أظلّني من مولاي عارض غيث أخلف ودقه، وشاقني منه لائح غوث كذب برقه، فقل في حرّان ممحل أخطأه النّوء، وحيران مظلم خذله الضّوء. «523» - قالت أعرابيّة لرجل: ما لك تعطي ولا تعد؟ فقال لها: ما لك وللوعد؟ قالت: ينفسح به البصر، وينشر فيه الأمل، وتطيب بذكره النفس، ويرخى به العيش، وتربح أنت به المدح بالوفاء. «524» - قال مسلم بن الوليد: سألت الفضل بن سهل حاجة، فقال: أشرفك اليوم بالوعد، وأحبوك غدا بالإنجاز، فإني سمعت يحيى بن خالد يقول: المواعيد شبكة من شباك الكرام، يصيدون بها محامد الأحرار، ولو كان المعطي لا يعد لارتفعت مفاخر إنجاز الوعد، ونقص فضل صدق المقال. «525» - محمّد بن حسّان الضّبّي: [من البسيط] غذّيت بالمطل وعدا رقّ مورقه ... حتى ذوى منه بعد الخضرة العود سقيا للفظك ما أحلى مخارجه ... لولا عقارب مطل بعده سود الجزء: 8 ¦ الصفحة: 165 «526» - يقال: المواعيد رؤوس الحوائج، والإنجاز أبدانها. الشفاعة «527» - قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ الله تعالى يسأل العبد عن جاهه كما يسأله عن عمره، فيقول له: جعلت لك جاها، فهل نصرت به مظلوما، أو قمعت به ظالما، أو أعنت به مكروبا؟ «528» - وقال صلّى الله على وآله وسلّم: أفضل الصدقة أن تعين بجاهك من لا جاه له. «529» - وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: الخلق عيال الله، فأحبّهم إليه أنفعهم لعياله. 530- قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: رجلان من أمتي لا تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وغال في الدين مارق منه. «531» - وقال عليّ عليه السلام: الشفيع جناح الطالب. «532» - قصد ابن السّمّاك الواعظ رجلا في حاجة لرجل سأله الشفاعة فيها، فقال ابن السماك: إني أتيتك في حاجة، وإنّ الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت الحاجة، وذليلان إن لم تقضها، فاختر لنفسك عزّ البذل على ذلّ المنع، واختر لي عزّ النّجح على ذلّ الردّ، فقضى حاجته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 166 [ رسائل في الشفاعة ] 533- أمر المأمون عمرو بن مسعدة أن يكتب كتاب عناية، فكتب: كتابي كتاب واثق بمن كتبت إليه، معتن بمن كتبت له، ولن يضيع بين الثقة والعناية موصله، والسلام. 534- قال عمران بن سهل: استعنت على أبي عبد الله معاوية بن يسار كاتب المهدي ببعض إخوانه في حاجة، فلما قام الشفيع قال لي: لولا أنّ حقّك لا يضيّعه مثلي لحجبت عنك حسن نظري، أتظنّني أجهل الإحسان حتى أعرّفه، أو أنكر [1] موضع المعروف حتى أعرّفه؟ إذن أكون بمنزلة البعير الذّلول وعليه الحمل الثقيل، إن قيد انقاد، وإن أنيخ برك. فقلت: ما جعلت فلانا شفيعا إنّما جعلته مذكّرا. فقال: وأيّ تذكار [2] لمن كنت منه بمرأى أبلغ من تسليمك عليه؟ إنّه متى لم يتصفّح المأمول أسماء مؤمّليه غدوة وعشيّة وجب أن تعدّه نسيا منسيّا، وجرى عليه المقدور وهو غير محمود ولا مشكور، وما لي إمام أدرسه بعد وردي من القرآن إلا أسماء رجال التأميل لي، وما أبيت ليلة إلا وأعرضهم على قلبي، فلا تستعن على شريف إلا بشرفه، فإنّه يرى الشفاعات عيبا لمعروفه. «535» - كتب الصاحب أبو القاسم بن عبّاد إلى أبي عليّ الحسن بن أحمد في شأن أبي عبد الله محمد بن حامد: كتابي هذا صدر عن محبة وقد أرخى الليل سدوله، وسحب الظلام ذيوله، ونحن على الرحيل غدا إن شاء الله إذا مدّ الصباح غرره، قبل أن يسبغ حجوله، ولولا ذاك لأطلته وقوف [3] الحجيج على المشاعر، ولم أقتصر منه على زاد المسافر، فإنّ المتحمّل له وسيع الحقوق لديّ، حقيق أن أتعب له خاطري ويديّ، وهو أبو عبد الله الحامديّ أعزّه الله، وكان   [1] م: أو لا أعرف. [2] م: وأي تذكار. [3] اليتيمة: كوقوف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 167 وافانا مع ذلك الشيخ الشهيد أبي سعيد الشبيبي- رفع الله منازله، وقتل قاتله يكتب له، فآنسنا بفضله وأنسنا الخير من عقله، فلما فجع بتلك الصحبة وما كان له فيها من القربة، لم يرض غير بابي [1] مشرعا، وغير جنابي [2] مرتعا، وقطع إليّ الطريق الشاقّ مؤكّدا حقّا لا يشقّ غباره، ولا ينسى على الزمان ذماره؛ وكنت على جناح النّهضة التي لم تستقرّ نواها، ولم تلق عصاها، وإحراج الحرّ المبتدأ الأمر، القريب العهد بوطأة الدهر، تحامل عليه بالمركب الوعر؛ فرددته إليك يا سيّدي لتسهّل عليه حجابك، وتمهّد له جنابك، وترصد [3] له عملا خفيف الثقل، نديّ الطلّ؛ فإذا اتفق عرضته عليه، ثم فوّضته إليه، وهو إلى أن يتفق ذلك ضيفي وعليك قراه، وعندك مربعه ومشتاه. ويريد اشتغالا بالعلم يزيده في الاستقلال إلى أن يأتيه خبرنا في الاستقرار، ثم له الخيار إن شاء أقام على ما ولّيته، وإن شاء لحق بنا ناشرا ما أوليته، وقد وقّعت له إلى فلان بما يعينه على بعض الانتظار إلى أن تختار له- أيّدك الله- كلّ الاختيار. فأوعز إليه بتعجيله، واكفني شغل القلب بهذا الحرّ الذي أفردني بتأميله، إن شاء الله تعالى. «536» - وكتب الصابي عن عزّ الدولة بختيار بن بويه إلى مؤيد الدولة بويه ابن ركن الدولة لمّا قبض على أبي الفتح ابن العميد يشفع فيه: وهذا غلام أفسدته سجيّة ركن الدولة الشريفة في شدّة الاحتمال والصبر على الإدلال، فاجتمع له إلى ذلك التقلّب في نعمة حازها حيازة وارث لها، لم يكدح في تأثيلها، ولا مسّه النّصب في تثميرها، ولا اهتدى إلى طريق استبقائها، ولا تحرّز عن دواعي انتقالها. ومن ألزم اللوازم في حكم الرعاية أن نحفظه من   [1] م: جنابي. [2] م: جانبي. [3] اليتيمة: وتترصد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 168 سكر نعمة نحن سقيناه كأسها، وأن نعذره عند هفوة قد شاركناه في اتخاذ أسبابها، وأن تكون نفسه محروسة، والبقية من ماله بعد أخذ فضلها المفسد له متروكة، وأن يتحدّث الناس بأنّ سيدي الأمير أصاب غرض الحزم في القبض عليه، ثم طبّق مفصل الكرم في التجاوز عنه. [ حكايات في الشفاعة ] «537» - ومن كلامه في الشفاعة إلى أبي تغلب ابن حمدان لأخ له: وقد يكون لعمري في ذوي الأرحام الشابكة، والقرابات الدانية، من يتمادى في العقوق، ويذهب عن حفظ الحقوق، ولا يسع ترك تألّفه حتى يرجع، واستصلاحه حتى ينزع، فإن تجشّم الإعراض عنه لرياضة تقصد، أو عاقبة نفع تحمد [1] لم يبلغ به إلى قطع المعيشة ومنع المادة، لأنّ قباحة ذلك لمن يستعمله أكثر من مضرّته لمن يعمل معه. وقد قيل: إنّ الملوك تعاقب بالهجران ولا تعاقب بالحرمان، هذا في الأتباع والأصحاب، وهو ألزم في الأقران والأتراب. «538» - لمّا قال دعبل في المعتصم: [من الطويل] ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم تأتنا في ثامن لهم الكتب كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... خيار إذا عدوّا وثامنهم كلب لقد ضاع أمر الناس حين يسوسهم ... وصيف وأشناس وقد عظم الخطب نذر المعتصم دمه، فطلب طلبا شديدا، فتوارى وهرب. فسمع ابن أبي دواد المعتصم يوما يقول: لأقتلنّ دعبلا، قال: ولم؟ قال: هجاني، قال: يا أمير المؤمنين، إنّ دعبلا شريف وعنده من الفضل بمعرفة أهل الفضل ما يردعه عن هذا، ولكن من المبلّغ لك ذلك عنه؟ قال: عمي إبراهيم بن المهدي؛ قال: ففي   [1] م: تعتمد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 169 حكمك قبول قول حاقد محفظ؟ قال: معاذ الله! قال: إنّ دعبلا هتك إبراهيم عمّك أيام تولّيه الخلافة: [من الكامل] إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل ... ولتصلحن من بعده للمارق فضحك وقال: أجل، إن كان إبراهيم خليفة فمخارق وليّ عهده، وقد صفحنا عمّا أردناه. قال: إنّ أمير المؤمنين أجلّ من أن يعمر قلبا بحزن ساخطا، ولا يعمره بسرور راضيا. قال: فاحكم يا أبا عبد الله، قال: خمسون ألف درهم يرمّ بها حاله [1] . فقبض المال وأنفذ الكتاب به إلى مصر، وكان دعبل بها، فلم يشكره دعبل، فكافأه بأن قال فيه: [من الخفيف] سحقت أمّه ولاط أبوه ... ليت شعري عنه فمن أين جاء في أهاج كثيرة له فيه. «539» - ودخل ابن أبي دواد إلى الواثق وقد أتي بابن أبي خالد الذي كان بالسّند فقال: والله لأضربنّك بالسياط، والله لا يكلّمني فيك أحد من الناس إلا ضربت بطنه وظهره. فسكت حتى ضربه عشرين سوطا ثم قال: يا أمير المؤمنين، في هذا أدب، وفي دونه استصلاح، وتجاوزه سرف، وإنما أبقي عليك من القصاص، قال: أوما سمعت يميني ألا يكلّمني فيه أحد إلا ضربت بطنه وظهره؟ قال: قد سمعت، ولكن يكفّر أمير المؤمنين ويأتي الذي هو إلى الله عزّ وجلّ أقرب عنده وأفضل. قال: خلّيا عنه، كفّر يا غلام عن يميني.   [1] م: شعثه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 170 «540» - أبو تمام في الشفيع: [من الكامل] ولقيت بين يديك حلو عطائه ... ولقيت بين يديّ مرّ سؤاله وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة ... من جاهه فكأنّها من ماله نظر فيهما إلى قول دعبل وزاد وأحسن: [من الطويل] وإنّ امرءا أسدى إليّ بشافع ... إليه ويرجو الشكر مني لأحمق شفيعك فاشكر في الحوائج إنّه ... يصونك عن مكروهها وهو يخلق 541- قال أبو الضحى: شفع مسروق بن الأجدع لرجل شفاعة، فأهدى إليه جارية، فقال: لو علمت أنّ ذاك في نفسك ما شفعت لك، ولا أشفع فيما بقي من حاجتك؛ إني سمعت ابن مسعود [1] رحمه الله يقول: من شفع شفاعة ليردّ بها حقّا أو يدفع بها ظلما فأهدي له شيء وقبله، فذاك السّحت. فقلنا: يا أبا عبد الرحمن، ما كنّا نظنّ السّحت إلا الأخذ على الحكم! فقال عبد الله: الأخذ على الحكم كفر. 542- قال المأمون لإبراهيم بن المهدي بعد اعتذاره: قد مات حقدي عليك بحياة عذرك، وقد عفوت عنك، وأعظم من عفوي يدا عندك أني لم أجرّعك مرارة امتنان الشافعين. «543» - التمس العتّابيّ الإذن على المأمون فتعذّر ذلك عليه، فأقبل يحيى بن أكثم، فلما رآه العتّابيّ قام إليه فقال: أيّها الشيخ، اذكرني عند أمير المؤمنين، قال: لست بحاجب، قال: قد علمت، ولكنك ذو فضل وذو الفضل معوان على كلّ خير، قال: قد كلّفتني غير طريقي، قال: إنّ الله قد أتحفك بجاه ونعمة   [1] م: ابن عباس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 171 وهو مقبل على صاحبها بتعجيل الزيادة إن شكر، والتغيير إن كفر، وأنا لك اليوم خير لك من نفسك، لأني أدعوك إلى زيادة نعمتك وأنت تأبى ذلك، واعلم أنّ لكلّ شيء زكاة، وأنّ زكاة الجاه رفد المستعين. فقال له يحيى: على رسلك أيها الرجل، ثم دخل على المأمون واستأذن له عليه، فأجازه المأمون وأحسن إليه. 544- قال رجل لبعض الولاة: إنّ الناس يتوسّلون إليك بغيرك، فينالون معروفك ويشكرون غيرك، وأنا أتوسّل إليك بك، ليكون شكري لك لا لغيرك. 545- شاعر: [من الطويل] إذا أنت لم تعطفك إلّا شفاعة ... فلا خير في ودّ يكون بشافع «546» - كان المنصور معجبا بمحادثة محمد بن جعفر بن عبيد الله بن عباس، وكان الناس لعظم قدره عنده يضرعون إليه في الشفاعات، فثقل ذلك على المنصور فحجبه مدّة؛ ثم لم يصبر عنه، فأمر الربيع أن يكلّمه في ذلك، فكلّمه وقال له: أعف أمير المؤمنين ممّا تثقل عليه، فقبل، فلما توجّه إلى الباب اعترضه قوم من قريش معهم رقاع سألوه إيصالها إلى المنصور، فقصّ عليهم قصّته، فأبوا أن يقبلوا وألحّوا عليه، فرقّ لهم وقال: اقذفوها في كمّي، فدخل عليه وهو في الخضراء مشرف على مدينة السلام وما حولها من البساتين والضّياع فقال له: أما ترى إلى حسنها؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، فبارك الله لك فيما آتاك، وهنّأك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك، فما بنت العرب في دولة الإسلام، ولا العجم في سالف الأيام، أحصن ولا أحسن من مدينتك، ولكن سمّجتها في عيني خصلة واحدة، قال: وما هي؟ قال: ليس لي فيها ضيعة، فتبسّم وقال: حسّنتها في عينك ثلاث ضياع قد أقطعتكها، فقال: أنت والله شريف الموارد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 172 كريم المصادر، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وقد بدت الرقاع من كمّه وهو يتشكّر له، فأقبل يردّها وهو يقول: ارجعن خائبات خاسئات، فضحك وقال: بحقّي عليك إلا أخبرتني بخبر هذه الرقاع؟ فأعلمه، فقال: أبيت يا ابن معلم الخير إلا كرما، وتمثّل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: [من الكامل المرفل] لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوما على الأحساب نتّكل نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا وتصفّحها وأمر بقضاء حوائجهم. قال محمد: فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت. ما جاء في السؤال «547» - الأخبار النبويّة في كراهة السؤال كثيرة وفيه تغليظ. فمن ذلك قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لو يعلم صاحب المسألة ما له فيها لم يسأل أحدا. «548» - وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من يتقبّل لي واحدة وأتقبّل له بالجنة؟ فقال له ثوبان: أنا، فقال: لا تسأل الناس شيئا. فكان ثوبان تسقط علّاقة سوطه فلا يأمر أحدا يناوله، وينزل هو فيأخذها. «549» - وقال صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وأصحابه: ليأتينّ يوم القيامة أقوام ما في وجوههم مزعة لحم، أخلقوها بالمسألة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 173 «550» - وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة نزلت به أو عيال لا يطيقهم فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب. «551» - وقال صلّى الله عليه وسلّم لحكيم بن حزام: خير لك أن الا تسأل الناس شيئا. فلما كان في خلافة عمر جعل يعطي الناس ويعطي حكيم بن حزام، فيأبى أن يأخذه ويقول: لا أرزؤ أحدا بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم شيئا. «552» - وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من سأل وعنده ما يغنيه فإنّما يستكثر من جمر جهنم، قالوا: وما يغنيه يا رسول الله؟ قال: ما يغدّيه أو يعشّيه. «553» - وقال عوف بن مالك: بايعنا [1] رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكنّا سبعة أو ثمانية، فقال قائل: علام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتسمعوا وتطيعوا؛ وأسرّ كلمة خفيّة: ولا تسألوا الناس شيئا. قال: ولقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه ولا يسأل أحدا شيئا. «554» - وعنه صلّى الله عليه وسلّم: لأن يأخذ أحدكم حبلا فينطلق به إلى هذا الجبل فيحتطب فيه حطبا ويبيعه ويستغني به عن الناس خير له من أن يسألهم، أعطوه أو حرموه. «555» - وقال أنس بن مالك: أصابت رجلا من الأنصار حاجة وفاقة، فأتى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبره بذلك، فقال: اذهب وأتني بما في منزلك   [1] م: بايعت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 174 ولا تحقرنّ شيئا، قال: فأتاه بحلس وقدح، فأخذه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: من يشتري هذا مني بدرهم؟ فقال رجل: هما عليّ بدرهم، فقال: من يزيد على درهم؟ فقال رجل: هما عليّ بدرهمين؟ قال: هما لك، ثم أخذ الدرهمين فدفعهما إليه وقال: ابتع بأحدهما طعاما لأهلك وبالآخر فأسا فأتنا بها. قال: فذهب فأتاه بالفأس، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من عنده نصاب لهذه الفأس؟ فقال أبو بكر: عندي، فأتى به، فأخذه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فأثبته بيده ثم دفعها إليه، ثم قال: اذهب فاحتطب ولا تحقرنّ شوكا ولا رطبا ولا يابسا خمس عشرة ليلة. قال: فأتاه بعد ذلك وقد حسنت حاله. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: هذا خير من أن تجيء يوم القيامة وفي وجهك كدح الصدقة. 556- وأهدى صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى عمر هديّة فردّها، فقال: يا عمر، لم رددت هديتي؟ قال: إني سمعتك تقول: خيركم من لم يقبل من الناس شيئا، فقال: يا عمر، إنما ذلك ما كان عن ظهر مسألة، فأما ما أتاك الله من غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك. «557» - وروي أنّ رجلا جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: إنّ بني فلان أغاروا على إبلى فذهبوا بالإبل والغنم، فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما أصبح عند آل محمد غير هذا المدّ، فسل الله تعالى. قال: فرجع إلى امرأته فحدّثها بما قال له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالت: نعم ما ردّ عليك. قال: فردّ إليه إبله وبقره وغنمه أوفر ما كانت. فرجع إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فحدّثه فقام فحمد الله وأثنى عليه وأمر الناس أن يسألوا الله ويرغبوا إليه، وقرأ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: 3- 4) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 175 «558» - قالت أمّ الدرداء: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحدا شيئا، قلت: فإن احتجت؟ قال: تتّبعي الحصادين، فانظري ما يسقط منهم فخذيه فاطحنيه ثم اعجنيه، ثم كليه ولا تسألي أحدا. «559» - قال طلق بن حبيب في زبور داود: إن كنت لا بدّ أن تسأل عبادي فسل معادن الخير ترجع مغبوطا مسرورا، ولا تسأل معادن الشرّ ترجع ملوما محسورا. «560» - سأل المنكدر عائشة رضي الله عنها، فقالت: لو كانت عندي عشرة آلاف لبعثتها إليك. فلما خرج جاءتها عشرة آلاف فبعثتها إليه، فاشترى منها جارية بألفي درهم، فولدت له محمدا وأبا بكر وعمر فكانوا عبّاد المدينة. 561- سمع كعب الأحبار من يقرأ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً (البقرة: 245) ، فألقى إلى مسكين رداءه، فقيل له، فقال: مكتوب في التوراة: ليس ينبغي لأحد أن يسمعها إلا فلذ من ماله فلذة ولم يكن معي إلا ردائي. «562» - أنشد ابن الأعرابيّ: [من الطويل] أبا هانىء لا تسأل الناس والتمس ... بكفّيك فضل الله فالله أوسع ولو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا 563- قال سهل بن هارون: من ثقّل نفسه عليك وغمّك بسؤاله فأعره أذنا صمّاء وعينا عمياء. 564- سأل سائل بمسجد الكوفة وقت صلاة الظهر فلم يعط شيئا، ثم العصر فلم يعط شيئا، ثم المغرب فلم يعط شيئا، فقال: اللهم إنك بحاجتي عالم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 176 لا تعلّم، لا يعوزك نائل، ولا يبخلّك سائل، ولا يبلغ مدحك قائل، أسألك صبرا جميلا، وفرجا قريبا، وبصرا بالهدى، وقوّة فيما تحبّ وترضى. فتبادروا إليه يعطونه فقال: والله لا أرزأنكم الليلة شيئا، وقد رفعت حاجتي إلى الله، ثم خرج وهو يقول: [من الكامل] ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا ولو نال الغنى بسؤال وإذا السؤال مع النوال قرنته ... رجح السؤال وخفّ كل نوال 565- سأل أعرابيّ قوما فمنعوه فقال: اللهم أشغلنا بذكرك، وأعذنا من سخطك، وتغمّدنا بمغفرتك. قد ضنّ خلقك عن خلقك، فلا تشغلنا بما عندهم فيشغلنا عمّا عندك، وأتنا من الدنيا القنعان، فإنّ كثيرها يسخطك، ولا خير فيما يسخطك. «566» - قدم وفد على زياد فقام خطيبهم فقال: إنّا- أصلح الله الأمير وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك، وأنضينا ركابنا نحوك، التماسا لفضل عطائك، فإنّا عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معط لما منع؛ وإنما أنت أيها الأمير خازن ونحن رائدون، فإن أذن الله وأعطيت حمدنا، وإن لم يأذن لك ومنعت شكرنا، ثم جلس. فقال زياد: تالله ما رأيت خطبة أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منها. ثم أمر بصلتهم. «567» - سأل أعرابيّ قوما فقال: رحم الله امرءا لم تمجّ أذنه كلامي، وقدّم له معذرة من سوء مقامي، فإنّ البلاد مجدبة، والحال صعبة، والحياء زاجر عن كلامكم، والفقر عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء إحدى الصدقتين، فرحم الله امرءا آسى بمير أو دعا بخير. فقال له رجل: ممّن أنت يا أعرابي؟ قال: اللهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 177 غفرا إنّ لؤم الاكتساب يمنع من الانتساب. «568» - وممّا قاله الشعراء في ترك الإلحاح قول عديّ بن الرّقاع: [من البسيط] حملت نفسي على أمر وقلت لها ... إنّ السؤول على الأحوال مملول وقول زهير بن أبي سلمى: [من الطويل] ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه ... ولا يعفها يوما من الذلّ يسأم وقول سليم بن خنجر الكلبي: [من الطويل] ويسأمك الأدنى وإن كان مكثرا ... إذا لم تزل عبثا عليه ثقيلا «569» - وقفت أعرابيّة بزبالة على قوم فقالت: أتأذنون في الكلام فإنّ فيه فرجا من وساوس الهموم، ومخبرا بضمائر القلوب، فقال لها بعضهم يداعبها: أمّا بما حسن به الاستمتاع في العاجلة، وخفّت به المؤونة في الآجلة، فنعم. فقالت: اللهم غفرا! هذه شريطة لا يتعلّق بها الوفاء، فقال: فلا حاجة إذن بك إلى الكلام، وهذا درهم فخذي إليك ما حضر؛ فقالت: اللهم إنه قد كان له في كيسه متمهّد، وفي معاشه متصرّف، ولكنه اتّجر به فيّ إليك، اللهم فلا تجزه على قدر البضاعة، ولكن اجزه على قدر الصبر على المسألة؛ ثم قالت: لا جعلك الله ممّن يكره السؤال ويستعذب الردّ. «570» - أتى أعرابيّ باب بعض الملوك فأقام به حولا ثم كتب إليه: الأمل والعدم أقدماني عليك، وفي السطر الثاني: الإقلال لا صبر معه. وفي الثالث: الانصراف بغير فائدة شماتة الأعداء. وفي الرابع: إما نعم سريح وإما يأس مريح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 178 571- سأل أعرابي عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فقال: رجل من أهل البادية ساقته الحاجة، وانتهت به الفاقة، والله سائلك عن مقامي هذا. فقال عمر: تالله ما رأيت كلمة أبلغ من قائل، ولا أوعظ لمقول منها. «572» - قال رجل لعبد الملك بن مروان: يا أمير المؤمنين، هززت ذوائب الرحال إليك، ولم أجد معوّلا إلا عليك، أمتطي الليل بعد النهار، وأقطع المجاهل بالآثار، يقودني نحوك رجاء، ويسوقني إليك بلوى، والنفس راغبة والاجتهاد عاذر، وإذ قد بلغتك قصتي. قال: احطط عن راحلتك فقد بلغت. «573» - وقف دعبل ببعض أمراء الرّقّة، فلما مثل بين يديه قال: أصلح الله الأمير، إني لا أقول كما قال صاحب معن: [من الوافر] بأيّ الحالتين عليك أثني ... فإني عند منصرفي مسول أبالحسنى فليس لها ضياء ... عليّ فمن يصدّق ما أقول أم الأخرى ولست لها بأهل ... وأنت لكلّ مكرمة فعول ولكني أقول: [من الكامل] ماذا أقول إذا أتيت معاشري ... صفرا يدي من جود أروع مجزل إن قلت أعطاني كذبت وإن أقل ... ضنّ الأمير بماله لم يجمل ولأنت أعلم بالمكارم والعلى ... من أن أقول فعلت ما لم تفعل فاختر لنفسك ما أقول فإنّني ... لا بدّ أخبرهم وإن لم أسأل «574» - خرج أعشى همدان إلى الشام في ولاية مروان بن الحكم فلم ينل فيها حظّا، فجاء إلى النعمان بن بشير فكلّم اليمانية وقال لهم: هذا شاعر اليمن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 179 ولسانها، واستماحهم له، فقالوا: نعم، يعطيه كلّ رجل منّا دينارين من عطائه، قال: لا، بل اعطوه منا دينارا دينارا واجعلوا ذلك معجّلا، فقالوا: أعطه إياه من بيت المال واحتسبها على كلّ رجل من عطائه، ففعل النعمان، وكانوا عشرين ألفا، فأعطاه عشرين ألف دينار وارتجعها منهم عند العطاء. فقال الأعشى يمدح النعمان: [من الطويل] لم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمان نعمان الندى ابن بشير إذا قال أوفى ما يقول ولم يكن ... كمدل إلى الأقوام حبل غرور متى أكفر النعمان لا ألف شاكرا ... وما خير من لا يقتدي بشكور فلولا أخو الأنصار كنت كنازل ... ثوى ما ثوى لم ينقلب بنصير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 180 نوادر من هذا الباب «575» - وعد ابن المدبّر أبا العيناء بدابة فماطله بها، فلما طالبه بها قال: أخاف أن أحملك عليها فتقطعني ولا أراك. فقال: عدني أنك تضمّ إليها حمارا لأواظب مقتضيا. «576» - قال أعرابيّ لمعاوية: استعملني على البصرة، فقال: ما أريد عزل عاملها، قال: فأقطعني البحرين، فقال: ما إلى ذلك سبيل، قال: فمر لي بألف درهم، فأمر له بها، فقيل للأعرابي في ذلك، فقال: لولا طلبي الكثير ما أعطاني القليل. «577» - قال أعرابي: سألت فلانا حاجة أقلّ من قيمته، فردّني ردّا أقبح من خلقته. «578» - سأل أبو العيناء أحمد بن صالح حاجة، فوعده، ثم اقتضاه إيّاها، فقال: حال دونها هذا المطر والوحل، قال: فحاجتي إذا صيفيّة. «579» - وسأل إبراهيم بن ميمون حاجة فدفعه عنها واعتذر إليه، وأعلمه أنه قد صدقه، فقال له: والله لقد سرّني صدقك لعوز الصدق عندك، فمن صدقه حرمان، فكيف يكون كذبه؟! الجزء: 8 ¦ الصفحة: 181 «580» - قال السفاح لأبي دلامة: سلني حاجتك، قال: كلب صيد، قال: أعطوه، قال: وغلام يقود الكلب ويصيد به، قال: أعطوه غلاما، قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه، قال: أعطوه جارية، قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين عيال ولا بد لهم من دار يسكنونها، قال: أعطوه دارا تجمعهم، قال: وإن لم تكن ضيعة فمن أين يعيشون؟ قال: قد أقطعتك مائة جريب عامرة ومائة جريب غامرة، قال: وما الغامرة؟ قال: ما لا نبات به، قال: قد أقطعتك يا أمير المؤمنين خمسمائة جريب غامرة من فيافي بني أسد، فضحك وقال: اجعلوها كلّها عامرة، قال فائذن لي أن أقبّل يدك، قال: أما هذه فدعها فإني لا أفعل، قال: والله ما منعتني شيئا أقلّ ضررا على عيالي منها. «581» - سأل أعرابيّ، فقال له صبيّ من جوف الدار: بورك فيك، فقال: قبّح الله ذاك الفم! لقد تعلّم الشرّ صغيرا. «582» - وقال هذا السائل: [من الرجز] ربّ عجوز عرمس زبون ... سريعة الردّ على المسكين تحسب أن بوركا تكفيني ... إذا غدوت باسطا يميني «583» - جاء أبو الهذيل العلّاف إلى الديوان في أيام المأمون، فسأل سهل بن هارون بن راهبون كتابا إلى حفصويه صاحب الجيش في حاجة له، ونهض أبو الهذيل، فأملى سهل بن هارون على محمد بن الجهم صاحب الفراء: [من الكامل] انّ الضمير إذا سألتك حاجة ... لأبي الهذيل خلاف ما أبدي فإذا أتاك لحاجة فامدد له ... حبل الرجاء بمخلف الوعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 182 وألن له كنفا ليحسن ظنّه ... في غير منفعة ولا رفد حتى إذا طالت شقاوة جده ... ورجا الغنى فاجبهه بالرّدّ وإن استطعت له المضرّة فاجتهد ... فيما يضرّ بأبلغ الجهد وانظر كلامي فيه فارم به ... خلف الثريّا منك في البعد وكذاك فافعل غير محتشم ... إن جئت أشفع في أبي الهندي «584» - سأل أبو العيناء الجاحظ كتابا إلى محمد بن عبد الملك في شفاعة لصاحب له، فكتب الكتاب وناوله الرجل فعاد به إلى أبي العيناء وقال: قد أسعف، قال: فهل قرأته؟ قال: لا، لأنّه مختوم، فقال: ويحك، فضّ طينه أولى من حمل طينه، لا يكون صحيفة المتلمّس. ففضّ الكتاب فإذا فيه: موصل كتابي سألني فيه أبو العيناء وقد عرفت سفهه وبذاءة لسانه، وما أراه لمعروفك أهلا، فإن أحسنت إليه فلا تحسبه إليّ يدا، وإن لم تحسن لم أعتدّه عليك دينا، والسلام. فركب أبو العيناء إلى الجاحظ وقال له: قد قرأت الكتاب يا أبا عثمان. فخجل الجاحظ وقال: يا أبا العيناء، هذه علامتي فيمن أعتني به؛ قال: فإذا بلغك أنّ صاحبي شتمك فاعلم أنه علامته فيمن شكر معروفه. «585» - سأل أبو عون رجلا فمنعه، فألحّ عليه فأعطاه، فقال: اللهم آجرنا وإياهم؛ نسألهم إلحافا ويعطوننا كرها، فلا يبارك لنا في العطيّة ولا يؤجرون عليها. «586» - وقف سائل على باب فقال: يا أهل الدار، فبادر صاحب الدار قبل أن يتمّ السائل كلامه فقال: صنع الله لك، فقال السائل: يا ابن البظراء، أكنت تصبر حتى تسمع كلامي، عسى جئت أدعوك إلى دعوة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 183 «587» - وقف سائل على باب قوم فقال: تصدّقوا عليّ فإني جائع، قالوا: لم نخبز بعد، قال: فكفّ سويق، قالوا: ما اشترينا بعد، قال: فشربة ماء فإني عطشان، قالوا: ما أتانا السّقّاء بعد، قال: فيسير دهن أضعه على رأسي، قالوا: ومن أين الدّهن؟ قال: يا أولاد الزّنا، ما قعودكم هاهنا، قوموا اسألوا معي. «588» - وقف أعرابيّ على قوم يسألهم فقال أحدهم: بورك فيك، وقال آخر: ما أكثر السّؤال! فقال الأعرابيّ: ترانا أكثر من بورك فيك؟ والله لقد علّمكم الله كلمة ما تبالون معها ولو كنّا مثل ربيعة ومضر. «589» - وقف سائل على إنسان وهو مقبل على صديق له يحدّثه ويتغافل عن السائل، ثم قال بعد ذلك بساعة طويلة: صنع الله لك، فقال السائل: أين كان هذا إلى هذه الغاية؟ كان في الصندوق؟! «590» - كان لمزبد غلام، وكان إذا بعثه في حاجة قد جعل بينه وبينه علامة، إذا رجع سأله فقال: حنطة أو شعير؟ فإن عاد بالنّجح قال: حنطة، وإن لم يقض الحاجة قال: شعير. فبعثه يوما في حاجة، فلما انصرف قال له: حنطة أو شعير؟ قال: خرا، قال: ويلك! وكيف ذاك! قال: لأنهم لم يقضوا الحاجة وضربونى وشتموك. «591» - قيل: كان المعتصم جالسا على حاير الوحش يشرب وعنده مخارق وعلّويه يغنّيانه، والخيل تعرض. فعرض عليه فرس كميت ما رأى مثله، فتغامزا عليه وغنّاه علويه: [من الرمل] وإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كلّ جواد وطمرّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 184 فتغافل عنه، وغنّاه مخارق: [من الخفيف] يهب البيض كالظّباء وجردا ... تحت أجلالها وعيس الركاب فضحك ثم قال: اسكتا يا ابن الزانيتين، فليس يملكه والله واحد منكما. ثم دار الدّور فغناه علويه: [من الرمل] وإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كلّ بغال وحمر فضحك وقال: أما هذا فنعم، وأمر لأحدهما ببغل وللآخر بحمار. «592» - رفع صاحب الخبر إلى المنصور رحمه الله تعالى أنّ مطيع بن إياس زنديق، وأنه يعاشر ابنه جعفرا وجماعة من أهل بيته، ويوشك أن يفسد أديانهم أو ينسبوا إلى مذهبه. فقال له المهدي: أنا به عارف، أما الزندقة فليس من أهلها، ولكنه خبيث الدين فاسق مستحلّ للمحارم. قال: فأحضره وانهه عن صحبة جعفر وسائر أهله، فأحضره المهديّ وقال له: يا خبيث يا فاسق، قد أفسدت أخي ومن يصحبه من أهلي، والله لقد بلغني أنّهم يتقارعون عليك، ولا يتمّ لهم سرور إلّا بك، وقد غررتهم وشهّرتهم في الناس، ولولا أني شهدت لك عند أمير المؤمنين بالبراءة ممّا نسبت إليه من الزّندقة، لقد كان أمر بضرب عنقك. ثم قال للربيع: اضربه مائة سوط واحبسه. قال: ولم يا سيدي؟ قال: لأنّك سكّير خميّر قد أفسدت أهلي كلّهم بصحبتك. فقال: إن أذنت لي وسمعت، احتججت. قال: قل. قال: أنا امرؤ شاعر، وسوقي إنّما تنفق مع الملوك، وقد كسدت عندكم، وأنا في أيامكم مطّرح، وقد رضيت فيها- مع سعتها للناس جميعا- بالأكل على مائدة أخيك ولا يتبع ذلك غيره، وأصفيه مع ذلك شعري وشكري؛ فإن كان ذلك عائبا عندك تبت منه. فأطرق ثم قال: فلقد نقل إلينا أنك تتماجن على السّؤال والمساكين وتتنادر بهم ويضحك منهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 185 الناس. فقال: لا والله ما ذلك من فعلي ولا شأني، ولا جرى مني قطّ إلّا مرّة، فإنّ سائلا أعمى اعترضني وقد عبرت الجسر على بغلتي، وظنّني من الجند، فرفع عصاه في وجهي ثم صاح: اللهم سخر الخليفة لأن يعطي الجند أرزاقهم، فيشتروا من التّجار الأمتعة، فيربح التجار عليهم، فتكثر فيها أموالهم، فتجب فيها الزكاة عليهم فيتصدّقوا عليّ منها؛ فنفرت بغلتي من صياحه ورفع عصاه في وجهي حتى كدت أسقط في الماء، فقلت له: يا هذا، ما رأيت أكثر فضولا منك، سل الله أن يرزقك ولا تجعل بينك وبينه هذه الحوالات والوساطات التي لا يحتاج إليها، فإنّ هذه المسائل فضول. فضحك المهديّ وقال: خلّوه ولا يضرب ولا يحبس. فقال له: أدخل عليك لموجدة وأخرج عن رضا وتبرأ ساحتي من عضيهة، وأنصرف بلا جائزة! فقال: لا يجوز هذا، أعطوه مائتي دينار ولا يعلم بها أمير المؤمنين، فتجدّد عنده ذنوبه. «593» - قال أشعب: بلغني مكان عبد الله بن عمر في مال له يتصدّق بثمرته. فركبت إليه بأصحابي ووافيته في ماله، فقلت: يا ابن أمير المؤمنين، ويا ابن الفاروق أوقر لي بعيري هذا تمرا، فقال: أمن المهاجرين أنت؟ قلت: اللهم لا، قال: أفمن الأنصار؟ قلت: اللهم لا، قال: أفمن التابعين بإحسان؟ فقلت: أرجو، فقال لي: إن يحق رجاؤك أفمن أبناء السبيل أنت؟ قلت: لا، قال: فعلام أوقر لك بعيرك تمرا؟ قلت: لأني سائل، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن أتاك السائل على فرس فلا تردّه، قال: لو شئنا أن نقول لك إنّه قال: إن أتاك على فرس ولم يقل أتاك على بعير، لقلنا، ولكن أمسك عن ذلك لاستغنائي عنه لأني قلت لأبي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: إذا أتاني سائل على فرس أعطيه؟ قال: إني سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عمّا سألتني عنه، فقال: نعم، إذا لم تصب راجلا؛ ونحن أيّها الرجل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 186 نصيب رجّالة، فعلام أعطيك وأنت على بعير؟ فقلت له: بحقّ أبيك الفاروق وبحقّ الله عزّ وجلّ وبحقّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما وقرت لي بعيري. فقال عبد الله: أنا أوقره لك تمرا، ووحقّ الله وحقّ رسوله لئن عاودت استحلافي لا أبررت قسمك، ولو انك اقتصرت على إحلافي بحقّ أبي في تمرة أعطيكها لما أنفذت قسمك لأني سمعت أبي يقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا تشدّوا الرّحال إلى مسجد لرجاء الثواب إلا إلى المسجد الحرام ومسجدي بيثرب، ولا يبرّ أحد قسم مستحلفه إلا أن يستحلفه بحقّ الله وحقّ رسوله. ثم قال للسودان في ذلك المال: أوقروا بعيره تمرا. قال: فلما أخذ السودان في حشو الغرائر قلت: إنّ السودان أهل طرب، وإن أطربتهم أجادوا حشو غرائزي. فقلت: يا ابن الفاروق أتأذن لي في الغناء فأغنّيك؟ فقال لي: أنت ورأيك. فاندفعت في النصب، فقال لي: هذا الغناء الذي لم نزل نعرفه، ثم غنّيته صوتا لطويس: [من الطويل] خليليّ ما أخفي من الحبّ باطن ... ودمعي بما قلت الغداة شهيد قال، فقال لي عبد الله: يا هنه، لقد جدّدت في هذا الغناء ما لم يكن. قال: ثم غنّيته لابن سريج قوله: [من المنسرح] يا عين جودي بالدموع السّفاح ... وابكي على قتلى قريش البطاح فقال لي: يا أشعب، هذا يحنق الفؤاد، أراد: هذا يحرق الفؤاد، لأنه كان ألثغ لا يبين الراء ولا اللام؛ قال أشعب: فكان لا يراني بعد ذلك إلا استعادني هذا الصوت. «594» - كان أبو صدقة المغنّي سائلا ملحفا مع إحسانه في الغناء وظرفه، وقيل له: ما أكثر سؤالك وأشدّ إلحاحك! فقال: وما يمنعني من ذلك واسمي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 187 مسكين، وكنيتي أبو صدقة، وامرأتي فاقة وابني صدقة؟ وكان الرشيد يعبث به كثيرا، فقال ذات يوم لمسرور: قل لابن جامع وإبراهيم الموصلي وزبير بن دحمان وبرصوما وزلزل وابن أبي مريم المديني: إذا رأيتموني قد طابت نفسي فليسأل كلّ واحد منكم حاجة مقدارها مقدار صلته، وذكر لكلّ واحد منهم مبلغ ذلك، وأمرهم أن يكتموا أمرهم عن أبي صدقة. فقال لهم مسرور ما قال، ثم أذن لأبي صدقة قبل إذنه لهم، فلما جلس قال له: يا أبا صدقة، قد أضجرتني بكثرة مسائلك، وأنا في هذا اليوم ضجر، وقد أحببت أن أتفرّج وأفرح ولست آمن إن تنغّص عليّ مجلسي بمسألتك، فأمّا إن أعفيتني أن تسألني اليوم حاجة، وإلا فانصرف. فقال: لست أسألك في يومي هذا إلى شهر حاجة. فقال له الرشيد: أما إذا اشترطت لي هذا على نفسك فقد اشتريت منك حوائجك بخمسمائة دينار وها هي هذه، فخذها طيّبة معجلة، فإن سألتني شيئا بعدها اليوم فلا لوم عليّ إن لم أصلك سنة بعدها. قال: نعم وسنتين. فقال له الرشيد رحمه الله تعالى: زدني في الوثيقة، فقال: قد جعلت أمر أمّ صدقة في يدك فطلّقها متى شئت واحدة وإن شئت ألفا إن سألتك في يومي هذا حاجة، وأشهدت الله ومن حضر على ذلك. ودفع إليه المال، ثم أذن للجلساء والمغنّين، فدخلوا وشرب القوم، فلما طابت نفسه، يعني الرشيد، قال له ابن جامع: يا أمير المؤمنين، قد نلت منك ما لم تبلغه أمنيتي، وكثر إحسانك إليّ حتى كبتّ أعدائي وقتلتهم، وليس لي بمكة دار تشبه حالي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بمال أبني به دارا وأفرشها بباقيه لأفقأ عيون أعدائي وأزهق نفوسهم، فعل. قال: وكم قدّرت لذلك؟ قال: أربعة آلاف دينار، فأمر له بها؛ ثم قام إبراهيم الموصليّ فقال له: قد ظهرت نعمتك عليّ وعلى أكابر ولدي، وفي أصاغرهم من أحتاج أن أطهّره، ومنهم صغار أحتاج أن أتّخذ لهم خدما، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحسن معونتي على ذلك، فعل. فأمر له بمثل ما أمر به لابن جامع. وجعل كلّ واحد منهم يقول من الثناء ما يحضره ويسأل حاجته على قدر جائزته، وأبو صدقة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 188 ينظر إلى الأموال تفرّق يمينا وشمالا، فوثب قائما على رجليه ورمى بالدنانير من كمّه وقال للرشيد: أقلني أقالك الله [من] عثرتك. فقال له الرشيد: لا أفعل. فجعل يستحلفه ويضطرب ويلجّ، والرشيد يضحك ويقول: ما إلى ذلك سبيل؛ الشرط أملك. فلما عيل صبره أخذ الدنانير فرمى بها بين يدي الرشيد رحمه الله تعالى وقال: هاكها فقد رددتها عليك، وزدتك فرج أمّ صدقة فطلّقها إن شئت واحدة وإن شئت ألفا، وإن لم تلحقني بجوائز القوم فألحقني بجائزة هذا البارد عمرو الغزال، وكانت ثلاثة آلاف دينار. فضحك الرشيد حتى استلقى ثم ردّ عليه الخمسمائة دينار، وأمر له بألف دينار أخرى معها. والله أعلم. «595» - كان أبو نخيلة الحمّاني سائلا ملحّا ملحفا، وبنى دارا، فمرّ به خالد بن صفوان فوقف عليه، فقال له أبو نخيلة: يا ابن صفوان، كيف ترى؟ قال: رأيتك سألت فيها إلحافا، وأنفقت ما جمعت فيها إسرافا، جعلت إحدى يديك سطحا والأخرى سلحا، وقلت: من وضع في سطحي وإلا ملاته بسلحي، ثم ولّى وتركه. فقيل له: ألا تهجوه؟ فقال: إذن يركب والله بغلته ويطوف في مجالس البصرة ويصف أرنبتي، فما عسى يضرّ الإنسان صفة أرنبته بما يعيبها سنة لا يعيد فيها كلمة؟ «596» - قال العتبيّ رحمه الله تعالى: لمّا حبس عمر بن هبيرة- وهو أمير العراق- الفرزدق، وأبى أن يشفّع فيه أحدا، فدخل أبو نخيلة في يوم فطر فوقف بين يديه فقال: [من الرجز] أطلقت بالأمس أسير بكر ... فهل فداك بقرى ووفر من سبب أو حجّة أو عذر ... تنجي التميميّ القليل الشّكر من حلق القدّ الثّقال السمر ... ما زال مجنوبا على است الدّهر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 189 ذا حسب يعلي وقدر يزري ... هبه لأخوالك يوم الفطر فأمر ابن هبيرة بإطلاقه. وكان قد أطلق قبله رجلا من عجل جيء به من عين التمر قد أفسد؛ فشفعت فيه بكر بن وائل، وإيّاه عنى أبو نخيلة. فلما خرج الفرزدق سأل عمّن شفع له فأخبر، فرجع إلى الحبس وقال: لا أريمه ولو متّ، أيطلق قبلي بكريّ وأخرج بشفاعة دعيّ؟ والله لا أخرج هكذا أبدا ولو من النار. فأخبر بذلك ابن هبيرة فضحك ودعا به فأطلقه وقال: قد وهبتك لنفسك. «597» - وقف على أبي نواس سائل ملحّ فآذاه، فقال: [من الطويل] وأخوس دلّاج عليّ ورائح ... رجاء نوال لو يعان بجود وإني وإياه لقرنان نصطلي ... من المطل نارا غير ذات وقود قطبت له وجها قطوبا عن الندى ... وآيسته من نائل بوعيد فإن كنت لا عن سوء فعلك مقلعا ... فدونك فاستظهر بنعل حديد فعندي مطلّ لا يطير غرابه ... مطير ولا يدعى له بوليد 598- ذكر أنّ أعرابيّا عري، فطلب من يكسوه فلم يرزق، فطلب خلقا يتستّر به فحرم، فتماوت، فاجتمع قوم وجمعوا بينهم ما ابتاعوا به له كفنا، ووضعوه عند رأسه وذهبوا ليسخنوا له الماء لغسله، فوثب الأعرابيّ وأخذ الثياب وعدا فلم يلحق. 599- شاعر: [من المنسرح] جئتك في حاجة لتقضيها ... يسوقني طائعا لها جشعي مستيقنا واثقا بردّك لي ... مستيقظ اليأس نائم الطمع «600» - كتب البحتريّ رحمه الله تعالى إلى بعض أمراء العسكر، وقد وعده الجزء: 8 ¦ الصفحة: 190 بمزوّرة من صنعة طبّاخه، فأخّرها عنه: [من البسيط] وجدت وعدك زورا في مزوّرة ... ذكرت مبتدئا إحكام طاهيها فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها ... ولا علت كفّ ملق كفّه فيها فاحبس رسولك عني أن يجيء بها ... فقد حبست رسولي عن تقاضيها «601» - وقع بين رجل وامرأته [شرّ] فتهاجرا أياما، ثم واقعها، فلما فرغ قالت: قبّحك الله، كلّما وقع بيني وبينك شرّ جئتني بشفيع لا أقدر على ردّه. «602» - قال رجل لبنيه: يا بنيّ، تعلّموا الرّدّ فإنّه أشدّ من الإعطاء. ومن لقيك بالسؤال الحارّ فردّه بالمنع البارد، ربما قضينا حوائج الناس تبرّما لا كرما. «603» - تعرّض أعرابيّ لمعاوية رضي الله عنه في طريق فسأله، فمنعه، ثم عاوده في مكان آخر، فقال: ألم تسألني آنفا؟ قال: نعم، ولكن بعض البقاع أيمن من بعض. فضحك ووصله. «604» - إسماعيل بن قطريّ القراطيسي في الفضل بن الربيع: [من الهزج] ألا قل للذي لم يه ... ده الله إلى نفعي لئن أخطأت في مدحس ... ك ما أخطأت في منعي لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع «605» - إدريس بن عبد الله اللخمي الضرير: [مجزوء الرمل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 191 صاحب الحاجة أعمى ... وأخو المال بصير فمتى يبصر فيها ... رشده أعمى فقير «606» - أنشد الجاحظ: [من مجزوء الرمل] قد بلوناك بحمد ال ... له إن أغنى البلاء فإذا كلّ مواعي ... دك والجحد سواء 607- وقف موسوس على ناس فردّوه فقال: [من السريع] أسأت إذ أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظنّ بالناس تمّ الجزء بعون الله وحسن توفيقه والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيدنا محمد النبيّ وعلى آله الطيّبين الطاهرين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 192 الباب الحادي والأربعون في الاذن والحجاب، متيسّره ومتصعّبه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 193 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (وما توفيقي إلّا بالله) الحمد لله المتجلّي لذوي البصائر بدلائل قدرته، وإتقان صنعته، المحتجب عن الأبصار لجلال عظمته، ذي الآلاء المتظاهرة المتتابعة، والنّعم الظاهرة والباطنة، والمنن الخافية والبادية، والمواهب المترادفة المتوالية. أحمده حمدا يكون لحقّه العظيم وفاء، ومن إحسانه العظيم جزاء، وعلى القيام بفرض العبودية دليلا، وإلى إدراك مرضاته منهجا وسبيلا. وأسأله الصلاة على رسوله المنتمي إلى أشرف الأنساب، المتخلّق ببسط الوجه ورفع الحجاب، وعلى متّبعيه أكرم الآل والأصحاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 195 (الباب الحادي والأربعون في الإذن والحجاب، متيسّره ومتصعّبه) [ آيات وأحاديث ] قد جاء في الباب الأوّل ما جاء في النهي عن الحجاب تورّعا، وفي باب السياسة ما يعتمده الحاجب تأدّبا. ونذكر الآن ما جاء في أدب الاستئذان وسبب الحجاب، وأقوال من مني بذلّ الحجاب وبلي بغلظة البواب، وما اعتذر به عن ذلك، ومن ترفّع عن احتماله، والشكر لتيسّره، والذمّ على تعسّره والنوادر منه. قال الله عزّ وجلّ مؤدّبا لنا بالاستئذان: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ، وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ (النور: 27- 28) ، فهذا عام. وقال سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ (النور: 58) ، فهذا خصوص. وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (الأحزاب: 53) ، وكلّ هذا حجاب إلّا بإذن من له الإذن. «608» - وآية الحجاب نزلت لمّا تزوّج صلّى الله عليه وسلّم زينب بنت جحش رضي الله عنها. وفيما أسنده البخاريّ رحمه الله عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 196 النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عروسا بزينب، فقالت لي أمّ سلمة: لو أهدينا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم هدية، فقلت لها: افعلي، فعمدت إلى تمر وسمن وأقط، فاتّخذت حيسة في برمة فأرسلت بها معي إليه. فانطلقت بها إليه، فقال: ضعها؛ ثم أمرني فقال: ادع لي رجالا سمّاهم وادع من لقيت. ففعلت الذي أمرني فرجعت فإذا البيت غاصّ بأهله، ورأيت النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وضع يده على تلك الحيسة، وتكلّم بما شاء الله. ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون معه ويقول لهم: اذكروا اسم الله وليأكل كلّ رجل منكم ممّا يليه، حتى تصدّعوا كلّهم عنها، فخرج من خرج وبقي نفر يتحدّثون. ثم خرج النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم نحو الحجرات وخرجت في اثره فقلت: إنّهم قد ذهبوا فرجع ودخل البيت وأرخى السّتر. وإني لفي الحجرة وهو يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ إلى قوله: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ. «609» - قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الاستئذان ثلاث: فإن أذن لك، وإلّا فارجع. «610» - واستأذن عليه صلّى الله عليه وسلّم رجل فقال: آلج؟ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم لخادمه: اخرج فعلّمه الاستئذان وقل له يقل: السلام عليكم، أدخل؟ النهي عن شدّة الحجاب «611» - قيل: لا شيء أضيع للمملكة وأهلك للرعيّة والعمّال من شدّة الحجاب للوالي، ولا أهيب للرعيّة والعمّال من سهولة الحجاب، لأنّ الرعيّة إذا وثقت بسهولة الحجاب أحجمت عن الظّلم، فإذا وثقت بصعوبته هجمت على الظّلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 197 «612» - قال سعيد بن المسيّب: نعم الرجل عبد العزيز لولا حجابه، إنّ داود عليه السلام ابتلي بالخطيئة لحجابه. 613- وعن عليّ عليه السلام: إنّما أمهل فرعون مع دعواه لسهولة إذنه وبذل طعامه. «614» - قال ميمون بن مهران رحمه الله تعالى: كنت عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقال لآذنه: من بالباب؟ فقال: رجل أناخ الآن، زعم أنّه ابن بلال مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأذن له. فلما دخل قال: حدّثني أبي أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: من ولي شيئا من أمور المسلمين ثم حجب عنه، حجبه الله عنه يوم القيامة، فقال عمر لحاجبه: إلزم بيتك، فما رؤي على بابه بعده حاجب. 615- قال عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لابنه وقد ولي ولاية: انظر حاجبك فإنه لحمك ودمك، فلقد رأيتنا بصفّين وقد أشرع قوم رماحهم في وجوهنا يريدون نفوسنا ما لنا ذنب إليهم إلّا الحجاب. «616» - ولّى المنصور الخصيب حجابته فقال: إنك بولايتي عظيم القدر، وبحجابتي عريض الجاه، فبقّها على نفسك، وابسط وجهك للمستأذن، وصن عرضك عن تناول المحجوبين، فما شيء أوقع بقلوبهم من سهولة الإذن وطلاقة الوجه. «617» - وقد قال زياد رحمه الله لابنه في ضدّ ذلك: عليك بالحجاب؛ فإنّما تجرّأت الرّعاة على السباع بكثرة النّظر إليها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 198 «618» - ومن المعنى الأوّل قول أبي سليمان بن زيد النابلسي: [من الطويل] سأهجركم حتى يلين حجابكم ... على أنّه لا بدّ أنّ سيلين خذوا حذركم من نبوة الدهر إنّها ... وإن لم تكن حانت فسوف تحين 619- آخر: [من السريع] كم من فتى تحمد أخلاقه ... وتسكن الأحرار في ذمّته قد كثّر الحاجب أعداءه ... وسلّط الدهر على نعمته «620» - وقيل: يحتجب الوالي لسوء فيه أو لبخل منه. * فنون المعاني في الحجاب «621» - قيل لحبّى المدينيّة: ما الجرح الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة الكريم إلى اللئيم ثم ردّه. «622» - قيل لها: فما الذلّ؟ قالت: وقوف الشريف بباب الدّنيّ ثم لا يؤذن له؛ قيل لها: فما الشرف؟ قالت: اعتقاد المنن في أعناق الرّجال. «623» - استأذن أبو الدرداء رحمه الله تعالى على معاوية فحجبه، فقال: من يغش أبواب الملوك يقم ويقعد، ومن يجد بابا مغلقا يجد باب الله مفتوحا؛ إن دعا أجيب، وإن سأل أعطي. «624» - وقف عبد الله بن العباس بن الحسن العلويّ رضي الله عنهما على باب المأمون رحمه الله يوما، فنظر إليه الحاجب ثم أطرق فقال عبد الله لقوم معه: لو أذن لنا لدخلنا، ولو صرفنا لانصرفنا، ولو اعتذر إلينا لقبلنا، فأمّا الفترة بعد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 199 النظرة والتوقّف بعد التعرّف فلا أفهمه، ثم تمثّل: [من الطويل] وما عن رضى كان الحمار مطيّتي ... ولكنّ من يمشي سيرضى بما ركب وانصرف، فبلغ المأمون كلامه، فضرب الحاجب وأمر لعبد الله بصلة جزيلة وعشر دواب. «625» - وكان عنبسة بن سعيد إذا حضر باب أحد من السلاطين جلس جانبا، فقيل له: إنّك تتباعد من الإذن جهدك، قال: لأن أدعى من بعيد خير من أن أقصى من قريب، ثم قال: [من الطويل] وإنّ مسيري في البلاد ومنزلي ... هو المنزل الأقصى وإن لم أقرّب ولست وإن أدنيت يوما ببائع ... خلاقي ولا ديني ابتغاء التجنّب ويعتدّه قوم كثير تجارة ... ويمنعني من ذاك ديني ومنصبي «626» - ومثله: [من الطويل] رأيت أناسا يسرعون تبادرا ... إذا فتح البوّاب بابك إصبعا ونحن سكوت جالسون رزانة ... وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا «627» - وقال ابن أبي عيينة: [من الوافر] أتيتك زائرا لقضاء حقّ ... فحال السّتر دونك والحجاب وأنتم معشر فيكم أخ لي ... كأنّ إخاءه الآل السّراب ولست بواقع في قدر قوم ... وإن كرهوا كما يقع الذّباب «628» - قيل للمغيرة بن شعبة رحمه الله: إنّ بوّابك يأذن لأصحابه قبل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 200 أصحابك! فقال: إنّ المعرفة لتنفع عند الكلب العقور والجمل الصؤول، فكيف بالرجل العقول؟! «629» - قدم عبد العزيز بن زرارة الكلابيّ على معاوية رضي الله عنه، فطال مقامه ببابه فصاح: من يستأذن لي اليوم فأستأذن له غدا؟ فبلغت معاوية فأذن له وأكرمه. «630» - استأذن أبو سفيان على عمر رضي الله عنه فحجبه، فقيل له: حجبك أمير المؤمنين، فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء حجبني. 631- قيل ليحيى بن خالد: غيّر حاجبك، قال: فمن يعرف إخواني القدماء؟ «632» - شاعر: [من الكامل] ولقد رأيت بباب دارك جفوة ... فيها لحسن صنيعك التكدير ما بال دارك حين تدخل جنّة ... وبباب دارك منكر ونكير «633» - استأذن سعد بن مالك على معاوية فحجب، فهتف بالبكاء، فسعى إليه الناس وفيهم كعب فقال: وما يبكيك؟ قال: وما لي لا أبكي وقد ذهب الأعلام من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعاوية يتلعّب بهذه الأمّة؟ قال كعب: لا تبك، فإنّ في الجنّة قصرا من ذهب يقال له «عدن» ، أهله الصّدّيقون والشهداء، وأنا أرجو أن تكون من أهله. «634» - حجب بعض الهاشميين فرجع مغضبا، فردّ فلم يرجع، فقال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 201 ليس بعد الحجاب إلّا العذاب، لأنّ الله تعالى يقول: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (المطففين: 15- 16) . [ أشعار في الحجاب وحكايات ] «635» - وقف رجل بخراسان بباب أبي دلف حينا لا يصل إليه، فتلطّف في إيصال رقعة إليه وكتب فيها: [من الوافر] إذا كان الكريم له حجاب ... فما فضل الكريم على اللئيم فأجابه أبو دلف: [من الوافر] إذا كان الكريم قليل مال ... ولم يعذر تعلّل بالحجاب وأبواب الملوك محجّبات ... فلا تستنكرنّ حجاب بابي «636» - أبو تمام يعتذر لمحتجب: [من البسيط] يا أيّها الملك النائي برؤيته ... وجوده لمراعي جوده كثب ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... إنّ السماء ترجّى حين تحتجب قيل: إنّه أخذ هذا المعنى من مخنّث سمعه يقول لآخر: طلبتك فلم أرك، فقال: السماء أرجى ما كانت إذا احتجبت. «637» - ولأبي تمّام: [من الطويل] سأترك هذا الباب ما دام إذنه ... على ما أرى حتى يلين قليلا فما خاب من لم يأته متعمّدا ... ولا فاز من قد نال منه وصولا إذا لم نجد للإذن عندك موضعا ... وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 202 «638» - وللحسن في مثل معنى البيت الثاني: [من الخفيف] ونعم هبك قد وصلت إلى الفض ... ل فهل في يديك غير التّراب «639» - وقال أبو تمّام: [من البسيط] ما لي أرى الحجرة الفيحاء مقفلة ... دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها أظنّها جنّة الفردوس معرضة ... وليس لي عمل زاك فأدخلها «640» - وقف أبو العتاهية بباب يحيى بن خاقان فلم يأذن له، فانصرف. فأتاه يوما آخر فصادفه حين نزل فسلّم عليه ودخل إلى منزله، فلم يأذن له. فأخذ قرطاسا وكتب إليه: [من الوافر] أراك تراع حين ترى خيالي ... فما هذا يروعك من خيالي؟ لعلّك خائف مني سؤالي ... ألا فلك الأمان من السؤال كفيتك إن حالك لم تمل بي ... لأطلب مثلها بدلا بحالي وإنّ اليسر مثل العسر عندي ... بأيّهما منيت فلا أبالي فلما قرأ الرقعة أمر الحاجب بإدخاله، فأبى أن يرجع معه ولم يلتقيا بعد ذلك. «641» - قال ابن عبدل: [من الطويل] ولو شاء بشر كان من دون بابه ... طماطم سود أو صقالبة حمر ولكنّ بشرا سهّل الباب للّتي ... يكون لبشر عندها الحمد والأجر بعيد مراد العين ما ردّ طرفه ... حذار الغواشي باب دار ولا ستر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 203 642- أعرابي: [من المتقارب] لعمري لئن حجبتني العبيد ... ببابك ما تحجب القافيه سأرمي بها من وراء الحجاب ... فتغدو عليك بها داهيه تصمّ السّميع وتعمي البصير ... ويسأل من مثلها العافيه «643» - وقال بويب اليمامي: [من الطويل] على أيّ باب أطلب الإذن بعدما ... حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه 644- أخذ المعنى أبو الكرم بن العلّاف فقال في عميد الدولة أبي منصور ابن جهير: [من المتقارب] فهبك احتجبت عن الناظرين ... فهلّا احتجبت عن الألسن «645» - أحمد بن بشر في أحمد بن يوسف: [من الطويل] لئن عدت بعد اليوم إني لظالم ... سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم متى ينجح الغادي إليك بحاجة ... ونصفك محجوب ونصفك نائم أتيتك مشتاقا إليك مسلّما ... عليك وإني باحتجابك عالم فخبّرني البوّاب أنك نائم ... فأنت إذا استيقظت أيضا فنائم «646» - أبو الحسن السلامي: [من الخفيف] زرت حتى حجبت وانتقب الأن ... س نقابين طرّزا باحتشام إنّ بوابك القصير طويل ال ... باع في سوء عشرتي واهتضامي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 204 هو تعويذ ملكك البارع الحس ... ن وشيطان عبدك المستضام سمج الوجه لو غدا حاجب البي ... ت زهدنا في الحجّ والإنعام 647- أبو منصور بن الأصباغي الكاتب: [من البسيط] وقد أشقّ الحجاب الصعب مأذنه ... دوني وإني ولوج فيه إن طرقا كالطيف يأبى دخول الجفن منفتحا ... فليس يسلكه إلّا إذا انطبقا وقد أغرب في المعنى، ولكنه خلّط، وجرى على عادة الشعراء في التجوّز؛ لأنّ الطّيف لا يدخل الجفن إنّما يتخيّل إلى النّفس كغيره من خواطر الأحلام. 648- وفد قبيصة بن هانيء على يزيد بن معاوية، فاحتجب عنه أيّاما. ثم إنّ يزيد ركب يوما يتصيّد، فتلقّاه ابن هانيء فقال: إنّ الخليفة ليس بالمحتجب المتخلّي ولا بالمتطرّف المتجنّي ولا الذي ينزل على الغدران والفلوات، ويخلو باللذات والشهوات؛ وقد وليت أمرنا فأقم بين أظهرنا، وسهّل إذننا، واعمل بكتاب الله تعالى فينا؛ فإن كنت عجزت عمّا هاهنا واخترت علينا غيره، فاردد علينا بيعتنا نبايع من يعمل ذلك فينا ويقيمه لنا؛ ثم عليك بخلواتك وصيدك وكلابك. فغضب يزيد وقال: والله لولا أن أسنّ بالشام سنّة العراق لأقمت أودك، ثم انصرف وما هاجه بشيء، وأذن له ولم تتغيّر منزلته عنده. «649» - كان أبو العتاهية يختلف إلى عمرو بن مسعدة لودّ كان بينه وبين أخيه مجاشع. فاستأذن عليه يوما فحجب، فلزم منزله، فاستبطأه عمرو فكتب إليه: إنّ الكسل يمنعني من لقائك وكتب في أسفل الرّقعة: [من المنسرح] كسّلني اليأس منك عنك فما ... أرفع طرفي إليك من كسل أيّ امرىء لم يكن أخا ثقة ... قطعت منه حبائل الأمل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 205 «650» - واستأذن أيضا عليه فحجب عنه، فكتب إليه: [من المنسرح] مالك قد حلت عن إخائك واس ... تبدلت يا عمرو شيمة كدره إني إذا الباب تاه حاجبه ... لم يك عندي في هجره نظره لستم ترجّون للوفاء ولا ... يوم تكون السماء منفطره لكن لدنيا كالظّلّ بهجتها ... سريعة الانقضاء منشمره «651» - قال عبد الله بن مصعب الزبيري: كنّا بباب الفضل بن الربيع والآذن يأذن لذوي الهيئات والإشارات، وأعرابيّ يدنو فكلّما دنا صرخ به، فقام ناحية وأنشأ يقول: [من البسيط] رأيت آذننا يعتام بزّتنا ... وليس للحسب الزاكي بمعتام ولو دعينا على الأحساب قدّمني ... مجد تليد وجدّ راجح نامي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 206 نوادر في الحجاب 652- استأذن رجل على أمير فأعلم بمكانه، فقال: قولوا له: إنّ الكرى قد خطب إليّ نفسي، وإنّما هي هجعة ثم أهبّ، فخرج الحاجب فقال: قد قال كلاما لا أفهمه، إلا أنّه لا يريد أن يأذن لك. 653- قال: كان عنبر الرومي يحجب لسلم بن قتيبة، فجاءه رؤبة فحجبه، فجلس رؤبة بالباب حتى خرج سلم راكبا فوثب إليه رؤبة فقال: [من الرجز] أأنت سلّطت عليّ عنبرا ... إذا رآني مقبلا تذمّرا أصيّر المقدّم المؤخّرا ... أزرق روميّا وقردا أبترا سفاهة منه ورأيا أغبرا قال: فكان عنبر بعد ذلك إذا رآه حوّل وجهه عنه، فيدخل إذا شاء ويخرج إذا شاء. «654» - ابن سكّرة الهاشمي: [من المتقارب] تجشّأت في وجه بوّابه ... ليعرف شبعي فلا أمنع وقلت له إنّ بي تخمة ... فهل من دواء لها ينفع فقال لقد غرّني معشر ... بهذا الكلام الذي أسمع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 207 فلمّا أتيت بهم صاحبي ... ولاحت ثرائده أوجعوا فراحوا بطانا ذوي كظّة ... وأصبحت من أجلهم أصفع «655» - ابن الحجاج: [من السريع] بي علّة تقطع أسبابها ... من راحة الصحة أسبابي وليس يشفيني سوى نهشة ... في قطعة من كبد بوّاب فامنن بأن تذبح لي واحدا ... بالنّعل في دوّارة الباب فنقطة من دم أوداجه ... أنفع لي من رطل جلّاب 656- وله: [من المنسرح] سل بي فإنّ الأبواب تعرفني ... أغرى لزوما بها من العتب تمّ الجزء بعون الله ولطفه، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمد النبيّ وعلى آله الطّاهرين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 208 الباب الثّاني والأربعون في الحيل والخدائع المتوصّل بها إلى نجح المطالب والمقاصد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 209 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (وما توفيقي إلّا بالله) الحمد لله الأليم نكاله، الشديد محاله، فاتق الأذهان لطلب النجاة والخلاص، فالق الإصباح عن ظلم الديماس، وموضح السّبل والآراء المتحيّرة بعد الإلباس، ومضيء القلوب بالأفكار المنيرة عند نزول البلاء وحين الباس، الصفوح عن المحتال للسلامة من أشراك القنّاص، منكر الخداع على من تعاطاه، وراضيه في الجهاد لمن أتاه. كلّ فعل في سبيله محمود ومشكور، وكل سعى بسخطه مذموم ومدحور. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، شهادة صادقة الإعلان والإسرار، بريّة من مكر الكفور الختّار. وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الكاشف بمعجزاته غطاء اللبس والحيل من ذوي الشرك، الكاسف بشموس آياته الواضحة مطالع الباطل والإفك، المصطفى من أشرف قريش البطاح، صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله ما طرد الليل الصباح، وأعقب الغدوّ الرّواح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 211 [ بداية الباب الثاني والأربعون ] (الباب الثاني والأربعون في الحيل والخدائع المتوصّل بها إلى نجح المطالب والمقاصد) «657» - الحيلة من فوائد الآراء المحكمة، ونتائج الآراء المبصرة، وهي حسنة ما لم يستبح بها محظور أو يحظر مباح، وفضيلة ما قصد بها صاحبها سبيل الإصلاح، وقد سومح الكاذب في الحرب والائتلاف، ورفع عنه الوزر في كذبه والاقتراف؛ وإنما يكذب بضرب من الخديعة، يجمع بها شتائت الأهواء بعد القطيعة. «658» - وقد سئل بعض الفقهاء عن استجازتهم الحيل في الفقه، فقال: قد علّمنا الله عزّ وجلّ ذلك؛ فإنّه قال: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ [ص: 44] . واستعمل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الخديعة في الحرب وقال: الحرب خدعة. 659- وقال حكيم: اللّطف في الحيلة أجدى من الوسيلة. 660- وقيل: من لم يتأمّل الأمر بعين عقله لم يقع سيف حيلته إلا على مقاتله. والتثبّت يسهّل طريق الرأي إلى الإصابة، والعجلة تضمن العثرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 212 والأمور وإن كانت مقدّرة، فمن تقدير الله عزّ وجلّ. أكثر ما جرّبناه أن يكون المحتال أقرب إلى المأثور، وأبعد من المحذور، من المفرّط في الأمور، والمستسلم للخطوب، المؤخّر لاستعمال الحزم. 661- على أنّ الخليل بن أحمد قال: من استعمل الحزم وقت الاستغناء عنه استغنى عن الاحتيال في وقت الحاجة إليه. الأخبار في الحيل «662» - كان سعد القرظ زنجيّا عبدا لعمّار بن ياسر. وكان على نخلة يجتني منها، فسمع الزّنج يتكلّمون فيما بينهم، فأذّن فاجتمع إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه، فقال: ما حملك على الأذان؟ قال: خفت عليك، فأذّنت ليجتمع أصحابك. فأمره بعد ذلك بالأذان، فكان مؤذّنا. «663» - لمّا أراد شيرويه قتل أبيه أبرويز، قال أبرويز للداخل عليه ليقتله: إني أدلّك على شيء فيه غناك لوجوب حقّك عليّ. قال: ما هو؟ قال: الصندوق الفلاني. فذهب الرجل إلى شيرويه فأخبره الخبر، فأخرج الصندوق وإذا فيه رقعة وفي الرّقعة حقّ، وعلى الحقّ مكتوب: فيه حبّ من أخذ منه واحدة افتضّ عشر أبكار، وكان أمره في الباه كذا وكذا. فأخذ شيرويه منه حبّة كان هلاكه فيها. فكان أوّل ميت أخذ ثأره من قاتله. «664» - كان الحارث بن مارية الغسّاني الملك مكرما لزهير بن جناب الكلبيّ ينادمه ويحادثه، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما: سهل وحزن ابنا رزاح، وكان عندهما حديث من أحاديث العرب، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 213 فاجتباهما الملك ونزلا منه بالمكان الأثير، فحسدهما زهير بن جناب فقال: أيها الملك، هما والله عين لذي القرنين عليك- يعني المنذر الأكبر جدّ النعمان بن المنذر- وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك. قال: كلّا. فلم يزل زهير به حتى أوغر صدره. وكان إذا ركب بعث إليهما ببعيرين يركبان معه، فبعث إليهما بناقة واحدة، فعرفا الشّرّ فلم يركب أحدهما وتوقّف، فقال له الآخر: [من الطويل] فإلّا تجلّلها يعالوك فوقها ... وكيف توقّى ظهر ما أنت راكبه فركبها مع أخيه ومضى بهما فقتلا، ثم إنّ الملك بحث عن أمرهما بعد ذلك فوجده باطلا، فشتم زهيرا وطرده، فانصرف إلى بلاد قومه. وقدم رزاح أبو الغلامين إلى الملك، وكان شيخا مجرّبا عالما، فأكرمه الملك وأعطاه دية ابنيه. وبلغ زهيرا مكانه، فدعا ابنا له يقال له عامر، وكان من فتيان العرب لسانا وبيانا، فقال له: إنّ رزاحا قدم على الملك، فالحق به، فاحتل في أن تكفينيه. وقال: إذممني عند الملك ونل منّي، وأثّر به آثارا. فخرج الغلام حتى قدم الشام فتلطّف في الدّخول على الملك حتى وصل إليه، وأعجبه ما رأى منه، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا عامر بن زهير بن جناب. قال: فلا حيّاك الله ولا حيّا أباك الغادر الكذوب الساعي. فقال الغلام: نعم، فلا حيّاه الله، أنظر أيها الملك ما صنع بظهري، وأراه آثار الضرب. فقبل ذلك منه وأدخله في ندمائه. فبينا هو يوما يحدّثه إذ قال: أيها الملك لست أدع أن أقول الحقّ، وقد والله نصحك أبي، ثم أنشأ يقول: [من الوافر] فيا لك نصحة لمّا تذقها ... أراها نصحة ذهبت ضلالا ثم تركه أياما وقال له بعد ذلك: ما تقول أيّها الملك في حيّة قد قطعت ذنبها وبقي رأسها؟ قال: ذاك أبوك وصنيعه بالرجلين ما صنع. قال: أبيت اللعن! فو الله ما قدم رزاح إلا ليثأر بهما. فقال له: وما آية ذلك؟ قال: اسقه الخمر، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 214 ثم ابعث عليه عينا يأتيك بخبره. فلما انتشى صرفه إلى قبّته ومعه بنت له، وبعث عليه عيونا. فلما دخل قبّته قامت بنته تسانده فقال: [من الوافر] دعيني من سنادك إنّ حزنا ... وسهلا ليس بعدهما رقود ولا تسليني عن شبليك ماذا ... أصابهما إذا اهترش الأسود فإنّي لو ثأرت المرء حزنا ... وسهلا قد بدا لك ما أريد فرجع القوم إلى الملك فأخبروه بما سمعوا، فأمر بقتل النّهديّ، وردّ زهيرا إلى موضعه. «665» - خرج عمرو بن العاص بن وائل السّهميّ وعمارة بن الوليد المخزوميّ، أخو خالد بن الوليد في تجارة إلى النجاشيّ بأرض الحبشة، وكان عمارة ذا محادثة للنساء. فلما ركبا في السفينة- ومع عمرو امرأته- أصابا من خمر معهما، فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو: قبّليني، فقال لها عمرو: قبّلي ابن عمّك، فقبّلته وحذر عمرو. وراودها عمارة عن نفسها، فامتنعت. ثم إنّ عمرا جلس إلى ناحية السفينة يبول، فدفعه عمارة في البحر. فلمّا وقع سبح حتى أخذ بالقلس ونجا. فقال له عمارة: أما والله يا عمرو، لو علمت أنّك تحسن السباحة ما فعلت، فاضطغنها عمرو؛ ومضيا في وجههما حتى قدما أرض اليمن. وكتب عمرو بن العاص إلى أبيه العاص: أن اخلعني وتبرّأ من جريرتي إلى بني المغيرة وسائر بني مخزوم، وخشي على أبيه أن يتبع بجريرته وهو يرصد لعمارة ما يرصد. فمضى العاص بن وائل في رجال من قومه منهم: نبيّه ومنبّه ابنا الحجّاج إلى بني المغيرة وغيرهم من بني مخزوم فقال: إنّ هذين الرجلين قد خرجا حيث علمتم، وكلاهما فاتك صاحب شرّ، وهما غير مأمونين على أنفسهما، ولا ندري ما يكون، وإني أبرأ إليكم من عمرو ومن جريرته وقد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 215 خلعته. فقال بنو المغيرة: فأنت تخاف عمرا على عمارة، قد خلعنا عمارة وتبرّأنا إليك من جريرته فخلّ بين الرجلين. فقال السّهميون: قد قبلنا، فابعثوا مناديا بمكة: إنّا قد خلعناهما وتبرّأ كلّ قوم من صاحبهم وممّا جرّ عليهم، ففعلوا. فقال الأسود بن عبد المطّلب: طلّ والله دم عمارة إلى آخر الدهر. ولمّا اطمأنّا بأرض الحبشة لم يلبث عمارة أن دبّ لامرأة النجاشيّ فاختلف إليها، فأدخلته، فجعل إذا رجع من مدخله يخبر عمرو بن العاص بما كان من أمره، ويقول له عمرو: ما أصدّقك أنّك قدرت على هذا الشّأن؛ إنّ المرأة أرفع من ذلك، وقد كان صدّقه عمرو وكانا في منزل واحد، وإنّما أراد التثبّت ويريد أن يأتيه بشيء لا يستطيع دفعه إن هو رفعه إلى النجاشي. فقال له في بعض ما يذكر من أمرها: إن كنت صادقا فقل لها: فلتدهنك من دهن النجاشي الذي لا يدّهن به غيره، فإني أعرفه، أو ائتني به أصدّقك. ففعل عمارة فجاء بقارورة من دهنه، فلما شمّها عمرو عرفه وقال له عند ذلك: أشهد أنك صادق، ولقد أصبت شيئا ما أصاب أحد مثله قطّ من العرب من امرأة الملك. ثم سكت عنه؛ حتى إذا اطمأنّ دخل على النجاشي فقال: أيها الملك، إنّ ابن عمّي سفيه وقد خشيت أن يعرّني أمره عندك، وقد أردت أن أعلمك شأنه فلم أفعل حتى استثبت، وأنّه قد دخل على بعض نسائك فأكثر، وهذا من دهنك قد أعطته منه، ودهنني منه. فلما شمّ النجاشيّ الدهن قال: صدقت، هذا دهني الذي لا يكون إلا عند نسائي. ثم دعا بعمارة ودعا السواحر فجرّدنه من ثيابه ثم أمر فنفخن في إحليله. وقال النجاشيّ: لو قتلت قرشيّا لقتلتك. فخرج عمارة هاربا يهيم مع الوحش، فلم يزل بأرض الحبشة حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فخرج إليه عبد الله بن أبي ربيعة- وكان اسمه بحيرا، فسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله- فرصده على ماء بأرض الحبشة، وكان يرده مع الوحش. فلما وجد ريح الإنس هرب، حتى إذا جهده العطش ورد فشرب حتى تملا، وخرجوا في طلبه. قال عبد الله فسعيت إليه فالتزمته، فجعل يقول: يا بحيرا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 216 أرسلني، يا بحيرا أرسلني، فإني أموت إن أمسكتموني. قال عبد الله: وضبطته فمات في يدي مكانه. فواراه وانصرف. وكان شعره قد غطّى على كل شيء منه. وفي ذلك يقول عمرو بن العاص من أبيات: [من الطويل] إذا المرء لم يترك طعاما يحبّه ... ولم يعص قلبا غاويا حيث يمّما قضى وطرا منه يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما «666» - قال ابن الكلبي: كان عامر بن الظّرب العدواني يدفع بالناس في الحجّ. فحجّ ملك من ملوك حمير، فرآه فقال: لا أترك هذا المعدّيّ حتى أذلّه وأفسد عليه أمره. فلما رجع الملك إلى بلده وصدر الناس، أرسل إليه الملك: إني أحبّ أن تزورني، فأحبوك وأكرمك وأتّخذك خلّا وصديقا. فأتاه قومه فقالوا: تغدو ويغدو معك قومك فيصيبون من جنبك ويتّجهون بجاهك. فخرج وأخرج معه نفرا من قومه. فلما قدم بلاد الملك تكشّف له رأيه وأبصر سوء ما صنع بنفسه. فجمع إليه أصحابه فقال: ألا ترون أنّ الهوى يقظان والرأي نائم؟ وهو أوّل من قاله، فمن هناك يغلب الهوى الرّأي ومن لم يغلب الهوى بالرّأي ندم؛ عجلت حين عجلتم، ولن أعود بعد أعجل برأي؛ إنّا قد تورّطنا في بلاد هذا الملك، فلا تسبقوني بريث أمر أقيم عليه ولا بعجلة رأي أخف معه، دعوني وحيلتي، فإنّ رأيي لي ولكم. فلما قدم على الملك ضرب عليه قبّة وأكرمه وأكرم أصحابه، فقالوا: قد أكرمنا كما ترى، وبعد هذا ما هو خير منه. فقال: لا تعجلوا، فإنّ لكلّ آكل طعاما، ولكلّ راع مرعى، ولكلّ مراح مريحا، وتحت الرّغوة الصريح. وهو أوّل من قاله. فمضوا أياما، ثم بعث إليه الملك: إني قد رأيت أن أجعلك الناظر في أمور قومي، وقد رضيت عقلك، وأتفرّغ أنا لما أريد، فما رأيك؟ قال: أيها الملك، ما أحسب أنّ رغبتك في قربي بلغت أن تخلع لي ملكك؛ وقد تفضّلت إذ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 217 أهّلتني لهذه المنزلة، فإنّ لي كنز علم لست أعمل إلّا به، وتركته في الحيّ مدفونا؛ وإنّ قومي أضنّاء بي، فاكتب لي سجلا بحماية الطريق فيرى قومي طمعا تطيب أنفسهم به عنّي، فأستخرج كنزي وأعود إليك وافدا. فكتب له سجلا بحماية الطريق. وجاء إلى أصحابه فقال: ارتحلوا عني، حتى إذا برّزوا قالوا: لم نر كاليوم وافد قوم أقلّ ولا أبعد نوالا منك! فقال لهم: مهلا فما على الرزق فوت، وغانم من نجا من الموت، ومن لم ير باطنا يعش واهنا. فلما قدم على قومه قال: ربّ أكلة تمنع أكلات- وهو أوّل من قاله- ولم يرجع إلى الملك. 667- قال أبو عبيدة: استبّ عمارة بن عقبة بن أبي معيط وحجر بن زيد الكنديّ [1] ، وكان حجر قد ولي أرمينية لمعاوية، وكان شريفا. فقال حجر لعمارة: يا صفّوريّ، فقال: اشهدوا. وارتفعا إلى المغيرة بن شعبة، فقال المغيرة: إني لأكره أن أدخل بين عامل أمير المؤمنين وبين ابن عمّه، ارحلا إليه. فلما قدما عليه قال عمارة: يا أمير المؤمنين، ركب مني ما لم يركب من أحد؛ شتمت ونفيت عن حسبي ونسبي، فقال: لعلّك أشهدت عليه؟ قال: نعم. قال: أصبت. ثم دخل حجر على معاوية وعنده معاوية بن حديج السّكونيّ وسعد ابن نمرة الهمداني، فسلّم، فقال معاوية: مرحبا وأهلا وسهلا برجل إن حددناه لم ينقص من مروءته ولا شرفه ولا منزلته عندنا شيء. فقال معاوية لابن حديج: أبصرته؟ قال: نعم، قال: أنا أشهد أني سمعتك تذكر أنه صفّوريّ. قال: ويلك، انظر ما تقول. قال ابن حديج لسعد: يا أبا سعيد، أما سمعته وهو يقول ذلك؟ قال: بلى غير مرة. قال: ويحكما اتقيا الله! قال ابن حديج لسعد: أما سمعته يقول ذلك؟ قال: بلى، هو لهذا أذكر منك. قال معاوية: عليكم لعنة الله! ثم قال: يا عمارة، المستشار مؤتمن، قال: فإني استشرتك، قال: أشير عليك أن تدع هذا الحدّ، قال: تركته. 668- قال الربيع بن زياد الحارثيّ: كنت عاملا لأبي موسى الأشعريّ على   [1] اسمه في تاريخ الطبري حجر بن يزيد الكندي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 218 البحرين، فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمره بالقدوم عليه هو وعمّاله، وأن يستخلفوا جميعا. فلما قدمنا أتيت يرفأ فقلت: يا يرفأ، مسترشد وابن سبيل، أيّ الهيئات أحبّ إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عمّاله؟ فأومأ إلى الخشونة، فاتّخذت خفّين مطارقين، ولبست جبّة صوف، ولثت عمامتي على رأسي، فدخلنا على عمر، فصفنّا بين يديه، فصعّد فينا وصوّب، فلم تأخذ عينه أحدا غيري؛ فدعاني فقال: من أنت؟ قلت: الربيع بن زياد الحارثيّ. قال: وما تتولّى؟ قلت: البحرين. قال: كم ترزق؟ قلت: ألفا، قال: كثير! فما تصنع به؟ قلت: أتقوّت منه شيئا وأعود به على أقارب لي، فما فضل منهم فعلى فقراء المسلمين. قال: فلا بأس، ارجع إلى موضعك. فرجعت إلى موضعي من الصفّ، فصعّد فينا بصره وصوّب، فلم تقع عينه إلا عليّ، فدعاني وقال: كم سنّك؟ قلت: خمس وأربعون قال: الآن حين استحكمت. ثم دعا بالطعام، وأصحابي حديث عهدهم بلين العيش، فأتي بخبز يابس وأكسار بعير. فجعل أصحابي يعافون ذلك، وجعلت آكل فأجيد، فجعلت أنظر إليه يلحظني من بينهم. ثم سبقت مني كلمة تمنّيت أنّي سخت في الأرض معها، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ الناس محتاجون إلى صلاحك، فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا، فزجرني وقال: كيف قلت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أن ينظر إلى قوتك من الطحين فيخبز لك قبل إرادتك إيّاه بيوم، ويطبخ لك اللحم كذلك، فتؤتى بالخبز لينا وباللحم غريضا. فسكّن من غربه، فقال: أها هنا عزب؟ فقلت: نعم، فقال: يا ربيع، إنّا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك وصناب، ولكني رأيت الله عزّ وجلّ نعى على قوم شهواتهم فقال: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها (الأحقاف: 20) ، ثم أمر أبا موسى بإقراري وأن يستبدل بأصحابي. غريب هذا الخبر. السبائك: الرّقاق، يريد ما يسبك من الدقيق. والصلائق: ما عمل بالنار طبخا وشيّا. والصّناب: صباغ يتّخذ من الخردل والزبيب، ومن ذلك قيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 219 للفرس: صنابي إذا كان في مثل ذلك اللون. والغريض: الطريّ. والأكسار جمع كسر. والكسر والوصل: العظم ينفصل بما عليه من اللحم. وقوله: نعى على قوم: أي عابهم بها ووبّخهم. والمطارق: المرقّع. «669» - روي أنّ بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وفد على عمر ابن عبد العزيز بخناصرة، فسدك بناحية من المسجد فجعل يصلّي إليها ويديم الصلاة. فقال عمر رحمه الله للعلاء بن المغيرة البندار: إن كان سرّ هذا كعلانيته فهو رجل أهل العراق غير مدافع. فقال العلاء: أنا آتيك بخبره. فأتاه وهو يصلّي بين المغرب والعشاء، فقال: اشفع صلاتك فإنّ لي إليك حاجة، ففعل. فقال له العلاء: قد عرفت حالي من أمير المؤمنين، فإن أنا أشرت بك على ولاية العراق، فما تجعل لي؟ قال: عمالتي سنة، وكان مبلغها عشرين ألف درهم، قال: فاكتب لي بذلك، قال: فارتدّ بلال إلى منزله فأتى بدواة وصحيفة، فكتب له بذلك. فأتى العلاء عمر بالكتاب، فلمّا رآه كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وكان والي الكوفة: أما بعد، فإنّ بلالا غرّنا بالله فكدنا نغترّ، فسبكناه فوجدناه خبثا كلّه. «670» - كان عبد الملك بن مروان من أشدّ الناس حبّا لعاتكة امرأته، وهي عاتكة بنت يزيد بن معاوية. فغضبت مرّة على عبد الملك، وكان بينهما باب فحجبته، وأغلقت ذلك الباب. فشقّ غضبها عليه وشكاه إلى خاصّته. فقال له عمر بن بلال الأسديّ: ما لي عندك إن رضيت؟ قال: حكمك. فأتى عمر بابها وجعل يتباكى وأرسل إليها بالسلام. فخرجت إليه خاصّتها ومواليها وجواريها وقلن: ما لك؟ قال: فزعت إلى عاتكة ورجوتها، وقد علمت بمكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن أبيها بعده. قلن: وما لك؟ قال: ابناي لم يكن لي غيرهما، فقتل أحدهما الآخر، فقال أمير المؤمنين: أنا قاتل الآخر به، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 220 فقلت: أنا الوليّ وقد عفوت؛ قال: لا أعوّد الناس هذه العادة؛ وقد رجوت أن ينجّي الله ابني هذا على يدها. فدخلن عليها فذكرن ذلك لها، فقالت: وكيف أصنع مع غضبي عليه وما أظهرت له؟ قلن: إذا والله يقتل، فلم يزلن حتى دعت بثيابها فأحضرتها، ثم خرجت نحو الباب؛ وأقبل حديج الخصيّ وقال: يا أمير المؤمنين، هذه عاتكة قد أقبلت. قال: ويلك ما تقول؟ قال: قد والله طلعت. فأقبلت وسلّمت فلم يردّ عليها، فقالت: أما والله لولا عمر ما جئت، آلله أن تعدّى أحد ابنيه على الآخر فقتله، أردت قتل الآخر به وهو الوليّ وقد عفا؟ قال: إنّي أكره أن أعوّد الناس هذه العادة. قالت: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، فقد عرفت مكانه من أمير المؤمنين معاوية ومن أمير المؤمنين يزيد، وهو ببابي. فلم تزل به حتّي أخذت رجله تقبّلها، فقال: هو لك، ولم يبرحا حتى اصطلحا. ثم راح عمر بن بلال إلى عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، كيف رأيت؟ قال: رأيت أثرك، فهات حاجتك. فقال: مزرعة بعبرتها وما فيها وألف دينار وفرائض لولدي وأهل بيتي وعيالي، قال: ذلك لك. ثم اندفع عبد الملك يتمثّل بشعر كثيّر: [من الطويل] وإنّي لأرعي قومها من جلالها ... وإن أظهروا غشّا نصحت لهم جهدي ولو حاربوا قومي لكنت لقومها ... صديقا ولم أحمل على قومها حقدي 671- أقبل واصل بن عطاء من سفر في رفقة، فأحسّوا بالخوارج، فقال واصل لأهل الرفقة: إنّ هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني وإيّاهم؛ وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا: شأنك. فخرج إليهم، فقالوا: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويفهموا حدوده، قالوا: قد أجرناكم؛ قال: فعلّمونا. فجعلوا يعلّمونه أحكامهم، وجعل يقول: قد قبلت أنا وأصحابي؛ قالوا: فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا، قال: ليس ذاك لكم؛ قال الله: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 221 ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (التوبة: 6) فأبلغونا مأمننا فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ذاك لكم، فساروا بجمعهم حتى بلّغوهم المأمن. «672» - وهمّ الأزارقة بقتل رجل، فنزع ثوبه واتّزر ولبّى وأظهر الإحرام، فخلّوا سبيله لقول الله عزّ وجلّ: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ (المائدة: 2) . 673- قدم محمد بن الحسن الفقيه العراق، فاجتمع الناس عليه يسألونه ويسمعون كلامه فرفع خبره إلى الرشيد وقيل له: إنّ معه كتاب الزندقة. فبعث بمن كبسه وحمله وحمل معه كتبه، فأمر بتفتيشها. قال محمد: فخشيت على نفسي من كتاب الحيل، فقال لي الكاتب: ما ترجمة هذا الكتاب؟ فقلت: كتاب الخيل، فرمى به. «674» - قال مروان بن الحكم يوما لابن أبي عتيق: إني مشغوف ببغلة الحسن بن عليّ عليهما السلام؛ فقال له ابن أبي عتيق: إن دفعتها إليك أتقضي لي ثلاثين حاجة؟ قال: نعم. قال: فإذا اجتمع الناس عندك العشيّة فإني آخذ في مآثر قريش ثم أمسك عن الحسن، فلمني على ذلك. فلما أخذ القوم مجالسهم أفاض في أوليّة قريش، فقال له مروان: ألا تذكر أوّليّة أبي محمد وله في هذا ما ليس لأحد؟ قال: إنّما كنّا في الأشراف، ولو كنّا في ذكر الأنبياء لقدّمنا لأبي محمد. فلما خرج ليركب تبعه ابن أبي عتيق، فقال له الحسن وتبسّم: ألك حاجة؟ قال: ركوب البغلة، فنزل الحسن كرّم الله وجهه فدفعها إليه. 674 ب- لمّا بايع الرشيد لأولاده الثلاثة بالعهد، تخلّف رجل مذكور من الفقهاء، فأحضره وقال له: لم تخلّفت عن البيعة؟ قال: عاقني يا أمير الجزء: 8 ¦ الصفحة: 222 المؤمنين عائق. فأمر بقراءة كتاب البيعة، فلما قرىء قال: يا أمير المؤمنين، هذه البيعة في عنقي إلى قيامي الساعة. فلم يفهم الرشيد ما أراد وقدّر أنّه إلى قيام الساعة، وذهب ما كان في نفسه. «675» - لمّا حبس ابن المقفّع وألحّ عليه صاحب الاستخراج في العذاب، خشي على نفسه فقال لصاحب الاستخراج: عندك مال وأنا أربحك ربحا ترضاه، وقد عرفت وفائي وسخائي وكتماني؟ فعندي مقدار هذا الشهر. فلما صار له عليه مال رفق به مخافة أن يموت تحت العذاب فيثوى ماله. «676» - قال المغيرة بن شعبة: ما خدعني غير غلام من بني الحارث بن كعب؛ فإني ذكرت امرأة منهم، فقال لي: أيّها الأمير، لا خير لك فيها، قلت: ولم؟ قال: رأيت رجلا يقبّلها، فأضربت عنها، فتزوّجها الفتى، فأرسلت إليه: ألم تعلمني كذا وكذا من أمرها؟ قال: بلى، رأيت أباها يقبّلها. «677» - كان لعبد الله بن مطيع غلام مولّد قد أدّبه وخرّجه وصيّره قهرمانه، وكان أتاهم قوم من العدوّ من ناحية البحر، فرآه يوما يبكي، فقال: ما لك؟ قال: تمنّيت أن أكون حرّا فأخرج مع المسلمين. قال: وتحبّ ذاك؟ قال: نعم، قال: فأنت حرّ لوجه الله تعالى فاخرج، قال: فإنّه قد بدا لي أن لا أخرج، قال: خدعتني والله. «678» - أتي معن بن زائدة بثلاثمائة أسير من حضرموت، فأمر بضرب رقابهم. فقام فيهم غلام حين سال عذاره، فقال: أنشدك الله أن تقتلنا ونحن عطاش، قال: اسقوهم، فلما شربوا قال: اضربوا أعناقهم، فقال الغلام: أنشدك الله أن تقتل أضيافك، فقال: أحسنت! وأمر بإطلاقهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 223 «679» - مرّ شبيب بن يزيد الخارجيّ على غلام قد استنقع في الفرات، فقال: يا غلام، اخرج إليّ لأسائلك. فنظر الغلام فعرف شبيبا، فقال: إني أخاف، فهل آمن أنا إلى أن أخرج وألبس ثيابي؟ قال: نعم، قال: فو الله لا ألبسها اليوم ولا أخرج. فقال شبيب: أوّه! خدعني الغلام، وأمر رجلا يحفظه له ولا تصيبه معرّة ومضى، وسلّم الغلام. «680» - كان يختلف إلى أبي حنيفة رجل يتجمّل بالستر الظاهر والسّمت الحسن. فقدم رجل غريب فأودعه مالا خطيرا وخرج حاجّا، فلما عاد طالبه بالوديعة فجحده، فألحّ عليه الرجل فتمادى. وكاد صاحب المال يهيم، ثم استشار ثقة فقال له: كفّ عنه وصر إلى أبي حنيفة، فدواؤك عنده. فانطلق إليه وخلا به وأعلمه شأنه. فقال له أبو حنيفة: لا تعلم بهذا أحدا وامض راشدا وعد إليّ غدا. فلما أمسى أبو حنيفة جلس كعادته للناس، وجعل كلّما سئل عن شيء تنفّس الصّعداء. فقيل له في ذلك. فقال: إنّ هؤلاء، يعني عن السلطان، قد احتاجوا إلى رجل يبعثونه قاضيا إلى مكان وقالوا لي: اختر من أحببت، ثم أسبل كمّه. وخلا بصاحب الوديعة وقال له: أترغب حتى أسمّيك؟ فذهب متمنّعا عليه، فقال أبو حنيفة: اسكت فإني أبلغ لك ما تحبّ. فانصرف الرجل مسرورا يظنّ الظنون بالجاه العريض والحال الحسنة. وصار ربّ المال إلى أبي حنيفة فقال له: امض إلى صاحبك ولا تخبره بما بيننا، ولوّح بذكري وكفاك. فمضى الرجل واقتضاه وقال له: اردد علىّ مالي وإلا شكوتك إلى أبي حنيفة. فلما سمع ذلك وفّاه المال، وصار الرجل إلى أبي حنيفة وأعلمه برجوع المال إليه. فقال: استر عليه، وغدا الرجل إلى أبي حنيفة طامعا في القضاء، فنظر إليه أبو حنيفة وقال له: قد نظرت في أمرك فرفعت قدرك عن القضاء. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 224 681- ونظير هذه الحكاية، قال الحسن بن أبي مالك: أتى رجل أبا حنيفة بالمدينة فقال له: قد وصفوك لي وأريدك أن تخلّصني من يمين عجلت فيها، وقد استفتيت ابن شبرمة وابن أبي ليلى وعطاء وغيرهم، فلم يخرجوني من مسألتي بحال. قال: وما هي؟ قال له: إني حلفت أن أطأ امرأتي في شهر رمضان بالنهار، فقال له أبو حنيفة: فإذا أخرجتك عن يمينك تعاود؟ قال: لا. قال: اذهب فاعمل على أن تسافر بامرأتك ثلاثة أيام. فإذا جاوزت أبيات المدينة فافطر وتفطر زوجتك وطأ ولا تعاود ما كان منك، واقض أيام فطرك بعد انقضاء سفرك. قال: فقبّل رأسه ودعا له وانصرف. 682- أرسل أحمد بن طولون والي مصر إلى أبي إبراهيم المزنيّ في الحضور، فقال للرسول: عد إليّ، فلما مضى الرسول قال: والله لا حضرت عنده إن شاء الله. فلما عاد الرسول إليه قال: اعذرني، فعليّ يمين ليس لها كفّارة، فظنّ الرسول أنّها يمين الطلاق، وإنما أراد ما حلف به ولا كفّارة فيه. «683» - قال أبو يوسف: بقيت على باب الرشيد حولا لا أصل إليه، حتى حدثت مسألة، وذلك أنّ بعض أهله كانت له جارية، فحلف أنه لا يبيعها إياه ولا يهبها له. وأراد الرشيد شراءها فلم يجد أحدا يفتيه في ذلك. فقلت لابن الربيع: أعلم أمير المؤمنين أنّ بالباب رجلا من الفقهاء عنده الشفاء من هذه الحادثة. فدخل فأخبره، فأذن لي، فلمّا وصلت مثلت بين يديه، فقال لي: ما تقول؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أقوله لك وحدك أم بحضرة الفقهاء؟ قال: بل بحضرة الفقهاء، وليكون الشكّ أبعد. وأمر فأحضر الفقهاء، وأعيد عليهم السؤال، فكلّ قال: لا حيلة عندنا. فأقبل أبو يوسف فقال: المخرج منها أن يهب لك نصفها ويبيعك نصفها فإنّه لا يقع الحنث. فقال القوم: صدق! فعظم أمري عند الرشيد، وعلم أني أتيت بما عجزوا عنه، ثم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 225 قال له الرشيد: هي مملوكة ولا بدّ أن تستبرأ، وو الله إن بتّ الليلة ولم أبت معها أظنّ نفسي ستزهق. قال: قلت: يعتقها أمير المؤمنين ويتزوّجها، فإنّ الحرّة لا تستبرأ. «684» - وقف أحمد بن أبي خالد بين يدي المأمون، وخرج يحيى بن أكثم من بعض المستراحات، ووقف. فقال له المأمون: اصعد إلى السرير، فصعد فجلس على طرفه، فقال أحمد: يا أمير المؤمنين، إنّ يحيى صديقي وأخي ومن أثق به في أمري كلّه ويثق بي، وقد تغيّر عمّا كنت أعهده عليه، فإن رأيت أن تأمره بالعود إلى ما كان عليه لي، فإني له على مثله. فقال المأمون: يا يحيى إنّ فساد أمر الملوك بفساد الحال بين خاصّتهم [1] ، وما يعدلكما عندي أحد، فما هذا النزاع بينكما؟ فقال له يحيى: والله يا أمير المؤمنين إنّه ليعلم أني له على أكثر ممّا وصف، وأنّني أثق بمثل ذلك منه، ولكنه رأى منزلتي هذه منك، فخاف أن أتغيّر له يوما فأقدح فيه عندك، فتقبل قولي فيه، فأحبّ أن يكون هذا. فتأمرني بامرىء لو بلغ نهاية مساءتي ما قدرت أن أذكره بسوء عندك؟ فقال المأمون: كذلك هو يا أحمد؟ قال: نعم، قال: أستعين بالله عليكما! ما رأيت أتمّ دهاء ولا أقرب فطنة منكما. 685- ولي أبو بردة بن أبي موسى القضاء بالكوفة بعد الشعبيّ، وكان يحكم بأنّ رجلا لو قال لمملوك لا يملكه: أنت حرّ، فإنّ المملوك يعتق، ويؤخذ ثمنه من المعتق. قال: وعشق رجل من بني عبس جارية لجار له وجنّ بها وجنّت به، وكان يشكو ذاك إليها، فلقيها يوما فقال لها: إلى الله أشكو أنه لا حيلة لي فيك. فقالت: بلى والله، إنّ لك لحيلة ولكنك عاجز؛ هذا أبو بردة   [1] م: جلسائهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 226 يقضي في العتق بما قد علمت. فقال لها: أشهد أنّك لصادقة. ثم قدّمها إلى مجلس للنّخع فيه قوم معدّلون، فقال: هذه جارية آل فلان أشهدكم أنّها حرّة، فألقت ملحفتها على رأسها. وبلغ ذلك مواليها فقدّموه إلى أبي بردة، فأنفذ عتقها أبو بردة، وألزم الرجل ثمنها. فلما أمر به إلى السجن خاف أنّها إذا طال أمرها تصير إلى أوّل من يطلبها وأن يخيب فيما صنع في أمرها، فقال: أصلح الله القاضي، لا بدّ من حبسي؟ قال: لا بدّ أو تعطيهم ثمنها؛ قال: فليس مثلي من يحبس في شيء يسير، أشهدكم أني قد أعتقت كلّ مملوك لأبي بردة، وكلّ مملوك لآل أبي موسى، وكلّ مملوك لمذحج، فخلّى سبيله ورجع عن ذلك القضاء. «686» - خطب سلمان الفارسيّ إلى عمر بن الخطاب ابنته، فلم يستجز ردّه، فأنعم له، وشقّ ذلك عليه وعلى ابنه عبد الله بن عمر. فشكا ذلك عبد الله إلى عمرو بن العاص، فقال له: أفتحبّ أن أصرف سلمان عنكم؟ فقال له: هو سلمان، وحاله في المسلمين حاله! قال: أحتال له حتى يكون هو التارك لهذا الأمر والكاره له. قال: وددنا ذلك. فمرّ سلمان بعمرو في طريق فضرب بيده على منكبه وقال له: هنيئا أبا عبد الله! قال: وما ذاك؟ قال: هذا أمير المؤمنين عمر يريد أن يتواضع بك فيزوّجك. قال: وإنّما يزوّجني ليتواضع بي؟ قال: نعم، قال: لا جرم والله لا خطبت إليه أبدا. «687» - كتب معاوية إلى عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة أن يقدما عليه. فقدم عمرو من مصر، والمغيرة من الكوفة، فقال عمرو للمغيرة: ما جمعنا إلّا ليعزلنا، فإذا دخلت إليه فاشك الضّعف، واستأذنه أن تأتي الطائف أو المدينة، فإني إذا دخلت عليه سألته ذلك، فإنّه يظنّ أنّا نريد أن نفسد عليه. فدخل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 227 المغيرة فسأله أن يعفيه فأذن له؛ ودخل عليه عمرو فسأله أن يعفيه فأذن له. ودخل عليه عمرو بعد ذلك، فقال لهما معاوية: قد تواطأتما على أمر وإنكما لتريدان شرّا، ارجعا إلى عملكما. «688» - وكتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية حين كبر وخاف العزل: أما بعد، فإنّه قد كبرت سنّي، ورقّ عظمي وقرب أجلي وسفّهني رجال قريش، فرأي أمير المؤمنين في عمله موفّق. فكتب إليه معاوية: أما ما ذكرت من كبر سنّك، فإنّك أكلت بسنّك عمرك؛ وأما ما ذكرت من اقتراب أجلك، فإني لو كنت أستطيع دفع المنيّة لدفعتها عن آل أبي سفيان، وأما ما ذكرت من العمل ف: [من الرجز] ضحّ رويدا يدرك الهيجا حمل فاستأذن معاوية في القدوم فأذن له. قال الربيع بن هزيم: فخرج المغيرة وخرجنا معه إلى معاوية. فقال له: يا مغيرة، كبرت سنّك وقرب أجلك ولم يبق منك شيء، ولا أظنني إلا مستبدلا بك. قال: فانصرف إلينا ونحن نعرف الكآبة فيه، فقلنا: ما تريد أن تصنع؟ قال: ستعلمون ذلك. فأتى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ الأنفس يغدى عليها ويراح، ولست في زمن أبي بكر وعمر؛ وقد اجترح الناس، فلو نصبت لنا علما من بعدك نصير إليه، مع أني قد دعوت أهل العراق إلى يزيد فركنوا إليه حتى جاءني كتابك. قال: يا أبا محمد، انصرف إلى عملك، فأحكم هذا الأمر لابن أخيك. فأقبلنا على البريد نركض. «689» - أصابت المسلمين جولة بخراسان، فمرّ فيهم شعبة بن ظهير على بغلة له، فرآه بعض الرجّالة، فتقدّم له على جذم حائط، فلما حاذاه جال في عجز بغلته، فقال له: اتق الله فإنّها لا تحملني وإيّاك؛ قال: امض فإني والله ما أقدر أن أمشي؛ قال: إنّك تقتلني وتقتل نفسك، قال: امض فهو ما أقول لك. قال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 228 شعبة: فصرف وجه البغلة قبل العدوّ، فقال له: إلى أين تريد؟ قال: أنا أعلم أني مقتول، فلأن أقتل مقبلا خير من أن أقتل مدبرا. فنزل الرجل عن بغلته. «690» - سأل عبد الله بن الزبير معاوية شيئا، فمنعه، فقال: والله ما أجهل أن ألزم هذه البنيّة، فلا أشتم لك عرضا، ولا أقصب لك حسبا، ولكن أسدل عمامتي من بين يدي ذراعا ومن خلفي ذراعا، وأقعد في طريق أهل الشام، فأذكر سيرة أبي بكر وعمر فيقول الناس: هذا ابن حواريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن الصّدّيق، فقال معاوية: حسبك بهذا شرّا، وقضى حاجته. «691» - أتى رجل الأحنف فلطمه، فقال له: لم لطمتني؟ قال: جعل لي جعل على أن ألطم سيّد بني تميم، قال: ما صنعت شيئا، عليك بجارية بن قدامة فإنّه سيّدهم. فانطلق فلطم جارية، فأخذه فقطع يده؛ وإنّما أراد الأحنف ذلك. 692- قال عمر بن يزيد الأسديّ: خفنا أيام الحجاج وجعلنا نودع متاعنا، وعلم جار لنا، فخشيت أن يظهر أمرنا، فعمدت إلى سفط فيه لبن ودفعته إليه، فمكث عنده حتى أمنّا، فطلبته منه، فقال لي: ما وجدت أحدا تودعه لبنا غيري؟! «693» - توجّه عمرو بن العاص حين فتح قيسارية إلى مصر، وبعث إلى علجها فأرسل إليه أن أرسل إليّ رجلا من أصحابك أكلّمه. فنظروا فقال عمرو: ما أرى لهذا أحدا غيري، فخرج ودخل على العلج وكلّمه، فسمع كلاما لم يسمع مثله قطّ، فقال: حدّثني، هل في أصحابك مثلك؟ قال: لا تسل عن هواني عليهم، إلّا أنهم بعثوني إليك وعرّضوني لما عرّضوني لا يدرون ما تصنع بي. فأمر له بجائزة وكسوة، وبعث إلى البوّاب: إذا مرّ بك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 229 فاضرب عنقه وخذ ما معه. فخرج من عنده، فمرّ برجل من نصارى العرب من غسّان فعرفه، فقال: يا عمرو، إنك قد أحسنت الدخول، فأحسن الخروج، فرجع، فقال له الملك: ما ردّك؟ قال: نظرت فيما أعطيتني فلم أجده يسع بني عمّي، فأردت أن أجيئك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطيّة وتكسوهم بهذه الكسوة، فيكون معروفك عند عشرة خيرا من أن يكون عند واحد. قال: صدقت، فأعجل بهم إليّ. وبعث إلى البوّاب أن خلّ سبيله. فخرج عمرو وهو يتلفّت حتّى إذا أمن قال: لا أعود إلى مثلها أبدا، فما فارقها عمرو حتى صالحه. فلما أتي بالعلج قال: أنت هو؟! قال عمرو: نعم على ما كان من غدرك. «694» - كانت لأيمن بن خريم الأسديّ منزلة من معاوية، وكان معاوية قد ضعف عن النّساء، وكان يكره أن يذكر عنده أحد يوصف بالجماع. فجلس ذات يوم وفاختة زوجته قريبة منه حيث تسمع الكلام. فقال: يا أيمن، ما بقي من طعامك وشرابك وجماعك وقوّتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنا والله آكل الجفنة الكبيرة الدّرمك والقدر، وأشرب الرّفد العظيم ولا أقنع بالغمر، وأركض بالمهر الأرن ما أحضر، وأجامع من أوّل الليل إلى السّحر. قال: فغمّ ذلك معاوية، وكلامه هذا بأذني فاختة فجفاه معاوية. فشكا أيمن ذاك إلى امرأته، فقالت: أذنبت ذنبا، فو الله ما معاوية بعنت ولا متجنّ قال: لا والله إلّا كذا وكذا، قالت: هذا والله الذي أغضبه عليك، قال: فأصلحي ما أفسدت، قالت: كفيتك. فأتت معاوية فوجدته جالسا للناس، فأتت فاختة فقالت: ما لك؟ قالت: جئت أستعدي على أيمن، قالت: وما له؟ قالت: ما أدري أرجل هو أم امرأة؟ وما كشف لي ثوبا منذ تزوّجني؛ قالت: فأين قوله لأمير المؤمنين؟ وحكت لها ما قال؛ قالت: ذاك والله الباطل. وأقبل معاوية فقال: من هذه عندك الجزء: 8 ¦ الصفحة: 230 يا فاختة؟ قالت: هذه امرأة أيمن جاءت تشكوه، قال: وما لها؟ قالت: زعمت أنّها لا تدري أرجل هو أم امرأة، وأنّه لم يكشف لها ثوبا منذ تزوّجها. قال: كذاك هو؟ قالت: نعم، فرّق بيني وبينه، فرّق الله بينه وبين روحه. قال معاوية: أوخير من ذلك؟ هو ابن عمّك وقد صبرت عليه دهرا، فأبت، فلم يزل يطلب إليها حتى سمحت له بذلك، فأعطاها وأحسن إليها، وعادت منزلة أيمن عند معاوية كما كانت. «695» - حلف بعض الأعراب أن لا يكشف لامرأته ثوبا، فسأل القاضي، فأمره باعتزالها، فقالت مريم بنت الحريش: تكشف هي ثوبها صاغرة قميّة، فأمره القاضي بذلك. «696» - حدّث المدائنيّ أنّ مخارق بن عفار ومعن بن زائدة في فوارس لقيا رجلا في بلاد الشرك ومعه جارية لم ير مثلها شبابا وجمالا، فصاحوا به: خلّ عنها، ومعه قوس له، فرمى بعضهم فجرحه، فهابوا الإقدام عليه؛ ثم عاد ليرمي فانقطع وتره، فأسلم الجارية وأسند في جبل كان قريبا منه، فابتدروا الجارية وكان في أذنها قرط وفيه درّة، فانتزعه بعضهم، فقالت: وما قدر هذه؟ فكيف لو رأيتم درّتين في قلنسوته؟ فاتّبعوه، فقال: ما لكم، ألم أدع لكم بغيتكم؟ قالوا: ألق ما في قلنسوتك، فرفع قلنسوته فإذا فيها وتر للقوس كان قد أعدّه وأنسيه من الدّهش. فلما رآه عقده في قوسه، فولّى القوم ليس لهم همّة إلا أن ينجوا بأنفسهم وخلوا عن الجارية. «697» - قال المدائنيّ: كان الحجاج حسودا لا ينشيء صنيعة إلا أفسدها؛ فلما وجّه عمارة بن تميم اللّخميّ إلى ابن الأشعث وعاد بالفتح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 231 حسده، فعرف ذلك عمارة وكره منافرته، وكان عاقلا رفيقا. فظلّ يقول: أصلح الله الأمير، أنت أشرف العرب، من شرّفته شرف، ومن صغّرته صغر، وما ابن الأشعث وخلعه؟ حتى استوفد عبد الملك الحجاج وسار عمارة معه يلاطفه، وقدموا على عبد الملك، وقامت الخطباء بين يديه في أمر الفتح. فقام عمارة فقال: يا أمير المؤمنين، سل الحجاج عن طاعتي وبلائي، فقال الحجاج: يا أمير المؤمنين، لقد أخلص الطاعة وأبلى الجميل وأظهر البأس، من أيمن الناس نقيبة، وأعفّهم سريرة. فلما بلغ آخر التقريظ قال عمارة: أرضيت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فرضي الله عنك. قال عمارة: فلا رضي الله عن الحجاج يا أمير المؤمنين ولا حفظه ولا عافاه؛ فهو الأخرق السّيّيء التدبير، الذي قد أفسد عليك العراق وألّب عليك الناس، وما أتيت إلا من خرقه وقلّة عقله وفسالة رأيه وجهله بالسياسة، ولك منه يا أمير المؤمنين أمثالها إن لم تعزله. فقال الحجاج: مه يا عمارة! فقال: لا مه ولا كرامة! يا أمير المؤمنين، كلّ امرأة له طالق وكلّ مملوك له حرّ إن سرت تحت راية الحجاج أبدا. فقال عبد الملك: ما عندنا أوسع لك. «698» - قدم معاوية المدينة ودخل المسجد، وسعد بن أبي وقاص جالس إلى ركن المنبر. فصعد المنبر فجلس في مجلس النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال له سعد: يا معاوية، أجهلت فنعلّمك أم جننت فنداويك؟ فقال: يا أبا إسحاق، إني قدمت على قومي على غير تأهّب لهم، وأنا باعث لهم بأعطياتهم إن شاء الله تعالى. فسمع الناس كلام معاوية ولم يسمعوا كلام سعد. وانصرف الناس يقولون: كلّمه سعد في العطاء فأجابه إليه. «699» - جاء بازيار لعبد الله بن طاهر فأعلمه أنّ بازيّا له انحطّ على عقاب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 232 فقتلها، فقال: اذهب فاقطف رأسه، فقال: إنّه قتل العقاب! فقال: اقتله فإني لا أحبّ لشيء أن يجترىء على ما فوقه. وأراد أن يبلغ ذلك المأمون فيسكن إلى جانبه. «700» - غضب المأمون على رجل فقال له: لأقتلنّك ولآخذنّ مالك، اقتلوه! فقال أحمد بن أبي دواد: إذا قتلته، فمن أين تأخذ المال؟ قال: من ورثته. فقال: إذن تأخذ مال الورثة، وأمير المؤمنين يأبى ذلك. فقال: يؤخّر حتى يستصفى ماله، فانفض المجلس وسكن غضبه، وتوصّل إلى خلاصه من بعد. «701» - مرض مولى لسعيد بن العاص ولم يكن له من يخدمه، فبعث إلى سعيد، فلما أتاه قال: إنّه ليس لي وارث غيرك، وهاهنا ثلاثون ألف درهم مدفونة، فإذا أنا متّ فخذها بارك الله لك فيها. فقال سعيد حين خرج من عنده: ما أرانا إلّا وقد أسأنا إلى مولانا وقصّرنا في تعاهده، وهو من شيوخ موالينا. فبعث إليه وتعاهده، ووكل به من يخدمه. فلما مات كفّنه وشهد جنازته، فلما رجع إلى البيت أمر بأن يحفر الموضع، فلم يجد فيه شيئا. وجاء صاحب الكفن فطالب بالكفن، فقال: والله لقد هممت أن أنبش عن ابن الفاعلة. «702» - بعث يزيد بن معاوية عبد الله بن عضاه الأشعريّ إلى ابن الزبير فقال له: إنّ أوّل أمرنا كان حسنا فلا تفسده بأخرة. قال ابن الزبير: إنّه ليست ليزيد في عنقي بيعة. فقال له: لو كانت، أكنت تفي بها؟ قال: نعم. قال: يا معشر المسلمين. قد سمعتم ما قال، وقد بايعتم ليزيد، وهو يأمركم بالرجوع عن بيعته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 233 «703» - جاءت امرأة إلى أبي حنيفة فقالت: إنّ زوجي حلف بطلاقي أن أطبخ قدرا أطرح فيها مكّوكا من الملح فلا يتبيّن طعم الملح فيما يؤكل منها، فقال: خذي قدرا واجعلي فيها الماء، واطرحي فيها مكّوكا ملحا واطرحي فيه بيضا واسلقيه، فإنّه لا يوجد طعم الملح في البيض. «704» - قال الحجاج لمحمد بن عمير بن عطارد: اطلب لي امرأة حسنة [1] أتزوّجها، قال: قد وجدتها إن زوّجها أبوها. قال: ومن هذا الذي يمتنع من تزويجي؟ قال: أسماء بن خارجة، يدّعي أنه لا كفؤ لبناته إلا الخليفة. قال: فأضمرها الحجاج إلى أن دخل عليه أسماء، فقال: ما هذا الفخر والتطاول؟ قال: أيّها الأمير، إنّ تحت هذا شيئا، قال: بلغني أنك تزعم أن لا كفؤ لبناتك إلا الخليفة! فقال: والله ما الخليفة بأحب أكفائهنّ إليّ، ولنظرائي من العشيرة أحبّ إليّ منه؛ لأنّ من خالطني منهم حفظني في حرمتي، وإن لم يكن يحفظني قدرت على أن أنتصف منه، والخليفة لا ينتصف منه إلا بمشيئته، وحرمته مضيمة مطّرحة، مقدم عليها من ليس مثلها، ولسان ناصرها أقطع. قال: فما تقول في الأمير خاطبا هندا؟ فزوّجه إيّاها وحوّلها إليه، فلمّا أتى على الحديث حولان دخل أسماء على الحجّاج فقال: هل أتى الأمير ولد بحمد الله تعالى على هيئته يسرّ به؟ قال: أما من هند فلا. فقال: هل أتى الأمير ولد الأمير من هند ومن غير هند عندي بمنزلة؛ قال: والله إني لأحبّ ذلك من هند؛ قال: فما يمنع الأمير من الضّرّ، فإنّ الأرحام تتغاير، قال: أو تقول هذا القول وعندي هند؟ قال: أحبّ أن يفشو نسل الأمير، فقال: ممّن؟ قال: على الأمير بهذا الحيّ من تميم، فنساؤهم مناجيب؛ قال: فأيّهنّ؟ قال: ابنة محمد بن عمير، قال: إنه لا فارغة   [1] نثر: حسبية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 234 له، قال: ما فعلت فلانة ابنته؟ فلما دخل إليه محمد بن عمير، قال: ألا تزوج الأمير؟ قال: لا فارغة لي، قال: فأين فلانة؟ قال: زوّجتها من ابن أخي البارحة، قال: أحضر ابن أخيك، فإن أقرّ بهذا ضربت عنقه. فجيء بابن أخيه وأبلغ ما قال الحجّاج. فلما مثل بين يديه قال: بارك الله لك يا فتى؟ قال: في ماذا؟ قال: في مصاهرتك لعمّك البارحة، قال: ما صاهرته البارحة ولا قبلها، قال: فانصرف راشدا. ولم ينصرف محمد حتى زوّجه ابنته. وحضر بعد ذلك يوما جماعة من الأشراف باب الحجاج فحجب الجميع غير أسماء ومحمد. فلما دخلا قال: مرحبا بصهري الأمير، سلاني ما تريدان أشفّعكما، فلم يبقيا عانيا إلا أطلقاه، ولا مجمّرا إلّا أقفلاه. فلما خرجا أتبعهما الحجّاج من يحفظ كلامهما، فلما فارقا الدار ضرب أسماء يده على كتف محمد وأنشأ يقول: [من الطويل] جزيتك [1]- ما أسديته يا ابن حاجب ... وفاء كعرف الديك أو قذّة النّسر في أبيات كثيرة. فعاد الرجل فأخبر الحجّاج. فقال: لله درّ ابن خارجة إذا وزن بالرجال رجح! «705» - مرّ زياد بأبي العريان فقال: من هذا؟ قيل: زياد بن أبي سفيان، فقال: ربّ أمر قد نقضه الله، وعبد قد ردّه الله. فسمعها زياد فكره الإقدام عليه وكتب بها إلى معاوية، فأمره بأن يبعث إليه ألف دينار ويمرّ ويسمع ما يقول. ففعل زياد ذلك، ومرّ به فقال: من هذا؟ قالوا: زياد، قال: رحم الله أبا سفيان، لكأنّها   [1] الأغاني: دونك ما أسديته يا بن حاجب ... سواء كعين الديك أو قذة النسر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 235 تسليمته ونغمته. فكتب بها زياد إلى معاوية، فكتب إلى أبي العريان: [من البسيط] ما لبّثتك دنانير رشيت بها ... أن لوّنتك أبا العريان ألوانا فدعا أبو العريان وأملى عليه إلى معاوية: [من البسيط] من يسد خيرا يجده حيث يطلبه ... أو يسد شرّا يجده حيثما كانا «706» - لمّا كتب أمان عبد الله بن علي واستفتي ابن المقفّع فيه، وكان كاتب أخيه سليمان بن علي، وأكّد سليمان بن علي واخوته الأيمان والعهود على المنصور في أمانه قال لهم المنصور: هذا لازم إلا إذا وقعت عيني عليه، فلما دخل داره أمر أن يعدل به ولم يره المنصور فحبس. فكانت هذه تعدّ من حيل المنصور. «707» - ولمّا كتب المنصور إلى عامله بالبصرة بقتل ابن المقفّع جاء عمومته فأحضروا الشّهود بأنّ ابن المقفّع دخل إلى دار الوالي ولم يخرج منها، فطالبوه بالقود منه. قال المنصور: إن أنا أقدت من عاملي وقتلته، ثم خرج عليكم ابن المقفّع من هذا الباب، من الذي يرضى بأن أقتله بعاملي قودا منه؟ فسكن القوم وأهدروا دم ابن المقفّع. «708» - لمّا دخل الضحاك بن بشر الشيبانيّ الخارجيّ الكوفة قيل له: لم تقتل أهل الأطراف ومعك بالكوفة أصل الإرجاء أبو حنيفة؟ فأرسل إليه فأحضره. فلمّا رآه قال: اضربوا عنقه، من قبل أن يكلّمه. فقال أبو حنيفة: كفرت، قال: ولم؟ قال: تقتل رجلا لم تسمع كلامه؟ قال: ما تقول في الإيمان؟ قال: هو قول. قال: قد صحّ كفرك، اضربوا عنقه. قال: تضرب عنق رجل لم تستتبه؟ قال: فما تقول؟ قال: أنا تائب، فتركه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 236 «709» - قال عباس بن سهل الساعدي: لمّا ولي عثمان بن حيّان المرّي المدينة، عرّض ذات يوم بذكر الفتنة، فقال له بعض جلسائه: عباس بن سهل كان شيعة لابن الزبير، وكان قد وجّهه في جيش إلى المدينة. قال عباس: فتغيّظ عليّ وآلى ليقتلني. فبلّغت ذلك فتواريت عنه حتى طال عليّ ذلك، فلقيت بعض جلسائه، فشكوت ذلك إليه وقلت: قد أمّنني أمير المؤمنين عبد الملك، فقال لي: ما يخطر ذكرك إلا تغيّظ عليك وأوعدك؛ وهو ينشط في الحوائج على طعامه ويشكر، فاحضر طعامه ثم كلّمه بما تريد. ففعلت، فأتي بجفنة ضخمة فيها الثّردة عليها اللّحم. فقلت: لكأني أنظر إلى جفنة حيّان بن معبد يتكاوس الناس عليها بناحيته؛ ووصفت له ناحية. فجعل يقول: أرأيته؟ فقلت: لعمري كأني أنظر إليه حين خرج علينا وعليه مطرف خزّ يجرّ هدبه يتعلّق به حسك السّعدان، ما يكفّه عنه؛ ثم يؤتى بجفنة كأني أنظر إلى الناس يتكاوسون عليها، منهم القائم ومنهم القاعد. قال: ومن أنت رحمك الله؟ قلت: آمنّي أمنّك الله، قال: قد آمنتك، قلت: أنا عباس بن سهل الساعديّ، قال: فمرحبا بك وأهلا أهل الشرف والحقّ. قال عباس: فرأيتني وما بالمدينة رجل أوجه منّي عنده. قال: فقال بعض القوم بعد ذلك: يا عبّاس، أأنت رأيت حيّان بن معبد يسحب الخزّ يتكاوس الناس على جفنته؟ فقلت: والله لقد رأيته ونزلنا ناحية فأتانا في رحالنا وعليه عباءة قطوانية، فجعلت أذوده بالسوط عن رحالنا خيفة أن يسرقني. «710» - قال الشعبيّ: وجّهني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم فلما وصلت إليه جعل يسائلني عن أشياء فأخبره بها. فأقمت عنده أياما، ثم كتب جواب كتابي، فلما انصرفت دفعته إلى عبد الملك، فجعل يقرأه ويتغيّر لونه. ثم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 237 قال: يا شعبيّ، علمت ما كتب به إليّ الطاغية؟ قلت: يا أمير المؤمنين كانت الكتب مختومة، ولو لم تكن مختومة ما قرأتها وهي إليك. قال: إنّه كتب إليّ: إنّ العجب من قوم يكون فيهم مثل من أرسلت به فيملّكون غيره. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين ذاك لأنّه لم يرك. قال: فسرّي عنه. ثم قال: إنّه حسدني عليك فأراد أن أقتلك. «711» - أخذ الحكم بن أيوب إياس بن معاوية في ظنّة الخوارج، فقال له الحكم: إنّك خارجيّ منافق، وأوسعه شتما. ثم قال له: ائتني بكفيل، فقال: اكفل أيها الأمير بي، فما أحد أعرف منك بي. قال: وما علمي بك وأنا من أهل الشام وأنت من أهل العراق؟ فقال له إياس: ففيم هذه الشهادة منذ اليوم؟ 712- وقد احتال بمثلها بعض أهل زماننا. كان بهروز الخادم الغياثي وهو على العراق قد أولع بتتبّع الباطنية وقتلهم، ونصب لهم بعض العلويين ممّن يزعم أنّه كان على مذهبهم وتاب وادّعى معرفتهم؛ وملأ السّجن منهم، وقتل بشرا كثيرا ادّعى عليهم هذا المذهب. فدخل يوما محاسن بن حفص المغنّي دار بهروز، فرأى هذا العلويّ، فاعتنقه وألطف له في السلام والسؤال وذاك لا يعرفه. فبهت إليه وقال له: من أنت؟ قال: أوما تعرفني؟ أنا صديقك. فقال: والله ما أعرفك. وكان هذا بحضرة القاضي أحمد بن سلامة الكرخيّ. فقال له محاسن: يا سيّدنا، اشهد عليه أنّه لا يعرفني، فضحك الحاضرون وصارت نادرة. 713- دعا المنصور ابن أبي ليلى وأراده على القضاء فأبى، فتوعّده إن لم يفعل، فأبى أن يفعل. ثم إنّ غداء المنصور حضر فأتي بصحفة فيها مثال رأس، فقال لابن أبي ليلى: خذ أيّها الرجل من هذا. قال ابن أبي ليلى: فجعلت أضرب بيدي إلى الشيء. فإذا وضعته في فمي سال فلا أحتاج إلى مضغه. فلما فرغ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 238 جعل يلحس الصحفة، فقال له: يا محمد، أتدري ما كنت تأكل؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: هذا مخّ الثنيان معقود بالسكّر الطبرزد؛ وتدري بكم يقوم بهذه الصحفة علينا؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين؛ قال: تقوم بثلاثمائة وبضعة عشر؛ قال: أتدري لم ألحسها؟ هذه صحفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنا أطلب البركة بذلك. فلما خرج ابن أبي ليلى من عنده رفع رأسه إلى الربيع وقال: لقد أكل الشيخ عندنا أكلة لا يفلح بعدها أبدا. فلما كان عشاء ذلك اليوم راح ابن أبي ليلى إلى المنصور فقال: يا أمير المؤمنين فكّرت فيما عرضت عليّ، فرأيت أنّه لا يسعني خلافك، فولّاه القضاء؛ ثم قال للربيع: كيف رأيت حديثي بالشيخ؟ 714- عاتبت أم جعفر الرشيد في تقريظه للمأمون دون ابنها محمد، فدعا خادما بحضرته وقال: وجّه إلى محمد وعبد الله خادمين خصيّين يقولان لكلّ واحد منهما على الخلوة ما يفعل به إذا أفضت الخلافة إليه. فأما محمد فإنّه قال للخادم: أقطعك وأعطيك وأقدّمك. وأما المأمون فإنّه رمى الخادم بدواة كانت بين يديه وقال: يا ابن اللّخناء، تسألني عمّا أفعل بك يوم يموت أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين، وإنّي لأرجو أن نكون جميعا فداء له. فرجعا بالخبرين، فقال الرشيد لأمّ جعفر: كيف ترين؟ ما أقدّم ابنك إلّا طلبا لرضاك وتركا للحزم. [ مثل على لسان الحيوان ] «715» - وممّا ضربوه مثلا على لسان الحيوان قالوا: صاد رجل قبّرة، فلما صارت في يده قالت: وما تريد أن تصنع بي؟ قال: أريد أن أذبحك وآكلك، قالت: فإني لا أشفي من قرم، ولا أشبع من جوع، فإن تركتني علّمتك ثلاث كلمات هي خير لك من أكلي. أما الأولى فأعلّمك وأنا في يدك، وأما الثانية فأعلّمك وأنا على الشجرة، وأما الثالثة فأعلّمك وأنا على الجبل. فقال: هات الأولى، قالت: لا تلهّفنّ على ما فاتك، فتركها وصارت على الشجرة، ثم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 239 قالت: لا تصدّق ما لا يكون، ثم قالت: يا شقيّ، لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّتين هما خير لك من كنز. فعضّ على شفتيه متلهّفا ثم قال: علّميني الثالثة، فقالت: أنت قد أنسيت الثنتين فكيف أعلّمك الثالثة؟ ألم أقل لك: لا تلهّفنّ على ما فاتك ولا تصدّقنّ ما لا يكون؟ أنا وريشي ولحمي لا يكون وزنه درّتين، فكيف يكون في حوصلتي ذلك؟ ثمّ طارت فذهبت. [ عود إلى الأخبار ] 716- قال الحجّاج يوما: عليّ بعدوّ الله معبد الجهنيّ، وكان في حبسه قد حبسه في القدر، فأتي به وهو شيخ ضعيف، فقال: تكذّب بقدر الله؟ قال: أيّها الأمير، ما أحبّ إليك أن تكون عجولا، إنّ أهل العراق أهل بهت وبهتان، وإنّي خالفتهم في أمر فشهدوا عليّ. قال: وفيم خالفتهم؟ قال: زعموا أنّ الله تعالى قدّر عليهم وقضى قتل عثمان، وزعمت أنا أنّهم كذبوا في ذلك، قال: صدقت أنت وكذبوا، خلّوا سبيله. 717- كان أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان يسير بالحاجّ في أيّام المقتدر، وكانت بينه وبين الهجريّ سليمان بن الحسن الجنابيّ وقعة بالهبير، فأسر أبا الهيجاء، ونفس به عن القتل لبأسه وفضائله، فاستحياه واستباح الحاجّ. وكان فيمن أسر العمّ، وهو عمّ السيّدة أمّ المقتدر. فلما حصلا عنده في بلده أكرم أبا الهيجاء وبسطه وأكثر من محاضرته. قال أبو الهيجاء في حديث طويل: فكنت أغضّ من العمّ عنده وأطنز به وبغيره ممّن حصل في الأسر من أصحاب المقتدر حتى استللتهم منه. ثمّ إنّه طمع في العمّ طمعا شديدا، واستعصى عليّ في إطلاقه خاصّة، حتى قلت له في بعض الأيّام: يدري السيّد بكم يقوّم هذا المخنّث على السلطان في كلّ سنة؟ قال: لا والله؛ قلت: إنك لو أردت أن تنكب صاحبه بأكثر من إطلاقه وإرساله لما قدرت. قال: وكيف؟ قلت: لأنّه يرزق منه في كلّ سنة لنفسه وولده وسبيه وهم قوم على صورته في التخنيث والبلاء، وهذا رأسهم في الثّكل والعمى، مائة ألف دينار، وفي يده من الأقطاع والأملاك ما ارتفاعه مائة ألف دينار، وتقضى له حوائج في السنة بمثلها، فيتهيّأ أن يكون في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 240 النكبات أكثر من هذا، وهو معه لا يصلح لطفيء سراج بقّال. قال: قد والله صدق أبو الهيجاء، أطلقوا هذا إلى لعنة الله. فكان هذا أصل خلاصه. قال أبو الهيجاء: وهو الآن يشكوني ويقول: كان يستخفّ بي ويلطمني بحضرة العدوّ ويخشن اللفظ. وقد كانت العلة، والقصّة أقبح وبها نجا. 718- كان معاوية إذا أتاه عن بطريق من بطارقة الروم كيد للاسلام احتال له فأهدى إليه وكاتبه حتى يغري به ملك الروم. فكانت رسله تأتيه بأنّ هناك بطريقا يؤذي الرسل ويطعن عليهم ويسيء عشرتهم. فقال معاوية: أيّ ما في عمل الإسلام أحبّ إليه؟ فقيل له: الخفاف الحمر ودهن البان، فألطفه بها حتى عرفت رسله باعتياده. ثم كتب إليه كتابا كأنّه جواب كتابه منه يعلمه فيه أنّه وثق بما وعده به من نصره وخذلان ملك الروم؛ وأمر الرسول لأن يظهر على الكتاب، فلما ذهبت رسله في أوقاتها ثم رجعت إليه، قال: ما حدث هناك؟ قال: فلان البطريق رأيناه مقتولا مصلوبا؛ فقال: أنا أبو عبد الرحمن. 719- لمّا أكره الحجّاج بن يوسف عبد الله بن جعفر على أن يزوّجه ابنته استأجله في نقلها سنة. ففكّر عبد الله في الانفكاك منه، فألقي في روعه خالد بن يزيد بن معاوية فكتب إليه يعلمه ذلك، وكان الحجاج تزوّجها بإذن عبد الملك. فورد على خالد كتابه ليلا فاستأذن من ساعته على عبد الملك، فقيل له: أفي هذا الوقت؟ فقال: إنّه أمر لا يؤخّر، فأعلم عبد الملك بذلك فأذن له. فلما دخل عليه قال له عبد الملك: فيم السّرى يا أبا هاشم؟ قال: أمر جليل لم آمن أن أؤخّره فتحدث عليّ حادثة فلا أكون قضيت حقّ بيعتك. قال: وما هو؟ قال: أتعلم أنّه كان بين حيّين من العداوة ما كان بين آل الزبير وآل أبي سفيان؟ قال: لا، قال: فإنّ تزوّجي إلى آل الزبير حلّل ما كان لهم في قلبي، فما أهل بيت أحبّ إليّ اليوم منهم. قال: فإنّ ذلك ليكون. قال: فكيف أذنت للحجّاج أن يتزوّج من بني هاشم وأنت تعلم ما يقولون وما يقال فيهم، والحجاج من سلطانك بحيث علمت؟ فجزاه خيرا، وكتب إلى الحجّاج بعزمه أن يطلّقها، فطلّقها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 241 فغدا الناس عليه يعزّونه عنها. 720- تقدّم رجل إلى سوّار بن عبد الله يدّعي دارا وامرأة تدافعه وتقول لسوّار: إنّها والله خطة ما وقّع فيها كتاب قطّ. فأتى المدّعي بشاهدين فعرفهما سوّار، فشهدا له بالدار. فجعلت المرأة تنكر إنكارا يعضده التصديق ثم قالت: سل عن الشهود، فإنّ الناس يتغيّرون. فردّ المسألة، فحمد الشاهدان، فلم يزل يريّث أمورهم ويسأل الجيران، وكلّ يصدّق المرأة، والشاهدان قد ثبتا. فشكا ذلك إلى عبيد الله بن الحسن العنبريّ وهو ابن عمّ سوّار. فقال له عبيد الله: أنا أحضر معك مجلس الحكم وآتيك بالجليّة إن شاء الله. فقال للشاهدين: ليس للقاضي أن يسألكما كيف شهدتما ولكن أنا أسألكما، فقالا: أراد هذا الحجّ، فأدارنا على حدود الدار من خارج وقال: هذه داري، فإن حدث بي حدث فلتبع وتقسم على سبيل كذا. قال: فعندكما غير هذه الشهادة؟ قالا: لا، قال: الله أكبر! وكذا لو أدرتكما على دار سوّار وقلت لكما مثل هذه المقالة، أكنتما تشهدان بها لي؟ ففهما أنّهما قد اغترّا، فكان سوّار بعدها إذا سأل عن عدالة الشاهد يتبع المسألة أن يقول: أفجائز للعدالة هو؟ «721» - أطرد الحجاج عمران بن حطّان، أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل، وكان رأس القعدة من الخوارج الصّفريّة، فكان ينتقّل في القبائل، فإذا نزل في حيّ انتسب نسبا يقرب منه. فنزل مرّة عند روح بن زنباع الجذاميّ، وكان يقري الأضياف، فانتمى له من الأزد. وكان لا يسمع شعرا نادرا ولا غريبا عند عبد الملك، فيسأل عنه عمران بن حطّان إلّا عرفه وزاد فيه. فذكر ذلك لعبد الملك فقال: إنّ لي جارا من الأزد ما أسمع من أمير المؤمنين خبرا ولا شعرا إلا عرفه وزاد فيه. قال: خبّرني بعض أخباره، فخبّره وأنشده فقال: إنّ اللغة عدنانيّة، وإني لأحسبه عمران بن حطّان، حتى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 242 تذاكروا قول عمران بن حطّان: [من البسيط] يا ضربة من تقيّ ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه ... أوفى البريّة عند الله ميزانا فلم يدر عبد الملك لمن هو، فرجع روح فسأل عمران بن حطّان عنه فقال: هذا يقوله عمران بن حطّان يمدح به عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله ولعن مادحه، قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فرجع روح فأخبره، فقال عبد الملك: ضيفك عمران بن حطّان قبّحه الله، اذهب فجيء به، فرجع إليه فقال: إنّ أمير المؤمنين قد أحبّ أن يراك. قال له عمران: قد أردت أن أسألك ذلك فاستحييت منك، فامض فإني بالأثر. فرجع روح إلى عبد الملك فخبّره، فقال له عبد الملك: أما إنّك سترجع فلا تجده. فرجع وعمران بن حطّان قد احتمل، وخلّف رقعة فيها: [من البسيط] يا روح كم من أخي مثوى نزلت به ... قد ظنّ ظنّك من لخم وغسّان حتى إذا خفته فارقت منزله ... من بعد ما قيل عمران بن حطّان قد كنت جارك حولا لا تروّعني ... فيه روائع من إنس ولا جان حتى أردت بي العظمى فأدركني ... ما أدرك الناس من خوف ابن مروان فاعذر أخاك ابن زنباع فإنّ له ... في النائبات خطوبا ذات ألوان يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معدّيا فعدناني لو كنت مستغفرا يوما لطاغية ... كنت المقدّم في سرّي وإعلاني لكن أبت لي آيات مطهّرة ... عند التلاوة في طه وعمران 722- لمّا طالت الحرب بين الخوارج وبين المهلّب بن أبي صفرة، ورأى ثباتهم وأنّهم كلّما تفرّقوا بالحرب عادوا وتجمّعوا باتفاق أهوائهم، علم أنّه لا يظفر بهم ظفرا تامّا ويستأصلهم إلّا باختلاف يقع بينهم. وكان في الخوارج الجزء: 8 ¦ الصفحة: 243 حدّاد يعمل نصالا مسمومة فيرمي بها أصحاب المهلّب، فوجّه المهلّب رجلا من أصحابه بكتاب وألف درهم إلى عسكر قطريّ والخوارج، فقال: ألق هذا الكتاب في العسكر واحذر على نفسك. وكان الحدّاد يقال له: أبزى. فمضى الرجل، وكان في الكتاب: أما بعد، فإنّ نصالك قد وصلت إليّ، وقد وجّهت إليك بألف درهم فاقبضها، وزدنا من هذه النّصال. فوقع الكتاب إلى قطريّ فدعا بأبزى، فقال له: ما هذا الكتاب؟ قال: لا أدري، قال: فهذه الدراهم؟ قال: لا أعلم علمها، فأمر به فقتل. فجاء عبد ربّه الصغير مولى بني قيس بن ثعلبة فقال له: أقتلت رجلا على غير ثقة ولا تبيّن؟ قال: فما حال هذه الدراهم؟ قال: يجوز أن يكون أمرها كذبا ويجوز أن يكون حقّا. فقال له قطريّ: فقتل رجل في صلاح الناس غير منكر، وللإمام أن يحكم بما رآه صلاحا، وليس للرعيّة أن تعترض عليه. فتنكّر عبد ربّه في جماعة معه ولم يفارقوه. فبلغ ذلك المهلّب فدسّ إليه رجلا نصرانيّا، فقال له: إذا رأيت قطريّا فاسجد له، فإذا نهاك فقل: إنّما سجدت لك، ففعل النصرانيّ فقال له قطريّ: إنّما السجود لله، فقال: ما سجدت إلا لك. فقال له رجل من الخوارج: قد عبدك من دون الله، وتلا: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (الأنبياء: 98) . فقال له قطريّ: إنّ هؤلاء النصارى قد عبدوا المسيح ابن مريم فما ضرّ المسيح ذلك شيئا. فقام رجل من الخوارج إلى النصرانيّ فقتله، فأنكر ذلك عليه وقال: أقتلت ذميّا؟! فاختلفت الكلمة، فبلغ ذلك المهلّب فوجّه إليهم رجلا يسألهم عن شيء تقدّم به إليه. فقال: أرأيتم رجلين خرجا مهاجرين إليكما، فمات أحدهما في الطريق، وبلغكم الآخر فامتحنتموه فلم يجز المحنة، ما تقولون فيهما؟ فقال بعضهم: أما الميّت فمؤمن من أهل الجنّة، وأما الذي لم يجز فكافر حتى يجيزها. فقال له قوم آخرون: بل هما كافران حتى يجيز المحنة. فكثر الاختلاف بينهم، وكان سبب تفرّقهم وتمكّن المسلمين منهم وانقطاع دابرهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 244 «723» - كان أبو جعفر المنصور أيام بني أميّة إذا دخل البصرة دخل مستترا يجلس في حلقة أزهر السّمّان المحدّث. فلما أفضت إليه الخلافة قدم عليه، فرحّب به وقرّبه وقال: حاجتك يا أزهر، قال: يا أمير المؤمنين، داري متهدّمة، وعليّ أربعة آلاف دينار، وأريد أن أزوّج محمدا ابني، فوصله باثني عشر ألفا وقال: قد قضينا حاجتك يا أزهر، فلا تأتنا طالبا، فأخذها وانصرف. فلما كان بعد سنة أتاه، فقال له أبو جعفر: ما جاء بك يا أزهر؟ قال: جئت مسلّما. قال: إنه يقع في خلد أمير المؤمنين أنك جئت طالبا، فقال: ما جئت إلا مسلّما. قال: قد أمرنا لك باثني عشر ألفا، واذهب ولا تأتنا طالبا ولا مسلّما. فأخذها ومضى، فلما كان بعد سنة أتاه، قال: ما جاء بك يا أزهر؟ قال: جئت عائدا، قال: إنّه وقع في خلدي أنّك جئت طالبا، قال: ما جئت إلا عائدا، قال: قد أمرنا لك باثني عشر ألفا، ولا تأتنا طالبا ولا مسلّما ولا عائدا، فأخذها وانصرف. فلما مضت السنة أقبل، قال: ما جاء بك يا أزهر؟ قال: دعاء كنت أسمعه منك يا أمير المؤمنين تدعو به جئت لأكتبه فإنّه مستجاب. فضحك المنصور وقال: إنّه غير مستجاب؛ وذاك أني دعوت الله تعالى أن لا أراك، فلم يستجب لي، وقد أمرنا لك باثني عشر ألفا، وتعالى إذا شئت، فقد أعيتني الحيلة فيك. «724» - أكثر الأحوص من التشبيب بأمّ جعفر، وهي امرأة من الأنصار، ولم يكن بينهما معرفة، فنهاه عنها أخوها أيمن فلم ينته. فاستعدى عليه عمر بن عبد العزيز، فربطهما في حبل ودفع إليهما سوطين وقال لهما: تجالدا، وقد ذكرنا خبرهما في ذلك في باب الأجوبة الدامغة. فلما أعيا أمّ جعفر أمر الأحوص جاءت إليه وهي منتقبة فوقفت عليه في مجلس قومه ولا يعرفها، فقالت: اقضني ثمن الغنم التي ابتعتها مني، قال: ما ابتعت منك شيئا. فأظهرت كتابا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 245 قد وضعته عليه وبكت وشكت حاجة وضرّا وقالت: يا قوم كلّموه، فلامه قومه وقالوا له: أوصل [1] إلى المرأة حقّها. فجعل يحلف ما يعرفها ولا رآها قطّ. فكشفت وجهها وقالت: ويلك، ما تعرفني؟! فجعل يحلف مجتهدا أنّه ما رآها قطّ ولا يعرفها، حتى استفاض قولها وقوله، واجتمع الناس وكثروا وسمعوا ما دار بينهما، وكثر لغطهم. ثم قامت وقالت: يا عدوّ الله، صدقت، والله ما لي عليك حقّ ولا تعرفني، وقد حلفت على ذلك وأنت صادق، وأنا أمّ جعفر وأنت تقول: قلت لأمّ جعفر، وقالت لي أمّ جعفر في شعرك. فخجل الأحوص وانكسر عند ذلك، وبرئت عندهم. «725» - سأل ابن جامع المغني الرشيد في أن يأذن له في المهارشة بين الديوك والكلاب، وأن لا يحدّ في النبيذ، فأذن له وكتب له كتابا إلى العثماني عامله على مكة. فلما وصل الكتاب قال: كذبت، أمير المؤمنين لا يحلّ ما حرّم الله، وهذا كتاب مزوّر، والله لئن ثقفتك على حال من هذه الأحوال لأؤدّبنّك أدبك. فحذره ابن جامع. ووقع بين العثماني وحمّاد البربريّ [2]- وهو على البريد- ما يقع بين العمّال. فلما حجّ الرشيد قال حمّاد لابن جامع: أعنّي عليه حتى نعزله، قال: أفعل [3] ، فابدأ أنت فقل لأمير المؤمنين إنّه ظالم فاجر واستشهدني، قال له ابن جامع: هذا لا يقبل في العثماني، ويفهم أمير المؤمنين كذبنا، ولكني أحتال من جهة ألطف من هذه. قال: فسأله الرشيد ابتداء فقال له: يا ابن جامع، كيف أميركم العثماني؟ قال: خير أمير وأفضله وأعدله وأقومه بالحقّ   [1] م: اقض. [2] الأغاني: اليزيدي. [3] م: افعل ما بدا لك. قال. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 246 لولا ضعف في عقله؛ قال: وما ضعفه؟ قال: قد أفنى الكلاب قال: وما دعاه إلى قتلها؟ قال: زعم أنّ كلبا دنا من عثمان بن عفّان يوم ألقي على الكناس فأكل وجهه، فغضب على الكلاب فهو يقتلها. فقال: هذا ضعيف العقل فاعزلوه. فكان ذلك سبب عزله. 726- ولي بعض العرب السّعاية على أحياء من العرب والنظر في أمورهم. فاختصم إليه اثنان في غنم كلّ واحد منهما يدّعيها، وليس هناك من يشهد لواحد منهما، فأمرهما أن يجعلا الغنم في موضع- وكان فيها كلب لصاحب الغنم- وأن يبيتا بالقرب منها، فلما كان في الليل أتاهما فقال لأحدهما: قم فأتني [1] برأس من الغنم. فمضى لذلك فنبحه الكلب فعاد، فقال له: اثبت مكانك، ودعا الآخر وقال: اذهب فجئني برأس منها، فجاءه به ولم ينبحه الكلب، فحكم له بالغنم. 727- واختصم إليه اثنان زعم أحدهما أنّ الآخر عبد له، والآخر ينكر. فقال لمدّعي العبد: ما اسم العبد؟ قال: ميمون، وقال للآخر سرّا: ما اسمك: قال عبد الله. فأجلسهما، ولها عنهما ساعة واشتغل بغيرهما، ثم قال: يا ميمون، فقال: لبّيك، قال: اذهب مع مولاك. 728- واختصم إليه شيخ وشابّ في امرأة معها صبيّ كلّ يدّعي أنّها زوجته، وأنّ الصّبيّ ابنه منها، وليس مع واحد منهما بيّنة، والمرأة تعترف للشابّ. ففرّق بينهم وأجلس الصبيّ بين يديه، وأخرج تمرا فأطعمه منه، ثم أعطاه منه وقال: اذهب به إلى أمّك. فذهب إليها فأعطاها التّمر وعاد إليه. فأعطاه تمرا وقال: اذهب بهذا إلى أبيك، فذهب فأعطاه الشيخ، وعاد فأعطاه منه وقال: اذهب به إلى أبيك فأعطاه الشيخ أيضا. فحكم بالمرأة والولد للشيخ. وتهدّد الشابّ حتّى أقرّ بالقصّة [2] على حقيقتها.   [1] م: فجئني. [2] م: بالقضية. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 247 «729» - ابتاع شريك بن عبد الله القاضي من رجل مملوكا عبدا أو أمة، فوجد به عيبا فردّه على البائع بالعيب، فقال له البائع: لا تردده، أنا أربح لك فيه دنانير، قال: أو تفعل؟ قال: نعم، قال: فبعه. فذهب البائع ولم يعرضه، فلما أبطأ على شريك دعا به، فقال له: ألم تقل إنك تربح؟ قال: بلى، قد قلت ذلك؛ قال: فأين الربح؟ قال: ما عرضته؛ قال: فاردد علينا الثمن، قال: ليس إلى ذلك سبيل، قد رضيته بعد العيب أمرتني بعرضه. فعلم شريك أنّه قد وجب عليه، فأمسك. «730» - كان سراقة البارقيّ شاعرا ظريفا أسره المختار في بعض حروبه، فأمر بقتله، فقال: والله لا تقتلني حتى تنقض دمشق حجرا حجرا. فقال المختار: من يخرج أسرارنا؟ ثم قال: من أسرك؟ قال: قوم على خيل بلق عليهم ثياب بيض لا أراهم في عسكرك. فأقبل المختار على أصحابه فقال: إنّ عدوّكم يرى من هذا ما لا ترون، ثم قال له: إني قاتلك، قال: والله يا أمير آل محمد إنك لتعلم أنّ هذا ليس باليوم الذي تقتلني فيه. قال: ففي أيّ يوم أقتلك؟ قال: يوم تضع كرسيّك على باب مدينة دمشق فتدعوني يومئذ فتضرب عنقي. فقال: يا شرطة الله! من يذيع حديثك؟ ثم خلّى عنه، فقال سراقة: [من الوافر] ألا أبلغ أبا إسحاق أني ... رأيت الخيل دهما مصمتات كفرت بوحيكم وجعلت نذرا ... عليّ قتالكم حتى الممات أري عينيّ ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالتّرّهات يروى: ترياه. وهو من أبيات العروض الشواهد. والحرف الذي فيه الزحاف مفاعيل أصله مفاعلتن أسكن خامسه وحذف سابعه، فما أسكن خامسه يسمّى معصوبا، وما يحذف سابعه يسمّى مكفوفا. ويروى: ترأياه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 248 بإظهار الهمز إعادة له إلى الأصل، وهو شاذّ. 731- سخط الرشيد على حميد الطوسي فدعا له بالنّطع والسيف فبكى، فقال: ما يبكيك؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما أفزع من الموت فإنّه لا بدّ واقع، وإنّما بكيت أسفا على خروجي من الدنيا وأمير المؤمنين ساخط عليّ، فضحك وعفا عنه وقال: [من البسيط] إنّ الكريم إذا خادعته انخدعا «732» - ولّى عبد الملك بن مروان أخاه بشرا الكوفة، وكان شاعرا [1] ظريفا غزلا، وبعث معه روح بن زنباع، وكان شيخا متورّعا، فثقل على بشر مراقبته. فذكر ذلك لنديم له، فتوصّل إلى أن دخل بيته ليلا في خفية، فكتب على حائط قريب من مجلسه: [من البسيط] يا روح من لبنيّات وأرملة ... إذا نعاك لأهل المغرب الناعي إنّ ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع فاستوحش من ذلك، وخرج من الكوفة حتى أتى عبد الملك، فحدّثه بذلك، فاستغرب ضحكا، فقال: ثقلت على بشر وأصحابه، فاحتالوا لك. «733» - أراد المنصور أن يعقد للمهديّ ويقدّمه على عيسى بن موسى، فأراده على ذلك وأداره عليه وكتب إليه، فأبى وأجاب بجواب عنيف في آخره: [من البسيط] خيّرت أمرين ضاع الحزم بينهما ... إمّا صغار وإمّا فتنة عمم   [1] م: شابّا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 249 وقد هممت مرارا أن أساقيكم ... كأس المنيّة لولا الله والرّحم ولو فعلت لزالت عنكم نعم ... بكفر أمثالها تستنزل النّقم فلما يئس منه قال لخالد بن برمك: إن كانت عندك حيلة فقدّمها فقد أعيتنا وجوه الحيل. قال: يا أمير المؤمنين، ضمّ إليّ ثلاثين رجلا من كبار الشيعة، فمضوا إليه، فلم يزدد إلا نبوّا، فخرجوا، فقال لهم خالد: ما الحيلة؟ فأعضلتهم، فقال: ما هي إلّا أن نخبر أمير المؤمنين أنّه قد أجاب ونشهد عليه إن أنكر، قالوا: نفعل. فصاروا إلى المنصور وقالوا: قد أجاب، وخرج التوقيع بالبيعة للمهديّ وكتب بذلك إلى الآفاق، وجاء عيسى فأنكر وشهدوا عليه بالإجابة. وكان المهديّ يعرف ذلك لخالد، ويصف جزالة الرأي. فيه. 734- وجد شابّ قتيلا بظهر الطريق أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يقدر على قاتله، فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وجد صبيّ ملقى موضع القتيل، فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله. فدفعه إلى ظئر وقال لها: إن جاءتك امرأة تقبّله وترحمه أعلميني [1] . فلما شبّ وطال إذا هي بجارية قالت لها: إنّ سيدتي تطلب أن تذهبي إليها؛ ففعلت، فضمّته إلى صدرها وقبّلته، وتلك بنت شيخ من الأنصار. فأخبرت عمر، فاشتمل على سيفه وخرج إلى منزلها فوجد الشيخ متّكئا على باب داره، فقال: ما فعلت بنتك؟ قال: جزاها الله خيرا، هي من أعرف الناس بحقّ الله وحقّ أبيها؛ وذكر من حسن صلاتها وصيامها والقيام بدينها. فقال: أحببت أن أزيدها رغبة، فدخل وأخرج من هناك، وقال: أصدقيني خبر القتيل والصبيّ وإلّا ضربت عنقك؛ وكان عمر رضي الله عنه لا يكذب. فقالت: كانت عندي عجوز قد تأمّمتها، فعرض لها سفر فقالت: لي بنت أحبّ أن أضمّها إليك.   [1] م: فاعلميني. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 250 وكان لها ابن أمرد، فجاءت به في هيئة الجارية وأنا لا أشعر، فمكث عندي ما شاء الله؛ ثم اعتقلني وأنا نائمة، فما شعرت حتى خالطني فمددت يدي إلى شفرة فضربته وأمرت أن يلقى على الطريق، وقد أراني اشتملت منه على هذا الصبيّ، فألقيته حيث وجد. فقال لها عمر رحمة الله عليه: صدقتني بارك الله فيك، ثم وعظها ودعا لها وخرج. فقال للشيخ: بارك الله لك في ابنتك، فنعم البنت بنتك! 735- تحاكمت امرأتان إلى إياس في كبّة غزل، فقال لإحداهما: على أيّ شيء كبّبت غزلك؟ قالت: على كسرة، وقال للأخرى: على أيّ شيء كبّبت غزلك؟ قالت: على خرقة، فنقضت الكبّة فإذا هي على كسرة. فسمع بذلك ابن سيرين فقال: ويح له، فما أفهمه! «736» - كان مصعب بن الزبير لا يقدر على عائشة بنت طلحة زوجته إلا بتلاح يناله منها وينالها منه، فشكا ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه، فقال: أنا أكفيك إن أذنت لي، قال: نعم، افعل ما شئت، فإنّها أفضل شيء عندي في الدنيا. فأتاها ليلا معه أسودان، فاستأذن عليها، فقالت له: في مثل هذه الساعة؟ قال: نعم، فأدخلته. فقال للأسودين: احفرا هاهنا بئرا، فقالت له مولاتها: ما تصنع بالبئر؟ قال: شؤم مولاتك؛ أمرني هذا الفاجر أن أدفنها حيّة، وهو أسفك خلق الله لدم حرام. قالت عائشة: فأنظرني أذهب إليه، قال: هيهات لا سبيل إلى ذلك. وقال للأسودين: احفرا، فلما رأت الجدّ منه بكت وقالت: يا ابن أبي فروة، إنّك لقاتلي؟ قال: ما منه بدّ، وإني لأعلم أنّ الله سيخزيه بعدك، ولكنه كافر الغضب. قالت: وفي أيّ شيء غضبه؟ قال: في امتناعك عليه، وقد ظنّ أنّك تبغضينه وتتطلّعين إلى غيره، فقد جنّ. فقالت: أنشدك الله إلا عاودته، قال: أخاف أن يقتلني. فبكت وبكى جواريها، فقال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 251 قد رققت لك، وحلف أنه يغرّر بنفسه، ثم قال لها: فما أقول؟ قالت: تضمن عنّي أني لا أعود أبدا، قال: فما لي عندك؟ قالت: قيام بحقّك ما عشت، فقال: أعطيني المواثيق؛ فأعطته، فقال: مكانكما. وأتى مصعبا وأخبره الخبر، فقال: استوثق منها بالأيمان، قال: قد فعلت؛ وصلحت بعد ذلك لمصعب. «737» - حدّث عقبة بن سلم قال: دعاني أبو جعفر المنصور فسألني عن اسمي ونسبي، فقلت أنا عقبة بن سلم بن نافع الأزديّ [1] ، قال: إني لأرى لك هيئة وموضعا، وإني أريدك لأمر أنا معنيّ به، قلت: أرجو أن أصدّق ظنّ أمير المؤمنين، قال: فأخف شخصك وأتني في يوم كذا وكذا، فأتيته فقال: إنّ بني عمّنا قد أبوا إلا كيدا لملكنا، ولهم شيعة بخراسان بقرية يقال لها كذا وكذا، يكاتبونهم ويرسلون إليهم بألطاف وصدقات، فاخرج بكسى وألطاف حتى تأتيهم متنكّرا بكتاب أكتبه عن أهل تلك القرية، ثم تسير ناحيتهم، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم علمت ذلك وكنت على حذر منهم حتى تلقى عبد الله بن حسن متخشّعا، فإن جبهك- وهو فاعل- فاصبر وعاوده أبدا حتى يأنس بك، فإذا ظهر لك ما في قلبه فاعجل إليّ. ففعل ذلك حتى أنس عبد الله بناحيته، وقال له عقبة: الجواب، فقال: أما الكتاب فلا أكتب، ولكن أنت كتابي إليهم، فأقرئهم السلام، وأخبرهم أني خارج لوقت كذا وكذا. فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر وأخبره الخبر. قال صالح صاحب المصلّى: إني لواقف على رأس أبي جعفر وهو يتغدّى بأوطاس وهو متوجّه إلى مكة، ومعه على مائدته عبد الله بن الحسن، وأبو الكرام الجعفري وجماعة من بني العبّاس، فأقبل على عبد الله بن الحسن فقال: يا أبا محمد،   [1] م: من الأزد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 252 محمد وإبراهيم قد استوحشا من ناحيتي، وإني أحبّ أن يأنسا بي ويأتياني، فأصلهما وأزوّجهما وأخلطهما بنفسي. قال: وعبد الله يطرق طويلا ويقول: وحقّك يا أمير المؤمنين ما لي بهما ولا بموضعهما من البلاد علم، ولقد خرجا عن يدي؛ فيقول: لا تفعل يا أبا محمد، واكتب إليهما وإلى من يوصل كتابك إليهما، قال: فامتنع أبو جعفر من غدائه ذلك اليوم إقبالا على عبد الله، وعبد الله يحلف أنه لا يعرف موضعها، وأبو جعفر يكرّر عليه: لا تفعل يا أبا محمد، لا تفعل يا أبا محمد. وقال أبو جعفر لعقبة بن سلم: إذا فرغنا من الطعام فلحظتك، فامثل بين يدي عبد الله، فإنه سيصرف بصره عنك، فدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينيه منك، ثم حسبك، وإياك أن يراك ما دام يأكل. ففعل عقبة ذلك، فلما رآه عبد الله وثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر وقال: يا أمير المؤمنين أقلني أقالك الله، قال: لا أقالني الله إن أقلتك، ثم أمر بحبسه. 738- كان عيسى بن جعفر متنوّقا، فخاطره الرشيد على مائة ألف أن يلبس ثوبا ليس له مثله، فلما لبسه قال له عيسى: عندي فرش من هذا، فأحضره، وأخذ المال. ثم خاطره على مائة ألف أن يلبس جبّة ليس له مثلها، فأحضر أحسن منها، وانصرف بمائتي ألف، فاغتاظ الرشيد. فقال له إبراهيم بن المهديّ: إن أحببت أن تسترجع المائتين ومثلهما، فخاطره والبس البردة. ودعا به وخاطره فغلبه وأخذ أربعمائة ألف وأعطاها إبراهيم. 739- أراد عمر رضي الله عنه أن يعزل المغيرة بن شعبة عن العراق بجبير بن مطعم وأن يكتم ذلك، وأمر بالجهاز. وأحسّ بذلك المغيرة فأمر جليسا له أن يدسّ امرأته- وكانت تسمّى لقّاطة الحصى- لتدور في المنازل حتى دخلت منزل جبير، فوجدت امرأته تصلح أمره، فقالت: إلى أين يخرج زوجك؟ قالت: إلى العمرة، قالت: كتمك، ولو كان لك عنده منزلة لأطلعك. فجلست متغضّبة فدخل إليها جبير وهي كذلك، فلم تزل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 253 به حتى أخبرها، وأخبرت لقّاطة الحصى. ودخل المغيرة على عمر: فقال: بارك الله لأمير المؤمنين في رأيه وتوليته جبيرا. فقال: كأني بك يا مغيرة فعلت كذا، فقصّ عليه الأمر كأنّما شاهده وقال: أنشدك الله، هل كان ذلك؟ قال: اللهم نعم. ثم رقي المنبر وقال: أيّها الناس، من يدلّني على المخلط المزيل النسيج وحده؟ فقام المغيرة فقال: ما يعرف ذاك في أمّتك غيرك؛ فولّاه، ولم يزل والي العراق حتى طعن عمر. «740» - يقال إنّ الفيل من طبعه الهرب من السّنّور، فحكي عن هارون مولى الأزد- الذي كان يردّ على الكميت ويفخر بقحطان، وكان شاعر أهل المولتان- أنه خبّا معه هرّا تحت حضنه، ومشى بسيفه إلى الفيل وفي خرطومه السيف، والفيّالون يذمرونه؛ فلما دنا منه ألقى الهرّ [1] على وجهه فأدبر الفيل هاربا وتساقط الذين على ظهره، وكبّر المسلمون، وكان سبب الهزيمة. [ خدائع وحيل في الحرب ] 741- ومن الخدائع والحيل في الحرب ما فعله كسرى بن هرمز بالروم. وذلك أنّ شهريزار المقيم بثغر الروم واطأ ملكهم على الغدر بكسرى في خبر طويل، فسار قيصر في أربعين ألفا وخلّف شهريزار في أرض الروم، وكان رجل فارس همّة وشجاعة ومعه رجال فارس وأساورتها. وتفرّق عن كسرى جنده، وكانوا قد أبغضوه. فعلم أن لا طاقة له بالروم، فعمد إلى قسّ نصرانيّ مستبصر في دينه، وقال: إني أكتب معك كتابا لطيفا في حريرة وأجعله في قناة إلى شهريزار، فانطلق به فإنّ قيصر وجنوده لا يتّهمونك، فادفع كتابي هذا إلى شهريزار. وأعطاه على ذلك ألف دينار. وقد علم كسرى أنّ القسّ لا يذهب بكتابه ولا يحبّ هلكة الروم. وكان في الكتاب: إني كتبت إليك وقد دنا قيصر مني، وقد   [1] م: ضربه بالهر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 254 أحسن الله إليك بصنيعك، وقد فرّقت لهم الجيوش، وإني تاركه حتى يدنو مني فيكون قريبا من المدائن، ثم أبث الخيول في يوم كذا، فإذا كان ذلك اليوم فأغر على من قبلك، فإنّه استئصالهم. فخرج القسّ بالكتاب حتى لقي قيصر، وقد كانت أرض العراق صوّرت له، وصوّر النهروان في غير حين المدّ ولم يصوّر المدّ ولا الجسر، فلما انتهى إليه انتهى المدّ وليس عليه جسر. فلما قرأ الكتاب قال: هذا الحقّ، وانصرف منهزما، وأتبعه كسرى بإياس بن قبيصة الطائي وكان يعجب به، فأدركه إياس بساتيدما، فأدركهم مرعوبين، فقتلهم قتل الكلاب، ونجا قيصر في جماعة من أصحابه. 742- لمّا أراد هشام صرف خالد بن عبد الله القسريّ عن العراق، وكان بحضرته رسول ليوسف بن عمر ورد عليه من اليمن وهو يتقلّدها، فدعا به وقال: إنّ صاحبك لمتعدّ طوره، يسأل فوق قدره؛ وأمر بتخريق ثيابه وضربه أسواطا وقال له: الحق بصاحبك، فعل الله بك وفعل. ودعا بسالم الكاتب على ديوان الرسائل وقال له: اكتب إلى يوسف بن عمر بشيء أمره به، واعرض الكتاب عليّ. فمضى سالم ليكتب ما أمره به، وخلا هشام وكتب كتابا صغيرا إلى يوسف وفيه: سر إلى العراق فقد ولّيتك إيّاه، وإيّاك أن يعلم أحد بك، واشفني من ابن النصرانيّة وعمّاله؛ وأمسكه في يده. وحضر سالم بالكتاب الذي كتبه فعرضه عليه، فاغتفله وجعل الكتاب الصغير في طيّه، وختمه ودفعه إلى الربيع وقال له: ادفعه إلى رسول يوسف. فلما وصل الرسول إلى يوسف قال له: ما وراءك؟ قال: الشرّ؛ أمير المؤمنين ساخط عليك، وقد أمر بتخريق ثيابي وضربي، ولم يكتب جواب كتبك، هذا كتاب صاحب الديوان. ففضّ الكتاب فقرأه، فلما انتهى إلى آخره وقف على الكتاب الصغير الذي بخطّ هشام. فاستخلف ابنه الصّلت بن يوسف على اليمن، وصار إلى العراق. وكان يخلف سالما الكاتب على ديوان الرسائل بشير بن أبي دلجة من الجزء: 8 ¦ الصفحة: 255 أهل الأردنّ، وكان فطنا، فلما وقف على ما كان من هشام قال: هذه حيلة وقد ولي يوسف العراق وكتب إلى عامل أجمة سالم، وكان وادا له ويقال له عياض: إنّ أهلك قد بعثوا إليك بالثوب اليماني، فإذا أتاك كتابي فالبسه واحمد الله، وأعلم طارقا ذلك. فعرّف عياض ذلك لطارق بن أبي زياد، وكان عامل خالد على الكوفة وما يليها ثم ندم بشير على ما كتب به إلى عياض، فكتب [إليه] : إنّ القوم قد بدا لهم في البعثة إليك بالثوب اليماني، فعرّف أيضا عياض طارقا. فقال طارق: الخبر في الكتاب الأوّل، ولكنّ صاحبك ندم وخاف أن يظهر أمره. وركب من ساعته إلى خالد فخبّره الخبر فقال له: ما ترى؟ قال: تركب من ساعتك إلى أمير المؤمنين، فإنّه إذا رآك استحيا منك، وزال شيء إن كان في نفسه عليك، فلم يقبل ذلك، فقال له: أفتأذن لي أن أصير إلى حضرته وأضمن له جميع مال هذه السنة؟ قال: وما مبلغ ذلك؟ قال: مائة ألف ألف، وآتيك بعهدك، قال: ومن أين هذه؟ والله ما أملك عشرة آلاف درهم فقال: أتحمّل أنا وسعيد بن راشد بأربعين ألف ألف- وكان سعيد بن راشد يتقلّد له الفرات ومن الوصيّ وأبان بن الوليد عشرين ألف ألف، وتفرّق الباقي على باقي العمّال. فقال له: إنّي إذا للئيم، إذ أسوّغ قوما شيئا ثم أرجع عليهم به. فقال له: إنّما نقيك ونقي أنفسنا ببعض أموالنا، وتبقى النّعم علينا فيك وعليك، ونستأنف طلب الدنيا خير من أن نطالب بالأموال وقد حصلت عند تجّار الكوفة، فيتقاعسون عنا ويتربّصون بنا فنقتل وتذهب أنفسنا ونحصّل الأموال يأكلونها، فأبى وودّعه وبكى وقال: هذا آخر العهد بك. ووافاهم يوسف، ومات طارق في العذاب وغيره من عمّال خالد. ولقي خالد ومن بقي شرّا عظيما. 743- ثقل على أبي العبّاس السّفاح هيبة الجند لأبي مسلم. فشكا ذلك إلى خالد بن برمك، فقال له: مره بعرضهم وإسقاط من لم يكن من أهل خراسان منهم، ففعل ذلك. فجلس أبو مسلم للعرض، فأسقط في أوّل يوم بشرا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 256 كثيرا، ثم جلس في اليوم الثاني فأسقط بشرا كثيرا، ثم جلس في اليوم الثالث فلم يقم إليه أحد، فدعا ثانية فلم يجب، ودعا ثالثة فلم يقم أحد. وقام إليه رجل فقال: علام تسقط الناس أيّها الرجل منذ ثلاث؟ قال: أسقط من لم يكن من أهل خراسان. قال: فابدأ بنفسك أيها الرجل فإنك من أهل أصفهان وقد دخلت في أهل خراسان. فوثب من مجلسه وقال: هذا أمر أبرم بليل، وحسبك من شرّ سماعه، وفطن للحيلة وبلغ أبا العباس فسرّه. 744- كان خالد بن برمك يتقلّد لأبي جعفر فارس. فخافه أبو أيوب المورياني، فلم يزل يغري به أبا جعفر ويكيده عنده حتى عزله ونكبه وقرّر عليه ثلاثة آلاف ألف درهم، ولم يكن له غير سبعمائة ألف، فحلف له على ذلك فلم يصدّقه. فأسعفه الأماثل بالمال، واتصل ذلك بأبي جعفر، فتحقّق قوله وصدّقه وصفح له عن المال. فشقّ ذلك على أبي أيوب، وأحضر بعض الجهابذة، ودفع إليه مالا، وأمره أن يعترف بأنه لخالد، ودسّ إلى أبي جعفر من سعى بالمال، وأحضر الجهبذ وسأله عن المال فاعترف به، وأحضر خالدا فسأله عن ذلك، فحلف بالله أنّه لم يجمع مالا قطّ، ولا ذخر ذخيرة، ولا يعرف هذا الجهبذ، ودعا إلى كشف الحال، فتركه أبو جعفر بحضرته، وأحضر الجهبذ فقال له: أتعرف خالدا إن رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين أعرفه إذا رأيته، فالتفت إلى خالد فقال: قد أظهر الله براءتك، وهذا مال أصبناه بسببك. ثم قال للجهبذ: هذا خالد، فكيف لم تعرفه؟ فقال: الأمان يا أمير المؤمنين، وأخبره الخبر، فكان بعد ذلك لا يقبل شيئا في خالد. 745- قال أبو عبيدة: أصاب رجل من الضّباب ناقة ضالّة فنحرها وسلق لحمها، فلم ينشب أن جاء جمل [1] ضالّ فنحره وفعل به فعلته بالناقة. فجاء صاحب الناقة ينشدها وأبصر اللحم، فسأله فقال: انزل نطعمك، فنزل فأطعمه   [1] م: أن أصاب جملا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 257 وأخرج إليه ثيل الجمل يابسا وقال: جمل لنا كسر، ثم جاء صاحب الجمل ينشده ففعل به فعلته بصاحب الناقة وأخرج إليه ضرع الناقة، وقال: ناقة لنا كسرت، وقال: [من الوافر] وملتمس قعودا ظلّ يشوى ... له منه ويتبعه قدير فلما أن رأى ضرعا نضيجا ... تبيّن أنه خلف درور فلمّا أن تروّح جاء باغ ... أضلّته علاة عيسجور فراع فؤاده منها قديد ... على الأطناب مصفوف شرير فقال طلبتها أدماء جلسا ... نمى من فوقها قرد وثير فأذهب شكّه ثيل فأمسى ... يظنّ بأنّ ناقته بعير العلاة: الصلبة، شبّهت بعلاة الحدّاد وهي السّندان، والعيسجور: السريعة. والجلس: المشرفة، من الجلس وهو ما ارتفع من الأرض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 258 نوادر من هذا الباب «746» - اختلف إبراهيم بن هشام وقرشيّ في حرف، فحكّما أبا عبيدة بن محمد بن عمّار فقال: أما أفرس الكلامين فما يقول الأمير. أما ما يقول النحويون الخبثاء فما يقول هذا. 747- خطب رجل امرأة فقالت له: إنّ فيّ تقزّزا، وأخاف أن أرى منك بعض ما أتقزّز منه فتنصرف نفسي عنك. فقال الرجل: أرجو أن لا تري ذلك. فتزوّجها فمكث أياما معها، ثم قعد يوما يتغدّى فلمّا رفع الخوان تناول ما سقط من الطعام تحت الخوان وأكله. فنظرت إليه وقالت له: أما كان يقنعك ما على ظهر الخوان حتى تلتقط ما تحته؟ قال: بلغني أنّه يزيد في القوّة على الباه، فكانت بعد ذلك تفعله هي، وتفتّ له الخبز كما يفتّ للفرّوج. 748- ركض رجل دابّة وهو يقول: الطريق، الطريق، فصدم رجلا لم يتقدّم عن طريقه، فاستعدى عليه فتخارس الرجل، فقال العامل: هذا أخرس، قال: أصلحك الله! يتخارس عمدا. والله ما زال يقول: الطريق الطريق، فقال الرجل: ما تريد وقد قلت لك: الطريق الطريق؟ قال العامل: صدق. «749» - اختلف نصرانيّ إلى أبي دلامة يتطبّب لابن له، فوعده إن برأ على يديه أن يعطيه ألف درهم. فبرأ ابنه. فقال للمتطبّب: إنّ الدراهم ليست عندي ولكن والله لأوصلنّها إليك؛ ادّع على جاري فلان هذه الدراهم فإنه موسر، وأنا وابني نشهد لك، فليس دون أخذها شيء. فصار النصرانيّ بالجار إلى ابن شبرمة؛ فسأله البيّنة، فطلع عليه أبو دلامة وابنه، ففهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 259 القاضي، فلما جلس بين يديه قال أبو دلامة: [من الطويل] إن الناس غطّوني تغطّيت عنهم ... وإن بحثوا عنّي ففيهم مباحث قال ابن شبرمة: ومن ذا الذي يبحثك يا أبا دلامة؟ ثم قال للمدّعي: قد عرفت شأنك، فخلّ عن الخصم ورح العشيّة. فراح إليه وغرمها من ماله. 750- وشهد أبو عبيدة عند عبيد الله بن الحسن العنبريّ على شهادة رجل عدل، فقال عبيد الله للمدّعي: أما أبو عبيدة فقد عرفته، فزدني شهودا. «751» - وروي أنّ وكيعا شهد عند إياس بن معاوية، فقال: يا أبا المطرّف، ما لك والشهادة؟ إنّما تشهد الموالي والتجار والسّقّاط، قال: صدقت، وانصرف. فقيل له: خدعك ولم يقبل شهادتك فردّك. فقال: لو علمت لعلوته بالقضيب. «752» - وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد قبلت شهادة أبي فراس، فزيدونا شهودا، فقيل للفرزدق: إنّه لم يقبل شهادتك، قال: وما يمنعه من ذلك وقد قذفت ألف محصنة؟ «753» - عتبت عائشة بنت طلحة على مصعب بن الزبير فهجرته، فقال مصعب: هذه عشرة آلاف لمن احتال لي أن تكلّمني. فقال له ابن أبي عتيق: عدّ لي المال؛ ثم صار إلى عائشة، فجعل يستعتبها لمصعب فقالت: والله ما عزمي أن أكلّمه أبدا. فلما رأى جدّها قال: يا ابنة عمّ، إنّه ضمن لي إن كلّمته عشرة آلاف درهم، فكلّميه حتى آخذها، ثم عودي إلى ما عوّدك الله من سوء الخلق. «754» - قال أشعب: جاءتني جارية بدينار وقالت: هذا وديعة عندك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 260 فجعلته بين ثنيي الفراش، فجاءت بعد أيام فقالت: يا أبي، الدينار، فقلت: ارفعي الفراش وخذي ولده. وكنت تركت إلى جنبه درهما، فتركت الدينار وأخذت الدرهم، وعادت بعد أيام فوجدت معه درهما آخر فأخذته، وعادت في الثالثة كذلك. فلما رأيتها في الرابعة بكيت، فقالت: ما يبكيك؟ قلت: مات دينارك في النّفاس، قالت: وكيف يكون للدينار نفاس؟ قلت: يا فاسقة، تصدّقين بالولادة ولا تصدّقين بالنّفاس؟! «755» - تنبّأ رجل في أيام المأمون فقال: أنا أحمد النبي، فحمل إليه فقال له: أمظلوم أنت فتنصف؟ فقال: ظلمت في ضيعتي، فتقدّم بإنصافه، ثم قال له: ما تقول في دعواك؟ فقال: أنا أحمد النبيّ، فهل تذمّه أنت؟ «756» - أخذت الخوارج رجلا فقالوا: ابرأ من عثمان وعليّ، فقال: أنا من عليّ، ومن عثمان بريء. 757- تناظر شيطان الطاق وأبو حنيفة مرّة في الطلاق. فقال له أبو حنيفة: أنتم معاشر الشيعة لا تقدرون على أن تطلّقوا نساءكم، فقال شيطان الطاق، نحن نقدر على أن نطلّق على جميع من خالفنا نساءهم، فكيف لا نقدر على ذلك في نسائنا؟ وإن شئت طلّقت عليك امرأتك. فقال أبو حنيفة: افعل. قال: قد طلّقتها بأمرك، فقد قلت لي افعل. «758» - مرّ طفيليّ إلى باب عرس فمنع من الدخول، فذهب إلى أصحاب الزّجاج ورهن رهنا وأخذ عشرة أقداح، وجاء وقال للبوّاب: افتح حتى أدخل هذه الأقداح التي طلبوها. ففتح له ودخل فأكل وشرب، ثم حمل الأقداح وردّها إلى صاحبها فقال: لم يرضوها، وأخذ رهنه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 261 «759» - وجاء آخر إلى باب دار فيها عرس، فمنع من الدخول، فمضى وعاد وقد جعل إحدى نعليه في كمّه وعلّق الأخرى بيده، وأخذ خلالا يتخلّل به، وجاء فدقّ الباب، فقال له البوّاب: ما لك؟ قال: الساعة خرجت وبقيت نعلي هناك، فقال: ادخل. فدخل وأكل مع القوم، وخرج. «760» - مرّ عبد الأعلى القاصّ بقوم وهو يتمايل سكرا، فقال إنسان: هذا عبد الأعلى القاصّ، فقال: ما أكثر من يشبّهني بذاك الرجل الصالح! «761» - نظر مزبّد يوما إلى امرأته تصعد في درجة، فقال لها: أنت طالق إن صعدت، وأنت طالق إن وقفت، وأنت طالق إن نزلت. فرمت بنفسها من حيث بلغت. فقال لها: فداك أبي وأمي! إن مات مالك احتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم. «762» - قال بهلول يوما: أنا والله أشتهي من فالوذج ومن سرقين، فقالوا: والله لنبصرنّه كيف يأكل. فاشتروا له الفالوذج وأحضروا السرقين، فأقبل على الفالوذج فاكتسحه وترك السرقين، فقالوا له: لم تركت هذا؟ قال: أقول لكم أنا والله وقع لي أنّه مسموم، من شاء يأكل منكم ربع رطل حتى آكل الباقي. «763» - وجاء فوقف عند شجرة ملساء فقال: من يعطيني نصف درهم حتى أصعد، فعجب الناس فأعطوه، فأحرزه ثم قال: هاتوا سلّما، قالوا: كان السلّم في الشّرط؟ قال: وكان بلا سلّم في الشّرط؟ «764» - قال الجاحظ: وقفت على قاصّ قد اجتمع عليه خلق كثير ومعهم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 262 جماعة من الخصيان، فوقفت إلى جانبه وجعلت أشير إلى الناس أنّه هو ذا يجوّد، قال وهو يفرح بذلك فلم يعطه أحد شيئا، فالتفت إليّ خفيّا وقال: الساعة إن شاء الله أعمل الحيلة، ثم صاح: حدّثنا فلان عن فلان عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال، قال ربّ العالمين عزّ وجلّ: ما أخذت كريمتي عبد من عبيدي إلا عوّضته في الجنّة. أتدرون ما الكريمتان في هذا الموضع؟ قال الناس: ما هما؟ فبكى وقال: هما الخصيتان، الخصيتان! وهو يتباكى ويكرّر. فجعل كلّ واحد من الخصيان يحلّ منديله حتى اجتمعت له دراهم كثيرة. «765» - وقصّ واحد ومعه تعاويذ يبيعها، فجعلوا يسمعون قصصه ولا يشترون التعاويذ، فأخذ محبرته وقال: من يشتري منّي كلّ تعويذة بدرهم حتى أقوم فأغوص في هذه المحبرة باسم الله الأعظم الذي قد كتبته في هذه التعاويذ؟ فاشتريت منه التعاويذ في ساعة، وجمع الدراهم وقالوا: قم فادخل الآن في المحبرة، فنزع ثيابه وتهيّأ لذلك، والجهّال يظنّون أنّه يغوص فيها. فبدرت امرأة من خلف الناس وتعلّقت به وقالت: أنا امرأته، من يضمن لي نفقته حتى أتركه يدخل؟ فإنّه دخلها عام أوّل وبقيت ستّة أشهر بلا نفقة. «766» - كان مالك بن الرّيب المازنيّ من تميم لصّا فاتكا شجاعا شاعرا يقطع الطريق ومعه أبو حردبة أحد بني أثالة بن مازن، وغويث أحد بني كعب بن مالك بن حنظلة، وشظاظ مولى لبني تميم وكان أخبثهم. فقال مالك لأبي حردبة وشظاظ: ما أعجب ما عملتم في سرقكم؟ فقال أبو حردبة: أعجب ما سرقت وأعجب ما صنعت أني صحبت رفقة فيها رحل على جمل فأعجبني، فقلت لصاحبي: والله لأسرقنّ رحله، ثمّ لا رضيت أو آخذ عليه جعالة؛ فرصدته حتى رأيته قد خفق رأسه فأخذت بخطام جمله فعدلت به عن الطريق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 263 حتى إذا صيّرته في موضع لا يغاث فيه إن استغاث أنخت البعير وصرعته وأوثقت يديه ورجليه، وقدت الجمل فغيّبته؛ ثم رجعت إلى الرّفقة وقد فقدوا صاحبهم وهم يسترجعون، فقلت: ما لكم؟ فقالوا: صاحب لنا فقدناه، فقلت: أنا أعلم الناس بأثره؛ فجعلوا لي جعالة، فخرجت بهم أتبع الأثر حتى وقفوا عليه فقالوا: ما لك؟ قال: لا أدري، نعست فانتبهت [فإذا] بخمسين رجلا قد أخذوني فقاتلتهم فغلبوني. قال أبو حردبة: فجعلت أضحك من كذبه، وأعطوني جعالتي وذهبوا بصاحبهم. 766 ب- وأعجب ما سرقت أنّه مرّ بي رجل معه ناقة وجمل، وهو على الناقة، فقلت: لآخذنّهما جميعا. فجعلت أعارضه وقد خفق رأسه، فدرت فأخذت الجمل فحللته وسقته، فغيّبته في القصيم، وهو الموضع الذي كانوا فيه يسرقون، ثم انتبه فلم ير جمله فنزل وعقل ناقته ومضى في طلب الجمل، فجئت فحللت عقال ناقته وسقتها. 766 ج- وقال شظاظ: أعجب ما رأيت في لصوصيّتي أنّ رجلا من أهل البصرة كان له بنت عمّ ذات مال كثير وهو وليها، وكانت له نسوة فأبت أن تتزوّجه. فحلف أن لا يزوّجها من أحد إضرارا [بها] وكان يخطبها رجل غنيّ من أهل البصرة، فحرصت عليه، وأبى الآخر أن يزوّجها منه؛ ثم إنّ وليّ الأمر حجّ حتى إذا كان بالدوّ- على مرحلة من البصرة وهو منزل الرفاق إذا صدرت أو وردت- مات الوليّ فدفن برابية وشيّد على قبره، فتزوّجت الرجل الذي كان يخطبها. قال شظاظ: ويخرج رفقة من البصرة معهم بزّ ومتاع، فتبصّرتهم وما معهم، واتّبعتهم من البصرة حتى نزلوا؛ فلما ناموا بيّتّهم فأخذت متاعهم. ثم إنّ القوم أخذوني وضربوني ضربا مبرّحا وجرّحوني. قال: وذلك في ليلة قرّة، وسلبوني كلّ كثير وقليل فتركوني عريانا. قال: وتماوتّ لهم، وارتحل القوم، فقلت: كيف أصنع؟ ثم ذكرت قبر الرجل فأتيته فنزعت لوحه، ثم احتفرت فيه سربا فدخلت فيه، ثم سددت عليّ باللوح وقلت: لعلّي الآن أفيق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 264 فأتّبعهم. قال: ومرّ الرجل الذي تزوّج بالمرأة بالرّفقة، فمرّ بالقبر الذي أنا فيه فوقف عليه وقال لرفقته: والله لأنزلنّ إلى قبر فلان، حتى أنظر هل يحمي بضع فلانة؟ قال شظاظ: وعرفت صوته فقلعت اللوح ثم خرجت عليه بالسيف من القبر وقلت: بلى وربّ الكعبة لأحمينّها. قال: فوقع والله على وجهه مغشيّا عليه ما يتحرّك ولا يعقل، وسقط من يده خطام الراحلة، فأخذت- وعهد الله بخطامها، فجلست عليها وعلى كلّ أداة وثياب ونقد كان معه، ووجّهتها قصد مطلع الشمس هاربا من الناس فنجوت بها، وكنت بعد ذلك أسمعه يحدّث الناس بالقصة ويحلف لهم أنّ الميّت الذي كان منعه من تزوّج المرأة خرج عليه من قبره فسلبه وكتّفه، فبقي يومه ثم هرب. والناس يعجبون منه؛ فعاقلهم يكذّبه، والأحمق منهم يصدّقه، وأنا أعرف القصّة وأضحك معهم كالمتعجّب. 766 د- قالوا: فزدنا، قال: أنا أزيدكم أعجب من هذا وأحمق من هذا الرجل: إني لأمشي في الطريق أبتغي شيئا أسرقه، فلا والله ما وجدت شيئا. قال: وشجرة ينام تحتها الركبان بمكان ليس فيه ظلّ غيرها، فإذا أنا برجل يسير على حمار له، فقلت له: أتسمع؟ قال: نعم، فقلت له: إنّ المقيل الذي تريد أن تقيل فيه يخسف بالدواب فاحذره. فلم يلتفت إلى قولي، ورمقته حتى إذا نام أقبلت على حماره فأخذته، حتى إذا برزت به قطعت طرف أذنه وذنبه وخبّات الحمار؛ وأبصرته حين استيقظ من نومه، فقام يطلب الحمار ويقفو أثره، فبينا هو كذلك إذ نظر إلى طرف ذنبه وأذنيه فقال: لعمري لقد حذّرت لو نفعني الحذر. واستمرّ هاربا خوفا أن يخسف به. فأخذت جميع ما بقي من رحله فحملته على الحمار واستمررت، فألحق بأهلي. «767» - كان بهلول يجمع ما يوهب له عند مولاة له من كندة وكانت له كالأمّ، وربّما أخفى عنها شيئا ودفنه. فجاء يوما بعشرة دراهم كانت معه إلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 265 خربة فدفنها فيها، ولمحه رجل، فلما خرج بهلول ذهب الرجل وأخذ الدراهم، وعاد بهلول فلم يجدها. وقد كان رأى الرجل يوم دفنها، فعلم أنّه صاحبه. فجاء إليه فقال: اعلم يا أخي أنّ لي دراهم مدفونة في مواضع كثيرة متفرّقة، وأريد جمعها في موضع دفنت فيه هذه الأيام عشرة دراهم، فإنّه أحرز من كلّ موضع، فاحسب كم تبلغ جملتها؟ قال: هات، قال: خذ، عشرون درهما في موضع كذا، وخمسون درهما في موضع كذا، حتى طرح عليه مقدار ثلاثمائة درهم؛ ثم قام من بين يديه ومرّ. فقال الرجل في نفسه: الصواب أن أردّ العشرة دراهم إلى الموضع الذي أخذتها منه حتى يجمع إليها هذه الجملة ثمّ آخذها، فردّها. وجاء بهلول فدخل الخربة وأخذ الدراهم وخري مكانها وغطّاه بالتّراب ومرّ. وكان الرجل مترصّدا لبهلول وقت دخوله وخروجه، فلما خرج مرّ بالعجلة فكشف عن الموضع وتلوّثت يده بالخراء ولم يجد شيئا، ففطن لحيلة بهلول عليه. ثم إنّ بهلولا عاد إليه بعد أيام فقال: احسب يا سيدي عشرين وخمسة عشر درهما وعشرة دراهم وشمّ يدك. فوثب الرجل ليضربه، وعدا بهلول. «768» - وجاز بهلول بسوق البزّازين فرأى قوما مجتمعين على باب دكّان ينظرون إلى نقب قد نقب على بعضهم. فاطّلع في النّقب، فقال: كأنّكم لا تعلمون ذا من عمل من؟ قالوا: لا، قال: فإني أعلم، فقال الناس: هذا مجنون يراهم في الليل ولا يتحاشونه، فأنعموا له القول لعله يخبر بذلك فسألوه أن يخبرهم فقال: إني جائع فهاتوا أربعة أرطال رقاق ورأسين. فأحضروا ذلك، فلما استوفى قال: هو ذا، أشتهي شيئا حلوا، فأحضروا له رطلين فالوذج، فأكله وقام وتأمّل النّقب ثم قال: كأنّكم ليس تعلمون ذا من عمل من؟ قالوا: لا، قال: هذا من عمل اللصوص لا شكّ، وعدا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 266 «769» - ولمّا مات والد بهلول خلّف ستمائة درهم، فحجر عليها القاضي، فجاءه يوما فقال له: أيها القاضي، ادفع إليّ مائة درهم حتى أقعد في الحلقات، فإن أحسنت أن أتّجر بها دفعت إليّ الباقي. فدفع إليه ذلك، فذهب وأتلفه، وعاد إلى مجلس القاضي وقال له: إني قد أتلفت المائة فتفضّل بردّها، فقد أسأت إذ دفعت إليّ ولم يثبت عندك رشدي. قال القاضي: صدقت، والتزم المائة من ماله. «770» - قيل: إنّ هشام بن عبد الملك حجّ، فلما قدم المدينة نزل رجل من الأشراف من أهل الشام وقوّادهم بجنب دار الدلّال المخنّث. وكان الشامي يسمع غناء الدلّال فيصغي إليه، ويصعد فوق السطح ليقرب من الصوت. ثم بعث إلى الدلّال: إمّا أن تزورنا وإمّا أن نزورك. فبعث إليه الدلّال: بل تزورنا، فبعث الشامي بما يصلح ومضى إليه. وكان للشامي غلمان روقة، فمضى بغلامين منهم كأنّهما درّتان مكنونتان، فغنّاه الدلّال: [من الكامل المرفل] قد كنت آمل فيكم أملا ... والمرء ليس بمدرك أمله حتى بدا لي منكم خلف ... فزجرت قلبي عن هوى جهله ليس الفتى بمخلّد أبدا ... حقّا وليس بفائت أجله فاستحسن الشامي غناءه فقال: زدني، فقال: أوما سمعت ما يكفيك؟ قال: لا والله ما يكفيني. قال: فإنّ لي حاجة، قال: وما هي؟ قال: تبيعني أحد هذين الغلامين أو كليهما؛ قال: اختر أيهما شئت، فاختار أحدهما، فقال له الشامي: هو لك، فقبله منه الدلّال، ثم غنّاه صوتا آخر، فقال له الشامي: أحسنت، ثم قال: أيها الرجل الجميل، إنّ لي حاجة، قال الدلّال: وما هي؟ قال: أريد وصيفة ولدت في حجر صالح، ونشأت في خير، جميلة الوجه مجدولة، وضيئة، جعدة في بياض، مشربة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 267 حمرة، حسنة القامة، سباطية، أسيلة الخدّ، عذبة اللسان، لها شكل ودلّ، تملأ العين والنّفس. فقال له الدلّال: قد أصبتها لك، فما لي عليك إن دللتك؟ قال: غلامي هذا. قال: إذا رأيتها وقلّبتها فالغلام لي؟ قال: نعم. قال: فأتى امرأة كنّى عنها ولم يذكر اسمها، فقال لها: جعلت فداك، إنّه نزل بي رجل من قوّاد هشام له ظرف وسخاء، وجاءني زائرا فأكرمته، ورأيت معه غلامين كأنّهما الشمس الطالعة المنيرة والكواكب الزاهرة، ما وقعت عيني على مثلهما، ولا ينطلق لساني بوصفهما، فوهب لي أحدهما والآخر عنده، وإن لم يصر إليّ فنفسي خارجة. قالت: فتريد ماذا؟ قال: طلب مني وصيفة يشتريها على صفة لا أعرفها في أحد إلا في ابنتك، فهل لك أن تريه إيّاها؟ قالت: وكيف لك بأن يدفع الغلام إليك إذا رآها؟ قال: إني قد شرطت عليه ذلك عند النظر لا عند البيع، قالت: فشأنك، ولا يعلم بذلك أحد. فمضى الدلّال وجاء بالشامي معه. فلمّا صار إلى المرأة أدخلته، فإذا هو بحجلة وفيها امرأة على سرير مشرف ببزّة [1] جميلة. فوضع له كرسيّ وجلس. فقالت له: أمن العرب أنت؟ قال: نعم، قالت: من أيّهم؟ قال: من خزاعة، قالت: مرحبا بك وأهلا، أيّ شيء طلبت؟ فوصف لها الصفة، قالت: قد أصبتها، وأصغت إلى جارية لها فدخلت، فمكثت هنيّة ثم خرجت. فنظرت إليها، فقالت لها المرأة: يا حبيبتي، اخرجي. فخرجت وصيفة ما رأى مثلها، فقالت لها: أقبلي فأقبلت. ثم قالت لها: أدبري، فأدبرت؛ تملأ العين والنّفس؛ فما بقي منها شيء إلا وضع يده عليه؛ فقالت: أتحبّ أن نؤزّرها لك؟ قال: نعم، قالت: يا حبيبتي اتزّري، فضمّها الإزار وظهرت محاسنها الخفيّة، فضرب يده على عجيزتها وصدرها، ثم قالت: أتحبّ أن تجرّدها؟ قال: نعم، قالت: يا حبيبتي، أوضحي، فألقت الإزار، فإذا أحسن خلق الله كأنّها السبيكة. فقالت: يا أخا العرب، كيف رأيت؟ قال: منية المتمنّي، بكم تقولين؟ قالت: ليس يوم النظر يوم البيع، ولكن تعود غدا حتى   [1] م: برزة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 268 نبايعك، فلا تنصرف إلا على رضا، فانصرف من عندها، فقال له الدلّال: أرضيت؟ قال نعم، ما كنت أحسب أنّ مثل هذه في الدنيا، وإنّ الصّفة لتقصر دونها، ثم دفع إليه الغلام الثاني. فلما كان من الغد قال له الشامي: قم بنا، فمضيا حتى قرعا الباب فأذن لهما، فدخلا فسلّما، ورحّبت المرأة بهما، ثم قالت للشامي: أعطنا ما تبذل، قال: ما لها عندي ثمن إلا وهي أكثر منه، فقولي يا أمة الله، قالت: بل قل، فإنّا لم نوطئك أعقابنا ونحن نريد خلافك، وأنت لها رضا. قال: ثلاثة آلاف دينار، فقالت: والله لقبلة من هذه خير من ثلاثة آلاف دينار، قال: فأربعة آلاف، قالت: غفر الله لك أيّها الرجل، قال: والله ما معي غيرها ولو كان لزدتك، إلا رقيق ودواب وخرثي أحمله إليك، قالت: ما أراك إلّا صادقا، ثم قالت: أتدري من هذه؟ قال: تخبريني، قالت: ابنتي فلانة بنت فلان، وأنا فلانة بنت فلان، قد كنت أردت أن أعرض عليك وصيفة عندي فأحببت إذا رأيت غدا غلظ أهل الشام وجفاءهم ذكرت ابنتي، فعلمت أنكم في غير شيء، قم راشدا. فقال للدلّال: أخذعتني؟ قال: أو لا ترضى أن ترى ما رأيت من مثلها وتهب مائة غلام مثل غلامك؟ قال: أما هذا فنعم، وخرج من عندها. «771» - كان حمزة بن بيض يسامر عبد الملك بن بشر بن مروان، وكان عبد الملك يعبث به عبثا شديدا. فوجّه إليه ليلة برسول وقال: خذه على أيّ حال وجدته ولا تدعه لغيرها، وحلّفه على ذلك. ومضى الرسول فهجم عليه، فوجده يريد الخلاء، فقال: أجب الأمير، فقال: ويحك، إنّي أكلت طعاما كثيرا وشربت نبيذا حلوا وقد أخذني بطني. فقال: والله ما تفارقني أو تمضي إليه، ولو سلحت في ثيابك. فجهد في الخلاص فلم يقدر ومضى به إلى عبد الملك، فوجده قاعدا في طارمة له، وجارية جميلة كان يتحظّاها جالسة بين يديه تسجر الندّ. فجلس يحادثه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 269 وهو يعالج ما به. قال حمزة: فعرضت لي ريح فقلت: أسرّحها وأستريح لعلّ ريحها لا تبين مع هذا البخور. فأطلقتها، فغلبت والله ريح النّدّ وغمرته. فقال: ما هذا يا حمزة؟ فقلت: عليّ في عهد الله وميثاقه وعليّ المشي والهدي إن كنت فعلتها، وما هذا إلّا عمل هذه الجارية الفاجرة، فغضب وأحفظ، وخجلت الجارية فما قدرت على الكلام، ثم جاءتني الأخرى فسرّحتها وسطع والله ريحها فقال: ما هذا ويلك؟ أنت والله الآفة؟ فقال: امرأته طالق ثلاثا إن كنت فعلتها، قلت: وهذه اليمين لازمة لي إن كنت فعلتها، وما هو إلا عمل الجارية. فقال: ويلك ما قصّتك؟ قومي إلى الخلاء إن كنت تجدين حسّا، فزاد خجلها وأطرقت. وطمعت فيها وسرّحت الثالثة، فسطع من ريحها ما لم يكن في الحساب، فغضب عبد الملك حتى كاد يخرج من جلده، ثم قال: يا حمزة، خذ هذه الجارية الزانية قد وهبتها لك وامض فقد نغّصت عليّ ليلتي. فأخذت بيدها وخرجت. فلقيني خادم له فقال: ما تريد أن تصنع؟ فقلت: أمضي بهذه، قال: لا تفعل، فو الله إن فعلت ليبغضنّك بغضا ما تنتفع به بعده أبدا، وهذه مائتا دينار فخذها ودع الجارية فإنّه يتحظّاها وسيندم على هبته إيّاها لك. قلت: والله لا نقصتك من خمسمائة دينار، قال: ليس غير ما قلت لك. فلم تطب نفسي أن أضيّعها فقلت: هاتها، فأعطانيها وأخذ الجارية. فلما كان بعد ثلاث دعاني عبد الملك، فلما قربت من داره لقيني الخادم فقال: هل لك في مائة دينار أخرى وتقول ما لا يضرّك ولعلّه ينفعك؟ قلت: وماذا؟ قال: إذا دخلت إليه ادّعيت عنده الفسوات الثلاث ونسبتها إلى نفسك، وتنضح عن الجارية ما قرفتها به. قلت: هاتها، فدفعها إليّ. فلما دخلت على عبد الملك وقفت بين يديه وقلت له: لي الأمان حتى أخبرك بخبر يسرّك ويضحكك؟ قال: لك الأمان، فقلت: أرأيت ليلة كذا وما جرى؟ قال: نعم، قلت: فعليّ وعليّ إن كان فسا الثلاث فسوات غيري. فضحك حتى سقط على قفاه وقال: ويلك، لم لم تخبرني؟ قال، فقلت: أردت بذلك خصالا: منها أنّي قمت فقضيت حاجتي، وقد كان رسولك قد منعني من ذلك، ومنها أني أخذت جاريتك، ومنها أنّي كافيتك على أذاك لي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 270 بمثله. قال: وأين الجارية؟ قلت: ما برحت من دارك ولا خرجت حتى سلّمتها إلى فلان الخادم وأخذت منه مائتي دينار. فسرّ بذلك وأمر لي بمائتي دينار أخرى وقال: هذه لجميل فعلك بي وتركك أخذ الجارية. «772» - غذا أشعب جديا بلبن أمّه وغيرها حتى بلغ غاية. ومن مبالغته في ذلك أن قال لزوجته أمّ ابنه وردان: إني أحبّ أن ترضعيه بلبنك. قال: ففعلت. ثم جاء به إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال: تالله إنّه لابني قد رضع بلبن زوجتي، وقد حبوتك به ولم أر أحدا يستأهله سواك. فنظر إسماعيل إلى قنّة من القنن، فأمر به فذبح وسمط. فأقبل عليه أشعب فقال: المكافأة، فقال: والله ما عندي اليوم شيء ونحن من تعرف، وذلك غير فائت لك. فلما أيس قام من عنده فدخل على أبيه جعفر، ثم اندفع يشهق حتى التقت أضلاعه ثم قال: أخلني، قال: ما معك أحد يسمع ولا عليك عين، قال: وثب إسماعيل ابنك على ابني فذبحه وأنا أنظر إليه. فارتاع جعفر وصاح: ويلك! وفيم؟ وتريد ماذا؟ قال له: أمّا ما أريد والله ما لي في إسماعيل حيلة، ولا يسمع هذا سامع بعدك أبدا. فجزاه خيرا وأدخله منزله وأخرج إليه مائتي دينار وقال له: خذ هذه، ولك عندنا ما تحبّ. قال: وخرج إلى إسماعيل لا يبصر ما يطأ عليه؛ وإذا به مسترسل في مجلسه. فلما رأى وجه أبيه أنكره وقام إليه، فقال: يا إسماعيل، فعلتها بأشعب؟ قتلت ولده. قال: فاستضحك وقال: جاءني بجدي من صفته، وخبّره الخبر. فأخبره أبوه بما كان منه وصار إليه. وكان جعفر عليه السلام يقول لأشعب: رعتني راعك الله، فيقول: روعة ابنك والله بنا في الجدي أكثر من روعتك بالمائتي دينار. «773» - ودعا الحسن بن الحسن بن عليّ أشعب فأقام عنده، وكان عند الحسن شاة، فقال لأشعب: أنا أشتهي أن آكل من كبد هذه الشاة، فقال له أشعب: بأبي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 271 أنت وأمي. أعطنيها وأنا أذبح لك أسمن شاة بالمدينة، فقال له: أخبرك أني أشتهي كبد هذه الشاة وتقول لي أسمن شاة بالمدينة؟ اذبح يا غلام، فذبحها وشوي له من كبدها وأطايبها فأكل. وقال من غد: يا أشعب، أنا أشتهي من كبد نجيبي هذا- لنجيب عنده ثمنه ألوف دراهم- فقال له أشعب: في ثمن هذا والله غناي، فأعطنيه وأنا والله أطعمك من كبد كلّ جزور بالمدينة. فقال: أخبرك أني أشتهي كبد هذا وتطعمني من غيره؟ يا غلام، انحر، فنحر النجيب وشوى كبده فأكلا. فلما كان اليوم الثالث قال له: يا أشعب، أنا والله أشتهي أن آكل من كبدك؛ قال: سبحان الله! أتأكل أكباد الناس؟ قال: قد أخبرتك، فوثب أشعب فرمى بنفسه من درجة عالية فانكسرت رجله، فقيل له: ويلك، أظننت أنّه يذبحك؟ فقال: والله لو أنّ كبدي وجميع أكباد العالمين اشتهاها لأكلها. وإنّما فعل الحسن ما فعل حيلة على أشعب وتوطئة للعبث به. 774- وروي أنّ الرشيد ساوم في عنان جارية الناطفي، فبلغ ذلك أمّ جعفر فشقّ عليها، فدسّت إلى أبي نواس في أمرها فقال يهجوها: [من المنسرح] إنّ عنان النطّاف جارية ... أصبح حرها للنّيك ميدانا ما يشتريها إلا ابن زانية ... أو فلطبان يكون من كانا فبلغ الرشيد شعره فقال: لعن الله أبا نواس وقبّحه، فلقد أفسد عليّ لذّتي بما قال فيها، ومنعني من شرائها. «775» - وقال الأصمعيّ: بعثت إليّ أمّ جعفر أنّ أمير المؤمنين قد لهج بذكر هذه الجارية عنان، فإن صرفته عنها فلك حكمك. قال: وكنت أريغ لأن أجد للقول فيها موضعا فلا أجده ولا أقدم عليه هيبة له، إذ دخلت عليه يوما وفي وجهه أثر الغضب، فانخزلت. فقال: ما لك يا أصمعيّ؟ فقلت: رأيت في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 272 وجه أمير المؤمنين أثر غضب، فلعن الله من أغضبه. فقال: هذا الناطفيّ، والله لولا أني لم أجر في حكم قطّ متعمّدا لجعلت على كلّ جبل منه قطعة، وما لي في جاريته أرب غير الشّعر. فذكرت رسالة أمّ جعفر فقلت: أجل والله ما فيها غير الشّعر، أفيسرّ أمير المؤمنين أن يجامع الفرزدق؟ فضحك حتى استلقى على قفاه، واتّصل قولي بأمّ جعفر، فأجزلت لي الجائزة. «776» - ويروى أنّه لما استامها أبى أن يبيعها إلّا بمائة [1]- ألف دينار. ثم مات الناطفيّ، فروي أنّ الرشيد اشتراها من تركته بمائتين وخمسين ألف درهم، وخرج بها معه إلى خراسان وأولدها ابنين ماتا، ومات الرشيد وماتت عنان بعده. 777- أمر زياد بضرب عنق رجل فقال: أيّها الأمير، إنّ لي بك حرمة، قال: وما هي؟ قال: إنّ أبي جارك بالبصرة، قال: ومن أبوك؟ قال: نسيت اسم نفسي فكيف اسم أبي؟ فردّ زياد كمّه إلى فيه وعفا عنه. 778- ركب رجلا دين عجز عن أدائه، فقال له بعض غرمائه: أما أعلّمك حيلة تتخلّص بها على أن تقضيني؟ قال: لك ذلك. فتوثّق منه ثم قال له: كلّ من لقيك من غرمائك وغيرهم فلا تزد على النّباح عليه، فإنّك إن عرفت بذلك قالوا: ممسوس، فكفّوا عنك. ففعل، فلما كفّوا عنه أتاه معلّم الحيلة وقال: الشرط أملك، فنبح عليه، فقال: وعليّ أيضا؟ فلم يزده على النّباح حتى يئس منه وتركه. تمّ الجزء، ويتلوه الباب الثالث والأربعون والحمد لله والشكر دائما   [1] م: بمائتي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 273 الباب الثّالث والأربعون في الكناية والتّعريض الجزء: 8 ¦ الصفحة: 275 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (وما توفيقي إلّا بالله) الحمد لله الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، عالم صريح القول من الكناية. لا يخفى عنه مكنون الغوامض، ولا يخادع في علمه بالمعارض، يعلم سرائر القلوب كعلم إعلانها، ويطّلع على مستقبل الغيوب عارفا بأوقاتها وأوانها. أحمده حمدا يؤدّي شكر آلائه ونعمه، وأعوذ به من نزول بلواه ونقمه، وأسأله توفيق ألسنتنا للنّطق الصائب، وسلامة قلوبنا من تورية المغلّ الموارب، وأن يجمعنا على الخير حتى يطابق فيه اللسان الضمير، ونبرأ من كدر التعمية والتغبير، وأن يصلّي على رسوله الأمين الصادق، العارف في لحن القول المؤمن من المنافق، وعلى آله وأصحابه أولي البصائر والحقائق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 277 [ بداية الباب الثالث والأربعون ] (الباب الثالث والأربعون ما جاء في الكناية والتعريض والأحاجي والمعاياة والتّورية واستطراد الشعراء) «779» - الكنايات لها مواضع. فأحسنها العدول عن الكلام الدّون إلى ما يدلّ على معناه في لفظ أبهى ومعنى أجلّ، فيجيء أقوى وأفخم في النفس؛ ومنه اشتقّت الكنية، وهو أن يعظّم الرجل فلا يدعى باسمه، أو وقعت على ضربين: لمن لا ولد له على سبيل التفاؤل أن يكون له ولد يدعى باسمه، أو على حقيقة أو يكنى باسم ابنه صيانة لاسمه. وقيل في قوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (طه: 44) كناية. «780» - فمن الكنية بغير الولد قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عليّ عليه السلام: أبو تراب، وذلك أنّه نام في غزوة ذي العشيرة. فذهب به النوم، فجاءه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو متمرّغ في البوغاء، فقال: اجلس أبا تراب. وكانت من أحبّ أسمائه إليه. «781» - وممّا يدلّ على إرادتهم التبجيل بالكنية قول البحتريّ: [من الخفيف] يتشاغفن بالصغير المسمّى ... موضعات وبالجليل المكنّى «782» - وقال ابن الرومي: [من الطويل] بكت شجوها الدنيا فلما تبيّنت ... مكانك منها استبشرت وتثّنت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 278 وكان ضئيلا شخصها فتطاولت ... وكانت تسمى ذلّة فتكنّت «783» - وإليه يشير أبو صخر الهذليّ: [من الطويل] أبى القلب إلّا حبّها عامريّة ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو ووجه له ديباجة قرشيّة ... بها تدفع البلوى ويستنزل القطر [ آيات وأحاديث ] «784» - ومن شأن العرب استعمال الكنايات في الأشياء التي يستحى من ذكرها قصدا منهم للتعفّف باللسان كما يتعفّف لسائر الجوارح. ألا ترى إلى ما أدّب الله سبحانه وتعالى به عباده في قوله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ (النور: 30) . فقرن عفّة البصر بعفّة الفرج، وكذلك يقرن عفّة اللسان بعفّة البصر. «785» - وفي التنزيل كنايات عجيبة عدل بها عن التصريح تنزيها عن اللّفظ المستهجن كقوله عزّ وجلّ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (البقرة: 223) . قال أبو عبيدة: هو كناية، شبّه النساء بالحرث. وقوله تعالى: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا (فصلت: 21) قيل: هو كناية عن الفروج. وفي موضع آخر: ... شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (فصلت: 20) . وقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (البقرة: 187) ؛ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 279 وقوله: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ (المائدة: 75) . قال المفسّرون: هذا تنبيه على عاقبته وعلى ما يصير إليه وهو الحدث، لأنّ من أكل الطعام فلا بدّ أن يحدث، ثم قال: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ وهذا من ألطف الكناية. «786» - ومن قوله عزّ وجلّ: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ* (النساء: 43، المائدة: 6) . فالغائط: المطمئنّ من الأرض وكانوا يأتونه لحاجتهم فيستترون به عن الأماكن المرتفعة، ومن لم ير الوضوء من لمس النساء جعل الملامسة هاهنا كناية عن الفعل. «787» - ومن الكنايات من كلام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: إيّاكم وخضراء الدّمن. قال بعضهم: يريد المرأة الحسناء في المنبت السّوء. وتفسير ذلك أنّ الريح تجمع الدّمن وهو البعر في البقعة من الأرض، ثم يركبه الساقي؛ فإذا أصابه المطر نبت نبتا غضّا يهتزّ تحته الدّمن الخبيث. يقول: فلا تنكحوا هذه المرأة لجمالها ومنبتها خبيث كالدّمن، فإنّ أعراق السوء تنتزع أولادها. والتفسير الآخر معنى قول زفر بن الحارث: [من الطويل] وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا يقول: تحت الظاهر من البشر الحقد والسخيمة، وهكذا الدّمن الذي يظهر فوقه النبت مهتزّا وتحته الفساد. «788» - وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الآن حمي الوطيس. قال: هو لمّا جال المسلمون يوم حنين ثم ثابوا واختلط الضّرب، وهو منتصب مشرف في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 280 ركائبه على بغلته الشّهباء، والوطيس: حفيرة تحفر في الأرض شبيهة بالتنّور يختبز فيها، والجمع وطس. 78» - قال الحسن: لبث أيوب عليه السلام في المزبلة سبع سنين، وما على الأرض يومئذ خلق أكرم على الله منه، فما سأل العافية إلا تعريضا: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (الأنبياء: 83) . «790» - والعرب تكني عن الفعلة المستقذرة بألفاظ كلّها كنايات منها: الرجيع والنّجو والبراز والغائط والحشّ. فبعض هذه الألفاظ يراد بها نفس الحدث. ولذلك استعملوا في إتيان النساء المجامعة والمواقعة والمباضعة والمباشرة والملامسة والمماسّة والخلوة والإفضاء والغشيان والتغشّي، كلّ هذه الألفاظ مذكورة في القرآن. المباضعة اشتقّت من التقاء البضعين، والبضع: اللحم. والمباشرة اشتقّت من التقاء البشرين، والبشر: ظاهر الجلد. [ من الكنايات البديعة واللطيفة ] (791- ومن الكنايات البديعة:) قال الشاعر: [من السريع] آليت لا أدفن قتلاكم ... فدخنوا المرء وسرباله يقول: إذا طعنه أحدث في سرجه فأغرب في الكناية وأبعد. «792» - وروي أن رجلا من بني العنبر حصل أسيرا في بكر بن وائل، وعزموا على غزو قومه، فسألهم رسولا إلى قومه، فقالوا: لا ترسل إلا بحضرتنا لئلا تنذرهم. وجيء بعبد أسود فقال له: تعقل؟ قال: نعم إني لعاقل. قال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 281 ما أراك عاقلا، ثم أشار بيده إلى الليل فقال: ما هذا؟ قال: الليل، قال: أراك عاقلا، ثم ملأ كفّيه من الرمل فقال: كم هذا؟ فقال: لا أدري وإنّه لكثير، قال: أيما أكثر النجوم أم النيران؟ قال: كلّ كثير. قال: أبلغ قومي التحيّة وقل لهم ليكرموا فلانا- يعني أسيرا كان في أيديهم من بكر- فإنّ قومه لي مكرمون، وقل لهم: إنّ العرفج قد أدبى وشكّت النساء، وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء فقد أطالوا ركوبهم إيّاها، وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معكم حيسا، واسألوا عن خبري أخي الحارث. فلما أدّى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جنّ الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملا أصهب. ثمّ سرّحوا العبد ودعوا الحارث فقصّوا عليه فقال: أنذركم؛ أما قوله: قد أدبى العرفج يريد أنّ الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح. وقوله: شكّت النساء أي اتّخذن الشّكاء للسفر، وقوله: الناقة الحمراء أي ارتحلوا عن الدّهناء واركبوا الصّمّان وهو الجمل الأصهب، وقوله: أكلت معكم حيسا أي أخلاط من الناس وقد غزوكم، لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط، فامتثلوا ما قال وعرفوا لحن كلامه. 793- ومن هذا الفنّ قوله تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (محمد: 30) . «794» - وقوله صلّى الله عليه وسلّم: لعلّ أحدكم ألحن بحجّته، أي أغوص عليها. «795» - بعث بشامة بن الأعور إلى أهله ثلاثين شاة ونحيا صغيرا فيه سمن، فسرق الرسول شاة واحدة وأخذ من رأس النّحي شيئا من السمن. فقال لهم الرسول: ألكم حاجة أخبره بها؟ قالت امرأته: أخبره أن الشهر محاقّ، وأنّ جدينا الذي كان يطالعنا وجدناه مرثوما. فارتجع منه الشاة والسمن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 282 «796» - ومن التخلّص المليح المتوصل إليه بالكناية ما روي عن عديّ بن حاتم بن عبد الله الطائيّ قال يوما في حقّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط: ألا تعجبون لهذا أشعر بركا متولي قبل هذا المصر؟ والله ما يحسن أن يقضي بين تمرتين. فبلغ ذلك الوليد فقال على المنبر: أنشد الله رجلا سمّاني أشعر بركا إلّا قام. فقام عديّ بن حاتم فقال: أيّها الأمير، إنّ الذي يقوم فيقول: أنا سميتك أشعر بركا لجريء، فقال له: اجلس أبا طريف فقد برّأك الله منها. فجلس وهو يقول: والله ما برّأني الله منها. والأصمعي يزعم أنّ زيادا هو الذي كان يسمّى أشعر بركا. والبرك: الصّدر. وكان زياد أشعر الصّدر. «797» - أسرت طيّء غلاما من العرب، فقدم أبوه ليفديه، فاشتطّوا عليه فقال أبوه: لا والذي جعل الفرقدين يمسيان ويصبحان على جبلي طيّء، ما عندي غير ما بذلته. ثم انصرف وقال: لقد أعطيته كلاما إن كان فيه خير فهمه، كأنّه قال: الزم الفرقدين على جبلي طيّء، ففهم الابن تعريضه وطرد إبلا لهم من ليلته ونجا. «798» - ومن البلاغة والتنقّل في الكلام إلى حيث شاء بلطيف الكناية ما روي عن واصل بن عطاء وكان ألثغ قبيح اللثغة في الراء، وكان يخلّص كلامه منها، ولا يفطن بذاك لاقتداره وسهولة ألفاظه، وفيه يقول الشاعر: [من البسيط] ويجعل البر قمحا في تصرّفه ... وخالف الرأي حتى احتال للشعر ولم يطق مطرا والقول يعجله ... فعاذ بالغيث إشفاقا من المطر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 283 فممّا يحكى عنه أنّه قال- وأراد بشّارا: ما لهذا الأعمى الملحد المكنّى بأبي معاذ، من يقتله؟ والله لولا الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ثم لا يكون إلا سدوسيّا أو عقيليّا، ذكر هاتين القبيلتين لأنّ بشارا كان نازلا في بني سدوس ويتولّى بني عقيل، ثم لم يقل بشار ولا ابن برد ولا الضرير، ولم يقل أرسلت، ولا فراشه. «799» - ومن الكنايات الدقيقة والاستعارات الرشيقة ألفاظ كان يوردها أحمد بن محمد بن محمد الغزّالي الواعظ على طريق الصوفية فيغرب فيها، فمنها: ماجت بحار التشبيه في قلب الخليل. ونقطة خاء الخلّة تبرز من صميم صفا. صدر كمين القلب فيقول: لا أحبّ الآفلين. صاحب اليرقان يرى العالم كلّه أصفر. كان بإبراهيم يرقان العشق فكلّ شيء رآه ظنّه المحبوب. [من البسيط] ومستطيل على الصهباء باكرها ... في فتية باصطباح الراح حذّاق يمضي بها ما مضى من عقل صاحبها ... وفي الزجاجة باق يطلب الباقي فكلّ شيء رآه ظنّه قدحا ... وكلّ شخص رآه ظنّه الساقي «800» - ومن كلامه: عزازيل وجد في باب الرحمة زحمة، طلب ما لا رحمة فيه. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (ص: 78) . [من الطويل] لئن ساءني ذكراك لي بمساءة ... لقد سرّني أنّي خطرت ببالك «801» - كانت عليّة بنت المهدي تهوى خادما اسمع طلّ، فكانت تكنّي في شعرها عنه، فمن ذلك قولها وقد صحّفت اسمه: [من الطويل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 284 أيا سروة البستان طال تشوّقي ... فهل لي إلى ظلّ إليك سبيل ومنه قولها: [من الكامل المجزوء] خلّيت جسمي ضاحيا ... وسكنت في ظلّ الحجال وحلف الرشيد أن لا تكلّم طلّا ولا تذكره في شعرها، فاطلع عليها يوما وهي تقرأ في آخر سورة البقرة: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فيما نهى عنه أمير المؤمنين. فدخل إليها وقبّل رأسها وقال: قد وهبت لك طلّا ولا أمنعك بعدها من شيء تريدينه. ثم عشقت خادما يقال له رشا، وكانت تكنّي عنه في شعرها بريب في قافية منصوبة، فعلم بذلك فقالت: [من السريع] القلب مشتاق إلى ريب ... يا ربّ ما هذا من العيب «802» - كان شريح عند زياد وهو مريض، فلما خرج من عنده أرسل مسروق إليه رسولا وقال: كيف تركت الأمير؟ قال: تركته يأمر وينهى. قال مسروق: إنّه صاحب عويص، فارجع إليه واسأله: ما يأمر وينهى؟ قال: يأمر بالوصية وينهى عن النوح. «803» - وتقدّم إلى شريح قوم فقالوا: إنّ هذا خطب إلينا فقلنا له: ما تبيع؟ قال: أبيع الدواب، فإذا هو يبيع السنانير، قال: أفلا قلتم له: أيّ الدواب؟ وأجاز النكاح. «804» - كان رجل يجلس إلى الشعبيّ يقال له: حبيس، فتحدّث الشعبيّ يوما فقال له حبيس: ما أحوجك إلى محدرج شديد الفتل ليّن المهزة عظيم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 285 التمرة، قد أخذ من عجب ذنب إلى مغرز عنق، فيوضع على مثل ذلك منك فتكثر له رقصاتك من غير جذل، قال: وما هو يا أبا عمرو؟ قال: هو والله أمر لنا فيه أرب ولك فيه أرب. «805» - خطب رجل إلى قوم فجاءوا إلى الشعبيّ يسألونه عنه، وكان به عارفا فقال: هو والله ما علمت نافذ الطعنة ركين الجلسة، فزوّجوه فإذا هو خيّاط. فأتوه فقالوا: غررتنا، فقال: ما فعلت وإنّه لكما وصفت. «806» - دخل رجل على عيسى بن موسى بالكوفة يكلّمه، وحضر عبد الله بن شبرمة فأعانه وقال: أصلحك الله فإنّ له شرفا وبيتا وقدما. فقيل لابن شبرمة: أتعرفه؟ قال: لا، قال: فكيف أثنيت عليه؟ قال: إنّ له شرفا أي أذنين ومنكبين، وبيتا يأوي إليه، وقدما يطأ عليه. «807» - خطب باقلانيّ إلى قوم وذكر أن الشعبيّ يعرفه، فسألوه عنه، فقال: إنّه لعظيم الرماد كثير الغاشية. «808» - وأخذ العسس رجلا فقالوا له: من أنت؟ فقال: [من الطويل] أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوما فسوف تعود فظنّوه من أولاد الأكابر، فلما أصبح سئل عنه فقيل: هو ابن باقلاني. 809- وروي أنّ جميلا أراد زيارة بثينة فلقي أعرابيا من بني حنظلة، فقال له: هل لك في خير تصطنعه إليّ؟ فإن بيني وبين هؤلاء القوم ما يكون بين بني العمّ، فإن رأيت أن تأتيهم فإنّك تجد القوم في مجلسهم فتنشدهم بكرة أدماء تجر خفّها غفلا من السّمرة، فإن ذكروا لك شيئا فذاك، وإلا استأذنهم في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 286 البيوت وقل: إنّ المرأة والصبيّ قد يريان ما لا يرى الرجال، فتنشدهم، ولا تدع أحدا تصيبه عينك عنك، ولا بيتا من بيوتهم إلا نشدتها فيه. قال الرجل: فأتيت القوم فإذا هم في جزور يقسمونها، فسلّمت وفعلت ما قال، واستأذنتهم في البيوت فأتيتها بيتا بيتا فلم يذكروا شيئا حتى انتصف النهار، وفرغت من البيوت، وذهبت لأنصرف، فإذا بثلاثة أبيات، فقلت: ما عند هؤلاء إلا ما عند غيرهم، ثم تذمّمت فانصرفت عائدا إلى أعظمها بيتا فذكرت لهم ضالّتي، فقالت جارية منهم: يا عبد الله، ما أظنّك إلا قد اشتدّ عليك الحرّ واشتهيت الشراب، قلت: أجل، قالت: ادخل. فأضافتني وأكرمت، فأتيت عليها ثم قلت: يا أمة الله، هل ذكرت في ضالّتي ذكرا؟ قالت: أترى هذه الشجرة فوق الشرف؟ قلت: نعم، قالت: فإنّ الشمس غربت أمس وهي تطيف حولها، ثم حال الليل بيني وبينها. فرجع الرجل إلى جميل فعرف لحن الكلام وأتاها ليلا فحادثها. 810- وروي أنّ لقاءها تعذّر عليه لمراعاة أبيها وزوجها لها. فنزل بهم قوم من قريش فأحسن قراهم، فقال له أحدهم: هل لك حاجة؟ قال: نعم، تنزل بأبي بثينة وتبيت عنده، فإذا وجدت غفلة قلت له: إنّ لي غريما وعدني وحلف لي ألا أطلبه ولا أرسل إليه إلا أتاني وقد طال مطله إيّاي، وهو رجل منكم، وأريد أن تعينني عليه، فإنّها ستجيبك بوعد تحصّله لي. ففعل القرشيّ ذلك، وخاطب أباها به، فقالت بثينة: يا أبه، قد رأيت هذا الفتى القرشيّ ملازما لرجل يطالبه بحقّ له في وقت مساء تحت شجرات بأعلى الوادي، ولست أعرف الرجل بعينه لأنه كان في وقت مظلم، فقال له أبوها: إذا غدوت عليه وطالبته عاونتك وكرامة. فلما أصبح مضى إلى جميل فأخبره الموعد فتوافيا فيه. «811» - كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجّاج: أنت عندي كسالم، فلم يدر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 287 ما هو، فكتب إلى قتيبة يسأله، فكتب إليه: إن الشاعر يقول: [من الطويل] يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم «812» - وكتب إليه مرّة أخرى: أنت عندي قدح ابن مقبل، فلم يدر ما هو، فكتب إلى قتيبة فكتب إليه قتيبة: إنّ ابن مقبل نعت قدحا له فقال: [من الطويل] غدا وهو مجدول وراح كأنّه ... من المشّ والتقليب بالكفّ أفطح خروج من الغمّى إذا صكّ صكّة ... بدا والعيون المستكفّة تلمح المشّ: المسح، ومنه: نمشّ بأعراف الجياد أكفّنا ومنه قيل: لمنديل الغمر مشوش. [ كنايات الفقهاء في الإيمان ] «813» - قال بعض الشيعة لبعض الخوارج: أنا من عليّ ومن عثمان بريء. فظاهر كلامه البراءة منهما، وأراد: أنا من عليّ وإليه، أتولاه، وبريء من عثمان وحده. «814» - ورسمت الفقهاء في أيمانهم عند الشيء يتوقّى شرّه، أو لإصلاح أمر معاد أو معاش. فمن ذلك: (1) كلّ مالا أملكه- على أنه لاحن- ومعناه ما لن أملكه. (2) وقولهم: واللاه ما فعلت، على فاعل من اللهو، وأشباه ذلك على أن ينويه الإنسان بضميره ويتحرّى قصده. (3) ويقال: ما رأيت فلانا: أي ما ضربت رئته؛ ولا كلمته من الكلوم، على تكرّر الفعل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 288 «814» .- (4) ولا أمليت هذا الكتاب ولا قرأته من قوله تعالى: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً (آل عمران: 178) . وقرأت: جمعت. (5) وما رأيت جعفرا ولا كلّمت سريّا. فالجعفر: النهر الكبير، والسريّ: النهر الصغير. (6) وما رأيت ربيعا ولا كلّمته. فالربيع حظّ الأرض من الماء في كلّ ربع يوم وليلة، والربيع: النهر. (7) وما كلّمت عمر. والعمر عمور الإنسان. (8) وما وطئت لفلان أرضا ولا دخلتها. فالأرض باطن الحافر، قال الشاعر: [من الطويل] إذا ما استحمّت أرضه من سمائه (9) وما أخذت من فلان عسلا ولا خلّا. فالعسل من عسلان الذئب، والخلّ: الطريق في الرمل. (10) وما رأيت كافرا ولا فاسقا. فالكافر: السحاب، والكافر: الليل، والكافر أيضا: الذي يغطيه سلاحه ويستره. والفاسق: الذي يجرّد من ثيابه. (11) ويقال: ما عرفت لفلان طريقا. فالطريق: النّخل الذي لا ينال باليد. (12) وما أمرت فلانا: أي ما صيّرته أميرا؛ وما أحببت كذا، من أحبّ البعير إذا برك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 289 «814» -. (13) وما عرفت له نخلا ولا شجرا. فالنخل مصدر نخلت الشيء أنخله نخلا، والشّجر من قولهم: تشاجر القوم، إذا اختلفوا، وفي التنزيل: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء: 65) . (14) وما رأيت فلانا راكعا ولا ساجدا ولا مصلّيا. فالراكع: العاثر الذي كبا لوجهه، والساجد: المدّ من النظر، والمصلّي: الذي يجيء بعد السابق. (15) ويقال: ما أخذت لفلان دجاجة ولا فرّوجا. فالدجاجة: الكبّة من الغزل، والفرّوج: الدرّاعة. (16) وما أخذت لفلان بقرة ولا ثورا. فالبقر: العيال الكثير، يقال: جاء فلان يسوق بقره أي عياله، والثور: القطعة العظيمة من الأقط. وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن معدي كرب فقال: أكلت ثورا وقوسا وكعبا، فالثور قد فسّر، والقوس: ما يبقى في أسفل الحلّة، والكعب: الشيء القليل من السّمن. (17) وما أخذت لفلان حملا ولا عنزا. فالحمل: السحاب الكثير الماء، والعنز: الأكمة السوداء. (18) وما ضربت لفلان ظهرا ولا بطنا. فالظهر: المرتفع من الأرض، والبطن: الغامض. ويقال: ما أخذت لفلان قناة. فالقناة: قناة الظهر. (19) وما سبيت لفلان أمّا ولا جدّا ولا خالة. فالأمّ: أمّ الدماغ. والجدّ: الحظّ، والخالة: الأكمة الصغيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 290 «814» .- (20) وما أخذت لفلان قلوصا ولا رأيتها. فالقلوص: ولد الحباري. وما رأيت لدابّة فلان سوادا ولا بلقا. فالسواد: الخيال تراه بالليل، والبلق: الفسطاط. (21) وما أخبرت فلانا بشيء: أي ما ذبحت له خبرة، وهي شاة يشتريها قوم فيقتسمونها. (22) قال أبو بكر بن دريد: تقول: والله ما سألت فلانا حاجة قطّ. فالحاجة ضرب من الشّجر له شوك والجميع حاج. (23) وما رأيت فلانا قطّ وما كلّمته. فمعنى رأيته: ضربت رئته، ومعنى كلّمته: جرّحته. (24) وما أعلمت فلانا ولا أعلمني: أي ما جعلته أعلم وهو المشقوق الشّفة العليا. (25) وما لفلان عندي جارية: أي سفينة. (26) وما أملك فهدا ولا كلبا. فالفهد: المسمار في واسطة الرّحل، والكلب: المسمار في قائم السيف. (27) وما عندي صقر ولا أملكه. فالصّقر: دبس الرّطب، والصقر: اللبن الحامض الشديد الحموضة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 291 «815» - أنشد أبو عبيدة: [من السريع] بئس قرينا يفن هالك ... أمّ عبيد وأبو مالك هما كنيتا المفازة والجوع. [ فتوى أبي حنيفة ] 816- كان في جوار أبي حنيفة رجل يسرف في حسده ويذكره بكلّ سوء. فكان أبو حنيفة يمرّ به فيسلّم عليه فلا يردّ عليه السلام. فقيل لأبي حنيفة في أمره فقال: إنّ للجوار حقّا. ثم إنّ الرجل سابّ رجلا من أصحاب السلطان، فشتمه وشهد عليه جماعة بشتمه إيّاه، فهرب من بين يدي السلطان وأتى أبا حنيفة فأخبره بخبره وقال: أنا مستح منك ولكن أغثني، فقال: يا فلان، لا تبذأ على المسلمين، فإنّ البذاء لؤم، والفحش من قلّة الدين، إذا صرت إلى السلطان فاعترف وقل: كانت أمّه مسلمة صالحة، وسمعت بيتا من الشّعر، فأردت غيظه به فأنشدته إياه: [من الخفيف] ربّ ركب وهم مشاة رأينا ... وزنا للزانيين حلالا قال: فغدا الرجل إلى السلطان وأحضرت البيّنة، فقال: أيها الأمير، صحّ عندي أن أمّه مسلمة حرّة عفيفة ورعة، وأخبرني هو أن أباه وأمّه زنيا حلالا، فأنشدته بيتا قيل؛ فلم يوجب عليه السلطان عقوبة. 817- وقال رجل لأبي حنيفة: ما تقول في رجل قال: لا أرجو الجنّة ولا أخاف النار، وآكل الميتة وأشهد بما لم أر، ولا أخاف الله، وأصلّي بلا ركوع ولا سجود، وأبغض الحقّ وأحبّ الفتنة؟ قال أبو حنيفة، وكان هو يعرفه شديد البغض له: يا فلان، سألتني عن هذه المسألة ولك بها علم؟ قال: لا، ولكن لم أجد شيئا هو أشنع من هذا فسألتك عنه، قال: فقال أبو حنيفة لأصحابه: ما تقولون في هذا؟ قالوا: شرّ رجل هذه صفة كافر، قال: فتبسّم أبو حنيفة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 292 وقال له: لقد شنّعت القول فيه، ثم قال: هو والله من أولياء الله حقّا، ثم قال للرجل: إن أنا أخبرتك أنّه من أولياء الله حقّا تكفّ عني شرّك، ولا تمل على الكتبة ما يضرّك؟ قال: نعم، قال أبو حنيفة: أما قولك: إنّه لا يرجو الجنّة ولا يخاف النار، فإنه يرجو ربّ الجنة ويخاف ربّ النار، وقولك: لا يخاف الله، فإنّه لا يخاف ظلمه ولا جوره وقال الله تعالى: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فصلت: 46) . وقولك: يأكل الميتة، فهو يأكل السّمك، وقولك: يصلي بلا ركوع ولا سجود، فقد جعل أكثر عمله الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد لزم موضع الجنائز فهو يصلّي عليها ويعتبر ويقصّر أمله ويصلّي على كلّ مسلم ومسلمة، ويدعو للأحياء والأموات ومن هو آت من المؤمنين والمؤمنات، وقولك: يشهد بما لم ير، فهو شهادة الحقّ، يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله، وقولك: يبغض الحقّ، فهو يحبّ البقاء حتى يطيع الله ويكره الموت وهو الحقّ، قال الله تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ (ق: 19) ، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ: «وجاءت سكرة الحقّ بالموت» ، وأما الفتنة فالقلوب مجبولة على حبّ المال والولد وذاك من الفتنة العظيمة على قلوب المؤمنين، قال الله تعالى: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (التغابن: 15) ، لكم فاحذروهم. 818- قال سيف الدولة بن حمدان لابن عمّ له: ما أعاقك اليوم عن التصبّح؟ قال: دخلت الحمّام وقلّمت أظفاري، فقال: لو قلت: أخذت من أطرافي كان أوجز. [ فطنة طويس ] «819» - كان الجاحظ يتعجّب من فطنة طويس ووضعه الكلام موضعه من حسن الأدب في قوله لبعض القرشيين: أمّك المباركة وأبوك الطيّب، يعني إصابته في قسمة الصفتين وإن لم يصفها بالطّيب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 293 «820» - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف: أيّ الطعام أحبّ إليك؟ قال: الزبد والكمأة. فقال: ما هما بأحبّ الطعام إليه، لكنّه يحبّ الخصب للمسلمين، فما أحسن ما كنى عن إيثاره الخير، وما أحسن فطنة عمر له! «821» - ويقولون: أطيب اللحم عوّذه، أي ما عاذ باللحم فهي استعارة وكناية. «822» - وقال لقمان لابنه: كل أطيب الطعام ونم على أوطأ الفراش، كنّى عن إكثار الصيام وإطالة القيام فإذا أطال الصيام استطاب الطعام، وإذا أطال القيام استمهد الفراش. [ من مليح التورية ] «823» - ومن مليح التّورية وعجيبها مع توخي الصدق في موطن الخوف قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو رديفه عام الهجرة، فقيل له: من هذا يا أبا بكر؟ فقال: هذا رجل يهديني السبيل. «824» - وممّا يقارب هذه الكناية وليس هو بعينها أن أبا بكر رضي الله عنه مرّ به رجل ومعه ثوب فقال: أتبيعه؟ قال: لا رحمك الله، فقال أبو بكر: قد قوّمت ألسنتكم لو تستقيمون، ألا قلت: لا ورحمك الله؟ 825- ومثله ما حكي أنّ المأمون قال ليحيى بن أكثم: هل تغدّيت؟ قال: لا وأيّد الله أمير المؤمنين. فقال المأمون: ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها! وكان الصاحب يقول: هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ. 826- ومن الكناية قولهم: الرجال ثلاثة: سابق، ولا حق، وما حق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 294 فالسابق الذي سبق بفضله، واللاحق الذي لحق بأبيه في فضله، والماحق الذي محق شرف آبائه. «827» - روي أن عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة رفعت إليه وصيّة لرجل بما أمر أن يتّخذ به حصونا، قال: اشتروا به خيلا للسبيل، أما سمعتم قول الجعفيّ: [من الكامل] ولقد علمت على تجنّبي الردى ... أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى 828- قال أعرابيّ لأهله: أين بلغت قدركم؟ قالت: قام خطيبها، أرادت الغليان. [ الألقاب والكنى ] «829» - ونذكر هاهنا الألقاب والكنى التي اشتهر بها أربابها وغلبت على أسمائهم وأغنت عنها. (1) امرؤ القيس بن حجر: قيل له: الملك الضليل لأنّه أضل ملك أبيه، ولقّب ذا القروح لأنّ ملك الروم كساه حلّة مسمومة فقرّحته. (2) ذو الثّديّة: وقيل: اليديّة، هو حرقوص بن زهير، ناب الخوارج وكبيرهم الذي علّمهم الضلال. أخبر به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وطلبه عليّ عليه السلام في القتلى يوم النهروان، فقالوا: ما وجدناه، فقال: والله ما كذبت ولا كذبت، حتى جاءوا فقالوا: وجدناه، فخرّ ساجدا، ونصب يده المخدجة وكانت كالثّدي عليها شعرات كشارب السّنّور. (3) عثمان ذو النورين: تزوّج برقيّة وأمّ كلثوم بنتي رسول الله صلّى الله عليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 295 وآله وسلّم. وقيل: لم ير زوجان أحسن من عثمان ورقية. ولذلك لقّب به نور نفسه ونور رقيّة. «829» .- (4) ذو النور عبد الله بن الطفيل الدّوسيّ الذي أعطاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نورا في جبينه ليدعو به قومه، فقال: يا رسول الله، هي مثلة، فجعله في سوطه، فكان كالمصباح يضيء له الطريق بالليل. (5) ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري: روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استقضاه يهوديّ دينا، فقال عليه السلام: أو لم أقضك؟ فطلب البيّنة. فقال لأصحابه: أيّكم يشهد لي؟ فقال خزيمة: أنا يا رسول الله، قال: وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه؟ قال: يا رسول الله، نحن نصدّقك على الوحي من السماء، فكيف لا نصدّقك على أنّك قضيته؟! فسمّاه صلّى الله عليه وسلّم ذا الشهادتين. (6) الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام ذو الدمعة: كان كثير البكاء، فقيل له في ذلك، فقال: وهل تركت النار والسّهمان لي مضحكا؟ يريد السّهمين اللّذين أصابا زيد بن علي ويحيى بن زيد. (7) أبو هريرة: قال: كنيت بهرّة صغيرة كنت ألعب بها. واختلف في اسمه فقيل: عبد الله، وعبد شمس، وعمير، وسكين. (8) جهبذ العلماء سعيد بن جبير: قيل إنّه مات وما أحد من أهل الأرض إلا وهو محتاج إلى علمه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 296 «829» .- (9) عنبسة الفيل النحوي: سمّي بذلك لأنّ أباه معدان كان يروّض فيلا للحجّاج. (10) غيلان الراجز راكب الفيل، وسعدويه الطنبوري عين الفيل لأنّ الحجّاج كان يحملهما على الفيل. (11) ذو المشهّرة أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاريّ كانت له مشهّرة يلبسها ويختال بين الصفّين. (12) سخينة لقب لقريش وهو حساء كانوا يتّخذونه في الحرب. (13) العتيق والصدّيق: أبو بكر رضي الله عنه لجماله وتصديقه واسمه عبد الله. (14) الفاروق عمر رضي الله عنه لأنه كان يوم أسلم لا يعبد الله سرّا، فظهر به الإسلام وفرق بين الحقّ والباطل. (15) الكامل سعد بن عبادة لأنّه كان يكتب ويحسن الرمي والغوص. (16) طلحة بن عبيد الله: كان يقال له طلحة الخير وطلحة الفيّاض وطلحة الطلحات لسخائه. (17) يعسوب قريش: عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد. شهد الجمل فمرّ به عليّ عليه السلام مقتولا فقال: لهفي عليك يعسوب قريش، شفيت نفسي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 297 وجدعت أنفي، قتلت الصناديد من قريش وفاتني الأغيار من بني جمح، فقال له رجل: تقول هذا فيه وقد خرج عليك؟ فقال: إنّه قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك. «829» .- (18) الجراضم: معاوية لأكله في سبعة أمعاء. (19) رشح الحجر وأبو الذّبّان: لقبا عبد الملك بن مروان لبخله وبخره. (20) عكّة العسل: سعيد بن العاص، وكان دميما نحيفا. (21) البحر والحبر: عبد الله بن عبّاس لعلمه. (22) عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق: كان مائل الشّدق. ويقال: بل قال له معاوية: إنّ هذا الأشدق، يريد التشادق في الكلام، فغلبت عليه. (23) الجرادة الصفراء: مسلمة بن عبد الملك لصفرة لونه، ولقول يزيد بن المهلّب: وما مسلمة إلا جرادة صفراء أتاكم في أقباط وأنباط وأخلاط. (24) الفيّاض: عكرمة بن ربعيّ لسخائه وكرمه. (25) القباع: الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، عرض عليه مكيال فقال: إنّ مكيالكم هذا لقباع وهو الذي يسع أكثر ممّا يقتضيه ظاهره، فلقّب به. (26) صالح قبّه: كان ينكر أن يتولّد شيء من شيء ويقول: إنّ الله عزّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 298 وجلّ يبتدىء ذلك في حال وجوده، ولو قرّبت النار من الحطب اليابس ولم يخلق الله الاحتراق لم يحترق أبدا. ولو طرح حيوان في النار ولم يخلق الله الألم فيه لم يتألّم، حتى قيل له: فما تنكر أن تكون في هذا الوقت قاعدا بمكة في قبّة وأنت لا تعلم أنّ الله لم يخلق فيك العلم؟ قال: لا أنكر ذلك، فلقّب بذلك. «829» .- (27) الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر، غلب عليه لجحظه. (28) واصل بن عطاء الغزّال: كان يكثر الجلوس في سوق الغزّالين. وقيل: كان يتبع فيه العجائز فيتصدّق عليهن. (29) خالد الحذّاء: لم يكن حذّاء وإنّما كان يجلس في الحذّائين. وقيل: كان يكثر إذا ناظر: احذوا على هذا الكلام. (30) سليمان التيميّ: كان داره ومسجده في بني تيم ولم يكن منهم، وهو شيباني. (31) أبو عمرو الشيباني: لم يكن منهم وإنّما كان يعلّم يزيد بن مزيد الشيباني. (32) اليزيدي: كان معلّم يزيد بن منصور الحميري فنسب إليه. (33) سلم الخاسر: باع مصحفا لأبيه واشترى بثمنه دفترا من شعر. (34) العماني الراجز ولم يكن من عمان، وإنّما رآه دكين الراجز وهو غليّم نضو مصفرّ مطحول يمتح على بكرة ويرتجز، فقال: من هذا العمانيّ؟ فلزمه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 299 لأنّ أهل عمان والبحرين يعتريهم الطّحال واسمه محمد بن ذؤيب الفقيميّ. «829» .- (35) ثابت قطنة: أصيبت عينه في حرب فكان يحشوها قطنة. (36) زياد الأعجم: يكنى أبا أمامة. تشبّه بالنابغة في الكنية والاسم. غلب عليه الأعجم للكنة يرتضخها. (37) منظور بن زبّان الفزاريّ: سمّي بذلك لأنّه بقي في بطن أمّه سنتين كما قيل فانتظر. (38) خارجة بن سنان المرّي: ماتت أمّه وهو حمل، فتحرّك في بطنها، فبقر عنه حتى خرج فسمّي خارجة وبقير غطفان. (39) أنشد ثعلب: [من المنسرح] ليست بشامية النحاس ولا ... صفواء مصموحة معاصمها بل ذات أكرومة تكنفها ال ... أحجار مشهورة مواسمها وقال: الأحجار: جندل وصخر وحزون بني نهشل. وأنشد غيره: [من الكامل] وحللت من مضر بأكرم ذروة ... منعت بحدّ الشوك والأحجار يريد بالشوك أخواله وهم قتادة وطلحة وعوسجة، والأحجار أعمامه وهم صفوان وفهر وجندل. (40) سفينة: مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكنيته أبو عبد الرحمن. كان معه في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 300 سفر، فكان كلّ من أعيا ألقى عليه بعض متاعه، فمرّ به صلّى الله عليه وسلّم فقال: أنت سفينة، فغلب عليه. (41) المبرّد النحوي: أبو العباس محمد بن يزيد، اختبأ في تبن، فكشف عنه فقال: هذا مبرد، فغلبت عليه. (42) ثعلب صاحب الفصيح: هو أبو العباس أحمد بن يحيى. «829» .- (43) ذو اليمينين طاهر بن الحسين: لقّب بذلك لأنّ المأمون قال له: يا أبا الطيّب، يمينك يمين أمير المؤمنين وشمالك يمين، فبايع بيمينك يمين أمير المؤمنين. وقيل: لما له في دولة المأمون من الاستحقاق، ولجدّه مصعب بن رزيق في مبدأ الدولة. (44) ذو الرئاستين: الفضل بن سهل لأنّه دبّر أمر السيف والقلم، رياسة الجيوش والدواوين. (45) أبو لهب: كنية وقعت عليه لحمرة لونه. [ حكايات وأخبار في التعريض ] «830» - بعث الجنيد بن عبد الرحمن المرّيّ إلى خالد بن عبد الله القسريّ بسبي من الهند بيض، فجعل يهب أهل البيت كما هو للرجل من قريش ومن وجوه الناس حتى بقيت جارية جميلة كان يذخرها لنفسه، فقال لأبي النجم العجليّ الراجز: هل عندك فيها شيء حاضر وتأخذها الساعة؟ قال: نعم أصلحك الله. فقال العريان بن الهيثم النّخعيّ وكان على شرطته: ما يقدر على ذلك، قال أبو النجم: [من الرجز] علقت خودا من بنات الزّطّ ... ذات جهاز مضغط ملطّ رابي المجسّ جيّد المحطّ ... كأنّه قطّ على مقطّ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 301 إذا بدا منها الذي تغطّي ... كأن تحت ثوبها المنعط شطّا رميت فوقه بشطّ ... لم يعل في البطن ولم ينحطّ فيه شفاء من أذى التمطي ... كهامة الشيخ اليماني الثّطّ وأومأ بيده إلى هامة العريان. فضحك خالد وقال للعريان: هل تراه احتاج إلى رويّ فيها؟ قال: ولكنه ملعون ابن ملعون. «831» - وقال عبد الرحمن بن عائشة: [من الخفيف] من يكن إبطه كآباط ذا الخل ... ق فإبطاي في عداد الفقاح لي إبطان يرميان جليسي ... بشبيه السّلاح أو كالسّلاح فكأني ما بين هذا وهذا ... قاعد بين مصعب وصباح يعني مصعب بن عبد الله الزّهريّ وصباح بن خاقان المنقريّ، وكانا جليسين لا يكادان يفترقان وصديقين متواصلين، فلقيهما أحمد بن هشام يوما فقال: أما سمعتما ما قال فيكما هذا، يعني إسحاق بن إبراهيم الموصليّ؟ فقالا: ما قال إلا خيرا [1] ، قال: [من المديد] لام فيها مصعب وصباح ... فعصينا مصعبا وصباحا وأتينا غير سعي إليها ... فاسترحنا منهما واستراحا ولكن المكروه ما قال فيك إذ يقول: [من الطويل] وصافية تعشي العيون رقيقة ... رهينة عام في الدّنان وعام أدرنا بها الكأس الرويّة موهنا ... من الليل حتى انجاب كلّ ظلام فما ذرّ قرن الشمس حتى كأنّنا ... من العيّ نحكي أحمد بن هشام   [1] جاءت هذه العبارة في الأغاني بعد الشعر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 302 832- أبو عمران الموصليّ: [من الطويل] وليل كوجه البرقعيديّ ظلمة ... وبرد أعانيه وطول قرونه قطعت ونومي فيه نوم مشردّ ... كعقل سليمان بن فهد ودينه على أولق فيه التفات كأنّه ... أبو جابر في خبطه وجنونه إلى أن بدا ضوء الصباح كأنّه ... سنا وجه قرواش وضوء جبينه «833» - البحتريّ من أبيات يصف فرسا: [من الكامل] ما إن يعاف قذى وإن أوردته ... يوما خلائق حمدويه الأحول 834- الرضي رضي الله عنه: [من الكامل] ما زلن حتى لفّهنّ على الوجى ... ليل كعرض أبي فلان المظلم «835» - قال المأمون القارىء: اقرأ، فقرأ: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ (المائدة: 30) ، فأمر بحبسه. «836» - دخل رجل من محارب على عبد الله بن يزيد الهلاليّ وهو بأرمينية، فقال له عبد الله: ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب، ما تركونا ننام! يريد الضفادع، قال المحاربيّ: أصلحك الله، إنّهم أضلّوا برقعا لهم وكانوا في بغائه. أراد الأوّل قول الشاعر: [من الطويل] تكشّ بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدلّ عليها صوتها حيّة البحر وأراد الآخر قول الشاعر: [من الطويل] لكلّ هلاليّ من اللؤم برقع ... ولابن يزيد برقع وجلال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 303 «837» - قال رجل لآخر: مرحبا بأبي المنذر، فقال: ليست هذه كنيتي، فقال: نعم، ولكنها كنية مسيلمة، يعرّض بأنّه كذّاب. «838» - خرج المأمون يوما برقعة فيها مكتوب: يا موسى، فقال: هل تعرفون لها معنى؟ فقالوا: لا، فقال إسحاق بن إبراهيم الطاهري: يا أمير المؤمنين هذا إنسان محذّر إنسانا، أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (القصص: 20) . فقال المأمون: صدقت، هذه صرف جاريتي كتبت إلى أختها متيّم جارية علي بن هشام أني [عازم] على قتله، فحذّرته. «839» - كان هشام بن عمرو التغلبيّ على نصيبين، فخرج يشيّع أبا مسلم، فقال أبو مسلم: كيف يقول عمّك مهلهل: [من الكامل] إنّي لأذكر منيتي ونجيبتي ... تحتي وأرفعها تخبّ ذميلا إني لأكره أن أعيش مظلّما ... طول الحياة وأن أعيش ذليلا فقال هشام لكاتبه: اكتب إلى أمير المؤمنين عرّفه أنّ أبا مسلم قد خلع الطاعة. «840» - دخل الحسن بن سهل إلى المأمون، فحلف عليه أن يشرب عنده، فأخذ القدح، فقال له: بحقّي عليك إلا أمرت من شئت أن يغنّيك، فأومأ الحسن إلى إبراهيم بن المهدي، فقال له المأمون: غنّه يا إبراهيم، فاندفع وغنّى: [من البسيط] تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرق زجل فغضب المأمون ووثب عن مجلسه ودعا بإبراهيم وقال له: لا تدع كبرك وغلّك؛ أنفت من إيمائه إليك فغنّيت معرّضا بما تعرّض له من المرار بشعر فيه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 304 ذكر الوسواس، والله لقد عزمت على قتلك إذ خرجت عليّ، ونزعت يدك من طاعتي، حتى قال لي: إن قتلته فعلت ما فعله الناس قبلك، وإن عفوت عنه فعلت ما لم يفعله أحد قبلك، فعفوت عنك لقوله، فلا تعد. «841» - كان البراء بن قبيصة صاحب شراب، فدخل إلى الوليد بن عبد الملك وبوجهه أثر، فقال: ما هذا؟ فقال: فرس لي أشقر ركبته فكبا بي، فقال: لو ركبت الأشهب لما كبابك، يريد الماء. «842» - دخل خليلان المعلّم- وكان يغنّي على تستر وتصوّن- يوما على عقبة بن مسلم الأزدي فاحتبسه عنده، فأكل معه ثم شرب، وحانت منه التفاتة فرأى عودا معلّقا فعلم أنّه عرّض له به، فدعا به فأخذه وغنّاهم: [من المديد] يا ابنة الأزديّ قلبي كئيب ... مستهام عندها ما ينيب وحانت منه التفاتة فرأى وجه عقبة قد تغيّر، وقد ظنّ أنّه عرّض به، ففطن لما أراد به فغنّى: [من الهزج] ألا هزئت بنا قرشيّة ... يهتزّ موكبها فسرّي عن عقبة وشرب، فلما فرغ وضع العود من حجره وحلف بالطلاق أنه لا يغنّي بعد يومه ذلك إلا من يجوز أمره عليه. «843» - دخل الحطيئة على عيينة بن النّهاس العجلي، فسأله وهو لا يعرفه، فقال له: ما أنا على عمل فأعطيك، ولا في مالي فضل عن قومي، قال له: لا عليك وانصرف. فقال له بعض قومه: قد عرّضتنا ونفسك للشرّ، قال: فكيف؟ قالوا: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 305 هذا الحطيئة وهو هاجينا أخبث هجاء، فقال: ردّوه، فردّوه إليه، فقال: كتمتنا أمرك بنفسك كأنك كنت تطلب العلل علينا، اجلس فلك عندنا ما يسرّك فجلس، فقال له: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول: [من الطويل] ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّقي الشّتم يشتم فقال له عيينة: إنّ هذا من مقدمات أفاعيك. ثم قال لوكيله: إذهب معه إلى السوق فلا يطلب شيئا إلا اشتريته له. فجعل يعرض عليه الخزّ ورقيق الثياب فلا يريدها، ويومىء إلى الكرابيس والأكسية الغلاظ، فيشتريها له حتى قضى أربه، ثم مضى. فلما جلس عيينة في نادي قومه أقبل الحطيئة، فلما رآه عيينة قال: هذا مقام العائذ بك يا أبا مليكة من خيرك وشرّك، قال: قد قلت بيتين فاسمعهما، فأنشده: [من الطويل] سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا ... فسيّان لا ذمّ عليك ولا حمد وأنت امرؤ لا الجود منك سجيّة ... فتعطي، ولا يعدي على النائل الوجد «844» - كان الفرزدق في حلقة في المسجد وفيها المنذر بن الجارود العبديّ، فقال المنذر: من الذي يقول: [من الوافر] وجدنا في كتاب بني تميم ... أحقّ الخيل بالركض المعار فقال الفرزدق: يا أبا الحكم، هو الذي يقول: [من الوافر] أشارب قهوة وخدين زير ... وضرّاط لفسوته بخار وجدنا الخيل في أفناء بكر ... وأفضل خيله خشب وقار فخجل المنذر حتى ما قدر على الكلام. «845» - وفد سعيد بن عبد الرحمن بن حسّان، وكان جميل الوجه، على الجزء: 8 ¦ الصفحة: 306 هشام بن عبد الملك، فاختلف إلى عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدّب الوليد بن يزيد، فأراده على نفسه، وكان لوطيّا زنديقا وكان كثير الشّبق، فدخل سعيد على هشام مغضبا وهو يقول: [من الرمل] إنّه والله لولا أنت لم ... ينج مني سالما عبد الصّمد فقال هشام: لماذا؟ فقال: رام جهلا بي وجهلا بأبي ... يدخل الأفعى إلى خيس الأسد فضحك هشام وقال: لو فعلت به شيئا لم ننكر عليك. «846» - ابن مناذر في رجل كان يرمى بالزندقة: [من الخفيف] يا أبا جعفر كأنّك قد صر ... ت على أجرد طويل الحران من مطايا ضوامر ليس يصهل ... ن إذا ما ركبن يوم رهان لم يذلّلن بالسروج ولا أق ... رح أشداقهنّ جذب العنان قائمات مسوّمات لذي الجس ... ر لأمثالكم من الفتيان «847» - قال عبد الملك بن مروان لثابت بن الزبير: ما ثابت من الأسماء؟ لا باسم رجل ولا بامرأة، قال: يا أمير المؤمنين، لا ذنب لي، لو كان اسمي إليّ لسمّيت نفسي زينب، يعرّض بأبيه كان يعشق زينب بنت عبد الرحمن بن هشام، وخطبها فقالت: لا أوسّخ نفسي بأبي الذّبّان. «848» - ذكروا أنّ السليك أملق، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرّة من بعض من يمرّ به في ليلة باردة مقمرة، فاشتمل الصّمّاء ثم نام، واشتمال الجزء: 8 ¦ الصفحة: 307 الصمّاء أن يردّ فضل ثوبه على عضده اليمنى ثم ينام عليها، فبينا هو نائم إذ جثم عليه رجل فقعد إلى جنبه وقال: استأسره، فرفع السليك إليه رأسه وقال: الليل طويل وأنت مقمر، فأرسلها مثلا، فجعل الرجل يلمزه ويقول: يا خبيث استأسر، فلما آذاه بذلك أخرج السليك يده وضمّ الرجل إليه ضمّة ضرط منها وهو فوقه، فقال السّليك: أضرطا وأنت الأعلى! فأرسلها مثلا، ثم قال السليك: ما أنت؟ قال: رجل افتقرت فقلت: لأخرجنّ فلا أرجع إلى أهلي حتى أستغني قال: فانطلق معي، فانطلقا فوجدا رجلا قصّته مثل قصّتهما، فاصطحبوا جميعا حتى أتوا الجوف جوف مراد، فلما أشرفوا عليه إذا فيه نعم قد ملأ كلّ شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها ويلحقهم الطلب فقال لهم سليك: كونوا قريبا منّي حتّى آتي الرّعاء فأعلم لكما علم الحيّ، أقريب أم بعيد هم، فإن كانوا قريبا رجعت إليكما، وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولا أوحي إليكما به فأغيرا. فانطلق حتى أتى الرّعاء فلم يزل يستنطقهم حتى أخبروه مكان الحيّ. فإذا هم بعيد، إن طلبوا لم يلحقوا، فقال السليك للرّعاء: ألا أغنّيكم؟ قالوا: بلى، غنّينا، فرفع صوته وغنّى: [من البسيط] يا صاحبيّ ألا لا حيّ بالوادي ... سوى عبيد وأمّ بين أذواد أتنظران قريبا ريث غفلتهم ... أم تغدوان فإن الربح للغادي فلما سمعا ذلك أتيا السّليك فطردوا الإبل فذهبوا بها، ولم يبلغ الصريخ الحيّ حتى فاتوهم بالإبل. «849» - قال نميريّ لفقعسي: إني أريد إتيانك فأجد على بابك خرءا، فقال له الفقعسيّ: اطرح عليه ترابا وادخل، أراد النّميريّ قول الشاعر: [من الوافر] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 308 ينام الفقعسيّ ولا يصلّي ... ويخرأ فوق قارعة الطريق وأراد الفقعسيّ: [من الوافر] ولو وطئت نساء بني نمير ... على ترب لخبّثن التّرابا «850» - كان بالمدينة رجل يسمّى جعدة يرجّل شعره ويتعرّض للنساء، فكتب رجل من الأنصار، وكان في الغزو، إلى عمر رضي الله عنه: [من الوافر] ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري قلائصنا هداك الله إنّا ... شغلنا عنكم زمن الحصار يعقّلهنّ جعد شيظمي ... وبئس معقّل الذّود الظّؤار كنّى بالقلائص عن النّساء، وعرّض لأنّ اسمه جعدة، فسأل عمر عنه، فدلّ عليه ونفاه عن المدينة. 851- أخذ عليّ عليه السلام رجلا من بني أسد في حدّ، فاجتمع قومه ليكلّموه فيه، وطلبوا إلى الحسن أن يصحبهم فقالوا: ائتوه فهو أعلى بكم عينا، فدخلوا عليه فرحّب بهم وقال لهم معروفا، وسألوه فقال: لا تسألوني شيئا أملكه إلا أعطيتكم. فخرجوا وهم راضون يرون أنّهم قد أنجحوا. فسألهم الحسن فقالوا: أتينا خير مأتى، وحكوا له قوله. فقال: ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فاصنعوه، فأخرجه عليّ عليه السلام فحدّه فقال: هذا والله لست أملكه. «852» - قال عبد الله بن الزبير لامرأة عبد الله بن خازم السّلميّ: أخرجي المال الذي وضعته تحت استك فقالت: ما ظننت أنّ أحدا يلي شيئا من أمور الجزء: 8 ¦ الصفحة: 309 المسلمين يتكلّم بهذا، فقال بعض الحاضرين: أما ترون الخلع الخفيّ الذي أشارت إليه؟! فلما أخذ الحجاج أمّ عبد الرحمن بن الأشعث تجنّب ما عيب على ابن الزبير، فكنّى عن المعنى فقال لها: عمدت إلى مال الله فوضعته تحت ذيلك. 853- قال الشقراني [1]- مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خرج العطاء أيام أبي جعفر، وما لي شفيع، فبقيت متحيّرا، فإذا أنا بجعفر بن محمد عليهما السلام، فقمت إليه فقلت: جعلني الله فداك، أنا مولاك الشقراني، فرحّب بي وذكرت له حاجتي فنزل ودخل دار أبي جعفر وخرج وعطائي في كمّه، فصبّه في كمّي، ثم قال: يا شقراني، إنّ الحسن من كلّ أحد حسن، وإنّه منك أحسن لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كلّ أحد قبيح وهو منك أقبح لمكانك منّا، عرّض له فإنّه كان يصيب من الشراب، فأكرم في تعريضه بعد إحسانه في الشفاعة وتنجّز حاجته. «854» - ماتت للهذليّ أمّ ولد، فأمر المنصور الربيع بأن يعزّيه ويقول له: إنّ أمير المؤمنين موجّه إليك جارية نفيسة لها أدب وظرف تسلّيك عنها، وأمر لك بفرش وكسوة وصلة، فلم يزل الهذليّ يتوقّعها، ونسيها المنصور، فحجّ ومعه الهذليّ فقال له وهو بالمدينة: أحبّ أن أطوف الليلة بالمدينة، فاطلب لي من يطوف بي، فقال أنا لها يا أمير المؤمنين. فطاف به حتى وصل إلى بيت عاتكة، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص: [من الكامل] يا بيت عاتكة الذي أتعزّل فأنكر المنصور ذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه، فلما رجع أمرّ القصيدة   [1] ربما كان حفيد «شقران» مولى رسول الله (ص) ؛ قارن بالاستيعاب لابن عبد البر 2: 709 رقم 1200. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 310 على قلبه فإذا فيها: وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل فذكر الوعد فأنجز له واعتذر له. 855- طلب المتوكّل جارية الزقاق بالمدينة، وكاد يزول عقله لفرط حبّه لها، فقالت لمولاها: أحسن ظنّك بالله وبي، فإني كفيل لك بما تحبّ. فحملت فقال لها المتوكل: إقرئي! فقرأت: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ (ص: 23) . ففهم المتوكل ما أرادت فردّها إلى مولاها. «856» - اختفى إبراهيم بن المهديّ في هربه من المأمون عند عمّته زينب بنت أبي جعفر، فوكّلت بخدمته جارية لها اسمها ملك، واحدة زمانها في الحسن والأدب، طلبت منها بخمسمائة ألف درهم فأبت، فهويها وتذمّم أن يطلبها منها، فغنّى يوما وهي قائمة على رأسه: [من الرمل المجزوء] يا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه والذي أجللت خدّي ... هـ فقبّلت يديه بأبي وجهك ما أك ... ثر حسادي عليه أنا ضيف وجزاء الض ... ضيف إحسان إليه ففطنت الجارية فحكت ذلك لمولاتها، فقالت: إذهبي إليه وأعلميه أني قد وهبتك له. فعادت له، فلما رآها أعاد الغناء، فانكبّت عليه فقال لها: كفّي، فقالت: قد وهبتني لك مولاتي وأنا الرسول، فقال: أما الآن فنعم. 857- كان بين يزيد بن معاوية وبين إسحاق بن طلحة بن عبيد الله كلام بين يدي معاوية، فقال يزيد: يا إسحاق إنّ خيرا لك أن يدخل بنو حرب كلّهم الجنّة، فقال إسحاق: وأنت والله خير لك أن يدخل بنو العباس كلّهم الجنّة، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 311 فانكسر يزيد ولم يدر ما عناه. فلما قام إسحاق قال معاوية: أتدري ما عناه إسحاق؟ قال يزيد: لا، قال: فكيف تشاتم رجلا قبل أن تعلم ما يقال لك وفيك؟ عنى ما زعم الناس بأنّ العباس أبي أنا. وكانت هند اتّهمت به وبغيره. وذلك لمّا جاءت إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تبايعه، فتلا عليها الآية، فبلغ قوله: وَلا يَزْنِينَ (الممتحنة: 12) . قالت: وهل تزني الحرّة؟! فنظر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى عمر رضي الله عنه وتبسّم. «858» - خاصم خيلان رجلا من أولاد زياد، فقال له الزياديّ: يا دعيّ، فأنشأ خيلان يقول: [من الطويل] بثينة قالت يا جميل أربتني ... فقلت كلانا يا بثين مريب فبلغ قولهما ابن عائشة فقال: والله إنّ خيلان في التمثّل بهذا البيت أشعر من جميل. «859» - كان يونس يختلف إلى الخليل يتعلّم منه العروض، فصعب عليه تعلّمه، فقال له الخليل يوما: من أيّ بحر قول الشاعر: [من الوافر] إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع ففطن يونس إلى ما عناه الخليل وترك العروض. الأحاجي 860- أنشد ابن الأعرابيّ في أيّام الأسبوع: [من الرجز] ما سبعة كلّهم إخوان ... ليسوا يموتون وهم شبّان لم يرهم في موضع إنسان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 312 861- وأنشد أحمد بن يحيى: [من المتقارب] إذا القوس وتّرها أيّد ... رمى فأصاب الذّرى والكلى فأصبحت والليل لي ملبس ... وأصبحت والأرض بحر طمى يعني قوس الله التي تدلّ على الخصب، والأيّد: القويّ، و [هو] الله عزّ وجلّ. وأصاب كلى الإبل وذراها بالشّحم، ومعنى أصبحت: أسرجت المصباح. 862- محمد بن محمد اليزيدي يصف قنفذا: [من الطويل] وطارق ليل جاءنا بعد هجعة ... من الليل إلا ما تحدّث سامر قريناه صفو الزاد حتى رأيته ... وقد جاء خفّاق الحشى وهو سادر جميل المحيّا في الرّضا فإذا أبى ... حمته من الضيم الرماح الشواجر ولست تراه واضعا لسلاحه ... يد الدهر موتورا ولا هو واتر 863- الحميريّ في المائدة: [من السريع] ما ناهد ممسوحة الصّدر ... ظاهرة الآية في الظّهر يقوم بالنسر لها بدرها ... وبدرها يقعد بالنسر 864- امتحن يحيى بن أكثم رجلا أراده على القضاء فقال: ما تقول في رجلين، زوّج كلّ واحد منهما الآخر أمّه، فولد لكلّ واحد من المرأة ولد، ما قرابة ما بين الولدين؟ فلم يعرف ذلك، فسئل عنها فقال: كلّ واحد منهما عمّ الآخر لأمّه. «865» - دخل رجل من أهل الشام على عبد الملك بن مروان فقال: إني قد تزوّجت امرأة، وزوّجت ابني أمّها، ولا غنى بها عن رفدك، فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا ولدتما فعلت، فقال: يا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 313 أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلّدته سيفك وولّيته ما وراء بابك، فسله عنها، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتّسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فساءله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك والله ما قدّمتني على العلم بالأنساب، ولكن على الطعن بالرماح، أحدهما عمّ الآخر، والآخر خاله. وهذه القضيّة هي التي ضمّنها الحريري مقاماته في قوله: [من الخفيف] رجل مات عن أخ مسلم حر ... ر نقي من امّه وأبيه وله زوجة لها أيّها الحب ... ر أخ خالص بلا تمويه فجرت سهمها وحاز أخوها ... ما تبقّى بالإرث دون أخيه وهي منقولة من كتاب ابن قتيبة «عيون الأخبار» . [ أحاج فقهية ] 866- وقد وضعت أحاج فقهيّة ليس فيها طائل ولا يحصل بها علم، وعلى ذلك فقد ذكرت منها ما يجعل الباب حاويا لما جاء من جنسه. (1) رجل من أهل الجنّة نهى الله أن يعمل مثل عمله؟ يونس بن متّى لقوله تعالى: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ (القلم: 48) . (2) ميّت أحيا ميّتا؟ بقرة بني إسرائيل لقوله: اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها (البقرة: 73) . (3) شيء قليله حلال وكثيره حرام؟ نهر طالوت لقوله: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ (البقرة: 249) . (4) صلاة مفروضة تصلّى على غير طهر؟ الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. (5) صوم لا يحجز عن أكل ولا شرب؟ في قوله تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (مريم: 26) أي سكوتا. (6) رجل مسلم محصن أخذ مع امرأة مسلمة محصنة، فوجب الرجم عليه ولم يجب عليها؟ هو رجل أشهد على طلاق امرأة ولم تعلم، ثمّ جامعها، فرجم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 314 (7) رجلان خطبا امرأة فحلّت لأحدهما وحرمت على الآخر من غير نسب ولا معرفة ولا رحم ولا رضاع؟ كان للذي حرمت عليه أربع نسوة. (8) رجلان كانا في سطح، فسقط أحدهما فمات، فحرمت امرأة الآخر عليه؟ الجواب عن ذلك أنه كان الحيّ مولى للميّت وتحته ابنته، فإذا مات صارت مولاته، فحرمت عليه. (9) مكان لا قبلة له؟ ظهر البيت الحرام. (10) رجل زوّج أمّه وأخته من رجل في عقد واحد، والعقد صحيح؟ الجواب: ان الرجل المزوّج كانت أمّه أمة مشتركة بين اثنين، فجاءت به فادّعاه كلّ واحد من الموليين، والولد لا حق بهما جميعا يرثهما ويرثانه، ولكلّ واحد من الأبوين بنت من امرأة أخرى، وكلتاهما أخت له، فإذا جمع بينهما وبين أمّه في نكاح فلا مانع من ذلك. (11) رجل صلّى المغرب فلزمه أن يتشهّد فيها عشر مّرات؟ الجواب أنه رجل لحق الإمام وهو ساجد في الركعة الثانية فتشهّد معه، ثم قام الإمام إلى الركعة الثالثة وتشهّد فيها، وهي الأولى للمأموم، وكان الإمام قد سها فسجد سجود السهو وتشهد، وذكر قبل السلام أنّ عليه سجدة تلاوة قد سها عنها، فسجدها وتشهّد، ثم سجد للسهو عنها وتشهّد فصارت خمس مرات، وليس للمأموم فيها غير ركعة واحدة، وقام ليتمّ صلاته ركعتين، فاتّفق له مثل ما اتفق للإمام من السّهو فلزمه التشهد خمس مرّات، فصارت عشرا. «867» - أبو الفضل بن العميد في الشمس: [من البسيط] ماذا ترى يا أبا العباس في رجل ... تشابهت منه أولاه وأخراه يرى مقدّمه شروى مؤخّره ... حسنا ويمناه في تمثال يسراه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 315 من حيث واجهته أرضاك منظره ... وكيف قابلته أغناك مغناه يهوى المباعد عنه قرب منزله ... حتى إذا ما تغشّاه تحاماه [ أحاج متنوعة ] 868- آخر في الشطرنج: [من الوافر] وجيش في الوغى بإزاء جيش ... لهام جحفل لجب خميس تراهم يبذلون لمذرهيهم ... إذا حمي الوغى مهج النفوس نفوس ليس ينفعها نعيم ... وليس يضيرها إيقاع بوس وليسوا باليهود ولا النّصارى ... ولا العرب الصليب ولا المجوس 869- آخر في السماء والأرض: [من المنسرح] أختان إحداهما إذا انتحبت ... تبكي كذاك بعبرة حرّى وما بها علّة ولا سقم ... تضحك منها الأخيّة الأخرى 870- آخر في الأيام والليالي: [من الطويل] سرينا فأدلجنا فكان ركابنا ... يسرن بنا في غير برّ ولا بحر مطايا يقرّبن البعيد وإنّما ... يقرّبن أشلاء الكريم إلى القبر 871- آخر في الشمعة: [من الرجز] مجدولة تحكي لنا ... في قدّها قدّ الأسل كأنّها عمر الفتى ... والنار فيها كالأجل 872- أبو طالب المأموني في المنارة: [من الطويل] وقائمة بين الجلوس على شوى ... ثلاث فما تخطي بهن مكانا على رأسها نجل لها لم يجنّه ... حشاها ولا علّته قطّ لبانا تسدد في أعلاه كلّ عشيّة ... لشقّ جلابيب الظلام سنانا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 316 873- كشاجم في البطيخ: [من السريع] وطيّب أهدى لنا طيّبا ... فدلّنا المهدى على المهدي لم تأتنا حتى أتينا له ... روائح أغنت عن النّدّ بظاهر أخشن من قنفذ ... وباطن ألين من زبد كأنّما تكشف عنه المدى ... عن زعفران شيب بالشّهد [ رسالة لابن العميد ] 874- ابن العميد من رسالة كتبها إلى بعض إخوانه في الشمعة وربعة المصحف: زرت- أطال الله بقاء سيّدي- في هذه الأيام صدرا من صدور الكرام، قد ساعده زهو الشبيبة، وأسعده زمن اللهو والطيبة، وجنحت الأقدار لسلمه، وأسلمت لمراده وحكمه. يقول فيها: إذ دخل علينا واحد من خدمه ومعه شجرة قائمة على ساقها، عارية عن أوراقها، تحمل نارا، وتعيد ليلها نهارا، إن انتبهت استأنس جلّاسها، وإن قمصت تطلع رأسها، واقفة وما لها قدم، وناحلة وما بها من سقم، أرضها من فضة، ودموعها منفضة، تجمع أوصاف العشّاق، وتحكي اعتدال القدود الرّشاق. فلما انجلى بها الحندس، وأضاء عنها المجلس، حانت مني التفاتة فرأيت بين السماء والأرض شيئا بديعا، بطنه ساج، وفرشه ديباج، أطرافه كجيد الفتاة، وآثاره مسّ كعوب القناة، ولباسه خزائن البحار، وقلائده بضائع الأبرار والفجار، فهو موصول ومفصول، وإبهامه مقطوع ومأكول، نطاقه في صدره، وازراره من ظهره، فيه نفس بلا علل، وعين بلا مقل، وأذن بلا قذال، وقلب بلا طحال، قصيره كطويله، وجملته كتفصيله، يصغر وهو عظيم، ويمنع وهو كريم، ويحكم وهو غير حاكم، ويقطع وهو غير صارم، ويسبح وهو غير عائم، ويتّكئ وهو غير نائم، يجمع ألوان الأزهار والأنوار، ويدلّ على صورة الفلك الدوّار، يخبر عن غرائب الجواهر، ويؤذن بالدواهي والفواقر، مقيّد لم تمسّه السلاسل، ومخمل لم تدنّسه الغلائل، معلم الطرفين، أحمر الظواهر، أبلق البواطن؛ تضمّنته نيران لا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 317 تحرقه، ومياه لا تغرقه، حلو يسره، طيّب لا يفيد إلا نشره. إن مددت اسمه فكلمتان، وإن تركته فذو معان، لا يوافقه ذمّ، ولا تفارقه أمّ، ما رضع من لبان، ولا رصّع بنقصان، إخوانه أمجاد، وأخواته أزواج وأفراد، يركب وهو راجل، ويركب وهو غير راحل، حامله محمول، وأثره منقول. فاهتززت لاستهدائه اهتزاز واثق بأنّ نواله يسبق السؤال، وأفعاله تبلّغني الآمال. فلما عرف رغبتي فيه قرّبه ناحية، فأنجح آمالي قبل أن أخلق وجهي بذلّ السؤال. 875- وجّه ملك الروم إلى معاوية بقارورة وقال: ابعث إليّ فيها من كلّ شيء، فبعث إلى ابن عباس فقال: إحدى بنات طبق! قال: وما ذاك؟ فقصّ عليه القصة، فقال: لتملأ له ماء. فلما ورد به على ملك الروم قال: لله أبوه ما أدهاه! وقيل لابن عباس: كيف اخترت ذلك؟ فقال: لقول الله عزّ وجلّ: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ (الأنبياء: 30) . 876- وقيل لرجل من بني هاشم: ما طعم الماء؟ فقال: طعم الحياة. «877» - صحب أعشى همدان خالد بن عتّاب بن ورقاء الرّياحيّ، فكان يعده ويمنّيه إن ولي عملا أن يحكّمه فيه. فلما ولي خالد أصفهان سار معه، فلما وصل إلى العمل جفاه وتناساه ففارقه الأعشى وقال فيه من أبيات: [من الوافر] أتذكرني ومرّة إذ غزونا ... وأنت على بغيلك ذي الوشوم وتركب رأسه في كلّ وحل ... وتعثر في الطريق المستقيم وليس عليك إلا طيلسان ... نصيبيّ وإلا سحق نيم فبعث إليه خالد: هذا الذي ادّعيت أني وأنت غزونا معه على بغل ذي وشوم، متى كان ذلك؟ ومتى رأيت عليّ الطيلسان والنّيم اللّذين وصفتهما؟ فأرسل إليه: هذا كلام أردت وضعك بظاهره، وأما تفسيره: فإنّ مرّة مرارة ثمر ما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 318 غرست عندي من القبح، والبغل: المركب الذي ارتكبته مني لا يزال يعثر بك في وعث وجدد ووعر وسهل، وأما الطيلسان فما ألبستك إيّاه من العار والذّمّ، وإن شئت راجعت الجميل فراجعته لك. قال: لا، بل أراجع الجميل وتراجعه، (فوصله بمال عظيم وترضاه) [1]-. ومن هذا الجنس قول القائل: [من المتقارب] ألا لا تصلّ ألا لا تصلّ ... حرام عليك فلا تفعل فإن المزكّي إلى ربّه ... من النار في الدّرك الأسفل ظاهر هذا الكلام نهي عن الصلاة وعن الزكاة، وإنّما أراد: لا تزن ولا تلط ولا تقامر، فإنّ هذه الخصال تورد صاحبها في النار. فالصّلوان عرقان في الرّدف يقول: لا تركب الصّلوين، يريد: فجورا. والمزكّي: المقامر الذي يلعب حسا أو زكا أي فردا أو زوجا. 878- خرج المعتصم متنزّها مستخليا من غلمانه يسير بين أيديهم وقد بعد عنهم. فلقي رجلا فقال له: ما صناعتك أيها الرجل؟ قال: حلية الأحياء وجهاز الموتى. فوقف وجازه الرجل، فلحقه ابن أبي داود وأخبره بما قال الرجل، فقال: هذا حائك يا أمير المؤمنين. 879- وجّه عبد الملك بن صالح بن عليّ إلى الرشيد فاكهة في أطباق خيزران وكتب إليه: أسعد الله أمير المؤمنين وأسعد به، دخلت بستانا لي أفادنيه كرمك وغمرته نعمتك، وقد ينعت أشجاره، وأتت ثماره، فوجّهت من كلّ شيء شيئا على السّعة والإمكان في أطباق القضبان، لتصل إلى من بركة دعائه مثل ما وصل إليّ من كثرة عطائه، فقال له بعض من حضره: يا أمير المؤمنين، ما سمعت بأطباق قضبان! فقال له الرشيد: يا أبله، إنّما كنى   [1] ما بين الحاصرتين عن الأغاني، وفي م: فإن أرضاه فأرضاه!. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 319 عن الخيزران إذ كان اسما لأمّنا. 880- ومن كنايات العرب قول بعض اللصوص: [من الوافر] أيذهب بارح الجوزاء عني ... ولم أذعر هوامل بالسّتار عنى أنه إذا سرق الهوامل عفت الريح على أثر وطئه، فلم يوقف له ونجا بالذي يقتطعه ويسرقه. وأراد بالبارح بوارح الرياح. ومنه قول الأخر: [من الطويل] أيا بارح الجوزاء ما لك لا ترى ... عيالك قد أمسوا مراميل جوّعا أي إذا هببت أمكنتنا السرقة بتعفيتك آثار الأقدام. ومثله قول الآخر: [من الوافر] ألا يا جارنا بأناص إنّا ... وجدنا الريح أكرم منك جارا تعدّينا إذا هبّت علينا ... وتملأ وجه ناظركم غبارا وقول الآخر: [من الوافر] إذا لم تطعمونا أطعمتنا ... بحمد الله معصفة جنوب 881- يونس عن امرأة من العرب زارتها بنت أختها وبنت أخيها، فأحسنت تزويدهم. فلما كان عند رجوعهما قالت لابنة أخيها: جفّ حجرك وطاب نشرك. فسّرت الجارية بما قالت لها عمّتها، وقالت لابنة أختها: أكلت دهشا وحطبت قمشا، فوجدت لذلك المصيبة وشقّ عليها ما قالت لها خالتها، فانطلقت بنت الأخ إلى أمّها مسرورة فقالت لها أمّها: ما قالت لك عمّتك؟ فقالت: قالت لي خيرا ودعت لي. قالت: ويحك، وكيف قالت ذلك؟ قالت، قالت: جفّ حجرك وطاب نشرك. فقالت: يا بنيّة، ما دعت لك بخير، ولكن دعت بأن لا تلدي ولدا أبدا فيبلّ حجرك ويغيّر نشرك. وانطلقت الأخرى إلى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 320 أمّها فقالت لها: ما قالت لك خالتك؟ قالت: وما عسى أن تقول لي؟ دعت الله عليّ، فقالت، قالت لي: أكلت دهشا وحطبت قمشا، قالت: بل دعت الله لك يا بنيّة أن يكثّر ولدك فينازعونك في المال ويقمشوك حطبا. «882» - ومن أخبار العرب في [هذا] المعنى أنّ شنّا كان رجلا من دهاة العرب، وكان ألزم نفسه أن لا يتزوّج إلا بامرأة تلائمه. فكان يجوب البلاد في ارتياد طلبته، فصاحبه رجل في بعض أسفاره. فلما أخذ منهما السير قال له شنّ: أتحملني أم أحملك؟ فقال له: يا جاهل، هل يحمل الراكب الراكب؟ فأمسك وسار حتى أتيا على زرع، فقال له شنّ: أترى هذا الزّرع أكل أم لا؟ فقال: يا جاهل، ألا تراه في سنبله؟ فأمسك إلى أن استقبلتهما جنازة، فقال له شنّ: أترى صاحبها حيّا أم لا؟ فقال له صاحبه: ما رأيت أجهل منك، أتراهم حملوا إلى القبر حيّا؟ ثم إنّهما وصلا إلى قرية الرجل فصار به إلى منزله، وكانت له بنت تسمّى طبقة، فأخذ يطرفها بحديث رفيقه فقالت له: ما نطق إلا بالصواب: أما قوله «تحملني أم أحملك؟» فإنّه أراد تحدّثني أم أحدّثك حتى نقطع الطريق؟ وأما قوله: «أترى هذا الزرع أكل أم لا؟» فإنه أراد هل استسلف ربّه ثمنه؟ وأما استفهامه عن حياة صاحب الجنازة فإنه أراد به: أخلّف عقبا يحيي ذكره أم لا. فلما خرج إلى الرجل حدّثه بتأويل ابنته كلامه، فخطبها إليه، فزوّجه إيّاها، وسار إلى قومه بها، فلما خبروا ما فيها من الدهاء والفطنة قالوا: وافق شنّ طبقة، فصارت مثلا. هذا أحد الأقوال في تفسير هذا المثل وهو بعيد. وقد قيل في تفسيره ما هو أسدّ من هذا، وهو مورد في باب الأمثال. 882 أ- من كلام أبي محمد القاسم بن عليّ الحريري يصف الإبرة ويلغز عنها: كانت لي مملوكة رشيقة القدّ، أسيلة الخدّ، صبور على الكدّ، تخبّ أحيانا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 321 كالنّهد، وترقد أطوارا في المهد. وتجد في تمّوز مسّ البرد، ذات عقل وعنان، وحدّ وسنان، وكفّ ببنان، وفم بلا أسنان، تلدغ بلسان نضناض، وترفل في ثوب فضفاض، وتجلى في سواد وبياض، وتسقى ولكن من غير حياض، ناصحة خدعة، خبأة طلعة، مطبوعة على المنفعة، ومطواعة في الضيق والسّعة. إذا قطعت وصلت، ومتى فصلتها عنك انفصلت، وطالما خدمتك فجمّلت، وربما جنت عليك فآلمت وململت. وإنّ هذا الفتى استخدمنيها لغرض، فأخدمته إيّاها بلا عوض، على أن يجتني نفعها، ولا يكلّفها إلا وسعها، فأولج فيها متاعه، وأطال بها استمتاعه. ثم أعادها وقد أفضاها، وبذل عنها قيمة لا أرضاها. الجواب [1] . من كلامه يلغز بالميل: رهنته، على [2] أرش ما أوهنته، مملوكا لي متناسب الطرفين، منتسبا إلى القين، نقيّا من الدّرن والشّين، يقارن محلّه سواد العين، يفشي الإحسان، وينشىء الاستحسان، ويغذي الإنسان، ويتحامى اللسان. إن سوّد جاد، أو وسم أجاد، وإذا زوّد وهب الزاد، ومتى استزيد زاد. لا يستقرّ بمغنى، وقلمّا ينكح إلا مثنى. يسخو بموجوده، ويسمو عند جدوه، وينقاد مع قرينته، وإن لم تكن من طينته، ويستمتع بزينته، وإن لم يطمع في لينته. 883- ابن القزاز المغربي وكنى عن غلام اسمه لؤلؤ، وأشار إلى أنّ الأصداغ توصف باللامات والطّرر بالواوات: [من الكامل المرفل] لم يكفه أن اسمه علم ... ينبيك مبسمه بصورته حتى أراد بأن يعنونه ... بصفات صدغيه وطرّته «884» - أبو الحسن علي بن إسماعيل الزيدي العلويّ المغربيّ وقد عمد إلى   [1] يبدو أن هنا نقصا في المخطوطة. [2] المقامات: عن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 322 جرّتي شراب، فوجد إحداهما خلّا نقيفا: [من الخفيف] ربّ أختين أمستا طوع ملكي ... نجل أم يصبو إليها الرجال هذه حسنها مقيم وهذي ... غيّرت حسن حالها الأحوال فافتضاض الحسناء سهل حرام ... وافتضاض السّوآء صعب حلال «885» - وله في المائدة: [من الخفيف] هاكها روضة تعيش بها الأج ... سام ما مثل نورها نوار دبجتها الأيدي فجاءت تهادى ... بوجوه كأنّها أقمار كلّ روض غض ينّمّقه الما ... ء وهاتيك نمّقتها النار «886» - وله في الزربطانة بديها: [من الخفيف] سمهريّ تزخّ منه نجوم ... لذوات اللحون فيها رجوم تخرق الأيك فوقهنّ بحتف ... فلها في صدورهنّ كلوم كلّ قوس تحنى إذا سمتها الرم ... ي وهذا في رميه مستقيم 887- حسن بن علي الصيرفي يلغز بإبراهيم: [من السريع] يا ابن المغيث اسمع بأعجوبة ... جاءتك مني تستخفّ الحليم قد صرت في ذا الحبّ أحدوثة ... ذا كبد حرّى وجسم سقيم يلعب بي ضدّان باسم الذي ... أهوى كريح لعبت بالهشيم بعض اسمه يأمر أن أرعوي ... وبعضه يأمرني أن أهيم وقد أتت في لفظه لحنة ... ألذّ من راح بكفّي نديم ومنه وصفي حالتي إن أتى ... يسألني عنها صديق حميم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 323 ولست أرعى النجم إلا لأن ... ني بتّ عديلا لدراري النجوم وجدته في الآس والبان والر ... راح وفي نعتي وبعض النّسيم لو كنت إلا مثل ما قال في ... بعض اسمه ما لاح برق وشيم أكثر مقاصده في هذه الأبيات مفهوم إلا قوله: وجدته في الآس ... البيت، فإنّ فيه استغلاقا. أراد الألف من الآس، والباء من البان، والراء من الراح، والألف الثانية تسقط لتكرّرها، والهاء من هائم وهو نعت له، والياء والميم من النسيم وهي بعضه كما قال. 888- إسماعيل بن عبدون الكاتب المغربي في الشمعة: [من المتقارب] وصفراء تنشر من رأسها ... ذوائب صفرا على المجلس تعمّ الندامى بها كسوة ... فكلّ نديم بها مكتسي تمازج مشروبهم رقّة ... وتلقي شعاعا على الأكوس وتهدي إذا حضرت مجلسا ... نشاطا وأنسا إلى الأنفس تريك إذا حدقت عينها ... عيونا من الزهر والنرجس 889- وله أيضا فيها: [من المتقارب] وفوّارة ماؤها رقّة ... تفيض على كلّ راء لها إذا قابلته كسا الحاضرين ... كساها عموما لها كلها تفيض عليهم بمثل الغما ... م أتبع وابلها طلّها يصوب فيغرق أبوابهم ... ويخرج منها وما بلّها تمازج كاساتهم رقّة ... ويظهر فيها وما حلّها وليس بملح ولا بالفرا ... ت يروي العطاش إذا علّها صفات يظلّ لها ذو النّهى ... كليل القريحة معتلّها إذا ما اهتدى لطريق أرت ... هـ أخرى فعاد وقد ضلّها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 324 «890» - البديع الهمذاني رحمه الله في البهار: عدوّ في بردة صديق. من نجار الصفر، يدعو إلى الكفر، ويرقص على الظّفر، كدارة العين، يحطّ ثقل الدّين. 891- ابن نصر الكاتب في اصطرلاب: قطب الزمن ومداره، وميزان الفلك ومعياره، وأساس الحكمة وموضوعها، وتفصيل القضيّة ومجموعها، الناطق في صمته، الموفي على نعته، مظهر السرّ المكنون، المخبر عمّا كان وعمّا يكون، ذو شكل مقمر مستدير، ولون مشمس مستنير، ومنطقة محيطة بأجزائه، وخطوط معدّلة على أعضائه، وكتابة مطيفة بتلاويزه، ورموز بائحة بضميره، متقابل الأطراف والأهداف، متكامل الأوصاف، بحجرة مسكونة وصفائح موضونة، وقدّ مرموق وباب مطروق، يتعلّم فتحه ورتاجه، وعليه طريقه ومنهاجه، إذا انتصب قال فحمد، وإذا اضطجّع عليّ فلم يفد، صفريّ الانتساب، ذهبيّ الإهاب، يخترق الأنوار من نقابه، ويستخدم الشمس في حسابه، يجمع الشرق والغرب في صفحته، وستره الحامل في راحته. رافعه ينظر من تحته، وأخباره تسند عن خرته. «892» - والكناية في شعر العرب قليل، ولم يكونوا يتعاطونه، وعلى شذوذه فلهم منه النادر. فمن ذلك قول ذي الرّمّة، وكنى عن الأرض: [من الطويل] فما أمّ أولاد ثكول وإنّما ... بنو بطنها في بطنها حين تثكل أسرّت جنينا في حشا غير خارج ... فلا هو منتوج ولا هو معجل أسرّت جنينا: أي ما يزرع فيها. تموت وتحيا حائل من بناتها ... ومنهن أخرى عاقر وهي تحمل عمانيّة مهريّة دوسريّة ... على ظهرها للكور والحلس محمل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 325 مفرّجة حمراء عيساء جونة ... صهابيّة العثنون دهماء صندل مفرّجة: لها فروج أي طرق فيها حمرة. صهابيّة العثنون: يريد ما تقدّم من الرياح. وصندل: عظيمة الرأس، يريد أول الريح. تراها أمام الريح في كلّ منزل ... ولو طال إيجاف بها وترحّل ترى الخمس بعد الخمس لا يفتلانها ... ولو فار للشّعرى من الحرّ مرجل لا يفتلانها: لا يردّانها، يقال: فتله أي صرفه. تقطّع أعناق المطيّ ولا ترى ... على السير إلا صلدما لا تزيّل ترى أثر الأنساع فيها كأنّه ... على طيّ عاديّ يعاليه جندل ولو جعل الكور العلافيّ فوقها ... وراكبه أعيت به ما تحلحل عاديّ: قليب. يقول: لو جعل الرّحل وراكبه فوق الأرض ما تحلحلت. ترى الموت إن قامت، فإن بركت به ... يرى موته عن ظهرها حين ينزل ترى ولها بطن وظهر وذروة ... وتشرب من برد الشراب وتأكل قامت: يريد به قيام الساعة. وذروتها: الجبال. وأكلها: ما يزرع فيها. «893» - ولبعض العرب في الجرادة: [من الوافر] وما صفراء تكنى أمّ عوف ... كأنّ رجيلتيها منجلان «894» - وقال أعرابيّ: أتعرفون شيئا إذا قام كان أقصر منه إذا قعد. هو الكلب لأنّه إذا أقعى كان أرفع سمكا منه إذا قام على أربع. «895» - ومن لغزهم في العين: [من الوافر] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 326 وباسطة بلا قصب جناحا ... وتسبق ما يطير ولا تطير إذا ألقمتها الحجر اطمأنّت ... وتجزع أن يباشرها الحرير أراد بالحجر الإثمد. «896» - وسئل أعرابيّ عن قول القائل: [من الطويل] أبى علماء الناس لا يخبرونني ... بناطقة خرساء مسواكها حجر فقال: هي ما علمت أم سويد. 897- في القلم: [من المتقارب] وأجوف يمشي على رأسه ... يطير حثيثا على أملس فهمت بآثاره ما مضى ... وما هو آت ولم يبلس 898- ولآخر فيه: [من الطويل] وبيت بعلياء الفلاة بنيته ... بأسمر مشقوق الخياشيم يرعف 899- كشاجم في لوح الهندسة: [من الرجز] وقلم سطوره حساب ... في صحف مدادها تراب يكثر فيها المحو والإضراب ... من غير أن يسوّد الكتاب حتى يبين الحقّ والصواب ... وليس إعجام ولا إعراب 900- سألني سيدنا ومولانا الإمام المستنجد بالله صلوات الله عليه عمّا قيل في أحول، فأنشدته أبياتا، ووردت في هذا الكتاب، وأنشد هو ما حضره وأشار إلى نظم لغز فيه: [من المتقارب] وأختين لم تعرفا ما الفراق ... كما التأمت صحبة الفرقدين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 327 ويصطحبان على رقبة ... كمثل الزبانى رقيب البطين وقلت غير ملغز: [من الرجز] وأحول محبّب ممدوح ... مبارك العين خفيف الروح ينظر من خادعة لموح ... بعرض وهو مقتل الطموح كصائد مخاتل مشيح ... أو كوكب مال إلى الجنوح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 328 نوادر من هذا الباب وأنواعه «901» - تزوّج حمّاد عجرد امرأة، فدخل أصدقاؤه صبيحة البناء بها فسألوه عن خبره معها فقال: [من المديد] قد فتحت الحصن بعد امتناع ... بمبيح فاتح للقلاع ظفرت كفّي بتفريق شمل ... جاءنا تفريقه باجتماع فإذا شملي وشمل حبيبي ... إنّما يلتام بعد انصداع «902» - سأل خلف أو الأصمعيّ رجلا عن قول الشاعر: [من الكامل] ولقد غدوت بمشرف يافوخه ... عسر المكرّة ماؤه يتدفّق مرح يسيل من النشاط لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتمزّق فقال: يصف فرسا. فقال: أرأسك الله على مثله. «903» - مرّ أعرابيّ بجارية تمدر حوضا لها، فقال: من دلّ على بعير بعنقه علاط، وبأنفه خزام، تتبعه بكرتان سمراوان؟ فقالت الجارية: لا حفظ الله عليك يا عدوّ الله، فقيل لها: ما ذاك؟ قالت: ينشد سوءته. «904» - شكا رجل إلى مزبّد سوء خلق امرأته، فقال مزبد: بخّرها بمثلّثة، يريد الطلاق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 329 «905» - دخل مطيع بن إياس على قوم وعندهم قينة، فقالوا: اسقوه، ولم يكن أكل شيئا، فاستحيا وشرب. فلما أوجعه النبيذ قال لها تغنين: [من المتقارب] خليليّ داويتما ظاهرا ... فمن ذا يداوي جوى باطنا فعلموا أنّه عرّض بالجوع، فأطعموه. 906- عرض شريح ناقة للبيع فقال له المشتري: كيف غزارتها؟ قال: احلب في أيّ إناء شئت، قال: فكيف وثاقتها؟ قال: احمل على حائط ما شئت، قال: كيف وطاؤها؟ قال: افرش ونم، قال: كيف نجاؤها؟ قال: هل رأيت البرق قطّ؟ 90» - قال الأصمعيّ: كنت مع خلف جالسا، فجرى كلام في شيء من اللغة، وتكلّم فيه أبو محمد اليزيديّ وجعل يشغب، فقال له خلف: دعني من هذا يا أبا محمد، وأخبرني من الذي يقول: [من الكامل المجزوء] وإذا انتشيت فإنّني ... ربّ الحريبة والرّميح وإذا صحوت فإنني ... ربّ الدويبة واللّويح يعرّض به أنه معلّم وأنّه يلوط فغضب اليزيديّ وقام فانصرف. «908» - كان لمطيع بن إياس صديق من العرب يجالسه، فضرط ذات يوم وهو عنده، فاستحيا وغاب عن المجلس، ففقده مطيع وعرف سبب انقطاعه، فكتب إليه يقول: [من البسيط] أظهرت منك لنا هجرا ومقلية ... وغبت عنّا ثلاثا لست تغشانا هوّن عليك فما في الناس ذو إبل ... إلا وأينقه يشردن أحيانا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 330 «909» - حدّث الأصمعيّ الرشيد معرّضا أنّه كان بالبصرة فتى له كوخ من قصب كان يغشاه الفتيان، فإذا أطربهم سمره قال بعضهم: غدا عليّ ألف آجرّة، وقال آخر: عليّ الجصّ، وقال آخر: عليّ أجرة البنّاء، فيصير كوخه قصرا من ساعته، ثم يصبح فلا يرى شيئا، فقال: [من الوافر] إذا ما طابت الأسمار قالوا ... غدا نبني بآجرّ وجصّ وكيف يشيّد البنيان قوم ... يزجّون الشتاء بغير قمص فاستضحك الرشيد وقال: لكننا نبني لك قصرا لا تخاف فيه ما خاف الفتى، وأمر له بألفي دينار. 910- قال أشعب لفقيه: ما تقول في صلاة صلّيتها في ثوبين؟ قال: هي جائزة في ثوب فكيف في ثوبين؟ قال: هما جورب وقلنسوة. 911- قال يموت بن المزّرع: قال لي ابن صدقة المرّي: ضربك الله باسمك، فقلت: أحوجك الله إلى اسم أبيك. «912» - قيل لبعض صبيان الأعراب: ما اسمك؟ قال: قراد، قيل: لقد ضيّق أبوك عليك الاسم، قال: إن ضيّق الاسم فقد وسّع الكنية، قيل: وما كنيتك؟ قال: أصحاب الصحارى. «913» - كان داود بن عيسى يلقّب بأترجّة، وعبد السميع بن محمد بن منصور بشحم الخزيرة، ومحمد بن أحمد بن عيسى الهاشمي يلقّب كعب البقر، وكانوا مع المستعين فلما صاروا إلى المعتزّ قال فيهم: [من المتقارب] أتاني أترجّة في الأمان ... وعبد السميع وكعب البقر فأهلا وسهلا بمن جاءنا ... ويا ليت من لم يجىء في سفر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 331 فقالوا: قد شرّفنا أمير المؤمنين، ولكنه ذكرنا باللقب دون عبد السميع، فقال: ما عرفت لقبه، فقالا: شحم الخزير، فقال: هو في وزنه سواء بسواء، فضعوه في موضعه. 914- اجتاز المبرّد رحمه الله بسذاب الورّاق، فسأله دخول منزله، فقال له: ما عندك؟ قال: أنا وأنت، يعني اللحم البارد والسذاب. 915- أبو نواس يكني عن نكاح اليد: [من الطويل] وقل بالرّفا ما نلت من وصل حرّة ... منعّمة حفّت بخمس ولائد تعقّفه ما دام في السجن ثاويا ... ودامت عليه محكمات القلائد 916- أعرابي: يا ابن التي خمارها في فيها، أراد ما خمرت به فاها، فهي تستره ببخرها. 917- حجّ مع ابن المنكدر رحمه الله شبّان، فكانوا إذا رأوا امرأة جميلة قالوا: قد أبرقنا، وهم يظنّون أنّه لا يفطن. فرأوا قبّة فيها امرأة فقالوا: بارقة، وكانت قبيحة، فقال: صاعقة. 918- وكان أصحاب ابن أبي عليّ الثقفيّ إذا رأوا امرأة جميلة قالوا: حجّة، فعنّت لهم امرأة قبيحة فقالوا: داحضة. «919» - أنشد العجّاج: [من الرجز] أمسى الغواني معرضات صدّدا وأعرابيّ حاضر فقال: تنحّ عن صدده لا تسقط منه كلمة فتشدخك. كنى عن خشونة كلامه وغلظه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 332 920- ساير هشام بن عبد الملك أعرابيّ، فقال له: انظر ما على ذلك الميل، فجاء الأعرابي وتأمّله وقال: رأيت شيئا كرأس المحجن متّصلا بحلقة يتبعها ثلاثة كأطباء الكلبة، كأن رأسها رأس قطاة بلا منقار، فعرف هشام أنّه يصف خمسة. 921- وأضلّ رجل بعيرا، فقال لأعرابيّ: هل رأيت بعيرا جعفرا؟ فقال: ما أعرف جعفرا، ولكن رأيت بعيرا سمته محجن، وشابوره وحلقه وهلاله متّصل بعضه ببعض، فقال: هوذا. 922- وقال مشمشة المخنّث لرجل: اكتب: مشمشة يقرأ عليك السلام، فقال: قد كتبت، فقال: أرنيه، فإنّ اسمي يشبه دخالة الأذن. 923- مخلد الموصلي: [من الرمل المجزوء] أنت عندي عربيّ ... ليس في ذاك كلام عربيّ عربيّ ... عربيّ والسلام شعر أجفانك قيصو ... م وشيح وثمام 924- التقط أعرابيّ اسمه موسى كيسا، ثم دخل مسجدا يصلّي فيه، وقرأ الإمام: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (طه: 17) ، فرمى إليه بالكيس وقال: والله إنّك لساحر. 925- وفد شاعران على المأمون، فقال لأحدهما: ممّن؟ قال: من ضبّة، فأطرق، فقال: يا أمير المؤمنين من ضبّة الكوفة لا من ضبّة البصرة. وسأل الآخر فقال: من الأشعريين. فقال: أنت أشعر أم صاحبك؟ قال: ما ظننت أن هاشميّا يحكّم أشعريّا بعد أبي موسى، فضحك وقال: أعطوا الضبيّ ألفا لفطنته، والأشعريّ ألفا لنادرته. 926- كان رجل يتعاطى الصّراع. فلم يصرع أحدا، فتركه وتعاطى الطّبّ، فمرّ به حكيم فقال له: الآن تصرع خلقا كثيرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 333 «927» - تنّبأ رجل في زمن المنصور، فقال له: أنت نبيّ سفلة، فقال: جعلت فداك، كلّ إنسان يبعث إلى شكله. 928- قصّ قاصّ، فأقبل جماعة من المرد فقال: ها هو قد جاء العدوّ، أمّنوا، اللهم امنحنا أكتافهم، وكبّهم على وجوههم، وولّنا أدبارهم، وأرنا عورتهم، وسلّط أرماحنا عليهم، والناس يؤمّنون ولا يدرون. يتلوه باب الخمر والمعاقرة والحمد لله على نعمته، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 334 الباب الرّابع والأربعون في الخمر والمعاقرة الجزء: 8 ¦ الصفحة: 335 [ خطبة الباب ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) * (اللهم تجاوز عنّا) اللهم إنا نحمدك على اجتناب المحارم والآصار، ونعوذ بك من ارتكاب المآثم والأوزار، ونسألك العصمة من متابعة الهوى والأوطار، والنجاة من دواعي التداعي في درك النار. اللهم وكما جعلت لنا فيما أحللت عوضا عمّا حرّمت، وأقمت فيما آتيت خلفا ممّا منعت، فاجعلنا بالحلال راضين قانعين، وعن الحرام منتهين مقلعين، ولأمرك فيهما متّبعين، وجنّبنا إثم الخمر والميسر ومضرّتهما، واصرف عنا العداوة فيهما وفتنتهما، وصلّ على رسولك الناهي عنهما صلاة ترفع مقامه وتعليه، وتزلف محلّه وتدنيه، وعلى أصحابه وأهل الفضل وذويه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 337 [ بداية الباب الرابع والأربعون ] (الباب الرابع والأربعون [1] ما جاء في الخمر والمعاقرة) نضمّنه ما جاء في تحريمها والنهي عنها، وأخبار من تركها تنزّها وترفّعا، أو تحرّجا وتحوّبا، ومن حثّ عليها ودعا إليها خلاعة وتطرّبا، وما قيل في مدحها وذمّها، ونفعها وضرّها، وأوصافها ونعت آنيتها وظروفها، وأخبار معاقريها، والمشهور من أسمائها وصفاتها، دون الغريب الوحشيّ، وغير ذلك من الفنون المتعلّقة بها، الموردة في أماكنها. والله الموفّق لما يرضيه، وإياه نسأل أن يجنّبنا ما يسخطه. قال الله عزّ وجلّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما . (البقرة: 219) . 929- وآية التحريم قوله سبحانه: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ . (المائدة: 91) . روي أن هذه الآية نزلت في شأن حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه. «930» - ومن الأخبار المتّفق عليها في الصحيحين أنّ عليّا رضي الله عنه   [1] عند هذا الحد لم يبق لدينا سوى مخطوطة المتحف البريطاني (م) وهي مخطوطة كثيرة التصحيف والفراغات، لذلك اعتمدنا على المصادر في ضبط النص، وما وضعناه بين معقفين كبيرين [] فهو إما تصحيح أو تتمة لنقص في المخطوط من المصادر. أما حيث لم نعثر على مطبوع لفقرة ما فقد أضفنا كلمة لا بد منها لتمام المعنى أو وضعنا نقطا للدلالة على الفراغ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 338 قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطاني شارفا من الخمس يومئذ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واعدت رجلا صوّاغا من بني قينقاع يرتحل معي، فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصوّاغين، فأستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفيّ متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال، [فإذا] شارفاي قد اجتبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر، فقلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة، وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار، غنّته قينة وأصحابه: ألا يا حمز للشّرف النّواء فوثب حمزة إلى السيف فاجتبّ أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما. قال علي: فانطلقت حتى أدخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده زيد بن حارثة، قال: فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه في وجهي الذي لقيت، فقال: ما لك؟ قلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم! عدا حمزة على ناقتيّ فاجتبّ أسنمتهما وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شرب. قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وأصحابه بردائه، فارتداه ثم انطلق يمشي، واتّبعته أنا وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن فأذن له، فإذا هم شرب؛ فطفق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وأصحابه بلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرّة عيناه، فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصعّد النظر إلى ركبته، ثم صعّد النظر إلى سرّته، ثم صعّد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه ثمل، فنكص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على عقبيه القهقرى وخرج وخرجنا معه. وذلك قبل تحريم الخمر. والأبيات التي غنّي فيها حمزة: [من الوافر] : ألا يا حمز للشرف النّواء ... وهنّ معقّلات بالفناء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 339 ضع السّكّين في اللّبّات منها ... فضرّجهنّ حمزة بالدماء وعجّل من أطايبها لشرب ... كرام من قدير أو شواء الأخبار في تحريمها والتغليظ فيها «931» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه: من مات مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن. وقال صلّى الله عليه وسلّم: لا يدخل الجنّة مدمن خمر. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ما نهاني عنه ربّي بعد عبادة الأوثان شرب الخمر وملاحاة الرّجال. أخبار من تركها ترفّعا عنها «932» - منهم عبد الله بن جدعان التيميّ، وكان سيّدا جوادا من سادات قريش. وسبب ذلك أنه شرب الخمر مع أمية بن أبي الصلت الثقفي، فأصبحت عين أميّة مخضرّة يخاف عليها الذهاب، فقال له عبد الله: ما بال عينك؟ فسكت، فلما ألحّ عليه قال له: أنت صاحبها، أصبتها البارحة؛ قال: أو بلغ مني الشراب ما أبلغ معه من جليسي هذا؟! لا جرم لأدينّها لك ديتي عينين. فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال: الخمر عليّ حرام أن أذوقها أبدا. وقال عبد الله ابن جدعان يذكر حاله في شربها: [من الوافر] شربت الخمر حتى قال صحبي ... ألست عن السّفاء بمستفيق وحتى ما أوسّد في مبيت ... أنام به سوى التّرب السحيق وحتى أغلق الحانوت رهني ... وآنست الهوان من الصديق الجزء: 8 ¦ الصفحة: 340 «933» - وممّن حرّمها في الجاهلية قيس بن عاصم المنقريّ. والسبب في ذلك أنّه سكر فغمز عكنة ابنته أو أخته، فهربت منه، فلما صحا سأل عنها فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة؟ قال: لا، فأخبروه، فحرّم الخمر على نفسه، وقال في ذلك: [من الوافر] وجدت الخمر جامحة وفيها ... خصال تفضح الرجل الكريما فلا والله أشربها حياتي ... ولا أدعو لها أبدا نديما ولا أعطي لها ثمنا حياتي ... ولا أشفي بها أبدا سقيما «934» - ويروى أنّ تاجرا نزل به ومعه خمر، فقال له قيس: أصبحني قدحا، ففعل، ثم قال له: زدني، ففعل، وسكر قيس فقال له: زدني، فقال: أنا رجل تاجر طالب خير وربح، ولا أستطيع أن أسقيك بغير ثمن؛ فقام إليه قيس فربطه إلى دوحة في داره حتى أصبح، وكلّمته أخته فلطمها وخمش وجهها، وزعموا أنّه أرادها على نفسها، [وجعل يقول] : [من البسيط] وتاجر فاجر جاء الإله به ... كأنّ لحيته أذناب أجمال فلما أصبح قال: من فعل هذا بضيفي؟ قالت له أخته: الذي فعل هذا بوجهي، أنت والله صنعته، وأخبرته بما فعل. فأعطى لله عهدا ألا يشرب خمرا بعدها. «935» - وروي أن البرج بن الجلاس الطائيّ شرب الخمر، فلما سكر انصرف إلى أخته فافتضّها فلما صحا ندم وجمع قومه وقال لهم: أيّ رجل أنا فيكم؟ قالوا: فارسنا وأفضلنا وسيّدنا، قال: فإنّه إن علم أحد من العرب بما صنعت ركبت فرسي فلم تروني، ففعلوا. ثم إنّ أمة من قومه وقعت إلى الحصين بن الحمام المرّي- وكان نديما للبرج- فأخبرته بحاله. وفسد ما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 341 بينهما، فعيّره الحصين بفعله في شعر قاله. فقال البرج لقومه: فضحتموني وأشعتم خبري، ثم ركب رأسه ولحق ببلاد الروم فلم يعرف له خبر. وقيل: بل شرب الخمر صرفا، فقتلته. «936» - وممّن حرّمها عامر بن الظّرب العدوانيّ، وقال: [من البسيط] سالة للفتى ما ليس في يده ... ذهّابة لعقول القوم والمال أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتى يفرّق ترب القبر أوصالي 937- قال أعرابيّ من بني مرّة يعظ ابنا له وقد أفسد ماله الشراب: لا الدهر يعظك، ولا الأيام تنذرك، والساعات تعدّ عليك، والأنفاس تعدّ منك، أحبّ أمريك إليك أعودهما بالمضرّة عليك. «938» - ومنهم العباس بن مرداس. قيل له: لم تركت الشراب وهو يزيد في جرأتك وسماحتك؛ قال: أكره أن أصبح سيّد قومي، وأمسي سفيههم. «939» - روي أن رجلا ذا بأس كان يفد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبأسه، وكان من أهل الشام، وأن عمر فقده فسأل عنه، فقيل له: تتايع في هذا الشراب، فدعا كاتبه فقال: اكتب: من عمر بن الخطاب إلى فلان، السلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو، غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (غافر: 3) ؛ ثم دعا وأمّن من عنده، ودعوا أن يقبل [على] الله بقلبه وأن يتوب عليه. فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: غافر الذنب: قد وعدني الله أن يغفر لي؛ وقابل التوب شديد العقاب: قد حذرني الله عقابه؛ ذي الطول: والطول الخير الكثير؛ إليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 342 المصير. فلم يزل يردّدها على نفسه ثم بكى ونزع وأحسن النزوع. فلما بلغ عمر أمره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم قد زلّ زلّة، فسدّدوه ووفّقوه وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه. «940» - وذكر يزيد بن الأصمّ أنّ رجلا في الجاهلية شرب فسكر، فجعل يتناول القمر، فحلف لا يدعه حتى ينزله، فيثب الوثبة ويخرّ، فيتكدّح وجهه، فلم يزل يفعل ذلك حتى خرّ فنام؛ فلما أصبح قال لأهله: ويحكم، ما شأني؟ قالوا: كنت تحلف لتنزلنّ القمر، فتثب فتخرّ، فهذا الذي لقيت منه ما لقيت. قال: أرأيت شرابا حملني على أن أنزل القمر؟ والله لا أعود فيه أبدا. [ حكايات وأشعار في الخمر ] «941» - وقال زيد بن ظبيان: [من البسيط] بئس الشراب شراب حين تشربه ... يوهي العظام وطورا [يأتيك] بالغضب إني أخاف مليكي أن يعذّبني ... وفي العشيرة أن يزرى على حسبي 942- قال رجل من قريش: [من الطويل] من تقرع الكأس اللئيمة سنّه ... فلا بدّ يوما أن يسيء ويجهلا ولم أر مطلوبا أخسّ غنيمة ... وأوضع للأشراف منها وأخملا فو الله ما أدري أخبل أصابهم ... أم العيش فيها لم يلاقوه أشكلا «943» - قال رجل لسعيد بن سلم: ألا تشرب النّبيذ؟ فقال: تركت كثيره لله تعالى وقليله للناس. «944» - دخل نصيب على عبد الملك بن مروان فأنشده، فاستحسن عبد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 343 الملك شعره ووصله، ثم دعي بالطعام فطعم منه، فقال له عبد الملك: هل لك فيما يتنادم عليه؟ قال: يا أمير المؤمنين تأملني، قال: قد أراك، قال: يا أمير المؤمنين، جلدي أسود، وخلقي مشوّه، ووجهي قبيح، ولست في منصب؛ وإنما بلغ بي مجالستك ومؤاكلتك عقلي، فأنا أكره أن أدخل عليه ما ينقصه، فأعجبه كلامه وأعفاه. 945- سمع عالم قول شاعر: [من الرمل المجزوء] ما لها تحرم في الدن ... يا وفي الجنّة تنهلّ فقال: لصداع الرأس ونزف العقل؛ ذهب إلى قوله تعالى: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ . (الواقعة: 19) . «946» - قال الحسن: لو كان العقل عرضا لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب أن يشتري بماله شيئا فيشربه فيذهب عقله. 947- وعن عبد الله بن الأهتم: لو كان العقل يشترى ما كان علق أنفس منه، فالعجب لمن يشتري الحمق بماله فيدخله رأسه، فيقيء في رأسه وجيبه، ويسلح في ذيله، يمسي محمرّا، ويصبح مصفرّا. 948- كان لأردشير غلامان ذكيّان يتوكّلان بحفظ ألفاظه إذا غلب عليه السكر، أحدهما يملي والآخر يكتب حرفا حرفا، فإذا صحا قرىء عليه، فإذا كان فيه شيء خارج من أمر الملوك وآدابهم جعل على نفسه أن لا يزمزم ذلك اليوم إلا على خبز الشعير والجبن عقوبة لنفسه. «949» - قال الوليد بن عبد الملك للحجّاج في وفدة وفدها عليه وقد أكلا: هل لك في الشراب؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ليس بحرام ما أحللته، ولكني أمنع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 344 أهل عملي منه، وأكره أن أخالف قول العبد الصالح، وهو قول الله عزّ وجلّ: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ . (هود: 88) . فأما من لبس فيها ثوب الخلاعة، وطاوع لها هواه المردي وأطاعه فيها [1] من أحسن ما اكتسب فضيلة، وأقرب إلى تحصيل المكارم وسيلة. كانت العرب تفتخر بسبائها، وتضيفه في مفاخرها إلى عظيم غنائها ومذكور بلائها. «950» - فمن ذلك قول عنترة وقد وصف نفسه بالإقدام على مكافحة قرنه، وعظّم شأنه بأنّه حامي الحقيقة، معلم يوم الكريهة، وقرن ذلك بأنّه معذّل على إتلاف ماله في شرب الشراب هناك، وأبان أنّه قليل الاحتفال بملامة اللّوام في الاستهتار به، وذلك حيث يقول: [من الكامل] ومشك سابغة هتكت فروجها ... بالسيف عن حامي الحقيقة معلم ربذ يداه بالقداح إذا شتا ... هتّاك رايات التّجار ملوّم وإنّما أراد أنّه يأتي الخمّارين فيبتاع جميع ما عندهم من الخمر، فيقلعون لذلك راياتهم التي يرفعونها ليعرفوا بها وينصرفون. «951» - وإلى هذا المعنى ذهب أبو نواس في قوله: [من الطويل] أعاذل ما فرّطت في جنب لذّة ... ولا قلت للخمّار كيف تبيع أسامحه إنّ المكاس ضراعة ... ويرحل عرضي عنه وهو جميع «952» - وقال زهير يصف شربها وكرمهم: [من الوافر]   [1] كذا في م ويبدو أن هناك نقصا في النص. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 345 وقد أغدو على شرب كرام ... نشاوى واجدين لما نشاء لهم راح وراووق ومسك ... تعلّ به جلودهم وماء فأمسي بين قتلى قد أصيبت ... نفوسهم ولم تقطر دماء يجرّون البرود وقد تمشّت ... حميّا الكأس فيهم والغناء «953» - وقال الأخطل في نحوه: [من الكامل] ولقد غدوت على التّجار بمسمح ... هرّت عواذله هرير الأكلب لذّ تقبّله النعيم كأنّما ... مسحت ترائبه بماء مذهب لبّاس أردية الملوك يروقه ... من كلّ مرتقب عيون الرّبرب ينظرن من خلل السجوف إذا بدا ... نظر الهجان إلى الفنيق المصعب خضل الكؤوس إذا انتشى لم تكن ... خلفا مواعده كبرق الخلّب وإذا تعوورت الزجاجة لم يكن ... عند الشراب بفاحش متقطّب «954» - ومن الافتخار بالسباء قول امرىء القيس: [من الطويل] كأني لم أركب جوادا للذّة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال ولم أسبأ الزقّ الرويّ ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال فقرن جوده في سباء الزّقّ ببسالته في كرّ الخيل ورئاسته في التقدّم عليها. «955» - وذكر أن أبا الطيب المتنبّي لما أنشد سيف الدولة أبا الحسن عليّ بن حمدان قصيدته التي يقول فيها: [من الطويل] وقفت وما في الموت شكّ لواقف ... كأنّك في جفن الردى وهو نائم تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضّاح وثغرك باسم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 346 قال له: قد انتقدنا عليك يا أبا الطيب هذين البيتين كما انتقد على امرىء القيس بيتاه، وذكرهما. وبيتاك لا يلتئم شطراهما كما لا يلتئم شطرا هذين البيتين، كان ينبغي لامرىء القيس أن يقول: كأني لم أركب جوادا ولم أقل ... لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال ولم أسبأ الزقّ الرويّ للذّة ... ولم أتبطّن كاعبا ذات خلخال ولك أن تقول: وقفت وما في الموت شكّ لواقف ... ووجهك وضّاح وثغرك باسم تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة ... كأنك في جفن الردى وهو نائم فقال: أيّد الله مولانا. إن صحّ أنّ الذي استدرك على امرىء القيس هذا أعلم بالشعر منه فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا. ومولانا يعلم أن الثوب لا يعرفه البزّاز معرفة الحائك، لأن البزّاز يعرف جملته، [والحائك يعرف جملته] وتفاريقه لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية إلى الثّوبيّة؛ وإنّما قرن امرؤ القيس لذّة النساء بلذّة الركوب للصيد، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلة الأعداء، وأنا لمّا ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى وهو الموت ليجانسه؛ ولما كان الجريح المنهزم لا يخلو من أن يكون عبوسا، وعينه من أن تكون باكية قلت: ووجهك وضّاح وثغرك باسم، لأجمع بين الأضداد في المعنى وإن لم يتّسع اللفظ لجميعها. فأعجب سيف الدولة بقوله ووصله بخمسين دينارا من دنانير الصّلات وزنها خمسمائة دينار. «956» - وقال لقيط بن زرارة: [من الوافر] شربت الخمر حتى خلت أني ... أبو قابوس أو عبد المدان الجزء: 8 ¦ الصفحة: 347 أمشّي في بني عدس بن زيد ... رخيّ البال منطلق اللسان «957» - وقال حسان بن ثابت: [من الوافر] إذا ما الأشربات ذكرن يوما ... فهنّ لطيّب الراح الفداء نولّيها الملامة إن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء المغث: المماغثة باليد، واللّحاء: الملاحاة باللسان. ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا ما ينهنهنا اللقاء «958» - روي أنّ حسّان عنّف جماعة من الفتيان على شرب الخمر وسوء تنادمهم عليها، وأنّهم يضربون عليها ضرب غرائب الإبل ولا يرجعون عنها، فقالوا: إنا إذا هممنا بالإقلاع عن شربها ذكرنا قولك: ونشربها فتتركنا ملوكا، فعاودناها «959» - وقال آخر: [من الطويل] إذا صدمتني الكأس أبدت محاسني ... ولم يخش ندماني أذاي ولا بخلي ولست بفحّاش عليه وإن أسا ... وما شكل من آذى نداماه من شكلي «960» - وقال آخر: [من الطويل] شربنا من الداذيّ حتى كأنّنا ... ملوك لهم برّ العراقين والبحر [1] فلما انجلت شمس النهار رأيتنا ... تولّى الغنى عنّا وعاودنا الفقر   [1] الداذي: شراب الفساق (القاموس) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 348 «961» - ومثله للمنخّل اليشكري: [من الكامل المجزوء] فإذا سكرت فإنني ... ربّ الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني ... ربّ الشّويهة والبعير «962» - قال الأطباء: الخمر تسخن الجسم، وتجوّد الهضم، وترطّب الأعضاء، وتسكّن الظّمأ والعطش إذا مزجت، وتدرّ البول، وتسهّل الطبيعة، وتسرّ النّفس، وتحدث الظّرف والأريحيّة ولا سيّما في الأبدان المعتدلة، وهذا في الحدّ القصد، فإذا أكثر منها أحدث ذلك السهر وورم الكبد، وقلّة شهوة الجماع والغذاء، والنّسيان، والبخر، والرّعشة، والزّمع، وضعف البصر، والحميات، واختلاط العقل، والتبلّد، والسّكتة، والصّرع، وموت الفجأة؛ لأن الخمر تملأ الدماغ فتغمره الحرارة كما يغمر الدهن نار السراج فيطفأ. وقالوا: منافعها بشرط الاقتصاد عشر: خمس منها نفسيّة، وخمس منها جسمية. فالنفسية: تسرّ النّفس، وتبسط الأمل، وتشجّع القلب، وتحسّن الخلق، وتقاوم البخل. والجسمية: تجيد الهضم، وتدرّ البول، وتحسّن البشرة، وتطيّب النكهة، وتزيد في الباه. 963- وقالوا: أجود الخمر لتوليد الدم المعتدل في المزاج المعتدل الأحمر الناصع المعتدل القوام الطيّب الرائحة، المتوسط بين العتق والحداثة. 964- وكان بعض الأطباء إذا لم ير في العليل موضعا لسقي الدواء سقاه الخمر بالماء ممزوجة، فينبعث من النفس بالمسرّة ما أسقطه الداء بالعلّة. «965» - وقال بعض البلغاء: الشراب ريحانة الروح، ودرياق الهمّ، ومطيّة اللهو، ومسرّة القلب. قد خلص من الأقذاء، وأخذ لدونة الهواء، وعذوبة الماء، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 349 فهو معطّر للنكهة، محرّك للصبابة، ممازج للطبيعة، دقيق المسلك، سريع الذهاب في الجسد، واصل لحبل الفتوّة، عاقد للإخاء، باعث على الوفاء، فاسخ للرجاء، ناف للفكرة، ممسك لرماق المهجة، مذك للقريحة، ملائم للغريزة، سام بالهمّة، مستلّ للسّخيمة، صاقل للعزيمة، مذهب للتّرة، مسهّل للحمالة، كاسب للثراء من غير ثروة، جامع للشّمل، مقرّب للسبيل، مهوّن للجليل، داع إلى الجميل، منساب في المفاصل بغير دليل، كاس للأنفس سرورا، وللأجفان فتورا، وللخدود اشتعالا ونورا، يطيب عند الازدياد، ويلذّ عند الأعواد، ويتغلغل في القلب إلى حيث لا يبلغه الفكر. 966- وقال بهرام جور: هموم الدنيا داء دواؤه الراح. «967» - وقال آخر: للنّبيذ حدّان: فحدّ لا همّ فيه، وحدّ لا عقل فيه، فعليك بالأوّل واتّق الثاني. «968» - قال عبد الملك بن مروان للأخطل: ما تصنع بالخمر؟ فإنّ أوّلها لمرّ، وإن آخرها لسكر، قال: أما لئن قلت ذاك، فإن فيما بين ذاك الحالين لمنزلة ما ملكك فيها إلا كلعقة من ماء الفرات بالأصبع. «969» - وكان أبو الهنديّ يشرب مع قيس بن أبي الوليد الكناني، وكان أبو الوليد ناسكا، فاستعدى عليه وعلى ابنه فهربا منه، وقال أبو الهنديّ: [من البسيط] قل للسّريّ أبي قيس أتوعدنا ... ودارنا أصبحت من داركم صددا أبا الوليد أما والله لو عملت ... فيك الشّمول لما حرّمتها أبدا ولا نسيت حميّاها ولذّتها ... ولا عدلت بها مالا ولا ولدا «970» - قال مطيع بن إياس: إنّ في النّبيذ لمعنى من الجنّة كما حكى الله عن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 350 أهلها: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ . (فاطر: 34) . «971» - جرى في مجلس حامد بن العباس- وهو الوزير حينئذ- ذكر الخمار وما يلحق الناس منه، فقال حامد لعليّ بن عيسى وكان يخلفه: ما تقول يا أبا الحسن في دواء الخمار، وما عندك فيه؟ فقال له عليّ بن عيسى: وما أنا وهذه المسألة؟! فخجل حامد، ثم التفت إلى قاضي القضاة أبي عمر، فقال له: ما عندك في هذا؟ فقال أبو عمر: قال الله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر: 7) ؛ وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه: «استعينوا على كلّ صناعة بأهلها» ، والأعشى هو المشهور بهذه الصناعة في الجاهلية، يقول: [من المتقارب] وكأس شربت على لذّة ... وأخرى تداويت منها بها ثم أبو نواس في الإسلام يقول: [من البسيط] دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء فقال حامد لعليّ بن عيسى: يا بارد، ما كان ضرّك لو جئت ببعض ما أجاب به قاضي القضاة؟ فقد استظهر في المسألة أولا بقول الله تعالى، ثم بقول نبيّه صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه، ثانيا، وأدّى المعنى وتبرّأ من العهدة. فكان خجل علي بن عيسى أكبر من خجل حامد. 972- كان أنو شروان يعجبه الورد ويفضّله على سائر الرياحين، فابتنى قبّة الكلّستان وزخرفها بالذهب ورصّعها بالجوهر، وزيّنها بالتصاوير، وحفّها بالتماثيل، وجعل في أعاليها فتوحا ينثر عليه منها الورد. ومرّ أنو شروان بوردة ساقطة فقال: أضاع الله من أضاعك، ونزل فأخذها وقبّلها وشرب في مشكاتها سبعة أيام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 351 973- كان بشّار في شرب فقال: لا تجعلوا يومنا حديثا كلّه، ولا شربا كلّه، ولا غناء كلّه، تناهبوا العيش تناهبا فإنّما الدنيا فرص. «974» - شهد رجل عند شريك، فقال المدّعى عليه: إنّه يشرب النّبيذ، فقال له شريك: أتشربه؟ قال: نعم، وأنا الذي أقول: [من الرمل المجزوء] وإذا المعدة جاشت ... فارمها بالمنجنيق بثلاث من نبيذ ... ليس بالحلو الرقيق يهضم المطعم هضما ... ثم يجري في العروق فقال شريك: قم فأثبت شهادتك. «975» - قال برج بن مسهر الطائي: [من الوافر] وندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت وقد تغوّرت النجوم رفعت برأسه وكشفت عنه ... بمعرقة ملامة من يلوم فلما أن تنشّى قام خرق ... من الفتيان مختلق هضوم إلى وجناء ناوية فكاست ... وهي العرقوب منها والصّميم فأشبع شربه وسعى عليهم ... بإبريقين كأسهما رذوم تراها في الإناء لها حميّا ... كميتا مثل ما فقع الأديم ترنّح شربها حتى تراهم ... كأنّ القوم تنزفهم كلوم فبتنا بين ذاك وبين مسك ... فيا عجبا لعيش لو يدوم نطوّف ما نطوّف ثم يأوي ... ذوو الأموال منا والعديم إلى حفر أسافلهن جوف ... وأعلاهنّ صفّاح مقيم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 352 «976» - وقال عبدة بن الطّبيب: [من البسيط] وقد غدوت وضوء الصبح منفتق ... ودونه من سواد الليل تجليل إذ أشرف الديك يدعو بعض أسرته ... لدى الصباح وهم قوم معازيل على التّجار فأعداني بلذّته ... رخو الإزار كصدر السيف مشمول خرق يجدّ إذا ما الأمر جدّ به ... يخالط اللهو واللذّات ضلّيل حتى اتّكأنا على فرش يزيّنها ... من جيّد الرّقم أزواج تهاويل فيها الدّجاج وفيها الأسد مخدرة ... من كلّ شيء يرى فيها تماثيل في كعبة شادها بان وزيّنها ... فيها ذبال يضيء الليل مفتول لنا أصيص كجذم الحوض هدّمه ... وطء العراك لديه الزّق مغلول والكوب أزهر معصوب بقلّته ... فوق السياع من الريحان إكليل أصل السياع: الطين الذي يلاط به الحائط. فجعله للقير إذ كان يطلى به الدّنّ. مبرّد بمزاج الماء بينهما ... حبّ كجوز حمار الوحش مبزول شبّه الإناء الذي فيه الماء بحبّ، ثم تعجّب منه بأن قال: مبزول. والكوب ملآن طاف فوقه زبد ... وطابق الكبش في السّفّود مخلول يسعى به منصف منتطق ... فوق الخوان وفي الصاع التوابيل ثمّ اصطبحنا كميتا قرقفا أنفا ... من طيّب الراح، واللّذات تعليل صرفا مزاجا وأحيانا يعلّلنا ... شعر كمذهبة السّمّان محمول تذري حواشيه جيداء آنسة ... في صوتها لسماع الشّرب ترتيل تذري: أي ترفع، مأخوذ من الذّروة وهي أعلى كلّ شيء. تغدو علينا تلهّينا ونصفدها ... تلقى البرود عليها والسرابيل الجزء: 8 ¦ الصفحة: 353 «977» - وقال معبد بن سعيد الضبيّ: [من الطويل] وكأس رنوناة دعوت بحسرة ... إليها فتى لا يحمل اللؤم أروعا خميص الحشا هشّا يراح إلى الندى ... قؤولا إذا ما زلّ صاحبه لعا فباكر مختوما عليه سباعه ... دواليك حتى أنفد الدّنّ أجمعا «978» - عديّ بن زيد العباديّ: [من الخفيف] بكر العاذلون في فلق الصب ... ح يقولون لي ألا تستفيق ويلومون فيك يا ابنة عبد ال ... له والقلب عندكم موثوق لست أدري وقد بدأتم بصرمي ... أعدوّ يلومني أم صديق [1] أطيب الطيب طيب أمّ عليّ ... مسك فأر بعنبر مفتوق زانها وارد العذار [ ... ] ... واصل صلت الجبين عتيق وثنايا كالأقحوان عذاب ... لا قصار كنّ ولا هنّ روق مشرفات تخالهنّ إذا ما ... حان من غابر النجوم خفوق [ ... ] قرقف كدم الجو ... ف تريك القذى كميت رحيق صانها التاجر اليهوديّ حولى ... ن وأذكى من ريحها العتيق ثم فضّوا الختام عن جانب الدن ... ن وحانت من اليهوديّ سوق فاستباها أشمّ خرق كريم ... أريحيّ غذاه عيش رقيق ثم نادوه بالصبوح فقامت ... قينة في يمينها إبريق [2]   [1] الأغاني: لست أدري وقد أكثروا العذل عندي (قطب: وقد أكثروا من ملامي) . [2] الأغاني: فدعوا بالصبوح يوما فجاءت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 354 قدّمته على عقار كعين الد ... ديك صفّى سلافها الراووق وطفت فوقها فواقع كاليا ... قوت حمر يثيرها التصفيق ثم كان المزاج ماء سحاب ... غير ما آجن ولا مطروق فوق علياء ما يرام ذراها ... يلعب النّسر فوقها والأنوق «979» - جميل: [من الوافر] فما بكت النساء على قتيل ... بأشرف من قتيل الغانيات بلى ندمان صدق بات يسعى ... تضمّنه أكفّ الساقيات فلما مات من طرب وسكر ... رددن حياته بالمسمعات فقام يجرّ عطفيه خمارا ... وكان قريب عهد بالممات «980» - الأخطل: [من البسيط] وشارب مربح بالكأس نادمني ... لا بالحصور ولا فيها بسوّار السوّار: المعربد. ويروى بسآر، من أسأر إذا أبقى في الإناء بقيّة. نازعته طيّب الراح الشمول وقد ... صاح الدجاج وحانت وقعة الساري من خمر عانة ينصاع الفؤاد لها ... في جدول صخب الآذيّ مرّار ليست بسوداء من ميثاء مظلمة ... ولم تعذّب بإدناء من النار لها رداءان نسج العنكبوت وقد ... لفّت بآخر من ليف ومن قار صهباء قد كلفت من طول ما حبست ... في مخدع بين جنّات وأنهار عذراء لم يجتل الخطّاب بهجتها ... حتى اجتلاها عباديّ بدينار إذا أقول تراضينا على ثمن ... ضنّت بها نفس خبّ البيع مكّار الجزء: 8 ¦ الصفحة: 355 كأنّما المسك نهبى بين أرحلنا ... ممّا تضوّع من ناجودها الجاري «981» - وقال أيضا: [من الطويل] وأبيض لا نكس ولا واهن القوى ... سقيت إذا أولى العصافير صرّت رددت عليه الكأس غير بطيئة ... من الليل حتى هرّها وأهرّت فقام يجرّ البرد لو أن نفسه ... بكفّيه من ردّ الحميّا لخرّت «982» - وقال: [من الكامل] ومعتّق حرم الوفود كرامة ... كدم الذبيح تمجّه أوداجه ضمن الكروم له أوائل حمله ... وعلى الدّنان تمامه ونتاجه «983» - كان الأعشى ميمون بن قيس مشهورا بتعاطي الخمر، مشغوفا بها، كثير الذكر لها في شعره حتى لعلّه لا يخلي قصيدة من الافتخار بسبائها، لكنه كان يشير إلى وصفها أو إلى إدمانه لها، ثم يتجاوز ذلك إلى غيره من قصده. ومن اشتهاره بها قال المفضّل بين قدماء الشعراء: أشعرهم امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب. وقصد الأعشى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وامتدحه بقصيدته التي أوّلها: [من الطويل] ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السليم مسهّدا فاعترضه في طريقه من أراد منعه، فقالوا له: إنّه يحرّم عليك الزّنا والخمر، فقال: أما الزّنا فقد كبرت ولا حاجة لي فيه، وأما الخمر فلا أستطيع تركها. وعاد لينظر في أمره، فأدركه الموت ولم يسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 356 «984» - فمن شعره فيها: [من المتقارب] وصهباء صرف كلون الفصو ... ص باكرت في الصّبح سوّارها فطورا تميل بنا مرّة ... وطورا نعالج إمرارها تدبّ لها فترة في العظام ... وتغشي الذؤابة فوّارها معي من كفاني غلاء السّبا ... وسمع القلوب وإبصارها ومسمعتان وصنّاجة ... تقلّب بالكفّ أوتارها وبربطنا دائب معمل ... فقد كاد يغلب إسكارها «985» - ومن شعره فيها: [من الرمل] وشمول تحسب العين إذا ... صفّقت، جندعها نور الذّبح مثل ريح المسك ذاك ريحها ... صبّها الساقي إذا قيل توح من زقاق التّجر في باطية ... جونة حاريّة ذات روح فإذا ما الراح منها أزبدت ... أفل الإزباد فيها وامتصح وإذا مكّوكها صادمه ... جانباها كرّ فيها فسبح فترامت بزجاج معمل ... يخلف النازح منها ما نزح فإذا غاضت رفعنا زقّنا ... طلق الأوداج فيها فانسفح تحسب الزّقّ لدينا مسندا ... حبشيّا نام عمدا فانبطح ولقد أغدو على ندمانها ... وعدا عندي عليها واصطبح ومغنّ كلّما قيل له ... أسمع الشّرب تغنّى وصدح وثنى الكفّ على ذي عتب ... يصل الصوت بذي زير أبحّ في شباب كمصابيح الدّجى ... ظاهر النعمة فيهم والفرح الجزء: 8 ¦ الصفحة: 357 «986» - وقال: [من المتقارب] وصهباء صرف كلون الفصوص ... سريع إلى الشّرب أكسالها كمثل دم الجوف إذ عتّقت ... فزاد على العتق إحوالها تريك القذى وهي من دونه ... إذا ما يصفّق جريالها شربت إذا الراح بعد الأصي ... ل طابت ورفّع أطلالها وأبيض كالنّجم آخيته ... وبيداء مطّرد آلها «987» - ومن إلمامه بذكرها قوله في بيتين لم يزد عليهما: [من الكامل المجزوء] ولقد شربت الراح أس ... قى من إناء الطّرجهاره [1] حتى إذا أخذت مآ ... خذها تغشّتني استداره 988- وقوله: [من المتقارب] وكأس شربت على لذّة ... وأخرى تداويت منها بها كميت ترى دون قعر الإنا ... كمثل قذى العين يقذى بها وشاهدنا الورد والياسمي ... ن والمسمعات بقصّابها ومزهرنا معمل دائم ... فأيّ الثلاثة أزرى بها مضى لي ثمانون من مولدي ... كذلك تفصيل حسّابها فأصبحت ودّعت لهو الشبا ... ب والخندريس بأصحابها [2]   [1] الطرجهارة: الفنجانة. [2] الديوان: لأصحابها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 358 لكي يعلم الناس أني امرؤ ... أتيت المروءة [1] من بابها «989» - ومن شعره فيها: [من المتقارب] وأبيض مختلط بالكرا ... م لا يتغطّى بإنفادها أتاني يؤامرني في الشّمو ... ل ليلا فقلت له غادها يعرّض بحسان بن ثابت لأنه شرب عنده، فلما فني الشراب قام. يقول: إذا أفنى الشراب لم يستتر من أصحابه. وقوله: أتاني يؤامرني: كأنّه أتاه بالغداة، فقال له: نشربها الليلة، فقال له: غادها الساعة. أرحنا نباكر جدّ الصّبو ... ح، قبل النّفوس وحسّادها فقمنا ولمّا يصح ديكنا ... إلى جونة عند حدّادها فقام فصبّ لنا قهوة ... تسكّننا بعد إرعادها كميتا تكشّف عن حمرة ... إذا صرّحت بعد إزبادها فجال علينا بإبريقه ... مخضّب كفّ بفرصادها «990» - وقال: [من المتقارب] وذات نواف كلون الفصو ... ص باكرتها وادّلجت [2] ابتكارا بكرت عليها قبيل الشرو ... ق، إما نقالا وإما اغتمارا يعاصي العواذل طلق الندى [3] ... يروّي اليدين [4] ويرخي الإزارا   [1] الديوان: المعيشة. [2] الديوان: فادّمجت. [3] الديوان: اليدين [4] الديوان: العفاة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 359 فما نطق الديك حتى ملأ ... ت كوب الرباب له فاستدارا الرباب: صاحب الخمر. إذا انكبّ أزهر بين السقاة ... تراموا به غربا أو نضارا «991» - حضر حسان بن ثابت مأدبة، فغنّته قينة من شعره، وذلك بعدما عمي: [من المنسرح] انظر خليلي بباب جلّق هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد أجمال شعثاء إذ هبطن من ال ... محمض بين الكثبان فالسّند يحملن حورا حوّ المدامع في الر ... ريط وبيض الوجوه كالبرد من دون بصرى ودونها جبل الث ... ثلج عليه السحاب كالقدد إني وأيدي المخيّسات وما ... يقطعن من كلّ سربخ جدد أهوى حديث النّدمان في فلق الص ... بح وصوت المسامر الغرد هل في تصابي الكريم من فند ... أم هل لمدى الأيام من نفد لا أخدش الخدش للنديم ولا ... يخشى نديمي إذا انتشيت يدي تقول شعثاء لو صحوت عن ال ... كأس لقد كنت مثري العدد يأبى لي السيف والسّنان وقو ... م لم يضاموا كلبدة الأسد فكان يقول: قد أراني سميعا بصيرا، وعيناه تدمعان، فإذا سكتت سكت عنه البكاء. وقدّم الطعام فكان يقول لولده عبد الرحمن: أطعام يد أم طعام يدين؟ فإذا قال: طعام يدين، أمسك عن الطعام- يعني بطعام يد: الثريد، وطعام يدين: الشواء لأنه ينهش نهشا. فلما انقلب حسان إلى منزله استلقى على فراشه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 360 وقال: لقد ذكرتني رائقة [1] وصاحبتها أمرا ما سمعته أذناي بعد ليالي جاهليتنا مع جبلة بن الأيهم. فقيل له: أكان القيان يكنّ عند جبلة بن الأيهم؟ فتبسّم ثم جلس فقال: لقد رأيت عنده عشر قيان: خمس منهن روميّات يغنّين بالرومية بالبرابط، وخمس يغنّين غناء أهل الحيرة، أهداهنّ إليه إياس بن قبيصة. وكان إذا جلس للشراب فرش تحته الورد والآس والياسمين وأصناف الرياحين، وضرب [له] بالعنبر والمسك في صحاف الفضّة، وأوقد له العود الهنديّ إن كان شاتيا وإن كان صائفا [بطّن] بالثلج، وأتي هو وأصحابه بكسى من ليّن الكتّان يتفضّل فيها هو وأصحابه. وفي الشتاء الفراء من الفنك وما أشبهه. ولا والله ما جلست معه يوما قطّ إلا خلع عليّ ثيابه التي عليه في ذلك اليوم وعلى غيري من جلسائه. هذا مع حلم عمّن جهل، وضحك وبذل من غير مسألة، مع حسن وجه وحسن حديث. ما رأيت في مجلسه خنا قطّ ولا عربدة، ونحن يومئذ على دين الشّرك، فجاء الله بالإسلام فمحا به كلّ كفر، وتركنا الخمر وما كره؛ وأنتم اليوم مسلمون تشربون النّبيذ من التمر، والفضيخ من الزهو والرّطب، فلا يشرب أحدكم ثلاثة أقداح حتى يصاخب صاحبه ويقارفه، وتضربون فيه كما تضرب غرائب الإبل فلا تنتهون. «992» - كان ابن عمّار الطائيّ خطيبا فصيحا. وبلغ النعمان بن المنذر حسن حديثه ولذاذة منادمته، فدعاه إلى صحبته، وقال له: يا ابن عمّار، أتدري لمن أريدك؟ قال: والله أبيت اللعن ما أدري، غير أني أدري أنّك لا تريدني لخير، قال: أجل، أريدك لنفسي أخصّك بها وأهنّئها بك، قال: أبيت اللعن، إنك تريدني للنفس الخطيرة الرفيعة الشريفة، غير أني أقول واحدة، قال: قل عشرا.   [1] هكذا في الأغاني وفي م ريقة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 361 قال: إنّ الملك إذا ألزمني نفسه احتجت أن أفرح إذا فرحت، وأحزن إذا حزنت، وأنام إذا نامت، وأستيقظ إذا استيقظت، وأكون تابعا لها في كلّ ما ساءها وسرّها، وإذا كنت في هذه الحال فما أملك من نفسي شيئا، إنما هي لغيري. قال النعمان: فما منك لي بدّ، فاعمل كيف شئت. وكان النعمان أحمر الجلد، أحمر العين، أحمر الشّعر، وكان من أشدّ الملوك عربدة وأسوئها أخلاقا، وأقتلها للنّدماء. فأجابه ابن عمّار عن ذلك، فنهاه فتى من أهله يقال له أبو قردودة الطائيّ عن منادمته، فأبى ونادم النعمان بعد أن اشترط عليه ابن عمّار شروطا منها: أنه لا يسقيه إذا سكر، ولا يحول بينه وبين المنام إذا غلبته عيناه، ولا ينبّه من سنته حتى يستوفيها، فأجابه إلى كلّ ما سأل. فأقام بهذه الحال سنة لا يجد عليه النعمان ما يقتله به. فقال له النعمان ذات ليلة، وكان قد غلب على عقله: يا ابن عمّار، أتزعمون أنكم خير منّا ونحن الملوك وأنتم السّوقة؟ ونحن الأشراف وأنتم الأرذال؟ ونحن الرؤساء وأنتم الأذناب؟ ونحن الأرباب وأنتم الأتباع؟ فضحك ابن عمّار، فقال: ممّ تضحك لا أمّ لك؟! قال: أبيت اللعن، إنّك قد عزمت على قتلي، قال: وكيف علمت؟ قال: قد هيأت لي كلاما إن سكتّ عنه كنت عنه منقوصا، وإن أجبت عنه كنت به مقتولا. قال: والله لتجيبنّ أو لأقتلنّك. قال: وأنا أحلف أنّك تقتلني إن أجبتك، وقد كذبت فيما قلت؛ لنحن أقدم في الشرف والعزّ والعدد والثروة والتّبع منك، فانتضى النعمان سيفه وشدّ عليه فقتله. «993» - كان يحيى بن جبريل البجليّ صديقا لرجل من بني أسد لا يقدّم عليه أحدا. فولي يحيى بن جبريل جرجان، فقيل لصديقه: لو خرجت إلى صديقك فقد أصاب في ولايته، فخرج إليه فأكرمه وسرّ به، وأحضره مائدته، ثم جيء بعد الطعام بشراب، فأبى الأسديّ أن يشربه وقال: هذا شراب لم أشربه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 362 قطّ، فكأن يحيى انقبض منه، فكتب إليه الأسديّ: [من الطويل] وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم ينغر بها ساعة قدر ولم يشهد القسّ المهينم نارها ... طروقا ولم يشهد على طبخها حبر أتاني بها يحيى وقد نمت نومة ... وقد غابت الشّعرى وقد جنح النّسر فقلت اغتبقها أو لغيري أهدها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر تعفّفت عنها في العصور التي خلت ... فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر [1] إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... وإن مدّ أسباب الحياة له الدّهر «994» - المعروف بالعطار المغربي: [من الطويل] وكأس ترينا آية الصبح والدّجى ... فأوّلها شمس وآخرها بدر الشمس عند الفلاسفة حمراء الجرم، صفراء الشّعاع؛ والقمر أصفر الجرم أبيض النور، وإلى هذا ذهب. مقطّبة ما لم يزرها مزاجها ... فإن زارها جاء التبسّم والبشر فيا عجبا للدهر لم يخل مهجة ... من العشق حتى الماء تعشقه الخمر نديمي هات الكأس ممزوجة الرضا ... بسخط فقد طاب التنادم والسمر ونبّه لنا من كان في الشرب نائما ... فقد نام جنح الليل وانتبه الفجر «995» - ابن قاضي ميلة: [من الكامل]   [1] كلأ العمر: انتهى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 363 ومدامة عني الرّضاب بمزجها ... فأطابها وأدارها التقبيل ذهبيّة ذهب الزمان بجسمها ... قدما فليس لجسمها تحصيل بتنا ونحن على الفرات نديرها ... وهنا فأشرق من سناها النيل فكأنّها شمس وكفّ مديرها ... فيها ضحى وفم النديم أصيل «996» - عبد العزيز [بن محمد] الطارفي المغربي: [من البسيط] أما ترى المزن قد فضّت خواتمه ... والروض يضحك عجبا من بكا المطر والجوّ كالمنخل المسودّ جانبه ... يكسو الظهيرة أثوابا من السّحر فاقدح سرورك من صهباء صافية ... تكاد تقذف منها الكأس بالشّرر «997» - ابن نباتة رحمه الله: [من الطويل] نعمت بها يجلو عليّ كؤوسه ... أغرّ الثنايا واضح الجيد أحور فو الله ما أدري أكانت مدامة ... من الكرم تجنى أم من الشمس تعصر إذا صبّها جنح الظلام وعبّها ... رأيت رداء الليل يطوى وينشر قد تقدّم من أشعار الأعشى والأخطل في الخمر، وكانا قدوة عصرهما فيها، ما نتبعه بشعر فتاها خلاعة وكهلها تجربة وعلما بها، أبي نواس الحسن بن هانىء، ونذكر مختاره متتابعا متّصلا. «998» - فمن ذلك قوله: [من الطويل] وكأس كمصباح السماء شربتها ... على قبلة أو موعد بلقاء أتت دونها الأيام حتى كأنّها ... تساقط نور من فتوق سماء ترى ضوءها من ظاهر الكأس ساطعا ... عليك ولو غطّيتها بغطاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 364 «999» - وله: [من الطويل] ألا دارها بالماء حتى تلينها ... فما تكرم الصهباء حتى تهينها أغالي بها حتى إذا ما ملكتها ... أهنت لإكرام النديم مصونها «1000» - وقال: [من الوافر] مضى أيلول وارتفع الحرور ... وأذكت نارها الشّعرى العبور فقوما فالقحا خمرا بماء ... فإنّ نتاج بينهما السّرور نتاج لا تدرّ عليه أمّ ... وحمل لا تعدّ له الشّهور إذا الطاسات كرّتها علينا ... تكوّن بيننا فلك يدور تسير نجومه عجلا وريثا ... مشرّقة وتارات تغور إذا لم يجرهنّ القطب متنا ... وفي دورانهنّ لنا نشور «1001» - وله: [من البسيط] جلّت عن الوصف حتى ما يطالبها ... وهم فيخلفها في الوهم أسماء تقسّمتها ظنون الفكر إذ خفيت ... كما تقسّمت الأديان آراء «1002» - وقال: [من البسيط] كأنّ منظرها والماء يقرعها ... ديباج غانية أو رقم وشّاء تستنّ من مرح في كفّ مصطبح ... من خمر عانة أو من خمر سوراء «1003» - وقال: [من البسيط] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 365 كأنّها دمعة في عين غانية ... مرهاء رقرقها ذكر المصيبات [1] تنزو إذا مسّها قرع المزاج لها ... نزو الجنادب أوقات الظهيرات وتكتسي لؤلؤات في تعطّفها ... عند المزاج شبيهات بواوات «1004» - وقوله: [من الكامل] قال ابغني المصباح قلت له اتّئد ... حسبي وحسبك ضوؤها مصباحا فسكبت منها في الزجاجة شربة ... كانت له حتى الصباح صباحا من قهوة جاءتك قبل مزاجها ... عطلا فألبسها المزاج وشاحا شكّ البزال فؤادها فكأنّما ... أهدت إليك بريحها تفّاحا عمرت تكاتمك الزمان حديثها ... حتى إذا بلغ السآمة باحا فابتاع من أسرارها مستودعا ... لولا السآمة لم يكن ليباحا [2] فأتتك في صور تداخلها البلى ... فأزالهنّ وأثبت الأرواحا «1005» - وقال: [من الكامل المرفّل] ردّا عليّ الكأس إنّكما ... لا تدريان الكأس ما تجدي خوّفتماني الله جهدكما ... وكخيفتيه رجاؤه عندي لا تعذلا في الراح إنّكما ... في غفلة عن كنه ما تسدي لو نلتما ما نلت، ما مزجت ... إلا بدمعكما من الوجد هاتا بمثل الراح معرفة ... بلطافة التأليف والودّ   [1] العين المرهاء: السقيمة. [2] الديوان: فأباح من أسرارها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 366 ما مثل نعماها إذا اشتملت ... إلا اشتمال فم على خدّ إن كنتما لا تشربان معي ... خوف العقاب شربتها وحدي «1006» - وقال: [من السريع] أعطتك ريحانها العقار ... وحان من ليلك انسفار فانعم بها قبل رائعات ... لا خمر فيها ولا خمار ووقّر الكأس عن سفيه ... فإن آتيها الوقار [1] بنت مدى الدهر لو أسنت ... كبيرة شأنها كبّار تخيّرت والنجوم وقف ... لم يتمكّن بها المدار فلم تزل تأكل الليالي ... جثمانها ما بها انتصار حتى إذا ذامها تلاشى ... وخلّص السرّ والنّجار آلت إلى جوهر لطيف ... عيان موجوده ضمار كأنّ في كأسها سرابا ... تخيله المهمه القفار [2] لا ينزل الليل حيث حلّت ... فدهر شرّابها نهار «1007» - وقال: [من السريع] وقهوة عذراء لم يجلها ... على الندامى قطّ خمّار كأنّها في دنّها عاتق ... أهدى إليها العطر عطّار أتى بها الدهقان نقبضها ... لها سراويل وزنّار   [1] في الديوان آيينها بدلا من آتيها وفي رواية آياتها. [2] «تخيله» احدى روايات الديوان وفي م «تحمله» . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 367 كأنّما الكأس على كفّه ... لؤلؤة في جوفها نار يهابها الناس ويرجونها ... كأنّها الجنّة والنار «1008» - وقال: [من الكامل المرفّل] أطع الخليفة واعص ذا عزف ... وتنحّ عن طرب وعن قصف عين الخليفة بي موكّلة ... عقد الحذار بطرفها طرفي صحّت علانيتي له وأرى ... دين الضمير له على حرف ولئن وعدتك تركها عدة ... إني عليك لخائف خلفي ومدامة تحيا الملوك بها ... جلّت مآثرها عن الوصف قد عتّقت في دنّها حقبا ... حتى إذا آلت إلى النصف سلبوا قناع الدّنّ عن رمق ... حتى الحياة مسارق الحتف [1] فتنفّست في البيت إذ مزجت ... كتنفّس الرّيحان في الأنف «1009» - وقال: [من الكامل المرفّل] صفة الطّلول بلاغة الفدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم لا تخدعنّ عن التي جعلت ... سقم الصحيح وصحّة السّقم وصديقة النفس التي حجبت ... عن ناظريك وقيّم الجسم صهباء فضّلها الملوك على ... نظرائها لفضيلة القدم فإذا أطفن بها صمتن لها ... صمت البنات لهيبة الأمّ وإذا هتفن بها لنائبة ... قدّمن كنيتها على الإسم   [1] الديوان: مشارف بدلا من مسارق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 368 وإذا أردن لها مخاطبة ... روّحن ما عزّبن من حلم شجّت فعالت فوقها حببا ... متراصفا كتراصف النّظم ثم انفرت لك عن مدبّ دبى ... عجلان صعّد في ذرى أكم فكأنّما يتلو طرائقها ... نجم تواتر في قفا نجم فعلام تذهل عن مشعشعة ... وتهيم في طل وفي رسم تصف الطلول على السماع بها ... أفذو العيان كأنت في العلم وإذا نعتّ الشيء متّبعا ... لم تخل من غلط ومن وهم «1010» - وقال: [من المديد] يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم فاسقني البكر التي اختمرت ... بخمار الشيب في الرّحم ثمّت انصات الشباب لها ... بعدما جازت مدى الهرم فهي لليوم الذي بزلت ... وهي ترب الدّهر في القدم عتّقت حتى لو اتّصلت ... بلسان ناطق وفم لاحتبت في القوم ماثلة ... ثمّ قصّت قصّة الأمم قرعتها بالمزاج يد ... خلقت للكأس والقلم في ندامى سادة زهر ... أخذوا اللّذات عن أمم فتمشّت في مفاصلهم ... كتمشّي البرث في السّقم «1011» - وقال: [من الوافر] شققت من الصّبا واشتق مني ... كما اشتقت من الكرم الكروم فلست أسوّف اللذات نفسي ... مياومة كما دفع الغريم الجزء: 8 ¦ الصفحة: 369 ولا بمدافع للكأس حتى ... يهيّجني على الطرب النديم ومتّصل بأطراف المعالي ... له في كل مكرمة حميم رفعت له النداء فقم فخذها ... وقد أخذت مطالعها النجوم بتفدية يذال العلق فيها ... وتمتهن الخؤولة والعموم فقام وقمت من أخوين هاجا ... على طرب وليلهما بهيم أجرّ الزّقّ وهو يجرّ رجلا ... يجور بها النعاس وتستقيم «1012» - وقال: [من الخفيف] وغرير الشباب محتنك السّن ... ن على جيده مناط التميم قد غذاه النعيم فاحمرّت الوج ... نة منه ففيه طرد الهموم [1] فهو عفّ الجفون في النظر العم ... د حذارا على فؤاد النديم يتثنّى إذا مشى فهو لدن ... في اعتدال بجودة التقويم فهو الراحل المطيّ إلينا ... من أباريق قهوة الخرطوم «1013» - حكى أحمد بن يزيد المهلّبي عن أبيه عن الحسين بن الضحاك قال: كنت مع أبي نواس بمكّة عام الحجّ، فسمع صبيّا يقرأ: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا . (البقرة: 20) فقال أبو نواس: في مثل هذا يجيء للخمر صفة حسنة، ففكّر ساعة ثم أنشدني: [من الطويل] وسيّارة ضلّت عن القصد بعدما ... ترادفهم أفق من الليل مظلم   [1] في الديوان: قد غذاه النعيم فاحمرت الوجنة منه على فساد الحلوم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 370 فأصغوا إلى صوت ونحن عصابة ... وفينا فتى من سكرة يترنّم فلاحت له منّا على العبد قهوة ... كأنّ سناها ضوء نار تضرّم إذا ما حسوناها أقاموا مكانهم ... وإن مزجت حثّوا الركاب ويمّموا قال: وحدّثت بهذا الحديث محمد بن الحسن فقال: لا، ولا كرامة: ما سرقه من القرآن ولكنه من قول الشاعر: [من الطويل] وليل بهيم كلّما قلت غوّرت ... كواكبه عادت فما تتزيّل به الركب إما أومض البرق يمّموا ... وإن لم يلح فالقوم بالسير جهّل «1014» - وقال أبو نواس: [من الطويل] تزيد حسى الكأس السفيه سفاهة ... وتترك أخلاق الكريم كما هيا وجدت أقلّ الناس عقلا إذا انتشى ... أقلّهم عقلا إذا كان صاحيا «1015» - وقال: [من السريع] خلوت بالخمر أناجيها ... آخذ منها وأعاطيها نادمتها إذ لم أجد صاحبا ... أرضى بأن يشركني فيها أشربها صرفا على وجهها ... فكنت حاسيها وساقيها لم تنظر العين إلى منظر ... في الحسن والشّكل يدانيها ما زلت خوف العين لمّا بدت ... أنفث في كأسي وأرقيها من كان مولاه أميرا له ... فالخمر مولاة مواليها «1016» - وقال: [من الكامل المرفّل] صرفا إذا استبطأت سورتها ... أهدت إلى معقولك الفرحا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 371 فكأنّ فيها من جنادبها ... فرسا إذا سكّنته جمحا وأخذ ذلك من حسان في قوله: [من الكامل] بزجاجة رقصت بما في قعرها ... رقص القلوص براكب مستعجل ومن هذه القصيدة: ولها دبيب في العظام كأنّه ... قبض النعاس وأخذه بالمفصل عبقت أكفّهم بها فكأنّما ... يتنازعون بها سخاب قرنفل «1017» - كان أبو الهنديّ منهمكا على الشراب مدمنا له على كرم منصبه وشرفه في عشيرته، فحجّ به نصر بن سيّار مرّة، فلما ورد الحرم قال له نصر: إنّك بفناء بيت الله وحرم رسوله، فدع الشراب حتى ينفر الناس واحتكم عليّ، ففعل، فلما كان يوم النّفر أخذ الشراب فوضعه بين يديه وأقبل يشرب ويبكي ويقول: [من الطويل] رضيع مدام فارق الراح روحه ... فظل عليها مستهلّ المدامع أديرا عليّ الكأس إني فقدتها ... كما فقد المفطوم درّ المراضع «1018» - وقال أبو نواس حين ترك العراق: [من الخفيف] كبر حظي منها إذا هي دارت ... أن أراها وأن أشمّ النّسيما فكأني وما أزيّن منها ... قعديّ يزيّن التحكيما لم يطق حمله السلاح إلى الحر ... ب فأوصى المطيق ألا يقيما «1019» - نظر الحسن بن وهب إلى رجل يعبس في كأسه فقال: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 372 ما أنصفتها؛ تضحك في وجهك، وتعبس في وجهها. ومنه قول الرضي: [من البسيط] كالخمر يعبس حاسيها على مقة ... والكأس تجلو عليه ثغر مبتسم وقبله قد قال ابن المعتزّ: [من الكامل] ما أنصف النّدمان كأس مدامة ... ضحكت إليه فشمّها بتعبّس «1020» - قيل لعمر بن عبد العزيز: إنّ بنيك يشربون النبيذ، قال: صفوهم لي، فوصفوهم بالطّيش، فقال: هؤلاء يدعونه، قالوا له: لكن آدم أوقر ما يكون إذا شرب، قال: إنّا لله! هذا الذي لا يدعه أبدا. «1021» - وكانت عليّة بنت المهديّ تقول: من أصبح وعنده فضلة من طباهجة، وقنينة ناقصة، وتفّاحة معضوضة ولم يصطبح، فلا تعدّه من الفتيان. «1022» - أبو الفرج الببغاء: [من الخفيف] واجل شمس العقار في يد بدر ال ... حسن يخدمك منهما النيّران وأدرها عذراء وانتهز الام ... كان من قبل عائق الإمكان في كؤوس كأنّها زهر الخش ... خاش ضمّت شقائق النعمان واختدعها عند البزال بألفا ... ظ المثاني ومطربات الأغاني فهي أولى من العرائس إن زف ... فت بعزف النايات والعيدان 1023- قال علي بن الجهم: قلت لجارية لي: نجعل الليلة مجلسنا في القمر، فقالت: ما أولعك بالجمع بين الضرائر! وسألتها: أيّ الشراب أحبّ إليك؟ فقالت: ما ناسب طبعي في الرّقّة، وروحي في الخفّة، ونكهتي في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 373 الطيب، ومراشفي في البرد، وريقي في اللذة، وكلامي في العذوبة، ووجهي في الحسن، وخلقي في السلاسة. «1024» - قال المتوكل لأبي العيناء: كيف شربك للنبيذ؟ قال: أعجز عن قليله، وأفتضح عند كثيره. فقال: دع هذا عنك ونادمنا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أجهل الناس من جهل نفسه، ومهما جهلت من الأمر فلن أجهل نفسي. أنا امرؤ محجوب، والمحجوب يخظرف إشارته ويجوز قصده، ولا ينظر إلى من ينظر إليه، وكلّ من في مجلسك يخدمك، وأنا أحتاج أن أخدم. وأخرى: فلست آمن أن تنظر إليّ بعين غضبان وقلبك راض، [وبعين] راض [وقلبك] غضبان، ومتى لم أميّز بين هاتين هلكت؛ ولم أقل هذا جهلا بما لي في المجلس من الفائدة، فأختار العافية على التعرّض للبليّة. «1025» - وقال المتوكّل لبختيشوع: ما أخفّ النّقل على الشراب؟ قال: نقل أبي نواس، قال: ما هو؟ فأنشده: [من المنسرح] ما لي في الناس كلّهم مثل ... مائي خمر ونقلي القبل «1026» - وقال ابن سكّرة الهاشميّ: [من المنسرح] فما ترى في اصطباح صافية ... بكر حناها في الحانة الكبر رقّت فراقت من لين ملمسها ... ولم يفتها النّسيم والنظر فهي لمن شمّ ريحها أثر ... وهي لمن رام لمسها خبر ثم ذكر الوقت والمكان والرفيق فقال: ترى الثريا والغرب يجذبها ... والبدر يهوي والفجر ينفجر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 374 كفّ عروس لاح خاتمها ... وعقد درّ في الجوّ ينتثر في روضة راضها الربيع وما ... قصّر في وشي بردها المطر وقد نأى النأي بالعقول وما ... قصّر في نيل وتره الوتر «1027» - أتي الوليد بن يزيد بشراعة بن الزّندبوذ من الكوفة، فحين رآه لم يسأله عن نفسه ولا عن سفره حتى قال له: يا شراعة، والله إني ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله، ولا عن سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال: والله لو سألتني عنهما لألفيتني فيهما حمارا. قال: ولكني أرسلت إليك لأسألك عن الفتوّة. قال: دهقانها الخبير، وطبيبها الرفيق، سل. قال: أخبرني عن الماء؟ قال: لا بدّ منه، والحمار شريكي فيه. قال: فما تقول في اللبن؟ قال: ما رأيته قطّ إلا استحييت من أمي من طول ما أرضعتنيه. قال: فالسويق؟ قال: شراب الحزين والمستعجل والمريض. قال: فما تقول في نبيذ التمر؟ قال: سريع الملء سريع الانفشاش، ضراط كلّه. قال: فما تقول في نبيذ الزبيب؟ قال: حومة حاموا بها حول الشراب. قال: فما تقول في الخمر؟ قال: تلك صديقة روحي. قال: وأنت صديقي، أقعد. أي الطعام أحبّ إليك؟ قال: يا أمير المؤمنين، ليس لصاحب النبيذ على الطعام حكم، إلا أنّ أشهاه إليه أمرؤه، وأنفعه أدسمه. قال: فأيّ المجالس أحبّ إليك؟ قال: البراز ما لم تحرقه الشمس ويغرقه المطر؛ والله يا أمير المؤمنين ما شرب الناس على وجه أحسن من وجه السماء. 1028- قال أحمد بن أبي خالد: دخلت على المأمون وهو قاعد يصفّي نبيذا بيده، فبادرت لأتولّى ذلك فقال: مه! أما أحد يكفيني هذا؟! ولكن مجراه على كبدي فأحببت أن أتولاه بيدي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 375 «1029» - الأعشى: [من الكامل] وسبيّة ممّا تعتّق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها الرواة تفسّر هذا البيت تقول: شربتها حمراء، وبلتها صفراء. وقال أبو نواس: هو مثل قولي: [من البسيط] كأسا إذا انحدرت في حلق شاربها ... أجدته حمرتها في العين والخدّ «1030» - وقال الحسن بن هانىء: [من السريع] أثن على الخمر بآلائها ... وسمّها أحسن أسمائها لا تجعل الماء لها قاهرا ... ولا تسلّطها على مائها كرخية قد عتّقت حقبة ... حتى مضى أكثر أجزائها فلم يكد يدرك خمارها ... منها سوى آخر حوبائها دارت فأحيت غير مذمومة ... نفوس حسراها وأنضائها والخمر قد يشربها معشر ... ليسوا إذا عدّوا بأكفائها «1031» - وقال: [من البسيط] قامت بإبريقها والليل معتكر ... فلاح من ضوئها في البيت لألاء فأرسلت من فم الإبريق صافية ... كأنّما أخذها بالعين إغفاء رقّت عن الماء حتى ما يلائمها ... لطافة وجفا عن شكلها الماء دارت على فتية ذلّ الزمان لهم ... فلا يصيبهم إلا بما شاؤوا «1032» - وقال: [من الكامل المرفّل] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 376 فإذا علاها الماء ألبسها ... نمشا شبيه جلاجل الحجل [1] حتى إذا سكنت جوانحها ... كتبت بمثل أكارع النّمل 1033- ولابن المعتزّ في [هذا] المعنى: [من المنسرح] للماء فيها كتابة عجب ... كمثل نقش في فصّ ياقوت 1034- وقال الماهر: [من الخفيف] هو يوم حلو الشمائل فاجمع ... بكؤوس الشّمول شمل السّرور من مدام أرقّ من نفس الصّب ... ب وأصفى من دمعة المهجور رقّ جلبابها فلم تر إلّا ... روح نار قد حلّ في جسم نور «1035» - وقال علي بن جبلة العكوّك: [من الوافر] وصافية لها في الكأس لين ... ولكن في النفوس لها شماس كأنّ يد النديم تدير منها ... شعاعا لا يحيط عليه كأس «1036» - وقال ابن المعتز: [من الطويل] معتّقة صاغ المزاج لرأسها ... أكاليل درّ ما لمنظومه سلك وقد خفيت من ضوئها فكأنّها ... يقين ضمير ليس يدخله شكّ «1037» - وقال أيضا: [من الطويل] وكرخيّة الأنساب أو بابليّة ... ثوت حقبا في ظلمة القار لا تسري   [1] الديوان: حببا بدل نمشا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 377 أرقت صفاء الماء فوق صفائها ... فخلتهما سلا من الشمس والبدر 1038- وقال أبو عون الكاتب: [من الخفيف] بنت عشر كخاطر الوهم أو خا ... طف برق أو مثل حسن السماع 1039- وقال ابن أبي كريمة: [من البسيط] كأنّها عرض في كفّ شاربها ... تخاله فارغا والكأس ملآن «1040» - وللبحتريّ في مثله: [من الكامل] فاشرب على زهر الرياض يشوبه ... زهر الخدود وزهرة الصهباء من قهوة تنسي الهموم وتبعث الش ... شوق الذي قد ضلّ في الأحشاء يخفي الزجاجة لونها فكأنّها ... في الكفّ قائمة بغير إناء «1041» - وقال: [من الطويل] وكأس سباها التّجر من أرض بابل ... كرقّة ماء الشوق في الحدق النجل إذا شجّها الساقي حسبت حبابها ... عيون الدّمى من تحت أجنحة اللّيل «1042» - وقال ابن المعتز: [من الخفيف] يا نديميّ سقّياني فقد لا ... ح صباح وأذّن الناقوس من كميت كأنّها أرض تبر ... ونواحيه لؤلؤ مغروس «1043» - وقال ابن الرومي: [من البسيط] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 378 كأنّه وكأنّ الكأس في فمه ... هلال أوّل شهر عبّ في شفق [من الكامل المرفل] ومهفهف تمّت محاسنه ... حتى تجاوز منتهى النّفس فكأنه والكاس في يده ... قمر يقبّل عارض الشّمس «1044» - نظر فيه إلى قول أبي نواس: [من الطويل] إذا عبّ فيها شارب القوم خلته ... يقبّل في داج من الليل كوكبا ويروى أنّه أخذ هذا البيت من الحسين بن الضحاك مصالتة. «1045» - الطائي: [من الطويل] وكأس كمعسول الأماني شربتها ... ولكنّها أجلت وقد شربت عقلي إذا عوتبت بالماء كان اعتذارها ... لهيبا كوقع النار في الحطب الجزل إذا اليد نالتها بوتر توقرت ... على ضغنها ثم استقادت من الرّجل «1046» - ومثله لديك الجنّ: [من الطويل] فقام تكاد الكأس تخضب كفّه ... وتحسبه من وجنتيه استعارها معتّقة من كفّ ظبي كأنّما ... تناولها من خدّه فأدارها فظلنا بأيدينا نتعتع روحها ... وتأخذ من أقدامنا الراح ثارها «1047» - وقريب من المعنى الأخير قول أبي عليّ الخالديّ: [من البسيط] كانت لها أرجل الأعلاج واترة ... بالدّوس فانتصفت من أرؤس العرب الجزء: 8 ¦ الصفحة: 379 «1048» - أخذ هذا المعنى أبو غالب الأصباغيّ الكاتب فقال: [من الكامل] عقرتهم معقورة لو سالمت ... شرّابها ما سمّيت بعقار لانت لهم حتى انتشوا وتمكّنت ... منهم فصاحت فيهم بالنار ذكرت حقائدها القديمة إذ غدت ... صرعى تداس بأرجل العصّار «1049» - وفي معنى البيتين الأوّل والثاني من قول ديك الجنّ قول ابن المعتزّ، وزاد عليهما: [من الطويل] تدور علينا الراح من يد شادن ... له لحظ عين يشتكي السقم مدنف كأن سلاف الخمر من ماء خدّه ... وعنقودها من شعره الجعد يقطف «1050» - ومثلهما للبحتري رحمه الله: [من الطويل] ألا ربما كأس سقاني سلافها ... رهيف التثنّي واضح الثّغر أشنب إذا أخذت أطرافه من فتورها ... رأيت اللّجين بالمدامة يذهب كأنّ بخدّيه الذي جاء حاملا ... بكفّيه من ناجودها حين يقطب 1051- ومن الغريب المستطرف قول الآخر: [من الوافر] وزنّا الكأس فارغة وملأى ... فكان الوزن بينهما سواء [ أصل الخمر ولغة العرب في أحوالها ] «1052» - نذكر هاهنا أصل الخمر، ولغة العرب في أحوالها المتنقّلة، ثم أسماء الخمر وصفاتها ومعاني ذلك. شجرة العنب: الكرمة، والجمع كرم وكروم. والجفنة: الكرمة، ويقال: الجفنة بفتحتين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 380 ويقال للقضيب منها: الحبلة، وقيل: الحبلة أصل الكرمة، والقضيب: السّرغ معجمة الغين، والجمع سروغ. روى ذلك أبو عمرو عن ثعلب. وقال أبو بكر: السّرع بعين غير معجمة: قضيب من قضبان الكرم. وفي القضيب: الأبنة، والجمع أبن، وهي العقد التي تكون فيه. فإذا أخرج القضيب ورقه قيل: قد أطلع؛ فإذا أظهر حمله قيل: قد أحثر وحثر؛ فإذا صار حصرما قيل: حصرم، ويقال للحصرم: الكحب، الواحدة كحبة؛ ولما تساقط من العنب: الهرور؛ فإذا اسودّ نصف حبّه قيل: قد حلقم يحلقم: فإذا استوى بعض حبّه قيل: قد أوشم إيشاما، ولا يقال للعنب الأبيض أوشم، فإذا فشا فيه الايشام قيل: قد أطعم؛ فإذا أدرك غاية الإدراك قيل: ينع وأينع وطاب. والعنقود معروف ما دام عليه حبّه؛ فإذا أكل فهو شمراخ. ويقال لمعلّق الحبّ من الشّمراخ المقمع. ويقال إذا أجنى: قد قطف قطافا، فإذا يبس فهو الزبيب والعنجد. والقطف: العنقود، وفي التنزيل: «قطوفها دانية» . 1053- الخمر إذا عصر فاسم ما يسيل منه قبل أن يطأه الرجال بأقدامهم السّلاف، وأصله من السّلف وهو المتقدّم من كلّ شيء. وهو في مثل ذلك الخرطوم أيضا. ويقال للذي يعصر بالأقدام العصير، وللموضع المعصرة. والطلة: ما عصر بعد السّلاف، ويقال للمعاصر: المناطل. ثم يترك العصير حتى يغلي، فإذا غلى فهو خمر. وقيل: سمّيت خمرا لأنّها تخامر العقول فتختلط بها. وقالوا: سمّيت خمرا لأنّها تخمّر في الإناء أي تغطّى، يقال: خمّر أنفه: إذا غطّاه، وهي مؤنثّة. ويقال لها القهوة لأنّها تقهي عن الطعام والشراب، يقال: أقهى عن الطعام وأقهم عنه إذا لم يشتهه. ومن أسمائها الشّمول، سمّيت بذلك لأنّ لها عصفة كعصفة الشمال، وقيل: لأنّها تشمل القوم بريحها. ومن أسمائها السّلاف، والسلافة، والخرطوم، وقد تقدّم معناها في هذه الأسماء. ومنها القرقف قالوا: لأنّ شاربها يقرقف إذا شربها، أي يرعد، يقال: قرقف وقفقف. قال أبو عمرو: القرقف: اسم للخمر غير صفة، وأنكر قولهم: سمّيت بها لأنّها ترعد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 381 ومنها الراح لأنّها تكسب صاحبها أريحيّة، أي خفّة للعطاء، يقال: قد رحت لكذا أراح وارتحت له أرتاح. ومنها العقار لأنّها عاقرت الدّنّ، وقيل: لأنّها تعقر شاربها من قول العرب: كلاب بني فلان عقار، أي تعقر الماشية. ومن أسمائها المدامة، والمدام، والرحيق، والكميت، والجريال، والسّبيئة، والسّباء، والعاتق، والمشعشعة، والشموس، والخندريس، والصهباء، والحانيّة، والماذيّة، والعانيّة، والسّخاميّة، والمزّة، والإسفنط، والقنديد، وأمّ زنبق، والفيهج، والغرب، والحميّا، والمسطار، والخمطة، والخلّة، والمعتّقة، والإثم، والحمق، والمعرق، والمزّاء. والمدام والمدامة، لأنّها داومت الظّرف الذي انتبذت فيه. والرحيق: الخالص من الغشّ. كلّ ذلك ذكره أصحاب التفسير والغريب، ولم يذكر أحد منهم الاشتقاق. والكميت للونها إذا كان يضرب إلى السواد. والجريال عندهم: صبغ أحمر اللون سمّيت به ولذلك قال: سلبتها جريالها. والسبيئة والسّباء: المشتراة، وأصلها مسبوءة، يقال: سبأت الخمر إذا اشتريتها. والمشعشعة: الممزوجة التي أرقّ مزاجها. والصّهباء: التي عصرت من العنب الأبيض سمّيت بذلك للونها. والشموس سمّيت بالدابة الشموس التي تجمح براكبها. والخندريس: القديمة، يقال: حنطة خندريس أي قديمة. والحانيّة منسوبة إلى الحانة. والماذيّة: اللّيّنة، يقال: عسل ماذيّ إذا كان ليّنا. والعانيّة منسوبة إلى عانة. والسّخاميّة: اللّيّنة من قولهم: قطن سخام، أي ليّن، وثوب سخام أي ليّن. قال الراجز: [من الرجز] كأنّه بالصّحصحان الأبخل ... قطن سخامي بأيدي غزل [1] والمزّة والمزّاء: لطعمها. والإسفنط، قال الأصمعي: هو بالرومية. والقنديد،   [1] انظر هذا الرجز في اللسان (سخم) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 382 والفيهج، وأم زنبق ولم يذكر اشتقاقها. وقد جاء في كلامهم: انزبق إذا دخل، ويمكن أن يكون من ذلك لسلاستها وسهولتها، ويقولون: زبق شعره وزبقته: حبسته، وليس من ذلك. والغرب من كلّ شيء: حدّه، ولعلّها سمّيت بذلك لحدّتها. وحميّا كلّ شيء: سورته وحدّته. والمسطار، الخلّة. والخمطة: الحامض منها، ويقال: المصطار بالصاد أيضا. وقد يراد بالخمطة المتغيّرة الطّعم. والمعتّقة: التي قد طال مكثها. والإثم اسم لها، ولعلّه وقع عليها لما في شربها من المآثم، وكذلك الحمق، قال الشاعر: [من الوافر] شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي ... كذاك الإثم يفعل بالعقول [1] والمعرق: الممزوج قليلا، يقال: فيه عرق من ماء، أي ليس بكثير. روى المدائنيّ أنّ معاوية قال: ما اللذة؟ فأكثر جلساؤه الوصف، فلم يقع له، فقال عمرو بن العاص: نحّ الأحداث حتّى أخبرك بها من فصّها، فنحّوا، فقال: اللذّة هتك المروءة، والمجاهرة بالخطيئة، وأن لا يبالي قبيحا من حسن. وممّا جاء في أواني المشروب والظّروف «1054» - قال شبرمة بن الطّفيل: [من الطويل] ويوم شديد الحرّ قصّر طوله ... دم الزّقّ عنا واصطفاف المزاهر لدن غدوة حتى أروح وصحبتي ... عصاة على الناهين شمّ المناخر كأنّ أباريق الشّمول عشيّة ... إوزّ بأعلى الطّفّ عوج الحناجر   [1] انظر اللسان (أثم) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 383 «1055» - قال الأخطل وأكثر الزّقاق: [من الطويل] أناخوا فجرّوا شاصيات كأنّها ... رجال من السودان لم يتسربلوا الشاصي: الرافع رجليه. والشاغر: الرافع إحدى رجليه. «1056» - قال أبو الهنديّ: [من الرمل] أتلف المال وما جمّعته ... طلب اللّذات في ماء العنب واستباء الزّقّ من حانوته ... شائل الرجلين معضوب الذّنب كلّما صبّت لشرب خلته ... حبشيّا قطّعت منه الرّكب «1057» - وقال ابن المعتزّ: [من الرمل المجزوء] وتراها وهي صرعى ... فرّغا بين النّدامى مثل أبطال حروب ... قتّلوا فيها كراما «1058» - وقال: [من الخفيف] ودنان كمثل صفّ رجال ... قد أقيموا ليرقصوا دستبندا «1059» - أبو الفرج الببّغاء: [من الهزج] ومعصرة أنخت بها ... وقرن الشّمس لم يغب فخلت قزازها بالرا ... ح بعض معادن الذّهب [1]   [1] نهاية الأرب: قرارها بدلا من قزازها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 384 وقد ذرفت لفقد الكر ... م فيها أعين العنب وجاش عباب واديها ... بمنهلّ ومنسكب وياقوت العصير بها ... يلاعب لؤلؤ الحبب فيا عجبي لعاصرها ... وما يفنى به عجبي وكيف يعيش وهو يخو ... ض في بحر من اللهب «1060» - وقال يصف القدح: [من المنسرح] من كلّ جسم كأنّه عرض ... يكاد لطفا باللّحظ ينتهب نور وإن لم يغب، وهم وإن صح ... ح، وماء لو كان ينسكب لا عيب فيه سوى إذاعته الس ... سرّ الذي في حشاه يحتجب كأنّما صاغه النّفاق فما ... يخلص منه صدق ولا كذب «1061» - وقال القاضي أبو القاسم التنوخي: [من المتقارب] وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نهار هواء ولكنّه خامد ... وماء ولكنّه غير جاري «1062» - آخر: [من الكامل] يا ربّ مجلس فتية نادمتهم ... من عبد شمس في ذرى العلياء وكأنّما إبريقهم من حسنه ... ظبي على شرف أمام ظباء «1063» - وقال ابن المعتزّ: [من الكامل] وكأن إبريق المدام لديهم ... ظبي على شرف أناف مدلّها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 385 لمّا استحثّته السقاة حنى لها ... فبكى على قدم النديم وقهقها «1064» - وقال إسحاق الموصليّ: [من الطويل] كأنّ أباريق المدام لديهم ... ظباء بأعلى الرّقمتين قيام وقد شربوا حتى كأنّ رقابهم ... من اللين لم يخلق لهنّ عظام وكلّهم نظروا إلى قول علقمة بن عبدة: [من البسيط] كأنّ إبريقهم ظبي على شرف ... مفدّم بسبا الكتّان ملثوم «1065» - وقال أبو الهنديّ: [من الطويل] مفدّمة قزّا كأنّ رقابها ... رقاب بنات الماء أفزعها الرّعد «1066» - وقال ابن المعتز: [من السريع] غدا بها صفراء كرخيّة ... كأنّما في كأسها تتّقد وتحسب الماء زجاجا جرى ... وتحسب الأقداح ماء جمد «1067» - وقال أبو نواس: [من البسيط] الخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة ... من كفّ جارية ممشوقة القدّ «1068» - وقال آخر في الراووق: [من الرجز] كأنّما الراووق وانتصابه ... خرطوم فيل سقطت أنيابه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 386 فالبيت منه عطر ترابه ... كأنّ مسكا فتقت عيابه 106» - وقال ابن الرومي يصف قدحا أهداه إلى عليّ بن يحيى: [من الخفيف] وبديع من البدائع يسبي ... كلّ عقل ويطّبي كلّ طرف رقّ في الحسن والملاحة حتى ... ما يوفيه واصف حقّ وصف كفم الحبّ في الملاحة أو أص ... فى وإن كان لا يناغي بحرف تنفذ العين منه حتى تراها ... أخطأته من رقّة المستشفّ كهواء بلا هباء مشوب ... بضياء أرقق بذاك وأصف وسط القدر لم يكبّر لجرع ... متوال ولم يصغّر لرشف لا عجول على العقول جهول ... بل حليم عنهنّ في غير ضعف ما رأى الناظرون قدّا وشكلا ... مثله فارسا على ظهر كفّ «1070» - وقال أيضا في قدح فيه نبيذ أسود: [من الخفيف] علّني أحمد من الدّوشاب ... شربة نغّصت لذيذ الشراب لو تراني وفي يدي قدح الدّو ... شاب أبصرت بازيار غراب «1071» - وللبحتريّ: [من المتقارب] فجاء بنبيذ له حامض ... يشدّ على الكبد المقفره إذا صبّ مسودّه في الزّجاج ... فكأس النديم به محبره «1072» - وقال محمد بن هانىء: [من الخفيف] الجزء: 8 ¦ الصفحة: 387 ربّ يوم لنا رقيق حواشي ال ... لهو حسنا جوّال عقد النّطاق قد لبسناه وهو من نفحات ال ... مسك ردع الجيوب ردع التراقي والأباريق كالظّباء العواطي ... أوجست [ ... ] الجياد العتاق مصغيات إلى الغناء مطلّا ... ت عليه كثيرة الإطراق وهي شمّ الأنوف يشمخن كبرا ... ثمّ يرعفن بالدم المهراق «1073» - عبد الله بن المعتزّ في الدّنّ: [من المنسرح] كأنّه منذ قام معتمدا ... بعظم ساق شلّاء في بدن ميت وفيه الحياة كامنة ... تدرجه العنكبوت في كفن «1074» - بشّار، وروي لأبي نواس: [من البسيط] كأنّ قرقرة الإبريق بينهم ... صوت المزامير أو ترجيع فأفاء «1075» - أبو نواس: [من الكامل] والكوب يضحك كالغزال مسبحا ... عند الركوع بلثغة الفأفاء وكأنّ أحداق الرحيق إذا جرت ... وسط الظلام كواكب الجوزاء 1076- النامي: [من الكامل] وكأنّما الروض السماء ونهره ... فيه المجرّة والكؤوس الأنجم «1077» - وقال أبو عثمان الخالديّ: [من الخفيف] هتف الصبح بالدّجى فاسقنيها ... قهوة تترك الحليم سفيها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 388 لست أدري من رقّة وصفاء ... هي في كأسها أو الكأس فيها «1078» - وقال البحتريّ: [من الخفيف] قد سقاني ولم يصرّد أبو الغو ... ث على العسكرين شربة خلس من مدام نقولها وهي نجم ... ضوأ الليل أو مجاجة شمس أفرغت في الزجاج من كلّ قلب ... فهي محبوبة إلى كلّ نفس أخذ هذا المعنى من قول بعضهم وقد وصف ابن سريج المغنّي فقال: كأنّه خلق من كلّ قلب، فهو يغنّي لكلّ إنسان ما يشتهيه. وقد قال الحسن بن وهب ووصف صديقا له: هو كما يشتهي إخوانه. «1079» - ابن الرومي رحمه الله تعالى: [من الخفيف] وردة اللون في خدود النّدامى ... وهي صفراء في خدود الكؤوس «1080» - وقال ابن المعتزّ: [من الطويل] يجول حباب الماء في جنباتها ... كما جال دمع فوق خدّ مورّد «1081» - السريّ الرفّاء: [من المتقارب] كستك الشبيبة ريعانها ... وأهدت لك الراح ريحانها فدم للنديم على عهده ... وغاد المدام وندمانها فقد خلع الأفق ثوب الدجى ... كما نضّت البيض أجفانها وساق يواجهني وجهه ... فتجعله العين بستانها الجزء: 8 ¦ الصفحة: 389 يتوّج بالكأس كفّ النديم ... إذا نظم الماء تيجانها وطورا يوشّح ياقوتها ... وطورا يرصّع عقيانها رميت بأفراسها حلبة ... من اللهو ترهج ميدانها ودير شغفت بغزلانه ... فكدت أقبّل صلبانها سكرت بقطربّل ليلة ... لهوت فغازلت غزلانها وأيّ ليالي الهوى أحسنت ... إليّ فأنكرت إحسانها 1082- أبو طاهر بن جلنك: [من الخفيف] مرحبا بالتي بها قتل الهم ... م وعاشت مكارم الأخلاق وهي في رقّة الصبابة والوج ... د وفي قسوة النوى والفراق لست أدري أمن خدود العذارى ... سفكوها أم أدمع العشّاق «1083» - حزم بعض الأمراء بالكوفة وتشدّد على الخمّارين وركب فكسر نبيذهم، فجاء بكر بن خارجة ليشرب عندهم على عادته، فرأى الخمر مصبوبة في الرحاب والطّرق فبكى ثم قال، وتروى لذؤيب بن حبيب الخزاعيّ: [من الخفيف] يا لقومي لما جنى السلطان ... لا يكونن لما أهان الهوان صبّها في التراب من حلب الكر ... م عقارا كأنّها الزعفران صبّها في مكان سوء لقد صا ... دف سعد السعود ذاك المكان من كميت يبدي المزاج لها لؤ ... لؤ نظم والفصل منها جمان كيف صبري عن بعض نفسي وهل يص ... بر عن بعض نفسه الإنسان 1084- قال الكرماني: أنشدتها الجاحظ فقال: إنّ من حقّ الفتوّة أن الجزء: 8 ¦ الصفحة: 390 أكتب هذه الأبيات قائما وما أقدر على ذلك إلا أن تعمدني، وقد كان نقرس، فعمدته فقام، فكتبها قائما. «1085» - كان آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز من المعاقرين المدمنين حتى فسد أمره ووهن، وكان يقول: إذا اصطبحت فكل كسرة بملح وافتح دنّك، فإن كان حامضا دبغ معدتك، وإن كان حلوا خرطك، وإن كان مدركا فهو الذي أردت. ثم إنّه أقلع وأناب، فاستأذن يوما على يعقوب بن الربيع فقال يعقوب: ارفعوا الشراب فإنّ هذا قد تاب، وأحسبه يكره أن يراه. فرفع وأذن له، فلمّا دخل قال: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ . (يوسف: 94) قال يعقوب: هو الذي وجدت، ولكنا ظننّا أنه يثقل عليك لتركك الشراب، قال: أي والله إنّه ليثقل ذلك عليّ. قال: فهل قلت في ذلك شيئا منذ تركته؟ قال: قد قلت: [من الطويل] ألا هل فتى عن شربها اليوم صابر ... ليجزيه يوما بذلك قادر شربت فلمّا قيل ليس بنازع ... نزعت وثوبي من أذى اللوم طاهر «1086» - وقال آخر: [من الطويل] وأغيد معسول الشمائل زادني ... على فرق والنجم حيران طالع فلما جلا صبح الدّجى قلت حاجب ... من الشّمس أو برق من الشرق لامع إلى أن دنا والسحر رائد طرفه ... كما ريع ظبي بالصريمة راتع فنازعته الصهباء والليل ناصل ... رقيق حواشي البرد والنّسر واقع عقارا عليها من دم الصبّ نفضة ... ومن عبرات المستهام فواقع معوّدة غصب العقول كأنّما ... لها أرباب الرجال ودائع الجزء: 8 ¦ الصفحة: 391 تدير إذا شجّت عيونا كأنّها ... عيون العذارى شقّ عنها البراقع «1087» - بعث الوليد بن يزيد إلى جماعة من أهله لمّا ولي الخلافة فقال: أتدرون لم دعوتكم؟ قالوا: لا، قال: ليقل قائلكم، فقال رجل منهم: أردت يا أمير المؤمنين أن ترينا ما جدّد الله لك من نعمه وإحسانه، قال: نعم ولكني: [من الخفيف] أشهد الله والملائكة الأب ... رار والعابدين أهل الصلاح أنّني أشتهي السماع وشرب ال ... كاس والعضّ للخدود الملاح والنّديم الكريم والخادم الفا ... ره يسعى عليّ بالأقداح قوموا إذا شئتم. وأخبار الوليد هذا في خلاعته لو تكلّفت ذكرها لاحتاجت إلى كتاب مفرد. «1088» - وروي أن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام خرج يوما إلى بعض الدّيارات فنزل فيه، وهو وال على الرملة، فسأل صاحب الدير: هل نزل بك أحد من بني أمية؟ قال: نعم، نزل بي الوليد بن يزيد ومحمد بن سليمان بن عبد الملك، قال: فأيّ شيء صنعا؟ قال: شربا، قال: أين شربا؟ قال: في ذلك الموضع، ولقد رأيتهما شربا في آنيتهما، ثم قال أحدهما لصاحبه: هلمّ نشرب بهذا الجرن، وأومأ إلى جرن عظيم من رخام، فقال: افعل؛ فلم يزالا يتعاطيانه بينهما يشربان به حتى ثملا، فقال عبد الوهاب لغلام له أسود كان يوصف بالشّدّة: هاته، فذهب يحرّكه فلم يقدر. فقال له الراهب: والله لقد رأيتهما يتعاطيانه، وكلّ واحد يملؤه لصاحبه فيرفعه ويشرب به غير مكترث. «1089» - كان لسليمان بن وهب نديم يأنس به ويلائمه ويألفه، فعربد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 392 عليه ليلة من الليالي عربدة قبيحة فاطّرحه وجفاه مدّة، فوقف له على الطريق، فلما مرّ به وثب إليه وقال له: أيّها الوزير، ألا تكون في أمري كما قال عليّ بن الجهم: [من البسيط] القوم إخوان صدق بينهم نسب ... من المودّة لم يعدل به نسب تراضعوا درّة الصهباء بينهم ... فأوجبوا لرضيع الكأس ما يجب لا يحفظون على السّكران زلّته ... ولا يريبك من أخلاقهم ريب فقال له سليمان: قد رضيت عنك رضا صحيحا، فعد إلى ما كنت عليه من ملازمتي. «1090» - قال إسحاق: دخلت على المأمون يوما فوجدته حائرا معكّرا غير نشيط، فأخذت أحدّثه بملح الأحاديث وطرفها أستميله حتى يضحك أو ينشط فلم يفعل، وخطر ببالي بيتان فأنشدته إيّاهما، وهما: [من الطويل] ألا علّلاني قبل نوح النوائح ... وقبل نشوز النّفس بين الجوانح وقبل غد يا لهف نفسي على غد ... إذا راح أصحابي ولست برائح فتنبّه كالمتفزّع ثم قال: من يقول هذا، ويحك؟ فقلت: أبو الطّمحان القينيّ يا أمير المؤمنين، فقال: صدق والله، أعدهما عليّ، فأعدتهما حتى حفظهما، ثم دعا بالطعام فأكل، ثم دعا بالشراب فشرب، وأمر لي بعشرين ألف درهم. «1091» - قال ابن الأعرابيّ: كنّا مع محمد بن الجنيد الجبلي [1] أيام الرشيد، فشرب ذات ليلة، فكان صوته: [من الخفيف]   [1] الأغاني: الختلي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 393 علّلاني بعاتقات الكروم ... واسقياني بكأس أمّ حكيم فلم يزل يقترحه ويشرب عليه حتى السّحر، فوافاه كتاب خليفته في دار الرشيد أنّ الخليفة على الركوب، وكان محمد أحد أصحاب الرشيد ومن يقدّم دابّته، فقال: ويحكم، كيف أعمل والرشيد لا يقبل لي عذرا وأنا سكران؟ فقالوا: لا بدّ من الركوب. فركب على تلك الحال، فلما قدّم إلى الرشيد دابته قال له: يا محمد، ما هذه الحال التي أراك عليها؟ قال: لم أعلم برأى أمير المؤمنين في الركوب، فشربت ليلتي أجمع، قال: فما كان صوتك؟ فأخبره، فقال له: عد إلى منزلك فلا فضل فيك. فرجع إلينا وخبّرنا بما جرى، وقال: خذوا بنا في شأننا. فجلسنا على سطح، فلما متع النهار إذا خادم من خدم الرشيد قد أقبل على برذون وفي يده شيء مغطّى بمنديل قد كاد ينال الأرض. فصعد إلينا وقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد بعثنا إليك بكأس أمّ حكيم لتشرب فيه وبألف دينار تنفقها في صبوحك. وقام محمد فأخذ الكأس من يد الخادم وقبّلها وصبّ فيها ثلاثة أرطال وشربها قائما وسقانا مثل ذلك، ووهب للخادم مائتي دينار، وغسل الكأس وردّها إلى موضعها، وجعل يفرّق علينا تلك الدنانير حتى بقي معه أقلّها. والشعر المذكور للوليد بن يزيد بن عبد الملك. وأمّ حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية. «1092» - قال ابن إسحاق الموصليّ: دخلت إلى الرشيد يوما وهو يخاطب جعفر بن يحيى بشيء لم أسمع ابتداءه، وقد علا صوته، فلما رآني مقبلا قال لجعفر: أترضى بإسحاق؟ قال جعفر: بلى والله، ما في علمه مطعن إن أنصف، فقال له: أيّ شيء تروي للشعراء المحدثين في الخمر؟ الجزء: 8 ¦ الصفحة: 394 أنشدني من أفضل ما عندك وأشدّه تقدّما، فعلمت أنّهما كانا يتماريان في تقديم أبي نواس، فعدلت عنه إلى غيره، لئلا أخالف أحدهما، فقلت: لقد أحسن أشجع في قوله: [من الكامل] ولقد طعنت الليل في أعجازه ... بالكأس بين غطارف كالأنجم يتمايلون على النعيم كأنّهم ... قضب من الهنديّ لم تتثلّم يسعى بها الظبي الغرير يزيدها ... طيبا ويغشمها إذا لم تغشم [1] والليل ملتحف بفضل ردائه ... قد كاد يحسر عن أغرّ أرثم [2] فإذا أدارتها الأكفّ رأيتها ... تثني الفصيح إلى لسان الأعجم وعلى بنان مديرها عقيانه ... من سكبها وعلى فضول المعصم تغلي إذا ما الشّعريان تلظّيا ... صيفا وتسكن في طلوع المرزم ولها سكون في الإناء وخلفه ... شغب يطوّح بالكميّ المعلم تعطي على الظّلم الفتى بقيادها ... قسرا وتظلمه إذا لم تظلم فقال لي الرشيد: قد عرف تعصّبك على أبي نواس، فإنّك عدلت عنه متعمّدا، ولقد أحسن أشجع ولكنّه لا يقول أبدا مثل أبي نواس: [من المديد] يا شقيق النّفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم فقلت له: ما علمت ما كنتما فيه يا أمير المؤمنين، وإنما أنشدت ما حضرني، قال: حسبك قد سمعت الجواب. وكان في إسحاق تعصّب على أبي نواس لشيء جرى بينهما. «1093» - وقال إسحاق: اصطبح الواثق في يوم مطير، واتّصل شربه،   [1] يغشم: يظلم. [2] الأرثم: الذي في طرف أنفه بياض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 395 وشربنا معه حتى سقطنا لجنوبنا صرعى وهو معنا على حالنا، فما حوّل أحد منّا عن مضجعه، وخدم الخاصة يطوفون علينا ويتفقدّوننا، وبذلك أمرهم، وقال: لا تحرّكوا أحدا منهم عن مضجعه. وكان هو أوّل من أفاق منّا، فقام وأمر بإنباهنا، فقمنا وتوضّأنا وأصلحنا من شأننا، وجئنا إليه وهو جالس وفي يده كأس وهو يروم شربها والخمار يمنعه، فقال: يا إسحاق، أنشدني شيئا في هذا المعنى، فأنشدته قول أشجع: ولقد طعنت الليل في أعجازه إلى آخر الأبيات فطرب وقال: أحسن والله أشجع وأحسنت يا أبا محمد، أعد بحياتي، فأعدتها فشرب كأسه عليها وأمر لي بألف دينار. «1094» - كان عبد الله بن العباس الربيعي مصطبحا دهره لا يفوته ذلك إلا يوم جمعة أو صوم شهر رمضان. وكان يكثر المدح للصبوح ويقول الشعر فيه، فمن ذلك قوله: [من البسيط] ومستطيل على الصهباء باكرها ... في فتية باصطباح الرّاح حذّاق فكلّ شيء رآه خاله قدحا ... وكلّ شخص رآه ظنّه السّاقي «1095» - اشتهى أبو الهنديّ الصبوح في الحانة، فأتى خمّارا بسجستان في محلّة يقال لها: كوه زيان وتفسيره: درب الخسران، يباع فيه الخمر والفاحشة، ويأوي إليها كلّ خارب وزان ومغنّية، فدخل إلى الخمّار وقال له: اسقني، وأعطاه دينارا، فكال له، وجعل يشرب حتى سكر. وجاء قوم يسلّمون عليه فصادفوه على تلك الحال فقالوا للخمّار: ألحقنا به، فسقاهم حتى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 396 سكروا. وانتبه أبو الهنديّ فسأل عنهم، فعرّفه الخمّار خبرهم، فقال: هذا الآن وقت السّكر، الآن طاب، ألحقني بهم، فجعل يشرب حتى سكر، وانتبهوا فقالوا للخمّار: ويحك، هذا نائم بعد! فقال: لا، قد انتبه فلما عرف خبركم شرب حتى سكر، قالوا: فألحقنا به، فلم يزل ذلك دأبه ودأبهم ثلاثة أيام، ولم يلتقوا وهم في موضع واحد، ثم تركوا هم الشراب حتى أفاق، فلقوه، فقال أبو الهنديّ: [من الوافر] ندامى بعد ثالثة تلاقوا ... يضمّهم بكوه زيان راح وهي أبيات. وتروى هذه القصة لأبي نواس مع والبة بن الحباب، والأصحّ أنّها لأبي الهنديّ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 397 نوادر من هذا الباب «1096» - شرب الأقيشر في حانة الحيرة حتى نفد ما معه، ثم رهن ثيابه، وكان الزمان باردا، فجلس في تبن كان هناك، فاجتاز رجل ينشد ضالّة له، فقال: اللهم اردد عليه واحفظ علينا، قال الحانيّ: ويحك، أيّ شيء يحفظ عليك ربّك؟ قال: هذا التبن لا يأخذه فأموت بردا. فضحك الحانيّ وأعاد عليه ثيابه. «1097» - دخل طفيليّ على سالم بن عقال، فجعل يشرب معه مطبوخا يحتاج إلى مزاج كثير، فسقاه الطفيليّ وأقلّ المزاج، وأراد أن يتقرّب إلى سالم فأنشأ يقول: [من الطويل] يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم فقال له سالم: لو أخذت الماء من هذا البيت وجعلته في أقداحنا لصلح شعرك ونبيذنا. «1098» - ابن لنكك البصري: [من الوافر] فديتك لو علمت ببعض ما بي ... لما جرّعتني إلا بمسعط وحسبك أنّ كرما باب داري ... أمرّ ببابه فأكاد أسقط «1099» - دخل أعرابيّ على رجل من أعمال السلطان وهو يشرب، فجعل يحدّثه ثم سقاه كما يشرب، فقال الأعرابيّ: والله أيها الأمير، إنّها هي الخمر، فقال: كلا، ولكنّها زبيب وعسل، فشرب الأعرابيّ، فلما الجزء: 8 ¦ الصفحة: 398 طرب قال له الرجل: قل فيها. فقال: [من الطويل] أتانا بها صفراء يزعم أنها ... زبيب فصدّقناه وهو كذوب فما هي إلا ليلة غاب نحسها ... أواقع فيها الذّنب ثم أتوب «1100» - قال الجمّاز: حرام النبيذ على اثني عشر نفسا: على من غنّى الخطأ، واتّكأ على اليمنى، وأكثر أكل النّقل، وكسر الزجاج، وسرق الرّيحان، وبلّ ما بين يديه، وطلب العشاء، وقطع اليمّ، وخلس أول قدح، وأكثر الحديث، وامتخط في منديل الشراب، وبات في موضع لا يحتمل المبيت. «1101» - وذكر إسحاق بن إبراهيم النّدماء فقال: واحد همّ، واثنان غمّ، وثلاثة قوام، وأربعة تمام، وخمسة مجلس، وستّة زحام، وسبعة جيش، وثمانية عسكر، وتسعة اضرب طبلك، وعشرة الق بهم من شئت. «1102» - جلست عجوز من الأعراب في طريق مكّة إلى فتيان يشربون نبيذا لهم، فسقوها ثلاثا فقالت: أخبروني عن نسائكم بالعراق، أيشربن من هذا الشراب؟ قالوا: نعم، قالت: زنين وربّ الكعبة. 1103- سمع مخنّث رجلا يقول: دعا أبي أربعة أنفس أنفق عليهم أربعمائة دينار، فقال: يا ابن البغيضة، لعلّه ذبح لهم مغنّيتين وزامرة! وإلا أربعمائة دينار في أيّ شيء أنفقها؟ «1104» - قال المتوكّل: لولا ذهاب بصر أبي العيناء لجعلته نديمي، فقال: إن كان يريدني لرؤية الأهلّة وقراءة نقوش الخواتيم لم أصلح لذلك، فضحك منه واتّخذه نديما، وقد روي أنّه امتنع من منادمته واحتج بما ورد قبل هذا المكان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 399 110» - شرب داود المصاب مع قوم في شهر رمضان، فقالوا له في وجه السّحر: قم فانظر هل تسمع أذانا، فأبطأ عنهم ساعة، ثم رجع فقال: اشربوا فإني لم أسمع الأذان سوى من مكان بعيد. «1106» - كان بعض أولاد الملوك إذا شرب وسكر عربد على ندمائه، وكان إذا صحا يندم ويستدعي من عربد عليه ويعطيه ألف درهم وما يقارنها. فقال له بعضهم يوما: أنا رجل مضيّق، وأنا مع ذلك ضعيف لا أحتمل عربدة بألف درهم، فإن رأيت أن تعربد عليّ عربدة إلى مائتي درهم فعلت، فاستظرفه وأعطاه وأحسن إليه. «1107» - قيل لبعض المدمنين: كم الصلاة؟ قال: الغداة والظّهر، قالوا: فالعصر؟ قال: تعرف وتنكر، قالوا: فالعشاء؟ قال: يبلغها الجواد، قالوا: فالعتمة؟ قال: ما كانت لنا في حساب قطّ. «1108» - دخل عليّ بن شبابة على رجل وبين يديه زقّ خمر قد اشتراه ولم يشرب منه بعد، فقال: لك الويل إن كان خمرا، فقال ابن شبابة: بل الويل إن لم يكن خمرا. «1109» - قال بعضهم: رأيت أبا نواس يوما يضحك من سكران وقال: ما رأيت سكران قبله، قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأني كنت أسكر قبل الناس فلا أدري ما يكون حال السّكارى. «1110» - وقال آخر: رأيت سكران قد وقع في الطين وهو يقول: رحم الله الجزء: 8 ¦ الصفحة: 400 من أخذ بيدي، وأرانيه في مثل حالتي، وهو يرى أنّ حاله حال نعمة. «1111» - وقال آخر: شربت يوما عند خنثى النبّاذ، إذ دفع إنسان الباب ودخل، فقام خنثى وقال: أمّه زانية إن تركك تذوق قدحا أو تزن ثمنه أو تعطي رهنا ثم تشرب، قال: فسارّه بشيء لم أسمعه، وتراضيا وجلس يشرب. فقلت لخنثى: ما أعطاك؟ قال: أعطاني رهنا وثيقا، قلت: وما هو؟ قال: جعل أمر امرأته في يدي إلى أن يجيء بثمن ما يشرب يوم كذا، قال: فغلبني الضّحك وقلت: والله ما ظننت أن الطلاق يرهن إلا الساعة. «1112» - وشرب آخر عند بعض الخمّارين فلم يسكر، فشكا ذلك إلى الخمّار، فقال: اصبر، فإنّ هذا يأخذ في آخره، فلما خرج أخذه الطائف فقال: صدق الخمّار، قد أخذ في آخره. «1113» - شرب جعفريّ ولهبيّ على سطح، فلما أخذ الشراب منهما رمى الجعفريّ بنفسه وقال: أنا ابن الطيار في الجنّة، فتكسّر؛ وتشبّث اللهبيّ بالحائط وقال: أنا ابن المقصوص في النار. «1114» - قيل لشيخ: كم تشرب من النّبيذ؟ قال: بقدر ما أتقوّى به على ترك الصلاة. «1115» - مرّ سكران برجل يبول، فقال له: من أنت؟ قال: رجل من أهل الأرض، قال: فأقطعني نصفها؛ قال: قد فعلت، قال السكران: أمّه زانية إن زرعها إلا داذيّ. «1116» - باع بعضهم ضيعة فقال له المشتري: بالعشيّ أشهد عليك، الجزء: 8 ¦ الصفحة: 401 فقال: لو كنت ممّن يفرغ بالعشي ما بعت ضيعتي. «1117» - كتب أخو العطويّ إليه يعذله في النبيذ فكتب إليه: أما تستحي أن تكون توبتي على يدك. «1118» - قال الجاحظ: رأيت أسود في يده قنّينة وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن تنكسر قبل أن أسكر. «1119» - كان محمد بن [يسير] يعاشر يوسف بن جعفر بن سليمان بن علي الهاشميّ، وكان يوسف شديد العربدة إلا أنّه كان يخاف لسان بن يسير فيتقيه ولا يعربد عليه، ثم جرى بينهما كلام على النبيذ ولحاء، فعربد عليه وشجّه، فقال ابن يسير فيه: [من الكامل] لا تجلسن مع يوسف في مجلس ... أبدا ولا تحمل دم الأخوين ريحانه بدم الشّجاج ملطّخ ... وتحيّة الندمان لطم العين «1120» - عاتب مسلم بن الوليد أبا نواس وقال له: خلعت عذارك، وأطلت الإكباب على المجون، حتى غلب على لبّك وما كذا يفعل الأدباء، فأطرق هنيهة ثم قال: [من المتقارب] فأوّل شربك طرح الرداء ... وآخر شربك طرح الإزار وما هنّأتك الملاهي بمثل ... إماتة مجد وإحياء عار وما جاد دهر بلذّاته ... على من يضنّ بخلع العذار فانصرف مسلم آيسا من فلاحه وهو يقول: جواب حاضر من كهل فاجر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 402 1121- قيل: كان رجل من قيس من كنانة يعاقر الشراب، وكانت أمّه لا تكاد تعظه وتقبّح عنده فعله. فشرب ليلة حتى ثمل، فقالت له أمّه: يا بنيّ اتّق الله وقم فصلّ، فألحّت عليه في القول، وزادت في الوعظ، فحلف بالطلاق ألا يصبح حتى يغنّيه سليمان التيميّ فزاد اغتمام أمّه وقلقها؛ وكانت امرأته بنت عمّه، فأشفقت أن تبين منه. ففزع أهله إلى النّهّاس بن قهم، وهو من بني عمّهم، فقال: يا قوم، أيّ شيء أصنع؟ سليمان يحيي الليل كلّه مصلّيا، فكيف أمضي إليه فأقول له: غنّ، فلما أكثروا عليه مضى فوقف على باب سليمان، فسمع تلاوته القرآن وتلاوة ابنه المعتمر، وهما يتهجّدان. فقرع الباب فخرج إليه المعتمر فقال: ما جاء بك يا أبا الخطّاب في هذا الوقت؟ فقال: ابن عمّ لي جرت عليه يمين فحلف أن لا يغنّيه إلا أبو المعتمر، يعني سليمان التيمي. فدخل المعتمر إليه فأخبره، فخرج سليمان فقصّ عليه النّهاس القصّة من أوّلها إلى آخرها. فأقبل سليمان على الحالف فجعل يعظه ويوبّخه ويضرب له الأمثال، وأطال في ذلك حتى خاف أن يطلع الفجر، فلما كاد الفجر أن يطلع قال له: يا ابن أخي، إنّا سمعناهم يقولون: [من الرمل المجزوء] ليس للنّرجس عهد ... إنّما العهد للآس قم فانصرف، ولا تعد. «1122» - شرب الأخطل مع رفيق له فطرأ عليهما طارىء لا يعرفانه وأطال الجلوس، فوقع ذباب في الباطية، فقال الرجل: يا أبا مالك، الذباب في شرابك، فقال: [من الطويل] وليس القذى بالعود يسقط في الخمر ... ولا بذباب نزعه أيسر الأمر ولكن قذاها زائر لا نحبّه ... رمتنا به الغيطان من حيث لا ندري فقام الرجل وانصرف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 403 1123- حكى الضّبيّ معلّم المعتزّ قال: كان ببغداد مؤذّن إذا لاحت له وردة انغمس في لجّة قصفه إلى أن يمضي زمن الورد، وكان يقول: [من المجتث] يا صاحبيّ اسقياني ... من قهوة خندريس على حثيات ورد ... يذهبن همّ النّفوس ما تنظران فهذا ... وقت لحثّ الكؤوس فبادرا قبل فوت ... لا عطر بعد عروس وإذا لم تبق وردة أقبل إلى مسجده وهو يقول: [من الطويل] تبدّلت من ورد جنيّ ومسمع ... شهيّ ومن لهو وشرب مدام أذانا وإخباتا ولوما لمعشر ... أرى منهم إلمامة بحرام وذلك دأبي لا أرى الورد طالعا ... فأترك أصحابي بغير إمام وأرجع في لهوي وأترك مسجدي ... يؤذّن فيه من يشا بسلام «1124» - دخل الهيثم بن خالد على عبد الملك وبوجهه آثار، فقال: ما هذا؟ قال: قمت بالليل فصدمني الباب، فقال عبد الملك: [من الطويل] رأتني صريع الكأس يوما فسؤتها ... وللشاربيها المدمنيها مصارع فقال الهيثم: لا آخذك الله بسوء ظنّك يا أمير المؤمنين: قال: بل لا آخذك الله بسوء مصرعك يا أبا الهيثم. «1125» - عاتب أعرابيّ ابنه في شرب النبيذ فلم يعتب، وقال: [من الطويل] أمن شربة من ماء كرم شربتها ... غضبت عليّ الآن طابت لي الخمر سأشرب فاسخط لا رضيت كلاهما ... إليّ لذيذ أن أعقّك والسّكر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 404 «1126» - مرّ أبو نواس [ ... ] : [من الطويل] وما مسّها نار سوى أنّ علجهم ... سعى في نواحي كرمها بسراج فالتفت إليه وقال: ما له؟ أحرق الله قلبه كما أحرقها! «1127» - اجتمع محدّث ونصرانيّ في سفينة، فصبّ النصراني من زكرة كانت معه في مشربة، وشرب، وصبّ فيها وعرضها على المحدّث، فتناولها من غير فكر ولا مبالاة، فقال النصرانيّ: جعلت فداك، إنّما هو خمر، فقال: من أين علمت أنّها خمر؟ قال: اشتراها غلامي من يهوديّ وحلف أنّها خمر. فشربها بالعجلة وقال للنصرانيّ: أنت أحمق؛ نحن أصحاب الحديث نضعّف سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، أفنصدّق نصرانيّا عن غلامه عن يهوديّ؟ والله ما شربتها إلا لضعف الإسناد. 1128- كان رجل يقول لوكيله: اشتر لي المطبوخ، وحلّف الخمّار على أنّه مطبوخ، فيأتي بالمطبوخ فيقول الرجل: ليس له صفاء ولا حسن، أريد أرقّ منه. فلا يزال يردّده حتى يأتيه بالخمر الصّرف، فيقول: أما استوثقت منه؟ فيقول: بلى، فيقول: ثقة والله وقد حجّ، ثم يقعد يشربه بقلب مطمئنّ. 1129- أخذ الطائف فتيانا يشربون ومعهم أعرابيّ، فأتى بهم الحجاج، فقال الأعرابيّ: والله ما كنّا في شرّ؛ قدّم هذا الكريم- عافاه الله- إلينا خبزا من لباب البرّ، ولحما من سمان الضّأن، وطيّبا من نبيذ السّعن [1] ، وعنده رجل معه خشبة يفرك أذنها فينطق جوفها، فبينا نحن على أحمد حال وأرضاها إذ وغل هذا   [1] السعن: القربة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 405 اللئيم فأكل وشرب، حتى إذا انضلع غدر بنا وساقنا إليك لؤما وسفالا، فضحك الحجّاج ووهب لهم الطائف يفعلون به ما شاءوا. 1130- قيل لرجل: ما تقول في نبيذ السّعن؟ قال: نبيذ الرّعن، قيل: ففي نبيذ الجرّ [1] ؟ قال: اشرب حتى تخرّ، قيل: فنبيذ الدّنّ؟ قال: اشرب حتى تجنّ، قيل: فالداذيّ [2] ؟ قال: أحلى من العسل الماذيّ، قيل: فنبيذ العسل والزبيب؟ فستر وجهه وقال: العظمة لله، قيل: فالخمر؟ قال لا تشربوها، قيل: ولم؟ قال: أخاف أن لا تؤدّوا شكرها فتنزع منكم. «1131» - أبو نواس: [من الوافر] دع الأطلال تسفيها الجنوب ... وتبلي عهد جدّتها الخطوب بلاد نبتها عشر وطلح ... وأكثر صيدها ضبع وذيب ولا تأخذ عن الأعراب لهوا ... ولا عيشا، فعيشهم جديب دع الألبان يشربها رجال ... رقيق العيش بينهم غريب إذا راب الحليب فبل عليه ... ولا تحرج فما في ذاك حوب فأطيب منه صافية شمول ... يطوف بكأسها ساق أديب كأنّ هديرها في الدنّ يحكي ... قراة القسّ قابله الصليب أعاذل أقصري عن بعض لومي ... فراجي توبتي عندي يخيب تعيبين الذنوب وأيّ حرّ ... من الفتيان ليس له ذنوب غريت بتوبتي ولججت فيها ... فشقي الآن جيبك، لا أتوب يتلوه باب الغناء والقيان   [1] الجر: الجرار. [2] الداذي: شراب الفساق (القاموس) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 406 محتويات الكتاب الباب السادس والثلاثون في الكهانة والقيافة والزّجر والعيافة والفأل والطيرة والفراسة 5 خطبة الباب 7 بداية الباب السادس والثلاثين 8 الطيرة وموقف الحمس منها 8 الزّجر والعيافة 9 الكهانة 10 من الزّجر المستحسن 14 من غرائب الفأل: يوما النعيم والبؤس 16 صوت ذي الرمة 19 كثير والمرأة الخزاعية 19 من الفراسة 20 من القيافة 21 في التفاؤل والتطير 22 من الفراسة 32 من التفاؤل 33 نوادر من هذا الباب 35 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 407 الباب السابع والثلاثون ما جاء في اليسر بعد العسر والرخاء بعد الضرّ 39 خطبة الباب 41 بداية الباب السابع والثلاثين 42 آيات وأحاديث 42 من كلام الحكماء والشعراء 43 حكايات في الخروج من الشدة 44 أسفار في الاتساع بعد الضيق 46 أخبار ابن مفرغ الحميري 47 مسلم بن الوليد في دكان خياط 49 حكايات متنوعة 51 الرشيد ورجل من بني أمية 55 مزيد من حكايات الفرج بعد الشدة 59 من أخبار الفرج السريع 68 حكايات من عصر المؤلف 69 نوادر من هذا الفن 73 الباب الثامن والثلاثون ما جاء في الغنى والفقر 75 خطبة الباب 77 بداية الباب الثامن والثلاثون 78 آيات وأحاديث 78 حكايات عن الصحابة والنبي (ص) 79 أقوال للزهاد والفلاسفة والحكماء 83 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 408 أقوال في الغنى 85 فقر آل الرسول (ص) 86 نماذج من تصرف الأغنياء 87 أقوال في الفقر والفقير 89 التظاهر بالغنى مروءة 94 الأعراب والاخلال 95 الحجاج يزوّج ابنه 96 تيه الغنى ومذلة الفقر 97 المال والحرص 98 حكايات في الغنى وأشعار 99 مصادر المال 102 ألهتني القروض عن القريض 103 لم تحب هذه الدنانير 104 ثروة بعض الأغنياء 106 المال عون على التقي 107 نوادر من هذا الباب 109 الباب التاسع والثلاثون ما جاء في الأسفار والاغتراب 113 خطبة الباب 115 آيات وأحاديث 116 أقوال الحكماء 117 أشعار في السفر والاغتراب 118 أخبار عبد الله بن أبي معقل الأوسي 124 أخبار أبي محلّم الشاعر 125 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 409 جعفر بن يحيى في الشام 126 شعر لحسن بن علي الصيرفي المغربي 127 أشعار لآخرين 127 الحركة ولود والسكون عاقر 130 أقوال للأعراب 131 أشعار في الفقر 132 إبراهيم بن المدبر وأبو شراعة 134 كتابات في السفر والوداع 135 أشعار في الوداع 136 استقبال الرسائل 138 من حب الوطن 141 أقوال في فضائل بلدان مختلفة 143 نوادر من هذا الباب 145 الباب الأربعون في تنجّز الحوائج والحث عليها والسعي فيها 149 خطبة الباب 151 بداية تنجّز الحوائج والحث عليها 152 أقوال لعلي عليه السلام وغيره 153 حكايات في تنجّز الحوائج 155 أشعار في الموضوع 157 عود إلى الحكايات 159 الوعد والأقتضاء والإنجاز والمطل 160 مواعيد عرقوب 163 أشعار في المواعيد والمطل 164 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 410 رسائل في الموضوع 165 الشفاعة 166 رسائل في الشفاعة 167 حكايات في الشفاعة 169 ما جاء في السؤال 173 نوادر من هذا الباب 181 الباب الحادي والأربعون في الإذن والحجاب: متيسره ومتصعبه 193 خطبة الباب 195 بداية الباب الحادي والأربعين 196 النهي عن شدّة الحجاب 197 فنون المعاني في الحجاب 199 أشعار في الحجاب وحكايات 202 نوادر في الحجاب 207 الباب الثاني والأربعون في الحيل والخدائع المتوصل بها إلى نجح المطالب والمقاصد 209 خطبة الباب 211 بداية الباب الثاني والأربعين 212 الأخبار في الحيل 213 مثل على لسان الحيوان 239 عود إلى الأخبار 240 خدائع وحيل في الحرب 254 نوادر من هذا الباب 259 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 411 الباب الثالث والأربعون في الكناية والتعريض 275 خطبة الباب 277 بداية الباب الثالث والأربعين 278 آيات وأحاديث 279 من الكنايات البديعة واللطيفة 281 كتابات الفقهاء في الإيمان 288 فتوى أبي حنيفة 292 فطنة طويس 293 من مليح التورية 294 الألقاب والكنى 295 حكايات وأخبار في التعريض 301 الأحاجي 312 أحاج فقهية 314 أحاج متنوعة 316 رسالة لابن العميد 317 نوادر من هذا الباب وأنواعه 329 الباب الرابع والأربعون في الخمر والمعاقرة 335 خطبة الباب 337 بداية الباب الرابع والأربعين 338 الأخبار في تحريم الخمر وتغليظها 340 أخبار من تركها ترفعا عنها 340 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 412 حكايات وأشعار في الخمر 343 أصل الخمر ولغة العرب في أحوالها 380 ومما جاء في أواني المشروب والظروف 383 نوادر من هذا الباب 398 المحتويات 407 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 413 الجزء التاسع [الباب الخامس والأربعون ما جاء في الغناء وأخبار المغنّين والقيان] [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه أثق الحمد لله العظيم شانه، القاهر سلطانه، العفوّ عن الخطايا والذنوب، الساتر على مرتكب الدنايا والعيوب؛ نهى عن لهو الحديث، وماز الكلم الطيّب من الخبيث، وضرب لهما الأمثال من حكمته تأديبا، وبيّن لنا ما ألهمنا إرهابا وترغيبا. أحمده مستمدا حسن المزيد بحمده، وأستصرف به مخوف وعيده وأتنجّز صادق وعده؛ وأعوذ به من مقام الهاذي الهازل، والانقياد إلى طواعية الهوى واتباع الباطل؛ وأسأله أن يجعلنا ممّن أصلح سرّه وعلنه، واستمع القول فاتّبع أحسنه. وأشهد أنّ محمّدا نبيّه ورسوله، وصفيّه وخليله، أرسله بالدين القيّم فلا عوج، وبعثه بالحنيفية السّهلة فلا حرج. صلّى الله عليه وعلى آله ما صعد إليه الكلم الطّيب ونفع، وتقبّل العمل الصالح ورفع، وسلّم تسليما كثيرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 [ بداية الباب الخامس والأربعون ] (الباب الخامس والأربعون ما جاء في الغناء وأخبار المغنّين والقيان) نذكر فيه ما جاء في حظره وإباحته، وأخبار من سامح نفسه في استماعه، وأهواء الناس فيه، وملحا من أخبار المغنّين والقيان. ونسأل من الله حسن التجاوز والغفران، وأن يسبل على ما أفضنا فيه من اللّغو أستار الصّفح والعفو، إنّه جواد كريم. قال الله عزّ وجلّ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً (لقمان: 6) قال ابن مسعود رضي الله عنه: لهو الحديث: الغناء. «1» - وروى ابن مسعود عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنّه قال: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل» . وروى أبو أمامة الباهليّ أنّه صلّى الله عليه وسلم نهى عن بيع المغنّيات وشرائهنّ والتجارة فيهن وأكل أثمانهن، وثمنهنّ حرام. «2» - قال الشافعي. رضي الله عنه: الغناء بغير آلة مكروه. وحكي عن سعيد ابن ابراهيم الزّهري وعبد الله بن الحسن العنبريّ أنّهما قالا: ليس بمكروه. «3» - وروي أن ابن مليكة بينا هو يؤذّن إذ سمع الأخضر الجدّيّ يغنّي من دار العاص بن وائل: [من الطويل] تعلّقت ليلى وهي ذات ذؤابة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 صغيرين نرعى البهم يا ليت أنّنا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم فأراد أن يقول: حيّ على الصلاة، فقال: حيّ على البهم، حتى سمعه أهل مكة، فغدا يعتذر إليهم. «4» - قيل إلتقى ابن سلمة الزّهريّ والأخضر الجدّيّ ببئر النضيخ، فقال ابن سلمة: هل لك في الاجتماع لنستمتع بك؟ فقال الأخضر: لقد كنت إلى ذلك مشتاقا، قال، فقعدا يتحدّثان، فمرّ بهما أبو السائب فقال: يا مطربي الحجاز، ألشيء كان اجتماعكما؟ فقالا: لغير موعد كان ذلك، أفتؤنسنا؟ قال: نعم. فقعدوا يتحدّثون، فلما مضى بعض الليل قال الأخضر لابن سلمة: يا أبا الزهري [1] ، قد ابهارّ [2] الليل وساعدك القمر، فرجّع [3] بقهقهة ابن سريج وانصب [4] مغناك، فاندفع يغنّي: [من الطويل] تجنّت بلا جرم وصدّت تغضبّا ... وقالت لتربيها مقالة عاتب سيعلم هذا أنني بنت حرّة ... سأمنع نفسي من ظنون الكواذب فقولي له عنّا تنحّ فإنّنا ... أبيّات فحش طاهرات المناسب فجعل أبو السائب يزفن [5] ويقول: أبشر حبيبي فلأنت أفضل من شهداء قزوين! ثم قال ابن سلمة للأخضر: نعم المساعد على همّ الليل أنت، فوقّع بنوح ابن سريج ولا تعد مغناك، فاندفع يغنّي: [من الطويل]   [1] الأغاني: يا أبا الأزهر. [2] ابهار الليل: انتصف أو ذهب أكثره. [3] الأغاني: فوقع. [4] الأغاني: وأصب. [5] يزفن: يرقص. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 فلمّا التقينا بالحجون تنفّست ... تنفّس محزون الفؤاد سقيم وقالت وما يرقا من الخوف دمعها ... أقاطنها أم أنت غير مقيم فإنّا غدا تحدى بنا العيس بالضّحى ... وأنت بما نلقاه غير عليم فقطّع قلبي قولها ثمّ أسبلت ... محاجر عيني دمعها بسجوم فجعل أبو السائب يتأفف: أعتق ما يملك إن لم تكن فردوسية الطينة، وأنّها بعملها أفضل من آسية امرأة فرعون. «5» - ويروى أنّ أبا دهبل الجمحيّ قال: كنت وأبو السائب المخزومي عند مغنّية بالمدينة يقال لها الذّلفاء، فغنّتنا بشعر جميل بن معمر: [من الطويل] لهنّ الوجا لم كنّ عونا على النّوى ... ولا زال منها ظالع وحسير [1] كأني سقيت السّمّ يوم تحمّلوا ... وجدّ بهم حاد وحان مسير فقال أبو السائب: يا أبا دهبل، نحن والله على خطر من هذا الغناء، فنسأل الله السلامة، وأن يكفينا كلّ محذور فما آمن أن يهجم بي على أمر يهتكني، قال: وجعل يبكي. «6» - قال إسحاق بن يحيى بن طلحة: قدم جرير بن الخطفى المدينة ونحن يومئذ شبّان، فطلب الشعراء فاحتشدنا له ومعنا أشعب، فبينا نحن عنده إذ قام لحاجة وأقمنا لم نبرح، ويجيء الأحوص بن محمد الشاعر من قباء على حمار، فقال: أين هذا؟ قلنا: قد قام لحاجة فما حاجتك إليه؟ قال: أريد والله أن   [1] الأغاني والديوان: وكسير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 أعلمه أنّ الفرزدق أشرف منه وأشعر، قلنا له: ويحك، لا تعرض له فانصرف. وخرج جرير، فلم يك بأسرع من أن أقبل الأحوص، فوقف عليه فقال: السلام عليك، فقال جرير: وعليك السلام، فقال: يا ابن الخطفى، الفرزدق أشرف منك وأشعر، قال جرير: من هذا أخزاه الله! قلنا: الأحوص بن محمد بن عبد الله ابن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، فقال: نعم، هذا الخبيث ابن الطيّب، أنت القائل: [من الطويل] يقرّ بعيني ما يقرّ بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرّت فقال: نعم، قال: فإنّه يقرّ بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، أفيقرّ ذاك بعينك؟ وكان الأحوص يرمى بالحلاق، فانصرف فبعث إليه بتمر وفاكهة. وأقبلنا على جرير نسأله وأشعب عند الباب وجرير في مؤخّر البيت، فألحّ عليه أشعب يسأله، فقال: والله إني لأراك أقبحهم وجها، وأراك ألأمهم حسبا، قد أبرمتني منذ اليوم، فقال: إني والله أنفعهم وخيرهم لك، فاتبه جرير وقال: ويحك، وكيف ذاك؟ قال: إني أملّح شعرك وأجيد مقاطعه ومبادئه، قال: قل، ويحك! فاندفع أشعب فتغنّى بلحن لابن سريج في شعره: [من الكامل] يا أخت ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذّل لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم يفعل فطرب جرير وجعل يزحف حتى مسّت ركبته ركبته، وقال: لعمري لقد صدقت، إنّك لأنفعهم لي، وقد حسّنته [وأجدته] وزيّنته، أحسنت والله! ووصله وكساه. فلما رأينا إعجاب جرير بذلك الصوت قال له بعض أهل المجلس: فكيف لو سمعت واضع هذا الغناء؟ قال: وإنّ له لواضعا غير هذا؟ قلنا: نعم، قال: وأين هو؟ قلنا: بمكّة، قال: فلست بمفارق حجازكم حتى أبلغه. فمضى ومضى معه جماعة ممّن يرغب في طلب الشّعر في صحابته وكنت فيهم. فقدمنا مكّة فأتيناه بأجمعنا فإذا هو في فتية من قريش كأنّهم المها مع ظرف كثير، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 فرحّبوا وأذنوا وسألوا عن الحاجة، فأخبرناهم الخبر، فرحّبوا بجرير وأدنوه وسرّوا بمكانه، وأعظم عبيد بن سريج موضع جرير وقال: سل ما تريد جعلت فداك، قال: أريد أن تغنّيني لحنا سمعته بالمدينة أزعجني إليك، قال: وما هو؟ قال: يا أخت ناجية السلام عليكم فغنّاه ابن سريج وبيده قضيب يوقّع به وينكت، فوالله ما سمعنا شيئا قطّ أحسن من ذلك، فقال جرير: لله درّكم يا أهل مكّة، ماذا أعطيتم! والله لو أنّ نازعا نزع إليكم ليقيم بين أظهركم يسمع هذا صباح مساء لكان أعظم الناس حظّا ونصيبا، ومع هذا بيت الله الحرام، ووجوهكم الحسان، ورقّة ألسنتكم، وحسن شارتكم، وكثرة فوائدكم. «7» - روي أنّ ابن عائشة كان واقفا بالموسم متحيّرا، فمرّ به بعض أصحابه، فقال له: ما يقيمك ههنا؟ قال: إني أعرف رجلالو تكلّم لحبس الناس ههنا؛ فلم يذهب أحد ولم يجىء، فقال له الرجل: ومن ذاك؟ قال: أنا، ثم اندفع يغنّي: [من الوافر] جرت سنحا فقلت لها أجيزي ... نوى مشمولة فمتى اللقاء بنفسي من تذكّره سقام ... أعانيه ومطلبه عناء البيت الأول لزهير، والثاني ألحقه به المغنّون. فحبس الناس فاضطربت المحامل، ومدّت الإبل أعناقها، وكادت الفتنة أن تقع، فأتي به هشام بن عبد الملك فقال له: يا عدوّ الله، أردت أن تفتن الناس؟ قال: فأمسك عنه وكان تيّاها، فقال له هشام: ارفق بتيهك، فقال: حقّ لمن كانت هذه مقدرته على القلوب أن يكون تيّاها. فضحك منه وخلّى سبيله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 8- والموصوفون بحسن الصوت من المغنّين: ابن سريج وقد مرّ بعض أخباره الدالة على ذلك، وابن عائشة وهذا الخبر كاف في ما ذكر عنه، وعمرو بن أبي الكنّات، وابن تيزن، وإسماعيل بن جامع، ومخارق، وابراهيم بن المهديّ. «9» - فأما عمرو بن أبي الكنّات، فإن عليّ بن الجهم حدّث عمّن يثق به قال: واقفت ابن أبي الكنّات على جسر بغداد أيام الرشيد، فحدّثته بحديث اتّصل بي عن ابن عائشة أنّه فعله أيام هشام، وأنّه حبس الناس بغنائه، واضطربت المحامل ومدّت الإبل أعناقها حتى كادت الفتنة أن تقع. قال: فبرق ابن أبي الكنّات وقال: فأنا أفعل كما فعل، وقدرتي على القلوب أكثر من قدرته كانت، ثم اندفع يغنّي: [من الخفيف] عفت الدار بالهضاب اللواتي ... بين ثور [1] فملتقى عرفات ونحن على جسر بغداد. وكان إذ ذاك على دجلة ثلاثة جسور معقودة، فانقطعت الطرق، وامتلأت الجسور بالناس، وازدحموا عليها، واضطربت حتى خيف عليها أن تنقطع لثقل ما عليها من الناس. فقبض عليه وحمل إلى الرشيد فقال له: ويلك! أردت أن تفتن الناس؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنه بلغني أنّ ابن عائشة فعل مثل هذا في أيام هشام، فأحببت أن يكون في أيامك مثله. فأعجبه ذلك من قوله وأمر له بمال، وأمره أن يغنّي، فسمع شيئا لم يسمع مثله، فاحتبسه عنده شهرا. قال هذا المخبر: وكان ابن أبي الكنّات كثير الغشيان لي، فلما أبطأ توهّمته قد قتل، فصار إليّ بعد شهر بأموال جسيمة، وحدّثني ما جرى بينه وبين الرشيد.   [1] الأغاني: بسوار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 «10» - وأما ابن جامع فغنّى ذات يوم صوتا يرثي به أمّه، وكان أحسن الناس صوتا إذا حزن، فلم يملك الحاضرون أنفسهم، وضرب الغلمان برؤوسهم الحيطان والأساطين. وأخباره دالّة بأنّه كان إذا عارض المغنّين بذّهم بصوته في مجلس الرشيد، وكان في وقته فحولهم وذوو النباهة منهم مثل إبراهيم، وحكم الوادي وأمثالهما. «11» - وأما ابراهيم بن المهديّ فكان إذا غنّى أنصت له الوحش وجاء حتى يقف قريبا من المجلس الذي يكون فيه حتى ينقضي غناؤه، فإذا سكت عاد الوحش إلى أماكنه من البستان أو الحائر الذي يكون فيه. ويقال: إنّه كان إذا تنحنح أطرب، وكان يخاطب وكيله من روشنة على دجلة فيسمعه من الجانب الآخر من غير أن يجهد نفسه. 1» - وأما مخارق فروي أنّه خرج إلى بعض المتنزّهات، فنظر إلى قوس مذهبة مع أحد من خرج معه، فسأله إيّاها فضنّ بها، وسنحت ظباء بالقرب منه، فقال لصاحب القوس: أرأيت إن تغنّيت صوتا يعطف عليك خدود هذه الظباء أتدفع إليّ هذه القوس؟ قال: نعم، فاندفع يغنّي: [من المجتث] ماذا تقول الظّباء ... أفرقة أم لقاء أم عهدها بسليمى ... وفي البيان شفاء مرّت بنا سانحات ... وقد دنا الإمساء فما أحارت جوابا ... وطال فيها العناء فعطفت الظّباء راجعة إليه حتى وقفت بالقرب منه مصغية إلى صوته، فعجب من حضر من رجوعها ووقوفها، وناوله الرجل القوس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 «13» - غضب المعتصم على مخارق، فأمر أن يجعل في المؤذّنين، فأمهل حتى علم أنّ المعتصم يشرب وأذّنت العصر، فدخل إلى السّتر حيث [يقف] المؤذّن للسلام، ثم رفع صوته وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله، فبكى حتى جرت دموعه وبكى كلّ من حضر، ثم قال: أدخلوه إليّ، وأقبل على الحاضرين وقال: سمعتم هكذا قطّ؟ هذا الشيطان لا يترك أحدا يغضب عليه! ورضي عنه وغنّاه، وأعاده إلى مرتبته. «14» - يروى أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في بعض أسفاره لرباح ابن المعترف: غنّ، فغنّاه: [من الطويل] أتعرف رسما كاطّراد المذاهب ... لعمرة قفرا غير موقف راكب فأصغى إليه عمر فقال: أجدت بارك الله عليك، فقال: يا أمير المؤمنين، لو قلت: «زه» كان أعجب إليّ؛ قال: وما «زه» ؟ قال: كلمة كان كسرى إذا قالها أعطى من قالها أربعة آلاف درهم. قال: إن شئت أن أقولها لك فعلت، فأمّا إعطاء أربعة آلاف درهم فلا يجوز لي من مال المسلمين، قال: فبعضها من مالك، فأعطاه أربعمائة درهم، فقال يرفأ: أتصل المغنّي؟ قال: خدعني. «15» - قيل لإسحاق الموصلي: كيف كانت حال بني مروان في اللهو؟ قال: أما معاوية وعبد الملك والوليد وسليمان وهشام ومروان فكانت بينهم وبين النّدماء والمغنين ستارة لئلّا يظهر منهم طلب الخلفاء اللذّة والغناء، وأما أعقابهم فكانوا لا يتحاشون، ولم يكن منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك في السّخف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 قيل: فعمر بن عبد العزيز؟ قال: ما أظنّ [أنه] سمع حرفا قطّ من الأغاني بعد ما أفضت إليه الخلافة، وقبلها كان يسمع جواريه خاصّة. قيل: فيزيد الناقص؟ قال: ما بلغني أنّه سمع الغناء قطّ؛ كان يظهر التألّه، وهو يقول بالقدر. 16- عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم: «يجيء قوم من بعدي يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنّوح لا يجاوز حناجرهم. مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم» . 17- وسئل الفضيل رحمه الله عن قراءة القرآن بألحان، فقال: إنّما أخذ هذا من الغناء قوم اشتهوا الغناء فاستحبّوا فحوّلوا نصب الغناء على القرآن، وعسى أن يقرأ رجل [ليس] له صوت فلا يعجبهم وهو خير من صاحب الصوت؛ ويقرأ الآخر فيعجبهم صوته فيقولون: ما أحسن قرآنه! ولعله لا يجاوز قرآنه حنجرته. «18» - وقال رجل للحسن: ما تقول في الغناء؟ فقال: نعم الشيء الغنى! توصل به الرّحم، وينفّس به عن المكروب، ويفعل فيه المعروف، قال: إنّما أعني الشّدو، قال: وما الشّدو؟ أتعرف منه شيئا؟ قال: نعم، قال: فما هو؟ فاندفع الرجل يغنّي ويلوي شدقيه ومنخريه ويكسر عينيه، فقال: ما كنت أرى أنّ عاقلا يبلغ من نفسه ما أرى. «19» - وقال نافع: سمع ابن عمر مزمارا فوضع أصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق وقال: يا نافع، هل تسمع شيئا؟ فقال: لا، فرفع أصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا. 20- قال الأصمعيّ: قلت لأعرابيّ: ألك شعر؟ قال: قلت أبياتا، فتغنّى بها حكم الوادي فما حرّك بها قصّابة إلا خفت النار، فأبغضت قول الشّعر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 «20» أ-[قال عبد الرحمن بن عوف] [1] : أتيت باب عمر رضي الله عنه فسمعته يغنّي بالرّكبانيّة: [من الطويل] فكيف ثوائي بالمدينة بعدما ... قضى وطرا منها جميل بن معمر هو جميل الجمحيّ وكان مختصّا به. فلما استأذنت عليه قال لي: أسمعت ما قلت؟ قلت: نعم، قال: إنّا إذا خلونا قلنا ما يقول الناس في بيوتهم. 21- وعن عبد الله بن عوف: قال أفلاطن: من حزن فليسمع الأصوات الحسنة؛ فإن النّفس إذا حزنت خمد نورها، وإذا سمعت ما يطربها ويسرّها اشتعل منها ما خمد. وما زالت ملوك فارس تلهي المحزون بالسماع، وتعلّل به المريض، وتشغله عن التفكّر. 22- قال سلام الخالدي رحمه الله للمنصور- وكان يضرب بحدائه المثل: مر يا أمير المؤمنين أن يظمئوا الإبل ثم يوردوها الماء، فإنّي آخذ في الحداء فترفع رؤوسها وتترك الشّرب حتى أسكت. 23- وأذّن البعلبكيّ مؤذّن المنصور فرجّع وجارية تصبّ الماء على يديه، فارتعدت حتى وقع الإبريق من يدها، فقال للمؤذّن: خذ هذه الجارية فهي لك، ولا ترجّع هذا الترجيع. «24» - روي أنّ بعض المحدّثين سمع غناء بخراسان، فلم يدر ما هو، غير أنّه شوّقه وأشجاه بحسنه فقال في ذلك: [من الوافر]   [1] زيادة من الكامل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 حمدتك ليلة شرفت وطابت ... أقام سهادها ومضى كراها سمعت بها غناء كان أولى ... بأن يعتاد نفسي من عناها ومسمعة يحار السمع فيها ... ولم تصممه، لا يصمم صداها ولم أفهم معانيها ولكن ... ورت كبدي فلم أجهل شجاها فكنت كأنّني أعمى معنّى ... بحبّ الغانيات ولا يراها 25- قال أبو عثمان الناجم: بحوحة الحلق الطيّب تشبه مرض الأجفان الفاترة. «26» - وقال مالك بن أبي السّمح: سألت ابن سريج عن قول الناس: فلان يصيب وفلان يخطىء، وفلان يحسن وفلان يسيء، فقال: المصيب المحسن من المغنّين هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدّل الأوزان، ويفخّم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الإعراب، ويستوفي النّغم الطّوال، ويحسّن مقاطع النّغم القصار، ويصيب أجناس الإيقاع، ويختلس مواضع النّبرات، ويستوفي ما يشاكلها من النّقرات. فعرضت ما قال على معبد فقال: لو جاء في الغناء قرآن ما جاء إلا هكذا. 27- وقال إبراهيم الموصلي: الغناء على ثلاثة أضرب: فضرب مله مطرب يحرّك ويسخف وضرب ثان له شجى ورقّة، وضرب ثالث حكمة وإتقان صنعة. وقال: كان هذا كلّه مجموعا في غناء ابن سريج. «28» - قال عكاشة العميّ: [من الكامل] من كفّ جارية كأنّ بنانها ... من فضّة قد طرّفت عنّابا وكأنّ يمناها إذا نطقت [1] بها ... تلقي على يدها اليسار حسابا   [1] العقد: ضربت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 «29» - وقال ابن الروميّ وذكر مغنّيات: [من الخفيف] وقيان كأنّها أمّهات ... عاطفات على بنيها حواني مطفلات وما حملن جنينا ... مرضعات ولسن ذات لبان كلّ طفل يدعى بأسماء شتّى ... بين عود ومزهر وكران أمّه دهرها تترجم عنه ... وهو بادي الغنى عن التّرجمان «30» - وقال أيضا: [من السريع] كأنّما رقّة مسموعها ... رقّة شكوى سبقت دمعه «31» - وقال: [من السريع] غنّيت فلم تحتج إلى زامر ... هل تحوج الشمس إلى شمعه كأنّما غنّت لشمس الضّحى ... فألبستها حسنها خلعه 32- وقال ابن كشاجم: [من الكامل المجزوء] تأتي أغاني عاتب ... أبدا بأفراح النّفوس تشدو فنرقص بالرؤو ... س لها ونزمر بالكؤوس 33- وقال أيضا: [من المتقارب] لقد جاد من عاتب ضربها ... وزاد كما زاد تغريدها إذا نوت الصوت قبل الغنا ... ء أنشدنا شعرها عودها 34- وقال أيضا: [من المنسرح] ما صدحت عاتب ومزهرها ... إلا وثقنا باللهو والفرح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 لها غناء كالبرء في جسد ... أضناه طول السّقام والتّرح تعيدها الراح فهي ما صدحت ... إبريقنا ساجد على القدح 35- وقال: [من الخفيف] ما تغنّت إلا تكشّف همّ ... عن فؤاد [مبرّح] أحزان تفضل المسمعين طيبا وحسنا ... مثلما يفضل السماع العيان 36- وقال: [من الكامل المجزوء] شدو ألذّ من ابتدا ... ء العين في إغفائها أحلى وأشهى من منى ... نفس وصدق رجائها «37» - وقال ابن المعتزّ يصف مجلسا وذكر الغناء في الجملة: [من الخفيف] ونداماي في شباب وعيش ... أتلفت وفرهم نفوس كرام بين أقداحهم حديث قصير ... هو سحر وما سواه كلام وغناء يستعجل الراح بالرا ... ح كما ناح في الغصون الحمام وكأنّ السّقاة بين الندامى ... ألفات على سطور قيام 38- وكتب يحيى بن عليّ إلى ابن المعتزّ: [من الخفيف] سيّدي إنّ عندنا زريابا ... ملأتنا رواية وصوابا أخلقت سنّها، وإحسانها في الس ... مع يزداد جدّة وشبابا 39- وقال أبو الجهم الكاتب في بنات جارية محمد بن حمّاد: [من الرجز] أقفر إلا من بنات منزله ... ودرست آياته وطلله قد بان منها كلّ شيء حسن ... إلا الغناء نصبه ورمله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 40- وقال آخر في مغنّ: [من الوافر] فوجهك نزهة الأبصار حسنا ... وصوتك متعة الأسماع طيبا رنا ظبيا وغنّى عندليبا ... ولاح شقائقا ومشى قضيبا «41» - قال علي بن عبد الكريم: زار إسماعيل بن جامع إبراهيم الموصليّ، فأخرج إليه ثلاثين جارية فضربن جميعا طريقة واحدة وغنّين، فقال ابن جامع: في الأوتار وتر غير مستو، فقال إبراهيم: يا فلانة، شدّي مثنّاك، فشدّته فاستوى. فعجبت أوّلا من فطنة ابن جامع لوتر في مائة وعشرين وترا غير مستو، ثم ازداد عجبي من فطنة إبراهيم له بعينه. «42» - وحكي مثل ذلك عن إسحاق بن إبراهيم: قال إسحاق: دعاني المأمون وعنده إبراهيم بن المهديّ، وفي مجلسه عشرون جارية قد أجلس عشرا عن يمينه وعشرا عن يساره، ومعهنّ العيدان يضربن بها: فلمّا دخلت سمعت من الناحية اليسرى خطأ فأنكرته، فقال المأمون: يا إسحاق، أتسمع خطأ؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين؛ فقال لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ قال: لا، فأعاد عليّ السّؤال فقلت: بلى والله يا أمير المؤمنين، وإنّه لفي الجانب الأيسر، فأعار إبراهيم سمعه إلى الناحية اليسرى ثم قال: لا والله يا أمير المؤمنين ما في هذه الناحية خطأ؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، مر الجواري اللواتي عن اليمين يمسكن [فأمرهن فأمسكن؛ فقلت لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ فتسمّع ثم قال: ما ههنا خطأ؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، يمسكن] [1] وتضرب الثامنة، فأمسكن وضربت الثامنة، فعرف إبراهيم الخطأ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، ههنا خطأ. فقال عند   [1] زيادة من الأغاني لا بد منها لتمام الخبر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 ذلك: يا إبراهيم، لا تمار إسحاق بعدها؛ فإنّ رجلا فهم الخطأ من ثمانين وترا وعشرين حلقا لجدير أن لا تماريه. قال: صدقت يا أمير المؤمنين، وقال المأمون: لله درّك يا أبا محمد. وكنّاني في ذلك اليوم دفعتين. «42» أ- وكانت لإسحاق نظائر لهذا تنبىء عن حذقه وعلمه بهذا الشّأن وتبريزه على غيره. حدّث إسحاق بن إبراهيم الظاهريّ قال: حدّثتني مخارق مولاتنا قالت: كان لمولاي الذي علّمني الغناء فرّاش روميّ، وكان يغنّي بالرومية صوتا مليح اللّحن، فقال لي مولاي: يا مخارق، خذي هذا اللحن الروميّ فانقليه إلى شعر صوت من أصواتك العربيّة حتى أمتحن به الموصليّ إسحاق فأعلم أين تقع معرفته، ففعلت ذاك. وصار إليه إسحاق فاحتسبه مولاي فأقام، وبعث إليّ أن أدخلي اللّحن الروميّ في وسط غنائك؛ فغنّيته إيّاه في درج أصوات مرّت قبله، فأصغى إليه إسحاق وجعل يتفهّمه ويقسّمه ويتفقّد أوزانه ومقاطعه ويوقّع بيده، ثم أقبل على مولاي وقال: هذا الصوت روميّ اللحن، فمن أين وقع لك؟ وكان مولاي بعد ذلك يقول: ما رأيت شيئا أعجب من استخراجه لحنا روميّا لا يعرفه ولا العلّة فيه وقد نقل إلى غناء عربيّ وامتزجت نغمته حتى عرفه ولم يخف عليه. «43» - وروي أنّ المغنّين تناظروا يوما عند الواثق فذكروا الضّرّاب وحذقهم، فقدّم إسحاق زلزلا [1] على ملاحظ، ولملاحظ في ذلك الرئاسة على جميعهم. فقال له الواثق: هذا حيف وتعد منك. فقال إسحاق: يا أمير المؤمنين، اجمع بينهما وامتحنهما، فإنّ الأمر سينكشف لك فيهما. فأمر   [1] م: ربربا والتصحيح عن الأغاني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 بهما فأحضرا، فقال إسحاق: إنّ للضّرّاب أصواتا معروفة فأمتحنهما بشيء منها؟ قال: أجل افعل، فسمّى ثلاثة أصوات كان أوّلها، والشعر والغناء لإبراهيم: [من السريع] علّق قلبي ظبية السّيب ... جهلا فقد أغري بتعذيبي نمّت عليها حين مرّت بنا ... مجاسد ينفحن بالطّيب [1] تصدّها عنّا عجوز لها ... منكرة ذات أعاجيب فكلّما همّت بإتياننا ... قالت توقّي عدوة الذيب فضربا عليه [فتقدّم] زلزل وقصّر ملاحظ. فعجب الواثق من كشفه عمّا ادّعاه في مجلس واحد، فقال له ملاحظ: فما باله يا أمير المؤمنين يحيلك على الناس، ولم لا يضرب هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه لم يكن في زماني أحد أضرب مني، إلا أنّكم أعفيتموني، فتفلّت مني، وعلى أنّ معي بقيّة لا يتعلّق بها أحد من هذه الطبقة، ثم قال: يا ملاحظ، شوّش عودك وهاته، ففعل ذلك ملاحظ. فقال إسحاق: يا أمير المؤمنين، هذا يخلط الأوتار خلط متعنّت، فهو لا يألو ما أفسدها. ثمّ أخذ العود فجسّه ساعة حتى عرف مواقعه، وقال لملاحظ: غنّ أيّ صوت شئت. فغنّى ملاحظ صوتا وضرب عليه إسحاق بذلك العود الفاسد التّسوية، فلم يخرجه عن لحنه في موضع واحد حتى استوفاه عن نقرة واحدة، ويده تصعد وتنحدر على الدساتين. فقال له الواثق: لا والله، ما رأيت مثلك ولا سمعت به قطّ! اطرح هذا على الجواري، فقال: هيهات يا أمير المؤمنين! هذا شيء لا يفي به الجواري ولا يصلح لهنّ، إنّما بلغني أنّ الفلهيذ [2] ضرب يوما بين يدي كسرى أبرويز، فأحسن فحسده رجل من حذّاق أهل صناعته، فترقّبه حتى قام لبعض شأنه، ثم خالفه إلى عوده فشوّش بعض أوتاره، فرجع   [1] المجاسد: القمصان. [2] م: الفلهند والتصحيح عن الأغاني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 وضرب وهو لا يدري، والملوك لا تصلح العيدان في مجالسها، فلم يزل يضرب بذلك العود إلى أن فرغ، ثم قام على رجليه فأخبر الملك بالقصّة فامتحن العود فعرف ما فيه، فقال له: «زه وزهان زه» ووصله بالصلة التي كان يصل بها من يخاطبه بهذه المخاطبة، فلما تواطأت الروايات بذلك، أخذت به نفسي ورضتها عليه وقلت: لا ينبغي أن يكون الفلهيذ أقوى على هذا منّي، فما زلت أستنبطه بضع عشرة سنة حتى لم يبق في الأوتار موضع على طبقة من الطباق إلا وأنا أعرف نغمته كيف هي والمواضع التي تخرج النغمة كلّها من أعاليها إلى أسافلها، وكل شيء منها يجانس شيئا غيره، كما أعرف ذلك في مواضع الدّساتين، وهذا شيء لا يفي به الجواري. فقال له الواثق: لعمري لقد صدقت، ولئن متّ لتموتنّ هذه الصناعة معك. وأمر له بثلاثين ألف درهم. «44» - قال أحمد بن حمدون: سمعت الواثق يقول: ما غنّاني إسحاق قط إلا ظننت أنّه قد زيد لي في ملكي، ولا سمعته يغنّي غناء ابن سريج قط [إلا ظننت أنّه] قد نشر؛ وإنّه ليحضرني غيره إذا لم يكن حاضرا فيتقدّمه عندي وفي نفسي بطيب الصوت، حتى إذا اجتمعا عندي رأيت إسحاق يعلو، ورأيت من تقدّم ينقص، وإنّ إسحاق لنعمة من نعم الملك التي لم يحظ أحد بمثلها، ولو أنّ العمر والشباب والنّشاط ممّا يشترى لا شتريتهنّ له بشطر ملكي. «45» - قال دحمان الأشقر: كتب عامل لعبد الملك بن مروان بمكّة إليه أنّ رجلا أسود يقال له سعيد بن مسجح قد أفسد فتيان قريش وأنفقوا عليه أموالهم، فكتب إليه: أن اقبض ماله وسيّره إليّ. فتوجّه ابن مسجح إلى الشام، فصحبه رجل له جوار مغنّيات في طريقه، فقال له: أين تريد؟ فأخبره خبره وقال له: أريد الشام، قال له: فتكون معي؟ قال: نعم. فصحبه ثم بلغا دمشق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 فدخلا مسجدها فسألا: من أخصّ الناس بأمير المؤمنين؟ فقالوا: هؤلاء النفر من قريش وبنو عمّه. فوقف ابن مسجح عليهم، فسلّم ثمّ قال: يا فتيان، هل فيكم من يضيف رجلا غريبا من أهل الحجاز؟ فنظر بعضهم إلى بعض، وكان عليهم موعد أن يذهبوا إلى قينة يقال لها: «برق الأفق» . فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمّم فقال له: أنا أضيفك؛ فقال لأصحابه: انطلقوا أنتم، وأنا أذهب مع ضيفي. فقالوا: لا، بل تجيء معنا أنت وضيفك. فذهبوا جميعا إلى بيت القينة. فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد: إني رجل أسود، ولعلّ فيكم من يقذرني، فأنا أجلس وآكل ناحية، وقام، فاستحيوا منه، وبعثوا إليه بما أكل. فلما صاروا إلى الشّراب قال لهم مثل ذلك، ففعلوا به، وأخرجوا جاريتين فجلستا على سرير قد وضع لهما تغنّيان، فغنّتا إلى العشاء، ثم دخلتا، وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها، فجلستا أسفل السرير وجلست هي على السرير، قال ابن مسجح: فتمثّلت بهذا البيت: [من الطويل] فقلت أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك خلف السّجف أم أنت حالم فغضبت الجارية وقالت: أيضرب مثل هذا الأسود بي الأمثال! فنظروا إليّ نظرا منكرا، ولم يزالوا يسكّنونها، ثم غنّت صوتا. قال ابن مسجح: فقلت أحسنت والله! فغضب مولاها وقال: أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي! فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده: قم فانصرف إلى منزلي، فقد ثقلت على القوم، فذهبت أقوم، فتذمّم القوم وقالوا لي: أقم وأحسن أدبك. فأقمت، وغنّت فقلت: أخطأت والله يا جارية يا زانية وأسأت، واندفعت فغنّيت الصوت، فوثبت الجارية وقالت لمولاها: هذا أبو عثمان سعيد بن مسجح؛ فقلت: أي والله أنا هو، والله لا أقيم عندكم! ووثبت، فوثب القرشيّون، فكلّ قال: هذا يكون عندي، فقلت: والله لا أقيم إلا عند سيّدكم- يعني الرجل الذي أنزله منهم- وسألوه عمّا أقدمه، فأخبرهم الخبر. فقال له صاحبه: إني أسمر الليلة مع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 أمير المؤمنين، فهل تحسن أن تحدو؟ فقال: لا، ولكني أستعمل حداء. قال: فإنّ منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين، فإذا وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك. ومضى إلى عبد الملك، فلما رآه طيّب النّفس أرسل إلى ابن مسجح، فأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا: [من الرجز] إنك يا عبد المليك المفضل [1] ... إن زلزل الأقدام لم تزلزل عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ القرون الميّل للحقّ حتى ينتحوا للأعدل قال عبد الملك للقرشيّ: من هذا؟ قال: رجل حجازيّ قدم عليّ، قال: أحضره، فأحضره ثم قال له: أحد مجدّا، ثم قال له: هل تغنّي غناء الركبان؟ قال: نعم؛ قال: غنّه، فتغنّى، قال له: فهل تغنّي الغناء المتقن؟ قال: نعم، قال: غنّه، فغنّى، فاهتزّ عبد الملك طربا، ثم قال له: أقسم أنّ لك في القوم أسماء كثيرة، من أنت، ويلك!؟ قال: أنا المظلوم المقبوض ماله المسيّر عن وطنه سعيد بن مسحج، قبض عامل الحجاز مالي ونفاني. فتبسّم عبد الملك ثم قال: قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليك أموالهم، وأمّنه ووصله، فكتب إلى عامله يردد ماله وأن لا يعرض له بسوء. 46- روي أنّ سليمان بن عبد الملك كان في بادية له يسمر ليلة على ظهر سطح، ثم تفرّق عنه جلساؤه، فدعا بوضوء فجاءته جارية له به، فبينا هي تصبّ على يده إذ أومى بيده وأشار بها مرّتين أو ثلاثا فلم تصبّ عليه، فأنكر ذلك فرفع رأسه فإذا هي مصغية بسمعها إلى ناحية العسكر، وإذا صوت رجل يغنّي، فأنصت حتى تسمّع جميع ما يغنّى به، فلما أصبح أذن للناس ثم أجرى ذكر الغناء حتى ظنّ القوم أنّه يشتهيه ويريده، فأفاضوا فيه بالتسهيل وذكر من كان يسمعه. فقال رجل من القوم: عندي يا أمير المؤمنين رجلان من أهل أيلة مجيدان   [1] الأغاني ونهاية الأرب: انك يا ابن الفضّل المفضل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 محكمان، قال: وأين منزلك؟ فأومأ إلى الناحية التي كان منها الغناء قال: فابعث إليهما فجئني بهما، ففعل. فوجد الرسول أحدهما فأدخله على سليمان، فقال له: ما اسمك؟ قال: شمير، فسأله عن الغناء، فاعترف به. فقال له: متى عهدك به؟ قال: الليلة الماضية، قال: وأين كنت؟ فأشار إلى الناحية التي سمع سليمان منها الغناء. قال: فما غنّيت به؟ فأخبره بالشعر الذي سمعه منه سليمان. فأقبل على القوم فقال: هدر الجمل فضبعت الناقة، ونبّ التّيس فشكرت الشاة، وهدر الطائر فزافت الحمامة، وغنّى الرجل فطربت المرأة، ثم أمر به فخصي. 47- وسأل عن الغناء، وأين أصله؟ فقيل: بالمدينة في المخنّثين، وهم أئمّته والحذّاق به، فكتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم، وكان عامله عليها: أن اخص من قبلك من المغنّين المخنثين، فخصى تسعة، منهم: الدلال، وطريفة، وحبيب، ونومة الضّحى. «48» - وقد روي في خبر سليمان غير هذا، وأنّه شكّ في الجارية لمّا ألهاها الغناء، وكانت إلى جنبه، وظنّ أنّ بينها وبين المغنّي شيئا، وكان سليمان شديد الغيرة، فكشف عن أمرهما فلم يكن بينهما سبب ولا معرفة، فلم تطب نفسه أن يتركه سويّا فخصاه. والشعر الذي غنّى فيه: [من البسيط] محجوبة سمعت صوتي فأرّقها ... من آخر الليل لمّا طلّها السّحر تثني على جيدها ثنني معصفرة ... والحلي منها على لبّاتها خصر في ليلة النصف ما يدري مضاجعها ... أوجهها عنده أبهى أم القمر؟ لو خلّيت لمشت نحوي على قدم ... يكاد من رقّة للمشي ينفطر «49» - قال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: لم يكن الناس يعلّمون الجارية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 الحسناء الغناء، وإنّما كانوا يعلّمونه الصّفر والسود، وأوّل من علّم الجواري المثمّنات الغناء أبي؛ فإنه بلغ بالقيان كلّ مبلغ ورفع من أقدارهنّ. وفيه يقول أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة المهلبيّ، وكان يهوى جارية يقال لها أمان، فأغلى بها مولاها السّوم وجعل يردّدها إلى إبراهيم وإسحاق ابنه، فتأخذ عنهما، وكلّما زادت في الغناء زاد سومه؛ فقال أبو عيينة: [من الخفيف] قلت لمّا رأيت مولى أمان ... قد طغى سومه بها طغيانا لا جزى الله الموصليّ أبا إس ... حاق عنّا خيرا ولا إحسانا جاءنا مرسلا بوحي من الشى ... طان أغلى به علينا القيانا من غناء كأنّه سكرات ال ... حبّ يصبي القلوب والآذانا «50» - قال إبراهيم بن المهديّ: انصرفت ليلة من الشمّاسيّة، فمررت بدار إبراهيم الموصليّ، وإذا هو في روشن له، وقد صنع لحنه في قوله: [من الطويل] ألا ربّ ندمان عليّ دموعه ... تفيض على الخدّين سحّا سجومها فهو يعيده ويلعب به بنغمته ويكررّه ليستوي له، وجواريه يضربن عليه؛ فوقفت تحت الرّوشن حتى أخذته وانصرفت إلى منزلي، فما زلت أعيده حتى بلغت فيه الغاية، وأصبحت فغدوت إلى الشّماسيّة واجتمعنا عند الرشيد، فاندفع إبراهيم فغنّاه أوّل شيء غنّى، فلما سمعه الرشيد طرب واستحسنه وشرب عليه، ثم قال: لمن هذا يا إبراهيم؟ فقال: لي يا سيّدي صنعته البارحة؛ فقلت: كذب يا أمير المؤمنين، هذا الصوت قديم وأنا أغنّيه، فقال لي: غنّه يا حبيبي، فغنّيته كما غنّاه، فبهت إبراهيم وغضب الرشيد وقال له: يا ابن الفاجرة، أتكذبني وتدّعي ما ليس لك!؟ قال: فظلّ إبراهيم بأسوإ حال؛ فلما صلّيت العصر قلت للرشيد: الصوت- وحياتك- له، وما كذب؛ ولكني مررت به البارحة، وسمعته يكرره الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 ويردّده على جارية له، ووقفت حتى دار لي واستوى فأخذته منه، فدعا به الرشيد ورضي عنه وأمر له بخمسة آلاف دينار. «51» - وروي أن الرشيد قال يوما لجعفر بن يحيى: قد طال سماعنا لهذه العصابة على اختلاط الأمر فيها، فهلّمّ أقاسمك إيّاها وأخايرك، فاقتسما المغنّين على أن جعلا بإزاء كلّ رجل نظيره، وكان إسماعيل بن جامع في حيّز الرشيد، وإبراهيم الموصليّ في حيّز جعفر، وحضر الندماء لمحنة المغنّين. وأمر الرشيد ابن جامع بالغناء، فغنّى صوتا أحسن فيه كلّ الإحسان، وأطرب الرشيد كلّ الإطراب. فلما قطعه قال الرشيد لإبراهيم: هات يا إبراهيم هذا الصوت فغنّه، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما أعرفه! وظهر الانكسار فيه. فقال الرشيد لجعفر: هذا واحد. ثم قال لابن جامع: غنّ يا إسماعيل، فغنّى صوتا ثانيا أحسن من الأول وأرضى في كلّ حال. فلما استوفاه قال الرشيد لإبراهيم: هاته يا إبراهيم قال: ولا أعرف هذا. قال: هذان اثنان، غنّ يا إسماعيل، فغنّى ثالثا يتقدّم الصوتين الأوّلين ويفضلهما، فلما أتى على آخره قال: هاته يا إبراهيم، قال: لا، ولا أعرف هذا أيضا. فقال له جعفر: أخزيتنا أخزاك الله! قال: وأتمّ ابن جامع يومه والرشيد مسرور به، وأجازه الجوائز الكثيرة وخلع عليه خلعا فاخرة. ولم يزل إبراهيم منخزلا منكسرا حتى انصرف، فمضى إلى منزله، فلم يستقرّ فيه حتى بعث إلى محمد المعروف بالزّفّ، وكان محمد من المغّنين المحسنين، وكان أسرع من عرف في أيّامه بأخذ الصوت يريد أخذه، وكان الرشيد وجد عليه في بعض ما يجده الملوك على أمثاله، فألزمه بيته وتناساه. فقال إبراهيم للزّفّ: إني اخترتك عمّن هو أحبّ إليّ منك لأمر لا يصلح له غيرك، فانظر كيف تكون. قال: أبلغ في ذلك محبّتك إن شاء الله. فأدّى إليه الخبر وقال: أريد أن تمضي من ساعتك إلى ابن جامع فتعلمه أنّك صرت إليه مهنّئا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 بما تهيأ له عليّ، وتتنقّصني وتثلبني وتشمتمني وتحتال في أن تسمع منه الأصوات وتأخذها ولك كل ما تحبّه من جهتي من عرض من الأعراض مع رضاء الخليفة إن شاء الله. قال: فمضى من عنده فاستأذن على ابن جامع فأذن له، فدخل عليه وقال: جئتك مهنّئا بما بلغني من خبرك، والحمد الله الذي أخزى ابن مفاضة [1] على يدك، وكشف الفضل في محلّك من صناعتك. قال: وهل بلغك خبرنا؟ قال: هو أشهر من أن يخفى على مثلي، قال: ويحك! إنّه يقصر عن العيان، قال: أيّها الأستاذ، سرّني بأن أسمعه من فيك حتى أرويه عنك وأسقط بيني وبينك الأسانيد. قال: أقم عندي حتى أفعل، فقال: السمع والطاعة. فدعا ابن جامع بالطعام فأكلا، ثم دعا بالشراب، ثم ابتدأ وحدّثه بالخبر حتى انتهى إلى خبر الصوت الأول، فقال له الزّفّ: وما هو أيّها الأستاذ؟ فغنّاه ابن جامع إيّاه، فجعل محمد يصفّق وينعر ويشرب وابن جامع مجتهد في شأنه حتى أخذه. ثم سأله عن الصوت الثاني فغنّاه إيّاه، وفعل مثل فعله في الصوت الأول، وكذلك في الصوت الثالث. فلما أخذ الأصوات وأحكمها قال له: يا أستاذ، قد بلغت ما أحبّ، فأذن لي في الانصراف، قال: إذا شئت. فانصرف محمد من وجهه إلى إبراهيم، فلما طلع من باب داره قال له: ما وراءك؟ قال: كلّ ما تحبّ، ادع لي بعود. فدعا له به فضرب وغنّاه الأصوات، فقال إبراهيم: هي وأبيك! هي بصورها وأعيانها، ردّدها عليّ، فلم يزل يردّدها حتى صحّت لإبراهيم. وغدا إبراهيم على كبر سنّه، فلما دعي بالمغنّين دخل فيهم. فلما بصر به قال له: أو قد حضرت! أو ما كان ينبغي لك أن تجلس في منزلك شهرا بسبب ما لقيت من ابن جامع؟ قال: ولم ذاك يا أمير المؤمنين جعلني الله فداءك؟ والله إن أذنت لي أن أقول لأقولنّ. فقال: وما عساك أن تقول؟ فقال له: ليس لي ولا   [1] الأغاني «ابن الجرمقانية» ، ومفاضة: الواسعة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 لغيري أن يراك نشيطا لشيء فيعارضك فيه، ولا أن تكون متعصّبا لحيّز وجنبة فيغالبك، وإلا فما في الأرض صوت لا أعرفه. قال: دع ذا عنك، قد أقررت أمس بالجهالة بما سمعت من صاحبها فإن كنت أمسكت بالأمس عنه على معرفة كما تقول، فهاته فليس ههنا عصبيّة ولا تمييز. فاندفع فأمرّ الأصوات كلّها، وابن جامع مصغ يستمع منه حتى أتى على آخرها. فاندفع ابن جامع فحلف بالأيمان المحرجة أنّه ما عرفها قطّ ولا سمعها، وما هي إلا من صنعته، لم تخرج إلى أحد غيره. فقال له: ويحك، فما أحدثت بعدي؟ فقال: ما أحدثت حدثا، فقال: يا إبراهيم، بحياتي اصدقني، قال: وحياتك لأصدقنّك؛ رميته بحجره، وبعثت إليه بمحمّد الزّفّ وضمنت له ضمانات أحدها رضاك عنه، فمضى فاحتال لي عليه حتى أخذها عنه ونقلها إليّ، وقد سقط عني الآن اللوم بإقراره لأنّه ليس عليّ أن أعرف ما صنعه هو ولم يخرجه إلى الناس، وهذا باب من الغيب ولو لزمني أن أروي صنعته للزمه أن يروي صنعتي، ولزم كلّ واحد منّا لسائر طبقته ونظرائه مثل ذلك، فمن قصّر عنه كان مذموما ساقطا. فقال الرشيد له: صدقت يا إبراهيم ونصحت عن نفسك وقمت بحجّتك. ثم أقبل على ابن جامع فقال له: يا إسماعيل، أتيت أتيت! دهيت دهيت! أبطل عليك الموصليّ ما فعلته بالأمس وانتصف منك، ثم دعا بالزّفّ ورضي عنه. «52» - روي أنّ الرشيد هبّ ليلة من نومه، فدعا بحمار كان يركبه في القصر أسود قريب من الأرض، فركبه وخرج في درّاعة وشي متلثّما بعمامة وشي ملتحفا بإزار وشي، وبين يديه أربعمائة خادم أبيض سوى الفرّاشين. وكان مسرور الفرغاني جريئا عليه لمكانه عنده، فلما خرج من باب القصر قال: أين تريد يا أمير المؤمنين في هذه الساعة؟ قال: منزل الموصليّ. قال مسرور: فمضى ونحن معه حتى انتهى إلى منزل إبراهيم، فخرج فتلقّاه وقبّل حافر حماره وقال له: يا أمير الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 المؤمنين، في مثل هذه الساعة تظهر! قال: نعم، شوق [طرق لك] بي، ثم نزل فجلس في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم، فقال له إبراهيم: يا سيّدي، أتنشط لشيء تأكله؟ قال: نعم، [خاميز ظبي] ، فأتي به كأنّما كان معدّا، فأصاب منه شيئا يسيرا، ثم دعا بشراب حمل معه، فقال له الموصليّ: يا سيّدي، أغنّيك أم تغنّيك إماؤك؟ قال: بل الجواري. فخرج جواري إبراهيم فأخذن صدر المجلس وجانبيه، فقال: أيضربن كلّهنّ أم واحدة واحدة؟ قال: بل تضرب اثنتان اثنتان وتغنّي واحدة. ففعل ذلك حتى مرّ صدر الإيوان وأحد جانبيه، والرشيد لا ينشط لشيء من غنائهنّ إلى أن غنّت صبيّة من حاشية الصفّة: [من البسيط] يا موري الزّند قد أعيت مقادحه [1] ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت فلم أبصرك في الناس قال: فطرب لغنائها واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالا، ثم سأل الجارية عن صاحبه فأمسكت، فاستدناها فتقاعست، فأمر بها فأقيمت حتى وقفت بين يديه، فأخبرته بشيء وأسرّته إليه، فدعا بحماره فركبه وانصرف، ثم التفت إلى إبراهيم فقال: ما ضرّك ألا تكون خليفة! وكادت نفسه تخرج حتى دعا به وأدناه بعد ذلك. قال: وكان الذي أخبرته به أنّ الصنعة في الصوت لأخته عليّة بنت المهديّ، وكانت الجارية لها وجّهت بها إلى إبراهيم يطارحها. «52» أ- وكان إبراهيم ممّن حظّ في الغناء ونال به درجة من الغنى علياء، وكسب به ما لم يدركه من تقدّمه ولا من تأخّر عنه. وكان المهديّ قد حبسه وعذّبه في الدخول على ابنيه: موسى وهارون، وحلّفه لمّا أطلقه بالطلاق والعتاق أن لا يدخل عليهما أبدا ولا يغنّيهما. فلما ولي موسى الهادي الخلافة استتر   [1] الأغاني: قوادحه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 إبراهيم منه، ولم يظهر له بسبب الأيمان التي أحلقه بها المهدي، فكان منزله يكبس وأهله يروّعون بطلبه حتى أصابوه، فمضوا به إلى موسى، فلما رآه قال: يا سيّدي، [فارقت] أمّ ولدي أعزّ الخلق عليّ، ثم غنّاه: [من الخفيف] يا ابن خير الملوك لا تتركنّي ... غرضا للعدوّ يرمي حيالي فلقد في هواك فارقت أهلي ... ثمّ عرّضت مهجتي للزّوال ولقد عفت في هواك حياتي ... وتغرّبت بين أهلي ومالي فقال إسحاق ابنه: فموّله والله الهادي وخوّله؛ وبحسبك أنّه أخذ منه في يوم واحد مائة وخمسين ألف دينار، ولو عاش لنا لبنينا حيطان دورنا بالذهب والفضّة. «52» ب- وقال حمّاد بن إسحاق بن إبراهيم: قال لي أبي: نظرت إلى ما صار إلى جدّك من الأموال والصّلات وثمن ما باعه من جواريه فوجدته أربعة وعشرين ألف ألف درهم سوى أرزاقه الجارية وهي عشرة آلاف درهم في كلّ شهر، وسوى غلّات ضياعه، وسوى الصلات النزرة التي لم يحفظها؛ ولا والله ما رأيت أكمل مروءة منه، كان له طعام معدّ في كلّ وقت. فقلت لأبي: كيف كان يمكنه ذلك؟ قال: كان له في كلّ يوم ثلاث شياه: واحدة مقطّعة في القدور، فإذا فرغت قطّعت الشاة المعلّقة ونصبت القدور، وذبحت الحيّة فعلّقت، وأتي بأخرى فجعلت وهي حيّة في المطبخ، وكانت وظيفته لطعامه وطيبه وما يتّخذ له في كلّ شهر ثلاثين ألف درهم سوى ما كان يجري وسوى كسوته. ولقد اتفق عندنا مرّة من الجواري الودائع لإخوانه ثمانون جارية ما منهن واحدة إلا ويجري عليها من الطعام والكسوة والطّيب مثل ما يجري لأخصّ جواريه، فإذا ردّت الواحدة منهن إلى مولاها وصلها وكساها. ومات وما في ملكه إلا ثلاثة آلاف دينار وعليه من الدّين سبعمائة دينار قضيت منها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 «53» - قال داود المكّي: كنّا في حلقة ابن جريج وهو يحدثنا وعنده جماعة فيهم عبد الله بن المبارك وعدّة من العراقين، إذ مرّ به ابن تيزن المغنّي [قال حماد: ويقال ابن بيرن] [1] وقد ائتزر بمئزر على صدره، وهي إزرة الشطّار عندنا، فدعاه ابن جريج فقال: أحبّ أن تسمعني، قال: إني مستعجل، فألحّ عليه، فقال: امرأته طالق إن غنّاك أكثر من ثلاثة أصوات، قال له: ويحك، ما أعجلك إلى اليمين، عليّ بالصوت الذي غنّاه ابن سريج في اليوم الثاني [2] من أيام منى على جمرة العقبة فقطع طريق الذاهب والجائي حتّى تكسّرت المحامل، فغنّاه: [من الكامل المرفّل] عوجي عليّ فسلّمي جبر ... ماذا الوقوف وأنتم سفر ما نلتقي إلا ثلاث منى ... حتّى يفرّق بيننا النّفر الحول بعد الحول يتبعه ... ما الدّهر إلا الحول والشّهر فقال له ابن جريج: أحسنت والله! ثلاث مرّات، ويحك أعده، قال: من الثلاثة، فأعاده فأقام، ومضى وقال: لولا مكان هؤلاء الثقلاء عندك لأطلت معك حتى تقضي وطرك. فالتفت ابن جريج إلى أصحابه فقال: لعلّكم أنكرتم ما فعلت؟ فقالوا: إنا لننكره عندنا بالعراق ونكرهه، قال: فما تقولون في الرّجز؟ يعني الحداء، قالوا: لا بأس به عندنا، قال: فما الفرق بينه وبين الغناء. «54» - روي أنّ إبراهيم الموصليّ غنّى الرشيد يوما في شعر هلال بن الأسعر   [1] زيادة من الأغاني. [2] الأغاني: الثالث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 المازني: [من البسيط] يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا ... زدت الفؤاد على علّاته وصبا فأعجب الرشيد وطرب، فقال له الموصليّ: يا أمير المؤمنين، فكيف لو سمعته من عبدك مخارق فإنّه أخذه عني وهو يفضل فيه الخلق جميعا ويفضلني؟ فأمر بإحضار مخارق فأحضر فقال له: غنّني: يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا فغنّاه إيّاه، فبكى وقال: سل حاجتك. قال مخارق: فقلت: يعتقني أمير المؤمنين من الرّقّ ويشرفني بولائه، أعتقك الله من النار. قال: فأنت حرّ لوجه الله، أعد الصّوت فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت: حاجتي يا أمير المؤمنين ضيعة تقيمني غلّتها فقال: قد أمرت لك بها، أعد الصّوت، فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت: يأمر لي أمير المؤمنين بمنزل وفرش وما يصلحه وخادم فيه، قال: ذلك لك، أعده، فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت: حاجتي يا أمير المؤمنين أن يطيل الله بقاءك ويديم عزّك، ويجعلني من كلّ سوء فداءك. فكان إبراهيم سبب عتقه بهذا الصّوت. وكان مخارق يقول: أنا عتيق هذا الصوت. «55» - كان عطرّد المغنّي من أهل الهيئة والمروءة، فقيها قارئا. وقصد آل سليمان بن عليّ بالبصرة فأقام معهم، وولي سلمة بن عبّاد القضاء بالبصرة، فقصد ابنه عبّاد عطرّدا، فأتى بابه ليلا فدقّ عليه الباب ومعه جماعة من أصحابه أصحاب القلانس، فخرج إليه عطرّد فلما رآه ومن معه فزع، فقال: لا ترع: [من الكامل المرفّل] إنّي قصدت إليك من أهلي ... في حاجة يأتي لها مثلي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 فقال: ما هي أصلحك الله؟ فقال: [من الكامل المرفّل] لا طالبا إليك سوى ... «حيّ الحمول بجانب العزل» فقال: انزلوا على بركة الله. فلم يزل يغنّيهم بهذا الصوت وغيره حتى أصبحوا. وهذا الشعر يقوله امرؤ القيس بن عابس الكنديّ، وهو: [من الكامل المرفّل] حيّ الحمول بجانب العزل ... إذ لا يلائم شكلها شكلي الله أنجح ما سألت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل إنّي بحبلك واصل حبلي ... وبريش نبلك رائش نبلي وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقا مثلي «56» - كان أحمد بن أبي دواد ينكر أمر الغناء إنكارا شديدا. وكان أبو دلف القاسم بن عيسى العجليّ رحمه الله صديقه، وهو من القوّاد الأكابر، ومحلّه من الشجاعة مشهور، وكان جيّد الغناء وله صنعة متقنة. فأعلمه المعتصم أنّه يغنّي فقال ابن أبي دواد: ما أراه مع عقله يفعل ذلك. فستر المعتصم أحمد بن أبي دواد في موضع، وأحضر أبا دلف وأمره أن يغنّي ففعل ذلك وأطال. ثم أخرج أحمد بن أبي دواد عليه من موضعه والكراهة ظاهرة في وجهه، فلما رآه أحمد قال: سوأة لهذا من فعل! أبعد السّنّ وهذا المحلّ تضع نفسك كما أرى! فخجل أبو دلف وتشوّر وقال: إنّهم أكرهوني على ذلك. قال: هبهم أكرهوك على الغناء، أفأكرهوك على الإحسان فيه والإصابة؟! «57» - قال معبد: أتيت جميلة يوما وكان لي موعد، ظننت أني قد سبقت الناس إليها، وإذا منزلها غاصّ، فسألتها أن تعلّمني شيئا، فقالت: إنّ غيرك قد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 سبقك، ولا يجمل تقديمك على من سواك. فقلت: جعلت فداك! إلى متى تفرغين ممّن سبقني؟ قالت: هو ذاك، الحقّ يسعك ويسعهم. فبينا نحن في ذاك إذ أقبل عبد الله بن جعفر- فإنّه لأوّل يوم رأيته وآخره وكنت صغيرا كيّسا، وكانت جميلة شديدة الفرح بي- فقامت وقام الناس فلقيته وقبّلت يديه، وجلس في صدر المجلس على كرسيّ لها، وتحوّق أصحابه حوله، وأشارت إلى من عندها بالانصراف فتفرّق الناس، وغمزتني ألا أبرح فأقمت، وقالت: يا سيّدي وسيّد آبائي ومواليّ، كيف نشطت أن تنقل قدميك إلى أمتك؟ قال: يا جميلة، قد علمت ما آليت أن لا تغنّي أحدا إلا في منزلك، وأحببت الاستماع، وكان ذلك طريقا مادّا فسيحا. قالت: جعلت فداءك! فأنا أصير إليك وأكفّر، فقال: لا أكلّفك ذلك، وبلغني أنك تغنّين بيتين لامرىء القيس تجيدين الغناء فيهما، وكان الله عزّ وجلّ أنقذ بهما جماعة من المسلمين من الموت. قالت: يا سيّدي نعم، فاندفعت فغنّت بعودها، فما سمعت منها قبل ذلك اليوم ولا بعده إلى أن ماتت مثل ذلك الصوت، ولا مثل ذلك الغناء، فسبّح عبد الله بن جعفر والقوم معه، وهما: [من الطويل] ولمّا رأت أنّ الشريعة همّها ... وأنّ البياض من فرائصها دامي تيمّمت العين التي عند ضارج ... يفيء عليها الظلّ عرمضها طامي فلما فرغت جميلة قالت: يا سيّدي أزيدك؟ قال: حسبي. فقال بعض من كان معه: أي جعلت فداك! وكيف أنقذ الله بهذين البيتين جماعة من المسلمين؟ قال: نعم، أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فضلّوا الطريق ووقعوا على غيرها، ومكثوا مليّا لا يقدرون على الماء، وجعل الرجل منهم يستذري بفيء السمر والطّلح، فأيسوا من الحياة، إذا أقبل رجل على بعير، فأنشد بعض القوم هذين البيتين، قال الراكب: من يقول هذا؟ قال: امرؤ القيس، قال: والله ما كذب، هذا ضارج عندكم، وأشار لهم إليه. فحبوا على الرّكب، فإذا ماء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 عدّ، وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه. فشربوا منه ربّهم وحملوا منه ما اكتفوا به حتى بلغوا الماء. فأتوا النبيّ صلّى الله عليه وسلم وأخبروه وقالوا: يا رسول الله، أحيانا الله عزّ وجلّ ببيتين من شعر امرىء القيس وأنشدوه الشّعر، فقال صلّى الله عليه وسلم: ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، منسيّ في الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعر إلى النار. 5» - لمّا قدم عثمان بن حيّان المرّي إلى المدينة واليا عليها، قال له قوم من وجوه الناس: إنّك قد وليت المدينة على كثرة من الفساد، فإن كنت تريد أن تصلح فطهّرها من الغناء والزّنا. فصاح في ذلك، وأجّل أهله ثلاثا يخرجون فيها من المدينة. وكان ابن أبي عتيق غائبا، وكان من أهل الفضل والعفاف والصلاح. فلما كان آخر ليلة من الأجل قدم، فقال: لا أدخل منزلي حتى أدخل على سلامة القسّ، فدخل عليها فقال: ما دخلت منزلي حتى جئتكم أسلّم عليكم، قالوا: ما أغفلك عن أمرنا! وأخبروه الخبر. فقال: اصبروا إلى الليلة التي آتيه، قالوا: نخاف أن لا يمكنك شيء، قال: إن خفتم شيئا، فاخرجوا في السّحر. ثم خرج، فاستأذن على عثمان بن حيّان، فأذن له، فسلّم عليه وذكر غيبته، وذكر أنه جاءه ليقضي حقّه، ثم جزاه خيرا على ما فعل من إخراج أهل الغناء والزنا، وقال: أرجو أن تكون عملت عملا هو خير لك من ذلك، فقال عثمان: قد فعلت ذلك وأشار به عليّ أصحابك. فقال: قد أصبت، ولكن ما تقول- أمتع الله بك- في امرأة هذه صناعتها، وكانت تكره على ذلك، ثم تركته وأقبلت على الصلاة والصيام والخير، وأنا رسولها إليك تقول: أتوجّه إليك وأعوذ بك أن تخرجني من جوار رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومسجده؛ قال: إنّي أدعها لك ولكلامك. قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس، ولكن تأتيك وتسمع كلامها وتنظر إليها، فإن رأيت أنّ مثلها ينبغي أن يترك تركتها، قال: نعم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 فجاءه بها وقال لها: احملي معك سبحة وتخشّعي، ففعلت. فلما دخلت على عثمان حدّثته، فإذا هي أعلم الناس بأمور الناس، فأعجب بها، وحدّثته عن آبائه وأمورهم، ففكه لذلك. فقال لها ابن أبي عتيق: إقرئي للأمير، فقرأت له، فقال لها: أحدي له، ففعلت، وكثر عجبه منها. فقال: كيف لو سمعتها في صناعتها؟ فلم يزل ينزله شيئا فشيئا حتى أمرها بالغناء، فقال لها ابن أبي عتيق: غنّي: [من الطويل] سددن خصاص الخيم لمّا دخلنه ... بكلّ لبان واضح وجبين فغنّته، فقام عثمان من مجلسه فقعد بين يديها ثم قال: لا والله، ما مثل هذه يخرج! قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس؛ يقولون: أقرّ سلامة وأخرج غيرها، قال: فدعوهم جميعا، فتركوهم جميعا، وأصبح الناس يقولون: كلّم ابن أبي عتيق الأمير في سلامة القسّ فتركوا جميعا. «59» - قال علّويه الأعسر المغنّي: أمرنا المأمون أن نباكر لنصطبح، فلقيني عبد الله بن إسماعيل المراكبيّ مولى عريب، فقال: يا أيّها الظالم المعتدي، ألا ترحم ولا ترقّ؟ عريب هائمة من الشّوق إليك، تدعو وتستحكم، وتحلم بك في نومها في كلّ ليلة ثلاث مرّات. قال علّويه: فقلت له: أمّ الخليفة زانية، ومضيت معه، فحين دخلت قلت: استوثق من الباب فأنا أعرف الناس بفضول الحجّاب، وإذا عريب على كرسيّ تطبخ ثلاث قدور من دجاج. فلمّا رأتني قامت فعانقتني وقبّلتني وقالت: أيّ شيء تشتهي؟ فقلت: قدرا من هذه القدور. فأفرغت قدرا بيني وبينها. فأكلنا، ودعت بالنبيذ فصبّت رطلا وشربت نصفه، فما زلت أشرب حتى كدت أسكر، ثم قالت: يا أبا الحسن، غنّيت البارحة في شعر لأبي العتاهية الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 فأعجبني، فتسمعه وأصلحه، فغنّت: [من الطويل] عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن صرت طوع يديه وإني لمشتاق إلى ظلّ صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه فصيّرناه مجلسنا، وقالت: قد بقي فيه شيء، فلم أزل أنا وهي حتى أصلحناه، ثم قالت: أحبّ أن تغنّي أنت أيضا فيه لحنا، ففعلت. وجعلنا نشرب على اللحنين مليّا، ثم جاء الحجّاب فكسروا الباب واستخرجوني. فدخلت إلى المأمون، فأقبلت أرقص من أقصى الإيوان، وأصفّق وأغنّي الصّوت، فسمع المأمون وندماؤه ما لم يعرفوه فاستظرفوه، فقال المأمون: يا علّويه، ادن وردّده، فردّدته عليه سبع مرّات، فقال لي في آخرها عند قولي: يروق ويصفو إن كدرت عليه يا علّويه، خذ الخلافة وأعطني هذه الصاحب. 60- قال المدائنيّ: اصطحب قوم في سفر ومعهم شيخ عليه أثر النّسك والعبادة، ومعهم مغنّ، وكانوا يشتهون أن يغنّيهم ويستحيون من الشيخ إلى أن بلغوا صخيرات [1] الثّمام، فقال المغنّي: أيها الشيخ، إنّ عليّ يمينا أن أنشد شعرا إذا انتهيت إلى هذا الموضع، وإني أهابك وأستحي منك، فإن رأيت أن تأذن لي في الإنشاد أو تتقدّم حتى أوفي بيميني ثم ألحق بك فافعل. قال: ما عليّ من إنشادك! أنشد ما بدا لك، فاندفع يغنّي: [من الطويل] وقالوا صخيرات الثّمام وقدّموا ... أوائلهم من آخر الليل في الثّقل فجعل الشيخ يبكي أحرّ بكاء وأشجاه، فقالوا: ما لك يا عمّ تبكي؟ فقال: لا جزيتم خيرا عنّي! هذا معكم طول الطريق وأنتم تبخلون عليّ أن أتفرّج به، ويقطع عني طريقي، وأتذكّر أيام شبابي! فقالوا: لا والله ما كان يمنعنا غير   [1] في الأصل «شجيرات» وفي البيت «صخيرات» وهو الصحيح كما في معجم البلدان لياقوت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 هيبتك، قال: فأنتم إذا معذورون. ثم أقبل عليهم فلم يزل يغنّيهم طول سفرهم حتى افترقوا. «61» - وقيل: حضر أبو السائب مجلسا فيه بصبص جارية ابن نفيس، فغنّت: [من المنسرح] قلبي حبيس عليك موقوف ... والعين عبرى والدّمع مذروف والنّفس في حسرة بغصّتها ... قد سفّ أرجاءها التساويف إن كنت بالحسن قد وصفت لنا ... فإنّني بالهوى لموصوف يا حسرتا حسرة أموت بها ... إن لم يكن لي لديك معروف قال: فطرب أبو السائب ونعر وقال: لا عرف الله قدر من لا يعرف لك معروفك!، ثم أخذ قناعها عن رأسها فوضعه على رأسه وجعل يلطم ويبكي ويقول لها: بأبي أنت وأمي! والله إني لأرجو أن تكوني عند الله أفضل من الشهداء لما تولينا من السرور، وجعل يصيح: وجعل يصيح: واغوثاه! يالله ما يلقى العاشقون! «62» - قال ابن أبي مليكة: كان بالمدينة رجل ناسك من أهل العلم والفقه، وكان يغشى عبد الله بن جعفر، فسمع جارية تغنّي: [من البسيط] بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا وكانت الجارية مغنّية لبعض النخّاسين، فاستهتر بها الناسك وهام، وترك ما كان عليه حتى مشى إليه عطاء وطاوس فلاماه، فكان جوابه لهما أن تمثّل قول الشاعر: [من البسيط] يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 وبلغ عبد الله بن جعفر خبره، فبعث إلى النخّاس، فاعترض الجارية وسمع غناءها بهذا الصوت، فقال لها: ممّن أخذته؟ قالت: من عزّة الميلاء، فابتاعها بأربعين ألف درهم، ثم بعث إلى الرجل، فسأله عن خبرها، فأعطاه إيّاه وصدقه عنه، فقال: أتحبّ أن تسمع هذا الصوت ممّن أخذته عنه تلك الجارية؟ قال: نعم، فدعا بعزّة الميلاء فقال: غنّيه إيّاه، فغنّته، فصعق الرجل مغشيّا عليه. فقال ابن جعفر: أثمنا فيه! الماء! فنضح على وجهه، فلما أفاق قال له: أكلّ هذا بلغ بك من عشقها؟ قال: وما خفي عنك أكثر؛ قال: أفتحبّ أن تسمعه منها؟ قال: قد رأيت ما نالني حين سمعته من غيرها وأنا لا أحبّها، فكيف يكون حالي إن سمعته منها وأنا لا أقدر على ملكها؟ قال: أفتعرفها إن رأيتها؟ قال: أو أعرف غيرها! فأمر بها فأخرجت، قال: خذها فهي لك، والله ما نظرت إليها إلا عن عرض. فقبّل الرجل يديه ورجليه وقال: أنمت عيني وأحييت نفسي، وتركتني أعيش بين قومي، ورددت إليّ عقلي. ودعا له دعاء كثيرا، فقال له: ما أرضى أن أعطيكها هكذا؛ يا غلام احمل معه مثل ثمنها لكيلا تهتمّ به ويهتمّ بها. «63» - قال إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ وقد حضره جماعة من جلسائه والأماثل والمغنّين. فلمّا جلسوا للشّرب جعل الغلمان يسقون من حضر، وجاءني غلام قبيح الوجه بقدح فيه نبيذ، فلم آخذه من يده، فرآني إسحاق فقال: لم لا تشرب؟ فقلت في الحال: [من البسيط] إصبح نديمك أقداحا يسلسلها ... من الشّمول وأتبعها بأقداح من كفّ ريم مليح الدّلّ ريقته ... بعد الهجوع كمسك أو كتفّاح لا أشرب الراح إلا من يدي رشأ ... تقبيل راحته أشهى من الراح قال: فضحك ثم قال: صدقت والله، ثم دعا بوصيفة تامّة الحسن في زيّ غلام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 عليها قباء ومنطقة، فقال لها: تولّي سقي أبي محمد. فما زالت تسقيني حتى سكرت، ثم أمر بتوجيهها وكلّ ما في داره إليّ فانصرفت بها. «64» - عاتب مسلمة بن عبد الملك أخاه يزيد وقال: يا أمير المؤمنين، ببابك وفود الناس ويقف به أشراف العرب، ولا تجلس لهم، وأنت قريب عهد بعمر ابن عبد العزيز، وقد أقبلت على هؤلاء الإماء! قال: إني لأرجو أن لا تعاتبني على هذا بعد اليوم. فلما خرج مسلمة من عنده استلقى على فراشه، وجاءت جاريته حبابة فلم يكلّمها، فقالت: ما دهاك عني؟ فأخبرها بما قال مسلمة وقال: تنحّي حتى أفرغ للناس. قالت: فأمتعني منك يوما واحدا ثم اصنع ما بدا لك؛ قال: نعم، فقالت لمعبد: كيف الحيلة؟ قال: يقول الأحوص أبياتا وتغنّي فيها؛ قالت: نعم. فقال الأحوص: [من الطويل] ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا إذا كنت عزهاة عن اللهو والصّبا ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا فما العيش إلا ما تحبّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا فغنّى فيه معبد وقال: مررت البارحة بدير نصارى وهم يقرؤن بصوت شجيّ فحكيته في هذا الصوت، فلمّا غنّته حبابة قال يزيد: لعن الله مسلمة! قد صدقت والله لا أطيعهم أبدا. «65» - قال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: أقام المأمون بعد قدومه بغداد عشرين شهرا لم يسمع حرفا من الأغاني؛ ثم قال: كان أوّل من تغنّى بحضرته أخوه أبو عيسى بن الرشيد، ثم واظب على السماع مستترا متشبّها بالرشيد في أوّل أمره. فأقام المأمون كذلك أربع حجج، ثم ظهر للندماء والمغنّين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 وكان حين أحبّ المأمون السماع سأل عني، فخرجت بحضرته وقال الطاعن عليّ: ما يقول أمير المؤمنين في رجل يتيه على الخلفاء؟ فقال: ما أبقى هذا من التّيه شيئا إلا استعمله. فأمسك عن ذكري، وجفاني من كان يصلني لسوء رأيه الذي ظهر فيّ فأضرّ ذلك بي، حتى جاءني علّويه يوما فقال لي: أتأذن لي في ذكرك، فإنا قد دعينا اليوم؟ فقلت: لا، ولكن غنّه بهذا الشّعر، فإنه يبعثه على أن يسألك: لمن هذا؟ فإذا سألك انفتح لك باب ما تريد، وكان الجواب أسهل عليك من الابتداء. فقال: هات، فألقيت عليه لحني في شعر عمر [1] : [من البسيط] يا سرحة الماء قد سدّت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود لحائم حام حتى لا حياة له ... محلّأ عن زلال الماء مطرود قال فمضى علّويه، فلما استقرّ به المجلس غنّاه بالشعر، فقال: ويلك يا علّويه! لمن هذا الشعر؟ قال: يا سيّدي، لعبد من عبيدك، جفوته واطّرحته من غير ذنب، فقال: إسحاق تعني؟ قال: نعم، قال: تحضره الساعة. فجاءني رسوله، فصرت إليه، فلما دخلت عليه قال: ادن، فدنوت منه فرفع يديه مادّهما، فأكببت عليه فاحتضنني بيديه، وأظهر من برّي وإكرامي ما لو أظهره صديق مؤانس لصديق لسرّه. «66» - أبو نواس: [من الوافر] جريت مع الصبّا طلق الجموح ... وهان عليّ مأثور القبيح جدت ألذّ عارية الليالي ... قران النّعم بالوتر الفصيح   [1] الأغاني: شعري وهو الصحيح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 ومسمعة إذا ما شئت غنّت ... (متى كان الخيام بذي طلوح) تمتّع من شباب ليس يبقى ... وصل بعرى الغبوق عرى الصبّوح وخذها من معتّقة كميت ... تنزّل درّة الرجل الشّحيح تخيّرها لكسرى رائداه ... لها حظّان من طعم وريح ألم ترني أبحت الراح عرضي ... وعض مراشف الظّبي المليح وأنّي عالم أن سوف تنأى ... مسافة بين جثماني وروحي «67» - وله: [من البسيط] لا أرحل الراح إلا أن يكون لها ... حاد بمنتخل الأشعار غرّيد فاستنطق العود قد طال السكوت به ... لا ينطق اللهو حتى ينطق العود 68- قال المأمون: الطعام لون واحد، فإذا استطبته فاشبع منه، والنّدمان واحد فإذا رضيته فلا تفارقه ما لم يفارقك الرضا به، والغناء صوت واحد، فإذا استطبته فاستزده حتى تقضي وطرك منه. «69» - قال أبو محمد التميمي: سألت الشريف أبا علي محمد بن أحمد بن موسى الهاشميّ عن السماع؟ فقال: لا أدري ما أقول فيه، غير أني حضرت دار شيخنا عبد العزيز بن الحارث التميمي رحمه الله تعالى سنة سبعين وثلاثمائة في دعوة عملها لأصحابه حضرها أبو بكر الأبهري شيخ المالكيين وأبو القاسم الداركي شيخ الشافعيين وأبو الحسن طاهر بن الحسين [1] شيخ أصحاب الحديث، وأبو الحسين بن سمعون شيخ الوعّاظ والزهّاد، وأبو عبد الله ابن مجاهد شيخ المتكلّمين وصاحب أبي بكر بن الباقلانيّ في دار شيخنا أبي الحسن التميمي شيخ   [1] نهاية الأرب: الحسن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 الحنابلة. قال أبو علي: لو سقط السّقف عليهم لم يبق للعراق من يفتي في حادثة يشبه واحدا منهم، ومعهم أبو عبد الله غلام [تام] ، وربما كان هذا يقرأ القرآن بصوت حسن وربّما قال شيئا، فقيل له: قل لنا شيئا، فقال وهم يسمعون: [من البسيط] خطّت أناملها في بطن قرطاس ... رسالة بعبير لا بأنقاس [1] أنظر فديتك لي من غير محتشم ... فإنّ حبّك لي قد شاع في الناس وكان قولي لمن أدّى رسالتها ... قف لي لأمشي على العينين والراس قال أبو علي: فبعد ما رأيت هذا لا يمكنني أن أفتي في هذه المسألة بشيء من حظر أو إباحة. «70» - ومن أكابر المغنّين ومقدّميهم يحيى بن مرزوق المكيّ مولى بني أمية. وكان يكتم ولاءه لخدمته خلفاء بني العباس، فإذا سئل عن ولائه انتهى إلى قريش. وعمّر مائة وعشرين سنة، ومات وهو صحيح العقل والسّمع والبصر، وقدم مع الحجازيين الذين قدموا على المهدي في أول خلافته، فخرج أكثرهم وبقي يحيى بالعراق. وولده يخدمون الخلفاء، وآخرهم أحمد بن يحيى كان يخدم المعتمد. وليحيى صنعة عجيبة نادرة. وله كتاب في «الأغاني» كبير جليل مشهور، إلا أنّه خلط في نسبه فاطّرح. وكان ابن جامع، وإبراهيم الموصليّ، وفليح بن [أبي] العوراء يفزعون إليه في الغناء القديم، فيأخذون عنه ويعايي بعضهم بعضا بما يأخذه منه، ويغرب به على أصحابه، فإذا خرجت الجوائز أخذها [2] .   [1] أنقاس: مداد. [2] الأغاني: أخذوا منها ووفروا نصيبه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 «71» - قال محمد بن أحمد بن يحيى المكّي: عمل جدّي كتابا في الأغاني وأهداه إلى عبد الله بن طاهر وهو يومئذ شابّ حديث السّنّ، فاستحسنه وسرّ به، ثم عرضه على إسحاق، فعرّفه عوارا كثيرا في نسبه لأنّ جدّي كان لا يصحّح لأحد نسبة صوت ألبتّة، وكان ينسب صنعته إلى المتقدّمين، وينحل بعضهم صنعة بعض ضنّا بذلك عن غيره، فسقط من عين عبد الله، وبقي في خزانته. ثم وقع إلى محمد بن عبد الله، فدعا بأبي- وكان إليه محسنا وعليه مفضلا- فعرضه عليه فقال له: إنّ في هذا النسب تخليطا كثيرا خلطه لضنّه بهذا الشأن على الناس، ولكن أعمل لك كتابا أصحّح هذا وغيره فيه. فعمل له كتابا فيه اثنا عشر ألف صوت وأهداه إليه، فوصله محمد بثلاثين ألف درهم، وصحّح له الكتاب الأوّل أيضا، فهو الذي في أيدي الناس. «72» - وكان إسحاق يقدّم يحيى المكيّ تقديما كثيرا ويفضّله ويناضل أباه وابن جامع فيه ويقول: ليس يخلو يحيى فيما يرويه من الغناء الذي لا يعرفه واحد منكم من أحد أمرين: إمّا أن يكون محقّا فيه كما يقول فقد علم ما جهلتم، أو يكون من صنعته وقد نحله المتقدّمين كما تقولون، فهو أوضح لتقدّمه عليكم. «73» - قال محمد بن الحسن الكاتب: كان يحيى يخلّط في نسب الغناء تخليطا كثيرا، ولا يزال يصنع الصّوت بعد الصوت، يتشبّه فيه بالغريض مرّة، وبمعبد أخرى، وبابن سريج وبابن محرز، ويجتهد في إحكامه وإتقانه حتى يشتبه على سامعه. فإذا حضر مجالس الخلفاء غنّى ما أحدث فيه من ذلك، فيأتي بأحسن صنعة وأتقنها، وليس أحد يعرفها، فيسأل عن ذلك، فيقول: أخذته عن فلان، وأخذه فلان عن يونس أو نظرائه من رواة الأوائل، فلا يشكّ في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 قوله، ولا يثبت لمباراته أحد، ولا يقوم لمعارضته ولا يفي بها، حتى نشأ إسحاق وضبط الغناء وأخذه من مظانّه ودوّنه، وكشف عوار يحيى في منحولاته وبيّنها للناس. «74» - قال أحمد بن سعيد المالكي- وكان مغنّيا منقطعا إلى طاهر وولده- وكان من القوّاد: حضرت يحيى المكيّ يوما وقد غنّى صوتا فسئل عنه، فقال: هذا لمالك، ثم غنّى لحنا لمالك، فسئل عنه فقال: هذا لي، فقال له إسحاق الموصليّ: قلت ماذا؟ فديتك! وتضاحك به. فسئل عن صانعه، فأخبر به وغنّى الصوت، فخجل يحيى، وأمسك عنه ثم غنّى بعد ساعة في الثقيل الأوّل، واللّحن له: [من الكامل المرفّل] إنّ الخليط أجدّ فاحتملا ... وأراد غيظك بالذي فعلا فسئل عنه، فنسبه إلى الغريض، فقال له إسحاق: يا أبا سليمان ليس هذا من نمط الغريض، ولا تفنّنه في الغناء، فلو شئت لأخذت ما لك، وتركت للغريض ما له، ولم تتعب، فاستحيى يحيى ولم ينتفع بنفسه بقيّة يومه. فلما انصرف بعث إلى إسحاق بلطائف كثيرة وبرّ واسع وكتب إليه يعاتبه ويستكفّ شرّه ويقول له: لست من أقرانك فتضادّ لي، ولا ممّن يتصدّى لمباغضتك ومباراتك فتكايدني، وأنت إلى أن أفيدك وأعطيك ما تعلم أنّك لا تجده إلا عندي فتسمو به على أكفائك أحوج منك إلى أن تباغضني فأعطي غيرك سلاحا إذا حمله عليك لم تقم له، وأنت وما تختاره. فعرف إسحاق صدق يحيى فكتب إليه يعتذر وردّ الألطاف التي حملها إليه، وحلف أن لا يعارضه بعدها، وشرط عليه الوفاء بما وعده به من الفوائد، فوفّى له بها، وأخذ منه كلّ ما أراد من غناء المتقدّمين. وكان إذا حزبه أمر في شيء منها فزع إليه فأعاده وعاونه ونصحه، وما عاود الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 إسحاق معارضته بعد ذلك، وحذره يحيى؛ فكان إذا سئل عن شيء بحضرته صدق فيه، وإذا غاب إسحاق خلّط فيما يسأل عنه. قال: وكان يحيى إذا صار إليه إسحاق يطلب شيئا أعطاه إيّاه، ثم يقول لابنه أحمد: تعال حتى تأخذ مع أبي محمد ما الله يعلم أني أبخل به عليك فضلا عن غيرك، فيأخذه أحمد مع إسحاق عن أبيه. «75» - وقال إسحاق يوما للرشيد قبل أن تصلح الحال بينه وبين يحيى المكّي: أتحبّ يا أمير المؤمنين أن أظهر لك كذب يحيى فيما ينسبه من الغناء؟ قال: نعم؛ قال: أعطني أيّ شعر شئت حتى أصنع فيه لحنا، وسلني بحضرته عن نسبه، فإني سأنسبه إلى رجل لا أصل له، وسل يحيى عنه إذا غنّيته، فإنه لا يمتنع من أن يدّعي معرفته. فأعطاه شعرا وصنع فيه لحنا وغنّاه الرشيد، ثم قال له: يسألني أمير المؤمنين عن نسبه بين يديه. فلمّا حضر يحيى غنّاه إسحاق، فسأله الرشيد: لمن هذا اللحن؟ فقال له إسحاق: لغناديس المدني، فقال له يحيى: نعم قد لقيته وأخذت عنه صوتين، ثم غنّى صوتا وقال: هذا أحدهما. فلما خرج يحيى حلف إسحاق بالطلاق ثلاثا وعتق جواريه أنّ الله تعالى ما خلق أحدا اسمه غناديس ولا سمع به في المغّنين ولا غيرهم، وأنه وضع ذلك الاسم في وقته ليكشف أمره. «76» - قال علي بن المارقيّ: قال لي إبراهيم بن المهديّ: ويلك يا مارقيّ! إنّ يحيى المكيّ غنّى البارحة بحضرة أمير المؤمنين صوتا فيه ذكر زينب، وقد كان النبيذ أخذ منّي، فأنسيت شعره، فاستعدته إيّاه فلم يعده، فاحتل لي عليه حتى تأخذه منه، ولك عليّ سبق. قال زرزور مولاه: فقال لي المارقيّ وأنا يومئذ غلام: إذهب إليه فقل له إني أسأله أن يكون اليوم عندي. فمضيت إليه فحيّيته، 4 التذكرة الحمدونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 فلما تغدّوا وضع النبيذ فقال له المارقيّ: إني سمعتك تغنّي صوتا فيه ذكر زينب، وأنا أحبّ أن آخذه منك، وكان يحيى يوفي هذا الشأن حقّه من الاستقصاء، فلا يخرج إلا بحذر، ولا يدع الطلب والمسألة، ولا يلقي صوتا إلا بعوض، فقال له يحيى: وأيّ شيء العوض إذا ألقيت عليك هذا الصوت؟ قال: ما تريد؟ قال: هذه الزّلّيّة الأرمنيّة، أما آن لك أن تملّها؟ قال: بلى، هي لك، قال: وهذه الطنافس الخرّميّة، أنا مكيّ لا أنت وأنا أولى بها منك، قال: هي لك، وأمر بحملها معه، فلما حصلت له قال له المارقيّ: يا غلام، هات العود، قال يحيى: والميزان والدراهم؛ وكان يحيى لا يغنّي أو يأخذ خمسين درهما، فأعطاه إيّاه، فألقى عليه: [من الطويل] بزينب ألمم قبل أن يظعن الرّكب فلم يشكّ المارقيّ في أنه قد أدرك حاجته، فبكّر إلى إبراهيم فقال له: قد جئت بالحاجة، فدعا بالعود فغنّاه إيّاه، فقال له: لا والله ما هو هذا، وقد خدعك، فعاود الاحتيال عليه. قال زرزور: فبعثني إليه وبعث معي خمسين درهما، فلما دخل عليه وأكلا وشربا قال له يحيى: قد واليت بين دعواتك ولم تكن برّا وصولا، فما هذا؟ قال: لا شيء والله إلا محبّتي للأخذ عنك والاقتباس منك. فقال له: برّك الله! تذكّرت الصوت الذي سألتك إيّاه فإذا هو غير الذي ألقيته عليّ، فقال: تريد ماذا؟ قال: تذكّر الصوت، فغنّاه: [من البسيط] ألمم بزينب إنّ البين قد أفدا فقال له: نعم فديتك يا أبا عثمان هذا هو فألقه عليّ، قال: العوض؛ قال: قل؛ قال: هذا المطرف الأسود، قال: هو لك، فأخذه وألقى عليه هذا الصوت حتى استوى له، وبكّر إلى إبراهيم فقال له: ما وراءك؟ قال: قد قضيت حاجتك، ودعا بالعود فغنّاه إيّاه، فقال: خدعك والله وليس هذا هو، فأعد الاحتيال عليه، وكلّ ما تعطيه إيّاه فألزمني به. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 فلما كان اليوم الثالث بعث إليه وفعل مثل فعله بالأمس، فقال له يحيى: ما لك أيضا؟ قال: يا أبا عثمان، ليس هذا هو الصوت الذي أردت، فقال له: لست أعلم ما في نفسك فاذكره وأنا عليّ أن أذكر ما فيه زينب من الغناء كما التمست حتى لا يبقى عندي زينب ألبتّة إلا أحضرتها، قال: هات على اسم الله تعالى. قال: اذكر العوض؛ قال: ما شئت، قال: هذه الدرّاعة الوشي التي عليك، فأخذها، قال: والخمسين الدرهم؟ فأحضرها وألقى عليه: [من الطويل] لزينب طيف تعتريني طوارقه ... هدوّا إذا النجم ارجحنّت لواحقه فأخذه منه ومضى إلى إبراهيم فصادفه يشرب مع الحرم، فقال له حاجبه: هو يتشاغل؛ فقال له: قل له قد جئتك بحاجتك؛ فقال: يدخل فيغنّيه في الدار وهو قائم، فإن كان هو، وإلا فليخرج. فدخل فغنّاه، فقال لا والله ما هذا هو، فعاود الاحتيال ففعل مثل ذلك، فقال له يحيى وهو يضحك: ما ظفرت بزينبك بعد؟ فقال: لا والله يا أبا عثمان، وما أشكّ بأنّك تتعمّدني بالمنع فيما أريده وقد أخذت كلّ شيء عندي مغابنة، فضحك يحيى ثم قال: قد استحييت منك الآن، وأنا أناصحك على شريطة، قال: نعم، قل الشريطة؛ قال: لا تلمني أن أغابنك، لأنّك أخذت في مغابنتي، والمطلوب إليه أقدر من الطالب، فلا تعاود أن تحتال عليّ، فإنّك لا تظفر منّي بما تريد، إنّما دسّك إبراهيم بن المهديّ عليّ ليأخذ صوتا غنّيته وسألني إعادته فمنعته بخلا عليه، لأنّه لا يلحقني منه خير ولا بركة، يريد أن يأخذ غنائي باطلا، وطمع بموضعك أن تأخذ الصوت بلا ثمن ولا حمد، لا والله إلا بأوفر الأثمان، وبعد اعترافك؛ وإلا فلا تطمع في الصوت فقال: أما إذا فطنت، فالأمر والله على ما قلت، فتغنّيه الآن بعينه على شرط وإن كان هو وإلا فعليك اعادته بعينه، ولو غنيتني في كلّ شيء تعرفه ولم أحتسب لك إلا به؛ قال: اشتره، فتساوما طويلا وماكسه المارقيّ حتى بلغ ألف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 درهم، فدفعها إليه فألقاه عليه. والصوت: [من الكامل] طرقتك زينب والمزار بعيد ... بمنى ونحن معرّسون هجود قال: وهو صوت كثير العمل، حلو النّغم، محكم الصنّعة، صحيح القسمة، حسن المقاطع. فأخذه وبكّر إلى إبراهيم بن المهديّ فقال له: قد أفقرني هذا الصوت وأغرى بي وبلاني بوجه يحيى المكيّ وشحذه وطلبه وشرهه. وحدّثه بالقصّة، فضحك إبراهيم وغنّاه إيّاه فقال: هذا وأبيك هو بعينه. فألقاه عليه حتى أخذه، وأخلف كلّ شيء أخذه منه يحيى وزاده خمسة آلاف درهم، وحمله على برذون أشهب فاره بسرجه ولجامه، فقال له: يا سيّدي، فغلامك زرزور المسكين قد تردّد إليه حتى ظلع، هب له شيئا. فأمر له بألف درهم. «77» - روي أن إسحاق الموصليّ لمّا صنع صوته: [من الخفيف المجزوء] قل لمن ظلّ عاتبا ... ونأى عنك جانبا اتّصل خبره بإبراهيم بن المهديّ فكتب إليه يسأله عنه، فكتب إليه شعره وبسيطه ومجراه واصبعه وتجزئته وأقسامه ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير أدواره وأوزانه، فغنّاه إبراهيم ثم قال إسحاق: ثم لقيني فغنّى فيه ففضلني بحسن صوته. 78- وقال هبة الله بن إبراهيم بن المهديّ: كان يخاطبنا من داره بدجلة في الجانب الشرقيّ ونحن بالجانب الغربيّ بأمره ونهيه، فنسمعه وبيننا عرض دجلة، وما أجهد نفسه. «78» أ- وقيل إن إبراهيم بن المهديّ غنّى عند الأمين وهو مشرف على حائر الوحش، فكانت الوحوش تصغي إليه وتمدّ أعناقها، ولا تزال تدنو حتى تضع رؤوسها على الدكان الذي كانوا عليه، فإذا سكت نفرت وبعدت، وكان الأمين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 يعجب بذلك ويعجّب أصحابه. «79» - حدّث أحمد بن يزيد عن أبيه قال: كنّا عند المنتصر فغنّاه بنان: [من السريع] يا ربّة المنزل بالبرك ... وربّة السلطان والملك تحرّجي بالله من قتلنا ... لسنا من الدّيلم والتّرك فضحكت، فقال: ممّ ضحكت؟ قلت: من شرف قائل هذا الشعر وشرف من عمل اللّحن فيه وشرف مستمعه، قال: وما ذاك؟ قلت: الشعر فيه للرشيد، والغناء لعليّة بنت المهدي، وأمير المؤمنين مستمعه، فأعجبه ذلك وما زال يستعيده. 79 أ- قال إسحاق الموصليّ: عملت في أيّام الرشيد لحنا في هذا الشّعر، وهو: [من البسيط] سقيا لأرض إذا ما شئت نبّهني ... بعد الهدوّ بها قرع النواقيس كأن سوسنها في كلّ شارفة ... على الميادين أذناب الطواويس فأعجبني، وعملت على أن أباكر به الرشيد، فلقيني في طريقي خادم لعليّة فقال: مولاتي تأمرك بدخول الدّهليز لنسمع من بعض جواريها غناء أخذته عن أبيك وشكّت فيه الآن، فدخلت معه إلى حجرة وقد أفردت لي كأنّها كانت معدّة، وقدّم لي طعام وشراب فنلت حاجتي منهما. ثم خرج إليّ خادم فقال: تقول لك مولاتي: أنا أعلم أنّك قد غدوت على أمير المؤمنين بصوت قد أعددته له محدث فأسمعنيه، ولك جائزة سنيّة تتعجّلها، ثم ما يأمر به لك أمير المؤمنين بين يديك، ولعلّه لا يأمر لك بشيء، أو لا يقع الصوت منه بحيث توخّيت، فيذهب سعيك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 باطلا. فاندفعت فغنّيت هذا الصوت، ولم تزل تستعيده مرارا، ثم قالت: اسمعه الآن منّي، فغنّته غناء ما خرق سمعي مثله، ثم قالت: كيف تراه؟ قلت: أرى والله ما لم أر مثله، ثم قالت: يا فلانة، أحضري ما عندك، فأحضرت عشرين ألفا وعشرين ثوبا، فقالت: هذا ثمنه، وأنا الآن داخلة إلى أمير المؤمنين، ولن أبدأه بغناء غيره، وأخبره أنه من صنعتي، وأعطي الله عهدا لئن نطقت بأنّ لك فيه صنعة لأقتلنّك، هذا إن نجوت منه إن علم بمصيرك إليّ. فخرجت من عندها، وو الله إني لأكره جائزتها أسفا على الصوت، فما جسرت والله بعد ذلك أن أتنغّم به في نفسي فضلا عن أن أظهره حتى ماتت. فدخلت على المأمون في أوّل مجلس جلسه للهو بعدها، فبدأت به في أوّل ما غنّيت، فتغيّر لون المأمون وقال: من أين لك هذا؟ قلت: ولي الأمان على الصّدق؟ قال: ذلك لك. فحدّثته الحديث، قال: يا بغيض! فما كان في هذا من النفاسة حتى شهرته وذكرت هذا منه مع الذي أخذت من العوض؟ فهجنتني والله منه هجنة وددت معها أني لم أذكره، فآليت أن لا أغنّيه بعدها أبدا. «80» - قالت عريب: أحسن يوم رأيته في الدنيا وأطيبه يوم اجتمعت فيه مع إبراهيم بن المهديّ عند أخته عليّة وعندهما يعقوب، وكان من أحذق الناس بالزّمر، فبدأت عليّه فغنّت من صنعتها، وأخوها يعقوب يزمر عليها: [من الطويل] تحبّب فإنّ الحبّ داعية الحبّ ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب تبصّر فإنّ حدّثت أن أخا الهوى ... نجا سالما فارج النجاة من الحبّ ذا لم يكن في الحبّ سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب وغنّى إبراهيم في صنعته وزمر عليه يعقوب: [من البسيط] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54 لم ينسنيك سرور لا ولا حزن ... وكيف لا كيف ينسى وجهك الحسن قالت: فما سمعت مثل ما سمعت منهما قطّ، وأعلم أني لا أسمع مثله أبدا. «81» - قال محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد: سمعت أبي جعفرا وأنا صغير يحدّث يحيى بن خالد جدّي في بعض ما كان يخبره به من خلواته مع هارون الرشيد قال: يا أبت، أخذ بيدي أمير المؤمنين وأقبل في حجر يخترقها حتى انتهى إلى حجرة مغلقة، ففتحها بيده ودخلنا جميعا، وأغلقها من داخل بيده، ثم صرنا إلى رواق ففتحه، وفي صدره مجلس مغلق، فقعد على باب المجلس، فنقر الباب بيده نقرات، فسمعنا حسّا، ثم أعاد النّقر ثانية فسمعنا صوت عود، ثم أعاد النّقر ثالثة، فغنّت جارية ما ظننت والله أن الله عزّ وجلّ خلق مثلها في حسن الغناء وجودة الضرّب. فقال لها أمير المؤمنين بعد أن غنّت أصواتا: غنّي صوتي، فغنّت: [من الكامل] ومخنّث شهد الزفاف وقبله ... غنّى الجواري [حاسرا] ومنقّبا لبس الدّلال وقام ينقر دفّه ... نقرا أقرّ به العيون فأطربا إنّ الجوار رأينه فعشقنه ... فشكون شدّة ما بهنّ فأكذبا [1] قال: فطربت والله طربا هممت والله أن أنطح برأسي الحائط، ثم قال: غنّي: طال تكذيبي وتصديقي فغنّت: [من المديد] طال تكذيبي وتصديقي ... لم أجد عهدا لمخلوق إنّ ناسا في الهوى غدروا ... ورأوا نقض المواثيق   [1] الأغاني: «النساء» بدلا من «الجوار» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 قال: فرقص الرشيد ورقصت معه، ثم قال: امض بنا فإني أخاف أن يبدو منّا ما هو أكثر من هذا. فلما صرنا إلى الدّهليز قال وهو قابض على يدي: هل عرفت هذه المرأة؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، قال: هذه عليّة بنت المهدي، والله لئن لفظت به بين يدي أحد وبلغني لأقتلنّك. قال: فسمعت جدّي يقول له: فقد والله لفظت به بين يدي أحد، وو الله ليقتلنّك! فاصنع ما أنت صانع. «82» - قال بعض البصريين: كنّا لمّة نجتمع ولا يفارق بعضنا بعضا. فكنّا على عدد أيام الجمعة كلّ يوم عند أحدنا، فضجرنا من المقام في المنازل، فقال بعضنا: لو عزمتم فخرجنا إلى بعض البساتين. فخرجنا إلى بستان قريب منّا، فبينا نحن فيه إذ سمعنا ضجة راعتنا، فقلت للبستانيّ: ما هذا؟ فقال: هؤلاء نسوة لهنّ قصّة، فقلت له أنا دون أصحابي: وما هي؟ قال: العيان أكبر من الخبر، فقم حتى أريك وحدك. فقلت لأصحابي: أقسمت عليكم ألا يبرح أحد منكم حتى أعود. فنهضت وحدي فصعدت إلى موضع أشرف عليهنّ وأراهنّ ولا يرينني؛ فرأيت نسوة أربعا أحسن ما يكون من النساء وأشكلهنّ، ومعهن خدّام لهنّ وأشياء قد أصلحت من طعام وشراب وآلة. فلما اطمأنّ بهنّ المجلس جاء الخادم لهنّ معه خمسة أجزاء، فدفع إلى كلّ واحدة منهن جزءا، ووضع الجزء الخامس بينهنّ. فقرأن أحسن قراءة، ثم أخذن الجزء الخامس فقرأت كلّ واحدة منهن ربع الجزء، ثم أخرجن صورة معهنّ في ثوب دبيقي، فبسطنها بينهنّ، فبكين عليها ودعون لها، ثم أخذن في النّوح، فقالت الأولى: [من الكامل المرفّل] خلس الزمان أعزّ مختلس ... ويد الزمان كثيرة الخلس لله هالكة فجعت بها ... ما كان أبعدها من الدّنس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 أتت البشارة والنعيّ معا ... يا قرب مأتمها من العرس ثم قالت الثانية: [من الكامل] ذهب الزمان بأنس نفسي عنوة ... وبقيت فردا ليس لي من مؤنس أودى بملك لو تفادى نفسها ... لفديتها ممّن أعزّ بأنفس ظلّت تكلّمني كلاما مطمعا ... لم أسترب منه بشيء مؤيس حتى إذ فتر اللسان وأصبحت ... للموت قد ذبلت ذبول النّرجس وتسهّلت منها محاسن وجهها ... وعلا الأنين تحثّه بتنفّس جعل الرجاء مطامعي يأسا كما ... قطع الرجاء صحيفة المتلمّس ثم قالت الثلاثة: [من المنسرح] جرت على عهدها الليالي ... وأحدثت بعدها أمور فاعتضت بالناس منك صبرا ... فاعتدل اليأس والسرور فلست أرجو ولست أخشى ... ما أحدثت بعدك الدهور فليبلغ الدهر في مساتي ... فما عسى جهده يضير ثم قالت الرابعة: [من البسيط] علق نفيس من الدنيا فجعت به ... أفضى إليه الردى في حومة القدر ويح المنايا أما تنفكّ أسهمها ... معلّقات بصدر القوس والوتر يبلى الجديدان والأيام بالية ... والدهر يبلى وتبلى جدّة الحجر ثم قمن فقلن بصوت واحد: [من الرجز المجزوء] كنّا من المساعده ... كمثل نفس واحده فمات نصف نفسي ... حتى ثوى في الرّمس فما بقائي بعده ... وشطر نفسي عنده الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57 فهل سمعتم قبلي ... فيمن مضى بمثلي عاش بنصف روح ... في بدن صحيح ثم تنحّين وقلن لبعض الخدم: كم عندك منهم؟ قال: أربعة، قلن: ائت بهم. فلم ألبث إلا قليلا حتى طلع بقفص فيه أربعة غربان مكتّفين، فوضع القفص بين أيديهنّ، ودعون بعيدانهنّ، فأخذت كلّ واحدة منهنّ عودا وغنّت الأولى: [من الطويل] لعمري لقد صاح الغراب ببينهم ... فأوجع قلبي بالحديث الذي يبدي فقلت له أفصحت لا طرت بعدها ... بريش فهل للقلب ويحك من ردّ ثم أخذن واحدا من الغربان فنتفن ريشه حتى تركنه كأن لم يكن عليه ريش قطّ، ثم ضربنه بقضبان معهنّ لا أدري ما هي حتى قتلنه، ثم غنّت الثانية: [من المتقارب] أعانك والليل ملقي الجران ... غراب ينوح على غصن بان أحصّ الجناح شديد الصياح ... يبكّي بعينين ما تهملان وفي نعبات الغراب اغتراب ... وفي البان بين بعيد التداني ثم أخذن الثاني فشددن في رجليه خيطين وباعدن بينهما ثم جعلن يقلن له: أتبكي بلا دمع، وتفرّق بين الأحباب والألاف، فمن أحقّ منكنّ بالقتل؟ ثم فعلن به مثل ما فعلن بصاحبه، ثم غنّت الثالثة [1] : [من الطويل] ألا يا غراب البين لونك شاحب ... وأنت بلوعات الفراق جدير فبيّن لنا ما قلت إذ أنت واقع ... وبيّن لنا ما قلت حين تطير فإن يك حقّا ما تقول فأصبحت ... همومك شتّى والجناح قصير   [1] البيتان الأول والثالث في ديوان جميل بثينة: 94. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 ولا زلت مطرودا عديما لناصر ... كما ليس لي من ظالميّ نصير ثم قالت له: أمّا الدعوة فقد استجيبت، ثم كسرت جناحيه وأمرت ففعل به مثل ذلك، ثم غنّت الرابعة [1] : [من الطويل] عشيّة ما لي حيلة غير أنّني ... بلقط الحصى والخطّ في الدار مولع أخطّ وأمحو كلّ ما قد خططته ... بدمعي والغربان في الدار وقّع ثم قالت لأخواتها: أيّ قتلة أقتله؟ فقلن لها: علّقيه برجليه وشدّي في رأسه شيئا ثقيلا حتى يموت. ففعلت به ذلك، ثم وضعن عيدانهنّ ودعون بالغداء، فأكلن ودعون بالشراب فشربن، وجعلن كلّما شربن قدحا شربن للصورة مثله، وأخذن عيدانهنّ يغنّين، فغنّت الأولى كأنّها تودّع [2] به: [من البسيط] أبكى فراقهم عيني وأرّقها ... إنّ المحبّ على الأحباب بكّاء ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتّى تفانوا وريب الدهر عدّاء ثم غنّت الثانية [3] : [من الطويل] أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما الذّعر ثم غنّت الثالثة: [من الطويل] سأبكي على ما فات منك صبابة ... وأندب أيام السّرور الذواهب أحين دنا من كنت أرجو دنوّه ... رمتني عيون الناس من كلّ جانب فأصبحت مرحوما وكنت محسّدا ... فصبرا على مكروه مرّ العواقب   [1] هذان البيتان لذي الرمة في ديوانه: 720- 721. [2] مصارع العشاق: توقع. [3] البيتان لأبي صخر الهذلي. انظر الأغاني 5: 170 وشرح ديوان الهذليين 2: 957. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 ثم غنّت الرابعة: [من الطويل] سأفني بك الأيام حتى يسرّني ... بك الدهر أو تفنى حياتي مع الدّهر عزاء وصبرا أسعداني على الهوى ... وأحمد ما جرّبت عاقبة الصّبر ثم أخذت الصورة فعانقتها وبكت، وبكين ثم شكون إليها جميع ما كنّ فيه، ثم أمرن بالصورة فطويت، ففرقت أن يتفرّقن قبل أن أكلّمهن، فرفعت رأسي إليهنّ، فقلت: لقد ظلمتنّ الغربان! فقالت إحداهنّ: لو قضيت حقّ السلام، وجعلته سببا للكلام، لأخبرناك بقصّة الغربان. قال قلت: إنّما أخبرتكنّ بالحقّ، قلن: وما الحقّ في هذا؟ وكيف ظلمناهنّ؟ قلت: إن الشاعر يقول: [من الكامل] نعب الغراب برؤية الأحباب ... فلذاك صرت أحبّ كلّ غراب قالت: صحّفت وأحلت المعنى؛ إنّما قال: [نعب الغراب] بفرقة الأحباب ... فلذاك صرت عدوّ كلّ غراب فقلت لهنّ: بالذي خصّكنّ بهذه المحاسن، وبحقّ صاحبة الصورة لما أخبرتنني بخبركنّ. قلن: لولا أنّك أقسمت علينا بحقّ من يجب علينا حقّه لما أخبرناك: كنّا صواحب مجتمعات على الألفة، لا تشرب واحدة منّا البارد دون صاحبتها، فاخترمت صاحبة الصورة من بيننا، فنحن نصنع في كلّ موضع نجتمع فيه مثل الذي رأيت، فأقسمنا أن نقتل في كلّ يوم نجتمع فيه ما وجدنا من الغربان لعلّة كانت. قلت: وما تلك العلّة؟ قلن: فرّقن بينها وبين آنس كان لها، ففارقت الحياة، وكانت تذمّهنّ عندنا وتأمر بقتلهنّ، فأقلّ ما لها عندنا أن نمتثل ما أمرت به، ولو كان فيك شيء من السواد لفعلنا بك فعلنا بالغربان، ثم نهضن. ورجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما رأيت ثم طلبتهنّ بعد ذلك فما وقعت لهنّ على خبر ولا رأيت لهنّ أثرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 نوادر من هذا الباب «83» - قالت قينة يوما لأبي العيناء: وأنت أيضا يا أعمى!؟ فقال لها: ما أستعين على وجهك بشيء أصلح من العمى. «84» - وقال له مغنّ يوما: هل تذكر سالف معاشرتنا؟ فقال: إذ تغنّينا ونحن نستعفيك؟ «85» - قال بعض أهل الحجاز: التقى قنديل الجصاص وأبو الجديد بشعب الصفراء، فقال قنديل، لأبي الجديد: من أين؟ وإلى أين؟ قال: مررت برقطاء الحبطيّة رائحة تترنّم برمل ابن سريج في شعر ابن عمارة السّلميّ: [من الطويل] سقى مأزمي نجد إلى بئر خالد ... فوادي نصاع فالقرون إلى عمد فزففت خلفها زفيف النعامة، فما انجلت غشاوتي إلا وأنا بالمشاش حسير، فأودعتها خافقي وخلّفته لديها، وأقبلت أهوي كالرّخمة بغير قلب. فقال له قنديل: ما دفع أحد من المزدلفة أسعد منك؛ سمعت شعر ابن عمارة، في غناء ابن سريج، من رقطاء الحبطيّة، لقد أوتيت جزءا من النبوّة! وكانت رقطاء هذه من أضرب الناس. فدخل رجل من أهل المدينة منزلها، فغنّته صوتا، فقال له بعض من حضر: هل رأيت وترا أطرب من وتر هذه؟! فطرب المدينيّ وقال عليه العهد إن لم يكن [وترها] من معى بشكست النحويّ، فكيف لا يكون فصيحا؟ وكان بشكست هذا نحويّا بالمدينة، وقيل من الشّراة الخارجين مع أبي حمزة الخارجيّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 «86» - قال ابن عائشة، قال أشعب: قد قلت لكم، ولكنه لا يغني حذر من قدر: زوّجوا ابن عائشة من ربيحة الشّمّاسية يخرج لكم بينهما مزامير داود، فلم تفعلوا. وجعل يبكي والناس يضحكون منه. 87- قال بعضهم: شهدت مجلسا فيه قينة تغنّي، فذهبت تتكلّف صيحة شديدة فانقطعت فصاحت من الخجل: اللصوص! فقال لها مخنّث كان في المجلس: والله يا زانية ما سرق من البيت شيء غير حلقك. 88- قيل لعبادة المخنّث: من يصرف على ابن أبي العلاء؟ قال: ضرسه. «89» - قال ابن الجصّاص يوما لمغنّية: [من الطويل] خليليّ قوما نصطبح بسماد [1] فقالت له: إذا عزمت على هذا فاصطبح وحدك. 90- قال الجمّاز قلت لمغنّ: غنّ، فقال: هذا أمر، قلت: فأحبّ أن تفعل، قال: هذه حاجة، قلت له: لا تفعل، قال: هذه عربدة. 91- وروي أنّ مدنيّا كان يصلّي منذ طلعت الشّمس إلى أن قارب النهار ينتصف، ومن ورائه رجل يتغنّى، وهما في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإذا رجل من الشّرط قد قبض على الرجل فقال: أترفع عقيرتك بالغناء في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم! فأخذه، فانفتل المدينيّ من صلاته فلم يزل يطلبه حتى استنقذه، ثم أقبل عليه فقال: أتدري لم شفعت فيك؟ فقال: لا، ولكني إخالك رحمتني. قال: إذن فلا رحمني الله، قال: فأحسبك عرفت قرابة بيننا. قال: إذن قطعها   [1] البيت: خليلي قوما نصطبح بسواد ... ونرو قلوبا هائمين صوادي وهو لاسحاق الموصلي، انظر الأغاني 20: 283. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 الله. قال: فليد تقدّمت منّي إليك، قال: لا والله ولا عرفتك قبلها. قال: فخبّرني، قال: لأني سمعتك غنّيت آنفا فأقمت واوات معبد، أما والله لو أسأت التأدية لكنت أحد الأعوان عليك. «92» - رأى ابن أبي عتيق حلق ابن عائشة مخدّشا فقال: من فعل هذا بك؟ قال: فلان. فمضى فنزع ثيابه وجلس للرجل على بابه، فلما خرج أخذ بتلبيبه وجعل يضربه ضربا شديدا والرجل يقول: ما لك تضربني! أيّ شيء صنعت! وهو لا يجيبه حتى بلغ منه ثم خلاه، وأقبل على من حضر فقال: هذا أراد أن يكسر مزامير آل داود؛ شدّ على ابن عائشة فخنقه وخدش حلقه. «93» - قيل: خرج ابن عائشة من عند الوليد بن يزيد وقد غنّاه في شعر النابغة: [من الوافر] أبعدك معقلا أبغي وحصنا ... قد اعيتني المعاقل والحصون فأطربه فأمر له بثلاثين ألف درهم [وبمثل] كارة القصّار ثيابا. فبينا ابن عائشة يسير إذ نظر إليه رجل من أهل وادي القرى كان يشتهي الغناء ويشرب النّبيذ، فدنا من غلامه وقال: من هذا الراكب؟ قال: ابن عائشة المغنّي، فدنا منه فقال: جعلت فداءك، أنت ابن عائشة أمّ المؤمنين؟ قال: لا أنا مولى لقريش وعائشة أمّي، وحسبك هذا ولا عليك أن تكثر. قال: وما هذا الذي أراه بين يديك من المال والكسوة؟ قال: غنّيت أمير المؤمنين صوتا فأطربته فكفر وترك الصلاة وأمر لي بهذا المال وبهذه الكسوة. فقال: جعلت فداك! فهل تمنّ عليّ بأن تسمعني ما أسمعته إيّاه؟ فقال: ويلك! أمثلي يكلّم بهذا في الطريق! قال: فما أصنع؟ قال: الحقني بالباب. وحرّك ابن عائشة ببغلة سفواء كانت تحته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 لينقطع عنه، فعدا معه حتى وافيا الباب كفرسي رهان، ودخل ابن عائشة فمكث طويلا طمعا في أن يضجر فينصرف، فلم يفعل حتى أعياه، فقال لغلامه: أدخله، فقال له: ويحك! من أين صبّك الله عليّ! قال: أنا رجل من أهل وادي القرى أشتهي هذا الغناء. فقال له: هل لك فيما هو أنفع لك منه؟ قال: وما ذلك؟ قال: مائتا دينار، وعشرة أثواب تنصرف بها إلى أهلك. فقال له: جعلت فداك! والله إن لي لبنيّة ما في أذنيها- علم الله- حلقة من الورق فضلا عن الذهب، وإنّ لي زوجة ما عليها- شهد الله- قميص، ولو أعطيتني جميع ما أمر لك به أمير المؤمنين على هذه الخلّة والفقر اللّذين عرّفتكهما وأضعفت لي ذلك لكان الصوت أحبّ إليّ. وكان ابن عائشة من تيهه لا يغنّي إلا لخليفة أو ذي قدر جليل، فتعجّب ابن عائشة منه ورحمه، ودعا بالدواة وجعل يغنّي مرتجلا، فغنّاه الصوت فطرب له طربا شديدا وجعل يحرّك رأسه حتى ظنّ أنّ عنقه سينقصف، ثم خرج من عنده ولم يرزأه شيئا. وبلغ الخبر الوليد بن يزيد، فسأل ابن عائشة عنه فجعل يغيب عن الحديث، ثم جدّ به الوليد فصدقه عنه. فأمر بطلب الرجل، فطلب حتى أحضر ووصله صلة سنيّة وجعله في ندمائه وو كّله بالسّقي فلم يزل معه حتى قتل. «94» - غنّى علّويه يوما بحضرة إبراهيم الموصليّ: [من البسيط] عمّيت أمري على أهلي فنمّ به فقال: هذا الصوت معرق في العمى؛ الشعر لبشّار الأعمى، والغناء لأبي زكار الأعمى، وأوّل الصوت: عمّيت أمري. «95» - قال معبد: أرسل إليّ الوليد فأشخصت إليه، فبينا أنا ذات يوم في بعض حمّامات الشام إذ دخل عليّ رجل له هيبة ومعه غلمان، فاطّلى [واشتغل] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 به صاحب الحمّام عن سائر الناس، فقلت: والله لئن لم أطلع هذا على بعض ما عندي لأكوننّ بمزجر الكلب. فاستدبرته بحيث يراني ويسمع مني ثم ترنّمت، فالتفت إليّ وقال للغلمان: قدّموا إليه جميع ما ههنا. فصار جميع ما كان بين يديه عندي، ثم سألني أن أصير معه إلى منزله، فلم يدع شيئا من البرّ والإكرام إلا فعله. ثم وضع النبيذ، فجعلت لا آتي بحسن إلا خرجت إلى أحسن منه ولا يرتاح ولا يحفل لما يرى. فلما طال عليه أمري قال: يا غلام، شيخنا شيخنا، فأتي بشيخ فلما رآه هشّ إليه، فأخذ الشيخ العود ثم اندفع يغنّي: سلّور في القدر ويحي علوه ... جاء القطّ أكله ويحي علوه السّلور: السمك الجري بلغة أهل الشام. قال: فجعل صاحب المنزل يصفّق ويضرب برجله طربا وسرورا، ثم غنّاه: وترميني حبيبة بالدّراقن ... وتحسبني حبيبة لا أراها الدّراقن: الخوخ بلغة أهل الشام. قال: فكاد أن يخرج من جلده طربا. قال: وانسللت منهم فانصرفت ولم يعلم بي، فما رأيت مثل ذلك اليوم قطّ غناء أضيع ولا شيخا أجهل! «96» - قال خالد بن كلثوم: كنت مع زبراء بالمدينة وهو وال عليها، وهو من بني هاشم أحد بني ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فأمر بأصحاب الملاهي فحبسوا وحبس منهم عطرّد وهو مولى بني عمرو بن عوف من الأنصار، وكان مع الغناء قارئا مقبول الشهادة. فحضر جماعة من أهل المدينة عنده فتشفّعوا لعطرّد وأنّه من أهل الهيئة والمروءة والدّين، فدعا به وخلّى سبيله، وخرج وإذا هو بالمغنّين قد أخرجوا ليعرضوا، فعاد إليه عطرّد فقال: أصلح الله الأمير، أعلى الغناء حبست هؤلاء؟ قال: نعم، قال: فلا تظلمهم، فو الله ما أحسنوا منه شيئا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65 قطّ! فضحك وخلّى عنهم. «97» - قال أشعب: دعي بالمغنّين للوليد بن يزيد، وكنت نازلا معهم فقلت للرسول: خذني فيهم، قال: لم أومر بذلك، إنّما أمرت بإحضار المغنّين وأنت بطّال لا تدخل في جملتهم. فقلت له: أنا والله أحسن غناء منهم، ثم اندفعت فغنّيت، فقال: لقد سمعت حسنا ولكني أخاف. قلت: لا خوف عليك، ولك مع هذا شرط، قال: وما هو؟ قلت: كلّ ما أصيبه فلك شطره. فقال للجماعة: اشهدوا لي عليه، فشهدوا ومضينا فدخلنا على الوليد وهو لقس النّفس، فغنّاه المغنّون في كلّ فنّ من ثقيل وخفيف، فلم يتحرّك ولا نشط، فقام الأبجر المغنّي إلى الخلاء وكان خبيثا داهيا، فسأل الخادم عن خبره ولأي شيء هو خاثر، فقال له: بينه وبين امرأته شر لأنّه عشق أختها، فغضبت عليه وهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها، وحلف أن لا يذكرها أبدا بمراسلة ولا مخاطبة وخرج على هذه الحال من عندها. وعاد الأبجر وجلس فما استقرّ به المجلس حتى اندفع يغنّي: [من الطويل] فبيني فإني لا أبالي وأيقني ... أصعّد باقي حبّكم أم تصوّبا ألم تعلمي أني عزوف عن الهوى ... إذا صاحبي من غير شيء تغضّبا فطرب الوليد وارتاح وقال: أصبت والله يا عبيد ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم، وشرب حتى سكر، ولم يحظ أحد بشيء سوى الأبجر. قال أشعب: فلما أيقنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تأمر من يضربني مائة سوط بحضرتك الساعة! فضحك ثم قال: قبّحك الله! وما السبب في ذلك؟ فأخبرته بقصّتي مع الرسول وقلت له: إنّه بدأني من المكروه أول يومه ما اتّصل إلى آخره، فأريد أن أضرب مائة سوط ويضرب بعدي مثلها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66 فقال: لطفت، بل أعطوه مائة دينار وأعطوا الرسول خمسين دينارا من مالنا عوضا عن الخمسين التي أراد أن يأخذها من أشعب. فقبضتها وقمنا، وما حظي بشيء غيري وغير الأبجر. «98» - قال يزيد بن عبد الملك لحبابة: هل رأيت قطّ أطرب منّي؟ قالت: نعم، مولاي الذي باعني. فغاظه ذلك، فكتب في حمله مقيّدا، فلما عرف خبر وصوله أمر بإدخاله إليه، فأدخل يرسف في قيوده، فأمرها أن تغنّي، فغنّت: [من المتقارب] تشطّ غدا دار جيراننا ... وللدّار بعد غد أبعد فوثب حتى ألقى نفسه على الشمعة فأحرق لحيته وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزّنا، فضحك يزيد وقال: لعمري إن هذا مما يطرب الناس، وأمر بحلّ قيوده، ووصله بألف دينار، ووصلته حبابة، وردّه إلى المدينة. «99» - قال محمد بن إبراهيم: كنت عند مخارق أنا وهارون بن أحمد بن هشام، فلعب مع هارون [بالنّرد] فقمره مخارق مائتي رطل باقلا طريّا. فقال مخارق: وأنتم عندي أطعمكم من لحم جزور من الصناعة- من صناعة أبيه- يحيى بن فارس الجزّار. قال: ومرّ بهارون بن أحمد فصيل ينادى عليه، فاشتراه بأربعة دنانير ووجّه إلى مخارق وقال: يكون ما تطعمنا من هذا الفصيل. فاجتمعنا وطبخ مخارق بيده جزوريّة، وعمل من سنامه وكبده ولحمه ضفائر شويت في التنور، وعمل من لحمه لونا يشبه الهريسة بشعير مقشّر في نهاية الطيب. فأكلنا وجلسنا نشرب، فإذا نحن بامرأة تصيح من الشّطّ: يا أبا المهنّا، الله الله فيّ! حلف زوجي بالطلاق أن يسمع غناءك ويشرب عليه. قال: فجيئي به، فجاء فجلس فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال له: يا سيّدي، كنت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 سمعت صوتا من صنعتك، فطربت عليه حتى استخفّني الطرب، فحلفت أن أسمعه منك ثقة بإيجابك حقّ زوجتي، وكانت زوجته داية هارون بن مخارق، فقال: وما هو الصوت؟ فقال: [من الكامل المرفّل] بكرت عليّ وهيّجت وجدا ... هوج الرّياح فأذكرت نجدا أتحنّ من شوق إذا ذكرت ... نجد وأنت تركتها عمدا والشعر لحسين بن مطير. فغنّاه إيّاه وسقاه رطلا وأمره بالانصراف ونهاه أن يعاود، وخرج فما لبث أن عادت المرأة تصرخ: الله الله يا أبا المهنّا! قد أعاد زوجي المشؤوم اليمين أنك تغنّيه صوتا آخر. فقال لها: أحضريه، وقال: ويلك! ما لي ولك؟ أيّ شيء قصّتك؟ فقال: يا سيّدي، أنا رجل طروب، وقد كنت سمعت صوتا لك آخر فاستفزّني الطرب إلى أن حلفت بالطلاق ثلاثا أنّي أسمعه منك. قال: وما هو؟ قال: لحنك في [1] : [من البسيط] أبلغ سلامة أنّ البين قد أفدا ... وأن صحبك عنها رائحون غدا هذا الفراق يقينا إن صبرت له ... أو لا فإنّك منها ميّت كمدا لا شكّ أنّ الذي بي سوف يهلكني ... إن كان لله حب بعدها أبدا [2] فغنّاه إيّاه مخارق وسقاه رطلا وقال له: احذر أن تعاود. وانصرف فلم يلبث أن عاودت [المرأة] الصّراخ تصرخ: يا سيّدي قد عاود اليمين ثالثة، الله الله فيّ وفي أولادي! قال: هاتيه، فأحضرته. فقال لها: انصرفي أنت، فإنّ هذا كلّما انصرف حلف وعاد، فدعيه يقيم يومه كلّه، فتركته وانصرفت، فقال له مخارق: ما قصّتك أيضا؟ قال: قد عرّفتك أني طروب، وكنت سمعت صوتا من صنعتك استخفّني الطرب له، فحلفت أني أسمعه منك، قال: وما هو؟ قال:   [1] قال أبو الفرج: الشعر للأحوص وينسب لعمر. انظر ديوان الأحوص ص 218 و 105 وديوان عمر بن أبي ربيعة: 98. [2] الأغاني: ان كان أهلك حب قبله أحدا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 [من الرمل المجزوء] ألف الظّبي بعادي ... ونفى الهمّ رقادي وعدا الهجر على الوص ... ل بأسياف حداد قل لمن زيّف ودّي ... لست أهلا لودادي قال: فغنّاه إيّاه وسقاه رطلا ثم قال: يا غلام، مقارع! فجيء بها فأمر به فبطح وأمر بضربه، فضرب خمسين مقرعة وهو يستغيث ولا يكلّمه، ثم قال له: احلف بالطلاق ثلاثا أنّك لا تذكرني أبدا، وإلا كان هذا دأبك إلى الليل. فحلف بالطلاق ثلاثا على ما أمره به، ثم أقيم فأخرج من الدار، وجعلنا نضحك بقيّة يومنا من حمقه. «100» - حجّ مخارق، فلما قضى الحجّ وعاد قال له رجل: بحقّي عليك غنّني صوتا، فغنّاه: [من الطويل] رحلنا فشرّقنا وراحوا فغرّبوا ... ففاضت لروعات الفراق عيون فرفع الرجل يده إلى السماء وقال: اللهم إني أشهدك أني قد وهبت حجّتي له. «101» - قال إبراهيم بن المهدي: مطرنا ونحن بالرّقّة مع الرشيد فاتّصل المطر من الفجر إلى غد ذلك اليوم، وعرفنا خبر الرشيد وأنه مقيم عند أمّ ولده المسمّاة بسحر، فتشاغلنا في منازلنا. فلما كان من غد جاءنا رسول الرشيد فحضرنا جميعا، وأقبل يسأل كلّ واحد منا عن يومه الماضي وما صنع فيه فنخبره، إلى أن انتهى إلى جعفر بن يحيى، فسأله عن خبره، فقال له: كان عندي أبو زكار الأعمى وأبو صدقة، وكان أبو زكار كلّما غنّى صوتا لم يفرغ منه حتى يأخذه أبو صدقة، فإذا انتهى الدّور إليه أعاده، وحكى أبا زكار فيه وفي شمائله وحركاته، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 ويفطن أبو زكّار لذلك فيجنّ ويموت غيظا، ويشتم أبا صدقة كل شتم حتى ضجر وهو لا يجيبه ولا يدع العبث به، وأنا أضحك من ذلك إلى أن توسطنا الشرب وسئمنا من عبثه به، فقلت له: دع هذا عنك، وغنّ غناءك، فغنّى رملا ذكر أنّه من صنعته، فطربت له والله يا أمير المؤمنين طربا ما أذكر أني طربت مثله منذ حين وزمان، وهو: [من الخفيف] فتنتني بفاحم اللون جعد ... وبثغر كأنّه نظم درّ وبوجه كأنه طلعة البد ... ر وعين في طرفها نفث سحر فقلت له: أحسنت والله يا أبا صدقة! [فلم أسكت] من هذه الكلمة حتى قال لي: يا سيّدي، إني قد بنيت دارا أنفقت عليها خزينتي، وما أعددت لها فرشا، فافرشها لي نجّد الله لك في الجنة ألف قصر. فتغافلت عنه، وعاود الغناء، فتعمّدت أن قلت: أحسنت ليعاود مسألتي، وأتغافل عنه؛ فسألني وتغافلت، فقال: يا سيّدي، هذا التغافل متى حدث لك؟ سألتك بالله وبحقّ أبيك عليك إلا أجبتني عن كلامي ولو بشتم. فأقبلت عليه وقلت: أنت والله بغيض، اسكت يا بغيض واكفف عن هذه المسألة الملحفة. فوثب من بين يديّ، فقلت خرج لحاجة، فإذا هو قد نزع ثيابه وتجرّد منها خوفا من أن تبتلّ، ووقف تحت السماء ولا يواريه منها شيء والمطر يأخذه، ورفع رأسه وقال: يا ربّ، أنت تعلم أني مله ولست نائحا، وعبدك الذي قد رفعته وأحوجتني إلى خدمته يقول لي: أحسنت، ولا يقول لي: أسأت، وأنا منذ جلست أقول له بنيت ولا أقول هدمت، فيحلف بك جرأة عليك أني بغيض، فاحكم بيني وبينه يا سيّدي، فأنت خير الحاكمين. فأمرت به فنحّي بعد أن غلبني الضحك، واجتهدت أن يغنّي فامتنع، حتى حلفت له بحياتك أني أفرش له داره وخدعته فلم أسمّ له ما أفرشها فقال له الرشيد: طيّب والله! الآن ثمّ لنا به [اللهو] وهو ذا، ادعوه، فإذا رآك فسوف يتنجّزك الفرش لأنّك حلفت له بحياتي، فهو يقتضيك ذاك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 بحضرتي ليكون أوثق له، فقل له: أنا أفرشها بالبواري، وحاكمه إليّ. ثم دعي به فأحضر، فلما استقرّ في مجلسه قال لجعفر بن يحيى: الفرش الذي حلفت بحياة أمير المؤمنين أنك تفرش به داري تقدّم به. فقال له جعفر: اختر، إن شئت فرشتها لك بالبواري، وإن شئت بالبرديّ من الحصر. فصيّح واضطرب، فقال له الرشيد: وكيف كانت القصة؟ فأخبره، فقال له: أخطأت يا أبا صدقة إذ لم تسمّ [النوع] ولم تحدّد القيمة، فإذا فرشها بالبواري أو بما دون ذلك فقد وفّى بيمينه، وإنّما خدعك ولم تفطن أنت ولا توثّقت وضيّعت حقّك. فسكت وقال: نوفّر أيضا البرديّ والبواري عليه، أعزّه الله تعالى. وغنّى المغنّون حتى انتهى الدّور إليه فأخذ يغنّي غناء الملّاحين والبنّائين والسّقّائين وما جرى مجراه من الغناء، فقال له الرشيد: أيّ شيء هذا الغناء؟ ويلك! قال: من فرش داره بالبواري والبرديّ فهذا الغناء كثير منه، وكثير أيضا لمن هذه صلته. فضحك الرشيد وطرب وصفّق ثم أمر له بألف دينار من ماله وقال له: افرش دارك بهذه، فقال: [وحياتك] لا آخذها يا سيّدي أو تحكم لي على جعفر بما وعدني، وإلا متّ والله أسفا لفوت ما حصل في طمعي ووعدت به. فحكم له على جعفر بخمسمائة دينار فقبلها جعفر وأمر له بها. «102» - كان خليلان أديبا يعلم الصبيان الخطّ والقرآن، وكان مغنّيا مجيدا. فحدّث من حضره قال: كنت يوما عنده وهو يردّ على صبيّ يقرأ بين يديه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ (لقمان: 6) ثم يلتفت إلى صبيّة فيردّ عليها: [من السريع] عاد لهذا القلب بلباله ... إذ قرّبت للبين أجماله فضحكت ضحكا مفرطا لما فعله، فالتفت إليّ فقلت: ويلك ما لك! أتنكر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 ضحكي مما تفعل؟ والله ما سبقك إلى هذا أحد. ثم قلت: انظر أي شيء أخذت على الصبيّ من القرآن، وأيّ شيء تلقي على الصبية، وإني لأظنّك ممّن يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله. فقال: أرجو أن لا أكون كذلك إن شاء الله. 103- شهد رجل من قريش عند محمد بن سعد قاضي المدينة، فأقبل على المشهود له فقال: زدني شاهدا، فقال الشاهد: وحقّ القبر والمنبر لا أقوم حتى يعلم الناس أظالم أنا أم مظلوم، علام تردّ شهادتي!؟ قال: أخبرك: أرأيت يوم كنّا عند فلان فغنّتنا [ .... ] فقلت لها: أحسنت والله الذي لا إله إلا هو! والله يعلم أنّها لم تحسن ولم تجمل. فقال: أنشدك الله أيها القاضي، أقلت ذلك لها وهي تغنّي أم بعد ما سكتت؟ فقال: اللهمّ بعد ما سكتت، قال: فإنّما قلت ذلك لسكوتها حين سكتت لا لغنائها، قال: آلله، أجيزوا شهادته. 104- وقال إبراهيم الموصليّ: كان عندنا بالموصل مغنّ يغنّي بنصف درهم ويسكت بدرهم. 105- كتب علي بن نصر الكاتب إلى بعض إخوانه يصف دعوة رسالة فيها: فكان أوّل ما خوّلنيه الدخول إلى حمّامه، فلقيت من ضرّه وزمهريره ما حبّب إليّ النار وزفيرها، والجحيم وسعيرها، وثنّى إحسانه بخيش يلفح الوجوه، وأتى الغداء المأدوم بشجر الزقّوم، والماء المحدوم بريح السّموم، فأكلنا وقد أكلنا بين سنّور يسلب وزنبور يلسب، وبقّ يلدغ، وحرّ يدمغ، وأنا في أثناء ذلك أستعيذ من شرّته، وأفرق من ثورته، وأنعت كلّ بليّة أقاسيها، بصفة من المحاسن ليست فيها. ومضينا إلى مجلس قد غبّ ريحانه، وأكبّ دخانه، وتراكب ضبابه، وانصبّ ذبابه، وكدر نبيذه، وكثر وقيذه، وضاق مجاله، وعدمت أبقاله، ولفحت هواجره، ودارت دوائره، والأنفاس فيه محبوسة، والأرواح معه معكوسة، واللذات منه بعيدة، والحسرات فيه شديدة. وإنّا لكذلك في عظم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 البلاء، وتفاقم اللّأواء، حتى وافانا الداء العياء، والداهية الصمّاء، ذو ذقن أثطّ، ورأس أشمط، وفم أدرد، ولسان يرعد، وطنبور أتت عليه الدهور ولم يبق منه إلا الخيال، لو نقر لا نهال بريشة من نسر لقمان، أو عهد ثمود بن كنعان، فاندفع يغنّي لأبينا آدم عليه السلام: [من الوافر] تغيّرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح فرأيت أسمج منظر في أقبح مخبر، لا يشبهها نوبة الحمّى، ولا تشاكلها طلقة الحبلى، وقطّع وقد قطّع القلوب، وأمسك وقد أمسكت الأرزاق عن النّزول. قلت: من هذا الشيخ الشادي المتفنّن؟ قال: وجه البضاعة، وشيخ الصناعة، المعروف بغلام البنج. فما كان غير بعيد حتى برز شيخ كوسج، همّ أعرج، أخنى عليه الذي أخنى على لبد، فأقبل متبخترا، وسلّم متذمّرا، وأظهر أنّ فيه بقيّة حسنة يرغب في مثلها، وأنّه غرض لما يسام من بذلها، وألفيت صاحب الدار والديوان- أصلحه الله- قد استبشر بحضوره، وكاد يمنّ علينا بوروده، واندفع يغنّي: [من الطويل] سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولا لا أبا لك يسأم فقلت: ما هذا العجب التالي؟ والتغريد الثاني؟ فقال: هل بالشمس من خفاء؟ ودون البدر من ستر؟ هذا زعيم الكوارين، ومتقدّم داسة الطين، المعروف بقسمون البغداديّ. قلت: ليت قسمي من الدنيا بعده، وحظّي من الأيام فقده، إلا أنّ النّوبة كانت أخفّ وقعا، وأقرب لذعا. ثم تلاهما أدبر منهما وأنحس وأشأم جدا وأتعس؛ سقيم يعرف بغلام نسيم، فجلس وقد فارق النفس، وأخذ في شيء من رنينه، وضعف الآلة وتأبينه، معتذرا من تقبيحه بعد الإحسان، باذلا من قبحه الغناء بغاية الإمكان. فحملنا أمره، وبسطنا عذره، فكان ممّا غنّاه ما وافق سقمه وضناه: [من الرجز] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 إنّ الجديدين إذا ما استوليا ... على جديد أدنياه للبلى وقام وقد ثاوره الحمام، لا أقال الله له عثرة، ولا رحم منه شعرة، فرأيت التساكر أبلغ حيلة أعملها، وحبالة أنصبها، فبدأت في ضرب منه، وصديقنا- أصلحه الله- يقول: كدّرت علينا بعد صفوته، ورنّقته بعد رقّته، وهل ههنا محتشم، وهذا وقت يغتنم، وحتى متى يمكن تجاوز هذه الأغاني، وتجاوب هذه المثالث والمثاني، وأنا أغطّ غطيط البكر شدّ خناقه، حتى [أخذه] اليأس من فلاحي، وأجمع الناس على رواحي، فحملت وأعضائي لا تستقلّ بي، حتى إذا صرت قيد شبر من الباب، شددت شدّ الحيّة المنساب، فلم يدرك أثري، ولم يعلم إلى الآن خبري. 106- قال رجل لآخر: غنّني صوت كذا، وبعده صوت كذا، فقال: أراك لا تقترح صوتا إلا بوليّ عهد. «107» - ابن الراوندي: اختلف الناس في السماع، فأباحه قوم وحظره آخرون، وأنا أخالف الفريقين فأقول: إنّه واجب. «108» - كان لبعض الظرفاء جاريتان مغنّيتان، حاذفة ومتخلّفة، وكان يخرق [ثوبه] إذا غنّت الحاذقة، فإذا غنّت الأخرى قعد يخيطه. 109- قيل لمخنّث: أيّ الأصوات أحبّ إليك؟ قال: نشنشة القليّة، وقرقرة القنّينة، وحفحفة الخوان، وفشفشة التكّة. «110» - قال حكم الوادي: كنت أنا وجماعة نتعلّم من معبد، فغنّى لنا صوتا أعجب به، وكنت أنا أوّل من أخذه عنه في ذلك اليوم، فاستحسنه مني، فأعجبتني نفسي، فلما انصرفت عملت فيه من عند نفسي لحنا آخر، وبكّرت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 عليه فغنّيته ذلك اللّحن، فوجم ساعة ثم قال: كنت أمس أرجى مني لك اليوم، وأنت اليوم عندي أبعد من الفلاح. «111» - قال الرشيد لبرصوما الزامر: ما تقول في ابن جامع؟ فحرّك رأسه وقال: إن مات ذهب الغناء، فلا تفارقه فإنه كالخمر العتيق ينسف الرجلين نسفا. قال: فإبراهيم؟ قال: بستان فيه كمّثرى وخوخ وتفّاح وشوك، وخرنوب. قال: فسليم بن سلام؟ قال: ما أحسن خضابه! قال: فعمرو الغزّال؟ قال: ما أحسن شبابه! 112- قال: تزوّج مغنّ بنائحة فسمعها تقول: اللهمّ وسّع علينا في الرّزق، فقال: يا هذه، إنما الدنيا فرح وحزن، وقد أخذنا بطرفي ذلك؛ إن كان فرح دعوني، وإن كان حزن دعوك. يتلوه باب المؤاكلة والتطفّل وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 الباب السّادس والاربعون في المؤاكلة والنهم والتطفل وأخبار الأكلة والمآكل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 [ خطبة الباب ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله منزل الرزق من السماء، وجاعل كلّ شيء حيّ من الماء، الذي أحلّ الزينة لعباده والطيّبات، فكانت تكرمة خالصة للمؤمنين والمؤمنات، ونعى على محرّمها سوء فعله، وأباحناها تكرمة من فضله. أحمده على جزيل عطائه، وأستزيده من أنعمه وآلائه، وأسأله تيسير المطالب وتهيئتها، وحسن التجاوز عن الرّتعة في غرور النعمة وبلهنيتها. والصلاة على رسوله الذي رفض الدنيا وقد أوتي مفاتيح ذخائرها ومناعمها، وأعرض إعراض الآنف من زخارفها ومطاعمها، واختار أن يجوع يوما فيفوز بفضل الصّبر، ويشبع يوما [فيبلغ] درجة الشكر، وعلى آله وأصحابه الذين تمكّنوا من طيّبات الأرض فعافوها، وحيزت لهم كنوزها فتجافوها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 [ فصول الباب ] (الباب السادس والأربعون ما جاء في المؤاكلة والتطفّل) وهو ستّة فصول: - الفصل الأول: آداب الأكل والمؤاكلة- الفصل الثاني: الاقتصاد في المطاعم والعفّة عنها- الفصل الثالث: الجشع والنّهم وأخبار الأكلة- الفصل الرابع: التطفّل وأخبار الطفيليّين- الفصل الخامس: أوصاف الأطعمة وفنونها- الفصل السادس: نوادر من هذا الباب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 الفصل الأول آداب الأكل والمؤاكلة قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة: 172) . المعنى: كلوا من الطيّب دون الخبيث، كما لو قال: كلوا من الحلال لكان على معنى: دون الحرام، وهذا بيّن في كلّ ما له ضدّ. «113» - روي أنّ داود عليه السلام أمر مناديه فنادى: أيّها الناس، اجتمعوا لأعلّمكم التّقوى، فاجتمع الناس، فقام في محرابه فبكى، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس، لا تدخلوا ههنا إلا طيّبا ولا تخرجوا منه إلا طيّبا، وأشار إلى فيه. 114- قال تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة: 173) . فالميتة ما فارقته الروح بغير تذكية ممّا أبيح أكله بالتّذكية. ويخرج من هذا دوابّ البحر والجراد بالسّنّة. والدم هو الدم المسفوح دون دم الكبد والطّحال بدلالة قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ (الأنعام: 145) . والإهلال بالذبيحة: رفع الصوت بالتسمية، وكان المشركون يسمّون الأوثان، والمسلمون يسمّون الله عزّ وجلّ. وأصل الإهلال: الصوت، ومنه يقال: استهلّ الصبيّ إذا صاح حين تضعه أمّه، ومنه إهلال المحرم بالحجّ إذا لبّى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 فأوّل آداب الأكل معرفة الحلال من الحرام، والخبيث من الطيّب. وهذا نوع يطول إن أريد استقصاؤه، وهو بغير هذا الكلام أليق. فأما الأدب في هيئة المؤاكلة وأفعالها، فأنا ذاكر منها ما يحضرني. «115» - قال أبو هريرة: ما عاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم طعاما قطّ، إن اشتهاه [أكله] وإلا تركه. «116» - وقال صلّى الله عليه وسلم: لا تشمّوا الطعام كما تشمّه البهائم، من اشتهى شيئا فليأكل، ومن كره فليدع. «117» - قال أنس: قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشرة، ودخل [علينا دارنا] [1] فحلبنا له شاة فشرب وأبو بكر عن يساره وأعرابيّ عن يمينه، فقال عمر: أعط أبا بكر، فقال عليه الصلاة والسلام: لا، الأيمن فالأيمن. وفي معنى هذا الخبر قال الشاعر: [من الوافر] وكان الكاس مجراها اليمينا «118» - وفي حديث عكراش بن ذؤيب قال: أتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم بصدقات مرّة بن عبيد، فقدمت عليه إلى المدينة بإبل كأنّها عروق الأرطى، فأمر بها فوسمت بميسم الصدقة، ثم أخذ بيدي في نواحيها، فأكل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما بين يديه، وقبض على يدي بيده اليسرى ثم قال: يا عكراش، كل من موضع واحد، فإنّه طعام واحد. ثم أتينا بطبق فيه ألوان من رطب، فجعلت آكل من بين   [1] بياض في م والزيادة من صحيح مسلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 يديّ فقال: كل من حيث شئت، فإنّه غير لون واحد، ثم أتي بماء فغسل يديه ووجهه وذراعيه ببلل كفّيه وقال: هذا الوضوء ممّا غيّرت النار. «119» - وعن أنس أنّه رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلم شرب جرعة ثم قطع، ثم سمّى ثمّ شرب جرعة ثم قطع، ثم سمّى ثم شرب جرعة ثم قطع ثم سمّى ثم قطع الثالثة ثم جرع مصّا حتى فرغ، فلما فرغ حمد الله. «120» - وقد ندب إلى غسل اليد قبل الأكل فإنّه ينفي الفقر، وبعده ينفي اللّمم. ومن السّنّة البداية باسم الله وحمده سبحانه عند الانتهاء. «121» - وقال عمر بن أبي سلمة: [مررت] بالنبيّ صلّى الله عليه وسلم وهو يأكل فقال: اجلس يا بنيّ وسمّ الله، وكل بيمينك ممّا يليك. 121 أ- قال بعض السلف: إذا جمع الطعام أربعا فقد كمل كلّ شيء من شأنه: إذا كان حلالا، وذكر اسم الله عليه، وكثرت عليه الأيدي، وحمد الله حين يفرغ منه. «122» - وفي حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلم: من قال عند مطعمه ومشربه باسم الله خير الأسماء، ربّ الأرض والسماء، لم يضرّه ما أكل وما شرب. «123» - وفي حديث عائشة عنه صلّى الله عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي في أوّله فليقل: بسم الله في أوّله وآخره. «124» - قال صلّى الله عليه وسلم: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 بيمينه فإنّ الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» . وحملوا هذا الكلام على وجهين: أحدهما التشبّه بالشياطين، والآخر أن تكون الهاء ضميرا للآكل الشارب، يريد أنّ الشيطان يشركه في طعامه وشرابه إذا تناولهما بشماله. «125» - قال الجارود بن أبي سبرة: قال لي بلال بن أبي بردة: أتحضر طعام هذا الشّيخ؟ يعني عبد الأعلى بن عامر بن كريز، قلت: إيها، قال: فحدّثني عنه، قلت: نأتيه فإن سكتنا أحسن [الحديث] [1] ، وإن حدّثنا أحسن الاستماع، فإذا حضر الغداء جاء قهرمانه فتمثّل بين يديه فقال: عندي بطّة كذا، ودجاجة كذا، ولون كذا، لكي [يحبس] كلّ امرىء نفسه لما تشتهي، فإذا وضع الخوان خوّى [2] تخوية الظليم فما له إلا موضع متّكئه، فيجدّ القوم ويهزلوا، حتى إذا رآهم قد فتروا أكل أكل الجائع لينشّطهم بأكله. 126- وروي أن الحسن بن عليّ عليهما السلام مرّ على مساكين وهم يأكلون كسرا لهم على كساء، فسلّم فقالوا: يا أبا عبد الله، الغداء، فنزل وأكل معهم وقرأ: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (النحل: 23) . ثم قال لهم: [قد أجبتكم] فأجيبوني. فانطلقوا، فلما أتى المنزل قال: يا رباب، أخرجي ما كنت تدّخرين. 127- قال العتبيّ: كان زياد يغدي ويعشّي إلا يوم الجمعة، فإنه كان يعشي ولا يغدّي، وكان لا يطعم طعاما إلا مع العامة، فأتاه يوما مولاه بشهدة فوضعها على المائدة، فأمسك لتؤتى العامة بمثلها، فلما أبطأ قال: ما هذه؟ قال: لم يكن عندنا ما يشبع العامة، فأمر بها فرفعت ثم لم تعد حتى   [1] عيون الأخبار: وكان سكّيتا، إن حدثنا أحسن الحديث. [2] خوّى الرجل: فرّج ما بين عضديه وجنبيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 وضعوا للعامة مثلها. «128» - وروي أنّ المسيح عليه السلام كان إذا دعا أصحابه قام عليهم، ثم قال: هكذا فاصنعوا بالفقراء. «129» - ووصف شاعر قوما فقال: [من الوافر] جلوس في مجالسهم رزان ... وإن ضيف ألمّ فهم وقوف «130» - قال سهل بن حصين: شهدت الحسن في وليمة، فطعم ثم قام فقال: مدّ الله لكم في العافية، وأوسع عليكم في الرزق، واستعملكم بالشّكر. «131» - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: تخلّلوا فإنه نظافة، والنظافة من الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة. «132» - وفي حديث عمر رضي الله عنه: عليكم بالخشبتين، يعني السّواك والخلال. 133- وقال أبو هريرة: السواك بعد الطعام [يزيل] وضر الطعام. «134» - كان بعضهم يقول لولده إذا رأى حرصه على الطعام: يا بنيّ، عوّد نفسك الأثرة ومجاهدة الشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ولا تخضم خضم البراذين. إن الله جعلك إنسانا فلا تجعل نفسك بهيمة. «135» - وقال بعض الكتّاب: تغدّيت مع المأمون فالتفت إليّ وقال: خلال قبيحة عند الجلوس على المائدة: كثرة مسح اليد، والانكباب على الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 الطعام، وكثرة أكل البقل. ومعنى ذمّه هذه الخلال الثلاث: أما كره مسح اليد فإنّما هو من تغمّرها بالطعام وكثرة التباسها به، وأمّا الانكباب فيدلّ على شدّة الحرص والشّره والنّهم، ومنه قول الشاعر يهجو طفيليّا: [من الطويل] لقد سترت منك الخوان عمامة ... دجوجية ظلماؤها ليس تقلع وأما البقل فإنّ الحاجة إلى البلغة منه، وفي الإكثار منه تشبّه بالبهائم لأنّه مرعى لها. 136- قال النبي صلّى الله عليه وسلم: إذا أتي أحدكم بطعام فليدع من حوله. 137- قال حكيم: ثلاث في مباكرة الغداء: تطيّب النكهة، وتطفىء المرّة، وتعين على المروءة. 138- ويروى أن رجلا دخل على الشعبيّ بكرة وبين يديه [ ... ] فقال: ما هذا يا أبا عمرو؟ قال: آخذ حلمي قبل أن أخرج. «139» - وفي حديث أبي حجيفة قال: أكلت ثريدا ولحما ثم جئت فجلست حيال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآله وصحبه، فجعلت أتجشّأ، فقال عليه السلام: أقصر من جشائك! فإنّ أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في الآخرة. قيل: فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى قبضه الله. «140» - وقيل لسمرة بن جندب: كاد ابنك يموت الليلة! قال: ولم؟ قال: بشم للطعام، قال: لو مات ما صلّيت عليه. «141» - وقال لقمان لابنه: يا بنيّ، لا تأكلنّ شبعا على شبع، فلأن تنبذه للكلب خير لك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 «142» - وقال عليه الصلاة والسلام: البطنة مفسدة للقلب. «143» - وقال أيضا: البطنة تذهب الفطنة. «144» - وكانت ملوك الأعاجم إذا رأت الرجل نهما شرها حريصا على المطعم أخرجوه من طبقة الجدّ إلى باب الهزل، ومن باب التعظيم إلى باب الاحتقار والتصغير، وكانوا يقولون: من شره بين يدي الملوك إلى الطعام، كان إلى أموال السّوقة والرعيّة أشدّ شرها. 145- وحكي أن رجلا من بني هاشم دخل على المنصور فاستجلسه، ودعا بغدائه وقال للفتى: ادنه، فقال: قد تغدّيت، فلما خرج استخفّ به الربيع [ ... ] [1] لما قفاه وقال: هذا كان يسلّم وينصرف، فلما استدناه أمير المؤمنين ودعاه إلى طعامه وتبذّل بين يديه، بلغ من جهله بفضيلة المنزلة أن قال: قد تغدّيت، وإذا ليس عنده لمن تغدّى مع أمير المؤمنين إلا سدّ خلّة الجوع. 146- وذكر أنّ عمرو بن العاص دخل على معاوية وهو يتغدّى، فقال: هلمّ يا عمرو، قال: هنيئا يا أمير المؤمنين، أكلت آنفا، فقال معاوية: أما علمت أنّ من شراهة المرء أن لا يدع في بطنه فضلا؟ قال: قد فعلت، قال: ويحك، فتركته لمن هو أوجب عليك حقّا من أمير المؤمنين! قال: لا ولكن لمن لا يعذر عذر أمير المؤمنين. قال: فلا أراك إلا قد ضيّعت حقّا لحقّ لعلّك لا تدركه، فقال عمرو: ما لقيت منك يا معاوية! ثم دنا فأكل. «147» - وفي حديث آخر أن عبد الملك بن مروان دعا رجلا إلى الغداء، فقال:   [1] فراغ في الأصل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 ليس بي هواء، فقال: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يكون فيه مستزاد! فقال: عندي مستزاد، وإنّما أكره أن أصير إلى ما استقبحه أمير المؤمنين. «148» - وفي حديث أسماء بنت زيد قالت: دخلنا على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فأتي بطعام، فعرض علينا، فقلنا: ما نشتهي، قال: لا تجمعن [جوعا] وكذبا. «149» - قيل: الأكل ثلاثة: مع الفقراء بالإيثار، ومع الإخوان بالانبساط، ومع أبناء الدنيا بالأدب. 150- حضر أبو الهذيل على مائدة المعتصم، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ الله لا يستحي من الحقّ؛ غلامي وحماري بالباب. فقال المعتصم لإيتاخ الحاجب: مر لحمار أبي الهذيل بعلف ولغلامه بطعام. فقال أحمد بن أبي دواد: ألا ترى يا أمير المؤمنين إلى متانة دين هذا الشيخ وتفقّده لما يلزمه؟ لم يمنعه جلالة مجلسك عمّا يجب لله عليه في حماره وغلامه، فجعل أحمد ما قدّره الناس محوجا إلى الاعتذار منه شهادة له بالفضل. 151- قال المأمون: ثنتان لا [تحسنان] على موائد الملوك: نكت المخّ، وكثرة أكل البقل. 152- حثّ رجل رجلا على الأكل من طعامه قال: عليك [تقريب] الطعام، وعلينا تأديب الأجسام. «153» - قيل لحكيم: أيّ الأوقات أحمد للأكل؟ قال: أمّا من قدر فإذا اشتهى، وأمّا من لم يقدر فإذا وجد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 الفصل الثاني الاقتصاد في المطاعم والعفّة عنها 154- قال الله عزّ وجلّ وقوله الصّدق وإذنه الحقّ: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف: 31) . «155» - وفي الحديث أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «من زاره أخوه المسلم فقرّب إليه ما تيسّر غفر له وجعل في طعامه البركة، ومن قرّب إليه ما تيسّر فاستحقر ذلك كان في مقت الله حتى يخرج» . «156» - وقالت عائشة: أولم النبيّ صلّى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدّين من شعير. «157» - وقال أنس: أولم النبيّ صلّى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق. «158» - وقيل كان عيسى بن مريم عليه السلام يقول: اعملوا ولا تعملوا لبطونكم. وإيّاكم وفضول الدنيا، فإنّ فضولها رجز. هذه طير السماء تغدو وتروح وليس معها من أرزاقها شيء، لا تحرثوا والله يرزقها. 159- قال السائب بن زيد: ربّما تعشّيت عند عمر بن الخطاب، فيأكل الخبز واللّحم، ثم يمسح يده على قدميه ويقول: هذا منديل عمر بن الخطّاب. «160» - وروي أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام كان يفطر ليلة عند الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد الله بن جعفر، لا يزيد على ليلتين أو ثلاث. قيل له: إنّما هي أيام قلائل، فقال: يأتي أمر الله وأنا خميص. فقتل من ليلته. «161» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّما أخشى عليكم شهوات بطونكم ومضلات الهوى» . وفي خبر آخر: «أخاف على أمتي بعدي ثلاثا: ضلالة الأهواء، واتباع الشهوات في البطون والفروج، والغفلة بعد المعرفة» . «162» - وقال صلّى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدميّ وعاء أنتن من البطن، بحسب المرء من طعمه ما أقام صلبه، أما إذا أبيت، فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث نفس» . «163» - وقال صلّى الله عليه وسلم: «من قلّ طعمه، صحّ بدنه، وصفا قلبه، ومن كثر طعمه، سقم جسمه، وقسا قلبه» . «164» - وقال ابن عباس: سمعت سلمان الفارسيّ- وأكره على طعام- قال: حسبي؛ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن أكثر الناس شبعا في الدنيا، أكثرهم [جوعا] [1] في الآخرة. يا سلمان، إنّما الدنيا جنّة الكافر، وسجن المؤمن» . 165- وكان صلّى الله عليه وسلم يقول: «استعيذوا بالله من نفس لا تشبع» . [165 أ- وقال صلّى الله عليه وسلم: «ما زيّن الله رجلا بزينة أفضل من عفاف بطنه» . «166» - قال حاتم: [من الطويل]   [1] في م شبعا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 أبيت خميص البطن مضطمر الحشا ... من الجوع أخشى الذّمّ أن أتضلّعا فإنّك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا «167» - وقال دريد بن الصّمّة في تأبين أخيه: [من الطويل] تراه خميص البطن والزاد حاضر ... عتيد، ويغدو في القميص المقدّد «168» - قدم هشام بن عبد الملك المدينة، فأراد سالم بن عبد الله بن عمر الدّخول عليه، فاستعار عمامة فاعتمّ بها، ودخل فسلّم عليه، فقال له هشام: يا أبا عمر، أرى عمامتك لا تشاكل الثياب! قال: أجل، لأنا استعرناها، قال: ما طعامك؟ قال: الخبز والزّيت، قال: أما تأجمهما؟ قال: إذا أجمتهما تركتهما حتى أشتهيهما. فخرج سالم وهشام يقول: ما رأيت منذ سبعين سنة أجود من كدنته! فحمّ سالم فقال: أما ترون! لقعني بعينه، فما خرج هشام من المدينة حتى صلّي على سالم. «169» - وقال قتيبة بن مسلم: أرسلني أبي إلى ضرار بن القعقاع بن معبد ابن زرارة، فقال قل له: قد كان في قومك دماء وجراح، وقد أحبّوا أن تحضر المسجد، فأتيته فقال: يا جارية، غدّيني، فجاءت بأرغفة خشن فثردتهن في مريس ثم برقتهن، فأكل، فجعل شأنه يصغر في عيني، ثم مسح يده وقال: الحمد لله، حنطة الأهواز، وتمر الفرات، وزيت الشام، ثم أخذ نعليه وارتدى، فانطلق معي إلى المسجد، فصلّى ركعتين ثم احتبى، فما رأته حلقة إلا تقوّضت إليه، فاجتمع الطالبون والمطلوبون فأكثروا الكلام، فقال: إلى ما صار أمرهم؟ قالوا: إلى كذا وكذا من الإبل، قال: هي عليّ، ثم قام. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 «170» - قال أبو عبيدة: لمّا أمر قيس بن زهير قومه أن يرجعوا إلى قومهم قال: لا تنظر في وجهي قيسيّة أبدا، ولحق بعمان، فمكث ستّة أيام لا يطعم طعاما ولا يسأل أحدا. فلما كان في الليلة الثامنة شبّت له نار فأتاها، فلما قرب منها إذا قوم على خبزة لهم، فأنف وكرّ راجعا، ثم أدركه أمر، فأقبل إليهم. ففعل ذلك مرارا يأبى له الأنف أن يسألهم، ثم هبط واديا قريبا من القوم، فأكل من نبت الأرض ثم أتى شجرة فأدم بأصلها حتى مات. «171» - قال أحمد بن عليّ الأنصاريّ: رأيت مجنونا ببغداد وهو على باب دار فيها صنيع، والناس يدخلون، وكنت ممّن دعي، فقلت: ألا تدخل فتأكل، فإنّ الطعام كثير؟ فقال: وإن كثر فإني ممنوع عنه. قلت: كيف والباب مفتوح ولا مانع من الدخول؟ قال: آكل طعاما لم أدع إليه؟! لقد اضطرني إلى ذلك غير الجوع، قلت: وما هو؟ قال: دناءة النّفس، وسوء الغريزة. «172» - قال الشاعر: [من الطويل] وإني لعفّ عن مطاعم جمّة ... إذا زيّن الفحشاء للنفس جوعها «173» - وقال آخر: [من الوافر] وأعرض عن مطاعم قد أراها ... فأتركها وفي بطني انطواء «174» - كان أبو تراب النّخشبيّ يقول: الفقير قوته ما وجد، ولباسه ما ستر، ومنزله حيث حلّ. «175» - وقال يحيى بن معاذ الرازيّ: الزهد ثلاثة أشياء: القلّة، والخلوة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 والجوع. وكان يقول: جوع التوابين تجربة، وجوع الزاهدين سياسة، وجوع الصدّيقين تكرمة. «176» - قال حاتم الأصمّ: ما من صباح إلا والشيطان يقول: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر. «177» - قال عامر بن قيس [1] يوما: أتاني الشيطان فقال لي: ما في يدك؟ فقلت: ما يكفيني اليوم، قال: فغدا؟ قلت: أموت، فخصمته. «178» - وقال الجنيد: مرّ بي الحارث بن أسد المحاسبيّ، فرأيت فيه أثر الجوع، فقلت: يا عمّ، تدخل الدار وتتناول شيئا؟ وقدّمت إليه طعاما حمل إليّ من عرس، فأخذ لقمة ونهض، فألقاها في الدهليز ومضى. فالتقيت به بعد أيّام فقلت له في ذلك، فقال: كنت جائعا، وأردت أن أسرّك بأكلي وأحفظ قلبك، ولكن بيني وبين الله علامة: أن لا يسوّغني طعاما فيه شبهة، فمن أين كان ذلك الطعام؟ فأخبرته، ثم قلت له: تدخل اليوم؟ قال: نعم. فقدّمت إليه كسرا كانت لنا، فأكل وقال: إذا قدّمت إلى فقير شيئا، فقدّم مثل هذا. 179- قال المنتجع بن نبهان: سألت بعض أهل اليمامة: كيف ضبطتم القرى؟ فقال: لا نتكلّف ما ليس عندنا. 180- وكان صفوان بن محرز يقول: إذا أتيت أهلي، فقرّبوا إليّ رغيفا فأكلته وشربت عليه من الماء، فعلى الدنيا العفاء. 181- ويقال: المروءة أن لا تدّخر ولا تعتذر. «182» - وروي أنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية وأصحابه يوم الحكمين:   [1] حلية الأولياء: ابن عبد قيس. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 أكثروا لهم الطعام؛ فإنّه والله ما بطن قوم إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطينا. فلما وجد معاوية ما قاله صحيحا، قال معاوية: إنّ البطنة تأفن الفطنة. تأفن: أي تنقص، ومنه رجل مأفون وأفين: أي ناقص العقل. 183- قال الحسن: لقد صحبت أقواما ما كان يأكل أحدهم إلا في ناحية بطنه، ما شبع رجل منهم من طعام حتى فارق الدنيا: كان يأكل، فإذا قارب شبعه، أمسك [ ... ] الفضل والله للمعاد. 18» - قيل لأعرابيّ: ما طعامك؟ قال: الخلّ والزيت، فقيل له: أتصبر عليهما؟ قال: ليتهما يصبران عليّ. «185» - قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإنّ القلوب تموت كالزّرع إذا كثر عليه الماء» . 186- وقال عيسى عليه السلام: يا بني إسرائيل، لا تكثروا الأكل، فإنّ من أكثر الأكل أكثر النّوم، ومن أكثر النوم أقلّ الصلاة، ومن أقلّ الصلاة كتب من الغافلين. 187- وقال الخليل: أثقل ساعاتي عليّ ساعة آكل فيها. 188- وقال الفضيل: أتخاف أن تجوع؟ لا تخف؛ أنت أهون على الله من ذاك، إنّما كان يجوّع محمّدا صلّى الله عليه وسلم وأصحابه. 189- وعنه: خصلتان تقسّيان القلب: كثرة الأكل، وكثرة الكلام. 190- دخل سفيان بن عيينة على الرشيد وهو يأكل بملعقة، فقال: حدّثت عن جدّك ابن عباس في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ (الاسراء: 70) ، قال: جعلنا لهم أيديا يأكلون بها. فكسر الملعقة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 «191» - دخل عمر رضي الله عنه على عاصم بن عمر وهو يأكل لحما، فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه، قال: ويحك، قرمت إلى شيء فأكلته! كفى بالمرء شرها أن يأكل كلّ ما يشتهي! 191 أ-[قال ابن دريد: العرب] [1] تعيّر بكثرة الأكل، وأنشد: [من الرجز] [لست] [2] بأكّال كأكل العبد ... ولا بنوّام كنوم الفهد «192» - بعض بني نهد: [من الطويل] إذا لم أزر إلا لآكل أكلة ... فلا رفعت كفّي إليّ طعامي فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام «193» - في الحديث: من داوم على اللحم أربعين يوما، قسا قلبه، ومن تركه أربعين يوما، ساء خلقه. 194- قال أنس: ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم رغيفا محوّرا حتى لقي الله. 195- وقال أيضا: أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشعا، ولبس خشنا: لبس الصوف، واحتذى المخصوف. 196- قيل للحسن: [ ... ] خبز الشعير ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم [ ... ] إلا بجرعة من ماء.   [1] فراغ في الأصل والتصويب عن نهاية الأرب. [2] فراغ في الأصل والتصويب عن نهاية الأرب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 «197» -[قال] عمر رضي الله عنه: ما اجتمع عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم أدمان إلا أكل أحدهما، وتصدّق بالآخر. «198» - وقال أبو سليمان الداراني: خير ما أكون، إذا لزق بطني بظهري؛ أجوع الجوعة، فأخرج فتزحمني المرأة فما ألتفت إليها، وأشبع الشّبعة، فأخرج فأرى عينيّ تطمحان. 199- وقال أيضا: من صدق في ترك الشهوة، كفي مؤنتها؛ الله أكرم من أن يعذّب قلبا بها وقد تركها له. 200- قيل لابن عمر: أنجعل لك جوارشا؟ قال: وما الجوارش؟ قيل: شيء تأكله يهضم طعامك، قال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وما ذلك أنّي لا أجد، وأنّي لا أجوع، ولكن شهدت أقواما كانوا يجوعون أكثر مما يشبعون. 201- سمرة بن جندب رفعه: من تعوّد كثرة الطعام والشراب، قسا قلبه. «202» - كان يقال: مدمن اللحم كمد من الخمر. «203» - وقال عمر رضي الله عنه: إيّاكم وهذه المجازر، فإنّ لها ضراوة الخمر. والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 الفصل الثالث في النهمة والجشع وأخبار الأكلة قد نسب ذلك إلى جماعة من الأكابر وذوي الهمم والأخطار آفة اعترضت فضائلهم، واتّباع للشّهوات قد استولى على عقولهم. روي أنّ معاوية بن أبي سفيان كان نهما جشعا بخيلا على الطعام. «204» - وروي أنّه قال لأعرابيّ يؤاكله: إرفع الشّعرة من لقمتك، فقال: وإنّك لتلحظ الشّعرة في لقمتي!؟ والله لا أكلت معك طعاما. «205» - وروي أنّه أصلح له عجل مشوي، فأكل معه دستا من الخبز السميد، وأربع فراني [1] ، وجديا حارّا، وجديا باردا سوى الألوان، ووضع بين يديه مائة رطل من الباقلاء الرّطب، فأتى عليه. «206» - وقيل إنه كان يأكل كلّ يوم أربع أكلات، آخرهنّ أشدّهنّ وأفضلهنّ، ثم يقول: يا غلام، إرفع، فو الله ما شبعت، ولكن مللت. وقد ذكرت عنه في ذلك أخبار مستهجنة، ألفيتها يخالفها المأثور من حلمه وهمّته. وإنّ امرءا سمت همّته إلى مناوأة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومغالبته على الخلافة مع تباعد استحقاقه منها، لبعيد أن يبخل على طعام، ويحامي دون أكله، ويبذل البذول لرفع الأيدي عنه كما رووا أنه كان يفعل.   [1] الفرنبة: خبزة تشوى ثم تروى سمنا ولبنا وسكرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 «207» - وكان عبيد الله بن زياد من الأكلة. كان يأكل في اليوم خمس أكلات آخرها جبنة بعسل، ويوضع بين يديه بعد ما يفرغ من الطعام عناق أو جدي فيأتي عليه وحده. «208» - ومنهم الحجّاج: قال [سلم بن] قتيبة: كنت في دار الحجّاج مع ولده وأنا غلام، فقالوا: قد جاء الأمير، فدخل الحجّاج، فأمر بتنّور فنصب، وقعد في الدار، وأمر رجلا يخبز خبز الماء؛ ودعا بسمك فجعلوا يأتونه بالسّمك فيأكله حتى أكل ثمانين جاما من سمك بثمانين رغيفا من خبز الماء. «209» - ومنهم سليمان بن عبد الملك، وهو أشهرهم بالجشع. روي أنّه شوي له أربعة وثمانون خروفا، فمدّ يده إلى كلّ واحد منها فأخذ شحم كليته [1] ، وأخذ معه نصف بطنه مع أربعة وثمانين رغيفا، ثم أذن للناس، وقدّم الطعام، فأكل أكل من لم يذق شيئا. «210» - وقال بعضهم: دخلت مطبخ سليمان، فوجدت فيه اثنتين وثمانين فخّارة فيها نواهض، قالوا: فأكلها أمير المؤمنين كلّها. «211» - وروي أنّه أكل عند يزيد بن المهلّب أربعين دجاجة كردناك سوى ما أكل من الطعام. «212» - وقال الشّمردل وكيل [آل] عمرو بن العاص: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز إليّ، فجاء حتى ألقى صدره على   [1] نهاية الأرب: أليته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 غصن، ثم قال: يا شمردل، أما عندك شيء تطعمني؟ قلت: عندي جدي كانت تغدو عليه حافل وتروح أخرى، قال: عجّل به، فأتيته به كأنّه عكّة سمن، فجعل يأكل وهو لا [يدعو عمر] حتى إذا أبقى منه فخذا قال: يا أبا حفص، هلمّ، قال: إني صائم، فأتى عليه، ثم قال: يا شمردل، ويلك أما عندك شيء؟ قلت: دجاجات ستّ كأنّهن رئلان النّعام. فأتيته بهنّ، فأتى عليهنّ، ثم قال: ويلك يا شمردل، أما عندك شيء؟ قلت: سويق كأنّه قراضة الذهب، فأتيته بعسّ يغيب فيه الرأس فجعل يشربه، فلما فرغ تجشّأ كأنه صارخ في جبّ، ثم قال: يا غلام، أفرغت من غدائنا؟ قال: نعم، قال: ما هو؟ قال: نيّف وثمانون قدرا، قال: فائتني بقدر قدر وبقناع عليه رقاق، فأكل من كلّ قدر ثلاث لقم، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، وأذن للناس، فوضعت الخون وقعد يأكل مع الناس. «213» - قال الأصمعيّ: حدّثت الرشيد أنّ سليمان بن عبد الملك كان يؤتى بالسّفود عليه دجاج سمين مشوي، فلا ينتظر أن ينزع من السّفّود، ولا يلتمس منديلا يؤتى به، فيأخذه بكمّه، فيأكل واحدة واحدة حتى يأتي عليه، فقال الرشيد: ويحك يا أصمعيّ، ما أعلمك بأخبار الناس! فإني اعترضت جباب سليمان، فوجدت فيها آثار الدّهن، فظننته طيبا حتى حدّثتني. وأمر لي بجبّة منها. «214» - ويحكى أنّ سبب موته أنّه أتي بقصعتين عظيمتين من بيض مصلوق وتين فكان [يجمع] بين بيضة وتينة حتى أتى عليها. «215» - وروي أنّ بلال بن أبي بردة ذبح تيسا ضخما وسلخه، وجعل يضع اللّحم على النار قطعة قطعة ويأكلها حتى لم يبق إلا العظام، ثم جاءت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 خبازته ببرمة عليها قصعة فيها ناهضان ودجاجتان وأرغفة، فأكل ذلك كلّه. «216» - وكان عمرو بن معدي كرب يأكل عنزا رباعية، وفرقا من ذرة. والفرق: ثلاثة أصوع. وروي أنه أكل ذلك، ثم أكل بعده كبشا مطبوخا. وأنّ امرأته طبخت له كبشا وجعلت توقد، ويأخذ عضوا عضوا فيأكله، فاطّلعت واذا ليس في القدر غير المرق. 217- وقيل لسيفويه القاصّ: من أفضل الشّهداء؟ قال: من مات من التّخمة، ودفن على الهيضة. «218» - قيل لسمرقنديّ: ما حدّ الشّبع؟ فقال: إذا جحظت عيناك، وبكم لسانك، وثقلت حركتك، وارجحنّ بدنك، وزال عقلك، فأنت في أوّل الشّبع. قيل: فإذا كان هذا أوّله، فما آخره؟ قال: أن تنشقّ نصفين. «219» - وسئل طفيليّ عن حدّه، فقال: أن يؤكل على أنّه آخر الزاد، فيؤتى على الدّقّ والجلّ. «220» - وسئل مدنيّ عن حدّه، فقال: أن يأكل حتى يدنو من الموت. «221» - وسئل آخر عنه، فقال: لا أعلم، إلا أنّ الجوع عذاب، والأكل رحمة. وإنّ الرحمة كلّما كثرت كان العبد إلى الله أقرب، والله عن العبد أرضى. «222» - وقال آخر: من احتمى فهو على يقين من المكروه، وشكّ من العافية. «223» - وقال نهم: عصعص عنز خير من قدر باقلاء. «224» - وقيل لآخر: لم تأكل بخمس أصابع؟ فقال: ولي أكثر منها!؟ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 «225» - وقال بعضهم: كنت أمرّ في أزقّة بغداد إذ صيح: الطريق، الطريق، فالتفتّ فإذا أنا برجل محمول، فقلت: ما أصابه؟ فقيل: أكل الهريسة، فأعجزته عن المشي والحركة، فنحن نحمله إلى منزله. «226» - وقال اليعفوريّ: [أشتهي] أن آكل من العنب الرازقيّ حتى ينشقّ بطني، فقيل له: أو تشبع، قال: هذا ما لا يكون. «227» - وقيل لآخر: كيف أكلك؟ قال: كما لا يحبّه البخيل. «228» - وقال بعضهم: أتاني رجل عشيّا، فطلب تمرا، فأمرت بإحضار شيء منه كثير جدّا، فابتدأ يأكل، ونمت، فلما أصبحت وخرجت فإذا هو يأكل، فقلت: باكرت التّمر؟ قال: لم أنم بعد، فديتك! أنا آكل منذ رأيتني. «229» - ومن المشهورين بالأكل هلال بن الأسعر المازني. قال المعتمر بن سليمان: قلت له: ما أكلة بلغتني عنك؟ قال: جعت مرّة ومعي بعير لي، فنحرته، وأكلته إلا ما حملت منه على ظهري، فلما كان الليل راودت أمة لي، فلم أصل إليها، فقالت: كيف تصل إليّ، وبيننا جمل!؟ فقلت له: كم بلّغتك تلك الأكلة؟ قال: أربعة أيام. وكان يضع على فيه، ويصب النّبيذ واللبن. وكان غليظا عبلا شديدا أيّدا. 230- وقال له رجل: ما هذه الكدنة؟ قال: عنوان الخصب. «231» - وقال بعضهم: أتانا هلال بن الأسعر، فأكل جميع ما كان في بيتنا، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 وبعثنا إلى الجيران نستقرض الخبز، فلما رأى الخبز قد اختلف عليه، قال: كأنّكم قد أرسلتم إلى الجيران؟ أما عند كم سويق؟ قلنا: بلى، فجئته بجراب في طولي، وبرنية فيها نبيذ، فجعل يصبّ النّبيذ على السويق حتى أكل ما في الجراب. «232» - وروي أنه جلس على زورق فيه تمر، فاستأذن صاحبه في أن يأكل منه، فظنّه يأكل كالناس، فغطّى التمر بالبواري وأكل، وجعل يلقي النّوى فيه إلى أن أتى على التمر، وكشف الزورق فإذا هو ملآن من النوى، ولا تمر فيه. «233» - ومنهم محمد بن علي بن عبد الله بن العبّاس. ذكر الجاحظ أنّه أكل يوما جنبي بكر شواء بعد طعام كثير، ومائة تمرة من تمر الهيرون بما حملت من الزّبد ومائة نباجة [1] . 234- روي أنّ الواثق كان أكولا، وأنّه أمر باتّخاذ بزماورد [2] ، وأن يفرش في صحن واسع على أنطاع، فلمّا قعد لأكله، أكل منه مساحة قفيزين. «235» - ومن المشهورين بالنّهم أحمد بن أبي خالد الأحول وزير المأمون. وكان المأمون إذا وجّهه في حاجة أمره أن يتغدّى ويمضي. «236» - ورفع إلى المأمون في المظالم: إن رأى أمير المؤمنين أن يجري على ابن أبي خالد نزلا؛ فإنّ فيه كلبيّة، لأنّ الكلب يحرس المنزل بالكسرة، وابن أبي خالد يقتل المظلوم ويعين الظالم بأكلة. فأجرى عليه المأمون في كلّ يوم ألف   [1] الكلمة غير واضحة في المخطوطة وقد وقفت نهاية الأرب عند جنبي «الشواء بعد طعام كثير» ، والنباج: طعام جاهلي (محيط المحيط) . [2] بزماورد: طعام من بيض ولحم (القاموس) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 درهم لمائدته، وكان مع ذلك يشره إلى طعام الناس. «237» - ولمّا انصرف دينار بن عبد الله من الجبل، قال المأمون لأحمد بن أبي خالد: امض إلى هذا الرجل وحاسبه، وتقدّم إليه بحمل ما تحصّل لنا عليه. وأنفذ معه خادما [ينهي إليه] ما يكون منه، قال: إن أكل أحمد عند دينار، عاد إلينا بما نكره. ولمّا اتّصل خبر أحمد بدينار، قال للطباخ: إنّ أحمد أشره من نفخ فيه الروح، فإذا رأيته فقل: ما الذي تأمر أن يتّخذ لك؟ ففعل الطبّاخ، فقال أحمد: فراريج كسكريّة بماء الرمّان، تقدّم مع خبز الماء السميد، ثم هات بعد ذلك ما شئت. فابتدأ الطبّاخ بما أمر. وأخذ أحمد يكلّم دينارا فقال: يقول لك أمير المؤمنين: إنّ لنا قبلك ما لا قد حبسته علينا: فقال: الذي لكم ثمانية آلاف ألف، قال: فاحملها، قال: نعم. وجاء الطبّاخ فاستأذن في نصب المائدة، فقال أحمد: عجّل بها، فإني أجوع من كلب. فقدّمت وعليها ما اقترح، وقدّم الدجاج وعشرون فرّوجا كسكرية، نصفها بماء الحصرم، ونصفها بماء الرمان. فأكل أكل جائع نهم ما ترك شيئا ممّا قدّم، ثم نقل الحار والبارد فما مرّ لون إلا أثر فيه، فلما فرغ وقدّر الطباخ أنّه قد شبع، لوّح بطيفورية فيها خمس سمكات شبابيط كأنّها سبائك الفضّة، فقال له أحمد: قطع الله يمينك! ألا قدّمت هذا؟ ولكن هاتها، فوضعها بين يديه، فأكل أكل من لم يأكل قبله شيئا، ثم رفعت المائدة وغسلوا أيديهم، وأعاد أحمد الخطاب، فقال دينار: أليس قد عرّفتك أنّ الباقي لهم عندي سبعة آلاف ألف، فقال: أحسبك اعترفت بأكثر من هذا، قال: ما اعترفت إلا بها، قال: فأت خطّك بما اعترفت، فتناول القلم وكتب بستّة آلاف ألف. فقال أحمد: سبحان الله! أليس اعترفت بأكثر من هذا؟ قال: ما لكم قبلي إلا هذا المقدار. فأخذ خطّه بها، وتقدّم الخادم فأخبر المأمون بما جرى، فلما ورد أحمد ناوله الخطّ، فقال: قد عرفنا ما كان من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 الألف ألف بتناول الغداء، فما بال الألف ألف الأخرى؟ وكان المأمون بعد ذلك يقول: ما أعلم غداء قام على أحد بألفي ألف إلا غداء دينار. واقتصر الخطّ ولم يتعقّبه كرما ونبلا. «238» - ومنهم أبو العالية. حملت امرأته فحلفت إن ولدت غلاما لتشبعن أبا العالية خبيصا، فولدت غلاما فأطعمته، فأكل سبع جفان، فقيل له: إنها حلفت أن تشبعك خبيصا، فقال: والله لو علمت ما شبعت إلى الليل. «239» - ومنهم أبو الحسن بن العلاف، وهو ابن أبي بكر بن العلاف الشاعر المعروف. دخل إلى المهلبيّ الوزير يوما، فأنفذ الوزير من أخذ حماره الذي كان يركبه من غلامه وأدخله إلى المطبخ، وذبح وطبخ لحمه بماء وملح، وقدّم إليه، فظنّ أنّه لحم بقر فأكله، فلمّا خرج وطلب الحمار قيل: قد أكلته، وعوّضه الوزير عنه ووصله. «240» - قدّم إلى بعضهم، وهو يأكل مع جماعة، بقيلة فمدّ يده إلى البيضة وقال: إنّه لا يأكلها إلا شره، ولا يتركها إلا عاجز. ولأن أكون شرها أحبّ إليّ من أن أكون عاجزا. «241» - وقال: كان بعضهم إذا قدّم الخوان أوّل من يتقدّم ثم يقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (طه: 84) . «242» - وقيل لآخر: لم أنت حائل اللون؟ قال: للفترة بين القصعتين مخافة أن يكون قد فني الطعام. «243» - سئل الحارثيّ عن الأسواريّ فقال: ما ظنّكم برجل نهش بضعة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 لحم، فاقتلع ضرسه وهو لا يعلم، وكان إذا أكل ذهب عقله ولم يسمع ولم يبصر، وكان يأكل التمر سفّا، ويزدرده زردا، وإذا وجده كثيرا تناول القطعة منه كجمجمة [الثور] ثم كدمها ونهشها طولا وعرضا، ورفعا وخفضا، حتى يأتي عليها، ثم لا تقع عضّته إلا على الأنصاف والأثلاث، ولا رمى بنواة قطّ، ولا نزع قمعا، ولا نفى عنه قشرا، ولا نفض منه السّوس ولا غيره. «244» - قال الأصمعيّ: دخلت يوما على الرشيد، فأتي بفالوذج مفرط الحرارة، فقلت: أحدّثك يا أمير المؤمنين بحديث إلى أن يفتر، فقال: هات، قلت: كان مزرّد أخو الشّمّاخ غلاما شرها جشعا، وكانت أمّه تؤثر عليه إحوته في الطعام، فغابت يوما في بعض الحقوق وخلّفت مزرّدا في الرّحل، فأخذ صاعا من عجوة، وصاعا من سمن، وصاعا من دقيق. فضرب بعضه ببعض وجعل يأكل ويقول: [من الطويل] ولمّا غدت أمّي تزور بناتها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع لبكت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتريّع وقلت لبطني ابشر اليوم إنّه ... قرى أمّنا ممّا تحوز وتمنع فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثانا فذا يوم تشبع فضحك الرشيد وقال: يا أصمعي، كل باسم الله، هذا يوم تشبع. 245- قال الناجم: دعا قوم أبا عثمان الجاحظ، فلما قرّبت المائدة قال: [إني صائم] . فبينما هم يأكلون إذ قرّب على المائدة جدي شهيّ، فلمّا رآه، حسر عن ذراعيه وازدلف إليه، فقيل له: ألم تكن صائما؟ فقال: الأيام أكثر من الجداء. «246» - قال أحمد بن بشير: دخلت يوما المسجد وإذا فيه رقبة بن مصقلة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 العبديّ يتقلّب، فقلت له: ما شأنك؟ فقال: أنا قتيل [البنّي [1]] والفالوذج. 247- قال أحمد بن أبي خالد يوما: السميدة الحارّة تزيد في العمر، فقيل له: وهل يزيد في العمر شيء؟ قال: نعم، طعام أمير المؤمنين يزيد في العمر بلا مرية ولا خلاف. فبلغ ذلك المأمون فأحضره وقال: يا أحمد، إنّ طعامي يزيد في العمر؟ قال: أي والله، ولقد قرأت في مولدي أني أموت وقت كذا، فلما بلغته تأهبّت للموت وتوقّعته، فاعتللت ولم أشكّ أنّ منيّتي قد أتتني. فكان سبب برئي سميدة حملت إليّ من مطبخ أمير المؤمنين، فأكلتها فكأنّما أنشطت من عقال. فضحك المأمون وقال: لقد استحوذ عليك شيطان مريد فأغراك بالأكل. 248- قال الحجّاج يوما لجلسائه: أيّ صوت سمعه أحدكم أحسن؟ فقال بعضهم: صوت قارىء حسن التلاوة لكتاب الله في جوف الليل. قال: إنّ ذلك لحسن. قال آخر، أصلح الله الأمير، ما سمعت صوتا أعجب إليّ من أني كنت تركت المرأة ماخضا، وخرجت إلى المجلس، فأتاني آت فقال: أبشر بغلام! فقال الحجّاج: يا حسناه! قال آخر: أصلح الله الأمير، ما سمعت صوتا أحسن في سمعي من أني كنت قائد جيش، فسرّحت الخيل في نحر العداة، فجاء جاء فقال: أبشر بالفتح. فقال شعبة بن علقمة التميميّ: لا والله ما سمعت قطّ أعجب إليّ من أن أكون جائعا مع قوم جياع، فأسمع قعقعة الخوان خلف ظهري. فضحك الحجّاج وقال: أبيتم يا بني تميم إلا حبّ الزاد. «249» - وبنو تميم يذمّون بالجشع، وسبب ذلك أنّ عمرو بن هند [قتل] أخوه وهو طفل في حجر زرارة بن عدس، فآلى ليقتلنّ من بني دارم مائة وليحرقنّهم بالنار، فأعوزه واحد من المائة، وإذا راكب من البراجم قد أقبل حين   [1] البني: نوع من السمك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 شمّ القتار، فلمّا رآه قال له: ممّن أنت؟ قال: من البراجم، قال: ما جاء بك؟ قال: شممت القتار فظننته طعاما، فقال: إنّ الشقيّ راكب البراجم، وألقاه في النار. «250» - ولمّا أمر كسرى بقتل بني تميم لأخذهم اللطيمة، خدعهم هوذة بن عليّ الحنفيّ بالطعام، وقال: إنّ الملك أمر أن يفرّق فيهم الزاد، فاجتمعوا، فكان يدخل الرجل منهم إلى المشقّر- وهو حصن باليمامة- بحجّة الزاد فيقتله، إلى أن قتل منهم عددا، وفطن أحد الباقين. وهو خبر مذكور مشهور يذكر في أخبار العرب. وهجوهم بذاك ورد في الهجاء. 251- وصف لسابور ذي الأكتاف رجل من إصطخر أمضى القضاة، فاستقدمه فدعاه إلى الطعام، فأخذ دجاجة فنصفها، ووضع نصفها بين يديه، وأتى عليه قبل فراغ الملك، فصرفه إلى بلده وقال: إنّ سلفنا كانوا يقولون: من شره إلى طعام الملوك، كان إلى مال الرعايا والسّوقة أشره. 252- شاعر يصف أكولا جشعا: [من الرجز] يلقم لقما ويفدّي زاده ... يرمي بأمثال القطا فؤاده 253- وصف بعض أهل الشام الأكل فقال: إذا أكلت فانزل على ركبتيك، وافتح فاك، واجحظ عينيك، وافرج أصابعك، وأعظم لقمتك، واحتسب نفسك. «254» - أكل أبو الأسود وأقعد معه أعرابيّا فرأى لقما منكرا، فقال: ما اسمك؟ فقال: لقمان، قال: صدق أهلك، أنت لقمان. «255» - أعرابي: [من الطويل] ألا ليت لي خبزا تسربل رائبا ... وخيلا من البرنيّ فرسانها الزّبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 الفصل الرابع في التطفّل وأخبار الطّفيليين «256» - العرب تقول للطفيليّ: الراشن، والراشن. وقيل: إنّه منسوب إلى طفيل بن زلال الغطفانيّ وكان من أهل الكوفة، يحضر الولائم من غير أن يدعى إليها، فسمّي طفيل العرس. وقيل: هو مأخوذ من الطّفل وهو الظّلمة، لأنّ الفقير من العرب كان يحضر الطعام الذي لم يدع إليه متستّرا بالظّلمة لئلا يعرف. وقيل: سمّي بذلك لإظلام أمره على الناس؛ لا يدرى من دعاه. وقيل: بل من الطّفل لهجومه على الناس كهجوم الليل على النهار، فيكون من الظّلمة. ولذلك قيل: أطفل من ليل على نهار. «257» - وأشهر من نسب إليه هذا الاسم، وكثرت الحكايات عنه في هذا الشأن بنان الطفيليّ، وهو عبد الله بن عثمان، ويكنى أبا الحسن، [ويكنى بنان] وأصله مروزيّ وأقام ببغداد. «258» - قال الجاحظ: قال بنان: حفظت القرآن ونسيته جميعه إلا حرفين: آتِنا غَداءَنا (الكهف: 62) . «259» - وقيل له: تروي من الشعر شيئا؟ فقال: بيتا واحدا: [من البسيط] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 نزوركم لا نؤاخذكم بجفوتكم ... إنّ الكريم إذا لم يستزر زارا «260» - وقيل لبنان: من دخل إلى طعام لم يدع إليه دخل لصّا وخرج مغيرا. والمعنى أنّه يأكل حراما. فقال: ما آكله إلا حلالا، قيل: كيف؟ قال: أليس يقول صاحب الوليمة للطبّاخ: زد في كلّ شيء؟ فإذا أراد أن يطعم مائة، قال: قدّر لمائة وعشرين، فإنّه يجيئنا من نريد ومن لا نريد، فأنا ممّن لا يريد. 261- وكان [يقول] كثرة المضغ تشد العود، وتقوّي الأسنان، وتدبغ اللّثة. 262- وأوصى بعض أصحابه فقال له: إذا كنت على مائدة فلا تتكلّمنّ في حال أكلك، وإن كلّمك من لا بدّ من جوابه، فلا تجبه إلا بقولك: نعم، فإنّ الكلام يشغل عن الأكل، وقولك نعم مضغه. 263- واجتمع إلى بنان نفر من أصحابه وأرادوا وليمة، فقال: اللهمّ لا تجعل البوّاب لكّازا في الصدور، دفّاعا في الظّهور، طرّاحا للقلانس. هب لنا رأفته وبشره، وسهّل إذنه. فلما دخلوا، تلقّاهم الخبّاز فقالوا: طلعة مباركة موصول بها الخصب، ومعدوم معها الجدب. فإذا جلسوا على الخوان قال: جعل الله فيك من البركة كعصا موسى، وخوان إبراهيم، ومائدة عيسى. ثم قال لأصحابه: افتحوا أفواهكم، وأقيموا أعناقكم، وأجيدوا اللّقم، وأسرعوا اللفّ، ولا تمضغوا مضغ المتعلّلين الشّباع، واذكروا سوء المنقلب، وخيبة المضطر. «264» - وقال رجل لبنان: أدع لي، قال: اللهم ارزقه صحّة الجسم، وكثرة الأكل ودوام الشّهوة، ونقاء المعدة، وأمتعه بضرس طحون، ومعدة هضوم، مع السّعة والدّعة والأمن والعافية. وقال: هذه دعوات مغفول عنها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 «265» - ومن المشهورين بالتطفيل عثمان بن درّاج مولى كندة، ويكنّى أبا سعيد، وكان في زمن المأمون، وفيه أدب. «266» - وقال له مرّة: [أتطفّل على] الرؤوس؟ قال: كيف لي بها؟ قالوا: إنّ فلانا وفلانا قد اشتروها ودخلوا بستان ابن بزيع، فخرج يحضر خوفا من فوتهم فوجدهم قد اشتروها، فاستعبر وتمثّل بقول الرّقاشيّ: [من الرجز المجزوء] آثار ربع قدما ... أعيا جوابي صمما كان لسعدى علما ... فصار وحشا رمما «267» - وكان ابن درّاج يغشى سعيد بن عبد الكبير الخطّابيّ، فقال له: ويحك، إنّي أضنّ بأدبك وبك عمّا أنت عليه من التطفيل، ولي وظيفة راتبة في كلّ يوم، فالزمني وكن مدعوا أصلح لك ممّا تفعل، فقال: يرحمك الله! فأين لذّة الجديد وطيب التنقّل من مكان إلى مكان؟ وأين وظيفتك من احتفال العرس، وألوانك من ألوان الوليمة؟ فقال: أما إذا أبيت هذا، فإذا ضاقت عليك المذاهب فائتني، قال: أمّا هذا فنعم. 268- قال أبو عليّ بن الزمكدم في أبي إسحاق بن حجر الأنطاكيّ: [من الرجز] جار لنا أطفل من ذباب ... على طعام وعلى شراب أدور في الموصل من دولاب ... يدخل بالحيلة في الأنقاب لا يفرق الردّ من البوّاب ... يحمل حملات أبي تراب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 110 «269» - قال طفيليّ لصاحب له: إذا دخلت عرسا فلا تتلفّت تلفّت المريب، وتخيّر المجلس، وأجدّ ثيابك، ولا تأكل الكزمازك [1] [؟] مطويا فإنّه يعديك، كله مشوّشا فإنّه أطوع للأضراس وأسهل في المضغ. وإذا [أكلت] فكل أبدا، فإن متّ متّ شهيدا. 270- ومن وصيّة أحدهم لصاحبه: إذا دخلت إلى عرس كثير الزّحام، فمر وانه، ويكون كلامك بين النصيحة والإدلال، فإني دخلت يوما إلى وليمة، وقد صنع الطبّاخ بزماورد ليضعه وسط المائدة عند الفراغ من الطعام ليطلب الراشن، فقلت له: استأذنت صاحبنا؟ فقال: وهذا ممّا يستأذن فيه! فقلت: أسكران أنت؟ تريد أن يغرم أحدهم أكثر ممّا أكل، وتنغّض عليه؟ وصاحب الوليمة لا يرضى بهذا. ولولا خوفي لائمته لم آسف عليك بشيء يصير إليك، فقال: هل لك في باب يكفيني [ ... ] نصف ما أصبت؟ فقلت: أفعل، ولزمته، وجعلت آكل كلّ شيء أشتهيه، وآمر وأنهى، وهو يظنّ أنّ بيني وبين صاحب الدار حرمة أو قرابة، ثم قاسمته على ما أصاب وخرجت. 271- وقال شاعر يذكر طفيليّا: [من الرجز] ويعربيّ خالع العذار ... أطفل من ليل على نهار أثبت في الدار من الجدار ... يشرب بالكبار والصغار كأنّه في الدار ربّ دار «272» - ضمّ عثمان بن درّاج السّفر ورفيقا له، فقال له الرفيق: انهض إلى   [1] في محيط المحيط: الكزمازك هو حب الأثل أي عفص الطرفاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 111 السوق فاشتر لنا لحما، فقال: والله ما أقدر، فمضى الرفيق واشترى اللحم، ثم قال لعثمان: قم الآن فاطبخ القدر، قال: والله ما أقدر، فطبخها الرفيق، ثم قال: قم الآن [فاثرد، قال] : والله إنّي لأعجز عن ذلك، فثرد الرفيق، ثم قال: تعال الآن فكل، فقال: والله لقد استحييت من كثرة خلافي عليك، ولولا ذلك ما فعلت. 273- وقال طفيلي: [من الخفيف] قابل إن جرى عليّ هوان ... في سبيل الحلواء والجوذاب [1] «274» - قال الأصمعيّ: كان بالبصرة أعرابيّ من بني تميم يطفّل على الناس، فعاتبته على ذلك، فقال: والله ما بنيت المنازل إلا لتدخل، ولا وضع الطعام إلا ليؤكل، وما قدّمت هديّة فأتوقّع رسولا، وما أكره أن أكون ثقلا ثقيلا على من أراه شحيحا بخيلا، أهجم عليه مستأنسا، وأضحك إن رأيته عابسا، فآكل برغمه، [وأدعه بغمّه] ، وما اخترق اللهوات طعام أطيب من طعام لم ينفق فيه درهم، ولم يعنّ إليه خادم. «275» - أولم طفيليّ على ابنته، فأتاه كلّ طفيليّ في البلد، فلما رآهم عرفهم، فرحّب بهم ثم أدخلهم فرقّاهم إلى غرفة بسلّم، وأخذ السلّم حتى فرغ من إطعام الناس، فلمّا لم يبق أحد أنزلهم وأخرجهم. «276» - وقال طفيليّ: من جلس على مائدة وأكثر كلامه غشّ بطنه.   [1] الجوذاب: في محيط المحيط هو طعام يتخذ من سكر ورز وجوز ولحم، والجوذابة قلّة تخبز في التنور معلقا فوقها طائر أو لحم يشوى فيسيل ودكه عليها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 112 «277» - كان نقش خاتم بنان الطّفيليّ: ما لكم لا تأكلون. «278» - وكان يقول لأصحابه: إذا دخلتم فلا تلتفتوا يمينا ولا شمالا، وانظروا في وجوه أهل المرأة وأهل الرجل حتّى يقدّر هؤلاء أنكم من هؤلاء، وكلّموا البوّاب برفق، فإنّ الرّفق يمن، والخرق شؤم، وعليكم مع [البواب بكلام] بين كلامين، بين الإدلال والنّصيحة. «279» - نظر طفيليّ إلى قوم ذاهبين في وجه، فلم يشكّ أنّهم يذهبون إلى وليمة. فقام وتبعهم، فإذا هم شعراء قد قصدوا باب السلطان بمدائح لهم. فلما أنشد كلّ واحد منهم شعره وأخذ جائزته، ولم يبق إلا الطفيليّ وهو جالس ساكت، قيل: أنشد، قال: لست بشاعر. قالوا: فمن أنت؟ قال: من الغاوين الذين قال الله تعالى فيهم: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (الشعراء: 224) . فضحك الممدوح وأمر له بمثل جائزة الشّعراء. «280» - دخل طفيليّ إلى قوم، فقالوا: ما دعوناك، فما الذي جاء بك؟ قال: إذا لم تدعوني ولم أجىء، وقعت [وحشة] ، فضحكوا وقرّبوه. 281- ومثل ذلك ما حكي عن [طفيلي] كان يحضر على طبق عميد الدولة أبي منصور بن جهير في شهر رمضان ويضحكه، فأمر له بشيء وحجبه عن الطبق ترفّعا عن الهزل، فتأخّر أياما ثم حضر، فلما رآه قال: ما موجب الحضور بعد ما أمرناك به؟ قال: إذا لم يستحضرني مولانا، ولم أحضر أنا، صارت وحشة، فضحك منه واستمرّ حضوره. «282» - والطفيليّون يقولون: إنّ المصليّة تبشّر بما بعدها من كثرة الطعام، كما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 113 أنّ البقيلة تخبّر بفنائه، فهم يحمدون تلك ويسمّونها المبشّرة، ويذمّون هذه ويسمّونها الناعية، حتى صار المخنّثون إذا شتموا إنسانا قالوا له: يا وجه البقيلة. «283» - قال بنان: اذا قعدت يوما على مائدة [وكان] موضعك ضيّقا، فقل للّذي يليك: لعلي قد [ضيقت] عليك، فإنّه يتأخّر إلى خلف ويقول: سبحان الله! لا والله يا أخي! موضعي واسع، فيتّسع عليك موضع رجل. «284» - وقال له طفيليّ: أوصني، فقال: لا تصادفنّ من الطعام شيئا فترفع يدك عنه وتقول: لعلّي أصادف ما هو أطيب منه، فإنّ هذا عجز ووهن. قال: زدني، قال: إذا وجدت خبزا فيه قلّة فكل الحروف، فإن كان كثيرا، فكل الأوساط. قال: زدني، قال: لا تكثر شرب الماء وأنت تأكل، فيصدّك عن الأكل ويمنعك من أن تستوفي. قال: زدني، قال: إذا وجدت الطعام فاجعله زادك إلى [الله] . «285» - كان بالبصرة طفيليّ يقال له أبو سلمة، وكان إذا سمع بذكر وليمة بادر إليها، وتقدّمه ابنان له في زيّ العدول، وبين أيديهم غلام، فإذا أتوا الباب، تقدّم العبد فقال: إفتح، هذا أبو سلمة، ثم يتلوه الآخر ويقول: ما تنتظر؟ ثكلتك أمّك! قد جاء أبو سلمة، ثم يجيء هو فيقول: افتح يا بنيّ، فإن كان جاهلا فتح، وإن كان قد عرف أمره وحذّر منه، قال له: يا أبا سلمة، أنا مأمور. فيجلس وينتظر أن يجيء بعض من دعي، فإذا فتح له شقّ الباب، تقدّم ابناه والعبد وفي كمّ كلّ واحد منهما فهر مدوّر ململم يسمّونه كيسان، فيلقونه في دوّارة الباب فلا ينصفق، فيدخلون. «286» - قيل لابن درّاج: كيف تصنع بالعرس إذا لم يدخلوك؟ قال: أنوح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 114 على الباب. فيتطيّرون فيدخلوني. «287» - قال نصر بن عليّ الجهضميّ: كان لي جار طفيلي، فكنت إذا حضرت إملاكا أو دعيت إلى مدعاة ركب معي، وجلس حيث أجلس، فيأكل وينصرف. وكان نظيفا عطرا حسن اللباس والمركب، وكنت لا أعرف من أمره إلا الظاهر. فاتّفق لجعفر بن القاسم الهاشميّ حقّ، فدعا له أشراف البصرة ووجوهها، وهو يومئذ أمير البصرة، فقلت في نفسي: إن تبعني هذا الرجل إلى دار الأمير لأخزينّه. فلما [كان] يوم الحضور، جاءني الرسول فركبت وإذا به قد تبعني حتى دخل بدخولي وارتفع معي حيث أجلست. فلما حضرنا الطعام، قلت: حدّثنا درست بن زياد [عن أبان] بن طارق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من دخل إلى دار قوم بغير إذنهم دخل سارقا وخرج مغيرا، ومن دعي فلم يجب، فقد عصى الله ورسوله. وظننت أني قد أسرفت على الرجل، وقصرت من لسانه. فأقبل عليّ وقال: أعيذك بالله يا أبا عمرو من هذا الكلام في دار الأمير! فإنّ الأشراف لا يحتملون التعريض باللؤم، وقد حظر الدين التعريض وعزّر عليه عمر؛ ووليمة الأمير [دعاء لأهل مصره] فإنّه سليل أهل السقاية والرّفادة والمطعمين الأفضلين الذين هشموا الثريد، وأبرزوا الجفان لمن غدا إليها وراح. ثم لا تتورّع- وأنت في بيت من العلم معروف- من أن تحدّث عن درست بن زياد وهو ضعيف عن أبان بن طارق وهو متروك الحديث بحكم رفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم والمسلمون على خلافه؛ لأنّ حكم السارق القطع، والمغير يعزّر على ما يراه الإمام، وهذان حكمان لا ينفذان على داخل دارا في مجمع، فيتناول لقما من فضل الله الذي آتى أهلها، ثم لا يحدث حدثا حتى يخرج عنها، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 115 يكفي الأربعة، حدّثنا بذلك أبو عاصم النبيل عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فأين أنت عن هذا الحديث الصحيح الإسناد والمتن؟ قال نصر: فأصابتني خجلة شديدة. ولمّا نظر الرجل إلى ما بي، أكل ونهض قبلي، فلما خرجت وجدته واقفا على دابّته بالباب، فلما رآني، تبعني ولم يكلّمني ولم أكلّمه، إلا أنني سمعته يتمثّل: [من المتقارب] ومن ظنّ ممّن يلاقي الحروب ... بأن لا يصاب لقد ظنّ عجزا «288» - ابن المعتز: [من الوافر] فأطفل حين يخفى من ذباب ... وألزم حين [تدعى] من قراد 289- الحمدوني: [من الوافر] أراك الدّهر تطرق كلّ دار ... كأمر الله يطرق كلّ ليله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 116 الفصل الخامس في أوصاف الأطعمة وفنونها قد ذكرت في باب الأوصاف والنّعوت طرفا من الأشعار في نعت المآكل يليق بالمكان، ويتضمّن ما كان وصفا غريبا، ونعتا مستحسنا، ونذكر في هذا الموضع ما يقتضيه إذ كان أولى به. 290- خرج خالد بن صفوان إلى البستان، فلما قدم، قيل له: من أين أقبلت يا أبا صفوان؟ قال: من البستان. قيل: فما أكلت؟ قال: أتينا برغفان قانية الحمرة، صافية الرّقعة، فائقة الصّنعة، تهفو بها الريح رقّة، مع آنية ماء كأنها فرّت من زبدة، تبجّس شحما وتقطر سمنا، مع بقول اجتنيت لمّا أينعت فهي خضرة نضرة، غضّة بضّة، مع ساكن دنّ نسج عليه العنكبوت، وسكن أسافله فهو يروق، لو ألقيته على الشّمس لأظلمت، ولو سافته حيّة لأرعفت، ثم أتينا ببسر مفلق أنضجته ناره، وانتقاه أكّاره، فهو لطيف النوى، نبيل اللّحاء، قد احمرّ باطنه وانجرد ظاهره، وهشّ مكسره، ففيه العيش كلّه. «291» - كشاجم يصف دجاجة: [من الرجز] دجاجة في سمن السّمند ... عظيمة الزّور بصدر نهد أجريت منها في العقد ... مرهفة ذات شبا وحد ولم تزل بالماء كفّ العبد ... تفرق بين ريشها والجلد وغليت بعد بماء الورد ... وصبّ فيها اللوز مثل الزّبد ثم أتى يسعى بها المهدي ... كأنما قد بخّرت بالنّدّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 117 «292» - وقال أيضا في حمل مشويّ: [من الرجز] لم أنسه في حلّة حمراء ... على خوان واسع الفضاء قد شقّ عن مكنونة بيضاء ... تسفر عن مكّيّة ملساء مقرونة بأختها للرائي 293- قدم أعرابيّ الحضر، فقيل له: أين كنت؟ قال: كنت والله عند كريم خطير. أطعمني بنات التنانير، وأمّهات الأبازير، وحلو الطناجير، ثم سقاني [من دم] القوارير، من يد غزال غرير. «294» - حسان: [من الطويل] ثريد كأن الشمس في حجراته ... نجوم الثريّا أو عيون الضّياون 295- كان ملوك غسّان يوصفون بالتّرفّه والنّعمة، فيقال: ثريدة غسّان كما يقال فالوذ ابن جدعان، ومضيرة ابن أبي سفيان. «296» - وكانت الأكاسرة تحظر السّكباجة على العامة وتقول: هي للملوك، حتى ملك أبرويز فأطلقها لهم. «297» - وكانت العرب لا تعرف الألوان. إنّما طعامهم اللحم يطبخ بماء وملح، حتى كان زمن معاوية فاتّخذ الألوان وفرّقها وتنوّق فيها. 298- قال بزرجمهر: في البطيخ عشر خصال: هو ريحان، [وتحية] وفاكهة، وإدام، وخبيص مهيّأ، ودواء للمثانة، وحرض للغمر والزّهومة، ومذهب لرائحة النّورة عند الاستحمام، وكوز لمن عسر عليه ماء يشرب فيه، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 118 وهاضوم للثقيل من الطعام. 299- أبو نصر الكاتب يصف القطايف والخشكنانات: قطائف عراقيّ النّشر بغداديه، عسكريّ الحشو طبرزيّه، ممّا عنيت الأذهان بتصويره، ونصبت اليدان لتقديره وتدويره، وأبرزته كالبدر في كماله، متنزّها في صورتي محاقه وهلاله، ثم طوته الأنامل طيّ السّجل للكتاب، وغادرته قد رصّت صفوفه، [ ... ] به ظروفه، وأركبت بعضه بعضا، حتى شكّلته سماء وأرضا، ثم رقد رقدة النّصب المجهود، وهوّم تهويم اللّغب المكدود، ذابل الشمائل، مبتلّ الغلائل، يعوم في دهن، كأنّما كسر به في بحر، أو أحسن غوص وأطيبه، وأطرف بديل وأعجبه، خشكنانج كأساور الكواعب، كسرها فضل التجاذب والتداعب، أو كقرون الظّباء قدّا والتفافا، ولملمة واستحصافا، أو فخاخ صنعت للطير فأحكمت، ووضعت للصيد فقوّمت، هلالية الجنبات، ذهبيّة الشّيات، رقيقة القشر، غليظة الخصر، لذيذة الأرج والنّشر، يكاد ينمّ على باطنها ظاهرها، ويشهد على غائبها حاضرها، نزهة المحيّا، [ ... ] ونقيّة المتجلّى. 300- كان أبو بكر بن قريعة يحبّ الفالوذج السّرطراط [1] ويقول: أريدها مستغيثة من الغرق، في ماء الورد العرق. ويسمّي القطائف لفائف النعيم، وطعام الصابرين، ويسمّي اللوزينج مغرغر الحلقوم. «300» أ- ودخل يوما إلى عزّ الدولة وبين يديه طبق فيه موز، فأعرض عن استدعائه، فقال: ما بال مولانا [لا] يدعوني إلى الفوز بأكل الموز؟ فقال: صفه حتى أطعمك منه، فقال: ما أصف من جرب ديباجية، فيها سبائك   [1] السرطراط: الفالوذج أو الخبيص (محيط المحيط) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 119 ذهبية، كأنّما حشيت زبدا وعسلا، وخبيصا مرملا، أطيب الثمر، كأنّه مخ الشجر، سهل المقشر، ليّن المكسر، عذب المطعم بين الطعوم، يتسلسل في الحلقوم. ثم مدّ يده فأخذ وأكل. 301- زعم الطباخون أنّ الديكبريكة [؟] لا يكمل طيبها، ولا يذكو ريحها حتى تبرد وتسخّن، فيغرف منها ثلاث غرفات: حارّة، وباردة، ومسخّنة. والسّكباج أخت الديكبريكة وشبيهتها، فتؤكل ألوانا: أولّها ثردة تشرب سكرا، ثم ثردتها الساذجة المعروفة، ثم لحمها حارّا وباردا، ثم يصفّى مرقها ويعرّى من الدّسم ويثرد فيها فتؤكل باردة. 302- وكان بنو الفرات وغيرهم من أرباب النعمة بالعراق يتقدّمون بعمل هذا الطعام: يؤخذ لحم عجل رخص فيغسل وينشّف، ويوضع في قدر، ويصبّ عليه من خلّ الكرم الجيد الصافي فوق غمره، ومن الزيت الخالص قدر الراحة، ويجعل معه السّذاب والكرفس، ويضاف إلى ذلك قشور الأترجّ أو قداحه، وقشور السّفرجل وقشور التفاح الشامي، والكسفرة اليابسة والزعفران، ويترك على النار حتى يسكن، ويصفّى ويجعل في خماسيات ويحكم صمامها، فإذا احتيج إليه عند اتّخاذه، عمل بهذا الخلّ على الصفة المعروفة التي ينقع فيها اللوز والسّكر، وعلى هذا اخترع بعض الخلفاء أن يطبخ البطّ [ ... ] الملقم بالخلّ الحاذق الذكي ويصفّى ويعمل به أنواع القلايا وما يجري مجراها من المحرّقات. 303- وكان يوصف ببغداد فالوذجة الحسن بن سهل، وخبيصة يحيى بن خالد، وأرزة عمرو بن مسعدة، ولوزينجة حميد الطّوسيّ، وقطايف صالح صاحب المصلّى. 304- حكي أنّ المأمون مضى إلى المدائن متنكّرا ومعه بعض الأصحاب، فأكل من جوذابها فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه من طعام العامة! فقال: إنّ العامة تشركنا في الماء البارد، فهل نترك شربه لأجلهم؟! الجزء: 9 ¦ الصفحة: 120 305- قيل لأبي الحارث جمّين: بأيّ شيء تشبّه البدر؟ قال: بالبهطّة [1] إذا سقيت لبن حليب طريّ بزبد مرويّ، وسكر طبرزد [ ... ] . وكان يقول: ما أشبّه البيض على الموائد إلا بالكواكب في الأفق. «306» - وسمع رجلا يذمّ الزّبد، فقال له: ترى ما الذي كرهت منه؟ سواد لونه، أو بشاعة طعمه، أم استصعاب مدخله، أم خشونة ملمسه؟ «307» - وقيل له: ما تقول في الباذنجان؟ فقال: أنوف الزّنج، وأذناب المحاجم، وبطون العقارب، وبزر الزّقّوم، قيل له: إنّه يحشى باللحم فيكون طيّبا، فقال: لو حشي بالتقوى والمغفرة، ما أفلح. «308» - وقال شاعر في وصفه: [من الطويل] وسود تروّت بالدّهان فأبدلت ... بتوريدها لونا من النار أكلفا [كأفواه] زنج تبصر الجلد أسودا ... وتبصر إن فرّت لجينا مؤلّفا 309- وقال الجهرميّ يصفه: [من الكامل] لونان من عاج ومن سبج إذا اج ... تمعا فصبح في خلال ظلام وفيها يقول: روّى على مهل فأنضج قلي ذا ... يوما، وأنشف ذا على الأيّام والمالح الممقور أقطاع الحلا ... كللن حبّات بغير نظام أصبحن للجامات عمرانا ولو ... فتن الشّباك عمرن في الأجسام   [1] الأرز بالحليب والسكر والزبد أو السمن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 121 وكأنّما الدّرّاج ذبح والقطا ... من حوله صرعى كؤوس مدام وإذا الكواميخ اغتدت أقداحها ... [ ... ] عتمت ذخائر الأغنام من كلّ لون حدثت أنفاسه ... في الطيب عن شيح به وثمام والعيش صفراوان من عدسية ... في القدر أو سمدية في الجام 310- وقيل: حضر الجهرميّ مع جماعة من أصدقائه، فذكر أبو الفضل القطّان جديا أهدي إليه، وسوّفهم الاجتماع عليه، وأخذوا في تقرير الوعد، فأمسك وطلب خلسة [؟] وقام هادئا، فأنفذ الجماعة في طلبه، وتردّد الرسول فلم يعد، فقال الجهرميّ يعاتبه ويتوعّده بأخذ الجدي والاستئثار به: [من المتقارب] [أبا] الفضل والفضل بين الأنام ... لمعنى كنيت به لا لقب تروغ إلى غيرنا هاربا ... وقد كنت منه تريغ الهرب فخلّيت مجلسنا من حلاك ... كأقداحنا عاطلا مجتنب إلى أن تهلهل ثوب النّهار ... وكاد إناء ذكاء يكب فإن شئت كن رجلا غائبا ... بجديك أو زحلا لم تغب ففي بيت إخوانك الرأس منه ... وتحت خوانك منه الذّنب [ ... ] غدا عندهم للغداء ... [ ... ] منه كما لا تحبّ وقد قام ذا راجلا ناصبا ... وذاك لتنورهم قد ذهب إلى أن يفور وتصلاهما ... بذنبك لا ذنبه المكتسب ويخرج في جلّناريّة ... مكلّلة برميّ الحبب ونحن لتمزيق ذاك الإهاب ... وما تحته قد أخذنا الأهب رقاقا عططناه عطّ الشّرو ... ب فينا غلائلهم للطرب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 122 ووصف الجوذابة فقال: [من المتقارب] وجامدة بعده كاللّجي ... ن مشربة دائما كالذّهب ربت باللّبان معا والدّهان ... كأن قد ربت بين أمّ وأب [ ... ] وما حلبت خلوة ... كأنّ الضّريب سقاها الضّرب تكاد تصيح الغريق الغري ... ق من زنبقيّ عليها انسكب فظلنا من اللهبيّ الرتي ... ب يسفر عن برديّ شنب ويحنو عليه من العسكريّ ... مهيل طبرزده المنتخب ونرفعها لقما من كثب ... يرينك فحص القطا في الكثب فحينئذ ما رأيت الحني ... ذ جديك في النّفل المنتهب ثم قال مشيرا إلى عناق أخذت من القطعان في اللعب، فأجاد في الذمّ إجادته في المدح [وكشف] عن حسن التصرف في المعاني: [من المتقارب] وتذكر بالجدي يوم العناق ... وذاك لغيظك أقوى سبب وكيف قمرنا بها من يدي ... ك لاعبة بيدي من لعب وحلّت مغالبة أخذها ... وقد كان أخسرنا من غلب من الجرب الحدب لا في الرفا ... هـ ترفع رأسا ولا في الحرب بظهر به الجدب بادي الظهور ... وجنب به الخصب جار الجنب يقوم بموجبه الخيزرا ... ن من عوج أضلاعها والحدب وتهتز من سوقها المرعشات ... ضعائف عن فلكات الرّكب تعجب من أمرها أمس وهو ... إلى اليوم من أمرها في عجب فما إن شفى قرما نيلها ... ولا سدّ فارغة من سغب وكان عليك احتمال الثقي ... ل من أكلها وعلينا التعب مصابان يجني القديم الحديث ... فإن كنت محتسبا فاحتسب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 123 311- قال أبو عبيدة: العرب تقول: كل طعام لا حلوى فيه فهو خداج. «312» - وقال الأصمعي: أول من صنع الفالوذج عبد الله بن جدعان، وفيه يقول الشاعر: [من الوافر] له ناد بمكة مشمعلّ ... وآخر فوق كعبته ينادي [1] إلى ردح من الشيزى عليها ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد 313- قال حماد بن سلمة: دخلت على إياس بن معاوية وهو يأكل فالوذجا، فقال: ادن فكل، فإن كان شيء يزيد في العقل فهذا. «314» - كشاجم يصنف القطائف: [من الرجز] عندي لأضيافي إذا اشتد السغب ... قطائف مثل أضابير الكتب كأنها إذا تبدّت من كثب ... كوائر النحل بياضا وثقب قد مجّ دهن اللوز مما قد شرب ... وجاء ماء الورد فيه وذهب وغاب في السكر عنا واحتجب ... فهو عليه حبب بعد حبب مدرّج تدريج أنقاء الكثب ... اذا رآه واله العقل طرب أطيب منه أن أراه يستلب ... كل امرىء لذته فيما يحب «315» - وقال أيضا يصف الخشكنانج: [من الخفيف] من لذاك الطبرزد المدقوق ... ولذاك اللوز النقيّ الأنيق   [1] الأغاني: فوق دارته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 124 ودقيق السميذ يعجن بالما ... ورد علّي بمسكه المسحوق ضمّ أجزاؤه وألّف أجسا ... ما حوت كل مطعم موموق ثم صفوه كالأهلة لاحت ... لمواقيتها حيال الشروق ما رأينا كخشكنانجك المو ... صوف [رعيا لحقه] في الحقوق غبت عنه فغاب عني نصيبي ... أنت عندي بذاك غير خليق «316» - وقال ابن الرومي: [من الكامل] جاءت إليّ طرائف بطرائف ... لونان من لوزينج وقطائف هذا دبيقي الثياب ملفف ... بملابس صقلت وذا بمناشف 317- وقال أبو القاسم المطرز يصف الحنطقة وهي الكبولا [1] : [من الكامل] بيضاء مشرقة كأن ضياءها ... در يصافح مثله في الجام إلا أنها حبشية الأخوال والأعمام ... وضعت على مستوقد فاستعرضت تاجا على شرف السرير السامي ... رقص المشايخ دستبندا حولها طربا وما شربوا كؤوس مدام ... فرحوا بسرعة نضجها فتبادروا فرح الكبيرة بشّرت بغلام ... لم يسق عاقدها بها حتى لقد كادت تدور له بلا اسطام ... وجرى لها عسل الطبرزذ صافيا بذوائب كذوائب الأعلام ... فكأن أحمره على مبيضّها فص العقيق وفضة الخاتام ... وتسرح الفالوذ في أقطارها بحر [كذلك] كل بحر طام   [1] الكبولا: العصيدة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 125 عاثت بها أيدي الكرام فجمشت ... وجناتها تجميش غير كرام 318- قال حسان الديلمي: ليست الكبولاء على الصفة التي تتخذها العامة، إنما تتخذ من الدقيق السميذ والأرز والكعك أجزاء متساوية، ويدق الأرز والكعك ناعما، ويخلطان بالدقيق ويحمص الجميع بالدهن العذب الغامر، ويرفع من النار، ويغلى الماء، ويذرّ عليه ويعقد عقدا جيّدا، ثم يحط عن النار ويطرح فيه ماء الورد والكافور. وقد عملت له فالوذجة سرطراطة على نار [ ... ] ، وأعدت أقداح على صور المكاييل، فيغرف منها طبقة ومن الفالوذج طبقة، ويفرش فرشا خفيفا حتى تمتلىء الأقداح ثم تكبّ على المائدة، وترفع عنها الأقداح، وتقدم كأنها قواليب جزع، وتقطع بالسكاكين، وتتناول بالنار جنات. وليس يليق بهذا الكتاب ذكر أنواع الأطعمة، إنما ذكرت هذا القدر إشارة إلى الجنس وتنبيها على مأخذ المترفين فيه. والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 126 الفصل السادس- نوادر هذا الباب «319» - كان بعض الأعراب يأكل ومعه بنوه، فجعلوا يأخذون اللّحم من بين يديه فيقول لهم: يا بنيّ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما (الاسراء: 23) . ولأن تقولوا لي ألف مرّة «أفّ» في كلّ مرة سبعون انتهارا، أهون عليّ ممّا تفعلون. «320» - لزم أعرابيّ سفيان بن عيينة حتى سمع منه ثلاثة آلاف حديث، ثم جاءه يودّعه، فقال له سفيان: يا أعرابيّ، ما أعجبك من حديثنا؟ قال: ثلاثة أحاديث: حديث عائشة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم وآله وصحبه أنّه كان يحبّ الحلواء ويحبّ العسل، وحديثه عليه الصلاة والسلام: «إذا حضر العشاء وحضرت الصلاة، فابدأوا بالعشاء» ، وحديث عائشة عنه صلّى الله عليه وسلم: «ليس من البرّ الصيام في السّفر» . «321» - قدّم إلى أعرابيّ كامخ، فقال: ممّ يعمل هذا؟ قالوا: من اللبن والحنطة، قال: أصلان كريمان، ولكن ما أنجبا. «322» - وقدّم إلى أعرابيّ كامخ، فقال: ما هذا؟ قيل: كامخ، فقال: من كمخ به؟ من قولهم: كمخت البقرة إذا ثلطت [1] .   [1] ثلطت: سلحت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 127 «323» - واجتمع اثنان من الأعراب على كامخ، فقال أحدهما: خرا، وربّ الكعبة، وذاقه الآخر فاستطابه فقال: أحسبه خرا الأمير. 324- قال الأصمعيّ: سمع أعرابيّ واحدا يقرا: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (الكهف: 103- 104) . فقال: وأبيك إني لأعرف هؤلاء القوم بعينهم، فقيل له: ومن هم؟ قال: الذين يثردون عزّهم. 325- أولم رجل وليمة، فحضرها أعرابيّ وجعل يأكل ولا يرفع رأسه حتى أحضر الفالوذ، فرفع رأسه فنظر إلى شيخ معتزل عن القوم، فقال: ما بال الشيخ لا يأكل؟ قيل: إنّه صائم، فقال: ما أحوجه إلى الصوم؟ قالوا: طلب المغفرة والفوز بالجنّة، قال الأعرابيّ: فإذا فاز بالجنّة، أفتراه يطعم فيها أطيب من الفالوذ؟. «326» - قدّم إلى أعرابيّ موز، فجعل يقلّبه ويقول: لا أدري، العجب ممّن خالطه، أو ممّن حشاه؟! 327- سقط أعرابيّ عن بعيره فانكسر بعض أضلاعه، فأتى الجابر يستوصفه، فقال: خذ تمر شهريز، فانزع أقماعه ونواه، [ولتّه] بسمن واضمد به، فقال الأعرابيّ: بأبي أنت، من داخل أضمد أم من خارج؟ «328» - امتنع أعرابيّ من غسل يده بعد الأكل وقال: فقد ريحه كفقده. ثم أخذ كفّا من تراب، فرماه في وجوهنا وقال: أحسبكم تآمرتم على هذا، لا يقربني منكم أحد، فمكثنا أيّاما لا نغشاه، ثم سألنا ابن أبي حفص العطّار، فترضّاه لنا [1] .   [1] يبدو أن هذا الخبر غير متصل بما قبله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 128 329- قال محمد بن عبد الله بن حكيم: كنّا عند الشافعيّ رضي الله عنه، فدخل رجل من أعوان الشّرط، وبين يديه طبق فيه تمر، فجرّ الطّبق وأكل حتى أتى عليه، ثم قال: يا أبا عبد الله، ما عندك في طعام الفجاءة؟ قال: كان ينبغي أن يكون سؤالك هذا والتّمر في موضعه. 330- اجتاز أعرابيّ بقوم يأكلون، فلم يدعوه، فعمد إلى الصلاة، فقالوا: ما تصنع؟ قال: أستخير الله في محادثتكم، فضحكوا منه ودعوه إلى الطعام. 331- ترحّم بعض الطّفيليين على النمروذ بن كنعان، فقيل له: تترحّم على كافر؟! فقال: نعم، لأنّه أوّل من اتّخذ الكرماذخ. «332» - ذكر أنّ الرشيد وأمّ جعفر اختلفا في اللوزينج والفالوذج، أو الخبيص، وحضر أبو يوسف القاضي، فسأله الرشيد، فقال: إذا حضر الخصمان حكمت. فقدّما إليه، فأكل منهما حتى انتهى، فقال له الرشيد: احكم، قال: اصطلح الخصمان وأعفياني من الحكم. فضحك الرشيد، وأمر له بألف دينار، وبلغ زبيدة الخبر، فأمرت له بألف دينار إلا دينارا. «333» - دخل أعرابيّ على سليمان بن عبد الملك وهو يأكل، فقال: اجلس وكل- وكان سليمان قاذورة نهما، وكان يوضع بين يديه قصعتان، فيأكل من واحدة، والناس من واحدة- فجعل الأعرابيّ يأكل من القصعة التي بين يدي سليمان ويتعدّى [إلى] الأخرى، فقال سليمان: كل ممّا بين يديك، قال: أو ههنا حمى؟! قال: لا، كل من حيث شئت، فلما أتي بالفالوذج، قال له سليمان: يا أعرابيّ، أتعرف هذا؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، إلا أني أرى رونقا حسنا، ومزدردا ليّنا، وطعما طيّبا، وإني لأظنّه ممّا يخرج من [بطون] 9 التذكرة الحمدونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 129 النحل، فقال سليمان: إنّه مع هذا يزيد في الدّماغ؛ فقال كذبوك يا أمير المومنين، ولو صدقوك لأصبح رأسك مثل رأس البغل الأطحل. 334- موسى الثقفي: [من الوافر] فما شيء بأحسن من خوان ... أتاك يزفّه خلق الثّياب وقد ناجاك سر الجوع حتى ... تعلّق خمص بطنك بالحجاب فتغمس خمس كفّك في ثريد ... بلقم مثل منكمش الذّهاب كأنّ دويّه في الحلق لمّا ... هوى، رعد يهمهم في سحاب «335» - قيل لأعرابيّ: ما اسم المرق عندكم؟ قال: السّخين، قال: فإذا برد؟ قال: [لا] ندعه يبرد. 336- قعد صبيّ مع قوم، فقدّم شيء حارّ، فأخذ الصبيّ يبكي، قالوا: ما يبكيك؟ قال: هو حارّ، قالوا: فاصبر حتى يبرد، قال: أنتم لا تصبرون. 337- قال بعضهم: رأيت ثلاثة من الهرّاسين على بقعة واحدة، وهم يتكايدون في مدح هرايسهم. فأخرج أحدهم من هريسته قطعة على المغرفة وأسالها وهو يقول: إنزلي ولك الأمان، فقال الثاني: يا قوم، أدركوني، الحقوني،! أنا أجذبها وهي تجذبني، والغلبة لها، فقال الثالث: لا أدري ما تقول، من أكل من هريستي، أسرج ببوله شهرا. «338» - كان بعض الأكلة يباكر الأكل، فقيل له: اصبر حتى تطلع الشمس، فقال: أنا لا أنتظر بغدائي من يقدم من أقصى خراسان. «339» - قيل لبعضهم: التّمر يسبّح في البطن، قال: إذا كان التمر يسبّح، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 130 فاللوزينج يصلّي في البطن تراويح. «340» - قال عثمان الدقيق الصوفيّ: رأيت أبا العباس بن مسروق، وهو أحد شيوخ الصوفية، في يوم مطير على الجسر مشدود الوسط، فقلت له: يا عمّ، إلى أين في هذا اليوم المطير؟ فقال: إليك عنّي، فقد بلغني أنّ بالمأمونية رجلا يقول: ليس الباذنجان طيّبا؛ أريد أن أمضي إليه وأقول له: كذبت، وأرجع. «341» - خرج طفيليّ من منزل قوم مشجوجا، فقيل له: من شجّك؟ قال: ضرسي. «342» - قيل لأعرابيّ: كيف حزنك على ولدك؟ قال: ما ترك لي حبّ الغداء حزنا على أحد. «343» - سمع بنان رجلا يقول: يخرج الدجال في سنة قحط مجدبة، ومعه جرادق أصفهانية، وملح ذرآني، وأنجذاني [1] سرخسي، فقال: هذا- عافاك الله- رجل يستحقّ أن يسمع له ويطاع. 344- قال أبو بكر بن عيّاش: كنّا نسمّي الأعمش سيّد المحدّثين، وكنّا نجيئه آخر من يقصده، لأنّا نطيل عنده، وكان لا يزال يطعمنا الشيء ممّا يحضره، ويسألنا فيقول: بمن مررتم اليوم، [ ... ] ، وعمّن أخذتم؟ فنسمّي له الواحد، فيشير بيده، أي جيّد، ونسمّي آخر فيومىء بأصبعه، أي صالح، ونسمّي آخر، فيقول: طير طيّار، ونسمّي آخر، فيقول: طبل مخرّق. فقال   [1] ذرآني: شديد البياض. والأنجذان: نبات أسود وأبيض له قرون كقرون اللوبياء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 131 بعضنا لبعض ذات يوم: لا يخرج الأعمش إلينا شيئا إلا أكلناه كلّه. فأخرج إلينا خوانا عليه خبز وتمر، فأكلناه، ثم عاد فأخرج قتائت ممّا يسرب انسيابا فأكلناه، ثم عاد فأخرج كسيرات، فأكلناها، ثم عاد فأخرج إجانة فيها كسب ونوى فقال: أما طعام العيال فأكلتموه، وهذا علف العنز فدونكم. 345- [كان] رجل يطعم رجلا يلازمه، ولم يكن عنده في بعض الأيام ما جرت به عادته، فقال لغلامه: خذ المفتاح معك، وكن قريبا من الدار، فإذا جاء ورأى الباب مقفلا انصرف. فلما جاء الرجل ورأى الباب مقفلا، جلس ينتظر أن يجيء ويفتح الباب، فأدركته الشّمس، فلم يزل ينتقل من موضع إلى موضع حتى لم يبق ظلّ، فقال: [من السريع] البيت لا أبرح من بابه ... حتى يموت الرجس من جلسي أقتله في البيت جوعا كما ... يقتلني بالجوع في الشّمس أليس في منزل فرقاننا ... أنّ [قتل] النّفس بالنّفس «346» - أسماء هزلية وضعها الطفيليون والصوفيه للأطعمة وآلتها وما يتبعها: الطّست والإبريق: بشر وبشير الخوان: أبو جامع السّفرة: أبو رجاء الخبز: أبو جابر اللحم: أبو عاصم الملح: أبو عون القدر: ميمون الزّنجي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 132 الغضارة [1] : أمّ الفرج الحوّارى [2] : نجوم الفكه، ويقال: أبو نعيم الطيفورية: أمّ روح منديل الغمر: أبو بشر الخشكار: أبو جابر الكزمازك: [ ... ] الفرنية: قبّة الإسلام البقل: زحام بلا منفعة، ويقال: أبو جميل الجوز والجبن: معاوية وعمرو بن العاص الرواصيل [3] : يأجوج ومأجوج البيض: بنات نعش الثريد: جبير بن مطعم الجبن: راشد الخناق الجوز: أبو القعقاع الزيتون: خنافس الخوان الصحناء [4] : أمّ البلايا الباقلاء: أبو مروان العدسية: المؤيسة الباذنجان: قباب ياسر، ويقال: الزّط الكامخ: عرق الشيطان   [1] الغضارة: القصعة الكبيرة. [2] الحوّارى: الدقيق الأبيض. [3] نثر الدر: الرواصل. وفي الحاشية لعلها الروامل وهي الخبيص الذي كثر عجنه. [4] نثر الدر: الصحناءة- والصحناء: إدام من السمك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 133 البوارد: بريد الخير البزماورد [1] : أبو كامل الطيالسي، ويقال: أبو طريف السنبوسك: جامع سفيان الماء: أبو غياث الخردل: أبو كلثوم الجلّاد الدجاجة: سمّانة القوادة، ويقال: أمّ الخير [البطة] : بهادة السوسية الحمل: شهيد بن الشهيد، ويقال: أبو حميد الهند الجدي: أبو العريان، ويقال: أبو خبيب [2] الرّقاق: أبو الطيالس الرغيف السميذ: أبو البدر السكباج [3] : أمّ عاصم، ويقال: أمّ نابت المضيرة [4] : أمّ الفضل الكشكية: أم الخير، وأمّ برّ الرأس: قيم الحمام، وأبو سويد الأكارع: [أبو الخرق] وشيبان ماء البالقلاء: أبو حاضر السمك: أبو سابح الخلّ: أبو العباس، ويقال: أبو ثقيف   [1] طعام من بيض ولحم. [2] الشريشي: أبو حبيب. [3] السكباج: مرق من لحم وخل. [4] المضيرة: مرق من لحم ولبن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 134 الفتيت: أبو نافج القنّبيطية: دويرة الرومية المغمومة [1] : المقنّع الكندي المري: أبو مهارش [الزبيبة] : أبو الأسود الدّؤلي القشمشية: أمّ الجمال [2] الملبّقة [3] : أمّ سهل الطباهجة [4] : زلزل المغنّي البقيلة: المشؤومة القليّة [5] : الناعية المصلّيّة: أمّ بشير الأرز: أبو الأشهب النرجسية: أبو الثّريّا [6] الجوذاب: أمّ الحسن الفالوذج: أبو مضاء، وأبو العلاء السكّر: أبو الطيّب الطّبرزد: أبو شيبة الخوزي اللحم الشّواء: الروح الأمين العسل: أمّ المؤمنين   [1] المغمومة: لبن يسخن حتى يغلظ قوامه. [2] نثر الدر: الحمّال. [3] الملبقة: الثريدة إذا كثر سمنها فلانت. [4] الطباهجة: لحم مشرح مطبوخ؛ الكباب. [5] القلية: مرقة تتخذ من أكباد الجزور ولحمها. [6] نثر الدر: أم الثريا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 135 الخبيص: أبو نعيم، وأبو الوزير، وأبو الوليد الحلواء: خاتم النبيين العصيدة: أم المؤمنين اللبن: أبو اليمان الرّمّان: أبو حفص السّفرجل: أم العجوز التين: أبو عجينة اللوزينج: بكير الطرائفي، ويقال: قبور الأطفال القطايف: قبور [الشهداء] الفراريج: بنات المؤذّن السّويق: أبو خفيف [1] الخلال: أبو الياس [2] ، وكتاب الغزل الأشنان والمخلب: منكر ونكير النبيذ: أبو غالب القرابة [3] : أم رزين النّقل: أبو تمام النرجس: أبو العيناء السايكسي: أبو فرعون [4] القدح: أبو قريب   [1] نثر الدر: أم حبيب. [2] نثر الدر: أبو البأس. [3] نثر الدر: الغرابة: اللحم الذي تحت الركبة في الساق. [4] نثر الدر: أم فرعون. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 136 النبيكة [1] : أم الفتيان الصراحية [2] : أم القاسم القاطرميز: أبو مزاحم المغنّي: أبو الأنس الزامر: حميد الكوسج المؤاجر [3] : أبو صابر القحبة: أبو ياسر [4] المخنّث: أبو عطيّة الثقيل: أبو ثهلان القوّاد: أبو مغيث المسخرة: الضحاك بن قيس المعربد: ضرار بن مخرّق [الطفيلي] : أبو الصقر الليثي الذي يتبع الطفيلي: زائدة بن مزيد القفل: أبو منيع المفتاح: أبو الفرج الدينار: أصفر سليم الدرهم: أبو واضح   [1] نثر الدر: النبيقة: دقيق يخرج من لب جذع النخلة يقوى بالدبس ويجعل نبيذا. [2] الصراحية: إناء الخمر. [3] نثر الدر: المواخر. [4] نثر الدر: أم ياسر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 137 «347» - كنية الجوع: أبو عمرة، أنشد أبو عمرو: [من الرجز] إنّ أبا عمرة شرّ جار ... يجرّني في ظلم الصحاري جرّ الذئاب جيفة الحمار «348» - قدّم أعرابيّ إلى ضيفه ثريدة وقال له: لا تقصعها، ولا تقعرها، ولا تشرمها، قال: فمن أين آكل؟ قال: لا أدري، فانصرف جائعا. أراد أن لا يأكل من أعلاها، ولا من أسفلها، ولا من حروفها. «349» - شكا مدنيّ إلى أبي العيناء سوء الحال، فقال له: أبشر، فإنّ الله قد رزقك [الاسلام] والعافية، قال: أجل، ولكن بينهما جوع يقلقل الكبد. 350- وضعت بين يدي أعرابيّ عصيدة تنش حرارة، فضرب بيده إليها فامتنعت عليه، فقال: أما والله إني لأعلم أنّك هيّنة المزدرد، ليّنة المسترط، وإنّك لتعلمين أني ابن بجدة بلادك في أكلك، وإني لأخاف أنّ العود إلى مثلك ستطول مدّته، فما يمنعني أن أتلقّى حرارتك ببلعوم سرطم، وحلقوم لهجم، وبطن أكبر، وجوف أرحب، فقضى الله في ذلك قضاءه بما أحببت وكرهت. 351- شاعر: [من الرمل] [يحسن] اللّقم ولا يخشى الغصص ... بلعما يقطع أزرار القمص «352» -[قيل] لأبي مرّة: أيّ الطعام أحبّ إليك؟ قال: ثريدة دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمّص، بلقاء من الشّحم، ذات حفافين من اللّحم، لها جناحان من العراق. قيل: وكيف أكلك لها؟ قال: أصدع بهاتين: يعني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 138 السّبّابة والوسطى، وأسند بهذه، يعني الإبهام، وأجمع ما شذّ منها بهاتين، يعني الخنصر والبنصر، وأضرب فيها ضرب الولي السوء في مال اليتيم. 353- مضغت أعرابية علكا، فقيل لها: كيف ترينه؟ قالت: تعب الأضراس، وخيبة الحنجرة. 354- دعي مزبّد إلى طعام فقال: أنا صائم، فلما قدّم الفالوذ زحف إليه، فقيل له في ذلك، فقال: أنا على [رد يوم] أقدر مني على ترك هذا. يتلوه باب السّير والعجائب وفنون الأشعار والغرائب والحمد لله، وصلى الله على نبيّه محمد وآله وصحبه وسلّم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 139 الباب السّابع والأربعون في أنواع السّير والأخبار وعجائبها، وفنون الأشعار وغرائبها الجزء: 9 ¦ الصفحة: 141 [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أسأله الإعانة على حسن الختام اللهمّ إنا نحمدك على حسن البلاء، ونشكر لك على ما أوليت من النّعماء، ونرجو منك توفيقا يقرّبنا من مراضيك، وتسديدا يقف بنا على حدود أوامرك ونواهيك، ونسألك العصمة من الأهواء المردية، والغبطة بالآراء المنجية، وأن تمدّنا من فضلك العميم، وبرّك الجسيم، بالهداية إلى أوضح المعالم والسّبل، والنجاة من معاطب الزّيغ والميل، وأن تجعل ما وقفتنا عليه من الأخبار، وأريتنا من الآيات ممّن تقدّمنا والآثار، عبرة ننتفع بنظرنا فيها، وموعظة تزجرنا عن موبق الأعمال ومرديها. اللهمّ وصلّ على نبيّك المختار، وعلى آله وأصحابه الأبرار، صلاة [ترفع بها] مقامه، وتعلي بها مكانه، وعمّنا بشفاعته، واحشرنا تحت لوائه بطاعته، إنك جواد مجيد، فعّال لما تشاء وتريد. آمين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 143 [ بداية الباب السابع والأربعون ] (الباب السابع والأربعون في أنواع السّير والأخبار وعجائبها، وفنون الأشعار وغرائبها) من أوضح الدّلالة على ما في معرفة السّير والآثار من الفوائد، ما أودعه الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم من أنباء الغابرين وسير الماضين، وقصص رسله صلّى الله عليهم ومن أرسلوا إليه من [العالمين] ، وعجائب ما أظهره على أيديهم من المعجزات، وخصّهم بفضله من الآيات، وغيرهم، كأصحاب الفيل والأخدود، وقصّة بلعام، والإخبار عن هاروت وماروت، وغير ذلك. ومنّ الله تعالى على نبيّه عليه الصلاة والسلام بما أطلعه عليه من سرّ الغيب إذ يقول: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا (هود: 49) . وقال سبحانه: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (يوسف: 3) . وقال في الاعتبار بهذا: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ (يوسف: 111) . وكتبه- سبحانه- القديمة [كالتوراة] والانجيل اشتملت كذلك على أخبار الماضين وقصصهم، حتى إنّ التوراة مترتّبة الأخبار من لدن آدم إلى بعثة موسى عليهما السلام. وهي من بعد لقاح العقول، ومشكاة الأفهام، وزناد التّجارب، ومقياس التّيقظ، ومنهاج الاعتبار، وجدد السالك. وإذ قد التفّت الأبواب التي تقدّمت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 144 بالأخبار والآثار التي هي من جنسها، أتبعتها في هذا الباب بما كان مستغربا ومعجبا نادرا، وبالأشعار الشاذة عن المعاني المطروقة، والمقاصد المسلوكة، والأغراض المعهودة، [ ... ] المعدّة لمثلها من نادر المطالب وشاذّ الاتفاق. والله تعالى الموفّق لما يرضيه، ويباعد من سخطه بمنّه وسعة فضله. «355» - روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج ليلة هاجر من مكّة إلى المدينة وأبو بكر رضي الله عنه، وعامر بن فهيرة، ودليلهما الليثيّ عبد الله بن أريقط، فمرّوا على خيمة أمّ معبد الخزاعيّة، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء بيتها، ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك. وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم إلى شاة [في كسر] الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أمّ معبد؟ قالت: خلّفها الجهد عن الغنم. قال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك. قال: أفتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: بأبي وأمي، نعم إن رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالشاة، فمسح ضرعها وسمّى الله عزّ وجلّ، ودعا لها في شاتها، فتفاجّت عليه ودرّت وأمرّت [1] . ودعا بإناء يربض الرّهط، فحلب فيه ثجّا حتى غلبه الثّمال [2] ، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم وقال: ساقي القوم آخرهم شربا. فشربوا علّا بعد نهل، ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، فبايعها وارتحلوا عنها. فقلّ ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيّلا عجافا   [1] البيهقي: واجترت. [2] البيهقي: علاه البهاء. [10 التذكرة الحمدونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 145 يتساوكن هزالا، مخّهنّ قليل، ولا نقي لهنّ. فلما رأى أبو معبد اللبن، عجب وقال: من أين هذا يا أمّ معبد، والشاة عازبة حائل، ولا حلوبة في البيت؟ فقالت: لا والله، إلا أنّه مرّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت. قال: صفيه لي يا أمّ معبد. قالت: رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه نحلة، ولم تزر به صعلة؛ وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي [أشفاره] وطف [1] ، وفي صوته صحل [2] ، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أحور، أكحل، أزجّ، أقرن؛ إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلّم سما وعلاه البهاء؛ أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، كأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرن، ربعة لا تشنوه من طول، ولا تقتحمه العين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفنّد. قال أبو معبد: [هو والله] صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره بمكّة ما ذكر، ولو كنت وافقته لا لتمست صحبته، ولأفعلنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا. «356» - روي أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظر إلى أهل الشورى جلوسا، فقال: أكلّكم يطمع في الخلافة بعدي؟ فوجموا، فقال لهم ثانية، فأجابه الزبير فقال: نعم، وما الذي يبعدنا عنها، وقد وليتها فقمت بها،   [1] البيهقي: غطف. [2] البيهقي: صهل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 146 ولسنا دونك في قريش، ولا خير في القرابة؟ فقال عمر: ألا أخبركم عن أنفسكم؟ قالوا: بلى، فإنّا لو استعفيناك ما أعفيتنا، فقال: أما أنت يا زبير فوعقة لقس، مؤمن الرّضا كافر الغضب، يوم [ ... ] شيطان، ولعلّها لو أفضت إليك، لظللت [ ... ] تلاطم في البطحاء على مدّ من شعير، أفرأيت إن أفضت إليك، فمن يكون على الناس يوم تكون شيطانا، ومن يكون إذا غضبت إماما؟ ما كان الله ليجمع لك أمر أمة محمد صلّى الله عليه وأنت في هذه الصفة. ثم أقبل على طلحة فقال: أقول أم أسكت؟ قال: قل، فإنّك لا تقول لي من الخير شيئا. قال: ما أعرفك منذ ذهبت أصبعك يوم أحد من البأو الذي أحدثت، ولقد مات رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ساخط للكلمة التي قلتها يوم نزلت آية الحجاب. أفأقول أم أسكت؟ قال: تالله لما سكتّ. ثم أقبل على سعد فقال: إنّما أنت صاحب قنص وقوس وأسهم، ومقنب من هذه المقانب، وما زهرة والخلافة وأمور الناس؟ ثم أقبل على عليّ بن أبي طالب، فقال: لله أنت لولا دعابة فيك، أما والله لو وليتهم لحملتهم على المحجّة البيضاء والحقّ الواضح، ولن يفعلوا. ثم قال: وأنت يا عبد الرحمن، فلو وزن إيمان المسلمين بإيمانك لرجحت، ولكن فيك ضعف، وليس يصلح هذا الأمر لمن ضعف مثل ضعفك، وما زهرة وهذا الأمر؟ ثم أقبل على عثمان فقال: هيهن إليك، كأني بك وقد قلّدتك قريش هذا الأمر، [ ...... ] فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا، والله لئن فعلوا لتفعلنّ، ولئن فعلت ليفعلنّ، ثم أخذ بناصيته فناجاه، ثم قال: إذا كان ذلك، فاذكر قولي هذا، فإنّه كائن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 147 357- روي عن عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة أنّه قال: اجتمع رجال من بني هاشم في منزلي، منهم: إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وعبد الله بن عليّ، وغيرهما من بني العباس. ومن ولد أبي طالب: عبد الله بن الحسن بن الحسن، وابنا عبد الله محمد وإبراهيم، وجعفر بن محمد وغيرهم من أهلهم. وكان اجتماعهم للحجّ، فخفي بذلك أمرهم. فابتدأ محمد بن عبد الله، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا بني هاشم، فإنكم خيرة الله، وعترة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وبنو عمّه وذرّيّته، فضّلكم الله بالوحي، وخصّكم بالنّبوّة، وإنّ أولى الناس بحفظ دين الله عزّ وجلّ، والذّبّ عن حرمه من وضعه الله تعالى بموضعكم من نبيّه صلّى الله عليه وسلم. وقد أصبحت الأمّة معصوبة، والسنّة مبدّلة، والأحكام معطّلة، فالباطل حيّ، والحقّ ميّت؛ فابذلوا أنفسكم في طاعة الله تعالى، واطلبوا باجتهادكم رضاه، واعتصموا بحبله، [وإياكم] أن تهونوا بعد كرامة، وتذلّوا بعد عزّ، كما ذلّت بنو إسرائيل من قبلكم وكانت أحبّ الخلق في وقتها إلى ربكم، فقال فيهم جلّ وعزّ: كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ (المائدة: 79) . فمن رأى منكم نفسه أهلا لهذا الأمر، فإنّا نراه له أهلا، وهذه يدي له بالسّمع والطاعة؛ ومن أحسّ من نفسه ضعفا وخاف منها وهنا وعجزا، فلا يحلّ له التولّي على المسلمين، وليس بأفقههم في الدين، ولا أعلمهم بالتأويل، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم. قال: فو الله ما ردّ أحد كلمة غير أبي جعفر عبد الله بن محمد فإنه قال: [أمتع] الله قومك بك، وأكثر فيهم مثلك، فو الله لا يزال فينا من يسمو إلى الخير، ويرجى لدفع الضّيم، ما أبقاك الله لنا، وشدّ بك أزرنا. فقالوا لعبد الله: أنت شيخ بني هاشم وأقعدهم، فامدد يدك حتى نبايعك. فقال: ما أفعل ذلك، ولكن هذا ابني محمد، فبايعوه، فقالوا له: إنّما قيل لك هذا لأنّه لم يشكّ فيه، وههنا من هو أحقّ بالأمر منك، واختلطت الأصوات، وقاموا لوقت صلاة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 148 قال عبد الله بن جعفر: فتوكأ جعفر بن محمد على يدي وقال: والله ما يملكها إلا هذان الفتيان، وأومأ إلى السفاح والمنصور، ثم تبقى فيهم حتى يتلعّب بها خدمهم ونساؤهم، [ ... ] على محمد بن عبد الله كلامه من العباسيين هو قاتله وقاتل أبيه وأخيه. ثم افترقوا فقال لي عبد الله بن محمد المنصور، وكانت بيني وبينه خاصّة ودّ: ما الذي قال لك جعفر؟ فعرّفته ذلك، فقال: إنا خبرنا أبا محمد، ما قال شيئا إلا وجدناه كما قال. قال عبد العزيز بن عمران: وبلغني أنّ المنصور قال: رتّبت عمّالي بعد كلام جعفر ثقة بقوله. 358- وروي عن أبي هريرة أنّه قال: لما كان الفتح قال لي خالد بن الوليد: يا أبا هريرة، اذهب بنا إلى هند بنت عتبة لعلّك تقرأ عليها بعض القرآن لينفعها الله تعالى به. قلت: انطلق. فدخلنا عليها كأنّها والله فرس عربيّ، وكأنّ وراء عجيزتها رجلا جالسا. فقال لها خالد بن الوليد: يا أمّ معاوية، هذا أبو هريرة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، جئتك به ليتلو عليك القرآن، ويذكر أمر الإسلام، قالت: هات، قال أبو هريرة: بسم الله الرحمن الرحيم: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الملك: 1) ، حتى انتهى إلى قوله عزّ وجلّ: كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (الملك: 4) . قالت: لا وسدن الكعبة، ما سمعنا بشاعر قطّ ينتحل خلق السماوات والأرض إلا [صاحبكم] هذا. قال: يقول خالد: قم يا أبا هريرة، فو الله لا تسلم هذه أبدا. فقمنا فخرجنا من عندها. 359- لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام كان النّوح عليه بالمدينة في كلّ بيت سنة كاملة، ثم نيح عليه في السنة الثانية في كلّ جمعة، ثم نيح عليه في الثالثة في كلّ شهر. وكان مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يدخلان إليهم مقنّعين فيبكيان أشدّ بكاء حتى ينقضي النّوح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 149 «360» - كان بالمدينة رجل من أهل الكتاب [1] يقال له يوسف، موصوف بقراءة الكتب. فلقي عبد الملك بن مروان، فقال له: إن بشّرتك بشارة تسرّك، ما تجعل لي؟ قال: وما مقدارها من السرور حتى يعلم مقدارها من الجعل؟ قال: أن تملك الأرض، قال: ما لي من مال، ولكن أرأيت إن تكلّفت لك جعلا أتأتيني بذلك قبل وقته؟ قال: لا، قال: فإن حرمتك، أتؤخّره عن وقته؟ قال: لا، قال: حسبك ما فعلت [2] . «361» - كان في عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عجائب، منها أنّ أسنانه كانت قطعة واحدة، ودخل قبره بأسنانه التي ولد بها، ولم ينبت له سن ولم يتغيّر. ومنها أنه حجّ في سنة سبعين ومائة، وحجّ يزيد بن معاوية بهم سنة خمسين وبينهما [مائة] وعشرون سنة، وهما في القعدد سواء. ومنها أنّه كان يوما عند الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، هذا مجلس فيه عمّك، وعمّ أبيك، وعمّ جدّك، يعني سليمان بن أبي جعفر عمّ الرشيد، والعباس بن محمد عمّ المهديّ، وعبد الصمد بن عليّ عمّ المنصور. ومنها أنّه دخل سربا فطارت ريشتان فلصقتا بعينيه، فذهب بصره. «362» - دخل أبو عبيد الله معاوية بن يسار كاتب المهديّ على المهديّ،   [1] نثر الدر: الكتابة. [2] نثر الدر: ما سمعت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 150 وكان قد وجد عليه في أمر بلغه عنه، وأبو العتاهية حاضر بالمجلس، فجعل المهديّ يشتم أبا عبيد الله ويتغيّظ عليه في أمر، ثم أمر فجرّ برجله وحبس، ثم أطرق المهديّ طويلا، فلما سكن أنشد أبو العتاهية: [من الوافر] أرى الدنيا لمن هي في يديه ... عذابا كلّما كبرت لديه تهين المكرمين لها بصغر ... وتكرم كلّ من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه ... وخذ ما أنت محتاج إليه فتبسّم المهديّ، ثم قال لأبي العتاهية: أحسنت، فقام أبو العتاهية فقال: والله يا أمير المؤمنين ما رأيت أحدا أشدّ إكراما للدنيا، ولا أضنّ بها، ولا أحرص عليها من هذا الذي يجرّ برجله الساعة، ولقد دخلت على أمير المؤمنين، ودخل وهو أعزّ الناس، فما برحت حتى رأيته أذلّ الناس، ولو رضي من الدنيا بما يكفيه لاستوت أحواله ولم تتفاوت. فتبسّم المهديّ ودعا بأبي عبيد الله ورضي عنه. وكان أبو عبيد الله يذكر ذلك لأبي العتاهية. «363» - لمّا قتل زياد عروة بن أديّة الخارجي، وهو عروة بن حدير أحد بني ربيعة بن حنظلة، وأديّة جدّة [له] وهو فيما يقال: أوّل [من] حكّم، عاد زياد فقال [لمولى عروة] : صف لي أموره، فقال: أطنب أم أختصر؟ قال: اختصر، قال: ما أتيته بطعام نهارا قطّ، ولا فرشت له فراشا بليل قطّ. 364- حدّث أبو عمرو الشيبانيّ أنّ يزيد بن معاوية شرب حتى سكر، ثم ركب فرسا وأقبل حتى علا جبلا، فانتهى إلى فصل بينه وبين جبل آخر، فأراد أن يوثب فرسه حتى يلحق الجبل الآخر، فقرعه بالسّوط، فوثب فلم يبلغ، وسقط فمات. 365- حدّث خالد بن كلثوم وهشام بن الكلبيّ وأبو عمرو الشيبانيّ أنّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 151 ابنه عمر [؟] لمّا حجّ وانصرف قال: [من الرجز] إذا جعلن ناقلا يمينا ... فلن نعود بعدها سنينا للحجّ والعمرة ما بقينا فبدرت إليه صاعقة فاحترق مكانه، فبلغ ذلك محمد بن علي فقال: لم يستخفّ أحد ببيت الله عزّ وجلّ إلا عوجل. 366- قيل لبزر جمهر: من أعلم الناس بالدنيا؟ قال: أقلّهم منها تعجّبا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 152 وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم 367- عن جابر بن عبد الله وابن عباس قالا: لما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر: 1) إلى آخر السورة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا جبريل، نفسي قد نعيت، قال جبريل: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (الضحى: 4، 5) . فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بلالا أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فصلى بالناس، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب، وبكت منها العيون، ثم قال: أيها الناس، أيّ نبيّ كنت لكم؟ فقالوا: جزاك الله من نبيّ خيرا، فلقد كنت لنا كالأب الرحيم، وكالأخ الناصح المشفق؛ أدّيت رسالات الله، وأبلغتنا وحيه، ودعوت إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيّا عن أمّته. فقال لهم: معاشر المسلمين، أنا أنشدكم الله وبحقّي عليكم، من كان منكم له قبلي مظلمة، فليقم فليقتصّ مني، فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثانية، فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثالثة: معاشر المسلمين، من كانت له قبلي مظلمة، فليقم فليقتصّ مني قبل القصاص يوم القيامة. فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له: عكاشة، فتخطّى المسلمين حتى وقف بين يدي النبيّ صلّى الله عليه وسلم فقال: فداك أبي وأمّي، لولا أنّك ناشدتنا مرّة بعد أخرى، ما كنت بالذي أتقدّم على شيء منك؛ كنت معك في غزاة، فلما فتح الله علينا، ونصر نبيّه صلّى الله عليه وسلم، [وأردت] الانصراف، حاذت ناقتي ناقتك، فنزلت عن الناقة، ودنوت منك لأقبّل فخذك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، فلا أدري أكان عمدا منك أم أردت ضرب الناقة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا عكاشة، أعيذك بجلال الله أن يتعمّدك رسول الله بالضرب؛ يا بلال، انطلق إلى منزل فاطمة فأتني بالقضيب الممشوق، فخرج الجزء: 9 ¦ الصفحة: 153 بلال من المسجد ويده على أمّ رأسه وهو ينادي: هذا رسول الله يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة، فقال: يا ابنة رسول الله، ناوليني القضيب الممشوق، فقالت فاطمة: يا بلال، وما يصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حجّ ولا [ ... ] ؟ فقال: يا فاطمة، ما أغفلك عمّا فيه أبوك؟! إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يودع الدين ويفارق الدنيا، ويعطي القصاص من نفسه، فقالت فاطمة عليها السلام: يا بلال، ومن تطيب نفسه أن يقتصّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ يا بلال، أدن وقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل فيقتصّ منهما، ولا يدعانه يقتصّ من رسول الله. ودخل بلال المسجد، ودفع القضيب إلى عكاشة. فلما نظر أبو بكر وعمر إلى ذلك قاما فقالا: يا عكاشة، هذا نحن بين يديك، فاقتصّ منا ولا تقتصّ من رسول الله. فقال لهما النبيّ صلّى الله عليه وسلم: امض أنت يا أبابكر، وأنت يا عمر فامض، فقد عرف الله مكانكما ومقامكما؛ وقام عليّ بن أبي طالب فقال: يا عكاشة، أنا في الحياة بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا تطيب نفسي أن تضرب رسول الله، فهذا ظهري وبطني، اقتصّ مني بيدك واجلدني، ولا تقتصّ من رسول الله. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: يا عليّ، اقعد، فقد عرف الله مقامك ونيّتك. وقام الحسن والحسين فقالا: يا عكاشة، ألست تعلم أنّا سبطا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والقصاص [منّا] كالقصاص من رسول الله؟ فقال لهما النبيّ صلّى الله عليه وسلم: اقعدا يا قرّة عيني، لا نسي الله لكما هذا المقام، ثم قال عليه الصلاة والسلام: يا عكاشة، اضرب إن كنت ضاربا، فقال: يا رسول الله، ضربتني وأنا حاسر عن بطني. فكشف عن بطنه صلّى الله عليه وسلم، وصاح المسلمون وقالوا: أترى عكاشة ضاربا بطن رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟! فلما نظر عكاشة إلى بياض بطنه صلّى الله عليه وسلم كأنّه القباطيّ، لم يملك أن أكبّ عليه، فقبّل بطنه وهو يقول: فداك أبي وأمي، ومن تطيق نفسه أن يقتصّ منك؟! فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلم: إمّا أن تضرب، وإمّا أن تعفو. فقال: قد عفوت عنك رجاء أن يعفو الله عني في القيامة. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: من أراد أن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 154 ينظر إلى رفيقي في الجنة، فلينظر إلى هذا الشّيخ، فقام المسلمون فجعلوا يقبّلون ما بين عينيه ويقولون: طوباك! طوباك! نلت درجات العلى، ومرافقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فمرض رسول الله من يومه، فكان مريضا ثمانية عشر يوما يعوده الناس. وكان صلّى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، فلما كان يوم الأحد ثقل في مرضه، فأذّن بلال بالأذان، ثم وقف بالباب فنادى: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، الصلاة رحمك الله. فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم صوت بلال، فقالت فاطمة: يا بلال إن رسول الله مشغول بنفسه. فدخل بلال المسجد، فلما أسفر الصبح قال: والله لا أقيمها حتى أستأذن سيدي رسول الله. فرجع وقام بالباب ونادى: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، الصلاة رحمك الله. فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم صوته فقال: ادخل يا بلال، إنّ رسول الله مشغول بنفسه، مر أبا بكر يصلّي بالناس، فخرج ويده على أمّ رأسه، وهو يقول: يا غوثاه! يا لله وانقطاع رجائي وانقصام ظهري! ليتني لم تلدني أمي، وإذ ولدتني لم أشهد من رسول الله هذا اليوم، ثم قال: يا أبا بكر، ألا إنّ رسول الله يأمرك أن تصلّي بالناس. فتقدّم أبو بكر للناس، وكان رجلا رقيقا، فلما نظر إلى خلوّ المكان من رسول الله لم يتمالك أن خرّ مغشيّا عليه، وصاح المسلمون بالبكاء. فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضجيج الناس، فقال: ما هذه الضجّة؟ قالوا: ضجيج المسلمين لفقدك يا رسول [الله] . فدعا عليّ بن أبي طالب والعباس فاتّكأ عليهما، فخرج إلى المسجد، فصلّى بالناس ركعتين خفيفتين، ثم أقبل بوجهه المليح عليهم، فقال: معشر المسلمين، عليكم باتّقاء الله وحفظ طاعته من بعدي، فإني مفارق الدنيا؛ هذا أوّل يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا. فلما كان في يوم الاثنين اشتدّ به الأمر، وأوحى الله تعالى إلى ملك الموت: أن اهبط إلى حبيبي وصفيّي محمد في أحسن صورة، وارفق به في قبض روحه. فهبط ملك الموت فوقف بالباب شبه أعرابيّ، ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 155 الملائكة، أأدخل؟ فقالت عائشة لفاطمة: أجيبي الرجل، فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، إنّ رسول الله مشغول بنفسه؛ فنادى الثانية، فقالت عائشة: يا فاطمة، أجيبي الرجل، فقالت مثل المقالة الأولى، ثم دعا الثالثة مثل الأولى والثانية: أأدخل فلا بدّ من الدخول. فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم صوت ملك الموت عليه السلام، فقال: يا فاطمة، من بالباب؟ قالت: يا رسول الله، إنّ رجلا بالباب يستأذن في الدخول فأجبناه مرّة بعد أخرى، فنادى في الثالثة صوتا اقشعرّ منه جلدي وارتعدت فرائصي، فقال لها النبيّ صلّى الله عليه وسلم: يا فاطمة، أتدرين من بالباب؟ هذا هادم اللذات، ومفرّق الجماعات؛ هذا مرمّل الأزواج، ومؤتم الأولاد؛ هذا مخرّب الدور، وعامر القبور، هذا ملك الموت؛ ادخل رحمك الله، يا ملك الموت، جئتني زائرا أم قابضا؟ قال: جئتك زائرا وقابضا، وأمرني الله أن لا أدخل عليك إلا بإذنك، ولا أقبض روحك إلا بإذنك، فإن أذنت، وإلا رجعت إلى ربّي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا ملك الموت، أين خلّفت حبيبي جبريل؟ قال: خلّفته في السماء الدنيا والملائكة يعزّونه فيك. فما كان بأسرع من أن أتاه جبريل عليه السلام، فقعد عند رأسه، فقال رسول الله: يا جبريل، هذا الرحيل من الدنيا، فبشّرني، ما لي عند الله؟ قال: أبشّرك يا حبيب الله أني تركت أبواب السماء قد فتحت، والملائكة قد قاموا صفوفا صفوفا بالتحيّة والرّيحان، يحيّون روحك يا محمد. فقال: لوجه ربّي الحمد، فبشّرني يا جبريل، قال: أنت أوّل شافع وأوّل مشفّع في القيامة. قال: لوجه ربّي الحمد، فبشّرني يا جبريل، قال جبريل: عمّ تسألني؟ قال: أسألك عن غمّي وهمّي؛ من لقرّاء القرآن من بعدي؟ من لصوّام شهر رمضان من بعدي؟ من لحجّاج بيت الله الحرام من بعدي؟ من لأمّتي المصطفاة من بعدي؟ قال: أبشر يا حبيب الله، فإنّ الله تعالى يقول: قد حرّمت الجنّة على جميع الأنبياء حتى تدخلها أنت وأمّتك يا محمد. قال: الآن طابت نفسي، ادن يا ملك الموت فانته إلى ما أمرت به. فقال عليّ عليه السلام: يا رسول الله، إذا أنت قبضت فمن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 156 يغسلك، وفيما نكفّنك، ومن يصلّي عليك ومن يدخلك القبر؟ فقال النبيّ عليه الصلاة والسلام: أما الغسل، فاغسلني أنت، وابن عباس يصبّ عليك الماء، وجبريل ثالثكما، فإذا أنتم فرغتم من غسلي، فكفّنوني في ثلاثة أثواب جدد، وجبريل يأتيني بحنوط من الجنّة، فإذا أنتم وضعتموني على السرير، فضعوني في المسجد واخرجوا عني؛ فإنّ أوّل من يصلّي عليّ الربّ من فوق عرشه، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم الملائكة زمرا زمرا، ثم ادخلوا فقوموا صفوفا صفوفا لا يتقدّم عليّ أحد. فقالت فاطمة: اليوم الفراق، فمتى ألقاك؟ فقال لها: يا بنيّة، تلقينني يوم القيامة عند الحوض وأنا أسقي من يرد عليّ الحوض من أمتي، قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: تلقينني عند الميزان وأنا أشفع لأمّتي. قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: تلقينني عند الصراط وأنا أنادي: ربّ سلّم أمّتي من النار. فدنا ملك الموت فعالج قبض روح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما بلغ الروح إلى الركبتين، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: أوّه! فلما بلغ الروح إلى [ ... ] النبي عليه السلام: واكرباه! فقالت فاطمة: واكرباه! لكربك يا أبتاه. فلما بلغ الروح إلى الثّندوة، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: يا جبريل ما أشدّ مرارة الموت! فولّى جبريل وجهه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: كرهت النّظر إليّ يا جبريل! فقال جبريل: يا حبيبي، ومن تطيق نفسه أن ينظر إليك وأنت تعالج سكرات الموت؟ فقبض صلّى الله عليه وسلم، فغسله عليّ، وابن عباس يصبّ الماء عليه، وجبريل معهما، فكفّن بثلاثة أثواب جدد، وحمل على السرير، ثم أدخلوه المسجد، ووضعوه في المسجد، وخرج [ ... ] . فأوّل من صلّى عليه الربّ من فوق عرشه، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم الملائكة زمرا زمرا. قال عليّ عليه السلام: لقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصا، فسمعنا هاتفا يهتف وهو يقول: ادخلوا- يرحمكم الله- فصلّوا على نبيّكم. فدخلنا فقمنا صفوفا كما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكبّرنا بتكبير جبريل، وصلّينا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بصلاة جبريل ما تقدّم منا أحد على رسول الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 157 ودخل القبر عليّ بن أبي طالب وابن عباس وأبو بكر، ودفن رسولت الله، فلما انصرف الناس قالت فاطمة لعليّ: يا أبا الحسن، [ ... ] رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالت: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله؟ أما كان في صدوركم لرسول الله الرحمة؟ أما كان معكم الخير؟ قال: بلى يا فاطمة، ولكنّ أمر الله الذي لا مردّ له، فجعلت تندب وتبكي وهي تقول: يا أبتاه! الآن انقطع عنا جبريل، وكان جبريل يأتينا بالوحي من السماء. «368» - عن رقيقة بنت أبي صيفي، وكانت لدة عبد المطلب بن هاشم: تتابعت على قريش سنون جدب، أقحلت الضرّع، وأرقّت العظم، فبينا أنا راقدة اللهمّ [أو مهوّمة] ومعي صنوي، إذا أنا بهاتف صيّت يصرخ بصوت صحل يقول: يا معشر قريش، إنّ هذا النبيّ المبعوث فيكم قد أظلّتكم أيّامه، وهذا إبّان نجومه، فحيّهلا بالحياة والخصب، ألا فانظروا منكم رجيلا وسيطا، عظاما، جساما، أبيض بضّا، أوطف الأهداب، سهل الخدّين، أشمّ العرنين، له فخر يكظم عليه، وسنة تهدى إليه، ألا فليخلص هو وولده، وليدلف إليه من كلّ بطن رجل، ألا فليشنّوا عليهم من الماء، وليمسّوا من الطيب، وليطوفوا بالبيت سبعا، ألا وفيهم الطيّب الطاهر لذاته، ألا فليستسق الرجل، وليؤمّن القوم، ألا فغثتم إذن ما شئتم وعشتم. قالت: [فأصبحت مفؤودة] مذعورة، قد قفّ جلدي، ودله عقلي، فقصصت رؤياي، فذهب في شعاب مكة، فو الحرمة والحرم إن بقي أبطحيّ إلا قال: هذا شيبة الحمد. فتنامت إليه رجالات قريش، وانفضّ إليه من كلّ بطن رجل فشنّوا ومشوا واستلموا واطوّفوا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفق القوم يدفّون حوله ما إن يدرك سعيهم مهله حتى قرّوا بذروة الجبل واستكفّوا جانبيه. فقام عبد المطلب فاعتضد ابن ابنه محمّدا، فرفعه على عاتقه، وهو يومئذ غلام قد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 158 أيفع أو كرب، ثم قال: اللهمّ سادّ الخلّة، وكاشف الكربة، [أنت عالم] غير معلّم، مسؤول غير مبخّل، وهذه [عبدّاؤك] وإماؤك بعذرات حرمك، يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الخفّ والظّلف، فاسمعنّ اللهمّ وأمطرنّ علينا غيثا مغدقا مريعا. فوالكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها، واكتظّ الوادي بثجيجه، فسمعت شيخان قريش ورجلتها: عبد الله بن جدعان، وحرب ابن أمية، وهشام بن المغيرة، يقولون: هنيئا لك أبا البطحاء. 369- عن هند بنت الجون: نزل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم خيمة خالتها أمّ معبد، فقام من رقدته، فدعا بماء فغسل يده، ثم تمضمضص ومجّ في عوسجة إلى الخيمة، فأصبحت وهي كأعظم [ ... ] بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشّهد، ما أكل منها جائع إلا شبع، ولا ظمآن إلا روي، ولا سقيم إلا برىء، ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا درّ لبنها، فكنا نسمّيها المباركة، وينتابنا من البوادي من يستسقي بها، ويتزوّد منها، حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها، وصغر ورقها، ففزعنا، فما راعنا إلا نعي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم إنّها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أولها إلى آخرها، وتساقط ثمرها، وذهبت نضرتها، فما شعرنا إلا [ ..... ] عليّ رضي الله عنه، فما أثمرت بعد ذلك؛ وكنّا ننتفع بورقها، ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط، وقد ذبل ورقها؛ فبينا نحن فزعين مهمومين إذ أتانا خبر مقتل الحسين، ويبست الشجرة على إثر ذلك وذهبت. وهذا خبر غريب، ولم يشتهر خبر الشجرة كما شهر أمر الشاة في خبر أمّ معبد، وقد تقدّم في أول هذا الباب، وهو من أعلام السّير. «370» - لمّا تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (النجم: 1) ، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 159 قال عتبة بن أبي لهب: كفرت بربّ النّجم، فقال صلّى الله عليه وسلم: اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك. فخرج مع أصحابه في عير إلى الشام [فلما] كانوا بمكان يقال له الزرقاء، زأر الأسد، فجعلت فرائص عتبة ترعد، فقالوا: من أيّ شيء ترعد فرائصك، فو الله ما نحن وأنت إلا سواء؟ فقال: إنّ محمّدا دعا عليّ، ولا والله ما أظلّت السماء من ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء، فلم يدخل يده فيه؛ ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسّطوه بينهم وناموا. فجاء الأسد يهمس [؟] يستنشي رؤوسهم رجلا رجلا حتى انتهى إليه فضغمه ضغمة كانت إيّاها، فسمع وهو بآخر رمق يقول: ألم أقل لكم إنّ محمّدا أصدق الناس؟! «371» - جابر بن عبد الله رضي الله عنه: بعثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمّر علينا أبا عبيدة نتلقّى عيرا لقريش، وزوّدنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره. فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصّها كما يمصّ الصبيّ، ثم نشرب عليها من الماء، فيكفينا يومنا إلى الليل، وكنا يضرب بعضنا الخبط ثم نبلّه بالماء فنأكله. فانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا كهيئة الكثيب الضّخم، فأتيناه فإذا دابّة تدعى العنبر، فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنّا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدّهن، ونقتطع منه الفدرة كالثّور، ولقد أخذ منّا أبو عبيدة [ثلاثة عشر] رجلا فأقعدهم في وقب عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثم رحل أعظم بعير منّا، فمرّ من تحتها، وتزوّدنا من لحمه وشائق، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ فأرسلنا إليه صلّى الله عليه وسلم فأكله. «372» - قال خريم بن أوس: هاجرت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم منصرفه من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 160 تبوك وسمعته يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي، وهذه الشيماء بنت بقيلة على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود، فقلت: [يا رسول الله] ، إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها بما تصف، فهي لي، فقال: هي لك. ثم كانت الرّدّة فدخلناها، فكان أوّل من لقينا الشيماء كما قال صلّى الله عليه وسلم على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود، فتعلّقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فدعا خالد بالبيّنة، فشهد لي محمد بن سلمة ومحمد بن بشير الأنصاري، فدفعها إليّ؛ وجاء أخوها عبد المسيح فقال لي: بعنيها، فقلت: لا أنقصها والله من عشر مئات شيئا، فأعطاني ألف درهم، فقال لي: لو قلت مائة ألف لدفعتها إليك، فقلت: ما كنت أحسب عددا أكثر من عشر مئات. «373» - قال شيبة بن [عثمان بن] طلحة: ما كان أحد أبغض إليّ من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ وكيف لا يكون ذلك وقد قتل منا ثمانية، كلّ منهم يحمل اللواء. فلما فتح مكّة أيست ممّا كنت أتمنّاه من قتله، وقلت في نفسي: قد دخلت العرب في دينه فمتى أدرك ثأري منه؟ فلما اجتمعت هوازن لحنين قصدتهم لأجد منهم غرّة فأقتله، ودبّرت في نفسي كيف أصنع؛ فلما انهزم الناس وبقي رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع النفر الذين بقوا معه، جئت من ورائه، ورفعت السّيف حتى إذا كدت أحطّه غشّي فؤادي فلم أطق ذلك [وعرفت أنه] ممنوع. وروي أنه قال: فرفع لي شواظ من نار حتى كاد أن يمحشني، ثم التفت إليّ وقال لي: أدن يا شيب فقاتل، ووضع يده في صدري، فصار أحبّ الناس إليّ، وتقدّمت فقاتلت بين يديه، ولو عرض لي أبي لقتلته في نصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما انقضى القتال دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لي: الذي أراد الله بك خير ممّا أردته بنفسك، وحدّثني بجميع ما زوّرته في نفسي، فقلت: ما اطّلع على هذا أحد إلا الله، وأسلمت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 161 «374» - لمّا حاصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أهل الطائف، قال عيينة بن حصن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ائذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلّمهم، فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجاءهم فقال: أدنو منكم وأنا آمن؟ قالوا: نعم، وعرفه أبو محجن فقال: ادن. فدخل عليهم الحصن فقال: فداكم أبي وأمي، والله ما لاقى محمد مثلكم، ولقد ملّ المقام، فاثبتوا في حصنكم، فإنّ حصنكم حصين، وسلاحكم كثير، ونبلكم حاضرة، وطعامكم كثير، وماءكم واتن [1] لا تخافون قطعه. فلمّا خرج قالت ثقيف لأبي محجن: فإنّا كرهنا دخوله، وخشينا أن يخبر محمدا بخلل [إن رآه] في حصننا. فقال أبو محجن: أنا كنت أعرف به، ليس منا أحد أشدّ على محمد منه وإن كان معه. فلما رجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ما قلت لهم؟ قال: قلت: ادخلوا في الإسلام، فو الله ما يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا، فخذوا لأنفسكم أمانا، فخذّلتهم ما استطعت. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: كذبت، قلت لهم كذا وكذا. وعاتبه أبو بكر على ذلك، فقال: أستغفر الله يا أبا بكر، وأتوب إليه، ولا أعود إليه أبدا. «375» - لمّا رجع المشركون من بدر إلى مكّة أقبل عمير بن وهب الجمحيّ في الحجر، فقال صفوان بن أمية: قبّح الله العيش بعد قتلى بدر! قال عمير: أجل والله ما في العيش خير، ولولا دين عليّ لا أجد له قضاء، وعيال لا أدع لهم شيئا، لرحلت إلى محمد حتى أقتله إن ملأت عيني منه، فقد بلغني أنه يطوف في الأسواق، وإنّ لي عندهم علّة، أقول: قدمت على ابني هذا الأسير. ففرح صفوان بقوله، فقال: يا أبا أميّة، وهل تراك فاعلا؟ قال: إي وربّ هذه البنيّة. قال صفوان: فعليّ دينك، وعيالك أسوة عيالي، فأنت والله تعلم أنه ليس   [1] واتن: ماء كثير لا ينقطع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 162 بمكّة أشدّ توسّعا على عياله مني، فقال عمير: قد عرفت بذلك يا أبا وهب، قال صفوان: علي بعيره [ ... ] ، وأجرى على عياله ما أجرى على عيال نفسه، وأمر عمير بسيفه فشحذ وسمّ، ثم خرج إلى المدينة وقال لصفوان: أكتم عليّ أيّاما حتى أقدمها، فلم يذكرها صفوان. وقدم عمير فنزل على باب المسجد وعقل راحلته، وأخذ السيف فتقلّده، ثم عمد نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنظر عمر رضي الله عنه وهو في نفر من أصحابه يتحدّثون ويذكرون نعمة الله عليهم في بدر، ورأى عميرا وعليه السيف، فقال عمر لأصحابه: دونكم هذا عدوّ الله، ودخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآله وصحبه فقال: يا رسول الله، هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد ومعه السيف! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: أدخله عليّ. فخرج عمر فأخذ بحمالة سيفه، فقبض بيده عليها وأخذ بيده الأخرى قائم السّيف، ثم أدخله على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: يا عمر، تأخّر عنه، فلما دنا عمير من رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له: ما أقدمك يا عمير؟ قال: قدمت في أسيري عندكم، تفادوننا وتحسنون إلينا فيه فإنكم العشيرة والأهل. قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: فما بال السيف؟ قال: قبّحها الله من سيوف! وهل أغنت من شيء؟ وإنما نسيته حين نزلت وهو في رقبتي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فما شرطت لصفوان بن أمية في الحجر؟ ففزع عمير وقال: ماذا شرطت له؟ قال: تحمّلت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك، والله حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول الله، وأنّك صادق، وأشهد أن لا إله إلا الله، كنّا يا رسول الله نكذّبك بالوحي بما يأتيك من السماء، وإنّ هذا الحديث كان شيئا بيني وبين صفوان كما قلت لم يطّلع عليه أحد غيري وغيره، وقد أمرته أن يكتم عليّ أيّاما، فأطلعك الله عليه، فآمنت بالله ورسوله، وشهدت أنّ ما جئت به حق. قال عمر: والله لخنزير كان أحبّ إليّ منه حين طلع، و [هو] في هذه الساعة أحبّ إليّ من بعض ولدي. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: علّموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره. فقال عمير: إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، وقد هداني الله، فله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 163 الحمد، فائذن لي فألحق بقريش فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام. فأذن له، فلحق بمكّة. وكان صفوان يسأل عن عمير، فقيل له: إنه قد أسلم، فلعنه أهل مكّة، وحلف صفوان أن لا يكلّمه أبدا ولا ينفعه، واطّرح عياله. وقدم عمير فدعاهم إلى الله وأخبرهم بصدق رسوله، فأسلم معه بشر كثير. «376» - حدّث عبد الله بن عباس قال: حدّثني أبو سفيان بن حرب من فيه، قال: كنّا قوما تجارا، وكانت الحرب بيننا وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد حصرتنا حتى نهكت أموالنا، فلما كانت الهدنة- هدنة الحديبية- بيننا وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم، خرجت في نفر من قريش إلى الشام، وكان وجه متجرنا غزّة، فقدمناها حين ظهر هرقل على من كان في بلاده من الفرس، فأخرجهم منها، وردّ عليه صليبه الأعظم، وقد كانوا استلبوه إيّاه؛ فلما بلغه ذلك، وكان منزله بحمص من أهل الشام، خرج منها يمشي متنكّرا إلى بيت المقدس يصلّي فيه، تبسط له البسط وتطرح له الرياحين حتى انتهى إلى إيلياء، فصلّى بها؛ فأصبح ذات غداة وهو مهموم يقلّب طرفه إلى السماء، فقالت بطارقته: أيّها الملك، لقد أصبحت مهموما؟ فقال: أجل، فقالوا: وما ذاك؟ فقال: أريت في هذه الليلة أنّ ملك الختان ظاهر، قالوا: فو الله ما نعلم أنّ أمّة من الأمم تختتن إلا يهود، وهم تحت يديك وسلطانك، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم، فابعث في مملكتك كلّها ولا يبقى يهوديّ إلا ضربت عنقه، فتستريح من هذا المهمّ؛ فإنّهم في ذلك من رأيهم يديرونه إذ [أتى] رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد وقع إليهم، فقال: أيّها الملك، هذا رجل من العرب من أهل الشاء والإبل يحدّثك عن حدث كان ببلاده، فسله عنه. فلما انتهى إليه قال لترجمانه: سله، ما هذا الخبر الذي كان في بلاده؟ فسأله، فقال: رجل من العرب من قريش خرج يزعم أنّه نبيّ، وقد اتّبعه أقوام وخالفه آخرون، وقد كانت بينهم ملاحم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 164 في مواطن، فخرجت من بلادي وهم على ذلك. فلما أخبره الخبر قال: جرّدوه، فإذا هو مختون. فقال: هذا والله الذي أريت لا ما تقولون، أعطه ثوبه، وانطلق لشأنك. ثم دعا صاحب شرطته فقال: قلّب لي الشام ظهرا وبطنا حتى [تأتيني] برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه. فو الله إني لبغزّة إذ هجم علينا، فسألنا: من أنتم؟ فأخبرناه، فساقنا إليه جميعا، فلما انتهينا إليه- قال أبو سفيان: فو الله ما رأيت من رجل قطّ أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأقلف- يريد هرقل- فلما انتهينا إليه قال: أيّكم أمسّ رحما به؟ فقلت: أنا، فقال: أدنوه مني؛ فأجلسني بين يديه، ثم أمر أصحابي فأجلسهم خلفي وقال: إن كذب، فردّوا عليه. فقال أبو سفيان: لقد عرفت أن لو كذبت ما ردّوا عليّ، ولكني كنت امرءا سيّدا أتكرّم [عن أن] أكذب، وعرفت أنّ أدنى ما يكون في ذلك أن يرووه عليّ، ثم يتحدّثوا عني بمكّة، فلم أكذبه. فقال: أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج فيكم؛ فزهّدت له شأنه، وصغّرت له أمره، فو الله ما التفت إلى ذلك منّي وقال: أخبرني عمّا أسألك عنه من أمره. فقلت: سلني عمّا بدا لك. فقال: كيف نسبه فيكم؟ فقلت: محضا من أوسطنا نسبا. قال: فأخبرني، هل كان في أهل بيته أحد يقول مثل قوله، فهو يتشبّه به؟ فقلت: لا، قال: فأخبرني، هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه، فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه؟ فقلت: لا. قال: فأخبرني عن أتباعه، من هم؟ فقلت: الأحداث والضعفاء والمساكين، فأما أشراف قومه وذوو الأسنان منهم فلا. قال: فأخبرني عمّن يصحبه، أيلزمه أم يقليه ويفارقه؟ قلت: قلّ ما صحبه رجل ففارقه. قال: فأخبرني عن الحرب بينكم وبينه؟ فقلت: سجال؛ يدال علينا ويدال عليه. قال: فأخبرني هل يغدر؟ فلم أجد شيئا أغمز فيه إلا هي، فقلت: لا، ونحن منه في هدنة مدّة، ولا نأمن غدره، فو الله ما التفت إليها منّي. فأعاد عليّ الحديث، فقال: زعمت أنّه من أمحضكم [نسبا] وكذاك يأخذ الله النبيّ إذا أخذه فلا يأخذه إلا من أوسط قومه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 165 وسألتك: هل كان من أهل بيته أحد يقول مثل قوله، فهو يتشبّه به، فقلت: لا. وسألتك: هل كان له ملك فاستلبتموه إيّاه، فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه، فقلت: لا. وسألتك عن أتباعه، فزعمت أنهم الأحداث والمساكين والضّعفاء، وكذلك أتباع الأنبياء في كلّ زمان. وسألتك عمّن يتبعه، أيحبّه ويلزمه، أم يقليه ويفارقه؟ فزعمت أنّه قلّ من يصحبه فيفارقه، وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه. وسألتك عن الحرب بينكم، فزعمت أنّها سجال، يدال عليكم وتدالون عليه، وكذلك حرب الأنبياء، ولهم تكون العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ فلئن صدقتني ليغلبنّي على ما تحت قدميّ هاتين، ولوددت أني عنده فأغسل قدميه. إلحق بشأنك. فقمت وأنا أضرب بإحدى يديّ على الأخرى وأقول: عباد الله، لقد أمر أمر ابن أبي كبشة! أصبح ملوك بني الأصفر يخافونه على سلطانهم. 377- وقال العباس بن عبد المطلب رحمه الله: خرجت في تجارة إلى اليمن في ركب من قريش منهم أبو سفيان بن حرب، فكنت أصنع يوما طعاما [وأدعو] بأبي سفيان وبالنّفر، ويصنع أبو سفيان يوما فيفعل مثل ذلك. فقال لي في يومي الذي كنت أصنع فيه: هل لك يا أبا الفضل أن تنصرف إلى بيتي وترسل إليّ بغدائك؟ فقلت: نعم. فانصرفت أنا والنّفر إلى بيته، وأرسلت إليه الغداء. فلما تغدّى القوم قاموا، واحتبسني فقال: هل علمت يا أبا الفضل أنّ ابن أخيك يزعم أنّه رسول الله؟ قلت: فأيّ بني أخي؟ قال أبو سفيان: إيّاي تكتم!؟ وأيّ بني أخيك ينبغي له أن يقول هذا إلا رجل واحد؟ قلت: وأيّهم على ذلك؟ قال: هو محمد بن عبد الله، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 166 قلت: ما فعل! قال: بلى قد فعل. ثم أخرج إليّ كتابا من ابنه حنظلة [بن أبي] سفيان: إنّي أخبرك أنّ محمدا قام بالأبطح غدوة فقال: أنا رسول الله، أدعوكم إلى الله. قال قلت: يا أبا حنظلة، لعلّه صادق، قال: مهلا يا أبا الفضل، فو الله ما أحبّ أن تقول مثل هذا، إني لأخشى أن تكون قد كنت على صير من هذا الأمر، ويروى على بصيرة من هذا الحديث. ثم قال: يا بني عبد المطّلب، إنّه والله ما برحت قريش تزعم أن لكم يمنة وشؤمة، كلّ واحدة منهما عامّة، فنشدتك الله يا أبا الفضل، هل سمعت ذلك؟ قلت: نعم، قال: فهذه والله إذن شؤمتكم، قلت: ولعلّها يمنتنا. فما كان بعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد الله بن حذافة السّهميّ بالخبر وهو مؤمن، ففشا ذلك في مجالس أهل اليمن، فتحدّث به فيها. وكان أبو سفيان يجلس إلى خبر من أحبار اليهود، فقال له اليهوديّ: ما هذا الخبر الذي بلغني؟ قال: هو ما سمعت، قال: بلغني أنّ فيكم عمّ هذا الرجل، قال أبو سفيان: صدقوا وأنا عمّه، قال اليهودي: أخو أبيه؟ قال: نعم، قال: حدّثني عنه، قال: ما كنت أحسب أن يدّعي هذا الأمر أبدا، وما أحبّ أن أعتبه، وغيره خير منه. فقال اليهوديّ: فليس به إذن، ولا بأس على يهود وتوراة موسى. قال العباس: فتمادى إليّ الخبر، فجئت فخرجت حتى أجلس [ذلك] المجلس من غد، وفيه أبو سفيان والحبر. فقلت للحبر: بلغني أنك سألت ابن عمّي هذا عن رجل منّا يزعم أنّه رسول الله، وأخبرك أنّه عمّه، وليس بعمّه، ولكنه ابن عمّه، وأنا عمّه أخو أبيه. فأقبل على أبي سفيان فقال: أصدق؟ قال: نعم، قال فقلت: سلني عنه، إن كذبت فليردد عليّ. قال: فأقبل عليّ فقال: نشدتك الله هل فشت له فيكم سفهة أو سوأة؟ قال قلت: لا وإله عبد المطّلب ولا كذبة، وإن كان اسمه عند قريش الأمين، قال: فهل كتب بيده؟ [قال] العباس رضي الله تعالى عنه وأرضاه: فظننت أنّه خير له الجزء: 9 ¦ الصفحة: 167 أن يكتب بيده، فأردت أن أقولها، ثم ذكرت مكان أبي سفيان، وأنّه مكذّبي ورادّ علي، فقلت: لا يكتب. فوثب الحبر وترك رداءه وجعل يصيح: ذبحت يهود! ذبحت يهود! قال العباس رضي الله تعالى عنه: فلما رجعنا إلى منزلنا قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، إنّ اليهوديّ ليفزع من ابن أخيك! قال قلت: قد رأيت، فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقّا، كنت قد سبقت، وإن كان باطلا، تبعك غيرك من أكفائك؟ قال: لا والله لا أو من به حتى أرى الخيل من كداء، وهو جبل بمكّة. قال قلت: ما تقول؟ قال: كلمة والله جاءت على فمي ما ألقيت لها بالا، [وأنا] أعلم أنّ الله لا يترك خيلا تطلع من كداء. [قال] العباس: فلما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه مكّة، ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كداء، قلت: يا أبا سفيان، أتذكر الكلمة؟ قال: أي والله، إني لذاكرها، فالحمد لله الذي هداني للإسلام. «378» - وروي عن ابن عباس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمّا عزم على فتح مكّة، خرج لعشر مضين من شهر رمضان، فصام وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد أفطر، ثم مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى نزل مرّ الظّهران في عشرة آلاف من المسلمين، وقد عميت الأخبار عن قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا يدرون ما هو فاعل. فخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يتحسّسون [الأخبار] وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعونه. قال العباس: قلت: واصباح قريش! لئن دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكّة عنوة قبل أن يستأمنوا إليه إنّه لهلاك قريش إلى آخر الدّهر. قال: فركبت بغلة رسول الجزء: 9 ¦ الصفحة: 168 الله صلّى الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها حتى جئت الأراك، أقول: لعلّي ألقى بعض الحطّابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة، فيأتيهم فيخبر بمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ليخرجوا إليه. قال: فو الله إني لأسير عليها ألتمس ما خرجت له، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما [يتراجعان] وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قطّ ولا عسكرا! قال: فعرفت صوت أبي سفيان فقلت: يا أبا حنظلة، قال: فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم، قال: ما وراءك، فداك أبي وأمّي؟! قلت: ويلك، هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش! فقال: ما تأمرني؟ قلت: تركب عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فو الله لئن ظفر بك، ليضربنّ عنقك. فردفني، فخرجت به أركض بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فكلما مررت بنيران من نيران المسلمين قالوا: عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بغلة رسول الله، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال: أبو سفيان! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد. ثم اشتدّ نحو النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وركضت البغلة حتى اقتحمت على باب القبّة، وسبقت عمر بما تسبق به الدابة الرجل البطيء. فدخل عمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه، فقلت: يا رسول الله، إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه اليوم أحد دوني. فلما أكثر فيه عمر قلت: مهلا يا عمر، فو الله ما تصنع هذا إلا أنّه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من بني عديّ بن كعب ما قلت هذا؛ قال: مهلا يا عباس! فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اذهب فقد أمّنّاه حتى تغدو به عليّ. [قال] ، قال: فرجعت به إلى منزلي، فلما أصبح غدا به على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟ قال: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! والله لقد ظننت أنّه لو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 169 كان مع الله عزّ وجلّ غيره لقد أغنى عنّي شيئا. فقال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك! أما هذه فإنّ في النّفس منها شيئا. قال العباس: فقلت له: ويحك! تشهد شهادة الحقّ قبل أن تضرب عنقك! قال: فتشهّد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للعباس [بعد أن] تشهّد أبو سفيان: انصرف يا عباس، فأجلسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي حتى تمرّ عليه جنود الله عزّ وجلّ. فقلت له: يا رسول الله، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر، فاجعل له شيئا يكون في قومه. فقال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. فمررت حتى أجلسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي، فمرّت عليه القبائل، فجعل يقول: من هؤلاء يا عباس؟ فأقول: سليم، فيقول: ما لي ولسليم؟ فتمرّ به قبيلة أخرى، فيقول: من هؤلاء؟ فأقول: أسلم، فيقول: ما لي ولأسلم؟ وتمرّ عليه جهينة، فيقول: ما لي ولجهينة؟ حتى مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء من المهاجرين في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، فقال: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما! فقلت: ويحك، إنّها النبوّة. فقال: نعم إذن. فقلت: إلحق الآن بقومك فحذّرهم. فخرج سريعا حتى أتى مكّة فصرخ في المسجد: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، قالوا: فمه؟ قال: من دخل داري فهو آمن، قالوا: ويحك وما تغني عنّا دارك؟ قال: ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. «379» - قال عبد الله بن الزبير: لمّا كان يوم اليرموك خلفني أبي فأخذت فرسا، [ ... ] ، فرأيت جماعة من الطلقاء فيهم أبو سفيان بن حرب، فوقفت معهم، فكانت الروم إذا هزمت المسلمين قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر، فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان: [من الخفيف] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 170 وبنو الأصفر الكرام ملوك الر ... روم لم يبق منهم مذكور فلما فتح الله على المسلمين حدّثت أبي، فقال: قاتله الله! أبى إلا نفاقا، أفلسنا خيرا له من بني الأصفر!؟ ثم كان يأخذ بيدي فيطوف بي على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويقول: حدّثهم، فأحدّثهم فيعجبون من نفاقه. 380- وروي أنّ أبا سفيان دخل على عثمان [ ... ] فقال: هل علينا من عين؟ فقال له عثمان: لا، فقال: يا عثمان، إنّ الأمر أمر عالمية [؟] ، والملك ملك جاهلية، فاجعل أوتاد الأرض بني أميّة. 381- وروي أنه دخل عليه فقال له: إنّ الخلافة صارت في تيم وعديّ حتى طمعت فيها، وقد صارت إليكم فتلقّفوها تلقّف الكرة، فو الله ما من جنّة ولا نار، هذا أو نحوه. فصاح به عثمان: قم عني فعل الله بك وفعل. «382» - حدّث أبو عبيدة أنّ معاوية وجّه جيشا إلى [بلاد] الروم ليغزو الصائفة، فأصابهم جدريّ فمات أكثر المسلمين، وكان ابنه يزيد مصطبحا بدير مرّان مع زوجته أمّ كلثوم، فبلغه خبرهم فقال: [من البسيط] إذا ارتفقت على الأنماط مصطبحا ... بدير مرّان عندي أمّ كلثوم فما أبالي بما لاقت جموعهم ... بالقرقدونة من حمّى ومن موم [1] فبلغ شعره أباه فقال: أم والله ليلحقنّ بهم، فليصيبنّه ما أصابهم، فخرج حتى لحق بهم، وغزا حتى لحق إلى القسطنطينية، فنظر إلى [ ... ] الديباج، فإذا كانت الحملة للمسلمين، ارتفع من إحداهما أصوات الطبول والدّفوف، وإذا   [1] الموم: الجدري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 171 كانت الحملة للروم، ارتفع من الأخرى. فسأل يزيد عنهما، فقيل: هذه ابنة ملك الروم، وتلك ابنة جبلة بن الأيهم، وكلّ واحدة تظهر السرور بما تفعله عشيرتها. فقال: أم والله لأسرّنّهما. ثم كفّ العسكر، وحمل حتى هزم الروم فأحجرهم في المدينة، وضرب باب القسطنطينية بعمود حديد كان في يده، فهشمه حتى انخرق، فضرب عليه لوح من ذهب، فهو عليه إلى اليوم. 383- قال ميمون بن هارون: رأى الرشيد فيما يرى النائم [امرأة تحمل] كفّ تراب ثم قالت له: هذه [التربة التي تدفن فيها] فأصبح فزعا، فقصّ رؤياه، فقال له أصحابه: وما في هذا؟ قد يرى النائم أكثر من هذا وأغلظ، ثم لا يضرّ. فركب وقال: إني لأرى الأمر قريبا، فبينا هو يسير إذ نظر إلى امرأة واقفة من وراء شبّاك حديد تنظر إليه، فقال: هذه والله المرأة التي رأيتها، ولو رأيتها بين ألف امرأة ما خفيت عليّ، ثم أمرها أن تأخذ كفّ تراب فتدفعه إليه، فضربت بيدها الأرض التي كانت عليها فأعطته منها كفّ تراب، فبكى وقال: هذه والله التربة التي رأيتها [في منامي وهذه الكف بعينها، فمات] بعد مدّة، فدفن في ذلك الموضع بعينه، اشتري له ودفن فيه. «384» - كان المأمون قد أطلق لأصحابه الكلام والمناظرة في مجلسه، فناظر يوما بين يديه محمد بن العباس الصّولي عليّ بن الهيثم في الإمامة، فتقلّدها أحدهما ودفعه الآخر، فلجّت المناظرة بينهما إلى أن نبّط [1] محمد عليّا، فقال له عليّ: إنما تكلّمت بلسان غيرك، ولو كنت في غير هذا المجلس لسمعت أكثر ممّا قلت.   [1] أي قال له يا نبطي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 172 فغضب المأمون وأنكر على محمد ما قال، وما كان منه من سوء الأدب بحضرته، ونهض عن فرشه، ونهض الجلساء فخرجوا. فأراد محمد أن ينصرف، [فمنعه صاحب المصلى وقال علي بن صالح] : أفعلت ما فعلت بحضرة أمير المؤمنين ونهض على الحال التي رأيت، ثم تنصرف بغير إذن منه؟ اجلس حتى نعرف رأيه فيك، وأمر بأن يحبس. ومكث المأمون ساعة ثم خرج، فجلس على سريره، وأمر بالجلساء فردّوا إليه، فدخل إليه عليّ بن صالح، فعرّفه ما كان من قول محمد والانصراف، وما كان من منعه إيّاه، فقال: دعه ينصرف إلى لعنة الله. فانصرف. وقال المأمون لجلسائه: أتدرون لم دخلت إلى النساء في هذا الوقت؟ قالوا: لا، قال: إنّه لمّا كان من أمر هذا الجاهل ما [كان لم آمن فلتات الغضب وله بنا حرمة] فدخلت إلى النساء فعابثتهنّ حتى سكن غضبي. ومضى محمد من وجهه إلى طاهر بن الحسين، فسأله الركوب إلى المأمون وأن يستوهبه جرمه، فقال له طاهر: ليس هذا من أوقاتي، وقد كتب إليّ خليفتي في الدار أنّه قد دعا بالجلساء. فقال محمد: أكره أن أبيت ليلة وأمير المؤمنين عليّ ساخط. فلم يزل به حتى ركب طاهر معه، فأذن له فدخل ومجير الخادم واقف على يمين المأمون. فلما بصر المأمون بطاهر أخذ منديلا كان بين يديه، فمسح بين عينيه مرّتين أو ثلاثا إلى أن وصل إليه [وحرك شفتيه بشيء أنكره طاهر، ثم دنا] فسلّم، فردّ السلام وأمره بالجلوس، فجلس في موضعه، فسأله عن مجيئه في غير وقته، فعرّفه الخبر واستوهبه ذنب محمد، فوهبه له. فانصرف، وعرّف محمّدا ذلك، ثم دعا بهارون بن جعونه [1] ، وكان شيخا خراسانيّا داهية ثقة عنده، فذكر له فعل المأمون، وقال له: الق كاتب مجير الخادم، والطف به، وتضمن له عشرة آلاف درهم على   [1] الطبري: جبغويه وفي الطبعة الأوروبية: جيغويه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 173 تعريفك ما قاله المأمون، ففعل ذلك، ولطف له، وعرّفه أنّه لمّا رأى طاهرا دمعت عيناه، وترحّم على محمد الأمين، ومسح دمعه بالمنديل. فلما عرف ذلك طاهر ركب من وقته [إلى أحمد بن أبي خالد الأحول] ، وكان طاهر لا يركب إلى أحد من أصحاب المأمون، وكلّهم يركب إليه، فقال له: جئتك لتوليني خراسان وتحتال لي فيها. وكان أحمد يتولّى فضّ الخرائط بين يدي المأمون وغسّان بن عباد إذ ذاك يتولى خراسان. فقال له أحمد: هلّا أقمت بمنزلك وبعثت إليّ حتى أصير إليك، ولا يشهر الخبر فيما تريده بما ليس من عادتك، لأنّ المأمون يعلم أنّك لا تركب إلى أحد من أصحابه، وسيبلغه هذا فينكره، فانصرف وأغض عن هذا الأمر وأمهلني مدّة حتى أحتال لك. [ولبث مدة، وزوّر ابن أبي خالد] كتابا من غسان بن عبّاد إلى المأمون يذكر فيه أنّه عليل، وأنّه لا يأمن على نفسه، ويسأل أن يستخلف غيره على خراسان، وجعله في خريطة، وفضّها بين يدي المأمون في خرائط وردت عليه. فلما قرأ على المأمون الكتاب، اغتمّ به وقال: ما ترى؟ فقال: لعلّ هذه علّة عارضة تزول، وسيرد بعد هذا غيره، فيرى حينئذ أمير المؤمنين رأيه. ثم أمسك أيّاما وكتب كتابا آخر ودسّه في الخرائط يذكر فيه أنّه قد تناهى في العلّة إلى ما لا يرجو معه [نفسه. فلما قرأه المأمون قلق وقال: يا أحمد إنه لا مدفع لأمر خراسان، فما ترى؟] فقال: هذا رأي إن أشرت فيه بما أرى فلم أصب، لم أستقله [1] ، وأمير المؤمنين أعلم بخدمه ومن يصلح لخراسان منهم. قال: فجعل المأمون يسمّي رجالا ويطعن أحمد على واحد واحد منهم، إلى أن قال له: فما ترى في الأعور؟ فقال: إن كان عند أحد قيام بهذا الأمر ونهوض فيه، فعنده. فدعا به المأمون فعقد له على خراسان، وأمره أن يعسكر فعسكر بباب خراسان.   [1] لم أستقله: لم أطلب الاقالة منه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 174 ثم تعقّب الرأي، فعلم أنّه قد أخطأ، فتوقّف عن إمضاء أمره، وخشي أن يوحش طاهرا بنقضه، فمضى شهر تامّ وطاهر [مقيم بمعسكره، ثم إن المأمون أرق في السحر] من ليلة أحد وثلاثين يوما من عقده اللواء لطاهر. وأمر بإحضار مخارق المغنّي، فأحضر وقد صلّى المأمون [الغداة] مع طلوع الفجر، وقال: يا مخارق، أتغنّي: [من الوافر] إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع وكيف تريد أن تدعى عظيما ... وأنت لكلّ ما تهوى تبوع الشعر لعمرو بن معد يكرب. فقال: نعم، قال: فهاته، فغنّاه، فقال: ما صنعت شيئا، فهل تعرف من يقوله أحسن ممّا تقوله؟ قال: نعم، علّويه الأعسر. فأمر بإحضاره، [فكأنه كان وراء ستر] ، فغنّاه واحتفل. قال: ما صنعت شيئا، أفتعرف من يقوله أحسن ممّا تقوله؟ قال: نعم، عمرو بن بانة، فأمر بإحضاره، فدخل في مقدار دخول علّويه، فأمره أن يغنّي الصوت، فغنّاه فأحسن. فقال: أحسنت ما شئت! هكذا ينبغي أن يقال. ثم قال: يا غلام، اسقني رطلا، واسق صاحبيه رطلا رطلا، ثم دعا بعشرة آلاف درهم، وخلعة ثلاثة أثواب، ثم أمر بإعادته، فأعاده، فردّ القول الذي قاله وأمر بمثل ما أمر به حتى فعل ذلك عشرا، وحصل لعمرو مائة ألف درهم وثلاثون ثوبا. ودخل المؤذّنون فآذنوه بالظّهر، فنقد [أصبعه الوسطى بابهامه وقال] برق يمان. وكذلك كان يفعل إذا أراد أن ينصرف من بحضرته من الجلساء. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين قد أنعمت عليّ وأحسنت إليّ، فإن رأيت أن تأذن لي في مقاسمة أخويّ ما وصل إليّ، فقد حضراه؟ فقال: ما أحسن ما استمحت لهما! بل نعطيهما نحن ولا نلحقهما بك. وأمر لكلّ واحد منهما بمثل نصف جائزة عمرو. وبكّر إلى طاهر، فرحّله، فلما ثنى عنان دابته منصرفا، دنا منه حميد الطوسي فقال له: اطرح على ذنبه ترابا. فقال اخسأ يا كلب، ونفذ طاهر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 175 لوجهه. وقدم غسّان بن عبّاد فسأله عن علّته وسببها، فحلف له أنه لم يكن عليلا ولا كتب بشيء من هذا، فعلم المأمون أن طاهرا احتال عليه بابن أبي خالد، وأمسك على ذلك، فلما كان بعد مدة من مقدم طاهر إلى خراسان قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة، فقال له عون بن مجاشع بن مسعدة صاحب البريد: كيف أقدمت على هذا الفعل ولم تدع في هذه الجمعة لأمير المؤمنين؟ فقال: سهو وقع فلا تكتب به، وفعل مثل ذلك في الجمعة الثانية وقال لعون: لا تكتب به، وفعل مثل ذلك في الجمعة الثالثة، فقال له عون: إنّ كتب التجار لا تنقطع من بغداد، وإن اتصل هذا الخبر بأمير المؤمنين من غيري لم آمن أن يكون سبب زوال نعمتي. فقال: اكتب بما أحببت، فكتب إلى المأمون بالخبر، فلما وصل كتابه دعا بأحمد بن أبي خالد وقال: إنه لم يذهب عليّ احتيالك عليّ في أمر طاهر وتمويهك له، وأنا أعطي الله عهدا لئن لم تشخص حتى توافيني به كما أخرجته من قبضتي، وتصلح ما أفسدته عليّ من أمر ملكي لأبيدنّ غضراءك [1] ، فشخص أحمد وجعل يتلوّم في الطرق ويقول لأصحاب البرد: اكتبوا بخبر علّة أجدها. فلما وصل إلى الرّيّ لقيته الأخبار بوفاة طاهر، ووافته رسل طلحة [بن طاهر، فأغذّ السير حتى قدم] خراسان فلقيه طلحة على حدّ عمله [2] ، فقال له أحمد: لا تكلّمني، ولا ترني وجهك فإنّ أباك عرّضني للعطب وزوال النعمة مع احتيالي له وسعيي كان في محبّته. فقال له: أبي قد مضى لسبيله، ولو أدركته لما خرج من طاعتك، وأنا فأحلف لك بكلّ ما تسكن إليه، وأبذل لك كلّ ما عندي من مال وغيره، فاضمن عني حسن الطاعة وضبط الناحية، والإخلاص في النصيحة. فكتب أحمد بخبره وخبر طاهر وخبر طلحة إلى المأمون، وأشار بتقليده. فأنفذ المأمون إليه اللواء والعهد والخلع، وانصرف أحمد إلى مدينة السلام.   [1] الغضراء: الأرض الطيبة الخضراء، وأباد غضراءه: أهلك خيره ونضارته. [2] الأغاني: على حين غفلة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 176 «385» - وقد روي [أن المأمون قال] لأحمد حيث أشار بطاهر إنّه خالع [1] ، فقال أحمد: فأنا أضمنه، وأنّ أحمد أهدى إلى طاهر خادما كان ربّاه، وقرّر معه أن يسمّه إن تغيّر عن الطاعة، وأنّ الخادم سمّه في كامخ حيث فعل طاهر ما فعل، والله أعلم. «386» - قال منجاب بن راشد: بعث أبو بكر العلاء بن الحضرميّ على قتال أهل الردّة بالبحرين، فتلاحق به من لم يرتدّ من المسلمين، فسلك بنا الدّهناء حتى إذا كنّا في بحبوحتها أراد الله أن يرينا آية، فنزل العلاء وأمر بالنزول، فنفرت الإبل في جوف الليل [فما بقي عندنا بعير] ولا زاد ولا مزاد، فما علمت جمعا هجم عليهم من الغمّ ما هجم علينا، وأوصى بعضنا إلى بعض. ونادى منادي العلاء: اجتمعوا، فاجتمعنا إليه، فقال: ما هذا الذي ظهر فيكم وغلب عليكم؟. فقال الناس: وكيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحم شمسه حتى نصير حديثا؟ فقال: يا أيّها الناس، لا تراعوا، ألستم مسلمين؟ ألستم في سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟ قالوا: بلى، قال: فأبشروا، فو الله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم. ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلع الفجر، فصلّى بنا، ومنّا المتيمّم ومنّا من لم يزل على طهوره. فلما قضى صلاته [جثا لركبتيه وجثا الناس، فنصب في] الدعاء ونصبوا له. فلمع سراب، فأقبل على الدّعاء، ثم لمع لهم آخر كذلك، فقال الرّائد: ماء! فقام وقام الناس، فمشينا إليه حتى نزلنا عليه فشربنا واغتسلنا، فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل من كلّ وجه، فأناخت، فقام كلّ رجل منّا إلى ظهره فأخذه، فما فقدنا سلكا، فأرويناها وسقيناها العلل بعد النّهل، وتروّينا ثم تروّحنا.   [1] وفيات الأعيان: جائع. [12 التذكرة الحمدونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 177 وكان أبو هريرة رفيقي، فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ قلت: أنا من أهدى العرب بهذه البلاد، قال: فكرّ معي حتى تقيمني عليه. [فكررت به] فأتى على ذلك المكان بعينه، فإذا هو لا غدير به ولا مطر ولا أثر لماء. فقلت له: والله لولا أني لا أرى الغدير لأخبرتك أنّ هذا هو المكان، وما رأيت بهذا المكان ماء من قبل ذلك اليوم. فنظر أبو هريرة إداواته مملوءة فقال: هذا والله المكان بعينه، ولهذا رجعت ورجعت بك، وملأت إداوتي ثم وضعتها على شفير الوادي. فقلت: إن كان منّا من المنّ وكانت آية عرفتها، وحمد الله، ثم سرنا حتى ننزل هجر. [وأرسل] العلاء إلى الجارود ورجل آخر أن انضمّا في عبد القيس حتى تنزلا على الحطم ممّا يليكما. (وكان الحطم، وهو [شريح بن ضبيعة] ممّن ارتدّ وقويت شوكته، واجتمعت ربيعة بالبحرين، وردّوا الملك في آل المنذر فملّكوا المنذر بن النعمان بن المنذر، وقيل: هو ابن سويد بن المنذر أخي النعمان وكان يسمّى الغرور، ثم أسلم بعد ذلك، وكان يقول: لست بالغرور، ولكني المغرور) [1] . وخرج العلاء بن الحضرميّ بمن معه ومن [قدم] عليه حتى نزل ممّا يلي هجر، وتجّمع المشركون كلّهم على العلاء [2] . وخندق المسلمون والمشركون، وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم، فكانوا على ذلك شهورا [3] . فبينا الناس ليلة كذلك إذ سمع المسلمون في معسكر المشركين [ضوضاء شديدة كأنها ضوضاء] هزيمة [أو قتال] ، فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ [فقال عبد الله بن حذف: أنا آتيكم بخبر القوم]- وكانت أمّه عجليّة- فخرج حتى إذا دنا من خندقهم أخذوه فقالوا له: من أنت؟ فانتسب لهم وجعل ينادي: يا   [1] ما بين قوسين نقل مضطرب من سياق آخر عند الطبري وأبي الفرج. [2] الأغاني: وتجمع المسلمون كلهم إلى العلاء. [3] في المصدرين: شهرا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 178 أبجراه! فجاء أبجر بن بجير فعرفه، فقال: ما شأنك؟ قال: لا أضيعنّ الليلة بين اللهازم، وعلام أقتل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وقيس وعنزة؟ أيتلاعب بي الحطم ونزّاع القبائل وأنتم شهود؟ فتخلّصه وقال: والله إنّي لأظنّك بئس ابن الأخت لأخوالك الليلة! فقال: دعني من هذا، وأطعمني، فقد متّ جوعا. فقرّب إليه طعاما فأكل ثم قال: زوّدني [واحملني وجوّزني أنطلق إلى طيّتي]- ويقول ذلك لرجل قد غلب عليه الشراب- ففعل وحمله على بعير وزوّده وجوّزه. وخرج عبد الله حتى دخل عسكر المسلمين وأخبرهم أنّ القوم سكارى. فخرج المسلمون عليهم حتى اقتحموا عسكرهم، فوضعوا فيهم السيوف حيث شاءوا، فتقحّموا الخندق هرّابا، فمتردّ، وناج ودهش ومقتول ومأسور، واستولى المسلمون على ما في العسكر، فلم يفلت رجل إلا بما عليه. فأمّا أبجر فأفلت، وأما الحطم فإنّه بعل [1] ودهش، فقام إلى فرسه- والمسلمون خلالهم- ليركب، فلما وضع رجله في الرّكاب انقطع، فمرّ به عفيف بن [المنذر] والحطم يستغيث ويقول: ألا رجل من بني قيس بن ثعلبة يعقلني، فرفع صوته، فعرفه عفيف فقال: أبو ضبيعة؟ قال: نعم، قال: أعطني رجلك أعقلك. فأعطاه رجله يعقلها، فنفحها فأطنّها [2] من الفخذ وتركه، فقال: أجهز عليّ، فقال: إني لأحبّ ألا تموت حتى أمضّك- وكان مع عفيف عدّة من ولد أبيه، فأصيبوا ليلتئذ- وجعل الحطم يطلب من يقتله، يقول ذلك لمن لا يعرفه، حتى مرّ به قيس بن عاصم فمال عليه فقتله، فلما رأى فخذه نادرة قال: واسوأتاه! لو علمت الذي به لم أجهز عليه. وخرج المسلمون بعدما أحرزوا الخندق على القوم يطلبونهم، فاتبعوهم [فلحق قيس بن عاصم أبجر- وكان] فرس أبجر أقوى من فرس قيس، فلما خشي أن يفوته طعنه في العرقوب، فقطع العصب، وسلم النّسا، فقال عفيف   [1] بعل: خاف ودهش. [2] نفحها فأطنها: ضربها بالسيف فقطعها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 179 بن المنذر في ذلك: [من الطويل] فإن يرقأ العرقوب لا يرقأ النّسا ... وما كلّ من يلقى بذلك عالم ألم تر أنّا قد فللنا حماتهم ... بأسرة عمرو، والرّباب الأكارم وأسر عفيف بن المنذر الغرور، فكلّمته الرّباب فيه وكان ابن أختهم، وسألوه أن يجيره، فجاء به إلى العلاء فقال: إني أجرته، فقال: ومن هو؟ قال الغرور، فقال له الغرور: إني لست بالغرور [ولكني المغرور، قال: أسلم، فأسلم وبقي] بهجر، وأصبح العلاء يقسم الأنفال، ونفّل رجالا من أهل البلاد ثيابا، فممّن نفّل عفيف بن المنذر، وقيس بن عاصم، وثمامة بن أثال. فأما ثمامة فنفّل ثيابا فيها خميصة ذات أعلام كان الحطم يباهي بها، فأخذ منها وباع الباقي. وهرب الفلّال إلى دارين، فركبوا إليها السفن، فجمعهم الله إليها، وندب العلاء الناس إلى دارين، وخطبهم فقال: إنّ الله قد جمع لكم إخوان الشيطان وشرّاد الحرب في هذا اليوم، وقد أراكم من آياته في البرّ لتعتبروا بما في البحر، فانهضوا إلى عدوّكم واستعرضوا البحر [إليهم، فإنّ الله قد جمعهم، فقالوا: نفعل] ولا نهاب والله [بعد الدّهناء هولا ما بقينا] . فارتحل وارتحلوا حتى إذا أتى ساحل البحر اقتحموه على الخيل والحمولة والإبل والبغال والراكب والراجل، ودعا ودعوا، وكان دعاؤهم: يا أرحم الراحمين، يا كريم، يا حليم، يا أحد، يا صمد، يا حيّ، يا محيي الموتى، يا حيّ يا قيّوم، لا إله إلا أنت يا ربّنا. فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وبين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر. ووصل المسلمون إليها فما تركوا بها من المشركين مخبرا، وسبوا الذّراريّ، واستاقوا الأموال، فبلغ نفل [الفارس ستّة آلاف] والراجل ألفين فلما [فرغوا رجعوا] عودهم على بدئهم حتى عبروا. وأنشد في ذلك [عفيف] : [من الطويل] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 180 ألم تر أنّ الله ذلّل بحره ... وأنزل بالكفّار إحدى الجلائل دعونا الذي شقّ البحار فجاءنا ... بأعجب من شقّ البحار الأوائل وكان بهجر راهب فأسلم يومئذ، فقيل له: ما دعاك إلى الإسلام؟ قال: ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني الله بعدها إن أنا لم أفعل: فيض الماء في الرمال، وتمهيد أثباج البحور، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء في السّحر، قالوا: وما هو؟ قال: اللهم أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت، [البديع، ليس قبلك] شيء، والدائم غير [الغافل] ، والحيّ الذي لا يموت، وخالق ما يرى و [ما] لا يرى، وكلّ يوم أنت في شأن، وعلمت اللهم كلّ شيء بغير تعليم، فعلمت أنّ القوم لم يغاثوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله. «387» - دخل رجال من قريش وبني هاشم فيهم عبد الله بن العباس على معاوية في خلافته. فأقبل معاوية على القوم بوجهه وقال: يا بني هاشم، بم تفخرون علينا؟ أليس الأب واحدا، والأمّ واحدة، والدار واحدة؟ فقال ابن عباس: نفخر عليك بما أصبحت تفخر به على سائر قريش، وتفخر به قريش على الأنصار، وتفخر به الأنصار على العرب، وتفخر به العرب على العجم، برسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بما لا تستطيع له [إنكارا] ولا منه فرارا. [فقال: يا ابن عباس! لقد أعطيت لسانا ذربا، تكاد تغلب بباطلك حق سواك] . فقال ابن عباس: يا معاوية، إنّ الباطل لا يغلب الحقّ، فدع عنك الحسد، فبئس الشعار الحسد! فقال معاوية: صدقت يا ابن عباس. أما والله إنّي لأحبّك لأربع: إحداهنّ لقرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والثانية لأنك رجل من أسرتي، والثالثة لأنّك لسان قريش وزعيمها، وأما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 181 الرابعة، فإنّ أباك كان خلّا لأبي. وقد غفرت لك أربعا: فإحداهنّ: عدوك عليّ بصفّين فيمن عدا، وإساءتك في خذلان عثمان فيمن أساء، وسعيك على عائشة فيمن سعى، ونفيك عنّي زيادا فيمن نفى. [فضربت أنف هذا الأمر وعينه حتى استخرجت مقتك] في كتاب الله عزّ وجلّ، وفي قول الشاعر. فأما ما وافق كتاب الله عزّ وجلّ فقوله: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ (التوبة: 102) وأمّا في الشعر، فقول الذّبيانيّ: [من الطويل] ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرجال المهذّب [1] إنّا قد قبلنا منك الأوّل، وغفرنا لك الآخر. فقال ابن عباس: الحمد لله الذي أمر بحمده، ووعد عليه ثوابه، أحمده كثيرا كما أنعم علينا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلم. [أما بعد، فإنك ذكرت أنك تحبني] لقرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وذلك الواجب عليك وعلى كلّ من آمن برسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه لأنّه الأجر الذي سألكم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (الشورى: 23) ، وهو الأجر الذي سألكم عمّا أتاكم به من الضياء والنهار المنير، فمن لم يحبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقد خاب وكبا، وخزي وهوى، وحلّ محلّ الأشقياء. وأما قولك: إني من أسرتك وأهل بيتك، فهو كذلك، إنما أردت صلة الرحم، وصلة الرحم من أفعال الأبرار، ولعمري إنّك وصول لرحمك مع ما كان منك ممّا لا [تثريب عليك فيه اليوم] . وأمّا قولك: إني لسان قريش وزعيمها، فإني لم أعط من ذلك شيئا لم تعطه، ولكنك قلت ذلك لشرفك وفضلك كما قال الأول: [من الطويل]   [1] ديوان النابغة (أبو الفضل إبراهيم) : 74. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 182 وكلّ كريم للكريم مفضّل ... يراه له أهلا وإن كان أفضلا وأما قولك: إنّ أبي كان خلّا لأبيك، فقد كان ذلك كذلك، وقد علمت ما كان من أبي إليه يوم الفتح، وكان شاكرا كريما، وقد قال الأول: [من الطويل] سأحفظ من آخى أبي في حياته ... وأحفظه من بعده في الأقارب ولست لمن لا يحفظ العهد وامقا ... صديقا ولا عند الملمّ بصاحب وأمّا قولك في [عدوي عليك] بصفّين، فو الله لو لم أفعل لكنت من شرّ العالمين؛ يا معاوية، أكانت تحدّثك نفسك أني كنت خاذلا لابن عمّي أمير المؤمنين وقد حشد له المهاجرون والأنصار؟ لم يا معاوية؟ أضنّ بنفسي أم شكّ في ديني، أم جبن من سجيّتي؟ والله لو فعلت ذلك لاختبأته فيّ، وإن كنت قد عاتبت عليه. وأما خذلان عثمان، فقد خذله من هو أمسّ رحما به منّي وأبعد رحما، فلي في الأقربين والأبعدين أسوة، ولم أعد عليه مع من عدا، بل كنت أكفّ أهل الحجاز عنه [1] . وأما قولك في عائشة أمّ المؤمنين، فلو قرّت في بيتها كما أمرها ربّها لكان ... عنها [2] . وأما قولك في زياد، فإني لم أنفه، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم نفاه. (يعني بقوله هذا: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» ) [3] . وإني مع هذا لأحبّ ما سرّك في جميع أمرك. فاعترض عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، لا يخدعنّك ابن عباس   [1] في أخبار الدولة العباسية: بل كففت عنه كما كف أهل الحجاز. [2] في أخبار الدولة العباسية: وأما قولك في عائشة فإن الله أمرها أن تحتجب بسترها وتقر في بيتها، فلما عصت ربها، وخالفت نبيها، صنعنا ما كان منا إليها. [3] متفق عليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 183 بلسانه، والله ما أحبّك طرفة عين قطّ. وإنّك وإيّاه لكما قال الأوّل: [من الطويل] وقد كنت جلدا في الحياة مرزّأ ... وقد كنت لبّاس الرّجال على ضغن [1] فقال ابن عباس: إنّ عمرا دخل بين العظم واللحم، والعصا واللّحاء، [وقد قال فليسمع، وقد وافق قرنا] . إني والله ما أصبحت أعتذر إلى أحد من أن أكون شانئا لك قاليا. ألا إنّ الله عزّ وجلّ يقول لنبيه صلّى الله عليه وسلم: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (الكوثر: 3) . [فأنت الأبتر] من الدين والدنيا. ووجدت الله عزّ وجلّ قد قال في عقد كتابه: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (المجادلة: 22) فإنك قد حاددت الله ورسوله. ولقد جهدت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم جهدك، وأجلبت عليه بخيلك ورجلك، حتى إذا غلبك الله على أمرك، وأوهن حزبك، وردّ كيدك في نحرك، عدت لعداوة أهل [بيته من بعده، ليس بك في] ذلك حبّ معاوية إلا للعداوة لله ورسوله للحسد القديم لأبناء عبد مناف، والبغض لهم، فإنك وإيّاهم [كما] قال الشاعر: [من الطويل] تعرّض لي عمرو، وعمرو خزاية ... تعرّض ضبع القفر للأسد الورد فما هو لي ندّ فأشتم عرضه ... ولا هو لي عبد فأبطش بالعبد فأراد عمرو الكلام، فقال معاوية: والله ما أنت من رجاله، فإن شئت فقل، وإن شئت فدع. 388- ذكر أنّ معزّ الدولة أبا الحسن أحمد بن بويه دخل عليه أبو عبد الله ابن الداعي العلويّ وقال له: قد أقطعت فلانا اصفهسلارية الدّيلم، كلّ واحد مائة ألف؟ قال: نعم، فقال: أنت تعظّم حرمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم،   [1] أخبار الدولة العباسية: «على غمر» بدلا من «على ضغن» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 184 فقال: يجوز أن تقطع جدّي وآله مائة ألف، قال: كيف؟ فقال: لأنك قد ضمّنت القضاء لابن أبي الشوارب بمائة ألف، وتحيّل عليه الغلمان في الشهوات والخمور، وما بقي من آثار رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشريعته إلا الحكم، فلو تركت هذه المائة ألف له. فقال: قد فعلت، ولكن انظر من يصلح للقضاء، فأثبته لي حتى أولّيه لمن يعمل فيه بالواجب. فمضى أبو عبد الله ابن الداعي إلى أبي عبد الله البصريّ، وسأله من يصلح لذلك، فأملى عليه ستّة عشر نفرا: أبو بكر الرازيّ، وابن معروف، وأبو بكر بن سيّار من أصحاب أبي حنيفة، وأبو بكر الأبهريّ، وأبو الحسن ابن أمّ شيبان من أصحاب مالك، وأبو بشر بن أكثم من أصحاب الشافعيّ. فجاء ابن الداعي إلى ابن بويه وعرض عليه الأسماء، فقال: أمّا أبو بكر الرازي وأبو بكر الأبهري، فكلّ واحد منهما يصلح أن يكون قاضي قضاة الدنيا فضلا عن بغداد، ولا مطعن عليهما في شيء، إلا أنّ أخي ركن الدولة أبا عليّ إن بلغه هذا يقول: أما وجد ببغداد- وهي حضرة الخلافة- أحدا يولّيه القضاء حتى ولّى من هو من أهل عملي، والسياسة توجب .... يرجع إليهما. وأما أبو محمد بن معروف، فقيل لي إنّه يحضر الغناء. وبعد أن جعلت في نفسي أن أولّي هذا الأمر لله، فلا أريد أن أولّي فيه من يتطرّق عليه بشيء. وأمّا أبو الحسن ابن أمّ شيبان فيصلح لهذا، وقد كان تولّى قضاء القضاة قبل هذا، ولكنه هاشميّ وهو ابن عمّ الخليفة، ومتى صار القضاء إليه وازر الخليفة ولم أطقه، وخرج القضاء عن يدي. وأمّا أبو بكر بن سيّار، فكنت قد أنفذته في رسالة إلى الأهواز، فعاد وأهدى إليّ غلاما حسنا وهو يعرف رأيي في الغلمان، ومن يتقرّب بمثل هذا لا أريد أن أولّيه القضاء، فقلت له: أبو بشر؟ وعرّفت أبا عبد الله البصريّ، فقال لأبي محمد الأكفاني: امض إلى أبي بشر ابن أكثم وسلّم عليه بقضاء القضاة، وعرّفه الحال ليعلم أنّ هذا من قبلنا، وتكون لنا عنده يد. فمضى إلى أبي بشر، وكان شيخا قد كبرت سنّه، فسلّم عليه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 185 بالقضاء، فقال: أتهزا بي وأنا شيخ كبير؟! فقال: ما أهزأ، وعرّفه القصة. فقبّل بين عيني أبي محمد، وتولّى قضاء القضاة، وأقام نحوا من أربع سنين. ثم اطّلع بعد ذلك على خيانته، ووقف للناس ثم تغيّرت الأحوال. «389» - كان جامع بن أمية المحاربيّ من الخطباء البلغاء وكان متديّنا [صالحا، وهو الذي قال للحجاج حين بنى] مدينة واسط: بنيتها في غير بلدك، وتورّثها غير ولدك. وشكا إليه الحجاج أهل العراق، وأخبره عن سوء نيّاتهم، وخبث سريرتهم، وقلّة طاعتهم، وكثرة خلافهم، فقال له جامع: أما إنّهم لو أحبّوك لأطاعوك، على أنّهم ما [شنئوك] لنسبك ولا لبلدك، ولا في بطنك وظهرك [1] ، فدع ما يبعدهم منك إلى ما يقرّبهم إليك، والتمس العافية ممّن دونك تعطها ممّن فوقك، وليكن إيقاعك بعد وعيدك ووعيدك بعد وعدك. قال الحجاج: إني والله ما أرى أن أردّ بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف. قال: أيّها الأمير، إنّ السيف إذا لقي السيف [ذهب الخيار. قال الحجاج: الخيار] يومئذ لله. قال: أجل، ولكنك لا [تدري] لمن يجعله الله. فغضب الحجاج وقال: يا هناه! إنك من محارب. فقال جامع: [من الطويل] وللحرب سمّينا وكنّا محاربا ... إذا ما القنا أمسى من الطّعن أحمرا قال الحجاج: والله لقد هممت أن أخلع لسانك وأضرب به وجهك. قال جامع: إن صدقناك أغضبناك، وإن غششناك أغضبنا الله، وغضب الأمير أهون علينا من غضب الله. قال: أجل. وسكن الحجاج وشغل ببعض الأمر، فانسلّ جامع وخرج من بين الصفوف من خيل الشام حتى صار إلى   [1] في المصادر: ولا لذات نفسك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 186 خيل أهل العراق، [وكان الحجاج لا يخلط] أهل الشام بأهل العراق. فأبصر كبكبة فيها جماعة من بكر العراق وقيس العراق وتميم العراق [وأزد العراق] ، فلما رأوه اشرأبّوا إليه، وبلغهم خروجه فقالوا له: ما عندك، دافع الله لنا عنك؟ قال: ويحكم! عمّوه بالخلع كما يعمّكم بالعداوة، ودعوا التعادي بينكم ما عاداكم، فإنّه أقوى أعدائكم، وأحدّهم نابا ومخلبا، وأجرؤهم، إن ظفر بكم لا يدع منكم لسانا ينطق، ولا عينا تطرف؛ وإن أظفركم الله به، تراجعتم العداوة والتحارب بينكم أو تعافيتم. أيّها التميميّ، هو والله أعدى لك من الأزديّ، وأيّها القيسيّ هو أعدى لك من التغلبيّ، وهل ظفر بمن ناوأه منكم إلا بمن بقي معه من رؤسائكم. ثم هرب جامع من فوره ذلك إلى الشام، فاستجار بزفر بن الحارث فأجاره. «390» - قال عليّ الحميريّ: لمّا أشخص المنصور أبا حنيفة إلى بغداد شخصت معه، فقدم بغداد، فحضر الدار، وأعلم به المنصور، فدخل إليه ثم خرج إليّ وهو ممتقع اللون، فسألته عن حاله فقال لي: المنزل، المنزل! فمضيت معه فقال: إنّ هذا دعاني إلى القّضاء، فأعلمته أني لا أصلح، وافترصها منّي وظنّ أني قد كذبته، فقال لي: قد جلست تفتي الناس، وتزعم أنك لا تصلح للقضاء، قال: فقلت له: إني لم أقل إني لا أصلح لأني لا أعلم أن البيّنة [على المدعي واليمين على من أنكر] ولكنه لا يصلح للقضاء إلا رجل له نفس يحكم بها عليك وعلى ولدك وعلى قوّادك، وليست تلك النفس لي، والله يعلم أنك لتدعوني، فما ترجع نفسي إليّ حتى أفارقك؛ فلما سمع ذلك منّي أطرق ثم رفع رأسه إليّ، وقال: فلم لا تقبل صلتي؟ فقلت: أفوصلني أمير المؤمنين من ماله بشيء فرددته ولم أقبله؟ وإنّما وصلتني من بيت مال المسلمين ولا حقّ لي فيه؛ لأني لست مقاتلا من ورائهم فآخذ مع المقاتلة، ولست من ولدانهم فآخذ ما يأخذون، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 187 ولست من فقرائهم فآخذ ما يأخذ الفقراء، أنا من الله بخير، وبنعمته في كفاية، فقال لي: أقم بمكانك تكاتبك القضاة فيما [لعلهم أن يحتاجوا إليك. قلت:] سمعا وطاعة. «391» - قال عبد الله بن المبارك: لمّا أفضت الخلافة إلى هارون، وقعت في نفسه جارية من جواري المهديّ، فأرادها على نفسها، فقالت: لا أصلح لك؛ إنّ أباك قد أطاف بي، فأغري بها. قال: فبعث إلى أبي يوسف فقال: جارية من جواري المهديّ أردتها فتحصّنت منّي وذكرت أنّ أبي قد وقع بها، فعندك في هذا شيء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، لا تصدّقها، ليست بمأمونة على نفسها. قال عبد الله بن المبارك: فلم أدر من أيّهم أعجب، من هذا الذي قد وضع يده في دماء المسلمين وأموالهم يتحرّج من [وطء جارية] لأبيه رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين، أم من هذا فقيه الأرض وقاضيها، قال: تهتك حرمة أبيك واقض شهوتك وصيّره في رقبتي. «392» -[جرى] بين عبد الله بن الزبير وبين عتبة بن أبي سفيان لحاء بين يدي معاوية، فجعل ابن الزبير يعدل بكلامه عن عتبة ويعرّض بمعاوية، حتى أطال وأكثر من ذلك، فالتفت معاوية وقال متمثّلا: [من الطويل] ورام بعوران الكلام كأنّها ... نوافر صبح نقّرتها المراتع وقد يدحض المرء الموارب بالخنا ... وقد تدرك المرء الكريم المصانع ثم قال لابن الزبير: [من يقول هذا؟] فقال: ذو الاصبع، قال: أترويه؟ قال: لا، قال: من ههنا يروي هذه الأبيات؟ فقال رجل من قيس: أنا أرويه يا أمير المؤمنين، فقال: أنشدني، فأنشده حتى أتى على قوله: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 188 وساع برجليه لآخر قاعد ... ومعط كريم ذو يسار ومانع وبان لأحساب الرجال وهادم ... وخافض مولاه سفاها ورافع ومغض على بعض الخطوب وقد بدت ... له عورة من ذي القرابة هاجع وطالب حوب باللبان [1] وقلبه ... يرى الحقّ لا تخفى عليه الشرائع فقال: [كم عطاؤك؟] قال: سبعمائة، قال: اجعلوها ألفا، وقطع الكلام بين عبد الله وعتبة. «393» - لمّا ولي الوليد بن عقبة الكوفة من قبل عثمان، قدمها وبها سعد بن أبي وقاص أميرا، فدخل عليه، فقال له سعد: ما أقدمك أبا وهب؟ قال: أحببت زيارتك؛ قال: وعلى ذاك أجئت بريدا، قال: أنا أرزن من ذاك، ولكنّ القوم احتاجوا إلى عملهم فسرّحوني إليه، وقد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة. فمكث سعد طويلا وقال له: ما أدري، ألسنت [2] بعدنا أم حمقنا بعدك؟ (فقال: لا تجزعنّ أبا إسحاق، فإنّما هو الملك، يتغدّاه قوم ويتعشّاه آخرون، فقال: أراكم والله ستجعلونه ملكا) [3] ثم قال: [من الطويل] خذيني فجرّيني ضباع وأبشري ... بلحم آمرىء لم يشهد اليوم ناصره «394» - وقال العجاج: [من الرجز] وكلّ معدود إلى أن ينفدا ... وغاية الأقوام مهواة الردى والدهر ما أصلح يوما أفسدا ... وعاد مبليه على ما جدّدا   [1] الأغاني: باللسان. [2] الأغاني: أصلحت ... فسدنا. [3] ما بين قوسين لم يرد في الأغاني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 189 ولا أرى الإنسان متروكا سدى ... ويجعل الله وإن طال المدى لكلّ شيء منتهى وأمدا «395» - لمّا قدم عمر الشام وقف على طور زيتا، فأرسل البطريق عظيما لهم ثم قال: انظر إلى ملك العرب؛ فرآه على فرس وعليه جبّة صوف مرقّعة، مستقبل الشمس بوجهه، ومخلاته في قربوس سرجه، وعمر يدخل يده فيها فيخرج فلق خبز يابس فوصفه للبطريق، فقال: لا [طاقة] لنا بمحاربة هذا، أعطوه ما شاء. «396» - قال عبد الملك بن مروان: تمكّنا من أمّ خنّور، وذلك لمّا اشتدّ ملكه، وقهر أعداءه، وظنّ أنّ الأرض قد دانت له، فلم يعش بعدها إلا أسبوعا. أم خنّور: كنية الدنيا. أهل الكوفة يقولون: خنّور كسفّود. وأهل البصرة يقولوم: خنّور كتحوّل، وأصلها في الضّبع، فشبّهت بها لأكلها الناس كما قيل للسنة: الضّبع. «397» - قال عبد الملك: ولدت في شهر رمضان، وفطمت في شهر رمضان، وختمت القرآن في شهر رمضان، وأتتني الخلافة في شهر رمضان، وأخاف أن أموت في شهر رمضان. فلما دخل شوّال وأمن بها مات. 398- قال علي بن أبي طالب: أبو بكر سلم من الدنيا وسلمت منه، وعمر عالجها وعالجته، وعثمان نال منها ونالت منه، وأمّا أنا فقد تضجّعت فيها ظهرا لبطن. «399» - ويروى أنّ رجلا من الأوّلين كان يأكل وبين يديه دجاجة مشويّة، فجاء سائل فردّه خائبا، وكان الرجل مسرفا فوقعت بينه وبين امرأته فرقة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 190 وذهب ماله وتزوّجت، فبينما زوجها الثاني يأكل وبين يديه دجاجة مشويّة إذ جاءه سائل، فقال لامرأته: ناوليه الدجاجة، ونظرت فإذا هو زوجها الأوّل، فأخبرته القصّة، فقال الثاني: أنا والله ذلك المسكين، خيّبني فحوّل الله نعمته وأهله إليّ لقلّة شكره. «400» - كانت قريش لا ترغب في أمّهات الأولاد حتى ولدت ثلاثة هم خير أهل زمانهم: علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وذلك أنّ عمر رضي الله عنه أتي ببنات يزدجرد بن شهريار بن كسرى مسبيات، فأراد بيعهنّ فقال له عليّ: إنّ بنات الملوك لا يبعن، ولكن قوّموهنّ، فقوّموهنّ، فأعطاه فقسمهنّ بين الحسين بن عليّ، ومحمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، فولدن الثلاثة. «401» - قال عمرو بن العاص- عند احتضاره- لابنه: يا بنيّ، من يأخذ هذا المال بما فيه؟ قال: من جدع الله أنفه؛ فقال: احملوه إلى بيت مال المسلمين. ثم دعا بالغلّ والقيد فلبسهما، ثم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: إنّ التوبة مبسوطة ما لم يغرغر ابن آدم بنفسه؛ ثم استقبل القبلة فقال: اللهم أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فارتكبنا؛ هذا مقام العائذ بك، فإن تعف فأهل العفو أنت، وإن تعاقب فبما قدّمت يداي، سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين. فمات وهو مغلول مقيّد. فبلغ الحسن بن عليّ فقال: استسلم الشيخ حين أيقن بالموت، ولعلّها تنفعه. 402- سأل أعرابيّ عمرو بن عبيد عن التوحيد، فتناول بيضة بين يديه، فوضعها على راحته وقال: هذا حصن مغلق لا صدع فيه، ثم من ورائه غرقىء [1]   [1] الغرقىء: القشرة الملتزقة ببياض البيض. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 191 يستشف، تم من ورائه دمعة سائلة، ثم لا تنفكّ الأيام والليالي حتى يتفلّق عن طاوس ملمّع، فأيّ شيء في العالم إلا وهو دليل على أنّه ليس كمثله شيء. «403» - ذكر أبو عبيدة أنّ رجلا من بني أميّة خطب النّوار بنت أعين المجاشعيّة فرضيته، وجعلت أمرها إلى الفرزدق، فقال: أشهدي لي بذلك على نفسك شهودا، ففعلت، واجتمع الناس لذلك، فتكلّم وقال: اشهدوا بأني قد تزوّجتها، وأصدقتها كذا وكذا، فإني أنا ابن عمّها وأحقّ بها. فبلغ ذلك النّوار، فأبته واستترت من الفرزدق، وجزعت ولجأت إلى بني قيس بن عاصم المنقريّ، فقال فيها: [من الطويل] بني عاصم [لا تلجئوها فإنكم ... ملاجىء للسوءات دسم العمائم] بني عاصم لو كان حيّا أبوكم ... للام بنيه اليوم قيس بن عاصم فقالوا للفرزدق: والله لئن زدت على هذين البيتين لنقتلنّك غيلة. فنافرته النّوار إلى عبد الله بن الزبير فأرادت الخروج إليه، فتجافى الناس كراءها. ثم إنّ رجلا من بني عديّ يقال له زهير بن ثعلبة وقوما يعرفون ببني أمّ النسير أكروها. فقال الفرزدق: [من الوافر] ولولا أن يقول بنو عديّ ... أليست أمّ حنظلة النوار يعني بالنوار ههنا بنت حمل [1] بن عدي بن عبد مناة، وهي أمّ حنظلة بن مالك بن زيد مناة وهي إحدى جدّاته. وقال لبني أمّ النّسير: [من الطويل] لعمري لقد أردى النّوار وساقها ... إلى الغور أحلام خفاف عقولها   [1] النقائض: بنت جلّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 192 يقول فيها: فدونكها يا ابن الزبير فإنّها ... مولّعة يوهي الحجارة قيلها فلما قدمت مكّة نزلت على بنت منظور بن زبّان، واستشفعت بها إلى زوجها عبد الله، وانضم الفرزدق إلى حمزة بن عبد الله وأمّه بنت منظور هذه. وقال فيه: [من البسيط] يا حمز هل لك في ذي حاجة عرضت ... أنضاؤه بمكان غير ممطور فأنت أحرى قريش أن تكون لها ... وأنت بين أبي بكر ومنظور بين الحواريّ والصدّيق في شعب ... نبتن في طيّب الإسلام والخير وقال في النوار: [من الوافر] تخاصمني النّوار وغاب فيها ... كرأس الضّبّ يلتمس الجرادا فجعل أمر النّوار يقوى، وأمر الفرزدق يضعف، فقال الفرزدق: [من البسيط] أمّا بنوه فلم تقبل شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا فبلغ ابن الزبير الشعر، فقال للنّوار: إن شئت فرّقت بينكما وقتلته فلا يهجونا أبدا، وإن شئت سيّرته إلى بلاد العدوّ؛ فقالت: ما أريد واحدة منهما؛ قال: إنّه ابن عمّك وهو فيك راغب، أفأزوّجه إيّاك؟ قالت: نعم. فزوّجه إيّاها، فكان الفرزدق يقول: خرجنا متباغضين، ورجعنا متحابّين. قال عثمان بن أبي سليمان: شهدت الفرزدق يوم نازع النوار، فتوجّه القضاء عليه، فأشفق من ذلك، فعرّض لابن الزبير بكلام، فأغضبه. وروى غيره أنّه قال: إنّما حكمت عليّ بهذا لأفارقها فتثب عليها، فقال: يا ألأم الناس، وهل أنت وقومك إلا جالية العرب. وأمر به فأقيم وأقبل علينا فقال: إنّ بني تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الإسلام بمائة وخمسين سنة 13 التذكرة الحمدونيه 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 193 فاستلبوه، واجتمعت العرب عليها لمّا انتهكت ما لم ينتهكه أحد قبلها وأجلتها عن أرض تهامة. قال: ثم خرج عبد الله بن الزبير إلى المسجد، فرأى الفرزدق في بعض طرق مكّة، وقد بلغته أبيات قالها يفتخر فيها ويتهدّد، فقبض ابن الزبير على عنقه فكاد أن يدقّها، ثم قال: [من الطويل] لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت وهذا الشعر لجعفر بن الزبير. ولمّا قال جعفر هذا البيت، قال عبد الله بن الزبير: أتجزرنا كلبا من كلاب بني تميم؟ إن عدت لم أكلّمك أبدا. ولمّا أذنت النّوار لابن الزبير في تزويجها بالفرزدق، حكم عليه بمهر مثلها عشرة آلاف درهم، فسأل أهل مكّة: هل بها أحد يعينه على ذلك، فدلّ على سلم بن زياد وكان [ابن] الزبير حبسه فقال فيه: [من الطويل] دعي مغلقي الأبواب دون فعالهم ... ومرّي تمشّي بي هبلت على سلم إلى من يرى المعروف سهلا سبيله ... ويفعل أفعال الكرام التي تنمي ثم دخل على سلم فأنشده، فقال: هي لك ومثلها نفقتك، فأمر له بعشرين ألفا، فقبضها فقالت له زوجته أمّ عثمان بنت عبد الله [بن عثمان] بن أبي العاصي الفقيه: أتعطي عشرين ألفا وأنت محبوس؟! فقال: [من الطويل] ألا بكرت عرسي تلوم سفاهة ... على ما مضى منّي وتأمر بالبخل فقلت لها والجود مني سجيّة ... وهل يمنع المعروف سؤّاله مثلي ذريني فإني غير تارك شيمتي ... ولا مقصر عن السماحة والبذل وهي أبيات. ثم اصطلحا ورضيت به، وساق المهر إليها، ودخل بها وأحبلها قبل أن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 194 يخرج من مكة. ثم خرج بها وهما عديلان في محمل. فكانت لا تزال تشارّه وتخالفه لأنّها كانت صالحة حسنة الدين، وكانت تكره كثيرا من أمره فتزوّج عليها حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد ابن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همّام بن مرّة بن ذهل بن شيبان. فتزوّجها على مائة من الإبل، فقالت له النّوار: ويلك! أتزوّجت عليّ أعرابيّة دقيقة الساقين، بوّالة على عقبيها على مائة بعير! فقال الفرزدق يفضّلها عليها، ويعيّرها بأمّها وكانت أمة [1] : [من الطويل] لجارية بين السليل عروقها ... وبين أبي الصهباء [2] من آل خالد أحقّ بإعلاء المهور من التي ... زنت وهي تنزو في جحور الولائد وقال أيضا: [من الطويل] لعمري لأعرابية في مظلّة ... تظلّ بروقي بيتها الريح تخفق كأمّ غزال أو كدرّة غائص ... إذا ما بدت مثل الغمامة تشرق أحبّ إلينا من ضناك ضفنّة ... إذا وضعت عنها المراوح تعرق [3] ومدحها أيضا فقال: [من البسيط] عقيلة من بني شيبان ترفعها ... دعائم للعلى من آل همّام من آل مرّة بين المستضاء بهم ... من رهط صيد مصاليت وحكّام بين الأحاوص من كلب مركّبها ... وبين قيس بن مسعود وبسطام فأغضب النّوار مدحه إيّاها، فقالت: والله لأخزينّك يا فاسق، وبعثت إلى جرير فجاءها فقالت: ألا ترى ما قال لي الفاسق؟ وشكت إليه، فقال جرير: أنا   [1] الأغاني: وكانت تربيها أمة. [2] وردت السلول وأبي الشهباء في الأصل. [3] الضناك: الضخمة من النساء والضفنة: الحمقاء مع عظم الخلق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 195 أكفيك، وأنشأ يقول [1] : [من الطويل] ولست بمعطي الحكم عن شفّ منصب ... ولا عن بنات الحنظليّين راغب وهنّ كماء المزن يشفى به الصّدى ... وكانت ملاحا غيرهنّ المشارب وما عدلت ذات الصليب ظعينة ... [عتيبة والرّدفان منها وحاجب] [أأهديت يا زيق بن زيق غريبة] ... إلى شرّ من تهدى إليه الغرائب ألا ربّما لم نعط زيقا بحكمه ... وأدّى إلينا الحكم والغلّ لازب حوينا أبا زيق وزيقا وعمّه ... [وجدّة زيق قد حوتها] المقانب فأجابه الفرزدق بقصيدة منها: [من الطويل] فنل مثلها من مثلهم ثمّ لمهم ... بما لك من مال مراح وعازب وإنّي لأخشى إن خطبت إليهم ... عليك الذي لاقى يسار الكواعب وقالوا سمعنا أنّ حدراء زوّجت ... على مئة شمّ الذرى والغوارب ولو كنت من أكفاء حدراء لم تلم ... على دارميّ بين ليلى وغالب ولو قبلوا مني عطية سقته ... إلى آل زيق من وصيف مقارب [هم زوّجوا قبلي ضرارا] وأنكحوا ... لقيطا وهم أكفاؤنا في المناسب ولو تنكح الشمس النجوم بناتها ... إذا لنكحناهنّ قبل الكواكب يسار: كان عبدا لبني غدانة، فأراد مولاته على نفسها فنهته مرّة بعد مرّة، وألحّ عليها فوعدته، فجاء فقالت: إني أريد أن أبخّرك، فإنّ رائحتك متغيّرة؛ فوضعت تحته مجمرا وقد أعدّت له حديدة، فأدخلت يدها فقبضت على ذكره وهو يرى أنّ ذلك لشيء، فقطعته بالموسى، فقال: صبرا على مجامر الكرام. فذهبت مثلا. وقال جرير: [من البسيط]   [1] الأبيات مضطربة في المخطوط والتصويب من الأغاني والديوان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 196 يا زيق أنكحت قينا باسته حمم ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق غاب المثنّى فلم يشهد نجيّكما ... والحوفزان ولم يشهدك مفروق أين الألى أنزلوا النعمان مقتسرا ... أم أين أبناء شيبان الغرانيق يا ربّ قائلة بعد البناء به ... لا الصّهر راض ولا ابن القين معشوق فتعرّض الفرزدق للحجاج أن يسوق عنه المهر، فعذله الحجاج وقال: أتزوّجت نصرانية على حكم أنّها مائة بعير! أخرج، ما لك عندنا شيء، فقال عنبسة بن سعيد بن العاصي وأراد نفعه: إنّها من حواشي إبل الصدقة، فأمر له بها. ولمّا كان الفرزدق ببعض الطريق ومعه أوفى بن خزير [1] أحد بني التّيم بن شيبان بن ثعلبة رأى كبشا مذبوحا، فقال: يا أوفى، هلكت والله حدراء. فلما بلغ قال له بعض قومها: هذا البيت فانزل، وأمّا حدراء فقد هلكت، وقد عرفنا الذي يصيبك في دينكم من ميراثها وهو النصف، وهو لك عندنا، فقال: لا والله لا أرزأ من ذلك قطميرا، وهذه صدقتها فاقبضوها. فقالوا: يا بني دارم، والله ما صاهرنا أكرم منكم. وقيل: إنّ قومها اعتلّوا عليه، وادّعوا موتها لئلّا يهتك جرير أعراضهم. وقال جرير: [من الطويل] رأوا أنّ صهر القوم عار عليهم ... وأنّ لبسطام على غالب فضلا «404» - حدّث بعض الموالي قال: حضرت الفضل بن يحيى وقد قال لأبي البصير [2] : يا أبا البصير، أنت القائل فينا: [من الطويل]   [1] الأغاني: خنزير. [2] الأغاني: النضير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 197 إذا كنت من بغداد في رأس فرسخ ... وجدت نسيم الجود من آل برمك لقد ضيّقت علينا جدّا. قال: أفلأجل ذلك أيها الأمير ضاقت عليّ صلتك، وضاقت عني مكافأتك وأنا الذي أقول: [من السريع] تشاغل الناس ببنياهم ... والفضل في بني العلا جاهد كلّ ذوي [الفضل] وأهل النّهى ... للفضل في تدبيره حامد وعلى ذلك فما قلت البيت الأوّل كما بلغ الأمير، وإنّما قلت: [من الطويل] إذا كنت من بغداد في مقطع الثّرى ... وجدت نسيم الجود من آل برمك فقال له الفضل: إنّما أخرّت ذلك عنك لأمازحك، وأمر له بثلاثين ألف درهم. «405» - قال عمرو بن جابر الحنفيّ في المداجاة: [من الطويل] أكاشح أقواما على شرّ بغضة ... وأضحك في وجه العدوّ المكاشر أريه كذاكم ما يريني وأبتغي ... به في غد خون الجدود العوائر كلانا يرى أن ليس ... «406» - وقال آخر: [من الوافر] أكاشره وأعلم أن كلانا ... على ما ساء صاحبه حريص «407» - وقال المتلمّس: [من الطويل] وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لنابيه الشجاع لصمّما «408» - وقال عبد الله بن مالك الطائي: [من الوافر] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 198 وخلّ كنت عين النّصح منه ... لذي خطر ومستمع سميعا أطاف بغيّة فنهيت عنها ... وقلت له أرى أمرا فظيعا «409» - ومثله لدريد بن الصمة: [من الطويل] أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى ... فلم يستبينوا النّصح إلا ضحى الغد فلما عصوني كنت فيهم وقد أرى ... غوايتهم وأنّني غير مهتدي وما أنا إلا من غزيّة إن غوت ... غويت وإن ترشد غزيّة أرشد «410» - وقال رجل من بني الحارث بن كعب: [من الطويل] لعمرك ما صبر الفتى في أموره ... [بحتم] إذا ما الأمر جلّ عن الصبر فقد يجزع المرء الجليد ويبتلي ... عزيمة رأي المرء نائبة الدهر تعاوره الأيام في ما ينوبه ... فيقوى على أمر ويضعف عن أمر «411» - وقال أيضا: [من الطويل] وعيرتمونا أن جزعنا ولم نكن ... لنجزع لو أنّا قدرنا على الصبر صبرنا فلما لم نر الصبر نافعا ... جزعنا وكان الله أملك بالعذر «412» - وقال خراش بن مرة الضبي: [من الطويل] إذا عيل صبر المرء فيما ينوبه ... فلا بدّ من أن يستكين ويجزعا وما يبلغ الانسان فوق اجتهاده ... إذا هو لم يملك لما جاء مدفعا «413» - وقال عبيد بن أيوب وذكر شدة خوفه: [من الطويل] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 199 لقد خفت حتى لو تمرّ حمامة ... لقلت عدوّ أو طليعة معشر وخفت خليلي ذا الصفاء ورابني ... مقال فلان أو فلانة فاحذر فمن قال خيرا قلت هذا خديعة ... ومن قال شرّا قلت نصح فشمّر وأصبحت كالوحشيّ يتبع ماحلا ... ويترك موطوء البلاد المدعثر «414» - وقال أيضا: [من الطويل] لقد خفت حتى خلت أن ليس ناظرا ... إلى أحد غيري فكدت أطير [1] وليس فم إلا بسرّي محدّث ... وليس يد إلا إليّ تشير «415» - وقال مضرّس بن ربعيّ الأسديّ: [من الطويل] كأنّ على ذي الظنّ عينا بصيرة ... بمنطقه أو منظر هو ناظره يحاذر حتى يحسب الناس كلّهم ... من الخوف لا تخفى عليهم سرائره «416» -[وقال] مسكين الدارميّ واسمه ربيعة بن عامر: [من الطويل] إن أدع مسكينا فلست بمنكر ... وهل تنكرنّ الشمس ذرّ شعاعها لعمرك ما الأسماء إلا علامة ... منار ومن خير المنار ارتفاعها «417» - وقال أيضا في الغيرة: [من المتقارب] ألا أيّها الغائر المستشاط ... علام تغار إذا لم تغر [فما خير عرس إذا خفتها] ... وما خير عرس إذا لم تزر   [1] مجموعة المعاني: ناظر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 200 تغار على الناس أن ينظروا ... وهل يفتن الصالحات النّظر وإني سأخلي لها بيتها ... فتحفظ لي نفسها أو تذر إذا الله لم يعطني حبّها ... فلا يعطني الحبّ سوط ممرّ [1] «418» - قال الشعبيّ: قال لي شريح يعني القاضي: يا شعبيّ، عليكم بنساء تميم، فإنّهن النساء. قلت: كيف؟ قال: انصرفت من جنازة ذات يوم مظهرا [2] فمررت بدور بني تميم، فإذا امرأة جالسة في سقيفة على وسادة وتجاهها جارية رؤد- يعني التي بلغت- ولها ذؤابة على ظهرها جالسة تبكي، [فاستسقيت] فقالت لي: أيّ الشراب أعجب إليك؟ النبيذ أم اللبن أم الماء؟ قلت: أي ذلك تيسّر عليكم. فقالت: اسقوا الرجل لبنا فإني إخاله عزبا [3] ، فلما شربت نظرت إلى الجارية فأعجبتني، فقلت: من هذه؟ فقالت: ابنتي، فقلت: ممّن؟ قالت: هذه زينب بنت حدير إحدى نساء بني تميم، ثم إحدى نساء بني حنظلة، ثم إحدى نساء بني طهيّة، قلت: أفارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة؛ قلت: أفتزوّجينها؟ قالت: نعم إن كنت لها كفؤا، ولها عمّ فاقصده. فامتنعت من القائلة، وأرسلت إلى إخواني من القرّاء والأشراف، مسروق بن الأجدع، والمسيّب بن نجبة، وسليمان بن صرد الخزاعيّ، وخالد بن عرفطة العدويّ، وعروة بن المغيرة بن شعبة، وأبي بردة بن أبي موسى، فوافيت معهم صلاة العصر، فإذا عمّها جالس، فقال: أبا أمامة [4] ؟ حاجتك، فقلت: إليك،   [1] ممر: مفتول. [2] مظهر: دخل في الظهيرة. [3] الأغاني: عربيا والعقد: غريبا. [4] كنية القاضي شريح أبو أمية. انظر وفيات الأعيان 2: 460. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 201 قال: وما هي؟ قلت: بنت أخيك زينب بنت حدير، قال: ما بها عنك رغبة، ولا بك عنها مقصر وإنّك لنهزة [1] . فتكلّمت فحمدت الله عزّ وجلّ، وصليت على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وذكرت حاجتي. فردّ الرجل عليّ وزوّجني، وبارك القوم لي، ثم نهضنا، فما بلغت منزلي حتى ندمت؛ فقلت: تزوجت إلى أغلظ العرب وأحقدها، فهممت بطلاقها، ثم قلت: أجمعها إليّ، فإن رأيت ما أحبّ وإلا طلّقتها. فأقمت أيّاما، ثم أقبل نساؤها يهادينها، فلما أجلست في البيت أخذت بناصيتها، فبرّكت، وأخلي لي البيت، فقلت: يا هذه، إنّ من السنّة إذا دخلت المرأة على الرجل أن تصلّي ركعتين ويصلّي ركعتين، ويسألا الله خير ليلتهما ويتعوّذا بالله من شرّها؛ ثم التفتّ فإذا هي خلفي تصلّي؛ فصلّيت، ثم التفتّ فإذا هي على فراشها، فمددت يدي فقالت: على رسلك، فقلت: إحدى الدواهي منيت بها، فقالت: الحمد لله، أحمده وأستعينه، إني امرأة غريبة، ولا والله ما سرت مسيرا قطّ أشدّ عليّ منه، وأنت رجل غريب لا أعرف أخلاقك، فحدّثني بما تحبّ فآتيه، وما تكره فأنزجر عنه. فقلت: الحمد لله، وصلى الله على محمد. قدمت خير مقدم على أهل دار زوجك سيّد رجالهم، وأنت سيدة نسائهم إن شاء الله. أحبّ كذا وكذا، وأكره كذا وكذا. قالت: أخبرني عن أختانك، أتحبّ أن يزوروك؟ قلت: إني رجل قاض، وما أحبّ أن يملّوني. فبتّ بأنعم ليلة، ثم أقمت عندها ثلاثا، ثم خرجت إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يوما إلا وهو أفضل من الذي قبله، حتى إذا كان عند رأس الحول دخلت منزلي وإذا عجوز تأمر وتنهى، فقلت: يا زينب، من هذه؟ قالت: أمي فلانة؛ قلت: حيّاك الله بالسلام، قالت: أبا أمامة، كيف أنت وزوجتك؟ قلت: [بخير] ، قالت: إنّ المرأة لا ترى في   [1] نهزة: فرصة تنتهز. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 202 حال أسوأ منها خلقا في حالين: إذا حظيت عند زوجها، وإذا ولدت غلاما، فإن رابك منها شيء فالسوط، فإنّ الرجال والله ما حازت إلى بيوتها شرّا من الورهاء [1] المدلّة. قلت: أشهد أنّها ابنتك، قد كفيتنا الرياضة وأحسنت الأدب. قال: فكانت في كلّ حول تأتينا، فتذكر هذا ثمّ تنصرف. قال شريح: فما غضبت عليها قطّ إلا مرّة واحدة كنت لها ظالما فيها: كنت أمام قوم فسمعت الإقامة وقد ركعت ركعتي الفجر، فأبصرت عقربا، فعجلت عن قتلها فأكفأت عليها الإناء، فلما كنت عند الباب قلت: يا زينب، لا تحرّكي الإناء حتى أجيء، فعجلت فحرّكت الإناء، فضربتها العقرب، وجئت فإذا هي تلوّى، قلت: ما لك؟ قالت: لسعتني العقرب، فلو رأيتني يا شعبيّ وأنا أفرك إصبعها بالملح وأقرأ عليها المعوّذتين وفاتحة الكتاب. وكان لي يا شعبيّ جار يقال له ميسرة، وكان لا يزال يضرب امرأته، فقلت: [من الطويل] رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلّت يميني يوم أضرب زينبا يا شعبيّ، وددت لو أني قاسمتها عيشي. «419» - قال حمدون بن إسماعيل: كنت حاضرا عند المأمون ببلاد الروم بعد العشاء، [وبين يديه شمعة] في ليلة ظلماء ذات رعود وبروق، فقال لي المأمون: اركب الآن فرس النوبة، وسر إلى عسكر أبي إسحاق، يعني المعتصم، فأدّ إليه رسالتي وهي كيت وكيت. قال: فركبت، فلم تثبت معي شمعة، وسمعت وقع حافر دابّة، فرهبت ذلك وجعلت أتوقّاه حتى صكّ   [1] الورهاء: الحمقاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 203 ركابي [ركاب تلك] الدابة، وبرقت بارقة فأبصرت وجه الراكب، فإذا عريب، فقلت: عريب؟ فقالت: نعم، حمدون؟ [قلت: نعم] . ثم قلت لها: من أين أقبلت في هذا الوقت؟ قالت: من عند محمد بن حامد، قلت: وما صنعت عنده؟ قالت: يا تكش! عريب تجيء في هذا الوقت من عند محمد بن حامد خارجة من مضرب الخليفة وراجعة إليه تقول لها: أي شيء عملت معه؟! صلّيت معه التراويح، أو قرأت عليه أجزاء من القرآن، أو دارسته شيئا من الفقه! يا أحمق! تحادثنا، وتعاتبنا، واصطلحنا، وشربنا، ولعبنا، وغنّينا، وتنايكنا، وانصرفنا. فأخجلتني، وغاظتني، وافترقنا، ومضيت فأدّيت الرسالة. ثم عدت إلى المأمون، وأخذنا في الحديث وتناشد الأشعار، فهممت أن أحدّثه بحديثها ثم هبته، فقلت: أقدّم قبل ذلك بشيء من الشعر، فأنشدته: [من الطويل] ألا حيّ أطلالا لقاطعة الحبل ... ألوف تساوي صالح القوم بالرّذل [1] فلو أنّ من أمسى بجانب [تلعة ... إلى جبلي طيّ فساقطة] الحبل جلوس إلى أن يقصر الظلّ عندها ... لراحوا وكلّ القوم منها على وصل فقال المأمون: اخفض صوتك لا تسمع عريب فتغضب وتظنّ أنّا في حديثها، فأمسكت عمّا أردت أن أخبره به، وخار الله لي في ذلك. «420» - أنشد أحمد بن يحيى: [من الطويل] أحبّ بلاد الله ما بين منعج ... إليّ وسلمى أن يصوب ربابها بلاد بها حلّ الشباب تميمتي ... وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها   [1] الأغاني: لواسعة الحبل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 204 «421» - لمّا مات ضرار بن ثعلبة [بن سعد] ترك بنيه الشعراء الثلاثة صبيانا وهم: شمّاخ، ومزرّد، وجزء. وأرادت أمّهم- وهي أمّ أوس- أن تتزوّج رجلا يسمّى أوسا، وكان أوس هذا شاعرا، فلما رآه بنو ضرار بفناء أمّهم للخطبة، تناول شمّاخ حبل الدلو ثم متح وهو يقول: [من الرجز] أمّ أويس نكحت أويسا وجاء مزرّد فتناول الحبل ثم قال: أعجبها حدارة وكيسا [1] وجاء جزء فتناول الحبل ثم قال: أصدق منها لجبة وتيسا [2] فلما سمع أوس رجز الصبيان هرب وتركها. «422» - شاعر: [من الطويل] أبت مصر إسعافي بما كنت أشتهي ... وأخلفني منها الذي كنت آمل وما كلّ ما يخشى الفتى نازل به ... وما كل [ما يرجو الفتى] هو نائل فو الله ما فرّطت في جنب حيلة ... ولكنه ما قدّر الله نازل وقد يسلم الانسان من حيث يتّقي ... ويؤتى الفتى من أمنه وهو غافل   [1] الحدارة: الامتلاء واجتماع الخلق في سمن. [2] أصدق: جعل لها صداقا. اللجبة: الشاة القليلة اللبن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 205 «423» - محمد بن بشير الخارجيّ: [من الطويل] يسعى لك المولى ذليلا مدفّعا ... ويخذلك المولى إذا اشتدّ كاهله فأمسك عليك العبد أوّل وهلة ... ولا تنفلت من راحتيك حبائله «424» - وقال: [من الطويل] إذا افتقر المولى سعى لك جاهدا ... لترضى، وإن نال الغنى عنك أدبرا «425» - كانت أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة عند يزيد بن أبي سفيان، فمات عنها. فخطبها عليّ عليه السلام فردّته. فقيل لها: أتردّين عليّ بن أبي طالب، ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وزوج فاطمة، وأبا الحسن والحسين، وحاله في الإسلام حاله؟ قالت: نعم، لا أوثر هواه على هواي؛ ليس لامرأته منه إلا جلوسه بين شعبها الأربع، وهو صاحب خير من النساء. ثم خطبها عمر رضي الله عنه، فردّته، فقيل لها: أتردّين أمير المؤمنين الفاروق، وحاله في الإسلام حاله؟ قالت: نعم، لا أوثر هواه على هواي؛ يدخل عابسا ويخرج عابسا، ويغلق عليّ بابه، وأنا امرأة برزة. ثم خطبها الزبير، فردّته، فقيل لها: أتردّين الزبير حواريّ رسول الله وابن عمّته وحاله في الإسلام حاله؟ قالت: نعم، لا أوثر هواه على هواي؛ يد فيها قروني، ويد فيها السوط. ثم خطبها طلحة، فقالت: [هذا] زوجي حقّا، يدخل عليّ بسّاما، إن سألت بذل وإن أعطى أجزل، وإن أذنبت غفر، وإن أحسنت شكر. فتزوّجته فأولم ثم دعا هؤلاء النّفر، وهي في خدرها- وكذلك كانوا يفعلون- فقال عليّ عليه السلام: يا أبا محمد، ائذن لي أكلّم هذه؛ فقال: يا أمّ أبان، تستّري، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 206 فتستّرت. ثم رفع سجف الحجلة فقال: يا عديّة نفسها! خطبتك وليس بقرشيّ عني رغبة بعد فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فرددتني، وخطبك الزبير حواريّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابن عمّته فرددته، واخترت علينا ابن الصّعبة!؟ قالت: فلو وجدت نفقا لدخلت فيه. قالت: فأحلت على الزاملة التي تحمل كلّ شيء فقلت: أمر قضي، وما كان ذلك بيدي. فقال: صدقت رحمك الله. أما على ذلك فقد نكحت أصبحنا وجها، وأسخانا كفّا، وأكرمنا للنساء صحبة. ثم قال: يا أبا محمد، سلها عمّا قلت لها، فإني لم أقل إلا الذي تحبّ، قال: لا أسألها عنه أبدا. «426» - قال السّدّيّ: أتيت كربلاء أبيع البزّ بها، فعمل لنا شيخ من طيّء طعاما [وبتنا] عنده، فذكرنا قتل الحسين عليه السلام، فقلت: ما شرك في قتله أحد إلا مات بأسوأ ميتة، فقال: ما أكذبكم يا أهل العراق، فأنا ممّن شرك في دمه. فلم نبرح حتى دنا من المصباح وهو يتّقد بنفط، فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه، فأخذت النار فيها، فذهب يطفئها بريقه، فأخذت النار في لحيته، فعدا فألقى نفسه في الماء، فرأيته كأنّه فحمة [1] . «427» - قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: حدّثني أبو محمد الرّباطي (رباط خاوة من عمل جرجان) قال: كنت قبّارا، فبينا أنا في منزلي إذ طرقني ليلا ركب يستعجلونني، فخرجت فإذا أنا بشموع وخدم، فأمروني بالحفر، فحفرت قبرا وأودعوه تابوتا، وعفّيت عليه بالتراب، وأجالوا عليه الخيل تغويرا للموضع وانصرفوا. فظننت أنّه كنز، فأسرعت فنبشته وكشفت عن التابوت،   [1] المختصر: حممة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 207 فإذا فيه رجل، فوضعت يدي على أنفه فإذا هو قريب من التّلف، فاستخرجته وأعدت التراب إلى ما كان عليه. واحتملته إلى منزلي. وعاد القوم حذرا من أن أكون قد تنبّهت على ما في التابوت، ونفضوا الصحراء التي كان فيها فلم يروا أثرا ولا حسّا لأحد، وأنا مشرف في منزلي أرى ما يصنعون. فلما أمنوا ممّا توهّموا انصرفوا وترادّت نفس الرجل، فسألته عن حاله، فقال: أنا محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ. فأقام عندي إلى أن قويت نفسه وتراجعت. ثم شخص إلى العراق، ثم إلى الحجاز، وظهر باليمن وبويع له بإمرة أمير المؤمنين، ودخل مكّة ثم خرج على عهد، وبايع المأمون لابن أخيه عليّ بن موسى بالعهد، فخرج محمد إلى المأمون بخراسان، فأدركته منيّته بجرجان، فاحتفرت له ودفنته. فكان بين الدفنين عشر سنين. «428» - خرج أبو العيناء وهو ضرير له نيّف وتسعون سنة في سفينة فيها ثمانون نفسا، فغرقت، فلم يسلم غيره، فلما صار إلى البصرة توفي بها. «429» - قالوا: بينا حذيفة بن اليمان وسلمان الفارسيّ يتذاكران عجائب الزمان وتغيّر الأحوال والأيّام وهما في عرصة إيوان كسرى، وكان أعرابيّ من غامد يرعي شويهات له نهارا، فإذا كان الليل صيّرهنّ إلى داخل العرصة، وفي العرصة سرير رخام ربما كان يجلس كسرى عليه، فصعدت شويهات الغامديّ إلى ذلك السّرير، فقال سلمان: ومن أعجب ما تذاكرنا صعود غنيمات الغامديّ إلى إيوان كسرى. «430» - يقال إن المغيرة بن شعبة قال لحرقة بنت النعمان: ما أعجب ما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 208 رأيت؟ فقالت: [بتنا] ليلة وما من أحد إلا وهو يرجونا أو يخشانا، وأصبحنا وما من أحد إلا وهو يرحمنا ثم قالت: [من الطويل] فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف فأفّ لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلّب حالات بنا وتصرّف «431» - دخل إيتاخ إلى الواثق وهو بآخر رمق لينظر: هل مات أم لا؟ فلما دنا منه نظر إليه الواثق بمؤخر عينه، ففزع إيتاخ ورجع القهقرى إلى أن وقع سيفه في [شق] الباب فاندقّ وسقط إيتاخ على قفاه هيبة لنظرة الواثق إليه. فلم تمض ساعة حتى مات، فعزل في بيت ليغسل واشتغل عنه؛ فجاءت هرّة فأكلت عينه التي نظر بها إلى إيتاخ، فعجب الناس من ذلك، وكان إيتاخ زعيما لتسعين ألف غلام. «432» - ومثله لسان مروان بن محمد، فإنه لمّا قتل واحتزّوا رأسه وأرادوا إنفاذه إلى أبي العباس، أمروا بتنظيفه، فجاء كلب فأخذ لسانه فجعل يمضغه، فقال عبد الله بن عليّ: لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان مروان في فم كلب لكفى. «433» - ووجد في بعض الأوارجات [1] السلطانية: وما حمل إلى الأمير أبي الفضل جعفر بن يحيى أعزّه الله لهدية السرور من العين الطريّ مائة ألف دينار. وفي آخر الحساب: وما أخرج لثمن النّفط والبواري والحطب لإحراق جثة جعفر   [1] الأوارجات: دفاتر أصحاب الدواوين، مفردها أوارجة. 14 التذكرة الحمدونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 209 ابن يحيى بضعة عشر درهما. «434» - خبر المغيرة بن شعبة حين شهد عليه بالزّنا كان المغيرة بن شعبة الثقفي أميرا على الكوفة في خلافة عمر رضوان الله عليه، وكان من دهاة العرب ورجالها. فروي أنه كان يخرج من دار الإمارة وسط النهار، فيلقاه أبو بكرة فيقول له: أين يذهب الأمير؟ فيقول له: إلى حاجة، فيقول له: حاجة ماذا؟ إنّ الأمير يزار ولا يزور. وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة، وقيل: إنّها بنت جميل بن عمرو. قيل: فبينا أبو بكرة في غرفة له مع إخوته نافع وزياد ورجل آخر يقال له: شبل بن معبد، وكانت غرفة جارته بحذاء غرفة أبي بكرة، فضربت الريح باب المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها، فقال أبو بكرة: هذه بليّة ابتليتم بها، فانظروا، فنظروا حتى أثبتوا. فنزل أبو بكرة حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال: إنّه قد كان من أمرك ما قد علمت، فاعتزلنا. قال: وذهب ليصلّي بالناس الظّهر فمنعه أبو بكرة وقال: والله ما تصلّي بنا وقد فعلت ما فعلت. فقال الناس: دعوه يصلّي فإنه الأمير، واكتبوا بذلك إلى عمر؛ فكتبوا إليه، فورد كتابه بأن يقدموا عليه جميعا: المغيرة والشّهود. وقيل: بعث عمر بأبي موسى الأشعريّ [على البصرة] ، وعزم عليه أن لا يضع كتابه من يده حتى يرحل المغيرة بن شعبة. وقيل: إن أبا موسى قال لعمر لمّا أمره أن يرحله من وقته: أو خير من ذلك، يا أمير المؤمنين، تتركه يتجهّز ثلاثا ثم يخرج. قال: فدخل أبو موسى المسجد وهم يصلّون: الرجل والنساء مختلطين، فدخل رجل على المغيرة فقال له: إني رأيت أبا موسى في جانب المسجد عليه برنس، فقال المغيرة: ما جاء زائرا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 210 ولا تاجرا. فدخل عليه ومعه صحيفة مثل هذه. فلما رآه قال: أمير؟ فأعطاه أبو موسى الكتاب. فلما ذهب يتحرّك عن سريره قال أبو موسى: مكانك! تجهّز ثلاثا. وقيل: بل أمره أن يرحل من وقته على اختلاف الرواية فيما أمره به عمر. فقال له المغيرة: قد علمت ما وجّهت له، فهلّا تقدّمت فصلّيت؟ فقال له أبو موسى: ما أنا وأنت في هذا الأمر إلا سواء. فقال له المغيرة: إني أحبّ أن أقيم ثلاثا لأتجهّز، فقال: قد عزم عليّ أمير المؤمنين ألا أضع عهدي من يدي إذا قرأته حتى أرحلك إليه. قال: إن شئت شفّعتني وأبررت قسم أمير المؤمنين بأن تؤجّلني إلى الظّهر وتمسك الكتاب بيدك. قال: فلقد رؤي أبو موسى مقبلا ومدبرا وإنّ الكتاب في يده معلّق بخيط. فتجهّز المغيرة، وبعث إلى أبي موسى بعقيلة جارية عربية من سبي اليمامة من بني حنيفة، وقيل: إنّها كانت [من] مولدة الطائف ومعها خادم. وسار المغيرة حين صلّى الظهر حتى قدم على عمر رضي الله عنه. فلما قدم عليه قال: إنّه شهد عليك بأمر إن كان حقّا لأن تكون متّ قبل ذلك كان خيرا لك. وجلس. ودعي بالمغيرة والشّهود، فتقدّم أبو بكرة، فقال: أرأيته بين فخذيها؟ قال: نعم، والله لكأني أنظر إلى تثريم [1] جدريّ بفخذيها. فقال له المغيرة: لقد ألطفت النظر، فقال له: لم آل أن أتيت بما يخزيك الله به، فقال له عمر: لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج فيها ولوج المرود في المكحلة، قال: نعم، أشهد على ذلك. قال: اذهب عنك، مغيرة، ذهب ربعك!. ثم دعا نافعا فقال: على ما تشهد؟ قال: على مثل شهادة أبي بكرة، قال: لا، حتى تشهد أنّه يلج فيها ولوج المرود في المكحلة، فقال: نعم حتى بلغ قذذه، قال: اذهب عنك، مغيرة، ذهب نصفك! ثم دعا الثالث، فقال: علام   [1] الأغاني: تشريم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 211 تشهد؟ قال: على مثل شهادة صاحبيّ. فقال عليّ عليه السلام: اذهب عنك، مغيرة، ذهب ثلاثة أرباعك. قال: حتى بكى إلى المهاجرين فبكوا، وبكى إلى أمّهات المؤمنين حتى بكين معه، وحتى لا يجالس هؤلاء الثلاثة أحد من أهل المدينة. ثم كتب إلى زياد، فقدم على عمر، فلما رآه جلس له في المسجد، فاجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار. قال المغيرة: ومعي كلمة قد رفعتها لأحكم [1] القوم. فلما رآه عمر مقبلا قال: إني أرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين. قال المغيرة فقلت: لا مخبأ لعطر بعد عروس؛ ثم قمت فقلت: يا زياد، اذكر الله واذكر موقف يوم القيامة [فإنّ الله] وكتابه ورسله وأمير المؤمنين قد احتقنوا [2] دمي إلا أن تتجاوز إلى ما لم تر ما رأيت، أين مسلك ذكري منها؟ قال: فرفعت عيناه واحمرّ وجهه وقال: يا أمير المؤمنين، أما إنّ أحقّ ما حقّ القوم فليس عندي، ولكني رأيت مجلسا قبيحا، وسمعت نفسا حثيثا وانبهارا، ورأيته متبطّنها. فقال له: أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال: لا. فقال عمر: الله أكبر، قم إليهم فاضربهم. فقام إلى أبي بكرة وضربه ثمانين، وضرب الباقين. وأعجب عمر قول زياد، ودرأ عن المغيرة الحدّ. فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: فإني أشهد أنّ المغيرة فعل كذا وكذا، فأمر عمر بضربه، فقال له عليّ: إن ضربته رجمت صاحبك، ونهاه عن ذلك. يعني إن ضربه جعل شهادته شهادتين، فوجب لذلك الرجم على المغيرة. وحدّث عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهديّ قال: لمّا شهد عند عمر الأول تغيّر لذلك لون عمر، ثم جاء آخر فشهد، فانكسر لذلك انكسارا شديدا، ثم جاء رجل شاب يخطر بين يديه، فرفع عمر رأسه إليه وقال: ما   [1] الأغاني: لأكلم. [2] الأغاني: حقنوا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 212 عندك يا سلح العقاب؟ - فصاح أبو عثمان صيحة تحكي صيحة عمر- قال عبد الكريم: لقد كدت أن يغشى عليّ. واستتاب عمر أبا بكرة، قال: إنّما [تستتيبني] لتقبل شهادتي؟ قال: أجل؛ قال: لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا. قال: فلما ضربوا الحدّ قال المغيرة: الله أكبر، الحمد لله الذي أخزاكم، فقال له عمر: أخزى الله مكانا رأوك فيه. وأقام أبو بكرة على قوله وكان يقول: والله لا أنسى رقط فخذيها، وتاب الاثنان فقبل شهادتهما. وكان أبو بكرة بعد ذلك إذا دعي إلى شهادة قال: اطلب غيري فإنّ زيادا أفسد عليّ شهادتي. ولما ضرب أبو بكرة أمرت أمّه بشاة، فذبحت، وجعلت جلدها على ظهره، فكان يقال: ما ذلك إلا من ضرب شديد. وكان عمر رضي الله عنه يقول للمغيرة: والله ما أظنّ أنّ أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بحجارة من السماء. وروي أن عليّا عليه السلام قال: لئن لم ينته المغيرة لأتبعنّه أحجاره. وقال حسان بن ثابت يهجو المغيرة: [من الوافر] لو انّ اللؤم ينسب كان عبدا ... قبيح الوجه أعور من ثقيف تركت الدين والإسلام لمّا ... بدت لك غدوة ذات النصيف فراجعت الصّبا وذكرت لهوا ... من الفتيان والعمر اللطيف ولمّا شخص المغيرة إلى عمر، رأى في طريقه جارية فأعجبته، فخطبها إلى [أبيها] [1] فقال له: أنت على هذه الحال! فقال له: وما عليك، إن أعف فهو الذي تريد، وإن أقتل ترثني، فزوّجه. قال الواقديّ: تزوّجها بالرّقم، وهي امرأة من بني مرّة. فلما قدم بها على   [1] في الأصل «أمها» والتصويب عن الأغاني وهو ما يقتضيه السياق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 213 عمر قال: إنّك لفارغ القلب طويل الشّبق. «435» - خبر ادعاء معاوية زيادا كان زياد عامل عليّ عليه السلام على فارس فلما قتل تمسك بعمله ولم يدع إلى معاوية؛ فقلق معاوية بأمره، وهوّنه عنده المغيرة بن شعبة، فقال: بئس المركب الغرور زياد وقلاع فارس. [فقال معاوية] : ما يؤمنني أن يدعو إلى رجل من أهل هذا البيت فإذا هو قد أعادها جذعة. فسعى المغيرة في أمره وقصده إلى فارس وأصلحه لمعاوية. ولما أراد أن يدّعيه بعث إلى عبد الله بن عامر بن كريز وعبد الله بن خالد بن أسيد وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم، فقال: إنكم أسرتي وقرابتي، ولقد أردت أمرا لم يفتأني عنه إلا التوبيخ أو طعن طاعن عليّ أن يثلبني، والله أحقّ من راقب المرء وأطاعه، فإنه قال لنبيه صلّى الله عليه وسلم: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ (الأحزاب: 37) . وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ (النساء: [1) ؛ هذا زياد أردت أن ألحقه بنسبه وأنسبه إلى أبيه أبي سفيان، فما ترون؟ فقال مروان بن الحكم: أعيذك بالله أن تسم هذا بأنفك، أو يكون هذا من رأيك، أو تردّ قضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإنه قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وأنت تريد أن تجعل للعاهر الولد وللفراش الحجر. ثم قال: هات ما عندك يا ابن كريز، قال: أرى أن لا تدّعيه فإنه لم يدّع رجل قطّ رجلا إلا مات المدّعي وبقي الدّعيّ. قال: فما عندك يا ابن أسيد قال: أرى إن كنت إنما تدّعيه لتعتزّ به فإن الله جلّ وتقدّس لم يكن يعزّ سلطانه برجل دعيّ، والعرب أطوع لك، ولو لم تكره ذلك إلا ليقول قائل: إنما ادّعى زيادا لحاجته إليه مع إحداثك في الاسلام من هذه الخصلة لما لم يسبقك إليها أحد من السلف. ثم قال: ما عندك يا ابن العاص؟ قال: أرى أن تدّعيه بشهادة شهود، فإن كان ابن أبي سفيان فقد ألحقته بأبيه، وإن لم يكن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 214 فإنما إثمه على الشهود، وتستعين به فيما أنت فيه. قال معاوية: أنت أنصحهم جيبا وآمنهم غيبا، صدقت، أخرجوا المنبر ونادوا الصلاة جامعة. فاجتمع الناس لذلك، وحضرت الشهود وهم المستورد الثقفي وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وجلس زياد إلى جانب المنبر. فبدأ معاوية بالمستورد فقال: قم فاشهد بما علمت. فقال: أشهد أن أبا سفيان قدم الطائف فيما كان يبتاع من الأدم وغير ذلك، وأتانا آت ونحن في مجلسنا فقال: هذه جارية الحارث بن كلدة قد أدخلت على أبي سفيان، وأغلق دونها الباب؛ فبعثنا من نظر في ذلك فكان الخبر كما أخبرنا، فحسبنا من ذلك اليوم فلم يمض إلا شهر حتى مرّت بنا وقد اصفرّ لونها [ ..... ] ، فولدت زيادا لتمام تسعة أشهر من ذلك اليوم الذي أخبرنا فيه. وشهد غيره بمثل ذلك. وقال لأبي مريم: اشهد بما علمت. قال: إنكم إن أعفيتموني كان أحبّ إليّ، وإن أبيتم إلا أن أشهد أتيت بالشهادة على وجهها؛ قد علم من حضر الطائف أن أبا سفيان كان خلا لي [وأنه إنما قدم] الطائف عليّ حتى نظعن؛ فقدم عليّ قدمته تلك. فقال: يا أبا مريم إني قد تغرّبت منذ أشهر، فابغ لي امرأة، فقلت: أتتزوج؟ فقال: لا أقدر على ذلك مع ابنة عتبة. فقلت: إني لا أقدر عليها إلا مومسة، قال: لا أبالي بعد أن تكون وضيئة؛ فأتيته [بسمية] ؛ (قال، قلت: لا أقدر عليها إلا أمة، قال: لا أبالي وأريدها وضيئة، فأتيته بسميّة) [1] جارية الحارث بن كلدة- ولا أعرف يومئذ بالطائف جارية أشهر منها بالفجور. فدعوتها وأعلمتها بحال أبي سفيان، فقلت: لئن أصبت منه ولدا لم تزالي في علية ما بقيت. فأسمحت حتى أخذ بكمّ درعها، فدخلا البيت فلم يلبث أن خرج عليّ يمسح جبينه؛ فقلت: مهيم، فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريم لولا استرخاء في ثديها وذفر في رفغيها [2] . قال: فقال زياد: لا تسبّ أمهات الرجال فتشتم أمّك، إنما أنت شاهد.   [1] ما بين قوسين قد يكون سهوا من الناسخ أو إشارة إلى رواية أخرى. [2] الرفغ: أصل الفخذ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 215 ويقال إن زيادا قال: ما هذا! إنما دعيت شاهدا، ولم تدع شاتما! قال أبو مريم: قد جهدت أن تعفوني فلما أبيتم شهدت بما رأيت وعاينت. وقال: يا سعيد اشهد بما رأيت قال: رأيت زيادا يخطب- وقدم من عند أبي موسى في زمن عمر بن الخطاب- فتعجّب الناس من منطقه، فقال أبو سفيان وأنا إلى جنبه: من هذا المتكلم إني لأعرف فيه [منطق] آل حرب. فقلت: هذا زياد بن عبيد فقال: لولا مخافتي عمّك أن يعبث بي ويعنّفني لأخبرتك أنه لم يضعه في رحم أمّه غيري. فوثب يونس بن سعيد بن زيد مولى زياد فقال: الله الله يا معاوية في مولاي أن تغلبني عليه، ما كان كما قلت، إنه عبد لعمتي صفية، ولكن أعتقته، فلم تستحلّ أن تأخذ منها مولاها؟ فقال معاوية: لتنتهينّ يا يونس أو لأطيرنّ بك طيرة بعيدا وقوعها. فقال يونس: هي إلى الله ثم نقع. قال: ثم إن زيادا كان على العراق، فكتب إلى معاوية: إني قد أخذت العراق بيميني وشمالي فارغة؛ وهو يعرض [بالحجاز] يرجو أن يضمها إليه مع العراق، فلم يرجع إليه جواب كتابه حتى مات. ويقال إن زيادا بدا له أن يخطب إلى سعيد بن العاص ابنته، فكتب إليه [بذلك، فأجابه سعيد] : أما بعد فإن أمير المؤمنين لم ينزلك من نفسه هذه المنزلة، ولم يجعل في يديك ولايته، ولم يؤهّلك لما أنت فيه إلا لما يريد أن يوصل إليك من تنويه الاسم ورفيع الدرجة. [فأجابه زياد] : .... وكأنّا قد أحببنا التوسّل إليك ببعض ما يعود عليك نفعه ويشتبك الحال فيما بيننا وبينك وتتشعّب القرابات منا، فنحظى ونسعد بكم؛ وقد مهرنا كريمتك فلانة مائة ألف درهم: العاجل خمسون ألفا والآجل مثل ذلك، فإذا عزمت على [تزويجنا] فمر من يقبض المال والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. فلما ورد الكتاب على سعيد امتنع من الطعام يومه ذلك، وكتم الناس أمره؛ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 216 فلما كان الغد دعا بالفرزدق، فقال: ألا أعجّبك من بيضة البلد؟ قال: وما ذاك؟ فأراه سعيد الكتاب، فقال الفرزدق: أصلحك الله، أراد تثبيت النسب وتعقيد الحسب. فتبسّم سعيد وكتب إلى زياد: أما بعد، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (العلق: 7) والسلام عليك. وكان هذا القول من الفرزدق سبب فراره من زياد فلم يدخل العراق حتى مات. 436- ادّعى رجل على جعفر بن محمد- رضي الله عنهما- دعوة واستحضره إلى القاضي، فلما ذكر دعواه قال جعفر: برئت إليه من ذلك. فأنكر الرجل ولم تقم لجعفر عليه بيّنة. فقال له القاضي: حقك عليه اليمين. قال: نعم، أنا أستحلفه. فقال له القاضي: إن شئت. فقال له جعفر: قل والله إنّ لي عندك كذا وكذا وأستحقّه عليك. فقال ذلك، فخرّ ميّتا. فقال القاضي لجعفر: كيف هذا؟ قال: إنّ استحلافك له بيمين فيها ثناء على الله ومدح، وإن الله إذا أثني عيه ومدح لم يعاجل بالعقوبة كرما منه وتفضلا. «437» - قال عبد الملك بن عمير الليثي: دخلت على عبد الملك بن مروان وهو جالس في بهو على سرير وقد وضع بين يديه رأس مصعب بن الزبير. فلما رأيته قلت متعجّبا: لا إله إلا الله! لقد رأيت اليوم عجبا تذكرت به عجائب. قال: وما ذاك؟ قلت: رأيت عبيد الله بن زياد في هذا البهو جالسا على هذا السرير وبين يديه رأس الحسين بن علي عليه السلام، ثم دخلت بعد ذلك على المختار في هذا البهو فوجدته جالسا على هذا السرير وبين يديه رأس عبيد الله بن زياد، ثم دخلت على مصعب في هذا البهو وهو على هذا السرير وبين يديه رأس المختار، وقد دخلت عليك يا أمير المؤمنين في هذا البهو وأنت على هذا السرير وبين يديك رأس مصعب. فبادر عبد الملك ونزل عن السرير وخرج عن البهو وأمر بهدمه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 217 «438» - قال بعض تجار البحر: حملنا مرّة متاعا إلى الصين من الأبلّة، وكان قد اجتمع ركب فيه عشر سفن، قال: ومن رسمنا إذا توجهنا في مثل هذا الوجه أن نأخذ قوما ضعفاء ونأخذ بضائع قوم. فبينا أنا قد أصلحت ما أريد، إذ وقف شيخ فسلّم، فرددت؛ فقال: لي حاجة قد سألتها غيرك من التجار فلم يقضها، قلت: فما هي؟ قال: اضمن لي قضاءها حتى أقول، فضمنت؛ فأحضر لي رصاصة فيها نحو مائة منّ وقال: تأمر بحمل هذه الرصاصة معك، فإذا صرتم في لجّة هذا البحر فاطرحها في البحر، فقلت: يا هذا ليس هذا ممّا أفعله؛ قال: قد ضمنت لي، وما زال بي حتى قبلت وكتبته في روزنامجي. فلما صرنا في ذلك الموضع عصفت علينا ريح فيئسنا من أنفسنا وممّا معنا، ونسينا الرصاصة، ثم خرجنا من اللجّة وسرنا حتى بلغنا موضعنا، فبعت ما صحبني، وحضرني رجل فقال لي: معك رصاص؟ فقلت: ليس معي رصاص، فقال لي غلامي: معنا رصاص، قلت: لم أحمل رصاصا معي، قال: بلى، للشيخ. فذكرت فقلت: خالفناه وبلغنا ههنا، وما عليّ أن أبيعه، فقلت للغلام: أحضرها. وساومني الرجل بها فبعت بمائة وثلاثين دينارا، وابتعت بها للشيخ طرائف الصين. وخرجنا فوافينا المدينة، وبعت تلك الطرائف بمبلغ سبعمائة، وصرت إلى البصرة إلى الموضع الذي وصفه لي الشيخ، ودققت باب داره وسألت عنه، فقيل توفّي؛ فقلت: هل خلّف أحدا يرثه؟ قالوا: لا نعلم له إلا ابن أخ في بعض نواحي البحر. قال: فتحيّرت فقيل لي: إن داره موقوفة في يد أمين القاضي؛ فرجعت إلى الأبلّة والمال معي. فبينا أنا ذات يوم جالس إذ وقف على رأسي رجل فقال: أنت فلان؟ قلت: نعم. قال: أكنت خرجت إلى الصين؟ قلت: نعم. قال: وبعت رجلا هناك رصاصا؟ قلت: نعم، قال: أفتعرف الرجل؟ فتأمّلته وقلت: أنت هو، قال: نعم، إني قطعت من تلك الرصاصة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 218 شيئا لأعمله فوجدتها مجوّفة، ووجدت فيها اثني عشر ألف دينار، وقد جئت بالمال، فخذه عافاك الله. فقلت له: ويحك! والله ما المال لي، ولكنه كان من خبره كذا؛ وحدثته فتبسّم الرجل ثم قال: أتعرف الشيخ؟ قلت: لا، قال: هو عمي وأنا ابن أخيه، وليس له وارث غيري، وأراد أن يزوي هذا المال عني وهرّبني من البصرة سبع عشرة سنة، فأبى الله سبحانه وتعالى إلا ما ترى على رغمه. قال: فأعطيناه الدنانير كلّها ومضى إلى البصرة وأقام بها. «439» - قال الصولي: كان المعتصم في فتنة الأمين يمضي إلى علي بن الجنيد الاسكافي فيقيم عنده، ولا يقصر عليّ في خدمته وإكرامه والنفقة عليه- وكان عليّ أكثر الناس مزاحا وأحسنهم كلاما- فآذاه المعتصم في شيء، فقال علي: والله لا يفلح أبدا على المزح، فحفظها المعتصم. فلما دخل بغداد خليفة أمر وصيفا باحضار علي فأحضره- وكان عدوا للفضل بن مروان- فضحك المعتصم، وكان يقول: ذلك اليوم اعتقدت أن أنكب الفضل؛ ثم قال: يا علي تذكر حيث وقفت لابراهيم ابن المهدي بمربّعة الحرسي فنزلت فقبلت يده ثم أدنيت ابني هارون فقبّل يده وقلت: عبدك هارون ابني، فأمر له بعشرة آلاف درهم؟ قال علي: أذكر ذلك؛ قال: فإنه ترجّل لي اليوم وقبّل يدي في ذلك الموضع بعينه، ثم قال لي: عبدك هبة الله ابني، فأدناه فقبّل يدي، فأمرت له بعشرة آلاف درهم، ولم تطب له نفسي بغيرها. فقال: بئس والله ما فعل أمير المؤمنين. قال: وكيف ويلك؟ قال: إبراهيم كان أمر لهارون بعشرة آلاف درهم وليست في يده إلا بغداد وحدها، وفي يد أمير المؤمنين من المشرق إلى المغرب. قال: صدقت، أعطوه عشرة آلاف دينار؛ وفرّق المعتصم في أهله ثلاثين ألف ألف درهم. «440» - قال أحمد بن أبي الأصبغ: لما ولي المستعين الخلافة دعاني أحمد بن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 219 الخصيب، وقد استوزره، فقال لي: اكتب الساعة في إشخاص أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد بفرانق بأسرع من عندك وأفرههم. فورد أبو صالح بعد شهر، فمكث جمعة ودبّ في أمر أحمد بن الخصيب حتى ولي مكانه ونفى أحمد بن الخصيب إلى اقريطش. [ .... ] فدعاني أبو صالح حين ولي فقال: اكتب الساعة إلى همذان في إشخاص شجاع بن القاسم إلى الحضرة ووجه إليه بالذي جاء بي من فارس. قال: ففعلت ذلك، فوافى شجاع فتقلد كتبة أوتامش؛ فلما تمكّن نكب أبا صالح وأقام مكانه. «441» - حدّث القاضي أبو علي المحسّن بن علي التنوخي قال: حدثني عضد الدولة أبو شجاع فنّا خسرو ببغداد، وذلك في سنة سبعين وثلاثمائة، قال: حدثتني أمّي- رحمها الله- أنها ولدت للأمير ركن الدولة ولدا قبلي كنّاه أبا دلف، وعاش قليلا ومضى لسبيله. قالت: فحزنت عليه حزنا شديدا أسفا على فقده وإشفاقا من أن ينقطع ما بيني وبين الأمير بعده، فسلّاني مولاي وسكّنني وأقبل عليّ وقرّبني؛ ومضت الأيام وتطاول العهد وسلوت، ثم حملت بك بأصفهان فخفت أن أجيء ببنت فلا أرى مولاي ولا يراني، لما أعرفه من كراهيّته للبنات وضيق صدره بهنّ وطول إعراضه عنهن؛ ولم أزل على جملة القلق والجزع إلى أن دخلت في شهري وقرب ما أترقّبه من أمري، وأقبلت على البكاء والدعاء ومداومة الصلاة والأدعية إلى الله في أن يجعله ولدا ذكرا سويّا محظوظا (أو كما قال عضد الدولة) ؛ ثم حضرت أيامي، واتفق أن غلبني النوم فنمت في مخادعي، ورأيت في منامي رجلا شيخا نظيف البزّة ربعة كثّ اللحية، أعين [1] عريض الأكتاف، وقد دخل عليّ وعندي أنه مولاي ركن الدولة، فلما تبيّنت   [1] أعين: واسع العين عظيم سوادها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 220 صورته ارتعت منه وقلت: يا جواريّ، من هذا الهاجم علينا؟ فتساعين إليه فزبرهنّ وقال: أنا عليّ بن أبي طالب، فنهضت إليه وقبلت الأرض بين يديه، فقال: لا، لا، وقلت: قد ترى يا مولاي ما أنا فيه، فادع الله لي بأن يكشفه ويهب لي ذكرا سويا محظوظا، فقال: يا فلانة، وسمّاني باسمي- وكذا كنّى الملك عضد الدولة عن الاسم- قد فرغ الله ممّا ذكرت، وستلدين ذكرا سويا نجيبا ذكيا عاقلا فاضلا، جليل القدر، سائر الذكر، عظيم الصّولة، شديد السّطوة، يملك بلاد فارس وكرمان والبحر وعمان والعراق والجزيرة إلى حلب، ويسوس الناس كافّة ويقودهم إلى طاعته بالرغبة والرهبة، ويجمع الاموال الكثيرة، ويقهر الاعداء، ويقول بجميع ما أنا فيه- يقول الملك ذاك- ويعيش كذا وكذا سنة- لعمر طويل أرجو بلوغه- ولم يبين الملك قدره- ويملك ولده من بعده، فيكون من حالهم كذا وكذا لشيء طويل، هذه حكاية لفظه. قال الملك عضد الدولة: فكلما ذكرت هذا المنام وتأملت أمري وجدته موافقا له حرفا بحرف. ومضت على ذلك السنون ودعاني عمّي عماد الدولة إلى فارس، واستخلفني عليها، وصرت رجلا وماتت أمي. وحدث أبو الحسين الصوفي- يقول الملك هذا وأبو الحسين حاضر يسمع حديثه-: واعتللت علة صعبة أيست فيها من نفسي وأيس الطبّ مني، وكانت سنتي المتحولة فيها سنة رديئة الدلائل، موحشة الشواهد؛ وبلغت إلى حد أمرت فيه أن يحجب الناس عني، حتى الأطباء لضجري بهم، وتبرمي بأمورهم، وما أحتاج إلى شرحه لهم، ولا يصل إليّ إلا حاجب النوبة؛ وبينا أنا على ذلك وقد مضت عليّ فيه ثلاثة أيام أو أربعة ولا شغل لي إلا البكاء على نفسي والحسرة من مفارقة الحياة، إذ دخل حاجب النوبة فقال: أبو الحسين الصوفي في الدار منذ [الغداة] يسأل الوصول، وقد اجتهدت به في الانصراف فأبى إلا القعود، وترك القبول، وهو يقول: لا بد لي من لقاء مولانا فإن عندي بشارة ولا يجوز أن يتأخر وقوفه عليها وسماعه إياها. فلم أحب ان أجدّ به في المنع والصرف إلا بعد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 221 المطالعة وخروج الأمر. فقلت له على مضض غالب وبصوت خافت: قل له كأني بك وأنت تقول قد بلغ الكوكب الفلاني إلى الموضع الفلاني، وتهذي علي في هذا المعنى هذيانا لا يتسع له صدري، ولا يحتمله قلبي وجسمي، وما أقدر على سماع ما عندك فانصرف. فخرج الحاجب وعاد متعجبا وقال: إما أن يكون [أبو] الحسين قد اختلّ وإما أن يكون عنده أمر عظيم، فإنني أعدت عليه ما قاله مولانا، فقال: ارجع وقل له والله لو أمرت بضرب رقبتي لما انصرفت أو أراك، ومتى أوردت عليك في معنى النجوم حرفا فحكمك ماض فيّ، وإذا سمعت ما أحدثّك به عوفيت في الوقت وزال ما تجده. فعجبت من هذا القول عجبا شديدا مع علمي بعقل أبي الحسين وشدة تحقيقه وقلّة تحريفه، وتطلعت نفسي إلى ما عنده، فقلت: هاته! فلما دخل قبّل الأرض وبكى، وقال: أنت والله يا مولانا في عافية ولا خوف عليك، اليوم تبلّ وتستقلّ، ومعي دلالة على ذلك. قلت: وما هي؟ ولم أكن حدثته من قبل بحديث المنام الذي رأته أمي ولا سمعه أحد مني. فقال: رأيت البارحة في منامي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والناس يهرعون إليه، ويجتمعون عليه، ويفاوضونه أمورهم، ويسألونه حوائجهم، وكأني قد تقدمت إليه وقلت له: يا أمير المؤمنين، أنا رجل في هذا البلد غريب، تركت نعمتي وتجارتي بالريّ، وتعلقت بخدمة هذا الأمير الذي أنا معه، وقد بلغ في علّته إلى حدّ أيس فيه من عافيته، وأخاف ان أهلك بهلاكه، فادع الله له بالسلامة. قال: تعني فنّاخسرو بن الحسن بن بويه؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: امض إليه غدا وقل له: أنسيت ما أخبرتك به أمّك عني في المنام الذي رأته وهي حامل بك؟ ألم أخبرها مدة عمرك وأنك ستعتلّ إذا بلغت كذا وكذا سنة علّة ييأس فيها منك أهلك وطبك، ثم تبرأ منها، وفي غد يبتدىء برؤك، ويتزايد إلى أن تركب وتعود إلى عاداتك كلها في كذا وكذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 222 يوما، ولا قاطع على أجلك إلى الوقت الذي أخبرتك به أمّك عني. قال الملك عضد الدولة: وقد كنت أنسيت أن أمي ذكرت ذلك في المنام [وأني] إذا بلغت هذه السنة من عمري اعتللت هذه العلّة التي ذكرها؛ فذكرت ذلك عند قول أبي الحسين ما قاله؛ فحين سمعت ما سمعته حدثت لي في الحال قوّة نفس لم تكن من قبل، وقلت: أقعدوني. فجاء الغلمان وأجلسوني. فلما استقللت على الفراش قلت لأبي الحسين: اجلس وأعد الحديث؛ فجلس وأعاد، وتولّدت بي شهوة الطعام، واستدعيت الطبّ فأشاروا بتناول غداء عمل في الوقت وأكلته، ولم يتصرم الوقت حتى أحسست بالصلاح الكثير، وتدرّجت العافية فركبت وعاودت عاداتي في اليوم الذي قاله أبو الحسين. وكان الملك يشرح هذا الشرح وأبو الحسين حاضر، يقول: كذا والله قلت لمولانا، وأعيذه بالله فما أحسن حفظه وذكره. ثم قال لي: بقي في نفسي من هذا المنام شيء، قلت: يبلغ الله مولانا آماله، ويزيده من كل ما يهواه، ويصرف عنه كل ما يخشاه؛ ولم أتجاوز الدعاء لعلمي بأن سؤاله عن ذلك سوء أدب. فعلم ما في نفسي وقال: وقوفه على أنني أملك حلب، ولو كان عنده أنني أتجاوزها لقال، حتى إنه لما ورد الخبر بإقامة ابن سيف الدعوة لي بها ذكرت المنام فنغص عليّ أمرها إشفاقا من أن تكون آخر حدود مملكتي من ذلك الصقع. فدعوت له وانقطع الحديث. 442- قال الصولي: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال: لما دعي محمد بن عبد الله أخي من مقتل يحيى بن عمر العلوي، دخلت إليه بعد ذلك بمدة، يوما سحرا، وهو كئيب الوجه، ناكس الرأس، غائص في الهمّ، كأنه معروض على السيف، وأخته واقفه وجواريه قيام. فلم أقدم على مسألته عن أمره، وأومأت إلى أختي أن ما له؟ قالت: رأى رؤيا قد روّعته وأفزعته. فتقدمت حينئذ وقلت: أيها الأمير روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: إذا رأى أحدكم في منامه ما لا يحبّه فليتحوّل من جانبه الذي يكون عليه مضطجعا إلى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 223 الجانب الآخر وليتفل ثلاثا [عن يساره] وليلعن إبليس وليستعيذ بالله منه ولينم [1] . قال: فرفع رأسه وقال: يا أخي إذا لم تكن البلية العظمى والطامة الكبرى من جهة رسول الله صلّى الله عليه وسلم! فقلت: أعوذ بالله قال: أتذكر رؤيا طاهر ابن الحسين جدّنا قلت: بلى. قال عبيد الله: وكان طاهر وهو صغير الحال رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم في منامه وهو يقول له: يا طاهر إنك ستبلغ من الدنيا مبلغا كبيرا فاتّق الله واحفظني في ولدي، فإنك لا تزال محفوظا ما حفظتني فيهم. قال: فما تعرّض طاهر لقتال علوي وندب إلى [قتال يحيى] ولم يفعل. قال: ثم قال لي محمد أخي: إنني رأيت البارحة في منامي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكأنه يقول لي: نكبتم! فانتبهت فزعا وتحوّلت واستعذت من إبليس ولعنته واستغفرت الله، ونمت، فرأيته صلّى الله عليه وسلم وهو يقول لي: يا محمد نكثتم وقتلتم أولادي، والله لا تفلحون بعدها أبدا. فانتبهت وأنا على هذه الصورة التي تراني عليها منذ نصف الليل. قال: واندفع يبكي وبكيت معه. فما مضت على ذلك [إلا مدة يسيرة] ونكبنا بأسرنا أقبح نكبة، وصرفنا عن ولايتنا، ولم يزل أمرنا يخمل حتى لم يبق لنا اسم على منبر، ولا علم على جيش، وحصلنا إلى الآن تحت المحنة. 443- قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحنا خائفين برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به. 444- نظر رجل إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن وهو مغموم فقال: ما غمّك يا ابن رسول الله؟ فقال: كيف لا أغتمّ وقد امتحنت بأعظم من محنة إبراهيم خليل الله، ذاك أمر بذبح ابنه ليدخل الجنّة وأنا مأخوذ بأن أحضر ابنيّ ليقتلا فأدخل النار.   [1] قارن بصحيح مسلم (2262) وابن ماجة (2908) . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 224 445- روي أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما استأذن على الحجاج ليلا فقال الحجاج: إحدى حمقات أبي عبد الرحمن. فدخل فقال له الحجاج: ما جاء بك؟ قال: ذكرت قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم: من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية. فمدّ إليه رجله فقال: خذ فبايع. أراد بذلك الغضّ منه. «446» - قال المنصور لعمرو بن عبيد: عظني، قال: بما رأيت أو بما سمعت قال: بل عظني بما رأيت. فقال له: مات عمر بن عبد العزيز فخلّف أحد عشر ابنا، وبلغت تركته سبعة عشر دينارا كفّن منها بخمسة دنانير واشترى موضعا لقبره بدينارين، وأصاب كل واحد من [أولاده تسعة عشر درهما] . ومات هشام بن عبد الملك وخلف أحد عشر ابنا، وأصاب كلّ واحد من ولده ألف ألف دينار، فرأيت رجلا من ولد عمر بن عبد العزيز قد حمل في يوم واحد على مائة فرس في سبيل الله، ورأيت رجلا من ولد هشام يسأل ليتصدّق عليه. 447- كان محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس ذا نعمة ضخمة، ولم يكن له ولد إلا بنت واحدة ماتت قبله؛ وولد لأخيه جعفر مائة نسمة من ذكر وأنثى. وكان محمد يقول: أشتهي أن يصفو لي يوم لا يعارض سروري فيه غمّ. فكان أخوه جعفر يقول: لا تمتحن هذا، فقلّ من امتحنه إلا امتحن فيه [ .... ] أحضر كل من تحب حضوره. فبينما هو على أتمّ أمر وأسرّ حال إذ سمع صراخا، فسأل عنه فكتم فألحّ، فعرف أن ابنته صعدت درجة فسقطت منها فماتت. فلم يف سروره صدر نهاره بما عقّب من غمّه. «448» - وشبيه بهذا ما حكي عن يزيد بن عبد الملك أنه قال يوما: يقال إن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 225 الدنيا لم تصف لأحد يوما واحدا، فإذا خلوت يومي هذا فاحجبوا عني الأخبار وخلّوني ولذّتي. وخلا مع جاريته حبّابة- وكان شديد الشغف بها- فبينا هو يسقيها وتسقيه وتغنيه إذ تناولت حبّة رمّان فغصّت بها فماتت لوقتها. فانزعج وتركها [أياما] حتى عذله بنو أميّة وقالوا: إنها جيفة! وألحّوا عليه فدفنها ومشى في جنازتها وهو يقول: [من الطويل] فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلّد فعدّ بينهما خمسة عشر يوما. «449» - قال محمد بن الحارث بن بسخنّر: كانت لي نوبة في خدمة الواثق في كل جمعة، إذا حضرت ركبت إلى الدار، فإن نشط للشراب أقمت عنده، وإن لم ينشط انصرفت؛ وكان رسمنا أن لا يحضر أحد منا إلا في يوم نوبته. فإني لفي منزلي في غير يوم نوبتي، إذا برسل الخليفة قد هجموا عليّ وقالوا [لي: احضر؛ فقلت: ألخير؟ قالوا: خير] ، فقلت: إن هذا يوم لم يحضرني فيه أمير المؤمنين قطّ، [ولعلكم] غلطتم؛ قالوا: الله المستعان! لا تطول وبادر، فقد أمرنا أن لا ندعك تستقرّ على الأرض. فدخلني فزع شديد، وخفت أن يكون ساع قد سعى بي، وبليّة قد حدثت في رأي الخليفة عليّ. فتقدّمت بما أردت وركبت حتى وافينا الدار، فذهبت لأدخل على رسمي من حيث كنت أدخل فمنعت. وأخذ بيدي الخدم فعدلوا بي إلى ممرات لا أعرفها، فزاد ذلك من جزعي وغمّي. ثم لم يزل الخدم يسلمونني من خدم إلى خدم حتى أفضيت إلى دار مفروشة الصحن، ملبّسة الحيطان بالوشي المنسوج بالذهب، ثم أفضوا بي إلى رواق أرضه وحيطانه ملبّسة بمثل ذلك، وإذا الواثق في صدره على سرير مرصّع بالجوهر، وعليه ثياب منسوجة بالذهب، وإلى جانبه فريدة جاريته، عليها مثل ثيابه، وفي حجرها عود. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 226 فلما رآني قال: قد جوّدت والله يا محمد، إلينا إلينا! فقبّلت الأرض ثم قلت: يا أمير المؤمنين، خيرا! قال خيرا! أما ترانا! طلبت والله ثالثا يؤنسنا فلم أر [أحقّ] بذلك منك، فبحياتي بادر وكل شيئا وبادر إلينا؛ فقلت: قد والله يا سيّدي أكلت وشربت أيضا، قال: فاجلس، فجلست وقال: هاتوا لمحمد رطلا في قدح، فأحضرت ذلك واندفعت فريدة تغنّي: [من الطويل] أهابك إجلالا [وما بك] قدرة ... عليّ ولكن ملء نفس حبيبها [1] فجاءت والله بالسّحر، وجعل الواثق يجاذبها، وفي خلال ذلك تغنّي الصوت بعد الصوت، وأغنّي أنا في خلال غنائها، فمرّ لنا أحسن ما مرّ لأحد. فإنّا لكذلك إذ رفع رجله فضرب بها صدر فريدة ضربة تدحرجت بها من أعلى السرير إلى الأرض، وتفتّت عودها، ومرّت تعدو وتصيح؛ وبقيت كالمنزوع الروح، ولم أشكّ في أنّ عينه وقعت عليّ، وقد نظرت إليّ ونظرت إليها. وأطرق إلى الأرض متحيّرا، وأطرقت أتوقّع ضرب العنق. فإني كذلك إذ قال لي: يا محمد، فوثبت، فقال لي: ويحك أرأيت أعجب ممّا [تهيّأ علينا] ؟ فقلت: يا سيدي، الساعة والله تخرج روحي، فعلى من أصابنا بعين لعنة الله، فما كان السبب والذّنب؟ قال: لا والله، ولكن فكّرت في أنّ جعفرا يقعد هذا المقعد غدا وتقعد معه كما هي قاعدة معي، فلم أطق الصّبر، وخامرني ما أخرجني إلى ما رأيت. فسرّي عني وقلت: بل يقتل الله جعفرا، ويحيا أمير المؤمنين أبدا، وقبّلت الأرض وقلت: يا سيّدي، ارحمها ومر بردّها. فقال لبعض الخدم الوقوف: مر [من] يجيء بها، فلم يكن بأسرع من أن خرجت وفي يدها عودها، وعليها غير الثياب التي كانت عليها، فلما رآها جذبها إليه، وغلبها البكاء فبكت، وجعل هو يبكي واندفعت أنا في البكاء. فقالت: ما ذنبي يا مولاي؟ وبأيّ شيء استوجبت هذا؟ فأعاد عليها ما قاله لي وهو يبكي وهي   [1] في سمط اللآلىء 401 لنصيب وانظر شرح الحماسة 559 عند المرزوقي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 227 تبكي؛ فقالت: سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا ضربت عنقي الساعة وأرحتني من الفكر في هذا، وأرحت قلبك من الهمّ! ثم مسحا أعينهما، ورجعت إلى الغناء. وأومأ إلى خدم وقوف بشيء لا أعرفه، فمضوا وأحضروا أكياسا فيها عين وورق [1] ، ورزما فيها ثياب كثيرة، وجاء خادم بدرج ففتحه، وأخرج منه عقدا ما رأيت قطّ مثل جوهر كان فيه، وأحضرت بدرة فيها عشرة آلاف فجعلت بين يديّ، وخمسة تخوت عليها ثياب، وعدنا إلى أمرنا وإلى أحسن ما كنّا، فلم نزل كذلك إلى الليل وتفرّقنا. وضرب الدهر من ضربه، وتقلّد المتوكّل، فو الله إني لفي منزلي يوم نوبتي إذ هجم رسل الخليفة عليّ فما أمهلوني حتى ركبت، فصرت إلى الدار، فأدخلت الحجرة بعينها، وإذا المتوكل في الموضع الذي كان فيه الواثق وعلى السرير بعينه، وإلى جانبه فريدة، فلما رآني قال: ويحك! ما ترى ما أنا فيه من هذه؟ أنا من غدوة أطالبها بأن تغنّي فتأبى ذلك، فقلت لها: سبحان الله! تخالفين سيّدك وسيّدنا وسيّد البشر! بحياته غنّي، فضربت ثم اندفعت تقول [2] : [من الوافر] مقيم بالمجازة من [قنونا] ... وأهلك بالأجيفر فالثّماد فلا تبعد فكّل فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي ثم ضربت بالعود الأرض ورمت بنفسها عن السرير، ومرّت تعدو وهي تصرخ: واسيّداه! فقال لي: ويحك! ما هذا؟ فقلت: لا أدري والله يا سيدي، فقال: ما ترى؟ قلت: أرى والله أن تحضر هذه ومعها غيرها، فإنّ الأمر يؤول إلى ما يريد أمير المؤمنين، قال: فانصرف في حفظ الله، فانصرفت ولم أدر ما كانت القصّة.   [1] العين: الذهب المضروب، والورق: الدراهم من الفضة. [2] الشعر لكثير عزة، انظر ديوانه: 222. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 228 «450» - وروي أنّ رجلا من أهل مكة من بني جمح ولدت له جارية لم يولد مثلها في الحجاز حسنا، فقال: كأني بها قد كبرت، فنسب بها عمر بن أبي ربيعة وفضحها ونوّه باسمها كما فعل بنساء قريش، والله لا أقمت بمكة. فباع ضيعة له بالطائف ومكّة، ورحل بابنته إلى البصرة، وأقام بها، وابتاع هناك [ضيعة] . ونشأت ابنته من أجمل نساء زمانها. ومات أبوها، فلم تر أحدا من بني جمح حضر جنازته، ولا وجدت لها مسعدا [1] ، ولا عليها داخلا. فقالت لداية لها سوداء: من نحن؟ ومن أيّ البلاد نحن؟ فخبّرتها. فقالت: لا جرم، والله لا أقمت بهذا البلد الذي أنا فيه غريبة! فباعت الضيعة والدار وخرجت في أيام الحجّ. وكان عمر يقدم فيعتمر في ذي القعدة ويحلّ ويلبس الحلل الوشي، ويركب النجائب المخضوبة بالحنّاء عليها القطوع [2] والديباج، ويسبل لمّته ويتلقّى العراقيات. فخرج لعادته فإذا قبّة مكشوفة فيها جارية كأنها القمر تعادلها جارية سوداء كالسّبجة [3] ، فقال للسوداء: من أنت؟ ومن أين أنت يا خالة؟ فقالت: أطال الله تعبك إن كنت تسأل هذا العالم من هم، ومن أين هم! قال: فأخبريني عسى أن يكون لذلك شأن. قالت: نحن من أهل العراق، فأمّا الأصل والمنشأ فمكّة، وقد رجعنا إلى الأصل ودخلنا مكّة. فضحك، فلما نظرت إلى سواد ثنيّته قالت: قد عرفناك. قال: ومن أنا؟ قالت: عمر بن أبي ربيعة، قال: وبم عرفتني؟ قالت: بسواد ثنيّتك وهيئتك التي ليست إلا لقريش، فقال: [من الخفيف] أصبح القلب بالجمال رهينا ... مقصدا يوم فارق الظاعنينا   [1] المسعد: من تساعد المرأة في النوح. [2] القطوع: الطنافس يجعلها الراكب تحته. [3] السبجة: كساء أسود. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 229 قلت من أنتم فصدّت وقالت ... أمبدّ سؤالك العالمينا نحن من ساكني العراق وكنّا ... قبله ساكنين مكّة حينا قد سألناك- إذ سألت- فمن أن ... ت عسى أن يجرّ شأن شؤونا ولم يزل بها عمر حتى تزوّجها وولدت منه. «451» - قال عمر بن شبّة: مات الموصليّ سنة ثمان وثمانين ومائة، ومات في ذلك اليوم الكسائيّ النحويّ، والعباس بن الأحنف الشاعر، وهشيمة الخمّارة، فرفع ذلك إلى الرشيد، فأمر المأمون أن يصلّي عليهم. فخرج فصفّوا بين يديه، فقال: من هذا الأوّل؟ قالوا: إبراهيم الموصليّ، فقال: أخّروه وقدّموا العباس بن الأحنف. فقدّم فصلّى عليهم، فلما فرغ وانصرف دنا منه هاشم بن عبد الله الخزاعيّ فقال: يا سيّدي، كيف آثرت العباس بالتّقدمة على من حضر؟ فأنشأ يقول: [من الكامل] وسعى بها ناس فقالوا إنّها ... لهي التي تشقى بها وتكابد فجحدتهم ليكون غيرك ظنّهم ... إني ليعجبني المحبّ الجاحد ثم قال: أتحفظها؟ قال هاشم: نعم، فقال: أنشدني باقيها، فأنشدت: لمّا رأيت الليل سدّ طريقه ... عني وعذّبني الظلام الراكد والنجم في كبد السماء كأنّه ... أعمى تحيّر ما لديه قائد ناديت من طرد الرّقاد بصدّه ... ممّا أعالج وهو خلو هاجد يا ذا الذي صدع الفؤاد بهجره ... أنت البلاء طريفه والتالد ألقيت بين جفون عيني حرقة ... فإلى متى أنا ساهر يا راقد فقال لي المأمون: أليس هذا الذي من قال هذا الشعر حقيق بالتّقدمة؟ قلت: بلى والله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 230 «452» - قال عبد الله بن الحسن: جاءني أبو العتاهية وأنا في الديوان فجلس إليّ فقلت له: يا أبا إسحاق، أما يصعب عليك شيء من الألفاظ تحتاج فيه إلى الغريب كما يحتاج إليه سائر الناس ممّن يقول الشّعر؟ فقال: لا، فقلت: إني لأحسب ذلك من كثرة ركوبك القوافي السهلة، قال: فاعرض عليّ ما شئت من القوافي الصعبة، فقلت: قل أبياتا في مثل البلاغ، فقال من ساعته: [من الخفيف] أيّ عيش يكون أفضل من عي ... ش كفاف قوت بقدر البلاغ ربّ ذي لقمة [1] تعرّض منها ... حائل بينها وبين المساغ أبلغ الدهر في مواعظه بل ... زاد فيهنّ لي على الإبلاغ غشمتني [2] الأيام عقلي ومالي ... وشبابي وصحّتي وفراغي وكان أبو العتاهية لتمكّنه من الطبع يقول: الناس يتكلّمون الشّعر وهم لا يعلمون، ولو أحسنوا تأليفه لكانوا شعراء كلّهم، فبينا هو يحدّث إذ قال رجل لآخر معه مسح [3] : يا صاحب المسح تبيع المسح؟ فقال أبو العتاهية: ألم تسمعوه يقول: [من الرجز] يا صاحب المسح تبيع المسحا قد قال شعرا وهو لا يعلم، ثم قال له الرجل: تعال إن كنت تريد الرّبح، فقال أبو العتاهية: وقد أجاز المصراع بمصراع آخر وهو لا يعلم، قال: تعال إن كنت تريد الربحا   [1] الأغاني: نعمة. [2] الأغاني: غبنتني. [3] المسح: كساء من شعر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 231 وكانوا يقولون: لو أعين طبع أبي العتاهية بجزالة اللفظ، لكان أشعر الناس. 453- ذكر أنّ قوما أضلّوا الطريق فاستأجروا أعرابيا يدلّهم على الطريق فقال: إني لا أخرج معكم حتى أشترط عليكم، قالوا: هات ما لك؟ قال: يدي مع أيديكم في الحارّ والقارّ، ولي موضع من النار موسّع عليّ فيها، وذكر والدتي محرّم عليكم. قالوا: فهذا لك، فما لنا عليك إن أذنبت؟ قال: إعراضة لا تؤدّي إلى مقت، وهجرة لا تمنع من مجامعة السّفرة، قالوا: فإن لم تعتب؟ قال: فحذفة بالعصا أخطأت أم أصابت. ويشبه هذا ما اشترطه راع على صاحب الإبل فقال له: ليس لك أن تذكر أمّي بخير أو شرّ، ولك حذفة بالعصا عند غضبك أخطأت أم أصابت، ولي مقعد [من النار] وموضعي من الحارّ. «454» - ذكر عليّ بن سليمان الأخفش في كتاب المغتالين بإسناده عن ابن الكلبي قال: عشقت أمّ البنين بنت عبد العزيز ابن مروان زوجة الوليد بن عبد الملك وضّاح اليمن فكانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها، فإذا خافت وارته في صندوق عندها وأقفلت عليه. فأهدي للوليد جوهر له قيمة فأعجبه واستحسنه، فدعا خادما له فبعث به إلى أمّ البنين وقال: قل لها إنّ هذا الجوهر أعجبني فآثرتك به. فدخل الخادم عليها مفاجأة ووضّاح عندها فأدخلته الصندوق وهو يرى فأدّى إليها [رسالة الوليد] ورفع الجوهر إليها وقال لها: يا مولاتي، هبي لي منه حجرا، فقالت: لا يا ابن اللخناء ولا كرامة. فرجع إلى الوليد فأخبره فقال: كذبت يا ابن اللخناء، وأمر به فوجئت عنقه، ثمّ لبس نعليه ودخل على أمّ البنين وهي جالسة في ذلك البيت تمتشط وقد وصف له الخادم الصندوق الذي أدخلته فيه، فجاء فجلس عليه ثم قال لها: يا أمّ البنين، ما أحبّ إليك هذا البيت من بين بيوتك! فلم تختارينه؟ فقالت: أجاس فيه وأختاره لأنه يجمع حوائجي كلّها فأتناولها منه من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 232 قرب. فقال لها: هبي لي صندوقا من هذه الصناديق، فقالت: كلّها لك يا أمير المؤمنين، فقال: ما أريد كلّها إنما أريد منها واحدا، قالت: خذ أيّها شئت، قال: هذا الذي جلست عليه، قالت: خذ غيره فإنّ لي فيه أشياء أحتاج إليها، قال: ما أريد غيره، قالت: خذه يا أمير المؤمنين. فدعا بالخدم وأمرهم بحمله، فحملوه حتى انتهي به إلى مجلسه، فوضعه فيه ثم دعا بعبيد له عجم فأمرهم بحفر بئر في المجلس عميقة، فنحّي البساط وحفرت إلى الماء، ثم دعا بالصندوق فوضع على شفير البئر ودنا منه وقال: يا صاحب الصندوق! إنّه قد بلغنا شيء إن كان حقّا فقد كفيناك ودفنّاك ودفنّا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلا فإنّما دفنّا الخشب وما أهون ذلك. ثم قذف به في البئر، وهيل عليه التراب، وسوّيت الأرض، وردّ البساط إلى حاله، وجلس الوليد عليه. ثم ما رئي لوضاح بعد ذلك أثر في الدنيا إلى هذا اليوم. قال: وما رأت أمّ البنين لذلك أثرا في وجه الوليد حتى فرّق الموت بينهما. «455» - لمّا مات جعفر بن المنصور الأكبر مشى المنصور في جنازته من المدينة إلى مقابر قريش ومشى الناس أجمعون معه حتّى دفنه ثمّ انصرف إلى قصره فأقبل على الرّبيع فقال: يا ربيع، [انظر من في أهلي] ينشدني: [من الكامل] أمن المنون وريبها تتوجّع حتى أتسلّى عن مصيبتي. قال الرّبيع: فخرجت إلى بني هاشم وهم بأجمعهم حضور فسألتهم عنها فلم يكن فيهم أحد يحفظها. فرجعت فأخبرته، فقال: والله لمصيبتي بأهل بيتي ألا يكون فيهم أحد يحفظ هذه القصيدة لقلة رغبتهم في الأدب أعظم عليّ وأشدّ من مصيبتي بابني. ثمّ قال: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 233 انظر هل في القوّاد والعوامّ من يحفظها فإنّي أحّبّ أن أسمعها من إنسان ينشدها. فخرجت فاعترضت النّاس فلم أجد أحدا ينشدها إلّا شيخا مؤدّبا قد انصرف من تأديبه، فسألته: هل [تحفظ شيئا من الشعر؟] فقال: نعم، شعر أبي ذؤيب. فقلت أنشدني فابتدأ هذه القصيدة، فقلت: أنت بغيتي. ثمّ أوصلته إلى المنصور فاستنشده إيّاها فلمّا قال: والدّهر ليس بمعتب من يجزع قال: صدق، والله، فأنشدني هذا البيت ليتردّد عليّ هذا المصراع، فأنشده ثمّ مرّ فيها فلمّا انتهى إلى قوله: [من الكامل] والدّهر لا يبقى على حدثانه ... جون السّراة له جدائد أربع قال: سلا أبو ذؤيب عند هذا القول. وأمر الشّيخ بالانصراف. واتّبعته فقلت: أمر لك أمير المؤمنين بشيء؟ قال: نعم، وأراني صرّة في يده فيها مائة درهم. «456» - قال العلاء البندار: كان الوليد بن يزيد زنديقا، وكان رجل من كلب من أهل الشام يقول بمقالته مقالة الثنوية. فدخلت يوما على الوليد وذلك الكلبيّ عنده، وإذا بينهما سفط قد رفع رأسه عنه، وإذا ما يبدو لي منه حرير أخضر، فقال: ادن يا علاء، فدنوت فرفع الحرير، وإذا في السّفط صورة إنسان، وإذا الزئبق والنوشادر قد جعلا في جفنه فجفنه يطرف كأنّه يتحرّك. فقال: يا علاء، هذا ماني، لم يبعث الله نبيّا قبله ولا يبعث نبيّا بعده. فقلت: يا أمير المؤمنين، اتّق الله ولا [يغرّنّك هذا] الذي ترى من دينك. فقال الكلبيّ: قد قلت لك يا أمير المؤمنين، قد قلت لك إنّ العلاء لا يحتمل هذا الحديث. قال العلاء: فمكثت أياما ثم جلست مع الوليد على بناء كان بناه في عسكره يشرف منه، والكلبيّ عنده إذ نزل من عنده، وقد كان حمله على برذون هملاج الجزء: 9 ¦ الصفحة: 234 أشقر من أفره ما سخّر، فخرج على برذونه ذلك، فمضى في الصحراء حتى غاب عن العسكر؛ فما شعر إلا وأعراب قد جاءوا به منفسخة عنقه ميّتا، وبرذونه يقاد حتى سلّموه. فبلغني ذلك فخرجت متعمّدا حتى أتيت أولئك الأعراب، وكان لهم أبيات بالقرب من أرض البخراء لا حجر بها ولا مدر، فقلت لهم: كيف كانت قصّة هذا الرجل؟ قالوا: أقبل علينا على برذون فو الله لكأنّه دهن يسيل [على] صفاة من فراهته، فعجبنا لذلك؛ إذ انقضّ رجل من السّماء، عليه ثياب بيض، فأخذ بضبعيه فاحتمله ثم نكّسه وضرب برأسه الأرض، فدقّ عنقه، ثم غاب عن عيوننا، فاحتملناه فجئنا به. «457» - لما استخلف عمر بن عبد العزيز جاءه الشعراء، فجعلوا لا يصلون إليه، فجاء عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعليه عمامة قد أرخى طرفها، فدخل، فصاح به جرير: [من البسيط] يا أيّها القارىء المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أنّي لدى الباب كالمصفود في قرن قال: فدخل على عمر، فاستأذنه فأدخله عليه، وقد كان هيّأ له شعرا، فلما دخل عليه غيّره وقال: [من البسيط] إنّا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر زان الخلافة إذ كانت له قدرا ... كما أتى ربّه موسى على قدر أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم تكتفي بالذي بلّغت من خبري ما زلت بعدك [في دار] تعرّفني ... قد طال بعدك إصعادي ومنحدري لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يجود لنا باد على حضر كم بالمواسم من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنّظر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 235 يدعوك دعوة ملهوف كأنّ به ... خبلا من الجنّ أو مسّا من النّشر [1] ممّن يعدّك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العشّ لم ينهض ولم يطر قال: فبكى عمر، ثم قال: يا ابن الخطفى، من أبناء المهاجرين أنت فنعرف لك حقّهم؟ أم من أبناء الأنصار فيجب لك ما يجب لهم؟ أم من فقراء المسلمين فنأمر صاحب صدقات قومك فيصلك بمثل ما يصل به قومك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنا بواحد من هؤلاء، وإني لمن أكثر قومي مالا وأحسنهم حالا، ولكني أسألك ما عوّدنيه الخلفاء: أربعة آلاف درهم، وما يتبعها من كسوة وحملان، فقال له عمر: كلّ امرىء ملقّى فعله، فأمّا أنا فما أرى لك في مال الله من حقّ، ولكن انتظر، يخرج عطائي فأنظر ما يكفي عيالي سنة منه فأدّخره لهم، ثم إن فضل فضل صرفناه إليك. فقال جرير: لا، بل يوفّر أمير المؤمنين ويحمد وأخرج راضيا، قال: فذلك أحبّ إليّ. فلما خرج قال عمر: إنّ شرّ هذا ليتّقى، ردّوه إليّ، فردّوه. فقال: إنّ عندي أربعين دينارا وحلّتين، إذا غسلت إحداهما لبست الأخرى، وأنا مقاسمك ذلك، على أنّ الله تعالى يعلم أنّ عمر أحوج إلى ذلك منك. فقال له: قد وفّرك الله يا أمير المؤمنين، وأنا والله راض، قال له: أما وقد حلفت فإنّ ما وفّرته عليّ ولم تضيّق به معيشتنا آثر في نفسي من المدح، فامض مصاحبا؛ [فخرج] . فقال له أصحابه وفيهم الفرزدق: ما صنع بك أمير المؤمنين يا أبا حزرة؟ قال: خرجت من عند رجل يقرّب الفقراء، ويباعد الشعراء، وأنا مع ذلك عنه راض، ثم وضع رجله في [غرز] راحلته، وأتى قومه فقالوا له: ما صنع بك أمير المؤمنين يا أبا حزرة؟ فقال: [من الطويل] تركت لكم بالشام حبل جماعة ... أمين القوى مستحصد العقد باقيا   [1] النشر: جمع نشرة وهي رقية يعالج بها المجنون والمريض. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 236 وجدت رقى الشيطان لا تستفزّه ... وقد كان شيطاني من الجنّ راقيا «458» - وشكا حارثة بن بدر الغدانيّ فأشرف على الموت، ودخل عليه قومه يعودونه فقالوا: هل لك حاجة أو شيء تريده؟ قال: نعم، اكسروا رجل مولاي كعب لئلا يبرح من عندي، فإنّه يؤنسني، ففعلوا، فأنشأ يقول: [من البسيط] يا كعب صبرا ولا تجزع على أحد ... يا كعب لم يبق منّا غير أجساد يا كعب ما راح من قوم ولا ابتكروا ... إلا وللموت في آثارهم حادي يا كعب ما طلعت شمس ولا غربت ... إلا تقرّب آجالا لميعاد يا كعب كم من حمى قوم نزلت به ... على صواعق من زجر وإيعاد فإن لقيت بواد حيّة ذكرا ... فاذهب ودعني أمارس حيّة الوادي «459» - كان أبو دلف بن عيسى العجليّ في جملة من كان مع الأفشين خيذر ابن كاوس لمّا خرج لمحاربة بابك. ثم تنكّر له، فوجّه يوما بمن جاء به ليقتله. وبلغ المعتصم الخبر، فبعث إليه أحمد بن أبي دواد، وقال له: أدركه وما أراك تلحقه، واحتل في خلاصه كيف شئت. قال أحمد: فمضيت ركضا حتى وافيت الأفشين، وإذا أبو دلف واقف بين يديه، قد أخذ بيده غلامان تركيّان، فرميت بنفسي على البساط، وكنت إذا جئته دعا لي بمصلّى، فقال: سبحان الله! ما حملك على هذا؟ قلت: أنت أجلستني في هذا المجلس، ثم كلمته في أبي دلف وخضعت له فيه، فجعل لا يزداد إلا غلظة. فلما رأيت ذلك قلت: هذا عبد قد أغرقت في الرّفق به، وليس ينفع إلا أخذه بالرهبة والصّدق، فقمت وقلت: كم تراك قدّرت في نفسك أن تقتل من أولياء أمير المؤمنين واحدا بعد واحد، وتخالف أمره في قائد بعد قائد؟ قد حملت إليك هذه الرسالة عن أمير المؤمنين، فهات الجواب! الجزء: 9 ¦ الصفحة: 237 قال: فذلّ حتى لصق بالأرض، وبان الاضطراب فيه، فلما رأيت ذلك نهضت إلى أبي دلف، فأخذت بيده وقلت: أخذته بأمر أمير المؤمنين، فقال: لا تفعل يا أبا عبد الله، فقلت: قد فعلت. وأخرجت القاسم فحملته على دابّة ووافيت المعتصم. فلما بصر بي قال: بك يا أبا عبد الله وريت زنادي، ثم ردّ عليّ خبري مع الأفشين حدسا بظنّه، فما أخطأ منه حرفا. «460» - قال دكين الراجز: امتدحت عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة، فأمر لي بخمس عشرة ناقة كرائم، وكرهت أن أرمي بهن الفجاج، ولم تطب نفسي ببيعهنّ. فقدمت علينا رفقة من مضر، فسألتهم الصحبة، فقالوا: ذاك إليك ونحن نخرج الليلة، فأتيته فودّعته وعنده شيخان لا أعرفهما. فقال لي: يا دكين، إنّ لي نفسا توّاقة، فإن صرت إلى أكثر ممّا أنا فيه، فاتني ذلك الإحسان، فقلت: أشهد لي بذلك. قال: أشهد الله عزّ وجلّ، قلت ومن خلقه؟ قال: هذين الشيخين. فأقبلت على أحدهما فقلت: من أنت؟ أعرفك؟ قال: سالم بن عبد الله بن عمر، فقلت له: لقد استسمنت الشاهد؛ وقلت للآخر: من أنت؟ قال: أبو يحيى مولى الأمير. فخرجت إلى بلدي بهن، فرمى الله فيهم بالبركة حتى اعتقدت [1] منهنّ الإبل والعبد. فإني لبصحراء فلج إذا ناع ينعى سليمان. قلت: من القائم بعده؟ قال: عمر بن عبد العزيز. ولقيني جرير منصرفا من عنده، فقلت: يا أبا حزرة، من أين أقبلت؟ قال: من عند من يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، فانطلقت فإذا هو في عرصة الدار وقد أحاط به الناس فلم أخلص إليه [فناديت] : [من الرجز] يا عمر الخيرات والمكارم ... وعمر الدسائع العظائم   [1] اعتقد: اشترى أو اقتنى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 238 إني امرؤ من قطن بن دارم ... طلبت ديني من أخي مكارم إذ ننتجي والله غير نائم ... عند أبي يحيى وعند سالم وقام أبو يحيى فقال: يا أمير المؤمنين، عندي لهذا البدويّ شهادة عليك، فقال: أعرفها، ادن يا دكين، أنا كما ذكرت لك، إنّ نفسي لم تنل شيئا إلا تاقت لما هو فوقه، وقد نلت غاية من الدنيا فنفسي تتوق إلى الآخرة. والله ما رزأت من أموال الناس شيئا، ولا عندي إلا ألفا درهم فخذ نصفها، قال: فو الله ما رأيت ألفا كانت أعظم بركة منها. «461» - سفه مروان بن أبي الجنوب على عليّ بن الجهم بحضرة المتوكّل وهجاه بأشعار سخيفة باردة فلم يجبه، ثم قال فيما بعد: [من الوافر] بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون «462» - شاعر: [من الطويل] تجاف عن الأعداء بقيا فربّما ... كفيت ولم تجرح بناب ولا ظفر ولا تبر منهم كل عود تخافه ... فإنّ الأعادي ينبتون مع الدّهر إذا أنت أفنيت النبيه من العدى ... رمتك الليالي عن يد الخامل الذكر وهبك اتّقيت السهم من حيث يتّقى ... فكيف بمن يرميك من حيث لا تدري «463» - العرب تقول: خفّة الظّهر أحد اليسارين، والغربة أحد السباءين واللبن أحد اللحمين، وتعجيل اليأس أحد اليسرين، والشّعر أحد الوجهين، والراوية أحد الهاجيين، والحمية أحد الموتين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 239 «464» - أبان اللاحقيّ: [من الطويل] ولن تعرف النفس النعيم وعزّه ... إذا جهلت حال المذلّة والضرّ نظر إليه أبو تمام فقال: [من الكامل] والحادثات وإن أصابك بؤسها ... فهو الذي أدراك كيف نعيمها «465» - لمّا قتل يحيى بن زيد بن عليّ حمل رأسه إلى الوليد بن يزيد، فأمر به فوضع في حجر أمّه ريطة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب. فلما قتل مروان بن محمد أتي عبد الله بن عليّ برأسه، فدعا بابنته أمّ مروان فألقى الرأس في حجرها، وقال لها: هل تعرفين هذا؟ قالت: نعم، هذا رأس أمير المؤمنين. فقال: هذا جزاء ما فعلتم بيحيى بن زيد لمّا أتي الوليد برأسه، أمر به فألقي في حجر أمّه، فهذه بتيك. ولم يزل يحيى مصلوبا حتى خرج أبو مسلم فأمر به فصلّي عليه ودفن، وأمر بالنياحة والبكاء عليه سبعة أيام بمرو. وكان أصل السواد أنّ أبا مسلم أمر بتسويد الثياب للمصيبة. وجعل أبو مسلم يتتبّع قتلة يحيى فيقتلهم. «466» - قال داود بن رشيد: حدّثني أبي، قال: دعاني المنصور وقد كربه أمر ابراهيم بن عبد الله بن الحسن، فقال لي: يا رشيد، أعدّ لي ألف غلام من نجب غلماني وألف فرس من نجب خيلي، وألف خريطة من مالي، وائتني في وقت كذا من الليل، وهو يريد أن يتوجّه إلى خراسان. قال: ففعلت ما أمرني، وأتيته فوجدته عليه ثيابه وهو على كرسيّ، فقال لي: ما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 240 صنعت يا رشيد؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه الخيل والغلمان والأموال بالباب. قال: فقام، وقدّمت إليه فرسه ليركب وأخذت له بالرّكاب، فوضع رجله في الرّكاب وأخذ بمعرفة الفرس ومؤخّر السّرج ليتحامل للركوب. قال: ثم سمعته يقول: فأين تلاعب صبياننا؟ قال: ثم أخرج رجله من الرّكاب وعاد فجلس وقال: يا رشيد، حطّ. قال: ففعلت، وأتاه الخبر أنّ ابراهيم قد قتل. «467» - قال ابن الكلبيّ: قالت عجوز من العرب لبنات لها ثلاث: صفن ما تحببن من الأزواج. قالت الكبرى: أريده أروع بسّاما، أحذّ مجذاما، سيّد ناديه، وثمال عافيه، ومحسب راجيه، فناؤه رحب، وقياده صعب. الأحذّ: الخفيف السريع، والمجذام: مفعال من الجذم وهو القطع، تريد أنّه قطّاع للأمور. وقالت الأخرى: أريده عالي السّناء [1] مصمّم المضاء، عظيم نار، متمّم أيسار [2] ، يفيد ويبيد، ويبدىء ويعيد، في الأهل صبيّ، وفي الجيش كميّ، تستعبده الحليلة، وتسوّده الفضيلة. وقالت الصغرى: أريده بازل عام [3] ، كالمهنّد الصّمصام، قرانه حبور، ولقاؤه سرور، إن ضمّ قضقض، وإن دسر [4] أغمض، وإن أخلّ أحمض [5] . قالت أمّها: فض فوك! لقد فررت [لي] شرّة الشباب جذعة [6] .   [1] السناء: الشرف. [2] أيسار: جمع يسر وهو الذي يشارك في الميسر. [3] بازل عام: تام الشباب كالبعير اذا اشتد عوده. [4] دسر: طعن. [5] الإحماض: المفاكهة. [6] فررت شرة الشباب جذعة: أعدت حدة الشباب عودا على بدء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 241 «468» - قيل لكثيّر: ما لك لا تقول الشعر، أأجبلت؟ [قال] : والله ما كان ذاك؛ ولكن فقدت الشباب فما أطرب، ورزئت عزّة فما أنسب، ومات ابن ليلى فما أرغب- يعني عبد العزيز بن مروان. «469» - قال عبد الله بن عليّ بعد قتله من قتل من بني أميّة لاسماعيل بن عمرو ابن سعيد بن العاص: أساءك ما فعلت بأصحابك؟ فقال: كانوا يدا فقطعتها، وعضدا ففتّتّها، ومرّة فنقضتها، وركنا فهدمته، وجناحا فهضته؛ فقال: إني لخليق أن ألحقك بهم، قال: إنّي إذا لسعيد. «470» - كتب الحسن بن سهل إلى محمد بن سماعة القاضي: أما بعد، فإني احتجت لبعض أموري إلى رجل جامع لخصال [الخير] ، ذي عفّة ونزاهة، قد هذّبته الآداب، وأحكمته التجارب، ليس بظنين في رأيه، ولا بمطعون في حسبه؛ إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قلّد مهمّا من الأمر أجزأ فيه؛ له سنّ مع أدب ولسان تقعده الرّزانة ويسكّنه الحلم؛ قد فرّ عن ذكاء وفطنة، وعضّ على قارحة من الكمال؛ تكفيه اللحظة، وترشده السّكنة؛ قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها، وقام بأمورهم فحمد فيها؛ له أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء؛ لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرّجال بحلاوة لسانه، وحسن بيانه، دلائل الفضل عليه لائحة، وأمارات العلم له شاهدة؛ مضطلعا بما استنهض، مستقلّا بما حمّل؛ وقد آثرتك بطلبه، وحبوتك بارتياده، ثقة بفضل اختيارك، ومعرفة بحسن تأتّيك. فكتب إليه: إني عازم أن أرغب إلى الله حولا كاملا في ارتياد مثل هذه الصفة، وأفرّق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 242 الرّسل الثّقات في الآفاق لالتماسه، وأرجو أن يمنّ الله بالإجابة فأفوز لديك بقضاء حاجتك، والسلام. «471» - قال معاوية لصعصعة بن صوحان: صف لي الناس، فقال: خلق الناس أخيافا: فطائفة للعبادة، وطائفة للتجارة، وطائفة خطباء، وطائفة للبأس والنّجدة، ورجرجة فيما بين ذلك يكدّرون الماء ويغلون السّعر [ويضيّقون الطريق] . الرّجرجة: شرار الناس ورذالهم. وأصل الرّجرجة: الماء الذي قد خالطه كدر، وجمعه رجارج. «472» - دخل الأحنف على معاوية ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجابا به، فقال: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟ فعلم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا وقرّة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخلف منّا لمن بعدنا، فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة؛ إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملّوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستطيلوا أوقاتك. فقال: لله درّك يا أبا بحر! هم كما وصفت. 473- قال [إبراهيم] بن التوأم: الروح عماد البدن، والعلم عماد الروح، والبيان عماد العلم. 474- قال بعض علماء المنطق: الكلام عيار على كلّ صناعة، وزمام على كلّ عبارة، وقسطاس يعرف به الفضل والرّجحان، وميزان تحرّج به الزيادة والنقصان، وكير يميّز به الخالص والشّوب، ويعرف به العين والإبريز، وراووق يعرف به الصّفو والكدر، وسلّم يرتقى به إلى معرفة الكبير والصغير، ويوصل معه إلى الخطير والحقير، وأداة للتفصيل والتحصيل، وإدراك الدقيق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 243 والجليل، وآلة لإظهار الغامض والمشتبه، وكشف الخفيّ والملتبس، وأدلّة للتفضيل بين الحجّة والشّبهة، والجماعة والفرقة، والشذوذ والاستفاضة، والحظر والإباحة، والردّ والمعارضة، وبه يعرف الشكل والضّدّ، والعدل والقصد، ويتغلغل في الأمور الخفيّة، ويتوصّل إلى المعاني العقلية، ويتوغّل إلى حقائق الأشياء ومعاني الأسماء. «475» - قال الخليل بن أحمد: يكثّر الكلام ليفهم، ويقلّل ليحفظ. وقد قال الشاعر في هذا المعنى: [من الكامل] يرمون بالخطب الطّوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرّقباء وقال آخر: [من الكامل] يكفي قليل كلامه وكثيره ... ثبت إذا طال النّضال مصيب «476» - قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاريّ: جمع زياد أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من عليّ عليه السلام والشّتم له، فملأ الرحبة والمسجد والقصر. قال: فأغفيت إغفاءة فرأيت شبحا له عنق مثل عنق البعير أهدل أهدب، فقلت: ما أنت؟ قال: النّقّاد ذو الرّقبة، بعثت إلى صاحب القصر. فانتبهت فزعا فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: ما رأينا شيئا، فلم يكن بأسرع من أن خرج علينا خارج من القصر فقال: أيّها الناس، انصرفوا فإنّ الأمير في شغل اليوم. وإذا هو قد فلج. فقال عبد الرحمن بن السائب: [من البسيط] ما كان منتهيا عمّا أراد بنا ... حتى تناوله النّقّاد ذو الرّقبه فأسقط الشّقّ منه ضربة ثبتت ... كما تناول ظلما صاحب الرّحبه وبلغ الحسن بن عليّ عليهما السلام ما كان يصنع بشيعة عليّ، فقال: اللهم تفرّد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 244 بموته، فإنّ في القتل كفّارة. «477» - ولد حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد في الكعبة؛ دخلتها أمّه فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزّى وهي حامل، فضربها المخاض وهي في الكعبة فولدته فيها، فحملت في نطع، وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم، ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد. 478- روي أنّ عبد الله بن عباس قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر في يده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل أتلقّطه منذ اليوم، قال: فأحصوا ذلك اليوم فوجدوه قد قتل فيه. 479- وقال سليم القاصّ: لما قتل الحسين بن عليّ مطرت السماء دما عبيطا. 480- وقال ابن شهاب: لمّا قتل لم يرفع بالشام حجر إلا وجد تحته دم عبيط. 481- وقال الأعمش: خري رجل على قبر الحسين، فجنّ فمات، فسمع صوته يصيح في القبر كنباح الكلب. 482- وقال أبو رجاء العطاردي: كان لنا جار، فلما قتل الحسين قال: قتل الفاسق، فرماه الله تبارك وتعالى بكوكبين في عينيه فطمستا. «483» - لمّا بعث يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المرّي إلى المدينة أباحها وفيها أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبقيّته، وبها أمّ سلمة وميمونة زوجتا النبيّ صلّى الله عليه وسلم. «484» - قال أبو ميمون العبدي: رأيت أبا سعيد الخدريّ ممعّط اللحية، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 245 فقلت له: أتعبث بلحيتك؟ قال: لا، ولكن هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام؛ دخلوا عليّ زمان الحرّة فأخذوا ما كان في البيت ثم خرجوا، ثم دخلت طائفة أخرى فأخذوا ما كان في [البيت من حلية] أو متاع ثم خرجوا، ثم دخلت طائفة أخرى فلم يصيبوا في البيت شيئا، فأسفوا أن يخرجوا فأضجعوا الشّيخ وأخذ كلّ واحد خصلة من لحيتي، فأنا أتركها حتى أوافي بها ربّ العالمين. «485» - وجاء عمرو بن عثمان بن عفّان بيزيد بن عبد الله بن زمعة، وجدّته أمّ سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه، وكان عمرو بن عثمان قال لأمّ سلمة: أرسلي معي ابن ابنتك ولك عهد الله وميثاقه أن أردّه عليك كما أخذته منك. فجاء به إلى مسلم بن عقبة، فجلس على طرف سريره، فلما تقدّم يزيد بن عبد الله، قال: بايع لعبد الله يزيد أمير المؤمنين على أنكم خوله ممّا أفاء الله عليه بأسياف المسلمين، إن شاء وهب، وإن شاء أعتق، وإن شاء استرقّ. قال له يزيد: والله لأنا أقرب إلى أمير المؤمنين منك، قال: والله لا تستقيلها أبدا. فقال له عمرو بن عثمان: أنشدك الله، فإني أخذته من أمّ سلمة بعهد الله وميثاقه أن أردّه إليها. قال: فركضه برجله فرمى به من فوق السرير وقال: والله لو قلتها ما أقلتك حتى أضرب الذي فيه عيناك. فقتل يزيد بن عبد الله. «486» - قال سعيد بن المسيّب: مكثت ثلاثة أيام في زمن يزيد بن معاوية أصلّي في المسجد لا يصلّي معي داع ولا مجيب؛ إنّ أهل الشام لا يتركون أحدا بلغ الحلم إلا ضربوا عنقه، وإنّهم يلقونني مقبلا ومدبرا لا يسألونني عن شيء، إذا كان وقت الصلاة سمعت داعيا يخرج اليّ من بيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فأعرف أنّه وقت الصلاة، فأقوم فأؤذّن وأصلّي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 246 «487» - روى أبو سعيد عن النبيّ عليه الصلاة والسلام أنّه قال: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا دين الله دخلا، وعباد الله خولا، ومال الله دولا. «488» - وروى أبو هريرة قال: أصبح النبيّ صلّى الله عليه وسلم وهو كالمغضب فقال: رأيت بني أبي العاص ينزون على منبري هذا نزو القردة، قال: فما رئي رسول الله صلّى الله عليه وسلم مجتمعا ضاحكا حتى مات صلّى الله عليه. «489» - وروى الحسن أنّ عليّا عليه السلام كان على المنبر فقال: اللهم إنّي ائتمنتهم فخانوني، ونصحتهم فغشّوني، اللهمّ فسلّط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم حكم الجاهلية، قال: فوصف الحجاج والله وهو يقول: الذيال الميّال، يحفر الأنهار، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها. «490» - قال عبد الملك بن مروان: كنت أنا وعبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير [ومصعب بن الزبير] [1] يوما جلوسا بفناء الكعبة، فقلنا: هلمّوا يتمنّى كل واحد منّا ما يحبّ، فقال عروة بن الزبير: أتمنّى على الله الفقه، وأن يحمل عني الحديث. وقال مصعب: أتمنّى ولاية العراقين وأن أتزوّج عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين. وقلت أنا: أتمنّى على الله الخلافة. وسكت ابن عمر. فقلنا له: تمنّ، قال: أتمنّى على الله الجنّة. فما منّا إلا من بلغ أمنيته في دنياه، ولا أشكّ في أنّ ابن عمر قد نال ما تمنّى. «491» - لمّا خرج محمد بن عبد الله بن الحسن جاء الخبر إلى المنصور وهو   [1] زيادة يقتضيها سياق الخبر وما جاء في عيون الأخبار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 247 ببغداد في المضارب وقد بدأ بنيانها في جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة، وعمّه عبد الله بن عليّ محبوس عنده، فعظم عليه خروجه. فأرسل إلى عمّه بقوم من أهله يستشيره، وكان عبد الله بن عليّ ذا رأي في الحرب، فقال: إنّ المحبوس محبوس الرأي، فأخرجوني يخرج رأيي. فأرسل إليه أبو جعفر: لو جاءني محمد بن عبد الله يضرب عليّ بابي ما أخرجتك وأنا خير لك منه. فأرسل إليه عبد الله: ارتحل الساعة حتى تأتي الكوفة، واجثم على أكباد أهلها، فإنّهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارهم، ثم احففها بالمسالح، فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه فاضرب عنقه، وابعث إلى سلم بن قتيبة، وكان بالرّيّ، فينحدر إليك واكتب إلى أهل الشام ومرهم أن يحملوا إليك أهل البأس والنجدة على البريد، وابعثهم مع سلم، وأحسن جوائزهم. ففعل ما أشار به. 492- ولمّا سار إلى الكوفة وجّه عيسى بن موسى لمحاربة محمد، وعهد إليه فقال: إذا صرت إن شاء الله إلى المدينة، فادع محمد بن عبد الله إلى الطاعة والدخول في الجماعة، فإن أجابك فاقبل منه، وإن هرب منك، فلا تتبعه، وإن أبى إلا الحرب والمناجزة، فناجزه واستعن بالله عليه، وإذا ظفرت به، فلا تخيفنّ أهل المدينة، وعمّهم بالعفو، فإنّهم الأصل والعشيرة وذرّيّة المهاجرين والأنصار، وجيران قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم. هذه وصيّتي إيّاك، لا كما أوصى يزيد اللعين مسلم بن عقبة حين وجّهه إلى المدينة؛ فإنّه أمره أن يقتل من ظفر به ما بين ثنيّة الوداع إلى بني عمرو بن مبذول كلّ من أنبت ويييحها ثلاثة أيّام؛ ففعل مسلم ذلك، وبلغ يزيد فعله، فتمثّل بشعر ابن الزّبعرى في يوم أحد، فخر المشركون على المسلمين يقول: [من الرمل] ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل [1]   [1] البيتان لابن الزبعرى انظر سيرة ابن هشام 3: 137. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 248 حين حكّت بقباء بركها ... واستحرّ القتل في عبد الأشل وأمير المؤمنين يعوذ بالله أن يبتليه بغشم رعيّته وسفك دمائهم، ويسأله أن يلهمه الرأفة بهم، والرحمة لهم، والعطف عليهم، إنّه سميع قريب. ثم سر إلى مكّة، فاعف عنهم واصفح، فإنّهم أهل [بيت] الله وجيرانه، وسكّان حرمه وأمنه، وأهل الأصل ومنبت الفرع والعشيرة، وعظّم البيت والحرم، ولا تلحد فيه بظلم، فإنّه حرم الله الذي بعث منه نبيّه صلّى الله عليه وسلم، وشرف به آباؤنا، فبتشريف الله آباءنا شرّفتنا العرب. هذه وصيتي إليك لا كما وصّى أبو ذباب خنّور بن خنور حين وجّهه إلى مكّة، فإنّه أمره أن يقتل كلّ محتلم ما بين المعلاة والمسفلة، ويضع المجانيق على الكعبة، ويلحد ويظلم في الحرم، ففعل الحجّاج ذلك، وبلغ الخبر عبد الملك، فتمثّل قول عمرو بن كلثوم: [من الوافر] ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا لنا الدنيا ومن أضحى عليها ... ونبطش حين نبطش قادرينا وقتل محمد بن عبد الله للنصف من شهر رمضان، وخرج إبراهيم [بن عبد الله] ابن الحسن أخوه غرّة شهر رمضان قبل قتل محمد بخمسة عشر يوما بالبصرة، وعظم أمره، فكان في سبعين ألفا، وغلب على الأهواز وفارس وواسط. «493» - ويقال: إنّ المنصور لم يكن [ينام] أيام حربه ابني عبد الله بن الحسن، وأنه جلس على مصلّى خمسين ليلة ينام عليه ويجلس عليه، وعليه جبّة قد اتّسخ جيبها، وليس تحتها شيء، فما نزعها حتى فتح عليه. وأتته قيّمة نسائه في تلك الأيام بامرأتين أهديتا إليه من المدينة: فاطمة ابنة محمد بن محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله، وأمة الكريم ابنة عبد الله من ولد خالد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 249 بن أسيد [1] ، وكان القادم بهما إسحاق بن الأزرق، فلم ينظر إليهما. فقالت له: يا أمير المؤمنين، قد خبت نفوسهما وساءت ظنونهما لما ظهر من جفائك. فانتهرها وقال: ليست هذه الأيام من أيّام النساء، لا سبيل إليهما حتى أعلم: رأسي لإبراهيم، أم رأس إبراهيم لي! «494» - ولمّا أتي المنصور برأس إبراهيم، وضعه بين يديه وجلس مجلسا عامّا، فكان الرجل يدخل، يسلّم ويسيء القول لإبراهيم ويتناوله بالكلام القبيح طلبا لرضا المنصور، وهو مطرق ممسك متغيّر الوجه، حتى دخل عليه جعفر بن حنظلة البهرانيّ، فوقف وسلّم ثم قال: أعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمّك، وغفر له ما فرّط فيه من حقّك، فأسفر لون أبي جعفر وأقبل عليه فقال: أبا خالد، ههنا، مرحبا وأهلا، فعلم أنّ ذلك قد أرضاه فقالوا مثل ما قال جعفر بن حنظلة. «495» - الأفوه الأودي: [من البسيط] فينا معاشر لم يبنوا لقومهم ... وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا لا يرشدون ولم يرعوا لمرشدهم ... والجهل منهم معا والغيّ ميعاد أضحوا كقيل ابن عمرو في عشيرته ... إذ أهلكت بالذي أسدى لها عاد ويروى: كانوا كمثل لقيم في عشيرته. أو بعده كقدار حين تابعه ... على الغواية أقوام فقد بادوا والبيت لا يبتنى إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد   [1] الطبري: أسد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 250 فإن تجمّع أوتاد وأعمدة ... وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت ... فإن تولّت فبالأشرار تنقاد إذا تولّى سراة القوم أمرهم ... نما على ذاك أمر القوم فازدادوا أمارة الغيّ أن تلقى الجميع لدى ال ... إبرام للأمر والأذناب أكتاد حان الرحيل إلى قوم وإن بعدوا ... فيهم صلاح لمرتاد وإرشاد فسوف أجعل بعد الأرض دونكم ... وإن دنت رحم منكم وميلاد إنّ النّجاء إذا ما كنت في نفر ... من أجّة الغيّ إبعاد فإبعاد والخير تزداد منه ما لقيت به ... والشرّ يكفيك منه قلّ ما زاد «496» - قال صالح بن عليّ الهاشميّ: حضرت مجلس المهتدي وهو ينظر في المظالم، فجعلت أنظر إلى المتظلّمين، القويّ والضعيف، والشريف والوضيع، منهم ما تقرأ قصّته عليه حتى تستوفى ثم يأمر بالتوقيع فيها بما يرى، لا يعدل عن الحقّ والإنصاف، وما فيه للمتظلّم المقنع وزيادة؛ فينشأ الكتاب على التوقيع من ساعته، ويحرّر ويعلّم عليه، ويردّ إليه فيختمه، ويدفع إلى صاحبه. فأعجبني ذلك جدّا، ورأيت شيئا حسنا لم أره قبله. وجعلت أنظر إليه، ففطن لذلك ونظر إليّ، ثم صرف بصره عنّي، فنظرت، فنظر، حتى كان ذلك ثلاث مرّات. ثم قال لي: يا صالح، فقمت وقلت: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال: ادن، فدنوت، فقال: في نفسك منّا شيء تحبّ أن تقوله؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اجلس، فجلست في موضعي إلى أن قام عن مجلسه وقال لي: لا تبرح صالح بن عليّ. ودخل فأبطأ عليّ الإذن، ثم أذن لي، فدخلت فوجدته على حصير مصلاه، فدعوت له. فقال: اجلس، فجلست. فقال: يا صالح، تقول ما دار في نفسك أو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 251 أقوله أنا لك؟ قلت: ما رآه أمير المؤمنين. قال: كأني بك وقد استحسنت ما رأيت من أمرنا في العامة فقلت في نفسك: أيّ خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول بمقالة أبيه في القرآن! فورد عليّ أمر جليل بقيت له متحيّرا؛ ثم قلت يا صالح: [وهل] نموت إلّا مرّة واحدة! وهل يحسن الكذب في جدّ أو هزل؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما خرمت حرفا ممّا دار في نفسي. فأطرق ساعة ثم قال لي: يا صالح، اسمع منّي ما أقول لك، فو الله الذي لا إله غيره لتسمعنّ منّي حقّا ما شانه غيره. فقلت: يا سيّدي، ومن أولى بالحقّ منك، وأنت خليفة الله، وابن عمّ رسول الله؟ فقال: ما زلت برهة من خلافة الواثق رضي الله عنه أقول بهذه المقالة حتى أقدم ابن أبي دواد علينا في المحنة شيخا من أهل الشام، ثم من أهل أذنة؛ فأحضره الواثق، فأدخل شيخ جميل تامّ بهيّ، وفي رجليه قيدان ثقيلان؛ فرأينا الواثق كالمستحي منه، الراحم له، فأسندناه حتى قرب منه؛ فسلّم الشيخ فردّ عليه، ودعا فأوجز في الدعاء؛ فقال له الواثق: يا شيخ، ناظر أحمد بن أبي دواد على ما يناظرك عليه؛ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، أحمد يصبو [1] ويضعف عن المناظرة ويقلّ عنها أيضا؛ فغضب الواثق وقال: ويلك! أبو عبد الله يصبو ويضعف ويقلّ عن مناظرة مثلك! واحمرّ وجهه ودارت عيناه؛ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، هوّن عليك، وليسكن ما بك، وائذن في مناظرته تعلم صدق قولي. قال الشيخ: يا أحمد، تسألني أم أسألك؟ قال: سل؛ قال: إلام تدعو الناس وتدعوني؟ قال: إلى أن يقولوا: إنّ القرآن مخلوق. قال الشيخ: ولم يا أحمد؟ قال: لأنّ كلّ شيء دون الله مخلوق. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن هذه المقالة، هي داخلة في عقد الدين، فلا يكمل الدين حتى يقال بها؟   [1] مروج: يقلّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 252 قال: نعم. قال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تحفظ علينا ما يجري، فافعل. قال الواثق: نعم. قال الشيخ: يا أحمد، فأخبرني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمّا بعثه الله إلى خلقه، ستر عليهم شيئا ممّا أمره الله به في دينهم؟ قال: لا. قال: أفأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بهذه المقالة؟ فسكت أحمد. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، هذه واحدة. ثم قال الشيخ: يا أحمد، فدع ذا؛ زعمت أنّ الدين لا يكون كاملا حتى يقال فيه بهذه المقالة. فأخبرني عن الله عزّ وجلّ حين أنزل على رسوله صلّى الله عليه وسلم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة: 3) أكان الله تبارك وتعالى الصادق في كماله، أو أنت الصادق في نقصانه؟ فسكت. فقال الشيخ: يا أحمد، أجب، فسكت. فقال الشيخ: اثنتان يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. وقال الشيخ: ودع ذا؛ أتقول إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم علم مقالتك هذه فلم يطالب الأمّة بها لأنّه اتّسع له الإمساك عنها؟ قال أحمد: نعم. قال: وكذلك أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ بعده؟ قال: نعم. قال: فترك الشيخ ابن أبي دواد وأقبل بوجهه إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين، إن لم يتّسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ممّا زعم ابن أبي دواد أنّه اتّسع لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، فلا وسّع الله عليك. فضحك الواثق ثم قال: نعم لا وسّع الله عليّ إذن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 253 قال: وكان بيد الواثق قلم أو قضيت فلم يزل يفركه حتى كسره، فظننّا أنّ ذلك لغيظه على أحمد. ثم قال: اقطعوا قيد الشيخ، فقطع. فضرب الشيخ بيده إلى القيد فجذبه إليه ومنعه الحدّاد من أخذه، فقال الواثق: دعوا الشيخ يأخذه، فجعله في كمّه، فقال له الواثق: لم أخذته، أحاجة منك إليه؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، لكني عقدت في نيّتي إذا حضرني الموت أن آمر من يتولّى أمري أن يجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به يوم القيامة بين يدي ربي هذا الظالم، وأومأ إلى ابن أبي دواد، وأقول يا ربّ، سل عبدك هذا لم قيّدني وروّع ولدي وأهلي؟ فبكى الواثق بكاء شديدا وبكينا حوله. ثم قال له الواثق: يا شيخ، اجعلني في حلّ وسعة ممّا نالك، فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتك منذ أوّل يوم في حلّ وسعة إكراما لرسول الله عليه السلام إذ كنت رجلا من أهله. فسرّ الواثق بقوله وقال: يا شيخ، فإنّ لي إليك حاجة؛ قال: قل يا أمير المؤمنين؛ قال: تقيم عندنا فينتفع بك أولادنا ومن معنا. فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه أنفع لك من مقامي قبلك رجوعي إلى الثّغر الذي أخرجني منه هذا الظالم. وأخبرك بأوّل منفعة ذلك، وهو أني أكفّ عنك دعاء ولدي وأهلي وإخواني، فإني تركتهم يدعون الله عليك. فقال الواثق: ههنا حاجة أخرى، قال: قل يا أمير المؤمنين، قال: تذكر كلّ ما تحتاج إليه لمؤنتك ونفقتك ونفقة عيالك، فتأخذه ونجعله لك جاريا يقيمه العامل بتلك الناحية. قال: يا أمير المؤمنين، أنا غنيّ عن ذلك، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ» [1] ، ولكن لي أنا حاجة يا أمير المؤمنين، قال: قل ما أحببت؟ قال: تأذن لي الساعة بالمسير؛ قال: قد فعلت، فتزوّد منّا نفقة، قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ما لي إليها حاجة كبرت أم صغرت، ولا يراني الله متغنّما مالك، ثمّره الله وألهمك إنفاقه فيما يقرّبك منه.   [1] الحديث «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرّة سوي» ورد في معظم الصحاح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 254 وخرج الشيخ، ورجعت أنا والله من ذلك اليوم عن هذه المقالة، ولم أشكّ في أنّ أمير المؤمنين الواثق رجع عنها. «497» - أصيب على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل مقتول لا يعلم من قتله، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ثم قال: أيّها الناس، ناشدت الله رجلا قتله إلا أنبأنا بذلك، فقام رجل فقال: أنا قتلته يا أمير المؤمنين. قال: ولم ذلك؟ قال: لأني سمعته على فراش جار لي وهو مع امرأته، وجاري غائب في بعض البعوث، وهو يتغنّى رافعا صوته لا يكني: [من الوافر] وأشعث غرّه الإسلام منّي ... خلوت بعرسه ليل التّمام أبيت على ترائبها ويمسي ... على قبّاء لاحقة الحزام كأنّ مواضع الرّبلات منها ... فئام قد جمعن إلى فئام فقال عمر: اقتل وأنا معك، وقبل قوله وأجاز شهادته. «498» - ابن الرومي: [من الكامل] إنّ الطبيب بطبّه ودوائه ... لا يستطيع دفاع مكروه أتى ما للطبيب يموت بالداء الذي ... قد كان يبرىء مثله فيما مضى هلك المداوى والمداوي والذي ... جلب الدواء وباعه ومن اشترى «499» - قال الرشيد لأعرابيّ رآه يرعى: لم سمّيت الحقّة حقّة؟ قال: لأنها استحقّت أن يحمل عليها من ظهرها وبطنها، قال: أشهد أنّك راع حقّا! 500- قيل: أوّل من عقد الولاية والألوية إبراهيم الخليل عليه السلام. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 255 بلغه أنّ قوما أغاروا على لوط وأهله فسبوه، فعقد لواء جمع به مواليه وعبيده ورعاته وسار حتى استنقذ لوطا وما كان أخذ له. 501- قال أحمد بن عبد الله بن يونس: سمعت الشافعيّ يقول: الأعراب أدهى قوم وأحلاهم كلاما، لقد سمعت منهم رجلا يقول لرجل اصطنع إليه معروفا: آجرك الله من غير أن يبتليك. فحدّثت بذلك الزبيريّ فقال لي: سمعت أنا أعرابيّا يقول لرجل من مياسير البلد: أحبّ أن تنسئني شيئا أستعين به وأعجّل ردّه؛ فقال له الآخر قولا اعتذر فيه، وذكر انقباض يده عن مراده. فقال له الأعرابيّ: لا جعلها الله عذرة صادقة. 502- قال سلمان الفارسيّ: الناس أربعة: أسد، وذئب، وثعلب، وضأن: فأمّا الأسد فالملوك يفترسون. وأما الذئب فالتّجار. وأمّا الثعلب فالقرّاء المخادعون. وأمّا الضأن فالمؤمن ينهشه كلّ من يراه. «503» - قيل لابن عائشة: ما بال قريش ليس شعرها بجيّد؟ قال: لأنّ قريشا لم تخلق للشّعر، إنّما خلقت للقرآن. «504» - شاعر: [من البسيط] استودع العلم قرطاسا وضيّعه ... وبئس مستودع العلم القراطيس «505» - قال يحيى بن سليم: حجّ المنصور، وعامله على مكّة والمدينة حينئذ عمّه عبد الصمد بن عليّ، فأمره أن يدخل عليه رجلا حصيفا من أهل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 256 مكة، فأدخل عليه رجلا، فلم يسلّم عليه بالخلافة، فقال له المنصور: أيّ رجل أنا عندك؟ قال: أنت ما علمت الظالم الخائن المستبدّ بالفيء تأخذه من غير حقّه وتضعه في غير أهله. فاستوى له جالسا وقال: وما علمك أنني ظالم خائن؟ أستقضيت لي فجرت عليك أو على غيرك؟ أو ههنا شيء تدّعي أنّني أخذته منك؟ هذه كتبي في ديواني ومع عمّالي آمرهم بالعدل وإيتاء النّصفة والحقّ، فمن ينكث فإنّما ينكث على نفسه. وهذا عمرو بن عبيد والأعمش وسفيان الثوريّ، أدعوهم إلى عملي فيمتنعون، فأطلب أهل العدالة والأمانة في الظاهر فإذا اختبرتهم وجدتهم خونة فجرة، أفأقدر أن أولّي الملائكة؟ أو ما علمت- لا علّمك الله خيرا- أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم شكا بعض عمّاله والوحي ينزل عليه؟ أو ما علمت أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاطر جماعة من عمّاله أموالهم، منهم سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة؟ وأمّا الفيء الذي زعمت أنّني أستبدّ به وآخذه من غير حلّه، وأضعه في غير أهله، فأخبرني: أمحتاج أنت إليه؟ فإن قلت: نعم، سألنا عمّا ادّعيت، فإن كنت صادقا أعطيناك بقدر ما يكفيك، وكنت الظالم لنفسك إذ لم ترفع إلينا حاجتك، وكان المغيّب عنّا مستورا. وإن كنت كاذبا، فما لك في هذا الفيء نصيب، لأنّ الله تعالى قسمه أقساما لم يجعل فيه لغنيّ حقّا، ولا مثلك يعطى من هذا الفيء وأنت بفناء قبّة امرأتك وحجلتها تتمرّغ على مهادك، وتتثنّى على وسادك، ولا تغزو سبيلا، ولا تجيب أميرا. وبعد، فما يؤمنك أن أبطش بك، فيقول الناس: وعظ أمير المؤمنين فعاقبه؟ فقال له: وددت أنّك عاقبتني. قال: هيهات! إذن كنت تتّخذ عقوبتي سوقا وتقيمها تجارة، وينظر الناس إليك بعين تعظيم وتبجيل؛ لا والله، ولكن أدعك استهانة بأمرك، واستخفافا بموضعك، فتخرج إلى أصحابك فتقصّ عليهم خبري وخبرك، فإن صدّقوك قالوا: استضعفه وهان عليه، وكان عنده ممّن لا حجّة له، وإن كذّبوك ضحكوا منك 17 التذكرة الحمدونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 257 واختبؤوها فيك، وإن كنت عندهم عدلا سقطت شهادتك، وإن كنت مستورا انكشفت لهم عورتك، اخرج أخرج الله نفسك. ثم قال لعبد الصمد: أمرتك أن تدخل عليّ رجلا حصيفا، أتدخل عليّ مثل هذا؟ اخرج فجئني بغيره. فخرج، فأدخل عليه عبّاد بن كثير، فسلّم عليه بالخلافة، فقال له المنصور: أيّ رجل أنا عندك؟ قال: أنت ما علمت ممّن قضى في إمارته بالعدل، وأمنت به السّبل وأمن به الخائف. فسرّ بذلك، فقال: اختر إمّا جائزتنا فنعطيك، وإمّا ولا يتنا فنولّيك. قال: يا أمير المؤمنين، إنّ القرب منك العزّ العزيز والبهاء المنيع، وإنّ العمل لك ليزيد في عقل الأريب، ويلقّح اللبيب، ويكسب الثروة، غير أنّي شيخ كبير لم أل عملا قطّ، وإن يصلني أمير المؤمنين بشيء أقبله وأجعله من طيّب ما آكله. فأمر له بثلاثمائة دينار وكسوة. فأخذها وقال: لي حاجة خفيفة، فإن أذنت لي ذكرتها، قال: قد أذنت. قال: إن خطرت ببال أمير المؤمنين وذكره، فرأى أن يمدّ يده المباركة إليّ فعل. فتبسّم المنصور وقال: نفعل. ثم التفت إلى عبد الصمد فقال له: مثل هذا الشيطان يصلح لمخاطبة الملوك، لا مثل ذلك الأحمق، وكان لا يذكره إلا وجّه إليه بمال وكسوة إلى أن مات عبّاد. 506- قال سلمة بن محارب: لربما كان الخرس خيرا من الكلام. قيل: كيف ذاك؟ قال: أخبرني أبي قال: كنت مع مسلمة بن عبد الملك لما قتل يزيد بن المهلّب وأتي بالأسرى منهم، فرأيت فيهم مولى لنا، فسألت الشرط تأخيره. فأتي مسلمة بالأسرى، فجعل يعفو عنهم. فناداه مولانا من آخر الناس: أصلح الله الأمير، أنا مولاك، قال: مولاي لا يخرج عليّ مع ابن المهلّب، اضربوا عنقه؛ فقتل. 507- يقال: العلم أحد اللّسانين، والعمّ أحد الأبوين، والتثبّت أحد العفوين، والمطل أحد المنعين، وقلّة العيال أحد اليسارين، والقناعة أحد الرزقين والوعيد أحد الضّربين، والإصلاح أحد الكسبين، والراوية أحد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 258 الهاجيين، والهجر أحد الفراقين، واليأس أحد النجحين، والمزاح أحد السّبابين. «508» - قال ابن عبد الأعلى الكاتب: كنت بحضرة أبي الحسن ابن الفرات في وزارته الأولى وهو جالس يعمل، إذ رفع رأسه وترك العمل من يده وقال: أريد رجلا لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، يطيعني حقّ الطاعة، فأنفذه في مهمّ لي، فإذا بلغ ما أرسمه له أحسنت إليه إحسانا يظهر عليه وأغنيته. فأمسك من حضر، ووثب رجل يكنى بأبي منصور أخ لابن شبيب حاجب ابن الفرات، فقال: أنا أيها الوزير. فقال: أو تفعل، قال: أفعل وأزيد. قال: كم ترتزق؟ قال: أرتزق مائة وعشرين دينارا؛ قال: وقّعوا له بالضعف. وقال له: سل حوائجك. فسأله أشياء أجابه إليها. فلما فرغ من ذلك قال له: خذ توقيعي وامض إلى ديوان الخراج وأوصله إلى كاتبي الجماعة، وطالبهما بإخراج ما على محمد بن جعفر بن الحجاج، وطالبه بأداء المال، وأتلفه إلى أن تستخرج جميعه منه؛ ولا تسمع منه حجة، ولا تمهله البتّة. فأخذ من رجّالة الباب بعد أن خرج ثلاثين رجلا، فخرجت لأنظر ما يصنع. فدخل إلى الصقر بن محمد وكان هو وعبد الله بن محمد الكلوذاني شركة في الديوان. فأوقع إليه التوقيع وقال له: أخرج ما على ابن الحجاج، فقال: عليه من باب واحد ألف الف درهم، فطالبه بذلك إلى أن نفرغ من العمل لسائر ما يلزمه. وكان محمد بن جعفر من عمّال علي ابن عيسى. قال: فأحضر ابن الحجاج وشتمه وافترى عليه، وابن الحجاج يستعطفه ويخضع له. ثم أمر بتجريده وإيقاع المكروه به، وهو في ذلك كله يقول: يكفي، الله! ثم أمر أبو منصور بنصب دقل وجعل في بكرة في رأسه حبلا وشدّت فيه يدا ابن الحجاج ورفع إلى أعلى الدقل، وهو يستغيث ويقول: يكفي، الله! وما زال معلقا وهو يسأله حطّه وإنظاره إلى أن يوافق الكتّاب على ما أخرج عليه، وهو لا يسمع، وقد قعد تحت الدقل واختلط وغضب من غير غضب، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 259 اعتمادا لأن يبلغ ابن الفرات فعله. فلما ضجر قال: أرسلوا ابن الفاعلة- وعنده أنهم يتوقّفون ولا يفعلون- فأرسلوه ووافى ابن الحجاج إلى الأرض، وكان بدينا ثقيلا سمينا، ووقع على عنق أبي منصور فدقّها، فخرّ على وجهه؛ ووقع ابن الحجاج مغشيّا عليه، فحمل أبو منصور إلى منزله في محمل فمات في الطريق. وردّ ابن الحجاج إلى محبسه، وقد تخلّص من التلف. وكان الناس يتعجبون من قول ابن الفرات: أريد رجلا لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر يطيعني: أما الطائع له فقد تعجّل الجزاء لوقته، وأما ابن الفرات فأمهل، وكان عاقبة أمره قتله وقتل ولده، واستئصال بيته؛ وما أعدّ الله للظالمين أشدّ وأبقى. «509» - لما ضرب عليّ- عليه السلام- وأوصى، لحقته غشية، فلما أفاق من غشيته دعا أمامة بنت أبي العاص زوجته- وأمّها زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم- فقال لها: يا أمامة قد أصابني من أمر الله تعالى ما ترين، وكأني بك لو قد حللت قد تزوجت معاوية. فقالت: معاذ الله! إن شئت والله يا أمير المؤمنين حرّمت الرجال على نفسي أبدا. فقال: لا أحبّ ذاك، ولكن أحبّ أن لا تتزوّجي معاوية، وأن تستشيري في أمرك المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وإن خطبك أرى أن تتزوجيه. فقالت: ذاك لك. فلما قبض عليه السلام، وسارت إلى المدينة وقام معاوية، كتب إلى مروان بن الحكم، وكان على المدينة، يأمره أن يخطب أمامة عليه ويعطيها ما أحبّت. فبعث إليها مروان بذلك، فقالت: ما حللت بعد. فأمسك مروان ينتظر حلّها. فلما حلّت بعثت إلى المغيرة بن نوفل تستشيره في ذلك، فقال المغيرة: وما يدخلني في هذا الأمر؟ أمير المؤمنين رجل من بني عبد شمس وأنا رجل من بني هاشم، فما يدخلني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 260 بينكم وقد ضربت وجه معاوية أمس بسيفي؟ ثم ما عرض لي بشيء يخالفني. فأرسلت إليه: إني والله ما ضاق عليّ من أستشيره، ولكن أمير المؤمنين رضي الله عنه أمرني أن أستشيرك، وأمرني إن خطبتنى أن أتزوجك. فأرسل إليها: إني أعيذك بالله أن تستخلفي معاوية بعد عليّ، وأنا أخطبك أشدّ الخطبة. فأرسلت إليه: إن أمري إليك، وأشهدت له على ذلك، فتزوجها. وبلغ الأمر مروان فغضب، وأرسل إلى المغيرة فحبسه في بيت وطيّن عليه، وأمر أن يدخل إليه طعامه وشرابه من كوّة؛ وفعل مثل ذلك بأمامة؛ وكتب إلى معاوية يخبره الخبر وأنّ المغيرة لم يرض أن ضربك بسيفه فكففت عنه حتى خطب بعد خطبتك بغير إذن ولا سلطان، وإنما حمله على ذلك معرفته بوهنك وضعفك عن عدوّك، فإما صلت به صولة تجعله نكالا لعدوك أو جعلت ذلك إليّ. فكتب إليه معاوية كتابا وبعث به رسولا وأمره أن لا يفضّه حتى يخرج المغيرة بن نوفل وأمامة من محبسهما، وأمر مروان أن يحضرهما عنده ويحضر عشرين رجلا من قريش وعشرة من الأنصار من خيار من قبله، ثم يأمر الرسول أن يقرأ عليهم الكتاب، ثم ينفّذ ما فيه ولا يتعدّاه إلى غيره. ففعل مروان، فلما اجتمعوا قام رسول معاوية، ففضّ الكتاب وإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى مروان بن الحكم: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد بلغني ما كتبت به عن [1] المغيرة بن نوفل وما عملته؛ فقد نظرت فيما كتبت فلم يبلغ معاوية أن يحرّم ما أحلّ الله، ولا يحلّ ما حرّم الله؛ ورجل من بني هاشم أفضل من امرأة من بني عبد شمس؛ وأما ما ذكرته من نكاحه بغير وليّ ولا سلطان، فأي وليّ يقدم على تزويجه إياها بعد خطبة أمير المؤمنين؟ ولم   [1] في الأصل: إلى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 261 تصب ولم توفّق في حبسك إياهما، وترويعك لهما؛ فإذا جاءك كتابي فخلّ بينه وبين امرأته، ولا تعارضهما؛ فبارك الله لكلّ منهما في صاحبه، وادفع إلى المغيرة عشرة آلاف دينار من مال أمير المؤمنين يستعين بها على نكاحه، وإلى أمامة خمسة آلاف دينار، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. 510- قال عبد الله بن شبرمة القاضي: دخلت على أبي مسلم وفي حجره مصحف، وبين يديه سيف، فقال لي: أنت ابن شبرمة؟ قلت: نعم أصلحك الله؛ فقال: ما هو إلا الملك أو الترهّب، قلت: ما هو إلا الهلاك أو الرحمة. ودخل عليه وهو يريد المسير إلى قتال عبد الله بن علي عند خروجه على المنصور، فقال له: يا ابن شبرمة، ما يقول الناس في مسيرنا هذا؟ قال: يقولون: الأمر عظيم يشير إلى عمّ الخليفة مع نجدته وشهامته، ومعه جلّة أهل الشام، وكثير من أهل خراسان. قال: أفرخ روعك يا ابن شبرمة! والله لو سرت إليهم وفي أيدي أصحابي القصب لهزمتهم، وما أقول هذا بعلم غيب عندي أدّعيه لنفسي، ولكن رأيت الله عذّب أهل العراق بسيف أهل الشام نيّفا وثمانين سنة، ثم أراد أن ينتقم بهم منهم، أفما تكون نقمته إلّا مقدار هذه المدّة؟ «511» - دخل صالح بن عبد الجليل- وكان ناسكا مفوّها- على المهديّ، وسأله أن يأذن له في الكلام. فقال: تكّلم، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه لمّا سهل لنا ما توعّر على غيرنا من الوصول إليك، قمنا مقام المؤدّي عنهم وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما في أعناقنا من فريضة الأمر والنّهي لانقطاع عذر الكتمان في التقيّة، لا سيّما حين اتّسمت بميسم التواضع، ووعدت الله وحملة كتابه إيثار الحقّ على ما سواه. فجمعنا وإيّاك مشهد من مشاهد التمحيص ليتمّ مؤدّينا على موعود الأداء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 262 عنهم؛ وقد كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقولون: من حجب الله عنه العلم، عذّبه على الجهل، وأشدّ منه عذابا من أقبل إليه العلم فأدبر عنه، ومن أهدى [الله] إليه العلم فلم يعمل به، فقد رغب عن هدى الله؛ فاقبل ما هدى الله إليك من ألسنتنا قبول تحقيق وعمل، لا قبول سمعة ورياء، فإنه لا يخلفك منّا إعلام بما تجهل، أو مواطأة على فضل، فقد وطّن الله جلّ اسمه نبيّه على نزولها، تعزية عمّا فات، وتحصينا من التمادي، ودلالة على المخرج فقال وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ* (الأعراف: 200) فأطلع [الله] على قلبك بما يلوح به الحقّ الذي ينافي الهوى، فإنّك إن لم تفعل، لم تر لله أثرة عليك. فبكى المهديّ حتى همّ من كان على رأسه بضرب صالح، وحتى ظنّوا أنه يموت. فقال: يا صالح، لو وجدت رجالا يعملون بما آمرهم في رعيّتي، لظننت بأنني ألقى الله تعالى وأمر أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم أقلّ ذنوبي وأهون حسابي، ولكن دلّني على وجه النجاة، فإن لم أعمل به، كنت أنا الجاني على نفسي. قال له صالح: أنت يا أمير المؤمنين أعلم بموضع النجاة. قال: ما كنت أنت بعظتي أولى مني بعظتك لي، وما هو إلا أن أركب سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا يصلح عليها أحد من أهل هذا العصر؛ وذاك أنّ الناس في الزمن الماضي كان يرضى أحدهم بالطّمر البالي، وتقنعه الكسرة اليابسة والماء القراح، وهم اليوم في تضاعيف الخزّ والوشي، ومائدة أحدهم مثل الغنيّ ذي العيال في زمن عمر، فإلى من أكلهم؟ إلى ولد أبي طالب، فو الله ما أرى للمسلمين راحة فيهم ولا فرجا عندهم، ولو أنّني حملت الناس على سيرة العمرين في هذا العصر لكنت أول مقتول، وذلك أنّ الفطام عن هذا الحطام شديد لا يصبر عليه إلا المبرّز السابق. يا صالح، لقد بلغني أنّ لسعيد بن سلم ألف سراويل، ولحازم ألف جبّة، ولعمارة بن حمزة ألف دوّاج، وهذا أقلّ ملكهم؛ فما ظنّك بي وهم عددي وسهام كنانتي، ومن أشبههم كمعن بن زائدة وعبد الله بن مالك، فلو حملتهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 263 على التقشّف وأخذت أموالهم هل كانت نفس أبغض إليهم من نفسي، أو حياة أثقل عليهم من حياتي؟ فأطرق صالح مفكرا، ثم رفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين، إنّه ليقع في خلدي أنّك قبلت قولي قبول تحقيق لا قبول سمعة ورياء. فقال المهديّ: الله شهيد على ذلك. فقام صالح فدنا من المهديّ، فقبّل رأسه وقال: أعانك الله يا أمير المؤمنين على صالح نيّتك، وأعطاك أفضل ما تأمله في رعيّتك، ووهب لك أعوانا بررة صالحين يعملون بما يجب عليهم فيك، ثم خرج. «512» - لمّا أبعد أبو الفتح بن العميد أبا القاسم بن عباد الصاحب عن خدمة مؤيّد الدولة بن ركن الدولة بن بويه، وتولّى الأمور، تداخله في بعض الليالي عجب وسرور بما هو فيه، فاستدعى ندماءه وهيّء له مجلس عظيم بآلات الذهب والفضّة وفاخر البلّور والمخروط الصيني والطّيب والفواكه، وحضر المغنّون والملهون فشرب آخر يومه وأكثر ليلته، وعمل شعرا أنشده ندماءه وألقاه على المغنّين حتى غنّوا فيه، وهو: [من المتقارب] دعوت المنى ودعوت الغنى [1] ... فلما أجابا دعوت القدح وقلت لأيّام شرخ الشباب ... إليّ فهذا أوان المرح إذا المرء أدرك آماله ... فليس له بعدها مقترح فغنّي بالشعر واستطابه، وشرب عليه إلى أن سكر، ثم قال لغلمانه: غطّوا المجلس ولا تنقضوا شيئا منه لأصطبح عليه في غد. وقال لندمائه: باكروني ولا تتأخّروا، وقام إلى بيت منامه. ووافق ذلك استدعاء مؤيّد الدولة إيّاه في السّحر، فلم يشكّ أنّه لمهمّ من خدمته، فبادر، فلما دخل دار الأمير قبض عليه، وأنفذ   [1] معجم الأدباء: العلا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 264 إلى داره من أخذ جميع ما وجد له، ولم يزل في الاعتقال إلى أن مات تحت العذاب. «513» - قال أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلويّ: كان المتنبي وهو صبيّ ينزل في جوارنا بالكوفة، وكان أبوه يعرف بعيدان السّقّاء، يستقي على جمل له ولأهل المحلّة. ونشأ له المتنبي، فكان يتبع أهل العلم والأدب ويلازم الورّاقين، وكان ذكيّا حسن الذكاء. فقال لي ورّاق كان يجلس إليه: ما رأيت قطّ أحفظ من هذا الغلام ابن عيدان؛ فقلت له: كيف ذاك؟ قال: كان جالسا عندي اليوم، وقد أحضر رجل كتابا من كتب الأصمعيّ ليبيعه يكون نحو ثلاثين ورقة، فأخذه فنظر فيه طويلا، فقال له الرجل: أريد بيع هذا الدفتر، وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شهر؛ فقال له ابن عيدان: فإن كان قد حفظته في هذه المدّة فما لي عليك؟ قال: إن كنت حفظته فهو لك؛ فأخذت الدفتر من يده، وأخذ يتلوه إلى آخره، ثم استلبه من يدي فجعله في كمّه، وقام. فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن، فقال: ما إلى ذلك سبيل، قد وهبته لي، فمنعناه منه وقلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا. 514- استدعى المتوكّل من البصرة محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأمويّ، وأحمد بن المعذّل بن غيلان العبديّ، وإبراهيم التيميّ، فعرض على كلّ واحد منهم ولاية القضاء بالبصرة، فاحتجّ ابن أبي الشوارب بعلوّ السنّ وأمور تقطعه عن ذلك؛ واحتج أحمد بن المعذّل بضعف البصر؛ وامتنع إبراهيم التيميّ، فقيل له: لم يبق غيرك، وجزم عليه، فولي. فنزلت حاله عند أهل العلم، وعلت حال الآخرين. ويرى الناس أنّ بركة امتناع محمد بن عبد الملك دخلت على ولده، فولي منهم أربعة وعشرون قاضيا منهم ثمانية قلّدوا قضاء القضاة، وكان آخرهم أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن العباس بن محمد بن عبد الملك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 265 ابن أبي الشوارب، تقلّد قضاء القضاة للقادر في رجب سنة خمس وأربعمائة، وتوفي في شوال سنة سبع عشرة وأربعمائة، ومولده في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. 515- حدّث ابن أبي الخير العبسيّ قال: كنّا مع أبي جعفر المنصور أيّام خرج عليه عمّه عبد الله بن عليّ وهو يحاربه، فخرج علينا أبو الخصيب- وهو إذ ذاك حاجب المنصور- فأدخل جماعة من أصحابه وأنا فيهم، وفينا ابن عطية الثعلبيّ، وكان معروفا بالشجاعة، فتقدّم إلى المنصور، فقال له: يا ابن عطية، قد عرفت بلاء أمير المؤمنين عندك وإحسانه إليك. ثم جفاك أمير المؤمنين جفوة، وأراد أن يعرض عن تلك الجفوة ويستقبل بك الكرامة، فسر في هذا الوجه، فرأي أمير المؤمنين فيك جميل، وادع من أطاعك من قومك، وخذل عن الفاسق من قبل منك، وليأت أمير المؤمنين عنك غناء يأتك منه جزاء. فقال ابن عطية في نفسه: هذا يوم شرفي وهذه مرتبتي، وقد عرفت أنّه لا يستغني عن مثلي، فقال: حوائجي يا أمير المؤمنين، قال: هات حوائجك؛ قال: تبلغ بعطائي الشرف، قال: اكتب يا سليمان، يعني أبا أيوب الموريانيّ، فكتب؛ قال: ويفرض لولدي في شرف العطاء، قال: وماذا؟ قال: ويقضى ديني، قال: وماذا؟ قال: وقطيعة عيالي، قال: نعم، فلما ولّى قال: يا سليمان أنفذ لهذا الأعرابيّ جميع ما سأل، ولا يكون ممّن يستعان به في هذا الوجه، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، لو أنّ عبد الله بن عليّ قائم على رأسي بالسيف لا ينجّيني منه إلا هذا الأعرابي، ما استعنت به بعد هذا التسحّب في حوائجه. «516» - حجّ الرشيد في بعض السنين فمرّ بالرّبذة وعديله الفضل بن الربيع في ليلة طخياء مقمرة، فتقدّما الناس يتحدّثان، وعلى الخيل هرثمة بن أعين، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 266 وقد أمره الرشيد أن يتأخّر عنهما قليلا. فبينما هما يتحدّثان إذ مرّا بأعرابيين يتحدّثان فيما يقضيه الله ويقدّره وما سبق من حكمه في خلقه، ثم ضرب أحدهما بيده على منكب الآخر وقال له: اسمع: [من الرجز] يا أيّها المشعر همّا لا تهمّ ... إنّك إن يقدر لك الحمّى تحم ولو علوت سامقا من العلم ... ممتنعا لم يعله الطير أشمّ كيف توقّيك وقد جفّ القلم ... وخطّ أيّام الصحاح والسّقم فقال الرشيد: ويحك يا عباسيّ! لقد أحسن الأعرابيّ. فقال له الفضل: أعد ما قلت. فتأمّلهما ساعة ثم قال: أمّا بقولك فلا، ولكن إن قال ذاك أعد، أعدت، وأشار إلى الرشيد. فقال الرشيد: كيف تعيد بقولي ولا تعيد بقوله؟ فقال الأعرابي: أما سمعت قول الشاعر: [من الطويل] متى ما رأى الناس العتيق ومقرفا ... وقد جريا قالوا عتيق ومقرف فضحك الرشيد واستوقفهما، وقرب الجند وهرثمة، فقال الرشيد لهرثمة: أمعك شيء؟ قال: نعم، قال: كم هو؟ قال: أربعمائة دينار، قال: أعطها الأعرابيّ، فقال رفيقه: يا سيّدي، أما سمعت قول الشاعر: [من الوافر] وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس فقال: وأعط هذا مائتي دينار. «517» - قال إبراهيم بن غسان: خرجنا يوما مع عبد الله بن طاهر إلى الميدان، فاعترضته امرأة برزة، فقالت له: أيّها الأمير، كادّي وكاسبي وواحدي من الدنيا ابن لي في حبس الأمير منذ أربع سنين، فإن رأى الأمير أن يمنّ به على ضعفي، فعل. قال لها: ومن ابنك؟ قالت: إبراهيم بن الحكم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 267 البخاريّ؛ قال لها: هيهات! ما ترينه إلا على سريره، وضرب دابّته. فقالت بالفارسية: فأين الله؟ فسمعها فقال: يا إبراهيم، ما قالت العجوز؟ قلت: ما أدري أيّها الأمير. قال: ولكني أدري، أحضروها؛ فأحضرت بين يديه وإنّ فرائصها لترعد حتى أوقفت بين يديه. فقال: كيف قلت؟ قالت: ما قلت شيئا، قال: بلى، قولي وليس عليك بأس. قالت: قلت فأين الله؟ قال: صدقت والله، عليّ بابنها. قال: فكأني أنظر إليه وقد جيء به على أعناق الرجال مكبّلا في الحديد. فقال: أطلقوا عنه. فأطلق! وقال لها: خذيه. ثم التفت إلى الشّعرانيّ فقال: انظر كم لزمها من النفقة منذ حبس ابنها فأضعفه لها، وأعطها ما تتحّمل به إلى بخاري. «518» - قال مجاهد، قال عمر بن عبد العزيز: ماذا يقول الناس يا مجاهد؟ قلت: يقولون هو مسحور، قال: ما أنا بمسحور، ولكني سقيت السّمّ؛ ثم دعا غلامه، فقال: أعطيت ألف دينار على أن أسقيك السّمّ وأعتق. قال: اذهب لا يراك أحد، والألف اجعلها في بيت المال. وكان لعمر مناد ينادي كلّ يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ وكان يبكي حتى يبلّ لحيته ويقول: يا ربّ، ما جعلني أحقّ هذه الأمة بهذا الأمر؟ 519- قال محمود بن الحسن الورّاق: دخلت على أصرم بن حميد، وكان لي صديقا. فلما أردت الانصراف من عنده قام لي وودّعني، فقلت: وأين تقصد؟ قال: أريد الحجّ، فودّعته وانصّرفت. ثم اجتزت ببابه بعد أيّام، فرأيت عليه دوابّ، وخبّرت أنّه حاضر، فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: ألم تخبرني أنّك حاجّ؟ قال: بلى، ولكني فكّرت وقلت: أموت في الطريق ضيعة، ويتولّاني غلماني، ويصلّي عليّ الأعراب؛ فقلت له: ألا أنشدك أبياتا حضرتني وقتي هذا؟ فأنشدته: [من الوافر] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 268 أقام عن المسير وقد أثيرت ... ركائبه وغرّد حادياها وقال: أخاف عاقبة الليالي ... على نفسي، وأن تلقى رداها فقلت له: عزمت عليك إلا ... بلغت من العزيمة منتهاها فمن كتبت منيّته بأرض ... فليس يموت في أرض سواها فقال: يا غلماني، جهّزوني، ثم حجّ ورجع معافى. «520» - قال معاوية لابنه يزيد: هل بقي في نفسك من النساء شيء؟ قال نعم، هند بنت سهيل بن عمرو، وكانت يومئذ عند عبد الله بن عامر. فكتب معاوية إلى عبد الله: إنّك إن طلّقتها زوّجتك بنتي هندا. قال: فطلّقها ابن عامر، فقدمت المدينة، فأرسل معاوية بأبي هريرة يخطبها على يزيد ابنه ويتلطّف لها في ذلك. قال: فلقيه الحسن فقال: لأمر ما قدمت له يا أبا هريرة، لا وقت حجّ ولا غيره! قال: بعثني معاوية أخطب هندا بنت سهيل بن عمرو على ابنه يزيد. قال: فإذا ذكرت يزيد فاذكرني لها بعده. قال: فدخل عليها أبو هريرة فأبلغها عن الحسن بن عليّ. فقالت: ما ترى لي يا أبا هريرة؟ قال: أرى أن تتزوّجي الحسن، وإن استطعت أن تضعي فاك حيث رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضع فاه، فافعلي، فتزوّجت الحسن. فمكثت عنده، ثم قدم ابن عامر المدينة، فاستأذن الحسن بن عليّ في الدخول عليها وقال: إنّ لي عندها ودائع؛ فأذن له، فدخل عليها فكلّمها، فدمعت عينه وعيناها! فقال له الحسن: إن شئتما كنت لكما خير محلّل؛ قال ابن عامر: لا والله، ما لذاك بكائي. وطلبت إلى ابن عامر أن يدع ابنته منها عندها. وكلّمه الحسن فأجابه، وقال: والله لو غيرك يا أبا محمد من الناس كلّمني ما فعلت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 269 «521» - حدّث الأصمعيّ عن وصيف حاجب المهدي قال: كنا مع المهدي بزبالة وقد خرج حاجّا، فإذا أعرابيّ يقول: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، إني عاشق، (قال الأصمعي: وكان يحبّ ذكر العشّاق) . فدعا بالأعرابي فلما دخل عليه قال: أنت المنادي بالعشق؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو ميّاس، قال: يا أبا مياس، من عشيقتك؟ قال: ابنة عمّي، وقد أبى أبوها أن يزوّجها مني. قال: لعله أكثر منك مالا، قال: لا بل أنا أكثر منه مالا. قال: فما قصّتك؟ قال: فقال له الأعرابي: أدن رأسك مني. قال: فجعل المهدي يضحك وأصغى إليه برأسه، فقال: إني هجين، قال: فليس يضرّك ذلك، إخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجين؛ قال ما أقلّ منفعة هذا لي إذا، فإنّ عمّي لا يزوّجني. قال: وأين عمك؟ قال: منا على ثلاثة أميال. قال: فأرسل الخيل في طلبه، فجاءوا به. قال: ما لك لا تزّوج أبا مياس فإني أرى عليه نعمة؟ قال: متاع سوء، وليس منا زوّج مثله. قال: فإن الذي كرهت ليس بعيب عندنا، وأنا معط صداق ابنتك عشرة آلاف، ومعوّضك ممّا كرهت عشرة آلاف. قال: فذلك لك. فخرج أبو ميّاس، وهو يقول: [من الكامل] ابتعت ظبية بالغلاء وإنّما ... يعطي الغلاء بمثلها أمثالي وتركت أسواق القباح لأهلها ... إن القباح وإن رخصن غوالي «522» - قال أبو عثمان سعيد بن محمد: وجّهني المنتصر في إمارته إلى مصر في بعض أمور السلطان، فعشقت جارية كانت لبعض النّخّاسين عرضت على البيع، محسنة في الصّنعة ومقبولة في الخلقة، قائمة على الوزن من المحاسن والكمال. فساومت مولاها بها، فأبى أن يبيعني إلا بألف دينار؛ ولم يكن ثمنها متهيّئا معي، وأزعجني الشخوص، وقد علقها قلبي. فأخذني المقيم المقعد، وندمت على ما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 270 فاتني من اشترائها. فلما قدمت وقد فرغت ممّا وجّهني له، وأدّيت إليه ما عملت به وحمد أثري فيه، سألني عن حالي وخبري، فأخبرته بمكان الجارية وكلفي بها. فأعرض عني وجعل ما بي لا يزداد إلا حدّة، وقلبي لا يزداد إلا كلفا، وصبري لا يزيد إلا ضعفا، [وسليت] نفسي بغيرها فلم تسل عنها. وجعل المنتصر كلّما دخلت عليه وخرجت من عنده يذكرها، ويهيّج شوقي إليها، وتحمّلت عليه بندمائه وأهل الأنس به، وخاصّ من تحظى من جواريه وأمهات أولاده، وأمّ الخليفة، على أن يشتريها لي، ولا يجيبني إلى ذلك، ويعيرّني بقلّة الصبر. وكان قد أمر أحمد بن الخصيب أن يكتب إلى مصر في ابتياعها وحملها إليه من حيث لا أعلم، فحملت وصارت إليه، ونظر إليها وسمع منها، فعذرني فيها، ودفعها إلى قيّمة جواريه، فأصلحت من شأنها. فلما كان يوم من الأيام استجلسني وأمر بها أن تخرج إلى ستارته، فلما سمعت غناءها عرفتها، وكرهت أن أعلمه أني قد عرفتها حتى ظهر مني ما قد كتمت، وغلبت على صبري. فقال لي: ما لك يا سعيد؟ قلت: خيرا أيها الأمير! قال: فاقترح عليها صوتا كنت أعلمته أني سمعته منها وأني استحسنته من غنائها، فغنّته، فقال لي: هل تعرف هذا الصوت؟ قلت: إي والله أيها الأمير! وكما تكون المعرفة، وقد كنت أطمع في صاحبته، فأما الآن فقد يئست منها، وكنت كالقاتل نفسه بيده، والجالب الحتف إلى حياته. فقال: والله يا سعيد ما اشتريتها إلا لك، ويعلم الله أني ما رأيت لها وجها إلا ساعة أدخلت إليّ وقد استراحت من تعب السفر واستراحت من شحوب التّبذّل، فهي لك. فدعوت له بما أمكنني من الدعاء، وشكره عني من حضره من الجلساء؛ وأمر بها فهيّئت، فردّت إليّ حياتي بعد أن أشرفت على الهلكة. «523» - حدّث محمد بن صالح العلويّ قال: حدثني نمير بن قحيف الجزء: 9 ¦ الصفحة: 271 الهلاليّ وكان حسن الوجه نجيبا، قلّما رأيت في الفتيان مثله، قال: كان منّا فتى يقال له بشر بن عبد الله يعرف بالأشتر، وكان سيّد فتيان بني هلال، أحسنهم وجها، وأسخاهم نفسا، وأطولهم لمّة، وكان معجبا بجارية من قومه يقال لها: جيداء، وكانت بارعة الجمال جدّا. فلما شهر أمره وأمرها، وظهر خبره وخبرها، وقع الشرّ بين أهل بيته وأهل بيتها في سببها حتى قتلوا بينهم القتلى، وقطّعت بينهم الأيدي والأرجل، وافترقوا فريقين لا يحل واحد منهما مع الآخر. قال نمير: فلما طال على الأشتر البلاء والهجر جاءني يوما، فقال: يا نمير، [هل] فيك خير؟ [قلت] : عندي كلّ ما أحببت. قال: أسعدني على زيارة جيداء، قلت: نعم بالحب والكرامة، فانهض إذا شئت. قال: فركب وركبت معه، فسرنا يومنا وليلتنا والغد، حتى كان أصيل العشيّ، ثم نظر إلى أدنى سرب أهلها، فأنخنا رواحلنا في شعب خفيّ، وقعد عندها وقال: يا نمير اذهب- رضي الله عنك- فتأنّس للناس واذكر لمن لقيك أنك طالب ضالة، ولا تعرّض بذكري بين شفة ولا لسان إلا أن تلقى جاريتها فلانة راعية ضأنهم فتقرؤها السلام وتسألها الخبر وتعلمها بمكاني. قال: فخرجت لا أعدو ما أمرني حتى لقيت الجارية، فأبلغتها الرسالة وأعلمتها مكانه، وسألتها عن الخبر، فقالت: هي والله مشدّد عليها محتفظ بها، وعلى ذاك فموعد كما أولئك الشجرات اللواتي عند أعقاب البيوت مع صلاة العشاء. قال: فانصرفت إلى صاحبي فأخبرته الخبر، ثم نهضت أنا وهو نقود راحلتينا حتى أتينا الموعد في الوقت الذي وعدتنا فيه. فلم نلبث إلا قليلا إذا جيداء تمشي حتى دنت منا فوثب الأشتر فصافحها وسلّم عليها. فوثبت مولّيا عنهما، فقالا: نقسم عليك إلا رجعت! فو الله ما بيننا ريبة ولا قبيح نخلو به دونك، فانصرفت راجعا إليهما حتى جلست معهما. فقال لها الأشتر: أما فيك حيلة يا جيداء فنتعلّل الليلة؟ قالت: لا والله ما لي إلى ذلك سبيل إلا أن أرجع إلى الذي تعلم من البلاء والشرّ. فقال لها: لا بد من ذاك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 272 وإن وقعت السماء على الأرض. قالت: فهل في صاحبك هذا خير؟ قالت: يا فتى هل فيك خير؟ قلت: سلي ما بدا لك فإني منته إلى رأيك ولو كان في ذلك ذهاب نفسي. قال: فجعلت عليّ ثيابها فلبستها وجعلت عليها ثيابي فلبستها، ثم قالت لي: اذهب إلى بيتي وادخل في ستري، فإن زوجي سيأتيك مع العتمة فيطلب منك القدح ليحلب فيه الإبل فلا تعطه إياه من يدك، فكذاك كنت أفعل به، فسيذهب فيحلب ثم يأتيك عند [فراغه من] الحلب [والقدح] ملآن لبنا، فيقول: هاك غبوقك؛ فلا تأخذه منه حتى تطيل نكدك عليه ثم خذه أو دعه حتى يضعه؛ ثم لست تراه حتى تصبح إن شاء الله. قال: فذهبت ففعلت كما أمرتني، حتى إذا جاء بالقدح فيه اللبن أمرني أن آخذه فلم آخذه حتى أطلت نكدي عليه، ثم أهويت آخذه وأهوى يضعه، فاختلفت يدي ويده فانكفأ القدح واندفق ما فيه من اللّبن، فقال: إن هذا لطماح مفرط وضرب بيده إلى مقدّم البيت فاستخرج سوطا ملويّا كمثل الثعبان المطوّق؛ ثم دخل عليّ فهتك السّتر عني وقبض بشعري، وضربني بذلك السّوط ثلاثين إن زادت فقليلا وإن نقصت فقليلا، ثم جاءت أمّه وإخوته وأخت له فانتزعوني من يده؛ ولا والله ما فعلوا ذلك حتى زايلتني روحي، وهممت أن أجأه بالسكين، وإن كان فيها الموت؛ فلما خرجوا عني وهو معهم شددت ستري وقعدت كما كنت، فلم ألبث إلا قليلا وإذا أمّ جيداء قد دخلت عليّ، فكلمتني وهي تحسبني بنتها، فاتّقيتها بالسّكات والبكاء، وتغطيت بثوبي دونها فقالت: يا بنية! اتقي الله ربّك ولا تعرّضي للمكروه من زوجك فذاك أولى بك، فأما الأشتر فلك [1] آخر الدهر. ثم خرجت من عندي وقالت: سأرسل إليك أختك تؤنسك وتبيت الليلة   [1] مصارع العشاق: فلا أشتر لك. 18 التذكرة الحمدونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 273 عندك. فلبثت غير ما كثير ثم إذا جارية قد جاءتني وجعلت تبكي وتدعو على من ضربني، وجعلت لا أكلّمها. ثم اضطجعت إلى جنبي فلما استمكنت منها شددت يدي على فمها وقلت: يا هذه تلك أختك مع الأشتر، وقد قطع ظهري الليلة بسببها، وأنت أولى بالسّتر عليها، فاختاري لنفسك ولها، فو الله لئن تكلّمت بكلمة لأصيحنّ بجهدي حتى تكون الفضيحة شاملة؛ ثم رفعت يدي عن فمها فاهتزّت مثل القصبة من الزرع، وبات معي منها أصلح رفيق رافقته قطّ. فلم تزل تتحدث وتضحك منّي ومما بليت به حتى برق لي النور، ثم إذا جيداء تدخل عليّ من آخر البيت فلما رأتنا ارتاعت منا، وقالت: ويلك من هذا عندك؟ قلت: أختك. قالت: وما السبب؟ قلت: هي تخبرك، فلعمر الله إنها لعالمة. وأخذت ثيابي ومضيت إلى صاحبي، فركبت أنا وهو خائفين، وخبّرته ما أصابني وكشفت له عن ظهري، فإذا فيه كلّ ضربة تخرج الدّم وحدها. فلما رأى ذلك قال: لقد عظمت صنيعتك وأوجبت علينا شكرك، وخاطرت بنفسك فلا حرمنا الله مكافأتك. «524» - حدث محمد بن الفضل الجرجرائي في وزارته للمعتصم قال: كنت أتولّى ضياع عجيف بكسكر فرفع عليّ أنني خنته وأخرجت الناحية. فأنفذ إليّ من قيدني، فأدخلت عليه في داره بسرّ من رأى على تلك الحال، فإذا هو يطوف على ضياع فيها، فلما نظر إلي شتمني وقال: أخربت الضياع ونهبت الارتفاع؛ والله لأقتلنّك! هاتم السّياط، فأحضرت ونحّيت للضرب؛ فلما رأيت ذلك ذهب عليّ أمري وبلت في ثيابي. ونظر كاتبه إليّ فقال لعجيف: أعزّ الله الأمير! أنت مشغول القلب بهذا البناء، وضرب هذا الليلة في أيدينا ليس يفوت، فتأمر بحبسه وتنظر في أمره، فإن كانت الرفيعة صحيحة فليس يفوتك عقابه، وإن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 274 كانت باطلة لم نتعجّل الإثم والاشتغال عما أنت بسبيله. فأمر بي إلى الحبس فمكثت فيه أياما. وغزا أمير المؤمنين عمورية وقتل عجيفا في نوبة العباس بن المأمون، واتّصل الخبر بكاتبه فأطلقني، وخرجت فلم أهتد إلى حبّة فضة فما فوقها. فقصدت صاحب الديوان بسرّ من رأى لصداقة كانت بيني وبينه، فلما رآني سرّ بإطلاقي، وتوجّع من سوء حالي، وعرض عليّ ماله، فقلت: تتفضل بتصريفي في شيء أستر بجاريه. فقلّدني عملا بنواحي ديار ربيعة، واقترضت من التجار لما سمعوا بخبر ولايتي ما تحمّلت به إلى العمل، وخرجت. وكان في ضياع العمل ضيعة تعرف بعراثا، فنزلتها في بعض طرفي العمل ونزلت دارا منها. فلما كان السحر وجدت المستحمّ ضيّقا غير نظيف، فخرجت إلى ظاهر الدار، وإذا بتلّ، فجلست أبول عليه. وخرج صاحب الدار فقال: أتدري على أي شيء بلت؟ قلت: على تلّ تراب. فضحك وقال: هذا رجل يعرف بعجيف من قوّاد السلطان، كان سخط عليه وحمله مقيّدا، فلما صار إلى ههنا قتل وطرح في هذا المكان تحت حائط، فلما انصرف العسكر طرحنا الحائط عليه لنواريه من الكلاب، فهو تحت على هذا التلّ التراب. قال: فعجبت من بولي خوفا منه ومن بولي على قبره عليه. «525» - وأورد التنوخي في كتاب «الفرج بعد الشدة» ما هو بالأحداث الغريبة والاتفاقات العجيبة أليق، وبهذا المكان أشبه. قال: غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم، فسبى سبيا كثيرا، وأقام في بعض المنازل، فعرض السبي على السيف، فقتل خلقا، حتى عرض عليه شيخ ضعيف، فأمر بقتله؛ فقال له: ما حاجتك إلى قتل شيخ ضعيف مثلي؟ إن تركتني جئتك بأسيرين من المسلمين شابّين. قال: ومن لي بذلك؟ قال: إني إذا وعدت وفيت. قال: لست أثق بك. قال: فتدعني أطوف في عسكرك لعلي أعرف من يكفل بي إلى أن أمضي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 275 فأجيء بالأسيرين. فوكل به من أمره بالطواف معه في عسكره والاحتفاظ به. فما زال الشيخ يطوف ويتصفح الوجوه حتى مرّ برجل من بني كلاب قائما يحسّ فرسا له، فقال له: يا فتى اضمنّي للأمير، وقصّ عليه القصة؛ قال: أفعل. وجاء به معه إلى مسلمة وضمنه فأطلقه. فلما مضى قال: أتعرفه؟ قال: لا والله! قال: فلم ضمنته، قال: رأيته يتصفّح الوجوه فاختارني من بينهم، فكرهت أن أخلف ظنّه. فلما كان من الغد عاد الشيخ ومعه أسيران من المسلمين شابان، فدفعهما إلى مسلمة، وقال: يأذن الأمير أن يصير معي إلى حصني لأكافئه على فعله بي، فقال مسلمة للفتى الكلابي: إن شئت فامض معه. فلما صار إلى حصنه قال له: يا فتى تعلم والله أنّك ابني. قال: وكيف أكون ابنك وأنا رجل من العرب مسلم وأنت رجل من الروم نصراني؟ قال: أخبرني عن أمّك ما هي؟ قال: رومية؛ قال: فإني أصفها لك، فبالله إن صدقت إلا صدقتني؛ قال: أفعل. فأقبل الرومي يصف أمّ الفتى، فما خرم شيئا منها؛ قال: هي كذلك فكيف عرفت أني ابنها؟ قال: بالشّبه وتعارف الأرواح، وصدق الفراسة، ووجود شبهي فيك؛ ثم أخرج إليه امرأة فلما رآها الفتى لم يشكّ أنّها أمّه لشدّة شبهها به، وخرجت معها عجوز كأنها هي؛ فأقبلتا تقبّلان رأس الفتى؛ وقال الشيخ: هذه جدّتك وهذه خالتك. ثم اطّلع من حصنه، ودعا بشباب في الصحراء، وكلّمهم بالرومية، فجعلوا يقبّلون رأسه ويده؛ قال الشيخ: هؤلاء أخوالك وبنو خالاتك وبنو عمّ والدتك؛ ثم أخرج حليّا كثيرا وثيابا فاخرة، فقال: هذا لوالدتك عندنا منذ سبيت، فخذه فادفعه إليها، فإنها ستعرفه؛ ثم أعطاه لنفسه مالا كثيرا وثيابا جليلة، وحمله على عدّة دواب وبغال، وألحقه بعسكر مسلمة وانصرف. وأقبل الفتى قافلا حتى دخل منزله وأقبل يخرج الشيء بعد الشيء ممّا عرّفه الروميّ أنه لأمّه، فتراه فتبكي فيقول لها: قد وهبته لك؛ فلما أكثر عليها قالت: يا بنيّ، أسألك بالله من أيّ بلد صار إليك هذا الحليّ وهذه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 276 الثياب؟ وهل قتلتم أهل الحصن الذي كان فيه هذا؟ قال الفتى: صفته كذا وكذا، وصفة البلد كذا، ورأيت فيه قوما حالهم كذا، ووصف الأمّ والأخت وجميع الأهل، وهي تبكي وتقلق، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: الشيخ والله أبي، والعجوز أمّي، والشابّة أختي. فقص عليها الفتى الخبر وأخرج بقيّة ما كان معه فدفعه إليها. «526» - ذكر أنّ عاملا للمنصور على فلسطين كتب إليه أنّ بعض أهلها وثب عليه، واستغوى جماعة منهم وعاث في العمل. فكتب إليه أبو جعفر: دمك مرتهن به إن لم توجّهه إليّ. فصمد له العامل فأخذه ووجّه به إليه. فلما مثل بين يدي أبي جعفر قال له: أنت المتوثّب على عامل أمير المؤمنين؟ لأنثرنّ من لحمك أكثر ممّا يبقى على عظمك. قال: وكان شيخا كبيرا ضئيل الصوت فقال: [من الكامل المرفل] أتروض عرسك بعد ما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم فلم يفهم أبو جعفر ما قال فقال: يا ربيع ما يقول؟ قال: يقول: [من البسيط] العبد عبدكم والمجد مجدكم ... فهل عذابك عنّي اليوم مصروف قال: يا ربيع، خلّ عنه فقد عفوت عنه، وأحسن إليه واحتفظ به. «527» - أحضر هشام بن عبد الملك إبراهيم بن أبي عبلة [1] الذي كان يتولّى ديوان الخاتم لمروان بن محمد فقال له: إنّا قد عرفناك صغيرا وخبرناك كبيرا، وإني أريد أن أخلطك بحاشيتي، وقد وليتك الخراج بمصر، فاخرج. فأبى   [1] م: عقلة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 277 إبراهيم عليه وقال: ليس الخراج من عملي ولا لي به بصر. فغضب هشام عليه غضبا شديدا حتى خاف إبراهيم بادرته، فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في الكلام؟ فقال: قل؛ فقال: يقول الله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ (الأحزاب: 72) لكن والله ما أكره السموات والأرض والجبال حين أبين من حملها ولا سخط عليها، ولقد ذمّ الانسان حين قبلها، فقال هشام: أبيت إلا رفقا وأعفاه. 528- قال أبو عبيدة: كان فتى من الخوارج من بني يشكر مجتهدا، فتزوج بابنة عمّ له، فلما كان ليلة أراد البناء بها أتاه قوم من أصحابه على خيولهم، فوقفوا ببابه فلما علم بهم خرج إليهم، فقال: من أنتم؟ قالوا: قوم من إخوانك، وخرجنا من الدنيا وتركناها لأهلها لنفنى على ما فني عليه السلف الماضون، قال: فانزلوا وأقيموا ليلتكم هذه حتى أخرج معكم غدا؛ قالوا: ما كنا لنعود إلى الدنيا بعد ما خرجنا منها وتركناها لأهلها، قال: فانتظروني. فألقى ثياب عرسه ولبس ثياب سفره، وركب فرسه وهو يقول: [من الرجز] يا ربّ إنيّ مؤثر ذويكا ... إذ فارقوا الدنيا ويمّموكا ثم خرج إلى أصحابه فقال: [من الرجز] سيروا على اسم الله في سبيله ... على يقين الوعد من رسوله إني به مصدّق وقيله ... لعلّنا نفوز من تمثيله أو ندرك التفضيل من تفضيله قالوا: بل أقم في منزلك وتمتّع من أهلك بقية ليلتك، ولا تشمت بهم عدوهم، ونحن مقيمون عليك حتى تصبح، فقال: ما كنت لأرجع إلى الدنيا بعد إذ خرجت منها، ثم أنشأ يقول: [من الرجز] ما وعد الله من الحور العين ... ومن ثواب المسلمين الشارين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 278 خير من الأهل الأولى يموتون ... ويسخطون مرة ويرضون ثم مضى معهم فلحقتهم خيل لمحمد بن مروان، فقتلوا الطائفة وأسروا الفتى في عدة من أصحابه؛ فبعث بهم محمد إلى الحجاج. فلما رأى الفتى استصغره فدعا به فقال: ويحك ما أخرجك؟ فو الله ما أظنّك تعرف مواقيت الصلاة. قال: ذاك لو كنت اتّكلت على تعليمك يا حجاج، كنت بالحري أن أنزل هذه المنزلة. قال: فما أخرجك؟ قال: مخافة يوم أنا وأنت فيه نصير؛ قال: وما ذاك اليوم؟ قال: أول آخر وآخر أوّل، مستقبل أول لا آخر له، ومستدبر آخر لا يعود بعد نفاذه، لا بعده أجل، ولا فيه عمل، ولا عنده مستعتب، ولا إلى غيره مذهب، يأمن فيه الخائف، ويخاف فيه الآمن، ويعزّ فيه الذليل، ويذلّ فيه العزيز، وفي مثل هذا ما أقلق ذكري على فراشه هذا، والأئمة تعدل، فكيف إذا كانت تضلّ وتضلّل، فاقض ما أنت قاض؛ قال: أجزعت من الموت؟ قال: لا والله ما جزعت من قضاء، ولا أسفت على بلاء، ولا كرهت لربّي لقاء، وللموت ما خلقت، وما لي حاجة إلا فيه، فهل يجزع الرجل من قضاء حاجته؟ قال: أما والله لأعجلنّ لك من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر؛ قال: أما والله لو علمت أنّ بيدك تعجيله لعلمت أن بيدك تأخيره، لأن من يقدر على تعجيله يقدر على تأخيره؛ قال: والله لأقتلنّك؛ قال: إذن لا يعزّ الله بقتلي باطلا، ولا يبطل به حقّا، فلئن قتلتني لأخاصمنّك بحيث يزول عنك وعن ابن الزرقاء عزّكما، ولا يدفع عنكما سلطانكما، وحيث لا تقبل لكما عذرة، ولا تنفعكما حجّة؛ فأمر بقتله. 529- قال علي بن حرملة: رأيت أبا حنيفة حين ورد عليه خبر إبراهيم الصائغ وتعرّضه لأبي مسلم حتى قتله، فقال: والله لقد كنت أتخوف عليه هذا الأمر حتى وقع فيه. قالوا: كيف يا أبا حنيفة؟ قال: صار إليّ وسألني خلوة فوعدته، ولم أقدر لاجتماع الحاجّ عليّ؛ فكان يتقاضاني ويذكر الموعد؛ فقلت له: ترى شغلي بالحاجّ، فقال: إن الله يسألك عن أمري. قال: فخلا معي ساعة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 279 فقال: ما تقول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أفرض هو أم نفل؟ قلت: فرض. فعدّ عليّ من هذه الفرائض ما عدّ ثم قال: مثل هذا؟ قلت: نعم، قال: ابسط يدك أبايعك عليه. قال: فأظلمت عليّ الأرض، وخفت إن أعطيته شيئا لا أقدر أن أقوم به. قال: ثم ذكرت فقلت: يا أبا إسحاق إنّ هذا فرض ليس كسائر الفرائض التي يؤدّيها الرجل وحده، فتحرّ عنه، وهذا متى عرض له رجل أشاط بيده بدمه وعرّض نفسه للقتل فلو كان قتل وخلص الحقّ إلى من يقوم به أجر في تلف نفسه، ولكن يقتل ولا يستوفى للناس أمرهم وتذهب نفسه؛ ولكن انتظر فإن منّ الله علينا بمن يقوم لله بذلنا له أنفسنا ومهجنا وما نالته أيدينا من القوة. فانصرف من عندي، وكان يتقاضاني تقاضي الغريم الملحّ حتى خرج إلى مرو، فتعرّض لأبي مسلم فأمره ونهاه، فأخذه وحبسه، فاجتمع عليه أهل مرو وقالوا: مثله تحبس ونحن نعرض ونؤمّل من الله به كلّ خير؟ فأخرجه. ثم تعرّض له ثانية وثالثة فقتله. فبلغني عنه أنه قال: أخاف أن أكون قد أعنت على نفسي فينقص ثوابي من الله إذ لم أقبل ممّن هو أعلم بالله مني. 530- قال أبو حنيفة: وحدثني من أثق به من آل بيت محمد صلّى الله عليه وسلم عن أبيه عن عليّ عليه السلام أنه قال: سيّد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ورجل يقوم في آخر الزمان عند انقضاء ملك بني أمية إلى رجل جائر يقول له: أنا داعية الحق، فيأمره فيقتله، فكان هو الذي قام على أبي مسلم فأمره ونهاه، فأخاف أن أكون قد ضيعت حقّ الله فيه. «531» - وقيل: إن ابن هبيرة حين اضطرب الحبل وظهرت الفتنة بالعراق جمع فقهاء أهل العراق وقضاته، منهم ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود بن أبي هند، وعددا منهم، فولّى كلّ واحد منهم صدرا من عمله. وأرسل إلى أبي حنيفة فأراد أن يكون الخاتم في يده، فامتنع أبو حنيفة عليه؛ وحلف ابن هبيرة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 280 إن لم يفعل ما أراد ضربه كلّ جمعة سياطا حتى يقتله. قال: فأخرج والفقهاء جلوس، فمالوا به إلى إخوانه فوقف عليهم فقالوا له: ننشدك الله أن تتلف نفسك، وتغمّ إخوانك، وتعرض لهذا الجبّار، وإنا قد كرهنا هذا الأمر كما كرهت، ولكن نشتري الدين بعضه ببعض. فقال أبو حنيفة: لا والله لا آثرت على الله شيئا، ولا أدخل في عمل، لو سألني أن أعدّ له أساطين المسجد والله ما فعلت، فكيف ولو ترى أن نكتب في دم رجل لعله غير مستحقّ فأختم أنا على كتابه ونأخذ المال من غير حقّه فينفقه على معاصي الله وأعينه على حفظه. فقال ابن أبي ليلى: دعوا صاحبكم وما يحمل على نفسه، فهو والله المصيب ونحن المخطئون؛ يا أخي لو وطّنّا لأنفسنا على ما وطّنت نفسك عليه كان خيرا لنا. فحبسه صاحب الشرطة عنده جمعتين ولم يضربه، ثم أخرجه واعتذر إليه وقال: إن هذا الأمير لا يختار عليه، فإمّا أن تدخل فيما أمرك به أو أمضي فيك أمره؛ قال: من تقلّد شيئا كان عليه؛ فضربه. فقال ابن هبيرة: ألا ناصح لهذا المحبوس يستأجله فنؤجّله لينظر في أمره؟ فجيء إلى أبي حنيفة فأخبر، فلما كانت الجمعة الثانية أخرج، فقال: إنّ أثر السّياط طريّ في جنبي، ولي إخوان فدعوني أستشرهم وأنظر فيما يدعونني إليه. فاغتنم إليه. فاغتنم ابن هبيرة قوله وأمر بتخلية سبيله. فركب دوابّه وهرب إلى مكة، فلم يزل مقيما بها حتى ظهرت الهاشمية وملكوا. «532» - فقدم أبو حنيفة الكوفة فأرسل إليه أبو جعفر فضمّه إليه ببغداد، وأمر له بجارية وبعشرة آلاف درهم. وكان عبد الملك بن حميد على وزارة أبي جعفر، وكان حسن الرأي فيه، فقال: لا حاجة لي في الجائزة ولا في الجارية. فقال: أنشدك الله، فإنه أمير المؤمنين، وهو سريع الغضب، ولا آمن عليك غضبه، وأخاف أن يصدق عليك ما يظنّ بك. فأبى أن يقبض من ذلك شيئا. قال: فأنا أردّ الدارهم إلى بيت المال وأعتذر لك؛ فالجارية أيّ عذر لك فيها؟ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 281 قال: تقول إني شيخ كبرت وضعفت عن الجماع، فأكره أن أقبل جارية تحتاج إلى من يمسّها فلا أصل إليها وأبيع ملك الخليفة. 533- ودعاه أبو جعفر فقال: إنّ شيعة أمير المؤمنين يحضرون فتسمع كلامهم. فحضروا فتكلموا وأكثروا، فقال لواحد: صن لسانك عن الكذب، وقال لآخر: هذا كلام من قد كفر النعمة؛ فقام أبو العباس الطوسي فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه وقال قولا مختصرا جميلا، فقال أبو حنيفة: أصبت. فقال أبو جعفر: انصرفوا على قول أبي العباس سيّدكم. «534» - وظهر إبراهيم بالبصرة وأخوه بالمدينة. ودخل الحسن بن قحطبة على أبي حنيفة فقال: أنا ممّن عمل عملا لا يحلّ، فهل من توبة؟ قال: نعم. قال: ما هي؟ قال: أن يعلم الله منك نيّة صادقة أنك نادم على ما فعلت، وأخرى إن خيّرت بين أن تقتل مسلما أو تعمل اخترت قتلك على عمله [1] ، وتجعل لله على نفسك عهدا ألا تعود في شيء ممّا كنت فيه؛ فإن وفيت قبلت توبتك إن شاء الله. قال: قد فعلت وعاهدت الله أني لا أعود. قال: فدعاه أبو جعفر وأمره بالسير إليهما، فجاء إلى أبي حنيفة فقال: إني أمرت بكذا وكذا، قال: أما إنك إن وفيت غفر لك ما مضى وإن عدت أخذت بما مضى وبما يستأنف. فدخل إلى أبي جعفر وتهيّأ للقتل، واستعفاه، واعتلّ عليه، فلم يقبل منه. فقال: لست أقتل هذين الرجلين، وحسبي ما مضى. قال: فغضب أبو جعفر، فوثب أخوه حميد بن قحطبة عليه وقال: يا أمير المؤمنين، إنا قد أنكرناه منذ سنة، وقلنا قد اختلط، وأنا أسير. فسار حميد وقال أبو جعفر: تعاهدوا الحسن وانظروا إلى من   [1] مناقب: إن خيرت بين أن تقتل مسلما أو تقتل اخترت قتلك على قتله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 282 يدخل، ومن يجالس، ومن الذي يفسد هذا الرجل علينا. فأخبروه أنه يدخل على أبي حنيفة ويجالسه، فدعا بسمّ وسقى أبا حنيفة وسقى الحسن، فمات أبو حنيفة رحمه الله، وعولج الحسن فبرأ. 535- وقد روي أن أبا حنيفة لما خاف التّلف وألحّ عليه ابن هبيرة بالضرب، وآلى أن لا يرفعه عنه حتى يلي له عملا، تولّى له عدّ أحمال التبن التي تخرج من ناحية السّواد وتدخل الكوفة. «536» - وروي أنّ ابن هبيرة أراده على القضاء وحلف إن هو لم يقبل ليضربنّه بالسّياط على رأسه، فقيل لأبي حنيفة فقال: ضربه لي بالسياط في الدنيا أسهل علي من مقامع الحديد في الآخرة؛ والله لا فعلت ولو قتلني. فحكي قوله لابن هبيرة فقال: بلغ من قدره ما يعارض يميني بيمينه؟ فدعا به فقال له سفاها، وحلف له إن لم يل ليضربنّه على رأسه حتى يموت. فقال له أبو حنيفة: هي ميتة واحدة. قال: فأمر به فضرب عشرين سوطا على رأسه. فقال أبو حنيفة: اذكر مقامك بين يدي الله فإنه أذلّ من مقامي بين يديك، ولا تهدّدني فإني أقول: لا إله إلا الله، والله سائلك عني حيث لا يقبل منك جواب. فأومأ إلى الجلاد أن أمسك. وبات أبو حنيفة في السجن، فأصبح وقد انتفخ وجهه ورأسه من الضرب. قال: فقال ابن هبيرة: إني رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم في النوم وهو يقول: أما تخاف الله تضرب رجلا من أمتي بلا جرم وتهدّده؟ فأرسل إليه فاستخرجه واستحلّه. «537» - وقال الربيع بن يونس: جمع المنصور مالك بن أنس وابن أبي ذئب وأبا حنيفة فقال: كيف ترون هذا الأمر الذي أعطاني الله من أمر هذه الأمة؟ هل أنا لذلك أهل؟ قال: فسكت القوم؛ فقال لابن أبي ذئب: ما تقول في هذا الأمر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 283 الذي قلّدني الله عزّ وجلّ من أمر أمة محمد صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: إنّ ملك الدنيا يؤتيه الله من يشاء وملك الآخرة يؤتيه الله من طلبه في الله ووفّقه، وإن التوفيق منك إذا أطعته قريب وإذا عصيته بعيد، وإن الخلافة تكون بإجماع أهل التقوى عليها والعون لمن وليها، وأنت وأعوانك خارجون من التوفيق، عالون على الخلق، فإن سألت الله السلامة، وتقرّبت إليه بالأعمال الزاكية، كان في ذلك نجاتك وإلا فأنت المطلوب. قال: فكنت أنا ومالك بن أنس نجمع ثيابنا أن يترشّش علينا من دمه. قال: فقال لأبي حنيفة: ما تقول؟ قال: المسترشد لدينه يكون بعيد الغضب، إن أنت نصحت نفسك علمت أنك لم ترد الله باجتماعنا، وإنما أردت أن تعلم العامة أنّا نقول فيك ما تهواه مخافة سيفك وحبسك، ولقد وليت الخلافة وما اجتمع عليك نفسان من أهل التقوى، والخلافة تكون عن إجماع المؤمنين ومشورة، وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمسك عن الحكم ستة أشهر حتى أتته بيعة أهل اليمن. قال: وقال لمالك: ما تقول؟ قال: لو لم يرك الله أهلا لذلك ما قدّر لك ملك هذه الأمّة وأزال عنهم من بعد من بينهم، وقرّب هذا الأمر إلى أهل بيت نبيّه، والله لقد دحر الله الباطل، وأنجى أهل بيت نبيّه، أعانك الله على ما ولّاك، وألهمك الشكر على ما خوّلك، وأعانك على ما استرعاك. قال: فأمرهم فانصرفوا. وقال لي المنصور: خذ معك ثلاث بدر واتبع القوم، فإن أخذها مالك كلّها فادفعها إليه، وإن أخذ ابن أبي ذئب وأبو حنيفة منها شيئا فجئني برؤوسهما. قال: فأتيت ابن أبي ذئب فقال: ما أرضى هذا المال له، فكيف آخذه لنفسي؟ وقال أبو حنيفة: (ما أنفع له إن كان يعطي من يرحم أن يرحم نفسه ممن يعلم) [1] ، والله لو ضربت عنقي على أن أمسّ منها شيئا ما مسسته؛ فأتيت مالكا فأخذها كلّها. فأتيت المنصور فأعلمته وبهذه الصيانة حقنوا دماءهم.   [1] ما بين قوسين لم يرد عند الكردي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 284 «538» - وقال ابن المبارك: مات ابن أبي ليلى فقال الناس: لقد وهت الكوفة من حاكم عادل، من ترى يتولى عليها بعده؟ فحمل إلى أمير المؤمنين أبو حنيفة وسفيان ومسعر وشريك، وكانوا جلوسا في صلاة الصبح، حتى بعث إلى كلّ رجل منهم برجل، فحملهم الأمير إلى أمير المؤمنين ووصلوا في سفينة؛ فلما كان في بعض النهار قرب التهيو للصلاة. قال: فخرجوا، فقال سفيان لصاحبه: أريد أبول [في] الخلاء، وإذا قرب مني إنسان احتبس مني الغائط والبول. فتنحّي عنه فهرب، وهرب الذي كان معه. وجاء سفيان إلى سفينة فيها قتّ، فوهب للملاح دراهم حتى غيّبه. فلما دخلوا بغداد دفع مسعر إلى الملاح ثيابه وأخذ مدرعته. فلما دخلوا على المنصور ورأى عليه مدرعة صوف مقلوبة قال: يا شيخ، أتريد أن نولّيك القضاء؟ قال: مسنّاة الكوفة قد خربت؛ قال: يا شيخ، ما أنت وذكر المسنّاة؟ قال: إن بني أمية خرّبوا السور فتحتاج ان تعمّره. قال: أخرجوه فإن هذا مختلط. ثم قال لأبي حنيفة: تريد أن نولّيك القضاء؟ قال: أنا رجل من الموالي وأهل الكوفة من أشراف بني هاشم وقريش والأنصار والعرب، وإن ولّيت مثلي فتنت البلد ولم آمنهم أن يرموني بالآجرّ. فقال لشريك: فقال: أنا شيخ لا أبصر نقش خاتمي، فقال: استعن على أمورك بالشباب؛ قال: ودماغي قد تغيّر. قال: خذ الدهن وكل الطعام الذي يردّ قوّتك، وتصنع في كلّ يوم رطلا من فالوذج فهو يزيد في قوّتك وقوّة دماغك إذا كان بالعسل؛ قال: يا أمير المؤمنين إني كنت في حداثتي أميل إلى النساء، فأخاف إن اختصمن إليّ أن أميل إليهن وتتجدّد شهوة الحداثة؛ قال: يتّسع عليك حتى ترغب فيك الحرائر وتشتري الإماء. ودعا بطعام فأطعمه وألبسه السواد، وسلم من سلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 285 «539» - بيان قولهم إن أبا حنيفة استتيب من الكفر مرتين قال: إليك عني: إنه لما قدم الضحاك الشاري الكوفة قال لهم: جيئوني بالفقهاء. فتفرق الناس ووجدوا أبا حنيفة فأتوه. فقال: يا شيخ تب إلى الله من الكفر، فقال: أنا تائب إلى الله من الكفر. فلما خرج قال له رجل من أصحابه كان قد جالس أبا حنيفة: إن مذهبك عنده الكفر ومنه تاب، قال: ردّوه فقال: يا شيخ، تبت من مذهبي ومذهبي عندك الكفر. قال: فقال أبو حنيفة: أو ظننت بي ذلك؟ قال: نعم؛ قال: أظنّك ظنّ سوء فهو ذنب؟ قال: نعم، قال: والذنب عندك كفر؟ قال: نعم، قال: فتب منه، قال: أنا تائب إلى الله، وأنت يا شيخ فتب إلى الله فقال: أنا تائب إلى الله. فلما خرج القوم قال قوم من أهل الكوفة: استتيب أبو حنيفة مرتين. «540» - قال أبو العيناء: ما رأيت أفصح لسانا ولا أجمع رأيا ولا أحضر حجّة من ابن أبي دواد. قال له الواثق: رفعت فيك رقعة فيها كذب كثير، فقال: ليس بعجيب أن أحسد بمنزلتي من أمير المؤمنين ويكذب عليّ. قال: زعموا أنك ولّيت القضاء رجلا أعمى، قال: بلغني أنه إنما عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك وأمرته أن يستخلف؛ قال: وفيها أنك أعطيت شاعرا ألف دينار، قال: كان ذاك، وقد أثاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم كعبا، وقال في آخر: اقطعوا عني لسانه؛ وهذا شاعر طائيّ مصيب محسن، لو لم أرع له إلا قوله فيك للمعتصم: [من الكامل] فاشدد بهارون الخلافة إنّه ... سكن لوحشتها ودار قرار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 286 ولقد علمت بأنّ ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار فقال الواثق: قد وصلته بخمسمائة دينار. 54» - صلى الحجاج إلى جنب ابن المسيّب، فرآه يرفع قبل الإمام ويضع، فلما سلّم أخذ بثوبه حتى فرغ من صلاته ودعائه، ثم رفع نعليه على الحجاج، وقال: يا سارق! يا خائن! تصلي هذه الصلاة؟ لقد هممت أن أضرب بهما وجهك! وكان الحجاج حاجّا، فرجع إلى الشام، وجاء واليا على المدينة، ودخل من فوره المسجد قاصدا مجلس سعيد، فقال له: أنت صاحب الكلمات؟ قال: نعم أنا صاحبها، قال: جزاك الله من معلّم ومؤدّب خيرا، ما صليت بعدك صلاة إلا وأنا ذاكر قولك. «542» - قال سعيد بن وهب على البطالة فدخلت قلبه رقّة، فحجّ ماشيا، فجهد، فقال: [من الرمل] قدميّ اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجن من ماء القليب ربّ يوم رحتما فيه على ... نضرة الدنيا وفي واد خصيب فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كلّ فن بنصيب «543» - مطر مصر مثل في نافع يستضرّ به، لأنّها لا تمطر فإن مطرت كان المطر ضررا عليها، وفي ذلك يقول شاعر: [من الطويل] وما خير قوم تجدب الأرض عندهم ... بما فيه خصب العالمين من القطر إذا بشّروا بالغيث ريعت قلوبهم ... كما ريع في الظلماء سرب القطا الكدر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 287 «544» - جنان الدنيا أربع: غوطة دمشق ونهر الأبلّة وشعب بوّان وصغد سمرقند. قال أبو بكر الخوارزمي: قد رأيتها كلّها وكان فضل الغوطة على الثلاث كفضل الأربع على غيرهنّ، كأنها الجنّة صوّرت على وجه الأرض. «545» - البحتري: [من البسيط] يمشي السّحاب على أرجائها فرقا ... ويصبح النّبت في صحرائها بددا [1] فلست تبصر إلا واكفا خضلا ... أو يانعا خضرا أو طائرا غردا 546- آخر في وصف النخل: [من الرجز] إما تراها وإلى استوائها ... وحسنها في العين وامتلائها لا ترهب الذئب على أطلائها ... وإن أحاط الليل من ورائها 547- غرس معاوية نخلا بمكة في آخر خلافته، فقال: ما غرستها طمعا في إدراكها ولكنّي ذكرت قول الأسدي: [من البسيط] ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ... ولا يكون له في الأرض آثار «548» - ذكر أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في كتابه [ ..... ] كانت بقرية [كشمير] من رستاق بست سروة من سرو الأزاذ من غرس يستاسف لم ير مثلها في حسنها وطولها وعظمها، [وكانت] ظلالها فرسخا، وكانت من مفاخر خراسان. فجرى ذكرها عند المتوكّل، فأحبّ أن يراها فلما لم يقدّر له المسير كتب إلى طاهر بن عبد الله بن طاهر وأمره بقطعها وحمل قطع   [1] الديوان: يمسي بدلا من «يمشي» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 288 جذعها وأغصانها في اللبود على الجمال لتنصب بين يديه حتى يبصرها. فأنكر عليه ذلك، وخوّف بالطيرة فلم تنفع السروة شفاعة الشافعين. وحكي أن أهل الناحية ضمنوا مالا جزيلا على إعفائها، فلم ينفع. فقطعت وعظمت المصيبة وارتفع الصياح والبكاء، ورثاها الشعراء، وقال علي بن الجهم: [من الكامل] قالوا [1] سرى لسبيله المتوكل ... فالسرو يسري والمنية تنزل ما سربلت إلا لأنّ إمامنا ... بالسيف من أولاده متسربل فجرى الأمر على ذلك، وقتل المتوكل قبل وصول السروة إليه. 549- اجتمع ببغداد عشرة فتية على لهو، فرفعوا أحدهم في حاجة فرجع وفي يده بطيخة يشمّها ويقبّلها. فقال لهم: جئتكم بفائدة: وضع بشر الحافي يده على هذه البطّيخة فاشتريتها بعشرين درهما تبرّكا بموضع يده. فأخذ كلّ واحد يقبّلها ويضعها على عينه. فقال أحدهم: ما الذي بلّغ بشرا ما أرى؟ قالوا: تقوى الله والعمل الصالح. قال: فإني أشهدكم أنّي تائب إلى الله وأني داخل في طريقة بشر. فوافقوه على ذلك وخرجوا إلى طرسوس فاستشهدوا. 550- روي أن الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: يا أبا الحسن خذ فدك حتى أردّها إليك فيأبى، حتى ألحّ عليه، فقال: لا آخذها إلا بحدودها، قال: وما حدودها؟ قال: يا أمير المؤمنين إن حدّدتها لم تردّها؛ قال: بحقّ جدّك إلا فعلت؛ قال: أما الحدّ الأول فعدن، فتغيّر وجه الرشيد وقال: هيه! قال: والحدّ الثاني سمرقند، فاربدّ وجهه، قال: والحدّ الثالث أفريقيّة، فاسودّ وجهه وقال: هيه! قال: والرابع سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينية. قال الرشيد: فلم تبق لنا شيئا! فتحوّل من مجلسي. قال موسى: قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردّها. فعند ذلك عزم على قتله، واستكفى أمره يحيى بن خالد. فأراه بثرة خرجت في كفه، قال: هذه علامة أهل بيتنا قد ظهرت فيّ، وأنا أقضي عن قرب، فقد كفيت أمري.   [1] ثمار القلوب: فأل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 289 فتركه يحيى ومات بعد أيام. 551- قال عمر بن عبد العزيز لأبيه: يا أبت ما لك إذا خطت مررت فيها مستحفزا لا تكفف ولا توقّف، حتى إذا صرت إلى ذكر عليّ تلجلج لسانك وامتقع لونك، واختلج بدنك؟ قال: أو قد رأيت ذلك يا بنيّ؟ أما إن هؤلاء الحمير حولنا لو يعلمون من عليّ ما نعلم ما تبعنا منهم رجلان. «552» - العباس بن ربطة الرّعلي: [من الطويل] وأهلكني أن لا يزال يكيدني ... أخو حنق في القوم حرّان ثائر وذلك ما جرّت علينا رماحنا ... وكلّ امرىء يوما به الجدّ عاثر «553» - عقّ أبا المنازل فرعان بن الأعرف السعديّ ابنه منازل فقال: [من الطويل] جزت رحم بيني وبين منازل ... جزاء كما يستنزل الدّين طالبه وما كنت أخشى أن يكون منازل ... عدوّي وأدنى شانىء أنا راهبه حملت على ظهري وقرّبت صاحبي ... صغيرا إلى أن أمكن الطّرّ شاربه وأطعمته حتى إذا آض شيظما ... يكاد يساوي غارب الفحل غاربه تخوّن مالي ظالما ولوى يدي ... لوى يده الله هو غالبه عقّ منازلا ابنه خليج فقال: [من الطويل] تظلّمني مالي خليج وعقّني ... على حين صارت كالحنيّ عظامي وكيف أرجّي العطف منه وأمّه ... حراميّة ما غرّني بحرام تخيّرتها وازددتها لتزيدني ... وما بعض ما يزداد غير غرام الجزء: 9 ¦ الصفحة: 290 لعمري لقد ربّيته فرحا به ... فلا يفرحن بعدي امرؤ بغلام «554» - قال عمر رضي الله عنه: تكثّروا من العيال فإنّكم لا تدرون ممّن ترزقون. 555- وقال المأمون: أقرباء الرجل بمنزلة الشّعرة من جسده، فمنه ما يخفى ويتّقى وممنه ما يلزم ويخدم. 556- وقيل لحكيم: لم لا تطلب الولد؟ قال: لحبّي له. 557- وقال الحجاج لابن القرّيّة: أي الثّمار أشهى؟ قال: الولد، وهو من نخل الجنة. «558» - عن الكسائي أنه دخل على الرشيد فأمر بإحضار الأمين والمأمون. قال: فلم ألبث أن أقبلا ككوكبي أفق يزينهما هديهما ووقارهما، وقد غضّا أبصارهما، وقاربا خطوهما حتى وقفا على مجلسه. فسلّما عليه بالخلافة، ودعوا له بأحسن الدّعاء؛ فاستدناهما، فأجلس محمدا عن يمينه وعبد الله عن شماله؛ ثم أمرني أن ألقي عليهما أبوابا من النحو، فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب عنه؛ فسرّه سرورا استبنته فيه، وقال: كيف تراهما؟ فقلت: [من الطويل] أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبيّ محمّد يسدّان أنفاق النّفاق بشيمة ... يؤيّدها حزم وعضب مهنّد قلت: ما رأيت- أعزّ الله أمير المؤمنين- أحدا من أبناء الخلافة ومعدن الرّسالة وأغصان هذه الشجرة الزاكية أذرب منهما ألسنا، ولا أحسن ألفاظا، ولا أشدّ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 291 اقتدارا على تأدية ما حفظا ورويا منهما؛ أسأل الله أن يزيد بهما الإسلام عزّا وتأييدا، ويدخل بهما على أهل الشّرك ذلا وقمعا. وأمّن الرشيد على دعائي، ثم ضمّهما إليه، وجمع عليهما يديه، فلم يبسطهما حتى رأيت الدموع تنحدر على صدره، ثم أمرهما بالخروج. ثم قال: كأني بهما وقد حمّ القضاء ونزلت مقادير السماء، وقد تشتّت أمرهما، وافترقت كلمتهما حتى تسفك الدماء وتهتك السّتور. 559- كانت بيحيى البرمكي علّة في جوفه عجز عنها أطباء العراق، فأشخص منويل أسقف فارس، وقد تقدّم قبل أن يدخل عليه إلى خواصّه بأخذ مائهم في قوارير؛ فأتوا بها، فأمر بتبديلها، وفيهم مدنيّ مضحك، وقد وهب له جارية فكان يدّعي في كثرة الباه الدعاوى العريضة. فأعطاه الوزير مجسته فقال: تناولت المحرّم. فجحد فحلف منويل حتى أقر، ونظر في القوارير فردّ كلّ واحدة إلى صاحبها. فتعجب من لطف علمه. وقال للمدني: أنت عنّين! فلجّ، فقال هو كافر بالمسيح إن كان خرج من صلبك شيء قط إلا البول. فاعترف وطلب العلاج؛ فقال هذا ما لا حيلة فيه. ثم قال: إن كان- وما أظنه يكون- فعليك بالكباب على الآجرّ مع نبيذ الصرفان. «560» - قال الرشيد حين كان بطوس لرجل: خذ هذه البدرة واعرض هذه القارورة على أسقف فارس وبختيشوع من غير أن يتشاعرا وازعم أنّها قارورة أخ لك. فقال الأسقف: ما أشبه هذا الماء بماء الرّشيد، فانتظر ولا ترحل فإنّ أخاك ميّت غداة غد، وقال بختيشوع مثله. «561» - وعرض رجل على أيوب الطّبيب قارورته فقال: ما هي بقارورتك لأنّه ماء ميّت وأنت حيّ تكلّمني فما فرغ من كلامه أن خرّ الرّجل ميّتا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 292 «562» - صدع ملك فأمره الطّبيب أن يضع قدميه في الماء الحارّ. فقال خصيّ عنده: وأين القدم من الرّأس! فقال: أين رأسك من بيضتيك؟ نزعتا فذهبت لحيتك. «563» - قال عبد الملك عند موته: يا وليد! لا أعرفنّك إذا أنا متّ تجلس وتعصر عينيك وتحنّ كما تحنّ الأمة الوكعاء، لكن ائتزر وشمّر والبس جلد النّمر وضعني في حفرتي وخلّني وشأني وعليك وشأنك، وادع الناس إلى بيعتك، فمن قال بوجهه هكذا، فقل بسيفك هكذا. ثمّ بعث إلى محمّد وخالد ابني يزيد بن معاوية فقال: هل بكما من ندامة على بيعة الوليد؟ قالا: ما نعرف أحقّ بالخلافة منه. قال: أولى لكما! والله لو قلتما غير ذلك لضربت الذي فيه أعينكما. ثمّ رفع ثني فراشه، فإذا سيف مجرّد ونفسه تتردّد في حنجرته وهو يقول: الحمد لله الذي لا يبالي أصغيرا أخذ من خلقه أم كبيرا حتّى فاضت نفسه. ودخل عليه الوليد ومعه بناته يبكين فتمثّل: [من الطويل] ومستخبر عنا يريد بنا الرّدى ... ومستخبرات والدّموع سواجم وكان الطّبيب قد حماه الماء فقال: اسقوني وإن كانت فيها نفسي، فسقوه فمات. «564» - جعل لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن بن عليّ عليهما السّلام مائة ألف درهم على أن تسمّه، ومكث شهرين، وإنّه ليرفع من تحته كذا كذا طستا من دم. وكان يقول: سقيت السّمّ مرارا ما أصابني فيها ما أصابني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 293 في هذه المرّة، لقد لقطت كبدي فجعلت أقلّبها بعود كان في يدي. ورثته جعدة بأبيات: [من السريع] يا جعد بكّيه ولا تسأمي ... بكاء حقّ ليس بالباطل إنّك لن ترخي على مثله ... سترك من حاف ولا ناعل وخلف عليها رجل من قريش فأولدها غلاما؛ وكان الصّبيان يقولون له: يا ابن مسمّمة الأزواج. ولمّا كتب مروان إلى معاوية بشكاته كتب إليه: أرقل المطيّ إليّ بخبر الحسن. ولمّا بلغه موته سمع تكبير من الخضراء، فكبّر أهل الشّام لذلك التّكبير. وقالت فاختة بنت قرظة لمعاوية: أقرّ الله عينك يا أمير المؤمنين! ما الذي كبّرت له؟ قال: مات الحسن. قالت: أعلى موت ابن فاطمة تكبّر؟! قال: والله ما كبّرت شماتة بموته، ولكن استراح قلبي وصفت لي الخلافة. وكان ابن عبّاس في الشام فدخل عليه فقال له: يا ابن عبّاس، هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟ قال: لا أدري ما حدث إلا أني أراك مستبشرا ومن يطيف بك وقد بلغني تكبيرك وسجودك. قال: إنّا لله! يرحم الله أبا محمد ثلاثا. ثم قال: والله يا معاوية لا تسدّ حفرته حفرتك، ولا يزيد عمره في يومك، ولكن [إن] كنّا أصبنا بالحسن لقد أصبنا بإمام المتّقين وخاتم النبيين، فسكّن الله تلك العبرة وجبر تلك المصيبة، وكان الله الخلف علينا من بعده. وقال لأخيه الحسين: إذا أنا متّ فادفني مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وإن منعوك فادفنّي ببقيع الغرقد. فلبس الحسين ومواليه السّلاح وخرجوا ليدفنوه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فخرج مروان في موالي بني أميّة فمنعوهم. «565» - قال أبو العرجاء جمّال موسى بن عيسى: لمّا نزلنا بستان بني عامر بعثني محمد بن سليمان إلى الحسين بن علي صاحب فخّ لأتجسّس عليه، فمضيت الجزء: 9 ¦ الصفحة: 294 فما رأيت إلا مصلّيا أو مبتهلا أو ناظرا في مصحف أو معدّا للسلاح، فرجعت وقلت: ما أظنّ القوم إلا منصورين، وأخبرته بخبرهم فصفّق بيديه وبكى حتّى ظننت أنّه سينصرف. ثمّ قال: هم والله أكرم خلق الله وأحق بما في أيدينا منّا، ولكنّ الملك عقيم، ولو أنّ صاحب القبر- يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلم- نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسّيف؛ ثمّ سار إليهم وفعل ما فعل. ولمّا احتضر محمّد بن سليمان كانوا يلقّنونه وهو يقول: [من الطويل] ألا ليت أمّي لم تلدني ولم أكن ... شهدت حسينا يوم فخّ ولا الحسن «566» - أتى امروء القيس قتادة بن التّوأم اليشكريّ وإخوته، فقال للحارث: أجز: [من الوافر] أحار ترى بريقا هبّ وهنا فقال الحارث: كنار مجوس تستعر استعارا فقال قتادة: [من الوافر] أرقت له ونام أبو شريح ... إذا ما قلت قد هدأ استطارا أبو شريح: كنية الحارث. فقال الحارث: [من الوافر] كأنّ هزيزه بوراء غيب ... عشار ولّه لاقت عشارا فقال أخوهما الثالث: [من الوافر] فلمّا أن علا شرفي أضاخ ... وهت أعجاز ريّقه فحارا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 295 فلم يترك ببطن السّرّ ظبيا ... ولم يترك بقاعته حمارا فقال امروء القيس: إني لأعجب من بيتكم هذا لا يحترق عليكم من جودة شعركم؛ فقيل لهم: بنو النار. «567» - قال عبد الله بن المعتزّ: شعر آل أبي حفصة كماء أسخن وصبّ في قدح. فكان أيّام مروان الأكبر على حرارته، ثم انتهى إلى عبد الله بن أبي السّمط، ففتر، ثم إلى إدريس وأبي الجنوب، فبرد، ثم إلى مروان الأصغر، فاشتدّ برده، فنحن لبرده، ثم إلى متوّج فجمد. «568» - حدّث عبيد الله بن سليمان قال: كنت بحضرة والدي في ديوان الخراج بسرّ من رأى وهو يتولاه، إذ دخل عليه أحمد بن أبي خالد الصّريفينيّ الكاتب، فقام والدي إليه قائما من مجلسه وأقعده في صدره، وتشاغل به. ولم ينظر في شيء من أمره حتى نهض، ثم قام معه وأمر غلمانه بالخروج بين يديه، فاستعظمت أنا وكلّ من حضر هذا، لأنّ رسم أصحاب الديوان صغارهم وكبارهم أن لا يقوموا لأحد من خلق الله عزّ وجلّ ممّن يدخل إليهم، فتبيّن أبي في وجهي إنكار ذلك، فقال: يا بنيّ، إن خلونا فسلني عن السبب فيما عملته مع هذا الرجل. قال: وكان أبي يأكل في الديوان وينام ويعمل عشيّا. فلما جلسنا نأكل لم أذكّره إلى أن رأيت الطعام قد كاد ينقضي، فقال هو: يا بنيّ، شغلك الطعام عمّا قلت لك أن تذكّرني به؟! فقلت: لا، ولكني أردت أن يكون ذلك على خلوة. ثم قال: أليس قد أنكرت أنت والحاضرون قيامي لأحمد بن أبي خالد في دخوله وخروجه وما عاملته به؟ فقلت: بلى. فقال: قد كان هذا يتقلّد مصر، فصرفته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 296 عنها وقد كانت مدّته فيها طالت، فوطئت آثار رجل لم أر أجمل آثارا منه، ولا أعفّ عن الأموال السلطانية والرعية، ولا رأيت رعيّة لعامل أشكر من رعيته له. وكان عرق الموت الخادم، صاحب البريد بمصر، أصدق الناس له مع هذا، وكان من أبغض الناس [إلي] وأشدّهم اضطراب أخلاق، فلم أتعلّق عليه بحجّة، ووجدته قد أخّر رفع الحساب لسنة متقدّمة وسنته التي هو فيها، ولم يستتمّها بصرفي له عنها، ولم ينفذه إلى الديوان، فسمته أن يحطّ من الدّخل ويزيد في النفقات [والأرزاق] ، ويكسر من البقايا [في كل سنة مائة ألف دينار] ، فامتنع من ذلك؛ وأغلظت له وتوعّدته، ونزلت معه إلى مائة ألف واحدة للسنين كلّها، وحلفت له بأيمان مغلّظة أنني لا أقنع منه بأقلّ منها؛ فأقام على امتناعه وقال: أنا لا أخون لنفسي، فكيف أخون لغيري، وأزيل ما قام به جاهي من العفاف؟ فحبسته وقيّدته فلم يجب، ولم يزل مقيّدا في الحبس شهورا؛ وكتب عرق الموت صاحب البريد بمصر يعرّف المتوكّل ويحلف أنّ أموال مصر ليس تفي بنفقتي ومؤونتي، ويصف أحمد بن أبي خالد، ويذكر ميل الرعية إليه، ويصف عفّته؛ فبينا أنا ذات يوم على المائدة آكل إذ وردت رقعة أحمد بن أبي خالد يسألني استدعاءه لمهمّ يلقيه إليّ، فلم أشكّ أنّه غرض من الحبس والقيد، وقد عزم على الاستجابة لدعائي ومرادي. فلما غسلت يدي دعوته، واستخلاني فأخليته. فقال: أما آن لك أن ترقّ عليّ ممّا أنا فيه من غير ذنب إليك ولا جرم، ولا قديم ذحل ولا عداوة؟ فقلت، أنت اخترت لنفسك هذا، وقد سمعت يميني، وليس منها مخرج، فاستجب لما أريد منك واخرج. فأخذ يستعطفني فجاءني ضدّ ما كنت قدّرته، وغاظني فشتمته، وقلت له: الأمر المهمّ الذي ذكرت في رقعتك أنّك أردت إلقاءه إليّ هو أن تستعطفني وتسخر مني وتخدعني؟ فقال لي: الآن ليس عندك غير هذا؟ [فقلت: لا، فقال: إذا كان ليس عندك غير هذا فاقرأ يا سيدي هذا] [1] ،   [1] زيادة من الفرج بعد الشدة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 297 وأخرج رقعة وكتابا لطيفا مختوما في ربع قرطاس؛ ففضضته فإذا هو بخطّ المتوكّل الذي أعرفه إليّ [يأمرني فيه] بالانصراف وتسليم ما أتولاه إلى أحمد بن أبي خالد، والخروج ممّا يلزمني ورفع الحساب إليه. فورد عليّ [ذلك] أقبح مورد لقرب عهد الرجل بشتمي له، وأنّه في الحال تحت حديدي ومكارهي. فأمسكت مبهوتا، ولم ألبث أن دخل أمير البلد وأصحابه وغلمانه، فوكّل بداري وبجميع ما أملكه وبأصحابي وغلماني وجهابذتي وكتّابي، وجعلت أزحف من الصدر إلى أن صرت بين يدي أحمد بن أبي خالد. ودعا أمير البلد بحدّاد فحلّ قيوده؛ فوثب قائما وقال: يا أبا أيوب، أنت قريب عهد بعمالة هذا البلد ولا منزل لك فيه ولا صديق، ومعك حرم وحاشية كثيرة، وليس يسعك إلا هذه الدار وإن كانت دار العمالة، فأنا أجد عدّة مواضع وليس لي كبير حاشية، ومن نكبة خرجت، فأقم مكانك. وخرج وصرف التوكيل عني وعن الدار، وأخذ كاتبي وأشيائي. فلما انصرف قلت لأصحابي: هذا الذي نراه في النوم؟ انظروا من وكّل بنا، فقالوا: ما وكّل بنا أحد، فعجبت من ذلك عجبا عظيما. قال: وما صلّيت العصر حتى عاد إليّ من كان حمله معه من المتصرّفين والكتّاب والجهابذة مطلقين، فقالوا: أخذ منّا خطوطنا برفع الحساب، وأمرنا بالملازمة وأطلقنا. قال: فازددت تعجّبا؛ فلما كان من غد باكرني مسلّما، ورحت إليه في عشيّة ذلك اليوم، فأقمت ثلاثين يوما، إن سبقني عن المجيء رحت إليه، وإن راح إليّ باكرته، وكلّ يوم تجيئني هداياه وألطافه من البلح والفاكهة والحيوان والحلواء؛ فلما كان بعد ثلاثين يوما جاءني فقال: قد عشقت مصر يا أبا أيوب! والله ما هي طيّبة الهواء، ولا عذبة الماء، ولكن تطيب بالولاية والكسب، ولو قد دخلت إلى سرّ من رأى لما أقمت بها شهرا إلا وقد تقلّدت أجلّ الأعمال. فقلت: والله ما أقمت إلا متوقّعا أمرك في الخروج. فقال: أعطني خطّ كاتبك بأنّ عليه القيام بالحساب، واخرج في حفظ الله. قال: فأحضرت كلّ شيء وأخذت خطّه كما أراد، وسلّمته إليه. فقال لي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 298 اخرج أيّ يوم شئت، فخرجت من غد، فخرج هو وأمير البلد وقاضيه ووجوه أهله، فشيّعوني إلى ظاهر البلد، وقال لي: أقم في ظاهر البلد على خمسة فراسخ إلى أن أزيح علّة قائد يصحبك برجاله إلى الرّملة، فإنّ الطريق فاسد. فلما قال ذلك استوحشت من قوله وقلت: هذا إنّما غرّني حتى أخرج كلّ ما أملكه فيتمكّن منه في ظاهر البلد، فيقبضه ثم يردّني إلى الحبس والتوكيل والمطالبة، ويحتجّ عليّ بكتاب ثان يذكر أنّه ورد إليه. فخرجت وأقمت بالمرحلة التي آثرها مستسلما متوقّعا للشرّ، إلى أن رأيت أوّل عسكر مقبل فقلت: لعلّه القائد الذي يريد أن يصحبني إيّاه، أو لعلّه الذي يريد أن يقبض عليّ. فأمرت غلماني بمعرفة الخبر، فقالوا: العامل أحمد بن أبي خالد قد جاء، فلم أشكّ إلا أنّه قد جاء الشّرّ والبلاء بوروده، فخرجت من مضربي، فتلقّيته وسلّمت عليه. فلما جلس قال: أخلونا، فلم أشكّ إلا أنه للقبض عليّ، وطار عقلي، فقام من كان عندي فلم يبق عندي أحد، فقال لي: أنا أعلم أنّ أيّامك لم تطل بمصر، ولا حظيت بكبير فائدة، وذلك الباب الذي سألتنيه في ولايتك فلم أستجب له، إنّما أجزت الإذن لك في الانصراف منذ أوّل الأمر لأني تشاغلت لك بالفراغ منه. وقد حططت من الارتفاع، وزدت في النّفقات في كلّ سنة خمسة عشر ألف دينار ليكون للسنتين ثلاثون ألف دينار، وهو مقرّب ولا يظهر، ويكون أيسر ممّا أردته مني في ذلك الوقت، وقد تشاغلت به حتى جمعته لك، وهذا المال على البغال قد جئتك به، فتقدّم إلى من يتسلّمه، فتقدّمت بقبضه، وقبّلت يده وقلت: والله يا سيّدي فعلت ما لم تفعله البرامكة، فأنكر ذلك وتقبّض منه، وقبّل يدي ورجلي وقال: ههنا شيء آخر أريد أن تقبله؛ فقلت: ما هو؟ قال: خمسة آلاف دينار قد استحققتها من رزقي، فامتنعت من ذلك وقلت: في ما تفضّلت به زيادة على كفايتي؛ فحلف بالطلاق أنّي أقبلها منه، فقبلتها؛ فقال: ههنا ألطاف من هدايا مصر أحببت أن أصحبك إيّاها، فإنك تمضي إلى كتّاب الدواوين ورؤساء الحضرة، فيقولون لك: وليت مصر، فأين نصيبنا من هداياها؟ ولم تطل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 299 أيّامك، فيعدّوا لك الهمّ، وقد جمعت لك منه ما يشتمل عليه هذا الثّبت، وأخرج درجا فيه ثبت جامع لكلّ شيء حسن طريف جليل القدر من دبيقيّ، وقصب، وخدم، وبغال، ودوابّ، وحمير، وفرش، وطيب، وجوهر، ما يكون قيمة الجميع مال عظيم، فأمرت بتسلّمه وزدت في شكره فقال: يا سيدي، أنا أحبّ الفراش وأنا مغرى به، وقد استعمل لي بيت أرمنيّ بأرمينية وهو عشر مصلّيات بمخادّها، ومستندها، ومساورها، ومطارحها، وبسطها، وهو مذهّب بطرز مذهّبة قد قام عليّ بخمسة آلاف دينار على شدّة احتياطي، وقد أهديته إليك، فإن أهديته إلى الوزير عبدك، وإن أهديته إلى الخليفة ملكته، وإن أبقيته لنفسك وتجّملت به كان أحبّ إليّ. قال: وحمله فما رأيت مثله قطّ، فشغفت به واستحسنته فلم تسمح نفسي بإهدائه إلى أحد، ولا استعماله فيما استبذل إلا في يوم إعذارك، فإني نجّدت منه الصّدر ومسنده ومساوره ومخادّه. أفتلومني يا بنيّ على أن أقوم لهذا الرجل؟ فقلت: لا والله يا أبي، ولا على أكبر من القيام لو كان مستطاعا. قال: وكان أبي بعد ذلك إذا صرف رجلا عامله بكلّ جميل يقدر عليه وقال: علّمنا أحمد بن أبي خالد حسن التصرّف. «569» - قال: وجلس عبيد الله بن سليمان يوما للمظالم في دار المعتضد، وهو وزيره، فتقدّم إليه عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات يتظلّم من أحمد بن إسرائيل بسبب الضّيعة المعروفة بتناضب. فنظر في أمره وقال له: أنت عمر بن محمد؟ قال: نعم، قال: فأين كنت؟ فقصّ عليه أمره وخبره وقال له: أنت ابن سكران [1] ؟ قال: نعم.   [1] سكران اسم والدته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 300 قال أبو عبد الله محمد بن داود بن الجرّاح: فلما كان عشيّ يومنا ذلك، وخلا وكنت أنا وابناه بين يديه، تحدّث واستروح، ثم قال لنا: سبحان الله! ما أعجب ما كنت فيه اليوم! فلم نسأله عن ذلك إجلالا له. [قال لي أبو أيوب رحمه الله] إنه كان في أيام الواثق في ذلك البلاء والضرب والقيد، وإنه حمل إلى محمد بن عبد الملك الزيات ليناظره ويردّه إلى محبسه. وكان بين يديه على تلك الحال، فجعل يناظره، والحسن بن وهب كاتبه جالس، وربما تكلّم بالكلمة ترقّقه عليه وربما أمسك، ومحمد دائب في الغلظة على أبي أيوب والدي والتشفّي منه، إذ مرّ بعض خدم محمد بن عبد الملك في الدار وعلى كتفه صبيّ قد خضب، وعليه لبوس مثله من أولاد الملوك، فلما رآه صاح بالخادم: هاته، فقرّبه إليه فقبّله وترشّفه وضمّه إليه، وجعل يلاعبه. وحانت منه التفاتة إلى والدي، فإذا دمعته قد سبقته وهو يمسح جبينه بالجبّة الصوف التي كانت عليه، فقال له: ما الذي أبكاك؟ فقال: خير أصلحك الله، إلى أن قال: لا تبرح أو تخبرني بالأمر على حقّه. فلما رأى ذلك الحسن بن وهب قال له: أنا أصدقك؛ لمّا رأى أبو محمد عمر، أسعد الله ببقائه وجعلنا جميعا فداءه، ذكر بنيّا له في مثل سنّه يقال له عبيد الله،- قال: وكانا ولدا في شهر واحد- فالتفت إليه محمد كالهازىء به ثم قال: أتراه يقدّر أن يكون ابنه هذا وزيرا؟ قال الحسن: فلما أمر بحمله إلى محبسه، التفت إليّ وقال: لولا أنّ هذا من أمور السلطان التي لا سبيل إلى التقصير فيها ما سؤتك فيه، ولو أعانني على نفسه لخلّصته. فقال الحسن: فو الله ما رأيته منذ حبس، فإن رأيت أن تأمر بالعدول به إلى بعض المجالس والإذن لي في القيام إليه والخلوة معه لأشير عليه بامتثال أمرك. قال: فأمر بذلك. فقمت إلى أبي أيوب وتعانقنا وبكينا، فقال لي قبل كلّ شيء: رأيت أعجب من بغيه، ومن قوله بالتباطر والهزء: أتراه يقدّر أن يكون ابنه هذا وزيرا؟ وو الله إني لأرجو- بعون الله- أن يبلغ إلى الوزارة، فيتقدّم إليه عمر هذا متظلّما؛ فلما كان في يومنا هذا، تقدّم إليّ عمر فتظلّم، وما كنت عرفت له خبرا قبل ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 301 وقد روي أنّ هذا الولد اسمه عبد الملك، وكنيته أبو مروان، وأنّ عبيد الله بن سليمان ولاه ديوان البريد والخرائط، فتقلّده ثلاثين سنة أو أكثر حتى عرف بأبي مروان الخرائطي ونسي نسبه. «570» - وروي في هذا الخبر أنّ محمد بن عبد الملك قال لسليمان: كأني بك قد ذكرت عبيد الله وأمّلت فيه الآمال، وو الله لا رأيت فيه شيئا ممّا تأمله، وأنا أستحلفك بالله إن بلغ النك هذا إلا أوصيته إن جاءه ابني بشيء من هذا إلّا وأسرف بعد ذلك في الاستماع. فما مضت إلا مدّة يسيرة حتى سخط المتوكّل على ابن الزيّات، وتولّى سليمان مناظرته. ووصّى سليمان ابنه وقال: يا بنيّ، إن [رفعك] الله ووضعه حتى يحتاج إليك، فأحسن إليه. «571» - قال يحيى بن خاقان: كان المأمون ألزمني خمسة آلاف ألف درهم، فأعلمته أني لا أملك إلا سبعمائة ألف، وحلفت على ذلك أيمانا مغلّظة اجتهدت فيها، فلم يقبل منّي وحبسني عند أحمد بن هشام؛ وكان بيني وبينه شرّ، وكان يتقلّد الحرس. فقال لأحد الموكّلين بي: احفظوه، واحذروا أن يسمّ نفسه. ففطن المأمون لمراده فقال له: يا أحمد، لا يأكل يحيى بن خاقان إلا ما يؤتى به من منزله. قال: فأقمت على ذلك، فوجّه إليّ فرج الرخّجي بألف ألف درهم، ووجّه الحسن بن سهل بألف ألف درهم، فأضفت ذلك إلى ما كان عندي، واضطربت حتى جمعت خمسة آلاف ألف درهم. فلما اجتمعت كتبت إلى المأمون بحصول المال الذي ألزمنيه، فأمر بإحضاري فدخلت إليه وبين يديه أحمد بن أبي خالد، وعمرو بن مسعدة، وعليّ بن هشام، فلما رآني قال لي: أفلم تخبرني وتحلف لي أنّك لا تملك إلا سبعمائة ألف، فمن أين لك هذا المال؟ فصدقته عن الأمر وقصصت عليه القصّة، فأطرق طويلا ثم قال لي: قد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 302 وهبته لك، فقال له الحضور: أتهب خمسة آلاف ألف درهم وليس في بيت المال درهم واحد، وأنت محتاج إلى ما دون ذلك بكثير، فلو أخذته قرضا، فإذا جاءك مال رددته عليه؟ فقال لهم: أنا على المال أقدر من يحيى وقد وهبت له، فرددت إلى القوم ما كانوا حملوه إليّ، وتخلّصت. «572» - وذكر محمد بن عبدوس أنّ الفضل بن مروان حدّث قال: سعى محمد بن يزداد إلى المأمون بعمرو بن بهنوي، فقال له المأمون: يا فضل، خذ عمرا إليك فقيّده و؟؟ ضيّق عليه ليصدق عمّا صار إليه من مال الفيء، فإنّه قد احتاز منه مالا جليلا، وطالبه بذلك. فقلت: نعم، وأمرت بإحضار عمرو فأحضر، وأخليت له حجرة في داري، فأقمت له ما يصلح له، وتشاغلت عنه بأمور السلطان في يومي وغده؛ فلما كان اليوم الثالث أرسل إليّ عمرو يسألني الدخول إليه، فدخلت، فأخرج إليّ رقعة قد أثبت فيها كلّ ما يملكه من الدّور والعقار والأموال والفرش والكسوة والجوهر والكراع وما يحوز معه من الرقيق، فكان قيمة ذلك عشرين ألف ألف درهم، وسألني أن أوصل رقعته إلى المأمون وأعلمه أنّ عمرا قد جعله من جميع ذلك في حلّ وسعة. فقلت له: مهلا، فإنّ أمير المؤمنين أكبر قدرا [من] أن يسلبك نعمتك كلّها؛ فقال عمرو: إنّه كما وصفت في كرمه، ولكنّ الساعي لا ينام عنّي ولا عنك، وقد بلغني ما تقدّم به في شأني من الغلظة، وقد عاملتني بضدّ ذلك، وقد طبت نفسا بأن أشتري عذل أمير المؤمنين لك في أمري ورضاه عني بجميع مالي. فلم أزل أنزله حتى وافقته على عشرة آلاف ألف درهم وقلت له: هذا شطر مالك وهو صالح للفريقين، وأخذت خطّه بالتزام ذلك صلحا عن جميع ما جرى على يديه؛ وصرت إلى المأمون فوجدت محمد بن يزداد قد سبقني إليه، وإذا هو يكلّمه، فلما رآني قطع كلامه وخرج. فقال المأمون: يا فضل، قلت: لبّيك يا أمير المؤمنين، أنا عبد الجزء: 9 ¦ الصفحة: 303 طاعتك، وغرس أيّامك. فقال: أمرتك بالتضييق على النبطيّ عمرو بن بهنوي، فقابلت أمري بالضدّ، ووسّعت عليه، وأقمت له الأنزال! فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ عمرا يطالب بأموال عظيمة، فلم آمن أن أجعل محبسه في بعض الدواوين، فيبذل مالا يرغب في مثله فيتخلّص، فجعلت محبسه في داري، وأشرفت على طعامه وشرابه لأحرس لك نفسه، فإنّ كثيرا من الناس اختانوا السلطان، وتمتّعوا بالأموال، ثم طولبوا بها، فاحتيل عليهم ليتلفوا ويفوز بالأموال غيرهم. قال الفضل: وإنّما أردت بذلك تسكين غضب المأمون عليّ، ولم أعرض الرقعة عليه، ولا أعلمته ما جرى بيني وبين عمرو لأني لم آمن سورة غضبه في ذلك الوقت لاشتداده. فقال لي: سلّم عمرا إلى محمد بن يزداد، فتسلّمه ولم يزل يعذّبه بأنواع العذاب ليبذل له شيئا، فلما رأى أصحابه وعمّاله ذلك وما قد ناله جمعوا له بينهم ثلاثة آلاف ألف درهم، وسألهم عمرو أن يبذلوها لمحمد؛ وصار محمد إلى المأمون متبجّحا بها، فأوصل الخطّ بها إلى المأمون، وكنت واقفا، فقال المأمون: يا فضل، ألم نعلمك أنّ غيرك أقوم بأمورنا، وأطوع لما نأمر به؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أرجو أن أكون في حال استبطائك أبلغ في طاعتك من غيري؛ فقال المأمون: هذه رقعة عمرو بن بهنوي بثلاثة آلاف ألف درهم. فقلت له- وما اجترأت عليه قطّ جرأتي في ذلك اليوم، فإني أخرجت عليه إضبارة كانت مع غلامي، فأخذت الرقعة منها مسرعا- وقلت: والله لأعلمنّ أمير المؤمنين أني مع رفقي أبلغ في حياطة أمواله من غيري مع غلظته، وأريته رقعة عمرو التي كان كتبها لي وحدّثته حديثه عن آخره، فلما تبيّن الخطّين وعلم أنّهما جميعا خطّ عمرو قال: ما أدري أيّكما أعجب؟ أعمرو حين شكر برّك وطابت نفسه بالخروج عن ملكه بهذا السبب، أم أنت ومحافظتك على أهل النّعم وسترك عليه في ذلك الوقت، والله لا كنتما يا نبطيّان أكرم مني، ودفع إليّ الرقعة التي أخذها محمد بن يزداد من عمرو، وأمرني بتخريقها وبتخريق الأولى، وأنفذ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 304 من يتسلّم عمرا من محبسه، وأمره بتسليمه لي، وأمرني بإطلاقه، ففعلت ذلك. «573» - قيل: كانت محابس أحمد بن طولون مملوءة، وكان الوالي عليها موسى بن مفلح [1] ، فأمره أحمد بن طولون بتعرّف أخبار المحبوسين، قال موسى: فرأيت رجلا منهم له هيئة وله في الحبس سنون، وعرفته بكثرة صلاته وصيامه، فعرضت عليه الشفاعة وكتب الرّقاع إلى من يرى، فكتب رقعة، ثم استأذنني في الذّهاب إلى منزله ليدّبر أمره ويعود، وواثقني بعهود وقال: ما أعرف أحدا غير أبي طالب فليح [2] والد محمد بن فليح، ولو قدرت عليه لاستعنت به، وكان فليح والي شرطة أحمد بن طولون. قال موسى بن مفلح: فرحمته ورثيت له. وفكّرت في أحمد بن طولون وشدّة بأسه، وأني أخرج من محبسه رجلا بغير أمره ثم آثرت الله ورضاه وحمّلت نفسي خطّة عظيمة، فأذنت له في الذهاب إلى منزله، وأن يقيم ثلاثا يدبّر أمره ويحتال ثمّ يعود. وأطلقته ليلة الجمعة لما شاهدت من حسن طريقته واجتهاده في العبادة، فعاد إليّ غداة يوم السبت فسألته عن خبره، فقال: سألت فليحا وسألته فوعدني ومضى في حاجتي، وعاد إليّ قرب العتمة مغموما وقال لي: كلّمت فيك الأمير فقال: أذكرتني رجلا يحتاج إلى عقوبة، ثم تقدّم إلى بعض أسبابه أن يعرضك يوم السبت، ثم قال لي فليح: وددت أني ما تكلّمت في أمرك؛ فلما سمعت هذا من أمري جئت إليك خوفا عليك أن يأتيك الرسول فيطلبني فلا أكون في الحبس، فبادرت لئلا تلقى مكروها. قال موسى بن مفلح: فلما أضحى النهار وافى رسول أحمد بن طولون في   [1] السيرة: موسى بن صالح والمكافأة: موسى بن مصلح. [2] السيرة والمكافأة: الخليج. 20 التذكرة الحمونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 305 طلب الرجل، فركبت وسرت إليه، فحدّثته بالحديث ووصفت له اجتهاد الرجل، وأنّي أطلقته بغير أمره، وأنّه عاد إليّ خوفا عليّ، فاستحسن أحمد بن طولون ذلك، وزال غضبه عليه، وكان السبب في العفو عنه والإحسان إليه. «574» - سعى ولد لسليمان بن ثابت بأبيه إلى أحمد بن طولون، وكان سليمان يكتب لشقير الخادم غلام الخليفة وخليفته على الطراز. وكان ولد سليمان بن ثابت يقول لأحمد بن طولون: إنّ شقيرا أودع أبي أربعمائة ألف دينار. فأحضر أحمد بن طولون سليمان بن ثابت وقال: اصدقني عن هذا المال، فحلف له سليمان أنّ شقيرا ما أودعني شيئا من هذا؛ فقال أحمد بن طولون: ابنك عرّفني هذا، فأمسك عنه ولا تجبه، واطوه عن ابنك. ثم أمسك أحمد بن طولون عن ابنه ومقته. فلم يمض حول حتى توفي سليمان بن ثابت، فأظهر ابن طولون غمّا، وولّى ابنه الساعي به عملا، وضمّ إليه رجالا. فأقام شهورا ثم دعا به، فقال: قد أحسنت إليك، فاحمل إليّ الأربعمائة الألف الدينار التي أودعها شقير لأبيك. فلجلج واضطرب وهلع، فسلّمه أحمد بن طولون إلى إسماعيل بن عمّار فضربه خمسين سوطا، واصطفى أمواله، ثم عاوده الضّرب حتى مات. 575- وروي أن أحمد بن طولون في أول أمره رأى في منامه أنّه أنزل رجليه في بئر مملؤة دما، وأنّ السماء تمطر على رأسه، فنظر فإذا هي عذرة. فهالته الرؤيا ودعا بمعبّر فذكرها له، فقال له: تحصل في بلد بعيد من السلطان بمنزلة البئر، وتتناول من الدماء ما يعظم أمره، وتقبل عليك الدنيا لأنّها مذمومة مرذولة وهو تعبير ما سقط على رأسك، فكانت البئر مصر، وكانت الدماء ما عمل، وكانت العذرة الأموال التي أقبلت عليه. «576» - ورأى أحمد بن طولون، وهو والي مصر، في منامه محمد بن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 306 سليمان الكاتب- وهو يومئذ يكتب لغلامه لؤلؤ- كأنه يهدم ميدانه وقصره. فلما أصبح قال للؤلؤ: ما فعل كاتبك محمد بن سليمان؟ فقال خيرا، فقال: جئني به، فإني رأيت البارحة وهو يهدم قصري وميداني. فقال: هو بالريف، فقال: اكتب إليه ليجيء. فلما انصرف لؤلؤ أحضر كاتبه وقال له: طر في الدنيا، فمن خبرك كذا وكذا، وقد طلبك الأمير وهو والله قاتلك. فهرب محمد بن سليمان إلى العراق، وقضي إلى أن خرج في أيام المكتفي إلى مصر، وقلع آل طولون، وهدم الميدان. وقد قيل إنّه كان وقع في يد محمد بن سليمان وضربه بالسوط وأفلت من يده. «577» - وجاءه ابن دشومة فقال له: أيّها الأمير، فعلك فعل الجبّارين، ونفسك نفس الزّهاد. فقال له أحمد بن طولون: وما الخبر؟ فقال له ابن دشومة: في البلد أموال تالفة مبلغها كذا وكذا؛ فقال له: تجيئني في غد. فغدا عليه فقال له: ويحك، إني رأيت البارحة في منامي فلانا- شيخا له من أهل طرسوس- وهو يقول لي: لا تقبل من ابن دشومة ما قال لك، فهو غاشّ لك، والله يعوّضك، فاتركه لله. فقال له ابن دشومة: قول ذلك منام، وقولي يقظة. فلما كان بعد أيام وجد أحمد بن طولون كنزا مبلغه ألف ألف دينار سوى الجوهر، فأحضر ابن دشومة فقال: أنت غاشّ لي، وسخط عليه. «578» - حدّث محرز بن القاسم وكان هو وآخر من الخراسانية [من رجال عبد الله بن علي قال: كانت عبدة] بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية امرأة هشام بن عبد الملك، وكان هشام وهب لها بدنة [1] من جوهر. فأخذها عبد الله بن علي-   [1] بدنة: دراعة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 307 وكانت من أجمل النساء- فوضع الوهق [1] على رجليها، وكانت تقول: إنّا لله! عروس بالليل ومعذّبة بالنهار! فبلغ ذلك أبا العباس، وكان عبد الله قد استخرج منها البدنة. قال: فبعثني وبعث معي رجلا وأمرنا أن نحملها من دمشق ونحمل معها البدنة، وأوصانا بقتلها في الطريق لئلا ترد على أبي العباس فتخبره بما كان منه إليها. فسرنا بها مراحل، فبينا نحن في ليلة ظلماء إذ عدلنا بها عن الطريق، ثم استنزلناها فظنّت أنّا نريدها لفاحشة، فقالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! اتقيا الله عزّ وجلّ ولا تفضحاني. فقلنا لها: ما يراد بك أعظم من ذلك. فقالت: القتل؟ فقلنا: نعم. قالت: الحمد لله ربّ العالمين! دعاني أصلح من شأني؛ فعقدت كمّيها ولفّت رأسها في مقنعتها، وجثت على ركبتيها، فقتلناها ثم حفرنا لها حفيرة وواريناها فيها، ثم قدمنا على أبي العباس فدفعنا إليه البدنة وقلنا له: ماتت في الطريق، فلم يسألنا عن غير ذلك. 579- قال أبو الطفيل: ولد لرجل غلام على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأتي به فدعا له وأخذ ببشرة جبهته فقال بها هكذا، غمر جبهته ودعا له بالبركة فنبتت شعرة في جبهته كأنها هلبة فرس. فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أحبّهم فسقطت الشعرة عن جبهته. فأخذه أبوه فقيّده، ودخلنا عليه فوعظناه؛ وقلنا له: ألم تر أنّ بركة دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد وقعت من جبهتك؟ فما زلنا به حتى رجع وتاب فردّ الله الشعرة في جبهته. «580» - قيل للاسكندر: لو استكثرت من النّساء ليكثر ولدك ويدوم بهم ذكرك. فقال: دوام الذّكر بتحسين السّير والسّنن، ولا يحسن بمن غلب الرجال أن تغلبه النّساء.   [1] الوهق: حبل في طرفيه أنشوطة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 308 «581» - خطب عمر رضي الله عنه أمّ كلثوم بنت عليّ من فاطمة [1] عليهما السلام، وقال: زوّجنيها فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد. فقال: هي صغيرة وأنا أبعثها إليك فإن رضيتها فقد زوّجتكها. فبعثها إليه ببرد وقال لها: قولي له هذا البرد الذي قلت لك. فقال: قولي له قد رصدت رضي الله عنك. فتناول قناعها، فقالت: لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. وقالت لأبيها: بعثتني إلى شيخ سوء فقال: مهلا يا بنيّة، فإنه زوجك. فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين الأوّلين في الروضة وقال: رفّئوني فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: كلّ سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري، فصار لي به السبب والنسب، فأردت أن أجمع إليه الصهر. وولد منها لعمر زيد ورقية. وأما زيد الأصغر وعبد الله بن عمر فقد ولدا من أمّ كلثوم بنت جرول من قضاعة. «582» - وخرج زيد من عند معاوية فأبصر بسر بن أرطأة على دكّان ينال من عليّ، فصعد الدكان فاحتمله وضرب به الأرض وصفر عليه فدق ضلعين من أضلاعه، فقال معاوية: أبعد الله بسرا يشتم جد الرجل وهو يسمع! أما علم أنّ زيدا ابن عليّ وعمر. وماتت أمّ كلثوم وزيد في وقت واحد وصلّى على جنازتيهما سعيد بن العاص، وكان والي المدينة. وقال له الحسين بن علي عليهما السلام: تقدّم، ولولا أنّك أمير ما قدّمتك. «583» - قال إسحاق بن اليمان: رأيت رجلا نام وهو أسود الرأس واللحية   [1] العقد: من علي وهو ما يقتضيه السياق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 309 شابّ يملأ العين، فرأى في منامه كأنّ الناس قد حشروا، وإذا بنهر من نار وجسر يمرّ عليه الناس. فدعي فدخل الجسر، فإذا هو كحدّ السيف يمور به يمينا وشمالا، فأصبح أبيض الرأس واللحية. «584» - رأى رجل في منامه كأنه يصب الزيت في الزيتون، فقال له ابن سيرين: إن صدقت رؤياك فأنت تفعل بأمّك، وكان كما قال. «585» - أتى دومة بنت مغيث آت في المنام فقال لها [من الرجز] : ألا ابشرن بولد ... أشبه شيء بالأسد إذا الرجال في كبد ... تغالبوا على [بلد] كان له حظّ الأسد فولدت المختار بن أبي عبيد، وذلك في سنة الهجرة. «586» - رأى عليّ بن الحسين مكتوبا على صدره «قل هو الله أحد» ، فاستعبر سعيد بن المسيّب، فقال: بضعة من رسول الله صلّى الله عليه وسلم نعيت إليه نفسه. «587» - وقال رجل لسعيد بن المسيّب: رأيت كأنّي بلت خلف المقام أربع مرات. قال: كذبت لست صاحبها، قال: فهو عبد الملك؛ قال: يلي أربعة من صلبه الخلافة. «588» - وقال الشافعي: رأيت عليّا عليه السلام في المنام فقال لي: ناولني كتبك، فناولته فأخذها فبدّدها؛ فأصبحت أخا كآبة، فأتيت الجعد فأخبرته فقال: سيرفع الله شأنك وينشر علمك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 310 «589» - وقال أبو حنيفة: رأيت كأنّي نبشت قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضممت عظامه إلى صدري، فهالني، فسألت ابن سيرين فقال: ما ينبغي لأحد من أهل هذا الزمان أن يرى هذه الرؤيا. قلت أنا رأيتها؛ قال: لئن صدقت رؤياك لتحيينّ سنّة نبيّك. «590» - قال رجل لعلي بن الحسين: رأيت كأني أبول في يدي، فقال: تحتك محرم. فنظر فإذا بينه وبين امرأته رضاع. «591» - كان مع صلة بن الأشيم أعرابيّ فقال: يا أبا الصهباء، رأيت كأنّك أتيت بثلاث شهادات فأخذت اثنتين وأعطيتني واحدة؛ فقال: الشهادة إن شاء الله. فغزوا فاستشهد هو وابنه والأعرابي. «592» - ورأى نوف البكاليّ صاحب عليّ عليه السلام كأنّه يسوق جيشا ومعه رمح طويل في رأسه شمعة تضيء للناس فتأوّلها بالشهادة. فخرج إلى الغزو، فلما وضع رجله في الرّكاب قال: اللهمّ أرمل المرأة وأيتم الولد وأكرم نوفا بالشهادة. فوجدوه وفرسه مقتولين، مختلطا دمه بدم الفرس وقد قتل رجلين. «593» - رأى عبد الملك في منامه أنّ أمّ هشام شقّت رأسه فطلعت من دماغه عشرون قطعة، فطلّقها. ثم بعث إلى سعيد بن المسيب فسأله، فقال: تلد غلاما يملك عشرين سنة، فندم. «594» - قدم عليّ بن عيسى بن ماهان على الرشيد من خراسان فسأله أن يركب مع خواصّه إلى الميدان لينظر إلى هداياه، وقد أمر عليّ بكنس الميدان وفرشه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 311 بالرياحين والآس، وأقام في أحد جانبيه أربعة آلاف غلام تركيّ عليهم اللّباس المرتفع والمناطق المعرّقة بالفضة، وبيد كل واحد شهريّ من أفره الدّوابّ، كلّها مجلّلة مبرقعة بالديباج، وعلى رأس كلّ غلام عمامة من جنس لباسه، وفي الجانب الآخر أربعة آلاف وصيفة تركيّة عليهن ثياب من الملحم الفاخر وغيره، وقد بسط في صدر الميدان بسط عليها الأنطاع صبّت عليها الأموال حتى صارت جبلا عظيما، وبحذائها نوافج المسك مثلها. فلما رجع ونزل بهم قال: يا أبا جعفر أين كنّا عن هذه الاموال؟ قال: يا أمير المؤمنين، أسرّك أن أخذ عليّ بن عيسى أموال الفقراء والأرامل وجاءك بها نارا يتقرب بها إليك؟ والله لتعلم إذا وضحت لك عواقب الأمور أنّك تستوخم فائدتها، ولتفقنّ بدل كلّ درهم دينارا ثم لا تنجو. فقال: عادلت الرشيد حين خرج إلى خراسان فتنفّس تنفّسة كادت نفسه تخرج، ثم قال: لله جعفر بن يحيى، وذكر كلمته، وقال: كانت أقوى الأسباب في تغيّري للبرامكة، وقد والله أنفقت بدل كلّ درهم دينارا وأراني لا أنجو. «595» - لما أصاب زيادا الطاعون في يده أحضر له الأطباء، فدعا شريحا فقال له: لا صبر لي من شدّته فلقد رأيت أن أقطعها، فقال شريح: أتستشيرني في ذلك؟ فقال: نعم؛ قال: لا تقطعها، فالرزق مقسوم والأجل معلوم، وأنا أكره أن تقدم على ربّك مقطوع اليد، فإذا قال: لم قطعتها قلت: بغضا للقائك وفرارا من قضائك. فمات زياد من يومه، فقال الناس لشريح: لم نهيته عن قطعها؟ فقال: استشارني والمستشار مؤتمن، ولولا الأمانة لوددت أن أقطع يده يوما ورجله يوما. «596» - لما نزل قوله تعالى وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (الحاقّة: 12) قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم لعليّ: سألت الله أن يجعلها أذنك، فلم يسمع بعد ذلك شيئا إلا حفظه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 312 وأنشده عمر بن أبي ربيعة قصيدته التي أولها: [من الطويل] أمن آل نعم أنت غاد فمبكر وهي ثمانون بيتا فحفظها وسئل عنها فأعادها؛ وقال له رجل: ما رأيت أروى منك، فقال: ما رأيت أروى من عمر. «597» - وقيل: كان عمر بن هبيرة يضبط حساب العراق وهو أمّيّ. «598» - قال الشعبي: ما كتبت سوداء في بيضاء إلا حفظته. وقال: أحفظ كلّ حديث سمعته وموضعه الذي سمعته فيه. وقال الأصمعي: أحفظ اثني عشر ألف أرجوزة، فقال رجل: منها البيت والبيتان، فقال: ومنها المائة والمائتان. «599» - ورد أبو مسعود الرازي أصفهان، ويقال إنّه أملى عن ظهر قلبه مائة ألف حديث. فلما وصلت كتبه قوبلت بها، فلم يعثر منها على سقطة إلا في متن حديثين. «600» - وادّعى الخوارزميّ أنه يحفظ كتاب الأمثال لأبي عبيد في ليلة. وقد ذكر في موضع آخر من هذا الباب حفظ المتنبّي لكتاب خلق الانسان في اطّلاعة واحدة. «601» - وقيل: جرى ذكر الحفظ لما كان أبو مسعود بأصفهان، فقرىء عليه أوراق من حساب البقالين وأعادها على الترتيب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 313 «602» - وقد حكي مثل ذلك عن أبي العلاء المعرّي. «603» - بدر من أبي عمر الصبّاغ إلى الصاحب جفاء، وكان مؤدّبه، فقام من عنده وكتب إليه: [من السريع] أودعتني العلم فلا تجهل ... كم مقول يجني على مقتل أنت وإن علّمتني سوقة ... والسيف لا يبقى على الصّيقل فاتصل ذلك بأبي الحسين بن سعد فتعجّب منه وكتبه، وقال: ابن ثمانين يكتب شعر ابن عشرين، ثم تلا وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (مريم: 12) . «604» - قال محمّد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري. وكان يقال: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث. وقال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين ووضعت تراجمه بين قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومنبره. وكان يصليّ لكلّ ترجمة ركعتين. وقال: أخرجته من ستمائة ألف حديث، وصنّفته في ست عشرة حجّة وجعلته حجّة فيما بيني وبين الله. «605» - معن بن أوس المزني: [من الطويل] رأيت رجالا يكرهون بناتهم ... وفيهنّ- لا يكذب- نساء صوالح وفيهن- الأيام تعثر بالفتى- ... نوادب لا يمللنه ونوائح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 314 «606» - دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه تفاحة القلب، قال: انبذها عنك، فإنهنّ يلدن الاعداء، ويقرّبن البعداء، ويورثن الضغائن. قال: لا تقل يا عمرو، فو الله ما مرّض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الأحزان إلا هن، وإنّك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته. فقال عمرو: ما أراك يا أمير المؤمنين إلا وقد حبّبتهنّ إليّ. «607» - قال عمرو بن العاص لمعاوية: ما بقي من لذّتك؟ قال: عين خرّارة في أرض حرّارة، وعين ساهرة لعين نائمة. وقال عمرو: أن أبيت معرّسا بعقيلة من عقائل العرب. وقال وردان: الإفضال على الإخوان. «608» - وقال عبد الملك: محادثة الإخوان في الليالي القمر على الكثبان العفر. «609» - وقال سليمان ابنه: صديق أطرح بيني وبينه مؤونة التحفّظ. 610- وقيل لأعرابي: فيم اللّذة؟ قال: في قبلة على غفلة. 611- وقال آخر: سيف كبرق ثاقب، ولسان كمخراق لاعب. 612- وقال طفيلي: في مائدة منصوبة، ونفقة غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع ولا يحبس نفسه من الجزع. 613- وقال آخر: في ندامى تغلق دورهم وتغلي قدورهم. 614- وقال عالم: في حجّة تتبختر إيضاحا وحجة (شبهة) تتضاءل افتضاحا. 615- وقال الراعي: في واد عشيب ولبن حليب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 315 616- وقال عابد: في عمل يخلص، ورياء ينقص، وقلب عن الدنيا يسلو، وهمّة إلى الله تعلو. 617- وقال أعرابي: أشتهي محضا رويّا، وضبّا مشويّا. 618- وقال مضياف: في كوم تنحر، ونار تسعر، وضيف ينزل، وآخر يرحل. 619- وقال معن: في مجلس يقل هذره، وعود ينطق وتره، ورجل عقول يفهم ما أقول. 620- وقال شجاع: طرف سريع وقرن صريع. 621- وقال بحّار: شربة من ماء الفنطاس بقشر النّارجيل، ونومة في ظلّ الشراع. «622» - لم يكن في العجم أرمى من بهرام جور الملك. فتصيّد وهو مردف حظيّة له يتعشّقها، فعرضت له ظباء، فقال: في أيّ موضع تريدين أن أضع السهم؟ فقالت: أريد أن تشبّه ذكرانها بالإناث وإناثها بالذّكران. فرمى ذكرا بنشّابة ذات شعبتين، فاقتلع قرنيه، ورمى ظبية بنشابتين أثبتهما في موضع القرنين. ثم سألته أن يجمع بين ظلف الظبي وأذنه بنشابة، فوصل أذنه بظلفه. ثم رمى بالجارية إلى الأرض ووطئها، وقال: شدّ ما اشتططت وأردت إظهار عجزي. «623» - روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنّا عند أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فمرّت به امرأة تحمل شيخا على عنقها. فقال لها: من الشيخ منك؟ فقالت: أبي. قال: كم يعدّ؟ قالت: سمعته قبل أن يكون على هذه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 316 الحال وقد سئل عن سنّه، فقال: نيف وثلاثون ومائة سنة؛ فقيل له: من أدركت؟ قال: أدركت أحسن الناس وجها، وأسخاهم كفّا، وأتّمهم طولا، وأكرمهم كرما، وأشرفهم شرفا، أبا نضلة هاشم بن عبد مناف. فقال لها عمر: لو رعيته في منزلك كان أودع له. فقالت: يا أمير المؤمنين، إنه قد حدث به حدث من خلق الصّبيان، إذا جاع بكى؛ وقد أدرّ الله له ثديي فأنا أرضعه. فقال لأصحابه: أجازته؟ قالوا: نعم، فقالت: لا والله ما جازيته يا أمير المؤمنين. فقال لها: ولم؟ فقالت: لأنّي قد كنت في مثل حاله يتمنّى بقائي، وأنا اليوم أتمنّى موته. قال: فبكى عمر وبكينا معه، وأمر فزاد في عطائها وعطائه. ثم قال لأصحابه: أيّما أبرّ: الوالد بالمولود أم المولود بالوالد؟ فقالوا: إن البرّ يزيد وينقص. قال: فإذا استويا في البرّ؟ قالوا: الوالد أبرّ. فقال: بل الولد أبرّ لأنّ برّ الوالد طبيعة لا يملك غيرها، وبرّ الولد تكلّف. وهذا معلوم محقّق. وممّا يقارب معناه قول الشاعر: [من الطويل] يقرّ بعيني- وهو ينقص مدّتي- ... مرور الليالي كي يشبّ حكيم مخافة أن يغتالني الموت قبله ... فينشو مع الصبيان وهو يتيم «624» - وكتب إبراهيم بن داحة إلى أبيه: جعلني الله فداك. فكتب إليه: لا تكتب مثل هذا، فأنت على يومي أصبر مني على يومك. «625» - ضرب رجل وطولب بمال فلم يسمح به، فأخذ ابنه وضرب. فجزع، فقيل له في ذلك، فقال: ضرب جلدي فصبرت وضرب كبدي فلم أصبر. «626» - كان يزيد بن [أبي] مسلم- واسم أبي مسلم دينار- من موالي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 317 ثقيف، ويقال ليس مولى عتاقة، وكنيته أبو العلاء، وكان أخا الحجاج، يجري له في كل شهر ثلاثمائة درهم: يعطي امرأته خمسين درهما وينفق في ثمن اللّحم خمسة وأربعين درهما، وينفق باقيها في ثمن الدقيق وباقي نفقاته، فإن فضل شيء ابتاع به شيئا وسقاه المساكين، وربما ابتاع به وطفا فرّقها فيهم، وهو مع ذلك يقتل الخلق للحجاج. وكان مستوليا على أمره وهو الذي قال لسليمان بن عبد الملك، وقد حمله موثقا بعد موت الحجاج، فقال له سليمان: لعن الله امرءا أجرّك رسنه! أترى الحجاج استقرّ في جهنم. فقال: لا تقل هذا، فإنه يجيء يوم القيامة عن يمين أبيك ويسار أخيك فضعه حيث شئت. وحكي أنّ الحجاج عاده من علّة اعتلّها، فوجد بين يديه كانونا من طين ومصباحا من خشب، فقال: يا أبا العلاء، ما أرى أرزاقك تكفيك. قال: إن كانت ثلاثمائة لا تكفيني فثلاثون ألفا لا تكفيني. ويزيد هذا أنذر الحسن البصريّ ونبّهه حتى استتر من الحجاج. وذاك أنّه لقيه خارجا من عنده فقال له: توار يا أبا سعيد، فإني لست آمنه عليك أن تتبعك نفسه. فتوارى عنه تسع سنين. 627- كان عراك بن عياض يكتب لهشام على ديوان الجند بخراسان، فلما تحرّكت الدعاة بخراسان واتّصل الخبر بهشام دعا بعراك وقال: إني مفش إليك سرّا فهل أنت كاتمه ومعين عليه؟ قال عراك: يا أمير المؤمنين! قال: قد دخلت بلاد خراسان وضربت قطريها، ورأيت كبراءها، فسمّ لي الأشراف من غير أهل الديوان. فسمّيت له ما عرفت ممّن دون النهر ووراءه عربا ودهاقين وولاة. قال: ويحك أتعرف بها زريقا أمّ بني أسعد؟ فقلت: ما أعرف هؤلاء، ولا كلّ أهل خراسان أعرف. قال: فإن عرفتهم أو جهلتهم فإنّ لهم شأنا وسيكون لهم شأن، وقد أظل أوان ذلك، وسيزول أمرنا هذا على أيديهم. فقلت: وكيف قلت هذا، أصلحك الله يا أمير المؤمنين؟ فقال: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 318 أنشدني أخي مسلمة أبيات شعر سمعها من أمير المؤمنين عبد الملك، وذكر عنه أنّه وجدها في كتب الملاحم: [من الطويل] إذا ما بغت شرق البلاد على الغرب ... نظرت إلى الأطواد تسحل كالربّ وكان الأقاصي والأداني كلاهما ... على دول للشرق جاءت من الغرب يدير رحاها من خراسان عصبة ... وآل زريق في رحى القوم كالقطب بني أسعد قد هبّت الريح بالتي ... تريدونها ممّا يسطّر في الكتب ومضى الدهر وظهر أمر ولد العباس، فحدّث الحارث بن عبدان البصري في أيام المنصور بهذا الحديث، فقال: لقد سمعت أبا مسلم يحكي هذا الخبر، وزادني في الشعر بيتين وهما: على ولد العبّاس بعد أميّة ... فصونوا جمالا لا تزحزح بالجذب إلى أن ينادي صارخ الله فيهم ... بعيسى إماما فالقيامة بالقرب قال الحارث: فقلت له: من آل زريق؟ فقال: مصعب بن زريق أحد السبعين، وقد روينا لهم دولة تكون بيننا وبينها ستون سنة. 628- طلب أبو جعفر الربيع يوما فلم يجده، فلما دخل عليه سأله عن خبره فقال: كنت عند سليمان الكاتب- يعني أبا أيوب المورياني- فقال: من رأيت عنده؟ قال: عبد الملك بن مروان بن محمد، وقد كلّمه في حاجة فقضاها، فقام عبد الملك فقبّل رأس سليمان. وكان أبو جعفر متكئا فاستوى جالسا وقال: يا ربيع قبّل عبد الملك رأس سليمان؟ فقال: نعم؛ فقال: الحمد لله، وخرّ ساجدا، فأطال ثم رفع رأسه، فقال لي: يا ربيع، أيّ نعمة جدّد الله عند أمير المؤمنين في هذا الوقت؟ قلت: لا أعلم، وأسأل الله أن يجدّد عنده النعم ويواليها ويزيد فيها. فكشف عن ساقيه فإذا فيهما أثر وحش. قال: إنّي لبدمشق في أيام مروان إذ رأيت للناس حركة فقلت: من هذا؟ فقيل: عبد الملك ابن أمير المؤمنين يركب، وما ركب قبل ذلك، فقد أمر الجند والخيول بالزينة. وانجفل الناس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 319 للنظر إليه. فخرجت في من خرج، فازدحم الناس على بعض الطريق زحمة شديدة، وكانت دابّتي صعبة، فسقطت عنها، وغشيني الناس، فمكثت دهرا عليلا، وها هو ذا اليوم يقبّل رأس كاتبي؛ فأحمد الله على نعمته وحسن إدالته. 62» - قيل: إن المنصور لما كان مستترا بالأهواز نزل على بعض الدهاقين فاستتر عنده، فأكرمه الدّهقان بجميع ما يقدر عليه حتى أخدمه ابنته، وكانت في غاية الجمال. فقال أبو جعفر: لست أستحلّ استخدامها والخلوة بها وهي جارية حرّة، فزوّجه إياها، فعلقت منه. وأراد أبو جعفر الخروج إلى البصرة فودّعهم، ودفع إلى الجارية قميصه وخاتمه، وقال: إن ولدت فاحتفظي بولدك، فمتى سمعت أنه قام في الناس رجل يقال له عبد الله بن محمد يكنى أبا جعفر فصيري إليه بولدك وبهذا الخاتم والقميص، فإنه يعرف حقّك ويحسن الصنيع إليك. وفارقهم فولدت ابنا ونشأ الغلام وترعرع، وكان يلعب مع أقرانه. وملك أبو جعفر، فعيّره أقرانه بأنّه لا يعرف له أب. فدخل إلى أمّه حزينا كئيبا، فسألته عن حاله، فذكر لها ما قال أقرانه، فقالت: بلى والله، إنّ لك أبا فوق الناس كلّهم؛ قال لها: ومن هو؟ قالت: القائم بالملك. قال: هذا أبي وأنا على هذه الحال؟ هل من شيء يعرفني به؟ فأخرجت القميص والخاتم. وشخص الفتى فصار إلى الرّبيع فقال له: نصيحة! قال: هاتها! قال: لا أقولها إلا لأمير المؤمنين. فأعلم المنصور الخبر، فأدخله إليه، فقال: هات نصيحتك. قال: أخلني، فنحّى من كان عنده وبقي الربيع. فقال: هات، قال: أويتنحّى، فنحّاه، وقال: هات. قال: أنا ابنك. قال: وما علامة ذلك؟ فأخرج القميص والخاتم، فعرفهما المنصور. قال: وما منعك أن تقول هذا ظاهرا؟ قال: خفت أن تجحد فيكون سبّة آخر الدهر. فضمّه إليه وقبّله، وقال: أنت الآن ابني حقا. ودعا المورياني فقال: يكون هذا عندك، [ما] تفعله بولد لو كان لي عندك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 320 فافعله به؛ وتقدّم إلى الربيع أن يسقط الإذن عنه، وأمر بالبّكور إليه في كل يوم والرواح إلى أن تظهر أمّه فإن له فيه تدبيرا. فضمّه إليه المورياني، وأخلى له منزلا وأوسعه من كلّ شيء، وكان يغدو ويروح إلى المنصور يخلو به، فيسأله المورياني عما يجري بينهما فلا يخبره، فيقول له: إن أمير المؤمنين لا يكتمني شيئا، فيقول: ما حاجتك إلى ما عندي إذن؟ فحسده المورياني واستوحش منه، وثقل عليه مكانه، وأطعمه شيئا فمات؛ وصار إلى المنصور فأعلمه أنه مات فجاءة ثم ولى. فقال المنصور: قتلته قتلني الله إن لم أقتلك به، فكان ذلك من أقوى أسباب سخط المنصور على أبي أيوب المورياني وقتله إياه. «630» - بنى جعفر بن يحيى قصرا وأعظم النفقة عليه وبالغ، ولما عزم على الانتقال إليه جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه إليه، فاختاروا له وقتا من الليل. فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي كان ينزله إلى قصره والطرق خالية والناس هادون، فلما صار إلى سوق يحيى رأى رجلا قائما وهو يقول: [من الوافر] يدبّر بالنجوم وليس يدري ... وربّ النّجم يفعل ما يشاء فاستوحش وتوقّف ودعا بالرجل فقال له: أعد عليّ ما قلت فأعاده، فقال: ما أردت بهذا؟ فقال: والله ما أردت به معنى من المعاني، ولكن شيء عرض لي وجاء على لساني في هذا الوقت. فأمر له بدنانير ومضى لوجهه وقد تنغّص عليه سروره. «631» - وحكي أن السبب كان في بناء جعفر هذا القصر أن متظلّما من أهل أصفهان تظلّم إلى يحيى بن خالد من عامله بها وقال: إنه ظلمني وأساء معاملتي، وأخذ ما لا يجب له مني، وهدم شرفي، فقال يحيى: قد عرفت جميع ما تظلمت منه خلا قولك هدم شرفي، ففسّر لي ذلك. فقال له المتظلّم: أنا من بني الجزء: 9 ¦ الصفحة: 321 رجل كان بنى القصر المهدوم، وكان ينسب إليه، وكان الرائي إذا رأى القصر وجلالته وعلم أني من ولد الباني له عرف بذلك قديم نعمتي وجلالة أوّلي. فاستحسن ذلك يحيى منه وقال للفضل وجعفر: لا شيء أبقى من البناء، فاتخذوا منه ما يبقى لكم ذكرا. فاتّخذ جعفر قصره، وكذلك الفضل. وأمر يحيى بإنفاذ كتاب مع المتظلّم يطالب العامل بإعادة قصره وإنصافه في ظلامته. «632» - وقيل: لما قارب جعفر بن يحيى الفراغ من بناء قصره هذا صار إليه ومعه أصحابه، وفيهم مويس بن عمران، وكان عاقلا كاملا، فطاف به واستحسنه، وقال فيه من حضره من أصحابه في ذلك وأكثر القول ومويس ساكت. فقال جعفر: ما لك لا تتكلم؟ قال له: في ما قال أصحابنا كفاية، وتكرار القول ممّا لا يحتاج إليه. وكان جعفر زكنا، فعلم أن تحت قوله شيئا. قال: وأنت فقل؛ فقال: هو ما قالوا. قال: أقسم لتقولن. قال: إن أبيت إلا أن أقول فتعتزل، ففعل. فقال: تصبر على الصدق؟ قال: نعم قال: فأطيل أم أختصر؟ قال: بل اختصر. قال: اسألك بالله إن خرجت من دارك هذه فمررت بدار لبعض أصحابك تشبهها أو تقاربها فما أنت قائل؟ قال: قد فهمت فما الرأي؟ قال: هو رأي واحد، إن أخّرته عن ساعتك هذه فات فلم تلحقه. قال: وما هو؟ قال: لا أشك أن أمير المؤمنين قد طلبك، وسأل عن خبرك، وضجر بتخلّفك، فأطل اللبث وامض إليه من فورك، وادخل عليه وعليك أثر الغبار، فإذا سألك عن خبرك فقل: صرت إلى الدار التي بنيتها للمأمون، ثم أتبع ذلك من القول ما أنت أعلم به. قال: وقد كان جعفر اتّخذ في هذا القصر ثلاثمائة وستين مقصورة، وكتب إلى كل ناحية يعمل فيها الفرش بأمر أن يتّخذ لبنائه ما يحتاج إليه من الفرش على ذرعه ومقاديره. وكان قد كثر القول في البناء والفرش. فأقام في الدار ساعة ثم مضى من فوره، ودخل على الرشيد فسأله عن خبره، فقال: كنت في الدار التي اتّخذتها للمأمون على دجلة، وتفقدت بعض ما احتجت إلى تفقّده منها. قال: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 322 وللمأمون بنيتها؟ قال: نعم، لما شرّفتني أن جعلته في حجري واستخدمتني له، وعرفت محلّه من قلبك، أردت أن أبني له بناء يشبه هذا المحلّ، ومع هذا فإنني كتبت إلى النواحي بأن يتّخذ لجميع البناء فرش في النواحي التي يستعمل فيها الفرش على مقاديرها، وبقي شيء لم يتهيّا اتّخاذه، فقدّرنا أن نعوّل فيه على خزائن أمير المؤمنين إما عارية وإما هبة، قال: بل هبة. وزال بذلك الشنع الواقع كلّه، وأمره بنزولها، وأبى أن يطلق للمأمون الانتقال إليها. «633» - قال ميمون بن هارون: قلت لعتّابة أمّ جعفر بن يحيى بعد نكبتهم، وهي بالكوفة في يوم أضحى: ما أعجب ما رأيت؟ قالت: أمرنا! لقد رأيتني في مثل هذا اليوم وعلى رأسي مائة وصيفة، لبوس كلّ واحدة منهنّ وحليّها خلاف لبوس الأخرى وحليّها، وأنا في يومي هذا أشتهي لحما لا أقدر عليه. 634- قال حمزة بن عفيف: كنا مع علي بن عيسى بن ماهان في الوقت الذي نزل فيه بالبرامك ما نزل، وكان من معاداتهم والانحراف عنهم إلى ما لا غاية وراءه، وكان مسرورا بنكبتهم. فغدونا يوما إليه من الأيام فوجدنا على قصره بيتين من الشعر وهما: [من السريع] إن المساكين بني برمك ... صبّت عليهم عبر الدّهر وللورى في أمرهم عبرة ... فليعتبر ساكن ذا القصر فلم يبعد ما بين نكبته ونكبتهم. «635» - قال نصير الوصيف: غدوت إلى يحيى بن خالد في آخر أمرهما أريد عيادته من علّة كان يشكوها، فوجدت في دهليز بغلا مسرجا، فدخلت إليه، وكان يأنس بي ويفضي إليّ بسرّه، فوجدته مفكّرا مهموما، ورأيته متشاغلا بحساب النجوم، وهو ينظر فيه. قال: فقلت له: إني لما رأيت البغل مسرجا فسرّني لأني قدّرت انصراف العلّة وأنّ عزمك الركوب، ثم غمّني ما أراه من الجزء: 9 ¦ الصفحة: 323 همّك. قال، فقال لي: لهذا البغل قصة: إني رأيت البارحة في النوم كأنّي راكبه حتى وافيت رأس الجسر، الجانب الشرقي، فوقفت فإذا أنا بصائح يصيح من الجانب الآخر: [من الطويل] كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر قال: فضربت بيدي على قربوس السّرج وقلت: بلى نحن كنّا أهلها فأصابنا ... صروف الليالي والجدود العواثر قال: فانتبهت فلم أشكّ [أني] أنا المراد بالمعنى، فلجأت إلى أخذ الطالع، وضربت الأمر ظهرا لبطن، ووقفت على أنه لا بدّ من انقضاء مدّتنا وزوال أمرنا. قال: فما كاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور ومعه جونة مغطّاة وفيها رأس جعفر بن يحيى، وقال له: يقول لك أمير المؤمنين وكيف رأيت نقمة الله عزّ وجلّ في الفاجر؟ فقال له يحيى: قل له: يا أمير المؤمنين، أرى أنّك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك. 636- أنفذ ملك الروم إلى المنصور رسولا، فورد عند فراغه من الجانبين من مدينة السّلام. فأمر المنصور عمارة بن حمزة أن يركب معه إلى المهدي وهو نازل في الرصافة. فلما صار إلى الجسر رأى الرسول عليه من الزّمنى والسّؤّال عالما، فقال لترجمانه: قل لهذا- يعني عمارة بن حمزة- إني أرى عندكم قوما يسألون، وقد كان يجب على صاحبك أن يرحم هؤلاء ويكفيهم مؤنهم ومؤن عيالاتهم. فقال له عمارة: قل له إنّ الأموال لا تسعهم. ومضى إلى المهديّ وعاد إلى المنصور فخبره عمارة بذلك فقال أبو جعفر: كذبت، ليس الأمر على ما ذكرت، والأموال واسعة، لكن العذر ما أنا ذاكره له، فأحضرنيه. فأحضره إياه، فقال له: قد بلغني ما قلته لصاحبنا وما قاله لك، وكذب لأنّ الأموال واسعة، ولكنّ أمير المؤمنين يكره أن يستأثر على أحد من رعيّته وأهل سلطانه بشيء من حظّ أو فضل في دنيا أو آخرة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 324 وأحبّ أمير المؤمنين أن يشركوه في ثواب السّؤال والزّمنى، وأن ينشلوهم من آفات الدنيا وممّا أعطاهم الله عزّ وجلّ من الرزق، وليكون ذلك تجارة لهم وممحّصا لذنوبهم. فقال الرومي: الحقّ ما قاله أمير المؤمنين. 637- قال أبو إسحاق الصابيء: كنت يوما جالسا في دار المهلبي والقاضي أبو بكر بن قريعة على قرب مني يصلّي. فلما فرغ من صلاته نهض وبسط يديه يدعو، ورفعهما حتى كشف إبطيه، ثم سجد سجدة طويلة وهو يشدّ بجبهته الأرض ويمحي وأنا أتأمله، فلما فرغ من صلاته ودعائه قال لي: لم كنت تحدّ النظر إليّ وتوفّر فكرك عليّ وأنا أصلي؟ أصبوت يا شيخ الصابئة إلى شريعة الملّة الصافية؟ فقلت: لا، بعد، ولكن كنت أعجب من القاضي وهو يرفع يديه حتى يعلو رأسه ثم يحطّ جبهته الأرض حتى كأنّه يحفر بها، فاستشعرت أنه بمثابة من يبتغي طلبته من موضعين متنافيين، وكان عندي أني قد قطعته. فقال: وما ذاك يا شيخ الصابئة بعجيب، وإنّ له من الصواب لأوفر نصيب. فقلت: وكيف ذاك؟ فقال: لأنا نشير بأيدينا إلى مطالع رغبتنا رافعين، قال الله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (الذاريات: 22) ، ونخفض جباهنا إلى مصارع أجسامنا خاضعين، قال الله وهو أصدق القائلين: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (طه: 55) فنحن نستنزل بالأولى لطيف الأرزاق، ونستدفع بالأخرى عنيف الإرهاق، والله كريم. ودمعت عيناه فأبكاني، وعظم في عيني. فدخلت على الوزير وأعدت عليه ذلك، فعجب منه وقال: هو واحد زمانه. 638- قال الوليد بن سريع مولى ابن حريث: وجّهني الجرّاح بن عبد الله من العراق إلى سليمان بن عبد الملك، فخفت أن يسألني عن المطر. فإني لأسير بالسماوة إذا بأعرابي من كلب اسمه شملة، فقلت: يا أعرابيّ، هل لك في درهمين؟ قال: إني والله حريص عليهما فما سببهما؟ قلت: صف لي المطر. قال: أتعجز أن تقول أصابتنا سماء بمطر يعقد منه الثرى، واستؤصل منه العرق، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 325 وامتلأت منه الحفر، وفارت منه الغدران، وكنت في مثل وجار الضبع حتى وصلت إليك. فلما قدمت على سليمان قال: هل كان وراءك من غيث؟ فقلت ذلك. فضحك وقال: هذا كلام لست بأبي عذره. فقلت: صدق فوك، يا أمير المؤمنين، اشتريته والله بدرهمين. 639- قال بشير أخو بشّار، وكانوا ثلاثة إخوة لأم: حنفي وسدوسي وعقيليّ: لو خيّرك الله أن تكون شيئا من الحيوان، إلى أيّ شيء كنت تحب أن تكون؟ قال: عقاب، لأنها تبيت بحيث لا ينالها سبع ولا ذو جناحين، وهي معمّرة، وإن شاءت كانت فوق كلّ شيء، وإن شاءت كانت بقرب كلّ شيء، تغدّى بالعراق وتعشّى باليمن، ريشها فروها في الشتاء وخيشها في الصيف، وهي أبصر خلق الله. «640» - ابن نباتة: [من الكامل] وإذا عجزت عن العدوّ فداره ... وامزج له إنّ المزاج وفاق فالنار بالماء الذي هو ضدّها ... تعطي النّضاج وطبعها الإحراق «641» - البغاء ويروى للرضي ما يماثلها في موضع آخر: [من الكامل] الظلم بين الأقربين مضاضة ... والذّلّ ما بين الأقارب أروح فإذا أتتك من الرجال قوارص ... فسهام ذي القربي القريبة أجرح «642» - وقال محمد بن هانىء: [من الطويل] جهلت الهوى حتى اختبرت عذابه ... كما اختبر الرّعديد بأس المصمّم وقدت إلى نفسي منيّة نفسها ... كما احترقت في نارها كفّ مضرم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 326 «643» - وقال أيضا: [من الكامل] هل آجل ممّا أؤمّل عاجل ... أرجو زمانا والزمان حلاحل وأعزّ مفقود شباب عائد ... من بعد ما ولّى وإلف واصل ما أحسن الدنيا بشمل جامع ... لكنّها أمّ البنين الثّاكل جرت الليالي والتّنائي بيننا ... أمّ الليالي والتنائي هابل وكأنما يوم ليوم طارد ... وكأنّما دهر لدهر آكل في كلّ يوم أستزيد تجاربا ... كم عالم بالشيء وهو يسائل «644» - محمد بن بشير: [من البسيط] خلوت بالبيت أرضى بالذي رضيت ... به المقادير لا شكوى ولا شغب فردا تحدثني الموتى وتنطق لي ... عن علم ما غاب عنّي منهم الكتب هم مؤنسون وألّافّ غنيت بهم ... فليس لي في أنيس غيرهم أرب لله من جلساء لا جليسهم ... ولا عشيرهم للشرّ مرتقب لا بادرات الأسى يخشى رفيقهم ... ولا يلاقيه منهم منطق ذرب حتى كأنّي قد شاهدت عصرهم ... وقد مضت دونهم من دهرهم حقب «645» - ومن المقاصد الغريبة للشعراء قول الرضيّ يوم خلع الطائع، وكان حاضرا القبض عليه: [من البسيط] أمسيت أرحم من أصبحت أغبطه ... لقد تقارب بين العزّ والهون ومنزل كان بالسّراء يضحكني ... يا قرب ما عاد بالضّراء يبكيني هيهات أغترّ بالسلطان ثانية ... قد ضلّ ولّاج أبواب السلاطين الجزء: 9 ¦ الصفحة: 327 «646» - وقال: [من البسيط] كم من غلام ترى أطماره مزقا ... والعرض أملس والأحساب غرّان إذا الفتى كان في أخلاقه شوه ... لم يغن إن قيل أنّ الوجه حسّان «647» - ومن غريب شعره قوله: [من السريع] متى أرى الزّوراء مرتجّة ... تمطر بالبيض الظّبا أو تراح يصيح فيها الموت عن ألسن ... من العوالي والمواضي الفصاح بكلّ روعاء عصيبيّة ... يحثّها أروع شاكي السّلاح [1] كأنّما ينظر من ظلّها ... نعامة رائغة بالجناح متى أرى الأرض وقد زلزلت ... بعارض أغبر دامي النّواح يلتفت الهارب في عطفه ... مروّعا يرقب وقع الجراح متى أرى البيض وقد أمطرت ... سيل دم يغلب سيل البطاح متى أرى البيضة مصدوعة ... عن كلّ نشوان طويل المراح مضمّخ الجيد نؤوم الضّحى ... كأنّه العذراء ذات الوشاح إذا رداح الرّوع عنّت له ... فرّ إلى ضمّ الكعاب الرّداح قوم رضوا بالعجز واستبدلوا ... بالسّيف يدمى غربه كأس راح توارثوا الملك ولو أنجبوا ... توارثوه عن طعان الرّماح غطّى رداء العزّ عوراتهم ... فافتضحوا بالذّلّ أيّ افتضاح «648» - وقال: [من الطويل] تغاوت على عرضي عصائب جمّة ... ولو شئت ما التفّت عليّ غواتها   [1] الديوان: عظينية بدلا من عصيبية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 328 أوليهم صمّاء أذن سميعة ... إذا ما وعت ألوت بها غفلاتها يطول إذن همّي إذا كنت كلّما ... سمعت نباحا من كلاب خساتها هم استلدغوا رقش الأفاعي ونبهوا ... عقارب ليل نائمات حماتها وهم نقلوا عنّي الذي لم أفه به ... وما آفة الأخبار إلا رواتها أريد لأن أحنو على الضّغن بيننا ... وتأبى قلوب أنغلتها هناتها وما النفس في الأهلين إلا غريبة ... إذا فقدت أشكالها ولداتها بني مطر خلّوا نفوسا عزيزة ... تنام فأولى أن يطول سباتها غرست غروسا كنت أرجو لحاقها ... وآمل يوما أن تطيب جناتها فإن أثمرت لي غير ما كنت آملا ... فلا ذنب لي إن حنظلت نخلاتها «649» - وقال أيضا: [من الطويل] وما قولي الأشعار إلا ذريعة ... إلى أمل قد آن قود جنيبه وإني إذا ما بلّغ الله منيتي ... ضمنت له هجر القريض وحوبه فهل عابني قول عقدت بفضله ... فخاري وحصّنت العلا بضروبه «650» - وقال محمد بن هانىء: [من الطويل] أمّا وقد لاح الصباح بلمّتي ... وانجاب عمّا يبتني وتكشّفا فلئن صبرت لأصبرنّ تصنّعا ... ولئن لهوت لألهونّ تكلّفا ولئن ذكرت الغانيات فخطرة ... تعتاد قلبا بالحسان مكلّفا ولقد هززت غصونها بثمارها ... وهصرتهنّ مهفهفا فمهفهفا والبان في الكثبان طوع يدي إذا ... أومأت إيماء إليه تعطّفا ولقد هززت الكأس من يد مثلها ... وصحوت عّما رقّ منها أو صفا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 329 نوادر من هذا الباب 651- كبر رجل من الخوارج وهرم حتى لم يكن فيه نهوض، فأخذ منزلا على ظهر الطريق، فلما جاء مطر وابتلّت الأرض أخذ زجاجا وكسره ورماه في الطريق فإذا مرّ به رجل وعقر رجله الزجاج، قال الخارجي من وراء الباب: لا حكم إلا لله، اللهمّ هذا مجهودي. 652- وكان بالمدينة آخر منهم فرؤي وهو يحذف قناديل المسجد بالحصباء فيكسرها، فقيل له: ما تفعل؟ قال: أنا كما ترى شيخ كبير لا أقدر على أكثر من هذا، أغرّمهم قنديلا أو قنديلين في كل يوم. 653- قال المدائني: تضيّف أعرابي قوما فأبطأوا بالطعام، فقام يدور في. الحيّ فأصاب دبّة فيها سمن، فأدخل يده فيها بلزوجة السّمن، ثم ذهب ليخرجها فلم يقدر؛ فاشتمل عليها، فلما خاف أن يفتضح جلس في المجلس وجعل يعتمد عليها ليخرجها، فتدور عيناه في رأسه وينعصر. فقال شيخ: كأن الحواء علينا دائر ورب الكعبة لا والله لا أبيت في الحواء. فخرج إلى غيضة ثم دخل في غصن منها ملتفّ، وجاء إلى فجوة منه فاستلقى على صخرة؛ وجاء الضيف يطلب شيئا يكسر به الدّبة. فجعل يدور في الغيضة فبصر بصلعة الشيخ تبرق في القمر، فظنّها صخرة فاعتمدها، فضرب بالدبّة رأسه ليكسرها، فصاح الشيخ صيحة اجتمع لها الحيّ، وهرب الرجل، وأدركوا الشيخ مرتاعا لا يدري ما أصابه. «654» - كان مخارق المغني صديقا لأبي العتاهية الشاعر. قال مخارق: فجاءني يوما فقال لي: قد عزمت على أن أتزوّد منك يوما فهبه لي، فمتى تنشط؟ قال، قلت: متى شئت، قال: أخاف أن تقطع بي، فقال: لا والله لا فعلت ولو طلبني الخليفة، فقال: يكون في غد؟ فقلت: أفعل. فلما كان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 330 من غد باكرني رسوله، فجئته، فأدخلني بيتا له نظيفا فيه فرش نظيف، ثم دعا بمائدة عليها خبز سميذ وخلّ وبقل وملح، وعليها جدي حنيذ. فأكلنا منه حتى اكتفينا، ثم أتينا بحلواء فأصبنا منها، ثم دعا بفراخ ودجاج وفراريج مشوية [1] ، فأكلنا منها حتى اكتفينا، وغسلنا أيدينا، وجاءونا بفاكهة وريحان وألوان من الأنبذة، فقال: اختر ما يصلح لك، فاخترت وشربت؛ وصبّ قدحا ثم قال: غنّني في قولي: [من الخفيف] قال لي أحمد ولم يدر ما بي [2] فغنّيته، فشرب قدحا وهو يبكي أحرّ بكاء. ثم قال: غنّني في قولي: [من السريع] ليس لما ليست له حيلة فغنيته وهو يبكي وينشج، وشرب قدحا آخر وقال: غنّني، فديتك، في قولي: [من الطويل] خليليّ ما لي لا تزال مضرّتي [3] فغنّيته إيّاه. وما زال يقترح عليّ كلّ صوت غنّي به في شعره فأغنّيه ويشرب ويبكي حتى صارت العتمة. فقال لي: أحبّ أن تصبر حتى ترى ما أصنع فجلست، فأمر ابنه وغلامه فكسرا كلّ ما بأيدينا من النبيذ وآلاته والملاهي، ثم أمر بإخراج كلّ ما في بيته من النبيذ وآلاته، فأخرج جميعه، فما زال يكسره ويصبّ النبيذ ويبكي حتى لم يبق من ذلك شيء، ثم نزع ثيابه واغتسل ولبس ثيابا بيضا من الصوف، ثم عانقني وبكى، وقال: عليك السّلام يا حبيبي وفرحي من الناس كلّهم سلام الفراق الذي لا لقاء بعده؛   [1] الأغاني: بسمك مشوي، والحلواء بعد السمك. [2] عجزه: أتحب الغداة عتبة حقا. [3] عجزه: موجودة خير من الصبر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 331 وجعل يبكي، وقال: هذا آخر عهدك بي في حال تعاشر أهل الدنيا، فظننت أنّها بعض حماقاته، فانصرفت فما لقيته زمانا. ثم تشوّقته فأتيته فاستأذنت عليه، فدخلت فإذا هو قد أخذ قوصرّتين فثقب إحداهما وأدخل رأسه ويديه فيها وأقامها مقام القميص، وثقب أخرى وأخرج رجليه منها وأقامها مقام السراويل. فلما رأيته نسيت كلّ ما كان عندي من الغمّ عليه والوحشة لعشرته، وضحكت ضحكا ما ضحكت مثله قطّ. فقال: من أيّ شيء تضحك لا ضحكت! فقلت: سخنت عينك! هذا أيّ شيء هو؟ ومن بلغك عنه أنه فعل مثل هذا من الأنبياء أو الزّهاد أو الصحابة أو المجانين؟ انزع هذا عنك يا سخين العين! فكأنّه استحيا منّي. ثم بلغني أنه جلس حجّاما، فجهدت أن أراه بتلك الحال فلم أره. ثم مرض فبلغني أنه اشتهى أن أغنّيه، فأتيت عائدا، فخرج إليّ رسوله يقول: إن دخلت إليّ جدّدت لي حزنا وتاقت نفسي إلى سماعك وإلى ما قد غلبتها عليه، وأنا أستودعك الله وأعتذر إليك من ترك الالتقاء، ثم كان آخر عهدي به. «655» - قيل لأبي العتاهية عند الموت: ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن يجيء مخارق فيضع فمه على أذني ثم يغنّيني: [من الطويل] سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل إذا ما انقضت عني من الدهر مدّتي ... فإنّ غناء الباكيات قليل «656» - طلّق أعرابي امرأته فتزوّجها الأخطل، وكان الأخطل قبل ذلك قد طلّق امرأته الأولى، فتنفّست، فقال الأخطل: [من الطويل] كلانا على همّ يبيت كأنّما ... بجنبيه من مسّ الفراش قروح على زوجها الماضي تنوح وإنّني ... على زوحتي الأخرى لذاك أنوح الجزء: 9 ¦ الصفحة: 332 «657» - حدّث أبو ظبيان الحمامي قال: اجتمعت جماعة من الحيّ على شراب لهم فتغنّى رجل منهم بقول حسّان: [من الكامل] أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل فقال رجل من القوم: ما معنى قوله [1] : [من الكامل] إنّ التي عاطيتني فرددتها فجعلها واحدة ثم قال: كلتاهما حلب العصير فجعلهما اثنتين؟ فلم يقل أحد الجواب، فقال رجل من القوم: امرأته طالق ثلاثا إن بات أو يسأل القاضي عبيد الله بن الحسن عن تفسير هذا الشعر. فأسقط في أيدينا ليمينه، ثم اجتمعنا على إتيان عبيد الله؛ قال: فأتيناه نتخطّى إليه الأحياء حتى أتيناه وهو في مسجده يصلّي بين العشائين، فلما سمع حسّنا أو جز في صلاته، ثم أقبل علينا وقال: ما حاجتكم، فبدأ رجل منا وكان أحسننا بقيّة، قال: نحن أعزّ الله القاضي قوم نزعنا إليك من طرق البصرة في حاجة مهمة فيها بعض الشيء، فإن أذنت لنا قلنا، قال: قولوا؛ فذكر يمين الرجل والشعر؛ فقال: أما قوله: إن التي ناولتني يعني الخمرة، وقوله: «قتلت» أي مزجت بالماء، وقوله: كلتاهما حلب العصير يعني الخمر ومزاجها فالخمر عصير العنب والماء عصير السحاب. قال الله تعالى:   [1] عجز البيت الأول: قتلت قتلت فهاتها لم تقتل. عجز البيت الثاني: بزجاجة أرخاهما للمفصل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 333 وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (النبأ: 14) انصرفوا إذا شئتم. «658» - قال دليم بن مرّة الجهني لتاجر أخذ منه مالا وكان اسم التاجر عرابة: [من الطويل] الله لقّى من عرابة بيعة ... على حين كان النقد يعسر عاجله ولوّى بنان الكفّ يحسب ربحه ... ولم يحسب المطل الذي أنا ماطله سيرضى من الربح الذي كان يرتجي ... ببعض الذي أعطى وما هو نائله «659» - وقال صهيب بن نبراس العنبري: [من الطويل] ومصفرّة عيناه يرشح وجهه ... لحبّ القضاء قد لويت لياليا وكلّ غريم حظّه جحد ماله ... إذا شحّ يوما أو أساء التقاضيا «660» - كان تاجر من أهل الثعلبية يقال له يحيى بن جابر يبيع الأعاريب ويعينهم. فتعيّن منه رجلان من بني أسد يقال لهما طريف بن منظور وحصن بن مطير، وفخّما له في الربح حتى بلغا ما أحبّ فلما انصرفا لحاجتهما قال طريف: [من الطويل] أقول غداة [الثعلبية] بعد ما ... حوينا على أوراق يحيى بن جابر [1] لحصن وكان المرء يفضي بسرّه ... إليّ ولا أخفي عليه سرائري أيطمع يحيى في الوفاء وقد عدا ... على مالنا في البيع عدوة فاجر [2]   [1] في الأصل: أوراد بدلا من أوراق. [2] في الأصل: غدا ... غدوة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 334 فلا يحسب الكوفيّ أنّ عقولنا ... هفت عن حساب مثبت في الدفاتر ولكنّني أغرقت في الربح وانثنى ... وليس له علم بصفقة خاسر فلا يرجون يحيى اختبارا وقد رمى ... بسلعته المغبون في قعر زاخر «661» - وقال عويف القوافي: [من البسيط] أف لكم ولعقل بين أضلعكم ... ماذا وثقتم به منّي ومن ديني من أفلس الناس من دين ومن حسب ... وأظلم الناس طرّا للمساكين «662» - وقال وبر بن معاوية الأسدي: [من البسيط] إني وجدّك ما أقضي الغريم إذا ... حان القضاء ولا تأوي له كبدي إلا عصا أرزن طالت برايتها ... تنوء ضربتها بالكفّ والعضد؟؟ «663» - كان بالمدينة تاجر يقال له سيّار بن الحكم يداين الأعراب؛ فأخذ منه أبو النباش مالا وأرغبه في الربح وانصرف؛ فغاب عنه مدة ثم دخل المدينة مستخفيا، واتّصل خبره بالتاجر، فطلبه بماله عنده، واستغوى جماعة من التجار عليه؛ فلما رأى ما دفع إليه ولم يقدر على الجحود للصكّ الذي عليه وللجماعة الذين اجتمعوا، قال لهم: صيروا معي إلى شارع بني فلان فإن لي جلبا أقدر على موافاته ودفع المال إلى صاحبكم منه، ففعلوا. فلما تمكّن من الهرب سبقهم حضرا على رجليه، وطلبوه فأعجزهم، وانصرفوا يتذامرون ويرجعون باللوم على صاحبهم، فقال أبو النباش عند ذلك أبياتا شرح الحال فيها وقال في آخرها: [من البسيط] لما رأوني وقد فتّ النجاء بهم ... سعيا يقصّر عنه كلّ طيار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 335 قالوا لصاحبهم هيهات نلحقه ... فارجع بنا ودع الأعراب في النار إن القضاء سيأتي دونه أمد ... فاطو الصحيفة واحفظها من النار «664» - وقال أبو الرّبيس الكلابيّ في غريم له يقال له مكحول كان عند مبايعته إياه لم يسأله عن سعر ولا نقصان كيل، بل كان يستصلح جميع ما يدفعه إليه خديعة ومكرا. فلما بلغ منه ما أراد لحق بالبادية: [من الطويل] أما راب مكحولا سماحي وأنّني ... إذا بلغ البيع المكاس أسامح وقولي ولم يبلغ رضاي ولا دنا ... رضيت وهذا من شرا الناس صالح سيعلم مكحول إذا ضمّ رقعة ... لها طينة أيّ الفريقين رابح «665» - كان أبان بن عثمان بن عفان من أهزل الناس وأعبثهم وأولعهم؛ وبلغ من عبثه أنه كان يجيء بالليل إلى منزل رجل من أهل المدينة له لقب يغضب منه فيقول: أنا فلان بن فلان ثم يقف فيلقبه فيشتمه أقبح شتم، وأبان يضحك. فبينا هو ذات يوم جالس وعنده أشعب إذ أقبل أعرابيّ معه جمل، والأعرابيّ أشقر أزرق أزعر [1] يتلظّى كأنه أفعى ويتبيّن الشرّ في وجهه، ما يدنو منه أحد إلا شتمه ونهره. فقال أبان: هذا والله من البادية [2] ، ادعوه لي. فدعوه له وقيل له: إنّ الأمير أبان بن عثمان يدعوك. فأتاه فسلّم عليه وسأله أبان عن نسبه فانتسب له وقال: حيّاك الله يا خالي، حبيب ازداد حبّا، فجلس، فقال له: إني في طلب جمل مثل جملك هذا منذ زمان فلم أجده كما أشتهي بهذه الصفة وهذه الهامة والصورة والورك والأخفاف، فالحمد لله الذي ظفّرني به عند من أحبّه، أتبيعه؟   [1] أزعر: شرس الخلق. [2] الأغاني: البابة أي الشرط والصنف المراد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 336 فقال: نعم أيّها الأمير؛ قال: فإني قد بذلت لك به مائة دينار؛ [وكان الجمل يساوي عشرة دنانير [1]] . فطمع الأعرابي وسرّ وانتفخ، وبان الطمع في وجهه، فقال أبان لأشعب: ويلك يا أشعب، إن خالي هذا من أهلك وأقاربك- يعني في الطمع- فأوسع له فيما عندك؛ فقال: نعم بأبي أنت وأمي وزيادة؛ فقال له أبان: يا خال إنما زدتك في الثمن على بصيرة أنّ الجمل يساوي ستّين دينارا، ولكني بذلت لك مائة لقلّة النقد عندنا، وأنا أعطيك به عروضا تساوي مائة. فزاد طمع الأعرابيّ وقال: لقد قبلت ذلك يا أمير المؤمنين. وأسرّ إلى أشعب، فأخرج شيئا مغطى فقال: أخرج ما جئت به، فأخرج جرد عمامة خلقة تساوي أربعة دراهم، فقال: قوّمها يا أشعب. فقال: عمامة الأمير تعرف به ويشهد فيها الأعياد والجمع ويلقى فيها الخلفاء: خمسون دينارا. قال: ضعها بين يديه وقال لابن رميح [2] أثبت قيمتها، فكتب ذلك ووضعت العمامة بين يدي الأعرابيّ، فكاد يدخل بعضه في بعض غيظا، ولم يقدر على الكلام، ثم قال: هات قلنسوتي، فأخرج قلنسوة طويلة خلقة قد علاها الوسخ والوهن والدهن تساوي نصف درهم. فقال: قوّم، [فقال:] قلنسوة الأمير تعلو هامته ويصلّي فيها الصلوات الخمس، ويجلس فيها للحكم: ثلاثون دينارا. قال: أثبت، فأثبت ذلك، ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابي، فترّبد وجهه وجحظت عيناه، وهمّ بالوثوب ثم تماسك وهو مقلقل. ثم قال لأشعب: هات ما عندك فأخرج خفين قد نقبا وتقشّرا وتفتّقا، فقال: قوّم، [فقال:] خفا الأمير يطّا بهما الروضة ويعلو بهما منبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم: أربعون دينارا، قال: ضعها بين يديه. ثم قال للأعرابي: اضمم إليك متاعك. وقال لبعض الأعوان: امض مع الأعرابي. فأخذ القماش فضرب به وجه القوم لا يألو في شدّة الرمي، ثم قال: أتدري أصلحك الله من أيّ شيء أموت؟ قال: لا، قال: كيف لم أدرك أباك   [1] زيادة من الأغاني. [2] الأغاني: زبنج وذكر في الهامش أنها في المخطوط زبيج بالتصغير. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 337 عثمان فأشرك والله في دمه إذ ولد مثلك؛ ثم نهض كالمجنون حتى أخذ برأس بعيره. وضحك أبان حتى سقط، وضحك كلّ من كان معه. وكان الأعرابي بعد ذلك إذا لقي أشعب يقول: هلم إليّ يا ابن الخبيثة حتى أكافيك على قيمتك المتاع يوم قوّم، فيهرب أشعب منه. «666» - تزوج نديم لأبي شراعة القيسيّ يقال له تبّان [1] امرأة فاتّفق عرسه في ليلة طلّق فيه أبو شراعة امرأة كانت له، فعوتب في ذلك وقيل له: بات تبّان عروسا وبتّ عزبا، فقال في ذلك: [من الطويل] أتت عرس تبّان فهبّت تلومني ... رويدك لوما فالمطلّق أحوط رويدك حتى يرجع البرّ أهله ... وترحم ذات العرس من حيث تغبط [2] إذا قال للطحان عند حسابه ... أعد نظرا إني إخالك تغلط فما راعه إلا دعاء وليدة ... تعلم إلى السّوّاق إن كنت تنشط [3] هنالك يدعو أمّه فيسبّها ... ويلتبس الأجر العقوق فيحبط فنادى العلى إني لفضلك شاكر ... أبيت وحيدا كلما شئت أضرط [4] ثم بلغه عن تبّان هذا أنه عجز عن امرأته ولم يصل إليها ولقي منها شرّا، فقال فيه: [من الطويل] رمى الدهر في صحبي وفرّق جلّاسي ... وأبعدهم عني بظعن وإعراس وكلّهم يبغي غلافا لأيره ... وأقعدني عن ذاك فقري وإفلاسي   [1] في الأصل: بنان والتصويب عن الأغاني. [2] الأغاني: ويرحم رب العرس من حيث يغبط. [3] الأغاني: «هلم» بدلا من «تعلم» . [4] الأغاني: فيا ذا بدلا من فنادى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 338 فشكرا لربّي خان تبّان أيره ... وأسعى بأيري في الظلام على الناس يمسّحه بالكفّ حتى يقيمه ... فهل ينفع الكفّان من ثقل الراس [1] «667» - قال حماد بن الزبرقان: حفظت ما لم يحفظ أحد ونسيت ما لم ينس أحد. كنت لا أحفظ القرآن فأنفت أن أجيء بمن يعلّمني، فحفظته من المصحف في شهر واحد، ثم قبضت يوما على لحيتي لأقصّ ما فضل عن قبضتي فنسيت أني أحتاج أن أقصّ ما دون القبضة فقصصت أعلاها، فاحتجت أن أجلس في البيت سنة حتى استوت. «668» - قال أبو العنبس الصيمري: أنا وأخي توأمان، وخرجت أنا وهو في يوم واحد، ودخلنا سرّ من رأى في وقت واحد، فولي هو القضاء وصرت أنا صفعان، فمن أين يصحّ علم النجوم؟ «669» - ابن الرومي: [من الكامل المجزوء] كم تائه بولاية ... وبعزله يعدو البريد سكر الولاية طيّب ... وخماره صعب شديد «670» - قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد: دخلت البيمارستان فرأيت جماعة من المجانين على أحوال مختلفة، ومررت على شيخ منهم تلوح صلعته وتبرق جبهته بالدهن عليها، وهو جالس على حصير نظيف، وجهه إلى القبلة   [1] هذا البيت لم يرد في الأغاني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 339 وكأنه يريد الصلاة، فجاوزته إلى غيره، فنادى: سبحان الله أين السلام؟ من المجنون أنا أو أنت؟ فاستحييت وقلت: السلام عليكم؛ فقال: لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا الردّ الحسن عليك، غير أنّا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر، لأنه يقال: للداخل على القوم دهشة، اجلس أعزّك الله عندنا، وأو مأ إلى حصيره فنفضه كأنّه يوسّع لي، فعزمت على الدنوّ منه، فبادأني القيّم بأمرهم: إياك إيّاك! فأحجمت. ثم قال وقد كانت معي محبرة: ما هذا؟ أتجالس أصحاب الحديث الأغثياء أم الأدباء أصحاب النحو والشعر؟ قلت: الأدباء، قال: أفتعرف الذي يقول فيه: [من المديد المجزوء] وفتى من مازن ... ساد أهل البصره أمّه معرفة ... وأبوه نكره قلت: لا أعرفه. قال: أفتعرف غلاما قد نبغ في هذا العصر معه ذهن وله حفظ، قد برّز في النحو وجلس في مجلس صاحبه وشاركه فيه يعرف بالمبرّد؟ قلت: والله أنا عين الخبير به. قال: فهل أنشدك شيئا من شعره؟ فقلت: لا أحسبه يقول الشعر؟ قال: يا سبحان الله! أليس هو الذي يقول: [من الرمل المجزوء] حبّذا ماء العناقي ... د بريق الغانيات بهما ينبت لحمي ... ودمي أيّ نبات أيّها الطالب أشهى ... من لذيد الشهوات كل بماء المزن تفّا ... ح الخدود الناعمات قلت: قد سمعته ينشد في مجالس الأنس؟ قال: يا سبحان الله! أو يستحي أن ينشد هذا حول الكعبة؟ ما تسمع الناس يقولون في نسبه؟ قلت: يقولون هو من الأزد، أزد شنوءة، ثم من ثمالة، قال: قاتله الله ما أبعد غوره، أتعرف قوله: [من الوافر] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 340 سألنا عن ثمالة كلّ حيّ ... فقال القائلون ومن ثماله فقلت محمّد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهاله فقال لي المبرّد خلّ قومي ... فقومي معشر فيهم نذاله قلت: أعرف هذه الأبيات لعبد الصمد بن المعذّل يهجوه بها، فقال: كذب والله كلّ من ادّعى هذه غيره، هذا كلام رجل لا نسب له يريد أن يثبت له بهذا الشعر نسبا. قلت: أنت أعلم، قال لي: يا هذا قد غلبت لخفّة روحك على قلبي، وتمكّنت بفصاحتك من استحساني، وقد أخّرت ما كان يجب أن أقدّمه، ما الكنية أصلحك الله؟ قلت: أبو العباس، قال: ما الاسم؟ قلت: محمد، قال: فالأب؟ قلت: يزيد. قال: قبّحك الله! أحوجتني إلى الاعتذار إليك مما قدّمت، ثم وثب باسطا يده ليصافحني، فرأيت القيد في رجليه قد شدّ إلى خشبة في الأرض، فأمنت عند ذلك غائلته؛ فقال: يا أبا العباس: صن نفسك عن الدخول إلى هذه المواضع، فليس يتهّيا لك في كلّ وقت أن تصادف مثلي على هذه الحال الجميلة، أنت المبرّد؛ وأخذ يصفّق، وانقلبت عيناه وتغيّرت خلقته. فبادرت مسرعا وقبلت والله قوله، فلم أعاود الدخول عليهم بعد ذلك. «671» - قال أبو العيناء: كان بالبصرة مقيّن له جوار فغشي الناس منزله لأجلهنّ، فحضر يوما عنده جماعة فيهم قوم من المهالبة. فلما كان وقت العشاء جاء غلام لبعض المهالبة الحاضرين بمئزر مقلوب فوضعه بين يدي صاحبه، وإذا فيه بسر مسكّر باكورة، ولم يكن رأوا قبله منه شيئا، وكان فيمن حضر العطويّ الشاعر، فقال للمهلبي: أطعمني فديتك من هذه الباكورة، فتغافل عنه فقال المقيّن صاحب الدار: فأطعمني أنا منها. فتناول منها شيئا فأعطاه، فقال له العطوي: أطعمني ممّا أعطاك، فقال: لا أفعل، فقال في الحال: [من المتقارب] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 341 جواريك أطعمنك السكّرا ... وأنزلنك المنزل الأكبرا ولولا جواريك ما أطعموك ... على قبح وجهك إلا خرا فضحك كلّ من حضر منه، وأخذ المهلبي جميع ما في المئزر من البسر فرمى به إلى العطوي. «672» - قال أحمد بن أبي طاهر: خرجت من دار الوزير أبي الصقر القاسم اسماعيل بن بلبل نصف نهار يوم في تموز، فملت إلى دار أبي العباس المبرّد لقربها، فأدخلني خيشا له، وقدّم إليّ شيئا أكلته، وسقاني ماء باردا، وحدثني أحسن حديث إلى أن نمت، فحضرني لشقائي وقلة شكري بيتان فاستأذنته في إنشادهما فقال: ذاك إليك وهو يظنّني مدحته فأنشدته: [من الطويل] ويوم كحرّ الشوق في صدر عاشق ... على أنّه منه أحرّ وأوقد [1] ظللت به عند المبرّد قائلا ... فما زلت في ألفاظه أتبرّد فقال لي: قد كان يسعك إذ لم تحمد أن لا تذمّ، وما لك عندي جزاء إلا إخراجك، ووالله لا جلست، فأخرجني فمشيت إلى منزلي بباب الشام، فمرضت ممّا نالني من الحرّ وقعدت ألوم نفسي. «673» - حمّ المنصور في بعض الليالي فأرق فقال للربيع: أحتاج إلى إنسان يحدّثني ويؤنسني، فقال: قد وجدته، فقال: من هو؟ قال ابن عياش [2] المنتوف؛ قال: يبرمني بالأسئلة ويضاعف عليّ العلّة، قال: قد أعطيته من مالي ألف درهم وأمرته أن لا يسألك شيئا. قال: هات حدّثني قال: نعم يا أمير   [1] معجم الأدباء: وأومد، ويوم ومد هو يوم شديد الحر مع سكون الريح. [2] في الأصل: عباس والتصويب عن عيون الأخبار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 342 المؤمنين، خرجت يوما للصيد إلى وادي القرى، فألجأني الحرّ إلى موضع فيه طاق كبير، وإذا بامرأة عجوز جالسة، فقلت لها: هل عندك شيء يؤكل؟ قالت: لا، وإذا في البيت زنبيل معلّق، فقلت لها: خذي هذه الدراهم فاشتري لي لحما وفاكهة. وخرجت فحذفت الزنبيل بالسيف فسقط قطع العود قد عشب، فأكلته كلّه، وإذا هو أحلى من السكر، فلما رجعت قلت لها: يا كذّابة! زعمت أنّه ليس عندك ما يؤكل، وكان في الزنبيل ما فيه. قالت: أو أكلته؟ فقلت: نعم. قالت لي: هذه جارية ختّانة كانت تجيء بالبظور فتلقيها في هذا الزنبيل، فهنأك الله ما أكلته. فضحك المنصور ضحكا شديدا وقال: يا ربيع، ادفع إليه ألف درهم. فلما خرج قال ابن عياش للربيع: ارجع إليه وحسّ عرقه، فإني أخشى أن يكون محموما فيرجع فيها إذا أفاق. فعاد الربيع وحدّث المنصور بذلك فقال: أضعفها له وعجّلها. «674» - قال محمد بن عبد الرحمن العزمي [1] : كنت عند أبي بكر بن عيّاش وجاءه أصحاب الحديث فآذوه فبعث إلى صاحب الربع فجاءه، فقال له: حاجتك يا أبا بكر؟ قال: أقم هؤلاء عني. قال: وما حالهم؟ قال: قد آذوني فأضجروني. قال: ارفق بهم يا أبا بكر، وقال: فقد قصدوك ولهم حقّ. فغضب وقال: انظروا إلى هذا الشبارك! ثم قال: أتدرون ما الشبارك؟ قالوا: لا. قال: كانت امرأة بالكوفة ولها زوج قد عسر عليه المعاش، فقالت له: لو خرجت فضربت في البلاد وطلبت من فضل الله. فخرج إلى الشام فتكسّب ثلاثمائة درهم، فاشترى بها ناقة سمينة فارهة، فركبها وسار عليها، فأضجرته وحلف بطلاق امرأته ليبيعها بدرهم يوم يقدم الكوفة، فقالت امرأته: ما جئت به؟ قال:   [1] الجليس الصالح: العرزمي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 343 أصبت ثلاثمائة درهم فاشتريت هذه الناقة فأضجرتني، فحلفت بطلاقك ثلاثا أني أبيعها يوم أقدم الكوفة بدرهم، قالت: أنا أحتال لك. فعلّقت في عنق الناقة سنّورا، وقالت: أدخلها السوق فناد من يشتري السنّور بثلاثمائة درهم والناقة بدرهم، ولا أفرّق بينهما. قال: ففعل؛ فجاء أعرابيّ فجعل يدور حول الناقة ويقول: ما أسمنك! ما أفرهك! ما أرخصك لولا هذا الشبارك! «675» - قيل لما حضرت الفرّاء النحويّ الوفاة دخل إليه بعض أصحابه فقال له: ما قال لك الطبيب؟ فقال: وما عسى أن يقول الطبيب إن صحة وإن مرضا، إن رفعا فرفعا، وإن نصبا فنصبا، وإن خفضا فخفضا. قال: فكان هذا آخر ما تكلّم به، ثم مضى، رحمه الله. «676» - دخل رجل على مغنّية وقد حضرتها الوفاة، فقال لها: قولي لا إله إلا الله، فقالت [من الكامل] : أزف الرحيل وشدّت الأحداج «677» - ودخل رجل على زفر، رحمه الله، وهو يجود بنفسه، فشاهده فقال: الجواب عن هذا أن يدفع إلى إحدى المرأتين ستة أسباع الصّداق. 678- واحتضر رجل كان يجيد اللعب بالشطرنج. فقيل له: قل لا إله إلا الله، فقال: شاه مات. «679» - قيل إن الحجاج بعث بالغضبان بن القبعثرى ليأتيه بخبر عبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث وهو بكرمان، وبعث عليه عينا، وكذاك كان يفعل، فلما انتهى الغضبان إلى عبد الرحمن قال له: ما وراءك؟ قال: شرّ، تغدّ بالحجاج قبل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 344 أن يتعشّى بك. وانصرف الغضبان فنزل رملة كرمان، وهي أرض شديدة الرمضاء، فبينا هو كذلك إذ ورد عليه أعرابي من بني بكر بن وائل على فرس له يقود ناقة، فقال: السلام عليك، فقال الغضبان: السلام كثير وهي كلمة مقولة. قال الأعرابيّ: ما اسمك؟ قال: أخذ. قال: أفتعطي؟ قال: لا أحبّ أن يكون لي اسمان. قال: من أين أقبلت؟ قال: من الدلول. قال: وأين تريد؟ قال: أمشي في مناكبها. قال: من عرض اليوم؟ قال: المتقون. قال: فمن سبق؟ قال: الفائزون. قال: فمن غلب؟ قال: حزب الله. قال: فمن حزب الله؟ قال: هم الغالبون. فعجب الأعرابي من منطقه، قال له: أتقرض؟ قال: إنما تقرض الفارة. قال: أفتسمع؟ قال: إنما تسمع القينة. قال: أفتنشد؟ قال: إنما تنشد الضالّة. قال: أفتقول؟ قال: إنما يقول الأمير. قال: تتكلم؟ قال: كلّ متكلم. قال: أفتنطق؟ قال: إنما ينطق كتاب الله. قال: أفتسمع؟ قال: حدّثني حتى أسمع. قال: أفتسجع؟ قال: إنما تسجع الحمامة. قال الأعرابي: تالله ما رأيت كاليوم قطّ، قال: بلى ولكنك نسيت. قال الأعرابي: فكيف أقول؟ قال: لا أدري والله. قال الأعرابي: كيف ترى فرسي هذا؟ قال الغضبان: هو خير من آخر شرّ منه وآخر خير منه وأفره منه. قال الأعرابي: إني قد علمت ذاك، قال: لو علمت لم تسألني. قال الأعرابي: إنك لمنكر، قال الغضبان: إني لمعرّف. قال: ليس ذلك أريد، قال: فما تريد؟ قال: أردت إنك لعاقل، قال: أفتعقل بعيرك هذا؟ قال: لا، أفتأذن لي فأدخل عليك؟ قال الغضبان: وراءك أوسع لك. قال الأعرابي: قد أحرقتني الشمس، قال: الساعة يفيء عليك الفيء. قال الأعرابي: إن الرمضاء قد آذتني، قال: بل على قدمك. قال: قد أوجعني الحرّ، قال الغضبان: ما لي عليك سلطان. قال الأعرابي: إني لا أريد طعامك ولا شرابك، قال: لا تعرّض بهما، فو الله لا تذوقهما. قال الأعرابي: أما عندك غير هذا، قال: بلى هراوتان أضرب بهما رأسك. قال الأعرابي: والله إني لأظنّك مجنونا، فقال الغضبان: اللهمّ اجعلني ممّن يرغب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 345 إليك. قال: إني لأظنّك حروريّا قال: اللهم اجعلني ممّن يتحرى الخير. ثم قال له الغضبان: أهذا البعير لك يا أعرابيّ؟ قال: نعم، فما شأنه؟ قال: أرى فيه داء فهل أنت بائعه ومشتر ما هو شرّ منه؟ فولى الأعرابي وتركه وهو يقول: والله إنك لبذخ أحمق. فلما قدم الغضبان على الحجاج قال: كيف تركت أهل كرمان؟ قال: أصلح الله الأمير، أرض ماؤها وشل، وثمرها دقل، ولصّها بطل، والجيش فيها ضعاف، إن كثروا بها جاعوا، وإن قلّوا بها ضاعوا. قال له الحجاج: أما إنّك صاحب الكلمة التي بلغتني عنك حين قلت: تغدّ بالحجاج قبل أن يتعشّى [بك] . قال الغضبان: أما إنها جعلني الله فداك لم تنفع من قيلت له، ولم تضرّ من قيلت فيه. قال الحجاج: اذهبوا به إلى السجن. فمكث فيه إلى أن بنى الحجاج قبة خضراء في واسط أعجبته كما لم يعجبه بناء قطّ. فقال لمن حوله: كيف ترون قبّتي هذه؟ قالوا: أصلح الله الأمير ما بنى ملك مثلها. ولا نعلم للعرب مأثرة أفضل منها. قال الحجاج: أما إن لها عيبا وسأبعث إلى من يخبرني به. فبعث إلى الغضبان فأقبل يرسف في قيوده، فلما دخل عليه سلّم فقال له الحجاج: كيف ترى قبّتي هذه؟ قال: أصلح الله الأمير، هذه قبّة بنيت في غير بلدك لغير ولدك، لا يسكنها وارثك ولا يدوم لك بقاءها، كما لم يدم هالك ولم يبق فان، وأما هي فكأن لم تكن. قال: صدق ردّوه إلى السجن فإنه صاحب الكلمة التي بلغتني عنه، قال: أصلح الله الأمير، ما ضرّت من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له. وقال: أتراك تنجو مني! لأقطعنّ يديك ورجليك ولأكوينّ عينيك. قال: ما يخاف وعيدك البريء، ولا ينقطع منك رجاء المسيء. قال: لأقتلنّك إن شاء الله، قال: بغير نفس والعفو أقرب للتقوى. قال الحجاج: إنك لسمين، قال: لم كان القيد والرّتعة، ومن يك جار الأمير يسمن. قال له الحجاج: ردّوه إلى السجن، قال: أصلح الله الأمير، قد أثقلني الحديد فما أطيق المشي، قال: احملوه لعنه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 346 الله. فلما حملته الرجال على عواتقها، قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (الزخرف: 13) قال: أنزلوه أخزاه الله. قال: اللهمّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (المؤمنون: 29) قال: جرّوه أخزاه الله، قال: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (هود: [41) قال الحجاج: ويحكم! أتركوه فقد غلبني بخبثه، ثم أمر بإطلاقه. «680» - قال زيد بن جدعان: قدمت على معاوية فأنزلني عليه، فكنت أتغدّى عنده وأتعشّى معه. فبينا أنا عنده إذ خرجت من داره وصيفة فدخلت بيتا من بيوته، فقال لي معاوية: لولا مكانك لقد كنت أشتهي أن أصيب منها. قلت: يا أمير المؤمنين، فلا يمنعك مكاني. قال: فقام فدخل عليها. فبينما هو يريد منها ذاك إذ علمت امرأته وهجمت عليه وأنا جالس، فخرجا وقد لبّب كلّ واحد منهما صاحبه. قال: فجعل معاوية يقول: يغلبن الكرام ويغلبهنّ اللئام. قال: فلم تكلّمه حتى أدخلته قصره. قال: وبقيت في موضعي إلى العشاء، وراح الناس إليه، فذهب بي النوم فلم أنتبه إلّا في جوف الليل. قال: وهو في موضعه الذي يبيت فيه. قال: فقمت فإذا الأبواب مغلقة والسّرج تزهر. قال: فدخلت تحت السرير، فلما ذهب هويّ من الليل جاء معاوية، فجلس على السرير ثم دعا امرأته فعرّاها، فجعلت تقبل وتدبر. قال: فبينا هي مقبلة إليه إذ قالت: يا سوأتا! تحت السرير، رجل. قال: فقام معاوية فأخرجني من تحت السرير، وقال: ويحك! رأيت الذي رأيت؟ قلت: نعم. قالت امرأته: ما زال هذا ... [1] منذ اليوم والليلة. قال: فقال: ويحك! ارفع إلينا حوائجك ولا تخبر بما رأيت أحدا. قال: فقضى لي حوائجي وخرجت من عنده.   [1] كلمتان غير واضحتين كتبتا متراكبتين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 347 «681» - وروي عن الأحنف أنه دخل على معاوية يوما فخرجت من داره وصيفة فدخلت بيتا من بيوته، فقال: يا أبا بحر، أنا والله أحبّ هذه الوصيفة وقد أمكنني منها الخلوة لولا مكانك. قال، فقال الأحنف: فأنا أقوم، فقال: لا بل تجلس لئلا تستريب بنا ابنة قرظة؛ وكأنها قد أوذنت به، فقالت للأحنف: يا قوّاد! أين هذا الفاسق؟ فأمأ الأحنف إلى البيت الذي هو فيه: فأخرجته ولحيته في يدها، فقال: الأحنف: ارفقي بأسيرك يرحمك الله. فقالت: يا قوّاد! وتتكلّم أيضا؟! وقام الأحنف فانصرف. «682» - كان عند إبراهيم الحربي رجل ضرير فقرأ ولم يكن طيّب الصوت فقال إبراهيم: [من الهزج] هما اثنان إذا عدّا ... فخير لهما الموت فقير ما له زهد ... وأعمى ما له صوت 683- قال الجاحظ: ما خجّلني إلا امرأة حملتني إلى صائغ فقالت: مثل هذا. فبقيت مبهوتا، فسألت الصائغ، فقال: هي امرأة استعملتني صورة شيطان، فقلت: لا أدري كيف أصوّره، فأتت بك، وقالت: مثله. 684- وقد اتّفق في عصرنا مثل هذا. كان من حواشي دار الخلافة حاجب يعرف بابن الحسام، عظيم الخلقة وحشيّها، ومع هذا يميل إلى النساء ويظنّ أنهنّ يهوينه. فتعرّضت له امرأة وأطمعته في نفسها، وواعدته دكان بعض الصاغة وأن يكون اجتماعهما هناك. فتزيّن وتأهّب وقصد ذلك الدكان ينتظرها، وأبطأت المرأة، فلما فرغ الصائغ من مراده قال له: يا سيدي قم في دعة الله، قال له: ويلك! وما ذاك؟ قال: إن امرأة استعملتني صورة جنّيّ، فقلت: ما رأيت جنّيّا قطّ، فقالت: أنا أنفذ إليك رجلا هو الصورة الجزء: 9 ¦ الصفحة: 348 المطلوبة، وقد رسمت لها ما أرادت. فشتمه وانصرف. «685» - قال العتبي: سرّح المهديّ لحيته ثم قبض عليها فكأنه استصغرها، فأحسّ به أعرابيّ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ لحيتك لجميلة أصيلة، لم تطل فتسمج ولم تصغر فتستقبح، بل خرجت بمقدار من صانع أحكم صنعتها وأحسن نباتها، فمن رأى صاحبها أفلح، ومن طلب إلى حاملها أنجح، ثم قال: [من الكامل المجزوء] لا تعجبنّ بلحية ... كثّت منابتها طويله يهوي بها عصف الريا ... ح كأنها ذنب السّخيله قد يرزق الشرف الفتى ... يوما ولحيته قليله فأعجب بكلامه ووصله. «686» - قال المنصور لابن عياش المنتوف: لو تركت لحيتك، أما ترى عبد الله ابن الربيع ما أحسنه؟ قال: والله يا أمير المؤمنين لأنا أحسن منه. قال: يا سبحان الله وتحلف أيضا؟ قال [ابن عياش] : لئن لم تصدّقني فاحلق لحيته وأقمه إلى جانبي ثم انظر أيّنا أحسن. «687» - عبد الله بن إسحاق بن سلام المكاري [1] : [من الكامل] وتكيد ربّك في مغارس لحية ... الله يزرعها وكفّك تحصد تأبى السجود لمن براك تمرّدا ... وترى العبيد الأرذلين فتسجد   [1] في الأصل: الهكاري والتصويب عن معجم الأدباء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 349 «688» - آخر: [من الكامل المرفل] خرجوا ليستسقوا وقد نشأت ... بحرية قمن بها السفح فانجابت السحب التي نشأت ... فكأنّما خرجوا ليستصحوا 689- وقع أعرابي إلى أرض أصبهان في أيام الربيع فاستطاب الهواء وأنس بالأشجار، فلما جاء الشتاء [ .... ] الأشجار [ .... ] الأقطار فجعل يرتعد من البرد وتخفق أحشاؤه فقال: [من الرجز] بأصبهان شعثت أموري ... لما تقضّى الصيف ذو الحرور ورمّت الآفاق بالهرير ... والثلج مقرون بزمهرير جاءت بشرّ مجنب عاثور ... لولا شعار البرّة البرور أمّ الكبير وأبي الصغير البرة: الشمس، والمجنب: الكبير، والعاثور: المهلك من قولهم وقع في عاثور شر. 690- أنشد الحافظ لرجل من بني نمير وكانت امرأته حضرية: [من الطويل] لعمري لأعرابية بدويّة ... تظل بروقي بيتها الريح تخفق أحبّ إلينا من ضناك صفيّة ... إذا وضعت عنها المراوح تعرق كبطيخة البستان ظاهر جلدها ... صحيح ويبدو داؤها حين تفلق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 350 «691» - كان لبني عدي بن عبد مناة بالبصرة رجل شاب ينزل به يقال إن جمل عائشة رضي الله عنها في موضعه، فابتنى على ذلك [الموضع مسجدا] فقال رجل منهم يهجوهم: [من السريع] قوم كرام غير ما أنّهم ... سطوتهم تغدو على جارهم ليس لهم فخر سوى مسجد ... به تعدّوا فوق أطوارهم لو هدم المسجد لم يعرفوا ... يوما ولم يسمع بأخبارهم «692» - كانت لأعرابي امرأتان فولدت إحداهما جارية والأخرى غلاما فرقّصته أمّه وقالت مضارّة لضرّتها: [من الرجز] الحمد لله الحميد العالي ... أنقذني العام من الخوالي من كلّ شوهاء كشنّ بالي ... لا تدفع الضّيم عن العيال وسمعت الأخرى فأقبلت ترقّص بنتها وتقول: [من الرجز] وما عليّ أن تكون جاريه ... تغسل رأسي وتكون الغاليه وترفع الساقط من خماريه ... حتى إذا ما بلغت ثمانيه أزّرتها بنقبة يمانيه ... أنكحها مروان أو معاويه أصهار صدق ومهور غاليه فتزوجها مروان على مائة ألف وقال: إن أمها لحقيقة أن لا يكذب ظنها ولا يخاس بعهدها. وقال معاوية: لولا أن مروان سبقنا إليها لأضعفنا لها المهر، ولكن لا تحرم الصلة، فبعث إليها بمائتي ألف درهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 351 «693» - رفعت امرأة زوجها إلى القاضي تبغي الفرقة، وزعمت أنه كلّ ليلة يبول في الفراش. فقال الرجل: أصلحك الله لا تعجل حتى أقصّ عليك قصتي: إني أرى في منامي كأني بجزيرة في البحر، وفيها قصر وفوق القصر علّيّة، وفوق العلّيّة قبّة، وفوق القبّة جمل، وأنا على ظهر الجمل، وإن الجمل يتطأطأ ليشرب من البحر فإذا رأيت ذلك بلت فرقا. فبال القاضي وقال: يا هذه أنا قد أخذني البول من هول حديثه، فكيف بمن رأى الأمر عيانا؟ 694- شكا رجل إلى الطبيب وجع البطن وقال: قد أكلت سمكا ولحم بقر وبيضا ومامشا فقال: انظر فإن متّ من هذا وإلا فارم نفسك من حالق. «695» - ركب يزيد بن نهشل بعيرا له لا يكاد ينهض، فلما استوى عليه قال: اللهم إنك قلت: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (الزخرف: 13) ، وإنّي أشهدك أنّي بهذا [1] ، فنفر البعير وتعلّقت رجله بالغرز والبعير يجمز به حتى مات [2] . 696- وكانت جماعة من طلاب الحديث يمشون إلى شيخ لهم، فقال خليع منهم: امشوا رويدا فإن طالب الحديث يطأ على أجنحة الملائكة حتى لا تكسروها، فعثر عثرة فعرج منها. «697» - وكان بالمغرب ورّاق فكتب مصحفا في أسبوع فقيل له: في كم كتبته؟ فقال: في ستة أيام وما مسنا من لغوب [3] ، فحشّت يده، فسّر قوله تعالى:   [1] البصائر: أني له لمقرن. [2] يجمز: يعدو. [3] إشارة إلى قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (ق: 38) . وحشّت يده: يبست. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 352 وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (التوبة: 65) . «698» - أبو نواس: [من الطويل] خلعت مجوني واسترحت من العذل ... وكنت وما لي في التّماجن من مثل أيا ابن أبان هل سمعت بفاسق ... يعدّ مع النّساك فيما مضى قبلي ألم تر أني حين أغدو مسبّحا ... بسمت أبي ذرّ وقلب أبي جهل وأخشع في مشيي وأحفظ ناظري ... وسجادتي في الوجه كالدرهم البغلي وآمر بالمعروف لا عن تقيّة ... وكيف وقولي لا يصدّقه فعلي ومحبرتي رأس الرّياء ودفتري ... ونعلاي في كفيّ من آلة الختل أؤمّ فقيها ليس دهري فقهه ... ولكن لديه المرد مجتمع الشّمل فكم أمرد قد قال والده له ... عليك بهذا إنه من أولي الفضل يفرّ به من أن يشاطر صاحبا ... كمن فرّ من حرّ الجراح إلى القتل «699» - كتب الحمدوني إلى صديق له حبس عليه دفاتره: [من الكامل] ما بال كتبي في يديك رهينة ... حبست علي كذا الزمان الأطول ايذن لها في الإنصراف فإنها ... كنز عليه والزمان معوّلي فلقد تغنّت حين طال ثواؤها ... طال الثواء على رسوم المنزل «700» - أبو بكر الخوارزمي: [من الكامل] لا غرو من صيد الأمير بعده ... إن الأسود تصاد بالخرفان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 353 قد غرّقت أملاك حمير فارة ... وبعوضة قتلت بني كنعان «701» - قال المتوكل يوما: أتعلمون ما عاب الناس على عثمان؟ فقال بعض جلسائه: لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم قام أبو بكر على المنبر دون مقامه بمرقاة، ثم قام عمر دون مقام أبي بكر بمرقاة، فلما ولي عثمان صعد ذروة المنبر فقعد في مقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأنكروا عليه ذلك. فقال عبادة: يا أمير المؤمنين، ما أجد أعظم منّة عليك ولا أسبغ معروفا من عثمان. قال: وكيف ويلك؟ فقال: لأنه صعد ذروة المنبر، ولولا ذلك لكان كلما قام خليفة نزل عن مقام من تقدّمه مرقاة لكنت تخطبنا أنت من بئر جلولاء. «702» - قدمّ إلى عبادة رغيف يابس فقال: هذا نسج في أيام بني أمية ولكن محي طرازه. «703» - قيل جاء ابن قريعة فاتفق أن مداما كان يلعب بالأربعة عشر من يرسل له، فانتظره إلى أن يفرغ من دسته، ثم نهض مدام فاستأذن له، وخرج فأوصله. وقال له الوزير: أين كنت؟ قال: عند مدام، قال: وماذا كان يصنع؟ قال القاضي: كان مقابلا لخادم آخر وبين أيديهما [دست] كشرائح البدور، موزعة جنسا من الحبوب الرياحية على لونين مختلفين، وفي أيديهما كفتان يصكّان بهما الأرض صكّا، فإذا انتصبا ماثلين، وتخالفا في الحالين، سرّ أحدهما واستبشر [واغتاظ الآخر] واستشاط، وإذا اضطجعا في .... غمّ صاحبهما إياسا، ونكّس رأسه، وهذى وسواسا، ودعا عليهما، ولا ذنب لهما. فقال المهلبي: لو نظم هذا شعرا لحسن. 704- وقال أبو إسحاق الصابي: كنّا ليلة بحضرة الوزير أبي محمّد المهلبي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 354 نتذاكر والقاضي أبو بكر بن قريعة حاضر، فأنشدت قطعة من أراجيز المعاني أو غيرها، فاستحسنها المهلبي ومن حضر، وأعجبت القاضي، فقال: يا أبا إسحاق من قائل هذه؟ فقلت له عبثا به: أبو العباس درستويه؛ فقال: أبو العباس صاحب أبي سهل ديرويه؟ قلت: نعم؛ قال: وهو بهذه المنزلة من الأدب والعلم؟ فقلت: وأكثر. وكان هذا الرجل طغامة [1] ، وقد أوردت حكايات عنه في كتابي الذي ألّفته ولقّبته ببدائع ما نجم من مختلفي كتّاب العجم، وهو الذي حضر مجلس أبي الفرج ابن فسانجس وهو جالس للعزاء بأبيه أبي الفضل وقد ورد نعيه من الأهواز، وعند أبي الفرج رؤساء الدولة يعزّونه، وقد قلّد الديوان مكان أبيه، فلما تمكّن درستويه في مجلسه تباكى وقال: اللهمّ ارحم أبا الفضل، كان تربي، وكان وكان، وعدّد كثيرا من أحواله، ثم التفت إلى أبي الفرج وقال له: أطال الله بقاء سيّدنا، دع ما يقول الناس، ورد كتاب بهذا؟ فقال أبو الفرج: قد وردت كتب عدّة؛ فقال: دع هذا كلّه، ورد كتابه بخطّه؟ ما جلسنا للعزاء بكما، وأطرق وهو كالمتبسم، وضحك الحاضرون، وانقطع العزاء، ونهض أبو الفرج ولم يعد إلى مجلسه. قال أبو إسحاق، فقال القاضي: ما علمنا أن أبا العباس بهذه المنزلة من العلم، فيجب أن نقصده ونأخذ عنه فوائده، ونستدعي ديوانه، ونكتب عنه. فقلت قصّر القاضي حيث لم يفعل هذا إلى الآن. قال وانقطع المجلس وبكّر القاضي وقصد دار درستويه، واستأذن عليه، وبدأه بالسلام ومعرفة خبره والاعتذار إليه من تقصيره في حقّه، وذاك يجيبه بما يقتضيه لفظه، ثم قال له القاضي: كنّا البارحة بحضرة الوزير، أطال الله بقاءه، نسمر، فأنشد صديق للشيخ أرجوزة من أراجيزه استحسنها الوزير أعزّه الله وجميع من حضر، فقلت ما يجب على مثلي من أصدقاء الشيخ وأودّائه من يستتبعها بالوصف لها والطرب عليها، وموفيها الحقّ من استحسانها بذلك المجلس، وحضرت الآن لآخذ هذه   [1] طغامة: أحمق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 355 الأرجوزة من فيه، وأضيف إليها من محاسنه ما تقرّ عين مواليه، واسأله إحضار ديوانه لأطالعه وأستزيد منه. فشخص درستويه لا يعلم ما يسمع، ولا يدري بماذا يجيب، وكان له ابنان يزيدان عليه في التخلّف، فاستدعى الأصغر منهما وكان يكنى أبا نصر، وقال له: اسمع قول القاضي وانظر ما حاجته؛ فسأل الصبيّ القاضي عن حاجته، واستشعر السخرية في القصة، وأعاد ذكر الأرجوزة وما جرى، واختصر اللفظ وقلّل العبارة، فلم يعلم الآخر مراده فأحضرا أخاه الأكبر، وقال: القاضي يعيد على أخي ويذكر حاجته؛ فاختصر القاضي اللفظ جميعه، وذكر الأرجوزة، فقطع عليه الكلام وقال: حسبك، قد عرفت ما أراد القاضي، والتفت إلى أبيه فقال له بالفارسية: ولو يكلاه جورد، وتفسيره يطلب خرقة يعملها قلنسوة، فقال الشيخ: وكرامة وعزازة. ثم استدعى خازنه وتقدّم إليه بأن يحمل ما عنده من الخرق إلى بين يدي القاضي ليختار ما يريده. وكان درستويه هذا حسن التجمّل ظاهر المروءة. فحمل الخازن رزمتين كبيرتين فيهما خرق من أصناف الديباج والسقلاطون والحلل. ففتح القاضي واختار منها عشرين خرقة تساوي عشرين دينارا، ووضعها في كمّه وقال: الله يطيل عمر الشيخ، فإنه وولده بقيّة الفضل في بلدنا. ونهض ودرستويه يشكره. قال أبو إسحاق: وراح القاضي إلى دار المهلبي على رسمه واجتمعنا، فقال: يا عيّار، عملت عليّ مكيدة لم تضرّني، وأعاد الحديث على سرحه، وأخرج الخرق من كمّه. فضحك المهلبي حتى فحص برجليه الأرض وضحك الحاضرون، وردّ الخرق إلى كمّه، 705- وكان القاضي يوما بحضرة عضد الدولة، فسمع استغاثة فقال: انظروا ما هي! فقالوا: أحد العمال يعرف بابن النّفّاط قد جرت له قصة أو معه. فعجب الملك من اللقب الذي نسب هذا الرجل إليه، وكيف هو راض بأن يكتب نسبه في رقاعه وحسابه وكتبه. فقال القاضي: أطال الله بقاء مولانا، لقب تعريف. فقال عضد الدولة: يا قاضي، ما معنى لقب تعريف؟ فقال القاضي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 356 الألقاب، أدام الله نعمة مولانا، ثلاثة: لقب تعريف ولقب تشريف ولقب تسخيف؛ فأما لقب التشريف فعضد الدولة وتاج الملّة ومعزّ الأمّة وما أشبه ذلك، وأما لقب التعريف فابن النفّاط وابن الخياط وابن الخرّاط وما أشبه ذلك. وأما لقب التسخيف فابن قطقط وابن زرقط وما أشبه ذلك. فضحك عضد الدولة وقال: القاضي مفتنّ في كل باب أدخلناه أحسن الخروج منه. تم الباب السابع والأربعون الجزء: 9 ¦ الصفحة: 357 الباب الثّامن والأربعون في الملح والسّنوادر الجزء: 9 ¦ الصفحة: 359 [ خطبة الباب ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وبه الإعانة والتوفيق وأسأله حسن الختام الحمد لله الذي شرّفنا بآدابه، وضرب لنا الأمثال في كتابه، وجعل لكلّ خلق حدّا، وبمقدار كلّ ذنب عقوبة وحدّا. نهانا عن اللهو، ولم يؤاخذنا باللغو، وأبرانا من الأوزار والمآثم، ما لم نتعمّد عاقدات العزائم، مسامحة منه وعطفا، إذ علم منا عجزا عن إصدار الحدّ وضعفا. وصلواته على نبيّه المخصوص بأسهل الشّيم وأشرفها، وأرقّ الأخلاق وألطفها، ندب إلى ترك الكلوح والعبوس، وحذّر من اليوم القمطرير العبوس، مزج لنا في دعوته عنفا ورفقا، ومزح ولم يقل إلا حقّا، ونهانا عن الهزل جدا بنا وصدقا، وعلى آله ومتّبعيه، أهل العزم الصريح ومبتغيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 361 [ بداية الباب الثامن والأربعون ] (الباب الثامن والأربعون في الملح والنوادر) النوادر روّاحة، وبها للمكدود استراحة، لا سيما إذا أثقله عبء الجدّ، وعاد باحتماله كليل الحدّ. وهي صادرة عن مزح قد رخّص فيه، ودعابة لم يخل منها كل شريف ونبيه؛ ولا بأس بها ما لم تكن سفها، ولا غرو والله عزّ وجلّ قد وعد في اللّمم بالتجاوز والعفو. «706» - كان النبي صلّى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا. «707» - وقيل لسفيان: المزاح هجنة؟ فقال: بل سنّة، لقوله عليه الصلاة والسلام: إني لأمزح ولا أقول إلا الحقّ. «708» - ومن مزحه عليه الصلاة والسلام قوله لخوّات بن جبير الأنصاري ما فعل جملك الشرود؟ قال: عقله الاسلام. «709» - وسمع صلّى الله عليه وسلم رجلا يقول: [من الخفيف المجزوء] هل عليّ ويحكما ... إن لهوت من حرج فقال: لا حرج إن شاء الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 362 وروي أنه قال هذا لسيرين [1] جارية حسان بن ثابت، وكانت سيرين أخت مارية أمّ ابنه إبراهيم عليه السلام. وكان المقوقس أهداهما إليه صلّى الله عليه وسلم، فوهب سيرين لحسان وسمعها تغنّي بهذا الشعر في أطم حسّان، فقال ذلك. «710» - وقال صلّى الله عليه وسلم لرجل استحمله: نحن حاملوك على ولد النوق قال: لا تحملني، قال: أليس الإبل من ولد النوق؟ «711» - وقال صلّى الله عليه وسلم: ينال العبد بحسن الخلق أجر الصائم القائم. «712» - ووجد صلّى الله عليه وسلم صهيبا يوما وعينه تشتكي، فقال: يا صهيب تأكل التمر على علة عينك؟ فقال يا رسول الله إنما آكله من شقّي الصحيح. فضحك صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. «713» - وأصبح صلّى الله عليه وسلم يوما متغير الوجه، فقال بعض أصحابه لأضحكنّه، فقال: بأبي أنت وأمي، بلغني أنّ الدجال يخرج والناس جياع فيدعوهم إلى الطعام، أفترى إن أدركته أن أضرب في ثريدته حتى اذا تضلّعت آمنت بالله وكفرت به أم أتنزّه عن طعامه؟ فضحك صلّى الله عليه وسلم- وكان ضحكه التبسّم- وقال: بل يغنيك الله تعالى يومئذ بما يغني المؤمنين. «714» - وقال صلّى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: إلحقي زوجك ففي عينه بياض. فسعت المرأة نحو زوجها مرعوبة، فقال لها: ما دهاك؟ قالت: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال لي إن في عينك بياضا. قال الرجل: إن في عيني بياضا لا لسوء.   [1] في الأصل: شيرين والتصحيح عن سيرة ابن هشام ونثر الدر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 363 «715» - وأتته عجوز أنصارية فقالت يا رسول الله: ادع لي بالجنة، فقال لها: أما علمت أنّ الجنّة لا يدخلها العجز، فصرخت، فتبسّم صلّى الله عليه وسلم وقال لها: أما قرأت إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً (الواقعة: 35- 37) . «716» - وروي أن رجلا عدا على امرأة فقبلها فأتت النبي صلّى الله عليه وسلم فشكت ذلك إليه فقال: ما تقول هذه؟ قال: صدقت يا رسول الله فأقصّها. فتبسّم صلّى الله عليه وسلم وقال: أو لا تعود. فقال: لا أعود. نظر إلى هذا المعنى ابن سيابة فقال من أبيات هزل فيها: [من المجتث] لئن لمتك يوما ... فأبصرتني رحاص هجرتني وأتتني ... مسبّة وانتقاص فهاك فاقتصّ مني ... إن الجروح قصاص «717» - نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أعرابيّ يصلّي صلاة خفيفة، فلما قضاها قال: اللهمّ زوّجني بالحور العين. فقال عمر: أسأت النقد وأعظمت الخطبة. «718» - وقال علي عليه السلام: لا بأس بالفكاهة يخرج منها الرجل عن جدّ العبوس. «719» - وأتاه رجل برجل فقال: إن هذا زعم أنه احتلم على أمّي، فقال: أقمه في الشمس فاضرب ظله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 364 «720» - روي عن أبي الدرداء أنه كان لا يتحدث إلا وهو يبتسم في حديثه. «721» - وكان ابن عباس رضي الله عنه إذا أكثر عليه في مسائل القرآن والحديث يقول: أحمضوا، يريد خذوا في الشعر وأخبار العرب. «722» - وقيل: ضاف سلمان الفارسي رحمه الله رجل فقدم إليه كسرا وملحا، فلما أكل وشبع قال: رضيت بما قسم الله تعالى لك لم ترهن للزكاة. «723» - وقال ابن عمر رضي الله عنه لجارية وأراد مزاحها: خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام. «724» - سئل النخعي: هل كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي. «725» - وكان نعيمان أحد الصحابة البدريين مزّاحا. روي أنه خرج مع أبي بكر رضي الله عنه فضحك، وكان في الجملة سويبط- وهو بدريّ أيضا وكان سويبط على الزاد- فقال نعيمان: أطعمني، فقال لا حتى يأتي أبو بكر، فقال نعيمان: والله لأغيظنّك، وجاء إلى ناس جلبوا ظهرا، فقال: ابتاعوا مني غلاما عربيّا فارها، وهو دعّاء له لسان لعلّه يقول: أنا حرّ، فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لا تفسدوا عليّ غلامي. قالوا: بل نبتاعه منك بعشر قلائص. فأقبل الجزء: 9 ¦ الصفحة: 365 بها يسوقها وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال لهم: دونكم! هو هذا. فجاء القوم فقالوا: قد اشتريناك، فقال سويبط: هو كاذب أنا رجل حرّ. قالوا: قد أخبرنا خبرك. فوضعوا الحبل في عنقه وذهبوا به. فجاء أبو بكر رضي الله عنه فأخبر بذلك، فذهب هو وأصحاب له فرّدوا القلائص، وأخبروا بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضحك منه حولا. «726» - وأهدى نعيمان إلى النبي صلّى الله عليه وسلم جرّة عسل اشتراها من أعرابيّ بدينار، وأتى بالأعرابي باب النبي صلّى الله عليه وسلم وقال: خذ الثمن من ههنا. فلما فتحها النبي صلّى الله عليه وسلم نادى الأعرابيّ: ألا أعطى ثمن عسلي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إحدى هنات نعيمان، وسأله: لم فعلت هذا؟ قال: أردت برّك ولم يكن معي شيء. فتبسم النبي صلّى الله عليه وسلم وأعطى الأعرابيّ حقه. «727» - شكى عيينة بن حصن إليه صعوبة الصيام عليه، فقال: صم بالليل. وروي أنه دخل عيينة على عثمان وهو يعطي في شهر رمضان، فقال: العشاء! فقال: أنا صائم. قال عثمان: أتصوم بالليل؟ قال: هو أخفّ عليّ. فيقال إن عثمان قال: إحدى هنات نعيمان. «728» - ومرّ نعيمان يوما بمخرمة بن نوفل الزبيري وهو ضرير فقال له: قدني حتى أبول. فأخذ بيده حتى إذا كان في مؤخّر المسجد قال: اجلس، فجلس يبول. وصاح به الناس يا أبا المسور، إنك في المسجد. فقال: من قادني؟ قيل: نعيمان؛ قال: لله عليّ أن أضربه ضربة بعصاي إن وجدته. فبلغ ذلك نعيمان، فجاء يوما فقال يا أبا المسور: هل لك في نعيمان؟ قال: نعم، قال: هو ذا يصلي، وجاء بيده وأتى به إلى عثمان وهو يصلّي، فقال: هذا نعيمان، فعلاه بعصاه، وصاح به الناس الجزء: 9 ¦ الصفحة: 366 ضربت أمير المؤمنين. فقال: من قادني؟ قال: نعيمان قال: لا جرم لا عرضت له بشرّ أبدا. «729» - وقال عطاء بن السائب: كان سعيد بن جبير يقصّ علينا حتى يبكينا وربما لم يقم حتى يضحكنا. «730» - قيل إن عمر بن عبد العزيز لم يمزح بعد الخلافة إلا مرتين: إحداهما أن عديّ بن أرطأة كتب إليه يستأذنه في أن يتزوّج ابنة أسماء بن خارجة، فكتب إليه عمر: أما بعد فقد أتاني كتابك تستأذن في هند، فإن يك بك قوة فأهلك الأوّلون أحقّ بك وبها، وإن يك بك ضعف فأهلك الأوّلون أعذر لك، ولكن الفزاري والسلام. يريد بذلك قول الفزاري: [من البسيط] إنّ الفزاريّ لا ينفكّ مغتلما ... من النواكة دهدارا بدهدار [1] وأما الثانية [2] فإن رجلا من أهل أمج [يقال له حميد] هجاه ابن عم له فقال: [من المتقارب] حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر والشيبة الأصلع فقدم حميد بعد ذلك على عمر [فلم يعرفه فقال له: من أنت؟ قال: أنا حميد. فقال عمر:] الذي أمج داره. فقال: والله ما شربتها منذ عشرين سنة. فقال: صدقت، وإنما أردت ان أبسطك. وجعل يعتذر إليه.   [1] في الأصل: تهداد بتهداد والتصويب عن نثر الدر ومجمع الأمثال. ودهدارا بدهدار: باطل في باطل. [2] ما بين قوسين زيادات من نثر الدر وبدونها لا يفهم الخبر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 367 «731» - سأل رجل الشعبيّ عن المسح على اللّحية فقال: خلّلها بأصابعك فقال: أخاف أن لا تبلّها. قال الشعبيّ: إن خفت فانقعها من أولّ الليل. «732» - وسأله آخر هل يجوز للمحرم أن يحكّ بدنه؟ قال: نعم؛ قال: مقدار كم؟ قال: حتى يبدو العظم. «733» - وروي في حديث النبي صلّى الله عليه وسلم تسحّروا ولو بأن يضع أحدكم إصبعه على التراب ثم يضعها في فيه. فقال رجل: أي الأصابع؟ فتناول الشعبي [إبهام رجله] وقال: هذه. وأشار بيده إلى المرأة [1] . «734» - قيل لسفيان الثوري: المزح هجنة؟ قال: بل سنّة. «735» - وجاء رجل إلى أبي حنيفة رضي الله عنه فقال له: اذا نزعت ثيابي ودخلت النهر لأغتسل، فإلى القبلة أفضل أتوجه أم إلى غيرها؟ فقال له: الأفضل أن يكون وجهك إلى ثيابك التي تنزعها لئلا تسرق. «736» - قال عثمان الصيدلاني: شهدت إبراهيم الحربي وقد أتاه حائك يوم عيد فقال: يا أبا إسحاق، ما تقول في رجل صلّى صلاة العيد ولم يشتر ناطفا، ما الذي يجب عليه؟ فتبسّم إبراهيم ثم قال: يتصدق بدرهمين. فلما مضى قال: ما علينا أن نفرّح المساكين من مال هذا الأحمق.   [1] هذه العبارة من خبر آخر عن الشعبي في نثر الدر 2: 145: دخل رجل على الشعبي وهو في المسجد ومعه امرأة فقال: أيكما الشعبي؟ فقال: هذه، وأشار إلى المرأة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 368 «737» - أقرّ رجل عند شريح بشيء ثم ذهب لينكر، فقال شريح: فقد شهد عليك ابن [أخت] خالتك. «738» - واشترى رجل من رجل شياها فإذا هي تأكل الذباب، فخاصمه إلى شريح فقال: لبن طيّب وعلف مجان. «739» - قال الأعمش لجليس له: تشتهي بنانيّ [1] زرق العيون، بيض البطون، سود الظهور، وأرغفة باردة لينة وخلا حاذقا؟ قال: نعم قال: فانهض بنا. قال الرجل: فنهضت معه. ودخل ودخلت معه، فقال: جرّ تلك السلّة، فكشطتها فإذا فيها رغيفان يابسان وسكرّجة كامخ نبيت، فجعل يأكل وقال: تعال وكل. قال، فقلت: فأين السمك؟ قال: ما قلت لك عندي وإنما قلت لك: تشتهي ذلك؟ «740» - قال المنصور يوما لعبد الله بن عياش المنتوف: قد بغّضت إليّ صورتك عشرتك، وكفرت بالله لئن نتفت شعرة من لحيتك لأقطعنّ يدك. فأعفاها حتى اتّصلت. فكان عنده يوما وحدّثه بأحاديث استحسنها، فقال له: سل حاجتك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، لحيتي تقطعني إياها أعمل بها ما أريد. فضحك المنصور وقال له: قد فعلت. «741» - مرّ شريح برجل بمجلس لهمدان فسلّم فردّوا السلام عليه، وقاموا فرحّبوا به، فقال: يا معشر همدان، إني لأعرف أهل بيت منكم لا يحلّ لهم   [1] البنّي: ضرب من السمك. 24 التذكرة الحمدونية 9 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 369 الكذب. قالوا: من هم يا أبا أمية؟ فقال: ما أنا بالذي أخبركم. فجعلوا يسألونه وتبعوه ميلا أو قرابة ميل يقولون: يا أبا أمية من هم؟ وهو يقول: لا أخبركم. فانصرفوا عنه وهم يتلهّفون [ويقولون] : ليته أخبرنا بهم. «742» - وحج الأعمش فلما أحرم لاحاه الجمّال في شيء فرفع عكّازه فشجّه بها، فقيل له: يا أبا محمد وأنت محرم؟ قال: إن من تمام الإحرام شجّ الجمّال. «743» - وقال ابن عياش: رأيت على الأعمش فروة مقلوبة صوفها إلى خارج، فأصابنا مطر فمررنا على كلب فتنحّى الأعمش وقال: لا يحسبنا شاة. «744» - وقال عيسى بن موسى، وهو يلي الكوفة، لابن أبي ليلى: اجمع الفقهاء واحضروني. فجاء الأعمش في جبة فرو، وقد ربط وسطه بشريط، [فأبطأوا] فقام [الأعمش] وقال: إن أردتم أن تعطونا شيئا وإلا فخلّوا سبيلنا. فقال عيسى لابن أبي ليلى: قلت لك تأتيني بالفقهاء فجئتني بهذا؟ فقال: هذا سيّدنا الأعمش. «745» - وقيل للأعمش ما تصنع عند مظهر أخي يقطين؟ فقال: آتيه كما آتي الحشّ إذا لي إليه حاجة. «746» - وكان بين الأعمش وبين امرأته وحشة، فسأل بعض أصحابه ان يرضيها ويصلح بينهما. فدخل إليها وقال: إن أبا محمد شيخنا وفقيهنا، فلا يزهّدنّك فيه عمش عينه وحموشة ساقيه، وضعف ركبتيه، وقزل رجليه، ونتوء جبينه، وبخر فيه. فقال الأعمش: قم عنا قبّحك الله فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه وتبصره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 370 «747» - كان ابن أبي عتيق- وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- مع عفافه وشرفه وورعه ماجنا ظريفا له نوادر مستظرفة تكاد أن تبلغ به حدّ الخلاعة. قالت له جاريته يوما: إن فلانا القارىء- وكان يظهر النّسك- قد قطع عليّ الطريق وآذاني ويقول لي: أنا أحبّك. فقال لها: قولي له: وأنا أيضا أحبّك ثم واعديه المنزل. ففعلت وأدخلته المنزل؛ وكان قد واعد جماعة من أصحابه ليضحكوا من الرجل. ودخلت الجارية إلى البيت الذي فيه الرجل، فدعاها فاعتلّت عليه فاحتملها وضرب بها الأرض، فدخل عليه ابن أبي عتيق وأصحابه وقد تورّكها. فخجل وقام، وقال: يا فسّاق، ما تجمّعتم ههنا إلا لريبة. فقال ابن أبي عتيق: استر علينا ستر الله عليك. «748» - ومر ابن أبي عتيق بعبد الله بن عمر فقال له: ما تقول في إنسان هجاني فقال لي: [من الكامل المرفل] أذهبت مالك غير متّرك ... في كل مومسة وفي الخمر [1] ذهب الإله بما تعيش به ... وبقيت وحدك غير ذي وفر فقال: أرى أن تأخذ بالفضل وتصفح. فقال له ابن أبي عتيق: أنا والله أرى غير ذلك. قال: وما هو؟ قال: أرى أن أنيكه. فقال: سبحان الله، ما تترك الهزل! وافترقا ثم لقيه ابن أبي عتيق بعد ما ظنّ أن ابن عمر قد نسي، فقال له: أتدري ما فعلت بذلك الانسان؟ قال: أيّ إنسان؟ قال: الذي أعلمتك أنه هجاني؛ قال:   [1] نهاية الأرب: مؤنسة بدلا من مومسة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 371 ما فعلت به؟ قال: كل مملوك لي حرّ إن لم أكن نكته. فأعظم ذلك ابن عمر واضطرب؛ فقال له ابن أبي عتيق: امرأتي والله التي قالت الشعر وهجتني. وامرأته أمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله. «749» - وقع بين حيين من قريش منازعة، فخرجت عائشة- رضي الله عنها- على بغل لها فلقيها ابن أبي عتيق فقال: إلى أين جعلت فداك؟ قالت: أصلح بين هذين الحيين؛ فقال: والله ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل، فكيف إذا قيل يوم البغل؟ فانصرفت. «750» - كان ابن أبي عتيق يتعشى ومعه رجل من الأنصار، فوقع حجر في الدار وآخر وثالث، فقال لجاريته: اخرجي فانظري اذّنوا للمغرب! فخرجت وجاءت بعد ساعة فقالت: أذنوا وصلّوا. فقال له الرجل الذي كان عنده: أليس قد صلّينا قبل أن تدخل؟ قال: بلى، لو لم أرسلها تسأل عن ذلك لرجمنا إلى الغداة. قال: أفهمت؟ قال: نعم فهمت. 751- كان أبو هريرة إذا استثقل رجلا قال: غفر الله له وأراحنا منه. «752» - جاء رجل إلى الشعبي فقال: أصاب ثوبي التوت، قال: اغسله، قال: بم أغسله؟ قال: بالخلّ والأنجذان. «753» - مرّ أبو سفيان بعد إسلامه بأحد فقيل له: أي ملك [1] ههنا؟ قال: والآن لو وجدت رجالا. وهذا الكلام وإن كان ظاهره المزح فغير مستبدع من أبي سفيان أن يكون جدّا.   [1] ربيع الأبرار: أي يوم لك ... الجزء: 9 ¦ الصفحة: 372 «754» - قال رجل لأبي يعقوب فقيه سجستان: إذا شيّعنا جنازة فقدّامها أفضل أن نمشي أم خلفها؟ فقال: اجهد أن لا تكون عليها وامش حيث شئت. «755» - قيل للأعمش: ما أعمش عينيك؟ فقال: النظر إلى الثقلاء. 756- ماشى شرحبيل بن السمط معاوية فراثت دابّته، وكان عظيم الهامة بسيط القامة، فقال له معاوية: يا أبا يزيد، يقال إن الهامة إذا عظمت دلّت على وفور الدماغ وصحّة العقل. فقال: نعم يا أمير المؤمنين إلا هامتي فإنها عظيمة وعقلي ناقص ضعيف. فتبسّم معاوية وقال: كيف ذلك لله درّك؟ قال: لإقضامي هذا النائك أمّه مكوكي شعير. فضحك وحمله على دابّة من مراكبه. «757» - أكل عذريّ مع معاوية فرأى ثريدة كثيرة السمن فجرّها بين يديه فقال معاوية: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها (الكهف: 71) فقال: فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ (فاطر: 9) . «758» - وروي عن بعض المسجونين قال: كنا مع ابن سيرين في السجن فكان يمر بنا ونحن نلعب الشطرنج فيقوم قائما فيقول: ادفع الفرس! افعل كذا!. «759» - ويروى أن ابن سيرين كان ينشد: [من البسيط] نبّئت أنّ فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصّوم في الطول ويضحك حتى يسيل لعابه. «760» - وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: كنت ألعب الشطرنج مع الجزء: 9 ¦ الصفحة: 373 صديق لي في بيته حين خفت الحجاج. «761» - قال الأصمعي: شهرت بالأدب، ونلت بالملح. «762» - وقد مدح الشعراء اللعب في موضعه كما مدح الجدّ في موضعه. قال الأبيرد: [من الطويل] إذا جدّ عند الجدّ أرضاك جدّه ... وذو باطل إن شئت ألهاك باطله وأنشد أبو تمام: [من الكامل] الجدّ شيمته وفيه فكاهة ... طورا ولا جدّ لمن لم يلعب «763» - قيل للشعبي: كيف بتّ البارحة؟ فطوى كساءه في الأرض ثم نام عليه وتوسّد يده وقال: هكذا أبيت. «764» - قال المأمون ليحيى بن أكثم: يا أبا محمد من الذي يقول: [من المنسرح] قاض يرى الحدّ في الزناء ولا ... يرى على من يلوط من باس قال: من لعنه الله، أوما تعرفه يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. قال: هو أحمد بن [أبي] نعيم الذي يقول: [من المنسرح] لا أحسب الجور ينقضي وعلى ال ... أمّة وال من آل عبّاس فخجل المأمون وقال: لعنه الله! ينفى إلى السند. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 374 «765» - وأولم المتوكل فلما أراد اللعب قال ليحيى بن أكثم: انصرف، قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: لأنا نخلط، فقال: أحوج ما تكونون إلى قاض إذا خلّطتم. فاستظرفه المتوكل وأمر بغلف لحيته، ففعل. فقال: إنّا لله، ضاعت الغالية، هذه كانت تكفيني دهرا لو دفعت إلي. فضحك المتوكل وأمر له بزورق ذهب مملوء غالية ودرج بخور في كمه وانصرف. «766» - واستأذن يحيى على المتوكل وهو يلعب مع الفتح بن خاقان بالنرد، فغطّيت الرقعة بمنديل. فقال له المتوكل: إني كنت ألاعب الفتح فكره دخولك واحتشمك؛ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن خاف أن أعلّمك عليه، فضحك وأمر له بمال. «767» - وقال عبادة ليحيى بن أكثم، وهما عند المأمون: علمني فرائض الصلب فإني أشتهيها. فقال المأمون وتبسّم: ما تقول في مسألته؟ قال: قد أخطأ إنما يسأل هذا في الصبا، أما سمع قول القائل: [من السريع] وإنّ من أدّبته في الصبا ... كالعود يسقى الماء في غرسه انما يعلّم الحدث بشرط أن يكون وضيئا زكيا سهل الأخلاق، فإن كان له ابن بهذا الشرط علمناه. وقال عبادة: لو دخلت في صناعتنا لم يقم بك [1] أحد. فقال يحيى: فأنا خارج عنها وما بأحد عليّ قوة. «768» - ما سمع للمهتدي مزحة سوى قوله لسليمان بن وهب، وفي رجله خف واسع يصوّت: يا سليمان خفّك هذا ضرّاط، وهو يعرض بضرطة وهب   [1] محاضرات: لم يقربك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 375 التي طار خبرها في الآفاق وعلى ألسن الشعراء. فقال: يا أمير المؤمنين ضرطة خير من ضغطة. «769» - سئل الشعبي عن لحم الشيطان فقال: نحن نرضى منه بالكفاف. فقيل له: ما تقول في [أكل] الذباب؟ قال: إن اشتهيته فكله. 770- كان القاضي أبو بكر بن محمد بن عبد الرحمن بن قريعة من أهل الأدب والفضل والعلم، وكان حلو المداعبة وله نوادر مدونة. وكان في دار المهلبي وقد نزع القاضي دنّيته [1] وتركها إلى جنبه. فجاء أبو إسحاق الصابي وجلس إلى جانبه وأخذ المروحة ليتروح وضرب الدنّية بالمروحة دفعات كأنه ينفضها من التراب، والقاضي في الصلاة، فخفّف ثم قال له: يا أبا إسحاق أما إنها لو كانت في مقرّ عزّها لعزّ عليك ما هان من أمرها. ثم عاد إلى صلاته. «771» - صنّف المرتضى كتابا وسماه الذخيرة فاستعاره البصروي ينسخه، فلما أراد الخروج قال له المرتضى: يا أبا الحسن، الذخيرة عندك؟ فعاد وقال: يا سيّدنا، هذا الكتاب! فقال له: لم عدت وأخرجت الكتاب؟ فقال له: يا سيّدنا، تقول لي بمحضر من السادة الأولاد: الذخيرة عندك! ما الذي يؤمّنني من مطالبتهم بعد أيام؟ فتبسم المرتضى. وإذ قد ذكرت جملة من مزح الأفاضل والاشراف وفكاهتهم، وذكرت في آخر كلّ باب نوادر تناسبه وتليق به، فأنا أثبت ههنا من النوادر ما شذّ عن تلك الأبواب وأنسبه إلى قائله، وأفرد كلّ جنس منهم بفصل، فيشتمل الباب بعد الفصل على اثني عشر فصلا وهي: نوادر الأعراب، نوادر الشعراء   [1] الدنية: قلنسوة القاضي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 376 والأدباء، نوادر الظرفاء، نوادر المواجن النساء، نوادر في التعصّب والتحزّب، نوادر المخنثين، نوادر ذوي العاهات، نوادر البلغاء، نوادر الأغبياء والجهلاء وتصحيفهم وغلطهم وغيّهم، نوادر المتنبّئين والقصّاص والمخرقين، نوادر المجانين، نوادر السّفلة وأصحاب المهن والسوقة. نوادر الأعراب 772- عشق أعرابي يكنى أبا الصباح أعرابية فجعل يطلبها ولا تمكّنه حتى تزوّجها؛ فلما أراد عجز عنها فقال: [من الرجز] كان أبو الصباح ينزو في وهق ... من شدة النّعظ ومن طول القلق حتى إذا صادف جحرا ذا طبق ... مارسه حتى إذا ارفض العرق «773» - سئل أعرابي عن جارية يقال لها زهرة فقيل له: أيسرّك أنّك الخليفة وأنّ زهرة ماتت؟ فقال: لا والله تذهب الأمة وتضيع الأمّة. «774» - أقبل عيينة بن حصن الفزاري قبل إسلامه إلى المدينة، فلقيه ركب خارجون منها، فقال لهم: أخبروني عن هذا الرجل (يعني النبي صلّى الله عليه وسلم) فقالوا: الناس فيه ثلاثة: رجل أسلم فهو معه يقاتل قريشا والعرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله وبينهم التذابح، ورجل يظهر له الاسلام إذا لقيه ويظهر لقريش أنه معهم. قال: ما يسمى هؤلاء؟ قالوا: المنافقون. قال: ليس فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء، أشهدكم أني من المنافقين. «775» - قال الأصمعي: مر أعرابي بقوم [1] يختصمون [فقال: في ماذا   [1] في الأصل: قال الأصمعي لقوم يختصمون ... والتصويب عن نثر الدر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 377 يختصمون؟، قالوا: في مسيل ماء؛ قال: والله ما بلت في موضع مرتين. «776» - خرج المهدي يتصيد فعار به فرسه حتى دفع إلى خباء أعرابي، فقال: يا أعرابي هل من قرى؟ قال: نعم، وأخرج فضلة من لبن في كرش فسقاه. ثم أتاه بنبيذ في زكرة فسقاه قعبا، فلما شرب المهديّ قال: أتدري من أنا؟ قال: لا والله، قال: أنا من خدم الخاصّة، قال: بارك الله لك في موضعك. ثم سقاه آخر فشربه، ثم قال: يا أعرابي أتدري من أنا؟ قال: نعم زعمت أنك من خدم الخاصة، قال: بل أنا من قوّاد أمير المؤمنين، قال: رحبت بلادك وطاب مزادك. ثم سقاه قدحا ثالثا فلما فرغ منه قال: يا أعرابي أتدري من أنا؟ قال: زعمت آخرا أنك من القوّاد، قال: لا ولكني أمير المؤمنين. فأخذ الأعرابي الزكرة فأوكاها وقال: والله لئن شربت الرابع لتقولنّ إنك لرسول الله. فضحك المهدي وأحاطت بهم الخيل، ونزل إليه الملوك والأشراف، فطار قلب الأعرابي فقال له: لا بأس عليك؛ وأمر له بصلة. فقال: أشهد أنك لصادق، لو ادعيت الرابعة لخرجت منها. «777» - قال بعضهم: رأيت أعرابيا في بعض أيام الصيف قد جاء إلى نهر وجعل يغوص في الماء، ثم يخرج، ثم يغوص، ثم يخرج، وكلما خرج مرّة حلّ عقدة من عقد في خيط كان معه. فقلت: ما شأنك؟ قال: جنابات الشتاء أحسبهن كما ترى وأقضيهنّ في الصيف. «778» - عضّ ثعلب أعرابيا فأتى راقيا، فقال له الراقي: ما عضّك؟ قال: كلب واستحى أن يقول ثعلب. فلما ابتدأ يرقيه قال: اخلط به شيئا من رقية الثعلب. «779» - وقال بعضهم: صلّيت في مسجد باهلة بالبصرة، فقام أعرابي يسأل، فأمر له إنسان منهم برغيفين، فرآهما صغيرين رقيقين فلم يأخذهما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 378 ومضى وجاء برغيف كبير حسن وقال: يا باهلة، استفحلوا هذا الرغيف بخبزكم فلعله ينجب. «780» - قرأ إمام في صلاة إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (التكوير: 1) فلما بلغ إلى قوله «فأين تذهبون» أرتج عليه، فجعل يردّدها، وكان خلفه أعرابي معه جراب، فلما طال عليه الأمر ولم ينبعث تقدم الأعرابيّ فصفعه بالجراب، وقال: أما أنا فإلى كلواذى وهؤلاء الكشاخنة فلا أدري أين يذهبون. 781- كان أعرابيّ يفلّي كساءه ويأخذ البراغيث ويدع القمل، فقيل له في ذلك فقال: أبدأ بالفرسان وأكرّ على الرّجالة. «782» - ورؤي أعرابي يأكل ويخرى ويفلي كساءه، فقيل له: ما تصنع؟ قال: أخرج عتيقا، وأدخل جديدا، وأقتل عدوا. «783» - رأى أعرابيّ قوما يطلبون الهلال لغرّة شهر رمضان، فقال: أما يكفيكم ظهوره إذا ظهر حتى تطلبوه مكانه، والله لئن أثرتموه لتمسكنّ منه بذنابى عيش أغبر. «784» - قيل لبعض الأعراب: قد جاء شهر رمضان، فقال: والله لأبدّدنّ شمله بالأسفار. «785» - دخل عقيل بن علّفة [1] المري على عمر بن عبد العزيز، وكان جافيا،   [1] في الأصل عقلة والتصويب عن الأغاني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 379 فقال له عمر: ما أراك تقرأ من كتاب الله شيئا، قال: بلى إني لأقرأ، قال: فاقرأ، فقرأ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (الزلزلة: 1) فلما بلغ آخرها قرأ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، فقال عمر: ألم أقل لك إنّك لا تحسن تقرأ. قال: أولم أقرأ؟ قال: لأنّ الله عزّ وجلّ قدّم الخير وأنت قدّمت الشرّ، فقال عقيل: [من الطويل] خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشى لهن طريق 786- وعقيل هذا من قوم فيهم جفاء وغلظ. مات رجل منهم فكفنه أخواه في عباءة له، وقال أحدهما للآخر: كيف تحمله؟ قال: كما تحمل القربة. فعمد إلى حبل فشدّ طرفه في عنقه وطرفه في ركبته، وحمله على ظهره. فلما أراد دفنه حفر له حفرة وألقاه فيها، وهال عليه التراب حتى واراه. فلما انصرفا قال لأخيه: يا هناه! أنسيت الحبل في عنق أخي ورجليه، وسيبقى مكتوفا إلى يوم القيامة. فقال له: دعه يا هناه! قال: [إن] يرد الله به خيرا يحلّه. 787- قيل لأعرابي وقد تزوج بعدما كبر: لم تأخرت عن التزويج؟ فقال: أبادر ابني باليتم قبل أن يسبقني بالعقوق. «788» - وقيل لأعرابي: ما تقرأ في صلاتك؟ قال: أمّ الكتاب ونسبة الرب وهجاء أبي لهب. «789» - وسمع آخر يقرأ: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً (التوبة: 97) فقال: لقد هجانا. ثم سمعه يقرأ بعده: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (التوبة: 99) فقال: لا بأس هجا ومدح، هذا كما قال شاعرنا: [من الطويل] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 380 هجوت زهيرا ثم إني مدحته ... وما زالت الأعراب تهجى وتمدح «790» - سرق أعرابيّ غاشية [1] من سرج ودخل مسجدا فقرأ الإمام: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (الغاشية: 1) فقال: اسكت فقد أخذت في الفضول، فقال الإمام: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (الغاشية: 2) فقال: ها هوذا غاشيتكم فلا تخشعوا وجهي. «791» - شكت أعرابية زوجها إلى صواحب لها، فقلن: طلّقيه. فقالت: اشهدن أنه طالق. فقلن لها: ثنّي، فقالت: اشهدن أنه طالق ثلاثا. فتخاصموا إلى والي الماء، فتكلّمت فقال: إيها أمّ فلان! لا تجوري فيحاربك، الزمي الطريق المهيع ودعي بنيّات الطريق، كيف قلت؟ قالت: قلت: هو طالق ثلاثا. قال: فتفكّر القاضي ساعة وقال: أراك تحلّين له ولا أراه يحلّ لك. «792» - حضر أعرابيّ مجلسا يتذاكرون فيه قيام الليل، فقالوا: يا أبا أمامة، أتقوم بالليل؟ قال: إي والله! قالوا: ما تصنع؟ قال: أبول وأرجع. «793» - قدم أعرابيّ إلى وال ليشهد على رجل بالزنا فقال: رأيت هذا دائم الأفكل [2] كأنه جمّة غسيل تلسب خصييه وأمّ الغول سطيحة تحته، وهي تغطّ غطيط البكر، ولعابها يهمع، والله أعلم بما وراء ذلك. «794» - وسئل أبو المغوار وقد قدم ليشهد بمثل ذلك، فقال: رأيت امرأة   [1] غاشية: غطاء. [2] الأفكل: رعدة من برد أو خوف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 381 صرعى، ورجل أفعى، فوه على فيها، ومسربته على مسربتها، والقنب غائب، والتعقبان يضربان باب المسفعة وهو يردى باسته، والله أعلم بما وراء ذلك. «795» - دخل أعرابيّ إلى سوق النخّاسين يشتري جارية، فلما أراد الانصراف بها قال النخاس: فيها ثلاث خلال، إن رضيت بهنّ وإلا فدعها. قال: قل. [قال] : إنها ربما غابت أياما ثم تعود، قال: نعم، قال: لا عليك أنا والله أعلم الناس بأثر الذرّ على الصفا فلتأخذ أيّ طريق شاءت فإنّا نردّها، ثم ماذا؟ قال: إنها ربما نامت فقطرت منها القطرة بعد القطرة؛ قال: كأنك تعني أنّها تبول في الفراش؟ قال: نعم، قال: لا عليك فإنّه لا يتوسّد عندنا إلا التراب، فلتبل كيف شاءت، ثم ماذا؟ قال: إنها ربما عبثت بالشيء تجده في البيت، قال: كأنك تعني أنها تسرق ما تجد؟ قال: نعم، قال: لا عليك فإنها والله لا تجد ما تقوته فكيف ما تسرقه! وأخذ بيدها وانصرف بها. «796» - رفع أعرابيّ يده بمكة فقال: اللهمّ ارحمني قبل أن يدهمك الناس. «797» - نظر أمير إلى أعرابيّ فقال له الأعرابيّ: لقد همّ الأمير لي بخير، قال: ما فعلت، قال: فبشرّ، قال: ما فعلت، قال: فالأمير إذن مجنون. «798» - حضر أعرابيّ عند الحجاج وقدّم الطعام فأكل الناس، ثم قدّمت الحلواء، فترك الحجاج الأعرابيّ حتى أكل منه لقمة، ثم قال: من أكل من هذا ضربت عنقه؛ فامتنع الناس كلّهم وبقي الأعرابيّ ينظر إلى الحجاج مرّة وإلى الفالوذج أخرى، ثم قال: أيها الأمير، استوص بأولادي خيرا، ثم اندفع يأكل. فضحك الحجاج حتى استلقى وأمر له بصلة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 382 «799» - كان لعتبة الأعرابية ابن شديد العرامة كثير التقلب إلى الناس مع ضعف أسر ودقّة عظم. فواثب مرّة فتى من الأعراب فقطع أنفه فأخذت عتبة ديّة أنفه فحسنت حالها بعد فقر. ثم واثب آخر فقطع أذنه فزادت ديّة أذنه في حسن الحال والمال. ثم واثب بعد ذلك آخر فقطع شفته فأخذت ديّة شفته. فلما رأت ما قد صار عندها من الإبل والغنم والمتاع والكسب بجوارح ابنها حسن رأيها فيه، وذكرته في أرجوزة لها تقول فيه: [من الرجز] أحلف بالمروة يوما والصفا ... أنّك خير من تفاريق العصا قيل لابن الأعرابيّ: ما تفاريق العصا؟ فقال: العصا تقطع ساجورا [1] وتقطع عصا الساجور فتصير أوتادا، ويفرق الوتد فيصير كل قطعة شظاظا [2] ، فإن جعلوا رأس الشظاظ كالفلكة كان للبختي مهارا، وهو العود الذي يدخل في أنف البختي، واذا فرّق المهار جاءت منه التوادي [3] . «800» - وذكر ان أعرابيين طريفين من شياطين الأعراب حطمتهما السّنة فانحدرا إلى العراق، واسم أحدهما حيدان. فبينما هما يتماشيان في السّوق وإذا فارس قد أوطأ دابّته رجل حيدان، فقطع إصبعا من أصابعه، فتعلقا به حتى أخذا منه أرش الإصبع، وكانا جائعين مقرورين، فحين صار [المال] في أيديهما قصدا لبعض الكرابج [4] فابتاعا من الطعام ما اشتهيا، فلما أكل صاحب حيدان وشبع أنشأ يقول: [من الطويل]   [1] الساجور: خشبة توضع في عنق الكلب. [2] الشظاظ: عود يدخل في العروة. [3] التوادي: جمع تودية وهي الخشبة التي تصر بها أخلاف الناقة لكيلا يرضعها الفصيل. [4] الكرابج: واحدها كربج وهو الحانوت. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 383 فلا [غرثة] ما دام في الناس كربج ... وما بقيت في رجل حيدان إصبع «801» - وقال أعرابيّ: [من الطويل] وإنّي لمحتاج إلى موت زوجتي ... ولكنّ علق السوء باق معمّر «802» - وأنشد الأصمعي: [من الوافر] أما والله لو يلقاك أيري ... قبيل الصبح في ظلماء بيت إذن لعلمت أن السّحق زور ... وأنّ الحقّ في رهز الكميت «803» - وقال رؤبة: [من الرجز] قد كان أيري يا أميم حرّا ... عند الهياج مسعرا مكرّا وصار لا يزداد إلا شرّا ... حتى إذا ما قام واسبطرّا وانتفخت أوداجه فدرّا ... عاد إليّ خازنا مزورّا كأنما أسقط شيئا مرّا «804» - قال أعرابيّ: [من الطويل] أبى القلب أن يهوى السّدير وأهله ... وإن قيل عيش بالسّدير غرير [1] به البقّ والحمّى وأسد خفيّة ... وعمرو بن هند يعتدي ويجور   [1] في الأصل: يأبى والتصويب عن الأغاني، وفي مجمع الأمثال: يأتي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 384 «805» - صار رجل من بني العنبر إلى سوّار القاضي فقال: إن أبي مات وتركني وأخا لي، وخط [خطين] ناحية، [وهجينا] فكيف يقسم المال؟ فقال: ههنا وارث غيركم؟ قال: لا، قال: المال بينكم أثلاثا. فقال الأعرابي: يأخذ الهجين كما آخذ وكما يأخذ أخي؟ فقال: أجل. فغضب الأعرابيّ ثم أقبل على سوّار وقال: تعلم والله أنّك قليل الخالات بالدهناء. قال سوّار: إذن لا يضرّني ذلك عند الله شيئا. «806» - كان في وكيع بن أبي سود أعرابية وهوج شديد. فقال يوما وهو يخطب: إنّ الله تعالى خلق السموات والأرض في ستّ سنين. فقال بعض جلسائه في ستة أيام، قال: فداك لقد قلت الأولى وإني لأستقلها. «807» - سئل رجل عن نسبه فقال: أنا ابن فلان فقال أعرابيّ: الناس تنتسب طولا وأنت تنتسب عرضا. «808» - صلّى أعرابيّ وأطال الصلاة وإلى جانبه ناس فقالوا: ما أحسن صلاته! [فقطع صلاته] وقال: مع هذا أنا صائم. «809» - كان أعرابيّ إذا توضّأ غسل وجهه قبل استه، فقيل له في ذلك، قال: لا أبدأ بالخبيثة قبل الطيّب. «810» - وقال بعضهم: أتيت لخما وجذاما، وكانوا يقدّمون العروس يصلي بهم سبعة أيام، فقلت لهم: ما هذه السّنّة؟ قالوا: أما سمعت الله تعالى يقول في الجزء: 9 ¦ الصفحة: 385 كتابه: كاد العروس يكون ملكا. 81» - شهد أعرابيّ عند بعض الولاة على رجل بالزنا فقال له: اشهد أنّك رأيته كالميل في المكحلة، فقال الأعرابي: لو كنت جلدة استها ما شهدت بذلك. «812» - قال أبو زيد: نظر شيخ من الأعراب إلى امرأته تتصنع وهي عجوز فقال: [من الطويل] عجوز ترجّي أن تكون فتيّة ... وقد لحب الجنبان واحدودب الظهر تدسّ إلى العطّار سلعة أهلها ... وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر فقالت امرأته: [من الطويل] ألم تر أن الناب تحلب علبة ... ويترك ثلب لا ضراب ولا ظهر قال: ثم استغاثت بالنساء، وطلب الرجال فإذا هم خلوف، فاجتمع النساء عليه فضربنه. الثلب: الكبير الهمّ. «813» - قال أعرابيّ: خطب منا رجل مغمور امرأة مغموزة، فقيل لوليّ المرأة: تعمّم لكم فزوجتموه. فقال: إنا قد تبرقعنا له قبل أن يتعمّم لنا. 814- قال الأصمعي: حضرت الصلاة فقال أعرابيّ: حيّ على العمل الصالح، قد قام الفلاح. ثم قام يصلّي فكبّر وقام وقال: اللهمّ احفظ حسبي ونسبي، واردد ضالّتي، واحفظ جملي، والسلام عليك ورحمة الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 386 «815» - قامت امرأة من العرب تصلي فقالت: اللهمّ إني أعوذ بك من شرّ قريش وثقيف، ومن شرّ ما جمعت من اللفيف، وأعوذ بك من حرّ ملك أمره، وعبد ملأ بطنه، الله أكبر. «816» - وقف أعرابيّ يسأل شيئا فقيل له: يا أعرابيّ، هل لك في خير مما تطلب؟ قال: وما هو؟ قال: نعلّمك سورة من القرآن، قال: والله اني لأحسن ما لو حفظته كفاني أحسن منه خمس سور. قال، فقلنا: اقرأ! فقرأ «الحمد لله» «وإذا جاء نصر الله والفتح» «وإنّا أعطيناك الكوثر» ، ثم سكت. فقلنا له هذه ثلاث فأين الثنتان؟ قال: إني وهبتهما لابن عمّ لي (يريد أنه علّمهما إياه) ولا والله لا أعود في شيء وهبته أبدا. «817» - كان أعرابيّان يطوفان بالبيت وأحدهما يقول: اللهمّ هب لي رحمتك، واغفر لي فإنك تجد من تعذّبه غيري ولا أجد من يرحمني غيرك. فقال له صاحبه: اقصد قصد حاجتك ولا تغمرنا بالناس. «818» - أصاب أعرابيّ سراويل وهو لا يدري ما هو، فأخذه وأدخل يده في رجل السراويل، وبقي رأسه داخلا، وجعل يقلّبه وليس يدري كيف يلبسه. فلما أعياه رمى به وقال: ما أظنّ هذا إلا من قمص الشياطين. 819- سلّم أعرابيّ ابنا له إلى معلّم فقال لابنه: في [أي] سورة أنت؟ فقال: في «قل يا أيّها الكافرون» ، قال: بئس العصابة أنت فيهم. ثم غاب فسأله فقال: في «إذا جاءك المنافقون» ، فقال: والله ما تنقلب إلا على أوتاد الكفر والنفاق، عليك بنعمك فارعها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 387 820- وخفّف أعرابيّ صلاته فقام إليه عليّ عليه السلام بالدّرّة وقال: أعدها. فلما فرغ قال له: أهذه خير أم الأولى؟ فقال: بل الأولى، قال: لم؟ قال: لأنّ الأولى صلّيتها لله وهذه فرقا من الدّرّة. فضحك علي عليه السلام. «821» - مرّ أعرابيّ بآخر فقال: من أين أقبلت يا ابن عمّ؟ قال: من الثّنيّة. قال: فهل أتيتنا منها بخير؟ قال: نعم، سل عما بدا لك. قال: كيف علمك بحيّي؟ قال: أحسن العلم. قال: هل لك علم بكلبي نفاع؟ قال: حارس الحيّ. قال: فأمّ عثمان؟ قال: بخ بخ ومن مثل أمّ عثمان لا تدخل من الباب إلا متحرمة بالثياب المعصفرات. قال: فعثمان؟ قال: وأبيك إنه حر [؟] الأسد ويلعب مع الصبيان وبيده الكسرة. قال: فجملنا السقاء؟ قال: إن سنامه ليخرج من الغبيط قال: فالدار؟ قال: وأبيك إنها لحصينة الجناب، عامرة الفناء والرّحاب. ثم قام عنه وقعد ناحية يأكل ولا يدعوه، فمرّ كلب فصاح به وقال: يا ابن العمّ، أين كان هذا الكلب من نفاع؟ قال: أسفا على نفاع، نفاع قد مات، قال: وما أماته؟ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتصّ بعظم منه فمات. فقال له: إنا لله، أوقد مات الجمل؟ فما أماته؟ قال: عثر بقبر أمّ عثمان فانكسرت رجله. فقال: ويل أمّك أماتت أمّ عثمان؟ قال: إي والله، أماتها الأسف على عثمان؟ قال: ويلك، أمات عثمان، قال: إي وعهد الله، سقطت الدار عليه. فرمى الأعرابيّ بطعامه ونثره وأقبل ينتف لحيته ويقول: فأين أذهب؟ قال الآخر: إلى النار. وأقبل على طعامه يلتقطه ويأكله ويهزأ به ويضحك منه ويقول: لا أرغم الله إلا أنف اللئام. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 388 نوادر القرّاء والأدباء «822» - كان المنصور ألزم أبا دلامة المقام في المسجد والصلاة فيه وملازمة الجماعة، فضج من ذلك واستعان بالمهدي على أبيه ليعفيه، فقال: قد أطلّ شهر رمضان فلا تدع القيام معنا فيه؛ فقال: أفعل والبلية في شهر أصلح منها طول السنة. ثم شقّ أيضا ذلك عليه فتشفّع بريطة في إعفائه من القيام في شهر رمضان فقالت: تصبر حتى تجيء ليلة القدر، فكتب إليها إني لم أسألك في إعفائي عاما قابلا وإذا مضت ليلة القدر فقد فني الشهر، وكتب تحت ذلك: [من البسيط] خافي إلهك في نفس قد احتضرت ... قامت قيامتها بين المصلّينا ما ليلة القدر من همّي فأطلبها ... إني أخاف المنايا قبل عشرينا يا ليلة القدر قد كسّرت أرجلنا ... يا ليلة القدر حقّا ما تمنّينا لا بارك الله في خير أؤمّله ... في ليلة بعد ما قمنا ثلاثينا «823» - توفيت حمّادة بنت عيسى بن علي وحضر المنصور جنازتها. فلما وقف على حفرتها قال لأبي دلامة: ما أعددت لهذه الحفرة؟ قال: بنت عمّك يا أمير المؤمنين حمّادة بنت عيسى يجاء بها الساعة فتدفن فيها. فضحك المنصور حتى غلب وستر وجهه. «824» - وكان أبو دلامة يحبّ جارية للجنيد ويبغضه فقال فيها: [من الكامل] اني لأحسب أن سأمسي ميّتا ... أو سوف أصبح ثم لا أمسي من حبّ جارية الجنيد وبغضه ... وكلاهما قاض على نفسي فكلاهما يشفى به سقمي ... فإذا تكلّم عاد لي نكسي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 389 «825» - عطس سعيد الدارمي عند عبد الصمد بن علي عطسة هائلة ففزع عبد الصمد فزعا شديدا وغضب وقال: يا عاضّ كذا من أمّه أتفزّعني؟ قال: لا والله ولكن هذا عطاسي. قال: لا والله لأنقعنّك في دمك أو لتأتينّي ببيّنة على ذلك. قال: فخرج ومعه حرسي لا يدري أين يذهب به. فلقيه ابن الرّيّان المكّي فسأله فقال: أنا أشهد لك. فمضى حتى دخل على عبد الصمد فقال: ما تشهد لهذا؟ قال: إني رأيته مرة عطس عطسة سقط ضرسه. فضحك عبد الصمد وخلّى سبيله. «826» - ومدح الدارميّ عبد الصمد بن عليّ، فلما فرغ من إنشاده أدخل إليه رجل من الشّراة، فقال لغلامه: أعط هذا مائة دينار واضرب عنق هذا. فوثب الدارميّ فقال: بأبي أنت وأمي! برّك وعقوبتك قد جمعا، فإن رأيت أن تبدأ بقتل هذا، فإذا فرغ منه أمرته فأعطاني، فإني لن أريم من حضرتك حتى يفعل ذلك! قال: لم ويلك؟ قال: أخشى أن يغلط فيما بيننا، والغلط في هذا لا يستقال. فضحك وأجابه إلى ما سأل. 827- نظر ابن سيّابة إلى رجل يمشي في القيظ وعلى رأسه قلنسوة سمّور، فقال له: ما هذا؟ فقال: هذا خير لي من كشف رأسي. قال: بل المشي بلا رأس خير لك من هذا. 828- قيل لآخر: إن الحمار لا يدفأ في السنة إلا يوما. فقال: لا يعرف هذا إلا من كان حمارا. 829- وقيل: إن رجلا عرض على الأصمعي شعرا زريا فبكى الأصمعي. فقيل: ما يبكيك؟ قال: يبكيني أنه ليس لغريب قدر، لو كنت في بلدي بالبصرة ما جسر هذا الكشخان أن يعرض عليّ هذا الشعر وأسكت عنه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 390 «830» - أهدى حماد الراوية إلى صديق غلاما وكتب إليه: قد بعثت إليك بغلام تتعلّم عليه كظم الغيظ. 831- قال الفرزدق: [من الطويل] اذا ما مضت عشرون يوما تحركت ... أراجيف بالشهر الذي أنا صائمه وطارت رقاع بالمواعيد بيننا ... لكي يلتقي مظلوم دين وظالمه وإن شال شوّال تشيل أكفّنا ... كؤوسا تعادي العقل حين تسالمه «832» - وقال ابن الرومي: [من البسيط] شهر الصيّام وإن عظّمت حرمته ... شهر طويل ثقيل الظلّ والحركه نمشي الهوينا وأما حين يطلبنا ... فلا السّليك يدانيه ولا السّلكه أذمّه غير وقت فيه أحمده ... منذ العشاء إلى أن تصقع الدّيكه لو كان مولى وكنّا كالعبيد له ... لكان مولى بخيلا سيّىء الملكه 833- قال يعقوب بن الدورقي: كنّا يوما عند أحمد بن نصر بن مالك، فأطال من حضر الجلوس. فلما عيل صبره دعا غلامه فقال له: اضمنّي من هؤلاء بنفسي. «834» - قال أبو سعيد السيرافي النحوي لبعض من كان يقرأ عليه، وكان رافضيا، ما علامة النصب في عمر وعثمان؟ قال: بغض عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. «835» - أنشد رجل عرّادة شعرا رديئا ثم قال له: تراني مطبوعا؟ قال: إي والله على قلبك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 391 «836» - قال أبو نواس: [من الخفيف] أنت يا ابن الربيع علّمتني الخي ... ر وعودتنيه والخير عاده [1] فارعوى باطلي وأقصر جهلي ... وتبدّلت عفّة وزهاده لو تراني ذكرت بي الحسن البص ... ريّ في حال نسكه أو قتاده من خشوع أزينه بنحول ... واصفرار مثل اصفرار الجراده فإذا شئت ان ترى طرفة تع ... جب منها مليحة مستفاده فادع لي لا عدمت تقويم مثلي ... وتفطّن لموضع السّجاده تر أثرا من الصلاة بوجهي ... توقن النفس أنها من عباده لو رآها بعض المرائين يوما ... لا شتراها يعدّها للشهاده «837» - أمر المنصور أصحابه أن يلبسوا السّواد وقلانس طوالا تدعم بعيدان من داخلها، وأن يعلّقوا السيوف في المناطق، ويكتبوا على ظهورهم فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: 137) ؛ فدخل عليه أبو دلامة في هذا الزّيّ فقال له: ما حالك؟ قال: شرّ حال: وجهي في نصفي، وسيفي في استي، وقد صبغت بالسواد ثيابي، ونبذت كتاب الله وراء ظهري. فضحك منه وأعفاه وحده من ذلك، وقال: إياك أن يسمع هذا منك أحد. فقال أبو دلامة: [من الطويل] وكنّا نرجّي منحة من إمامنا ... فجاء بطول زاده في القلانس «838» - وقال عبد الله بن المعتز وهو يعمّر دارا: [من المتقارب]   [1] الديوان: «النسك بدلا من الخير» . الجزء: 9 ¦ الصفحة: 392 ألا من لنفس وأحزانها ... ودار تداعى بسكانها أسوّد وجهي بتبييضها ... وأهدم كيسي بعمرانها «839» - دخل رجل على الحطيئة وهو مضطجع في فراشه وإلى جانبه سوداء فقال له الحطيئة: أتدري من هي؟ قال: لا، قال: هي والله التي أقول فيها: [من الطويل] وآثرت إدلاجي على ليل حرّة ... هضيم الحشا حسّانة المتجرّد تفرّق بالمدرى أثيثا كأنه ... على واضح الذّفرى أسيل المقلّد «840» - قال رجل مطعون النسب لأبي عبيدة لما عمل كتاب المثالب: سببت العرب جميعا. قال: وما يضرّك أنت من ذلك؟ فقال لأبي عبيدة: الأصمعيّ دعيّ؟ قال: ليس في الدنيا أحد يدّعي إلى أصمع. «841» - قال أبو الغلالة الحمدوني: [من المنسرح] يا سائلي عن حمار طيّاب ... ذاك حمار حليف أوصاب كأنه والذباب يأخذه ... من كل وجه بقيار دوشاب «842» - دخل أبو العيناء على محمد بن عبد الملك [الزيات] فجعل لا يكلمه إلا بأطرافه، فقال: إن من حقّ نعمة الله تعالى عندك أن تجعل البسطة لأهل الحاجة إليك، فإن من أوحش انقبض عن المسألة، وبكثرة المسألة مع النّجح يدوم السرور. فقال له محمد: أما إني أعرفك فضوليا كثير الكلام. وأمر به إلى الحبس، فكتب إليه: قد علمت أن الحبس لم يكن من جرم تقدّم إليك، ولكن الجزء: 9 ¦ الصفحة: 393 أحببت أن تريني مقدار قدرتك عليّ، لأن كلّ جديد يستلذّ، فلا بأس أن ترينا من عفوك مقدار ما أريتنا من قدرتك. فأمر بإطلاقه. ثم لقيه بعد أيام فقال: يا أبا العيناء ما تزورنا حسب نيّتنا فيك؟ فقال: أما نيتك فمتأكدة ولكن أرى أنّ الذي حدد الاستبطاء فراغ حبسك فأحببت ان تشغله بي. فأبو العيناء اسمه محمد بن القاسم بن خلّاد بن ياسر بن سلمان، وأصلهم من بني حنيفة من اليمامة، لحقهم سبي في أيام المنصور، فلما صار ياسر في يده أعتقه، فصار ولاؤه لبني هاشم، وكنيته أبو عبد الله، ومنشؤه البصرة، وأستاذه الأصمعي. وهو من أهل الأدب، له رسائل مشهورة مدوّنة يشار إليها. وعمّر عمرا طويلا، وعمي في آخر عمره. وهو مطبوع جدا، ونوادره كثيرة مستحسنة قد أوردت في كل باب منها ما يليق به. 843- حضر رجل بباب عضد الدولة وسأله ترتيبه في معيشة، فتقدم بترتيبه صاحب خبر بالمأزمين. فأقام بالموضع مدة طويلة لم يكتب بشيء. فتقدّم عضد الدولة بمكاتبته، وتوعّده على تأخّر مطالعته. فكتب: [ما] فيهما خبر يذكر، وقال: يطوى خبر المأزمين: [من المتقارب] أأذكر أخبار وحش الفلاة ... أم الجنّ فهي بها أكثر كأنّ السماء على المأزمين ... رصاص وأرضهما مرمر وكلّ مقيم بها مدبر ... وصاحب أخبارها أدبر فرقّ له ووصله واستخدمه في غير ذلك العمل. «844» - لما رجع أمية [بن عبد الله] بن خالد [بن أسيد] معزولا من خراسان مرّ بخيله من الأهواز وقد وسم عليها «عدّة» ، فحبست هناك. وكتب الجزء: 9 ¦ الصفحة: 394 إلى الحجاج بخبرها، فقال: اكتبوا تحت «عدة» «للفرار» . «845» - كتب رجل إلى الصاحب بن عبّاد رقعة قد أغار فيها على رسائله وسرق جملة من ألفاظ، فوقع فيها: هذه بضاعتنا ردّت إلينا. «846» - قال أبو العيناء لصاعد: أنت [خير] من رسول الله قال: كيف؟ قال: إن الله سبحانه يقول: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159) وأنت فظّ ولسنا ننفضّ من حولك. «847» - سلّم نجاح بن سلمة إلى موسى بن عبد الملك ليستأديه مالا، فتلف في المطالبة، فلقي بعض الرؤساء أبا العيناء فقال له: ما عندك من خبر نجاح؟ قال: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ (القصص: 15) . فبلغت كلمته موسى بن عبد الملك فلقيه فقال: أبي تولع؟ والله لأقوّمنّك، فقال: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ (القصص: 19) . «848» - كان سبب اتّصال ابن قريعة القاضي بالوزير أبي محمد المهلبي أنّ ابن قريعة كان قيّم رحى له، فرفع إليه حسابا فيه درهمان ودانقان وحبّتان، فدعاه وأنكر عليه الإغراق في الحساب؛ فقال: أيها الوزير، صار لي طبعا فلست أستطيع له دفعا، فقال: أنا أزيله عنك صفعا. ثم استدناه بعد ذلك وقرّبه. وقد روي في سبب اتصاله به غير ذلك، وذكر في باب السير. ولابن قريعة نوادر كثيرة حقيقية أدبية هزلية تجيء متفرقة في مواضعها. «849» - سكر هارون بن محمد بن عبد الملك بن الزيات ليلة بين يدي الموفّق، فقام لينصرف فغلبه السكر، فنام في المضرب. فلما انصرف جاء الجزء: 9 ¦ الصفحة: 395 راشد الحاجب فأنبهه وقال: يا هارون انصرف. فقال بسكره: هارون لا ينصرف. وأعاد راشد قوله، فقال له هارون: سل مولاك فإنه يعلم أنّ هارون لا ينصرف. فسمع الموفّق فقال: هارون لا ينصرف. فتركه راشد. فلما أصبح وقف على أنّ هارون بات في مضربه وقال: يا راشد أيبيت في مضربي رجل لا أعلم به؟ قال: أنت أمرتني بهذا، قلت: إن هارون لا ينصرف. فقال: إنّا لله! أردت الإعراب وظننت أنت غيره. «850» - قال ابن الرومي: [من البسيط] حيّا أبو حسن وهب أبا حسن ... بضرطة صيّرت عثنونه خصلا ثم استمرّت فسارت في البلاد له ... كأنما أرسلت من دبره مثلا «851» - وقال أيضا فيها: [من السريع] يا وهب ذا الضرطة لا تبتئس ... فإنّ للأستاه أنفاسا واضرط لنا أخرى ولا تحتشم ... كأنما خرّقت قرطاسا 852- وقال الحمدوني: [من الخفيف] قل لها لا تمرتكيه فما ين ... فع ضرب بالطبل تحت الكساء 853- وقال آخر: [من الكامل] ولقد مررت على سعيد مرّة ... فظننته ممّن يضرّ وينفع وإذا سعيد في الرجال كأنّه ... مشط يقلّبه خصيّ أصلع 85» - وقال بعض الأصحاب: [من الطويل] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 396 أيا ربّ إن اليوم أصبح باردا ... وأنت بحالي عالم لا تعلّم فإن تك يوما في جهنّم مدخلي ... ففي مثل هذا اليوم طابت جهنّم «855» - كتب البحتري إلى صديق له يعرض بغلامه فعاتبه: [من الخفيف] نك غلامي اذا اتّخذت غلاما ... واعف إنّ المعروف كان قروضا وإذا ما أردت أن تمنع النا ... س ورود الفرات كنت بغيضا «856» - مر أبو نواس بغلام حسن الوجه خفيف العجز فسئل عنه فقال: [من السريع] ما شئت من دنيا ولكنّه ... منافق ليست له آخره «857» - وقال شاعر: [من الرجز] عجبت للأمر الفظيع قد حدث ... أبو تميم وهو شيخ لا حدث قد حبس الأصلع في بيت الحدث «858» - سمع رجل قول عمر بن أبي ربيعة: [من المديد] فأتتنا طبّة عالمة ... تخلط الجدّ مرارا باللعب ترفع القول إذا لانت لها ... وتراخى عند سورات الغضب فقال: لو ادّعت النّبوة بهذا الخلق لأومن بها. وروي أنّ ابن أبي عتيق قال له: يا أخي الناس يطلبون خليفة منذ قتل عثمان ابن عفان مثل قوّادتك هذه فلا يجدون. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 397 «859» - ولآخر في مثل ذلك: [من البسيط] في فمّها من رقى إبليس مفتاح «860» - وأجاد الآخر في قوله: [من الرمل المجزوء] لا يغرّنّك في مج ... لسه طول سكوت وتسابيح أديرت ... في يديه بخفوت لو يشأ ألّف ضبّا ... حسن تأليف بحوت ويقود الجمل الصع ... ب بخيط العنكبوت «861» - قال ابن الرومي: [من الوافر] يقود من الفراهة ألف بغل ... بها حرن بخيط العنكبوت «862» - وسمع أبو الهذيل رجلا ينشد: [من الكامل] يغشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل فقال أوشك أن تكون هذه دار خمار أو قوّاد. 863- بعض الأعراب: [من الطويل] لقد سرّني أنّ الهلال غديّة ... مضى وهو محقور الخيال دقيق طواه مرور الشّهر حتى كأنّه ... عنان لواه باليدين رقيق «864» - وقال ابن الرومي: [من الكامل] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 398 شهر الصيّام مبارك لكنّه ... جعلت لنا بركاته في طوله إنّي ليعجبني كمال هلاله ... وأسرّ بعد كماله بنحوله «865» - قال علي بن الصباح الكوفي: دخلت على بشار فقال: يا أبا على، أما إني قد أوجعت صاحبكم وبلغت منه، يعني حماد عجرد فقلت: بماذا يا أبا معاذ؟ قال بقولي فيه: [من الخفيف] يا ابن نهيا رأس عليّ ثقيل ... واحتمال الرأسين خطب جليل فادع غيري إلى عبادة ربّي ... ن فإنّي بواحد مشغول فقلت: لم أدعه في عماه؟ ثم قلت: قد بلغ حمادا هذا الشعر وهو يرويه خلاف هذا، قال: فما يقول؟ قلت: يقول إنّك قلت: فادع غيري إلى عبادة ربّي ... ن فإني عن واحد مشغول فلما سمعه أطرق وقال: أحسن والله ابن الفاعلة. ثم قال: إني لأحتشمك فلا تنشد أحدا هذين البيتين. وكان إذا سئل عنهما بعد ذلك قال: ما هما لي! 866- قال الزبير بن بكار: لما ولي أبي الحجاز أخذ عبد الله بن يونس الخياط بأن يصلّي الصلوات الخمس جماعة في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فجاءني هو ومحمد بن الضحّاك وجعفر بن الحسين اللهبي وجماعة معه ووقف بين يدي وأنشدني: [من الراجز] قل للأمير يا كريم الجنس ... يا خير من بالغور أو بالجلس وعدّتي لولدي ونفسي ... شغلتني بالصلوات الخمس فقلت له: ويلك! أتريد أن أستعفيه لك من الصلاة؟ والله ما يعفيك، وإن ذلك يبعثه على اللجاج في أمرك ثم يضرّك عنده. فمضى وقال: إذن نصبر حتى يفرج الله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 399 «867» - دخل بعض الفصحاء على بعض عمّال البصرة، وكان يعرب في كلامه، فقال له يوما: إن لم تترك الإعراب ضربتك. فقال: إني إذن أشقى الناس به، ضربت صغيرا لأتعلّم وضربت كبيرا لأترك. «868» - صلى رجل اسمه يحيى بأربعة نفر فأكثر اللحن في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (الاخلاص: 1) ؛ فلما فرغ قال أحدهم: [من الرجز] أكثر يحيى غلطا ... في قل هو الله أحد فقال الثاني: قام يصلّي قائما ... حتى إذا أعيا قعد فقال الثالث: كأنما لسانه ... شدّ بحبل من مسد فقال الرابع: يزحر في محرابه ... زحير حبلى للولد «869» - دخل أبو النجم العجليّ على هشام فأعطاه جارية، فلما باتت عنده وراح عليه من الغد سأله عن حاله معها، فأنشده أبياتا منها: [من الكامل] نظرت فأعجبها الذي في درعها ... من حسنه ونظرت في سرباليا فرأت لها كفلا ينوء بخصرها ... وعثا روادفه وأجثم جاثيا ورأيت منقشر العجان مقبضا ... رخوا حمائله وجلدا باليا أدني له الرّكب الحليق كأنما ... أدني إليه عقاربا وأفاعيا فاذهب فإنك ميّت لا يرتجى ... أبد الأبيد ولو عمرت لياليا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 400 870- أبو سهل البوشنجي: [من الكامل المجزوء] شهر الصّيام مبارك ... إن لم يكن في شهر آب اليوم منه كأنّه ... في طوله يوم الحساب خفت العذاب فصمته ... فوقعت في عين العذاب «871» - قال الفرّاء: أنشدني صبيّ من الأعراب أرجوزة فقلت: لمن هي؟ فقال: لي. فزبرته، فأدخل رأسه في فروته ثم قال: [من الرجز] إنّي وإن كنت صغير السنّ ... وكان في العين نبوّ عنّي فإن شيطاني أمير الجنّ ... يذهب بي في الشعر كلّ فنّ «872» - قيل: سمع أعرابي مؤذنا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله بالنصب، فقال: ويحك! يفعل ماذا [1] . «873» - وقيل لأعرابيّ: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذن لرجل سوء. «874» - وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ قال: السّنّور يهمزها. «875» - وقيل لآخر: أتجرّ فلسطين؟ قال: إني [إذن] لقوي. 876- أحمد بن أبي سلمة الكاتب: [من المتقارب] حلفت بأنّك من حمير ... وليس اليمين على المدعي   [1] في الأصل: لا تفعل ماذا، ولا معنى له في هذا السياق، والتصويب عن المصدرين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 401 «877» - أعرابي وذكر الحقنة: [من الطويل] لقد سرّني- والله وقّاك شرّها- ... نفارك منها إذ أتاك يقودها كفى سوأة إذ لا نراك مجبّيا ... على شكوة وفراء في استك عودها [1] «878» - قال رجل لأبي العيناء: تأمر بشيئا؟ قال: نعم بحذف الألف من شيء. «879» - أنشد رجل الفرزدق شعرا فقال: كيف تراه؟ فقال: لقد طاف إبليس على هذا الشعر في الناس فلم يجد أحمق يقبله سواك. 880- كان للمبرد ابن متخلف فقيل له يوما: غطّ سوأتك، فوضع يده على رأس ابنه. نوادر الظرفاء «881» - كان أبو عيسى ابن الرشيد من أحسن الناس وجها وأجملهم، وكان المأمون مقبّحا. فقال الرشيد لابنه أبي عيسى وهو صبيّ: ليت جمالك لعبد الله (يعني المأمون) . فقال أبو عيسى [على] أنّ حظّه منك لي. فعجب من جوابه مع صباه وضمّه إليه وقبّله. «882» - وسأل إبراهيم بن العباس بن صول يوما عن ابن أخيه أحمد بن عبد الله ابن العباس المعروف بطماس، فقيل إنه مشغول بطبيب عنده ومنجّم.   [1] مجبيا: منكبا على وجهه. شكوة: وعاء من جلد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 402 وكان إبراهيم يستثقله فقال: قل له يا غلام، والله ما لك في السماء نجم ولا له في الأرض طبع فما هذا التكلف؟ 883- مرّ أبو حفص الشطرنجي بأبي نواس، وكان أبو نواس يستثقله، فقال له: يا أبا علي، ما لي أراك مصفرّا؟ قال: رأيتك فذكرت ذنوبي، فخشيت أن يمسخني الله عزّ وجلّ في خلقك إذا عاقبني، فاصفرّ وجهي. 884- قال أبو مجالد: كنا يوما عند بعض الورّاقين ومعنا أبو الحارث جمّين. فنزل إلينا راكب له جلالة في العين ومنظر، فقال للورّاق: ههنا مصحف جامع للقراءات الثلاث: قراءة حمزة وعاصم وأبي عمرو، وقد نسخ بالكوفة، وعرض بالبصرة، وحمل إلى المدينة، صحيح الأخماس والعشور والورق والدفتين. فقال الورّاق: كم تحد- أصلحك الله- في الثمن؟ قال: ثلثا دينار إلا ثلاثة أرباع دينار. قال: يقول أبو الحارث جمّين: لم يرد شيخنا مصحفا على هذه الصفة بهذه القيمة إلا ليكفروا بما فيه. «885» - وقال بعض الأمراء لأبي الحارث جمّين: أيسرّك أنّك تخرا غالية؟ قال: لا. قال: ولم؟ قال: أخاف أن يختم الأمير على فقحتي فلا يفتحها إلا إذا أراد أن يتغلّف. 886- قال أبو الفرج [نجاح بن سلمة] لأبي عون الكاتب: إن أخي قد باع ضيعة يدعو لثمنها القبان، فقال: دعه ينهش للفقر. «887» - دخل أبو حفص الكرماني على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، أتأذن في المداعبة؟ قال: وهل العيش إلا فيها! فقال: يا أمير المؤمنين، ظلمتني وظلمت غسّان بن عبّاد. قال: ويلك، كيف ذلك؟ قال: رفعت غسّان فوق قدره ووضعتني دون قدري، إلا أنّك في ذلك لغسّان أشدّ ظلما، قال: لأنّك أقمته الجزء: 9 ¦ الصفحة: 403 مقام هزء وأقمتني مقام رحمة. [فقال المأمون: قاتلك الله ما أهجاك] [1] . «888» - ذكر قوم معاوية فلعنوه وفيهم رجل من ولد أبي لهب ممسك، فقالوا: ما لك لا تلعنه قال: ما أشغلني بتبّت! «889» - قدّم إلى جماعة فالوذجة حارّة، فكاع القوم عنها لحرارتها، وفيهم رجل من آل أبي معيط، فأهوى إليها وجعل يأكل. فقال أحدهم: انظر إلى صبر آل أبي معيط على النار. «890» - كان عمران [2] بن حطّان من أقبح الناس وجها وأسمجهم منظرا، وكانت له امرأة كأنها القمر، أديبة فصيحة. فقالت له يوما: أنا وأنت في الجنة جميعا، قال: وكيف ذاك، وبم علمت؟ فقالت: لأني ابتليت بك فصبرت وأعطيت مثلي فشكرت، والصّابر والشّاكر في الجنة. «891» - لعب رجل بين يدي بعض الملوك بالشّطرنج. فلما رآه قد استجاد لعبه فاوضه الكلام: لم لا تولّيني نهر بوق قال: أولّيك نصفه؛ اكتبوا عهده على بوق. وقال له مرة أخرى: ولّني أرمينية، قال: يبطىء على أمير المؤمنين خبرك. «892» - وقدم آخر على صاحب له من فارس فقال له: قد أتيت الأمير فأيّ شيء ولاك؟ قال: ولاني قفاه.   [1] زيادة من البصائر. [2] في الأصل: عمرو. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 404 «893» - جاء رجل إلى بعض الأمائل فقال له: أنا جارك وقد مات أخي فلان فمر له بكفن، قال: لا والله ما عندي اليوم شيء، ولكن تعهّدنا وتعود بعد أيام وسيكون ما تحبّ. قال: أصلحك الله، فنملّحه حتى يتيسّر عندكم شيء؟ 89» - خاصمت مدينية زوجها وكان في خلق لا يواريه فقالت: غيرّ الله ما بك من نعمة، قال استجاب الله دعاءك لعلّي أصبح في ثوبين جديدين. «895» - جاء رجل إلى مديني فقال له: هل تدلّني على من يشتري حماري- وكان جربا أجرد- فقال: والله ما أعرف من يشتري هذا إلا أنّ يجيء من يطلب حمارا يسمّنه للعتق. «896» - جاور إبراهيم بن سيّابة قوما فأزعجوه من جوارهم. فقال: لم تخرجوني من جواركم؟ قالوا: لأنك مريب، قال: ويحكم ومن أذل من مريب أو أحسن جوارا؟ «897» - وكان ابن سيّابة شاعرا ماجنا لطيفا خليعا ظريفا أديبا. وعوتب في مجونه فقال: ويلكم! لأن ألقى الله بذلّ المعاصي فيرحمني أحبّ إليّ أن القاه أتبختر إدلالا بحسناتي فيمقتني. «898» - قيل لبعض الصوفية: أتبيع جبتك الصوف؟ فقال: إذا باع شبكته الصيّاد فبأيّ شيء يصطاد؟ «899» - أعدم رجل وأرادوا تفليسه فأركبه القاضي حمارا ونودي عليه: هذا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 405 معدم فلا يعامله أحد إلا بالنقد. فلما كان آخر النهار ونزل عن الحمار قال له المكاري: هات أجرتي. فقال له: فيم كنّا منذ الغداة؟! «900» - كان الجمّاز لا يدعو إلى بيته أكثر من ثلاثة لضعفه. فدعا ثلاثة فجاءه ستة، وقام كلّ واحد منهم على رجل واحدة، وقرعوا الباب فعدّ أرجلهم من خلف الباب وأدخلهم. فلما حصلوا في بيته تذمّر، فقالوا: ما شأنك؟ قال: دعوت ناسا ولم أدع الكراكي. «901» - قيل لغلام: أتحبّ أن يموت أبوك؟ قال: لا ولكني أحبّ أن يقتل لأرث ديته فإنه فقير. 902- نظر فيلسوف إلى رجل يرمي وسهامه تقع يمينا وشمالا، فقعد موضع الهدف. فقيل له في ذاك، فقال: لم أر موضعا أسلم منه. «903» - استقبل عمرو الخوزيّ رجلا من أصدقائه وقد شجّ وسالت الدماء على وجهه فقال لعمرو: ليس تعرفني؟ قال: ما رأيتك في هذا الزّيّ قطّ، فاعذرني إن لم أثبتك. «904» - كان في بعض السنين قحط، ووقع بين امرأة عمرو الخوزي وبين جيرة لها خصومة وضربت وكسرت ثنيّتها. فانصرفت إليه باكية وقالت: فعل بي ما هو ذا تراه وكسرت ثنيّتي. فقال: لا تغتمّي! ما دام الثغر على هذا يكفيك ثنية واحدة. «905» - قيل لأدهم المضحك، وكان أسود: قد أمر الوالي أن لا يخرج أحد إلى المصلّى إلا في سواد، قال: فأنا أخرج عريان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 406 «906» - قال المتوكل لبعض أصحابه: اطلب لي نصارى يسلمون. فغاب عنه أياما ثم عاد إليه وقال: الإسلام- والحمد لله- في إقبال، ولم أجد ما طلبت، ولكن ههنا مشايخ مشهورون من المسلمين يتنصرون إذا أردت. «907» - قيل لبعضهم: ما بال الكلب إذا بال أشغر برجله؟ قال: يخاف أن تتلوّث درّاعته. قيل: وللكلب درّاعة؟ قال: هو يتوهّم أن له درّاعة. «908» - نظر بعضهم إلى صبيّ بغيض فقال: هذا والله من أولاد الإيمان؛ قال، يقول أبوه: نحرت ابني هذا عند الكعبة، أهديت ابني هذا إلى مقام إبراهيم، ثكلت ابني هذا. «909» - تزوّج رجل امرأة قد مات عنها خمسة أزواج، فمرض السادس فقالت: إلى من تكلني؟ فقال: إلى السابع الشّقيّ. «910» - ومات زوج امرأة فراسلها في ذلك اليوم رجل يخطبها، فقالت: لو لم يسبقك غيرك لفعلت. فقال الرجل: قد قلت لك إذا مات الثاني فلا تفوتيني. «911» - وكان ليهوديّ غلام فبعثه يوما ليحمل نارا يطبخ بها قدرا فأبطأ عليه، ثم عاد بعد مدّة وليس معه نار. فقال: أين النار؟ قال: يا سيّدي قد جئتك بأحرّ من النار، هذا صاحب الجوالي بالباب يطلب الجزية. «912» - قال ابن أبي عتيق لأشعب: أما تستحي- وعندك ما أرى- من أن تسأل الناس؟ قال: معي والله من لطف المسألة ما لا تطيب نفسي بتركه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 407 «913» - وجلس أشعب يوما في الشتاء إلى رجل من ولد عقبة بن أبي معيط، فمرّ به حسن بن حسن فقال: ما يقعدك إلى جانب هذا؟ قال: أصطلي بناره. «914» - وقال أبو العيناء، قلت لغلامي: قد رأيت في السوق مشجبا فاشتر لنا [هذا] المشجب، قال: يا سيدي ما تلبس إذا ألقيت ثيابك على المشجب؟ «915» - وقال أبو العيناء لرئيس كان عنده وهو يخفض كلامه: قد طفّل بك في منزلك. «916» - وقدم إليه ابن مكرم جنب شواء فقال: ليس هذا جنبا، هذا شرّ لجة قصب. «917» - تزوّج بعض الخصيان في زمن شريح بامرأة، فأتت بولد، فتبرّأ الخصيّ منه، فترافعا إلى شريح فألحق الولد به وألزمه أن يحمله على تلك الحال. فاستقبله خصيّ آخر، فقال: انج بنفسك فإنّ شريحا يريد ان يفرّق أولاد الزّنا على الخصيان. «918» - تزوّج رجل امرأة، فلما كان اليوم الخامس من زفافها ولدت ابنا. فقام الرجل وصار إلى السوق واشترى لوحا ودواة، فقالوا له: ما هذا؟ قال: من يولد في خمسة أيام يذهب إلى الكتّاب في ثلاثة أيام. «919» - وجد رجل مع أمّه رجلا فقتل أمّه وخلّى عن الرجل، فقيل له: أما قتلت الرجل وخلّيت أمّك؟ قال: كنت أحتاج أن أقتل رجلا في كلّ يوم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 408 920- سئل جحظة عن دعوة حضرها فقال: كل شيء كان باردا إلا الماء. «921» - دخل أبو العيناء على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وهو يلعب بالشطرنج فقال له: في أيّ الحيّزين أنت؟ قال: في حيّز الأمير أعزّه الله. وغلب عبيد الله وقال: يا أبا العيناء قد غلبنا، وقد أصابك من البدن خمسون رطلا ثلجا فكن في حيلتها. فقام ومضى إلى ابن ثوابة وقال: إنّ الأمير يدعوك. فلما دخلا قال: أيّد الله الأمير، قد جئتك بجبل همذان وماسبذان، فخذ منه ما شئت. «922» - لما استوزر صاعد بعقب دخوله من النصرانية في الإسلام صار أبو العيناء إلى بابه، فقيل له: يصلّي، فعاد فقيل له يصلّي، فقال: معذور، لكلّ جديد لذّة. «923» - وقال لرجل سلّم عليه: من أنت؟ قال: رجل من ولد آدم. فقال: ادن مني عانقني، فما ظننت أنّه بقي من هذا النسل أحد. «924» - حضر يوما ابن مكرم فأخذ يؤذيه. فقال ابن مكرم: الساعة والله أنصرف، قال: ما رأيت من يتهدّد بالعافية غيرك. «925» - وأكل عند ابن مكرم فسقي على المائدة ثلاث شربات باردة، ثم استسقى فسقي شربة حارّة فقال: لعل مزمّلتكم تعتريها حمّى الرّبع. «926» - صحب رجل مفلس جماعة فقسموا له قسما، فاشترى دابّة وكسوة. وكان إذا حلف يقول: وإلا فدابّتي حبيس وثيابي صدقة وغلامي الجزء: 9 ¦ الصفحة: 409 وداري مقبرة. فقال أبو العيناء: طالت يمينه ابن الزانية. «927» - وانتصف ابن مكرم من أبي العيناء، فإنه صادفه ساجدا وهو يقول: يا ربّ سائلك ببابك، فقال: تمنّن على الله تعالى بأنّك ببابه سائله وأنت سائل لكل باب؟. ئلك ببابك، فقال: تمنّن على الله تعالى بأنّك ببابه سائله وأنت سائل لكل باب؟. «928» - وولد لأبي العيناء ابن فأهدى إليه ابن مكرم حجرا، يريد قول النبي صلّى الله عليه وسلم: للعاهر الحجر. «929» - أكل أبو العيناء مرة ديكبريكة وغسل يده عدة مرات فلم تنق، فقال: كادت هذه القدر أن تكون نسبا وصهرا. «930» - ولقيه رجل من إخوانه فقال له: أطال الله بقاءك وأدام عزّك وتأييدك وسعادتك، فقال أبو العيناء: هذا العنوان وكتاب من أنت؟ «931» - صار أبو العيناء إلى باب أبي عبيد الله بن يحيى، فقال له حاجبه سعد: هو مشغول يا أبا عبد الله. قال: ففي شغله أريد ألقاه. قال: ليس إلى ذلك سبيل. فقال له: رزقكم الله العود إلى بيته الحرام، وانصرف؛ فقال سعد: دعا علينا لعنه الله والله إن كنّا بمكة إلا حين نفينا. «932» - وقيل له: كيف أصبحت [قال: أصبحت] والله من المملقين الذين لا يطمع فيهم نجاح بن سلمة [1] .   [1] في الأصل: شملة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 410 «933» - قيل لبعضهم: أعطيتني برّك تفاريق وعقوقك جملة. «934» - وداس رجل بنتا له وقال: باسم الله. فقالت أمّها: لم ترض بذبحها حتى تذكّيها. «935» - أخذ بعض الولاة مزبّدا واتّهمه بالشرب فاستنكهه فلم يجد منه رائحة. فقال: قيّئوه، قال: من يضمن عشائي، أصلحك الله؟ «936» - وادّعى عليه رجل شيئا وقدّمه إلى القاضي فأنكره، وسأله إقامة البيّنة، فقال: ليس لي بيّنة، قال: فأستحلفه لك؟ قال: [وما يمين مزبّد أصلحك الله؟ فقال مزبّد: ابعث، أصلحك الله، إلى ابن أبي ذئب فاستحلفه له] [1] . «937» - قيل لمزبد: أيسرك أن هذه الجبّة لك؟ قال: نعم وأضرب عشرين سوطا. قيل: ولم تقول هذا؟ قال: لأنه لا يكون شيء إلا بشيء. «938» - سمع مزبّد رجلا فقال له: من أنت؟ قال: قرشي والحمد لله. فقال مزبّد: الحمد لله في هذا الموضع ريبة. «939» - وقيل له: ما ورثت أختك عن زوجها؟ فقال: أربعة أشهر وعشرا. «940» - وقال لامرأته يوما: اتّخذي لي قريصا فقد اشتهيته، قالت: فأين   [1] زيادة من نثر الدر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 411 حوائجه؟ قال: قد حضر البرد لعقده حتى ننظر في باقي الحوائج. «941» - واشتهت امرأته فالوذجا فقال: ما أيسر ما طلبت، عندنا من آلته أربعة أشياء، بقي شيئان تحتالين فيهما أنت. قالت: وما الذي عندنا قال: الطحين والاسطام [1] والنار والماء وبقي الدّهن والعسل وهما عليك. «942» - ووضعت امرأته المنخل على فراشه فلما جاء ورآه تعلّق بالوتد، فقالت امرأته: ما هذا؟ قال: وجدت المنخل في موضعي فصرت في موضعه. «943» - وقيل له وقد عضّه كلب: إن أردت أن يسكن فأطعمه الثريد قال: إذن لا يبقى في الدنيا كلب إلا جاءني وعضّني. «944» - وقيل له: قد بيّض الناس جميعا في سائر الآفاق، وذلك عند خروج محمد بن عبد الله بن الحسن، فقال: وما ينفعنا من ذلك وهذا عيسى بن موسى بعقوبنا، اعملوا على أن الدنيا كلها زبدة. قيل: فبهذا سمّي مزبّدا. «945» - وقال مزبّد لرجل: كم تعلف حمارك؟ قال: نخسة بالغداة ونخسة بالعشي، قال: اتق الله لا يحمر عليك. «946» - قيل لأبي الحارث جمّين: هل سبقت برذونك هذا قطّ؟ قال: لا إلا مرّة دخلنا زقاقا لا منفذ له، وكنت آخر القوم، فلما رجعت كنت أوّلهم، أوّل الموكب.   [1] الاسطام: المسعار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 412 «947» - ونظر جمّين يوما إلى برذون يستقى عليه فقال: [من الطويل] وما المرء إلا حيث يجعل نفسه لو هملج هذا ما كان كذا. «948» - ودخل إلى بعض أصدقائه فقال له: ما تشتهي؟ قال: أمّا الآن فما حضر وأمّا غدا فهريسة. «949» - وقيل له: ما تقول في جوذاب بطّ في يوم صائف قال: نعم في يوم من أيام تمّوز في حمام حارّ بمنى. «950» - وقيل له وقد رأى سوداء قبيحة: [لو] ابتلاك الله بها تحبّها؟ قال: يا بغيض، لو ابتلاني بحبّها كانت عندي من الحور العين، ولكن ابتلاك الله بأن تكون في بيتك وأنت تبغضها. «951» - وقال له الرشيد: اللوزينج ألذّ أم الفالوذج؟ فقال له: أحضرهما يا أمير المؤمنين. فأحضرا فجعل يأكل من هذا وهذا، ثم قال: يا أمير المؤمنين كلما أردت أن أشهد لأحد هما غمزني الآخر بحاجبه. «952» - ودخل إلى الجمّاز يوما بعض إخوانه وهو يطبخ قدرا، فقال: لا إله إلا الله، ما أعجب الرزق! فقال له الجمّاز: أعجب منه الحرمان، امرأته طالق إن ذقتها. «953» - صلّى رجل صلاة خفيفة فقال له الجمّاز: لو رآك العجّاج لسرّ بك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 413 قال: ولم؟ قال: لأن صلاتك رجز. «954» - قال رجل من ولد عبيد الله بن زياد [إنه رأى] النبي صلّى الله عليه وسلم وعليا وفاطمة عليهما السلام فصام وتصدّق تبرّكا برؤياه. وقصّها والجمّاز حاضر، فقال له: أتدري لم جاءوك؟ قال: لا، قال: جاءوك ليشكروك على فعل أبيك بابنهم. فانخزل الرجل وودّ أنه لم يذكر من ذلك شيئا. «955» - وقال ابن عمار: تذاكر [جماعة] ضيق المنازل، فقال الجمّاز: كنّا على نبيذ لنا وكان أحدنا إذا دخل الكنيف وجاء القدح مدّ يده إلى الساقي فناوله إياه. «956» - دفع الجمّاز إلى القصّار قميصا ليغسله فضيّعه وردّ عليه قميصا صغيرا، فقال: ليس هذا قميصي. قال: بلى هو قميصك، ولكنه توّزيّ في كل غسلة ينقص ويقصر. قال: فأحبّ أن تعرّفني في كم غسلة يصير القميص زرّا. «957» - حضر الجمّاز دعوة فجعل ربّ البيت يدخل ويخرج وهو يقول: عندنا سكباجة تطير طيرانا، عندنا قليّة تطير في السماء. فلما طال ذلك على الجماز جاع وقال: يا سيدي أحبّ أن تخرج إليّ رغيفا مقصوص الجناح إلى أن تقع ألوانك الطائرات. «958» - قال بعض المؤدّبين: حضرت لتعليم المعتزّ وهو صغير فقلت له: بأي شيء نبدأ اليوم؟ قال: بالانصراف. «959» - صرعت امرأة بعض المطبوعين، فقرأ عليها مثل ما يقرأ المعزّم ثم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 414 قال: أمسلم أنت أم يهودي أم نصراني؟ فأجابه الشيطان على لسانها كما يقولون ويزعمون: أنا مسلم. قال: فكيف استحللت أن تتعرّض لأهلي وأنا مسلم مثلك؟ قال: لأني أحبّها. قال: ومن أين جئت؟ قال: من جرجان. قال: ولم صرعتها؟ قال: لأنّها تمشي في البيت مكشوفة الرأس، قال: فإذا كنت بهذه الغيرة، هلا حملت لها من جرجان وقاية تلبسها ولا تنكشف. 96» - دعا حمّاد بن الزبرقان أبا الغول النهشلي إلى منزله، وكانا يتقارضان، فانتهره أبو الغول، فلم يزل المفضل به حتى أجابه. وانطلق فلما رجع إلى المفضّل قال له: ما صنعت أنت وحمّاد؟ قال: اصطلحنا [على] ألا آمره بالصلاة ولا يدعوني إلى شرب الخمر. «961» - سقط لمطيع بن إياس حائط فقال له بعض أصحابه: احمد الله على السلامة، فقال مطيع: احمد الله [أنت] [1] الذي لم ترعك هدّته، ولم يصبك غباره، ولم تغرم أجر بنائه. «962» - وقيل لاسماعيل بن حمّاد: أي اللحمين [2] أطيب؟ قال: لحوم الناس، هي أطيب من الدجاج والدرّاج. «963» - قيل لبعضهم: كيف أنت في دينك؟ قال: أخرّقه بالمعاصي وأرقّعه بالاستغفار.   [1] زيادة من الأغاني وبها يستقيم المعنى. [2] الحيوان: اللّحمان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 415 «964» - قيل لسهل بن هارون: خادم القوم سيّدهم، قال: هذا من أخبار الكسالى. 965- رأى محمد بن سعيد كتابا بخطّ دقيق، فقال: هذا كتاب من يئس من طول حياته. «966» - دخل أبو بكر بن مكرم على أبي العيناء فرأى عنده منجّما فقال: ما يصنع هذا؟ قال: يعمل مولد ابني، قال: فسله قبل هو ابنك حقيقة. 967- دعا يحيى بن أكثم عدوله فقدم إليهم ( ... ) صغيرة فتضامّوا عليها حتى كان أحدهم يتقدّم فيأكل اللقمة ثم يتأخّر حتى يتقدّم الآخر. فلما خرجوا قيل لهم: فيم كنتم؟ قالوا: كنّا في صلاة الخوف. «968» - قال رجل للجمّاز: خرج بي دمل في أقبح موضع، قال: كذبت هو ذا أرى وجهك ليس فيه شيء. نوادر مواجن النساء «969» - طلبت جارية محمود الورّاق للمعتصم بسبعة آلاف دينار فامتنع من بيعها، وشريت له بعد ذلك من ميراثه بسبعمائة دينار. فذكر المعتصم لها ذلك يوما فقالت: إذا كان الخليفة ينتظر لشهواته المواريث فسبعون دينارا في ثمني كثير، فكيف سبعمائة!. «970» - وقالت شاعرة فيهن: [من الرجز] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 416 والله لا تمسكني بضمّ ... ولا بتقبيل ولا بشمّ إلا بزعزاع يسلّي همّي ... يسقط منه فتخي في كمّي «971» - قيل: تزوّج الوليد بن عبد الملك ثلاثا وستين امرأة، وكان أكثر ما يقيم على المرأة ستة أشهر. وكان في من تزوّج إبنة عبد الله بن مطيع العدوي، وكانت جميلة ظريفة. فلما أهديت إليه قال لسمّاره الذين يسمرون عنده: لا تبرحوا إن أبطأت حتى أخرج إليكم. ودخل بها وانتظروه حتى خرج إليهم في السّحر، وهو يضحك، فقالوا: سرّك الله يا أمير المؤمنين. فقال: ما رأيت مثل ابنة [1] المنافق (يعني عبد الله بن مطيع، وكان في من قتل مع ابن الزبير، وكان بنو مروان يسمّون شيعة ابن الزبير المنافقين) لما أردت القيام أخذت بردائي وقالت: يا هذا إنّا قد اشترطنا على الحمّالين الرجعة، فما رأيك؟ فأعجب بها وأقام عليها ستة أشهر، ثم بعث إليها بطلاقها. «972» - حملت ابنة [الخسّ] من زنا فسئلت ممّن حملت فقالت: [من الطويل] أشمّ كغصن البان جعد مرجّل ... شغفت به لو كان شيئا مدانيا ثكلت أبي إذ كنت ذقت كريقه ... سلافا ولا ماء من المزن صافيا فأقسم لو خيّرت بين فراقه ... وبين أبي لاخترت أن لا أبا ليا فإن لم أوسّد ساعدي بعد رقدة ... غلاما هلاليّا فشلّت بنانيا 973- حدّث أبو محمد الحسن بن محمد، وكان دميما ظاهر السماجة،   [1] في الأصل: ابن. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 417 قال: كنت واقفا عند الجسر ببغداد أحدّث صديقا لي، فوقفت امرأة مقابلي طويلا تتأمّلني ولا ترفع ناظرها عني حتى استربت بها. فقلت لغلامي: انظر ما تريد هذه المرأة. فدنا منها فقال: ما وقوفك وما تريدين؟ قالت: كانت عيني أذنبت ذنبا فأحببت أن أعاقبها بالنظر إلى هذا السمج [1] . نوادر في التعصب والتخرب «974» - قال عروة بن سليمان: كان عندنا رجل من بني نمير يدعو لأبيه ويدع أمّه فقيل له في ذلك فقال: إنها كلبيّة. «975» - ركب شيخ من بني نمير في سفينة ومعه ابن له، وفي السفينة جماعة، فنسبهم الشيخ فإذا كلّهم من الأزد. فأخذ الشيخ حديدة وجعل ينقب بها، فقال له ابنه: ما تصنع؟ قال: أخرقها، قال: إذن نغرق، قال: يا بنيّ، أما ترضى أن أغرق أنا وأنت وثمانية عشر رجلا من الأزد؟ «976» - وقال رجل من بني أسد يمدح يحيى بن حيان النخعي: [من الطويل] ألا جعل الله اليمانين كلّهم ... فدى لفتى الفتيان يحيى بن حيّان ولولا عريق فيّ من عصبيّة ... لقلت وألفا من معدّ بن عدنان ولكنّ نفسي لم تطب بعشيرتي ... وطابت له نفسي بأبناء قحطان «977» - وزعم أنّ ناسكا من بني الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول في قصصه: اللهمّ اغفر للعرب خاصة وللموالي عامة، فأما العجم فهم عبيدك   [1] الأغاني: القبح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 418 والأمر إليك. «978» - وزعم الأصمعي أنه سمع أعرابيا يقول لآخر: أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنّة؟ قال: أرى ذاك والله بالأعمال الصالحة، قال: توطأ رقابنا والله قبل ذلك. «979» - سمع رجل يقرأ: الأكراد أشدّ كفرا ونفاقا، فقيل له: ويحك! الأعراب، قال: كلّهم يقطعون الطريق. «980» - كان للحسن بن قيس بن حصن ابن شيعي وابنة حروريّة وامرأة معتزلة وأخت مرجئة وهو سنّي، فقال لهم ذات يوم: أراني وإيّاكم طرائق قددا. 981- قيل لمدني: كيف رغبتكم في السّواد؟ قال: لو وجدنا بيضاء لسوّدناها. 982- أحضر رجل رمي بالرفض عند الوالي، فقيل له ما تقول في أبي بكر، خليفة هو؟ قال: لا؛ قال: فعمر، قال: لا؛ قال: فعثمان قال: لا؛ قال: فما تقول في عليّ رضى الله عنه، قال: ليس بخليفة؛ قال: ويحك! من الخليفة؟ قال: معاوية، قال: كيف؟ قال: لأنّ الله تعالى قال حاكيا عن الملائكة قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ (البقرة: 30) وهذه صفة معاوية. نوادر المخنثين «983» - نظر مخنّث إلى رجل دميم الوجه، فقال: وجهك هذا نموذج جهنّم أخرج إلى الدنيا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 419 «984» - دخل مخنّث على العريان بن الهيثم، وهو أمير الكوفة، فقالوا: إنه يفعل ويصنع. فقال له العريان: يا عدوّ الله لم تفعل هذا؟ قال: كذبوا عليّ أيها الأمير كما كذبوا عليك. فغضب العريان وقال: ما قيل فيّ؟ قال: يسمّونك العريان، وعليك عشرون قطعة ثيابا. فضحك وخلاه. «985» - مرّت امرأة بمخنّث حسن الوجه ومعها ابنة لها، فقالت: ليت لابنتي حسن وجهك، قال: وحلاقي [1] ؟ قالت: تعست! قال: فتأخذين من ما صفا وتدعين ما كدر؟ «986» - تاب مخنّث فلقيه مخنّث آخر فقال: يا فلان، أيش حالك؟ قال: قد تبت، قال: فمن أين معاشك؟ قال: بقيت لي فضلة من الكسب القديم فأنا أمزمزها، قال: إذا كانت نفقتك من ذلك الكسب فلحم الخنزير طريّ خير منه قديد. «987» - قال الجمّاز: مات مخنّث يقال له قرنفل، فرآه في النوم إنسان وكأنه يقول: أيش خبرك يا قرنفل؟ قال: إلى النار، قال: ويلك فمن يودك في النار؟ قال: ثمّ يزيد بن معاوية ليس يقصّر في أمري. «988» - كان سكران يبكي ويقول: لو عرفت قتلة عثمان. فقال له مخنث: وما كنت تصنع بهم؟ قال: كنت أنيكهم. فقال المخنث: أنا قتلته، فامتطاه وقال: يا ثارات عثمان! فقال المخنّث من تحته: إن كنت وليّ الدم وهذه   [1] نثر الدر: وطلاقي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 420 عقوبتك فإني أقتل كلّ يوم عثمان. «989» - ومرّ الطائف بالمدينة بمخنّثين فأراد أن يقول خذوهما فقال: نيكوهما، ثم قال: اضربوهما. فقال أحدهما: قد سبقت رحمتك عذابك فلا ترجع. «990» - قال مخنث لأبي عبّاد وكان قبيحا ومعه أخ صبيح: ما أمّك إلا شجرة البلّوط تحمل سنة بلّوطا وسنة عفصا. 991- باع مزبّد حمارا فأقبلوا يقلّبونه فقال: والله لو قلّبتم عين الشمس هذا التقليب لأخرجتم منها صدأ. «992» - كسا مزبّد امرأة له ثوبا فقالت: هذا حسن، فقال: الطلاق أحسن منه، قالت: فطلّق، فقال لها: فأنت طالق ثلاثا. فسجدت. فقال لها: إن كنت وضعت جبهة خاشعة فقد رفعت إستا نادمة. 993- حجّ مخنّث فرأى رجلا قبيح الوجه يستغفر، فقال: يا حبيبي ما أرى لك أن تبخل بهذا الوجه على جهنّم. «994» - قيل لقرقر المخنّث: أبو من؟ قال: أبو محمد. «995» - رقي مخنّث جبل لكام على أن يتعبّد فيه. فأخذ زاده وصعد وسار على مهل، فنفد زاده وتطلّع إلى أسفل فإذا هو قد قطع أكثره. فنظر إلى الجبل وقال: اشماتتي بك يوم أراك كالعهن المنفوش! «996» - نظر مخنّث إلى رجل يغسل استه ويستقصي جدا، فقال له: عافاك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 421 الله! تريد أن تشرب بها سويقا؟. «997» - حجّ مخنّث فرأى إنسانا قبيحا يرمي الجمار، فقال له: بأبي أنت! لست أشير عليك أن تعود إلى هذا المكان. قال: ولم، ألست مسلما؟ قال المخنّث: بلى، ولكن لا أرى أن تبخل على أهل النار بهذا الوجه. «998» - ونظر رجل إلى أير ابنه في الحمام، وهو كبير، فضربه وقال: إنما طال أيرك من كثرة ما يفعل بك. فقال مخنّث كان معه في الحمام: لا تفعل، فلو كان هذا حقّا كان أيري وبظر أمّه قد بلغا مكة طولا. 99» - جمع مخنّث بين نفسين فأخذوا جميعا، وأفرج عنهما ورفع المخنّث إلى السلطان، فسأله عن قصّته، فقال: هؤلاء وجدوا طائرين في قفص فخلّوا الطائرين وحبسوا القفص. «1000» - رأى عبادة دينار بن عبد الله وقد ولي مصر فقال: يا فرعون ارفع رأسك وانظر من ندب مكانك. «1001» - سمع مخنّث رجلا يقرأ قراءة قبيحة، فقال: أظنّ أنّ هذا القرآن الذي يزعم ابن أبي دواد أنّه مخلوق. «1002» - قيل لمخنّث: كيف ترى الدنيا؟ فقال: مثلنا، يوما عند الأسخياء ويوما عند البخلاء. «1003» - طلب رجل منزلا يكتريه، فجاء إلى باب دار ودفعه وقال: لكم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 422 منزل للكرا؟ وإذا في الدار مخنّث وفوقه رجل، فصاح المخنّث: أليس ترانا بعضنا فوق بعض من ضيق المكان؟ من أين لنا منزل نكريه؟ «1004» - رأى إنسان مخنّثا ينتف لحيته، فقال له: ويلك! لأيّ شيء تنتف لحيتك؟ قال: أيسرّك أن مثلها في استك؟ قال: لا، قال المخنث: فشيء تأنف منه لاستك، لا آنف لوجهي منه؟ «1005» - ألزم المتوكل عبادة في يوم من شهر رمضان أن يقرأ في المصحف. فقرأ وجعل يصحّف ويغلط حتى بلغ إلى قوله عزّ وجلّ: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (الحج: 34) فصحّفه وقرأ: وبشّر المخنثين، فطرده. «1006» - قال حمزة النوفلي: صلى الدّلال المخنّث إلى جنبي في المسجد فضرط ضرطة كبيرة هائلة، فسمعها من في المسجد فرفعنا رؤوسنا وهو ساجد يقول في سجوده: سبّح لك أعلاي وأسفلي، رافعا بذلك صوته، فلم يبق في المسجد أحد إلا فتن وقطع صلاته بالضحك. «1007» - وقال رجل للدلال أن يزوّجه امرأة فزوّجه. فلما أعطاه صداقها وجاء بها عليه ودخلت عليه قام إليها يواقعها، فضرطت قبل أن يطأها، فكسل عنها ومقتها وأمر بها فأخرجت وبعثت إلى الدلال، فعرّفه ما جرى عليه، فقال له الدلال: فديتك! هذا كلّه من عزّة نفسها. فقال: دعني منك فإني قد أبغضتها اردد عليّ دراهمي. فرد بعضها فقال له: لم رددت بعضها وقد خرجت كما دخلت؟ قال: للروعة التي أدخلتها على استها. فضحك وقال: اذهب وأنت أقضى الناس وأفقههم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 423 1008- قيل: كان مزبّد يسبق الحاجّ في كلّ عام، وكان يجيء في ثلاث على رجليه. قال: فتزوّج بامرأة ولها صديق صرّاف يختلف إليها في غيبة مزبّد. وتأخّر مزبّد عن وقته الذي كان يجيء فيه لعلّة أصابته. فظنّ الصراف أنه قد مات أو أصابته بليّة، فأقام في ذلك اليوم عندها ولم يبرح. وجاء مزبّد ودخل على الوالي وخبّره بقصة الحاجّ وانصرف إلى منزله، فدنا من الباب واطّلع من كوة فيه، وإذا الصرّاف مع امرأته في البيت، فلم يستفتح الباب، ومضى من وقته إلى المخنّثين- وكانوا لا يعصونه- فدعاهم فأجابوه، فوقف على بابه وأمرهم فضربوا بطبولهم وزمروا، واجتمع الناس فأقبلوا يقولون له: يا أبا إسحاق ما حدث؟ فيقول: تزوّجت امرأتي. فيقولون: ما بك؟ وما هذه القصة؟ فلا يخبرهم باسمه. قال: فجاء الصرّاف إلى الباب فقال: يا أبا إسحاق، فأذن لي أن أكلّمك. فدنا فقال: اتّق الله من الفضيحة وأنا أفتدي. قال: فافعل، واردد عليّ نفقتها ومهرها نقدا فقد أفسدتها. قال: وكم ذاك؟ قال: خمسون دينارا. قال: فكتب رقعة إلى غلامه في السوق، ودفعها إليه من تحت الباب، فانطلق وأخذ الخمسين، وقال: أي بني أمّي، تفرّقوا فإنما كنت أمزح. فتفرقوا، ودخل فقنّع رأسه وأدخله سرّا وقعد على امرأته وسكت. «1009» - قيل لأشعب: لو تركت النوادر ورويت الحديث لكان أنبل لك. قال: والله لقد سمعت الحديث. قال: فحدثنا. قال: حدثنا نافع عن ابن عمر أن النبيّ- صلّى الله عليه وسلم وعلى آله- قال: خصلتان من كانتا فيه كان من خالصة الله. قالوا: هذا حديث حسن فهاتهما. قال: نسي نافع واحدة ونسيت أنا الأخرى. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 424 نوادر ذوي العاهات والأدواء «1010» - كان الحكم بن عبدل الأسدي أعرج، فدخل على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو أعرج، وكان صاحب شرطته أعرج. فقال ابن عبدل: [من الكامل] ألق العصا ودع التخاذل والتمس ... عملا فهذي دولة العرجان لأميرنا وأمير شرطتنا معا ... لكليهما يا قومنا رجلان فإذا يكون أميرنا ووزيرنا ... وأنا فإنّ الرابع الشيطان «1011» - وأنشد الأعور: [من الوافر] ألم ترني وعمرا حين تغدو ... إلى الحانات ليس لنا نظير أسايره على يمنى يديه ... وفيما بيننا رجل ضرير «1012» - دخل آخر إلى بعض الرؤساء فسارّه بشيء فتأذّى ببخره. فلما فرغ من حديثه فسا وزاد البلاء على الرجل، فقال له: قم بالله فإنّك عارم الطرفين. «1013» - قال بعضهم: خرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرّة وفي يده سراج، فلم يزل يمشي حتى أتى نهرا فملأ الجرّة ورجع. فقلت له: أنت أعمى والليل والنهار عليك سواء، فما معنى هذا السراج؟ قال: يا فضولي، حملته معي لأعمى القلب مثلك يستضيء به ولا يعثربي في الظّلمة فيقع عليّ ويكسر جرتي. «1014» - جلس كسرى للمظالم فتقدم إليه رجل قصير، فأقبل يصيح أنا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 425 مظلوم، وهو لا يلتفت إليه؛ فقال له الموبذان: أنصفه قال: إنّ القصير لا يظلمه أحد، فقال: الذي ظلمني أقصر مني، فضحك وأشكاه. «1015» - سارّ سعيد بن حميد رجل به بخر فقال: مثلك لا يسارّ وإنما يكاتب. وأنشد: [من الخفيف] كلّمتني فقلت خرا وخير 1016- ورأى فيلسوف قملة تدبّ على رأس أصلع فقال: هذا لص يروم القطع في خربة. 1017- اتفق في ملك محمود بن ملكشاه توجيه القضاة الثلاثة، الهروي والشّهرزوري والهيتي، رسلا إلى الأطراف، وكانوا أعيان عصرهم إلا أنهم عور، فقال فيهم محمد بن الحسين الآمدي: [من البسيط] أرى العراق بمحمود على خطر ... ظمآن أن رويت فيه السيوف روي ولست أرجو له صلحا يهذبه ... بالشهرزوريّ والهيتيّ والهروي عور وأخلق بملك رسله طير ... أن لا يروم وهذا قد بري ودوي [1] 1018- كتب بعضهم إلى محمد بن عبد الملك الزيات: نعّمتني بوطء المطهّمات حتى أصابني الفالج، وأتخمتني بأكل الطيّبات حتى أصابني النّقرس، ولولاك لكنت أبعد من النقرس من فيج، وأسلم من الفالج من مكار؛ وأين شرف أدوائي من جرب الحسن بن وهب ودود أحمد بن أبي خالد؟ وأين أدواء الملوك والأنبياء من أدواء السّفلة والأغبياء؟ فمن كان داؤه أفضل من صحّة غيره، وعيبه أحمد ممّا تراه ضدّه، فما ظنّك بغير ذلك من أمره؟!   [1] هذه الأبيات غير واضحة في الأصل ولم نعثر على مصدر لها لضبطها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 426 «1019» - أبو حكيمة: [من الطويل] أيحسدني إبليس داءين أصبحا ... برأسي ورجلي دمّلا وزكاما فليتهما كانا به وأزيده ... زمانة شيء لا يريد قياما «1020» - رجل من بني عجل: [من الطويل] وشى بي واش عند ليلى سفاهة ... فقالت له ليلى مقالة ذي عقل وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصار جلا أقيم بها رجلي وخبر أني قد عرجت فلم تكن ... كورهاء تجري بالملامة للبعل «1021» - آخر: [من الرجز] ليس يضرّ الطّرف توليع البلق ... إذا جرى في حلبة الخيل سبق «1022» - لما شاع في بلعاء بن قيس الوضح قيل له: ما هذا يا بلعاء؟ فقال: سيف الله جلاه. نوادر البلغاء 1023- وصفوا غلاما عند بعضهم فقالوا: هو فاسد، قال: في فساده صلاحي. «1024» - وقال ابن وهب في مرد التحوا: [من المنسرح] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 427 ما بالكم يا ظباء وجرة أم ... ما غالكم يا جآذر البقر ماتوا فلم يدفنوا فيحتسبوا ... ففيهم عبرة لمعتبر كأنّهم بعد بهجة درست ... ركب عليهم عمائم السّفر «1025» - وقال ابن بسام في مثله: [من البسيط] يا من نعته إلى الإخوان لحيته ... أدبرت والناس إقبال وإدبار حانت منيّته واسودّ عارضه ... كما تسوّد بعد الميّت الدّار 1026- وقال آخر: [من الوافر] وعلق لو تنسّك يوم حجّ ... لواحر بين زمزم والحطيم ولو يوم المعاد رأى لواطا ... لنام على الصّراط المستقيم «1027» - قيل لأعرابي: أغلمة الرجل أشدّ أم غلمة المرأة؟ فقال مرتجلا: [من الطويل] فو الله ما أدري وإني لخابر ... أالأير أدنى للفجور أم الحر وقد جاء هذا مرخيا من عنانه ... وأقبل هذا فاتحا فاه يهدر «1028» - وقال أبو العيناء لرجل دخل من النصرانية في الإسلام: أتشرب الخمر؟ قال: بلى. قال: لقد أصبت عين الرأي إذ دخلت في عزّ هذه الدعوة وثبتّ على شرائط تلك النّحلة. «1029» - قال ابن مكرّم لأبي العيناء: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 428 فقال: ويحك! وتدعني امرأتك ان أصوم؟ «1030» - قال أبو العيناء: مررت بسرّ من رأى فقال لي غلامي: يا مولاي في الدّرب حمل سمين والدّرب خال. فأمرته أن يأخذه، وغطّيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي. فلما كان الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدّرب مكتوب فيها: جعلت فداك! ضاع لنا بالأمس في الدّرب حمل، فأخبرني صبيان دربنا أنّك أنت سرقته، فتأمر بردّه متفضّلا؟ قال أبو العيناء: فكتبت إليه: يا سبحان الله، ما أعجب هذا الأمر! مشايخ دربنا يزعمون أنّك بغّاء وأكذّبهم أنا ولا أصدّقهم، وتصدّق أنت صبيان دربكم أني أنا سرقت الحمل؟ فسكت وما عاودني بشيء. «1031» - قال ابن مكرّم يوما: ما في الدنيا أعقل من القحبة، لأنها تطعم أطايب الطعام وتسقى ألذّ الشراب وتأخذ دراهم وتتلذّذ. فقال له أبو العيناء: فكيف عقل والدتك. فقال: أحمق من دغة يا عاضّ كذا. «1032» - قيل لرجل كانت امرأته تشارّه: أما أحد يصلح بينكما؟ فقال: لا، قد مات الذي كان يصلح بيننا، فقال: [من الطويل] وكنت فتى من جند إبليس فارتقت ... بي الحال حتى صار إبليس من جندي «1033» - أشرف قوم كانوا في سفينة على الهلاك، فأخذوا يدعون الله تعالى بالنجاة، ويتضرّعون، ورجل منهم ساكت لا يتكلّم. فقالوا له: لم لا تدعو أنت أيضا؟ فقال: هو مني (وأومأ إلى نفسه) وإن تكلّمت غرّقكم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 429 «1034» - مرّ بعضهم في طريق فعيي من المشي، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا ربّ، ارزقني دابّة. فلم يمش إلا قليلا حتى لحقه أعرابيّ راكبا رمكة وخلفه مهرها صغير قد عيي. فقال للرجل: احمل المهر ساعة. فامتنع فقنّعه بالسّوط حتى حمله. فلما حمله نظر إلى السماء فقال: الذنب لي حيث لم أفسّر دابّة تحملني أو أحملها. 1035- قام بعضهم من مجلس ليصلّي فقيل له: أيّ صلاة تصلّيها: الأولى أو العصر؟ فقال بعض المجّان الحاضرين: أيّ صلاة صلاها فهي الأولى فإنه ما صلّى قبلها. «1036» - اشترى بعضهم جارية فقيل له: اشتريتها لخدمتك أو لخدمة النساء؟ فقال: بل لنفسي، ولو اشتريتها للنساء لكنت أشتري مملوكا فحلا. «1037» - لما أخرجت جنازة الصّريمية المغنية كان أشعب جالسا في نفر من قريش فبكى عليها وقال: اليوم ذهب الغناء كلّه وترحم عليها، ثم مسح عينيه والتفت إليهم وقال: وعلى ذلك فقد كانت الزّانية شرّ خلق الله؛ فضحكوا وقالوا: يا أشعب ما بين بكائك عليها ولعنك إيّاها فرق. قال: نعم، كنّا نجيئها الفاجرة بكبش إذا أردنا أن نزورها فيطبخ لنا من دارنا [1] ثم لا نتعشى- شهد الله- إلا بسلق. «1038» - نزل على مديني أضياف فتسترت امرأته منهم وتخفّرت، فقال لها زوجها: لوددت أنّ في الدنيا عينا تشتهيك وأنّك أثقلت في كلّ يوم بتو أمين.   [1] الأغاني: دارها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 430 «1039» - نظر مديني إلى قوم يستسقون ومعهم الصبيان فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: نرجو بهم الإجابة، قال: لو كان دعاؤهم مجابا لما بقي في الأرض معلّم. «1040» - كان يترافق اثنان أحدهما يقود بالصبيان الصغار والآخر بالبالغين الكبار، وكلّ واحد يعيب صاحبه ويعنّفه، حتى أخذ في بعض الأيّام صاحب الصغار مع صبيّ، ورفع إلى السلطان فضرب وحمل الصبيّ على عاتقه ليطاف به في البلد؛ فلقيه رفيقه في تلك الحال فقال: قد كنت أنهاك عن الصغار حذرا عليك من مثل هذا ولو كان كبيرا لم ينكر عليك كونه معك في البيت. فقال: اسكت يا أحمق! فلو قبلت منك كان مكان هذا الصغير ذاك الكبير، وكان يدقّ عنقي بثقله. 1041- نظر الحسن البصري إلى رجل عليه بزّة سريّة، فقال: ما يصنع هذا؟ قالوا: يضرط، قال: ما طلب الدنيا بما تستحقّ غير هذا. «1042» - كان سعيد بن حميد الكاتب يذكر بالضّراط، فقال لأبي هفان: لئن ضرطت عليك لأبلغنّك إلى فيد في دفعة. فقال: الله الله يا مولاى! زدني أخرى وبلّغني مكة فإني صرورة [1] . فضرط عليه ضرطة أصعقت أبا هفان، فقال: ردّني من الثّعلبيّة فقد كفاني. «1043» - مشت فتاة في الطريق وإلى جانبها شيخ. فاستعجلت فضرطت، فقال الشيخ: سبحان الله! فوقفت وقالت: سبّحت في غلّ وقيدين يا بغيض يا   [1] الصرورة: الذي لم يحج أو لم يتزوج. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 431 مقيت، لم تسبّح؟ قطعت عليك الطريق؟ تعلقت لك بثوب؟ شتمت عرضك؟ رميتك بفاحشة؟ حبستك عن حاجة؟ امض على حالك لا محفوظا ولا مصحوبا. فخجل الشيخ حتى كأنه قد ضرط. «1044» - دخل أعرابيّ إلى الحجاج فجعل يشكو إليه جدب السّنة. فبينما هو مفرط في ذلك إذ ضرط فقال: أصلح الله الأمير وهذه أيضا من بليّة هذه السنة. فضحك وأجازه. «1045» - وقد روي أنّ المغيرة صعد المنبر فضرط، فحرّك يده وضرب بها استه وقال: كل است ضروط. ثم نزل وتوضّأ وعاد إلى مكانه. «1046» - وقيل لبعضهم: لا تضرط فإن الضّراط شؤم، قال: فأحرى أن لا أدعه في جوفي. «1047» - تزوّج رجل بامرأة فضرطت ليلة الزّفاف فخجلت وبكت فقال لها الزوج: لا تبكي فقد قيل إنّ المرأة إذا ضرطت ليلة الزّفاف كان دليلا على خصب السنة، قالت: فأضرط أخرى؟ قال: لا فإن بيتنا الذي ندّخر فيه الغلّة بيت واحد صغير لا يسع أكثر من هذا. «1048» - مرّ ابن أبي علقمة على جماعة من عبد القيس، فضرط بعض فتيانهم فقال: يا عبد القيس، فسّائين في الجاهلية ضراطين في الاسلام، إن جاء دين آخر خريتم. «1049» - صلّى أشعب يوما إلى جانب مروان بن أبان بن عثمان، وكان الجزء: 9 ¦ الصفحة: 432 مروان عظيم العجيزة والخلف فأفلتت منه ريح عند نهوضه لها صوت. فانصرف أشعب من الصلاة يوهم الناس أنّه هو الذي خرجت الريح منه. فلما انصرف مروان إلى منزله جاءه أشعب فقال له: الدّية! فقال له: الدّية، لماذا؟ قال: الضّرطة التي تحملتها عنك وإلا شهّرتك والله. فلم يدعه حتى أخذ منه شيئا صالحا. «1050» - خرجت من أعرابيّ ريح وحضرت الصلاة، فقام يصلّي فقيل له في ذلك، فقال: لو أوجبت على نفسي الوضوء لكلّ ريح تخرج مني لخلتموني ضفدعا أو حوتا. «1051» - شرب الهفتيّ دواء فأشرف عليه حتى أنحله وأذهب جسمه، فأتاه إخوانه يعودونه فقال: ما علمت أنّي من خرا حتى اليوم. «1052» - كتب بعض المجّان إلى صديق له: أما بعد، فقد أضلّنا هذا العدوّ (يعني شهر رمضان) . فكتب إليه الجواب: ليكن أهون عليك من شوّال. «1053» - قيل لابن مضاء الرازي: قد كبرت فلو تبت وحججت كان خيرا لك. قال: ومن أين لي مال أحجّ به؟ قيل: تبيع دارك. قال: فإذا بعت ورجعت فأين أنزل؟ قيل: تجاور. قال: فإذا جاورت بمكة، أليس الله تبارك وتعالى يقول: يا صفعان، بعت بيتك وجئت تنزل على بيتي. «1054» - وتزوّج بامرأة وأمهرها أربعة آلاف درهم، فاستكثر ذلك بعض أصدقائه فقال: الأمر يسهل مع غريم كلما لقيته نكته. «1055» - صار إلى عمرو الخوزيّ جماعة من جيرانه وسألوه أن يعطيهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 433 شيئا يصرفونه في ثمن بواري مسجد يجاوره فقال لهم: إن كنتم رأيتموني في المسجد يوما من الأيام أو دخلته لحاجة فضلا عن الصلاة فكلّفوني أن أفرشه بزلالي جهرمية. «1056» - قال بعضهم: دعوت أصدقائي فجاؤني معهم بصفعان، فمددت يدي إليه، فقال: يا ابن البظراء هذا مزح من داره على دجلة، وفي بستانه طاووس، وفي اصطبله فيل، وعلى باب داره زرافة، ليس من داره بكراء، وخبزه شراء، ودوابه في زنقة، وفي حجرته ديك، وعلى بابه كلب. «1057» - قيل لبعضهم: اللّواط إذا استحكم صار حلاقا، قال: هذا من إرجاف الزّناة. «1058» - سمع صبيّ أمّه تبكي وقت السحر، فقال: لم تبكين؟ قالت: ذكرت أباك فأحرق قلبي، قال الصبيّ: صدقت، هذا وقته. «1059» - أخذ رجل مع غلام فرفع إلى صاحب الشرطة فأدّبه، ثم وجد بعد ذلك مع امرأة فعوقب، وبعد ذلك مع مخنّث فأدّب، ثم وجد في خربة مع أتان، فقال له صاحب الشرطة: ويلك! لم لا تغمد أيرك؟ قال: يا سيدي هذا غمده ولكن ليس تتركوني أن أغمده. «1060» - قيل لابن [1] سوّار: قد امتهنك غلامك الأسود، قال: ما امتهنني ولكن امتهنته، عمدت إلى أكرم عرق فيه فاستعملته في أقذر مدخل فيّ.   [1] في الأصل: لأبي. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 434 «1061» - اشترى مديني عرصة وأحضر من بينيها. فذرعها وقال: ابن ههنا صفّة، وههنا. ( .... ) وهذه خزانة. ثم ضرط فقال بالعجلة: وههنا كنيفا فقد اختاره الثّقة العالم به. فضحك هو ومن حضره وزال خجله. «1062» - كان بعض الفقهاء، ويعرف بالخضيري [1] ، يحضر مجلس النّظر للصاحب بالليل، فغلبته عيناه مرّة وبدرت منه ريح لها صوت، فخجل وانقطع من المجلس، فقال الصاحب: أبلغوه عني: [من البسيط] قل للخضيري لا تذهب على خجل ... لحادث كان مثل الناي والعود فإنها الريح لا تسطيع تحبسها ... إذ أنت لست سليمان بن داود «1063» - التقى مدينيّان فقال أحدهما لصاحبه: علمت أنّ امرأتي حامل قال: ممن؟ قال: مني، قال: سررتني والله. «1064» - سمع العنبري القاضي صبيّا يقول لآخر: وإلا فأير القاضي في حر أمّ الكاذب. فقال القاضي: ولم يا صبيّ؟ قال: لأن عليه أيرا مردودا في حر أمّه مثل سارية المسجد، فقال القاضي: الاستقضاء شؤم. «1065» - راودت أعرابية شيخا عن نفسه، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة أبطأ عليه الانتشار. فأقبلت تستعجله وتوبّخه فقال: يا هذه إنك تفتحين بيتا وأنا أنشر ميّتا.   [1] اليتيمة: ابن الخضيري. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 435 «1066» - أتى نوفل إلى ابن أخيه وقد أحبل جارية لغيره، فقال: يا عدوّ الله هلا إذا ابتليت بالفاحشة عزلت؟ قال: بلغني أنّ العزل مكروه، قال: فما بلغك أن الزّنا حرام؟ «1067» - جاء رجل إلى عابد فسأله عن القبلة للصّائم، قال: تكره للحدث، ولا بأس بها للمسنّ، وبالليل له فسحة. فقال: إنّ زوجها يعود إلى منزله ليلا، فقال: يا ابن أخ، هذه تكره في شوّال أيضا. «1068» - قال رجل لقينة في مجلس: أشتهي أن أضع يدي عليه، قالت: العتمة. قال: يا ستّي إذا كان العتمة وأطفىء السّراج يكون الزحام عليه أكثر من الزّحام على الحجر الأسود. «1069» - كان في جوار ابن المعذّل قحبة تزني بالنهار وتصلّي بالليل وتدعو وتقول: اللهم اختم لي بخير. فلما طال ذلك على ابن المعذّل قال: ما ينفعك هذا الدعاء، هو يختم بالليل وأنت تكسرين الختم بالنهار. «1070» - وقيل لرجل: إن فلانا وفلانا حملا السّلّم البارحة ونصباه على حائط دارك يريدان امرأتك، قال: على كلّ حال إذا حملاه هما أولى من أن يكلّفوني حمله وحدي. «1071» - قيل لرجل رؤي يكلّم امرأة في شهر رمضان: أتكلّمها في مثل هذا الشهر؟ قال: أدرّجها لشوّال. «1072» - أدخل الجمّاز غلاما ففعل به. فلما خرج سئل الصبيّ فقال: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 436 أدخلني الجمّاز ههنا لأفعل به. فبلغ ذلك الجمّاز فقال: قد حرم اللّواط إلا بوليّ وشاهدين. «1073» - وخصم أمرد من شعره لما بقل وجهه، فقيل له في ذلك فقال: تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها (التوبة: 24) . «1074» - أسلم نصراني ثم تعاطى ركوب الفواحش واستحلال المآثم. فقال له نصرانيّ آخر: ما زدت على أن أسخطت عيسى ولم ترض محمدا صلّى الله عليه وسلم. «1075» - قال أبو العيناء: كان بالرّيّ مجوسيّ موسر فأسلم، وحضر شهر رمضان فلم يطق الصوم، فنزل إلى سرداب له وقعد يأكل. فسمع ابنه حسّا من السّرداب فاطّلع فيه وقال: من هذا؟ فقال الشيخ: أبوك الشقيّ يأكل خبز نفسه ويفزع من الناس. «1076» - تبع أشعب مرّة امرأة فقالت له: وما تصنع بي ولي زوج؟ قال: فتسرّي بي فديتك. «1077» - وكان يقول: كلبي كلب سوء يبصبص الأضياف وينبح لأصحاب الهدايا. «1078» - وقع بين مزبّد وبين رجل كلام، فقال له الرجل: تكلّمني وقد نكت أمّك. فرجع مزبّد إلى أمّه فقال: يا أمّاه، تعرفين مليك؟ قالت: أبو علية؟ قال: ناكك، شهد الله، أنا أسألك عن اسمه وتجيبينني عن كنيته. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 437 «1079» - وسمع رجلا يقول عن ابن عباس: من نوى حجّة وعاقه عائق كتب له. فقال مزبّد: ما خرج العام كراء أرخص من هذا. «1080» - ونام مرّة في المسجد فدخل رجل يصلّي، فلما فرغ قال: يا ربّ أنا أصلّي وهذا نائم! فقال: يا ابن أمّ سل أنت حاجتك ولا تحرّشه علينا. «1081» - وسمع رجلا يقول لآخر: إذا استقبلك الكلب بالليل فاقرأ في وجهه يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ فقال مزبّد: الوجه عندي أن يكون معك عصا أو حجر، فليس كل كلب يحفظ القرآن. «1082» - ووقعت بينه وبين امرأته [خصومة] فحلف لا يجتمع رأسي ورأسك على مخّدة سنة. فلما طال ذلك عليه قال: نقنع باجتماع الأرجل إلى وقت حلول الأجل. «1083» - وغضب عليه بعض الولاة وأمر بحلق لحيته، فقال له الحجّام: افتح فمك حتى أحلق. قال: يا ابن الفاعلة، أمرك أن تحلق لحيتي أو تعلمني الزّمر؟ «1084» - وسئل يوما عن عدد أولاده فقال: عهد الله في رقبته إن لم تكن امرأته تلد أكثر ممّا ينيكها. «1085» - وقال يوما: قد عزمت في هذه السنة على الحجّ وأصلحت أكثر ما الجزء: 9 ¦ الصفحة: 438 أحتاج إليه، قالوا: وما الذي أصلحت؟ قال: حفظت التّلبية. «1086» - ودخل إلى بعض العلويّة فجعل يعبث به ويؤذيه. فتنفس مزبّد الصعداء وقال: صلوات الله على المسيح، أصحابه منه في راحة، لم يخلّف عليهم ولدا يؤذيهم. «1087» - وجاء غريم له يطالبه بحقّ عليه، فقال له: ليس لك اليوم عندي شيء، وحشرني الله كلبا عقورا ينهش عراقيب الناس في الموقف ولو علقتني من الثريا بزغبة قثّاءة ما أعطيتك اليوم شيئا. «1088» - وقيل له: صوم يوم عرفة يعادل صوم سنة. فصام إلى الظهر ثم أفطر وقال: يكفيني صوم نصف سنة فيه شهر رمضان. «1089» - وكان لامرأة مزبّد صديق فضربها وشجّها. ودخل مزبّد فرآها على تلك الحال، فقال لها: ويلك! ما لك؟ قالت: سقطت عن الدّرجة، قال لها مزبّد: أنت طالق، لو أنك سقطت من بنات نعش ما أصابك هذا كلّه. «1090» - وزفّت إليه امرأة فبيحة، فقالت له الماشطة: بأي شيء تصبحها؟ قال: بالطلاق. «1091» - وجلس مرّة على الطريق يبول وهو سكران، وعليه طيلسان خلق، فمر به رجل فأخذ طيلسانه فالتفت إليه مزبّد وقال: يا فتى، صرف الله عنك السّوء. «1092» - وقيل لمزبّد: وقد أدمن الحلف بالطلاق وجلس مرة على الطريق الجزء: 9 ¦ الصفحة: 439 يبول وهو سكران: ويحك! لم تحلف بالطلاق؟ فقال: قوموا معي حتى أريكم امرأتي، فإن كانت تصلح [إلا] للحنث فاصنعوا بي ما شئتم. «1093» - دخل على مطيع صديق له فرأى تحته غلاما وفوقه آخر، فقال: ما هذا؟ قال: اللذّة المضاعفة. «1094» - وعوتب ابن مكرّم على حبّ غلام كان يعرف به، فأومى بيده إلى خلفه فقال: [من الطويل] أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللّوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا «1095» - قيل لآخر: أتنبطح مع شرفك؟ فقال: ذوقوا ثم لوموا. 1096- رفع شيخ مأبون مع أمرد إلى السلطان، فقالت امرأته: أما تستحي أن يرفع ذلك إلى السلطان؟ فقال: لو استقبلك بمثل ما استدبرني لم تبالي أن ترفعي إلى ملك الروم. 1097- دعا الأمين يوما عبد الله بن عفان ليصطبح فأبطأ. فلما جاء قال: أظنّك أكلت، قال: لا والله، قال: والله لتصدقن، قال: نعم يا أمير المؤمنين. فدعا بحكّاك فحكّ أضراسه السفلى، فلما ذهب ليحكّ العليا قال: يا أمير المؤمنين. دعها لقضية أخرى. فضحك وخلّاه. «1098» - هبت ريح شديدة فصاح الناس: القيامة! القيامة! فقال مزبّد: هذه قيامة على الريق بلا دابّة الأرض ولا الدّجال ولا القائم. «1099» - سمع الجمّاز محبوسا يقول: اللهم احفظني! فقال: قل اللهم الجزء: 9 ¦ الصفحة: 440 ضيّعني حتى تفلت. «1100» - طالب رجل امرأته بالجماع فقالت: أنا حائض، وتحرّكت فضرطت. فقال لها: قد حرمتنا خير حرك فاكفينا شرّ استك. «1101» - وأدخل [الجمّاز] غلاما فلما بطحه فسا فسوة منكرة، فقال الجمّاز: ويلك! هو ذا تذرّي قبل أن تدرس. «1102» - وقال الجمّاز: اجتزت بباب دار وصاحب الدار يقابل امرأته ويقول: لأحملنّ عليك اليوم مائة رجل. فجلس شيخ كان خلفي على الباب ينتظر. فلما طال للشيخ الانتظار، دقّ الباب وقال: تريد أن تحمل على هذه القحبة أو أنصرف؟ «1103» - تحدّث ابن سيّابة، وأنشد شيئا من شعره ثم تحرّك فضرط، فضرب بيده على استه غير مكترث وقال: إما أن تسكتي حتى أتكلّم وإما أن تتكلّمي حتى أسكت. «1104» - قال رجل بحمص: إذا كان يوم القيامة يؤتى بالذي فجر بامرأة جاره ويؤخذ من سيّئات الجار فتوضع على سيّئاته، ويؤخذ من حسناته فتوضع على حسنات جاره. فقال الحمصيّ: والله إن كان هذا هكذا فما في القيامة أحسن حالا من الكشاخنة بعد المخنثين. «1105» - قال ابن رشيق المغربي: دخلت الجامع فرأيت أبا بكر الورّاق التميمي الشاعر في حلقة يقرأ المواعظ ويذكر أخبار السّلف الصالحين، وقد بدا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 441 خشوعه وترقرقت دموعه. فما كان إلا أن جئته عشية ذلك اليوم إلى داره، فوجدته في يده طنبور وعن يمينه غلام مليح، فقلت: ما أبعد ما بين حاليك في مجلسيك. فقال: ذلك بيت الله وهذا بيتي أصنع في كلّ واحد منهما ما يليق به وبصاحبه. 1106- نظر أبو قصيصة-[وكان] ماجنا من أهل الحجاز- إلى هلال شهر رمضان فقال: قد جئتني بقرنيك! قطع الله أجلي إن لم أقطعك بالأسفار. «1107» - قال رجل مشوّه للجمّاز: ولد لي ابن كأنه دينار، فقال له: لاعن أمّه، والله أعلم. نوادر الأغبياء والجهلاء وتصحيفهم وأغلاطهم وغيّهم «1108» - يقال إن كيسان مستملي ابن الأنباري كان أعمى القلب، وسمع ابن الأنباري وهو يقول: كيسان يسمع غير ما أقول، ويكتب غير ما يسمع، ويقرأ غير ما يكتب، ويحفظ غير ما يقرأ. «1109» - وحكي عنه أنه كان يكتب ما يسمع في خزف ويجمعه في حبّ. فاشترى راوية ماء، فغلط السقّاء بين حبّ الماء وحبّ الخزف، فصبّ الماء في حبّ العلم فرأينا [كيسان وقد وضع يديه على رأسه وذهب علمه كله] . «1110» -[سأل] كيسان خلفا، فقال: يا أبا محرز، علقمة بن محرز جاهليّ أو من ضبّة؟ فقال: يا مجنون صحّح المسألة حتى يصحّ الجواب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 442 1111- دخل شيخ على هشام بن عبد الملك فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو الحسن والبهاء، فقيل له: أما تكفيك واحدة؟ فقال: إن ضاعت واحدة كانت الأخرى. «1112» - كان في يزدانفاذار لكنة، وكان يجعل الحاء هاء. فأملى على كاتب له: والهاصل ألف كرّ فكتبها الكاتب بالهاء. [فأعاد عليه الكلام] [1] ، فأعاد الكاتب الكتاب مثله. فلما فطن لاجتماعهما على الجهل قال: أنت لا تهسن أن تكتب وأنا لا أهسن أن أملي، فاكتب الجاصل، فكتبها بالجيم معجمة. «1113» - كان عبد الملك بن هلال الهنائي عنده زنبيل ملآن حصى، وكان يسبح بواحدة، فإذا ملّ شيئا طرح ثنتين ثنتين، ثم ثلاثا ثلاثا، فإذا فضل [2] قبض قبضة قبضة، وقال: سبحان الله بعدد هذا، فإذا ضجر أخذ بعروتي الزّنبيل فقلبه وقال: سبحان الله عدد ما فيه. «1114» - وسمع بمكّة رجل يدعو لأمّه فقيل له: ما بال أبيك؟ قال: إنها ضعيفة وهو رجل يحتال لنفسه. «1115» - كان الوليد بن القعقاع عاملا على بعض الشّام، وكان يستسقي في كل خطبة، وإن كان في أيام الشّعرى. فقام إليه شيخ من أهل حمص فقال: أصلح الله الأمير، إذن تفسد القطاني (يعني الحبوب واحدتها قطينة) .   [1] زيادة ضرورية من نثر الدر. [2] البيان والتبيين: ملّ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 443 «1116» - قالت أمّ ولد لجرير لبعض ولدها: وقع الجردان في عجان أمكم، تريد الجرذان في عجين أمّكم. 1117- كان الوليد بن عبد الملك لحّانا. فدخل عليه يوما رجل من العرب فقال له الوليد: ما شانك؟ قال: أود في أنفي واعوجاج. فقال له رجل من أصحابه: إن أمير المؤمنين يقول لك: ما شأنك؟ قال: كذا وكذا. «1118» - ودخل إليه آخر فتظلّم من ختن له فقال: من ختنك؟ قال: معذّر في الحيّ يا أمير المؤمنين. [وهذا] يشبه الخبر الأول. «1119» - وحكي أنّ امرأة تقدّمت إلى قاض فقال لها القاضي: جا معك شهودك كلّهم؟ فسكتت، فقال لها كاتبه: القاضي يقول لك: جاء شهودك معك؟ قالت: [معي] . ثم قالت للقاضي: ألا قلت كما قال كاتبك؟ كبر سنّك، وذهب عقلك، وعظمت لحيتك فغطّت على عقلك، وما رأيت ميّتا تكلّم بين الأحياء غيرك. «1120» - وقال الوليد يوما: يا غلام ردّ الفرسان الصادّان عن الميدان. «1121» - ومات لعبد الملك ابن فجاء الوليد فعزّاه، فقال: يا بنيّ، مصيبتي [فيك أكبر من مصيبتي] بأخيك، متى رأيت ابنا عزّى أباه؟ فقال: يا أمير المؤمنين أمّي أمرتني بذلك. قال: هو من مشورة النساء. «1122» - قام بعض الجهّال إلى عالم وسأله عن قول الشاعر: [من الخفيف] الجزء: 9 ¦ الصفحة: 444 يوم تبدي لنا قتيلة عن جيد فقال: ما العنجيد؟ وسأله عن قوله تعالى: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً (الفتح: 25) قال: من كان كوفا من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم؟ وسأل عن قوله: «زاحم بعود أو دع» ما الأودع؟ «1123» - وكان أحمد بن موسى بن إسحاق من قضاة أصفهان، فأملى يوما على أصحاب الحديث: حدّثني فلان عن فلان عن هند أن المعتوه، يريد: عن هند أن المغيرة .... «1124» - وروى آخر: لا بأس أن يصلّي الرجل وفي كمّه سنّورة [وإنما هي سبّورة] وهي الألواح من الأبنوس يكتب فيها للتذكرة. «1125» - وروى أنّ أعرابيا أتى النبي صلّى الله عليه وسلم وعلى يده سخلة تبعر وإنما هي تيعر، من اليعار وهو صوتها. «1126» - كان للمتوكل صاحب خبر يقال له ابن الكلبي، وكان يرفع إليه كلّ ما يسمعه من غثّ وسمين وهزل، ليمين كان حلّفه بها. فرفع إليه يوما: إن امرأتي خرجت مع حبّة لها إلى بعض المتنزّهات فسكرت حبّتها وعربدت عليها وجرحتها في صدغها، ولم ينقط الغين، فقرأه المتوكل: «في صدعها» ثم قال: إنا لله، تعطّل على ابن الكلبيّ مناكحه. «1127» - وجّه رجل ابنه إلى السوق ليشتري له حبلا للبئر ويكون عشرين ذراعا. فانصرف من بعض الطريق وقال: يا أبي في عرض كم؟ قال: مصيبتي بك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 445 «1128» - وقال آخر لابنه وهو في المكتب: في أيّ سورة أنت؟ قال: لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد. فقال: لعمري من كنت ولده فهو بلا ولد. «1129» - علّق ستر على باب أمّ جعفر، وكان أمر أن يكتب للسيدة الميمونة المباركة فأغفل الناسخ الراء. ودخل الرشيد فقرأه المناكة فأمر بتمزيقه. «1130» - كان الصاحب بن عباد يكره أن يكون في مخاطبة النساء حراستها وعقلها ونظرها، ويقول: لا يؤمن أن يصحّف. «1131» - استأذن ابن الجصّاص يوما عل بعض الوزراء، وعرض عليه شيئا من الجوهر، وقال: وقع هذا في السيق. فضحك الوزير، فقال: أعزّ الله الوزير، إنّ «في» تخفض ما بعدها. «1132» - قال الصوليّ: عدت بعض الرؤساء في علّة وسمعته يقول للطبيب: أكلت فراريج، فقال له: كان يكفيك فروج واحد. فقال: إنّ الفراريج لا تضرّ، فقال الطبيب: يا سيّدي، إذا لبس الانسان عشر غلائل قصب يكون قد لبس لبادا. «1133» - قال ابن ماسويه: قال لي عبيد الله بن يحيى: أخبرني عن الطبائع الأربع، هي من عقاقير الجبل؟ فضحكت، قال: ممّ تضحك؟ قلت: أخو وزير لا يعرف الطبائع؟ قال: أنا طبيب؟ «1134» - قال رجل لطبيب: يا سيّدي، إن أمّي تجد في حلقها ضيقا الجزء: 9 ¦ الصفحة: 446 ويبسا وحرارة. قال الطبيب: ليت الذي في حلق أمك في حر امرأتك، وأنّ على حلق أمّك السكين. «1135» - جاء رجل ماجن إلى الطبيب فقال: أجد في أطراف شعري شبه المغص وفي بطني ظلمة، وإذا أكلت الطعام تغيّر في وجهي وبطني. فقال الطبيب: أما ما تجده في أطراف شعرك فاحلق رأسك ولحيتك فإنك لا تجد منه شيئا، وأما الظلمة في بطنك فعلّق على باب استك قنديلا حتى لا تجدها، وأما تغيّر الطعام في بطنك فكل خراء واربح النفقة. «1136» - مرّ طبيب بابن عبد الواسع المازني، فشكا إليه ريحا في بطنه فقال: خذ صعترا. فقال: يا غلام، الدواة والقرطاس ثم قال: أصلحك الله، ما أكتب؟ قلت: قال: خذ كفّ صعتر ومكّوك شعير. قال: لم تذكر الشعير أوّلا، قال: ولا علمت أنّك حمار إلا الساعة. «1137» - جاء رجل إلى بعض الأطباء فشكا إليه وجع بطنه، فقال له: ما أكلت؟ قال: خبزا محروقا. فدعا الطبيب بذرور ليكحّله، فقال الرجل: أنا أشكو بطني وأنت تكحل عيني؟ قال: قد علمت، ولكّني أكحلك لتبصر الخبز المحترق فلا تأكله بعد هذا. «1138» - كتب بعض الوزراء بالرّيّ في معنى أبيه إلى صديق له ببغداد- وكان أبوه قد حجّ-: هذا الكتاب يوصله فلان بن فلان وهو والدي وقديم الصحبة لي، وواجب الحق علي، ولي بأمره عناية. «1139» - حكي أبو هفّان قال: رأيت بالكوفة شيخا قاعدا على باب دار الجزء: 9 ¦ الصفحة: 447 وله زيّ وهيئة، وفي الدار صراخ، فقلت: يا شيخ، ما هذا الصراخ؟ قال: هذا رجل افتصد أمس فبلغ المرضع شادروانه فمات، يريد: بلغ المبضع شريانه. «1140» - حكي عن حمزة بن بصير، مع جلالته عند سلطانه وموضعه من ولايته، أنه دخل على امرأته وعندها ثوب وشي، فقالت له: كيف هذا الثوب؟ قال: بكم اشتريته؟ قالت: بألف درهم. قال: فو الله لقد وضعوا في استك مثل ذا (وأشار بكفّه مقبوضة مع ساعده) فقالت: لم أزن الثمن بعد، قال: فخصاهم بعد في يدك. قالت: فأختك قد اشترت شرّا منه بألفين. قال: إنّ اختي تضرط من است واسعة. قالت: ولكن أمّك عرض عليها فلم تردّه، قال: لأن تلك في استها شعر. «1141» - كان بالريّ ورّاق حسن الخط، وكان إذا كتب بسم الله تعالى أو اسم النبي صلّى الله عليه وسلم في قرآن أو شعر كتب بعدهما ما يكتبه الانسان في سائر المواضع. فكان يكتب في القرآن إنّ الله عزّ وجلّ يأمر بالعدل والاحسان. وما محمد- صلّى الله عليه وسلم- إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. وكان يكتب في الشعر: إنّ تقوى ربّنا- عزّ وجلّ- خير نفل ... وبإذن الله- تبارك وتعالى- ريثي وعجل ويكتب: هجوت محمدا- صلّى الله عليه وسلم- فأجبت عنه ... وعند الله- عزّ وجلّ- في ذاك الجزاء «1142» - قال الجاحظ: قال لي ابن بركة: يا أبا عثمان لا تثقن بقحبة ولو كانت أمّك. فلم أر تأديبا قطّ أبعد من جميع الرشد من هذا. «1143» - قال بعضهم: جئت إلى كاتب وسألته كتاب شفاعة إلى بعض الجزء: 9 ¦ الصفحة: 448 أصدقائه. فكتب: يجب أن تصونه وتحوطه، وتردّ عليه خطوطه. قال، قلت: الرجل لم يعرفني قطّ، وليس معه شيء من خطوطي. فقال: إن أردت أن تأخذ الكتاب فخذه، وإلا فإنّي لا أضيّع سجعي. «1144» - وكانت علامة أبي الحمار [1] لما تولّى ديوان الخراج: لا إله إلا الله ما أعجب ما نحن فيه. 1145- وعلامة بعض أكابر كتّاب عضد الدولة: الحمد لله فتّاح المغاليق. «1146» - وكتب رجل إلى أبيه من البصرة: كتابي هذا ولم يحدث علينا بعدك إلا خير والحمد لله إلا أنّ حائطنا وقع فقتل أمّي وأختي وجارتينا ونجوت أنا والسّنور والحمار فقلت: إن شاء الله. «1147» - قرأ سابق الأعمى: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا (البقرة: 221) [بفتح تاء تنكحوا] . فقال ابن خاقان: وإن آمنوا أيضا لم ننكحهم. «1148» - كان الشيرجي إماما من أئمّة الحنبليّة، اجتاز بمسجد فيه معزى. فخرج عليه منه نحويّ بغيض فقال له الشيرجي: من المتوفّي (بكسر الفاء) فقال النحويّ: الله، فلبّبه وقال: زنديق والله، ورفعه إلى صاحب الجسر. «1149» - قال رجل لآخر: تأمر بشيئا فقال: بتقوى الله وإسقاط الألف.   [1] في الأصل: أبي الجمار والتصحيح عن نثر الدر وتاريخ الطبري 5: 372. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 449 «1150» - كان الوليد بن يزيد ينادم أبا رقيّة، وكان أبو رقيّة يمسك المصحف على أمّ الوليد لتقرأ. فغنّى يوما عمر الوادي بحضرة الوليد وأبو رقيّة نائم سكرا، وكان مضعّفا. فطرب الوليد وقال: أحسنت يا جامع لذّاتي- وكان يسمّيه لشغفه به- فرفع أبو رقيّة رأسه من نومه وقال: وأنا جامع لذّات أمّك. فغضب الوليد وهمّ به حتى كفّه عنه عمر الوادي. قال: والله ما يعقل أبو رقية وهو صاح، فكيف يعقل وهو سكران؟! 1151- قال الحريش بن موسى: قلت لرجل: ما بلغ من نسيانك؟ قال: أؤذن من رقعة. «1152» - جاء رجل إلى عالم يستفتيه فقال: أفطرت يوما من شهر رمضان سهوا، فما عليّ؟ قال: تصوم يوما مكانه. قال: فصمت يوما مكانه وأتيت أهلي وقد عملوا حيسا، فسبقتني يدي إليه فأكلت منه. قال: تقضي يوما آخر، قال: لقد قضيت يوما مكانه وأتيت أهلي وقد عملوا هريسة، فسبقتني يدي إليها فأكلت منها، فما ترى؟ قال: أرى أن لا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك. «1153» - قدّم رجل امرأته إلى القاضي فقال: أعزّ الله القاضي، أنا رجل من دورق وهذه امرأة من درب عون، وفي قلبي حبّ وهي تغار عليّ وأريدها [صاغرة. فقال القاضي: اذهب عافاك الله إلى دار بانوكة حتى يعمل لك قاض من دنّ يحكم بينكما] [1] . 1154- [ ..... ] وريحان وفاكهة من فواكه أصفهان وتفاح لبنان   [1] يبدو أن الناسخ خلط حكايتين، وما بين قوسين تتمة من نثر الدر. ولم نعثر على الحكاية الثانية فقد بترت بدايتها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 450 وصواني صندل وزعفران. ثم أتانا غلمان أقران كأنهم خيطان بان، فمن حامل طستا ومتناول إبريقا ومناول منديلا، وقدّمت إلينا مائدة من الخلنج ذات أفانين وتجزيع بديع، وعليها كرمازك كأنه قطع المروط، في خلاله دجاج كسكر، ثم محفوفة بالبزماورد والهلام وجامات البوارد في وسطها جام لطيف مخروط كالماء رقّة وصفاء، فيه ملح همذاني النسبة ..... النقبة كثير الأفاويه، عطر الأبازير، مقرون بجام مثله فيه خلّ ثقيف ذكيّ، كأنه عقيق سائل وأرجوان ذائب، حواليهما بقل جنيّ غضّ يشعشع وطرخون وسذاب وباذروج. فتناولنا لقما. ثم أتينا بسكباجة تضحك فوق الخوان، قد أحكمت بالخلّ الحاذق العطر، ونصبت بورق السّذاب النضر. ثم تلتها أرزّة بيضاء مكينة، يتبعها إوزّة سمينة وجدي قد غاصب أضلاعه في شحم كلاه؛ ثم أتينا بمضيرة نقيّة الوجه من الكلف، فائقة المنظر والمخبر، لها وميض وبصيص، لو رآها صائم لأفطر، والعليل ما كلّ وما صبر. ثم أتي بالقطايف كمتون الحيّات، يضطرب بين الطبرزد وبين اللوز. فسبحان خالق هذه الألوان، لأهل الطاعة والعصيان. نعم أيها القاضي. فقال له القاضي: أصلحك الله، إن كانت عندك شهادة فأخّرها إلى مجلس آخر، فبالناس حاجة إلى المجلس. فقال: أنا أشهد بما علمت، فإن شئت شهدت وإن شئت انصرفت. فقال: هات شاهديك فقال: أشهد أيّها القاضي أن فلان بن فلان الفلاني ... قال: عزمك أن تعود إلى أوّل القصة. قال: نعم لأنك قطعت عليّ. قال القاضي: إن كان ولا بدّ فمن موضع المضيرة. والتفت إلى صديقه وقال له: وضح العذر؟ قال: نعم. 1155- كان مسلمة بن عبد الملك يعرض الجند فقال لرجل: ما اسمك؟ قال: عبد الله (بالنصب) قال: ابن من، قال: ابن عبد الرحمن (بالجرّ) فأمر بضربه، فقال: باسم الله (بالرفع) . فقال: دعوه لو كان تاركا اللّحن لتركه تحت السياط. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 451 «1156» - وكان الوليد بن عبد الملك لحّانة، فقرأ في خطبته: يا ليتها كانت القاضية (بالرفع) فقال أخوه سليمان: عليك. 1157- كان رجل ينسى أسماء مماليكه، فقال: اشتروا لي غلاما له اسم مشهور لا أنساه. فاشتري له غلام وقالوا: اسمه واقد، فقال: هذا اسم لا أنساه، اجلس يا فرقد. «1158» - قال رجل: إن أبينا هلك وإن أخينا غصبنا على ميراثنا. فقال: يا هذا، ما ضيعت من نفسك أكثر ممّا ضاع من مالك. «1159» - ادّعى مؤدّب أنه قد علّم صبيّا النحو والفرائض، فامتحنه أبوه، فقال: كيف تقول ضرب زيد عمرا؟ قال: كما تقول. قال: فما إعرابهما؟ قال: زيد رفع بفعله، وما بقي للعصبة. «1160» - وأمر آخر معلما أن يعلّم ولده الفرائض، فامتحنه يوما فقال: ما تقول في رجل مات وخلّف بنتين وابنا؟ فقال: اما الابن فيسقط. قال: نعم إذا كان متخلّفا مثلك. «1161» - مرّ رجل بأديب فقال: كيف طريق البغداد؟ قال: بالحذاء، ثم مرّ به آخر فقال: كيف طريق كوفة؟ قال: ههنا، وبادر فمع ذلك المارّ ألف ولام تحتاج إليهما، وهو مستغن عنهما فخذهما منه. «1162» - قصد الحجاج رجل فأنشده: [من الرجز] أبا هاشم [ببابك] ... قد شمّ ريح كبابك الجزء: 9 ¦ الصفحة: 452 فقال: ويحك لم نصبت أبا هاشم؟ فقال: الكنية كنيتي إن شئت رفعته وإن شئت نصبته. «1163» - وكتب محمد الأمين على ظهر كتاب: [من المجتث] عشقت ظبيا رشيقا ... في دار يحيى بن خاقا وكتب تحته: أردت خاقان، وخاقان مولى لي، إن شئت أثبتّ نونه وإن شئت أسقطته. «1164» - قال بعض العلوية الكبار لقاضي القضاة عبد الجبّار: ما بهذا الذي يقول التجار [1] في كتبه: الكس بالكسب؟ أراد الكسب. فضحك القاضي وكلّ من كان عنده. وأنشد بعض الحاضرين: [من الطويل] إذا الغصن لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتدّه الناس في الحطب نوادر المتنبئين والقصاص والممخرقين «1165» - تنبأ رجل في أيام المتوكل فأحضره وقال له: ما صناعتك قال: روّاس. قال: صناعة قذرة، فقام المتنبىء ينفض ثيابه. فقال: إلى أين؟ قال: أذهب أقول لهم: القوم متقذرون يريدون نبيّا عطّارا. «1166» - وجاء آخر إلى المتوكل وادّعى النّبوّة، فقال له بعض من حضر: صف لنا جبريل. فوصفه ولم يذكر جناحه. فقال له: ويلك! لم تعلمنا خبر   [1] محاضرات: النحار. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 453 جناحه، ولسنا نشكّ في أنّ له جناحا. قال: أظنّه يأتي وهو في القرنصة. «1167» - ألقي إلى أبي سالم القاصّ خاتم بلا فصّ، فقال: إن صاحب هذا الخاتم يعطى في الجنة يوم القيامة غرفة بلا سقف. «1168» - وقال يوما حلقة: من صلى ليلة الجمعة اثنتي عشرة ركعة وقرأ في كلّ ركعة كذا وكذا بنى الله له في الجنة بيتا. فقام إليه رجل نبطيّ فقال: يا فديت وجهك! إن صلّيت أنا فعل بي هذا؟ قال: يا عاضّ بظر أمّه، ذاك لبني هاشم والعرب وأهل خراسان، وأما أنت فيبنى لك لوح [اقرأ: كوخ] بعكبرا. «1169» - قيل لأبي سالم القاصّ: ادع الله تعالى لفلان أن يردّه علي، وأعطي درهمين. قال: وأين هو؟ قيل: بالصين، قال: يردّه من الصين بدر همين؟ بلى، لو كان بسيراف أو تستر. «1170» - قصّ قاصّ، فلما ابتدأ يسأل أقيمت الصلاة، وخاف أن يتفرّق الناس، قال: يا فتيان، العجائب بعد الصلاة. «1171» - قال بعضهم لصوفيّ: بعني جبّتك. فقال: إذا باع الصياد شبكته فبأي شيء يصيد؟ 1172- وروي أن قاصا أنشد: [من الطويل] أمن ذكر خود ... دمع عينيك يسفح ولطم وجهه وبكى. فسئل عن «خود» فقال: واد في جهنّم يا حمقى! 1173- وقال بعض القصّاص: إن ممّا أكرم به الكبش أن جعله الله الجزء: 9 ¦ الصفحة: 454 مستور العورة من قبل ومن دبر، وممّا أهان به التّيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدّبر. «1174» - وسئل بعضهم عن نصرانيّ قال لا إله إلا الله. قال: يؤخذ بنصف الإسلام، وإن مات دفن بين مقابر المسلمين [ومقابر النصارى] [1] . «1175» - وقال رجل لمفت بالبصرة: أسلمت ثوبا إلى الحائك، فالدقيق على من يجب؟ فقال: الدقيق ولعنة الله على الحائك. نوادر المجانين «1176» - سأل رجل بهلولا فقال: ما تقول في رجل مات وخلّف زوجة وأمّا وبنتا، كيف تقسم التركة بينهم؟ فقال: هذه مسألة لا تخفى على أحد من أهل الفقه والعقل: الثّكل للأم واليتم للبنت وخراب البيت للزوجة. «1177» - جمحت بجحا بغلته يوما فأخذت به غير الطريق الذي أراده. فلقيه صديق له فقال: أين عزمت يا أبا الغصن؟ فقال: في حاجة البغلة. «1178» - وبات ليلة مع صبيان له فجعلوا يفسون، فقال لامرأته: هذا والله بليّة. [قالت:] دعهم يفسون فإنه أولى [اقرأ: أدفى] لهم. فقام وخرىء وسط البيت ثم قال: انبهي الصبيان حتى يصطلوا بهذه النار. «1179» - وكان بهلول يتشيّع، وهو من مجانين الكوفة، فقال له إسحاق   [1] زيادة من محاضرات الراغب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 455 ابن الصباح: أكثر الله في الشيعة مثلك. قال: بل أكثر الله في المرجئة مثلي وأكثر في الشيعة مثلك. «1180» - ودعاه الرشيد ليضحك منه. فلما دخل دعا له بمائدة فقدّم عليها خبز وحده. فولى بهلول هاربا فقال له: إلى أين؟ فقال: أجيئكم يوم الأضحى فعسى أن يكون عندكم لحم. «1181» - ورمى بهلول رجلا فشجّه، فقدّم إلى الوالي فقال له: لم رميت هذا؟ قال: ما رميته ولكنه دخل تحت رميتي. «1182» - رؤي بهلول مغموما يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: كيف لا أبكي وقد جاء الشتاء، وليس لي جبّة. فقيل: لا تبك لأن الله تعالى لا يدعك بلا جبّة. قال: بلى والله، عام أوّل تركني لا جبّة ولا سراويل وأخاف أن يدعني العام بلا جبّة ولا سراويل ولا قلنسوة. «1183» - قال بعضهم: مررت يوما ببهلول وهو يأكل فرنيّة حوّارى مع دجاجة، فقلت: يا بهلول، أطعمني ممّا تأكل، قال: ليس هذا لي، وحياتك، هذا دفعته إليّ أمّ جعفر آكله لها. «1184» - وحضر بهلول مجلس قوم يتذاكرون الحديث فرووا عن عائشة أنها قالت: لو أدركت ليلة القدر ما سألت ربّي تعالى إلا العفو والعافية. فقال بهلول: والظفّر بعليّ يوم الجمل. «1185» - حجّ موسى بن عيسى ومعه بهلول، فأقبل موسى يدعو عند الجزء: 9 ¦ الصفحة: 456 البيت ويتضرّع، وبهلول يقول: لا لبّيك ولا سعديك! فقال له ابنه العباس: ويلك! أتقول هذا للأمير في مثل هذا الموقف؟ فقال: أقول له ما أعلم أنّ الله تعالى يقول له. «1186» - هرب مجنون من الصبيان ودخل دهليزا، وأغلق الباب في وجوههم، وجلس. فخرج إليه صاحب الدار فقال: لم دخلت داري؟ قال: من أيدي هؤلاء أولاد الزّنا. فدخل صاحب الدار وأخرج إليه رطبا، فجلس المجنون يأكل والصبيان يصيحون على الباب. فأخرج المجنون رأسه إلى صاحب الدار وقال: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (الحديد: 13) . «1187» - قيل لمجنون بالبصرة: عدّ لنا مجانين البصرة. فقال: كلّفتموني شططا، أنا على عدّ عقلائهم أقدر. «1188» - كان ببغداد مجنون يلبس فروته مقلوبة، فإذا قيل له في ذلك قال: لو علم الله أن الصوف إلى داخل أجود جعل الصوف إلى داخل. «1189» - نظر رجل إلى جماعة من المجّان حول مجنون، فقال له: أدخل إلى بعض المواضع حتى يتفرّقوا عنك. قال: إذا جاعوا انصرفوا. «1190» - وقع الصبيان بغباوة المجنون وصاحوا عليه ورموه، وهرب منهم، واستقبلته امرأة ومعها صبيّ صغير، فدنا منها ولطم الطفل لطمة كادت تأتي عليه، فقالت المرأة: قطعت يدك! أيش أذنب هذا إليك؟ قال: يا قحبة! هذا غدا يكون شرّا من هؤلاء الكشاخنة، لعنهم الله! الجزء: 9 ¦ الصفحة: 457 «1191» - نظروا إلى ماني الموسوس يأكل تمرا ويبتلع النوى. فقيل له: لم لا ترمي بالنوى، قال: كذا وزنوه عليّ. «1192» - كان مجنون يؤذيه الصبيان، فقال له رجل: تريد أن أطردهم عنك؟ قال: نعم وتنطرد أنت أيضا معهم. 1193- قال أبو العيناء: قلت لمعتوه عندنا مليح في يوم مطر: أخرج معنا إلى المصلّى، قال: على أن تعيرني صلعتك أتترّس بها من الصبيان. 1194- كان بحرّان مجنون يقال له لغدان، فمرّ يوما بقوم من بني تيم الله ابن ثعلبة فعبثوا به وعذّبوه، فقال: يا بني تيم الله، ما أعلم في الدنيا قوما خيرا منكم، قالوا: وكيف ذلك يا لغدان؟ قال: بنو أسد ليس فيهم مجنون غيري وقد قيّدوني وسلسلوني، وكلّكم مجانين ليس فيكم مقيّد. 1195- وكان بدير المعاقل مجنون يقال له طبرزد، فأخذه الشّرط وهو على باب المسجد يبول، فجعلوا يضربونه، فقال: أرأيتم لو بال ههنا حمار أكنتم ضاربيه [قالوا: لا،] قال: فلا عقل لي فهبوني حمارا، فتركوه. «1196» - شهد سلمي الموسوس عند جعفر بن سليمان على رجل فقال: هو أصلحك الله ناصبيّ رافضيّ قدريّ مجبريّ يشتم الحجّاج بن الزبير الذي هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان. فقال له جعفر: ما أدري على أيّ أحسدك: على علمك بالمقالات أم على معرفتك بالأنساب. قال: أصلح الله الأمير، ما خرجت من الكتّاب حتى حذقت هذا كلّه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 458 نوادر السفلة وأصحاب المهن والسوقة «1197» - سرق رجل نافجة مسك فقيل له: إن كلّ من غلّ يأتي بما غلّ يوم القيامة يحمله على عنقه. قال: إذن والله أحملها طيّبة الريح خفيفة المحمل. «1198» - اشترى مدينيّ رطبا، فأخرج صاحبه كيلجة صغيرة ليكيل بها فقال المديني: لو كلت بها حسنات ما قبلتها. «1199» - جاء رجل به وجع الضّرس ليقلعه. فقال القلّاع: أريد درهما فقال له: أحسن قال: أقلع ضرسا آخر إن أردت ولا أنقص من الدرهم شيئا. «1200» - واستدعى آخر قلاعا ليقلع له ضرسا، وكان الرجل أبخر، فلما فتح فاه قام القلاع وقال: ليس هذا من عملي، إنه من عمل الكناسين. «1201» - وقال آخر: سمعت واحدا يقول لآخر: إن كنت كناس ابن كناس فقل لي: كم رجل لبنت وردان؟ «1202» - قيل لقرّاد: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من يرجو خير هذا؟ وأشار إلى قرده. «1203» - قال الواقدي رحمه الله: رأيت بقالا بالمدينة وقد أشعل بين يديه سراجا بالنهار، فقلت له: ما هذا؟ قال: أرى الناس يبيعون ويشترون ولا يدنو مني أحد، فقلت: عسى لا يروني فأسرجت لهم حتى يروني. «1204» - وتخاصم رجلان وكان أحدهما ندّافا، فقال له الآخر: والله لو الجزء: 9 ¦ الصفحة: 459 وضعت إحدى رجليك على حراء والأخرى على ثبير ثم أخذت قوس قزح وندفت الغيم على جناب الملائكة ما كنت إلا ندّافا. «1205» - حجّ رجل من أهل العراق، فتقدّم إلى مزيّن وقال: احلق رأسي حلقا جيدا، واستقبل الشّعر بالموسى؛ وأقبل يصف له كيف يعمل، فقال له المزيّن: حسبك! هو ذا أحلق رأسك حلقا لا يراه أحد إلا اشتهى أن يصفعك. «1206» - سرق لرجل دراهم فقيل له: هي في ميزانك، قال: من الميزان سرقت. «1207» - وسرق خرج آخر وفيه ثيابه وأسبابه، فقيل له: وجب أن تقرأ سورة يس وتتعوّذ بها، فقال: كان جامع القرآن كلّه في الخرج. «1208» - وكان بعض اللصوص لا يسرق إلا الحمير، فقيل له في ذلك فقال: قد روي أنه إذا كان يوم القيامة أحيا الله الناس والبهائم كلّها، فأنا أسرق الحمير حتى إذا جاءني أربابها يوم القيامة وطالبوني بها قلت: هو ذا حمارك خذه وانصرف. «1209» - سرق لبعضهم بغل، فقال بعض إخوانه: الذنب لك لإهمالك أمرك. وقال آخر: الذنب لغلامك لقلّة تفقّده لمنزلك. وقال الآخر: الذنب لسائسك حين غاب عن اسطبلك. فقال صاحب البغل: إذن فاللص أبرؤنا من الذّنب. «1210» - سرق رجل حمارا ودفعه إلى آخر ليبيعه فسرق منه، فعاد إلى الجزء: 9 ¦ الصفحة: 460 الأوّل فقال له: بعت الحمار؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: برأس المال. «1211» - مرّ عباديّ بين يديه حمار عليه قفص فيه زجاج، فقيل له: أي شيء معك؟ قال: إن عثر الحمار فلا شيء. «1212» - مرّ سكران بمؤذّن رديء الحنجرة، فجلد به الأرض، وجعل يدوس بطنه. فاجتمع عليه الناس فقال: ما بي رداءة صوته ولكن شماتة اليهود والنصارى. 1213- جاء رجل إلى فقيه فقال: إن امرأتي قالت لي: يا سفلة، فقلت لها: إن كنت سفلة فأنت طالق. فقال له: ما صناعتك؟ قال: سمّاك، قال: سفلة والله، سفلة. 1214- شمّ أعرابيّ إبطيه فقطّب وجهه وقال: أخرجني الله من بينكما. «1215» - ساوم مدنيّ بدجاجة بعشرة دراهم، فقال: والله لو كانت في الحسن كيوسف، وفي العظم ككبش إسماعيل، وكانت كلّ يوم تبيض وليّ عهد للمسلمين ما ساوت أكثر من درهمين. تم الباب بحمد الله وحسن توفيقه الجزء: 9 ¦ الصفحة: 461 محتويات الكتاب الباب الخامس والأربعون في الغناء والقيان 5 خطبة الباب 7 بداية الباب الخامس والأربعين 8 أخبار في الغناء والمغنين 8 أشعار في الغناء والمغنين 18 أخبار في القيان والمغنين 21 يحيى المكي من أكابر المغنين 46 غناء علية بنت المهدي 52 نسوة يندبن صاحبة لهنّ ثم يغنين 56 قنديل الجصاص وأبو الجديد 61 ابن عائشة عند الوليد بن يزيد 63 معبد في الشام 64 المغنون عند الوليد بن يزيد 66 أبو زكار وأبو صدقة 69 خليلان معلم الصبيان 71 رسالة لابن نصر الكاتب يصف دعوة 72 حكم الوادي 74 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 463 الباب السادس والأربعون في المؤاكلة والنهم والتطفل وأخبار الأكلة والمآكل 77 خطبة الباب 79 فصول الباب (فهرست) 80 الفصل الأول: آداب الأكل والمؤاكلة 81 الفصل الثاني: الاقتصاد في المطاعم 89 الفصل الثالث: في النهمة والجشع وأخبار الأكلة 97 الفصل الرابع: في التطفل وأخبار الطفيليين 108 الفصل الخامس: في أوصاف الأطعمة وفنونها 117 الفصل السادس: نوادر هذا الباب 127 أسماء هزلية وضعها الطفيليون 132 الباب السابع والأربعون في أنواع السير والأخبار وعجائبها وفنون الأشعار وغرائبها 141 خطبة الباب 143 بداية الباب السابع والأربعين 144 خيمة أم معبد 145 عمر بن الخطاب يحاور أهل الشورى 146 أبو هريرة وهند بنت عتبة 149 مقتل الحسين 149 كاتب المهدي والمهدي 150 عروة بن أدية أول من حكّم 151 وفاة رسول الله (ص) 153 هاتف يهتف بظهور النبي 158 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 464 الرسول (ص) في خيمة أم معبد 159 حوت كالكثيب يطعم منه الصحابة 160 شيبة بن عثمان في حنين 161 صفوان بن أمية بعد بدر 162 أبو سفيان بعد الحديبية 164 العباس يتاجر إلى اليمن 166 لما عزم الرسول على فتح مكة 168 عبد الله بن الزبير يوم اليرموك 170 أخبار عن أبي سفيان 171 رؤيا للرشيد 172 المأمون أطلق لأصحابه المناظرة 172 علويه الأعسر 175 العلاويه الحضرمي في البحرين 177 دخل رجال من قريش على معاوية 181 اختيار قاض 184 المنصور وأبو حنيفة 187 عبد الله ابن الزبير وعتبة بن أبي سفيان 188 الوليد بن عقبة يلي الكوفة 189 أخبار عن عبد الملك بن مروان 190 عدم رغبة قريش في أمهات الأولاد 191 عمرو بن العاص عند احتضاره 191 أعرابي يسأل عمرو بن عبيد عن التوحيد 191 الفرزدق ونوار 192 أخبار متفرقة وأشعار 197 شريح يتزوج زينب التميمية 301 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 465 المأمون ببلاد الروم 203 أحب بلاد الله 204 شماخ ومزرد وجزء 205 أبت مصر إسعافي 205 أم أبان عند يزيد بن أبي سفيان وخطّابها 206 يتذاكرون مقتل الحسين 207 قصة غرائبية 207 عجائب الزمان 208 المغيرة وحرقة بنت النعمان 208 سجلّ بنفقات 209 خبر المغيرة والشهود 210 ادعاء معاوية زيادا 214 ادعى رجل على جعفر بن محمد 217 بعض تجار البحر والرصاصة 218 المعتصم وعلي بن الجنيد 219 عضد الدولة ومرضه والمنام 220 علي بن الحسين- كيف أصبحت 224 عبد الله بن الحسن بن الحسن 224 المنصور وعمرو بن عبيد 225 محمد بن سليمان العباسي 225 ابن بسخنّر 226 جمحي يغرّب ابنته لئلا يتغزل بها عمر 229 وفاة الموصلي والكسائي والعباس بن الاحنف 230 أبو العتاهية وعبد الله بن الحسن 231 وضاح وأم البنين 232 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 466 الشعراء وعمر بن عبد العزيز 235 حارثة بن بدر الغداني يحتضر 237 أبو دلف العجلي والأفشين 237 دكين الراجز يمدح عمر بن عبد العزيز 238 مروان بن أبي الجنوب وعلي بن الجهم 239 نبات ثلاث يصفن ما يحببن من الأزواج 241 رسالة من الحسن بن سهل إلى ابن سماعة 242 صعصعة يصف الناس لمعاوية 243 زياد وأهل الكوفة 244 في مقتل الحسين 245 أخبار متفرقة 246 ما يتمناه عبد الملك ومصعب و 247 خروج محمد بن عبد الله أيام المنصور 247 شعر للأفوه الأودي 250 المهتدي ينظر في المظالم 251 مقتول على عهد عمر 255 أول من عقد الألوية 255 الشافعي يصف الأعراب 256 رجل يقول للمنصور إنه ظالم خائن 256 ابن الفرات في وزارته الأولى 259 مقتل علي بن أبي طالب 260 أبو مسلم الخراساني 262 صالح بن عبد الجليل الناسك عند المهدي 262 أبو الفتح ابن العميد 264 خبر المتنبي وهو صبي 265 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 467 المتوكل يعرض القضاء على ثلاثة 265 خروج عبد الله بن علي على المنصور 266 امرأة تعترض عبد الله بن طاهر 267 معاوية ويزيد وزوجة عبد الله بن عامر 269 يعشق جارية لبعض النخاسين 270 الأشتر الفتى وعشقه لجيداء 271 الجرجرائي وزير المعتصم 274 غزو مسلمة لبلاد الروم 275 هشام يحضر صاحب ديوان الخاتم 277 خارجي يذهب للجهاد ليلة بنائه بابنة عمه 278 أبو حنيفة وتعرض ابن الصائع لأبي مسلم 279 سيد الشهداء حمزة 280 ابن هبيرة يجمع فقهاء العراق وفيهم أبو حنيفة 280 خروج إبراهيم بن عبد الله بن الحسن 282 أبو حنيفة عند المنصور 283 ابن أبي دواد 286 الحجاج وسعيد بن المسيب 287 سروة بكشمير 288 الرشيد وفدك 289 قصة عقوق 290 الكسائي عند الرشيد 291 علة يحيى البرمكي 292 أيوب الطبيب وحذقه 292 عبد الملك يوصي ابنه الوليد 293 صاحب فخ 294 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 468 امرؤ القيس وابن التوأم 295 شعر آل أبي حفصة 296 أحمد بن أبي خالد في ديوان الخراج 296 جلوس عبيد الله بن سليمان للمظالم 300 المأمون يلزم يحيى بن خاقان مالا كثيرا 302 المأمون يأمر بتقييد ابن بهنوي 303 محابس أحمد بن طولون وأخبار أحمد 305 عبدة امرأة هشام بن عبد الملك 307 الاسكندر يرفض الاستكثار من النساء 308 عمر يخطب أم كلثوم بنت علي 309 رؤيا رجل، ونماذج من الرؤى 310 زياد واصابته بالطاعون 312 أخبار موجزة 313 حفظ البخاري 314 عمرو بن العاص عند معاوية 315 أقوال متفرقة 315 بهرام جور وشهرته في الرماية 316 آباء وأبناء 317 عراك بن عياض كاتب هشام 318 عبد الملك يقبل رأس أبا أيوب المورياني 319 المنصور تزوج حين كان مستترا 320 بنى جعفر بن يحيى قصرا وأعظم النفقة 321 أخبار عن نكبة البرامكة 322 رسول ملك الروم إلى المنصور 324 الصابي في دار المهلبي 325 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 469 يشتري وصف المطر بدرهمين 325 شعر لابن نباتة والببغاء وابن هانىء وغيرهم 326 شعر للرضيّ 327 شعر لابن هانىء 329 نوادر من هذا الباب 330 الباب الثامن والأربعون في الملح والنوادر 359 خطبة الباب 361 بداية الباب الثامن والأربعين 362 من الأحاديث 363 من أخبار الصحابة 364 مرتين مزح عمر بن عبد العزيز بعد الخلافة 367 نوادر من عصر التابعية 368 نوادر مما بعد عصر التابعية 369 نوادر ابن أبي عتيق 371 نوادر يحيى بن اكثم 375 الذخيرة عندك؟ 376 نوادر الأعراب 377 نوادر أبي دلامة 389 نوادر متفرقة 390 من نوادر أبي العيناء 393 عود إلى نوادر أخرى 393 نوادر في نظم 396 عود إلى النوادر في النثر 399 الجزء: 9 ¦ الصفحة: 470 أبو النجم العجلي وهشام 400 نوادر تدور على اللفظ 401 نوادر الظرفاء مثل جمين وعمرو الخوزي ومزبد وأبي العيناء ... الخ 402 نوادر مواجن النساء 416 نوادر في التعصب والتحزب 418 نوادر المخنثين 419 نوادر أشعب 424 نوادر الحكم بن عبدل 425 نوادر مختلفة 425 نوادر البلغاء 427 نوادر الأغبياء والجهلاء ... الخ 442 نوادر المتنبئين والقصاص 453 نوادر السفلة وأصحاب المهن والسوقة 459 المحتويات 463. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 471 الجزء العاشر قصة التذكرة الحمدونية في حدود سنة 1980 عرض عليّ الأستاذ الصديق الدكتور رضوان السيد القيام بتحقيق التذكرة الحمدونية، فحصلت لتحقيق هذا المشروع على عدد غير قليل من المخطوطات، وزوّدني الدكتور رضوان نفسه بعدد آخر من تلك المخطوطات. وشرعت في العمل، فأنجزت جزءين منها طبع الأول سنة 1983 بعناية معهد الإنماء العربي في بيروت، والدار العربية للكتاب (طرابلس- تونس) ، وطبع الثاني سنة 1984. ثم غادرت بيروت إلى عمان دون مكتبتي، ومضت سنوات أخرى قبل أن أستطيع نقلها لتكون على مقربة مني، فتعطل العمل في التذكرة أو كاد، ثم ألمّت بي ظروف قاسية من المرض، ظننت معها أن التذكرة لن تكمل بتحقيقي؛ حتى إذا كان عام 1992 جاء أخي بكر من المملكة العربية السعودية ليستقر في عمان، ففرحت كثيرا بقدومه بعد غياب طويل، ثم إنه اقترح عليّ أن نعمل معا في إتمام التذكرة، وغرضه الحقيقي أن يعيد إليّ ثقتي في نفسي، وكنت أعلم إذا نحن تعاونّا على إنجاز ذلك المشروع أن أكثر العبء سيقع على كتفيه. ورغبة مني في أن يكون لنا عمل مشترك، يجمع جهدينا، بعد أن باعدت بيننا عملية الشتات سنين عديدة، قبلت اقتراحه الكريم، واستأنفنا ما طال بعدي عنه، ولم يكن ذلك أمرا يتسم بالسهولة واليسر. كنت في الجزءين الأولين أحاول أن أتبع منهجا طموحا هو أن أبيّن في التعليقات والهوامش مصادر ابن حمدون والمصادر التي نقلت عنه، وكان هذا العمل يرسم مدى التواصل بين كتب «الأدب» على مرّ الزمن؛ ولكن تطبيق مثل هذا المنهج يتطلب بقاء الذاكرة على قوّتها، كما يتطلب همة متماسكة لصعود السلم وإحضار الكتب من الرفوف العليا، وعدم اضطراب للترتيب الذي ألفته في مكتبتي، وقد اختل هذا الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 الترتيب بعد نقل المكتبة، وفقدان عدد من الكتب، وعلى الرغم من ذلك، فإن حماسة أخي (بكر) - حفظه الله، كانت تستطيع أن تقنعني بأن الاستمرار ممكن. وكان من أهم الصعوبات الأخرى أنه لم يتبق لدينا نسخ كاملة للتذكرة، سوى نسخة المتحف البريطاني، (ورمزها: م) ، وهي نسخة كثيرة السقط، شديدة التصحيف، رديئة الخط، ولذلك كان جلّ همنا، إذا كان لعملنا أن يتم، هو أن نضبط النصّ بقراءته مقارنا بالمصادر التي ينقل عنها صاحب التذكرة، وهذا هدف يقلّ كثيرا عن الهدف الذي وضعته نصب عيني حين بدأت في التحقيق. هذا وإنني أتقدم بالشكر لكثيرين كان لهم فضل كبير في إنجاز التذكرة، في مقدمتهم شقيقي بكر عباس الذي لولاه لم يكن للتذكرة أن تظهر، وقد جعل عمل السيدتين نرمين عباس وناهد جعفر، بصنع الفهارس العامة، قيمة مهمة للكتاب بأجزائه المتعددة، كما أن لدار صادر في بيروت وهمة أصحابها الأبناء الأصدقاء: سليم صادر وأخويه ابراهيم ونبيل أكبر فضل على التذكرة وعلى المحققين. لقد راجعني كثير من الأصدقاء، مرددين سؤالا طبيعيا هو: أين وصلت في تحقيق التذكرة أو «متى تظهر التذكرة» ؟ وليست أسئلتهم إلا تصويرا لما عوّدتهم عليه، وهو أنني لم أبدأ عملا كبيرا إلا وأنجزته دون تراخي زمن بين مبتداه ومنتهاه، بتوفيق من الله تعالى. فإلى هؤلاء الأصدقاء أقدم أصدق اعتذار، راجيا أن يجدوا في التذكرة الفائدة والمتعة معا. وإلى هؤلاء الأصدقاء أعتذر مرة أخرى لأني وأخي اتفقنا على أن نهمل آخر بابين في التذكرة وهما «باب 49/50» لاعتقادنا أن فائدتهما للقرّاء ضئيلة. والله أسأل أن يرحمنا برحمته ويمدنا بتوفيقه. عمان في 2/6/1996 إحسان عباس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 [ الفهارس ] فهرس القوافي - ء- بقاءها: الطويل: قيس بن الخطيم: 2: 417 أضاءها: الطويل: قيس بن الخطيم: 5: 382 غطاءها: الطويل: قيس بن الخطيم: 2: 405 لقاءها: الطويل: قيس بن الخطيم: 7: 379 التواء: الوافر:: 1: 399 سواء: الوافر:: 8: 380 الهجاء: الوافر:: 4: 60 جاء: الخفيف: دعبل بن علي الخزاعي: 8: 170 وحياؤها: الطويل:: 4: 115 ذكاء: الطويل: أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف: 8: 138 وسماء: الطويل: النظار الفقعسي: 6: 65 وسماؤها: الطويل: إبراهيم بن العباس: 3: 411 أشاؤها: الطويل: عبد الله بن محمد بن أبي عيينة: 8: 122 أبناء: البسيط: قيس بن عاصم: 3: 347، 5: 199 أسماء: البسيط: أبو نواس: 8: 365 بكاء: البسيط:: 9: 59 الداء: البسيط: أبو نواس: 8: 351 دعجاء: البسيط:: 3: 438 لألاء: البسيط: أبو نواس: 8: 376 الأبناء: الكامل:: 2: 68 الجوزاء: الكامل: المتنبي: 3: 435 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 حوّاء: الكامل: المتنبي: 7: 316 خضراء: الكامل: علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي: 5: 374 ذكاء: الكامل: المتنبي: 7: 313 الأكفاء: الكامل: المتوكل الليثي: 3: 406 أهواؤها: الكامل: سديف: 6: 288 أهواؤها: الكامل:: 4: 164 سماؤه: الكامل: أبو تمام: 6: 93 وماؤه: الكامل:: 4: 132 والإمساء: الكامل: عبد الرحمن بن سويد المري: 6: 10 الأقذاء: الكامل: الحسين بن مطير: 5: 344 الإنضاء: الكامل: المتنبي: 7: 314 اتّقاء: الوافر: قيس بن الخطيم: 3: 133 انتهاء: الوافر: جحظة: 5: 336 انطواء: الوافر:: 9: 92 الحياء: الوافر: أمية بن أبي الصلت: 4: 13 الحياء: الوافر:: 2: 231 داء: الوافر: الجعد بن مهجع: 6: 205 والذّكاء: الوافر: زهير بن أبي سلمى: 4: 36 السماء: الوافر: الأخطل: 2: 116 السماء: الوافر: عويف القوافي الفزاري: 2: 303 يشاء: الوافر:: 9: 321 الفداء: الوافر: حسان بن ثابت: 8: 348 اللحاء: الوافر:: 2: 185 اللقاء: الوافر: زهير بن أبي سلمى: 9: 12 نشاء: الوافر: زهير بن أبي سلمى: 8: 346 وعاء: الوافر: نصيب بن رباح: 3: 446 الألاء: الوافر: بشر بن أبي خازم: 5: 134 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 والتواء: الوافر: قيس بن الخطيم: 8: 118 البلاء: مجزوء الرمل:: 8: 192 أكفاء: الخفيف:: 1: 244 الرجاء: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 6: 146 الظباء: الخفيف: الحارث بن حلزة اليشكري: 7: 107، 274، 335 وعطاء: الخفيف: ابن قيس الرقيات: 2: 271 عمياء: الخفيف: الحارث بن حلزة اليشكري: 7: 334 لقاء: المجتث:: 9: 14 يرزؤها: المنسرح:: 7: 267 دماء: الطويل: ابن المعتز: 5: 374 بلقاء: الطويل: أبو نواس: 8: 364 امتلائها: الطويل: العتابي: 5: 39 وشاء: البسيط: أبو نواس: 8: 365 صمّاء: البسيط: بشار بن برد: 7: 48 فأفاء: البسيط: بشار بن برد: 8: 388 السماء: مخلع البسيط: المتنبي: 7: 313 الأشياء: الكامل: عدي بن الرقاع: 7: 113 إناء: الكامل: البحتري: 7: 300 الجوزاء: الكامل: البحتري: 5: 384 حمراء: الكامل: أبو تمام: 7: 299 الأحياء: الكامل:: 7: 305 الرقباء: الكامل:: 9: 244 عماء: الكامل: أبو النجم العجلي: 3: 424 العلياء: الكامل:: 8: 385 ولقائه: الكامل: أبو العلاء ابن حسول: 4: 115 لقائه: الكامل: أبو إسماعيل الكاتب: 5: 416 وورائه: الكامل: الهذيل بن مشجعة البولاني: 4: 366 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 وفائه: الكامل: السري الرفاء: 6: 127 شوهاء: الكامل: ابن العميد: 5: 52 رائه: الكامل: ابن نباتة السعدي: 5: 251 الصهباء: الكامل: البحتري: 8: 378 فأفاء: الكامل: أبو نواس: 8: 388 البقاء: الكامل المجزوء ابن المعتز: 5: 324 رقبائها: الكامل المجزوء نبيه بن الحجاج: 3: 204 سمائه: الكامل المجزوء:: 5: 317 إغفائها: الكامل المجزوء ابن كشاجم: 9: 20 إعياء: الرجز: ابن المعتز: 5: 276 الفضاء: الرجز: كشاجم: 9: 118 وامتلائها: الرجز:: 9: 288 السيساء: الرجز: الرقاشي: 5: 380 بلائي: الوافر: حليل بن أوس: 2: 466 دواء: الوافر: نصيب بن رباح: 3: 249 الدعاء: الوافر:: 5: 19 عدائي: الوافر:: 4: 54 بالفناء: الوافر:: 8: 339 القضاء: الوافر: الامام علي بن أبي طالب: 1: 79 كفاء: الوافر: أبو عطاء السندي: 3: 233 مسائي: الوافر: زهير بن جناب: 6: 37 الدلاء: الوافر: أبو الأسود الدؤلي: 7: 133 الغناء: الرمل المجزوء:: 3: 223 أسمائها: السريع: أبو نواس: 8: 376 الذكاء: الخفيف: 5: 252 سوداء: الخفيف: المتنبي: 7: 312 الظلماء: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 6: 129 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 غشاء: الخفيف:: 5: 322 الكساء: الخفيف: الحمدوني: 9: 396 الأقذاء: الخفيف: ابن الرومي: 4: 368 للجماء: الخفيف: ابن الرومي: 5: 145 دائها: المتقارب: ابن الرومي: 5: 46 العشاء: المتقارب: ابن الرومي: 5: 148 سراء: المنسرح: ابن المعتز: 5: 167 الألف لمى: الطويل: الشريف الرضي: 5: 321 هوى: الطويل: عمر ب ن أبي ربيعة: 6: 143 يخزّى: الطويل:: 6: 266 المدى: الطويل: أبو إسحاق الصابي: 8: 157 يسعى: الطويل: وفاء بن زهير المازني: 3: 14 يخفى: الكامل: أبو العتاهية: 1: 219 ولى: الكامل: عبدة بن الطبيب: 5: 33 فتى: الكامل: الأسعر بن أبي حمران الجعفي: 5: 242 البلى: الكامل: خلف: الأحمر: 5: 295 فاصطلى: الكامل: الأسعر بن أبي حمران الجعفي: 7: 308 القرى: الكامل: الأسعر الجعفي: 8: 295 ارتمى: الكامل: ابن ميخائيل المغربي: 5: 252 أتى: الكامل: ابن الرومي: 9: 255 نما: الكامل: سعية بن السمؤال: 1: 266 رمى: الرجز:: 1: 365 وممسى: الرجز: أسامة بن لؤي: 7: 365 المشتكى: الرجز:: 8: 109 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 للبلى: الرجز:: 9: 74 القرى: الرمل: سعيد بن حميد: 4: 382 يسقى: مجزوء الرمل:: 6: 228 المنسى: السريع: ابن الرومي: 5: 165 ت شترى: السريع: ابن الحجاج: 5: 178 معنى: الخفيف: ابن الرومي: 5: 15 مدرى: الخفيف: ابن الرومي: 5: 151 المكنّى: الخفيف: البحتري: 8: 278 منتهى: المتقارب: محمد بن هانىء: 1: 285 الكرى: المتقارب:: 8: 140 والكلى: المتقارب: أحمد بن يحيى (ثعلب) : 8: 313 النهى: المتقارب: المتنبي: 3: 294 حرّى: المنسرح:: 8: 316 - ب- أدب: الطويل:: 1: 376 الحطب: الطويل:: 9: 453 ركب: الطويل:: 8: 200 مكتسب: الطويل:: 1: 261 باللعب: المديد: عمر بن أبي ربيعة: 9: 397 الخطب: البسيط: فاطمة بنت الرسول: 6: 258 والمسارب الكامل المجزوء الناجم: 4: 282 عاتب: الكامل المجزوء سعيد بن حميد الكاتب: 4: 321 المناقب: الكامل المجزوء ابن المعتز: 2: 210 النوائب: الكامل المجزوء سعيد بن حميد: 8: 67 والحقب: الرجز: سعيد بن أبان: 2: 492 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 الرتب: الرجز:: 5: 264 منسكب: الرجز: ابن المعتز: 5: 340 الكتب: الرجز: كشاجم: 9: 124 مضطرب: الرجز: القلاخ: 5: 395 لأب: الرمل: الشريف الرضي: 5: 160 العنب: الرمل: أبو الهندي: 8: 384 الكرب: الرمل: الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب: 3: 443 باللعب: الرمل: عمر بن أبي ربيعة: 4: 81 قشيب: السريع: أبو تمام: 4: 86 الطّلب: مجزوء الخفيف:: 6: 401 للخطب: المتقارب:: 4: 83 كالذهب: المتقارب: الجهرمي: 9: 123 سبب: المتقارب:: 9: 123 العرب: المتقارب:: 5: 116 لقب: المتقارب: الجهرمي: 9: 122 قريبا: الطويل: 6: 214 وندوبا: الطويل:: 6: 21 فثوّبا: الطويل:: 7: 342 جانبا: الطويل: سعد بن ناشب المازني: 2: 434 خضابا: الطويل: ابن الرومي: 6: 29 أذهبا: الطويل: يحيى بن زياد الحارثي: 2: 188 ذنبا: الطويل: المتنبي: 7: 32 زينبا: الطويل: شريح القاضي: 9: 203 شغبا: الطويل: صخر بن حبناء: 8: 93 تصوبا: الطويل:: 9: 66 فأعتبا: الطويل: البحتري: 4: 89 العواقبا: الطويل: إبراهيم بن العباس الصولي: 4: 100 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 عتابها: الطويل: جعفر بن علبة الحارثي: 5: 48 كوكبا: الطويل: أبو نواس: 8: 379 المهلبا: الطويل: ابن الزبير الأسدي: 1: 448 مرحبا: الطويل: ابن قيس الرقيات: 2: 433 مركبا: الطويل:: 5: 65 مذهبا: الطويل: عبيد الله بن الحر الجعفي: 8: 119 الغواربا: الطويل: الشريف الرضي: 4: 279 تقصّبا: الطويل: المخارق اليشكري: 6: 19 خلّبا: الطويل: البحتري: 6: 63 ذهبا: البسيط:: 2: 251 ذهبا: البسيط:: 4: 243 الذّنبا: البسيط: الحطيئة: 7: 370 رتبا: البسيط: أبو الفتح البستي: 8: 100 وأصلابا: البسيط: الوليد بن عدي بن حجر الكندي: 7: 298 وصبا: البسيط: هلال بن الأسعر المازني: 9: 35 وهبا: البسيط:: 5: 195، 447 الطنبا: البسيط: مرة بن محكان: 5: 417 غبّا: مخلع البسيط: أبو إسحاق الصابي: 4: 95 أذنبا: الكامل:: 4: 281 ومنقبا: الكامل: الرشيد: 9: 55 عنّابا: الكامل: عكاشة العمي: 9: 18 عواقبها: الكامل المرفل: إبراهيم بن العباس: 3: 310 القلوبا: الكامل المجزوء البحتري: 5: 9 انصبابا: الوافر: جرير: 5: 63 أديبا: الوافر: أبو عطاء السندي: 7: 37 الترابا: الوافر:: 8: 309 استجابا: الوافر: ربيعة بن مقروم الضبي: 4: 365 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 الرقابا: الوافر: الحارث بن ظالم: 5: 98 طيبا: الوافر:: 9: 21 كلابا: الوافر: جرير: 5: 99، 7: 205 غلبا: الوافر المجزوء: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 50 وشابا: الرمل المجزوء:: 7: 232 عجبا: السريع: ابن الرومي: 5: 421 شيبا: الخفيف: أبو تمام: 6: 16 وصوابا: الخفيف: يحيى بن علي: 9: 20 والطّلابا: الخفيف: 6: 404 جانبا: الخفيف المجزوء إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 9: 52 غريبا: المتقارب: العباس بن الأحنف: 6: 93 قضيبا: المتقارب: البحتري: 6: 97 ذهبا: المنسرح: جحظة: 5: 84 عربا: المنسرح: ابن الرومي: 5: 146 لهبا: المنسرح: ابن حيان المغربي: 5: 418 انتصبا: المنسرح: أبو بكر الخالدي: 5: 418 وأقارب: الطويل: الشريف الرضي: 7: 304 اجتنابها: الطويل:: 4: 256 أجيب: الطويل: الأحوص: 5: 44 بابها: الطويل: زياد بن منقذ: 7: 119 أقاربه: الطويل: الفرزدق: 5: 226 وأتوب: الطويل: المخبل السعدي: 2: 65 تجاربه: الطويل:: 7: 39 تجاربه: الطويل: عبد الله بن المعتز: 8: 61 الثعالب: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 4: 373 ثيابها: الطويل:: 5: 64 جوابها: الطويل: الفرزدق: 2: 149 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 جالب: الطويل: العرزمي: 2: 219 جانبه: الطويل: بشر بن المغيرة بن أبي صفرة: 5: 43 جوانبه: الطويل: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 6: 15 جوالبه: الطويل: البحتري: 6: 114 جنوب: الطويل:: 6: 166 جنوب: الطويل: الأقرع بن معاذ القشيري: 6: 170 جنادبه: الطويل: كشاجم: 8: 147 الحقائب: الطويل: نصيب بن رباح: 4: 86 حرابها: الطويل: الفرزدق: 4: 274 تحارب: الطويل: الجلاح بن عبد الله السدوسي: 4: 373 محارب: الطويل:: 5: 65 محارب: الطويل: ابن ميادة: 2: 139 وحليب: الطويل:: 5: 350 حلوب: الطويل:: 6: 95 حبيبها: الطويل: نصيب بن رباح: 6: 109، 9: 227 حبابها: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 133 حبيب: الطويل: قيس بن الملوح: 6: 170 حاجبه: الطويل: بويب اليمامي: 8: 204 يخيب: الطويل: ضابىء البرجمي: 1: 281 خطوبها: الطويل: سعيد بن حميد: 5: 46 دبيب: الطويل: عروة بن حزام: 6: 57 دبيب: الطويل: أبو الأقرع: 7: 246 تذهب: الطويل: الغطمّش الضبي: 4: 248 ذوائبه: الطويل: البحتري: 6: 98 ذوائبه: الطويل: ذو الرمة: 6: 100، 215 تذوب: الطويل:: 6: 161 ذنوبها: الطويل: قيس بن الملوح: 6: 186 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 ذنوب: الطويل: علقمة الفحل: 7: 384 ركوبها: الطويل: الكميت بن زيد: 1: 399 ركائبه: الطويل: بشار بن برد: 2: 252 ركائبه: الطويل:: 4: 370 وأرغب: الطويل: عمارة بن عقيل: 2: 343 وترغب: الطويل: الكميت بن زيد الأسدي: 3: 132 مراتبه: الطويل: أبو إسحاق الصابي: 4: 307 راكب: الطويل: أبو علي البصير الأنباري: 4: 308 راكبه: الطويل:: 8: 214 ربابها: الطويل: أبو الحلال الهدادي: 5: 265 ربابها: الطويل: أحمد بن يحيى: 9: 204 رقيب: الطويل: ابن المعتز: 5: 326 رقيب: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 168 مريب: الطويل:: 8: 312 راغب: الطويل: جرير: 9: 196 يسلب: الطويل: ابن الرومي: 1: 272 سحاب: الطويل: المتنبي: 3: 435 سحابها: الطويل: جرير: 6: 185 سحابها: الطويل:: 5: 388 سالبه: الطويل: ذو الرمة: 6: 119 شحوب: الطويل:: 2: 65، 4: 26 شحوب: الطويل: ابن المعتز: 5: 390 شحوبها: الطويل: السري الرفاء: 5: 14 شبيب: الطويل:: 7: 204 شبابها: الطويل: كثير عزة: 7: 223 شراب: الطويل: المتنبي: 3: 160 شروب: الطويل: الأقرع بن معاذ: 7: 309 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 مشرب: الطويل: ابن مفرغ الحميري: 8: 47 صاحب: الطويل: الوليد بن عبد الملك: 5: 37 صاحبه: الطويل: أبو الطمحان القيني: 3: 395 صاحبه: الطويل: أبو النشناش: 1: 284 صاحبه: الطويل:: 5: 122 صاحبه: الطويل:: 7: 32 صحاب: الطويل: أبو فراس الحمداني: 3: 22 صليب: الطويل:: 4: 300 المتصوب: الطويل: جميل بثينة: 5: 414 فتصوّبوا: الطويل: النابغة الجعدي: 7: 340 وضرائبه: الطويل:: 1: 363 فنضارب: الطويل:: 2: 402 ضاربه: الطويل:: 3: 42 وضرابها: الطويل: 4: 207 طالبه: الطويل: أبو المنازل فرعان بن الأعرف السعدي: 9: 290 طالبه: الطويل:: 1: 455 طالب: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 2: 300 أطيب: الطويل: سلمة بن عياش: 2: 356 أطايبه: الطويل: نهشل بن حري: 4: 246 ومطالب: الطويل: إبراهيم بن العباس: 4: 369 المطالب: الطويل: دعبل: 5: 49 مطنب: الطويل: تميم بن أبي بن مقبل: 5: 273 طبيب: الطويل: علقمة بن عبدة (الفحل) : 5: 303 طبيب: الطويل: كعب بن سعد الغنوي: 4: 260 طبيب: الطويل: التيمي: 6: 13 طلابها: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 6: 131 تطلب: الطويل: عمرو بن أسيد الأسدي: 7: 83 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 تطالبه: الطويل:: 8: 97 تطرب: الطويل:: 8: 127 تعاتبه: الطويل: المغيرة بن حبناء: 4: 375 نعاتبه: الطويل: الأقرع بن معاذ: 2: 208 عجيب: الطويل: الأقرع بن معاذ القشيري: 2: 266 جديب: الطويل: حاتم الطائي: 3: 108 جديب: الطويل: الخريمي: 2: 275 العواقب: الطويل: دعبل: 5: 73 عواقبه: الطويل:: 3: 305 عواقبه: الطويل:: 8: 97 عواقبه: الطويل: المتلمس الضبعي: 3: 314 عتب: الطويل: الأقرع بن معاذ القشيري: 4: 92 عاتب: الطويل:: 4: 363 معايبه: الطويل: يزيد بن محمد المهلبي: 2: 245 ومعايبه: الطويل: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 5: 73 يعيبها: الطويل: بشر بن عقبة العدوي: 6: 118 وعصائبه: الطويل: الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب: 7: 211 ونعزب: الطويل: كثير عزة: 7: 294 اغتيابها: الطويل: رافع بن حميضة: 2: 70 أغضب: الطويل: أسماء بن خارجة الفزاري: 3: 339 غائب: الطويل:: 4: 248 قريب: الطويل: ابن الأعرابي: 2: 218 قريب: الطويل:: 4: 21 قريب: الطويل: إبراهيم بن المهدي: 4: 275 قريب: الطويل: قيس بن الملوح: 6: 109 قلّب: الطويل: عباد بن عباد المهلبي: 2: 312 القلب: الطويل: نصيب: 7: 293 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 قلوبها: الطويل: السمهري العكلي: 4: 324 كاذبه: الطويل: عرفطة الأسدي: 3: 434 الكواكب: الطويل: ابن أبي السمط: 4: 49 كتب: الطويل: دعبل: 5: 141 الكتب: الطويل: دعبل بن علي الخزاعي: 8: 169 كثيب: الطويل:: 6: 74 الكواذب: الطويل: منصور الحراني: 3: 142 الكواذب: الطويل:: 7: 139 كواكبه: الطويل: بشار بن برد: 7: 302 كواكبه: الطويل: نهشل بن حري: 7: 86 أكذب: الطويل: السّليك: 7: 345 أكذب: الطويل:: 5: 155 كذوب: الطويل:: 8: 399 كلابها: الطويل: 7: 338 يلعب: الطويل: الكميت بن زيد: 4: 39 ألاعبه: الطويل:: 8: 137 المهلب: الطويل: زياد الأعجم: 2: 160 المراكب: الطويل: القتال الكلابي: 2: 406 مرحب: الطويل:: 3: 293 مذهب: الطويل: النابغة الذبياني: 4: 108 مذاهبه: الطويل: كعب بن جعيل: 4: 125 المهذّب: الطويل: النابغة الذبياني: 4: 359، 9: 182 مشاربه: الطويل: جميل بثينة: 5: 39 غياهبه: الطويل: أبو تمام: 5: 398 مراكبه: الطويل: الحمال العبدي: 7: 38 مضاربه: الطويل: أبو بكر العرزمي: 8: 102 نحيبها: الطويل:: 2: 417 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 ونوائبه: الطويل: أبو النشناش: 1: 374 نوائبه: الطويل: الحارث بن كلدة الثقفي: 5: 55 نكوب: الطويل:: 5: 75 ونصيب: الطويل:: 7: 199 نكيب: الطويل: صخر بن عمرو: 7: 387 وأندب: الطويل: المتنبي: 8: 137 مصعب: الطويل: ابن ظبيان: 2: 45 المضبب: الطويل: الكميت: 2: 450 قاضب: الطويل: عمرة بنت حنتمة بن مالك الجعفي: 3: 38 وأذؤب: الطويل: أبو عبيدة: 4: 324 أحرب: الطويل:: 4: 369 قابها: الطويل: الشريف الرضي: 5: 79 تنيب: الطويل: الأقرع بن معاذ القشيري: 5: 256 سواكبه: الطويل: أصرم بن حميد: 5: 333 وجيب: الطويل:: 7: 142 مرازبه: الطويل: الوليد بن عقبة بن أبي معيط: 7: 211، 8: 24، 36 شغوب: الطويل:: 8: 127 أشنب: الطويل: البحتري: 8: 380 وينشعب: المديد: أبو نواس: 6: 121 ينيب: المديد:: 8: 305 أرب: البسيط: أسلم بن القصار: 5: 54 الأهب: البسيط: ذو الرمة: 5: 270 فتنتسب: البسيط: النابغة الذبياني: 7: 18 الجلابيب: البسيط: جنوب أخت عمرو ذي الكلب: 5: 288 جوانبه: البسيط: السري الرفاء: 5: 382 خشب: البسيط: ذو الرمة: 5: 290 الذهب: البسيط: مروان بن أبي حفصة: 4: 41 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 والرّكب: البسيط: أبو تمام: 4: 71 سلب: البسيط: ابن الرومي: 5: 146 السّلب: البسيط: ذو الرمة: 6: 119 والشّنب: البسيط: الكميت بن زيد: 7: 288 شنب: البسيط: ذو الرمة: 7: 288 شغب: البسيط: محمد بن بشير: 9: 327 العطب: البسيط: محمد بن أبي حمزة الكوفي: 2: 496 عتبوا: البسيط: البحتري: 4: 159 الغضب: البسيط: البحتري: 4: 97 مسلوب: البسيط: ذو الرمة: 5: 292 مغلوب: البسيط: عمرة أخت عمرو ذي الكلب: 4: 222 مغلوب: البسيط: جنوب أخت عمرو ذي الكلب: 7: 32 كذبوا: البسيط:: 3: 159 كثب: البسيط: أبو تمام: 8: 202 تلتهب: البسيط: طريح بن إسماعيل الثقفي: 4: 108 مصبوب: البسيط: المخبّل السعدي: 4: 61 منقضب: البسيط: ذو الرمة: 5: 274 نكبوا: البسيط: طريح: 4: 304 نصبوا: البسيط: ذو الرمة: 5: 257 ندب: البسيط: ذو الرمة: 5: 315 نسب: البسيط: علي بن الجهم: 8: 393 يجب: البسيط: أبو العيناء: 2: 354 مسبوب: البسيط: ابن الرومي: 5: 146 سرب: البسيط: ذو الرمة: 6: 91 الأشهب: الكامل: محمد بن عبد الملك الزيات: 4: 326 أشنب: الكامل: ساعدة بن جؤية الهذلي: 5: 311 يتجنّب: الكامل: العباس بن الأحنف: 6: 209 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 تصبّب: الكامل: طرفة بن العبد: 7: 148 وأذهب: الكامل:: 3: 86 يذهب: الكامل: أبو ذؤيب الهذلي: 6: 176 يرغب: الكامل: الأعشى: 3: 264 رطيب: الكامل: نافع بن لقيط الفقعسي: 6: 13 وأرغب: الكامل: الهذلي: 6: 150 يسلبوا: الكامل: البحتري: 5: 383 مصيب: الكامل:: 9: 244 أعجب: الكامل:: 6: 10 تغلب: الكامل: طرفة بن العبد: 3: 198 غريب: الكامل: محمد بن هانىء المغربي: 5: 361 الكاذب: الكامل:: 5: 155 فكثيب: الكامل: ابن الحجاج: 6: 127 المغرب: الكامل: حمزة بن بيض: 8: 37 وتعذب: الكامل: البحتري: 6: 122 حوشب: الكامل:: 7: 256 حوشب: الكامل:: 5: 63 يجب: الكامل المرفل: علي بن الجهم: 6: 102 ركابه: الكامل المجزوء: ابن نباتة السعدي: 6: 194 صؤابه: الكامل المجزوء أبو نواس: 5: 300 موكبها: الهزج:: 8: 305 رطب: الهزج: ديك الجن: 6: 89 الأقارب: الرجز: أبو النجم العجلي: 3: 375 واغترابها: الرجز: العنبر ابن عمرو بن بهراء: 7: 17 أنيابه: الرجز:: 8: 386 تراب: الرجز: كشاجم: 8: 327 فاذهبوا: الرجز: حارثة بن بدر الغداني: 2: 447 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 تعجبه: الرجز: الأعرج الخثعمي: 5: الحقاب: الرجز: أبو عبد الله الحسين الدباس: 6: 227 تصيب: الوافر: أحمد بن يحيى (ثعلب) : 5: 311 جنوب: الوافر:: 8: 320 حبيب: الوافر: الشريف الرضي: 5: 59 والحجاب: الوافر: ابن أبي عيينة: 8: 200 الخطوب: الوافر: أبو نواس: 8: 406 ذيب: الوافر:: 2: 252 مريب: الوافر: سهيل بن زيد الفزاري: 5: 54 الرحيب: الوافر:: 8: 43 العقاب: الوافر: جعفر بن عقاب: 3: 450 العتاب: الوافر: إياس بن معاوية: 5: 32 العتاب: الوافر:: 5: 33 قريب: الوافر: محمد بن الحسين الأسدي: 1: 232 والقلوب: الوافر: المتنبي: 5: 407 القضيب: الوافر: أبو العتاهية: 6: 20 المصاب: الوافر: المتنبي: 4: 126 الحباب: الوافر:: 4: 90 وعقاب: الرمل: المتنبي: 7: 318 كاسب: السريع: ابن الرومي: 5: 419 مغتاب: السريع: أبو نواس: 6: 114 الكتاب: الخفيف: ابن قيس الرقيات: 5: 48 تعاب: الخفيف: ابن بسام: 5: 154 يطلب: المتقارب: السموأل: 7: 31 تعتب: المتقارب: المسيب بن علس: 4: 17 أشب: المنسرح: حمزة بن بيض: 2: 349 غضبوا: المنسرح: ابن قيس الرقيات: 7: 203 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 ينتهب: المنسرح: أبو الفرج الببغاء: 8: 385 أب: الطويل:: 5: 144 وإهاب: الطويل: فضالة بن عبد الله الغنوي: 5: 164 الأرانب: الطويل: صخر الغي: 5: 288 الأرانب: الطويل: النابغة الذبياني: 5: 288 المتقلب: الطويل: هدبة بن الخشرم: 2: 221، 4: 304 المتقلب: الطويل: دعبل: 5: 343 تائب: الطويل: ذو الرمة: 5: 292 بالمتقارب: الطويل: ذو الرمة: 6: 75 المتقارب: الطويل:: 5: 125 التجارب: الطويل: ابن الرومي: 8: 94 وأثقب: الطويل: الأسعر بن أبي حمران الجعفي: 3: 392 ثيابه: الطويل: أبو نواس: 5: 94 جانب: الطويل:: 2: 33، 6: 316 جانب: الطويل: ابن المعتز: 5: 318 جانب: الطويل: ذو الرمة: 5: 393 جنيبه: الطويل: الشريف الرضي: 9: 329 حاجب: الطويل: هشام بن إبراهيم البصري: 3: 131 حاجب: الطويل: يحيى بن نوفل: 5: 123 الحواجب: الطويل: قيس بن الخطيم: 5: 367 الحواجب: الطويل: المتنبي: 6: 26 حبائب: الطويل: البحتري: 5: 367 الحبائب: الطويل: معلى الطائي: 5: 389 الخطب: الطويل:: 6: 102 ذنب: الطويل: عبد العزيز بن امرىء القيس الكلبي: 3: 34 ذنب: الطويل:: 7: 108 ذاهب: الطويل: المتنبي: 4: 318 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 25 يذهب: الطويل: قيس بن الملوح: 6: 88 الذواهب: الطويل:: 9: 59 مريب: الطويل:: 3: 161 الرواكب: الطويل: ابن أبي كريمة: 5: 273 وركابي: الطويل: النسير العجلي: 8: 119 راكب: الطويل: قيس بن الخطيم: 9: 15 كالربّ: الطويل:: 9: 319 السحائب: الطويل: المتنبي: 7: 313 صحبي: الطويل: لميس بن سعد البارقي: 3: 208 صاحب: الطويل: ابن الرومي: 4: 367 صاحب: الطويل:: 6: 54 الصعب: الطويل:: 5: 385 يصبي: الطويل: البحتري: 6: 54 الأطايب: الطويل: الشريف الرضي: 3: 441 بطيب: الطويل:: 5: 429 تطيّب: الطويل: امرؤ القيس: 7: 225 العواقب: الطويل:: 3: 305 بالعصائب: الطويل: الفرزدق: 3: 409، 5: 346 معاتب: الطويل:: 4: 367 العذب: الطويل: 6: 14 عاتب: الطويل: 9: 9 عازب: الطويل: الفرزدق: 9: 196 عازب: الطويل: القطامي: 6: 132 عتب: الطويل: الأخطل: 7: 143 المعذّب: الطويل: امرؤ القيس: 7: 280 معذّب: الطويل: علي بن الجهم: 6: 98 غالب: الطويل: نصيب بن رباح: 4: 25 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 26 غالب: الطويل: إسماعيل بن عمار الأسدي: 5: 117 بغائب: الطويل: الناجم: 6: 103 قضيب: الطويل: المفضل بن المهلب: 2: 59 قبابه: الطويل: علي بن يوسف المغربي التونسي: 5: 387 القلب: الطويل: الصولي: 6: 94 قلبي: الطويل: أبو العتاهية: 6: 103 قلبي: الطويل:: 3: 163 أقرب: الطويل: عنبسة بن سعيد: 8: 200 القرب: الطويل: ابن المعتز: 6: 103 القرب: الطويل: الأخطل: 4: 16 القرب: الطويل: علية بنت المهدي: 9: 54 الأقارب: الطويل:: 9: 183 كاتب: الطويل: محمد بن الحسين الآمدي: 5: 328 كاتب: الطويل: المتنبي: 6: 88 الكتائب: الطويل: بكر بن النطاح الحنفي: 2: 458 الكتائب: الطويل: قيس بن الخطيم: 2: 467 كلاب: الطويل: هدبة بن الخشرم: 2: 410 الكرب: الطويل: مالك بن أبي كعب: 2: 448 كاذب: الطويل: النمر بن تولب العكلي: 3: 41 المتكذب: الطويل: ابن الرومي: 3: 156 الكواكب: الطويل:: 5: 274 الكواكب: الطويل: النابغة الذبياني: 5: 332 الكواعب: الطويل:: 5: 410 بلبيب: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 3: 301 لاعب: الطويل: قيس بن الخطيم: 5: 372 لهب: الطويل: كثير عزة: 8: 20 المهذب: الطويل: عامر بن الطفيل: 2: 67 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 27 المهلب: الطويل: زياد الأعجم: 2: 161 مصعب: الطويل:: 2: 422 محارب: الطويل: البحتري: 5: 367 المطالب: الطويل: أبو تمام: 7: 314 المطالب: الطويل: الأخطل: 7: 314، 315 المكاسب: الطويل: ابن الرومي: 8: 122 المناكب: الطويل: قيس بن الخطيم: 2: 448 المناصب: الطويل: القطامي: 6: 134 الندب: الطويل:: 7: 143 وأنقب: الطويل: الأسعر بن أبي حمران الجعفي: 7: 371 وهب: الطويل: تأبط شرا: 2: 453 يثرب: الطويل: كثير عزة: 2: 121 بيثرب: الطويل: الأشجعي: 7: 68، 8: 163 لابها: الطويل: البحتري: 2: 89 مضهب: الطويل: امرؤ القيس: 2: 408 بهيوب: الطويل: الأخطل: 4: 16 المثوّب: الطويل: الكميت بن معروف: 4: 23 الغوارب: الطويل: محمد بن الحسين الآمدي: 4: 64 السبائب: الطويل: محمد بن بشير: 4: 203 النوائب: الطويل:: 4: 258 لازب: الطويل: النابغة الذبياني: 4: 303 ساغب: الطويل: الأخطل: 5: 259 مارب: الطويل: جابر بن رالان: 5: 350 السباسب: الطويل: العتابي، كلثوم بن عمرو: 5: 397 الذوائب: الطويل: أم فروة: 6: 111 والتحوب: الطويل: طفيل الغنوي: 7: 60 الأدب: البسيط: يحيى بن زياد: 2: 220 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 28 والأدب: البسيط: أبو تمام: 6: 23 تعب: البسيط: إبراهيم بن المهدي: 3: 136 الترب: البسيط: السري الرفاء: 5: 347 والحرب: البسيط: أبو الفتح البستي: 1: 329 والحسب: البسيط: ابن بسام: 4: 285 حسبي: البسيط:: 7: 214 ذهب: البسيط: حسان بن ثابت: 3: 25 الذنب: البسيط: زياد الأعجم: 5: 157 الركب: البسيط:: 5: 216 وتركيب: البسيط: سلامة بن جندل: 5: 377 السلب: البسيط: أبو تمام: 1: 438، 7: 315 منشطب: البسيط: الأخطل: 5: 338 الشهب: البسيط: ابن نباتة السعدي: 8: 128 وتصويبي: البسيط: معد بن الحسين بن خيارة الفارسي المغربي: 2: 73 الطيب: البسيط: الصنوبري: 5: 13 طلبي: البسيط: البحتري: 6: 17 والعصب: البسيط:: 5: 414، 6: 416 العرب: البسيط: أبو علي الخالدي: 8: 379 تغب: البسيط: يعلى بن إبراهيم الأربسي: 7: 299 بالغضب: البسيط: زيد بن ظبيان: 8: 343 الكذب: البسيط:: 3: 159 الكتب: البسيط:: 4: 72 بالكتب: البسيط: النجاشي الحارثي: 5: 225 كرب: البسيط: أبو تمام: 5: 385 واللّعب: البسيط: أبو تمام الطائي: 4: 142 تلعّبه: البسيط: أبو عثمان الخالدي: 6: 193 مطلوب: البسيط: النابغة الذبياني: 7: 32 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 29 مستلب: البسيط: منصور النمري: 2: 179 متئب: البسيط: ابن الرومي: 5: 146 والذيب: البسيط: أبو نواس: 5: 204 ذنب: مخلع البسيط: مرجّى بن نبيه: 4: 80 صبّ: مخلع البسيط: الصاحب ابن عباد: 5: 416 للأشهب: الكامل:: 2: 253 الأحباب: الكامل: سعيد بن حميد: 5: 364 الأبواب: الكامل: الفرزدق: 5: 122 وجنائب: الكامل: أبو الحسن علي بن إسحاق بن خلف الزاهي: 5: 345 الأجرب: الكامل: لبيد بن ربيعة: 2: 66، 6: 433 الأحساب: الكامل: مروان بن أبي حفصة: 2: 311 حجابه: الكامل: ابن طباطبا: 8: 134 بحاجب: الكامل:: 8: 155 الخطاب: الكامل: السري الرفاء: 7: 301 الدائب: الكامل: بشار بن برد: 7: 32 بذهاب: الكامل: أبو العيناء: 2: 354 يركب: الكامل: أبو دلف العجلي: 7: 252 وتركب: الكامل: فضل المتوكلية: 7: 252 سحاب: الكامل: بشار بن برد: 5: 439 شبابه: الكامل:: 4: 276 شهاب: الكامل: ساعدة بن جؤية: 5: 376 وضراب: الكامل: أبو دلامة: 2: 490 المطلب: الكامل: البحتري: 8: 123 عائب: الكامل: عمارة بن عقيل: 2: 275 عذاب: الكامل: كشاجم: 5: 60 كالعقرب: الكامل:: 8: 140 مغاضبي: الكامل: أبو إسحاق الصابي: 5: 69 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 30 تغلب: الكامل: البحتري: 6: 77 المغلوب: الكامل:: 6: 411 غراب: الكامل:: 9: 60 قريب: الكامل: قيس بن الخطيم: 6: 84 كلابي: الكامل: حاتم الطائى: 2: 266 الكتّاب: الكامل: الغريبي الكوفي: 4: 58 الألقاب: الكامل: حضري بن عامر الأسدي: 5: 42 الألقاب: الكامل:: 7: 208 الألباب: الكامل: كثير عزة: 6: 410، 7: 226 يلعب: الكامل: أبو تمام: 9: 374 بمعرب: الكامل: الخولاني: 1: 466 مناكب: الكامل: إبراهيم بن العباس الصولي: 4: 48 الموكب: الكامل: عبد الله بن محمد الأزدي: 6: 27 مجانب: الكامل: العباس بن الأحنف: 1: 262 أعضب: الكامل: لبيد بن ربيعة: 4: 251 الحالب: الكامل:: 5: 48 بلبّه: الكامل: 5: 432 الأحقاب: الكامل: البحتري: 6: 190 الأكلب: الكامل: الأخطل: 8: 346 الجرب: الكامل المرفل:: 7: 200 العنب: الكامل المرفل: ابن الرومي: 5: 360 آب: الكامل المجزوء: أبو سهل البوشنجي: 9: 401 للذنوب: الكامل المجزوء: 4: 56 والكثيب: الكامل المجزوء الحماني: 6: 20 المثاب: الكامل المجزوء: 2: 143 يغب: الهزج: أبو الفرج الببغاء: 8: 384 انسيابه: الرجز: أبو نواس: 5: 275 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 31 التهابه: الرجز: أبو نواس: 5: 275 بالتأويب: الرجز: أبو تمام: 5: 341 أثوابه: الرجز: ابن المعتز: 5: 277 جلبابه: الرجز: أبو نواس: 5: 330 بالخراب: الرجز:: 5: 293 الذهب: الرجز:: 5: 324 المريب: الرجز: ابن المعتز: 5: 248 شراب: الرجز: أبو علي ابن الزمكدم: 9: 110 عضب: الرجز:: 5: 106 غراب: الرجز: ابن المعتز: 5: 329 معجب: الرجز:: 7: 363 الإهاب: الرجز: أبو إسحاق الصابىء: 5: 289 التقطيب: الرجز المجزوء: ابن المعتز: 5: 248 آبي: الوافر: الوزير ذو السعادات ابن أبي الفرج بن فسانجس: 8: 135 أديب: الوافر: أبو تمام: 5: 144 انقلاب: الوافر: نعمة بن عتاب التغلبي: 5: 163 بالإياب: الوافر: امرؤ القيس: 8: 122 التراب: الوافر: أبو الشمقمق: 2: 324 الثياب: الوافر: موسى الثقفي: 9: 130 الجواب: الوافر: محمد بن أمية الكاتب: 4: 58 الحراب: الوافر:: 5: 411 تحابي: الوافر: أبو العتاهية: 6: 18 حبيبي: الوافر: أبو فراس الحمداني: 6: 126 بالحجاب: الوافر: أبو دلف: 8: 202 الخطاب: الوافر: الفرزدق: 3: 375 الخطاب: الوافر: جرير: 7: 306 الخطوب: الوافر:: 4: 300 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 32 الذنوب: الوافر:: 7: 80 والرباب: الوافر: 7: 195 السّحاب: الوافر: السري الرفاء: 4: 92 السحاب: الوافر:: 7: 23 الشباب: الوافر:: 6: 129 صحبي: الوافر:: 3: 164 عذاب: الوافر: بشر بن أبي خازم: 5: 403 العيوب: الوافر:: 2: 219 الغراب: الوافر: أبو بكر هبة الله بن الحسن الشيرازي: 6: 26 الغروب: الوافر: أبو الحسين بن لنكك البصري: 6: 80 الغيوب: الوافر: عمرو بن مرة العبدي: 8: 20 القلوب: الوافر: علي بن جبلة العكوك: 6: 127 القلوب: الوافر: زهير بن أبي سلمى: 7: 86 الرقاب: الوافر: مزرد بن ضرار: 5: 98 المغيب: الوافر: إبراهيم بن العباس الصولي: 4: 47 بالمغيب: الوافر:: 3: 10 صبوب: الوافر: الشريف الرضي: 2: 84 مآب: الوافر: أحمد بن محمد المصيصي النامي: 4: 55 القراب: الوافر: أبو العواذل: 4: 78 عريب: الوافر:: 6: 115 مستراب: الوافر: أبو نواس: 6: 231 القليب: الرمل: سعيد بن وهب: 9: 287 أسبابي: السريع: ابن الحجاج الشاعر: 8: 208 العيب: السريع: علية بنت المهدي: 8: 285 بتعذيبي: السريع: إبراهيم الموصلي: 9: 23 بالقرب: السريع:: 6: 104 والقلب: السريع: ابن الرومي: 6: 124 2 التذكرة الحمدونية 10 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 33 الإهاب: الخفيف: الحمدوني: 5: 434 التراب: الخفيف: إسماعيل بن يسار: 3: 442 التراب: الخفيف: أبو نواس: 8: 203 الجواذب: الخفيف:: 9: 112 والخطوب: الخفيف:: 5: 320 ذهاب: الخفيف: يعقوب بن الربيع: 4: 281 الركاب: الخفيف:: 8: 185 الشباب: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 5: 315 الشباب: الخفيف: أبو علي البصير: 5: 320 الشراب: الخفيف:: 4: 285 الشراب: الخفيف: ابن الرومي: 8: 387 الطبيب: الخفيف: أبو الفرج الببغاء: 4: 336 بالعذاب: الخفيف:: 1: 217 عذاب: الخفيف: ابن الرومي: 6: 124 الغراب: الخفيف: البحتري: 7: 310 القريب: الخفيف: ابن الحجاج: 6: 105 قريب: الخفيف: ابن المعتز: 6: 115 القلوب: الخفيف: ابن الرومي: 6: 124 والكتاب: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 6: 199 الكلاب: الخفيف: أبو تمام: 7: 301 والاجتناب: الخفيف: البحتري: 6: 24 بالحاجب: المتقارب:: 5: 343 يعجب: المتقارب: النابغة الجعدي: 4: 304 القلوب: المتقارب: ابن المعتز: 3: 269 الكاذب: المتقارب:: 3: 126 الكاتب: المتقارب: ابن الرومي: 5: 408 وألبابها: المتقارب: ابن المعتز: 6: 26 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 34 جورب: المتقارب: ابن المعتز: 5: 158 أدبه: المنسرح: أبو تمام: 4: 47 أوصاب: المنسرح: الحمدوني: 9: 393 تركيبي: المنسرح: ابن الحجاج: 8: 148 العتب: المنسرح: ابن الحجاج: 8: 208 العجب: المنسرح: ابن مفرغ الحميري: 8: 49 الرطب: المنسرح:: 6: 417 الكتب: المنسرح: راشد الكاتب: 5: 439 - ت- حوت: السريع:: 5: 167 ماتا: الكامل: عويف القوافي الفزاري: 2: 303، 316 بنيتا: الرجز: رؤبة بن العجاج: 2: 80 فوتا: الوافر: الحماني: 6: 20 عدتا: السريع: أبو الحسن ابن فضالة النحوي: 4: 190 جناتها: الطويل: الشريف الرضي: 3: 134 غواتها: الطويل: الشريف الرضي: 9: 328 فأموت: الطويل:: 6: 204 نخرات: الطويل: ابن الرومي: 2: 110 نابت: الطويل:: 2: 418 الموت: الهزج: إبراهيم الحربي: 9: 348 حويته: الرجز: دويد بن زيد بن نهد ... بن قضاعة: 6: 34 الزيت: الرجز:: 5: 353 غنيت: الرجز: رؤبة: 7: 339 مغنّياتها: الرجز:: 5: 300 حييت: الوافر: عامر بن مالك: 7: 402 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 35 يموت: الوافر: ابن الرومي: 5: 149 وفيت: الوافر: السموأل: 3: 12 شامت: السريع: قيس بن الخطيم: 7: 382 فأصبيتها: المتقارب: مقداد بن المطاميري: 6: 198 فاستقرت: الطويل: عمرو بن معدي كرب: 2: 416 لاستقرت: الطويل: جعفر بن الزبير: 9: 194 أمرّت: الطويل: الشنفرى: 3: 394 فتجلّت: الطويل: إبراهيم بن العباس الصولي: 4: 52 وتجلّت: الطويل:: 6: 417 تمنّت: الطويل: محمد بن خليفة السّنبسي: 4: 63 جلّت: الطويل:: 4: 86 حلّت: الطويل: سليمان بن قتّة التيمي: 4: 219 حلّت: الطويل: كثير عزة: 6: 172 حذرات: الطويل: محمد بن عبد الله بن نمير الثقفي: 7: 344 فخرّت: الطويل:: 6: 161 ذلّت: الطويل: عبد الله بن المعتز: 4: 318 شلّت: الطويل:: 4: 217 شجرات: الطويل:: 7: 220 صرّت: الطويل: الأخطل: 8: 356 ضلت: الطويل: الطرماح بن حكيم الطائي: 2: 441، 5: 63 أضلّت: الطويل: القحيف: 6: 141 العرصات: الطويل: دعبل: 5: 139 وعلّت: الطويل:: 6: 57 عطرات: الطويل: محمد بن عبد الله النميري: 6: 148، 178 فتمطّت: الطويل:: 7: 77 قرت: الطويل: كثير عزة: 7: 291 قرت: الطويل: الأحوص: 9: 11 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 36 وملت: الطويل:: 5: 166 همتي: الطويل: الشريف الرضي: 2: 86 ولّت: الطويل: الصمة بن عبد الله القشيري: 6: 71 ولّت: الطويل: الشنفرى: 6: 162 استحلّت: الطويل: الحسين بن الضحاك: 4: 211 موات: الطويل:: 4: 309 فدرّت: الطويل: زرارة بن حصن الخثعمي: 5: 54 واسبطرت: الطويل: الحطيئة: 5: 396 وتثنت: الطويل: ابن الرومي: 8: 278 الثنيات: البسيط: أبو نواس: 5: 330 عفريت: البسيط: ابن الرومي: 5: 406 المصيبات: البسيط: أبو نواس: 8: 366 إصليت: البسيط: محمد بن هانىء: 5: 375 ثابت: الكامل: نصيب بن رباح: 3: 446 سراويلاتها: الكامل: المتنبي: 7: 312 الفلتات: الكامل: أبو العتاهية: 5: 74 لذّاتي: الكامل: الوليد بن عبد الملك: 3: 424 لحظاتها: الكامل: عبد العزيز بن خلوف النحوي المغربي: 6: 187 فهاتها: الكامل: مهيار: 5: 73 بصورته: الكامل المرفل: ابن القزاز المغربي: 8: 322 مقلته: الكامل المرفل: ابن المعتز: 5: 318 الفرات: الكامل المجزوء: الوليد بن عقبة: 3: 121 الزيت: الهزج: بشار بن برد: 7: 302 تفوتي: الرجز: عبد الله بن رواحة الأنصاري: 2: 438 الباكيات: الوافر: عروة بن أذينة: 1: 208 بيت: الوافر: الأصمعي: 9: 384 خائبات: الوافر: أبو عطاء السندي: 5: 55 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 37 صافيات: الوافر: يحيى بن زياد: 7: 119 العنكبوت: الوافر: ابن الرومي: 4: 82، 9: 398 الغانيات: الوافر : ج ميل بن معمر: 8: 355 المعجزات: الوافر: أبو الحسن الأنباري: 5: 384 المتأودات: الوافر: الشماخ: 5: 272 مصمتات: الوافر: سراقة البارقي: 8: 248 بحوت: الرمل المجزوء: ابن الرومي: 4: 82 دواة: الرمل المجزوء:: 5: 432 سكوت: الرمل المجزوء:: 9: 398 الغانيات: الرمل المجزوء: 9: 340 لهاتي: الرمل المجزوء: ابن الحجاج: 4: 345 ذمته: السريع:: 8: 199 السموات: السريع: ابن الرومي: 5: 147 الحلقات: الخفيف: زيد بن علي: 2: 76 عرفات: الخفيف:: 9: 13 لقامته: الخفيف المجزوء:: الناجم لقلتها: المنسرح: أبو نواس: 5: 165 منعوت: المنسرح:: 4: 79 هالته: المنسرح: أبو إسحاق الصابىء: 5: 317 ياقوت: المنسرح: ابن المعتز: 8: 377 - ث- حدث: الرجز:: 9: 397 باعثه: الطويل:: 3: 85 المباحث: الطويل: أبو إسحاق الصابي: 3: 153 مباحث: الطويل: أبو دلامة: 8: 260 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 38 الموارث: الطويل:: 4: 237 بالأثاث: الوافر: أبو عيينة المهلبي: 5: 235 التوث: السريع: المصيصي: 5: 164 - ج- سمج: الرمل: أبو نواس: 5: 430 ارتتجا: البسيط: محمد بن بشير: 8: 43 ح رجا: البسيط: مسكين الدارمي: 8: 47 الودجا: البسيط: عبد الله بن الزبير الأسدي: 8: 43 يتوج: الطويل: أبو الفرج ابن هندو: 5: 161 أحوج: الطويل: أبو دهبل الجمحي: 6: 116 خلوج: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 5: 339 مزعج: الطويل: الشماخ بن ضرار: 6: 77 منضج: الطويل: الشماخ: 5: 402، 414، 6: 416 أسمج: الطويل: محمد بن وهيب الحميري: 7: 47 علاجها: الطويل: البحتري: 8: 155 لجاجها: الطويل: عبد العزيز بن محمد القرشي الطارقي المغربي: 5: 75 دعج: المديد: ابن قيس الرقيات: 6: 148 والحرج: البسيط: أبو محجن الثقفي: 2: 457 الفرج: البسيط: أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن الجراح: 8: 68 مثلوج: الكامل: القتال الكلابي: 7: 285 المخرج: الكامل: إبراهيم بن العباس: 8: 44 مزعاج: الكامل: سلم الخاسر: 9: 344 أوداجه: الكامل: الأخطل: 8: 356 الناتج: السريع: الحارث بن حلزة: 1: 282، 3: 215 يعتلج: المنسرح: طريح بن إسماعيل الثقفي: 7: 202 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 39 حرج: المنسرح:: 2: 292 بسراج: الطويل: أبو نواس: 8: 405 عالج: الطويل:: 5: 313 المفرج: الطويل: سحيم: 5: 443 منضج: الطويل: الشمّا خ بن ضرار: 4: 14 حجّاج: البسيط:: 4: 71 حجّاج: البسيط: جدة الحجاج: 7: 178 الساجي: البسيط: محمد بن داود الأصفهاني: 6: 156 المتحرّج: الكامل: دعبل: 6: 23 الحجاج: الكامل:: 2: 427 بسراج: الكامل: ابن المعتز: 5: 328 العاج: الكامل: ابن المعتز: 5: 323 المدرج: الكامل: البحتري: 5: 247 للشحج: الكامل: البحتري: 5: 254 الوهج: الرجز: الفرزدق: 5: 440 فروج: السريع: أبو عثمان الناجم: 5: 164 حرج: الخفيف المجزوء:: 9: 362 ومحتاجها: المتقارب: إبراهيم بن هرمة: 4: 22 يلج: المنسرح:: 8: 43 دعج: المنسرح: ابن الرومي: 6: 124 - ح- والرميح: الكامل المجزوء:: 8: 330 الذّبح: الرمل: الأعشى: 8: 357 أقاح: السريع: البحتري: 5: 312 تراح: السريع: الشريف الرضي: 9: 328 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 40 القدح: المتقارب: أبو الفتح ابن العميد: 9: 264 جناحها: الطويل: ديك الجن: 6: 59 أمدحا: الطويل:: 4: 9 ناصحا: الطويل:: 5: 419 وأفدحا: الطويل:: 5: 48 وصباحا: المديد: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 8: 302 مطرحا: البسيط: أبو نواس: 4: 46 مفتاحا: الكامل:: 7: 74 مصباحا: الكامل: أبو نواس: 8: 366 الفرحا: الكامل المرفل: أبو نواس: 8: 371 ولوحه: الرجز: الجعد بن مهجع: 6: 205 جناحا: الوافر: ابن هرمة: 7: 106 صحيحا: الرمل المجزوء: ابن الحجاج: 5: 435 فاحا: الخفيف: إبراهيم بن العباس: 4: 282 قريحا: الخفيف: ابن ميادة: 6: 138 شحاحا: المتقارب: ابن هرمة: 7: 286 النجاحا: المتقارب: داود بن سلم: 2: 199 نصيحا: المتقارب: علي بن أبي طالب: 3: 151 مرتاحا: المنسرح: السري الرفاء: 4: 381 الأباطح: الطويل: ابن مقبل: 6: 67 أروح: الطويل:: 7: 83 وأروح: الطويل: هدبة بن خشرم: 3: 127 أفطح: الطويل: تميم بن أبي بن مقبل: 5: 429، 8: 288 يبرح: الطويل: ذو الرمة: 6: 56، 7: 290 المبرّح: الطويل: 8: 95 متوشح: الطويل: محمد بن الحسين الآمدي: 5: 328 يترجح: الطويل: ذو الرمة: 5: 396 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 41 تنوح: الطويل: أبو كبير الهذلي: 8: 125 جموح: الطويل: المنتصر بن المتوكل: 3: 134 الجوانح: الطويل: أشجع السلمي: 4: 242 جريح: الطويل: ذو الرمة: 6: 56 يجلح: الطويل: جميل بثينة: 6: 135 يجرح: الطويل: تميم بن أبيّ بن مقبل: 6: 139 ورائح: الطويل: ذو الرمة: 6: 56 سارح: الطويل: ابن المعتز: 5: 419 أسامح: الطويل: أبو الرييس الكلابي: 9: 336 الشحائح: الطويل: ابن هرمة: 2: 312 صحائح: الطويل:: 6: 113 صالح: الطويل: تميم بن أبي بن مقبل: 7: 87 صوالح: الطويل: معن بن أوس المزني: 9: 314 أقبح: الطويل:: 2: 218 قروح: الطويل: الأخطل: 9: 332 وكشح: الطويل:: 2: 210 كالح: الطويل:: 2: 434 اللوامح: الطويل: ابن المعتز: 8: 123 وتمدح: الطويل:: 4: 78، 9: 381 مادح: الطويل: أشجع السلمي: 4: 216 تمرح: الطويل:: 5: 351 مازح: الطويل:: 6: 136 مازح: الطويل:: 6: 203 ماسح: الطويل:: 7: 284 ناصح: الطويل: ظبية الخضرية: 6: 109 المتنصّح: الطويل: الأقرع بن معاذ: 7: 101 والوشائح: الطويل: أبو جلدة: 5: 203 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 42 يتوضح: الطويل: بشار بن برد: 5: 332 فيريح: الطويل: أبو محلم الشاعر: 8: 125 الكواشح: الطويل: النهشلي: 4: 217 طماح: الطويل:: 6: 119 المبيّح: الطويل: 6: 136 أليح: الطويل: عبيد الله بن عتبة بن مسعود: 6: 145 يسفح: الطويل:: 9: مفتوح: البسيط: نهار بن توسعة: 5: 123 مفتاح: البسيط:: 9: 398 أروح: الكامل: الشريف الرضي: 5: 216 أروح: الكامل: الببغاء: 9: 326 أفرح: الكامل: أبو الأسود الدؤلي: 5: 55 رامح: الكامل: الطرماح: 5: 322 قبيح: الكامل: المتنبي: 6: 78 لائح: الكامل: البحتري: 8: 33 ومنادح: الكامل: سلمة بن زيد البجلي: 8: 119 فيسجح: الكامل: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار (القس) : 6: 143 السفح: الكامل المرفل: أبو الحسين ابن الطراوة: 9: 350 يطلحوا: الرجز: مسعود (أخو ذي الرمة) : 5: 394 راح: الوافر: أبو الهندي: 8: 397 والسماح: الوافر: أحمد بن يوسف: 4: 383 مشيح: الوافر: نضلة السلمي: 2: 403 قبيح: الوافر:: 6: 433، 9: 73 الملاح: الوافر: مخلد الموصلي: 5: 156 النصيح: الوافر: ابن الحجاج: 6: 197 ويرتاح: السريع: ابن الحجاج: 6: 197 والمديح: الخفيف: أبو تمام الدباس: 5: 169 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 43 جناح: الطويل:: 7: 43 الجوانح: الطويل:: 8: 393 سلاح: الطويل:: 7: 43 صالح: الطويل: ابن برد الشامي: 2: 247 بصالح: الطويل:: 6: 403 الصفائح: الطويل: عبيد الله بن الحر: 3: 433 الصحائح: الطويل: إبراهيم بن العباس: 4: 278 بفادح: الطويل:: 8: 146 فاقدح: الطويل:: 7: 142 المسارح: الطويل: الطرماح: 7: 138 القدح: المديد:: 6: 427 مصطبح: البسيط: ابن الحجاج: 6: 105 بأقداح: البسيط:: 9: 42 بمصباح: البسيط: أوس بن حجر: 5: 337 فضاح: البسيط: عبيد بن الأبرص: 5: 306 بقرواح: البسيط:: 6: 365 الأبطح: الكامل: الزبير بن عبد المطلب: 3: 432 سابح: الكامل: زياد الأعجم: 2: 353 وصفائح: الكامل: زياد الأعجم: 2: 487، 4: 208 صباح: الكامل: السري الرفاء: 4: 385 ضاح: الكامل: فاطمة بنت الأحجم: 4: 241 ملاح: الكامل: البحتري: 5: 354 قداح: الكامل: محمد بن هانىء المغربي: 2: 88 بقداح: الكامل: سعية بن عريض اليهودي: 4: 321 اللائح: الكامل: البحتري: 5: 13 المتاح: الكامل المجزوء: إسحاق بن خلف: 5: 373 المساحي: الكامل المجزوء: أبو مسلم: 5: 97 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 44 والصفاح: الكامل المجزوء: عبد الصمد بن بابك: 5: 304 ارتياح: الرجز: ابن المعتز: 5: 277 الروح: الرجز:: 8: 328 المنصاح: الرجز: أبو نواس: 5: 286 الجناح: الوافر: إبراهيم بن هرمة: 7: 205 الصباح: الوافر: ابن المعتز: 5: 328 الصباح: الوافر: عقيلة بنت الضحاك: 6: 160 القبيح: الوافر: أبو نواس: 9: 44 الربيح: الوافر: ابن الاطنابة: 2: 67 القبح: السريع : د عبل: 5: 168 مصباحي: السريع: ابن الحجاج: 6: 128 الصلاح: الخفيف: الوليد بن يزيد: 8: 392 الفقاح: الخفيف: عبد الرحمن بن عائشة: 8: 302 اللفاح: الخفيف: ابن الرومي: 5: 435 وقاح: الخفيف: بكر بن النطاح: 4: 45 الأقاحي: المتقارب: ابن سكرة: 5: 121 المديح: المتقارب: ابن الرومي: 5: 147 البطاح: المنسرح:: 8: 187 والفرح: المنسرح: ابن كشاجم: 9: 19 - خ- الطبائخ: الطويل:: 3: 451 بطيخ: السريع: الناجم: 5: 324 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 45 - د- والتشدد: الكامل المجزوء: البحتري: 1: 353 بالأسد: الرجز:: 9: 310 ألد: الرجز: الحطيئة: 3: 370 الأسد: الرمل:: 2: 353 تجد: الرمل: عمر بن أبي ربيعة: 5: 194 فحقد: الرمل: محمد بن هاني: 4: 279 الصمد: الرمل: سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: 8: 307 تتقد: السريع: ابن المعتز: 8: 386 الجلاد: السريع:: 5: 71 لا نعقد: السريع: راشد الكاتب: 5: 438 تترددا: الطويل:: 1: 419 فتبددا: الطويل: يزيد بن الطثرية: 5: 325 جعدا: الطويل:: 5: 351 يتجلّدا: الطويل: الأحوص: 6: 167، 9: 43 حمدا: الطويل: المقنع الكندي: 2: 24 حدّا: الطويل: ابن الأعرابي: 4: 327 مرقدا: الطويل: يعقوب بن رافع: 5: 321 رندا: الطويل: كثير عزة: 6: 72 رغدا: الطويل:: 6: 187 تزودا: الطويل: الأعشى: 1: 167 أسدى: الطويل: عبد الله بن طاهر: 8: 105 تودّدا: الطويل: ابن الحمام: 4: 373 اليدا: الطويل: المتنبي: 2: 222 المهندا: الطويل: الحسين بن الضحاك: 2: 131 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 46 عسجدا: الطويل: المتنبي: 4: 100 مرددا: الطويل: ابن الرومي: 5: 46 هجّدا: الطويل: البحتري: 6: 86 مسهدا: الطويل: الأعشى: 8: 356 خدّه: الطويل: ابن نباتة السعدي: 6: 195 أبدا: البسيط:: 8: 27 أحدا: البسيط: أبو وجزة: 2: 203 بددا: البسيط: البحتري: 9: 288 الزبدا: البسيط: عبد الله بن رواحة: 2: 475 مزبدا: البسيط: أبو الحسن علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي: 5: 353 صعدا: البسيط:: 4: 167 صددا: البسيط: أبو الهندي: 8: 350 غدا: البسيط:: 9: 68 قعدا: البسيط:: 2: 325 كادا: البسيط: ابن عبدل: 2: 321 الولدا: البسيط:: 7: 41 يدا: البسيط: البحتري: 4: 92 قودا: البسيط: عويف القوافي: 5: 98 برودا: الكامل: جرير: 5: 243 حديدا: الكامل: جرير: 6: 53 خالدا: الكامل: الأحوص بن جعفر بن كلاب: 2: 464 الرّقّدا: الكامل: الأعشى: 7: 281 شهودا: الكامل: ثابت قطنة: 7: 214 وسنادها: الكامل: عدي بن الرقاع: 5: 402 عودا: الكامل: المؤمل: 7: 116 غدا: الكامل: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 4: 90 الصدا: الكامل: ابن الرومي: 5: 147 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 47 بلدا: الكامل المرفل: 8: 23 نجدا: الكامل المرفل: الحسين بن مطير: 9: 68 تصدى: الكامل المجزوء: أبو محمد الخازن: 5: 265 وقدّا: الكامل المجزوء: عبد الصمد بن بابك: 5: 264 علندا: الكامل المجزوء: عمرو بن معد يكرب: 5: 266 جدّا: الرجز:: 4: 168 شدّها: الرجز:: 3: 55، 7: 343 أفسدا: الرجز: دويد بن زيد بن نهد ... بن قضاعة: 6: 34 فؤاده: الرجز:: 9: 107 ووهده: الرجز:: 6: 157 الردى: الرجز: العجاج: 9: 189 جوادا: الوافر: عدي بن الرقاع العاملي: 3: 22 الجديدا: الوافر: ابن الرومي: 5: 147 الجرادا: الوافر: الفرزدق: 9: 193 سوادا: الوافر: أبو الحسن السلامي: 6: 195 الوليدا: الوافر: ابنة لبيد: 2: 270 نفدا: الوافر المجزوء:: 2: 353 وإرصاده: السريع: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 224 ساجده: السريع: ابن الحجاج: 6: 128 صعدا: السريع: خالد الكاتب: 5: 176 عدا: السريع: ابن الحجاج: 5: 176 جديدا: الخفيف: البحتري: 6: 17 مزيدا: الخفيف: البحتري: 6: 122 العبيدا: الخفيف:: 5: 157 وجودا: الخفيف: البحتري: 3: 437 مودودا: الخفيف: ابن الرومي: 4: 171 دستبندا: الخفيف: ابن المعتز: 8: 384 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 48 بدا: الخفيف المجزوء:: المؤمل والصدودا: المتقارب: ابن نباتة السعدي: 6: 65 فسادا: المتقارب: طريح بن اسماعيل الثقفي: 4: 41 أمردا: المتقارب: الخنساء: 2: 66 أريد: الطويل: جميل بثينة: 6: 163 أحمد: الطويل: عمارة بن عقيل: 4: 87 الأباعد: الطويل: ذو الرمة: 5: 397 بعادها: الطويل: جرير: 4: 202 بارد: الطويل:: 6: 70 بعيد: الطويل: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 6: 145 برد: الطويل: المتنبي: 7: 317 وجليد: الطويل:: 1: 285 واجده: الطويل:: 2: 244 جمودها: الطويل:: 3: 68 لجمود: الطويل: أبو عطاء السندي: 4: 203 مجدّد: الطويل:: 5: 58 وجنود: الطويل: عمرو بن مالك الجعدي: 6: 85 جيدها: الطويل: ابن نباتة السعدي: 6: 126 حامد: الطويل: محمد بن أبي شحاذ الضبي: 1: 400 وحسود: الطويل:: 2: 141 حقد: الطويل: الشريف الرضي: 2: 243 حمد: الطويل: الحطيئة: 8: 306 الخلد: الطويل:: 4: 9 أذودها: الطويل: الحسين بن مطير: 6: 166 يريد: الطويل:: 6: 209 لراكد: الطويل: المستهل بن الكميت بن زيد: 7: 100 الرعد: الطويل: أبو الهندي: 8: 386 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 49 تزيد: الطويل:: 1: 208 مزيد: الطويل: يزيد المهلبي: 4: 86 نزيدها: الطويل:: 5: 368 يزيدها: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 171 الزبد: الطويل:: 9: 107 سدوا: الطويل: ابن مكرم: 9: 440 أسعد: الطويل:: 1: 285 سجود: الطويل: مسكين الدارمي: 5: 414، 6: 416 لسعيد: الطويل: يزيد بن الصقيل العقيلي: 1: 223 لسعيد: الطويل:: 7: 193 الشدائد: الطويل: المتنبي: 2: 478 شهّد: الطويل: ابن الرومي: 3: 306 شدّوا: الطويل: الحطيئة: 4: 15 شهيد: الطويل:: 8: 187 صدود: الطويل:: 5: 196 صعود: الطويل:: 6: 129 وأطارد: الطويل: المتنبي: 2: 58 عبيدها: الطويل:: 5: 118 فيعود: الطويل:: 2: 325 تعود: الطويل:: 3: 443، 8: 286 عودها: الطويل: العتابي: 1: 315، 4: 48 عودها: الطويل:: 6: 88 فاسد: الطويل: المتنبي: 1: 278 فاقد: الطويل:: 6: 35 يقودها: الطويل:: 7: 143 يقودها: الطويل:: 9: 402 محمد: الطويل: مطيع بن إياس: 8: 133 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 50 الموارد: الطويل: أبو العطاف الغنوي: 8: 147 ومحتد: الطويل: الكسائي: 9: 291 وعد: الطويل: الشريف الرضي: 2: 85 وعد: الطويل: محمد بن هانىء: 4: 70 المواعد: الطويل: أعشى همدان: 3: 120 والد: الطويل: الشريف الرضي: 3: 437 واحد: الطويل: الشريف الرضي: 5: 78 واحد: الطويل: ذو الرمة: 5: 329 واحد: الطويل: عروة بن الورد: 2: 280 وأوقد: الطويل:: 9: 342 يسود: الطويل: المعلوط الربعي: 2: 24 يسودها: الطويل: عمرو بن الحارث الطائي: 2: 84 يريدها: الطويل: هند بنت عتبة بن ربيعة: 4: 272 ويولد: الطويل:: 4: 273 وسودها: الطويل: عبد الله بن الزبير: 2: 136 وسودها: الطويل:: 4: 359 أربد: الطويل: علاقة بن عركي التميمي: 3: 223 لعنود: الطويل: محمد بن هانىء: 4: 69 هجودها: الطويل: الخنساء: 4: 271 رقّد: الطويل: مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن شمس: 4: 376 رمدد: الطويل: ابن الرومي: 6: 14 أمرد: الطويل: معارك بن مرة العبدي: 7: 46 ورده: الطويل: المتنبي: 7: 312 تعد: المديد:: 6: 222 أحد: البسيط: زياد الأعجم: 5: 157 أود: البسيط: أبو تمام: 5: 376 العود: البسيط: محمد بن حسان الضبي: 8: 165 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 51 بعدوا: البسيط: أم معدان الأنصارية: 4: 256 جهدوا: البسيط: أبو مسلم الخراساني: 3: 153 جهدوا: البسيط: زياد الأعجم: 5: 122 محسود: البسيط: المتنبي: 2: 246 حيد: البسيط: الأخطل: 6: 12 أرقده: البسيط: مقداد بن المطاميري: 6: 198 سادوا: البسيط: الأفوه الأودي: 1: 292 فسدوا: البسيط: الراعي النميري: 2: 22 يصعّده: البسيط: أبو العباس الضبي: 6: 94 العدد: البسيط:: 5: 69 عنقود: البسيط: إبراهيم بن المهدي: 5: 327 عادوا: البسيط: الأفوه الأودي: 9: 250 غريد: البسيط: أبو نواس: 9: 45 مفقود: البسيط: العلوي: 6: 88 قعدوا: البسيط: زهير بن أبي سلمى: 5: 97 محمود: البسيط: حماد عجرد: 2: 262 مضطهد: البسيط: المتلمس الضبعي: 5: 193 المواعيد: البسيط: بشار بن برد: 8: 162 ولدوا: البسيط:: 5: 121 يجد: البسيط: الكميت بن معروف الأسدي: 2: 210 عباديد: البسيط: الشريف الرضي: 2: 85 تفنيد: البسيط: الشريف الرضي: 2: 85 تجتلد: البسيط: قطري بن الفجاءة: 2: 460 صرد: البسيط: أبو ذؤيب الهذلي: 5: 277 أبترد: البسيط: عروة بن أذينة: 6: 189 جديد: الكامل: ابن الرومي: 8: 122 يحمد: الكامل: الحطيئة: 4: 96 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 52 تحصد: الكامل: عبد الله بن إسحاق بن سلام المكاري: 9: 349 يزيد: الكامل: أبو الهول: 5: 368 شاهد: الكامل: ابن الرومي: 5: 360 يغمد: الكامل: علي بن الجهم: 4: 305 ويغمد: الكامل: الطرماح: 5: 271 الأقياد: الكامل: مالك بن أسماء: 2: 138 وتكابد: الكامل: العباس بن الأحنف: 9: 230 محمد: الكامل: المتنبي: 7: 313 هجود: الكامل:: 9: 52 ورود: الكامل:: 4: 278 يد: الكامل:: 2: 313 ناهده: الكامل:: 5: 12 المرشد: الكامل: عبيد بن الأبرص: 7: 282 الفرقد: الكامل: الأعشى: 7: 340 أجد: الكامل المرفل: محمد بن وهيب: 5: 389 منفرد: الكامل المرفل: بشار بن برد: 3: 131 البريد: الكامل المجزوء: ابن الرومي: 9: 339 عوده: الكامل المجزوء: أبو محمد المهلبي: 5: 318 يعود: الكامل المجزوء: محمود الوراق: 6: 29 الصدود: الرجز: قحافة بن عوف بن الأحوص: 7: 402 يعيد: الرجز: عبيد بن الأبرص: 8: 16 الكرد: الرجز: ابن طاهر: 5: 274 جديد: الوافر: آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: 4: 314 جديد: الوافر: معدي كرب: 6: 38 حصيد: الوافر: السري الرفاء: 2: 438 الخلود: الوافر: جرير: 7: 296 رقود: الوافر: رزاح النهدي: 8: 215 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 53 السعيد: الوافر: الحطيئة: 1: 156 السداد: الوافر: دعبل: 5: 142 والسعود: الوافر: الراعي النميري: 6: 387 العبيد: الوافر: جرير: 5: 109 يعود: الوافر: منصور النمري: 7: 277 جاهد: السريع: أبو البصير: 9: 198 معمود: السريع: 3: 31 مجد: السريع: 5: 124 يوجد: السريع:: 8: 103 حديد: الخفيف: ابن الرومي: 5: 106 مستزاد: الخفيف: محمد بن أبي زرعة الدمشقي: 4: 114 مزيد: الخفيف: ابن الرومي: 5: 334 أبعد: المتقارب: عمر بن أبي ربيعة: 9: 67 جديد: المتقارب: ابن المعتز: 6: 30 تغريدها: المتقارب: ابن كشاجم: 9: 19 أحد: المنسرح: عريب: 6: 67 أمد: المنسرح: سهل بن غالب الخزرجي: 6: 45 سجدوا: المنسرح: طريح بن إسماعيل الثقفي: 4: 159 وتد: المنسرح: ابن سكرة الهاشمي: 5: 435 ولده: المنسرح: الرياشي: 7: 147 ولدوا: المنسرح: ابن بسام البغدادي: 8: 121 المؤكّد: الطويل: إسماعيل بن يسار النساء: 7: 202 القدّ: الطويل:: 1: 99 الأباعد: الطويل: أبو فراس الحمداني: 4: 353 مبرد: الطويل: مسلم بن الوليد: 5: 394 بعدي: الطويل: الأحوص: 7: 213 بعدي: الطويل: نصيب: 7: 291، 293 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 54 بعدي: الطويل:: 7: 244 وأبعد: الطويل: الشريف الرضي: 7: 304 كبلادي: الطويل: الفرزدق: 8: 118 يبدي: الطويل:: 9: 58 تتجدد: الطويل: أبو تمام: 8: 123 المتجرد: الطويل: الحطيئة: 9: 393 والجهد: الطويل: قيس بن عاصم: 2: 184 وجراد: الطويل: أبو نواس: 4: 46 يجهد: الطويل: زيد الخيل: 4: 337 الجلد: الطويل: توبة بن مضرس: 7: 31 جعد: الطويل:: 8: 142 بجود: الطويل: أبو نواس: 8: 190 جندي: الطويل:: 9: 429 جهدي: الطويل: كثير عزة: 8: 221 بالتجلد: الطويل: يزيد بن عبد الملك: 9: 226 يحمد: الطويل: الحطيئة: 4: 16 بحاد: الطويل: أبو نواس: 5: 354 خالد: الطويل: أعشى همدان: 4: 215، 231 خالد: الطويل: الفرزدق: 9: 195 مخلد: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 7: 296 بمرصد: الطويل: إبراهيم الرقيق الكاتب المغربي: 4: 212 الزند: الطويل:: 1: 207 بالزند: الطويل: محمد بن عبد الملك الزيات: 5: 202 المتزوّد: الطويل: دريد بن الصمة: 4: 240 المتزوّد: الطويل:: 6: 60 زياد: الطويل: الفرزدق: 5: 128 زاهد: الطويل: البحتري: 6: 191 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 55 فتزوّد: الطويل: قيس بن الخطيم: 7: 285 فتزود: الطويل: طرفة بن العبد: 7: 286 يسعد: الطويل: عدي بن زيد العبادي: 1: 286 سعيد: الطويل: موسى شهوات: 2: 295 السواعد: الطويل:: 2: 405 يسوّد: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 4: 31 بأسعد: الطويل: البحتري: 6: 25 بسواده: الطويل:: 6: 425 بسيّد: الطويل:: 2: 165، 7: 257 وتشدّد: الطويل: بدر بن علماء العامري: 7: 44 شاهد: الطويل: الفرزدق: 7: 227 كصعوده: الطويل: ابن الرومي: 4: 182 صدود: الطويل:: 5: 419 الطرائد: الطويل:: 2: 72 العبد: الطويل: معد بن حسين بن خيارة الفارسي المغربي: 2: 141 بالعبد: الطويل: الحسين بن الضحاك: 4: 112 أتعهد: الطويل: سلمة بن صالح: 5: 58 بالعهد: الطويل: عارق الطائي: 3: 38 عمد: الطويل: ابن عمارة السلمي: 9: 61 الغمد: الطويل: النمر بن تولب: 6: 25 الغمد: الطويل: ذو الرمة: 7: 287 غمد: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 7: 112، 212 الغد: الطويل: أبو دهبل: 6: 81 الغد: الطويل: دريد بن الصمة: 2: 41، 9: 199 غد: الطويل: أبو محلم: 4: 55 وفدفد: الطويل: مسلم بن الوليد: 5: 397 المقيد: الطويل: ربيع بن أصرم بن خارجة العنبري: 5: 424 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 56 القلائد: الطويل:: 8: 66 المقدد: الطويل: دريد بن الصمة: 9: 91 الكرد: الطويل: الفرزدق: 7: 288 مذودي: الطويل: حسان بن ثابت: 5: 398 بمهتد: الطويل: قيس بن الخطيم: 1: 248 الموارد: الطويل:: 7: 131 مورّد: الطويل: ابن المعتز: 8: 389 الممدد: الطويل: دريد بن الصمة: 5: 375 الممدد: الطويل: الشريف الرضي: 7: 306 أهتدي: الطويل: أبو فراس الحمداني: 4: 90 ويهتدي: الطويل: مالك بن نويرة: 5: 376 بأوحد: الطويل: الوليد بن عبد الملك: 5: 37 كالورد: الطويل: الحسين بن الضحاك: 6: 201 الورد: الطويل: قيس بن عاصم: 2: 280 الورد: الطويل: الخثعمي: 4: 308 ورد: الطويل: ابن المعتز: 5: 330 الورد: الطويل:: 9: 184 بواحد: الطويل: 5: 430، 6: 222 واحد: الطويل:: 6: 61 واحد: الطويل:: 7: 200 صوادي: الطويل: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 9: 62 باليد: الطويل: طرفة بن العبد: 5: 354 باليد: الطويل: طرفة بن العبد: 7: 283 المسدد: الطويل: عدي بن زيد: 2: 220 بمسدد: الطويل:: 5: 80 الثرائد: الطويل:: 2: 442 وتالد: الطويل: كلثوم بن عمرو العتّابي: 3: 120 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 57 مصرّد: الطويل: الأخطل: 4: 26، 220 وفرقد: الطويل: خارجة بن فليح المللي: 4: 58 يجتدي: الطويل: الرقاشي: 4: 209 وأوقد: الطويل: عباءة بن يزيد بن جعشم: 4: 214 المحاتد: الطويل: عرفجة بن شريك: 5: 121 أربد: الطويل: عروة بن قيس: 5: 192 بإثمد: الطويل: أبو تمام: 5: 329 الخرائد: الطويل: البحتري: 5: 361، 6: 92 الصوارد: الطويل: جران العود: 5: 413 المتقاود: الطويل:: 6: 68 يفنّد: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 6: 141 يعوّد: الطويل:: 6: 373 ابعد: الطويل: دريد بن الصمة: 6: 388 صلد: الطويل: العديل بن الفرخ العجلي: 7: 79 فابعد: الطويل: عدي بن زيد: 7: 93 ويبعد: الطويل: قيس بن الخطيم: 7: 93 مقتد: الطويل:: 7: 177 ولائد: الطويل: أبو نواس: 8: 332 أسد: البسيط: أبو دلامة: 2: 491 أسد: البسيط: الطرماح: 5: 119 الأسد: البسيط: النابغة الذبياني: 4: 107 أود: البسيط: أبو نواس: 5: 318 تزد: البسيط: الفرزدق: 2: 351 مجهودي: البسيط: محمد بن يسير: 2: 281، 386 جلد: البسيط: الذلفاء بنت الأبيض: 4: 253 أجساد: البسيط: حارثة بن بدر الغداني: 9: 237 الجسد: البسيط: ابن الرومي: 5: 148 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 58 والجيد: البسيط: مسلم بن الوليد: 5: 383 والجود: البسيط: إسحاق بن خلف: 5: 444 والجود: البسيط:: 2: 280 الحسد: البسيط: ابن الحجاج: 2: 251 حاد: البسيط: إدريس بن أبي حفصة: 4: 69 محدود: البسيط: أبو الفتح البستي: 8: 139 والخد: البسيط: أبو نواس: 8: 376 أذواد: البسيط:: 8: 308 زادي: البسيط: عبيد بن الأبرص: 7: 143، 217 الصادي: البسيط: القطامي: 5: 402 مسدود: البسيط: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 9: 44 شداد: البسيط: القعقاع بن توبة العقيلي: 5: 194 عود: البسيط:: 5: 168 بالعود: البسيط: أبو نواس: 7: 126 والعود: البسيط: الصاحب ابن عباد: 9: 435 القدّ: البسيط: أبو نواس: 8: 386 كبدي: البسيط: وبر بن معاوية الأسدي: 9: 335 مودي: البسيط: نهيك بن مالك القشيري: 2: 315 مودود: البسيط: بشار بن برد: 6: 22 ولد: البسيط:: 7: 15 وعوّادي: البسيط: جرير: 4: 85 إفناد: البسيط: القطامي: 4: 99 القود: البسيط: أم قيس الضبيّة: 4: 207 أعد: البسيط: محمد بن عبد الملك الزيات: 5: 52 بالمسد: البسيط: دعبل: 5: 168 أمدي: البسيط: أبو إسحاق الصابي: 8: 67 وترديدي: البسيط:: 8: 164 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 59 الإبعاد: الكامل: الشريف الرضي: 7: 306 أبدي: الكامل: سهل بن هارون: 8: 182 لبعاد: الكامل: غسان (خال الفرّار) : 6: 13 بادي: الكامل: الشريف الرضي: 7: 305 تنقد: الكامل: أبو الفرج الببغاء: 5: 370 بالإثمد: الكامل: النابغة الذبياني: 5: 312، 7: 285 الجيّد: الكامل: أبو وجزة السعدي: 6: 141 جامد: الكامل: أبو تمام الطائي: 8: 134 محسّد: الكامل: ابن الرومي: 4: 62 حداد: الكامل: ابن المعتز: 5: 325 مخلد: الكامل: البحتري: 4: 36 داود: الكامل: الشريف الرضي: 5: 21 مزبد: الكامل: الحارث بن هشام: 2: 447 مزوّد: الكامل: النابغة الذبياني: 6: 179 بالسؤدد: الكامل: حارثة بن بدر: 2: 107، 164 وسرادها: الكامل:: 5: 380 سعيد: الكامل: أبو الشمقمق: 2: 325 سعيد: الكامل: ضبيعة بن الحارث: 7: 214 مصعد: الكامل: عمر بن لجأ التميمي: 3: 434 عباد: الكامل: دعبل: 2: 204 عود: الكامل: ابن أبي عيينة: 5: 159 وعقوده: الكامل: البحتري: 6: 78 بعموده: الكامل:: 6: 378 غد: الكامل:: 1: 224 الغد: الكامل: الشريف الرضي: 5: 234 وتفقّد: الكامل: أبو يزيد العدوي: 4: 356 مفند: الكامل: أبو الحسين ابن لنكك البصري: 5: 380 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 60 بمقعد: الكامل: دعبل: 5: 93 الأكباد: الكامل: الشريف الرضي: 4: 264 لبيد: الكامل: أبو تمام: 6: 92 محمد: الكامل: الشريف الرضي: 2: 87 محمد: الكامل: دعبل: 5: 140 محمد: الكامل: زياد الأعجم: 4: 57 ومحمد: الكامل: الفرزدق: 4: 263 المشهد: الكامل:: 4: 355 مبرد: الكامل:: 6: 120 مزود: الكامل: النابغة الذبياني: 7: 280 لمعبد: الكامل: المتلمس الضبعي: 7: 393 الهادي: الكامل: زهير بن أبي سلمى: 5: 392 بوقود: الكامل: أبو العباس النامي: 2: 437 وداد: الكامل: ابن الرومي: 4: 91 اليد: الكامل:: 4: 63 اليد: الكامل: النابغة الذبياني: 5: 441 باليد: الكامل: النابغة الذبياني: 5: 303، 7: 283 يدي: الكامل: البحتري: 8: 136 معرد: الكامل: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: 2: 481، 3: 35 مرعد: الكامل: مسلم بن الوليد: 4: 45 إياد: الكامل: الأسود بن يعفر: 4: 218 بالعوّاد: الكامل: الأخطل: 4: 335 الأملود: الكامل: محمد بن هانىء: 4: 340 رواكد: الكامل: ابن هرمة: 5: 389 تجدي: الكامل المرفل: أبو نواس: 8: 366 المجد: الكامل المرفل: أبو العتاهية: 5: 24 نجد: الكامل المرفل:: 5: 430 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 61 القيود: الكامل المجزوء: السري الرفاء: 5: 427 جلدي: الرجز: بشار بن برد: 2: 220 وجلدي: الرجز:: 3: 119 بجدّه: الرجز: أبو نواس: 4: 77 جهاده: الرجز: أبو نواس: 5: 286 الحاسد: الرجز: جابر الفزاري: 4: 168 مسودّها: الرجز: الأعشى: 5: 321 مسودّ: الرجز: ابن رشيق المغربي: 5: 362 الأغماد: الرجز: أبو تمام: 5: 344 الفهد: الرجز:: 9: 95 الكدّ: الرجز: بشار بن برد: 1: 287 المهدي: الرجز: أبو نواس: 5: 291 المقعد: الرجز: هميان بن قحافة: 5: 296 ونهد: الرجز: كشاجم: 9: 117 التورد: الرجز: ابن المعتز: 5: 331 الوعد: الرجز: البحتري: 5: 341 ويدي: الرجز:: 8: 132 أعاد: الوافر: المتنبي: 5: 194 إياد: الوافر: لقيط بن يعمر الإيادي: 5: 201 بعيد: الوافر: الخيار بن سبرة المجاشعي: 5: 27 وبعدي: الوافر: الوليد بن يزيد بن عبد الملك: 5: 38 فالثماد: الوافر: كثير عزة: 9: 228 الجحود: الوافر: أبو نواس: 4: 125 الجراد: الوافر: حزن بن عامر الطائي: 5: 379 والحقود: الوافر: البحتري: 5: 62 دواد: الوافر: قيس بن زهير: 2: 151، 157 رقاد: الوافر: المتنبي: 2: 478 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 62 زاد: الوافر: المتلمس الضبعي: 2: 339، 8: 90 شداد: الوافر:: 5: 332 لصيد: الوافر: الفرّاء: 6: 12 لصيد: الوافر: أبو الطمحان القيني: 6: 38 الصعاد: الوافر:: 6: 404 عبيد: الوافر: الأعشى: 3: 12 عاد: الوافر: الراعي النميري: 7: 298 يغادي: الوافر:: 3: 21 غاد: الوافر: المتنبي: 8: 136 الفساد: الوافر: المتلمس الضبعي: 7: 81 قراد: الوافر: ابن المعتز: 9: 116 للكساد: الوافر:: 5: 120 المزيد: الوافر: عبد المسيح بن بقيلة: 6: 40 ناد: الوافر: القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز: 4: 62 نجد: الوافر: حسان بن ثابت: 7: 397 ينادي: الوافر: أمية بن أبي الصلت: 9: 124 الوليد: الوافر:: 5: 73 ورد: الوافر: الحكم بن عبدل الأسدي: 5: 105 واد: الوافر: سويد بن منجوف: 5: 232 الصفاد: الوافر: عبد الله بن فضالة: 2: 341 رقادي: الرمل المجزوء:: 9: 69 البارد: السريع: ابن المعتز: 6: 98 بغداد: السريع: الشريف الرضي: 8: 137 خدّ: السريع: علي بن الجهم: 5: 411 صاعد: السريع:: 5: 159 قاصد: السريع: ابن جكينا: 4: 382 المهدي: السريع: كشاجم: 8: 317 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 63 الهادي: السريع:: 5: 21 واحد: السريع: 4: 296 الأبراد: الخفيف: ابن الرومي: 5: 355 البريدي: الخفيف: أبو الفرج الأصفهاني: 5: 171 حديد: الخفيف:: 2: 253 داود: الخفيف: المتنبي: 7: 311 بالسهود: الخفيف:: 5: 359 ومعيد: الخفيف: أبو إسحاق الصابىء: 5: 399 وعتادي: الخفيف:: 5: 19 بالأغماد: الخفيف: الشريف الرضي: 4: 325 الفؤاد: الخفيف: الشريف الرضي: 2: 84 الفؤاد: الخفيف: المتنبي: 3: 317 الفؤاد: الخفيف: أبو تمام: 6: 17 ميعاد: الخفيف: ابن بسام: 5: 106 الميلاد: الخفيف: أبو نواس: 5: 335 بالمهدود: الخفيف: محمد بن مناذر: 7: 297 الغيد: الخفيف:: 5: 359 فريد: الخفيف: البحتري: 5: 405 سهادي: الخفيف: أبو بكر الوراق التميمي المغربي: 6: 72 وسادي: الخفيف:: 8: 120 لقاعد: مجزوء الخفيف:: 6: 306 بمداد: المجتث: أبو الفتح ابن العميد: 5: 15 خالد: المتقارب: ابن الرومي: 2: 308 الصعاد: المتقارب: هلال بن معاوية الثعلي: 2: 156 كالمبرد: المتقارب: أبو داود: 5: 379 كالمبرد: المتقارب: امرؤ القيس: 5: 379 بإنفادها: المتقارب: الأعشى: 8: 359 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 64 الفرقد: المتقارب: أبو ذؤيب الهذلي: 7: 116 توءد: المتقارب: الفر ز دق: 7: 331 الآبد: المنسرح: أبو الأسد التميمي: 5: 81 أحد: المنسرح: حسان بن ثابت: 8: 360 أحد: المنسرح: الشريف الرضي: 2: 86 والأسد: المنسرح: لبيد بن ربيعة: 4: 251، 7: 395 البلد: المنسرح: ابن الرومي: 5: 147 رغد: المنسرح: ابن الرومي: 5: 154 صعد: المنسرح:: 5: 312 بالغدد: المنسرح: أبو بكر ابن العلاف: 4: 291 قد: المنسرح: الشريف الرضي: 2: 158 معتمد: المنسرح: سعيد بن حميد: 4: 113 الوجد: المنسرح: ابن الرومي: 6: 78 ويده: المنسرح: أبو تمام: 4: 46 - ذ- والآزاذا: الكامل: المتنبي: 7: 313 لذيذ: الطويل: ضابئ بن عمير البرجمي: 3: 369 لاذ: الوافر:: 5: 433 واتخاذي: الخفيف: أبو النضير: 4: 386 الجرذ: المنسرح:: 5: 233 - ر- البصر: الطويل: ابن عنقاء: 4: 25 جهر: الطويل: ابن عنقاء: 2: 306 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 65 حجر: الطويل:: 8: 327 عمر: الطويل: الجعد بن مهجع: 6: 209 فتر: الطويل: ابن المعتز: 5: 342 بالكدر: البسيط: ابن مقبل: 6: 15 الكبر: الكامل: الحمدوني: 5: 437 در: الكامل المرفل: عدي بن زيد: 5: 302 بصائر: الكامل المجزوء: قس بن ساعدة الإيادي: 6: 252 زواخر: الكامل المجزوء أمية بن أبي الصلت: 5: 425 المطر: الكامل المجزوء: أبو عثمان الخالدي: 5: 81 الأثر: الرجز: الناجم: 6: 175 للبصر: الرجز: ابن الرومي: 5: 356 حذر: الرجز:: 5: 133 الخبر: الرجز: المخزومي: 5: 286 خفر: الرجز: النابغة الذبياني: 5: 295 وشرّ: الرجز:: 7: 53 الصور: الرجز: 5: 428 عور: الرجز: طفيل الغنوي: 2: 433 قدر: الرجز: علي بن أبي طالب: 2: 441 منكسر: الرجز:: 5: 177 النمر: الرجز: الجاحظ: 5: 228 النغر: الرجز:: 5: 381 منفّر: الرجز: لبيد بن ربيعة: 7: 402 الأثر: الرمل: عدي بن زيد: 7: 85 بحجر: الرمل:: 7: 142 وحمر: الرمل:: 8: 185 تسرّ: الرمل: السري الرفاء: 4: 172 شرّ: الرمل: هدبة بن الخشرم: 3: 40 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 66 الشّجر: الرمل:: 7: 125 يضرّ: الرمل:: 8: 127 وطمرّ: الرمل: 8: 184 الأكبر: الرمل المجزوء: المبرد: 4: 132 يبصر: الرمل المجزوء:: 3: 372 أذكر: السريع:: 6: 200 زور: السريع: ابن الرومي: 5: 150 تغور: السريع: علي بن محمد بن نصر: 5: 334 الإزار: المتقارب: أبو نواس: 8: 402 البقر: المتقارب: المعتز: 8: 331 وحرّ: المتقارب:: 5: 440 الشّجر: المتقارب: النابغة الجعدي: 6: 14 الغمر: المتقارب: الشريف الرضي: 5: 79 تغر: المتقارب: مسكين الدارمي: 9: 200 القصير: المتقارب: بشر بن هارون: 2: 162 قصر: المتقارب: ابن نباتة: 5: 233، 7: 149 القطر: المتقارب: امرؤ القيس: 6: 130 أجرا: الطويل:: 6: 207 أخضرا: الطويل: الفرزدق: 4: 82 أصفرا: الطويل:: 4: 254 فأكثرا: الطويل: أبو عطاء السندي: 8: 99 استعارها: الطويل: ديك الجن: 8: 379 أحمرا: الطويل: جامع بن أمية المحاربي: 9: 186 وأبصرا: الطويل: تميم بن مقبل: 6: 120 فقرا: الطويل: سالم بن وابصة: 3: 117 جوهرا: الطويل: ابن المعتز: 4: 72، 5: 412 حرّا: الطويل:: 5: 155 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 67 خيارها: الطويل: العيزار بن الأخنس السنبسي: 4: 214 خمرا: الطويل: الفرزدق: 5: 396 خمرا: الطويل: مسكين الدارمي: 5: 396 تخيّرا: الطويل:: 7: 250 فخارا: الطويل: قمعة بن إلياس بن مضر بن نزار: 7: 368 تدبّرا: الطويل: جرير: 3: 304، 5: 104 أدبرا: الطويل: محمد بن بشير الخارجي: 9: 206 يتذكرا: الطويل: النابغة الجعدي: 6: 41 سرّا: الطويل: الرقاشي: 3: 154 سحرا: الطويل: علي بن الجهم: 6: 229 الشكرا: الطويل: البحتري: 4: 89 شمّرا: الطويل: جميل بن معمر: 5: 124 شمّرا: الطويل:: 2: 403، 6: 275 صفرا: الطويل: مسلم بن الوليد: 7: 300 أضرّها: الطويل: المرثدي بن عتبة التميمي: 3: 434 أعفرا: الطويل: الفرزدق: 2: 43 فعسكرا: الطويل: العديل بن الفرخ العجلي: 2: 152 تعذرا: الطويل: الشماخ بن ضرار: 5: 258 عشرا: الطويل:: 6: 72 غدرا: الطويل:: 5: 117 فتورها: الطويل:: 7: 337 قصيرا: الطويل: ابن الخياط: 5: 126 قسرا: الطويل: حارثة بن بدر: 7: 80 قهرا: الطويل: مسكين الدارمي: 7: 183 يكدّرا: الطويل: النابغة الجعدي: 1: 269، 3: 245 فتكسرا: الطويل: حاتم الطائي: 2: 282 كبرا: الطويل: مسلمة الجعفي: 4: 258 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 68 أمطرا: الطويل: عنترة بن عبفس النميري: 5: 260 مظهرا: الطويل: النابغة الجعدي: 6: 42 منبرا: الطويل: جرير: 7: 302 وتنفرا: الطويل: النابغة الجعدي: 3: 408 والهجرا: الطويل: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 5: 32 الوترا: الطويل: إبراهيم بن عبد الله بن الحسن: 2: 475 أجدرا: الطويل: محمد بن هانىء المغربي: 2: 87 غبرا: الطويل:: 4: 213 أغبرا: الطويل: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: 4: 253 وقرا: الطويل: سالم بن وابصة: 4: 366 سعيرها: الطويل: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 50 مسورا: الطويل: الفرزدق: 5: 129 جآذرا: الطويل: أبو القاسم الزاهي: 5: 306 زارا: البسيط:: 9: 109 القدرا: البسيط: الرياشي: 3: 304 القمرا: البسيط: ذو الرمة: 7: 53 أسحارا: البسيط:: 1: 89 مخبرا: الكامل: المتنبي: 6: 89 يرى: الكامل: المتنبي: 6: 105 ظهورا: الكامل:: 6: 119 تكديرا: الكامل:: 8: 153 مطره: الكامل المرفل: بشار بن برد: 8: 163 أسيرا: الكامل المجزوء: أبو فراس الحمداني: 2: 49 زهرا: الكامل المجزوء بشار بن برد: 5: 400 سحرا: الكامل المجزوء بشار بن برد: 5: 304 عياره: الكامل المجزوء: ابن الحجاج: 6: 217 برّه: الكامل المجزوء أبو العباس أحمد بن المختار بن أبي الجبر: 4: 278 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 69 واليسره: الهزج: سعيد الدارمي: 2: 370 أصفرا: الرجز: ابن المعتز: 5: 358 وخبرا: الرجز: أبو الحسن الجهرمي: 5: 433 تذمرا: الرجز: رؤبة بن العجاج: 8: 207 زمهريرا: الرجز:: 5: 106 شرّا: الرجز: أبو النجم العجلي: 3: 374 عنبرا: الرجز: كشاجم: 5: 432 مكرا: الرجز: رؤبة بن العجاج: 9: 384 نهارا: الرجز: أبو تمام: 5: 344 القرا: الرجز: الأغلب العجلي: 7: 351 أمرها: الرجز: أبو النجم: 5: 253 احمرارا: الوافر: عقيل بن علفة: 2: 158 جارا: الوافر:: 8: 320 فحارا: الوافر:: 9: 295 استطارا: الوافر: قتادة بن التوأم اليشكري: 9: 295 عارا: الوافر: جرير: 3: 155 عشارا: الوافر: الحارث بن التوأم اليشكري: 9: 295 مرّا: الوافر: عصام الزماني: 5: 135 فاستسرا: الوافر: يحيى بن أبي حفصة: 5: 135 قدرا: الرمل: إبراهيم بن العباس الصولي: 4: 48 منظرها: الرمل: محمد بن عبد الملك الزيات: 4: 317 آخره: السريع: أبو نواس: 6: 228، 9: 397 زارها: السريع: السري الرفاء: 5: 361 دبرا: الخفيف:: 9: 426 وائتجارا: الخفيف: عباس بن الأحنف: 5: 334 يعارا: الخفيف: الشريف الرضي: 7: 307 يسرا: المجتث:: 8: 68 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 70 ابتكارا: المتقارب: الأعشى: 8: 359 الأكبرا: المتقارب: العطوي: 9: 342 البئارا: المتقارب:: 5: 349 دهورا: المتقارب: الحارث بن كعب: 3: 342 سوارها: المتقارب: الأعشى: 8: 357 الضميرا: المتقارب: مطيع بن إياس: 2: 346 المقفره: المتقارب: البحتري: 8: 387 فاستنارا: المتقارب:: 5: 340 مغيرا: المتقارب:: 7: 61 الوبارا: المتقارب: الكميت بن زيد: 7: 288 كدره: المنسرح: أبو العتاهية: 8: 206 حوره: المنسرح: ابن الرومي: 6: 125 أواصره: الطويل:: 1: 269 الأكابر: الطويل:: 6: 411 أدور: الطويل: الأحوص: 5: 44، 7: 293 وتأسر: الطويل: ذو الرمة: 3: 434 وأكبر: الطويل: ابن نباتة السعدي: 4: 53 الأمر: الطويل: أبو صخر الهذلي: 6: 165، 9: 59 الأمر: الطويل: أوس بن حجر: 5: 109 أمر: الطويل:: 8: 54 وآمر: الطويل: أبو إسحاق الصابي: 8: 157 آخر: الطويل: الفرزدق: 5: 113 أشقر: الطويل: ذو الرمة: 5: 330 انهمارها: الطويل: أبو تمام: 8: 162 أحور: الطويل: ابن نباتة السعدي: 8: 364 وبكروا: الطويل: العباس بن الأحنف: 6: 229 أبادره: الطويل:: 8: 36 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 71 والبحر: الطويل:: 8: 348 تطير: الطويل: أم الحباب بنت غالب الكلابية: 2: 475 ثائر: الطويل: العباس بن ريطة الرعلي: 9: 290 جمر: الطويل: الأبيرد الرياحي: 4: 200 جعفر: الطويل: لبيد بن ربيعة: 4: 239 جدير: الطويل:: 6: 95 جدير: الطويل:: 9: 58 حناجره: الطويل: أبو العتاهية: 4: 53 حجر: الطويل: عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي: 5: 252 حاسر: الطويل: ذو الرمة: 5: 330 حائر: الطويل:: 6: 77 وحسير: الطويل: جميل بن معمر: 9: 10 الحر: الطويل:: 9: 428 وخيرها: الطويل: اليزيدي: 2: 201 خيار: الطويل: عباد بن شبل: 4: 36 وتخصر: الطويل: خلف بن خليفة: 6: 58 خضر: الطويل: ذو الرمة: 8: 15 الخمر: الطويل:: 6: 98 الخمر: الطويل:: 8: 404 المتدبّر: الطويل: أبو زبيد الطائي: 3: 313 الدوائر: الطويل: الحكم بن عبد الرحمن المرواني: 3: 410 الدوائر: الطويل: ليلى الأخيلية: 4: 221، 252 بدورها: الطويل: الكروّس بن سليم اليشكري: 4: 24 الدهر: الطويل: أبو نواس: 4: 336 الدهر: الطويل:: 7: 33 دهر: الطويل: عبد الكريم النهشلي المغربي: 5: 266 دثّر: الطويل: ابن الرومي: 6: 192 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 72 بدر: الطويل: العطار المغربي: 8: 363 والذكر: الطويل: حاتم الطائي: 2: 266 ذاكره: الطويل: يزيد بن الطثرية: 6: 137 الزجر: الطويل: حاتم الطائي: 2: 333 يزورها: الطويل: جعفر بن علبة الحارثي: 2: 424 زهر: الطويل:: 5: 72 تزهر: الطويل: ذو الرمة: 5: 327 زائره: الطويل: الحسين بن مطير: 6: 138 ستر: الطويل: الأقيشر: 1: 370 وستورها: الطويل: شريح بن الأحوص: 2: 279 المسافر: الطويل:: 2: 493 سعيرها: الطويل: إياس بن قتادة: 3: 197 سعيرها: الطويل: عيسى بن موسى: 3: 24 ساتره: الطويل: القاسم بن يحيى البصري: 4: 87 سخر: الطويل: شمعل بن الحصين التغلبي: 4: 115 سائر: الطويل:: 4: 249 سائره: الطويل: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 4: 376 السرائر: الطويل: الأحوص: 5: 44 وأسهر: الطويل: ابن نباتة: 5: 213 سامر: الطويل: محمد بن أبي محمد اليزيدي: 5: 291، 8: 313 سامر: الطويل: عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي: 6: 43، 9: 324 وستور: الطويل: علي بن الجهم: 6: 98 يسيرها: الطويل: خالد بن زهير: 7: 212 يسر: الطويل:: 8: 47 تشاور: الطويل: ابن الأعرابي: 3: 300 الشّهر: الطويل: البحتري: 4: 179 الشهر: الطويل:: 5: 166 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 73 شرار: الطويل: ابن المعتز: 5: 368 شاعر: الطويل: أبو فراس الحمداني: 6: 97 الصدر: الطويل: حاتم الطائي: 1: 139 صدورها: الطويل: شبيب بن البرصاء: 1: 282 صدورها: الطويل:: 2: 418 كبر: الطويل: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 3: 102 مصوّر: الطويل:: 3: 266 صبر: الطويل:: 3: 155 الصبر: الطويل:: 4: 245 الصبر: الطويل: ابن الرومي: 4: 266 صبور: الطويل: منصور النمري: 4: 57 صبور: الطويل: السائب بن عمرو بن عوف: 7: 213 لصبور: الطويل: الأعين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهيل بن عمرو: 4: 281 لصبور: الطويل:: 6: 68 لصبور: الطويل: أبو دهبل الجمحي: 6: 110 يصورها: الطويل:: 5: 415 يصورها: الطويل:: 6: 416 ضميرها: الطويل: عمارة بن عقيل: 5: 35 ضمير: الطويل: قيس بن ذريح: 6: 140 يضيرها: الطويل: الشماخ: 7: 297 يضيرها: الطويل: شبيب بن البرصاء: 7: 297 متطاير: الطويل: معقر بن الحارث بن أوس بن حمار البارقي: 5: 365 أطير: الطويل: عبيد بن أيوب: 9: 200 ظاهره: الطويل:: 3: 10 ظاهر: الطويل:: 4: 188 ظهر: الطويل: عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي: 5: 254 ظهر: الطويل:: 9: 386 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 74 الظهر: الطويل:: 9: 386 فتظهر: الطويل:: 5: 322 تعسر: الطويل: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 2: 268 أعذر: الطويل: ابن الرومي: 6: 19 أعذر: الطويل: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: 3: 154 عذر: الطويل:: 4: 243 العذر: الطويل:: 7: 73 عشائره: الطويل: ابن المولى: 7: 44 عمرو: الطويل: أبو صخر الهذلي: 8: 279 معمر: الطويل:: 9: 384 مغور: الطويل: ذو الرمة: 5: 351 وعورها: الطويل: المثقب العبدي: 3: 313 غادر: الطويل: ابن الحجاج: 6: 110 وغدير: الطويل:: 7: 102 غرورها: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 7: 212 فقيرها: الطويل: الحسين بن مطير الأسدي: 1: 223 فقيرها: الطويل: حاتم الطائي: 2: 190 فاقره: الطويل: مبذول العنزي: 2: 209 المفاخر: الطويل: محمد بن بشير الخارجي: 4: 227 فطائر: الطويل: منيع بن كوثل السلمي: 4: 286 فاخر: الطويل: الفرزدق: 7: 215 والفخر: الطويل: جرير: 5: 103 الفجر: الطويل: ذو الرمة: 5: 330 فجر: الطويل: البحتري: 6: 122 لفقير: الطويل: الأحوص بن محمد: 6: 149، 188، 7: 213 الفقر: الطويل: القاضي أبو الحسن ابن عبد العزيز: 8: 96 قادر: الطويل: آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: 8: 391 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 75 قادر: الطويل: عبد الله بن سبرة: 2: 431 قادره: الطويل: مضرس بن ربعي: 1: 368 قدر: الطويل: محمد بن هانىء: 2: 368 قدر: الطويل:: 8: 363 قدير: الطويل: ابن ياسين: 6: 187 القصر: الطويل: أبو الحسن السلامي: 4: 63 يقطر: الطويل: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 6: 94 يقطر: الطويل:: 4: 114 القطر: الطويل: البحتري: 4: 158 قبر: الطويل: محمد بن عبد الملك الزيات: 4: 282 قبور: الطويل: أبو نواس: 7: 298 قصير: الطويل:: 6: 337 المقادر: الطويل: أسامة بن زيد: 8: 119 كاسر: الطويل:: 4: 249 يكبر: الطويل: ذو الرمة: 5: 292 كبارها: الطويل: الفرزدق: 7: 41 المصادر: الطويل:: 1: 400 مقابره: الطويل: عمير بن سلميّ: 2: 147 المنابر: الطويل: ذو الرمة: 4: 61 تمطر: الطويل: قبيصة بن ذؤيب: 5: 226 مئزر: الطويل: بشر بن أبي خازم: 7: 336 المسافر: الطويل: معقر بن حمار البارقي: 8: 126 وناصر: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 2: 286 نذيرها: الطويل: كثير عزّة: 4: 18 ناشر: الطويل: أبو نواس: 4: 241 ونحورها: الطويل:: 5: 379 نعارها: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 5: 424 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 76 أنظر: الطويل: أبو حية النميري: 6: 94 أنظر: الطويل: جميل بثينة: 6: 138 ناظر: الطويل: كعب بن مالك المخبّل: 6: 154 المناظر: الطويل:: 6: 165 منظر: الطويل:: 6: 166 ونارها: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 6: 186 ومنكر: الطويل: سعيد بن حميد الكاتب: 6: 196 ونهارها: الطويل: ابن قيس الرقيات: 7: 270 ناصره: الطويل: الوليد بن عقبة: 9: 189 ناظره: الطويل: مضرس بن ربعي الأسدي: 9: 200 الهجر: الطويل:: 5: 134 الهجر: الطويل:: 6: 108 فيهجر: الطويل: ذو الرمة: 6: 185 هريرها: الطويل: المتوكل الليثي: 5: 166 وزير: الطويل:: 5: 60 وقر: الطويل: علقمة بن عبدة: 5: 212 وافره: الطويل: نصيب: 7: 31 أستثيرها: الطويل: عوف بن الأحوص: 2: 68 أضيرها: الطويل: الفرزدق: 2: 148 خابر: الطويل: الأحوص بن محمد الأنصاري: 3: 161 عامر: الطويل: أبو علاثة التيمي: 5: 101 مغيرها: الطويل:: 5: 298 النضر: الطويل: إبراهيم الرقيق الكاتب المغربي: 5: 311 ماطر: الطويل: ابن المعتز: 6: 107 تتخثّر: الطويل: ابن الرومي: 6: 132 نذر: الطويل: توبة بن مضرس: 7: 61 وعرارها: الطويل: كثير عزة: 7: 225 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 77 حمر: الطويل: ابن عبدل الحكم: 8: 203 غرير: الطويل:: 9: 384 أثر: البسيط:: 6: 207 أثر: البسيط: الأخطل: 5: 105 وإفطار: البسيط:: 5: 112 أنتظر: البسيط: القلاخ بن حزن: 5: 115 الإبر: البسيط: الأخطل: 5: 230 آثار: البسيط: الأسدي: 9: 288 والبصر: البسيط: ضرار بن عمرو: 6: 19 البقر: البسيط:: 7: 335 تستعر: البسيط: أبيّ بن ظفر المحاربي: 3: 39 تستعر: البسيط: عقيل بن هاشم القيني: 7: 149 الجار: البسيط: الأقرع بن معاذ: 8: 99 الزهر: البسيط: البحتري: 5: 404 زهر: البسيط: أبو علي ابن عبدوس الرازي: 5: 158 الحجر: البسيط: عبد الله بن الزبير الأسدي: 7: 46 الخبر: البسيط: الأخطل: 5: 109 تدبير: البسيط: طاهر بن الحسين: 3: 308 وإدبار: البسيط: ابن بسام: 9: 428 ذكر: البسيط: أرطأة بن سهية: 7: 250 الزنابير: البسيط: أوس بن حجر: 5: 271 مزرور: البسيط: ابن المعتز: 5: 340 مستتر: البسيط: أبو إسحاق الصابىء: 5: 410 السّحر: البسيط:: 9: 27 الشّجر: البسيط: صفية الباهلية: 4: 241 شجر: البسيط: الحطيئة: 5: 101 الصور: البسيط: يزيد بن مزيد: 2: 143 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 78 الصّفر: البسيط: أعشى باهلة: 7: 336 هدروا: البسيط: الأخطل: 5: 399 ظفر: البسيط: صالح بن علي بن عبد الله بن عباس: 8: 45 وتغيير: البسيط: عبد المسيح بن حيان بن بقيلة الغساني: 8: 11 القدر: البسيط: كعب بن زهير: 1: 223 القدر: البسيط:: 5: 222 القدر: البسيط: الفرزدق: 7: 227 القوارير: البسيط: العتابي، كلثوم بن عمرو: 5: 262 والكدر: البسيط: السري الرفاء: 3: 159 المقادير: البسيط: عمرو بن معدي كرب: 2: 493 مضر: البسيط: الفرزدق: 3: 426 منحدر: البسيط: البحتري: 4: 51 المطر: البسيط:: 7: 126 والمطر: البسيط: أبو الحسين بن أبي البغل البغدادي: 4: 54 مأمور: البسيط: جرير: 5: 192 نار: البسيط: طريف بن تميم العنبري: 3: 391 نصروا: البسيط: الأعرابي: 4: 26 نور: البسيط: عبد الله بن عباس: 4: 308 سنمّار: البسيط: سليط بن سعد: 3: 34 القتر: البسيط: ليلى بنت وهب: 4: 198 يدّكر: البسيط: ابن الغريرة: 4: 209 مضر: البسيط: أبو الشغب: 4: 273 مزدجر: البسيط:: 5: 62 ينتشر: البسيط: الأخطل: 5: 191 معطار: البسيط: عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص: 5: 315 معتكر: البسيط: أبو إسحاق الصابىء: 5: 415 يذر: البسيط: النجاشي الحارثي: 7: 77 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 79 فانشمروا: البسيط: 7: 234 اضطرار: مخلع البسيط: ابن أبي عيينة: 5: 120 انتصار: مخلع البسيط: أبو محلم (الشاعر) : 8: 111 مجير: مخلع البسيط: أبو الشبل: 5: 175 أشقر: الكامل: حميد بن ثور: 5: 330 جعفر: الكامل: علي بن الجهم: 7: 321 حجر: الكامل: ابن يوسف البصري: 5: 72 حزور: الكامل: ابن الرومي: 5: 421 الخدر: الكامل:: 2: 188 الأخطار: الكامل: مسلم بن الوليد: 4: 215 الأسرار: الكامل: حبيب بن عيسى الكاتب: 5: 335 أشعارها: الكامل: السري الرفاء: 5: 406 يضير: الكامل:: 5: 228 ضامر: الكامل: مروان بن أبي حفصة: 5: 261 عبير: الكامل: داود بن رزين الواسطي: 2: 472 غرور: الكامل: المتنبي: 4: 218 غرير: الكامل: عمرو بن قميئة: 6: 70 قبور: الكامل: التميمي: 4: 205 مقصور: الكامل: عتيق بن مفرج المغربي: 6: 67 التكدير: الكامل:: 8: 201 لمعمر: الكامل: نهشل بن حري: 5: 65 نشور: الكامل: ابن طباطبا: 4: 377 خابر: الكامل: مسعود بن عبد الله الأسدي: 3: 37 الحمّر: الكامل: أبو المهوش الأسدي: 5: 65 مدرار: الكامل: العباس بن الأحنف: 6: 93 بكر: الكامل المرفل: الجاحظ: 6: 190 الخمر: الكامل المرفل: عمر بن أبي ربيعة: 5: 305 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 80 ستر: الكامل المرفل: 4: 376 سفر: الكامل المرفل: العرجي: 6: 174، 9: 34 عذر: الكامل المرفل: أبو نواس: 5: 318، 6: 121 غمر: الكامل المرفل: سحيم بن وثيل الرياحي: 4: 40 القدر: الكامل المرفل: مسكين الدارمي: 3: 442 ودوره: الكامل المجزوء: 8: 24 والشعور: الكامل المجزوء: التنوخي: 5: 410 صغاره: الكامل المجزوء: مسكين الدارمي: 7: 148 يضرّه: الكامل المجزوء: النابغة الجعدي: 6: 41 انتصاره: الكامل المجزوء: الأعشى: 1: 435 ناره: الكامل المجزوء: العوراء بنت سبيع: 4: 207 وناظر: الكامل المجزوء: إبراهيم بن العباس: 4: 240 ازورار: الكامل المجزوء: أبو عثمان الخالدي: 4: 308 خمر: الهزج: حسين بن الضحاك الخليع: 6: 219 آخره: الرجز:: 5: 245 يبصره: الرجز: أم الورد بنت أوس العجلانية: 5: 445 وحجر: الرجز: الحطيئة: 3: 370 وخيره: الرجز:: 2: 323 خير: الرجز: أبو نخيلة: 5: 130 دفاتره: الرجز: ابن لنكك: 5: 156 سطر: الرجز: أبو فراس الحمداني: 5: 354 صرّ: الرجز: حاتم الطائي: 2: 289 ممطره: الرجز: ابن الأعرابي: 5: 125 طرره: الرجز: غيلان بن الحريث: 5: 253 القصار: الرجز:: 5: 311 البصار: الوافر: القطامي: 2: 419 بخار: الوافر:: 8: 306 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 81 تدور: الوافر: طرفة بن العبد: 7: 391 السوار: الوافر: أبو تمام: 5: 390 الصغار: الوافر: الأخطل: 5: 110 يطير: الوافر:: 7: 115 تطير: الوافر:: 8: 327 واعتذار: الوافر: البحتري: 5: 346 عمير: الوافر: دعبل بن علي الخزاعي: 8: 35 العبور: الوافر: أبو نواس: 8: 365 الفطور: الوافر: عبيد الله بن عتبة بن مسعود: 6: 144 الفقير: الوافر: ابن صرمة الأنصاري: 2: 202 الفقير: الوافر: عروة بن الورد العبسي: 8: 91، 117 قطار: الوافر: بشر بن أبي خازم: 5: 314 قدير: الوافر:: 8: 258 الكبير: الوافر: سلم الخاسر: 3: 58 مغار: الوافر: زهير بن أبي سلمى: 5: 124 أناروا: الوافر: ابن هرمة: 2: 425، 4: 21 النوار: الوافر: الفرزدق: 9: 192 نظير: الوافر: الأعور: 9: 425 أزار: الوافر: أبو السليل العنزي: 5: 111 قصار: الوافر:: 6: 107 مزير: الوافر:: 6: 410 المعار: الوافر: 8: 306 بصير: مجزوء الرمل: إدريس بن عبد الله اللخمي الضرير: 8: 192 الفرار: مجزوء الرمل: علي بن الجهم: 5: 163 خمار: السريع: أبو نواس: 8: 367 والصبر: السريع: بشر بن المعتمر: 1: 268 عذر: السريع: البحتري: 6: 122 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 82 قبر: السريع: أبو نواس: 6: 120 تنظر: السريع:: 5: 359 انسفار: السريع: أبو نواس: 8: 367 البحور: الخفيف: نهار بن توسعة: 2: 66 الثمار: الخفيف:: 5: 410 مذكور: الخفيف: أبو سفيان: 9: 171 ويسير: الخفيف: ابن المعتز: 5: 411 مغرور: الخفيف: حجر بن عمرو: 7: 386 نوار: الخفيف: أبو الحسن علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي: 8: 323 ووقار: الخفيف:: 6: 22 الموفور: الخفيف: عدي بن زيد العبادي: 1: 159، 7: 87 نضير: الخفيف: السري الرفاء: 5: 83 تفور: المتقارب: العطوي: 4: 381 أكثر: المتقارب:: 9: 394 منقارها: المتقارب:: 5: 431 مقاديرها: المتقارب: الأعور الشني: 7: 30 أمور: المنسرح:: 9: 57 ننتظر: المنسرح:: 7: 234 كثروا: المنسرح:: 2: 276 الكبر: المنسرح: ابن سكرة الهاشمي: 8: 374 اليعافير: المنسرح: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 5: 359 أمير: الطويل: قيس بن ذريح: 6: 101 الصخر: الطويل: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: 3: 102 الأجر: الطويل:: 4: 105 والمآثر: الطويل: عبد الملك بن عبد الرحيم: 4: 204 والأسر: الطويل: تاج الدولة أبو الحسين أحمد بن عضد الدولة: 4: 309 أزري: الطويل:: 4: 358 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 83 الكبائر: الطويل: الربيع بن سليمان: 7: 230 الأمر: الطويل: الأخطل: 8: 403 البكر: الطويل: الأخطل: 2: 485 بكر: الطويل: الرحّال: 5: 167 كالبدر: الطويل: أبو نواس: 5: 390 بدر: الطويل: الأخطل: 3: 410، 5: 100 البدر: الطويل:: 4: 23 بشر: الطويل: الفرزدق: 4: 218 والبشر: الطويل:: 4: 25 بشير: الطويل: الأعشى: 8: 180 بحر: الطويل:: 8: 316 تدري: الطويل: يحيى بن طالب: 1: 247 تبري: الطويل:: 8: 303 تسري: الطويل: ابن المعتز: 8: 377 تسري: الطويل: 5: 65 الجسر: الطويل: القطامي: 5: 260 مجحر: الطويل: أبو خراش الهذلي: 5: 382 الجمر: الطويل:: 5: 414 الجمر: الطويل:: 6: 112 جابر: الطويل: طريف بن منظور: 9: 334 التحسر: الطويل:: 2: 347 الحضر: الطويل: الأخطل: 2: 442، 5: 369 حجري: الطويل: دعبل: 5: 143 وحر: الطويل: ابن الرومي: 5: 312 للحوافر: الطويل: زيد الخيل: 5: 366 الخوادر: الطويل:: 2: 185 والخمر: الطويل: الأخطل: 6: 83 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 84 الدهر: الطويل: عبد الله بن علي: 2: 134 الدهر: الطويل:: 4: 102 الدهر: الطويل: أبو الشغب السعدي: 4: 203 الدهر: الطويل:: 4: 248 الدهر: الطويل: أبو العتاهية: 4: 317 الدهر: الطويل: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 51 الدهر: الطويل: أبو عيسى (أخو المأمون) : 8: 38 الدهر: الطويل:: 9: 60 مدبر: الطويل: عامر بن طفيل: 2: 416 الدفاتر: الطويل: ابن طباطبا: 4: 286 فداره: الطويل: صالح بن عبد القدوس: 4: 370 وداعر: الطويل: ذو الرمة: 5: 258 الذكر: الطويل: يحيى بن طالب الحنفي: 6: 71 زهر: الطويل: ابن المعتز: 5: 364 الشعر: الطويل: علي بن الجهم: 5: 404 المزاهر: الطويل: شبرمة بن الطفيل: 8: 383 المسافر: الطويل: الشريف الرضي: 3: 135 ستر: الطويل: حبيشة بنت حبيش: 6: 158 شطري: الطويل: محمد بن عبد الله العتبي: 4: 274 الشزر: الطويل:: 5: 430 بالشكر: الطويل:: 7: 80 صبر: الطويل:: 6: 108 الصبر: الطويل: أبو العتاهية: 9: 331 الصبر: الطويل: أبو نواس: 5: 108 الصبر: الطويل: دريد بن الصمة: 4: 240 الصبر: الطويل:: 2: 55 الصبر: الطويل:: 4: 262 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 85 الصبر: الطويل:: 4: 316 الصبر: الطويل:: 9: 199 والصّبر: الطويل: عمرو بن ضبيعة: 6: 58 الصدر: الطويل:: 6: 158 صدري: الطويل: ابن هرمة: 2: 68 صدري: الطويل:: 5: 60 وصغار: الطويل: ابن مفرغ الحميري: 2: 159 والضرّ: الطويل: أبان اللاحقي: 9: 240 للضرائر: الطويل: موسى بن عبد الله بن الحسن: 7: 230 طاهر: الطويل: ابن الرومي: 5: 151 ظفر: الطويل:: 9: 239 فاعذري: الطويل:: 2: 347 عامر: الطويل: الوليد بن عقبة: 2: 314 عامر: الطويل:: 3: 42 يعذر: الطويل:: 4: 113 العذر: الطويل: محمود الوراق: 4: 113 عسر: الطويل: محمد بن الحسن بن سهل: 5: 45 عسري: الطويل:: 5: 52 عفر: الطويل:: 5: 258 العشر: الطويل:: 5: 376 عمرو: الطويل:: 4: 251 معمر: الطويل:: 9: 17 والغدر: الطويل: ابن الرومي: 5: 152 غيور: الطويل:: 7: 420 الفجر: الطويل: العلوي الكوفي: 5: 328 الفقر: الطويل: أبو سعيد المخزومي: 8: 103 فأقصر: الطويل: العجير السلولي: 2: 346 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 86 القسر: الطويل:: 2: 459 القبر: الطويل: الخنساء: 4: 200 القبر: الطويل:: 4: 235 القبر: الطويل: أراكة: 4: 262 القبر: الطويل: أعشى باهلة: 7: 153 القطر: الطويل:: 9: 287 المكفّر: الطويل: أبو الطمحان القيني: 3: 34 المكابر: الطويل:: 5: 235 المكاشر: الطويل: عمرو بن جابر الحنفي: 9: 198 محضر: الطويل: معن بن أوس المزني: 2: 340 معشر: الطويل: عبيد بن أيوب: 9: 200 معشري: الطويل: أبو الطمحان القيني: 3: 207 المحبر: الطويل: البحتري: 5: 404 المآزر: الطويل: الشريف الرضي: 7: 312 نصر: الطويل: الأخطل: 5: 103 نصري: الطويل: ابن هرمة: 2: 337 المتنور: الطويل: عروة بن الورد: 2: 431 نقري: الطويل: علي بن الجهم: 6: 175 النجر: الطويل: السري الرفاء: 5: 14 النجر: الطويل: عبيد بن الأبرص: 7: 420 النسر: الطويل: أسماء بن خارجة: 8: 235 التهاجر: الطويل: محمد بن زياد الحارثيّ: 4: 29 بالهجر: الطويل:: 6: 64 وتر: الطويل:: 5: 40 يدري: الطويل: المغيرة بن حبناء: 2: 187 قسر: الطويل: الفرزدق: 2: 149 مطير: الطويل: عمرو بن أحمر الباهلي: 2: 366 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 87 مطير: الطويل:: 5: 215 النّضر: الطويل: محمد بن خليفة السّنبسي: 4: 64 المخاصر: الطويل: الأنصاري: 4: 72 الخزر: الطويل: الأخطل: 5: 109 الذرّ: الطويل: أبو نواس: 5: 156 السمر: الطويل: نفيع بن صفار الكوفي: 5: 215 العراعر: الطويل: النابغة الذبياني: 5: 426 النواضر: الطويل: العتبي: 6: 20 الغوابر: الطويل: عبد الله بن نمير بن حسوسة الثقفي: 6: 69 الغوابر: الطويل: الصمة بن عبد الله القشيري: 6: 153 خادر: الطويل: ليلى الأخيلية: 7: 14 الدوابر: الطويل: زيد الخيل: 7: 344 صوره: المديد: أبو نواس: 4: 46 غمره: المديد: أبو نواس: 2: 209 وإعسار: البسيط: ابن نباتة السعدي: 6: 73 أظفاري: البسيط: الأعشى: 3: 13 أنصاري: البسيط: أبو الطمحان القيني: 3: 315 الأثر: البسيط: أبو حية النميري: 4: 322 وآثار: البسيط: السري الرفاء: 5: 82 أسفار: البسيط:: 8: 123 بصري: البسيط: 5: 107 بصري: البسيط: 6: 103 البصر: البسيط: أبو دلف العجلي: 6: 16 والبصر: البسيط: العباس بن الأحنف: 6: 229 البقر: البسيط: الفرزدق: 5: 440 مستعر: البسيط: ابن المعتز: 5: 365 والحجر: البسيط: أبو عثمان الخالدي: 8: 95 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 88 الخبر: البسيط:: 2: 74 خطري: البسيط: العتابي: 8: 103 الدار: البسيط:: 5: 111 والدار: البسيط:: 5: 113 والدار: البسيط: حميدة بنت النعمان بن بشير: 7: 237 دار: البسيط: الصمة بن عبد الله القشيري: 6: 187 دعر: البسيط:: 6: 397 بأسيار: البسيط: ابن دارة: 5: 64 سهر: البسيط: المتنبي: 5: 417 بالسحر: البسيط: ابن الرومي: 6: 132 فاستتر: البسيط: عروة بن أذينة: 6: 189 بسوار: البسيط: الأخطل: 8: 355 للشعر: البسيط:: 8: 283 الضّرر: البسيط: ابن لنكك البصري: 7: 93 بأطهار: البسيط: الأخطل: 2: 33 وطري: البسيط: حسن بن علي الصيرفي المغربي: 8: 127 طيار: البسيط: أبو النباش: 9: 335 الظفر: البسيط: ابن المعتز: 5: 324 المطر: البسيط: أبو فراس الحمداني: 5: 400 والعار: البسيط: الأخطل: 5: 102 عار: البسيط: حارثة بن بدر: 7: 87 مغمور: البسيط: سبيع بن الخطيم التيمي: 2: 156 غدّار: البسيط: قيس بن رفاعة الأنصاري: 3: 395 غدّار: البسيط: النابغة الذبياني: 4: 31 المقادير: البسيط: ابن داود: 8: 161 القدر: البسيط:: 9: 57 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 89 كبر: البسيط: عقيل بن علّفة المريّ: 3: 262 الكبر: البسيط: راشد الكاتب: 5: 438 مضر: البسيط: دعبل: 5: 137 المطر: البسيط: جرير: 9: 235 المطر: البسيط: عبد العزيز بن محمد الطارقي المغربي: 8: 364 ممطور: البسيط: الفرزدق: 9: 193 والنّفر: البسيط:: 3: 205 النار: البسيط: المساور بن هند العبسي: 5: 163 وأسراري: البسيط: الأخطل: 5: 402 بأوتار: البسيط: الخنساء: 4: 208 السرر: البسيط: حميد شر الكوفي: 2: 246 سيار: البسيط: أبو عطاء السندي: 2: 317 ختار: البسيط: الفرزدق: 2: 364 الكور: البسيط: الفرزدق: 3: 427 إقتار: البسيط: الأخطل: 4: 85 إضمار: البسيط: السري الرفاء: 4: 92 سيّار: البسيط: أبو عطاء السندي: 4: 228 الأخر: البسيط: أبو عثمان الخالدي: 5: 67 الطوامير: البسيط: ابن الرومي: 5: 148 بالمعاذير: البسيط: ابن الرومي: 5: 151 مسفار: البسيط: الأخطل: 5: 259 مبكار: البسيط: الأخطل: 5: 270 بأبصار: البسيط:: 6: 222 بدهدار: البسيط: الفزاري: 9: 367 الغيور: مخلع البسيط:: 6: 231 الأزور: الكامل: متمم بن نويرة: 4: 249 الأشقر: الكامل: العرجي: 6: 225 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 90 بإطاره: الكامل: أبو الحسن السلامي: 4: 166 فاختر: الكامل: يحيى بن زياد: 4: 369 ببشيرها: الكامل: أبو إسحاق الصابىء: 5: 429 التوتير: الكامل: محمد بن بشير: 5: 378 الجائر: الكامل: الشريف الرضي: 5: 79 يجرها: الكامل: أبو تمام: 6: 123 الجازر: الكامل:: 8: 145 متحضر: الكامل: ابن الرومي: 5: 406 والأحجار: الكامل:: 8: 300 حذار: الكامل: أبو تمام: 9: 286 ذر: الكامل: عبد الله بن يزيد الهلالي: 7: 30 زاخر: الكامل: أبو الأسد: 3: 432 الزوار: الكامل: ابن الرومي: 5: 421 الأشرار: الكامل: أبو عطاء السندي: 3: 438 شعير: الكامل:: 5: 296 الإصدار: الكامل: ابن الرومي: 1: 254 الصافر: الكامل: عمران بن حطان: 2: 450 الصفر: الكامل:: 2: 457 صادر: الكامل: عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: 5: 131 الصاغر: الكامل: فروة بن خميصة: 5: 131 الطنبور: الكامل: دعبل: 5: 168 وتعطري: الكامل: أبو محجن الثقفي: 2: 457 تعقر: الكامل: العلوي البصري: 3: 73 عبقر: الكامل: ابن الرومي: 5: 151 بعقار: الكامل: أبو غالب الأصباغي الكاتب: 8: 380 المغفر: الكامل: العلوي: 2: 436 بعير: الكامل: دعبل: 5: 143 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 91 لتغوّر: الكامل: جميل بثينة: 6: 130 المصدر: الكامل:: 3: 340 المغوار: الكامل: الشريف الرضي: 4: 234 نهار: الكامل: الربيع بن زياد العبسي: 4: 206 منكر: الكامل: أبو الأسود الدؤلي: 5: 72 منكر: الكامل: أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان: 7: 370 بهجره: الكامل: ديك الجن: 6: 211 ضار: الكامل: أبو العيزار: 4: 232 أخزر: الكامل: أبو الأسد التميمي: 5: 117 عقير: الكامل:: 5: 301 مازيار: الكامل: أبو تمام: 5: 383 الإقتار: الكامل: المخبل السعدي: 7: 282 الأمر: الكامل المرفل: محمد بن حازم الباهلي: 5: 133 الجزر: الكامل المرفل: الخرنق بنت هفان القيسية: 3: 402 حضر: الكامل المرفل: زهير بن أبي سلمى: 4: 10 حضر: الكامل المرفل: الخنساء: 4: 35 الخمر: الكامل المرفل: أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله: 9: 371 الدهر: الكامل المرفل: الحكم بن عبدل: 4: 202 ستر: الكامل المرفل: زهير بن أبي سلمى: 7: 126 صبر: الكامل المرفل: العتابي: 4: 322 عشر: الكامل المرفل: زهير بن أبي سلمى: 3: 56 العسر: الكامل المرفل:: 4: 85 غثر: الكامل المرفل: زهير بن أبي سلمى: 5: 266 الفقر: الكامل المرفل: 8: 97 الذخر: الكامل المرفل: سعيد بن حميد: 5: 11 النحر: الكامل المرفل: يزدن الكاتب: 8: 36 وفر: الكامل المرفل: أبو دلامة: 8: 145 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 92 يسر: الكامل المرفل: حماد عجرد: 4: 374 النضر: الكامل المرفل: ذو الإصبع العدواني: 6: 38 والسطور: الكامل المجزوء: التنوخي: 5: 411 شجيري: الكامل المجزوء: المنخّل اليشكري: 7: 327 ضرير: الكامل المجزوء: ابن الحجاج: 5: 107 النثير: الكامل المجزوء: أبو القاسم التنوخي: 5: 407 والسدير: الكامل المجزوء: المنخل اليشكري: 8: 349 السرور: الكامل المجزوء: الوزير المهلبي: 8: 139 أجر: الرجز: ابن زهير الكلبي: 5: 294 البلور: الرجز: ابن الرومي: 5: 422 يجري: الرجز:: 8: 68 الحرور: الرجز:: 9: 350 الخير: الرجز: أبو نخيلة: 4: 102 الدهر: الرجز: ابن المعتز: 5: 335 الصحاري: الرجز:: 9: 138 مقرور: الرجز: كشاجم: 5: 433 المنشور: الرجز: ابن الرومي: 5: 352 نهار: الرجز:: 9: 111 وتري: الرجز: بيهس نعامة: 2: 76 ووفر: الرجز: أبو نخيلة: 8: 189 يساره: الرجز: رؤبة بن العجاج: 2: 81 عثار: الرجز: الشريف الرضي: 1: 399 بتبر: الرجز: أبو نواس: 5: 276 مزرر: الرجز: ابن المعتز: 5: 276 يسفر: الرجز: ابن المعتز: 5: 331 كالزهر: الرجز المجزوء: الدلفي: 5: 327 أير: الوافر: مطيع بن إياس: 7: 252 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 93 الأمير: الوافر: عقبة الأسدي: 4: 75 بقار: الوافر: أبو نواس: 5: 329 بدر: الوافر: قيس بن الخطيم: 8: 132 ثغر: الوافر:: 7: 244 جبار: الوافر:: 7: 361 الخبير: الوافر: عقيلة بنت الضحاك: 6: 160 بالذكور: الوافر: مهلهل: 7: 345 السرير: الوافر: المردوسي: 4: 190 بالستار: الوافر:: 8: 320 وشذر: الوافر:: 5: 112 صقوري: الوافر: الفرزدق: 4: 274 عار: الوافر: كشاجم: 5: 23 الغبار: الوافر: أبو الحسن السلامي: 5: 352 مدير: الوافر: مهلهل: 5: 367 بنار: الوافر: بشار بن برد: 7: 242 وزير: الوافر: ابن بسام: 5: 88 اغترار: الوافر:: 1: 418 تضاري: الوافر: زياد الأعجم: 2: 160 وشذر: الوافر: 2: 325 نمير: الوافر:: 5: 99 لسار: الوافر: الفرزدق: 5: 122 الوغير: الوافر: المستوغر بن ربيعة: 6: 33 قصار: الوافر: زياد الأعجم: 4: 32، 7: 215 إزاري: الوافر:: 8: 309 اعتصاري: الرمل: عدي بن زيد: 7: 101 الجوار: الرمل المجزوء:: 4: 78 إزاره: الرمل المجزوء: أبو نواس: 6: 230 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 94 أجر: السريع: ابن حجاج: 2: 164 الدهر: السريع: أبو العتاهية: 1: 268 الدهر: السريع:: 9: 323 بالبشر: السريع: الشريف الرصي: 2: 368 بالبدر: السريع:: 6: 222 جابر: السريع: الأعشى: 7: 112 الزاهر: السريع: الأعشى: 1: 422 وأشعاري: السريع: السري الرفاء: 5: 84 بالمشتري: السريع: منصور بن كيغلغ: 5: 316 تشعر: السريع: ابن دريد: 6: 90 الظهر: السريع: ابن مفرغ الحميري: 8: 313 والمشاهير: السريع: السري الرفاء: 5: 171 الهجر: السريع: ابن الحجاج: 6: 66 والواتر: السريع: الأعشى: 7: 402 الأحرار: الخفيف: البحتري: 5: 19 تبر: الخفيف: البحتري: 5: 246 الجاري: الخفيف: البحتري: 5: 263 للحمير: الخفيف: ابن الرومي: 5: 150، 444 خبير: الخفيف: أبو العباس النامي: 6: 102 درّ: الخفيف:: 9: 70 السرور: الخفيف: الماهر الشاعر: 8: 377 الاعتذار: الخفيف:: 4: 106 عمرو: الخفيف: الحكم بن عمرو البهراني: 7: 340 فطر: الخفيف:: 2: 357 الأمطار: الخفيف: ابن رشيق المغربي: 4: 101 للأمطار: الخفيف: ابن المعتز: 5: 341 بنهار: الخفيف: أبو الفرج الببغاء: 5: 17 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 95 الأوتار: الخفيف: البحتري: 7: 308 الأوطار: الخفيف: ابن الرومي: 6: 17 مسافر: الخفيف المجزوء: الماهر: 5: 400 بأسرارها: المتقارب: محمد بن علي الصيني: 3: 269 بأسرارها: المتقارب: علي بن الجهم: 5: 385 ثارها: المتقارب: علي بن الجهم: 5: 433 جامر: المتقارب: الحادرة: 7: 372 خنصر: المتقارب: جميل بثينة: 5: 323 الديار: المتقارب: الناشىء الأوسط: 6: 92 شاكر: المتقارب: عروة بن أذينة: 3: 122 الفاخر: المتقارب: الشريف الرضي: 3: 438 نهار: المتقارب: ابن المعتز: 7: 299 نهار: المتقارب: القاضي أبو القاسم التنوخي: 8: 385 السّرار: المتقارب: الشريف الرضيّ: 4: 169 البقر: المنسرح : س عيد بن وهب: 9: 428 البشر: المنسرح:: 5: 159 حجر: المنسرح: ابن عبدل: 2: 292 خفر: المنسرح: عمر بن أبي ربيعة: 7: 292 بالسحر: المنسرح: ابن المعتز: 5: 335 الغدر: المنسرح: ابن الحجاج: 6: 217 مقتدر: المنسرح: ابن الرومي: 4: 282 المطر: المنسرح:: 5: 158 والنّور: المنسرح: أبو الشبل: 4: 289 - ز- وعزازه: الخفيف:: 6: 413 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 96 عجزا: المتقارب:: 9: 116 وأحرز: الطويل: أبو الطمحان القيني: 3: 315 الجنائز: الطويل: الشماخ بن ضرار: 3: 369، 5: 377 الحرز: الطويل: دعبل: 5: 112 بالعز: الطويل: منصور النمري: 2: 78 كوانز: الطويل:: 3: 126 المستوفز: الكامل: ابن الرومي: 5: 308 أوفاز: الرجز: أبو نخيلة: 4: 75 الشيراز: الخفيف:: 5: 435 كوز: الخفيف: ابن الرومي: 5: 149 - س- القبس: الرمل: سعيد بن خالد القرشي: 3: 225 ش وس: السريع: أبو تمام: 5: 246 أنفسا: الطويل: امرؤ القيس: 7: 282 أنفاسا: البسيط: عباس بن مرداس: 3: 205 رؤوسا: الكامل المجزوء: الشريف الرضي: 7: 309 مسوسا: الكامل المجزوء: ذو الإصبع العدواني: 5: 105 راجسه: الرجز: ابن الرومي: 5: 355 خالسا: الرجز:: 5: 441 أنفاسا: السريع: ابن الرومي: 9: 396 أناسا: المتقارب: النابغة الجعدي: 6: 42 المتقاعس: الطويل: الهذلول بن كعب العنبري: 2: 432 خلس: الطويل: البصير: 6: 79 دامس: الطويل: أبو صعترة البولاني: 6: 130 يرمس: الطويل: المتلمس الضبعي: 7: 387 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 97 الشمس: الطويل:: 4: 324 عوابس: الطويل: محمد بن إبراهيم التميمي الكموني المغربي: 2: 469 قابس: الطويل: أرطأة بن سهية: 5: 326 أملس: الطويل: المتلمس الضبعي: 2: 75 المجالس: الطويل: جرير: 5: 104 المتلمس: الطويل: المتلمس الضبعي: 7: 372 حلبس: الطويل: ذو الرمة: 8: 19 بايس: الطويل: عبد الله بن أبي معقل الأوسي: 8: 124 الياس: البسيط: ابن زريق الكاتب: 8: 144 السوس: البسيط: المتلمس الضبعي: 7: 393 وأعراس: البسيط: مالك بن خالد الهذلي: 5: 267 القراطيس: البسيط:: 9: 256 كيسوا: البسيط: المتلمس الضبعي: 7: 319 ملبوس: البسيط: المتلمس الضبعي: 5: 193 متنفّس: الكامل:: 6: 23 جليس: الوافر:: 2: 178، 4: 21، 9: 267 شماس: الوافر: علي بن جبلة العكوك: 8: 377 المراس: الوافر:: 2: 491 نحس: السريع: ابن الرومي: 4: 170 الناس: السريع: ابن الحجاج: 6: 128 نرجس: السريع: أبو نواس: 6: 230 الناقوس: الخفيف: ابن المعتز: 8: 378 الورس: المنسرح: أبو تمام: 5: 246 أمس: الطويل: أبو حفص الشطرنجي: 5: 75 وجالس: الطويل: ذو الرمة: 6: 116 الحبس: الطويل: أبو الفتح البستي: 4: 318 وإعراس: الطويل: أبو شراعة القيسي: 9: 338 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 98 القلانس: الطويل: أبو دلامة: 9: 392 أنفاسي: الطويل: أبو إسحاق الصابي: 3: 154 نفسي: الطويل:: 6: 175 المتشاوس: الطويل:: 5: 326 مغترسه: المديد: سليمان بن الوليد: 1: 219 عبّاس: البسيط:: 4: 278 عرس: البسيط: الشمشاطي: 5: 361 القناعيس: البسيط: جرير: 6: 405، 7: 113 بمقباس: البسيط:: 9: 32 والناس: البسيط: أبو فراس الحمداني: 3: 22 والناس: البسيط:: 4: 98 بالناس: البسيط: مسلم بن الوليد: 3: 160 الناس: البسيط: علي بن جبلة: 4: 75 الناس: البسيط: أبو العتاهية: 5: 57 الناس: البسيط: الحطيئة: 5: 94 النواقيس: البسيط: 5: 357، 9: 53 بأنقاس: البسيط:: 9: 46 وإبساسي: البسيط: الحطيئة: 5: 32 الكاسي: البسيط: الحطيئة: 5: 101 الأخرس: الكامل:: 2: 238 إياس: الكامل: أبو تمام: 7: 202 أمسي: الكامل: أبو دلامة: 9: 389 الراس: الكامل:: 4: 247 عبوس: الكامل: مالك بن الحارث الأشتر: 3: 72 بتعبس: الكامل: ابن المعتز: 8: 373 النرجس: الكامل: يعقوب بن الربيع: 4: 281 بالنقرس: الكامل: الهنادي: 3: 111 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 99 الأقواس: الكامل: سلم بن عمرو الخاسر: 5: 261 المجلس: الكامل: الحطيئة: 5: 95 مؤنس: الكامل:: 9: 57 بالكاس: الكامل: أبو نواس: 6: 47 خلس: الكامل المرفل:: 9: 56 الخلس: الكامل المرفل:: 5: 336 الدّنس: الكامل المرفل: يعقوب بن الربيع: 4: 281 النّفس: الكامل المرفل: ابن الرومي: 6: 125، 8: 379 النفوس: الكامل المجزوء: ابن كشاجم: 9: 19 بالعروس: الرجز: عفيرة بنت عباد: 7: 363 النحس: الرجز: الشمردل: 5: 287 بالجلس: الرجز:: 9: 399 خميس: الوافر:: 8: 316 للآس: الرمل المجزوء:: 8: 403 جلسي: السريع:: 9: 132 إفلاس: السريع: محمد بن حازم: 3: 103 رمسه: السريع: صالح بن عبد القدوس: 6: 426 غرسه: السريع:: 9: 375 النفس: السريع: المصيصي: 5: 435 بالناس: السريع:: 8: 192 خلس: الخفيف: البحتري: 8: 389 العباس: الخفيف: سديف: 5: 197 الكؤوس: الخفيف: ابن الرومي: 8: 389 مرس: الخفيف: البحتري: 2: 88 المواسي: الخفيف:: 2: 301 خندريس: المجتث:: 8: 404 واستأنس: المتقارب:: 5: 48 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 100 المجلس: المتقارب: إسماعيل بن عبدون الكاتب المغربي: 8: 324 أملس: المتقارب:: 8: 327 ترمس: المتقارب: ابن أبي سنّة: 7: 276 لإدريس: المنسرح: السري الرفاء: 4: 103 الشّرس: المنسرح: عدي بن حاتم الطائي: 6: 35 عباس: المنسرح: أحمد بن أبي نعيم: 9: 374 والفرس: المنسرح:: 4: 252 تفرسها: المنسرح: خالد بن عبد الله القسري: 2: 301 باس: المنسرح: أحمد بن أبي نعيم: 9: 374 - ش- خدش: الخفيف: ابن الرومي: 5: 435 نبش: الخفيف: ابن الرومي: 5: 150 الأرقش: المتقارب:: 5: 413 ريشه: الطويل: أبو الف ض ل الميكالي: 8: 105 الفاشي: الرجز: أبو عثمان الخالدي: 5: 301 القماش: الوافر: المتنبي: 7: 315 - ص- القمص: الرمل:: 9: 138 فرقص: المنسرح:: 5: 301 الدعامصا: الطويل: الأعشى: 5: 97 فعصا: البسيط: الحاتمي: 5: 23 منتقصا: البسيط: دعبل: 5: 126 قمصا: البسيط: دعبل: 5: 133 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 101 العصا: الرجز: عتبة الأعرابية: 9: 383 وتبوص: الطويل: امرؤ القيس: 7: 281 خالص: الكامل: أبو الجوائز: 5: 48 حريص: الوافر:: 9: 198 الرخيص: الوافر: أبو علي البصير: 5: 48 يرقص: السريع: حسين بن الضحاك الخليع: 6: 220 رحاص: المجتث: ابن سيابة: 9: 364 الأبرص: المتقارب: الأعشى الكبير: 7: 283 القلاص: الكامل المجزوء: حماد عجرد: 5: 87 القنّاص: الرجز: 6: 402 اللصوص: الرجز:: 7: 338 وجص: الوافر:: 8: 331 والقرص: السريع: أبو عثمان الناجم: 5: 164 توصه: المتقارب:: 7: 37 القاصي: المنسرح:: 8: 27 - ض- تعترض: المتقارب:: 5: 155 قبضا: الطويل: حسان بن ثابت: 6: 59 فأنبضا: الطويل: الشريف الرضي: 5: 233 وحضضا: الطويل: ابن الرومي: 5: 405 معترضا: البسي ط:: 2: 238 بالرضا: الكامل: أبو تمام: 7: 304 ومعرّضا: الكامل: العرجي: 6: 116 قروضا: الخفيف: البحتري: 9: 397 اعتراضها: الطويل:: 1: 421 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 102 تمرض: الطويل: ابن الرومي: 5: 323 مراضها: الطويل: الشماخ: 5: 191 النضانض: الطويل: أبو تمام: 5: 344 مهيض: الطويل:: 5: 394 عوض: البسيط: أبو علي المحسّن: 4: 307 مقراض: البسيط: ابن الرومي: 5: 145 الأرض: الطويل: أبو نخيلة الحماني: 4: 85، 130 بعض: الطويل: أبو خراش الهذلي: 2: 148، 200 بعض: الطويل: ابن الرومي: 2: 184 بعض: الطويل:: 5: 47 بعض: الطويل: 5: 165 بعض: الطويل:: 8: 36 عرضي: الطويل: مسلم بن الوليد: 5: 213 والفرض: الطويل:: 2: 98 قرضي: الطويل: الحكم بن عبدل: 3: 424 محض: الطويل:: 4: 302 يمضي: الطويل: أبو خراش: 7: 82 تحريضي: البسيط: المقنع الكندي: 2: 324 تغميضي: البسيط: أبو الحويرث السحيمي: 5: 118 بعضي: الرجز: جهم بن مسعدة الفزاري: 4: 302 بغمضها: الرجز:: 5: 302 الرياض: الوافر: السري الرفاء: 3: 159 المريض: الوافر: مطيع بن إياس: 4: 343 القريض: الوافر:: 8: 103 والعرض: السريع: الحمدوني: 5: 436 الفضفاض: الخفيف: البحتري: 6: 24 إيماض: الخفيف: ابن الرومي: 8: 163 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 103 بعض: المنسرح: التمار: 5: 313 - ط- بمسعط: الوافر: ابن لنكك البصري: 8: 398 رقطه: السريع: ابن الرومي: 5: 149 أحوط: الطويل: أبو شراعة القيسي: 9: 338 ولاقطه: الطويل: البحتري: 6: 83 يلوط: الطويل:: 7: 228 تنحط: الكامل: أبو العشائر ابن حمدان: 2: 437 قرط: الخفيف: ابن الرومي: 5: 325 الخلط: البسيط: وعلة الجرمي: 2: 459 الشمط: البسيط: ابن المعتز: 8: 123 غمطه: البسيط: ابن الرومي: 5: 360 السقّاط: الكامل:: 5: 73 تغطي: الرجز: أبو النجم: 5: 440 مقطّ: الرجز:: 5: 438 التمطّي: الرجز:: 7: 278 ملطّ: الرجز: أبو النجم: 8: 301 السياط: الوافر: أبو ذؤيب الهذلي: 5: 295 وأنماط: السريع: ابن بسام: 2: 365 - ظ- حافظ: الطويل : ع بد الله بن مصعب الزبيري: 6: 111 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 104 - ع- الجذع: الطويل: يقطين بن موسى: 1: 419 طمع: الطويل: ابن المقفع: 7: 276 المضجع: الهزج: مسيلمة الكذاب: 7: 350 فرجع: الرمل: سويد بن أبي كاهل: 5: 332 انقطع: الرمل: ابن الرومي: 5: 47 فأسرعا: الطويل:: 7: 116 واصطناعها: الطويل: عبد الرحمن بن حسان: 5: 134 واصطناعها: الطويل: سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: 8: 158 إصبعا: الطويل:: 8: 200 باعها: الطويل: محمد بن بشير الخارجي: 5: 164 متمتّعا: الطويل:: 4: 239 أجمعا: الطويل: حاتم الطائي: 1: 367 مجزعا: الطويل:: 6: 23 جوّعا: الطويل:: 8: 320 ويجزعا: الطويل: خراش بن مرة الضبي: 9: 199 أخضعا: الطويل: هدبة بن خشرم العذري: 2: 440 لتدمعا: الطويل: ابن الرومي: 5: 358 مدمعا: الطويل: الصمة بن عبد الله القشيري: 6: 153 مذعذعا: الطويل: ابن الرومي: 5: 322 فترفعا: الطويل: ابن الرومي: 5: 289 أروعا: الطويل: معبد بن سعيد الضبي: 8: 354 تتزعزعا: الطويل: أبو زيد الأسلمي: 2: 203 المزعزعا: الطويل: الشريف الرضي: 4: 233 مسارعا: الطويل:: 4: 279 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 105 فأسمعا: الطويل: ابن الرومي: 5: 277 يتصدعا: الطويل: متمم بن نويرة: 4: 249 مضيّعا: الطويل: زهير بن كلحبة اليربوعي: 3: 314 فتضعضعا: الطويل: أبو العميثل: 6: 168 أتضلعا: الطويل: حاتم الطائي: 9: 91 أقرعا: الطويل: حاتم الطائي: 2: 69 مقنعا: الطويل: تأبط شرا: 2: 431 مقنعا: الطويل: قيس بن ذريح: 6: 71 تقطعا: الطويل: الكلحبة العرني: 2: 462 تقطّعا: الطويل: الصمة بن عبد الله القشيري: 6: 73 تقطعا: الطويل:: 5: 304 ممنّعا: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 3: 160 مضجعا: الطويل:: 4: 198 مضجعا: الطويل: الحسين بن مطير الأسدي: 4: 214 مدفعا: الطويل: يحيى بن زياد الحارثي: 4: 216 معا: الطويل: دعبل: 5: 56 معا: الطويل: الصمة بن عبد الله القشيري: 6: 110، 152 مطلعا: الطويل:: 6: 120 بأنزعا: الطويل: هدبة بن الخشرم: 2: 409 نافعا: الطويل: النابغة الذبياني: 4: 30 وأوجعا: الطويل: الفرزدق: 4: 264 ودّعا: الطويل: أبو عثمان الخالدي: 6: 89 مقدّعا: الطويل: الأقرع بن معاذ القشيري: 3: 400 أجدعا: الطويل: الفرزدق: 4: 217 جمعا: البسيط: لقيط بن يعمر الإيادي: 5: 200 خدعا: البسيط: أبو جلدة اليشكري: 4: 318 رقعا: البسيط: الأعشى: 4: 18 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 106 ومستمعا: البسيط: عبد العزيز بن زرارة الكلابي: 4: 314 مضطلعا: البسيط: لقيط الإيادي: 1: 308 وقعا: البسيط: عبد العزيز بن زرارة: 2: 53 وقعا: البسيط: عبد الرحمن بن أبي عمار: 2: 309، 9: 41 ورعا: البسيط: الأقرع بن معاذ القشيري: 3: 400 وجعا: البسيط: الحكم بن قنبر البصري: 6: 165 يقعا: البسيط: عبد العزيز بن عبد الملك الماجشون: 8: 132 مدمعا: الكامل: إبراهيم بن إسماعيل: 4: 197 فأضاعها: الكامل: الحضين بن المنذر: 2: 69 قروعا: الكامل: البحتري: 5: 368 لسعا: الكامل: عمر بن أبي ربيعة: 2: 209 ينبوعا: الكامل: أبو تمام: 6: 79 التوديعا: الكامل: أبو المطاع ابن ناصر الدولة الحمداني: 6: 80 الدموعا: الكامل المجزوء: ابن الرومي: 5: 314 ربيعا: الكامل المجزوء: أبو إسحاق الصابي: 4: 172 ورفعه: الكامل المجزوء: ابن بسام: 4: 189 اتّباعا: الوافر: القطامي: 3: 305 ذراعا: الوافر: أبو الأسود الدؤلي: 4: 373 والسماعا: الوافر: عدي بن زيد: 3: 73 سميعا: الوافر: عبد الله بن مالك الطائي: 9: 199 الصنيعا: الوافر: معن بن أوس المزني: 2: 162 القناعا: الوافر: أبو زياد الأعرابي: 4: 19 لمنعى: الوافر: ابن الرومي: 5: 152 ودعه: الرمل: أنس بن زنيم: 8: 163 مدمعا: مجزوء الخفيف: الحسين بن الضحاك: 6: 202 الدارعا: المتقارب:: 6: 405 ودعه: المتقارب: خلف بن خليفة: 5: 431 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 107 سمعا: المنسرح: أوس بن حجر: 3: 305 قطعا: المنسرح:: 5: 86 معه: المنسرح:: 8: 134 وقعا: المنسرح: أوس بن حجر: 4: 196 الأصابع: الطويل: ذو الرمة: 6: 80 الأصابع: الطويل: ابن هرمة: 3: 126 الأصابع: الطويل:: 4: 358 الأصابع: الطويل:: 8: 97 إصبع: الطويل:: 9: 384 وأبوع: الطويل: الطرماح بن حكيم الطائي: 2: 47 يتبوع: الطويل: الغطمش الضبي: 5: 261 أتجرّع: الطويل:: 3: 155 تتابعه: الطويل:: 3: 317 أتوقع: الطويل:: 4: 203 المتتابع: الطويل: حميد بن ثور: 5: 273 متمتع: الطويل: الزبير بن بكار: 5: 357 تبيع: الطويل: أبو نواس: 8: 345 لجزوع: الطويل: عروة بن الورد: 7: 338 وجزوع: الطويل: الشريف الرضي: 1: 283 وجوّع: الطويل: عمران بن حطان: 1: 167 أتجرع: الطويل:: 1: 371 الجنادع: الطويل: محمد بن عبد الله الأزدي: 1: 374 جاشع: الطويل: يزيد بن الحكم الثقفي: 3: 126 جماعها: الطويل: مسكين الدارمي: 3: 152 أجزع: الطويل: البراء بن ربعي: 4: 247 يجزع: الطويل: أبو تمام: 4: 263 المجوع: الطويل:: 5: 118 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 108 جميع: الطويل: العجير السلولي: 6: 25 جامع: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 58 جوعها: الطويل:: 9: 92 خروع: الطويل: البحتري: 7: 93 تدمع: الطويل:: 2: 57 دروعها: الطويل: البحتري: 2: 453 ودروع: الطويل: أبو عطاء السندي: 2: 472 ذرائع: الطويل: الشريف الرضيّ: 4: 169 وترجعوا: الطويل:: 4: 24 الرواجع: الطويل: محمد بن عبيد الأزدي: 4: 364 روائع: الطويل:: 5: 288 رجوع: الطويل: عون الكندي الكاتب: 6: 70 راتع: الطويل: النابغة الذبياني: 7: 107، 335 راجع: الطويل: الأقرع بن معاذ: 8: 132 وربيعها: الطويل: النابغة الذبياني: 8: 133 المسامع: الطويل: الأقرع بن معاذ القشيري: 3: 401 مسامع: الطويل: أبو تمام: 5: 407 ساطع: الطويل: لبيد بن ربيعة: 6: 14 تشفع: الطويل: يزيد بن المهلب: 5: 122 شفيع: الطويل: قيس بن ذريح: 6: 101 شفيع: الطويل: قيس بن الملوح: 6: 168 شعاعها: الطويل: مسكين الدارمي: 9: 200 وصدوع: الطويل: عمرو بن حكيم بن معية: 6: 83 صانع: الطويل: ذو الرمة: 6: 109 صانع: الطويل:: 7: 235 ضائع: الطويل: جميل بن معمر: 3: 153 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 109 والضواجع: الطويل: النابغة الذبياني: 4: 107 طائع: الطويل: بشر بن عامر: 1: 283 تطلع: الطويل: الخريمي: 4: 260 تطلع: الطويل: موسى بن جابر الحنفي: 2: 432 المطامع: الطويل: ابن عائشة: 5: 6 المطامع: الطويل: ابن هرمة: 3: 127 تطبع: الطويل: الوليد بن يزيد: 3: 199 مطمع: الطويل: مالك بن الريب: 5: 230 يطلع: الطويل: رميض بن رشيد العنزي: 5: 366 طالع: الطويل:: 8: 391 تقلع: الطويل:: 9: 86 ستقلع: الطويل: الوليد بن يزيد: 2: 310 ستقلع: الطويل: حمزة بن بيض: 3: 199 مقنع: الطويل: مروان بن أبي حفصة: 2: 310 أتقنّع: الطويل: غيلان بن سلمة: 3: 8 قاطع: الطويل: لبيد بن ربيعة: 6: 25 تتقطع: الطويل: المتنبي: 7: 311 يكرع: الطويل: البحتري: 5: 327 وأمنع: الطويل:: 4: 262 مقانع: الطويل: عبيد الله بن الحسين العنبري: 5: 63 ومرابعه: الطويل: مالك بن الصمصامة: 6: 174 مصارع: الطويل:: 8: 404 يمنع: الطويل: مزرد بن ضرار: 9: 105 المراتع: الطويل: ذو الإصبع العدواني: 9: 188 مانع: الطويل:: 5: 427 المنافع: الطويل:: 1: 371 تنفع: الطويل: الأخطل: 5: 103 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 110 وينفع: الطويل: الأقرع بن معاذ القشيري: 2: 404 وينفع: الطويل: عبد الله بن معاوية: 7: 93 نازع: الطويل: خارجة بن فليح: 6: 74 النّوازع: الطويل: البعيث: 7: 134 نوازع: الطويل:: 7: 284 أوسع: الطويل:: 3: 130 أوسع: الطويل: ابن الأعرابي: 8: 176 وأوسع: الطويل:: 6: 69 أتوجّع: الطويل: الخريمي: 4: 325 واقع: الطويل: السلامي: 5: 298 واقع: الطويل: قيس بن ذريح: 6: 145 واقع: الطويل: مسلم بن الوليد: 5: 314 أوجع: الطويل:: 7: 307 مولع: الطويل:: 9: 59 ويافع: الطويل: أبو تمام: 3: 437 يستطيعها: الطويل: أسماء بن خارجة: 2: 72 نجيع: الطويل: الشريف الرضي: 3: 30 متواضع: الطويل: أبو محمد التيمي: 3: 105 ناقع: الطويل: حميد بن ثور: 4: 27 وكيع: الطويل: الفرزدق: 4: 217 مفجّع: الطويل: علي بن جبلة: 4: 228 مترع: الطويل: هشام أخو ذي الرمة: 4: 245 مهيع: الطويل: أبو تمام: 6: 16 وولوع: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 59 وولوع: الطويل:: 6: 113 تريع: الطويل: الجاحظ: 6: 72 الأضالع: الطويل: البحتري: 6: 139 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 111 يرتع: الطويل: مالك بن الريب: 7: 46 الرواجع: الطويل: المخضع النبهاني: 7: 90 تتّبع: البسيط: حسان بن ثابت: 3: 421، 4: 17 متسع: البسيط: عبيد الله بن الحر الجعفي: 8: 46 تجتمع: البسيط: منصور النمري: 2: 242 الجزع: البسيط: ابن مفرغ: 7: 228 والجزع: البسيط: أبو الحسن السلامي: 4: 63 اجتمعوا: البسيط: أبو تمام الطائى: 4: 218 ينخدع: البسيط: الوأواء: 6: 196 دفع: البسيط: المتنبي: 2: 478 الرفع: البسيط: الزبرقان بن بدر: 3: 420 يرتجع: البسيط: منصور النمري: 6: 15 يرتجع: البسيط:: 6: 100 يستمع: البسيط: الفيض بن أبي صالح: 4: 55 والطمع: البسيط:: 5: 199 الطمع: البسيط:: 6: 166 الطمع: البسيط:: 6: 409 ينقطع: البسيط: الشريف الرضي: 7: 307 مرتعه: البسيط: أبو حبيب المغربي: 6: 95 ولع: البسيط: أبو زبيد الطائي: 5: 267، 7: 306 ولع: البسيط: الشريف الرضي: 7: 306 أربع: الكامل: أبو ذؤيب الهذلي: 9: 234 فتتبع: الكامل: المتنبي: 2: 89 مستمتع: الكامل: عبدة بن الطبيب: 3: 349 يتتلّع: الكامل: أبو ذؤيب الهذلي: 7: 329 يجزع: الكامل: أبو ذؤيب الهذلي: 4: 251 وتجزع: الكامل:: 5: 116 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 112 أجمع: الكامل:: 7: 39 يخدع: الكامل:: 1: 231 الأسرع: الكامل: عنترة: 2: 439 ويصدع: الكامل: أبو ذؤيب الهذلي: 5: 272 الأضلع: الكامل: البحتري: 6: 55 طيّع: الكامل: المتنبي: 4: 231 تقنع: الكامل: أبو ذؤيب الهذلي: 3: 117 الفاجع: الكامل: البحتري: 4: 185 يتقنع: الكامل: إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد الكثيري: 2: 57 مستودع: الكامل: عبدة بن الطبيب: 1: 232 مونع: الكامل: الوليد بن يزيد بن عبد الملك: 4: 280 المرتع: الكامل: الفرزدق: 5: 116 ينفع: الكامل: الحطيئة: 5: 92 وينفع: الكامل:: 9: 396 لأوجع: الكامل: الشريف الرضي: 7: 307 والتوديع: الكامل: البحتري: 8: 136 أسفع: الكامل: أبو ذؤيب الهذلي: 2: 419 مضلع: الكامل: طريح بن إسماعيل الثقفي: 4: 109 الأبقع: الكامل: عنترة: 5: 288 الأبقع: الكامل: المتنبي: 7: 310 مقنع: الكامل: طريح بن إسماعيل الثقفي: 6: 22 أسرعه: الكامل المرفل: خلف الأحمر: 5: 271 أربع: الرجز:: 7: 160 إصبعه: الرجز:: 4: 78 وإصبع: الرجز:: 5: 377 خروع: الرجز:: 3: 259 يطلعه: الرجز: عبد الصمد بن بابك: 5: 299 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 113 المترع: الرجز: رؤبة بن العجاج: 3: 407 وارتفاع: الوافر: البحتري: 3: 105 يستبيع: الوافر: ابن الرومي: 5: 148 تستطيع: الوافر: عمرو بن معدي كرب: 1: 278، 8: 312، 9: 175 الدروع: الوافر: ابن الرومي: 5: 375 شعاع: الوافر:: 5: 231 هجوع: الوافر: عمرو بن معدي كرب: 7: 119 تبيع: مجزوء الرمل: أبو دلف العجلي: 8: 66 أرفع: السريع: بشار بن برد: 5: 441 راقع: السريع: الشريف الرضي: 5: 233 الأوجاع: الخفيف: ابن قيس الرقيات: 4: 335 الأصلع: المتقارب:: 9: 367 مطلع: المتقارب: الشريف الرضي: 5: 233 أمنع: المتقارب: ابن سكرة الهاشمي: 8: 207 موجع: المتقارب:: 7: 257 البيع: المنسرح: الأحوص: 5: 44 متسع: المنسرح: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 225 الشبع: المنسرح: مهيار: 7: 47 أربع: الطويل: كثير عزة: 6: 174 الأصابع: الطويل: يزيد بن الحكم الكلابي: 2: 125 أصابع: الطويل: علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي: 3: 407 أصابع: الطويل:: 5: 125 ببديع: الطويل: ابن الحجاج: 6: 60 وتمتّع: الطويل: إسحاق الخاركي: 3: 383 أتخشّع: الطويل: الأحوص: 4: 111 الدمع: الطويل: ابن دينار الواسطي: 4: 367 المدامع: الطويل: أبو الهندي: 8: 372 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 114 بشافع: الطويل: محمد بن خليفة السّنبسي: 4: 63 بشافع: الطويل:: 8: 172 بشفيعه: الطويل: البحتري: 6: 17 القواطع: الطويل:: 5: 351 المرجّع: الطويل: أرطأة بن سهيّة: 3: 40 معي: الطويل: أرطأة بن سهيّة المري: 4: 248 ومربعي: الطويل:: 6: 73 تمنع: الطويل: البحتري: 6: 85 مهجع: الطويل: عمر بن أبي ربيعة: 6: 204 نافعي: الطويل: الحمدوني: 5: 437 النزائع: الطويل:: 7: 207 الوقائع: الطويل: جرير: 6: 133 مودعي: الطويل: الوأواء: 6: 196 وادع: الطويل: المسور بن زيادة العذري: 3: 192 البلاقع: الطويل: ذو الرمة: 6: 185 للقلاع: المديد: حماد عجرد: 8: 329 للجوع: البسيط: دعبل: 5: 113 بالصاع: البسيط: النابغة الذبياني: 7: 59 ممنوع: البسيط:: 5: 124 الناعي: البسيط:: 8: 249 الباع: البسيط: الهيثم بن القاسم الخثعمي: 3: 270 أذرع: الكامل:: 5: 278 راكع: الكامل: إبراهيم بن المهدي: 4: 128 المرضع: الكامل: أبو الفوارس بن الصفي: 5: 345 المصنع: الكامل:: 2: 263 مجمع: الكامل: الحادرة: 3: 393 مجمع: الكامل:: 2: 146 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 115 بوداع: الكامل:: 8: 33 المنزع: الكامل: البحتري: 4: 158 يقدع: الكامل: الشريف الرضي: 4: 233 ناقع: الكامل: أحمد بن يوسف: 6: 91 نفعي: الهزج: إسماعيل بن قطري القراطيسي: 8: 191 مقنع: الرجز: بشر بن أبي خازم: 7: 145 تراعي: الوافر: قطري بن الفجاءة المازني: 2: 405 مروع: الوافر: ابن الرومي: 6: 79 للضياع: الوافر: ابن مفرغ: 2: 451 الضياع: الوافر: طريح بن إسماعيل الثقفي: 8: 159 مطاع: الوافر: الشريف الرضي: 2: 84 الطلوع: الوافر: ابن المعتز: 5: 277 القنوع: الوافر: الشماخ بن ضرار: 2: 339 القناع: الوافر: ابن مفرغ الحميري: 8: 49 مضاع: الوافر: الحطيئة: 2: 366 أسماعي: السريع: أبو قيس بن الأسلت: 2: 435 معي: السريع: ابن الحجاج: 6: 74 تهجاع: السريع:: 4: 24 الخداع: الخفيف: أبو تمام: 5: 432 السماع: الخفيف: أبو عون الكاتب: 8: 378 الارتياع: الخفيف:: 3: 83 نسوع: الخفيف: البحتري: 5: 263 الصديع: الخفيف: عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي: 5: 362 المدعي: المتقارب: أحمد بن أبي سلمة الكاتب: 9: 401 جشعي: المنسرح:: 8: 19 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 116 - غ- البلاغ: الخفيف: أبو العتاهية: 9: 231 - ف- المطارف: الكامل المجزوء: العلوي الحماني: 5: 356 نغترف: الرجز: أبو نواس: 4: 98 الجيف: الرمل: ابن الرومي: 5: 148 خلف: الرمل: أبو شراعة ال ق يسي: 8: 135 المتلقف: الرمل الجزوء: ابن الرومي: 5: 420 أحرفا: الطويل: أبو الحسن الناشىء الأصغر: 5: 52 أكلفا: الطويل:: 9: 121 وتكشفا: الطويل: محمد بن هانىء: 9: 329 أردافا: البسيط: البحتري: 5: 313 الألفا: البسيط: بكر بن خارجة: 6: 97 القضفا: البسيط: أبو تمام: 5: 376 الصّوفا: الكامل: أبو تمام: 7: 303 ومعترفا: الكامل المرفل: أبو نواس: 4: 88 يكفا: الكامل المرفل: أبو نواس: 6: 79 محرّفا: الرجز: العماني الراجز: 7: 272 خلفها: الرجز:: 5: 313 تخندفا: الرجز:: 6: 407 سيوفا: الوافر: أبو محجن الثقفي: 2: 456 عطافا: الوافر:: 7: 248 وقفا: الخفيف: أبو نواس: 4: 336 انتصفا: المنسرح: ابن المعتز: 5: 289 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 117 حالف: الطويل:: 4: 77 تحالف: الطويل:: 7: 195 أخوف: الطويل: عروة بن الورد: 8: 118 رادف: الطويل: جميل بثينة: 6: 100 يرعف: الطويل:: 8: 327 زفزف: الطويل: الفرزدق: 5: 425 وشنوف: الطويل: الحطيئة: 2: 440، 7: 296 الضعف: الطويل: المتنبي: 7: 315 يطرف: الطويل: جران العود: 5: 326 أطوف: الطويل: الأعشى: 7: 162 ظرف: الطويل: المتنبي: 7: 318 تعرف: الطويل: الفرزدق: 7: 296 ومقرف: الطويل:: 9: 267 الكفّ: الطويل: راشد الكاتب: 5: 438 مندف: الطويل: الفرزدق: 5: 342 نتنصف: الطويل: حرقة بنت النعمان: 9: 209 حرجف: الطويل: الفرزدق: 3: 404 مسدف: الطويل: الشريف الرضي: 3: 439 المتزحلف: الطويل: تميم بن أبي بن مقبل: 5: 369 مجلّف: الطويل: الفرزدق: 6: 409 متالف: الطويل: أوس بن حجر: 8: 127 مدنف: الطويل: ابن المعتز: 8: 380 الأنف: البسيط: الأحوص: 7: 82 يختطف: البسيط: دعبل: 5: 343 تنذرف: البسيط: يعلى بن إبراهيم الأربسي: 7: 300 سلف: البسيط:: 5: 111 شرف: البسيط: جرير: 4: 27 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 118 الصّدف: البسيط: أم حكيم بنت فارط: 4: 277 وينصرف: البسيط: أبو القاسم ابن الفضل: 6: 87 مصروف: البسيط:: 9: 277 معروف: البسيط: الباهلي: 4: 91 الكتف: البسيط: مروان بن أبي حفصة: 2: 310 وتنكشف: البسيط: إسماعيل بن يسار: 8: 46 منحرف: البسيط: سفيان بن عيينة: 8: 95 وصفوا: البسيط: جرير: 5: 303 والسرف: البسيط: الخثعمي: 2: 268 متلهّف: الكامل: عبد الرحمن بن يزيد الهمداني: 4: 304 يجذف: الكامل:: 7: 183 سلاف: الكامل: أبو الحسن ابن منقذ: 4: 114 قضيفه: الكامل: البحتري: 6: 104 شرفه: الكامل المرفل: ابن الرومي: 5: 68 هتف: الكامل المرفل: الحسين بن الضحاك: 3: 313 وأعرف: الرجز: طريف بن سوادة: 7: 204 سيوف: الوافر:: 4: 23 السيوف: الوافر: معقر بن حمار: 5: 372 والظروف: الوافر: المغيرة بن حبناء: 5: 144 وقوف: الوافر:: 9: 85 إلاف: الوافر: المساور بن هند: 5: 116 نقيف: الوافر: معقر بن حمار البارقي: 5: 381 مذروف: المنسرح:: 9: 41 السدف: المنسرح: قيس بن الخطيم: 5: 308 الصدف: المنسرح:: 2: 231 نزف: المنسرح: قيس بن الخطيم: 5: 307 جادف: الطويل:: 7: 352 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 119 رادف: الطويل: المرقش: 7: 330 طريف: الطويل: أخت الوليد بن طريف: 4: 208 التكلف: الطويل: محمد بن وهيب الحميري: 7: 320 منطف: الطويل: عنترة بن الأخرس: 5: 297 الصياريف: البسيط: الفرزدق: 5: 260 الكتف: البسيط:: 2: 427 الخيف: البسيط: علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي: 3: 408 للأسياف: الكامل: أبو محمد المهلبي: 2: 437 خلاف: الكامل: ابن نصر الكاتب: 4: 383 استعطافي: الكامل: أبو الخطاب الجبلي: 6: 127 وقطائف: الكامل: ابن الرومي: 9: 125 تتكشف: الكامل: ابن الرومي: 5: 152 بكسوف: الكامل:: 5: 428 منصف: الكامل: البحتري: 4: 36 مسدف: الكامل: أبو كبير الهذلي: 5: 378 عوف: الكامل المرفل: أبو منصور ابن الأصباغي: 5: 169 قصف: الكامل المرفل: أبو نواس: 8: 368 كاف: الرجز: العجاج: 5: 40 اللحاف: الرجز: أبو نخيلة: 2: 390 المنتف: الرجز: ابن المعتز: 5: 300 يطرف: الرجز: أبو ذرة الهذلي: 3: 397 ثقيف: الوافر: حسان بن ثابت: 9: 213 الجفاف: الوافر: ديك الجن: 4: 364 علوف: الوافر:: 7: 416 الأثافي: الوافر: خفاف بن ندبة: 7: 84 والسيف: السريع: ابن الرومي: 2: 474 ذروف: الخفيف: أبو الشبل: 4: 289 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 120 طرف: الخفيف: ابن الرومي: 8: 387 بالجيف: المنسرح:: 5: 120 - ق- أفق: الرجز: ابن المعتز: 5: 276 سبق: الرجز:: 9: 427 النمارق: الرجز:: 5: 189 القلق: الرجز: أبو الصباح: 9: 377 الورق: الرجز: رؤبة بن العجاج: 5: 261 الورق: الرجز : ك شاجم: 5: 416 البلق: الرمل: سويد بن أبي كاهل: 4: 75 المذاق: السريع:: 4: 243 للفراق: السريع: البحتري: 6: 81 حقّا: الطويل: أبو دهبل الجمحي: 6: 182 وأخلقا: الطويل: عقيل بن علفة المري: 1: 268 مغلقا: الطويل: يحيى بن زياد: 7: 139 رنقا: الطويل: الشريف الرضي: 5: 77 خفقا: المديد: علي بن يحيى: 6: 87 اعتنقا: البسيط: زهير بن أبي سلمى: 5: 367 اتفقا: البسيط: القاضي أبو القاسم التنوخي: 5: 418 لحقا: البسيط:: 4: 34 الخلقا: البسيط: عدي بن زيد: 2: 340 خلقا: البسيط: زهير بن أبي سلمى: 4: 31 خلقا: البسيط: أسماء بن خارجة: 4: 31 رزقا: البسيط: ابن الحجاج: 6: 107 ساقا: البسيط: أبو داود الإيادي: 5: 292 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 121 طرقا: البسيط: أبو منصور ابن الأصباغي الكاتب: 8: 205 الغرقا: البسيط:: 5: 375 لاقى: البسيط: ابن سكرة الهاشمي: 4: 222 فأبرقا: الكامل: الزقاق المغربي: 5: 290 حلّقا: الكامل: الأحوص: 7: 291 أخلاقه: الكامل: الصاحب ابن عباد: 5: 21 النبقا: الهزج: ابن الجصاص: 3: 275 حقا: الخفيف: أبو العتاهية: 9: 331 بثوقا: الخفيف: البحتري: 5: 419 خاقا: المجتث: محمد الأمين الخليفة: 9: 453 صدقا: المنسرح: صالح بن عبد القدوس: 4: 372 أزرق: الطويل:: 5: 85 أخرق: الطويل: لقيط بن زرارة: 5: 121 أخرق: الطويل: ذو الرمة: 5: 393 لأحمق: الطويل: دعبل بن علي الخزاعي: 8: 171 يبرق: الطويل: ذو الرمة: 5: 258 تبصق: الطويل: ذو الرمة: 5: 351 يترقرق: الطويل: ذو الرمة: 6: 75 حريق: الطويل: مسلم بن الوليد: 6: 93 خلائقه: الطويل:: 4: 372 تخفق: الطويل: الفرزدق: 9: 195، 350 دقيق: الطويل:: 9: 398 مرافقه: الطويل:: 2: 356 رفيق: الطويل: قيس بن ذريح: 6: 164 وتسرق: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 3: 319، 371 يشوق: الطويل: عمرو بن الأهتم: 2: 264 يشرق: الطويل: عبدة بن الطبيب: 5: 255 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 122 لصديق: الطويل: الصمة بن عبد الله القشيري: 6: 53 أضيق: الطويل:: 3: 152 ضيّق: الطويل: البحتري: 6: 83 ضيّق: الطويل: أبو إسحاق الصابي: 8: 108 تضيق: الطويل: عمرو بن الأهتم: 8: 126 مطلق: الطويل: أبو الهول الحميري: 2: 477 المطوّق: الطويل: عبد الله بن أبي بكر: 4: 254 أطرق: الطويل: ابن المعتز: 4: 378 طليق: الطويل: ابن مفرغ الحميري: 8: 48 طريق: الطويل: عقيل بن علفة المري: 9: 380 عروقها: الطويل: أبو محجن الثقفي: 2: 457، 468 العواتق: الطويل: المتنبي: 7: 312 يفارقه: الطويل: أبو الطمحان القيني: 3: 404 يلحق: الطويل: ذو الرمة: 7: 308 لواحقه: الطويل:: 9: 51 تطرق: الطويل: أبو إسحاق الصابىء: 5: 399 يتمزق: الطويل: ابن المعتز: 5: 439 ينطق: الطويل: أبو الحسين الكاتب المغربي: 4: 100 تنطق: الطويل: الأعشى الكبير: 7: 284 ناعقه: الطويل: كثير عزة: 7: 294 توامقه: الطويل: كثير عزة: 2: 326، 367 سويق: الطويل:: 5: 125 محلق: الطويل: ذو الرمة: 5: 325 غابق: الطويل:: 6: 130 نيقها: الطويل: حرملة بن مقاتل: 6: 131 عواتقه: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 171 الأفق: البسيط: كلثوم بن عمرو العتابي: 5: 343 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 123 بلق: البسيط: ابن حبناء: 7: 204 الحدق: البسيط: زيد الخيل: 2: 417 الخرق: البسيط: الحارث بن عبد المطلب بن هاشم: 2: 155 والخلق: البسيط: ابن الرومي: 2: 227 الخلق: البسيط: سالم بن وابصة: 2: 406 الخلق: البسيط: ذو الإصبع العدواني: 7: 90 أرزاق: البسيط: عسل بن ذكوان: 2: 268 رنق: البسيط: إبراهيم بن هرمة: 4: 22 يرزقه: البسيط: العطوي: 8: 86 زيق: البسيط: جرير: 9: 197 يسبقه: البسيط:: 5: 157 تستبق: البسيط:: 6: 91 الشفق: البسيط:: 7: 273 نسق: البسيط: محمد بن هانىء: 2: 368 مسترق: البسيط: الأخطل: 5: 103 أحمق: الكامل:: 3: 246 الأعراق: الكامل: الشريف الرضي: 5: 262 يخنق: الكامل: المساور بن هند: 5: 157 يتدفق: الكامل:: 5: 439، 8: 329 يترقرق: الكامل: ابن المعتز: 6: 102 يشفق: الكامل: الشريف الرضي: 5: 78 نتفرّق: الكامل: الشريف الرضي: 3: 436 ناطق: الكامل:: 4: 97 وفاق: الكامل: ابن نباتة السعدي: 9: 326 بروقه: الكامل المجزوء: عبيد بن الأبرص: 5: 345 الحقوق: الوافر: مسعود بن مازن العكلي: 3: 84 الفروق: الوافر: ابن المعتز: 5: 326 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 124 وثيق: الوافر: ابن شرف: 5: 74 الطريق: الرمل المجزوء: إبراهيم بن العباس: 4: 375 معشوقها: السريع: العطار المغربي: 5: 319 تستفيق: الخفيف: عدي بن زيد العبادي: 8: 354 عشقوا: المنسرح: العباس بن الأحنف: 6: 196 نطقوا: المنسرح: عبيد الله بن قيس الرقيات: 8: 23 الورق: المنسرح:: 8: 102 بقي: الطويل: المتنبي: 6: 190 الحلق: الطويل: جرير: 4: 369 المخرّق: الطويل: الأخيل العجلي: 3: 83 لرازقي: الطويل: الشريف الرضي: 3: 135 بسارق: الطويل: عمرو بن دويرة البجلي: 3: 26 الساقي: الطويل: ابن المعتز: 5: 326 الشواهق: الطويل: ابن نباتة: 5: 297 مشفق: الطويل: المتنبي: 6: 82 فاصدق: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 2: 219 بصديق: الطويل: أبو إسحاق الصابي: 5: 69 صديق: الطويل:: 7: 93 مفارق: الطويل:: 4: 243 مأزق: الطويل: ثمامة العوفي: 2: 491 ممزّق: الطويل:: 3: 37 أمزّق: الطويل:: 5: 47 الموافق: الطويل: الشريف الرضي: 2: 243 غبوق: الطويل:: 2: 25 بالمحلق: الطويل: نويرة بن شقيق: 2: 322 وشائق: الطويل: الشريف الرضي: 3: 31 بالعواتق: الطويل: الحطيئة: 4: 15 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 125 بالمخنّق: الطويل:: 4: 71 المزّق: الطويل: الشماخ بن ضرار: 4: 197 البوائق: الطويل: ابن الرومي: 5: 46 ناهق: الطويل: رئاب بن عقبة العبشمي: 5: 195 تلاق: الطويل:: 6: 60 المؤرّق: الطويل: البحتري: 6: 85 والودائق: الطويل:: 6: 158 وبارق: الطويل: أبو بكر اليوسفي: 6: 194 بمطيق: الطويل: الأخطل: 7: 213 لمخلوق: المديد:: 9: 55 باق: البسيط: تأبط شرا: 1: 284 خلقي: البسيط: أبو محجن الثقفي: 2: 468 سباق: البسيط: تأبط شرا: 2: 221 شفق: البسيط: ابن الرومي: 8: 379 طبق: البسيط: الأقرع بن معاذ القشيري: 8: 145 عنقي: البسيط: أبو الحسن ابن منقذ: 5: 31 ومنطلق: البسيط: أبو الأسود الدؤلي: 6: 18 حرق: البسيط:: 6: 31 حذاق: البسيط: عبد الله بن العباس الربيعي: 8: 284، 396 تخلق: الكامل:: 4: 243 لمخارق: الكامل: دعبل بن علي الخزاعي: 8: 170 المذّاق: الكامل: ابن الرومي: 6: 114 المرّاق: الكامل: الحسين بن الضحاك: 4: 141 الطارق: الكامل: جرير: 6: 53 رحيق: الكامل: السري الرفاء: 5: 400 بعناق: الكامل: الحسين بن الضحاك: 6: 81 تلحق: الكامل: كعب بن مالك: 2: 402 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 126 ونفاقه: الكامل:: 4: 379 الأوثق: الكامل: القطامي: 7: 103 بالمخراق: الكامل: ابن دريد: 4: 48 ومصدّق: الكامل: إبراهيم الرقيق الكاتب المغربي: 4: 153 ومصدّق: الكامل:: 3: 78 الرائق: الكامل: دعبل: 5: 138 الحدق: الكامل: المرفل: أبو نواس: 5: 319 بالرّفق: الكامل المرفل: 4: 356 الشرق: الكامل: المرفل: الحارث بن خالد المخزومي: 6: 178 بالوسق: الكامل المرفل: الحارث بن حلزة: 5: 313 الوثاق: الكامل المجزوء:: 5: 166 يبقبق: الرجز:: 5: 442 أرزاقها: الرجز: رؤبة بن عيينة: 3: 223 أشداقها: الرجز: عبد الصمد بن بابك: 5: 274 مصفّق: الرجز: ابن المعتز: 4: 378 المفارق: الرجز: ابن المعتز: 5: 331 فراقه: الرجز:: 5: 383 والمحوق: الرجز:: 5: 129 المهارق: الرجز: أبو نواس: 5: 291 واعتناق: الوافر:: 5: 135 بمستفيق: الوافر: عبد الله بن جدعان: 8: 340 الشقيق: الوافر: إبراهيم بن العباس الصولي: 2: 201 صديق: الوافر:: 4: 362 صديق: الوافر: قيس بن ذريح: 4: 372 بالطلاق: الوافر: أبو تمام: 2: 251 الطريق: الوافر:: 8: 309 العتيق: الوافر: أبو نهشل ابن حميد الطائي: 5: 232 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 127 الفتيق: الوافر: أبو علي البصير: 5: 434 تلاق: الوافر: الوليد بن يزيد بن عبد الملك: 7: 235 الوثيق: الوافر: أبو زبيد الطائي: 2: 79 الأنوق: الوافر: الأخيل بن مالك الكلابي: 3: 83 اتساق: الوافر: ابن الرومي: 5: 314 بالمنجنيق: الرمل المجزوء:: 8: 352 فأستسقي: السريع: ابن جكينا:: 5: 57 تحليق: السريع: ابن الرومي: 5: 145 شدقي: السريع: أبو عبد الله ابن الحجاج: 7: 189 الأخلاق: الخفيف: أبو طاهر ابن جلنك: 8: 390 الأنيق: الخفيف: كشاجم: 9: 124 شروق: الخفيف: البحتري: 6: 24 الأعناق: الخفيف: كلثوم بن عمرو العتابي: 4: 258 العناق: الخفيف: المتنبي: 6: 88 الفراق: الخفيف: ابن الرومي: 5: 106 النطاق: الخفيف: محمد بن هانىء: 8: 388 الإملاق: الخفيف: المتنبي: 8: 108 للإملاق: الخفيف:: 8: 110 الأحمق: المتقارب:: 3: 246 بإشراقها: المتقارب: كشاجم: 5: 23 حنق: المنسرح: ابن الرومي: 5: 442 غلق: المنسرح: أبو دهبل الجمحي: 4: 114، 164 القلق: المنسرح: ضرار بن الخطاب: 2: 464 ومنتطق: المنسرح: ابن الرومي: 5: 319 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 128 - ك- كبابك: الرجز:: 9: 452 ملك: الرجز: يزيد بن محمد المهلبي: 7: 124 شريك: الوافر: العلاء بن المنهال الغنوي: 5: 110 أخلاقك: السريع: علي بن عبد العزيز: 6: 222 مالك: السريع:: 8: 292 رغفانك: الخفيف: ابن الرومي: 5: 22 سفوك: المتقارب: العلوي: 2: 436 ذلكا: الطويل:: 6: 408 بشكركا: الطويل: الحسين بن الضحاك: 4: 88 كذلكا: الطويل:: 6: 402 ل كا: الطويل: كعب بن زهير: 4: 12 هنالكا: الطويل: ابن الرومي: 8: 122 غلوائكا: الطويل: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 225 إدراكها: الكامل: يزيد بن ضبة: 7: 80 لاقيكا: الهزج: علي بن أبي طالب: 7: 38 عراكا: الرجز:: 5: 53 لبيكا: الرجز: رؤبة بن العجاج: 2: 80 لكا: الرجز:: 7: 341 والأوراكا: الرجز: أبو نخيلة الحماني: 4: 130 ويمموكا: الرجز:: 9: 278 أخاكا: الخفيف: أحمد بن يوسف الكاتب: 4: 291 مصداقك: الخفيف: ابن الرومي: 8: 163 فتدركوا: الطويل:: 7: 183 سلك: الطويل: ابن المعتز: 8: 377 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 129 يشارك: الطويل:: 6: 422 مالكه: الطويل: أبو العتاهية: 2: 328 وهالك: الطويل: الأقرع بن معاذ: 1: 157 تنتهك: المديد: محمد بن يسير: 2: 386 أملكه: المديد: المأمون: 6: 59 درك: البسيط: زهير بن أبي سلمى: 4: 36، 7: 56 ملك: البسيط: الشريف الرضي: 5: 77 تضحك: الكامل: كشاجم: 5: 418 ببالك: الطويل:: 8: 284 برمك: الطويل: أبو البصير: 9: 198 ضاحك: الطويل: عاصم بن وائل المنقري: 2: 228 المضاحك: الطويل:: 6: 134 فاتك: الطويل: تأبط شرا: 2: 430 لك: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 170 هالك: الطويل:: 4: 263 ضنك: الطويل: البحتري: 4: 315 مزارك: الطويل: ذو الرمة: 6: 75 المساويك: البسيط: بشار بن برد: 6: 132 معترك: الكامل المرفل: ابن الرومي: 5: 420 التركي: الرجز:: 5: 442 ومحك: الرجز: جحدر بن ربيعة العكلي: 2: 487 مكي: الرجز:: 5: 442 للمبرك: الرجز: حلحلة الفزاري: 2: 492 ملكي: السريع: الحمدوني: 5: 436 والملك: السريع: الرشيد: 9: 53 فابكه: المتقارب: أم جعفر: 6: 226 السالك: المتقارب:: 5: 428 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 130 ناظريك: المتقارب:: 6: 115 أبوك: الرجز:: 7: 205 - ل- والعمل: الكامل: ابن لنكك البصري: 5: 155 م عتدل: الكامل: سعيد بن حميد: 5: 364 تنحّل: الكامل: ربيعة بن مقروم الضبي: 3: 403 الخلاخل: الكامل المجزوء: ابن الرومي: 5: 316 الأسل: الرجز:: 8: 316 عجل: الرجز: الناجم: 5: 107 عسل: الرجز: كشاجم: 5: 364 اكتحل: الرجز: ابن المعتز: 5: 301 ينل: الرجز: كليب بن وائل: 2: 83 ينل: الرجز:: 6: 14 نهل: الرجز:: 5: 192 الوهل: الرجز: الأعرج المعني: 2: 404 الوهل: الرجز:: 2: 406، 441 عنابل: الرجز:: 6: 407 الأسل: الرجز المجزوء: الصنوبري: 5: 417 الأسل: الرمل: عبد الله بن الزبعرى السهمي: 6: 262، 9: 248 بالأمل: الرمل: لبيد: 7: 307 وجدل: الرمل:: 7: 209 الجمل: الرمل: بشار بن برد: 7: 301 ومقلّ: الرمل: عبد الله بن الزبعرى: 1: 185 الخطل: الرمل:: 5: 69 الأجل: المتقارب: مكنف بن معاوية التميمي: 3: 127 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 131 جلل: المتقارب: امرؤ القيس: 7: 115 الحيل: المتقارب: الخوارزمي: 4: 55 ذلّ: المتقارب: أنس بن مساحق العبدي: 7: 149 المثل: المتقارب المجزوء: إبراهيم بن العباس الصولي: 4: 47 بطل: المنسرح: عتبة الأعور: 4: 79 بعلا: الطويل:: 5: 115 تبلّلا: الطويل: ذو الرمة: 6: 91 ثقيلا: الطويل: سليم بن خنجر الكلبي: 8: 178 ويجهلا: الطويل:: 8: 343 حقلا: الطويل: كثير عزة: 7: 295 المنخلا: الطويل: أبو تمام: 5: 404 تتعجلا: الطويل:: 1: 419 فصلا: الطويل: حسان بن ثابت: 4: 27 وانفتالها: الطويل:: 4: 261 أفضلا: الطويل:: 9: 183 فضلا: الطويل: جرير: 9: 197 وقوافلا: الطويل: أبو سعيد الرستمي: 5: 387 قليلا: الطويل: أبو تمام: 8: 202 مقبلا: الطويل: أوس بن حجر: 4: 366 المغفلا: الطويل:: 6: 147 منزلا: الطويل: ابن الرومي: 6: 193 أنالها: الطويل: الشّماخ بن ضرار: 3: 82 التنقلا: الطويل: أوس بن حجر: 5: 71 نصالها: الطويل: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 216 هلا: الطويل: ليلى الأخيلية: 7: 211 مواثلا: الطويل: البحتري: 5: 389 تموّلا: الطويل:: 7: 83 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 132 محجّلا: الطويل: النابغة الجعدي: 7: 211 بذلا: البسيط: أبو الحسن السلامي: 6: 89 خصلا: البسيط: ابن الرومي: 9: 396 ذللا: البسيط: ربيع بن أبي الحقيق اليهودي: 5: 54 رجلا: البسيط: المتنبي: 2: 449، 7: 311 واشتعلا: البسيط: الأخطل: 6: 12 عدلا: البسيط: ذو الرمة: 5: 292 فعلا: البسيط:: 4: 9 مقفلها: البسيط: أبو تمام: 8: 203 مثلا: البسيط: الأخطل: 5: 269 أبوالا: البسيط: أمية بن أبي الصلت: 2: 93 الأجلا: البسيط: الأخطل: 4: 17 والميلا: البسيط: الأخطل: 5: 57 المهلا: البسيط: أبو العميثل: 8: 130 ملالا: مخلع البسيط: ابن الجهم: 5: 361 الأبطالا: الكامل: جرير: 2: 449 جليلا: الكامل: بكر بن النطاح: 2: 460 جميلا: الكامل: أبو دلامة: 4: 287 خلخالا: الكامل:: 7: 201 ذميلا: الكامل: مهلهل بن ربيعة التغلبي: 8: 304 نزالها: الكامل: الأعشى: 2: 419 فسالا: الكامل: الأخطل: 5: 105 سبيلا: الكامل: العلوي: 6: 104 شمائلا: الكامل: أبو تمام: 4: 276 وطحالها: الكامل: الأعشى الكبير: 7: 283 قليلا: الكامل: جرير: 4: 229 مجهولا: الكامل: علي بن الجهم: 4: 306 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 133 مجالا: الكامل:: 7: 201 مبذلا: الكامل: أبو الشمقمق: 8: 26 تنكيلا: الكامل: كعب بن عدي: 1: 269 هزيلا: الكامل: ابن الرومي: 4: 47 ووكيلا: الكامل:: 8: 164 إجفيلا: الكامل: محمد بن هانىء: 5: 253 جريالها: الكامل: الأعشى: 8: 376 أمله: الكامل المرفل: 8: 267 فعلا: الكامل المرفل:: 9: 48 بخيلا: الكامل المجزوء: أبو العتاهية: 2: 389 سبيلا: الكامل المجزوء: شريح بن عمران اليهودي: 4: 377 طويله: الكامل المجزوء:: 9: 349 الكلى: الكامل المجزوء:: 6: 433 فولّى: الرجز:: 6: 46 ماله: الرجز:: 2: 388 حمله: الرجز:: 2: 447 فصلا: الرجز: عمرو بن العاص: 3: 181 والدلالا: الوافر: بشار بن برد: 5: 320 ضلالا: الوافر: عامر بن زهير بن جناب: 8: 214 طويلا: الوافر: الخنساء: 4: 199 غزالا: الوافر: المتنبي: 5: 306 لا: الوافر: المتنبي: 7: 314 العقولا: الوافر: الأخطل: 5: 190 رحالا: الوافر: الأخطل: 5: 102 جملا: الرمل:: 7: 127 محاله: الرمل المجزوء: حنظلة بن عفراء: 8: 17 ومثالا: الرمل المجزوء: أبو عثمان الخالدي: 5: 319 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 134 وسرباله: السريع:: 8: 281 حلالا: الخفيف:: 8: 292 الفحولا: الخفيف: مهلهل: 5: 367 النزولا: الخفيف:: 3: 443 والنزالا: الخفيف: المتنبي: 7: 41 غليلا: الخفيف:: 8: 36 عاقلا: مجزوء الخفيف: أبو نواس: 6: 61 ثمالا: المتقارب: أبي دواد الإيادي: 7: 281 جمالا: المتقارب: أبو بكر الخالدي: 4: 172 خيالا: المتقارب: عمرو بن قميئة: 7: 281 السبيلا: المتقارب: بشامة بن الغدير: 5: 259 شمالا: المتقارب: عمرو بن قميئة: 3: 73 ينالا: المتقارب: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 98 وبيلا: المتقارب: عقيل بن علفة المري: 1: 263 قالها: المتقارب: الخنساء: 5: 403 مهلا: المنسرح: الأعشى الكبير: 7: 284، 285 أهل: الطويل: جميل بثينة: 6: 55 أهل: الطويل:: 6: 228 أصيلها: الطويل: الأخطل: 6: 136 أنامله: الطويل: حسان بن عمرو: 7: 60 أنامله: الطويل: يزيد بن الطثرية: 6: 176 الأنامل: الطويل: معدان بن جوّاس الكندي: 3: 72 أكول: الطويل: الشريف الرضي: 7: 309 أفضل: الطويل:: 4: 98 المآكل: الطويل: أبو هفان: 4: 314 أوّل: الطويل: معن بن أوس المزني: 5: 34 تأمل: الطويل: أوس بن حجر: 5: 229 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 135 أوائله: الطويل: البعيث: 5: 332 انحلالها: الطويل: ذو الرمة: 7: 43 آمل: الطويل:: 9: 205 باطله: الطويل: الأبيرد الرياحي: 9: 374 باطله: الطويل: البحتري: 6: 86 باطله: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 2: 122 وباطله: الطويل: ابن الحجاج: 6: 197 ويبخل: الطويل: أحمد بن أبي فنن: 2: 327 يتبذلوا: الطويل: الفضل بن العباس اللهبي: 2: 342 والبذل: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 4: 11 بغل: الطويل: حميدة بنت النعمان بن بشير: 5: 169 باسل: الطويل: الحطيئة: 5: 254 بديل: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 64 تبذل: الطويل:: 6: 146 فبتيل: الطويل: يزيد بن الطثرية: 6: 177 بلابله: الطويل: جميل بثينة: 6: 202 وبالها: الطويل: عبد عمرو بن شريح بن الأحوص: 7: 402 وتنهل: الطويل: أمية بن أبي الصلت: 5: 40 تنزيل: الطويل:: 8: 371 ثقيل: الطويل: الشريف الرضي: 5: 78 ثاكل: الطويل: الحاتمي: 5: 370 تثكل: الطويل: ذو الرمة: 8: 325 لجهول: الطويل: الأخطل: 1: 367 الجهل: الطويل: أبو تمام: 2: 125 جزل: الطويل:: 2: 281 فجميل: الطويل:: 4: 25 يجادله: الطويل: العجير السلولي: 4: 204 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 136 جليل: الطويل: أبو خراش الهذلي: 4: 259 جاهل: الطويل: أكثم بن صيفي: 6: 35 جاهل: الطويل: المتنبي: 7: 316 جاهله: الطويل: كثّير عزة: 3: 154 يجعل: الطويل:: 7: 328 وجلال: الطويل:: 8: 303 حلائله: الطويل: ضابىء البرجمي: 1: 448 متحول: الطويل: الشنفرى: 2: 53 الحبائل: الطويل: الفرزدق: 5: 431 الحبائل: الطويل: الحطيئة: 2: 285 حليلها: الطويل: الأخطل: 2: 429 حال: الطويل: الشريف الرضي: 3: 31 حائل: الطويل:: 3: 268 وحجول: الطويل: جندل (مولى عديّ بن حاتم) : 3: 449 حمّال: الطويل: عمر بن أبي ربيعة: 6: 209 حلول: الطويل:: 7: 289 يتحول: الطويل:: 8: 105 محمل: الطويل: عروة بن الورد العبسي: 8: 117 الخلاخل: الطويل: أبو تمام: 5: 316 يخلو: الطويل: البحتري: 6: 123 خيال: الطويل: الشريف الرضي: 8: 138 خليل: الطويل: أبو العتاهية: 9: 332 لدليل: الطويل: طرفة بن العبد: 7: 62 دليل: الطويل: كعب بن سعد: 7: 62 ذليل: الطويل: طرفة بن العبد: 7: 44 رسول: الطويل: أبو الهول الحميري: 2: 473، 5: 373 يزول: الطويل: أبو فراس الحمداني: 5: 79 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 137 الزلازل: الطويل: مزرد بن ضرار: 5: 243 سهل: الطويل: الخريمي: 2: 284 سلاسله: الطويل: تميم بن أبيّ بن مقبل: 3: 398 سائل: الطويل: مزرد بن ضرار: 5: 375 وسائله: الطويل:: 6: 141 سبيل: الطويل:: 8: 34 سبيل: الطويل: علية بنت المهدي: 8: 285 يتسربلوا: الطويل: الأخطل: 8: 384 أشبل: الطويل: مروان بن أبي حفصة: 2: 311 تشعل: الطويل: معن بن أوس: 5: 425 شاغله: الطويل: الشمر دل اليربوعي: 7: 307 صقيل: الطويل:: 5: 396، 8: 146 يطول: الطويل: أبو رياح الأسدي: 5: 298 وطبول: الطويل: المتنبي: 7: 312 لطويل: الطويل: كثير عزة: 7: 223 فتطول: الطويل:: 2: 403 معادله: الطويل: حارثة بن بدر الغداني: 1: 371 عامله: الطويل:: 2: 414 عواذله: الطويل: حارثة بن بدر: 2: 439 عواذله: الطويل: جرير: 4: 19 العقل: الطويل: المتنبي: 6: 54 عقل: الطويل: أبو دهبل الجمحي: 6: 183 عقولها: الطويل: الفرزدق: 9: 192 عاجله: الطويل: دليم بن مرة الجهني: 9: 334 غوائله: الطويل: الجراح بن عمرو: 1: 232 غوائله: الطويل: حرب بن جابر الحنفي: 3: 38 غولها: الطويل: الأعشى: 2: 30 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 138 مغربل: الطويل: العرجي: 5: 342 غوافل: الطويل: الحاتمي: 6: 96 غافل: الطويل:: 8: 27 فاعله: الطويل: ضابىء البرجمي: 2: 439 فواضله: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 4: 10 والفضل: الطويل:: 5: 232 المفتل: الطويل: جرير: 5: 327 يفعل: الطويل: النمر بن تولب: 6: 9 مقال: الطويل:: 1: 367 قليل: الطويل: كعب بن ذي الحنكة النهدي: 8: 137 قليل: الطويل: المتنبي: 2: 58 قليل: الطويل:: 4: 237 تقبل: الطويل: معن بن أوس المزني: 2: 367 المقاتل: الطويل: مزرد بن ضرار: 2: 477 تقوّلوا: الطويل: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 3: 159 وقبول: الطويل:: 4: 91 قيلها: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 4: 244 قائل: الطويل:: 6: 364 قائله: الطويل: الحطيئة: 5: 95 قائله: الطويل: دعبل: 5: 406 قائله: الطويل: طريح بن إسماعيل: 2: 220 قائله: الطويل: نصيب: 7: 106 مقاتله: الطويل: الفرزدق: 5: 163 والقمل: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 7: 281 كفيل: الطويل: شقران السلاماني: 4: 237 كاهله: الطويل: محمد بن بشير الخارجي: 9: 206 منزل: الطويل: مروان بن أبي حفصة: 2: 153 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 139 مال: الطويل: إبراهيم بن العباس: 4: 354 والمفاصل: الطويل: أبو تمام: 5: 408 المداخل: الطويل: مزرد بن ضرار: 6: 21 المحل: الطويل:: 6: 334 محامله: الطويل: الفرزدق: 7: 107 نصل: الطويل: صالح بن جناح العبسي: 1: 250 نصالها: الطويل: هبيرة بن أبي وهب المخزومي: 1: 266، 7: 79 نائل: الطويل:: 2: 211 أنبل: الطويل: إبراهيم بن عيسى الكاتب: 4: 186 النصل: الطويل: مسلم بن الوليد: 4: 260 نزول: الطويل:: 5: 59 نزول: الطويل: كعب بن سعد الغنوي: 5: 327 نزول: الطويل: المتنبي: 6: 69 نحل: الطويل: الأخطل: 5: 395 يتنبل: الطويل: الشنفرى: 5: 418 هامله: الطويل: الذلفاء بنت الأبيض: 4: 253 همل: الطويل: الأخطل: 5: 391 وصال: الطويل:: 7: 48 يقيلها: الطويل: كثير عزة: 1: 409 يحاول: الطويل: ابن هرمة: 2: 434 يزيلها: الطويل: الأخطل: 6: 117 فذلول: الطويل:: 1: 459 باذل: الطويل: حميد الأرقط: 2: 319 القوابل: الطويل: بلبل الصفّار: 3: 134 آل: الطويل: الشريف الرضي: 3: 134 طوائل: الطويل: إبراهيم بن العباس: 3: 411 صياقله: الطويل:: 4: 207 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 140 ورواحله: الطويل: الشمردل بن شريك اليربوعي: 4: 269 معوّل: الطويل:: 4: 301 يؤمّل: الطويل: ابن وكيع: 5: 134 وجلاجله: الطويل: جرير: 5: 162 مراكله: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 5: 244 وشواكله: الطويل:: 5: 293 المعابل: الطويل: جزء بن ضرار: 5: 379 مقيلها: الطويل: ذو الرمة: 6: 167 قلاقل: الطويل: المتنبي: 7: 317 يستهلّ: المديد:: 7: 337 سراويل: المديد: محمد بن يزيد الأموي الحصني: 2: 134 الأجل: البسيط: عمران بن حطان: 1: 261 الإبل: البسيط:: 7: 143 الأمل: البسيط: النابغة الشيباني: 1: 231 أوله: البسيط: خالد بن يزيد: 5: 333 الأول: البسيط: أبو تمام: 6: 192 الأول: البسيط: القطامي: 5: 390 بطل: البسيط: ابن المعتز: 5: 297 البلل: البسيط: راشد الكاتب: 5: 439 بدل: البسيط: محمد بن خازم: 6: 15 تتكل: البسيط: القطامي: 5: 260 ترتحل: البسيط: أبو عثمان الخالدي: 8: 135 تجليل: البسيط: عبدة بن الطبيب: 8: 353 والحيل: البسيط: أبو الفرج الببغاء: 2: 438 محمول: البسيط: كعب بن زهير: 6: 10 خلل: البسيط: أبو العالية الرياحي: 8: 95 دول: البسيط:: 1: 233 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 141 الرجل: البسيط: الأعشى: 5: 218 الرجل: البسيط: أبو بصير: 6: 429 الزّلل: البسيط: القطامي: 6: 385، 7: 37 زجل: البسيط:: 8: 304 أشغال: البسيط: المتنبي: 1: 267 شغل: البسيط: سفيان بن عيينة: 4: 258 تشتعل: البسيط: أبو إسحاق الصابىء: 5: 300 مشكول: البسيط:: 5: 334 مصقول: البسيط:: 6: 134 تضليل: البسيط: كعب بن زهير: 7: 41 الطلل: البسيط: أبو تمام: 5: 388 ومعسول: البسيط: كعب بن زهير: 5: 306 عجل: البسيط: الأعشى: 5: 312 مفعول: البسيط: يزيد بن الحكم: 5: 310 قتال: البسيط: المتنبي: 2: 179 مكتهل: البسيط: الشريف الرضي: 5: 159 المراجيل: البسيط: عبدة بن الطبيب: 2: 408 مسلول: البسيط: كعب بن زهير: 4: 12 مقل: البسيط: أبو الفرج الببغاء: 5: 18 مملول: البسيط: عدي بن الرقاع: 8: 178 نزلوا: البسيط: الشريف الرضي: 3: 438 تأتكل: البسيط: الأعشى: 5: 40 أسهل: الكامل: يحيى بن زياد: 7: 119 وأطول: الكامل: الفرزدق: 7: 287 الآمال: الكامل: أبو إسحاق الصابي: 4: 170 وتبخل: الكامل: البحتري: 6: 191 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 142 المتهلّل: الكامل: البحتري: 4: 158 تجملوا: الكامل: أبو الشمقمق: 2: 352 أجدل: الكامل: أبو الفرج الببغا: 5: 249 الجندل: الكامل: أبو حية النميري: 7: 298 حلاحل: الكامل: محمد بن هانىء: 9: 327 دلائل: الكامل: المتنبي: 7: 316 ذليل: الكامل: مسلم بن الوليد: 5: 98 ترحل: الكامل: البحتري: 6: 94 السنبل: الكامل: أبو العيال الهذلي: 5: 378 مشاعل: الكامل: محمد بن هانىء المغربي: 2: 87 أشكل: الكامل: أبو الحسن السلامي: 5: 372 وأطول: الكامل: الفرزدق: 6: 159 غول: الكامل: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار (القس) : 6: 143 يفعل: الكامل: الأحوص: 8: 311 قليل: الكامل: المقنع الكندي: 2: 300 التقبيل: الكامل: ابن قاضي ميلة: 8: 364 فتمولوا: الكامل: محمد بن عبد السلام: 2: 352 ويميل: الكامل: سعيد بن حميد: 5: 56 مناهل: الكامل: المتنبي: 7: 316 مملول: الكامل:: 8: 156 تتنزّل: الكامل: البحتري: 4: 71 تنزل: الكامل: علي بن الجهم: 9: 289 هوامل: الكامل: محمد بن هانىء: 2: 368 موصول: الكامل: عدي بن الرقاع: 5: 333 نتكل: الكامل: المتوكل الليثي: 2: 68 ركّال: الكامل:: 3: 222 نتكل: الكامل المرفل: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: 8: 173 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 143 نبل: الكامل المرفل: الرشيد: 6: 127 يئلوا: الهزج:: 2: 375 خلخال: الرجز: خلف الأحمر: 5: 296 وطلله: الرجز: أبو الجهم الكاتب: 9: 20 وظلّله: الرجز:: 5: 437 قفله: الرجز: أبو نخيلة: 4: 76 ينزل: الرجز:: 5: 293 الخليل: الوافر: يونس بن الخليل: 5: 32 الرحيل: الوافر: أبو حية النميري: 6: 19 يزول: الوافر: العباس بن الأحنف: 6: 86 ضئيل: الوافر: الخوارزمي: 5: 369 طويل: الوافر: الأعلم الهذلي: 2: 16 يقولوا: الوافر: عقيل بن أبي: 2: 350 القبول: الوافر: البحتري: 6: 123 الكهول: الوافر: جميل بثينة: 4: 40 كليل: الوافر: البحتري: 6: 94 مال: الوافر:: 8: 111 النزول: الوافر: المزني: 2: 417 يعيل: الوافر: أحيحة بن الجلاح: 1: 282 مسول: الوافر:: 8: 179 تنهلّ: الرمل المجزوء: 8: 344 أجماله: السريع:: 9: 71 جليل: الخفيف: بشار بن برد: 9: 399 دليل: الخفيف: المتنبي: 6: 140 الرسول: الخفيف: الشريف الرضي: 3: 388 الرجال: الخفيف: أبو الحسن علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي: 8: 323 فمالوا: الخفيف: أبو زبيد الطائي: 5: 74 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 144 النحول: الخفيف: أبو الشبل: 4: 293 الغليل: الخفيف: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 7: 272 الأحول: المتقارب: محمد بن وهيب الحميري: 6: 114 حامل: المتقارب: الشريف الرضي: 3: 135 الزّنجبيل: المتقارب: خزيمة بن نهد: 7: 361 ينبلوا: المتقارب: دعبل: 5: 133 أكسالها: المتقارب: الأعشى: 8: 358 الحيل: المنسرح: المتنبي: 8: 137 عضل: المنسرح: أبو بصير: 6: 429 القبل: المنسرح: أبو نواس: 8: 374 وكل: المنسرح:: 4: 220 الهبل: المنسرح:: 7: 204 بالأماثل: الطويل: أبو طالب بن عبد المطلب: 2: 415 بالأنامل: الطويل: عامر بن مالك ملاعب الأسنة: 2: 125 الأنامل: الطويل: أبو الفرج حمد بن خلف الهمذاني: 6: 30 أهل: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 59 أهلي: الطويل: ابن ميادة: 6: 68 الأكل: الطويل:: 6: 223 وانحل: الطويل: الوليد بن عقبة: 3: 121 وباطل: الطويل: أبو عطاء السندي: 2: 238 أتبدّل: الطويل: المنتصر: 3: 26 مقبل: الطويل:: 5: 100 البالي: الطويل: امرؤ القيس: 5: 288 ليبتلي: الطويل: امرؤ القيس: 5: 331 بالبقل: الطويل: أبو تمام: 5: 348 بخيل: الطويل: أبو نواس: 8: 107 كبخيل: الطويل:: 8: 107 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 145 بخل: الطويل: أبو نواس: 8: 161 بخلي: الطويل:: 8: 348 بالبخل: الطويل:: 9: 194 والمتحمّل: الطويل: مزاحم العقيلي: 4: 19 والثمل: الطويل: أبو الأسود الدؤلي: 8: 119 الثقل: الطويل:: 9: 40 وجندل: الطويل: جحدر بن ربيعة العكلي: 1: 207 وجندل: الطويل:: 4: 239 جزل: الطويل: الشمردل بن شريك اليربوعي: 4: 268 الجهل: الطويل: ذو الرمة: 5: 392 المجامل: الطويل: الوائلي: 7: 285 الجلائل: الطويل: عفيف بن المنذر: 9: 181 فاجعل: الطويل: منقر بن فروة المنقري: 9: 413 محمل: الطويل: جحدر بن ربيعة العكلي: 1: 267 فتحوّل: الطويل: عنترة: 7: 193 فتحول: الطويل: معاوية بن فروة المنقري: 2: 163 حابل: الطويل: الطرماح: 5: 430 الحبائل: الطويل: نهشل بن حري: 7: 108 حائل: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 7: 331 خليل: الطويل: ابن نباتة السعدي: 3: 161 بخليل: الطويل:: 4: 372 خلخال: الطويل: امرؤ القيس: 8: 346 المدلّل: الطويل: بكير بن الأخنس: 4: 93 مدلّل: الطويل: المتلمس الضبعي: 7: 392 دخيل: الطويل: الجاحظ: 7: 289 يذبل: الطويل: الفرزدق: 5: 122 بيذبل: الطويل: امروء القيس: 3: 369 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 146 متذلل: الطويل: العباس بن مرداس: 7: 47 ذبل: الطويل: مسلم بن الوليد: 7: 300 لراحل: الطويل: محمد بن هانىء: 1: 216 مفصل: الطويل: جحدر بن ربيعة العكلي: 5: 398 الرّحل: الطويل: متمم بن نويرة: 4: 250 بالرحل: الطويل: عروة بن الورد: 8: 118 رجل: الطويل: أبو عطاء السندي: 8: 158 رجلي: الطويل:: 5: 172 بالرذل: الطويل:: 9: 204 يسأل: الطويل: بكر بن النطاح الحنفي: 2: 459 سائل: الطويل: الأحوص بن محمد الأنصاري: 4: 303 السلاسل: الطويل: أبو الشغب: 4: 305 سبيل: الطويل: الأشهب بن رميلة النهشلي: 5: 123 سبيل: الطويل: كثير عزة: 6: 55 شكلي: الطويل: حاتم الطائي: 2: 298 الشمل: الطويل: المعتز: 3: 162 طائل: الطويل:: 2: 207 طائل: الطويل: الطرماح بن حكيم: 2: 296، 5: 431 بالطفل: الطويل: المتنبي: 4: 279 عجل: الطويل: زيد الخيل الطائي: 3: 203، 7: 80 عجل: الطويل:: 3: 247، 7: 25 الأعزل: الطويل:: 4: 373 عاقل: الطويل:: 5: 70 عقلي: الطويل: جميل بثينة: 7: 291 عقلي: الطويل: أبو تمام: 8: 379 عقل: الطويل:: 9: 427 العقل: الطويل: ابن هرمة: 2: 434 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 147 عكل: الطويل: عبد الرحمن بن دارة الفزاري: 5: 200 تغلي: الطويل: الفرزدق: 5: 415، 6: 416 بالفضل: الطويل:: 2: 125 تفضل: الطويل: عمر بن أبي ربيعة: 5: 305 يفصل: الطويل: جحدر بن ربيعة العكلي: 5: 423 مفلفل: الطويل: امرؤ القيس: 7: 281 القتل: الطويل: عمرو بن كلثوم: 2: 431 لقفال: الطويل: امرؤ القيس: 5: 327 بقليل: الطويل: كثير عزة: 6: 146 قابل: الطويل:: 8: 95 مكلل: الطويل: امرؤ القيس: 5: 343 المكامل: الطويل:: 6: 81 مطل: الطويل: ابن الرومي: 2: 305 بالمطل: الطويل: ابن الرومي: 8: 164 محل: الطويل: بكير بن الأخنس: 4: 93 المحل: الطويل: حريث بن زيد الخيل: 4: 246 المحل: الطويل: سليمان بن قتة: 5: 121 المفصل: الطويل: امرؤ القيس: 5: 324 المعاول: الطويل: ابن النوت: 5: 391 المسلسل: الطويل: ذو الرمة: 6: 91 النجل: الطويل: البحتري: 8: 378 النجل: الطويل: خالد بن صفوان المنقري: 5: 315 النحل: الطويل: جرير: 5: 392 النحل: الطويل: المتنبي: 2: 59 النمل: الطويل: عفيرة بنت عباد: 7: 363 النمل: الطويل: نهشل بن حري: 2: 154 بالنوافل: الطويل: الوليد بن يزيد بن عبد الملك: 5: 38 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 148 النسل: الطويل: المتنبي: 5: 74 تنبال: الطويل:: 5: 169 فانزل: الطويل: امرؤ القيس: 7: 418 هيكل: الطويل: امرؤ القيس: 5: 242 وائل: الطويل: سعد بن قرط العبقسي: 2: 472 وائل: الطويل:: 7: 195 لوائل: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 7: 362 وبل: الطويل:: 8: 162 الوصل: الطويل: ذو الرمة: 6: 163 يسلي: الطويل: ابن نباتة السعدي: 6: 104 زامل: الطويل:: 3: 120 بسؤول: الطويل: كعب بن سعد الغنوي: 3: 152 فلول: الطويل: الشريف الرضي: 3: 309 آجل: الطويل: ابن أبي عيينة: 5: 114 الذوابل: الطويل: الشريف الرضي: 5: 160 بالصياقل: الطويل: ابن الرومي: 5: 374 مطافل: الطويل: أبو ذؤيب الهذلي: 6: 121، 206 الشمائل: الطويل: أبو الحسن السلامي: 6: 126 الرواحل: الطويل: امرؤ القيس: 7: 118 مثل: الطويل: أبو نواس: 9: 353 أمل: البسيط: محمد بن هانىء المغربي: 2: 87 أمل: البسيط: المتنبي: 6: 66 الأمل: البسيط:: 3: 130 الأول: البسيط: المتنبي: 4: 66 مأكول: البسيط:: 7: 125 بال: البسيط: النابغة الذبياني: 4: 237 بالبصر: البسيط: ابن الرومي: 5: 420 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 149 والحيل: البسيط: إبراهيم بن المهدي: 4: 90 خال: البسيط: أحيحة بن الجلاح: 8: 90 الطول: البسيط:: 9: 373 بالعلل: البسيط: المتنبي: 1: 279 العلل: البسيط:: 8: 164 المال: البسيط: حسان بن ثابت: 2: 98 المال: البسيط: أحيحة بن الجلاح: 2: 339 مال: البسيط: النابغة الذبياني: 4: 202 والمال: البسيط: عامر بن الظرب العدواني: 8: 342 مرتحل: البسيط: الأخيطل الواسطي: 5: 384 مثل: البسيط: محمد بن أحمد الحزور: 8: 123 ومعتزل: البسيط:: 6: 46 النقل: البسيط: فروة بن خميصة: 5: 131 وجل: البسيط: محمد بن أحمد الحرون: 4: 68 زللي: البسيط: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 4: 116 أصلال: البسيط:: 4: 230 بالعطل: البسيط: محمد بن أحمد الحزور: 5: 401 الطلل: البسيط: الشريف الرضي: 7: 304 أجمال: البسيط: قيس بن عاصم المنقري: 8: 341 آمل: الكامل:: 2: 274 الأسفل: الكامل: جرير: 6: 159 المأكل: الكامل: عنترة: 7: 162 الأطول: الكامل: أبو العلامة الحمدوني: 5: 88، 9: 353 الآجال: الكامل: النامي: 5: 381 بلال: الكامل: أبو خراش الهذلي: 2: 147 البغل: الكامل: ابن حازم الباهلي: 2: 251 مثقّل: الكامل: تأبط شرا: 7: 348 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 150 مجهل: الكامل:: 7: 195 مجزل: الكامل: دعبل بن علي الخزاعي: 8: 179 حنظل: الكامل: الشريف الرضي: 1: 400 حزقل: الكامل: معن بن زائدة: 5: 164 يحلل: الكامل: ابن المعتز: 5: 263 فتحول: الكامل: عبد قيس بن خفاف البرجمي: 8: 118 الأحول: الكامل: البحتري: 8: 303 ذلل: الكامل: أبو إسماعيل ابن عبدون الكاتب المغربي: 5: 355 ورجال: الكامل: أبو عبد الرحمن الأعمى: 2: 48 المرسل: الكامل:: 5: 443 سؤاله: الكامل: أبو تمام: 8: 171 بسؤال: الكامل:: 8: 177 أشغال: الكامل: زياد الأعجم: 4: 57 طوله: الكامل: ابن الرومي: 9: 399 بمعزل: الكامل: عنترة: 2: 439 العاجل: الكامل:: 3: 84 العاجل: الكامل: جرير: 3: 130 وعويل: الكامل: الشريف الرضي: 4: 325 مستعجل: الكامل: حسان بن ثابت: 8: 372 العذل: الكامل: جرير: 9: 11 المفضل: الكامل: حسان بن ثابت: 9: 333 تقتل: الكامل: حسان بن ثابت: 9: 333 يقتل: الكامل: العباس بن مرداس: 2: 439 المقفل: الكامل: البحتري: 5: 373 أقتل: الكامل: عنترة: 7: 55 المقبل: الكامل: حسان بن ثابت: 3: 369، 9: 398 الأموال: الكامل: حسان بن حنظلة: 2: 70 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 151 المقصل: الكامل: أبو كبير الهذلي: 2: 430 أمثالي: الكامل: أبو الأسد: 5: 132 أمثالي: الكامل: أبو مياس: 9: 270 النبل: الكامل: المتوكل الليثي: 1: 265 بنعلها: الكامل: أبو إسحاق الصابي: 4: 182 منصل: الكامل: أبو إسماعيل ابن عبدون الكاتب المغربي: 5: 353 بالمنصل: الكامل: عنترة بن شداد: 3: 404 هابل: الكامل: المتنبي: 7: 310 بوصال: الكامل: علي بن عاصم: 5: 80 خبال: الكامل: الأخطل: 1: 207 محجل: الكامل: البحتري: 5: 248 وتليل: الكامل: بشار بن برد: 5: 261 الشمأل: الكامل: أشجع: 5: 297 لمصطلي: الكامل: أبو كبير الهذلي: 5: 378 الكامل: الكامل: البحتري: 5: 386 أجدل: الكامل: ابن نباتة السعدي: 8: 127 الحجل: الكامل المرفل: أبو نواس: 8: 377 شكلي: الكامل المرفل: امرؤ القيس بن عابس الكندي: 9: 36 مثلي: الكامل المرفل:: 9: 35 والهزل: الكامل المرفل: أبو نواس: 6: 21 للرجال: الكامل المجزوء: ابن حازم الباهلي: 2: 251 عزله: الكامل المجزوء:: 4: 187 لفضلها: الكامل المجزوء:: 1: 313 الحجال: الكامل المجزوء: علية بنت المهدي: 8: 285 الدلّ: الهزج:: 2: 375 الجاهل: الرجز:: 7: 32 الخيل: الرجز: ابن الرومي: 5: 412 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 152 رسوله: الرجز:: 9: 278 تزلزل: الرجز:: 9: 26 المطلي: الرجز: المعذل بن غيلان: 5: 442 تغلي: الرجز: ابن المعتز: 5: 426 غزل: الرجز:: 8: 382 وفعله: الرجز: أبو تمام: 5: 144 المنهل: الرجز: السري الرفاء: 5: 352 رجالها: الرجز: أبو النجم العجلي: 5: 398 نعله: الرجز:: 1: 208 الخوالي: الرجز:: 9: 351 أثال: الوافر: جذيمة بن عوف الأنصاري: 7: 374 وبخل: الوافر: خلف الأحمر: 5: 26 أبالي: الوافر: الأحوص: 7: 293 الجلال: الوافر: مسكين الدارمي: 5: 426 حبالي: الوافر:: 7: 245 خيال: الوافر: الماهر: 6: 89 خيالي: الوافر: أبو العتاهية: 8: 203 الرجال: الوافر: ابن شبرمة: 2: 99 الرجال: الوافر: أبو العتاهية: 2: 328 الرجال: الوافر: مسلم بن الوليد: 5: 49 الرجال: الوافر:: 6: 30 للرجال: الوافر: منقذ الهلالي: 7: 47 بالعقول: الوافر:: 8: 383 القتال: الوافر: الأحنف بن قيس: 2: 141 قتال: الوافر: المتنبي: 4: 232 كحيل: الوافر: ابن المعتز: 5: 352 الليالي: الوافر:: 6: 356 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 153 مثال: الوافر:: 1: 418 المثال: الوافر: المتنبي: 7: 317 مقالي: الوافر: الشريف الرضي: 7: 306 النبال: الوافر: العين المنقري: 2: 191 موالي: الوافر:: 7: 143 العقال: الوافر: مسلم بن الوليد: 4: 101 التّقالي: الوافر: زهير بن أبي سلمى: 4: 358 المقيل: الوافر: أبو قيس التميمي: 5: 160 فانتقلي: الوافر المجزوء: البسامي: 5: 204 تسألي: الرمل: أخت جسّاس: 4: 121 حال: الرمل المجزوء: أبو الشمقمق: 8: 110 المنال: الرمل المجزوء: ابن الرومي: 6: 126 البخيل: السريع: الشريف الرضي: 7: 309 البخيل: السريع: ابن المعتز: 7: 309 بالباطل: السريع: جعدة بنت الأشعث: 9: 294 الجاهل: السريع: ابن هرمة: 5: 41 غل: السريع: الحمدوني: 5: 436 مقتل: السريع:: 9: 314 الليل: السريع: محمد بن أمية: 8: 25 مالي: السريع: محمد بن مهدي الكاتب: 5: 20 نابل: السريع:: 6: 206 واغل: السريع: امرؤ القيس: 7: 280 الآمال: الخفيف: أبو عبد الله القزاز المغربي: 4: 41 آمالي: الخفيف: أبو إسحاق الصابىء: 5: 321 بالأبطال: الخفيف: أبو عبد الله القزاز المغربي: 2: 469 البوالي: الخفيف: يزيد بن مفرغ: 5: 407 حيالي: الخفيف:: 9: 33 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 154 الخيال: الخفيف: أبو تمام: 6: 86 الذليل: الخفيف: حسان بن ثابت: 2: 440 الذيول: الخفيف:: 7: 218 الرسول: الخفيف: أبو تمام: 5: 21 الرجال: الخفيف: ابن الرومي: 5: 153 الرجال: الخفيف: ابن عنمة: 6: 375 رجلي: الخفيف: أبو الشمقمق: 8: 110 طويل: الخفيف: بشار بن برد: 1: 208 العقال: الخفيف:: 8: 44 مفتول: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 5: 316 الفعال: الخفيف: فضل الشاعرة: 6: 195 المبلول: الخفيف: ابن المعتز: 5: 348 المحتال: الخفيف:: 8: 61 النيل: الخفيف: البحتري: 2: 137 البوالي: الخفيف: ابن مفرغ: 7: 228 حمله: المتقارب:: 5: 60، 214 حنبل: المتقارب:: 5: 339 بالذابل: المتقارب: إبراهيم بن هرمة: 4: 22 تفعل: المتقارب:: 8: 319 القسطل: المتقارب: أبو محمد المهلبي: 2: 437 مثله: المتقارب: عبد الله بن معاوية الجعفري: 7: 85 الأجل: المنسرح: إبراهيم بن هرمة: 7: 199، 250 والأمل: المنسرح: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 51 جمل: المنسرح: ابن هرمة: 2: 383 القبل: المنسرح: أبو نواس: 6: 230 كسل: المنسرح: أبو العتاهية: 8: 205 لنازله: المنسرح: الجمل المصري: 4: 74 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 155 إبلي: المنسرح: ابن هرمة: 2: 267 - م- انصرم: الطويل: عبد المطلب بن هاشم: 6: 28 تحتكم: الكامل المجزوء البحتري: 3: 259 تلتقم: الكامل المجزوء: أبو العنبس الصيمري: 3: 259 تحم: الرجز:: 9: 267 القدم: الرجز: أبو الفتح البكتمري: 5: 356 الكرم: الرجز: قيس بن شيبة السلمي: 3: 204 الكرم: الرجز:: 5: 158 اليوم: الرجز: لقيط بن يعفر: 7: 273 للقم: الرجز:: 5: 167 الرّتم: الرجز:: 7: 334 جارهم: السريع:: 9: 351 الحليم: السريع: حسن بن علي الصيرفي: 8: 323 الغمام: السريع: النابغة الذبياني: 4: 41 النسيم: السريع: ابن المعتز: 5: 346 النّعم: المتقارب:: 7: 309 المحتجم: المتقارب: أبو ن واس: 5: 107 الأكم: المتقارب: سوار بن مضرب: 5: 417 الديم: المتقارب: إسحق الموصلي: 8: 136 قدم: المنسرح: مرقش: 5: 325 أعلما: الطويل: الخطفى (جد جرير) : 1: 365، 3: 349 فتبسّما: الطويل: مسلم بن الوليد: 6: 134 أتقدما: الطويل: الحصين بن الحمام المري: 2: 400، 412 متقدما: الطويل: أزهر بن هلال التميمي: 2: 448 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 156 وأحجما: الطويل: القاضي ابن الربيب المغربي: 2: 470 تحطما: الطويل: أبو دلامة: 2: 491 أحزما: الطويل: المرتضى أبو القاسم الموسوي: 6: 79 خثعما: الطويل:: 7: 344 دما: الطويل: عيسى بن موسى: 3: 15 دما: الطويل: بشار بن برد: 3: 425، 7: 302 دما: الطويل: القحيف: 7: 302 دما: الطويل:: 5: 65 الدما: الطويل: جرير: 5: 403 الدما: الطويل: العباس بن عبد المطلب: 2: 415 مريما: الطويل: عبد الله بن محمد البواب: 3: 258 يترحّما: الطويل: عبدة بن الطبيب: 4: 242 وزكاما: الطويل: أبو حكيمة: 9: 427 سلّما: الطويل: القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني: 2: 96 سلما: الطويل:: 2: 440 وتسلما: الطويل: حميد بن ثور: 6: 10 سهّما: الطويل: المرتضى أبو القاسم الموسوي: 6: 196 المصرّما: الطويل: الأخطل: 3: 399 مصرّما: الطويل: الأحوص: 5: 43 لصمّما: الطويل: المتلمس الضبعي: 7: 266، 9: 198 يتصرما: الطويل: السري الرفاء: 8: 135 وأظلما: الطويل: الحصين بن الحمام المري: 5: 366 ليعلما: الطويل: المتلمس الضبعي: 1: 396، 418، 7: 49 معمّما: الطويل:: 4: 18 وأعظما: الطويل:: 4: 205 علقما: الطويل:: 6: 187 مقدما: الطويل: المتلمس الضبعي: 2: 77 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 157 مقسّما: الطويل:: 6: 189 يتكرّما: الطويل: المتلمس الضبعي: 3: 432 وتكرّما: الطويل: جرير: 4: 202 يتكلما: الطويل: البحتري: 5: 357 لائما: الطويل: المرقش الأصغر: 7: 282 مجرما: الطويل:: 2: 142 ومطعما: الطويل: حاتم الطائي: 2: 404 معدما: الطويل: أبو البيداء الأعرابي: 3: 109 منمنما: الطويل: البحتري: 5: 363 نادما: الطويل: حضين بن منذر الرقاشي: 3: 314 أنجما: الطويل: البحتري: 5: 405 فأنعما: الطويل: طرفة بن العبد: 7: 390 تهدّما: الطويل: عبدة بن الطبيب: 7: 183، 282 يمّما: الطويل: عمرو بن العاص: 1: 368، 8: 217 عوما: الطويل: البحتري: 2: 281 يغنما: الطويل: حاتم الطائي: 2: 298 أشأما: الطويل: البحتري: 4: 109 أعصما: الطويل: عبد العزيز بن الطارقي المغربي: 4: 122 وسمّا: الطويل: رقيبة الجرمي: 4: 206 تضرما: الطويل: عمر بن أبي ربيعة: 5: 415 أرزما: الطويل: عبد العزيز الطارقي المغربي: 6: 19 المكتما: الطويل: حميد بن ثور الهلالي: 6: 117 والهاما: البسيط: مسلم بن الوليد: 8: 51 ديما: البسيط: النابغة الذبياني: 5: 271 رزما: البسيط: أبو القاسم الضرير: 5: 160 زعما: البسيط: النمر بن تولب: 2: 305 صاما: البسيط: شريك بن عبد الله القاضي: 3: 86 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 158 منسجمه: البسيط: عبد الصمد بن المعذل: 4: 289 البرما: البسيط: النابغة الذبياني: 3: 402 متقدّما: الكامل: السري الرفاء: 4: 114 محرما: الكامل: إسماعيل بن يسار: 6: 66 مظلوما: الكامل: ليلى الأخيلية: 4: 23 مستعظما: الكامل: ابن ميخائيل المغربي: 2: 73 مبسما: الكامل: البحتري: 6: 63 ونظامه: الكامل:: 5: 10 نسيما: الكامل: أبو إسحاق الحصري الأنصاري المغربي: 6: 62 وحزيما: الكامل: ليلى الأخيلية: 5: 376 رحاهما: الكامل: يحيى بن خالد البرمكي: 6: 16 مكلوما: الكامل: أبو الهذيل: 6: 229 عظاما: الرجز:: 3: 403 ملطما: الرجز:: 2: 492 الشمّا: الرجز: القليب المنقري: 3: 407 الدما: الرجز: أبو إسحاق الشيرازي: 7: 272 صمما: الرجز المجزوء: الرقاشي: 9: 110 العديما: الوافر: أبو قيس بن الأسلت: 2: 339 غلاما: الوافر:: 7: 90 الكريما: الوافر: قيس بن عاصم المنقري: 8: 341 ألاما: الوافر: أم عمير بن سلميّ: 2: 147 اللئاما: الوافر:: 5: 162 الندامى: الرمل المجزوء: ابن المعتز: 8: 384 النسيما: الخفيف: أبو نواس: 8: 372 تحكما: المتقارب: النمر بن تولب: 1: 382 والسّاسما: المتقارب:: 3: 68 دما: المنسرح: ابن قيس الرقيات: 7: 270 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 159 وبهيم: الطويل:: 6: 27 يتذمم: الطويل:: 2: 207 يتلعثم: الطويل:: 3: 263 جسيمها: الطويل: الحكم بن عبدل: 2: 161 جثم: الطويل: ابن حيان المغربي: 5: 426 حالم: الطويل:: 2: 465 حالم: الطويل:: 9: 25 حلم: الطويل: معن بن أوس: 5: 36 المحاجم: الطويل: الأعشى: 5: 41 حميم: الطويل: ابن ميادة: 5: 338 حجم: الطويل: مجنون ليلى: 9: 8 حكيم: الطويل:: 9: 317 وخيم: الطويل: حاتم الطائي: 2: 299 خيمها: الطويل: سليمان بن المهاجر: 7: 90 يريمها: الطويل: الأخطل: 5: 337 السهم: الطويل:: 1: 365 وسنامها: الطويل: الفرزدق: 3: 425 سالم: الطويل:: 8: 288، 398 فتسلّم: الطويل: حاطب بن قيس بن هيشة: 4: 212 سليم: الطويل: أحمد بن إبراهيم: 5: 52 سليم: الطويل: التوزي: 6: 108 أسلم: الطويل: بيهس بن صهيب الجرمي: 2: 247 وأسلم: الطويل: العباس بن عبد المطلب: 7: 296 سجومها: الطويل: إبراهيم الموصلي: 9: 28 سواجم: الطويل:: 9: 293 يتصرم: الطويل: الفرزدق: 5: 39 نصادمه: الطويل: أبان بن عبدة بن العباس بن مسعود: 5: 368 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 160 صائمه: الطويل: الفرزدق: 9: 391 يضمّه: الطويل: الشريف الرضي: 5: 372 طعم: الطويل: عبيد الله بن عتبة بن مسعود: 6: 144 مظلم: الطويل: أبو نواس: 8: 370 المعمم: الطويل:: 2: 325 معدم: الطويل: المتنبي: 4: 67 عزائمه: الطويل: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 224 عقيمها: الطويل: الفرزدق: 5: 425 عالم: الطويل: عفيف بن المنذر: 9: 180 عالم: الطويل: كثير عزة: 7: 294 تعلم: الطويل: مالك بن حريم الهمداني: 8: 105 تعلم: الطويل:: 9: 397 مغرم: الطويل:: 2: 60 وغنائم: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 4: 252 أفهم: الطويل: عمرو بن أعبل التميمي: 3: 267 وينمنم: الطويل: البحتري: 5: 405 فاحمه: الطويل: المتنبي: 6: 31 قائم: الطويل:: 5: 165 يقومها: الطويل: الأخطل: 7: 214 قيام: الطويل: إسحاق الموصلي: 8: 386 كلامها: الطويل: جعفر بن علبة الحارثي: 6: 80 كلامها: الطويل: زياد الأعجم: 2: 348 كريم: الطويل:: 3: 152 كريم: الطويل:: 6: 153 وأكرم: الطويل: المتنبي: 4: 66 ونكرم: الطويل: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 4: 157 وأكتم: الطويل: محمد بن وهيب الحميري: 4: 181 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 161 نتكلم: الطويل: أبو دهبل الجمحي: 6: 150، 224 متكرّم: الطويل: صالح بن عبد القدوس: 7: 91 كرام: الطويل:: 8: 120 المكارم: الطويل:: 8: 157 المكارم: الطويل: أبو تمام: 2: 110 المكارم: الطويل: أحمد بن بشر: 8: 204 يلومها: الطويل:: 1: 224 ألومها: الطويل: الأقرع بن معاذ: 2: 219 للئيم: الطويل: عمارة بن عقيل: 2: 344، 358 معصم: الطويل: ابن هرمة: 2: 267 مقيمها: الطويل: البحتري: 6: 55 معالمه: الطويل:: 6: 95 تنقم: الطويل: نصيب بن رباح: 4: 344 نادم: الطويل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 139 تندم: الطويل: الأقرع بن معاذ: 5: 36 نائم: الطويل: المتنبي: 8: 346 نوم: الطويل: القاضي أبو القاسم التنوخي: 5: 334 نجوم: الطويل:: 6: 24 نجوم: الطويل:: 8: 120 هموم: الطويل: ابن الرومي: 5: 72 يتيم: الطويل: قيس بن ذريح: 6: 71 وحاتم: الطويل:: 2: 336 حلومها: الطويل: الأخطل: 3: 399 أذيمها: الطويل: الحارث بن خالد المخزومي: 5: 39 قتامها: الطويل: كثير عزة: 5: 260 الدّهم: الطويل: أبو الفرج حمد بن خلف الهمذاني: 6: 25 وتسيم: الطويل:: 6: 73 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 162 شمامها: الطويل: السمهري: 6: 134 أعجم: الطويل: نصيب بن رباح: 6: 136 ترومها: الطويل: عمرو بن كلثوم: 7: 91 فدم: الطويل: أبو العيناء: 7: 246 الألم: البسيط: أبو الفرج الببغاء: 5: 17 البوم: البسيط: ذو الرمة: 5: 395 والتهم: البسيط: أبو فراس الحمداني: 3: 76 والحكم: البسيط: المتنبي: 5: 60 الحيازيم: البسيط: ذو الرمة: 6: 75 خدم: البسيط: ابن الرومي: 3: 436 خدم: البسيط: بدر بن سعد الفقعسي: 4: 29 والذم: البسيط: ابن قيس الرقيّات: 4: 35 رحم: البسيط:: 4: 62 منسجم: البسيط: إسحاق بن خلف: 4: 283 تسهيم: البسيط: ذو الرمة: 5: 391 شمم: البسيط:: 7: 284 مظلوم: البسيط:: 7: 159 عمم: البسيط:: 8: 249 الكلم: البسيط: أبو تمام: 2: 192 ملثوم: البسيط: علقمة بن عبدة: 8: 386 والقلم: البسيط:: 5: 399 محموم: البسيط: بشار بن برد: 5: 439 النعم: البسيط: إبراهيم بن إسماعيل بن داود: 5: 68 هرم: البسيط: زهير بن أبي سلمى: 4: 11 هرم: البسيط: أبو نواس: 5: 109 مهجوم: البسيط: علقمة بن عبدة (الفحل) : 5: 290 تخترم: البسيط: أبو الفرج الببغاء: 2: 438 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 163 ينصرم: البسيط: أبو تمام: 5: 76 ينصرم: البسيط:: 4: 101 منهوم: البسيط: أبو محمد المهلبي: 4: 122 جشم: البسيط: الزبير بن بكار: 4: 300 أهيم: الكامل: ابن الرومي: 6: 193 إقدام: الكامل: أبو نواس: 5: 262 حرام: الكامل:: 5: 42 الخضرم: الكامل:: 8: 159 ذميم: الكامل: أبو تمام/ أبو القمقام الأسدي: 5: 351، 6: 74، 375 رسومها: الكامل: أبو تمام: 5: 389 الأرقم: الكامل: الشريف الرضي: 7: 309 الأرقم: الكامل: محمد بن عبد الملك بن صالح الهاشمي/ الحلبي: 5: 380 7: 309 الأسهم: الكامل: الشريف الرضي: 7: 308 مسهم: الكامل: الشريف الرضي: 8: 138 صرّامها: الكامل: لبيد: 7: 140 وتصوم: الكامل:: 7: 228 يظلم: الكامل: المتنبي: 1: 279 المظلم: الكامل: الشريف الرضي: 2: 369 المظلم: الكامل: الشريف الرضي: 8: 303 علم: الكامل: المخبل السعدي: 1: 264 عظيم: الكامل: المتوكل الليثي: 1: 285، 7: 85 يعلم: الكامل: المتنبي: 3: 248 فأقيم: الكامل: ابن هرمة: 2: 267 تقدموا: الكامل: محمد بن عبد الملك بن صالح بن علي الهاشمي: 2: 466 متقدّم: الكامل: أبو الشيص الخزاعي: 6: 60 قدوم: الكامل: كثير عزة: 7: 298 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 164 قديم: الكامل: المتوكل الليثي: 8: 99 كريم: الكامل: أبو تمام: 7: 289 كلوم: الكامل: محمد بن عبيد الله العتبي: 4: 263 كليم: الكامل: عبد الله بن الدمينة الخثعمي: 6: 64 للئيم: الكامل: ابن هرمة: 2: 383 والمعصم: الكامل:: 1: 231 المحرم: الكامل:: 3: 209 المعلم: الكامل: محمد بن عبد الملك الحلبي: 5: 382 ينعم: الكامل: المتنبي: 3: 271 نسيم: الكامل: أبو الحسن السلامي: 6: 195 نعيمها: الكامل: أبو تمام: 9: 240 هم: الكامل: عروة بن أذينة: 6: 173 الأيام: الكامل: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار (القس) : 6: 142 مرثوم: الكامل: حنظلة بن عرارة التميمي: 4: 286 أسحم: الكامل: بكر بن النطاح: 5: 304 الأنجم: الكامل: أبو العباس النامي: 8: 388 عقم: الكامل المرفل: أبو دهبل الجمحي: 4: 30 الحميم: الكامل المجزوء:: 4: 364 الحكيم: الكامل المجزوء: يزيد بن الحكم: 7: 149 وخيم: الكامل المجزوء: 7: 137 ألمه: الرجز: أبو النجم: 5: 382 أجذم: الرجز: شعيب بن مليل التغلبي: 2: 485 فاستسلموا: الرجز: قيس بن معدي كرب: 3: 25 يعلمه: الرجز: الحطيئة: 3: 370 كرامها: الرجز:: 4: 49 وتهزمه: الرجز: رؤبة بن العجاج: 2: 80 الأديم: الوافر: الشريف الرضي: 2: 243 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 165 الأديم: الوافر: الوليد بن عقبة: 7: 79 الحلوم: الوافر: دعبل: 5: 140 السهام: الوافر: الكندي: 5: 408 السلام: الوافر:: 8: 35 ضرام: الوافر: نصر بن سيار: 1: 432 طعام: الوافر: أوس بن حجر: 3: 130 الظلوم: الوافر: القاسم بن طوق بن مالك التغلبي: 5: 215 العظيم: الوافر:: 4: 292 القديم: الوافر: ثابت قطنة: 2: 77 قديم: الوافر: زهير بن أبي سلمى: 5: 388 الكروم: الوافر: أبو نواس: 8: 369 يلوموا: الوافر:: 6: 114 مليم: الوافر: الوليد بن عقبة بن أبي معيط: 5: 200 النجوم: الوافر: برج بن مسهر الطائي: 8: 352 يريم: الوافر:: 5: 118 الأروم: الوافر: ذو الرمة: 5: 393 البشام: الوافر: جرير: 6: 78 الكلوم: الوافر: النظام: 6: 229 واللطيم: الوافر:: 6: 394 جذام: الوافر:: 7: 98 الكرم: الوافر المجزوء:: 4: 69 العديم: الرمل:: 8: 90 كلام: الرمل المجزوء: مخلد الموصلي: 8: 333 ومدام: الرمل المجزوء: ابن الحجاج: 6: 129 الأجسام: الخفيف: المتنبي: 2: 58 رجوم: الخفيف: أبو الحسن علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي: 8: 323 سليم: الخفيف: طريح بن إسماعيل الثقفي: 4: 109 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 166 سليم: الخفيف: علي بن الجهم: 4: 113 عليم: الخفيف: الجاحظ: 6: 106 الغمام: الخفيف:: 6: 366 كرام: الخفيف: ابن المعتز: 9: 20 نيام: الخفيف: الشريف الرضي: 5: 234 منظوم: الخفيف: كشاجم: 5: 433 الآثم: المتقارب: زياد الأعجم: 5: 123 وأسقامها: المتقارب: عويف القوافي: 2: 465 متّهم: المنسرح: الشريف الرضي: 4: 62 معاصمها: المنسرح:: 8: 300 الندم: المنسرح: الشريف الرضي: 3: 309 يوم: المنسرح: ابن الرومي: 5: 435 الأكارم: الطويل:: 5: 114 بالمآثم: الطويل: جرير: 5: 116 والبراجم: الطويل: جرير: 4: 229 التكلّم: الطويل: الهيثم بن الأسود النخعي: 7: 63 بالتكلم: الطويل: معبد بن علقمة: 1: 313 ومتهم: الطويل: ابن القزاز المغربي: 4: 211 جرمي: الطويل: أبو خراش الهذلي: 2: 71 الجماجم: الطويل: الفرزدق: 2: 101 الجرائم: الطويل: مالك بن الريب: 2: 435 حاتم: الطويل: ربيعة الرقي: 2: 352 حازم: الطويل: إسحاق الموصلي: 5: 394 حازم: الطويل: بشار بن برد: 3: 300 حزم: الطويل: حكمة بن قيس الكناني: 3: 191 محكم: الطويل:: 3: 306 محكّم: الطويل: محمد بن هانىء: 3: 309 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 167 محكم: الطويل: محمد بن هانىء: 4: 69 والحلم: الطويل: أبو خراش الهذلي: 4: 216 تحلم: الطويل: ابن أحمر: 5: 423 خازم: الطويل: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 3: 411 والدم: الطويل: أبو بكر العرزمي: 1: 283 بالدم: الطويل: المخبل السعدي: 2: 441 بالدم: الطويل:: 8: 24، 36 بالدراهم: الطويل:: 5: 434 دارم: الطويل: الفرزدق: 7: 226 دامي: الطويل: امرؤ القيس بن حجر: 9: 37 ذميم: الطويل:: 8: 142 ترمي: الطويل:: 3: 346 يترمرم: الطويل: أوس بن حجر: 3: 398، 7: 183 وراغم: الطويل: حسان بن ثابت: 3: 422 سالم: الطويل: أبو حية النميري: 6: 167 سالم: الطويل: ذو الرمة: 7: 289 سالم: الطويل:: 7: 289 بسالم: الطويل: المتنبي: 2: 479 سلم: الطويل: ابن عرادة السعدي: 5: 49 سلم: الطويل: الفرزدق: 9: 194 بسلام: الطويل:: 6: 70 يسأم: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 8: 178 يسأم: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 73 سقيم: الطويل:: 9: 10 والشتم: الطويل: المرار بن سعيد: 2: 22 للمتشتّم: الطويل: معبد بن علقمة: 2: 432 يشتم: الطويل: الحطيئة: 8: 306 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 168 بصميم: الطويل: البريق الهذلي: 7: 142 ضخم: الطويل: زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب: 3: 403 الضراغم: الطويل: الفرزدق: 4: 275 ضيغم: الطويل: المتنبي: 5: 66 ضيغم: الطويل:: 6: 403 طعامي: الطويل:: 9: 95 المظالم: الطويل: المتنبي: 1: 269 يظلم: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 7: 173 ظالم: الطويل: جرير: 7: 226 تعلم: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 1: 251 علم: الطويل: عبد الله بن همام: 3: 157 العظائم: الطويل:: 1: 419 عاصم: الطويل: زيد الخيل الطائي: 3: 203 وعام: الطويل: إسحاق بن إبراهيم الموصلي: 6: 366، 8: 302 العمائم: الطويل: جرير: 7: 286 العمائم: الطويل: الفرزدق: 9: 192 عظامي: الطويل: المنازل بن فرعان بن الأعرف السعدي: 9: 290 الغلاصم: الطويل: الفرزدق: 7: 288 الفم: الطويل: محمد بن هانىء: 2: 445 والفم: الطويل: الأخطل: 7: 87 قاتم: الطويل: الشريف الرضي: 2: 84 قم: الطويل:: 6: 408 مقرم: الطويل: أوس بن حجر: 8: 25 كريم: الطويل:: 2: 308 المكرّم: الطويل: الفرزدق: 7: 253 لازم: الطويل: كثيّر عزّة: 4: 303 لجامي: الطويل: عمرو بن قميئة: 6: 11 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 169 بمحرم: الطويل: جابر بن حني: 2: 418 المقوم: الطويل: عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي: 2: 469 المقوم: الطويل:: 2: 419 المواسم: الطويل:: 3: 372 المواسم: الطويل: حاجب بن عطارد: 3: 422 بالمعاصم: الطويل: الشريف الرضي: 3: 439 المعاصم: الطويل: الحطيئة: 5: 241 ومعصم: الطويل: أبو حية النميري: 7: 283 منشم: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 7: 24 مدام: الطويل:: 8: 404 المصمم: الطويل: محمد بن هانىء: 9: 326 نائم: الطويل:: 3: 40 بنائم: الطويل: بشار بن برد: 7: 38 نسيم: الطويل: أبو نواس: 5: 388 الروائم: الطويل: مالك بن الريب: 2: 467 تتضرم: الطويل: المأمون: 2: 471 وجرهم: الطويل: عيسى بن موسى: 3: 24 مثلّم: الطويل:: 3: 161 وشدقم: الطويل: أبو نواس: 4: 61 سعوم: الطويل: أبو نواس: 5: 262 مقرم: الطويل:: 7: 183 مكدم: الطويل: المسيب بن علس الضبعي: 7: 390 أنم: المديد: أبو نواس: 8: 369، 395 وإنعام: البسيط: ابن الرومي: 4: 171 أدم: البسيط: راشد الكاتب: 5: 438 التهم: البسيط: المتنبي: 5: 228 تجسيم: البسيط: ابن المعتز: 7: 300 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 170 الحكم: البسيط: نويرة بن شقيق: 2: 321 الحامي: البسيط: النابغة الذبياني: 7: 46 بدم: البسيط: محمد بن وهيب الحميري: 5: 126، 127 الوذم: البسيط: ابن هرمة: 5: 403 بمذموم: البسيط: أبو ذفافة المصري: 4: 52 والرّخم: البسيط: المتنبي: 6: 372، 7: 87 والطعم: البسيط: عبد الله بن همام السلولي: 8: 99 الظّلّم: البسيط:: 8: 121 الظلم: البسيط: النابغة الذبياني: 8: 133 القمم: البسيط: ابن نباتة السعدي: 2: 154 للقلم: البسيط: المتنبي: 3: 436 أقوام: البسيط: عصام بن عبيد المازني: 5: 33 قدم: البسيط:: 4: 91 قدم: البسيط: الحمدوني: 5: 426 الكرم: البسيط: سالم بن وابصة: 2: 125 كلثوم: البسيط:: 5: 120 كلثوم: البسيط: يزيد بن معاوية: 9: 171 بالنّعم: البسيط:: 4: 116 همام: البسيط: الفرزدق: 9: 195 ينم: البسيط: أبو تمام: 6: 86 الكظم: البسيط: الشريف الرضي: 5: 68 والجلم: البسيط: ابن الرومي: 5: 154 تلم: البسيط:: 6: 428 بمعتام: البسيط:: 8: 206 مبتسم: البسيط: الشريف الرضي: 8: 373 الحكيم: مخلع البسيط: ابن الحجاج: 6: 128 بالغمام: مخلع البسيط: أبو عون الكاتب: 5: 340 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 171 الإسلام: الكامل: المتنبي: 7: 317 المأثم: الكامل: العلاء بن منهال الغنوي: 3: 26 إمام: الكامل: أبو تمام الطائي: 4: 215 الأدهم: الكامل: عنترة: 5: 375 جاسم: الكامل: عدي بن الرقاع العاملي: 5: 306 الجام: الكامل: أبو القاسم المطرز: 9: 125 كالدرهم: الكامل: عنترة: 5: 340 المترنم: الكامل: عنترة: 5: 299 سالم: الكامل: ابن الحجاج: 6: 218 بسلام: الكامل: جرير: 7: 290 ظلام: الكامل: الجهرمي: 9: 121 ظلام: الكامل: محمد بن هانىء: 5: 399 الأعلم: الكامل: عنترة: 5: 381 غمام: الكامل:: 5: 311 المغرم: الكامل: أبو تمام: 6: 92 أفهامي: الكامل: العكوّك: 6: 27 مقدمي: الكامل: عنترة: 2: 416 الأقدام: الكامل:: 4: 71 كريم: الكامل: الأعشى: 8: 100 عامه: الكامل: البحتري: 5: 247 معلم: الكامل: عنترة بن شداد: 8: 345 الأنجم: الكامل: أبو الحسن التغلبي: 4: 74 كالأنجم: الكامل: أشجع السلمي: 8: 395 الأيام: الكامل: محمد بن بشير: 4: 204 الأيام: الكامل: المتنبي: 7: 310 بثوم: الكامل: مساور الوراق: 3: 382 ورجام: الكامل: الحسن بن محمد التميمي المغربي (ابن الربيب) : 4: 212 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 172 بالهام: الكامل:: 5: 230 بالصّيلم: الكامل: بشر بن أبي خازم: 7: 99 الآطام: الكامل:: 8: 28 لأم: الكامل المرفل: زهير بن أبي سلمى: 5: 244 الهرم: الكامل المرفل:: 9: 277 الجسم: الكامل المرفل: عمارة بن حمزة: 4: 337 علم: الكامل المرفل: الشريف الرضي: 4: 95 عظمي: الكامل المرفل:: 4: 128 الكرم: الكامل المرفل: أبو نواس: 8: 368 والعجم: الكامل المرفل: زهير بن أبي سلمى: 4: 221 الأديم: الكامل المجزوء:: 8: 100 طعامه: الكامل المجزوء: دعبل: 2: 336 النعام: الكامل المجزوء: الشريف الرضي: 7: 308 أمامي: الرجز: أبو النجم العجلي: 4: 340 بشمّ: الرجز:: 6: 228، 9: 417 العظائم: الرجز: دكين الراجز: 9: 238 البراجم: الرجز:: 5: 100 نجومه: الرجز: أبو نواس: 5: 331 بالهموم: الرجز: ابن الرومي: 5: 347 التمام: الوافر: النمر بن تولب: 2: 305 التمام: الوافر:: 9: 255 تميم: الوافر:: 5: 100 جرم: الوافر:: 2: 36 الجسام: الوافر: الحسين بن الضحاك: 4: 210 الحمام: الوافر:: 1: 418 احتكام: الوافر:: 2: 362 الحريم: الوافر: السري الرفاء: 5: 409 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 173 خصومي: الوافر: الشريف الرضي: 2: 84 الختام: الوافر: الفرزدق: 5: 440 رام: الوافر:: 5: 161 رجيم: الوافر: أبو تمام: 5: 262 للسلام: الوافر: مهلهل: 5: 367 الظلام: الوافر:: 5: 400 الصميم: الوافر: ابن المعتز: 2: 55 صيام: الوافر: أبو الحسن ابن سكرة الهاشمي: 4: 190 صيام: الوافر: بشر بن أبي خازم الأسدي: 5: 242 العظام: الوافر: عمرو بن معدي كرب: 2: 473 القديم: الوافر: أبو تمام: 6: 192، 7: 303 كريم: الوافر:: 5: 104 اللئيم: الوافر:: 8: 202 المقيم: الوافر: الشريف الرضي: 8: 138 نظام: الوافر:: 3: 401 النجوم: الوافر:: 6: 405 الوشوم: الوافر: أعشى همدان: 8: 318 حزيمي: الوافر: محمد بن هانىء المغربي: 2: 88 مليم: الوافر: الشريف الرضي: 5: 160 حرام: الوافر: الفرزدق: 5: 403 النعام: الوافر: النابغة الذبياني: 7: 308 والحطيم: الوافر:: 9: 428 الغشوم: الرمل المجزوء:: 3: 198 وقومي: الرمل المجزوء: 6: 415 الكلام: الرمل المجزوء: أبو نواس: 1: 366 أيام: السريع: ابن ميمون الأنباري: 5: 232 بسام: السريع: ابن عائشة (المغني) : 8: 33 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 174 حاتم: السريع: ابن مفرغ: 2: 116 ظلم: السريع: محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن: 3: 198 العلقم: السريع:: 1: 418 واللحم: السريع: السري الرفاء: 4: 74 قشعم: السريع: الحمدوني: 5: 436 الإسلام: الخفيف: الكميت بن زيد: 4: 81 الإمام: الخفيف: البحتري: 5: 386 باحتشام: الخفيف: أبو الحسن السلامي: 8: 204 جسيم: الخفيف: البحتري: 4: 158 جسيم: الخفيف: أبو الحسن علي بن هارون المنجم: 4: 336 حكيم: الخفيف:: 8: 394 طعام: الخفيف: كشاجم: 5: 422 بالمقسوم: الخفيف: ابن الرومي: 5: 153 الكرام: الخفيف: المتنبي: 7: 316 نعم: الخفيف: البحتري: 6: 97 التميم: الخفيف: أبو نواس: 8: 370 الأعظم: المتقارب: ابن قاضي ميلة المغربي: 5: 294 المنام: المتقارب:: 8: 140 الخاتم: المتقارب: راشد الكاتب: 5: 438 بالمعصم: المتقارب:: 4: 357 النسيم: المتقارب: السري الرفاء: 4: 79 بدم: المنسرح: ابن الرومي: 5: 149 يرم: المنسرح: ابن أبي عيينة: 8: 124 السّقم: المنسرح: علي بن العباس النوبختي: 4: 339 بمستلم: المنسرح:: 5: 301 بالغنم: المنسرح: النابغة الجعدي: 7: 341 ملتئم: المنسرح: ثعلب: 6: 105 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 175 - ن- الحسن: الطويل:: 9: 295 أبن: الرجز: ابن الأعرابي: 2: 495 تحجين: الرجز:: 7: 205 الشارين: الرجز:: 9: 278 يفزعن: الرجز:: 6: 157 تروعن: الرجز:: 2: 444 حيّان: الرجز: أبو النجم العجلي: 3: 374 خاقان: الرجز: يزيد بن الوليد: 3: 397 الفقمين: الرجز: رؤب ة بن العجاج: 5: 265 سنانان: الرجز:: 5: 296 مكان: السريع: ابن نباتة: 5: 381 واليمين: السريع:: 5: 420 المجن: السريع: الشريف الرضي: 1: 400 يستبن: المتقارب: ابن مقبل: 7: 138 اللبن: المتقارب: الأسعر بن أبي حمران الجعفي: 7: 111 للثمن: المتقارب: دعبل: 5: 22 فأذّنا: الطويل: مروان بن أبي الجنوب: 7: 321 فتمكّنا: الطويل: مهدي بن الملوح: 6: 251 دونها: الطويل: موسى بن جابر الحنفي: 2: 430 عدنا: الطويل:: 5: 410 مكانا: الطويل: أبو طالب المأموني: 8: 316 تهينها: الطويل: أبو نواس: 8: 365 حزنا: البسيط: ابن الحجاج: 6: 105 ذكرانا: البسيط:: 7: 351 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 176 وريحانا: البسيط: ابن الرومي: 5: 347 رضوانا: البسيط: عمران بن حطان: 8: 243 وسنانا: البسيط: البحتري: 6: 84 المصلينا: البسيط: أبو دلامة: 9: 389 يعنونا: البسيط:: 2: 402 أعوانا: البسيط: سليمان بن يزيد العدوي: 3: 217 عونا: البسيط: تميم بن أبيّ بن مقبل: 6: 117 تغشانا: البسيط: مطيع بن إياس: 8: 330 كانا: البسيط: أبو العريان: 8: 236 ألوانا: البسيط:: 8: 236 مدفونا: البسيط: سودة بنت عمارة الهمدانية: 2: 21 مؤتمنا: البسيط: يحيى بن زياد: 7: 139 بعرانا: البسيط: المتنبي: 7: 317 زبانا: البسيط: الفرزدق: 9: 193 وجنانا: الكامل: دعبل: 4: 53 تحزنا: الكامل: المتنبي: 7: 317 ألوانا: الكامل: النابغة الجعدي: 6: 42 ولقينا: الكامل: ابن جندب: 6: 151 ولقينا: الكامل: جرير: 4: 292 مئينا: الكامل: المستوغر بن ربيعة: 6: 33 الحينا: الهزج: الشريف الرضي: 3: 440 سنينا: الرجز: عمر بن أبي عمرو الشيباني: 9: 152 غضونا: الرجز: أبو نخيلة: 5: 88 الأندرينا: الوافر: عمرو بن كلثوم: 3: 291 بآخرينا: الوافر: الفرزدق: 4: 303 بآخرينا: الوافر: ذو الإصبع العدواني: 6: 38 الجاهلينا: الوافر: عمرو بن كلثوم: 9: 249 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 177 روينا: الوافر: النمر بن تولب: 5: 363 سالمينا: الوافر:: 8: 122 الظّنونا: الوافر: خزيمة بن نهد: 7: 361 ولينا: الوافر: أبو الجهم: 4: 18 اللامسينا: الوافر: عمرو بن كلثوم: 5: 314 مستكينا: الوافر: هدبة بن الخشرم: 2: 409 مبينا: الوافر:: 5: 427 المسلمينا: الوافر: يزيد بن مفرغ الحميري: 5: 444 مهزمينا: الوافر:: 5: 212 اليمينا: الوافر: عمرو بن كلثوم: 7: 122 امطلينا: الوافر: ابن قيس الرقيات: 6: 146 مصفّدينا: الوافر: عمرو بن كلثوم: 7: 315 علينا: الرمل المجزوء:: 2: 443 ثمانينا: السريع: أبو نواس: 5: 276 يرامونا: السريع: أبو الحسن ابن سكرة الهاشمي: 5: 84 شبعانا: السريع: عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: 5: 316 زينا: الخفيف: الأحوص: 4: 164 الشجعانا: الخفيف: المتنبي: 2: 479 شبعانا: الخفيف: ابن حجاج: 3: 221 طغيانا: الخفيف: أبو عيينة: 9: 28 الظاعنينا: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 9: 230 لحنا: الخفيف: مالك بن أسماء بن خارجة: 7: 271 معنّى: الخفيف: البحتري: 6: 84 المهنّا: الخفيف: عمر بن أبي ربيعة: 6: 146 برّنا: المتقارب:: 7: 248 باطنا: المتقارب: مطيع بن إياس: 8: 330 جثمانها: المتقارب: السري الرفاء: 5: 416 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 178 وإحسانها: المتقارب: البحتري: 6: 191 ريحانها: المتقارب: السري الرفاء: 8: 389 السائلونا: المتقارب: الشريف الرضي: 2: 369 عوانا: المتقارب: إبراهيم بن العباس الصولي: 5: 51 ميدانا: المنسرح: أبو نواس: 8: 272 أمنا: المنسرح: الشريف الرضي: 2: 86 سننه: المنسرح:: 6: 406 المضلونا: المنسرح: ابن الرومي: 8: 162 وأمين: الطويل:: 2: 326 وأمينها: الطويل:: 6: 140 تهينها: الطويل:: 1: 354 فجبان: الطويل:: 2: 466 جفونها: الطويل: ابن الحجاج: 6: 197 حصونها: الطويل:: 2: 471 حزين: الطويل:: 4: 370 دفين: الطويل: الشريف الرضي: 4: 259 دين: الطويل: كثير عزة: 6: 147 يزينها: الطويل: كثير عزة: 2: 440، 7: 295 زمان: الطويل:: 6: 433 ضنينها: الطويل: مزاحم بن الحارث العقيلي: 6: 99 عيون: الطويل: أبو نواس: 5: 359 عيون: الطويل:: 9: 69 غصونها: الطويل: عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي: 6: 61 قرونها: الطويل: الأقرع بن معاذ: 1: 157 كامن: الطويل:: 2: 188 وتلين: الطويل: أبو جلدة: 2: 495 معين: الطويل: بشار بن برد: 5: 115 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 179 يهينها: الطويل: عبيد الله بن الحسن القاضي: 3: 315 ::: 7: 124، 162 يقينها: الطويل: قيس بن ذريح: 6: 66 ويمانها: الطويل: الشريف الرضي: 7: 305 خدين: الطويل: قيس بن الخطيم: 2: 221 قمن: الطويل: المتنبي: 1: 375 قمين: الطويل: قيس بن الخطيم: 3: 151 خؤون: الطويل: جرير: 5: 129 جون: الطويل: أبو نواس: 5: 390 وجناجن: الطويل: كثير عزة: 7: 225 دبرانها: الطويل: الشريف الرضي: 7: 308 عجانها: الطويل:: 7: 336 سيلين: الطويل: أبو سليمان بن زيد النابلسي: 8: 199 الكفن: المديد: أبو العتاهية: 2: 382 الحسن: البسيط: إبراهيم بن المهدي: 9: 55 خسران: البسيط: الشريف الرضي: 1: 283 خزان: البسيط: الشريف الرضي: 2: 326 دفنوا: البسيط:: 5: 117 السكاكين: البسيط: حميد الأرقط: 2: 319 صفوان: البسيط: ابن الرومي: 8: 162 عنوان: البسيط: ابن الرومي: 4: 52 اللبن: البسيط: المتنبي: 5: 61 ملآن: البسيط: ابن أبي كريمة: 8: 378 الوسن: البسيط: أبو حبيب المغربي: 5: 75 مرنان: البسيط: ابن الرومي: 5: 278 وأدجان: البسيط: ابن الرومي: 5: 317 غران: البسيط: الشريف الرضي: 9: 328 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 180 والحصون: مخلع البسيط:: 4: 231 وبيانه: الكامل: ابن نباتة السعدي: 8: 134 التنين: الكامل: أبو تمام: 7: 303 عيون: الكامل: محمد بن هانىء: 5: 249 مفتون: الكامل: أبو تمام: 7: 147 قرين: الكامل:: 3: 128 مقرون: الكامل: أبو تمام: 5: 390 حنين: الكامل المجزوء: أبو القاسم المغربي: 4: 230 إحسان: الهزج: الفند الزماني: 7: 109 ملآن: الهزج: ابن الحجاج: 6: 217 الزمان: الرجز: ابن المعتز: 5: 275 شبان: الرجز: ابن الأعرابي: 8: 312 الحصون: الوافر: عبد المسيح بن بقيلة: 6: 40 والحصون: الوافر: النابغة الذبياني: 9: 63 دفين: الوافر:: 2: 207 الزمان: الوافر: أبو مياس: 5: 76 يهونوا: الوافر: زهير بن أبي سلمى: 8: 126 أحزان: الخفيف: ابن كشاجم: 9: 20 سكران: الخفيف: إبراهيم بن هرمة: 7: 232 الطيلسان: الخفيف: الحمدوني: 5: 437 المنون: الخفيف: محمد بن الحصين الأنباري: 3: 73 معين: الخفيف: أبو الهول: 5: 373 الهوان: الخفيف: بكر بن خارجة: 8: 390 شياطينها: المتقارب: ابن زريق الكاتب: 8: 144 بيان: الطويل: أبو الفرج الببغاء: 5: 17 تبني: الطويل: الوليد بن يزيد بن عبد الملك: 5: 39 بناني: الطويل: أبو إسحاق الصابي: 5: 69 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 181 تواني: الطويل: صالح بن عبد القدوس: 8: 158 نثني: الطويل: أبو نواس: 4: 46 ثماني: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 5: 257 جنان: الطويل: الشريف الرضي: 4: 325 جان: الطويل: الشريف الرضي: 5: 234 جمان: الطويل: الحسن بن رشيق الأزدي: 7: 300 وجبين: الطويل:: 9: 39 وحصان: الطويل: الشريف الرضي: 2: 85 حسان: الطويل:: 2: 226 الحدثان: الطويل: أبو نواس: 4: 94 الحدثان: الطويل:: 4: 300 وحدثان: الطويل:: 4: 320 حواني: الطويل: جميل بثينة: 6: 69 حيان: الطويل:: 9: 418 حنين: الطويل:: 6: 227 بخزّان: الطويل: امرؤ القيس: 3: 151 الخفقان: الطويل:: 5: 70 دوان: الطويل:: 5: 64 دواني: الطويل: النجاشي الحارثي: 5: 245 الدفن: الطويل: ابن الرومي: 5: 154 تدان: الطويل: ابن الرومي: 6: 97 شيبان: الطويل: المثلم النخعي: 6: 43 الضياون: الطويل: حسان بن ثابت: 9: 118 ضغن: الطويل:: 9: 184 طاعن: الطويل: الأسعر بن أبي حمران الجعفي: 3: 393 الظربان: الطويل:: 5: 169 فتيان: الطويل:: 3: 29 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 182 القمران: الطويل: الشريف الرضي: 2: 157 القدمان: الطويل: العتابي: 4: 128 قرونه: الطويل: أبو عمران الموصلي: 8: 303 مختلفان: الطويل: مسلم بن الوليد: 4: 283 مكان: الطويل: كعب بن مالك المخبّل: 6: 155 ومكاني: الطويل: صخر بن عمرو: 7: 387 معن: الطويل: أبو البيداء الرياحي: 7: 272 والنزوان: الطويل: صخر بن عمرو: 7: 131 هلعان: الطويل:: 5: 121 هوان: الطويل: ذو الرمة: 8: 19 يمان: الطويل: وداك بن ثميل المازني: 2: 403 يماني: الطويل: الشريف الرضي: 7: 305 يميني: الطويل: الأخيل بن مالك الكلابي: 3: 83 بيميني: الطويل: زهير بن جناب: 6: 37 يقين: الطويل:: 3: 155 يبتدران: الطويل:: 6: 46 مؤتلفان: الطويل:: 6: 203 يستويان: الطويل:: 7: 220 الظّنن: المديد: أبو نواس: 6: 190 تأتيني: البسيط: الحطيئة: 2: 64 يأتيني: البسيط: عروة بن أذينة: 3: 122 فأحياني: البسيط: ابن المعتز: 3: 153 يبكيني: البسيط: الفرزدق: 4: 264 ثمن: البسيط: أبو الحجناء العبسي: 4: 204 ثمن: البسيط: أبو الفرج الأصفهاني: 5: 158 وجيراني: البسيط:: 6: 104 الجديدان: البسيط: أبو قلابة الهذلي: 7: 33 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 183 حزن: البسيط: معن بن زائدة: 4: 244 الحزن: البسيط:: 6: 212 الحزن: البسيط: أبو تمام: 1: 271 حمدان: البسيط:: 2: 442 حسن: البسيط: عبد الله بن مصعب الزبيري: 3: 76 حين: البسيط: ذو الإصبع العدواني: 7: 90 ديني: البسيط: عويف القوافي: 9: 335 ذنبان: البسيط:: 4: 129 بأركان: البسيط: عبد الله بن المقفع: 2: 90 برجلين: البسيط: عبد المحسن الصوري: 6: 47 الزمن: البسيط: أبو الفضل ابن العميد: 5: 70 زمن: البسيط: الأحوص: 6: 149 زمني: البسيط: جرير: 9: 235 وستين: البسيط:: 5: 118 وسنان: البسيط: ابن المعتز: 5: 347 اسقوني: البسيط: ذو الإصبع العدواني: 1: 420، 7: 336 تشفيني: البسيط: ذو الإصبع العدواني: 2: 211 الصين: البسيط: عبد الصمد بن المعذل: 5: 177 العين: البسيط: الشريف الرضي: 4: 180 عيلان: البسيط: النعمان: 7: 333 وغسان: البسيط: عمران بن حطان: 8: 243 قطن: البسيط:: 7: 237 يكفيني: البسيط: إسماعيل بن القاسم: 5: 45 اللبن: البسيط: الشريف الرضي: 4: 385 مكنون: البسيط: عروة بن أذينة: 2: 210 منان: البسيط: أبو المثلم الهذلي: 2: 281 بممنون: البسيط: ذو الإصبع العدواني: 3: 395 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 184 المنن: البسيط: أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة المهلبي: 4: 87 والمهن: البسيط: الشريف الرضي: 5: 77 المساكين: البسيط: علي بن الجهم: 3: 109 والهون: البسيط: الشريف الرضي: 9: 327 وأوطان: البسيط:: 8: 121 أوطاني: البسيط: أبو تمام: 8: 131 يومين: البسيط: الرياشي: 1: 157 فيسليني: البسيط: البحتري: 6: 64 اليمن: البسيط: ابن مفرغ الحميري: 8: 48 البراذين: البسيط: طارق بن أثال الطائي: 5: 110 التبابين: البسيط: أبو الأسد: 5: 176 الهتن: البسيط: المتنبي: 7: 313 إخوان: الكامل: كعب بن سعد الغنوي: 4: 372 الأخوين: الكامل: محمد بن يسير: 8: 402 الألوان: الكامل: أبو مهوش الأسدي: 5: 112 البحران: الكامل: الفرزدق: 7: 142 التيجان: الكامل: الشريف الرضي: 4: 183 الثاني: الكامل: المتنبي: 2: 396 جيران: الكامل:: 8: 121 للحدثان: الكامل: الصموت الكلابي: 2: 150 الحدثان: الكامل: السوداوي الفارقي: 4: 76 حنيني: الكامل: إبراهيم بن العباس: 6: 70 بالخرفان: الكامل: أبو بكر الخوارزمي: 9: 353 دخان: الكامل: العطار المغربي: 2: 469 الأذقان: الكامل:: 2: 95 سنان: الكامل:: 8: 124 شيبان: الكامل: مروان بن أبي حفصة: 2: 311 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 185 يعنيني: الكامل:: 2: 123 العرجان: الكامل: ابن عبدل: 9: 425 الأكفان: الكامل: الخزرجي: 5: 123 مكان: الكامل:: 6: 226 والأوطان: الكامل: المتنبي: 4: 67 يمان: الكامل:: 2: 473 وقيان: الكامل: القاسم بن أمية بن أبي الصلت الثقفي: 4: 60 والشنآن: الكامل: الأحوص: 4: 305 الخرصان: الكامل: ابن المعتز: 5: 377 البان: الكامل: ابن سكرة الهاشمي: 6: 218 درهمين: الكامل المجزوء: أبو إسحاق الصابي: 5: 14 العيون: الكامل المجزوء أبو اسحاق الحصري الأنصاري المغربي: 6: 188 العين: الهزج: المسدود الطنبوري: 2: 132 البعران: الرجز:: 7: 334 تيجان: الرجز: عبد الصمد بن بابك: 5: 363 الجنبين: الرجز: السري الرفاء: 5: 422 الحسان: الرجز: سحيم: 5: 442 الرزين: الرجز: ابن الرومي: 5: 437 الأركان: الرجز: أم الورد بنت أوس العجلانية: 5: 446 عني: الرجز:: 9: 401 فرعون: الرجز: ابن الرومي: 5: 443 المسكين: الرجز:: 8: 182 فاجبني: مجزوء الرجز: ابن الحجاج: 6: 218 سرّني: مجزوء الرجز: ابن الرومي: 6: 65 أمان: الوافر: المتنبي: 7: 316 الجنان: الوافر: تأبط شرا: 7: 336 تجاوبان: الوافر:: 8: 15 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 186 حرون: الوافر: الشماخ: 5: 272 الخافقين: الوافر: دعبل: 5: 142 خيزران: الوافر: بشار بن برد: 7: 302 ودين: الوافر: علي بن الجهم: 9: 239 رماني: الوافر: مالك بن فهم الدوسي: 7: 137 والزمان: الوافر: جحظة: 5: 75 الشؤون: الوافر: سحيم بن وثيل الرياحي: 7: 35 يظلموني: الوافر: أبو المطراب: 3: 224 تعرفوني: الوافر: سحيم بن وثيل: 1: 446 العاذلين: الوافر: أبو تمام: 7: 303 ولين: الوافر: أبو إسحاق الموصلي: 3: 260 اللبون: الوافر:: 4: 324 مني: الوافر: النابغة الذبياني: 6: 275 ودّعوني: الوافر: سعية بن غريض اليهودي: 8: 93 باليقين: الوافر: هند بنت عتبة: 7: 215 باليقين: الوافر:: 7: 386 اليماني: الوافر: ابن مفرغ الحميري: 8: 49 القرين: الوافر: الشماخ بن ضرار: 2: 26 والقيان: الوافر: ابن سيابة: 4: 285 للديدبان: الوافر: علي بن جبلة العكوك: 5: 111 الخنان: الوافر: النابغة الجعدي: 6: 41 بطان: الوافر: تأبط شرا: 7: 348 منجلان: الوافر:: 8: 326 المدان: الوافر: لقيط بن زرارة: 8: 347 حسن: الرمل: أحمد بن يوسف الكاتب: 6: 87 اليدين: الرمل المجزوء: كشاجم: 5: 156 الطرفين: الرمل المجزوء:: 5: 430 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 187 لإثنين: السريع: أحمد بن المختار بن أبي الجبر: 5: 79 الطين: السريع: ابن ميخائيل المغربي: 5: 319 الدين: السريع: علي بن خليل: 5: 174 صوحان: السريع:: 6: 403 الإعلان: الخفيف: أبو نواس: 6: 139 واتاني: الخفيف: أبو الحسن ابن منقذ: 4: 365 فبيني: الخفيف:: 6: 307 حين: الخفيف: مرجى بن نبيه: 5: 176 الحران: الخفيف: ابن مناذر: 8: 307 حواني: الخفيف: ابن الرومي: 9: 19 الزمان: الخفيف: ابن الزيات: 5: 216 الغلمان: الخفيف:: 4: 379 الغصون: الخفيف: محمد بن داود الأصفهاني: 6: 156 فاني: الخفيف: ابن الحجاج: 5: 434 لساني: الخفيف: أبو نواس: 6: 93 النيران: الخفيف: أبو الفرج الببغاء: 8: 373 الهجران: الخفيف: العباس بن الأحنف: 6: 111 همذاني: الخفيف:: 6: 434 فاعقراني: الخفيف:: 2: 353 جيرون: الخفيف: أبو دهبل الجمحي: 6: 180 بان: المتقارب: أبو الشيص: 7: 298، 9: 58 الألسن: المتقارب: أبو الكرم بن العلاف: 8: 204 بسكانها: المتقارب: عبد الله بن المعتز: 9: 393 عناني: المتقارب: الشريف الرضي: 4: 265 الجنان: المتقارب: الصاحب ابن عباد: 5: 406 الفرقدين: المتقارب:: 8: 327 بدن: المنسرح:: 4: 335 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 188 بدن: المنسرح: ابن المعتز: 8: 388 حسن: المنسرح:: 7: 249 سكن: المنسرح: ابن الرومي: 6: 107 السمن: المنسرح: ابن أبي عيينة: 5: 113 - هـ- البصره: المديد المجزوء:: 9: 340 و الحركه: البسيط: ابن الرومي: 9: 391 الرقبه: البسيط: عبد الرحمن بن السائب: 9: 244 أسامه: الكامل المجزوء: عمران بن حطان: 2: 454 بنيّه: الكامل المجزوء: زهير بن جناب: 6: 37 ربيبه: الكامل المجزوء:: 6: 429 الملامه: الكامل المجزوء:: 1: 452 الوقاحه: الكامل المجزوء:: 2: 252 الواسعه: الكامل المجزوء: 3: 294 الطرجهاره: الكامل المجزوء: الأعشى: 8: 358 الساعه: الهزج: أبو العتاهية: 7: 297 والسلامه: الرجز: بيهس نعامة: 7: 389 الشجره: الرجز: كلاب بن ربيعة: 7: 419 الغاليه: الرجز:: 9: 351 القبيله: الرجز:: 5: 130، 7: 44 المريّه: الرجز: الحطيئة: 3: 371 واحده: الرجز المجزوء:: 9: 57 كاليه: الرجز المجزوء: ابن المعتز: 5: 357 ثماله: الوافر: عبد الصمد بن المعذل: 9: 341 وغلطه: الوافر: ابن الرومي: 5: 152 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 189 كرامه: الوافر: أبو دلامة: 5: 173 والكرامه: الوافر: عقيلة بنت الضحاك ... بن النعمان بن المنذر: 6: 160 ليله: الوافر: الحمدوني: 9: 116 بشدّه: الرمل المجزوء: أبو الحسن ابن سكرة الهاشمي: 5: 85 دمعه: السريع: ابن الرومي: 9: 19 شمعه: السريع: ابن الرومي: 9: 19 القسمه: السريع:: 5: 126 فقاعه: السريع: ابن الرومي: 5: 165 واحده: السريع:: 5: 22 الخطابه: الخفيف: البحتري: 2: 137 العلّاقه: الخفيف:: 7: 376 عاده: الخفيف: أبو نواس: 9: 392 معاديه: مجزوء الخفيف: ديك الجن: 6: 210 البغيضه: المجتث:: 6: 427 والرائحه: المتقارب: كشاجم: 5: 156 العافيه: المتقارب:: 8: 140 فاطمه: المتقارب: إبراهيم بن هرمة: 7: 232 القافيه: المتقارب:: 8: 204 تمره: المنسرح: ابن الرومي: 5: 150 الحلقه: المنسرح: الأعشى: 3: 18 والحركه: المنسرح: عبد الصمد بن المعذل: 3: 57 الحفظه: المنسرح: ابن الرومي: 6: 193 والحدقه: المنسرح: حمزة بن بيض: 8: 37 الخلقه: المنسرح: محمد بن عبد الله الأصفهاني المنشىء: 5: 155 معه: المنسرح: الأضبط بن قريع: 1: 266 يداويها: البسيط:: 3: 268 داعيها: البسيط: أخت عمرو ذي الكلب: 5: 418 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 190 تراقيها: البسيط:: 5: 168 ساقيها: البسيط: البحتري: 6: 123 قاضيها: البسيط:: 3: 221 طاهيها: البسيط: البحتري: 8: 191 أعاديها: البسيط:: 4: 335 عاريها: البسيط:: 5: 362 وتمضيها: البسيط: أشجع السلميّ: 4: 140 مغانيها: البسيط: البحتري: 5: 386 أيديها: البسيط: القصافي: 5: 261 مجزيها: البسيط: عمرو بن مالك الحارثي: 3: 126 وأصبيها: البسيط: البحتري: 6: 96 دهاها: مخلع البسيط: دعبل: 5: 141 لها: الكامل: عروة بن أذينة: 6: 63 نسجاها: الكامل: ذو الرمة: 5: 270 بيديها: الكامل: ديك الجن: 6: 210 مدلّها: الكامل: ابن المعتز: 8: 385 إليها: الرجز: أبو النجم العجلي: 3: 374 أخراها: الرجز:: 5: 339 غايتاها: الرجز:: 7: 266 بكاها: الوافر: قيس بن ذريح: 6: 101 بناها: الوافر: أبو الحسن ابن منقذ: 8: 123 هجاها: الوافر: أبو الرديني العكلي: 5: 99، 132 حادياها: الوافر: محمود بن الحسن الوراق: 9: 269 سواها: الوافر: العباس بن مرداس: 2: 417، 493 فاها: الوافر: قيس بن الملوح: 6: 184 كواها: الوافر:: 5: 28 كراها: الوافر: أبو تمام: 9: 18 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 191 أتّقيها: مجزوء الرمل: ابن المعتز: 6: 103 وأعاطيها: السريع: أبو نواس: 8: 371 سفيها: الخفيف: أبو عثمان الخالدي: 8: 388 بها: المتقارب: الأعشى: 8: 351، 358 جناها: المتقارب: ابن هرمة: 7: 79 لها: المتقارب: امرؤ القيس: 7: 47 لها: المتقارب: إسماعيل بن عبدون الكاتب المغربي: 8: 324 منشاها: المنسرح: السري الرفاء: 2: 78 وأخراه: البسيط: أبو الفضل ابن العميد: 8: 315 وتكره: الكامل: ابن الرومي: 7: 33 فتكره: الكامل: المتنبي: 7: 311 تراه: الوافر:: 6: 406 هواه: الخفيف:: 6: 200 فيه: الطويل: البحتري: 5: 317، 6: 123 نبيه: الطويل: البحتري: 7: 123 يديه: الطويل: أبو العتاهية: 9: 40 فيه: البسيط:: 3: 32 مبليه: البسيط: أبو إسحاق الصابي: 5: 13 صه: الكامل:: 2: 53 المكروه: الكامل:: 4: 18 حاجبيه: الرجز: العلوي: 2: 436 فيه: الرجز: عمرو بن عدي: 7: 147 عليه: الوافر:: 1: 452 فيه: الوافر: أبو محمد المهلبي: 5: 71 لديه: الوافر: أبو العتاهية: 9: 151 نسيه: الوافر:: 5: 71 مقلتيه: الرمل المجزوء:: 8: 311 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 192 والتيه: السريع:: 5: 174 وأبيه: الخفيف: الحريري: 8: 314 جانبيه: الخفيف: ابن حيان المغربي: 5: 329 جانبيه: المتقارب: الجهرمي: 5: 155 توصه: المتقارب: الزبير بن عبد المطلب: 1: 399 وأخفيه: المنسرح: ابن الحجاج: 6: 197 - و غدوّ: الخفيف: محمد بن أحمد الأصبهاني: 5: 335 - ي- رويّ: البسيط: محمد بن الحسين الآمدي: 9: 426 العشي: المتقارب: الصلتان العبدي: 1: 281 الموصلي: المتقارب: طياب بن إبراهيم الموصلي: 7: 273 الرمي: الوافر: أبو تمام: 8: 139 الأعاديا: الطويل: النابغة الجعدي: 5: 195 احتماليا: الطويل: جرير: 7: 282 باقيا: الطويل: جرير: 5: 44 باقيا: الطويل: جرير: 9: 236 باقيا: الطويل: المتنبي: 2: 313 باليا: الطويل: سحيم: 4: 358 باديا: الطويل: ذو الرمة: 5: 175 تفاديا: الطويل: جرير: 7: 306 جازيا: الطويل: المتنبي: 3: 30 جازيا: الطويل: مالك بن الريب المازني: 8: 128 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 193 مداويا: الطويل:: 5: 42 دوائيا: الطويل: كثير عزة: 8: 20 داميا: الطويل:: 8: 26 مدانيا: الطويل:: 9: 417 ذاكيا: الطويل: سحيم: 6: 118 ردائيا: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 6: 35 زاهيا: الطويل: القصافي: 4: 339 صاحيا: الطويل:: 2: 384 صافيا: الطويل: نافع بن لقيط الأسدي: 2: 220 صافيا: الطويل: المتنبي: 4: 378 صافيا: الطويل:: 5: 77 وعاديا: الطويل: عبد يغوث بن وقاص الحارثي: 3: 394 فؤاديا: الطويل: هلال بن نضلة الربعي: 4: 323 فؤاديا: الطويل: جميل بثينة: 7: 253 التقاضيا: الطويل: معاذ بن كليب الخويلدي: 5: 230 تقاضيا: الطويل:: 8: 160 كافيا: الطويل: حارثة بن بدر: 3: 319 ليا: الطويل: جرير: 2: 66 ليا: الطويل: جرير: 7: 296 ليا: الطويل: ابن شبرمة: 3: 181 ليا: الطويل: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: 5: 35، 7: 296 ليا: الطويل: صخر بن عمرو بن الشريد: 5: 95 ليا: الطويل: أبي بن حمام بن قراد بن مخزوم العبسي: 7: 47 اللياليا: الطويل: منصور النمري: 4: 205 لياليا: الطويل: ابن الرومي: 6: 18 لياليا: الطويل: جميل بثينة: 6: 72 لياليا: الطويل: صهيب بن نبراس العنبري: 9: 334 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 194 لاقيا: الطويل: جرير: 7: 101 لاقيا: الطويل: المغيرة بن حبناء: 5: 34 معاويا: الطويل: صخر بن عمرو: 4: 238 مكانيا: الطويل: مالك بن الريب: 7: 306 انتقاليا: الطويل: جرير: 3: 399 ناجيا: الطويل: زهير بن أبي سلمى: 4: 198 متنائيا: الطويل: طرفة بن العبد: 8: 9 لسانيا: الطويل: جرير: 5: 399 هاديا: الطويل: عمرو بن شأس: 6: 118 هيا: الطويل: أبو نواس: 8: 371 هيا: الطويل: زفر بن الحارث: 5: 191، 8: 280 ورائيا: الطويل: جعفر بن علبة الحارثي: 2: 477 ورائيا: الطويل: الراعي النميري: 7: 283 ورائيا: الطويل: سوار بن مضرب: 5: 231 واقيا: الطويل:: 7: 33 اليمانيا: الطويل: المتنبي: 2: 78 حماميا: الطويل: قطري بن الفجاءة المازني: 2: 415 بلائيا: الطويل: زفر بن الحارث: 2: 448 وثاقيا: الطويل: أبو محجن الثقفي: 2: 455 التأسيا: الطويل: سليمان بن قتة: 2: 462 تغانيا: الطويل: الأعشى: 3: 135 بازيا: الطويل: ذو الرمة: 4: 19 النّواصيا: الطويل: المتنبي: 4: 68 ثاويا: الطويل: منصور النمري: 4: 209 تنائيا: الطويل:: 4: 241 ارتدانيا: الطويل: أبو حكيم المرّي: 4: 274 البواكيا: الطويل: الفرزدق: 4: 280 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 195 نابيا: الطويل: الشريف الرضي: 5: 78 كاسيا: الطويل: القلاخ بن حزن: 5: 114 صاليا: الطويل: الشريف الرضي: 7: 307 المراميا: الطويل: إياس بن القائف: 8: 120 سرباليا: الكامل: أبو النجم العجلي: 6: 221، 9: 400 السقيا: الكامل المرفل: دعبل: 6: 93 الأرشيه: الرجز:: 2: 406 السجايا: الوافر: السري الرفاء: 6: 92 الجليا: الخفيف: سديف: 5: 199 غنيا: الخفيف: الحمدوني: 5: 436 قطريّا: الخفيف: الحارث بن خالد المخزومي: 2: 426 المطي: الرجز:: 7: 269 العصيّ: الوافر: امرؤ القيس: 7: 118 وليّ: الوافر: ابن الرومي: 5: 347 وليّ: الخفيف: أبو عثمان الخالدي: 5: 30 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 196 فهرس ال أ علام أ آدم 2: 182، 3: 68، 388، 389، 390، 449، 4: 49، 59، 103، 130، 273، 374، 5: 159، 6: 45، 226، 238، 274، 386، 432، 433، 7: 172، 262، 313، 320، 9: 73، 144 آدم ب ن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز 4: 313، 8: 373، 391 آسية (امرأة فرعون) 9: 10 آمنة بنت سعيد بن العاصي 5: 196 آمنة بنت وهب 3: 416 أبان اللاحقي 4: 386، 9: 240 أبان بن تغلب 3: 337، 338 أبان بن سعيد 8: 140 أبان بن طارق 9: 115 أبان بن عبد الله النميري 5: 130 أبان بن عبدة بن العباس بن مسعود 5: 368 أبان بن عثمان بن عفان 9: 336، 337، 338 أبان بن الوليد 4: 102، 8: 256 الأبجر (المغني) 9: 66، 67 أبجر بن بجير 9: 179 إبراهيم (ابن الرسول) 3: 417، 4: 244، 9: 363 إبراهيم الإمام 2: 31، 134 إبراهيم التيمي 9: 265 إبراهيم الحراني 7: 239 إبراهيم الخليل 1: 133، 251، 2: 228، 359، 3: 238، 326، 415، 444، 6: 9، 10، 251، 253، 293، 316، 319، 397، 7: 158، 165، 262، 275، 8: 21، 9: 109، 224، 255 إبراهيم الرقيق الكاتب المغربي 4: 153، 212، 5: 311 إبراهيم الصائغ 9: 279، 280 إبراهيم بن أبان 7: 14 إبراهيم بن أبي عبلة 9: 277 ابراهيم بن أدهم 1: 175، 176، 177، 178، 179، 180، 186، 2: 140، 8: 107 إبراهيم بن إسحاق الحربي 1: 193، 194، 9: 348، 368 إبراهيم بن إسحاق الموصلي 2: 55، 56، 249، 3: 21، 31، 4: 285، 6: 209، 8: 188، 9: 14، 18، 21، 23، 28، 29، 30، 31، 32، 34، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 197 35، 46، 64، 72، 75، 230 إبراهيم بن إسماعيل بن داود 4: 197، 5: 68 إبراهيم بن الأشتر 2: 408، 461، 486 ابراهيم بن بشار الصوفي 1: 175، 179 إبراهيم بن التوأم 5: 110، 9: 243 إبراهيم بن جامع 4: 326 إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي 4: 32 إبراهيم بن الحكم البخاري 9: 267 إبراهيم بن حمدان 2: 49 إبراهيم بن داحة 9: 317 إبراهيم بن السندي 2: 51، 4: 60 إبراهيم بن سيابة ابن سيابة إبراهيم بن شكلة إبراهيم بن المهدي إبراهيم بن العباس الصولي 1: 270، 297، 2: 201، 203، 493، 3: 310، 411، 4: 47، 48، 52، 72، 100، 240، 278، 282، 354، 369، 374، 5: 50، 51، 59، 98، 216، 224، 225، 6: 70، 328، 357، 8: 44، 9: 402، 403 إبراهيم بن عبد الله اليقطيني 4: 119 إبراهيم بن عبد الله بن الحسن 1: 440، 460، 2: 464، 475، 488، 3: 76، 196، 316، 4: 255، 256، 8: 253، 9: 148، 240، 241، 249، 250، 282 إبراهيم بن عبد الله بن مطيع 2: 296 إبراهيم بن عتاب 5: 173 إبراهيم بن عيسى الكاتب 4: 186 إبراهيم بن غسان 9: 267، 268 إبراهيم بن محمد العدوي 3: 110 إبراهيم بن محمد بن طلحة 2: 34، 296 إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس 9: 148 ابراهيم بن مخرمة الكندي 3: 411، 412، 413 إبراهيم بن المدبر 1: 438، 4: 56، 186، 8: 134، 135 إبراهيم بن المهدي 2: 131، 229، 3: 136، 177، 178، 4: 90، 117، 118، 119، 124، 126، 127، 128، 266، 275، 380، 5: 11، 138، 201، 202، 327، 7: 250، 8: 23، 24، 25، 169، 170، 171، 253، 305، 311، 9: 13، 14، 21، 22، 28، 49، 50، 51، 52، 54، 69، 219 إبراهيم بن ميمون 8: 181 إبراهيم بن ناصر الدولة، الحسن بن حمدان 4: 234 إبراهيم بن النعمان بن بشير الأنصاري 5: 114 إبراهيم بن نوح 3: 318 إبراهيم بن هرمة ابن هرمة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل ... بن المغيرة 2: 158، 202، 359، 6: 149، 8: 259 إبراهيم بن هلال الصابي أبو إسحاق الجزء: 10 ¦ الصفحة: 198 الصابي إبراهيم بن يزيد النخعي 3: 193، 6: 11، 8: 102 الأبرش الكلبي 7: 201، 8: 161 أبرويز 1: 256، 297، 301، 307، 313، 341، 439، 3: 215، 6: 315، 8: 213، 9: 118 أبزى (الحداد) 8: 244 ابن أبي البغل أبو الحسين ابن أبي البغل البغدادي ابن أبي بكير الهذلي 7: 344 ابن أبي حفص العطار 9: 128 ابن أبي الحكم 7: 321 ابن أبي خالد أحمد بن أبي خالد الأحول ابن أبي الخير العبسي 4: 80، 81، 9: 266 ابن أبي داود أحمد بن أبي دواد ابن أبي ذئب 9: 283، 284، 411 ابن أبي زهير المديني 3: 43 ابن أبي السلاسل 2: 81 ابن أبي السمط- عبد الله بن أبي السمط ابن أبي سنة، أبو سعيد (مولى فايد) 7: 276 ابن أبي الشوارب 9: 185، 265 ابن أبي صعصعة 7: 381 ابن أبي عتيق 2: 409، 4: 371، 372، 5: 321، 6: 146، 147، 148، 199، 7: 240، 8: 222، 260، 9: 38، 39، 63، 371، 372، 397، 407 ابن أبي عدي 1: 199 ابن أبي العلاء 9: 62 ابن أبي علقمة 2: 93، 3: 319، 320، 5: 85، 9: 432 ابن أبي علي الثقفي 8: 332 ابن أبي عيينة 5: 113، 120، 159، 8: 122، 124، 200، 9: 28 ابن أبي فروة (كاتب مصعب بن الزبير) 2: 461، 8: 251 ابن أبي قبيصة 8: 64 ابن أبي قحافة- أبو بكر الصديق ابن أبي كريمة 5: 273، 8: 378 ابن أبي ليلى، عبد الرحمن 3: 192، 7: 267، 8: 225، 9: 280، 281، 285، 370 ابن أبي ليلى، محمد بن عبد الرحمن 8: 238، 239 ابن أبي محجن 2: 468 ابن أبي مريم المديني 7: 320، 8: 188 ابن أبي مليكة 2: 470، 9: 41 ابن أبي النجم العجلي- شيبان بن أبي النجم العجلي ابن أبي الهيجاء 6: 82 ابن أثال (الطبيب) 2: 453 ابن أحمر- عمرو بن أحمر ابن الأزرق- إسحاق بن الأزرق ابن الأسود الكلبي 2: 492 ابن الأشتر- مالك بن الحارث الأشتر ابن الأشعث، عبد الرحمن بن محمد 2: 62، 459، 3: 25، 51، 5: 203، 8: 231، 232، 9: 344 ابن الإطنابة 2: 67 ابن الأعرابي 2: 218، 495، 3: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 199 16، 271، 300، 5: 125، 7: 63، 275، 276، 354، 8: 176، 312، 393، 9: 383 ابن أعين 8: 87 ابن الأنباري 9: 442 ابن أنس السلمي 7: 347 ابن الأهتم- خالد بن صفوان ابن باذشاه 2: 374 ابن برد الشامي 2: 247 ابن بزيع- عمر بن بزيع ابن بسام البغدادي، علي بن محمد بن نصر 8: 121، 9: 428 ابن بشر ابن مروان- عبد الملك بن بشر بن مروان ابن بقية 4: 296، 5: 384، 6: 362 ابن بقيلة- عبد المسيح بن بقيلة الغساني ابن البواب (الحاجب) 4: 112 ابن بيض- حمزة بن بيض ابن التوأم- إبراهيم بن التوأم ابن تيزن (المغني) 9: 13، 34 ابن ثوابة، أحمد بن محمد، أبو العباس 2: 82، 83، 3: 102، 250، 5: 56، 7: 186، 9: 409 ابن ثور الأسدي 7: 386 ابن جامع (المغني) 4: 260، 8: 188، 246، 9: 13، 14، 21، 29، 30، 31، 46، 47، 75 ابن جدعان- عبد الله بن جدعان ابن جرموز- عمرو بن جرموز ابن جريج، عبد الملك بن عبد العزيز 6: 149، 7: 395، 9: 34، 116 ابن الجصاص 3: 273، 275، 4: 287، 288، 6: 217، 8: 68، 9: 62، 446 ابن جكينا 4: 382، 5: 57 ابن جندب 6: 151 ابن جني، عثمان 6: 405 ابن الجهم- علي بن الجهم ابن حازم الباهلي، محمد 2: 251، 3: 103، 4: 91، 5: 133 ابن حبناء 7: 204 ابن حبيب- يونس بن حبيب ابن الحجاج، أبو عبد الله (الشاعر) 2: 164، 251، 3: 221، 4: 265، 345، 5: 107، 176، 178، 434، 435، 6: 60، 66، 74، 105، 107، 110، 197، 217، 218، 7: 189، 8: 148، 208 ابن حريث- عمرو بن حريث ابن حزم- أبو بكر، محمد بن عمرو بن حزم ابن الحسام (حاجب) 9: 348 ابن الحمام- أبيّ بن حمام ابن الحمامة 2: 318 ابن حميد (التاجر) 2: 119 ابن حميد، أبو نصر الطوسي 5: 126، 247 ابن حيان المغربي، محمد بن عطية 5: 329، 418، 426 ابن الخطفى- جرير (الشاعر) ابن خلف الهمداني- أبو الفرج، حمد بن خلف الهمداني ابن الخياط 5: 126 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 200 ابن دأب 7: 161 ابن دارة- عبد الرحمن بن دارة الفزاري ابن داود العتبي 7: 277، 8: 161 ابن الدثنة ابن عفرس 7: 370 ابن دراج- عثمان بن درّاج ابن دريد الأزدي، أبو بكر 3: 189، 4: 48، 6: 33، 41، 90، 403، 406، 7: 271، 8: 291، 9: 95 ابن دشومة 9: 307 ابن الدمينة- عبد الله بن الدمينة الخثعمي ابن دينار الواسطي 4: 367 ابن ذي الكلاع 5: 190 ابن ذي يزن 8: 48 ابن الراس، علي 4: 282 ابن الراهبوني 8: 60 ابن الراوندي 9: 74 ابن الربيب المغربي 2: 470، 4: 212 ابن رشيق المغربي- الحسن بن رشيق الأزدي ابن رغبان 1: 434 ابن رميح 9: 337 ابن الرومي 1: 254، 272، 2: 110، 184، 227، 305، 308، 474، 3: 156، 306، 436، 4: 47، 52، 62، 82، 91، 170، 171، 182، 266، 282، 367، 5: 15، 22، 46، 47، 68، 72، 106، 145، 146، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 154، 165، 277، 278، 289، 308، 312، 314، 316، 317، 319، 322، 323، 325، 334، 346، 347، 352، 355، 356، 358، 359، 360، 374، 405، 406، 408، 412، 419، 420، 421، 422، 435، 437، 442، 443، 444، 6: 14، 17، 18، 19، 29، 65، 78، 79، 97، 107، 114، 124، 125، 126، 132، 192، 193، 7: 33، 142، 301، 8: 94، 122، 162، 163، 164، 278، 378، 387، 389، 9: 19، 125، 255، 339، 391، 396، 398 ابن الريان المكي 9: 390 ابن الزبعرى- عبد الله بن الزبعرى ابن الزبير- عبد الله بن الزبير ابن زرارة- عبد العزيز بن زرارة ابن زرقاء- مروان بن الحكم ابن زريق الكاتب 8: 144 ابن زهير الكلبي 5: 294 ابن الزيات- محمد بن عبد الملك الزيات ابن زياد- عبيد الله بن زياد ابن زيادة بن الخشرم 5: 196 ابن السائب 3: 78 ابن السراج 6: 406 ابن سريج (المغني) 6: 143، 8: 187، 389، 9: 9، 11، 12، 13، 18، 24، 47، 61 ابن سعدان، أبو عبد الله (الوزير) 3: 216، 4: 148، 6: 346، 403، 8: 157 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 201 ابن سعدان المؤدب 7: 193 ابن سكرة الهاشمي، محمد بن عبد الله بن محمد، أبو الحسن 4: 190، 222، 5: 84، 85، 121، 434، 6: 218، 8: 207، 374 ابن السكيت، يعقوب بن إسحاق 1: 89، 6: 395، 396، 7: 191، 277، 365، 8: 164 ابن سلام- عبد الله بن سلام ابن سلمة الزهري (المغني) 9: 9 ابن سماعة الأسدي 6: 137 ابن السماك الواعظ 1: 191، 227، 2: 186، 3: 268، 4: 195، 266، 338، 377، 8: 166 ابن سهيل 5: 37 ابن سويد بن المنذر (الغرور) 9: 178، 180 ابن سيابة 4: 285، 5: 161، 7: 189، 8: 111، 9: 364، 390، 405، 441 ابن سيرين 1: 23، 164، 2: 92، 3: 62، 8: 80، 117، 251، 9: 310، 311، 373 ابن سيف 9: 223 ابن شاهين (المحدث) 7: 319 ابن شبرمة (القاضي) 2: 99، 476، 3: 181، 7: 211، 228، 243، 290، 8: 154، 155، 225، 259، 260، 286، 9: 262، 280 ابن شبيب (حاجب ابن الفرات) 9: 259 ابن شهاب- الزهري ابن صدقة المري 8: 331 ابن صرمة الأنصاري 2: 202 ابن صفوان- عبد الله بن صفوان ابن صياد 5: 127 ابن طاووس 3: 186، 187 ابن طباطبا، محمد بن إبراهيم بن إسماعيل 3: 351، 4: 286، 377، 6: 291، 8: 133 ابن ظبيان- عبيد الله بن زياد بن ظبيان ابن عامر- عبد الله بن عامر بن كريز ابن عائشة (المغني) 3: 254، 8: 33، 312، 9: 12، 13، 62، 63، 64، 256 ابن عائشة، إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام 2: 471، 4: 117، 5: 63 ابن عباس- عبد الله بن عباس ابن عبد الأعلى الكاتب 9: 259 ابن عبد كان 3: 352، 4: 120 ابن عبد الواسع المازني 9: 447 ابن عبدل، الحكم- الحكم بن عبدل ابن عبدون الكاتب المغربي، أبو إسماعيل 5: 353، 355، 416، 8: 69، 70، 158 ابن عرادة السعدي 5: 49 ابن عرق 2: 34 ابن عريض بن عادياء الأزدي- السموأل ابن العصب الملحي 5: 83 ابن عطية الثعلبي 9: 266 ابن عمار 9: 414 ابن عمار الطائي (نديم النعمان بن المنذر) 8: 361، 362 ابن عمارة السلمي 9: 61 ابن عمر- عبد الله بن عمر بن الخطاب الجزء: 10 ¦ الصفحة: 202 ابن العميد، أبو الفتح 4: 223، 5: 14، 15، 8: 168، 9: 264 ابن العميد، أبو الفضل 1: 307، 4: 226، 5: 52، 70، 414، 6: 331، 345، 376، 422، 8: 144، 315، 317 ابن عنقاء- أسيد بن عنقاء ابن عنمة الضبي 6: 375، 7: 341 ابن عون الفقيه 2: 145 ابن عياش- عبد الله بن عياش المنتوف ابن عيينة- سفيان بن عيينة ابن الغريرة 4: 209 ابن الفرات، أبو الحسن (الوزير) 1: 454، 455، 3: 51، 273، 274، 363، 4: 118، 8: 27، 155، 9: 259، 260 ابن الفرات، أبو العباس 1: 455، 456 ابن فسانجس- محمد بن العباس بن فسانجس ابن الفضيل 1: 226 ابن قاضي ميلة المغربي 5: 294، 8: 363 ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم 5: 175، 7: 396، 8: 314 ابن قراتكين 2: 494 ابن القريّة 3: 270، 5: 245، 9: 291 ابن قريعة القاضي، محمد بن عبد الرحمن- أبو بكر ابن قريعة (القاضي) ابن القزاز المغربي 4: 211، 8: 322 ابن قزعة، عبيد الله 5: 115 ابن قيس الرقيات 2: 271، 433، 4: 35، 335، 5: 48، 310، 6: 146، 148، 7: 203، 270، 8: 22 ابن كثير (القارئ) 3: 148 ابن الكرماني 2: 32 ابن كشاجم 9: 19، 20 ابن الكلبي- هشام بن محمد بن السائب الكلبي ابن الكلبية- مصعب بن الزبير ابن كناسة 4: 81 ابن الكواء 3: 68، 8: 88 ابن اللبان 6: 421 ابن لجأ- عمر بن لجأ ابن لنكك البصري 5: 154، 156، 380، 6: 80، 7: 93، 8: 398 ابن ليلى- عبد العزيز بن مروان ابن الماحوز 4: 138 ابن مارية الغساني 9: 333 ابن ماسويه، يوحنا 9: 446 ابن المبارك 1: 191، 211، 224، 2: 95، 3: 78، 217، 218، 4: 362، 8: 104، 9: 34، 188، 285 ابن محرز (المغني) 9: 47 ابن المدبر، أحمد- أحمد بن المدبر ابن مرجانة- عبيد الله بن زياد ابن مسجح 9: 24، 25، 26 ابن مسعود- عبد الله بن مسعود ابن مسمع 7: 195 ابن المسيب- سعيد بن المسيب ابن مضاء الرازي 9: 433 ابن مطيع- عبد الله بن مطيع العدوي ابن المعتز 1: 270، 455، 2: 54، 121، 210، 3: 99، 100، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 203 131، 153، 159، 190، 269، 306، 4: 72، 122، 285، 318، 362، 368، 378، 5: 158، 167، 248، 263، 275، 276، 277، 289، 297، 300، 301، 318، 323، 324، 325، 326، 328، 329، 330، 331، 335، 340، 341، 342، 346، 347، 348، 352، 357، 358، 364، 365، 368، 374، 377، 390، 411، 412، 419، 426، 439، 6: 26، 29، 98، 102، 103، 107، 115، 7: 83، 299، 300، 309، 8: 61، 68، 84، 123، 373، 377، 378، 380، 384، 385، 386، 388، 389، 9: 20، 116، 296، 392 ابن معروف، عبيد الله أبو محمد 3: 353، 9: 185 ابن مفرغ الحميري 2: 115، 159، 302، 303، 451، 5: 407، 444، 7: 228، 8: 47، 48، 313 ابن مقبل- تميم بن أبيّ بن مقبل ابن المقفع، عبد الله 1: 295، 301، 304، 306، 368، 376، 380، 386، 398، 2: 90، 294، 3: 299، 302، 391، 4: 244، 368، 377، 6: 271، 7: 276، 277، 8: 223، 236 ابن مكرم 4: 56، 344، 5: 27، 173، 9: 408، 409، 410، 416، 428، 429، 440 ابن ملجم- عبد الرحمن بن ملجم ابن مليكة 9: 8 ابن مناذر، محمد- محمد بن مناذر ابن المنجم 3: 189 ابن المولى 6: 146، 7: 44 ابن ميادة، الرماح بن أبرد، أبو شرحبيل 1: 460، 2: 139، 3: 51، 5: 338، 6: 68، 138 ابن ميخائيل المغربي 2: 73، 5: 252، 319 ابن ميمون الأنباري الكاتب 5: 232 ابن نباتة، عبد الرحيم بن محمد 6: 294، 296 ابن نباتة السعدي، أبو نصر 2: 154، 3: 161، 4: 53، 5: 213، 233، 250، 266، 297، 381، 6: 65، 73، 104، 126، 194، 195، 7: 149، 126، 194، 195، 7: 149، 8: 26، 127، 128، 134، 364، 9: 326 ابن نصر الكاتب 3: 377، 4: 42، 94، 163، 168، 172، 182، 293، 383، 5: 18، 20، 227، 333، 431، 6: 284، 302، 368، 418، 430، 8: 325، 9: 72 ابن النفاط 9: 356 ابن نفيس، يحيى 9: 41 ابن نهية 1: 447 ابن النوت 5: 391 ابن هارون ابن عمران الكاهن 3: 12 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 204 ابن الهبولة، زياد 7: 384، 385، 386 ابن هبيرة- عمر بن هبيرة- يزيد بن عمر بن هبيرة ابن هرمة 2: 68، 267، 296، 312، 337، 338، 383، 425، 434، 3: 126، 127، 4: 21، 22، 5: 41، 389، 403، 7: 79، 106، 199، 200، 205، 232، 250، 286 ابن هرمز 3: 195 ابن واقد 7: 58 ابن وكيع 5: 134 ابن وهب- سعيد بن وهب ابن وهيب- محمد بن وهيب الحميري ابن ياسين (الشاعر) 6: 187 ابن يعقوب- عيسى بن مروان ابن يوسف البصري الخاطىء 5: 72 ابن يونس (فقيه مصر) 7: 247 ابنة جبلة بن الأيهم 9: 172 ابنة جميل بن عمرو 9: 210 ابنة حاتم الطائي 2: 173 ابنة الحكم بن عبدل 7: 201 ابنة ربيعة بن بدر الفزارية 7: 13 ابنة سعد بن قدار 7: 16 ابنة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب 5: 235 ابنة عبد الله بن جعفر 2: 48 ابنة عبد الله بن مطيع العدوي 9: 417 ابنة عقيل بن علفة 7: 198 ابنة غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي 5: 307 ابنة قيس بن الحسحاس العنبري 8: 30 ابنة قيس بن عاصم 7: 333 ابنة لبيد 2: 270 ابنة مروان بن محمد 2: 133، 9: 240 ابنة منظور بن زبّان 9: 193 ابنة هانىء بن قبيصة 7: 110 ابنة هرم بن سنان 4: 9 ابنة هشام بن المغيرة 2: 129 ابنة يزيد بن المهلب 3: 445 أبو إبراهيم المزني، إسماعيل بن يحيى المزني الفقيه 3: 201، 202، 8: 225 أبو أحمد ابن الرشيد 5: 163 أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي 6: 296 أبو إسحاق الحصري الأنصاري المغربي 6: 61، 188 أبو إسحاق الزجاج 3: 67، 4: 131، 132، 287، 6: 406، 7: 110، 354، 8: 144 أبو إسحاق الشيرازي 7: 254، 272 أبو إسحاق الصابي 1: 297، 303، 3: 153، 353، 4: 88، 95، 97، 143، 159، 166، 170، 172، 182، 184، 223، 296، 306، 325، 385، 5: 13، 14، 24، 69، 77، 278، 281، 289، 299، 307، 317، 321، 399، 410، 415، 429، 6: 308، 309، 314، 334، 335، 336، 338، 351، 357، 359، 363، 364، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 205 405، 8: 67، 108، 157، 168، 9: 325، 354، 355، 356، 376 أبو إسحاق الفزاري 4: 362 أبو إسحاق المروزي 1: 271 أبو إسحاق النحوي (الهدهد) 4: 131، 132 أبو إسحاق بن حجر الأنطاكي 9: 110 أبو الأسد التميمي (الشاعر) 3: 432، 4: 285، 5: 81، 117، 132، 176 أبو إسماعيل الكاتب- ابن عبدون الكاتب أبو الأسود الدؤلي 2: 286، 300، 318، 319، 333، 334، 341، 3: 159، 160، 164، 301، 319، 342، 371، 4: 373، 5: 55، 72، 428، 6: 18، 141، 7: 163، 216، 222، 223، 233، 8: 119، 9: 107 أبو الأغر 3: 372 أبو الأقرع 7: 246 أبو أمامة- شريح القاضي أبو أمامة (أعرابي) 9: 381 أبو أمامة الباهلي 3: 95، 9: 8 أبو أيوب (والد عبيد الله بن سليمان) 9: 298، 301، 302 أبو أيوب الأنصاري 4: 268 أبو أيوب المكي 4: 81 أبو أيوب المورياني، سليمان الكاتب 1: 167، 7: 221، 8: 257، 9: 266، 319، 320، 321 أبو براء، عامر بن مالك (ملاعب الأسنة) 2: 125، 7: 16، 127، 396، 397، 398، 399، 400، 401، 402 أبو بردة ابن أبي موسى الأشعري 8: 80، 226، 227، 9: 201 أبو بشر ابن أكثم 9: 185 أبو بصير 6: 429، 9: 197 أبو البقاء 6: 428 أبو بكر (الراوي) 8: 381 أبو بكر، العلاء بن الحضرمي 9: 177، 178، 180 أبو بكر، محمد بن عمرو بن حزم 3: 220، 282، 283، 284، 4: 304، 8: 158، 9: 27 أبو بكر، هبة الله بن الحسن الشيرازي 6: 26 أبو بكر الأبهري 9: 45، 185 أبو بكر الأشجعي 3: 256 أبو بكر الخالدي 4: 172، 5: 82، 171، 418، 7: 301 أبو بكر الخوارزمي 4: 55، 5: 369، 9: 288، 313، 353 أبو بكر الرازي 9: 185 أبو بكر الصديق 1: 50، 87، 119، 120، 121، 139، 146، 150، 172، 243، 289، 408، 2: 17، 103، 481 3: 9، 30، 211، 327، 328، 331، 4: 13، 213، 249، 254، 266، 268، 351، 5: 82، 183، 6: 254، 255، 257، 258، 259، 261، 268، 285، 432، 7: 24، 160، 161، 173، 185، 197، 217، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 206 230، 239، 352، 397، 8: 9، 29، 175، 228، 229، 293، 294، 297، 9: 82، 145، 154، 155، 158، 162، 190، 193، 253، 284، 354، 365، 366، 419 أبو بكر العرزمي 1: 283، 2: 219، 8: 102 أبو بكر الهذلي 2: 145، 3: 391، 8: 310 أبو بكر الوراق التميمي المغربي 6: 72، 9: 441 أبو بكر اليوسفي 6: 194 أبو بكر ابن الباقلاني 9: 45 أبو بكر ابن حفص 1: 138 أبو بكر ابن سيار 9: 185 أبو بكر ابن عبد الرحمن 2: 102 أبو بكر ابن عبد الله بن حزم 4: 334، 6: 276 أبو بكر ابن العلاف، الحسن بن علي بن أحمد 4: 291، 9: 104 أبو بكر ابن عياش 1: 364، 9: 131، 343 أبو بكر ابن قريعة (القاضي) 2: 363، 364، 3: 225، 4: 296، 298، 6: 308، 7: 247، 9: 119، 325، 354، 355، 356، 376، 395 أبو بكر ابن مكرم- ابن مكرم أبو بكر ابن المنكدر 2: 308، 8: 176 أبو بكرة، نفيع بن مسروح 3: 312، 7: 373، 8: 49، 9: 210، 211، 212، 213 أبو بلال، مرداس بن أدية 2: 397، 487، 3: 11، 6: 251 أبو البيداء الأعرابي 3: 108 أبو البيداء الرياحي 7: 272 أبو تراب- علي بن أبي طالب أبو تراب النخشبي 9: 92 أبو تغلب ابن ناصر الدولة الحمداني 2: 108، 6: 335، 337، 8: 169 أبو تمام 1: 270، 438، 2: 110، 125، 192، 251، 3: 264، 3: 160، 264، 437، 4: 46، 47، 71، 86، 142، 215، 217، 263، 276، 386، 5: 21، 76، 144، 145، 246، 262، 316، 329، 341، 344، 348، 351، 375، 376، 383، 385، 388، 389، 390، 397، 404، 407، 408، 432، 6: 16، 23، 79، 86، 92، 123، 192، 7: 147، 202، 276، 289، 299، 301، 303، 304، 314، 315، 8: 25، 123، 131، 134، 139، 162، 171، 202، 203، 379، 9: 240، 374 أبو تمام الدباس 5: 169 أبو توبة 1: 194 أبو ثابت 2: 242 أبو ثعلب ابن حمدان 8: 64، 65 أبو ثمامة- مسيلمة الكذاب أبو الجديد 9: 61 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 207 أبو جعفر- يحيى بن خالد البرمكي أبو جعفر، دهقان بن ذي القرنين 5: 15 أبو جعفر، عبد الله بن محمد- المنصور العباسي أبو جعفر، محمد بن حبيب 2: 305، 6: 41، 7: 359 أبو جعفر، محمد بن القاسم الكرخي 8: 155 أبو جلدة اليشكري 2: 495، 4: 318، 5: 203 أبو جندب الهذلي 7: 389 أبو الجنوب بن أبي حفصة 9: 296 أبو جهل بن هشام بن المغيرة 3: 52، 388، 4: 351، 7: 401، 9: 353 أبو الجهم العدوي 2: 272، 389، 4: 18، 9: 20 أبو الجوائز 5: 48 أبو حاتم السجستاني 1: 412، 3: 189، 6: 33، 36، 38، 40، 41، 129، 403، 7: 178، 319، 8: 43 أبو حاتم الطائي 2: 297 أبو الحارث، جمين 2: 163، 371، 373، 376، 3: 111، 276، 5: 86، 6: 223، 9: 121، 403، 412، 413 أبو الحارث ابن زرارة 3: 429 أبو الحارث ابن المعجون (المغني) 8: 71 أبو حازم الأعرج 1: 182، 198، 200، 201، 202، 203، 204، 218، 229، 2: 133 أبو حازم القاضي 1: 443 أبو حازم المدايني 6: 147 أبو حامد البصري 5: 394 أبو حامد الغزالي 3: 233، 238، 241، 8: 284 أبو حبة الأنصاري 2: 317 أبو حبيب المغربي 5: 75، 6: 95 أبو الحجناء العبسي 4: 204 أبو حجيفة 9: 86 أبو حذيفة، عتبة بن ربيعة- عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس أبو حرب، زياد بن سهلويه 4: 149 أبو حرب ابن أمية بن عبد شمس 7: 371 أبو حردبة (اللص) 8: 263، 264 أبو حزوة (القاضي) 3: 221 أبو حسان الدقاق 3: 278 أبو الحسن، أحمد بن محمد الطويل 8: 60 أبو الحسن، أحمد بن محمد بن عبد العزيز ... بن أبي الشوارب- ابن أبي الشوارب أبو الحسن، علي بن إسحاق بن خلف الزاهي 5: 345 أبو الحسن، علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي 5: 353، 374، 8: 322، 323 أبو الحسن، علي بن القاسم القاشاني 8: 165 أبو الحسن، علي بن هارون المنجم 4: 336 أبو الحسن، محمد بن عمر بن يحيى العلوي 9: 265 أبو الحسن، هبة الله بن صاعد الطبيب 4: 382 أبو الحسن الأنباري 5: 384 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 208 أبو الحسن البصروي 9: 376 أبو الحسن التغلبي 4: 74 أبو الحسن السلامي 4: 63، 166، 5: 298، 352، 372، 6: 89، 126، 195، 8: 204 أبو الحسن الطوسي 7: 277 أبو الحسن الناشىء الأصغر 5: 52 أبو الحسن ابن أم شيبان 9: 185 أبو الحسن ابن العلاف 9: 104 أبو الحسن ابن فضالة النحوي 4: 190 أبو الحسن ابن منقذ 4: 114، 365، 5: 31، 8: 123 أبو الحسين (ابن حاجب النعمان) 2: 363 أبو الحسين البريدي 5: 170، 171 أبو الحسين الصوفي 9: 221، 222، 223 أبو الحسين الكاتب المغربي 4: 100 أبو الحسين ابن أبي البغل البغدادي 4: 54، 7: 249 أبو الحسين ابن أبي الطيب العلوي 2: 363 أبو الحسين ابن سعد 9: 314 أبو الحسين ابن سمعون 9: 45 أبو الحسين ابن طازاد 6: 432 أبو الحسين ابن فارس 6: 432 أبو الحسين ابن لنكك البصري- ابن لنكك البصري أبو حشر (خال بيهس نعامة) 7: 389 أبو حشيشة الطنبوري 2: 132 أبو حفص الشطرنجي 5: 75، 9: 403 أبو حفص الكرماني 8، 390، 9: 403 أبو الحكم، عبد المطلب بن عبد الله بن يزيد بن عبد الملك 3: 447 أبو حكيم المري 4: 274 أبو حكيمة (شاعر) 9: 427 أبو الحلال الهدادي 5: 265 أبو حمزة الثمالي 1: 108 أبو حمزة الخارجي 9: 61 أبو حنيف الأنطاكي 3: 77 أبو حنيفة (الإمام صاحب المذهب) 1: 145، 209، 211، 212، 442، 2: 222، 223، 224، 3: 66، 67، 192، 4: 121، 342، 6: 284، 7: 228، 229، 233، 243، 266، 267، 277، 278، 8: 78، 224، 225، 234، 236، 261، 292، 293، 9: 185، 187، 279، 280، 281، 282، 283، 284، 285، 286، 311، 368 أبو الحواجب الأنصاري 2: 338 أبو الحويرث السحيمي 5: 118، 119 أبو حية النميري 2: 429، 4: 322، 6: 19، 94، 167، 7: 283، 298 أبو خازم، عبد الحميد بن عبد العزيز السّكوني 3: 180، 183، 184 أبو خالد الأحول 2: 118، 119 أبو خراش الهذلي 2: 70، 147، 148، 200، 216، 217، 3: 256، 257، 258، 4: 216، 259، 5: 382، 7: 82، 389 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 209 أبو الخصيب (حاجب المنصور) 9: 266 أبو الخطاب، علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن الجراح 8: 68 أبو الخطاب الجبلي 6: 127 أبو الخطاب الصابي 4: 173، 5: 24، 224، 7: 301 أبو الخلائف 3: 62 أبو خليفة الجمحي 1: 441 أبو خليفة المحاربي 5: 65 أبو الخندق الأرمني 3: 290 أبو داود (المعلم) 3: 284 أبو دجانة، سماك بن خرشة الأنصاري 2: 483، 8: 297 أبو الدرداء، عويمر بن زيد 1: 132، 141، 148، 192، 3: 192، 236، 4: 352، 5: 32، 7: 43، 73، 8: 176، 199، 9: 365 أبو دلامة، زند بن الجون الكوفي 2: 489، 490، 491، 4: 287، 5: 172، 173، 6: 425، 8: 145، 182، 259، 260، 9: 389، 392 أبو دلف العجلي، القاسم بن عيسى 2: 196، 197، 458، 459، 460، 488، 489، 5: 193، 6: 16، 7: 214، 252، 8: 66، 202، 9: 36، 237، 238 أبو دلف ابن ركن الدولة 9: 220 أبو دهبل الجمحي 1: 430، 4: 30، 114، 6: 81، 110، 116، 150، 180، 181، 182، 183، 184، 9: 10 أبو دهمان (أمير نيسابور) 3: 111، 375 أبو دهمان الغلابي 3: 123 أبو دواد الإيادي 2: 151، 157، 5: 292، 379، 7: 281 أبو ذباب 9: 249 أبو ذر الغفاري 1: 56، 130، 131، 140، 141، 146، 192، 212، 2: 239، 3: 138، 269، 325، 327، 4: 58، 6: 217، 9: 353 أبو ذرّة الهذلي 3: 397 أبو ذفافة المصري 4: 52 أبو ذكوان (مولى عمر بن الخطاب) 8: 132 أبو الذواد، محمد بن المسيب العقيلي 4: 234 أبو ذؤيب الهذلي 2: 419، 3: 117، 4: 244، 251، 5: 272، 277، 339، 424، 6: 121، 131، 176، 186، 206، 427، 7: 112، 116، 212، 329، 331، 362، 8: 28، 29، 9: 234 أبو الربيس الكلابي 9: 336 أبو الربيع الغنوي 3: 444 أبو ربيعة المخزومي 6: 208 أبو رجاء العطاردي 9: 245 أبو الرديني العكلي 5: 99، 132 أبو رقية بن عامر القاري 3: 447 أبو رهم العنزي 7: 362 أبو رياح الأسدي 5: 298 أبو رياش اليمامي 2: 73، 5: 154، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 210 155، 7: 276 أبو الريان، حمد بن محمد 4: 146 أبو زبيد الطائي 2: 79، 3: 313، 5: 74، 267، 269، 7: 306 أبو الزبير، محمد بن مسلم بن تدرس 9: 116 أبو الزبير، المنذر بن عمرو 8: 45 أبو زكار الأعمى الطنبوري 3: 20، 21، 9: 64، 69، 70 أبو زكريا، يحيى بن علي التبريزي 6: 425 أبو زكريا النباذ 4: 344 أبو الزناد، عبد الله بن ذكوان 1: 459، 6: 145، 226 أبو زياد الأعرابي 4: 19 أبو زياد التميمي 3: 290 أبو زيد الأسلمي 2: 202 أبو زيد الأنصاري 7: 255، 9: 386 أبو زيد السروجي 6: 413، 414، 423، 424، 425 أبو زيد النحوي 7: 64، 66، 73، 89، 255، 354 أبو ساسان، أحمد بن العباس العجلي 5: 84 أبو سالم القاص 3: 279، 9: 454 أبو السائب المخزومي 6: 81، 110، 143، 145، 146، 148، 149، 150، 151، 173، 224، 225، 9: 9، 10، 41 أبو السرايا 1: 440، 3: 351، 6: 291 أبو سعيد الخدري 3: 173، 8: 79، 9: 245، 247 أبو سعيد الرستمي 5: 387 أبو سعيد السكري 2: 460 أبو سعيد السيرافي النحوي 9: 391 أبو سعيد الشبيبي 8: 168 أبو سعيد الكاتب 8: 110 أبو سعيد المخزومي 8: 103 أبو سعيد المدائني (القاص) 2: 335 أبو سفيان ابن أمية بن عبد شمس 7: 371 أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب 7: 95 أبو سفيان ابن حرب 2: 17، 37، 124، 129، 146، 3: 37، 52، 93، 205، 312، 396، 6: 181، 239، 7: 164، 401، 8: 14، 21، 46، 49، 201، 9: 164، 165، 166، 168، 169، 170، 171، 214، 215، 216، 372 أبو سلمة الطفيلي 9: 114 أبو سلمة ابن عبد الأسد المخزومي 6: 43 أبو السليل العنزي 5: 111 أبو سليمان، محمد بن بهرام السجستاني المنطقي 3: 241 أبو سليمان الداراني 1: 164، 195، 9: 96 أبو سليمان الطنبوري 5: 149 أبو سليمان ابن زيد النابلسي 8: 199 أبو سمال الحنفي 3: 107 أبو سهل، ديرويه 9: 355 أبو سهل البوشنجي 9: 401 أبو سهل النوبختي 5: 47 أبو سيارة 5: 255 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 211 أبو الشبل 4: 289، 292، 5: 175 أبو شجاع، فاتك 4: 231، 7: 316 أبو شراعة القيسي 8: 134، 135، 9: 338 أبو الشغب السعدي 4: 203، 273، 305 أبو الشمقمق 2: 324، 352، 5: 172، 8: 26، 27، 109، 110 أبو الشيص الخزاعي 6: 60، 7: 298 أبو صالح، عبد الله بن محمد بن يزداد 5: 147، 9: 220 أبو الصباح (أعرابي) 9: 377 أبو صخر الهذلي 4: 64، 6: 165، 8: 279 أبو صدقة (المغني) 8: 187، 188، 9: 69، 70، 71 أبو صعترة البولاني 6: 130 أبو الصقر القاسم، إسماعيل بن بلبل 4: 171، 5: 145، 146، 7: 186، 9: 342 أبو الصهباء، بسطام بن قيس بن مسعود 9: 195، 197 أبو الضحى، مسلم بن صبيح الهمداني 8: 171 أبو ضمضم 3: 224 أبو طالب، فليح 9: 305 أبو طالب الجراحي 4: 112 أبو طالب المأموني 8: 316 أبو طالب ابن البابقوني 8: 72 أبو طالب ابن عبد المطلب (عم الرسول) 1: 83، 2: 415، 471، 480، 3: 418، 4: 59، 6: 253، 7: 164، 187، 9: 263 أبو الطاهر- الزبير بن عبد المطلب أبو طاهر ابن بقية (الوزير) - ابن بقية أبو طاهر ابن جلنك 8: 390 أبو الطفيل، عامر بن واثلة الكناني 7: 217، 9: 308 أبو طلحة الأنصاري، زيد بن سهل 3: 329، 4: 312، 313، 8: 82 أبو الطمحان القيني 3: 34، 207، 315، 395، 404، 6: 38، 8: 393 أبو ظبيان الحمامي 9: 333 أبو العاج 7: 232، 233 أبو العاص ابن أمية بن عبد شمس 4: 32، 7: 371 أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس 3: 9 أبو عاصم النبيل 9: 116 أبو العالية الرياحي 2: 96، 5: 27، 8: 95، 9: 104 أبو عامر الراهب 7: 110 أبو عباد 2: 204، 7: 189 أبو عبادة 4: 132 أبو العباس، أحمد بن المختار بن أبي الجبر 4: 278، 5: 79 أبو العباس، درستويه 9: 355، 356 أبو العباس السفاح 1: 107، 260، 435، 451، 2: 30، 31، 47، 50، 145، 211، 473، 3: 23، 110، 158، 411، 412، 413، 4: 123، 130، 216، 287، 300، 5: 196، 197، 198، 199، 310، 6: 286، 287، 8: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 212 182، 256، 257، 9: 149، 209، 308 أبو العباس الضبي 6: 94 أبو العباس الطوسي 1: 298، 2: 272، 3: 308، 9: 282 أبو العباس الغانمي (الوزير) 6: 370 أبو العباس النامي- النامي، أحمد بن محمد المصيصي أبو العباس ابن ثوابة- ابن ثوابة، أحمد بن محمد أبو العباس ابن مسروق 9: 131 أبو عبد الجبار 6: 395 أبو عبد الرحمن الأعمى 2: 48 أبو عبد الله، أحمد بن علي بن المعمر 6: 376 أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن الحسين ابن سعدان- ابن سعدان (الوزير) أبو عبد الله، الحسين بن محمد 6: 331 أبو عبد الله، الحسين بن محمد السمري 8: 59 أبو عبد الله، محمد بن حامد- محمد بن حامد أبو عبد الله، محمد بن عبد الملك الفارقي السوداوي 2: 90، 4: 76 أبو عبد الله الأشناني 4: 307 أبو عبد الله الباقطائي 2: 81، 82، 83 أبو عبد الله البصري 9: 185 أبو عبد الله الزبيري- مصعب بن عبد الله الزبيري أبو عبد الله القزاز المغربي 2: 469، 4: 41 أبو عبد الله ابن الداعي العلوي 9: 184، 185 أبو عبد الله ابن مجاهد 9: 45 أبو عبيد، القاسم بن سلام 9: 313 أبو عبيد الثقفي، ابن مسعود 2: 458، 483 أبو عبيد الله (كاتب المهدي) 1: 355، 2: 118، 4: 55 أبو عبيد الله النحوي 6: 271، 7: 39، 115 أبو عبيد الله ابن يحيى 9: 410 أبو عبيدة، معمر بن المثنى 2: 100، 146، 244، 283، 3: 41، 54، 292، 430، 450، 4: 268، 324، 5: 87، 99، 129، 7: 56، 58، 88، 99، 131، 178، 273، 332، 340، 342، 345، 386، 387، 391، 393، 396، 8: 218، 257، 260، 279، 292، 9: 92، 124، 171، 192، 278، 393 أبو عبيدة ابن الجراح 1: 126، 7: 167، 168، 8: 29، 100، 9: 160 أبو عبيدة ابن زمعة القرشي 2: 359 أبو عبيدة ابن عبد الله الحارثي 4: 227 أبو عبيدة ابن عمار بن ياسر 6: 149 أبو عبيدة ابن محمد بن عمار 8: 259 أبو العتاهية 1: 219، 268، 2: 327، 328، 329، 381، 382، 383، 388، 3: 313، 4: 53، 316، 317، 5: 24، 57، 74، 156، 6: 18، 20، 103، 7: 297، 8: 144، 203، 205، 9: 39، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 213 151، 231، 232، 330، 332 أبو عثمان البتي 7: 271 أبو عثمان الخالدي 4: 308، 5: 30، 67، 81، 82، 171، 301، 319، 6: 89، 193، 7: 301، 8: 95، 135، 388 أبو عثمان النهدي 4: 332، 9: 212، 213 أبو العرجاء (جمّال) 9: 294 أبو عروة السباع 3: 53، 7: 341 أبو العريان 8: 235، 236 أبو العشائر ابن حمدان 2: 437 أبو عطاء السندي 2: 238، 316، 3: 233، 438، 4: 203، 228، 5: 55، 7: 37، 8: 99، 158 ابو العطاف الغنوي 8: 147 أبو العطوف 3: 289 أبو عقيل الثقفي 2: 321، 7: 236 أبو العلاء، صاعد 5: 85، 86، 7: 186 أبو العلاء المعري 5: 391، 6: 380، 387، 405، 9: 314 أبو العلاء ابن حسول (الوزير) 4: 115، 6: 350، 354 أبو علاثة التيمي 5: 100، 101 أبو علقمة (المعتوه) 3: 449، 7: 251، 255 أبو علي، الحسن بن أحمد 8: 167 أبو علي، المحسن بن أبي إسحاق الصابي 4: 307 أبو علي، المحسن بن المطهر 6: 363، 364، 365 أبو علي، محمد بن أحمد بن موسى الهاشمي 9: 45، 46 أبو علي، محمد بن محمد 5: 15 أبو علي البصير الأنباري 4: 308، 5: 48، 227، 320، 434، 6: 75، 357 أبو علي الخالدي 8: 379 أبو علي الرازي 4: 196 أبو علي الرستمي 3: 223 أبو علي الروذباري 1: 197 أبو علي القالي 4: 231 أبو علي المشيخي القاضي 5: 27 أبو علي ابن الزمكدم 9: 110 أبو علي ابن صدقة (الوزير) 5: 95، 8: 71 أبو علي ابن عبدوس الرازي 5: 158 أبو علي ابن مقلة 4: 118 أبو عمر الزاهد 7: 361 أبو عمر الصباغ 9: 314 أبو عمر القاضي 3: 181 أبو عمر ابن معروف (قاضي القضاة) 8: 351 أبو عمران الجوني 1: 232 أبو عمران الموصلي 8: 303 أبو عمرو (الراوي) 7: 347، 373 أبو عمرو (الشاعر) 9: 138 أبو عمرو الجرمي 7: 340 أبو عمرو الشيباني 8: 299، 9: 151 أبو عمرو العدوي 5: 65 أبو عمرو ابن أمية بن عبد شمس 7: 113، 371 أبو عمرو ابن العلاء 2: 96، 371، 386، 420، 3: 52، 148، 5: 293، 348، 6: 403، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 214 425، 7: 14، 266، 272، 274، 8: 61، 381، 9: 403 أبو عمرو ابن كعب بن أبي ربيعة 7: 419 أبو العميثل، عبد الله بن خليد 6: 168، 7: 342، 8: 129 أبو عمير (صاحب المعلى الخادم) 7: 252 أبو العنبس الصيمري 3: 259، 9: 339 أبو عون الكاتب 5: 340، 8: 183، 378، 9: 403 أبو العيال الهذلي 5: 378 أبو العيزار 4: 232 أبو عيسى ابن الرشيد 1: 449، 4: 242، 6: 219، 8: 38، 9: 43، 402 أبو عيسى ابن المنجم 1: 460 أبو العيص ابن أمية بن عبد شمس 7: 371 أبو العيناء، محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر 1: 462، 2: 25، 150، 250، 277، 351، 354، 369، 372، 379، 387، 3: 371، 450، 4: 49، 52، 97، 102، 189، 220، 344، 5: 27، 85، 93، 161، 173، 216، 387، 444، 6: 229، 7: 176، 185، 186، 191، 192، 227، 233، 237، 238، 240، 246، 8: 157، 165، 181، 183، 374، 399، 9: 61، 138، 208، 286، 341، 393، 394، 395، 402، 408، 409، 410، 416، 428، 429، 437، 458 أبو عيينة المهلبي 2: 451، 4: 87، 5: 235 أبو غالب الأصباغي الكاتب 8: 380 أبو غالب ابن بشران النحوي 8: 135 أبو غسان التميمي 5: 27 أبو الغمر، سليمان بن هشام 5: 198 أبو الغول النهشلي 9: 415 أبو الفتح الإسكندري 6: 401 أبو الفتح البستي 1: 329، 4: 318، 8: 99، 139 أبو الفتح البكتمري 5: 356 أبو الفتح ابن خاقان 7: 218 أبو الفتح ابن العميد- ابن العميد، أبو الفتح أبو فديك الخارجي 2: 494، 496، 4: 185 أبو فراس (المجنون) 7: 257 أبو فراس الحمداني 2: 49، 3: 22، 76، 4: 90، 353، 5: 79، 354، 399، 6: 97، 126 أبو الفرج، حمد بن خلف الهمذاني 3: 289، 6: 25، 30 أبو الفرج، نجاح بن سلمة 5: 173، 9: 395، 403، 410 أبو الفرج الأصفهاني 2: 81، 5: 158، 170، 171 أبو الفرج الببغاء 2: 438، 4: 336، 5: 16، 249، 370، 6: 335، 8: 373، 384، 385، 9: 326 أبو الفرج الدمشقي (الوأواء) 6: 196 أبو الفرج ابن هندو 5: 161 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 215 أبو الفضل- العباس بن عبد المطلب أبو الفضل، أحمد بن الحسين الهمذاني- بديع الزمان أبو الفضل، فسانجس 9: 355 أبو الفضل القطان 9: 122 أبو الفضل الميكالي 8: 104 أبو الفضل ابن الخازن 4: 231 أبو الفضل ابن العميد- ابن العميد، أبو الفضل أبو فضلة، هاشم بن عبد مناف- هاشم بن عبد مناف أبو الفوارس ابن الصفي 5: 345 أبو قابوس- النعمان بن المنذر أبو القاسم، الجنيد- الجنيد (شيخ الصوفية) أبو القاسم، الحسن بن بشر الآمدي 6: 84 أبو القاسم، الحسن بن حبيب النيسابوري 4: 320 أبو القاسم، الحسين بن علي المغربي 6: 374 أبو القاسم، سليمان بن فهد- سليمان بن فهد أبو القاسم، عبد العزيز بن يوسف- عبد العزيز بن يوسف أبو القاسم، عبيد الله بن سليمان (الوزير) - عبيد الله بن سليمان (الوزير) أبو القاسم، عمر بن حسان القاضي 3: 361 أبو القاسم، يحيى بن طاهر بن محمد بن عبد الرحيم 6: 296، 297 أبو القاسم الداركي 9: 45 أبو القاسم الزاهي 5: 306 أبو القاسم الضرير 5: 160 أبو القاسم المطرز 9: 125 أبو القاسم المغربي 4: 229، 230 أبو القاسم ابن أبي مواس 5: 170، 171 أبو القاسم ابن الأيسر 8: 72 أبو القاسم ابن الفضل 6: 87 أبو القاسم ابن المعتمر الزهري 6: 110 أبو القاسم ابن وهب 4: 54 أبو قتادة الصحابي 3: 95 أبو قردودة الطائي 8: 362 أبو قلابة الهذلي 7: 33 أبو القمقام الأسدي 6: 74 أبو القمقام ابن بحر السقا 6: 223 أبو قيس التميمي 5: 160 أبو قيس ابن الأسلت 2: 339، 435 أبو كبير الهذلي 2: 430، 5: 378، 8: 125 أبو كدينة الباهلي 2: 486 أبو الكرام الجعفري 8: 252 أبو الكرم ابن العلاف 8: 204 أبو لبابة 2: 177 أبو لهب ابن عبد المطلب 2: 129، 3: 25، 7: 206، 8: 301، 9: 380، 404 أبو ليلى- النابغة الجعدي أبو مالك (الحجام) 4: 83 أبو المثلم الهذلي 2: 281 أبو مجالد 9: 403 أبو مجلز 1: 450 أبو مجيب الأعرابي 6: 26 أبو محجن الثقفي 2: 455، 456، 457، 7: 15، 9: 162 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 216 أبو محلم الشاعر 4: 54، 8: 111، 125 أبو محمد، الحسن بن محمد 9: 417 أبو محمد، عبيد الله بن معروف- ابن معروف، عبيد الله أبو محمد أبو محمد الأكفاني 9: 185، 186 أبو محمد التميمي 9: 45 أبو محمد الخازن 5: 264 أبو محمد الرباطي 9: 207 أبو مخنف 6: 39 أبو مرة 9: 138 أبو مرثد الغنوي 3: 445 أبو مروان الخرائطي، عبد الملك بن محمد ابن عبد الملك الزيات 9: 302 أبو مريم السلولي 7: 162، 9: 215، 216 أبو مزاحم، بجكم (الحاجب) 4: 146 أبو مسعود الأنصاري 2: 239، 240 أبو مسعود الرازي 9: 313 أبو مسلم الخراساني 1: 381، 417، 418، 419، 420، 421، 422، 432، 2: 31، 32، 33، 59، 79، 81، 130، 203، 399، 476، 3: 24، 137، 153، 197، 415، 5: 97، 6: 316، 7: 186، 8: 19، 34، 256، 304، 9: 240، 262، 279، 280، 319 أبو مسلم الخولاني 1: 200، 466، 3: 216، 8: 161 أبو المطاع ابن ناصر الدولة الحمداني 6: 80 أبو المطراب (لص) 3: 224 أبو معاوية الضرير 3: 106 أبو معبد الخزاعي 9: 145، 146 أبو المغوار (أعرابي) 9: 381 أبو المغوار الغنوي 4: 260 أبو المكارم، محمد بن الحسين الآمدي- محمد بن الحسين الأسدي الآمدي أبو المكارم، محمد بن سيف الدولة الحمداني 8: 26 أبو مليكة- الحطيئة أبو المنازل، فرعان بن الأعرف السعدي 9: 290 أبو منصور 9: 259 أبو منصور (الحائك) 4: 83 أبو منصور، محمد بن الحسين (الوزير) 6: 362 أبو منصور ابن الأصباغي الكاتب 5: 169، 8: 205 أبو المهوش الأسدي 5: 65، 112 أبو موسى (بربري) 3: 284 أبو موسى الأشعري 1: 125، 143، 347، 2: 396، 466، 467، 3: 307، 449، 6: 316، 7: 71، 121، 196، 197، 231، 236، 370، 8: 29، 218، 219، 333، 9: 210، 211، 216 أبو موسى الحامض 7: 275 أبو مياس 9: 270 أبو مياس (الشاعر) 5: 76 أبو ميمون العبدي 9: 245 أبو النباش 9: 335 أبو النجم، بدر الحرمي 6: 335 أبو النجم العجلي 3: 373، 374، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 217 375، 424، 447، 4: 340، 5: 253، 323، 382، 398، 440، 6: 221، 8: 301، 9: 400 أبو نخيلة الحماني 2: 389، 4: 75، 76، 85، 102، 130، 5: 87، 88، 130، 356، 6: 20، 8: 189، 190 أبو النشناش (اللص) 1: 284، 374 أبو نصر (المجنون) 7: 256 أبو نصر (النحوي) 7: 64 أبو نصر، الحسن بن الحسن بن حمدون 6: 375، 9: 119 أبو نصر الكلوذاني (الرّفشعر) 4: 341 أبو نصر ابن جري 2: 90 أبو نصر ابن درستويه 9: 356 أبو النضر 7: 398 أبو النضير الجمحي 4: 386 أبو نهشل ابن حميد الطائي 5: 232 أبو نواس 1: 219، 365، 2: 209، 330، 4: 46، 61، 77، 88، 94، 98، 125، 241، 336، 5: 94، 107، 108، 109، 156، 165، 204، 262، 275، 276، 286، 291، 300، 318، 319، 329، 330، 331، 335، 354، 359، 388، 390، 430، 6: 21، 47، 61، 79، 93، 114، 120، 121، 139، 190، 228، 230، 231، 7: 126، 286، 298، 8: 107، 161، 190، 203، 272، 332، 345، 351، 364، 365، 366، 367، 368، 369، 370، 371، 372، 374، 376، 379، 386، 388، 395، 397، 400، 402، 405، 406، 9: 44، 45، 353، 392، 397، 403 أبو هانىء الأعمى 3: 283 أبو الهذيل العلاف 6: 229، 7: 191، 8: 182، 9: 88، 398 أبو هريرة 1: 139، 435، 2: 36، 177، 239، 3: 236، 389، 6: 226، 8: 80، 81، 130، 296، 9: 82، 85، 149، 178، 247، 257، 269، 372 أبو هفان، عبد الله بن أحمد بن حرب 4: 314، 7: 238، 276، 9: 431، 447 أبو هلال الأسدي 1: 374 أبو هلال العسكري 4: 218، 6: 137، 164، 7: 302 أبو الهندي، عبد المؤمن بن عبد القدوس 7: 236، 237 أبو الهندي، غالب بن عبد القدوس بن شبث بن ربعي 3: 445، 5: 66، 8: 350، 372، 384، 386، 396، 397 أبو الهول الحميري 2: 473، 477، 5: 368، 373 أبو الهيثم الرحبي 2: 111، 112 أبو الهيجاء، عبد الله بن حمدان 5: 14، 8: 240، 241 أبو الهيذام 1: 465 أبو وجزة السعدي 6: 141 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 218 أبو وجزة السلمي 2: 202، 203 أبو الوليد الكناني 8: 350 أبو يحيى (مولى عمر بن عبد العزيز) 9: 238، 239 أبو يحيى الحمادي 5: 27 أبو يحيى القتّات 6: 156 أبو يزيد البسطامي 1: 198 أبو يزيد العدوي 4: 356 أبو يعقوب (فقيه سجستان) 9: 373 أبو يعلى ابن الهبارية 5: 154، 6: 425، 428 أبو يوسف، يعقوب بن إبراهيم القاضي 1: 354، 2: 222، 3: 248، 7: 216، 277، 278، 388، 8: 225، 9: 129، 188 أبو يوسف القزويني الفقيه الحنفي 7: 210 أبيّ بن حمام بن قراد بن مخزوم العبسي 4: 373، 7: 47 أبيّ بن خلف 3: 208 أبيّ بن ظفر المحاربي 3: 39 أبيّ بن كعب 3: 236 الأبيرد الرياحي 4: 200، 9: 374 أثال بن لجيم، حنيفة 7: 374 الأثرم، علي بن المغيرة 3: 14، 16 أحمد الجوهري 4: 231 أحمد الحاجب 6: 227 أحمد بن إبراهيم 5: 52 أحمد بن أبي الأصبغ 9: 219 أحمد بن أبي الحواري 1: 195 أحمد بن أبي خالد الأحول (الوزير) 1: 355، 442، 4: 127، 132، 317، 8: 170، 226، 375، 9: 102، 103، 106، 174، 176، 177، 302، 426 أحمد بن أبي خالد الصريفيني 9: 296، 297، 298، 299، 300 أحمد بن أبي دواد 1: 427، 437 441، 2: 25، 105، 132 150، 151، 193، 194 242، 279، 313، 350، 423، 3: 177، 4: 100، 110، 111، 242، 5: 132، 141، 142، 143، 216، 6: 67، 7: 228، 8: 62، 63، 156، 169، 170، 233، 319، 9: 36، 88، 237، 238، 252، 253، 254، 286، 422 أحمد بن أبي سلمة الكاتب 9: 401 أحمد بن أبي طاهر 9: 342 أحمد بن أبي فنن 2: 327 أحمد بن أبي نعيم 9: 374 أحمد بن إسرائيل 1: 450، 9: 300 أحمد بن إسماعيل الكاتب (نطاحة) 3: 190، 6: 345، 8: 69 أحمد بن بشر 8: 204، 9: 105 أحمد بن جعفر بن سليمان 2: 371 أحمد بن الجنيد 2: 111 أحمد بن حمدون 9: 24 أحمد بن حنبل 1: 194، 3: 66 أحمد بن الخصيب، أبو العباس 2: 106، 283، 3: 222، 4: 292، 8: 62، 63، 9: 219، 271 أحمد بن سعد الكاتب 4: 139، 6: 322، 323 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 219 أحمد بن سعيد الباهلي 5: 152، 153، 173، 174 أحمد بن سعيد المالكي 9: 48 أحمد بن سعيد بن سلم 3: 103 أحمد بن سليمان بن وهب 6: 113 أحمد بن صالح 8: 181 أحمد بن ضرار العجلي 1: 173 أحمد بن طولون 1: 443، 444، 2: 226، 354، 3: 200، 201، 202، 4: 120، 6: 336، 7: 256، 8: 225، 9: 305، 306، 307 أحمد بن عاصم الأنطاكي 1: 185 أحمد بن عبد الله- صيني أحمد بن عبد الله بن العباس (طماس) 9: 402 أحمد بن عبد الله بن يونس 9: 256 أحمد بن عبيد الله بن عمار 6: 224 أحمد بن عروة 2: 141 أحمد بن علي الإسكافي 2: 137 أحمد بن علي الأنصاري 9: 92 أحمد بن عيسى بن زيد 2: 195، 196، 3: 28، 4: 317 أحمد بن محمد النوري 1: 222 أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي الفقيه، أبو جعفر 1: 443، 3: 200 أحمد بن محمد بن محمد الغزالي الواعظ- أبو حامد الغزالي أحمد بن المختار بن أبي الجبر، أبو العباس- أبو العباس، أحمد بن المختار أحمد بن المدبر 2: 106، 107، 5: 51، 8: 181 أحمد بن المعتصم 7: 202 أحمد بن المعذل بن غيلان العبدي 5: 125، 9: 265 أحمد بن موسى بن إسحاق 9: 445 أحمد بن نصر بن مالك 9: 391 أحمد بن نصير 3: 218 أحمد بن هشام 3: 177، 6: 366، 367، 8: 302، 9: 302 أحمد بن وزير القاضي 1: 449، 3: 181 أحمد بن يحيى- ثعلب، أبو العباس أحمد بن يحيى المكي 9: 46، 49، 204 أحمد بن يزيد المهلبي 3: 26، 8: 370، 9: 53 أحمد بن يوسف (الكاتب) 3: 250، 4: 53، 54، 120، 291، 380، 383، 5: 11، 310، 6: 87، 91، 92، 321، 7: 210، 8: 204 الأحمر- خلف الأحمر أحمر قريش- عمر بن عبيد الله بن معمر الأحنف بن قيس 1: 69، 265، 288، 371، 372، 401، 414، 2: 18، 19، 20، 23، 27، 28، 100، 101، 107، 122، 123، 127، 128، 141، 186، 193، 218، 228، 229، 231، 232، 249، 3: 34، 50، 64، 104، 156، 173، 182، 189، 190، 211، 244، 264، 291، 306، 307، 4: 319، 322، 354، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 220 5: 97، 6: 250، 7: 46، 62، 63، 140، 141، 167، 177، 200، 202، 264، 265، 319، 349، 351، 8: 154، 156، 229، 294، 9: 243، 348 الأحوص 3: 161، 4: 111، 164، 303، 304، 5: 43، 44، 6: 68، 149، 167، 188، 365، 7: 82، 212، 213، 290، 291، 292، 293، 294، 401، 8: 245، 246، 310، 9: 10، 11، 43 الأحوص بن جعفر 2: 465 الأحوص بن مسعود 7: 381 أحيحة بن الجلاح 1: 282، 2: 320، 339، 7: 81، 8: 89 أخت عمرو ذي الكلب 5: 417 الأخضر الجدي (المغني) 9: 8، 9 الأخضر الحربي 6: 148 الأخطل 1: 207، 367، 2: 116، 429، 442، 448، 485، 3: 399، 410، 4: 16، 17، 25، 37، 85، 335، 5: 57، 100، 102، 103، 105، 109، 110، 190، 191، 215، 230، 259، 269، 270، 337، 369، 391، 395، 399، 402، 6: 12، 83، 117، 136، 7: 87، 142، 213، 214، 314، 315، 373، 8: 346، 350، 355، 356، 364، 384، 403، 9: 332 الأخيطل الواسطي 5: 384 الأخيل العجلي 3: 83 الأخيل بن مالك الكلابي 3: 83 إدريس (النبي) 3: 326 إدريس بن أبي حفصة 4: 69، 9: 296 إدريس بن الحسن 4: 255 إدريس بن عبد الله اللخمي الضرير 8: 191 أدهم المضحك 9: 406 أدية (جدة عروة بن أدية) 9: 151 أربد الفزاري 3: 222، 223 أربد بن ربيعة 4: 239، 250، 251 أربد بن قيس 7: 395، 396، 399 أردشير 1: 292، 294، 315، 367، 406، 3: 233، 246، 271، 8: 344 أرسطاطاليس 1: 271، 278، 298، 406، 407، 438، 439، 2: 243، 246، 3: 61، 117، 246، 341 أرطأة بن سهية المري 3: 40، 4: 248، 5: 326، 7: 250 أروى بنت أويس 3: 217 أزهر السمان (المحدث) 8: 245 أزهر بن هلال التميمي 2: 448 أسامة بن زيد 1: 411، 3: 410، 4: 268، 8: 119 أسامة بن لؤي 7: 364، 365 إسحاق (النبي) 3: 415، 6: 9 إسحاق الخاركي 3: 382 إسحاق الهجري 4: 145، 147 إسحاق بن إبراهيم الظاهري 8: 304، 9: 22 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 221 إسحاق بن إبراهيم المصعبي 1: 350، 440، 441، 2: 200، 8: 52، 53، 158، 9: 42، 43 إسحاق بن إبراهيم الموصلي 2: 200، 279، 3: 31، 58، 102، 159، 260، 411، 4: 49، 116، 380، 382، 383، 5: 73، 235، 316، 394، 6: 15، 203، 225، 7: 245، 272، 273، 8: 136، 302، 386، 393، 394، 395، 396، 399، 9: 15، 21، 22، 23، 24، 27، 28، 33، 42، 43، 44، 47، 48، 49، 52، 53 إسحاق بن الأزرق 4: 30، 9: 250 إسحاق بن الجنيد 4: 231 إسحاق بن خلف 4: 283، 5: 373، 444 إسحاق بن راهويه 3: 66 إسحاق بن سعد 5: 48 إسحاق بن الصباح 9: 455 إسحاق بن طلحة بن عبيد الله 8: 311، 312 إسحاق بن العباس 4: 124 إسحاق بن محمد بن الصباح الكندي 4: 288 إسحاق بن مسلم العقيلي 1: 417، 418، 7: 181، 320 إسحاق بن يحيى بن طلحة 9: 10 إسحاق بن اليمان 9: 309 أسد بن خزيمة 3: 341، 8: 13 أسد بن عبد الله القسري 2: 25 أسد بن عبد الله بن كرز البجلي 5: 66 إسرافيل (الملك) 9: 157 الأسعر بن أبي حمران الجعفي (مرثد بن الحارث) 3: 392، 393، 5: 242، 7: 111، 307، 371، 8: 295 أسفار بن كردويه 4: 150، 151 اسفنديار بن رستم 4: 84، 8: 71، 141 الإسكندر 1: 298، 348، 406، 438، 439، 2: 90، 97، 110، 474، 496، 3: 43، 136، 175، 341، 4: 142، 246، 247، 5: 385، 7: 198، 207، 8: 83، 141، 9: 308 أسلم العدوي 1: 144 أسلم بن أفصى الخزاعي 3: 345 أسلم بن زرعة 2: 247، 397 أسلم بن القصار 5: 54 أسماء بن خارجة الفزاري 2: 71، 98، 116، 308، 379، 3: 339، 408، 4: 75، 363، 6: 31، 8: 234، 235، 9: 367 أسماء بنت أبي بكر الصديق 4: 311 أسماء بنت زياد 3: 159 أسماء بنت زيد 9: 88 إسماعيل (النبي) 2: 287، 3: 415، 6: 253، 7: 198، 361، 362، 9: 461 إسماعيل بن إسحاق القاضي 1: 222 إسماعيل بن الأشعث 3: 289 إسماعيل بن أويس 2: 94 إسماعيل بن جامع- ابن جامع (المغني) إسماعيل بن جعفر بن محمد 8: 25، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 222 271 إسماعيل بن حماد 9: 415 إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة 7: 256 إسماعيل بن صبيح الكاتب 4: 339، 7: 182 إسماعيل بن عبد الله القسري 4: 163 إسماعيل بن عبد الله بن يزيد بن أسد 3: 60 إسماعيل بن عبدون الكاتب المغربي 8: 324 إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس 2: 31، 5: 172 إسماعيل بن علية 4: 342 إسماعيل بن عمار 9: 306 إسماعيل بن عمار الأسدي 5: 117 إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص 9: 242 إسماعيل بن غزوان 4: 89 إسماعيل بن القاسم 5: 45 إسماعيل بن قطري القراطيسي 8: 191 إسماعيل بن يحيى المزني- أبو إبراهيم المزني إسماعيل بن يسار النساء 3: 442، 6: 66، 7: 202، 8: 46 الأسواري 3: 156 الأسود الجديسي 7: 363، 364، 365 الأسود العنسي 7: 352 الأسود بن بحتر بن عائد بن شريك 3: 17، 18 الأسود بن شريك بن عمرو 3: 17 الأسود بن عبد المطلب 8: 216 الأسود بن عمارة النوفلي 3: 259 الأسود بن المنذر 5: 194 الأسود بن يعفر 4: 217، 218 أسيد بن ذي الأصبع 2: 40 أسيد بن عمرو بن تميم 7: 17 أسيد بن عنقاء 2: 306، 4: 25 أسيلم بن الأحنف الأسدي 4: 24 الأشتر النخعي- مالك بن الحارث الأشتر أشجع السلمي 3: 58، 4: 140، 141، 216، 242، 5: 297، 8: 395، 396 الأشجعي 7: 68، 8: 163 أشعب 2: 374، 384، 385، 3: 86، 139، 140، 141، 281، 447، 4: 341، 6: 200، 226، 414، 7: 218، 235، 236، 8: 186، 260، 271، 272، 331، 9: 10، 11، 62، 66، 67، 336، 337، 338، 407، 408، 424، 430، 432، 433، 437 الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي 2: 19، 3: 25، 4: 195، 210، 7: 188، 8: 30 الأشعر بن أدد 7: 362 أشناس 1: 437 الأشهب بن رميلة النهشلي 5: 123 أصرم بن حميد 5: 333، 9: 268 اصفهسلار 8: 69 الأصمعي، عبد الملك بن قريب 1: 256، 353، 2: 99، 100، 162، 194، 195، 228، 283، 333، 336، 474، 3: 50، 53، 84، 85، 125، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 223 133، 210، 291، 300، 316، 319، 445، 450، 4: 33، 82، 256، 261، 278، 309، 319، 5: 33، 76، 192، 222، 263، 294، 314، 315، 401، 413، 415، 6: 30، 279، 306، 395، 425، 427، 7: 13، 14، 24، 35، 63، 64، 170، 193، 244، 253، 272، 273، 274، 319، 331، 353، 355، 419، 8: 100، 105، 272، 283، 329، 330، 331، 382، 9: 16، 99، 105، 112، 124، 128، 265، 270، 313، 374، 377، 384، 386، 390، 393، 394، 419 الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب 1: 266، 7: 104 الأعرج، عبد الرحمن بن هرمز (الراوي) 6: 226 الأعرج المعني الخثعمي 2: 404، 5: 423 الأعشى 1: 167، 422، 435، 2: 30، 419، 3: 12، 13، 18، 135، 264، 4: 18، 5: 35، 40، 41، 97، 218، 312، 321، 7: 111، 162، 270، 281، 283، 284، 285، 340، 372، 401، 402، 8: 100، 180، 351، 356، 357، 358، 359، 364، 376 أعشى باهلة 4: 198، 7: 131، 153، 336، 373 أعشى همدان 3: 120، 4: 215، 231، 5: 203، 7: 373، 8: 179، 318 أعصر (منبه) بن سعد بن قيس بن عيلان 7: 370 الأعمش، سليمان بن مهران 2: 165، 3: 275، 289، 4: 341، 342، 9: 131، 132، 245، 257، 369، 370، 373 الأعين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سهيل ابن عمرو 4: 281 الأغر 3: 372 الأغلب العجلي 7: 42، 124، 146، 351 أفريدون 1: 267 الأفشين، خيذر بن كاوس 9: 237، 238 أفعى نجران الجرهمي 7: 367 الأفكل، عمرو بن الجعيد بن أسد بن ربيعة 7: 366 أفلاطن (أفلاطون) 1: 256، 267، 286، 307، 340، 373، 380، 385، 2: 17، 3: 265، 303، 6: 26، 7: 207، 8: 83، 9: 17 الأفوه الأودي 9: 250 الأقرع بن حابس التميمي 1: 56، 125، 3: 419، 422، 433 الأقرع بن معاذ القشيري 1: 157، 2: 208، 219، 266، 404، 3: 399، 400، 4: 92، 5: 36، 256، 6: 110، 170، 7: 101، 309، 8: 99، 132، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 224 145 الأقيشر الأسدي 1: 370، 8: 398 أكثم بن صيفي 1: 361، 2: 141، 192، 397، 3: 102، 246، 343، 4: 375، 6: 35، 7: 30، 39، 45، 49، 61، 62، 86، 92، 101، 136، 138، 148، 404، 408، 409، 410 إلياس (النبي) 7: 180 إلياس بن مضر 6: 407، 408، 7: 368 أم أبان بنت عتبة بن ربيعة 9: 206 أم ابن زياد، مرجانة 7: 178 أم ابن عياش 4: 288 أم إسحاق النبي 7: 198 أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي 9: 372 أم الأصبغ بنت إلحاف بن قضاعة 7: 365 أم أوس 9: 205 أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان 9: 232، 233 أم بيهس نعامة 7: 389 أم جعفر- زبيدة أم جعفر الأنصارية (صاحبة الأحوص) 5: 44، 7: 212، 213، 293، 8: 245، 246 أم جيداء 9: 273 أم الحباب الكلابية 2: 475 أم حبيبة بنت أبي سفيان 3: 312، 7: 170 أم حكيم الخارجية 2: 447 أم حكيم بنت فارط 4: 276 أم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية 5: 25، 8: 394 أم حومل 3: 140 أم الحويرث (صاحبة كثير) 8: 19، 20 أم خالد (زوج العجير) 2: 346 أم خالد بن عبد الله 7: 179 أم خالد بن يزيد بن معاوية 2: 151 أم خالد بنت قطن الهلالية 3: 251 أم خراش الهذلية 3: 257 أم الخير بنت الحريش البارقية 5: 186، 188 أم الدرداء 1: 138، 8: 176 أم ذر 1: 130 أم سلمة (امرأة موسى بن عبد الله بن الحسن) 7: 230 أم سلمة (زوج الرسول) 5: 307، 8: 197، 9: 245، 246 أم سلمة (زوج السفاح) 2: 47، 4: 287 أم سليم (زوج أبي طلحة الأنصاري) 4: 312 أم سليمان بن علي (سعدى) 2: 60، 61 أم شعبة الفقيه 2: 104 أم الشعبي 7: 179 أم صدقة (امرأة أبي صدقة المغني) 8: 189 أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب 1: 150، 3: 63 أم عبد الرحمن بن الأشعث 8: 310 أم عبد الله بن خازم 7: 179 أم عبيد الله بن زياد بن ظبيان 7: 178 أم عثمان بنت عبد الله بن عثمان بن أبي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 225 العاصي الفقيه 9: 194 أم عمرو (ابنة عم المخبّل) 6: 154، 155 أم عمرو (جارية) 7: 122 أم عمرو بن العاص 7: 178 أم عمير 2: 147 أم فروة 6: 111 أم الفضل بنت غيلان بن خرشة الضبي 2: 357 أم قباذ 2: 28 أم قرفة (زوجة مالك بن حذيفة بن بدر) 7: 13 أم قيس الضبية 4: 206 أم كسرى 5: 177 أم كلثوم بنت جرول القضاعية 9: 309 أم كلثوم بنت الرسول 8: 295 أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب 5: 196 أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز 9: 171 أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب 1: 147، 2: 42، 6: 264، 9: 309 أم مروان- ابنة مروان بن محمد أم معبد الخزاعية 9: 145، 146، 159 أم معدان الأنصارية 4: 256 أم المقتدر 8: 240 أم نهيك (امرأة عبد الله بن أبي معقل الأوسي) 8: 124 أم نوفل 6: 199 أم هانىء بنت أبي طالب 2: 471 أم هشام بن عبد الملك 9: 311 أم هشام بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب 3: 39، 40 أم الورد بنت أوس العجلانية 5: 445، 446 أم وكيع ابن الدورقية 7: 179 أم الوليد بن يزيد 9: 450 أم يحيى، ابنة الحكم بن أبي العاص 2: 77 أمامة بنت أبي العاص 9: 260، 261، 262 أمامة بنت الحكم الخزاعية 2: 35 أمان (جارية) 9: 28 أماناة بن قيس بن الحارث بن شيبان 6: 42، 43 أمة الحميد بنت عبد الله بن عاصم 2: 462 أمة الكريم بنت عبد الله 9: 249 امرؤ القيس 2: 408، 3: 12، 151، 369، 5: 226، 242، 288، 324، 327، 331، 343، 379، 6: 130، 394، 7: 47، 111، 114، 115، 118، 225، 280، 281، 282، 341، 417، 418، 8: 10، 121، 295، 346، 347، 9: 37، 38، 295، 296 امرؤ القيس بن عابس الكندي 9: 36 أمية بن أبي الصلت الثقفي 4: 13، 14، 5: 39، 425، 8: 12، 13، 340 أمية بن خالد بن أسيد 3: 263 أمية بن خلف 2: 129، 3: 36، 204 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 226 أمية بن عبد شمس 7: 113، 164 أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد 2: 496، 4: 185، 186، 5: 120، 121، 9: 394 أمية بن عبيد الله 2: 46 الأمين (الخليفة العباسي) 1: 449، 463، 464، 2: 51، 134، 165، 3: 27، 251، 260، 263، 313، 4: 94، 112، 137، 210، 219، 241، 5: 24، 93، 108، 140، 7: 186، 245، 8: 23، 24، 133، 239، 9: 52، 174، 219، 291، 440، 453 أنس الفوارس 7: 16 أنس بن زنيم الليثي 7: 80، 8: 163 أنس بن مالك 1: 41، 54، 213، 359، 2: 95، 176، 177، 186، 233، 278، 475، 3: 94، 106، 128، 156، 171، 197، 209، 231، 4: 357، 6: 10، 11، 254، 255، 8: 81، 87، 88، 174، 196، 9: 82، 83، 89، 95 أنس بن مدركة الخثعمي 2: 496 أنس بن مساحق العبدي 7: 149 أنس بن النضر 2: 475 أنمار بن نزار بن معد بن عدنان 7: 367، 368 أنو شروان- كسرى أنوشروان أنيس بن جندل 1: 257، 258 أهبان (مكلم الذئب) 5: 136 أوتامش 8: 52، 9: 220 الأوزاعي (الإمام) 1: 167، 170، 2: 237، 3: 66 أوس بن حارثة الطائي 1: 270، 2: 37، 63، 64 أوس بن حجر 3: 130، 305، 391، 398، 4: 196، 366، 5: 71، 109، 229، 271، 337، 7: 78، 8: 25، 127 أوس بن خالد 4: 246 أوس بن مالك الجرمي 4: 209 أوفى بن خزير 9: 197 أويس القرني 1: 137، 138، 142، 143 إياد بن نزار بن معد بن عدنان 7: 367، 368 إياس بن سلمة 3: 210 إياس بن القائف 8: 120 إياس بن قبيصة الطائي 3: 16، 18، 8: 255، 361 إياس بن قتادة المجاشعي 2: 101، 3: 197، 6: 13 إياس بن معاوية 1: 434، 2: 230، 233، 3: 51، 97، 4: 375، 5: 31، 7: 176، 202، 8: 238، 251، 260، 9: 124 إيتاخ 8: 62، 63، 9: 88، 209 أيمن (غلام لأبي بكر) 4: 254 أيمن الأنصاري 7: 212، 213، 8: 245 أيمن بن خريم الأسدي 8: 230، 231 أيوب (الطبيب) 9: 292 أيوب (النبي) 1: 59، 4: 321، 7: 180، 8: 281 أيوب السختياني 1: 165، 2: 92، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 227 3: 78 أيو ب بن سليمان بن عبد الملك 4: 243 أيوب بن ظبيان النميري 5: 64 ب باب المكاري (رجل) 7: 253 بابك الخرمي 5: 368، 383، 9: 237 بابك بن ساسان 3: 25 بابويه (أحمد الشطار) 2: 46 باد الكردي 4: 148 باذام (عامل كسرى) 3: 16 بارس 8: 69 البارع أبو عبد الله، الحسين الدباس 6: 227 باسيل (خادم مروان) 1: 313 باغر ال ت ركي 2: 473 باقل 2: 319، 6: 364، 366 باهلة بن يعصر 5: 110 بايكباك 1: 422 بثينة (صاحبة جميل) 6: 163، 202، 223، 7: 223، 253، 8: 286، 287، 312 بجير بن أوس بن حارثة بن لأم 5: 134 بجير بن زهير بن أبي سلمى 4: 12، 13 بحتر 2: 104 البحتري 1: 353، 2: 88، 89، 137، 281، 453، 3: 83، 105، 259، 436، 437، 4: 36، 51، 71، 89، 92، 97، 98، 100، 109، 158، 159، 179، 185، 314، 5: 9، 13، 19، 62، 145، 246، 247، 248، 254، 263، 312، 313، 317، 326، 341، 346، 354، 357، 361، 363، 367، 368، 373، 383، 384، 386، 389، 404، 405، 419، 6: 17، 23، 24، 54، 55، 63، 64، 77، 78، 81، 83، 84، 85، 86، 92، 94، 96، 97، 98، 104، 114، 122، 123، 139، 190، 191، 7: 93، 122، 300، 308، 310، 8: 25، 33، 123، 136، 155، 190، 278، 303، 378، 380، 387، 389، 9: 288، 397 بحر بن الأحنف 7: 319 بحير الراهب 7: 187 البخاري (صاحب الصحيح) 8: 196 بختيار 6: 335 بختيشوع (الطبيب) 3: 177، 178، 337، 8: 374، 9: 292 بدر (غلام المعتضد) 2: 201، 6: 164 بدر (القائد) 1: 453 بدر بن حسنويه 6: 368 بدر بن سعد الفقعسي 4: 29 بدر بن علماء العامري 7: 44 بدر بن عمار 7: 318 بدعة الصغيرة (المغنية) 8: 27 بديح (المغني) 2: 387 بديح (مولى عبد الله بن جعفر) 4: 343 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 228 بديع الزمان الهمذاني، أحمد بن الحسين 3: 376، 6: 381، 400، 432، 8: 325 بديل بن ميسرة العقيلي 1: 197 بديل بن ورقاء 2: 483، 9: 168، 169 البراء بن ربعي 4: 247 البراء بن قبيصة 8: 305 البرج بن الجلاس الطائي 8: 341، 342 برج بن مسهر الطائي 8: 352 البرجمي- ضابىء بن عمير البرجمي بردين المناقير 7: 236 برصوما الزامر 7: 249، 8: 188، 9: 75 برق الأفق (قينة) 9: 25 بريد (أخو الأبيرد الرياحي) 4: 201 بريرة (مولاة النبي) 3: 194 البريق الهذلي 7: 142 بزرجمهر 1: 222، 2: 23، 77، 110، 3: 105، 232، 267، 4: 315، 322، 337، 8: 117، 9: 118، 152 بزيع (غلام المأمون) 1: 461 البسامي 5: 204 بسر بن أرطأة 2: 20، 3: 254، 4: 276، 277، 278، 9: 309 بسطام بن قيس- أبو الصهباء بسيل الرومي (البطريق) 3: 133 بشار بن برد 1: 208، 287، 2: 220، 252، 3: 131، 280، 300، 425، 5: 97، 115، 172، 261، 304، 320، 332، 333، 400، 439، 441، 6: 22، 132، 7: 32، 38، 233، 242، 301، 302، 8: 162، 284، 352، 388، 9: 64، 399 بشامة بن الأعور 8: 282 بشامة بن الغدير 5: 258 بشر المريسي 7: 267 بشر بن أبي خازم الأسدي 2: 64، 297، 5: 134، 242، 314، 403، 7: 145، 336 بشر بن الحارث الحافي 1: 192، 193، 194، 3: 127، 4: 375، 9: 289 بشر بن داود بن يزيد 4: 54 بشر بن عامر بن الجون 1: 282 بشر بن عبد الله (الأشتر) 9: 272، 273، 274 بشر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب 3: 397 بشر بن عقبة العدوي 6: 118 بشر بن غالب الأسدي 2: 355، 356، 5: 117 بشر بن مروان 2: 355، 356، 3: 451، 4: 202، 5: 63، 8: 249 بشر بن المعتمر 1: 268 بشر بن المغيرة بن أبي صفرة 5: 43 بشر بن هارون 2: 162 بشكست النحوي 9: 61 بشير (غلام حرب الراوندي) 8: 34 بشير الرحّال 3: 196 بشير الطبري 4: 323 بشير بن أبي دلجة 8: 255، 256 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 229 بصبص (جارية ابن نفيس) 2: 374، 375، 6: 220، 9: 41 بصيلة 7: 242 بطليموس (بطلميوس) 1: 264 البطين الحروري 7: 204 البعلبكي (مؤذن المنصور) 9: 17 البعي ث 5: 332، 7: 134 بغا 1: 449، 450 بقية الحداد 2: 204 بكار بن ق ت يبة 3: 200 بكر بن حبيب السهمي 7: 278 بكر بن خارجة 6: 97، 8: 390 بكر بن عبد الله المزني 1: 183، 199، 4: 79 بكر بن المعتمر 3: 245 بكر بن النطاح 2: 458، 459، 460، 489، 4: 45، 5: 304 بكر بن وائل 7: 195 بكير بن الأخنس 4: 93 البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر 4: 210 بلال (مولى ابن أبي عتيق) 6: 199 بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري 3: 179، 445، 449، 7: 215، 237، 255، 8: 220، 9: 84، 99 بلال بن رباح (مؤذن الرسول) 1: 141، 3: 63، 78، 8: 87، 198، 9: 153، 154، 155 بلبل الصفّار 3: 134 بلعاء بن قيس 9: 427 بلعام 9: 144 بلقيس 4: 103، 5: 8، 150، 386، 6: 424 بنات (جارية الحسن بن وهب) 6: 113، 229 بنات (جارية محمد بن حماد) 9: 20 بنان (المغني) 9: 53 بنان الطفيلي، عبد الله بن عثمان 9: 108، 109، 113، 114، 131 بنان بن عمرو 3: 26 بهرام جور (ملك فارسي) 2: 238، 3: 33، 221، 8: 11، 350، 9: 316 بهرام بن بهرام 2: 234 بهروز (الخادم) 8: 70، 238 بهلول (الزاهد) 2: 493، 3: 281، 5: 174، 7: 193، 239، 8: 262، 265، 266، 267، 9: 455، 456، 457 بهيسة بنت أوس بن حارثة الطائي 2: 38، 39 بوران بنت الحسن بن سهل 6: 424، 8: 94 بوهزر الديلمي 2: 472 بويب اليمامي 8: 204 بيهس الخارجي 2: 411 بيهس نعامة 2: 75، 76، 7: 44، 71، 126، 346، 388، 389 بيهس بن صهيب 2: 247 بيوراسب 2: 33 ت تأبط شرا 1: 284، 2: 221، 430، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 230 431، 452، 453، 7: 336، 345، 346، 347، 348، 372 تا ج الدولة، أبو طالب ابن الطاهر 6: 376 تاج الدولة، أحمد بن عضد الدولة، أبو الحسين 4: 309 تاش (الحاجب) 2: 50 تبان (نديم أبي شراعة) 9: 338، 339 تبع 2: 314، 407، 419 تعلة بن مساور 5: 42 تغلب 5: 353 تكين الجاندار (غلام معز الدولة) 5: 317 تميم التوزي 2: 386 تميم الداري 1: 145، 3: 231 تميم بن أبيّ بن مقبل 3: 398، 5: 273، 369، 429، 6: 15، 67، 117، 120، 139، 7: 87، 138، 8: 288 تميم بن خزيمة 2: 344، 345 تميم بن زيد القيني 2: 148، 149 تميم بن مر 3: 341، 372، 4: 217 التميمي، عبد الله بن أيوب 4: 205 التنوخي أبو علي، المحسن بن علي 5: 410، 9: 220، 275 التنوخي أبو القاسم، علي بن المحسن (القاضي) 2: 211، 5: 334، 407، 418، 7: 299، 8: 385 توبة العنبري 8: 60 توبة بن الحمير 4: 221، 222، 252، 5: 129 توبة بن مضرس 7: 31، 61 التوزي، عبد الله بن محمد بن هارون، أبو محمد 6: 108، 7: 207، 342 التيمي، أبو محمد 3: 105، 6: 13 ث ثابت، أبو عباد 4: 361 ثابت البناني 1: 164، 3: 106، 4: 371 ثابت قطنة 2: 77، 7: 214، 8: 300 ثابت بن جابر بن سفيان بن عدي بن كعب ابن غيلان- تأبط شرا ثابت بن عبد الله بن الزبير 7: 207، 8: 307 ثابت بن قيس بن شماس 3: 420 ثابت بن مصعب 2: 385 الثريا (صاحبة عمر بن أبي ربيعة) 6: 198، 199، 390 ثعلب، أحمد بن يحيى، أبو العباس 2: 353، 3: 189، 4: 218، 378، 5: 112، 311، 323، 377، 419، 6: 105، 7: 275، 8: 300، 301، 313، 381 ثعلبة بن حنظلة بن سيار العجلي 3: 16، 17 ثقيف، قسي بن منبه بن بكر بن هوازن 7: 184 ثمامة العوفي 2: 491 ثمامة بن أثال 9: 180 ثمامة بن أشرس النميري 1: 442، 2: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 231 328، 4: 56، 127، 5: 401، 8: 154 ثمود بن كنعان 9: 73 ثوبان (مولى الرسول) 8: 173 ثوبان (مولى مروان بن م ح مد) 8: 18 الثوري- سفيان الثوري الثوري (البخيل) 2: 335 ج جابر الفزاري 4: 168 جابر بن ألاف 7: 46 جابر بن حني 2: 418 جابر بن رالان 5: 350 جابر بن زيد 1: 163 جابر بن عبد الله 4: 301، 302، 8: 79، 86، 9: 116، 153، 160 جابر بن عمرو المازني 7: 39 الجاحظ، عمرو بن بحر 1: 245، 2: 51، 144، 165، 327، 335، 371، 379، 413، 497، 3: 53، 55، 72، 85، 108، 132، 287، 391، 409، 444، 4: 60، 70، 110، 111، 189، 5: 74، 84، 125، 228، 401، 412، 6: 72، 106، 189، 270، 380، 381، 432، 7: 271، 289، 352، 8: 142، 144، 183، 192، 262، 293، 390، 402، 9: 102، 105، 108، 348، 448 جاذوسيس الصقلي 7: 220 الجارود بن أبي سبرة 9: 84، 178 جارية بن قدامة 2: 28، 8: 229 جارية بن مر، أبو حنبل 2: 156 جالينوس 4: 58، 5: 409، 6: 270 جامع الصيدلاني 3: 277 جامع بن أمية المحاربي 9: 186، 187 جبار بن سلمى 4: 221 جبار بن قرط 3: 12، 136، 171، 333، 372، 376 جبريل (الملك) 1: 51، 267، 2: 136، 171، 333، 372، 376، 3: 94، 172، 232، 4: 351، 6: 254، 8: 87، 9: 153، 156، 157، 158، 453 جبغويه (ملك طخارستان) 1: 314 جبلة بن الأيهم 8: 361 جبلة بن حريث العبدي 6: 252 جبير بن عياض 4: 202 جبير بن مطعم 2: 480، 3: 208، 209، 8: 253، 254 جحا 2: 253، 3: 276، 9: 455 الجحاف السلمي 2: 485 جحدر بن ربيعة العكلي 1: 207، 267، 2: 486، 5: 398، 423 جحظة، أحمد بن جعفر البرمكي، أبو الحسن 2: 378، 5: 75، 84، 336، 9: 409 جديس بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح 7: 362 جذع بن عمرو الغساني 7: 129 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 232 جذيمة الأبرش 3: 100، 7: 53، 70، 72، 89، 105، 122، 139، 147، 388 جذيمة بن سعد الخزاعي (المصطلق) 7: 371 جذيمة بن عوف الأنماري 7: 374 الجراح بن عبد الله الحكمي 1: 206، 2: 398، 9: 325 الجراح بن عمرو 1: 232 جران العود 5: 326، 413 جرجير 2: 420، 484 الجرواني الشاعر 8: 111 جروة بنت مرة 4: 42 جرول بن أوس بن غطفان- الحطيئة جرير 1: 365، 2: 66، 448، 449، 3: 130، 155، 304، 348، 397، 399، 448، 4: 19، 27، 37، 85، 202، 229، 292، 369، 5: 44، 63، 64، 99، 103، 104، 109، 116، 129، 162، 163، 175، 192، 243، 303، 327، 392، 398، 403، 6: 53، 78، 133، 159، 164، 185، 425، 7: 78، 101، 113، 207، 214، 215، 223، 226، 282، 286، 287، 290، 296، 302، 306، 9: 10، 11، 12، 195، 196، 197، 235، 236، 238، 444 جرير (المغني) 6: 143 جرير بن بيهس 2: 321 جرير بن عبد الله البجلي 3: 164، 5: 130، 7: 44، 8: 10 جرير بن عبد المسيح الضبعي- المتلمس الضبعي جرير بن يزيد القسري 2: 346 جزء بن ضرار 5: 379، 9: 205 جساس بن مرة 4: 121، 7: 13، 24، 139 جسر القصاب 1: 152 الجعد (عابر الرؤيا) 9: 310 الجعد بن مهجع، أبو المسهر 6: 203، 204، 205، 207، 208، 209 جعدة 8: 309 جعدة بن هبيرة المخزومي 6: 243 جعدة بنت الأشعث 9: 293، 294 جعفر المتوكل- المتوكل (الخليفة العباسي) جعفر الهجري 4: 145، 147 جعفر بن أبي جعفر المنصور 3: 261 جعفر بن أبي طالب 1: 83، 2: 155، 3: 418 جعفر بن ثوابة 6: 336 جعفر بن الحسين اللهبي 9: 399 جعفر بن حنظلة البهراني 9: 250 جعفر بن الزبير 9: 194 جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس 2: 159، 194، 356، 3: 51، 7: 161، 8: 25، 102، 9: 225، 458 جعفر بن عبد القادر المقدسي 1: 214 جعفر بن عقاب 3: 450 جعفر بن علبة الحارثي 2: 424، 477، 4: 268، 5: 48، 6: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 233 80 جعفر بن عيسى الهاشمي 2: 60 جعفر بن القاسم الهاشمي 9: 115 جعفر بن قريع التميمي 7: 370 جعفر بن مبشر 7: 263 جعفر بن محمد الصادق 1: 103، 110، 111، 113، 114، 117، 274، 277، 355، 363، 366، 368، 374، 383، 2: 262، 300، 323، 3: 76، 99، 119، 174، 300، 306، 417، 4: 91، 105، 338، 353، 354، 359، 363، 7: 233، 8: 271، 310، 9: 148، 149، 217 جعفر بن يحيى البرمكي 2: 144، 191، 198، 263، 279، 3: 20، 21، 27، 120، 177، 4: 87، 106، 184، 186، 206، 210، 5: 10، 94، 194، 401، 6: 209، 214، 215، 242، 7: 207، 8: 25، 126، 127، 394، 9: 29، 69، 71، 209، 210، 312، 321، 322، 324 جعفي بن مالك بن أدد 7: 371 جعيفران الموسوس 2: 369 جعيل الزاهد 1: 214، 3: 93، 94 جفنة الغساني 7: 95، 9: 333 الجلاح بن عبد الله السدوسي 4: 373 جلهمة بن ربيعة بن حزام 7: 374 الجماز 2: 373، 4: 342، 5: 27، 174، 444، 6: 46، 8: 399، 9: 62، 406، 413، 414، 416، 420، 436، 437، 440، 441، 442 جمرة بنت نوفل 3: 41 جمشيد 1: 294 الجمل المصري 4: 61، 74 جميل بثينة 3: 153، 4: 40، 5: 39، 124، 323، 413، 6: 55، 69، 72، 100، 130، 135، 138، 163، 202، 223، 7: 253، 290، 291، 8: 286، 287، 312، 355، 9: 10، 17 جميل بن بصبهرى 3: 308 جميلة (المغنية) 9: 36، 37 جميلة بنت ناصر الدولة 2: 108 جميم بن معد يكرب 2: 111 جمين، أبو الحارث- أبو الحارث، جمين جندل (مولى عدي بن حاتم) 3: 449 جندل النهشلي 8: 300 جنوب (أخت عمرو ذي الكلب) 5: 288، 7: 32 جنوب بنت محصن الجعدية (بنت عم مالك بن الصمصامة) 6: 174 الجنيد (شيخ الصوفية) 1: 197، 3: 165، 4: 307، 9: 93 الجنيد النخاس 9: 389 الجنيد بن عبد الرحمن المري 3: 120، 121، 5: 25، 8: 301 الجهجاه 7: 181 الجهرمي، الحسين بن أحمد 5: 155، 433، 9: 121، 122، 123 جهم بن مسعدة الفزاري 4: 302 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 234 الجون الكندي 3: 53، 7: 342، 344 جيداء (جارية) 9: 272، 274 ح حاء بن عمرو بن ود بن أدد 7: 362 حاتم الأصم 1: 186، 187، 9: 93 156، 189، 190، 265، 266، 282، 288، 289، 290، 297، 298، 299، 333، 336، 403، 3: 108، 4: 58، 7: 90، 202، 9: 90 الحاتمي، أبو علي 5: 22، 370، 6: 96 حاجب بن زرارة التميمي 2: 37، 3: 14، 15، 429، 4: 213، 7: 16، 408، 410، 413 حاجب بن عطارد 3: 422 الحادرة 3: 393، 7: 372 الحارث (رسول لعمر) 1: 136، 137 الحارث بن أبي شمر الغساني 1: 278، 3: 12، 430، 5: 268، 7: 382، 383 الحارث بن أسد المحاسبي 1: 245، 3: 234، 9: 93 الحارث بن التوأم اليشكري، أبو شريح 9: 295 الحارث بن تولب 3: 41 الحارث بن جبلة الغساني 7: 391 الحارث بن حلزة اليشكري 1: 282، 5: 313، 7: 107، 274، 334، 335 الحارث بن خ الد المخزومي 2: 426، 5: 39، 6: 178، 179 الحارث بن خالد بن صخر الشريد 6: 157 الحارث بن سامة بن لؤي 7: 375، 376 الحارث بن شريك 2: 216، 3: 17، 7: 345 الحارث بن ظالم 3: 12، 53، 301، 5: 98، 7: 226، 408، 414 الحارث بن عامر 3: 36 الحارث بن عباد 7: 15، 139، 408، 410، 411 الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي 4: 119، 138، 5: 415، 8: 298 الحارث بن عبد الله بن ربيعة بن دوفر بن حرب 7: 365 الحارث بن عبد المطلب 2: 155 الحارث بن عبدان البصري 9: 319 الحارث بن عتيبة بن شهاب 7: 301 الحارث بن عمرو بن حجر الكندي 7: 52 الحارث بن عوف المري 2: 37، 38 الحارث بن غبر بن غنم بن حبيب بن كعب بن يشكر 7: 366 الحارث بن فهر 2: 337 الحارث بن كعب 3: 341، 7: 135، 371 الحارث بن كلدة الثقفي 3: 337، 5: 55، 7: 373، 9: 215 الحارث بن لبيد 1: 209 الحارث بن مارية الغساني 8: 213 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 235 الحارث بن هشام المخزومي 2: 447، 471، 3: 11 الحارث بن همام 2: 151، 6: 411، 414، 422 الحارث بن ورقاء 5: 124 حارثة الضمري 8: 35 حارثة بن بدر الغداني 1: 370، 2: 100، 107، 439، 446، 447، 3: 319، 371، 7: 80، 87، 140، 349، 9: 237 حارثة بن زيد 3: 12 حارثة بن لأم الطائي 7: 70 الحارثي البخيل 2: 323 حاضر (داعية عيسى بن زيد) 4: 317 حاطب بن أبي بلتعة 7: 170 حاطب بن قيس بن هيشة 4: 212 حام بن نوح 5: 19 حامد بن العباس 3: 363، 364، 8: 351 حبى المدينية 1: 433، 2: 322، 410، 3: 142، 7: 247، 8: 199 الحباب بن المنذر بن الجموح 3: 307، 7: 160 حبابة (جارية يزيد بن عبد الملك) 3: 252، 9: 43، 67، 226 حبيب (المغني) 9: 27 حبيب بن أوس- أبو تمام حبيب بن عيسى الكاتب 5: 335 حبيب بن مسلمة 2: 424، 8: 18 حبيب بن المهلب 2: 160، 161، 414، 451 حبيس، أبو عمرو 8: 285، 286 حبيشة بنت حبيش 6: 156، 157، 158 الحتات المجاشعي 5: 225، 226 الحجاج السهمي 8: 215 الحجاج بن أرطأة 3: 109 الحجاج بن خيثمة 7: 236 الحجاج بن عبد الملك بن الحجاج بن يوسف 3: 449 الحجاج بن يوسف الثقفي 1: 185، 230، 231، 311، 314، 349، 350، 409، 430، 432، 441، 446، 447، 448، 454، 461، 2: 46، 48، 51، 62، 63، 109، 148، 205، 245، 247، 318، 319، 322، 427، 428، 450، 451، 459، 462، 484، 486، 487، 488، 3: 20، 25، 51، 80، 107، 119، 176، 188، 197، 198، 212، 215، 222، 251، 252، 253، 270، 289، 304، 308، 339، 371، 4: 29، 75، 137، 263، 264، 288، 298، 5: 26، 27، 162، 196، 203، 210، 223، 229، 245، 349، 394، 6: 177، 274، 301، 7: 19، 25، 27، 59، 162، 174، 176، 178، 184، 185، 200، 217، 218، 219، 245، 246، 269، 344، 8: 28، 53، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 236 54، 61، 65، 94، 96، 143، 229، 231، 232، 234، 235، 240، 241، 242، 287، 297، 310، 344، 405، 406، 9: 98، 106، 186، 187، 197، 225، 247، 249، 279، 287، 291، 318، 344، 346، 347، 374، 382، 395، 432، 452 حجام 8: 48 حجر بن الأدبر 1: 131 حجر بن زيد الكندي 8: 218 حجر بن عمرو الشريد 5: 403 حجر بن عمرو بن معاوية ... الكندي 7: 384، 385، 386 حجير بن أبي إهاب التميمي 3: 36 حدراء بنت زيق بن بسطام 9: 195، 196، 197 حديج الخصي 8: 221 حذام (زوجة لجيم بن مصعب) 7: 51 حذيفة المرعشي 1: 186 حذيفة بن بدر الفزاري 4: 243، 5: 96، 7: 52، 8: 131، 132 حذيفة بن اليمان 2: 299، 3: 335، 336، 9: 16، 208 حرام بن ملحان النجاري 7: 397 حرب الراوندي 8: 34 حرب بن أمية بن عبد شمس 5: 138، 226، 7: 164، 173، 371، 9: 159 حرب بن جابر الحنفي 3: 38 حرب بن خالد بن يزيد 2: 199 حرب بن شرحبيل الشبامي 3: 98 حرقة بنت النعمان 1: 183، 9: 208 حرقوص بن زهير 8: 295 حرملة العنبري 2: 232 حرملة بن الأشعر المري 7: 401 حرملة بن مقاتل 6: 131 حريث بن جابر 2: 26، 27 حريث بن زيد الخيل 4: 246 الحريري أبو محمد، القاسم بن علي 6: 381، 411، 422، 8: 314، 321 الحريش بن موسى 9: 450 الحزامي (البخيل) 2: 380 حزن بن رزاح 8: 213، 215 حزن بن عامر الطائي 5: 379 الحزنبل 7: 276 حزون النهشلي 8: 300 الحزين الكناني 3: 220 حسان الديلمي 9: 126 حسان بن تبع 7: 364 حسان بن ثابت 2: 98، 439، 446، 3: 25، 421، 422، 4: 17، 27، 59، 5: 94، 96، 101، 398، 6: 59، 7: 257، 97؟؟؟ 3، 398، 8: 29، 348، 359، 360، 372، 9: 118، 213، 333، 363 حسان بن حنظلة 2: 70 حسان بن عمرو 7: 60 حسكة بن عتاب 5: 99 الحسن اللؤلؤي 1: 428، 429 الحسن بن أبي الحسن- الحسن البصري 1: 146، 147، 149، 151، 160، 161، 162، 163، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 237 180، 184، 206، 212، 213، 215، 230، 231، 312، 362، 2: 91، 93، 94، 96، 141، 157، 176، 245، 246، 291، 365، 3: 99، 106، 125، 130، 154، 185، 215، 266، 268، 293، 298، 335، 4: 105، 167، 259، 371، 374، 6: 27، 31، 425، 7: 10، 170، 175، 253، 266، 351، 8: 80، 102، 104، 108، 128، 153، 281، 344، 9: 16، 94، 95، 247، 318، 392، 431 الحسن بن أبي مالك 8: 225 الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي 4: 32 الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب 1: 456، 3: 29، 280، 417، 4: 32، 8: 44، 271، 272، 9: 408 الحسن بن الحسين بن مصعب 2: 48 الحسن بن رجاء 1: 440، 4: 72، 5: 117، 193، 6: 328 الحسن بن رشيق الأزدي الكاتب المغربي 4: 101، 5: 362، 7: 299، 9: 441 الحسن بن زياد 7: 267 الحسن بن زيد بن علي بن الحسين 7: 191، 8: 296 الحسن بن سهل 1: 437، 2: 105، 283، 284، 285، 330، 3: 183، 267، 435، 4: 78، 315، 334، 8: 94، 154، 305، 9: 120، 242، 302 الحسن بن شهريار 2: 285 الحسن بن صالح بن حي 1: 172، 196 الحسن بن عبادة 3: 192 حسن بن علي الصيرفي المغربي 8: 127، 323 الحسن بن علي بن أبي طالب 1: 56، 65، 69، 83، 87، 101، 116، 273، 361، 364، 380، 398، 412، 413، 2: 42، 120، 124، 133، 139، 186، 187، 229، 269، 276، 317، 476، 3: 96، 98، 329، 340، 396، 410، 415، 416، 417، 4: 104، 105، 195، 371، 5: 191، 192، 6: 246، 7: 116، 180، 187، 198، 8: 87، 160، 222، 309، 9: 84، 85، 90، 154، 191، 206، 244، 269، 293، 294، 295 الحسن بن عيسى 1: 440 الحسن بن قحطبة 1: 211، 212، 2: 357، 7: 215، 232، 9: 282، 283 الحسن بن قيس بن حصن 9: 419 حسن بن محمد التميمي المغربي- ابن الربيب الحسن بن محمد المهلبي 1: 456 الحسن بن محمد بن علي 1: 275، 276، 277، 384 الحسن بن مخلد 1: 353، 423، 4: 102 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 238 الحسن بن هانىء- أبو نواس الحسن بن وهب 3: 132، 450، 4: 94، 368، 380، 5: 432، 6: 113، 229، 230، 8: 372، 389، 9: 301، 426 الحسين (خادم المهدي) 3: 56 الحسين (خادم هارون الرشيد) 3: 28 الحسين بن الحسن المروزيّ 4: 14 الحسين بن حمدان 2: 49 الحسين بن الضحاك الخليع 2: 131، 132، 3: 313، 4: 88، 112، 141، 210، 5: 318، 6: 81، 201، 202، 219، 220، 8: 370، 379 الحسين بن علي بن أبي طالب 1: 69، 87، 102، 116، 213، 273، 368، 383، 412، 2: 34، 42، 133، 134، 186، 187، 201، 212، 229، 262، 269، 276، 287، 317، 462، 464، 476، 486، 3: 96، 206، 207، 281، 282، 410، 415، 416، 417، 4: 32، 113، 219، 255، 371، 5: 82، 197، 211، 6: 262، 263، 264، 7: 146، 180، 198، 216، 8: 31، 53، 158، 9: 90، 149، 154، 159، 191، 206، 207، 217، 245، 294، 295، 309 حسين بن محمد 4: 351 الحسين بن مصعب 7: 190 الحسين بن مطير الأسدي 1: 223، 4: 214، 215، 5: 344، 6: 138، 166، 9: 68 حصن بن مطير 9: 334 الحصين بن الحمام المري 2: 400، 5: 366، 8: 341، 342 حصين بن عبد الله العنبري 2: 62 حضري بن عامر الأسدي 5: 42 الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي 1: 417، 2: 69، 3: 154، 314، 7: 194، 195، 8: 92، 93 الحطم- شريح بن ضبيعة الحطيئة 1: 156، 2: 64، 253، 284، 318، 366، 440، 3: 369، 370، 371، 4: 15، 16، 95، 96، 5: 32، 92، 93، 94، 95، 101، 241، 254، 396، 405، 7: 128، 296، 370، 373، 401، 8: 305، 306، 9: 393 حفص بن عتاب 3: 183 حفص بن عثمان- عمر بن حفص هزار مرد حفص بن غياث 2: 165، 5: 216 حفصة بنت عمر بن الخطاب (زوج الرسول) 1: 147، 148، 3: 283، 6: 266 حفصويه (صاحب الجيش) 8: 182 حكم الوادي (المغني) 9: 14، 16، 74 حكم بن أبي سعد بن أبي عمرو القيسي 7: 398 الحكم بن أيوب الثقفي 2: 321، 322، 5: 196، 8: 238 الحكم بن عبد الرحمن المرواني 3: 410 الحكم بن عبدل الأسدي 2: 161، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 239 292، 321، 3: 424، 4: 202، 5: 105، 7: 244، 245، 8: 203، 9: 425 الحكم بن عمرو البهراني 7: 340 الحكم بن عيينة 3: 66 الحكم بن قنبر البصري 6: 165 الحكم بن المطلب 2: 301، 356 حكمة بن قيس الكناني 3: 191 حكيم بن أبي حكيم المري 4: 274 حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد 2: 98، 107، 8: 184، 9: 168، 245 الحلاج 7: 223، 256 حلحلة الفزاري 2: 492 حليس الأسدي 8: 19، 30 حليل بن أوس 2: 466 حليمة بنت الحارث بن أبي شمر الغساني 7: 67، 383 حماد (الراوية) 3: 55، 56، 6: 203، 7: 37، 188، 271، 275، 343، 394، 9: 391 حماد (كاتب محمد بن سليمان بن علي) 2: 41 حماد البربري 8: 246 حماد عجرد 2: 262، 4: 343، 374، 5: 87، 8: 329، 9: 399 حماد بن أبي حنيفة 3: 135 حماد بن أبي سليمان 4: 121، 7: 229 حماد بن إسحاق بن إبراهيم 9: 33، 34 حماد بن جميل 7: 169 حماد بن الزبرقان 9: 339، 415 حماد بن زيد 1: 165 حماد بن سلمة 2: 165، 9: 124 حماد بن موسى 2: 186 حماد بن الهيثم 5: 129 حمادة بنت عيسى بن علي 9: 389 الحمال العبدي 7: 38 الحماني، أبو نخيلة- أبو نخيلة، الحماني حمدان الحجام 2: 249 حمدون بن إسماعيل 2: 132، 6: 321، 9: 203، 204 الحمدوني (الشاعر) 5: 426، 434، 436، 437، 9: 116، 353، 393، 396 حمدويه الأحول 8: 303 حمزة (القارئ) 9: 403 حمزة العطارة 3: 251 حمزة النوفلي 9: 423 حمزة بن بصير 9: 448 حمزة بن بيض 2: 349، 3: 199، 4: 342، 343، 5: 118، 119، 8: 36، 37، 38، 269، 270 حمزة بن حبيب الكوفي 6: 389 حمزة بن الضليل البلوي 7: 97 حمزة بن عبد الله بن الزبير 2: 152، 314، 484، 9: 193 حمزة بن عبد المطلب 2: 425، 480، 3: 279، 418، 445، 8: 338، 339، 340، 9: 280 حمزة بن عفيف 9: 323 حمزة بن نصير 3: 288 حمل بن بدر 5: 96 حميد الأرقط 2: 318 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 240 حمي د الطوسي 4: 228، 278، 7: 241، 8: 249، 9: 120، 175 حميد شر الكوفي 2: 246 حميد بن بحدل 8: 314 حميد بن ثور الهلالي 4: 27، 5: 273، 330، 6: 9، 117 حميد بن جابر 1: 179 حميد بن عبد الرحمن 7: 266 حميد بن قحطبة 9: 282 حميد بن هلال 8: 100 حميدة بنت النعمان بن بشير 5: 169، 7: 237 حمير بن مالك 2: 46 حنتمة بن مالك الجعفي 3: 38 حنظلة النميري 2: 254 حنظلة بن أبي سفيان 9: 167 حنظلة بن ثعلبة 3: 17 حنظلة بن عرارة التميمي 4: 286 حنظلة بن عفراء 8: 17 حنين (صاحب ال خ فين) 2: 352، 3: 141، 7: 101، 102 حواء 3: 389، 4: 39، 6: 45، 226 حواء بنت يزيد 7: 380 حوشب 7: 255، 256 حوشب بن يزيد الشيباني 2: 104، 105، 5: 63 حوصلة 7: 240 الحوفزان- الحارث بن شريك حويصة بن مسعود 7: 381 حي بن ربيعة بن حزام 7: 374 حيان بن معبد 8: 237 حية بنت الخليل بن حبشة 7: 374 حيدان (أعرابي) 9: 383، 384 خ خارجة بن زيد بن ثابت 2: 109، 6: 145 خارجة بن سنان المري 2: 37، 38، 8: 300 خارجة بن فليح المللي 4: 58، 6: 74 خارجة بن مصعب 1: 145، 2: 223 خاقان 3: 397 خالد الحذاء 8: 299 خالد الطحان 1: 193 خالد الكاتب 5: 176 خالد الهذلي 7: 112 خالد بن أسيد 2: 295، 308، 9: 249 خالد بن برمك 2: 88، 198، 294، 351، 8: 156، 250، 256، 257 خالد بن البكر 3: 35، 36 خالد بن جعفر بن كلاب 7: 227، 408، 411 خالد بن زهير 7: 212 خالد بن سعيد بن العاص 2: 473 خالد بن صفوان 1: 157، 158، 159، 207، 2: 94، 159، 252، 318، 320، 329، 367، 3: 104، 137، 155، 179، 248، 412، 413، 4: 37، 38، 80، 360، 365، 370، 5: 255، 310، 315، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 241 8: 26، 189، 9: 117 خالد بن الصقعب النهدي 3: 54، 7: 343 خالد بن الصمة 7: 119 خالد بن عبد الله القسري 2: 47، 48، 97، 129، 274، 301، 307، 342، 343، 367، 449، 450، 473، 3: 25، 26، 60، 103، 104، 256، 426، 4: 164، 305، 5: 116، 6: 275، 7: 186، 8: 255، 256، 301، 302 خالد بن عبد الله بن عمرو ... بن ذهل بن شيبان (ذو الجدين) 7: 366 خالد بن عبد الله بن يزيد 2: 18 خالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي 3: 120، 4: 215، 231، 8: 318 خالد بن عرفطة العدوي 2: 455، 9: 201 خالد بن كلثوم 9: 65، 151 خالد بن مالك النهشلي 7: 12، 13 خالد بن المضلل 8: 16 خالد بن معاوية السعدي 7: 53 خالد بن المهاجر 2: 453، 454 خالد بن الوليد 1: 141، 142، 2: 481، 482، 3: 331، 4: 249، 5: 209، 6: 39، 156، 157، 7: 352، 8: 215، 9: 149، 161 خالد بن يزيد البهراني 3: 16، 17 خالد بن يزيد القرشي 7: 171، 172 خالد بن يزيد المهلبي 2: 275، 344، 345، 358، 359 خالد بن يزيد بن مزيد 8: 26، 27 خالد بن يزيد بن معاوية 1: 267، 2: 56، 57، 3: 272، 5: 65، 196، 333، 8: 241، 9: 293 خالدة بنت هاشم بن عبد مناف 2: 131 الخالديان- أبو بكر الخالدي- أبو عثمان الخالدي خباب بن الأرت 3: 55، 8: 100 خبيب بن عدي الأنصاري 1: 134، 3: 35، 36، 37 الخثعمي (راوية أهل الكوفة) 7: 344 خداش بن زهير 7: 377، 378، 379 خديجة بنت خويلد (زوج الرسول) 3: 396، 415، 433، 6: 253، 254 خراش بن أبي خراش الهذلي 2: 147، 148، 200 خراش بن مرة الضبي 9: 199 الخرنق بنت هفان القيسية 3: 402 خريم بن أوس 9: 160 الخريمي (الشاعر) ، إسحاق بن حسان، أبو يعقوب 2: 275، 284، 4: 260، 325 الخزرجي 5: 123 خزيمة بن ثابت الأنصاري 8: 296 خزيمة بن زرارة 3: 429 خزيمة بن نهد بن قضاعة بن معد 7: 361 الخصيب (خادم الرشيد) 2: 79 الخصيب بن أحمد 8: 198 الخصيبي، أحمد بن عبيد الله 5: 155 الخضر (من بني تميم) 6: 159 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 242 الخطفى (ج د جرير الشاعر) 1: 365، 3: 348 الخطيم بن عدي الأوسي 7: 377، 378، 379 خفاف بن ندبة 7: 84 خلاد 7: 302 خلاد بن فروة 2: 462 خلف الأحمر 3: 54، 5: 26، 271، 295، 296، 7: 48، 74، 120، 130، 274، 8: 329، 330، 9: 442 خلف بن خليفة 5: 431، 6: 58 خليج بن منازل 9: 290 خليدة بنت بدر 2: 64 الخليل بن أحمد 1: 281، 363، 2: 186، 4: 345، 383، 5: 363، 364، 6: 47، 406، 425، 8: 213، 312، 9: 94، 244 الخليل بن حبشة الخزاعي 7: 374 الخليل بن سعيد 6: 145 الخليل بن هشام 5: 127 خليلان (المؤدب) 8: 305، 9: 71 خمارويه بن أحمد بن طولون 8: 97 خنابزين 3: 16، 17 خنثى النبا ذ 8: 401 خندف- ليلى بنت تغلب الخنساء 2: 66، 325، 4: 35، 199، 200، 208، 238، 259، 271، 272، 5: 112، 403، 6: 424، 7: 47، 194، 386، 387 خنساء (جارية هشام النحوي) 5: 175 الخنوت السعدي- توبة بن مضرس خنور بن خنور 9: 249 خوات بن جبير الأنصاري 7: 27، 9: 362 الخوارزمي، أبو بكر- أبو بكر الخوارزمي الخولاني- أبو مسلم الخولاني خولة بنت حكيم 3: 96 خولة بنت مخرمة 2: 74 خولة بنت مقاتل 5: 114، 115 خولة ذات النحيين 3: 444 الخيار بن سبرة المجاشعي 5: 27 خيار بن سلمى بن مالك بن جعفر 7: 397 خيرة بنت ضمرة القشيرية 3: 254 الخيزران (أم الرشيد) 1: 435، 436، 3: 258، 8: 320 خيلان 8: 312 د دارا بن دارا 1: 406 داود (كاتب زبيدة) 2: 110، 111 داود (النبي) 1: 59، 61، 289، 2: 419، 3: 170، 188، 362، 4: 12، 362، 5: 21، 366، 368، 6: 236، 239، 250، 7: 180، 187، 262، 311، 8: 83، 105، 176، 198، 9: 62، 81 داود الطائي 2: 351، 3: 135 داود المصاب 8: 400 داود المكي 9: 34 داود بن أبي داود 2: 379 داود بن أبي هند 1: 199، 9: 280 داود بن الجراح 1: 451 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 243 داود بن حمدان 2: 442 داود بن ر زين 2: 472 داود بن رشيد 9: 240 داود بن سلم 2: 199 داود بن علي بن عبد الله بن عباس 2: 30، 31، 36، 40، 129، 130، 5: 198، 229، 6: 279، 286، 287، 8: 159 داود بن عيسى 8: 331 داود بن قح ذ م 2: 357 داود بن نصير الطائي 1: 173، 174، 175، 2: 351، 3: 135 دبيس بن صدقة بن منصور 8: 71 دبيك (مولى خزاعة) 3: 25 دحمان الأشقر 9: 24 دحية (أعرابي) 5: 215 دختنوس بنت لقيط بن زرارة 7: 136 درء بن الغوث بن مالك 7: 383 درست بن زياد 9: 115 درواس بن حبيب 2: 22 دريد بن الصمة 3: 344، 4: 239، 240، 5: 375، 6: 388، 406، 7: 119، 9: 91، 199 دعبل بن علي الخزاعي 2: 204، 336، 387، 4: 53، 278، 5: 22، 49، 56، 73، 93، 98، 112، 113، 124، 126، 132، 133، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 160، 168، 261، 343، 406، 6: 23، 93، 8: 35، 169، 170، 171، 179 دعد (صاحبة نصيب) 7: 291، 293 دغفل النسابة 3: 81، 430 دغفل بن حنظلة الشيباني 6: 364، 366 دكين (الراجز) 8: 299، 9: 238، 239 الدلال (المغني) 9: 27، 423 الدلفي 5: 327 دليم بن مرة الجهني 9: 334 دنانير (جارية يحيى بن خالد) 2: 191 دودان بن أسد بن خزيمة 8: 13 دومة بنت مغيث 9: 310 دويد بن زيد بن نهد ...... بن قضاعة 6: 33، 34 ديك الجن 4: 364، 6: 59، 89، 210، 211، 8: 379، 380 دينار بن عبد الله 9: 103، 104، 422 دينارويه 3: 84 ذ ذرّ بن عمر بن ذر الهمذاني 4: 244، 245 الذلفاء (مغنية) 9: 10 الذلفاء بنت الأبيض 4: 253 ذو الإصبع العدواني 2: 40، 211، 3: 395، 5: 105، 6: 37، 38، 7: 58، 90، 336، 9: 188 ذو الرمة 3: 434، 4: 19، 61، 73، 245، 5: 175، 176، 257، 258، 270، 274، 290، 291، 292، 315، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 244 325، 327، 329، 330، 351، 391، 392، 393، 394، 395، 396، 397، 6: 56، 75، 80، 91، 100، 109، 116، 119، 163، 167، 185، 215، 216، 412، 7: 43، 53، 274، 287، 288، 289، 290، 308، 339، 373، 8: 15، 19 ذو ال ر ياستين- الفضل بن سهل ذو القرنين- الإسكندر ذؤيب بن حبيب الخ ز اعي 8: 390 ذيو جانس 7: 207، 234 ر رابعة العدوية 1: 198، 6: 424 رأس الكبش (الشاعر) 5: 132 راشد (الحاجب) 9: 396 راشد الكاتب 5: 436، 438، 439 الراضي (الخليفة العباسي) 1: 270، 5: 171 الراعي النميري 2: 22، 6: 387، 7: 283، 298 رافع بن الحسين بن حماد بن مقن 6: 432 رافع بن حميضة 2: 69 رافع بن يزيد الأشهلي 7: 380 رائقة (قينة) 8: 361 رباب (زوج الحسن بن علي) 9: 84 ربابة (جارية بشار) 7: 302 رباح (غلام يحيى بن خالد البرمكي) 3: 28 رباح بن رباح (أخو بلال المؤذن) 3: 78 رباح بن المعترف 9: 15 ربعي بن خراش 3: 50 ربيحة الشماسية 9: 62 الربيع (وزير المنصور) 1: 217، 424، 452، 2: 138، 212، 213، 323، 3: 289، 311، 312، 4: 76، 255، 256، 7: 182، 202، 8: 172، 185، 239، 255، 310، 9: 87، 233، 277، 283، 319، 320، 321، 342، 343 الربيع (وزير المهدي) 3: 214، 263، 8: 45 الربيع بن أبي الجهم 1: 310 ربيع بن أبي الحقيق اليهودي 5: 54 ربيع بن أصرم بن خارجة العنبري 5: 424 الربيع بن خثيم 1: 213، 4: 338، 5: 100، 7: 161 الربيع بن زياد الحارثي 1: 85، 410، 6: 317، 7: 67، 8: 218، 219 الربيع بن زياد العبسي (الكامل) 4: 206، 7: 16 الربيع بن سليمان 1: 209، 2: 345، 3: 200، 7: 230 الربيع بن ضبع الفزاري 6: 32 الربيع بن عاصم 1: 211 الربيع بن قعنب 7: 250 ربيع بن مالك (ربيع المقترين) 7: 16 الربيع بن هزيم 8: 228 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 245 الربيع بنت النضر 2: 475 ربيعة الأسدي 7: 386 ربيعة الرقي 2: 352 ربيعة بن حزام العذري 7: 374 ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة (ربيعة البكاء) 7: 25 ربيعة بن عامر بن مالك 7: 398 ربيعة بن عبد شمس 4: 271 ربيعة بن عراك السكوني التجيبي 3: 17 ربيعة بن عمرو (حوثرة) 3: 293 ربيعة بن مرة بن الحارث بن غنم بن تغلب 7: 366 ربيعة بن مقروم الضبي 3: 402، 4: 365 ربيعة بن مكدم الفراسي 2: 444، 7: 301 ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان 7: 367 رتبيل (ملك الترك) 3: 25 رجاء بن حيوة 1: 154، 189، 4: 243، 244 رجاء بن عبد العزيز 2: 278 الرحال (الشاعر) 5: 167 الرخجي- فرج رخيم (جارية المهدي) 7: 184 رزاح النهدي 8: 213، 214، 215 رزاح بن ربيعة بن حزام 6: 36، 7: 374 رزام، أبو بشر 3: 26، 27 رزين العروضي 2: 284 رزين بن علي (أخو دعبل الشاعر) 5: 143 رستم 1: 278 رشا (خادم علية بنت المهدي) 8: 285 رشيد (خادم هارون الرشيد) 3: 28 رشيد، أبو داود (الراوي) 9: 240، 241 الرضي الموسوي- محمد بن الحسين الموسوي، أبو الحسن- الشريف الرضي الرعيل بن الكلب 5: 20 رقاش بنت عمرو بن تغلب بن وائل 7: 76 الرقاشي- الحضين بن منذر الرقاشي الرقاشي- الفضل بن عبد الصمد رقبة بن مصقلة العبدي 3: 78، 5: 445، 9: 105 رقطاء الحبطية 9: 61 رقيبة الجرمي 4: 206 رقية (صاحبة ابن قيس الرقيات) 6: 146 رقية بنت الرسول 8: 295، 296 رقية بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان 7: 240 رقية بنت عمر بن الخطاب 9: 309 رقيقة بنت أبي صيفي 9: 158 ركن الدولة البويهي 1: 464، 2: 494، 6: 331، 336، 345، 8: 168، 9: 185، 220 رملة بنت الزبير بن العوام 5: 196 رملة بنت عبد الله بن خلف 2: 494، 495 رملة بنت معاوية بن أبي سفيان 4: 220 الرملي الشاعر 5: 156 رميض بن رشيد العنزي 5: 366 رهم بنت الخزرج 7: 84، 85 رؤبة بن العجاج 2: 79، 80، 81، 3: 260، 407، 5: 40، 261، 265، 6: 396، 7: 274، 339، 8: 207، 9: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 246 384 رؤبة بن عيينة 3: 223 روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب 2: 278، 489، 491، 7: 161 روح بن ز نباع الجذامي 2: 26، 54، 55، 163، 244، 291، 4: 126، 368، 7: 97، 237، 8: 242، 243، 249 روح بن الطائفية 3: 53 روق بن زائدة بن قدامة 2: 461 رويم (القاضي) 3: 165 ريّا (صاحبة الصمة القشيري) 6: 152 رئاب بن عقبة العبشمي 5: 195 رياح بن عثمان المري 3: 26، 27 الرياشي، العبا س بن فرج 1: 157، 3: 304، 5: 413، 7: 147، 298 الريان بن المنذر 7: 332 ريحانة (أخت عمرو بن معدي كرب) 7: 119 ريطة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب 9: 240 ز زادان 2: 239 زامل بن عمرو 3: 120، 121 زاهر (التاجر) 2: 119 زاهر الشيباني 7: 23 الزباء 6: 424، 7: 72، 105، 139، 388 زبدة (جارية عبيد الله بن عتبة بن مسعود) 6: 144 زبراء (جارية الأحنف) 7: 264، 265 زبراء (والي المدينة) 9: 65 الزبرقان بن بدر 2: 64، 3: 60، 419، 420، 433، 5: 93، 94، 101، 102، 7: 351 زبيد الايامي 1: 166 زبيدة (زوج الرشيد) 1: 449، 2: 47، 110، 143، 3: 288، 4: 267 6: 424، 8: 23، 35، 239، 272، 273، 9: 129، 446، 456 الزبير بن بكار 3: 161، 162، 433، 4: 300، 5: 357، 7: 270، 292، 376، 377، 9: 399 زبير بن دحمان (المغني) 4: 206، 8: 188 الزبير بن عبد المطلب 1: 398، 3: 208، 418، 419، 432 الزبير بن العوام 2: 278، 480، 484، 3: 34، 35، 329، 408، 417، 4: 255، 351، 5: 82، 189، 6: 254، 9: 146، 147، 206، 207 الزبيري- مصعب بن عبد الله الزبيري الزجاج، إبراهيم بن السري النحوي، أبو إسحاق- أبو إسحاق الزجاج زرارة بن أوفى 1: 163 زرارة بن حصن الخثعمي 5: 54 زرارة بن عامر بن صعصعة 6: 159 زرارة بن عدس 3: 429، 7: 16، 287، 9: 106 زرزور (مولى المارقي) 9: 49، 50، 52 الزرقاء (صاحبة تأبط شرا) 7: 346 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 247 الزرقاء بنت عدي بن غالب 5: 185، 186 زرقاء اليمامة 7: 20 زرنب (أم كرز) 3: 60 زرياب 5: 143، 8: 23، 9: 20 زفر بن الحارث الكلابي 2: 51، 448، 4: 99، 5: 190، 191، 7: 174، 8: 280، 9: 187 زفر بن الهذيل الحنفي 9: 344 زكريا (النبي) 7: 180 زلزل (المغني) 3: 31، 8: 170، 188، 9: 22، 23 الزمخشري، محمود بن عمر بن أحمد 3: 142، 9: 288 زمزم (زنديق) 3: 256 زنكي بن آق سنقر 2: 247، 248، 360 زهرة (جارية) 9: 377 الزهري، ابن شهاب 1: 109، 112، 201، 204، 348، 2: 278، 357، 3: 65، 129، 205، 212، 4: 123، 6: 226، 9: 245 زهير بن أبي سلمى 1: 251، 2: 122، 219، 3: 56، 4: 9، 10، 11، 12، 31، 35، 36، 198، 221، 252، 358، 5: 97، 124، 244، 257، 266، 367، 388، 392، 6: 35، 7: 24، 56، 86، 126، 281، 296، 303، 8: 126، 178، 345، 356، 9: 12 زهير بن ثعلبة 9: 192 زهير بن جذيمة العبسي 1: 397، 7: 96 زهير بن جناب الكلبي 6: 36، 37، 8: 213، 214، 215 زهير بن عامر بن عنزة 7: 76 زهير بن عباد 1: 190 زهير بن كلحبة اليربوعي 3: 314 الزهيري 6: 398 زياد (مولى مصعب بن الزبير) 3: 30 زياد الأعجم 2: 160، 161، 348، 487، 4: 32، 57، 208، 5: 122، 123، 157، 7: 239، 8: 300 زياد العبسي 7: 16 زياد بن أبي سفيان 1: 143، 301، 308، 309، 315، 329، 339، 349، 351، 409، 413، 414، 415، 416، 417، 440، 448، 464، 2: 26، 27، 45، 115، 128، 151، 152، 3: 266، 268، 312، 313، 336، 4: 79، 80، 249، 5: 30، 100، 101، 102، 127، 249، 6: 248، 251، 317، 432، 7: 97، 141، 170، 172، 173، 222، 223، 232، 270، 394، 8: 49، 54، 157، 177، 198، 235، 236، 273، 283، 285، 9: 84، 151، 182، 183، 210، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 244، 312 زياد بن عبد الله الحارثي 2: 373، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 248 374، 3: 290 زياد بن عبيد- زياد بن أبي س فيان زياد بن عمرو، أبو أمامة- النابغة الذبياني زياد بن عمرو العتكي 2: 100، 101، 4: 29 زياد بن منقذ 7: 119 زيادة بن الخ ش رم 5: 196 زيد الخيل الطائي 2: 156، 216، 417، 3: 202، 203، 4: 337، 5: 366 زيد الفوارس الضبي 2: 155 زيد بن أبي أوفى 4: 350 زيد بن أرقم 1: 54 زيد بن أسلم العدوي 1: 110، 144 زيد بن ثابت 1: 104، 105، 2: 241، 242 زيد بن جدعان 9: 347 زيد بن حارثة 8: 339 زيد بن الخطاب 4: 250 زيد بن الدثنة 3: 35، 36، 37 زيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة 3: 429 زيد بن صوحان العبدي 2: 65، 4: 26 زيد بن ظبيان 8: 343 زيد بن علي بن الحسين 1: 112، 2: 76، 133، 213، 464، 3: 333، 397، 5: 71، 197، 6: 290، 7: 197، 8: 296 زيد (الأصغر) بن عمر بن الخطاب 9: 309 زيد بن عمرو بن عثمان 6: 199، 200 زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب (الأحوص اليربوعي) 3: 403 زيد بن عمرو بن نفيل 1: 267 زيد بن مالك بن أدد 7: 371 زيد بن موسى بن جعفر 1: 116 زيق بن بسطام 9: 196، 197 زينب بنت أبي جعفر المنصور 8: 311 زينب بنت جحش (أم المؤمنين) 8: 196، 197 زينب بنت حدير 9: 201، 202، 203 زينب بنت الرسول 3: 9، 433، 9: 260 زينب بنت عبد الرحمن بن هشام 8: 307 زينب بنت علي 6: 262 زينب بنت يوسف (أخت الحجاج) 1: 430، 6: 177، 178، 7: 344 س سابق الأعمى 9: 449 سابق البربري 3: 347 سابور ذو الأكتاف 1: 417، 418، 419، 3: 32، 33، 7: 175، 8: 11، 141، 9: 107 سابور بن أردشير 1: 159، 296، 3: 346 ساسان بن بابك 3: 142 ساعدة بن جؤية الهذلي 5: 311، 376 سالم (غلام النبي) 8: 9 سالم (الكاتب) 8: 255 سالم (مولى الوليد بن يزيد) 8: 46 سالم بن دارة 7: 46، 212 سالم بن زهير بن أبي سلمى 4: 252 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 249 سالم بن عبد الله بن عمر 1: 189، 3: 139، 7: 179، 9: 91، 191، 238، 239 سالم بن عقال 8: 398 سالم بن عمر بن الخطاب 8: 29 سالم بن وابصة 2: 125، 406، 3: 117، 4: 366 سامة بن لؤي 7: 375، 376 سائب (راوية كثير عزّة) 6: 147، 7: 292، 293 السائب (مغن) 3: 281 السائب بن الأقرع 8: 29، 30 السائب بن زيد 9: 89 السائب بن عمرو بن عوف 2: 75، 7: 213 سبأ بن يعرب 6: 399 سبطة بن المنذر السليحي 7: 129 سبكتكين 4: 47 سبيع بن الخطيم 2: 155 سجاح التميمية 6: 424، 7: 349، 350، 351 سحبان وائل 2: 319، 6: 272، 364 سحر (زوج الرشيد) 9: 69 سحيم بن وثيل الرياحي (الشاعر، عبد بني الحسحاس) 1: 448، 4: 40، 358، 5: 442، 443، 6: 118 سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة 7: 384، 385، 386 السدي، أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن 9: 207 سديف (مولى بني هاشم) 5: 196، 197، 198، 199، 6: 287 سذاب الوراق 8: 332 سراقة البارقي 8: 248 سراقة بنت سعد بن سهيل 3: 36 السري الرفاء 2: 77، 438، 3: 159، 4: 74، 79، 92، 103، 114، 172، 381، 384، 5: 14، 82، 83، 84، 171، 347، 352، 361، 382، 400، 406، 409، 416، 422، 427، 6: 92، 127، 7: 301، 8: 135، 389 السري بن المغلس السقطي 1: 197 سريع الأهوازي 1: 216، 3: 195 سطيح 8: 10، 11 سعد (الحاجب) 8: 33، 9: 410 سعد العشيرة 3: 342 سعد القرظ 8: 213 سعد القرقرة 7: 45 سعد بن أبي وقاص 1: 141، 142، 145، 2: 455، 456، 457، 482، 3: 133، 329، 334، 417، 4: 352، 6: 239، 7: 99، 8: 100، 201، 232، 9: 147، 189، 257 سعد بن زيد مناة بن تميم 7: 84، 113 سعد بن ضبة بن أدّ 7: 135 سعد بن عبادة الأنصاري 2: 103، 8: 29، 96، 297 سعد بن قرط 2: 472 سعد بن مالك- سعد بن أبي وقاص سعد بن مالك الكناني 7: 49 سعد بن ناشب 2: 434 سعد بن نمرة الهمداني 8: 218 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 250 سعد الملك أبو المحاسن، سعد بن علي الآبي 8: 69 سعدى (أم أوس بن حارثة) 2: 64 سعدة بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان 4: 280، 7: 235، 236 سعدويه الطنبوري 8: 297 سعية بن غريض اليهودي 4: 321، 8: 93 سعيد الدارمي 2: 370، 4: 342، 7: 245، 9: 390 سعيد الفهمي 2: 17 سعيد بن أبان 2: 492 سعيد بن إبراهيم الزهري 9: 8 سعيد بن جابر 2: 132 سعيد بن جبير 1: 145، 3: 136، 4: 85، 8: 296، 9: 367 سعيد بن الحشرج 2: 297 سعيد بن حميد العمري 8: 67، 71 سعيد بن حميد الكاتب 4: 113، 120، 160، 321، 382، 5: 10، 46، 56، 364، 6: 195، 9: 426، 431 سعيد بن خالد 5: 123 سعيد بن خالد القرشي 3: 225 سعيد بن خالد بن عبد الله بن أسيد 2: 295 سعيد بن خالد بن عثمان بن عفان 2: 294 سعيد بن خريم 2: 286 سعيد بن راشد 8: 256 سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل 3: 217، 6: 226، 9: 215، 216 سعيد بن سلم 2: 197، 324، 3: 123، 250، 450، 7: 233، 8: 343، 9: 263 سعيد بن ضبة بن أدّ 7: 135 سعيد بن العاص 1: 261، 2: 18، 42، 43، 44، 58، 263، 271، 272، 290، 291، 358، 366، 3: 256، 410، 418، 419، 7: 15، 222، 8: 32، 233، 298، 9: 214، 216، 217، 309 سعيد بن عامر بن خذيم الجمحي 1: 133، 134، 3: 332 سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب 5: 235 سعيد بن عبد الرحمن بن حسان 8: 158، 306، 307 سعيد بن عبد العزيز 8: 91 سعيد بن عبد الكبير الخطابي 9: 110 سعيد بن عبد الله 7: 317 سعيد بن عبد الملك 7: 191 سعيد بن عثمان بن عفان 2: 467، 5: 121، 6: 272، 7: 207 سعيد بن العلقم المازني 7: 264 سعيد بن عمرو بن جعد بن هبيرة 3: 23 سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص 2: 57 سعيد بن محمد، أبو عثمان 9: 270، 271 سعيد بن مرة الكندي 1: 441 سعيد بن مسجح- ابن مسجح سعيد بن المسيب 1: 216، 2: 226، 3: 66، 78، 236، 335، 6: 145، 147، 148، 149، 7: 179، 200، 267، 8: 98، 198، 9: 246، 287، 310، 311، 373 سعيد بن وهب 1: 348، 7: 248، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 251 249، 9: 287، 427 سفانة بنت حاتم 2: 290 سفيان الثوري 1: 114، 149، 169، 170، 171، 173، 216، 219، 227، 360، 362، 2: 95، 3: 66، 214، 298، 335، 4: 339، 5: 27، 100، 6: 226، 8: 98، 104، 143، 9: 257، 285، 362، 368 سفيان بن أمية بن عبد شمس 7: 371 سفيان بن عيينة 1: 185، 188، 212، 213، 2: 94، 219، 4: 14، 258، 362، 8: 91، 95، 104، 405، 9: 94، 127 سفينة (مولى الرسول) ، أبو عبد الرحمن 8: 300، 301 سقراط 1: 248، 250، 2: 163، 180، 221، 244، 3: 137، 138، 188، 450، 7: 220، 8: 84، 86 سكران (أم عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات) 9: 300 سكين بن موسى 1: 214 سكينة بنت الحسين 2: 421، 462، 4: 31، 32، 6: 189، 199، 200، 7: 205، 290، 9: 247 سلام الأبرش 2: 154 سلام الخالدي 9: 17 سلامة (أم المنصور) 1: 419 سلامة (جارية) 6: 150 سلامة (خازن المأمون) 2: 354 سلامة الطحاوي الفقيه 3: 200 سلامة القس (المغنية) 6: 142، 143، 9: 38، 39 سلامة بن جندل 5: 376، 7: 190 السلامي، أبو الحسن- أبو الحسن السلامي السلطان محمد بن ملكشاه 5: 416 السلطان مسعود بن محمد 8: 27 السلكة (أبو السليك) 9: 391 سلم (والي المنصور) 1: 460 سلم الحادي 2: 323 سلم الكلبي 6: 306 سلم بن زياد 1: 429، 2: 278، 5: 49، 9: 194 سلم بن عمرو الخاسر 2: 327، 328، 3: 58، 5: 261، 8: 299 سلم بن قتيبة 3: 450، 4: 113، 131، 8: 207، 9: 98، 248 سلم بن نوفل 2: 25 سلمى (امرأة صخر بن عمرو) 7: 386 سلمى (زوج عروة بن الورد) 5: 104 سلمى الموسوس 9: 458 سلمى بن مالك (نزال المضيق) 7: 16 سلمى بنت أبي حفصة 2: 455، 456، 457 سلمى بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان 4: 280، 7: 235 سلمى بنت وائل الصائغ 7: 132 سلمان الفارسي 1: 56، 66، 125، 128، 131، 132، 139، 140، 146، 192، 3: 129، 4: 352، 8: 227، 9: 90، 208، 256، 365 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 252 سلمة بن الأكوع 3: 210، 211 سلمة بن دينار- أبو حازم الأعرج سلمة بن زيد البجلي 8: 119 سلمة بن سعيد 3: 178 سلمة بن صالح بن أبي رتبيل اليشكري 5: 58، 59 سلمة بن عباد 9: 35 سلمة بن عياش 2: 356، 7: 287 سلمة بن محارب 9: 258 سلمي (والد عمير) 2: 146 سليط بن سعد 3: 34 السليك بن السلكة 7: 136، 345، 8: 307، 308، 9: 391 السليك بن مجمع 6: 211 السليل بن قيس 9: 195 سليم (الفافو) 2: 354، 3: 202 سليم القاص 9: 245 سليم بن خنجر الكلبي 8: 178 سليم بن سلام 2: 338، 9: 75 سليمان (الحكيم) 1: 59، 61، 161، 3: 221، 5: 8، 386، 6: 243، 314، 7: 180، 192، 262، 9: 435 سليمان التيمي 8: 299، 403 سليمان الكاتب- أبو أيوب المورياني سليمان بن أبي جعفر 8: 23، 9: 150 سليمان بن أبي دباكل الخزاعي 6: 176 سليمان بن ثابت 9: 306 سليمان بن الحسن الجابي 8: 240 سليمان بن راميل 3: 221 سليمان بن سعد 3: 77 سليمان بن صرد الخزاعي 9: 201 سليمان بن صعصعة 4: 75 سليمان بن عبد الملك 1: 150، 152، 199، 200، 201، 202، 203، 204، 380، 434، 2: 92، 103، 104، 108، 109، 235، 236، 294، 295، 296، 3: 29، 185، 195، 196، 197، 265، 397، 4: 243، 244، 366، 5: 36، 37، 43، 198، 224، 338، 6: 44، 7: 162، 202، 226، 227، 269، 8: 158، 9: 15، 26، 27، 98، 99، 129، 130، 238، 315، 318، 325، 326، 452 سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس 2: 60، 61، 159، 464، 3: 216، 4: 258، 6: 288، 7: 278، 8: 25، 236 سليمان بن فهد 4: 229، 230، 6: 374، 8: 303 سليمان بن قتة التيمي 2: 462، 4: 219، 5: 121 سليمان بن مجالد 3: 23 سليمان بن المغيرة 2: 315 سليمان بن المهاجر 7: 90 سليمان بن الوليد 1: 219 سليمان بن وهب، أبو أيوب 2: 82، 83، 106، 236، 237، 3: 450، 4: 61، 120، 8: 392، 393، 9: 375 سليمان بن يزيد العدوى 3: 217 سليمان بن يسار 6: 145 سماك بن عمرو الباهلي 7: 66 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 253 سمرة بن جندب 1: 415، 9: 86، 96 السمهري العكلي 4: 324، 6: 134 السموأل 3: 12، 13، 4: 59، 7: 31 سمية (أم زياد بن أبي سفيان) 3: 312، 4: 313، 7: 179، 228، 8: 49، 9: 215 سميع 5: 209 السمين بن عبد الله 2: 147 سنان بن أبي حارثة المري 7: 26، 27 سنان بن سلمة 2: 27 سنان بن الم ش لل 2: 89 السندي بن شاهك 7: 239، 8: 52 سنمار 3: 33، 34 سهل الأحول 2: 229 سهل بن ح ص ين 9: 85 سهل بن رزاح 8: 213، 215 سهل بن سعد 8: 80 سهل بن صباح 2: 110 سهل بن غالب الخزرجي 6: 45 سهل بن مالك الفزاري 7: 70 سهل بن هارون بن راهبون 1: 259، 305، 354، 380، 425، 2: 17، 330، 387، 3: 53، 242، 5: 409، 6: 271، 327، 8: 176، 182، 9: 416 سهية (أم أرطأة) 7: 250 سهيل بن زيد الفزاري 5: 54 سهيل بن عبد الرحمن 6: 142 سهيل بن عبد العزيز المرواني 6: 390 سهيل بن عمرو 1: 125، 2: 37، 3: 93، 419، 6: 238 سوّار (الحاجب) 3: 201، 202 سوار بن عبد الله العنبري (القاضي) 2: 324، 3: 178، 182، 8: 242، 9: 385، 435 سوار بن مضرب 5: 231، 417 سودة (زوج الرسول) 3: 283 سودة بنت عمارة 2: 20 سويبط 9: 365، 366 سويد الحروري 7: 204 سويد بن أبي كاهل 4: 75، 5: 332 سويد بن سعيد 6: 156 سويد بن غفلة 1: 78، 79، 3: 127 سويد بن مقرن 2: 240 سويد بن منجوف 5: 232، 7: 213 سيار بن الحكم 9: 335 سيبويه 3: 189، 6: 403 السيد الحميري 7: 252 السيد بن أنس 1: 441 سيرين (جارية حسان بن ثابت) 9: 363 سيف بن ذي يزن 2: 472 سيف الدولة، صدقة بن منصور بن مزيد الأسدي 5: 93 سيف الدولة الحمداني 1: 307، 374، 4: 55، 66، 5: 66، 7: 312، 8: 26، 293، 346، 347 سيفويه القاص 3: 277، 4: 288، 9: 100 ش شأس بن عبدة 7: 383، 384 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 254 الشافعي 1: 208، 209، 210، 361، 2: 345، 3: 65، 66، 67، 106، 201، 9: 8، 129، 185، 256، 310 شاهفريد بنت خسرو فيروز بن يزدجرد (أم يزيد بن الوليد) 3: 397 شبة بن عقال 4: 37 شبث بن ربعي الرياحي 7: 349 شبرمة بن الطفيل 8: 383 شبل بن معبد 9: 210 شبيب الخارجي الحروري 2: 450، 462، 488، 7: 178، 204، 8: 224 شبيب بن البرصاء 1: 282، 6: 407، 7: 297 شبيب بن شبة 2: 476، 477، 4: 370، 7: 190، 8: 26 شبيب بن شيبة 5: 214، 7: 278 شبيب بن عقال المجاشعي 4: 34 شجاع بن القاسم 9: 220 شداد بن أبي ربيعة الخثعمي 8: 21 شراعة بن الزندبوذ 8: 375 شرحبيل بن السمط 2: 290، 291، 9: 373 شرف الدين، علي بن طراد الزينبي (الوزير) 4: 90، 6: 227 شرف الملك، أبو سعيد مستوفي ملكشاه 8: 143 الشرقي بن القطامي 3: 85 شريح القاضي 1: 411، 412، 2: 73، 74، 75، 3: 176، 180، 181، 255، 268، 5: 232، 7: 31، 188، 216، 8: 285، 330، 9: 201، 202، 203، 312، 369، 370، 408 شريح الكلبي 3: 13 شريح بن الأحوص 2: 279 شريح بن الأقعس العنبري 8: 30 شريح بن السموأل 3: 13 شريح بن ضبيعة 7: 58، 9: 178، 179، 180 شريح بن عمران اليهودي 4: 377 الشريف الرضي 1: 63، 283، 399، 2: 84، 85، 86، 87، 157، 243، 326، 368، 3: 30، 31، 134، 135، 309، 388، 436، 437، 438، 439، 440، 441، 4: 62، 95، 169، 179، 183، 233، 234، 259، 264، 265، 279، 325، 385، 5: 21، 59، 68، 69، 77، 78، 79، 159، 160، 216، 233، 234، 262، 321، 372، 7: 304، 305، 307، 308، 309، 312، 8: 137، 138، 303، 373، 9: 326، 327، 328، 329 شريك الحارثي 7: 254 شريك بن عبد الله (القاضي) 2: 126، 3: 86، 214، 267، 7: 186، 187، 215، 216، 229، 254، 8: 248، 352، 9: 285 شريك بن عمرو، أبو الحوفزان 8: 17 شظاظ الضبي 5: 195، 8: 264، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 255 265 شعبة 5: 269 شعبة (مغن) 3: 281 شعبة بن الحجاج (الفقيه) 2: 315 شعبة بن ظهير 8: 228، 229 شعبة بن علقمة التميمي 9: 106 الشعبي، عامر بن شراحيل 1: 137، 162، 163، 350، 355، 365، 2: 120، 133، 141، 241، 244، 245، 3: 79، 176، 339، 4: 334، 5: 100، 218، 6: 11، 403، 425، 7: 37، 216، 243، 268، 8: 226، 237، 238، 285، 286، 9: 86، 201، 203، 313، 368، 372، 374، 376 شعيب (صاحب موسى) 1: 203، 204 شعيب (النبي) 3: 221، 341، 8: 151 شعيب (اليهودي) 3: 225 شعيب بن حرب 5: 73 شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاص 4: 304 شعيب بن مليل 2: 485 شغب بن أبي الشغب 4: 273 شفاء بن نصر 2: 495 شفيع (خادم المتوكل) 6: 201 شقة بن ضمرة النهشلي 7: 125 شقران السلاماني 4: 237 الشقراني (مولى الرسول) 8: 310 شقير (غلام أحمد بن طولون) 9: 306 شقيق البلخي- شقيق بن إبراهيم 1: 178، 186 الشقيقة (أم النعمان) 3: 33 الشماخ بن ضرار 2: 26، 339، 3: 82، 369، 4: 14، 197، 5: 191، 243، 258، 272، 375، 377، 402، 6: 77، 7: 297، 9: 105، 205 شمر بن عمرو الحنفي 7: 391 شمر بن عمرو بن عبد الله بن بكر بن وائل 7: 382، 383 الشمردل بن شريك اليربوعي 4: 246، 268، 269، 5: 287، 7: 288، 307، 9: 98، 99 الشمشاطي (الشاعر) 5: 361 شمعل بن الحصين التغلبي 4: 115 شمعون (يهودي) 1: 87 شملة (أعرابي) 9: 325 الشموس، عفيرة بنت عباد الجديسية 7: 362، 363 شمير 9: 27 شن (ورد في المثل) 8: 321 شن بن قصي بن عبد القيس 7: 78 الشنفرى 2: 53، 3: 394، 5: 418، 6: 162، 7: 346 شهاب بن جمرة 8: 18 شهرام المروزي 2: 130 شهريزار 8: 254 شيبان (رئيس شرطة) 1: 464 شيبان بن أبي النجم العجلي 3: 374، 5: 107 شيبان بن علقمة بن زرارة 3: 429 شيبة بن ربيعة 3: 418، 4: 271، 272، 7: 215 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 256 شيبة بن عثمان بن طلحة 9: 161 شيث (النبي) 3: 326 الشيرازي 1: 383 شيرويه 1: 297، 301، 307، 439، 8: 213 شيرين (زوجة كسرى) 5: 177، 6: 424، 7: 27 شيطان الطاق 7: 233، 243، 8: 261 الشيماء بنت بقيلة 9: 161 ص الصاحب ابن عباد 1: 460، 2: 50، 248، 249، 4: 88، 115، 167، 365، 380، 5: 15، 21، 265، 266، 387، 400، 406، 416، 6: 337، 345، 346، 352، 353، 354، 355، 360، 376، 405، 7: 248، 8: 67، 138، 144، 167، 9: 264، 314، 395، 435، 446 صاعد، أبو العلاء- أبو العلاء، صاعد صاعد بن ثابت 5: 170 صاعد بن مخلد 9: 395، 409 صافي الحرمي 3: 183، 184 صالح (صاحب المصلى) 1: 449، 2: 191، 3: 258، 8: 252، 9: 120 صالح (مولى منارة) 8: 106 صالح (النبي) 7: 184 صالح قبه 8: 298 صالح بن جناح 1: 250 صالح بن حي 1: 172 صالح بن الرشيد 2: 131، 132، 6: 219 صالح بن سليمان 1: 314 صالح بن عبد الجليل 9: 262، 263، 264 صالح بن عبد القدوس 4: 370، 372، 7: 91، 243، 8: 158 صالح بن عبد الله المري 1: 167، 168، 209، 4: 196، 8: 44 صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي 2: 31، 61، 6: 289، 7: 177، 178، 8: 45، 9: 251، 252 صالح بن علي بن يعقوب 1: 422 صالح بن كدير 2: 322 صالح بن المنصور 4: 34 صباح بن خاقان المنقري 8: 302 صحار العبدي 5: 365 صحر بنت لقمان العادي 7: 108 صخر الغي 5: 288 صخر بن حرب- أبو سفيان ابن حرب صخر بن حبناء 5: 144، 8: 93 صخر بن عمرو بن الشريد 2: 66، 325، 4: 199، 238، 259، 271، 272، 5: 95، 112، 6: 424، 7: 194، 386، 387 صخر بن معاوية السلمي 7: 76 صخر بن نهشل بن دارم 7: 52، 8: 300 صدقة (يتيم عبد الرحمن بن عنبسة) 8: 36، 37 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 257 صدقة بن أبي صدقة 8: 188 صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد 4: 63 صرف (جارية المأمون) 8: 304 الصريمية المغنية 9: 430 صعصعة بن صوحان 2: 65، 331، 495، 3: 101، 4: 26، 338، 7: 71، 169، 207، 9: 243 صعصعة بن معاوية 4: 319 صعصعة بن ناجية المجاشعي 2: 104، 3: 14، 397، 433، 7: 330 صفوان الأنصاري 4: 72 صفوان بن أمية 3: 36، 37، 9: 162، 163، 164 صفوان بن سليم الزهري 1: 199، 200 صفوان بن محرز 9: 93 صفية (أم المؤمنين) 9: 89 صفية الباهلية 4: 241 صفية بنت عبد الم ط لب 2: 446، 3: 408 صفية بنت عبيد بن أسيد بن علاج الثقفي 9: 216 الصقر بن محمد 9: 259 الصقعب بن عمرو النهدي 7: 125 صلة بن الأشيم 1: 212، 9: 311 الصلت بن يوسف 8: 255 الصلتان العبدي 1: 281 الصمة الجشمي، أبو دريد 7: 119 الصمة بن عبد الله القشيري 6: 53، 71، 73، 110، 152، 153، 187 صمصام الدولة بن ع ض د الدولة 4: 97، 143، 148، 149، 150، 6: 349، 350، 351، 353، 354 الصموت الكلابي 2: 150 الصنوبري أبو بكر، أحمد بن محمد 5: 13، 417 صهيب بن سنان 1: 125، 3: 329، 9: 363 صهيب بن نبراس العنبري 9: 334 الصولي أبو بكر، محمد بن يحيى بن عبد الله 2: 150، 6: 94، 9: 219، 223، 446 صيني 5: 135، 136، 138، 140 ض ضابىء بن عمير البرجمي 1: 281، 2: 66، 439، 3: 369 ضبّ بن الفرافصة بن الاحوص 3: 29 ضبة بن أدّ 7: 135 الضبعي (صاحب الطعام) 3: 180 الضبي (معلم المعتز) 8: 404 ضبيعة بن الحارت 7: 213 ضبيعة بن ربيعة 7: 365 ضبيعة بن عجل بن لخم 7: 365 ضبيعة بن قيس بن ثعلبة 7: 365 الضحاك الشاري 9: 286 الضحاك بن بشر الشيباني الخارجي 8: 236 الضحاك بن قيس 1: 415، 7: 174 الضحاك بن مزاحم المفسر 3: 298 ضرار بن الأزور 4: 249 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 258 ضرار بن ثعلبة 9: 205 ضرار بن الخ ط اب 2: 464 ضرار بن ضمرة 4: 28، 29 ضرار بن عدي الضبي 7: 126، 127 ضرار بن عمرو الضبي 6: 19، 7: 132، 133 ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة 9: 91 ضعف (جارية الأمين) 8: 23 ضليع بن عبد غنم بن ذهل بن شيبان 7: 384، 385 ضمرة بن ضمرة النهشلي 3: 214 الضيزن بن معاوية 3: 32، 33 ط طارق بن أبي زياد 8: 256 طارق بن أثال الطائي 5: 110 طارق بن جندل 1: 257، 258 طالب بن أبي طالب 3: 418 طالب بن مدرك 8: 18 الطاهر، الحسين بن موسى الموسوي، أبو محمد 3: 357 طاهر بن الحسين بن مصعب 1: 430، 2: 50، 3: 251، 263، 269، 308، 4: 36، 37، 137، 7: 186، 190، 8: 23، 301، 9: 45، 48، 173، 174، 175، 176، 177، 224 طاهر بن عبد الله بن طاهر 4: 306، 9: 288 طاهر بن محمد بن عبد الرحيم 6: 296 طاووس بن كيسان 1: 115، 204، 205، 2: 309، 3: 335، 9: 41 الطائع لله (الخليفة) 4: 166، 6: 334، 9: 327 طبرزد (مجنون) 9: 458 طبقة (وردت في المثل) 8: 321 طرفة بن العبد 3: 198، 5: 354، 7: 44، 62، 123، 148، 283، 285، 390، 391، 392، 393، 8: 9 الطرماح بن حكيم 2: 47، 296، 441، 3: 448، 5: 63، 119، 120، 269، 271، 322، 430، 431، 6: 406، 7: 138 طريح بن إسماعيل الثقفي 2: 220، 4: 41، 108، 109، 159، 304، 6: 22، 7: 201، 202، 8: 159 الطريحي 4: 187 طريف بن تميم العنبري 2: 62، 3: 391، 392 طريف بن سوادة 7: 203 طريف بن من ظ ور 9: 334 طريفة (المغني) 9: 27 طسم بن لوذ بن إرم بن سام بن نوح 7: 362 طفيل الغنوي 2: 433، 7: 59 طفيل بن زلال الغطفاني 9: 108 طفيل بن عامر 7: 301 طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب 7: 16، 103 طل (خادم علية بنت المهدي) 8: 284، 285 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 259 طلبة بن قيس بن ع اصم المنقري 2: 305 طلحة الأسدي 7: 352 طلحة بن طاهر بن الحسين 9: 176 طلحة بن عبد الله الخزاعي 4: 359 طلحة بن عبد الله بن عوف (طلحة الندى) 2: 316، 3: 279 طلحة بن عبيد الله التيمي (طلحة الخير) 1: 129، 411، 2: 99، 198، 3: 329، 417، 4: 351، 5: 82، 189، 6: 239، 254، 8: 89، 297، 9: 147، 206، 207 طلحة بن عبيد الله بن خلف 2: 278، 302، 303 طلق بن حبيب 8: 176 طليحة الأسدي 2: 481، 482 طويس الشؤم (الم غ ني) 8: 187، 293 طياب بن إبراهيم الموصلي 7: 273 ظ ظبية الخضرية 6: 109 ظبية بنت الكبش النمري 1: 396 ظلامة بنت أبي النجم العجلي 3: 374، 375 ظلمة (القوادة) 2: 251 ع عاتكة (صاحبة الأحوص) 6: 365، 8: 310 عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل 2: 481، 3: 35، 4: 253، 254، 255 عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان 1: 430، 6: 180، 181، 182 عاتكة بنت يزيد بن معاوية 2: 54، 8: 220، 221 عاجزة العنزية 2: 299 عارق الطائي 3: 38 العاص بن أمية بن عبد شمس 7: 371 العاص بن وائل السهمي 2: 129، 6: 148، 8: 215، 9: 8 عاصم، أبو النجود 9: 403 عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح 3: 35، 36 عاصم بن زياد الحارثي 1: 85، 86 عاصم بن عمر بن الخطاب 3: 63، 9: 95 عاصم بن وائل المنقري 2: 228 عافية القاضي 3: 184، 267 عامر بن إسماعيل 8: 33 عامر بن إلياس بن مضر 6: 408، 7: 368 عامر بن بهدلة 3: 188 عامر بن ربيعة 7: 375 عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب 6: 237 عامر بن زهير بن جناب 8: 214 عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط 7: 366 عامر بن الطفيل 2: 67، 416، 3: 52، 248، 4: 221، 7: 57، 99، 200، 213، 214، 394، 395، 396، 397، 398، 399، 400، 401، 402، 403، 408، 413 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 260 عامر بن الظرب العدواني 3: 77، 7: 49، 8: 217، 342 عامر بن عبد قيس العنبري 1: 183، 205، 3: 128، 7: 159 عامر بن عبد الله بن الزبير 7: 267 عامر بن فهيرة (مولى أبي بكر الصديق) 7: 397، 9: 145 عامر بن قيس 9: 93 عامر بن لؤي 2: 384، 7: 375 عامر بن مالك (ملاعب الأسنة) - أبو براء عامر بن مسعود 5: 100، 101، 102 عائشة (أم ابن عائشة المغني) 9: 63 عائشة (زوج الرسول) 1: 40، 49، 51، 52، 53، 138، 145، 266، 2: 172، 175، 177، 307، 3: 64، 125، 206، 232، 274، 327، 4: 213، 249، 287، 5: 209، 6: 259، 261، 7: 48، 81، 154، 167، 169، 194، 200، 208، 8: 80، 81، 90، 176، 9: 83، 89، 127، 156، 182، 183، 351، 372، 456 عائشة بنت طلحة 2: 357، 462، 494، 5: 313، 6: 177، 179، 7: 17، 205، 206، 8: 251، 260، 9: 247 عائشة بنت عثمان بن عفان 3: 256، 281، 282، 6: 267، 7: 173 عائشة بنت معاوية 3: 273، 9: 315 عباءة بن يزيد بن جعشم 4: 214 عباد بن أنف الكلب الصيداوي 3: 214 عباد بن الحصين الحبطي 2: 411، 412، 5: 99، 162 عباد بن زياد 2: 450، 451، 5: 444، 8: 47، 48 عباد بن سلمة 9: 35 عباد بن شبل 4: 36 عباد بن عباد المهلبي 2: 312، 3: 335 عباد بن كثير 9: 258 عباد بن منصور 3: 137 عبادة المخنث 3: 164، 5: 446، 9: 62، 354، 375، 422، 423 عبادة بن الصامت 3: 171 العباس بن أحمد بن ثوابة، أبو الفضل 2: 137 العباس بن أحمد بن طولون 3: 201، 4: 120 العباس بن الأحنف 1: 262، 5: 334، 6: 86، 93، 111، 196، 209، 229، 230، 9: 230 العباس بن الحسن العلوي 2: 196، 197، 4: 117، 265، 5: 401 العباس بن الحسين 8: 69 العباس بن رستم 5: 173 العباس بن ريطة الرعلي 9: 290 العباس بن زفر 2: 424 عباس بن سهل الساعدي 8: 237 العباس بن عبد المطلب 1: 103، 104، 189، 2: 108، 245، 415، 3: 418، 4: 59، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 261 178، 268، 6: 237، 283، 284، 288، 7: 187، 239، 296، 8: 312، 9: 155، 166، 167، 168، 169، 170 العباس بن علي 5: 119 العباس بن الفضل بن الربيع 4: 247 العباس بن المأمون 1: 437، 2: 48، 324، 367، 4: 117، 127، 247، 9: 275 العباس بن محمد (أخو المنصور) 1: 423، 2: 277، 3: 57، 348، 5: 172، 7: 188، 9: 150 العباس بن مرداس 2: 417، 439، 3: 205، 7: 47، 8: 342 العباس بن موسى بن عيسى 6: 291، 9: 457 العباس بن الوليد بن عبد الملك 7: 234 العباسة بنت المهدي 2: 41 عبد الأعلى القاص 3: 277، 8: 262 عبد الأعلى بن حماد الزيني 4: 91 عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر 2: 313، 9: 84 عبد الجبار (القاضي) 9: 453 عبد الحميد بن ربعي 2: 45 عبد الحميد بن سعيد بن سلم 4: 291 عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب 1: 460، 7: 270، 8: 220، 9: 425 عبد الحميد بن يحيى الكاتب 1: 342، 2: 33، 3: 10، 4: 152، 162، 283، 368، 5: 23، 245، 366، 402، 6: 271، 316، 317، 318، 322، 376، 425 عبد الدار بن قصي 7: 374 عبد ربه الصغير 8: 244 عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق 4: 249 عبد الرحمن بن أبي بكرة 4: 244 عبد الرحمن بن أبي عمار 2: 309 عبد الرحمن بن أذينة 7: 366 عبد الرحمن بن أريق الأزدي 8: 20 عبد الرحمن بن أزهر 8: 100 عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أبو بكر 6: 145 عبد الرحمن بن حسان بن ثابت 2: 409، 5: 134، 299، 7: 222، 8: 360 عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص 1: 394، 3: 408، 410، 5: 64، 315، 7: 222، 8: 49 عبد الرحمن بن حنظلة الغسيل الأنصاري 3: 310 عبد الرحمن بن خاقان 2: 387، 5: 13 عبد الرحمن بن خالد بن الوليد 2: 29، 453، 465، 7: 32 عبد الرحمن بن دارة الفزاري 5: 64، 200 عبد الرحمن بن زياد 8: 106 عبد الرحمن بن سابط 4: 302 عبد الرحمن بن السائب الأنصاري 9: 244 عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو 3: 39 عبد الرحمن بن سويد المري 6: 10 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 262 عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس 5: 26، 65 عبد الرحمن بن عائشة 8: 302 عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار (القس) 6: 142، 143 عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث- أعشى همدان عبد الرحمن بن عبيد التميمي 1: 349 عبد الرحمن بن عبيد الله بن العباس 4: 276 عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد 8: 297 عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي 3: 207 عبد الرحمن بن عنبسة 8: 36، 37 عبد الرحمن بن عوف 1: 119، 125، 139، 409، 3: 138، 160، 211، 329، 417، 4: 351، 6: 239، 7: 167، 168، 8: 79، 94، 98، 9: 17، 147 عبد الرحمن بن قطن 2: 314 عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث- ابن الأشعث عبد الرحمن بن ملجم 2: 480، 7: 224، 225، 8: 243 عبد الرحمن بن مهدي 1: 170، 171 عبد الرحمن بن يزيد 4: 304، 320 عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل الفارقي 6: 296 عبد الرزاق بن همام 1: 188 عبد السلام ابن القتّال الكلابي 6: 68 عبد السميع بن محمد بن منصور 8: 331، 332 عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم 7: 50 عبد شمس بن عبد مناف 7: 16 عبد الصمد بن بابك 5: 264، 265، 274، 299، 304، 363 عبد الصمد بن عبد الأعلى 8: 307 عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس 1: 170، 2: 31، 7: 186، 8: 25، 9: 150، 256، 258، 390 عبد الصمد بن المعذل 3: 57، 4: 288، 5: 125، 177، 9: 341 عبد العزى بن قصي 7: 374 عبد العزيز الحمصي 4: 49، 5: 245 عبد العزيز العمري 3: 218 عبد العزيز بن أبي دلف 2: 163 عبد العزيز بن امرىء القيس الكلبي 3: 34 عبد العزيز بن الحارث التميمي، أبو الحسن 9: 45 عبد العزيز بن خلوف النحوي المغربي 6: 187 عبد العزيز بن زرارة الكلابي 2: 53، 127، 3: 244، 4: 314، 323، 8: 201 عبد العزيز بن الطارقي المغربي 4: 122، 5: 75، 6: 19، 8: 364 عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد 2: 351، 427 عبد العزيز بن عبد الملك الماجشون 8: 132 عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز 5: 198 عبد العزيز بن عمران 3: 207، 6: 43، 9: 149 عبد العزيز بن مروان 1: 309، 2: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 263 197، 198، 357، 3: 63، 79، 332، 4: 19، 40، 205، 335، 8: 18، 198، 9: 242 عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك 3: 158 عبد العزيز بن يسار 2: 104 عبد العزيز بن يوسف 4: 233، 6: 336، 8: 67، 138 عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ربيعة 7: 390، 391 عبد عمرو بن شريح بن الأحوص 7: 402 عبد القاهر بن السري 7: 386 عبد قصي بن قصي 7: 374 عبد قيس بن خفاف البرجمي 8: 118 عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي المغربي 2: 469، 4: 217، 5: 252، 254، 266، 362، 6: 61، 7: 299 عبد الكريم بن رشيد 9: 212، 213 عبد الله الدارمي 2: 244 عبد الله بن أبي أمية 5: 307 عبد الله بن أبي بكر الصديق 1: 271، 4: 253، 254 عبد الله بن أبي ربيعة 8: 216، 217 عبد الله بن أبي السمط 4: 49، 9: 296 عبد الله بن أبي سمير 1: 461 عبد الله بن أبي عبيد 6: 173 عبد الله بن أبي عبيدة 2: 337 عبد الله بن أبي معقل الأوسي 8: 124 عبد الله بن أحمد بن حنبل 7: 319 عبد الله بن إدريس 1: 173 عبد الله بن أذينة 7: 366 عبد الله بن أراكة 4: 262 عبد الله بن أرقم 1: 129 عبد الله بن إسحاق بن سلام المكاري 9: 349 عبد الله بن إسماعيل المراكبي 6: 115، 9: 39 عبد الله بن الأهتم 2: 365، 4: 186، 6: 250، 285، 8: 344 عبد الله بن بديل 2: 403 عبد الله بن جدعان التيمي 2: 129، 271، 3: 206، 207، 208، 4: 13، 14، 8: 340، 9: 118، 124، 159 عبد الله بن جعفر بن أبي طالب 2: 108، 109، 263، 268، 269، 270، 292، 309، 317، 340، 387، 4: 57، 335، 343، 360، 371، 5: 28، 6: 32، 7: 270، 8: 117، 241، 9: 37، 41، 42، 90 عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة 9: 148، 149 عبد الله بن حاتم 2: 290 عبد الله بن الحجاج 6: 127، 128، 129 عبد الله بن الحجر بن عبد المدان 3: 431 عبد الله بن حذافة السهمي 9: 167 عبد الله بن حذف 9: 178، 179 عبد الله بن الحسن العنبري 9: 8 عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي 1: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 264 378، 385، 2: 36، 40، 139، 337، 338، 3: 106، 279، 316، 333، 4: 32، 227، 256، 6: 225، 7: 205، 226، 8: 252، 253، 9: 148، 224، 231، 249 عبد الله بن الحكم 1: 329 عبد الله بن خازم السلمي 2: 410، 412، 477، 484، 493، 8: 309 عبد الله بن خالد بن أسيد 1: 415، 9: 214 عبد الله بن خزيمة 7: 256 عبد الله بن الدمينة الخثعمي 2: 268، 4: 308، 6: 58، 59، 64، 133، 139، 168، 170، 171 عبد الله بن الربيع 9: 349 عبد الله بن رواحة 2: 438، 475، 5: 96 عبد الله بن الزبعرى السهمي 1: 184، 6: 262، 9: 248 عبد الله بن الزبير 1: 108، 217، 416، 461، 2: 34، 51، 76، 107، 213، 214، 340، 341، 389، 409، 412، 420، 421، 422، 446، 462، 470، 484، 3: 97، 207، 208، 209، 305، 309، 310، 4: 64، 65، 123، 138، 309، 311، 312، 5: 76، 191، 218، 227، 6: 32، 41، 273، 274، 7: 77، 146، 218، 244، 8: 30، 31، 35، 142، 229، 233، 237، 309، 310، 9: 170، 188، 189، 192، 193، 194، 417 عبد الله بن الزبير الأسدي 1: 448، 2: 136، 137، 7: 46، 8: 43 عبد الله بن سالم 1: 263 عبد الله بن سبرة 2: 431 عبد الله بن السري 3: 78 عبد الله بن سعد 2: 420، 421 عبد الله بن سلام 3: 94، 125، 136، 241 عبد الله بن سوار القاضي 1: 450 عبد الله بن شبرمة- ابن شبرمة عبد الله بن شداد بن الهاد 1: 156، 4: 355 عبد الله بن شريح 3: 176 عبد الله بن صفوان 2: 409، 3: 310 عبد الله بن الصمّة 4: 240، 7: 119 عبد الله بن صوحان العبدي 2: 65، 4: 26 عبد الله بن طارق 3: 35، 36 عبد الله بن طاهر بن الحسين 2: 49، 50، 134، 135، 136، 240، 4: 36، 37، 49، 5: 135، 136، 138، 140، 214، 6: 323، 7: 204، 8: 105، 125، 126، 129، 130، 232، 9: 47، 267 عبد الله بن الطفيل الدوسي 8: 296 عبد الله بن ظالم 6: 226 عبد الله بن عامر بن كريز 1: 459، 2: 35، 98، 99، 109، 272، 314، 357، 358، 3: 97، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 265 4: 79، 80، 373، 6: 307، 9: 214، 269 عبد الله بن عباس 1: 57، 61، 86، 87، 103، 104، 105، 106، 193، 351، 354، 355، 366، 2: 65، 96، 97، 126، 144، 178، 199، 401، 3: 8، 77، 217، 305، 340، 410، 4: 26، 27، 85، 99، 102، 106، 273، 284، 300، 302، 308، 309، 338، 361، 5: 53، 159، 6: 10، 32، 156، 161، 7: 30، 146، 168، 185، 196، 198، 208، 209، 266، 367، 396، 8: 44، 81، 142، 298، 318، 9: 90، 94، 153، 157، 158، 164، 168، 181، 182، 183، 184، 245، 294، 316، 365، 438 عبد الله بن العباس الربيعي 5: 343، 8: 396 عبد الله بن العباس الصولي 4: 354 عبد الله بن العباس بن الحسن العلوي 8: 159، 199، 200 عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي 2: 99 عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- ابن أبي عتيق عبد الله بن عبد العزيز العمري 1: 192 عبد الله بن عبد المطلب 3: 416 عبد الله بن عتبة بن مسعود 1: 184 عبد الله بن عجلان النهدي 6: 162 عبد الله بن عروة 2: 246، 4: 56 عبد الله بن عزيز، أبو محمد 5: 9 عبد الله بن عضاه الأشعري 8: 233 عبد الله بن عفان 9: 440 عبد الله بن علقمة 6: 156 عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس 1: 262، 419، 2: 31، 36، 133، 138، 476، 3: 415، 4: 119، 131، 6: 289، 7: 186، 8: 73، 236، 9: 148، 209، 240، 242، 248، 262، 266، 307، 308 عبد الله بن عمر بن الخطاب 1: 49، 125، 128، 148، 277، 2: 176، 239، 276، 3: 9، 65، 187، 329، 4: 255، 352، 6: 32، 8: 186، 187، 227، 9: 16، 96، 115، 191، 225، 247، 309، 365، 371، 372، 424 عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان 7: 366 عبد الله بن عمرو بن العاص 4: 113 عبد الله بن عمرو بن عثمان 1: 456، 3: 64، 283 عبد الله بن عوف 9: 17 عبد الله بن عياش المنتوف 1: 461، 2: 104، 4: 131، 7: 177، 231، 9: 342، 343، 349، 369، 370 عبد الله بن فضالة الأسدي 2: 340، 341، 7: 244 عبد الله بن قيس 2: 396 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 266 عبد الله بن مالك الطائي 9: 198، 263 عبد الله بن المبارك- ابن المبارك عبد الله بن محرز 3: 188 عبد الله بن محمد الأردي (العطار المغربي) 2: 469، 5: 319، 6: 27، 8: 363 عبد الله بن محمد البلوي 1: 209 عبد الله بن محمد البواب 3: 258 عبد الله بن محمد الخوارزمي، أبو القاسم 6: 401، 402، 404 عبد الله بن محمد الكلوذاني 9: 259 عبد الله بن محمد بن أبي عيينة- ابن أبي عيينة عبد الله بن محمد بن يزداد، أبو صالح- أبو صالح، عبد الله بن محمد بن يزداد عبد الله بن محيريز 1: 166 عبد الله بن المخارق الشيباني- النابغة الشيباني عبد الله بن مرزوق 1: 212 عبد الله بن مسعود 1: 132، 133، 137، 139، 242، 257، 2: 177، 181، 229، 3: 127، 128، 193، 408، 6: 44، 7: 40، 71، 8: 171، 9: 8، 257 عبد الله بن مسلم بن قتيبة 7: 194، 195، 196، 271 عبد الله بن مصعب الزبيري 2: 374، 3: 76، 6: 101، 111، 7: 337، 8: 206 عبد الله بن مطرّف 4: 259 عبد الله بن مطيع العدوي 2: 34، 3: 310، 8: 30، 223، 9: 417 عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر 2: 207، 3: 293، 315، 4: 356، 5: 35، 7: 85، 93، 296، 8: 173 عبد الله بن المعتز- ابن المعتز عبد الله بن المقفع- ابن المقفع عبد الله بن نمير بن حسوسة الثقفي 6: 69 عبد الله بن هلال الهنائي 3: 288 عبد الله بن همام السلولي 3: 157، 8: 99 عبد الله بن وهب الراسبي 3: 304 عبد الله بن يزيد الهلالي 7: 30، 8: 303 عبد الله بن يزيد بن أسد (أبو خالد القسري) 2: 34، 3: 59، 250 عبد الله بن يعقوب بن داود 4: 258 عبد الله بن يونس الخياط 9: 399 عبد المجيد الثقفي 7: 297 عبد المحسن الصوري 6: 47 عبد المسيح بن حيان بن بقيلة الغساني 6: 39، 40، 8: 10، 11، 9: 161 عبد المطلب بن عبد مناف 3: 415، 416 عبد المطلب بن هاشم 2: 155، 5: 119، 6: 28، 280، 7: 164، 369، 370، 9: 158، 167 عبد الملك الزيات 5: 201 عبد الملك بن بشر بن مروان 2: 292، 7: 244، 245، 8: 269، 270 عبد الملك بن حميد 9: 281 عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي 2: 51، 78، 184، 424، 7: 177، 209، 8: 126، 143، 319 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 267 عبد الملك بن عبد الرحيم 4: 204 عبد الملك بن عبد العزيز، ابن جريح- ابن جريج عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز 1: 152، 4: 323 عبد الملك بن عمير الليثي 1: 446، 9: 217 عبد الملك بن الفارسي 4: 123 عبد الملك بن مروان 1: 109، 150، 218، 259، 284، 309، 314، 409، 416، 420، 421، 429، 430، 433، 447، 454، 2: 22، 26، 29، 45، 48، 51، 54، 56، 60، 70، 71، 72، 76، 77، 93، 110، 151، 158، 163، 217، 226، 244، 269، 324، 407، 416، 440، 459، 461، 485، 492، 3: 19، 50، 79، 118، 142، 165، 194، 195، 212، 250، 253، 272، 309، 310، 339، 392، 423، 4: 24، 65، 73، 111، 115، 123، 157، 288، 339، 343، 344، 355، 5: 10، 39، 53، 65، 76، 96، 190، 191، 196، 203، 226، 245، 6: 179، 272، 409، 7: 69، 173، 174، 178، 179، 180، 182، 183، 185، 198، 202، 204، 207، 229، 239، 249، 268، 269، 295، 8: 18، 28، 35، 126، 179، 220، 221، 232، 237، 241، 242، 243، 249، 287، 298، 307، 313، 343، 344، 350، 404، 9: 15، 24، 26، 87، 150، 190، 217، 247، 249، 293، 310، 311، 315، 319، 444 عبد الملك بن المهلب 2: 451 عبد الملك بن هلال الهنائي 9: 443 عبد مناة بن زرارة 3: 429 عبد مناف بن قصي 3: 329، 7: 16، 173، 374 عبد هند بن حر بن حري بن حروة بن حمير التغلبي 7: 392 عبد الواحد بن زيد 1: 168، 169 عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك 7: 205 عبد الواحد بن فتوح، الزقاق المغربي 5: 290 عبد الوارث بن سعيد 4: 333 عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي الإمام 2: 31، 8: 392 عبد يشوع الجاثليق البطرك 3: 364 عبد يغوث بن الصمة 7: 119 عبد يغوث بن وقاص الحارثي 3: 394 عبدة بن الطبيب 1: 232، 2: 407، 3: 349، 4: 242، 5: 33، 255، 7: 282، 8: 353 عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية 9: 307 عبدوس بن محمد 5: 84 عبس بن طلق الطعان 2: 100 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 268 عبيد (والد زياد بن أبي سفيان) 3: 312 عبيد بن الأبرص 2: 297، 298، 5: 306، 345، 7: 132، 282، 420، 8: 16، 17 عبيد بن أيوب 9: 199، 200 عبيد بن ثابت 3: 187 عبيد بن سريج- ابن سريج عبيد بن شرية 6: 34 عبيد بن صالح الهاشمي 2: 247 عبيد الله النخعي (أخو الأشتر) 1: 415 عبيد الله بن أبي بكرة 2: 115، 156، 272، 288، 301، 302، 303 عبيد الله بن أبي عبد الله (كاتب المهدي) 3: 253 عبيد الله بن الحر الجعفي 2: 486، 3: 291، 433، 8: 46، 119 عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي 3: 182، 5: 63، 7: 161، 8: 242، 260، 295، 9: 333 عبيد الله بن حميد بن زهير بن سهيل بن الحارث بن أسد بن عبد العزى 6: 161 عبيد الله بن خاقان 8: 33 عبيد الله بن زياد 1: 414، 415، 433، 2: 34، 247، 272، 397، 408، 477، 486، 3: 11، 336، 417، 4: 313، 5: 128، 6: 18، 262، 264، 7: 65، 216، 228، 8: 31، 32، 47، 48، 163، 9: 98، 217، 414 عبيد الله بن زياد بن ظبيان 2: 44، 45، 461، 484، 485، 3: 100، 101، 107، 119 عبيد الله بن السري 2: 49 عبيد الله بن سليمان بن وهب (الوزير) 1: 444، 446، 451، 453، 455، 2: 200، 236، 277، 369، 3: 180، 250، 4: 157، 220، 6: 164، 165، 336، 7: 192، 8: 62، 143، 157، 9: 296، 300، 301، 302 عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب 2: 286، 287، 288، 340، 4: 276، 277، 278 عبيد الله بن عبد الله بن طاهر 1: 450، 2: 268، 274، 4: 90، 157، 276، 376، 5: 32، 274، 316، 359، 6: 94، 145، 9: 207، 223، 224، 409 عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه 3: 102، 154، 6: 144 عبيد الله بن علي بن أبي طالب 8: 30 عبيد الله بن قيس الرقيات- ابن قيس الرقيات عبيد الله بن معمر 2: 98، 99 عبيد الله بن يحيى بن خاقان 1: 270، 9: 446 عبيدة بن عبد الرحمن 3: 22 عتاب بن إبراهيم 1: 435 عتاب بن أسيد 7: 211 عتاب بن ورقاء 4: 215، 231، 7: 218 عتابة، أم جعفر بن يحيى البرمكي 9: 323 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 269 العتابي، كلثوم بن عمرو 1: 315، 2: 29، 79، 3: 120، 390، 4: 48، 128، 129، 258، 321، 5: 39، 135، 262، 343، 397، 409، 7: 190، 8: 103، 171 عتبة الأعرابية 9: 383 عتبة الأعور 4: 79 عتبة بن أبان 1: 168، 169 عتبة بن أبي سفيان 1: 354، 3: 410، 4: 125، 249، 5: 53، 213، 223، 7: 77، 159، 9: 188، 189 عتبة بن أبي لهب 9: 160 عتبة بن ربيعة بن عبد شمس 2: 37، 425، 3: 52، 206، 418، 4: 271، 272، 6: 268، 8: 14 عتبة بن غزوان 8: 100 العتبي، محمد بن عبيد الله 1: 442، 2: 151، 275، 333، 340، 459، 3: 55، 149، 339، 444، 4: 59، 220، 263، 274، 6: 19، 20، 7: 172، 8: 189، 9: 84، 349 عتيبة بن الحارث بن شهاب 5: 78، 7: 301 عتيق بن مفرج المغربي 6: 67 عثمان البتي 3: 66 عثمان الدقيق الصوفي 9: 131 عثمان الصيدلاني 9: 368 عثمان بن أبي سليمان 9: 193 عثمان بن أبي العاص 1: 384 عثمان بن حنيف الأنصاري 1: 98 عثمان بن حيان المري 2: 40، 3: 198، 8: 237، 9: 38، 39 عثمان بن دراج 9: 110، 111، 112، 114 عثمان بن عفان 1: 143، 145، 150، 408، 409، 411، 448، 449، 2: 30، 109، 136، 241، 270، 420، 482، 3: 29، 82، 182، 187، 211، 212، 273، 329، 417، 4: 351، 5: 36، 47، 114، 184، 188، 189، 267، 269، 388، 6: 254، 261، 267، 268، 286، 432، 7: 24، 36، 58، 89، 159، 166، 168، 173، 174، 185، 197، 211، 212، 217، 8: 12، 31، 240، 247، 261، 288، 295، 296، 9: 147، 171، 182، 183، 189، 190، 253، 338، 354، 366، 391، 397، 419، 420، 421 عثمان بن عمرو بن عثمان 3: 283 العجاج (الراجز) 3: 260، 423، 424، 447، 448، 5: 40، 6: 406، 7: 332، 8: 8، 332، 9: 189، 413 عجائب (جارية ابن مروان) 4: 282 العجفاء بنت علقمة 7: 146 عجل بن لجيم 3: 247 عجلان (حاجب زياد) 1: 349 عجلان بن سحبان وائل 6: 272 العجير السلولي 2: 345، 4: 204، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 270 6: 25 عجيف بن عنبسة 2: 60، 4: 247، 9: 274، 275 عدنان بن أدد 7: 362 عدي بن أرطأة 1: 434، 3: 51، 97، 255، 4: 96، 7: 194، 9: 367 عدي بن جناب 7: 132 عدي بن حاتم الطائي 2: 19، 290، 293، 3: 449، 6: 34، 8: 283 عدي بن الرقاع العاملي 3: 22، 5: 27، 306، 315، 333، 402، 7: 113، 8: 178 عدي بن زيد العبادي 1: 159، 286، 2: 220، 340، 3: 73، 5: 302، 7: 85، 87، 93، 101، 8: 354 عدي بن عمرو (أبو الخطيم) 7: 377، 379 عدي بن وثّاب 6: 305 العديل بن الفرخ العجلي 2: 152، 7: 79 عرابة (تاجر) 9: 334 عرابة بن أوس بن قيظي الأنصاري 2: 25، 26 عراك بن عياض 9: 318 العرجي 5: 342، 6: 116، 174، 223، 225 العرزمي- أبو بكر العرزمي عرفجة بن شريك 5: 120 عرفطة الأسدي 3: 434 عرق الموت (الخادم) 9: 297 عرقوب 7: 68، 8: 163 عروة العكم 3: 17 عروة بن أدية الخارجي- عروة بن حدير 9: 151 عروة بن أذينة 1: 208، 2: 210، 3: 122، 123، 6: 63، 150، 173، 189 عروة بن أسماء بن الصلت السليمي 7: 397 عروة بن حزام 6: 57 عروة بن الزبير 1: 40، 2: 186، 453، 3: 19، 309، 310، 4: 310، 6: 145، 7: 178، 8: 81، 126، 159، 9: 247 عروة بن سليمان 9: 418 عروة بن عبيد الله بن عروة بن الزبير 6: 150 عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب 3: 53، 7: 342 عروة بن قيس 5: 192 عروة بن مرة 2: 147، 148، 200 عروة بن المغيرة بن شعبة 2: 462، 9: 201 عروة بن الورد 2: 279، 430، 4: 20، 5: 104، 169، 7: 338، 8: 91، 98، 117، 118 عروس 7: 66 العريان بن الهيثم النخعي 3: 443، 7: 269، 8: 301، 302، 9: 420 عريب (جارية المأمون) 4: 243، 6: 66، 67، 115، 9: 39، 54، 204 عز الدولة، بختيار بن معز الدولة البويهي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 271 4: 47، 5: 281، 282، 6: 336، 362، 8: 168، 9: 119 عزة (صاحبة كثير) 6: 172، 173، 7: 223، 224، 294، 295، 8: 19، 9: 242 عزة الميلاء 9: 42 عسل بن ذكوان 2: 268 عصام الزماني 5: 135 عصام بن عبيد المازني 5: 33 عصام بن يوسف 1: 186 عصماء بنت مروان اليهودية 7: 83 عصمة بن مالك 6: 215 عضد الدولة البويهي 1: 456، 2: 163، 4: 47، 97، 150، 166، 306، 5: 13، 384، 6: 333، 337، 352، 362، 8: 67، 9: 220، 221، 222، 223، 356، 357، 394، 449 عطاء الخراساني 4: 320 عطاء السلمي 1: 168 عطاء بن أبي رباح 2: 92، 93، 97، 309، 3: 65، 6: 142، 7: 266، 8: 87، 225، 9: 41 عطاء بن السائب 9: 367 عطاء بن مسلم الحلبي 1: 174 عطارد بن حاجب بن زرارة 3: 15، 419، 420 عطرد (المغني) 9: 35، 65 العطوي، محمد بن عبد الرحمن بن أبي عطية 4: 381، 8: 86، 402، 9: 341، 342 عطية (أبو جرير) 9: 196 عفراء (صاحبة عروة بن حزام) 6: 58 عفرس بن بجيلة بن أنمار بن نزار 7: 370 عفيف بن المنذر، أبو عطية 7: 342، 9: 179، 180 عقاب (أم جعفر) 3: 450 عقال بن شبة 3: 110 عقبة الأسدي 4: 75 عقبة بن أبي معيط 3: 388، 7: 110، 113، 9: 408 عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل 3: 36 عقبة بن سلم بن نافع الأزدي 8: 252، 253 عقبة بن مسلم الأزدي 8: 305 عقيبة المديني 2: 497 عقيل بن أبي 2: 350 عقيل بن أبي طالب 1: 83، 97، 3: 418، 4: 299، 7: 185 عقيل بن الطفيل 7: 103، عقيل بن علفة المري 1: 262، 2: 70، 158، 3: 107، 262، 9: 379، 380 عقيل بن فارج القيني 3: 100، 4: 260، 7: 89، 122 عقيل بن هاشم القيني 7: 149 عقيلة (جارية) 9: 211 عقيلة بنت الضحاك بن عمرو بن محرق بن النعمان بن المنذر 6: 161 عك بن عدنان بن أدد 7: 362 عكاشة العمي 9: 18، 153، 154 عكاشة بن محصن 3: 173 عكاشة بن المصعب 2: 422 عكراش بن ذؤيب 7: 200، 9: 82 عكرشة بنت حاجب بن زرارة بن عدس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 272 3: 429 عكرمة (مولى ابن عباس) 4: 99، 6: 161 عكرمة بن أبي جهل 3: 11 عكرمة بن ربعي الفياض 2: 104، 105، 355، 356، 5: 63، 8: 298 عكنة 8: 341 العكوك- علي بن جبلة العلاء بن أيوب 1: 461 العلاء بن زياد الحارثي 1: 82 العلاء بن عمرو 6: 306 العلاء بن المغيرة البندار 8: 220، 9: 234 العلاء بن منظور 3: 225 العلاء بن المنهال الغنوي 3: 26، 5: 110 العلاء بن وهب العامري 1: 342، 6: 376 علاف بن حلوان 7: 376 علاقة بن عركي التميمي 3: 222 علقمة (المفسر) 4: 194 علقمة بن زرارة 3: 429، 7: 16 علقمة بن عبدة (الفحل) 5: 212، 290، 303، 7: 383، 8: 386 علقمة بن علاثة 2: 284، 285، 3: 248، 7: 57، 62، 399، 400، 401، 402، 403، 408، 412 علقمة بن قيس بن عبد الله 3: 193 علقمة بن محرز 9: 442 العلوي (الشاعر) 6: 88، 104 العلوي البصري 3: 73 العلوي صاحب الزنج 2: 436 العلوي الكوفي 5: 328 علويه الأعسر (المغني) 7: 250، 8: 22، 184، 185، 9: 39، 40، 44، 64، 175 علي الحميري 9: 187 علي اللحياني 7: 64، 277 علي بن أبي جعفر الحذاء 5: 73 علي بن أبي طالب 1: 55، 63، 64، 67، 68، 69، 78، 82، 83، 84، 85، 86، 91، 98، 107، 147، 241، 243، 244، 245، 250، 255، 272، 293، 297، 308، 315، 316، 339، 341، 350، 360، 361، 362، 363، 364، 373، 375، 378، 385، 395، 397، 409، 410، 411، 412، 2: 21، 57، 73، 88، 95، 124، 133، 173، 178، 180، 237، 238، 241، 260، 264، 285، 322، 397، 399، 400، 401، 413، 422، 425، 441، 464، 471، 474، 476، 480، 483، 3: 10، 49، 68، 75، 93، 96، 98، 99، 101، 116، 129، 137، 138، 149، 151، 156، 172، 173، 189، 190، 211، 222، 235، 244، 251، 252، 293، 299، 305، 307، 329، 352، 388، 396، 414، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 273 415، 416، 417، 418، 4: 9، 28، 44، 56، 58، 84، 104، 195، 197، 210، 213، 237، 254، 255، 276، 277، 299، 317، 322، 338، 352، 353، 354، 356، 357، 358، 359، 361، 364، 371، 378، 5: 36، 47، 182، 183، 186، 200، 210، 212، 229، 295، 319، 6: 28، 158، 240، 254، 255، 280، 287، 316، 7: 24، 34، 38، 48، 51، 77، 79، 110، 141، 144، 147، 160، 162، 163، 168، 180، 187، 197، 198، 205، 208، 217، 225، 239، 254، 366، 377، 8: 21، 22، 24، 42، 43، 45، 79، 82، 87، 88، 101، 107، 116، 131، 152، 153، 166، 198، 243، 261، 278، 288، 295، 297، 309، 338، 339، 9: 89، 97، 110، 147، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 190، 191، 206، 212، 213، 214، 221، 222، 244، 247، 253، 260، 261، 280، 290، 309، 310، 311، 312، 364، 388، 391، 414، 419، 456 علي بن إسماعيل الزيدي العلوي المغربي- أبو الحسن، علي بن إسماعيل علي بن بكار 1: 178 علي بن جبلة العكوك 4: 75، 228، 5: 111، 6: 27، 127، 8: 377 علي بن الجنيد الاسكافي 2: 242، 9: 219 علي بن الجهم 3: 109، 4: 13، 113، 305، 306، 5: 163، 227، 361، 385، 404، 411، 432، 6: 98، 102، 175، 229، 7: 320، 321، 8: 373، 393، 9: 13، 239، 289 علي بن حرملة 9: 279 علي بن الحسين السلمي 1: 219 علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (زين العابدين) 1: 107، 108، 109، 110، 112، 114، 115، 116، 117، 168، 273، 2: 123، 228، 262، 276، 3: 314، 390، 417، 4: 195، 315، 357، 7: 179، 180، 8: 44، 9: 191، 224، 310، 311 علي بن خليل 5: 174 علي بن سليمان الأخفش 9: 232 علي بن سويد بن منحوف 8: 92، 93 علي بن شبابة 8: 400 علي بن الصباح الكوفي 9: 399 علي بن صالح الهاشمي 9: 173 علي بن صالح بن حي 1: 172 علي بن ظبيان 3: 187 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 274 علي بن عاصم 5: 80 علي بن العباس الرومي- ابن الرومي علي بن العباس النوبختي 4: 339 علي بن عبد العزيز الجرجاني، أبو الحسن 2: 96، 6: 222 علي بن عبد الكريم 9: 21 علي بن عبد الله بن عباس 1: 107، 2: 31، 36، 60، 61، 133، 261، 5: 203 علي بن عبد الملك بن صالح 2: 201 علي بن عبيد الله 3: 351 علي بن عبيدة الريحاني 2: 196، 3: 267، 4: 273، 5: 409، 6: 222، 230، 7: 193 علي بن عيسى القمي 2: 193 علي بن عيسى بن داود بن الجراح (الوزير) 1: 453، 3: 51، 5: 84، 8: 351 علي بن عيسى بن ماهان 1: 430، 7: 207، 9: 259، 311، 312، 323 علي بن الفضيل بن عياض 4: 196 علي بن المارقي 9: 49، 50 علي بن محمد المدائني- المدائني، علي ابن محمد علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد ابن علي 3: 407 علي بن محمد بن الفرات، أبو الحسن- ابن الفرات علي بن محمد بن نصر الكاتب- ابن نصر الكاتب علي بن مخلد 1: 451 علي بن مسهر 6: 156 علي بن المنجم 7: 271 علي بن موسى بن جعفر (الرضا) 1: 113، 116، 276، 383، 2: 262، 3: 119، 4: 41، 106، 197، 210، 5: 138، 9: 208 علي بن النضر 8: 110 علي بن هشام 2: 195، 344، 5: 126، 127، 131، 6: 111، 7: 190، 8: 304، 9: 302 علي بن الهيثم 9: 172 علي بن يحيى 6: 86، 8: 387 علي بن يقطين 5: 194 علي بن يوسف المغربي التونسي 5: 387 عليان 5: 216 علية بنت المهدي 8: 284، 373، 9: 32، 53، 54، 56 عماد الدولة البويهي 9: 221 عمار بن مسروق 2: 389 عمار بن ياسر 1: 125، 141، 2: 483، 3: 388، 4: 352، 5: 186، 8: 100، 213 عمارة بن تميم اللخمي 8: 231، 232 عمارة بن حمزة الزبيري 2: 46، 47، 484، 3: 101، 4: 45، 337، 9: 263، 324 عمارة بن زياد العبسي (الوهاب) 7: 16 عمارة بن عقبة بن أبي معيط 8: 218 عمارة بن عقيل 2: 275، 343، 344، 345، 358، 359، 4: 87، 5: 35، 130، 131، 132 عمارة بن الوليد المخزومي 8: 215، 216 العماني الراجز- محمد بن ذؤيب الفقيمي الجزء: 10 ¦ الصفحة: 275 عمر البناء البغدادي 1: 222 عمر القلانسي 4: 80 عمر الوادي (المغني) 3: 447، 9: 450 عمر بن أبي ربيعة 2: 209، 4: 81، 5: 194، 305، 314، 316، 415، 6: 129، 143، 146، 198، 199، 203، 204، 207، 208، 209، 230، 390، 7: 272، 292، 293، 9: 44، 229، 230، 313، 397 عمر بن أبي سلمة 9: 83 عمر بن أبي عمرو الشيباني 9: 152 عمر بن إلياس بن مضر 7: 368 عمر بن بزيع 1: 435، 9: 110 عمر بن بكير 2: 283 عمر بن بلال الأسدي 8: 220، 221 عمر بن حبيب العدوي 4: 105 عمر بن حبيب المكي 1: 214 عمر بن حفص هزار مرد 2: 386، 488 عمر بن الخطاب 1: 50، 84، 87، 120، 123، 124، 125، 126، 128، 129، 133، 134، 135، 136، 137، 139، 142، 143، 144، 146، 147، 150، 155، 172، 244، 248، 272، 274، 309، 315، 347، 354، 369، 381، 408، 409، 410، 417، 433، 2: 28، 98، 102، 103، 119، 217، 241، 286، 398، 399، 442، 467، 481، 482، 496، 3: 36، 49، 62، 63، 95، 96، 97، 125، 139، 149، 164، 176، 180، 181، 182، 188، 195، 209، 210، 211، 218، 231، 236، 248، 255، 269، 274، 328، 332، 335، 389، 418، 4: 9، 10، 16، 20، 187، 197، 250، 254، 255، 268، 272، 273، 317، 351، 353، 359، 5: 9، 82، 92، 94، 101، 102، 184، 241، 380، 6: 31، 254، 261، 268، 283، 286، 432، 7: 24، 30، 56، 70، 113، 120، 128، 154، 160، 162، 167، 168، 173، 175، 178، 185، 187، 194، 197، 208، 217، 218، 239، 265، 387، 403، 8: 15، 18، 29، 30، 79، 80، 86، 117، 132، 136، 142، 156، 174، 175، 186، 187، 201، 216، 219، 227، 228، 229، 250، 251، 253، 254، 290، 294، 297، 309، 312، 342، 343، 9: 15، 17، 82، 85، 89، 95، 96، 115، 146، 147، 154، 163، 169، 190، 191، 206، 210، 211، 212، 213، 214، 216، 253، 255، 257، 263، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 276 291، 309، 316، 317، 354، 364، 391، 419 عمر بن سعد بن أبي وقاص 6: 239 عمر بن شبة 9: 230 عمر بن عبد العزيز 1: 148، 150، 151، 152، 153، 154، 155، 188، 189، 199، 206، 207، 280، 308، 310، 329، 348، 409، 433، 459، 2: 29، 72، 93، 102، 103، 139، 140، 227، 230، 275، 398، 454، 470، 3: 39، 40، 51، 63، 105، 106، 135، 137، 185، 193، 198، 209، 316، 4: 95، 96، 189، 213، 243، 262، 323، 356، 5: 43، 6: 144، 279، 285، 286، 7: 61، 169، 212، 320، 8: 52، 107، 179، 198، 220، 245، 373، 9: 16، 43، 98، 99، 225، 235، 236، 238، 268، 290، 367، 379، 380 عمر بن عبيد الله بن معمر 2: 302، 347، 348، 412، 486، 494 عمر بن عتبة 7: 230 عمر بن فرج الرخجي 2: 106 عمر بن لجأ التميمي 3: 434، 7: 289 عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات 9: 300، 301 عمر بن المنكدر 2: 308، 8: 176 عمر بن نباتة 1: 209 عمر بن هبيرة الفزاري 1: 162، 163، 2: 103، 104، 161، 275، 276، 3: 193، 303، 5: 64، 85، 116، 7: 186، 229، 8: 68، 189، 190، 9: 313 عمر بن يزيد الأسدي 2: 321، 8: 229 عمران بن أوفى 5: 42 عمران بن حطان 1: 167، 261، 2: 450، 454، 8: 242، 243، 9: 404 عمران بن سهل 8: 167 عمرة بنت بشر بن عمرو بن عدس 3: 429 عمرة بنت حنتمة بن مالك الجعفي 3: 38 عمرة بنت معاوية بن أبي سفيان 3: 429 عمرة ذي الكلب 4: 222 عمرو الخوزي 9: 406، 433 عمرو ذي الكلب 4: 44، 222 عمرو الغزال (المغني) 8: 24، 25، 189، 9: 75 عمرو بن أبي ربيعة بن شيبان بن ثعلبة 7: 384 عمرو بن أبي سلمة 2: 446 عمرو بن أبي عمرو النخاس 3: 182 عمرو بن أبي الكنات 9: 13 عمرو بن أحمر الباهلي 2: 366، 389، 5: 423 عمرو بن أراكة 4: 262 عمرو (القيون) بن أسد بن خزيمة 8: 13 عمرو بن أسيد الأسدي 7: 83 عمرو بن أعبل التميمي 3: 267 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 277 عمرو بن إلياس بن مضر 6: 408 عمرو بن أمامة 7: 71 عمرو بن أمية الضمري 7: 397 عمرو بن أمية بن عبد شمس 7: 371، 397، 399 عمرو بن الأهتم 2: 264، 3: 60، 419، 423، 7: 264، 8: 126 عمرو بن بانة 2: 131، 132، 8: 24، 9: 175 عمرو بن براق 7: 346 عمرو بن بهنوي 9: 303، 304، 305 عمرو بن تميم 7: 16، 17 عمرو بن ثعلبة الكلبي 7: 132، 133 عمرو بن جابر الحنفي 9: 198 عمرو بن جرموز 2: 481، 484، 3: 34، 35 عمرو بن جندب بن العنبر 7: 19، 345 عمرو بن الحارث الطائي 2: 83 عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي 6: 43 عمرو بن حجر آكل المرار الكندي 7: 390 عمرو بن حريت 2: 293، 379، 5: 338، 9: 325 عمرو بن حكيم بن معية 6: 83 عمرو بن حممة الدوسي 1: 395، 4: 212، 213، 7: 49 عمرو بن حنظلة 5: 229 عمرو بن خالد بن صخر الشريد 6: 157 عمرو بن دويرة البجلي 3: 25، 26 عمرو بن دينار (الراوي) 2: 95 عمرو بن الزبير 2: 213، 214، 3: 98 عمرو بن زرارة 3: 429 عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق 1: 420، 421، 433، 2: 43، 5: 53، 7: 69، 160، 8: 31، 289 عمرو بن سعيد بن سلم 4: 291 عمرو بن شأس 6: 118 عمرو بن الشريد السلمي 4: 271، 7: 408، 411 عمرو بن شيبان الأعمى بن ذهل بن ربيعة ابن تغلب 7: 366 عمرو بن صوحان 2: 495 عمرو بن ضبيعة 6: 58 عمرو بن العاص 1: 366، 367، 2: 23، 126، 128، 129، 237، 3: 150، 181، 209، 210، 307، 4: 230، 376، 6: 247، 316، 7: 36، 98، 191، 196، 236، 8: 198، 215، 216، 217، 227، 228، 229، 230، 383، 9: 87، 93، 183، 184، 191، 257، 315 عمرو بن عبد الله بن صفوان 2: 351 عمرو بن عبيد 1: 163، 225، 2: 261، 3: 106، 137، 156، 216، 266، 4: 124، 371، 7: 174، 175، 9: 191، 225، 257 عمرو بن عتبة بن أبي سفيان 2: 56، 57، 3: 149، 339، 4: 324 عمرو بن عثمان بن عفان 2: 422، 3: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 278 410، 429، 9: 246 عمرو بن عدي بن زيد العبادي (الشاعر) 3: 17، 7: 72، 122، 147، 388 عمرو بن عمرو بن عدس 7: 136، 345 عمرو بن قميئة 3: 73، 6: 11، 70، 7: 281 عمرو بن كعب بن محرق بن النعمان بن المنذر 6: 160، 161 عمرو بن كلثوم 2: 431، 5: 120، 314، 7: 91، 122، 315، 8: 103، 9: 249 عمرو بن الليث 7: 231، 8: 110، 143 عمرو بن مالك الجعدي 6: 85 عمرو بن مالك الحارثي 3: 126 عمرو بن مامة 7: 96 عمرو بن مرة العبدي 8: 20 عمرو بن مروان بن محمد 1: 255 عمرو بن مسعدة 1: 440، 3: 63، 318، 4: 243، 361، 6: 321، 328، 8: 167، 205، 206، 9: 120، 302 عمرو بن مسعود بن كلدة 8: 16 عمرو بن المشمرج 7: 333 عمرو بن معبد بن زرارة 7: 136 عمرو بن معدي كرب الزبيدي 1: 278، 2: 416، 442، 443، 444، 472، 473، 482، 493، 3: 54، 5: 266، 380، 7: 118، 202، 342، 343، 408، 414، 8: 290، 9: 100، 175 عمرو بن هداب، أبو أسيد 4: 326، 7: 203، 204 عمرو بن همام 2: 418 عمرو بن هند اللخمي 1: 313، 2: 63، 7: 104، 105، 390، 391، 392، 393، 9: 106، 384 عمرو بن يزيد 3: 60 العملّس 6: 252 عمليق 7: 362، 363، 364 عميد الدولة، أبو منصور ابن جهير 4: 190، 8: 204، 9: 113 عمير الكاتب 8: 35 عمير بن إلياس بن مضر 6: 408، 7: 368 عمير بن الحباب السلمي 2: 146، 147، 408، 485، 7: 301 عمير بن سعد الأنصاري 1: 135، 136، 137 عمير بن السليل 2: 305 عمير بن ضابىء البرجمي 1: 446، 447، 448 عمير بن وهب الجمحي 9: 162، 163، 164 عميلة الفزاري 2: 306 عنان (جارية الناطفي) 8: 272، 273 عنبر الرومي 8: 207 العنبر بن عمرو بن تميم 7: 17، 50 عنبسة الفيل النحوي 8: 297 عنبسة بن سعيد بن العاصي 1: 461، 8: 32، 200، 9: 197 عنبسة بن وهب الدارمي 2: 228 عنترة بن الأخرس 5: 297 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 279 عنترة بن شداد 2: 416، 438، 439، 452، 3: 404، 423، 5: 288، 299، 340، 375، 381، 7: 55، 56، 162، 178، 193، 8: 345 عنترة بن عبفس النميري 5: 260 عنز (امرأة من طسم) 7: 127 العنزي (الراوي) 7: 270 عنيزة (صاحبة امرئ القيس) 7: 417، 418 العوام بن خويلد 2: 484 العوراء بنت سبيع 4: 207 عوف بن الأحوص 2: 68 عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم 7: 53 عوف بن مالك 8: 174 عوف بن محلم الشيباني 7: 53 عون الكندي الكاتب 6: 70 عون بن أمية 3: 37 عون بن الحسين الهمذاني 2: 50 عون بن ذكوان 1: 163 عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود 1: 165، 9: 235 عون بن مجاشع بن مسعدة 9: 176 عون الدين بن هبيرة 2: 362 العويص بن أمية بن عبد شمس 7: 371 عويف القوافي 2: 303، 465، 5: 98، 9: 335 عويمر بن مالك بن عويمر 7: 212 عياش 8: 52، 53 العياشي 8: 91 عياض (صاحب السحر) 3: 412 عياض (عامل) 8: 256 عياض بن مسلم 8: 46 عيدان السقاء (والد المتنبي) 9: 265 العيزار بن الأخنس السنبسي 4: 214 عيسى النوفلي 2: 207 عيسى بن جعفر 2: 336، 3: 195، 8: 253 عيسى بن داود 2: 110 عيسى بن زيد 4: 317 عيسى بن سليمان بن علي 5: 113، 114 عيسى بن طلحة 4: 310 عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس 1. 419، 2: 31، 36 عيسى بن عمر 4: 374 عيسى بن فرخانشاه 4: 97، 98، 5: 161 عيسى بن مروان الكاتب 5: 107، 108 عيسى بن مريم 1: 39، 57، 58، 60، 427، 2: 91، 120، 3: 92، 95، 128، 129، 137، 267، 278، 341، 4: 352، 5: 23، 6: 11، 32، 239، 319، 7: 71، 170، 180، 266، 8: 83، 244، 280، 9: 85، 89، 94، 109، 292، 437، 439 عيسى بن مصعب 2: 422، 461 عيسى بن موسى بن علي 2: 31، 488، 3: 15، 24، 308، 5: 172، 7: 186، 187، 8: 155، 249، 250، 286، 9: 248، 370، 412 عيسى بن هشام 6: 400، 401 عيسى بن يزيد 7: 161 عيشونة 5: 98 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 280 العيص بن أمية بن عبد شمس 7: 371 العين المن ق ري 2: 191 عيينة بن حصن ال ف زاري 1: 56، 125، 465، 2: 138، 3: 52، 93، 419، 7: 401، 9: 162، 366، 377 عيينة بن النهاس العجلي 8: 305، 306 غ الغاضري 2: 200 غالب (مولى هشام بن عبد الملك) 8: 46 غالب بن صعصعة 2: 148، 149، 264، 305، 3: 433 الغريبي الكوفي 4: 57 الغريض (المغني) 5: 299، 6: 390، 9: 48 غريض اليهودي 1: 267 غزالة الحرورية 2: 450، 488 غسان (خال الفرّار) 6: 13 غسان بن عباد 3: 158، 4: 53، 9: 174، 176، 403 الغضبان بن القبعثرى 9: 344، 345، 346 الغضنفر بن حمدان 6: 337 الغطريف (خال الهادي الخليفة) 3: 258 الغطمش الضبي 4: 248، 5: 261 غلام البنج 9: 73 غلام الخليل 1: 222 غلام نسيم 9: 73 غناديس المدني 9: 49 غني بن يعصر 5: 110 الغوث بن أسامة بن لؤي 7: 365 غويث (اللص) 8: 263 غياث بن غوث- الأخطل غيلان- ذو الرمة غيلان الراجز 6: 271، 8: 297 غيلان بن حرشة الضبي 4: 79، 80، 7: 394 غيلان بن الحريث 5: 253 غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي 3: 8، 4: 157، 7: 401 غيلان بن مسلم الدمشقي 3: 193 غيلان بن المعذل 7: 290 ف فاتك الكبير، أبو شجاع- أبو شجاع، فاتك فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى 9: 245 فاختة بنت قرظة (زوج معاوية) 8: 18، 230، 231، 9: 294، 348 الفاذوسبان 2: 32 الفاروق- عمر بن الخطاب فاطمة (زوج عمر بن عبد العزيز) 1: 153 فاطمة بنت الأحجم 4: 241 فاطمة بنت أحمد الهزارمردي الكردي 8: 64 فاطمة بنت أسد بن هاشم (أم علي بن أبي طالب) 3: 416، 4: 267، 268 فاطمة بنت الحسين بن علي 1: 456، 4: 31، 32، 7: 240 فاطمة بنت الخرشب الأنمارية 7: 67 فاطمة بنت خزيمة بن نهد 7: 75 فاطمة بنت الرسول 1: 80، 87، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 281 116، 2: 229، 3: 59، 396، 414، 416، 433، 4: 237، 352، 6: 254، 255، 7: 180، 8: 53، 81، 82، 86، 87، 88، 339، 9: 153، 154، 155، 156، 157، 158، 206، 207، 294، 309، 414 فاطمة بنت سعد 7: 374 فاطمة بنت عمر بن حفص هزارمرد 5: 113، 114 فاطمة بنت عمرو (أم أبي طالب) 3: 414، 416 فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله 9: 249 فاطمة بنت مروان (عمة عمر بن عبد العزيز) 1: 150 فاطمة بنت يذكر بن عنزة 7: 361 فاقة (امرأة أبي صدقة المغني) 8: 188 الفاكه بن المغيرة 6: 156، 8: 13، 14 الفاكه بن الوليد 6: 156 فائق (غلام ابن طولون) 2: 226 فتح الموصلي 1: 192 الفتح بن خاقان 1: 462، 3: 164، 4: 185، 7: 218، 238، 9: 375 فخر الدولة البويهي 1: 460، 4: 143، 148، 150، 6: 347، 348، 350، 351، 352، 354 الفراء (النحوي) أبو زكريا، يحيى بن زياد 6: 12، 7: 19، 8: 182، 9: 344، 401 فرج الرخجي 1: 451، 2: 143، 9: 302 الفرج بن فضالة 1: 421، 4: 123 فرح (الخادم) 2: 363، 364 الفرزدق 2: 101، 104، 148، 149، 150، 264، 316، 351، 364، 386، 412، 3: 319، 320، 397، 404، 409، 425، 427، 433، 443، 448، 449، 4: 37، 38، 39، 40، 82، 217، 218، 229، 263، 264، 274، 275، 280، 303، 5: 27، 39، 64، 113، 116، 122، 127، 128، 129، 133، 162، 163، 225، 226، 260، 342، 346، 396، 403، 415، 425، 431، 440، 6: 159، 416، 7: 41، 78، 91، 107، 142، 215، 226، 227، 233، 239، 241، 253، 286، 287، 288، 296، 314، 330، 331، 373، 416، 417، 418، 8: 118، 189، 190، 260، 273، 306، 9: 11، 192، 193، 194، 195، 196، 197، 217، 236، 391، 402 فرعون 3: 414، 4: 85، 5: 182، 443، 6: 31، 305، 7: 217، 241، 256، 8: 141، 198، 9: 10، 422 فرفوريوس 1: 248 فرقد السبخي 2: 228 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 282 فروة بن خميصة 5: 130، 131، 132 فروخ 8: 80 فريدة (جارية الواثق) 9: 226، 227، 228 الفزر، سعد بن زيد مناة بن تميم 7: 75 فضالة بن عبد الله الغنوي 5: 164 فضالة بن عبيد 1: 166 فضة (جارية) 1: 87، 3: 129 فضل الشاعرة (مولاة المتوكل) 6: 195، 7: 252 الفضل بن الربيع 1: 188، 348، 349، 449، 450، 461، 463، 2: 118، 131، 142، 143، 3: 21، 27، 28، 58، 76، 263، 4: 46، 5: 24، 68، 94، 232، 6: 225، 7: 189، 8: 191، 206، 225، 9: 266، 267 الفضل بن سماعة 3: 205 الفضل بن سهل 1: 349، 355، 428، 430، 431، 440، 461، 3: 157، 251، 307، 4: 47، 96، 97، 210، 267، 334، 5: 57، 232، 7: 190، 8: 165، 301 الفضل بن شراعة 3: 205 الفضل بن صالح بن عبد الملك الهاشمي 2: 247 الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب 2: 342، 3: 220، 443، 7: 211 الفضل بن عبد الصمد الرقاشي 4: 209، 5: 380، 9: 110 الفضل بن عيسى الرقاشي 5: 255 الفضل بن عيشون 6: 428 الفضل بن قضاعة 3: 205 الفضل بن المأمون 5: 412 الفضل بن محمد بن منصور بن زياد 8: 159 الفضل بن مروان 1: 437، 2: 90، 5: 215، 216، 232، 9: 219، 303، 304 الفضل بن المهلب 2: 451 الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي 1: 452، 2: 116، 117، 118، 191، 229، 279، 351، 363، 369، 376، 3: 21، 101، 177، 4: 186، 339، 5: 232، 7: 207، 8: 136، 9: 197، 198، 322 الفضل بن يعقوب 7: 277 الفضيل بن عياض 1: 147، 182، 187، 188، 190، 191، 212، 213، 225، 2: 92، 96، 227، 3: 136، 4: 196، 339، 7: 220، 221، 9: 16، 94 الفلهيذ 9: 23، 24 فليح بن أبي العوراء 9: 46 الفند الزماني 7: 109 فيثاغورس الحكيم 1: 286، 4: 354، 358 فيروز حصين 2: 62 فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور 3: 175 فيض بن أبي صالح 2: 110، 111، 4: 55 الفيض بن محمد 7: 237 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 283 ق قابوس بن هند 1: 314، 7: 391 القادر بالله 3: 436، 9: 266 قارون 5: 84، 177 القاري الأنصاري 7: 83 القاسم (ابن الرسول) 3: 433 قاسم التمار 3: 163، 5: 313، 7: 267 القاسم بن أمية بن أبي الصلت الثقفي 4: 60 قاسم بن الرشيد 6: 230 القاسم بن طوق بن مال ك التغلبي 5: 215 القاسم بن عبد الله بن عمرو بن عثمان 3: 447، 4: 32 القاسم بن عبيد الله 1: 453، 454 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق 5: 26، 6: 145، 7: 179، 9: 191 القاسم بن يحيى البصري 4: 87 القاضي أبو علي الجويني 8: 26 القاضي أحمد بن سلامة الكرخي 8: 238 القاضي الجرجاني، علي بن عبد العزيز بن الحسن 4: 62، 8: 96 القاهر (الخليفة) 1: 270، 8: 68، 106 قبيحة (أم المعتز) 7: 206 قبيصة بن أبي صفرة 5: 113 قبيصة بن جابر 7: 166 قبيصة بن ذؤيب 3: 19، 4: 339، 5: 226 قبيصة بن مازن 4: 33 قبيصة بن مسعود 2: 396 قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة 2: 451، 5: 70، 8: 95 قبيصة بن هانىء 8: 205 قتادة بن التوأم اليشكري 9: 295 قتادة بن دعامة السدوسي 1: 184، 229، 3: 35، 92، 298، 6: 386، 7: 266، 267، 394 قتادة بن مسلمة الحنفي 2: 147، 7: 15 القتال الكلابي 2: 406، 487، 7: 285 القتول الخثعمية 3: 204 قتيبة بن مسلم 1: 450، 2: 18، 59، 3: 50، 119، 222، 251، 307، 4: 38، 5: 224، 7: 194، 195، 196، 242، 287، 8: 288، 9: 91 قتيلة (جدة معاوية) 3: 396 قثم بن العباس 1: 351، 3: 255، 256 قثم بن عبيد الله بن العباس 4: 276 قحافة بن عوف بن الأحوص 7: 402 القحيف بن حمير العقيلي 6: 141، 7: 302 القدار بن عمرو بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار 7: 365 قدامة بن زياد الكاتب 3: 132 قدامة بن شريك اليربوعي 4: 268 قراد بن حنيفة 2: 37 قرة المزني 2: 230 قرة بن شريك 3: 198 قرد بن معاوية بن هذيل 7: 22 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 284 قرقر (المخنث) 9: 421 قرقور الشاري 2: 488 قرنفل (المخنث) 9: 420 قريب بن عبد الملك- الأصمعي قريش بن أنس 7: 174 قرين بن سلمي 2: 146، 147 قس بن ساعدة الإيادي 3: 14، 6: 251، 252، 364، 366، 403، 425 قسمون البغدادي 9: 73 القشوري 7: 223 القصافي، عمرو بن نصر التميمي 4: 339، 5: 260، 261 قصي بن عبد القيس 7: 78 قصي (زيد) بن كلاب بن مرة بن لؤي 7: 369، 374، 375 قصير بن سعد (الوفي) 2: 75، 7: 53، 72، 139، 388 قضاعة بن مالك بن حمير 7: 362 قطام (صاحبة ابن ملجم) 7: 224، 225 القطامي، عمير بن شييم 2: 419، 3: 305، 4: 98، 99، 5: 260، 390، 402، 6: 132، 134، 7: 37، 42، 102، 373 قطبة بن حصن- الحادرة قطر الندى بنت أحمد بن طولون 6: 336 قطري بن الفجاءة المازني الخارجي 2: 404، 415، 452، 460، 488، 6: 300، 8: 244 القعقاع بن توبة العقيلي 5: 193 القعقاع بن شور 2: 178، 356، 4: 21، 9: 267 القعقاع بن عمرو 2: 483 قعنب الحروري 7: 204 القلاخ بن حزن 5: 114، 395 القليب المنقري 3: 407 القليب بن عمرو بن تميم 7: 17 قمامة بن يزيد (كاتب عبد الملك) 7: 177، 210 قمعة بن إلياس بن مضر بن نزار 7: 368 قنبر (مولى علي بن أبي طالب) 1: 83، 412، 5: 36 قنديل الجصاص 9: 61 قيس بن أبي الوليد الكناني 8: 350 قيس بن الخطيم 1: 248، 2: 221، 405، 417، 448، 467، 3: 133، 151، 5: 307، 308، 367، 372، 382، 6: 84، 85، 7: 93، 285، 377، 378، 379، 380، 381، 8: 118، 131 قيس بن ذريح 4: 371، 372، 6: 65، 71، 101، 140، 143، 144، 145، 163، 417 قيس بن رفاعة 3: 395، 430، 5: 226 قيس بن زهير العبسي 1: 396، 2: 59، 151، 157، 5: 96، 7: 52، 66، 67، 9: 92 قيس بن زهير المازني 3: 14 قيس بن زياد العبسي (الحفاظ) 7: 16 قيس بن سعد بن عبادة 2: 103، 233، 271 قيس بن شيبة السلمي 3: 204 قيس بن الصمة 7: 119 قيس بن ضرار بن القعقاع بن معبد 4: 202 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 285 قيس بن عاصم 1: 398، 2: 17، 127، 205، 280، 3: 202، 203، 347، 419، 423، 4: 38، 242، 243، 7: 183، 282، 330، 8: 84، 89، 341، 9: 179، 180، 192 قيس بن عبد ا ل له، أبو ليلى- النابغة الجعدي قيس بن عيلان 7: 195 قيس بن فهد الأنصاري 5: 101 قيس بن مسعود الشيباني 7: 408، 412، 413، 9: 195 قيس بن معدي ك رب الكندي 3: 24، 25، 8: 88 قيس بن الملوح 6: 88، 109، 168، 169، 184، 185، 186، 417 قيس بن الهيثم 2: 249 قيصر 3: 317، 397، 4: 141، 7: 399، 8: 254، 255 ك كابي الحداد 2: 33 كافور (خادم) 5: 156 كافور الإخشيدي 5: 66، 8: 137 كاهل (الاصرة) بن أسد بن خزيمة 8: 13 كبشة بنت عروة بن جعفر بن كلاب 7: 103 كبيشة بنت سعد 7: 398 كثير عزة 1: 409، 2: 121، 324، 440، 3: 154، 279، 280، 4: 18، 24، 205، 209، 303، 5: 260، 6: 55، 72، 146، 147، 148، 172، 174، 7: 223، 224، 225، 290، 291، 292، 293، 295، 298، 8: 19، 20، 9: 242 كثير بن الصلت 4: 320 الكثيري، إبراهيم بن عبد الرحمن 2: 57 كرز بن خالد بن صخر الشريد 6: 157 الكرماني- أبو حفص الكرماني الكروس بن سليم اليشكري 4: 24 الكسائي، علي بن حمزة النحوي 3: 148، 9: 230، 291 كسرى 2: 77، 308، 497، 3: 14، 15، 16، 18، 216، 221، 249، 317، 397، 4: 142، 249، 382، 5: 151، 177، 200، 201، 289، 309، 385، 387، 6: 315، 398، 7: 19، 27، 211، 333، 403، 404، 406، 408، 409، 410، 411، 412، 413، 414، 8: 10، 11، 12، 14، 15، 24، 36، 96، 254، 255، 9: 15، 23، 45، 107، 208، 425 كسرى أنوشروان 1: 159، 278، 310، 314، 381، 403، 404، 2: 27، 139، 234، 235، 300، 322، 368، 399، 472، 3: 193، 198، 199، 4: 59، 8: 91، 351 كشاجم 5: 23، 60، 156، 364، 416، 418، 422، 432، 433، 8: 147، 317، 327، 9: 117، 118، 124 كعب (مولى حارثة بن بدر) 9: 237 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 286 كعب ا ل أحبار 1: 106، 2: 138، 3: 125، 136، 224، 8: 176، 201 كعب بن جعيل 4: 125 كعب بن ذي الحنكة النهدي 8: 137 كعب بن ربيعة 7: 375 كعب بن زهير بن أبي سل م ى 1: 223، 3: 390، 4: 11، 12، 13، 59، 5: 306، 6: 10، 7: 41، 120، 8: 29، 9: 286 كعب بن زيد الديناري 7: 397 كعب بن سعد الغنوي 3: 152، 4: 260، 372، 5: 327، 7: 62 كعب بن عدي 1: 269 كعب بن لؤي 7: 376 كعب بن مالك 2: 402 كعب بن مالك (المخبّل) 6: 154، 155 كعب بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة 7: 76 كعب بن مامة الإيادي 2: 157، 289، 336، 4: 218، 5: 109 كعب بن معدان 2: 451 كلاب بن ربيعة 7: 375، 419 كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب 7: 374 الكلبي (الراوي) 2: 18، 7: 404 كلثوم بن الهدم 8: 9 الكلحبة العرني 2: 462 كليب الجرمي 7: 162 كليب بن ربيعة 2: 83، 152، 3: 52، 4: 66، 6: 36، 7: 13، 15، 24، 139، 362، 366، 375، 8: 24 الكميت بن زيد الأسدي 1: 399، 2: 450، 3: 132، 390، 4: 38، 39، 129، 7: 288، 289، 8: 254 الكميت بن معروف 2: 210، 4: 23 كميل بن زياد النخعي 1: 67، 8: 153 كندة بن جنادة بن معد 7: 362 الكندي البخيل 2: 330، 335، 377 كيسان (صاحب أبي عبيدة) 7: 273 كيسان (مستملي ابن الأنباري) 9: 442 كيسان بن معروف النحوي الهجيمي، أبو سليمان 3: 292 ل لبابة بنت عبد الله بن جعفر 5: 203 لبطة بن الفرزدق 3: 375، 426 لبنى (صاحبة قيس بن ذريح) 4: 371، 6: 101، 145، 164 لبيد، درء بن الغوث بن نبت بن مالك 7: 382 لبيد بن ربيعة العامري 2: 66، 270، 4: 239، 250، 251، 5: 101، 405، 6: 14، 25، 92، 433، 7: 15، 115، 140، 307، 395، 396، 401، 402 لبيد بن زرارة 3: 429 لجيم بن مصعب بن علي بن بكر بن وائل 7: 51 لغدان (مجنون) 9: 458 لقمان 1: 61، 142، 244، 289، 3: 21، 53، 232، 286، 314، 4: 194، 337، 5: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 287 262، 7: 26، 75، 60، 94، 108، 132، 343، 402، 8: 89، 294، 9: 73، 86، 107 لقيط ب ن زرارة 3: 429، 5: 121، 7: 16، 110، 111، 8: 347 لقيط بن يعفر 7: 273 لقيط بن يع م ر الإيادي 1: 308، 5: 200، 201 لقيم بن لقمان 7: 108، 9: 250 لكيز بن أفصى .... بن ربيعة 2: 100 لكيز بن قصي بن عبد القيس 7: 78 لميس بن سعد البارقي 3: 208 لهذم المكاتب 2: 149، 150 لوط 8: 28، 9: 256 لؤلؤ 8: 322 لؤلؤ (غلام أحمد بن طولون) 9: 307 لؤي بن غالب 4: 25 الليث بن سعد 3: 66 الليثي، عبد الله بن أريقط 9: 145 ليلى (صاحبة قيس بن الملوح) 4: 344، 6: 184، 187، 9: 8 ليلى الأخيلية 4: 23، 221، 252، 5: 129، 349، 376، 7: 211 ليلى بنت تغلب بن حلوان بن إلحاف بن قضاعة بن معد 6: 408، 424، 7: 368 ليلى بنت عامر بن الظرب العدواني 7: 366 ليلى بنت عروة بن زيد الخيل 7: 343 ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلية 3: 96 ليلى بنت وهب 4: 198 م مادر 2: 320، 321 ماردة (أم المعتصم) 6: 127، 209 مارية (زوج الرسول) 7: 95، 9: 363 مارية بنت الجعيد العبدية 7: 365 مازن بن مالك بن عمرو بن تميم 7: 50، 51 المازني أبو عثمان، بكر بن محمد بن بقية 6: 405 مازيار 1: 438، 5: 383 مالك (المغني) 9: 48 مالك بن أبي السمح 3: 254، 9: 18 مالك بن أبي كعب 2: 448 مالك بن أدد 7: 371 مالك بن أسماء بن خارجة 2: 138، 7: 271 مالك بن أنس 2: 94، 3: 66، 106، 186، 187، 278، 6: 225، 8: 262، 9: 185، 283، 284 مالك بن جعفر بن كلاب 7: 16 مالك بن الحارث الأشتر 1: 131، 315، 316، 415، 416، 2: 483، 3: 72، 352، 4: 20، 7: 32 مالك بن الحارث السلمي 4: 14 مالك بن حارثة 5: 200 مالك بن حذيفة بن بدر 7: 13 مالك بن حريم الهمداني 8: 105 مالك بن خالد الهذلي 5: 267 مالك بن خالد بن صخر الشريد 6: 157 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 288 مالك بن دينار 1: 164، 215، 2: 246، 3: 103، 6: 301 مالك بن الريب المازني 2: 434، 467، 5: 230، 7: 46، 306، 8: 128، 263 مالك بن زرارة 3: 429 مالك بن زهير 1: 397، 4: 206 مالك بن شاهي 2: 293 مالك بن الصمصامة 6: 174 مالك بن طوق 4: 308، 7: 190، 8: 156 مالك بن عامر بن ربيعة بن صعصعة 7: 377، 379 مالك بن عمارة اللخمي 3: 18، 19 مالك بن عمرو الباهلي 7: 66 مالك بن غياث بن غوث- الأخطل مالك بن فارج القيني 3: 100، 4: 260، 7: 89، 122 مالك بن مالك 5: 103 مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب 2: 18، 26، 152، 249، 3: 100، 101، 4: 217 مالك بن المنذر 7: 287 مالك بن نويرة 2: 481، 4: 249، 250، 5: 376، 7: 111 مالك بن الهيثم الخزاعي 1: 432 المأمور بن شيبان بن علقمة بن زرارة 3: 429 المأمون العباسي 1: 116، 218، 328، 350، 355، 382، 424، 425، 426، 427، 428، 429، 439، 440، 441، 442، 449، 462، 463، 466، 2: 48، 50، 71، 131، 132، 133، 141، 142، 165، 195، 204، 226، 229، 240، 277، 293، 294، 317، 324، 354، 358، 367، 458، 471، 3: 27، 63، 158، 179، 222، 250، 251، 260، 261، 263، 272، 288، 313، 318، 337، 4: 36، 37، 53، 54، 56، 58، 72، 97، 106، 112، 116، 117، 118، 119، 123، 124، 126، 127، 128، 137، 219، 242، 243، 267، 5: 93، 130، 131، 136، 138، 139، 140، 193، 201، 202، 412، 6: 27، 59، 66، 228، 229، 294، 321، 323، 331، 7: 181، 188، 189، 210، 219، 220، 227، 241، 242، 244، 8: 22، 26، 35، 38، 66، 94، 128، 167، 171، 172، 182، 199، 200، 226، 233، 239، 261، 294، 301، 303، 304، 311، 333، 375، 393، 9: 21، 22، 39، 40، 43، 44، 45، 54، 85، 88، 102، 103، 104، 106، 110، 120، 172، 173، 174، 175، 176، 177، 203، 204، 208، 230، 291، 302، 303، 304، 322، 323، 374، 375، 402، 403، 404 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 289 ماني (الزنديق) 2: 133، 7: 175، 9: 234، 458 الماهر الشاعر 5: 400، 6: 89، 8: 377 ماوية (زوج حاتم الطائي) 2: 266، 333 مبارك التركي 8: 111 مبذول العنزي 2: 209 المبرد، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي، أبو العباس 2: 276، 474، 3: 34، 54، 189، 410، 415، 4: 97، 132، 5: 35، 116، 172، 339، 383، 6: 224، 328، 8: 140، 301، 332، 9: 339، 340، 341، 342، 402 المتجردة (زوج النعمان بن المنذر) 6: 179 المتلمس الضبعي 2: 75، 339، 3: 314، 432، 5: 193، 7: 266، 319، 372، 387، 391، 392، 393، 8: 90، 183، 9: 57، 198 متمم بن نويرة 3: 100، 4: 20، 249، 250 المتنبي 1: 267، 269، 278، 279، 374، 2: 58، 78، 88، 89، 179، 222، 246، 313، 396، 449، 478، 479، 3: 30، 160، 248، 271، 294، 317، 435، 436، 4: 66، 67، 68، 100، 126، 218، 231، 232، 279، 318، 378، 5: 60، 61، 66، 74، 194، 228، 306، 407، 417، 6: 26، 31، 54، 66، 69، 78، 82، 88، 89، 105، 140، 190، 372، 405، 7: 32، 41، 87، 305، 310، 311، 312، 313، 314، 315، 316، 317، 318، 8: 107، 136، 137، 346، 347، 9: 265، 313 المتنخل الهذلي 5: 295 متوج بن أبي حفصة 9: 296 المتوكل 1: 377، 438، 2: 473، 3: 26، 161، 164، 252، 259، 4: 91، 122، 158، 187، 305، 5: 27، 93، 387، 6: 195، 201، 7: 191، 192، 237، 238، 320، 321، 8: 36، 185، 311، 374، 399، 9: 227، 228، 233، 239، 265، 288، 289، 297، 298، 302، 354، 375، 407، 423، 445، 453 المتوكل الليثي 1: 265، 284، 2: 67، 3: 406، 5: 166، 8: 99 متيم (جارية علي بن هشام) 6: 111، 8: 304 المثقب العبدي 3: 313 المثلم النخعي 6: 42 المثنى بن حارثة 2: 457، 483، 7: 99 المثنى بن مخرمة 7: 366 مجاشع (من أجداد الفرزدق) 6: 159، 7: 226، 287 مجاشع بن مسعدة 8: 205 مجاهد 1: 68، 232، 3: 79، 6: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 290 156 مجاهد بن جبر 2: 309، 9: 268 مجاهد الدين قايماز 2: 361 مجد الدولة البويهي 5: 161 مجدانية بنت تيم بن غالب 7: 375 مجزأة بن ثور 2: 454 مجمع التيمي 1: 214 المجنون- قيس بن الملوح مجير (خادم المأمون) 9: 173 محاسن بن حفص (المغني) 8: 238 محرز بن القاسم 9: 307 المحلق الضبي 2: 322 المحلق بن حنتم بن شداد الكلابي 5: 78 محمد الرسول (ص) 1: 21، 23، 24، 37، 38، 39، 40، 41، 42، 43، 44، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 59، 63، 64، 69، 72، 80، 82، 83، 84، 86، 87، 90، 97، 104، 107، 108، 115، 116، 120، 121، 128، 129، 131، 132، 133، 134، 137، 142، 143، 150، 152، 160، 166، 178، 180، 185، 189، 190، 218، 220، 224، 237، 241، 242، 249، 251، 252، 266، 292، 312، 321، 323، 325، 328، 330، 340، 352، 357، 358، 359، 360، 361، 363، 375، 377، 382، 412، 426، 427، 431، 435، 436، 465، 2: 13، 16، 28، 61، 87، 91، 95، 102، 109، 119، 120، 121، 130، 140، 143، 153، 169، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 177، 179، 181، 187، 192، 203، 205، 206، 213، 216، 227، 228، 229، 230، 232، 233، 239، 240، 245، 257، 259، 260، 278، 286، 287، 288، 292، 329، 332، 393، 395، 396، 398، 401، 413، 425، 446، 464، 471، 473، 474، 475، 480، 483، 3: 7، 8، 9، 10، 14، 15، 18، 35، 37، 44، 47، 48، 49، 50، 57، 58، 60، 61، 62، 64، 65، 66، 71، 78، 91، 92، 93، 94، 95، 96، 97، 115، 116، 118، 124، 128، 147، 148، 149، 169، 170، 171، 172، 173، 174، 186، 187، 188، 189، 190، 193، 195، 197، 201، 206، 211، 213، 216، 217، 218، 229، 230، 231، 232، 236، 240، 241، 266، 269، 274، 284، 297، 298، 299، 307، 308، 312، 313، 317، 323، 325، 326، 327، 328، 329، 335، 336، 347، 351، 354، 355، 359، 365، 371، 378، 387، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 291 388، 389، 390، 409، 410، 412، 413، 414، 415، 416، 417، 418، 419، 420، 421، 422، 423، 431، 433، 444، 445، 447، 449، 4: 7، 8، 10، 11، 12، 13، 14، 32، 38، 39، 59، 65، 79، 99، 104، 105، 106، 124، 135، 139، 152، 160، 161، 164، 178، 188، 193، 194، 197، 213، 220، 244، 254، 255، 266، 267، 268، 287، 299، 301، 313، 316، 331، 332، 333، 337، 341، 349، 350، 351، 352، 353، 356، 357، 360، 5: 7، 8، 9، 29، 43، 96، 114، 120، 151، 181، 182، 183، 185، 188، 189، 199، 207، 208، 209، 211، 212، 214، 221، 226، 230، 231، 239، 241، 302، 307، 336، 400، 444، 6: 7، 9، 10، 25، 26، 27، 28، 29، 42، 51، 156، 158، 159، 161، 226، 235، 236، 238، 239، 241، 242، 244، 245، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 260، 261، 262، 263، 264، 265، 266، 268، 275، 276، 277، 278، 279، 280، 284، 285، 287، 288، 291، 293، 294، 296، 297، 299، 302، 306، 309، 313، 315، 319، 324، 326، 347، 368، 369، 432، 7: 7، 8، 10، 11، 12، 22، 24، 36، 48، 55، 83، 95، 110، 113، 123، 125، 157، 159، 160، 161، 163، 164، 165، 170، 171، 172، 175، 179، 180، 181، 182، 198، 205، 206، 209، 210، 211، 224، 233، 240، 241، 261، 263، 265، 269، 271، 310، 319، 321، 325، 330، 331، 333، 349، 352، 353، 357، 373، 376، 380، 381، 395، 396، 397، 398، 399، 8: 7، 9، 10، 12، 14، 21، 28، 29، 41، 42، 52، 53، 54، 60، 78، 79، 80، 81، 82، 83، 84، 86، 87، 88، 97، 100، 101، 102، 104، 107، 115، 116، 130، 140، 145، 146، 152، 160، 166، 173، 174، 175، 186، 187، 195، 197، 198، 211، 212، 213، 232، 263، 277، 278، 280، 282، 293، 294، 295، 296، 310، 312، 314، 337، 339، 340، 351، 356، 375، 9: 7، 8، 16، 37، 38، 79، 82، 83، 85، 86، 87، 88، 89، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 292 90، 94، 95، 96، 115، 116، 127، 143، 144، 145، 147، 148، 149، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 161، 162، 163، 164، 166، 167، 168، 169، 170، 181، 182، 183، 184، 185، 191، 202، 206، 214، 223، 224، 225، 245، 246، 247، 248، 249، 252، 253، 254، 255، 257، 262، 263، 269، 278، 282، 283، 284، 286، 291، 294، 295، 308، 309، 310، 311، 312، 337، 354، 361، 362، 363، 364، 366، 368، 377، 378، 395، 401، 410، 414، 424، 437، 445، 448 محمد الزف (المغني) 9: 29، 30، 31 محمد الكندي 1: 196 محمد بن أبان الأنباري 2: 143 محمد بن إبراهيم الإمام 2: 116، 117، 5: 172، 7: 245، 9: 67 محمد بن إبراهيم الكموني 2: 469 محمد بن إبراهيم اليزيدي 4: 287 محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ابن طباطبا- ابن طباطبا محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي 2: 31 محمد بن أبي بكر الصديق 6: 245، 246، 9: 191 محمد بن أبي حمزة الكوفي 2: 495 محمد بن أبي زرعة الدمشقي 4: 114 محمد بن أبي سعيد الجذامي المغربي، ابن شرف 5: 74 محمد بن أبي شحاذ الضبي 1: 400 محمد بن أبي علقمة- ابن أبي علقمة محمد بن أبي عمران 1: 186 محمد بن أبي محمد اليزيدي 5: 291، 8: 313 محمد بن أبي المعافى 2: 331 محمد بن أحمد الأصبهاني 5: 335 محمد بن أحمد الحرون 4: 68 محمد بن أحمد الحزور 5: 401، 8: 123 محمد بن أحمد بن عيسى الهاشمي 8: 331 محمد بن أحمد بن يحيى المكي 9: 47 محمد بن أزهر السمان 8: 245 محمد بن إسحاق بن خزيمة 1: 110، 2: 278، 9: 314 محمد بن إسماعيل البخاري 9: 314 محمد بن الأشعث 1: 414، 2: 35، 3: 25 محمد بن أمية الكاتب 4: 58، 8: 25 محمد بن بشير الأنصاري 9: 161 محمد بن بشير الخارجي 4: 203، 204، 227، 5: 164، 378، 8: 43، 9: 206، 327 محمد بن البعيث بن حلبس الربعي 4: 122 محمد بن ثوابة 4: 119 محمد بن جعفر بن الحجاج 9: 259، 260 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 293 محمد بن جعفر بن عبيد الله بن عباس 8: 172، 173 محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي 9: 208 محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد 9: 55 محمد بن جميل 2: 205 محمد بن الجنيد الجبلي 8: 393، 394 محمد بن الجهم 8: 182 محمد بن الحارث بن بسخنر 7: 250، 9: 226، 227 محمد بن حازم الباهلي- ابن حازم الباهلي محمد بن حامد 8: 167، 9: 204 محمد بن حبيب- أبو جعفر، محمد بن حبيب محمد بن الحجاج بن يوسف الثقفي 4: 263، 7: 59، 8: 96 محمد بن حريث 3: 187 محمد بن حسان الضبي 8: 165 محمد بن الحسن الفقيه 4: 255، 256، 8: 222، 371 محمد بن الحسن بن سهل 5: 45 محمد بن الحسن الكاتب 9: 47 محمد بن الحسين الأسدي الآمدي 1: 232، 4: 64، 80، 5: 328، 9: 426 محمد بن الحصين الأنباري 3: 73 محمد بن حماد 9: 20 محمد بن حميد الطائي 5: 133، 247 محمد بن الحنفية 1: 102، 2: 422، 476، 484، 3: 96، 280، 329، 417، 4: 309، 359، 365 محمد بن خازم 6: 15 محمد بن خالد الشيباني 3: 26، 27، 155، 4: 49 محمد بن خليفة السنبسي 4: 63 محمد بن داود الأصفهاني 6: 155 محمد بن داود بن الجراح 1: 453، 9: 301 محمد بن ذؤيب الفقيمي 7: 272، 8: 299، 300 محمد بن رياح القاضي 3: 255 محمد بن زياد الحارثي 4: 29 محمد بن زيد بن علي بن الحسين 2: 211، 212، 383 محمد بن السائب الكلبي 3: 12، 347 محمد بن سعد الكراني 2: 386، 9: 72 محمد بن سعيد 9: 416 محمد بن سلام 7: 271 محمد بن سلمة 9: 161 محمد بن سليمان الكاتب 9: 306، 307 محمد بن سليمان بن عبد الملك 8: 392 محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس 1: 460، 2: 41، 42، 159، 186، 3: 408، 6: 293، 7: 217، 243، 8: 25، 9: 225، 294، 295 محمد بن سماعة القاضي 9: 242 محمد بن صالح العلوي 9: 271 محمد بن صدقة 4: 64 محمد بن صفوان الضبي 3: 195 محمد بن الضحاك 9: 399 محمد بن عباد 2: 226، 317 محمد بن العباس 3: 288 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 294 محمد بن العباس الصولي 9: 172، 173 محمد بن العباس بن فسانجس، أبو الفرج 5: 278، 281، 9: 355 محمد بن عبد الرحمن العزمي 9: 343 محمد بن عبد الرحيم 6: 296 محمد بن عبد السلام 2: 352 محمد بن عبد العزيز 2: 241 محمد بن عبد كان- ابن عبد كان محمد بن عبد الله الأزدي 1: 374 محمد بن عبد الله الأصفهاني المنشىء 5: 155 محمد بن عبد الله النميري الثقفي 1: 430، 6: 148، 177، 179، 7: 344 محمد بن عبد الله بن الحسن 1: 435، 2: 36، 464، 475، 3: 27، 198، 316، 333، 414، 415، 8: 253، 9: 47، 148، 149، 247، 248، 249، 412 محمد بن عبد الله بن حكيم 9: 129 محمد بن عبد الله بن شداد 1: 156 محمد بن عبد الله بن طاهر 9: 223، 224 محمد بن عبد الله بن عبد الحكم 3: 200 محمد بن عبد الله بن عمرو (الديباج) 4: 32 محمد بن عبد الملك الحلبي 5: 380، 382 محمد بن عبد الملك الزيات 1: 382، 2: 106، 206، 3: 132، 155، 194، 4: 110، 282، 317، 326، 5: 50، 51، 52، 59، 201، 202، 216، 7: 182، 206، 228، 8: 36، 62، 63، 183، 9: 301، 302، 393، 426 محمد بن عبد الملك الفارقي، أبو عبد الله- أبو عبد الله، محمد بن عبد الملك الفارقي محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب- ابن أبي الشوارب محمد بن عبد الملك بن صالح الهاشمي 2: 466، 7: 309 محمد بن عبدوس 1: 466، 9: 303 محمد بن عبيد الأزدي 4: 364 محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان 1: 442 محمد بن عروة بن الزبير 4: 310 محمد بن العلاء السجزي 4: 157، 158 محمد بن علي الأصفهاني 2: 359، 6: 377 محمد بن علي الشطرنجي 8: 156، 157 محمد بن علي الصيني 3: 269 محمد بن علي بن أبي طالب- أبو هاشم- محمد بن الحنفية محمد بن علي بن الحسين 1: 110، 116، 273، 274، 394، 2: 178، 277، 3: 93، 218، 4: 195، 354، 6: 11، 7: 224 محمد بن علي بن عبد الله بن العباس 2: 61، 9: 102، 152 محمد بن علي بن موسى بن جعفر 1: 113، 275، 276، 377، 383، 2: 182، 4: 363 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 295 محمد بن عمر بن بكير 2: 282، 284 محمد بن عمران التيمي 6: 225، 7: 188 محمد بن عمرو بن حزم- أبو بكر، محمد بن عمرو بن حزم محمد بن عمرو بن علقمة 1: 206 محمد بن عمير بن عطار 8: 234، 235 محمد بن عيسى الجعفري 2: 374 محمد بن عيسى الحرفي 2: 381 محمد بن عيسى الكاتب 4: 244 محمد بن الفضل الجرجرائي 9: 274 محمد بن الفضل الخراساني 2: 134 محمد بن الفضل الهاشمي 4: 127 محمد بن الفضل بن يعقوب 7: 277 محمد بن فليح 9: 305 محمد بن القاسم الثقفي 4: 57 محمد بن القاسم النوشجاني 1: 427 محمد بن قطن الأسدي 7: 254 محمد بن كعب القرظي 1: 189، 3: 218، 8: 79، 107 محمد بن مروان (الخليفة الأموي) 2: 461، 9: 279 محمد بن المعتمد، أبو عبد الله 8: 69 محمد بن معروف (قاضي القضاة) 6: 362 محمد بن معمر 2: 315 محمد بن معن الغفاري 6: 153 محمد بن مغيث المغربي 4: 344 محمد بن ملكشاه السلجوقي 8: 69 محمد بن مناذر 7: 297، 8: 307 محمد بن منصور بن زياد 5: 12 محمد بن منظور الأسدي 3: 60 محمد بن المنكدر 1: 364، 2: 308، 8: 176، 332 محمد بن مهدي الكاتب 5: 20 محمد بن المهلب 2: 451 محمد بن نصر بن بسام (الشاعر) 2: 292، 365، 4: 189، 285، 5: 88، 106، 154 محمد بن هانىء المغربي 1: 216، 285، 2: 87، 88، 368، 445، 3: 309، 4: 69، 70، 279، 340، 5: 249، 253، 361، 375، 399، 8: 387، 9: 326، 327، 329 محمد بن هشام بن عبد الملك 2: 212، 213 محمد بن واسع 1: 164، 205، 2: 183، 315، 3: 222، 4: 195، 338، 7: 206 محمد بن وكيع بن أبي سود 2: 386، 493 محمد بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان 6: 279 محمد بن وهيب الحميري 4: 181، 5: 126، 127، 389، 6: 114، 7: 47، 320 محمد بن يحيى بن خالد 2: 55، 56، 279، 371، 5: 86 محمد بن يزداد 9: 303، 304 محمد بن يزيد- المبرّد محمد بن يزيد الحصني 2: 134، 135 محمد بن يزيد بن معاوية 7: 301، 9: 293 محمد بن يسير 2: 281، 386، 8: 402 محمد بن يوسف الأصفهاني 3: 215، 216 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 296 محمد بن يوسف الثقفي (أخو الحجاج) 1: 185، 3: 198، 253، 4: 263، 314، 8: 28 محمس بن ربيعة 7: 375 محمود بن الحسن الوراق 4: 113، 6: 29، 9: 268، 416 محمود بن ربيعة بن حزام 7: 374 محمود بن ملكشاه 9: 426 محمية بن الأدرع 2: 115، 144 محيصة بن مسعود 7: 381 مخارق (المغني) 2: 55، 5: 138، 446، 8: 170، 184، 185، 9: 13، 14، 15، 35، 67، 68، 69، 175، 330، 332 مخارق (المغنية) 9: 22 المخارق اليشكري 6: 19 مخارق بن عفار 8: 231 المخبل السعدي 1: 264، 2: 64، 441، 4: 61، 7: 282 المختار بن أبي عبيد الثقفي 2: 34، 35، 461، 6: 34، 7: 19، 77، 8: 248، 9: 217، 310 مخرمة بن نوفل الزبيري 9: 366 المخضع النبهاني 7: 90 مخلد (رجل) 3: 257 مخلد الموصلي 5: 156، 8: 333 مخلد بن زردي الكاتب 1: 462، 463 مخلد بن يزيد بن المهلب 3: 346، 4: 213 المخلوع- الأمين العباسي مدام (الخادم) 9: 354 المدائني، علي بن محمد 1: 230، 2: 154، 249، 342، 3: 84، 120، 259، 4: 131، 313، 6: 174، 221، 8: 18، 21، 54، 60، 231، 383، 9: 40، 330 مدلة بنت ذي منجشان مالك بن أدد 7: 371 المرار بن سعيد 2: 122 المراكبي- عبد الله بن إسماعيل مرة بن حنظلة 2: 254 مرة بن رافع الغطفاني 7: 212 مرة بن عبيد 9: 82 مرة بن محكان 5: 417 المرتد الخراساني 1: 425، 426 المرتضى، علي بن أبي أحمد الموسوي، أبو القاسم (أخو الشريف الرضي) 6: 79، 196، 9: 376 المرتضى، يحيى بن تميم بن المعز بن باديس 7: 253 مرثد بن أبي مرثد الغنوي 3: 35، 36 مرثد بن الحارث- الأسعر ابن أبي حمران الجعفي المرثدي بن عتبة التميمي 3: 434 مرجى بن نبيه 4: 80، 5: 176 مرداس بن أدية- أبو بلال، مرداس بن أدية المردوسي 4: 190 المرقش الأصغر 5: 325، 7: 282، 330 مروان بن أبان بن عثمان 3: 282، 283، 9: 432، 433 مروان (الأصغر) بن أبي الجنوب 7: 321، 9: 239، 296 مروان (الأكبر) بن أبي حفصة، أبو السمط 2: 153، 309، 310، 312، 327، 328، 4: 41، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 297 5: 114، 261، 9: 296 مروان بن الحكم 1: 150، 433، 2: 43، 44، 151، 314، 3: 40، 43، 217، 310، 332، 397، 4: 255، 5: 127، 128، 138، 183، 227، 6: 432، 7: 222، 8: 179، 222، 9: 149، 214، 260، 261، 279، 294، 351 مروان بن عبد الملك بن مروان 2: 54 مروان بن محمد (الخليفة الأموي) 1: 313، 381، 434، 2: 30، 33، 80، 81، 3: 10، 23، 4: 162، 283، 5: 23، 6: 289، 316، 7: 177، 178، 187، 8: 18، 19، 33، 34، 45، 9: 15، 209، 240، 277، 319 المرواني (صاحب الأندلس) 7: 182 المروزي، أبو الفضائل 6: 429 مريم (أم عيسى) 7: 187 مريم بنت الحريش 8: 231 مزاحم (مولى عمر بن عبد العزيز) 1: 153، 155 مزاحم بن الحارث العقيلي 4: 19، 6: 71، 99 مزبد 2: 369، 373، 374، 375، 376، 3: 82، 4: 342، 386، 5: 27، 86، 7: 238، 240، 250، 8: 109، 184، 262، 329، 9: 139، 411، 412، 421، 424، 437، 438، 439، 440 مزرد بن ضرار 2: 477، 5: 98، 243، 375، 6: 21، 9: 105، 205 مزيقياء، عمرو بن عامر بن ماء السماء 7: 371 مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن شمس 4: 376 مساور الوراق 3: 382 المساور بن هند 3: 107، 5: 116، 157، 163، 7: 103 المسترشد بالله 2: 361، 4: 90، 8: 27، 28، 71 المستظهر العباسي 2: 361، 6: 103 المستعين بالله 4: 327، 8: 51، 331، 9: 219 المستنجد بالله 8: 327 المستهل بن الكميت بن زيد 4: 81، 7: 100 المستورد الثقفي 3: 156، 9: 215 المستوغر بن ربيعة 6: 33 المسدود الطنبوري 2: 132، 133 مسرور الفرغاني الكبير 2: 336، 3: 20، 27، 28، 8: 25، 188، 9: 31، 324 مسروق بن الأجدع 3: 181، 6: 11، 8: 105، 171، 285، 9: 201 مسعر بن كدام 1: 287، 9: 285 مسعود (أخو ذي الرمة) 5: 394 مسعود بن عبد الله الأسدي 3: 37 مسعود بن عمرو العتكي 2: 100، 101، 3: 100 مسعود بن قتلمش (الملك) 4: 153 مسعود بن مازن العكلي 3: 84 مسعود بن المؤمل بن الهيتي 8: 106 مسكين الدارمي 3: 152، 442، 5: 396، 414، 426، 6: 416، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 298 7: 148، 183، 8: 47، 9: 200 مسلم بن عقبة المري 2: 276، 290، 291، 9: 245، 246، 248 مسلم بن عقيل بن أبي طالب 3: 25، 7: 65 مسلم بن الوليد الأنصاري 3: 160، 4: 45، 101، 215، 260، 283، 5: 49، 56، 98، 136، 213، 314، 383، 394، 397، 6: 22، 93، 134، 7: 300، 8: 49، 50، 51، 165، 402 مسلمة الجعفي 4: 258 مسلمة بن عبد الملك 1: 150، 151، 152، 155، 260، 2: 72، 73، 102، 103، 134، 190، 277، 423، 486، 3: 137، 4: 37، 130، 5: 116، 7: 182، 183، 199، 214، 215، 269، 8: 298، 9: 43، 258، 275، 276، 319، 451 مسلمة بن هشام بن عبد الملك 3: 122 مسلمة بن يزيد بن وهب 5: 76 المسور بن زيادة العذري 3: 192 المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري 2: 42، 3: 207، 4: 338، 7: 176، 9: 149 المسيب (غلام المنصور) 1: 440 المسيب بن شريك 3: 224 المسيب بن علس الضبعي 4: 17، 7: 390 المسيب بن نجبة 9: 201 المسيب بن واضح 1: 224 المسيح- عيسى بن مريم مسيلمة الكذاب 2: 481، 3: 86، 6: 424، 7: 349، 351، 352، 8: 304 مشمشة المخنث 8: 333 مصعب بن الحسين 2: 134 مصعب بن الزبير 1: 433، 2: 35، 44، 45، 51، 104، 136، 357، 385، 411، 421، 422، 461، 462، 463، 484، 485، 486، 3: 30، 100، 104، 291، 309، 310، 4: 35، 56، 5: 226، 232، 6: 272، 273، 274، 7: 264، 265، 8: 124، 251، 252، 260، 9: 217، 247 مصعب بن زريق 8: 301، 9: 319 مصعب بن عبد الله الزبيري 2: 400، 3: 244، 6: 224، 7: 290، 8: 30 مصعب بن عبد الله الزهري 8: 302 مصعب بن عمير 8: 102 مصعب بن قيس الخزاعي 1: 432 مصقلة بن هبيرة الشيباني 7: 377 المصيصي- النامي، أحمد بن محمد المصيصي مضر بن نزار بن معد بن عدنان 7: 367، 368 مضرس بن الحارث المري 6: 164 مضرس بن ربعي الأسدي 1: 368، 5: 64، 65، 9: 200 مطر الوراق 3: 196 المطرز (مغن) 3: 281 مطرف بن عبد الله بن الشخير 1: 185، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 299 226، 229، 4: 259 المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي 4: 181 المطلب بن عبد مناف 7: 16 المطهر بن عبد الله 6: 363، 8: 67 مطير بن سعيد 2: 143 المطيع لله 6: 334، 338 مطيع بن إياس 2: 346، 347، 3: 57، 261، 4: 129، 343، 7: 252، 8: 133، 185، 330، 350، 9: 415 مظلومة (جارية المراكبي) 6: 115 مظهر بن موسى 9: 370 معاذ القاري 2: 241 معاذ بن جبل 1: 42، 43، 130، 142، 2: 228، 3: 8، 8: 28 معاذ بن كليب الخويلدي 5: 230 معاذ بن مسلم 6: 45 معاذة (زوج صلة) 1: 212 معارك بن مرة العبدي 7: 46 معاوية بن أبي سفيان 1: 69، 70، 141، 150، 217، 249، 258، 298، 299، 311، 315، 353، 362، 366، 370، 372، 373، 394، 409، 413، 414، 415، 416، 430، 433، 441، 449، 459، 461، 2: 20، 21، 25، 26، 27، 28، 29، 35، 42، 43، 44، 54، 60، 67، 77، 98، 107، 108، 109، 124، 126، 127، 138، 139، 140، 144، 145، 151، 180، 199، 235، 262، 269، 287، 288، 290، 291، 307، 331، 356، 377، 389، 403، 425، 451، 453، 454، 465، 468، 483، 3: 29، 30، 44، 50، 97، 109، 121، 122، 142، 149، 150، 156، 164، 189، 190، 207، 208، 216، 244، 275، 278، 288، 306، 312، 396، 408، 410، 411، 417، 431، 4: 18، 28، 42، 125، 214، 220، 230، 249، 276، 277، 301، 302، 323، 5: 53، 64، 82، 185، 186، 187، 188، 189، 191، 192، 200، 225، 226، 227، 245، 365، 6: 32، 34، 35، 180، 181، 182، 183، 184، 245، 247، 248، 264، 272، 316، 432، 7: 32، 77، 89، 96، 97، 116، 160، 163، 166، 167، 169، 170، 172، 173، 176، 177، 181، 184، 185، 191، 196، 197، 198، 207، 217، 222، 269، 377، 416، 8: 14، 18، 47، 48، 49، 66، 181، 191، 199، 201، 218، 220، 221، 227، 228، 229، 230، 231، 232، 235، 236، 241، 298، 311، 312، 318، 383، 9: 15، 87، 93، 94، 97، 118، 171، 181، 183، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 300 184، 188، 214، 215، 216، 243، 260، 261، 269، 288، 294، 309، 315، 347، 348، 351، 373، 404، 419 معاوية بن حديج السكوني 8: 218 معاوية بن سويد 3: 106 معاوية بن عبد الله بن جعفر 5: 45 معاوية بن عمرو بن الشريد (أخو الخنساء) 4: 208، 238، 271، 272، 5: 95، 7: 387 معاوية بن فروة المنقري 2: 163 معاوية بن مالك (معود الحكماء) 7: 16 معاوية بن مروان 3: 272، 273 معاوية بن يزيد بن المهلب 2: 275 معاوية بن يسار، أبو عبد الله 8: 167، 9: 150، 151 معبد (المغني) 5: 299، 6: 212، 214، 9: 18، 36، 43، 47، 63، 64، 74 معبد الجهني 8: 240 معبد بن زرارة 3: 107، 429 معبد بن سعيد الضبي 8: 354 معبد بن العبد (أخو طرفة) 7: 393 معبد بن علقمة 1: 313، 2: 432 معبد بن نضلة الفقعسي 3: 214 المعتز (الخليفة العباسي) 1: 449، 450، 3: 161، 162، 181، 8: 331، 404، 9: 414 المعتصم بالله العباسي 1: 368، 436، 437، 2: 48، 52، 193، 200، 242، 423، 489، 494، 4: 117، 127، 141، 143، 247، 326، 5: 140، 141، 215، 6: 331، 7: 181، 218، 242، 250، 8: 169، 184، 319، 9: 15، 36، 88، 203، 219، 237، 238، 274، 286، 416 المعتضد (العباسي) 1: 260، 442، 444، 452، 453، 455، 2: 52، 201، 3: 180، 181، 182، 183، 250، 6: 164، 336، 9: 300 المعتمد على الله (الخليفة العباسي) 1: 452، 8: 54، 9: 46 المعتمر بن سليمان التيمي 3: 340، 7: 269، 8: 403، 9: 101 معد بن الحسين بن خيارة 2: 73، 141 معدان، أبو عنبسة الفيل النحوي 8: 297 معدان بن جواس الكندي 3: 72 معدي كرب 6: 38 المعذل بن غيلان 5: 442 المعرور بن سويد 2: 239 معروف الكرخي 1: 194، 230 معز الدولة البويهي 1: 456، 5: 353، 375، 387، 9: 184، 185 معضد بن عمرو بن عبد القيس 7: 392 معقر بن الحارث بن أوس بن حمار البارقي 5: 365، 372، 381، 8: 126 معقل بن أبي كرز الخزاعي 8: 21 معقل بن علي 4: 320 معقل بن قيس الرياحي 1: 350، 8: 21 المعلى (الخادم) 7: 252 المعلى بن أيوب 2: 106، 107 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 301 المعلى بن تيم الطائي 5: 389، 7: 118 المعلى بن الجارود 3: 96 المعلى بن طريف 3: 280 المعلوط الربعي 2: 24 معمر بن راشد البصري 2: 92 معمر بن محمد 3: 200 معن بن أوس المزني 2: 162، 340، 5: 34، 36، 425، 9: 314 معن بن زائدة 2: 66، 154، 273، 276، 310، 311، 312، 313، 488، 3: 311، 4: 244، 5: 164، 7: 208، 231، 237، 8: 179، 223، 231، 9: 263 المعيدي، ضمرة بن ضمرة بن جابر 6: 406، 407 معيقيب 1: 143 المغيرة بن أبي صفرة 5: 43 المغيرة بن حبناء 2: 187، 4: 375، 5: 34، 144 المغيرة بن سعيد 3: 60 المغيرة بن شعبة 1: 124، 2: 314، 337، 3: 312، 5: 443، 6: 286، 7: 194، 8: 200، 218، 223، 227، 228، 253، 254، 9: 208، 210، 211، 212، 213، 214، 432، 445 المغيرة بن عبد الرحمن 2: 102، 103، 390 المغيرة بن المهلب 2: 412، 451، 487، 4: 208، 6: 227 المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب 9: 260، 261، 262 المفداة بنت سوادة بن بلال بن سعد بن بهشة 7: 365 المفضل الضبي 2: 458، 464، 465، 3: 55، 56، 57، 5: 65، 401، 7: 12، 45، 50، 51، 66، 69، 75، 84، 102، 103، 108، 125، 129، 132، 135، 188، 274، 8: 356، 9: 415 المفضل بن المهلب 2: 59 المفيد الجرجرائي 1: 383 مقاتل بن مسمع 3: 107 المقتدر بالله العباسي 3: 273، 363، 8: 68، 240 المقتدي بالله 8: 68 مقداد بن المطاميري 6: 198 المقعد بن شيبان بن علقمة بن زرارة 3: 429 المقنع الكندي 2: 24، 300، 324 المقوقس 7: 170، 9: 363 المكاء 3: 448 المكتفي 9: 307 مكحول (رجل) 9: 336 مكحول الشامي، أبو عبد الله (فقيه أهل الشام) 1: 205، 5: 241، 8: 128 المكسر بن حنظلة العجلي 3: 202، 203 مكنف بن معاوية التميمي 3: 127 ملاحظ (المغني) 9: 22، 23 ملك (جارية زينب بنت أبي جعفر المنصور) 8: 311 ملك دار 8: 27 ملكان ونداد خرشيد 6: 331، 333 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 302 مليك، أبو علية 9: 437 منارة (صاحب الخلفاء) 8: 55، 56، 57، 59، 106 منازل بن فرعان بن الأعرف السعدي 9: 290 منبه بن الحجاج السهمي 2: 473، 8: 215 منة (أومية) 1: 461 المنتجع بن نبهان 9: 93 المنتشر بن وهب الباهلي 4: 198، 7: 336 المنتصر (الخليفة العباسي) 2: 121، 195، 283، 3: 26، 134، 222، 7: 176، 8: 51، 9: 53، 270، 271 منجاب بن راشد 9: 177 المنخل اليشكري 7: 327، 8: 349 المنذر بن أبي سبرة 2: 286 المنذر بن الجارود العبدي 3: 101، 8: 306 المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني 6: 315، 8: 214 المنذر بن الحباب بن الجموح الأنصاري 7: 34 المنذر بن الزبير 3: 309 المنذر بن عمرو الساعدي 7: 397 المنذر بن ماء السماء 2: 63، 471، 3: 337، 5: 309، 7: 46، 53، 125، 127، 382، 383، 391، 8: 16، 17، 131 المنذر بن محرق 6: 41 المنذر بن النعمان بن المنذر 9: 178 منشم (امرأة عطارة) 7: 24 منصور الجمال 8: 54 منصور الحراني 3: 142 المنصور العباسي (أبو جعفر) 1: 107، 113، 114، 211، 217، 225، 298، 310، 408، 417، 418، 419، 420، 421، 422، 423، 424، 425، 435، 440، 451، 453، 460، 461، 2: 31، 45، 46، 47، 88، 130، 138، 159، 205، 212، 273، 310، 323، 324، 346، 379، 465، 473، 476، 488، 489، 497، 3: 15، 23، 24، 26، 43، 51، 57، 62، 106، 124، 178، 182، 186، 196، 210، 212، 213، 217، 221، 261، 289، 290، 308، 311، 391، 414، 415، 4: 22، 34، 81، 105، 106، 119، 123، 124، 125، 126، 131، 159، 216، 255، 256، 371، 5: 214، 6: 42، 287، 306، 307، 7: 100، 161، 177، 181، 182، 184، 186، 188، 201، 202، 208، 218، 220، 221، 222، 269، 277، 319، 320، 8: 34، 53، 68، 95، 172، 185، 198، 236، 238، 239، 245، 249، 250، 252، 253، 257، 310، 334، 9: 17، 87، 148، 149، 150، 187، 225، 233، 234، 240، 247، 248، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 303 249، 250، 256، 257، 258، 262، 266، 277، 281، 282، 283، 284، 285، 319، 320، 321، 324، 342، 343، 349، 369، 389، 392، 394 منصور النمري 2: 78، 179، 242، 4: 57، 205، 209، 6: 15، 7: 276، 277 منصور بن حيان، أبو إسحاق 4: 14 منصور بن زياد 2: 191، 278، 4: 205 منصور بن سعد 8: 33 منصور بن عمار 1: 195 منصور بن كيغلغ 5: 316 منصور بن المعتمر 1: 166، 3: 193 منظور بن زبان الفزاري 8: 300 منقذ الهلالي 7: 46 المنكدر بن عبد الله بن الهدير القرشي، أبو عبد الله 2: 307، 8: 176 منويل (أسقف فارس) 9: 292 منيع بن كوثل السّلمي 4: 286 المهاجر بن زياد 7: 22 المهاجر بن عبد الله 5: 118 المهتدي (العباسي) 1: 421، 422، 423، 2: 82، 83، 195، 9: 251، 375 مهدد بنت حمران بن بشر بن عمرو بن مرثد 3: 429 المهدي (الخليفة العباسي) 1: 212، 310، 349، 355، 423، 424، 435، 2: 41، 42، 118، 154، 155، 277، 327، 328، 473، 477، 488، 489، 3: 15، 55، 56، 57، 58، 59، 101، 182، 184، 214، 216، 218، 253، 254، 272، 280، 308، 4: 34، 129، 163، 164، 5: 172، 290، 291، 7: 184، 186، 188، 215، 216، 243، 8: 45، 132، 145، 164، 167، 185، 186، 249، 250، 9: 32، 46، 150، 151، 188، 262، 263، 264، 270، 324، 349، 378، 389 مهدي بن أبان 3: 336 مهدي بن الملوح 6: 251 المهلب بن أبي صفرة 1: 269، 441، 447، 448، 2: 18، 160، 161، 232، 293، 350، 411، 412، 413، 417، 427، 451، 452، 487، 488، 491، 3: 52، 103، 151، 189، 254، 304، 4: 137، 5: 113، 6: 305، 8: 145، 154، 160، 243، 244 المهلبي، أبو محمد (الوزير) 2: 162، 363، 364، 437، 3: 34، 4: 122، 5: 70، 71، 171، 317، 8: 59، 60، 135، 139، 9: 104، 325، 354، 355، 356، 376، 395 مهلهل الطائي 2: 216 مهلهل بن ربيعة التغلبي 5: 367، 7: 15، 345، 371، 8: 304 مهيار الديلمي 5: 73، 7: 47 مورق العجلي 1: 205 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 304 الموريا ن ي، أبو أيوب سليمان- أبو أيوب المورياني موسى (النبي) 1: 60، 160، 203، 204، 274، 3: 68، 326، 414، 4: 16، 299، 352، 5: 182، 265، 355، 420، 6: 272، 319، 397، 398، 7: 180، 192، 217، 241، 8: 141، 304، 333، 9: 26، 109، 144، 167، 235، 395 موسى الأحدب 8: 51 موسى شهوات 2: 294، 295، 9: 130 موسى بن إسحاق الأزرق 2: 338 موسى بن بغا 2: 236 موسى بن جابر الحنفي 2: 430، 432 موسى بن جعفر 1: 112، 275، 4: 84، 7: 173، 180، 8: 45، 9: 289 موسى بن داود بن علي 2: 30، 31 موسى بن عبد الله بن الحسن 7: 230 موسى بن عبد الملك 7: 192، 9: 395 موسى بن عقبة 7: 173 موسى بن عيسى بن موسى 5: 58، 59، 9: 294، 456 موسى بن قيس المازني 7: 257 موسى بن مصعب 7: 234 موسى بن مفلح 9: 305 موسى بن يحيى بن خالد 2: 279 الموفق 9: 395، 396 المؤمل (الشاعر) 5: 443، 7: 116 المؤمل بن جميل بن يحيى بن أبي حفصة 3: 281 مؤيد الدولة البويهي 6: 352، 7: 193، 8: 168، 9: 264 مويس بن عمران 6: 381، 9: 322 ميار 5: 87، 88 مية (صاحبة ذي الرمة) 5: 175، 176، 292، 6: 56، 75، 91، 100، 116، 119، 163، 185، 215، 216، 412، 7: 43، 290 ميسرة (جار شريح القاضي) 9: 203 ميسون بنت بحدل الكلبية 1: 372، 373، 7: 416 ميكائيل (الملك) 2: 333، 372، 376، 9: 157 ميلاء (ابنة عم المخبّل) 6: 154، 155 ميمون (عبد) 8: 247 ميمون الخوّاص 3: 8 ميمون بن إبراهيم 2: 305 ميمون بن قيس- الأعشى ميمون بن مهران 1: 370، 3: 276، 316، 8: 198 ميمون بن ه ارون 6: 229، 9: 172، 323 ميمونة بنت الحارث الهلالية (زوج النبي) 6: 145، 9: 245 ن النابغة الجعدي 1: 269، 3: 245، 408، 409، 4: 304، 5: 195، 6: 14، 40، 41، 42، 7: 211، 340، 341، 372 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 305 النابغة الذبياني 2: 297، 298، 3: 130، 402، 4: 30، 31، 41، 106، 107، 108، 202، 237، 303، 5: 271، 288، 295، 303، 312، 332، 426، 441، 6: 40، 41، 179، 7: 18، 32، 46، 59، 107، 144، 264، 279، 283، 285، 308، 335، 372، 8: 133، 300، 356، 9: 63، 182 النابغة الشيباني 1: 231 النابغة بنت حرملة 2: 129 النابي بن زياد بن ظبيان 2: 44، 45 الناجم، أبو عثمان 4: 282، 5: 107، 164، 165، 324، 6: 103، 175، 9: 18، 105 ناجية بنت جرم بن زبان 7: 376، 377 الناشىء الأوسط 6: 92 ناصح الكلبي 6: 306 الناطفي 8: 272، 273 نافع (مولى ابن عمر) 9: 16، 115، 424 نافع (مولى ابن المهاجر) 2: 453، 454 نافع بن أبي نعيم 1: 83 نافع بن الأزرق 7: 30 نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي 7: 397 نافع بن جبير بن مطعم 1: 110، 3: 109 نافع بن الحارث بن كلدة 8: 49، 9: 210، 211 نافع بن عبد الرحمن المدني 6: 389 نافع بن لقيط الفقعسي الأسدي 2: 220، 6: 13 النامي، أحمد بن محمد المصيصي، أبو العباس 2: 437، 4: 55، 5: 164، 381، 435، 6: 102، 8: 388 نائلة بنت عمار الكلبي 8: 18 نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص الكلبي 3: 29 نبت بن زيد بن يشج، الأشعر 7: 370 نبيه بن الحجاج السهمي 3: 204، 8: 215، 216 نثيلة بنت جناب بن كلب (أم العباس بن عبد المطلب) 6: 28 نجاح (خادم المسترشد) 8: 70 نجاح بن سلمة- أبو الفرج، نجاح بن سلمة النجاشي الحارثي 1: 313، 3: 95، 4: 207، 5: 225، 245، 7: 77، 8: 215، 216 نجدة 4: 253 النخار العذرى 2: 60 النخع بن مالك بن أدد 7: 371 النخعي- إبراهيم بن يزيد النخعي نزار بن معد بن عدنان 7: 367، 368 النسابة البكري 7: 320 نسطاس (مولى صفوان بن أمية) 3: 37 النسير العجلي 8: 119 نصر بن أحمد 5: 27 نصر بن حجاج 7: 178 نصر بن الدريج 8: 106 نصر بن دهمان 6: 43 نصر بن سيار الليثي 1: 314، 432، 2: 316، 317، 3: 445، 4: 99، 228، 7: 231، 236، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 306 254، 8: 33، 67، 372 نصر بن علي الجهضمي 3: 187، 7: 15، 9: 115، 116 نصر بن منصور بن بسام 8: 33 نصر الدولة، أحمد بن مروان 2: 90 نصيب بن رباح (الشاعر) 2: 270، 3: 249، 446، 4: 24، 86، 344، 6: 109، 136، 7: 31، 106، 288، 289، 290، 291، 292، 293، 294، 8: 343 نصير الوصيف 9: 323 نضلة السلمي 2: 403 النضيرة بنت الضيزن 3: 32، 33 النظار الفقعسي 6: 65 النظام (المتكلم) 3: 163، 271، 5: 363، 6: 66، 229، 7: 263 نعم (صاحبة عمر بن أبي ربيعة) 6: 230 النعمان بن امرىء القيس 7: 108 النعمان بن بشير 7: 222، 8: 18، 179، 180 النعمان بن الحارث الأصغر 4: 41 النعمان بن زرعة التغلبي 3: 16، 17، 18 النعمان بن الشقيقة اللخمي 3: 33، 430 النعمان بن المنذر 2: 63، 64، 297، 298، 363، 3: 15، 81، 337، 4: 106، 107، 198، 5: 303، 6: 41، 179، 180، 7: 12، 13، 26، 45، 53، 125، 132، 332، 333، 404، 406، 408، 409، 412، 8: 11، 17، 133، 214، 347، 361، 362، 9: 178 نعمة بن عتاب التغلبي 5: 163 نعيم بن أبي هند 8: 61 نعيمان (من الصحابة) 9: 365، 366، 367 نفطويه، إبراهيم بن محمد عرفة، أبو عبد الله 6: 155 نفيع بن صفار الكوفي 5: 215 النقيب أبو الغنائم ابن المختار العلوي 8: 69 النمر بن تولب 1: 382، 2: 305، 3: 41، 255، 4: 76، 77، 5: 363، 6: 9، 25 النمر بن قاسط 7: 24، 366 النمروذ بن كنعان 9: 129 النمري- منصور النمري نمير بن قحيف الهلالي 9: 271، 272 نهار بن توسعة 2: 66، 4: 38، 5: 123 النهاس بن قهم، أبو الخطاب 8: 403 النهرتيري 3: 279 نهشل (أبو الفوارس) 7: 287 نهشل (من دارم) 6: 159 نهشل بن حري 2: 154، 473، 4: 246، 5: 64، 7: 86، 107 النهشلي- الأسود بن يعفر نهيك بن أساف 2: 356 نهيك بن مالك القشيري 2: 315 النوار (زوج حاتم) 2: 289 النوار بنت أعين المجاشعية (زوج الفرزدق) 4: 274، 7: 253، 9: 192، 193، 194، 195 النوار بنت حمل بن عدي بن عبد مناة 9: 192 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 307 ن و ح (النبي) 2: 156، 3: 278، 389، 4: 137، 5: 182، 6: 44، 141، 319، 398، 7: 339 نوح بن أبي مريم 3: 317 نوح بن قدامة العدوي 1: 233 نوح بن منصور 2: 50 نوف البكالي 6: 242، 9: 311 نوفل بن مساحق 4: 111 نومة الضحى (المغني) 9: 27 نويرة بن شقيق 2: 321، 322 هـ هاجر 3: 449 الهادي (الخليفة العباسي) 1: 435، 436، 2: 473، 3: 258، 9: 32، 33 هارون (أخو موسى النبي) 4: 352، 7: 180 هارون (مولى الأزد) 8: 254 هارون الرشيد 1: 23، 188، 189، 190، 218، 255، 315، 353، 354، 423، 428، 434، 436، 449، 452، 2: 47، 49، 51، 78، 79، 94، 117، 142، 143، 144، 191، 196، 197، 222، 223، 242، 249، 250، 277، 278، 328، 336، 424، 472، 474، 3: 20، 21، 27، 28، 31، 32، 58، 59، 76، 106، 133، 177، 250، 260، 348، 450، 4: 34، 53، 57، 128، 140، 141، 186، 206، 219، 300، 316، 317، 338، 5: 86، 136، 137، 138، 194، 6: 127، 209، 214، 215، 225، 226، 321، 7: 173، 178، 180، 181، 182، 184، 191، 203، 207، 209، 210، 216، 220، 221، 229، 231، 239، 272، 277، 297، 320، 8: 25، 51، 55، 56، 58، 59، 126، 143، 144، 188، 189، 222، 223، 225، 226، 239، 246، 249، 253، 272، 273، 285، 319، 331، 393، 394، 395، 9: 13، 14، 28، 29، 31، 32، 34، 35، 43، 49، 53، 55، 56، 69، 70، 71، 75، 94، 99، 105، 129، 150، 172، 188، 230، 255، 266، 267، 289، 291، 292، 311، 312، 322، 413، 446، 456 هارون بن أبي زياد 3: 20 هارون بن أحمد بن هشام 9: 67 هارون بن جعونه 9: 173 هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات 3: 194، 9: 395، 396 هارون بن مخارق 9: 68 هارون بن المعتصم- الواثق (الخليفة) هاشم بن عبد الله الخزاعي 9: 230 هاشم بن عبد مناف 2: 131، 152، 244، 3: 415، 416، 6: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 308 253، 7: 16، 164، 369، 9: 317 هاشم بن عتبة 2: 456، 483 هامان (وزير فرعون) 3: 414، 7: 256 الهامرز 3: 16، 17 هانىء بن عروة المرادي 7: 65 هانىء بن قبيصة 1: 183 هانىء بن مسعود الشيباني 3: 15، 16، 17، 5: 189 هبة الله بن إبراهيم بن المهدي 9: 52، 219 هبنقة القيسي، يزيد بن ثروان 3: 264 الهجيم بن عمرو بن تميم 7: 17 هدبة بن الخشرم 2: 221، 409، 440، 3: 40، 127، 4: 304، 5: 196 الهذلول بن كعب 2: 432 الهذيل بن مشجعة البولاني 4: 366 الهذيل بن هبيرة الثعلبي 7: 116 هرثمة بن أعين 9: 266، 267 هرقل 9: 164، 165 هرم بن حيان 1: 138، 142، 143، 3: 81، 331 هرم بن سنان المري 2: 289، 3: 56، 4: 10، 11، 31، 5: 109، 7: 401، 402، 403 هرم بن قطبة الفزاري 3: 248، 7: 57 هرمز بن أنو شروان 2: 27، 28، 368 الهرمزان 3: 188، 8: 11، 30 هرمس 4: 58 هشام (أخو ذي الرمة) 4: 245 هشام النحوي 5: 175 هشام بن إبراهيم البصري 3: 131 هشام بن الحكم 7: 187 هشام بن العاص 2: 129 هشام بن عبد الملك 1: 107، 158، 159، 218، 226، 262، 409، 2: 22، 23، 28، 76، 158، 202، 208، 212، 323، 330، 331، 367، 387، 389، 423، 473، 3: 23، 60، 103، 104، 110، 122، 123، 193، 200، 218، 289، 373، 374، 4: 31، 32، 37، 38، 59، 129، 164، 283، 365، 5: 20، 25، 37، 253، 6: 221، 286، 7: 187، 190، 191، 194، 197، 201، 202، 206، 240، 269، 8: 33، 45، 46، 161، 255، 256، 267، 268، 307، 333، 9: 12، 13، 15، 91، 225، 277، 278، 307، 318، 400، 443 هشام بن عتبة 2: 456 هشام بن عروة 1: 424، 3: 62 هشام بن عمرو التغلبي 8: 304 هشام بن الغاز 4: 320 هشام بن محمد بن السائب الكلبي 3: 25، 60، 6: 39، 41، 7: 58، 75، 125، 375، 8: 18، 217، 9: 151، 232، 241 هشام بن المغيرة 2: 129، 9: 159 هشيم بن بشير 1: 163 هشيمة الخمارة 9: 230 هلال بن الأسعر المازني 9: 34، 101 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 309 هلال بن بدر بن حسن و ي ه 6: 368 هلال بن مرزوق 5: 117 هلال بن معاوية الثعلي 2: 156 هلال بن نضلة الربعي 4: 323 هلال بن يساف 2: 240 همام بن غالب- الفرزدق همام بن مرة الشيباني 7: 58 همام بن مطر 1: 163 همدان (أوسلة) بن مالك بن أدد 7: 370، 371 هميان بن قحافة 5: 296 الهنادي (الشاعر) 3: 111 هند (زوجة حجر بن عمرو) 7: 384، 385، 386 هند بن أبي هالة 1: 57، 3: 433 هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله الحارثي 4: 227 هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري 3: 339، 4: 75، 263، 8: 234، 9: 367 هند بنت بهرام 8: 96 هند بنت تيم الأدرم بن غالب 7: 375 هند بنت الجون 9: 159 هند بنت الحارث الملك بن عمرو المقصور 7: 390 هند بنت سامة بن لؤي 7: 375 هند بنت سهيل بن عمرو 9: 269 هند بنت عتبة بن ربيعة (أم معاوية) 1: 385، 2: 36، 37، 480، 3: 279، 396، 4: 213، 271، 272، 5: 188، 6: 181، 7: 215، 8: 13، 14، 312، 9: 149، 215 هند بنت معاوية 9: 269 هند بنت المهلب 3: 124، 4: 263، 7: 199 هنيدة بنت صعصعة (ذات الخمار) 3: 433 هوذة بن علي الحنفي 3: 249، 9: 107 الهون بن خزيمة 7: 58 هيت المخنث 5: 307 الهيثم بن أبي الأسود 3: 445 هيثم بن خالد الطويل 8: 106، 404 الهيثم بن زياد 3: 159 الهيثم بن عدي 3: 72، 5: 99، 7: 403 الهيثم بن القاسم الخثعمي 3: 270 الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم 7: 50 والواثق (الخليفة العباسي) 1: 440، 441، 2: 105، 106، 132، 133، 3: 20، 4: 88، 6: 203، 228، 7: 228، 8: 62، 63، 156، 170، 395، 9: 22، 23، 24، 102، 209، 219، 226، 227، 228، 252، 253، 254، 255، 286، 287، 301 وادع بن مسعود 6: 308 واصل بن عطاء الغزال 1: 206، 2: 97، 3: 217، 8: 221، 283، 299 الواقدي، محمد بن عمر 2: 277، 278، 345، 3: 101، 102، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 310 9: 213، 459 والبة بن الحباب 8: 397 وائل بن حجر 3: 97 وائل بن شريك اليربوعي 4: 268، 269، 270 الوائلي (الشاعر) 7: 285 وبر بن معاوية الأسدي 9: 335 وحشي (مولى جبير) 2: 480 وداك بن ثميل المازني 2: 403 وردان (مولى عمرو بن العاص) 9: 315 وردان بن أشعب 8: 271 ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي 7: 227 ورقة بن نوفل 1: 267 الوزير ذو السعادات ابن أبي الفرج بن فسانجس 8: 135 وصيف (حاجب المهدي) 1: 449، 2: 53، 9: 270 وصيف بن صوارتكين 9: 219 وضاح اليمن 9: 232، 233 الوضاح بن خيثمة 8: 52 وعلة الجرمي 2: 459 وفاء بن زهير المازني 3: 14 وكيع (أبو مطرف) 8: 260 وكيع القاضي 3: 183 وكيع بن أبي سود التميمي 2: 484، 492، 493، 4: 217، 7: 287، 9: 385 وكيع بن الجراح 1: 213، 2: 95، 151، 3: 78 وكيع بن حسان بن سود 3: 373 وكيع بن الدورقية 2: 410 ولادة العبدية 3: 336 الوليد بن أحمد بن أبي دواد 2: 150 الوليد بن سريع 5: 338، 9: 325 الوليد بن طريف الشيباني 2: 488، 4: 208، 5: 368 الوليد بن عبد الملك بن مروان 1: 150، 299، 311، 420، 2: 40، 103، 303، 356، 3: 22، 157، 251، 253، 397، 424، 4: 29، 157، 304، 310، 5: 36، 37، 196، 7: 185، 201، 202، 246، 8: 44، 305، 344، 9: 15، 232، 233، 293، 417، 444، 452 الوليد بن عتبة بن أبي سفيان 2: 199، 3: 206، 207 الوليد بن عتبة بن ربيعة 2: 425، 4: 271، 272 الوليد بن عثمان بن عفان 2: 296 الوليد بن عدي بن حجر الكندي 7: 298 الوليد بن عقبة بن أبي معيط 2: 270، 314، 3: 121، 5: 200، 7: 58، 166، 211، 233، 8: 137، 283، 9: 189 الوليد بن القعقاع 9: 443 الوليد بن مروان 7: 198 الوليد بن مسعدة الفزاري 7: 207 الوليد بن يزيد بن عبد الملك 1: 431، 432، 460، 2: 309، 310، 3: 51، 198، 199، 254، 293، 4: 108، 109، 162، 280، 5: 37، 38، 7: 187، 188، 206، 234، 235، 236، 8: 45، 46، 307، 375، 392، 394، 9: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 311 63، 64، 66، 234، 240، 450 وهب بن جر ي ر 2: 283 وهب بن سليمان بن وهب (صاحب بريد الحضرة) 9: 375، 396 وهب بن منبه 3: 265، 4: 60، 6: 44، 8: 79 وهيب بن الورد 1: 190، 191 ي ياسر بن سلمان 9: 394 يافث بن نوح 5: 19 يحيى بن أبي حفصة 5: 114، 135 يحيى بن أكثم 2: 195، 354، 3: 179، 180، 4: 58، 59، 6: 228، 7: 211، 227، 254، 256، 8: 171، 172، 226، 294، 313، 9: 374، 375، 416 يحيى بن جابر 9: 334، 335 يحيى بن جبريل البجلي 8: 362، 363 يحيى بن جعفر بن تمام بن العباس 2: 31 يحيى بن الحكم 3: 262 يحيى بن حيان النخعي 9: 418 يحيى بن خاقان 8: 203، 9: 302، 303 يحيى بن خالد البرمكي 1: 233، 255، 428، 452، 2: 49، 79، 118، 133، 184، 190، 191، 192، 229، 242، 263، 268، 277، 278، 279، 351، 376، 3: 22، 28، 52، 100، 105، 120، 177، 4: 132، 186، 206، 5: 15، 16، 6: 16، 314، 380، 7: 203، 214، 8: 161، 165، 201، 9: 55، 120، 289، 290، 292، 312، 321، 322، 323، 324 يحيى بن الربيع 2: 133، 7: 171 يحيى بن زكريا (النبي) 2: 34، 4: 316، 7: 171، 180 يحيى بن زياد الحارثي 2: 188، 220، 4: 216، 369، 5: 87، 7: 119، 138، 276 يحيى بن زيد بن علي 2: 133، 8: 296، 9: 240 يحيى بن سعيد بن العاص 7: 176، 8: 32 يحيى بن سليم 9: 256 يحيى بن طالب الحنفي 1: 247، 6: 71 يحيى بن عبد الله بن الحسن 3: 28، 58، 76، 7: 229 يحيى بن عروة بن الزبير 2: 76، 77 يحيى بن علي 9: 20 يحيى بن عمر العلوي 9: 223، 224 يحيى بن فارس 9: 67 يحيى بن محمد بن علي 2: 31 يحيى بن مرزوق المكي 9: 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52 يحيى بن معاذ الرازي 1: 227، 228، 245، 2: 261، 6: 45، 9: 92 يحيى بن نوفل 5: 123 يذكر بن عنزة 7: 76، 361، 362 يرفأ (مولى عمر) 8: 219، 9: 15 يزدانفاذار 9: 443 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 312 يزدجرد بن سابور 3: 33، 397 يزدجرد بن شهريار بن كسرى 9: 191 يزدن الكاتب 8: 36 يزيد (مولى نصر) 1: 432 يزيد بن أبان الرقاشي 1: 213 يزيد بن أبي رافع 8: 81 يزيد بن أبي سفيان 4: 213، 5: 82، 9: 206 يزيد بن أبي مسلم، أبو العلاء 3: 119، 7: 162، 8: 52، 61، 9: 317، 318 يزيد بن أسد 3: 59، 4: 315 يزيد بن أسيد 1: 419، 7: 188 يزيد بن الأصم 8: 343 يزيد بن جعشم 4: 214 يزيد بن حاتم 2: 352، 414 يزيد بن الحكم الثقفي 2: 125، 3: 126، 5: 310، 7: 148 يزيد بن خالد بن عبد الله القسري 3: 103، 104 يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري- ابن مفرغ الحميري يزيد بن شجرة الرهاوي 2: 290، 291 يزيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة 3: 427 يزيد بن الصعق الكلابي 7: 76 يزيد بن الصقيل العقيلي 1: 223 يزيد بن ضبة 7: 79 يزيد بن الطثرية 5: 325، 6: 137، 176، 177 يزيد بن عبد الله بن زمعة 9: 246 يزيد بن عبد الملك بن مروان 1: 162، 163، 2: 54، 3: 107، 249، 252، 5: 26، 9: 15، 43، 67، 225 يزيد بن عروة 7: 224 يزيد بن عمر بن هبيرة 1: 211، 2: 30، 54، 273، 410، 497، 3: 415، 7: 201، 9: 280، 281، 283 يزيد بن محمد المهلبي، أبو خالد 7: 42، 124، 247 يزيد بن مزيد الشيباني 1: 428، 2: 142، 488، 3: 160، 446، 4: 215، 5: 368، 6: 45، 46، 7: 191، 250، 8: 299 يزيد بن مسهر الشيباني 5: 40، 41، 8: 50، 51 يزيد بن معاوية 1: 150، 372، 415، 416، 420، 429، 430، 2: 34، 212، 263، 269، 276، 3: 50، 121، 190، 309، 4: 64، 286، 302، 6: 181، 182، 183، 184، 262، 263، 292، 7: 173، 8: 31، 205، 221، 228، 233، 311، 312، 9: 150، 151، 171، 172، 243، 245، 246، 248، 269، 293، 420 يزيد بن المنجاب 7: 169 يزيد بن منصور الحميري 8: 299 يزيد بن المهلب 1: 434، 2: 30، 49، 94، 103، 104، 108، 275، 349، 350، 451، 3: 29، 346، 4: 86، 213، 5: 43، 122، 133، 224، 338، 6: 227، 7: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 313 214، 270، 8: 298، 9: 98، 258 يزيد بن نهشل 9: 352 يزيد بن هارون 1: 165، 8: 405 يزيد بن الوليد بن عبد الملك (الناقص) 1: 431، 3: 397، 9: 16 اليزيدي أبو محمد، يحيى بن المبارك 2: 201، 367، 7: 396، 8: 299، 330 يسار (غلام حاتم) 2: 289 يسار (غلام النبي) 8: 9 يسار الكواعب 9: 196 يستاسف 7: 368، 9: 288 يسر (خادم أبي عيسى ابن الرشيد) 6: 219، 220 يعرب بن قحطان 4: 279 يعقوب (النبي) 2: 288، 376، 3: 372، 374، 416، 6: 396، 397 يعقوب بن إسحاق السكيت- ابن السكيت يعقوب بن داود 3: 58، 59، 4: 20 يعقوب بن الدورقي 9: 391 يعقوب بن رافع 5: 321 يعقوب بن الربيع 4: 280، 281، 8: 391 يعقوب بن فرادون 2: 193، 194 يعقوب بن المهدي 3: 272، 9: 54 يعلى بن إبراهيم الأربسي 7: 299، 301 يقطين بن موسى 1: 419، 9: 370 اليقطيني 5: 333 يموت بن المزرع 8: 331 ينال عز 2: 494 يوسف (الصدّيق) 1: 60، 449، 2: 175، 219، 288، 372، 376، 3: 408، 415، 419، 4: 59، 124، 315، 5: 428، 6: 198، 395، 7: 180، 181، 193، 216، 224، 262، 8: 130، 141، 391، 9: 461 يوسف (الكاتب) 9: 150 يوسف بن أحمد الجزري (الحرزي) 2: 361، 6: 103 يوسف بن أسباط 1: 192، 3: 174 يوسف بن جعفر بن سليمان بن علي الهاشمي 8: 402 يوسف بن عمر (الثقفي) 1: 157، 158، 2: 208، 450، 7: 19، 8: 60، 255، 256 يوسف بن محمد (مولى آل عثمان) 2: 314 يوسف بن يعقوب 3: 181 اليوسفي الكاتب 3: 189 يونس (الخادم) 3: 28 يونس (الخياط) 2: 384 يونس (المغني) 9: 47 يونس بن أبي إسحاق السبيعي 7: 271 يونس بن حبيب النحوي 7: 16، 23، 52، 141، 207، 419، 8: 312، 320 يونس بن الخليل 5: 32 يونس بن سعيد بن زيد (مولى زياد) 9: 216 يونس بن عبيد 8: 97 يونس بن متى (صاحب الحوت) 2: 237، 3: 280، 8: 314 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 314 فهرس المدن وال أ ماكن أ آمد 7: 210 أ ب رق العزّاف- العراق الأبلة 9: 218 الأبلق (حصن) 3: 13 أبو دلامة (جبل) 7: 333 أبو قبيس (جبل) 3: 205، 6: 280، 7: 266، 9: 158 الأجيفر 9: 228 أحد 1: 147، 2: 475، 480، 481، 3: 35، 36، 4: 313، 5: 188، 9: 147، 248، 372 أذربيجان 2: 312، 3: 276، 6: 306 الأراك (وادي) 6: 177، 9: 169 إربل 2: 361، 362 الأردن 8: 98 الأرذنّ 3: 22 أرماث (يوم) 2: 457 أرمينية 1: 423، 3: 123، 4: 187، 7: 241، 8: 218، 303، 9: 289، 300، 404 إسرائيل 9: 401 أسفيذنج 1: 432 الإسكندرية 2: 89، 7: 170 أصبهان 6: 41، 9: 350 إصطخر 8: 141، 9: 107 أصفهان 2: 33، 108، 207، 359، 374، 494، 3: 215، 7: 178، 394، 8: 143، 318، 9: 220، 313، 445، 450 اصفهسلارية الديلم 9: 184 أضاخ 9: 295 أفريقية 2: 414، 420، 484، 8: 52، 9: 289 اقريطش 9: 220 أمانيا 7: 178 الأنبار 1: 263، 3: 98، 7: 245 الأندلس 3: 410، 7: 182 أنطاكية 2: 52، 106 أنقرة 4: 142، 143 الأهواز 2: 107، 141، 143، 380، 3: 198، 288، 4: 138، 5: 59، 210، 8: 60، 9: 91، 185، 249، 320، 355، 394 أوطاس (وادي) 4: 278، 8: 252 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 315 أيلة 5: 414 إيلياء 9: 164 إيوان كسرى 2: 88، 6: 226، 9: 208 ب باب جلق (دمشق) 8: 360 باب حرب 2: 273 باب السماكين 8: 71 باب الشام 9: 342 باب الشماسية 2: 363 باب عثمان 1: 464 بابل 1: 406، 437، 8: 378 باخمرى 2: 464، 488 بارق 4: 218، 6: 194، 7: 374 بانقيا 1: 412، 3: 13 البحرين 2: 103، 496، 7: 366، 376، 378، 392، 8: 181، 219، 9: 177، 178 بحيرة ساوة 8: 10، 11 بخارى 6: 405، 9: 268 البخراء 9: 235 بدر 2: 177، 325، 425، 475، 480، 3: 18، 307، 418، 4: 271، 5: 112، 114، 188، 6: 262، 263، 7: 92، 113، 168، 185، 380، 8: 339، 9: 162، 163، 248 البردان 7: 384 بردشير 6: 427 برذعة 4: 215 برقة 2: 479، 3: 352 بس ت 2: 495، 9: 288 البشر (ماء) 2: 485 بصرى 4: 15، 5: 366، 8: 360، 9: 164 البصرة 1: 98، 116، 178، 350، 412، 415، 2: 27، 41، 93، 94، 99، 100، 101، 109، 148، 150، 151، 152، 159، 195، 272، 275، 314، 321، 358، 370، 380، 386، 492، 496، 3: 28، 34، 35، 50، 51، 96، 107، 137، 179، 182، 187، 217، 224، 259، 260، 284، 285، 319، 337، 4: 56، 79، 96، 106، 131، 145، 229، 327، 5: 15، 127، 171، 196، 214، 293، 6: 248، 307، 403، 405، 7: 191، 192، 193، 211، 232، 240، 244، 253، 254، 278، 297، 366، 416، 8: 19، 25، 31، 59، 60، 92، 93، 134، 143، 181، 189، 236، 245، 273، 295، 331، 333، 9: 35، 112، 114، 115، 208، 210، 218، 219، 229، 249، 265، 282، 320، 333، 341، 351، 378، 390، 394، 400، 403، 449، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 316 455، 457 بطحاء الجزيرة 7: 182 بطحاء ذي قار 7: 182 بطحاء مكة 2: 358، 3: 389 بطن نخلة 6: 174 بطن نعمان 6: 148، 177، 178 بعا ث (يوم) 2: 468، 7: 380 بعلبك 1: 167، 5: 442 بغداد (بغداذ) 1: 194، 210، 436، 449، 453، 457، 2: 88، 154، 248، 293، 343، 353، 376، 458، 3: 165، 184، 187، 367، 446، 4: 50، 78، 112، 137، 267، 341، 5: 110، 141، 171، 354، 6: 377، 403، 405، 7: 237، 240، 8: 33، 70، 71، 122، 131، 137، 144، 145، 147، 172، 404، 9: 43، 92، 101، 108، 120، 176، 185، 187، 198، 219، 220، 248، 281، 285، 289، 324، 418، 447، 452، 457 بقيع الغرقد 9: 294 بلاد ال ت رك 7: 406 بلاد الروم 1: 365، 2: 424، 7: 406، 8: 101، 141، 254، 9: 203، 275 بلاد فارس 1: 310، 351، 364، 406، 417، 451، 2: 193، 348، 3: 16، 25، 86، 4: 175، 6: 315، 327، 7: 169، 391، 394، 404، 8: 10، 11، 101، 257، 9: 17، 214، 220، 221، 249، 292، 404 بلخ 1: 186، 2: 365، 5: 27 البلد الحرام- مكة البلقاء 5: 447 بهرسير 3: 32 بوشنج 1: 431 البيت الحرام 2: 177، 310، 351، 377، 3: 27، 9: 193، 249، 387، 410، 457 البيت العتيق- الكعبة بيت لهيا 3: 272 بيت المقدس 8: 141، 9: 164 بئر جلولاء 9: 354 بئر خالد 9: 61 بئر الشبيك 8: 129 بئر الكلب 3: 42 بئر معونة 7: 397 بئر النضيخ 9: 9 ت تبالة 1: 465، 6: 306، 7: 25، 8: 10 التبت 4: 96 تبريز 6: 422 تبوك 9: 161 تثليث 7: 131 تدمر 5: 387 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 317 تستر 2: 466، 7: 394، 9: 454 تكريت 3: 32 تناضب 9: 300 تهامة 6: 405، 7: 361، 362، 366، 375، 9: 194 تيماء 3: 13، 7: 253 ث ثبير 3: 449، 9: 460 الثعلبية 8: 19، 9: 431 الثماد 9: 228 الثنية- رأس الثنية ثنية الوداع 9: 248 ج جامع دمشق 8: 48 جامع الكوفة 2: 488 جبال الروم 6: 387 جبّل 1: 466 الجبل (منطقة) 1: 455، 2: 197، 359، 380، 5: 117، 9: 103 جبل طي 7: 363، 364، 9: 204 جبل لكام 9: 421 جبل همذان 9: 409 جبلة 7: 273، 342، 344 الج ح فة 2: 370 جدة 7: 362 جدوة 6: 178 جرجان 2: 223، 3: 346، 5: 265، 6: 348، 8: 362، 9: 207، 208، 415 الجزيرة 3: 32، 121، 182، 274، 5: 201، 6: 432، 7: 171، 9: 221 جسر بغداد 9: 13 الجعفرية 2: 42 جفر الهباءة 5: 96 جلولاء (معركة) 2: 483، 7: 179 الجمل (معركة) 2: 481 جنديسابور 2: 352، 3: 361 جوف مراد 8: 308 جيحون 6: 405 الجيروان 2: 495 جيرون 6: 180 ح حامي 8: 141 الحبشة 3: 444، 8: 215، 216 حبشي (جبل) 7: 369 الحجاز 1: 99، 2: 40، 214، 310، 358، 369، 3: 19، 35، 36، 122، 162، 198، 224، 309، 422، 4: 64، 256، 5: 193، 6: 137، 147، 154، 215، 405، 7: 279، 9: 9، 11، 26، 208، 216، 229، 399 الحجر 9: 162، 163 حجر اليمامة 7: 345 الحجون 5: 59، 9: 10، 324 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 318 الح د يبية 9: 164 الحديثة 8: 21 حراء 3: 449، 9: 460 حران 1: 417، 2: 30، 3: 23، 5: 197، 7: 234، 9: 458 الحربية 1: 457 الحرة 9: 246 حرة ليلى 8: 18 حرة واقم 8: 18 حرم إبراهيم- مقام إبراهيم الحرمان 2: 359 حزوى 6: 75 حسي 6: 174، 175 الحضر 1: 159 حضرموت 3: 195، 5: 243، 8: 223 حضن (جبل) 7: 82 الحطيم 3: 412، 4: 181، 6: 173، 174، 9: 428 حفير 7: 384 حقل 7: 295 حلب 9: 221، 223 حلوان 1: 453، 2: 458، 8: 70 الحمى 6: 174، 175 حمص 1: 134، 135، 433، 6: 210، 9: 164، 441 الحميمة 2: 31 حنين 1: 104، 3: 94، 6: 288، 7: 262، 8: 280، 9: 161 الحوذان 6: 206 حوران 2: 103، 285 الحيرة 2: 214، 215، 216، 3: 18، 33، 5: 196، 6: 39، 40، 7: 101، 382، 391، 408، 8: 16، 398، 9: 161 خ الخابور (نهر) 1: 159، 8: 65 خاخ 5: 307 الخازر 8: 32 خانقين 2: 216 خراسان 1: 176، 178، 415، 426، 429، 432، 450، 462، 2: 32، 33، 46، 50، 60، 160، 247، 316، 349، 351، 399، 442، 467، 484، 494، 3: 50، 120، 222، 292، 445، 4: 306، 5: 15، 25، 49، 123، 224، 6: 272، 305، 331، 405، 434، 7: 179، 207، 231، 236، 287، 8: 19، 33، 47، 68، 69، 92، 106، 125، 128، 143، 147، 202، 228، 252، 273، 9: 17، 130، 174، 176، 208، 240، 288، 311، 312، 318، 319، 394 الخرطوم 8: 370 الخزر 9: 289 الخضراء 9: 294 خضراء دمشق 1: 141 خضراء روح 2: 162 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 319 خفّان 2: 311، 7: 14 الخل د 2: 363 خناص ر ة 4: 213، 8: 220 الخندق (معركة) 2: 446، 464، 7: 397، 9: 179 خوارزم 8: 143 الخورنق 1: 69، 158، 159، 3: 33، 4: 218، 7: 108، 408، 8: 349 خوزستان 3: 188 خيبر 1: 82، 411، 2: 337، 5: 195، 437، 7: 381 خيف منى 4: 181، 5: 139 د دار عثمان 1: 411 دار الندوة 2: 107 داراء 6: 166 دارة جلجل- يوم الغدير 7: 417 دارين 9: 180 دجلة 1: 159، 457، 2: 362، 377، 3: 32، 214، 274، 5: 83، 153، 297، 364، 386، 420 8: 10، 11، 24، 68، 136، 141، 9: 13، 14، 52، 322، 434 دجيل 1: 457 درب عون 9: 450 دستميسان 1: 413 دمشق 1: 443، 2: 453، 481، 3: 158، 196، 4: 310، 5: 200، 6: 180، 184، 210، 315، 8: 22، 23، 48، 55، 56، 57، 248، 9: 24، 288، 308، 319 دنباوند 8: 137 دهلك 5: 43، 8: 35 دهليزان 1: 453 الدهناء 9: 177، 180، 385 الدو 8: 264 دورا 6: 289 دورق 7: 179، 9: 450 ديار بكر 1: 453 دير الجماجم 3: 25، 119، 5: 200، 210، 211 دير مران 9: 171 دير المعاقل 9: 458 دير هزقل 2: 204 الديلم 3: 28 ذ ذات الأثل 7: 386 ذات الحمام 2: 89 ذات عرق 7: 362 ذات مرج 8: 27 ذو سلم 6: 149 ذو طوى 6: 180 ذو العشيرة 8: 278 ذو قار (يوم) 1: 86، 2: 396، 3: 15، 16، 18، 5: 189، 7: 384 ذو قسي 5: 127، 128 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 320 ذو الم ر وة 3: 207 ر رأ س الثنية 2: 316، 9: 388 رأس العين 8: 21 رامة 5: 388، 7: 303 رامهرم ز 3: 371 رباط 9: 207 الربذة 2: 239، 9: 266 الربض 3: 32 الرجيع 3: 35 رحى بطان 7: 348 الرصافة 2: 324، 3: 288، 7: 197، 206، 9: 324 رضوى (جبل و ش عب) 2: 89، 484 الرقة 1: 428، 3: 251، 4: 140، 7: 236، 8: 21، 50، 71، 179، 9: 69 الرقم 3: 409، 9: 213 الرقمتان 8: 128، 131، 386 الرملة 8: 392، 9: 299 الرها 2: 369 الروحاء 7: 292 الروم- بلاد الروم الري 1: 430، 2: 213، 236، 494، 3: 119، 215، 221، 5: 63، 6: 306، 8: 125، 9: 176، 222، 248، 437، 447، 448 الريّان (جبل) 4: 207 ز الزاب 7: 187 الزاوية (راذان) 5: 210، 7: 59 زبالة 8: 178، 9: 270 زبطرة 4: 143 الزرقاء 9: 160 زرنج 8: 124 زمزم 2: 286، 3: 85، 206، 412، 418، 4: 181، 6: 173، 9: 245، 428 الزوراء 2: 339 س ساباط 2: 365 ساباط المدائن 3: 15 ساتيدما 8: 255 سارية 6: 306 السبخة (يوم) 2: 462 سجستان 2: 272، 302، 380، 488، 3: 107، 8: 396، 9: 373 السدير 1: 158، 159، 4: 218، 8: 349، 9: 384 سر من رأى 1: 436، 437، 2: 106، 150، 206، 236، 4: 382، 5: 141، 8: 35، 54، 9: 274، 275، 296، 298، 339، 429 السراة 4: 276 سرّق 3: 319 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 321 السقيفة 7: 34، 160، 165 سقيفة بني ساعدة 8: 29 سكر 8: 18 سليح 7: 129 السماوة 3: 29، 9: 325 سمرقند 2: 32، 6: 405، 7: 194، 9: 288، 289 سميساط 2: 365 السند 2: 148، 3: 281، 4: 54، 5: 24، 8: 170، 9: 374 سنداد 4: 218 السواد 1: 457، 462، 463، 2: 457، 3: 177، 308، 6: 403، 9: 283 السودان 8: 384 السوس 1: 440 سوق الأبلة 7: 352 سوق الأنبار 7: 352 سوق البزازين 8: 266 سوق بقة 7: 352 سوق الحيرة 7: 352 سوق النخاسين 9: 382 سوق يحيى 9: 321 السيالة 7: 199 سيحون 6: 405 سيراف 9: 454 السين 2: 494 ش الشاذياخ 4: 306 الشام 1: 109، 152، 176، 350، 2: 50، 100، 134، 153، 212، 247، 290، 358، 424، 453، 481، 3: 9، 29، 32، 98، 137، 140، 153، 198، 208، 278، 310، 417، 430، 4: 66، 141، 143، 5: 136، 203، 268، 369، 447، 6: 39، 131، 154، 155، 180، 182، 220، 247، 337، 377، 390، 405، 7: 116، 163، 167، 175، 186، 345، 362، 382، 384، 393، 420، 8: 11، 22، 32، 37، 45، 79، 126، 131، 143، 179، 205، 214، 9: 24، 64، 91، 160، 164، 165، 186، 190، 236، 245، 287، 343، 443 شبيكة الدوم 3: 310 الشرقية 1: 466، 3: 183 شرورى (جبال) 2: 281 شعب بوان 9: 288 شعب جبلة (يوم) 2: 465 شعب رضوى- رضوى شعب ال ص فراء 9: 61 شعفين 7: 121 الشماسية 1: 453، 3: 21، 9: 28 الشيطين 2: 216 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 322 ص صخيرات الثمام 9: 40 الصراة 1: 457 الصرصران 6: 159 الص ع يد 3: 200، 4: 176 الص غ د 2: 60 الصفا 1: 209، 9: 324، 383 الصفاح 7: 362 صفورية 7: 113 صفين 1: 65، 96، 412، 2: 27، 128، 401، 464، 483، 4: 113، 5: 185، 319، 6: 246، 7: 167، 185، 196، 8: 66، 88، 198، 9: 182، 183 صنعاء 2: 311، 7: 352 صور 4: 153 الصين 1: 365، 406، 3: 213، 377، 5: 177، 7: 404، 405، 406، 9: 218، 454 ض ضارج 9: 37 ضلفع 2: 146 ط الطائف 3: 419، 4: 254، 309، 5: 307، 6: 177، 199، 223، 7: 159، 362، 373، 8: 12، 31، 227، 9: 98، 211، 215، 229 طبرستان 2: 211 طخارستان 1: 314 طرسوس 1: 177، 2: 53، 9: 289 الطف 4: 32، 35، 219 الطفاوة 6: 30 الطور (جبل) 3: 68 طور زيتا 9: 190 طوس 5: 138، 9: 292 طي- جبل طي ظ ظريب 7: 365 الظهران 3: 36 ع عارم 4: 65 عاقل 7: 384 عانة 8: 355، 365 عبقر (وادي) 5: 151 عدن 2: 442، 3: 13، 9: 289 العذيب 6: 194 العذيبة 8: 147 عراثا 9: 275 العراق 1: 155، 162، 176، 210، 373، 426، 446، 454، 457، 462، 2: 20، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 323 30، 109، 129، 136، 160، 208، 212، 248، 349، 362، 427، 463، 482، 3: 16، 19، 43، 104، 107، 198، 255، 307، 313، 426، 430، 4: 12، 132، 138، 164، 256، 5: 19، 63، 83، 116، 138، 177، 235، 447، 6: 147، 390، 403، 426، 7: 146، 147، 172، 214، 301، 393، 420، 8: 36، 37، 66، 143، 144، 145، 189، 205، 222، 232، 253، 255، 256، 372، 399، 9: 34، 46، 120، 138، 208، 216، 217، 221، 230، 280، 292، 307، 313، 325، 326، 383، 426 العراقان (الكو ف ة والبصرة) 2: 312، 412، 462، 484، 3: 319، 8: 348، 9: 247 العرج 7: 292 العرصة (ضيعة) 2: 102، 103 عرفة (عرفات) 2: 103، 3: 70، 4: 14، 6: 148، 161، 204، 7: 329، 9: 13 العرق 2: 321 عسفان 5: 262، 7: 362 عسيب (جبل) 7: 387 عفرّين 7: 14 العقبة 9: 34 العقيق 1: 145، 3: 447، 6: 213، 225 عكاظ 2: 129، 315، 3: 392، 7: 375 عكبرا 9: 454 عمان 1: 397، 5: 27، 112، 6: 405، 7: 375، 376، 9: 92، 221 عماية 2: 487 عمايتان 2: 146 عمد 9: 61 العمر 7: 362 عمورية 1: 437، 2: 52، 4: 141، 142، 143، 5: 385، 9: 275 عنيزة (يوم) 2: 68، 5: 367، 7: 345 عيساباذ 3: 55، 7: 215 عين أبا غ 7: 383، 391 عين التمر 3: 18، 33، 8: 190 غ غزال 2: 443 غزة 9: 164، 165 غزنة 6: 405 غسان (ماء) 7: 374 الغطيفة 3: 208 الغميصاء 6: 156 الغور 9: 192، 399 الغوطة 8: 57 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 324 ف فارس- ب ل اد فارس فخ 9: 294، 295 فدفد 2: 443 فد ك 1: 99، 6: 255، 9: 289 الفرات 1: 128، 2: 100، 281، 445، 479، 486، 488، 3: 32، 121، 4: 64، 146، 5: 55، 200، 395، 7: 391، 8: 224، 256، 324، 350، 364، 9: 91، 397 الفسطاط 5: 298، 8: 18، 131 فلسطين 1: 177، 9: 277، 401 الفلّوجتين 3: 308 فيد 9: 431 الفيوم 8: 33 ق القادسية (يوم) 2: 455، 482، 483، 5: 262، 7: 99 القاطول 2: 278 قباء 9: 10، 249 قبر الرسول 9: 314 قدس 2: 89 قديد (يوم) 2: 484، 7: 292 قراقر 5: 426 القرعاء 2: 377 القرقدونة 9: 171 قرقرى 6: 71 قرقيسيا 5: 190 القرون 9: 61 قزوين 9: 9 قس الناطف (يوم) 2: 458، 483 القسطنطينية 2: 90، 102، 9: 171، 172 قصر غيلان 8: 12 قطربل 5: 248، 8: 390 قم 5: 141، 6: 331، 8: 50 قمار 6: 390 القندهار 7: 178 قنونا 9: 228 قيسارية 8: 229 قيطون 6: 181 ك كافر (نهر) 7: 392 كثوة 7: 276 كدا 3: 409، 7: 276 كداء (جبل) 9: 168 الكديد 9: 168 كربلاء 9: 207 الكرخ 7: 242، 8: 71، 137 كرمان 5: 15، 6: 425، 9: 221، 344، 345 كسكر 2: 379، 380، 9: 274 كشمير 9: 288 الكعبة 1: 145، 180، 285، 429، 2: 34، 108، 144، 384، 3: 18، 25، 68، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 325 140، 206، 444، 445، 5: 86، 162، 6: 173، 184، 238، 274، 288، 7: 25، 246، 286، 8: 47، 102، 265، 399، 9: 128، 149، 159، 245، 247، 249، 330، 340، 407، 458 ا ل كلاب 7: 301 كلواذى 9: 379 كليّة 7: 292 الك ن اسة 5: 58، 8: 30 كناسة الكوفة 2: 331، 3: 54، 7: 290، 342 كور الأهواز 7: 394 كور دجلة 3: 308 الكورة 3: 121 كورة أردشير 3: 175 كورة باهدرا 7: 234 الكوفة 1: 70، 196، 255، 350، 381، 415، 446، 447، 2: 30، 31، 34، 35، 51، 58، 100، 270، 314، 355، 371، 373، 428، 450، 462، 480، 488، 3: 23، 60، 81، 172، 176، 222، 224، 225، 255، 285، 4: 60، 144، 145، 5: 127، 196، 226، 232، 6: 34، 242، 249، 264، 272، 405، 7: 108، 166، 194، 201، 224، 233، 244، 245، 267، 290، 342، 377، 8: 28، 33، 50، 55، 58، 95، 220، 226، 227، 236، 249، 256، 286، 333، 375، 390، 9: 189، 210، 248، 265، 281، 283، 285، 286، 323، 343، 344، 370، 403، 420، 447، 452، 455 كوه زيان- درب الخسران 8: 396 ل لبنان 9: 450 لظى 8: 18 م مارب (حوض) 5: 350 المأزمان 4: 181، 9: 394 ماسبذان 2: 81، 9: 409 المأمونية 9: 131 متالع 2: 298 محجر 7: 60 المحدثة 2: 42 المدائن 1: 140، 3: 84، 5: 387، 7: 409، 8: 21، 96، 255، 9: 120 مدين (ماء) 1: 203 المدينة 1: 40، 68، 69، 109، 135، 136، 154، 199، 200، 201، 465، 2: 26، 40، 43، 109، 124، 158، 199، 202، 269، 304، 314، 316، 317، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 326 331، 351، 359، 366، 373، 374، 383، 384، 385، 3: 9، 18، 27، 29، 39، 123، 139، 207، 262، 275، 282، 283، 310، 396، 417، 419، 4: 276، 312، 320، 341، 360، 5: 15، 127، 191، 6: 145، 149، 177، 196، 199، 213، 225، 247، 276، 279، 283، 7: 163، 168، 169، 173، 199، 222، 224، 226، 238، 278، 286، 287، 288، 380، 387، 398، 8: 9، 29، 31، 33، 44، 45، 107، 125، 126، 132، 176، 225، 227، 232، 237، 267، 272، 309، 310، 311، 9: 10، 12، 17، 27، 38، 41، 65، 67، 72، 82، 91، 145، 149، 150، 160، 163، 218، 233، 238، 245، 248، 249، 256، 260، 269، 282، 287، 309، 330، 335، 377، 403، 421، 459 مدينة السلام- بغداد مذحج 7: 371 مرّ 7: 362 مر الظهران 7: 377، 9: 168 المربد 2: 41، 100، 101، 149، 152، 464، 3: 447، 448، 7: 289، 290 مرج راهط 2: 448، 4: 64، 7: 174 مرج الصفر 2: 457 مرو 1: 428، 3: 251، 4: 208، 219، 9: 240، 280 مرو الروذ 3: 317، 7: 265 المروة 9: 383 المريء (نهر) 3: 251 المزدلفة 6: 205، 9: 61 مسجد ابن رغبان 1: 434 مسجد باهلة 9: 378 مسجد بني غاضرة 7: 201 المسجد الجامع (بالبصرة) 2: 99، 195، 261 المسجد الجامع (بالكوفة) 1: 446، 453 المسجد الحرام 1: 115، 2: 212، 3: 205، 8: 187 مسجد دمشق 2: 454، 6: 44 مسجد الرسول 2: 99، 3: 207، 447، 4: 320، 350، 7: 175، 267، 8: 44، 9: 62، 153، 399 مسجد الضّرار 7: 110 مسجد قباء 7: 110 مسجد الكوفة 8: 176 مسجد المدينة 2: 375 مسكن (يوم) 2: 421، 461، 485، 486 مشاش 2: 296 المشقر 1: 264 مصر 1: 177، 191، 309، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 327 316، 374، 443، 451، 2: 49، 50، 72، 79، 89، 134، 136، 197، 198، 226، 352، 380، 407، 486، 3: 79، 198، 200، 201، 332، 352، 410، 4: 49، 176، 256، 344، 5: 18، 223، 6: 246، 405، 7: 17، 177، 182، 196، 247، 256، 8: 18، 100، 107، 141، 170، 225، 227، 229، 9: 205، 270، 271، 277، 287، 296، 297، 298، 299، 306، 307، 422 المصيصة (المنصورة) 1: 177، 178 المطبق 1: 444، 4: 117 معقل (نهر) 3: 182 المغرب 4: 153، 6: 405، 9: 352 مقام إبراهيم 3: 412، 6: 316، 9: 407 مكة 1: 134، 142، 153، 170، 186، 191، 214، 215، 351، 457، 2: 36، 129، 224، 315، 317، 340، 348، 370، 453، 463، 484، 3: 9، 37، 87، 204، 205، 206، 208، 256، 257، 402، 4: 12 42، 181، 216، 276، 278، 284، 312، 5: 24، 214، 218، 6: 43، 56، 142، 148، 177، 179، 180، 181، 182، 184، 186، 199، 203، 253، 260، 274، 288، 316، 326، 7: 92، 146، 177، 211، 220، 292، 297، 320، 333، 362، 369، 374، 375، 380، 389، 8: 31، 48، 100، 128، 132، 143، 188، 216، 246، 252، 299، 370، 399، 9: 11، 24، 124، 145، 146، 158، 161، 162، 164، 165، 168، 170، 193، 194، 195، 208، 230، 249، 256، 281، 288، 324، 382، 410، 422، 431، 433، 443 الملح 2: 216 ملحوب 8: 16 ملل 4: 58 منى 2: 103، 6: 173، 174، 178، 184، 205، 7: 215، 281، 284، 9: 34، 52، 413 منبج 8: 143 منعج 9: 204 المهراس 5: 197 مهر جانقذق 2: 81، 7: 394، 8: 29 مؤتة 2: 475 الموصل 2: 247، 359، 362، 3: 221، 4: 148، 149، 230، 6: 377، 7: 234، 8: 21، 26، 49، 54، 65، 9: 72، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 328 110 ميافارقي ن 2: 90، 4: 66، 6: 296، 8: 26 ميسان 6: 405 ن نجد 2: 489، 3: 122، 4: 49، 345، 5: 202، 341، 6: 73، 405، 7: 82، 273، 344، 8: 142، 147، 9: 61، 68 نجران 2: 311، 4: 276، 8: 142 النجف 5: 232، 269 النحيت 2: 42 النّسار 7: 99 نصيبين 8: 21، 304 النطيم (ماء) 7: 400 نها و ند 2: 482، 7: 265، 8: 143 نهر الأبلة 3: 182، 9: 288 نهر البزازين 1: 457 نهر بوق 9: 404 نهر تيري 2: 23 نهر الحيرة 7: 392 نهر الدجاج 1: 457 نهر طابق 1: 457 نهر طالوت 8: 314 نهر العبارة 1: 457 نهر عبد الله 4: 79 نهر عدي 4: 96 نهر القلائين 1: 457 نهر مسجد الأنباريين 1: 457 نهر النيل 4: 176، 5: 18، 153، 353، 8: 364 النهروان 2: 351، 6: 246، 8: 255، 295 النهروان الأوسط 1: 451 النوبة 2: 376 نيسابور 3: 111، 121، 189، 6: 348، 8: 143 النيل (بالعراق) 2: 137 هـ الهبير 8: 240 هجر 7: 164، 198، 392، 403، 9: 178، 180، 181 هراة 4: 320، 5: 388 هرشى 2: 443 هرقلة 3: 133، 4: 140 الهرير (يوم) 2: 67، 199، 457 هزار در 2: 56 الهماء 6: 178 همذان 2: 236، 6: 434، 7: 255، 8: 67، 9: 220 الهند 1: 277، 365، 382، 406، 439، 2: 27، 5: 291، 292، 341، 358، 6: 178، 405، 7: 178، 226، 404، 405، 406، 8: 143، 301 الهنيء (نهر) 3: 251 هيت 6: 405، 407 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 329 و واد ي أشيقر 5: 64 وادي السباع 2: 481، 3: 35 وادي سماوة 8: 11 وادي العرب 3: 33 وادي القرى 9: 343 وادي نصاع 9: 61 واسط 2: 208، 350، 379، 3: 311، 4: 203، 341، 5: 84، 281، 6: 405، 8: 96، 9: 186، 249، 346 وجرة 9: 428 ودان 7: 292 ي يبرين 2: 102، 5: 175 يثرب 3: 207، 5: 369، 7: 68، 8: 187، 163 يذبل (جبل) 4: 211، 5: 122 اليرموك 2: 482، 3: 11، 9: 170 يلملم (جبل) 4: 211 اليمامة 1: 99، 465، 2: 146، 321، 481، 6: 71، 159، 160، 161، 305، 424، 7: 349، 352، 364، 391، 8: 147، 9: 107، 211، 394 اليمن 1: 42، 83، 155، 158، 325، 2: 112، 153، 273، 311، 386، 407، 473، 3: 16، 54، 97، 198، 258، 311، 312، 346، 430، 4: 263، 276، 278، 5: 127، 136، 293، 6: 43، 405، 7: 25، 255، 352، 364، 365، 399، 407، 420، 8: 14، 28، 48، 93، 179، 215، 255، 9: 166، 208، 326 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 330 فهرس ال أ مم والطوائف والق ب ائل أ آل إبراهيم 6: 293، 328 آل أبي بكر 7: 169 آل أبي حفصة- بنو أبي حفصة آل أبي سفيان 2: 54، 56، 3: 429، 8: 228، 241 آل أبي طالب- بنو أبي طالب آل أبي العاص- بنو أبي العاص آل أبي لهب 5: 196 آل أبي معيط- بنو أبي معيط آل أبي موسى 4: 19، 7: 237، 8: 227 آل الأشعث بن قيس 3: 24 آل بدر الفزاريون 7: 366 آل برمك- البرامكة آل بسام 4: 99 آل بشر بن الحارث 1: 194 آل بكر- بنو بكر آل جعفر- بنو جعفر آل الجلاح 5: 426 آل الحارث بن ظالم 3: 53 آل حرب- بنو حرب آل خالد 9: 195 آل خندف- بنو خندف آل داود 3: 233، 9: 63 آل ذي رعين 6: 38 آل الرسول (آل محمد، آل النبي) 1: 40، 63، 3: 292، 351، 4: 211، 219، 352، 5: 139، 6: 287، 7: 233، 8: 81، 175، 248، 9: 280 آل الزبرقان 5: 122 آل الزبير 2: 122، 136، 202، 203، 385، 6: 274، 8: 241 آل زريق 9: 318، 319 آل زياد 5: 139 آل زيق 9: 196 آل ساسان- بنو ساسان آل سدوم 3: 199 آل سعيد 2: 473 آل سليمان 5: 88 آل سليمان بن علي- بنو سليمان بن علي آل سليمان بن وهب 8: 156 آل شداد 5: 194 آل صباح بن خاقان المنقري 7: 178 آل الصمة 4: 240 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 331 آل طاهر- بنو طاهر آل طولون 9: 307 آل عامر- بنو عامر آل عباس- بنو العباس آل عبد المطلب- بنو عبد المطلب آل عثمان 2: 314 آل عدي- بنو عدي آل عطارد 3: 120 آل علي: 2: 474، 3: 351، 5: 137، 7: 180 آل علي بن عيسى 4: 112 آل عمر بن عبد العزيز 1: 151 آل عمرو بن العاص 9: 98 آل غالب- بنو غالب آل غيلان 7: 143 آل فرعون 5: 437 آل فهر- بنو فهر آل قحطبة 2: 45 آل قصي 3: 204 آل كسرى 5: 140 آل مجمّع 2: 146 آل محرق 3: 403، 4: 218 آل محمد- آل الرسول آل مرة- بنو مرة آل مروان- بنو مروان آل مطرّف 4: 23 آل مقلد بن يربوع- بنو مقلد بن يربوع آل المنذر- بنو المنذر آل المهلب (المهالبة) - بنو المهلب آل ميّة 6: 179 آل هاشم- بنو هاشم آل همام 9: 195 آل يربوع- بنو يربوع الاباضية 2: 484 الأتراك 1: 422، 436، 450، 2: 28، 424، 3: 25، 4: 47، 5: 426، 7: 206، 405، 8: 19، 9: 53 الأحابيش 7: 369 الأحجار 8: 300 الأحزاب 7: 197 الأحلاف 3: 206، 429، 7: 369 الأزارقة 2: 417، 3: 304، 4: 137، 138، 8: 222 الأزد 2: 77، 100، 101، 102، 147، 152، 3: 100، 159، 319، 392، 5: 120، 7: 195، 347، 364، 374، 8: 15، 32، 145، 242، 254، 9: 340، 418 أزد شنوءة 7: 159، 9: 340 أزد العراق 9: 187 أزد عمان 7: 375 الأساورة 2: 101 الأشعرون 7: 362، 370 الأشعريون 2: 467، 7: 215، 8: 333 أصحاب الحديث- المحدّثون أصحاب الديوان 9: 296 أصحاب الرسول- الصحابة أصحاب المدائن 6: 243 الأعاجم- العجم الأعاريب- الأعراب الأعراب 1: 448، 2: 188، 197، 447، 7: 301، 320، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 332 8: 331، 399، 406، 9: 127، 128، 235، 256، 268، 334، 335، 336، 376، 377، 380، 381، 383، 386، 398، 401، 419 الأعياص 7: 371 الإفرنج 4: 153 الأقباط 8: 298 الأكاسرة 3: 108، 9: 118 الأكراد 1: 464، 2: 197، 460، 128، 8: 65، 128، 9: 419 الأمويون- بنو أمية الأنباط (نبط) 6: 39، 405، 8: 298 الأنصار 1: 104، 2: 93، 205، 211، 288، 291، 495، 496، 3: 328، 329، 334، 369، 371، 420، 430، 4: 59، 301، 313، 320، 333، 5: 43، 186، 187، 6: 254، 256، 258، 268، 7: 160، 163، 165، 166، 197، 208، 212، 217، 222، 257، 296، 380، 397، 8: 29، 30، 41، 79، 81، 87، 174، 180، 186، 245، 250، 309، 339، 9: 65، 153، 181، 183، 212، 236، 248، 261، 285، 363، 372 أهل الأدب 2: 190، 224 أهل أذنة 9: 252 أهل الأردن 8: 256 أهل أصفهان 8: 257، 9: 321 أهل أمج 9: 367 أهل أيلة 9: 26 أهل بابل 3: 175 أهل البادية 5: 214 أهل البحرين 8: 300 أهل بدر (البدريون) 5: 208، 9: 365 أهل البصرة (البصريون) 1: 98، 163، 178، 308، 2: 100، 150، 249، 329، 3: 182، 4: 33، 105، 185، 5: 195، 218، 229، 6: 421، 7: 162، 217، 265، 278، 8: 156، 264، 9: 190، 340 أهل بغداد (البغداديون) 1: 191، 6: 377 أهل بلخ 1: 176 أهل البيت- آل محمد- آل الرسول أهل الثعلبية 9: 334 أهل الجمل 7: 163 أهل الحجاز 2: 309، 310، 6: 274، 7: 243، 9: 25، 46، 61، 183، 442 أهل حران 7: 234 أهل الحرمين 2: 242 أهل حمص 5: 224، 9: 443 أهل الحيرة 8: 361 أهل خراسان 1: 417، 418، 4: 220، 6: 287، 7: 254، 8: 256، 257، 9: 262، 318، 454 أهل دمشق 1: 465، 2: 358 أهل الذمة 1: 457 أهل الردة 2: 481، 9: 177 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 333 أهل زنجان 3: 220 أهل السواد 7: 255 أهل الشام 1: 96، 449، 2: 30، 124، 304، 461، 3: 104، 189، 255، 307، 4: 20، 24، 95، 119، 158، 5: 182، 187، 203، 210، 218، 6: 246، 275، 289، 316، 336، 7: 69، 164، 185، 186، 197، 207، 217، 8: 36، 126، 144، 229، 238، 267، 269، 313، 342، 9: 65، 107، 164، 187، 234، 246، 248، 252، 262، 294 أهل الشورى 9: 146 أهل الطائف 9: 162 أهل طبرستان 6: 152 أهل طرسوس 9: 307 أهل العراق 1: 158، 372، 416، 446، 447، 2: 103، 203، 312، 359، 461، 463، 4: 20، 320، 5: 138، 192، 203، 210، 211، 6: 273، 275، 7: 164، 8: 88، 144، 220، 228، 238، 240، 9: 34، 186، 187، 207، 229، 262، 280، 460 أهل عرفات 3: 171 أهل عمان 8: 300 أهل القرآن 2: 211 أهل كرمان 9: 346 أهل الكهف 5: 141، 8: 169 أهل الكوفة 1: 116، 446، 2: 213، 312، 3: 54، 4: 288، 7: 188، 344، 9: 108، 190، 244، 285، 286 أهل اللغة 7: 301، 326، 354 أهل المدينة 1: 110، 114، 2: 269، 276، 308، 316، 3: 122، 199، 259، 4: 111، 123، 313، 5: 229، 8: 262، 9: 61، 212، 248، 336 أهل مرو 2: 332، 9: 280 أهل مزة 1: 465 أهل مصر 3: 209، 4: 125، 5: 213 أهل المعرة 5: 391 أهل مكة 1: 351، 2: 370، 462، 3: 36، 6: 28، 183، 7: 246، 8: 140، 9: 9، 12، 194، 229، 256 أهل الموصل 8: 64 أهل المولتان 8: 254 أهل نجد 7: 397، 398 أهل نيسابور 2: 32 أهل النيل 4: 64 أهل هجر 7: 45 أهل وادي القرى 9: 63، 64 أهل واسط 6: 403، 8: 60 أهل اليمامة 3: 281، 5: 209، 9: 93 أهل اليمن (اليمانية، اليمن، اليمنيون) 1: 465، 2: 216، 3: 412، 426، 7: 181، 191، 374، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 334 390، 405، 406، 8: 48، 179، 9: 37، 167، 284 أهل يونان- اليونانيون الأوس 2: 314، 4: 24، 7: 161، 285، 380، 8: 93 أئمة الحن ب لية- الحنابلة ب الباطنية 8: 238 باهلة 2: 466، 467، 3: 450، 5: 99، 116، 172، 173، 7: 193، 370، 9: 379 بجيلة 3: 104، 5: 130، 7: 16، 44 البدريون- أهل بدر البدو 3: 86 البراجم 3: 428، 4: 43، 229، 5: 100، 7: 105، 9: 106 البرامك- بنو برمك- البرامكة البرامكة 2: 351، 3: 20، 27، 4: 206، 209، 5:، 94، 194، 6: 212، 7: 182، 8: 24، 142، 9: 198، 299، 312، 323 البربر 8: 52 بكر العراق 9: 187 بليّ 3: 35 بنو أبي بكر بن كلاب 2: 146 بنو أبي حفصة 6: 405، 9: 296 بنو أبي طالب 2: 212، 3: 357، 360، 6: 376، 9: 148 بنو أبي العاص 6: 273، 9: 247 بنو أبي معيط 2: 129، 9: 147، 404 بنو أثالة بن مازن 8: 263 بنو الأحوص 7: 400، 402 بنو أذينة 6: 407 بنو أسد 2: 298، 491، 3: 41، 60، 125، 194، 206، 208، 317، 431، 444، 4: 81، 369، 5: 42، 93، 116، 117، 119، 132، 157، 163، 242، 6: 275، 7: 115، 121، 255، 352، 383، 8: 10، 16، 30، 48، 182، 309، 362، 9: 334، 418، 458 بنو أسد بن خزيمة 3: 120، 7: 386 بنو أسد بن عبد العزى 2: 422، 7: 369 بنو إسرائيل 1: 39، 165، 204، 230، 2: 232، 3: 175، 215، 219، 4: 298، 299، 316، 6: 239، 7: 110، 236، 8: 314، 9: 94، 148 بنو أسعد 9: 318، 319 بنو أسلم 2: 337، 7: 289، 296، 9: 170 بنو أشجع بن ريث بن غطفان 7: 388 بنو الأصفر- الروم بنو إلياس بن مضر 7: 368 بنو أم ق ت رة الفزاريون 7: 346 بنو أم النسير 9: 192 بنو امرىء القيس بن زيد مناة 3: 428 بنو أمية (الأمويون) 1: 150، 262، 414، 432، 446، 2: 40، 109، 129، 138، 139، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 335 211، 214، 217، 423، 484، 486، 3: 108، 158، 193، 196، 198، 309، 310، 316، 410، 417، 438، 4: 22، 56، 64، 65، 131، 311، 5: 82، 116، 138، 191، 196، 197، 198، 199، 230، 231، 6: 32، 288، 7: 181، 196، 203، 208، 269، 276، 331، 372، 8: 22، 23، 33، 55، 73، 245، 392، 9: 46، 147، 171، 192، 226، 242، 280، 285، 294، 319، 354 بنو أمية بن عبد شمس 7: 371 بنو أنف الناقة القريعيون 5: 93 بنو إياد 3: 16، 4: 218، 5: 142، 200، 201، 7: 25، 27، 88، 185 بنو بارق: 7: 374 بنو باهلة بن يعصر 7: 195 بنو بدر 1: 397، 3: 410، 5: 98، 100 بنو بدر بن عمرو 3: 409 بنو برمك- البرامكة بنو بقيلة 6: 40 بنو بكر 2: 55، 305، 344، 396، 3: 17، 5: 137، 190، 193، 7: 213، 8: 189، 306 بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة 7: 58 بنو بكر بن وائل 2: 45، 100، 472، 3: 15، 16، 17، 18 100، 198، 202، 203، 347، 447، 4: 24، 217، 5: 39، 102، 189، 7: 13، 24، 87، 195، 216، 333، 345، 384، 385، 392، 8: 93، 190، 281، 282، 9: 345 بنو بلّال 2: 147 بنو بلعدوية 6: 407 بنو بهدلة 2: 432 بنو بهز 3: 82 بنو بياضة بن عامر 3: 35 بنو تغلب 2: 448، 485، 3: 16، 198، 256، 4: 98، 5: 102، 7: 181، 301، 392 بنو تغلب بن وائل 7: 13، 24، 142، 366 بنو تميم 1: 265، 284، 372، 2: 28، 46، 100، 101، 102، 107، 152، 216، 232، 305، 343، 407، 441، 446، 465، 3: 15، 16، 202، 203، 319، 343، 346، 371، 392، 398، 403، 407، 419، 428، 434، 444، 449، 4: 21، 42، 61، 105، 164، 217، 229، 5: 63، 65، 100، 120، 214، 231، 6: 33، 159، 7: 17، 99، 105، 178، 190، 214، 237، 286، 287، 288، 332، 333، 345، 349، 350، 351، 383، 384، 418، 8: 19، 32، 54، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 336 229، 234، 263، 306، 9: 106، 107، 112، 193، 194، 201 بنو تيم 2: 271، 3: 206، 208، 5: 105، 109، 7: 366، 8: 299، 9: 171 بنو التيم بن شيبان بن ثعلبة 9: 197 بنو تيم بن مرة 7: 369 بنو تيم الرباب 3: 84 بنو تيم اللات 7: 80، 9: 179 بنو تيم اللات (الله) ابن ثعلبة 3: 100، 203، 9: 458 بنو ثعلبة 7: 213 بنو ثعلبة بن سعد 5: 98 بنو ثوابة 2: 137 بنو ثور 5: 100 بنو جابر 7: 112 بنو جحجبا بن كلفة بن عمرو بن عوف 3: 35 بنو جرم 5: 66، 99، 157، 293 بنو جرم بن زبّان 2: 74 بنو جسر 5: 103 بنو جشم 5: 103، 120 بنو جشم بن معاوية 6: 142 بنو جعدة 5: 104 بنو جعفر 2: 285، 6: 265، 7: 398 بنو جعفر بن كلاب 2: 148، 3: 108، 7: 209 بنو جعفي 3: 431 بنو جفنة 7: 383 بنو جلّان 2: 129 بنو جمح 3: 204، 208، 7: 369، 8: 298، 9: 229 بنو جنب 3: 431 بنو جهم 3: 38، 39 بنو جهينة 6: 407، 8: 18، 9: 170 بنو حاتم بن عبد الله 3: 430 بنو الحارث 6: 187 بنو الحارث بن تميم 3: 428 بنو الحارث بن ذهل بن شيبان 3: 448 بنو الحارث بن فهر 7: 369 بنو الحارث بن كعب 3: 341، 411، 431، 4: 98، 5: 99، 7: 266، 8: 223، 9: 199 بنو الحارث بن لؤي 7: 375 بنو حارثة 7: 381 بنو حارثة بن حرقوص 2: 321 بنو حرام 5: 403، 9: 290 بنو حرب (بنو أمية) 4: 85، 6: 289، 8: 311، 9: 216 بنو الحرماز 3: 444 بنو الحريش 5: 104 بنو الحسحاس 4: 358 بنو الحكم 5: 111، 9: 247 بنو حمدان 4: 235 بنو حنبل 5: 339 بنو حنظلة 2: 100، 3: 428، 4: 43، 5: 235، 6: 159، 8: 286، 9: 196، 201 بنو حنيفة 2: 147، 4: 38، 5: 209، 6: 159، 7: 350، 391، 9: 211، 394 بنو حية 3: 448 بنو خثعم 3: 204، 8: 31 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 337 بنو خالد بن جعفر 7: 400، 401 بنو خزاعة 2: 367، 484، 3: 25، 4: 206، 5: 136، 137، 140، 7: 369، 374، 375، 8: 8، 19 بنو خشين 7: 303 بنو خندف 3: 425، 428، 434، 435، 6: 407 بنو دارم 2: 37، 99، 3: 15، 422، 428، 4: 43، 5: 100، 130، 175، 440، 7: 226، 330، 9: 106، 197 بنو الديل 2: 341، 342، 3: 257، 258 بنو الديل بن بكر 6: 199 بنو ذبيان 2: 39، 477، 3: 402، 4: 43، 5: 96، 103، 7: 24، 59 بنو ذبيان بن بغيض- بنو مرة بن عوف 7: 375 بنو ذكوان 7: 397 بنو رالان 5: 125 بنو ربيع 7: 41 بنو ربيعة 2: 100، 101، 102، 152، 311، 343، 464، 472، 3: 344، 346، 428، 447، 4: 17، 43، 5: 103، 7: 20، 277، 349، 366، 390، 391، 413، 8: 26، 103، 184، 9: 178، 275 بنو ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب 9: 65 بنو ربيعة بن حنظلة 2: 397، 3: 11، 428، 9: 151 بنو ربيعة بن نزار 4: 234، 7: 362، 365 بنو ربيعة عامر 6: 54، 75 بنو ربيعة الفرس 7: 367 بنو رزاح 7: 381، 382 بنو رهاء 3: 431 بنو رياح 5: 118 بنو زبيد 3: 205 بنو زرارة بن عدس 2: 37، 3: 108، 429 بنو زرارة بن عدي 7: 366 بنو زمّان 5: 135 بنو الزهراء 4: 203 بنو زهرة 3: 206، 208 بنو زهرة بن كلاب 7: 369 بنو زهير بن جندب 5: 103 بنو زياد 7: 228، 8: 47 بنو زيد 7: 118 بنو زيد بن يربوع 2: 146 بنو زيد مناة 3: 428 بنو ساسان 1: 439، 5: 266، 8: 11، 12 بنو سام بن نوح 3: 450 بنو سدوس 6: 398، 7: 39، 292، 8: 284 بنو سعد 2: 28، 100، 202، 405، 414، 3: 258، 428، 4: 61، 5: 117، 6: 13، 7: 104، 108، 287 بنو سعد بن زيد مناة بن تميم 3: 349، 4: 43 بنو سعد بن لؤي 7: 375 بنو سعد بن مالك 3: 392، 7: 371 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 338 بنو سعد العشيرة 3: 431، 8: 33 بنو سعد الله 7: 98 بنو سلامان 6: 203 بنو السلكة 6: 407 بنو سلم 2: 318 بنو سلمة 7: 380، 381 بنو سلول 5: 99، 103، 7: 395 بنو سليم 2: 158، 403، 485، 3: 82، 4: 43، 300، 5: 103، 6: 157، 7: 397، 9: 170 بنو سليم بن منصور 7: 344 بنو سليمان بن علي 2: 61، 9: 35 بنو سهم 3: 205، 206، 207، 208، 7: 369، 8: 216 بنو سيار 3: 203 بنو الشرقي 3: 207 بنو شيبان 2: 214، 311، 3: 17، 18، 448، 4: 17، 5: 123، 146، 7: 22، 23، 207، 384، 8: 17، 9: 195، 197 بنو شيبان بن ثعلبة بن عكابة 7: 375 بنو شيبان وائل 2: 343 بنو صاعد 4: 36 بنو صالح بن علي 2: 61 بنو صداء 3: 431 بنو صريم بن يربوع 2: 100 بنو ضبة 2: 322، 404، 465، 5: 85، 7: 21، 116، 253، 8: 333، 9: 442 بنو الضّبيب 5: 254 بنو ضبيعة بن قيس بن ثعلبة 7: 390 بنو ضبيعة أضجم 7: 365 بنو ضرام 8: 18 بنو ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة 4: 33 بنو طاهر 1: 194، 5: 46، 151 بنو الطفيل 7: 398 بنو طهية 3: 428، 4: 43، 6: 407، 9: 201 بنو طيء- طيء بنو ظفر 3: 35، 7: 381 بنو الظليم 5: 100 بنو عامر 2: 67، 485، 3: 401، 4: 207، 5: 99، 103، 376، 6: 417، 7: 242، 273، 301، 344، 369، 376، 395، 398، 399، 400، 402، 9: 294 بنو عامر بن ربيعة بن صعصعة 7: 377 بنو عامر بن صعصعة 2: 427، 7: 375، 397، 8: 8 بنو عامر بن عبد مناة بن كنانة 6: 156 بنو عامر بن لؤي 4: 276، 7: 287 بنو عامر بن مالك 7: 398 بنو عائذة 7: 375 بنو العباس 1: 328، 422، 425، 2: 30، 423، 474، 489، 3: 10، 24، 198، 4: 219، 243، 5: 114، 138، 141، 163، 197، 199، 224، 231، 6: 291، 8: 143، 169، 252، 311، 9: 46، 148، 149، 319، 374 بنو عبد الأشل 9: 249 بنو عبد الأشهل 2: 241، 7: 381 بنو عبد الدار 3: 109، 7: 369 بنو عبد شمس 2: 362، 390، 3: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 339 206، 4: 38، 65، 5: 187، 197، 8: 385، 9: 260، 261 بنو عبد القيس- عبد القيس بنو عبد الله 3: 428، 429 بنو عبد المدان 3: 430، 4: 36، 5: 98، 6: 398، 8: 347 بنو عبد المطلب 2: 401، 3: 418، 6: 239، 263، 7: 166، 9: 167 بنو عبد مناف 2: 211، 213، 390، 3: 110، 6: 226، 7: 164، 369، 8: 14، 9: 169، 184 بنو عبس 2: 37، 39، 3: 125، 187، 404، 423، 4: 43، 310، 5: 96، 118، 7: 24، 183، 226، 227، 8: 226 بنو العبيد 3: 33 بنو عبيد 3: 12 بنو عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم 7: 383 بنو عجل 3: 17، 203، 247، 5: 142، 7: 25، 80، 8: 190، 9: 179، 427 بنو العجلان 3: 410، 5: 100 بنو عدس 5: 98 بنو عدس بن زيد 8: 348 بنو العدوية 3: 428 بنو عدي 4: 15، 5: 192، 447، 7: 369، 9: 171، 192 بنو عدي بن عبد مناة 9: 351 بنو عدي بن كعب 3: 35، 9: 169 بنو عدي الرباب 5: 65، 7: 373 بنو عذرة 6: 203، 204، 7: 375 بنو عرينة 6: 407 بنو عصية 7: 397 بنو عقيل 2: 428، 5: 48، 104، 128، 6: 153، 8: 284 بنو عكل 3: 84، 255، 4: 324، 5: 100، 132، 200، 235 بنو علقمة 3: 429 بنو علي بن أبي طالب- آل علي بنو عليم بن جناب 2: 237 بنو عمرو 4: 237، 7: 287 بنو عمرو (من تغلب) 4: 99، 7: 366 بنو عمرو بن تميم 2: 100، 3: 391، 428، 4: 43، 5: 100 بنو عمرو بن شيبان بن ذهل 2: 178، 8: 242 بنو عمرو بن عامر 7: 379 بنو عمرو بن عوف 3: 35، 7: 213، 9: 65 بنو عمرو بن مبذول 9: 248 بنو عمرو بن معد يكرب 3: 430 بنو عمير 5: 124، 6: 387 بنو عميلة بن قاسط 7: 24 بنو العنبر 8: 281، 9: 385 بنو عنزة 2: 129، 299، 5: 99، 111، 7: 75، 178، 362، 9: 179 بنو عوف 2: 468، 5: 169 بنو عيلان 5: 100 بنو غاضرة 4: 267، 7: 201 بنو غالب 3: 205، 409، 4: 272، 7: 205 بنو غامد 9: 208 بنو غدانة 9: 196 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 340 بنو غدانة بن يربوع 2: 492 بنو غراب بن ظالم بن فزارة بن ذبيان بن بغيض 7: 388 بنو غزية 9: 199 بنو غسان (الغسانيون) 1: 257، 2: 468، 3: 430، 5: 100، 194، 447، 448، 7: 66، 96، 129، 374، 382، 384، 393، 8: 133، 230، 243، 9: 118 بنو غطفان 3: 369، 4: 43، 98، 367، 5: 102، 6: 211، 7: 26 بنو غفار 3: 93، 7: 289، 296 بنو غني 2: 65، 3: 409، 445، 4: 26، 5: 99، 103، 7: 195، 370، 401 بنو فاطمة 7: 232 بنو الفرات 9: 120 بنو فراس 6: 433 بنو فزارة 2: 465، 3: 250، 409، 4: 43، 5: 98، 116، 268، 6: 108، 211، 7: 46، 347 بنو فقعس 5: 64، 65، 7: 248 بنو الفقيم 5: 112، 129 بنو فهد 8: 135 بنو فهر 3: 205، 421، 4: 17، 22، 44 بنو فهر بن مالك 2: 45 بنو فهم 7: 348 بنو قترة 7: 347 بنو قحافة 2: 417، 7: 370 بنو قرط 5: 125 بنو قريع 1: 285 بنو قشير 6: 60، 7: 216 بنو قطن 4: 23، 7: 237 بنو قطن بن دارم 9: 239 بنو قمعة 7: 369 بنو قيس بن ثعلبة 2: 402، 405، 3: 17، 100، 402، 7: 372، 8: 244، 9: 179 بنو قيس بن عاصم المنقري 9: 192 بنو قيلة 6: 258 بنو القين 7: 89، 103 بنو القين بن جسر 3: 38 بنو قينقاع 8: 339 بنو كاهل 2: 419 بنو كعب 3: 407، 5: 99، 115، 7: 205، 8: 20 بنو كعب بن زهير بن جشم 5: 200 بنو كعب بن لؤي 7: 375 بنو كعب بن مالك بن حنظلة 8: 263 بنو كلاب 4: 44، 5: 99، 108، 6: 74، 7: 205، 337، 9: 276 بنو كلاب بن ربيعة 7: 375 بنو كلب 1: 257، 364، 2: 102، 305، 3: 12، 30، 288، 6: 129، 205، 208، 7: 84، 9: 195، 234، 325 بنو كليب 2: 101، 366، 3: 399، 5: 102، 113، 122، 7: 226 بنو كنانة 2: 425، 444، 484، 4: 18، 229، 6: 156، 7: 369، 374، 375، 397، 8: الجزء: 10 ¦ الصفحة: 341 403 بنو كنانة بن القين 6: 38 بنو كنعان 9: 354 بنو لأي بن شماس 6: 154 بنو لجيم 5: 119 بنو لهب 8: 15، 20، 22 بنو لؤي بن غالب 3: 441 بنو الليث 2: 341 بنو ماء السماء 3: 233 بنو مازن 2: 76، 321، 7: 111، 264، 9: 340 بنو مازن بن تميم 7: 12 بنو مازن بن النجار 7: 380، 381 بنو مالك 2: 435، 465، 4: 22، 43، 5: 441، 7: 287 بنو مالك بن جعفر 7: 400، 401، 402 بنو مالك بن حنظلة 3: 428 بنو مالك بن النجار 2: 109 بنو مجاشع 3: 428، 5: 104 بنو محارب 5: 65، 117، 8: 303، 9: 186 بنو مخزوم 1: 414، 2: 454، 3: 108، 5: 223، 7: 369، 8: 14، 215 بنو مخزوم بن يقظة 6: 43 بنو مخلد 4: 36 بنو مدركة 3: 428، 429، 7: 368 بنو مدركة بن خندف 3: 397 بنو مذحج 3: 291، 7: 16، 371، 8: 227 بنو مراد 1: 137، 3: 24، 7: 71، 364 بنو مرة 5: 95، 8: 342، 9: 195، 213 بنو مرثد 7: 393 بنو مروان 1: 182، 2: 30، 136، 303، 463، 473، 3: 153، 210، 410، 427، 4: 130، 5: 218، 230، 231، 6: 289، 7: 183، 8: 45، 9: 15، 417 بنو مزينة 2: 417، 6: 407، 7: 257 بنو مسعود 7: 381 بنو المصطلق 2: 474 بنو مضر 8: 15 بنو مضر الحمراء 7: 367 بنو مطر 2: 179، 311، 8: 51، 9: 329 بنو المطلب 3: 206، 208 بنو معاوية 2: 212، 3: 428 بنو معتب 4: 157 بنو معد 5: 368، 399، 429 بنو معد بن عدنان 9: 418 بنو معيط (المعيطيون) 5: 138، 7: 232 بنو المغيرة 8: 215، 216 بنو مفروق 3: 38، 39 بنو مقلة 6: 405 بنو مقلد بن يربوع 4: 95، 96 بنو مقيس 3: 208 بنو المنذر 6: 399، 9: 178 بنو منقر 2: 127، 149، 6: 215 بنو مهرة بن حيدان بن عمران بن قضاعة 3: 427 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 342 بنو المهلب 2: 351، 451، 4: 18، 38، 93، 5: 113، 7: 178، 9: 341 بنو ناجية 5: 85، 7: 376، 377، 9: 11، 12 بنو النار 9: 296 بنو نبهان 2: 214، 417، 3: 203، 7: 118 بنو النجار 5: 399 بنو ندبة 6: 407 بنو نزار 3: 426 بنو النزال 2: 466 بنو نصر 5: 103، 7: 342 بنو النضر 5: 76 بنو النمر 3: 16 بنو النمر بن قاسط 1: 396 بنو نمير 2: 216، 4: 32، 44، 5: 63، 64، 99، 130، 132، 7: 204، 205، 215، 344، 8: 309، 9: 350، 418 بنو نهد 3: 54، 7: 125، 343، 9: 95 بنو نهد بن زيد 8: 213 بنو نهشل 3: 428، 6: 95، 159، 8: 300 بنو نوفل 3: 36 بنو هاشم (الهاشميون) 1: 414، 423، 2: 28، 41، 80، 108، 134، 211، 342، 462، 3: 25، 108، 206، 208، 280، 281، 410، 414، 417، 418، 438، 439، 444، 4: 39، 65، 130، 211، 219، 277، 5: 85، 95، 117، 121، 172، 196، 197، 7: 182، 196، 209، 276، 8: 24، 45، 201، 241، 318، 9: 65، 87، 148، 181، 233، 260، 261، 285، 394، 454 بنو الهجيم بن عمرو بن ت ميم 9: 418 بنو هذيل 2: 411، 3: 35، 36، 256، 257، 444، 4: 64، 6: 145، 7: 27، 337، 346 بنو هزّان 2: 115 بنو هلال 4: 44، 9: 272 بنو هوازن 4: 43 بنو وا ث ل 3: 103 بنو وائل 2: 396، 5: 105، 391، 7: 213، 362 بنو الوحيد 7: 401 بنو يربوع 3: 37، 428، 4: 43، 5: 162، 7: 287، 419 بنو يشكر 9: 278 بنو يشكر بن بكر بن وائل 7: 366 بنو يعصر 3: 444، 445، 4: 33 بنو يعقوب 2: 246 بهراء 7: 17 ت التابعون 7: 166، 8: 186 تبع 3: 441 الترك- الأتراك تميم العراق 9: 187 تيم قريش 2: 271 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 343 ث ثقيف 2: 427، 428، 452، 456، 3: 293، 4: 305، 6: 177، 387، 7: 19، 26، 173، 184، 185، 342، 369، 8: 8، 9: 162، 213، 247، 318، 387 ثمالة 2: 147، 9: 340، 341 ثمو د 4: 338، 5: 209، 6: 253، 7: 24، 105، 184، 185، 256 ج جديس 5: 142، 7: 362، 363، 364، 368 جديلة 7: 118 ج ذ ام 7: 98، 237، 9: 385 جرم 2: 459 جرهم 3: 24، 205، 5: 142، 6: 32، 35 الجواثر 7: 392، 393 ح الحبطات 5: 99، 100 الحجازيون- أهل الحجاز الحرقة 8: 18 الحرورية 1: 72 الحسينيون 7: 230 الحمس 7: 369، 8: 8 حمير 2: 111، 3: 82، 8: 217، 9: 354، 401 الحنابلة 9: 46، 449 الحنظليون- بنو حنظلة الحواريون 2: 120، 3: 95، 129 خ خثعم- سعد الريث- الفزر 7: 344، 370 خزاعة 8: 268 الخزر 5: 137، 7: 405، 8: 141 الخزرج 2: 314، 5: 254، 6: 262، 7: 161، 380، 8: 93، 9: 248 الخلج 2: 337 الخوارج 1: 448، 464، 2: 423، 426، 427، 446، 447، 451، 484، 487، 488، 490، 494، 3: 11، 20، 23، 52، 304، 4: 138، 313، 7: 170، 185، 204، 217، 218، 8: 54، 65، 221، 238، 243، 244، 261، 288، 295، 9: 278، 308، 330 الخوارج الصفرية 8: 242 خولان 5: 225 د الدهاقون 5: 177 دوس 1: 396 الديش 7: 58 الديلم 6: 152، 9: 53 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 344 ذ ذو كلاع 2: 111 ذو مناخ 2: 111 ر الراوندية 1: 440 الرباب 2: 100، 3: 428، 7: 287، 9: 180 الروم 1: 147، 313، 2: 90، 102، 390، 423، 477، 478، 481، 482، 3: 317، 367، 438، 4: 143، 177، 299، 323، 5: 19، 24، 137، 376، 395، 7: 27، 96، 97، 108، 169، 179، 182، 226، 229، 404، 405، 8: 21، 55، 237، 241، 254، 295، 318، 9: 166، 170، 171، 172، 276، 324، 440 ز الز ط ّ 2: 101 الزنج 4: 177، 5: 365، 418، 440، 8: 213 س سخينة- قري ش السهميون- بنو سهم السودان 8: 187 السيابجة 2: 101 ش الشافعيون 9: 45 الشاميون- أهل الشام الشراة 2: 489، 4: 232، 9: 61، 390 الشعراء 2: 50 الشعراء الاسلاميون 5: 136 الشعراء الجاهليون 5: 136 شن 7: 88 الشيعة 1: 462، 463، 2: 34، 154، 212، 8: 250، 261، 288، 9: 456 شيعة ابن الزبير 9: 417 شيعة علي 9: 244 ص الصابئون (الصابئة) 1: 263 الصحابة 1: 63، 119، 121، 137، 138، 201، 237، 354، 359، 2: 29، 481، 482، 3: 311، 414، 4: 187، 5: 96، 307، 6: 287، 296، 7: 262، 352، 8: 80، 9: 171، 245، 263، 365 الصعاليك 8: 117 الصوفية 1: 222 ض الضباب 8: 257 الضجاعمة 7: 384 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 345 ط طابخة 3: 428، 7: 368 الطالبيون- بنو أبي طالب طبقة 7: 88 طسم 7: 102، 127، 362، 364، 368 الطفيليون 3: 377، 4: 288 الطلقاء 7: 164، 9: 170 طيء 2: 72، 173، 188، 189، 299، 3: 202، 437، 448، 449، 4: 56، 207، 6: 54، 7: 80، 111، 363، 364، 365، 8: 17، 26، 283، 9: 207 ع عاد 2: 156، 3: 24، 186، 441، 4: 338، 5: 142، 209، 6: 253، 433، 7: 20، 132، 298، 360، 8: 133 العباسيون- بنو العباس عبد شمس- بنو عبد شمس عبد القيس 2: 100، 440، 472، 495، 3: 159، 208، 293، 4: 339، 372، 5: 116، 7: 24، 25، 27، 78، 88، 125، 366، 377، 379، 393، 9: 178، 432 العجم (الأعاجم) 1: 298، 312، 343، 410، 2: 61، 62، 71، 88، 159، 247، 411، 458، 466، 3: 13، 17، 18، 54، 95، 110، 221، 414، 417، 439، 4: 112، 175، 221، 5: 448، 6: 294، 7: 180، 342، 352، 403، 404، 408، 410، 8: 11، 172، 9: 87، 181، 233، 316، 355، 418، 419 عدنان 4: 68 العراقيون- أهل العراق العرب 1: 121، 156، 260، 281، 304، 343، 364، 395، 410، 413، 428، 445، 465، 2: 22، 23، 28، 30، 38، 39، 45، 59، 62، 63، 71، 77، 93، 94، 102، 104، 129، 145، 146، 151، 152، 159، 173، 237، 245، 268، 271، 282، 286، 288، 300، 313، 316، 318، 320، 328، 337، 339، 344، 349، 358، 359، 393، 396، 398، 400، 411، 447، 452، 461، 463، 471، 472، 474، 479، 480، 484، 3: 12، 14، 15، 16، 18، 19، 24، 32، 33، 41، 53، 54، 55، 81، 85، 100، 108، 110، 111، 191، 203، 246، 247، 248، 259، 306، 317، 338، 341، 365، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 346 369، 390، 392، 397، 409، 412، 413، 419، 420، 422، 423، 428، 433، 442، 444، 4: 9، 20، 33، 42، 68، 80، 81، 83، 96، 145، 175، 214، 221، 268، 271، 299، 343، 349، 5: 96، 98، 99، 102، 110، 125، 127، 161، 173، 183، 184، 201، 241، 249، 265، 268، 376، 377، 428، 448، 6: 32، 38، 39، 41، 253، 259، 270، 271، 272، 294، 7: 8، 11، 12، 13، 16، 25، 26، 36، 49، 63، 67، 76، 77، 78، 99، 105، 107، 110، 112، 118، 123، 124، 125، 128، 141، 149، 161، 163، 164، 180، 198، 203، 204، 230، 244، 256، 270، 277، 304، 305، 311، 314، 318، 320، 325، 326، 331، 334، 337، 341، 342، 348، 349، 352، 354، 357، 360، 365، 368، 375، 382، 383، 391، 393، 394، 399، 401، 403، 404، 405، 406، 407، 408، 409، 410، 411، 412، 420، 8: 8، 9، 10، 12، 29، 33، 85، 90، 105، 117، 142، 143، 146، 163، 172، 213، 214، 216، 230، 232، 247، 268، 279، 281، 283، 316، 320، 321، 325، 330، 341، 345، 379، 380، 382، 9: 43، 95، 107، 108، 118، 124، 161، 164، 178، 181، 190، 193، 194، 202، 210، 214، 239، 241، 249، 276، 285، 315، 318، 346، 365، 377، 387، 393، 418، 444، 454 عضل 3: 35، 7: 58 العلوية (العلويون) 2: 50، 195، 212، 3: 58، 59، 8: 238، 9: 439 العمريون 2: 226 العمال ق ة (العماليق) 6: 243، 7: 68، 8: 163 العنابس 7: 371 غ غا ف ق 5: 254 الغسانيّون- بنو غسان غطفان- بنو غطفان ف الفراعنة 6: 243 الفرس 1: 294، 295، 376، 403، 406، 410، 2: 33، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 347 455، 482، 483، 3: 17، 175، 301، 302، 442، 4: 84، 299، 6: 270، 271، 315، 7: 333، 352، 368، 8: 32، 38، 90، 130، 141، 9: 164 فزارة- بنو فزارة الف ق هاء 2: 50 ق القابوسات 3: 412 القارة 3: 35، 7: 58 قحطان 7: 362، 8: 48، 254، 9: 418 القرامطة 4: 144 قريش (القريشيون) 1: 48، 134، 140، 412، 465، 2: 28، 42، 44، 80، 96، 107، 127، 129، 139، 152، 153، 211، 241، 271، 304، 326، 337، 338، 383، 411، 412، 426، 427، 443، 461، 473، 480، 485، 486، 493، 496، 3: 9، 19، 25، 30، 37، 39، 94، 96، 108، 110، 140، 203، 205، 206، 208، 271، 279، 282، 283، 307، 346، 401، 407، 419، 427، 432، 4: 12، 35، 38، 40، 44، 53، 65، 85، 124، 219، 251، 276، 371، 5: 53، 65، 82، 85، 96، 116، 140، 189، 227، 6: 32، 43، 172، 181، 183، 208، 225، 238، 254، 260، 280، 288، 7: 15، 19، 58، 92، 113، 159، 161، 168، 169، 173، 179، 181، 185، 196، 246، 287، 333، 349، 369، 374، 375، 376، 401، 8: 8، 13، 21، 29، 48، 71، 87، 172، 187، 211، 222، 228، 287، 297، 298، 301، 340، 343، 9: 11، 24، 25، 26، 46، 63، 72، 146، 147، 158، 159، 160، 164، 166، 167، 168، 169، 170، 181، 182، 191، 193، 229، 233، 256، 261، 285، 294، 372، 377، 387، 430 قريش العازبة 7: 377 قضاعة 3: 16، 32، 33، 428، 6: 36، 7: 17، 125، 362، 374، 9: 309 قيس 2: 298، 429، 448، 449، 465، 485، 3: 208، 250، 428، 444، 4: 43، 98، 99، 5: 64، 110، 6: 268، 7: 174، 226، 255، 286، 287، 383، 397، 8: 403، 9: 179، 188 قيس العراق 9: 187 قيس عيلان 3: 104، 409، 410، الجزء: 10 ¦ الصفحة: 348 4: 31، 33، 5: 100، 7: 333، 366 ا ل قيسية- قيس ك ك ن دة 2: 73، 3: 24، 71، 430، 4: 284، 7: 362، 8: 265، 9: 110 الكرد- الأكراد ل لخ م (اللخميون) 3: 430، 5: 444، 447، 7: 333، 382، 8: 243، 9: 385 م المالكيون 9: 45 المتكلمون 9: 45 المجوس 1: 330، 3: 195، 288، 6: 315، 8: 316، 9: 295 المحدثون 5: 136، 7: 8، 263، 314، 8: 405، 9: 17، 45، 131، 343، 445 المخضرمون 7: 8 مدركة- بنو مدركة مذحج- بنو مذحج مراد- بنو مراد المرجئة 9: 456 المسلمون 1: 43، 56، 81، 83، 126، 129، 131، 135، 136، 139، 146، 147، 148، 189، 190، 204، 310، 317، 326، 347، 352، 411، 412، 416، 424، 425، 431، 447، 448، 457، 2: 23، 93، 101، 105، 228، 269، 323، 334، 354، 401، 420، 421، 456، 457، 481، 487، 3: 9، 298، 332، 352، 355، 362، 5: 108، 444، 7: 176، 185، 216، 237، 254، 262، 265، 268، 277، 8: 79، 143، 198، 223، 227، 228، 233، 244، 254، 280، 292، 294، 310، 361، 9: 15، 37، 81، 115، 147، 148، 153، 154، 155، 168، 169، 170، 171، 177، 178، 179، 180، 187، 188، 191، 236، 246، 248، 263، 275، 276، 278، 407، 455، 461 المشركون 1: 121، 326، 2: 214، 446، 464، 481، 9: 81، 162، 178، 180، 248، مضر 2: 28، 410، 484، 3: 320، 412، 426، 428، 444، 449، 4: 39، 229، 272، 273، 5: 109، 137، 7: 330، 349، 366، 397، 413، 418، 8: 103، 184، 300، 9: 238 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 349 المط ي بو ن 3: 206، 7: 369 المعاهدون 1: 156 المعتزلة 7: 263 معد 2: 101، 3: 422، 435، 4: 215، 234، 7: 125 المعيطيون- بنو معيط المغاربة 5: 294، 7: 299، 8: 111 المغيرية 2: 449 الملكية 3: 367 المنذرات 3: 412 المهاجرون 1: 104، 120، 2: 93، 3: 328، 420، 4: 59، 5: 186، 187، 6: 256، 258، 268، 7: 160، 161، 163، 164، 165، 166، 197، 208، 217، 239، 397، 8: 30، 41، 186، 9: 153، 170، 183، 212، 236، 248، 309 المهالبة- بنو المهلب الموالي 2: 447، 9: 197، 285، 418 ن النبيط 5: 177 النخع 3: 431، 4: 20، 7: 185، 8: 227 نزار (نزار بن معد) 2: 66، 4: 209، 233، 7: 362 النسابون 5: 114 النصارى 1: 161، 426، 3: 92، 195، 201، 341، 367، 368، 4: 78، 5: 107، 287، 385، 7: 180، 8: 45، 47، 230، 244، 316، 9: 43، 407، 455، 461 النعمانات 3: 412 هـ هاشم- الهاشميون- بنو هاشم همدان 3: 222، 223، 7: 364، 9: 369 الهند (الهنود) 4: 299، 6: 223، 270، 8: 141 هوازن 5: 110، 188، 9: 161 ي اليعاقبة 3: 367 اليمانية- أهل اليمن اليمن (قبيلة) 3: 428 اليهود 1: 161، 371، 426، 2: 446، 3: 195، 5: 107، 6: 28، 7: 170، 8: 83، 106، 316، 9: 164، 167، 168، 461 الجزء: 10 ¦ الصفحة: 350