الكتاب: الأوراق قسم أخبار الشعراء المؤلف: أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله الصولي (المتوفى: 335هـ) الناشر: شركة أمل، القاهرة عام النشر: 1425 هـ عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الأوراق قسم أخبار الشعراء الصولي الكتاب: الأوراق قسم أخبار الشعراء المؤلف: أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله الصولي (المتوفى: 335هـ) الناشر: شركة أمل، القاهرة عام النشر: 1425 هـ عدد الأجزاء: 3   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] [ مقدمة الجزء الأول ] [ مقدمة رئيس التحرير ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تعريف - 1- عزيزى القارىء.. تقدم لك الذخائر هذه المرة (قطعة) من تاريخنا الأدبى المطعّم دائما بالسياسة، هذه (القطعة) هى كتاب (الأوراق) للصولى (أبوبكر محمد بن يحيى ت 335 هـ) . هذا الكتاب يلف رحلته شىء من (الدرامية) - إن جاز التعبير- فقد ذكروا أن المؤلف لم يتمّه، كما أن الأجزاء التى أنجزت منه لم يتم تحقيقها بالكامل. ومع ذلك فقد دفعت قيمة الكتاب التى نوه بها القدماء، كما نوه بها الذين اطلعوا على بعض صفحاته من المحدثين.. أقول: دفعت قيمة الكتاب ذلك العاشق القادم من الغرب- من انجلترا على وجه التحديد- إلى أن يتحمل مشقة تحقيق ما تيسر له من أجزائه، هذا العاشق هو محققه الأستاذ ج. هيورث. دن، الذى شده ما سمع عن الكتاب من أساتذته من المستشرقين وأصدقائه من المصريين، كما لفتته طرافة مادة الكتاب، فانتهز فرصة قدومه إلى مصر معلما للغة الإنجليزية- وضع خطا تحت كلمة (الإنجليزية) - فهو لم يأت كواحد من المستشرقين لتدريس العربية أو بعض الموضوعات التى يعنى بها المستشرقون، وإنما قدم لتدريس الإنجليزية، وعلى الرغم من ذلك فقد انتهز فرصة وجوده فى مصر وحصوله على نسخة القطعة المتبقية من الكتاب ليشرع فى تحقيقه وتقديمه إلى القراء، ليبصروا عيانا ما سبق أن نوّه به سماعا. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 5 - 2- المادة الأدبية فى الكتاب- وعمادها الشعر- كلها لمحدثين عبّاسيّين سواء كانوا من البيت العباسى- خلفاء وأبناء خلفاء- أو كانوا من غيرهم؛ والأحداث السياسية كلها أبطالها عباسيون- سواء من العرب أو غير العرب- والكل مثير ولافت، سواء الشعر أو الأحداث السياسية أو الأشخاص الذين أسهموا فى صنع تلك الأحداث. من هذه الزاوية يعد كتاب الأوراق وثيقة أدبية وتاريخية لاغنى عن قراءتها لكل من يهمه تاريخ الأدب العربى، وقبل هذا لكل من يهمه تاريخ هذه الأمة العربية التى بقدر ما نعمت بعهود من التوحد والقوة عانت عهودا أطول من التفكك والهوان. - 3- قدّم الأستاذ المحقق ثلاثة أجزاء من الكتاب على مدى سنوات 1934، 1935، 1936، هى- وفقا لترتيب طباعتها: قسم أخبار الشعراء، أخبار الراضى بالله والمتقى لله، أشعار أولاد الخلفاء. كلمات المؤلف- الصولى- فى مطلع الجزء الثانى- أخبار الراضى والمتقى- تنص على أنه فرغ قبله من أخبار الخليفة القاهر (320- 322 هـ) [انظر ص 1] بينما تشير كلمات المحقق إلى وجود جزء تاريخى آخر يتناول أخبار خليفتين سابقين على القاهر، هما: المكتفى بالله (289- 295 هـ) والمقتدر بالله (295- 320 هـ) ، وقد وعد المحقق بالبدء فى طبع هذا الجزء التاريخى بعد الجزء الخاص بأشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم [انظر صفحة (د) من مقدمة المحقق لأشعار أولاد الخلفاء] لكن يبدو أن حائلا حال دون ذلك، فبقى الكتاب- فيما نعلم- قاصرا على هذه الأجزاء الثلاثة التى الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 6 نقدمها اليوم لقراء الذخائر، بنفس الترتيب الذى قدمها به الأستاذ المحقق، وإن كانت القرائن تدل على أن ترتيب تأليفه كان مختلفا. - 4- عزيزى القارئ.. كم أتمنى أن يكون قد لفتك وصفى لمحقق الكتاب الأستاذ (ج. هيورث. دن) بأنه (ذلك العاشق القادم من الغرب) ، كم أتمنى أن تسألنى عن سر هذا الوصف، وأقول لك: إجابتى شرطها أن تقرأ كلمات الرجل فى وصف حماسته للسفر إلى مصر شوقا إلى رؤية مخطوط (الأوراق) والعمل على تحقيقه ونشره. يقول: «ظللت أتحين الفرص التى تذلل لى الطريق إلى مصر، وكنت كما قال الشاعر: أعلّل النفس بالامال أرقبها ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل وحدث أن اختارتنى وزارة المعارف فى مصر مدرسا للغة الإنجليزية، فكان هذا الاختيار الغاية التى لا مطلع وراءها، ووقع من نفسى (مواقع الماء من ذى الغلة الصادى) . وطبعا لم يكن ثمة ما يحبب إلىّ مثل هذا الاختيار سوى أنه يتيح لى نشر الكتاب، وكما يقول المتنبى: ولو لم يكن فى مصر ما سرت نحوها ... بقلب المشرق المستهام المتيّم لقد جاء هذا النص فى مقدمته للجزء الأول- قسم أخبار الشعراء (صفحة د) - واصفا- كما قلت- حماسته لإخراج الكتاب، ولقد أخرج جزءه الأول ثم جزءه الثانى (أخبار الراضى والمتقى) ، وها هو ذا فى مقدمته للجزء الثالث يشعر بالامتنان للذين نوّهوا بعمله فى الجزئين ثم حثوه على إخراج جزئه الثالث، يقول: «لم تكد المطبعة الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 7 تفرغ من إصدار القسم الثانى المشتمل على أخبار الراضى بالله والمتقى لله.. ولم تكد النسخ الأولى منه تصل إلى أيدى العلماء حتى انثالت علىّ الرسائل، بعضها فرح مستبشر بمضيّى فى إظهار ذلك القسم وسابقه، متفائل بالنجاح فى إخراج كتاب الأوراق، وبعضها يطرى عملى فيه وعنايتى به.. ولم يكن حظى من الذين قرأوا الكتاب ولم يكتبوا إلىّ، بأقل من حظى من أولئك الأفاضل الذين قرأوا الكتاب وكتبوا إلىّ، بل كان حظى من بعضهم أوفى وأجل، فهم لم يكتبوا إلىّ فحسب، إنما ملأوا الدنيا كتابة فى الصحف وإذاعة فى المذياع» . [مقدمة أشعار أولاد الخلفاء. صفحة أ، ب] . أذكرك- عزيزى القارئ- بأن النصين اللذين قرأتهما للتوّهما لرجل غير عربى، تعلم العربية هناك فى مدرسة العلوم الشرقية بلندن، وقد يكون هناك- إلى جانب الدراسة- ما ساعده على إجادتها، ومع ذلك يظل هو الرجل صاحب اللسان الآخر، الذى لم يرضع العربية من ثدى الأم كما يقولون، يكتب العربية بهذا المستوى الرائع، ويضمّن نصه الأول بيتين ونصف البيت من الشعر تضمينا محكما واقعا موقعه من سياق الكلام، وأنا أحيلك على المقدمات التى صدّر بها الأجزاء الثلاثة التى نشرها من الكتاب، وهى صفحات قليلة، ولكنها تؤكد إلى أى مدى كانت العربية طيّعة لقلمه- وهو الغريب عنها، القاطن فى بلد لا يتكلمها- هذا فى الوقت الذى يتلوّى فيه أبناؤها تحت دعوى صعوبتها، ويعتذرون- أولا يعتذرون- عن الخطأ فيها، وربما جعلوا ذلك الخطأ مدعاة للفخر والتباهى بأنهم من دارسى اللغات الأجنبية، أو أنهم غير مختصين بالعربية. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 8 - 5- ألست معى- عزيزى القارئ- فى أننى وأنت- إن كنت منتميا مثلى إلى هذه الأمة- فى أننا معا من أمة حار فى فهمها المنجمون؟، هى الأمة التى ضحكت من (حالها) الأمم، الأمة التى فيها من المضحكات المبكيات ما لا يحصى، وإن كان أشدّها مدعاة للضحك- أو للبكاء، سيان- تنكّر أبنائها للغتهم والتباهى بعدم إتقانها، بل وبالجهل بها، وليتهم وقفوا عند هذا الحد، حد استشعار القصور فى أنفسهم، ومحاولة ستره، ولكنهم تجاوزوا هذا الحد إلى انتقاد اللغة، فهى- مرة- قاصرة، ومرة صعبة، ومرة فيها تزيّد فائض عن الحاجة!! ما وجه القصور؟ يجيبون القصور عن ملاحقة التطور العلمى بعدم الاشتمال على المصطلحات اللازمة لمجاراة هذا التطور! ناسين أن اللغة نتاج حضارى وأن غناها وفقرها- فى مجال المصطلحات خاصة- إنما هو انعكاس لغنى أو لفقر الحضارة التى أنتجتها، وأن الحضارة التى تنتج (المسمّيات) هى التى تحمل اللغة على تقديم (الأسماء) ، أما الحديث عن الصعوبة فكلام مرسل، وكل لغة لها بنيتها الخاصة فى الاشتقاق والتصريف وتعلق الكلمات بعضها ببعض وعناصر الربط بينها عند الإضافة، فضلا عما يقدّم وما يؤخر. ويأتى حديث الزيادة أو الفائض الذى لا لزوم له.. فلا لزوم للإعراب ولا لزوم لنون النسوة ولا لزوم للتثنية- يكفى المفرد والجمع- ولا لزوم للجملة الفعلية- تكفى الجملة الإسمية- لماذا؟ لأن هذه الظواهر لا وجود لها في بعض اللغات الأخرى الحديثة المتطورة!! وليس هذا مكان النقاش، ولكنى فقط أذكر بمبدأ أساسى يجب أن نقر به: إنّ من الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 9 الخطأ الفادح قياس بنية لغة على بنية لغة أخرى، هذا مرفوض بالنسبة لكل اللغات، ولو كان للنقاش والمقارنة مكان هنا لذكرت كثيرا من الظواهر فى بعض اللغات الأخرى مما يمكن الجدل حول جدواها، لكن ليس هذا هو المكان المناسب. وإنما أقول لأصحاب هذه الأفكار ممّن أصابتهم عقدة الخواجة: إننى على يقين من أنه لو كان الأمر بالعكس، أى لو كان الإعراب وعلامة التأنيث- أقصد نون النسوة- والتثنية والجملة الفعلية موجودة فى بعض اللغات الأخرى دون العربية لأصبح الموقف- فى تصورى- مختلفا ولوقفتم تهاجمون العربية لخلوها من هذه الظواهر، التى كانت ستكون عندئذ خصائص تدل على رقى اللغة التى توجد فيها ودقتها وحرصها على التفريق بين النوعين وعلى إبراز الفارق المعنوى بين الجملة الفعلية والإسمية.. إلخ. هذه- أيها السادة- هى الحقيقة: إننا نأتمر- ربما لا شعوريا- بأوامر من خارجنا، أوامر- قد لا نكون على وعى بها- تجعلنا عبيدا للإحساس بالدونية، ومن ثم للتقليد، وإلا فلو كان الأمر أمر صلاحية للاستمرار لوجبت التحية لتلك اللغة التى ضربت الرقم القياسى فى طول عمرها بين اللغات الحية، ولعد طول العمر هنا دليلا على الحيوية والمرونة والقابلية للتطور، لا مظهر عجز وشيخوخة لا وجود لهما إلا فى أذهان القائلين بهما. معذرة- عزيزى القارئ- إذا كنت قد أقحمت عليك هذا الموضوع.. وإنما جر إليه التداعى.. التداعى بالتناقض بين جمال العربية التى كتب بها الرجل الغريب عنها، الأستاذ (ج. هيورث. دن) وهو يقدم تحقيقه لكتاب (الأوراق) للصولى، وركاكة اللغة التى يتحدث بها- متباهين- بعض أبنائها، مضيفين إلى ذلك الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 10 اتهامها بالصعوبة والتخلف، زاعمين لأنفسهم الحق والقدرة على إجراء ما يرونه من عمليات البتر والترقيع مما يسمّونه تطويرا. أما العربية فإنى أسمعها تردد بلسان الشاعر القديم: وكم جاهل بى وهو يجهل جهله ... ويجهل علمى أنّه بى جاهل عبد الحكيم راضى أغسطس 2004 الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 11 محقق الكتاب الأستاذ/ ج. هيورث. دن لم نستطع الوصول إلى معلومات تساعدنا على التعريف بمحقق الكتاب، سوى ما ذكره هو عن نفسه فى مقدمته للجزء الأول من أنه درس فى مدرسة العلوم الشرقية بلندن، وأنه قدم إلى مصر منتدبا من وزارة المعارف المصرية لتدريس اللغة الإنجليزية، وواضح من كتابته أنه كان يجيد العربية إجادة كاملة تدعو إلى الإعجاب وأنه كان مشغوفا بكتاب الأوراق للصولى بعد ما سمعه عنه من أساتذته فى أوروبا ومن أصدقائه فى مصر مما جعل تحقيق الكتاب هو هدفه الأول من هذه الرحلة. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 13 مقدم هذه الطبعة الأستاذ الدكتور منير عبد القادر سلطان- تخرج فى كلية الآداب- جامعة الإسكندرية 1962- حصل على الدكتوراه فى الآداب من نفس الكلية 1971- عين مدرسا للنقد والبلاغة بكلية البنات جامعة عين شمس 1975- تدرج فى مناصب هيئة التدريس بالكلية- تولى رئاسة قسم اللغة العربية بها من 1994- 1997- حاليا أستاذ النقد والبلاغة بالكلية. - أعير إلى أكثر من جامعة عربية بالسعودية وقطر- أشرف على عديد من رسائل الدكتوراه والماجستير كما شارك فى مناقشة العديد منها، وفى تقويم الأعمال العلمية المقدّمة للجان للترقية. من مؤلفاته: - إعجاز القرآن بين المعتزلة والأشاعرة- الإيقاع الصوتى فى شعر شوقى الغنائى- بديع التراكيب فى شعر أبى تمام- الكلمة والجملة- الصورة الفنية فى شعر المتنبى- ابن سلّام الجمحى وطبقات الشعراء- المرزبانى والموشح الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 15 تقديم د. منير سلطان أولا: أبوبكر الصّولى (255- 5/336 هـ) يقدّر للرجل أن تكون حياته صورة منتزعة من أحداث عصره، هو نتاج ونتيجة، وهى منبع ومصبّ، وإذا استعرضنا حياة الصولى أيقنّا أنه من العسير على مثله أن ينسب إلى عصر غير عصره، ومن الطبيعى لمثل عصره أن يفرز رجلا كمثله، وإن لم يكن، تكون نواميس الطبيعة قد خرقت، وطبائع الأشياء قد انحرفت. والصولى هو رجلنا الذى سنجلس إليه (1) والعصر العباسى الثانى فى بغداد هو عصرنا الذى سيكون مرآة نرى فيه الصولى ونراه فى الصولى، مع احتفاظ كل منهما بخصائصه. ذلك العصر (247- 334 هـ) (2) الذى بدأ بمقتل خليفة، وانتهى بسمل خليفة، المتوكل قتل بيد ابنه وولى عهده، والمستكفى سمل بيد معزّ الدولة البويهى. وبدخول البويهيّين بغداد انتهى عصر سيطرة الأتراك على بغداد، وبدأ عصر سيطرة الفرس، وقد كانوا مسيطرين فى العصر العباسى الأول، واضطرّ المعتصم أن يكثر من الأتراك ليخفف من ضغط الفرس حتى تحول العنصر التركى إلى كابوس، فجاء معز الدولة البويهى ليعيد النفوذ للفرس، أما عن العرب فكانوا يجلسون فى صالة المسرح يتفرجون، ويدفعون الثمن من قوتهم ودمائهم، وقد كانوا فى الدولة الأموية هم أبطال الملحمة، وكانت هذه العناصر مصنفة تحت قائمة العبيد والموالى ثم تغيرت الأدوار (3) . الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 17 العصر هنا بمعنى الحقبة الزمنية ذات الأحداث المتشابهة، والتى وقعت فى مكان محدد، لأسباب محددة، نتائجها متوقعة، وهى أحداث ولد الصولى بعد ثمانى سنوات من بدايتها، وعاش سنة أو سنتين قبل نهايتها. كان من الممكن أن يكون أبو بكر الصولى شاعرا أو كاتبا (4) أو نحويا (5) أو فقيها (6) أو إخباريا (7) أو موسيقيا (8) أو منجّما (9) أو مهندسا (10) أو نديما (11) ولكنه آثر أن يكون كلّ هؤلاء، أن يكون عدّة رجال فى رجل، محيطا بكل شيء، وليس متخصصا فى شيء، فالمتخصص فى علم ما، أو فن ما هو: الذى يضيف إضافة لتخصصه، وتكون له فيه علامة، ولا يمكن للدارسين أن يتجاوزوه إذا تذاكروا الفائقين فى علم ما، أو فن ما، أما الموسوعى فهو: الذى يسبح فى فضاء المعارف ولا يغوص، يتعمق ولا يبعد، وإن ابتعد لا يغيب، ويجسب له أنه جمع فأوعى، وسمع وروى وحفظ ودرى، فتحول إلى وعاء امتلأ علما يشفى غلة الصادى، ويروى ظمأ الملهوف، لكن ليس له مجال تخصص يقف فيه، وهكذا كان الصولى، هو نتاج طبيعى للعصر العباسى الثانى فى بغداد. وأعلم أنه سيتبادر إلى الذهن فورا أعلام كبار فى حضارتنا الإسلامية، فالمدائنى (215 هـ) ترك حوالى سبعة وثلاثين ومئتى كتاب (12) ، والجاحظ (255 هـ) ترك مكتبة معروفة، وكذا ابن قتيبة (276 هـ) ، والطبرى (310 هـ) ، وأبو حيان التوحيدى (400 هـ) وغيرهم كانوا موسوعيين وكانوا صورة منتزعة من عصورهم، مثل الصولى، ولكنهم تميزوا عنه بأنهم تجاوزوا عصورهم بتراثهم، فصاروا صالحين لكل العصور، وكان لهم من الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 18 تكوينهم العلمى والاجتماعى والثقافى والنفسى ما ساعدهم على ترك علامة بل علامات فيما تناولوه من علم أو فن، فأضافوا أفكارا، وغيروا مفاهيم، وكان لهم امتداد على يد تلاميذهم، وهنا يختلف الصولى. كان الصولى على أهميته البالغة نتاجا لعصر هو نفسه نتيجة لأحداث وقعت فى عصر بل عصور سابقة عليه، أحداث كان لها أثرها الدامى فى جسد الأمة الإسلامية منذ أن قتل عثمان بن عفان إلى أن جاءت الدولة الأموية التى تعصبت للعرب، والدولة العباسية الأولى التى تعصبت للفرس، ثم الدولة العباسية الثانية التى قامت على أكتاف الأتراك، فأخذوا يجرون عربة الدولة العباسية فى المنحدر إلى أن وصلت بهم إلى القاع، ليجدوا رءوسهم تحت أقدام معز الدولة البويهى، وتفتّتت الإمبراطورية إلى دويلات وإمارات، ولا حول ولا قوة إلّا بالله. الصولى غير المدائنى، غير الجاحظ وابن قتيبة، والعصر الذى ظهر فيه الصولى ما كان بحاجة إلى أعلام أفذاذ مثلهم يتجاوزون العصور، ويقفزون فوق أسوار الزمن، كان بحاجة إلى من يرصد أحداثه، ويصور فساده، ويحكى تناقضاته، وينظر بالبصر والبصيرة إلى أحوال العلم والعلماء، والدين والفقهاء، والأدب والأدباء والسياسة والساسة، والتقلبات المذهلة، والأوضاع الغريبة، ولم لا؟ والمجتمع- فى ظل هذه الفتن والاضطرابات والقلاقل- تحول إلى مجتمعات داخل مجتمع، الخليفة والقصر والأمراء والوزراء مجتمع، والقادة والجيش مجتمع، والعلماء والفقهاء والأدباء مجتمع، والتجار والصّناع مجتمع، وعامة الشعب مجتمع، والعبيد مجتمع وهكذا، دوائر تحكمها الطبقية الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 19 الغليظة، تتعامل مع بعضها حسب قوانين معلومة، وتتعامل مع غيرها وفق قوانين متفق عليها، وعادة ما تحدث الاضطرابات حين يختل النظام وتتداخل القوانين، وتنتهك الحدود، وهذا هو- فى رأيى- سر ظهور أسماء لامعة فى العصر العباسى الثانى فى كل فن وعلم بالرغم من الفوضى التى نراها بالعين المجردة من الخارج، ومن ثمّ لا تدهش لكثرة العلماء والفقهاء والفنانين بالرغم من الخلل الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والأخلاقى الصارخ الذى كانوا يعيشون فيه. إن اطلاعا سريعا على كتاب العصر العباسى الثانى لأستاذنا الدكتور شوقى ضيف يرينا كيف كانت الحركة العلمية تأليفا وترجمة فى كل العلوم العربية والدينية والفلسفية والطبيعية، وكيف كان زحام العلماء وطلاب العلم فى المساجد والمجالس الأدبية، وكيف كان تشجيع الخلفاء والوزراء والأسر الموسرة للعلم والعلماء، حتى ليخيل إلينا أننا فى أوج العصر العباسى الأول (13) والحقيقة أن العصر العباسى الثانى أضاف إضافاته، واجتهد اجتهاداته، وترك علاماته، إنها سر عظمة الحضارة الإسلامية، أن تستمر شعلتها مضيئة حتى فى الظلام الدامس. ثانيا: كتاب الأوراق بين أيدينا تحفة أدبية تاريخية نقدية لها أثرها البالغ، وقيمتها الفريدة، قطعة من تاريخنا وشخصيتنا وحضارتنا جديرة بالتوقير، والفخر، والتقدير، تلك هى كتاب (الأوراق) للصولى. هذا نحن ... ، وهذا تراثنا ... الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 20 وقد قام بتحقيقه المستشرق الجليل ج. هيورث. دن، تلميذ المستشرق الكبير هـ. أ. جب، وقد صدرت الأجزاء الثلاثة المتاحة منه على مدى سنوات 1934، 1935، 1936. ويشير المحقق إلى أن المظنون أن هذا الكتاب يقع فى خمسة أجزاء أو ستة، وأن الموجود منه أربع مجلدات متفرقة فى عدة مكاتب (14) ثم يعلن عن عزمه على طبع القسم الخاص بأخبار المكتفى بالله والمقتدر بالله. (15) فالكتاب لم يتم بعد بالنسبة لنا، والنديم- المعروف خطأ باسم ابن النديم- فى الفهرست يقول: إن الصولى لم يتمه (15) ، أى أنّ نقصين قد اجتمعا على الكتاب: نقص من الصولى، ونقص من إهمالنا لتراثنا. أ- وعنوان الكتاب الأوراق يحدثنا عنه النديم بعد تقديمه للصولى قائلا: الصولى: محمد بن يحيى بن العباس الصولى، من الأدباء الظرفاء، والجمّاعين للكتب، نادم الراضى، وكان أولا يعلّمه، ونادم المكتفى ثم المقتدر دفعة واحدة، وأمره أظهر وأشهر، وعهده أقرب من أن نستقصيه، وكان من ألعب أهل زمانه بالشطرنج. (16) حسن المروءة، مات سنة ثلاثين وثلاثمئة. (17) ، وتوفى مستترا بالبصرة لأنه؛ روى خبرا فى علىّ عليه السلام، فطلبته الخاصة والعامة لقتله، وله من الكتب: (الأوراق فى أخبار الخلفاء والشعراء) ولم يتمه، والذى خرج منه، أخبار الخلفاء بأسرهم وأشعار أولاد الخلفاء وأيامهم، من السفاح (18) إلى أيام ابن المعتز وأشعار من بقى من بنى العباس ممن ليس بخليفة، ولا ابن خليفة لصلبه، وأول ذلك شعر عبد الله بن على، وآخره شعر أبى أحمد الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 21 محمد بن إبراهيم بن عيسى المنصور، ويتلو ذلك أشعار الطالبييّن، ولد الحسن والحسين، وولد العباس بن على، وولد عمر بن على، وولد جعفر بن أبى طالب، ثم تلا ذلك أشعار ولد الحارث بن عبد المطلب، وبعده أخبار ابن هرمة ومختار شعره، أخبار السيد الحميرى ومختار شعره، أخبار أحمد بن يوسف ومختار شعره، أخبار سديف ومختار شعره، وهذا الكتاب عوّل عند تأليفه على كتاب المرثدى فى الشعر والشعراء. (19) ، بل نقله نقلا وانتحله انتحالا، وقد رأيت دستور الرجل (20) فى خزانة الصولى، فافتضح به بعد ذلك ... (21) ولو وصل إلينا كتاب المرثدى المسمى ب أشعار قريش لاستطعنا أن نحدد مدى إفادة الصولى منه وساعتئذ سأوافق النديم على ما ذهب إليه، مع ملاحظة ذكرها عنه ياقوت الحموى وابن حجر العسقلانى وهى أنه: كان شيعيا معتزليا، يسمّى أهل السنة (الحشويّة) ويسمّى الأشاعرة (المجبرة) ويسمى كل من لم يكن شيعيا (عاميا) (22) ، فالصولى بالنسبة للنديم ضمن الفئة الثالثة: عامّى. أقول سأوافقه على أن الصولى قد نقل كتاب أشعار قريش للمرثدى، فهل نقل عنه أشعار أولاد الخلفاء؟ وأشعار الراضى والمتقى وأخبارهما؟ وهب أنه فعل، فأين ذوق الصولى فى اختيار الأشعار؟، وثقافته فى المفاضلة؟ وخبرته فى النقد؟ يبدو أن النديم لم يكن على وفاق مع الصولى، ودليلى فى الفهرست. (23) وقد قرأت كتاب الفهرست كله باحثا عن سابق للصولى أو لا حق، قد الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 22 ألّف كتابا سمّاه الأوراق فلم أجد سوى أبى عبد الله محمد بن داود بن الجراح (296 هـ) ، قد ألّف كتابا سماه الورقة (24) ويقول د. عبد الوهاب عزام محقق الكتاب ومعه الأستاذ عبد الستار فراج (25) : قيل إن ابن الجراح سمّى كتابه الورقة لأنه؛ التزم فيه أن يترجم لكل شاعر ورقة واحدة، وليس معنى هذا أن التراجم سواء فى طولها، فالكتاب يشهد بغير هذا، بعض التراجم فى النسخة بين أيدينا أربع صفحات وبعضها ثلاث، وبعضها صفحة، وبعضها أقل، وأكثر التراجم نحو صفحتين ... ، لعله أراد أنه: كتاب مختصر، معظم تراجمه لا تزيد على ورقة، وإن كان بعضها أكثر وبعضها أقل، ويؤيد هذا أنه بعث بالكتاب رسالة إلى ابن المنجم. (26) ولماذا لا يكون ابن الجراح قد رسم أن تكون كل ترجمة فى ورقة لا تتجاوزها وحين استمر فى الكتاب أجبرته المادة التى جمعها أن يتجاوز الورقة؟ الأمر الذى تجنبه الصولى وسمى كتابه الأوراق، الأوراق فى الترجمة الواحدة، الأوراق فى التراجم جميعا؟ احتمال. ب- وتأتى قيمة كتاب الأوراق فى: 1- أن الصولى شاهد عيان على أحداث وقعت فى القصر، ومواقف حدثت بينه وبين الخليفة الراضى والمتقى والمكتفى والمقتدر، بل بينه وبين أشهر شعراء العصر كالبحترى وابن المعتز.. إلخ، مما يرقى بالكتاب إلى أن يكون وثيقة معتمدة لا ينال الشك منها بسهولة. 2- أن الصولى يلزم نفسه بأن يقول ما لا يعرف، وأن يدّون فى كتابه من الأخبار غير المتداول عن الخليفة والخلافة، أو عن الشعر الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 23 والشعراء، أو عن اللهو والمجالس، أو عن القرارات الحاسمة التى تصدر من قصر الخلافة تمس الدولة وحياة الناس، مما زاد من قيمة الكتاب وجعله مصدرا أساسيا فى موضوعه. 3- أن الصولى يلتزم الصدق فى الرواية، فليس الصولى الذى يكذب وهو من هو؛ ذو المكانة والأهمية، والاعتداد بالنفس والعلم والأصل لدرجة الغرور، وكسب الأعداء والحساد. 4- أن الصولى يمثل نبض العصر العباسى بتقلباته السريعة، واستقراره المؤقت، وتعايش المتناقضات فيه، فى حياة الدولة وحياة الفرد. 5- أن أسلوب الصولى يعتمد على القص والحوار، وتصوير الأبطال، وكشف خفايا النفوس، وتعرية المسئولين من خلفاء إلى أمراء إلى وزراء إلى قوّاد إلى سائر رجال البطانة والقصر، ومعهم النساء والعبيد والجوارى، فالكتاب تصوير عن قرب لما يحدث وراء الكواليس، ورصد للقيم والمبادئ، عاليها وسافلها. 6- أن منهج الكتاب امتداد للاتجاه الذى بدأه ابن المعتز فى الاحتفاء بصناع الحياة، فى الرئاسة والعلم والفن، فطالما نظر المؤلفون إلى الخلف من امرئ القيس إلى ابن هرمة، وتحدثوا كثيرا عن عمالقة الماضى، فأين الذين يشكلونها الآن، إنه اتجاه مقابل للاتجاه المحافظ: اتجاه اللغويين والنقاد الذين يتعصبون للقديم، ويزورّون عن الجديد لأسباب أقنعوا بها أنفسهم. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 24 7- لو فرّغنا كتاب الأغانى من نصوص الصولى، وكذا كتاب الموشح والمعجم للمرزبانى لما بقى لهم فى كتبهم الكثير. وليس هما فقط فغير الأصفهانى والمرزبانى توجد قائمة من ياقوت الحموى والشريفين: (الرضىّ والمرتضى) ، والقالى وابن عبد ربه وابن رشيق.. إلخ. ج- أجزاء كتاب الأوراق: أريد أن استعرض مع القارئ الكريم أجزاء كتاب الأوراق، ولكن ليس إلا بعد أن أناقش مسألة شكلية. فالكتاب فى طبعته البيروتية قد وضع العنوان فيه هكذا: أخبار الشعراء المحدثين من كتاب الأوراق لأبى بكر محمد بن يحيى الصولى المتوفى سنة 335 هـ وتحت هذا العنوان وصف المجلد الأول، أمّا المجلد الثانى فكان: أخبار الراضى بالله والمتقى لله، أو تاريخ الدولة العباسية من سنة 322 هـ إلى سنة 332 هـ من كتاب الأوراق لأبى بكر محمد بن يحيى الصولى المتوفى سنة 335 هـ، والمجلد الثالث كان: أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم من كتاب الأوراق لأبى بكر محمد بن يحيى الصولى المتوفى سنة 335 هـ، وأقول: 1- إن الذى بين أيدينا أجزاء وليست مجلدات مستقلة. 2- إن عنوان الكتاب- طبقا لرواية النديم- الأوراق يقول: الأوراق فى أخبار الخلفاء والشعراء، ولم يتمه، والذى خرج منه.. فتكون كلمة الأوراق أولا، ثم يكتب تحتها أخبار كذا..، وأشعار كذا.. الجزء الأول، أو القسم الأول، وهكذا. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 25 3- إن المنطقى أن يخرج الصولى للناس- وهذا ما قاله النديم- أخبار الخلفاء، وهى الأخبار التى يجيدها الصولى، والتى فيها طرافة، وإليها تشوّق، ولها إغراء، لما فيها من غرائب كانت خافية عن الجمهور، أما أن يقدّم أول ما يقدّم الجزء الخاص بأخبار الشعراء المحدثين، وقد احتلوا مكانتهم فى قلوب الجمهور وعلى رفوف المكتبات، منذ ابن المعتز (296 هـ) إلى وقت الصولى، فأمر غير منطقى. 4- الجزء الذى وعد المحقق أن يعده للطبع، وهو القسم الخاص بأخبار المكتفى بالله (289- 295 هـ) ، والمقتدر بالله (295- 320 هـ) ، كان يجب أن يقدّم فى التحقيق على الجزءالذى قدّمه فى أخبار الراضى والمتقى، ليكون الترتيب هكذا: كتاب الأوراق أخبار المكتفى بالله والمقتدر بالله لأبى بكر الصولى (336 هـ) الجزء الأول كتاب الأوراق أخبار الراضى بالله والمتقى لله. لأبى بكر الصولى (336 هـ) الجزء الثانى الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 26 كتاب الأوراق أشعار أولاد الخلفاء لأبى بكر الصولى (336 هـ) الجزء الثالث كتاب الأوراق أخبار الشعراء المحدثين لأبى بكر الصولى (336 هـ) الجزء الرابع هذا، وسوف أتناول الأجزاء الثلاثة المتبقية من الكتاب وفقا للترتيب الذى ذكرته، وهو- كما نرى- الترتيب الفعلى للكتاب، بصرف النظر عن ترتيب صدورها فى الطبعة التى يعاد تصويرها فى سلسلة (الذخائر) أولا: أخبار الراضى بالله والمتقى لله يقع هذا الجزء فى خمس وثمانين ومئتى صفحة، وبه مقدمة للمحقق، بها وصف للمخطوطة، وكلمة شكر وثناء، ومكان وتاريخ كتابتها لندن فى العاشر من يونيو من عام 1935 م ثم صورة ورقة من نسخة المخطوطة المحفوظة بمكتبة شهيد على بالآستانة. وبدأ الكتاب هكذا بسم الله الرحمن الرحيم تحتها: أخبار الراضى بالله وبعدها مباشرة يقول الصولى: قال أبوبكر محمد بن يحيى، قد فرغنا الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 27 والحمد لله من ذكر أخبار القاهر والأحداث فى أيامه، ونحن نذكر الآن بيعة الراضى بالله، وما كان من أمره والأحداث فى أيامه إن شاء الله (27) ، والنديم يقول: كتاب (الأوراق فى أخبار الخلفاء والشعراء) ، ولم يتمه، والذى خرج منه: أخبار الخلفاء بأسرهم،.. مما يدل على أن الكتاب ضخم، ويقع فى أجزاء عديدة، حتى ولو لم يتمه الصولى. وهو ليس كتابا فى التأريخ بالمعنى الدقيق للتأريخ، ولكنه تسجيل لأحداث عاصرها الصولى، لها أهميتها، تسجيل انطباعى ليس وراءه فلسفة تهتم برصد الأسس العامة التى بنيت عليها الدولة الإسلامية، والثوابت التى تأصلت فى حياة الأمة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عهد الدولة الأموية فالعباسية، والمتغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية والعلاقات الدولية، والتيارات المتشابكة والتطورات المتلاحقة فى الداخل والخارج.. إلخ، مما تلتقطه- فى العادة- عين المؤرخ المدرّب، كتاب الأوراق بأجزائه التى وصلت إلينا، أخبار بالمعنى الدقيق للكلمة، رصد لأحداث حدثت بالفعل، قام به رجل أديب كاتب بارع يمارس الشعر وليس بشاعر له علامة فارقة، لا هو ولا الخليفة الراضى الذى حرص على نقل قطعة كبيرة من شعره على حروف الهجاء من الألف إلى الياء، بالإضافة إلى غيره من الخلفاء ولا استثنى منهم سوى ابن المعتز. نظم الشعر شيء، ولو كان جيدا، وإبداع الشعر الذى له صوته الخاص، وروحه الخاصة، وتفرده وغرابته وتوحشه أيضا شيء آخر، ولهذا فرّق النقاد بين مطلق الشعراء وفحول الشعراء. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 28 الإضافة التى تجعلنا نتمسك بكتاب الأوراق وندع كتابا آخر فى تاريخ ما ذكره الصولى، أننا نقرأ كتابا بقلم أديب يسجل الترعات الإنسانية الدفينة لأناس كتب على أحدهم أن يكون خليفة، أو أميرا، أو وزيرا أو نديما..، فطفحت منهم الأنا الحقيقية بما فيها من سوء وشذوذ، وحب وكره، وحقد وسماحة، وتكالب وزهد، إنهم أبطال مسرح الحياة، بعد أن انتهى دورهم من فوق خشبة المسرح السياسى، إنهم بشر. ستقرأ لأديب يجعلك تلمس ما يدور فى ردهات القصر كأنك جالس فى القصر، وتقرأ ما يدور فى الشارع وفى البيوت وفى نفوس الناس كأنك مواطن عباسى بغدادى يعيش القرن الرابع الهجرى. ثانيا: أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم يقع هذا الجزء فى ثلاث وثلاثين وثلاثمئة صفحة، نظرا لكثرة من سيتحدث عنهم الصولى، ويقول فى مقدمته: قال أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس الصولى: قد فرغت من أشعار الخلفاء وأخبارهم [مما يؤكد كلامى فى ترتيب الكتاب] وهذه أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم ثم نتبعهم بأشعار سائر بنى العباس، ثم نتبع ذلك بأشعار ولد أبى طالب، ثم أشعار من بقى من بنى هاشم، إن شاء الله وفى الهامش تعليق من المحقق يقول فيه: ما وجدنا فى النسخة الخطية إلّا أشعار أولاد الخلفاء، وقليلا من أشعار بنى العباس (28) . لقد تآزر على كتاب الصولى مشاغله وتقلبه بين حالتى الغنى الفاحش، والفقر المدقع، وضيق وقته، وتغير مزاجه، بالإضافة إلى إهمالنا فى حق تراثنا. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 29 وإذا كنت قلت فى الجزء الأول من أخبار الخلفاء إنها ليست تاريخا بل هى أخبار، فإننى أقصد إلى أنها الأخبار التى صنعت التاريخ، والأحداث التى شكلت الدولة العباسية، وهى لحمة التاريخ وأساسه، وأصل بضاعته، ثم تأتى الرؤية والمنهج ومتطلبات الدراسة التاريخية. وليس الهدف من كتاب أشعار أولاد الخلفاء سرد أبيات شعر لمن لا يتوقع منه أنه يقول الشعر، لكن الهدف: 1: تسجيل شعر لمبدعين لا يتوقّع منهم أن تكون لهم علاقة بالفن فما أولاد الخلفاء والفن؟! يقول لنا الصولى: إنهم بشر وعرب، بشر لهم وجدان، وعرب لهم حسّ فنى، جدهم الأكبر امرؤ القيس. 2: يريد الصولى أن يرينا: كيف كان يوظّف الشعر فى المناسبات الحساسة، والمواقف المصيرية، وكيف كان ينقل الأفكار والآراء ويحسم المشكلات. 3: يرينا كذلك الأحداث الخفية، التى يعجز المؤرخون عن الوصول إليها، وإن عرفوها لا يقدروا خطورتها وأثرها فى تحريك مصائر الأمور. 4: يرينا مدى رفاهية ذوق أولاد الخلفاء، فى اختيار الكلمة والجملة والعبارة، والصورة والمجاز والكناية، وأحيل القارىء الكريم إلى أشعار عليّة بنت المهدى وأخت الرشيد وأخبارها. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 30 5: إن الصولى يسلط الأضواء على هذه الطبقة التى يصعب الوصول إليها من عامة الشعب وخاصتهم، ليقول لنا: إن هؤلاء الخلفاء وأبناءهم ومن حولهم ليسوا غلاظا شدادا كما يظهرون أمامكم، فمنهم الفنانون، والمرهفو الحسّ، والمفلقون فى الشعر، وهذا ابن المعتز نموذجا واضحا على هذا. وبمناسبة ذكر ابن المعتز الشاعر الناقد وموقف الصولى من شعره، فقد امتدت رفقة الصولى له تسعا وثمانين ومئة صفحة، من ص 107 إلى ص 296، مما يكاد يكون كتابا مستقلا. ونقل من شعره ما يكاد يغطى ديوانه كله، ويقول أستاذنا الدكتور/ شوقى ضيف فى حديثه عن ديوان ابن المعتز وتوجد منه مخطوطة برواية الصولى بدار الكتب المصرية (29) ، فهل هذا الجزء منها، أو هو هى؟! لست أدرى. فى هذا الجزء يحدثنا الصولى عن أبى عبد الله محمد بن أبى العباس السفّاح، وأبى إسحاق إبراهيم بن المهدى، وعن أبى القاسم هبة الله بن إبراهيم المهدى، ثم عن عليّة بنت المهدى وأخبارها حديثا ليس بالقصير، ثم عن عبد الله بن موسى الهادى، وأبى عيسى بن الرشيد وغيرهم، إلى أن يتوقف عند ابن المعتز وقفة تطول، ثم يفتح فصلا جديدا فى أمر من بقى من بنى العباس ممن ليس بخليفة ولا ابن خليفة، وبهم ينهى الكتاب. أعلام ما كنا نسمع بالكثير منهم أو عنهم، رجال ونساء، شعراء وشواعر، ما دارت أسماؤهم على ألسنتنا، نعم للشهرة نصيب، فليس من الضرورى أن تكون عبقريا لتصير مشهورا، لكن من الضرورى أن تتهيأ الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 31 لك من الظروف والعوامل التى لا دخل لها بالعبقرية ليجرى اسمك على كل لسان، ويوضع فى الظل أقوام أقل ما يقال فيهم: إنهم عباقرة لكنهم غير محظوظين. وهذا ما حدث لحشد كبير من شعراء الدولة العباسية، فوجدوا أمثال الصولى ينتزعهم من الظل ويسلط عليهم الأضواء. ثالثا: أخبار الشعراء المحدثين: ويقع فى خمس وخمسين ومئتى صفحة، وللشعراء المحدثين نصيب من اهتمام الصولى هم: أبان بن عبد الحميد اللاحقى وحمدان بن أبان اللاحقى، وعبد الله بن عبد الحميد اللاحقى، وإسماعيل بن بشر بن المفضل اللاحقى، واستغرق هذا منه ثلاثا وسبعين صفحة، ثم انتقل إلى أخبار أشجع السّلمى، وأعاد ما فعله من استرسال مع شعر الخليفة الراضى، والخليفة بن المعتز، فاستمر مع أشجع ثلاثة وخمسين صفحة محاولا استقصاء أخباره ومختار أشعاره، ثم انتقل إلى أخى أشجع السّلمى: أحمد بن عمرو معطيا إياه ستّ صفحات ليتسلم الوزير الكاتب أحمد بن يوسف وزير المأمون، مستمرا معه ومع أبنائه وابن أخته أحمد بن سلمة الكاتب إلى نهاية الكتاب. والمنهج الذى اتّبعه الصولى فى كتابه: الأوراق هو منهج الدوائر أو الطبقات الاجتماعية أو الفنية. فثمة دائرة الخلفاء، ثم دائرة أولاد الخلفاء، ثم دائرة الشعراء الكتاب الوزراء، ثم الشعراء الكتاب.. إلخ، وفى داخل الدائرة يلزم نفسه بالتجانس، فالخلفاء قبيلة، وأبنائهم قبيلة، والأسرة الشاعرة قبيلة، وكل قبيلة لها الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 32 مترلتها، وقيمتها الفنية، كأن الإبداع يورّث!، أو له نصيب من الإطار الاجتماعى والاقتصادى، والفكرى الذى يولد فيه الفنان، وهذه النظرة الطبقية نابعة من طبيعة عمل الصولى فى القصور، وليس هذا هو السبب الوحيد لتأليف كتاب الأوراق، لكنه المنهج الذى ألزم به نفسه، حتى إنه ليضيق به ذرعا، ثم يقبله خضوعا للخطة التى وضعها، فأبو عبد الله محمد ابن أبى العباس له شعر قليل، وما كانت له أن تفرد له ترجمة (30) ، وكذا أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن المهدى، يقول فيه: وهذا وإن لم يكن ابن خليفة يعدّ فى الخلفاء، فإنّا جئنا به بعقب ذكر أبيه، كما شرطنا فى الرسالة التى فى صدر هذا الكتاب، أنّا إذا ذكرنا شاعرا فكان فى أهله شعراء، ذكرناهم جميعا بعقب ذكره، ليكون أمرهم أقرب إلى ملتمسه، فأجرينا هذا على ذلك (31) وعلى هذا الشرط وضع عبد الله بن موسى الهادى (32) ، وأبا عيسى بن هارون الرشيد (33) ، وعبد الله بن محمد الأمين (34) ، وفى جزء الشعراء المحدثين، ومع أحمد بن أبى سلمة الكاتب يقول: جئت بأحمد هذا فى جملتهم؛ لأنه ابن اختهم، ولأن أحمد أول اسمه ألف، وهو شاعر مليح الألفاظ، دقيق الفطنة، مقلّ. (35) هذا هو الصولى، الذى كان له منهج منضبط فى الرواية، فرواياته لا بد أن تتصل بالأسانيد، وما كان يأخذ رواية عن صحفى، ولا يدس بخرافة فى رواية، ولا يروى إلّا الجديد، أو ما يظنّ أن الأدباء وعامة الشعراء بحاجة إلى معرفته، وكان أمينا فى نقله، صادقا فى حسه حتى على نفسه، له لفتاته الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 33 النقدية، فكان ينتقد بعض الشعر الذى يرويه- حتى لنفسه- ويعتذر عن إيراده لولا حاجة المناسبة إليه. هذا هو الصولى، الذى طوّف ما طوّف فى ساحة القرنين الثالث والرابع الهجريّين، قرنى العصر العباسى الثانى فى بغداد، وروى الخبر، والشعر، والفكاهة، مدركا بوضوح أنه يكتب للأجيال المقبلة التى ستبحث عن الحقيقة، وتريد أن تعرف ما حدث من أفواه مشاهير، ومن أدعى إلى الثقة من رجل كان نديما لصنّاع القرار، وكان أديبا شاعرا ناقدا، كاتبا فذا، فكتب ضمن ما كتب كتاب الأوراق وها نحن نقلب صفحات الأوراق لترداد لصاحبه إكبارا، وتقديرا، ولتراثنا إعجابا وتوقيرا. أ. د/ منير سلطان الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 34 الهوامش (1) انظر فى ترجمته: ابن العماد الحنبلى شذرات الذهب- 2/339، ط بيروت، المكتب التجارى للطباعة والنشر- والدّلجى (أحمد بن على) - الفلاكة والمفلوكون ص 103، أعيد نشره فى سلسلة الذخائر رقم 105 الهيئة العامة لقصور الثقافة- 2003 م، وابن خلّكان- وفيات الأعيان- 3/477- تحقيق د. إحسان عباس، ط بيروت 1972 م، وابن الأثير، الكامل فى التاريخ- 6/324 ط الأزهرية، القاهرة 1301 هـ- الأولى، السمعانى- الأنساب ص 357 ط لندن 1912 م، وابن الجوزى- المنتظم 6/359 ط حيدرأباد 1357 هـ- والمرزبانى- معجم الشعراء- ص 431- تحقيق عبد الستار أحمد فراج- أعيد نشره فى سلسلة الذخائر (رقم 93) بالهيئة العامة لقصور الثقافة 2003 م، اليافعى- مرآة الجنان- 2/319، ط حيدرأباد الدكن 1337 هـ-، اين الأنبارى- نزهة الألبّاء فى طبقات الأدباء- ص 343- ط حجر 1294 هـ، والمسعودى، مروج الذهب- 4/298، تحقيق الشيخ قاسم الشماعى الرفاعى، ط دار القلم، بيروت، الأولى- 1989 م، الأصفهانى- الأغانى- 10/43 ط المؤسسة المصرية للنشر والترجمة، بالإضافة إلى كتبه التى تناثرت فيها أخبار عنه، وعن أساتذته وكتبه وتلاميذه مثل: أخبار البحترى (المقدمة التى كتبها لشرحه ديوان البحترى) ، وأخبار أبى تمام (المقدمة التى كتبها لشرحه ديوان أبى تمام) وكتابه الأوراق وكتاب أدب الكتاب.. إلخ. (2) انظر فى تاريخ العصر العباسى الثانى فى بغداد: المسعودى، مروج الذهب- 4/121 وما بعدها، تحقيق الشيخ قاسم الشماعى الرفاعى، ابن تغرى بردى، ط دار الكتب- 1950 م، الطبرى- تاريخ الطبرى، ط دار المعارف، ابن طباطبا- الفخرى فى الآداب السلطانية، المطبعة الرحمانية بمصر، البغدادى- الفرق بين الفرق- ط محمد محيى الدين عبد الحميد، الديارات للشابشتى، الطبعة الثانية، الصابى (الهلال بن المحسّن) - كتاب الوزراء ط عيسى الحلبى- 1958 م، آدم ميتز- الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى ترجمة د. أبى ريدة، الطبعة الأولى، الشيخ محمد الخضرى- محاضرات الأمم الإسلامية، ط سنة 1921 م- الدكتور حسن إبراهيم حسن- تاريخ الإسلام السياسى والدينى والثقافى- مكتبة النهضة سنة 1946 م، عبد العزيز الدورى- دراسات فى العصور العباسية المتأخرة- ط بغداد.. إلخ. (3) يقول د. أحمد جمال العمرى- كان الصولى شاعرا (فحلا؟!) بين فحول عصره الأفذاذ، استطاع أن يقف بين هؤلاء المشهورين منافسا قويا، فهو شاعر جزل اللفظ متخير الكلمات، لا يجد مشقة فى الأوزان، ولا فى اختيار القوافى ... - أبوبكر الصولى، العالم الأديب النديم- ص 135، سلسة أعلام العرب رقم 101، ط الهيئة المصرية للكتاب- 1973 م، ولو خففنا من تحمس الصديق الفاضل- الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 35 رحمة الله- لشاعرية الصولى، لاستطعنا أن نقول: إنه شاعر انتشرت أشعاره فى كتبه، وبخاصة فى كتاب الأوراق أما الفحولة فموضوع آخر. (4) كتب الصولى فى النثر الفنى مثل: رسالة الصولى إلى مزاحم بن فاتك، وقد حقق هذه الرسالة ونشرها محققو كتاب أخبار أبى تمام وجعلوها مقدمة لأخباره، مع أن أخبار أبى تمام مقدمة لشرح الصولى لديوان أبى تمام، فكانت الرسالة توضع بعد أخبار أبى تمام وليس قبلها، والمحققون هم: محمد عبده عزام، وخليل محمود عساكر، ونظير الإسلام الهندى، من ص 3 إلى ص 56- منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت، الثالثة- 1980 م، وله رسالة إلى ابن أبى الساج أخبار الراضى ص 27، يقول: وكان ابن أبى السّاج فى هذا الوقت بواسط عازما على لقاء القرامطة، وكنت أنفذت إليه رسالة طويلة فى كتاب عملته له، أوصيه فيه بالمطاولة، وهى رسالة حسنة- قد سرقها الناس منى-، تجمع ضروبا من العلوم.، وله رسالة إلى القاضى عمر بن محمد يقول: ... ، وكانت له أشعار ملاح، وجوابات منى، قد أفردت لذلك كتابا فيه هذه الأشعار، وفيه رسالة عملتها فى وصف أبيه. ص 141 من أخبار الراضى بالله والمتقى لله- وله كتاب الغرر وهو عبارة عن أمال له. لعله أملاها على تلاميذه فى حلقات الدرس، يقول السمعانى: وكتبت جزءين من أماليه الحسنة عن شيخنا أبى منصور الجواليقى ببغداد- الأنساب ص 358، والنديم- الفهرست ص 222 ط التجارية. (5) له كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه- البغدادى- هدية العارفين، 2/38، ط أستانبول- 1955 م، وهو لإلمامه بعلم النحو ومدارسه، قام بإعراب دواوين الشعراء، وذكر بعض ما اختلفت فيه مدارس النحو، حتى وضعه القفطى ضمن أنباه نحاته- 3/223، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط دار الكتب- 1950 م. (6) له كتاب الشامل فى علم القرآن ذكر النديم أنه لم يتمه، ثم يقول: وللعلماء فى ذلك نوادر ليس هذا موضعها، الفهرست- 221، وله جزء الصولى فى الحديث جمعه الصولى من مرويات الحفاظ، ويقول الذهبى: وله جزء سمعناه سير أعلام النبلاء- 10/73، تحقيق صلاح الدين المنجد، إخراج معهد المخطوطات العربية، وذكر الصولى أن له كتبا فى الحديث- أخبار أبى تمام ص 62. وله كتاب العبادة الفهرست للنديم ص 221- وكتاب رمضان وكتاب سؤال وجواب رمضان الفهرست 221. 7- مؤلفات الصولى الإخبارية ذات شقين، شق يتصل بالتأريخ السياسى، وآخر بالتأريخ الأدبى وتراجم الشعراء، وفيما يتصل بالتأريخ السياسى: ألّف الصولى مجموعة منها: الجزء الذى يتصل بتأريخ الخلفاء والدولة العباسية من كتاب الأوراق، كتاب الوزراء، كتاب القرامطة، كتاب خبر الجمل، رسالة فى فضل أبى بكر محمد بن طغج، كتاب مناقب على بن الفرات وأما ما يتصل بالتأريخ الأدبى، فله الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 36 تراجم مجموعة كبيرةمن الشعراء المحدثين، وما لدينا منها أخبار أبى تمام، وأخبار البحترى، وأخبار الشعراء المحدثين، وأشعار أولاد الخلفاء، والمفقود منها كثير. (8) - قد استمد الصولى معرفته للموسيقى والغناء، ومعرفة الألحان وإيقاعاتها- من الحفلات التى كانت تقام فى قصور الأمراء والخلفاء ومن اتصالاته بالمغنين والملحنين (أخبار الراضى- 46) ، ويقول د. أحمد جمال العمرى- رحمة الله-: وقد اشتهر الصولى بأنه كان يعرف الغناء ويجيده، ويعرف أضربه وفنونه ومقاماته..، ويعرف مراتب المغنين والمغنيات، وليس أدل على ثقافة الصولى الموسيقية من تأليفه كتابا عن إسحاق الموصلى (وفيات الأعيان لابن خلكان- 3/477) ، أكبر المغنين فى العصر، جمع فيه أخباره ومؤلفاته- أبوبكر الصولى ص 96. (9) - لم تنته ثقافة الصولى عند الأدب واللغة والفقة والموسيقى، بل إنه اطلع أيضا فى علم الكواكب والنجوم، وما كتب عن الكسوفات والخسوفات وما أتت به الروايات والتنبؤات، وكان يربط دائما بين ما اطلع عليه ودرسه، وبين الأحداث المحيطة به، فحين قتل المتقى لله سنة 333 هـ، ربط الصولى بين مقتله وبين ما جاءت به الرواية من ناحية، وما حدث من كسوفات فى الكواكب من ناحية أخرى، يقول: وما أعجب ما اتفق له من صحة الأخبار فيه، جاءت الرواية أن عمر الحادى والعشرين من الخلفاء أقل من ثلثى عمر الذى كان قبله، وأكثر من نصفه، فكان كذلك، وذكر بليناس فى كتابه الذى ذكر فيه الكسوفات، وهو كتاب قديم، قد ألف فى قديم الدهر أمر ملك بابل فقال: وأنا أحكى لفظة من كتابه، ومن طلب هذا الكتاب، وجد ما ذكرته فيه على ما شرحته، إن شاء الله، قال بليناس: أخبار الراضى- 283. (10) - ذكر ابن تغرى بردى أن الصولى نبغ فى علم الهندسة، وأن هذا العلم انتهى إليه- لأنه شارك فى وضع دعائمه وأصوله- النجوم الزاهرة 3/296. (11) - النديم- بأوسع معانيها- هو الأديب، ذلك الذى يجمع بين مختلف العلوم- (من كل بستان زهرة) - فيكون عالما وفقيها وكاتبا وشاعرا، ملما بأنواع الثقافات السابقة والمعاصرة، ملما بالعديد من العلوم كالفلك والطب والنجوم والطرد والقنص، ولعب الصوالج، والشّطرنج، والموسيقى، والغناء، ولا تقف ثقافته ومعلوماته عند هذه الثقافات، بل لابد أن تتوافر فيه، وتجتمع له ألوان أخرى من الشمائل الخلقية مثل: الدماثة واللين والصبر واللباقة وحسن التصرف، قادرا على التكيف حسب ما تقتضيه الظروف والأوضاع، مرنا، يتشكل ويتلون بشكل وميول مجالسيه من الخلفاء والأمراء والوزراء، ذكيا، سريع الخاطر، لمّاحا، يستشف الأفكار، يكتم الأسرار، لا يخطئ، ولا يتلجلج، ولا يترلق ... وهل كان الصولى إلّا كل هؤلاء فى رجل واحد!؟ انظر كشاجم- أدب النديم- ص 3 ط بولاق سنة 1298 هـ، وابن عبد ربه- العقد الفريد- 1/265 تحقيق أحمد أمين وآخرين، ط مصر 1940 م، وانظر د. أحمد الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 37 جمال العمرى- أبوبكر الصولى- 117 وما بعدها. (12) - النديم- الفهرست- 153. (13) - د، شوقى ضيف- العصر العباسى الثانى- الحياة العقلية من ص 115 إلى 179. (14) - مقدمة تحقيق أخبار الشعراء المحدثين صفحة واو. (15) - النديم- الفهرست- 221- ويقول الزر كلى فى كتابه الأعلام: اشتهر صاحب الترجمة (يتكلم عن النديم) بابن النديم، إلّا أن محقق طبعة الفهرست فى طهران (شعبان- 1391 هـ) رضا تجدّد، نبه إلى أنه هو النديم لا ابن النديم وصوّر الصفحة الأولى من مخطوطة نفيسة فى شيستربتى جاء اسم الكتاب فيها الفهرست للنديم وعلى هامشها من اليمين بخط المؤرخ أحمد بن على المقريزى ما نصبه: مؤلف هذا الكتاب أبو الفرج محمد بن أبى يعقوب إسحق بن محمد بن إسحق الوراق، المعروف بالنديم- الأعلام- 6/29. (16) - يقول النديم فى الفهرست: الصولى له كتاب الشّطرنج النسخة الأولى وكتاب الشّطرنج النسخة الثانية. (17) - لا أميل إلى الأخذ هذا التاريخ، ولا سنة (خمس وثلاثين وثلاثمئة) تاريخا لوفاة الصولى، وأميل إلى الأخذ بالسنة التى ذكرها المرزبانى تاريخا لوفاة الصولى وهى ست وثلاثين وثلاثمئة، فالمرزبانى من أكبر تلاميذ الصولى يقول عنه: شيخنا رحمة الله تعالى، نادم المكتفى بالله، فكان واسع الرواية، حسن الحفظ للآداب، والافتنان فيها حاذقا بتصنيف الكتب، ووضع الأشياء فى مواضعها، وله أبوّة حسنة، كان جده صول وأهله ملوك جرجان، ثم رأس أولاده بعده فى الكتابة، وتقلّد الأعمال الجليلة السلطانية، وتوفى أبوبكر بالبصرة سنة ست وثلاثين وثلاثمئة، وشعره كثير، فمنه ... - معجم الشعراء- 431، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، سلسلة الذخائر رقم 93، ط الهيئة العامة لقصور الثقافة- 2003 م. (18) - يقصد: أبا عبد الله محمد بن أبى العباس السفاح ابن أبى العباس السفاح، أول خلفاء بنى العباس وتوفى سنة ست وثلاثين ومئة، وجاء بعده أخوه أبو جعفر المنصور- انظر السيوطى- تاريخ الخلفاء- ص 256 وما بعدها، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية- الثالثة- 1964 م. (19) - عن المرثدى يقول النديم، هو: أبو أحمد بن بشر المرثدى الكبير، الذى كتب إليه ابن الرومى (283 هـ) ، وله من الكتب: كتاب أشعار قريش، وعليه عوّل الصولى فى الأوراق، وله انتحل، ورأيته بخط المرثدى- والفهرست ص 193. (20) - ظنى أنه يقصد ب دستور الرجل، أى: كتاب المرثدى الذى اتخذه الصولى عمدة له فى تأليف كتاب الأوراق. (21) - الفهرست- 221. الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 38 (22) - عن الأعلام للزركلى- 6/29، الذى رجع إلى: لسان الميزان للعسقلانى- 5/72، وإلى معجم الأدباء لياقوت- 6/408 (23) - فى حديث النديم عن جمع الصولى لشعر ابن هرمة يقول: وقد صنّفه ولم يأت بشىء، ص 233، وفى حديثه عن الخبز أرزى واسمه نصر بن أحمد بن مأمون من شعراء البصرة، يقول: رقيق الألفاظ غير بصير بصناعة الشعر، وقد عمل شعره على الحروف، ونحل إلى الصولى ص 246، ولا أدرى هل يقصد المدح، أى أن شهرة الصولى نسبت إليه كتاب الخبز أرزى حتى يروج بين القراء، وهذا أمر معروف فى عالم الكتب والوراقة فى التراث، كما هو حادث فى أيامنا هذه، أم يقصد القدح، أى أن الصولى صنع بكتاب الخبز أرزى صنيعه مع كتاب المرثدى؟!، على أية حال لم يكن الصولى يروق للنديم. (24) - النديم- الفهرست- 191 (25) - ط دار المعارف- سلسلة ذخائر العرب، رقم 291، الثالثة 1977 م (24) - الورقة- مقدمة التحقيق- ص 15 (27) - أخبار الراضى- ص 1 (28) - أشعار أولاد الخلفاء- ص 3 (29) - د، شوقى ضيف- العصر العباسى ص 325، ط دار المعارف. (30) - أشعار أولاد الخلفاء- ص 5 (31) - أشعار أولاد الخلفاء- ص 50 (32) - أشعار أولاد الخلفاء- ص 84 (33) - أشعار أولاد الخلفاء- ص 88 (34) - أشعار أولاد الخلفاء- ص 97 (35) - أشعار أولاد الخلفاء- ص 251 الجزء: م 1 ¦ الصفحة: 39 [ مدخل الجزء الأول ] إهداء الكتاب إلى استاذى العلامة هـ. ا. ر. جب الأستاذ بمدرسة العلوم الشرقية بلندن. إقرارا بفضله، وتحدثا بنعمته، إذ لفتنى الى هذا الكتاب النفيس وحبب الى إحياءه ونشره فى ابناء اللغة العربية والمستشرقين وكانت آراؤه نبراسا اهتديت بنوره حتى اتممت هذا العمل، فله منى شكر المنعم. ج. هيورث دن اول يناير 1934 الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 1 مقدمة الناشر ذكر صديق لى بمصر انه فى مثل هذا الشهر من العام المنصرم كان يسأل أستاذه العلامة أحمد أمين بكلية الآداب بالجامعة المصرية: أى المخطوطات العلمية أحق بالاحياء والنشر؟ فكان كتاب الأوراق لأبى بكر محمد بن يحيى الصولى فى صدر الكتب التى اختارها ودله عليها. وقريبا من ذلك العهد كان أستاذى النابغة (هـ. ا. ر. جب) فى مدرسة العلوم الشرقية يصف لى هذا الكتاب، ويحببه إلى، ويحثنى على نشره، ويبالغ فى امتداحه وتقريظه. وما كان يدور بخلدى أن فى الدنيا كتابا يستحق هذا الاطراء الذى كان الاستاذ جب يسبغه على كتاب الأوراق هذا، ويلبسه منه ثوبا فضفاضا. وأذكر اننى قبل ذلك كثيرا ما كنت ألمح تردد اسم محمد بن يحيى الصولى فيما قرأته من الكتب؛ لا فى كتب القدماء فحسب، لكن وفى كتب المحدثين من مؤلفى هذا العصر امثال الدكتور طه حسين والدكتور زكى مبارك والأستاذ كراتشكوفسكى فى مقاله عن الصولى بدائرة المعارف الاسلامية وكذلك الاستاذ بروكلمان فى كتابه تاريخ الأدب العربى الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 2 كنت اذ ذاك فى لندن وكانت كلمات الأستاذ جب هذه تلهبنى حماسة وتثير فى رغبة تكاد لا تخبو فترة من الزمن فى احياء هذا الكتاب ظللت أتحين الفرص التى تذلل لى الطريق الى مصر وكنت كما قال الشاعر: اعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل وحدث أن اختارتنى وزارة المعارف فى مصر مدرسا للغة الانكليزية، فكان هذا الاختيار الغاية التى لا مطلع وراءها ووقع من نفسى مواقع الماء من ذى الغلة الصادى وطبعا لم يكن ثمة ما يحبب إلى مثل هذا الاختيار سوى انه يتيح لى نشر الكتاب وكما يقول المتنبى ولو لم يكن فى مصر ماسرت نحوها بقلب المشوق المستهام المتيم وما إن وصلت إلى مصر حتى كنت أؤم دار الكتب المصرية، ثم إذا بى أقرأ هذه القطعة التى أتولى اليوم نشرها واستنسخ منها هذا الكتاب، ثم إذا بى أقابل صديقى محمد إسماعيل الصاوى واقص ويقص على ذلك النبأ السار عن الكتاب وشد ما كانت دهشتنا عظيمة مذ وقفنا على رأى عالمى الشرق والغرب، وإجماعهما على تفضيل هذا الكتاب، وجدارته بالطبع والاحياء. الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 3 وكان لهذا الاتفاق فى الرأى أطيب أثر وأجمله، اذ بعث فينا روحا قويا جديدا، صرفنى وصرفه معى إلى العناية الشديدة بتصحيح الكتاب ومراجعته، وطبعه بمطبعته وإنى لأشكر حضرة الدكتور طه حسين فقد كنا نلجأ إليه فى كثير من المعضلات أثناء تصحيح الكتاب كما أشكر حضرة الاستاذ أحمد أمين الذى تشرفت بالتلقى عنه بكلية الآداب فى الجامعة المصرية مذ كنت بمصر ثم حضرة مدير دار الكتب المصرية وامنائها الفضلاء الاستاذ على أفندى فكرى وخليفه افندى وفضيلة الاستاذ الشيخ محمد عبد الرسول لما أبدوه لنا من جميل المساعدة الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 4 وصف الأصل المخطوط هناك في دار الكتب المصرية قطعة خطية هي الجزء الأخير من كتاب الاوراق لإمام أهل الأدب أبى بكر محمد بن يحيي الصولى، نرجح أنها كتبت حوالى القرن السادس الهجري أي بعد عصر المؤلف بنحو قرنين تقريبا، كما نرجح أنها الأصل الوحيد في مكاتب العالم هذا الأثر النفيس عدت عليه الارضة ولم ترع ذمام الادب فيه، فأكثرت به من العيث والفساد، وأضاع تطاول العمر بعض أوراقه الأولى وقوض ما تماسك من البقية الباقية، اللهم إلا أوراقا قليلة استطاعت أن تصابر الدهر، وتثبت على تطاول العصر، تبعث في النفس شيئا من اللوعة والألم حينا، وكثيرا من الإجلال والإكبار أحيانا وأدركته عناية الله ورفق أولى البصر فى مكتبة دار الكتب المصرية فمنعوه إلا من الخاصة، واستنسخوا منه كتابا آخر كل ما نأخذها به أنها عهدت بكتابته إلى كاتب لاصلة بينه وبين المعرفة ولا نسب، فشوه ومسخ، وحرف وصحف. ومن قبل ذلك فى سنة 1249 هجرية انتسخت منه نسخة بخط محمد عبد الله الزمرانى، ورثتها مكتبة الازهر عن سليمان باشا أباظه، وهذه النسخة تكاد تكون قريبة من الأصل إهمال إعجام وكثرة خطأ، وكنا نظن أن ناقلها أدرك الأصل قبل أن تفسده الارضة مع اننا نعذر هؤلاء النساخ فليس خط الاصل الاول مما يسهل قراءته على العامة، فهى أولا تعرو من الاعجام إلا قليلا، وقد رسمت حروفها بطريقة متشابهة فمثلا الراء والدال والنون والالف واللام والكاف والواو والياء رسمت بشكل الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 5 واحد. والباء والفاء والميم والجيم والكاف اذا وقعت فى أول الكلمة كذلك ترسم بشكل متقارب، إلى زيادة حروف ونقصان أخري ووجود ثقوب من آثار العث كانت تخيل الينا كالنقط فوق الحروف، وأحيانا كانت تذهب بمعالم بعض الحروف ولعل ذلك هو ما دفع المسيو فوري الخورى حينما كلفه المسيو كريمسكى بنقل القطعة الخاصة بأبان بن عبد الحميد اللاحقى التى طبعها في روسيا سنة 1913 م الى أن يعتمد على النسخة الجديدة فنقله منها، ولذا وقع فى كثير من أخطائها ثم لما أراد وصف الاصل الذى نقل منه وصف النسخة القديمة. ومن أجل ذلك كانت مهمة تصحيح هذه القطعة من الخطورة بمكان ولقد استنفدت منا جهدا كبيرا، نرجو أن نكون موفقين فيه كتاب الأوراق وهل هذه القطعة التي ننشرها منه؟ وصف ابن النديم كتاب الأوراق فى كتابه الفهرست فقال «انه لم يتم والذي خرج منه أخبار الخلفاء بأسرهم، واشعار أولاد الخلفاء وأيامهم من السفاح الى أيام ابن المعتز أشعار من بقي من بنى العباس ممن ليس بخليفة ولا ابن خليفة لصلبه وأول ذلك شعر عبد الله بن على، وآخره شعر أبى أحمد محمد بن أحمد بن اسمعيل ابن ابراهيم بن عيسي بن المنصور، ويتلو ذلك أشعار الطالبيين ولد الحسن والحسين وولد العباس بن على وولد عمر بن على وولد جعفر بن أبى طالب، ثم تلى ذلك أشعار ولد الحارث بن عبد المطلب، وبعده أخبار ابن هرمة الشاعر ومختار شعره، أخبار السيد الحميرى ومختار شعره، أخبار أحمد بن يوسف ومختار شعره، أخبار سديف ومختاره» ويعده ابن خلكان فى ثبت مؤلفات الصولي، ولكنه يسميه كتاب الورقة ويذكر أنه جمع أخبار جماعة من الشعراء ورتبه على حروف المعجم وكلهم من الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 6 الشعراء المحدثين، كأنه يعتبر قسم أخبار الشعراء هذا كتابا آخر والمسعودي يذكره في مروج الذهب عنه فيقول «وكذلك سلك محمد بن يحيى الصولى فى كتابه المترجم بالأوراق فى أخبار الخلفاء من بنى العباس وبنى أمية وشعرائهم ووزرائهم» ومن زواية ابن النديم يتضح أن هذه القطعة من كتاب الأوراق فقد جاء فى نهايتها أنها آخر ما عمله الصولى. وهي بوضعها تدل على أنها تلى القسم الثانى من القطعة الثالثة الموجودة في الاستانة والمحفوظة صورتها الفتوغرافية فى دار الكتب الملكية والمظنون أن هذا الكتاب يقع في خمسة أجزاء أو ستة والموجود منه الآن أربع مجلدات مفرقة فى عدة مكاتب الأولى فى مدينة ليننغراد فى روسيا وتبدأ بحوادث سنة 226 الى 256 وهى بلا شك إن لم تكن أول الكتاب فهي أولى القطع التى وجدت حتى الآن والقطعة الثانية فى مكتبة الازهر تحت رقم 6737 أباظه وهى في 184 ورقة أولها الورقة الثالثة فيها بيعة المقتدر بالله 295 ثم أخبار سنة ست وتسعين ومائتين حتى سنة تسع وبها أخبار الحسين بن منصور المعروف بالحلاج وأخبار سنة عشر وثلاثمائة إلى ثمان عشرة وثلثمائه وكتب فى آخرها آخر الجزء الرابع ويليه الخامس ويلاحظ أن لفظة الرابع كانت الخامس كما أن الخامس كانت السادس اصلحهما كاتب في عصر متأخر عن عصر الكاتب الاول قليلا والقطعة الثالثة بالاستانة وقد نقلت منها صورة فتوغرافية الى دار الكتب الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 7 المصرية تحت رقم 3530 وتشمل قسمين الأول تاريخى وضعه على طريقته فى القطعتين الاولتين فيه أخبار الراضي بالله من 322 حتى سنة 333 واخبار المتقى بالله والقسم الثانى في أخبار الشعراء وأشعارهم خاصة وضعه على نظام هذه القطعة التى ننشرها اليوم به اشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم ثم أشعار سائر بنى العباس وأشعار ولد أبى طالب وأشعار من بقى من بنى هاشم والقطعة الرابعة وهي الأخيرة والتى ننشرها رتب فيها الشعراء المحدثين على حسب بيوتاتهم وأسرهم، فقد ذكر بيت اللاحقين وبيت أشجع السلمى وبيت أحمد بن يوسف والقاسم بن صبيح. وهذه القطعة أيضا مقسمة قسمين ذكر الصولى أنه رتب الشعراء فيهما على الحروف والذين أول أسمائهم ألف ولكنه لم يفعل وفى هذه القطعة تذكر أخبار أبان اللاحقى ومزدوجته التى نظم فيها كتاب كليلة ودمنة ولكنها غير تامة وبها أيضا قصيدته فى الصيام والزكاة. وقد جاء فيها ما يدل صريحا على أنها من كتاب الاوراق اذ قال الصولى «قد صرت من كتاب الخلفاء وهو كتاب الاوراق الى ذكر بعض الشعراء الذين أولهم الف الخ» وأهم ماعنى الصولى به فى هذه القطعة جمع الشعراء المغمورين وقد راعى الصولى الاحاطة بشعرهم وتساهل فى اختيار شعرهم لانهم مقلون فأما المشهورون من الشعراء فقد توخى فى ايراد شعرهم ناحية الاختيار ترجمة المؤلف هو أبوبكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول تكين المعروف بالصولى «1» ويذكر الخطيب أن له أبوة حسنة فان جده صول وأهله الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 8 كانوا ملوك جرجان ثم رأس أولاده بعده في الكتبة وتقلد الأعمال السلطانية وابن خلكان يوافقه على ذلك ولكنه يزيد ايضاحا فيقول «وكان صول وفيروز أخوين ملكا جرجان تركيان تمجسا وصارا أشباه الفرس فلما حضر يزيد بن المهلب بن أبى صفرة جرجان أمنهما فلم يزل صول معه وأسلم على يده حتى قتل معه يوم العقر» وهنا نلمح اضطرابا تاريخيا طفيفا فابن قتيبة يذكر فى المعارف أن الذي فتح جرجان انما هو المهلب بن أبى صفرة لا ابنه يزيد، وياقوت يذكر أن أول من أحدث بناء جرجان انما هو يزيد أى أنها لم تكن قد حدثت قبل ذلك الحين فكيف نتصور أنهم كانوا ملوكا فيها؟ ومهما يكن لهذا الخلف من أثر فالصولى أحد الفضلاء المشاهير العالمين بفنون الآداب، المحاضرين بأخبار الملوك وأيام الخلفاء ومآثر الأشراف وطبقات الشعراء نادم الراضى بالله وكان أولا يعلمه ونادم المكتفي بالله والمقتدر بالله، وكان مقربا من الخلفاء والأمراء مقبول القول عندهم وامتدحهم بجمل من الشعر رائعة وأرخ لهم كما أرخ لشعرائهم وكتابهم، وصنف لهم المؤلفات وكانوا يستظرفونه ويأنسون إلى حديثه. وهو يحدثنا أن المكتفى استصحبه فى سفرة سافرها للصيد وأنه كان يأكل بين يدي المكتفى بالله وينشده الاشعار، ولمهارته فى لعب الشطرنج يظن بعض مؤرخي الفنون والآداب أنه الواضع الأول لفن الشطرنج. وقد شاهد الراضى في بعض متنزهاته بأليونة بستانا مونقا وزهرا رائقا فقال لمن حضر: هل رأيتم أحسن من هذا؟ فكل قال أشياء ذهب فيها إلى مدحه، ووصف محاسنه وأنها لا يفي بها شيء من زهرات الدنيا، فقال الراضى بالله: «لعب الصولي بالشطرنج والله أحسن من هذا ومن كل ما تصفون» الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 9 ويظهر أنه كان بخفض من العنش لكثرة ما كان يغدقه عليه الخلفاء والأمراء من العطايا والصلات الفاخرة وكان أحد المؤرخين العصريين جيد الحفظ والرواية لجيد الشعر وأخبار العلماء، والمؤرخون يعتمدون عليه في تدوين أخبار الخلفاء فى عصره، وكان إلى ذلك لغويا فقيها محدثا شاعرا أديبا عالما بالقراءات والغناء وضروبه وأنواع الخطوط، وقد دون فى كتاب أدب الكتاب قواعد للاملاء وهو الى ذلك ماجن خليع كثير الايراد لأشعار المتماجنين والخليعين ومؤلفات الصولى كلها طريقة ينحو فيها منحى مؤلفى عصره، وتظهر فيها شخصيته الممتازة، وكثيرا ما يتحدث عن نفسه في كتاب الأوراق ويدون أحواله مع الخلفاء ووزرائهم وكتاب أدب الكتاب يعطى فكرة واضحة عن مقدار معرفته وثقافته الواسعة في فنون الآداب، ولو أن شيئا يعطى نصيبه من الحظوة والتقدير والمكانة لغطى كتابه هذا على كتاب ابن قتيبة أدب الكتاب الذى لا يريد من الكاتب إلا أن يملأ رأسه بجمل من الألفاظ وطائفة من أبواب اللغة وقد نقده الصولى وذكر أنه رجم بالغيب وأن نسجه كاذب مهلهل، وقال إن كتابه المستحق أن يسمى أدب الكتاب على الايجاب لا على الاستعارة، وعلى التحصيل لا على التمثيل وبالرغم من كل هذا فقد لقي كتاب ابن قتيبة من الحفاوة والاعتبار- حتى من شيوخ ابن خلدون- ما لم يلقه هذا الكتاب. وقد تتلمذ الصولى لجماعة كبيرة من المحدثين والفقهاء والادباء والشعراء أمثال المبرد وثعلب والسجستانى يروى عنهم كما يروى عن أرسطاطاليس وجالينوس وبعض الملوك اليونانية وقد قرأ عليه كثير ممن صاروا أئمة الأدب في العهد الذى تلى عصره مثل المرزبانى صاحب كتاب الموشح، ويكاد كتابه الموشح يكون من عمل الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 10 الصولي وإنما المرزبانى راوية له اذ نجد على رأس كل خبر من الاخبار التى وردت فيه حدثنا الصولى أو حدثنا أبو بكر أو محمد بن يحيى الصولى وأبو الفرج الاصبهانى يروى في كتابه الاغانى نحو ثلثمائه خبر كلها عن الصولى ولم يخل الصولى مع كل هذا الفضل من نقد فقد ذكر أبن النديم أنه عول عند تأليف كتاب الأوراق على كتاب المرثدي في الشعر والشعراء بل نقله نقلا وانتحله ويقول ابن النديم وقد رأيت دستور الرجل فى خزانة الصولى فافتضح به كذلك هجاه أبو سعيد العقيلى فانه رأى بيتا له مملوءا كتبا قد صنفها وجلودها مختلفة الألوان وكان يقول هذا كله سماعى وإذا احتاج إلى معاودة شىء منها قال يا غلام هات الكتاب الفلانى فقال أبو سعيد إنما الصولىّ شيخ ... أعلم الناس خزانه إن سألناه بعلم ... طلبا منه إبانه قال يا غلمان هاتوا ... رزمة العلم فلانه كما أخذ عليه أنه روى أحاديث موضوعة وصحف فى أخرى، والمؤرخون مختلفون في وفاة الصولى فبعض يذكر أنه توفي سنة 335 وآخر يقول 336 ولكنهم متفقون جميعا على إغفال تاريخ مولده وقد دلنا البحث على أنه عمر ثمانين سنة أو ما يقاربها. وللصولى في الشعر مقدرة فائقة وقدم ثابتة، وشعره وان لم يكن فى المرتبة الاولى الا أنه قوي عذب ويتخلل كتابه الاوراق قصائد ومقطعات له ومعظمها مدائح للخلفاء ووزرائهم وأمرائهم، وسنبسط القول فيه ونعمد لتحليله وذكر الكثير منه قريبا حين ننشر القطع الباقية من كتاب الاوراق والله يقدر الخير ويهدي اليه الجزء: د 1 ¦ الصفحة: 11 الجزء الأول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [أخبار أبان بن عبد الحميد اللاحقى واتصاله بالبرامكة أبان بن عبد الحميد «1» بن لاحق بن عفر، مولى بنى رقاش «2» من أهل البصرة، شاعر مطبوع، مقدّم فى العلم بالشعر والحفظ له «3» قدم بغداد فاتصل بالبرامكة وانقطع اليهم، وعمل لهم كتاب كليلة ودمنة فحسن موقعه منهم. ويقال: إنه قلب الكتاب فى ثلاثة أشهر الى الشعر، وهو أربعة عشر ألف بيت. وذكر حمدان ابنه: أنه كان يصلي ولوح موضوع بين يديه، فإذا صلى أخذ اللوح فملأه من الشعر الذي صنعه ثم يعود الي صلاته. وعمل أيضا قصيدة ذات الحلل، ذكر فيها مبتدأ الخلق وأمر الدنيا وأشياء من المنطق، وغير ذلك. وهي قصيدة مشهورة، ومن الناس من ينسبها الى أبى العتاهية، والصحيح أنها لأبان. وله مدائح فى هارون الرشيد، وفى الفضل ابن يحيى بن خالد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 ويقال: إنه كان جميل الطريقة حسن التديّن متألها «1» قرأت على الحسن بن على الجوهري عن ابى عبيد الله المرزبانى، قال: اخبرنى محمد بن العباس حدّثنا محمد بن موسى البربري حدّثنا حماد بن اسحاق قال: ألزم يحيى بن خالد البرمكي أبان بن عبد الحميد دارا لا يخرج منها حتى ينقل كتاب كليلة ودمنة من الكلام الي الشعر فنقله، فوهب له عشرة آلاف دينار. قال ويقال: إن كل كلام نقل الى شعر فالكلام أفصح منه الا كتاب كليلة ودمنة «2» قال المرزبانى واخبرنى محمد بن يحيى حدّثنا القاسم بن اسماعيل حدّثنى محمد ابن صالح الهاشمي حدّثنى ابن لأبان بن عبد الحميد اللاحقي، قال: أحبّ يحيى بن خالد أن يحفظ كتاب كليلة ودمنة فاشتد عليه ذلك، فقال له أبان بن عبد الحميد: أنا أعمله شعرا ليخفّ على الوزير حفظه، فنقله الى قصيدة عملها مزدوجة، عدد أبياتها أربعة عشر ألف بيت، في ثلاثة أشهر فأعطاه يحيى بن خالد عشرة آلاف دينار، وأعطاه الفضل خمسة آلاف دينار، وقال له جعفر بن يحيى: الا ترضى أن أكون راويتك لها! ولم يعطه شيئا. قال فتصدّق بثلث المال الذي أخذه. وكان أبان حسن السريرة حافظا للقرآن عالما بالفقه، وقال عند وفاته: أنا أرجو الله واسأله رحمته، ما مضت على ليلة قط لم أصلّ فيها تطوعا كثيرا «3» أخبرني الصولي قال: حدّثنا ابو العيناء قال: حدّثنى الحرمازي قال خرج ابان بن عبد الحميد من البصرة طالبا للاتصال بالبرامكة، وكان الفضل بن يحيى غائبا فقصده فأقام ببابه مدة مديدة لا يصل إليه، فتوسل إلى من وصّل له شعرا اليه، وقيل: إنه توسل إلى بعض بنى هاشم ممن شخص مع الفضل، وقال له: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 يا عزيز النّدى ويا جوهر الجو ... هر من آل هاشم بالبطاح إن ظنّى وليس يخلف ظنّى ... بك في حاجتي سبيل النجاح إن من دونها لمصمت باب ... أنت من دون قفله مفتاحي تاقت النفس يا خليل السماح ... نحو بحر الندي مجاري الرّياح ثم فكرت كيف لي! واستخرت الله عند الإمساء والإصباح وامتدحت الأمير أصلحه الله بشعر مشهّر الأوضاح فقال: هات مديحك، فأعطاه شعرا في هذا الوزن وقافيته: أنا من بغية الأمير وكنز ... من كنوز الأمير ذو أرباح كاتب حاسب خطيب أديب ... ناصح زائد على النّصاح شاعر مفلق أخف من ال ... ريشة مما يكون عند الجناح وهى طويلة يقول فيها: إن دعانى الأمير عاين منّى ... شمّريا كالبلبل الصّيّاح قال: فدعا به ووصله ثم خصّ بالفضل، وقدم معه فقرب من قلب يحيى بن خالد وصار صاحب الجماعة وزمام أمرهم «1» أخبرنا أبوبكر الصولي حدّثنا ابو الحسن البرذعي قال: حدّثنى محمد بن الحسن مصقول عن العتّابى، قال: كنا بباب الفضل بن يحيى البرمكى أربعة آلاف ما بين شاعر وزائر؛ وفينا فتى يحدثنا ونجتمع اليه، فبينا هو ذات يوم قاعد إذ أقبل اليه غلام له كأجمل الغلمان! فقال له: يا مولاي؛ أخرجتنى من بين أبويّ، وزعمت أن لك وصلة بالملوك، فقد صرنا الي اسوإ ما يكون من الحال، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وقال: إن رأيت تأذن لى فأنصرف إلي أبوي فعلت. قال فاغرو رقت عينا الفتى، ثم قال: ائتني بدواة وقرطاس، فأتاه بهما فقعد حجزة «1» فكتب رقعة، ثم عاد الي مجاسه ثم قال للغلام انصرف الى وقت رجوعي اليك فبينا نحن كذلك إذ جاء رجل يستأذن على الفضل، فقام اليه الفتى فقال: توصل رقعتى هذه الي الأمير؟ قال: وما في رقعتك؟ قال: أمدح نفسى وأحثّ الأمير على قبولي، قال: هذه حاجة لك دون الأمير، فان رأيت أن تعفينى فعلت، قال قد فعلت. فعاد الى مجلسه فخرج الحاجب فقام إليه، فقال له مثل مقالته الأولى، فاستظرفه الحاجب، وقال: إن رجلا يتّصل بمثل الفضل يمدح نفسه لا يمدح الفضل عجيب. فأخذ منه الرقعة ثم دخل فلوّحها للفضل فقرأ منها سطرين وهو مستلق على فراشه، ثم استوى قاعدا وتناول الرقعة فقرأها، فلما فرغ من الرقعة قال للحاجب: أين صاحب الرقعة؟ قال: أعز الله الأمير، لا والله لا أعرفه لكثرة من الباب. فقال الفضل أنا أنبذه لك الساعة، يا غلام! اصمد القصر فناد: أين مادح نفسه؟ فقام الغلام فصاح، فقام الفتي من بيننا بغير رداء ولا حذاء، فلما مثل بين يدي الفضل قال له: أنت القائل ما فيها؟ قال نعم! قال أنشدنى فأنشأ الفتى يقول: أنا من بغية الأمير وكنز ... من كنوز الأمير ذو أرباح كاتب حاسب خطيب بليغ ... ناصح زائد على النّصاح شاعر مفلق أخف من ال ... ريشة مما يكون تحت الجناح ثم أروي عن ابن هرمة لل ... ناس بشعر محبّر الايضاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 [ثم أروي من ابن سيرين لل ... علم بقول منوّر الافصاح ثم أروي من ابن سيرين المشع ... ر وقول النسيب والامداح] «1» لي فى النحو فطنة ونفاذ ... لي فيه قلادة بوشاح إن رمي بى الأمير أصلحه الله ... رماحا صدمت حد الرماح ما أنا واهن ولا مستكين ... لسوى أمر سيّدي ذي السّماح لست بالضخم يا أمير ولا الفد ... م ولا بالمجحدر الدّحداح لحية سبطة ووجه جميل ... واتّقاد كشعلة المصباح وظريف الحديث من كل لون ... وبصير بحاليات ملاح كم وكم قد خبأت عندي حديثا ... هو عند الملوك كالتفاح [فبمثلى تخلو الملوك وتلهو ... وتناجي فى المشكل الفدّاح] «2» أيمن الناس طائرا يوم صيد ... في نمدّو خرجت أم في رواح أبصر الناس بالجوارح والخي ... ل وبالخرّد الحسان الملاح كل هذا جمعت والحمد لله ... على أننى ظريف المزاح لست بالنّاسك المشمّر ثو ... بيه ولا الماجن الخليع الوقاح إن دعانى الأمير عاين منى ... شمّريا كالجلجل الصياح فقال له الفضل: كاتب، حاسب، خطيب، أديب ... ناصح، زائد على النصاح؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، فقال الفضل: يا غلام الكتب التى وردت من فارس فأنى بها، فقال للفتى خذها فاقرأها وأجب عنها، فجلس بين يدى الفضل يكتب، فقال له الحاحب اعتزل يكن أذهن لك، فقال ههنا الرأي أجمع بحيث الرغبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 والرهبة، فلما فرغ من الكتب عرضها على الفضل، فكأنّما شق عن قلبه. فقال الفضل: يا غلام بدرة، بدرة، بدرة. فقال الفتى للغلام اعز الله الأمير دنانير أو دراهم؟ قال دنانير يا غلام. فلما وضعت البدرة بين يديه قال الفضل: احملها بارك الله لك فيها. قال الفتى: والله يا أيها الأمير ما أنا بحمال وما للحمل خلقت؛ فان رأي الأمير أن يأمر بعض غلمانه بحملها على أن الغلام لي. فأشار الفضل إلى بعض الغلمان فأشار الفتي اليه مكانك، فقال: ان رأي الأمير أيده الله أن يجعل الخيار الي في الغلمان كما فعل بين البدرتين فعل، فقال: اختر. فاختار أجملهم غلاما فقال احمل، فلما صارت البدرة على منكب الغلام بكى الفتى فاستفظع الفضل ذلك وقال: ويلك! استقلالا؟ قال: لا والله أيدك الله، ولقد أكثرت، ولكن أسفا أن الأرض تواري مثلك! قال الفضل: هذا أجود من الأول، يا غلام زده كسوة وحملانا. قال العتابى: فلقد كنت أرى ركاب الفتى تحت ركاب الفضل «1» وشكا مروان بن ابى حفصة الى بعض إخوانه تغيّر الرشيد عليه وامساك يده عنه، فقال له: ويحك أتشكو الرشيد بعد ما أعطاك؟ قال: أو تعجب من ذلك! هذا أبان اللاحقي قد أخذ من البرامكة بقصيدة قالها واحدة مثل ما أخذته من الرشيد فى دهري كله، سوي ما أخذه منهم ومن أشباههم بعدها «2» صداقته للمعذل بن غيلان وتهاجيهما أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدّثنا ابو قلابة عبد الملك بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 محمد قال. كان أبان اللاحقي صديقا للمعذل بن غيلان وكانا مع صداقتهما يتعابثان بالهجاء فيهجوه المعذل بالكفر، وينسبه الى الشؤم ويهجوه أبان وينسبه الى الفساء الذي تهجى به عبد القيس وبالقصر، وكان المعذل قصيرا فسعى فى الإصلاح بينهما أبو عيينة المهلبي، فقال له أخوه عبد الله وهو أسن منه: يا أخي إن فى هذين شرا كثيرا ولابد من أن يخرجاه فدعهما ليكون شرّهما بينهما والا فرّقاه على الناس، فقال أبان يهجو المعذل: أحاجيكم ماقوس لحم سهامها ... من الرّيح لم توصل بقدّ ولا عقب وليست بشريان وليست بشو حط ... وليست بنبع لا وليست من الغرب ألا تلك قوس الدحدحي معذّل ... بها صار عبديّا وتمّ له النسب تصكّ خياشيم الأنوف تعمدا ... وإن كان راميها يريد بها العقب فان تفتخر يوما تميم بحاجب ... وبالقوس مضمونا لكسري بها العرب فحي ابن عمرو فاخرون بقوسه ... وأسهمه «1» حتى يغدّب من غلب قال أبو قلابة: فقال المعذل فى جواب ذلك: رأيت أبانا يوم فطر مصليا ... فقسّم فكري واستفزّنى الطرب وكيف يصلى مظلم القلب دينه ... على دين مان إنّ ذاك من العجب «2» أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدّثنا أبو خليفة وأبو ذكوان والحسن ابن علي النهدي قالوا: كان المعذل بن غيلان يجالس عيسى بن جعفر بن المنصور وهو يلي حينئذ إمارة البصرة من قبل الرشيد، فوهب المعذل بن غيلان له «3» بيضة عنبروزنها أربعة أرطال، فقال أبان بن عبد الحميد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 أصلحك الله وقد أصلحا ... إنى لا آلوك أن أنصحا علام تعطى منوى عنبر ... وأحسب الخازن قد أرجحا من ليس من قرد ولا كلبة ... أبهى ولا أحلى ولا أملحا ما بين رجليه الي رأسه ... شبر فلا شبّ ولا أفلحا «1» أخبرنى محمد بن خلف، قال: حدّثنا النخعى واسحاق، قال: حدّثنا الجماز قال: هجا أبان المعذل بن غيلان فقال: كنت أمشى مع المعذّل يوما ... ففسا فسوة فكدت أطير فتلفتّ هل أرى ظربانا ... من ورائى والارض بى تستدير فإذا ليس غيره واذا إع ... صار ذاك الفساء منه يفور فتعجبت ثم قلت لقدأ ع ... رف، هذا فيما أري خنزير فأجابه المعذل فقال: صحفت أمّك إذ سمّتك بالمهد أبانا قد علمنا ما أرادت لم ترد إلا أتانا صيّرت باء مكان التاء والله عيانا قطع الله وشيكا من مسمّيك اللسانا «2» معاشرته لابى النضير وهجاؤه له وكان أبان اللاحقي يعاشر أبا النضير عمر بن عبد الملك مولى بنى جمح، ثم تصارما وهجاه وهجا جواريه وافترقا على قلى «3» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 اخبرنى محمد بن يحيى الصولي قال: حدّثنا عون بن محمد الكندي قال: كان لأبى النضير جوار يغنين ويخرجن الى جلة أهل البصرة، وكان ابان بن عبد الحميد يهجوه بذلك فمن ذلك قوله: غضب الأحمق إذ مازحته ... كيف لو كنا ذكرنا المزدغة! أو ذكرنا أنه لا عبها ... لعبة الجد بمزح الدغدغه سود الله بخمس وجهه ... دغن امثال طين الردغه خنفساوان وبنتا جعل ... والتى تفتر عنها وزغه يكسر الشعر وإن عاتبته ... فى مجال قال هذا في اللغه «1» وأنشدنى عمي، قال: انشدنى الكرانى، قال: انشدنى ابو اسماعيل اللاحقى لجده أبان في هجاء أبى النضير: إذا قامت بوا كيك ... وقد هتّكن أستارك أيثنين على قبر ... ك أم يلعنّ أحجارك وما تترك في الدنيا ... اذا زرت غدا نارك؟ ترى في سقر المثوى ... وابليس غدا جارك بلى تترك بواقيك ... ودنياك وأو تارك وخمسا من نبات «2» ... الليل قد ألبسن اطمارك تعالى الله ما أقبح ... إذ ولّيت ادبارك «3» أخبرنى الحسن بن علي عن بن مردويه قال: حدّثنى ابو طلحة الخزاعي عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 اللاحقي قال. كان جدي أبان يشرب مع إخوان له على شاطيء دجلة بعد مصارمته أبا النضير، وكان القوم اصدقاء له ولأبى النضير فذكروه، فقال أبان: إن حضر انصرفت فأمسكوا فقال فيه: ربّ يوم بشطّ دجلة لذّ ... وليال نعمت فيها لذاذ غيبة لم تطل عليّ وماذا ... خير قرب المطرمذ الملاذ ترك الأشربات ليس بعاط ... لرساطونها ولا الراقياذ وحكى الأحمق الذي ليس يدري ... أنّ خير الشراب هذا اللذاذ ضلّ رأي أراه ذاك كما ... ضل غواة لاذوا بشرّ ملاذ أنت أعمى فيما ادّعيت كما ... لست لصوغ الألحان بالأستاذ كان ذنبا أتوب منه الي اللّ ... هـ اختياريك صاحبا واتخاذي إن لله صوم شهرين شكرا ... أن قضى منك عاجلا إنقاذي لا لدين ولا لدنيا ولا ... تصلح في علم ما ادّعي بنفاذ «1» وكان حمّاد عجرد، وحمّاد الراوية، وحماد بن الزبرقان، ويونس بن هرون، وعلى بن الخليل، ويزيد بن الفيض، وعبادة، وجميل بن محفوظ، وقاسم، ومطيع، ووالبة بن الحباب، وأبان بن عبد الحميد، وعمارة بن حربية يتواصلون وكأنهم نفس واحدة. وكان بشّار ينكر عليهم، ويونس الذي زعم حماد عجرد أنه قد غرّ نفسه بهؤلاء كان أشهر بهذا الرأي منهم، وكان قد كتب كتابا لملك الروم فى مثالب العرب وعيوب الإسلام بزعمه. وذكر أبو نواس أبان بن عبد الحميد اللاحقي، وبعض هؤلاء ذكر انسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 يري لهم قدرا وخطرا فى هجائية لأبان وهو قوله: جالست يوما أبانا ... لادرّ درّ أبان ونحن حضر رواق «1» ... الأمير بالنهروان حتي إذا ما صلاة ... الا ولي أتت لأوان فقام ثم بها ذو ... فصاحة وبيان «2» فكلّ ما قال قلنا ... الى انقضاء الأذان فقال: كيف شهدتم ... بذا بغير عيان؟ لا أشهد الدهر حتّى ... تعاين العينان! فقلت: سبحان ربّى! ... فقال: سبحان مانى! فقلت: عيسى رسول ... فقال: من شيطان فقلت: موسى كليم ال ... مهيمن المنان فقال: ربك ذو مق ... لة إذا ولسان فنفسه خلقته ... أم من فقمت مكانى عن كافر يتمارى ... بالكفر بالرحمن يريد أن يتسوّى ... بالعصبة المجّان بعجرد وعباد ... والوالبيّ الهجان [وابن الإياس الذي ... ناح نخلتي حلوان] «3» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وقاسم ومطيع «1» ... ريحانة الندمان «2» [انى وأنت لزان ... من زنية وزوانى] «3» فقال أبان يجيبه إن يكن هذا النوا ... سىّ بلاذنب هجانا فلقد نكناه حينا ... وصفعناه زمانا هانىء الجون أبوه ... زاده الله هوانا سائل العباس واسمع ... فيه من أمك شانا عجنوا من جلنار ... ليكيدوك عجانا «4» ويقول الجاحظ: والعجب أنه- أي أبا نواس- يقول فى أبان إنه ممن يتشبه بعجرد، ومطيع، ووالبة بن الحباب، وعلى بن الخليل، واصبع، وأبان فوق ملء الأرض من هؤلاء، ولقد كان أبان وهو سكران أصح عقلا من هؤلاء وهم صحاة، فاما اعتقاده فلا أدري ما أقول لك فيه! «5» ويقول الجاحظ: والمطبوعون على الشعر من المولدين بشار العقيلى والسيد الحميري، وابو العتاهية، وابن ابى عيينة. وقد ذكر الناس في هذا الباب يحيى بن نوفل، وسلما الخاسر، وخلف بن خليفة؛ وأبان بن عبد الحميد اللاحقي أولى بالطبع من هؤلاء وبشّار أطبعهم كلهم «6» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 قال أبان] «1» لمّا جري وجري لهم ... سبق الجياد على مهل والعزم سيف صارم ... والحلم أوزن من جبل حلو وفيه مرارة ... مزجا بعدل فاعتدل فلذي العداوة علقم ... ولذي الوداد جنى العسل لو كنت تأخذ مثل ما ... تعطي أنى «2» لك أن نملّ أو كان ذاك من الفرا ... ت لما رئى فيه بلل ولو ان مال القل «3» حمّ ... ل ما تحمّل ما استقلّ ملك أعير مهابة ... لم يخل قلبا من وجل وإذا تنافرت الخصو ... م إليه في لبس فصل لامائلا لهوي ولا ... عن حقّ أعداء عدل أكرم ببرمك والدا ... ومن البنين بما نجل لا نبتغي بذلا بهم ... أبدا ومن أين البدل؟ أخبار أبان متصلة مع البرامكة أخباره مع الرشيد قال الصّولي: حدّثنى محمد بن سعيد، قال: حدّثنا عليّ بن محمد النوفليّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 قال: عاتب أبان البرامكة في إعطاء الرشيد الأموال للشعراء وفقره مع ذلك، مع خدمته لهم وموضعه منهم، فقال له الفضل: إن سلكت مذهب مروان «1» أوصلت شعرك، وبلغتك إرادتك. قال: والله ما أستحلّ ذاك! فقال له الفضل: كلنا يفعل ما لا يحل، ولك بنا وبسائر الناس أسوة، فقال أبان: نشدت بحقّ الله من كان مسلما ... أعمّ بما قد «2» قلته العجم والعرب أعمّ نبيّ الله أقرب زلفة ... اليه أم ابن العمّ في رتبة النّسب؟ وأيّهما أولي به وبعهده ... ومن ذاله حقّ التّراث بما وجب؟ فإن كان عباس أحقّ بتلكم ... وكان علىّ بعد ذاك على سبب فأبناء عباس هم يرثونه ... كما العم لا بن العم في الإرث قد حجب وفى حسن إذ قلتم فيه حجّة ... فقد باعها لا ينكر الناس أو وهب فإن كان ذا حق فعمدا أضاعه ... وإن كان ذا دعوى فكفوا عن الشغب وهبه كما قلتم، وليس كذاكم ... أما ذادكم عنها المطالب واغتصب؟ فأهملتموها لم تروا حيلة لها ... إلي أن أراد الله إتمام ما أحب فحظّ بنى مروان منها وحظكم ... مع الغيظ والحرمان والعيلة الحرب فقام بها من لم يكلها إليكم ... ومن هو أولى بالذي بزّ واستلب إمام بنى العباس حين سما لها ... وبالله فيما رام أدرك ما طلب فشرّد أهلوه وأودى وصيّه ... بحبس ابن مروان فسلم واحتسب فان كانت القربى فهم أهل حقه ... وهم أهلها إن كان حقّ لمن غلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ثم جاء بهذه الأبيات الى الفضل، وقال: قد اقترضت فوفّر علىّ الجاري. فقال: ما بقيت، وما يرد «1» اليوم على أمير المؤمنين شىء أعجب اليه من أبياتك فركب فأنشدها الرشيد، فأمر لأبان بعشرين ألف درهم، واتصل به بعد ذلك. حدّثنى برد بن حارثة الربعى، قال: حدّثنى أبو اسماعيل أبان بن عبد الحميد قال: لما شخص الفضل بن يحيى بن خالد الى الريّ لمحاربة يحيى بن عبد الله بن حسن خرج معه جدي أبان فظفر بيحيى على أمان وكدّه له، وقدم به الى الرشيد، وعمل أبى في الفضل قصيدة مشهورة كان أبان عملها قبل صلح الفضل ليحيى، فلما صالحه ألحق فيها أبياتا، وسلك مسلك أبياته المتقدمة: أأحزنك الأولى ردّوا ... جمال الحىّ وادّلجوا نعم فبنات همّ الصد ... ر فى الأحشاء تعتلج ومنزلة وقفت بها ... لأدنى عهدها حجج محتها الريخ يغشى التر ... ب مغناها وينتسج نعمنا ليلة الأنعا ... م حيث العرج «2» ينعرج بناعمة كمثل البد ... ر شاب دلالها غنج تغادينى المعازف عو ... دها والصنج والرنج بكفّي شادن لم أن ... سه في طرفه غنج له نغمات قينات ... بها الارواح تختلج أحبّ من الغناء ملي ... ح ما إيقاعه الهزج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وأقلى «1» ضوء «2» برق مث ... ل ما أقلى غنا مزج وأبغض يوم تنأي وال ... زيّانب كلّها سمج ويعجبنى لإبراهيم ... والأوتار تختلج أمر «3» سلافة صرفا ... كأن صبيبها ودج [فظلّ تخاله ملكا ... يصرّفها ويمتزج] «4» كذاك العيش إذ قلبي ... رخيّ باله بلج [لدور أمس بالدولاب ... حيث السّيب ينعرج] «5» أحبّ الي من دلسجا ... ن «6» والاعلاج قد ثلجوا وهبّت ذات صرّاد ... بلبس الثلج تنتفج وما قزوين لي وطن ... ظواهرها ولا الولج بفضل تفرج الغمّي ... اذا ضاقت فتنفرج بأمر «7» برمكيّ الع ... زّ يعليه به درج رحيب الصدر إن ضاقت ... على ذي المحنة الفرج فما في باعه قصر ... ولا في لفظه رتج أخو هيجا أطال مرا ... سها درب بها لهج به صدأ الحديد مما ... زجا مسكا له أرج وأر عن ذي كتائب بال ... فضاء غذاءه المهج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 يسير به ذو ضغن «1» ... عليه الصدر منشرج سما فضل له بالخيل ... في أنسائها شنج «2» فأوهد منه شاهقه ... وعالت لجّه لجج كما قد شدّ بالمغرو ... ر أتباع له همج غواة قادهم داع ... الى غيّ فقد لحجوا وكم قد رامها منهم ... أولو حجج فما فلجوا فما ينهاهم «3» الأولي ... وذمّهم الذي نتجوا وما لله سعيهم ... ولا غضبا له خرجوا وما حجّوا بذلك بل ... عليهم كانت الحجج كأنى بالبغال وقد ... أتت غاياتهم تسج «4» إلى ملك كضوء الصب ... ح تعشى عنده السرج له ميراث عبّاس ... وقرباه التى تشج قويم الدّين ما في حك ... مه زيغ ولا عوج وما عنه لملتمس ... أراد الحق منعرج فإن يصفح فعادته ... وإن يوقع فلا حرج أطائف جنّة أهوي ... بيحيى قاده هوج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 إلي أن ساقه قسرا ... لموكب حربه رهج أسيرا في يدي علج ... عدته بلؤمها علج جنيب الخوف لا أمن ... ولا عزّ ولا فرج أتاك به وليّك لم ... يخف نارا لها وهج فظل تبيع شهوته ... كما يستتبع البذج (البذج الجمل) يقول: يتبع يحيى ما يريد الفضل، كما يتبع البذج أمّه. قال أبو بكر: ولما ماتت هيلانة جارية الرشيد، وجدبها وجدا شديدا، فرثاها الشعراء فوصلهم، فقال أبان على لسان الرشيد: أعينى لقد جار الزمان فجودي ... ولا تطلبا لي راحة بجمود لقد بنت ياهيلان منى فقيدة ... وربّ قرين بان غير فقيد سقى الله دهرا كان يجمع بيننا ... ويرغم فيه أنف كلّ حسود تمرّ لنا طير الزّمان سوانحا ... وانجمه تجري لها بسعود ففقدك ياهيلان كدّر عيشتى ... وأخلق من دنياي كلّ جديد وقال يعزى الرشيد عنها: يا أمير المؤمنين المرتضى ... احمد الله على ما قد قضى إن تكن هيلان وافت قدرا ... فاسل يعقبك به الله الرّضا إنما يحزن من ليس له ... خلف يسليه عمّا قد مضى بل أنا الباكى لشيب راعنى ... وشباب بان منى فانقضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وقال يرثيها: بتّ ضجيع الحزن ما أغفي ... لحادث جلّ عن الوصف حزنان حزن منهما ظاهر ... وأوجع الحزنين ما أخفى أنت أهلت التّرب من فوقها ... مواريا تحت الثّرى إلفي! لهفى على هيلان لو أنّه ... يردّ شيئا فائتا لهفى! وقال يخاطب الرشيد، ويهنئه بما فعل الفضل فى أمر يحيى بن عبد الله بن حسن: هنيئا أمير المؤمنين لك الظّفر ... فقد تمّت النّعمى وقد ساعد القدر رآك إله الناس أولى بملكه ... فأصغاكه لا منّ فيه ولا كدر وقد كان يحيى الفاطميّ سمت به ... له همة في الصّدر جاش لها وجر «1» أراد التى تهوي الجبال لكونها ... وترجف منها الأرض لو تمّ ما أئتمر «2» وكان رجا بالطّالقان ذخيرة ... كنوزا له كانت على الدهر تدّخر فكان هو الكنز الذي أيّدت به ... خلافة هارون الإمام وما شعر أتاك بيحيى الفضل سلما يقوده ... مقرا ولولا يمن جدّك ما أقر لئن كان يوم الفضل فيه مشهّرا ... لأكرم بيوم منه أفنى به الخزر وقال يرثى هيلانة: أديل من السرور الحزن لما ... ثوت هيلان في جدث ورمس وأصبحت البلاد غداة ولّت ... عليها وحشة من بعد أنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وقال يمدح الرشيد، ويذكر أمر الفضل وما صنعه فى أمر يحيى: لتمد برّز الفضل بن يحيى ولم يزل ... يسامي من الغايات ما كان أرفعا رآه أمير المؤمنين لملكه ... كفيلا «1» لما أعطى من العهد مقنعا قضى بالتي سدّت «2» لهارون ملكه ... وأجيت ليحيى نفسه فتمتّعا فأمست بنو العبّاس بعد اختلافها ... وآل علىّ مثل ربذى ترمّعا «3» لئن كان من سدّى «4» القريض أجاده ... لقد صاغ إبراهيم فيه وأوقعا قال أبو بكر: يعنى أن ابراهيم بن ميمون الموصلى المغنى غنى في هذا الشعر. وقال يمدح الفضل بن يحيى، ويذكر أمر يحيى بن عبد الله بن حسن: إن شمل الشيب قناع. البلى ... مفارقا منى وأصداغا فقد أرى أشوس ذامرة ... وحية أربد لدّاغا يأنس بى الصيّد إذا رمته ... فصار إمّا شئت روّاغا كم عاقل أحظى وكم جاهل ... أنشغه العلقم انشاغا وشادن أحور ذي صيغة ... حسّنها الرّحمن إذ صاغا يسكن من بغداد في كرخها ... حيث رأيت القصر والباغا زار بقزوين خيال له ... يسرى على قصد وماراغا بات يناغينى فياليته ... كان إذا الصبّح بد اناغا يا ربّ موسى والتى قلتها «5» ... أصبح في الأحراز ولّاغا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 لا يظفر الواشى بإفساد ما ... بينهم إن دبّ نزّاغا راموا انتقال الملك عن أسّه ... فما زجا «1» ذاك ولا ساغا فأفسدوا صالح دنياهم ... واحتملوا في الدّين أوزاغا لمّا رأوا ليثا أبا أشبل ... يولغها في الدم إيلاغا فلا أبا العبّاس تمّت له ال ... نعمة إفضالا وإسباغا من بعد ما أعذر في نصحه ... فلم يدع نصحا وإبلاغا يعدو به عبل سليم الشظى ... أكمل ألواحا وأرساغا يحسن بالسّيف قراع العدا ... وينزغ الأرماح إنزاغا فأووا إلي السّلم جنوحا وقد ... خاضوا من الفتنة أرداغا وقال فى الفضل بن يحيى: بالفضل يحسن لفظ كلّ مقال ... وبه تسير غرائب الأمثال وبه تكشّف مظلم الفتن الّتى ... يمسى العباد بها علي زلزال حسن الّتى بالفضل ردّ مخوفها ... باد لئن كانت بغير قتال أعطى ابن عبد الله يحيى ذمّة ... وصل الوفاء حبالها بحبالى وقال فى ذلك ويخاطب أمير المؤمنين الرشيد: أطال الله في عزّ ونصر ... بقاءك يا أمير المؤمنينا إذا ما الحرب شبّ لها ضرام ... تقلّب فيه أيدي النّا كبينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 فسولّ مهمّها الفضل بن يحيى ... وقد رجّمت في يحيى الظنونا مقرا بالّذي قد كان يأتي ... ويفعل حزبه المتشيّعونا لئن خصتك نعمتها بفضل ... لقد عمت جميع المسلمينا وقال فى بيعة الرشيد للامين عقد لخليفة بيعة ... لمحمد فعلى التمام لسمىّ مهدىّ الملو ... ك محمد خير الأنام سيما الخلافة بين ... في الوجه منه مع الفطام نور كواضح غرّة ال ... بدر المنوّر في الظّلام مصداق ما كنا نحدّ ... ث فيه من ملك الغمام لا قصرت عنه ولا ... وصلت اليه ألف عام وقال أبو بكر ولما قال أبان للفضل بن يحيى أنا من بغية الأمير وكنز ... من كنوز الأمير ذو أرباح وروي أن الموصل لها إلى الفضل بن يحيى محمد بن المنصور الذي يعرف بفتى العسكر- وقد ذكرتها لأبان في أول أخباره مع البرامكة- بلغت قصيدته أبا نواس فقال: إنّ أولى بقلّة الحظّ منى ... المسمّى بالبلبل الصياح قد رأوا منه حين عبّ لديهم ... أخرس الصوت غير ذي افصاح لم يكن فيك من صفاتك شىء ... غير خلق مدحدح دحداح لحية ثطة وأنف قصبر ... وانثناء عن التّقي والصّلاح فيك ما يحمل الملوك على الخر ... ق ويسطو بالسيّد الجحجاح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 والذي قلت فيك باق صحيح ... والذي قلت ذاهب في الرّياح أخبار لأبان متفرقة مع جماعة من الشعراء حدّثنا محمد بن يحيى، قال: حدّثنا محمد بن زياد، قال: حدّثنى أبان بن عبد الملك بن أبان «1» قال اشتري جاز لأبان غلاما تركيا بألف دينار، فكان أبان يهواه، ويخفى ذلك عن مولاه، فقال فيه: ليتني! والجاهل المغ ... رور من غرّ بليت! نلت ممّن لا أسمّي ... وهو جاري بيت بيت قبلة تنعش ميتا ... إننى حيّ كميت لا أسمّيه ولكن ... هو في كيت وكيت قال: كان اسمه بيتك. قال الصولى: حدّثنى سوّار بن أبى شراعة، قال: حدّثنى أبو العيناء عن العباس بن رستم، قال: دخلت مع أبان بن عبد الحميد على عنان جارية الناطفي وهي في خيش، فقال لها أبان: العيش في الصيف خيش فقالت بسرعة: إذ لا قتال وجيش وأنشدتها لجرير ظللت أرائى «2» صاحبىّ صبابتى ... وقد علقتني من هواك علوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 فقالت مسرعة «1» اذا عقل الخوف اللسان تكلمت ... بأسراره عين عليه نطوق وكان في جوار أبان رجل من ثقيف يقال له محمد بن خالد بن عمار الثقفي، وكان عدوا لأبان، فتزوج بعمارة بنت عبد الرحمن الثقفي، وكانت كثيرة المال فقال أبان يهجوه ويحذرها منه: لما رأيت البزّ والشّاره ... والفرش قد ضاقت به الحاره واللّوز والسّكّر يرمى به ... من فوق ذي الدّار وذي الدّاره وأحضروا الملهين لم يتركوا ... طبلا ولا صاحب زماره قلت لماذا؟ قيل: أعجوبة ... محمد زوّج عمّاره لا عمر الله بها ربعه ... ولا رأته مدركا ثاره ماذا رأت فيه، وماذا رجت؟ ... وهي من النّسوان مختاره! أسود كالسّفّود ينسى لنا ال ... تّنّور بل محراك قيّاره تجري على أولاده خمسة ... أرغفة كالرّيش طيّاره وأهله فى الأرض من خوفه ... ان أفرطوا في الأكل سيّاره ويحك فرّي وأعصبي ذاك بى «2» ... فهذه أختك فرّاره اذا غفا بالليل فاستيقظي ... ثم اظفري إنك ظفّاره فصعدت نائلة «3» سلّما ... تخاف أن تصعده الفاره سرور غرتها فلا عوفيت ... فانها اللخناء غراره لو نلت ما أبعدت «4» من ريقبا ... إنّ لها نفثة سحاره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 قال: فلما سمعت عمارة هذه بشعره هذا هربت، فحرم الثقفي من جهتها مالا كثيرا. قال أبو بكر: حدّثنى القاسم بن إسماعيل، قال: حدّثنى أبو إسحاق الزيادي، قال: كان عسكر، مولى سليمان بن على يشرب يوما عند أبان اللاحقى، فسكر أبان فقال له الفضل بن عروة الثقفى: لو سمحت لعسكر بجبتك الخزّ لكثر من يشكرك عليها، ويعوضك منها، فخلعها عليه فلما، أصبح ندم وقال: أتانى عسكر أخزا ... هـ من إياي قد أخزي وقد ألبست من شقو ... ة جدّي جبتى الخزّا وكانت من تلاد مو ... دع من شفق حرزا حذار أن يراها طا ... مع يوما فتبتزّا فجاء القدر الجال ... ب بى يحفزنى حفزا إلي مستكتب يدعى ... بفضل حافظ المعزى فقال اكس فتى يمن ... حك الودّ تزد عزّا فلا والله لا تنب ... ذ «1» في العالم أو ترزا ولما قال ذا كنت ... كسيف هزّ فاهتزّا فأهويت الي الجبّ ... ة رأيا موريا عجزا وقد بينته لمّا ... حواها قال من عزّا «2» فما كان لما نال ... وإن كان قد استهزاض أأكسوه ولم أرهب له سوطا ولا حرزا ... فقال الكلب إذ فاز وما يسمع لي وكزا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وحاز الفرو والجبّ ... ة: قد أعطيت اشكزا «1» فما إن فيّ من خير ... سوى أن آكل الخبزا وأنى أقبل الضّيم ... وأنّى أحلب العنزا وأنى من شراب الشيّ ... خ كسرى أكثر القلز «2» وقد طاوعى المنط ... ق حتي قلت ما أجزا فعزّونى عن الجبّ ... ة عافا الله من عزّى لأمر قيل في الأمثا ... ل من عزّ امرءا بزّا وكان زياد صديقا للاحشين «3» سار الزنادي والجوشنى من موالي تميم، وكان في الاحشين سار لين كلام. فكان أبان يسميهما الاجتين «4» فحرج الجوشنى مع بعض الأمراء فأهدي إلي الزنادي هدية فلم ينصبه منها فقال، أبان يمازحهما: قل لبيضاء بضة ذات أع ... طاف وساق لفّاء كالجمّاره لفتاة كحلاء تستوطن المس ... جد يدعونها بأحشين ساره شطبة رخصة الأنامل هي ... فاء تثنّى في مشيها خطاره انعمي يافتاة آل زياد ... زادك الله نعمة وغضاره أجمع الناس لا خلاف على أن ... حسنك أن قد أربى على حسن ساره وعلى حسن ساكن الجبّ لما ... أخرجته من جبه السياره خبرينا بالله ربك بالح ... ق فللحقّ بهجة وإناره أيّ شىء إليك أخت بنى جو ... شن أهدت من فائدات الإماره أي شىء أهدت إليك من ال ... عشر ابنتى أميرة عشاره ولقد زرت دارها وأرى الأخ ... ت تؤدّي للأخت حقّ الزّياره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 قالت الخير يا مكلف أهدت ... والأمانى تارة بعد تاره كلل الصّين بين مصبوغة زر ... قاء تتلو مصبوغة جلناره وأرتني الأرطال من عنبر لد ... ن ومسك فى مسك «1» تسعين فاره وأرتنى حصر الحشيش ولاذ ال ... صين «2» من كل ريطة ذات شاره وأتى تدرج «3» وبيع كثير ... ونعال سندية صراره تلك أختي وتلك ذخرى التى لي ... ست من الناس غير ما مختاره هى مثل القضيب في دعص رمل ... جمعت حسن منظر ووثاره قد أعارت شمس النهار ضياء ... وجمالا فحسنها بالإعاره قلت هذا لكم فما حظنا من ... هـ فقالت حظ الحسود حجاره! حدّثنى أبو ذكوان، قال: أنشدنى المازنى لابان في جار له يقال له يزيد التامّ لتمام خلقه، وكانت له جارية تغنى، ويألفه أبان وإخوان من أجله «4» فعلقت فتى كان يدخل معهم الى يزيد حتى اشتهر أمرها معه، فكتب أبان إلى يزيد التام: أيزيد إنك نائم فاستيقظ ... ومضيع لقوام جاهك فاحفظ كن لينا ما لم تكن مستضعفا ... وإذا تنكّر صاحب لك فاغلظ لا تشربنّ الدّهر إلا ماصفا ... فاذا رأيت قذي بكأسك فالفظ وخذ النصيحة من أخ لك واعظ ... والبس سكينة مقلع مستوعظ مالي رأيتك تستخف بذي النهى ... وتصيخ أذنك للمليح المنعظ يأتيك من لو قيل توهب بدرة ... لك إن لحظت مسارقا لم تلحظ فيقال ليس هناك نابى «5» آخر ... لا بالودود تخاله كالمحفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فيقال بت جذلا وأصبح ناعما ... ولشتّ فينا إن بدالك «1» أوقظ زعم الذي كحل الأحيصر عينه ... أن لست تضبط منزلا بتحفّظ أعنى به من لا أبوح بذكره ... أبدا وأكنى عن مليح الملحظ لو كنت حرّا مانجا من ضربة ... يضنى بها إن نفسه لم يلفظ وإذا امرؤ بالوعظ خلل سمعه ... فغصى النّهى فكأنه لم يوعظ حدّثنا الفضل بن الحباب، قال: حدّثنا محمد بن سلام، قال: لما ولى معاذ بن معاذ قضاء البصرة كتب اليه أبان: يا معاذ بن معا ... ذ الخير يا خير حكيم قد تهيّا اللاحق ... يون وأصناف تميم لزموا مسجدنا فى ... ضيقه أيّ لزوم شمّروا القمض وحكوا ... موضع السجد بثوم كلهم يأمل أن تو ... دعه مال يتيم فاتق الله فقد أص ... بحت فى أمر عظيم قال الفضل: قد رويت لابن مناذر، وهي لأبان قال أبو بكر: وكنت يوما بحضرة أبى ذكوان، فسعل ثم قذف ثم تشكى من مفاصله، فجعلنا ندعو له فقال: أنا والله كما قال أبان اللاحقي، إن أبان ابن عبد الرحيم كان يعادي جارا له يقال له محمد بن خالد بن عاصم الثقفى، وكان كثير العلل، وكان يلقب أبا الأطول فبلغ الموت من غلة كانت به ثم تماثل فجلس على بابه يثلب من أرجف بموته، فقال أبان: أبا الأطول طوّلت ... وما ينفع تطويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 بك السلّ ولا والله ... ما يبرأ مسلول ولكن ربّما جرّ ... اذا ما كان تمهيل كما كان وقد كان ... به القرحة مكحول ويوم حار «1» بالعنب ... ر والقيسى بهلول وكلّ كان ذا جمع ... له همّ وتأميل فصاروا جزرا للمو ... ت قد غالتهم غول وأنت الرابع التابع ... ما عن ذاك تأجيل ولا يغررك من طبّ ... ك أقوال أباطيل أري فيك علامات ... وللأشياء تأويل هزالا قد بري جسم ... ك والمسلول مهزول وذبّانا حواليك ... فموقوذ ومقتول وحمى منك فى العظم ... فأنت الدّهر مملول وأعلام سوى ذاك ... تواريها السراويل ولو بالفيل مما ب ... ك عشر مانجا الفيل أهذي نكهة المعد ... ة أم ضرسك مأكول وما هذا على فيك ... قلاع أم دماميل أم الحمى أحبّتك ... فهذا البثر تقبيل وما بال مناجيك ... توليّ وهو معلول فان كان من الخوف ... فقد سال بك النيل وان تحتج الى علمي ... فطبى «2» لك مبذول عليك الحنظل المدقو ... ق سفّا وهو منخول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وقد يوصف ممّا ب ... ك حلتيت وفتيل ولا عدنا ومن صبر ... بلا طبخ مثاقيل فذا وصف نوصيّك ... بلا قال ولا قيل وقال يهجو محمد بن بشير الخثعمى ... أقول لابن بشير وسلحه فى عجانه ... ونقده فى حشاه مازل عن ميزانه ... يا جاهلا قوت نخل تزيد في ثمرانه ... طوبى لصاحب نخل خريت في بستانه حدّثنا محمد بن سعد، قال: حدّثنا عيسى بن اسماعيل، عن عبد الله بن محمد عثمان بن لاحق، قال: أولم محمد بن خالد، فدعا أبان بن عبد الحميد، وسهم «1» ابن عبد الحميد، وعبيد الله بن عمرو العتبي، والحكم بن قنبر فاحتبس عنهم الغداء، فجاء محمد بن خالد فوقف على الباب، وقال: ألكم حاجة [أعزكم الله] «2» يمازحهم، فقال أبان: حاجتنا عجّل علينا بها ... من الحشاوي كل طردين «3» فقال ابن قنبر: ومن خبيص قد حكت عاشقا ... صفرته زين بتلوين فقال سهم وأتبعوا ذاك بآبية ... فأنكم أصحاب آبين «4» فقال عبيد الله دعنا من الشعر وأوصافه ... واعجل علينا بالأخاوين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 فأحضر الغداء وخلع عليهم ووصلهم. حدّثنا محمد بن سعيد، قال: حدّثنى حماد بن اسحاق، قال: سألت اسحاق عن قصيدة أبان اللاحقى ومعنى قوله فيها: وأقلى ضوء برق مث ... ل ما أقلى عفا مزج وأبغض يوم تنأى ... والزيانب كلها سمج ويعجبني لابراهيم ... والأوتار تعتلج أمرّ مدامة صرفا ... كان صبيبها ودج فقال لى: أي «1» الزيانب [الذين] ذكرن في أصوات، ومن أشهر هن زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، يقول فيها ابن رهيمة مولى عثمان بن عفان: تصابيت أن بانت بعقلك زينب ... وكيف تصابى الشيخ والرّأس أشيب ومنها: دعيني أمّ مسكين ... دعيني لا تلوميني فانّ اللوم يا زين ... ب يؤذيني ويغرينى ومنها: إنما زينب همي ... بأبى تلك وأمي بأبى زينب لا ... أكنى ولكنى أسمى [بأبى زينب من ... قاض قضى عمدا بظلمي بأبى من ليس لى في ... قلبه قيراط رحم] «2» في كل هذا غني يونس الكاتب ومنها: يا زينب الحسناء يا زينب ... يا أكرم الناس اذا تنسب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ومنها: إنما زينب الهوى ... وهي الهمّ والمنى [ذات دل تضنى الصحى ... ح وتبرى من الجوى لا يغرنك أن دعو ... ت فؤادى الى النوى واحذرى هجرة الحبى ... ب اذا مل وانزوى] «1» ومنها: زينبي راعي وصالي ... واسمعي مني مقالي وقول أبان: يوم تبدى لنا قتيلة عن جي ... د أسيل تزينه الأطواق الغناء فيه لمعبد وقول أبان وأقلى ضوء برق، يريد قول الأحوص: ضوء برق بدا لعينك أم شبّت بذي الأثل من سلامة نار الغناء فيه لمعبد وقول أبان عفا مزج أراد قول الأحوص أيضا: عفا مزج الي لصق ... الى الهضبات من هكر الغناء لمالك بن أبى السمح. حدّثنا المبرد، قال: حدّثنى أبو واثلة «2» قال كان أبان بن عبد الحميد اللاحقى يتولع بابن مناذر الصبيري من بنى صبير بن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم، ويقول له إذامت فلا ترثيني يعرّض به بأنه لا يجيد الشعر الا في المراثى، فقال ابن مناذر يهجوه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 غنج أبان ولين منطقه ... يخبّر الناس أنه حلقى داء به «1» تعرفون كلكم ... يا آل عبد الحميد في الأفق قد يلبث الشيخ منكم حقبا ... بين أنين ولذعة الحرق حتي اذا ما السماء جلّله ... كان أطباؤه على الطرق نفرّجوا عنه بعض كربته ... بمسبطرّ مطوّق العنق وهجاه بمثل هذا [من] القصار، فأمسك عنه أبان ثم سفر بينهما فاصطلحا. حدّثنا الحسين بن على المهري قال: حدّثنى شاكر بن عبد الله بن عبد الحميد ابن لاحق، قال الحسين: وكان لاحق محدثا فأما البشير بن الفضل بن لاحق فمحدث جليل روى عن ابن شبرمة وعن غيره. فأما شاكر فكان يحيى بن خالد [البرمكى] قد جعل أبان بن عبد الحميد على الشعراء يعرضون عليه أشعارهم فما رضيه أثبته ومالم يرضه أسقطه، وكان أبو نواس ظئر «2» حمدان بن أبان ومعهم تأدب وكان ينهاه عن مجون أشعاره فلا يقبل، فكان ذلك سبب قول أبى نواس: نادمت يوما أبانا ... لادرّ درّ أبان فجاء بابيات قد ذكرناها «3» قال الحسين: فأجابه حمدان بن أبان. أبو نواس بن هانى ... وأمه حليان وقد روينا هذه الأبيات لأبان، ورواها الحسين عن شاكر لحمدان بن أبان، وقال: فلما أنشد أباه أبان: إن زدت شيئا على ذا ... ما عشت فاقطع لسانى قال له أبان: ليس بزيد، فلا تزد أنت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 حدثنا أبو ذكوان عن ابراهيم بن سفيان الزيادى، أن غلاما يهوديا كان يقال له هيلا، وكان مجالس أبا العتبي عبيد الله، وكان أحسن الناس وجها وأبوه من مياسير يهود البصرة فمات فوجد به العتبي وجدا شديدا وبكاه ورثاه، فقال له أبان وأنشدنى بيتين من شعر أبان «1» ثم رفع اليّ وأنا بواسط أبو طالب الأنباري كتابا بخط أبى علي الكرانى، وكان قد سمع منه وأنا أعرف الناس به «2» لأن وكيعا أخرج إلي منه شيئا كثيرا أخذه من الكراني. أنشدنى عبد الرحمن بن عبد الواحد أبو على العميري لأبان اللاحقى يهجو أبا العتبي: ألا قل لعبيد الله ... ما بالك لا تسلا أهذا كله فرط ... أسى منك على هيلا وقد صار من النار ... الى أطباقها السفلى تبكّيه وترثيه ... بكاء الواله الثكلى لقد أملى لك الله ... فلا يغررك ما أملى وقد أحسن اذ أبلا ... ك فاشكر حق ما أبلى كأنى بك قد خلي ... ت دنياك كما خلّا فلا آخرة نلت ... ولم تبق لك الأولى وقد خيّرت فاخترت ... صديقا مثله يقلى شبيها بك في الغدر ... وفي كفر الذي تولى وقد حدثني عنه ... وما كذبته يعلى وعن قنطرة الشطّ ... حديثا غيره أحلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 يقول العبد في الكندو ... ج «1» يا مولاي ذا أحلى فما أدري وقد غابا ... به أيهما الأعلى أكان العبد من فوق ... أم الفوق هو المولى لقد عمهما اللعن ... فأولى لهما أولى قال أبو بكر: ولأبان خبر مع [أبى] العتبي أنا آتى به بعقب هذا. حدّثنى أبو ذكوان عن التّوزى «2» قال صحّف الفيض بن عبد الحميد في حلقة يونس. بن حبيب وأنشد بيت ذي الإصبع العدوانى: عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض قال الفيض: جنة الارض، فقال خلف الأحمر يهجوه: لنا صاحب مولع بالخلاف ... كثير الخطاء قليل الصواب أشد لجاجا من الخنفساء ... وأزهى إذا مامشى من غراب اذا ذكروا عنده عالما ... ربا حسدا أو رماه بعاب وليس من العلم في كفه ... إذا ذكر العلم غير التراب أضاليل جمّعها شوكر ... وأخرى مولدة لابن داب «3» فزاد أبان علي أبياته، وذكر تصحيفا لأبى العتبي، وقد ذكر رجلا فقال يكنى أبا الضيم وانما هو آبى الضيم، فقال أبان: فلو كان ما قد روي عنهما ... سماعا ولكنه من كتاب رأى أحرفا شبهت في الهجاء ... سواء اذا عدّها في الحساب فقال أبى الضيم يكنى أبا ... وليست أبى إنما هى آبى «4» وفي يوم صفّين تصحيفة ... وأخرى له فى حديث الكلاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وتصحيف فيض بن عبد الحمي ... د في جنة الارض او في الرباب «1» وعالى بذلك في صوته ... كقعقعة الرعد بين السحاب حدّثنا البلعى عن أبى حاتم قال سمع أبان رجلا يقول شر الدواب يبقى على الآرىّ فقال: «2» رأيت الموت أعرض عن حميد ... وألقى داهرا تحت التراب وجوه «3» الخيل هالكة ويبقى ... على آريّة شر الدواب قال الصولي: ثم وجدت بخط الكرانى: أنشدنى أبو على بن عمارة شيخ من آل أبى عمرو بن العلاء لأبان اللاحقي، فذكر هذين البيتين، ثم قال: وأنشدنى أيضا له فى المعنى: مضى أنس وقفّاه حسين ... ومات أخوهما عبد السلام ثلاثة أنجم أفلوا جميعا ... درارىّ تضىء دجى الظلام وعاش مذمّم لفساد دهر ... خؤون العهد يلعب بالأنام نريد الشىء يجري فيه خرق «4» ... فيجعل طوله شهر الصيام صواب القول إيجاز بليغ ... وأعيا العيّ إكثار الكلام كذاك الخيل يبقى الدّون منها ... فأما السابقات فللحمام حدثنا محمد بن سعيد، قال: حدثنى عيسى بن اسماعيل، قال: جلس أبان اللاحقى ليلة فثلب أبا عبيدة، وقال: يقدح في الأنساب، ولا نسب له. فنمّ من حضره الى أبى عبيدة، فجلس في مجلسه وقال: لقد أغفل السلطان كلّ شىء حتى أغفل أخذ الجزية من أبان اللاحقى [وهو] وأهله [يهود] «5» وهذه منازلهم فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 أسفار التوراة وليس فيها مصحف، وأوضح الأدلة على تهودهم، أن أكثرهم يدّعى حفظ التوراة ولا يحفظ من القرآن ما يصلي به فبلغ ذلك أبان، فقال: لا تنمّن عن صديق حديثا ... واستعذ من تشرّر النمام «1» واخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل الكلام قال أبو بكر: وجدت بخط أبى على الكرانى، أنشدنى أبو عبد الله محمد بن زياد اليؤيؤ لأبان من أبيات: وهذا أوان الصرم ... «2» فاذهب ... عليك العفا من صاحب وخليط قطعتك فاقطعني فغاية وصلنا ... إذا كان من مرو إياب نشيط قال: [ونشيط] هذا مولي لعبيد الله بن زياد، خانه في شىء وهرب الى مرو، فجعل أهل البصرة يقولون في أمثالهم: مرجع «3» نشيط من مرو. ما روى فى صحة دين أبان قال أبو بكر: حدّثنى محمد بن الرياشى، قال: ذكر أبان اللاحقى عند أبى فطعن رجل على دينه فرد عليه أبى، وقال: حدثنى ابن عائشة- وحسبك به- أنه ما أخذ عليه شيء في دينه قط مع كثرة قراءة للقرآن وصدقة، ثم أنشدنى أبى له: قلت للحواري قد طوّلت إتعابى ... مالى وللشعر، والقرآن أولى بى مالى وللشعر لولا ما تكلفنى ... وقد مضت حقب لي بعد أحقاب وهذه قصيدة له، له فيها مدح وهجاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 حدّثنى محمد بن سعيد، قال: حدّثنى عيسى بن إسماعيل قال: كنا في مجلس أبى زيد «1» فذكروا أبان بن عبد الحميد، فقالوا كان كافرا، فقال أبو زيد وغضب: كان جاري فما فقدت قراءته فى ليلة قط، وقال غير أبى زيد: كان أبان ينصرف من دور البرامكة فينام لعله ما شرب، ثم ينتبه فيصلي حتى يصبح. وهو القائل حين أراد الرشيد أن يجعل بعض صدقات البصرة [و] ضياع البصرة خراجا، واجتمعوا اليه وسألوه أن يعمل أبياتا الى يحيى بن خالد فقال: أشهد أن لا إله إلا ... إلهنا الخالق الكبير محمد عبده رسول ... جاء بحقّ عليه نور وأن هارون خير وال ... في العدل ما إن له نظير خليفة الله قد رضينا ... ماسار فينا وما يسير وأنه خير ما إمام ... وأن يحيى له وزير أبا على إليك نشكوا ... ظلما عرانا به مغير تزعم أموالنا خراجا ... وهي كما لم تزل عشور وشرطنا أن كل محيى ... فهي له ملكها يصير حكم نبي الهدى أتتنا ... سنّته وهو لا يجور حدّثنا الغلابى، قال: حدّثنا مهدي بن سابق، قال: كان أبان بن عبد الحميد اللاحقي جارا لى وكان باطنه خيرا من ظاهره، وكان يصلي بالليل وقلب ليحيى كتاب كليلة ودمنة فأعطاه مائة ألف درهم، وعمل له كتاب المنطق بشعر وأدب ابن المقفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الغزل لابان وهو قليل جدا حدّثنا محمد بن على الماوردي. قال: حدّثنا الجاحظ، قال: قيل لأبان قل في الغزل كما يقول فيه أبو نواس، قال: فأبو نواس لم ينقل الكتب لشعر كما نقلت، وانما أعمل الشعر فيما ينفعنى. وقال أبان: صرمتك بعد وصالها ... وسئمت طول مطالها ورمت فلم تخطيء فوا ... دك مرشقات نبالها لما رأت كلفى بها ... منعت قليل نوالها ولهان ما أرضى به ... وأراه من إجمالها أنس الحديث وقبلة ... أشفي الصدى بزلالها فاذا أردت عتابها ... ألجمت من إجلالها فكر الفؤاد بها وهمّ ... النفس من بلبالها أما النهار فلا تجفّ ... العين من تهمالها وأبيت منتجي الهمو ... م أخوض فى أهوالها وكأنّ ناظر مقلتي ... وقف على تمثالها وتبيت فارغة الهوى ... ما إن خطرت ببالها لو خيّرت من خلقها ... لم تعد فضل كمالها ماء الشباب بخدّها ... والحسن في سربالها فالموت إن هي أدبرت ... والعيش في إقبالها قال الصولي: وأنشدنا المبرد لعبد الصمد يقول «1» في غلام من أولاد الجند: متّ من حبه وبغض أبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فقال لنا: أول من نطق بهذا أبان اللاحقي فإنه كان يحب جارية للهذيل اسمها مليحة، وكان الهذيل يغار «1» عليها فإذا علم أن أبانا في مكان لم يوجه بها اليه، فقال أبان: إنى أرانى سوف أصبح ميتا ... أولا سأصبح ثم لا أمسى من حب جارية الهذيل وبغضه ... وكلاهما قاض على نفسى فكلامها «2» اشفى به سقمي ... وإذا تكلم عاد لي نكسى وقال من أبيات: لئن حبس المشيب عنان لهوي ... وبقى لي قليلا من كثير فكم من ليلة قصرت وطابت ... ومن يوم لهوت به قصير تقصّره بمجلسها فتاة ... تشبه «3» صورة القمر المنير كأن التاج معصوب برأسى ... أحيّا فوق أرواح السرير إذا اختلفت أناملها وغنت ... ألم تربع بمنزلة ودور رأيت العيش يجمعه ثلاث ... اذا تمّت كفتك من السرور طبيخ الشمس لم تسفعه نار «4» ... ولم يعبق به وضر القدور وجاريتان توقع ذي بطبل ... وتحسن تيك في مثنى وزير واشكال من الفتيان صيغت «5» ... خلائقهم على كرم وخير يفدّي بعضهم بعضا إذا ما ... تمشّت فيهم كأس المدير مختار شعر أبان فى المدح وغيره قال يصف مدينة فسا، وأصلهم منها في قصيدة طويلة مدح قاضيها: يا حبّذا فسا «6» ويا طيبها ... سرّتها العليا وأقطارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 إذا البلاد اغبرّ آفاقها ... وجال بالحاصب إعصارها ويبس العود وجفّ الثرى ... وقيل هذا العام إقفارها زادت على ذاك ندى تربه ... وأشرقت للعن أنوارها والقيظ إن صرت الى قيظها ... إذا كسا الأوراق اشجارها اذا سرى الماء الى عوده ... واطّردت تستنّ أنهارها وأخرجت زينتها أرضها ... وثمّ في البهجة إنضارها رأيت عيشا لا ترى مثله ... ما طرفت في العين أشفارها منها لاهل الدين: ذلك للدّنيا وأبنائها ... منزلة يسعد عمّارها ما اشتهت الأنفس أو «1» لذّ ... ت الأعين أو نالته افكارها صرديّنة حرية أيّما ... شاء فقد وافق مختارها إن هبت الريح مساء «2» بها ... لم يجد القرّ بها جارها أو ركدت في القيظ لم يؤذه ... من لثق العكة إقرارها «3» فالحرّ والقرّ وفصلاهما ... يلذّه الثاوى «4» وسفّارها والليل إن أظلم ليل بها ... وصبحها إن آن إسفارها معتدل سوّي تقديره ... اذ غيره خولف أقدارها نسيمه أطيب من مسكة ... أزكى بها المجمر عطّارها لا الموطن الثاوي بها يبتغى ... دارا ولا يستاق زوّارها فيها ملاهي كلها معجب ... يشغل فيها الطرف نظارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 منها رهان الخيل ان أرسلت ... في حلبة يشهر مضمارها فلو تراها حين تجرى معا ... كأن لمع البرق إحضارها رأيت مالم تر شبها له ... مذشقّ للأعين إبصارها وطرّد الصيد فما إن تنى «1» ... ظباؤها عقرى وأعيارها والعود والصنج بها معمل ... والطبل إن شئت ومزمارها والحسن قد فاز بتفصيله ... نساؤها العون وأبكارها ناعمة الأحشاء ممكورة ... كان لين الزّفّ ابشارها «2» ولو ترى والي أحكامها ... لقلت بالبصرة سوّارها حلما وعلما عاريا جهله ... وسيرة جانبها عارها يهون فى الحق عليه إذا ... عاندت الأشراف أصغارها سيّان فى الحق إذا ما بدا ... ساكنها الأدنى وخيارها وحبذا الحبشان من أهلها ... يمنها الغرّ وأمضارها تحسن فى العشرة أخلاقها ... وفى النّدى تعظم أخطارها فى الحق لو قدم تفصيلها ... ان فصلت للناس أمصارها وخصلة خصت بها أنه ... خير بنى الكفار كفارها أوفاهم في عهده ذمة ... إن ضيّع الذمة غدّارها لو قيل ........... ... . «3» جهدا كنت أختارها وقال يرثى سوار بن عبد الله القاضى بالبصرة: نفّر نومي الخبر الساري ... إذ صرخ النعىّ بسوّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 هدّ له ركنى وآض الحشا ... كأنما سعّر بالنار يا عين فابكيه ولا تقصري ... فليس هذا حين إقصار وحقّ للباكي عليه البكا ... ما طرفت عين بأشفار ومادعت ورقاء رأد الضحى ... في أيكة حفّت بأشجار وما جرت أدم الفيافى وما ... لاح سراب المزنة الجاري كأننا يوم فقدناه لم ... نمس بأسماع وأبصار إمام عدل قائل فاضل ... يجلو دجى الشك بأنوار كانت وجوه الحق قد أسفرت ... فأظلمت من بعد إسفار وآذن الشرّ بإقباله ... وآذن الخير بإدبار وعاث أهل البغى لما رأي ... أهل النهى قلة أنصار ومرّ دهر كان محلوليا ... وعاد ممزوجا بأمرار وكان سوّار إلى مدّة ... تجري الى الحق بمقدار لما تقضت وأتى يومه ... عدا عليه الباسل الضاري دهر على أمثاله طالما ... أنحى بأنياب وأظفار اذا انتحى جبار ملك أتى ... من دون حجاب وأستار يا بعد سوّار وإن لم يكن ... أصبح منا نازح الدار وكيف لا يبعد من فوقه ... صفائح الترب وأحجار في حفرة حل بها وحده ... موحشة ضيقة الغار مكن فيها بيته حافر ... بمنسف طورا ومحفار قد ودّع الدنيا وسكانها ... واعتاض أجوار [ا] بأجوار لا يسمعون الصوت إما دعوا ... ولا يهشّون لزوّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 تسفى الرياح الترب من فوقهم ... نسجا بإقبال وإدبار وإن يكن مات فلمّا يمت ... طيب ثنا منه وأخبار وسنن الدين التى سنّها ... خلّف منها خير آثار لا يبرح السالك منهاجها ... منها بخير ما سرى الساري كم مسلم أنقذ من عصبة ... تسجد للصلبان كفّار يدعى إلى الكفر فإن عافه ... دان بإكراه وإجبار وحاصن تفتن عن دينها ... تبكى بعين دمعها جاري قد طال في أيديهم أسرها ... وكان يفديها بقنطار وخائف أمّن من بعد ما ... ضاقت به آفاق أقطار كم حق أبرار وما يرتجى ... خلّص من أظفار جبار وظالم نكب عن قصده ... رد بإقماء وإصغار ليس بخلاف لو أي وأى «1» ... وليس فى العهد بختّار ولم يكن نزرا بكيّا ولا ... كان إذا قال بمهذار والجود مطبوع عليه فما ... يمسك مالا خوف إقتار سيّان فى الحق اذا ماعرا ... حالاه فى عسر وايسار من لليتامى كان يعتادهم ... منه بإكرام وإيثار والغارم المحتاج والمبتلى ... والضيف والمسكين والجار كان لهم حصنا حصينا إذا ... سماؤهم ضنّت بإمطار كم قد شرى لله من مرة ... نفسا رعاه الله من شاري على سبيل الحق لا بدعة ... يزرى على محدثها الزاري فمرة منها وتلك التي ... طارت لآفلق وأمصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 فى مشرب المصر وقد كاده ... قوم بإفساد وأضرار ليصلح الماء على أهله ... من شرب نهر لا كأنهار لما رأى الوفد وأدناهم ... أكبر ذاكم أى أكبار وقام بالحقّ الذي قد رأى ... مقام جهر «1» غير إسرار فى موطن ترجف منه الحشا ... مخافة من سوء جبار ومرة أخرى وتلك التى ... خاطر فيها أي اخطار فى ساكن البحرين إذ طولبوا ... بدمن منها وأوبار «2» فسار حتي حلّ فى دارهم ... أبناء حرب غير أغمار فاستنقذ الله به سبيهم ... بحكم وال غير خوّار وفى الذي أنفذ «3» من حكمه ... إذ وضح الحق لمختار على إمام سوطه سيفه ... ليس إذا همّ بنظّار فلم يجد في الله من دونه ... بل أحكم الحكم بإمرار كم من بريد لأبى مسلم ... جاء على الطّىّ بطومار فى سبب لو تمّ أفضى الى ... داهية دهياء مذكار فرده عزم امرىء حازم ... صلب القوى ليس بحوّار ناه عن المنكر يبغى به الله ... وبالمعروف أمّار وفى ولاة الخرج إذ عاندوا ... أعذر منهم أىّ إعذار فأبدل «4» الله به منهم ... أخيار عمال بأشرار كان المرجّى لعدوّ إذا ... أبرّ والمدرك بالثار انى وإن أكثرت فى ذكره ... يقلّ عما فيه إكبارى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 فقولنا إذ نزلت هذه ... بحسن تسليم وإقرار إنا الى الله وإنا له ... ربّ الأنام الخالق الباري ورحمة الله ورضوانه ... على ابن عبد الله سوّار قال أبو بكر: وهي قصيدة طويلة جئت بهذا منها، وزعموا أنه لم يرث قاض بأحسن منها. وجدت بخط الكرانى، أنشدنى أبان لجده: سعدتما ما بقيتما أبدا ... وتمّ في غبطة سرور كما خبّرنى الباهليّ أنكما ... غاديتما بكرة صبو حكما فارتاح قلبي إلى حديثكما ... لما استوى منكما اجتماعكما إن كان شوقكما اليّ كما ... وصفت من صبوتي أتيتكما وكتب اليهما مرة أخرى: بعثت برقعتى شوقا اليكم ... فلم يك منكم رجل يجيب فما زالت تسكّتنى سليمى ... ببيت قاله رجل لبيب «فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غدا لناظره قريب» وهذا يومنا لذّ فعيشوا ... بما أعطيتم منه وطيبوا مختار شعر أبان من قصائده المزدوجات قال في قصيدته التي نقل فيها كليلة ودمنة: هذا كتاب كذب «1» ومحنه ... وهو الذي يدعى كليل «2» دمنه فيه دلالات «3» وفيه رشد ... وهو كتاب وضعته الهند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فوصفوا آداب كلّ عالم ... حكاية عن ألسن البهائم فالحكماء يعرفون فضله ... والسخفاء يشتهون هزله وهو على ذاك يسير الحفظ ... لذّ على اللسان عند اللفظ يا نفس لا تشاركي الجهالا ... في حب مذموم كأن قد زالا يا نفس لا تشقى ولا تعنّى ... في طلب الدنيا ولا تمنّى مالم ينله أحد إلا ندم ... اذا تولى ذاك عنه وسدم دنياك بالأحباب والإخوان ... كثيرة الآلام والأحزان وهي وإن نيل بها السرور ... آفاتها وغمّها كثير يا نفس لا يحملك حبّ أهلك ... ولا أدانيك على أن تهلكى في جمع ما يرضيهم فانه ... يضرب من أمثال ذاك الدّجنه ينال قوم عرفها ونحترق ... رأي به يرضى أخو الرأى الحمق وجدت ذا النسك الذى قد فكرا ... فزاده تفكيره توقرا وقلّ لما رضى اهتمامه ... وتمّ من سروره تمامه وترك الدنيا لمن يشقى بها ... ومن يقاسي الكد من أنصابها فعندها نجا من الشرور ... ونال أقصى غاية السرور ثم سخت عن كل فان نفسه ... فلقي السعد وغاب نحسه وأبصر الثواب في القيامه ... فأمن الحسرة والندامه ومثل الدنيا كبرق الخلّب ... من يغترر منه بسقى يكذب وهو قياسا مثل نوم النائم ... تفرحه أضغاث حلم الحالم حتى اذا استيقظ صار همّا ... ما كان في النوم به ألمّا فكيف بالصبر على أيام ... عما قليل هنّ لانصرام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 وكيف والدنيا بلاء كلها ... لا يأمن الآفات فيها أهلها أشهد أنّ الله فرد واحد ... أقرّ أو أنكر ذاك جاحد ليس له كفؤ ولا ند أحد ... لم يولد «1» الله ولا له ولد وأننى بما عملت مرتهن ... ما كان منه من قبيح وحسن من باب الأسد والثور: وإنّ من كان دنىء النفس ... يرضى من الأرفع بالأخسّ مثل الكلب الشقيّ البائس ... يفرح بالعظم العتيق اليابس وان أهل الفضل لا يرضيهم ... شيء إذا ما كان لا يعنيهم كالاسد الذى يصيد الأرنبا ... ثم [يري] الغير المجدّ هربا فيرسل الأرنب من أظفاره ... ويتبع العير على إدباره والكلب من رقته ترضيه ... بلقمة تقذفها في فيه ومن يعش ما عاش غير خامل ... له سرور دائم ونائل فهو وان كان قصير العمر ... أطول عمرا من حليف فقر ومن يعش في وحشة وضيق ... وقلة المعروف في الصديق فهو وإن عمّر طول دهره ... ليس بمغبوط بطول عمره وقيل أيضا إنه قد ينبغى ... للرجل الفاضل فيما يبتغي أن لا يرى إلا مع الأملاك ... أو يعبد الله مع النساك كالفيل لا يصلح الا مركبا ... لملك أو راعيا مسيبا قال له «2» السبع لقد سمعت ... وكلّ ما تقول قد فهمت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 لكنني لست أظنّ ما تظن ... بالثور من غش بلى ظنّي حسن قال له دمنة: من ثم أتي ... وهذه من حاله هي التي رفعته حتى تعدّى طوره ... وكان هذا لك منه شكره وتلك أخلاق اللئيم الفاجر ... الكافر المغرور غير الشاكر ما إن يزال ناصحا نفاعا ... حتى يرى من حاله ارتفاعا فعندها يسمو الي ما فوقها ... إلى التى لا تستطيع أوقها وربما كان هلاك الشجر ... فى حسن الغصن وطيب الثمر وذنب الطاووس فهو زينه ... كذاك أحيانا وفيه حينه وباذل النصح لمن لم يشكره ... كطارج فى سبخ ما يبذره لا خير للعاقل فى ذى المنظر ... إن هو لم يحمده عند المخبر وليس فى الصديق ذى الصفاء ... خير اذا لم يك ذا وفاء الرجل العاقل من لا يسكره «1» ... كأس سموّ واقتدار ينظره فالجبل الثابت فى أصوله ... لا تقدر الريح على تحويله والناقص العقل الذى لا رأى «2» له ... يطغي إذا ما نال أدنى منزله مثل الحشيش أيما ريح جرت ... مالت به فأقبلت وأدبرت الأهل والإخوان والأعوان ... عند ذوى الأموال حيث كانوا والمال هادى الرأي والمروّه ... وهو على كل الأمور قوّه والمال فيه العز والجمال ... والذلّ حيث لا يكون المال وربما دعا الفقير فقره ... الى التي يحبط فيها أجره فيخسر الدين كما كان خسر ... دنياه والخسران مالا ينجبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وليس من شىء يكون مدحا ... لذى الغنى إلا يكون ترحاء على الفقير ويكون ذما ... كذاك يدعى وبه يسمّى فان يكن جدا يقولوا أهوج ... كذاك عند الحرب لا يعرج وهو إذا كان جوادا سيدا ... سمّى للفقر مضيعا مفسدا أو يك ذا حلم يقل ضعيف ... أويك بسّاما يقل سخيف الرّجل العاقل فيما يسدى ... مغتبط لكسبه للحمد لأنه باع قليلا فانيا ... واعتاض من ذاك كثيرا باقيا فأغبط الناس الكثير نائله ... ومدرك النجح لديه سائله فلا تعدّ ذا غنى غنيا ... حتى يكون ماجدا سريا واعلم بأنّ الملك المشاورا ... ذا العقل فيما نابه المؤزّرا فإنه يعضد بالتأييد ... يغنى به عن كثرة الجنود والتابع الحازم أمرا يحزمه ... النصحاء غير أهل التهمه يزداد حرمة بهم ورشدا ... زيادة البحر اذا ما مدّا بما يصبّ فيه من أنهاره ... حتى يهيج الموج «1» من تياره والموت من مات كريما صابرا ... خير من العيش ذليلا صاغرا قال أبو بكر: والله ما أدرى لا ما اخترت ولا ما تركت، ولو علمت حقيقة هذه القصيدة ما ضمنت ما تضمنت، لأنها قصص لا يحسن بعضها الا ببعض، والإحسان فيها قليل؛ فقد أضربت عن ذكرها والاختيار منها، وفيما حكيناه مما ذكرناه منها غنى وكفاية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 حدّثنا محمد بن سعيد، قال: حدّثنى على بن محمد النوفلى قال: لما عمل أبان كتاب كليلة ودمنة شعرا في قصيدته المزدوجة أعطاه البرامكة على ذلك مالا عظيما، فقيل له بعد ذلك: ألا تعمل شعرا في الزهد؛ فعمل قصيدة مزدوجة فى الصيام والزكاة يوائم بها تلك، وقد وجدت هذه القصيدة وترجمتها: [ في الصيام والزكاة ] قصيدة الصيم والزكاة ... نقل أبان من فم الرواة قال أبان بن عبد الحميد اللاحقي: هذا كتاب الصوم وهو جامع ... لكل ما قامت به الشرائع من ذلك المنزل في القرآن ... فضلا على من كان ذابيان ومنه ما جاء عن النبيّ ... من عهده المتبع المرضىّ صلى الإله وعليه سلما ... كما هدى الله به وعلما وبعضه على اختلاف الناس ... من أثر ماض ومن قياس والجامع الذى إليه صاروا ... رأي أبى يوسف مما اختاروا قال أبو يوسف أما المفترض ... فرمضان صومه اذا عرض والصوم في كفارة الأيمان ... من حيث ما يجري على اللّسان ومعه الحجّ وفي الظهار ... الصّوم لا يدفع بالإنكار وخطأ القتل وحلق المحرم ... لرأسه فيه الصيام فافهم فرمضان شهره معروف ... وفرضه مفترض موصوف والصوم فى الظّهار إن لم يقدر ... مظاهر يوما على محرّر والقتل إن لم يك عمدا قتله ... فانّ ذاك فى الصيام مثله شهران فى العدة كاملان ... متصلان، لا مفرّقان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 والحنث فى رواية مقوله «1» ... ثلاثة أيامها موصوله ومثلها في العدة الأيام ... للمحرم الحالق فى الإحرام ثلاثة يصومها إن حلقا ... لا بأس إن تابعها أو فرّقا والصوم فى المتعة ان لم يجد ... هديا وكان بالصيام يفتدي صيام أيام مؤقّتات ... ثلاثة فى الحجّ مفروضات وبعد ما يرجع صوم سبعه ... عشرة كاملة في المتعه أما الثلاثة التي فى الحجّ ... فكان من أدركت من محتجّ أو غيره ممن يرى أن يرويه ... يقول يوما قبل يوم الترويه ويومها وصوم يوم عرفه ... مؤتلفات الصوم لا مختلفه قالوا وإن أحبّ ان يفرّقا ... فذاك ما ليس عليه ضيّقا إن كان ذاك الصوم منه بعد ما ... يكون في عمرته قد أحرما ولو أراد الصوم فى شوّال ... من بعد أن يوجب بالهلال عمرته لكان ذاك مجزيا ... بذاك يفتى من أنى مستفتيا وهي طويلة جدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 أخبار حمدان بن أبان بن عبد الحميد بن أبان ومختار من شعره قال أبو بكر الصولي: حدّثنى محمد بن زياد، قال: كانت فى عبد الصمد ابن المعذّل عربدة إذا سكر، فعربد يوما فى مجلس فيه حمدان بن أبان بن عبد الحميد ابن أبان وكان أيّدا فقال لهم: كلوه اليّ وحدي وأخذه وكفّفه وجعله فى بيت وأغلق بابه، وقال: إذا أصبحتم فأطلقوه، وانصرف، فبلغه أن عبد الصمد حلف ليهجونه سنة، فقال حمدان يهجوه: قل لعبد الصمد الأح ... مق لا يغضب عليّه وعلى أمك فاغضب ... وأكوها في الهن «1» كيّه أمك العفلاء جا ... ءتنى بسلمى ورقيه وهي ساقت ليلة ... فاطمة أخرى إليه فقضينا فيهم ال ... حق وقلبنا السويه «2» وقال يهجو [هـ] ويذكر جدته المعروفة بالزرقا. لم تخل زرقاء من العيب ... فى ظاهر والموت «3» فى غيب جاء «4» ببخراء صنانية ... فى حجرها بند من الشيب فقلت: يازرقاء دلّست لى ... وأنت في منع وفى سيب فسّاية قد خرّقت منخري ... بالفسو من كمّ ومن جيب قالت: وهل تنكر إلا الذي ... لست أراه لى بالعيب؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 كذاك تلقى كلّ عبديّة ... لاتك من ذلك في ريب! وروى محمد بن داود عن أبى العيناء، قال: حدّثنى أبو شبل البرجمي، قال: أنشدنى حمدان بن أبان لنفسه يهجو وليدا الزامر، وكانت بنته حسنويه تحته: يا ولد الزّامر ال ... زانى وابن الزانيبن يا أيا قرة عي ... نىّ ويا سخنة عيني أنت والله من الأختان شين غير زين ... قدّر الله لها من ك ولى عاجل بين وقال، وقد أنكر على امرأته شئ يخاطبها: تعالي لا نلطّ ولا تلطّى ... ونكشف ما نريد ولا نغطي على أنى أمطّ إذا افترقنا ... فشأنك عند فرقتنا فمطي قال: وأهل البصرة ينشدون [هذين البيتين] له إلا المبرّد فانه ينشد [هما] لغيره: يلاحظها طرفي فتومي بطرفها ... وتخبر عما في الضمير من الودّ فان فطن الواشون صدّت وأعرضت ... وإن غفلوا قالت نزال «1» عن الود وقال فى طلّ مغنية كانت لبعض الحول: ياطلّ ما أبصرت أحلى ولا ... أملح من وجهك ياطلّ لا سيما ساعة ودّعتنا ... والدمع من عينيك منهلّ فقدت مولاك الذي وجهه ... ينضح فيه أبدا خلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وكان غضب على امرأته ثم ردّها فليم فى ذلك فقال: إن تكن قرّة عينى ... أسقطت في الناس سقطه أو تكن مرّت برهد «1» ... فلقد جاءت بغبطه والنميري له كا ... نت على المنبر ضرطه ثم قد أصبح ما ... بعد له «2» صاحب شرطه وقال يهجو مغنية: فرجها دنّ «3» بشوط ... وهى من خلف ضروط فاذا واقعتها ... فهو خرّوط ضروط «4» وقال يهجو: قد رأينا حسن سابا ... طك والدّار الطّويله وعلمنا أنّ فيها ... كلّما تلفى القبيله غير أنّ الجنّ لا ... تحسن في خبزك حيله حدّثنى الصولى، قال: حدّثناعون، قال: مدح حمدان بن أبان بن عبد الحميد ابن أبان ابراهيم بن رباح فلم يثبه، وقال: لا أعطي والله زوج حسنوية العاهرة على مدحه ثوابا، فقال يهجوه: يا ابن رباح أنت في صوره ... تورث من دبّ وخنزيره ما زلت ترعى بين أعفاجها ... سلاح مخمور ومخموره حتى بدا رأسك من فرجها ... يشبه قبحا رأس سنّوره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 من قحبة قوّادة لم تزل ... معروفة بالسّحق مشهوره كأنّ نبت الشعر حول استها ... درابزين حول مقصوره وقال أيضا: أنت يا عمران جعس «1» ... بعضه رطب ويابس تضحك الناس وأنت ال ... دّهر من بعضك عابس تدّعي أموال قارو ... ن وأنت الدهر سائس أبدا تعلو وتعلى ... راجلا طورا وفارس كيفما كنت فبئس ال ... شئ ملبوس ولابس وقال أيضا: وابأبى من زرتها ليلة ... وقد خلا من بيضه الشهر فلم أزل أشرب من ريقها ... مالا يدانى طيبه الخمر وقلت والليل لخطو المنى ... عشاوة يتبعها الفجر تومي «2» عن البدر وعن غرة ال ... شمس وأنت الشمس والبدر وقال أيضا: أحباب قلبى كم يكون القلى ... أمالكم عن ذاك إقصار أنتظر القادم من برّكم ... وما لصوم الهجر إفطار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ما اخترناه من قصيدة حمدان بن ابان بن عبد الحميد بن أبان في وصف الحب وأهله وهى طويلة ما بال أهل الأدب ... منا وأهل الكتب قد وضعوا الآدابا ... وأتبعوا الكتابا لكل فنّ دفتر ... منقّط محبّر ففرّقت أجناسا ... وعلموها النّاسا بالحيل الرفيقه ... والفطن الدقيقه فأرشدوا الضّلالا ... وعلموا الجهالا سوى المحبين فلم ... يرعوا لهم حقّ الذمم في علم ما قد جهلوا ... وما به قد ابتلوا قد غلقت رهونهم ... واستعبرت عيونهم وحالفوا السّهادا ... وخالفوا الرّقادا فليلهم طويل ... ونومهم قليل أبدانهم نحيله ... متعبة عليله نفوسهم حزينه ... مشعوفة رهينه ظاهرة غمومهم ... باطنة كلومهم باكية عيونهم ... قريحة جفونهم إن ظلموا لم يظلموا ... وإن شكوا لم يرحموا أحبابهم في لعب ... وفي دوام الطّرب صافية ألوانهم ... ضاحكة أسنانهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 قد سكنوا القصورا ... وقارنوا السرورا تفرغوا للهجر ... وللنوى والغدر بعاشق يهواهم ... بالله ما أقساهم وعدهم وعيد ... إقرارهم جحود بؤسى لأهل العشق ... أهل الضنّى والرّقّ ليس لهم وسيله ... ولا وجوه حيله رأيت لما أخذلوا ... وفى هواهم وحلوا أن أرشد المغفّلا ... الجاهل المضلّلا إلى الطريق الواضح ... عند البلاء الفادح وابتدي كتابا ... بالوصف بابا بابا «1» يا أيها الناس فعبوا ... وصيتي واستمعوا ففى صفاتى عجب ... وفي كتابى أدب قصيدتي مقوّمه ... ألفاظها منظّمه فيها هوى العشاق ... ومنية المشتاق وصفت أهل العشق ... ولم أمل عن حقّي فاسمع مقالا صادقا ... يا من يبيت عاشقا للحبّ خلّتان ... هما هما اللتان الصبر والرفق معا ... يوما إذا ما اجتمعا فى عاشق مهجور ... مباعد مغرور قضى قريبا وطرا ... وبلغاه الوطرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ما الحسن والإحسان ... والملك والسلطان ما حسن في العين ... أحسن من إلفين بعدل وصف الإلف ... وكسره للطّرف يوما إذا ما التقيا ... في مجلس فاشتفيا مداومين للنظر ... قد أمنا كلّ حذر يبادران الخلوه ... ويظهران الصّبوه مساعدين اتفقا ... بانا ولم يفترقا هواهما مخزون ... سرّهما مدفون مداريين أصبحا ... للناس لم يفتضحا من جرّب الحب عرف ... ما بين ملك وأسف «1» لن يبلغ الصبّ المنى ... إلا بصبر وعنا إن الهوى ضروب ... وأمره عجيب وأهله أطوار ... فيه لهم أوطار للعاقل الشريف ... والأحمق السخيف فمنهم مرزوق ... محبب معشوق على اضطراب الخلق ... منه وسوء الخلق تقضى له الأوطار ... وتعمل الاشعار مقرب ما يقصى ... مطاوع ما يعصى ومنهم محروم ... محارف «2» مشئوم على جمال هيئته ... وحسنه وبهجته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ومنهم من يبتدي ... ينال عيشا رغدا من غير سعي وطلب ... وغير كد ونصب فجدّ ذاك الأسعد ... والبخت منه أجود إذ فاز باللذّات ... وادرك الحاجات ومنهم من يتعب ... في حبه ويدأب أسقمه طول الهوى ... وشفه وجد الجوي فذاك صبّ قد شقى ... بؤسى له ماذا لقى! ومنهم البصير ... العاقل النحرير يحتمل الهجرانا ... ويحمل الاحزانا فلا يزال مبتلى ... حتى ينال أملا ومنهم العميد ... الجاهل البليد يحبّ بالتضجر ... والجهل والتكبر يلقى الحبيب باهتا ... فلا يزال ساكتا ومنهم من يهوي ... بالغيب ياتى عفوا فيزرع الغموما ... مستجلب هموما فذاك حبّ الغيب ... ليس به من عيب من دونه حجاب ... ودونه أبواب فما لذاك لبث ... وليس منه مكث حتى يرى مقهورا ... في حبه محسورا ومنهم جبّار ... في حبّه ازورار يزهى إذا ماعشقا ... ورهنه قد غلقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 يلتزم اللجاجه ... فليس يبدي الحاجه فذاك حبّ الفوت ... وفيه كرب الموت ومنهم من للنظر ... يهوى ولم يعد البصر إذا رأى خليله ... داوى به غليله يكتم ما يقاسى ... من أعين الجلّاس ومنهم من اقتصر ... على الحديث والنظر غايته السّلام ... واللّحظ والكلام مدافع عن حبّه ... يكتم وجد قلبه ينفى الهوى وينكره ... وبالتبرّي يستره فذاك حبّ العاقل ... حبّ أديب كامل وبعضهم لا يقنعه ... الا عمود يودعه قد طلب الحراما ... والتمس الآثاما فذاك حبّ النّهم ... الماجن المغتلم حقّ له الحرمان ... والمنع والخذلان وبعضهم مذّاق ... معانت ملّاق مستعمل للكذب ... وخرق فى الكتب فذاك حبّ الزور ... يلسع كالزنبور وبعضهم عميد ... غاية ما يريد خلوة من يهواه ... في مشهد يلقاه لحظته مسارقه ... مبيته معانقه مكاتم لحبّه ... فى بعده وقربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فذاك حبّ يكمد ... نيرانه لا تخمد ومنهم من يهتف ... بالحبّ حين يشعف إذا الحبيب ضدّا ... ولم ينله ودّا تاه عليه وخرق ... وصدّ عنه وحمق وقال في آخرها: قد تمّ منى الوصف ... ولم يخنّى الرصف وانقضت القصيدة ... محبوبة حميده والحمد للرحمن ... ذي العزّ والسلطان والذمّ للشيطان ... ذى الذّم والطّغيان أخبار أبان بن حمدان بن أبان بن عبد الحميد بن أبان وشعره: حدّثنى أبو بكر بن إسماعيل، قال: حدّثنا بكر بن محمد المازني، قال: كان حمدان بن أبان بن عبد الحميد موسرا سريا، وكان ابنه أبان بن حمدان بن أبان ظريفا ماجنا يدمن الشراب ويصحب الخلعاء، فقال له أبوه: يا بنى قد افتضحت [في] البلد بأفعالك هذه المشهورة، فلو غمضتها وسترت ما يظهر منها، واستعملت ذلك فى البساتين، كان أخفى وأستر، فلزم البساتين وترك دخول البصرة جملة، وأقام بناحية المعلى، فكتب أبوه حمدان يذكر شوقه اليه وشفقته عليه من البستان وحميّاته، فكتب اليه: يا أبى لا ترث لي من غيبتى ... أنا في خير ولهو ودعه صرت من حبس دنا مطلقا ... ومن الضيق إلى كل سعه بيت خيش ونبيذ سائغ ... وحيال الباب منى مشرعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ومعي في كل يوم مسمع ... حاذق يطربني أو مسمع وندامى كمصابيح الدّجى ... كلّهم يأخذ كأسا مترعه لا يبالى من لحافى شربها ... أبدا حتى يوارى «1» مصرعه وسخول «2» خمسة أو ستة ... فاذا قلّوا فعندى أربعه وخواب هادرات هدرها ... ودساتيج «3» ملأى مترعه ومغنّ غرد يطربنى ... فإذا شئت تغنيت معه قال: فكتب إليه أبوه حمدان: نشدتك الله يا بنى أن تدخل البصرة وهذه حالك فإن احتجت الينا لحقنا بك. قال الصولى: فقلت لأبى ذكوان حين قرأت عليه هذا الخبر إن بعض أهل البصرة ينشد بعض هذه الأبيات لبعض أولاد العتبي، فقال لي ذاك شعر آخر فأنشدنيه «4» وأبان هذا قليل الشعر جدا لا أعرف له إلا غزلا وجدته فى بعض كتب أهله فمنه ما قاله فى إلف نأى عنه: غاب على حسن وصلنا الهجر ... فخان قلب المتيم الصبر وانتظمت أسهم الفراق له ... جوانحا بين طيّها جسم والبين مذ كان آفته ... ينقص عن دهر عمرها العمر من لم يمت بين هجرة ونوى ... فما له في حياته عذر ثم قدم غائبه هذا، فقال: بنفسى من ولى وخلف لي الحزن ... ولم يتّرك للعين حظّا من الوسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 اذا [ما] أراد العاذلات ملامتى ... أتاهم بعذر واضح وجهه الحسن فمن كان مسرورا بقرب لقائه ... فلا ذاق ما قد ذقت منه من الحزن تقرب منّى من تمنيت قربه ... وتلك لعمرى نعمة مالها ثمن فقرت بما أهوى وأعطانى الرّضا ... وقد كنت ذا وجد عليه بذا الزمن شعر أبى شاكر عبد الله بن عبد الحميد بن لاحق وانما أتساهل في اختيار أشعار هؤلاء لأنهم مقلون، فان لحق أشعارهم حقّ الاختيار قلت وذهبت. قال الصولي: حدثنا محمد بن يزيد المبرّد، قال: كان عثمان بن رشد «1» العميري صالح الأدب مليح الشعر وكان سراة أهل البصرة يدعونه ويعاشرونه، فقال فيهم أبو شاكر عبد الله بن عبد الحميد: ان عثمان الكدود «2» بن رشد ... ذو ولايات على كلّ أحد يملك الأكل عليهم قبل أن ... يأكل الملّاك في كل بلد قد تولّى خبر الحضرة من ... قبل الله عليهم والرصد يسرج الأشهب أعلى سحر ... ثمّ لا يخليه من ركض وكدّ مرة عند جوين أو أبى ... حسن أيهما طعما أعدّ فإذا استصعب إذن ساعة ... قال يا حارث «3» ذا يوم نكد عد إلى البيت الذي تعرفه ... وابتزل إذنك أن كان ركد خبزنا أطيب من خبزهم ... وكذا الخمرة تطفو بالزّبد مثل الثعلب والعنقود إذ ... قصرت عنه يداه حين مدّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 قال: مثل الخلّ دعه جانبا ... وهو كالسّكّر طيبا والشهد! حدّثنى محمد بن الحسن البلعىّ قال: حدّثنى أبو حاتم سهل بن محمد، قال: كان أبو شاكر عبد الله بن عبد الحميد من فتيان البصرة وظرفائهم، وعمّر عمرا طويلا، وكان موسرا لا يعرف إلا الشرب والسماع، فشرب يوما عند قوم من بنى زهرة كان يعاشرهم، فدخل اليهم ابن مسعدة الذّارع في حاجة لأبيه، وكان أحسن من بالبصرة وجها، فأوصل رقعة وأخذ الجواب، وأراد الانصراف، فحلف أبو شاكر أنه إن لم يجلس انصرف، فسألوه ذلك، فقال: أردّ الجواب وأعود اليكم، فمضى ثم رجع فشرب وغنىّ، فقال أبو شاكر: لهف نفسي على الغزال الغرير ... وعلى وجهه الجميل النضير وعلى طبعه فداء له أه ... لى ومالي ومعشري وعشيري ذاك بدع من خلق ربك لم ... يجعل له في جماله من نظير أمه الشمس كان ألقحها ال ... بدر فجاءت بنور حسن لنور ما برى الله مثله بشرا ... سبحان خلّاقه العليم القدير يا خليلي لا صبر لي، عيل صب ... رى فأبديت ما يجنّ ضميرى فأشر ما تراه بارك فيك الله ... من قائل لنا ومشير إن قلبي أمسى أسير أمير ... ليس من رأيه فكاك الاسير ملك المسعدىّ بالحسن رقيّ ... فأسى بى فمن عليه مجيرى! جاء في أزرقية يتثنى ... غصن بان ولحظ خشف غرير نحو شرب لا فحش فيهم ولكن ... حلماء ذوو عفاف وخير أعملوا كأسهم فطابت بما طا ... ب لهم من معتّقات الخمور ليس يدرون غير ماهات واشرب ... وحديث كاللؤلؤ المنثور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فأتاهم بدور فحيوه بالكأ ... س وفدّوه من صروف الدّهور فتعالت به الشّمول فغنى ... أسعدينى بدمعك المنزور «1» ثم ثنى والقوم قد طربوا من ... هـ قياما به لفضل السرور هل عرفت الديار يا ابن أنيس ... دارس آيها كخطّ الزّبور ثم نادي يا أرض سيرى فسارت ... طوع أمر يفوق أمر الأمير يا خليلى قد كنت تزعم أنى ... ساحر اللفظ صائب التدبير قد وربّى سحرت من قبل أن ... أسحر فاعجب لساحر مسحور! قال أبو بكر: وعلىّ بن مسعدة هذا، يقال إنه أحسن من ولد بالبصرة، كان الناس يقصدونه ليروا وجهه وحسنه إلى أن شاخ، وفيه يقول أبو نواس: رأيت الهلال بوجه الهلال ... علىّ بن مسعدة الذّارع وأبو شاكر القائل في الزهري يمدحه وجدت هذه القصيدة في كتاب: ألا يا مجلس الشرب ... على نهر أبى بكره لدى القصر وعند الرو ... ض في الغبطة والنضره وعند الواحد الماج ... د من خير بنى زهره كريم الجدّ واري الزن ... د محض طيب العشره ظللنا عنده في عي ... ش صدق ناضر الزهره لدينا الراح والريحا ... ن في زق وفي ذكره «2» وعوّاد وطبّال ... تخيرناه عن خبره وزمّار ونعّار ... عليم مطرب النعره وألوان ملاه لس ... ت أحصيها من الكثره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وظبي ذو دلال غ ... نج في طرفه فتره له من عنبر الهند ... على جبهته طرّه وقدّ قد حكى الغصن ... ووجه لاح كالزهره غزال جعل الدّرّ ... له من لفظه سحره فما يلفظ إلّا س ... قطت من فمه درّه يثنى ويغنى قل ... لعبد الله ياعرّه «1» لقد صيرتنى لما ... نطقت الشعر بى شهره فكم من نخرة قد ن ... خر الشّرب ومن نعره ولّبوه كما لبى ... حليف الحجّ والعمره وصرنا فيه صفّين ... تبارى زمرة زمره فكنا يمنة نصف ... ونصف جالس يسره وأمّرنا أميرين ... وكل جائز الإمره فناديتهم صبرا ... قليلا تنجلى الغبره إلى أن خان أصحابي ... وذاقوا سرعة الفتره بنفسى أنتم كرّوا ... فإن الفتح فى الكرّه فكرّوا بعد ما والله ... همّ القوم بالفرّه وما زلت بهم حتى ... أتانا الله بالنّصره وحتى جعل الله ... على أعدائنا الدّبره أمير «2» القوم قد دبّ ... ر أن يغلب بالكسره رجا أمرا تمناه ... فأخطت استه الحفره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وكم من لذة قد أع ... قبت صاحبها حسره وفى الشرب «1» عدوّان ... مصبان «2» على فجره كلا الشخصين قد أرص ... د أن يختل بالغدره إلى أن قام أيوب ... من البيت الي الحجره أعدّ الشرّ للقوم ... مفاجاة على غرّه أتاهم خاتلا كاللّ ... صّ يمشى قطرة قطرة فأعلى رأس عباد ... على الغفلة آجرّه فثار القوم للحرب ... على الكرّة والفره فعين اللّاطم الوج ... هـ بالكفين مخضره وعباد له في وج ... هه من دمه غره وهذا مثل سكران ... وهذا مثل ذى مرّه حكوا في فعلهم هذا ... هراش الهرّ والهرّه وفي شربه ولهوه، ووصف مجلس الزهري الذي مدحه، يقول أبو شاكر ألا ربّ حديث ل ... نبيّ الله مأثور بألا يدخل الجنة ... أهل الإفك والزّور كمثل الأعور المعوو ... ر والقوم المعاوير وشخص لا أسميه ... من اهل المجد والخير حبانى صفو ودّ من ... هـ ما شيب «3» بتكدير وشرب من بني زهرة ... أمثال الدنانير توافوا يوم دجن مذ ... كر للهو ممطور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فظلوا يشربون الخم ... ر صرفا فى القوارير بكفّى طفلة حورا ... ء بل زادت على الحور كستها الشمس في الخدّي ... ن منها بهجة النور فقلنا قد وليت الح ... كم قولا غير مغدور فإن شئت علينا فاع ... دلي في الحكم أو جوري فلم تلبث بنا أن خب ... رتنا أيّ تخبير مقاصير تبدّى من ... هم دون مقاصير وأبواب من السّاج ... بأصناف المسامير وكنا مثل خيل ت ... تجاري في مياصير «1» وغنّى مطرب القوم ... على المثلث والزير سليمى تلك في العين ... قفى ان شئت أو سيرى فسارت تحتنا الأرض ... وما قلنا لها سيري وقال أيضا: أيا فهدة ماذا الج ... زع الظاهر يا فهده وما هذا الذي أحدث ... ت يا برذونة زرده «2» أئن طلّقت أصبحت ... عن الإسلام مرتدّه وولولت وأعولت ... وأوردت من «3» الرعده وهتّكت ستور البي ... ت للوحشة والوحده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ألست القندة الحلو ... ة يا أحلى من القنده «1» فتاة رشحها مسك ... وفى ريقتها شهده إذا ما عبرت «2» قالت ... أيا أمّ ويا جدّه فما يبكيك من قرد ... لقرد أمّه قرده لئيم الجد كابى الزن ... د إمّا اقتدحوا زنده تقى الله وكونى أ ... مة حازمة جلده وقولي قول ذى لبّ ... رجا الله وما عنده أيا ربّ لك الحمد ... على الرّخاء والشّده وهى طويلة. قال أبو بكر: وأنشدنا محمد بن يزيد المبرّد لأبى شاكر عبد الله بن عبد الحميد وهو أخو أبان: يا طلل الحىّ جادك الطّلل ... مالك وحش العراص يا طلل لست أرى فيك من عهدت وقد ... كنت لهم موطنا، فما فعلوا؟ أيام حبل الصفاء منك ومن ... بهجة بيت الأسباب متصل جارية كالمهاة بارعة «3» ال ... خدين والخدّ شادن عطل لم تلق بؤسا ولم تعان أذى ... لكن عداها النعيم والجذل دسّت رسولا أن ائتنا رقدة ال ... حىّ إذا ما علمتهم غفلوا فجئت والليل مكتسى سدف «4» ال ... ظّلمة وهنا والطرق أختيل حتي أجزت الاحماس «5» إنى على ... أمثال هاتيك حازم بطل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 فلم يرعها إلا قيامي لدى ال ... باب فجاءت والمشى منخزل «1» تقول يا مرحبا ويرعبها ال ... خوف من الحاضرين والوجل فأرخيت دوننا وقد هدأ ال ... ليل ستور الحجاب والكلل ثم دعتنى الى مبارزة ال ... حبّ فرجّت من تحتنا المثل «2» فكان شىء هيهات أذكره ... إنّى ضنين بسرها بخل فهرولت عند ذاك إذ عظم الا ... مر وقالت ودمعها هطل أين من أمّى أفر إن علمت ... أمّى بما قد صنعت يا رجل؟ كيف احتيالي لها إذا فطنت ... ما تنفع اليوم عندها العلل؟ قد كان يجزيك لو قنعت به ... فيما فعلت اللّزام «3» والقبل! لكن أبت شقوتى فهات فما ... أحتال أم ما أقول إن سألوا؟! قلت: تقولين للذي يسل ... يمنعنى من جوابك الكسل! شعر اسماعيل بن بشر بن المفضل بن لا حق وأخباره قال أبو بكر الصولي حدّثنا أبو ذكوان، حدّثنا دماذ الزيادىّ قال: قال اسماعيل بن بشر فى عبد الله بن عبّاد الطّران وقيانه: إذا طال يوم من سماجة أهله ... فيوم ابن عباد الطّران قصير ندامى كرام من قريش وقينة ... صدوح وكأس بالأكف تدور لدن غدوة حتى توافوا عشية ... جنائز لم تحفر لهنّ قبور فهذا الخبر كما ترى، ومحمد بن سلام يحكى أنه ذهب بالفزارى الأعرابى الى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 بيت ابن عباد، فلما سمع جواريه قال هذا. قال أبو بكر: وانشدنا أبو الحسن الاسدي، قال: انشدنى عيسى بن اسماعيل لاسماعيل بن بشر اللاحقي: بأبى أنت يا طويلة عمر ال ... مطل لا تعرف القضاء لدينى أنت سؤلى والفوز لى فيك إن لم ... يدخل الدهر بين سؤلى وبينى لي إلى وجهك المحبب ألحا ... ظ اجتلاء يخفى على العاذلين فخذى عوذة لنفسك إنى ... خائف أن تصيب حسنك عينى وقال أيضا: بأبى طبيب أسقم ال ... جسم الصحيح وأنحله قصر النهار بطوله «1» ... والهجر منه طوّله ويقول لي أنت الظلو ... م مقال جور عدّله فأجبته يا من عرف ... ت به الصبابة والوله من كان قاضي نفسه ... فالخلق في يده وله وأنشدنا عون بن محمد بن سلام لاسماعيل بن بشر: دواء الهمّ ياذا اله ... مّ قرع السنّ بالكاس على وجه الذي تهوا ... هـ بالكوب وبالطاس وورد مثل خدّيه ... مع النسرين والآس إذا لم تضمر الكفر ... فما في الخمر من باس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وقال أيضا: إنى لمحتاج الى ضرب ... فى طلبي المعروف من كلب قد وقح السبّ له وجهه ... فصار لا ينجاش للسبّ قال أبو بكر: حدّثنا عون بن محمد قال: جاء اسماعيل بن بشر بن المفضل بن لا حق الى أبيه وهو سكران وقد لسمته عقرب، فجعل يبكى، ويخلط في كلامه. فقال له أبوه: ما بك من لسع الشرب أشدّ عليك من لسع العقرب. وقال اسماعيل يخاطب سوّار بن عبد القاضى فى إسقاطه عدلا وإقامته عدلا مكانه أرشدك الله بتوفيقه ... في كلّ أمر أيها القاضى قد ظنّ عمرو حين اسقطته ... أنك منه غير معتاض فاعتضت منه خلفا صالحا ... بمبرم من عرفك الماضي فأصبح الأيتام بالمرتضى ... محمد كلهم راضى فقل له يلحق بأصحابه ... بنى جحيل «1» وابن فيّاض وقال ايضا: خصلة سوء في أبى جعفر ... وهو بها من تيهه يبذخ أولع بالنوم فما ينف ... كّ متهم نائم يصرخ ويحك دعها يا أبا جعفر ... منك لهذا فبخ بخ بخ! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 اخبار ابى الوليد أشجع بن عمرو السّلمى ومختار شعره وقيل إنه كان يكنى أبا عمرو. وقال أبو بكر بن محمد بن يحيى الصولي: حدّثنا محمد بن الفضل بن الأسود قال: حدّثنا أبو عبد الله احمد بن أبى فنن وكان لا شجع السلمي أخوان أحمد وحريث، وكان إماميا ثم تأدّب بالبصرة وربى بها ثم ادّعي إلى سليم بن منصور ابن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان، ثم شخص الى الرقة. حدّثنا عون بن محمد الكندي، قال: سمعت إدريس بن أبى حفصة يقول: كان أشجع شاعر قيس عيلان فى وقته، لم يكن فيهم غيره، فصححوا نسبه وتعصبوا له، ألا ترى أن الشعراء أيام الرشيد ليس فيهم من قيس عيلان أحد، ولا مذ أوّل هذه الدولة الا بشار بن برد مولى بنى عقيل بن كعب ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس، وكان يفخر بقيس، فلما مات لم يجدوا غير أشجع وأكثر الشعراء أيام هارون الرشيد من اليمن وربيعة، قال: ولأحمد أخى أشجع شعر قليل، وما بلغنا أن لأخيه حريث شعرا. حدّثنا الحسن بن عليل العنزى، قال، حدّثنا على بن الفضل السلمى، قال: أشجع بن عمرو، من ولد الشريد بن مطرود السلمى وتزوج أبوه بامرأة من أهل اليمامة فشخص معها فولد له أشجع ثم قدم الى البصرة فربى بها وتأدب، ثم خرج الى الرقة، فنزل على بنى سليم فقبلوه وأكرموه. حدّثنا عون بن محمد، قال: حدّثنا صخر بن أسد بن جبيلة السّلمي، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 حدّثنا أشجع السلمى، قال: قدمت الرقة وكان شخوصي اليها من البصرة فوجدت الرشيد غازيا ونالتنى خلة فخرجت حتى لقيت الرشيد منصرفا من الغزو، فلما وصلت الى الرقة- وكنت قد اتصلت ببعض أهل داره- صاح صائح بباب داره من كان من الشعراء فليحضر في يوم الخميس، فحضرنا سبعة أناثا منهم، فأمرنا بالبكور يوم الجمعة، فبكرنا وأدخلنا وقدم واحد واحد ينشد على الأسنان، وكنت أحدث القوم سنا وأرثهم حالا، فما بلغ الىّ حتى كادت الصلاة [أن] تجب، فقدمت والرشيد على كرسي وأصحاب الاعمدة سماطان بين يديه فقال لي أنشدنى فخفت أن أبتدىء من أول القصيدة بالتشبيب فتجب الصلاة [ويفوتني ما أردت فتركت التشبيب] «1» فأنشدته من موضع المدح من قصيدة أولها: تذكر عهد البين، وهو لها ترب ... وأيام يصبي الغانيات ولا يصبو فأنشدت المدح: إلى ملك يستغرق المال جوده ... مكارمه نثر ومعروفه سكب وما زال هارون الرّضى بن محمد ... له من مياه النصر مشربها العذب متي تبلغ العيس المراسيل بابه ... بنا «2» فهناك الرّحب والمنزل الرحب وما بعد هارون الإمام لزائر ... يرجّى الغنى جدب ولا دونه خصب لقد جمعت فيك الظنون ولم يكن ... لغيرك ظنّ يستريح له قلب جمعت ذوي الأهواء حتى كأنهم ... على منهج بعد افتراقهم ركب بثثت «3» على الأعداء أبناء دربة ... فلم تقهم منهم حصون ولا درب فما زلت ترميهم بهم متفرّدا ... أنيساك حزم الرأى والصّارم العضب جهدت فلم أبلغ علاك بمدحة ... وليس على من كان مجتهدا عتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فضحك الرشيد وقال: خاف أن تفوته الصلاة فأسقط تشبيبه، وابتدأ بمدحه، فاختصر وأبلغ! أضعفوا له ما أعطينا أصحابه فأعطيت عشرين ألف درهم، ولكل واحد «1» عشرة آلاف درهم. حدّثنا محمد بن سعيد، قال: حدّثنا ابن أبى سعيد عن محمد بن عبد الله ابن طهمان قال: حدّثنى أحمد بن سيار الجرجانىّ الشاعر، قال: دخلنا يوما على الرشيد بالرّقّة- وقد فرغ من قصره الأبيض- أنا والتّيميّ بن محمد وابن رزين وأشجع، وكان قد ضرب أعناق قوم، فجعلنا نتحلل الدم فابتدأ التيمى فأنشده شعرا كأنما ينثر به درا «2» ثم أنشده أشجع: قصر عليه تحية وسلام ... نشرت عليه جمالها الأيّام فلما بلغ إلى قوله: وعلى عدوّك يا ابن عمّ محمّد ... رصدان ضوء الصبح والاظلام فاذا تنبّه رعته واذا غفا ... سلّت عليه سيوفك الأحلام وكان الرشيد متكئا فاستوى جالسا، ودنوت أنا فأنشدته بعد أشجع: زمن بأعلى الرقمتين «3» قصير ... لم يثنه للحادثات غرير لا تبعد الأيّام إذ زمن الصبا ... غضّ وإذ غصن الشباب نضير «4» فأعجب بشعرى، وقال: قل للمغنين يعملوا ألحانا في تشبيب هذه القصيدة وخرجت لنا صلة فاقتسمناها علي سواء. حدّثنا الطيب بن محمد الباهلى، قال: حدّثنا أحمد بن سعيد بن سالم عن أبيه قال قد كنت عند الرشيد فدخل أشجع ومنصور النمري فانشده النمري قصيدته: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ما تنقضى حسرة منى ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع فمرّ والله في قصيدته قلما يقول العرب مثلها ثم أنشده أشجع: قصر عليه تحية وسلام فجعلت أرفع «1» منه وتعصبت للقيسيّة، فلما بلغ بيته وعلى عدوّك يا ابن عم محمد (البيتين) وقد ذكرنا هما استحسن ذلك الرشيد فأومأت إلى أشجع أن يسكت فلم يفعل، ومر في شعره ففتر الرشيد بعد البيتين، وكان عالما بالشعر، ثم ضرب بمخصرة معه الأرض: وقال، إن الشعر في ربيعة [سائر اليوم] «2» فلما خرجت، قلت لا شجع: ويحك ألامت بعد البيتين؟ حدّثنا الغلابى، قال حدّثنا موسى بن سعيد بن سالم عن أشجع، قال قال لي الرشيد، من أين أخذت قولك، وعلى عدوك: البيتين؟ فقلت لا أكذب والله من قول النابغة. فإنّك كالليل الذي هو مدركي ... وان خلت أنّ المنتأى عنك واسع فقال صه، هو عندي من كلام الأخطل لعبد الملك بن مروان وقد قال له: أنا مجيرك من الجحّاف. فقال: من يجيرنى منه إذا نمت؟ حدّثنا أبو على الحسن بن على الزازي: قال: حدّثنا أحمد بن أبى فنن، قال: جلس جعفر بن يحيى على الصّالحية، فشرب بمستشرف لها إذ جاءه أعرابى من بنى هلال بن عامر، فشكى خلّة واستماحه بأحسن لفظ، وأفصح لسان وكان أشجع السلمىّ حاضرا فقال جعفر: أتقول يا هلالي «3» الشعر؟ قال: قد كنت أتملح به حدثا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ثم سئمته شيخا، فقال: فأنشدنا لشاعركم حميد بن ثور. فقال أشجع: والله لا ينشد الا مدحتك في مثل قافيته فأنشد الهلالي لحميد بن ثور: لمن الديار بجانب الحمس «1» ... كمحطّ «2» ذى الحاجات بالنفس حتى أتى على آخرها، فاندفع أشجع وقد عمل أبياتا إلى أن فرغ من الإنشاد: ذهبت مكارم جعفر وفعاله ... في الناس مثل مذاهب الشّمس ملك تسوس له المعالى نفسه ... والعقل خير سياسة النفس فاذا تراءآه الملوك تراجعوا ... جهر الكلام بمنطق همس ساد البرامك جعفروهم الأولى ... - بعد الخليفة- سادة الأنس ما ضرّ من قصد ابن يحيى راغبا ... بالسعد حلّ به أم النحس فاستحسن ذلك جعفر منه، وقال صف موضعنا هذا، فقال: قصور الصالحيّة كالغذارى ... لبسن ثيابهنّ ليوم عرس مطلات على بطن كسته ... أيادي الماء نسجا وشي غرس اذا ما الطّلّ أثر في ثراه ... تنفس نوره من غير نفس تغبقه السماء بصبغ ورس ... وتصبحه كئوس غير شمس قال جعفر: يا هلالىّ كيف ترى صاحبنا، قال أرى خاطره طوع لسانه، وبيان الناس تحت بيانه، وقد جعلت ما تصلنى به له، قال: بل نقرّك يا أعرابى ونرضيه، فأمر للأعرابى بمائة دينار، ولأشجع بضعفها. حدّثنا أحمد بن اسماعيل، قال: حدّثنا ابن أبى فنن، قال: حدّثنى داود ابن مهلهل قال: كان أشجع ينشد جعفر بن يحيى حين خرج ليصلح أمر الشام وكان يعظ الناس في كل جمعة، فأنشده بعقب الطعام: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 فئتان طاغية وباغية ... جلت أمورهما عن الخطب قد جاء كم بالخيل شارية «1» ... ينقلن نحوكم رحا الحرب لم يبق الّا أن تدور بكم ... قد قام هاديها على قطب فأمر له بمائة دينار، وقال: دائم القليل خير من منقطع كثير، قال: وكان يعطيه في كل جمعة مائة دينار مدة مقامه حدّثنا جبلة بن محمد الكوفيّ، قال: حدّثنى عبد الرحمن بن النعمان السلمى، قال: كنا بباب جعفر بن يحيى فقيل لنا: انه عليل لا اذن عليه، فكتب أشجع رقعة، ثم دفعها الى الحاجب وفيها: لما اشتكى جعفر بن يحيى ... فارقنى النوم والقرار ومرّ عيشي عليّ حتى ... كأنّما طعمه «2» المرار حزنا على جعفر بن يحيى ... لا حقّق الخوف والحذار إن يعفه الله لا نبالى ... ما أحدث الليل والنهار فأدخل الرقعة ثم خرج، فأدخل أشجع وحده، وصرف الناس. حدّثنا محمد بن أحمد المقدّمي، قال: حدّثنا الحارث بن الحسين، عن محمد بن على أن أشجع السلمىّ كتب الى الرشيد، وقد أبطأ عنه شيء أمر له به: أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... لها عنق «3» بين الرواة فسيح بأن لسان الشعر ينطقه النّدى ... ويخرسه الإبطاء وهو فصيح فأعجب بيتاه الرشيد، وأمرله بترويج صلته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 حدّثنا جبلة بن محمد، قال: حدّثنى أحمد بن [محمد بن] «1» منصور بن زياد، وكان يقال لمحمد أبيه «2» فتى العسكر، قال: أقبل أشجع السلمى إلى باب أبى، فرأي ازدحام الناس عليه، فقال: على باب ابن منصور ... علامات من البذل جماعات وحسب البا ... ب نبلا كثرة الأهل فبلغ بيتاه هذان أبى، فقال: هما والله أحبّ شيء مدحنى به إلىّ. حدّثنا أحمد بن أبى خيثمة، قال: حدّثنا سليمان بن أبى شيخ، قال: اعتلّ يحيى بن خالد، ثم صلح فدخل اليه الناس يهنئونه بالعافية، ودخل أشجع فأنشده: لقد قرعت شكاة أبى علىّ ... قلوب معاشر كانت صحاحا فإن يدفع لنا الرحمن عنه ... صروف الدهر والأجل المتاحا فقد أمسى صلاح أبى علىّ ... لأهل الدّين كلّهم صلاحا إذا ما الموت أخطأه فلسنا ... نبالي الموت حيث غدا وراحا قال: وما أذن ذلك اليوم لأحد في النشيد سواه لاختصاص البرامكة له. حدّثنا الحسين بن يحيى قال حدّثنا اسحاق الموصلي، قال: لما انصرف الرشيد من غزوته التى فتح بها هرقلة، قدم الرقة فى آخر شهر رمضان، وعيّد وجلس للشعراء، فدخل أشجع فأنشده: لا زلت تنشر أعيادا وتطويها ... تمضي بها لك أيام وتثنيها مستقبلا بهجة الدّنيا ولذّتها ... أيامها لك نظم فى لياليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 العيد والعيد والأيام بينهما ... موصولة لك لا تفنى وتفنيها ولا تقضّت بك الدنيا ولا برحت ... يطوي لك الدهر أياما وتطويها وليهنك الفتح والأيام مقبلة ... إليك والنصر معقودا نواصيها أمست هرقلة مكلوما جوانبها ... وناصر الدين بالتدبير يرميها «1» ملكتها وقتلت الناكثين بها ... بنصر من يملك الدّنيا وما فيها ماروعي الدين والدنيا على قدم ... بمثل هارون راعيه وراعيها فأمر له بألف دينار، وقال: لا ينشدنا أحد بعده! فقال أشجع: والله لأمره بألّا ينشد أحد بعدى أحب إلي من صلته لي. قال أبو بكر: وحدّثنى على بن العباس النّوبختى، قال: حدّثنى البحتري، قال: كنت فى مجلس فيه علىّ بن الجهم؛ فتذاكرنا الشعراء المحدثين؛ فمرّ ذكر أشجع، فقال فيه عليّ: ربما أخلى. فلم أدر ما قال؛ وأنفت من سؤاله عن معناه. فانصرفت إلى منزلي فنظرت في شعر أشجع، فاذا هو ربما مرت له الأبيات مغسولة خالية من المعاني واللفظ [فعلمت] أنه أراد ذلك وأن معناه أن الرامى إذا لم يصب من رشقه كله الغرض بشىء قيل أخلى فجعل ذلك قياسا. حدّثنا الحسين بن فهم، قال: حدّثنا حماد بن اسحاق قال شرب محمد بن منصور الدواء، وكان أمر عسكر هارون الرشيد يدور عليه، لموضعه من الرشيد ومن البرامكة وصداقته الفضل بن الربيع، وهو في عدادهم «2» فكتب إليه أشجع: أصحّ الله جسمك ذو العلاء ... وأعقبك السلامة في الدّواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وأبدلك الإله به صلاحا ... وعافية تمحّق كلّ داء وألبسك المليك رداء عمر ... على الأيام ممدود البقاء شفاك الله طاوي كل سقم ... فإنّ العيش فى بشر الشّفاء فقد أنزلت من قحطان بيتا ... رفيع السّمك متّسع الفناء فقال محمد بن منصور: ما جاءتنا اليوم هدية أحسن من هدية أشجع، وحمل إليه صينية فضة فيها ندّ أهدى إليه، فكان [يقوّم] بمال عظيم قال أبو بكر: وجدت بخط إسحاق الموصلى: ولّى الرشيد جعفر بن يحيى خراسان، فجلس للناس يهنئونه، وأنشده الشعراء ودخل فى آخرهم أشجع فقال: أتأذن فى إنشاد شعر قضيت به حقّ سؤددك وكمالك، وخفّفت به ثقل أياديك عندي؟ فقال: هات يا أبا الوليد، فإنك أكثر شعرائنا برّا بنا، فأنشده وذكر خروجه: أتصبر يا قلب «1» أم تجزع ... فإنّ الديار غدا بلقع غدا يتفرّق أهل الهوى ... ويكثر باك ومسترجع إلى أن بلغ قوله: ودوّيّة بين أقطارها ... مقاطع «2» أرضين لا تقطع تجاوزتها فوق عيرانة «3» ... من الرّيح فى سيرها أسرع إلى جعفر نزعت رغبة ... وأىّ فتى نحوه تنزع فما دونه لامرىء مطمع ... ولا لامرىء غيره مقنع ولا يرفع الناس من حطّه ... ولا يضعون الذى يرفع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 يريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع وكيف ينالون غاياته ... وهم يجمعون ولا يجمع وليس بأوسعهم فى الغنى ... ولكنّ معروفه أوسع يلوذ الملوك بآرائه «1» ... إذا نالها الحدث الأفظع بديهته مثل تدبيره ... متى رمته «2» فهو مستجمع [إذا هم بالأمر لم يثنه ... هجوع ولا شادن أفرع ففى كفه للغنى مطلب ... وللسّر في صدره موضع] «3» وكم قائل إذ رأي ثروتى ... وما فى فضول الغنى أصنع غدا فى ظلال ندى جعفر ... يجرّ ثياب الغنى أشجع كأنّ أبا الفضل بدر السما ... ء لعشر مضت بعدها أربع فقل لخراسان تحيا فقد ... أتاها ابن يحيى الفتى الأروع قال: فأقبل عليه جعفر [بن يحيى ضاحكا واستحسن شعره وجعل] «4» يخاطبه كما يخاطب الأخ أخاه، بنثر أحسن من نظمه، ثم أمر له بألف دينار فحسدته علي جودة شعره، وعلى خطاب جعفر له، واستصغرت ما أمر له به. قال أبو بكر: وقال لى يوما عبد الله بن المعتز من أين أخذ أشجع؛ وليس بأوسعهم فى الغنى ... ولكنّ معروفه أوسع فقلت: من قول موسى شهوات «5» لعبد الله بن جعفر [بن أبى طالب] «6» عليه السلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 ولم يك أوسع الفتيان مالا ... ولكن كان أرحبهم ذراعا فقال: أصبت، هكذا هو. وأنشدنا المبرّد يوما أبياتا، ولم يسم شاعرها، وقال: لا أعرف في وصف أصحاب المعارف أحسن منها، وهى: سلبنى نهيك طاعة لو أنها ... رجمت بركز متالع لم تكلم قوم إذا غمزوا قناة عدوّهم ... حطموا جوانبها ببأس محطم في سيف إبراهيم خوف واقع ... لذوى النفاق وفيه أمن المسلم ويبيت يكلأ والعيون هواجع ... مال المضيع ومهجة المستسلم ليل يواصله بضوء نهاره ... يقظان ليس يذوق نوم النّوّم شدّ الخطام بأنف كل مخالف ... حتى استقام له الذى لم يخطم لا يصلح السلطان الا شدة ... تغشي البرىء بفضل ذنب المجرم [ومن الولاة مقحم لا يتّقى ... والسيف تقطر شفرتاه من الدم] «1» منعت مهابتك النفوس حديثها ... بالشيء تكرهه وإن لم تعلم ونهجت فى سبل السياسة منهجا ... فهّمت مذهبه الذى لم يفهم فكتبوها ولم أكبها، فقال لي: لم لا تكتبها، فقلت أنا أحفظ القصيدة. فقال لى لمن هى؟ فقلت: لأشجع السلمى فقال فيمن؟ فقلت فى ابراهيم وعثمان ابنى نهيك «2» قال. فأنشدنيها، فأنشدته. لمن المنازل مثل ظهر الأرقم ... قدمت وعهد أنيسها لم يقدم فتكت بها سنتان يعتورانها ... بالعاصفات وكلّ أسحم مرزم دمن إذا استثبتّ عينك عهدها ... رجعت إليك بناظر المتوهم ولقد طعنا الليل فى أعجازه ... بالكأس بين غطارف كالأنجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 يتمايلون على النعيم كأنهم ... قضب من الهندى لم تتثلم «1» والليل مشتمل بفضل ردائه ... قد كاد يحسر عن أغرّ أرثم «2» [فإذا أدارتها الاكفّ رأيتها ... تثنى الفصيح إلى لسان الأعجم وعلى بنان مديرها عقيانها ... من سكبها وعلى فضول المعصم تغلى اذا مالشّعريان تلظّتا ... صيفا وتسكن في طلوع المرزم «3» ولقد فضضناها بخاتم ربها ... بكرا وليس البكر مثل الأيّم ولها سكون فى الإناء وخلفها ... شعب يطوّح بالمكميّ المعلم تعطي على الظلم الفتى بقيادها ... قسرا وتظلمه إذا لم يظلم] «4» فضحك وقال: حسبك أنت مفروغ منك. قال الصولى: وقال لي الراضى بالله يوما وقد وقف على نهر وكان يحفظ أكثر شعري لا أعرف في صفة نهر لقديم ولا محدث إلا كلمات ابن الرومي: على حفافي جدول مسجور ... أبيض مثل الهرق المنشور أو مثل متن المنصل المشهور ... ينساب مثل الحية المذعور وأبياتك ثم أنشدها- وهى لى من قصيدة نحو مائة بيت وصفت فيها الرياحين والرّوضة ونهر أبا- «5» بنهر ترعد أحشاؤه ... إذا علاه دارج النسم ويقشعرّ الجلد من مائه ... كأنما يرعد من جرم وينسج الريح دروعا به ... ينظمها فيه بلا نظم في روضة أشرق نوّارها «6» ... تضاحك الأنجم بالنجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 كأنه الفضّة قد أجريت ... ما بين وشى مسرّق الرقم آبّا لها يفقدها فقده ... والبيت لا يفقد باليتم ترضع أخلافا له برّة ... لم يمرها الحالب من هضم «1» تنفّست بالماء حافاته ... تنفّس المغتاظ عن كظم وامتدّ للأعين فى طوله ... من غير تعويج ولا وصم «2» كأنه من حسن تقويمه ... غلوة رام قاصد السهم فقلت له: قد قال أشجع السلمي: أجرى الامام الرشيد «3» نهرا ... عاش بإجرائه الموات جاد عليه بريق فيه ... وسرّ مضمونه الفرات ألقحه درة لقوحا ... يرضع أخلافها النبات على رياض له نبات ... ما ولدتهنّ أمهات للماء من فوقها انتباه ... وللثرى تحتها سبات في جانبيه وجانبيها ... أعنّة الماء مطلقات فاستحسنها وكتبتها له فحفظها. قال أبو بكر: حدّثنا الباقطاي قال حدّثنا الغلابى، قال: حدّثنا مهدي، قال: أعطى جعفر بن يحيى مروان [بن أبى حفصة] عن مدح له ثلاثين ألف درهم، وأعطى أبا النضير عشرين ألفا وأشجع ثلاثة آلاف، وكان أول ما اتصل به فكتب أشجع اليه: أعطيت مروان الثلا ... ثين التى حلت رعاثه وأبا النضير وإنما ... أعطيتنى معهم ثلاثه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ما خاننى حوك القصي ... د وما أتهمت سوى الحداثه فأعطاه عشرين ألفا. حدّثنا عون بن محمد الكندي، قال لما عزل الرشيد جعفر بن يحيى عن خراسان وقد كان سماها له وكتب كتبه [وعقد له العقد] «1» وأمر ونهى ودبّر مديدة ومدح بأشعار [فوجم لذلك جعفر] «2» إلى أن دخل عليه أشجع فأنشده: أمست خراسان تعزّى بما ... أخطأها من جعفر المرتجى كان الرشيد المعتلى أمره ... ولى عليها المشرق الأبلجا «3» ثم أراه رأيه أنه ... أمسى إليه منهم أحوجا كم فرّق الدهر بأسبابه ... من محصن أهلا وكم زوّجا وكم به الرحمن من كربة ... فى مدّة تقصر قد فرّجا فقال له جعفر: قمت والله بالعذر [لأمير المؤمنين] «4» وأصبت الحق وخففت نقل العزل، فسل ما شئت. قال: قد كفانى جودك على وتفقدك لى هذر المقال وذلّ السؤال. قال أبو بكر: حدّثنى أبو حفص السلمىّ الأحول، قال: حدّثنى بعض ولد سعيد بن سالم، قال: لما عقد الرشيد البيعة لابنيه وكتب بينهما كتابا علقه في سقف الكعبة ما كان شيء أعجب إليه يسمعه من استصابة رأيه في ذلك وتوكيده من شعر أنشده أشجع: قل للإمام ابن الإمام ... أهل التحية والسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 إن الخلافة لم تزل ... بيديك موثقة الزّمام استأنس الحرمان من ... ك بزورة في كل عام والحجر والحجر الأص ... مّ بطول مسّ واستلام قضيّت نسكك وانصرف ... ت بخير ظعن أو مقام وكتبت بين خليفتي ... ك كتاب قطع للخصام عقد سددت قواه ما ... سجع الحمام مع الحمام قلدته عنقيهما ... بشهادة البيت الحرام والمسلمون شهود ذا ... لك بين زمزم والمقام وشهيدك الله العل ... ي عليهما وعلى الأنام حدّثنا عون بن محمد، قال: حدّثنا العباس بن رستم، قال: وعد يحيى بن خالد أشجع وعدا فتأخر عليه فقال: رأيتك لا تستلذ المطا ... ل وتوفى اذا غدر الخائن فماذا تؤخّر من حاجتي ... وأنت لتعجيلها ضامن؟ ألم تر أن احتباس النوا ... ل لمعروف صاحبه شائن فلم يتعجل عليه ما أراد، فقال: رويدك إن عزّ الفقر أدنى ... إلىّ من الثراء مع الهوان وماذا تبلغ الأيام مني ... بريب صروفها ومعى لساني فبلغ قوله جعفرا فقال: ويلك يا أشجع، هذا تهدّد فلا تعد لمثله! ثم كلم أخاه فقضى حاجته فقال: كفانى صروف الدهر يحيى بن خالد ... فأصبحت لا أرتاع للحدثان كفانى- كفاه الله كلّ ملمة- ... طلاب فلان مرة وفلان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 فأصبحت فى رفغ من العيش واسع ... أقلب فيه ناظرى ولسانى حدّثنى عون بن محمد، قال: أنشدنى علىّ بن الجهم قصيدته الدالية: قالوا «1» حبست فقلت ليس بضائري ... حبسى وأىّ مهنّد لا يغمد فأعجبنى فقلت أسألك الله أسبقك أحد إلي قولك فيها، شهدوا وغبنا عنهم فتحمكوا ... فينا وليس كغائب من يشهد وما بعده من الأبيات؟ فقال قولي أحسن من قول من سبقنى قلت: ومن هو قال أشجع السلميّ لجعفر بن يحيى وقد جعل اليه ناحية فكان بها فرفع عليه قوم فقبل قولهم فيه، فكتب إليه من أبيات: لقد هزّت سنان القول «2» منى ... رجال وقيعة لم يعرفونى هم جازوا حجابك يا ابن يحيى ... فقالوا بالذى يهوون دونى أطافوا بى لديك وغبت عنهم ... ولو أدنيتنى لتجنبونى وقد شهدت عيونهم فقالت ... علىّ وغيّبت عنهم عيونى قال الصولي وجدت هذه الأبيات لأشجع في قصيدة أولها: أمفسدة سعاد علىّ دينى ... ولائمتى على طول الحنين وما تدري سعاد اذا تخلت ... من الأشجان كيف أخو الشجون تنام ولا أنام لطول حزنى ... وأبن أخو السرور من الحزين لقد راعتك عند قطين سعدى ... رواحل غاديات بالقطين كأن دموع عيني يوم بانوا ... جداول من ذرى وشل معين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وبعد هذا أبياته الاربعة: ولما ان كتبت بما أرادوا ... تدرع كل ذي غمر دفين «1» كففت عن المقاتل باديات ... وقد هيأت صخرة منجنون ولو أرسلتها دمغت رجالا ... وصالت في الأحشة والشئون «2» وكنت إذا هززت حسام قول ... قطعت بحجة علق الوتين لعل الدهر يطلق من لسانى ... لهم يوما ويبسط من يمينى فأقضي دينهم بوفاء قول ... وأثقلهم لصدقي بالديون وقد علموا جميعا أن قولى «3» ... قريب حين أدعوه يجينى وكنت إذا هجوت رئيس قوم ... وسمت «4» على الذّؤابة والجبين بخط مثل حرق النار باق ... يلوح على الحواجب والعيون أمائلة بودّك يا ابن يحيى ... رجالات ذوو ضغن كمين يشيمون السيوف إذا رأونى ... وان وليت سلت من جفون ولو كشفت سرائرنا جميعا ... علمت من البرىّ من الظنين علام وأنت تعرف نصح حبي «5» ... وأخذى منك بالسبب المتين وعسفي كل مهمهة خلاء ... إليك بكل يعملة أمون وإحيائى الدجى لك بالقوافي ... أقيم صدور هن علي المتون وإيصالى الي أقصى صلاتى ... بمكة بين زمزم والحجون تقرب منك أعدائي وأنأى ... وتجلس مجلسى من لا يلينى ولو عاينت نفسك في مكانى ... اذا لنزلت عندك باليمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 ولكنّ الشكوك نأين عنى ... بودّك والمصير إلى اليقين وإن انصفتنى أحرقت منهم ... بنضج الكىّ أثباج البطون حدّثنى جبلة بن محمد الكوفي، قال: حدّثنى أبى قال: أول أمر أشجع السلمى اتصاله بجعفر بن أبى جعفر [المنصور] في آخر أيام المنصور، وهو حدث وصله به عوف بن أحمد بن يزيد السلمىّ، وأحمد بن يزيد ومن أول شعره [في جعفر بن المنصور] : اذكروا حرمة العواتك منا ... يا بنى هاشم بن عبد مناف قد ولدنا كم ثلاث ولا ... دات خلطن الأشراف بالأشراف مهدت هاشما نجوم قصيّ ... من بنى فالج «1» حجور عفاف إن أرماح بهثة بن سليم ... لعجاف الأطراف غير عجاف ولأسيافهم قرى غير لذّ ... راجع فى مواجع الأكتاف مرهفات اذا طفت أعملوها ... في مناط الأعناق والأجواف عزّ جار لبهثة بن سليم ... بين عوف محله وحقاف «2» معشر يطعمون من ذروة الشو ... ل ويسقون خمرة الأقحاف يضربون الجبّار في أخدعيه ... ويسقونه نقيع الزّعاف بسيوف ورثن عن قيس عيلا ... ن ثقال على العدوّ خفاف ولعوف بن أحمد بن يزيد ... شرف مشرف على الاشراف إن عوفا وأحمدا ويزيدا ... أسسوا المجد في أشم يناف من يسوّى بأحمد بن يزيد ... وبأسلافه من الأسلاف وله جانب يخشنّ في ... لين وفتك «3» يشوبه بعفاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 لبنى زافر سحائب أشجا ... ن وظلّ على العشيرة ضافي كفرت نعمة بنو الحجا ... ف وتولّت منيعة الاعطاف «1» بعد فكّ الاغلال عن عبد رب ... ومسامير قيده العزّاف يسكن الطير فى الشباك ولا ... تسكن روعات قلبه الرّجاف معصم بالفرار تحمله الرّه ... بة بين الإيضاع والإيجاف قال جبلة: وقد أنشد مسعر المنصور بيتين من هذه القصيدة لأنه هلالى، وبنو هلال قد ولدوا بنى هاشم أمّ ولد العباس بن عبد المطلب، أم الفضل الهلالية. مختار شعر أشجع فى المديح وغزله داخل فيه قال يمدح جعفر بن يحيى في قصيدة أولها: أقفر بعد الرّباب ملحوب ... خود عليها الجمال مصبوب غلبت والحبّ من يغالبه ... فهو بحكم الحبيب مغلوب! أما لمستوهب وصالكم ... حقّ وإن قل منك موهوب؟ رحلت وهما يحثه أمل ... فهو كبرق تلاه شؤبوب إلي نجيب في بيت مملكة ... يكنفه سادة مناجيب أحيا ابن يحيى النوال مغتربا ... فكل مجد إليه مجلوب «2» وكلّ بذل زكت مناسبه ... فهو إلى البرمكىّ منسوب تربّ معروفه عوائده ... والعرف عند الكرام مربوب لابس تاجين تاج مكرمة ... وتاج ملك عليه معصوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 محبّ من جعفر طلاقته ... وبذل سمح الأخلاق محبوب وقال يمدح جعفر بن يحيى: قف بأطلال لسلمى ... دارسات موحشات وبها وحش ظباء ... كالظباء الآنسات كنّ أسباب المنايا ... ومحلّ الشهوات بين وصل وصدود ... كحياة وممات «1» وفلاة ذات أكل ... للحوم اليعملات جزتها والليل داج ... ضارب بالجنبات أبتغى من آل يحيى ... ملكا جمّ الهبات خلق الله ابن يحيى ... للحجا والمكرمات وصل الله يديه ... بالمنايا والصّلات فهو يعطيك ابتداء ... قبل نوب النائبات قصر الله بايجا ... ز «2» له عمر العداة بأبى الفضل بن يحيى ... ذي الأيادي السابغات؛ عز ذو الدين وذلت ... عنق من كل عاتى ففداء لابى الفض ... ل على رغم العداة؛ كلّ عاص لنوال ... ومطيع العاذلات قد وصفناك ولكن ... فقت بالفضل صفاتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وقال يمدح محمد الامين: حمد السّري وتصرم الإدلاج ... ولكل ضيق شديدة إفراج فقال فيها: ملك أبوه وأمه من نبعة ... منها سراج الأمة الوهاج شربا بمكة فى ربا بطحائها ... ماء النبوة ليس فيه مزاج ملك على أمواله لنواله ... سطو يكون لها به إزعاج خير البريّة للبرية من به ... وضح الهدى للنّاس والمنهاج قال أبو بكر: وله أشعار فى الحاجات ملاح مشهورة علي هذه القافية: قد خرجت حاجات من يرهج ... ولم يضع «1» من حقهم منهج وليس فيهم رجل واحد ... منىّ إلى حاجته احوج يريبنى أنى أرى حاجتى ... تدخل في الحاج ولا تخرج قد قلت إذ حسّرنى حاسد ... بكل ما أكرهه يلهج قد يدرك الأمر البطيء المدى ... ويحرم الأمر الذي يدلج وقال على قافية الحاء ليس للحاجات «2» الّا ... من له وجه وقاح ولسان طرمذان ... وغدوّ ورواح إن تكن أبطأت ال ... حاجة عنى والسّراح «3» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فعلىّ الجهد فيها ... وعلي الله النجاح «1» وقال يمدح الفضل بن الربيع على قافية الدال: غلب الرّقاد على جفون المسعد ... وغرقت في سهر وليل سرمد قد جدّ بى سهر فلم أرقد له ... والنوم يلعب فى جفون الرّقّد ولطالما سهرت بحبّى أعين ... اهدى السهاد لها ولمّا أسهد أيّام أرعى فى رياض بطالة ... ورد الصّبا منها الذى لم يورد لهو يساعده الشباب ولم أجد ... بعد الشبيبة فى الهوى من مسعد ما الدّهر الا النّاشئان تواليا ... يوم يروح لنا ويوم يغتدى فالأمس ليس براجع لك عهده ... واليوم ليس بمدرك ما في الغد وخفيفة الأحشاء غير خفيفة ... مجدولة جدل العنان الأجرد غضبت على أردافها أعطافها ... فالحرب بين إزارها والمجسد خالفت فيها عاذلا لى ناصحا ... ورشدت إذ خالفت قول المرشد لأحمّلنّ مآربى عيديّة ... حملا لحاجات الفتى المتورّد ينشرن نقع القاع حين يطأنه ... ويطرن أفراخ الحصا بالغرقد «2» أأقيم محتملا لضيم حوادث ... مع همة موصولة بالفرقد وأرى مخايل ليس يخلف برقها ... للفضل إن رعدت وإن لم ترعد للفضل أموال أطاف بها النّدى ... حتى جهدت وجوده لم يجهد يا ابن الربيع حسرت شكري «3» بالذى ... أوليتنى في عود أمرك والبدى أوصلتنى ورفدتنى وكلاهما ... شرف فقأت به عيون الحسّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ووصفتنى عند الخليفة غائبا ... وأذنت لي فشهدت أفخر مشهد وكفيتنى منن الرّجال بنائل ... أغنى يدى عن أن تمدّ إلى يد وقال يمدح جعفر بن يحيى: أصبحت محسودا على موضع ... منك ومثلى بك محسود وكيف لا أحد من ظلّه ... على جميع الناس ممدود يا فاخرا بالجود مستعليا ... بجعفر يفتخر الجود أغرّ صنديد إذا ما بدا ... أطرقت الصيد الصناديد وقال على قافية الراء يمدح محمد بن منصور بن زياد: «1» عزم النوى يعنف بالصبر ... ويسلم الوصل الي الهجر قد كنت أبكي من نوى ليلة ... فكيف بالجمعة والشهر أسلمنى البين إلى لجّة ... للهمّ تنسى لجّة البحر أحارب الليل فما ينجلى ... حزنى به الا مع الفجر أخلو بأحزانى وفكرى به ... والحزن مقرون مع الفكر اذا دعى شوقي به عبرة ... فاضت على الخدّين والنحر أمسى ابن منصور رجاء الوري ... مؤملا في العسر واليسر يسلك في الكل طريق الندى ... ...... «2» طرق الغدر ويجعل البشر دليلا على ... توفير ما يبذل من وفر كما يدلّ البرق في ومضه ... لرائد الخصب على القطر شرى ابن منصور بأمواله ... مكارما تبقي علي الدهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ما هو إلا بدر سعد أتى ... لأربع زادت على العشر حياته تحيي جميع الورى ... وموته قاصمة الظهر وقال يمدح طاهر بن الحسين «1» ويذكر خروجه: لقد سرّني من ذى اليمينين طاهر ... تجاوزه بالعفو عن كلّ غادر أتى من طلوع الشّمس كالشّمس أطلعت ... لنا وجهها الا على «2» كل ناظر كأنّ ستور الغيب وهى حصينة ... تكشفها للخطّ آراء طاهر سما لملوك جوّر الله فعلهم ... لما اجترموا والله ليس بجائر وفتحت الدنيا لهم شهواتهم ... وزيّن ما فيها لهم كلّ فاخر اذا استتبعتهم نعمة في طريقها ... أزلّهم عنها ركوب الجرائر فإن عوتبوا فيها أحالوا بدينهم ... على ما تواتيه صروف المقادر ملوك أرادت أن تجدّ حبالها ... من الله تعسا للجدود العواثر أمسّتهم الدنيا به من عذابها ... وأظهر منهم كامنات السرائر فلم تبك دنيا فارقوها عليهم ... ولا بهم سرّت بطون المقابر وأقسم لولا طاعة طاهرية ... محبتها مخلوطة بالضمائر إذا ثوّب الداعى بها زعزعت له ... متون القنا الخطيّ ببن العساكر لغالت بني العباس والملك دعوة ... مفرقة الأناب بين العشائر فاردى عداهم بالرديّني طاعنا ... وكلّ رهيف الحدّ للضرب باتر يلين إذا مامست الكفّ صقله ... ويخشن في مسّ الطّلى والأباهر فأنفذ حكم الله فيما أراده ... وما مع حكم الله أمر لآمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 بخيل يحار الطرف فى جنباتها ... أوائلها مشفوعة بالأواخر فقل لرجال الدّولتين ألا افخروا ... بطاهر العالي على كلّ فاخر سلبت رداء الملك ظالم نفسه ... وصنت الذى ولّاك قصم الجبابر ولم تظلم «1» المخلوع شيئا ولا الذى ... علوت بذكراه فروع المنابر فطأطأت أعناقا وكانت رفيعة ... تجاوز أبراج النجوم البواهر وقد كان إشهاد على الشرط مودع ... ببيت الحرام والصّفا والمشاعر فرام الأمين النقض فالتاث أمره ... برأى غواة فيه باد وحاضر ترات لدين الله أدرك ثأرها ... على عزّ دين الله أكرم ثائر فلما قضى النحب العراقيّ عاجها ... إلى نحبه بالشام قبّ الخواصر أقول وقد خيلت لديهم خيوله ... لكثرتها سرب القطا المتبادر عليكم بأسباب يشدّ متونها ... إذا جذبتها الحرب فتل المرائر «2» خذوا العروة الوثقى من الأمر ترشدوا ... ولا تشردوا عنها شرود الأباعر وخافوا من السلطان بادر أمره ... فلن يملك المحتاط رجع البوادر وقال يمدح القاسم بن الرشيد: سل الفجر عن ليلى إذا طلع الفجر ... وعن نشر أحزان يموت لها الصبر أراضية سلمى بما صنع الدهر ... وإبعاده وصلا دنا معه هجر أرتنا الليالى غدرها بعد ما وفت ... و «3» نخش منها أن يكون لها غدر ليالي لا أعصى وأعصي عواذلي ... وتشفع لى تسع تقدّمها عشر سميع لما أهوى سريع إلى الصبا ... وفى أذني عن لوم من لامنى وقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 عواذل لا يقدرن منّى على التى ... تسيرنى قصدا وإن كثر الزجر إذا خفن إعناقى مسحن ذؤابتى ... وقلن فتى سكر الشباب له سكر نصقن بحقّ بين أبناء باطل ... سيأتى له عذر إذا لم يكن عذر لنا غاية خلف الشباب ستر عوي ... عليها على الأيام إن بلغ العمر فأمّا وحبل اللهو يجذبه الصبا ... وعرف الذي يأتينه عنده نكر تصيّده من أشرقت له ... «1» ... عيون الظباء النجل والأوجه الزّهر وتسكره كأس الصّبا وتميله ... وخمر الشباب ليس يبلغها الخمر وشرق إذا ما استطر العين عبرة ... ثوى بين أخري ليس بينهما فتر وجارية لم تملك الشمس نظرة ... اليها ولم بعبث بجدّتها «2» الدّهر سقيمة لحظ مادرت كيف سقمه ... وساخرة الألحاظ لم تدر ما السحر تظلّم لو تغنى الظلامة خصرها ... من الرّدف إتعابا فما أنصف الخصر وماجت كموج البحر بين ثيابها ... يجور بها شطر ويعدلها شطر إذا وصفت ما فوق مجرى وشاحها ... غلائلها ردت شهادتها الأزر وصلنا بها الدنيا فلما تصرّمت ... وأبدى نجوم الشيب فى رأسه الشعر رأينا نفارا من ظباء أو أنس ... وليس بها الا انتقال الصبا نفر رأين فتى غاضت مياه جماله ... وأيبس من أغصانه الورق الخضر وكان الصبابين الغوانى «3» وبينه ... رسولا له النّهى المحكم والأمر سلام عليهن الشباب مراحة ... رواحله والأنس من عهده قفر إليك ولى العهد ألقت رحالها ... طلائح قد أفنى عرائكها السفر حداها سهيل فاستمرّت دريرة ... اليك وقادتها المجرّة والنّسر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الى ابن أمير المؤمنين ومن له ... مشابهة للشمس يتبعها البدر إذا ما عدمنا الفجر خضنا بوجهه ... دجى الليل حتى يستبين لنا الفجر ملوك بأسباب النبوة طنبوا ... بيوتهم فاستحكمت مرة شزر فصاعتهم نور وعصيانهم دجى ... وحبهم دين وبغضهم كفر حبانا أمير المؤمنين بسائس ... على وجهه سيما الطلاقة والبشر بمستقبل في ملكه وشبابه ... أناف به العزّ المؤيّد والقدر عليه حلال الكبرياء وماله ... سوى هيبة يسمو النوال بها كبر من الجوهر المخبور في السّوم قدره ... يزيد قلوب الناس عجبا به الخبر كريح الخزامى حركت نشرها الصبا ... تزيدك طيبا كلما زادها النشر وما امتنعت من عهده نفس مسلم ... بشرق ولا غرب أتاها له ذكر من الذهب الإبريز صيغ وإنما ... من الطينة البيضاء يستخلص التّبر لقد نطقت أيامكم بفخاركم ... فأغنتكم عن أن يفوه بها الشعر وقال يمدح جعفر بن يحيى بن خالد: لقد ذكّرتنى الدارميّة دورها ... وإن شحطت عنها وبان دثورها كأنّ رسوم الدار بعد أنيسها ... صحائف رهبان عواف سطورها ولم أر يوما كان أفظع في الهوى ... من اليوم سارت فيه عيرى وعيرها غدت بهم ريح الشمال فأنجدوا ... وراحت بنانحو العراق دبورها وذكرنى العيش الّتي قد تصرمت ... بشاشته أطلال سعدى ودروها ليالي سعدى لا تزال تزورنى ... على رقبة من أهلها وأزورها وإذ أنا مثل الغصن ينآد فى الثري ... ويسمو بأغصان يرفّ نضيرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ويلقى عيون الغانيات بسنّة ... يحار إذا ما واجهته بصيرها ومازال صرف الدهر يصدع بيننا ... بأمر النوى حتى استمرّ مريرها ألا ليت أيامى ببرقة معتق ... تعود لياليها لنا وشهورها وغزلان أنس قد حكت لي عيونها ... عيون المها تحويرها وفتورها إذا جاذبت أردافها في قيامها ... أعاليها مالت عليه خصورها رقاق الثنايا مرهفات بطونها ... ومملوءة عجازها ونحورها أتتك المطايا بعد خمسين ليلة ... تصيب الهدى أعيانها ونحورها ينازع أعنان السماء صعودها ... إليك وغيطان الهضوم «1» حدورها وإن واجهت هولا من الليل لفّها ... على جانبيه عزمها وجسورها وهانت عليه الأرض يوم بعثتها ... اليك ابن يحيى سهلها ووعورها على كل فتلاء الذراعين زادها ... اذا ما رحلنا كورها وجريرها يكاد إذا ما حرّك السوط ربّها ... لأمر وإن لم يعنها يستطيرها فان تسترح من طول إدلاجنا بها ... اليك فقد كانت قليلا فتورها على ثقة بالمنزل الرحب والغنى ... لديك وأحواض غزار بحورها لنعم مناخ الراغبين اذا غدت ... شمال يزحي مرّها زمهريرها وأضحت كأن الريط بيض تقنعت ... به أرضها بطنا بها وظهورها ونعم مناخ المستجير بجوده ... لفكّ رقاب لم تجد من يجيرها ونعم المنادى باسمه حين تلتقى ... صدور القنا والحرب تغلى قدورها به التأم الصدع الشآمى والتقت ... قبائل قد كانت شتانا أمورها فأطفأ نارا قد علا لمعانها ... فروع البلاد واستطار سعيرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 رأيت ابن يحيى في الأمور اذا التوت ... يشير على الجلّى ولا يستشيرها غنىّ بفضل الحزم عن راى غيره ... يسدّى الأمور نحوها وينيرها وقال فى رئيمين من قومه تعاديا: أشكو الي الله أنّى لا أرى أحدا ... يلم قيسا إذا ما شعبها انصدعا «1» قد ربّضت بينها الأضغان سادتها ... فأصبحت فرقا في أمرها شيعا علام تصبح قيس وهى واحدة ... شتىّ ويصبح أمر النّاس مجتمعا؟ في صدر كل امرىء منهم لصاحبه ... حبّ من الضغن لو يسطيع لا طلعا «2» ليس الشريف الذى يخشى غوائله ... بنو أبيه اذا ما ليلهم هجعا الفضل عند الذي يعفو ذنوبهم ... فإن رأى مذهبا فى عصبة رجع إن عزّ صاحبه ذلت خلائقه ... لغير ذلّ وإن ضاقوا له اتّسعا وقال لجعفر بن يحيى: وقد مرّ مختار بعض هذه القصيدة في أخباره خاصة فى المدح، وأذكر مختار النسيب: أتصبر يا قلب أم تجزع ... فإنّ الدّيار غدا بلقع؟ غدا يتفرّق أهل الهوى ... ويكثر باك ومسترجع [وتختلف الأرض بالظاعني ... ن وجوها تشد ولا تجمع وتفنى الطول ويبقى الهوى ... ويصنع ذو الشوق ما يصنع] «3» رأيتك تبكي وهم جيرة ... فكيف تكون إذا ودّعوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وراحت بهم أوغدت أينق ... تخبّ على الأين أو توضع أتطمع فى العيش بعد الفرا ... ق لبئس لعمرك ما تطمع ترجى هجوعك من بعدهم ... وأنت من الآن ما تهجع لعمري لقد قلت يوم الوداع ... وأعلنت قولك لو يسمع فما عرّجوا حين ناديتهم ... ولا آذنوك ولا ودّعوا ألا إنّ بالغور لى حاجة ... فما يستقرّ بى المضجع إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع وقال يمدح جعفر بن يحيى، ويسأله أن يشترى له غلاما: تغيرت المنازل والرّباع ... وقيعان الأراكة والتّلاع ديار الحىّ مالك بعد سلمى ... تعلّاك اكتئاب واختشاع أجار بك الزمان ولا امتناع ... لما يجنى الزّمان ولا دفاع ومالك يا طاول ديار سلمى ... جواب مسلمين ولا استماع أينصرم الزمان ولم تعودى ... إلى دنياك أيتها البقاع بها بسط الغيوث منوّرات ... كما نسجت يمانية صناع إذا نام الخلىّ فلا منام ... يطيف بمقلتيّ ولا اضطجاع وكان العرب يوصل لي سرورا ... ففرقه تناء وانقطاع فلما أن رأيت الصّفو كدرا ... وفي العالي من العيش اتضاع بعثت العيس تسرع بالفيافي ... قوائمها المقومة السراع إلي ملك يدين المال منه ... سماح لا يطيف به امتناع له القدم التى سبقت سواه ... إلى العلياء والشرف البقاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 مقدّم كلّ ذى قدم ومجد ... وطال له على الأبواع باع مجير حين لا يرحى مجير ... ومسطيع لما لا يستصاع كريم في مواقع راحتيه ... ينال الريّ والشبع الجياع يحوط ودائع الأسرار منه ... بصدر فيه إن ضاقوا اتساع إذا التفّت أضالعه عليه ... فليس عليه للأذن اطّلاع ومضطرب الوشاح لمقلتيه ... علائق ما لوصلتها انقصاع يعرّض لى بنظرة ذى دلال ... يراع بمقلتيه ولا يراع لحاظ ليس تحجب عن قلوب ... وأمر فى الذي يهوى «1» مصاع ووسعى ضيق عنه ومالى ... وضيق الأمر يتبعه اتساع وتعوبلى على مال ابن يحيى ... إليه حنّ شوقي والنزاع وثقت بجعفر في كلّ خطب ... فلا هلك يخاف ولا ضياع ويوم يغمر الأيام فضلا ... لأفواه الحروب به ابتلاع حلبت به الحلوق دما نجيعا ... بحيث يدرّ للحلب النخاع نزعت ملابس العين السوافى ... وقد أعيا الملوك لها انتزاع بسيفك نجعة من كلّ عاص ... وللفقراء من يدك انتجاع فأرض الشام خصب بعد جدب ... لها من بعد فرقتها اجتماع وقال يمدحه أيضا: أرى بارقا نحو الحجاز تطلعا ... تحدّر فى شرقيها وترفعا أمات وأحيا أنفسا بوميضه ... سقى الله مغناه وإن كان بلقعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ألا أيها الربع الذى قسم البلى ... بقية مغناه رسوما وأربعا لئن سلبتك الرّيح فينان عيشة ... لقد كنت منشور الذوائب أرفعا لقد هلهلتك الريح حتى كأنما ... كستك من الإبهاج ثوبا مضلعا فنادت بك الأيام أن لست راجعا ... وصاح البلى في جانبيك فأسمعا ويا حسرة أدّت إلي القلب لوعة ... فلم أستطع للهمّ إذ جاش مدفعا جبيب دنا حتى إذا ما تطلعت ... إلى قربه الأعناق بان فودّعا فكان كلمع البرق أومض ضوؤه ... فلاخفا الإلحاظ سار فاسرعا ولم أر مثلينا غداة فراقنا ... مودّع إلف لم يمت ومودّعا وما زالت الأيام تدخل بيننا ... وتجذب حبل الوصل حتى تقطعا سأرتاد للحاجات عبسا شملة ... تغول حبالا عند شدّ وأنسعا وليس لها من مقصد دون جعفر ... وإن لقيت عذبا رواء ومربعا هو الغيث من أىّ الوجوه انتجعته ... وجدت جنابا مستصابا ومشرعا فلا سعة الأموال تبلغ جوده ... ولا ضيقها ينهاه أن يتوسعا ومازال يتلو والدا بعد والد ... إلى غاية خفاضة من ترفعا ويتعب في حمل المكارم نفسه ... ولو شاء كان المستريح المورّعا وما وجد المداح حين تخيروا ... لمدحهم إلا أبا الفضل موضعا وقال يمدح جعفر بن يحيى: أسعد فوادا دائم الخفق ... وكفاك ما ألقى من العشق لا تندبنّ طلول منزلة ... أنحى عليها الدهر بالمحق ضحكت سليمى عن لمى برد ... متهلل كتهلل البرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 يا من تقدّمه الملوك إذا ... رفعت أسنتها إلى السبق كم من يدلك فضل نعمتها ... متقسم جار على الخلق لم يعر من معروفها أحد ... يبغى الندي في الغرب والشرق أصلحت أمر الشام محتسبا ... ورتقت ما فيها من الفتق ما كان يدرك بالقتال ولا ... بالمال ما أدركت بالرّفق ما زلت تدحض كلّ باطلة ... حتى أقمتهم على الحق أدركت مافات الملوك فما ... بلغوك في فتق ولا رتق كانوا أرقاء الطغاة فقد ... أعتقتهم من ذلك الرقّ يغدو عليهم كلّ شارقه ... شؤيوب موت مسبل الودق كذبت ولايتهم لجنسهم ... وفضلت بالإقدام والصدق أطفأت نيران الطغاة وقد ... ذلّ التقىّ وعزّ ذو الفسق منى ابن أبلول نفيسته ... بعد الأمان أمانى الحمق جعل الظلام دليل غدرته ... وانثاب فوق موثّق الخلق فخرقت رأيا سدّ مذهبه ... عزم امريء ذى حنكة خرق ففرى ذباب السيف من دمه ... شخبا يجود به من الحلق ما بين رأيك إذ تقسمه ... فرقا وبين الموت من فرق وقال أيضا: لقد سوّدت بكر عليها وتغلب ... وما بلغ العشرين طوق بن مالك وما سوّدت إلا نقيا ثيابه ... بعيد خطى المسعى شريف المسالك إذا ذكرت أيام طوق تهللت ... ربيعة حتى ما ترى غير ضاحك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 على ملك طوق حاجز لعدوه ... بناه بأطراف القنا والنيازك «1» كأنّ له أذنا وعينا بصيرة ... على كلّ مسلوك الفجاج وسالك لقد علمت جارات طوق بأنّه ... قليل الهجوغ عن تيقظ فاتك يعانق عشقا سيفه رأس من عصا ... عناق البعول للعذارى الفوارك إذا ما بدا في الجيش طوق حسبته ... من العزّ يمشى بالنجوم الشوابك وقال أيضا: يا بارقا حلب البليخ غمامه ... لازال منك على البليخ «2» سجال كم ليلة بك لا أراعى نجمها ... قصرت وأردية الظلام طوال زهرت رياضك فى فسيح زاهر ... عطر العشىّ ممسّك الأذيال فكأنّ فار المسك يفتق ريحه ... في روضك الغدوات والآصال ولربّ لابسة قناع تحية ... حوراء تخطب حسنها الآمال يصف القضيب على الكثيب قوامها ... ولها من البدر المنير مثال كست الحداثة طرفها ولسانها ... خمرا وماء شبابها مختال حتى إذا ما أستأنست بحديثها ... ... «3» الدّملوج والخلخال وتسرّعت فيها سلافة لذة ... قد جال فيها البارد السلسال كشفت قناع السرّ دون حديثها ... وتكلمت بلسانها الجريال وفيها يقول: دمن ترحّلت الديار بتربها ... وتحوّلت بنحولها الأحوال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 سبق القضاء بكل ما هو كئن ... فليجهد المتصرف المحتال إن الجنوب تهيجنى نفحاتها ... ويحنّ قلبي أن تهبّ شمال لا تطلبنّ العذر منى ظالما ... فبكاء مثلى في الرسوم ضلال وقال يمدح أبا الفضل محمد بن منصور بن زياد: خليلي كفّ عن عذلي ... فما شغلك من شغلي أفق عنك فما مثل ... ك في أمر لحا مثلي أبعد الخمس والخمسي ... ن تلحانى على الجهل؟ وهبنى قد تعشقت ... أما يعشق ذو العقل؟ وما علقت إلا مث ... ل من علق من قبلى غزالا وقضيبا ما ... ل في دعص من الرمل على باب ابن منصور ... علامات من البذل جماعات وحسب البا ... ب نبلا كثرة الأهل وما يجتمع الناس ... لغير البذل والفضل وما يغنون إلا حي ... ثما يرسى ذوو البذل وما يخفي على الناس ... مكان الخصب والمحل وقال فى جعفر بن يحيى: أبا لشام تبكى من بنجد منازله ... وتندب ربعا قد تفرق آهله تميل إلى من لا يباليك إن نأى ... وأنت إليه هائم القلب مائله؟ إذا مازج الشيب الشباب تجهزت ... إلى الحلم أفراس الصّبا ورواحله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ولا عيش الا والصبا قائد له ... فقل في لياليه الذى أنت قائله أتى الله أرض الشام بالأمن فانجلت ... ضبابة خوف قد أربّت غياطله أتاها ابن يحيى جعفر فكانما ... أتاها ربيع قد تعرّم وابله ولم يبق سهل فى قرى الشام كلها ... ولا جبل الا اطمأنت زلازله له عزمات يفلق الصخر وقعها ... وحلم أصيل ليس حلم يعادله فقل للرضا هارون خير خليفة ... فما فاق عاصيه، ولا خاب آمله نظرت لأهل الشام لما تعاظمت ... ظلامتهم حتى علا الحقّ باطله فوليت من لا يملأ القول قلبه ... إذا اختلجت نفس الجبان بلابله تكاد قلوب الناس تخلي صدورهم ... إذا علقت بالمشرفىّ أنامله تمنىّ ابن أيلول منى حال دونها ... تيّقظ قرم مدرك من يحاوله تلبّس أثواب الظلام لظلمه ... ولم يدر أنّ الله ذا الطّول خاذله فسدّت عليه وجه كلّ محجة ... رماح ابن يحيى جعفر ومناصله وأصبح مخذولا بدار مذلة ... تراسل أطراف السيوف مقاتله وقال أيضا: انخت ركاب الجهل بعد كلال ... وأدبر عنى باطلي وضلالي فان يخل درعي من مراحي فربما ... بسطت يميني في الصبا وشمالي بإلف ظباء طائعين لإمرتى ... وعهد شباب ذائع وجمال اذا هنّ حاولن القيام تعذبت ... خصور بأرداف لهنّ ثقال ألا رب ليل قد حسرت قناعه ... وقد لف بيني ثوبه برحال إلى ملك لا يبلغ المدح قدره ... ولو أيد المثنى بكل مقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 أمنت من الأيام لما تعلقت ... حبال ابن يحيى جعفر بجبالي إذا حلّ محتاج بجانب جعفر ... كفته بوادي الجود كل نزال وتقسم طرفا ... «1» لحظاته ... برفع رجال أو بحطّ رجال ويخطب أياما فيغلى مهورها ... وأثمان أيام الكرام غوالي أخذت بأسباب الغنى حين جرّرت ... بباب «2» ابن يحيى البرمكىّ جمالي وقال أيضا: يا دار سعدى مالربعك خاشعا ... حلّ البلى بطلولها فأحالها لا زالت الأنواء وهي غزيرة ... تسقي بلادك سهلها وجبالها سقيا لسعدى ما ألذّ حديثها ... وأجلّ مجلسها وأنعم بالها أيام أجري في عنان مشيئتى ... مرحا تجرّ غوايتى أذيالها ومدرّ عين عداوة لا أتقي ... إدبار ظنته ولا إقبالها ما زال يحرس حية في حجرها ... صماء لو علقت به لهوى لها ولو أن نابيها «3» أصابا كفه ... ما ذاق من طعم الحياة بلالها لو قلت قافية تركت على استه ... وسما يراه بارزا من خالها من عصبة تعبت لكسب مثالب ... فى المخزيات فاكثرت أعمالها لو فضّ لؤمهما بكلّ قبيلة ... ملأ البلاد حزونها ورمالها يا ربّ قافية عقلت «4» متونها ... حتى إذا اطردت حللت عقالها فمضت كأنّ متونها هندية ... كالبرق أخلصت القيون صقالها مامدّ يحيى كفه لكريمة ... بعدت على الآمال إلّا نالها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ملك لو انّ الراسيات بحلعه ... وزنت شوامخها إذا لأشالها الحلم يملكه لدى سطواته ... والجود يملك كفه ونوالها لا يلتوى صدر الأمور ووردها ... أبدا إذا ما البرمكى أجالها وسليل يحيى جعفر وشبيهه ... كالنعل تحذو كيف شئت مثالها مازال بالبلد الشآم يسوسه ... حتى روى فتيانه وأزالها أحيا سبيل الحقّ في أطرافها ... وأمات باطل أمرها وضلالها وقال يمدح محمد بن جميل: ثنث طرف عينيها صدور المصارم ... وضنّت بحاجات الصديق المكارم لعمرى لقد لامت سعاد على الهوى ... ولست الذي يصغى للامة لائم دعينى ولذّاتى أطعها فإننى ... أبادر باللذات شيب المقادم دعينى أكن إن غير الشيب لمتى ... على ماضيات في الصبا غير نادم فلا تسحتى بالعقل جهلى فإنما ... شجون التصابى في بياض اللهازم سيكفيك لومي إن بقيت تلوّن ... من الرأس زحّاف بسعي القوائم يذكرنى نجدا وطيب عراصها ... على ظمأ برد الرّياح النواسم ومفتولة الأعضاد تدمى أنوفها ... تثنى المبانى في رءوس المخارم تعارض زيتون البليخ بأذرع ... سوابح في أمواج تلك المحارم فيطوين بالأيدى مناشر أرجل ... ويبسطن أثوابا بنسج المناسم وكم خبطت من فحمة لدجنة ... وجمرة وهاج من الصيف جاحم إلى ابن جميل أفنت السير بالسرى ... سراعا وأفناها دوام الدّيامم أناخت بممنوع الحمى واسع الجدى ... صبور على عضّ السنون اللوازم يسوس إذا ساس الأمور بمحصد ... من الرأي حلّال عقود العزائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 كفى ابن جميل أنه غير راقد ... عن المكرمات والأمور الجسائم ينام غرارا راعيا لأموره ... وأكثر ما يطوي الدّجى غير نائم اذا ذكر المثنون يومي محمد ... رأيت ابتهاجا في وجوه البراجم تسامت بأعناق طوال وأعين ... إلى الفضل أيام العلى والمكارم وقال أيضا: قصر عليه تحية وسلام ... نثرت عليه جمالها الأيام فيه اجتلى الدنيا الخليفة والتقت ... للملك فيه سلامة ودوام قصر سقوف المزن دون سقوفه ... فيه لأعلام الهدى أعلام نشرت عليه الأرض كسوتها التى ... نسج الربيع وزخرف الأرهام أدنتك من ظلّ النبيّ وصية ... وقرابة وشجت بها الأرحام برقت سماؤك في العدو فأمطرت ... هاما لها ظلّ السّيوف غمام وإذا سيوفك صافحت هام العدا ... طارت لهن على الرءوس الهام وعلى عدوّك يابن عمّ محمد ... رصدان ضوء الصبح والإظلام فاذا تنبه رعته وإذا غفا ... سلّت عليه سيوفك الأحلام وقال يمدح محمد بن جميل: مالي وللرّبع والرّسوم ... هنّ طريق إلى الهموم للحظ طرف وغمز كفّ ... وخمرة من بنان ريم وصوت مثنى يجيب زيرا ... على حشا طفلة هضيم وريح ريحانة بمسك ... تدعو نديما إلى نديم أحسن من خيمة وربع ... تجرحه الريح بالنسيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 لقد رآنى وتحت رحلي ... أشدّ وجدا من الظليم إذا تمطّت به الفيافى ... أعقبت الوخد بالرسيم أما ترى البرق مستطيرا ... في مستدرّ من الغيوم كانّ أمطاره توالت ... من عابر العبرة السجوم محمد خير آل مرّ ... فى حادث الدهر والقديم لو حلّ بين النجوم حيّ ... من عزّه حل في النجوم ما بلغت وائل وقيس ... بسيد منهم عظيم ما بلغت في ذرى المعالي ... بابن جميل بنو تميم وقال يمدح الرشيد: لا عيش إلا فى جنون الصبا ... فإن تولى فجنون المدام كأس إذا ما الشيخ والى بها ... خمسا تردّى برداء الغلام ظاهرة الحسن إذا جرّدت ... لطيفة المسلك بين العظام لم يشب الدهر لها مفرقا ... أخرجها من دنّها بنت عام كأنها المسك إذا صفقت ... حديثة العهد بفض الختام كرخية قد مات أترابها ... كريمة توهي بعقل الكرام تذكر كسرى وهو في مهده ... وقيصرا من قبل حين الفطام وثابة في الكأس إن صفقت ... ترمي إذا ما مزجت بالسهام هارون يحمى ملك آبائه ... وربّ هارون لهارون حامى خليفة مؤنسه سيفه ... مشاور للرأى لا للأنام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وقال يمدح جعفر بن يحيى ويصف كاتبه أنس بن أبى شيخ: أجدّ له الهوى سقما ... وضمّن قلبه ألما فأصبح بالجزيرة لا ... يرى قصدا ولا أمما فان تردد له الأيا ... م شملا كان ملتئما فلن ينفك بالبدر ال ... ذي يهواه معتصما بنفسى من محاسنه ... تجدّ لقلبي السقما وأبهى الناس سالفة ... ومبتسما وملتزما وأحسن من يرى عينا ... وجيدا واضحا وفما كأنّ محاسن الدنيا ... تبسم إن هو ابتسما أشبهه وأظلمه ... إذا شبهته الصنما رحلنا اليعملات ولم ... نهب خفضا ولا أكما إلى ملك أنامله ... تميت الهمّ والعدما له شيم مجاوزة ... يشايع فضله الشيما أتى البلد الشآمي في ... لباس الحرب مستلما فكان بغير حكم الأش ... عرىّ هناك ما حكما أذاق الموت أقواما ... بظلمهم وما ظلما وقوما ألبستهم را ... حتاه العفو والنعما بسيف يخفض النجوى ... وجود يرفع الهمما أمات اللؤم نائله ... وأحيا الجود والكرما وما حفظ الحقوق كجع ... فر أحد ولا الذّمما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ولا أخطت سحائب جو ... ده عربا ولا عجما يقدم جعفر أنسا ... على أصحابه قحما وحقّ له يقدّمه ... على رغم الذى رغما فلست ترى له عن شك ... ره خرسا ولا صمما ولا يبدي له نصحا ... يخالف غير ما كتما اذا أخذت أنامله ... - تبين فضله- القلما وحسبك من عليم ين ... تقى الألفاظ والكلما تطأطأ كلّ مرتفع ... من الكتاب إذ نجما وأصبح كل ذي علم ... يرى أنسا به علما سريع في تيقنه ... يضىء برأيه الظلما ووقّاف لدى شبه ... يقول بقدر ما علما وقال يمدح جعفر بن يحيى: بأكناف الحجاز هوى دفين ... يؤرّقنى إذا هدت العيون أحنّ إلى الحجاز حنين إلف ... قرين الحبّ فارقه القرين فقال فيها: وظاعنة بقلبك يوم ولت ... لها بشر يلين ولا تلين اذا قطعت من الصمان سهبا ... تمطى بعده سهب بطين أجاذبها النّسجاء بكلّ حرف ... أمون في تسرّعها جنون وما نشر البلاد ولا طواها ... كرعبلة يضيق بها الوتين فقل للعبد يعصى «1» جانبيه ... إذا أعطتك طاعتها الأمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 اليك خبطن أرض الدوّ عشقا ... وأنت لكلّ خابطة ضمين وما بعدت بلاد أنت فيها ... ولا كذبت مؤمّلك الظنون وما نال الغنى من لم تنله ... شمال من عطائك أو يمين إذا غاب ابن يحيى عن بلاد ... فليس على الزمان بها معين يقيه لدى الحروب حسام حتف ... أعارته جسارتها المنون أنيس حين يغمده ووحش ... إذا لاقت مضاربها الشئون حياض البرمكي عذاب ورد ... تفيض لها بنائله عيون إذا ما جاءها وفد خميص ... تروح وهو ممتلىء بطين يهين المال أقوام كرام ... ومال الباخلين لهم مهين وما يفني الكريم فناء مال ... ولا يبقى لما بقي الضنين وقال فى شكاة أحمد بن يزيد بن أسيد السلمى: لئن جرحت شكاتك كلّ قلب ... لقد قرّت بصحتك العيون يبيت من الحذار بنو سليم ... عليك وكلهم وجل حزين وحقّ لها بأن نحشى المنايا ... عليك وأنت منكبها اليمين فأنت لها إذا خانت ملوك ... وفيّ بالزمان لها أمين وسيفك فيه يخترق المنايا ... وبحر نداك مورود معين ولو فقدتك قيس يافتاها ... اذا لتضعضعت منها المتون ولو أنّ المنون بدت لقيس ... لما نالتك أو تفنى المنون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ولما غاب يحيى بن خالد وجاور بمكة قال أشجع: قد غاب يحيى فما نرى أحدا ... يأنس إلا بذكره الحسن [أو حشت الأرض حين فارقها ... من الأيادى العظام والمنن] «1» لولا رجاء الإياب لا نصدعت ... قلوبنا بعده من الحزن وهذا مختار من مديحه على غير ما سقناه من توالى الحروف: قال يمدح الفضل بن الربيع: أشكو الى نثرة الجنوب ... ما ذكّرتنى من الحبيب مدحك يابن الربيع أحلى ... على لسانى من النسيب والشعر ميدان كل فخر ... بحلبة سبقة النجيب لما رأيت البروق تسري ... بكلّ ومض لها كذوب هتفت بالفضل والليالي ... على مزرورة الجيوب من شابه الناس في صباه ... وفضل الناس فى النسيب «2» وقال يمدح محمد بن منصور: حيّ طيفا أتاك بعد المنام ... يتخطى إليك هول الظلام حيّه إذ أتاك بالرّقة البيضا ... ء يسرى من البلاد الحرام جاز بطن العقيق نحو سكارى ... من عقار المسير صرعى نيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 هجعوا عند أينق ثم لفوا ... ثنى كف بفضل ثنى زمام لمّت الشعث من سعاد ومنا ... رسل بيننا من الاحلام بخلت بالسلام عنا وجادت ... بهواها وطيفها فى المنام إن كفي محمد لتجودا ... ن على مجتديه جود الغمام قد أجرنا اليه في الليلة ال ... دعجاء واليوم ذي الهجير الهيام من يضع رجله بباب ابن منصو ... ر يضعه بباب أبيض سامي لا يخاف الزمان من ظفرت ... كفاه منه بعصمة أو زمام ملك لا يزال أول معدو ... د إذا ما ابتدي بعدّ الكرام جاعل ماله برغم الأعادي ... جنة بينه وبين الملام يسبق الوعد بالنوال كما ... يسبق برق الغيوث صوب الغمام وقال لعامر بن شقيق يعاتبه ويوبخه فى تغيره له عند ولاية وليها: أبدل الله من رجائك ياعا ... مر يأسا واليأس منك كثير إن للملك حيرة تبهر العق ... ل وظلّا كما يدور يدور لا تقولن ليتنى كنت قدم ... ت جميلا وقد طوتك الأمور أنت فى سكرة الولاية أعمى ... فاذا ما انجلت فأنت بصير فضحت ودك الولاية يا عا ... مر مذ يوم قيل أنت أمير لم تفدنى الأيام إلا غرورا ... بك والمرتضى به مغرور إن حبل الدنيا وإن طولته ... لك واستحكمت قواه قصير اركب الخافقين يابن شقيق ... فالى أشجع بن عمرو تصير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وعلى ودّك السلام فانى ... بك من بعدها عليم خبير وقال يمدح قيس عيلان ويحذر عدوا لهم منهم: إذا افتخرت قيس بطيب العناصر ... على الناس طاطا رأسه كلّ فاخر هم صدعوا بالحقّ حتى تنفست ... أنوف الملوك وهى خشم المناخر فقال فيها: أجرّتك قيس من عنانك فضلة ... فكن لعنان الظلم أول قاصر توق سيوفا قد أتتك ظباتها ... مقاديرها موصولة بالمقادر فلو كنت بين الأبيضين تناولت ... نياطك أطراف السيوف البواتر ولو أن قيسا لو أرادت شرارة ... لقوم أباتتهم على ظهر طائر هم يطعمون الوحش من كل مترف ... ويسقون ظمء البيض ماء الحناجر وقال لبعض قومه يعاتبه: فلا تحسبنّا حين نغضى على القذى ... بناصمم عن سوء رأيك أو عمى ولكن تدبرنا الامور فلم نجد ... إلى شتم أعراض العشيرة سلّما فلا تحسبنّ الأرض سدّت فروجها ... علىّ وأن الرزق أمسى محرما فأبعد ما امسى وأصبح همة ... وأشرفها نفسا اذا كنت معدما وقال يمدح جعفر بن يحيى: عجبت لما رأتني ... أندب الربع المحيلا واقفا في الدار أبكى ... لا أرى الّا طلولا جعل الشوق لعي ... نيّ الى الدّمع سبيلا ومغانى الحيّ مما ... يبعث الشوق الدخيلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 إنما أبكى ظباء ... كنّ بالأمس حلولا ثم أضحوا تسحب الر ... يح بمغناهم ذيولا كلما قلت اطمأنت ... دارهم قالوا الرّحيلا صاح فيهم صائح ال ... بين وما حطوا نزولا ما أرى الأيام تبقي ... ن على حال خليلا تصرف الخلّ إلي الص ... دّ وإن كان وصولا ليتها إذ حرمتنا ... وعدت وعدا جميلا لم تدم يوما على ... حال لها حتى تحولا وجهها يحكى لنا الش ... مس وفوها السلسبيلا ربّ خرق قد تعس ... فت له ميلا فميلا طالبا من آل يحيى ... ملكا يعطي الجزيلا ملكا ألبس حسنا ... وجلالا وقبولا وقال يتشوق بغداد: ألا ليت حيّا بالعراق عهدتهم ... ذوي غبطة في عيشهم وليان يرون دموعي حين يشتمل الدّجى ... علي وما ألقى من الحدثان إذا لرأوا جسما أضرّ به الهوى ... وعين معنى جمة الهملان أمن بين «1» ميمون يحنّ صبابة ... إلى أهل بغداد وتلك أمانى بعدت وبيت الله ممن تحبّه ... هواك عراقيّ وأنت يمانى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 إذا ذكرت بغداد لى فكأنما ... تحرّك فى قلبي شباة سنان وقال يمدح محمد بن منصور: بخلت عليك بوصلها جمل ... فكذاك جمل شأنها البخل فقال فيها: والى ابن منصور تجاذبنا ... أعناقها فتكفّها الجدل ملك يفيض سجال نائله ... أبدا فليس يغبّه سجل بذل الرجال بقدر ما ملكت ... وبجود «1» جود يمينه البذل فلغيره الأموال صامتة ... ولنا التوسع والندى الجزل فضلت يداه الفاخرين معا ... فله على من فاخر الفضل أمن الزّمان وريبه رجل ... فى ظلّ راحته له رحل ثنتان يختلبان زائره ... كرم ووجه ضاحك سهل لا مجد نعرفه ولا كرم ... إلا ومنصور له أهل وقال يمدحه: ربع تعفّته الأعاصير ... وقّفني فالدمع محدور ذكرت أيامي ولذّاتها ... فيه وعصر الّلهو مذكور وإنّ من يبكى لربع خلا ... لمستحير العقل مغرور إنّ ابن منصور لأهل الندى ... فى كل وجه سلكوا نور لا الخير محظور على طالب ... منه ولا المعروف منزور تدارك الثغر وقد غيرت ... سنّته روم مغاوير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وأوجبوا الرّق لأحراره ... فالدين من ذلك موفور فشرّد الطاغين سيف له ... بالنصر والإسلام مشهور أبدله «1» عزا بلا ذلة ... إنّ ابن منصور لمنصور قدّر للخير أبو الفضل وال ... خير له مذكان مقدور لولاه ما غارت ولا سيرت ... آمنة في سبلها العير وقال يفخر بقيس ويصف الدنيا: أرى الدهر يعطى مرّة ويسوّف ... ويتلف «2» أموالا مرارا ويخلف ويخشن مسّاحين يمضي مولّيا ... ويسمح فى الإقبال لينا ويعطف نحن «3» إلى الدّنيا ونأمن غشها ... وفيها لنا يوم من الشرّ متلف إذا اكتحلت عين امريء بجمالها ... أضاء لها منه جمال مزخرف على أنها مشغوفة وهي فارك ... لعشّاقها ظلّامة ليس تنصف إذا افتخرت قيس على الناس أشرفت ... بأيّامها هامات من يتشرّف وقال فيها: سيوف لها فى يوم بدر وقائع ... ويوم حنين والقنا يتقصّف لقيس حلوم يمطر البرّ غيمها ... تعود على من عقّ منها وتخلف ومدح فيها محمد بن يزيد السلمى فقال: لأحمد يوم الحرب عند عدوّه ... من الموت أدنى بالحتوف وأخوف هو البدر في قيس يضيء ظلامها ... لحادث مجد بالقديم يؤلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وقوف على طرق المنايا بسيفه ... مواقف لا يسطيعها المتكلك وقال أيضا: شجانى المنزل الدّرس ... وأطلال له خرس وعهدي بصحون الذا ... رتمشى بينها الشمس فعادت بعدها خمس ... ظباء بينها خمس كأن الطلل الملت ... فّ في ثوب البلى طرس لئن جرّت بها الريح ... ذيولا وشيها درس فقد كانت تجرّ العي ... ط فيها الحوّ واللعس ظباء بالعراقين ... على لباتها ورس حشون الأزر أردافا ... ثقالا وثرها ملس يطيب الريق منهنّ ... بعيد النوم واللمس إذا ما عدن باللحظ ... لصبّ عاده النكس فأصبحت بأرض الشام ... لا عين ولا حسّ وفتلاء الذراعين ... عليها الكور والحلس كان الزبد الجعدي ... على أشداقها برس متى أركب بها الليل ... تجبه الجسرة الحرس؟ وقال يعاتب ابن الزبرقان: اخ لك يا ابن الزبرقان على العهد ... ركبت اليه الجور وهو على القصد ظننت به سوءا وظنك تهمة ... يدلّ على أن قد تحولت عن عهدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وما خالطت نفسى لنفسك تهمة ... وإن خلت فاسأل ود صدرك عن ودي حبال الهوى بينى وبينك لم تزل ... تمرّ على شذر وتحكم في العقد فهلّا رددت الظّن عنك بفكرة ... تدلك يا ابن الزبرقان على الرشد ولكن أطعت الظنّ والظن مضعك ... بودّك إن لم تستعن بهوى جلد وقال يهنىء أحمد بن يزيد بن أسيد السلمى بالعيد: عيدان لا زالا يعودان ... عليك بالسعد يدوران فى صحة منك وفي نعمة ... تدور مادار الجديدان لو خيرت قيس بنى آدم ... كنت الرضا من ألف إنسان يابن يزيد بن أسيد بكم ... تعاظمت قيس بن عيلان أنتم لملك العز من هاشم ... أركان عزّ أىّ أركان وقال يمدح أبا ياسر محمد بن جميل الكاتب: ليس يقيم الأمور إن عدلت ... إلا أبو ياسر محمدها يطلق ما يعقد الرجال ولا ... تطلق أشياء حين يعقدها أكرم أملاكنا إذا ذكرت ... نفسا أبو ياسر وأمجدها بنى جميل بناء مكرمة ... فهو بمعروفه يشيدّها وقال يعاتب مسلما الكاتب: أعرض فعندي لك إعراض ... إنى لأمثالك روّاض لا خير في ود على تهمة ... ولا جليس فيه إعراض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 إنى لوصّال وإنى لمن ... يرفض منى الودّ رفاض انهض بصدّ عنك إنى لما ... حملنى صدّك نهّاض إن الولايات وان أبطرت «1» ... يا مسلم الكاتب أعراض اعتض إذا ما شئت من خلتى ... فإننى منك لمعتاض عندى بإعراضك إعراض ... وبالذى أقرضت إقراض قد يعجز المضمر عن غاية ... ويبلغ الغايات انقاض وقال لأحمد بن يزيد فى علته: كيف أمسيت من شكاتك لا ... زلت معافى ممتعا بالسلامه يابن خال النبيّ أصبحت لل ... منعم نعمى وللكريم كرامه ويزيد أبوك كان على الأعداء ... سيفا تقوم فيه القيامه نال معروفك العراقين والشا ... م ونجدا ويثربا واليمامه ووردنا منه حياضا رواء ... ورأينا آثاره بتهامه وقال أيضا: ظهر الحسينية موصوف ... ونهرها بالرّيف محفوف ان الحسينيّة فى مربع ... به نسيم الربع مشعوف برّية بحرية يلتقي ... في جانبيها البدو والريف يطيب قطراها ويصفو لها ... جوّ صفاه الماء مكشوف أكرم عرق مص ماء الثرى ... عرق على هارون معطوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ارث النبيبن اليه انتهى ... من آدم أبلج معروف وقال أيضا: أصحّ الله جسمك هل تقصت ... عنايات الدّواء بكشف داء وكيف وجدت ما عالجت منه ... وهل أحمدت عاقبة الدواء دعاك ضمان ربك كل وقت ... وعجل ما تحبّ من الشفاء وأعقبك السلامة تصطفيها ... وتصحب راحة بعد العناء وقال يمدح عبد الملك بن صالح بن على الهاشمى: أبين العيس والعرض ... وطول الارض والعرض أقضى عمر الدنيا ... على النقضة والنقض؟! فقال فيها: عظيم من بنى العبا ... س يرضى الدهر ما يقضى نقى الثوب من لؤم ... كريم وافر العرض وبعض اللوم لا ينقي ... هـ ماء البحر بالرّحض أسالته يد المجد ... فما قصّر في النهض بحزم يلد العزم ... وبعض الجسم من بعض اليه صرف الرغب ... ة أهل الحبّ والبغض وقال من أبيات: كم للك من مكرمة كلّ من ... جاراك في أمثالها تالى مكارم قد ألبست أثوابها ... كل جديد عندها بالي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 أيقنت أنى فى جنان العلى ... حين أنيخت بك أجمالي وقال ليحيى بن خالد: يا راكب العيس التي ... أفنى عريكتها ابتكاره ارحل الى يحيى وأي ... قن أن دار الجود داره يحيى امرؤ، ترجى منا ... فعه ولا يخشى ضراره يعفو عن الذّنب العظي ... م وليس يعجزه انتصاره صفحا عن الباغى علي ... هـ رقد أحاط به اقتداره الخير يبطيء ذكره ... والشرّ يسبقه شناره أصبحت جار البرمكي ... وليس يخشى الدهر جاره بدر يشابه ليله ... في ضوء جدواه «1» نهاره ولما جاور يحيى بن خالد بمكة قال أشجع: أبت نفس يحيى أن يدبر دولة ... تزول أواخيها ويفنى سرورها ولما رأى الأيام تنقض مرة ... وتثقل أخرى وهى واه مريرها تجافى عن الدنيا وقد فتقت به ... حواضرها واستقبلته أمورها وقد قال الخريمي في مثله: شرى نفسه وأهله وبلاده ... ثناء ولم يبخس ولم يتندم «2» وخلى عن الدنيا وقد أفرشت له ... محفّلة أخلافها لم تصرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وقد اختار الناس له: نعر الشباب بربة البرد ... فمضت مخالفة عن القصد سلّمت فالتفت الصدود بها ... ما كان ينقصها من الردّ فاذا وصفت لها مواصلتى ... فزعت حداثتها إلى الصد وإذا محاسن وجهها نطقت ... أثنى لها خد على خد مختار شعر أشجع فى مراثيه قال يرثى منصور بن زياد: أسعدي بالدّموع أو بالدماء ... ليس هذا يا عين حين إباء يخرق الموت في الصخ ... ر ويرقي فى القلة الملساء لا استتار منه بأرجاء أرض ... لا ولا عصمة بجو السماء يا رسولى ريب المنون إليه ... أى عز أبحتما للفناء ليس تعفو كلوم مصرع منصو ... ر كرور الإصباح والامساء وقال يرثى الرشيد، ويمدح الأمين: سحابة حزن بعد هارون أطبقت ... فلما بدا وجه الامين تجلت تحببت الدنيا بملك محمد ... وكانت بملك المرتضى قد تقلّت لئن بكت الدنيا عليه وأعولت ... فبالمصطفى عن كلّ ماض تسلت لقد رزئت أمرا عظيما وأعولت ... خليلا أعا ..... «1» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وقال يرثى احمد بن يزيد بن اسيد السلمى: ويحها هل درت على من تنوح ... أسقيم فؤادها أم صحيح؟ جبل أطبقوا عليه بجرجا ... ن ضريحا ماذا أجن الضريح! بليت حلة المكارم في الناس ... وقلّ المميح والمستميح رحم الله أحمد بن يزيد ... رحمة تغتدي وأخرى تروح ذهب الأعظمون من قيس عي ... لان تباعا يتلو الصريح الصريح ان أطافت به المراثى قريبا ... فقديما أطاف فيه المديح سخنت أعين الجياد عليه ... وبكى فقده القنا والصفيح فسوام الدموع بعدك ... يا أحمد في كلّ مقلة مسروح وقال يرثى الرشيد: يا صاحب العيس تخدي في أزمتها ... اسمع مقالى وأسمع صاحب العيس اقر السلام علي قبر بطوس ولا ... تقر السلام ولا تعمى على طوس إن المنايا أنالته مخالبها ... ودونه عسكر جمّ الكراديس أوفى عليه الذى أوفى بأشبله ... والموت يلقى أبا الأشبال في الخيس من كان مقتبسا من نور سابقة ... إلى النبيّ ضياء غير مقبوس فى منبت نهضت فيه فروعهم ... بسامق فى بطاح الملك مغروس والفرع لا يلتقي إلا على ثقة ... من القواعد قد شدت بتأسيس وقال يرثى محمد بن زياد وامرأته أم محمد بن منصور: يعزّ علينا أن ركنى محمد ... أصابهما ريب الردى فتصدعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 تداعى له الركن الذى كان يرتجى ... وأتبعه المقدار ركنا فضعضعا كأن المنايا تبتغى عنده لها ... ترات فما ينفك منها مروّعا أب مشفق برّ وأم حفيّة ... سطت بهما الأيام سطوة أروعا وفي الدهر أسوات ولكن تقاربت ... لياليهما فاستنفد الصبر أجمعا تناوب إتيان الجديدين لم يدع ... من الناس إلا آلم القلب موجعا ومن ذا الذى يبقى على سوق ليلة ... ويوم إذا احتثا مطيته معا؟ وقال يرثى الرشيد: بقائي على ريب الزمان قليل ... وإنىّ على عزّى به لذليل رأيت لداتى قد مضوا لسبيلهم ... وإن بقائي بعدهم لقليل فلا تبخلي بالدمع عنّي فان من ... يضنّ بدمع عن هوى لبخيل رأيت المنايا تصدع الصخر والصفا ... وتصدع صدر السيف وهو صقيل كأن لم ترى هارون فى ظلّ ملكه ... تسنمه يوم عليه ثقيل ومن دونه سمر عجاف صدورها ... يقيل وحيّ الموت حيث تقيل منازل هارون الخليفة أصبحت ... لهن على شاطى الفرات عويل منازل أمست فى السياق نفوسها ... سلبن رداء الملك وهو جميل لبسن حلىّ الملك ثم سلبنها ... فهن ولا حلي لهن عطول يذكرني هارون آثار ملكه ... وذلك ذكر إن بقيت طويل إذا ماسطا عز المنايا فانه ... سواء عزيز عنده وذليل وقال يرثى الرشيد ويمدح الأمين: امام قام حين مضى إمام ... نظام ليس ينقطع النظام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 بكى ذاك الأنام أسى ووجدا ... وسرّ بذا الذي قام الأنام مضي الماضي وكان لنا قواما ... وهذا بعد ذاك لنا قوام إمامان استقرّ بذا قرار ... وحوّل ذاك فاخترم الحمام على ذاك السلام غداة ولى ... ودام لذا السلامة والسلام سهام الموت تقصد كل حىّ ... ومن ذا ليس تقصده السهام؟ أمير المؤمنين ثوى ضريحا ... بطوس فلا يحسّ ولا يرام كأن لم تغن في الدنيا وتغدو ... إلى أبوابه العصب الكرام ولم ينحر بمكة يوم نحر ... ولم يبهج به البلد الحرام ولم يلق العدوّ بمقريات ... يهيم أمامها جيش لهام أقول لساكن قبرا بطوس ... سقاك ولاسقى طوس الغمام لأظلم كلّ ذى نور ولكن ... بوجه محمد كشف الظلام ولولا ملكه إذ غبت عنا ... لما ساغ الشراب ولا الطعام فقد حىّ الحلال به فدرت ... لنا التقوى ومات به الحرام وقال يرثى محمد بن منصور [بن زياد] «1» أنعي فتى الجود إلى الجود ... ما مثل من أنعي بموجود أنعي فتى أصبح معروفه ... منتشرا في البيض والسود أنعي ابن منصور الى مسلم ... لأسره في القد مصفود [أنعي فتى مص الثرى بعده ... بقية الماء من العود قد ثلم الدهر به ثلمة ... جانبها ليس بمسدود أنعي فتى كان ومعروفه ... يملأ ما بين ذرى البيد] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 [فأصبحا بعد تساميهما ... قد جمعا فى بطن ملحود] «1» اليوم نخشى عثرات الندى ... وسطوة البخل على الجود من لم يكن سائله ممسكا ... منه بأذناب المواعيد وكلّ مفقود عدلنا به ... وإن تغالى غير مفقود لا خير فى الدنيا وقد أغلقت ... أبوابها دون الفتى المودي وقال يرثى أخاه: أأدهن رأسي أو تضاعف كسوتى ... ورأسك معفور وأنت سليب فأقسم لا أصبو إلي عيش لذة ... وقد ضمّ لحييه عليك قليب ولا زلت أبكي ما تغنت حمامة ... عليك وما هبت صبا وجنوب وما حملت عين من الماء قطرة ... وما اخضر في دوح الاراك قضيب بكائي كثير والدموع قليلة ... وأنت بعيد والمزار قريب فلا يفرح الباقي خلاف الذي مضى ... فكلّ فتى للموت فيه نصيب أخ كان منّي في حمى لا يحله ... سواه ولا يفضي اليه غريب تعجب سلمى من مشيب ذؤابتى ... وعمر أبيها إنه لعجيب ومثل الذي لو تعلمين أصابنى ... به الدهر يبلي رمتي ويشيب رزئت أخا لا ينتجي القوم دونه ... إذا ضمهم يوم أصمّ عصيب أبعد أخي يصفولي العيش إننى ... إذا لمضيع للعهود كذوب نسبيبك من أمسى يناجيك طرفه ... وليس لمن تحت التّراب نسيب أضيق بأمري حين أذكر أحمدا ... وصدرى بأوراد الامور رحيب ندبّ وننسى أننا بمضيعة ... وللّيل فينا والنهار دبيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وكل فتى يوما وإن طال عمره ... سيدعى إلى ما ساءه فيجيب وقال يرثيه: لئن أنا لم أدرك من الدمع ثأريا ... ولم أشف قرحا داخلا في فؤاديا لتخترمنىّ الحادثات وحسرتي ... بأحمد في سوداء قلبي كما هيا لقد أفسد الدنيا علي فراقه ... وكدر منها كلّ ما كان صافيا تخلصت الأيام لا درّ درها ... حبال ابن أمي أحمد من حباليا وباعد ما قد كان بينى وبينه ... من القرب أيام تسوق اللياليا كأن يمينى يوم فارقت أحمدا ... أخى وشقيقي فارقتها شماليا وما كانت الأيام بيني وبينه ... ولا فرح اللذات إلّا عواريا خليليّ لا تستبطئا ما انتظرتما ... فان قريبا كل ما كان آتيا [ألا تريان الليل يطوي نهاره ... وضوء النهار كيف يطوي الليالى هما الفتيان المترفان اذا انقضت ... شبيبة يوم عاد آخر ناشيا] «1» ويمنعني من لذة العيش أنني ... أراك إذا فارقت لهوا ترانيا وقال فى عيسى بن جعفر: أنعي فتى كل الفتى ... أنعى أبا موسى الندى أنعى إلى قمر السما ... ء وشمسها شمس العلى إن النجوم بكت له ... ولمجده فيمن بكى وبكى له ما بين من ... خرق الدبور إلى الصبا أبلى رداء شبابه ... - فى حين جدّته- البلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ألبستني ثوب الردى ... وسلبتني طيب الكرى ومحوت من ضوء النها ... ر وزدت فى ظلم الدجى كادت عليك جوانحي ... تنقدّ من حرّ الأسى وتنفّس تستله ال ... أحزان من تحت الحشا شبع الثرى من حسن وج ... هك لا هنا الشبع الثرى! وقال أيضا: وغريبة تبكي غريب محلة ... وقفت بجانب قبره تتفجع وتقول واضر الحياة مضى الذي ... كنا نضرّ به وكنا ننفع وتقول كيف وجدت مضجعك الذي ... أمسيت [فيه] فقد نبأ بى المضجع مالي أنيس غير ذكرك ما خلا ... قلبا يئنّ وشأن عين تدمع وكثيرة العبرات جلّ بكائها ... خطب إليه نفسها تتطلع وترى شواهدها إذا ما استعبرت ... تصف البكاء وعينها لا تدمع ثكلى ثلاثا ثم تظهر بعدها ... عين مكحلة وجيد أتلع ومحاسن تدعو إلى استطرافها ... منها السوالف والأثيث الأفرع فاذا نظرت الى استجاعة ودها ... أيقنت أن لها هوى لا يشبع تلك التى ان أخرت لا ترتجى ... أو أقدمت فلمثلها لا يفرع وقال يرثى أحمد بن يزيد بن أسيد السلمى: على قبر بجرجان السلام ... وإن بعد الملام فلا ملام على قبر به أشلاء بدر ... أصيب به من الشرف السنام أقول لصاحبيّ وخبرانى ... بحيث القبر والملك اللهام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 صلاة الله ربكما وربى ... على قبر به تلك العظام بمصرع أحمد عزّ الأعادى ... وذل الرمح والسيف الحسام فلم أر مثل أحمد يوم ولى ... حمام نال مهجته الحمام عليك ولا على جرجان منى ... سلام الله ما بقي السلام أقمت بغربة فى ظل دار ... يطول بها التغرّب والمقام وكنا ناظريك بكل فجّ ... كما للغيث ينتظر الغمام أبعدك تتقى نوب الليالى ... لقد صغرت بك النكب العظام عزيز بنى سليم أقصدته ... سهام الموت وهي له سهام وقال يرثى: مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب الا له فيه مادح وما كنت أدري ما فواضل كفه ... على الناس حتى غيبته الصفائح فأصبح في لحذ من الأرض ميتا ... وكان به «1» حيا تضيق الصحاصح مضى حين مدّ المجد أطناب بيته ... عليه وأمته الأمور الفوادح وحين استهانت نزح كلّ تنوفة ... إلى جود كفيه الرّقاق النوازح فان سفحت عينى عليه دموعها ... فقلّ له منها الدموع السوافح سأبكيك ما فاضت دموعي فان تغض ... فحسبك منى ما تجنّ الجوانح وما أنا من رزء وان جل جازع ... ولا لاغتباط بعد موتك فارح [كان لم يمت حيّ سواك ولم تقم ... على أحد إلا عليك النوائح] «2» لئن حسنت فيك المراثى وذكرها ... لقد حسنت من قبل فيك المدائح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 قال أبو بكر: وقد قال قبله مطيع بن إياس فى يحيى بن زياد الحارثى: يا خير من يحسن البكاء له ال ... يوم ومن كان أمس للمدح وقال أشجع: جارية تهتزّ أطرافها ... مشبعة الخلخال والقلب أشكو الذى لا قيت من حبّها ... وبغض مولاها إلى ربى من بغض مولاها ومن حبها ... بقيت بين البغض والحبّ فاعتلجا في الصدر حتى استوى ... أمراهما فاقتسما قلبي فأخذه أحمد بن يوسف فقال: قلبي يحبّك يامنى ... قلبي ويبغض من يحبك لأكون فردا فى هوا ... ك فليت شعرى كيف قلبك! وقد أوضحه أحمد وجاء بالعلة، فقال عبد الصمد وأكثر: لي حبيب أنا أهوا ... هـ على ما كان فيه لي موتان بحبّ ... يه وبغضى لأبيه ليس بغضى لأبيه ... دون بغضي لأخيه أشتهى موتاهما ... مثل اشتهاي اللثم فيه وله أيضا، وأنشدنى الجميع أبو ذكوان وأبو خليفة: لي حبيب أضربى ما ألاقي ... من فتونى به ومقت أبيه سامنى القرب من أبيه، وبغ ... ضى لأبيه أشد من حبّيه لي موتان من هوى ذا وبغ ... ضي لهذا، وليس لي من شبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وقال هارون بن على: أنت الفداء لمن عصاني في الهوى ... وغدا لأمرك سامعا ومطيعا يا أبغض الثّقلين غير مدافع ... وأيا أحبهم إليّ جميعا على أن أبا الشيص قد قال: جارية تسحر عيناها ... أسفلها يجذب أعلاها أصبحت أهواها وأهوى الردى ... لكل من أصبح يهواها نفسي على أمرين مطبوعة ... حبي لها أو بغض مولاها قد ملكتني وهي مملوكة ... فصرت أخشاه وأخشاها آخر أمر أشجع احمد بن عمرو ويكنى أبا جعفر، أخو أشجع بن عمرو قال الصولى: هو شاعر قليل المدح للناس، يتغزل في شعره، ويذهب مذهب ابن أبى أمية، وكان أسنّ من أشجع. حدّثنى الحسين بن اسحاق، قال: حدّثنى أحمد بن الحارث الخراز، قال: قيل لأحمد بن عمرو أخى أشجع: لم لا تمدح الملوك كما يمدحهم أخوك؟ فقال هو «1» فخر لي، وبلاء علي. إذا مدحت إنسانا، قال: أين شعر هذا من شعر أخيه، وهو يثيب على دون شعري [بالكثير] ، ويرضاه فيمنعنى هذا من مدح الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 قال الصولي: وجدت بخط حماد بن اسحاق، قال أشجع السلمى لأخيه أحمد: أبت غفلات قلبك أن تريحا ... لكأس ما تفارقها صبوحا «1» فغضّ عن المكارم طرف عين ... إلى اللذات ذا شوق طموحا كأنك لا ترى حسنا جميلا ... بعينك يا أخى إلّا قبيحا دعتك إلى محاسنها المعالي ... فلم تجد المعالي فيك روحا أمجنون فليس عليك عتب ... ولست معاتبا إلا صحيحا فأجابه أحمد فقال: أغرك أن قولك لي قبيح ... وأنى لا أقول لك القبيحا وقد نبئت أنك عبت شعري ... فخذ بيديك هل تسطيع ريحا ولا والله ما أحسنت شعرا ... هجاء مذ خلقت ولا مديحا سأعرض عنك إذ أعرضت عنى ... واسكن صدرك القلب القريحا ومات قبل أشجع فرثاه بمراث كثيرة، وله يقول: اذا خفت عتبي من سوءة ... سبقت عتابى بالغضبه وما كنت الا كريش السها ... م ألبسه الريش والقطبه «2» أيطلب شأوي وما زال لي ... عتاد المقدّم في الحلبه وما زلت مذحرّ كتنى الأمو ... ر أرفعكم رتبة رتبه أقدّم شعرك عند الملو ... ك وأكشف عن وجهك الكربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فأجابه أخوه: خطبت ببغضك لي خطبة ... فدونك فاسمع بها خطبه زعمت بانك لى مفخر ... وأنت- فلا تعل- لي سبه فليتك عنى بعيد الودا ... د ولم تك مني ذانسبه وأنى أثكلت من قد ولد ... ت فصار التأهل لى عزبه اتخضم فى الماء خضم البعير ... وأطعم من مالي الوجبه ولي منك إن جئت مستعتبا ... وإن عصف الظلم بى غضبه فدونك فاشرب على بغضتى ... كما قد شربت بها نخبه ومن شعر أحمد بن عمرو: يا من له ما عشت صفو ودادي ... واليه من قبل المعاد معادي وفراقه أغرى بقلبى لوعة ... أغرت لهيب الشوق بالابعاد لي في السهاد إذا لهجت بذكره ... عوض خليل من لذيذ رقاد بأبى حبيب إن مرضت يزورنى ... طيف له في هيئة العواد وقال أيضا: وعاذل با كرتنى منه لائمة ... لم تبق فى عذل قولا ولم تذر فقلت لا تنفقن نطقا بلا سبب ... فليس عذلك من همى ولا وطرى إنى قنعت بما أهواه فانصرفت ... نفسى إلى وصله من سائر البشر وليس للنفس فى غير الذي هويت ... حظّ ولو ظفرت بالشمس والقمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وقال أيضا: وغزال صاغه الر ... حمن من حسن وطيب ترتعى عيناه بالى ... ألحاظ أثمار القلوب يا هلالا طالعا ... فوق قضيب وكثيب حبّذا العلة لو قد ... عادنى منها حبيبي هو داء من بعيد ... وشفاء من قريب من رأى مثلي فى ال ... عالم سقمي وطبيبي! حدّثنى ابراهيم بن المعلى الباهلي، قال: سمعت أبا الحسن الطوسي يقول: حدّثنى أحمد بن محمد بن جميل قال مدح أحمد بن عمرو أخو أشجع بن عمرو أبى بشعر ودفعه إلى أخيه ليوصله ويتنجز صلته فتوانى في ذلك، فقال يهجوه: وسائلة لي ما أشجع ... فقلت يضرّ ولا ينفع قريب من الشرّ واع له ... أصمّ عن الخير لا يسمع بطيء عن الشيء أحظى به ... الى كل ماساءنى مسرع شرود الوداد على قربه ... يفرق منه الذي أجمع أسبّ بأنى شقيق له ... فأنفي بذا أبدا أجدع قال: وبلغت الأبيات أبى، فأحضر أحمد ووصله، واعتذر لأشجع، وأصلح بينهما ثم مات، فما رأيت أحدا وجد بأحد كوجد أشجع به بعد مماته على جفائه له فى حياته. ولأخيه أشجع فيه مراث كثيرة، قد اخترت منها ما ذكرته فى جملة المختار من شعره فى المراثى. قال أبو بكر: وههنا أشعار نسبها أقوام الى أحمد، ووجدتها في شعر أشجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فجئت بها له، اذ كان لسعة شعره وشهرته أولى بها ولست أذكر لاحمد إلا ما أجده بخط أثق به أو رويته حدّثنا الحسين بن اسحاق، قال: حدّثنا أحمد بن الحارث قال: كانت لأشجع جارية يقال لهاريم، وكان يجد بها وجدا شديدا، فكانت تحلف له أنها ان بقيت بعده لم تعرض لغيره فكان يذكر أمرها في شعره، فمن ذلك قوله فى قصيدته [التى] يرثى بها الرشيد: وليس لأحزان النساء تطاول ... ولكنّ أحزان الرجال تطول فلا تبخلى بالدمع عنّى فانّ من ... يضنّ بدمع عن هوى لبخيل ولا كنت ممن يتبع الريح طرفه ... دبورا اذا هبت له وقبول اذا دار فيء أتبع الفيء شخصه ... يميل مع الأيام حيث تميل وعمل قصيدة يخاطبها فيها منها: اذا غمضت فوقي جفون حفيرة ... من الأرض فابكينى بما كنت أصنع يعزّيك عنى بعد ذلك سلوة ... وأن ليس فيمن وارت الارض مطمع اذا لم تري شخصي وتغنيك ثروتى ... ولم تسمعي مني ولا منك أسمع فحينئذ تسلين عنى وإن يكن ... بكاء فاقصى ما تبكين أربع قليل ورب البيت ياريم ما أرى ... [فتاة بمن ولى به الموت تقنع] «1» بمن تدفعين الحادثات اذا رمى ... عليك بها عام من الجدب يظلع فيومئذ تدرين من قد رزئته ... اذا جعلت أركان بيتك تنزع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 ومدح فى هذه القصيدة الفضل بن يحيى فسكنه اليها ومدح الفضل بأفضل من مديح أشجع فقال: ذكرت فراقا والتفرّق يصدع ... وأىّ حياة بعد موتك تنفع اذا الزمن الغدّار فرّق بيننا ... فما لي في طيب من العيش مطمع فلا كان يوم يا ابن عمرو وليلة ... يبدد فيها شملنا ويصدّع ولا كان يوم فيه تثوي رهينة ... فتروى بجسمى الحادثات وتشبع وألطم وجها كنت فيك أصونه ... [وأخشع] «1» ممالم أكن منه أخشع ولو أنّنى غيبت في اللحد لم تبل ... ولم يرك الراءون لي تتوجع وهل رجل أبصرته متوجّعا ... على امرأة أوعينه الدهر تدمع ولكن اذا ولّت يقول لها اذهبي ... فمثلك أخرى سوف أهوى واتبع ولو ابصرت عيناك غمّى لأبصرت ... ضبابة حزن غيمها ليس يقشع الى الفضل فارحل بالمديح فإنه ... منيع الحمى معروفه ليس يمنع وزره تزر علما وحلما وسؤددا ... وبأسا به أنف الحوادث يجدع وأبدع اذا ما قلت في الفضل مدحة ... كما الفضل في بذل المواهب يبدع اذا ما حياض الجود قلت مياهها ... فحوض أبى العباس بالجود مترع وإن سنة ضنت بخصب عن الورى ... ففى جوده مرعى خصيب ومشرع وما بعدت أرض بها الفضل نازل ... ولا خاب من في نائل الفضل يطمع فنعم المنادى الفضل عند ملمة ... لدفع خطوب مثلها ليس يدفع اليك أبا العباس سارت نجائب ... لها همم تسمو اليك وتنزع بذكرك نحدوها اذا ما تأخرت ... فتمضي على هول المنى وتسرّع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 وما للسان المدح درنك مشرع ... ولا للمطايا دون بابك مقنع اليك أبا العباس أحمل مدحة ... مطيتها- حتى توافيك- أشجع فزعت الى جدواك فيها وانما ... الى مفزع الآمال يلجا ويفزع فأنشدها أشجع الفضل؛ فوصل أخاه أحمد، ووصل جاريته ريم، ووصله. قال أحمد بن الحارث: هذه القصيدة يرويها من لا يدرى لريم جارية أشجع، وهى لأحمد أخيه. آخر أخبار أشجع وأخيه أحمد ومختار شعرهما احمد بن يوسف وزير المامون «قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: قد صرت من كتاب الخلفاء، وهو كتاب الأوراق إلى ذكر الشعراء الذين أول اسمائهم ألف، فذكرت منهم جماعة، ثم رأيت بعض الأجلّاء يحب أن أقدم له ذكر أحمد بن يوسف الكاتب وآله جميعا، ومن قال الشعر من آبائه وولده، فآثرت مراده واتبعت محبته. أنا أذكر من ذلك ما سهل عليّ طلبه وقرب منى وجوده، وتارك في أخبار كل واحد وأشعاره بياضا لما خرجه السماع ومنتجعه من الأصول إن شاء الله.» هو أحمد بن يوسف بن صبيح مولى بنى عجل من قرية من قرى الكوفة تعرف بدبا «1» يقال ان ابا صبيح منها مولى اسلام والصحيح ما يجىء بعد. قال أبو بكر: سمعت الحسين بن على الكاتب يقول كان صبيح عبدا لبعض بني عجل، فلما أعتقه تكنى بأبى القاسم وقال غيره: كان الذى أعتقه بحر بن العلاء العجلى، وكان ابنه عتبة بن بحر على ديوان الغرب أيام أبى العباس، وفي آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 أيام بنى أمية، فخلفه عتبة بن بحر على ديوان مولاه القاسم بن صبيح، ثم كتب القاسم لعبد الله بن على عم المنصور، وكتب يوسف ابنه، ثم كتب يوسف ليعقوب ابن داود وزير المهدي: قال أبو بكر: وحدّثنى محمد بن سعيد، قال: حدّثنى ابو هفان، قال: حدّثنى جماعة من الكتاب أن السرىّ بن بشر العجلى اشترى صبيحا فأعتقه، وكان صبيح قبطيا، وهذا هو الصحيح. حدّثنى أحمد بن يزيد، قال: حدّثنا إسحاق الموصلى أبو الفضل، قال: سمعت ابن كناسة الأسدى يقول: خرّجت الكوفة وسوادها جماعة من الكتاب فما رأيت فيهم بيتا أجلّ ولا أبرع أدبا من بيت أبى صالح، وكان من يفد على هشام ابن عبد الملك يمدح القاسم بن صبيح لأنه كان جليلا نبيلا، يلى أعمالا كثيرة لهشام، فممن مدحه يزيد بن ضبة الثقفى وأبو النجم العجلي. حدّثنا يموت بن المزرّع، قال: حدّثنى أبو الأسود النوشجانى، قال: حدّثنى ابن دعلج عن أبيه عن جده، قال: دخلنا إلى هشام فى حوائج لنا فرأينا القاسم بن صبيح مولى بني عجل منبسطا في داره، فقام بأمورنا وما رأينا أطلق منه وجها ولا أكثر أدبا ولا أسمح كفا، وكان أبو النجم الشاعر نازلا عليه، وفيه يقول أبو النجم: أقسم لولا قاسم وبرّه ... وأنه حرّ كريم نجره يطيب منه خبره وذكره ... ما كان لي بيت يكنّ ستره دون هشام وهو عال أمره ... لو لم يسعنى حلمه وكثره عن الدنيات التى تعرّه ... لغال نفسي بالسعاة «1» شره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وفيه يقول أبو النجم: شكرت للقاسم إحسانه ... شكر أياد غير منّان لو لم يكن حرّا لما نالنى ... منه بمعروف واحسان لكنّ عجلا لهم رتبة ... تقضي على أيام مروان حدّثنا أبو بكر أحمد بن زهير سنة ست وسبعين ومائتين، قال: حدّثنا سليمان بن أبى شيخ، قال: حدّثنى من سمع محمد بن أنس يقول للقاسم بن صبيح: مازلنا فى سامر نصل فصوله بتشوقك، فيذهب ذكرك ملل السامر، ونعسة الساهر. فقال القاسم: مثلك من ذكر صديقه فأطراه، وحرّكه الشوق اليه وأغراه. ولو آذنتمونى باجتماعكم، لكنت مسرعا كأحدكم، مسرورا بما سررتم، مفيضا فيما فيه أفضتم. قال أبو بكر: أنشدنى محمد بن العباس، قال: انشدنى محمد بن عبد الله ابن أحمد بن يوسف لجده ابى محمد القاسم بن صبيح: حرق لا تزال بين الصّفاق ... أقرحت بالدّموع مني المآقي كلما زيّن التصبر لى قو ... م من أهل الوداد والإشفاق فألحوّا به فرمت اصطبارا ... أخذت لوعة الهوى بالتراقي فيكون الجواب لا تظلمونى ... أي صبر يكون للعشاق؟ قال وأنشدنى له: بهجر الحبيب تكون الكروب ... وتجري الدّموع وتشجى القلوب فأما الفراق فما لا يطاق ... وأما السلوّ فما لا يجيب وأما الضّلوع ففيها ندوب ... يساعدها دمع عين سكوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وأعظم من ذاك قلب قريح ... ووجد شديد وجسم يذوب وقال أيضا، وجدته بخط عبد الله بن أحمد: لم يصف واصف الفراق فأحصى ... بعض ما يستحقّ اسم الفراق كذب الواصفون، فرقة من ته ... وى ممات إلى حياة التلاقي قال أبو بكر، وهو القائل ايضا: ضمير وجد بقلب صبّ ... ترجمه دمعه فشاعا فصار دمعي لسان وجدي ... ضيع سرّي به فضاعا لولا افتضاحي بفرط دمعي ... لم يك سرّي كذا مضاعا قال أبو بكر، ووجدت بخطه: أن القاسم دخل إلي صديق له عليل- وقد أبل من علته- فقال: جئتك وأنا مثقل من الهم، فلما رأيتك تجلت ظلل الغمّ، لإقبال العافية اليك، وظهور تباشيرها إليك «1» حدّثنى عون بن محمد الكندي، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن يوسف يقول: من كلام أبى محمد القاسم بن صبيح. اصحب من غيبته كحاضره، وباطن ودّه كظاهره، تكثر مسرته، وتؤمن معرّته. ومن شعره فى هذا المعنى: لبئس صديقا من أراك مودة ... ويغمز في سرّ عليك ويهمز فلا تنكحن الودّ من ليس أهله ... فما ميز الخطاب إلا مميز أمر أبى القاسم يوسف بن القاسم قال أبو بكر: حدّثنى عون بن محمد الكندى، قال: حدّثنى أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ابن يوسف عن أبيه، قال: لما قدم أبى بغداد قصده اخوانه وداعوه، فلزم الشراب معهم والسماع، فقالت له أمه: يا بني قد ترى كثرتنا وما يلزمك من نفقتنا، وان أدمت الشراب أضعتنا وأفقرتنا مع شينه لك فى دنياك، وتزويده لك الوزر الى أخراك. فقال: حسبك! والله لا ولج لى رأسا أبدا، فما شرب حتى مات. حدّثنا عون، قال: حدّثنى أبو دعامة القيسيّ، قال: كان يوسف بن القاسم مع خاله بشر بن سليمان على ديوان الكوفة أيام بنى أمية، ثم كتب لعبد الله بن على ابن عبد الله بن العباس فى أول الدولة العباسية، بعد أن كان أبوه القاسم يكتب له، ولم يزل معه الى أن هزمه أبو مسلم أيام المنصور، واستقل «1» عبد الله عن أخيه سليمان بن عبد الله بالبصرة، وهو الذي كتب الى أبى العباس السفاح عن عبد الله بن على يعزيه عن ابن له توفي: أما بعد فان أحق الناس بالرضا والتسليم لأمر الله جل وعز، من كان اماما لخلق الله وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فتعزّ أمير المؤمنين بفهمك، وارجع في وعد الله جل وعز- من الصابرين- الى علمك. حدّثنى الحسن بن عليّ الكاتب، قال: حدّثنى صالح بن معاوية بن صالح القيسي- مولى لهم عن أبيه، وكان انقطاع أبيه الى موسى بن يحيى بن خالد، وكان يخلفه أيام ولايته السند- قال: حدّثنى يوسف بن القاسم، قال كنت مع عبد الله بن على، وكان يبرّنى كثيرا، ويوجه بره مبتدئا في رأس كل شهر، فغفل عنى شهرين فكتبت اليه: مالبرّ الأمير قصّر عنى ... بعد أن لم أكن أرى تقصيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 إن يكن ناسيا فعندي إذكا ... ر له دائما عتيدا كثيرا أو يكن عن إضاقة فله العذ ... ر متى شاء أن يرى معذورا لأرى خادما بانفاق وفري ... وأرى ماله له موفورا إن برّ الأمير عندى وان كا ... ن يراه لديه نزرا يسيرا لكثير عندى ولم يك عهدى ... أن أرى الرزق عنده محظورا فوقع في رقعتي: لم يكن تأخير برّنا عنك لبخل وضنّ ولا إهمال وتناس، لكنها غفلة من موجب لحقك عارف. شغله عنك ما يقسّم قلبه متكلا على معرفتك به، وبسط عذرك له. على أنى ظننت أنّ ما كنت عليه أوّلا قد زال فيما بيننا وبينك، إذ كنا قد أحللناك على محلّ الشريك، وخلطناك بأنفسنا خلط النّسيب، لتنفق من نفقتنا وتقرن أمرك بأمرنا. وقد أمرت لك بألفي درهم رزقك لشهرين، فاقبضهما ولا تنظرنّ لى أمرا بعدهما في مثلهما عند وجوبها، وأمرت لك بألفى درهم تصلح بها حالك، وقد أطلقت بعد هذا يدك في المال لتأخذ منه كفايتك، وفضلا يكون عدّة لك لما لا يؤمن من عثرات الدهور وحوادث الأمور. فانك لم تصحبنا إلا بقلب وامق، وودّ صادق. وإنا لنحب أن يتبين عليك لنا أثر محمود تغتبط به وتغبط عليه، فاعمل على ذلك إن شاء الله. قال أبو بكر: ولأبي القاسم «1» يوسف بن القاسم أشعار ومكاتبات وأخبار أنا أستقصيها بعون الله ههنا، إذ كانت مما لا يعرفه كثير من الناس، وأختصر ما أعلم أنهم يساهموننى فى العلم به ان شاء الله. فمن شعره ما وجدته بخط اليوسفىّ محمد بن عبد الله بن أحمد: الى الله من عودتى «2» توبتى ... أتوب اليه واستغفره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وأثنى عليه بآلائه ... ثناء الشكور ولا أكفره وأخلع من دونه من دعا ... إلها سواه ومن يفجره وأشهد أن لا إلها سواه ... وأن الثواب لما «1» يذكره وأعلم أنك ربّ العبا ... د وتعلم منى الذى أضمره واستغفر الله مما جني ... ت وما قد نسيت وما أذكره ومما أحاط به علمه ... واتقنه كاتب يسطره لألقى الآله ولا ذنب لي ... أساءل «2» عنه ولا أحذره *** «3» وعف وكف عن المؤثمات ... أجزاه من عمل أيسره اذا كان يأتى الذى لا يري ... ب ويترك منه الذى يفجره كذاك روينا عن المصطفى ... وأصحابه في الذي نأثره ومن تبع الحقّ كان السعي ... د على حقه أبدا مظهره ومن حاد عن سنن الراسخ ... ين كان الخسار الذى يخسره فلا تلف إلا وتقوى إلا ل ... هـ زادك للحشر تستشعره فمن طلب الحقّ بالمنكرا ... ت عاد على حقه منكره إذا أنت أبصرت ذا نخوة ... فلا يغرينك «4» ما تبصره ولا تحقرنّ حسير الزمان ... واحذر عواقب من تحقره فان الزمان له دولة ... يعاقب مقبله مدبره ومن أمن الدهر فى صرفه ... أتاه من الأمن ما يحذره وكن بعلومك مستظهرا ... فأنفع علمك مستظهره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وما كان في الكتب مستودعا ... كما لم تعان ولم تخبره سوى علقات تعين الفتى ... إذا وردت جملة تبهره وإعرابك اللفظ لا تنسه ... فزين عرابك ما تعبره فخير الكلام الذي تصطفي ... هـ وشر الكلام الذي تهدره وكن للصّديق وأهل الودا ... د ممن يزينهم محضره فمن لا يقدمه أصغرا ... هـ يؤخره فى الملا أكبره ومن كان ذا أدب فالأمو ... ر تصغر عنه ولا تكبره إذا ما اتاك أخو عذرة ... فكن قبل عذرته تعذره فإن ما اطلعت على صالح ... فكن أنت أول من يظهره وكن منه في أمره كلّه ... إلى كلّ مكرمة تبدره ولا تك ممن إذا دولة ... أتاه الثراء بها تبطره وبادر بصالح ما ترتجي ... به الفوز من عمل تدخره بذاك يسود الفتى الأبعدي ... ن ويحسن ذكرا له معشره فانك في الناس أحدوثة ... فكن منه أفضل ما تؤثره قال أبو بكر: حدثنا الحسين بن على قال: حدثنى ابى قال: لما استخفى عبد الله بن عليّ خاف أبو القاسم يوسف على نفسه قبل أن يصير إلى باب أبى جعفر المنصور، فورد له كتاب على [يد] صديق له يقول فيه: ما قولك فى رجل خافه «1» السلطان فأجمه الإخوان، وأساء صحبته الزمان، فتفرقته البلدان؟ قال: ثم علم أنه لا وزر له يحرزه من أبى جعفر. قال فصرت الى اصحابنا في الديوان، فكنت أعمل معهم فجاءنى يوما خادم، فقال لى: أمير المؤمنين يطلبك، فقمت معه موطنا نفسي على الهلاك فأدخلني وأنا أرعد، فلما صرت عند باب الإيوان قال لي الربيع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 سلم على أمير المؤمنين فسلمت فقال: ادن فدنوت، فأمرنى بالجلوس ثم طرح الي قرطاسا من ربع وقال: أخرج دواتك فكأنى بك قد قلت: أنا بالأمس فى ديوان بنى أمية ثم مع عبد الله بن على، وإنما كنت في ديوان المسلمين. وأما كونك مع عبد الله بن على فذاك عمى. ثم قال اكتب وقارب بين الخط وفرّج بين السطور، وأقبل يملي علىّ، فلما فرغت من الكتاب خزمته فقال: كل العنوان الى يا أبا يوسف قد صحت عندي براءتك بان لم تختف، وبادرت من سلطاننا الى عملك، ولو كان منك غير ذلك لدخلت خلفك جحرة النمل حتى أخرجك كم رزقك؟ قلت عشرة دراهم كل يوم قال قد زادك أمير المؤمنين خمسة قم راشدا وروى معاوية بن صالح القيسىّ قال: كان يوسف بن القاسم فى أيام أبى عبيد الله وزير المهدى كالمتقي لناحيته، وكان محمد بن زياد بن عبيد الله الحارثى له صديقا فتولى محمد بن زياد شيا، وحضر مجلس ابى عبيد الله، فبلغ يوسف بن القاسم أن ذاكرا ذكره هناك بحضرة محمد بن زياد، فلم يرد عليه وكتب إليه: أبا أخى دون كلّ ذى ثقة ... يا باسق الفرع في ذرى يمن مالي اذا حرّكتك نائبة ... يرمضنى مرّها وتمرضني أو تنجلى عنك لا أرى غبنا ... ذاك ولا الثّقل منه يكربنى وكنت أيضا خرقا تقابلني ... بمثل فعلي تجرى على سنن حتى اذا نلت دولة صرفت ... وجهك صرف الحقود ذي الاحن مستمعا فيّ قول ذي ابن ... يصلق بى عينه ويثلبنى يطلق ما قال غير ممتعض ... كأن شتمى من واجب السنن من غير حق أضعت واجبه ... من حسن قول ومنظر حسن أحصرا منك أم عيبت به ... كيف، وأنت الخطيب ذو اللّسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 إنى أرى ذاك عند قدرك في ... نفسي وعينىّ ضربا من الغبن أهكذا كان فى الوفاء أبو ال ... حارث كعب أو كان ذو يزن أمنت من أن تعود عائدة ... من الليالي تردّ لي زمنى ثم أكون الذى يجازى بما ... أولى أو ينطوى على دخن فنلتقي والقلوب منكرة ... والودّ كالغيب غير مؤتمن كأنّ ما كان فارطا فمضى ... من ودّنا في القديم لم يكن ثم كان يوسف بن القاسم أقوم الناس بحوائج محمد بن زياد عند يحيى بن خالد أيام الرشيد، وأمر يحيى يدور عليه. قال أبو بكر: وكتب يوسف بن القاسم الى محمد بن زياد: حفظك الله وحاطك، رأيتك أكرمك الله فى خرجتك هذه، رغبت عن مواصلتنا بكتبك وابلاغنا خبرك، وقطعتنا قطع ذي السلوة، أو أخي الملة، حتى كأنك كنت إلى مفارقتنا مشتاقا، وإلى البعد منا تواقا. فوقع بعدك بحيث تحبّ من جهتين: احداهما حلاوة الولاية، والأخرى لذة الراحة منا، فان يكن ذلك كما رجوناه «1» قاطعناك مجملين، أو لبسناك على يقين. وان لم يكن إدلالا بهدية أعددتها لنا من ناحية عملك، فليس قدر الهدايا وان كثرت، ولا الفوائد وان جلّت؟ احتمال لوم الإخوان، اذ كانت الهدايا تراد لهم، والفوائد انما تنال بهم، والمباهاة بأعراض الدنيا يراد لخلطتهم. وما أدرى ما أقول في اختيارك ترك الكتب المحدّثة عن العتب بالاسرار المفهومة، حتى كأنها محادثة الحضور على تنائى الدور، والقلوب بها مشاهدة، وان كانت الابدان متباعدة، ولئن كذب فيك الرجاء لقديما عزّ الوفاء، وقد أصبتك من مرارة العتاب بما لا تقيم بعده على قطيعة ولا جفاء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ولا تتوهمن أنى أردت إعناتك بإعتابى، ولا أرزأ عليك بكتابى، فان وصلت فمشكور، وان قطعت فمعذور، والسلام. قال أبو بكر: حدّثنى عون بن محمد الكندى، قال حدّثنى أبو دعامة عن عيّاش مولى أبى الوفاء كاتب الديوان، قال: اختلت حال يوسف بن القاسم فأخطب إلى أبى الوفاء ابنته حمّادة فزوجها منه، وكتب الى يعقوب بن داود: قال عياش فقرأت رقعة له الى يعقوب بن داود: يا أيها المرجوّ للدّهر ... يا واحد البادين والحضر إنى فزعت اليك من زمن ... ما زال يزري بالفتي الحر ما أتلفت مالى مشعشعة ... في كأسها كتوقّد الجمر كلّا ولا زير ومسمعة ... تزهو ببهجتها على البدر لكننى أتلفته طلبا ... للمكرمات وصالح الذكر أتلفته وأفدت مكرمة ... موقوفة للحمد والشكر فوصله بصلة نفيسة. حدّثنا الحسن بن على الرازي قال: حدّثنا أحمد بن أبى فنن، قال: أمر يعقوب بن داود للشعراء بمال، ووقع إلى يوسف بن القاسم بدفعه اليهم- وهو يخلف أباه- فعجله لهم، وكانوا يصارفون فيه فلم يصارفهم، فركب يعقوب يوما ويوسف بن القاسم يسايره، فاعترضه الشعراء شاكرين له، وفيهم ابن؟؟؟ «1» والمستهلّ بن الكميت، وغيرهم فأنشده المستهل: يا سالكا قصد الطريق الواضح ... لا تخلط الجدّ بقول المازح ولا ترى تنفذ بالصحاصح ... والمرويات القفر والأباطح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 نعتا ولا في بازل وقارح ... وراكب في رحله كالجانح ولا ببعث سابح أو رائح ... ولا بد في الدّار غير بارح ولا بوصف رائح وسانح ... ونازح شاق فؤاد نازح وامدح فتى تزين مدح المادح ... نفس له ليست من الشحائح وليس عود نبعة بقادح ... يلقى العفاة منه غير كالح ذا نائل يملأ دلو الماتح ... فاز فأضحى وهو عين الرابح بيوسف بن القاسم المنافح ... حتف شباه كلّ جلس طامح فهو الفتى يضمر فى الجوانح ... ودا ونصحا لك غير رائح ويا مرجى لحلول الفادح ... قد فسح الرحمن خير فاسح فكن لمن يرجوك خير نافح قال أبو بكر: حدّثنا محمد بن سعيد، قال: حدّثنى سليمان بن أبى شيخ قال لما كانت الليلة التى توفى فيها موسى أخرج هرثمة بن أعين هارون الرشيد فأجلسه للخلافة فدعى هارون بيحيى بن خالد [بن برمك] وكانا محبوسين فى حجرة معا في الرّواق، وكان موسى قد عزم على [قتله وقتل هرون الرشيد] «1» في صبيحة تلك الليلة ليصفو الأمر لابنيه، فوجه يحيى بن خالد إلى يوسف بن القاسم، وكان صديقه يخلف أباه في كل شيء فأمر بانشاء الكتب بخلافة الرشيد فكتب فى ذلك بأحسن كتب، ثم أمر الناس فى غد، فأشفق يحيى أن يتكلم الرشيد فيقصر، فقال ليوسف: قم فكلم الناس، فقال: إن الله بمنه ولطفه من عليكم معاشر أهل [بيت نبيه بيت] الخلافة ومعدن الرسالة، واياكم أهل الطاعة من أنصار الدولة، وأعوان الدعوة فى نعمه التى لا تحصى بالعدد، ولا تنقضي أمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 الأبد، وأياديه التامة بان جمع ألفتكم وأعلى أمركم، وشدّ عضدكم، وأو هن عدوكم وأظهر كلمة الحق، وكنتم أولى بها وأهلها، فأعزكم الله وكان الله قويا عزيزا، وكنتم أنصار [رسول] الله «1» المرتضى، والذابين بسيفه «2» المنتضى، عن أهل بيت النبي المصطفى صلى الله عليه وعليهم وسلم. حتى استخرجها الله عز وجل من أيدي الظلمة «3» اللاعنين لأئمة الحق والعدل فأحاق الله بهم كيدهم، وان الله استأثر بخليفته موسى الهادي [الامام] وقبضه إليه طاهرا نقيا، وولّا كم بعده رشيدا مرضيا، أمير المؤمنين بكم رءوفا رحيما، من محسنكم قبولا، وعلى مسيئكم بالعطف عطوفا، وهو أمتعه الله بالنعمة، وحاط عليه ما استرعاه من أمر الأمة، وتولّاه مما تولى أولياءه، وأهل طاعته يعدكم من نفسه الرأفة بكم، والرحمة لكم، وقسم أعطياتكم فيكم عند استحقاقها، ويبذل لكم من الجائزة مما أفاء الله على الخلفاء مما فى بيوت الأموال ما يغوب عن رزق كذا وكذا شهرا. غير مقاصّ لكم بذلك فيما تستأنفون من أعطياتكم وحامل [باقى] ذلك عنهم لما كان أعد له من الذب عن حريمكم، ودفع مالعله «4» أن يحدث بالنواحي والاقطار من العصاة والمارقين إلى بيوت الأموال من عطائه الذي قسمه الله جل وعزله من هذا المال، وحقه من الخمس الذى أفاء الله على رسوله، حتى تعود الأموال إلى جمامها وكثرتها، والحالة التى كانت عليها، فجدّد والله حمدا وشكرا يوجبان لكم المزيد من إحسانه إليكم بما جدد لكم [من] رأى أمير المؤمنين وتفضل به عليكم فيه أيده الله بطاعته، وارغبوا إلى الله فى البقاء و [لكم به في] ادامة النعماء [لعلكم ترحمون وأعطوا صفقة أيمانكم وقوموا الى بيعتكم] وكونوا كما وصفكم حاطكم الله وحاط بكم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وأصلح بكم وأعلى أيديكم، وتولاكم بولاية عباده الصالحين. فأخذ البيعة وتفرق الناس، ولم يسمعوا غير كلامه. قال أبو بكر: وجدت بخط محمد بن عبد الله اليوسفى أن يوسف بن القاسم كان يخلف يحيى بن خالد على التوقيع في داره ودار أمير المؤمنين ويخلفه علي دواوين الازمة «1» فأمره يحيى بن خالد يوما بأمر، فقال بكّر به، فقال إن الكتاب لهم حوائج يقضونها، ثم يصيرون إلى الدار بعد أن يتغدون في منازلهم، ولا يبرحون الى الليل، فقال يحيى: اتخذ لهم مطبخا، وليكن غداؤهم فى دارى. ففعل ذلك وكان خدم يحيى ربما أخرجوا الكتب مختومة فلا يدفعونها إلى أصحابها إلّا بشيء يأخذونه، فشكا ذلك أبو القاسم إلى يحيى، فجعل الختم اليه فكان لا يلزم أحدا مؤنة. وليحيى يقول أبو القاسم بن يوسف: رفع الله بالخليفة يحيى ... وبيحيى كسا الخلافة نورا رجل ناصح أمين علي الملك ... يجيد التمييز والتدبيرا بسط الله بالعطايا يديه ... فحبا معدما وأغنى فقيرا ليس يبقى على الزمان سوى الذك ... ر فلا زلت بالندى مذكورا نصح الله والخليفة يحيى ... وبرفق منه يمشي الأمورا قال أبو بكر: حدّثنى الحسين بن يحيى الكاتب، قال: حدّثنى صالح بن معاوية عن أبيه، قال: زوّج يوسف بن القاسم ابنه احمد بابنة الحسن ابن سليمان ويعرف بالشيعى، وكان من كتاب البرامكة، فكتب إلى يحيى بن خالد: عرضت حاجة فكرهت أن أعدل بها عن الوزير فاحسه؟؟؟ «2» مع معرفتى بمحبته لربّ نعمته، والزيادة في صنيعته حظا، ولزمنى حقّ لا يمكن دفعه ولا تأخير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وهو نقد مهر عن أحمد إلي ابنة الحسن بن سليمان، فإن رأى الوزير أن يوقّع مع ما استحققته من أرزاقى بشهرين سلفا لشهرين فعل، فإنى أرجو أن أبلغ بذلك لعبده أحمد محبته، وأنال بغيته إن شاء الله. فوقع يحيى إليه: هذه فضيلة فى أوليائنا وحقوق في ضيافتنا، فنحن بالقيام منهما دونك حريون، وبحظ نقلها عن مالك جديرون، وقد أمرت لأحمد ما سألت من المال بمسئلتك فيه، وزيادة الضعف استظهارا منى له ومؤكدا وأمرت باستحقاقك لشهرين من مال السلطان أعزه الله ومثله صلة من مالي، وأنفذت اليك بذلك كله رقاعا بخطى إلى من يقبض ذلك منه، فأما السلف من مال السلطان فلا سبيل إليه، ولا أعرف جعفرا بتارك أحمد إليك ولا الينا كما لم يترك الفضل قاسما إن شاء الله، وفي أسفل الرقعة من شعر يحيى: عندي لمثلك احسان وتكرمة ... فثق بذلك منّى وابسط الأملا اعمل على ثقة إنى أنا رجل ... لا أمنع المرء موجودا إذا سألا وإن عندى لك الحسنى ونافلة ... بنصح غيبك اذ لم تبغ بى بدلا فكتب اليه يوسف بن القاسم: فهمت ما قلت فى برّي ومنزلتى ... ونصح غيبي وبسطي نحوك الأملا ولم أزل منك من أمرى على ثقة ... لا ابتغي بك ممن قد ترى بدلا بصدق وعدك اذ أسلفت عارفة ... وحسن عفوك عمن زاغ أو جهلا فبي وبابني وسم فى محبتكم ... كما تفرقت من نيرانها الإبلا فقد بسطتم لنا جاها بجاهكم ... وقد كفيتم ببذل العرف من بخلا لولاءكم كان جود الناس مشتبها ... لكن برعتم فأضحى جودكم مثلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 قال معاوية بن صالح: فلقينى من الغد القاسم منصرفا من عند الفضل بن يحيى فأعلمته ما كان بين أبيه، فقال: قد أمر لى الفضل لما بلغه خبر أبى وأحمد أخى بثلاثين ألف درهم، قلت: فما عزمت أن تعمل فيها؟ وأنا أقدّر أن يقول أشترى بها ضيعة فقال: أرفد بها أخى أحمد في عرسه، قلت: وان أخذها كلها قال: وإن أخذها كلها، قال: فلا بأس. وكتب يوسف بن القاسم عن الفضل بن يحيى في حاجة لرجل: فلان قد استغنى باصطناعك اياه عن تحريكي لك فأمره «1» ولأن الصنيعة حرمة المصطنع ووسيلته الى مصطنعه، سيما عند من يحسن الصنيعة ويستتمها، مستثبتا للشكر عليها والثناء الجميل بها، بسط الله بالخير يديك، ووصل به أسبابك، وأعانك عليه وجعلك من أهله. وشكى الى يوسف بن القاسم: أن رجلا من العلماء تكلم بكلمة جبريّة. وأن الرشيد انكرها فحضر في محفة وقال: يا أمير المؤمنين ان للعلم طغيانا كطغيان المال والملك. ولولا أن صاحبه يردع بما فيه من مدح العلم والتواضع لكان أشد سطوة به من ذى الملك ثم قال: انك إن تعثر بك الرجل تتقى ... وإن التى لا تتقى عثرة الفم فقال له الرشيد: يا يوسف، أتحضر الدار على هذه الحال. فقال يا أمير المؤمنين هذا محل منك يحامي عليه، وأمر من مدبر أمرك يسارع اليه. وقال يوما يوسف بن القاسم ليحيى بن خالد- فى شىء كان بينه وبين جعفر بن محمد بن الأشعث الخزاعى-: أعز الله الوزير ان الأريب يتجرع الغصة حتى ينال الفرصة، ويقرّ للصغار حتى يملك الانتصار. ووقع الى عامل: ان كنت منصفا من نفسك فلم تظلم لغيرك؟ وان ظلمت لغيرك فكيف تنتصف من نفسك؟! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 ومن شعره: توسطت من قومك الا كرمي ... ن توسط عود حواه لحاء وصاروا بجمعهم من ندا ... ك كأرض غذتها بنوء سماء قال أبو بكر: وجدت بخط ابراهيم بن شاهين. حدّثنى صالح بن محمد، قال. سأل يوسف بن القاسم القاضي أبا يوسف حاجة فتأخرت فكتب إليه. أيا قاضي قضاة الأرض طرّا ... ومن أضحى لأمتنا ربيعا أمن عدل وانصاف تراه ... فأقبل ما قضيت به جميعا بأن ابغى عليك شفيع ود ... وقد صيرت قصدك لي شفيعا فقضى حاجته ولم يؤخرها. وحدّثنى عون، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن يوسف يقول: نالت جدى يوسف إضاقة فكتب الى الفضل بن يحيى: ابا العباس دعوة مستميح ... لجودك فاز بالبيع الربيح وأنت كلاك ربك من أناس ... بجودهم علت أيدى المديح وقد قصدتك بى ثقة وودّ ... أحالانى على الأمل النجيح فوجّه اليه بثلاثين ألف درهم؛ كلّ بيت عشرة آلاف درهم، وكتب اليه: لو زدت في المقال لزدنا فى المال. حدّثنى الحسين بن يحيى قال: حدّثنا صالح بن معاوية بن صالح عن أبيه، قال: رأيت محمد بن زياد الحارثى يقتضى أبا القاسم حوائج له سأله عرضه لها على الرشيد، فقال له: انى أنتظر بها وقتا أرجو لك فيه رجوعها بمسرتك دون مساءتك، ثم كتب محمد بن زياد اليه في ذلك وكان صديقا [له] مدلّا عليه، فكان في كتابه: ولولا أنك وسمت حاجتي بالتأخير لجرت مجرى غيرها إما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 بنجاح واما بسراح. فوقّع فى كتابه يوسف بن القاسم: صدقت وتعدّيت، فأما صدقك ففي تأخيري، وأما تعديك ففي عذلي عليه، وانما طلبت وقتا أصادف منه فيه طيب نفس، وطلاقة وجه فيمكننى القول قبل عرض الحاجة في تقريظك بما لعله ان يميل إليك قلبه، وظننت أنى أخّرتها توانيا فتعديت، وكتب بعدها: إنى إذا ما صاحبي تعدّى ... في اللّوم والعذل علي جدّا لم أوله بالعذل عذلا قصدا ... ولم أبقّ فى احتمال جهدا فإن أبى الا التعدى عمدا ... أوسعته بالحلم منى صدا حتّى يرى وجه اختيارى سدا ... ويرجع الذمّ الى حمدا ثم قضى حوائجه، وكتب إليه: قد حقق الله رجاءنا فيما املنا، وأنجح طلبنا فيما ابتغينا، وخرج التوقيع بما أحببنا، والحمد لله على ذلك. وفي أسفل الرقعة: الرفق يمن وبعض الناس يحسبه ... عجزا وما العجز إلا الخرق والعجل والخرق يورث ريثا لانجاح له ... والرفق يحيابه للآمل الأمل وكتب الى ابنه احمد بن يوسف، وقد تأخر عنه أياما بسبب عرسه: فداك أبوك قد طال اشتياقى ... اليك فهل لنا يوما تلاقى أناجي الفكر فيك إذا خلونا ... بذكرك كي ينفس من خناقى وأبو القاسم يوسف بن القاسم يقول فى جاريته عتب: عبثت بذكر جارية ... فاغرانى بها العبث فتاة رخصة الاطرا ... ف منها العذل والخنث ولم أر قبل أن ملكت ... بهذا الشأن أكترث فصرت الآن مكتهلا ... أصبّ كأننى حدث قال أبو بكر: حدّثنا محمد بن موسى البربري، قال: حدّثنى سليمان بن أبى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 شيخ، قال: حدّثنا المشرف الكاتب، قال: اتخذ يوسف بن القاسم جارية فشغف بها، فليم على ذلك، فقال: زانها منظر وحسن حديث ... وغناء يلذّ فى الأسماع طفلة من نساء قيصر لم ... تغذ ببؤس ولم تزل فى ارتباع لم أزل مذ ملكتها طوع ما ... قالت وما كنت قبل بالمطواع ومن شعره فى عتب هذه: أضحى السّهاد له إلفا وما ظلما ... وأعربت أدمع كانت له عجما عن وجده بالذى قد كان يستره ... والحبّ ليس بخاف ما وإن كتما واستعبدته فتاة بعد كبرته ... بحبه فثوى عبدا وإن رغما فظلّ يبدي ويخفي من تحسره ... على الذي فات من ايامه ندما وعدّها مغنما لما أتاه بها ... جاري القضاء فألفى حربها سلما إن عدّ بالشكر للرّحمن أنعمه ... يعدّ نعمته فيها له نعما ووقع في رقعة رجل قد استماحه: قد أمرنا لك بشىء دون قدرك على الاجتهاد، وفوق كفايتك مع الاقتصاد ولما ولى الرشيد علىّ بن عيسي بن ماهان خراسان سأل الرشيد أشياء ثقلت عليه، فقال ليوسف: عرّفه مقدار ما فعلت به فإنى أظنه جهله، فوقع إليه: قد كفيناك بما وليناك، وخراسان تسعك ما وسعك عمر ووقع إلى بعض ولده: إذا لم يكن معروفك إلا عند من تعرف لم يجز معروفك رواق بيتك ووقع: من جور الدنيا أنها لا تعطي أحدا ما يستحق، إما أن تزيده وإما أن تنقصه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ووقع الى بعض ولده: اياك وصحبة فلان، وإن كان قريب النسب منك، فإنه بعيد الشبه بك، فقد يفسد على الإنسان بعض جسده فيقطعه، وهو اولى به وأقرب. وكتب في فصل آخر: حاصله ومؤخره وغير محتسبه، فأبقى الله لك ما أنت فيه، وحقق ظنك فيما ترجوه، وتفضل عليك بما لم تحتسب. ووقع: إنّ إساءة المحسن أن يكفّ عنك إحسانه، وإحسان المسيء أن يكفّ عنك إساءته، وابعد ما بينهما! ووقع الى رجل كذّبه في شيء: لو صوّر الصدق لكان أسدا، ولو صوّر الكذب لكان ثعلبا، وما صاحباهما ببعيدين من هاتين الصورتين. قال أبو بكر: وجدت بخط محمد بن عبد الله اليوسفى أن عباسا غلام أبى الوفاء جنى جناية خاف أبا القاسم يوسف فيها خوفا شديدا فتحمل عليه با بنيه القاسم وأحمد، وكتب في أمرهما «1» رقعة الى أبيهما القاسم فوقع في رقعتهما: لولا رعاية عباس وحرمته ... وقولكم لفجعناه بصحته وما انبرى بائعا بالجور بسطته ... ولم يخف سطو رب فوق سطوته قال الصولى: بائعا يعنى فاتحا يديه، كأنه يبوع ثوبا أو حبلا يقيسه بباعه وقد وهبنا لكم عدوى جريرته ... ان لم يعد بعدها فى مثل فعلته ومن يجز باغترار حدّ قدرته ... يكن صريعا وشيكا تحت غرته قال أبو بكر: حدّثنا محمد بن الفضل بن الأسود، قال: حدّثنا على بن محمد النوفلى قال: كان ليوسف أبى أحمد بن يوسف غلام أسود متأدب نشأ فى الأعراب، فتولع بجارية لبعض أهلنا، فشكاه اليه، فضربه وحبسه، وحلف ألا يطلقه إلا بعد شفاعة من شكاه فيه، فترك ذكر الجارية فقيل له: ويحك أتحبك الجارية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 كما تحبها فقال: كلانا سواء في الهوى غير أنها ... تجلد أحيانا ومابى تجلد تخاف وعيد الكاشحين وإنما ... جنونى عليها حين أنهى وأبعد فبلغ أبا القاسم يوسف شعره، فقال: وإن فيه لهذا الفضل! فركب من وقته إلى الرجل الذى شكاه- وكان قرشيا- فقال له: أسألك أن تبيعنى الجارية بأىّ ثمن شئت، فقال: ما أفعل حتى أعرف السبب في ذلك، فعرّفه خبره، وأنشده البيتين. فقال: أشهدك أنى قد وهبت الجارية له بشفاعتك وطلبتك، وأنا أعطي الله عهدا إن أخذت لها ثمنا أبدا، ووجه بالجارية معه. حدّثنى عون بن محمد، قال: حدّثنى عبد الله بن احمد بن يوسف عن أبيه، قال دعا يحيى بن خالد أبى فى مرضه الذى مات فيه فلما جلس عنده قال له: إنى لأرى من علة حالك أكثر من علة جسمك، ثم انصرف فحمل إليه أربعمائة ألف درهم، وكتب يذكر أنه لم يجد فى بيت ماله غيرها قال ومات أبى في مرضه ذلك، فما اقتسمنا في ميراثه عينا ولا ورقا غير هذه التى وصله بها يحيى. ومن شعر يوسف بن القاسم: هجرتك لما لم أجد فيك مسكة ... وصادفت منك الودّ غير قريب وما كنت أدري أنّ مثلك ينثنى ... على جنب خوّان الصديق مريب فراق أخ يعطي المودة حقّها ... أضرّ وانكي من فراق حبيب أخبار أبى محمد القاسم بن يوسف وشعره قال أبو بكر: وإنما بدأت به لأنه أسنّ من أبى جعفر احمد بن يوسف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وأكثر شعرا منه، وافصح فى شعره، وأشعر فى فنه الذي أعجبه من مراثى البهائم من جميع المحدثين، حتى إنه لرأس فيه متقدم جميع من نحاه، وما ينبغى أن يسقط شيء من شعره، لأنه كله مختار، وللناس فيه فائدة، ولا يوجد مجموعا كما نورده، وأنا أذكره على القوافى، وقال يرثى عنزا له سوداء: [ على قافية الالف ] عين بكىّ لعنزنا السوداء ... كالعروس الأدماء يوم الجلاء ذات لون كالعنبر الورد قد ع ... ل بما فاق «1» لون الطّلاء ذات روقين أملسين رقيقي ... ن وضرعين كالدّلاء الملاء ذات جيد ومقتلين كوح ... شية قفر من جاريات الظباء أذن سبطة وخدّ أسيل ... وابتسام عن واضحات نقاء ولبان رحب وذو فقر ... ركب فى جرم بكرة كوماء وثوان موثقات شداد ... فى اعتدال من خلقها واستواء فخمة عبلة مع العنف والر ... قة زينت ببهجة وبهاء فإذا شئت قلت ربة بيت ... ذات طفلين من خيار النساء وإذا شئت قلت ربة خدر ... فى حجور الحضّان والرّقباء أين لا أين. مثلها مصطفاة ... من صفايا الملوك والوزراء؟ أين لا أين مثلها مقتناة ... عند حالين شدة أو رخاء؟ أين لا أين مثلها لجميع ... أغنياء فى الناس أو فقراء؟ غذيت بالنّوى وبالكسب وال ... فت وخبز النّقى والحلواء ترفت بالماء المبرّد فى الصي ... ف وفى البرد أدفئت بالصّلاء وضربنا لها الحجال وو ... كلنا بها من حرائر وإماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 كلهم مشفق يفدّي من ال ... رقّة بالأمهات والآباء ربّ بعل زفت اليه من ال ... ليل تهادى فودا مع الوصفاء وهى لولا القياد عنه نفار «1» ... لعفاف أو عزة أو حياء لو يخلى عنها لصدّت عن ال ... بعل صدود الفتية العذراء قلّدت بالعهون والودع خوفا ... وحذارا من أعين الأعداء ثم لم ينجنا الحذار عليها ... إذ دهانا فيها حلول القضاء! أصبحت في الثرى رهينة رمس ... وثناها «2» حيّ لدى الأحياء! لست أنسى محاسن السوداء ما ... سقى الأرض صوب ماء السماء بوركت حفرة تضمنت السّو ... داء بل ضمّنت من السوداء كيف لى بالعزاء لا، كيف عنها ... سلبتنى السّوداء حسن العزاء من بنات العراب في الحسب الم ... حض وإحدى عقائل الخلفاء نعم أمّ العيال فى الحرّ وال ... قرّ إذا أعصفت رياح الشّتاء لا تشكّى جوعا وأن مسّها ال ... جوع وتدعو ذات المرآء بماء تحلب الدّرّة الغزيرة بال ... جرة مري الأكفّ غير عناء تملأ المحلبين طورين فى ال ... يوم صباحا طورا وجنح العشاء وتخال الشّحوب وقع الشآبي ... ب إذا ماقر عن قعر الإناء ولها صرّة درور كما ... درّ سحاب بديمة هطلاء كم صبوح وكم غبوق وقيل «3» ... قد سقتنا السوداء ملء الإناء كم شربنا محضا لها وضياحا «4» ... وحقينا «5» مخمّرا في السّقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ربّ جبن منها وزبد طرىّ ... قد جمعنا طريه لسلاء فاكلناه بالشّفاء «1» من ال ... نحل وبالنّرسيان «2» بعد الغداء ربّ جدى «3» قد اطعمتنا السويدا ... ء قديرا «4» وأعقبت لشواء وعناق «5» سمينة حمراء فى ... رضاع رىّ «6» وحسن غذاء وأصبنا من السويداء ما يق ... صر عنه تعداد ذي الإحصاء كم وكم أطعمت واروت سغابا ... وظماء فى طاعمين رواء «7» كنت غيثا حيا وكنت ربيعا ... لك طيب النّثا وحسن الثناء لو فدى الحيّ ميّتا لفدينا ... ك رخيصا إن كان أو بغلاء حبّذا أنت يا سويداء لو ت ... مت لنا فيك مطمعات الرّجاء أىّ حي يبقى فتبقى لنا ال ... سوداء هيهات مالنا من بقاء كيف يرجو البقاء سكان دار ... خلق الله أهلها للفناء ولهم بعدها معاد إلى دا ... ر خلود إقامة وجزاء قال أبو بكر: حدثنى ذكوان قال: ذكر شعر الكتّاب بحضرة ابراهيم بن العباس، فقال: أشعرهم عندي الذي مزحه أفصح وأحسن من جدّ الناس، القاسم بن يوسف. وكان جدّى عبد الله بن العباس يقول وبه تأدب إبراهيم وعنه اخذ، وكان أسنّ منه بنحو عشرين سنة-: اقتسم أبناء يوسف نثر الكلام ونظمه فتقدما الكتّاب فيهما يعني أحمد بن يوسف في النثر وأخاه القاسم في النظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وقال على قافية الباء حلفت بربّ الورى المعتلي ... على خلقه الطالب الغالب لأحمد خير بني غالب ... ومن بعده ابن أبى طالب فهذا النبيّ وهذا الوصىّ ... ويعتزل الناس فى جانب وقال ايضا في هذا المعنى- وكان جميل المذهب- أحد متكلمى الشيعة: أدرك الدّهر الذي طلبا ... واستردّ الدهر ما وهبا فكساك الدهر بهجته ... ثم حال الدهر فانقلبا وطوى الشيب الشباب فلم ... يبق من أسبابه سببا حنّكت سنّ وتجربة ... فهجرت اللهو واللّعبا وجفوت الغانيات فقد ... رثّ حبل الوصل وانقضبا ودّع اللّذّات والطربا ... قد أتاك الموت أو كربا أصبا بعد المشيب ولا ... عذر إمّا ذو المشيب صبا فامدح الهادي أبا حسن ... طالبا للأجر محتسبا لا يخاف المادحون له ... أن يقولوا الزّور والكذبا خير من صلى وصام ومن ... مسح الأركان والحجبا ووصيّ المصطفى وأخ ... دون ذى القربى وإن قربا وأمير المؤمنين به ... نأثر الأخبار والكتبا لا كقوم رتّبوا رتبا ... جعلوها بينهم عقبا أوجبوا حقا لأنفسهم ... وله الحقّ الذى وجبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 إنّ مولاكم أبا حسن ... أحرز الغايات والقصبا فتسمّيتم بإمرته ... فعل عاد جاذب سلبا وحلبتم درّ غيركم ... لا تهنّوا ذلك الحلبا ويل أم الظالمين غدا ... يوم يجزى المرء ما اكتسبا لعليّ في العلى درج ... رفعته فوقكم رتبا أوّل في الدين ذوقدم ... وله عز إذا انتسبا لم تخوّنه العروق ولا ... عبد الأوثان والنّصبا كم له من منقب حسن ... كان فيه الرّأس لا الذّنبا كم وكم خاض الغمار إلى ال ... موت حتى نفّس الكربا تابعا للحق منشعبا ... معه من حيث ما انشعبا خصّه ربى فصيّره ... لبني بنت النبىّ أبا وقال فى الشيب والزهد: ودّع شبابك قد علاك مشيب ... وكذاك كلّ معمّر سيشيب جازت سنوك الأربعين فأزعجت ... بله الشباب تجارب وخطوب ودعاك داع للرّشاد أجبته ... والى نداء الغى ليس تجيب فابك الشباب وما خلا من عهده ... أيام أنت إلى الحسان طروب يسبين لبك بالدّلال وتستبى ... ألبابهنّ فسالب وسليب طورا يسامحن الهوى ويطعنه ... ويصبن قلبك بالجوى وتصيب يخلطن معصية بحسن إجابة ... فلهنّ عندك أنعم وذنوب حتّام توضع فى البطالة والصبا ... عار بمثلك صبوة ومشيب رحل الشباب وحلّ شيب بعده ... فمضت لذاذات وصدّ حبيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 لهفي على عذر الشباب فانه ... يكفيك إذ غصن الشباب رطيب قد كان يجمع غدرة ولذاذة ... إذ ثوبه ضاف عليك قشيب فرمته داهية الزمان بأسهم ... ونضت شروق لبسه وغروب ما شئت فاحي بمدحه لا بدّ من ... غم ونائبة عليك تنوب ما بعد شيبك غير لومك فاتخذ ... زادا لنفسك فالرحيل قريب ما هذه الدّنيا بدار إقامة ... لا توطننّ بها وأنت غريب خلت القرون فما يحسّ قريب ... منهم وقصد سبيلهم مركوب أين الألى أهل السيادة والنهى ... والمطعمون وما تدرّ حلوب؟ أنحى الزّمان عليهم بشعاره ... وسقتهم كأس المنون شعوب وغدا جزاء سعادة أو شقوة ... أفلا ينيب الى الرشاد منيب؟! والمرء ....... «1» موفى سعيه ... صكّ عليه بفعله مكتوب طال العمى والجهل اذ غلب الهوى ... ان الهوى لذوي الحجا لغلوب والموت يغتال النفوس ولم يزل ... للموت راع للنفوس طلوب ما نحن إلا كالبهائم رتعا ... حتى يتاح لها الرّدى المجلوب [وقال أيضا] «2» كلّ امرىء.. «3» .. يرقبه ... لا شيء عن ميتته يحجبه وكلنا وارد حوض الردى ... يذوقه الذائق لو يشربه قد ورد الأوّل منها ول ... لآخر فينا سائق ينعبه أيّ امرىء أعجز من هارب ... حيران فى قبضة من يطلبه أو مذنب مستيقن أبه ... محاسب يوما بما يذنبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ينسى مدى الذنب على علمه ... أن عليه حافظا يكتبه همّته فى نائل قلما ... يمتعه أو قلّما يصحبه تكذبه النفس أحاديثها ... وحادثات الدهر لا تكذبه كم خطر الدّهر على معشر ... يجرّ ذيل الشرّ أو يسحبه من بعد ما أغمرهم نعمة ... عاد على عامرهم يخربه يريش قوما ثمّ يبريهم ... والعاتب الساخط لا يعتبه نذمّ دنيانا وقد أفصحت ... بمنطق عن نفسها تعربه ما تهب الدّنيا لأبنائها ... من ملبس فهى غدا تسلبه والحمد والأجر معا خير ما ... يدخر الانسان أو يكسبه فأنفق المال على حبّه ... للغرض الأقصى الّذى تطلبه قد يبخل المرء على نفسه ... ويجمع المال لمن ينهبه فتب الى الله متاب امرىء ... اليه مما قد جني مهربه فإنما الواصل سبل الهدى ... من يهجر الذّنب ولا يقربه ما من يرى في ذنبه عائدا ... كأنه في لعب يلعبه فاجدد فإن الأمر جدّ ولا ... تنه عن الذّنب الّذي تركبه جدّ الفتى يعقبه راحة ... والعجز يوما ندم «1» يعقبه والزّاهد العالم من لم يكن ... تخدعه الدّنيا ولا تخلبه والحلم أن يغضي عن شاتم ... حتى كأنّ الشتم لا يغضبه والصبر ألّا يشتكى جائحا ... يجوحه أو ناكبا ينكبه حسبك من إبلاغ ذى منطق ... فى حاجة مقدار ما يحسبه «2» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وإنما المرء بأخلاقه لم ... يغن عنه عندهم منصبه فاحسن الخلق ولا تحمل ال ... ناس على مستصعب مركبه وقال يشكو البق والبراغيث والقرقس: «1» قد منينا بهنات ... هنّ من شرّ الهنات نافرات آمرات ... قلقات مقلقات سافكات لدماء ال ... نّاس منها شاربات معنا في الفرش وال ... قمص علينا واثبات بين محتكّ وفال ... ثوبه في الفاليات وجوار محرّكات ... لمتاع نافضات باسطات باحثات ... صائدات قاتلات تخضب الإصبع وال ... ثوب دما من داميات ثمّ لا يخرجه ال ... غسل بماء الرّاحضات ومنينا بهنات ... واقعات طائرات جارحات داخلات ... مسهرات ساهرات زامرات لك بال ... تسهيد فى وقت السّبات من لحوم فى دماء ... واردات شارعات بخراطيم مد ... لّاة طوال جارحات ظعنها أنفذ فى ال ... أبدان من طعن الكماة كم لها في الجسم من ... آثار سوء فاحشات وكلوم مؤلمات ... وندوب قرحات ولديغ لاطم ... وجها طلوب للترّات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فنصيب الفذّ منها ... بعد ألف فائتات نازلات صاعدات ... باديات عاريات ومنينا بصغار ... لابسات آثرات بجلود لاصقات ... عن قلوب ثاقبات «1» بالغات حيث لا ... تبلغ أيدي اللّامسات لا ولا يدركها لح ... ظ عيون الناظرات وقال يرثى هرة ألا قل لمخة «2» أو مارده ... تعزّوا عن الهرة الصائده عسى أن تدور صروف الزما ... ن بحسن الخلافة والفائده وإن رحلت عنكم نعمة ... ففى غدكم نعمة وافده يقولون كانت لنا هرّة ... مرببة عندنا تالده لها قنص كاقتناص الفهو ... د واثبة فيه أو لابده ترى الفار من خوفها خشعا ... جواحر وهي لهم راصده فإن أطلعت رأسها فأرة ... فليست إلي جحرها عائده كأنّ المنية في كفها ... إذا أقبلت نحوها قاصده ورقطاء تمشى على بطنها ... وسوداء شامذة عاقده «3» ودبّابة من ذوات القرو ... ن حسراء مفسدة فاسده تقبضهن يد ثقفة ... ولست ترى عندها جاسده وحارسة الدار كرارة ... عن القرن مطرودة طارده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وصياحة من ظهور السطو ... ح أرنان معولة فاقده ولم تك إذ رقد الراقدا ... ت فى ظلم الليل بالّراقده إذا مادجى ليلها خلتها ... على الرّصف نازلة صاعده وإن أصبحت فهي جوّالة ... كغائبة يومها شاهده كخدّام صدق لأربابها ... فقائمة تارّة قاعده وتحضر عند حضور الطعّا ... م فتلقى لها كسر المائده وتشهدنا عند وقت الص ... لاة في الليلة القرّة البارده وكنا بصحبتها حامدي ... ن وكانت بصحبتها «1» حامده فعنّ لها عارض للرّدى ... فأمست بتربتها هامده وأصبحت الفأر فى دورنا ... أوامن صادرة وارده تخرّب حيطاننا بالنقو ... ب وتقرض أثوابنا جاهده وتأكل من خزن الخازنا ... ت إذا هجدت أعين هاجده وحرف الرغيف وفضل الصوي ... ق «2» وما قطع الجبن بالكاسده وتشرب دهن قواريرنا ... بأذنابها حيل الكائده وتسرق زيت مصابيحنا ... كما تسرق اللصّة المارده لها في السقوف كعدو الجيا ... د جاءت لغايتها عامده توالدن حتى ملأن البيو ... ت وكنّ أقلّ من الواحده فلا زرع الله مولودها ... ولا بارك الله في الوالده وقال فى الغزل: وحارس غفلة حرّاسه ... فالنوم عن عينيه مطرود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 زارك تسترجف أحشاؤه ... من وجل والقلب معمود كأنه قد ضلّ في قفرة ... عليه باب القصد مسدود كأنه ظبي على رقبة ... تشتبه المقلة والجيد فلم تكن بينكما ريبة ... وكان قول ومواعيد ثم انكقى عنك بحاجاته ... ومئزر العفة مشدود مالك من ذكر الهوى والصبا ... إلا تباريح وتسهيد قد كدّر اللهو وأيامه ... حلم على جهلك مردود وقال أيضا: أشاقك طائر غرد ... فدمع العين مطرد وفي الأحشاء من لذع ال ... صبابة جمرة تقد أئن سجعت حمامة أي ... كة أبديت ما تجد فآب الحزن والكمد ... ولا حلم ولا رشد وقد أدركت معتبرا ... وطال بعمرك الأبد وهل يصبو اللبيب إلى ال ... صبا ولولده ولد وقد أشفى على الحدثا ... ن أو نالته منه يد فإن جازت منيته ... مدى يوم له فغد له عدد توافيه ال ... وفاة إذا وفا العدد ويوم البعث يجمعهم ... لديه الواحد الصمد وتقوى الله منجاة ... ووعد الحقّ ما يعد وحبّ المصطفى ومو ... دة القربى لنا سند وكهف نستجير به ... ومعتمد ومعتقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وقال يشكو النمل والفار وغير ذلك: خراب الدّور عامرها ... فواقعها وطائرها لنا جارات سوء مؤ ... ذيات من يجاورها حوارث «1» غير زارعة ... إذا انتشرت عساكرها كتعبية الكتائب حي ... ن تلقى من يغاورها فمقتول ومأسور ... إذا خربت مشاعرها وإن قطرت فآبال «2» ... يقومها تقاطرها كقدح النبع أوّلها ... وسلك النظم آخرها كما سطر المهارق من ... ذوى الأقلام حابرها فحبشان أصاغرها ... وحمران أكابرها دقيقات قوائمها ... لطيفات خواصرها رفيعات مقادمها ... نبيلات «3» مواخرها كخيل السبق فى المضما ... ر تهديها جواحرها بها في زرق مضرو ... ب من الأمثال سائرها وجارات لنا أخر ... عفايفها عواهرها فقيرات وقيرات ... فلاسدّ «4» مفاقرها فما حسن يعدّ لها ... اذا عدت مآثرها فويسقة وسارقة ... وناقبة توازرها ويسرى فى طعام الأه ... ل منجدها وغائرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 فلا باليمن واردها ... ولا بالحفظ صادرها وفى الجارات حيّات ... تساور من يساورها كبسط الحبل بسطتها ... ودور الترس دائرها يعد الخمس ذارعها ... وضعف الخمس شابرها وفيها من خشاش الأر ... ض مؤذيها وضائرها فأما الطير إن وصفت ... فأخبشها عصافرها كانّ معاول الحد ... اد توعيها مناقرها إذا قرعت بها سقفا ... تبوأ فيه واكرها تجاورها خطاطيف ... تخالطها زرازرها وورشان تعارفها ... واحيانا تناكرها ففيها من صنوف الطي ... ر آنسها وواكرها يبيت الشوك ناثرها ... ويلقى البيض كاسرها وتملأ دورنا ريشا ... ألا شلت عواشرها وكناس مكنسة «1» ... مديما ما يغادرها فقد خربت عوامرها ... وقد فتحت مناظرها أعاليها وأسفلها ... وباطنها وظاهرها وقال يرثى الشاه مرح «2» : اوحشت منك أبا ... سعد عراص وديار فجعتنا بك أق ... دار لها فينا الخيار لم يكن يدفعها ال ... إشفاق منا والحذار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 عثر الدّهر بنا ... فيك وللدّهر عثار ضامنا الدهر فما ... كان لنا منه انتصار قرحت بعدك أك ... باد من الوجد حرار وتولت بك أيام من العيش قصار ... وبكى يومك أه لون وجارات وجار ... حاز اركانهم بع دك وهن وانكسار ... وخلا الأعداء بال دّور فعاثوا وأغاروا ... خنفساوات وح يّات وجرذان وفار ... ولقد كان لهم منك هوان وصغار ... يا أبا سعد فلا تبعد وإن شطّ المزار ... وسقى حفرتك ال غيث وجادتها القطار ... كنت كهلا لك إخ بات وسمت ووقار ... فاذا أخطبك ال صّيد فسبق وبدار ... واذا لم يمكن ال شدّ فختل واغترار ... ليس ينجي هاربا منك كمون وانجحار ... كل يوم لك غزو فى عدوّ ومغار ... كان إمّا شمرت عن ساقها الحرب الجبار ... ليث غاب فيه لل أقران حكم واقتسار ... يتمتطى الليل إذا أظلم والنوم غرار ... قلقا يحفزه حزم وجدّ واشتمار ... غير ما وان اذا ما قرّ بالسارى قرار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فإذا حلّ بقوم ... فبهم حلّ البوار وبه توقد نار ... وبه تخمد نار وبه يدرك ثار ... وبه يحمى الذّمار ملك الطير له ... فيها سناء وافتخار خلصت منها له ... أعراق صدق ونجار كان في صورته ... لون بياض واصفرار كان في المنقار وال ... ساق اصفرار واحمرار كان في الهامة تل ... ميم وفي الرّجل انتشار مكتس ما فوق ساق ... شمّرت عنها الإزار أيها القائل خير ال ... قول قصد واختصار انما الدّنيا متاع ... وإلى الله المجار وسيبلى «1» كلّ شيء ... مرّ ليل ونهار وطروق للمنايا ... ورواح وابتكار كم رأينا عبرا ... فيها لذى اللبّ اعتبار وقال أيضا: مالك فى الجهل من عذير ... وقد توسّمت بالقتير خلت ثلاثون بعد سبع ... وتابعات من الشهور قد طاب عيش لذي قنوع ... يرضى من الرّزق باليسير ربّ فقير غنى نفس ... وذي غنى بائس فقير وخافض في ظلال عيش ... وكادح رازح حسير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 أما ترى الدهر ليس يرعى ... على صغير ولا كبير تبدوله في الورى عظات ... فى النفس والأهل والعشير كم لك يا دهر من أسير ... ومن صريع ومن عفير كم لك بالرّغم من طروق ... ومن رواح ومن بكور كم خرّق الدهر من جديد ... وقلّل الدّهر من كثير يا ساكن الدّور عن قليل ... تصير من ساكنى القبور يومك هذا على مهاد ... ثم غدا راكب السرير رهن ضريح لدى صفيح ... كسته ريح ثياب مور منفردا نازحا غريبا ... غير معود ولا مزور قرب مزار وبعد دار ... ولا تلاق إلى النشور! وقال أيضا: ذكرت شيب العذارين نوار ... ليس بالمنكر أن شاب العذار أخلق العمر فأبلى جدّة ... اخذت منها الليالى والنهار حدث لا يطلب الدّهر به ... ويد الدّهر وما تجني جبار يا فتاة الحىّ ما أنت غدا ... بفتاة فعزاء واصطبار ليس فيما يفعل الدّهر اختيار ... لا ولا في حادثات الدّهر عار سل ديار الحىّ عن ساكنها ... إن أجابتك عن الحىّ الدّيار أين مالت بهم وجهتهم ... أنجدوا أم يمموا الغور فغاروا ليت شعرى هل يعودنّ الجوار ... بعد أن شطّ بهم عنك المزار أرشد الأمر عفاف وتقى ... والألاهىّ ضلال وخسار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 أيها السائل عن خير الورى ... خير من تحت السموات نزار وقريش ذروة المجد وفي ... هاشم أرست فمثوى وقرار مغرس طالب فأثرى محتدا ... واستطال الفرع والعود نضار هاشم فخر قصيّ كلها ... أين تيم وعدّي والفخار؟ لهم أيد طوال في العلى ... ولمن ساماهم أيد قصار لهم الوحى وفيهم بعده ... آمر الحقّ وفى الحق منار وهم أولى بأرحامهم ... فى كتاب الله إن كان اعتبار ما بعيد كقريب نسبا ... لا ولا يعدل بالطرف الحمار إنما تجرى على أحسابها ... عتق الخيل وللغير الغبار ليس من أخره السعى كمن ... قدّم الله ولله الخيار ما الموالي كمواليهم وان ... أنبت الدهر لهم ريشا فطاروا خسر الآخذ ما ليس له ... عمد عين والشريك المستشار ولفيف ألّفوا بينهم ... بيعة فيها اختلاط وانتشار ورسول الله لم يدفن فما ... شغل القوم اغتمام وانتظار كان منهم قبل آل المصطفى ... أن يلوا الأمر حذار ونفار زعموا ............... ..... «1» قد خبت ناركم وارتفعت ... لسنا آل رسول الله نار دولة دار بها الدّهر الى ... معدن الحق فما فيها انبتار دولة ينصرها الله وهل ... لذوي البغى من الله انتصار ان في الدين لكم مولى وما ... عنكم للمرء ان طال مطار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وبكم يرضى عن الدّنيا فان ... أسخطتكم فعلى الدّنيا الدبار وقال يرثى الحسين بن على عليهما السلام: سلم على قبر الحسين وقل له ... صلى الاله عليك من قبر وسقاك صوب الغاديات ولا ... زالت عليك روائح تسري يابن النبي وخير أمته ... بعد النبي مقال ذى خبر اصبحت مغتربا بمختلف ... للرامسات وواكف القطر ونأيت عن دار الأحبة واس ... توطنت دار البعد والقفر بل جنة الفردوس يسكنها ... جار النبي ورهبطه الزّهر ماذا تحمل مل .......... ... ........ والأعباء والوزر «1» خرجوا من الاسلام ضاحية ... واستبدلوا بدلا من الكفر كتبوا اليك وأرسلوا رسلا ... تترى بما وعدوا من النصر أعطوك بيعتهم وموثقهم ... بالله بين الركن والحجر حتى اذا أصرخت دعوتهم ... طلبا لوجه الله والأجر وخرجت محتسبا لتحيي ما ... قدمات من سنن الهدى الدّثر ختروا مواثقهم وعهدهم ... لا يرهبون عواقب الختر «2» ركنوا الى الدّنيا فلم يئلوا ... منها الى حظ ولا وفر جعلوا سمية منكم خلفا ... وبني أمية حاملي الإصر قتلوك واتخذوهم سترا ... ما دون علم الله من ستر فأبادهم سيف الفناء بأي ... دى الطالبين بذلك الوتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 يجدون بالمرصاد ربهم ... بعدا لأهل النكث والغدر أبنى سمية أنتم نفر ... ولد البغايا غير ما نكر قلتم عبيد لا نقرّ به ... ونقرّ بالعياب والعهر منكم بشطّ الزاب مجترز ... للغاسلات العبس والبسر ولكم مصارع مثل مصرعه ... ما حنّ ذو وكر إلى وكر وبنو أمية سومروا تلفا ... بالمشرفية والقنا السمر هشموا بهاشمة وحاق بهم ... ما قدّموا من سىء المكر ولهم فلا فوت ولا عجل ... أمثالها فى غابر الدّهر في محكمات الذكر لعنهم ... فيها «1» روى العلماء من ذكر منهم معاوية اللعين ومر ... وان الظّنين وشارب الخمر والأبتر السّهميّ رابعهم ... عمرو وكلّ الشرّ فى عمرو انى لأرجو أن تنالهم ... منى يد تشفى جوى الصّدر بالقائم المهدىّ إن عجلا ... أو آجلا ان مدّ فى العمر أو ينقضي من دونه أجل ... فالله أولى فيه بالعذر ولكل عبد غيب نيته ... في الخير إما كان والشر ما تنقضى حسرات ذى ورع ... ودم الحسين على الثرى يجرى ودماء اخوته وشيعته ... مستلحمين بشاطىء النهر خذلوا وقلّ هناك ناصرهم ... واستعصموا بالله والصبر متقدّمين على بصائرهم ... لا ينكصون لروعة الذّعر تغشى مناياهم وجوههم ... قبلا ولا يؤتون من دبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 يأبون أن يعطوا الدّنية أو ... يرضوا مهادنة على قسر البرّ ذخرهم وكنزهم ... خير الكنوز وأفضل الذّخر آل الرّسول وسرّ أسرته ... الطّاهرون لطيّب طهر حلوا من الشرف اليفاع على ... علياء بين الغفر والنسر فابك الحسين بمضمر قرح ... وابك الحسين بمدمع غزر حقّ البكاء له وحقّ له ... حسن الثناء وطيب النشر لا يبلغ المثنى مداه ولا ... يحوى المديح مقالة المطرى مأوى اليتامى والأرامل وال ... أضياف في اللزبات والعسر لا مانعا حق الصدّيق ولا ... يخفي عليه مبيت ذي الفقر كم سائل أعطى وذى عدم ... أغنى وعان فكّ من أسر وتخال فى الظلماء سنته ... قمرا توسط ليلة البدر لا تنطق العوراء حضرته ... عف يعاف مقالة الهجر ومبرّأ من كلّ فاحشة ... برّ السريرة طاهر الجهر وقال أيضا: وملاحظ بالطّرف يرقب واشيا ... ألقى عليه الحسن منه قناعا نظرت إليك بشرّة لحظاته ... وخشين لحظا فارتددن سراعا لولا مراقبة الإله لسمته ... سوم المسامح في التقى فأطاعا وقال أيضا: يا طول ليل بت ترقبه ... حتى بدا للعين مشرقه أرقا نفت عنك الكرى ذكر ... منها يشيب عليه مفرقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 والجرم لا ينفك صاحبه ... حذرا له همّ يؤرّقه يتنازع الإتعاب راحته ... ويهيج ساكتنه فيقلقه فيرى عواقبه بمبصرة ... ترخى الخناق له وتطلقه والعجز مرتبط بعاجلة ... وسواتر المكروه تلحقه والصمت يستر عيب صاحبه ... ولربما أرداه منطقه يا ربّ دهر قد نعمت به ... ألقى القياد إليك موثقه حتى ذوى غصن الشباب به ... ورأى المشيب فخفّ مورقه والمرء لاهى القلب عن غده ... والدّهر بالأحداث يرمقه ومطامع الآمال تكذبه ... وحوادث الأيّام تصدقه وقال أيضا: ظربت وشاقتك البروق اللوامع ... بأكناف مرو والهوى بك نازع تحنّ إلى أهل العراق ودونهم ... بساط من الغبراء للرّكب واسع ومجهولة قفر يحاربها القطا ... وشاهقة وعر وبيد بلاقع أقول وأشطان النوى قد تقاذفت ... بنا والمهارى خاشعات خواضع كفى حزنا أن الأحبة جيرة ... وأنت غريب نازح الدّار شاسع هل الشمل من بعد التفرّق جامع ... وهل عيشنا بعد التولى مراجع نعم عقب الأيام تسهل بالفتى ... وإن وعرت يوما عليه المطالع فسام العلي لا تقعدن خيفة الردى ... فإنّ قضاء الله لا بدّ واقع ومثلك لم يرض الهوينا ولم يقم ... علي العجز تزجيه المنى وهو وداع حرام عليك الخفض إلّا مع الغنى ... أو العذر أنّ الله معط ومانع سأطلب بالإجمال ما أنا طالب ... وإنى إذا ما ضاق رزق لقانع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ولم تدننى والحمد لله فاقة ... إلى طمع تدعو إليه المطامع ولا ضرعت نفسي لشيء أناله ... وبعض الرّجال خاشع متضارع أمصّ ثمادي والبحار غزيرة ... لئلّا يرى عندى لقوم صنائع ولم يتعبّدنى اللئام بمنة ... ولا أنا للشيء الذى فات تابع وإنى لأستغني فما أبطر الغنى ... وما المال إلا عارة وودائع وقد علم الإخوان أنى أخوهم ... اذا كان فيهم جفوة وتقاطع وكم ملك قد خصّنى بكرامة ... حفظت عليه أمره وهو ضائع رأى أنّ لى عند الصنيعة موضعا ... كذاك لها عند الكرام مواضع أبى الله لى إلا علوّا ورفعة ... وليس لما لم يرفع الله رافع ألا أيها اللاهى وقد شاب رأسه ... ألّما يزعك الشيب والشيب وازع «1» أنصبو وقد ناهزت خمسين حجة ... كأنك غرّ أو كأنك يافع حذار من الأيام لا تأمننها ... فتخدعك الأيام وهى خوادع ولا تغتبط منها بعاجل فرحة ... لك الترحات بعدها والفجائع أتأمن خيلا لا تزال مغيرة ... لها كل يوم في أناس وقائع وتأمل طول العمر عند نفاده «2» ... وبالرأس وسم للمنية لامع يرحى الفتى والموت دون رجائه ... ويسرى له ساري الرّدى وهو هاجع ترحل من الدّنيا بزاد من التقى ... فإنك مجزى بما أنت صانع وقال يرثى اخاه احمد بن يوسف رماك الدّهر بالخطب الجليل ... فعزّ النفس بالصبر الجميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فإنّ الدّهر بالحدثان رهن ... وكل سالك قصد السبيل وإنّ الدّهر طلّاب دروك ... وسبّاق بأوتار الذّحول وانّ الدّهر لا يبقى عزيزا ... ولا تنبو يداه من الذليل فانّ الدّهر لا عتبى عليه ... وليس يقيل عثرة مستقيل عزاءك قد جدا بأخيك حاد ... وناداه المنادي بالرّحيل ومالك بعد أحمد من عزاء ... ومالك بعد أحمد من ذهول فكيف عزاء ذى قلب قريح ... من الفجعات والحزن الطويل أترجو سلوة وأخوك ثاو ... ببطن الأرض تحت ثرى مهيل تبوأ منزلا فى دار قفر ... بمدرجة السوافي والسيول رأيت السفر غابوا ثم آبوا ... وغبت فلا إياب لذى القفول وبات الرّكب أو قالوا فراحوا ... وكم لك من مبيت أو مقيل تحلة نازح شطت نواه ... وأوطن للإقامة والحلول ألا ابك أخاك بالدّمع الهمول ... لعلّ الدّمع يبرد من غليل يروّح عنك من كمد ووجد ... كثكلى تستريح إلى العويل ومثل أخيك فلتبك البواكي ... لمهمهة تلبّس بالعقول فيفرج لبسها حتى تجلى ... برحب الذّرع والرّأي الأصيل زعيم القوم في جدّ وهزل ... بحسن فكاهة وصواب قيل فتى سهل الخليقة والمحيّا ... يعاف ويجتوي خلق البخيل إذا استطمرت راحته فدفق ... سواكبها بغيث حيا هطول على الحالين من يسر وعسر ... إذا ضن الخليل عن «1» الخليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 ربيع المعتفين إذا استهلت ... شهور القرّفى الزّمن القحول ثمال للأرامل واليتامى ... وللجار المجاور والدّخيل حفي بالأرقاب والأدانى ... كفعل الوالد البر الوصول يضمهم إلى كنف رحيب ... ويؤويهم الى ظل ظليل ويقبل منهم الحسنى ويعفو ... عن السوأى لدى جهل الجهول ويحمل كلهم والثقل عنهم ... فتى غير السئوم ولا الملول وأضحوا بعده أسفا عليه ... كموجعة مفجعة ثكول أرى الدّنيا تطلع نجم سعد ... وينحسه بمهبطه الأفول فكم قرن أبادت بعد قرن ... وجيل أهلكت من بعد جيل وإما أخطأتك يد المنايا ... فمخطيها مصيبك عن قليل وقال أيضا: قفا صاحبيّ نحىّ الطلل ... وربعا مخيلا بجرع الرّجل ورسما لليلى بذات الطلوح ... كسفر اليهودي أو كالخلل ألث به كل غيث.. «1» .. ... فطورا يرد وطورا يبل اذا استنطقته الصبا والجنوب ... تنوح مرتجزا واستهل يضيء سنا برقه ساطعا ... كأنك أضرمت فيه الشعل أيا ربع ليلى محاه البلى ... وأخنى عليه زمان جبل «2» ونالته من دهره دولة ... وللدهر عثر بطرق الدّول وبدل بالإنس وحش الفلا ... فبئس بديلا ونعم البدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 فاضحت معارفه طمسا ... سوى تالد وثلاث مثل مطايا رواكد فى منزل ... تطيل الثوى ولا ترتحل وملعب ولدانه بالأصيل ... وأشعث كالراهب المبتهل أيا ربع ليلى عليك السلا ... م عن غير مقليّة أو ملل ويا ربع ليلى لئن هجت لي ... غليلا لقد كنت تروي الغلل أمن بعد ستين حرمتها ... وخمس وسادسها إن كمل يضيء القريض بنار النسي ... ب والرأس من شيبه مشتعل فتب نازعا وأنب راجعا ... الى الله ذى الخير ربّ الأجل وأدّ فرائضه الواجبا ... ت ونافلة الخير خير النفل ولا تحرمن أخا سائلا ... لعلك تسأله ما سأل فانّ الزمان كفىء الظلال ... زالت به شمسه فانتقل ولا تحتلب عاجلا علة ... فإن البخيل كثير العلل إذا ما سألت نوال البخي ... ل يحتجّ منقبضا أو سعل ووجه الكريم بسيط الأدي ... م طليق ضحوك اذا ما سئل فلا تخصبنّ وذو حاجة ... يبيت حذاك جديب المحل ولا تجهلن على صاحب ... يد الدّهر واحلم إذا ما جهل تطلب له العذر فى ذنبه ... وقل فيه إن لم تجده لعل تأنّ ولا تعجلن فى الخطى ... فان العجول كثير الزلل ولا تعذلن على ذلة ... صديقا إذا فات وقت العذل كأنك تطلب تعنيفه ... وتبكيته بالّذى قد فعل فان خفت عودة أمثالها ... فعرّض بموعظة أو مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 فبعض الملام يذلّ الرجال ... وذو العقل ينكر أن يستذل أرى الناس إخوان أهل الغنى ... وليس يراعون حقّ المقل توقّ غوامض قصد السبي ... ل فواضحة الطرق أهدى السبل وصون المروءة صون الوجوه ... فصن حرّ وجهك ان يبتذل ولا تسأل الناس إفضالهم ... فتهتك أستارهم عن بخل وان كنت لا بسهم فلطوهم ... على دخن فيهم او دخل وإلّا فعش غير ما صاحب ... فقد فسد الناس إلّا الأقل تلقّ الأمور بأقرانها ... معدّا لها قبل وقت العمل ونجح الصّريمة إبرامها ... إذا وقف الأمر وان وكل تشكك لا جازما عازما ... ولا مصدر الورد يوم النّهل إذا آيسوك فلا تقنط ... ن فللدهر عقد وللدّهر حل توقّع إذا كنت في غمة ... وذى وجل ان يزول الوجل فكلّ انسداد له فرجة ... وان عظم الخطب فيه وجل مع الرغبة الحرص والحرص فى ... مكاسب دنياك لؤم وذل أضرّ الأمور بنا ما يخ ... ف علينا وأنفعه ما يقل فربّت معسولة مرّة ... ومرّة أمر جناها عسل أطعنا الهوى وعصينا النهى ... وكل هوى النفس مرد مضل سنثكل أبناءنا أو يكو ... ن بنالهم دون ذاك الثكل فانفسنا غرض للرّدى ... بنات المنايا به تنتضل ومن تخطه عاجلات الخطو ... ب لا تخطه آجلات الأجل فقدّم ذخائرك الصالحا ... ت ولا يلهينّك طول الأمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وقل بفارس يتشوق العراق: ألاهل الى ورد العراق سبيل ... بحيث الأخلاء الجميع حلول تقطعت الاسباب إلا تحية ... على النأي يهديها اليك رسول وقلّ غناء عن أخى الشوق والهوى ... صحائف لا يشفى بهن غليل على أن فيها متعة وتعلة ... يراح لها ذو لوعة وخليل تبدلت من بغداد شيراز منزلا ... بلاد وعور ما بهن سهول على سعفات من بلاد شوامخ ... وأهل على شطّ الفرات نزول بارض دماث بين قصر وجنة ... تفجر فيها أعين وسيول إذا مارآها ناظر حار طرفه ... فردّ إليه الطرف وهو كليل بها زهرة الدّنيا وللدّين زهرة ... ومكتسب للطالبين جميل وإخوان صدق من ربيعة فى الذرى ... شباب كرام سادة وكهول ومن مضر الحمراء طابت فروعهم ... وطابت لهم قبل الفروع أصول ومن سرّ قحطان نمت بهم العلى ... اذا وضع القوم اللئام خمول أولئك خلان وأهل وجيرة ... لهم شيم محمودة وعقول وزهد وآداب وحلم ونائل ... وحزم ورأى في الأمور أصيل دعاك ببغداد هواك وأسبلت ... مدامع منها قاطر وهمول وشاقك من عجل تعجل لوعة ... ومالك عن ذهل هناك ذهول اذا عرض السلوان في الفكر عنهم ... أتاه جوى بين الضلوع دخيل تطاول هذا الليل بعد تقاصر ... وليل أخى البلوى عليه طويل وغرّد قمرى على فرع ضالة ... له بين أفنان الغصون هديل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 اذا مادعا شجوا بكيت صبابة ... كلانا له جنح الظلام عويل أفارق من أهوى ونفسي عنده ... لعمرك انى عندها لجهول فان يقدر الله اجتماعا فلن يرى ... لي الدهر من بعد الحلول رحيل وقال أيضا: وقائلة اتمدح قلت انى ... أخص بمدحتى آل الرسول يطيب الفرع حين يطيب أصل ... ويخبث من خبيثات الأصول وقال أيضا: ألم تسألا بجنوب السلا ... م فتستخبرا دارمىّ ألم بلى واسألا إن أجابتكما ... وأنى لدارس رجع الكلم أربت بها كلّ حنانة ... تجرّر ذيلا بها محتكم كأن توالى ترجيعها ... نوائح فى مأتم تلتدم وكل شمالية هطلة ... إذا ما بكت خلتها تبتسم تدر اذا ما مرتها الجنو ... ب لواقحها بدموع سجم فقد كسيت من ثياب البلى ... رسوما تدوم عليها الديم كسحق البرود ووحي الزبو ... ر رقشه كاتب بالقلم وبدلت الوحش بعد الأنيس ... أهل الجياد وأهل النعم وأهل المناخ وأهل المراح ... وأهل القباب وأهل الخيم وبيض الوجوه مراض العيو ... ن هضام الكشوح حسان اللمم خماص البطون لطاف الحشا ... جذبن بجذل عنان الادم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 قصار الخطا عائفات الخنا ... كرام الثنا طيبات النسم عفائف من يلتمس سره ... ن يجده بحيث تحلّ العصم لهوت بهن بلا ريبة ... وشعب الهوى بيننا ملتئم اذ الدار تجمع من شملنا ... ونحن بها جيرة لم نرم فشطت بنا وبهن النوى ... وكن الشفاء وكن السقم فأصبحت ودعت جهل الصبا ... ورثت قوى حبله فانجذم وليس لاهل لحجا والنهى ... على فرطات الهوى من ندم ألا ان خير بني آدم ... نبيّ الهدي والتقي والكرم محمد المصطفى والرسو ... ل الى الناس من عرب أو عجم فأدّي الرّسالة عن ربه ... ولم يثنه ملة أو سأم فنور للمؤمنين الهدى ... وأخرجهم من دياجى الظلم بأحمد أغلق باب الضلا ... ل وهدم أركانه فانهدم عليه السلام وصلى عليه ... رب العباد وباري النسم وأمته جعلت في الكتا ... ب وحيا من الله خير الأمم فأرحامه منه أدنى الي ... هـ وأولي به منهم بالرحم مودته أجره فيهم ... على الوحي فرضا بحكم الحكم عليهم لهم فضل قرباهم ... وذو السبق منهم أخ وابن عم ولي وصي ومولاهم ... على رغم آنف من قد رغم أقام لنا الدين بعد الرسو ... ل ولو لم يقمه لنا لم يقم يذود عن الحوض اعداءه ... فكم من لعين طريد وكم فمن ناكبين ومن قاسطي ... ن ومن مارقين ومن مجترم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وكم شانىء قد أسرّ الندم ... اذا كانت النفس عند الكظم ألا لعنة الله واللاعني ... ن يوم الحساب على من ظلم وقال يرثى القمرى: هل لامرىء من أمان ... من ريب هذا الزّمان أم هل تري ناجيا من طوارق الحدثان ... ما اثنان يجتمعان إلّا سيفترقان ... قربن كل قرين يبين بعد اقتران ... والمأزمان ونسر ال سماء والفرقدان ... يبلى الجديد الجدي دان ثم ما يبليان ... كان المطوّق خدنا من أكرم الأخدان ... وصاحبا وخليلا من خالص الخلّان ... سنين سبعا وعشرا مخفورة بثمان ... فغاله حادث من حوادث الأزمان ... أمسى المطوق رمسا دريجة الأكفان ... مستوطنا دار قفر من عامر الأوطان ... دانى الجوار وإن كا ن نازحا غير دان ... فالقلب فيه كلوم من لاعج الاحزان ... وفى الحشا لاذعات كمشعل النيران ... والمقلتان سجوم دمعاهما تكفان ... كان المطوّق أنسا للأهل والجيران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وكان طلقا ضحوكا ... يجيب كلّ أوان اذا أشرت اليه ... باللحظ أو بالبنان مغرّدا فى دجى الليل مؤذّنا بالأذان ... مناديا ساق حرّ أو حرّة ببيان ... وكان أعجم فى نطقه فصيح اللسان ... وطالما غنانى من مطرب الألحان ... لمعبد والسريج ي والغريض اليمانى ... بشافع مؤنق للقلوب والآذان ... كان المطوق جار ال رّسول والفرقان ... تنميه آباء صدق لمحصنات هجان ... فى مغرس طاب أصلا من طيّب الأغصان ... كأن عينيه ياقو تتان حمراوان ... كأنّ رجليه مصبو غتان من أرجوان ... كأنّ هامته ر كبت على غصن بان ... وأخضر اللون يحكى لباس أهل الجنان ... وذى سفاه لحانى لم يعنه ما عنانى ... رددته بصغار وذلة وهوان ... يلومنى وهو خلو لم يشجه ما شجاني ... ولم أرى خلفا من هـ بعده عزانى ... هيهات مالك ثان مقارب أو مدانى ... وما بنى مثل ما قد بنيت فى اللهو بانى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 فاذهب حميدا فقيدا ... فما خلا الله فانى وقال ايضا: ومطيع الفؤاد عاصى اللّسان ... نطقت عن ضميره المقلتان جاء مستخفيا وقد هجع النّا ... س علي رقبة وروع جنان بحديث اراده فكني عن ... هـ ولم يبد صفحة الإعلان مضمرا حسرة لحاجة نفس ... ردّ إسرارها إلى الكتمان وقال أيضا: اصبر على نبوة الزّمان ... وجفوة اللهو والغوانى واستغن بالله واستعنه ... فانه خير مستعان لا ترض رزقا على امتهان ... ولا ترد خير ذي امتنان أشد من عيلة وعسر ... إغضاء حرّ على هوان وخير مال بقاء عرض ... وعفة النفس واللسان عرضك لا المال فهو فان ... وخير باق لذى اختزان وان نبا منزل بحرّ ... فمن مكان الى مكان يا صاحبي صبوتى ولهوي ... شأنكما اليوم غير شانى قد نلت فى سكرة التصابى ... من لذّة العيش ما كفانى واستعطف الغانيات قلبي ... بالدّلّ والأعين الروانى وخاطبتني محجبات ال ... خدور بالطرف والبنان وواصلتنى فتاة لهو ... واضحة النحر واللّبان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 فى المرط منها نقا وفيما ... حوى الوشاحان غصن بان ونازعت كفي الندامى ... ذخيرة الزّق والدّنان ومتعت سمعى الملاهى ... بربّة العود والقيان وكنت طوع القياد حتى ... قصّرت السنّ من عنانى وحطّ عني قناع جهلى ... ممسى وصبح تعاقبانى ونائبات حسرن منى ... عن ظبة الصارم اليمانى وراعنى نازلان حلّا ... للحلم والشيب عاتبان فنهنها شرّتي وكفا ... غرب جماحى وسدّ دانى ويسرا للهدى سبيلى ... بعد ضلال فارشدانى من صحب الدّهر حالتيه ... كان على واضح البيان أىّ نذير لذى اعتبار ... أبلغ من واعظ الزّمان وقال أيضا: نقض الليالى فيك مرّتيه ... وغمزننى وفرعن فروتيه «1» وأفادني الحدثان موعظة ... وأراح رشدى بعد غيبتيه عجبت جميلة أن رأت وضحا ... بعد السّواد بدا بلمتيه أجميل ريب الدّهر شيبني ... وصروفه أخلقن جدّتيه أجميل إن يشب القذال فقد ... أبليت عمرى في شبيبتيه وقضيت من لهو الصبا وطرا ... أزمان كنت صريع صبوتيه يدعو الهوى فأجيب دعوته ... وإذا دعوت أجاب دعوتيه فالآن أبصرت النهى وجلا ... بضيائه عني دجنتيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 ولبست للتشمير لبسته ... وسريت عني ثوب فضلتيه أرجو الإله بفضل رحمته ... وأخاف زلّاتى وعثرتيه وبحوله ثقتي وقوّته ... وبرئت من حولى وقوّتيه قال أبو بكر: حدّثنى الحسن بن يحيى، قال: قالوا للقاسم بن يوسف: أقبلت على الشعر، وتركت البلاغة: فقال: امتحنونى، فقيل له فاكتب إلي محمد بن منصور في الرضا عن هذا الرجل، فقد كان فى ناحيته ثم عتب عليه، فكتب اليه: قد احلك الله من الشرف في أعلى ذروته «1» وبلّغك من الفضل أبعد غايته، فالآمال اليك عايلة «2» والأعناق نحوك مائلة، واليك تنتهي الهمم السامية، وعليك تقف الظنون الراجية، لا يستريث نجحا من رجاك، ولا تعروه النوائب فى ذراك، وفلان ممن قدمت بك حرمته، وطالت لك خدمته، ووجبت لك حقوق عليه، هى أوكد وسيلة، وأقصد ذريعة، وقد فرط جرم ما تعمده، وخطأ جري القضاء به، وفي عتبك ما قوّمه، وفي عفوك ما تلافى زلته، إن شاء الله: وقال ابو [محمد] القاسم بن يوسف يمدح اسحاق بن ابراهيم المصعبي هل حكيم يردّ داء المشيب ... أم لأسقام دائه من طبيب أم يردّ الشباب لبّ لبيب ... حوّل قلب أريب أديب فسلام علي الشباب وداعا ... من أخ فاقد سليب حريب واشباباه لا أرى خلفا من ... ك يسلى حزن الفؤاد الكئيب فأنب توبة نصوحا فان الله ... يعفو عن المسيء المنيب وامدح الماجد الكريم وحق ال ... مدح للماجد الكريم النجيب مصعبيا قد حل من شرف ال ... فخر ذري شاهق محل الرقيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 إن اسحاق قد تكامل فيه ال ... فخر من عفة وطهر وطيب فارج الهمّ حين يستبهم ال ... أمر كفاء لمعضلات الخطوب حازم رأيه قؤول فعول ... ومصيب إذ لا يرى من مصيب وسع الناس عدله ونداه ... ففدوه «1» بألسن وقلوب وقال أيضا: أقاسم مالك لا تنزع ... وتترك صنع الّذى تصنع وتقصر قبل مجيء الزما ... ن بمالا يردّ ولا يدفع وما بال نفسك تواقة ... الى ما يضرّ ولا ينفع وحتى متى أنت بالغانيا ... ت ذو صبوة كلف مولع ويخشعك الدهر بالحادثا ... ت فلا تستكين ولا تخشع أقاسم أنى يلذّ الهجو ... ع وما يطمئنّ بك المهجع أمنتك نفسك نيل الخلو ... د أم غرّك العاجل المقلع كأن قد سقيت بكأس الحما ... م وقيس لحفرتك الأذرع وكلّ امرىء غرض زائل ... له من حوادثه مصرع علي الأرض مضجعه ظاهر ... وتحت التراب له مضجع مساكنه اليوم معمورة ... به وهى منه غدا بلقع وكلّ الورى حاصد زرعه ... وذو الزرع يحصد ما يزرع وقال أيضا: سبيل الموت مشترك ... به الورّاد قد سلكوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 فقوم يهلكون أسى ... وقوم قبلهم هلكوا ويفنى الخلق كلهم ... ويبقى الخالق الملك إله الخلق ربّ النا ... س يملكهم وما ملكوا له التسبيح والتقدي ... س والصلوات والنسك وإهلال الحجيج له ... وما سفحوا وما سفكوا سماء تحتها أرض ... يدور عليهما فلك أرى «1» دنياك منصوبا ... بتربتها لك الشرك وأنت بها وان ...... ... .... «2» عنها مغرم سدك ننافس فى مكاسبها ... ويكفينا بها النسك ألا يا أيها الرّاضي ... بدنيا أمنها هلك أما تهديك عبرتها ... ففيها للهدي درك تزوّد للمعاد بها ... فإنّ الزّاد مشترك فإنك تارك ما النا ... س قبلك مثله تركوا كأنك قد وقفت غدا ... وثوب الستر منهتك على حال يراها الل ... هـ والثقلان والملك وقال أيضا: نائح في الغصون بالليل ناحا ... هاج شجوا وشاق قلبا مباحا عاده ذنبه وإدبار ليل ... فأبى فى صباه إلا جماحا لم يرم ريبة ولكنّ فيه ... للتصابى تطرحا وارتياحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فاذكر الموت والحساب عسى أن ... يعقبا من فساد قلب صلاحا وامتدح أسرة الرّسول تنل ... حظا من الفوز إن أردت امتداحا آل عباسنا وآل عليّ ... وبني جعفر تلاق رباحا فهم العمّ والأخ الصهر والط ... يار فى جنة أعير جناحا فيهم الوحى والنبوّة وال ... حكم ولا تخش «1» في المقال جناحا لهم البيت والسقاية والسرّ ... ة من زمزم وحازوا البطاحا وهم الأكرمون أصلا وفرعا ... ويطيبون عفة وسماحا يكرمون العفاة «2» والجار فيهم ... ويهينون فى الشتاء اللقاحا يطعمون السديف في خلج الش ... يزى اذا لجلج الكلاب النباحا سادة قادة حماة لدى الرّو ... ع إذا أصبح الحمى مستباحا ويجيبون داعى الروع فى الرو ... ع إذا ما الصريخ نادى صباحا وكهول مجدّة للأعادى ... وشباب يلاعبون الرّماحا يمنعون الولى من دلّ ضيم ... ويبارون فى العطاء الرّياحا يكلمون الصحيح عند رضى الله ... وياسون من كليم جراحا وهم الحاربون والجائرو ال ... محروب حتى يعود جربى صحاحا معشر لا يخاتلون عدوّا ... بل ينادونه بسطو صراحا وبدور فى مجلس الأمر والنه ... ي جبال فى الحلم زادت رجاحا كم وكم أطلقوا عناة زمان ... وأراحوا من جور ملك فراحا وبود القربى يؤمّل عند الل ... هـ قربى وزلفة وفلاحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وقال أيضا: قنوع النفس يغنيها ... وقوت النفس يكفيها وان لم يرضها القوت ... فما شىء بمرضيها أرى نفسك يرديها ال ... ذي عندك ينجيها وتدعوها إلى الباطل ... واللهو دعاويها فتنقاد الى الغيّ ... ولا يرشد غاويها تريد الحظّ في الدّنيا ... وما الدّنيا وما فيها أما تعلم أن الده ... ر يفنيك ويفنيها ويطويك ويطويها ... شهور ولياليها أراها كلما أبلت ... جديدا فهو يبليها فلا غابرها يبقي ... ولا يرجع ماضيها ولا تبرح تغتال ... أناسا بدواهيها اذا رائحها سرّ ... ك ساءتك غواديها أرى دارك دارا قد ... تداعت من نواحيها فما يعمر عافيها ... ولا يرقع واهيها وهل تعمر دارا خ ... ربتها كف بانيها ألا أيتها النفس ال ... تى الموت ملاقيها دعى «1» الدنيا لمن ناف ... س في الدّنيا يقاسيها ألم يأن لذى الشي ... بة أن ينهاه ناهيها فقد أسمع داعيها ... وقد أفصح ناعيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وقال أيضا: أيها الطالب أجمل واقتصد ... وأرح نفسك من جهد وكد لا يزيد الحرص فى رزق ولا ... ينقص الإخمال من رزق أحد وكذاك الضعف والقوة لا ... مفقر عجز ولا مغن جلد كل حى سيوفي رزقه ... يستوى الأضعف فيه والأشد انما الحظّ لذى الجد ولا ... ينفع الكدّ إذا لم يك جد واذا صاحبت فاصحب ذا تقى ... إن تقوى الله يهدى للرّشد واذا الشرّ نزا فاقعد به ... والق ذا الجهل بحلم مستعد وخذ العفو من الناس ولا ... تبلغ الحق اذا الحقّ جهد واسلك القصد اذا ورّت بهم ... طرق الجور وإن قل العدد لا يصدّنك عن سبل الهدى ... أن ترى العاند عنها قد عند أيها المذنب عاجل توبة ... لا تسوّف بغد أو بعد غد فرسول الموت لا ينظر ذا ... حاجة يصدرها إما ورد واذا أحكمت عقدا فاعلمن ... أن هذا الموت حلّال العقد كل نفس فعليها حافظ ... ورقيب للمنايا ورصد لا تغرنك ألاهىّ المنا ... قصرك الموت وإن طال الامد لهف نفسي لشباب مفقد ... صلح «1» العيش به ثمّ فسد غائب لا خلف منه ولا ... ترتجى أو بته طول الأمد قد نعى عمرك شيب نازل ... وفد الموت به حين «2» وفد فاتعظ واسمع لما أنت له ... وتزوّد زادك اليوم لغد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 واحذر الموت الذى حذرته ... يوم لا ينفع مال وولد إنما الدّنيا متاع زائل ... عن قليل وإلى الله المرد وقال يرثى ابنه ابا على محمدا: كان الذي خفت أن يكونا ... إنا إلى الله راجعونا أمسى المرجى أبو علي ... موسّدا في الثرى يمينا حين استوى وانتهى شبابا ... وصدّق الرّأي والظنونا أصبت فيه وكان عندي ... على المصيبات لي معينا كنت كثيرا به عزيزا ... وكنت صبابه ضنينا دافعت إلا المنون عنه ... والمرء لا يدفع المنونا آخر عهدى به صريعا ... للموت بالذل مستكينا يشخص طورا بناظريه ... وتارة يكسر الجفونا إذا شكا غصة وكربا ... لا حظ أو رجع «1» الانينا يدير فى رجعه لسانا ... يمنعه الموت أن يبينا ثم قضى نحبه فأمسى ... فى جدث للبلى رهينا بعيد دار غريب جار ... قد فارق الإلف والقرينا باشر وجه الثرى بوجه ... قد كان من قبله مصونا بنيّ يا واحد البنينا ... غادرتنى مفردا حزينا هوّن رزئى بك الرزايا ... علىّ فى الناس أجمعينا تالله أنساك ما تجلى ... صبح نهار المصبحينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وما دعا طائر هديلا ... ورجعت واله حنينا تصرّف الدهر بى صروفا ... وعاد لى شأنه شئونا أصاب منى صميم قلبي ... وكاد أن يقطع الوتينا والدّهر رهن بحالتيه ... فشدة مرّة ولينا وقال يرثى أولاده: هلك البنون محمد ... ومحمد ومحمد وردوا موارد سبلهم ... ولكل نفس مورد واستأثرت بهم المني ... ة والمنية موعد تأبى المنية أن يكو ... ن على الزمان مخلد كلّ امرىء ستغوله ... وتناله منها يد والفاقدون اليوم قصرهم غدا أن يفقدوا ... لا يلبث القرناء وال خلطاء أن يتبددوا ... غاب الأحبة غيبة وكأنهم لم يشهدوا ... وارتهم حفر البلى فممهد وموسد ... هجدوا بدار لا يه ب بها النيام الهجد ... حلوا على قرب الجوا ر كما يحلّ الأبعد ... فكأنهم حيث استق ل من السماء الفرقد ... أسفا عليك أبا عل ي والمنايا رصّد ... أسفا عليك ابا عل ي يوم ضمك ملحد ... كالبدر فارقه النحو س وقارنته الأسعد ... وكان غرّته رقي ق الشفرتين مهند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وفتى يزيّن لبه ... أدب ورأي محصد وعفافة وسماحة ... وطلاقة وتودّد ومهذب محض الضرا ... ئب للصواب مسدّد لقن بحجته إذا ... جمع الرّجال المشهد أسفا عليك بحسرة ... بين الحشا تتوقد أسفا عليك بحرقة ... وحرارة لا تبرد يملى الزمان وحزنها ... بمحمد يتجدد هل لى على الحزن الطوي ... ل سوى لبابة مسعد ثكلى بواحدها فلي ... س لها عليه تجلد وكأن بين ضلوعها ... جمر الغضا يتوقد ألباب إن الصبر أن ... فع فى الأمور وأحمد ألباب كيف بقاء نف ... س كل يوم تكمد ألباب ان الصبر أي ... قى للإله وأرشد وقال يمدح الحسن بن سهل من غاله حدث أو خانه زمن ... فالمستعان عليه الله والحسن من لا يخيب عليه الآملون ولا ... يضيق عنهم لديه الورد والعطن ولا يحول اعتلال دون نائله ... ولا يمنّ وان كانت له منن بفضل نعمته وعدل سيرته ... تحيا المكارم والمعروف والسنن لولا رجاؤك لم تشسع بطيتنا ... مرو ولم يترك الأهلون والوطن قال أبو بكر: حدّثنى عون بن محمد الكندى، قال: جازى القاسم بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 يوسف صديقا له على مكروه أتاه، فكتب اليه يعذله فى ذلك، وكتب القاسم ظلمت أعزّك الله وما انصفت، وأسأت وما أحسنت، تأتى ذلك اختيارا، ولا تتبعه اعتذارا، حتى اذا لدغت بلظى المكافأة، وسلك بك طريق المجازاة، جعلت ذلك لنا ذنبا، وألزمتنا له عتبا، ومن لم يعرف قبيح ما يبلى لم يعرف حسن ما يولى «1» ولله در القائل: إذا ما امرؤ لم يحمل الحقد لم يكن ... لديه لذى نعمى جزاء ولا شكر حدّثنى الحسين بن يحيى الكاتب المعروف بأبى الحمار، قال: لما ولي أحمد ابن يوسف وزارة المأمون ولي أخاه القاسم خراج السواد فجباه فضلا مما جباه غيره في سائر أيام المأمون، فحمده المأمون وكان أحمد بن يوسف إذا عرض على المأمون النفقات قال: يا أحمد، القاسم يجمع، ونحن نفرق. اخبار ابى جعفر احمد بن يوسف بن صبيح كاتب دولة بنى العباس قال أبو بكر: وزر للمأمون بعد أحمد بن أبى خالد، وهو معرق فى الكتابة والشعر، وقد استقصيت أخباره في كتاب الوزراء الذى ألفته. وأنا آتى ههنا منها بشيء من مختارها ومختار شعره، وقد فرقت من ذكر آبائه وأخبارهم فى ذكر أخيه القاسم بن يوسف وكان أسنّ منه وبقي القاسم بعده مدة. حدّثنا القاسم بن إسماعيل، قال: حدّثنا قعنب بن محرز الباهلىّ قال: كنا نقول: لم يل الوزارة أشعر من احمد بن يوسف حتى ولي محمد بن عبد الملك فكان أشعر منه حدّثنى الحسين بن على الباقطائى قال: اجتمع الكتاب عند أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 اسرائيل، فتذاكروا الماضين من الكتاب، فأجمعوا أن أكتب من كان في دولة بنى العباس احمد بن يوسف، وابراهيم بن العباس، وأنّ أشعر كتاب دولتهم ابراهيم بن العباس، ومحمد بن عبد الملك بن الزيأت، فابراهيم أجودهما شعرا، ومحمد أكثرهما شعرا، ثم الحسن بن وهب، وأحمد بن يوسف، وأن أزكى كتاب الدولة وأجمعهم لمحاسن الكتابة من ذكاء وخط وفطنة جعفر بن يحيى، واسماعيل بن صبيح. حدّثنا يعقوب بن بنان، قال: حدثنا علىّ بن الحسين بن عبد الأعلى الاسكافي، قال ابو بكر: وقد رأيته أنا مرارا كثيرة، وسمعته يحدث ولم احفظ منه شيئا، قال: عوتب احمد بن يوسف على تقديمه موسى بن عبد الملك على صباه فقال أحمد: لا تعذلونى في اختصاصي له ... فالعذل والله من اللؤم إنّ استه مشربة حمرة ... كأنها وجنة ملطوم حدّثنى أحمد بن اسماعيل، قال: كان محمد بن الجهم البرمكيّ يلوم أحمد ابن يوسف في حبّ موسى بن عبد الملك فكتب اليه: لا تعذلنى يا أبا جعفر ... عذل الأخلّاء من اللؤم والبيت الآخر، فكتب اليه محمد بن الجهم: لست بلاحيك على حبّه ... ولست فى ذاك بمذموم لأنّ في أسفله سخنة ... كأنها سخنة محموم حدّثنى محمد بن خلف وكيع قال «1» قال لى ابو جعفر محمد بن القاسم بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 يوسف، قال قال: حدّثنى نصير الخادم «1» مولى أحمد بن يوسف كان أحمد بن يوسف يتبنى مؤنسة جارية المأمون فجرى بينها وبين المأمون بعض ما يجرى، فخرج الى الشماسية يريد سفرا، وخلفها فجاء رسولها إلى احمد بن يوسف مستغيثة به فوجهنى أحمد اليها فعرفت الخبر، ثم رجعت فأخبرته، فدعا بدابته ثم مضى فلحق المأمون بالشماسية، فقال للحاجب: أعلم أمير المؤمنين أن أحمد بن يوسف بالباب، وهو رسول. فأذن له فدخل، فسأله عن الرسالة [ماهي «2» ] فاندفع ينشد شعرا عمله عنها: قد كان عتبك مرة مكتوما ... فاليوم أصبح ظاهرا معلوما نال الأعادي سؤلهم لا هنئوا ... لما رأونا ظاعنا ومقيما [والله لو أبصرتني لو جدتني ... والدمع يجرى كالجمان سجوما] «3» هبنى أسأت فعادة لك أن تري ... متفضّلا متجاوزا مظلوما فقال المأمون: قد فهمت الرسالة، كن الرسول بالرضىء يا ياسر امض [معه «4» ] فاحملها. فحملها ياسر إليه. حدّثنا محمد بن العباس، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن احمد بن يوسف عن ابيه، قال: جلس أحمد يقرأ الكتب بين يدى المأمون وهو وزير، فمرت قصة أصحاب الصدقات، فقال المأمون لأحمد: انظر في أمرهم، قد كثر ضجيجهم فقال: قد نظرت في أمرهم وقررته، ولكنهم أهل تعدّ وظلم، وبالباب منهم جماعة. فقال المأمون: أدخلوهم إلي فدخلوا فناظروه فاتجهت الحجة عليهم، فقال أحمد: هؤلاء ظلموا رسول الله صلي الله عليه وسلم، كيف يرضون بعده! قال الله عز وجل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فعجب المأمون من حسن انتزاعه، وحضور مراده فى وقته، وقال: صدقت يا أحمد، وأمر باخراجهم قال أبو بكر: تحدث أحمد بن طيفور أن المأمون قال لأحمد بن يوسف: إنى أريد غسان بن عباد لأمر جليل، وكان يريده لولاية السند. لأنه أراد أن يعزل عنها بشر بن داود المهلبي لأشياء عظيمة عتب عليه فيها، وكان المأمون يعلم سوء رأى أحمد في غسان بن عباد، فقال أحمد: غسان رجل محاسنه أكثر من مساويه، لا تضرب به طبقة إلا انتصف منها مهما خيف عليه «1» فانه لا يأتى أمرا يعتذر منه، لأنه قسم زمانه «2» بين أيام الفضل فجعل لكل مكرمة وقتا «3» فقال له المأمون: لقد مدحته علي سوء رأيك فيه، فقال: إنى لأمير المؤمنين كما قال الشاعر: كفى ثمنا لما أسديت انى ... صدقتك في الصديق وفى عداتى «4» فأعجب المأمون كلامه. [واسترجح عقله] «5» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 قال أبو بكر: وهذا الخبر فانما هو لهشام بن عبد الملك، وقد سأل أسد بن عبد الله القسرىّ عن نصر بن سيار فأجاب فيه بهذا الجواب، فقال له هشام [ذلك الشعر. و] ما أزعم أن المأمون أجابه، فقال بالشعر. إلا أنه فى أسد أبيات كثيرة. رويناه بأسانيد الثقات من غير وجه، فنسبه ابن أبى طاهر إلي المأمون وأحمد بن يوسف بغير رواية، لأنه صحفى حاطب ليل، يشترط فى كتبه اختيار الشعر الجيد ويأتى بالردىء، ويزعم أنه يقلل فيحسن، ويكثر فيسىء، ثم يحكى الكذب، ويخطيء في التاريخ [و] في نسب الشعر «1» . قال أبو بكر: وقد رأيته بالبصرة سنة سبع وسبعين ومائتين وقدمها إلى أحمد ابن على المادرائى وكتبت عنه مجلسين أو ثلاثة، فلما رأيته صحفيا لم أر عنده ما أريد تركته، ويعز على أن أذكر أحدا من أهل الأدب بسوء وأن استخفه، ولكن لابد من أن نعطى العلم حقه، ونضع الحق موضعه. حدّثنا عون بن محمد، قال: كان أحمد بن يوسف عدوا لسعيد بن سالم الباهلى وولده، فذكرهم يوما فقال: لولا أن الله عز وجل ختم نبوته بمحمد صلى الله عليه وسلم وكتبه بالقرآن لا نبعث فيكم نبيّ نقمة، وأنزل عليكم قرآن غدر، وما عسيت أن أقول في قوم محاسنهم مساوىء السفل، ومساويهم فضائح الأمم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وقال يهجوهم: أبنى سعيد انكم من معشر ... لا تحسنون كرامة الاضياف قوم لباهلة بن أعصر إن هم ... فخروا حسبتهم لعبد مناف مطلوا الغداء الى العشاء وقرّبوا ... زادا لعمرو أبيك ليس بكافي بينا كذاك أتاهم كبراؤهم ... يلحون في التبذير والإسراف وكأنني لما حططت اليهم ... رحلى حططت بأبرق العزّاف قال غوث وهو القائل فيهم: أبنى سعيد إنكم من معشر ... لا تثأرون دماءكم إن طلّت لجلجتم وحباكم معقودة ... ولقلّما تغنى إذا هى حلّت وإذا تشمّ أنوفكم رعم «1» الغذا ... أنّت لعادتها إليه وحنت وبأىّ سيف تثأرون دماءكم ... وسيوفكم مذ أغمدت ما سلت؟! وهو القائل في عمرو بن سعيد بن سالم: يا صاح خذ في غير ذكر الطعام ... دون طعام القوم كسر العظام وحالف النوم عسى أنه ... يطوف منه طائف في المنام ما حرم الله على زائر ... زادك يا عمرو وأكل الحرام الناس في فطر سوى شهرهم ... ودهر أضيافك شهر الصيام قال أبو بكر: حدثنى الحسين بن فهم، قال: سمعت يحيى بن أكثم يقول: حضر احمد بن يوسف المأمون، وبين يديه ابن له ينشد شعرا، فقال: كيف تراه؟ فقال: أراه فطنا ذكيا، أديب اللفظ واللحظ، لا يعبأ أن يؤديه بما يريد، في كل عضو منه قلب يقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 قال أبو بكر: فأخذ بآخر كلامه ابو تمام، فمدح نفسه، وخاطب عتبة [ابن ابى عاصم] «1» الاعور يهجوه: ترى صلّا يخال بكل عضو ... به من شدة الحركات قلبا حدّثنا أحمد بن اسماعيل، قال: سمعت سعيد بن حميد يقول: أهدى احمد بن يوسف الى المأمون لما استكتبه لوزارته. واستخصه في يوم مهرجان هدية بألف ألف درهم، وكتب اليه: على العبد حق فهو لا شك «2» فاعله ... وإن عظم المولى وجلّت فضائله ألم ترنا نهدى إلى الله ماله ... وان كان عنه ذا غنى فهو «3» قابله [ولو كان يهدى للمليك بقدره ... لقصر عبل البحر عنه وناهله ولكننا نهدى الى من نجله ... وان لم يكن فى وسعنا ما يشاكله] «4» قال أبو بكر: حدثنا احمد بن زهير قال: اخبرنى ابو جعفر عمر بن محمد الأطروش، قال: عتب احمد بن يوسف على جارية له في شىء سألته ألا يفعله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ثم فعلت مثله، فقال احمد: وعامل بالفجور يأمر بال ... بر كهاد يقود «1» في الظلم او كطبيب قد شفّه سقم ... وهو يداوي من ذلك السّقم يا واعظ الناس غير متعظر ... ثوبك «2» طهّر أو لا فلا تلم وكانت لأحمد بن يوسف مع أبى العتاهية اخبار: حدّثنا محمد بن زكريا قال: حدّثنا مهدى بن سابق قال: كتب ابو العتاهية الى احمد بن يوسف: أطع الله بجهدك ... أبدا أو دون جهدك أعط مولاك كما ... تطلب من طاعة عبدك فلما قرأ أحمد البيتين، قال: هذا أبلغ كلام. قال أبو بكر: حدّثنا محمد بن موسى بن حماد، قال: حدّثنى ابن مهدويه محمد بن القاسم، قال: حدّثنى عبد الله بن أحمد بن حرب، قال: حدّثنى موسى ابن عبد الملك، قال: كتب أبو العتاهية الى أحمد بن يوسف: أبا جعفر إن الشريف يشينه ... تتايهه على الإخوان بالوفر فان تهت فينا «3» بالذى نلت من غنى ... فانّ غناى فى التجمل والصبر ألم تر أنّ الفقر يرجى له الغنى ... وأنّ الغنى يخشى عليه من الفقر [قال (موسى بن عبد الملك) فقلت لا تتعرض له وأسكته عنك فوجه اليه بخمسة آلاف درهم قال علي بن ابراهيم فأعلمت ذلك على بن جبلة فقال بئسما صنع كان ينبغي له أن يقول له: أأحمد أن الفقر يرجى له الغنى فيشير باسمه] » الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 حدّثنا محمد بن موسى، قال: حدّثنى ميمون بن هارون، قال: كتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف، وقد عتب عليه: أبا جعفر هلّا اقتطعت مودّتى ... فكنت مصيبا فيّ أجرا ومصنعا فكم صاحب قد جلّ عن قدر صاحب ... فألقى له الأسباب فارتفعا معا حدّثنا محمد بن الأسود، قال: حدّثنا ابن أبى فنن، قال: جاء أبو العتاهية أحمد بن يوسف يوما فحجبه فكتب اليه: أراك تراع حين ترى خيالى ... فما هذا يروعك من خيالى لعلك خائف منى سؤالا ... ألا فلك الأمان من السؤال كفيتك أنّ حالك لم تمل بى ... لأطلب منك تبديلا بحالي وأن العسر مثل اليسر عندى ... بأيهما منيت فلا أبالى فلما قرأها وصله واستكفه. وهجر أحمد بن يوسف أبا العتاهية فقال فيه: في عداد الموتى وفي ساكنى الدّنيا ... ابو جعفر اخى وخليلى لم يمت ميتة الوفاة «1» ولكن ... مات عن كلّ صالح وجميل ومن شعر أحمد بن يوسف قال أبو بكر كتب إلى كاتب له حدث اعتل: مالنا منك إن تشكيت إلا ... سقم تحتشي به الأحشاء فاذا ما برأت أبراك الله ... فأنت العيوق والجوزاء فأتنا للسماع لا لسلام ... فلدينا معازف وغناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 نحن نفديك ظالما وقليل ... لك منا وان ظلمت الفداء قال أبو بكر: حدّثنى وكيع، قال: حدّثنى الحسن بن محمد بن أبى معشر، قال: كتب أحمد بن يوسف إلى صديق له: تطاول باللقاء العهد منا ... وطول البعد يقرح في القلوب أراك وان نأيت بعين قلبي ... كأنك نصب عينى من قريب فهل لك فى الرّواح الى حبيب ... يقرّ بعينه قرب الحبيب قال أبو بكر قلت أنا: بيته الثانى كأنه من قول الحكم بن قنبر المازنى البصري: ان كنت لست معي فالذكر منك معى ... يراك قلبى وان غيّبت عن بصرى والعين تفقد من تهوى وتبصره ... وباطن القلب لا يخلو من النظر قال أبو بكر: ولى قصيدة طويلة فيها شىء مليح فى هذا المعنى: إن يكن سار عامدا لدمشق ... وطواه كما طوى الشمس غرب فهو للقلب حيثما مال ذكر ... وهو للطرف حيثما كان نصب قال أبو بكر: حدّثنى محمد بن نصر الرازى، قال: حدّثنا أبى، قال: كانت بين أحمد بن يوسف وبين أبى دلف القاسم بن عيسى مودّة، وكانا يتهاديان ويتكاتبان، ثم ولي أبو دلف الجبل كله، فكتب اليه احمد بن يوسف: ما علي ذاكنا افترقنا بشيراز ... ولا هكذا عقدنا الإخاء لم اكن أحسب الامارة يزدا ... د بها ذو الوفاء الّا صفاء تطعن الناس بالمثقفة ... السمر على غدرهم وتنسى الوفاء قال ابو بكر: وهذا هو الصحيح، وقد روي الشعر لأبى العتاهية يقوله للمأمون وليس بشىء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وقال احمد: لنا صديق تارك للأدب ... إخوانه من نوكه في تعب غير صدوق في أحاديثه ... وليس يدرى كيف وضع الكذب مخالف يغضب عند الرّضا ... جهلا ويرضى عند وقت الغضب كأنّه من سوء تأديبه ... أسلم فى كتّاب سوء الأدب وقال أيضا: نفسى على حسراتها موقوفة ... فوددت لو خرجت من الحسرات لو فى يدىّ حساب أيامي إذا ... ألقيته متطلّبا لوفاتى لم أبك حبّا للحياة وانما ... أبكي مخافة أن تطول حياتى وقال أيضا: الناس فى الدّنيا أحاديث ... تبقى ولا تبقى المواريث فرحمة الله على هالك ... طابت له فيها الأحاديث وقال أيضا: يا سراح اسقنى القدح ... باح مولاك وافتضح إن مولى مولاك عن ... جرم مولاك قد صفح قال أبو بكر: وجدت بخط احمد بن اسماعيل: أهدى أحمد بن يوسف هدية إلى المأمون فى عيد وكتب اليه: هذا يوم جرت فيه العادة، باهداء العبيد للسادة، وقد أهديت لأمير المؤمنين قليلا من كثيره عندى، وقلت: أهدى إلى سيّده العبد ... ما ناله الإمكان والجهد وانما أهدى له ماله ... يبدأ هذا ولذا ردّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 فقال المأمون: عاقل أهدى حسنا. حدّثنا ميمون بن هارون، قال. كان أحمد بن يوسف يميل الى محمد بن سعيد بن حماد الكاتب، وفيه يقول: صدّ عنى محمد بن سعيد ... أحسن العالمين ثانى جيد صدّ عنى لغير جرم اليه ... ليس الا لحسنه في الصدود قال: فلقى محمد بن عبد الملك الزيات محمد بن مجمع بعد ذلك ومعه محمد ابن سعيد، فسلم عليه ابن عبد الملك فأعرض عنه ابن سعيد، فقال له ابن مجمع: يا أبا جعفر، مالي أرى محمدا معرضا عنك، فقال محمد بن عبد الملك: صدّ عني لغير جرم اليه ... ليس إلا لحسنه فى الصدود فخجل محمد بن سعيد من ذلك واعتذر إلى محمد بن عبد الملك، وكان هذا قبل وزارة محمد بن عبد الملك. قال أبو بكر وانما أخذ ابن يوسف بيتيه من قول أبى العتاهية: صد عنى محمد بن سعيد ... وأرانى خياله من بعيد أخلقت عنده الملالة وجهي ... كيف لى عنده بوجه جديد حدّثنا أحمد بن سعيد، قال سمعت ابراهيم بن المدبر يقول: كان محمد بن سعيد يكتب بين يدى أحمد بن يوسف فنظر الى عارضه قد امتد فى خده، فأخذ رقعة فكتب فيها: لحاك الله من شعر وزادا ... كما ألبست عارضه الحدادا أغرت على تورّد وجنتيه ... فصيرت احمرار هما سوادا ورمى بها الى محمد، فكتب تحتها: فعظم الله أجرك يا سيدى في، وأحسن لك العوض منى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وقال احمد: أعرضت عند وداعنا بفراقكم ... وصددت ساعة لا يكون صدود يا ليت شعرى هل حفظت على النوى ... عهدى فحفظ العهد فيه شديد وقال أيضا: زعمت قرينة أن حبك بادا ... كذبت قرينة بل نمي وازدادا أقرين انّ توجّدى وتشوّقي ... منعا الرّقاد فما أحسّ رقاد! وهواي بالبلد الذى أو طنته ... لا أبتغى أبدا سواه بلادا كم ذكرة لك هيجت لي حسرة ... وجرى لها ماء الشؤون وجادا أقرين لو أبصرتنى لرثيت لي ... بين الرّفاق أسائل الورادا اكنى بغيرك والهوى بك مفصح ... عجبا لذاك تفاوتا وبعادا هلّا رثيت لهائم يفنى بكم ... ليل التمام تقلبا وسهادا ان لم يكن ورد المنية هالكا ... ولما ألمّ بوردها أو كادا وقال يهجو اسحاق بن سعيد بن سالم: أمنن علىّ بقلة الودّ ... وبكثرة الاعراض والصدّ واذا خلوت بمن تفاكهه ... فاشتم له عرضى على عمد لا تشتمنّ بغير تزنية ... فلك الأمان به من الحد فلقد تركت الأرض ضيقة ... من بعد فسحتها على الفرد وملأتها مقتا ومبغضة ... فاذا ذكرتك ضاق بى جلدى فالله أسأل أن يعوضنى ... من قرب ذكرك أبعد البعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وقال وقد أهدى له دهن الحماحم «1» هوى له: قد أتانا دهن الحمام يعدو ... ينشد الشعر تارة ثم يشدو يا أبا غانم ملكت فأسجح ... مالنا من طلاب وصلك بدّ انما صاحب الحماحم مولى ... والذى يطلب الحماحم عبد وقال أيضا: أقول لها بقيا عليها من الهوى ... وقاك إله الناس أن تجدى وجدى وفي الموت لي من لوعة الحبّ راحة ... ولكننى أخشى ندامتها بعدى قال أبو بكر: وجدت بخط محمد بن عبد الملك الزيات حدّثنى محمد بن عمران أن احمد بن يوسف وقف بباب موسي بن يحيى بن خالد فحجب، فانصرف وكتب اليه: أتيتك مشتاقا وما لي حاجة ... سواه وشكرى في اللقاء موفر فلم أر إلا آذنا متلوّنا ... يقدّم رجلا مرة ويؤخر ومن دونه باب يلوح خلاله ... صفائح ساج والحديد المسمر فأبت بما لو يستقل ببعضه ... أبان لخر الشاهق المتوعر ولست بآت أو أرى منك صولة ... يذلّ لها والى الحجاب ويقصر وقال يهجو: أقول لما رأيته لهجا ... بكلّ سوداء جيفة قذره أهل لعمرى ما كلفت به ... عند الخنازير تنفسق العذره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وقال أيضا: تركتك والهجران لا عن ملالة ... وردّدت يأسا من إخائك في فكرى وألزمت عزمى عن فراقك خطة ... حملت لها نفسى على مركب وعر وإنى وإن رقت عليك ضمائرى ... فما قدر حبى أن أذلّ له قدري سأخمد منى ما حبيت عزيمتى ... ويعجب طول الدهر هجرك من صبرى وقال يمدح الفضل بن سهل ذا الرياستين: قد أمنّا بك يا ... فضل من الدّهر العثارا وأتيناك اختيارا ... لك لم نأت اضطرارا وكتب الى محمد بن نوح العمركى: كتبت اليك في ظهر لعلمى ... ومعرفتى بحبك للظهور وعندي شادن من نسل كسرى ... رخيم الدّل كالرّشأ الغرير تعشق حسن صورته الأمانى ... وتجرحه إشارات الضمير ولا عيش يكون لنا إذا لم ... تكن معنا فرأيك فى المصير كلاك الله من شين وحين ... وحاطك من ملمات الدّهور وقال أيضا: ظهر الفراق فأظهرى جزعا ... ودعى العتاب فإننا سفر إنّ المحبّ يصدّ مقتربا ... فإذا تباعد شاقه الذكر يتهاجران لستر أمرهما ... ولقد يدلّ عليهما الهجر وقال وهو من طريف شعره: أصبحت مخمورا أحدّث عن نفسى ... ومالى من علم بما كان بالأمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 سقانى عبيد من يديه مدامة ... يصرّفها لي ثم يلحى على الجلس فيا ربّ يوم قد حمدت مساءه ... يباكرني ذمّ له مطلع الشمس فأصبحت قد حدّثت نفس بتوبة ... ويعتادني للهو عندى اذا أمسي وقال أيضا: ناولتنى بنان كف ... ك بالأمس نرجسا لم يزل طول ليلتى ... لى ضجيعا ومؤنسا جدّد الله لي به ... فى دجى الليل مجلسا كلما فاح ريحه ... قلت: حبي تنفسا وقال أيضا: عذب الفراق لنا قبيل وداعنا ... ثمّ اقتبلناه كسم ناقع وكأنما أثر الدّموع بخدّها ... طلّ سقيط فوق ورد يانع قال أبو بكر: هو أوّل من أفصح عن هذا المعنى وتبعه الناس وقال يهجو: هيهات قل يا ربيعه ... ما ذي الأمور الشنيعه فى كل يوم وصال ... بخلة وقطيعه تريك خمسين قسا ... وإنما «1» لك بيعه وقال أيضا: أجمعت ظالمة على تركي ... فسعى العدوّ علىّ بالإفك لو دام عهدك ما تنصح بى ... من كان كفّ لخوفه منك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 هل فيك من طمع لذى أمل ... أم للأسير لديك من فكّ ابغي تقربها فيبعدها ... عزّ الهوى وعزائم الفتك وترى عليها في تبدّلها ... خفر الحياء وبهجة الملك إنى لأحسب طول صبوتها ... عنى سيسلمنى الى الهلك وقال لمحمد بن سعيد وقدحم: خبرنى من كنت ساءلته ... عن حال حمّاك وشكواكا بكلّ ما أهوى ولكنه ... حرّك قلبي عند ذكراك وقال أيضا: قالت ضعيفة قد رأيت جراشة ... خشنت عليك ولم تكن فحاشه ولقد أردت الى جراشة حاجة ... بعد العشاء فأفلتت حلباشه عجبت ولو لبثت كحقو مهوّم ... رجعت إليك بطعنة جياشه وقال فى ببغاء ماتت لصديق له وكان له اخ متخلف «1» يقال له عبد الحميد: أنت تبقى ونحن طرا فداكا ... أحسن الله ذو الجلال عزاكا فلقد جلّ خطب دهر أتانا ... بمقادير أتلفت ببغاكا «2» عجبا للمنون كيف اتتها ... وتخطت عبد الحميد أخاكا كان عبد الحميد أصلح للمو ... ت من الببغا وأولى بذاكا شملتنا «3» المصيبتان جميعا ... فقدنا هذه ورؤية ذاكا [قال الصولى وانما أخذه أحمد بن يوسف من قول أبى نواس فى التسوية وزاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 في المعنى ارادة وكراهية قال أبونواس لما مات الرشيد وقام الفضل بن الربيع يعزي الامين: تعز أبا العباس عن خير هالك ... بأكرم حى كان أو هو كائن حوادث أيام تدور صروفها ... لهن مساوي مرة ومحاسن وفا الحى بالميت الذى غيب الثرى ... فلا انت مغبون ولا الموت غابن] «1» قال أبو بكر: ومن ههنا أخذ ابن بسّام قوله لعبيد الله بن سليمان لما مات ابنه الحسن وبقى القاسم: [قل لأبى القاسم المرزّى «2» ... قابلك الدّهر بالعجائب] مات لك ابن وكان زينا ... وعاش ذو النقص «3» والمعائب حياة هذا كموت هذا ... فلست «4» تخلو من المصائب وقال أيضا: ألا إن قلبى لها خلقة ... ولست أرى مثله فى الخلق سريع العلوق اذا ما اشتهى ... سروع النزوع إذا ما علق فبينا يرى عاشقا إذ صحا ... وبينا يرى صاحيا إذ عشق رأيت الوصال وهجرانه ... يكونان منه معا فى نسق وصرت إذا ما هوى لم أخف ... هواه وإما صحا لم أفق قال أبو بكر: وأنشدنا عون بن محمد عن عبد الله بن أحمد بن يوسف لأبيه وقد أهدى له دهن الحماحم: قد أتانا دهن الحماحم صرفا ... مرحبا بالحمول ألفا وألفا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 دهنة لو شممتها جنح ليل ... قلت إلف مخاطر زار إلفا وأنشدنى عنه لأبيه: خبّاب إنك قد ملحت فما ترى ... ألا رميت بأعين وأصابع لكنّ وصلك لا يدوم لعاشق ... معط لما ترضاه منه مطلوع فى كلّ يوم أنت قاطع خلة ... من واصل يهدى لآخر قاطع ترمى بودك كالسهام إلى الورى ... وتزيل مختبرا لآخر طامع ويكون ودّك للجميع على الرّضا ... وعلى سواه كلمح برق لامع فمتى بكيتك دانيا أو نائبا ... عنى فلا رقأت عليك مدامعى وقال أيضا: لست أنسى لدي الرصا ... فة والناس وقّف حين باحت بما تكا ... تم والعين تذرف وحشاها من الغوا ... ية والخوف ترجف منذ ولت مدلة ... تتأليّ وتحلف قد أنافت على ال ... تّرب عشر ونيف مالها في الجمال شب ... هـ من الناس يعرف وقال لجارية له غاضبته: يا ظالما إذ أعرضا ... لا تخجلنّ من الرّضا إن كان أمرضك الهوى ... فهواك قدما أمرضا وتركت قلبى هائما ... وتركت جسمى ممرضا راجع فقد غفر الهوى ... لك من ذنوبك ما مضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 إنى أراك كما ترا ... نى للرّضا متعرّضا وقال ايضا: يا أبا عيسى إليك المشتكى ... وأخو الضرّ إذ اضطر شكا ليس لى صبر على هجرانكم ... وأعاف المشرب المشتركا أعف عبدا لك من ذي شركة ... قبل تضنيه وخذ ما ملكا وقال يهجو ولد سعيد بن سالم الباهلى: أكلتم ضرارا لاهنا كم ورحتم ... تمّشون مكتظين مشي الحوامل أفي كلّ عام تبعثون وفودكم ... وفرّاطكم تبغي القرى فى القبائل صبحنا كم لما غرثتم «1» بنقمة ... أقرت بها قيس لبكر بن وائل فعدتم كما عادت ضباع ملاحم ... تجرّ إلى الأوجار فضل المآكل وقال أيضا: وقفنا على دار لسلمى فلم تبن «2» ... وهاجت هوى نفس شديد غليلها ولو أن ربعا رد رجع تحية ... لردّت لنا رجع السلام طلولها لقد وكلت نفسي بسلمى وأهلها ... وان لم تكن سلمى بذاك تنيلها يعاودنى من ذكرها الشوق والهوى ... كما اعتاد ذا الحمى سقيما مليلها فمن لفواد قد أضرّ به الهوى ... وعين على سلمى طويل همولها إذا أفصحت بالدمع قلت لصاحبي ... قذاة بجفن العين سوف أجيلها وما ذاك إلا حب سلمى وعبرة ... تخبّر عن عينى به فتسيلها «3» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 لأعطى سليمى خير شيء تحبه ... وأهل لأن تعطى ويبذل سولها اذا نزلت سلمى محولا تأزّرت ... من النبت حتى تستريض محولها قال أبو بكر: حدّثنا احمد بن اسماعيل، قال: سمع أحمد بن يوسف لأخيه على شعرا قد كتب به إلى هوى له: أيا باذلا ودّا لمن لا يشاكله ... يساعده في حبه ويواصله عليك بمن يرضى لك الناس ودّه ... أواخره محمودة وأوائله فكتب اليه أخوه أحمد: وفّقك الله يا أخى للسداد، وهداك للرشاد. قرأت لك شعرا أنفذته «1» الى من تخطب مودّته، وتستدعى عشرته. فسرنى شغفك بالأدب، وساءنى اضطرابك فى الشعر. وليس مثلك من أخرج من يديه شيئا يعود بعيب عليه، وأعيذك بالله من أن تلج لجة الشعر بلا عوم «2» ينجيك منها، وسباحة تصدرك عنها، فتنسب «3» إلى قبيح أمر هويت النسبة «4» الى حسنه. فاعرف الشعر قبل قوله، واستعن على قوله «5» بأهله، ثم قل منه ما احببت، اذا عرفت ما أوردت واصدرت. وهذه أبيات في وزن أبياتك، نظمتها بمثل ما نثرته لك وهى: أبا حسن عان الرواية «6» قبل ما ... تريغ «7» من الشعر الذي أنت قائله ففي الشعر فضل إن وفيت بحقه ... ونقص اذا لم توف يشهر باطله وحسبك عجزا بامريء ذى توصل ... إذا عىّ بالأشعار فيمن يواصله يهون على معشوقه ما أعزّه ... فتنقلب الأحوال فيما يحاوله فدونك نصحا من خبير مجرّب ... قضى آخرا أفضت اليه أوائله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 ومستأنف الأيام منها كسالف ... فبالسّالف الماضى فقس ما نزاوله «1» قال ابو بكر: وأنشدنى عون، قال: أنشدنى عبد الله بن احمد بن يوسف لأبيه: إذا ما التقينا والعيون نواظر ... فألسننا حرب وأعيننا سلم وتحت استراق اللحظ منا مودة ... تطلع سرا حيث لا يبلغ الوهم وأنشدنى أيضا لأبيه: محبّ شفّه ألمه ... وخامر جسمه سقمه وباح بما يجمجمه ... من الأسرار مكتتمه أما ترثى لمكتئب ... يحبك لحمه ودمه يغار على قميصك حي ... ن تلبسه ويتهمه وقال ايضا: صحيح تمنى أن يكون به سقم ... ليرحمه بالوصل من شأنه الصرم فياليت أن الشكو والضر حل بي ... وصح لفضل طول مدته الجسم وليس بمظلوم إذا ذل عاشق ... بعزة معشوق تغالى به الظلم وقال ايضا: كثير هموم النفس حتى كأنما ... عليه جواب السائلين حرام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 اذا قيل ما أضناك باحت دموعه ... بإظهار ما يخفى وليس كلام وقال في عمرو بن سعيد بن سالم ما قد ذكرناه فى أخباره. وقال ايضا: إن كفّي إذا التقينا تراها ... تتنزى «1» الى قفا حيان ولها عطفة ولا بد منها ... بعده في قفا أبى عثمان «2» ذهبت كلّ لذة لي الّا ... لذتى فى تفقد الإخوان واشتعافى بصفع من يدّعى الشع ... ر بلا خبرة ولا إحسان قال أبو بكر: حدّثنى عون بن محمد، قال: كتب أحمد بن يوسف الى اسحاق بن ابراهيم الموصلى- وقد زاره ابراهيم بن المهدي-: عندى من أنا عنده، وحجتنا عليك إعلامنا لك، والسلام. ومن غير طريق عون أنه كتب تحت هذا: عندي من تبهج القلوب له ... فان تخلفت كنت مغبونا وقال يمدح العلاء بن وضاح: قل للعلاء بن وضاح فتى المنن ... يا مشتري الحمد بالغالي من الثمن أنت الذي لان للإخوان جانبه ... وإن تعاوره الأعداء لم يلن وقال يمدح الخدم: مبرّءون من الشّعر الكريه ومن ... ريب الأيور وأخراج المنايين فهم نساء إذا ما شئت خلوتهم ... وهم رجال لدى الهيجاء يحمونى قال أبو بكر: حدّثنى القاسم بن اسماعيل، قال سمعت ابراهيم بن العباس ينشد لأحمد بن يوسف: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 مولاته هي حقا حين يهواها ... والناس يدعونه باللفظ مولاها يجلّها إن دعاها أن تلبيه ... فإن دعته لما «1» تهواه لباها يبكى الفراق حذارا قبل فرقتها ... ويشتكي شكوها من قبل شكواها يسيء من شدة الوجد الظنون بها ... حتى يجيل ظنونا ليس يخشاها وأنشدنا احمد بن يحيى لاحمد بن يوسف: شرب النبيذ على الطعام ثلاثة ... فيها الشفاء وصحة الأبدان يمرى ويعطى في الجوانح خفة ... ونشاط كلّ محارف سكران فإذا شربت كثيره فكثيره ... سرج عليك لمركب «2» الشيطان فاحذر بجهدك أن تكون جنيبة ... بعد العشاء تقاد بالأشطان سكران تنعر في الطريق ألا ألا ... غلب العزاء فبخت بالكتمان فتظلّ بين الضاحكين كبومة ... عمياء بين جماعة الغربان من توقيعات احمد بن يوسف: قال أبو بكر: وقع الى عامل ظالم: الحقّ واضح لمن طلبه، تهديه محجته، ولا تخاف عثرته، وتؤمن فى السر مغبته، فلا تنتقلن منه ولا تعدلن عنه، فقد بالغت في مناصحتك، فلا تحوجنى الى معاودتك، فليس بعد التقدمة إليك إلا سطوة الإنكار عليك. ووقع فى كتاب: مستتمّ الصنيعة من صابرها، فعدل زيغها «3» ، وأقام أودها، صيانة لمعروفه، ونصرة لرأيه. فانّ أوّل المعروف مستخفّ، وآخره مستثقل، تكاد «4» أوائله تكون للهوى، وأواخره تكون للرأي. ولذلك قيل: رب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 الصنيعة «1» أشد من ابتدائها. ووقع فى عناية انسان من بعض العمال: أنا بفلان تامّ العناية، وله شديد الرعاية. وكنت أحبّ أن يكون ما أرعيته طرفك من أمره في كتابى، مستودعا سمعك من خطابى، فلا تعدلنّ بعنايتك إلى غيره، ولا تمنحنّ تفقدك «2» سواه حتى تنيله إرادته، وتتجاوز به أمنيته، إن شاء الله. ووقع إلى رجل غصب رجلا علي ضيعة وكان غائبا فاستغلها سنين، وقدم الرّجل فطالبه، فقال: الضيعة لى وفي يدى. فوقّع اليه أحمد بن يوسف: الحق لا تخلق جدته، وان تطاولت بالباطل مدّته. فان أنطقت «3» حجتك بافصاح، وأزلت مشكلها بايضاح- غير (لي «4» وفى يدى) فكثيرا «5» ما اراها ذريعة الغاصب، وحجة المغالب- وفّر حقّك عليك، وسيق بلا كدّ إليك وان ركنت من البيان اليها، ووقفت من الاحتجاج عليها كانت حجته بالبينة أعلى «6» ، وكان بما يدعيه أولى، ان شاء الله ومن توقيعاته: ما عند هذا فائدة، ولا عائدة «7» ، ولا له عقل أصيل، ولا فعل حم؟؟؟ ووقع الى عامل- قد أخر حمل مال-: قد استبطأك الاغفال، وأبطرك الاهمال فما تصحب قولك فعلا، ولا تتبع وعدك انجازا، وقد دافعت بمال نجم لزمك حمله، حتى وجب عليك مثله، فاحمل مال ثلاثة أنجم، ليكون ما يتعجل منك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 أداء ما أخر عنك: ان شاء الله وقع الى رجل استماحه: وددت لو ملكت بغيتك، لبلغتك امنيتك، ولكنى في عمل قصدت فيه اتخاذ المحامد، وعدلت عن اقتناء «1» الفوائد، فحسن نصيبي من الوفر، ووفر حظى من الشكر، وقد أمرت لك بما يجلّ عنه قدرك، غير مختار له، بل مضطرّ اليه. فليكن منك عذر فيه، وشكر عليه. ان شاء الله. قال أبو بكر: وقد ذكرت في كتاب الوزراء أكثر ما وقع الينا من توقيعاته، وأنا أكره الإعادة فيما أؤلفه، ليكثر لقارئه فائدة. الا ما لا بد من إعادته اذا ذكرنا رجلا فإنا لا نقدر [ان] نغير مدته وزمانه، ولا ننسبه الى غير آبائه، فيقع من المعاد ما هذه طريقته، والذى ذكرته وأشباهه حجته «2» من كلام احمد بن يوسف: قال أبو بكر: حدّثنا القاسم بن اسماعيل، قال: حدّثنى ابراهيم بن العباس قال: سمعت أحمد بن يوسف يقول: أمرنى المأمون أن أكتب الى النواحى فى الاستكثار من القناديل فى المساجد [في شهر رمضان] «3» فبت لا أدرى كيف أفتتح الكلام، ولا كيف أحتذيه «4» فأتانى آت فى منامى، فقال: قل: فإن في ذلك [عمارة للمساجد «5» و] اضاءة للمتهجدة «6» ، ونفيا لمكامن للريب، وتنزيها لبيوت الله [جل وعز «7» ] عن وحشة الظلم. فانتبهت «8» وقد انفتح لى ما أريد فابتدأت بهذا واتممت عليه. حدّثنى محمد بن العباس المادرائى. قال: حدثنى محمد بن عبد الله بن أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 ابن يوسف. قال: غنىّ مغنّ فى مجلس أحمد بن يوسف، ولم يك محسنا، فلم ينصتوا له وتحدّثوا مع غنائه فغضب. فقال احمد: أنت عافاك الله تحمل الآذان ثقلا، والقلوب مللا، والأعين قباحة، والأنف نتنا، ثم تقول: اسمعوا مني، وأنصتوا الى! هذا اذا كانت أفهامنا مقفلة، وحواسنا مبهمة، وأذهاننا صدئة! رضيت بالعفو منا، وإلا قمت مذموما عنا؟!. وحدّثنى محمد بن العباس أيضا، قال: حدّثنى محمد بن عبد الله، قال خاصم أحمد رجلا بين يدى المأمون، فكان قلب المأمون على أحمد «1» فقال وقد عرف ذلك: يا أمير المؤمنين، إنه يستملى من عينيك ما يلقانى به، ويستبين بحركتك ما تجنه لي. وبلوغ إرادتك أحبّ اليّ من بلوغ أملى. ولذة اجابتك احب اليّ من لذّة ظفرى. وقد تركت له ما نازعنى فيه. وسلمت إليه ما طالبنى به. فشكر المأمون ذلك له ومن كلامه: لقد أحلك الله من الشرف أعلى ذروته، وبلّغك من الفضل أبعد غايته. فالآمال إليك مصروفه، والأعناق اليك معطوفه. عندك تنتهي الهمم السامية، وعليك تقف الظنون الحسنة. وبك تثنى الخناصر، وتستفتح أغلاق المطالب. ولا يستريث النجح من رجاك، ولا تعروه النوائب فى ذراك «2» ومن كلامه: لك جدّ تنجده همتك، وإنعام تفوه به نعمتك. فهى تحسر الناظر اليها، وتحير الواقف عليها. حتي كأنها تناجيه بحسن العقبي، وتوحي اليه ببعد المدى، ولله در نابغة بني ذبيان فى قوله: مجلّتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 ومن كلامه: من اتّسع في الإفضال اتسعت به الأقوال: من شاكر مثن، ومادح مطر. ولسنا نصفك بما يعنّ لنا ويذلّ على ألسننا مما يتقرب به ذو الرغبة، ويضرع اليه ذو الرهبة؛ لاستنزال مرغوب أو استيجاب «1» مطلوب. ولكننا ننطق عن سيرتك بافصاح، ونبين عنها بايضاح، فنكف شغب الكائد ونطيل «2» نفس الحاسد. ومن كلامه: كفى عارا على راغب أن يعدل برغبته عن الأمير، اذ كانت عائدته تشير اليها، وتقف راجية اليها. فالقصد بها حيث يومى لها، من منبت رافع، ومسرح واسع، أولى براجى نجاحها، وتصديق الأمل فيها، من إيقافها على حيرة، وإقحامها في شبهة لم يضح نهج السبيل اليها، ولا نصبت أعلام جود عليها: فأقل ما فى الأمير من كرم الخلال يربى على كثير من فنون المقال، فجهد المادح له أن يبلغ أدنى فضله كما أن غاية الشكر أن يجزى أيسر نعمه. فأطال الله مدته، وأدام له دولته، وتمم عليه نعمته. ومن كلامه يعتذر الى بعض الاخلاء لي ذنوب إن عددتها جلت، وان ضممتها الى فضلك حسنت. وقد راجعت إنابتى، وسلكت طريق استقامتى. وعلمت أن توبتى في حجتى، وإقرارى أبلغ فى معذرتى فهذا. مقام التائب من جرمه، المتضمن حسن الفيئة على نفسه. فقد كان عقابك بالحلم عنى، أبلغ من أمرك بالانتصاف منى، فإن رأيت أن تهب لى ما استحققته من العقوبة، لما ترجوه من المثوبة، فعلت إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 ومن كلامه: قد كان كتابى نفذ إليك بما كان غيره أولى بى، وألزم لي فى حقّ الحرية والكرم، اللذين جعلا لك إرثا، والشرف والفضل اللذين قسما لك حظا. ولكننى دفعت من اتصال الزّلل، والإخلال بالعمل إلى ما اضطرني إلى محادثتك ودعاني إلى مخالفتك لأجلى عني هبوة الاتهام، وأصرف عنك عارض الملام. وقد جرى لك المقدار بالسؤدد الذى خصك الله بمزيته، وأفردك بفضيلته. فليس يحاول أحد استقصاء عليك إلا عرض دونه حاجز من واجبك، يضطرّه الى ذلة التنصل اليك، ويحور ذلك عن التعمد. وكتب الى بعض الأخلاء وقد اعتل: ورد كتاب صاحبى علىّ، يذكر شكوى قبلك، فكرّه الي الاستبداد عليك بالصحة، وقبح عندى ترك مشاركتك في العلة، ولم يكن لي حول بتغيير ما قدر الله في جسمى، ولا بنقل ما ألم بجسمك الى. فاستل «1» بألم قلبى، وأسكنته همي وكآبتى لأكون كأسوة المنقطعين اليك، المنتظمين في خيطك. وجعلت ذلك شعاره في علتك حتى يأتينى المرجوّ من سلامتك. وأخرت الكتاب بالعيادة وإرسال من يقوم مقامى فيها لديك لانى إذا استقصيت فى الكتاب وصف ما يداخلنى طال، فعققت به من قصدت برّه. والرّسول فلا يحمل ما يتضمنه؟؟؟ دري، فينثل «2» كنه ما عندي. ولا يلقاك بسحنة مرسله، التى تترجم عن نيته، فإنى لكذاك أمثل ببن. التقرير في إتيانك قبل استئذانك، أو تقدمة استطلاع رأيك، إذ جاءنى البشير بإفراقك، وإقبال العافية إليك، وظهور تباشيرها عليك. فانحسر كل هم، وزال كل غم. ورحب من الأرض ما كان متضايقا على، واستقبلت أملا سرتنى جدته، وسرى عنى ما كنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 أجده. فالحمد لله الذى أشجى عدوّك، ولم يصدق طمعه، وأزال غصة وليك، ولم يحقق حذره. وأنا أسأل الله الذى وهب لنا إقالته، وساق اليك عافيته أن يهب لك عمرا زائدا على أمنيتك، متجاوزا حدّ إحسانك، موفيا على مبلغ ظنك؛ ويصل العزلك فى أمده، بكريم المنقلب من بغده. ويجعل حسن بلائه عندك «1» كمدا فى صدر حاسدك، وجمالا في عين مؤملك، وسرورا للمتصلين بك ان شاء الله. وكتب: من قصر في الشغل عمره، قلّ في العطلة صبره. وما من وجهة أؤمل فيها سدّ اختلالى إلا دهمتنى فيها خيبة تكسف بالى. وأنت من لا يتخطاه الأمل فى أوان عطلته، ولا يجاوز رجاءه الحرمان في حين ولايته. وليس لذمّ عليك طريق، ولا الى مدحك سبيل، لأنى اذا قلت فيك ما لا تعرف به عورضت بالتكذيب، وأن أتيت بما لم تولنى طالبت حالي بالتحقيق. فلا يرى الناس فيها أثر تصديق، وقد صفرت يدي من فائدتك، بعد أن كنت ملأتها من عائدتك. فان رأيت أن تجيرنى من الحدثان، وتقيلنى من قيد الزمان. فعلت ان شاء الله. قال أبو بكر: ومكاتبة أحمد بن يوسف كثيرة شهيرة معروفة مألوفة، فأتيت بالقليل منها ليستدل بها على جميعها. ان شاء الله: وفاة احمد بن يوسف قال أبو بكر: سمعت عون بن محمد الكندي يقول: سمعت عبد الله بن أحمد ابن يوسف يقول: مات ابى بضيق نفس اعتراه أياما، وذاك أن المعتصم وسعيد ابن سالم الباهلى كانا يكيدانه عند المأمون، ويقعان فيه، فدخل يوما الى المأمون وهو يتبخر، فأخرج المجمر من تحته، وقال: اجعلوها تحت أحمد ليكرمه بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فتبخر به فرفعا الى المأمون أنه قال لما أتى بالمجمر: هات هذا المردود، وأنه قال فى البيت لغلامه: ما هذا البخل على البخور، ولو كان أمر لي ببخور مستأنف كان أولى فحقدها عليه، فقال: أيقال لي هذا وأنا أصل فى يوم واحد رجلا واحدا بستة ألف ألف دينار وانما أردت اكرامه. فدخل يوما أحمد على المأمون وهو يتبخر فقال: اجعلوا تحته قطع عنبر، وضمّوا عليه شيئا يمنع البخار أن يخرج. ففعلوا ذلك، فصبر عليه حتي غلبه الأمر فصاح: الموت والله! فكشفوا عنه، وغشى عليه، ثم انصرف فمكث فى بيته شهرا عليلا من ضيق نفس حتى مات. وكان موته في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة ومائتين. وقد حكي غير هذا وأحكمت هذا فى كتاب الوزراء. وذكرت من مراثى القاسم بن يوسف لأحمد أخيه، وأنا مستغن عن اعادة ذلك، لأنى قد ذكرت فى ذكرى شعر القاسم بن يوسف مراثيه له كلها. أمر أبى محمد عبد الله بن احمد بن يوسف قال أبو بكر: كان عبد الله هذا ظريفا كاتبا شاعرا إلا أنه قليل الشعر، وقد ألف كتبا صغارا ورسائل الى اخوته، والغالب عليه الهزل، وربما نسب من لايدرى شعره إلى محمد بن عبد الله، لأنه أكثر شعرا منه، وأنا أذكره بعد فراغى من ذكر أبيه عبد الله، وربما نسبوا كلامه الى كلام أبيه. وانما أذكر ما صح من شعره وكلامه وأخباره إن شاء الله أنشدنى عون بن محمد، قال أنشدنى عبد الله بن أحمد لنفسه: بلوت هذا الأنام طرّا ... فلم تشبّث يدى بحرّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ولا استبنت الصديق حتى ... تصرفت بى صروف دهري ما المرء الّا أخو الليالى ... يسرى به الدهر حيث يسرى إن تبله بالعقوق منها ... لا يند من صاحب ببرّ وهو القائل في انسان استثقله: أقول له والنفس تنبو بقربه ... لك الأجر ان جرّدت في هجرنا عزما ويسرت للأنفاس منا «1» سبيلها ... فقد حصرت من دون مشيتها غما فما لذّ مجرى الكاس حتى رأيته ... صريع أكفّ قد تعاورنه لطما وقال وقد حجبه المعلى بن ايوب: قل للمعلى ذى الجلا ... ل وإن عداك جلاله يا أيّها الملك المخو ... ف المرتجى إفضاله أنت الذى وسع البر ... ية عدله ونواله واذا بدا ملأ القلو ... ب بهاؤه وجماله واذا تكلم راق سا ... معه وفاق مقاله واذا البوارق خاب شا ... ئمها فنحن عياله لما سمت أعمامه ... واستنجدت أخواله طفقت تشيد ما بنا ... هـ يمينه وشماله حتّى تشاكل فى القيا ... س نجاره وفعاله واستضحكت عن سخطه ... أرماحه ونصاله فاذا انتحت اقلامه ... أردى العدو كماله وأبيح إذنك دونه ... قوما «2» هم امثاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 قفه على سبب الحجا ... ب يتب فتصلح باله وقال يرثى اباه: تطاول في بغداد ليلى وضافنى ... نزيلا جوى بين الحشا والترائب أناخا على صبري فخلى مكانه ... لفقد اب برّ «1» جزيل المواهب ابا جعفر يا خير وائل كلها ... اذا نزلت بالناس احدي النوائب وراحت افال الشول غرثى تشكها ... شآمية ترمى الوجوه بحاصب وحاميهم ان صبحتهم مغيرة ... عليها المنايا فى صدور الكتائب فتى كان مثل السيف ان هزمتنه ... اتى حدّه دون الطلى والغوارب له شيمة عند المحامة فظة ... تشيم العدا منها بروق المعاطب وتملكه عند الندى أريحية ... تحكم فى امواله كلّ راغب تخال به ليثا وغيثا وسنة ... من البدر تجلو مسدفات الغياهب اذا يده بلّت «2» بقائم سيفه ... هوت قمم الاعداء من كلّ جانب وليس بناج منه قرن يريده ... ولو حل بين الجاريات الثواقب سلام على قبر تضمن شلوه ... وجادت عليه هاطلات السحائب بمثل ندى كفيه أو مثل عبرتى ... عليه فروّاه حيا غير ناضب قال أبو بكر: ويروى انه قيل لعبد الله بن احمد: وصفت أباك بالشجاعة والقتال، وهو كاتب حبار! فقال: والله ما وصفته الا بما فيه، ولقد حججت معه سنة، فخرج علينا أعراب فما كان في القافلة أشجع منه، قتل فارسا وأسر فارسا، ولكنه كان يكتم هذا ولا يذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 ومن كلامه: أنت السيد العالى شرفه، المتناهى كرمه، لا تتخطاك همة، ولا تقصر عنك رغبة. اذ بنت بالفضل على من تقدمك، وحميت غايتك ممن يقفو أثرك. فأنت لأهل دهرك ميل، وللكاتبين بعدك مثل. ولك عندى عارفة أسألك استتمامها، فإنك تعود فى المعروف بأحسن من بديتك. فدانى جودك قريب من اجابتك. قال أبو بكر: وأكثر أشعاره فى جار له يكنى أبا جعفر يعمل فيه أشعارا مضحكة، فمن ذلك: افخر أبا جعفر ان كنت مفتخرا ... فقد نبهت وصرت العدل والحكما وابعث الى قبر قوهى من يبشره ... ومن يقول سقيت السح والديما أبلغ صداه وغلغل فى مسامعه ... أنى حظيت وأن الشأن قد عظما وقد ظللت وما ان كنت آمله ... بالبرستان وفيمن حلها علما وقد أذاع مديحى شاعر فطن ... خلو القريض وما حاشى وما احتشما قال أبو بكر، وهو القائل لهذا أو لغيره: أنت كالعنقود والث ... علب وثاب مناهض قال لمالم ينله ... أنت يا عنقود حامض وقال أيضا: اليك اعتذارى من مديحك تائبا ... أبا جعفر ان كنت فيه مقصرا على أننى ما كنت أبلغ كنهه ... ولو كنت فيه الشنفرى وابن أحمرا فصفحا وعفوا أن تشاء عقوبة ... وان كنت عندي فى العقوبة اعذرا وهو القائل يتولع بأبى جعفر هذا: يبدى الترهّد للورى وضميره ... هلك الورى أخيارها وشرارها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وله بتحريم النبيذ ديانة ... ورواية مشهورة آثارها وبرأى عينيه يباع ويشترى ... في رحبة هو ركنها ومنارها ويغض مسرورا عليه جفونه ... إذ كان يوجبه عليه جوارها أمر أبى الطيب محمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف ومختار شعره قال أبو بكر: كان شاعرا كاتبا ظريفا راوية، قد سمع من علماء البصرة دماذ والمازنى وأشباههما، وعمل أشعار شعراء وكتبها بخطه وأحسن تأليفه؛ وكان يكتب ليحيى بن عيسى بن منارة، وله فيه أهاج ملاح فمن شعره فيه: يا سميى ان دعيت ومن ... حال عن عهدى ولم أحل وأخى ما كنت ذا ثقة ... من زمانى أو على أمل فاذا ما الدهر عاندنى ... فأخو الأيام والدّول والذى أثمان موعده ... أبدا قول بلا عمل قال أبو بكر: وله فى هذه القافية: يقول مغيض العلم صدرى كله ... وعندى جميع الناس لا شكّ جاهل ويجعلّ للتوراة بالجهل مدخلا ... فأنت بهذا في حرامّك داخل اذا كان كلّ الناس عندك جاهلا ... فمن ذا الذي يدرى بأنك عاقل!؟ وقال فى غلام ابن منارة: بدا فكأن بدر التم أوفى ... على غصن من الأغصان رطب لئن ملكته كفك يا ابن عيسى ... وليس بمستحق رق كلب فقد ملك الخلافة قبل من لم ... يكن أهلا لها من آل حرب! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وقال لابن منارة: كنيف ديوانك مختوم ... وأنت في دينك مزكوم أحسن ما قيل على أنه ... أقبح ما في الأمم اللوم وقال أيضا: [الا] يا جاهلا يقضى ... على العالم بالجهل أمن عقلك ان تخب ... ر عن نفسك بالعقل وقال في ابن منارة: أيا واحد الناس فى قوله ... فليس به أحد يقرن ومن يدعي علم مالا يكو ... ن وليس يجوز ولا يمكن ولست تراه اذا ثرته ... يصحح علما ولا يحسن ويثني على نفسه بالذى ... على من سواه به يطعن بقية «1» مستطرف عنده ... وقالون راوية محسن واعقل ذا الخلق فى حكمه ... منجّمه المائق الأرعن وكلّ امرىء عاقل عالم ... فذاك له الدهر يسترعن فكل الورى جاهل عنده ... ويظهر ذاك ولا يبطن فكيف يجيز شهاداتهم ... وفي فهمهم عنده مطعن! وقال فيه يهجوه: رماك الله يا يحيى بن عيسي ... بذلّ والعجوز بحرّ ثكل فقد أدّتك من معلاق سوء ... به اشتملت على نذل لنذل تفلسف في النجوم وتدّعيها ... ولا ترضى لها فضل بن سهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 فألّا أنباتك وأنت تشدو ... بأنك داخل فيها بجهل وانك خارج من كل ثفر ... على وتر وايقاع بطبل وتغضب للفلاسف أن يعابوا ... بقول كان منهم أو بفعل وجسمك مخطف فيه اضطراب ... ورأسك فوقه كرؤيس صعل فهل قال الفلاسف إنّ رأسا ... صغيرا سالم من ضعف عقل فلا تغضب لهم من بعد هذا ... كما وتروك واطلبهم بذحل وقال يصفه بالشؤم: رأيتك يا يحيى بن عيسى مخربا ... بتوكيد خذلان لملك مؤيد صحبت أناسا كنت نحسا عليهم ... فمن مزهق مسلوب نعمى ومقصد فعدّ ابن فيروز وعد ابن واصل ... قريع ذوي الآداب فى كل مشهد شننت عليهم غارة عجلت لهم ... بأسر يؤم «1» الشك للرّجل واليد وعدّ سعيدا وابن موسى تركته ... لدى قصره مستودعا بطن ملحد أزلت عبيد الله عن إرث عزّه ... ونغصت ما حامى عليه ابن مخلد وصيرت ديوان الضياع مفازة ... وشرّدت اسماعيل كلّ مشرد ودارت على المعشوق منك مناحس ... فهدّت ذرى السور المنيع المشيد اذا ما نجا من شؤمك اليوم معشر ... فلست بمخليهم من الشؤم في غد حنانيك واصفح منعما عن إمامنا ... لنا واعتمد من شئت من بعد أحمد وقال أيضا: يا من يكثر نفسه من قلة ... فيه وفرط خساسة في العنصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وأبوه يكحل بالفلوس ويشتكى ... مور الذرور وسوء رد المنخر قل لى متى أخذ المنجم طالعا ... لنتاج حشة فى قديم الأعصر ان كان حقا ما ادّعيت فكيف لم ... يسبق نداك الى أخيك الأكبر وقال فى الغزل: يفرّق بيني وبين النهى ... ويجمع بين التصابى وبينى حبائل للسحر معقودة ... بنرجستين على وردتين جمعن الفتون إلى ناظر ... مضرّ لقلبي مقر لعينى أحيل على حسنه عاذلي ... فيعذرنى لشقائي وحينى قال أبو بكر: حدّثنا محمد بن العباس الشلمغانى، قال: حدّثنى محمد بن عبد الله بن أحمد قال: كنت أعشق غلاما نصرانيا معى في الديوان، فوجدته يوما نائما سكران لا يعقل، ففرّقت من في الديوان، وقضيت منه أربا فانتبه يصيح فمنعته وقلت: أبصرته غدوة سطيحا ... معفرا خده مليحا قد خدر السكر جسما ... واستلب النوم منه روحا فحرّ كتنى له مهيجات ... جعلن طبني له نضوحا لما «1» خاننيه قا ... م وقد حركا مشيحا فقال ماذا [و] همّ لولا ... مخافة الناس أن يصيحا فقلت: هذا جزاء عبد ... قاس الى ربه المسيحا وقال ايضا: يحاذر من هويت من الرقيب ... ويكثر ذكره لى في المغيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 تجنبني مخافة قول واش ... وأبدى جفوتى حذر الرقيب فمالي إذ تجنب من عزاء ... ومالي من هواه من طبيب جليل حين يوصف عن قضيب ... وأعلاه يمثّل بالقضيب بعيد من محلة كل سوء ... قريب من محلة كلّ طيب تكون من مثالات الأمانى ... وصوّر من محبات القلوب يمثله الهوى حتى كأنى ... أناجيه بقلبي من قريب وقال أيضا: إن الخدود إذا وصفت ملاحها ... شبهتها بطرائف التّفاح فلذاك صار محببا مع أنه ... مما يزينه اصطباح الراح فاذا سمعت لنعته فاطرب له ... واشرب عليه ولا يرعك اللاحى وقال أيضا: وعظ المشيب فمرحبا ... ألفا بواعظة المشيب قالوا كبرت فقلت بل ... زينت بالثوب القشيب هذا وقد أحكمت ما ... أعيا على الرّجل الأريب فاسمع وأقصر عن ملا ... م أخي التجارب في الخطوب أمن اجل واعظة بدت ... في الرأس أقصر عن لبيب ولقبل ما يئس العوا ... ذل من سلوّى عن حبيبي كيف اصطبارى عن هلا ... ل قد أناف على قضيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 السحر في حركاته ... والهمّ منه في القلوب وقال ايضا: هبت تعاتبنى عرسى فقلت لها ... لا تعذلينى لما أتلفت من نشب لا تكثري عذلي في المال أعدمه ... فالمال ينفر عن ذى الدين والحسب الله يرزقنى والرزق يطلبني ... وان قعدت فلم ألحح على الطلب ولا تفوهي بتقريظ البخيل فما ... أصبحت ويحك لى فى البخل من أرب فكسب محمدة يبقى الثناء بها ... خير وأزين من مذخورة الذهب إن قدّر الله لى رزقا سيبلغني ... إما على الخفض أو بالكدّ والتعب وقال يمدح الحسن بن مخلد: يا شاعرا يصف المهامه والسرى ... ويدوم في ديمومة بهماء دع وصف كلّ نجيبة وعقيلة ... تهوى كسرب قطا وسرب ظباء واقصد بمدحك سيدا تبهى به ... حطب الخطيب ومدحة الشعراء اقصد به الحسن بن مخلد الذي ... وسع البرية منه سيب عطاء شاد البناء له أوائل قومه ... وتلا فشاد بنية الآباء زان الذي قد أتلدوه بطارف ... من كتبة وحرامة «1» وسخاء كثرت أياديه وعم نواله ... فى الأقربين معا وفى البعداء لو قيل من للنائبات ترفعت ... أيدى العباد اليه بالإيماء إنى دعوتك إذ تعقب عيشنا ... بعد النعيم تتابع اللأواء وعلمت أن لابد من متوسل ... فنحوته بمديحة غراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 يستعذب الرّاؤون حسن نشيدها ... شغفا وتملأ أنفس الأملاء ورجوت رفدك والرجاء وسيلة ... عند الكرام وأشفع الشفعاء أملى بأن أحظى لديك بمثل ما ... يحظى به من كان من نظرائى بجميل رأيك ألبسوا حلل الغنى ... من بعد ما عدوّا من الفقراء لا زلت لابس حلة من شكر من ... أغنيته بترادف النعماء قال أبو بكر: حدّثنى محمد بن العباس المادرائى، قال: حدّثنى محمد بن عبد الله، قال: قدم علىّ بن حرب سرّ من رأى سنة ستين، فجمعت له أحاديث لأقرأها عليه، فتعذر ذلك على، فعملت أبياتا ودفعتها الى أبى بكر الشافعى ابن أخي الشافعي الاكبر، وكان يخصه فأوصلها اليه وهي: أبا حسن إنىّ ببابك واقف ... علىّ غدو نحوه ورواح ولست أنال الحظّ مما أريده ... واذنك مبسوط له ومباح وعندى آثار حسان جمعتها ... مشاهير أمثال النجوم صحاح فان يك اذن فيه سهل ومرحب ... دخلت وإلا فالسراح نجاح لأعرضها صفحا وتسمع عرضها ... فأبلغ حاجاتى وأنت مراح فعندي شكر للذي أنا مبتغ ... وعندك جود يرتجى وسماح وعندى فكاهات وحقّ وباطل ... وجدّ وتشمير معا ومزاح ولا تخش منى أن أكون مثقلا ... على ذاك عندي مأثم وجناح فوجه إلي فأدخلنى خصوصا، وقرأت جميع ما أردت [و] فى الابيات: وفعلك فعل حاتمي ومن يكن ... له حاتم عما يرح ويراح فاعتذر الي وقال: أنا لك فتعال متى شئت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 قال أبو بكر: ووجدت بخطه، كتبت الى ابن الأشعث، وقد افتصد: سبقت إلى فصدة شافية ... فأعقب في سبقك العافيه وبادر برك أهل الثراء ... فجاءت هداياهم غاديه وراحت لنا مدحة لم تزل ... بمثلك أمثالها عاليه جرى الدم من راحة لم تزل ... بأنعمها سحة جاريه وهذى هدية من لم تكن ... دراهمه جمة وافيه ووجدت بخطه: كتبت الى ابن الاشعث عقبة بن أهبان أطلب منه نبيذا: أعقب أعزّك ربّ العبا ... د بطاعته، والذى تشتهى أتانى أخ لى من وائل ... تفرعها كالشهاب المضيّ وليس نبيذ فنحيا به ... حياة النبات بماء الشرى وأنت المرجى لأسقامه ... فصدّق به أمل المرتجى ومن كنت عدته فى المل ... م سعى فى الأنام ببال رخى فمر بالكفاية في يومنا ... له إن تشأذاك أولا فلى فانك تدخر حمدا بذا ... ك يبقى على دهرنا ما بقى كلاك الإله وأبقاك في ... يسار سنى وعيش هنى قال وكتبت اليه أهنئه بمولود: جعلت فداءك من سيد ... حقيق بكل ثناء جميل حباك الإله بإحسانه ... بغيظ العدا وسرور الخليل بمولود يمن نماه الإل ... هـ سعيد الجدود كريم القبيل نماه لأنبل ما يرتجى ... من الهبرزى الكريم النبيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 بصدق اللقاء وصدق الحدي ... ث وإكرام عافيكم والنزيل فبادر بشكرك ربّ السما ... ء يزدك باعطاء فضل جزيل قال أبو بكر ووجدت بخطه: كتبت الى ابن الاشعث في يوم سبت، وكان نوروز سنة ستين ومائتين: جعلت فداك من حدث الليالي ... ومن دهر عثور ذي انتقال تبوّق فى الهدايا كل قوم ... من الآلات والحلل الغوالى فأهدوا كل ما يفنى ويبلى ... على الايام تتبعها الليالى وآثرت الثناء وقد تراه ... على الايام غضا غير بالي فقلت مقال حق غير افك ... .... «1» المكثر للمقال رأيتك عند خلق الله طرا ... اذا ذكر الندى ترب المعالي تفضّل فى خلال الخير جمعا ... كتفضيل اليمين على الشمال ولست بأوحد فى قول هذا ... ولكنى حذوت على مثال فأبقاك الإله لنا عزيزا ... بأنعم عيشة وأغض حال فكتب اليّ: لعمرى يا أخا المدح المصطفى ... لقد بالغت فى حسن المقال ولست بقابل التحفات حتى ... يكون المرسلون بها حيالي فأقبل متّ قبلك كى نباكر ... سلاف الراح بالماء الزلال قال فصرت اليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وقال: أطوّف لست أبلغ ما أريد ... وينزلنى الزمان كما يريد أطول وتقصر الارزاق عني ... كأنّ الرزق عن طلبى يحيد أحاول ثروة أسلو اليها ... فيأتينى من الرزق الزهيد إذا عم البلاد سحاب جود ... أتانى منه هفّ ما يجود أروم النوم مكتبئا عميدا ... وكيف ينام مكتئب عميد عليك اذا طلبت بحسن قصد ... فليس الحرص فى رزق يزيد قال: وكتبت الى ابن خرداذبه وقد دام المطر بسر من رأى وتأخرت عنه: لعمرى لئن سرّ الحيا فى مواطن ... لقد ساءنى أن عاقنى عن لقائكا وقد كنت مشغوفا بذاك أريده ... فحال قضاء الله من دون ذلكا فصف لي فدتك النفس أمرا يسرنى ... وأحمد فيه الله من حسن حالكا وحال أخينا أحسن الله صنعه ... وحال فتانا منعما فى كتابكا وكتب الى صديق له وجه اليه بتحية منه: يا ابن الاكارم حقا ... ويا حليف الكرام ويا أخا الجود وال ... بذل والأيادى الجسام ويا مجيرا من الد ... هر وافيا بالذمام ويا أخا الحال إذ ... بعضهم أخو الايام هذى تحية خلّ ... أحلى من الانغام (17- اوراق) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 فاشرب عليها هنيئا ... من الرحيق المدام فإن كرهت حريا ... بذاك شرب الحرام فاقصد نتاج حلال ... مولد الإسلام وقال فى التفاح: ما أملح التفاح فى الهدايا ... عطية من أعظم العطايا خديعة النسوان والصبايا ... ووصلة الناس إلى البلايا وقال ايضا: يا ذا الذي بحسنه ... نفسي لديه عانيه لحظك لى أخدع من ... تفاحة لغانيه قال أبو بكر: حدّثنى الطالقانى، قال: لما تمارض صالح ابن وصيف ليعوده الخليفة فلم يفعل، قال محمد بن عبد الله: تمارض صالح يبغى احتيالا ... فعيد فألفي في عافيه تمارض كيما يجئه الإما ... م فلم ير فى الحق أن يأتيه ولو بلغ الموت ما جاءه ... وتلك له أدبة كافيه قال ابو بكر: وكتب الى عبد الوهاب بن محمد بن هرثمة، وكان صديقه فجاءت كتبه إلى اخوته بسر من رأى، ولم يكتب اليه: جعلت فداءك من صاحب ... وقلّت لأمثالك التفديه ولقّاك ربى ما ترتجى ... ووقتك ما تختشي نفسيه كتابى إليك كلاك الإل ... هـ ونحن من الله فى عافيه وأحمد ربى إله الأنا ... م حمدا كثيرا على حاليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 على أن شوقى شديد الي ... ك وذكرك لم يخل من باليه وقد ساءنى أن تركت الكتا ... ب إلى ذى مودتك الصافيه وما كان ذلك فيك الرجا ... ء على رب «1» أيامنا الخاليه فان كنت وفّيت حق الودا ... د وأخلفت فى ذاك تأميليه ومكنتنى من أليم العتا ... ب وليس التقصي من شأنيه فلا تتركن اليّ الكتا ... ب فنفسى به صبة عانيه بصالح أخبارك الحادثا ... ت لا زلت في نعم ناميه وعارض حاجاتي السابحا ... ت بالقرب مني أونائيه أقوم بها عجلا مسرعا ... ولا أر نفسي لها قاليه (كذا قال: «ولا أر» باسقاط لام الفعل له، لأنه شرط فيجزم جوابا) وبعد سلامى على من رأي ... ت من الجيش والاهل والحاشيه جعلت فداءك من صاحب ... ولا زلت في عيشة راضيه وصلى الإله على أحمد ... وعترته الخيرة الزاكيه أخبار أحمد بن أبي سلمة الكاتب وأمه آمنة بنت يوسف، أخت أحمد بن يوسف وزير المأمون. قال أبو بكر: جئت بأحمد هذا فى جملتهم لأنه ابن اختهم، ولأن أحمد أول اسمه أنف، وهو شاعر مليح الألفاظ، دقيق الفطنة، مقل. حدّثنى عون بن محمد الكندي، قال: قلت لعبد الله بن أحمد بن يوسف: من أشعر أهلكم، فقال: عمى القاسم وابن عمتى احمد بن أبى سلمة، ولو كثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 شعره قليلا! قلت أنشدنى له شيئا، فقال: إنه كان يزعم أن خاله أحمد بن يوسف قتله المأمون، فمراثيه فيه على أنه مقتول، فمن مراثيه فيه: يا من بمقتله زها الدّهر ... قد كان منك تضاءل الدّهر زعموا قتلت وعندهم عذر ... فيه وظلمك ماله عذر يا قبر سيدنا المجن سماحة ... صلى عليك الله يا قبر ما ضرّ قبر أنت ساكنه ... ألّا يمر بأرضه القطر فلنبغينّ «1» سماح جودك في الثرى ... وليورقن بقربك الصخر وإذا غضبت تصدّعت فرقا ... منك الجبال وهابك الوعر وإذا رقدت فأنت منتبه ... يدك السحاب ووجهك البدر والله لو بك لم أدع احدا ... إلا قتلت لفاتنى الوتر وهو القائل يمدح أحمد بن يوسف: أحمد أنت للإنعام أهل ... يملّ السائلون ولا تمل كأنك فى الكتاب وجدت لاء ... محرمة عليك فما تحل فما ندرى لفرطك في العطايا ... أنكثر من سؤالك أم نقل إذا ورد الشتاء فأنت صيف ... وإن ورد المصيف فأنت ظل وقال يرثى أبا نصر بن أحمد الطوسى: كان لى إلف خليل فمضى ... لا أرى منه سواه عوضا وثنت منه عليه يده ... وأعانت يده أيدي القضا بشبا قاضية خاض الردى ... مجمع الأوداج منه فقضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 يا أبا نصر لقد أورثني «1» ... دمك المطلول حزنا «2» ممرضا فاذا ما فيك جالت فكرتى ... رجعت معتصمات بالرضا وقال لبعض اخوانه وقد أنكر منه شيئا من افعاله: لست أرضى بتيه ... من ماجد أرتجيه فكيف من لا أرجّى ... دهرى ولا أتقيه وصاحب كان يبدى ... خلاف ما يخفيه وددته بضميرى ... وودّنى لفظ فيه وكيف يصلح لى ... غير صالح لأبيه؟ قال أبو بكر: وحدثنى عون بن محمد، قال: كان أحمد بن أبى سلمة الكاتب يهوى الحسن بن أبى أمية، وكان الحسن يجفوه، فليم على ذلك، فقال: دع الصب يصلى بالأذى من حبيبه ... وكلّ أذى ممن يحبّ سرور غبار قطيع الشاء فى عين ذئبها ... اذا ما قفا آثارهن ذرور قال أبو بكر: وكان أحمد بن أبى سلمة صديقا لخارجة بن مسلم بن الوليد الانصاري، وكان يفضل على خارجة، وهو القائل يرثى أباه مسلما: تعطلت الاشعار من بعد مسلم ... وصارت دعاويها الى كل معجم اذا مرضت أشعار قوم فانه ... يجيئك منها بالصحيح المسلم قال أبو بكر: وأنشدنى عبد الله الهدادى، قال. انشدنى ابن أبى فنن لخارجة ابن مسلم يمدح أحمد بن نصر الكاتب، قال: وكان خارجة يجىء ويقيم عندى وهو أنشدنى هذا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 قد شكرنا أحمد ال ... خيرات فى بدو وحضر أوجب الله له من ... بعده حمدي فشكري فمتى قصرت فيه ... فاقبل اللهمّ عذرى لم أعاين كابن نصر ... كرما مدة عمري يتساوى لى منه ال ... جود في عسر ويسر يتلقي المدح منى ... بابتسام وببشر وببذل جاوز القد ... ر وشعر فوق شعرى قال أبو بكر: حدّثنى محمد بن على المعروف بابن الخراسانى، قال: حدّثنى أبو شبل البرجمي الشاعر، قال: كنا عند أحمد بن أبى سلمة، وكان أكرم الناس وأظرفهم، وكان خاطره في الشعر قريبا سريعا، وغلام له يسقينا حسن الوجه، فلما عمل الشراب دعا بدواة وكتب: ظل يختال في رداء شباب ... ذو صبا يقتضيك حقّ التصابى بمدام كأنما اعتصروها ... من خدود الكواعب الاتراب فى قميص مفوف «1» من زجاج ... ووشاح مؤلف من حباب كلما سحبت «2» أساءة خلق ... حسّنوه بمزج السحاب ثم رمى بالرقعة الى. فقال: والله ما فيّ فضل، ولا أدرى ما قلت، ولكن قل أنت شيئا، فقلت له: وهل تركت لأحد مقالا، ولست أستطيع مجاراتك فى هذا في وزن ولا قافية ولكنى اعبر «3» أحدهما فقلت: قمر فى الظلام يسعي بشمس ... وشحت باللجين والمرجان في كؤوس تكسو الأكف اذاما ... حملتها غلائل الزعفران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 ومن مديح أحمد: يوماه يوم ندى يرجى ويوم وغى ... مفرّق بين أرواح وأجسام لا يؤخذ الرأى إلا من قريحته ... ولا يشارك فى نقض وابرام وهو القائل: معتدل القامة مثل القضيب ... يهتزّ في لين وحسن وطيب يعذلنىّ فيه جميع الورى ... كأنني جئت بأمر عجيب أظن نفسى لو تعشّقتها ... بليت فيها بملام الرقيب قال أبو بكر: قد جئت بأكثر أشعار هؤلاء، إذ كانوا شعراء ظرافا كتابا لا يعرفهم الناس، ومن عرفهم لا يعرف أخبارهم، ولا أشعارهم: ومن يعرف الناس شعره، فأنا أذكر جيده فى كتابنا هذا، وإنما أستقصى أشعار من لا يعرفون وأخبارهم، وأنا مبتدىء بشعر اسحاق بن ابراهيم الموصلى وشعر ابيه وأخبارهما، وستجيء كثيرة حسنة، وإن تركت ذكر من هو أشعر منهما قبلهما لأفي بشرطي، لا آتى بالشعر على حرف من الحروف على قدم وسن ولا تطبيق، لاطبقهم بعد فراغى من جميعهم تسمية فى كتاب مختصر، لا أحتاج الى غير ذلك ان شاء الله. هذا آخر ما عمله أبو بكر الصولى من كتاب اوراق، ولم يقض له أن يعمل أخبار اسحاق بن ابراهيم لوفاته والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين، وسلم تسليما. حسبنا الله ونعم الوكيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 صورة ما كتب بآخر الأصل الحمد لله، فرغ منه نظرا وانتفاعا، الفقير الى ربه سبحانه السيد طه بن السيد عرفه اليعطنى «1» غفر له في سنة 1169 وكتب أيضا ما نصه: استفاد منه داعيا لمالكه الفقير محمود أبو المواهب غفر الله له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 فهارس الكتاب 1- فهرس الأعلام 2- فهرس التّراجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 فهرس الأعلام (1) لم نذكر ارقام العشرات ولا المئات إذا تقدم ما يدل عليها فمثلا وضعنا الصفحات التى ورد فيها احمد بن ابى فتن هكذا 74، 7، 8، 153، 214، 54 بدلا من وضع 74، 77، 78، 153، 214، 254 (2) وضعنا هذه الاشارة (*) امام الاعلام المترجم لهم آبى الضيم 35 آدم (عليه السلام) 126، 92 آمنة بنت يوسف بن القاسم 251 أبان (أخو أبى شاكر) 70 ابان بن حمدان بن أبان 62- 8 أبان بن عبد الحميد بن أبان 9، 10، 5 أبان بن عبد الحميد اللاحقى 1- 52 ابن لابان بن عبد الحميد اللاحقى 2 ابان بن عبد الرحيم 28 ابان بن عبد الرحيم عبد الملك بن أبان 23 ابراهيم بن رباح 55 ابراهيم بن سفيان الزيادى 34 ابراهيم بن شاهين 159 ابراهيم بن العباس 166، 207، 28، 31 ابراهيم بن المدبر 217 ابراهيم بن المعلى الباهلي 140 ابراهيم (الموصلي) 16، 20، 30 ابراهيم بن نهيك 84 الاحشين سار الزنادى 26 احمد بن اسرائيل 206 أحمد بن اسماعيل 78، 207، 12، 16، 26 احمد بن الحارث الخزاز 137، 41، 3 احمد بن ابى خالد 206 أحمد بن أبى خيثمة 80 احمد بن زهير- 145، 212 أحمد بن سعيد بن سالم 76، 217 أحمد بن ابى سلمة الكاتب 251، 4 احمد بن سيار الجرجانى 76 احمد أبى طاهر طيفور 209، 10 احمد بن على المادرائي 210 احمد بن عمرو السلمى 74، 132، 3، 7- 43 أحمد بن أبى فنن 74، 7، 8، 153، 214، 54 احمد بن محمد بن جميل 140 احمد بن محمد بن منصور بن زياد 80 احمد بن نصر الكاتب 254 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 أحمد بن يحيى 229 احمد بن يزيد بن اسيد السلمى 91، 116، 22، 40، 5، 9 34، 5، 44 أحمد بن يوسف صبيح: أبو جعفر 136، 43، 6، 56، 8، 60، 2، 3، 7، 85، 6، 206- 36، 51، 2، 5 الاخطل 77 ادريس بن أبى حفصة 74 اسحاق؟ 8، 31، 82 اسحاق بن ابراهيم المصعبي 197، 8 اسحاق بن ابراهيم الموصلى 80، 144 228، 55 اسحاق الزيادى 25 اسحاق بن سعيد بن سالم الباهلى 218 أسد بن عبد الله القسرى 210 اسماعيل؟ 242 اسماعيل بن بشر بن المفضل 71- 73 ابو اسماعيل اللاحقى. أبان بن عبد الحميد ابن أبان اسماعيل بن صبيح 27 أبو الاسود النوشجانى 144 أشجع بن عمرو السلمي: 74، 6، 81- 4، 86- 9، 91، 2 117، 8، 28، 36- 8، 1140 143 ابن لاشعث: عقبة بن أهبان الاشعرى 144 أصبع 12 أبو الاطول (راجع محمد بن خالد) بنو أمية 144، 7، 51، 81، 2 ابن أبى أمية (شاعر) 137 الأمين: (راجع محمد) أنس 36 أنس بن أبى شيخ (كاتب المنصور) 114، 5 ابن أنيس 66 ابن الأياس 11 ابن ايلول 106، 9 أيوب؟ 68 الباقطائى 86 الباهلى 46 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 باهلة بن اعصر 211 البحتري 81 بحر بن العلاء العجلى 143 البرامكة 1، 2، 6، 13، 4، 22، 38 51، 7، 80، 81، 156 البرجمى (انظر أبا شبل الشاعر) برد بن حارثة الربعى 15 البرذعى 3 برمك (جد البرامكة) 13 البرمكى (راجع جعفر) البلعي 36 ابن بسام 223 بشار بن برد العقيلى 12، 74 بشر بن داود 290 بشر بن سليمان 145 البشير بن الفضل بن لاحق (محدث) 33 بكر (قبيلة) 106 أبو بكر (راجع أحمد بن زهير) أبو بكر (راجع محمد بن يحيى الصولى) أبو بكر الشافعى (ابن أخى الشافعى الاكبر) 236 أبو بكر بن اسماعيل 62 بكر بن محمد المازنى بكر بن وائل 225 بقية؟ 241 بهثة بن سليم 91 بهلول القيسي 29 بيتك (غلام تركي) 23 تغلب 106 أبو تمام 212 تميم (قبيلة) 7، 26، 28 بنو تميم 113 التوزى 35 تيم (قبيلة) 180 التيمى بن محمد 76 الثقفى (انظر محمد بن خالد بن عمار ثقيف 24 الجاحظ 12، 39 جبلة بن محمد الكوفى 79، 80، 91، 2 بنو جحيل 73 جراشة؟ 222 جرير 23 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 جعفر بن ابى جعفر (بن المنصور) 91 جعفر بن محمد بن الاشعث الخزاعى 715 أبو جعفر؟ 73 ابو جعفر المنصور 91، 150 ابو جعفر (راجع أحمد بن يوسف) أبو جعفر (راجع عبد الله بن أحمد بن يوسف) أبو جعفر (راجع محمد بن الجهم البرمكى) أبو جعفر (راجع محمد بن عبد الملك الزيات) أبو جعفر (راجع محمد بن القاسم بن صبيح) بنو جعفر؟ 200 جعفر بن يحيى بن خالد البرمكى 2، 77 8، 9، 82، 3، 86- 9، 2، 3، 6 10، 102- 5، 108- 11، 4، 5، 9، 7، 15، 200، 7 جلنار (ام أبى نواس) 12 الجماز 8 بنو جمح 8 جميل (والد محمد بن جميل) 124 ابن جميل 124 جميل بن محفوظ 10 بنو جوشن 26 الجوشنى 26 جوين؟ 64 حاتم الطائى 246 ابو حاتم (راجع سهل بن محمد) حاجب (بن زرارة) حارث؟ 74 الحارث بن الحسين 79 ابن حملمات (شاعر) 153 الحجاف 77 بنو الحجاف 92 آل حرب 240 الحرمازى 2 حريث (بن عمرو السلمى) 74 الحسن بن أبى أمية 253 الحسن بن سليمان الشيعى 156، 7 الحسن بن سهل 205 أبو حسن (انظر على بين حرب) أبو حسن (راجع على بن أبى طالب) أبو حسن (راجع على بن يوسف) ابو الحسن الاسدى 72 ابو الحسن البرذعى 3 ابو الحسن الطوسى 140 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الحسن بن سليمان الشيعى 156، 7 الحسن بن سهل 205 أبو الحسن الطوسي 140 أبو حسن (راجع على بن حرب) أبو حسن (راجع على بن أبى طالب) أبو حسن (راجع علي بن يوسف) الحسن بن عبيد الله سليمان 223 الحسن بن على 9 الحسن بن على الجوهرى 2 الحسن بن علي الرازي 77، 153 الحسن (بن على بن أبى طالب) 14 الحسن بن على الكاتب 147 الحسن بن على النهدى 7 الحسن بن عليل العنزى 74 الحسن بن وهب 207 الحسن بن يحيى 197 الحسن بن محمد بن أبى معشر 215 الحسن بن مخلد 245 حسنويه (بنت احمد بن أبان) 54، 5 حسين؟ 36 الحسين؟ 182 الحسين بن اسحاق 137، 41 الحسين بن على 143، 81، 3 الحسين بن على الباقطائي 86، 201 الحسين بن على المهرى 33 الحسين بن فهم 81 الحسين بن يحيى الكاتب 80، 156، 9، 206 أبو جعفر السلمي الاحول 87 الحكم بن قنبر المازنى 30، 215 حماد بن اسحاق 2، 31، 81، 138 حماد الراوية 10 حماد بن الزبرقان 10 حماد عجرد 10 حمادة (ابنة أبى الوفاء) 153 حمدان بن أبان بن عبد الحميد اللاحقي 1، 33، 53- 62، 3 حميد؟ 36 حميد بن ثور (الهلالي) 78 حى بن عمرو؟ 7 حيان؟ 228 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 خارجة بن مسلم بن الوليد الانصارى 253، 4 ابن الخراسانى (راجع محمد بن على) ابن خرداذبه 249 الخريمى 127 خلف الاحمر 35 خلف بن خليفة 12 أبو خليفة 7، 136 داود بن مهلهل 78 أبو دعامة القيسى 147، 153 ابن دعلج 144 أبو دلف (راجع القاسم بن عيسى) دماذ الزيادي 71 بنو ذبيان 232 ذكوان 166 أبو ذكوان (راجع القاسم بن عيسى) 5، 71، 136 ذهل 190 ذو الاصبع العدوانى 35 ذو الرياستين (راجع الفضل بن سهل) ذو اليمينين (راجع طاهر بن الحسين) الراضي بالله خليفة عباسي 85 ربيعة 74، 7، 190، 221 الربيع 150 ابن الربيع 95 ابن رزين 76 رسول الله (راجع محمد صلى الله عليه وسلم) الرشيد (خليفة) عباس 6، 7، 13- 5؟ 18- 22، 8، 74- 7، 9، 80، 2، 6، 7، 28113، 30، 41، 52، 8، 9، 61، 223 بنو رقاش ابن رهيمة مولى عثمان بن عفان شاعر 31 ابن الرومي 85 ريم (جارية أشجع السلمى) 141، 43 بنو زافر 92 ابن الزبرقان 123 الزرقاء (جدة عبد الصمد بن المعذل) 53 بنو زهرة 65، 6، 8 الزهرى 66، 7 زياد؟ 26 الزيانب (منهم زينب بنت عكرمة) 31 زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن 31 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 ابن سعيد 135 ابن أبي سعيد 76 سعيد بن حميد 212 سعيد بن سالم الباهلى 210، 25، 35 ولد سعيد بن سالم: بعضهم 87، 225 بنو سعيد 211 السفاح 147 سلامة 32 سلم الخاسر 12 سلمى؟ 46، 69، 93، 8، 105 32، 225، 6 سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة 74 بنو سليم 116 سليمان بن أبى شيخ 80، 145، 54، 60 سليمان بن على 25 سليمي؟ (راجع سلمى) سهل بن محمد أبو حاتم 36، 15 سهم بن عبد الحميد 30 سوار بن أبى شراعة 23 سوار بن عبد الله (قاضى البصرة) 36، 42، 3، 73 السيد الحميرى 12 ابن سيرين 5 الشافعى الاكبر 246 شاكر بن عبد الله بن عبد الحميد اللاحقى 33 ابو شاكر (راجع عبد الله بن عبد الحميد) ابن شبرمة 33 ابو شبل البرجمى الشاعر 54، 254 الشريد بن مطرود السلمي 74 ابن شقيق (راجع عامر بن شقيق) الشنفرى 239 ابو الشيص 137 الشيعة 167 صالح بن محمد 159 صالح بن معاوية القيسى 147، 56، 9 صالح بن وصيف 250 صبيح العجلى 143، 4 بنو صبير بن يربوع 32 صخر بن أسد بن جبيلة السلمى 74 ضعيفة؟ 222 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الطالقانى 250 طاهر بن الحسين 97 ابن أبى طاهر 210 ابو طالب الانبارى 34 طل (مغنية) 54 ابو طلحة الخزاعى 9 طوق بن مالك 106، 7 الطيار (راجع جعفر) الطيب بن محمد الباهلى 76 ابو الطيب (راجع محمد بن عبد الله بن احمد بن يوسف) عامر بن شقيق 118 ابن عائشة 37 عباد 11 عباد؟ 68 ابن عباد الطران 72 عبادة 10 عباس (غلام أبى الوفاء) 162 العباس (عم الرسول) 12، 4، 7 بنو العباس. آل العباس 14، 20، 97 126، 200، 6، 7 أبو العباس (راجع الفضل بن يحيى) أبو العباس (راجع السفاح) ابو العباس (راجع محمد الأمين) العباس بن رستم 23، 88 عبد الحميد؟ 222 آل عبد الحميد (اللاحقى) 33 عبد رب 92 عبد الرحمن بن عبد الواحد العميرى 34 عبد الرحمن بن النعمان السلمى 79 عبد السلام؟ 36 عبد الصمد بن المعذل 39، 53، 136 عبد القيس (قبيلة) عبد الله؟ 67 عبد الله بن احمد بن يوسف 146، 59 63، 23، 23، 7، 365، 8 عبد الله بن جعفر بن أبى طالب 83 ابن عبد الله (راجع سوار بن عبد الله القاضي) عبد الله بن عباد الطران 71 عبد الله بن العباس 166 عبد الله (اخو سليمان بن عبد الله) 147 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 عبد الله بن عبد الحميد بن لاحق 64- 6، 8، 70 عبد الله بن على (عم المنصور) 144، 7 عبد الله بن على 147، 50، 1 عبد الله بن محمد بن عثمان بن لاحق 30 عبد الله بن المعتز 83 عبد الله بن المهلبي 7 عبد الله بن الهدادى 254 أبو عبد الله اليؤيو (راجع محمد بن زياد) أبو الملك بن صالح بن على الهاشمى 126 عبد الملك بن محمد. ابو قلابة 6، 7 عبد الملك بن مروان 77 عبد مناف 211 عبد الوهاب بن محمد بن هرثمة 250 أبو عبيدة 36 عبيد الله بن زياد 37 عبيد الله بن سليمان 223 عبيد الله بن عمرو العتبي 30 عبيد الله أبو العتبي 34، 5 عبيد الله (وزير المهدي) 151 عبيد الله؟ 242 أبو عبيد الله 151 أبو عبيد الله المرزباني 2 العتابى 3، 6 أبو العتاهية 12، 213- 5، 7 عتب (جارية يوسف بن القاسم) 61؟ عتبة بن بحر 143، 4 عتبة بن أبى عاصم الاعور، 212 أبو العتبى (راجع عبيد الله) أبو عثمان؟ 228 عثمان بن راشد 64 عثمان بن عفان 31 عثمان بن نهيك 84 عجرد 11، 2 عجل 145، 90 بنو عجل 143، 4 عدى 180 العراقى (راجع محمد الامين) عسكر (مولى سليمان بن على) 25 عقبة بن اهبان 247، 8 بنو عقيل بن كعب 74 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 العلاء بن وضاح 228 أبو على العميرى (راجع عبد الرحمن بن عبد الواحد) أبو على الكرانى 9، 34، 6، 7، 46 أبو على (راجع محمد بن القاسم بن يوسف) أبو على راجع (يحيى بن خالد البرمكي) على بن ابراهيم 213 على بن جبلة 213 على بن الجهم 81، 9 على بن حرب 207، 46 على بن الخليل 10، 2 على بن أبى طالب 14، 20، 64، 167، 8 آل على 200 على بن العباس النوبختى 81 أبو على بن عمارة 36 على بن عيسى بن ماهان 161 على بن الفضل السلمى 74 على بن محمد النوفلى 13، 51، 162 على بن مسعدة الذارع 65، 6 على بن يوسف بن القاسم 226 عمارة بن حربية 10 عمارة بنت عبد الرحمن الثقفى 24، 5 عمر بن سعيد بن سالم الباهلى 211، 28 عمر بن عبد الملك (مولى بنى جمح) عمر بن محمد الاطروش 212 عمران؟ 56 عمرو؟ 73 عمرو (بن العاص) 182 آل عمرو بن العلاء 36 عنان (جارية الناطفى) 23 العواتك 91 عوف بن احمد بن يزيد السلمى 91 عون بن محمد بن سلام الكندى 9، 55 72- 4، 87- 9، 146- 7، 53، 9، 63، 205، 10، 23، 7، 8، 35، 6، 51، 3 العياب؟ 182 عياش (مولى أبى الوفاء) 153 عيسى (عليه السلام) 11 ابن عيسى- (راجع يحيى بن عيسى) أبو عيسى؟ 225 أبو عيسى (راجع عيسى بن جعفر) عيسى بن اسماعيل 30، 6، 8، 72 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 عيسى بن جعفر بن المنصور 7، 133 أبو العيناء 2، 23، 54 ابن أبى عيينة 12 ابو عيينة المهلبي 7 بنو غالب 167 أبو غانم؟ 219 غسان بن عباد 209 الغلابى 38، 77، 86 غوث 211 بنو فالج 91 فتى العسكر (راجع محمد بن منصور) الفزاري الاعرابى 71 فضل؟ 227 الفضل بن الحباب 28 الفضل بن الربيع 81، 95، 117، 223 الفضل بن سهل 220 الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي 1- 6، 14- 6، 17، 9، 20- 2، 93، 142، 3، 157- 9 أبو الفضل راجع (محمد بن منصور بن زياد) أم الفضل الهلالية (أم ولد العباس) 92 فهد؟ 69 ابن فياض؟ 73 الفيض بن عبد الحميد 35، 6 ابن فيروز 242 قاسم 10، 2 القاسم بن اسماعيل 2، 25، 206، 28، 31 القاسم بن الرشيد 98 القاسم بن صبيح 143- 5، 51 القاسم (بن عبيد الله بن سليمان) 223 القاسم بن عيسى 7، 27، 8، 34، 5، 71، 136، 215 القاسم بن يوسف 157، 62، 3، 6 97، 8، 205، 6، 36 أبو القاسم (راجع يوسف بن القاسم) قحطان 82، 190 قريش 71، 180 قرينة؟ 218 قصي 91، 180 قعنب بن محرز الباهلى 206 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 أبو قلابة (راجع عبد الملك بن محمد) قيس عيلان 74، 91، 102، 13 6، 9، 22، 4، 5، 9 القيسية 77 القيسى (انظر بهلول) قيصر 113، 61 الكرانى (انظر أبا على) كسرى 7، 26، 113، 220 ابن كناسة الاسدى 144 لباب. لبابة (زوج القاسم بن يوسف) 205 لاحق (محدث) 33 اللاحقي (راجع أبا اسماعيل) اللاحقيون 28 ليلى؟ 188 المأمون 143، 206، 8- 12، 215- 7، 31، 2، 5، 6، 51، ماردة؟ 112 المازنى 24، 7 مالك بن ابى السمح 32 مانى (الموسوس) 7، 11 المبرد (راجع محمد بن يزيد) محمد؟ (من المعدلين) 73 محمد (من آل مر) 113 محمد بن أحمد المقدمي 79 محمد بن الاسود 124 محمد الامين 22، 94، 8، 130، 1 223 محمد بن بشير الخثعمى 30 محمد بن جميل الكاتب 111، 2، 24 محمد بن الجهم البرمكي 207 محمد بن الحسن البلعى 26، 65 محمد بن الحسن مصقول 3 محمد بن خالد بن عمار 24، 5، 8، 30 محمد بن خلف وكيع 8، 34، 207، 15 محمد بن داود 54 محمد (رسول الله صلّى الله عليه وسلم) 38 76، 7، 112، 55، 83، 91، 2، 200، 8 محمد الرياشى 37 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 محمد بن زكريا 213 محمد بن زياد الحارثى 129، 51، 2، 9 محمد بن زياد اليؤيؤ 23، 37، 53 محمد بن سعيد بن حماد الكاتب 13، 30، 1، 6، 8، 51، 76 144، 54، 217، 22 محمد بن سلام 28، 71 محمد بن صالح الهاشمى 2 محمد بن العباس 2، 145، 208 محمد بن العباس اليزيدى محمد بن العباس الشلمغانى 243 محمد بن العباس المادرائى 231، 2، 46 محمد بن العباس اليزيدي 6 محمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف 145، 8، 56، 62، 208، 31، 2- 4، 6، 50 محمد بن عبد الله بن طهمان 76 محمد بن عبد الملك الزيات 206، 7، 17، 9 محمد بن على؟ 79 محمد بن على بن الخراسانى 254 محمد بن عمران 219 محمد بن الفضل الاسود 74، 162 محمد بن القاسم (بن مهدويه) 213 محمد بن القاسم بن صبيح 207 محمد بن القاسم بن يوسف 203، 4 محمد بن مجمع 217 محمد بن منصور بن زياد 22، 81، 2 96، 108، 17، 8، 21، 22، 9، 32، 197 محمد بن موسى البربرى 2، 160، 213، 4 محمد بن نصر الرازى 215 محمد بن نوح العمركي 220 محمد بن يزيد السلمى 122 محمد بن يزيد المبرد 32، 9، 54 64، 84، 70 محمد بن يحيى الصولى (قد كثر وروده فى كل صحيفة تقريبا ولا نرى داعيا لأن نشير الى كل هذه الصفحات) ابن مخلد 4، 5، 243 أبو محمد (راجع عبد الله بن أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 يوسف) أبو محمد (راجع القاسم بن صبيح) أبو محمد (راجع القاسم بن يوسف) المخلوع (راجع محمد الامين) مخة؟ 172 آل مر 113 ابن مردويه 9 مروان 182 بنو مروان. ابن مروان 14 مروان بن أبى حفصة 6، 14، 86 المستهل بن الكميت 153 المسعدى. ابن مسعدة الذارع (راجع على بن مسعدة) مسعر (الهلالى) 92 أبو مسلم الخراسانى 45، 147 مسلم بن الوليد الانصارى الكاتب 124، 5، 253 المسيح (عليه السلام) 243 المشرف الكاتب 161 مضر الحمراء 190 مطيع بن أياس 10، 2، 136 معاذ بن معاذ 28 معاوية (بن أبى سفيان) 158، 82 معاوية (بن صالح القيسي 151 معبد 32 المعتصم 235 المعذل بن غيلان 6- 8 المعلى بن أيوب 237 ابن المقفع 38 مكحول 29 ملك الروم 10 مليحة (جارية للهذيل) 40 ابن مناذر الصبيرى 28، 32 ابن منارة (راجع يحيى بن عيسى) غلام ابن منارة 240 منصور (أبو محمد بن منصور) 121 المنصور (راجع أبا جعفر) 91، 2، 147، 150 منصور بن زياد 128 منصور النمري 76 المهدى 22، 151، 82 مهدى بن سابق 38، 86، 213 ابن مهدويه (راجع محمد بن القاسم) موسى؟ 20 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 موسى (عليه السلام) 11 ابن موسى؟ 242 موسى بن سعيد بن سالم 76، 7 موسى شهوات 83 موسى بن عبد الملك 207، 13 موسى الهادى (خليفة) 154، 5 موسى بن يحيى بن خالد 147، 219 مؤنسة (جارية المأمون) 208 مىّ؟ 191 ميمون بن هارون 114 نائلة 24 النابغة (الذبيانى) 77، 232 الناطفى 23 النبي (عليه الصلاة والسلام) 68، 212، 25، 9، 68، 81 ابو النجم العجلى (شاعر) 144، 5 النخعى 8 نشيط (مولي عبيد الله بن زياد) 37 نصر بن سيار 210 نصير الخادم (مولي احمد بن يوسف) 208 ابو نصر بن حميد الطوسى 252، 3 ابو النضير 9، 10، 86 النميري 55 بنو نهيك 84 أبو نواس 10، 12، 22، 33، 39 66، 222، 3 هارون الرشيد 1، 19، 20، 38، 81، 109، 25، 54 هارون بن على 137 هاشم بن عبد مناف 3، 91، 124، 180 بنو هاشم 2، 91، 2 هانىء (والد ابى نواس) 12 الهذيل 40 هرثمة بن أعين 154 ابن هرثمة 4 هشام بن عبد الملك 144، 210 ابو هفان 144 الهلالى (اعرابى من بنى هلال) 77، 8 بنو هلال 92 هيلا (غلام يهودى) 34 هيلان: هيلانة (جارية الرشيد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 18، 9 ابو واثلة 32 ابن واصل 242 والبة بن الحباب 10، 2 الوالبي 12 وائل 113 ابو الوفاء (كاتب الديوان) 153 وكيع (راجع محمد بن خلف) ابو الوليد (راجع اشجع بن عمرو السلمى) وليد الزامر 54 ياسر (غلام المأمون) 208 ابو ياسر (راجع محمد بن جميل الكاتب) يحيى بن خالد البرمكى 2، 3، 33 8، 80، 8، 111، 7، 52 54، 6، 7، 63، 211 آل يحيى البرمكى 120 يحيى بن زياد الحارثي 136 يحيى بن عبد الله بن حسن 15، 7- 21 يحيى الفاطمى (راجع يحيى بن عبد الله) يحيى بن عيسي بن منارة 240، 1، 2 يحيى بن نوفل 12 يزيد التام 27 يزيد السلمى 91 يزيد بن ضبة الثقفى 144 يزيد بن الفيض 10 يعقوب بن بنان 207 يعقوب بن داود (وزير المهدى) 144 53 يموت بن المزرع 144 ابو يوسف (القاضي) 51، 159 يوسف بن القاسم 144، 41، 7 8، 50- 2، 4، 8، 56، 7، 9، 60، 1، 6 اليوسفي (راجع محمد بن عبد الله بن احمد) يونس بن حبيب 31، 35 يونس بن هرون 10 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 فهرس التراجم 1 أخبار أبان بن عبد الحميد اللاحقى واتصاله بالبرامكه 23 أخبار لأبان متفرقة مع جماعة من الشعراء 39 الغزل في شعر ابان وهو قليل جدا 40 مختار شعر أبان فى المدح وغيره 46 مختار شعر أبان من قصائده المزدوجات (كليلة ودمنة) 51 قصيدة الصيام والزكاة لأبان (مزدوجة) 53 أخبار حمدان بن أبان بن عبد الحميد بن أبان ومختار شعره 57 قصيدته فى وصف الحب وأهله وهي طويله 62 أخبار أبان بن حمدان بن أبان بن عبد الحميد وشعره 64 شعر ابى شاكر عبد الله بن عبد الحميد بن لاحق 71 شعر اسماعيل بن بشر بن المفضل بن لاحق واخباره. 74 أخبار أبى الوليد اشجع بن عمر السلمى ومختار شعره 92 مختار شعر اشجع فى المديح وغزله داخل فيه (مرتب على الحروف) 117 مختار شعره في المديح (غير مرتب على الحروف) 128 مختار شعر اشجع فى مراثيه (مرتب على الحروف) 137 أحمد بن عمرو ويكني أبا جعفر (أخو أشجع بن عمرو) 143، 206 أحمد بن يوسف بن صبيح مولى بنى عجل وزير المأمون 146 أمر أبى القاسم يوسف بن القاسم وأشعاره 163 أمر أبى محمد عبد الله بن أحمد بن يوسف 240 أمر أبى الطيب محمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف ومختار شعره 251 أخبار أحمد بن أبى سلمة الكاتب ومختار شعره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 صدر من هذه السلسلة 1- ديوان أبى الطيب المتنبى تحقيق د. عبد الوهاب عزام 2- الإشارات الإلهية لأبى حيان التوحيدى تحقيق د. عبد الرحمن بدوى 3- قصة الحلاج وما جرى له مع أهل بغداد تحقيق: سعيد عبد الفتاح 4، 5- ديوان الحماسة لأبى تمام تحقيق: د. عبد المنعم أحمد فرج 6- رسائل إخوان الصفا (المجلد الأول) 7- رسائل إخوان الصفا (المجلد الثانى) 8- رسائل إخوان الصفا (المجلد الثالث) 9- رسائل إخوان الصفا (المجلد الرابع) 10- كتاب التيجان فى ملوك حمير 11- ألف ليلة وليلة (المجلد الأول) 12- ألف ليلة وليلة (المجلد الثانى) 13- ألف ليلة وليلة (المجلد الثالث) 14- ألف ليلة وليلة (المجلد الرابع) 15- ألف ليلة وليلة (المجلد الخامس) 16- ألف ليلة وليلة (المجلد السادس) 17- ألف ليلة وليلة (المجلد السابع) 18- ألف ليلة وليلة (المجلد الثامن) 19- تجريد الأغانى (المجلد الأول) 20- تجريد الأغانى (المجلد الثانى) 21- تجريد الأغانى (المجلد الثالث) 22- تجريد الأغانى (المجلد الرابع) 23- تجريد الأغانى (المجلد الخامس) 24- تجريد الأغانى (المجلد السادس) 25- الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة مج 1 تحقيق: هنس وير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 26- الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة مج 2 تحقيق: هنس وير 27- حلبة الكميت للنّواجى 28- البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ (المجلد الأول) 29- البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ (المجلد الثانى) 30- رسائل ابن عربى (المجلد الأول) 31- رسائل ابن عربى (المجلد الثانى) 32- منامات الوهرانى. مراجعة د. عبد العزيز الأهوانى 33- الكشكول (المجلد الأول) 34- الكشكول (المجلد الثانى) 35- أخبار الأول فيمن تصرف فى مصر من أرباب الدول 36- 48- بدائع الزهور فى وقائع الدهور لابن إياس (فى ثلاثة عشر مجلدا) 49- فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم (المجلد الأول) 50- فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم (المجلد الثانى) 51- 54- المواعظ والاعتبار (فى أربعة مجلدات) 55- سيرة أحمد بن طولون، تحقيق: محمد كرد على 56- مجموعة مصنفات شيخ إشراق للسهروردى (المجلد الأول) 57- مجموعة مصنفات شيخ إشراق للسهروردى (المجلد الثانى) 58- اتعاظ الحنفا للمقريزى (المجلد الأول) 59- اتعاظ الحنفا للمقريزى (المجلد الثانى) 60- اتعاظ الحنفا للمقريزى (المجلد الثالث) 61- مقالات الإسلاميين للأشعرى، صحّحه هلموت ريتر 62- 65- ديوان أبى نواس (4 مج) تحقيق: إيفالد فاغنر وغريغور شولر 66- ولاة مصر تأليف محمد بن يوسف الكندى، تحقيق د. حسين نصّار 67- المنتخب من أدب العرب (الجزء الأول) 68- الهوامل والشوامل لأبى حيان التوحيدى، ومسكويه، تحقيق: أحمد أمين والسيد أحمد صقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 69- المنتخب من أدب العرب (الجزء الثانى) جمعه طه حسين وآخرون 70- نوادر المخطوطات تحقيق عبد السلام هارون (المجلد الأول) 71- نوادر المخطوطات تحقيق عبد السلام هارون (المجلد الثانى) 72- طبقات فحول الشعراء لابن سلام (مج 1) تحقيق: محمود محمد شاكر 73- طبقات فحول الشعراء لابن سلام (مج 2) تحقيق: محمود محمد شاكر 74- 80- الحيوان (فى سبعة مجلدات) تحقيق: عبد السلام هارون 81- الأشباه والنظائر للخالديين (جزآن فى مجلد واحد) تحقيق د. السيد محمد يوسف 82- سيرة صلاح الدين لابن شداد تحقيق د. جمال الدين الشيّال 83- الإمتاع والمؤانسة (ثلاثة أجزاء فى مجلد واحد) تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين 84- ديوان تميم بن المعز لدين الله الفاطمى تحقيق محمد حسن الأعظمى وآخرين 85- 88- البيان والتبيين (فى أربعة مجلدات) تحقيق عبد السلام هارون 89- المغرب فى حلى المغرب لابن سعيد الأندلسى (القسم الخاص بالفسطاط) تحقيق د. شوقى ضيف وزميليه 90- الفتح القسى فى الفتح القدسى للعماد الأصفهانى تحقيق محمد محمود صبح 91- ديوان ابن سناء الملك تحقيق د. محمد إبراهيم نصر 92- السيف المهند فى سيرة الملك المؤيد تحقيق: فهيم محمد شلتوت 93- معجم الشعراء للمرزبانى تحقيق عبد الستار أحمد فرّاج 94- فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء تحقيق د. محمد رجب النجار 95- أساس البلاغة للزمخشرى ج 1 عن طبعة مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية 96- أساس البلاغة للزمخشرى ج 2 عن طبعة مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية 97- مقاتل الطالبيين لأبى الفرج الأصفهانى ج 1 تحقيق السيد أحمد صقر 98- مقاتل الطالبيين لأبى الفرج الأصفهانى ج 2 تحقيق السيد أحمد صقر 99- الصاحبى لابن فارس تحقيق السيد أحمد صقر 100- التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا تحقيق: محمد بن تاويت الطنجى 101- عيون الأخبار لابن قتيبة. المجلد الأول، عن طبعة دار الكتب المصرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 102- عيون الأخبار لابن قتيبة. المجلد الثانى، عن طبعة دار الكتب المصرية 103- عيون الأخبار لابن قتيبة. المجلد الثالث، عن طبعة دار الكتب المصرية 104- عيون الأخبار لابن قتيبة. المجلد الرابع، عن طبعة دار الكتب المصرية 105- الفلاكة والمفلوكون. تأليف: أحمد بن على الدلجى 106- التحدث بنعمة الله. لجلال الدين السيوطى 107- الاقتباس من القرآن الكريم ج 1 108- الاقتباس من القرآن الكريم ج 2 109- تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة 110- جواهر الألفاظ محمد محى الدين عبد الحميد 111- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الأول 112- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الثانى 113- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الثالث 114- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الرابع 115- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الخامس 116- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء السادس 117- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء السابع 118- مفاتيح العلوم للخوارزمى تحقيق د. فان فلوتن 119- المسالك والممالك للإصطخرى تحقيق د. محمد جابر عبد العال الحينى 120- دار الطراز لابن سناء الملك تحقيق د. جودت الركابى 121- الوشى المرقوم فى حل المنظوم تأليف ضياء الدين بن الأثير تحقيق يحيى عبد العظيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 [ مقدمة الجزء الثاني ] إهداء الكتاب إلى من فتق لسانى باللغة العربية، وغمرنى بروحها، وملأ أحساسى بعظمتها وإكبارها، وفتن روحى بجمالها، وغذانى برائع أدبها، ورصين عبارتها. وما زال يتعهدنى، حتى جعل منى إنسانا كرس حياته لدراستها وخدمتها، وإحياء آثارها، والعمل على إنعاشها. إلى الأديب الفاضل الذى يعمل فى دعة وهدوء ما لو تظاهرات الجماعات على عمله لأكبرتها الأجيال. إلى والدى الروحى ومبعث سعادتى، وسر هنائى. إلى سعادة مصطفى بك رفعت المستشار السابق بمحكمة الاستئناف اهدى هذا القسم. ج. هيورث. دن الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 1 مقدمة الناشر فى صيف سنة 1934 أخرجت قسم أخبار الشعراء المحدثين من كتاب الأوراق لأبى بكر محمد بن يحيى الصولى، وكان إخراج هذا القسم باكورة عملى، وقد لقيت من تقدير أفاضل المستشرقين، وجلة العلماء فى مصر، وثنائهم على ذلك القسم وإعجابهم به ما حفزنى على أن أقوم فى هذا العام بنشر الأقسام الباقية التى عثرت عليها من كتاب الأوراق. وقد بدأت بهذا القسم الذى أقدمه اليوم بين يدى حضرات العلماء وهو قسم أخبار الراضى بالله والمتقى لله وأظن أنه لا حاجة بالباحث إلى أن أذكر له فى مقدمتى هذه قيمة هذا القسم فى التاريخ العباسى، ولا أن أوقفه على مكانة الصولى مؤلفه ولا ما تناوله فيه من حوادث شاهد أكثرها بنفسه، وكان دقيقا فى رواية ما لم يشهده منها. وأرى أن خيرا له أن يرجع فى هذا كله إلى القسم نفسه فيقرأه كما قرأته فى إنعام وتدبر، ولعله يصل بعد ذلك إلى هذه النتيجة التى وصلت إليها أو عكسها أو قريبا من هذه وتلك. فأنا لا أريد أن أحمل الباحث على رأى ربما انقدت لبعض الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 2 الأهواء فيه- فالحق أننى مفتون بالكتاب إلى حد الاعجاب، إنما أريد أن أجعله حرا طليقا ولكنى مع هذا أرى أنه لابد أن يكون للكتاب مقدمة، فلتكن إذا فى وصف المخطوط، تلك هى الناحية التى لا تتهيأ إلا لبعض الأفراد الباحثين. وصف الأصل المخطوط هما مجلدان فى دار الكتب المصرية أحدهما قسم أخبار الشعراء الذى نشرته فى العام الماضى وثانيهما هذا القسم ومع أن أولهما فى الأدب وثانيهما فى التاريخ وورد الدار فى عهد متأخر عن الأول فقد حفظ كلاهما برقم واحد هو «3530 أدب» ولعل لاعطائهما رقما واحدا سرا يفهمه الذين فى دار الكتب فقط، أما نحن فلم نوفق حتى الآن إلى كنه هذا السر ولكنا فى الغالب كنا حينما نريد قسم أخبار الراضى يأتينا قسم أخبار الشعراء، وحينما نريد قسم أخبار الشعراء يأتينا قسم أخبار الراضى، وهكذا نريد ما لا يأتى ويأتى ما لا نريد. وقد لفتنا هذا إلى أنه يجب أن نصف هذا القسم وصفا يميزه من الآخر وأول ما يلاحظ أن قسم أخبار الراضى بالله والمتقى لله مأخوذ بالتصوير الشمسى عن نسخة فى مكتبة شهيد على بالاستانة، وقد كتب الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 3 «كتاب الاوراق لأبى بكر محمد بن يحيى الصولى المتوفى 335 هـ» فى أول وجه من الورقة الأولى وفى الوجه الثانى «ترجمة مؤلف هذا الكتاب أبو بكر «1» الصولى» ثم ترجمة له قصيرة تقع فى نحو ثلاثين سطرا، تضمنت حادثة له فى قرض الشعر، وذكر مؤلفاته وتنتهى فى الوجه الأول من الورقة الثانية وفى الوجه الثانى من الورقة الثانية كتب بخط عريض: «الجزء الثالث من كتاب الاوراق تأليف أبى بكر بن «2» محمد بن يحيى بن عبد الله الصولى رحمه الله» وهو بخط مغاير لخط النسخة، ولذلك نرجح أن هذا القسم إن لم يكن الجزء الخامس فهو الرابع لأن الثالث بيقين أو الرابع على الظن موجود فى مكتبة الأزهر، وقد ذكرنا هذا فى مقدمة القسم الذى سبق نشره وحول هذه الجملة نجد اثنى عشر توقيعا لملاك وعلماء مختلفة عصورهم وأشخاصهم، وهم بعض الذين تعاوروا هذا القسم ملكا أو الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 4 اطلاعا، وبعضهم دون تاريخ اطلاعه عليه أو ملكه له، وقد سجلناها كلها فى ما يأتى ورمزنا لما لم يظهر لنا بأصفار، وهى على غير ترتيب «استصحبه الفقير عارف كان الله له» «عسى لثمان .... يبلغه وان الممتد فى شهر رمضان ... وستمائة» «انتقل إلى الشيخ محمد بن حسين المقرىء الحنفى فى شهر صفر سنة أربع وثلاثين وستمائة» «ملكه من فضل الله تعالى محمد الأزدى الشافعى» «انتقل الآيل للامير بن مماتى ... غفر الله ولجميعه» «بتركة الشمس محمد بن حسين .... الفقيه الح ... الحنفى غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين» «انتقل إلى أبى بكر بن الرشيد الجمال 135» «1» «انتقل بخاتم ابن الناسخ الشرعى سلمان .... بن محمد بن أبى بكر ابن الحسينى .... ومعه رسم الميرة .... فى المرسى بعمورية .... المحروسة خامس عشر من المحرم سنة اثنتين و ... وستمائة» «الحمد لله طالع فيه أحمد بن على بن عبد القادر بن خضر الدمامينى سابع عشرى ربيع الأول على أربع وتسعين وثمانمائة» «انتقل هذا الجزء بحكم البيع من تركة حسن العصاره فى مستهل سنة ست وسبعين وستمائة ليدى» «فى نوبة الفقير محمود الصديقى السرورى» الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 5 «انتقل بحكم ... محمود المذكور ... إلى العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن على ... الحموى» «وكذلك كتب فى حاشية فى أعلى الوجه الثانى من الورقة الثانية من الجهة اليمنى بخط دقيق «يرى الاعسار مفتقد الابناء والصحب» ونستنتج من هذه التوقيعات أن النسخة قد تداولها القراء من بدء القرن السابع، ونرجح أنها كتبت فى صدره، وظلت كذلك حتى آخر القرن التاسع، وقد قرأها علماء أفاضل كما نلاحظ أن الذين تعاوروها كانوا عليها أمناء، فقل أن تجد فيها أثرا لأحدهم أو تعليقا أو غير ذلك مما ألفه الناس وشوهوا به بطون الكتب. غير أننا نجد مكتوبا بين التعليقات التى سردناها كلمة «بسم الله» بخط مفرغ وكأن كاتبها أراد تجويد خطه ولعل لرداءة كتابتها سرا فى أن الذين حازوها لم يقرأوها وفيهم من تعلم نبالة وفضل مقدار فمن العسير جدا أن يمضى فيها قارىء بلا توقف، ومن النادر لا يبدى قارئها عجزه ويعلن إفلاسه، ولن يذهب بغيظنا وآلامنا أن نكيل لناسخها صنوف اللوم. وقد حدث أثناء تصوير الكتاب فى الأستانة تقديم وتأخير فى بعض المواضع كما حدث أثناء تجليد الكتاب فى دار الكتب المصرية تقديم وتأخير، ولكن الخطأ الذى حدث فى التصوير خطأ يضلل الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 6 القارىء ويوقعه فى حيرة وارتباك. وقد راعينا ناحية المعنى وانسجامه وترتيب الجمل وأهملنا ترقيم الكتاب فى ثلاثة مواضع خطا يظهر أنه كان عن قصد وسوءنية، وفاتنا أن ننبه على مواضع التقديم والتأخير أثناء الطبع فى ذيل الصفحات ولذلك ترى أنفسنا مضطرين إلى الاشارة اليها هنا. ينتهى الوجه الأول من صفحة 84 بما يأتى: فى أخبار سنة تسع وعشرين وثلاثمائة «وظهر ما كان ساكنا فى الجانب الغربى وانضم اليهم وأعانهم العامة وكثروا معهم وقصد الجميع النجمى فجلس الوزير فى طيار وانحدر جميع أصحابه فى» «1» ويبدأ الوجه الثانى من الصفحة 84 «الظهر من يوم الثلاثاء ثانى اليوم الذى خلع على القراريطى فيه للوزارة وأمر بالنداء فى العامة بلعن البريديين» ثم يأتى بحوادث سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وسنة اثنتين وثلاثين وثلاث وثلاثين إلى أن ينتهى الوجه الأول من الورقة 104 بقوله «واستلب كيس رجل يعرف بغلام ابن الأبوارى الصيرفى مع المغرب وفيه خمسة آلاف دينار ليلة الجمعة لأربع «2» » ويبدأ الوجه الثانى من الورقة نفسها: «طياراتهم وزبازبهم ودفعت الخراقة وتشبث بها قوم من الملاحين» الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 7 ثم يأتى بحوادث سنة ثلاثين وثلاثمائة إلى أن يكون آخر الوجه الأول من الورقة 112 «وكان الترجمان يزعم أنه هو الذى اصلحهم له وأفسدهم على السلطان فقووا نفسه وزينوا له ورود الخضرة فركب المتقى لله» بينما يذكر فى الوجه الثانى من الورقة عينها «بقين من المحرم وكان الكيس على رأس حمال وصاح الرجل والحمال فرماهم الناس بالآجر ورماهم اللصوص بالنشاب» فواضح أن هذه الفقرة الأخيرة تتمة لما جاء فى آخر الوجه الأول من ورقة 104 والفقرة التى آخرها فركب المتقى لله تتمتها فى أول الوجه الثانى من الورقة 84 وعلى هذا ترى المعنى استقام والاعوام انتظم سردها ويقع هذا القسم 151 فى ورقة ولم يذكر فى آخره ولا فى أوله اسم كاتبه ووجد فى الورقة الثالثة ختم فيه «مما وقفه الوزير الشهيد على باشا رحمه الله، بشرط أن لا يخرج من خزانته» وقد ألحقنا بهذا القسم صفحتين من الأصل كنموذج يصور للناقد والمتعقب المصاعب التى عانيناها، عله يعذرنا ويخفف من حدته علينا إن رأى منا عزوبا عن القصد الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 8 على أننا نتقبل بصدر رحب ملاحظات الناصحين المنصفين، ونرجو أن ننتفع بها فيما نصدره بعد من أجزاء، والله ولى توفقينا. كلمة شكر وثناء هذا وليس يسعنا إزاء الفراغ من إخراج هذا القسم إلا أن نسدى وافر الثناء إلى «جماعة أوصياء ذكرى ا. ج. و. جب بلندن» على ما قامت به من مساعدات فى انجازه كما نشكر لسعادة مصطفى بك رفعت مساعداته الأدبية القيمة وكذلك حضرة الصديق الفاضل الأستاذ محمد اسماعيل الصاوى على ما بذله معى من عناء فى تصحيح الكتاب وإتقان طبعه وحضرات أمناء دار الكتب المصرية الأفاضل فلهؤلاء جميعا منا عاطر الثناء. ج. هيورث. دن لندن فى العاشر من يونيو من عام 1935 م الجزء: م 2 ¦ الصفحة: 9 الجزء الثاني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أخبار الراضى بالله [ سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة ] قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولى: قد فرغنا ولله الحمد من ذكر أخبار القاهر والأحداث فى أيامه، ونحن نذكر الآن بيعة الراضى بالله، وما كان من أمره، والأحداث فى أيامه إن شاء الله ولما خلع القاهر فى يوم الأربعاء، لست خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة أخرج الحجرية والساجية محمد بن المقتدر بالله ويكنى أبا العباس وأمه أم ولد يقال لها ظلوم فى هذا اليوم على ثلاث ساعات من النهار وكان فى الخلافة هو وأخوه هارون على سبيل توكيل بهما من القاهر فأجلسوه على السرير، وبايعوه بالخلافة مختارين له مجتمعين عليه، من غير أن يواطئهم على ذلك ولا كانت بيعتهم مراسلة فيه إلا ما كان يعلمه من كراهيتهم لأمر القاهر وانهم فى وحيه عليه «1» وتولى التدبير فى ذلك رجل من الساجية، يعرف بسيما المناخلى إلى أن تم، فأجلس محمد بن المقتدر على السرير، وجلس القاهر بالله فى بيت بقربهم وأمر الراضى بالتوكل به والاحتياط عليه، ولم يعش الماخلى بعد هذا إلا أقل من مائة يوم. وكنت فى هذا اليوم قد أخذت دواء لحاجة إليه، وشىء وجدته، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 وعلم بذلك الأمير أبو العباس قبل ان يتسمى بالراضى بالله، فجاءنى رسوله يأمرنى أن أوجه إليه بالأسماء التى ينعت بها الخلفاء، وتكون أوصافا لهم، وإنى لأعجب من إطباق الناس على تسميتها ألقابا فيقولون لقب بكذا وهذا عندى خطأ، كبير، وزلل عظيم، لأن الألقاب مكروهة ومنهى عنها فى كتاب الله جل وعلا، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعز «ولا تنابزوا بالألقاب» «1» فوجهت إليه برقعة فيها ثلاثون اسما، ليختار منها ما يريد، وأشرت عليه فى رقعتى أن يختار منها المرتضى بالله، ولم أشك فى اختياره له، وابتدأت من وقتى فعملت أبياتا ضادية قافيتها المرتضى، على أنى أنشده إياها وهى: أثبت الرّحمن بالسّعد المضى ... دولة قائمة لا تنقضى لأبى العبّاس- عفوا ساقها ... قدر الله- الإمام المرتضى دولة يأملها كلّ الورى ... مالها إن ذكرت من مبغض كان وجه الملك مسوّدا فقد ... قابل اللّحظ بوجه أبيض يا أمين الله يا من جوده ... إن كبا دهرى بحظّى منهضى غلب الوجد وفقدان الرّضى ... وكلّا جسمى بهمّ ممرض «2» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 كان حظّى بك نحوى مقبلا ... فانثنى عنه بوجه معرض أقرض الدّهر شبابى شيبة ... لم أكن أطلبها من مقرض ليس للشّهب إذا ما جارت ... الدّهم فى سبق الهوى من رائض «1» أسفت نفسى على قربى الّذى ... كان من يوم احتفالى مغرضى «2» لك عبد مسّه بعدك ما ... وكّل الجسم بداء محرض «3» قضى البعد عليه كارها ... لا يردّ النّاس أمرا قد قضى كلّ يوم ينتضى سيف أذى ... بالتّكاذيب عليكم منتضى ما يبالى إذ رأى فيك المى ... غضب الدّهر عليه أم رضى وهذه الأبيات لم تهنّ بها المدة، ولا راضها الفكر. وإنما قيلت مقتضية فليست بالمختارة، وإن صفرت من العيب. ولولا أن الحاجة دعت إلى ذكرها ما ذكرتها، وسيمر بعون الله من جيد الشعر فى أوقاته ما يعفى عليها إن شاء الله. فلما فرغت منها جاءنى رسوله برقعة منه يقول فيها: «قد كنت عرفتنى أن إبراهيم بن المهدى لما بويع أيام الفتنة بالخلافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 أراد أن يكون له ولى عهد فأحضروا منصور بن المهدى وسموه المرتضى، وما أحب أن أتسمى باسم قد وقع لغيرى، ولم يتم له أمره، وقد اخترت الراضى بالله» فكنت أشكر الله على ما وفقه له ووهبه فيه فمضى اسمه على ذلك، وما زال الناس يبايعونه بقية يومهم. ووجه من وقته فاستحضر أبا الحسن على بن عيسى، ومعه اخوه أبو على عبد الرحمن بن عيسى بالنظر فى الأمور، وأراده للوزارة فاحتج بكبر وضعف وأقرها «1» إلى أخيه بذلك، وأن يكون الاسم والخلعة له، ويتولى هو النظر فى أمر الملك وتدبير الناس وجباية الأموال على كره منه لذلك وتغلب، لما رأى من تعذر مال البيعة إلا أنه كتب بالبيعة إلى النواحى ونظر فى المهم الذى يوجبه الوقت. ومعه أخوه معرفا له ما يعمل، ومستأذنا له فيه. إلى أن وافت وقعه أبى على بن مقلة إلى سيما المناخلى، يتضمن له أنه يحتال فى وقته خمسائة ألف دينار يصرفها فى الرجال للبيعة، ويتضمن له إن أتم ذلك خمسائة ألف دينار لنفسه. وكان المتولى لا يصال الرقعة إلى المناخلى كاتب له حدث، يعرف بعلى بن جعفر وضمن له ألفى دينار معجلة وأضعافها مؤجلة، فصار المناخلى بالرقعة بضمان الخمسمائة ألف دينار «2» إلى الراضى بالله، فلما وقف عليها أحضر على بن عيسى وأقرأه إياها فقال له: أمير المؤمنين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 فى هذا الوقت محتاج إلى زكاة هذا المال! وما عندى وجه لبعضه! والصواب إن صح هذا المال أن يمضى أمر هذا الرجل ويستكتبه وانصرف، فجلس فى منزله فكان الراضى بعد ذلك يقول «لم يتحصل لنا من الخمسمائة ألف دينار درهم، وأخذ من أموالنا وأموال الناس مثلها» واختير أبو على محمد بن على للوزارة يوم السبت لتسع خلون من جمادى الأولى، وخلع عليه وركب الناس معه إلى داره، ولقينى أبو سعيد ابن عمرو الكاتب- كاتب للراضى قبل الخلافة- وكان أخص الناس به فقال لى إن أمير المؤمنين قد أمرنى بإعطائك عشرة آلاف درهم لتقسيمه وما عندى دراهم، فلا تلح على ودعنى أدفعها إليك فى مرات قلت فعجل منها ما ترى فأعطانى ثلاثة آلاف «1» درهم ووفانيها بعد شهرين. وبلغ الراضى بالله أن هارون بن غريب خال المقتدر بالله مقبل إلى بغذاذ فكره ذلك وما كان بصافى النية له، لأن الراضى بالله كان فى حجر مؤنس المظفر، وكان العباس بن المقتدر فى حجر الخال ثم فى حجر ابنه هارون بعده، فكان يتهمه بإيثاره عليه. ولأنه كان أيضا منحرفا عن جدته شغب أيام حياة أبيه، ثم رأيت من ذكره لها فى خلافته وتحننه عليها ما كنت أسمع ضده منه فى أيام إمارته، وكذلك عاد منه كل تشعيث كان قديما نفث به فى أبيه مدحا وتقريظا، ووصف محاسن. وإنى لأذكر يوما فى إمارته وهو يقرأ على شيئا من شعر بشار وبين يديه كتب لغة وكنب أخبار إذ جاء خدم من خدم جدته السيدة فأخذوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 جميع ما بين يديه من الكتب فجعلوه فى منديل دبيقى كان معهم، وما كلمونا بشىء ومضوا فرأيته قد وجم لذلك واغتاظ فسكنت منه وقلت له ليس ينبغى أن ينكر الأمير «1» هذا فإنه يقال لهم إن الأمير ينظر فى كثير لا ينبغى أن ينظر فى مثلها، فأحبوا أن يمتحنوا، ذلك وقد سرنى هذا ليروا كل جميل حسن، ومضت ساعات أو نحو ذلك ثم ردوا الكتب بحالها. فقال لهم الراضى «قولوا لمن أمركم بهذا قد رايتم هذه الكتب وإنما هى حديث وفقه وشعر ولغة وأخبار وكتب العلماء، ومن كمله الله بالنظر فى مثلها وينفعه بها، وليست من كتبكم التى تبالغون فيها مثل عجائب البحر، وحديث سندباد والسنور «2» والفأر» . وخفت أن يؤدى الخادم قوله، فيقال: من كان عنده؟ فيذكرنى فيلحقنى من ذلك ما أكره إلى ما لى عندهم مما سأذكره والسبب فيه فى موضعه من أخباره إن شاء الله فقمت إلى الخدم فسألتهم ألا يعيدوا قوله فقالوا: والله ما نحفظه فكيف نعيده! فكتب الراضى بيده إلى هارون بن الخال أن يقيم بمكانه ولا يتجاوز ذلك إلى ناحية الحضرة، ويعده أنه يأذن له فى القدوم عليه فى الوقت الذى يراه صلاحا، فكتب جوابا عن هذا الكتاب بأنه جاء محتاطا مشفقا من أشياء قد بلغته وأقلقته وأقبل حتى نزل النهروان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 فاشتد ذلك على محمد بن ياقوت وكان قد حجبه وملك على الوزير محمد بن على، فندب الراضى الناس للخروج مع ابن ياقوت لمحاربته من غير أن يرى ابن الخال أنه يحب، قتاله وإنما أحب تأخيره مديدة استيطارا «1» منه لأنه لم يدر كيف تؤول الأمور. فلقيه ابن ياقوت بنهر يتن بقرب النهروان، فقتله واحتز رأسه فجىء به الى الراضى فأظهر سرورا بذلك وسلمه إلى أهله فدفن بقرب قبر أبيه فى قصر عيسى بن على فى الكرخ فى الجانب الغربى. وخلع فى يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة على محمد بن ياقوت لقتله ابن الحال وطوّق وسوّر. وخلع فى يوم الخميس بعد ذلك بيومين على الوزير محمد بن على لمعاونته على ذلك وكان قتل هارون بن غريب فى يوم الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الآخرة وإلى هذا الوقت فما ذكر الراضى [أحدا] «2» من الجلساء ولا جلس ولا كان يشرب النبيذ ولا يوافقه، وكنت أحسن تركه وكان فى إمارته ربما اشتهى أن يصل مجالسه ويبر من يحضره ويشرب اليسير منه، فيتأذى بذلك ومازال ذكيا فطنا لقنا لما يسمع بحضره ما يريده من غير فكر فدعا يوما اخاه هارون وكانا نفسا واحدة فى جسمين فى ايام ابيهما، مكتبهما واحد وأمرهما واحد، يقدم طباخوه الطعام لهما شهرا ثم يقدمه فى الشهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 الآخر طباخو أخيه هارون، وكان فى حجر نصر الحاجب وكان بره به أكثر من بر الباقين بالأمراء الذين فى حجورهم فدعا يوما أخاه هارون إلى الثريا فشرب هارون وأحب أن يساعده فدخل فى النبيذ الى أن غيره وكان يقرأ على شعر أبى نواس فى تلك الأيام فأنشدت معرضا به بيتا لأبى ذؤيب: إذا رأتنى صريع الخمر يوما فرعتها ... بقرآن إنّ الخمر شغب صحابها ففطن لما أردت، فقال لم أقرأتنى بالأمس قول أبى نواس: فما العيش إلّا أن ترانى صاحيا ... وما العمر إلّا أن يتعتعنى السّكر ثم قطع، وانصرف. فلما فرغ قلبه من أمر ابن الخال وجه إلى «من هاهنا ممن جالس الخلفاء، وممن يصلح أن يجالسنى؟» فوجهت اليه: إنه لم يبق ممن جالس الخلفاء غير إسحاق بن المعتمد، وهاهنا من رسم بالمجالسة وما جالس بعد، مثل محمد بن عبد الله بن حمدون ومثل ابن المنجم. فقال: قد عزمت على الجلوس وتقدم بإحضار الجماعة، وأمر أن يكون فيهم أحمد بن محمد المعروف بالعروضى، واليزيديان إسحاق وعلى ابنا إبراهيم، وكانا يعلمان الجماعة الخط، وكان العروضى مرسوما بتأديب أبى إسحاق المتقى بالله أمير المؤمنين، وأخيه على رسمه بذلك والمعروف بابن غالب، وكانت رياسة التأديب اليه لأن الزجاج النحوى كان ندب لتأديب المقتدر بالله فاستخلفه فغلب على الأمر وحظى به دون الزجاج، ووهب له وأقطع لما ولى المقتدر ما أغناه وكفاه. فرسم العروضى بهذين، ورسم أبا عبد الله محمد بن العباس اليزيدى بتأديب الراضى وأخيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 هارون، ورسم لتأديب العباس بن المقتدر رجلا آخر يعرف بابن غدانة العمانى. ثم إن على بن المقتدر توفى فكان العروضى يصير إلى الراضى وأخيه هارون فيكرمانه، وتوفى اليزيدى وابن غالب قبل خلافة الراضى بالله. فلم يكن يجلس اليهما غيره، وغير على بن إبراهيم اليزيدى، على نوبة وملازمة. ورسم لتأديب عبد الواحد بن المقتدر المعروف بابن الأنبارى النحوى فأمر الراضى أن يحضر الجماعة الدار فى مستهل رجب سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ليجالسوه وأحضرنا وأمر بأن يكون ترتيب جلوسنا على ما أنا أذكره- رسم أن يكون على يمينه أقربنا إليه إسحاق بن المعتمد، ثم أكون أنا تاليا له، ثم يكون العروضى تاليا لى، ثم يكون ابن حمدون تاليا له؛ ثم يجلس الباقون عن يسرته على ترتيب ربما اختلف فكنا فى المجلس فى أول جلسة جلسها أربعة عن يمينه، كما ذكرت وخمسة عن يساره وهم: يوسف وأحمد ابنا يحيى بن المنجم، وعلى بن هارون بن على بن يحيى واليزيديان إسحاق وعلى ابنا إبراهيم، وكان قد أمرنى أن أعمل أبياتى الضادية على قافية المرتضى قصيدة ضادية غيرها على قافية الراضى، فعملتها فلما وصلنا اليه فى ذلك اليوم أنشده أحمد بن يحيى وعلى بن هارون قصيدتين يهنيانه فيها بالخلافة، ويصفان سرورهما لاغتباطهما فاستمعهما وأظهر استحسانهما، ثم أمر بإنشاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 الضادية فأنشدته أياها، وأنا أذكرها هاهنا لأنها ليست من الشعر الذى يأباه القلب ويمجه السمع، وفيها مدح لابن ياقوت وللوزير وهى: أصبح الملك عاليا بأبى العبّاس أعلى الملوك بعد انخفاض واستفاض السّرور فى سائر النّاس بملك المهذّب الفيّاض رضى الله هديه فاصطفاه ... فهو بالله والمقادير راضى من غذته العلوم يرتع منها ... فى جنان أنيقة ورياض كمل الفضل والفضائل فيه ... قبل عشرين من سنيه مواضى فهو بالعلم والتّفرّغ فيه ... خير آت من الملوك وماضى خطرت نحوه الخلافة طوعا ... باتّفاق من الورى وتراض واصطفاق من الأكفّ دراكا ... واجتماع موف وعزم مفاض «1» مرض الدّين قبله وأتاه ... بارئا عنده من الأمراض واستلذّ الزّمان إذ أسفر ... الملك وجلّى سواده ببياض واجد بالعلوم وجد محبّ ... راعه من يحبّ بالإعراض يرد النّاس منه أغدار جود ... طيّب الورد مترع الأحواض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 حمدوا من محمّد حسن ملك ... بتقضّى حقّ الورى وتقاضى «1» نعم للولّى منه حباه ... ومنايا على العدوّ مواضى تملك الخطب منه عزمة رأى ... يذعن الصّعب عندها لارتياض يا إماما إليه حلّت عرى ... الفخر وفلّت معاقد الأغراض حاز بالمكرمات كامل مجد ... علق النّاس فيه بالأبعاض وتعالى على النّجوم ببيت ... سامق العزّ ظاهر الأعراض حجّة الله أتت يا قبلة ... الدّين فليست تردّ بالإدحاض آذن السّيف من عصاك من ... النّاس بهلك واشك وانقراض وبثقل من العذاب ووزر ... ينقض الظّهر أيّما إنقاض لست ممّن يريد بالمدح حالا ... يبسط الجاه منه بعد انقباض قد تروّيت من نوال إمام ... لست ما عشت فيه بالمعتاض بشره زائد العطاء كما البر ... ق دليل الغيوث بالإيماض وتقدّمت فى مديحى له النّا ... س على الرّغم من ذوى الإبغاض وافترعت الأبكار من عزّة الشّعر ... فذلّلت صعبها بافتضاض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وغذانى بطول منه فى سا ... بق أيّامى الطّوال العراض جاء عفوا بلا سؤال ولا وع ... د ولا مذكّر به متقاضى صافيا من تكدّر المطل يجرى ... جرى ماء صاف على رضراض وتشرّفت بالجلوس لديه ... بحديث يلتذّه مستفاض وبلغت المنى وبشّرنى ... النّاس بثوب من الغنى فضفاض وتبدّلت بالتّذلّل عزّا ... آذن الهمّ عنده بانفضاض «1» واطمأنّ الفراش من بعد أن جا ... نب جنبى تجنّب النّهّاض واستردّ العدوّ وكدى وعادت ... أعين السّخط وهى عنّى رواضى «2» لا أرى مزعجا نوالى وإن ... أبطأ عنّى جناه بالايغاض لا ولا خاطبا بذمّ زمان ... أتشكّى منه ندوب عضاض «3» قد كفانى الامام ما قد عنانى ... وانتضانى من خلّة الانفاض واجتنيت الغنى بمدحى غضّا ... من أياد له رطاب غضاض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 لم أجب نحوه الفلاة ولا أقبلت نقضا أهوى على أنقاض «1» تترامى بى المفاقر طورا ... واعتراضا كرمية المعراض «2» بعد أن حلّت النّحوس محلّى ... وهوى نجم أسعدى لانقضاض فتك اليأس بى فأهدى صدودا ... من وصول كفتكة البرّاض «3» وأرانى تحيّف الهجر للطّي ... ر بما نسّى تحيّف المقراض «4» واقتضانى دين الشّباب مشيب ... فيه عسف له وقبح تقاضى عجبى له كيف أوجب ذنبا ... لم يكن عن تسلّف واقتراض ظالم منصف سريع بطىء ... سابق ركضه بغير ارتكاض فتسوّدت بالبياض وعذ ... ت به عن وصال بيض بضاض واكتسيت الوقار بالكره منّى ... ونضت بشرتى ليال نواضى وأتتنى قوارض من أناس ... مثل وقع الشّهاب فى الأغراض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 كلّ واهى القوى نؤوم إذا ما ... نهض النّاس للعلى ربّاض تركتنى لما أحاذر منها ... حرضا هالكا من الأحراض علم الله ما الذّى كنت ألقى ... فيكم من تألّم وامتعاض لم أذق مذ ركبت راحلة ... الخوف الى الآن لذّة الإغماض لا أطيق الدّفاع عنك ولا ... أملك غير الهموم والإرتماض زأرتنى أسود حقد عليكم ... لم تغيّب بغابة وغياض وفرانى الزّمان منه بناب ... بعدكم مرهف الشّبّا عضّاض وانتحى آكلا للحمى ورضّ العظم ... منّى بكلكل رضّاض واكتحلت السّهاد والحذر الدّائم ... خوفا بمرود مضّاض من حسود منافس لى عليكم ... لبحار اغتيابكم خوّاض مبغض لى لما أسيّر فيكم ... من مديح على الأذى حضّاض فأرانى الاله ما كنت أرجو ... هـ وعوّضت أحسن الإعتياض يا إمام الهدى استمع لولّى ... سائر فى مديحكم ركّاض بذل النّفس واجب لك محض ... النّصح من أسرة لكم أمحاض كلّ عاص بجلدته العرّ ... فهم هانئوه بالخضخاض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 يفضل النّاس فى الشّجاعة والبأ ... س كفضل الدّيس لابن مخاض قبلة الحرب حين تجتنب الحر ... ب وتردى خيولها فى العراض عضّد الملك فيه بالأيّد ... العالم شافى المحل بالاحماض باذل الرّأى سالك شعب عزم ... ما المصاعيب فيه كالأحفاض أخصبت أربع الورى بإمام ... قاتل المحل جابر المنهاض عرف النّاس فضله مثل ما ... يعرف قصد السّهام بالانباض من رأى حبّه كنافلة ... الفرض فإنّى أراه كالإفتراض أيّد الله ملكه بوزير ... مستقلّ برأيه نهّاض عالم بالزّمان قد راض منه ... جامحا آبيا على الرّوّاض لم يطف باليقين من ظّنه الشّك ... ولا حال دونه باعتراض ضرب فى لهى وليّك ماض ... وسهاد على عدوّك قاضى ناصح لم يخض ضحاضح غشّ ... فى الزّمان الماضى مع الخوّاض موّل الله بيت مالك منه ... باجتماع منه لا بارفضاض غير ما حافل اذا انتخل ... النّصح بشكوى مغاضب أو مراضى من أناس أقلامهم أسهم ... الملك ولكنّها بغير وفاض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 جامعات للأمر بعد افتراق ... جابرات للعظم بعد انهياض «1» مارأت ساعيا على البين إلّا ... قيّدت سعيه بغير الاياض نفثت بالمداد سمّا عليه ... نفث أنياب حيّة نبناض فابق يا سيّد الملوك له تب ... رم بالرّأى منه كلّ انتقاض وتملّ النّيروز تسعين عاما ... ساميا والعدوّ ذو إعضاض فقال لى- وكان عالما بالشعر ناقدا-: ما أعرف مثل هذه الضادية لقديم ولا محدث وإنها لحمتك رميت بها كما كانت- قد جبر الدّين الإله فجبر ... - حمة العجاج رمى بها فقلت له يبقى الله سيدنا وهاهنا حماة مثلها كثيرة. وكان من أول ما خاطبنا به أن قال: والله لقد جاءنى هذا الأمر وما شرعت فيه ولا أحببته، ولا علم الله ذاك منى فى سر ولا علانية، لا جهلا منى ما فيه من الشرف والجلالة «2» لكنى لتغير الأحوال وقلة الأموال وكلب الجند وخاب الدنيا وإنه يستصحبنى من الغم والأسف والغيظ والاهتمام اكثر مما يؤمل من السرور واللذة، فما أجد فى زمانى مياسير من الكتاب والتجار يجمل بمثلهم الملك ويلجأ المهم اليهم مثل ابن الجصاص فى التجار ومن يقاربه، وأرجو أن يعيننى الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 بجميل نيتى، فقد ضقت ذرعا بما دفعت اليه فقلت له إذن يعينك «1» الله يا أمير المؤمنين، ويوفقك بشهادة من رسول الله صلى الله عليه بذلك ووعد به قال وكيف ذاك؟ قلت: حدّثنا إبراهيم بن عبد الله النميرى قال حدثنا حجاج بن منهال عن المبارك بن فضالة عن الحسن بن أبى الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال لى رسول الله صلى الله عليه يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسئلة وكلت اليها، وإن أعطيتها عن غير مسئلة أعنت عليها. فقال لى: قد والله سرنى الله بهذا الحديث ولست أشك الآن فى عون الله لى وتوفيقه إياى. ثم قطع المجلس، قطعه ما لقيه من إغنات القاهر له وخوفه لقتله أباه فى ليله ونهاره وما دفع اليه من مداراة من لا تعرف طريقته ولا يوثق بدينه، ولا بعقله ولا تؤمن بوائقه، ولا ترضى خلائقه. إلى أن قال أليس بابن المعتضد؟ وأخ المقتدر وعم لنا؟ هذا والله عار لا يرحض وعيب لا يزال ثم نبهتنا سهامه. فقلت قد أزال الله عن سيدنا كل عيب وألحق به كل حسن، وله فى رسول الله صلى الله عليه أسوة حسنة هذا عمه أبو لهب أنزل الله عز وجل فيه وفى امرأته سورة من القرآن يعرفها كل إنسان ويلفظ بها كل لسان فما ألحقه عاره وقد ولده جد رسول الله عبد المطلب، وهذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 كان يهجوه قبل إسلامه ثم أسلم وشهد حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وحسن أثره وما زال محمودا مرضيا إلى أن توفى ويقول له حسان بن ثابت وكان كافرا: أبوك أب حرّ وأمّك حرّة ... وقد يلد الحرّان غير نجيب فلا يعجبنّ النّاس منك ومنهما ... فما خبث من فضّة بعجيب «1» فقال لى «قد والله سرنى جميع ما جرى وأرانى طريق المسلاة وأعتقنى من هم كان قد ملكنى وغلب على أعلمت أن الناس يظنون أن هذا من قول حسان، إنما هو لأبى سفيان صخر بن حرب. وأنا قد كنت أظن ذلك حتى عرفتنيه فقلت له. إن حسان هجاه بقصيدة فيها بيت يقال إنه ما سمع بهجاء قط أنصف منه، وهو قوله: هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله فى ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بمثل ... فشرّكما لخيركما الفداء «2» هذا أنصف بيت قيل قط من هجاء. قال الصولى: وما حكيت من ألفاظه التى مرت، وما أحكيه من كلامه بعد فهو كما أحكيه أو شبهه أو مقارب، إذ كنت لا أقدر على أن أحفظ لفظه على حروفه وأنا أحفظ معناه وكان والله إذا جمع نفسه وأحضر خاطره [ك] أنه ينطق بلسان المنصور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 إذا أراد الكلام فى معنى من المعانى، كذلك خيل إلى. أو المأمون من بلاغته وحسن سلوكه سبل المعانى وما أخطأه من شىء فلن يخطئه أن يكون أحسن الناس علما، بالشعر ونقدا له كما ينقده العلماء به. وإنه من أطبع ملوك بنى العباس فى الشعر وأكثرهم شعرا وأكرمهم عشرة لجلسائه وما رأيت ولا سمعت بخليفة أحسن منه أخلافا ولا أسمح بكل شىء بالمال والطعام حتى يفرط، وبالثياب والطيب ما بخل بشىء قط ولا تعاظمه شىء يهبه ولولا اتباعه لشهوته كثيرا، عالما بما فى ذلك من العيب محتملا له على بصيرة لظنت أنه لا يقدم أحد عليه. فكنا بين يديه فى ذلك اليوم ثلاث ساعات من الليل نشرب وكان هو لا يشرب، قد ترك النبيذ جملة ثم انصرفنا وكان النوروز فى تلك الأيام فجلس على بركة مرصصة الجوانب والمجارى حسنة قد عملها وأحضرنا فجلسنا حول البركة وملئت ماء وأمر فرمى فيها بمثقلات كافور كبار وصغار، ثم قال لنا كل من وقف بين يديه مثقلة فهى له فوقفت بين يدى بعضنا مثقلة وقدام بعضنا مثقلتان أنا منهم وقفت لى صغيرة وكبيرة، باعهما لى ابن خزابة بثلاثة آلاف «1» درهم ودفع إلينا ندا كثيرا وعنبرا، ووصل الجماعة بصلات مختلفة على أقدارهم عنده ثم واصل الجلوس بعد ذلك إلى أن كثر شغب الحجرية والساجية فى طلب المال فقطع الجلوس معنا مدة لئلا يقولوا إنه مشغول بلذاته. ولما قبض على القاهر حبس فى بيت وطولب بأموال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 فلم يقر بشىء وكأنه عرف ماله عند الراضى لسوء ما كان يعامله به فعذب عذابا شديدا فما أنعم بشىء فأمر بعض الناس فكحله فأعماه وتردد «1» المكروه عليه فما أقر بشىء ووجد له مال يسير وآلة فأخذت وحسن وفاء زيرك له فأعجب ذلك للراضى فاصطنعه وحسنت خدمته له فتمكنت عنده حاله وغلب عليه فأحسن اليه إحسانا كثيرا وأقطعه البستان المعروف بالشفيعى ووهب له من أنواع الطيب ما كان أمله يقصر عن مثله، وكذا من الجواهر والباور وآلة الذهب والفضة- وما رأيت البلور عند ملك أكثر منه عند الراضى، ولا عمل ملك منه ما عمل ولا بذل فى أثمانه ما بذل حتى اجتمع منه له ما لم يجتمع لملك قط. وعظم فى أول أيام الراضى أمر مرداويج «2» السلى بأصبهان، وتحدث الناس عنه أنه يريد تشعيث الدولة وقصد بغداد وأنه لمساهم لصاحب البحرين مجتمع معه على ما يحاوله، ثم ورد الخبر بأن غلمانه قتاوه وأن رئيس الغلمان غلام يعرف ببجكم، وأنه خرج عن أصبهان ومعه جماعة من الأتراك قد رضوا به صاحبا لهم ورئيسا عليهم، فزعم ابن ياقوت أنه هو الذى دبر ذلك وكاتب فيه الغلمان ووجه برسل إليهم يحضهم على ذلك ويرغبهم فى حسن الفائدة عليهم فى العاجل من جهة الخليفة، وفى الثواب بطاعتهم للخليفة ونفذت كتبه إلى بحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 والغلمان بتحقيق ظنونهم، والتقدم اليهم لقصد مولاهم وقتله ليبلغ لهم ما أملوه. ودخل ابنا المنجم احمد بن يحيى وعلى بن هارون فأنشدا الراضى فى يوم خميس شعرا يهنيانه بهذا الفتح، وتخلفت أنا لشىء وجدته ثم دخلت إلى الراضى فى يوم السبت بعد الخميس بيومين وأنشدته: ضحك الدّهر بعد طول عبوس ... طالعا بالسّعود لا بالنّحوس وأتتنا الأيّام معتذرات ... لابسات نعيمها بعد بوس بالإمام الرّاضى المطلّ على الآ ... داب شمس الملوك وابن الشّموس سبعة من خلائف ولدوه ... لم يكن ذا لغيره من رئيس رضى الرّاضى الإله لملك ... أوضح النّهج منه بعد الدّروس فهو كالخصب بعد وافد جدب ... رعى الغضّ منه بعد اليبيس آنس الله بالخليفة ملكا ... موحش الرّبع واهن التّأسيس فهو يختال فى الجديد من ... اللّبسة والحسن بعد لبس الدّريس يا نسيم الحياة أضحكت دهرا ... كان لو لاك دائم التّعبيس انّ أيّامك اللّذاذ كوصل ... الحبّ طيبا ونومة التّعريس مردواج بسيف حظّك مقتو ... ل فأهون بذاك من مرموس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 قصفته رياح أيّامك ... الغرّ فأخمدن منه نار المجوس ثلّ عرش الّلعين أسرع ممّا ... سلب العرش من يدى بلقيس وتولّت بمأتم الدّهر أيّا ... م أتتنا تجرّ ذيل العروس بعد كفر لنعمة وقبيح ... كفر عبد فى نعمة مغموس وجزى المسلمين تؤخذ قسرا ... بخروج عليهم ومكوس حابس المال عنهم مستضام ... باتّساع الأذى وضيق الحبوس وكأنّ العيال إذ فقدوهم ... أنشروا فى البلاد بعد الرّموس وكأنّى بهم حمايل إقبا ... ل طويلى الإطراق والتّنكيس حسّهم سيفك الحسام فأضحوا ... همّدا منه مالهم من حسيس يا حلّى الّزمان يا زينة الأر ... ض ورأس الملوك وابن الرّءوس إنّ نصحى وصدق ودّى قديم ... لم أشبه بالزّور والتّدليس قبل أن يأكل الزّمان شبابى ... خالسا غرّتى بشعر خليس ما أطيل المقال خوفا لإضجا ... ر إمام مؤيّد محروس وأرى النّاس أظهروا بمديح ... لى منه البكور بالتّغليس ربّ بذل سقيتنى منه كأسا ... فأعد لى مدار تلك الكئوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 حين شرّفتنى فكنت بنعما ... ك جليسا من قبل كلّ جليس ثمّ أفردتنى خصوصا ببرّ ... مفرد طاهر من التّدنيس إنّ بينى وبين دهرى حربا ... جاوزت حرب داحس والبسوس أنا منه لغير هجر ووصل ... واقف بين لوعة ورسيس فاعتبر ما شكاه عبدك منه ... ثمّ داو الخناق بالتّنفيس هو فى مخلب الزّمان فريس ... فارحم الآن نفس هذا الفريس واسقه من سلاف جودك بذلا ... فاق طيبا سلافة الخندريس يطلق الشّعر فى أناس وشعرى ... وقف مدح على الإمام حبيس لم تزل فى القديم تلبس منه ... مستجدّ الطّراز غير لبيس لا أعلّى به لعلوة فكرا ... فى مشيب لها ولا للعميس «1» مدح لم يزد عليها زياد ... وهو خاش ردى أبى قابوس لا ولا حاك مثلهنّ جرير ... عند إيحاش ربعه المأنوس قام هذا المديح بالعذر منّى ... نائبا عن نشيد يوم الخميس فالقه بالنّجاح يا أكرم ... الأمّة أعطى به يمين غموس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 لى سبق المديح فيك على النّا ... س وفخر بالسّبق فى التّأسيس هى حال ليس الشّباب وإن فضّل ... خيرا فيها من التّعنيس يا إماما به أمرّت عرى الحقّ ... وحلّت معاقد التّلبيس أيّد الله ملكه بوزير ... عالم بالزّمان طبّ رئيس ضامن بالوفاء منه رضى الله ... بحفظ الرّئيس والمرءوس ظمىء الملك قبله فسقاه ... ريّه من زلال نصح مسوس حاصد للعدى بأقلام رأى ... تقطع السيف عند حمى الوطيس كيده وافد عليهم بيوم ... قمطرير بما يشقّ عبوس بان فضلا على الكفاة كما با ... ن على ابن اللّبون فضل السّديس طاب أص وبابنه طاب فرعا ... غرس الملك منه خير عريس قد أمّر الزّمان طوعا عليه ... فسخا بعد نفرة وشموس فترى النّاس خاضعين اليه ... من قيام بأمره وجلوس أمتع الله بالوزير إماما ... خصّ من نصحه بعلق نفيس وأطال البقاء للملك الرّا ... ضى إله أصفاه ودّ النّفوس وقد يعلم الله تعالى أن الراضى بالله فى حال إمارته وأخاه هارون لما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 أمر نصر الحاجب أن يتقدم إلى بخدمتهما، وان تجعل على نوبة لهما يومين فى كل أسبوع ففعل ذلك دخلت إليهما فرأيتهما ذكبين فطنين عاقلين إلا أنهما خاليان من العلوم، فعاتبت ابن غالب مؤدبهما على ذلك وكان الراضى أذكاهما وأحرصهما على الأدب، فحببت العلم اليهما واشتريت لهما من كتب الفقه والشعر واللغة والأخبار قطعة حسنة فتنافسا فى ذلك وعمل كل واحد منهما خزانة لكتبه وقرآ على الأخبار والأشعار فقلت إن الحديث أولى بكما وانفع لكما من هذه وهو أولى أن يبتدأ به وجئتهما بأعلى من بقى من الزمان إسنادا، وهو أبو القاسم ابن بنت منيع، واختلف اليهما مجالس ونسخت لهما علو حديثه ومشايخه، مثل على بن الجعد وابن عائشة وأبى نصر التمار، وجميع علوه ومختار حديثه، واحتجنا إلى أن نبره بدنانير، فوجه إلى من جهة والدتهما «والله ما عندنا دنانير لهذا المحدث، ولا بنا حاجة إلى مجيئه» فعرفت نصرا الحاجب ذلك فقال «خذله من مالى كل شىء يريده» فأوصل إليه فى مدة شهرين أربعمائة دينار. وقرآ على من كتب اللغة كتبا كثيرة منها خلق الإنسان للأصمعى فمضى خدم سمعوا ذلك إلى المقتدر وإلى والدته، فقالوا لهما: «إن الصولى يعلمهما أسماء الفرج والذكر» فدعا المقتدر نصرا الحاجب فعرفه ذلك، ودعانى نصر الحاجب. وكان من أحسن الناس عقلا، فسألنى عن ذلك، فعرفته السبب فيه فقال: جئنى بالكتاب، فجئته وعرفته أن هذا من العلوم التى لابد للفقهاء والقضاة منها، وأنهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 يلجأون إلى أهل اللغة فيها فأخذ الكتاب وأدخله إلى المقتدر وعرفه ما عرفته فأزال كل شىء خفته. ثم قلت للراضى بالله قد أمرت أن تجلس فى غد ليملك بحضرتك ابن الجواليقى بدار السيدة، وقد وعدوا جماعة فيهم الحسين بن اسماعيل المحاملى، وسيبكر إلى هاهنا فى غد فارفع مجلسه وأقبل عليه وانبسط فى مذاكرته، وإنى أحب أن يسمع الناس وصفك والثناء عليك من مثله، ففعل جميع ذلك. ثم حضرت وانقضى أمر الإملاك، فأخذ المحاملى بيد أبى بكر الخرقى، وقال «ما رأيت فى أهل هذا البيت شيخا ولا كهلا ولا حدثا يشبه هذا الفتى يقول حدثنا وأخبرنا وينشد ويعرب، وهذا كله من فعل هذا- وأومأ إلى- فأحب أن تتحمل رسالتى إلى القهرمانة ريدان، وتقول لها ما الذى فعلتم بمن صير هذا الأمير فى هذا الحال، فقلت أنا لأبى بكر الله يعلم ما أفعل هذا الا لله عز وجل، لأنى أقول لعلهما أن يليا من أمور المسلمين شيئا فينفعهم الله بهما. وجعلت أقتضى أبا بكر الجواب فدفعنى أياما ثم قال لى أنت فى طرف والقوم فى طرف أديت إلى ريدان قول القاضى فقالت لى «إن هذه المحاسن من هذا الرجل عند السيدة ومن يخدمها مساو [ىء] فقل له عنى يا هذا، ما نريد أن يكون أولادنا أدباء ولا علماء، وهذا أبوهم قد رأينا كل ما نحب فيه وليس بعالم. فاعمل على ذلك» فأتيت نصرا الحاجب فأخبرته بذلك فبكى، وقال: كيف نفلح مع قوم هذه نياتهم! فقلت والله ما أعود اليهما بعد هذا. فقال ولا لك حظ فى ذلك. ولكن امض ساعة فى الأيام ثم اقطع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وكان ابن أبى الساج فى هذا الوقت بواسط عازما على لقاء القرامطة؛ وكنت أنفذت اليه رسالة طويلة فى كتاب عملته له أوصيه فيه بالمطاولة، وهى رسالة حسنة- قد سرقها الناس منى- تجمع ضروبا من العلوم، فجاءنى جوابه مع كاتب له يعرف بابن حراشة، وفى آخر الكتاب «وقد بلغنى خبرك وقول من قال لا نريد أن يكون اولادنا علماء وإنا لله على ما بلى الناس به» وأفزعنى ذلك وخفت أن يظن أتى المبدى لهذا، والمتكلم به فصرت إلى نصر الحاجب فعرفته ذلك، فقال إن لابن أبى الساج خدما فى الدار. لا يخفون عنه الأنفاس، وهذا فإنما علمه من جهتهم، فسكنت نفسى إلى ذلك وانقطعت عنهم، وكان لهم بعدى، هنة سر «1» لحجبتهم لها كل أحد، وكان ثم قوم قد نفسوا على موضعى منهم. وكان الراضى وعدنى بفص كنت استحسنته فكتبت اليه بقصيدة أساله فيها التوجيه إلى بالفص، فكتب إلى «إنما أتفرخ بما يرد على من جهتك، فاكتب إلى بشعر صادى قافيته الفص» فعملت القصيدة وكتبت بها اليه وهى: ألاقل لخير النّاس نفسا ووالدا ... ورهطا وأجدادا مقالة مختصّ محمّد المأمول والمقتدى به ال ... أمير أبى العبّاس ذى الفضل لا النّقص ومن جمع الآداب بعد افتراقها ... وثقّفها بالبحث منه وبالفحص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 دقيق حواشى الذّهن هذّب طبعه ... ومحّص فى قرب المدى أيّما محص بعيد القبول من حسود مكاشر ... تخلّف عن أولاه بالتّزغ والفرص لئن ساغ لى أكلى وشربى فإننّى ... كذى شرق من غيبتى عنه مغتصّ وقد كنت ذا حظّ لديه وزلفة ... فجاء الّذى حاذرت فيه على غفص بفسخ الّذى سدّى وألحم باطلا ... وقد وقصاه عاجلا أيّما وقص من اكلب خوزستان نغل محقّر ... ضئيل خفىّ الشّخص فى صوره الدّرص وألهب منه الجمر بالنّفخ حابل ... علوق بأذناب الأكاذيب كالشّصّ بنو معورات الطّرق جاءوا بعورة ... ذوو الآنف الذّكّاء والأعين الرّمص أولوا بطنة فى باطل وتكذّب ... وصدقهم يأوى إلى أبطن خمص فما أسندوا قولا إلى ذى تماسك ... ولا شيّدوا زور المقال على إصّ وبالقصر قوم إن رأونا تبلّغوا ... وحطّوا لنا الأعياق كالرّخم القص تلاقت بتأليب علينا جفونهم ... وفرّقت الأقوال بالثّلب والغمص وما قبلوا نصح العروضىّ فى الّذى ... رآه ورصّوا إفكهم أيما رص وقد هطلته غيبة من سحابهم ... وكالوا له صاعا من النّثّ والقصّ وهبّ له فى بعده لك قاصف ... من الحزن ينئى صبره عنك بل بقصى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 فغصّ بشرب من فراقك آجن ... عصوف بجدواه أمرّ من العفص وإن أنجز الإمكان يوما بجلسة ... لديك أتاك القول بالشّرح واللّخص فأدنيت حقّا قد أطيح بشخصه إلى ... نزوان القوم بالزّور والقنص فأقتبل العيش الغرير بقربكم ... وأسحب فى لذّاته أذيل القمص بحقّ أفاض القلب فاضل شربة ... من الهمّ حتّى جاءنى الأمر من فصّ وأطلع شخص الحقّ عندك وجهه ... إلى أن يقود القرب منطق مستقصى تحيّفنى ريب الزّمان ببعدكم ... تحيّف مقراض المجازف فى القصّ اليك ترامت بى الأمانى همّة ... على لحق الأقراب ضامرة حصّ وخوص سقتها الآل كأس هجيره ... فأفنته بالوجد المواشك والرّقص إلى ابن الّذى أحيا البريّة عدله ... فشبّه بالفاروق فيهم أبى حفص وقد كان لى وعد عليك بخاتم ... علوق بلحظ العين مستملح الشّخص شريف إذا ما رفعوه لسيّد ... تعاظم واستعلى به شرف الفصّ فلا أنا طالعت الأمير بذكره ... بتعريض قول فى الخطاب ولا نصّ ولا أنجدتنى منه فى ذاك حظوة ... تذكّر إنجازا ولست بذى حرص وإنّى لأرجو أن يسرّى لبسه ... فيأخذ منه اللّبس أخذة مقتصّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 وإن لم يكن كرع يقاوم غلّتى ... برىّ قنعنا فيه بالرّشف والمصّ إذا لم يكن كلّ الّذى يشتهى الفتى ... ففى الرّأى أن يرضى ويقنع بالشّقص ولست كمن يمضى على الظّنّ حكمه ... ويجعل إسناد الرّجال إلى حصّ وإنّى لأغلى المدح إلّا على الّذى ... يغالى بإعطاء ولست بذى نقص بذى هام قلب لا بخريدة بها ... يميس بها غصن رطيب على دعص «1» صليبة عزم القلب كالصّخر قلبها ... على أنّه يكتنّ فى جسد رخص ولا بشمول لذّة الطّعم قرقف ... مناسبها فى عمر كركين والقفص فلو كان فى حمص يرجّى شبيهه ... لساق مطاياى الرّجال إلى حمص أميل إلى شرب الكرام بغلّتى ... ولست لأوشال اللّئام بممتصّ فقولوا لمن قاس الأمير بغيره ... تأيّد فما الكيل المحصّل كالخرص تيمّمت زورا فى المقال وباطلا ... لدى خرق ساد الصّخور على رهص محاسن هذا الخلق منك ابتداؤها ... ويجذبها ذو كلفة منك كاللّصّ كذا المجد لا بالمال يجمع شمله ... وبالدّور شيدت بالقراميد والجصّ فلا زلت للدّهر المملّك مالكا ... يطيعك فيما تشتهيه ولا يعصى وحزت من الأعمار أقصى نهاية ... تفوت مدى الإحصاء فيها يد المحصى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 فوجه بخاتم فصه ياقوت سمانجونى ووجه معه بصلة، وكتب إلى «ما أعرف والله مثل هذه الصادية لأحد، وقد بخستك فى القيمة اضطرارا لا اختيارا إلى أن يستقيم الزمان إن شاء الله» وإنما آتى من الأشعار التى قلتها فى الراضى بطرف، للحاجة إلى المعنى الذى قيلت فيه، وإلا فالشعر كثير فيه. وقد أتيت فى عملى أخبار المقتدر بشىء يسير منه، إلا أننى آمل أن لا يستهجن الأدباء ما أورد منه لصلاحه وصفوته، وصعوبة قوافيه، وسلامته مع ذلك من تكلف يهجنه، وسخافة لفظ ترذله إن شاء الله. وتمزق الأمر بين محمد بن ياقوت ومحمد بن على بن مقلة. واستبد ابن ياقوت بالأمر دونه، ولم يمض أمرا إلا بتوقيعه. ونظر فى الأموال، ورمى بأكثر أمره إلى كاتبه محمد بن أحمد القراريطى، إلى أن أظهر الوزير إطباق دواته، وترك النظر فى شىء البتة، فإذا اضطر أن يوقع فى أعمال أو ينظر فى أمر مال عرضت توقيعاته على ابن ياقوت، فما أراد أمضاءه رضيه وقع فيه بامضائه وما لم يرده لم يوقع فيه فبطل، ولم يلتفت إلى توقيع غيره. فما زال الوزير يعمل فى أمره حتى قبض عليه وأنا أذكر ذلك فى حوادث السنين إن شاء الله. وكنا ليلة نشرب مع الراضى، فوصلنا وجىء برغيف كبير بحرف وافر قد عمل من ند فرمى به الينا. وقال انتهبوه فبدرونى، فاستلبوه دونى وسخفوا وتبذلوا حتى تكشف واحد منهم، وكل ذلك بعينه فسألته العوض فقال «صف أمرك معهم وصف الزبيدية فإنك» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 مشغوف بها، وأنا على العبور عليها حتى أعوضك» وانصرفت فعلمت فى ذلك قصيدة زائية هى من خير زائية قيلت قط، فلذلك أذكرها وكان ذلك فى أيام النيروز وهى:- بارك الله للأمير أبى العبّاس خير الملوك فى النّيروز وأراه أولاده الغرّ أجدا ... دا بملك نام وعزّ عزيز فهو أولى به وبالجود فيه ... من ابرويز ومن فيروز لهم فى الهلال هرمز روز ... ولنا الدّهر فيك هرمز روز فاقتبل جدّة الزّمان بعام ... بارز باللّجين والإبريز ضاحكات أيّامه طائعات ... طاعة الحبّ بعد طول النّشوز واقض حقّ النّيروز فيه بكأس ... مزعج سقيها بكأس وكوز فيه نقش ملوّن من يدى من ... لم تشبه معايب التّلويز طلعت شمس وجهه تحت داجى ... الشّعر الجعد صبغة الشّيروز من عقار ترى الفتيّة منها ... عجزت عن كمال حسن العجوز يشتكى كرمها الأوام لدى ... القطف وما زال كارعا فى البزوز وعلى مقبل من السّعد محجو ... ب عن النّحس والأذى محجوز بالزّبيديّة المشهّرة الحسن ... وحوز اللّذاذة الماحوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وصنوف من الجواهر تبدو ... كلّ يوم من كنزها المكنوز ياسمين حكى قراضة تبر ... فتقوا طيبه بمرماحوز يضحك الورد عنده بين نسرين ... وبستان لعنهم آيروز «1» ورياح من الرّياحين ادّت ... نشر مسك بعنبر معروز وبها من حماحم هام رنج ... مشرفات الطّلى على سينين ومياه يشكو الجداول أبسا ... لم تمزّقه حادثات النّزوز وبنارنجها المحمّل تبرا ... ومياه من آسها المجزور ونخيل ترفّع النّوع منها ... عن حوار الأنقال والشّهريز وبها الطّلع مثل بيض أكفّ ... برزت من مخصّرات القزوز وتجافت عنها الجفوف ... فشّبهن كماما مفتّقات الدّروز كم زمان مضى بها مستلذّ ... ليلنا فيه مثل ليل الحزيز قبل أن ترحل البوارح عنّا ... وتحطّ الرّحال من تمّوز رضى الرّاضى الإله لملك ... عزّز الدّين أيّما تعزيز «2» فهو بالله فى محلّ أمان ... تحت حرز من القضاء حريز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 أيّد الله ملكه بنصيح ... راز منه الزّمان أذكى مروز بوزير مؤيّد الرّأى قدحا ... ز بيمن التّدبير خير محوز فكنوز الآباء ثابتة منه ... كلّ يوم مجدّد بكنوز قلم يملك الورى فهو أمضى ... من حسام على الأعادى جروز ومن السّهم حين يستلب العمر ... اختطافا وعامل مجلوز حتف الله مردواج بحدّ ... منه فى أنفس الورى مركوز كم عدوّ أباده غير مقبو ... ن بمردى الرّدى ولا مجنوز وكذا يستمرّ فى كلّ عاص ... ونبيط لهم عتاة وخوز عرزوا كالجراد نسل فساد ... محق الله ذاك من تغريز فهو كالشّهد للنّصيح الموالى ... وكسيف على العدا مهزوز لم يضق بالأمور صدرا ولا ... أصبح فيها كحائر ملهوز وعلىّ كذاك غير ظنين ... فى مراعاته ولا ملموز بل ينادى الأعداء منه برأى ... غير مستنقص ولا مغموز فرداء الشّباب ضاف عليه ... وهو ذو حنكة ورأى مريز كم عدوّ يبيت منه على ص ... حّة جسم بليلة المنكوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 يا أجلّ الملوك عقلا وعلما ... مفرد السبق غير ما ملزوز لك عبد كساك فاخر مدح ... رائق لبسه لباس الخزوز لم يشنه ذكر السّباسب والوص ... ف لعيس تحت الرّحال جموز من قواف على سواه صعاب ... سبّق الجرى ظاهرات البروز خطرت نحوك القوافى بمدح ... غير مستهجن ولا مكزوز بين صاد وبين ضاد وسين ... ثمّ زاى مبينة التّبريز سائل الطّبع مشرق اللّفظ سهل ... ما تغشّيه ظلمة التّكزيز فائض ماؤه يجىء مطيعا ... غير مستجلب ولا منحوز يرجع الشّعر عنه حين يسامي ... هـ بأنف مجدّع محزوز من يرم نسج مثله تختطفه ... لا معات من ذلك التّطريز قصّر المخلف المعلّم عن ... فيض صيود معاود التّكريز وكذا لا يقاس بين خسيف ... فائض عدّها ببئر نكوز جزت فيه ميدان قوم أراهم ... شعراء بالخطّ والتّجويز يستميزون لفظ غيرهم ... فيه غلابا كغارة التّكليز بقواف مدوسة ومعان ... مخلقات ومنطق مرموز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وكزوه ليلحقوه فآبوا ... بقصير عن المذى موكوز حرموا الطّبع صاغرين فساروا ... من طريق إليه غير مجوز عجب والقضاء يقعد ذا ... القوّة عن خطوة الضّعيف العجيز كيف يحوى التّجويد صاحب قلب ... موجع من تأسّف موخوز لا أرى كارعا لهم فى إناء ... لا ولا فى بحارهم ذا نهوز ليس لى غلّة تحصّل ممّا ... فى موازينهم ولا فى قفيز لا ولا لى فى أرضهم قيد شبر ... فى وهاد لهم ولا فى نشوز درّة الغزر هاميات عليهم ... ولنا درّة القطوع العزوز غرّزوا أرجل الطّماعة فى رك ... ب أخسّت مقدارهم وغروز لو يكون التّجويد دار ثواء ... لم يجوزوا منها مدى الدّهليز قلت إذ جوّزت بغير انتقاب ... لك حظّ القناع فينا فجوزى «1» فاز منهم جماعة بأناس ... واتّكالى عليك فى التّفويز لست أرجو سواك بعد إلهى ... عند تقصيدهم ولا التّرجين ووزيرين جهّزانى بجود ... تعّشانى بذلك التّجهين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 حين عىّ الزّمان عن ذكر حظّى ... جبرا فاقتى بجود وجيز أنت أدرى بالشّعر من قائليه ... فاقض فيه بالحزم والتّعجيز وكذا العلم بالمحرّك والسّا ... كن فى نحوهم وبالمهموز ليس إلّا الّذى يضمّهم ... المجلس للانتحال والتّمييز فهم فوق من يرى قول حقّ ... غير مستنكر ولا منهوّز فأجزنى بقدر علمك بال ... أشعار يا خير منعم ومجيز بدنانير لا أحال على الج ... هبذ فيها ولا على كتب روز ورغيف النّدّ الّذى غصبونيه ... وأكرم بذاك من مجنوز غلبتنى عليه أيدى نهاب ... نهزته بحظّها المنهوز سبقتنى اليه سبق ذئاب ... خاطفات بهزّة وأزيز كان ختلا منهم كختل الحوارىّ ... سيف الله ذى الرّدى جرموز لو خشينا البدار منهم لعثنا ... فيهم كاللّيّوث فى الأمعوز ثمّ آبوا بجانب طيّب النّشر ... وأبنا بجانب مخبوز لهف نفسى عليه ملقى كترس ... وافر الحرف مشرف التّفريز فدموعى من التّأسّف تجرى ... جرى وفراء وافيات الخروز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 جمزتنى فوايت الحظّ منه ... وابلائى من حظّى المجموز قد رأى سيّدى وقوفى حيرا ... ن كمصمى الرّمية المتروز فابق يا سيّدى بقاء ثبير ... غير ما مزعج ولا محقوز وتملّ السّرور سائر ملك ... غير مستنقص ولا مبزوز تتخطّى مداس كلّ إمام ... قاهر العزّ غير ما معزوز فلما أنشدته إياها استحسنها وقال «ما أعرف زائية مثلها بل لا أعرف زائية إلا للشماخ، وتلك عجوز وهذه شابة» ثم عوضنى أحسن تعويض بصلة وند وعنبر. ولما جاء بحكم وهزم ابن رائق قال لنا ما أحسن هذه الأبيات، فى المعنى الذى نحن فيه وأنشدنا إذا قلت يبرا بعض داء عشيرتى ... تلاقت غواة واستجّد نشور كما نشرت مخشيّة العرّ بعد ما ... علا اللّون برء ظاهر وطرور ومولى عصانى واستبدّ برأيه ... كما لم يطع بالبقّتين قصير فلمّا رأى أن شتّ أمرى وأمره ... وولّت بأعجاز الأمور صدور تمنّى حبيش أن يكون أطاعنى ... وقد حدثت بعد الأمور أمور كذا أنشدنى تمنى خبيش ثم قال أتعرف مثله؟ قلت لا ولكن نحوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 لطارق بن ديسق اليربوعى: إذا أنت جاوزت أمرأ السّوء لم تزل ... غوائله تأتيك من حيث لا تدرى وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاعن ... كما طرّ أوبار الجراب على النّشر ثم قلت إن سيدنا أطال الله بقاه نشأ فى حجر الصواب، فمن أين له تمنى حبيش؟ فقال لى من حيث لا يطيف براويه عيب، فقلت لو أن أبا عمرو بن العلاء روى هذا لكان أخطأناسه «1» فقال: إن الطبرى يقول هذا فى كتاب تاريخه «2» فقلت له: الطبرى ليس فى الغريب مثله فى غيره روى الأصمعى وأبو عبيدة وابن الأعرابى وأبو عمرو الشيبانى تمنى نئيشا أن يكون أطاعنى ومعناه أنه تمنى شيئا «3» بعد مافاته يقال رأى هذا نييشا إذا رآه فى آخرة وقد فات، قال بلال بن جرير: كم ناصح قد قال لى وما وشا ... إنّك لم تنأش لوصل منأشا يقول لم تطلبه فى أوله وأنشدته: تناءت عنكم عدس بن زيد ... فلم يعرفكم إلّا نييشا يريد إلا اخيرا فقال لى فلعل الوراق أخطأ عليه قلت لا ولكن الطبرى رأى نبيشا فى كتاب ولم يدر ما هو فظنه حبيشا اسم رجل وهذا الشعر لنهشل بن جزى «4» النهشلى وهو فى الخزانة فوجه فطلبه فلم يجده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 فقلت له وهذا ايضا عجب، يتحدث الناس بأن سيدنا مع جلالة علمه وعلو نعمته عمل خزانة كتب كما عمل متقدمو الخلفاء، طلب فيها شعر هذا الشاعر المشهور فلم يوجد! قال فما الحيلة وقد شغلنا بغيرها عنها؟ قلت كتب عبيدك لك فتبتدىء فى عمل الأشعار من الخزانة، تبدأ بمضر ثم ربيعة ثم اليمن، فما لم يكن فيها حمله عبيدك من كتبهم، وما كان سماعا لعبيدك أو شيئا لا يعتاضون منه، نسخه وراقوك الذين تجرى عليهم. وجلده مجلد والخزانة فسكت كالمفكر. فقلت له إن الذى قلته ليس لشىء أجتلبه إنما هو حيف على كتبى، ولكنى آنف أن يتحدث الناس بشىء يفعله سيدنا لا يكون فى نهاية الجلالة. فقال ويحك فاذا جاء ما يشغل كيف نصنع؟ قلت يجعل سيدنا هذه الخزانة للأميرين، ويقتصر على ما يريد النظر فيه، قال أما هذا فنعم فأمر بإخراج الكتب اليه يوما يوما، وأجلسنا فميزناها وقسمها بين يديه، بين ابنيه واقتصر على ما أراد ووهب لنا الباقى فاقتسمناه. وكان أكثره ما يباع وزنا. تفسير الابيات النشر: أن يجرب البعير فيبرأ غير برء تام، وتبقى بقية من جربه أى قليل فينبت وبره عليه فيكون ظاهره برء وباطنه سقم، يريد الشاعر وكذلك نحن ظاهرنا جميل وصلح، وباطننا شر وحقد ونحوه: وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى ... وتبقى حزارات النّفوس كماهيا وهو النشر بفتح الشين، وإنما يسكنها الشاعر لضرورة الشعر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 ثم لم يرض حتى سأل القاضى عن هذا، فقال رواه الطبرى على خطأ والصولى كثير السماع فمن هذا لا يحكى إلا صوابا. حدثنى القاضى بذلك وقال لنا الراضى بالله كأنى بالناس يقولون أرضى هذا الخليفة بأن يدبر أمره عبد تركى، حتى يتحكم فى المال ويتفرد بالتدبير؟ ولا يدرون أن هذا الأمر أفسد قبلى، وأدخلنى فيه قوم بغير شهوتى، فسلمت إلى ساجية وحجرية يتسحبون على ويجلسون فى اليوم مرات، ويقصدوننى ليلا. ويريد كل واحد منهم أن أخصه دون صاحبه، وأن يكون له بيت مال وكنت أتوقى الذماء فى تركى الحيلة عليهم، إلى أن كفانى الله أمرهم. ثم دبر الأمر ابن رائق فدبره أشد تسحبا فى باب المال منهم، وانفرد بشربه ولهوه. ولو بلغه وبلغ الذين قبله أن على فرسخ منهم فرسانا قد أخذوا الأموال واجتاحوا الناس فقيل لهم اخرجوا إليهم فرسخا لطلبوا المال وطالبوا بالاستحقاق، وربما أخذوه ولم يبرحوا ويتعدى الواحد منهم أو من أصحابهم على بعض الرعية، بل على أسبابى وآمر فيه بأمر فلا يمتثل ولا ينفذ ولا يستعمل، وأكثر ما فيه أن يسألنى فيه كلب من كلابهم فلا أملك رده، وإن رددته غضبوا وتجمعوا وتكلموا فلما جاء هذا الغلام جاء من لا يقول لى صنعتك أو أجلستك كما كانوا يقولون بل اجترأنا عليه بالاصطناع، ووجدته إن تعدى أحد من أصحابه لم يرض إلا بقتله والمبالغة فى عقوبته. وإن بلغه أن عدوا قد تحول فى ناحية نهض اليه فسبق خبره من غير اعتساف لى بطلب مال ولا تلبث لوفاء استحقاق، فرضيت ضرورة به وكان أوفق لى وأحب إلى ممن قبله، وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 الاجود أن يكون الأمر كله لى كما كان لمن مضى قبلى، ولكن لم يجر القضاء بهذا لى! وكان دعا بجكم مرات ما منها مرة إلا وهو ينفق عليه فى خلعه. وما يحمله معه عشرين ألف دينار وزيادة عليها من صوانى ذهب وفضة وعنبر وندومسك وكافور وبلور. وعلم أن عادته فى داره وحشمه ألا يشرب الماء إذا جاءه حتى يذوقه بين يديه الذى جاء به يصب منه فى إناء معه فيشربه ثم يناوله إياه فكان يستعمل الراضى معه هذا إذا حمل اليه لون وضع بين يدى الراضى أولا فأكل منه ثم وضع بين يدى بجكم وكذلك النبيذ وجميع ما يوضع بين يديه، وكان يستعفيه من هذا فلا يعفيه. ولقد قبل فى آخر دعوة دعاه فخذه ويده فضمه الراضى اليه وأخرج من أصبعه خاتمين فوضعهما فى أصبعه أحدهما يشبه الجبل فى حمرته وكبره، فنظر ابن حمدون إلى ونظرت اليه واغتممنا أن يكون الجبل فى يد غيره ففطن لنا، فلما انصرف بجكم قال لنا قد رأيت نظر كما وقت الخاتم وأحسبكما ظننتماه الجبل ليس به ولكنه أقرب فص فى الدنيا شبها به. ولقد قال لى بجكم بعد موت الراضى، وأنا معه بواسط، وعلى رأسه من خدم الراضى جماعة: إن هؤلاء حدثونى أن الراضى أراد أن يقبض على فى بعض دعواته، أفكان كذا؟ فقلت له: الأمير يعلم أن الراضى لا يرجى فى هذا الوقت ولا يخاف، وبالله ما استبنا منه ذلك فى حال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 صحوه ولا سكره ولا جده ولا هزله. وما كان إلا محبا للأمير مغتبطا به، ولقد كان يتصنع فى مدح ابن رائق حين كرهه ويقرظه ويصفه فما كان يخفى علينا ضميره فيه هذا من قبل ان يظهر لنا ما فى نفسه عليه فقال لى صدقت والله وكذب هؤلاء، وما يدريهم؟ كان الأمر عندى كما قلت ثم حدثته بما قد ذكرته من قول الراضى «أنا أعلم أن الناس يقولون» . فضحك وقال ما كان إلا نهاية فى عقله ودهائه وملقه،- يريد بجكم هذا وإن لم يلفظ بهذا اللفظ- ولكنى أعتب عليه بانه كان شديد الجبن يؤثر لذته وشهوته على رأيه. فعجبت والله من عقل بجكم، جاء والله بعيبيه اللذين ما كان فيه غيرهما ثم حدثته أنا كنا نقف على مكاتبته الأمير سرا ليأذن له فى المصير إلى بغداد ويشكو إليه ما كان يجرى عليه من ابن رائق فيكتب اليه «عليك بالوفاء لمن اصطعنك، وأحسن اليك» إلى أن كتب اليه الامير «أعوذ بالله أن يكون مولاى يريد قتلى كما يريده ابن رائق لأنه أعطانى جيشا بمال معلوم ثم لم يوفنى استحقاقهم، وهذا يبقى على دمى» وأنه لما ورد عليه كتاب الأمير بهذا كتب اليه: «والله ما أحب أن يتأذى بشىء أقل جندك وأتباعك لموضعك عندى، وما يستحقه شجاعتك ومناصحتك فكيف أحب ما ذكرته فيك وإذ صار الامر إلى هذا، وجعلت وصيتى لك بالتمسك بالوفاء وحسن العهد سببا لزوال أمرك فما أحب هذا، افعل ما يصلحك» فلما قرأ الأمير هذا الكتاب أقبل إلى بغداد. فقال كان كذا والله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ما جئت حتى جاءنى هذا الكتاب. قلت ثم وقفنا فى وقت من الأوقات أن الأمير اتهمه بأنه كاتب فى أمره بعض من يصلح للمكاتبة فى مثله وأن ذلك اتصل به فوجه إلى الأمير «قد علمت الحال التى كنت عليها لابن رائق فى كراهتى له فى آخر أيامه وما أجرى اليه مما يستوجب به إزالة أمره ومكاتبتك لى فيه بما كاتبت. فان كنت مع تلك الحال أذنت لك فى مكروهه، أو تغير عليه مع سخطى وغضبى فإنى سأكاتب فيك على بعد ما بينكما، وأنا فى هذا الوقت مغتبط بك راض بجميع فعلك وأمرك» فضحك بجكم فقال كذا كان وأزال هذا جميع ما بقلبى مما توهمته وعلمت أنه صادق فيه. قال الصولى: وما رأيت الراضى يقرظ أحدا تقريظه الأمير أبى بكر محمد بن طغج فإنه كان يصفه ويرضى جميع ما هو عليه، وإذا جاءته هدية من قبله استحسن جميعها وفرق علينا منها. وكان يقول إذا ذكره «رجل كبير العقل حسن الطاعة، يشبه أجلاء الموالى الماضين وما أدرى بما أكافئه» ثم أمر فكتبت عنه كتب بأنه قد سماه الأخشاذ وأمره أن يسميه به جميع الناس. ولما جاءته هديته فى آخر أيامه التى كان فيها الخدم الذين يغنون ويرقصون قال «لقد خصنى بما لم يملك مثله خليفة قط- وكان ربما قال بغير حضرة من لا يثق به- لو كان مثله عندى وكان جيشه مكان هذا الجيش! فانه أشبه بجيش آبائى، وأشد تمسكا بطاعتى» ولقد ذكره يوما فقرظه ووصفه وكان قد تغير لابن رائق تغيرا أبداه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 لى وللعروضى حتى يقرئنا رقاعا له اليه وجواباته له، وربما أقرأنا أهاجى قد هجاه بها فقال بعقب وصفه للأمير الأخشاذ وذمه لمن ذم كيف كنت حدثتنى عن عمارة بن عقيل مع خالد بن يزيد الشيبانى، وتميم بن خزيمة بن خازم التميمى؟ فقلت له: حدّثنى القاسم بن اسمعيل أن عمارة حدثه أنه أضاق فصار إلى تميم بن خزيمة وهو تميمى من رهطه، فسأله فاعتل عليه فجاء إلى خالد ابن يزيد الشيبانى وهو من ربيعة بعيد النسب منه فسأله فأعطاه وأكرمه واعتذر اليه فقال عمارة يفضل خالدا عليه: أأترك إن قلّت دراهم خالد ... زيارته إنّى إذا لمليم فليت بثوبيه لنا كان خالد ... وكان لبكر بالثّراء تميم فيصبح فى قومى أغرّ محجّل ... ويصبح فى بكر أغمّ بهيم ولعمارة أهاج فى تميم ومدح لخالدين يزيد كثير. فقال لى الراضى لما سمع هذا «فليت!» يريد فليت لى الأخشاذ بابن رائق، وهذا ظريف مما كان يقوله ولكنه ينبىء عن جميعه، وكذلك صنعت فى أشياء اختصرتها لئلا يطول الكتاب بها ولم يزل الراضى ذكيا عاقلا مذكان صبيا قرأ يوما أبياتا من الشعر فى الغزل، فقال لى اعمل فى نحوها فعملت: يا مليح الدّلال رفقا بصبّ ... يشتكى منك جفوة وملالا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 نطق السّقم بالذّى كان يخفى ... فسل الجسم إن أردت سؤالا قد أتاه فى النّوم منك خيال ... فرآه كما اشتهيت خيالا يتحاماه للضّنى ألسن العذ ... ل فأضحى لا يعرف العذّالا فقال لى سأعمل فى نحوها فتنحى وأخذ دواة وعمل بحضرتى: قلبى لا يقبل المحالا ... وأنت لا تبذل الوصالا ضللت فى حبّكم فحسبى ... حتّى متى أتبع الضّلالا قد زارنى منكم خيال ... فزدت إذ زارنى خبالا رأى خيالا على فراشى ... وما أراه رأى خيالا فلحن هذا الشعر بعض الطنبوريين، وغنى فيه فحدثه يوما مضحك كان يدخل اليه، أنه حضر مجلسا غنى فيه بهذا الشعر فقال هو هذا لسيدنا الأمير. فقال كاتب كان فى المجلس هو لفظ الصولى وشعره فحلفت على ذلك فأقام على قوله. فقال له «عرفنى هذا الكاتب» فظن أنه يريد سوءا فيه. فقال «لعلك توهمت أنى غضبت من قوله لا والله، ولكنى استحسنت علمه بالشعر لأن الصولى علمنى الشعر وأنا أتبع ألفاظه وأنحو مذهبه فلما قال هذا ما قال وهو لا يعرف حقيقة أمرى، علمت أنه لم يقل هذا إلا عن علم بالشعر، فأحببت بذلك أن أحسن اليه، إذ كانت فيه هذه الفضيلة» فعجبت من حسن عقله وتمييزه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وكنا يوما بين يدى الراضى، وهو يشرب فلغط الجلساء فجذب الدواة والدرج وكتب فيه شيئا وناولنيه فإذا فيه:- لما برمت براحى وانقضى الأدب ... قرنتها بأناس شانهم إرب تراهم الدّهر لا يروون من لغط ... على المدام فلا التذّوا ولا شربوا ولم يزل الراضى نحو سنتين من خلافته، لا يشرب النبيذ ونشربه نحن بين يديه. وربما شرب الجلاب وأنا مصوب له ذلك مساعد عليه حتى أغواه أصحابنا فقال «إنى أعطيت الله عهدا أن لا أشربه أبدا» وكتب رقعة بلفظه بيمينه وعرضها على الفقهاء، فوجد رخصة فوجه بألف دينار إلى لأتصدق بها عنه وشرب: وقال لى يوما أنشدنى تشبيب قصيدتك البائية فى ابن فرات فانه عندى أحسن تشبيب سمعته قط فأنشدته سيّدى أنت إنّنى بك صبّ ... بين أيدى الهموم والشّوق نهب وشفيعى إليك أنّى محب ... وقديما أحبّ من لا يحبّ بعث الحبّ لى سقاما فأعدى ... بى حزنا مداوما ما يغبّ ليس لى نيّة أسلّى بها ال ... نّفس لما قد رأى ولا لى قلب ضاع صبرى وأخلفتنى ظنون ... كاذبات يلذّها من يصبّ غير أنّى أرحت من قول لاح ... هو همّ على الفؤاد وكرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 عذل العاذلون فيك وقالوا ... ما على من أحبّ مثلك عتب لك خدّ مورّد الّلون سهل ... وفم طيّب المجاجة عذب وجبين تلألأ الحسن فيه ... كهلال تكشّفت عنه حجب وجفون مفتّرات مراض ... وحديث المؤنّث اللّفظ رطب وقوام للرّيح فيه احتكار ... يتثنّى تثنّى الغصن شطب أخصب الحسن فى جميعك إلّا ... أنّ حظّى من كلّ ذلك جدب لهف نفسى عليك لو أنصف ... الحب لذلّ الغداة لى منك صعب لا أسمّيك خيفة بل أعدّى ... عنك طرفا دموعه فيك سكب وعددت الهوى علىّ ذنوبا ... إن يكن ذا فحسن وجهك ذنب ايمر الزمان صفحا علينا ... لم ينل طائل ولم يقض نحب ظلمتنى كظلمك السّنّ حتّى ... شاب رأسى ودعوة الشّيب سبّ سلبتنى ثوب الشّباب الثّلاثو ... ن وللشّيب بعد ذلك سلب وأحالت دهما على الرّأس شهبا ... ليس يجزى بخيله اللهو شهب إن يكن سار عامدا لدمشق ... وطوانى كما طوى الشّمس غرب فهو للقلب حيث ما مال ذكر ... وهو للطّرف حيث ما دار نصب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 حسن رأى الوزير عوّض فيه ... فهو للجود والمكارم ربّ وهى طويلة. فجلس طويلا، ثم أنشدنى ما عمل ولم يقطعه بعد فإذا هو أشهد الله أنّنى بك صبّ ... لفؤادى من شدّة الوجد وجب حار فى الجسم يوم ودّعت دمع ... فاض منه مع التّستّر غرب يا عليلا فدته منّى نفس ... بين أيدى الإشفاق والشّوق نهب سلب القلب والمنى وافد ... السّنّ وقد كان قبله لى قلب إن أمته فى هواك فالموت دائى ... أنت فى البعد للّواحظ نصب فوقتك الرّدى حشاشة نفس ... لم يجرها من التّباعد قرب ثم قال لى قد أغرت عليك، فقلت له إن رأى سيدى أن ينعم على ويقطع عمله لهذه الأبيات، ففعل. ثم قال لى بعد عرفنى بما أردت بقطعى الأبيات؟ قلت إن أبياتى جهدت نفسى حتى جاء تشبيهها كما وصفه سيدنا وترتجل أبياتا فينشدها الناس معها فيرون أبياتى أجود، وما أحب أن يرى الناس لعبد شيئا أفضل مما يملكه مولاه من أشباهه. وحدثنى الراضى قال لما قتل القاهر مؤنسا وبليق وابن بليق أنفذ رءوسهم إلى مع الخدم يهددونى بذلك وأنا فى حبسه لأنى كنت فى حجر مؤنس، ففطنت لما أراد وقلت ليس الا مغالطته، فسجدت شكر الله وأظهرت للخدم من السرور ما حملهم على أن جعلوا التهدد بشارة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وجعلت أشكره وأدعو له فرجعوا بذلك وكتبت اليه: بقيت أمير المؤمنين على الدّهر ... برغم الأعادى نافذ النّهى والأمر شفيت غليلا كان لولاك قاتلا ... وخفّفت همّا ضاق عن حمله صدرى وقمت بحقّ الله فى قتل معشر ... سعوا فى البلاد بالفساد وبالكفر وثأر أخ ساد الأنام ولم تكن ... لتغفل عن ثأر عراك ولا دثر ولست بليث أفلتته فريسة ... وقد علقت بالنّاب منه وبالظّفر ولا حيّة ينجو بنفث لديغها ... ولا صارم يهوى لضرب ولا يبرى «1» فعشت لدين الله تجبر وهنه ... وبلّغت أقصى ما هويت من العمر ويا ليتنى أسعدت فيك بنظرة ... أوفّى بها حقّ المحامد والشّكر فلما قرأها دعانى فقال ما شفيتك فأظهرت السرور وأكثرت الدعاء فنفعنى والله ذلك عنده، وحال عما أراده بى إلى غيره. وكان الراضى وعدنى وهو امير أن يشرب ليلة، وأنا أحتال فى المصير إليه سرا، فصرت إلى داره بالمخرم ليلا فلم أصل، واشتغل بزائر زاره فلم يشرب، وكتب إلى من الغد: وليلة من سيّئات الدّهر ... توقّد الشّوق بها فى صدرى توقّد النّار بذاكى الجمر ... أنسيت ما أشربه لذكرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 مغرى بنسيانى وطول هجرى ... ذا سطوة ونخوة وكبر وقدرة يجهل فيها قدرى ... ثمّ أتى مزورة بالعذر أفديه من واف ومن ذى غدر ... يبخل عنّى بقليل نزر فاعذر فهذا خبرى وأمرى ... متى أرى سرّى يحثّ جهرى بوصل بدر فاضح للبدر ... يسكرنى باللّحظ قبل سكرى يا طالبا قتلى لغير وتر ... يهنيك هجر منك يفنى عمرى ولما هزم بجكم لابن رائق خرج إلى الشام، وصار أميرا مكانه دعانى الراضى فأنشدنى: أبعد ما قد حلبت الدّهر أشطره ... محاربا لخطوب حكمها جارى وفلّقت حيلى هام الرّجال أرى ... والغيب يخمد ما أذكيت من نار صممت عن صبوات يستجيب لها ... ناس بأوتار لهو ثأر أوتار وفلّ لذّات لهوى جيش عارفتى ... وقلّم العزم منى نقر أوتارى حتّى رحضت بتحريضى العدوّ على ... قتل العدوّ ثياب الذّلّ والعار كذاك من تنهض السّادات همّته ... لا يغمض العين مغلوبا على ثار وربّ خطب دجا ذلّ الجبان له ... وقد فراه بأنياب وأظفار لم يحتنك ليله حتّى صدعت له ... صبحا من الرّأى لا يعشى به السّارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 فقل لمن يلهب الإهمال غرّته ... استغن عن صدق إيقاع بإنذار ولا تمرّنّ حبلا للخلاف فقد ... رأيت نقضى وإحكامى لإمرارى لا تبسطّن رماحا لازجاج لها ... إلى سيوف مطيحات بأعمار فإنّها حين تدنيها لملحمة ... تبرى بكلّ رقيق الحدّ بتّار وعش بنيّة صدق تستدرّ بها ... رسل الحياة بعرف لا بإنكار أو فاسحبنّ ذيول الذّلّ مقتسرا ... وانظر بطرف خفى الّلحظ غدّار لا يخرم المرء فى ورد يحاوله ... حتّى يوجّه فيه وجه إصدار ثم قال لى كيف تراه؟ فحلفت أنه ما قال فى جودته خليفة قط ولكن فيه شىء يغيره، قال وما هو قلت قولك: حتى رحضت بتحريضى العدو على ... قتل العدو ......... اجعله بتحريضى الولى على قتل العدو، فقال صدقت والله خرج الكلام على ما فى نفسى فغيره فقال إنما عنيت ذهاب الساجية والحجرية بابن رائق، قلت أخاف أن يتأول أنه لبجكم وابن رائق لأنك عملته بعقب أمرهما قال صدقت وكنت عملت أبياتا على قافية الشين: غشيتنى من الهموم غواش ... لعذول يلوم فيك وواش لو يلاقوا الّذى لقيت من ... الوجد لشوق بين الجوانح ناش ثمّ بالسّرّ عندهم دمع عينى ... إنّ سرّ المحبّ بالدّمع فاشى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 من عذيرى لظالم أنا منه ... فى زمان الوصال للهجر خاشى أخذ القدّ من قضيب رطيب ... وحكى أعين الظّباء العطاش فأنشدتها الراضى فى إمارته، فعمل فى قافيتها ومعناها: نحول الجسم من واش ... ودمعى للهوى فاشى لأنّىّ فى زمان ال ... وصل من هجرك لى خاشى لإصغارك للشّكوى ... وإصغائك للواشى فأوحشت بإدناء ... وآنست بإيحاش عرانى سقم ناش ... بهجر منكم ناشى وعملت أيضا: حبّ لأحمد قد فشا ... بين الجوانح والحشا يهتزّ فى حركاته ... مثل القضيب إذا مشا خدّاه من برد الدّجا ... والمقلتان من الرّشا لمّا ظفرت بوصله ... وملكت منه ما أشا أحلى البرّية أو على ... عين الّذى يهوى غشا وتناومت عين الرّقيب ... لحثّ أقداح الوشا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وفشا الحديث بحبّنا ... والحبّ يحسن إن فشا عبث الوشاة بوصلنا ... حسدا فقبّح من وشا فعمل هو: أقرح القلب والحشا ... مفتن لحظه رشا ملك الجسم حبّه ... فبراه كما يشا لا يجازى على الوصا ... ل ولا يقبل الرّشا شئت أن يرحم الم ... حبّ وهيهات ما أشا يا هلالا إذا بدا ... وقضيبا إذا مشى افش وصلا فإنّ ... هجرك لا كان قد فشا وكان الراضى بالله وصلنا وهو فى الزبيدية، وأقام بها أياما وعملت له فيه قرية كما يعمل للملوك، أنفق عليها مال، ثم فرقها علينا ووهب لنا ثيابا. فلما عبر بلغه أن الناس تكلموا فى إعطائه لنا وإسرافه فى أمرنا فقال: لا تعذلى كرمى على الإسراف ... ربح المحامد متجر الأشراف أجرى كآبائى الخلائف سابقا ... وأشيد ما قد أسّست أسلافى إنّى من القوم الّذين أكفّهم ... معتادة الإخلاف والإتلاف ولما ملك بجكم واسط فى آخر خروجه إليها وفعل بابن رايق ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 فعل وقتل، أنشدنى الراضى: يا عمدة السّلطان ... وليث هذا الزّمان ومشترى الحمد منّى ... بأوفر الأثمان فككت أسرى من ... كفّ طارق الحدثان فصرت أسبق جريا ... وقد ملكت عانى فأنت حرب عدوّى ... وسلم من والانى والسّيف مثل لسانى ... إذا تعايا لسانى تسرّنى كلّ وقت ... فى غيبة وعيان فشكرك الدّهر لا شكر ... غيرك شانى ومن كرم الراضى وشريف أخلاقه أن ابن حمدون كان يبارى على بن هارون المنجم فى الشرب بين يديه، وإذا شرب أحدهما خماسية قبل صاحبه رفعها ليراها الراضى ففعل ذلك مرارا كثيرة، إلى أن ضجر الراضى فقال كأنها قوارير بول ترفع بين يدى طبيب وهو مع ذلك لحلمه وكرمه يضحك لما يفعلانه ويثيب عليه إلى أن فعلا ذلك يوما فقال لهما وقد تلاحيا: لا عليكما الأمر عندى سواء فى فعل جميعكم من زاد فى شربه فإنما فعل ذلك سرورا بنا ونشاطا لمجلسنا وإنما بقى على نفسه لخدمتنا وأحب به مطاولتنا فقبلنا الأرض بين يديه وحلفنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 أنه ما جلس مجلسا أكرم عشرة منه لعبيده، وأقبلنا عليهما فقلنا: أبقى لكما الآن شىء بعد هذا فقصرا عن كثير فعلهما ذلك مما تركاه فى وقت: ومن كرمه أنه كان كلما أراد الشرب وضعت بين أيدينا صوان فيها خماسيات مطبوخ ومغاسل وكيزان ماء ليشرب كل واحد منا ما يريد، ولم يكن يفعل ذلك الخلفاء إلا خصوصا بالواحد بعد الواحد، وبالجماعة فى وقت من الدهر. وإن كان الخدم الشرابية يجيئون بالأقداح فيناولونها الجلساء فيشربونها ويردونها عليهم، وربما أرادوا من الخدم ماء لأقداحهم فيما كسونهم فيه، وكان يأمر بأن يوضع بين أيدينا الفواكه الرطبة واليابسة فننال منها كما ننال فى بيوتنا، وما كانت الخلفاء تفعل بجلسائها ذلك إلا فى الحين إن فعلوه. وكان كثيرا يقول لكرمه ووفائه ومحبته أن يؤكل طعامه: أمر النبيذ اليكم اشربوا ما شئتم وأمر الأكل إلى لا بد من مطالبتكم به حتى تاكلوا معى، ويمدح من يزيد أكله بين يديه وينفعه ذلك عنده. ولقد تعشينا ليلة بين يديه فجاءونا بخبز سميذ كبار ما راينا أحسن مما خبز فعزل العروضى رغيفا وقال نوبتى فى غد فى بيتى، وقد استحسنت هذا الرغيف وأريد أكله فى غد فاستبنت أنه قد سر لما فعل العروضى. وجاءت جامات فيها بوارد فعزلت جاما وقلت: ما ذقت والله أطيب من هذه الباردة وأنا كالشعبان وأريد أن آكلها فى غد مع العروضى فإنا شريكان وفرغنا من الأكل وجلسنا ورفع الرغيف والجام، ثم وضع بين العروضى الرغيف بعينه وفوقه دراهم قد ملأته ووضع بين يديه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 جام فيه دراهم مثل ما فى الرغيف فضج الجلساء لذلك وسألوا أن يفعل بهم مثل ذلك فقال إلا أن هذين استطابا طعامنا فأزلا منه لغد ما يقصر عن كفايتهما فأحببنا أن نتمم أمرهما بما فعلناه ولم يكن لكم سبب فى مثل هذا فنفعل بكم كما فعلناه بهما. فانصرفنا ولم يأخذ أحد شيئا غيرنا وأعطينا الرغيف والجام كما رفعا، فكان فى الجام ألفا درهم وكذلك على الرغيف. ولما ورد قتل ياقوت على الحجرية اضطربوا اضطرابا شديدا واجتمعوا إلى الراضى بالله وقالوا قبضت على ابنه أبى بكر لغير ذنب فحبسته، ثم قبضت على أخيه أبى الفتح ثم كتبت إلى ابن البريدى فى قتله، فجلس لهم وأحضر القاضى، وأحضر معه من العدول أبا الحسن الهاشمى بن أم شيبان، وابن عمه عبد الوهاب، وجلس الراضى لهم ليلا. فدخلوا إليه وهو على كرسى، فلغطوا وكان الصغار اشد كلاما وأبسط ألسنا من كبارهم وقوادهم. فتركهم حتى تكلموا بكل ما أرادوه وأخرجوا ما فى أنفسهم، ثم أقبل عليهم رابط الجأش ذرب اللسان فكلمهم أحسن كلام، وقال: إن كان هذا الأمر قد صح عندكم. فعرفونى من أى وجه صح لأعرفها كمعرفتكم؟ وإن كان ظنا فالظن يخطىء ويصيب، وإنما ظننتم هذا بمجىء أخ البريدى أبى الحسن إلى الدار هذه الأيام، وإنما كان يجىء بكتب أخيه يشكو معاملة ياقوت، ثم أخرج فصولا من كتب، فدفعها إلى القاضى فقرأها عليهم. وفيها جوابات من ياقوت إلى ابن البريدى، وقد أنفذها ابن البريدى إليه ثم قال له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 ما قبلت فى ابن البريدى إلا رأى محمد بن ياقوت، والآن فقد وقفتم على الخبر، وأنا أعزلهم وأنفذ الجيوش إليهم، وأخرج معكم إن أردتم ثم كلمهم القاضى وفرقهم. وكنت وهو أمير بعد اعتللت فى يوم نوبتى عنده، فكتبت رقعة أعتذر فيها بالعلة لتخلفى عن خدمته فوقع إلى: وصلت رقعة فأوصلت الوحشة ... لمّا أتت بشكوى الأنيس بدّل القرب بالبعاد فبدّلت ... بيوم السّرور يوم عبوس فكتبت الجواب: وصلت رقعة الأمير الرّئيس ... غرّة الدّهر والخطير النّفيس فأزالت ما كنت أشكو وأهدت ... لى نعيما وأذهبت كلّ بوس وأتى الشّعر مبرئا وشفاء ... وأنيسا يفوق كلّ أنيس حسن اللّفظ مطربا كلّ من ... يسمع إطراب زابدات الكؤوس قد جلاه الطّبع المغاث بحذق ... لعقول الورى جلاء العروس أضحك الله بالأمير زمانى ... ولقد كان قبله ذا عبوس صرت مذ قدّر الاله جلوسى ... معه سيّدا لكلّ جليس ضاق شكر العبيد عن برّ مولى ... مثل ضيق الغفران عن إبليس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وكنا يوما نشرب بين يديه، فرأيت من ذكائه وسرعة خاطره ما جعلت أعجب منه، وذلك أنه سأل عن شعر فقال أحمد بن يحيى هو لدعبل فقلت أنا هو لمحمد بن الحجاج البغداذى فلاحانى. فقلت له: إن أقرب من أنشدناه لمحمد أبوك عن أبى هفان، وكان ذكره فى كتبه فأمسك وضحك الراضى، وقال فأنشدنيه، فأنشدته وهو مقبل على يسمع: زمنى بما طاب سقيت زمانا ... ما كنت إلّا روضة وجنانا أصلحتنى بالجود بل أفسدتنى ... وتركتنى أتسخّط الإحسانا من جاد قبلك كان جودك فوقه ... لم أرض قبلك كائنا من كانا وليس الشعر هكذا، إنما قال: من جاء بعدك كان جودك فوقه ... لم أرض بعدك كائنا من كانا فلم أستحسن أن أنشده بعدك فى أول البيت وبعدك فى آخره فأنشدته كما ذكرت، فقال: محمد بن يحيى الصولى يحيل الشعر إذا أنشده، ما كذا قيل، فقال له فكيف الشعر فأنشده: من جاد بعدك كان جودك فوقه ... لم أرض بعدك كائنا من كانا ففطن أنى قلبت اللفظ عمدا لما فيه، وأن هذا مما لم يفطن له أحمد فقال له: تلك رواية الصولى، وهذه روايتك أنت فقال كذا والله يا سيدى قال الشاعر. وكذا أنشدنى أبى. فقال له: قد علمت كما أنشدك أبوك ايضا لنفسه! إن كنتم قريش فمه! فسكت وانقطع الكلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 وكان إذا ذكر أبيات يحيى بن على هذه يشتد غيظه ويقول أقوالا يسمعها سائر الجلساء، لا أحب ذكرها، ويسرنى منه بأن يقول قد شفى القلوب ابن المعتز بجوابه وأنشدنى يوما العروضى جوابا ليحيى فى غير شعر عمله أحسن والله فى بعضه. ولكنى لا أذكره للطعن الذى فيه. واعتللت وهو أمير فتأخرت عن خدمته، والنوبة التى كانت على فكتب إلى رقعة فيها: يا عليلا جعل السّا ... عة إذ غاب شهورا ولقد كان به ... الدّهر إذ جاء قصيرا لعلوم لا أرى ... الدّهر له فيها نظيرا صرف الله الأذى ... عنك ولقّاك سرورا فكتبت الجواب: يا أميرا ما رأينا ... مثله فضلا أميرا يا أبا العبّاس يا شمسا ... ويا بدرا منيرا يا كبير العقل وال ... آداب مذ كان صغيرا والّذى نكذب إن ... قسنابه يوما نظيرا قد أتى عبدك شعر ... منك خلّاه حسيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 بعد سبق من خطار ... الشّعر من كان خطيرا حسن اللّفظ يحاكى ... رصفه الدّرّ النّثيرا ملأ الجسم شفاء ... وحشا القلب سرورا كان من عارض شك ... واى ومن دهرى مجيرا ليس ما يذخره عن ... دى من الشّكر يسيرا سوف أهدى منه روضا ... جاورت منك غديرا كم عسير عادلى من ... حسن نعماك يسيرا قد يرى العبد وإن ... قلّ بمولاه كثيرا سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة مات فى المحرم منها ابراهيم بن خفيف، صاحب ديوان النفقات وتقلد موضعه محمد بن يحيى بن شيرزاد، وتقلد الزمام عليه سعيد بن عمرو بن سنكلا. وفى هذا الشهر ظهر ابن خزابة بعد استتار، وصودر على مال كثير، وضج الناس من غلاء السعر، وكان الخبز قد صار إلى أربعة أرطال بدرهم، وأظهر قوم من بنى هاشم المصاحف وشكوا الجوع. ومات إبراهيم بن حماد لسبع خلون من صفر، ودفن إلى جانب قبر إسماعيل بن إسحاق. واحتبس القطر فنادى السلطان بخروج الناس للاستسقاء، فخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 أهل الجانبين فى يوم الأحد لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول، وخرج الأئمة فصلوا بالناس ودعوا وانصرفوا. ووافى كتاب قاضى اصبهان لأربع عشرة بقيت من شهر ربيع الأول بقتل مرداويج. وكان السبب فيه أنه جعل عسكره صنفين صنف منهم جيل وديلم وهم خواصه وأهل بلده الذين فتح بهم الرى ونواحيها، ومنهم صنف أتراك وأهل خراسان، ثم استخص نفرا من الأتراك فوجد الديلم من ذلك وعاتبوه عليه، فقال إنما اتخذت الأتراك لأقيكم بهم، وأقدمهم يحاربون بين أيديكم، وأنتم خاصتى وأنا بكم ولكم. فبلغ ذلك الأتراك فأجمع رأيهم على قتله، فأوصوا الغلمان الصغار الذين فى خدمته ووكدوا عليهم بالتركية أن يفتكوا به، فقتلوه فى حمام. وجاءهم الذين واطأوهم على ذلك وأخرجوهم من الدار، وركبوا دوابه وساروا فاضطربوا فقالوا نجعل علينا رئيسا فرضوا ببجكم وأخذوا من داره مالا عظيما وآنية فضة وذهب، وكان قد تكبر وتجبر ووضع التاج على رأسه مكللا بأحسن الحب والياقوت وجلس على سرير فضة حواليه ذهب، وكان مرصعا بجوهر وقال أنا أرد دولة العجم وأبطل دولة العرب، وصار بجكم والغلمان الذين معه الى ابن رايق فقبله أحسن قبول، وغمره بالإحسان وخلع على غلام الراشدى بحمص وأعمالها. وقبض السلطان على ابن شنبوذ لما رفع عليه من قراءته بما لا يجوز، وشهد عليه بشهادات فأحضر دار ابن مقلة وحضر ابن مجاهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وجماعة من القضاة والفقهاء، فنوظر فتاب ورجع عن رأيه فكتبت رقعة نسختها: «يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ إنى كنت أقرأ حروفا تخالف ما فى المصحف المنسوب إلى عثمان رحمه الله، الذى اتفق عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى تلاوته، ثم بان لى أن ذلك خطأ فأنا منه تائب وعنه مقلع وإلى الله منه برىء، إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذى لا يجوز خلافه» وكتب بخطه فى أسفل هذه الرقعة: «يقول محمد بن أحمد بن أيوب ما فى هذه الرقعة صحيح وهو قولى واعتقادى، أشهد الله على ذلك ومن حضر، وقد كتبت هذا بخطى فمتى خالفت ذلك أو بان منى غيره، فأمير المؤمنين أطال الله بقاه فى حل وتبرئة من دمى» وكتب يوم الأحد لسبع خلون من شهر ربيع الآخر فى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وذلك كله فى مجلس الوزير أبى على. ودعا الأئمة فى يوم الجمعة بالجانب الشرقى والغربى بعد دعائهم للراضى لابن ياقوت وقرظوه، فبلغ ذلك الراضى فأنكره وأمر بأن يقلد مكان أبى عمر حمزة بن القاسم من ولد العباس بن محمد على الصلاة بجامع الجانب الغربى أبو جعفر عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن جعفر بن المنصور ويعرف بابن بريه، وأن يقلد مكان أبى الحسن أحمد بن الفضل بن عبد الملك من ولد العباس بن محمد أبو بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 محمد بن الحسن بن عبد العزيز على الصلاة بالجامع الشرقى، وأن يقلد أخوه الصلاة بجامع السلطان. وشغب المؤنسية فى طلب الأرفاق وقطعت الجسور وأرجف الناس بابن ياقوت أنه قتل فركب فى الجانبين وأزال الإرجاف بركوبه وسكن الناس. وتوفى أحمد بن عبد العزيز الجوهرى صاحب عمر بن شبة بالبصرة لخمس بقين من شهر ربيع الآخر. وقبض على محمد بن ياقوت يوم الإثنين لست خلون من جمادى الأولى، وعلى كاتبه أبى إسحاق القراريطى وعلى نجاح كاتبه على الجيش فقبض من ابن ياقوت على رجل كامل فى عقل وعلم وشجاعة وصيانة وعفاف. واجتمع الحجرية والساجية فقالوا: لا نرضى بأن يكون بدر الخرشنى واليا شرطة بغداد فسفر بينهم وبين بدر ورفق بهم حتى رضوا به وبلغ السلطان أن أبا الفتح بن ياقوت يضرب الحجرية والساجية على الراضى، ليفتكوا به وتوقع البيعة لبعض إخوته فقبض عليه وهو بين يديه يخاطبه ووكل بدوره فلم تنهب وحمل ما فيها ليلا إلى دار السلطان. وخلع الراضى على غلامه ذكى للحجبة يوم الثلاثاء لسبع خلون من جمادى الأولى وغضب صغار الحجرية لابن ياقوت، وقالوا يناظر بحضرتنا فإن وجب عليه شىء وإلا أطلق فداروهم حتى سكتوا وأمر بقبض ضياع ابنى ياقوت، وحمل القراريطى إلى دار الوزير وأخذ خطه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 بمال قيل إنه ثلاثة ألف ألف درهم أو أقل. ومات ابن المبشع الشيعى، وكان يروى عن عمر بن شبة لليلتين بقيتا من جمادى الاولى. وفى جمادى الاولى خلع على أبى الحسين على بن محمد لخلافه أبيه. وزاد أمر الحنبلية فى هذا الوقت ونهبوا دكاكين بباب الشام لأن البربهارى مضى بعود أمر عبد الله بن أحمد بن حنبل وعاثوا فى مربعة شبيب فأنكر السلطان ذلك وأمر بطلب الدلاء وابن رمضان فلم يوجدا. وكان النوروز لثمان خلون من رجب، ووجه الراضى إلى أخيه العباس وأحضره الدار مع طائفة منهم أبو القاسم كاتب نازوك ثم أخرج العباس بين الظهر والعصر. وحضر الوزير والقاضى عمر ابن محمد وحضرنا، فكتب القاضى كتابا بيده ولم يكتبه الوزير. وقال للقاضى فى هذا شروط أنت بها أحذق وعليها أقوم. فكتب كتابا حسنا عن حلف العباس ومن معه، أنه ما نكث ولا خرج عن طاعة. وفى آخر جمادى ولى أبو العلاء سعيد بن حمدان أعمال ابن أخيه الحسن بن عبد الله فنفذ فى خف من الجيش فأنزله دارا له لما صار إلى الموصل وأطمعه فى التسليم اليه، ثم قبض عليه وقتله غلمان الحسن وعظم ذلك على الوزير، وأصلح آلة للخروج، وحلف أنه لا بد له من أن يوقع به أو يصير إلى الحضرة، ويؤدى عشرة ألف ألف دينار. وقبض على على بن عيسى يوم الاربعاء لأربع بقين من رجب. جاء راغب الخادم فحمله إلى دار السلطان، ثم صاعد به إلى دار الوزير، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 وأخذ خطه بخمسين ألف دينار وكان الاصل فى هذا أن الراضى زعم أن ابن حمدان الحسن وجه اليه بخمسة آلاف دينار على يد ابن طليب الهاشمى، ليوصلها الى الراضى، فلم يفعل ذلك. فكان الراضى بعد نكبة على بن عيسى يحلف أن عليا اختان الخمسة الألف، فكنت أقول له لو تأمل سيدنا هذا من أين وقع وأن عليا لا يمد عينه إلى خمسة آلاف دينار، وهو أبعد الناس من هذا، وكنت أحدثه عنه بما أقدر إزالة ما وقع بقلبه، فلا يقبل إلى أن ضرنى ذلك عنده وسعى بى قوم من الجلساء إلى الوزير فانحرف عنى بعد ميل، وحرمنى بعد إعطاء. وكثر ضجيج بنى هاشم فى شكوى الضر وسودوا وجوههم ومنعوا الإمام يوم الجمعة بالجانب الغربى من الصلاة، فصلى بعد جهد مخففا للخطبة وتوفى فى آخر رجب أبو عبيدة القاسم بن إسماعيل المحاملى المحدث ودفن بمقابر الدير. ووجه الوزير إلى منازل أبى الفرج بن حفص وولده فكبسهم فيها، وطلبهم فلم يوجدوا فهدم دورهم وجمر نخيلهم، ونقل ما وجد لهم من الأثاث. وكان ذلك لرقعة زعموا وجدت فيها تضمن ابن حفص للوزير وجماعة معه بمال خطير وخرج الوزير مصاعدا إلى الحسن بن عبد الله لخمس خلون من شعبان، ومعه خلق من الحجرية والقواد، واستخلف على الحضرة ابنه أبا الحسين. وأطلق على بن عيسى إلى منزله بعد أدائه المال، وانحدر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 إلى ضيعته بالصافية لأيام خلت من شعبان، وانتقل والده إلى الصافية جمال بغداد، ومن لا يرى الناس مثله. ومات نسيم البشرانى الخادم للنصف من شعبان فأمر الراضى أن يرد ما كان اليه إلى كاتبه أبى عمرو فأبى أن يقبل ذلك إلا برئيس من الخدم يكون الاسم له، وحشم الشراب ومن يخدم فيه مضمومون اليه، وهو يكفى أمر الخدمة فجعل الراضى ذلك إلى زيرك الخادم القاهرى وفى هذا الشهر خرج مفلح الأسود إلى بيت المقدس أشير عليه بذلك لكراهة الراضى مقامه بالحضرة، ولعهدى به وقد دخل ليودعه وهو يبكى ويضطرب، ويقبل الأرض. ويشكو أن فراقه لمولاه كفراقه لحياته. والراضى يقول هذا وجه كنت تحبه، وحيث ما كنت قأنت لى وقريب متى وعنايتى تلحقك. ثم خرج على كره منه وورد الخبر بدخول الوزير إلى الموصل أول يوم من شهر رمضان على اختيار عمل له. ومات أبو عبد الله بن المهتدى لليلتين خلتا من شهر رمضان، وكان قد حدث وكان فقيها مشهورا، له حلقة يجتمع اليه الناس، وفى هذا الشهر قطعت يد رجل فى ناحية بشرى المؤنسى وطيف به فى الجانبين، ونودى عليه هذا جزاء من يسعى فى الأرض فسادا لأنه اتهم بأن جماعة من الحجرية كانوا يجتمعون فى دار له بدرب النهر لبيعة يوقعونها، فقرر وضرب فقال نا مقتول، فلم أوقع غيرى فمنى ووعد العفو فابتدأ يقر، فذكر جليلا من الحجرية، وأراد أن يذكر غيره، فأمر الراضى بترك سؤاله وقال: ما حاجتى أن أفسد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 نيات قوم إذا عرفتهم لم أجد من ينصرنى عليهم ويعاوننى لعلهم بوقوفى على أمرهم فقيل له لا يذكر أحدا وهذا من جيد رأى الراضى، وكان قد حفظ عنى أن المأمون لما قتل ابن عائشة وجد فى منزله قماطر فيها مكاتبات بعض الجند له، فجلس وأحضرها وجمع الناس، وقال: أنا أعلم أن فيكم المستزيد والعاتب، وإن نظرت فى هذه الكتب فسدت عليكم وفسدتم على، وقد وهبت مسيئكم لمحسنكم. وأمر فأحرقت القماطر وأسفرت وجوه القوم واستصيب رأيه ووقع بالكرخ حريق عظيم فى شوال أحرق العطارين والصيادلة وأصحاب المدهون والخزازين والجوهريين، وكان عظما. وقبل ذلك بقليل وقع حريق دونه فى أصحاب الحناء والاشنان فآثاره باقية إلى وقتنا هذا، مارد الى حالته لما يتزايد من خراب البلد وانصرف الوزير من الموصل ولم يبلغ ما أراد فأقام بالبردان لثلاث بقين من شوال لينقضى كسوف الشمس، وكان لليلتين بقيتا من شوال ثم دخل فى أول ذى الحجة وخلف بالموصل على بن خلف بن طياب على الخراج، ويانسا المؤنسى على الحرب ووافى فى هذا الوقت جميع من كان مع محمد بن خلف زوج أخت ابن الحوارى بالخيل مفلولين هزمهم الديلم، فيهم ابن عمرويه وابن الفارقى وولى لؤلؤ طريق مكة، وكان غلاما للمتهشم فخرج بالناس فلقيهم الفرامطة يوم الاربعاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذى القعدة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 بطيزنا باذ فقاتلهم أشد قتال، إلى أن خذله أصحابه وأصابته ضربات فطرح نفسه مع القتلى ثم دب ليلة الخميس إلى أن صار إلى الكوفة فاستتر. وكان من انقضاض الكواكب فى ليلة الاربعاء التى قطع على الحاج فى صبيحتها، فلم يفلت منهم أحد ما لم يعهد مثله بالكوفة وطيزنا باذ موضع الوقعة، وكان عندنا ببغداد من ذلك ما لم نر مثله ولا سمعنا به قط واستؤسر ابن حاتم، وكان قد تقدم فى قافلة الخوارزمية فقتلوا كلهم وصار إلى القرامطة ألفا جمل عليها أصناف البز والأمتعة وأفلت القراريطى من حبس الوزير وتحدث الناس أنه أطعم الموكلين طعاما فيه بنج. وأحضر الراضى جعفر بن المكتفى فحبسه لشىء بلغه عنه ثم أخرجه الينا مرات نسائله ونخاطبه، وأرسلت إلى والدته تسألنى الكلام عنه فما بقيت غاية أنا والجلساء فى ذلك حتى أطلقه، وذلك لما أوجب الله عز وجل على من حق المكتفى، واصطناعه إياى وإحسانه إلى، وكثر الضجيج ببغداد لما نال الحاج ووثب العامة بأصحاب المعاوز فى الطرق والمساجد. ونال الراضى من ذلك أمر عظيم، وصام أياما، وكان يقول: لو كان لى مال كمال المكتفى حين فعل ذكرويه بالحاج ما فعل، فطلبه بالجيش والأموال حتى قتله لما رضيت والله إلا أن أخرج بنفسى إلى البحرين. ولكن ما حيلتى فى جند مستحثين، قد ملكوا الأمر دونى وعوز مال، وانخراق هيبة إلى الله أشتكى وبه أستنصر. والحجرية والساجية يعيبونه كل يوم حتى يجلس لهم مرات بالليل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 والنهار لا يريده أحد منهم فيحتجب عنه. وصودر أبو يوسف كاتب أم جعفر المقتدر بالله، على أحد وعشرين ألف دينار. وحمل الحسن ابن هارون مالا، وحمل جماعة منهم مصانعة عن أنفسهم. ووافى الحسن بن عبد الله من الموضع الذى كان صار اليه فولى نقيطا المؤنسى نصيبين وقلد الديلمى القائد الذى كان معه بلد لأن من كان بالموصل لم يتجاوزها. وأحضر فى يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذى الحجة القاضى عمر بن محمد ومعه أبو أيوب السمسار فنظرا إلى ابن ياقوت ميتا لا أثر فيه، وأنه مات حتف أنفه وصلى عليه أبو أيوب ودفن فى مقبرة لهم فى الشارع الأعظم فوق سوق السلاح. ومات أحمد بن محمد البستانبان المحدث وكان ينزل عند دار ابن الحوارى، وولد سنة أربعين ومائتين وكان حافظا للحديث فى ذى الحجة وفى ذى الحجة طولب أبو الحسين على بن محمد البريدى بمال فصودر على مائة ألف دينار عن جماعتهم نصفها معجل ونصفها مؤجل. وأرجف الناس بأنه يسعى للخصيبى بالوزارة فطلب وكبست مواضع بسببه وجرد كاتبه ابن رمكة ليضرب من أجله فحلف أنه لا يعرف مكانه. سنة اربع وعشرين وثلاثمائة كان لبنى هاشم وثوب فى المحرم بإمام الجامع الغربى فخاتلهم حتى صلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 ركعتين خفيفتين قرأ فى الثانية الحمد وقل هو الله أحد وخطب بكلمات يسيرة. وصاروا من غد إلى الجامع الشرقى فوثبوا بالقاضى وما تركوه يخطب، فانصرف مفلتا من أيديهم، وأمر الوزير أن يفتتح الخراج فى هذا الشهر فضج الناس من ذلك. ومات فى هذا الشهر أبو منصور ابن جبر النصرانى، وما اصطفى بن يعقوب النصرانى صاحب بيت مال الخاصة من قبل مؤنس الخادم، وورد تابوت ابن دولة الحسن بن على ابن محمد بن الفرات الى بغداد من الشام، وذكرت عنه فى ولايات تولاها أمور قبيحة من الظلم. وغرق القاضى ابن كاس فأخرج وبقى أياما ومات. وشغب العامة لغلاء السعر فى مسجد الرصافة ودخل الجند فى طلبهم إلى الصحن فصعدوا الى السطوح وغتوا الفرسان بالحجارة حتى هربوا وحارب الجند العامة يوم السبت بباب الطاق فأخذ السلطان جماعة فضربهم بالسياط وأدارهم. وأشار الوزير بأن يسعر المكوك من الدقيق بثلاثة دراهم فما نفع ذلك. ونادى بأن يتعامل الناس بالغليظ من الدراهم والممسوح طلبا للرفق بهم. ووقع بين الحجرية والساجية فى صفر خلاف فمشى بينهم قوم فاصطلحوا. وقلد فى هذا الشهر الحسن بن عبد الله من تكريت إلى آمد، وفورق على مال واستقام أمره، وأزيل عنه من بالموصل. ومات فى يوم الخميس للنصف من ربيع الأول هارون بن المقتدر بالله أبو عبد الله وكان كاملا فى عقله وأدبه وأظهر الراضى حزنا شديدا عليه، وقال لنا هذا على أنه كان يسعى على هذا الأمر ويكاتبه فيه جماعة منهم ابن ياقوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وقال لى: كنت أعرف محلك منه أفرثيته بشىء؟ فقلت نعم وإنما انتظرت الاستئذان فى إنشاده فقال جئنى به فى غد وأنشدنيه مفردا، ثم أمر بإدخالى إليه من غد وكنت بكرت قبل حضور أهل نوبتى فأدخلنى فأنشدته: تعزّ يا خير الورى عن أخ ... لم يشب الإخلاص بالّلبس كان صديقا وافرا ودّه ... صداقة الأنفس والجنس تعزّ عنه بنبىّ الهدى ... محمّد أدخل فى الرّمس وهو حبيب الله فى أرضه ... مؤيّدا بالوحى والقدس سمّاك بالرّاضى لترضى بما ... تسلف من أمر وما تنسى قد أنذر الدّهر تصاريفه ... بألسن ناطقة خرس يخبرنا عن موته كونه ... بغير إذكار ولا حدس كان نسيبا لإمام الهدى ... بالودّ والألفة والأنس ونسبة الجسم شتات إذا ... لم تتآلف نسبة النّفس وكان فرعا ذاكيا غصنه ... مهذّبا من خير ما غرس وكان فى السّودد ذا همّة ... وكان فى النّعمة ذا غمس أرسى عليه دهره مثل ما ... أرسى على ساكنة الرّسّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 إن صرف الدّهر إلى ما مضى ... عاد سرور النّاس ذا عكس حوادث الأيّام شقّاقة ... تقرّب المأتم بالعرس يعتقب المرء بها حاله ... بوطئه الحزن إلى الوعس من عزّ بالدّنيا هفا قلبه ... وعاد منه النّور ذا طمس وزال فى تلوينها عقله ... وغاله طيف من الّلقس منيّة إن لم تفاج الفتى ... كانت له بالسّقم ذات مسّ لهفى عليه وقليل له ... لهفى وهل يرجع لى أمس ى لهفى على منتخب حلمه ... أرجح من رضوى ومن قدس وأين الأولى كانوا شموس الورى ... ليوث حرب غير ما شمس جرى على السّودد منهم كما ... شيّد بنيان على أسّ فافرس له صبرا يزيل الأذى ... فالدّهر للإنسان ذو فرس ينعم منه جسمه تارة ... ثمّ تراه جاسى الجسّ فلم تزل فوق الملوك الأولى ... من عرب سادوا ومن فرس من لا يرى حبّك فرضا فما ... أدّى فروض الله فى الخمس فداؤك النّاس جميعا على ... رغم عدوّ لحز شكس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 فالخلق من وارد رفه إلى ... الموت وذى عشر وذى خمس أوّلهم منتظر آخرا ... فهو عليه الدّهر ذو حبس حتّى يجيؤا وكفات لهم ... ولا يرى للقوم من حسّ وبعثهم من بعد ذا كلّه ... لخابل الجنّة والإنس تخشع أصواتهم خيفة ... فلا تناجى بسوى الهمس داعى المنايا خاطب كفوه ... كخطبة المعتام للعرس يسمو إلى الأنفس فى قدرة ... منكّبا عن ساقط جلس تلعب بالمرء اللّيالى كما ... قد تلعب الأقلام بالنّقس ترضع بالانعام ذا عزّة ... يفطم بالبؤس وبالتّعس تتبع نعماها ببأسائها ... ويعقب الصّحّة بالنّكس فالحرّ فيها أبدا حائر ... من سومها الغالى على مكس يتعب فيها أبدا جسمه ... وإنّما الرّاحة كالخلس يخدع فيها بالمنى نفسه ... ووافد الموت به مرسى ينسى الّذى يأتى به صرفها ... والآمل الغرّار قد ينسى تلبسه من طمع غفلة ... بالمطعم الملذوذ واللّبس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 فأسلم الله إمام الهدى ... فما عطاء الدّهر بالنّحس كلّ الورى أنت وكلّ يرى ... عبدك من عال ومن نكس بقاؤك الفوز لنا والغنى ... نصبح فيه مثل ما نمسى شوى صروف الدّهر ما لم تصب ... فى الرّطب إن عاثت وفى اليبس من تاجر الدّهر بلا صرفه ... فصار من ربح إلى وكس فأسلم الكلّ فلا بأس أن ... يرزأ فى السّدس وفى الخمس إن غيّب البدر كسوف فقد ... لاحت بسعد غرّة الشّمس ما طالع الأمّة يا سيّدى ... إذا خطاك الخطب بالبخس فما فرغت من الإنشاد حتى بكا بكاء شديدا، ثم قال لى أنت كنت حدثتنى ان المأمون قال لمحمد بن عباد المهلبى لما مات أخوه أبو عيسى، وكان أحب الناس إليه: يا محمد حال القدردون الوطر. قلت له قد كان ذاك، فقال والله ما كان المأمون لأبى عيسى بأشد حبا منى لهارون ولا أصح نية فيما ورى عنه. ودفن هارون فى داره بقرب الجسر، وحضره طول يومه الوزير والقواد، وكل نزع سيفه ومنطقته إلى أن دفن بعد العصر وانصرفوا فقال بعد ذلك: لولا أنى لا أدرك ثأرى لقتلت بختيشوع الطبيب، سقى أخى هارون درهم سقمونيا حتى قتله ورمى بكل ما فى جوفه! وإن كان المشئوم ما تعمد ذلك، ولكنه أعمى القلب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 قصير العلم بليد الفكر، مرزوق فى أيامه، محظوظ. وأشاع الناس بأن ابن رايق يريد الصعود من واسط إلى بغداد ولحقه الناس من بغداد، فظن الساجية والحجرية أن ذلك بمكاتبة الراضى. فتكلموا فى ذلك فكتب إليه لا تجىء ووجه بما كرد وينال وعبد الله بن على كاتب نسيم؛ يناشدونه فى مقامه وقدموا من عنده يوم الخميس لست خلون من شهر ربيع الآخر. ومات فى هذا الوقت على بن العباس النوبختى وقد قارب ثمانين سنة وكان حسن الأدب والشعر وكان ابنه الحسين يكتب لابن رايق ويدبره أمره. وقدم شيخ هاشمى من سر من رأى يقال له إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى فحدث واجتمع إليه، وذكروا أنه ولد سنة أربع وعشرين ومائتين. وكان عنده علو إسناد مفقود فى وقته، الموطأ عن مالك عن أبى مصعب الزبيرى وروى عن أبى سعيد الأشج وعبد الجبار بن العلاء العطار. فتكلم الناس فى سماعه والتهبت له سوق ثم طفئت ورجع إلى سر من رأى. واستحق الساجية والحجرية، فطالب الوزير مياسير التجار بأموال يعجلونها ويكتب لهم بها سفاتج فاستتروا. وضرب ابن جبير الدقاق، وأخذ منه مال وأمر من كان ينزل بسور المدينة أن ينتقل لتباع المنازل ووجه الحسن بن عبد الله بمائة كر دقيقا، يفرق بسر من رأى وبغداد على الأشراف والضعفى، ففرح به الناس وحدرت زواريق كثيرة للتجار فصلح السعر. وبلغ الحجرية والساجية أن بدرا الخرشنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 والمؤنسية والرجالة قد عزموا على حربهم بأمر السلطان، فتنكروا لهم فخرج بدر ومن معه إلى الصحراء يوم الثلاثاء، لثلاث خلون من جمادى الأولى وقالوا كيف صار الساجية والحجرية يأخذون المال وقت استحقاقهم ونحن نؤخر بقسم المال بيننا! وصار الحجرية والساجية إلى الحلبة وأقاموا بها واستظهر السلطان بعض الاستظهار ببعض اليلبقية «1» والهارونية وغلمان أم المقتدر. ثم إن الحجرية والساجية أخرجوهم عن الدار، وصار الخرشنى إلى مسجد الجامع بالرصافة فضرب خيمة هناك وتبعه جعفر بن ورقاء ولؤلؤ وغيرهم وكان الراضى قد اختص جعفرا وشاوره فحسن أثره فى رأيه وفضله. وقال الساجية والحجرية للراضى: قد أشاع الناس أنا محاصروك فاخرج فصل الجمعة بالناس ليزول ذلك. فخرج فصلى بالناس فى مسجد الدار، وما علم به الناس. وقال للحجرية وللساجية أنتم خاصتى وثفاتى. وسفر جعفر بن ورقاء بين الناس فأصلح الأمر. ووعد الناس بأن الخليفة يصلى بهم فى الجمعة الثانية فما تخلف أحد، وما كنت أنا علمت بصلاته أول جمعة فحضرت فى الثانية ووجدت إسحاق بن المعتمد حاضرا فدخلنا المقصورة وخرج الراضى فعلا المنبر ووقعت عينه علينا فخطب فأوجز ونزل وصلى بالناس فقرأ سورة الجمعة فى أول ركعة وفى الثانية سبح اسم ربك الأعلى أتم قراءة وأحسنها ودخل وانصرفنا. فابتدأت أعمل شعرا أصف فيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 خطبته، فوافتنى رقعة بخطه وفيها: أبقاك الله يا محمد قد لحظك طرفى وأنا أخطب وأنت إلى جانب إسحاق قريب منى، غير بعيد عنى فعرفنى على تحرى الصدق واتباع الحق كيف ما سمعت وهل تهجن الكلام بزيادة فيه أو اختل بنقص منه أو وقع ذلك فى لفظه أو إحالة فى معناه جاريا فيه على عادتك فى حال الإمرة غير مقصر عنها للخلافة إن شاء الله فكتبت إليه جواب الرقعة بعد أن أتممت القصيدة أمير المؤمنين أدام الله دولته وأطال فى الملك مدته أجل خطرا وقدرا، وأسنى مجدا وفخرا. وأوسع خاطرا وفكرا من أن يبلغ خاطب خطابته أو يروم بليغ بلاغته أو يدرك فيها واصف صفته إلا بما تناله طاقته وتبلغه غايته ولما وصل إلى عبده سؤاله عن حسن ما وعاه وسمعه وجليل ما حفظه ولقنه من كلامه فى خطبته وتصرفه فى حسنه عجز عن بلوغ كنهه لسانه ولم يؤده شرحه وبيانه ففزع فى وصف ذلك إلى قول من كان أقوم بوصف مثله وأشد استقلالا به وأحسن أداء له وهو حسان ابن ثابت فى وصف كلام جده عبد الله بن عباس نضر الله وجهه وصلى على روحه فانه قال فيه: إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بمنتظمات لا نرى بينها فصلا كفى وشفى ما فى النّفوس فلم يدع ... لذى إربة فى القول جدّا ولا هزلا يقول مقالا لا يقولون مثله ... كنحت الصّفا لم يبق من غاية فضلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وقد عمل عبد أمير المؤمنين أبياتا فى وصف ذلك جعل أمام مدحه تشبيبا لم يخله من تشبيه مبتدع ومعنى منتزع، إذ كان الأمر قد تقدم إليه أن يجعل ذلك فى صدور قصائده، وأوائل مدائحه وهو يأمل أن يقع من استحسان سيده بحسب تفضله عليه، واصطناعه أياه والأبيات: أسرّك يا مناى ولا أسوك ... وأنفى بالهوى عرض الشّكوك وأحميك الّذى تخشين منه ... كما يحميك من عار أخوك لقد بلّغت فيك مدى المنايا ... وما بلغت مدى عشر سنوك ارى الهجران منك يحيل صبحى ... وما أذنبت ليلا ذا حلوك ودهر الوصل يحكى لى ربيعا ... يشابه نبته خلى الهلوك رياض نمرج الألحاظ فيها ... منوّرة الأعالى والسّموك بهار قد حكى العشّاق لونا ... على قضب حكتهم فى النّهوك وورد مثل خدّ منك راض ... جوار فم تبسّم عن مسوك ويضحك أقحوان فيه يحكى ... لنا ثغرا تكشّف عنه فوك تطلّع بين ذاك وبين هذا ... شقائق مثل أعراف الدّيوك مداهن من عقيق نظّمتها ... يدا خرقاء واهية السّلوك حلفت بغرّة الرّاضى فإنّى ... أراه حقيقة فوق الملوك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 بأخّاذ لما يرجى ألوف ... وعيّاف لما يخشى تروك عبوس فى انتهاك الملك فظّ ... وطلق فى مذاهبه ضحوك نهوض بالخطوب إذا اعترته ... فراها هبّة السّيف البتوك عشيق الملك جاء بلا كتاب ... يرجّى الوصل منه ولا ألوك فمن للبخل يمسك ما حواه ... فما هو بالبخيل ولا المسوك أجلّ النّاس آراء وعلما ... مقال ليس يقرن بالأفوك وما أحياه من سنن تعفّت ... فدار صلاحها دور الدّموك ركوب للمنابر سار قصدا ... إليها وهى حائرة السّلوك فذّكرنا مقال منه فصل ... مقال المصطفى بحرى تبوك فأطلع منه شمس الملك سعدا ... وكانت نحسة بشفا الدّلوك لأعتمدنّ سير المدح فيه ... بإرقال يبرّ على الرّتوك أحوك من القصائد وشى مدح ... تفضّله على الوشى المحوك لقد فتك الزّمان بسوء حالى ... فأنقذنى من الزّمن الفتوك فتأخر الجواب عنى يومين، ثم وافت رقعة يقول فيها قد استحسنت الشعر غاية الاستحسان، ورأيتك تكلفت فيه ما لا يجب عليك من لزوم الواو فى أرداف القافية ورأيت المدح مليحا قد وقع كله فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 القسم «1» ورأيت الأوصاف فى صدر الأبيات فى نهاية الحسن، تقدمت فيها كل من وصف ما وصفت، وخاصة بيت البهار لتشبيه شيئين فيه. وقد تأملت البيت الأخير وأنفذت إليك فى هذا الوقت ما تبنى به المنهدم من حالك، إلى أن تنجلى الهبوة التى نحن فيها إن شاء الله. ومع الرقعة صرة ديباج مختومة بخاتم راغب الخادم، فيها ثلاثمائة دينار. وتنكر الساجية والحجرية للوزير، بعد أن صالحوا الخرشنى، ورجع الجميع إلى منازلهم. وانحدر الوزير إلى دار السلطان بأرزاقهم، فعرفهم أن لا مال عنده، فوثبوا به وقبضوا عليه، والسلطان يراهم. فوثب ودخل وأمر راغبا أن يتسلم الوزير ويكون فى يده، وأن لا تجرى جناية عليه. ونهب الناس داره ودار ابنه الملاصقة لداره، وطرحوا فيها النار، ونهب جماعة من كتابه. وأحضر أبو على عبد الرحمن بن عيسى فى هذا اليوم، فولى الوزارة وهو يوم الإثنين لأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى بعد أن عرض السلطان الوزارة على على بن عيسى واستعفاه فأعفاه وكان من العجائب المشهورة أن دار ابن مقلة أحرقت فى مثل اليوم الذى أمر فيه بإحراق دار سليمان بن الحسن بباب محول، وفى مثل ذلك الشهر بينهما حول كامل، وظهر فى عشية هذا اليوم سليمان ابن الحسن والخصيبى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 واستوحش الخرشنى لما فعله الساجية والحجرية. وتحول فنزل دار الحسن بن هارون، وشغل عن العامة فعاثوا، ثم صار اليه جماعة من الحجرية فحلفوا له أنه واحد منهم فرضى ورجع إلى داره وكتب على حيطان ابن مقلة: أحسنت ظنّك بالأيّام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتى به القدر وسالمتك اللّيالى فاغتررت بها ... وحين تصفو اللّيالى يحدث الكدر وتحته «صنع بدارك مثل ما صنعت بدار سليمان» . وحول ابن مقلة إلى دار الوزير أبى عبد الرحمن، فأحسن اليه وسلمه إلى هنكر وما كرد ليكون فى أيديهما، ويناظره سليمان فى الأموال بحضرتهما فى يوم الأحد لثمان ليال بقين من جمادى الأولى فى دار النوشرى بقرب الحبس. واتصل بالسلطان أن أبا الفتح بن ياقوت قد حبب جماعة من الأولياء وحملهم على الفتك بالخليفة والبيعة لأخيه عبد الواحد، فقبض عليه بين يدى الخليفة؛ وثب به الخدم وحبسوه فى حجرة لأربع ليال بقين من جمادى الأولى. وصرف الخرشنى عن شرطة بغداد لليلتين بقيتا من جمادى الأولى، وولوا كاجو الجانب الغربى، وجعل الجانب الشرقى إلى أبى الفتح تتج الحجرى وأخيه أبى الفوارس سخر باس شركة بينهما. وناظر سليمان ابن مقلة وانفرد له ابن الحارث فلقى ابن مقلة منه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 عنتا وأعطى خطه بمال يقال إنه ألف ألف دينار، عنه وعن جميع أسبابه، أربعمائة ألف دينار منها معجلة ثم لم يحمل شيئا فحرك السلطان على بن عيسى واخاه الوزير فى ضمان ابن مقلة، فوجها اليه بالخصيبى فقرر الأمر على نحو الأول، على أن تقوم ضياعه وتؤخذ، وينجم الباقى فى سنتين. وعز الخبز والدقيق فلم يوجد أياما ببغداد، ووقع فى الناس طاعون عظيم فتفانوا ببغداد وما سواها. وضرب الخصيبى ابن مقلة ضربا مبرحا، وأحاله على جماعة منهم ابن المغلس الفقيه فاعترف بخمسة آلاف دينار عنده لابنه أبى الحسين وأمر بحملها فحملها، ومات فى تلك الليلة من سكتة عرضت له، وكان فقيها على مذهب داود جدلا موسرا، وذلك لأربع خلون من جمادى الآخرة. وفى هذا الشهر رخصت الأسعار، وبلغت الساجية والحجرية أن السلطان على الخروج إلى الموصل. فقالوا هذه حيلة علينا، وقالوا لجعفر بن ورقاء هذا عملك ثم بطل ذلك. وتوفى يوم السبت لأربع خلوق من رجب أبو محمد العلوى الرملى رحمه الله، ولو قلت إنى ما رأيت أفضل منه فى دينه وزهده وكرمه، لما خفت إثما. ودفن ببراثا وكان من لم يلحق الصلاة عليه يصلى على قبره أياما. وطلب سعيد بن عمرو بن سنكلا- عند ابى الحسن على بن عيسى وعند أخيه أبى على- ما كان يجده عند غير هما فعز ذلك عليه ولم يستحلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 أن يمدا أيديهما إلى أموال الناس. فحمل الراضى على عزلهما، فقض على عبد الرحمن يوم الإثنين لست خلون من رجب. وخلع على ابى جعفر محمد بن القاسم الكرخى وولى الوزارة، وكانت مدة أيام عبد الرحمن خمسين يوما، وسلم ابن مقلة إليه ليناظره، ووجدت له خزانة فى دار ريطة فيها ذهب وفضة ومتاع يساوى نحو مائتى ألف دينار وقبض على أبى عبد الله بن عبدوس وصودر على مائتى ألف دينار، فتكلم سعيد بن عمرو فى حطيطته والوزير يخالفه حتى شرق الأمر بينهما، فكان ذلك سبب زوال الكرخى وأدى ثمانين ألف، دينار وأطاق وصودر على بن عيسى وأخوه، وصرفا إلى منازلهما من دار الوزير. ومات أبو بكر بن مجاهد القارىء يوم الجمعة للنصف من شعبان، ولم ير مثله ولا رأى هو مثل نفسه فى علمه، وخلف مالا صالحا وورد تابوت جحظة من واسط، وكان شخص إلى ابن رايق. فيا بعد ما بين الإثنين! على أن جحظة كان أحذق الناس بصناعته، وكان له شعر صالح، وكان يروى أخبارا عمن رأى، ومات أيضا قريض المغنى، غلام محمد بن داود فى هذا الوقت. وقبض على عبد الله بن يونس، وعلى ابن شبيب وطولبا بأموال فلم يوجد عندهما ما ظنه من يسعى بهما، فأخذ من الساعى بابن يونس مال وكان كالشريك له. وصودرا على شىء يسير وأطلقا. وصودر ابن مقلة فى شهر رمضان على مائة ألف دينار فإذا أداها أطلق، وضمن المال عنه ابن قرابة وحوله إلى داره. وتحقق ابن قرابة بأمر الوزير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 الكرخى وغلب عليه، وورد الخبر فى شهر رمضان بقتل ياقوت قتله علمان اللوش البربرى فاضطرب الحجرية فوجه الراضى يحلف أن ذلك قد ساءه، وما كان له إذن. وضج الحنبلية فيه من أمر ابن شنبوذ، فحمل إلى دار السلطان ونوظر، والسلطان يسمع من وراء حجاب وتاب وحبس. واستتر الوزير الكرخى يوم الإثنين لثمان خلون من شوال وأحضر سليمان بن الحسن فخلع عليه للوزارة وانصرف إلى منزله يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال. وفى هذا الشهر مات المعروف بزنجى الكاتب، وكان مقدما فى الكتبة مذ أيام أحمد بن محمد بن الفرات وهو الذى اصطنعه. وكان كاجو وينال انحدرا إلى ابن رايق، فوصلهما ورجعا ثم انحدر كاجو وماكرد وتكنجور وصافى قواد الساجية، وانحدر معهم أبو جعفر بن شيرزاد والحسن بن هارون وأبو بكر بن الصير فى انحدروا بخلع السلطان على ابن رايق ليكون أمير الأمراء، فوافت الأخبار إلى بغداد يوم الجمعة لسبع خلون من ذى الحجة بأن ابن رايق قبض على قواد الساجية فحبسهم وحبس معهم الحسن بن هارون، وتقطع أصحابهم وفروا وسلبوا ونهبوا. وورد كتاب ابن رايق يعتد على السلطان بقتله أعداءه المارقة الطغاة قرىء على المنابر. ووافى بغداد لؤلؤ غلام المتهشم واليا الشرطة من قبل ابن رايق، فتسلم البلد يوم الخميس لثمان بقين من ذى الحجة، وبث خلفاءه فيه وعزل تتج وسخرباس، ودخل ابن رايق بغداد يوم السبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 لست بقين من ذى الحجة، وخلع عليه ونزل فى الحلبة فى دار السلطان وطالبه بالخروج إلى واسط ليتم تدبيره ويريحه من الحجرية. وورد خبر الطير من فاتك بأن صغار الساجية قصدوا داره لكبسها واستخراج قوادهم منها، وأنه رمى إليهم برءوسهم واستبقى الحسن بن هارون وصافيا وكان ابن رايق أنفذ محمد بن يحيى بن شيرزاد وقت قبضه على الساجية إلى بنى البريدى فى أشياء بينه وبينهم. سنة خمس وعشرين وثلاثمائة خرج الراضى إلى واسط لليلتين خلتا من المحرم، فوصل إلى واسط يوم الأربعاء لخمس خلون من المحرم، وابتدأ ابن رايق فى عرض الحجرية فلم يصبروا على ذلك، واجتمعوا فحاربوه لأيام بقين من المحرم، وكانوا مستظهرين عليه حتى خرج بجكم كمينا عليهم، فوضع السيف فيهم فولوا منهزمين وأسر من رؤسائهم جماعة فيهم خمار جور أسر وبه ثلاث عشرة ضربة وسلحجور ويمن القروانى وبه ضربة قد ذهبت باحدى عينيه وفارس بن ينال، وغرق خلق منهم وتقطعوا فى الصحارى وسلبهم أهل القرى وقتلوهم. وكتب إلى لؤلؤ بالقبض على من ببغداد منهم وإحراق منازلهم وغنم بجكم وأصحابه غنيمة عظيمة من دوابهم وسلاحهم وأموالهم، وكان أبو الحسين على بن محمد البريدى قد وافى واسط فأوصله ابن رايق إلى الراضى حتى خاطبه، وولاهم الأهواز والبصرة، وخلع عليه ابن رايق الخلع التى كان الراضى خلعها عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 حين ظفر بالحجرية وركب معه، ورجع السلطان إلى بغداد فدخلها يوم الإثنين لثمان خلون من صفر وقدم ابن رايق معه فنزل دار مؤنس ونزل بجكم دار محمد بن خلف النيرمانى بشريعة سوق الدواب، ونزل القرامطة فى البصلية وتفرق باقى أصحابه. وكان الحجرية ببغداد قد حاربوا لؤلؤا قبل قدوم الخليفة فحاربهم فى رحبة العامة من بعد العصر إلى المغرب فظفر بهم وتفرقوا وكان ابنا الصلحى قد نظرا فى الأمور لكتبتهما لابن رايق، فلما قدم فسد أمرهما ودار أمر ابن رايق على الحسين بن على النوبختى، وهو الذى دبر له جميع ما مضى وبلغه هذه الحال. ومات الجريرى المحدث أبو أحمد لسبع خلون من المحرم. ومات القاضى ابن أبى الشوارب يوم الأربعاء لاثنتى عشرة ليلة خلت من المحرم. ومات بسر من رأى إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمى المحدث الذى كان قدم بغداد وخلع على بجكم ليوم الإثنين لسبع خلون من شهر ربيع الآخر، وولى إمارة بغداد وعقد له لواء لولاية المشرق إلى خراسان. وخلع على لؤلؤ لإمارة الكوفة، وخلع على عمر بن محمد لقضاء القضاة. وصلح أمر أبى على بن مقلة لأنه طرح نفسه على ابن روح النوبختى فكلم له الحسين بن على بن العباس كاتب ابن رايق فأصلح أمره، وأوصله إلى الأمير فأمره بفتح بابه. ومات ابن نزار فى النصف من شهر ربيع الأول، وفيه تقلد الخصيبى أزمة جميع الدواوين وخلع على ينال وولى الجبل وجرد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 جماعة من الحجرية مع هنكر للجبل واستحلفوا وأطلقت أرزاقهم فخرجوا إلى الدسكرة وهم نحو خمسمائة، فأوقعوا بأكراد وأعراب فغنموا غنيمة عظيمة ثم مضوا إلى بنى البريدى فغلظ ذلك على السلطان وأمر بالنداء أنه إن وجد أحد من الحجرية بعد ثلاث قتل. ولحق من كان بقى من الساجية ببغداد بالموصل بأصحابهم فإن من كان منهم ببغداد فى وقت الحادثة على قوادهم لحق بالحسين بن عبد الله بالموصل وأحسن إليهم وأرزقهم وصرفهم، فلحق بهم من كان ببغداد، وكان من رؤسائهم بالموصل شفيع الخف. ومات فى شهر ربيع الآخر أبو بكر بن أبى الأزهر، وزعم أن مولده سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وكذبه أصحاب الحديث لادعائه السماع من أبى كريب وسفيان بن وكيع وإسحاق بن الضيف ونظرائهم. ووافى القرمطى الكوفة فى آخر شهر ربيع الآخر فخرج ابن رايق لثلاث خلون من جمادى الأولى إلى مضربه بالياسرية فى أحسن عدة وأكمل زى ومعه بجكم وأحمد بن نصر القشورى وجماعة من القواد ونفذ بجكم فى المقدمة الى القصر فوجدوا لؤلؤا ولحقهم ابن رايق ومعه بجكم إلى النعمانية، ثم رحلوا الى واسط ليزيلوا أمر ابن البريدى. ومات ابن ميسر المحدث بواسط وكان سيدا. ومات أبو يوسف كاتب أم المقتدر يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وأمر بلعن البريديين ببغداد، وأشهد الراضى القضاة والعدول على نفسه أن قد رد أمر البريديين فى حربهم أو تركهم أو لعنهم أو مقاطعتهم الى ابن رايق وأنه يرضى كل شىء يعمله فى أمرهم وطلب أسبابهم ببغداد وكتب على أملاكهم صوافى. وقلد لؤلؤ بغداد يوم السبت لست خلون من رجب وخلع عليه. وصار إليه من عمل الكوفة إلى بغداد، ومن الأنبار إلى بغداد، ومن النعمانية إلى بغداد. ومات ابرهيم الجاثليق يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شعبان وقبض أبو عبد الله الكوفى على ابن شيرزاد لتسع بقين من شعبان وظفر بفتنة جارية البريدى فعذبها ابن مقاتل، فقالت له وهو يعذبها «يا ابن مقاتل من الرفش إلى العرش!» وصار ابن رايق إلى دجلة البصرة فواقعه أصحاب البريدى فهزموهم وصارت البصرة لهم خاصة. وقطع أمر ابن شيرزاد على تسعين ألف دينار بخمسة وعشرين ألف دينار منها ضياع، وما بقى فبعضه معجل وبعضه مؤجل وأطلق إلى منزله لست بقين من رمضان وتألف لؤلؤ العيارين وأصحاب العصبية وأثبت بعض العيارين. ووصل أبو الفتح الفضل بن جعفر بن فرات إلى بغداد فى شوال. ووصل إلى الخليفة، واستوزر يوم الخميس لسبع خلون منه. وكان بجكم قد هزم البريديين وملك الأهواز فصاروا إلى البصيرة والأبلة وأقاموا بها ومعهم قوادهم وأكثر رجالهم قبل هذا الوقت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وصار فاتك حاجب ابن رايق إلى دجلة البصرة ليأخذ البصرة فلقيه بالمفتح إقبال فهزمه ورده إلى الجامدة. ومات شيخ مسند يعرف بالزعفرانى، نزل دار عمارة وانحدر الوزير والقاضى عمر بن محمد والكوفى فى ذى القعدة إلى واسط، إلى ابن رايق. ومات أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى فى ذى الحجة. وكان عنده إسناد ليس بالرفيع. ورجع الوزير إلى بغداد ولم يلق ابن رايق لأنه خاف أن يطالبه بمال. ودخل الكوفى بغداد لاثنتى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة، خليفة لابن رايق فجمع مالا وخرج إليه لثلاث بقين من ذى الحجة. سنة ست وعشرين وثلاثمائة رجع القاضى عمر بن محمد إلى بغداد لليلتين خلتا من المحرم. ونزل الوزير داره التى على دجلة بين القصرين، ووجه إلى يأمرنى أن أحمل إليه كتاب الكتاب الذى ألفته فاستحسنه، وكان جميع من يدخل إليه ممن يأنس به ويعلم أنه يفهم يقول له: لقد سرنى أنه بقى فى الزمان من يحسن أن يؤلف مثل هذا! ووصلنى بثلاثمائة دينار وأعطى الحشم رزقه وألحق اسمى بهم وأطلق رزقى وزاده فى جملة المال وكان ابن مقلة قد أخرجنى من جملتهم وأفردنى لما جالسه ابنا المنجم وشعثانى عنده فكاتبته بأشعار يغفر بها الكبائر من الذنوب فما عطف على! منها أنى مدحته بقصيدة ما مدح بمثلها قط، فما استمع الشعر منى، فأنفذته على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 يد أبى بكر بن الخياط النحوى، فلما قرأه قالا له قد هجاك فى القصيدة فقال ابن الخياط أين الهجاء من هذه القصيدة؟ قالا قوله: ما على الأرض مادح لكم قبلى وحقّى ما بينكم مهضوم وأنت فقد مدحك قبله عبيد الله بن عبد الله، وابن بسام فكيف صار هو أول من مدحك! فقال ابن الخياط انما عنى الرجل ما على الأرض ما بقى أحد مدحكم قبلى، ولم يقل ما تحت الأرض، وأعانه أبو عبد الله أخو الوزير وناظر فيه على حق وصواب، وهو لا يسمع إلا قولهما قال فلم يكن لنا حيلة. وأنا أذكر الشعر وإن كان طويلا لخصال: منها أنه حسن، ومنها أنه ما مدح بمثله، ومنها تكذيب من زعم أنى هجوته فيها وهو: أنا من بين ذا الورى مظلوم ... وإذا ما خصّمتهم مخصوم تتخطّانى الحظوظ فاسى ... ومكانى من علمهم معلوم كم ترى فى الزّمان مثلى حتّى ... لم يرمنى الوزير فيمن يروم قد تعدّانى اختيار كريم ... وهو طبّ بالأختيار عليم وهو أعلى الكفاة مجدا وفضلا ... إنّ ذا ما علمت حظّ جسيم ليس هذا إلّا لتأخير حظّ ... حقّه حين ينصف التّقديم لست أشكو أبا الحسين وحاشا ... هـ له دون ذلك التّعظيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 أنا لو لمته- وقد خصّ غيرى ... بدنوّ من الوزير- مليم أترانى أخللت بالعلم حتّى ... شدّ منّى التّحليل والتّحريم لو رمى بى الزّمان عزّا تليدا ... لم يرضنى الذّكاء والتّعليم كيف نجلى عليه أبكار لفظ ... وله فى الأنام مثلى نديم أتظنّ النّدام ترضى بهذا ... لا ومحيى العظام وهى رميم أين من جالس الخلائف قبلى ... وافر حين تستخفّ الحلوم طائرى ساكن وفكرى عزوف ... عن فضول المنى ولحظى سليم وكلامى قدر الكفاية إلّا ... شرح علم وجانبى مستقيم فأعينوا على الزّمان بعدوى ... إنّ ذنب الزّمان عندى عظيم لى عدات طير التّقاضى عليها ... طلبا للنّجاح منكم تحوم والوزير الصّغير فيها زعيم ... بالّذى أرتجى ونعم الزّعيم هى دين عليه وهو ملىء ... منصف من العدى ودهرى ظلوم لعلّى على الأنام اعتلاء ... حادث من جلاله وقديم ورث المجد من غطارف شمّ ... غرر لا يعدّ فيهم بهيم فهو ينحو الوزير فى كلّ فضل ... ليس ينحو الكريم إلّا كريم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 أنفس تعشق المكارم وقفا ... فرّقتها على ائتلاف جسوم فعلىّ محمّد بن علىّ ... طاب فرعا هما وطاب الأروم ذاك بدر لنا وهذا هلال ... ذا هواء لنا وهذا نسيم لم تلد مثله الملوك كمالا ... فهو ثأر من العدوّ منيم منطق يشغل اللّحاظ بحسن ... فهو ثاو عليه ليس يريم تستردّ العيون حسنا اليه ... مثل ما يستردّ دينا غريم ونفاذ يقرى الولىّ سرورا ... ويردّ العدوّ وهو كظيم لو تمنّاه والد ما عداه ... وإليه فى أمره التّحكيم لم يمحّض بمثله مقرب الدّهر ... ولا استام شبهه من يسوم لو يحابى النّجوم فى طالع ال ... مجد لقلنا حابته فيه النّجوم ليس يأتى بمثله الدّهر فضلا ... هو عن ذاك غير شكّ عقيم كلّ رهن فى سؤدد أغلقوه ... فله السّبق فيه والتّسليم أنتم يا بنى علىّ نجوم ... للورى فى الضّياء ليست تغيم خيّمت فيكم محاسن حظّ ... لاح منها للنّاس درّ عظيم قلم جامع بيانا وحسنا ... ما حوى فيه مثلكم إقليم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 تتباهى به القراطيس حسنا ... مثل وشى تروق منه الرّقوم وكلام كأنّه زهر الرّو ... ض بدت للنّجوم منه نجوم قد أحاطت به عيون المعانى ... وأضاءت فى جانبيه الظّلوم لكم إن تسقه الجود جود ... واقع دراه وخصب مليم وسحاب من النوال وساع ... ضاق عنه سحابه المركوم مدحكم واجب علىّ كفرض ... ليس فيه لغو ولا تأثيم ليس لى فى تأخّرى عنكم ... ذنب وإنّى من أجله مهموم كلّما جئت حال دونى حجاب ... وتعالت له علىّ الهموم كسرت دونى الحواجب غمزا ... وبدا للعيون لمح ذميم لمعت لى بخلّب الومض منها ... بنواحىّ به لحاظ سقيم فكأنّى لديهم شخص بوّ ... لم تعطّف عليه ظئر رءوم طبعهم ظاهر القساوة فظّ ... ليس فيهم مع البلاء رحيم ليس لى فى الوصول وقت اختصاص ... وكذا فى العموم مالى عموم فأسيم الكروب فى مسرح القلب ... ومرعى الحجاب مرعى وخيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 ما لها مشرب عليه مع الظّم ... ءو ورد الإخماس الّا الحميم والّذى يوجب المديح لشرحى ... جمّه الفاء والنّبات الجميم لا تكرّوا علىّ فيهم ملاما ... فعذاب الحجاب عندى أليم وكذا جاء فى التّلاوة نصّا ... ليس بعد الحجاب الّا الجحيم كلّهم فى أوان إذن عدوّ ... وصديق فى غير إذن حميم ونيام عنهم كنومة أهل الك ... هف لولا وصيدهم والرّقيم لم يلدهم جوار سعد كما قا ... ل جرير وكلّهم مركوم ما أعلّى عليهم اللّوم لكن ... ملزمى فيهم الملام ذميم وعطاياك إنّها فيض بحر ... إنّ شيطان منعهم لرجيم أمن الحقّ أن يجفّ ثرى ... ربعى منكم وغيثهم مسجوم لى من غيثه رذاذ وطلّ ... ولغيرى الأجشّ منه الهزيم نام حظّى فأيقظوه بجود ... إنّه بعد بدئكم تتميم قد تشكّيت ما ألاقى اليكم ... مثل ما يشتكى الوصىّ يتيم كلّ من أخطأته رحمة عطف ... من نداكم وأنسكم مزحوم فى زمان طرّزتموه بجود ... وهو لولا كم زمان لئيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 لى بكم حرمة ثلاثين عاما ... غير أنّى مباعد مرجوم ليس لى منكم اختصاص بأنس ... بل أرى ظاعنا وغيرى مقيم ما على الأرض مادح لكم ... قبلى وحقّى ما بينكم مهضوم حين سيف المديح مدّرع ... الغمد لديكم ما سلّه التّصميم لى منه وخد المسير ونصّ ... ولغيرى خنافه والرّسيم وعيون الآمال تطرف عنكم ... ما لها نحوكم لحاظ تدوم مدحى سبّق وإذنى سكيت ... ما قضى مثل ذا القضاء سذوم مدح ملّكت رقاب المعانى ... عطّلت من حليهنّ الرّسوم شغلتها علاكم من مغان ... سئمت مرّها عليها السّموم فهو زين لمرتجيكم وعزّ ... ونجوم على عداكم رجوم ولآل لكم يضىء سناها ... ونحوس لشانئيكم حسوم حرّم الله أن يكون جنابى ... مجدبا من نداكم والحريم ضامنى الدّهر باجتنابكم قر ... بى ومن ضامه الزّمان مضيم أنصفونى فى نظم ما قلت فيكم ... هل يدانيه لؤلؤ منظوم هو لفظ تحكّم الطّبع فيه ... مثله لا عدمتكم معدوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وتخطّى عراصكم بؤس دهر ... وثوتها مسرّة ونعيم كلّكم فى معجّل الدّهر والآ ... جل جمّ العلى معافى سليم وبلغ الراضى أمر القصيدة، فقال اكتبها لى حتى أنظر فيها، فلما قرأها قال لى: أنت والله معهم فى هذا كما قال البحترى: إذا محاسنى اللّائى أدلّ بها ... كانت ذنوبى فقل لى كيف أعتذر علىّ نحت القوافى من معادنها ... وما على لهم أن تفهم البقر فما نفعنى ذلك شيئا بل ضرنى. وإلى وقتى هذا أنا فى خمار كأسهما التى أعدداها لى، فما يقبل على من وليا به عنى وأحمد الله. وفى المحرم أمر رجل يعرف بالحواجبى، على خال ابن سنكلا نصرانى يعرف بأبى عمرو بن شريح بمعروف فشكا ابن سنكلا بعبد الله إلى الراضى فأمر بالقبض على الحواجبى، وأمر بإحضاره الدار، وأن يضرب بالسياط. فما زال إسحاق بن المعتمد وما زلت معه نكلمه فيه ونعلمه أن قتل هذا عظيم وسمع ضجة، فقال لذكى الحاجب: ما هذا؟ قال أهل باب الطاق فى أمر الحواجبى. فقال لئن زادوا لأخرجنه اليهم مصلوبا هذا لم يرض أن وثب على كاتبى حتى تخطى إلى ذكرى فوجهنا وصرفناهم، ولم نزل حتى أمر بحبسه، وأفلت من غير ذلك وبلغ هذا البربهارى فعاتبنى فيه وخاصمنى، وجاءنى أصحاب الحواجبى يشكرونى فقلت اعفونى من هذا فإنى فى بلاء عظيم، وتكلم فيه كل جليل فما نفع. وشاورنى أصحابه فعرفتهم أن الراضى لا يفعل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 إلا ما يريده ابن سنكلا، وأشرت بأن يقصدوه فى أمره فكلموه فيه غدوة يوم فأطلق فى عشيته. وخرج الراضى ومعه الوزير متنزها وخرجنا معه فسار من الجانب الشرقى حتى حارتى بزوغى ثم عبر اليها فأقام يومين ورجع. وورد لعشر خلون من المحرم رجل يعرف بالخلنجى كان يحمل الخريطة إلى مكة ويسبق بالأخبار فأخبر بسلامة الناس وتمام الحج. ومات يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم موسى من ولد الرضا، وكان من أسن ولد الحسين عليه السلام فى وقته، ونودى فى الطريق بحضور جنازته، وكان من الزهد والطهارة على طريقة سلفه رضى الله عنهم وعنه. وكثر الضجيج من تعنت أصحاب لؤلؤ للناس ووضع الجبايات. عليهم وإغرامهم، فعزل عن شرطة بغداد، ووليها محمد بن بدر الشرابى يوم الإثنين لاثنتى عشرة ليلة بقيت من صفر. ومات شيخ بالكوفة محدث مسند، يعرف بسودانى كان عنده عن أبى كريب وعباد بن يعقوب، ووافى رسول ملك الروم بهدايا كثيرة منها صياغات وثياب ديباج ومقارم وآنية ذهب، طريقة الصياغة، فجلس الراضى يوما فعرضها علينا، ووهب لنا أكثرها، وما كان شىء ألذ عنده من شىء يهبه وطعام يؤكل بين يديه ما بخل بشىء قط، وما سمع بأكمل جود منه وورد الخبر بوقعة كانت لابن رايق إلى دجلة البصرة، ودخل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 نهر معقل فوافى البصرة، فعجل بعض أصحابه، فطرح حريقا فى جزيرة حيال البصرة، وكان يبلغ أهل البصرة أنه يريد قتلهم وإحراق بلدهم وخاطب بذلك بعض رؤساء البصرة ممن قصده، فلما رأى ذلك أهل البصرة أعانوا البريديين فهزم ابن رايق وأفلت هو وبجكم من أن يؤخذ ورجع إلى دجلة البصرة فعسكر بموضع يعرف بعسكر أبى جعفر حيال نهر معقل، فلما طال الأمر عليه رحل صاعد إلى واسط. وركب الراضى فى شهر ربيع الأول إلى أجمة بالثريا يطلب فيها خنازير، وركبنا معهم فرأينا فى الموكب فرسانا لا نعرفهم فطاف ساعة، ثم عدنا معه فتغدى وكان النهار قصيرا وصلينا الظهر وركب، فرأينا الفرسان قد زادوا وأنكرهم الحاجب ووافى محمد بن بدر الشرابى فى مائة فارس، فلما رآه الفرسان تفرقوا فلم نر منهم أحدا فصاد خنزيرا وانصرفنا فقال لنا بعد من أى شىء أفلتنا يوم الخنازير؟ وإنا لبين يديه فى الحجرة التى كان يجلس فيها، ونحن أربعة وكذا كانت نوبتنا إذ أدخل رجل مشدود العينين بذراعيه وخف، فلما أقيم بين يديه قال مالنا نحن قرامطة فقال له الراضى يا ابن الفاعلة: لو كنت محتاجا لعذرتك، ولكن من من رشحك لهذا قد أغناك وجعل اليك نقابة، ومولك فك الكلب النابح، فضربوا فكه وهو يقول: بتربة المقتدر ارحمنى وإذا هو أبو عبد الله بن المنتصر والمنتصر جده. ثم قال له الراضى: والله ما طلبت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 هذا الأمر فأما إذ دفعت اليه فو الله لا طلبه أحد فى أيامى ساعيا على فعاش. ثم أمر به فنحى وأدخل بيتا حيال بركة السباع فعرفنا من الغد أنه قتل فى ليلته، وأخذ جماعة بسببه فحبسوا منهم المعروف بالزهرى وابن أبى الحناء وإبراهيم وغيرهم. ثم حدثنا الراضى بعد ذلك قال كان الفرسان الذين رأيتموهم بالثريا قد عزموا على الفتك بنا فلما جاء ابن بدر يئسوا فمضوا فقال واحد منهم لبعض من كان ندبه لهذا: لقد مددت يدى إلى سيفى مرات لأضربه به يعنينى فقال فهلا فعلمت لعنك الله وأراد قائل هذا أن يكون وزيرا لابن المنتصر، وهو يريضه لهذا منذ مدة وقد أغناه ثم قرأ علينا رقعة جاءته من أبى على بن مقلة: العجب من اتهام الناس إياى بسبب هذا الأمر، وتعجب الراضى من جهل من اتهمه بهذا الأمر وأقرأنا جوابه اليه يصدقه فى قوله، وبأنه ما سمع ما ذكره ولا وقف عليه إلا من رقعته ويسكّن منه. وأمر بطلب أولئك الفرسان نظفر ببعضهم فآمنهم ووصلهم، وفرق بينهم، وسمع كلام كل واحد منهم مفردا، فحدثنا أنهم عرفوه كيف جرى الأمر من أوله إلى آخره حتى وقف على صحته، وجعل الراضى يورى عن ذكر الفاعل لهذا إذا حضرت جماعتنا، ويصرح به إذا حضر من يثق به منا واتصل هذا الخبر بابن رائق فقدم فى آخر شهر ربيع الأول، وتلقاه ابنا الراضى، وأظهر أنه قلق لما جرى وخاف أن يسعى فى مثله لبعده عن مولاه، وإنما جاء لضيق المال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 واستحقاق الجند وأن بجكم اقبل الى واسط فلم يحب الاجتماع معه، ولم يزل يطالب الوزير بالمال وهو يجمعه له، وأخذت فى هذا الوقت من الراضى آنية ذهب وفضة فضربت. وأنفذ ابن رايق الى بجكم من المال ما قدر عليه وزوج لوزير الفضل بن جعفر ابنه بابنة ابن رايق. وزوج أبا بكر بن طغج بابنة له أخرى وكان الوليمة فى ذلك الوقت وخطب القاضى عمر بن محمد بحضرة الخليفة للجميع خطبة واحدة وكان مهر ابى بكر بن طغج ثلاثين ألف دينار ومهر ابن رايق نصفها وعزم الوزير على الخروج إلى الشام واستخلاف أبى بكر عبد الله بن على النّفّرى على العرض وإمضاء الأمور بالحضرة، فخرج لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر وهجم بعقب خروجه على أبى عبد الله بن عبدوس وطولب بمال عظيم. ثم تقرر أمره على خمسة عشر ألف دينار أخذت منه بألوف منها جارية مغنية كانت له وترك له من أجلها الباقى. وقبل هذا بمديدة ما اشترى ابن رايق من ابنة عبد الله ابن حمدون جارية زوجة محمد بن عبد الله ابن حمدون جارية مغنية يقال لها شرين بأربعة عشر ألف دينار، فاستعظم الناس ذلك، وتسلمت الجارية، وحمل المال من عند أبى الحسن البريدى، وحملت هى إلى واسط. وطولب محمد بن يحيى بن شيرزاد بمال فحمل اثنى عشر ألف دينار. وقبض على أبى إسحاق القراريطى واتهم بأنه تضمن أبا عبد الله الكوفى وابنى مقاتل بمال عظيم، فسلم إلى أحمد بن على الكوفى فجرى عليه من المكروه ما لم يجر مثله على أحد، حتى ظن الناس أنه تلف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وغضب الراضى على جليسه محمد بن عبد الله بن حمدون أبى جعفر واتهمه بكلام بعض خدمه، وما كان لذلك أصل كما ظنه. وأمر ألا يوصل إليه فاختلت نوبتنا وكنا أربعة به فبقى إسحاق بن المعتمد والعروضى وأنا. ثم حدثنا بأنه فعل به ذلك لاتهامه إياه بتعريف ابن رايق ما يجرى فى مجلسه بسبب الجارية المشتراة منهم، وأنها سبب الوصلة بينهم، وكان يبلغه أن ابن حمدون يعاشر ابن رايق إذا خرجت نوبته. وكان انحراف الراضى عن ابن رايق فى هذا الوقت يتبين فى طرفه وقوالب لفظه، ثم صرح بذلك لى وللعروضى من بين الناس، فكنا نعتذر لابن حمدون من أمر الخادم الذى كان هو أعلم ببطلانه ثم نحلف له أنه مثلنا فى جميع أموره مأمون السر والعلانية، إلى أن وثق بذلك، وتقرر عنده. وكان ابن رايق قد كلم الراضى فى الرضا عنه فلم يجبه، وكتب ابن حمدون إلى الراضى بأبيات يعتذر فيها وهى: أطار الكرى عن مقلتّى التّعتّب ... وجمجمت ما ألقاه والحزن يعزب وحمّلت ما بين الجوانح والحشا ... جوى غير ما يدعى له المتطبّب ويوشك أن يدعو بيوم منيّتى ... سريعا إلى الأعداء ناع مطرّب وقد علم الله:- الّذى دون علمه ... علوم العباد فهو أعلى وأغلب - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 برائى ممّا ظنّ إنّى اقترفته ... وهل يغمر الإحسان حرّا فيذنب فقلت كما قال المقدّم قوله ... لننقم والأمثال تجرى وتضرب «أتانى أبيت الّلعن انّك لمتنى ... وتلك التّى أهتمّ منها وأنصب فإن أك مظلوما فغبد ظلمته ... وإن تك ذا عتب فمثلك يعتب» وقررت أنا والعروضى فى نفس الراضى عند وصول هذه الأبيات أن ابن رايق ليس بالصافى النية لابن حمدون، وعرفناه سبب ذلك فرضى وقال: «قولوا له يسأل ابن رايق أن يكلمنى فى أمره أو يكاتبنى فإنه يقبح أن أرضى عنه بغير مسئلته بعد أن كلمنى فى ذلك فأبيت عليه» فكاتبه ابن رايق فأجابه وعاد إلى أمره. وظن الراضى أن ابن رايق قد اتهمه بتغير، له فدعاه إلى الزبيدية فأكل بين يديه مع ابنيه على مائدة كانت عن يمنة الراضى، وأكلنا نحن على مائدة أخرى، عن يساره وجعل يبره بالشىء يرفع من بين يديه. ثم جالسه على النبيذ ومد له بشارته حتى سمع وشرب. وخلع عليه وقت الظهر خلعة وشىء مثقلة بالذهب ومعممة كذلك، فجلس فيها ساعة. ثم خلع عليه عند العصر وقت انصرافه خلعة أخرى انصرف فيها بعد أن شرب نبيذا كثيرا. واستكتب بجكم بواسط على بن خلف فى جمادى الأولى. وزاد أمر البربهارى وأصحابه، فكتب اليه ابن رايق رقعة يحذره فيها وينذره فأظهر القبول وتضمن ترك المعاودة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 ورد رسول ملك الروم مع الوزير وقت خروجه بهدايا، وأجيب إلى الفداء وأمر الوزير أن يتم أمره من مال الشام، وحضر الناس الفداء وأخرج الراضى خادمه راغبا لحضور ذلك وتحرك بعض عيارى المخرم فى أمر السعر، وكلم بقال فى سوق الثلاثاء بعض أصحاب ابن رايق فى شئ تجاذبا له فغضب ابن رايق من ذلك وأمر أصحابه فأحرقوا حوانيت كثيرة فى سوق الثلاثاء إلى ناحية المخرم، وفعل فعلا استقبحه الناس وكرهه الراضى وحقده عليه، وكان هذا فى شعبان. وصودر شفيع المقتدرى على أربعة آلاف دينار مصادرة ثانية. وتوفى أبو القاسم الحسن بن روح النوبختى يوم الأربعاء لاثنتى عشرة ليلة بقيت من شعبان. وكان الراضى ربما ذكره بأن الإمامية يحملون إليه الأموال، فنرد عنه ونكذب، فيقول لنا: وما فى هذا؟ والله لوددت أن مثله ألفا تحمل الإمامية أموالها إليه فيفقرهم الله ولا أكره غنى هؤلاء من أموالهم. ومات رجل يعرف بالطبرى بدار كعب وخلف مالا عظيما، وكان له أخ بطبرستان وابن أخ ببغداد فوجه ابن رايق فحمل من داره وحوانيته مالا ومتاعا كثيرا. فتكلم الناس فى ذلك، ودخل العروضى وهو يلى المواريث ولاه الراضى إياها. وكان مرضيا ثقة فيها فعرفه أمر الرجل فأنكر الراضى ما فعله ابن رايق وأنفذ إليه بما أقلقه فأمره برد جميع ما أخذ إلى موضعه. وظفر بالدلا فحبس فى دار ابن رايق ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 أفلت وظفر به بعد مدة وقتل. وتحدث الناس فى شوال بأن رقعة ابن مقلة جاءت إلى الراضى يتضمن فيها ابن رايق وابنى مقاتل بألفى ألف دينار، وأنه يقبض عليهم بحيلة قريبة إذا امر بغير كلفة، فوجه إليه الراضى: مثل هذا الأمر العظيم، والوقوف على ما يدبر فيه لا يجىء بالرقاع فصر إلى حتى تعرفنى الوجه فيه، ويتفق الرأى على ما يعمل به. فصار إلى ذكى الحاجب ليلا سرا فأعلم الراضى بأمره، فأمر الراضى بحبسه، وفى نفسه عليه أمر ابن المنتصر، وأنه الذى ريضه للخلافة. وكتب الخصيبى من وقته رقعة إلى ابن رايق يعلمه أن ابن مقلة عند الراضى، وأنه قد تضمن به وبان مقاتل وأنه يستوزره، فركب ابن رايق مع قواده وجيشه إلى الدار، وقال: لا أبرح إلا بتسليم ابن مقلة إلى. فأخرج فقطعت يده اليمنى، وانصرف ورد إلى محبسه بعد أن ناشده الله ألا يفعل ذلك، وأن ينفيه إلى حيث رأى فأبى إلا الفعل القبيح، الذى لم يأت أحد مثله. ونودى فى جانبى بغداد بأن السلطان قد رضى عن بنى البريدى وأسبابهم وأطلق ابن رايق لبناء دورهم. وبلغ ابن رايق أن بجكم يصعد إلى بغداد لطلب أرزاق أصحابه وكان قدم قبله الترجمان فى المطالبة بالمال، فلم يرجع بما أحب فخرج مصاعدا. فخرق ابن رايق نهر ديالى، وفعل أفعالا كانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 سببا لبثق النهروان الذى خربت به الدنيا، وافتقر الناس وغلت الأسعار إلى وقتنا هذا، وصار إلى الدار فضرب خيمة فى الحلبة وأسكنها قواده. ووافى بحكم نهر ديالى «1» يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من ذى القعدة. وحاربه ابن رايق فاحتال بجكم إلى أن عبّر بعض أصحابه، وانهزم ابن رايق وأصحابه وجاء إلى السلطان ليدخل اليه فغلقت الأبواب دونه. فصار إلى داره فحمل ما قدر عليه وخرج ومعه بدر الخرشنى، وصاح الناس: هذا عقاب من الله لك، لاستكتابك الكوفى وتسليطك إياه على الناس. وكان قد استكتبه، وعزل به الحسين بن على بن العباس النوبختى بعد أن بلغه المنزلة التى بلغها برأيه وتدبيره وهو الذى احتال على الساجية ودبر أمر الحجرية فصار ابن رايق إلى أوانا ثم خفى أثره. وكاتب السلطان بدرا الخرشنى فرجع. واستتر الكوفى وابنا مقاتل ببغداد. ووصل بجكم إلى الراضى يوم الثلاثاء وخلع عليه يوم الخميس سبع خلع وقال له: قد جعلتك أميرا وعقد له لواء له فقال: يا مولاى ما أريد إلا أن تزاح علتى فى أرزاق أصحابى وقت استحقاقهم، ونزل فى دار مؤنس. وأخذ لابن رايق ابن صغير فجر به إلى بجكم فبكى حين رآه وأجرى عليه جراية واسعة، ونودى إن من دل على الكوفى وابنى مقاتل فله عشرة آلاف درهم، ومن وجد واحد منهم عنده فقد حل دمه وماله. وعقد لبجكم على المشرق وأشير على الراصى أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 يضم إلى حاجبه جيشا من جيش الحضرة وقوادهم، وأن يفرد مالهم عن مال أصحاب بجكم وأن يوجهوا بكتاب الجيش ليحصوا أصحاب بجكم، ويحصلوا مبلغ مالهم ويعرفوا الراضى حتى يثبته عنده ولا يزيد أحد فيه شيئا إلا بأذن منه فما قبل الراضى ذلك إلا فى أمر حاجبه ولا فى جيش بجكم، فما مضّى لبجكم شهران «1» حتى زاد أصحابه وزاد فيهم من أثبت بعشرين ألف دينار فى السنة وأكثر، وجرى امره على ذاك إلى أن قتل. وكان هذا مما عتب على الراضى إغفاله وظفر بالكوفى فحمل إلى الدار، حمله غلام لذكى الحاجب يقال له خير، فرجمته العامة وأرادوا قتله فدفع خير عنه، وقال: تذهبون بمال السلطان فوصل به إلى الدار بعد تعب شديد، وصودر على مال وشملته عناية ابن سنكلا. وما رأيت أحدا قط ملك من حسن رأى صاحبه ما ملكه ابن سنكلا من الراضى وقد علم الله عز وجل أنى ما قصرت فى تقريظ الكوفى عند الراضى وتعريفه كفايته وأمانته، وأنه بخلاف ما عليه العمال من التصون والاجتزاء بالقليل، مما رأيته فى ولايته، بعد أن كان محسنا إلى معنيا بى، عرف لى ذلك على طول الجوار وقديم المودة. وأخذ بجكم من مضحك كان لابن رايق يعرف بأبى الخير خمسة عشر ألف دينار. ووصل أصحاب البريديين إلى واسط، وقرب القرامطة منهم على وفاق وأمر عقدوه بينهم، ومات أبو طالب الكاتب وكان محدثا يروى عن أبى موسى الراضى، وأحمد بن يحيى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 السوسى، وتوفى يوم الجمعة للنصف من ذى الحجة ومولده سنة سبع وثلاثين ومائتين. ووجدت أم ابن رايق فصودرت على عشرة آلاف دينار. وكان ابن القشورى احمد بواسط حين زال عنها إقبال فورد كتابه يزعم أن البريديين يريدون واسط فوجه اليه بأنى نصر الترجمان فى جماعة. ووجد يهودى مع مسلمة وكان غلاما لجهبذ يهودى لابن خلف فضربه صاحب الشرطة بحضرة اليهودى فى يوم جمعة، فافتتن البلد لذلك وكان الأمر قبيحا سنة سبع وعشرين وثلاثمائة خرج الراضى بالله فى سحر يوم الثلاثاء لثلاث خلون من المحرم يريد سر من رأى ليشخص منها إلى الموصل لمحاربة الحسن بن عبد الله وخرج بجكم فى هذا اليوم وخرجنا مع الراضى فكان بجكم ينزل بين يديه بقليل وتعبث أهل عسكره بالناس وتأذى الراضى بذلك، وكان قبل خروجه يذكر أمره ونهوضه ويقول: لا بدلى منه. فنشير عليه ألا يفعل ذاك، وكان ممن يوافقنى على الرأى فى تركه الخروج عمر بن محمد القاضى فلم يلتفت إلى قول أحد ولا أظهر ما أراده وما عزم عليه. وأمر الراضى أن يكون عبد الله بن على البغوى خليفة الوزير الفضل بن جعفر خارجا معه وأن يكون عبيد الله بن محمد الكلوذانى خليفة الوزير على الأعمال والأموال مقيما ببغداد. وأخرج أحمد بن على الكوفى إلى تربة أم المقتدر ليؤدى ما فورق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 عليه. وكرهت العامة خروج السلطان إلى الموصل لمحبتهم للحسن بن عبد الله وعنايته بانفاذ الدقيق إليهم ولبره بالأشراف وما يتصدق على الضعفى بسر من رأى وبغداد، ولكفاية أخيه على الناس أمر الثغور والغزو، وعنايته بغزو الصايفة وغيرها. وخرج القاضى عمر بن محمد مع الراضى واستخلف ابنه يوسف ابن عمر على بغداد مكانه. فركب إلى جامع الشرقى فقضى وقرأ السجلات وركب معه جميع العدول وحضر محمد بن بدر الشرابى صاحب الشرطة مجلسه ونثر عليه دراهم ودنانير فى غير موضع، فوصل الراضى إلى سر من رأى وأنفق فى أصحاب بجكم نفائس منيفة كان أعدها لنفسه ولهوه، وظن الناس أنه سيقيم بسر من رأى وينفذ بحكم إلى الموصل فان احتاج إليه لحق به وإلا أقام بمكانه، وجعل كل من يصل إليه يشير عليه بذلك. وورد عليه الخبر بتحرك أمر ابن رايق وأنه يكاتب الناس للوثوب ببغداد فظننا مع ذلك أنه لا يبرح وانطلقت الألسن لأجل ذلك بالمشورة عليه ألا يبرح من سر من رأى وكان أشد الناس كراهة لخروجه ورحيله القاضى عمر بن محمد وذكى الحاجب، فكنا نجتمع على ما نقوله. وورد كتب الحسن بن عبد الله وإلى الراضى وإلى بجكم يتضمن لهما أكثر مما ظن أنه يبذله له وكتبه بذلك متصلة إلى القاضى وهو يتولى إيصالها عنه وينفذ الجواب، وكان يقرئنى كل شىء يرد فأقام الراضى أياما بسر من رأى وطمعنه فى رجوعه، واتفقت مع القاضى على أن يكلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 الراضى كل واحد منا إذا خلا به ورأى وجها للكلام، فوصلت إليه بسر من رأى يوما وحدى قبل أن يحضر أهل نوبتى فقلت يا أمير المؤمنين إن العبد المتفق لا يملك كتمان ما بقلبه لمولاه، ولا يدخره النصح. وما على المولى شىء من أن يسمع قول عبده، فان كان صوابا أمضاه، وإن كان خطأ جعله بمنزلة ما لم يسمعه. فضحك وقال: هات ما عندك، فقلت: إن الناس يتحدثون بأن العسكر الذى قد رحلت لتزيله أشبه بعساكر الاسلام من العسكر الذى تقصده به من قوم لا يرون طاعتك، وأشبه بعساكر آبائك. وقد تحدثوا بأن الحسن قد بذل أكثر مما أريد منه فان رأى سيدنا أن يقبل هذا ويرجع إلى دار ملكه ويزول ما يخافه من وثوب ابن رايق فانه غير مأمون. - وكان الراضى قد أمر بأن ينادى على ابن رايق، ويطلب فكبست مواضع كثيرة- ومع هذا فان الحسن بن عبد الله قد نظر إلى أقرب الناس من قلبك وهو قاضيك فجعله السفير له، والضامن عنه وإنه يلقاه فيتصرف بجميع ما يريده. وهاهنا أيضا أمر آخر، قال: وما هو؟ قلت: إذا يئس الحسن من قبول سيدنا لما بذل لم نأمن أن يصرف أمره إلى غيره، ويلقى نفسه عليه ويتقرب اليه، ويحظيه ببعض ما بذله، فيجعله صنيعة له ومادة لدهره وعدة لجدته ويكلم من يلقى نفسه عليه سيدنا فى أمره ويسأله له ما يريده فيقبل قوله ويهب له أمره، فيحظى بما أردنا أن نحظى به- أعرض ببجكم- فما رأيته أطال الفكر عند شئ سمعه أكثر مما أطاله بعقب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 قولى هذا، وذكى واقف وحده يسمع بعض ما يجرى. ثم قلت: أما النثر فقد قضيت الحق فيه، وقد نظمت قصيدة إن أذن سيدنا أنشدته إياها، وهى فى هذا المعنى فقال هات فأنشدته- وكان يقول إنى سأسكن سرمن رأى وأترك بغداد، وجعل يصور بيده ما يكتبه- فذكرت أيضا مدح بغداد وأنشدته. متيّم متلفه تلدّده ... بان لبين الهوى تجلّده طال عليه مدى الصّدود فما ... يبصره من ضناه عوّده قد كتب الحبّ بالسّقام له ... نظّمه بمن أتى يفنّده أورده الحتف مارد غنج ... زاد على حسنه تمرّده يكاد من لينه ورقّته ... تحلّه لحظتى وتعقده قد ارتدت بالجمال جملته ... كما ارتدى بالنّدى محمّده خليفة أكملت فضائله ... ففرعه طيّب ومحتده تعبّد المجد فهو يملكه ... طارفه عنده ومتلده قد رضى الرّاضى الإله ... لإصلاح زمان سواه مفسده فهو بتفويضه الأمور إلى ... الله بحسن التّوفيق يعضده أما ترى ما كفاه من خطر ... غائره معجز ومنجده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 لا يبلغ الفكر كشف غمّته ... يعوم فى حيرة تردّده وهو عليه فى ذاك متّكل ... يشكر إحسانه ويحمده ولن يضيع الإله ملتجئا ... إليه فى الخطب بل مؤيّده يسلّ رأيا كالسّيف وقفته ... ويحتوى سيفه ويغمده تمسّكا فيه بالوفاء وما ... تقصر عمّا يريده يده كفاية الله تستطيف به ... تنحس أعداءه وتسعده أوحده الله فى فضائله ... فهو من بدء الكمال أوجده جرى على الصّنع والسّعادة ... واليمن له سيره ومقصده جيوشه حوله كما حدقت ... بالبدر بدر التّمام أسعده يسوسهم بالسّداد حاجبه ... وهو بآرائه يسدّده كأنّه منه ليس يبعد أن ... يشبه مولى فى العزّ أعبده لكنّه فايت بهمّته ... كما يفوت الهلال فرقده وأين من زاخر العباب صرى ... يحفى إذا جاش فيه مزبده أرى ذكيّا ذكت خواطره ... فلم يخن فهمه متلّده سيف على من عصاك متّقد ... تطفى به طغيانه وتغمده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 يا خير من لاذ ذو الرّجاء به ... وخير من بالنّوال يرفده ومن يفوت المنى تطوّله ... ويقتضيه الانجاز موعده أمواله نحونا موجّهة ... بنائل لا تحثّ ورّده يعلى لنا الحال والمحلّ به ... فلا سؤال له نردّده لو جاز أن يعبد العباد ... سوى الخالق كنّا للبرّ نعبده عبدك من قد عرفت نيّته ... لم ينتقص ساعة تودّده يسأل أن يستبين سيده ... الرّأى بفكر له يحدّده ومؤثر الحقن للدّماء فقد ... تاقت إليه للعيث شرّده مستيقنا نعمة المطيع له ... يحمل ما فى الضّمان يعقده يقبل فيه ضمان موعده ... فليس يخشى منه تزيّده إن قال قولا وفّى به عجلا ... يهديه للرّأى فيه أرشده فكلّ وقت له شريطته ... يصدر هذا ما ذاك يورده قد يسمح اليوم بالمراد ولا ... يشبهه فى سماحه غده فى كلّ صقع من البلاد لظى ... مسعّر والغواة توقده فان نجا بعضها بمقصده ... هدّ من البعض ما يشيّده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وكلّهم إن أقام فى يده ... خطامه صاغرا ومقوده يطلب هذا ما ذاك يطلبه ... بشافع عنده يؤكّده قد يستحيل الولىّ ذا عنت ... تقدح بالغشّ منه أزنده ويصبح المخلق الولاء له ... من طاعة ثابت تجدّده بغداد حصن الملوك تؤمنهم ... من كلّ باغ يخشى تورّده وأهلها فى الخطوب جيشهم ... بغير رزق للجيش ينقده فأين لا أين مثلها بلد ... بحافظ ملكه يؤكّده فلا ترد غيرها بها بلدا ... أسلم سير المغذّ أحمده والأمر من بعد ذا وذاك إلى ... معوّد للصّواب يوجده فانّه أعلم الملوك بما ... يفعل والله فيه يرشده فقال نعم أنظر فى هذا إن شاء الله. واستؤذن للقاضى فخرجت فلقيته وحدثته بما جرى وقال أنا أؤكد لهذا، فدخل فأطال ثم خرج فقال ما فى هذا الرجل حيلة استمع منى كما قلت فى نحو معناك فلما خرجت الساعة تقدم إلى ذكى بأن تقدم النوبة ليرحل نحو تكريت. ورحل من غد يومنا ذلك وصرنا فى مرحلتين إلى تكريت، فنزل دور بنى جابر النصرانى وأقام أياما، والأخبار واردة من بغداد بقوة أمر ابن رايق وكتب الحسن بن عبد الله متواترة بإزاحة العلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 فى جميع ما يراد منه. فحدثنا الراضى بالله أنه سمع الديالم فى المنزل الذى رحل منه إلى تكريت- وقد مرقوم منهم خلف مضربه فصاح بهم الخدم- يتكلمون بكلام قبيح، وقال أما لهؤلاء دين ولا عليهم طاعة وجرى ذكر ابن رايق وقوة أمره فغمزنى ذكى الحاجب فى كلامه وظننت أنه بما سمع من الديالمة قد فش عزمه، فقلت: يا أمير المؤمنين، بغداد دار المملكة ووطن الخلافة وفتقها لا يتلافى، فقال إنما كانت بغداد كذا حيث كان فى بيت المال بها عشرة آلاف ألف دينار فى أيام المعتضد وضعف لها فى أيام المكتفى، فأما ولا مال بها فهى كسائر البلدان، فقلت فيها ما هو أجل من المال، الأميران بلغ الله سيدنا ما يأمله فى نفسه وفيهما، وفيها حرم الخلافة وذخائرهن. وأعاننى العروضى بكلمة فصاح عليه فسكت، ثم أقبل على فقال يا هذا كم تنصحنى فى هذا الأمر وما استنصحتك، وتشير على وما استشرتك! فقلت خطأ والله من عبدك وفرط إشفاق، لا أعود لشىء من هذا أبدا. وقمت إلى ذكى فقلت له أو مأت إلى بالقول فنالنى ما رأيت، فقال لى ما بالصواب أن يعيد أحد فى هذا شيئا. وكانت نوبتنا هى النوبة التى تصل اليه ونأنس بها ويديم إعطاءها والاحسان اليها، ونوبة بنى المنجم مجفوة لا يصلون اليه إلا فى المدة البعيدة، فلما سار فى الماء يريد تكريت سرنا نحن على الظهر وطلبنا فلم يجدنا، وسار بنو المنجم فى الماء وتعرضوا له فجلسوا معه، فكايدنا بهم وساواهم بنا وقال: السفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 لا نوبة فيه لقوم دون قوم، وجعلوا إذا خلوا يشعثون حال من قدروا على ذكره منا عنده وهو يطلع بعض ذلك لنا، حضرنا وغابوا، يغرى بعضنا ببعض ووصلهم سرا ولم يصلنا، فأجمع أصحابنا على أن أعمل شعرا فى ذلك، فأوصلت اليه رقعة فيها- وكان أعطاهم خمسة دنانير لكل واحد فى كل دينار عشرة دنانير-: يا مذيقى غصّة الكمد ... مشعلا للنّار فى كبدى ألذنب كان هجرك لى ... أو دلال الغنج والغيد حين أزمعت الرّحيل ضحى ... أزمعت روحى عن الجسد ما أبالى ما يفوت إذا ... ظفرت بالوصل منك يدى قل لخير النّاس كلّهم ... لا أحاشى فيه من أحد الّذى يرضى الإله به ... مذهبا للغىّ بالرّشد حاسدى فى حسن فعلك بى ... غير معذول على الحسد قد دهتنى الآن داهية ... وسمها باق على الأبد أنت يا أعلى الملوك يدا ... عدتى فيها ومعتمدى نوبتى قد ذلّ جانبها ... بيع منها النّوم بالسّهد ضعّف لحرمان قوّتها ... بعد حسن الأيد والجلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 لا تطع فينا الوشاة فقد ... جعلونا ضحكة البلد حين فازوا دوننا بيد ... منك واستولوا على الأمد ورأيناها معاينة ... إنّ هذا منتهى الكمد بعد أن كنّا بفضلك فى ... طيب عيش دونهم رغد فأنلنا ما أنلتهم ... خمسة توفى على العدد أو فزدنا مثل عادتنا ... ليس غمر الجود كالثّمد عندنا من فعلهم ترة ... فأزلها اليوم بالقود لم تزل بالبذل تبدأنا ... فاجعلنها الآن دون غد وليكن إن شئت مكتتما ... إنّنا منهم على رصد وأزل نحسا برؤيتهم ... طالعا منهم بمفتقد وعليهم لا عليك بهم ... دابرات السّوء والنّكد فما عوضنا بشىء وأقام على كياده لنا، وأقام أياما بتكريت، ثم رحل منها يريد الموصل، فنزل منزلا على أربعة فراسخ. واستهل هلال صفر ودخل بجكم قبل ذلك إلى الموصل، ووافى الخبر بظهور ابن رايق يوم الأربعاء لليلتين أو لثلاث خلون من صفر وأنه دخل إلى بغداد كأنه لم يكن بها من ناحية باب قطربل ومعه ألف من القرامطة فيهم رافع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 كانوا فى عسكر الراضى، فاستحقوا فلم يعطوا وأبطىء فى أمرهم، وكان بجكم لا يحب كونهم مع الخليفة فى جملة حاجبه، فانصرفوا إلى بغداد فكانوا سبب ظهور ابن رايق، وتصد داره فلم يصل اليها فخرج إلى المصلى وكان مستترا فى دار كاتبه السرمن رآى «1» ونادى مناديه أنه قد زاد الفرسان اللاحقين به خمسة دنانير كل واحد منهم، وأنه يطلق لهم عاجلا رزقة كاملة ويزيد الرجالة دينارا دينارا ويطلق لهم نوبتين معجلتين ويكون ذلك بلا نقصان ولا مصارفة. ووافى جعفر بن ورقاء فنزل فى الحلبة فى دار الخليفة ونزل معه أحمد بن خاقان وضبط أحمد ابن بدر الشرابى البلد جهده وكانت اليه الشرطة، وأعطت أم الراضى مالا أنفق فى رجاله وفرسانه وقصد اصحاب ابن رايق دار بجكم على دجلة فمنع عنها أصحاب كان لهم فيها ثم انهزموا وخرجوا هاربين يريدون سرمن رأى وسلموا الدار فنهبت وأحرقت، وتحدث الناس بان ابن مقاتل حمل إلى ابن رايق مالا فأعطى الفرسان كل واحد منهم خمسة دنانير صلة وهى الزيادة وأعطى الرجالة دينارا دينارا، وجاء إلى دار السلطان فقوتل عنها وقتل من الفريقين جماعة وانصرف ابن رايق إلى المصلى واستأمن قوم من البجكمية فيهم يارخ وصيغون فأحسن اليهما وتبع أصحاب ابن رايق من كان فى دار بجكم ورئيسهم تكينك فأخذوا منهم دواب وتفرقوا، وجاء خبر محمد بن ينال الترجمان ومعه جماعة كانوا بواسط بأن يقصد بغداد فوافاها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 واجتمع مع ابن بدر الشرابى وحاربهم ابن رايق وأصابت ابن بدر ضربات وحمل إلى منزله وذلك لثمان ليال خلت من صفر فمات فى منزله بعد ثلاث. وملك ابن رايق بغداد، وظهر ابن مقاتل وحمل إلى ابن رايق مالا فأعطى القرامطة رزقة كاملة بزيادة خمسة دنانير لكل واحد منهم ودخل إلى داره المعروفة بدار مؤنس فأقام فيها ووجه إلى دار الخليفة وإلى أم الراضى فسكن منهم، وقال لهم كونوا على أمركم، ونهبت دار على بن خلف بن طياب فى الجانب الغربى بقرب الجسر ودار أخ له وأخذ منها مال ومتاع ووجد لبجكم مال فأخذ وانحاز ابن ورقاء وقصد الموصل بعد أن قاتل أشد قتال وما أبلى أحد بلاءه وبلاء ابن بدر الشرابى ونادى ابن رايق بأمان البجكمية وولى شرطة بغداد ابن يزداد قائدا من قواده. وفرض قوما من العيارين فأعطاهم دينارا دينارا وجاءه ساجية وحجرية فقبلهم ووعدهم ما أحبوا، ووجه إلى أبى القاسم الكلوذانى فأخذ منه مالا كان قد جمعه للسلطان وملك العيارون البلد. وكتب لابن رايق فى هذه الحال أبو غالب كاتب صافى الخازن وعلى جيشه ابن القلانسى. وطلب أبا العباس الاصبهانى فاستتر وكان ابنه ظاهرا بين يدى ابن رايق، وخلع على صيغون ويارج وركبا فى شارع الجانب الشرقى حتى رآهم الناس وبين أيديهم بدور دراهم على أكتاف الرجال. ووجه إلى دار السلطان فأخذ ما وجد من الخزاين. ووصل محمد بن ينال الترجمان إلى النهروان ومعه أحمد بن نصر القشورى وسياتنكول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 وابراهيم بن خلف بن طياب وعبد الله الشيرازى ومؤنس غلام هنكر فى خلق عظيم فتوجه اليهم ابن رايق فواقعهم يوم السبت لأحدى عشرة ليلة بقيت من صفر ثم حجز الليل بينهم وحاربهم يوم الأثنين لتسع بقين منه، فظفر بهم وغنم هو وأصحابه غنيمة عظيمة من الدواب والحلى والمال والأمتعة وكان ابن رايق قد رأى كثرتهم فزال طمعه فى مقاومتهم فدس اليهم جماعة من القرامطة وواطأهم على أن يستأمنوا اليهم فأذا واقعهم صيحوا بهم من عسكرهم فكان هذا سبب الهزيمة وقتل سياتنكول وأصابت أحمد بن القشورى ضربة فى وجهه وجىء به أسيرا إلى ابن رايق فمن عليه. وأسر مؤنس الهنكرى فهجنه ابن رايق وشتمه فعدا عليه بعض القرامطة فقتله وهرب الترجمان فلم يعرف له خبر حتى وافى الموصل على حالة قبيحة وكان بجكم يظن أنه قتل فوجه إليه بما لبس وبدواب حتى دخل الموصل، ونادى ابن رايق بعد الوقعة ببراءة الذمة ممن آوى الترجمان، أو ابن خلف بن طياب أو عبد الله الشيرازى. ودخل البريدى إلى واسط فى هذا الوقت، وعظم أمر العيارين ببغداد وأخذوا ثياب الناس من المساجد والطرقات إلى أن ركب ابن يزداد وأخذ جماعة منهم فضربهم بالسياط. ووجد لبجكم عشر بدر دنانير فى درب الزعفران فأخذت ووافى فاتك صاحب ابن رايق فى جيش فدخل من باب الأنبار فى تعبئة حسنة، وذلك فى يوم الخميس لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، ودخل معه لؤلؤ غلام المتهشم، وعلى أعلامه لؤلؤ الرائقى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 ولما ظفر ابن رايق وجاءه فاتك وصار إليه مال بجكم الذى ذكرناه أفكر فى الأموال العظام وكاتب فى أمر الخلافة جماعة، ووجه إلى الحسن والحسين ابنى الفضل بن المأمون فأخذهما إلى داره وقدر مال البيعة فاذا هو على التقليل ثمانمائة ألف دينار فقال له ابن مقاتل: نحن لا نملك عدد هذه دراهم، فكيف نحتالها دنانير افرد ابنى المأمون إلى منازلهما وأضرب عن هذا الرأى. ووجه محمد بن يحيى بن شيرزاد إلى الموصل فى أشياء أرادها فوصل إلى الراضى بالله وإلى بجكم ووجه الراضى بالله القاضى عمر بن محمد برسالة إلى ابن رايق ولزمه وكان يخلو به وبابن مقاتل، وربما حضر ابن سنكلا وألزم ابن مقاتل الأمر وقال إن السلطان يعلم أن هذا يتصرف برأيك ومتى أعنتنى على أمر الصلح وقع لك ذلك أجمل موقع، فاتفق الرأى على خروج ابن رايق إلى الشام واليا عليها. فاقتصر على من أراد من أصحابه وأخرج مضربه، وكل من استغنى عنه ابن رايق لحق بالبريدى مثل جنى الحمدانى وجماعة قواد وفرسان وخرج ابن رايق عن بغداد يوم الأحد لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر، وركب بشرى الأثرم غلام الراضى بالله، وكان أنفذه الراضى معه لشرطة بغداد إذا رحل ابن رايق عنها، فنادى فى الذعار وأخذ جماعة من العيارين وطاف فى الجانبين فسكن البلد بعد افتتان عظيم وأظهر القاضى كتابا ورد عليه من السلطان وأمر بأن يقرأه عدوله فى مجالسهم بأن السلطان لم يؤاخذ أحدا من أهل بغداد بشىء مما جرى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وأنه إذا ورد أحسن إليهم كل الإحسان ولم يطلق يد بجكم عليهم وأمر أن لا يتبع أحد ولا يعنت فسكن الناس إلى ذلك وسروا به (رجعنا إلى أمر الراضى بالله ورحيله، من تكريت ونزوله على أربعة فراسخ) ووافى الخبر بظهور ابن رايق وقصده الدار، وكان الراضى فى طيار وقد طلبنا وما وصلنا إليه بعد ورود هذا الخبر، فجاء القاضى وابتدأ يكلمه ويشير عليه بالتوقف والنظر فى الرجوع فأسبل غشاء الطيار بينه وبينه، وأمره بالأنصراف، فانصرف. ودعا بذكى حاجبه وقال: أنا أعبر إلى الجانب الغربى الساعة فاعبر بدوابى ودوابك ومن تبعك من الغلمان فانى أركب البرحتى ألحق بالموصل، وليسر الناس فى الماء ويكون الذى يسير بهم ويحفظهم سعيد بن حفيف السمرقندى ويشاور القاضى فى جميع ما يفعله وعبر من وقته وعبر ذكى وجماعة من الغلمان والفرسان، فحدثنا هو لما وصلنا إليه إلى الموصل أنهم كانوا كلهم نحو خمسين ومائة وأن الهيبة حرسته بعد حفظ الله من أن يتخطف وأنه جاع فى الطريق ولم يجد ما يأكل وأن خيرا غلام ذكى الحاجب كان ربما طبخ له القدر والقدرين فيأكلها إلى أن وافى الموصل فى أربعة أيام وقد ماتث الدواب وهلك أكثر من كان معه، فنزل دار الحسن ابن عبد الله، وسار سعيد بن حفيف بالناس وحفظهم أحسن حفظ، على أنه ليس معه أحد ولا له معين، وكان بنفسه وغلمانه وغلمان من معه فى الزواريق بمنع الاعراب والزواقيل ويحرس الناس بنفسه ولا ينام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 الليل، ويأمر بأيقاد النار وضرب الدبادب إلى أن يصبح. وكنا نسير فى سفننا لصعوبة الطريق الفرسخين فى اليوم وأقل وأكثر، وكنت أنا مع ابن حمدون فى زورق وكان معه طيار ومعى سميرية بأربعة مجاذيف فغلط أصحاب السميريات ليلا، فربطوا على بعد من العسكر وكبسهم القياقنة وأخذوا جميع ما كان فى السميريات ولم يبق لى شىء كان فى سميريتى إلا ذهب، ثم دخل بعد ذلك الماء إلى زورقنا حتى كاد يغوص وسقطنا إلى الماء، فمن الله علينا بأن رجالة كانوا معنا فى الزورق وحملونى وحملوا ابن حمدون حتى صرنا إلى الشط وانتظرنا الطيار حتى جاءوا به وأخذ ما فى الزورق ومد إلى الشط حتى أصلح وكان قد انتقب فى عدة مواضع. ووافى راغب خادم الراضى بالله من الثغر، وكان قد شهد الفداء إلى الموصل فوجه به الراضى فلقينا بين الحديثة والسن فسلمنا عليه وكانت معه دواب فحمل القاضى عليها لأن الراضى أمره بذلك وأراد أن يتقدم وصوله وتبعه من كان له مركوب، وبقينا نحن أياما كثيرة إلى أن وصلنا إلى الموصل، ودخلنا إلى الراضى بعد عشرين يوما من مفارقتنا إياه وكان فى نفسى ما قاله الراضى حين أنشدته قصيدتى الضادية وقت جلوسه: هذه حمتك رميت بها. وأردت أن أعمل قصيدة أشكو فيها غرقنا وما نالنا فقلت والله لأجعلنها ضادية ليعلم أن تلك لم تكن حمتى، وأنه قد بقيت لى قصيدة وأنا فى الزورق مع ابن حمدون، نحو تلك القصيدة فى الطول وهى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 أبغضته من بعد ما بذل الرّضا؟ ... هذا تجنّ من حبيب يرتضى لا تجزعن للبعد توعده غدا ... فالله يصرفه بما فيه قضا ظلم الحبيب فأظلم البيت الّذى ... أمّت مطاياه به ذات الأضا قد قال بشّار وكان مسدّدا ... يحوى المعانى إن رمى أو أنبضا قد ذقت ألفته وذقت فراقه ... فوجدت ذا عسلا وذا جمر الغضا خذ من زمانك ما صفا لك قلّما ... يغنيك غمّك بالتّكدّر إذ مضا واصبر على غرق بنعمى نلتها ... إنّ الزّمان لمقتض ما أقرضا فهويت فى لجّ علاك عبابه ... لا بدّ أن تلقى الّذى لك قيّضا إن قمت فيه لم تطله لغزره ... ورأيت تحت الرّجل منه مدحضا وتسرّعت منه اليك حجارة ... تذر الصّحيح من العظام مرضّضا وكساك من يده ولم تستكسه ... عشرا يؤلّفه المدود وعرمضا نجّاك من نجّا بلطف يونسا ... منه وكان لقبض روحك معرضا هذا وقد ثلم الزّواقل جانبى ... فأفضت دمعا عند ذاك مغيّضا أبكى كساء كان أوثق عدّتى ... إن أخصر البرد العظام ونقضّا ومخدّة قد كان يألف لينها ... خدّى فأضحى الجسم منها ممرضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 ونفيس فرش كالرّياض نقوشه ... ما كان من دون الرّياش مرحّضا ومجمّعا قد كنت أجمع آلة ... فيه وكان من البلاء مفضّضا والصّفر أبكى كالنّضار وشمعة ... زانت يد الماشى بها والمقبضا صرّحت بالشّكوى إليك تأنّسا ... بندى يديك إذا غريب عرّضا فلأنت أعلى فى الملوك محلّة ... وأجلّ من راش العبيد وأنهضا من بعد ما غال المشيب شبيبتى ... ونضا لباس تجمّلى فيما نضا وأحارنى مرضا وأوهن قوّتى ... فغدوت منه وقد صححت ممرّضا وإذا دنت سبعون من متأمّل ... دانى ولم يرفى اللّذاذة مركضا وجفاه نوم كان يألف جفنه ... قدما وأضحى للحتوف معرّضا وإذا بلغت إلى الامام مسلّما ... ورأيته زال التّخوّف وانقضى ونسيت روعات لارجاف فشا ... ما زلت للاشفاق فيه مرمضا ذادت موارده الكرى عن مقلتى ... وأبى علىّ حذاره أن أغمضا فعلىّ نذر إن رأيتك سالما ... صوم وعتق عاجل لا يقتضى بمحمّد رضى الاله خليفة ... فى الأرض فهو بذاك راض مرتضى جاءته طوعا لم يسيّر لفظه ... فيها ولا أضحى لها متعرّضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 فهو الحقيق بها المعان بقوّة ... فيها بحكم فاصل لن يدحضا ألله أقبل لى بوجه نواله ... فرفضت وجه الدّهر لمّا أعرضا بدر يضىء دجى الظّلام ولم يزل ... لسواد ما تجنى الخطوب مبيّضا بكر الزّمان فليس ينتج مثله ... أبدا ولا يلفى به متمخّضا عالى المحلّ بنى له آباؤه ... شرفا أبت أركانه أن ينقضا من شام عزّك ذلّ دون مناله ... أو رام ما رفّعت منه تخفّضا أحسنت حتّى ما نرى متسخّطا ... يشكو الزّمان ولا نرى لك مبغضا كم مبغض حطّت إليك ركابه ... نال الغنى عجلا فأغنى المبغضا بعلوّ فخرك فى المفاخر يعتلى ... وبنور هديك فى الدّيانة يستضا وجليل خطب هاب منك عزيمة ... فأتى إليك بما هويت مفوّضا ومضت بروق فى العراق فأخلبت ... ورأيت برقك صادقا إذ أومضا قزع أرذّ فما غذت أخلافه ... غرسا ولا هو بالجمائل روّضا وتداءبت بذوى الضّلالة هبوة ... أبقت لهم أسفا وخوفا ممرضا وسيكشف الهبوات ربّك نقمة ... تدع البناء من الضّلال مقوّضا سترى القيام به قعودا عاجلا ... فزعا ويرجع ساكنا من حرّضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 ويصحّ من غمراته من لم يزل ... فيما قضيت من الأمور ممرّضا ويعود ساع فى الجهالة عاثرا ... لا يستطيع من النّدامة منهضا ويرى غوىّ رشده فيشيم ما ... قد كان من نعم الضّلالة ربّضا ويفلّ غرب جموعهم لك حاسم ... من جيش رأيك كالسّهام المنتضى ويذيقهم جرع المنايا بجكم ... وكذاك عادة بجكم فيما مضى سيف الخلافة والمبير عدوّها ... بسديد عزم صائب إن أعرضا أنحى عليهم بالسّيوف فخلتهم ... لتناثر الأعضاء حصباء الفضا دلف الرّجال إليهم فكأنّما ... كانوا نساء حين دمّوا حيّضا فعفوت عن طلب لهم فتبسّطوا ... ثقة وكان نجاؤهم متقيّضا كيف التّورّط فى ظلام ضلالة ... والصّبح فى سبل الهداية قد أضا يا واحد الكرم الّذى نلقى به ... وجه الزّمان إذا تسوّد أبيضا خذها اليك قوافيا قد لبّست ... رقما أبى تحسينه أن يرفضا كانت مجمّعة الظّهور نوافرا ... فأتتك لينّة المقادة ريّضا لفظا أليفا للقلوب محبّبا ... لم يلف وقرا فى المسامع مبغضا من شعر مقصور المدى متكلّف ... إن رام نهجا فى طريق أدحضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وكأنّه ثقلا فراق أحبّة ... نادى به داعى الشّتات وحضّضا بل مرسلا طبعا فسيحا ذرعه ... قد شفّ ذا الباع القصير وأرمضا وإذا أمال اليه سمعا صاعدت ... أنفاسه أسفا عليه وأبغضا أحذاكه من لا يزال ضميره ... عمّا كرهت من المذاهب معرضا أفنى الزّمان بخدمة لك آملا ... ما نلته فأنله غايات الرّضا ومدائح سبقت اليك بأسرها ... يأتيك قائلها بها متعرّضا ما شرّفته خدمة لك قبلها ... حتّى ملكت فدسّهنّ معّرّضا وأصاب مرعى فى فنائك ممرعا ... فأخلّ فيه بالحظوظ وأحمضا إذ سيف عزمك كامن فى جفنه ... أرجو انتضاك له ولمّا ينتضى هذى سوابق لا يمتّ بمثلها ... من قد أتى خلف السّكيت مركضا فأفد وعوّض ماد حالك راجيا ... فلأنت أكرم من أقال وعوّضا فلما أنشدته إياها قال: صدقت يا صولى قد بقيت لك حمات، وهذه الضادية أفحل كلاما من تلك، وتلك أنعم لفظا وكلتاهما فى نهاية الجودة فقلت أنا والله يعلم سيدنا بالشعر أحترس إذا مدحته! فضحك. وأقمنا أياما بالموصل وبجكم قد كان واقع الحسن بن عبد الله فهزمه ثم رجع بجكم إلى الموضع ووقع بين أصحابه وبين أهل الموصل حرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 فقتل جماعة من التجار ونهبوا، فكان من بجكم وأصحابه أمر قبيح عظيم حتى وجه اليه الراضى فى ذلك فأمر أصحابه أن يكفوا، وطولب على بن خلف بن طياب بالأموال الذى ضمنها فما قدر إلا على الشىء اليسير الوتح فوجه إلى قرى بعيدة فيحمل حنطة وشعيرا ويعز عليه من يشتريه. وكان الطالقانى صاحب بجكم، ويكنى أبا حامد فى يد الحسن بن عبد الله فأطلقه وفارقه [على] أن يصلح الأمر بينه وبين بجكم ففعل ذلك وكان بينهم ما غمض على الراضى فلم يعلم حقيقته، وكلم بجكم الراضى فى الحسن بن عبد الله أن يقبل الضريبة التى عليه ويرحل الى بغداد، فقال له إنى قد اتفقت مذ غرمت على الحركة الى وقتى هذا مائة ألف دينار. وأخذ ابن رايق مثلها من بغداد فلم يزل يسأله إلى أن أجابه. وكان الراضى بالله وصل الجلساء ولم يصلنى، لما فى قلبه على من تكلفى المشورة. وعزم على الرحيل فمنعته الإضاقة، ثم فورق على مال يسير قدروه لنفقته الى بغداد، على أنه يجئ من عند الحسن بن عبد الله، فرحل عن الموصل وأقام على نحو فرسخين منها ينتظر المال، واستبان الصواب فيما كان أشير عليه به وضاق بمقامه ذرعا. وكان فى حراقة يدخل اليه فيها. فأمر راغبا الخادم أن يدخلنى اليه مفردا قبل وقت مجىء الجلساء، فأوصلنى اليه فقال لى: كأنى بك، وقد قلت فى نفسك إنى خطوت الرأى، وتركت الصواب. فقلت والله ما دار لى هذا بفكر، ولقد شغلنى الغم عن ذلك حتى أرى سيدنا فى دار ملكه مداوما لسروره على عادته، فقال أما كنت حدثتنى أن يحيى بن خالد البرمكى، قال لا أحمد نفسى على رأى ابتدأته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 بخطأ فآل إلى صواب، لأنى بالخطأ ابتدأته ولا علم لى بمآله. وكذلك لا أذمها على رأى ابتدأته بصواب فآل إلى خطأ فأنا كذلك ابتدأت أمرى بصواب ولا أعلم المغيب. فقلت يوفق الله أمير المؤمنين ويعوضه ويبقيه، فقال الراغب ادفع الى الصولى ما كان قبضه أصحابه ولم يقبضه، وزده مائة دينار، فأعطانى ألف درهم ومائتى دينار. وكان قبل أن يرحل من الموصل طلبنى وقت الظهر فدخلت اليه، وكان قيد على كتاب بما كان من أمر ابن رايق مع ابنى المأمون وكتب إلى ذكى كتاب مثله. ووردت كتب الناس بذلك. وكان الرجالة المصافية يطالبون بأرزاقهم فأخروا فغضبوا وصاحوا: قد مضى القرامطة ففازوا بابن رايق، ونمضى نحن فنأخذ بيعة ابن المأمون. إلى أن وجه الحاجب فردهم، وضمن لهم ما أرادوه فقال لى الراضى حين دخلت اليه: هناك يا صولى قد أجلس جارك ابن المأمون خليفة، وميل بين الاثنين فاختاروا الكبير، والله لأطمعن الطير لحمهما، وذكى الحاجب يسمع ذلك وخدم قيام فقلت لا أحيانى الله الى أن أرى مكان سيدنا غيره، وما أبعد هذا يا سيدى فى نفسى، أيصلح للخلافة من خاب سبعين سنة، ومع هذا فو الله ما يحسنان شيئا ولا يفهمانه فلما سمع قولى هذا ضحك منه، فلما ضحك انبسطت فى الكلام فقلت أعداء هؤلاء كثير والتشنيع عليهم عظيم، ولعل هذا شنعه أعداؤهم عليهم. فزمى إلى بفصل من كتاب قد ذكر ما قاله فيه. ودخل محمد بن حمدون ونحن فى ذاك فأعاد عليه القول فسلك فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 الكلام طريقتى، وما زلنا نكلمه حتى سكن. وخرجت فقال لى ذكى الحاجب أحسن الله جزاءك، هل ورد عليك كتاب بما قاله سيدنا؟ قلت نعم قال وقد ورد على مثله، فأعطانى كتابه ودفعت إليه كتابى فرمى بهما فى دجلة. وجاءت الدراهم التى وعد بها الراضى ففرقها ورحل نحو بغداد لا يلوى على شىء، حتى دخل بغداد لثمان خلون من شهر ربيع الآخر ولقى الناس شدة فى الطريق، وغرق خلق من أصحاب بجكم من باب يعرف بباب الهاشمى. وكان الناس يقولون: نالتهم عقوبة بطلبهم أهل الموصل. وكان دخول الخليفة فى الماء يوم السبت، حتى انتهى إلى داره ونزل بحكم دار مؤنس. وورد من الحسن بن عبد الله مال من مال المفارقة، حمل إلى خزانة بجكم. وكان فيما خاطبنى به الراضى فى حجته من خروجه أن قال نظرت فاذا الدنيا لا نفى برزق جند بجكم ومؤونتى، وأن هذه المستخلصة التى فى يدى احتاج أن أنمم منها مال أصحابه، فقلت نصير إلى الموصل وهى الناحية العامرة، وأكثرها ضياع آل حمدان فأقبضها كلها وانفرد بأولئك وأجعلها لبجكم وأصحابه وهى كفاية وفاضلة عنهم ويخلص لى مال ضياعى فأوسع على الناس منه وأعطى من حرمت، وأجعل فى بيت المال شيئا يرجع الناس اليه. فقلت له إن هذه الناحية إنما عمرت بعناية ابن حمدان بها، ونزولهم فيها، ولو قد صارت الى غيرهم لعادت خرابا كما عادت فارس بعد عمرو ابن الليث، وأصبهان ونواحيها بعد أبى دلف. ولما قدم الراضى بغداد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 أمر فنودى فى جانبيها ببراءة الذمة من جندى تعدى على عامى، وكذلك إن تعدى عامى على جندى فسكن الناس، وورد كتاب الحسن بن عبد الله على بجكم يخبره بأن ابن طياب كاتبه أخذ من الأموال بالموصل نحو ألف ألف دينار سرا وجهرا، فقبض بجكم على كاتبه على بن خلف وعلى أخيه واستكتب أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد وكانت لبجكم دعوة عظيمة دعى فيها القواد، وأو قد فيها نيرانا عظيمة فى يوم السبت لأيام بقين من شهر ربيع الآخر، وذلك فى الصحراء التى أسفل النجمى على دكة كان بناها هناك وميدان أصلحه، قطع فيه نخل الناس وأخذ أملاكهم وذلك وقت كان الفرس يصنعون فيه مثل هذا لدخول بهمن ماه وهو ذهاب الشتاء. وخلع على ذكى الحاجب وعلى ابن ورقاء وعلى ابن جعفر الخياط وابن خاقان، ووصلهم وفعل بأصحابه مثل ذلك، وأنفق فيها مالا عظيما وتكلم بجكم فى أمر محمد بن القاسم الكرخى فظهر. وقطع أبو جعفر بن شيرزاد أمر بنى طياب على ألف ألف درهم. وقبض بجكم على لؤلؤ وكاتبه ابن سمعون وابن أعجى خليفته، كان على الشرطة، وقال له أتدخل بغداد بأعلام عليها لؤلؤ الرايقى؟ واتخذ بجكم دار ابن رايق ميدانا يقصده فى كل جمعة وثلاثاء. وسفروا فى الصلح مع بنى البريدى على أن ابن شيرزاد يسفر فيه فقدم كاتبه طازاذ الى واسط. وضبط بشرى الأثرم الشرطة ضبطا حسنا، وماتت أم موسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 الهاشمية فى شهر ربيع الأول ومات جماعة من المحدثين منهم الأدمى المقرىء بحرف حمزة فى جامع المدينة وكان زاهدا. ومنهم على بن العباس الهروى ثم كثر عبث العامة وكبسوا الحمامات، وأخذوا ثياب الناس وكذلك صنعوا بقوم شيعوا جنازة وغلت الأسعار. وولى أبو الحسين بن ميمون أزمة الدواوين، وأطلق البازعجى فى غرة جمادى الأولى، ففورق عن مال يؤديه عن لؤلؤ ومات أبو محمد يزداذ بن محمد بن يزداد الكاتب- وكان قد حدث عن أبى سعيد الاشج والزبير بن بكار- يوم النصف من جمادى الأولى. وقبض الراضى على عبد الصمد بن المكتفى، وحمله الى داره واتهمه بمكاتبة ابن رايق فى البيعة له وقت ظهوره ببغداد. واتصل النداء برضاء السلطان عن البريديين، ووردت الكتب بموت الوزير أبى الفتح الفضل بن جعفر يوم الأحد، لثمان ليال خلون من جمادى الأولى، وأنه دفن فى دار له بالرملة، وخرج القاضى والترجمان الى بنى البريدى فى جمادى الآخرة، ووقع بين يدى الراضى إملاك لابى الحسن بن عبد الله بابنة لبجكم صغيرة، وأنفذ بجكم بعقب هذا هدية عظيمة الخطر فيها خمسون ثوبا من فاخر الفرش والديباج، ومثلها من الخز وعشرة مراكب على عشرة أفراس. وجاءت من الحسن هدية إلى بجكم تزيد على هذا، وعجل بجكم على رجل كان فى داره من وجوه قواده فقتله ليلا، ثم أصبح نادما مغموما وخبثت قلوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 أصحابه لذلك، وورد الخبر بأن البريديين دخلوا الأهواز بحرب الديلم وهزيمة لهم. وعاد القاضى والترجمان إلى بغداد، ونفذ راغب خادم الراضى بالخلع على أبى عبد الله البريدى للوزارة يوم الثلاثاء، لسبع خلون من رجب على أن يخلفه ببغداد أبو بكر النفرى، وكان الكتاب نفذ إلى ابن أبى الفتح الوزير بأن يدبر ما كان يدبره أبوه بعد اسم الوزراة. وورد الخبر بأن ابن رايق رجع الى الرقة فقبض على خزائن لابن حنزابة فوصل اليه منها ما قيمته خمسائة ألف دينار. وخلع على الترجمان، لعشر بقين من رجب لولاية الجبل، وخرج الى مضربه بصحراء ثلاثة أبواب وعقد له لواء. وسمعت راغبا الخادم يقول إن أبا عبد الله البريدى امتنع من الوزارة وقال: لو سست بعض دواب الخليفة لشرفت بذلك، فكيف بكتبته! ولكنى بعيد عنه، ولا يحسن لى أثر عنده، لغلبة من قد غلب على الأمر، وأخاف أن ينسبى إلى وأخاف أن ينسبنى إلى عجز وتقصير. فان أمنت هذا منه فأنا عبده يفعل بى ما شاء. فرجع إلى الراضى فأخبره بهذا من قوله. فرده اليه بأن يعذره. فلبس الخلع وركب فيها، ووصل راغبا ومن معه بمال عظيم. وقدم راغب فحدث الراضى بما جرى، وهو يدور فى داره ونحن معه، فأقبل الراضى علينا كالآنف من طرحه الوزارة على من يشترط فيها! فقال لنا- وتكلم بأحسن كلام وأصوبه فى معناه-: إن الوزارة قطعة من الخلافة، ووهنها وهن الخلافة، وكنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 استكتبت الفضل بن جعفر، وكان كاتبا من بيت كتبة، وكان نائبا عنى فحسن أثره عندى فى جميع ما فعله، ولم تنله مهنة من أصحاب بجكم تضع من الوزارة ومنه. فلما توفى نظرت إلى من بالحضرة فاذا هم من قد عرفت، وإن علقت هذا الاسم بواحد منهم لما مضى عليه أسبوع حتى يسأل مالا يقدر عليه، ويمتهن كل الإمتهان. فنظرت إلى أرفع من أعلمه فى الزمان ممن يسلم من هذا ويبعد عنه، فلم أجد غير ابن البريدى، فاستكتبته لهذه العلة، وليبقى اسم الوزارة على حال صيانة ورفعة فدعونا له وقلنا: والله يا سيدنا ما سمعنا كلاما أوضح بيانا، ولا أفلج حجة! وتتابعت هدايا الناس إلى الوزير ابن البريدى. ونالت بجكم علة صعبة، ووافت الأخبار بأن الديلمى وافى واسط، فنزل الجانب الشرقى، وأن البريديين عبروا إلى الجانب الغربى. وكتب يستنجد ببجكم، فخرج الراضى وبجكم على علته نحو واسط يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من شعبان ولم يخرج بجكم معه أحدا من الديالمة، خوفا من أن يستأمنوا. ورجع الترجمان إلى بغداد، وأقام الراضى بالزعفرانية، ولحق به بجكم وهو عليل. وتعرض الحنبلية لمن قصد الحى للنصف من شعبان، فنودى فيهم: أنهم متى عرضوا لهم عوقبوا أشد معاقبة، فكفوا. وكان ابن إسماعيل بن أحمد قد ولى شرطة بغداد قبل هذا الوقت بشهر وأيام، فركب ووقع بين الحنبلية والضرابين والنخاسين قتال فأعان على الحنبلية. ورجع السلطان إلى بغداد لليلتين بقيتا من شعبان، لما اتصل به أن الديلمى قد رجع إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 الأهواز. ورجع بجكم وابن شيرزاد إلى بغداد يوم السبت لثمان ليال خلون من شهر رمضان. ومات البخارى خليفة البربهارى فى شهر رمضان. وكبست منازل ولد أبى العباس بن الفرات، لسعاية غلام لهم بأن عندهم خزانة لابن رايق، وكذب، كانت خزائن لهم، فأخذ جميع ما ملكوه. وكبس ابن الصالحى وأخوه، لأنهما اتهما بالسعاية فى كتبة بجكم، فصودرا على مائة ألف درهم وضرب بجكم دنانير وحشة، وحمل عليها حملا كثيرا. وطلب ابن إسماعيل بن أحمد، صاحب شرطة بغداد البربهارى فاستتر. وقطع الاكراد على قافلة جاءت من خراسان فى النصف من شوال، فأخذوا منها مالا عظيما وورد ابن حاتم والحاج من خراسان، فمنعهم بجكم من الحج خوفا عليهم من القرامطة وكثر التخليط فى أمر النقد ودار الضرب. وكان الدلاء صاحب البربهارى قد فر من الحبس فى دار بجكم، فوجد وآل أمره إلى أن قتل. ومات أبو الوليد بن حمدان فى ذى القعدة. ثم احتال الحاج فى أن خرجوا فجاءهم ابن سنين، فوافقهم على أن يخفرهم وأخذ من جمل المتاع خمسة دنانير، ومن كل محمل ثلاثة دنانير، ومن كل زاملة دينارا. وقبض بجكم على سلامة أخى نجاح فى غرة ذى الحجة وقطع أمره على خمسين ألف دينار، أخذ منها بستانه بالبردان. وبنى مسجد براثا. وأفتى بعض الفقهاء بنبش القبور وتحويلها- التى كان البربهارى وأصحابه أخذوا الناس بالدفن فيه- وأنفق عليه مال وصلى بالناس فيه. وروى فيه جعفر الدقاق عن أبى خليفة حديثا ما خلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 الله له أصلا. وكان من أخبار الجلساء بعد رجوع الراضى من الموصل انه أعاد النوبة كما كانت يومين يومين، أربعة وأربعة، وكان بنو المنجم لا يصلون، وكان أحمد بن يحيى المنجم يحضر كل يوم فى نوبتهم فلا يصل، وفى نوبتنا فيصرف، وربما استحيا الراضى منه، فجلس معنا فى نوبتنا ثم امتدح الراضى بشعر وقال: أنا أريد أن أخدم سيدنا كل يوم، إلا يوم الثلاثاء والجمعة بلا نوبة، وقام فسأل هذا وقبل الارض، فكان يجىء فى كل يوم. فطالبنا الراضى بأن نفعل مثل فعله، فعرفناه أن هذا ما كان مثله قط، وأن الاجسام لا تثبت عليه. وخوفنا أحمد بن يحيى منه. وقلنا له لا ترسم رسما يعود ضرره على جماعتنا، فلم يقبل خوفا من أن لا يصل متى تغير هذا، وكنا نحضر فنجلس الى السحر ثم ننصرف فلا يجلس حتى يعود، ويطالب بالأكل والشرب، فما كنا نجلس فى مجلس لكثرة عللنا، وكان ذلك سبب فساد مزاج الراضى ونفس الله عنا بشهر رمضان فى سنة سبع، فلما جاء شوال عدنا إلى ما كنا فيه، فاعتللت أنا أياما كثيرة، ولم يبق منا أحد الا اعتل، واعتل أحمد بن يحيى علة طالت، ووقع البلاء به كما جناه، فتوفى رحمه الله فى ذى القعدة. وأمر الراضى بأن يتصدق بألف دينار من الصراة إلى نهر عيسى لعوز الماء من أجل البثق. فقلت أو يفعل سيدنا ما هو خير من هذا؟ قال: وما هو؟ قلت: يضيف إلى الألف ألفا آخر ويعمل البثق قال ويتم الأمر بهذا؟ قلت: نعم إن جرى على يد واحد من الناس. قال ومن هو؟ قلت أخشى لومه، قال: قل. قلت: راغب الخادم؛ هو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 والله أوثق الناس. ويغمه بعده عن الخدمة. فيروج العمل والغمال يرتزقون فيحبون أن يطول الأمر ليأخذوا أرزاقهم، وهذا لا يزيد رزقا. فدعاه وأمره أن يضم الى الألف الدينار ألفى دينار ويخرج، فأطلق يده على جميع الناس، فعرف راغب أن هذا من جهتى، فقال لى أنت عرضتنى لهذا؟ قلت نعم. رأيت الأستاذ يغزو ويحج على غرر، وهذا أفضل من الغزو والحج والجهاد بعد الفرض، فرضى عنى وكان قد غضب. وخرج ففرغ من البثق بعد نيف وخمسين يوما، وركب الراضى ونحن معه نتنزه بكرخايا، فأعد له القاضى بالصالحية ضيعته، فاكهة كثيرة، وطعاما واسعا، على أنه يتغدى فيها، فلم يمض اليها، وعاد الى بستان ابن قرابة فتغدى فيه وانصرف من يومه ومعه بجكم، وعمل الجسر الفوقانى بمال أوصى به أبو الوليد من ثلثه، وأوصى بأن يعمل به الجسر. سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة أنكر بجكم على الترجمان دخوله بلا أمر ورجوع الديلم، فأظهر كتابا عن تكينك يخبره بأن الأمير أمره بذلك، فكان ذلك مما أنكره الأمير على تكينك وما زال الترجمان ملازما بيته الى أن رضى عنه بجكم ووافت الأخبار بمصالحة ابن طغج لابن رايق ووردت الخريطة بتمام الحج، إلا ان الحسنى قطع على قوم منهم، وقد فصلوا من المدينة راجعين. وصلى بالناس عمر بن الحسن بن عبد العزيز. وكان صيغون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 قد طرده ابن رايق ولم يرده، فصار الى الحسن بن عبد الله، فلم يرض حاله عنده، فصار الى بغداد يريد بجكم فخرج بجكم الى النجاحى حتى تلقاه وأقدمه معه، وكانت ابنت الوزير ابن البريدى مسماة بابن أبى جعفر الكرخى، فزوجها من بجكم بحضرة الراضى، والخاطب القاضى، وابن شيرزاد الولى، وذلك فى صفر. وكان ابن شنبوذ محبوسا فمات فوجه به الى منزله وقد كانوا حذروه فى وقت ثم ردوه. وقتل العيار المعروف بالمسلمانى وصلب، أخذه رجل يعرف بأبى الحسين التودى فأمسكه وتكاثر العامة عليه. وولى الترجمان الشرطة، فاستخلف أبا بكر النقيب وقبض بجكم على ابن اسماعيل بن أحمد فى شهر ربيع الأول، لأنه واطأ جماعة على الفتك ببجكم بعد أن كان دعاه قبل ذلك إلى منزله حيال قصر عيسى، وجميع قواده، وأنفق مالا عظيما على الطعام والشراب والحملان للقواد والهدايا حملت مع بجكم وأفراس قيدت معه. ومات ابو عبد الله بن العلاء الجوزجانى المحدث لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكان مسندا يروى عن أبى الأشعث ويوسف القطان وزيد بن أخزم الطائى. وصرف الحسن بن هارون عن الكوفة بأبى بكر البرجمالى. وحول بجكم الحبس السفلانى الى دار دينار ليعقد هناك جسرا، وبنى دكتين ولم يتم ذلك. وأخرج الراضى ابنيه الى داره بالرصافة ليركبا اليه، وبنى لهما طيارين كبيرين. واشتد أمر اللصوص وكبسهم الدور ليلا، بالعدة والعدد، وظفر بجماعة منهم فقتلوا وصلبوا. وصرف لؤلؤ عن طريق الكوفة، وولى مكانه عدل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 حاجب بجكم. وكان ابن شيرزاد قد خرج الى واسط فى استحثاث المال فقدم لثمان ليال بقين من ربيع الأول ومعه السكرى صاحب ابى الحسين البريدى بمال وهدايا. واتصلت الأمطار وزادت دجلة زيادة عظيمة لم يعهد مثلها. وأوقد بجكم بالزبيدية نارا عظيمة ليلة وبعض يوم، وشرب ودعا القواد. وتحدث الناس بأن السكرى صار الى دار البريديين التى خربت بسوق يحيى، فحفر موضعا منها فاستخرج خمسة قماقم فيها دنانير فحدرها معه. وكتب أبو القاسم بن أبى حامد رقعة الى بجكم تضمن فيها الخليفة وابن سنكلا وجماعة بخمسة آلاف الف دينار بخطه، فأمر الراضى بضرب عنقه، فشهد له القاضى بفساد العقل، فضرب دررا، وطيف به على جانب بغداد. وأدخل يالبا لعشر بقين من جمادى الأولى على فانج بنقنق لأنه اتهم بمشايعة ابن اسماعيل على الفتك ببجكم، وكان سبب أخذه أنه كتب- وكان يلى الرحبة أن ابن رايق يريده، فكتب إليه: انا موجه اليك بمدد فوجه بعدل فقبض عليه. وكبس الصقر بن محمد الكاتب وطولب بوديعة لبعض القرامطة، فحلف على بطلان ذلك، فسعى رجل بمال له مدفون فى داره فأخذ، وكان عشرة آلاف دينار ذخرا له ولولده، فجرى عليه ظلم رثى له منه عدوه وصديقه. وأحضر بجكم يالبا فوبخه وقتله. وتوفى أبو سعيد الأصطخرى الفقيه يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة، ودفن بمقابر الدير، وكان رأسا فى حفظ مذهب الشافعى وحدث وكان ثقة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 وتوفى بعد يومين أبو الفرج بن جعفر بن حفص الكاتب عن سبعين سنة وكان من أهل بيت كتبة. وأخرج بجكم الترجمان إلى الجبل ومعه جيش عظيم لأربع خلون من رجب. واتصلت مصادرة الناس فصودر ورثة أبى جعفر بن حفص على ثلاثة آلاف دينار ومات أبو الحسين بن المغيرة الجوهرى لتسع بقين من رجب، وقد حدث وكان ثقة. وأدخل جعفر بن ورقاء مائة نفس ونيفا من القرامطة من بنى سعد من طريق خراسان، فطيف بهم على جمال وحبسوا. وقدم رسول القرمطى مع عمر بن يحيى العلوى يطالب بمال عظيم كان أعطاه مثله البريدى فى العام الماضى حتى يحج بالناس، وأن يده لا تنال فى هذا العام ووجه بجكم إلى ابى الحسن الكرخى وأبى عمرو الطبرى فحضرا عنده فى ليلة جمعة فسألهما مسألة فى النبيذ وغير ذلك. وتوفى القاضى عمر بن محمد ليلة الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من شعبان وكانت سنه تسعا وثلاثين سنة، وبلغ فى العلوم مبلغا عظيما مع هذا السن، وكنت أنا كالمربى له، ولا أشك أنه قرأ على من كتب اللغة والأخبار، وكتبى المصنفة ما يقارب عشرة آلاف ورقة، وكانت له أشعار ملاخ وجوابات منى قد افردت لذلك كتابا فيه هذه الأشعار وفيه رسالة عملتها فى وصفه ووصف ابيه، وما تخلف عن جنازته احد من الأجلاء، ووجد الراضى عليه وجدا شديدا، حتى كان يبكى عليه بحضرتنا ويصفه ويقول: كنت أضيق بالشىء ذرعا حتى أراه فيوسعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 لى برأى يسير يشير به. وكنا ليلة بين يديه وستارته تغنى فامرهن بأن يضربن بالعيدان ففعلن وجعل يبكى حتى خفنا عليه، وجعلنا نعزيه ونقول ما يجب ان يقال مثله. فقال والله لا بقيت بعده، وصلى عليه ابنه ابو نصر فى داره وغسله أبو بكر بن عبد العزيز الهاشمى وولى الراضى ابنيه أبا نصر وأبا محمد وخلع عليهما فمرا فى الشارع فجعل إلى أبى نصر قضاء بغداد إلى المداين، وولى أبا محمد القضاء من المداين إلى البصرة وصار أبو نصر إلى مسجد الجانب الشرقى فى يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان فقرأ عهده، وحكم بين نفسين وانصرف وكان فيما كلم به الراضى حين ولاه: قد استوفى سيدنا الانعام وكمله وشيد بآخره أوله، فثبت الله وطأته وأدام دولته. وأريد من ابى نصر مال لبجكم فغرم وباع، ووقف على العدول والأمناء حتى أدى وكان النوروز يقع ليومين من شهر رمضان فقدم الخاصة إشعال النار قبل دحول رمضان، وأشعل العامة وصبوا الماء. وعزل غانم بن رحمة عن الشرقية للنصف من شهر رمضان، وصودر على مال. وقلد رجل يعرف بفضل فاضطرب الناس وعجبوا لذلك فعزل وولى رجل يعرف بالقابوس. وحمل مع رسول القرمطى مال ليحج الناس. واتصل ببجكم رجوع الديلم وان الترجمان لما بلغه ذلك اقبل يريد حلوان فخرج مبادرا لاحدى عشرة بقيت من شهر رمضان، حتى لحق بالترجمان وقيل له ان بينه وبين الديالمة عقبة إن أخذوا مواضع منها لم يصل اليهم وانه يحتاج أن يأخذ فى طريق بعيد حتى تتم له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 الحيلة فوافى بغداد على الجمازات لخمس خلون من شعبان، لأنه اتصل به أن الراضى عليل، وكان اعتل فى هذا الوقت حتى طرح من فيه فى يومين وليلتين من الدم أربعة عشر رطلا، وشاهدنا بعض ذلك. وركب يوم الفطر إلى المصلى تكينك وأبو بكر النقيب، وانقطع الدم عن الراضى وصلح قليلا. وأخرج ابن مقلة ليلة الثلاثاء لاثنتى عشرة ليلة خلت من شوال ميتا من دار السلطان فدفن عند باب الفيل فسأل أهله فيه فنبش ليلة الجمعة للنصف من شوال وسلم إلى أهله فدفنوه فى مقابرهم. وكان الراضى يقول لنا بالموصل أيام ظهور ابن رايق ببغداد: لو كان ذلك الفاعل حيا الساعة لأجلس خليفة، ولأخذ أموال التجار، فالحمد لله الذى حدث هذا وليس هو فى الدنيا- يردد هذا مرات لئلا نعلم أنه حى فى يده، وكذا كان يقول فى أمر القاهر، وحدثنا كيف عذب وكيف مات- حتى وجد حيا بعد وفاته، وكثرت الرفايغ الى بجكم من ظلم أصحابه للناس، فجلس للمظالم يوم الخميس لتسع بقين من شوال وبين يديه ابن شيرزاد فحمد فى جميع ما أمر به ونهى عنه. وورد الخبر بهزيمة ابن طغج لابن رايق حتى صار الى دمشق. ومات أبو عبد الله المطيعى يوم الأربعاء لأربع بقين من شوال، ومولده سنة ثلاث وثلاثين، وكان مسندا ثقة. ومات أبو العباس الخصيبى لليلة بقيت من شوال فجأة بلا علة. وجلس بجكم للمظالم لليلتين بقيتا من شوال، ونظر فى ثلاثين رقعة، فجرى أمره فيها على سداد. ورجع رسول القرمطى بهدايا لبجكم، فيها فرسان لم ير مثلهما، ووفاه بحكم ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 فى ماله، وأهدى له هدايا. وخرج الحاج فلحقهم عطش، ثم أغاثهم الله بمطر عاشوا به. واستبطأ السلطان ابن البريدى فى حمل المال وعزم بحكم على الانحدار، فقالوا كيف تقاتل من له اسم الوزارة! واستحضر سليمان بن الحسن للوزارة، وخلع عليه يوم السبت لثمان بقين من ذى القعدة، ومر فى الشارع وهنأه الناس. وخرج بجكم يريد واسط، فوجه بأربعة فيهم رفيق يالبا فطرحوا للسباع فى البركة التى بناها بالنجمى وقبض على ابن عبدوس بسبب غلام له يقال له بديع، كان فى جملة البريدى، وعلى أبى الحسن بن سهل لمصاهرته لهم. وكاتب ابن شيرزاد البريدى بالخروج عن واسط، وأشار عليه ألا يحارب ففعل، ودخلها بجكم فخلع على ابن شيرزاد خلعة حسنة، وقلده سيفين وسر أهل واسط ببجكم، وحدر حرمه اليه. ومات أبو بكر بن الأنبارى يوم الاضحى ودفن فى داره. ودخل الترجمان ولؤلؤ غلام المتهشم من طريق الجبل، الى بغداد يوم الأربعاء لاثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة. وظهر أبو عبد الله الكوفى، وانحدر الى واسط لسبع ليال. بقين من ذى الحجة ووافى واسط من المستأمنة من عسكر البريدى ابن صفراء فقلد يسكن وقطربل، ووافى حجرية، فأنفذوا إلى بغداد وقتل بجكم ابن الشابشتى الكاتب، وجد معه كتاب إلى أبى طاهر القاضى فانحدر أبو طاهر، وحلف أنه لا يعرف للكتاب سببا وتكلم فيه فنجا، وهو أهل ذلك لعلمه وفضله. واستوحش أبو عبد الله بن أبى موسى الهاشمى من القاضى أبى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 نصر، وأشهد على نفسه ثلاثين عدلا أنه لا يشهد عنده أبدا، وكان انحرافه عنه أنه اتهمه بميل إلى أخيه أبى محمد، وأنه يسعى له فى ولاية بغداد. وأخذ ابن أبى موسى خطوط العدول بتقريظه وتعديله، ولعهدى بأبى عبد الله بن أبى موسى وهو مجتهد ليله ونهاره، فى أمر أبى نصر حتى تم له ما أراد. ما أعرته شهادة بذلك، ولكنى عرفته مشاهدة ثم إن أبا نصر أحضر العدول فأخذ خطوطهم بأن ابن أبى موسى غير موضع للشهادة وأسقطه. وقبض على محمد بن القاسم بن سيما، بسبب أن ابن أخته مع البريديين فتكلم فيه وقيل: والله ما ابن أخته بقائد ولا محارب ولا كاتب، وإنما هو كالمضحك ومثل هذا لا يؤخذ أحد به، فخلى. وانحدر أبو محمد بن عمر بن محمد الى واسط واستحضر بجكم يحيى بن سعيد السوسى فأنفذه إلى السلطان يسأله إسعافه بمائتى ألف دينار فوصل ومعه جماعة من الكتاب فأمرهم الراضى أن يعملوا له عملا من ضياعه المستخلصة بواسط ونواحيها بهذا المقدار ليأخذ ما فيها من غلة، فكان الأمر قريبا فأطلق الراضى ذلك له. سنة تسع وعشرين وثلاثمائة دخل أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد بغداد يوم الأحد لست خلون من المحرم مقبلا من واسط واستكتب أبا عبد الله الكوفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 واستخلفه، ووافى قوم من الموسم فأخبروا بتمام الحج وسلامة الناس. وخلع على أبى محمد بن ابى الحسن القاضى، لقضاء المدينة لعشر خلون من المحرم، وكان ابن أبى موسى السبب فى ذلك وغرم من ماله أربعة آلاف دينار او نحوها، وهذا والله يدل على علو همته. وانحدر ابن شيرزاد الى واسط، وكان جاء ليشير بانحدار السلطان فوعد بذلك. ومات زيرك الخصى غلام القاهر فدفن فى دار اشتريت له بالرصافة يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم، وكان أحسن الناس خدمة للراضى، وكان له موقع عظيم منه، وأقطعه أقطاعا منه البستان المعروف بالشقيعى وأعطاه من المال والطيب والجوهر بمقدار موضعه منه، فاغتم عليه غما عظيما، فصاعد الخليفة إلى باب الشماسية، فسكن دارا اشتراها ابن سنكلا من ورثة اصطفى وركب فطاف كالمتفرج من الغم الذى ناله، وكان يقول: مات فى مائة يوم قاضىّ وصاحب رأيى وخادمى الكافى خدمتى، وأمر فصب فى دجلة أربعمائة دن للشراب العتيق الذى بقى من أيام المعتضد والمكتفى وكان لا يشرب إلا منه فحرص أبو الحسن بن أبى عمرو الشرابى على ألا يفعل ذلك- وكان مكينا عنده قريبا من قلبه، لطيف المحل يحضر فى كل وقت، كنا أو لم نكن وربما شاوره وخلا به، وإنه لموضع لذلك عندى- فما قبل ذلك منه، وندم بعد ذلك على صبها، وما كان والله الراضى ممن يذهب عليه هذا ولكن اضطرب رأيه، وكثر ضجره، لفساد مزاجه، وكثرة علله، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 فكان سنان بن ثابت- وكان قد لزمه، حتى جالسه معنا، وأكل وشرب بين يديه فى آخر أيامه- يقول لى إذا رأى أخلاقه متغيرة، ما أحسن قول جالينوس: مزاج الروح، تابع لمزاج البدن، وأنا افرد لهذا بابا إن شاء الله. وقدم بجكم أبا بكر النقيب الى الراضى ليخبره بما عزم عليه، ويعفيه من الخروج إليه، فقدم فدخل إلى الراضى ليلة الاثنين، وانحدر الراضى يوم الاثنين لتسع بقين من المحرم الى داره وجمع بجكم الكتاب ليعملوا اعمالا للأموال فى النواحى، وكانت حيلة منه فلما اجتمعوا قبض على ابن شيرزاد وعياله، وقبض النقيب يوم الإثنين بحيلة على طازاد وأبى الحسن أخى أبى جعفر واسبابهما وعلى على بن هارون الجهبذ اليهودى، وكان القبض بواسط وبغداد فى وقت واحد ودخل الكوفى بغداد غرة صفر للنظر فى الأموال، وهو كاتب بجكم وصودر ابن شيرزاد عن نفسه وكتابه وعماله على مائة ألف وخمسين ألف دينار فتسلم ابن سنكلا طازاد وضمن ما عليه وهو خمسة آلاف دينار. وصودر ابن المشرف وابن أخيه ثابت على نيف وعشرين ألف دينار وعنى ابن سنكلا وعلى بن يعقوب بطازاد بالبصرانية وعرض هذا على بجكم فكرهه وأثقله، وزاد على ابن شيرزاد مائة ألف دينار وقبض على أبى بكر الصيرفى صاحب الجيش، وعلى أبى أيوب السمسار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وأخذ منهما عشرة آلاف دينار، ولم يؤخذ لابن الصيرفى مال وشهد الناس بثقته فأطلق، وقبض على جعفر بن ورقاء لأيام خلت من صفر فلم يترك له عين ولا ورق ولا دابة ولا مركب ولا فرش ولا آلة إلا بيع فى مصادرته، على أنه يعول مائتى نفس وله معروف وكرم. وأنكر الترجمان على ابن خشيش المحتسب حيلة على جارية فى دار ابن بنان الخلال حتى أخذ حليا وثيابا، وذاك أنه دس من استعار منهم بيتا وجعل فيه آلات لضرب الدراهم المعمولة، ثم كبسه فضربه وأطافه على جمل من الجانبين، وكانت قصته فيما فعل قبيحة جدا. وكتب الكوفى على ابن شيرزاد صكاكا بأملاكه لبجكم، فتسلم ما كان بالقرب منها. وأخذ من على بن هارون اليهودى بعد عذاب عظيم مائة ألف وعشرة آلاف دينار، ثم قتله بجكم بعد ذلك بمديدة، واجتمع للكوفى مال فأنفذه الى واسط مع الترجمان من المصادرة وغيرها، قيل إنه أربعمائة ألف دينار. وجاءت بنو تميم لكبس الأنبار، فرجع الترجمان إليهم من واسط ففارقهم على أن يثبتهم لمحاربة البريدى. وقلد لؤلؤ طريق خراسان مكان ابن ورقاء وخلع عليه لثلاث خلون من شهر ربيع الأول، وطالب الكوفى الحسن ابن عبد العزيز بنحو مائتى كر بلغه أنه نقلها قبل مواقفة العامل وباعها، فقاطعه عنها على خمسة آلاف دينار وعزله عن الصلاة وولى مكانه أحمد ابن الفضل بن عبد الملك، وكان حقد عليه أنه أسمعه فى أيام ابن رايق وقال له أنت ابن ذكرويه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 انقضت الحوادث إلى غرة ربيع الآخرة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. وفيه توفى الراضى بالله وأنا أذكر وفاته بعد إتمامى وأذكر مختار شعره. كان الراضى فى آخر أيامه قد تغيرت أخلاقه وأفعاله التى ما كان أحد على مثلها فى فضله وعقله وكرمه وأدبه، وما اتهم فى ذلك إلا ما قاله لى سنان من علته، وكان قد تغير لجميع الجلساء حتى ساوى بنا من لم يكن يساوينا عنده، وزاد الأمر حتى فضلهم علينا. وخص عبثه باسحاق بن المعتمد وبى إلا أن إسحاق لثقل سمعه كان لا يسمع أكثر ما يمر، وكنت أنا أسمع ويكثر الخطاب لى وكنت أحتمل ضرورة، ولما أوجبه الله على وربما أطلعت حجة تغيظه إذا زاد الأمر على فيغضى عنها لكرمه لولا أنه كان أحسن الناس وفاء وأتمهم حلما وكرما، لظننت أنه سيمنعى من الوصول اليه، وكان يمدحنى إذا غبت ولا يفعل ذلك اذا حضرت ولقد حدثنى بعض الخدم أن أحمد بن يحيى المنجم ثلنى يوما عنده فقال له أمسك عن هذا ولا تنظر الى ما أفعله فانى أريد بما أجرى إليه إصلاحه لى كما أريد، فقال له فلو قومه سيدى بحجبته عنه أياما. فقال قد هممت بذلك فخفت أن ينسبنى الناس الى قلة وفاء لقدر خدمته لى، ولأنه حبب الى الأدب وسنى لى قول الشعر وعرفنى نقده وتعب معى فيه. ومع ذلك فيقال إذا حجب مثل الصولى فماله رغبة فى الأدب، حدثنى بذلك بعض الخدم قال فما سمعناه يعيد ذكرك عنده. وكان يقول لى أبو الحسن بن أبى عمرو الشرابى لا يغمنك ما يجرى فلا والله ما هو عن كراهة ولا بغض، ولكنه من عبث الملوك بمن يحبون من عبيدهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 وخدمهم، وكان أبو الحسن البريدى يقول لى مثل هذا ويقول لى العروضى، ومابان لى أن أحدا كان آثر عنده منه. وكان اذا أراد عرض كتاب يسره أو غير ذلك أدخلنا جميعا حتى يفرغ مما يريد ثم يدخل الباقين، على أنه ما سلم أحد منهم فى عبثته، غير أنى كنت مخصوصا بذلك فى حضورى، ولقد ذكر يوما بعض مشايخ أهل البيت من ولد الحسن عليه السلام فشتمه فنظر بعض أصحابنا إلى بعض ثم ضحكوا وقمنا، فرجعت فقلت يا سيدى يمسى ما لا يمس أحد مثله، وهؤلاء إن ضحكوا بين يديك فإنهم يضمرون ويحكون، ويحفظون الذى ذكره سيدنا أمه فلانة بنت فلان، وأبوه فلان بن فلان فقال استغفر الله وقد أحسنت. وكان أول تغيره أنه كان يعيب غناء ابن طرخان ويحكيه ويذمه ويحلف أنه لا يحسن شيئا وأن ذودة الزطى الطنبورى أحسن غناء منه ويدخل ذودة بحضرتنا وغير حضرتنا ويصله، فلم يزل به إلى أن أحضر ابن طرخان وغلب عليه واستحسن عناءه، حتى صار يجلسه بين ايدينا ويصله بصلات ويخصه بها ويلقى على ستارته الأصوات التى يستحسنها ثم زاد الأمر حتى وصل الجلساء ليلة الفطر ولم يصلنى ولا وصل اسحاق فأما اسحاق فألقى نفسه على راغب وبكى، حتى أمر له بنصف ما أمر لكل واحد ممن وصله، وأما أنا فأمسكت، وشرب بعد ذلك فوهب لجميعهم معرقة معرقة إلا لى وللبريدين، وكان يجفوهما كثيرا. ووهب لهم قدحا قدحا من البلور ولم يهب لى مثلهم. ووعدنى ان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 أنسخ له أشياء ويصلنى لها كعادته، وكان لا يعجبه أن لا ينظر فى شىء إلا بخطى فلما تغيبت وفرغت منه لم يعطنى شيئا، فعملت شعرا ودخلت فى صبيحة الليلة التى أمر لهم فيها بما أمر مع الغداة فأنشدته: قل للخليفة ترب العلم والأدب ... وأفضل النّاس من عجم ومن عرب ومن أجلّ إله النّاس رتبته ... حتّى علا وهوى الأملاك فى صبب قد كان لى موعد فى النّسخ لم أره ... وفاتنى القدح المحفوف بالطّرب وحاز صحبى دونى طيب معرقة ... لباسها أفخر الأنساب والحسب وليلة الفطر أبقت لى حزازتها ... نارا ترامى على الأحشاء باللهب فجازنى برّ مولى كان يبدأنى ... كأنّنى ناقص فى رتبة الأدب ألمّ بى طيف حرمان فأرّقنى ... فبتّ معتقا للهمّ والكرب هذا على خدمة ما ذمّ سالفها ... ودولة لى فيها أوكد السّبب وأنّنا نقباء شاع نصرهم ... نلقى أعاديكم فى الحرب بالحرب ويوم مروان أفردنا بمشهده ... والفخر فيه بنصر السّادة النّجب مقالة تورد الأخبار صحّتها ... موجودة فى روايات وفى كتب إن كان ذلك مزحا من إمام هدى ... فحبّذا هو من مزح ومن لعب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وسوف يأتى سريعا منه لى عوض ... كما أتاهم بلا كدّ ولا تعب فالعيش إن كان هذا عن خبىّ رضا ... والموت إن كان كلّ الموت عن غضب رأيت وجه الرّضا أعلى لطالبه ... من الصّلات إذا توبعن والرّتب لا تجعلنّى نهبا للهموم فقد ... تردّد الظّنّ بين الرّغب والرّهب أقول قول امرىء صحّت قريحته ... ما زال فى الدّهر ذا كدح وذا دأب سبحان من جعل الآداب فى عصب ... حظّا وصيّرها غيظا على عصب ومثل شكوى حكيم عضّه زمن ... كما اشتكى غارب من عضّة القتب أفضل عنانك لا تجمح به طلبا ... فلا وعيشك ما الأرزاق بالطّلب قد يرزق المرء لم تتعب رواحله ... ويحرم الرّزق من لم يؤت من تعب ما أصعب الفقد للعادات من ملك ... تقديمه فى العطايا أشرف الرّتب لو كنت أملك صبرا عن محاسنه ... ونشرها فى الورى أمعنت فى الهرب ما لى إذا لم أفز منه بمنزلة ... وعوده بالرّضا فى العيش من أرب إنّى لآمل منه حسن عطفته ... فالحظّ مقتسم والدّهر ذو عقب حتّى يبيّض وجهى مذهبا حزنى ... بالبذل للفضّة البيضاء والذّهب كعادة الدّهر فى تقديمه أبدا ... رضعت منه بدر طيّب الحلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 فقد سبقت بمدح فيه فزت به ... صدق إذا مدح الأملاك بالكذب فاسمع لمدح يلذّ السّمع منشده ... لا تجعل الرّأس فى الأشعار كالذّنب مشبّه لفظه فى حسن مذهبه ... بلفظ شعر بنار الحسن ملتهب يا من يحمّل ذنب الرّاح شاربها ... أقبل بوجه الرّضا فى ساعة الغضب لا والّذى أنت منه نعمة ملأت ... عرض البلاد وحلّت حبوة النّوب ما فى عبيدك إن فتّشت أمرهم ... أقلّ منّى فى رزقى وفى نشبى يا من يحمل ذنب الراح، هو بيت له من أبيات كانت تعجبه، فضمنت أنا هذا البيت ومدحته على وزن الأبيات وقافيتها. ومن ذلك ما ظهر منه فى آخر أيامه عند موت زيرك القاهرى، ثم عرف حالة ما خلف، فقال ارفعوه إلى فلان يتصدق به، فلما رأى فلان ذلك هاله واستعظمه، فوجه إليه ما أحسن أن أمس شيئا من هذا دون أن تراه، فوجه إليه أنا أعلم به منك فبعه وتصدق بثمنه. فوجه إليه: هذا ليس لمثله مشتر إلا أمير المؤمنين أو الملوك من عبيده، فقال بعه وتصدق بثمنه عنه ولا تراجعنى. فقال لى بعض الجلساء- وقد حدثنا الخدم بهذا- أتراه يأمل اجتماعا معه فى الآخرة حتى يخدمه! فقلت له حسبك من الكلام فى هذا، فقال والله ما تكلمت حتى أبلغ منى وزعم الخدم أنه خلف عينا وورقا وطيبا وجواهر وبلورا وثيابا ودواب وسروجا ومناطق بقيمة مائة وخمسين ألف دينار فما أخذ منه إلا العين والورق وكانا أقله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 أشعار الراضى بالله التى قرر النسخة عليها فى آخر عمره فى كل فن كان رضى الله عنه جمع شعره وأملاه على، فكتبته بحضرة الجلساء فى يوم وليلة، لا أقوم عنه إلا إلى صلاة فوصلنى على ذلك. ونسخ الجلساء هذه النسخة وهى عندهم فنظرت فيها فإذا فيها أشياء فقلت له من حيث لا يسمعنى أحد: يا سيدى هذا شعر يبقى على الأبد، وقد بقيت فيه حروف تحتاج إلى أن نغيرها فقد غير ابن المعتز شعره مرات وإن أمرتنى نسخته نسخة أخرى وعرضته على سيدنا ويأمر بأمره. فقال افعل وأنا أصلك للنسخ وغيره فعملت نسخة كتبتها وعرضتها عليه، وكان هذا فى آخر أيامه، فسربها وقال تأخذ نسخ أصحابنا منهم وتقرر النسخة على هذا، فطالبته بالصلة للنسخ الثانى فوعدنى به، ولم يعطينيه، فهو قولى له فى أبياتى البائية: قد كان لى موعد فى النسخ لم أره ... وفاتنى القدح المحفوف بالطرب فمن شعره على قافية الباء لو أنّ ذا حسب نال السّماء به ... نلت السّماء بلا كدّ ولا تعب منّا النّبىّ رسول الله ليس له ... شبه يقاس به فى العجم والعرب فان صدقتم فأعلى الخلق نحن وإن ... ملتم عن الصّدق اعنقتم إلى الكذب وقال فى الغزل ضحك الزّمان إلىّ عن إعتاب ... وأعارنى سمعا لبثّ عتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 رمد بعينى صرفه عن لحظتى ... إذ كان بى فى شرّتي وشبابى سابق بلذّتك الشّباب فانّنى ... أصبحت فيه مجرّرا أثوابى وعلمت أنّ الدّهر حرب شبيبتى ... فخلست فى غفلاته آرابى وقال ألذّ وأشفى لنا من طرب ... وأطيب من رشف ماء العنب تبذّل ساق أدار العقار ... يكفيك بالبذل ذلّ الطّلب أدار لنا ذات ياقوتة ... وألبسها خلعا من ذهب وعدّل سائر سوراتها ... وذرّ عليها جيوب الحبب ومعتدل الحسن لكنّه ... يخطّى الذّنوب وحبّ الرّيب تألّف من خدع كلّه ... بسحر اللّسان وظرف الأدب لهونا بها ونعمنا به ... فكانا جميعا عنان الطّرب فلمّا ترنّح من سكره ... وجرّعته فضل ما قد شرب تنشّرت من نشره مسكة ... وناجيت فتكى بسرّ عجب وكم من ليال لنا أسعفت ... مطالبنا بسرور الغلب وقال يلومنى فى لحاظ الطّرف غيركم ... والذّنب ذنبك إذ أغريت سقيك بى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 يا من يحمّل ذنب الرّاح شاربها ... أقبل بوجه الرّضا فى ساعة الغضب وقال فى قصيدة أولها أأن قال لى صحبى تسلّ بغيرها ... سلوت وهل عنها أصادف مذهبا فقال فيها وليل أضاع الخلو عرفان طوله ... ترى النّجم فيه لا يروم تغيّبا وعقربه فى الغرب تهوى كأنّها ... تشكّل فى حقّ التّشابه عقربا قطعت مداه بالأمانى أكرّها ... اذا قلت ولّى الهمّ عاد فأنصبا وأزرق خفّاق تلوح كأنّما ... تجلّد درعا أو بسلخ تجبّبا نأت عنه أذيال السّحائب فأختلى ... وسرّب للتّرب القذى فتسرّبا ويلمحه لمح الرّياح بطيبه ... فيرّعد منه الجسم لمحا محبّبا وإنّى لذو صبر على رغم حاسدى ... أفلّق هام النّائبات تعقّبا وأغضى على بعض الأذى فتثيرنى ... عواصف ذنب الحلم شرقا ومغربا وكم من عدوّ قد رعت لهواته ... منابت عرضى فاستجاب مكذّبا وثبت اليه ذا اعتزام وسطوتى ... على الظّلم لا يزداد الّا توثّبا وأوطأته ذلّا يباقيه وسمه ... وأنشب كيدى فيه نابا ومخلبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وإنّى امرؤ تصفو موارد رأفتى ... وتحرب سطواتى العدوّ المحرّبا إذا عدّت الأبيات أبصرت بيتنا ... كأن الثّريّا بالبنىّ مطنّبا رويدك إنّ النّار تظهر تارة ... ويكمن فى الأحجار منها تغيّبا وقال يهجو ابن رايق وأحسن أيطلب كيدى من يهون كياده ... فيوقد نارا مثل نار الحباحب لقد رام صعبا لم يرمه شبيهه ... وراض شموسا لا يذلّ لراكب صغرت عن الأمر الّذى رمت فعله ... فطالعتنى بالضّغن من كلّ جانب وأظهرت لى حبّا يطيف به قلى ... كخائب برق فى عراض سحائب أتعقد لى كيد النّساء بمرصد ... وإنّي فتىّ السّنّ شيخ التّجارب ألا ربّما عزّت على الحازم الّذى ... تراها بكفيّه فريسة طالب تكشّف لى الأيّام منك معايبا ... وقد جرّيت لا شكّ أخزى المعايب فأصبحت مقهورا وعادتك نكبة ... تشكّى إليك الشّوق شكوى الحبايب وكنت إذا عات تعبّث جهله ... عبثت له بالمرهفات القواضب وكم من جليد رام مارمت فانثنى ... وقد لسبته متلفات العقارب وقال يفخر سقى الله أطلالا رعيت بها الصّبا ... سحابة غيث لا يكفّ سكوبها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 زمان مغانى اللهو مأنوسة الحمى ... وحوز الغوانى غصنها وكتيبها وعود الصّبا لم يذو غضّ نباته ... وشرخ الشّباب إلفها وقرينها يقولون كفّ النّفس عن ظبياتها ... وقد مردت عشقا وحارت ذنوبها ظعنت وقد خلّفتنى نهبة الأسى ... لعلّة وجد لا يصاب طبيبها لتهنك لو عات تردّد فى الحشا ... وعصيان عين ما تطيع غروبها وتضييع رأى فى اصطناع معاشر ... يسوّد وجه الإصطناع عيوبها أنا ابن الألى من هاشم زنت هاشما ... كما زانها العبّاس قبلى نسيبها سلى تخبرى من كان طفلا ويافعا ... فعزّت به الدّنيا وذلّ خطوبها ألم أطل الآمال علما وسؤددا ... وتفخر بى شبّان فهر وشيبها لأنّى إن ضلّ الغريم غريمها ... وإن فحم الخطّاب منها خطيبها وسيفى على أعدائها سيف نقمة ... جرىء على الأعمار فيما يوبها وقال يوم أتى بديمة هطّالة ... تبرز من نبت الرّياض ما احتجب وقد كست يد النّدى وجه الثّرى ... ثياب زهر من لجين وذهب ونهر شقّ الرّياض جريه ... منفجر يحكى لنا شقّ الطّرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 تراه ينساب كأفعى كارها ... خوف طلوب مدرك لما طلب وزادنى فى طربى منعم ... دانى الرّضا منّى ناء بالغضب يدير راحا لمعت فى كأسه ... وألبست فى مزجه تاج ذهب كلّ سرور فيه من تمامه ... وكلّ حسن فإليه ينتسب يركض سعيى إن قصدت فتكة ... وإن قصدت النّسك فالسّير خبب وقال تأوّبنى طارق الهمّ نصبا ... وأبدل سلمى للدّهر حربا فقال فيها ونار على شرف أوقدت ... فشاهدت موقدها حين شبّا فلله ما خبّأ الدّهر لى ... أفى كلّ قطر عدوّ مخبّا وثوب ظلام تدرّعته ... أهبّ له يقظا حين هبّا فأنبت مزعى على دمنة ... أراقب من عطفة الدّهر وثبا وقالوا حليم ولم أستطع ... لراية سطو على الذّنب نصبا أأشهر سيفى على نابح ... وأفرس للثّأر قردا وكلبا إذا لا رتوى من دم خدّه ... ولا سار بالعدل شرقا وغربا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 وكم قد وطئت على فتنة ... وثرت بأخرى فقضّيت نحبا أخال إذا دهمتنى الخطوب ... وفى كلّ عضو بجسمى قلبا ومن حادث دست أمثاله ... وأتبعت نكب معانيه نكبا أرى مستكينا لأقرانه ... إذا لا أسغت من الماء عذبا وقال يعذر نفسه فى خروجه إلى الموصل أمغنية مع الظّلم الخطو ... فيغفر ما جنته من الذّنوب عجبت لصرف دهر صافيات ... مكارهه وعيش لى مشوب كأنّ الدّهر يطلبنى بذحل ... فحظّى منه إضراء الخطوب وهوّن بعض ما ألقاه أنّى ... نقىّ الجيب من دنس العيوب إذا لم أوت من رأى مصيب ... فما علمى باضمار الغيوب وكم ريب لصرف الدهر هاب ... جلاه النّصر من ربّ مهوب وقال وزعم أنه قصد بها اتباع على بن محمد العلوى على هذا الوزن سقيا للذّات وطيب ... بين الشّباب الى المشيب ولنظرة مهتوكة ... تدنى البرىء من المريب معقولة بيد الهوى ... مربوبة بيد الرّبيب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 إذ غالبت كفّى الزّمان ... وإذ شربت على الرّقيب بخيول لهو أرسلت ... سحّا به ذيل الغيوب ركضت بنا وشعارها ... لا حكم الّا للحبيب شوق يعرّم فى الحضو ... ر فكيف يفعل فى المغيب وقال وقهوة يترامى ... شعاعها بلهيب جعلتها حظّ نفسى ... عشقا لها ونصيبى بيوم سعد مصفّى ... من الزّمان المشوب فسقّنى تذكارا ... لطاعة المحبوب واعص الرّقيب فإنّى ... أحلّ قتل الرّقيب أبى شبابى إلّا ... عصيّة لمشيبى ما سوّد النّسك منّى ... الّا بياض ذنوبى وقال فى طريق الموصل جدّد البين كروبا ... وكوى الفقد قلوبا باعد المقدار بغدا ... د ضرارا ونكوبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 أوجب البين أناس ... علّموا قلبى الوجيبا لهف نفسى لزمان ... كان لى غضّا رطيبا ربّ خذ لى من حسود ... حجب الظّبى الرّبيبا فلذاك النّوم فى ... عينى قد صار غريبا فلذا أهوى مع ... الرّؤية هجرا ورقيبا يا حبيبىّ وهل ... خلق يرى اليوم حبيبا أعفياني عن ملام ... بالّذى يعفو الذّنوبا وعقار ذوب شمس ... جمعت حسنا وطيبا أضوأ اللّيل سناها ... لمعانا ولهيبا سلبت عقلى ختلا ... وسرت فىّ دبيبا ضحكت بالمزج كرها ... ونفى عنها القطوبا ذرّ من درّ عليها ... حين صافاها جيوبا قد سقانيها غزال ... عالم منّى عيوبا حقّق الرّيبة لحظ ... منه خلّانى مريبا وترى الغصن لعط ... فيه إذا اهتزّ نسيبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 كم تحمّلت حروبا ... وتخطّيت خطوبا ورأى الأعداء بعدى ... لمداراتى قريبا فدعى اللّوم فما ... ربعى لذى اللّوم خصيبا وقال كلّ داع سواى غير مجاب ... وعذاب الهوى أشدّ عذاب كم يكون الخلاف والبعد قل لى ... مع ذلّى وطاعتى واقترابى؟ كلّ يوم يروعنى منك وعد ... مطمع لمعه كلمع السّراب وقال على قافية التاء ومن مليح الذّنوب إن ذكرت ... لثمى فاء ورشف ريقته فى ثوب ليل أبليت جدّته ... وجاد لى سيره بزورته فصرت باللّيل ذا مؤانسة ... أشكر ما عشت فضل نعمته وأعطت الرّاح ما أؤمّله ... قوّة حكمى وضعف قدرته شكرى وقف على المدامة إذ ... ذلّلت الصّعب لى بسكرته وقال يعرض بابن رايق ما بال إحسانى إذا أصحبته ... خلل الرّجال يصير مثل إساءتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 ما إن كففت أذيّة إلّا هوت ... نحوى بكفّ تجاوزى وأناتى فلذاك أصبر صبر عاف عاقل ... وأهتّك المذعور فى وثباتى فاذا غفلت عن الكفور فإنّما ... أهدى إليه الحتف من غفلاتى وقال العيش راح يعاطيها براحته ... منعّم يقتضى عشقا بلحظته كأنّما لونها من لون وجنته ... وطعم ريقتها من طعم ريقته إن أمكن الدّهر من عيش بشهوته ... فانعم بغفلته من قبل فطنته وقال حين اشتدت علته ولمّا رأيت الدّهر يخطب خطبة ... وأيّامه تعدو علىّ بنوبات عصيت زمانا قد تجاسر صرفه ... وأتبعت يوم الهمّ يوم لذاذات وأيقنت أنّى مهجة مستعارة ... تردّ الى ملك المعير بغصّات فياليتنى أمضيت ما كنت عازما ... عليه ليشفى داء صدرى ولو عاتى وقال على قافية الجيم وناظر عن دعج ... محكم فى المهج يدير كأسا فرّجت ... همّ الفتى بالفرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 قد أرعدت لمزجها ... والتهبت كالسّرج أدارها منتطق ... مصوّر من غنج أطلع من طرّته ... أهلّة من سبج تكشّفت ضحكته ... عن برد مفلّج يا مجلسا جعلته ... فى مدّتى أنموذجى كان كلحظ الطّرف ... فى سرعة مرّ ومجى وقال وقد نالته جفوة من أبيه على قافية الحاء هلّا رددت على العدوّ الكاشح ... وقبلت فىّ من الصّديق النّاصح الآن حين ملأت قلبى رغبة ... أعقبتها ظلما بيأس قادح وتكلّفت نفسى اليك بمنية ... ألتذّها مثل الزّلال التّايح أبعدت ظنّى بعد ما قرّبته ... ولسوف تذكر فى فسادى صالحى ما للإمام تنكّرت أخلاقه ... من قول هاج فى مكان مدائحى فى كلّ يوم أرتجى إنصاف من ... يجرى إلى ظلمى بقول الكاشح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 جمرى إذا ما شئت طاف خامد ... وإذا تشاء فكالشّهاب اللّائح والنّار قد يخفى عليك ضياؤها ... حتّى تحرّكها بنان القادح وقال على قافية الدال بادر بلهوك ليلة بدريّة ... واقصد بما تهوى برغم الحسّد ومر الغرير يدير بكر سلافة ... لا تسمعنّ لعاذل ومفنّد يهتزّ فى سود الثّياب كأنّه ... بدر تجلّى من غمام أسود ما زلت أسحره بلحظ خاتل ... وأسومه الانجاز قبل الموعد حتّى تورّد خدّه بمدامة ... كالمسك ذات توقّد وتورّد وتبيّن الانعام فى ألحاظه ... متقرّب الألفاظ بعد تبعّد حتّى أنثنى فى الأرض يلثم خدّه ... شوقا إلى فرد الملاحة أوحد يا ليلة كانت لدهرى غرّة ... طلعت علىّ نجومها بالأسعد وقال فى حبس القاهر فقدت الهوى وعدمت الودودا ... وأبلى الجديدان منّى الجديدا وقد كنت دهرا أطيع الهوى ... وأجرى مع اللهو شأوا بعيدا فحرّمت كأسى على لذّتى ... وأزمعت كلّ وصال صدودا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 أبعد إمام الهدى أبتغى ... سلوّا وأملأ طرفى هجودا وقد قتلته العدا غرّة ... وما صادفت منه عبدا عتيدا كأن لم يكن قطّ فى جحفل ... يحير الرّدى ويجدّ الجنودا يعزّ عليه وأنّى به ... يرانى لفضلى أسيرا فريدا تباشرنى ضيّقات الحبو ... س وأحسب من غير فقد فقيدا وكنت به مالكا للزّمان ... أسرّ الصّديق وأشجى الحسودا فأفرشت خدّى لوطء العدا ... وأفرش أهلى لأجلى خدودا وعرّفنى فقده النّائبات ... وذلّل منّى صعبا جليدا فيا ليت ركبا الينا نعوه ... نعونا اليه ونال الخلودا وقال أفادنى ودّك بعد كدّ ... دهر نحانى صرفه بقصد يطلب نفسى ثائرا عن عمد ... فصرت إذ أصفيتنى بودّ عذر إساءات الزّمان عندى ... وهى كثيرات تفوت عدّى قد يغلظ الحتر بوقت سعد ... ويقدح القرب بزند البعد فاجى إلى الوصل ثقيل الصّدّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وغناه يوما عبد الرحمن بن طرخان بشعر لى وهو: ليالى صدودى ليست تضى ... وعمر تجنّيك ما ينقضى وما تألف النّفس يا منيتى ... سوى ما تحبّ وما ترتضى تقاضيت عينى بغنج الّلحا ... ظ دموعا فأعطتك ما تقتضى فأنشدنا من غد ذلك اليوم نيران هجرى ليس تخمد ... وسيوف عينك ليس تغمد والنّفس فيما ساءها ... طلبا لما يرضيك تجهد والجود منك مباعد ... والبخل دان ليس يبعد من ذا يكون مبشّرى ... بالعطف منك علىّ أحمد وقال أثمّ وشمس الحسن حلّت قناعها ... عليك وانّت البدر وافق أسعدا تصدّين إدلالا وما بك قدرة ... على الصّدّ لو أنّى ملكت تجلّدا وقال يذم الموصل ويمدح بغداد على قافية الراء أعذر لفظ المحبّ بالعذر ... واختلط السّرّ منه بالجهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وبعت أرض العراق بيعة مغ ... بون فجمّت بلابل الصّدر وسائل لا يزال عن خبرى ... إسمع فما بى يجلّ عن قدر فارقت مغنى مذكّرا بهوى ... يلذع قلبى بعارض الذّكر وجئت أرضا تسوء ساكنها ... وتبدل اليسر منه بالعسر يضحى بها ثاكلا للذّته ... مقلّبا قلبه على الجمر عرضة نتن يحفّها جبل ... يقطن فيها الهموم بالقطر يجىء فى غير حينه أبدا ... والسّهل فيها مشاكل الوعر شتاؤها حتف من يقرّ بها ... بثلجها المستدرّ والقرّ وشمسها فى المصيف محرقة ... تقيد نيرانها على الصّخر عجزت يا محصى العيوب بها ... قدك أتحصى عجائب البحر؟ سمّيت الموصل المواصلة ... الحزن لمّا جاءها على خبر إن أذن الله فى الرّحيل فقد ... أعيد طىّ السّرور ذا نشر لأقتضى لذّة مطلت بها ... يعود ربحى فيها إلى خسر وأجتلى الخمر فى غلائلها ... حتّى يفرّى غلالة الفجر وشادن ملكته خالصتى ... إباحة لا تشان بالحظر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 تلمع كاساته كبارقة ... فى كفّه أو كذائب التّبر فديت من بعت فى محاسنه ... دينى بالإثم فيه والوزر وليلة ينتج السّؤال بها ... يصغر قدرا عن ليلة القدر سعدت فيها بذى مساعدة ... أقبض بالوصل مهجة الهجر أغترّ بالذّنب غير معتمد ... موّه صحو المراد بالسّكر يا لك من ليلة محسّدة ... تعدّ فى الدّهر غرّة الدّهر أحيى بدهر الشّباب دولته ... فما لدهر المشيب من عذر وقال قضّ بالخمرة الوطر ... واشرب الصّفو لا الكدر صد بها شارد السّرو ... ر ومن صدّ إذ نفر ليلتى لاعدمت مث ... لك يا غلطة القدر حجب الله منك ... فطنة دهر له غير قد تمرّغت فى النّ ... عيم وأسعدت بالظّفر أمرنا نافذ و ... ليلتنا كلّها سحر وقال اشرب غبوقا فالغرب قد نوّر ... وجاء والى الظّلام فى عسكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 ولّى نهار المصيف مشتملا ... غضّا وجاء الظّلام يستبشر فبادر العيش عند فرصته ... انّ زمان السّرور مستقصر قولا لمكتوم أولنى حسنا ... منك وما توله فلن يكفر أىّ عذول يراك كالغصن ال ... نّاعم تمشى بالرّاح لا يعذر وقال وممّا شجانى أنّه حين جاءنى ... يزفّ عقارا فى غلالة نور تحاش باسمى كى يرينى مودّة ... فخادعت نفسى قائلا بسرور وفاضت على خدّيه حمرة خجلة ... ورصّف لفظا من صناعة زور ألم ترنى أرغمت بالفتك عاذلى ... وأسبلت من دون الحياء ستورى وعاقرت ريق الرّيم مروى غلّة ... ورقّصت كاساتى لماء غدير فيا ليت لى كانت من الدّهر خلسة ... أبثّ لها بالرّغم كلّ غيور وقال فى غلام نصرانى يا ربّ زور منعم مزاره ... يلحفه من ليلة إزاره بشّرنى ببذله زبّاره ... وحسن خدّ نصع احمراره يفيت بالحمرة جلنّاره ... يطلع منها قمرا أزراره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 عذّر فى عارضه عذاره ... فأعجل المهلة لى بداره جرى جواد لم يخف عثاره ... يؤخذ من بعد بقرب ثاره لا كان جرى لم يثر غباره وقال فديتك ما أظهر ... قليلا لما أضمر ولى بدن ناحل ... على الهجر لا يصبر أحاط بجسمى الهوى ... فحولى له عسكر لسانى له كاتم ... ودمعى له مظهر وقال طربت إلى عمّى وعاودنى ذكرى ... وقسّم شوّال بقدمته فكرى فكم فتكة لى فى ذرى عرصاتها ... أروح على سكر وأغدو على سكر طرقت بها الخمّار والنّجم طالع ... طلوع سنان قاصد ثغرة النّحر فأنكحنى خمرا رضيت نكاحها ... وأغليت بالسّوم المبالغ والمهر وقلت لساقينا أدر لى خمرة ... تنيل المنى وافجر بطلعتها فجرى فقام خلوب الدّلّ يجلو سلافة ... تشبّه فى كاساتها ذائب التّبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 كأنّ أباريق اللّجين إذا انحنت ... رقاب غرانيق تطلّع من وكر له مقلة تسبى العقول وفتنة ... تسقّطنى من حيث أدرى ولا أدرى عليم بوحى الطّرف حتّى كأنّما ... يخاطبه فكرى بما ضمّه صدرى فحطّ على حكمى رحال إجابة ... وسار بما أهواه طوعا إلى أمرى فيا ليلة قد أسعفتنى بطيبها ... وقفت عليها الدّهر ألسنة الشّكر وقال داو الخمار بخمره ... وصل الصّبوح بفجره وأطرب لفطر زائر ... أهلا به وبزوره مأسور آب فكّ أ ... يلول لنا عن أسره يأتى كمعشوق محا ... بالوصل أسطر هجره يا ليلتى بالقفص جا ... د لك العذول بعذره لمّا رأى رشأ يذيب ... العقل ذائب تبره متمرّدا فى سكره ... متمايلا فى خطره كالبدر إلّا أنّه ... بدر لسائر شهره فشربت خمرة كأسه ... ورشفت خمرة ثغره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 ووشا إلىّ ببذله ... زنّاره فى خصره وقال قد ضاع فيك صبرى ... يا راغبا فى الغدر فليس فيك أدرى ... منفعتى من ضرّى فهل أراك عمرى ... مهاجرا لهجرى وقهوة كالجمر ... تبر ولكن تجرى أدارها فى الفجر ... مقرطق كالبدر يضحك لى عن ثغر ... مثل صغار الدّرّ أصبح فيه سرّى ... مختلطا بالجهر «1» مفتتنا بالخمر ... أظلم فيها وفرى وقال ولعت ببيضاء شابت أسود الشّعر ... أشيبة أم خيال خاله نظرى فقلت هذا اعتداء الدّهر عاجلنى ... لطول مطلك لى فى أقصر العمر لا تأمنى فى زمان السّوء غدرته ... فانّه مولع بالغدر والغير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 كونى ولا تثقى منه على حذر ... ومن يفوت صروف الدّهر بالحذر فاستعبرت ثمّ قالت جدّ هزلك بى ... إذ تدّعى غلب الأحزان والفكر ولم يزل حبّها صعبا على أربى ... فيه المنيّة إيرادا بلا صدر وكيف أعطف بالشّكوى ورقّنها ... قلبا أشدّ لدى الشّكوى من الحجر وقال أيا من خان مخبره ... وعزّ الصّبّ منظره ومن أخفى هواى له ... ودمع العين يظهره أنلنى مالكى وصلا ... حقيرا لست أحقره ولا يمنعك قلّته ... أقلّ الوصل أكثره وقال يرثى جارية مغنية، كان لها موقع من قبله على قافية السين وقالوا اصطبر فالصّبر شىء عدمته ... لفقدى صفو العيش من منية النّفس عدمت الكرى لمّا عدمت بدائعا ... جعلن قرى نفسى بحلقك والجسّ لقد كنت إن غنّيت أغنيت لذّتى ... بصوت يعير السّمع ربحا بلا وكس أرقّ من الشّكوى وأحلى من المنى ... وأروح من أمن وألطف من حسّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 لعمرى لئن أصبحت سعدى وفيك لى ... رجاء لقد أمسيت باليأس لى نحسى فلو كان يفدى الميت حىّ فديتها ... بنفسى وفاء غير نقص ولا بخس وقال طلعت شمس عقار ... وسقاة كالشّموس فتلقّوها ببشر ... واغتباط بالأنيس وليدر كأس بدور ... فيه أهواء النّفوس واصل بعد جفاء ... ضاحك بعد عبوس قرّبونى من نعيم ... مبعد عن كلّ بوس أطيب العيش بدور ... تتمشّى بشموس أنجم المحروم هذا ... طالعات بنحوس وقال على قافية الضاد وليل كأنّ الدّجن يجرى ببدره ... عدلت به لهوى بمعتدل غضّ ومشمولة دسّت خوادمها بها ... فأغرت بتوباتى وسائل للنقّض ظباء لها فى النّفس أمر محكّم ... وغمّ جرىّ الجور فى البسط والقبض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 وقال يرثى أباه على قافية العين يا ترب ضمّنك الممات مسوّدا ... كادت له نفسى تزول تقطّعا قد كنت آمل أن يقيك الدّهر لى ... صرف الحتوف وأن تكون مفجّعا حتّى رأيت المشفقين تقطّعت ... لما لهم ورأيت يومك مقطعا إن كان غيّر من محاسنك البلى ... ورمى فلم يترك لسهم منزعا فلقد فقدت محاسن الدّنيا به ... وكذا الزّمان مفرّق ما جمّعا وقال على قافية القاف يا من أريح من الفراق ... وفراقه بالهجر باقى أهوى الفراق وإن رأي ... ت الموت فى شخص الفراق لتقارب عند الوداع ... وقبلة عند العناق وكتب إلى أخيه هارون سيّدى أنت ومن لم ... يزل الدّهر يوفّق عندنا أطيب من ي ... ختاره السّمع وأحذق وأرى جامع شملى ... كلّما غبت مفرّق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وقميص الدّهر من بعدك ... قد أودى وأخلق إيتنا قد كسدت ... سوق الّلذاذات لتنفق أركب الكاسات كفّ ... الرّيم بالخمر المعتّق وقال يصف اللينوفر سقانى صفوا من سلاف كريقه ... وحيّا فأحيا قلب لهفان وامق بنيلوفر مثل الكؤوس شممته ... حكت ريحه ريح الحبيب الموافق حكى رقدة المعشوق قبل انفتاحه ... وبعد انفتاح الجفن تسهيد عاشق وقال على قافية الكاف منحتك الودّ منّى ... فجاز بالودّ منكا لو كان قلبى مطيعا ... طمعت فى الصّبر عنكا لكنّه فيك عاص ... يكفّ إن لم يعنكا إن خنت بالغيب عهدى ... فانّنى لم أخنكا وقال وزقّ صريع قطيع اليدين ... قتلناه عمدا ولم نبكه سفكت دما منه لم يؤذه ... وكان لى الحظّ فى سفكه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 معى طرب لا يطيع الملام ... وليس يقصّر عن فتكه وقال على قافية اللام ومحجّب نبّهته ... والشّمس تقرب للأفول نظرت إلى أفق الشّرو ... ق تلهّفا نظر العليل والضّوء ينحل جسمه ... وسقامها سبب النّحول ما نغّصته وصلها ... حتّى تردّت بالأصيل فأفاق معقول اللّسا ... ن وما تمتّع بالمقيل يرنو بمقلة جؤذر ... لم يخل يوما من قتيل لحظ الضّياء ظلامه ... من ناظرى فجر ضئيل قلت أهدني سبل اللّذا ... ذة بالرّحيق السّلسبيل وقال يمدح أباه يا ملزمى بالذّنب ما لم أفعل ... وموليا عن وجه ودّ مقبل أو ما نهاك جمال وجهك أن ترى ... متعاليا فى الظّلم غير المجمل عدل الخليفة جعفر فى ملكه ... وعلىّ فى ملك الهوى لم يعدل ملك يسابق وعده إنجازه ... ويجود مبتدئا بما لم يسأل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 سمّاه مقتدرا إله قادر ... وعلا به عزّ العلى والمعتلى طال الملوك بعفوه ونواله ... وكذا يطول لهم بعمر أطول وقال طاب عيشى برغم أنف العذول ... وتمتّعتّ من وصال وصول وأتانا الهواء عن غير وعد ... فرأينا تشرين فى أيلول فاقبل الكأس يا خليلى من سا ... ق مليح دلاله مقبول زاد طيب الأقداح كفّاه طيبا ... وأعار الشّمول طيب الشّمول وقال لحاظه تطمع فى نيله ... وتيهه يؤيس من وصله أفدى الّذى أسرف فى جوده ... فايس العاشق من عذله قلت له والغنج كحل له ... والشّكل منسوب الى شكله تنكر ظلم النّاس عشّاقهم ... وأنت تجرى بى إلى مثله؟ وقال يمدح سر من رأى ويزعم أنه سيسكنها قافية الميم كرّى الملام فباغى اللّوم مخصوم ... والدّهر مذ كان محمود ومذموم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 فقال فيها بسرّ من رى بلاد الملك طاب لنا ... معرّس عيشه باللهو منظوم أرض متى اختلست ألحاظها نظرا ... اهتاج ذو طرب وارتاح مهموم والحير والقصر والفاطول جنّتها ... والجعفرى بكفّ الدّهر مزموم منازل آنست دهرا فأوحشها ... ظلم الزّمان فمثلوم ومهدوم عفت وغيّرها وصل الرّياح لها ... والوصل منها بحبل الهجر محتوم أنّى أرى رجعة للدّهر يلحظها ... غنمتها إن وفت والعيش مغنوم وسوف ينزع بى ذكر يشوّقنى ... إلى ذراك فيبدو منه مكتوم وإن أحلّك لا آسى على بلد ... وحبله من جالى فيك مصروم أرجعة الدّهر هل وعد فامله ... أم عطف عدلك مفقود ومعدوم وما شجانى كذكرى خلتها حلما ... كأنّ قلبى لها بالذّكر مكلوم أين الزّمان الّذى أسهرت عاذلنى ... فيه وغودر خصمى وهو مخصوم بين الصّراة وكرخايا تمرّده ... والعيش من نكبات الدّهر معصوم والغصب دين وشرب الرّاح مفترض ... والهتك مستعمل والصّون مثلوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 وقال يفخر من ذا يقيم دعائم الإسلام ... ويعمّ بالإفضال والإنعام فينا النّبوّة والخلافة حكمنا ... ماض كما شئنا على الأيّام لا ينقض الأعداء مبرم أمرنا ... وبنا تمام النّقض والإبرام أمضى من الأجل المعجّل أمرنا ... يأتيك قبل الفكر والأوهام وقال على قافية النون حبيب ليس ينصفنى ... ومولى ليس يرحمنى أمرّ به فيبعدنى ... وأنصفه فيظلمنى ولى أمل يلوذ به ... يعنّينى ويطمعنى يضنّ بوعده فإذا ... أجاب إليه أخلفنى أما ترثى لمكتئب ... أسير فى يد الحزن وقال على قافية الهاء وابأبى من لست أنساه ... ومن على الهجران أهواه إن واصل النّسيان لى فى الهوى ... فانّنى واصلت ذكراه قال الصولى: وشعر الراضى كثير، وقد جئت بالمختار منه وفى بعضه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 أغان أجودها وأحسنها ما عمله عبد الواحد بن طرخان. وفاة الراضى وتوفى الراضى ليلة السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، وغسله أبو الحسن بن عبد الواحد الهاشمى وقد ولى القضاء. فحدثنى أنه ما رأى ميتا أحسن منه ولا أطيب عرضا ولا أنظف جسدا منه، وأنه كان يصب الماء عليه خادم أسود وأن القاضى أبا نصر كان واقفا يعينه على قلبه إذا أراد أن يقلبه لا يعينه من أمره على غير ذلك، وأنه لم يؤت بحنوط من الدار لأن الخزائن كلها أقفل عليها، ووكل بها فوجه القاضى إلى الكرخ إلى المعروف بابن أبى ذكرى العطار، حتى حمل من دكانه حنوط وجميع ما يحتاج إليه، وصلى عليه القاضى أبو نصر وحمل فى طيار فى دجلة إلى بين القصرين. وأخرج ثم حمل مع الخدم إلى الرصافة. فحدثنى من رأى مع الجنازة عشر شمعات بأيدى عشرة من الخدم، ودفن فى ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول. فكان جلوسه فى الخلافة من يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة إلى يوم وفاته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام. وكان مولده فى شهر رمضان سنة سبع وتسعين ومائتين، فكان عمره إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر وتوفى والوزير له سليمان بن الحسن، وحاجبه أبو الفهم ذكى غلامه. وقاضيه أبو نصر يوسف بن عمر بن محمد، وصاحب شرطته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 الترجمان محمد بن ينال، والأمير على الجيش، والغالب على الأمور بجكم التركى، وكان قبل وفاته مقيما بواسط، وكانت به علل كثيرة، وكان يقول أنا مذ حبسنى القاهر عليل إلى وقتى هذا وتزايدت علته قبل وفاته بسنة وفسد مزاجه، وكان ذلك أصعب علله. وكان يلقى من فمه دما كثيرا، حتى ألقى من فمه فى يومين وليلتين- على ما قال سنان- أربعة عشر رطلا، وكان أكثر ذلك بحضرتنا ولقد أعطاه سنان دواء يأخذه بملعقة فبقيت الملعقة فى يده ساعة، كلما أومأ بها إلى فيه غلبه الدم. حتى أمسك قليلا فرمى بما على الملعقة إلى فيه، ثم عاوده الدم. وكان مع هذا فى جوفه غلظ تزايد فى آخر أيامه، وكان كثير الخلاف على من يطبه، لا يقبل مشورته، ويضمن أن يحتمى ولا يفى بضمانه وكان الجماع والشراب أعظم آفاته مع عشاء يديمه كل يوم على غير حاجة إليه، وهذا ما ذكرت من أخباره أنه لم يكن فيه عيب إلا مسامحته نفسه فيما تشتهيه، وما كان أكله بالكثير ولا شربه، ولكن شهوته زادت على طاقة جسمه وقوته. ومن شعره عند زيادة علته أيا نفس كونى بعد علمك والفحص ... على حذر وارضى من الكلّ بالشّقص ثقى واعلمى أنّ الممات معجّل ... إلى كلّ ذى زهد عزوف وذى حرص ولا تطلبى حال التّمام فانّه ... إذا تمّ أمر المرء آذن بالنّقص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 ومن شعره كلّ صفو إلى كدر ... كلّ أمر إلى حذر ومصير الشّباب ل ... لموت فيه أو كبر درّ درّ المشيب من ... واعظ ينذر البشر أيّها الآمل الّذى ... تاه فى لّجة الغرر أين من كان قبلنا ... ذهب الشّخص والأثر سيردّ المعار من ... عمر كلّه خطر ربّ إنّى ذخرت ... عندك أرجوك مدّخر إنّنى مؤمن بما ... بيّن الوحى والسّور واعترافى بترك ... نفعى وإيثارى الضّرر ربّ فاغفر لى الخطّ ... ية يا خير من غفر تمت أخبار الراضى بالله، يتلوه أخبار المتقى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أخبار المتقى لله قال ابو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله الصولى قد فرغنا من عمل اخبار الراضى بالله وذكر وفاته، وكانت ليلة السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول، سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ودفن فى التربة ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت منه وفى هذه الليلة دخل أحمد بن على الكوفى من واسط إلى بغداد. وهو كاتب الأمير أبى الحسين بجكم ومدبر أمر الدولة. وكان محمد بن ينال الترجمان قد عاد من الأنبار، فولى أبو القاسم سلامة أمر الدار ورسم بحجبة من يستخلف وتقدم إليه بحفظ الدار، فولى ذلك أبو الحسين القشورى فضبط أحسن ضبط، ختم على دواوين المستخلصة وعلى جميع الخزائن، ووكل بذكى حاجب الراضى وبراغب خادمه أحسن توكيل أراهما أنه يريدهما لمعاونته، وكان معهما فى مكان واحد إلى أن تسلم منه الأمر. وذكر للخلافة جماعة فزعموا أن بعضهم أبى والتدبير إلى غيره وكان أبو الحسين أحمد بن محمد بن ميمون بن هارون الأنبارى يكتب للأمير أبى إسحاق ابراهيم بن المقتدر بالله، وأمه أم ولد. فسعى له فى الأمر، وتضمن عنه «1» كلما يراد منه ووصفه بتوق وصلاح، وأنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 لا يشرب النبيذ، وشاع له هذا فى الناس، وكتب به إلى بجكم فكتب أن يعقد الأمر له، بعد أن يجمع مشايخ بنى هاشم من ولد على والعباس صلوات الله عليهما، ومشايخ الكتاب ووجوه العدول والتجار، ليقع إجماعهم عليه. ولا يكون هو المنفرد بهذا الرأى، ولا المختار له دونهم. فوقف الأمر بهذا السبب أياما إلى يوم الأربعاء لعشر ليال بقين من شهر ربيع الأول فقال لى البرجمالى فى عشية الثلاثاء اختر للخليفة اسما فكتبت له رقعة فيها ثلاثون اسما وكتبت مثلها ودفعت واحدة إليه وأنفذت الأخرى إلى أحمد بن محمد بن ميمون، وضمنا لى إخراج حق التسمية، وما وفيا لى من ذلك بقليل ولا كثير، ولا عوضانى ولا شفعا لى ولا أذكرانى واجتمع الناس فى يوم الاربعاء لعشر ليال بقين منه فى دار الأمير بجكم، وحضر أبو الحسن على بن عيسى تاج الدولة وجمالها، وشيخ الإسلام، وحضر الكرخى محمد بن القاسم، وأبو بكر عثمان بن سعيد الصيرفى صاحب ديوان الجيش، وتخلى احمد بن على الكوفى فى حجرة فى الدار مملوءة بوجوه الناس، فوجه إلى جماعة من الأشراف فوصلوا إليه مع على بن عيسى فخوطبوا، فكان أول من تكلم وتبع الناس قوله أبو الحسن على بن عيسى، فأنه قال: الله مطلع على النيات، عالم بالخفيات وليس لنا إلا الظاهر، ليس فيمن أسمى أحد يبلغنا عنه ما يبلغنا عن أبى اسحاق ابراهيم بن المقتدر بالله؛ فان كنتم عازمين عليه فاستخيروا الله جل وعز، وأمضوا أمره. فقال له أحمد بن على الكوفى: إن الأمير أعزه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 الله أمر أن يسمع منك، وان يقبل رأيك، ونحن نعمل على هذا. فقال جميع من حضر مثل قوله. فمضى ابن ميمون والترجمان ليحدراه من داره التى بحضرة دار البطيخ فدخلا إليه وهنآه وأخرجاه فسار فى الماء الى الحسنى دار الخلافة، والناس حوله يدعون له إلى أن صعد. وقد نظر فى رقعة الأسامى فاختار منها المتقى لله، وصعد إلى رواق الخورنق فصلى ركعتين على الأرض، ثم جلس على السرير، وبايعه الناس باقى يومه وأياما بعد ذلك. وكل من بايعه أحلف على طاعته ونصيحته، وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه. ودخلت من الغد أنا وجماعة من المرسومين بالمجلسة فبايعناه، وحجبه أبو القاسم سلامة أخو نجاح الطولونى، فوقف موضع الوزير عند ابن ميمون، فاستأذنته فى الإنشاد فأذن فأنشدته: شهيداه إن لم تظلميه نحول ... ودمع له فى وجنتيه همول وهى قصيدة كنت مدحت بها المكتفى بالله، فلما دخلت قال لى ابن ميمون أما عملت شعرا؟ وما كنت عملت- فقلت أعمل الساعة فقلبت مواضع القصيدة وكتبتها. أيرضيك أن تضنى فدام لك الرّضا ... سيقصر عنه حاسد وعذول تقول وقد أفنى هواها تصبّرى ... فوجدى على طول الّزّمان يطول تجاوزت فى شكوى الهوى كنه قدره ... وما هو إلّا زفرة وغليل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 وما أرقت عين لها فيه ليلة ... فخف عليها الحبّ وهو ثقيل وجدت إلى قتلى سبيلا وليس لى ... إلى الصّبر والسّلوان عنك سبيل فدونك نفسى فاجعلى تحفة الرّدى ... حشاشتها إذ حان منك رحيل ويكبر من يلقى إليك بودّه ... وإنّ هوانى فيكم لفليل وما ازداد إلّا صحّة بعدك الهوى ... ولكنّ قلبى ما نأيت عليل لعمرك لا أتبعت ما فات بالأسى ... ورأى أمير المؤمنين جميل هو الدّين والدّنيا فليس لطالب ... ولا راغب عمّا لديه مميل سمّى خليل الله لازلت مقبلا ... عليك بنعمى ذى الجلال قبول وقاك الّذى سمّاك متّقيا له ... فأنت عماد الدّين ليس يزول أديل بك الإسلام فازداد عزّة ... فأنت من الدّهر الغشوم تديل مطيعك أنّى حلّ فالعزّ جاره ... وعاصيك لو نال النّجوم ذليل مددت على الاسلام أكناف نعمة ... لأعطافها ظلّ عليه ظليل فأضحت عيون العدل تسموا بلحظها ... وأصبح طرف الجور وهو كليل أضاءت بك الدّنيا فأشرق نورها ... وأنت الّذى يذكى سناه أفول فكلّ علاء إن سموت مقصّر ... وكلّ فخار إن فخرت ضئيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وكلّ سناء من طريف وتالد ... إليك مشير بل عليك دليل ولولا بنو العبّاس عمّ محمّد ... لأصبح نور الحقّ فيه خمول لكم جبلا الله اللّذان اصطفاهما ... يقومان بالأسلام حين يميل نبوّته ثمّ الخلافة بعدها ... وما لهما حتّى اللّقاء حويل أتتك اختيارا لا احتلابا خلافة ... لك الله فيها حافظ ووكيل حباك بها من صانها لك إنّه ... باتمام نعماه عليك كفيل ولو حدت عنها قادها بزمامها ... إليك اصطفاء الله وهى نزيل ثوت حيث أثواها المليك بحكمه ... وليس لما أثوى المليك حويل ولا زال موصولا إليك حنينها ... كما حنّ فى إثر الخليل خليل ليهنيك يا خير البريّة ناصح ... له خطر فى العالمين جليل لقد شدّ أزر الدّين مولاك بجكم ... به يتسامى ملككم ويطول هو الحتف مصبوبا على كلّ ناكث ... يظلّ به أيدى الشّقاء نحول فما لكم فى المنعمين معاند ... وليس له فى النّاصحين عديل فلا زلت محروسا لك الملك دائما ... بقاؤك ما واصى الغدوّ أصيل لعبدك إذ سمّاك رسم مشهّر ... به يتسامى فى الورى ويصول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 ومثلك أعطى رسمه متنوّلا ... فما زلت تعطى منعما وتنيل فجعلت إذكارى له تسميتى آخر القصيدة ليفهمه، فو الله ما وصل إلى منه عاجل ولا آجل شيئا، حتى انقضت أيام ولايته. وليس هذا الشعر كجودة أشعارى فى الراضى بالله، لأن ذلك كان أعلم الناس بالشعر فكنت أتنخل له الألفاظ، وأختار علوى الكلام وولى الخلافة المتقى لله وجعل صاحبه سلامة، وكان سليمان بن الحسن المرسوم بالوزارة. وأمره المتقى لله أن يركب إليه فركب مرات، ثم إنه ارتعد يوما وهو واقف بين يديه ونالته خطرة من رطوبة فخرج يهادى بين اثنين ولزم منزله. وعقد المتقى لله لبجكم لواء وجعله أمير الأمراء ونفذ به سعيد بن خفيف الحاجب إلى واسط، وخرج أمر بجكم أن يلى أبو عبد الله محمد بن أبى موسى قضاء الشرقية والجانب الشرقى من مدينة السلام، وكانا إلى أبى نصر يوسف بن عمر وإلى أخيه. ثم وجه السلطان إلى أبى نصر قد أقررتك على عملك، فحكم فى آخر شهر ربيع الآخر وعرف منه سداد ورشد، ووقع فى القضاء تخليط بسبب أبى عبد الله ابن أبى موسى الهاشمى وشهادة العدول له ثم عليه شهادتين متضادتين، فسفر فى إبطال أمر أبى نصر فعزل، وولى أبو عبد الله محمد بن عيسى الضرير قضاء الجانب الشرقى والشرقية، وولى أبو طاهر بن نصر قضاء المدينة وخلع عليهما يوم الخميس لتسع خلون من جمادى الآخرة وجلسا وقرآ عهدهما وحكما، وصرف ابن بريه عن الصلاة بالجامع الغربى، وولى ذلك حمزة لتسع بقين من شهر ربيع الآخر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وقرىء كتاب عن الخليفة يأمر الناس بالاستسقاء، فخرج الناس يوم الاثنين لست بقين من شهر ربيع الآخر أهل الجانب الشرقى إلى المصلى، وأهل الجانب الغربى إلى ميدان الأشنان ومعهم حمزة الإمام وحكى أن المتقى لله ما زال يصلى فى داره على الأرض، ويلصق خده بالتراب ويدعو. وخرج الأمر بأن يصلى أحمد بن الفضل بمسجد براثا، وجعل فيه منبر مكتوب عليه «مما أمر به الرشيد سنة اثنتين وتسعين ومائة، على يد الفضل بن الربيع» وجعلت الصلاة بالجانب الشرقى إلى أحمد بن الفضل أيضا، وكان يصلى هو بالناس فيه ويصلى ابنه بمسجد براثا، ثم صرف أحمد بن الفضل بن عبد الملك عن مسجد الرصافة بأبى الحسن بن عبد العزيز. وكان من أول الحوادث أنه قطع على القافلة الخارجة من مدينة السلام إلى خراسان فى جمادى الأولى، قطع عليها أكراد الشادنجان، وكان لؤلؤ يحميها ومعه جماعة من الأتراك فكثر عليه الاكراد ودام المطر فلم تعمل قسى الاتراك شيئا وإنما هى عدتهم فتمكن الاكراد منهم بالسيوف والرماح فملكوها كلها، وكان فيها من العين والورق ما مبلغه ثلاثة آلاف ألف دينار، ومن الأمتعة ما قيمتها نحو ذلك، وكان أكثر المال لأصحاب بجكم أنفذوه إلى بلدانهم بخراسان ولقد حدثنى بعض من يخبر الأمر، وهو المعروف بعدل حاجب بحكم أنه كان له وحده ثلاثون ألف دينار، ولسائر قواده أموال جليلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وحدثنى من أثق به من التجار أن تاجرا من قطيعة الربيع حمل أمتعة فى هذه القافلة لزمه لكرى أحماله نحو ألفى دينار، فما ظنك بمتاع هذا مبلغ كرائه! وكم تظن أن قيمته تبلغ؟ وإنما كثر المال فيها والمتاع لأن قوما من مياسير التجار خرجوا بجميع أملاكهم هربا من جور تكينك التركى صاحب أمر بجكم كله، فانه أفرط فى ذلك وأسرف وبجكم لا يعلم بما يفعله بالناس، فلما صح ذلك عنده وجه بأبى حامد الطالقانى من واسط حتى قبض عليه، فلما وصل إليه حبسه وأخذ منه مالا وكان بجكم يزعم أنه قد فقد مما كان عنده أموالا جليلة. ولما رأيت أنا أن المتقى لله لا يريد جليسا، وما سمع بخليفة قط قال: لا أريد جليسا، أنا أجالس المصحف أفتراه ظن أن مجالسة المصحف خص به دون آبائه وأعمامه الخلفاء. وكان وحده دونهم، أو أن هذا الرأى غمض عليهم وفطن هو وحده له؟ فاستأذنت فى الخروج فأذن لى. ولقد كنا وقوفا بين يدى المتقى فقال لنا بعض الخدم: ليس هذا مثل الراضى هذا لا يريد الجلساء، فقلت لهم لئن كان هذا الامر كما زعمتم فانه ردىء لنا وردىء لكم، وأعظم الأمر أنه ردىء على الخليفة وعائد بخلاف ما يهواه ويقدره، فما زال بعض الخدم يقصدنى ويقول لى كان الأمر كما قلت لنا. ولما وصلت الى واسط دخلت الى بجكم فأكرمنى وقربنى وأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 أن يؤخذ لى منزل بقربه، وأدخلنى فى جملة ندمائه وذوى أنسه، ووصلنى سرا وعلانية، وكان ربما وجه الى بالعشيات اذا خلا، فأدخلنى أنا وقاضى واسط المعروف بالعسكرى، فربما شاورنا فى الشىء. وأنا أجمل وصفه ووصف حسن أخلاقه وجميل عشرته وعلو همته ومحبته، لأن تبقى آثاره بعده، كما بقيت آثار أجلاء الملوك. فجملة أمره أن كان عقله أكثر شىء فيه، فسأله جماعة من أهل واسط أن يأمرنى بالجلوس لهم فى المسجد الجامع يوم الجمعة، فتقدم إلى بذلك، فقلت له قد جعلت لهم مجلسين فى مسجد على بابى فى كل أسبوع، وأنا ما جلست ببغداد وهى بلدى ومولدى بعد فى المسجد الجامع! فقال لى إنى أحب أهل واسط وقد أحبونى وأنا حريص على عمران بلدهم وتبليغهم جميع ما يحبونه، فاجلس لهم فى الجامع ففعلت. وكان ربما شغلونى عن خدمته والأوقات التى يريدنى فيها لمواكلته ومجالسته، وكنا نخدمه فى كل يوم بلا نوبة، فجعل لنا من أجل مجلس الجمعة يومين فى الأسبوع الثلاثاء والجمعة نجلس فيهما فى بيوتنا فكنت مباركا فى ذلك على الجماعة المجالسين له ولقد قال يوما وكان يفهم العربية كلها اذا خوطب، ويحسن الجواب، ولكنه كان يقول أخاف أن أتكلم بالعربية فأخطئ فى لفظى، والخطأ من الرئيس قبيح، فلذلك أدع الكلام. فقال لى يوما أتدرى ما كتب به الى بعض أصحاب الأخبار- وما رأيتهم قط مع أحد اكثر منهم معه- ففزعت والله وقلت وما هو أيد الله الأمير؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 قال: طلبتك فلما قمت من المسجد قالوا بعدك أعجله الأمير ولم يتم مجلسنا، أفتراه يقرأ عليه شعرا أو نحوا ويسمع من الحديث! وقد ذهب عليهم أمرى أنا إنسان وإن كنت لا أحسن العلوم والآداب أحب أن لا يكون فى الأرض أديب ولا عالم ولا رأس فى صناعة إلا كان فى جنبتى وتحت اصطناعى، وبين يدى لا يفارقنى، كلاما يشبه هذا أو هذا معناه. فما زلنا فى أرغد عيش وأحسن حال حتى قدم واسط بعض الجلساء طالبا خدمته، فكرهت ذلك من جهات. فوصل إليه وأهدى إليه أشياء يتقرب بها، وكانت كراهتى له أن يجتمع الجلساء فيقال له فى ذلك، ووافق قدومه قدوم احمد بن على الكوفى واسط بعده بمال اجتمع له، فقال له ما أحب أن يكون جلساء الخلافة عندك، الصواب أن يكونوا على بابه. فدعانى عشية، وقال لى قد أجريت عليك ألفى درهم فى أيامكم وهى خمسة وأربعون يوما، وكذلك على اسحاق بن المعتمد وابن حمدون وعلى بن هارون- وهو الذى كان قدم عليه- وقد حضر خروجى إلى المذار «1» وقد أمرت لكم بمائة دينار مائة دينار. وهذه رقعة لك بألفى درهم صلة إذا وصلت إلى بيتك إلى بغداد فأوصلها إلى أبى عبد الله وخذها من وقتك، فانه لا يعطيكم الرزق إلا بعد مضى أيامكم، ولا تقم أكثر من شهر، أو حتى تقبض رزقك حتى تعود إلى، وجئنى بخطبة أمير المؤمنين معك، وكان القاضى العسكرى قرأها عليه منتخبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 غير تامة، ثم قال وأنا بعد هذا أحسن إلى جماعتكم حتى لا تفقدوا بقاء الراضى فقلت له فما بال العروضى والبربريين وهم فى جملتنا؟ فقال لى إذا قدمت بغداد فأجرى عليهم، وكان معه كتاب قد أمر بكتبه إلى الكوفى بمبلغ أرزاقنا فقلت له قد كرهت أن يكون الجلساء سبعة فاحمل أرزاق أربعة واترك ثلاثة، فدفع الكتاب إلى القاسم بن أبى القاسم الخوارى وكان يكتب بين يديه، وقال له ادفع الكتاب إلى ابن المنجم، فدفعه إليه فكان معه وخرج يوم الأربعاء وقال لى متى تخرج؟ قلت: يوم السبت فمضى إلى باذبين «1» فبات بها ليلة الخميس ودفع أبو زكريا يحيى بن سعيد السوسى كتابه فى ليلة الجمعة بأنه مقيم وأن الخبر ورد عليه بهزيمة بنى البريدى من المذار وأخذ أسرى من أصحابه، وقال له اعط الكتاب للصولى حتى يقرأه على الناس يوم الجمعة فى مجلسه فدفعه إلى ففعلت ما أمر، واقمت مستمليا لى على شىء عال حتى قرأه؛ فكثر ضجيج الناس بالدعاء له، وظنوا أنه سيرجع ونووا صدقات كثيرة، ثم ورد الخبر بالترحل عن باذبين يوم الجمعة وخرجت أنا من واسط يوم السبت، وقدمت بغداد يوم الجمعة وبكرت يوم السبت لأوصل الرقعة التى معى إلى احمد بن على الكوفى فوجدته مضطر بالطير سقط فى يوم الجمعة يخبر بأن الأمير قتله بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 الأكراد غرة، فبطل أمرنا فى الرزق وغيره، وقوى الخبر. وكان أحمد ابن على قد ابتدأ فى مطالبة الناس بالخراج فى النيروز الأول، فخرج أمر بجكم بتأخير الافتتاح إلى النوروز المعتضدى. وكنا بين يدى بجكم حتى ورد الخبر عليه بالقطع على القافلة بطريق خراسان، فامتنع من الطعام غما بذلك واضطرب له، وقال: لو ساغ لى أن أسير أنا فى طلبهم لسرت، وأمر الترجمان بأن يخرج فى طلبهم وقوى أمره فخرج، فما صنع شيئا. ورجع فى النصف من رجب بأديم كان وجد مطروحا وحمير، فقال بجكم لما بلغه: هو رجل جيد لغير الحرب. وانحدر الترجمان من بغداد الى واسط لعشر بقين من رجب فوافاها وقد شخص الى المذار. وورد الخبر بايقاع صاحب خراسان بأخى مرداويج وهزيمته اياه. وقد كان ورد على بجكم قتل ما كان فاحتجب ثلاثة أيام عنا غما بما ظهر فقلنا له فى ذلك فقال: هو مولاى، كنت أقدر أن يرى ما صرت اليه، ثم أجلسه فى مكانى وأكون معه وما رأيت فارسا مثله قط. ولما صح قتل بجكم حمل أحمد بن على الكوفى مالا كان قد اجتمع عنده الى المتقى لله، ووجد المتقى فى دار بجكم أموالا كثيرة مدفونة فى مواضع منها، حول البستان فى خوابى ودنان كثيرة، فاستخرجها وحملها اليه. ووجد القاهر- وكان فيما زعم يعذب فى أيام الراضى- فصرفه الى منزله، وصرف ابا جعفر محمد بن يحيى بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 شيرزاد الى منزله، بعد أن أدى مائتى ألف دينار، ولم يبق له شىء إلا باعه وتمحل واقترض. وظهر سعيد بن عمرو بن سنكلا، وكان كاتب الراضى فصادره أحمد بن على على خمسين ألف دينار وأحسن معاملته وكافأه، لأن ابن سنكلا كان أحسن اليه حين صودر، إلا أنا كنا نسمع بجكم يعجب من هذه المصادرة ويغتاظ إذا ذكرها، ويقول أقوالا لا أحب إعادتها وظهر على بن يعقوب، وكان يكتب لذكى الحاجب فصودر على سبعين ألف دينار وكتب المتقى لله بإحدار تركة بجكم والمصير بها اليه وبالأتراك، وأن تخلى عن الديلم فلا يأتى منهم بأحد، ففعل ذلك. فانحاز الديلم الى عدل الحاجب كان لبجكم وصاروا معه، واحتال تكينك حتى قبض على بعض الخزائن وعلى الترجمان وأقبل نحو بغداد، وورد من قبل الحسن بن عبد الله مال الى بجكم، فحمله الكوفى الى المتقى لله، وأطلق المتقى لله للفرسان الذين بالحضرة رزقة واحدة، وللرجال رزقتين. وهاج الحنبلية عند موت بجكم فقالوا طهرت السنة، وحاولوا هدم مسجد براثا، والايقاع بالضرابين واهل درب عون. فأخرج توقيع من المتقى لله بأخذ قوم من الحنبلية فأخذوا وضربوا ونودى عليهم وأمر ابن جعفر الخياط بحفظ مسجد براثا، وأن يضرب عنق من تعرض لهدمه وكان الترجمان وجد تكينك مقيدا فى دار بجكم بواسط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 فخلاه. فاحتال عليه تكينك حتى أخذه فكتب السلطان الى تكينك فى امره فولى امارة بغداد، ونادى ببراءة الذمة ممن تعرض لأحد من الجند الواردين من واسط، فدخل الجند بغداد فى أول شعبان، ودخل تكينك ومعه مال فى صناديق محمول على خمسة وعشرين جملا. فسلمه إلى السلطان ونزل دار على بن هارون اليهودى الجهبذ على قرن الصراة، بلصق دار المادرانى وابراهيم بن أيوب النصرانى، وخلع على جماعة من قواد الأتراك وأخر تكينك إلى يوم بعد ذلك، وطالب الأتراك ببيعة فقيل لهم ليس إلا رزقة، فقالوا لا نرضى إلا ببيعة ورزقة وخاصم توزون أبا الأسوار قائد الديلم فلما رأى الديلم ذلك اجتمعوا وكثر عددهم، وأمروا عليهم أبا شجاع جورغين بن القاراهى وورد الخبر بدخول أبى الحسين على بن محمد البريدى واسط وخلع على أبى الحسين احمد بن محمد بن ميمون للوزارة لعشر خلون من شعبان وجلس أحمد بن على الكوفى بين يديه، وكان يكتب على رقاعه إليه عنده أحمد بن على ووجه السلطان بمن يقبض على تكينك فى داره، وكان الخبر قد وقع إليه فخرج على الظهر وركب إلى واسط إلى ابن البريدى، وأفلت معه مال كثير. ووجه بأبى جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد إلى البريديين برسالة وقد وصلوا إلى واسط، ووصل تكينك إلى البريديين بواسط، فأكرموه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وقودوه، ولحق الجند بهم واستفحل أمرهم. وخلع على ابن النصر يوسف بن عمر لقضاء بغداد يوم الاثنين لست بقين من شعبان واشترط أن لا يقبل أصحاب السيوف، ولا يقبل فى حكم شفاعة، ولا يركب إلا إلى دار الخليفة ودار وزيره فقط. وخرج سلامة الحاجب وقواد الأتراك معه إلى الزعفرانية، لقصد البريديين ومحاربتهم، وذلك يوم الثلاثاء لثمان ليال بقين من شعبان ومعه الترجمان فأحس سلامة منهم بغدر ومكيدة فاستتر، ومضى وجوه الاتراك إلى البريديين بواسط، وبعضهم إلى الحسن بن عبد الله وخلع على أحمد بن اسحاق الخرقى، وولى قضاء مصر والشامات والحرمين، ومر فى الشارع والجيش معه، لاختصاص كان له بالمتقى لله قبل الخلافة ووافى البريديان أبو عبد الله وأبو الحسين، ومعهما أبو جعفر محمد ابن يحيى بن شيرزاد وكاتب الخليفة عنهما بسمعهما وطاعتهما، وأنهما جاءا ليصلح إليه أموره كلها بخدمتهما له، ثم نزلوا الشفيعى يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان، ومعهما جيش عظيم فى الظهر والماء ولقيهما الناس مسلمين وظهر الناس جميعا فلم يستتر إلا محمد بن القاسم الكرخى وسلامة الحاجب وابنه وأحمد بن على الكوفى، وأشار البريديان على المتقى لله أن يستحجب غلامه المعروف بابن خزرى ففعل ذلك وطلب أبو عبد الله البريدى من الخليفة مالا لرجاله فوجه إليه بمائة ألف وخمسين ألف دينار، وسفر بينهما فى ذلك ابن ميمون الوزير، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 واحمد بن عبد الله بن اسحاق القاضى، وابو العباس احمد بن عبد الله الاصبهانى، وكان هذا حين نزل أبو عبد الله النجمى ونزل أبو الحسين دار مؤنس المظفر، وما زال يستزيد من الخليفة مالا لرجاله حتى وجه اليه بتتمة أربعمائة ألف دينار. وصرف البريدى عمال الكوفى، وولى عماله. ووكل أبو عبد الله بن البريدى بابن ميمون الوزير فى داره بالنجمى توكيلا جميلا، وأعلمه أن القواد لم يرضوا به وزيرا وأرادوا الفتك به، فمنعهم من ذلك واعتقله اشفاقا عليه. وولى أبو عبد الله البريدى الوزارة فأمر بمحاسبة ابن ميمون فوجده قد اختان وضيع فصالحه على خمسين ألف دينار بحساب وموافقه ورخصت الأسعار. ونبل الترجمان عند البريدى وذاك أنه هو الذى فض عسكر الزعفرانية، وأعمل الحيلة على الحاجب سلامة حتى استتر، وكاتب البريدى بذلك فجعله الترجمان بينه وبين الأتراك والديلم وخص به. وحدر أبو الحسين احمد بن محمد بن ميمون الى واسط لينظر فى الاعمال وهرب قوم من الأتراك الى الموصل فوظفوا على أهل تكريت مالا عظيما، تجاوز مائة ألف دينار، فلقوا منهم عنتا وأغرقوا زواريق الدقيق وزوج الوزير البريدى ابنته من عبد الواحد أبى منصور بن المتقى لله، وركب اليه الى النجمى فنثر عليه دنانير كثيرة، يقال إنها كانت بدرة وقيل خمسة آلاف دينار ومائة ألف درهم، وأنشدت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 للوزير فى عشية ذلك اليوم قل لخير الكفاة أحمد أعلى الخلق جودا وأعظم النّاس قدرا والّذى يعشق المكارم والمجد ويشرى بالمال حمدا وشكرا ما رأى النّاس بالوزير البريدى كذا اليوم حسنا وفخرا أمطرتنا السّماء فيه بيمن ... وسماح منه لجينا وتبرا فالدّنانير هاويات تحاكى ... أنجما فى السّماء تنقضّ زهرا وتليها دراهم مشبهات ... أبردا تملأ الأماكن نثرا نافعات للحرث لا يذهب الحر ... ث فسادا ولا يصاحب قطرا غير أنّى انصرفت كاسف بال ... آسفا خاليا من الكلّ صفرا مضمرا حسرة لذاك وغمّا ... واجدا فى العظام منّى فترا ساكتا إن سئلت عن قدر حظّى ... لم أجد للسّؤال عندى خبرا جمع الله ذا علىّ وعيذا ... سالكا بى من التّقلّل وعرا شاهرا للغنىّ سيفا وقتّا ... لا به رأى يعالج فقرا فاغننى كيما عهدت عليه ... بعطايا أكرم النّاس طرّا وتحدث الناس بأن الوزير البريدى عازم على أن يدخل فى يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 الفطر إلى الخليفة المتقى لله، وتحدثوا بأن الديلم قد عزموا إذا دخل الدار يفتكوا به، فأضرب عن هذا الرأى وتشكك فيه. فخاف الديلم- وقد شاع عنهم هذا- أن يقع عليهم حيلة، فكانت لهم حركة وتجمع فى يوم الأحد بالعشى بالجانب الشرقى، فصاحوا خليفة يا منصور، وشتموا البريدى، وما ظهر فى الشرقى من أصحاب البريدى أحد إلا شلح وأخذ ما معه، وأصبحوا فى يوم الاثنين فملأ واشطوط الجانب الشرقى يشتمون البريديين واستشرفنهم العامة فأعانوهم، وما كانوا يطيقون العبور لأن أصحاب البريديين كانوا يرمونهم من الماء إلى أن عبر أهل فرضة جعفر بسميريات فعبروا فيها، وظهر ما كان ساكنا فى الجانب الغربى، وانضم إليهم وأعانهم العامة وكثروا معهم، وقصد الجميع النجمى فجلس الوزير فى طيار، وانحدر جميع أصحابه فى طياراتهم وزبازبهم، ووقعت الحراقة وتشبث بها قوم من الملاحين فظفروا بمال وطلب أسبابهم ووقع بدر الخرشنى بأيدى العامة بناحية الزياتين فضربته العامة واستخفت به، وجرى عليه ما لم يجر على مثله ولا شبيه له قط، وتخلصه من أيديهم بعض أسباب السلطان وقد قارب الموت وكان انحدارهم فى يوم الاثنين سلخ شهر رمضان وأحضر أبو الحسن على بن عيسى للوزارة فأباها، وتقدم إلى أخيه أبى على عبد الرحمن بأن يكتب عن الخليفة إلى الآفاق بجميع ما أراد، ومنع أبو الحسن أخاه من أن يعرض للوزارة. وقد كان الناس فرحوا بذلك واستبشروا ليخلع عليهما، وجعل الناس يركبون إلى دار الخليفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وقالوا يكون الأمير ابن الخليفة أبو منصور، ثم لم يتم ذلك. وولى الوزارة أبو إسحاق محمد بن أحمد بن ابراهيم الاسكافى المعروف بالقرامطى وأشار على الخليفة أن ينصب أميرا يكفيه أمر الجيش ويكون معاملتهم معه، فخلع على كورتكين الديلمى ويكنى أبا الفوارس للامارة فى يوم الخميس لثلاث خلون من شوال، ولبس الخلع وسار فى الشوارع إلى أن صار إلى الدر التى يسكنها على دجلة وهى دار نصر الحاجب. وخلع على بدر الخرشنى للحجبة لثلاث بقين من شوال، وأخرج كورتكين ابن اخته اصبهانى إلى، واسط وكان فتى حسن الوجه ومعه جيش فورد الخبر بدخوله إلى واسط وانحدار البريديين عنها. ووردت قافلة من خراسان إلى حلوان، فولى أبو محمد بن جعفر بن ورقاء طريق خراسان فمضى فتلقى القافلة وأوصلها مسلمة إلى بغداد وقبض على الحسن بن أحمد الشجرى العلوى من الدار التى كان يسكنها وهى دار على بن هارون بن علان اليهودى الجهبذ على قرن الصراة وكان هو وأصحابه قد آذوا الجيران غاية الأذى إلى أن انتقل اكثرهم ونهبت الدار، واجتمع جيرانها فأحرقوها، وقالوا نستريح من أن يسكنها أحد يؤذينا، فبقيت النار فيها أياما وكان ابن الشجرى قد اتهم بأنه قد واطأ جماعة على أن يجلسوا فى الخلافة عبد الله بن الراضى بالله بعد أن يوقعوا حيلة على كورتكين وكان سعيد بن عمرو بن سنكلا «1» النصرانى قد حمل إلى القراريطى ما لا قيل إنه خمسة آلاف دينار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 فركب إليه واثقا مع على بن يعقوب كاتب ذكى الحاجب، فلما صار إلى داره قبض عليهما، ووجه بابن سنكلا إلى دار السلطان، وقال له قد ضمنت مال بيعة فهاته فقطع أمره على ثلاثة عشر ألف دينار منها على ابن سنكلا عشرة آلاف دينار وورد رسول القرمطى الهجرى يطالب بضريبته التى رسمت له فى كل سنة لحفظ الحاج فوجه إليه منها بعشرين ألف دينار وخرج الحاج لأيام خلت من ذى الحجة، وقرب محمد بن رايق من بغداد وخرجت مضارب كورتكين إلى الشماسية مع المختار القرمطى فأخذها مع الجمال ونفذ إلى ابن رايق، وطالب كورتكين السلطان بالخروج معه فأخرج مضربه وأنفذ إلى ابن رايق مع خادم من خدمه كتابا فيه خطه يأمره فيه بأن يقيم حيث أحب ولا يقدم، وكان عمارة القرمطى قد خالف على ابن رايق وحاربه فقتل وجىء برأسه إلى ابن رايق، واجتمع من جند بغداد حجرية وساجية وغيرهم نحو ألفين خرجوا إلى ابن البريدى وقبض على الوزير أبى اسحاق محمد بن أحمد الاسكافى لخمس ليال بقين من ذى الحجة وخلع على ابي جعفر محمد بن القاسم الكرخى لأربع بقين منه ووردت كتب الحاج يشكرون أبا على عمر بن يحيى العلوى كل الشكر لما أولاهم فى طريقهم من حفظهم وإعانة ضعيفهم والتوقف عليهم. وكتب كورتكين إلى ابن اخته وهو بواسط بأن يصير إليه لقتال ابن رايق فجاءه وأخلى واسط فصار البريدى إليها، وأمر بأن يخطب بها لابن رايق وكان كورتكين قد ولى لؤلؤا غلام المتهشم واسط فشخص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 اليها فلما بلغه موافاة البريدى إليها رجع إلى بغداد فى ذى الحجة، وعيد الناس الاضحى على سكون وسلامة وطالب الديلم التجار بأموال فصار إليهم رجل يعرف بعبدون المتضمن كان لأمر الزواريق المصعدة والمنحدرة من مدينة السلام والبصرة ففتح على الناس أبوابا من البلاء عظاما، فلحقه قوم من غلمان التمارين وغيرهم وهو فى سميرية فقتلوه وأخذوا رأسه، فنصبوه فى التمارين فاضطرب الديلم لذلك وحملوا السلاح وقصدوا التمارين ليحرقوه ويتعدوا ذلك إلى ما يليهم من أسواق الكرخ فمنعهم كورتكين من ذلك، وضبط الديلم ووجه إلى التمارين أن لا يعاودوا مثل هذا الفعل، فعد الناس هذا من أفضل آراء كورنكين وترتب فى قلوب الناس من يعقل منهم، ويفهم مرتبة العقلاء. ودخل كورتكين إلى المتقى لله ليستبين ما فى نفسه قال إن أمرتنى بحرب هذا الرجل حاربته وإن أمرتنى بطاعته أطعته، وإن أمرتنى بأن انصرف إلى المكان الذى ترسمنى به فقال له بل حاربه، وأنا معك فقد جاء محاربا لأمرى فخرج كورتكين فأقام بنواحى عكبرا بموضع يعرف بالأنابين وجاء جيش ابن رايق فحاربوهم أياما فما أغنوا شيئا، وكان الديلم مستظهرين عليهم وولى لؤلؤ إمارة جانبى بغداد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذى الحجة ولما رأى محمد بن رايق أنه لا حيلة له فى الديلم وأنها قد عزت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 عليه وأن القليل منهم يفى بالكثير من أصحابه احتال إلى أن سلك العراض، ودار بالموصل إلى بغداد ووصل إليها من تخلص من أصحابه كالمنهزمين. ووصل ابو بكر بن مقاتل إلى مجلس الشرطة من الجانب الغربى فرأى الجسر مقطوعا فأطلق من وقته دنانير وأقام من أصلحه وكان معه قواد ابن رايق ابن لأبى مسافر محمد بن ديوزان. فلقى ابن مقاتل السلطان واستأذن لابن رايق فأذن له فدخل بغداد بعد يومين والديالم على جملتهم بموقفهم ونادى لؤلؤ صاحب الشرطة فى جانبى مدينة السلام: يا معاشر العامة إن أمير المؤمنين قد أباحكم دماء الديلم وأموالهم فما عرف أحد من شذاذ بغداد وملاحيهم وعياريهم موضع أحد من الديالم إلا نهبوه وقتلوه وأخذوا جميع أملاكه، ثم وافى الديلم ودخل كورتكين من باب الشماسية وذلك فى يوم الخميس لتسع بقين من ذى الحجة فجعل العامة يدعون له وهو يرد عليهم ومنع أصحابه أن يعرضوا لعامى فما زال يسلك الشارع الأعظم من الجانب الشرقى إلى أن وافى دار الخليفة وهو لا يشك أنه معه على ما فارقه عليه فوجد الأبواب مغلقة فجاء من جهة الشط فرمى من التاج بالنشاب فرجع، وخيبه الله عز وجل حتى صار إلى جزيرة حيال قصر عيسى لا يوصل إليها من الشارع إلا بسلوك دروب ضيقة فأقام بها وجعل سواده وبغاله فى الاصطبل الذى بالمخرم وهذا كله بين يدى وأنا اراه من دارى بقصر عيسى ورمى أصحابه بالنشاب من دجلة، ورأيت ابن رايق قد جاء فى سميرية ومعه غلامان يرميان حتى اعان من كان يرميهم من دجلة. وكثرت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 عليهم سميريات العامة يشتمونهم ويلعنونهم وهرب أصحاب ابن رايق حتى وافى بعضهم الأنبار وبعضهم المداين. وجاءنى بعض قواده فى تلك الليلة فرموا اسلحتهم عندى ومضوا مخفين لا يشكون فى أن كورتكين إن صار إلى الشماسية وبات بها ليلة لم يبق من أصحاب ابن رايق أحد. فما هداهم الله لهذا الرأى وأقاموا بمكانهم حتى أدركهم الليل فولوا يريدون الشارع مبادرين، فصارت هزيمة وضاربهم من فى الدجلة ورموهم ورميت عليهم الستر فى الدروب من فوق السطوح وازدحموا فكان منى الواحد منهم أن يخلص إلى الشارع وظفر قوم من أصحاب ابن رايق ومن العامة بجماعة منهم فى الجزيرة فقتلوهم وأخذوا دوابهم وأسلحتهم وعبر العامة إلى الأسطبل فوجدوا من سوادهم بقية فنهبوها، وفروا هاربين على وجوههم يريدون النهروان، إلا من اغتر منهم واستتر عند جار وعند صديق. وكشف الله عز وجل عن الناس أمرا عظيما مما أشرفوا عليه وخافوه، وأصبح الناس يطلبونهم ولا يظفرون بأحد إلا قتلوه أوحش قتل، وأمر ابن رايق باتباعهم فوجدوا قد عبروا جسر النهروان وقطعوه. وظفر منهم بنحو ثلاثمائة فحبسوا فى دار الفيل فى ظهر سور الحسنى وأدخل اليهم الرجالة السودان فخبطوهم حتى أتوا عليهم، وكان جماعة منهم فى دار فاتك حاجب ابن رايق فجعل يرمى بهم من الأروقة إلى السطوح، ويقال للعامة خذوهم، فيبادر العامة بقطع آنافهم وآذانهم وأصابعهم وهم قيام احياء، واستفظع الناس هذا الفعل واستعظموه وكرهوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وكانوا أودعوا فى ليلة الثلاثاء أقواما أموالا ففازوا بها، وظهر لهم يسار بعد أن كانوا فقراء وجعل العامة لا يلقون أحدا متشبها بالديالم إلا قتلوه، وإن لم يكن منهم، ولا يرون مع أحد منهم دراهم إلا قالوا له أنت كنت مع الديلم، وأنت تدرى أين هم فدلنا عليهم، ويقتلونه فى الطريق بحضرة الناس. وكان ذلك مما لم يعهد فعل مثله أحد، وهذا كله فانما جرى لركاكة مدبرى أمر ابن رايق، وجهل من معه، وأن الخليفة ليس معه من يشير عليه ويعرفه الواجب من غيره، وقد كان يبلغ من هؤلاء الأعداء ما يجب عليها، بقتل أحسن من هذا، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وبنهى العامة بعد أن ظفر بهم أن يتولوا بأيديهم قتل أحد حتى يصيروا بهم إلى سلطانهم. وكان قتل الديالم فى دار الفيل فى يوم الاثنين لخمس بقين من ذى الحجة. واخبر يوسف بن يعقوب البازعجى خليفة لؤلؤ على الشرطة بمكان كورتكين، فركب فاستخرجه من درب سليمان بقرب الجسر من الجانب الغربى، وصار به الى ابن رايق فحمله الى دار السلطان، وقبض على أخته أم أصبهان فطولبا بالاموال فلم يعترفا بشىء فحبسا ونحن نعيد أمره. وخلع على محمد بن رايق فى يوم الثلاثاء لأربع بقين من ذى الحجة، وجعل أمير الأمراء، وطوق بطوق عظيم مكلل، بالجوهر وسور بسوارين، وجعل يشكو ثقل الطوق إلى أن نزل فى دار مؤنس المظفر، ولزم الشرب ليله ونهاره أياما متوالية. وظهر أبو القاسم سلامة الحاجب، وظهر احمد بن على الكوفى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وصار إلى ابن رايق. فأما خبرى أنا فى آخر شهر رمضان وقت انحدار البريديين من النجمى، فان الديالم فى يوم الاثنين صاروا إلى دار ابن ينال الترجمان وهى ملاصقتى بقصر عيسى فنهبوها، وصعدوا سطوحها فوجدوها كالمتصلة بسطوحى، فنزلوا على من فوق سطوحى وأنا غافل ولى مجلس وعندى خلق من أصحاب الحديث وأهل الأدب فوثبنا إليهم وكلمناهم فما نفعنا شيئا، وخرج حرمناها ربات ولم يتركوا لى شيئا من ذخائر وغيرها، إلا أتوا عليها وأخذوا لى نحو مائتى قطعة من الثياب أكثرها من كسى الخلفاء وخلعهم، وأخذوا من الزجاج الفاخر والصينى ما لا يضبطه عددى، ووجدوا قطيعة من دفاترى فنهبوها، وأخذوا كل ذخيرة لعيالى وثوب وجدوه لهم، وجعل من كان عندى يخرج فيلقاه قوم منهم على بابى فيفتشه ويأخذ شيئا إن وجد معه. ولقد حدثنى بعض جيراننا أنه رآهم يتجاذبون على بعض الثياب حتى تخرق فيأخذ كل واحد قطعة منها، وأنه رآهم فعلوا هذا بمناديل دبيقية، وظفروا بصندوق فيه طيب قد ذخرته فكسروه فى الأرض فما وصلوا إلا إلى اليسير منه، وكذلك غالية كانت فيه وعنبروند وأخذوا لى سرجين أحدهما ثقيل وحمارا من اصطبلى حتى اشتريته بعد ذلك بعشرة دنانير، وأشد ما بقى على ان بعض ضعفى أصحاب الحديث كان يجيئنى بعد ذلك فيقول كانت معى نفيقة فأخذت فى دارك وأحتاج أن أعوضه من ذلك، فكانت قيمة ما ذهب لى نحو ثلاثة آلاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 دينار كلها لى ولعيالى، ما لأحد فيها شىء الا لأبى الحسين بن القشورى فان صاحبا له يعرف بابن الرايض كان معه سرج له فتركه فى دارى وكان يسكن عندى ليرجع فيأخذه، فنهب فو الله ما اكتسيت ولا عيالى إلى وقتنا هذا. وإنى لفقير مذ ذاك لا رزق لى ولا اتصال بمن يصلنى وينفعنى، أتقوت أثمان دفاترى وثمن بستان لى كان عيشى وجنتى، كل ذلك بشؤم مجاورة الترجمان لى. فسبحان من أفقرنى وأغنى غيرى من جيرانه حتى اعتقد به العقد وبعت عقدتى، وملك أمواله وذهب مالى! وأعجب من هذا كله أنى ظنننه انه سيترثى لى مما جرى على إذا عرف أمرى، فلما عاد إلى داره ناصبنى العداوة، وأراد منى أن يملك ما يجاوره من دورى، ويتسع به وبعشر ثمنه، وأن يشترى بستانى بدوران وقد أعطيت به نحو عشرة آلاف درهم، فراسلنى فى ذلك مرات فقلت لأبى الحسين القشورى- ولم يكن معه من يشبهه دراية وفهما- صاحبك هذا مجنون حين يعطينى هذه العطية. فقال لى: كذا قومه بعض جيرانك له. وزعم أنه أكثر ما أعطى به. قلت فلم لا تصدقه أنت؟ قال: الذى قال له ذاك أخص به منى، وآثر عنده. ولقد استدعى فى أول ما جاورنى مخالطتى وأن أنغمس فى أموره فأبيت ذلك خوفا من العواقب. ولقد كلفنى غير مرة أن أشترى له أشياء وأكتبها باسمى أو اسم من أثق به لئلا يعلم أنه هو المشترى، فأبيت ذلك عليه منذ أيام بجكم، لما فى مثل هذا من عاقبة السوء، ووجد غيرى ممن يريد هذا ويتمناه ويتصنع له. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 ولولا خوفى من إطالة الكتاب بما لا يحتاج الناس إليه، ولا يبالون بعلمه لذكرت ما أتفرج به فانى كالمصدور، يستريح إلى النفث وكالاناء ينضح بما فيه. والحمد لله على كل حال وهو حسبى وعليه متكلى، وأقول ما قاله عبد الله بن طالب الكاتب وأنشدنيه لنفسه: أحلت برزقى على رازقى ... ووكّلت أمرى إلى خالقى وقد أحسن الله فيما مضى ... كذلك يحسن فيما بقى وقد أتيت على جميع ما كان من الحوادث فى سنة تسع وعشرين إلى انقضائها. فلم يبق إلا ذكر من توفى فيها من أهل العلم الذين كان الناس ينتفعون بحياتهم، فأما الجهال فلا نبالى بأغنيائهم ولا فقرائهم ومن أهل الشرف والفضل توفى ابن الفدان العلوى يوم الأحد لسبع خلون من شعبان وحمل فدفن بالحير. وقبل موته بأيام مات البربهارى، فسبحان من سر المؤمنين بموته وفجعهم بموت ابن الفدان وهو فى وقته من أكرم الأشراف وأسمحهم كفا. وتوفى القاضى أبو الأسود بن موسى بن إسحاق الانصارى، وكان قد حدث ومات أبو على بن إدريس الحمال فى آخر يوم من رجب، وكان من قدماء العدول وقد سمع حديثا كثيرا، كنت أراه عند الحارث ابن أبى أسامة وكان يقدمه ويؤثره ومات رجل يعرف بجعفر البارد وكان قد حدث، وسمع الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 منه، ومات منهم رجل يعرف بالسواق فى شوال. ومات منهم رجل يعرف بأبى عبد الله الأبلى، ومات المروزى المعروف بحامض رأسه، لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وقد سمع الناس منه حديثا كثيرا ومات لأربع بقين من ذى الحجة أبو بكر المعروف بابن بهلول الأزرق، وقد كان حدث وازدحم الناس عليه، وكان عالى السن وله إسناد ثم دخلت سنة ثلاثين وثلاثمائة ألزم محمد بن القاسم الكرخى بيته، واستكتب ابن رايق أحمد بن على الكوفى ووافى من البصرة سفن كثيرة من سفن التمر، فرخص حتى بلغ الألف سبعة دنانير وظهر عند إبراهيم بن أحمد بن اسماعيل صاحب خراسان ديلم فأخذوا وأفلت منهم قوم فقتلهم العامة، وظهر على كورتكين لثمان ليال خلون من المحرم فى دور سليمان، فأوصل إلى ابن رايق فوبخه وسلمه إلى دار السلطان، وكاتبت أخته ابن رايق وسألته أن يؤمنها فآمنها، فصارت إلى أخيها كورتكين وطولبا بأموال، وضرب كورتكين، وأخذ منه مال قليل وقال كل شىء كنت أفيده كنت أعطيه الديالم. وقد صدق فى هذا ما كان يدخر شيئا. وانحدر ابن رايق إلى واسط لاحدى عشرة ليلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 خلت من المحرم بعد أن فرق على جلسائه جملة دنانير فكان ممن نادمه فى ذلك الوقت على بن هارون المنجم فأمر له بألف دينار، وصرت أنا إليه لأودعه وهو فى الزبيدية فقال لى ألست معى فى هذا السفر؟ قلت إن أمر الامير، فجذب الدواة ووقع لى بخمسائة دينار بخطه فقلت لأبى عبد الله الكوفى إلى من هذه؟ فقال إلى أبى بكر بن مقاتل. وانحدر من ليلته وبكرت بالرقعة إلى ابن مقاتل فقال هذه مبهمة يعطى خمسمائة دينار مبهمة، ولو كانت إلى لخاطبنى. فأخذتها وانحدرت من وقتى إلى المداين فعرضتها عليه فوقع: يا أبا بكر أطال الله بقاءك ادفع اليه خمسمائة دينار، فدفع إلى مائة وخمسين دينارا، وقال أنا أدفع اليك الباقى بواسط فأضفت إلى ما أعطانى مثله، وتحملت وخرجت إلى واسط فما دفع إلى ابن مقاتل شيئا، وكلما وقع إليه بتوقيع قال أفعل ونحن فى إضاقة إلى أن صالح البريديين وشخص عن واسط، ولزمتنى مؤن أحوجتنى إلى أن بعت شيئا كان لى بالبصرة وأنفقته انتظارا لوعده، فما وفى بشىء، ولا أطلق لى درهما واحدا، فجئت اليه فى اليوم الذى صاعد فيه وقد تقدمه ابن مقاتل إلى بغداد، فقلت أنهضنى أعز الله الأمير إلى بغداد كما أخرجنى أمرك عنها. قال الحقنى بنهر سابس، فعلمت أنه لا يفعل شيئا فجلست مضطرا. ووافى أبو الحسين فصرت إليه فأكرمنى وقربنى، وكذلك ابو يوسف وتكفل بأمرى كله. ووصلنى سرا وعلانية أبو القاسم عبد الله بن أبى عبد الله الوزير، وأما الوزير أبو عبد الله فانى لم أجده كما عهدت، على أنى نكبت بعده، إلا أنى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 أرجع منه إلى عشرة ثم إن أبا الحسين لم يدعه حتى وصلنى وأضاف إلى ذلك صلة منه، ووصلنى أبو يوسف وأمرنى بملازمته ووصفنى وقال قد سألنى أهل البصرة أن أقدمك عليهم، وزعموا أن علومهم مجتمعة عندك، فتضمنت له ذلك وتغير الوزير لى وجعل يثلبنى قوم عنده يختصون به، لست منهم فى شىء، وخاصة لما شخص أبو الحسين يريد بغداد فانه كان يكلمه فى أمرى ويقوم بنصرتى إلى أن حجبنى أياما، ثم أذن لى وأراد أن يمنعنى من الجلوس فى الجامع للناس، وتقدم بذلك إلى المعتمدى فقيل له إن الخلق كثير، وليس المنع من حديث رسول الله صلى الله عليه يحسن عند الناس. فأضرب عن ذلك وكنت أتأخر فيعتب على وأحضر فيعنتنى فان سأل عن شىء فأصبت فيه خالفنى، وأعانته العصبة التى حوله فقال لى يوما- ولولا أن ما أحكيه داخل فى باب العلم والافادة ما حكيته-: كم بالبصرة من قبيلة ليست بالكوفة، وكم بالكوفة من قبيلة ليست بالبصرة؟ فقلت بالبصرة المهالبة، والمسامعة، والجاروديون، وباهلة وبالكوفة بنو أسد عدة مواضع وليس بالبصرة إلا مكان زعموا أنه سمى بغيرهم، وبها الاشاعثة. وبها المقيثون. فقال ذهب عليك الأعظم وبنو حمان بالكوفة وليس هم بالبصرة! فقلت بلى هم بالبصرة فقال كذبت، فقلت والله الذى لا إله إلا هو ما كذبت منذ عرفت قبيح الكذب، فقال يا يانس هات مائتى دينار فجاء بها فى صرة، فقال إن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 كان بالبصرة بنو حمان فهى لك وإلا غرمتك نصفها ووهبته، فقلت الوزير أعزه الله يتفضل على ويهب لى أضعاف هذه وما كنت لآخذ على هذه الجهة شيئا ولو كانت ألفى دينار ولكنى أحدث الوزير أعزه الله بشىء يتفضل باستماعه ثم يأمر بما شاء، قال هات. قلت رميت وأنا صبى فى سنة خمس وسبعين بالبصرة مع إنسان يعرف بابن طاهر الهاشمى وهو يعيش، فكان رمينا: خرجه عندى فأجذبه إلى العتيك وخرجه عنده فيجذبنى إلى هدف بنى حمان، ويحضرنا ألوف من الناس ولقد أنشدنى ابن ذكرويه لنفسه حزب العلاء نضلتهم فترحّلوا ... طاب الرّحيل إلى بنى حمّان هذا أبو ساسان قد أشجاكم ... ماذا لقيتم من أبى ساسان وهؤلاء بنو المثنى وبنو عبد السلام، فأن شاء الوزير أن يستعلم هذا منهم فليفعل فما رد جوابا وأمر بدفع الدنانير وقال لى يوما من الذى أكل تمرا وهو رمد من إحدى عينيه فنهاه النبى صلى الله عليه، فقال إنما آكل من شق عينى الصحيحة؟ فقلت هذا صهيب، فقال أخطأت والله هذا عامر بن فهيرة. فقال له بعض من كان عنده وهو اليوم ببغداد: هذا مشهور عن عامر، فقلت أعز الله الوزير لا تلتفت إلى قول من لا يدرى حدّثنى عون بن محمد الكندى قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا عبد الله بن المبارك عن عبد الحميد بن صفى عن أبيه عن جده عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 صهيب قال قدمت على النبى صلى الله عليه وبين يديه خبز وتمر وقد رمدت إحدى عينى، فقال ادن فكل فجعلت آكل التمر فقال يا صهيب أتأكل التمر وبك رمد؟ فقلت إنى أمضغ من الناحية الأخرى! فتبسم صلى الله عليه. وحدّثنى عون قال حدثنا يعقوب بن محمد قال حدثنا عاصم بن سويد عن ابن اسماعيل بن مجمع عن عبد الحميد بن زياد بن صهيب عن صهيب قال جئت والنبى صلى الله عليه فى بيت كلثوم بن هرم بعد ما قدم من قباء بثلاث وبين أيديهم تمر أو رطب قد كاد يتمر وإحدى عينى شاكية فأكلت منه فقال لى رسول الله صلى الله عليه أتأكل التمر وبعينك ما بها؟ فقلت إنما آكل من شق عينى الصحيحة؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه حتى بدت نواجذه. فقال أرنى هذا فى كتاب، فقلت ما معى أصل ثم قلت لمن يجيئنى من أصحاب الحديث انظروا من عنده مسند فليجئنى بمسند صهيب، فجاءوا به فحملته اليه. فقال له صاحب الكلام فلعله قد قال هذا لعامر أيضا! فقلت هذا مسند عامر وهو كله ثلاثة أحاديث- وكنت قد استظهرت بأخذه- فنظر فلم يجد فيه شيئا فذهب المعترض يتكلم فقال له حسبك، الكلام فى هذا بعد ما وقفنا عليه قلة حياء وقحة، إلى غير هذا من أشباهه ولما أراد أبو يوسف الرجوع من واسط إلى البصرة جذبنى إليها ووعدنى وتضمن لى ما يرغب فى بعضه، فأعلمته أنه لا أصل معى من أصول الحديث ولا غيره وأنى ألم ببغداد وأحمل ذلك معى وأقصد البصرة. فقال لى فلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 تقيمن بعدى بواسط ساعة واحدة. فعرفت أن تحت هذا الكلام ما هو أعرف به وأعلم، وأنه قد نصح لى فشيعته ثم صاعدت من وقتى إلى بغداد فوجدت أبا الحسين بها والخليفة خارج عنها فاستأذنت عليه فلم يأذن لى، واذا كتاب الوزير قد ورد عليه: لا يدخلن الصولى اليك. فكنت مجفوا محجوبا، فلما شخص الى بغداد احتجب إذ أستتر يوما أو يومين لمعرفة الناس بكونى عندهم وثنائى عليهم، فكنت عند السيد الشريف أبى عبد الله الموسانى ثم خرجت لتلقى سيف الدولة لأنه كان فى حداثته يلزمنى وقد قرأ على علما كثيرا. فجمع بعض جيرانى بقصر عيسى جماعة من العيارين ووهب لهم دراهم وكان له سكان فى مثل حمام ودكان وبثهم فى نواحى بغداد يصيحون ألا إن الصولى قد خرج مع البريدى وكان هو مع ابن قرابة آفة الناس معه ووجه بهم إلى بستانى الذى بحضرة بستان حميد فكسروا دواليبه وجمروا نخله وهدموا أبنية أنفقت عليها ألفى دينار ولم يدعوا سقفا ولا خزانة الا نهبوه، وفعلوا مثل ذلك ببستان بدوران، وهو الذى كان لغج بن جاخ، وقد أنفق على أبنيته ألوف دنانير وما ترك فيه شىء، ورجعت من عكبرا فرأيت ذلك، وعلم به سيف الدولة، فقال ضع يدك على من شئت، فكرهت أن أصدقه عن الحال فى فعل جارى، وجاءنى أهل الناحية فعينوا لى جماعة فذكرتهم له، فأمر بقطع أيديهم فنظرت فإذا ما مضى لا يعود وما أفعله بهم يحقد على أمثالهم، فى زمان يتصنع كل قوم بألوان ويحدث فى الشهر منه دول، فأطلقت عنهم. فيا عجبا لقوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 حجبت عنهم وكان رئيسهم لى على هذه الحال، أتهم فيهم بهذه التهمة، ويفعل بى مثل هذا الفعل، ثم يضرنى ذلك عند بعضهم إلى الآن!. قد قضيت وطرا من ذكرى حالى وإعلامى من يعلم حقيقتها، وما جرت عليه، تفرجا بذلك واستراحة إلى شكواه إلى الناس. وأنا أعود إلى شرح الحوادث وما جرى إن شاء الله ولما انقضى أمر الديالم وخلع على ابن رايق للامارة ظهر أحمد بن على الكوفى من استتاره فاستكتبه ابن رايق لنفسه والخليفة، وأراد أن يخلع عليه للوزارة فامتنع من قبول اسم الوزارة، وعمل ما كان يعمله الوزراء، ودبر أمر الناس كله أبو بكر محمد بن على بن مقاتل، وصرف أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخى إلى منزله فكانت وزارته للمتقى اثنين وثلاثين يوما وشخص ابن رايق الى واسط فدخلها، وانحدر البريديون إلى البصرة، وكانت لابن رايق بواسط أمور عظام من تشاغله بالنبيذ ليله ونهاره، حتى أن رؤساء أصحابه لا يرونه إلا لحظة فى كل مدة وحضرت له دعوة عظيمة فى يوم صادفه فيه بعض الأتراك الى غير هذا مما يترك ذكره، ثم راسل البريديين وواقفهم على حمل، ورحل عن واسط الى بغداد وتجدد لهم رأى فى رد الوزارة الى أبى عبد الله البريدى فعقد ذلك له فى يوم الخميس للنصف من شهر ربيع الآخر، فى هذه السنة، وهى سنة ثلاثين وثلاثمائة. واستخلف له بالحضرة على خدمة السلطان وتدبير الطساسيج أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد، وحملت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 الخلع الى واسط، فلبسها الوزير، وركب فيها بين يدى داره وكنت أنا بواسط فقال لى: أعملت شيئا فى أمرنا هذا؟ فأنشدته شعرا والله ما مدح أحد منهم قط بمثله فيه وهو هنيئا للوزير قضاء دين ... به أضحى الزّمان قرير عين وعود وزارة سيقت اليه ... كعودة قرب حبّ بعد بين أبى عبد الاله أجلّ كاف ... تسمّح بالنّضار وباللّجين ويهنى ذاك يعقوبا أخاه ... وصنوهما الكريم أبا الحسين هما قمرا الزّمان وغرّتاه ... مريحا الملك من عار وشين أحلّا منه نصحا وافتقادا ... مصالحه محلّ النّاظرين وما كان الفساد وقد تعلّى ... ليخفضه سوى إصلاح ذين ويهنى ذاك عبد الله فيه ... فتاه فهو إحدى الحسنيين هلال لم تبدّده اللّيالى ... فينقصه مرور الفرقدين ترادفه السّيادة غير وان ... ويشبهه تشابه قرّتين كما أودعت سطرا من كتاب ... ولم تنقطه غينا بعد عين وزير مقبل الأيّام عال ... على أعدائه طلق اليدين يهين المال بالافضال جودا ... ومرقى الجود صعب غير هين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 سيقضيه الزّمان بطول عمر ... وتمليك الرّياسة كلّ دين غدت خلع عليه تائهات ... بعالى النّفس عالى الذّروتين جلت بسوادها ظلم اللّيالى ... كما تجلو سواد المقلتين بمنطقه يلوح الحلى فيها ... كما لاحت نجوم الشّعريين تباط معالق منها رقاق ... بمصقول رقيق الشّفرتين كرأى منه يفعل فى اللّيالى ... وفى الأيّام فعل النّيّرين فأعلى الله سادتنا جميعا ... وأبقاهم بقاء الفرقدين وقلّم عنهم ظفر المنايا ... بقرب مناهم وببعد حين وملك للورى وصفاء دهر ... يرين على عداهم أىّ رين فكم عذلوا على إفراط برّ ... فما أصغوا لعذل العاذلين أقول بما علمت مقال صدق ... بعيد الشّأو من كذب وشين لقد صانوا الوزارة بعد هتك ... وزانوها وكانت غير زين برأى مستنير للموالى ... وصعب للمعادى غير لين وأقلام تحكّم فى الأعادى ... كحكم السّيف والرّمح الرّدينى ويغنى الرّمح فيها عن ثقاف ... ويغنى السّيف عن إصلاح قين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 وتخفق بالّذى نهواه كتب ... تكون بها صلاح الخافقين ترى الأقدار مصعدة اليه ... تسحّب بين تسجية وطين ثوابكم على إصلاح ملك ... ثواب شهود أحد أو حنين فرعتم فى بنى الأحرار طورا ... يطول الرّعن فيه ذا رعين وزادكم محمّدكم علوّا ... ويعقوب شريف الجانبين ورثتم عنهما كرما وفضلا ... كذاك يجىء نجل الفاضلين لقد أصلحتم ما بين دهرى ... على رغم العدى كرما وبينى سأقضى فى مديحكم حقوقا ... كما يقضى حقوق الوالدين فوصلنى الجماعة على هذا وشكرونى سوى الوزير، فانه كان عنده بمنزلة أردإ الشعر وأوضع المدح ثم رأى السلطان وابن رايق أن يحلوا ما عقدوه من أمر البريدى وينقضوا ما أبرموه، فخلع على أبى إسحاق محمد بن أحمد الاسكافى للوزارة، يوم الاثنين لاحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى، وصرف به أبو جعفر بن شيرزاد إلى منزله وصح عند السلطان عزم البريدى على قصد الحضرة فى جميع رجاله، وذلك لمهانة ابن رايق ومطالبة ألف من الأتراك البجكمية له بأرزاقهم فلم يحسن أن يتلافاهم وترفق بهم، حتى شذوا عنه ومضوا إلى البريدى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 إلى واسط، وكان الترجمان يزعم أنه هو الذى أصلحهم له وأفسدهم على السلطان، فقووا نفسه وزينوا له ورود الحضرة، فركب المتقى لله الظهر فى يوم الثلاثاء، ثانى اليوم الذى خلع على القراريطى فيه للوزارة وأمر بالنداء فى العامة بلعن البريديين، وتحريضهم على قتالهم. وبين يديه مصاحف منشورة فسار من داره إلى الجسر وركب الماء وعاد إلى قصره وأمر باصلاح العرادات والمنجنيقات حوالى داره، وحفر خندق والحاجب فى الوقت سلامة واستدعى ابن رايق العيارين، فكان ذلك خطأ من رأيه عظيما وخرج أبو الحسن على بن محمد البريدى من واسط يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الآخرة ولما قرب من بغداد بلغ الخبز فى عسكره رطلا بدرهم ثم لم يوجد وفتح العيارون السجون، وكان هذا من فعل ابن رايق توطئة لما يريد البريدى، لكثرة العيث من العامة وغلبتهم على التجار واهل البيوتات. وعبر أصحاب البريدى نهر ديالى، فحاربهم القرامطة وبدر الخرشنى ساعة ثم انهزموا وفى الوقت الذى ركب الخليفة الماء من الجسر ورجع إلى قصره انقطع الجسر وانخلع الكرسى وهو مملوء بالنظارة، فغرق خلق كثير من رجال ونساء وصبيان وفى يوم الخميس لسبع بقين من جمادى الآخرة انهزم جيش ابن رايق والعامة، وغرق من العامة بين يدى النجمى خلق كثير لا يضبطهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 العدد، وخرج الخليفة وابن رايق إلى باب الشماسية وتبعهم الناس فباتوا بالبردان. وغرق أبو محمد بن سلامة الحاجب وكان فتى نفيسا قد تأدب وسمع حديثا كثيرا وملك البريدى الدار، ووجه بابن أبى داود الأوانى إلى الخليفة يحلف له أنه لا يريد إلا خدمته والانتهاء إلى ما يريده ويأمره به، فلم يلتفت إلى ذلك ورحل إلى سر من رأى، ولحقه الحسين بن سعيد بن حمدان فى عسكره. ونزل أبو الحسين البريدى دار مؤنس الخادم، ووجه إلى خدم الدار فأحضرهم. وأمرهم بحفظ الحرم، ووعدهم أنه يجرى عليهم جراية واسعة، وضبط أبو عبد الله الأعمال كلها ولقى الناس من الديالم وتنزلهم عليهم بلاء عظيما، وقال بعض من عاين الأمر فى ذلك الوقت: أى شىء كان أحسن من أن يوجه بألف فارس، ويضمن لهم مال حتى يردوا الخليفة وابن رايق فيجلس الخليفة فى داره ويوسع عليه، وعلى حرمه وحشمه فى النفقات، ويخلع على ابن رايق ويخرج إلى الشام على أجمل الحال، فيكون الظفر القبيح أحسن ظفر، وتحسن الأحدوثة. وركب السكرى حاجب أبى الحسين البريدى ونادى ألا ينزل أحد من الجند على الحد فكف البلاء قليلا. وخطب الخاطب يوم الجمعة فدعا للمتقى لله، ونودى إن وجد مع عامى سلاح قتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 ووافت من ابن طغج هدية سرية للخليفة إلى الانبار فلما علم بما جرى ردها إلى هيت، ورخصت الأسعار بمدينة السلام وسر الناس بذلك، وحصل السلطان بالموصل فى رجب، وقد كان العباس بن شقيق صاحب أمير خراسان وافى فأقام بالنهروان حتى يؤذن له فى الدخول فأذن له ووصل وجاء معه برأس ما كان الديلمى، وشهر فى دجلة فى غرة شهر ربيع الأول، وكان ركوب الخليفة إلى بثق النهروان يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر ربيع الأول فصلى عليه، فما انصرف جنده «1» حتى تهور السكر وعاد البثق إلى حاله ولما ملك جيش البريدى الدار نهبوا جميع ما وجدوا فيها، وداروا فى صحونها، وفعلوا ما لم يفعله أحد قبلهم، فقد كان الخلفاء يقتلون بسر من رأى ودورهم محفوظة مصونة، ولما دخل الحاج بغداد فى أول صفر سالمين دخل معهم أبو العباس احمد بن سعيد بن عقبة الكوفى وكان أحفظ الناس للحديث وأكثرهم كتابا له، فوعد الناس لجلوسه فجلس يوم السبت لست خلون، فى مسجد الشرقية فأملى وقرىء عليه وجلس بعد ذلك فى الجامعين الشرقى والغربى، وحدث وجلس فى براثا مجلسين، وأملى فضائل كثيرة وعز الدقيق بمدينة السلام فلم يوجد فبعث المتقى لله بأبى الفرج المالكى القاضى إلى الحسن بن عبد الله يأمره بإدرار حمل الدقيق، وقد كان الملوك بلغ ستة دراهم، فجاء الدقيق فى شهر ربيع الآخر فصلح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 السعر. وأخذ رجل يعرف بالكرخى يقطع فى طريق واسط حتى انقطع الطريق من أجله فقتل. وصرف القضاء من الجانبين ببغداد وتقلد القضاء بهما أبو الحسن أحمد بن اسحاق الخرقى لأيام بقين من شهر ربيع الآخر. وخلع عليه فى يوم الخميس، فنزل فى جامع الرصافة وقرأ عهده وقيل للحسن بن عبد الله إن ابن رايق قد عزم على قتلك، فبادره ففتك به وقد عبر إليه. ووافى بغداد الخبر بقتله لأربع بقين من رجب وأن السلطان زاد الفارس عشرة دنانير، وزاد الراجل دينارا، وقبضوا أرزاقهم على ذلك وتسحب الديالم على أبى الحسين البريدى، فلما رأى ذلك أمرهم باللحاق بواسط، وأن الوزير يريدهم فخرج أكثر رؤسائهم. وأخبر أبو الحسين البريدى أن جماعة من الأتراك قد عزموا على الفتك به. وأن الأمير أبا الوفاء توزون التركى رأس ذلك وصاحب التدبير فيه، وعلم توزون بأن الخبر قد فشا فبادر فكبس دار مؤنس ليلا. ونقب فيها نقوبا كثيرة فلم يصل إلى ما أراد وحاربه الديلم وأصبح فكثر الجيش عليه، ولم يخرج إليه من كان وعده ان يكون معه فصار إلى البردان ثم صار إلى عكبرا وقبض على العمال وأخذهم بجباية المال، فقصده جماعة من القواد فناوشهم فلما رأى كثرتهم صار إلى سر من رأى، وتأخرت أرزاق الديلم أياما فصاروا إلى الشماسية وصاحوا: خليفة يا منصور، فوجه إليهم فأرضاهم وعادوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وولى ناصر الديلمى شرطة الجانب الشرقى مكان توزون فالتزم وأنصف. وتواترت الاخبار بأقبال السلطان إلى بغداد، وأن الأمير أبا الوفاء حركهم وقال كلوا الأمر إلى وكونوا من ورائى فأخرج البريدى المضارب إلى الشماسية ليقاتلهم، وعيد السلطان بحبة من طريق ووافى، الموصل تكريت وأخرج البريدى الأتراك والديلم إلى المضارب بباب الشماسية وأنفذ أبا طاهر القاضى، برسالة إلى السلطان، بأن يجىء إلى داره، وينصرف هو والجيش عنه فعاد بجواب لم يحبه البريدى وهرب قائدان من قواد الديالمة فى أربعمائة نفس إلى السلطان. ووجه البريدى بالترجمان من واسط فى عدة ورجال، مددا لأخيه أبى الحسين، فدخل بغداد يوم الثلاثاء لاحدى عشرة ليلة خلت من شوال واتهم ابن شقيق صاحب أمير خراسان بأنه يضرب الجيش فأنفذه إلى واسط بعد أن أراد حبسه وتقييده، فمنعه الاتراك من ذلك عصبية له وخاف أبو الحسين البريدى أصحابه ولم يثق بهم فأرى الناس أنه مصاعد لقتال السلطان، ثم انحدر هو وأصحابه ليلا ورمى بعضهم العامة ووافى الحسن بن عبد الله بغداد ومعه مال أعده لعمارة بغداد وضياع السواد، وذهب لتوزون مال عظيم فعوضه الحسن من ذلك رزق عشرة آلاف دينار كل شهرين برسم المماليك، وضج الناس بالدعاء وضربت مائة قبة ودخل الخليفة بغداد يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال، وكان خروجه عنها يوم السبت، لسبع ليال بقين من جمادى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 الآخرة فكانت غيبته ثلاثة أشهر وعشرين يوما وحمل البريدى عماله. معه حين انحدر وصادر بعضهم وقلد الأمير توزون جانبى بغداد، وخلع على أبى إسحاق القراريطى للوزارة فى فى يوم الإثنين، لست بقين من شوال وقال الحسن بن عبد الله: مادة البريديين ضرائب التمر فتقدم بالنداء ألا يحمل أحد من التجار مالا إلى اسفل فغلا الثمن وبلغ ما لم يبلغ مثله قط ونزل الحسن وأخوه عند الشفيعى لينحدروا وغلت الأسعار فتشاءم «1» الناس بتلك الأيام، وقالوا: كان الرخص مع البريدى وخلع على الحسن ابن عبد الله وطوق وسور بسوارين وسمى ناصر الدولة وخلع على أخيه أبي الحسن وعمل به مثل ذلك، ولقب سيف الدولة وقرئت الكتب وأنشئت بذلك وصرف الحسن بدرا الخرشنى وولى أبا بكر احمد بن خاقان الحجبة وقد ذكرنا ذلك، وخرج أبو الحسين البريدى يريد بغداد، وخرج توزون فى مقدمة السلطان ووقعت الحرب لليلة خلت من ذى الحجة بموضع يعرف بالجال أسفل المدائن، فانكشف جيش البريدى وكان سبب ذلك انهزام الترجمان وأسر جماعة أحدهم يانس وقد ذكرنا هذا وشهر ناصر الدولة أسر البريديين فى الجانب الغربى يوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 الجمعة، وصلى بجامع المدينة. وجرت بينه وبين الصيارف بمدينة السلام خطوب كثيرة فى عيار الدنانير، حتى عمل عيار كالسندى أو مقاربا له، وزاد فى سكة الدينار- عند ذكره محمد رسول الله- صلى الله عليه، كأنه زاد صلى الله عليه، والوفاء زيادة حسنة جميلة وفضيلة له فى الدنيا والآخرة وولى ناصر الدولة عيسى جال وكان فى المستأمنة ميفارقين. ووافى سيف الدولة واسط، فأراد قوم من الديالمة أن يفتكوا به فظفر بهم فوجههم إلى بغداد فى زورقين، فقتل بعضهم ممن أقر وحبس من لم يقر وسقطت خضراء مدينة المنصور فى جمادى الآخرة فاغتم لذلك ولد العباس، وحدّثنى جماعة من التمارين أن ناصر الدولة خاطبهم فقال ما أعوض للضريبة على شىء سوى التمر، وبارك الله لكم فى كل شىء غيره يعنى ضريبة ما حصل ببغداد قالوا فقال له رجل إلى جانبه ونحن نسمع: والدبس فقال والدبس، فقال له والبسر فقال والبسر وقال الذى أو مأوا إليه أشرت بثلاثة ألوان فما قبلت منى: أشرت بأن يبادر الخليفة عند موت بجكم إلى واسط، وينفذ الجيوش إلى البصرة فلم يقبل، وأشرت بالقبض على تكنيك وأخذ ماله وهو جم تام فلم يفعل. وأشرت بأن لا يوجه بابن شيرزاد إلى البريديين فان ذهابه ينفعهم ويضرنا فلم يفعل، فجعلت على نفسى ألا أشير بشىء بعد هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ولما استوزر محمد بن أحمد الاسكافى فى المرة الأولى استخلف الحسن ابن أحمد الماوردى على النظر فى أمر العمال وعلى سائر الأعمال، وفلد أحمد ابن نصر البازيان أبا على الرقام إلى ما كان قلده إياه أحمد بن على الكوفى من ديوان المغرب، وأقر الباقين على حالهم، إلا أبا عبيد الله بن عبد الوهاب فإنه فلده الدواوين التى كانت إلى جماعة من خواصه لاستئثاره عنده، ثم قلدها الأوارجى كاتب محمد بن على بن مقاتل هذا جميع ما كان من الحوادث فى سنة ثلاثين وثلاثمائة ونذكر الآن من مات فيها. مات ابو عبد الله الحسين بن اسماعيل المحاملى القاضى يوم الخميس لثمان ليال بقين من شهر ربيع الآخر ونودى على حضور جنازته فى جانبى بغداد، وما كان بقى على الأرض محدث أسند منه، مع صدقه وثقته وستره رحمه الله. ومات فى صفر جعفر الدقاق لسبع خلون منه وكان حافظا للحديث فسبحان من بعد فى الستر والصدق بين الاثنين. وتوفى العباس بن المقتدر بالله يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة. ومات أبو بكر الشافعى الفقيه صاحب على بن عيسى يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ومات على بن محمد بن عبيد الله الحافظ لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال، وكان قد سمع حديثا كثيرا، وكان مولده سنة اثنتين وخمسين ومائتين وقد ذكرنا قتل ابن رايق، وورد الخبر بأن يانسا المؤنسى وعلى بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 خلف بن طياب قاتلا ابن مقاتل الصغير، المكنى ابا الحسن فقتلاه. (انقضت سنة ثلاثين وثلاثمائة بأحداثها) ثم دخلت سنة احدى وثلاثين وثلاثمائة اشتد فيها ناصر الدولة على الذعار لعيثهم وإفسادهم فكحل وقتل وعاقب فاستوى البلد قليلا وأنفذ أحمد بن على الكوفى للعمارة والنظر فى مصالحها وليوافيه على المال المفرق على الجند وقدم المرسوم بأنه سابق الحاج لثمان ليال خلون من المحرم وأخبر بأن بنى هلال بن عامر بن صعصعة وقفوا بالحاج، فقتلوهم ونهبوهم. ودخل الحسن بن بويه الرى، وهزم ابن محتاج صاحب ابن اسماعيل بن احمد. وفى المحرم من هذه السنة ضرب ناصر الدولة دنانير بعيار اختاره لم يضرب قط مثله إلا السندى بن على وكان الناس يكتبون على الدينار لا إله إلا الله من جانب محمد رسول الله من الجانب الآخر، ويذكرون بعده نعت الخليفة فزاد ناصر الدولة فى السكة- بعد محمد رسول الله- صلى الله عليه، فكانت هذه عندى أجل منقبة لآل حمدان ما كان لهم مثلها تفرد بها ناصر الدولة وبلغه مع ذلك أن الصيارف يربون رباء ظاهرا، فأحضرهم وحذرهم وأحلفهم، فتحسن قبيح أمرهم قليلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 وخلع على أبى عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم، وولى أرمينية وآذربيجان وعقد له لواء وصاح المسجنون بناصر الدولة واستغاثوا إليه من الضر والجوع والسجن، إلى جانب داره. فتأذى بهم وجلس لهم جاوس غضبان فأطلق وقتل وقطع وكحل؛ وكل هذا من الاجراء عليهم، فأخلى السجون فلم يترك فيها أحدا وخلع فى أول صفر على العباس بن شقيق رسول نصر بن احمد أخى اسماعيل وعقد لصاحبه لواء، فحمله غير منشور، ودفع إليه سيف وخلع سرية لصاحبه، وقد كانت لابن شقيق هذا خطوب من اتهام أبى عبد الله البريدى له وكتابه من واسط إلى أخيه ببغداد، أن يحذره فزعم العباس لما أفلت ورجع أنه أراد قتله، فمنعه وجود الأتراك من ذلك وأنه أخذ أكثر ما كان اشتراه لصاحبه من فاخر الثياب والفرش وغير ذلك، واحتج عليه بالاضاقة والحاجة الى مثل هذا. ثم إن ابن شقيق جد فى الخروج الى صاحبه، وقد كان ورد عليه الخبر بموته فاحتال أن كتب كتبا ونصب نبوخا ببطلان موت صاحبه، خوفا أن يعطف السلطان على ما بقى معه وما استفده بعد فيأخذه، فخرج عن بغداد وتبعه ناس كثيرون، فاله ثلج فى الطريق بقرب همذان، فمات أكثر الناس وذهبت أمتعتهم؛ وكان ابن شقيق أسوأهم حالا. وورد الخبر بغلبة الروم على أرزن وميافارقين، ومجيئهم إلى دارا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وسبيهم الرجال والنساء، فعظم ذلك على الناس وقصد ناصر الدولة المولدين من المرتزقة فأسقط أرزاقهم، ووفر المال على المقيمين بواسط لحرب البريديين، وأخرج كاتبه النصرانى المعروف بسهلون إلى ابن طغج فى صفر بهدايا كثيرة، وطلب مال للسلطان فخرج إلى هيت وركب البرية إلى دمشق، ومعه خلق عظيم فهلك أكثرهم ونهب ما كان معهم. وغلب البريديون على نواحى الجامدة، لخلاف وقع بين سيف الدولة، وبين توزون التركى وصار أحمد بن بويه ابو الحسن الديلمى إلى دجلة البصرة، فأقام حيال نهر معقل يحارب البريديين، فوردت كتبهم على ناصر الدولة يسألون الصلح وأن يولوا ويقاطعوا على مال يحملونه، فلم يجابوا. وورد كتاب الديلمى يسأل مثل ذلك فأجيب اليه وأنفذت الكتب جوابات كتبه، وخلع طمعا فى أن يزيل أمر البريديين، واتصلت الحرب بينهم إلى أن استأمن إلى البريديين قائد للديلمى فحمل البريديون بين يديه مالا عظيما واعطوه من الثياب والطيب وسائر ما يعطاه مثله. ما عظم وشاع ذلك واستعظم إلى أن خاف ابن بويه ان يستأمن رؤساء عسكره، لما اتصل بهم من الخبر بما عمل بالمستأمن، فرحل راجعا إلى الأهواز وتحدث الناس بأن القرمطى الهجرى ولد له مولود فأهدى اليه ابو عبد الله البريدى هدايا عظيمة فاخرة فيها مهد ذهب مرصع بالجواهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 وزوج الخليفة المتقى ابنه ابا منصور بابنة ناصر الدولة فى شهر ربيع الأول. ووقع الإملاك فى يوم سبت، ووكل ناصر الدولة، ابا عبد الله بن أبى موسى العباسى فى قبول ذلك عليه والقيام به عنه وجعل الصداق خمسمائة ألف درهم، وجعل النحلة مائة ألف دينار وصاعد ابن الخليفة بعد الاملاك إلى ناصر الدولة إلى داره بباب خراسان فنثرت عليه بدرتا دنانير التقطها من كان معه وأصحاب ناصر الدولة، وتغدى عنده فى اليوم الثالث جماعة من قواده وتجاره فرأيت الناس كالمجتمعين على أنه كان طعاما ناقصا عن المقدار، مقصر الشرط والكمال والآلة وكثرت المتلصصة ببغداد وكبست دور المياسير، وخرج الناس عن بغداد هاربين إلى كل وجه، على انسداد طرقهم، ولو أمنوا لخرج أضعاف من خرج وراسل أبو الحسين على بن محمد بن مقلة ناصر الدولة، فى أن يستوزره وضمن مالا عظيما، على أن يطلق يده على الناس، وأسمى قوما منهم سلامة أخو نجاح وعبد الله بن على النفرى الكاتب، والقاضى ابن الأشنانى، وأبو العباس الأصبهانى، وابن بلال الدقاق حتى أتت التسمية على سبعين نفسا فيما يقال، فأجيب إلى ذلك مع ما ضمنه من مال أبى إسحاق محمد بن أحمد الاسكافى وأصحابه ثم أخر ناصر الدولة أمر ابن مقلة واستوزر أبا العباس احمد بن عبد الله الأصبهانى، وهذا برأى أحمد بن على الكوفى، فلم يكن له فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 الوزارة إلا التسمية والكوفى ينظر فى الأعمال والأموال، فكان على ذلك إلى أن هرب ناصر الدولة فصرفه المتقى لله صرفا جميلا، وأقره على ما كان فى يده من تدبير أمر ضياع والدته وضياعه، واستوزر أبا الحسين بن مقلة، وخلع عليه فى شهر رمضان بعد خروج ناصر الدولة لولا أن ناصر الدولة لم يخرج، حتى نكب سلامة الحاجب وابن الأشنانى القاضى وابن بلوا المعطى، وعذبه عذابا شديدا ما سمع بمثله وذكر جماعة وسن من الضرائب على الناس ما لم يسمع بمثله وأتى قبل ذلك على التمارين بأخذ أموالهم، فحدثنى جماعة منهم قالوا دخلنا عليه وهو بالقرب من مضربه، فقال لنا ما آخذ ضريبة إلا من التمر وأنتم أعلم وما لكم بعده، فسررنا بذلك قليلا، فالتفت إليه بعض من يدبر أمره، فقال والدبس فقال والدبس، فقال له والبسر فقال والبسر، فأتى بقوله هذا علينا «1» وضيق ناصر الدولة على المتقى لله فى نفقاته، وعلى أهل داره وانتزع ضياعه وضياع والدته فجعلها فى جملته، واقتصر به على أجزاء يسيرة وخاطب أبا الحسن بن أبى عمرو الشرابى فى أمر السكنجبين بخطاب شهره الناس وتحاكوه، وقال إنما يكفى دار الخليفة خماسية سكنجبين فى كل يوم، ولأطالبنك بمال ما كنت تأخذه وتحدث الناس من فعله هذا وصنعه بالخليفة، ما كثر به الشاكى له والداعى عليه، وتمنى الناس بنى البريدى وغيرهم، مع ما نالهم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 الضر والضرائب والغلاء ونكبات الناس، وأخذ أموالهم. وشكى مع ذلك أن أمر الرفض قد علن ببغداد، فنادى مناد فى جانبى بغداد عن السلطان ببراءة الذمة ممن سمع بذكر أحد من الصحابة بسوء وأراد غلام من غلمان ناصر الدولة أن يسمه ففطن له، وزعموا أن سبب ذلك فاتك حاجب ابن رائق كان محبوسا فى دار ناصر الدولة، وكان يعرف هذا الغلام فواطأه على ذلك وضمن له مالا وغلت الأسعار فى جمادى الآخرة غلاء عظيما، ومات الناس جوعا ووقع فيهم الوباء، فكانوا يبقون على الطريق أياما لا يدفنون حتى أكلت الكلاب بعضهم وأنفذ ناصر الدولة حاجبه يرفع مددا لأخيه على سيف الدولة ليمضى إلى الجامدة، وحدر معه أحمد بن على الكوفى واتهم ابن جعفر الخياط بأنه كاتب البريديين فقبض عليه ناصر الدولة وأقطع الخليفة ضياعه فاستبشع أن يكون هو المقطع للخليفة، وأن يدون الكتب بذلك وخرج الناس إلى المصلى يوم الاثنين مع الامام ابن عبد العزيز الهاشمى. فدعوا الله وسألوه أن يكشف البلاء والضر عنهم وفى جمادى هرب جماعة من رؤساء الديلم والبربر من بغداد إلى البريدى، فلم يتبعهم ناصر الدولة بطلب، وقال من اختار المقام معنا وإلا فليمض مضيا ظاهرا فما أحد يتبعه وورد الخبر بقبول على بن بويه خلع السلطان بفارس، ولبسه لها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 واحضاره القضاة والعدول ليشهدوا ذلك ويكتبوا به. وصحت الأخبار بموت نصر بن أحمد أمير خراسان وأن ابنه نوح ابن نصر قام مقامه بعد أن تنازع هو وأخوه اسماعيل عند الاياس من أبيهما أمر الامرة فأفاق أبوهما، فأمر بقتل ابنه اسماعيل وأن يجدد البيعة لنوح، وأوصى أن يجلس فى الثغور لقتال الأتراك ألف دابة من دوابه، وأعتق ألف غلام وأرجف الناس بأن ابن طغج وافى دمشق لينفذ جيشا لأخذ الموصل فكتب اليه السلطان فى الرجوع إلى مصر فرجع ووقعت منازعة بين الطالبيين والعباسيين فى رجل طالبى زعموا أن أصحاب ابن عبد العزيز قتلوه، فجرت فيه خطوب ثم سكن الأمر وذلك فى رجب وكثر الجراد فى هذا الوقت فصاده الناس، وانتفع الضعفاء بأكله وصيده، وكان نعمة من نعم الله جل وعلا ووافى رسل صاحب خراسان إلى ناصر الدولة فحجبهم أياما، ثم أدخلهم وقال لهم صاحبكم فى يده نصف الدنيا، ينال السلطان ما ناله فلا يسعفه بمال ولا ينجده بجيش، ولم يروا عنده ما يحبون، ثم أجابهم بجواب جميل وصرفهم، وغلت الأسعار وعن كل شىء من سائر الأطمعة والملبوس وقبض على أبى إسحاق القراريطى فى رجب وعلى كاتبه ابن جبرويه وعلى خليفته أبى محمد الحسين بن أحمد المادرانى وتولى مناظرتهم أحمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 ابن على الكوفى وابن مقاتل بميل وحقد، وكان الكوفى عقد على المادرانى كلاما كلمه به قبل هذا بمديدة بحضرة أبى اسحاق قال فيه ما شهره الناس من وضع منه وإزراء عليه، فصح عند ناصر الدولة ان المادرانى ما ظلم أحدا قط فى معاملة، ولا ارتفق من عمل ولا عامل فانصرف إلى بيته موقورا بعد توكيل ومناظرة ومطالبة. وقد ذكرنا أنه خلع على أحمد بن عبد الله الاصبهانى للوزارة برأى الكوفى، لأنه كان مستترا عنده، وأرزق مائتى دينار فى الشهر، وكانت الخلع عليه يوم الثلاثاء لاثنتى عشرة ليلة بقيت من رجب. وأغرى ابن مقاتل العمال بالناس، فأجروا معهم كل ظلم، وأراد فتح الخراج قبل وقته فضج الناس. فنودى بتأخير الافتتاح إلى النوروز المعتضدى ورفع الجور وإزالة الظلم فتنفس الناس قليلا وما وقع وفاء بذلك وكان ناصر الدولة يحمل فى كل شهرين خمسمائة ألف دينار لاستحقاق من بواسط، وكان يضجره ذلك فيتكلم ويضج، وعقد عليه بما يتكلم به، إلى أن تحدث الناس أن يرصد بحيلة توقع عليه، فياليت ما كان يضر من تبرم رجل يحمل فى كل شهرين هذا المال الجليل، ما الذى أريد منه حتى أوحشوه فخرج؟ وكان من أول ذلك أن المتقى لله ما أحب القبض على وزيره أبى إسحاق ولا أراده، فأرضوه بأن أقاموا مكانه كاتبه على ضياعه أبا العباس الاصبهانى. وأنفذ سيف الدولة من واسط فى هذا الوقت جماعة من الديلم إلى بغداد، كان اتهمهم وخافهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وتواترت الأخبار باضطراب الأتراك على سيف الدولة وتزك بعضهم الركوب إليه على فرط إحسانه إليهم، وإعطائه إياهم جميع ما يملكه من مال ودواب وثياب. ولم يناصح الأتراك فى حرب البريديين، ولا أعانوا الديلمى عليهم حين جاء إلى فرات البصرة فأقام حيال نهر معقل وضج الحشم إلى ناصر الدولة بعد القبض على أبى إسحاق القراريطى، وأعلموه أنه لم يطلق لهم شيئا، فقال قد أطلقت لكم ثلث رزق، وأحضر أبا اسحاق واشتد عليه فى القول، فأحضره أبو اسحاق رقاعا بخط المتقى لله بأنه قبض المال منه وأعطى من أراد اليسير منه واستبد بالباقى. فقال ناصر الدولة كيف اصنع انا، أطلق مثل هذه الأموال الجليلة تحمل على نفسى، ومالى وظلم الناس، وهذا يهجنه ويقبح فعلى، ويغرى بى حشمه وجنده ووافق هذا ورود كتاب أخيه عليه بأن البريديين دخلوا الجامدة وأن الأتراك نهبوا جميع ما كان له من ذخيرة وسلاح ودواب، وما كان ذخره منذ أيام أبيه، وأنهم طلبوه فهرب فى نحو مائتين من أصحابه إلى أن تلاحقوا به وأفلت. فغضب من ذلك وأمر من وقته فصوعد بالسفن التى فيها خزائنه. وقال لا أقمت ببغداد، فضج الناس من ذلك واجتمعوا إليه وسألوه ألا يباعد إلى الموصل فيضيع البلد فضمن لهم ألا يصاعد، وقال لحقتنى ضجرة وكان وجه فى شعبان فطلب من الخليفة مالا، وقال إنه يأخذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 مما أطلقه لحشمه وغلمانه، فيجمعه إلى ما يستفضله من نفقاته وغلاته، فما وجه إليه بشىء، فاستوحش كل واحد منهما من صاحبه، وطولب الناس بأداء الخراج فى شعبان، ولم ينتظر بهم النوروز المعتضدى. وورد على ناصر الدولة دخول عدل حاجب بجكم نصيبين واستيلاؤه على الرحبة وأعمالها، فشغل ذلك قلبه وورد كتاب ياروخ بهزيمته البريديين وإخراجهم عن الجامدة وضج الأشراف العلوية من عاملهم أبى على الحسن بن هارون الهمدانى على الكوفة وخاصة عمر بن يحيى وهو الرجل الفاضل المنتفع به الناس بماله وجاهه والناصب نفسه لهم حتى يحج بهم، ولو لاه ماتم حج فعزل الحسن بن هارون، وولى المعروف بأبى بكر عبد الله بن عبيد الله البرجمالى. وكتب ناصر الدولة إلى ابن عمه أبى عبد الله الحسين بن سعيد يأمره بالاحتيال على عدل وقصده، فكبسه وأسره وابناله وأنفذه الى بغداد، فكحل وشهر على جمل فى يوم الخميس لأربع بقين من شعبان، وألبس برنسا وابنه على جمل بين يديه على برنس، وكان فى الموكب خلفه الوزير أبو العباس الأصبهانى والقاضى ابن الخرقى يتسايران وكان يانس غلام البريدى فى يد ناصر الدولة فتكاتبوا فى أن يوجه به إليه، ويوجه البريدى بعيال توزون وابنه، وأن يقوم بذلك أبو على عمر بن يحيى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 ووجه ناصر الدولة بأحمد بن على الكوفى إلى واسط. ومعه من الاستحقاق أربعمائة ألف دينار فوجد الأتراك قد شغبوا، فرجع والمال معه، حتى عاد إلى ناصر الدولة، فدخل به بغداد أول يوم من شهر رمضان وصرف أبو اسحاق القراريطى إلى منزله فى آخر شعبان بعد أدائه أكثر ما فورق عليه وضرب لناصر الدولة مضرب بباب الشماسية، واصطنع عيسى جال الديلمى فزاد فى رزقه ألف دينار ووصله بألفى دينار. وزاد الفارس من أصحابه عشرة دنانير فى رزقه، وزاد الراجل دينارا وعزم ناصر الدولة على الرحيل إلى الموصل فوجه إليه الخليفة أن يتوقف عليه ليصاعد معه، فكره ذلك وركب إليه الخليفة فى يوم الخميس، فنزل إليه ناصر الدولة إلى دجلة حتى تلقاه وصعد معه إلى داره وقال له تتوقف يوما على أو يومين فكأنه علق القول وانصرف وأصبح الناس فى يوم الجمعة لأيام خلت من شهر رمضان، وقد صاعد ناصر الدولة وقطع الجسر، وسار من الجانب الغربى، وتبعه جميع من كان فى الجانب الغربى من اصحابه، ونفر ممن كان من اصحابه فى الجانب الشرقى، فمضى بعضهم إلى سرمن رأى، ورجع الترجمان وجماعة من الأتراك مع أخى ابن اسماعيل بن احمد إلى الدار، وأرجف الناس ان الخليفة راسل الترجمان فى القبض على ناصر الدولة والمجىء به الدار، فأمكنه غير مرة فلم يمكنه لأنه جاهل جبان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وصعب على التجار خروج ناصر الدولة عن بغداد، ووافى سيف الدولة إلى المداين، ثم صار إلى بغداد فنزل فى الجانب عند باب قطربل ووجه إليه المتقى لله بثياب وطيب ودراهم لنفقته وطالب الوزير ابن مقلة بأن يحمل إليه مالا فكان يجمع ما قدر عليه فلما اجتمع حمله إليه ليعطى أصحابه واستوحش السلطان منه ثم رحل إلى القفس ولحق به إبراهيم بن أحمد الخراسانى فى نفر من أصحاب أخيه ببغداد وورد الخبر عليه بأن أخاه ناصر الدولة وصل إلى الموصل سالما فلحق به لا يلوى على شىء، فقيل إن جملة ما صار إليه من المال أربعمائة ألف درهم ودخل الأمير يومئذ توزون بغداد فى يوم الخميس لست بقين من شهر رمضان، وتلقاه أهل الدولة فدخل إلى الخليفة فسلم عليه ونزل الدار المعروفة بمؤنس وتأذى الناس بنزول الأتراك عليهم ثم كان شوال يوم الأربعاء فقبض توزون على كاتبه سعيد بن داود المسيحى وعلى أخيه فهد وابن خالته، فطالبهم بالأموال بضرب مبرح، وكان الترجمان حمله على ذلك واستكتب محمد بن القاسم وخلع السلطان فى يوم الاثنين لست خلون من شوال على الأمير توزون وصيره أمير الأمراء وأمر بتكنبته وحرص توزون بالمتقى لله أن يتركه يصالح البريديين على مال يحملونه ويفرغه لابن حمدان فأبى عليه، وكان البريديون قد صاروا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 إلى واسط فوجه بخمسمائة غلام فى الظهر والماء إلى واسط وقبض على ابن عبد العزيز الهاشمى وجماعة من التجار والعدول وطولبوا بمال وحدر الامير توزون تكين الشيرزاذى إلى واسط، ووافى أبو دلف سيما الساجى إلى بغداد، وهو صاحب القرمطى الهجرى ليأخذ مال المواقفة التى فورق القرامط عليها وكبس أهل القطيعة فى أول ذى القعدة فأخذ منهم عشرون كرا دقيقا وأحيلوا بثمنه على الترجمان فى أول ذى القعدة، ثم مضى جماعة من أصحاب توزون إلى القطيعة ليأخذوا دقيقا كما كانوا أخذوا، فوثب بهم العامة وقتلوا نفسين وغلا السعر بهذا السبب، ودخل الحاج من خراسان وخرجوا مع ابن حاتم وانحدر الأمير توزون إلى واسط وهرب البريديون، ونودى ببغداد من أراد الخروج إلى واسط فليخرج وقبض المتقى على رجل يعرف بابن المطلب من أهل باب الطاق وحمله إلى داره وقيده وحبسه وقال له أنت رئيس الرافضة، ثم لم يتركه بعض خدمه حتى قتله من غير حجة تقوم عليه، ونفذ ابن أبى موسى الهاشمى فى يوم الاثنين لست بقين من ذى القعدة برسالة السلطان إلى ناصر الدولة، ومعه تكين الماكانى وخادم من خدم الخليفة واتصل قطع رجل يعرف بابن جمدى على السميريات النافذة إلى واسط والمصاعدة منها، وصار اليه من ذلك مال عظيم وأمتعة لها مقدار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وفى ذى القعدة أقبل يوسف بن وجيه صاحب عمان من عمان، ومعه مراكب كثيرة فيها عدة وعديد، لتغليظ البريديين الضرائب على ما يحمل من البحر، فلقى البريدى فى دجلة البصرة بقرب الأبلة، فهزمهم أول يوم ثم احتالوا بنار حملت فى زبازب وجعلت فى زجاج ورموا مراكبهم بها فانهزم وقتل خلق من أصحابه، وأسر بعض وأحرقت له ستة مراكب، وكانت هزيمتهم له فى أول يوم من ذى الحجة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وصرف الكرخى عن كتبة الأمير توزون واستكتب أبو اسحاق القراريطى ابن أبى الترجمان، وظفر بجماعة من أصحاب ابن جمدى فقتلوا وصلبوا. ودخل أخو الأمير توزون إلى تكريت ومعه جيشه فدخلها لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة، فنهبها ونهب زواريق كانت بها، فيها أمتعة التجار، وذبحوا بها من البقر والغنم نحو ألفين، ونهب الناس فى سائر طرقهم إلى تكريت. وعزت الفاكهة ببغداد لأنهم أخذوا ظاهرا وباطنا وأجلوا اهل القرى. وركب الخليفة فى يوم السبت، لتسع بقين من ذى الحجة الظهر إلى باب الشماسية ورجع فى الماء فدعا الناس له. ووافى صافى غلام الأمير توزون يوم السبت لليلتين بقيتا من ذى الحجة بغداد من واسط فقبض على أبى إسحق القراريطى، وأخبر أن أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد وافى واسط فى زبازب كثيرة، كالهارب من يد البريديين لما اشتغلوا بمحاربة ابن وجيه، وأسرع السير فوجهوا فى طلبه، فلحق واستكتب للامير توزون، فاشتد ذلك على السلطان فأغروه بالقول فيه، فكاتبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 فى صرفه فلم يقبل. ومن عجيب الأخبار، وما يستدل به على علو همة الأمير توزون أن أبا جعفر اختار له كاتبا، وأبو جعفر إذ ذاك يكتب لبجكم، فكأنه لم يرضه فقال له أبو جعفر أنا كاتبك فقال له وأنت تكتب لى ولكن ليس على هذه الجهة، ولا الآن! وتوفى فى هذه السنة فى غرة ذى القعدة منها سنان بن ثابت المتطبب وكان متقدما في الطب وفى علوم أخر كثيرة ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة كان أول المحرم يوم الاثنين قعد فيه كازاذ كاتب أبى جعفر، وظهر ابو الحسن بن شيرزاد. وخرج أبو بكر محمد بن جعفر النقيب وصيغون المرداويجى فى جماعة من أصحابهما إلى ناصر الدولة إلى الموصل، وانحدر صافى مع جماعة من الأتراك والديلم إلى واسط. وورد الخلنجى السابق بسلامة الحاج قدام الحج لسبع خلون من المحرم وفى يوم أخذ سبعة من أصحاب ابن جمدى فضربوا وطيف بهم وقتلوا وصلبوا فى الجسر، وقتل أيضا رجل يعرف ببرغوث كان يقطع بناحية المزرفة. ووجه الترجمان وهو محمد بن ينال، وكان يلى الشرطة ببغداد والأمر كله له إلى الحسين العلوى الديلمى، فقبض عليه لأنه بلغه أنه يريد الفرار إلى ناصر الدولة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 ووافى اسكورج الديلمى بغداد يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من المحرم وهو أكبر قوادهم، وقلده الأمير عمل سرمن رأى وعكبرى وأمره أن يكون بسرمن رأى، فان جاء أحد من ناحية ابن حمدان حاربه، والأمير توزون مقيم على أرز بالجامدة ليستنطقه ووافى من عسكر البريديين إلى الأمير توزون فى الامان أبو المهدى البربرى فأنفذه إلى بغداد، وأغارت خيل الروم على نواحى نصيبين، واستغاثوا بناصر الدولة فلم يغثهم، لأنه كان قد جرب خيانته مع ابن عمه أبى عبد الله ليصيروا إلى بغداد ليخرج الخليفة معهم ووافى أبو جعفر محمد بن يحيى ابن شيرزاد بغداد لأربع بقين من المحرم فجلس فى داره وجاءه الناس، وهو كاتب الأمير توزون فاستأمن بعض أصحاب اسكورج وصافى إلى واسط وأبو المهدى، وأبو طالب أخو المظفر بن حمدان الميدمان، وإبراهيم أخو الأمير توزون واستتر أصحاب أبى جعفر بن شيرزاد، ووافى الحسين بن أبى العلاء بن حمدان فى صفر، فنزل حيال الشماسية ومع أبى العلاء هذا عيسى جال الديلمى وأبو وائل ويروخ الناصرى، فوجه إليه المتقى لله أن يدخل بغداد ليخرج معه فقال لم أومر بهذا، واستوحش وقال إن خرج إلىّ أمير المؤمنين اليوم وإلا رجعت. وأشير على المتقى ألا يخرج عن بغداد فما تركه الترجمان، وكان قد استوحش من الأمير توزون لأشياء اختانها وتعدى فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 ولقد حدثنى بعض الخدم أن بعض الرؤساء قال المتقى لله يا سيدى خروجك إلى ابن حمدان أشد على توزون من ضرب عنقه، وفى خروجك انحلال أمره وأعظم المكيدة له ولا والله ما نصحوه وإنما خافوا على أنفسهم من توزون، فخوفوا الخليفة منه ولو كان معه من ذوى نصحه من كان يعرف حقيقة الرأى ما تركه يخرج. وذلك أن توزون ما خالفه فى شئ أراده، وما زال ساعيا فى مراده ومحبوبه، كان أمره جاريا مع البريدى ببغداد على أفضل إرادته فلأجل الخليفة ما احتال فى أخذ البريدى، فلم يمكنه ذلك لخذلان قوم كانوا وعدوه أن يكونوا معه، فحارب ليله ونهاره ثم صار إلى سرمن رأى وكتب إلى الموصل يشير بالانحدار إليه وأنه يتضمن حرب القوم فما فعلوا، حتى خرج إليهم فحشرهم وأنهضهم، وقد كان أشار بمصالحة البريدى، وأخذ أموال منه، ثم يكون بعد ذلك على رأس أمره، فأبى الخليفة عليه، فاتبع أمره وانحدر وكان كاتبه فى الحيلة على بنى حمدان، فأخرج سيف الدولة عن واسط فما الذى أوجب أن يستوحش منه؟ ولقد صرت إلى القاضى أبى الحسين، فقلت له إن هذا الخليفة ما يجالسنا، وزعم أنه لا يريد جليسا، يخالف الناس جميعا فى هذا إلى عصره، وليس له رزق على، ولكن نصحه واجب، وهو يقبل رأيك فاتق الله ولا تدعه يخرج، فانه إن خرج لم يعد وخربت بغداد، وأضر بالعامة، فتضمن لى ذلك. وما ظننت أن أحدا فعل هذا معه غيرى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 حتى حدثنى القاضى أبو عبد الله محمد بن عيسى أنه صار اليه فأشار عليه بمثل مشورتى فأبى الله عز وجل إلا ما أراد ولقد حدثنى بعض الخدم ممن أثق به أن المتقى لله اضطرب من الخروج، فقال له الترجمان ومساعدوه على هذا الرأى: إنا قد تحدثنا بالقبض عليك فامتنعنا من ذلك، وأشرنا بالخروج عليك، وقد كشفنا الأمر لك. فلما سمع هذا خرج غداة يوم الخميس وركب على الظهر، ووافى الشماسية، وخرج معه وزيره على بن محمد بن مقلة والحاجب أحمد بن خاقان ولؤلؤ صاحب الشرطة وأبو جعفر الخياط، وتبعه حاشية الدار وجماعة من وجوه البلد وجلس المتقى لله فى الخراقة، وتلاحق به من بقى من حاشيته وخرج معه قاضيه وأسبابه، وجاء ابن أبى العلاء وجميع من معه فقبلوا يده وعرفوه سرور ناصر الدولة بمصيره اليه. وركب الترجمان يوم الجمعة من الجانب الغربى بمطارد مذهبة ومعه أصحابه، وأودع جميع ما كان له قبل خروجه أياما متوالية، حتى أودع أصناف النبيذ فوجد بعد ذلك فما بقى الله منه شيئا. وصلى صاحب الصلاة بالناس فى المعسكر يوم الجمعة لثلاث خلون من صفر، ومدت خراقات الخليفة بعد الصلاة ودخل الناس معه، وخلت بغداد واستوحش أهلها وكتب الخليفة إلى صاحب الشرقية أحمد بن جعفر الزطى بكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 يأمره أن ينادى بما فيه فنادى «أمر أمير المؤمنين أطال الله بقاءه بالنداء ببراءة الذمة ممن فتح من العمال والمتصرفين شيئا من الدواوين، أو نظر فى الأعمال أو طالب بخراج أو تصرف فى عمل من الأعمال السلطانية بعد شخوص أمير المؤمنين، فقد أحل بنفسه العقوبة الموجعة وهجم داره وإباحة ماله، فقد أحب أمير المؤمنين ترقية رعيته، والاحتياط لهم، وترك إعناتهم فليحذر المخالفون لذلك، وليلحق بأمير المؤمنين سائر عماله وأوليائه، ولا يتأخروا عن معسكره، وليبلغ سامع هذا النداء الغائب عنه» فنودى من جانبى بغداد ولم يدع المتقى لله بعض خدمه حتى ضرب يوم الجمعة قبل الصلاة عنق ابن المطلب، المتهم بالرفض، وكان ناصر الدولة وأسبابه يعنون به ورمى بجسمه فى أزقة الشماسية فبكر الناس يوم السبت، فأخذوه وغسلوه وكفنوه بعد أن صلى عليه بمسجد براثا ودفن هناك. وضبط صاحب الشرقية عمله ضبطا حسنا، وكذلك العروضى وهو إبراهيم بن شيخون وكان إليه الجانب الشرقى ووافى من عسكر توزون بغداد جماعة فلحقوا بالخليفة، ووافى بغداد يوم الثلاثاء بشرى حاجب توزون واسكورج، وصاروا إلى دار أبى جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد، وظهر فى داره فأمر ونهى وولى، وما التفت الناس إلى شىء مما أمر الخليفة بالنداء به. وكان الأمير وجه من واسط بالميدمان بن حمدان البريدى فى جيش كثيف إلى ناحية المذار، فهزمه أصحاب البريدى، فوافى نحو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 واسط منهزما، وصلى الناس بسر من رأى يوم الجمعة فى معسكره ووافى بغداد ينال البكرانى وتكيز الشيرزادى وأخو الأمير توزون، وجماعة من القواد فنزلوا باب الشماسية ومعهم طياراتهم وزبازبهم ونزل السلطان تكريت ونفذ الترجمان ولؤلؤ وابن الخياط إلى الموصل على طريق البرية، لأخذ أرزاقهم وحدره إلى تكريت لمحاربة توزون، وكثرت الكبسات ببغداد فى الليل دور المياسر ووافى عكبرى ابن بلال من قواد ابن حمدان فكبس عكبرى وبها أصحاب اسكورج فقتل جماعة منهم وانهزموا وأقاموا بنواحى عكبرى فوجه اسكورج بخيل فهزمت ابن بلال وملكوا عكبرى وظهر ابن جمدى العيار، وكان حمالا بنواحى سوق الحديد باب درب الشوك بحضرة المزملة ثم صار لصا ببغداد، فولاه أبو جعفر بن شيرزاد طريق واسط، وخلع عليه، وطالب أبو جعفر بن شيرزاد التجار بأموال فاستتر أكثرهم وورد الحاج فى النصف من صفر شاكرين لأبى على محمد بن يحيى العلوى لحفظه لهم ورفقه بهم، وكانوا حجوا والوقت ضيق عليهم فمات أكثرهم فى الطريق، ولولا أن الله أغاثهم فى مصعدهم بسحابة أرسلها، فمطرت حتى عاشوا بها وعاشت جمالهم ما بقى منهم أحد وكان رسول ابن طغج قد وافى بهدايا إلى ناحية الانبار، فلما علم بأمر السلطان صار إلى تكريت، فأوصل الهدايا إلى المتقى لله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وكبس الروم رأس عين، فأخذوا جميع ما كان فيها ونهبوها ووجدوا فيها قوافل مصعدة ومنحدرة، فيها أمتعة لا يدرى قيمتها فأخذت كلها، ونال المسلمين ما لم ينلهم مثله قط، فلما أراد العدو الرحيل أحرق البلد، وفتحت الحوالى لسنة اثنتين فى شهر ربيع الاول، فلحق أهل الذمة خبط عظيم وظلم قبيح ووافى توزون بغداد فقدم جماعة من أصحابه إلى سرمن رأى ووافى ملهم بن دينار الأسود المستأمن، وكان حاجب رافع القرمطى وانضم إلى ابن حمدان إلى حيال باب الشماسية فجعل يشتم توزون هو وأصحابه، فأمر توزون حينئذ بأن يصير اليه عسكر بخيمهم ومضاربهم إلى الجانب الغربى، ورجع ملهم إلى تكريت، ووافى الخبر لخمس بقين من شهر ربيع الأول بدخول البريدى واسط ووقع على التجار ببغداد ظلم عظيم وخبط شديد، وتهارب الناس وخرج عن بغداد جماعة من مياسير اليهود والمجوس إلى الشام وكاتب توزون البريدى ووافقه على مال بعينه فوجه اليه البريدى بمال، ووافى جميع من كان من جيش توزون فى طريق واسط إلى معسكره بباب الشماسية، وفر بعض غلمان توزون إلى تكريت فركب فلحق بعضهم فقتل من كان قبض رزقه وفر، ومنّ على من لم يقبض رزقه وانحدرت من عسكره زبازب إلى البريدى فى الأمان من الديلم، وغلت الأسعار ببغداد وإمارة بغداد، من قبل أن يقدم توزون إلى هذا الوقت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 وأمر صافى غلامه وحاجبه، فوظف على أصحاب الشرطة أموالا وأخذها ووجه ابن فتان بمائة جمل إلى تكريت عليها هدايا أكثرها فاكهة للسلطان ورحل توزون من معسكره إلى عكبرى يوم الثلاثاء لأيام بقين من شهر ربيع الآخر، وخلف بباب الشماسية أخاه وكيغلغ وارتمش فى ثلاثمائة من الأتراك، ونودى ببغداد براءة الذمة ممن تخلف من الجند عن الأمير توزون، وأطلق دعلج العدل وهو من أجل الشهود لعشر بقين من شهر ربيع الآخر، بعد أن أدى مائة ألف درهم، وولى اسكورج إمارة بغداد ووافع القرامطة أصحاب ناصر الدولة بجماعة من الأتراك، كانوا طلائع لتوزون بنواحى سرمن رأى، وقتلوا قائدا لهم فحمل فى تابوت إلى بغداد ودفن فيها وعبر الأمير توزون من سرمن رأى إلى جانب الغربى، ليكون مع ناصر الدولة على أرض واحدة، وكان ناصر الدولة لما وافى تكريت أعطى الناس أرزاقهم فى شهر ربيع الآخر، وكان بتكريت نحو مائة وخمسين زورقا فيها دقيق وحنطة وشعير وسقط وشحم وعسل وثياب وغير ذلك فأمنوا بناصر الدولة ولما قبض الناس أرزاقهم تقدم سيف الدولة فعسكر أسفل تكريت على الاسحاق وأنفذ ناصر الدولة أبا منصور عبد الواحد بن المتقى لله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وحرمه إلى للوصل قبل الوقعة، وأراد إنفاذ المتقى معهم فكره ذلك واختار المقام مع ناصر الدولة، فأشفق عليه فقدمه إلى موضع يعرف بالأعمى فوق تكريت بستة فراسخ، وأقام ناصر الدولة فوق تكريت قليلا بازاء الدير ووجه بقواده كلهم مع أخيه سيف الدولة منهم يروخ وعيسى جال والترجمان ولؤلؤ وأرسلان وابراهيم بن أحمد بن أمير خراسان فواقع سيف الدولة توزون، يوم الأربعاء لخمس بقين من شهر ربيع الآخر، ثم تحاجزوا، وقد وقعت بأسكورج ضربات. ولم يشك سيف الدولة أنه ظافر لأنه قاتل فى يومه ذلك أشد قتال، فبكر على القتال يوم الخميس لأربع بقين من الشهر. وكان سيف الدولة كمن بين قشير ونمير، ليخرجوا إذا احتدت الحرب على أصحاب توزون، فلما علق بعض القوم ببعض عطفت قشير ونمير على سواد سيف الدولة فنهبوه، تعصبا زعموا للمضرية على الربعية، فظن سيف الدولة أن توزون كاده بذلك، وكمن كمينا خلفه ليتبعه إلى تكريت، فرجع إليهم فوجد أعرابه وكمينه قد نهبوا سواده، فأوقع بهم فطاروا بين يديه وكان غلام سيف الدولة يمك التركى مما يلى دجلة فى عدة، فمال عليهم توزون فهزمهم واقتطع نحو خمسائة ديلمى، كانوا فى الميسرة فاستأمنوا وأمرهم بطرح السلاح وكان شغل سيف الدولة بالأعراب سبب الهزيمة، وتقطر بيمك التركى غلام سيف الدولة فرسه فأسر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 ووجه توزون بالديالم إلى بغداد فى زواريق، بعد أن قيد جماعة منهم وصار سيف الدولة إلى أعالى تكريت فوجد أخاه ناصر الدولة قد رحل وتلاحق به العسكر، فملك توزون تكريت ونزل بالدير الأعلى فى المكان الذى كان فيه ناصر الدولة، ونهب أصحاب توزون تكريت حتى منعهم بنفسه ونهبوا زواريق شعير كانت لسيف الدولة وزواريق للتجار وحاز توزون أكثرها، وزواريق دقيق ففرقها على أصحابه وجمعهم، فقال لهم: أنا واحد منكم، وهذا الأمر أريده لكم وامتنع أبو جعفر ابن شيرزاد من الجلوس للناس قبل الوقعة بيومين. فلما جاءه الخبر جلس، وأمر بالنداء بما فتح الله على الأمير، وأنه ورد كتابه يجتهد فى أن يرخص الأسعار بمدينة السلام ولما رحل ناصر الدولة إلى المنزل المعروف بالأعمى وجد الخليفة المتقى لله به، فرحله معه وأقام بالسن يوما حتى تلاحق به أصحابه، ورحل إلى الجونية وقدم الخليفة قبله إلى الموصل، ثم لحق به وترك بالجونية بعض غلمانه وبالسن طلائع له من القرامطة ولحق سيف الدولة بنمير وقشير فقتل منهم مقتلة عظيمة واسترجع بعض ما كان أخذوه، ولما اجتمع الناس بالموصل أعطاهم ناصر الدولة رزقة كاملة وأمر المعطين، ألا يحتسبوا بها عليهم. وصار إليه جماعة من عسكر توزون فقبلهم، وخلع عليهم ونزلهم بما أرادوا ولما عاث أصحاب توزون بتكريت ركب بنفسه فأخرجهم منها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 فكثر شكرهم له ثم رجع عليهم الأموال. فكثر دعاؤهم عليه، فكان كما قال مسلم بن الوليد ولا غرو لم تدركك منّى ملامة ... أسأت بنا عودا وأحسنت باديا وكما قال رجل فى صديق له كان أحسن الناس فعلا مبتدءا، وأقبحهم آخرا، فقال فيه أوّله يرضى ولكنّه ... لا يتبع الأوّل بالآخر سبحان الله ما أعجب أمر البركة والحظوظ؟ هذا أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد ما كتب لأحد قط إلا بلغ أعلى المراتب وأجل المنازل ما زال جد ابن الخال يعلو ما دام يكتب له، فلما تركه أدبر وانحل أمره، وكتب لبجكم فبلغه ما لم يبلغ أمير من المال والهيبة، وأصلح له قلوب أصحابه. وكتب لتوزون فبلغ به ما لم يظن الناس أن توزون يبلغه أبدا. ووافى اسكورج بغداد يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من جمادى الأولى وهو أمير الشرطة. ووافى قبله خمسمائة من الديالم الأسرى فى زواريق، فكان توزون قد رد أمرهم إليه. فحبس بعضا وبقى بعضا وأطلق بعضا ووافى إقبال الشيرزاذى مع زواريق دقيق إلى بغداد، وبزواريق سقط فقيل هذا لابن حمدان وأخذ مستهلكا وغمز بخزانة لأبى الحسين على بن محمد بن مقلة بناحية سوق العطش فوجه أبو جعفر بن شيرزاد بابن جمدى، فأخذ جميع ما فيها ونزل ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 جمدى داره بمربعة أبى عبد الله، وأخذ جميع ما كان فيها، وسفر فى الصلح بين توزون وناصر الدولة على أن يرجع الخليفة إلى داره ويحمل ابن حمدان إليه فضلا مما كان يحمله على أن الامارة تكون لعبد الواحد ابن المتقى لله، فكان ناصر الدولة أسرع الناس إجابة وأشباهم لتمامه. فكره أخوه وأصحابه ذلك، وكرهه الخليفة. فقال لهم ناصر الدولة أنتم تهربون ولا تقفون، وما لكم عندى رزق إن عزمتم على القتال إلا بعد أن أعرف أمركم، وإلا فانصرفوا الى حيث شئتم، فحلفوا له أنهم يجتهدون ولا يقصرون. وورد الخبر على توزون أن ناصر الدولة، على أن يواقعه وقعة ثانية وكان توزون فى وقت هرب الترجمان قد قبض على ختنه المعروف بحبة التركى وحبسه وكان شجاعا، فتكلموا فيه وضمنه أبو عمران موسى بن سليمان اصبهسلان؛ فأخرجه وخلع عليه ووصله وحمله على دواب كثيرة ووهب له بغالا، وسفر أبو عبد الله محمد بن أبى موسى فى الصلح وأحبه واجتهد فيه، وهو من رجال الزمان ومن أهل الخير مع ذلك وكثرة الصدقة واصطناع المعروف، فتردد فى الصلح وقرب الأمر على يده، ثم عارضه قوم فأفسدوا الأمر وصح عزم الخليفة وناصر الدولة على محاربة توزون ثانية فصار سيف الدولة فى الجيش كله إلى تكريت، لأيام خلت من رجب وبلغ توزون خبرهم، فشخص إليهم فى عدته، فلما صافتهم الحرب استأمن ارتمش التركى، وهو من أجل قواده، وكان غلاما لسيف الدولة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 إلى سيف الدولة فى جماعة من الاتراك فاضطرب عسكر توزون لذلك فخاف أن يهزم، فحمل عليهم فى نحو ثلاثمائة غلام وحقق وحققوا معه، فما هابوا سيفا ولا رمحا حتى أزالوهم وهزموهم، فولوا هاربين وتبعهم ولم يوغل ولا أبعد، خوفا على اضطراب باقى عسكره وسواده وقد كان ناصر الدولة قال لأصحابه: إن انهزمتم فلا يرينى أحد منكم وجهه فما قبلوا ذلك، وصاروا إلى الموصل وأصحابهم معهم وظهر أبو جعفر، بعد أن كان استتر يوما، وهنأه الناس بالفتح. ورأى توزون أن يمضى إلى الموصل، وكاتب الخليفة بأنه عبده ولا خلاف عليه منه، فما قبل ذلك فرحل الأمير توزون إلى الموصل لا يلوى على شىء، وبلغ الخليفة وابن حمدان ذلك، فرحل إلى نصيبين، وحوى توزون الموصل وما فيها من الأطعمة وعسكر خارجها على أن يقصد نصيبين ويوقع بمن فيها، وكتب إلى ابن حمدان فى إنفاذ الخليفة اليه فكره الخليفة أن يصير إليه بعد ما فعله فأسرع من نصيبين إلى الرقة فى أصحابه الذين خرجوا من بغداد معه، ومعه من الكتاب وزيره على بن محمد بن مقلة وأبو إسحاق القراريطى وأحمد بن عبد الله الأصبهانى والحسن بن هارون وأبو محمد الحسن بن احمد المادرانى وعبد الجبار بن الحسن النفرى كاتب دار السلطان مستنجدا بابن طغج وكتب بذلك اليه وكتب الأمير توزون إلى أبى جعفر بن شيرزاد فى اللحاق به فلحق به إلى الموصل واعتمد فى خلافته ببغداد على أبى عبيد الله أحمد بن محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 ابن عبد الوهاب، وعلى طازاذ بن عيسى النصرانى، وكان رأى ناصر الدولة أن يرجع الخليفة إلى بغداد، ويفارق هو الأمير توزون على مال يحمله ويصرفه إلى بغداد، فخالفه المتقى لله، وخرج من أعماله معتمدا على ابن طغج أبى بكر الاخشيد وكاتب ناصر الدولة الأمير توزون فى الصلح، وعلم توزون أنه أشار على المتقى لله بما أراده توزون فلم يقبل المتقى منه ولا تركه بعض من كان معه يقبل ذلك وسفر بين ناصر الدولة وبين توزون أبو عبد الله بن أبى موسى الهاشمى وأبو زكريا يحيى بن سعيد السوسى، ولما صار أبو جعفر إلى الموصل رأى أن الأموال الذى يحملها ابن حمدان أوفى مما يؤخذ من الموصل مع التغرب وانتشار الأعراب وكان خروج أبى جعفر من بغداد فى شعبان، فتم أمر الصلح بين توزون وبين ناصر الدولة برأى أبى جعفر، وما زالت السفارة بينهما طول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين، وتم الصلح فى أول شوال ورجع توزون إلى بغداد وأبو جعفر معه، فكان دخوله إليها لاحدى عشرة ليلة خلت من شوال، وكان حرص أبى جعفر على الصلح لما بلغه من موافاة ابن بويه الديلمى إلى واسط، وأخذ الضرائب والخراج، وأن ابن بويه دخلها فى شهر رمضان واتهم المتقى لله بمكاتبة ابن بويه بأن يصير إلى الحضرة، وصلحت سيرة ابن بويه بواسط، وخفف عنهم كاتبه محمد بن احمد الصيمرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 المكنى أبا جعفر من الضرائب، وعدل عليهم فى الخراج وكان أمير بغداد أبو العباس اسكورج قد اصطنع ابن جمدى وأمل أن يرتدع ويقصر ويعرف به جميع المتلصصة، فكان يرسل أصحابه على الناس، فلهم فى كل يوم حادثة عظيمة، وكبس وإغارة على الأموال. ووقف اسكورج على أنه أصل ذلك كله، وقيل للامير توزون فيه غير مرة، وعرف أبو جعفر الأمير حقيقة خبره، فأمر به فضرب وسطه فى دار الأمير توزون، وحمل إلى الجسر على جمل، ونودى عليه هذا ابن جمدى اللص فاعرفوه وظفر بجماعة من أصحابه فقتلوا وصلبوا، فسر الناس بذلك وقالوا ما أمنا على أنفسنا وأموالنا إلا الآن، بقتل ابن جمدى وأصحابه، وكثر الدعاء للامير توزون، وكان قتله برأى أبى جعفر بن يحيى بن شيرزاد الكاتب وفاة البريدى قد ذكرنا وثوب أبى عبد الله البريدى بأخيه يعقوب أبى يوسف وقتله له حين منعه، وكان ذلك فى النصف من صفر سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ووافى الخبر إلى بغداد أول يوم من ذى القعدة، سنة اثنتين بأن أبا عبد الله أحمد بن محمد بن يعقوب البريدى توفى لأيام بقيت من شوال سنة اثنتين بقولنج عرض له، وقام بالأمر أخوه أبو الحسين على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 ابن محمد أياما، ثم أحس بأن جماعة من الغلمان والقواد قد عزموا على الفتك به، فهرب فى الليل مع غلام له حتى خرج من سور البصرة من ناحية سيحان، ثم لحق بالقرامطة المقيمين بالجعفرية على فرسخ من البصرة فعرفهم نفسه وما جرى عليه، فحمل إلى البحرين ثم رد باختياره إلى البصرة، وكان أبو القاسم عبد الله بن أخيه قد ملك الأمر بعده، فلما وافى البصرة تكلم قوم فى أمره بفنون فأبى أبو القاسم إلا أن يخيره ما يريد، فاختار الخروج من البصرة، فخرج ووافى بغداد، وذلك كله أو أكثره فى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ذكر قتل الترجمان جملة أمره أنه كان جبانا مضربا منتقلا، بخيلا قصير الرأى ردىء الاختيار، وكان سيف الدولة يتهمه بأنه هو الذى ضرب الأمير توزون عليه، حتى كان منه إليه بواسط ما كان، وأنه أطمع المتقى لله فى الاحتيال على ناصر الدولة وراسله فى ذلك، يحصله فى داره فيطالبه بالأموال، وأن الرسل بينهما اختلفت بذلك. ولقد أمكنه ذلك من ناصر الدولة مرات، خاصة عند قرب خروجه من بغداد فما اضطلع بذلك، ولا كانت له نفس تفى به، إلى أن خرج ناصر الدولة، وهو أوثق الناس به وعنده أنه فى جملته ثم غدر به. فرجع وكان بالرقة قد تمكن من المتقى لله، يصل إليه متى أراد ويأكل معه ويسمع منه، وكان يثلب سيف الدولة. وكاتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 الاخشيد ابن طغج فى إنفاذ جيش إلى الرقة لأخذ الخليفة من يد سيف الدولة فركب يوما إلى سيف الدولة، وقال له قد ضرب الجند على، فان كان فى نفسك شىء على، فأنا بين يديك، وتغضب وزاد فى الكلام، فنصحه سيف الدولة وقال له: لا يركب معك غيرى، حتى يؤديك إلى منزلك، فركب وخرج من بابه وأغلق غلمان سيف الدولة بابا خلف سيف الدولة، وضربوا الترجمان- وكان خلفه- بالسيوف واحتزوا رأسه، وبلغ أمره الخليفة فغضب وتكلم، وقال: ابن رايق بالأمس، والترجمان اليوم! وأشير إليه ألا يعيد فى هذا شيئا وأن يرى سيف الدولة أن الذى حكاه حق، ويستصيب رأى الغمان فيما فعلوه وفاز جميع من كانت له عنده ودائع مال فهو فى أيديهم، واعتل الامير توزون فى ذى القعدة علة صعبة شديدة من قولنج وغير ذلك، ثم أقاله الله ووهب له العافية فاستحجب فتاه صافيا، وخلع عليه خلعا، ركب فيها حتى رآه الناس ثم اتصل بتوزون أن الديلمى الذى بواسط يريد بغداد، فقدم مقدمته إلى المداين، وخرج فى أثرهم وذلك فى ذى القعدة لاحدى عشرة ليلة بقيت منه ووقع فى هذا الشهر بالكرخ حريق عظيم من حد طاق التكك إلى السماكين، وعطف على أصحاب الكاغد وأصحاب النعال، وذهبت النيران بأمتعة البزازين وأموال خطيرة، وكان وقوع الحريق ليلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 فبادر الناس ليخلصوا أمتعتهم فكان كل من أخرج شيئا نهبه الخرابون ومن يعينهم من العيارين، فما وصل الناس إلى شىء من أمتعتهم وسار أحمد بن بويه الديلمى يريد بغداد، وحدر أبو جعفر إقبالا غلامه فى الماء ومعه الطيارات والزبازب، ليمنع الديلمى من الماء، وكان ذلك من أجل الآراء وكان ذلك سبب الفتح وهزيمة الديلمى، ووقعت الحرب فى الجانب الغربى من حدود قباب حميد أياما متوالية والامير توزون يرى أن يستجرهم إلى قرب بغداد، لتقرب عليه الميرة إلى أن عبر بهم نهر ديالى، فصيره بينه وبينهم. وذلك برأى أبى جعفر بن شيرزاد، وجاء الديلمى حتى نزل حياله وهو بلا زاد، وقد ذبح جماله وجاع أصحابه ومنع مع ذلك من الماء، وكان المعروف بابن أبى على اللص قد صار فى جملة الديلمى وجمع أبو جعفر أموالا فحملها إلى الأمير توزون فقويت بها نفوس أصحابه، وأثبت جماعة من العيارين فأنفذهم فى الماء، ليرموا بالمقاليع، فكانوا يعطعطون بالديلم ويمنعونهم مع إقبال من الماء حتى هلكوا جوعا وعطشا، وعلم الأمير بما هم فيه من ذلك وأمر أبا الدفين الاعرابى أن يعبر إليهم، وعبر جماعة من الاكراد ومتسرعة من قواد الأمير توزون وغلمانه، فولى الديالم هاربين فى الساعة الخامسة من يوم الأحد لأربع خلون من ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة واستأمن إلى الأمير جماعة من وجوه الديلم وقوادهم، وظفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 بجماعة منهم، وأخذ فيمن أخذ ابن قرابة العطار، فأمر الأمير توزون فيه بأمر عظيم، فتكلم فيه الحر الجليل أبو جعفر حتى تخلصه، وكان تخلص ابنه قبل ذلك، لأنهم ذكروا أنه وجد له كتاب إلى أبيه، فيه ما لا يجوز فأمر الامير بقتله حتى استنقذه أبو جعفر ولما اشتد أمر الديالم وظن الناس أن الأمر أهم، انتدب جماعة وعزموا على الفتك بأبى جعفر فى داره والوثوب ببغداد، ليبادر جيش الأمير إلى منازلهم فيكون هزيمة ويركبهم الديالم واتصل خبرهم بأبى جعفر، فوجه بمن قبض على من وجد منهم وأحضر أبو العباس بن عبد الرحمن بن جعفر الخياط، والمعروف بابن أبى الردينى وطلب يمن البرى فلم يوجد وهرب جماعة ذكروا فى هذا الامر، فوبخ أبو جعفر ابن الخياط وذكره إحسانه إليه وأنكر أنه فعل ذلك، فأمر بحبسهم بعد أن صح عنده أمرهم؛ فحلم ولم يسلمهم فيقتلوا، وكان هذا من فضله وتوقيه وكان ظفره بهؤلاء علامة للاقبال، لأنه أخذهم لليلتين خلتا من ذى الحجة، وهزم الديلمى بعد يومين ولقد اجتمعت على أبى جعفر فى هذا الوقت أمور، لو اجتمعت على أوسع الناس صدرا وأشدهم بأسا وأكملهم شجاعة لبعل بها، ولم يتسع للفكر فيها، وكان يلجأ إلى هرب واستتار، فصبر على ذلك كله واضطلع به، حتى بلغه الله ما أراده وأظفره ببغيته منها مجيىء الديلم إلى قرب بغداد فى الجيش الذى لا يقام لمثله ومعه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 كتب يقرأها على الناس بمكاتبة المتقى لله له يأمره بقصد بغداد، وذلك ما لا يكذب به أحد ممن سمعه لهرب الخليفة، وما أظهره من عداوته للامير. فمنها علة الأمير توزون، التى اشتدت فى هذا الوقت، فما خرج عن بغداد إلا وهو عليل رقيد ومنها قلة المال وأنه لا يرجع إلى شىء معد ولا يقدر على استسلاف من التجار على شىء يرد، ولا مطالبة للمستظهرين منهم، بقرض، لئلا تنفر عامة البلد مع حاجته إلى تسكينهم وإلى الرفق بهم ومنها مجىء القرامطة إلى الكوفة يطالبون بمائة وخمسين ألف دينار، وورد المكنى بأبى دلف بغداد مستحثا لذلك ومنها شذوذ الخليفة وتباعده إلى الرقة، يورى الناس أن توزون قد عصاه، وأراد إتلافه فهرب منه، وأن الترجمان يهتف بذلك ويجاهر به ويكاتب الناس من أهل الشرق والغرب بمعونة الخليفة وإغاثته واستنقاذه ومنها أن ناحية ناصر الدولة التى كانت مغوثة بالأموال الموكفة والأقوات الواردة قد أفسدها الخليفة ومن معه، فانقطعت مواردها وغلت الأسعار بها ويئس الجند منها؛ إلى أشياء بعد هذا لعله لا يجوز ذكرها. فصبر أبو جعفر على هذا كله، حتى كشفه الله لمناصحته، ويمن تدبيره ومن أعجب العجب أن قوما يظنون أنهم يقومون مقامه ويغنون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 غناءه، وأن أعداءه يرجفون به ويتالون المعايب له. وقد نسوا ما كان منه وما كان يعانيه ويقاسيه فى هذا الوقت من [الأ] مور الملابس بها. والله الذى لا إله إلا هو إنه بالرحمة له منها أولى من الاغتباط بها له ولا تعمل إلا على أن واحدا قام مقامه وفعل فعله، من أين يملك مثل طبعه حتى يجلس سائر نهاره وأكثر ليله، لا يأكل ولا يشرب ولا يتشاغل بشىء من جميع الملاذ التى لا يصبر الناس عن شىء واحد منها، ولا يحجب واحد عنه، ولا ينصرف ذو حاجة أتاه إلا راضيا إما بقضائها وإما بوعد فيها يقنع به، وإما بولاية يرى نفعها على ما أمله من حاجته وملتمسه، أو تعويض له من ماله، بصدر رحب ووجه طلق وخلق واسع، لا يقدر المتخلق على مثله وسل أين من كتب لبجكم وهو فى أدنى أمره فبلغ به أعلاه فربى الصغير بمعرفته، وتكهل الشاب بخدمته، وشاخ الكهل ولا يعرف غيره. فهو لجماعتهم كالوالد الحدب وكلهم له هايب طائع ومن أين يوجد رجل ما كتب لأحد قط واتصل به إلا علت مرتبته، وزادت حالته وطغى يساره، ثم يكون مفارقته له فيه سبب حتفه وسقوط حاله هذا ابن الخال هارون، مازالت حالته متوسطة إلى أن كتب له فبلغ به أقصى ما يبلغه مثله، إلى أن تغير له وفارقه فساق نفسه الى حينه ولقد حدثنى بعض أسبابه أن كتاب أبى جعفر نفذ اليه مطلقا بالرأى عليه بأن يقبل ما كاتبه به الراضى بالله ويرجع ويتركه حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 يسعى له فما يريد على رفق وتأيد فخالف وبادر وهذا الأمير بجكم، مازال وهو يكتب له مصحح البدن بآمن الحال موفر الأصحاب، ما قتل أحدا من أتباعه ولا أنكر شيئا من أمره، حتى قبض عليه وصادره، واستكتب غيره. ففسدت عليه حاشيته، وقتل جماعة منهم، وتندم على ذلك، وحالفه سقم فى جسمه؛ فو الله ما قتل إلا وهو مستسقم فاسد المزاج ولقد كنت أقول لسنان بن ثابت ما ترى لون الأمير واستحالته والغلظ الذى يشكوه فى جوفه؟ فيقول لى لعله يصلح إذا احتمى، قول آيس منه، فما كان عمره بعد مفارقته له مع تنغص عيشه إلا مديدة وهذا الأمير المظفر أبو الوفاء توزون، ما كان أصحابه قبل أن يكتب له يفى عدتهم بثلثى عدتهم فى هذا الوقت، ولا نفقاته تفى بنصف بعضه فى هذا الوقت، فهو بركة عليه فى نفسه وجيشه واتساع نفقاته والله يعلم أنى ما تحريت بقولى هذا إلا الحق والمناصحة ولا يرانى الله- فى شىء مما أرويه وأؤلفه- أريد صديقا لصداقته، ولا رئيسا لإحسانه، ولا أتزيد على عدو لعداوته، ولما أعتقده من بغضه، ومن لزم الحق سلم فى عاجله وآجله، وكان الله ولى توفيقه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 ذكر رجوع الامير أبى الوفاء توزون (إلى داره، بعد هزيمة الديلمى وركوبه الظهر ورجوعه فى الماء) ولما فتح الله على الأمير المظفر أبى الوفاء توزون، وأظفره بالديلم وأقام فى عسكره أياما، وأنفذ فى طلب المنهزمة من يقتل ويأسر، ولم يعجل برحيل ليتبين آخر أمر عدوه، وما زال هذا من فعل الحزمة ذى الرأى المصيب، والعزم الصحيح. وأمر أصحابه بالرجوع إلى منازلهم، مسرورين بما صار إليهم من سلب الديالمة وسوادهم، بعد أن كثر عند الأمير على بعضهم، فما نفس بذلك عليهم، ولا سأل عنه، ولا عرض به ثم رحل إلى بغداد وركب على الظهر فى يوم الاربعاء لسبع خلون من ذى الحجة، فمضى فى شارع المخرم إلى الجسر، ودعا الناس له، ثم انصرف فى الماء إلى داره، وكانت ركبته هذه ركبة ما ركب أحد مثلها قط إلا خليفة، لأنه كان بين يديه مائة جنيبة ودابة وبغل بالسروج المذهبة والمفضضة، وبين يديه وخلفه من الغلمان الأتراك، بألوان الثياب وأحسن السيوف والمناطق وأفره الدواب، وهم عدة، ما اجتمع لأحد منذ مدة طويلة مثلهم. وما من قائد من قواده بعد هذا إلا وهو مساو بعدته وعدته قربه لأجل أمراء النواحى وأصحاب الاطراف الممتنعين بها ووافى فى ذى الحجة أبو على الحسن بن هارون بغداد برسالة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 الخليفة المتقى لله وكتابه إلى الأمير أبى الوفاء المظفر وهذا رجل من رؤساء كتاب الزمان ممن خدم الأمراء السادة، وهو حدث لم يتكهل فحسن خبره، وحمد أثره. كتب ليوسف بن ديوذاذ أبى الساج، وهو الامير الذى لا تدفع شجاعته ولا يجهل قديمه ورياسته ولا يشك فى عقله وأدبه ونفاذه فى جميع الأمور، فبلغ به ومعه الغاية التى لا تبلغها الآمال وهو مع كتبته رابط الجأش قوى الشجاعة حسن الفروسية، شهد مع يوسف بن أبى الساج وقعة القرمطى بالكوفة، فما زال ضاربا بالسيف إلى أن علم بأمر صاحبه فحمى نفسه بإقدامه وغلمانه، حتى أفلت جريحا وكتب لعلى بن يلبق وهو هنى لا يعد، فجعل إليه بتلطفه أمر المغرب كله وشرطة بغداد وحجبة الخليفة، إلى أن خلط عليه فتركه، فآل أمره إلى ما آل اليه، وإنما ذكرت أمر ابن يلبق معه لشىء أجىء به بعد سمعت الراضى يقول فى خلافته: إنما كتب الحسن بن هارون لابن يلبق رحمة من الله لنا لنبقى، ولو لاه لقتلنا القاهر كلنا! ولكنه كان يمنع منا ويحمل ابن يلبق على المناضلة عنا والدفع عن أنفسنا، وكان يصفه كثيرا. ولقد غنت ستارته يوما بشعر مليح، فقال أتعرف هذا اللحن؟ قلت لا، قال فالشعر؟ قلت لا، قال هذا الشعر كتب به الى الحسن بن هارون وعمل هذا اللحن فيه، وكان عنده بمنزلة لطيفة. فلما قدم برسالة الخليفة وكتابه لطف للأمير ابن المظفر إلى أن جمع الناس عنده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 فى يوم الاثنين لاحدى عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة، وفيهم خليفة القاضى أحمد بن إسحاق سهل بن ابراهيم والعدول، وأحضر من العدول من يحسن أن يتكلم بالفارسية، حتى أخذوا على الأمير مارضى به من القول. وحضر الهاشميون ووقع الصلح، وانصرف الناس مسرورين، وأنفذ الحسن بن هارون كتاب الأمير إلى الخليفة. ومعه كتابه بما جرى، وانتظر الناس ورود الجواب وخلع الأمير على ينال المحتاجى يوم الاثنين لثلاث بقين من ذى الحجة، وولاه طريق خراسان، فخرج مبادرا فى عدة واستظهار، واتصل به وهو يعبر نسا أن الأعراب قطعوا على قافلة فخرج مبادرا ولم ينتظر أصحابه استهانة بالأعراب، وكان قد أطلق لصا يقال ابو الفرج بن مياح بعشرة آلاف درهم أخذها، وكان من حقه أن يقتل لقطعه الطريق فنظر اليه ابن مياح هذا، وهو فى خف فطمع فيه وحرض عليه إلى أن انبرى له، فطعنه فقتله فسلط الله عليه اللص الذى أطلقه ظالما لنفسه، عاصيا لله فى إطلاقه حتى قتله، فورثه الأمير ابو الوفاء وأخذ غلمانه ودوابه وأثاثه وضياعه وولى مكانه الفتح اللشكرى فطلب الأعراب فهربوا منه ولم يقفوا له. وورد ابن الغمر صاحب القرمطى الذى كان أدخل أيام القاهر مشهورا ببرنس مع الشريف أبى على عمر بن يحيى العلوى بغداد مطالبا بمال المفارقة، فكتب له أبو جعفر بن شيرزاد على عمال الكوفة كل ذلك، ليأمن على الحاج وهو يعلم ما عليه فى ذلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 وكان أبو بكر النقيب قد هرب من بغداد إلى ناصر الدولة، قبل شخوص الخليفة عن بغداد فقبله أحسن قبول وخلع عليه وعلى ولده، وبلغ برزقه ألفى دينار، ومثلها لولده وغلمانه، ثم خرج مع الخليفة إلى الرقة، ثم رجع إلى ناصر الدولة فأقام يأخذ رزقه، ثم كاتب أبا جعفر فى مصيره إلى الحضرة واحتال حتى قدم وكان أبو جعفر قد وجد على أسكروز الديلمى عامل الشرطة ببغداد فى أشياء أنكرها عليه من أخذ الدراهم، وقبالة ثقيلة يلزمها ولاة الشرطة فكاتب الأمير فيه فعزله، وولى مكانه أبا بكر النقيب، وهذا فى المحرم سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ولما رجع الامير أبو الوفاء من نهر ديالى ظافرا أنشد شعرا فى وصف ما كان منه ومن أبى جعفر فى العزم والرأى، فما وقع عند من حضر الموقع المرضى. فنطقوا بأجمعهم وقالوا لى: مثل هذا الخطب العظيم والفتح الجليل، لا يكون له مدح يشهره الناس ويرويه؟ فقلت فى ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة نعم الورى بسوابغ النّعماء ... ونجوا من البأساء والضّرّاء عضد الآلهّ أبا الوفاء بنصره ... عضد الخلافة سيّد الأمراء فأريح قلبى من جوى البرحاء ... ولهيب نار الوجد والأدواء عاد الزّمان إلى نضارة عيشه ... وأزيلت البأساء بالسّرّاء قد واصل النّصر للتابع سيفه ... كوصال حبّ كاره لجفاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 فى كلّ يوم للأعادى وقعة ... منه تبيدهم وسيف فناء فتراهم لمّا رأوه مقبلا ... كالشّاء ينفر من أسود ضراء صرعى وقتلى والّذى فات الرّدى ... منهم حليف الذّلّ فى الأسراء ضحكت به الأيّام بعد قطوبها ... وجلا الضّياء به دجى الظّلماء فصلوا السّرور قضاء ما عاينتموا ... بالأمس من همّ ومن برحاء قد عوفى اللّيث المطلّ على الغدا ... من كلّ ما يشكو من اللّأواء وأتاه نصر من إله منعم ... يقضى له أبدا بخير قضاء أعييت حيلتهم وفتّ مداهم ... من غير إتعاب ولا إعياء نثرت سيوفك بالفضاء أكفّهم ... فكأنّهم فيه حصى البطحاء وعطفت خيلك خاطفا أرواحهم ... من غير إمهال ولا إبطاء أنت المعظّم فى الزّمان ومن له ... ذلّت رقاب السّادة العظماء أبت الامارة أن تزوّج غيره ... من بعد ما خطبت أشدّ إباء وعصى المديح فليس يعطى طاعة ... إلّا له فى سؤدد وثناء يلهو بأبطال الرّجال شجاعة ... لهو الملاعب فاز بالأهواء ملك أبرّ على الملوك ببأسه ... وقبوله من سيّد النّصحاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 أحيا محمّد بن يحيى دولة ... بصحيح عزم صائب الآراء زين الكتابة وابن من ذلّت له ... وعليه قدما كتبة الخلفاء من بعد ما ظنّ الأعادى أنّه ... سيكون من ناواه ذا استعلاء إذ ساور الاسلام سقم قاتل ... لو لم يدارك سقمه بشفاء فرماهم من رأيه بنوافذ ... تهدى بلا هاد إلى الأحشاء ورأى حبالى رأيه شركا لهم ... فهووا لحمئته هوىّ دلاء «1» فى كار يرجى عين رأى مجرّب ... ماضى الحسام لحسم هذا الدّاء سل بالأمير وسيفه من رامه ... أو هاجه فى حومة الهيجاء ضرغامه دامى الأظافر كلّما ... عرت النّوائب من دم الأعداء فكأنّه فى سرجه يوم الوغا ... بدر تلألأ فى سعود سماء وكأنّما قوّاده من حوله ... مستلئمين كواكب الجوزاء متلبّس جلباب صبر تحته ... قلب كمثل الصّخرة الصّمّاء شرد الأعادى خوفه فكأنّهم ... خرق النّعام بقفرة بيداء أوكد رسرب قطا أضرّ بها الصّدى ... فتسا قطت عطشا الى الأحشاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 عطف الرّجال إليهم فتعطّفوا ... للأسر والاذلال فعل نساء وأتى الأمير بعزّة ومهابة ... يختال بين غنى وبين غناء خصبت به بغداد بعد جدوبها ... وتلبّست منه ثياب رخاء هذا وفى أيّام بجكم كم له ... من صدق عارفة وحسن بلاء تسودّ أيدى غيره فى حربه ... فيضيئها قيد له بيضاء أطناب بأسك يوم حربك علّقت ... لعلوّها بكواكب العوّاء فضلت كفضل بنى النّبىّ وصهره ... فى نبل قدرهم بنى الطّلقاء فرقيت فى درج المعالى صاعدا ... تعلو على العظماء والكبراء ولما استكتب الأمير أبو الوفاء توزون أبا جعفر محمد بن يحيى، وقدم بغداد، دخلت إليه فأنشدته عذلت امرءا فى عشقه ليس يعذرك ... أما عاش أن ينهاك عنه ويزجرك متى لم تحط خبرا بما صنع الهوى ... بمن فارق الأحباب فالدّمع يخبرك أما لو بلوت الحبّ واقتادك الهوى ... إلى هجر محبوب لقلّ تصبّرك شربت كؤوس الحبّ صرفا ودون ما ... شربت من الممزوج ما لا يسكّرك على اليمن والتّوفيق ألبست خلعة ... بها المتّقى لله بالحقّ يؤثرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 وفى خصرها قاض كرأيك فى العدا ... به تنقضى أعمارهم ويعمّرك رآك أحقّ النّاس بالإمرة الّتى ... يمازج فيها جوهر الملك جوهرك يقدّم للمقدور دهر معاند ... سواك إليها ظالما ويؤخّرك إلى أن وفا بالوعد فيك أبو الوفا ... فكلّ أمير بالصّغار يؤمّرك لئن كان للأتراك فخر بهاشم ... فقد زادهم فى البأس والفخر مفخرك ملكت فملّكت المنى كلّ راغب ... فموردك الإحسان والحقّ مصدرك إذا كاثر الأتراك يوما بسيّد ... فما أحد فى سالف الدّهر يكثرك ومن كان منهم ماجدا متقدّما ... فهم رهطك الغرّ الكرام ومعشرك طبعت على عقل وجود ونجدة ... فما تستطيع الحادثات تغيّرك وسيّان فى الأعداء مخبرك الّذى ... به ينصر الله الولىّ وينصرك وهل تجد الأعداء عندك غرّة ... وأبيضك الموت المرجّى وأسمرك وما نصر الله امرءا أنت حربه ... وأنّى له بالنّصر والله ينصرك تخيّرك البارى أميرا مظفّرا ... تبارك فى تدبيره متخيّرك رأيتك للسّلطان محيى «1» دولة ... فهذا اسمك الأولى بوصفك يشهرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 تسمّ به تكبت عدوّا وحاسدا ... كما قد تسمّى قبل من ليس يعشرك إذا التفّت الأقران واحتدم الوغا ... فسيفك بالنّصر القريب يبشّرك عرفت بإقدام وفتك وجرأة ... فما أحد فى كلّ ذلك ينكرك وإن جرّ يوما عسكرا ذو تجمّع ... فسيفك فردا فى قتالك عسكرك تذبّر فى ترب السّنين أمورنا ... برأى مصيب والاله يدبّرك وعدتك هذا الأمر من قبل كونه ... ووعدك لى بالبذل لا شكّ ينذرك وهذا مسيحىّ بقولى شاهد ... وحسبى به عدلا بوعدك يذكرك وما زلت مذعا ينت شخصك دائبا ... لما نلته أثنى عليك وأشكرك لقد ظفرت كفّاك بالمال والعدا ... برأى ابن يحيى القرم والله يظفرك وثقت بادبار النّحوس عن الورى ... وإقبال سعد حين صار يدبّرك أبو جعفر فى الرّأى والعقل وافر ... به الله بعد الانتقاص يوقّرك سيوردك العذب الزّلال مجرّب ... عليم بتدبير الورى كيف يصدرك لقد ظفرت كفّاك منه بفاصل ... به الله من بعد القليل يكثّرك فلا زالت الأيّام سلما مطيعة ... توقّيك ما تخشاه فيها وتخفرك وفزت بما تهوى وصالت على العدا ... سنوك بتمليك عليهم وأشهرك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وكان الناس قد سروا بولاية أبى بكر النقيب محمد بن جعفر، فنادى برفع المؤن واشترط ذلك، فلما استهل شهر المحرم طولب بسنة اسكورج فعقد على ابراهيم بن شمحور الفروقى الجانب الشرقى والصحراء والأيواب بسبعة آلاف درهم فى كل شهر وتضمن محمد بن محمد تازى البيض وأعماله بثلاثة آلاف درهم، وعقدت الشرقية وما فيها من الأعمال على أحمد بن جعفر المعروف بابن الشرطى بثمانية آلاف سوى الاستثناءات فانها خمسة آلاف درهم وضمنت دجلة والماصر الأعلى بخمسمائة دينار، وعقد القيار بألفى درهم، فصار الجميع نيفا وثلاثين ألف درهم فى الشهر فلقى الناس من ذلك عنتا، وتعرم أصحاب الارياع والمصالح على الناس، والنقيب كاره لذلك لا يعرف مثله وكثرت الكبسات، ووثق اللصوص بالمصانعات والغرم، فكبسوا الناس ليلا ولم يهابوا نهارا، واجتمعوا فكان يوافى دار الرجل المقصود جيش اللصوص بالليل بالسيوف والنشاب، لو حوربوا لما وفاهم القليل واستلب كيس رجل يعرف بغلام ابن الأبوارى الصيرفى مع المغرب، وفيه خمسة آلاف دينار ليلة الجمعة لأربع بقين من المحرم وكان الكيس على رأس حمال، فصاح الرجل والحمال، فرماهم الناس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 بالآجر، ورماهم اللصوص بالنشاب؛ فتفرقوا عنهم، وبادروا ناخية دار على بن عيسى، ونزلوا الشط إلى سميريات أعدت لهم، فأقر حارس الموضع أنهم أصحاب المعروف بابن بغرة النازل بدار الترجمان، فى قصر عيسى، فأخذوا فأقر بعضهم أنه دفع المال إليه، وجحد هو أن يكون يعرف ذلك، وتعصب له بعض الأتراك وطاح المال. وكان رجل يعرف بممراج استأمن من عسكر البريدى ومعه من اللصوص البطارقة الحذاق جماعة، فصار يخدم فى دار أبى جعفر هو وأصحابه، يكبسون الناس ليلا ويعترضونهم فى دجلة ويجتمع هو وأصحابه وكاتبه البصرانى المعروف بسكباج لعنه الله، على النفقات والقيان والأنبذة والفسق وكان معه كلابزى قواد وكان مع زباشى التركى كلابزى مثله، فتغايرا على قحبة وأعان كل واحد صاحبه، فجرت بينهما حرب وأمور قبيحة، ثم كانت خطوب، وقتل ممراج هذا والحمد لله. وظهر سعيد بن داود المسيحى، وعاد أخوه إلى خدمة الأمير والتطبب له، وكان طبيبه قديما وذلك فى المحرم ووجه ناصر الدولة بأبى عبد الله الحسين بن سعيد أبى العلاء مع غلام أبى بكر بن مقاتل إلى الشام، فى جيش كثيف بعد أن أزاح عللهم لمحاربة ابن طغج ودفعه عن الشام، فمضى حتى تجاوز حلب فلقيه جيش ابن طغج الأخشيذ فهزموه وأسروا رجاله وغنموا أمواله، وولى هاربا فى قلة يريد الرقة، فلما شارفها تقدم الخليفة المتقى لله بغلق أبوابها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 ومنعه من دخولها فأقام أياما ووجه إلى الخليفة برسالة غليظة فاذن له ووبخه على تسريحه لقتال من لم يأمر بقتاله ووافى ابن طغج فى أثره فخرج إلى ابن عمه سيف الدولة وقد كان ابن عمه تنحى عن الرقة فأعطى المتقى لله مالا وفرق على جميع من معه مالا على أقدارهم، فأمسك بذلك أرماقهم، ولولا فعله ما كان بهم نهوض ثم رجع ابن طغج إلى حلب فيقال إنه أعطى الخليفة مائة ألف دينار سوى الآلة والثياب ووجه إلى الوزير بثلاثين ألف دينار، وإلى الحاجب أحمد بن خاقان بعشرة آلاف دينار، هذا تأدى الينا ولم نشاهده وزاد غلاء السعر على الناس فشغبوا فى الجانب الغربى يوم الجمعة وتكلموا بالعظائم، ومنعوا الامام الصلاة، حتى انصرف أكثر الناس، ثم صلى الامام بمن بقى صلاة خفيفة وخرج الأمير أبو الوفاء إلى البثق بنهر عيسى، ومعه قواده، ومال من خاص ماله مؤملا سده، وذلك فى أول المحرم فأقام أياما عليه، واجتهد هو وأبو جعفر فى النفقة، واطلاق المال. ثم إن الله عز وجل لم يأذن فى ذلك، فحمل الماء أكثر العمل، واغتم الأمير لذلك غما شديدا ولما وصل كتاب الحسن بن هارون إلى المتقى لله بما صنع، وجه المتقى لله بأحمد بن عبد الله بن اسحاق القاضى من الرقة إلى الأمير أبى الوفاء المظفر لتوكد الأيمان عليه، وموافقته على شرائط شرطها له، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 ويشهد عدوله عليه، ووجوه الهاشميين فوصل القاضى إلى بغداد يوم الخميس، لأربع خلون من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، ففعل جميع ما تقدم به المتقى لله إليه، وكان قد وجه معه بخلع، وطوق ذهب، ليخلعها على الأمير إذا فرغ مما بينه وبينه، ففعل هذا كله إلا أمر الخلع وأمر الأمير بعمارة دار الخليفة، وبناء ما استهدم منها، وكان يركب بنفسه حتى يشاهد ذلك ويعاينه، وكان فى الرسالة أن يخرج الأمير إلى واسط، فقال: هذا لا أجيب إليه، يعمل على أنى ابن طغج إذا قرب من بغداد خرجت وتلقيته، وأزلت كل ما فى نفسه، فاذا صار فى داره أمرنى بما شاء حتى أفعله، وإن خرجت ولم أره كنت عند الناس عاصيا! وامتنع من أن يلبس الخلع إلا بحضرة الخليفة إذا رآه، وكتب القاضى إلى الخليفة بإحكامه له جميع ما أراد، وأشار عليه بالمبادرة إلى الحضرة وعظم أمر اللصوص، وكبس الناس فى منازلهم وقتلهم، وأخذ أموالهم. فولى الأمير أبو الوفاء الطوف رجلا أعجميا، وضم إليه جماعة فأفرط فى أمر الطوف، وجرى إلى أشياء عظيمة، حتى تمنى الناس أنهم أعفوا منه ووجه الأمير بقوم من أصحابه، فأمرهم أن يكبسوا أهل الريف من النباذين والقوادين، وتعطيل ما يجرى من أمر النباذين بدار الروم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 بالجانب الشرقى، ونسب ذلك إلى الجاثليق، وأن له عليهم قائما، وأنه يرسل أهل نحلته فيعوز بهم، وصادره على خمسين ألف درهم بوساطة طازاذ وابن سنكلا، وعطف بعد ذلك على النباذين والقوادين، فحبس منهما وعاقب، وسكن أمر البلاء قليلا وانكسف القمر ليلة السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من صفر، وغاب كله وتحدث الناس بمجيىء الخليفة المتقى لله إلى هيت، وخرج القاضى الخرقى إليه فعرفه جميع ما جرى، فسكن إلى ذلك ورجع القاضى إلى الأمير يعرفه فدخل بغداد يوم الثلاثاء للنصف من صفر وركبت مع أبى جعفر فى الطيار، فأعلم الأمير أنه يتلقى الخليفة بالأنبار، فقدم الأمير الطيارات إلى باب الشماسية، وقال للقاضى تعبر بالخليفة من المزرفة وهى قرية بأعلى قطربل بفرسخين، حتى يدخل بغداد من الماء، ونصب الناس القباب بباب الطاق، وأخرج الأمير توزون أثقاله وجماله إلى باب الأنبار، وخرج يوم الأربعاء، وأقام فى الطريق وسار يوم الخميس. ولا والله ما سمعت بأعجب من أفعال المتقى لله كلها، أول خطئه، وتركه الرأى، وركوبه العوز: تركه دار مملكته، وخروجه عنها برأى الترجمان وأشباهه لغير سبب أوجب ذلك، ولا اضطرار دعا اليه. [و] الأمير توزون إلى وقته ذاك مطيع له تابع لما يشتهيه، عالم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 مع ذلك أن الصواب والرأى غير ما تكلفه. فمن ذلك: أن الأمير أقام بواسط، ليستنطف الأموال بها، فكتب اليه: «دع كل شىء، وصر إلى، ولعن الله المال!» فراجعه فألح عليه فقدم، فخلع عليه وأمره. وأشار الأمير عليه أن يصالح بنى البريدى إذ كانوا قد ظفروا بمجيئه بكثير من المال. وقال: نستعجل الأموال منهم، ونحن على أمرنا بعد ذلك. فخالفه، وقال لابد من محاربتك لهم، وإزالة أمرهم، وكان رأى الأمير صوابا، فى هذا فترك الرأى ولم يخالفه وانحدر هذا بعد أن قد كان كتب قبل ذلك بالايقاع بسيف الدولة ليريحه الله هو بذلك من ناصر الدولة ببغداد، ولكرم الأمير توزون وحسن عهده، ما ترك سيف الدولة حتى جاء لأسباب دعاها له، ولو أراده ما فاته، ثم ما عامله من الخروج عن بغداد يرى الناس أنه فزع منه، وأن الامير عاص له ثم ما حمل ابن حمدان عليه من محاربته مرة بعد مرة، على كراهة ابن حمدان للحرب، كل ذلك طمعا من المتقى فى إزالة الأمير عن مرتبته ومنها أنه كاتب صاحب خراسان يستنجده عليه، والأخشيذ بن طغج بمثل ذلك، كل هذا هو فيه ظالم للأمير توزون، ثم إقباله بعد ذلك حتى وضع يده فى يده، ظن أن الأمير هو حدث أعجمى نسى هذا كله، والله لو فعل [الرشيد] هذا بالمأمون فى حلمه وعقله، وهو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 ابن له ما احتمله! وأعجب من ظنه بأنه لا ذنب له ونسيانه ما فعله: ذهاب الرأى عن جميع من معه ممن يدبره، وما ذهب على العقلاء، ولا على أهل الرأى. فلقد رأوا الذى فعله الأمير بالرأى قبل كونه [اخر امر المتقى لله] فكان قبض الأمير على المتقى لله يوم السبت لاحدى عشرة ليلة بقيت من صفر، وكان هذا كله بغير علم أبى جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد ولا اطلاع عليه، ولا مشاورة له فيه، ولا علم به إلا فى وقته ولما توثق من المتقى لله فى المضرب، نهب أصحاب الأمير عسكره، فلم يفلت من جميع من كان معه أحد، وخرج قوم لتلقيه فنهبوا ووجه الأمير بصافى الخازن إلى دار ابن طاهر، لاحضار أبى القاسم عبد الله بن المكتفى بالله، وأخذ الخاتم من يد المتقى وسلمه إلى صافى فصار صافى إلى دار ابن طاهر، واستخرج عبد الله بن المكتفى بالله فألبسه ثيابا جاء بها معه ودفع إليه الخانم وقلد سيف حمايل، وصار إلى مضرب الأمير، فعقد له الأمر، وكحل المتقى لله فصاح فأمر أصحاب الدبادب فضربوا بها، فصاح فلم يسمع صياحه، بعد أن خلع نفسه وسلم الأمر إلى الخليفة عبد الله وكان هذا كله يوم السبت بالعشى، لاحدى عشرة ليلة بقيت من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 صفر، بل وجه فى طلب الخليفة أبى القاسم قبل أن يقبض على المتقى وكان المتقى لله لما قرب الامير منه، ولقيه ركب قبة نمور أهداها ابن طغج له، فلما رآه الامير أكب على الأرض فقبلها بين يديه مرتين فقال له: اصعد معى، فلم يصعد وكان عديله خادم له، فلما سايره وصار إلى السندية أحدق به الديلم، فقبض بعضهم على لجام بغلته العمارية، وعدل به، فأنزل المضرب، وتسلمت دوابه وجنائبه التى كانت تقاد بين يديه، وأخذت خزائنه، ونهب عسكره كله وكان من أمره ما ذكرناه، فكانت خلافته ثلاث سنين وأحد عشر شهرا، أولها يوم الاربعاء، لعشر بقين من شهر ربيع الاول سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. وآخرها يوم السبت لاحدى عشرة ليلة من صفر، سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وما أعجب ما اتفق له من صحة الأخبار فيه، جاءت الرواية أن عمر الحادى والعشرين من الخلفاء أقل من ثلثى عمر الذى كان قبله وأكثر من نصفه، فكان كذلك وذكر بليناس فى كتابه الذى ذكر فيه الكسوفات، وهو كتاب قديم قد ألف فى قديم الدهر «أمر ملك بابل» فقال وأنا أحكى لفظه من كتابه، ومن طلب هذا الكتاب وجد ما ذكرته فيه على ما شرحته إن شاء الله قال بليناس: «انظر إلى سر غامض فى الكسوفات، إذا كانت الشمس فى الميزان، ووقع كسوف القمر، وهو فى الحمل، وزحل فى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 السرطان والمريخ فى الجدى هلك ملك بابل» فاتفق هذا الكسوف على هذه الصفة بعينها، فكان بين الكسوف وبين هلاك المتقى لله أسبوع. ذكر عمال المتقى لله وقت زوال أمره أمير الأمراء: المظفر أبو الوفاء توزون وكاتبه المدبر للأمور: أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد. وعلى وزارته: أبو الحسين على بن محمد بن مقلة وعلى شرطته ببغداد من قبل الأمير توزون: أبو بكر محمد بن جعفر النقيب. وعلى قضائه: أحمد بن عبد الله بن اسحاق الخرقى. وعلى كتبة ضياعه أبو العباس أحمد بن عبد الله الأصبهانى. وعلى الحسبة ببغداد: المعروف بالأسمر من أصحاب الامير. وعلى حجبته: أبو العباس أحمد بن خاقان المفلحى، مولى أمير المؤمنين. وإلى الاخشيذ أبى بكر أحمد بن طغج مولى أمير المؤمنين: مصر والشامات وإلى الحسن بن عبد الله بن حمدان أبى محمد: الموصل وديار ربيعة وديار بكر وقردى وبزيذى وبهذرا «1» وإلى نوح بن نصر بن أحمد الخراسانى: خراسان وبفارس والاهواز وكورها وقسمين ومناذر وسرق وأرجان: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 على بن بويه. وأصبهان: الحسن بن بويه الديلمى، وكانا يقيمان الخطبة له وعلى الصلاة بالجانب الشرقى بمسجدى الرصافة ودار السلطان: الحسن بن عبد العزيز العباسى وولده وعلى الصلاة بالجانب الغربى فى الجامع بمدينة أبى جعفر المنصور: ابن بريه الهاشمى من ولد المنصور وعلى الصلاة بمسجد براثا: أبو الحسن احمد بن الفضل بن عبد الملك الهاشمى وابنه. تمت أخبار المتقى لله، وهو آخر ما عمله الصولى من أخبار الخلفاء والحمد لله العدل الذى لا يجور، وصلى الله على محمد وآله وسلم وهو حسبنا ونعم الوكيل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 فهارس الكتاب 1- فهرس الأعلام 2- فهرس الأماكن والبقاع 3- فهرس التّراجم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 فهرس الأعلام (ا) ابراهيم بن احمد بن اسماعيل 213 ابراهيم بن احمد الخراسانى 242، 253 ابراهيم بن أيوب النصرانى 199 ابراهيم بن الجاثليق 89 ابراهيم بن حماد 61 ابراهيم بن خفيف 61 ابراهيم بن خلف بن طياب 120 ابراهيم بن شمحور الفروقى 249، 276 ابراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمى 76، 87 ابراهيم بن عبد الله النميرى 17 ابراهيم بن المقتدر أبو اسحاق- المتقى لله 8، 181، 188، 191- 193، 197، 198، 200، 203، 206، 219، 223، 225، 234، 238، 239، 242، 243، 246- 249، 253، 254، 258، 260، 264، 268، 277، 278- 280، 282- 285 ابراهيم (أخو توزون) 246 ابرويز 32 ابن الأبوارى الصيرفى 276 غلام ابن الأبوارى الصيرفى 276 احمد بن بويه الديلمى (أبو الحسن الديلمى) 70، 135، 233، 239، 258، 262، 263، 267، احمد بن بدر الشرابى 118 احمد بن البريدى- أبو عبد الله البريدى 202 احمد بن جعفر الشرطى 248، 276 - ابن الشرطى احمد بن خاقان- أبو بكر الحاجب 181، 228، 248، 278 احمد بن خاقان المفلحى- أبو العباس 284 أحمد بن سعيد بن عطية الكوفى- أبو العباس، 225 احمد بن طغج- ابو بكر الأخشيذ او الأخشاذ 101، 258، 284 أحمد بن عبد العزيز الجوهرى 294 أحمد بن عبد الله بن اسحاق- ابو بكر الخرقى القاضى 200، 201، 226 269، 278، 284 أحمد بن عبد الله الاصبهانى- ابو العباس 201، 234، 238، 257، 284 أحمد بن على الكوفى- أبو عبد الله الكوفى 101، 108، 186، 187، 195- 200، 209، 213، 219، 230 231، 234، 238، 241 احمد بن الفضل بن عبد الملك الهاشمى- ابو الحسن 63، 148، 192، 285 احمد بن محمد البستانيان المحدث 70 احمد بن محمد بن عبد الوهاب- ابو عبيد الله 257 أحمد بن محمد العروضى 8، 28، 45، 56، 60، 80، 103، 104، 115، 150، 196 أحمد بن محمد بن الفرات 15 أحمد بن محمد بن ميمون بن هارون الانبارى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 الوزير- أبو الحسين 186، 187، 199، 201 احمد بن محمد بن يعقوب البريدى 259 احمد بن نصر البازيان 230 احمد بن نصر القشورى 88، 108، 119، 120 أحمد بن يحيى السوسى 107 احمد بن يحيى بن المنجم 9، 21، 59، 37، 149 الاخشاذ- محمد بن طغج- ابن طغج الادمى المقرى 133 ارتمش التركى 252، 256 ارسلان 253 اسحاق بن ابراهيم البريدى 8، 9 اسحاق بن الضيف 88 اسحاق بن المعتمد 8، 9، 77، 78، 97، 102، 149، 195 ابو اسحاق- ابراهيم بن المقتدر بالله أبو إسحاق القراريطى- محمد بن أحمد بن ابراهيم الاسكافى بنو أسد 215 اسكروز الديلمى 270 اسكورج الديلمى 181، 246، 249، 252، 253، 255، 259، 276 اسماعيل بن أحمد 232 ابن اسماعيل بن أحمد 135، 136، 139، 140، 231 اسماعيل بن اسحاق 61 ابن اسماعيل بن مجمع 217 اسماعيل بن نصر بن أحمد 237 الاسمر (حاسب بغداد) 284 ابو الاسوار 199 أبو الاسود بن موسى بن اسحاق الانصارى 212 الاشاعثة 215 ابن الاشنانى 234 أصبهانى (ابن اخت كورتكين) 204 أم اصبهانى 209 اصطفى- ماصطفى الاصمعى 25، 39 ابن أعجى 132 ابن الاعرابى 39 إقبال الشيرزاذى (غلام ابى جعفر) 90، 255، 262 ابن الانبارى النحوى- عبد الواحد المقتدر الاوارجى (كاتب ابن مقاتل) 230 أبو أيوب السمسار 70، 140، 141 147 (ب) البازعجى 33 باهلة 215 بجكم التركى أبو الحسين 20، 38، 42- 44 51، 52، 54، 62، 86- 89، 101، 103، 105- 110، 117- 122، 128، 129، 131- 133، 135، 136، 138- 139، 145 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 147، 148، 184، 186، 187، 191- 193، 197، 198، 211، 229، 240، 245، 265، 273 البحترى 97 البخارى (خليفة البربهارى) 136 بختيشوع الطيب 75 بدر الخرشنى 64، 76، 77، 81، 82 107، 203، 204، 223، 228 ابن بدر الشرابى 100، 119 بديع (غلام ابن عبدوس) 144 البراض 13 البربهارى- عبد الله بن عبيد الله البرجمالى أبو بكر 39، 187 برغوث 245 البريدى- أبو عبد الله 57، 58، 88، 89، 120، 121، 134، 135، 139، 144، 148، 200، 201، 205، 206، 218، 222، 224، 225، 227، 228، 232، 240، 244، 247، 249، 251، 259، 277 البريدى- أبو الحسن 200 البريدى- أبو المهدى 246 بنو البريدى- البريديون 86، 88، 89، 99، 105، 108، 132- 134، 140، 145، 150، 196، 199، 200، 203، 204، 210، 214، 219، 223، 229، 233، 235، 23، 240، 242، 244، 246، 280 البريديان- أبو عبد الله وابو الحسين 200 ابن بريه الهاشمى- عبد الله بن اسماعيل ابن بسام 91 البسوس 91 بشار، 124 بشرى الاثرم (غلام الراضى) 121، 132 بشرى المؤنسى 67 بشرى (حاجب توزون) 249 ابن بغرة 277 أبو بكر الازرق- ابن بهلول 213 أبو بكر ابن أبى الازهر 88 ابو بكر بن الانبارى 144 أبو بكر بن الخياط النحوى 91 أبو بكر بن الشافعى الفقيه 230 ابو بكر بن الصيرفى 85 أبو بكر بن طغج- احمد بن طغج أبو بكر بن عبد العزيز الهاشمى 142 أبو بكر بن مجاهد 84 أبو بكر بن مقاتل 219، 277 أبو بكر النفرى 134 أبو بكر النقيب- محمد بن جعفر النقيب بلال بن جرير 39 ابن بلال الدقّاق 234 بلقيس 22 ابن بليق 49 بليناس 283 بن بنان الخلال 148 ابن بهلول- ابو بكر الازرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 ابن بويه الديلمى- احمد بن بويه تاج الدولة- على بن عيسى- أبو الحسن تتج الحجرى- ابو الفتح 82، 85 الترجمان- محمد بن ينال 105، 108، 120، 133، 134، 135، 138، 139، 141، 142، 144، 148، 184، 188، 197، 198، 200، 201، 211، 223، 227، 241، 242، 243، 246، 248، 250، 253، 256، 260، 261، 264، 277، 280 ابن ابى الترجمان 244 تكنجور 85 تكين الشيرزاذى 243، 250 تكين الماكانى 243 تكينك انتركى (صاحب أمر بجكم) 138، 142، 193، 199، 229 تميم بن خزيمة بن خازم التميمى 45 بنو تميم 148 توزون التركى (امير الامراء) ابو الوفاء 199، 226- 228، 233، 240، 242، 247، 249، 250، 255 257، 258، 260، 262، 264 266- 268، 280، 281، 284 (ث) ثابت (اخو ابن المشرف) 147 (ج) بنو جابر للنصرانى 114 الجاثليق 89، 280 الجاروديون 215 جالينوس 147 ابن جبرويه 237 ابن جبير الدقاق 76 جرموز 37 جرير 23، 95 الجريرى المحدث 87 ابن الجصاص التاجر 16 جعفر البارد 212 ابن جعفر الخياط 132، 198، 236، 248 جعفر الدقاق 136، 130 جعفر المقتدر 179، 180 أم جعفر المقتدر بالله 70 جعفر بن المكتفى 69 جعفر بن ورقاء 77، 83، 118، 141، 148 ابو جعفر المنصور 285 ابو جعفر- محمد بن احمد الصميرى ابو جعفر- محمد بن عبد الله بن حمدون ابو جعفر- محمد بن القاسم الكرخى ابو جعفر- محمد بن يحيى بن شيرزاد ابن جمدي 243، 244، 255، 259 جنى الحمدانى 121 جورغيز بن القاراهى- أبو شجاع 199 ابن الجواليقى 26 ابن حاتم 136، 243 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 الحارث بن أبى اسامة 212 ابن الحارث 82 ابو حامد الطالقانى 129، 213 حبة التركى 256 حبيش 38، 39 حجاج بن منهال 17 ابن حراشة 27 حسان بن ثابت 18، 78 الحسن بن أحمد الشجرى 204 الحسن بن احمد المادرانى- ابو محمد 257 الحسن بن أحمد الماوردى 230 الحسن بن بويه الديلمى 231، 285 الحسن بن أبى الحسن 17 الحسن بن حمدان 66 الحسن بن روح النوبختى- أبو القاسم 154 الحسن بن عبد الله بن حمدان 65، 66، 70، 71، 76، 88، 108، 109، 110، 114، 122، 128، 129، 131، 132، 133، 139، 198، 200، 225- 228، 284 ناصر الدولة أبو محمد الحسن بن عبد العزيز الهاشمى العباسى 148، 192، 285 الحسن بن على بن محمد بن الفرات 71 ولد الحسن بن على رضى الله عنه 150 الحسن بن الفضل بن المأمون 121 الحسن بن هارون- ابو على الهمدانى 70، 82، 85، 86، 139، 240، 257، 267- 269، 278 الحسنى (احد قطاع الطريق) 138 ابو الحسن (اخوابى جعفر) 147 أبو الحسن بن سهل 144 أبو الحسن بن شيرزاد 245 أبو الحسن بن عبد الواحد الهاشمى 183 ابو الحسن بن أبى عمرو الشرابى 146، 149، 235 ابو الحسن الكرخى 141 ابو الحسين بن مقاتل الصغير 231 الحسين بن احمد المادرانى 237، 238 الحسين بن اسماعيل المحاملى 26، 230 الحسين بن سعيد بن حمدان 224، 232 240، 246، 277 الحسين بن على 98 الحسين بن على بن العباس النوبختى 76، 87، 106 الحسين العلوى الديلمى 245 الحسين بن الفضل بن المأمون 121 أبو الحسين البريدى- على بن البريدى أبو الحسين التودى 139 أبو الحسين القاضى 247 ابو الحسين بن القشورى 186، 211 أبو الحسين بن مقلة- على بن محمد بن مقلة ابو الحسين بن المغيرة الجوهرى 141 أبو الحسين بن ميمون 133 ابن حفص أبو الفرج 66 بنو حمان 215، 216 ابن حمدان سيف الدولة 242، 246، 247، 251، 255- 257، 281 آل حمدان، بنو حمدان 131، 231، 247 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 ابن حمدون 9، 42، 55، 102، 103 123، 195 حمزة بن القاسم ابو عمر 63 حمزة الامام فى الصلاة 191، 192 حمزة (صاحب القراءة) 133 ابن أبى الحناء 100 ابن حنزابة 134 الحواجبى 97 الحوارى (عبد الله بن الزبير) 37 ابن الحواري 68، 70 (خ) ابن خاقان 132 ابن الخال- هارون بن غريب 8، 255، 265 خالد بن يزيد الشيبانى 45 الخرشنى- بدر الخرشنى 81، 82 أبو بكر الخرقى القاضى 26، 240، 280 ابن خزرى (غلام المتقى) 200 ابن خشيش المحتسب 148 الخصيبى 70، 81، 83، 105 ابن خلف 108 الخلنجى 98، 245 أبو خليفة 136 خليل الله 189 خمارجور 86 ابن الخياط- أبو العباس بن عبد الرحمن الخياط 263 ابو الخير (مضحك ابن رايق) 107 (د) داحس 23 داود الظاهرى 83 ابن أبى داود الأوانى 224 دعبل (الشاعر) 59 دعلج المعدل 252 أبو الدفين الاعرابى 262 الدلاء 65، 104، 136 أبو دلف سيما الساجى 131، 243، 264 الديلمى أحمد- بن بويه (ذ) ذكرويه 69 ابن ذكرويه 148، 216 ابن أبى ذكرى العطار 183 ذكى الحاجب (غلام الراضى) أبو الفهم 64، 97، 105، 107، 109، 111، 114، 115، 122، 130- 132، 183، 186، 198، 205 ابو ذؤيب 8 ذودة الزطى الطنبورى 150 (ر) الراضى الله- أبو العباس محمد بن المقتدر 1، 2، 4- 6، 8- 10، 20- 21، 24- 27، 31، 33، 41- 45، 47، 49- 51، 54، 55، 59، 60، 63- 69، 71، 72، 76، 77، 85، 86، 89، 97- 103، 111، 115، 118، 119- الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 121، 123، 130، 131، 133- 135، 137، 138، 142، 143، 145، 146، 149، 154، 182، 183، 185، 186، 191، 193، 196- 198، 265، 268 راغب الخادم 65، 81، 104، 123، 129، 130، 134، 137، 186 رافع القرمطى 117، 251 ابن الرايض 211 ابن رايق 38، 41، 43، 45، 51، 52، 54، 62، 76، 84- 90، 98- 104، 106، 108، 110، 113- 115، 117، 118- 122، 130- 134، 136، 138، 139، 140، 143، 148، 157، 163، 206، 210، 213، 219، 222- 224، 226، 230، 236، 261 ربيعة 40 ابن أبى الردينى 263 رسول الله صلى الله عليه وسلم 2، 17، 18، 154، 209، 115 الرشيد 192، 281 ابن رمضان 65 ابن رمكة (كاتب الخصيبى) 70 ابن روح النوبختى 87 ملك الروم 98، 104 ريدان القهرمانة 26 ربطة 84 (ز) زباشى التركى 277 الزبير بن بكار 133 الزجاج النحوى 8 الزعفرانى 90 الهزرى 100 زياد 23 زيد بن أخزم الطائى 139 زنجى الكاتب 185 زيرك القاهرى 20، 67، 146، 153 (س) أبو الساج- يوسف بن ديوذاذ 268 ابن أبى الساج 27 أبو ساسان 216 سخرباس (أبو الفوارس) 82، 85 السرمرى (كاتب ابن رايق) 118 بنو سعد 141 سعيد بن خفيف السمرقندى 122، 191 أبو سعيد بن حمدان- أبو العلاء 65 أبو سعيد الاشج 76، 133 أبو سعيد الاصطخرى 140 سعيد بن عمرو بن سنكلا النصرانى 5، 61، 83، 84، 90، 98، 107، 121، 140، 146، 147، 198، 204، 205، 280 سفيان بن وكيع 88 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب 17 أبو سفيان صخر بن حرب 18 سكباج النصرانى 277 السكرى (حاجب البريدى) 140، 224 سلامة الحاجب (اخونجاح) 136، 186، 188، 200، 209، 223 234 سلحجور 86 سليمان بن الحسن 81، 82، 85، 144 183، 191 ابن سمعون 132 سنان بن ثابت المتطبب 147، 149، 184، 245، 266 السندى بن على 229، 231 ابن سنين 136 سهل بن ابراهيم 269 سهلون الكاتب 233 السواق 213 سودانى المحدث 98 سياتنكول 119، 120 سيف الدولة- الحسن بن عبد الله 218 228، 229، 233، 236، 238 239، 242، 247، 252- 254، 256، 257، 260، 261، 278، 280 سيما الماخلى 1، 4 (ش) ابن الشابشى الكاتب 144 الشافعى رضى الله عنه 140 ابن شعيب 84 شرين (جارية مغنية) 101 شغب (جدّة العباس بن المقتدر) شفيع الخف المقتدرى 88، 104 ابن شقيق- العباس بن شقيق الشماخ 38 ابن شنبوذ- محمد بن أحمد بن أيوب 62 85، 139 ابن أبى الشوارب 87 ابن شيرزاد 89، 136، 139، 140، 143، 144، 146- 148، 229 - محمد بن يحيى بن شيرزاد (ص) صافى الخازن (غلام توزون) 85، 86، 119، 244، 246، 252، 282 ابن الصالحى 87، 136 ابن صفراء 144 الصقر بن محمد الكاتب 140 صهيب 216، 217 الصولى 18، 25، 41، 44، 46، 128، 130، 149، 182، 196، 210، 218، 285 ابن الصيرفى 148 صبغون المرداويجى 118، 119، 138، 245 (ط) طارق بن دسيق اليربوعى 39 طازاذ بن عيسى النصرانى 132، 147، 258، 280 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 أبو طالب الكاتب 107 أبو طالب (اخو المظفرين بن حمدان) 246 ابو طالب بن نصر الهاشمى القاضى 144 191، 227 الطالبيين 237 ابن طاهر الهاشمى 216 الطبرى 39، 41 الطبرى التاجر 104 أبو عمرو الطبرى 141 ابن طرخان- عبد الواحد بن طرخان 150 ابن طغج 44، 45، 138، 143، 225، 233، 237، 257، 261، 277- 279، 281 ابن طليب الهاشمى 66 ابن طياب- بنو طياب 132 (ظ) ظلوم (أم المقتدر) (ع) ابن عائشة 25 ابن عائشة 68 عاصم بن سويد 217 عامر بن فهيرة 216، 217 عباد بن يعقوب 98 العباس بن عبد المطلب 187، 229 بنو العباس 19، 190 أبو العباس- الراضى 32 أبو العباس الاصبهانى الوزير 119، 234، 238، 240 ابو العباس الخصيبى 143 العباس بن شقيق 225، 227، 232 أبو العباس بن الفرات 136 العباس بن محمد 63 العباس بن المقتدر 5، 9، 65، 230 العباسيين 237 عبد الجبار بن الحسن النفرى 257 عبد الجبار بن العلاء العطار 76 عبد الحميد بن زياد بن صهيب 217 عبد الحميد بن صفى 216 عبد الرحمن بن سمرة 17 عبد الرحمن بن عيسى- أبو على الوزير 4، 81، 82، 84، 203 عبد الرحمن بن طرخان 168 بنو عبد السلام 216 عبد الصمد بن المكتفى 133، 282، 283 ابن عبد العزيز الهاشمى 236، 237، 243 عبد المطلب (جد الرسول صلى الله عليه وسلم) 17 أبو عبد الله الابلى 213 عبد الله بن احمد بن حنبل 65 عبد الله بن اسماعيل بن ابراهيم- أبو جعفر بن بريه 263، 285، 291 أبو عبد الله البريدى 219، 224، 233 عبد الله بن حمدون 101 عبد الله بن الراضى بالله 204 عبد الله الشيرازى 120 عبد الله بن طالب الكاتب 212 عبد الله بن عباس 78 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 عبد الله بن أبى عبد الله الوزير- أبو القاسم 214، 220، 260 أبو عبد الله بن عبدوس 84، 101، 144 عبد الله بن عبيد الله البرجمالى 65، 97 103، 136، 212، 240 أبو عبد الله بن العلاء الجوزجانى 139 عبد الله بن على البغوى 108 عبد الله بن على النفرى الكاتب 101، 234 عبد الله بن على (كاتب نسيم) 76 ابو عبد الله الكوفى 89، 91، 101، 144، 145، 214 عبد الله بن المبارك 216 أبو عبد الله المطيعى 143 عبد الله بن المكتفي بالله- ابو القاسم 282- 284 ابو عبد الله بن المنتصر 99 ابو عبد الله بن المهتدى 67 ابو عبد الله الموسانى (الشريف) 218 ابو عبد الله بن ابى موسى الهاشمى 144، 145، 191، 234، 258 عبد الله بن يونس 84 عبد الواحد بن طرخان 150، 183 عبد الواحد بن المتقى لله- ابو منصور 201، 252، 256 عبد الواحد بن المقتدر- ابن الانبارى النحوي 9 عبد الواحد بن ياقوت 82 عبد الوهاب 57 عبدون المتضمن 206 ابن عبدوس- ابو عبد الله ابو عبيدة 39 عبيد الله بن عبد الله (شاعر) 91 عبيد الله بن عبد الوهاب 230 عبيد الله بن محمد الكاواذانى 108 عثمان بن سعيد الصيرفى 147، 148، 187 عثمان بن عفان 63 العجاج 16 عدس بن زيد 39 عدل (حاجب بجكم) 139، 192، 198، 240 العروضى- احمد بن محمد 8، 28، 45، 56، 60، 103، 104، 115، 150، 196 العسكرى (القاضى بواسط) 194، 195 ابن ابى العلاء 248 علوة 23 بنو على 93 ابن ابى على اللص 262 على بن ابراهيم اليزيدى 8، 9 على بن ابى طالب 187 ابو على بن ادريس الحمال 212 على بن بويه 236، 285 على بن الجعد 2 على بن جعفر (كاتب المناخلى) على بن خلف بن طياب 68، 103، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 119، 129، 132، 230 ابو على الرقام 230 على بن العباس النوبختى 76 على بن العباس الهروى 133 على بن عيسى 4، 65، 66، 81، 83، 187، 203، 230 على بن محمد البريدى 65، 70، 86، 101، 140، 150، 199، 220، 223، 224، 226، 227، 259 على بن محمد بن عبيد الله الحافظ 230 على بن محمد العلوى 160 على بن محمد بن مقلة 234، 235 248، 255، 257، 284 ابو على بن مقلة 4، 63، 93 على بن هارون بن علان الجهبذ اليهودى 147، 148، 199، 204 على بن هارون بن على بن يحيى المنجم 9، 21، 55، 195، 214 على بن يعقوب (كاتب ذكى) 147، 198، 205 على بن يلبق 268 عمارة بن عقيل 45 عمارة القرمطى 205 عمارة 90 عمر بن الحسن بن عبد العزيز 138 عمر بن شبة 64، 65 عمر بن محمد القاضى 65، 70، 87، 90، 101، 108، 109، 121، 241 عمر بن يحيى العلوى- ابو على 141 205، 240، 269 ابو عمرو بن شريح 97 ابو عمرو الشيبانى 39 ابو عمرو بن العلاء 39 ابو عمرو بن عون 216 عمرو بن الليث 131 ابو عمرو؟ 67 ابن عمرويه 68 عون بن محمد الكندى 216، 217 عيسى جال الديلمى 229، 241، 242، 246، 253 ابو عيسى بن عباد المهلبى 75 (غ) ابن غالب 8، 9، 25 ابو غالب (كاتب صافى) 119 غانم بن رحمة 142 غج بن جاخ 218 ابن غدانة العجابى 9 غلام الراشدى 62 ابن الغمر (صاحب القرمطى) 269 (ف) فاتك (حاجب ابن رايق) 86، 90، 120، 121، 208، 236 فارس بن ينال 86 ابن الفارقى 68 الفاروق (عمر بن الخطاب) 29 فانج؟ 140 ابن فتان 252 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 الفتح اللشكرى 269 ابو الفتح بن ياقوت 64، 82، 134 فتنة (جارية البريدى) 89 ابن الفران العلوى 212 ابن فرات- احمد بن محمد بن الفرات 47، 85 ابو الفرج بن جعفر بن حفص الكاتب 66، 141 ابو الفرج المالكى القاضى 225 ابو الفرج بن مياح 269 الفروقى- ابراهيم بن شمحور 249 الفضل بن جعفر بن فرات 89، 101 108، 133، 135- ابو الفتح الوزير الفضل بن الربيع 192 فهد 242 فهر 158 ابو الفوارس- كورتكين الديلمى 204 فيروز 32 (ق) القابوس 142 ابو قابوس 23 القاسم بن اسماعيل المحافلى 45، 66 القاسم بن ابى القاسم الخوارى 196 ابو القاسم بن أبى حامد 140 ابو القاسم الكلواذانى 119 ابو القاسم بن بنت منيع 25 ابو القاسم (كاتب نازوك) 65 القاهر 1، 17، 19، 49، 143، 146، 166، 184، 197، 268، 269 ابن قرابة العطار 19، 61، 84، 138، 142، 143، 218، 263 القراريطى- محمد بن احمد بن ابراهيم ابو اسحاق القرمطى 88، 268، 269 القرمطى الهجرى 205، 233، 243 قريش 59 قريض المغنى 84 ابن القلانسى 119 (ك) كاجو 82، 85 كان اذ (كاتب ابى جعفر) 245 ابن كاس القاضى 71 الكرخى- محمد بن القاسم الكرخى كركين 30 ابو كريب 88، 98 كلثوم بن هرم 217 أهل الكهف 95 كورتكين الديلمى (ابو الفوارس) 204، 209، 213 الكوفى 90، 106، 147، 148 196، 198 كيغلغ 252 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 (ل) ابو لهب 17 لؤلؤ (الرائقى) 68، 77، 86- 89 98، 120، 132، 133، 139، 148، 192، 253 لؤلؤ (غلام المتهشم) 85، 120، 144، 205- 207، 209، 248 اللوش البربرى 85 (م) ما اصطفي بن يعقوب النصرانى 71، 146 ما كان الديلمى 197، 225 ماكرد 82، 85 مالك ابن انس 76 المأمون 19، 68، 75، 281 ابنا المأمون- الحسن والحسين ابنى الفضل ابن المأمون 130 المبارك بن فضالة 17 ابن المبشع الشيعى 65 المتقى لله- ابراهيم بن المقتدر بالله (ابو اسحاق) المتهشم 68، 85، 120، 144، 205 بنو المثنى 216 ابن مجاهد 62 المحاملى- الحسين بن اسماعيل ابن محتاج 231 المختار القرمطى 205 محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم 18، 72، 190، 228، 231 محمد بن ابى موسى الهاشمى عبد الله 145، 146، 191، 243، 256 محمد الراضى 125 محمد بن احمد بن الاسكافى القراريطى 31، 64، 69، 101، 204، 205 222، 223، 228، 230، 234 237، 238، 241، 244، 252، 257 محمد بن احمد بن ايوب بن شنبوذ 62، 63 محمد بن احمد الصيمرى (ابو جعفر) 258 محمد بن بدر الشرابى 98، 99، 109 محمد البريدى 222 محمد بن جعفر النقيب 143، 147، 245، 270، 276، 284 محمد بن الحجاج البغدادى 59 محمد بن الحسن بن عبد العزيز 64 محمد بن خلف النيرمانى 68، 87 محمد بن داود 84 محمد بن ديوزان- أبو مسافر 207 محمد بن رايق 205 محمد بن طغج 44 محمد بن عباد المهلبى 75 محمد بن العباس البريدى 8 محمد بن عبد الله بن حمدون 8، 101، 102، 130 محمد بن على بن مقاتل- ابن مقاتل 89 105، 118، 119، 121، 207، 214، 238 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 ابنا مقاتل 101، 106 محمد بن على بن مقلة 5، 7، 31، 62 81، 84، 90، 105، 143، 242 محمد بن عيسى الفربرى ابو عبد الله 48، 191 محمد بن القاسم الكرخى 84، 85، 132، 139، 178، 200، 205، 206، 213، 219، 242، 244 محمد بن القاسم بن سيما 145 محمد بن المقتدر بالله أبو العباس 1 محمد بن محمد بن تازى البيض 276 محمد بن ياقوت ابو بكر بن ياقوت 7، 10، 11، 20، 31، 57، 58، 64 محمد بن يحيى بن شيرزاد- ابو جعفر 61، 85، 86، 121، 132، 145، 197، 199، 200، 222، 244، 246، 249، 254، 257، 259، 262، 265، 269، 270، 275، 277، 278، 280، 282، 284 محمد بن يحيى بن عبد الله الصولى 1، 59، 78، 186، 273 محمد بن ينال الترجمان 118، 119، 186، 245 ابو محمد بن ابى الحسن 146 ابو محمد بن جعفر بن ورقاء 204 ابو محمد بن سلامة الحاجب 224 ومحمد العلوى الرملى 83 ابو محمد بن عمر بن محمد 142، 145 مرداويج السلمى 20، 21، 34، 62، 197 المرتضى 9 مروان 151 المسامعة 215 المسلمانى العيار 139 مسلمة 204 مسلم بن الوليد 255 ابن المشرف 147 ابو مصعب الزبيرى 76 مضر 40 ابن المطلب 243، 249 المظفر بن حمدان الميدمان 246 ابن المظفر 268 ابن المعتز 60، 154 المعتضد 115، 146 ابن المعتضد 17 المعتمدى 215 مفلح الأسود 67 ابن المفلس الفقيه 83 المقتدر بالله 8، 25، 26 ام المقتدر 77، 88، 108 المقيثون 215 المنتصر 99 ابن المنتصر 100، 105 المكتفى بالله 69، 146، 188 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 ملهم بن دينار 251 ممراج 277 المناخلى- سيما المناخلى 1 ابن المنجم 8 بنو المنجم 9، 115، 137 المنصور- ابو جعفر 18، 285 ابو منصور بن جبر النصرانى 7 ابو منصور المتقى لله 204، 234 منصور بن المهدى- المرتضى 4 المهالبة 215 ام موسى الهاشمية 132 موسى (من ولد الراضى) 18 ابو موسى الراضى 107 موسى بن سليمان اصبهسلان 256 موسى بن عبيد الله بن يحيى- أبو مزاحم 5، 90 مؤنس المظفر الخادم 71، 120 مؤنس 87 الميدمان بن حمدان البريدى 249 ابن ميسر المحدث 88 ابن ميمون الوزير 188، 200، 201 (ن) نازوك 65 ناصر الدولة- الحسن بن عبد الله 227، 229، 231، 238، 240، 243، 245، 246، 248، 249، 252، 254، 256- 258، 260، 264، 270، 277، 281 النبى صلى الله عليه وسلم 216، 217، 273 نجاح الطولونى 94، 139، 188، 234 ابن نزار 87 نسيم البشرانى 67، 76 نصر بن احمد (امير خراسان) 232، 237، 241 نصر الحاجب 8، 25- 27، 204 ابو نصر التمار 25 ابو نصر- يوسف بن عمر بن محمد ابو بكر النقيب- محمد بن جعفر نقيط المؤنسى 70 ابو نواس 8 نوح بن نصر بن احمد الخراسانى 237، 284 النوشرى 82 نهشل بن جزى النهشلى 39 (هـ) هارون بن غريب (ابن الخال) 5- 7 هارون بن المقتدر (اخو الراضى) هارون أخو المقتدر 8، 9، 24، 71 75، 177 هاشم بن عبد مناف 158، 274 بنو هاشم 66، 70، 187 ابو هفان 59 بنو هلال بن عامر بن صعصعة 231 هنكر 82، 88، 120 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 (و) ابو وائل 246 ابن ورقاء- ابو محمد بن جعفر بن ورقاء 119، 132 ابو الوليد بن حمدان 136، 138 ابو الوفاء المظفر- توزون 269، 270، 273، 287، 279 (ى) يعقوب بن محمد البريدى 217، 220 222، 259 أبو يوسف البريدى 214، 215 يمك التركى غلام سيف الدولة 253 يمن البرى القروانى 86، 263 ينال البكرانى المحتاجى 250، 269، 76، 85، 87 ابن ينال الترجمان 210 ياروخ الناصرى- يروخ 118، 119، 236، 240، 246، 253 ياقوت 57، 85 ابن ياقوت- محمد بن ياقوت 63، 64، 70، 71 يالب 140، 144، 244 يانس المؤنسى 215، 228، 230، يحيى بن خالد البرمكى 129 يحيى بن سعيد السوسى- أبو زكريا 145، 196، 158 يحيى بن على 60 يزداد بن محمد بن يزداد الكاتب 119، 120، 133 اليزيدى محمد بن العباس 9 اليزيديان- على وإسحاق بن ابراهيم يوسف ديوذاذ- أبو الساج 268 يوسف بن عمر بن محمد- أبو نصر 109، 142، 145، 183، 191، 200 يوسف بن وجيه صاحب عمان 244 يوسف بن يحيى بن المنجم- ابن المنجم يوسف بن يعقوب البازعجى 209 أبو يوسف (كاتب أم المقتدر) 70، 88 ابن يونس 84 انتهى فهرس الاعلام ويتلوه فهرس الاماكن والبقاع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 فهرس الأماكن والبقاع (ا) آذربيجان 232 آمد 7 الأبلة 89، 244 أرجان 284 أرزن 232، 46 أرمينية 232 أصبهان 20، 62، 285 الأعمى 253، 254 الأنابين 206 الأنبار 89، 148، 186، 208، 225، 280 الأهواز 86، 89، 134، 136، 233، 284 (ب) باذبين 196 باب الأنبار 120، 280 باب خراسان 234 باب الشماسية 227، 241، 244 250- 252، 280 باب الطاق 71، 97، 243، 280 باب محول 81 باب الهاشمى 131 البحرين 20، 69، 260 بدوران 218 براثا 83، 136، 192، 198، 249، 285 البردان 68، 136، 224، 226 بزوغى 98 بزيدى 284 بستان بدوران 218 بستان حميد 218 البصرة 64، 86، 89، 90، 92، 99، 142، 206، 213- 217، 229 260 البصلية 87 بغداد 5، 20، 43، 64، 67، 69، 71، 76، 82، 83، 85- 90، 98، 105، 108، 109، 111، 114، 115، 117- 121، 129، 131- 134، 136، 139، 140، 142- 145، 147، 161، 168، 186، 191، 194- 200 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 204، 207، 214- 216، 218، 219، 223، 225، 227- 230، 232، 234، 236، 238، 239- 243، 246، 250، 252، 254، 255، 257، 258، 260 262، 264، 267- 270، 273، 279، 281، 284 بهندار 284 (ت) تربة أم المقتدر 108 تكريت 71، 114، 117، 122، 201، 227، 244، 250، 251، 254، 256 (ث) ثبير 38 الثريا 99، 100 (ج) الجال 228 الجامدة 90، 233، 236، 240، 246 جامع الرصافة 226 جامع المدينة 133 الجبل 87، 88 الجسر 75، 119، 209، 223، 241، 267 جسر النهروان 208 الجعفرى 181 الجعفرية 260 الجونية 254 (ح) حبة (فى طريق الموصل) 227 الحديثة 123 الحرمين 200 الحسنى 188 الحضرة 6، 66، 67، 101، 107، 198، 219 حلب 277، 278 الحلبة 86، 106، 108 حلوان 132، 204 حمص 30، 62 الحير 181، 212 (خ) خراسان 62، 87، 136، 141، 148، 192، 197، 204، 213، 225، 227، 237، 243، 253، 281 خضراء مدينة المنصور 229 الخورنق 188 خوزستان 28 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 (د) دارا 232 دار البطيخ 188 دار ابن الحوارى 70 دار الروم 279 دار السيدة 26 دار ابن طاهر 282 دار كعب 104 دار على بن عيسى 277 دار الفيل 208، 209 دار المادرانى 199 دار مؤنس، 106، 119، 131، 209 224، 242 دجلة 118، 131، 140، 183، 204 207، 208، 225، 241، 253، 276، 277 دجلة البصرة 89، 90، 98، 233، 244 درب الزعفرانى 120 درب سليمان 209 درب عون 198 درب النهر 67 الدسكرة 88 دمشق 143، 233، 237 دوران 221 دور سليمان 213 ديار بكر 284 ديار ربيعة 284 ديالى 105، 106، 223، 262، 270 ديوان المغرب 240 (ر) رأس عين 251 الرحبة 140، 240 رضوى 73 الرصافة 71، 77، 146، 183، 192، 226، 285 الرقة 134، 257، 260، 261، 264، 270، 277، 278 الرملة 133 الروم 232 الرى 62، 231 (ز) الزبيديه 31، 32، 54، 103، 140 214 الزعفرانية 200 (س) سابس (نهر) 214 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 سرق 284 سرمن رأى 76، 87، 108، 109، 111، 118، 180، 181، 224- 216، 241، 246، 247، 250 252 السماكين 261 السن 123، 254 سور الحسنى 208 سوق الدواب 87 سوق السلاح 70 سوق يحيى 140 سيحان 260 (ش) الشادنجان 192 الشارع الأعظم 207 الشامات 200 الشام 51، 65، 121، 224، 251، 277 الشرقية 142، 191، 248، 249 الشفيعى 146، 200، 228 الشماسية 146، 205، 207، 208، 226، 227، 246، 248، 249، 280 (ص) الصالحية 138 الصافية 67 الصحراء 77 الصراة 137، 181، 199 (ط) طاق التكك 261 طبرستان 104 طريق مكة 68 طيزناباذ 69 (ع) العتيك 216 العراق 169 العراض 102، 207 عسكر أبى جعفر 99 عكبرى 206، 218، 226، 246، 252 عمان 244 (ف) فارس 131، 236، 284 فرات البصرة 239 (ك) كار 272 الكرخ 68، 183، 206 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 كرخايا 181، 238 الكهف 95 الكوفة 69، 89، 139، 215، 240، 264، 268، 269 (م) الماصر الأعلى 276 المخرم- شارع المخرم 50، 104، 207، 267 المداين 242، 208، 228، 242، 61 المدينة 137 مدينة السلام 191، 192، 206، 207، 225، 229، 254 مدينة المنصور 229 المذار 195- 197، 249 مربعة أبى عبد الله 256 مربعة شبيب 65 المزرفة 45، 280 مسكن 144 مصر 200، 237، 284 المغرب 26 مقابر الدير 66، 140 مكة 98 الموصل 65، 67، 68، 70، 71، 88، 109، 117، 119، 123، 128، 131، 132، 137، 143، 160، 161، 168، 169، 221، 27، 225، 227، 241، 242، 245، 247، 253، 258 ميا فارقين 229، 232 ميدان الاشنان 192 (ن) النجمى 132، 144، 201، 210 223 نسا 269 نصيبين 70، 240، 246، 257 النعمانية 88، 89 نمير 253، 254 نهر عيسى 137، 278 نهر معقل 99، 233، 239 النهروان 6، 7، 106، 119، 208، 225 (هـ) همدان 232 هيت 225، 233، 280 (و) واسط 42، 84، 86، 88، 90، 99، 101، 103، 107، 108 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 118، 120، 132، 135، 142 144- 148، 184، 186، 191، 193، 194، 196، 198- 201، 204، 205، 214، 217- 220، 223، 226، 229، 232، 238، 243، 246، 250، 251، 258، 260، 270، 281 (ى) الياسرية 88 يتن (نهر بالقرب من النهروان) اليمن 40 تم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 فهرس التراجم ب الاهداء ح مقدمة الناشر د وصف المخطوط ى كلمة شكر وثناء ك ل فهرس الكتاب م ن تصويب أخطاء أدركت قبل الطبع 1 أخبار الراضى بالله 61 أخبار سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة 70 سنة أربع وعشرين وثلاثمائة 86 سنة خمس وعشرين وثلاثمائة 90 سنة ست وعشرين وثلاثمائة 108 سنة سبع وعشرين وثلاثمائة 138 سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة 145 سنة تسع وعشرين وثلاثمائة 154 أشعار الراضى بالله مرتبة على القوافى 183 وفاة الراضى 186 أخبار المتقى لله 213 سنة ثلاثين وثلاثمائة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 231 سنة أحدى وثلاثين وثلاثمائة 245 سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة 259 وفاة البريدى 260 قتل الترجمان 267 ذكر رجوع الأمير أبى الوفاء توزون 276 سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة 282 آخر أمر المتقى لله 284 ذكر عمال المتقى لله وقت زوال أمره 287 فهرس مطول الاعلام 303 فهرس مطول للاماكن والبقاع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 تصويب الأخطاء أخطاء خالفنا الأصل فى بعضها اثناء الطبع، ورأينا أن نعدل فى بعضها الآخر عن الأصل مؤثرين المعنى وقد اشرنا الى النوع الأول بهذه العلامة (-) لتميزها من النوع الثانى صفحة سطر الصواب - 1 10 توكل - 4 رقعة 5 8 درهم لتسميته 6 4 كتب لا ينبغى - 8 6 رأتنى صريع «مع حذف اذا» واحتمال نصب صريع ورفعها 10 10 واجتماع بوفق عزم 11 1 منه حياة - 11 2 رسم طبقا للاصل 15 3 المخلّ بالاحماض 16 3 نضناض - 19 5 ابن قرابة، 61 12 - 24 10 طاب أصلا 34 9 غزروا كالجراد 48 3 ليس يجرى بحلبة الّلهو - 53 4 للهوى - 53 5 هجرك - 67 18 فقال انى مقتول - 68 15 ويانسا المؤنسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 صفحة سطر الصواب 73 9 وابن الأولى كانوا 83 8 المفلس الفقيه - 83 15 خلون من رجب 101 4 وزوج الوزير 107 5 مضى لبجكم شهران - 130 4 فقال لراغب - 133 15 لابن الحسن 138 13 ثمان وعشرين - 142 5 وابا محمد 151 13 السادة النّجب 186 7 رحل احمد - 191 6 وجعل حاجبه 196 2 العروضى والبريديين - 204 3 المعروف بالقراريطى 216 13 برفع الدنانير - 218 5 احتجت أن استتر - 227 6 الموصل ووافى تكريت 229 2 عيارا كالسندى 235 2 هزم ناصر الدولة 236 10 حاجبه يروخ 246 6 ابو المهدى البريدى 248 20 احمد بن جعفر الشرطى 250 2 تكين الشيرزادى 284 18 وكورها وقشير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 صدر من هذه السلسلة 1- ديوان أبى الطيب المتنبى تحقيق د. عبد الوهاب عزام 2- الإشارات الإلهية لأبى حيان التوحيدى تحقيق د. عبد الرحمن بدوى 3- قصة الحلاج وما جرى له مع أهل بغداد تحقيق: سعيد عبد الفتاح 4، 5- ديوان الحماسة لأبى تمام تحقيق: د. عبد المنعم أحمد فرج 6- رسائل إخوان الصفا (المجلد الأول) 7- رسائل إخوان الصفا (المجلد الثانى) 8- رسائل إخوان الصفا (المجلد الثالث) 9- رسائل إخوان الصفا (المجلد الرابع) 10- كتاب التيجان فى ملوك حمير 11- ألف ليلة وليلة (المجلد الأول) 12- ألف ليلة وليلة (المجلد الثانى) 13- ألف ليلة وليلة (المجلد الثالث) 14- ألف ليلة وليلة (المجلد الرابع) 15- ألف ليلة وليلة (المجلد الخامس) 16- ألف ليلة وليلة (المجلد السادس) 17- ألف ليلة وليلة (المجلد السابع) 18- ألف ليلة وليلة (المجلد الثامن) 19- تجريد الأغانى (المجلد الأول) 20- تجريد الأغانى (المجلد الثانى) 21- تجريد الأغانى (المجلد الثالث) 22- تجريد الأغانى (المجلد الرابع) 23- تجريد الأغانى (المجلد الخامس) 24- تجريد الأغانى (المجلد السادس) 25- الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة مج 1 تحقيق: هنس وير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 26- الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة مج 2 تحقيق: هنس وير 27- حلبة الكميت للنّواجى 28- البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ (المجلد الأول) 29- البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ (المجلد الثانى) 30- رسائل ابن عربى (المجلد الأول) 31- رسائل ابن عربى (المجلد الثانى) 32- منامات الوهرانى. مراجعة د. عبد العزيز الأهوانى 33- الكشكول (المجلد الأول) 34- الكشكول (المجلد الثانى) 35- أخبار الأول فيمن تصرف فى مصر من أرباب الدول 36- 48- بدائع الزهور فى وقائع الدهور لابن إياس (فى ثلاثة عشر مجلّدا) 49- فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم (المجلد الأول) 50- فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم (المجلد الثانى) 51- 54- المواعظ والاعتبار (فى أربعة مجلدات) 55- سيرة أحمد بن طولون، تحقيق: محمد كرد على 56- مجموعة مصنفات شيخ إشراق للسهروردى (المجلد الأول) 57- مجموعة مصنفات شيخ إشراق للسهروردى (المجلد الثانى) 58- اتعاظ الحنفا للمقريزى (المجلد الأول) 59- اتعاظ الحنفا للمقريزى (المجلد الثانى) 60- اتعاظ الحنفا للمقريزى (المجلد الثالث) 61- مقالات الإسلاميين للأشعرى، صحّحه هلموت ريتّر 62- 65- ديوان أبى نواس (4 مج) تحقيق: إيقالد فاغنر وغريغور شولر 66- ولاة مصر تأليف محمد بن يوسف الكندى، تحقيق د. حسين نصّار 67- المنتخب من أدب العرب (الجزء الأول) 68- الهوامل والشوامل لأبى حيان التوحيدى، ومسكويه، تحقيق: أحمد أمين والسيد أحمد صقر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 69- المنتخب من أدب العرب (الجزء الثانى) جمعه طه حسين وآخرون 70- نوادر المخطوطات تحقيق عبد السلام هارون (المجلد الأول) 71- نوادر المخطوطات تحقيق عبد السلام هارون (المجلد الثانى) 72- طبقات فحول الشعراء لابن سلام (مج 1) تحقيق: محمود محمد شاكر 73- طبقات فحول الشعراء لابن سلام (مج 2) تحقيق: محمود محمد شاكر 74- 80- الحيوان (فى سبعة مجلدات) تحقيق: عبد السلام هارون 81- الأشباه والنظائر للخالديين (جزآن فى مجلد واحد) تحقيق د. السيد محمد يوسف 82- سيرة صلاح الدين لابن شداد تحقيق د. جمال الدين الشيّال 83- الإمتاع والمؤانسة (ثلاثة أجزاء فى مجلد واحد) تحقيق أحمد أمين وأحمد الزين 84- ديوان تميم بن المعز لدين الله الفاطمى تحقيق محمد حسن الأعظمى وآخرين 85- 88- البيان والتبيين (فى أربعة مجلدات) تحقيق عبد السلام هارون 89- المغرب فى حلى المغرب لابن سعيد الأندلسى (القسم الخاص بالفسطاط) تحقيق د. شوقى ضيف وزميليه 90- الفتح القسى فى الفتح القدسى للعماد الأصفهانى تحقيق محمد محمود صبح 91- ديوان ابن سناء الملك تحقيق د. محمد إبراهيم نصر 92- السيف المهند فى سيرة الملك المؤيد تحقيق: فهيم محمد شلتوت 93- معجم الشعراء للمرزبانى تحقيق عبد الستار أحمد فرّاج 94- فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء تحقيق د. محمد رجب النجار 95- أساس البلاغة للزمخشرى ج 1 عن طبعة مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية 96- أساس البلاغة للزمخشرى ج 2 عن طبعة مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية 97- مقاتل الطالبيين لأبى الفرج الأصفهانى ج 1 تحقيق السيد أحمد صقر 98- مقاتل الطالبيين لأبى الفرج الأصفهانى ج 2 تحقيق السيد أحمد صقر 99- الصاحبى لابن فارس تحقيق السيد أحمد صقر 100- التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا تحقيق: محمد بن تاويت الطنجى 101- عيون الأخبار لابن قتيبة. المجلد الأول، عن طبعة دار الكتب المصرية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 102- عيون الأخبار لابن قتيبة. المجلد الثانى، عن طبعة دار الكتب المصرية 103- عيون الأخبار لابن قتيبة. المجلد الثالث، عن طبعة دار الكتب المصرية 104- عيون الأخبار لابن قتيبة. المجلد الرابع، عن طبعة دار الكتب المصرية 105- الفلاكة والمفلوكون. تأليف: أحمد بن على الدلجى 106- التحدث بنعمة الله. لجلال الدين السيوطى 107- الاقتباس من القرآن الكريم ج 1 108- الاقتباس من القرآن الكريم ج 2 109- تحقيق ماللهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة 110- جواهر الألفاظ محمد محى الدين عبد الحميد 111- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الأول 112- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الثانى 113- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الثالث 114- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الرابع 115- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء الخامس 116- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء السادس 117- العقد الفريد تأليف أبى عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسى- الجزء السابع 118- مفاتيح العلوم للخوارزمى تحقيق د. فان فلوتن 119- المسالك والممالك للإصطخرى تحقيق د. محمد جابر عبد العال الحينى 120- دار الطراز لابن سناء الملك تحقيق د. جودت الركابى 121- الوشى المرقوم فى حل المنظوم تأليف ضياء الدين بن الأثير تحقيق يحيى عبد العظيم 122- الأوراق (قسم أخبار الشعراء) تأليف: أبو بكر الصولى تحقيق: ج. هيورث. دن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 [ مقدمة الجزء الثالث ] تقديم لم تكد المطبعة تفرغ من إصدار القسم الثانى المشتمل على أخبار الراضى بالله والمتقى لله، أو تاريخ الدولة العباسية فى حدود سنتى 322- 333 هجرية ولم تكد النسخ الأولى منه تصل إلى أيدى العلماء، حتى انثالت على الرسائل، بعضها فرح مستبشر بمضي فى إظهار ذلك القسم وسابقه، متفائل بالنجاح فى إخراج كتاب الاوراق، وبعضها يطرى عملى فيه وعنايتى به. وآخر يتعقبنى، ويأخذ على بعض المآخذ ويشير على ببعض الملاحظات والآراء والجدير بالذكر من بين هذه الرسائل رسالة الاستاذ كراتشكرفسكى المستشرق الروسى تلك الرسالة أخذ على أننى لم أرجع الى النسخة الباريسية، ولكن فاته أن هذه النسخة إنما نسخت عن نسخة الاستانة مع أن الاصل الفتوغرافى الذى فى دار الكتب المصرية مصور من نسخة الاستانة، ومع ذلك فان النسخة الباريسية كتبت باليد. فأما النى بين أيدينا فقد صورت بالفتو غرافيا فهى تؤدى الاصل خير أداء، وتمثله أيما تمثيل. وقد كنت خدعت كما خدع الاستاذ كراتشكوفسكى بهذه النسخة الجزء: م 3 ¦ الصفحة: 1 فأردت أن أتخذها مرجعا، أعتمد عليه، لكننى عند ما اطلعت عليها أثناء زيارتى باريس وجدتها كما قدمت، ووجدت المنسوخ قسما منها، ووجدت الكاتب قد مسخها، وشوهها وأكثر من الاغلاط فيها- فلعل الاستاذ يستدرك على الاستاذ «ميتز» أنه اعتمد على نسخة باريس ولم يعتمد فى الاصل، ولعله بعد ذلك يعدل عن جعل النسخة الباريسية مرجعا موثوقا به. وكان بين تلك الرسائل التى انثالت على رسالتان تحملان إلى مع الشكر والاعجاب حثا على الاسراع فى إنجاز الجزء الذى يليه، لانه هام ولأن موضوعه فى الأدب أكثر منه فى التاريخ وعلى أن هذه الرغبة لم تكن بدعا من تلك الرغبات الكثيرة فقد كانت شاذة، ولكن هذه الغرابة وهذا الشذوذ البادى فى هاتين الرسالتين دفعنى إلى تقديم الاصول إلى المطبعة فى أكتوبر من عام 1935 بعد أن اعتزمت ألا أقدمها إلا فى يناير من عام 1936 كان إذا شذوذهما مفيدا حقا كما كان اعتدال غير هما من الرسائل مفيدا كذلك. وإنى لعاجز عن تصوير ما أحدثته هذه الرسائل فى نفسى كما إنى عن شكرها أشد عجزا. ولم يكن حظى من الذين قرءوا الكتاب، ولم يكتبوا إلى بأقل من حظى من أولئك الافاضل الذين فرءوا الكتاب وكتبوا الى، بل كان حظى من بعضهم أوفى وأجل الجزء: م 3 ¦ الصفحة: 2 فهم لم يكتبوا إلى فحسب، انّما ملأوا الدنيا كتابة فى الصحف وإذاعة فى المذياع. وهم لم يكتفوا بالاشادة بكتاب الاوراق، ومؤلف كتاب الاوراق أبى بكر محمد بن يحيى الصولى إنما أشادوا ونوهوا بناشر الكتاب أيضا، وهو فى نظرى يكاد لا يستحق قليلا من هذه الاشادة ولا حقيرا من هذا التنويه وليس له فى هذا الاطراء وهذا الثناء من حق، فالصولى أحق به منى وأولى، وما أنا إلا مظهر لآثاره، ولولا آثاره ما نالنى شىء من ثناء العلماء وإعجابهم. وبعد، فلعلى وفقت فى قسم أشعار أولاد الخلفاء أكثر مما وفقت فى سابقيه فانى لم آل جهدا فى اخراجه، كما لم أقصر فى سابقيه. وقد تناول الصولى فى هذا القسم تراجم الشعراء من أولاد الخلفاء وبخاصة علية بنت المهدى وأخيها ابراهيم ولعل أكثر التراجم حظا فى هذا القسم ابو عبد الله بن المعتز، فقد حظى بترجمة وافية، وإيراد لكثير من شعره الذى لم يرد فى ديوانه كما اورد له كثير من الرسائل النادرة ولقد يبدو من حديث الصولى فى أول هذا القسم أنه ترجم فيه لأولاد الخلفاء من بنى العباس، ثم أتبعهم أشعار سائر بنى العباس ثم أتبع ذلك أشعار ولد أبى طالب ثم أشعار من بقى من بنى هاشم. الجزء: م 3 ¦ الصفحة: 3 ويظهر أن الصولى قد وفى بوعده هذا وبر، فكتب فى كل هذه التراجم غير أننا نذكر آسفين أن الذى عثر عليه منها إنما هو تراجم أولاد الخلفاء من بنى العباس، ويغلب على الظن أن ما بقى قد ضاع فان آخر النسخة التى بين أيدينا مفقود، والترجمة التى جاءت فى آخرها لم تكمل، وقد بدت عليها آثار القدم فمحيت مواضع منها، وستجدون أننا أثبتنا فى المواضع الممحوة أصفارا تدل على هذا المحو، ووجد فى آخر الصفحة ختم مكتبة شهيد على مما يدلنا على أنها احتازتها بهذا النقص وقد عثرنا فى الصفحة الأخيرة من هذا القسم على نقص حاولنا تلافيه قبل الطبع، فما واتتنا الظروف. وقد أشرنا إليه فى موضعه. ولعل المطبعة كذلك وفقت فيما أدخلته على الطبع والتصحيح من تحسين، وإنى أشكر للاستاذ الصاوى مزيد عنايته بالكتاب وتفانيه، وحسن إخلاصه، وسيرى الذين يقارنون بين الصورة التى ألحقناها بهذا القسم كنموذج للاصل وبين المطبوع أننا بحق إنما نخرج للعربية طلاسم ومعميات ليس إلى كشفها من سبيل وسنبدأ بعد هذا فى طبع القسم الخاص بأخبار المكتفى بالله والمقتدر بالله، وربما ساعدنا الجد فشرعنا معه فى طبع أخبار أبى تمام للصولى فليهيىء الله لعملنا من لا يغمطه، ولينفع به حتى نصيب غايتنا، ونحقق أمنيتنا إنه السميع المجيب الجزء: م 3 ¦ الصفحة: 4 كلمة شكر وثناء هذا وإنى أقدم أجزل الشكر لأستاذى هـ. ا. ر. جب، وإلى حضرات أوصياء ذكرى جب الذين لو لاهم ما تهيأ لى نشر هذا القسم ولا سابقيه، وإلى الأديب الفاضل مصطفى بك رفعت. لندن فى مارس ج. هيورث دن الجزء: م 3 ¦ الصفحة: 5 الجزء الثالث بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال أبوبكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس الصولى: قد فرغنا من أشعار الخلفاء وأخبارهم. وهذه أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم، ثم نتبعهم بأشعار سائر بنى العباس، ثم نتبع ذلك بأشعار ولد أبى طالب، ثم أشعار من بقى من بنى هاشم إن شاء الله «1» . أبو عبد الله محمّد بن أبى العبّاس السّفّاح له شعر قليل، وكان المنصور ولاه إمارة البصرة فى أول خلافته وأمه أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة المخزومى حدّثنا الحسن بن عليل العنزى «2» قال حدثنى إسحاق بن عبد الله الحمرانى، قال ولى المنصور محمد بن أبى العباس البصرة فقدمها ومعه حماد بن عمر المعروف بعجرد مولى بنى عقيل. وكان كثير الطيب يملأ لحيته بالغالية إذا ركب، فلقبوه بأبى الدّبس «3» وفيه يقول بعض أهل البصرة يهجوه: صرنا من الرّبح إلى وكس ... إذ ولى المصر أبو الدّبس ما شئت من لوم على نفسه ... وجنسه من أكرم الجنس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 حدّثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب، قال حدثنا التوجى «1» قال: مر أعرابى بحماد عجرد، وهو يلعب مع الصبيان فى يوم شديد البرد وهو عريان، فقال «تعجردت يا غلام» قسمى عجردا «2» قال أبو خليفة والمتعجرد المتعرى والعجرد أيضا الذهب حدّثنى يحيى بن على قال حدثنى أبى عن إسحاق الموصلى قال: كان حماد عجرد فى ناحية محمد بن أبى العباس أمير المؤمنين وهو أدّبه وكان محمّد يهوى زينب بنت سليمان بن على لما قدم البصرة أميرا عليها من قبل عمه أبى جعفر المنصور، فخطبها فلم يزوجوه لشىء كان فى عقله، وكان حماد عجرد. وحكم الوادىّ «3» المغنى ينادمانه، فقال محمد لحماد قل فيها شعرا، فقال حماد على لسان محمد، وغنى فيه حكم الوادى فى طريقة خفيف الثقيل- ليس عن يحيى الطريقة- زينب ما ذنبى وماذا الّذى ... غضبتم فيه ولم تغضبوا والله ما أعرف لى عندكم ... ذنبا ففيم الهجر يا زينب فجعل أهل البصرة يغنون فيه، فلما مات محمد بن أبى العباس طلب محمد بن سليمان أخو زينب بنت سليمان حمادا ليقتله، فهرب منه واستجار بقبر سليمان بن على، وكتب إلى محمد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 من مقرّ بالذّنب لم يوجب ... الله عليه بسىّء إقرارا يا ابن بنت النّبىّ إنّى لا أج ... عل إلّا اليك منك الفرارا وهى أبيات كثيرة، فلم يؤمنه فرجع إلى جعفر بن أبى جعفر المنصور فأجاره «1» وقال «لا أرضى أو تهجو محمد بن سليمان» فهجاه فقال:- قل لوجه الخصىّ ذى العار إنّى ... سوف أهدى لزينب الأشعارا وهى أبيات، وسنحكم هذا فى أخبار حماد عجرد إذا ذكرناه إن شاء الله. حدّثنا الحسن بن يحيى الكاتب قال سمعت عمرو بن بانة يقول من شعر محمد بن أبى العباس فى زينب بنت سليمان: قولا لزينب لو رأي ... ت تشوّقى لك واشترافى «2» وتلفّتى خوف الوشا ... ة وكان حبّك غير خاف قال وفيه لحكم الوادى لحن فيه فى طريقة الثقيل الاول، ومن اشعار محمد فيها: أحببت من لا ينصف ... ورجوت من لا يسعف نسب تليد بيننا ... وودادنا مستطرف «3» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 بالله أحلف جاهدا ... ومصدّق من يحلف إنّى لأكتم حبّها ... جهدى لما أتخوّف والحبّ ينطق إن سكتّ ... بما أجنّ ويعرف فأما قوله المشهور فيها- وقد روى لحماد عجرد مما يرويه اكثر الناس له- أنشدنيه أبو ذكوان وأبو خليفة والغلابى لمحمد بن أبى العباس يا قمر المربد قد هجت لى ... شوقا فما أنفكّ بالمربد «1» أراقب الفرقد من حبّكم ... كأنّنى وكّلت بالفرقد أهيم ليلى ونهارى بكم ... كأنّنى منكم على موعد علّقتها رىّ الشّوى طفلة ... قريبة المولد من مولدى «2» جدّى إذا ما نسبت جدّها ... فى الحسب الثّاقب والمحتد سوف أوافى حفرتى عاجلا ... يا منيتى إن أنت لم تسعدى والله لا أنساك فى خلوة ... يا نور عينى ولا مشهد حدّثنى أحمد بن على قال لما قال عمرو بن سندى مولى ثقيف فى حماد عجرد، ويعرض بمحمد بن أبى العباس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 ما امرؤ يصطفيك يا عقدة ال ... كلب لا يداع سرّه ببصير «1» لا ولا مجلس أجنّك للذّا ... ت يا عجرد الخنا بستير قال المنصور لمحمد بن أبى العباس «مالى ولعجرد يدخل عليك» حدّثنا الحارث بن أبى أسامة قال حدثنا المدائنى قال كان محمد ابن أبى العباس نهاية فى الشدة، فعاتبه المهدى فغمز محمد بركابه حتى انضغطت رجل المهدى فى الركاب، فلم تخرج حتى رد محمد الركاب بيده فأخرجها، وولاه عمه المنصور إمارة البصرة سنة سبع وأربعين ومائة، فخطب زينب بنت سليمان فلم يزوجوه إياها ولم ترده، فكان يعمل فيها الاشعار فمن شعره فيها: قولا لزينب لو رأي ... ت تشوّقى لك واشترافى وتلذّذى كيما أراك ... وكان شخصك غير خاف ووجدت ريحك ساطعا ... كالبيت جمّر للطّواف وتركتنى وكأنّما ... قلبى يغرّز بالأشافى حدّثنا الغلابى قال حدثنا عبد الله بن الضحاك عن هشام ابن محمد قال دخل دحمان المغنى مولى بنى مخزوم ويعرف بالاشقر على محمد بن أبى العباس وعنده حكم الوادى- ونسب إلى ذلك لانه من وادى القرى- فأحضر محمد عشرة آلاف درهم وقال: من سبق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 منكما إلى صوت يطربنى فهذه له، فابتدأ دحمان فغنى شعر قيس بن الحطيم فى طريقة الثقيل الاول: حوراء ممكورة منعّمة ... كالماء شفّ وجهها نزف «1» فلم يهش له، فغنى حكم الوادى فى شعر لمحمد يقوله فى زينب فى لحن خفيف: زينب مالى عنك من صبر ... وليس لى منك سوى الهجر وجهك والله وإن شفّنى ... أحسن من شمس ومن بدر لو أبصر العاذل منك الّذى ... أبصرته أسرع بالعذر فطرب وضرب برجله وقال خذها، وأمر لدحمان بخمسة آلاف درهم، وفى غير هذا الخبر: أنه سمى حكم الوادى لكثرة غنائه. حدّثنا أبو ذكوان قال حدثنا العتبى قال كان محمد بن أبى العباس جوادا قويا وكان يلوى العمود ويلقيه إلى أخته ريطة فترده، قال وكان ممدحا، وفيه يقول حماد عجرد: أرجوك بعد أبى العبّاس إذ بانا ... يا أكرم النّاس أعراقا وعيدانا فأنت أكرم من يمشى على قدم ... وأنضر النّاس عند المحل أغصانا لو مجّ عود على قوم غضارته ... لمجّ عودك فينا المسك والبانا «2» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 ومما يغنى فيه من شعر محمد وهو عندى من ملح كلامه أنشدنيه أبو موسى محمد بن موسى مولى بنى هاشم بالبصرة سنة أربع وسبعين ومائتين: أسعد الصّبّ يا حكم ... وأعنه على الألم وأدر «1» فى غنائه ... نغما تشبه النّعم أجميل بأن ترى ... نائما وهو لم ينم لائمى فى هوى زي ... نب أنصف ولا تلم لبس الجسم حلّة ... فى هواها من السّقم ومن شعره بنفسى من منعت نفعها ال ... محبّ وما منعت ضيرها لها صفو ودّى ولكنّنى ... حرمت على ودّها خيرها سقتنى عن غيرها سلوة ... فلست أرى حسنا غيرها حدّثنا الغلابى قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال لما أراد محمد ابن أبى العباس الخروج من البصرة قال: أيا وقفبة البين ماذا شبب ... ت من النّار فى كبد المغرم رميت جوانحه إذ رميت ... بقوس مشدّدة الأسهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وقفنا لزينب يوم الوداع ... على مثل جمر الغضا المضرم فمن صرف دمع جرى للفرا ... ق وممتزج بعده بالدّم ومات محمد بن أبى العباس فى أول سنة خمسين ومائة، فقال حماد عجرد يرثيه: صرت للدّهر خاشعا مستكينا ... بعد ما كنت قد قهرت الدّهورا حين أودى الأمير ذاك الّذى ... كنت به حيث كنت أدعى أميرا كنت فيما مضى أجير به الده ... ر فأصبحت بعده مستجيرا يا سمىّ النّبىّ يا ابن أبى ال ... عبّاس حقّقت عندى المحذورا سلبتنى المنون إذ سلبتني ... ك سرورى فلست أرجو سرورا ليتنى متّ حين متّ لا بل ... ليتنى كنت قبلك المقبورا «1» أنت ظلّلتنى الغمام بنعما ... ك ووطّأتنى وطاء وثيرا لم تدع إذ مضيت فينا نظيرا ... مثل ما لم يدع أبوك نظيرا أبو أيّوب سليمان بن المنصور وأمه أم يعقوب وعيسى ابنى المنصور فاطمة بنت محمد بن محمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 ابن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قليل الشعر فصيح خطيب حدّثنا محمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن صالح قال: كتب سليمان ابن المنصور وهو بلى بعض الشام إلى محمد بن صالح بن بيهس الكلابى حين ظهر المسمى بالسفيانى كتابا طويلا يقول فى آخره: أتاك قول مهيب غير مهتضم ... حامى الذّمار منيع الجار والدّمم فلست لبّ بنى العبّاس إن سلمت ... كلاب لم أغشها بالصّيقل الرّقم «1» فى عسكر قاده من هاشم ملك ... جارى الاضاءات ثبت القلب والقدم «2» حتّى أغادرها صرعى ومن لمن ... بين المنازل والأموال والحرم «3» ثواب ما فعلوا إنّى الزّعيم بما ... فيه بوارهم من عاجل النّقم حدّثنا أبو الحسن الأسدى قال حدثنى أبو هفان قال حدثنى سعيد ابن هريم: قال اشترى سليمان بن المنصور جارية يقال لها ضعيفة بخمسة آلاف دينار، فبلغ المهدى خبرها فوجه اليه: «يا أخى بحقى عليك إلا أخذت هذه العشرة الألف الدينار، وآثرتنى بضعيفة عزمة منى عليك» فأنفذها اليه، وقيل بل قسره على أخذها، ثم تتبعتها نفسه فسأل المهدى فيها، فلم يجبه فقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 ربّى اليك المشتكى ... ماذا لقيت من الخليفه يسع البريّة عدله ... ويضيق عنّى فى ضعيفه علق الفؤاد بذكرها ... كالحبر يعلق فى الصّحيفه لى قصّة فى أخذها ... وخديعتى عنها طريفه وهو القائل فيها، أنشدنيه أبو العباس المرشدى عن العنزى: ألله يعلم وجدى ... بمن هويت وجهدى وأنّنى حائر العق ... ل لست أبصر قصدى يا قوم هل من مناد ... على مضيّع رشدى من باع قربا ببعد ... وباع وصلا بصدّ هل من مجير على ذا الا ... ءمام فى الحبّ يعدى يقاتل المنع منه ... بلا سلاح وجند حتّى يقرّب منّى ال ... حياة من بعد بعد يردّ دينى ودنيا ... ى عاجلا أو بوعد ما كان طالع بيعى ... لها بطالع سعد ومن مشهور شعره فيها يخاطب المهدى- قرأته بخط أبى المدور الوراق ورأيته فى غير كتاب-: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 قل للامام مقالا غير مجحود ... يا أعرق النّاس فى مجد وفى جود أنعم علىّ ولا تبخل بجارية ... أودى هواها ولم يظلم بمجهودى ولا تسمنى ظلما فى النّعاج كما ... خبّرت عن قصّة الأوّاب داود وتب كما تاب يا أرعى الورى نسبا ... واعمد لابراء صبّ القلب معمود فقد ترى واجدا ما تشتهى أبدا ... وليس ما أشتهى عندى بموجود ولا تلم قلقى فيها ولا جزعى ... ما الصّبر عن مثلها عندى بمحمود ومن أشعاره فيها: وشادن أذهلنى فقده ... عن لذّة العيش وعن طيبه نافسنيه الدّهر حتّى لقد ... بعّده من بعد تقريبه فقلت لمّا هدّنى فقده ... وأيقن القلب بتعذيبه من ذا الّذى يوصل لى لحظه ... إلى حبيس القصر محجوبه حدّثنا أبوبكر أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثنى ابن أبى سعد قال حدثنى احمد بن عمران النسائى قال حدثنى محمد بن عيسى الاوانى قال دفع سليمان بن أبى جعفر رقعة منه إلى المهدى إلى ابنه موسى الهادى، وقال له: كلم أباك أن يرد على عمك جاريته ضعيفة، فكلمه فلم يفعل وقال: ولا كرامة، فبلغ سليمان قوله فقال: أعقبت من فعلى النّدامه ... وحصلت فيه على العرامه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وفقدت [من] فقدى له ... فقد الكتابة والسّلامه وأنا شكوت إلى الّذى ... ورث الخلافة والامامه شوقى بما ألقاء من ... وجد يقول ولا كرامه يا لائمى فى حبّها ... الحسن خصم ذوى الملامه حدّثنا الحسن بن عليل العنزى قال حدثنى محمد بن معاوية الاسدى قال حدثنى محمد بن مسلمة بن ارتبيل اليشكرى قال بلغنى ان المهدى اخذ من بعض إخوته جارية فلم يصبر أخوه عنها، فسأله ردها فأبى فكان يعمل فيها الاشعار فقال: أشكو إلى من يعلم الشّكوى ... ما فيك لاقيت من البلوى يظلمنى من حكمه نافذ ... علىّ لا يسمع لى دعوى من ذا الّذى يعدى على سيّد ... عليه منه يؤخذ العدوى فاعطف إله النّاس لى قلبه ... بردّها يا سامع النّجوى فلما سمع المهدى أبياته هذه رق له وردها عليه قال ابو على العنزى هو سليمان بن ابى جعفر وسليمان الذى يقول: بقيت غداة النّوى حائرا ... وقد حان ممّن أحبّ الرّحيل فلم تبق لى دمعة فى الشّؤو ... ن إلّا غدت فوق خدّى تجول فقال نصيح من القوم لى ... وقد كاد يقضى علىّ الغليل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 ترفّق بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل وقال: يا باعثا للفؤاد وجدا ... أبدعه حسنه البديع أصبح حربا لى الهجوع ... منك وسلما لى الدّموع يكلّف العاذلون قلبى ... بالعذل ما ليس يستطيع قلبى لمن لام فيه عاص ... وهو لمن لم يلم مطيع ضعيفة تضعف اصطبارى ... قلبى من حبّها وجيع بيع على رغم مالكيه ... معتبط ليس يستبيع حدّثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب الزبيرى قال كان إسحاق بن سماعة المعيطى نزل الرقة وكان شاعرا محسنا، فولى سليمان بن المنصور الرقة من قبل الرشيد والمأمون بعد، فلم يعرف لابن سماعة موضعه ورده عن حاجته، وتصدق سليمان بمال كثير فقال إسحاق ابن سماعة: وزلّة يكثر الشّيطان إن ذكرت ... منها التّعجّب جاءت من سليمانا لا تعجبنّ لخير زال عن يده ... فالكوكب النّحس يسقى الأرض أحيانا حدّثنا محمد بن الفضل بن الاسود قال حدثنا عمرو بن شبة قال غزا الرشيد وخلف المأمون بالرقة وعلى الرقة سليمان بن ابى جعفر فقال ابن سماعة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 يا طالبا أبى العبّاس قرصته ... فى الأمن دونكها إن كنت يقظانا أما ترى الرّقّة البيضاء شاغرة ... إلّا شراذم شذّاذا وخصيانا ما ترتجى بعد هذا اليوم لا ظفرت ... كفّاك إن لم تنلها من سليمانا لا عيب بالمرء إلّا أنّه رجل ... يحكى الخرائد تأنيثا وتليانا يعنى سليمان بن أبى جعفر حدّثنا عون بن محمد قال حدثنا سعيد بن هريم، قال كان اسحاق ابن وهب بن سماعة المعيطى يهجو سليمان بن ابى جعفر وهويلى الرقة، وكان لاسحاق ضياع بها، فطلبه فاستتر ثم ظفر به فحبسه إلى ان مات فى الحبس، فهجاه بأشعار قبيحة، فمن شعره فيه وهو محبوس: قل لسليمان على ما أرى ... من طول حبسى واقتراب الأجل حبستنى من غير جرم سوى ... حكايتى عنك مقال الخطل قولك ما أعرف من لذّة ... لم أشف فيها النّفس إلّا الحبل حدّثنا يحيى بن عبد الله، قال حدثنى احمد بن يحيى بن جابر قال: هجا ابن سماعة المعيطى سليمان بن ابى جعفر وهو يلى الرقة للمأمون فحبسه، فكلمه فيه سعيد الجوهرى فخلى سبيله، ثم عاد لهجائه فاستأذن المأمون فى حبسه فأذن له، فحبسه وجلده وضربه إلى أن مات فى الحبس، فمن هجائه له: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 تعفو الكلوم وينبت الشّعر ... ولكلّ وارد منهل صدر والعار فى أثواب منبطح ... لعبيده ما أورق الشّجر حدّثنى يحيى بن على قال حدثنى ابى عن إسحاق قال شهدت سليمان بن ابى جعفر ذات ليلة عند محمد الامين- وأراد الانصراف- فقال له أتركب الماء أو الظهر؟ قال الماء ألين على، قال أوقروا له زورقه ذهبا، فأوقروه له. أبو إسحاق ابراهيم بن المهدى ّ حدّثنا يحيى بن على عن احمد بن يحيى بن جابر قال حدثنى هبة الله بن ابراهيم بن المهدى أن محياة الطائفية ام ولد المنصور كانت بعثت بشكلة أم ابراهيم إلى الطائف فنشأت هناك ففصحت وقالت الشعر وأنشدنى لها شعرا فى أخ كان لها يقال له احمد وهو: أحمد تفديه شباب فهر ... من كلّ ما ريب وأمر نكر قد جاء مثل الشّمس غبّ قطر ... فى حسن بدر واعتدال صدر بنىّ أحشائى وذخر ذخرى ... شدّ إلهى بأبيك ظهرى وزاده ربّ العلى من عمرى ... وذبّ عنه خائفات الدّهر وعنك ما أدرى وما لا أدرى قال وابراهيم شاعر عالم بالغناء مقدم فى الحذق، بايعه اهل بغداد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 بعد قتل محمد الامين، فلما ظهر قواد المأمون استخفى فلم يزل كذلك مدة طويلة إلى أن قدم المأمون بغداد، ثم ظهر عليه فعفا عنه فعمل فيه اشعارا وشكلة من سبى دنباوند قتل ابوها شاهمرد وسبيت هى وبخترية أم منصور بن المهدى، فوهبها المنصور لمحياة أم ولد له فوهبتها للمهدى وولد إبراهيم بن المهدى غرة ذى القعدة سنة اثنتين وستين ومائة وتوفى فى أول سنة أربع وعشرين ومائتين، وقيل فى آخر سنة ثلاث وعشرين بسر من رأى. حدّثنا يموت بن المزرع قال حدثنى الجاحظ قال أرسل إلى ثمامة يوم جلس المأمون لابراهيم بن المهدى، وأمر باحضار الناس على مراتبهم فحضروا، فجىء بابراهيم فى قيد فسلم، فقال له المأمون: «لا سلم الله عليك، ولا حفظك» فقال: «على رسلك يا أمير المؤمنين، فلقد اصبحت ولى ثأرى، والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مد له فى الامل هجمت به الأناة على التلف، وقد أصبح ذنبى فوق كل ذنب، وعفوك فوق كل عفو، فان تعاقب فبحقك، وإن تغفر فبفضلك» فقال له المأمون إن هذين أشارا على بقتلك- وأومأ الى المعتصم وإلى ابنه العباس- فقال قد أشارا بما يشار بمثله فى مثلى، وما غشاك فى عظم الخلافة ولكن الله عودك من العفو عادة، فانت تجرى عليها دافعا ما تخاف بما ترجو، فقال: أطلقوا عمى، فقد عفوت عنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 فقال بعقب هذا: وعفوت عمّن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع اليك بشافع إلّا العلوّ عن العقوبة بعد ما ... ظفرت يداك بمستكين خاضع فرحمت أطفالا كأفراخ القطا ... وعويل عانسة كقوس النّازع قسما وما أدلى اليك بحجّة ... إلّا التّضرّع من مقرّ خاشع ما إن عصيتك والغواة تمدّنى ... أسبابها إلّا بنيّة طائع وهذه قصيدة طويلة أولها: يا خير من ذملت يمانية به ... بعد الرّسول لآيس أو طامع وله فى عفوه أشعار كثيرة منها قصيدة أولها: أعنيك يا خير من تعنى بمؤتلف ... من الثّناء ائتلاف الدّرّ فى النّظم أثنى عليك بما جدّدت من نعم ... وما شكرتك إن لم أثن بالنّعم وفيها رددت مالى ولم تمنن علىّ به ... وقبل ردّك مالى ما حقنت دمى فنؤت منه وما كافأنها بيد ... هى الحياتان من موت ومن عدم البرّ لى منك وطء العذر عندك لى ... فيما أتيت فلم تعذل ولم تلم وقام علمك بى فاحتجّ عندك لى ... مقام شاهد عدل غير متّهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 تعفو بعدل وتسطو إن سطوت به ... فلا فقدناك من عاف ومنتقم حدّثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثنا عبد الوهاب بن محمد ابن عيسى قال استخفى ابراهيم عند بعض أهله من النساء، فوكلت بخدمته جارية جميلة، وقالت لها: أنت له، فان أرادك لشىء فطاوعيه وأعلميه ذلك حتى يتسع له. فكانت توفيه حقه فى الخدمة والاعظام، ولا تعلمه بما قالت لها، فجل مقدارها فى نفسه، إلى أن قبل يوما يدها فقبلت الارض بين يديه فقال: يا غزالا لى اليه ... شافع من مقلتيه والّذى أجللت خدّ ... يه فقبّلت يديه بأبى وجهك ما ... أكثر حسّادى عليه أنا ضيف وجزاء ال ... ضّيف إحسان اليه وعمل بعد ذلك فيه لحنا من طريق الهزج حدّثنى عبد الله بن محمد بن على الكاتب قال حدثنا ابو العيناء قال سمعت إبراهيم بن الحسن بن سهل يقول: لم يكن ابراهيم بن المهدى يصدق أن عفو المأمون عنه يدوم، ويرى أنه سيلحق به جملة، فكان يتعهر ويتهتك ويغنى لكل أحد، ولا يخلى المأمون فى كل وقت من مدح حدّثنا أحمد بن يزيد المهلبى قال حدّثنا أبى قال كتب ابراهيم ابن المهدى الى عمرو بن بانة- حين ظهر ورضى عنه المأمون- يدعوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 فكتب اليه عمرو: أخاف سخط أمير المؤمنين. فكتب اليه ابراهيم: ليس يخلو أمير المؤمنين من أن يكون راضيا عنى فما يكره أن تسرنى، أو ساخطا فما يكره أن تعرنى، وما تخرج عن هاتين. حدّثنى الحسن بن يحيى الكاتب قال سمعت هبة الله بن ابراهيم ابن المهدى يقول حين أخذ أبى ابراهيم كتب إلى المأمون رقعة فقرأها قبل أن يراه وهو أول شعر قرأه له: أيا منعما لم تزل مفضلا ... أدام الضّنى سخطك الدّائم ظلمت فان قلت لا بل ظلم ... ت فانّى أنا الكاذب الآثم وأستغفر الله من زلّتى ... فانّى من جرمها واجم يفزّ الحليم ويكبو الجوا ... د وينبو لدى الضّربة الصّارم فهأ انا ذا العائذ المستجي ... ر فاحكم بما شئت يا حاكم عصيت وتبت كما قد عصى ... وتاب إلى ربّه آدم فقل قول يوسف لا تثرب ... نّ فقد يغفر الغافر الرّاحم فلست إلى زلّة عائدا ... يد الدّهر ما قعد القائم قال فحل ذلك أكثر ما كان فى نفسه حدّثنا عون بن محمد قال حدثنا محمد بن راشد قال دخلت يوما الى ابراهيم بن المهدى فتجارينا ذكر الدول فأنشدنى لنفسه: فلله نفسى إنّ فىّ لعبرة ... وللدّهر نقض للقوى بعد إبرام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 غدوت على الدّنيا مليكا مسلّطا ... ورحت وما أحوى بها قبس إبهام حدّثنا عون قال أنشد ابراهيم بن المهدى المأمون شعرا يعتذر فيه فقال له حين فرغ منه: قد أفرط شكرك، كما أفرط جرمك، والاحسان محاء للاساءة. وأنشدنى عون له بعقب هذا وكان يستجيده: ونهيت نومى عن جفونى فانتهى ... وأمرت ليلى أن يطول فطالا نظر العيون على العيون هو الّذى ... جعل العيون على العيون وبالا حدّثنا محمد بن يحيى بن أبى عباد قال حدثنى أبى قال كان إبراهيم ابن المهدى قد ترك الغناء فى آخر أيامه، وذاك أنه غنى المعتصم صوتا بشعر له فى طريقة الثقيل الثانى فى الاصبع الوسطى نوحيا على عمد: ذهبت من الدّنيا وقد ذهبت منّى ... هوى الشّيب بى عنها وولّى بها عنّى فان أبك نفسى أبك نفسا نفيسة ... وإن أحتسبها أحتسبها على ضن وجعل يغنى ويبكى، فقال له المعتصم: ما هذا يا عم؟ قال: حلفت بين يدى الرشيد أنى إذا بلغت الستين لم أشرب ولم أغن، قال ومن يشهد بهذا؟ قال جماعة قد بقى منهم مسرور الخادم، فسأله عن ذلك فشهد له، فأعفاه عن الغناء الشرب والغناء فما عاد لذلك إلى أن مات. حدّثنى الحسين بن يحيى قال سمعت عبد الله بن العباس بن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 الفضل بن الربيع يقول بلغ ابراهيم بن المهدى من حسن الغناء والعلم إلى نهاية ما بعدها، حتى انه كان يجاذب اسحاق الموصلى ... «1» صنعة حسنة شبه بها صنعة الاوائل، منها أنه غنى فى شعر مروان ابى حفصة من طريقة الثقيل الاول: طرقتك زائرة فحىّ خيالها ... حسناء تخلط بالجمال دلالها حدّثنا يحيى بن على عن ابيه عن ابراهيم بن على بن هشام ان اسحاق كتب إلى ابراهيم بن المهدى بجنس صوت صنعه مجزأ واجزاء لحنه فغناه ابراهيم من غير أن يسمعه والصوت: حيّيا أمّ يعمر ... قبل شحط من النّوى فقلت لا تعجلوا ال ... رّواح فقالوا ألا بلى وهذا مما لم يسمع بمثله من فعلهما، والذى فعله ابراهيم بن المهدى اشد واعجب، واللحن الذى عمله اسحاق فى هذا الشعر من الثقيل الثانى وللهذلى فيه لحن فى طريقة خفيف الثقيل الاول. وكان ابراهيم بن المهدى ينسب الثقيل الاول الذى عليه الناس جميعا إلى الثقيل الثانى، وينسب الثقيل الثانى إلى الثقيل الاول، وتابعه على ذلك عمرو بن بانة، وكان احد غلمانه «ومن شعر ابراهيم» الشّيب شين والخضاب عذاب ... ولكلّ حىّ مهجة ستصاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 قالت أمامة شبت يا ابن محمّد ... شيبا وشاب أمامة الأتراب وهذا معنى مليح، يقول وقد شبت أنت أيضا، ومثله لكعب بن زهير وهو أوضح من هذا: ألا بكرت عرسى تلوم وتعذل ... وغير الّذى قالت أعفّ وأجمل أريت من الشّيب العجيب الّذى رأت ... فهل أنت منّى ويب عيرك أمثل كلانا علته كبرة فكأنّما ... رمته سهام فى المفارق نصّل يقول نحن وإن شبنا على أمرنا فى اللهو والبطالة، فكان سهام الشيب نصل لا زجاج عليها، حين اصابتنا فلم تغن شيئا. فأخذها ابو نواس فقال وخلط: خلق الشّباب وشرّتى لم تخلق ... ورميت من عوض الشّباب بأفوق وليس من ذاك لانه يقول رميت بسهم فى اللهو مكسور الفوق لأنى شيخ. يقال خلق [الثوب] يخلق وأخلق يخلق ومن مليح ما يشبه هذا ما حدثنى به الحسن البلعى عن أبى حاتم السجستانى قال قرأت على الاصمعى شعر حسان ومرت قصيدته: منع النّوم بالعشاء الهموم إلى ان بلغت: لم تفقها شمس النّهار بشىء ... غير أنّ الشّباب ليس يدوم فقال الاصمعى: آه، أخبر والله أنها كبيرة! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 حدّثنا ميمون بن هارون قال سمعت الفضل بن مروان يقول كان ابراهيم بن المهدى أصح الناس رأيا لغيره وأفسدهم رأيا لنفسه. فقيل له فى ذلك فقال أنا أنظر فى أمر غيرى برأى سليم من الهوى ويغلب على رأيى فى أمر نفسى ما أهواه حدّثنا يحيى بن على قال أخبرنى أبى عن يوسف بن ابراهيم وهو ابن خالة إبراهيم بن المهدى قال حضرت ابراهيم بن المهدى واسحاق بن ابراهيم الموصلى يتلاحيان فى التجزئة والقسمة فى الغناء، فقلت لهما أراكما توجبان لهما له معنيين ومعناهما واحد، فقال لى ابراهيم لا لوم عليك فيما أنكرت من باب التجزئة والقسمة، لأن المنطق يوجب ما قلت، ولكن أصحاب صناعة اللحون إذا أرادوا وضع صوت حزؤا شعره على اجزاء معلومة ثم قسموا اللحن على تلك الاجزاء فالتجزئة عندهم تجزئة الشعر، والقسمة قسمة اللحن على الاجزاء. قال ولم يكن أحد بعد اسحق أعلم بالغناء من ابراهيم حدّثنى يحيى بن على قال حدثنى أبو العبيس بن حمدون عن عمرو بن بانة قال رأيت ابراهيم بن المهدى يناظر اسحق فى الغناء، فتكلما فيه بما فهماه ولم أفهم منه شيئا، فقلت لهما لئن كان ما أنتما فيه من الغناء فما نحن منه فى قليل ولا كثير. حدّثنى محمد بن سعيد قال حدثنى أبو أمامة الباهلى عن الحسين ابن الضحاك وحدثناه المغيرة بن محمد المهلى أن الحسين بن الضحاك شرب عند ابراهيم بن المهدى يوما فجرت بينهما ملاحاة فى الدين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 والمذهب، فدعا له ابراهيم بنطع وسيف وقد أخذ الشراب منه وانصرف الحسين غضبان فكتب ابراهيم يعتذر اليه ويسأله أن يحيبه «1» فقال الحسين: نديمى غير منسوب ... إلى شىء من الحيف سقانى مثل ما يشر ... ب فعل الضّيف بالضّيف فلمّا دارت الكأس ... دعا بالنّطع والسّيف كذا من يشرب الخمر ... مع التّنّين فى الصّيف «2» فلم يعد لمنادمته مدة، ثم إن ابراهيم تحمل عليه ووصله، فعاد لمنادمته. حدّثنا أحمد بن محمد أبو اسحاق الطالقانى قال حدثنى عبيد الله ابن محمد بن عبد الملك الزيات قال لما وثب ابراهيم بن المهدى على الخلافة اقترض من مياسير التجار مالا فأخذ من عبد الملك جدى عشرة آلاف دينار، وقال أرادها إذا جاءنى مال، ولم يتم أمره واستخفى. ثم ظهر فطولب بالاموال، فقال انما أخذتها للمسلمين وأردت أن اقضيها من أموالهم، والامر إلى غيرى. فعمل أبى محمد بن عبد الملك قصيدة يخاطب بها المأمون ومضى بها الى ابراهيم بن المهدى فأقرأه اياها وقال: والله لئن لم تعطنى المال الذى اقترضته من أبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 لأوصلن هذه القصيدة الى المأمون، فهاب ابراهيم أن يقرأ المأمون مثلها، وقال خذمنى بعض المال ونجم بعضه ففعل أبى ذلك وأحلفه أنه لا يظهر القصيدة فى حياة المأمون ووفى له بباقى المال، والقصيدة ألم تر أنّ الشّىء للشّىء علّة ... تكون له كالنّار تقدح بالزّند كذلك جرّبنا الأمور وانّما ... يدلّك ما قد كان قبل على البعد وظنّى بابراهيم أنّ مكانه ... سيبعث يوما مثل أيّامه النّكد رأيت حسينا حين صار محمّد ... بغير أمان فى يديه ولا عقد فلو كان أمضى السّيف فيه بضربة ... يصيّره بالقاع منعفر الخدّ إذا لم يكن للجند فيه بقيّة ... فقد كان ما بلّغت من خبر الجند هم قتلوه بعد أن قتلوا له ... ثلاثين ألفا من كهول ومن مرد وما نصروه عن يد سلفت له ... ولا قتلوه يوم ذلك عن حقد ولكنّه الغدر الصّراح وخفّة ال ... حلوم وبعد الرّأى عن سنن القصد فذلك يوما كان للنّاس عبرة ... سيبقى بقاء الوحى فى الحجر الصّلد يعنى بهذا الحسين بن على بن عيسى بن ماهان أخرج محمد الامين على رؤوس الناس حاسرا حتى حبسه فى مدينة ابى جعفر فى الخضراء فلما كان الغد قال له الجند: كن فى حيلة أرزاقنا. فدفعهم الحسين يومين ثم هرب فى اليوم الثالث فتبعه تميم مولى أبى جعفر وغالب فى جماعة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 فقتلوا وجاؤا برأسه الى محمد وأخرجوا محمدا وهو عطشان قد كاد يتلف فردوه الى الخلافة وما يوم إبراهيم إن طال عمره ... بأبعد فى المكروه من يومه عندى تذكّر أمير المؤمنين قيامه ... وأيمانه فى الهزل منه وفى الجدّ أما والّذى أمسيت عبدا خليفة ... له شرّ أيمان الخليفة والعبد إذا هزّ أعواد المنابر باسته ... تغنّى بليلى أو بميّة أو هند ووالله ما من توبة نزعت به ... لديك ولا ميل اليك ولا ودّ ولكنّ إخلاص الضّمير مقرّب ... الى الله زلفى لا تخيب ولا تكدى أتاك بها طوعا اليك بأنفه ... على رغمه واستأثر الله بالحمد فلا تتركن للنّاس موضع شبهة ... فانّك مجزىّ بمثل الّذى تسدى فقد غلطوا للنّاس فى نصب مثله ... ومن ليس للمنصور بابن ولا المهدى فكيف بمن قد بايع النّاس والتقت ... ببيعته الرّكبان غورا إلى نجد ومن صكّ تسليم الخلافة سمعه ... ينادى بها بين السّماطين من بعد وأىّ امرىء يسمى بها قطّ نفسه ... ففارقها حتّى يغيّب فى اللّحد وتزعم هذا النّابتيّة أنّه ... إمام لها فيما يجنّ وما يبدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 يقولون سنّىّ فأيّة سنّة ... تقوم بحون؟؟ اللّون ثغل القفا جعد وقد جعلوا رخص الطّعام بعهده ... زعيما له باليمن والكوكب السّعد إذا ما رأوا يوما غلاء رأيتهم ... يحنّون تحنانا إلى ذلك العهد وأقبل يوم العيد يرجف حوله ... رجيف الجياد واصطكاك القنا الجرد ورجّالة يمشون بالبيض قبله ... وقد تبعوه بالقضيب وباليرد فان قلت قد زان الخلافة غيره ... فلم يؤت فيما كان حاول من جدّ فلم أجزه إذ خيّب الله سعيه ... على خطإ إن كان منه ولا عمد ولم أرض بعد العهد حتّى رفدته ... وللعمّ أولى بالتّغمّد والرّفد فليس سواء خارجىّ رمى به ... اليك سفاه الرّأى والرّأى قد يردى تعاوت له من كلّ أوب عصابة ... متى يوردوا لا يصدروه عن الورد ومن هو فى بيت الخلافة يلتقى ... به وبك الآباء فى ذروة المجد فمولاك مولاه وجندك جنده ... وهل يجمع القين الحسامين فى غمد وقد رابنى من أهل بيتك أنّنى ... رأيت لهم وجدا به أيّما وجد يقولون لا تبعد من ابن ملمّة ... صبور عليها النّفس ذى مرّة جلد فدانا فهانت نفسه دون ملكنا ... عليه على الحال الّتى قلّ من يفدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 على حين أعطى النّاس صفق أكفّهم ... علىّ بن موسى بالولاية والعهد فما كان فينا من أبى الضّيم غيره ... كريم كفى باقى القبول وفى الرّدّ وجرّر إبراهيم للموت نفسه ... وأبدى سلاحا فوق ذى منعة نهد فأبلى ومن يبلغ من الأمر جهده ... فليس بمذموم وإن كان لم يجدى فهذى أمور قد يخاف ذوو النّهى ... مغبّتها والله يهديك للرّشد حدّثنا يحيى بن على قال حدثنى أبو أيوب المدينى قال حدثنى ابراهيم بن على قال قال ابراهيم بن المهدى «ثلاثة أشياء من الغناء إن لم يكن لصاحبها طبع لم يمكنه معرفتها، منها. المعرفة بالغناء، فلو أدركها إنسان بفهم وعقل وادب لأدركها احمد بن يوسف، وهو اجهل الناس بالغناء. ودخول الحلق فى الوتر لو بلغه احد بغير طبع لبلغه اسحق مع تقدمه فى هذا الشأن وعلمه به، وما دخل حلقة فى وتر قط. وغناء الصوت على مثال واحد [لو بلغه أحد] بغير طبع لقدر عليه علّوية فى حذقه وإحسانه، ولكنه يحبس موضعا ويحث موضعا، ومثل من كان كذا مثل الصبى الذى يعوج سطوره. فلا ينفع فيه التعليم حدّثنا أحمد بن يزيد المهلى قال حدثنى أبى عن اسحق قال طهرت بعض ولدى فكتب الى ابراهيم بن المهدى لولا أن البضاعة قصرت عن الهوى لأتعبت السابقين إلى برك، وحسبك ان تطوى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 صحيفة البر وليس لى فيها برة، وقد بعثت اليك ما المبتدأ به ليمنه والمختوم به لطيبه ورائحته، جراب ملح، وجراب أشنان. حدّثنا عون بن محمد قال حدثنى هبة الله بن ابراهيم بن المهدى مرات وكان ابن خالته يوسف بن ابراهيم الخراسانى أصدق الناس، قال كان الرشيد يحب أن يسمع إلى ابراهيم فخلا به مرات الى ان سمعه ثم حضر معه سليمان بن ابى جعفر فقال لابراهيم: عمك سيد ولد المنصور بعد أبيك، وهو يحب أن يسمعك، فلم يتركه حتى غنى بين يديه شعر الاحوص إذ أنت فينا لمن ينهاك عاصيه ... وإذ أجرّ اليكم سادرا رسنى قال فأمر له بألف درهم- ثم قال له ليلة، ولم يبق فى المجلس عنده غير جعفر بن يحيى: أنا أحب أن أشرف جعفرا بأن تغنيه صوتا فغناه فى صوت صنعه فى طريقة الرمل والشعر للدارمى: كأنّ صورتها فى الوصف إذ وصفت ... دينار عين من المصريّة العتق فأمر له الرشيد بمائة ألف دينار. حدّثنى عون بن محمد قال كان ابراهيم بن المهدى يشنأ محمد بن عبد الملك الزيات فلما ولى وزارة المعتصم قال ابراهيم: يا بؤس يوم كاسف ... إن لم يغيّر فى غده لأمّة وزيرها ... عاصر زيت بيده يظهر نصحا وجهه ... وغشّه فى كبده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 حدّثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثنا محمد بن صالح قال كان ابراهيم بن المهدى مع احسان المأمون يشنؤه ويعيب افعاله، وله فى ذلك أشعار منها: صدّ عن توبة وعن إخبات ... ولها بالمجون والقينات ليس ينفكّ مازجا فى يديه ... خمر قطربّل بماء الفرات ما يبالى إذا خلا بأبى عي ... سى وشرب من بدّن عطرات أن يغصّ المظلوم فى حومة الجو ... ر بداء بين الحشا واللهاة حدّثنى عون بن محمد الكندى كاتب حجر بن احمد الحويمى بفارس- وما رأيت قط شيخا أكمل منه من نظرائه، ولا أسند ولا أصدق، رأى الناس قديما فكان يروى الحرفين والثلاثة، ولوادعى كل شىء جازله، وكانت معه اصول ابيه بخط عون فلو انكر أنها أصوله لصدق- قال حدثنا اسحاق الموصلى قال كان إبراهيم بن المهدى لا يزال ينازعنى فى الغناء، فقلت له يوما يا سيدى انت ابن الخلفاء واخو الخلفاء وإذا بلغت ما تريد من الغناء فانت أنت فيه، واذا قصرت قلت كسلت ولم أنشط، وتفعل ما تريد. وأنا أغنى على كل حال وفى كل وقت فقال: صدقت فى هذا ونقصت من الاستحقاق. فقلت فى نفسى والله لأبغضنه ما قلت، فقلت يا سيدى قد غنيت لنفسك أصواتا كثيرة، فهل قمت على حق صوت منها حتى استوفيته كله؟ فقال أعطيتنى برك هاريق، وعقوقك جملة «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 حدّثنا عون بن محمد الكندى قال حدثنى الحسين بن الضحاك- سنة عشرين ومائتين- وابراهيم بن المهدى حى، قال دخل ابراهيم إلى المأمون فقال: يا امير المؤمنين ان الله فضلك فى نفسك على، وألهمك الرأفنو العفو عنى، والنسب واحد، وقد هجانى دعبل فانتقم لى منه، فقال وما قال لك، لعله قوله: نفر ابن شكلة بالعراق وأهله ... فهفا اليه كلّ أطيش مائق إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل ... ولتصلحنّ وراثة للمارق أنّى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسق عن فاسق فقال هذا من هجائه، وقد هجانى بأقبح منه، فقال لك فى أسوة لأنه هجانى فاحتملته فقال فى إنّى من القوم الّذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرّفتك بمقعد شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد فقال ابراهيم زادك الله يا أمير المؤمنين حلما وعلما، فما تنطق العلماء إلا عن فضل علمك، ولا يحلمون إلا اتباعا لحلمك. وأنشدنى عبد الله بن المعتز لابراهيم بن المهدى من قال فى النّاس قالوا فيه ما فيه ... وحسبه ذاك من خزى ويكفيه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 من نمّ فى النّاس لم تؤمن عقاربه ... عن الصّديق ولم تؤمن أفاعيه كالسّيل يجرى ولا يدرى به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه لو فرّ من رزقه عبد إلى جبل ... دون السّماء لألفى رزقه فيه حدّثنا عون بن محمد قال حدثنا محمد بن راشد قال رأيت احمد بن يوسف الكاتب يناظر إبراهيم بن المهدى فى دار المأمون فى أمر بنى هاشم وتقديم بعضهم على بعض، فعلاه إبراهيم فصاحة وحجة، فسر من ذلك، وقلت لابراهيم: قد رأيت هذا الذى لا يطاق منحطا فى يدك فقال إبراهيم: والله لو رأيتنى فى يد جعفر بن يحيى لرأيت دون هذا فى يدى، وما رأيت أكمل من جعفر قط. حدّثنا عبد الله بن المعتز قال حدثنى إبراهيم بن إسحاق قال أنشدنى ابو يعقوب اسحاق بن سليمان بن المنصور لابراهيم بن المهدى أنا أفدى على الهجران زينا ... وإن كنّا على عمد كنينا وما زينا بتفدية أردنا ... ولكنّا عنينا من عنينا أقول وقد رأيت لهاسماء ... من الهجران مقبلة الينا وقد سحّت عزاليها بصدّ ... حوالينا الصّدود ولا علينا قلت انا: واظنه كنى عن زينب ولعلية فى الكناية أخبار نحيىء بها بعد فراغنا من أخبار ابراهيم وابنه هبة الله إن شاء الله. حدّثنى عبد الله بن المعتز قال كتب ابراهيم بن المهدى إلى بعض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 اصحابه فى يوم غيم: إن كنت تنشط للصّبوح فانّه ... يوم أغرّ محجّل الأطراف وأرى الغمامة كالعقاب محلّقا ... مسودّة الأوساط والأكناف طورا تبلّك بالرّذاذ وتارة ... تهمى عليك بدلوها الغرّاف فانعم صباحا وائتنا متفضّلا ... ودع الخلاف فليس يوم خلاف حدّثنا عبد الله قال كتب ابراهيم الى طاهر كتابا منه: زادك الله للحق قضاء، وللشكر أداء. أبلغنى رسولى عنك ما لم أزل أعرفه منك، والله يمتعنى بك، ويحسن فى ذلك عنى جزاءك، ومع ذلك فانى اظن أنى علمتك الشوق لأنى ذكرته لك، فهيجته منك والسلام. «وفصل منه الى منصور بن المهدى» وما الحق إلا حق الله، فمن أداه فلنفسه، ومن قصر عنه فعليها، نسأل الله أن يعمرنا بالحق، ويصلحنا بالتوفيق ويحصننا بالتقوى. «والى العباس بن موسى» عبد الرحمن بن عبد الله، من لا أحتاج إلى وصف حاله لك، ولعلى عرفتها بعدك، غير أنى أحب مسرته بقضاء حقه، وواجب حرمته فى مودته وموالاته. وقد جعلك ممن يحافظ على ذلك ومثله، أراك الله ما تحب أن تحفظنى ونفسك فيه، وتوليه ما جعلك الله أهله وجعله حقيقا به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 وفى كتاب له: لو عرفت فضل الحسن لتجنبت القبيح، وأنا وإياك كما قال زهير وذى خطل فى القول يحسب أنّه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله عبأت له حلمى وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله وإن من إحسان الله إلينا وإساءتك إلى نفسك، أنا صفحنا عما أمكننا، وتناولت ما أعجزك، فله الحمد كما هو أهله. وفصل له: لم يبق لنا بعد هذا الجنس شىء نمد أعيننا اليه إلا الله الذى هو الرجاء قبله ومعه وبعده. فصل له: أما الصبر فمصير كل ذى مصيبة، غير الحازم يقدم ذلك عند اللوعة طلبا للمثوبة، والعاجز يؤخر ذلك الى السلوة. فيكون مغبونا نصيب الصابرين. ولو أن الثواب الذى جعل الله لنا على الصبر كان على الجزع لكان ذلك اثقل علينا، لأن جزع الانسان قليل وصبره طويل، والصبر فى أوانه أيسر مؤونة من الجزع بعد السلوة. ومع هذا فان سبيلنا من أنفسنا على ما ملكنا الله منها ان لا نقول ولا نفعل ما كان لله مسخطا، فأما ما يملكه الله من حسن عزاء النفس، فلا نملكه من أنفسنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 وفصل له: وصل كتابك السار المؤنس، فكان سر طالع إلى وأحسنه موقعا منى، إذ كنت أستعلى بعلوك وأرى نعمتك تنحط الى، ويتصل بى ما يتصل بالادنين من لحمتك، وحملة شكرك، ومظان معروفك والمفيمين على تأميلك. فلا أعدمنى الله ما استجنى «1» ولا. أزال عنى ظلك ولا أفقدنى شخصك. وله: كتبت اليك ونحن فى عافية مجددة، والحمد لله المتطول بالنعمة المرجو للمزيد، ولست وإن باعدتك الدار منى، ونأى بك الزمن عنا بمقصى القلب عن برك بالذكر، والعناية، ولا اللسان بالدعاء والمسئلة: ولا النية فى الاخلاص والمحبة لاحياء العهد بالمكاتبة، وتجديد الوصلة بالمراسلة فان النبى صلى الله عليه وسلم قال التواصل بين الناس فى الحضر التزاور وفى السفر التكاتب. قلت أنا: وأنشدنى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر لنفسه فى معنى التزاور والتكاتب: حقّ التّنائى بين أهل الهوى ... تكاتب يسخن عين النّوى وفى التّدانى لا انقضى عمره ... تزاور يشفى غليل الجوى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 وأنشدنى عبد الله بن المعتز لابراهيم بن المهدى: قليت الصّبى وهجرت الغوانى ... وسلّمت معترفا للزّمان وأعنقت منطلقا فى القيا ... د بعد الجماح وجذب العنان كذاك الفتى وصروف الّزما ... ن يحدثن شأنا له بعد شان رأيت الحياة ولذّاتها ... معلّقة بليال فوان رأيت الحياة ولذّاتها ... معلّقة بليال فوان وإنّى صبور لما نابنى ... سريع إلى كلّ حقّ عرانى وليس يرى خائفا من أجر ... ت ولا خائبا سعيه من رجانى نداى «1» يمدّحنى مادحى ... ويبكى علىّ به من رثانى أحبّ الوفاء إذا ما وعد ... ت وألّا يعاب بمطل ضمانى كذلك عوّدنى والداى ... فعوّدت نفسى الّذى عوّدانى وقال: وإنّى وواهى ملككم مثل سائق ... طليحا يزجّيها على الأين راكب إذا صدقتنى النّفس عنكم تقول لى ... أتدرى هداك الله من ذا تعاتب فوالله ما أدرى إذا ما ذكرتكم ... أأعفو لكم عن ذنبكم أم أعاقب بلى ليس لى إلّا تغمّد ذنبكم ... وإن لم يكن فيكم من الذّنب تائب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 وإنّى وأمّى أمّكم وأبى لكم ... أب عنكم لى لو أردت مذاهب وقال: وقد تلين ببعض القول تبذله ... والوصل فى جبل صعب مراقيه كالخيزران منيعا منك مكسره ... وقد يرى ليّنا فى كفّ لاويه فتلك همّ فؤاد أنت صاحبه ... لو أنّها مرّة كانت تجازيه وإنّ فى طول ما ضنّت عليه لما ... يسليه لو أنّ شيئا كان يسليه وقال: أطعت الهوى وعصيت الرّشد ... ولم تملك الصّبر عمّن تودّ وفيها يقول: إذا اللّيل أسبل سرباله ... على الأرض واسوّد وجه البلد رعيت الكواكب حتّى الصّبا ... ح ودمعى كاللؤّلؤ المنسرد فمن ظالعات ومن غائرات ... وآخر فى حيرة قد رقد ومن ضاجعات بأفق المغيب ... يراقبها كارتقاب الرّصد وما النّاس إلّا عدوّ الشّقىّ ... وإلّا صديق أمرىء قد سعد إذا ما الزّمان بأخلافه ... طواك كطىّ الثّياب الجدد يفيض عليك قداح الرّدى ... لتأخذ منها بقدح نكد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 فما أنت إلّا أسير له ... وإن أمكن الحيد عنه فحد هب الدّهر لم يتحامل على ... سواك فهل لك منه القود وإن يسقك اليوم من آجن ... صرى لا يذاق ولا يزدرد فقد كان يسقيك من صفوه ... نطاف الغوادى بذوب الشّهد كذاك تجىء صروف الزّما ... ن على ما أردت وما لم ترد وقد يسبق الفوت وشك العجو ... ل ويدرك حاجته المتّئد وإن خلّط الدّهر فاصبر على ... تلوّنه فمع اليوم غدّ عذارى الغداة من الأطيبين ... أهل القباب الطّوال العمد من آل أبى الفضل عمّ الّنبىّ ... وجدّى فأكرم بعمّ وجدّ وقال: إذا سال وادى الشّيب فى مفرق الفتى ... وقنّع منه عمّة المتلثّم فيا قبح ما تحكى المراة لعينه ... ويا بعده من كلّ عيش ومنعم وقال: أبا قاسم إنّى أراك صبابة ... كأنّك من لحمى خلقت ومن دمى وإنّى لأهوى أن أربّ صنيعة ... اليك بالاء كرام وأنعم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 أيادى كريم طيّب النّفس بعدها ... إذا ما الأيادى أتبعت بالتّندّم وقال أيضا وله لحن فيه مضى اللّيل إلّا أنّ ليلى لا يمضى ... وأنّ جفونى لم تروّ من الغمض إذا صدّ عنك الدّهر يوما بوجهه ... تقاضاك من إحسانه سالف القرض وقال تحامانى الصّديق وغاب عنّى ... ثقات صنائعى وهم حضور وقلّوا فى البلاد وكان عهدى ... بهم زمن الرّخاء وهم كثير فلم يك فى يدى منهم وممّا ... ذخرتهم له إلّا الغرور أيا عجبا أما فى النّاس ممّن ... تقلّد نعمتى رجل شكور وقال ألم تعلمى يا آل فهر بن مالك ... رميت بنفسى دونكم فى المهالك بلى فاعلمى يا آل فهر بأنّنى ... أخوك الّذى أعطاك حقّ إخائك أخوك الّذى يقرى عدوّك صارما ... حساما ويقرى درّه فى شفائك أجود بمالى دون مالك تارة ... وطورا أقيم الغرّ تحت لوائك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وقال: وقد يصدق السّيف يوم الوغا ... أخاه وإن كان رثّ القراب كأنّ سنا بارق مستطير ... بين ذؤابته والذّباب كذاك الرّجال يكون الفتى ... صليبا وذو الشّيب صلب النّصاب وقال من قصيدة: بكلّ جلالة عيساء حرف ... علنداة وأعنس عجرفىّ إذا شدّت بها الأنساع أصغت ... كما أصغى النّجىّ إلى النّجىّ وراغية ثنتك عن التّصابى ... كما ثنت الضّعيف يد القوىّ هناك شكوت ما تلقى إليها ... كما يشكو الفقير إلى الغنىّ تساقط وهى فاترة المآقى ... تساقط مهجة الظّبى الرّمىّ وتجرى الخمر بعد النّوم منها ... على سمطين من درّ نقىّ شكت إشراف قيّمها عليها ... كما يشكو اليتيم من الوصىّ أرتك محاسنا منها اختلاسا ... تضىء إضاءة البرق الخفىّ كتخليل الألوّة ثمّ زالت ... زوال الفىء فى ظلّ العشىّ ويلذع مهجتى ذو العذل فيها ... كلذع السّوط خاصرة البطىّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 كأنّ اللّيل زيد اليه ليل ... مقيم فاستمرّ على الشّجىّ وقال من أبيات فلا حيّى الوجه الّذى جئتنا به ... إذا حيّت الوجه الكريم المجالس يشيم بنى كعب وما أنت منهم ... كما شامت الغبراء قيسا وداحس وقال هو الحرّ أخلاقا وبرّا وشيمة ... وعقلا وخير القوم من أوتى العقلا تراه طليقا وجهه متهلّلا ... كأنّ صقيلا من عوارضه يجلى وقال يا أيّها المتشاوس المتغاضب ... المعرض الجانى العبوس القاطب لا أنت لى سلم فتنصرنى ولا ... حرب إذا نصب العدوّ مناصب قلب الزّمان هواك عن منهاجه ... إنّ الزّمان لكلّ حال قالب وقال يا عائبى عند أعدائى ليرضيهم ... وبائعى بيسير ماله خطر أظهرت أنّك لا أنت العدوّ ولا ... أنت الولىّ الّذى يصفى ويدّخر فما تحوّل من سلمى ولا أجإ ... ركن ولا خسفت شمس ولا قمر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وقال أراه فى فعله عدوّا ... وكنت أعتدّه صديقا صيّر عذب الشّراب مرّا ... وزاد ضيق الحياة ضيقا وقال هيف الخصور قواصد النّبل ... قتّلننا بنواظر نجل كحل الجمال جفون أعينها ... فغنين عن كحل بلا كحل وقال يرثى ابنه احمد وهو اكبر ولده نأى آخر الأيّام عنك حبيب ... فللعين سحّ دائم وغروب يؤوب إلى أوطانه كلّ غائب ... وأحمد فى الغيّاب ليس يؤوب تبدّل دارا غير دارى وجيرة ... سواى وأحداث الزّمان تنوب أقام بها مستوطنا غير أنّه ... على طول أيّام المقام غريب وكان نصيب العين من كلّ لذّة ... فأمسى وما للعين فيه نصيب كأن لم يكن كالغصن فى ميعة الضّحى ... زهاه النّدى فاهتزّ وهو رطيب كأن لم يكن كالصّقر أوفى بشامخ ال ... ذّرى وهو يقظان الفؤاد طلوب كأن لم يكن كالرّمح يعدل صدره ... غداة الطّعان لهذم وكعوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 يفضّ الحديد المحكم النّسج حدّه ... ويبدو وراء الفرن وهو خضيب وريحان قلبى كان حين أشمّه ... ومؤنس قصرى كان حين أغيب كأنّى منه كنت فى نوم حالم ... نفى لذّة الأحلام عنه هبوب جمعت أطبّاء العراق فلم يصب ... دواءك منهم فى البلاد طبيب ولم يملك الآسون نفعا لمهجة ... عليها لأشراك المنون رقيب وإنّى وإن قدّمت قبلى لعالم ... بأنّى وإن أخّرت منك قريب وإنّ صباحا نلتقى فى مسائه ... صباح إلى قلبى الغداة حبيب حدّثنا يموت بن المزرع قال قال المأمون: ما هجى ابراهيم بن المهدى فيما ادعاه على كثرة هجائه بأشد من قول الجاحظ فيه «هو خليفة، إذا خطب رأى آخر عمله» «1» حدّثنى أحمد بن يزيد المهلبى قال حدثنا حماد بن اسحاق قال قال جعفر بن يحيى لابراهيم بن المهدى- وكان يسميه خليلى وكانا متصافيين جدا- يا خليلى ان هذا الرجل يعنى الرشيد قد تغير لنا، وبان ذلك لى، وأنا أحب أن أستظهر برأيك، فتفقد ذلك اليوم. وكانا قد اجتمعا عند الرشيد للشرب. قال وكان ابراهيم أجود الناس رأيا لغيره وأضعفهم رأيا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 لنفسه، وستل عن ذلك فقال: أنظر لغيرى بجوارح سليمة من الهوى، وأميل فى رأى نفسى إلى ما أشتهى. قال فتفقد ابراهيم ذلك، فانصرف قبل جعفر، فوقف له خلف حائط فى طريق جعفر ومعه غلام واحد، وصرف سائر غلمانه وأمر باطفاء شموعه، فانصرف جعفر، فلما صار بذلك الموضع عدا وحده وصاح يا خليلى، فأجابه ابراهيم وقال: من أين علمت أنى هاهنا. وانّما قدرت أن أؤذنك بموقفى؟ فقال له جعفر علمت أنك لا تنصرف إلى منزل حتى تعرفنى ما أردت وليس فى طريقك مكان يخفى فيه أثرك غير هذا الموضع فعلمت أنك فيه، كيف رأيت الرجل؟ قال رأيته يجد إذا هزلت، ويهزل إذا جددت، وهذه نهاية التغيير فقال صدقت والله يا خليلى، ونحن نستكفى الله بوادره حدّثنا عون بن محمد الكندى قال حضرت مع أبى وعمى دار بعض ولد العباس بن محمد لنعزيه على ميت لهم، فجاء ابراهيم بن المهدى فتشوفه الناس وقاموا له- وذلك قبل العشرين ومائتين- قال ولم أكن رأيته قط، فاذا أنا برجل سمين آدم غليظ الشفة، حسن العين، حسن الانف، فتكلم فى التعزية فأحسن وحفظ الناس كلامه ولم أسمع أنا ما قال جين جاء، ثم نهض فقال «تابع الله النعم لديكم، وأحسن العوض لكم، وأخلف عليكم، ولقى الله فلانا أزكى عمله، وقبل حسنته، وغفر قبيحه» حدّثنا الحسن بن اسحق قال سمعت حماد بن اسحاق يقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 كانت يد ابراهيم بن المهدى فى يد أبى العتاهية بمكة وهو ينشد عجبا عجبت لغفلة الانسان ... قطع الحياة بغرّة وتوانى فكّرت فى الدّنيا فكانت منزلا ... عندى كبعض منازل الرّكبان مجرى جميع الخلق فيها واحد ... وكثيرها وقليلها سيّان أبغى الكثير إلى الكثير مضاعفا ... ولو اقتصرت على القليل كفانى لله درّ الوارثين كأنّنى ... بأخصّهم متبرّما بمكانى قلقا لتجهيزى إلى دار البلا ... متحرّيا لكرامتى بهوانى متبرّما منّى، إذا نشر الثّرى ... فوقى طوى كشحا على هجرانى فقال له قائل لو قرأتما كان أنفع لكما، فقال له ابراهيم هذه اخلاق حث على مثلها القرآن حدّثنا الحسين بن فهم قال حدثنى محمد بن أحمد بن هارون قال لما لبس ابو العتاهية الصوف كتب اليه ابراهيم بن المهدى: إنّ المنيّة أمهلتك عتاهى ... والموت لا يسهو وقلبك ساهى يا ويح ذا البشر الضّعيف أما له ... عن غيّه قبل الممات تناهى وكّلت بالدّنيا تبكّيها وتن ... دبها وأنت عن القيامة لاهى العيش حلو والمنون مريرة ... والدّار دار تفاخر وتباه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 فاجعل لنفسك دونها شغلا ولا ... تتجاهلنّ لها فانّك داهى لا يعجبنّك أن يقال مفوّه ... حسن البلاغة أو عريض الجاه أصلح فسادا من سريرتك الّتى ... تلهو بها وارهب مقام الله ما الزّهد من رجل ألدّ مكذّب ... بالبعث غير ضلالة وسفاه وأرى المفالة غير صالحة وإن ... أظهرت غير مقالة الأوّاه إنّى رأيتك مظهرا لزهادة ... نحتاج منك لها إلى أشباه إن كان لبس الصّوف حجّتك الّتى ... تدعو النّجاة فانّنى لك ناهى ما فى يديك من اللّباس إذا غوت ... منك السّريرة غير حبل واهى لا شىء يقبل منك إلّا ما به ... حكمت عليك نواطق الأفواه والأمر بعد عليك ويحك واسع ... ما لم تسوّ إلهنا باله فقال أبو العتاهية: أنا عيى بجواب مثله، وماله عندى إلا ما يحب. حدّثنا احمد بن محمد بن اسحق قال حدثنا على بن محمد النوفلى قال اعتل ابراهيم بن المهدى فى سنة اربع وعشرين ومائتين وأوصى وصية شهد بها لجماعة من بنى العباس رحمة الله عليه ثم أوصى لولد أبى بكر وعمر وعثمان وطلحة وسائر ولد العشيرة رحمة الله عليهم ولأولاد الأنصار ولم يوص لولد على عليه السلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 بشىء، فقال الواثق: قبح الله فعله، ترك أهله وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله «أدانيك أدانيك» والله لا أمضاها أمير المؤمنين على هذه الصفة، فلما توفى أمر المعتصم بالله أن يجعل لولد على عليه السلام من الوصية كما لولد العباس عليه السلام، وأمضاها على ذلك. قال واشتدت علة إبراهيم بن المهدى فى شهر رمضان من سنة أربع وعشرين ومائتين، وجعل يشرب الماء فلا يروى، ووجه إلى المعتصم يطلب ثلجا، وكان قد عز وجوده فى ذلك الوقت، فأمر أن تصرف وظائف الثلج كلها اليه، فلما مات ركب المعتصم وصلى عليه، وكبر خمسا، وانصرف قبل أن يدلى فى قبره، وتقدم إلى هارون الواثق أن يتولى ذلك، ويقف إلى أن يجن، ففعل كارها وانصرف. وكان الواثق ينعى عليه ما فعله فى أمر وصيته فى هذا الوقت وبعد ذلك لما أن ولى الخلافة، وهجاه قوم لسبب وصيته [بأهاج] ترك ذكرها لموضعه من النسب والخلافة. «تمت أشعار ابراهيم بن المهدى- يتلوه ابنه هبة الله بن ابراهيم» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 «بسم الله الرّحمن الرّحيم» أبو القاسم هبة الله بن ابراهيم بن المهدى ّ وهذا وإن لم يكن ابن خليفة يعد فى الخلفاء، فانا جئنا به بعقب ذكر أبيه. كما شرطنا فى الرسالة التى فى صدر هذا الكتاب، أنا إذا ذكرنا شاعرا فكان فى أهله شعراء ذكرنا هم جميعا بعقب ذكره ليكون أمرهم أقرب على ملتمسه، فأجرينا هذا على ذلك. حدّثنى أحمد بن يزيد بن محمد أبو جعفر المهلبى، قال كان لهبة الله بن ابراهيم غلام يقال له بدر، قد رمى بأمره كله عليه، فتركه ومضى إلى غلام ليؤنس بن بغا، فأقام عنده، فقال هبة الله فيه شعرا، وأنشدنيه لنفسه: لا يفى دهرك هذا لأحد ... وجميع النّاس فيه قد فسد كلّ من تبصر من جارية ... وغلام فهو مسترخى القود ما من النّاس جميعا أحد ... مستحقّا فى الهوى أن يعتقد فدع المرد ودع ذكرهم ... وارم بالعشق إلى أقصى بلد وتغنّ اليوم إن باكرتها ... قهوة صفراء ترمى بالزّبد استجر بالرّاح من حدّ الأحد ... لا تؤخّر لذّة اليوم لغد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 «ومن شعره» ألا يا طالبا يفدي ... هـ منّى الجسم والرّوح فؤاد الهائم المسكي ... ن بالهجران مجروح وقلب الصّبّ بالصّدّ ... الّذى أظهرت مقروح فألا كان ذا الصّدّ ... وباب الصّبر مفتوح وأنشدنى أحمد بن يزيد لهبة الله بن إبراهيم: يا جليلا فى العيون ... ومليحا فى المجون والّذى يمطلنى ال ... وعد ولا يقضى ديونى أنت باعدت بهجر ... بين نومى وجفونى سوف يدعونى إن لم ... ترث لى داعى المنون وقال أيضا إن كنت أذنبت بحبّى لكم ... فلست من ذا الذّنب التّائب رضيت أقصى العيب فى حبّكم ... فما عسى يبلغ بى عائبى غلبت فى فخر وفى سؤدد ... لكن هواكم أبدا غالبى يعلم ربّى أنّنى مدنف ... وشاهدى فى النّاس كالغائب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 حدّثنى الحسن بن يحيى قال كان هبة الله بن ابراهيم يجالس الخلفاء وآخر من جالس المعتمد على الله، وكان أحسن الناس علما بالغناء وكانت صنعته له ضعيفة، قال فوقعت لأبى شبل البرجمى الشاعر اليه حاجة فهجاه فقال: صلف تندقّ منه الرّقبه ... ومخاز لم تطقها الكتبه كلّما بادره بدر بما ... يشتهيه منه نادى يا أبه ليته كان النّوى الفرح به ... لم يزد فى هاشم هذا الهبه وقال هبة الله عذّبنى الحبّ وأبلانى ... ما أعنف الحبّ بالانسان ما أطيب الوصل على عاشق ... إن لم ينغّصه بهجران من أول شعر عمله هبة الله، وشهر به قوله: أصابك الظّبى إذ رماكا ... وعن ظباء النّقا حواكا فلو تمنّيت لم تجزه ... ولو تمنّى لما عداكا يا ظالما نفسه بظلمى ... لا تبك ممّا جنت يداكا أنت الّذى إن كفرت ودّى ... صرفت قلبى إلى سواكا فعمل أبوه ابراهيم بن المهدى فى هذا الشعر لحنا فى الثقيل الاول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 عنده، وفى الثقيل الثانى عند اسحق وعند الناس، وعمل فيه علوية لحنا فى الرمل، حدثنى بذلك الحسين بن يحيى الكاتب، وقال هبة الله أيضا أنكرت من هجرك ما أعرف ... وجرت فى الحبّ فما تنصف لو كنت مثلى عارفا فى الهوى ... عاملتنى فيه بما تعرف لكن تجاوزت طريق الهوى ... وضلّ فيه الهائم المدنف وجدت بخط إبراهيم بن شاهين، أنشدنى العباس بن محمد لهبة الله ابن ابراهيم يرثى اباه: الحمد لله على ما أرى ... أفقدنى الموت لذيذ الكرى أصبح أعلى النّاس فى قدره ... منخفضا يعلو عليه الثّرى قد وتر الموت الورى كلّهم ... بموت إبراهيم خير الورى وقال وأحسبه فى غلامه يا من أردت لنفسى ... فصار غدرا لغيرى ومن ذخرت لنفسى ... فعاد ذخرا لضيرى شقيت منك بشرّ ... وما سعدت بخير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 جرى لى الفأل يوم ال ... نّوى بأشأم طير ومن شعره ومهفهف فضحت رشا ... قة قدّه الغصن الرّطيبا وإذا بدا إشراقه ... للشّمس أسرعت المغيبا يا قاسيا أدعو بعط ... فه فيأبى أن يجيبا لو كان فعلك مثل وج ... هك لم أكن صبّا كئيبا ومات هبة الله بن ابراهيم بن المهدى فى شهر ربيع الاول من سنة خمس وسبعين ومائتين، عن توبة حسنة ووصية جميلة، بعد أن فرق فى حياته مالا عظيما. وحدّثنى محمد بن يحيى بن ثابت قال: لما اشتدت علة هبة الله بن ابراهيم جعل يقول: إلى المهيمن ربّى ... أتوب من كلّ ذنب رجوته عند موتى ... لدفع همّى وكربى يا ربّ فاغفر ذنوبى ... فأنت غوثى وحسبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 اشعار عليّة بنت المهدىّ وأخبارها وإنما ذكرت علية هاهنا لأنى لا أعرف لخلفاء بنى العباس بنتا مثلها، فلما كانت منفردة ذكرت أمرها مع أولاد الخلفاء، على أن لها شعرا حسنا، وصنعة فى الغناء حسنة كثيرة. وكانت علية من أكمل النساء عقلا، وأحسنهن دينا وصيانة ونزاهة، وكانت أكثر أيام طهرها مشغولة بالصلاة، ودرس القرآن، ولزوم المحراب، فاذا لم تصل اشتغلت بلهوها. وكان الرشيد يعظمها، ويجلسها معه على سريره، وكانت تأبى ذلك وتوفيه حقه، وكان ابراهيم بن المهدى يأخذ الغناء عنها. حدّثنى عون بن محمد الكندى قال سمعت عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع يقول: ما اجتمع فى الاسلام قط أخ وأخت أحسن غناء من ابراهيم بن المهدى وأخته علية، وكانت تقدم عليه. حدّثنى احمد بن محمد بن اسحاق، قال حدثنى عبيد الله بن محمد بن عبد الملك قال حدثنى مسرور الخادم قال خرج الجلساء والمغنون من عند الرشيد، فقال لى قد تشوقت أختى علية فامض فجئنى بها، وقل لها بحياتى عليك إلا طيبت عيشى بحضورك، فجاءت فأومأ اليها أن تجلس على السرير معه، فأبت وحلفت ثم ثنت طرف نخّ «1» كان بين يديه، وجلست على ظهره، فقال لها لم فعلت هذا يا حياتى؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وكان كثيرا ما يدعوها بذلك، فقالت يا أمير المؤمنين: إنها مجالس آنفا، فلم أحب أن أقعد مقعدهم. حدّثنا الحسين بن فهم قال حدثنا حماد بن إسحاق قال سمعت إبراهيم بن اسماعيل الكاتب يقول قالت علية بنت المهدى «ما حرم الله شيئا إلا وقد جعل فيما حلل عوضا منه، فبأى شىء يحتج عاصيه، والمنتهك لحرماته» حدّثنا محمد بن موسى مولى بنى هاشم بالبصرة سنة ثمان وسبعين ومائتين، قال سمعت أبا أحمد بن الرشيد يقول كانت عمتى علية تقول «اللهم لا تغفر لى حراما أتيته، ولا عزما على حرام إن كنت عزمته، وما استغرقنى لهو قط إلا ذكرت سببى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصرت عنه، وإن الله ليعلم أنى ما كذبت قط، ولا وعدت وعدا فأخلفته» أخبار عليّة بنت المهدىّ مع أخيها الرّشيد حدّثنا عون بن محمد، قال حدثنا سعيد بن هريم، قال: كانت علية تحب أن تراسل بالأشعار من تختصه، فاختصت خادما يقال له طلّ من خدم الرشيد تراسله بالشعر، فلم تره أياما، فمشت على ميزاب حتى رأته وحدثته، فقالت فى ذلك: قد كان ما كلّفته زمنا ... يا طلّ من وجد بهم يكفى حتّى أتيتك زائرا عجلا ... أمشى على حتفى إلى حتفى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 فحلف عليها الرشيد ألا تكلم طلا الخادم، ولا تسمى باسمه، فضمنت له ذلك، فاستمع عليها يوما وهى تدرس آخر سورة البقرة، حتى بلغت إلى قوله جل وعز (أَصابَها وابِلٌ، فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ) وأرادت أن تقول فطلّ، فلم تلفظ بهذا فقالت فالذى نهانا عنه أمير المؤمنين (وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فدخل فقبل رأسها وقال قد وهبت لك طلا، ولا منعتك بعد هذا من شىء تريدينه. حدّثنا عون قال حدثنا سعيد بن هريم، قال قالت علية للرشيد بعد إيقاعه بالبرامكة: ما رأيت لك يوم سرور تاما منذ قتلت جعفرا فلأى شىء قتلته؟ فقال: يا حياتى لو علمت أن قميصى يعلم السبب الذى قتلت له جعفرا لأحرقته! حدّثنا أحمد بن يزيد المهلبى: قال حدثنا حماد بن إسحاق قال كانت علية ابنت المهدى أعف الناس، إذا طهرت لزمت المحراب، وإذا لم تصل غنت، وكانت قليلة الشغف بالشراب وكانت تكاتب بالاشعار خادمين يقال لأحدهما رشأ، وتكنى عنه بزينب. وطل، وتكنى عنه بظل. فمن شعرها فى طل، وكنايتها بطل على أنها جارية يا ربّ إنّى قد حرضت بهجرها ... فاليك أشكو ذاك يا ربّاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 مولاة سوء تستهين بعبدها ... نعم الغلام وبئست المولاه ظلّ ولكنّى حرمت نعيمه ... وهواه إن لم يغثنى الله حدّثنا أحمد بن يزيد المهلبى، قال حدثنا حماد بن إسحاق قال زار الرشيد علية فقال لها: بالله يا أختى غننى، فقالت والله لأعملن فيك شعرا، وأعمل فيه لحنا، فقالت من وقتها: تفديك أختك قد حييت بنعمة ... لسنا نعدّ لها الزّمان عديلا إلّا الخلود وذاك قربك سيّدى ... لازال قربك والبقاء طويلا وحمدت ربّى فى إجابة دعوتى ... ورأيت حمدى عند ذاك قليلا وعملت فيه لحنا من وقتها، فى طريقة الثقيل الثانى ومن شعرها فى الرشيد وقد جفاها مالك رقّى أنت مسرور ... وبالّذى تهواه محبور أو حشتنى يا نور عينى فمن ... يؤنسنى غيرك يا نور أنت على الأعداء يا سيّدى ... مظفّر الآراء منصور وقالت للرشيد وقد طلب اختيها ولم يطلبها ما لى نسيت وقد نودى بأصحابى ... وكنت والذّكر عندى رائح غادى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 أنا الّذى لا أطيق الدّهر فرقتكم ... فرقّ لى بأبى من طول إبعادى وغنت لحنا فى طريقة الثقيل الثانى حدّثنى عون بن محمد، قال حدثنى زرزر الكبير غلام جعفر ابن موسى الهادى أن علية حجت فى أيام الرشيد، فلما انصرفت أقامت بطيزناباذ أياما فانتهى ذلك إلى الرشيد فغضب فقالت: أىّ ذنب أذنبته أىّ ذنب ... أىّ ذنب لولا مخافة ربّى بمقامى بطيزناباذ يوما ... بعده ليلة على غير شرب ثمّ باكرتها عقارا شمولا ... تفتن النّاسك الحليم وتصبى قهوة قرقفا تراها جهولا ... ذات حلم فرّاجة كلّ كرب وعملت فى البيتين الاولين لحنا فى خفيف الثقيل الاول، وفى البيتين الآخرين لحن رمل، فلما جاءت وسمع الشعر واللحنين رضى عنها. حدّثنى عبد الله بن المعتز، قال حدثنى هبة الله بن ابراهيم بن المهدى، قال اشتاق الرشيد إلى عمتى علية وهو بالرقة، فكتب الى خالها يزيد بن منصور فى إخراجها اليه، فأخرجها فقالت فى طريقها: اشرب وغنّ على صوت النّواعير ... ما كنت أعرفها لولا ابن منصور لولا الرّجاء لمن أمّلت رؤيته ... ما جزت بغداد فى خوف وتغرير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وعملت فيه لحنا أحسبه فى طريقة الثقيل الاول ومن شعرها فى الرشيد هارون يا سؤلى وقيت الرّدى ... قلبى بعتب منك مشغول ما زلت مذ خلّفتنى فى عمى ... كأنّنى افى النّاس مخبول حدّثنا احمد بن محمد بن اسحاق، قال حدثنى أبو عبد الله الحسين ابن احمد بن هشام قال لما خرج الرشيد إلى الرى أخذ أخته علية معه فلما صارت بالمرج عملت شعرا، وصاغت فيه فى طريقة الرمل، وغنته به. والشعر: ومغترب بالمرج يبكى لشجوه ... وقد غاب عنه المسعدون على الحبّ إذا ما أتاه الرّكب من نحو أرضه ... تنشّق يستشفى برائحة الرّكب فلما سمع الصوت علم أنها قد اشتاقت إلى العراق وأهلها به، فأمر بردها. حدّثنى أحمد بن يزيد بن محمد، قال أبى قال: كنا عند المنتصر فغناه بنان فى طريقة الرمل الثانى: يا ربّة المنزل بالفرك ... وربّة السّلطان والملك ترفّقى بالله فى قتلنا ... لسنا من الدّيلم والتّرك فضحك فقال لى لم ضحكت؟ فقلت. من شرف قائل هذا الشعر، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 وشرف من عمل اللحن فيه، وشرف مستمعه. قال وما ذاك؟ قلت الشعر للرشيد، والغناء لعلية بنت المهدى، وأمير المؤمنين مستمعه. فأعجبه ذلك، وما زال يستعيده. حدّثنا احمد بن محمد الأسدى، قال حدثنى أبو عبد الله موسى بن صالح بن شيخ عن أبيه، قال حجب طل عن علية فقالت: أيا سروة البستان طال تشوّقى ... فهل لى إلى ظلّ لديك سبيل متى يلتقى من ليس يقضى خروجه ... وليس لما يقضى اليه دخول وإنما صحفت الاسم فى قولها ظل لديك فظل طل أخبار عليّة مع رشأ الخادم حدّثنا أحمد بن يزيد المهلبى قال حدثنى أبى، وحكاه ميمون بن هارون عن محمد بن على بن عثمان أن علية كانت تقول الشعر فى خادم كان لها يقال له رشأ، وتكنى عنه بزينب فمن شعرها فيه: وجد الفؤاد بزينبا ... وجدا شديدا متعبا أصبحت من وجد بها ... أدعى شقيّا منصبا ولقد كنيت عن اسمها ... عمدا لكى لا تغضبا وجعلت زينب سترة ... وأتيت أمرا معجبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 قالت وقد عزّ الوصا ... ل ولم أجدلى مذهبا والله لا نلت المو ... دّة أو تنال الكوكبا حدّثنى الحسين بن يحيى قال حدثنى عبد الله بن العباس بن الفضل، قال لما علم من علية أنها تكنى عن رشأ بزينب، قالت الآن أكنى كناية لا يعرفها الناس فقالت: القلب مشتاق إلى ريب ... يا ربّ ما هذا من العيب قد تيّمت قلبى فلم أستطع ... إلّا البكا يا عالم الغيب خبأت فى شعرى ذكر الّذى ... أردته كالحبّ فى الجيب وغنت فيه لحنا فى طريقة خفيف الثقيل الأول، وعمت الاسم فى قولها الى ريب، الراء والياء والباء من ريب «1» والياء والالف من يا رب رشأ. وكانت لأم جعفر جارية يقال لها طغيان فوشت بعلية إلى رشأ وحكت عنها ما لم تقل، فقالت علية تهجوها: لطغيان خفّ مذ ثلاثون حجّة ... جديد فما يبلى ولا يتخرّق وكيف بلى خفّ هو الدّهر كلّه ... على قدميها فى السّماء معلّق فما خرقت خفّا ولم تبل جوربا ... وأمّا سراويلاتها فتمزّق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 ومن شعرها الذى كنت فيه عن اسم رشأ، وكان حلف ألا يذوق نبيذا سنة: قد ثبت الخاتم فى بنصرى ... إذ جاءنى منك تجنّيك حرّمت شرب الرّاح إذ عفتها ... فلست فى شىء أعاصيك فلو تطوّعت لعوّضتنى ... منك رضاب الرّيق من فيك فيالها ما عشت من نعمة ... لست لها ما عشت أجزيك يا زينبا أرّقت من مقلتى ... أمتعنى الله بحبّيك ومن أخبار لعلية متفرقة وجدت فى كتاب أبى الفضل ميمون بن هارون حدّثنى احمد ابن سيف أبو الجهم، قال كان لعلية وكيل يقال له سباع، فوقفت على خيانته فصرفته وحبسته، فاجتمع جيرانه اليها، فعرفوها جميل مذهبه وكثرة صدقته، وكتبوا بذلك رقعة فوقعت فيها: ألا أيّهذا الرّاكب العيس بلغا ... سباعا وقل إن ضمّ داركم السّفر أتسلبنى مالى ولو جاء سائل ... رققت له إن حطّه نحوك الفقر كشافية المرضى بفائدة الزّنا ... تؤمّل أجرا حيث ليس لها أجر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 أشعار علية التى غنت فيها فى طريقة الثقيل الاول أوقعت فى قلبى الهوى ... ونجوت منه سالمه وبدأتنى بالوصل ثم ... مّ قطعت وصلى ظالمه توبى فانّك عالمه ... أولا فانّى آثمه وقالت لا حزن إلّا دون حزن نالنى ... يوم الفراق وقد غدوت مودّعا فاذا الأحبّة قد تولّت عيرهم ... وبقيت فردا والها متوجّعا وقالت كم تجنّى ذنبا علىّ بلا ذن ... ب وما إن أمرتنى فعصيت إن تكن قد صددت عنّى لمّا ... أن تملّكتنى فصدّك موت وقالت أرى جسدى يبلى وسقمى باطن ... وفى كبدى داء وقلبى سالم فما السّقم إلّا دون سقم أصابنى ... ولا الجهد الّا والّذى بى أعظم لها فيه لحن ثقيل أول، ولغيرها لحن ثقيل ثانى وقالت ما أقصر اسم الحبّ يا ويح ذا الحبّ ... وأطول بلواه على العاشق الصّبّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 يمرّ به لفظ اللّسان مسهّلا ... ويرمى بمن قاساه فى هائر صعب وقالت فرّجوا كربى قليلا ... فلقد صرت نحيلا افعلوا فى أمر مش ... عوف بكم فعلا جميلا وقالت كتمت اسم الحبيب من العباد ... وردّدت الصّبابة فى فؤادى فوا شوقى إلى بلد خلّى ... لعلىّ باسم من أهوى أنادى وقالت ما صنع الهجران لا كانا ... هاج علىّ الهجر أحزانا وثمّ طرفى بدخيل الهوى ... فصار ما أسررت إعلانا وقالت ليس خطب الهوى بخطب يسير ... لا ينبّئك عنه مثل خبير ليس خطب الهوى يدبّر بال ... رّأى ولا بالقياس والتّقدير وقالت باح بالوجد قلبك المستهام ... وجرت فى عظامك الأسقام يوم لا يملك البكاء أخو ال ... شّوق فيشفى ولا يردّ السّلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وقالت تكاتبنا برمز فى الحضور ... وإيحاء يلوح بلا سطور سوى مقل تخبّر ما عناها ... بكفّ الوهم فى ورق الصّدور وممّا غنّت فيه من شعرها فى طريقة خفيف الثقيل الاول إذا كنت لا يسليك عمّن تحبّه ... تناء ولا يشفيك طول تلاقى فما أنت إلّا مستعير حشاشة ... لمهجة نفس آذنت بفراق وقالت أسعى فما أجزى وأظما فما ... أروى من البارد والعذب يحملنى الحبّ على مركب ... من هجركم يا أملى صعب وقالت بنى الحب على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمح ليس يستحسن فى وصف الهوى ... عاشق يعرف تأليف الحجج وقليل الحبّ صرف خالص ... لك خير من كثير قد مزج وقالت شريت نوما بسهر ... وغصت فى بحر الفكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 ما للتّصابى والغير ... من عرف الحبّ عذر وقالت أمسى فلا أرجو صباحا وإن ... أصبحت حيّا قلت لا أمسى لا يستوى والله هذا كما ... لا يستوى فى قدّها خمسى وقالت أمسيت فى عنقى من حبّ جارية ... غلّ فلا فكّ عنّى آخر الأبد قد ضيّع الحزم من يرمى بمهجته ... إلى الفراق بلا صبر ولا جلد وقالت وددت وبيت الله فى الحبّ أنّنى ... قدرت على ما تقدرين من الصّبر فان تك أنفاسى عليك كثيرة ... فلم يك من عينى عليك دم يجرى وقالت يا موقد النّار بالصّحراء من عمق ... قم فاصطل النّار من قلب بكم قلق النّار توقدها حينا وتطفئها ... ونار قلبى لا يطفى من الحرق وقالت من علّل الّليل بأقداحه ... قوى على اللّيل وتطويله ما كاد يفنى الّليل من طوله ... لا يعرض الّليل لمشموله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وممّا غنّت فيه من شعرها فى طريقة الثقيل الثانى طالت علىّ ليالى الصّوم واتّصلت ... حتّى لقد خلتها زادت على العدد شوقا إلى مجلس يزهو بساكنه ... أعيذه بجلال الواحد الصّمد وقالت- وزعم ميمون بن هارون أن كنيزة جارية عبد الله بن الهادى أنشدته الشعر لعلية، وأعلمته أن اللحن لها، وكذلك أخبرته بدعة: ما زلت مذ دخلت القصر فى كرب ... أهذى بذكرك صبّا لست أنساك لا تحسبينى وإن حجّاب قصركم ... سدّوا الحجاب وحالوا دون رؤياك أنّى تغيّرت عمّا كنت ياسكنى ... أيّام كنت إذا ماشئت ألقاك لكنّ حبّك أبلانى وعذّبنى ... وأنت فى راحة طوباك طوباك وقالت أيا ربّ حتّى متى أصرع ... وحتّام أبكى وأسترجع لقد قطع اليأس حبل الرّجا ... ءفما فى وصالك لى مطمع بليت بقلب ضعيف القوى ... وعين تضرّ ولا تنفع إذا ما ذكرت الهوى والمنى ... تحدّر من جفنها أربع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وقالت شغلت اشتغالى ونفسى بكم ... وأمسيت صبّا إلى قربكم فان بالهوى مرّة عدتم ... فانّى إذن عدت عبدا لكم وقالت ألبس الماء المداما ... واسقنى حتّى أناما وأفض جودك فى النّا ... س تكن فيهم إماما لعن الله أخا ال ... بخل وان صلى وصاما وقالت الله يحفظه ويجمع بيننا ... ربّ قريب للدّعاء مجيب يا طيب عيش كنت فيه وسيّدى ... نسقى بكأس والجناب خصيب وقالت وحكى ميمون أن كنيزة الكبيرة جارية أم جعفر أعلمته أن هذا الشعر واللحن فيه لعلية: أليست سليمى تحت سقف يكنّها ... وايّاى هذا فى الهوى لى نافع ويلبسها الّليل البهيم إذا دجى ... وتبصر ضوء الفجر والفجر ساطع تدوس بساطا قد أراه وأنثنى ... أطأه برجلى كلّ ذالى شافع «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وقالت سلطان ماذا الغضب ... يعتب إن لم تعتبوا ما لى ذنب فاذا ... شئت فانّى مذنب وقالت نفسى فدا ظالم يظلمنى ... فى كفّه مهجتى يقلّبها ثمّ تولّى غضبان يحلف لى ... كفرت بالله إن ذهبت بها وقالت بأبى من هو دائى ... ومن السّقم شفائى وهو همّى ومنى نف ... سى وسؤلى ورجائى حدّثنى أحمد بن محمد بن اسحق الطالقانى قال حدثنى أبو عبد الله أحمد بن الحسين الهاشمى قال غنت علية فى شعر لها فى طريقة الثقيل الثانى: قل لذى الطّرّة وال ... أصداغ والوجه المليح ولمن أشعل نار ال ... حبّ فى قلب قريح ما صحيح عملت ... عيناك فيه بصحيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 وممّا غنّت فيه من شعرها فى طريق الرمل ، وقالت وصحفت فى هذا الشعر طل سلّم على ذكر الغزا ... ل الأغيد المسبى الدّلال سلّم عليه وقل له ... يا غلّ ألباب الرّجال خلّيت جسمى صاحيا ... وسكنت فى ظلّ الحجال وبلغت منّى غاية ... لم أدر فيها، ما احتيالى وقالت يا ذا الّذى أكتم حبّيه ... ولست من خوف أسمّيه لم يدر ما بى من هواه ولم ... يعلم بما قاسيته فيه وقالت شعف الفؤاد بجارة الجنب ... فظللت ذا حزن وذا كرب يا جارتى أمسيت مالكة ... رقّى وغالبتى على لبّى وأنا الذّليل لمن بليت به ... حسبى به عاذلتى حسبى أمّا النّهار ففيه شغل نحمّل؟؟؟ ... واللّيل يجلب لى هوى الحبّ وقالت لقد كنت أنهى النّفس جهدى لعلّها ... إذا ما استطبت الهجر عنك تطيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وغالبتها حتّى عصتنى إلى الّذى ... تريد ولى نفس بذاك غلوب ولغيرى فيه لحن فى طريقة أخرى وقالت أشكو انفرادى بالهموم ووحشتى ... لفراقكم وصبابتى وحنينى وتلفّتى كيما أراك وما أرى ... الّا خيالا مذكرا يؤذينى وقالت خلوت بالرّاح أناجيها ... آخذ منها وأعاطيها نادمتها إذ لم أجد صاحبا ... أخاف أن يشركنى فيها وقالت زوّدنى يوم سار أحزانا ... كان له الله حيثما كانا إن لم يكن حبّه قد اقلقنى ... فلا صفا العيش لى ولا لانا وقالت [وقد] أنشدته لها كنيزة فقالت لها فيه لحن رمل كأنّى إذا ألزمتنى الذّنب ليس لى ... لسان بلى لو كان غيرك ألسن تغيب فأخلو بالهموم ونلتقى ... خلاسا فترمينى لذلك أعين وقالت للرشيد قل للامام ابن الاما ... م مقال ذا النّصح المصيب لولا قدومك ما انجلى ... عنّا الجليل من الخطوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وممّا غنّت فيه من شعرها فى طريقة الرمل الثانى وددت وبيت الله فى الحبّ أنّنى ... قدرت على ما تقدرين من الصّبر فلم تك أنفاسى عليك كثيرة ... ولم يك من عينى عليك دم يجرى «1» وقالت وقد حج رشأ، أنشدنيه الحسين بن يحيى لها، وقد رويت لأبى العتاهية. بين الازارين من المحرم ... تدليه عقل الرّجل المسلم فى قدّ غصن البان لكنّه ... من طيّبات الشّجر المطعم مرّ إلى الرّكن فزاحمته ... فالتمس الرّكن ولم يلثم وفات بالسّبق إلى زمزم ... وكانت الّلّذات فى زمزم شربت فضل الماء من بعده ... فلست أنسى طعمه فى الفم وقالت ألا من لى بانسان ... كوى قلبى بهجران وقاض حاكم فى ... بظلم وبعدوان لقد سلّط ذا الحبّ ... علينا شرّ سلطان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 فيا عوناه من يطل ... ب لى مرضاة غضبان وقالت حقّ الّذى يعشق نفسين ... أن يصلب أو ينشر بمنشار وعاشق الواحد مثل الّذى ... أخلص دين الواحد البارى صبرت حتّى ظفر السّقم بى ... كم تصبر الحلفاء للنّار لولا رجائى العطف من سيّدى ... بقيت بين الباب والدّار وقالت لأشربنّ بكأس بعد ما كاس ... راحا تدور بأخماس وأسداس وأرضع الدّرّ منها باكرا أبدا ... حتّى أعيّب فى لحد وأرماس وقالت صرمت أسماء حبلى فانصرم ... ظلمتنا كلّ من شاء ظلم واستحلّت قتلنا عامدة ... وتجنّت عللا لم تجترم وقالت يا خلّتى وصفيّتى وعذابى ... مالى كتبت فلم تردّ جوابى خنت المواثق أم لقيت حواسدا ... يهوين هجرى أم مللت عتابى وقالت أصابنى بعدك ضرّ الهوى ... واعتادنى للبعد إقلاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 قد يعلم المولى وحسبى به ... أنّى إلى وجهك مشتاق وقالت أذلّ لمن أهوى لأدرك عزّة ... وكم عزّة قد نالها المرء بالذّلّ فلو كنت أسلوه لسوء فعاله ... لقد كان فى إقصائه لى ما يسلى وقالت بتّ قبل الصّباح إن بتّ إلّا ... فى ازار على فراش حرير أو يحل دون ذاك غلق قصور ... كم قتيل من الهوى فى القصور وقالت الشّوق بين جوانحى يتردّد ... ودموع عينى تستهلّ وتفد إنّى لأطمع ثمّ أنهض بالمنى ... واليأس يجذبنى إليه فأقعد وقالت طال تكذيبى وتصديقى ... لم أجد عهدا لمخلوق إنّ ناسا فى الهوى حدّثوا ... أحدثوا نقض المواثيق وقالت ليت شعرى متى يكون التّلاقى ... قد برانى وسلّ جسمى اشتياقى غاب عنّى من لا أسميّه خوفا ... ففؤادى معلّق بالتّراقى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 وقالت واكبدى من زفرات الضّنى ... حقّ لها ممّا تذوب الفنا لم يضع اللّوم على عاشق ... شفرته إلّا انتحانى أنا وقالت تعالوا ثمّ نصطبح ... ونلهو ثمّ نقترح ونجمح فى لذاذتنا ... فانّ القوم قد جمحوا وقالت جاءنى عاذلى بوجه [مشيح] ... لام فى حبّ ذات وجه مليح قلت والله لا أطعتك فيها ... هى روحى فكيف أترك روحى ظبية تسكن القباب وترعى ... مرتعا غير ذى أراك وشيح وقالت بليت منك بطول الهجر والغضب ... واليوم أوّل يوم كان فى رجب هبى عقابى لهذا اليوم واحتسبى ... فيه الثّواب فهذا أفضل السّبب مازرت أهلك أستشفى برؤيتهم ... إلّا انقلبت وقلبى غير منقلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 ما قالته عليّة من الشّعر ولا نعلم فيه غناء وما غنت فيه ولم يجئنا طريقته قالت وفى القلب من وجد بسلمى مع الّذى ... أرى من توانيها ومن ذاك أعجب جروح دوام ما تداوى كلومها ... كما لا أرى كسر الزّجاجة يشعب وقالت كأنّها من طيبها فى يدى ... تشمّ فى المحضر أو فى المغيب ريحانة طينتها عنبر ... تسقى مع الرّاح بماء مشوب عروقها من ذا وتسقى بذا ... ممزوجة يا صاح طيبا بطيب تلك الّتى هام فؤادى بها ... ما إنّ لدائى غيرها من طبيب وقالت قم يا نديمى إلى الشّمول ... قد نمت عن ليلك الطّويل أما ترى النّجم قد تبدّى ... وهمّ بهرام بالأفول قد كنت عضب اللّسان عهدى ... فزحت ذا منطق كليل من عاقر الرّاح أخرسته ... ولم يجب منطق السّؤول وقالت ألا يا نفس ويحك لا تتوقى ... الى من ليس بالبرّ الشّفيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 ألا يا نفس أنت جنيت هذا ... فذوقى ثمّ ذوقى ثمّ ذوقى وقالت يا حبّ بالله لم هجرتينى ... صددت عنّى فما تبالينى وآمل الوعد منك ذو غرر ... لا تخدعيه كما خدعتينى أين اليمين الّتى حلفت بها ... والشّاهد الله ثمّ خنتينى وزعم ميمون بن هارون أن كنيزة جارية ام جعفر عرفته أن هذا الشعر الذى ذكرناه لعلية، وأن لها لحنا فيه، وكذلك الشعر الذى نذكره: أهلى سلوا ربّكم العافيه ... فقد دهتنى بعدكم داهيه فارقنى بعدكم سيّدى ... فعبرتى منهلّة جاريه مالى أرى الأنصار بى جافيه ... ما تنثنى منّى إلى ناحيه ما ينظر النّاس إلى المبتلى ... وإنّما النّاس مع العافيه وقالت ألا يا أقبح الثّقلين فعلا ... وأحسن ما تأمّلت العيون يرى حسنا فلا يجزى عليه ... وينزل بى عقوبته الظّنون ولكنّى أكذّب فيه ظنّى ... وعندى من شواهده يقين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 وقالت ومدمن الخمر يصحو بعد سكرته ... وصاحب الحبّ يلقى الدّهر سكرانا وقد سكرت بلا خمر يخامرنى ... لمّا ذكرت وما أنساه إنسانا وحكى ميمون بن هارون أن أبا صالح بن عمار حدثه أن الشعر الذى نذكره بعد لها وغنت فيه: غوثاه غوثى بربّى ... من طول جهدى وكربى من حبّ من لا يجازى ال ... معشار من عشر حبّى وقالت أما والله لو جوزي ... ت بالاحسان إحسانا لما صدّ الّذى أهوى ... ولا ملّ ولا خانا رأيت النّاس من ألقى ... عليهم نفسه هانا فزر غبّا تزد حبّا ... وإن جرّعت أحزانا وقالت أتانى عنك سعيك بى فسبى ... أليس جرى بفيك اسمى فحسبى وقولى ما بدا لك أن تقولى ... فماذا كلّه إلّا لحبّى فما زال المحبّ ينال سبّا ... وهجرا ناعما ومليح عتب قصاراك الرّجوع إلى مرادى ... فما ترجين من تعذيب قلبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 تشاهدت الظّنون عليك عندى ... وعلم الغيب فيها عند ربّى وقالت ألفت الهوى حتّى تشبّث بى الهوى ... وأردفنى منه على مركب صعب كتابى لا يقرى وما بى لا يرى ... ونار الهوى شوقا توقّد فى قلبى وقالت قد رابنى أن صددتم فى مجاملة ... وأنكر القلب أن جئنا بحجّتكم فما الصّدود وقلبى عندكم علق ... وما الذّنوب الّتى هاجت بحربكم وقالت يا عاذلتى قد كنت قبلك عاذلا ... حتّى ابتليت فصرت صبّا جاهلا الحبّ أوّل ما يكون جهالة ... فاذا تمكّن صار شغلا شاغلا وقالت لو كان يمنع حسن الوجه صاحبه ... من أن يكون له ذنب إلى أحد كانت عليّة أبدى النّاس كلّهم ... من أن تكافا بسوء آخر الأبد ومما أنشده لها محمد بن داود بن الجراح وذكر أن يوسف بن يعقوب أنشده لعلية: هنيئا رضيت بما تصنعين ... وإن كان فى الحبّ غير استقامه أموت بدائى وكرب الهوى ... وأنت مناى رزقت السّلامه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 أهان بهجركم كلّما ... أريتكم بالوصال الكرامه وقالت الشّأن فى التّصابى ... واللهو والشّراب من قهوة شمول ... فى الكأس كالشّهاب وقالت هل لكم أن نكرّ حلو التّصابى ... ونميت الجفاء بالألطاف لم يكن حادث يشتّت شعبا ... لا ولا نبوة تجرّ التّجافى ومما غنت من شعر غيرها غنت فى شعر لأبى النجم: تضحك عمّا لو سقت منه شفى ... عن برد قد طلّه برد النّدى أغرّ يجلو عن عشا العين العمى وغنت فى شعر للعباس بن الاحنف: كان لى قلب أعيش به ... فاصطلى بالنّار فاحترقا أنا لم أرزق محبّتكم ... إنّما للعبد ما رزقا وغنت من شعر لأبى الشيص فى طريقة الثقيل الاول: وقف الهوى بى حيث أنت ... فليس لى متأخّر عنه ولا متقدّم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 أجد الملامة فى هواك لذيذة ... حبّا لذكرك فليلمنى اللّوّم وغنت فى شعر لوضاح اليمن: حتّام نكتم حزننا وإلى ما ... وعلام نستبقى الدّموع على ما قد أصبحت أمّ البنين مريضة ... أخشى علىّ بما شكته حماما أخبار عليّة مع الأمين والمأمون وذكر وفاتها حدّثنا أحمد بن يزيد قال حدثنا حماد بن اسحق قال لما مات الرشيد وجدت علية عليه وجدا شديدا، وذهب أكثر نشاطها وتركت الغناء فلم يدعها الامين، وبرها ولطف لها، حتى عادت فيه على غير نشاط ولا شهوة، وهى القائلة فى الامين: يا بن الخلائف والجحاجحة العلى ... والأكرمين مناسبا وأصولا والأعظمين إذا العظام تنافسوا ... بالمكرمات وحصّلوا تحصيلا والقائدين، إلى العزيز بأرضه ... حتّى يذلّ، عسا كرا وخيولا وحدّثنى ميمون قال حدثنى علم السمراء جارية عبد الله بن الهادى أنها شهدت علية غنت فى شعر لها وهو آخر ما قالت فى الامين، وطريقته فى الطريق الثانى: أطلت عاذلتى لومى وتفنيدى ... وأنت جاهلة شوقى وتسهيدى قام الأمين فأغنى النّاس كلّهم ... فما فقير على حال بموجود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 لا تشرب الرّاح بين المسمعات وزر ... ظبيا غريرا نقىّ الخدّ والجيد قد ر؟؟؟ نحته شمول فهو منجدل ... يحكى بوجنته ماء العناقيد حدّثنا عون بن محمد قال حدثنى أبو احمد بن الرشيد قال دخل يوما اسماعيل بن الهادى الى المأمون فسمع غناء أذهله. فقال له المأمون مالك؟ فقال قد سمعت ما أذهلنى، وكنت أكذب بأن أرغن الروم يقتل طربا، وقد صدقت الآن بذلك، فقال ألا تدرى ما هذا؟ قال لا والله، قال هذه عمتك علية، تلقى على عمك ابراهيم صوتا. حدّثنا محمد بن عبد السميع قال سمعت هبة الله بن ابراهيم يقول ولدت علية سنة ستين ومائة وتوفيت سنة عشر ومائتين ولها خمسون سنة، وكانت عند موسى بن عيسى بن موسى. حدّثنا عون بن محمد قال حدثنى محمد بن على بن عثمان قال ماتت علية سنة تسع ومائتين، وصلى عليها المأمون، وكان سبب موتها أن المأمون ضمها اليه، وجعل يقبل رأسها ووجهها مغطى، فشرقت من ذلك وسعلت، ثم حمت بعقب هذا من وقتها أياما يسيرة وماتت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 عبد الله بن موسى الهادى ويكنى أبا القاسم، وكان عبد الله بن الهادى كريما جوادا ظريفا ممدحا، وفيه يقول الشاعر: أعبد الله أنت لنا أمير ... وأنت من الزّمان لنا مجير حكيت أباك موسى فى العطايا ... إمام الناس والملك الكبير وعبد الله الذى يقول- أنشدنى هذا الشعر له عبد الله بن المعتز وقال: له فيه لحن فى طريقة الماخورى وشعره قليل جدا: تقاضاك دهرك ما أسلفا ... وكدّر عيشك بعد الصّفا فلا تنكرنّ فانّ الزّما ... ن رهين بتشتيت ما أخلفا ولمّا رآك قليل الهموم ... كثير الهوى ناعما مترفا ألحّ عليك بروعاته ... وأقبل يرميك مستهدفا وغنى عبد الله بن الهادى فى هذا الشعر لحن رمل: إنّ أسماء أرسلت ... وأخو الودّ مرسل أرسلت تستزيدنى ... وتفدّى وتعذل قال وفى هذا الشعر لحنان أحدهما لابن سريج، والآخر لمالك. ومن شعره: وابأبى من رمانى ... بأسهم اللّحظ والجفون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 فانفردت بى شجون قلب ... أدنين عمرى من المنون فصرت فوق الفراش شخصا ... مستترا غير مستبين لم يترك السّقم لى لسانا ... ينطق عنّى سوى الأنين ومن مليح شعره ما وجدته له فى كتاب بخط ابراهيم بن شاهين: ما أولع الحبّ بالكرام وما ... أولع بالهجر كلّ محبوب قد حجب الهجر من هويت فما ... يسعفنى وهو غير محجوب قال وأحسبه فى هذا: يا من يراه النّاس دونى ولا ... أراه، طوبى لعيون تراك أنت الّذى إن غاب بدر الدّجى ... إن يكسف الظّلمة نور سواك» وأنت من لو خيّر الحسن أن ... يملكه خلق إذا ما عداك وما يشمّ النّاس من وردهم ... فانّما منشؤه وجنتاك وقال وابأبى ظبى رمى مهجتى ... سهم له لم يخطىء المقتلا ونام عن ليله صبّ به ... قد كتب الحبّ عليه الجلا يشكو فلا يرحمه إن شكا ... لأنّه سال وذا ما سلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 ومن يكن ذا صحّة سالما ... فقلّ ما يرحم أهل البلا ومما يغنى من شعره: هجرت مولاى يوما ... بعزمة لا تواتى فصيّرت لى هموم ... تدنين منّى وفاتى فقلت يا من بكفّ ... يه عيشتى ومماتى جرّبت هجرك يوما ... قتلت منه حياتى حدّثنا عون بن محمد قال حدثنى محمد بن سليمان بن داود عن أبيه سليمان- وكان يكتب لأم جعفر- قال كنت جالسا مع عبد الله بن الهادى فمر به خادم لصالح بن الرشيد، فقال له ما اسمك فقال اسمى «لاتسل» قال فأعجبه حسنه وحسن منطقه، فقال لى قم بنا حتى نسر اليوم بذكر هذا البدر فقمت معه، فأنشدنى فى ذلك اليوم: وشادن مرّ بنا ... يجرح باللّحظ المقل مظلوم خصر ظالم ... منه إذا يمشى الكفل اعتدلت قامته ... والّلحظ منه ما عدل بدر تراه أبدا ... طالع سعد ما أفل سألته عن اسمه ... فقال إسمى «لاتسل» وطلعت من وجنتي ... هـ وردتان من خجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 فقلت ما أخطا الّذى ... سمّاك بل نال المثل لا تسألن عن شادن ... فاق جمالا وكمل قال وكان يعمل فيه أشعارا فقال: يا من غدا أقران شمس الضّحى ... يشهد بالفضل له والقمر ومن به يظلم قلبى ولو ... تطيعه سلوته لا نتصر تفهّمن قولى من نظرتى ... فانّما رسلى اليك النّظر كم لى إلى وجهك من نظرة ... لو نطقت قامت مقام الخبر وله فى وزن الشعر اللامى فى «لاتسل» وبعض الناس يجعله شعرا واحدا: عزّ الّذى يهوى وذلّ ... صبّ الفؤاد مختبل جدّ به الهجر وذا ال ... هجر إذا جدّ قتل من شادن منتطق ... فاق جمالا وكمل تناصف الحسن به ... فلا تسل عن لا تسل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 أبو عيسى بن الرّشيد «واسمه أحمد وقيل محمد وأمه بربرية» حدّثنا مشيح بن حاتم العكلى قال حدثنا ابراهيم بن محمد قال انتهى جمال ولد الخلافة إلى أولاد الرشيد، وكان فيهم الامين وأبو عيسى، لم ير الناس أجمل منهما قط. قال وكان أبو عيسى إذا عزم على الركوب جليس له الناس حتى يروه أكثر مما يجلسون للخلفاء حدّثنا عون بن محمد الكندى قال حدثنا أبو غالب محمد بن سعيد الصغدى قال جلس أبو عيسى بن الرشيد وطاهر بن الحسين يتغذيان مع المأمون، فأخذ أبو عيسى خلا بأصبعه فأرسله إلى عين طاهر، فغضب طاهر وقال: ليس لى إلا عين واحدة يتولع بى فيها! فسكن المأمون منه، وقال إنه يمزح معك مزح الاخوة قال وهو القائل فى الامين لما قتل، وكان الامين يكنى بأبى موسى وبأبى عبد الله جميعا: يا أبا موسى وعبد ... الله قد غالتك غول لست أذرى كيف أر ... ثيك ولا كيف أقول لم تطب نفسى أسمّي ... ك قتيلا يا قتيل وهو القائل وأنشده الناس له: أسهرنى ثمّ رقد ... ومارثى لى من كمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 ظبى إذا زدت هوى ... وذلّة تاه وصدّ وا عطشى إلى فم ... يمجّ خمرا من برد حدّثنا إبراهيم بن عبد الله بن المهدى قال سمعت هبة بن إبراهيم ابن المهدى يقول سمعت أبى يقول للمأمون: أحب المحاسن كلها لك، حتى لو أمكننى أن أجعل وجه أبى عيسى لك لفعلت. حدّثنا الغلابى قال حدثنا إسحاق بن عيسى قال كان طاهر يعادى أبا عيسى بن الرشيد، ولم يكن له حيلة فيه، لمكانته من المأمون، وكان أبو عيسى يهجوه ويفخر عليه، فمن شعر أبى عيسى فيه: إنّى امرؤ من بنى العبّاس قد علموا ... عمّ النّبىّ الّذى يسقى به المطر منّا نبىّ الهدى والله فضّله ... ما فى الأنام له عدل ولا خطر منّا الشّهيد ببطن الجسر قد علموا ... وجعفر وعلىّ الخير إن ذكروا وما نسيت أبا العبّاس خيرهم ... خير البريّة قد خطّت به الزّبر واذكر عليّا ولا تنس الشّبيه له ... محمّدا فيه قد شدّت له المرر ودبّر الأمر ابراهيم متّسعا ... ومدّ فيه يدا ما شانها قصر وسبعة خلفاء الله بعدهم ... أئمّة لم تشب صفوا لهم كدر فكيف أجعل كلبا نابحا أثرى ... قد شانه عور الأفعال والعور من طاهر وحسين جذّ أصلهما ... لولا الامام وأمر جرّه القدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 حدّثنا ابو أيوب سليمان بن داود المهلبى قال حدثنى القاسم بن محمد ابن عباد عن ابيه قال كان المأمون أشد الناس حبا لأخيه أبى عيسى وكان يعده للأمر بعده، ويذاكرنى ذلك كثيرا، وسمعته يوما يقول إنه ليسهّل على أمر الموت وفقد الملك، وما يسهل شىء منهما على أحد، أن يلى الأمر بعدى ابو عيسى لشدة محبتى لذلك. حدّثنا ابو العيناء محمد بن القاسم قال حدثنا محمد بن عباد المهلبى قال لما مات أبو عيسى بن الرشيد دخلت الى المأمون وعلى عمامتى فخلعت عمامتى، ونبذتها ورائى، والخلفاء لا تعزى فى العمائم، ودنوت فقال لى «يا محمد حال القدر، دون الوطر» فقلت يا أمير المؤمنين كل مصيبة اخطأتك شوى، فجعل الله الحزن لك لا عليك. حدّثنا عبد الله بن المعتز قال كان ابو عيسى بن الرشيد أدبيا ظريفا، وكان إذا عمل بيتين وثلاثة جودها وملحها، فمن شعره: لسانى كتوم لأسرارهم ... ودمعى نموم بسرّى مذيع فلولا دموعى كتمت الهوى ... ولولا الهوى لم تكن لى دموع حدّثنا ابن فهم قال حدثنا جعفر بن على بن الرشيد ان المأمون أفطر فى يوم شك، وأمر القواد بالافطار، فكتب ابراهيم بن المهدى إلى أبى عيسى وقد حصل له عنده خمسا من حذاق المغنيات: قد تغدّى الملك ال ... مأمون من قبل الزّوال ودعا بالرّاح إذ ... صحّ له فقد الهلال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 وعلىّ لك خمس ... من مصابيح الضلال فاسع بالله إلى عمّك من غير مطال فكتب اليه أبو عيسى: لست ممّن يمزج ال ... وعد بتكدير المقال واحتباسى بعد ما ... عرّفتنى عين الضّلال وخلافى لك يا ع ... مّ من الشّىء المحال ولقد أقبلت وأغ ... ربت فنون الاعتلال وعلىّ الله أن ... أتبع قولا بفعال أنت يا عمّ هلال ... لى إلى وقت الهلال حدّثنا يعقوب بن بيان قال حدثنا على بن الحسين الاسكافى، قال كنت عند ابى الصقر وعنده عريب، وكانت تجلس على كرسى كالسرير وما كانت تقوم لصلاة، فسألتها عن نفسها، فقالت أنا ابنت جعفر بن يحيى اشترى أمى فى آخر أيامه، فعتبت عليه أمه فى ذلك، فنقلها الى دار امرأة كالظئر للبرامكة، فولدتنى عندها، وماتت أمى وحدث بالبرامكة ما حدث، فباعتنى المرأة التى كنت عندها وأنا صغيرة، وسمعتها تقول «انتهى جمال أولاد الخلفاء من بنى العباس إلى ولد الرشيد: محمد الامين وأبى عيسى، ما رأى الناس مثلهما قط، وكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 المعتز فى طرزهما» . حدّثنا يعقوب بن بيان الكاتب قال سمعت على بن الحسين يقول سمعت عريب تقول: وقد غنى أبو العبيس «فى غنائك شبابة من غناء أبى عيسى بن الرشيد، وما سمعت قط أحسن غناء منه، ولا رأيت أحسن وجها» . حدّثنى احمد بن يزيد بن محمد قال حدثنى أبو عبد الله الهاشمى قال من غناء أبى عيسى بن الرشيد فى شعره: رقدت عنك سلوتى ... والهوى ليس يرقد وأطال السّهاد نو ... مى فنومى مشرّد أنت بالحسن مفرد ... احسر الوجه نسعد وفؤادى بحسن وج ... هك يشقى ويكمد قال ومن غنائه فى شعر غيره فى طريقة الثقيل: إذا سلكت عير ذى كندة ... مع الصّبح قصدا لها الفرقد «1» هنالك إمّا تسلّى الهوى ... وإمّا على إثرهم تكمد ومن غنائه فى شعر جرير فى طريقة الرمل الثانى: حىّ الهدملة من ذات المواعيس ... فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وغنى فى شعر الاخطل فى طريقة الثقيل الأول: إذا ما نديمى علّنى ثمّ علّنى ... ثلاث زجاجات لهنّ هدير خرجت أجرّ الذّيل منّى كأنّنى ... عليك أمير المؤمنين أمير حدّثنا الغلابى قال حدثنا يعقوب بن جعفر قال قال الرشيد لأبى عيسى ابنه وهو صبى «ليت جمالك لعبد الله» يغنى المأمون، فقال له وهو صغير «على أن حظه منك لى» فعجب من جوابه على صباه وضمه اليه وقبله. حدّثنا الحسين بن فهم، قال لما قال أبو عيسى بن الرشيد: دهانى شهر الصّوم لا كان من شهر ... ولا صمت شهرا بعده آخر الدّهر ولو كان يعدينى الامام بقدره ... على الشّهر لاستعديت جهدى على الشّهر فناله بعقب هذا صرع، فكان يصرع فى اليوم مرات إلى أن مات ولم يبلغ شهرا مثله. حدّثنى عبد الله بن المعتز قال كان سبب موت أبى عيسى بن الرشيد أنه كان يحب صيد الخنازير، فوقع من دابته، فلم يسلم دماغه، فكان يختبط فى اليوم مرات إلى أن مات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 حدّثنا عون بن محمد قال سمعت هبة الله يقول مات أبو عيسى ابن الرشيد سنة تسع ومائتين، وصلى عليه المأمون، ونزل فى قبره وامتنع من الطعام أياما حتى خاف أن يضر ذلك به. أبو أيوب محمّد بن الرّشيد «وأمه أم ولد يقال لها خلوب من مولدات الكوفة «1» » حدّثنا عبد الله بن الحسين القطربلى قال حدثنا عمرو بن شبة قال وجد المأمون على أخيه أبى أيوب فجفاه، ثم كلم فيه فرضى عنه، ولم يدع به، فعمل شعرا وصاغ فيه لحنا فى طريقة خفيف ثقيل الأول، وطرحه على من غنى به المأمون: لمّا غضبت حرمتنى وجفوتنى ... فقرعت سنّى عند ذاك ندامة وزعمت أنّك قدر ضيت فسيّدى ... أرنى على الرّضوان منك علامة فلما غنى به المأمون سأل عن الشعر فأخبر فأعجبه، وأحضر أبا أيوب ورضى عنه. «ومن شعره فى المأمون» يا إمام العدل طالت غيبتى ... عنك فالحاسد مبسوط اللّسان عاقب المذنب إن شئت ولا ... تلقه بالهجر فى بحر هوان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 ارنى وجه رضى جدت به ... أك من سوء ظنونى فى أمان حدّثنا جبلة بن محمد الكوفى قال أقام ابو السرايا مقام ابن طباطبا العلوى محمد بن محمد بن زيد بن على وكان شجاعا فصيحا إلا أنه كان لين الكلام، فقال ابو أيوب بن الرشيد يهجوه: أأنت يا نبت أبى طالب ... فى الفتنة الصّمّا ركضت وقمت فى النّاس على منبر ... حضضت فى الحرب وحرّضت قد قلت لمّا سست أجنادهم ... ضاعت أمور الجند إذ سست صرت على ما بك من خنثة ... إبنا وما إن زلت كالبنت وغنى فى هذا الشعر، والشعر لعيسى بن ربيب. إن لم تكن لى سكنا ... فلا سعت بى قدمى يا سقمى فى صحّتى ... وصحّتى فى سقمى اسمع لشكوى عاشق ... مذ سنة لم ينم فانّ حبّى لك قد ... مازج لحمى ودمى وهو القائل: وشادن حمّلنى حبّه ... من ثقل الصّبوة ما لا أطبق لحاظ عينيه بأخذ الّذى ... يريده من كلّ قلب دفيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 إنّى عليه من ضنى جفنه ... ومرض اللّحظ لصبّ شفيق يفيق أهل السّقم من سقمهم ... وعينيه من سقمها ما تفيق وقال: وساحر الألحاظ والطّرف ... صوّر من حسن ومن ظرف يعطفنى الحسن عليه وما ... يعرف من برّ ولا عطف بى وإله النّاس من حبّه ... ما جاز عن حدّ وعن وصف هذا على أنّى خوف العدى ... أظهر منه دون ما أخفى وجدت بخط الشاهينى أبى إسحاق أن أبا أيوب بن الرشيد كان يعمل الاشعار فى خادم لبعض إخوته، قال وفيه يقول: مررت بزاه على بابه ... فسلّمت راجى إيجابه فما دار من صلف طرفه ... إلىّ لكثرة إعجابه فأورثنى لوعة أسلمت ... فؤادى إلى يد أوصابه فقلت مقال امرىء خيّبت ... وسائله عند أحبابه إذا ما تكدّر عيش الفتى ... فانّ المنيّة أولى به وفيه يقول: ضاق بى للصّدود واسع أرضى ... بين طول منها فسيح وعرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 ومشى السّقم بين أحشاى حتّى ... صار بعضى للسّقم يرحم بعضى قلت والغمض قد تمنّع واللّي ... ل مقيم ما إن يهمّ بنهض أىّ ذنب أذنبت يا ربّ حتّى ... حلّ غمض الورى وحرّم غمضى وقال، وفيه لحن طريقته فى الهزج: زهيت فى حسنك يا زاهى ... فحبل وصلى خلق واهى أنت إذا أقبلت فى موكب ... شغل لأبصار وأفواه سهوت عنّى حين أذكرتنى ... حبّك ما الذّاكر كالسّاهى بليت من حينى بذى قسوة ... مستصعب الجانب تيّاه والله ما أصغيت ضنّابه ... لآمر فيه ولا ناه عبد الله بن محمّد الأمين ظريف أديب، ويكنى أبا محمد، قليل الشعر جدا، لم يمر فيمن ذكرناه أقل شعرا منه، وكان ينادم الواثق، وكانت له ضيعة تعرف بالعمرية، فأقام بها أياما، فكتب اليه أبو نهشل بن حميد، وكان صديقه: سقى الله بالعمريّة الغيث منزلا ... حللت به يا مؤنسى وأميرى فأنت الّذى لا يخلق الدّهر ذكره ... وأنت أخى حقّا وأنت سرورى «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 فكتب اليه عبد الله: لئن كنت بالعمريّة اليوم لاهيا ... فانّ هواكم حيث كنت ضميرى فلا تحسبنّى فى هواك مقصرا ... وكن شافعى من سخطكم ومجيرى حدّثنا عبد الله بن المعتز قال من شعر عبد الله بن [محمد] الامين يقوله للمعتمد: رأيت الهلال على وجهكا ... فما زلت أدعو إلهى لكا فلا زلت تحيا وأحيا معا ... وآمننى الله من فقدكا وأنشدنا له: ألا يا دير حنظلة المفدّى ... لقد أورثتنى تعبا وكدّا «1» أزفّ من الفرات اليك زقّا ... وأجعل فوقه الورد المندّا «2» [وأبدأ بالصّبوح أمام صحبى ... ومن ينشط لها فهو المفدّى ألا يا دير جادتك الغوادى ... سحابا حمّلت برقا ورعدا يزيد بناءك النّامى نماء ... ويكسو الرّوض حسنا مستجدّا «3» ] حدّثنا عبد الله بن المعتز، قال كانت كتلة «4» مولاة عبد الله بن [محمد] الامين أعطتى وأنا حدث أوراقا صالحة من شعر عبد الله، فضاعت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 منى بالحداثة، ولم أحفظ منها إلا ما أنشدت ومن شعره: تطاول اللّيل حتّى ... ما إن يهمّ بفجر ومسعدى من دجاه ... دمع على الخدّ يجرى من منصفى من ظلوم ... اليه منه مفرّى وهو القائل: يا من به كلّ خلق ... يراه صبّ متيّم ومن يخالك حسنا ... فما تراه يكلّم لا شىء أعجب عندى ... ممّن يراك فيسلم وسمعت من يذكر أن فيه غناء فى طريقة الرمل الثانى وقال: قد كوى القلب بنيران ... فصرت منها إلف أحزان طرفى ما تنفكّ آماقه ... من مطر سحّ وتهتان يسعد فى الدّمع فان سمته ... يوما بردّ النّفس عاصانى وقال: جار على وجنته مدمعه ... وزال عمّا قد رجا مطمعه من حبّ ظبى لك فى وجهه ... إذا تجلّى قمرا يطلعه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 أعطى رقّ الحسن ملكا فما ... أصبح عنه أحد يدفعه فى خدّه من صدغه عقرب ... تلسع من شاء ولا تلسعه حدّثنى عون بن محمد الكندى قال كانت بين عبد الله بن محمد الامين وبين أبى نهشل بن حميد مودة، فاعترض عبد الله جارية مغنية من بعض نساء بنى هاشم، وأعطى بها مالا عظيما، فعرفت منه رغبة فيها فزادوا عليه فى السوم، فتركها ليكسرهم. فجاء أخ لابى نهشل فاشتراها وزاد، فتتبعتها نفس عبد الله فسأل أبا نهشل أن يسأل أخاه النزول عنها، فسأله ذلك فوعده ثم تأخر ذلك، فكتب عبد الله إلى أبى نهشل يا ابن حميد يا أبا نهشل ... مفتاح باب الحدث المقفل يا أكرم النّاس ودادا ويا ... أرعاهم لحقّ ضائع مهمل أحسنت فى ذاك وأجملت بل ... جزت فعال المحسن المجمل بيتك فى ذى يمن شامخ ... تقصر عنه قنّتا يذبل خلّفت فينا حاتما ذا النّدى ... وجدت جود العارض المسبل أى أخ أنت لدى وجده ... تركته بالعرّ فى جحفل نجوم حظّى منك مسعودة ... فيما أرجّى ليس بالأفّل فصدّق الظّنّ بما قلته ... وسهّل الأمر به يسهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 لا تحرّمنى، ولديك المنى ... ظبية صيد الرّشأ الأكحل رميت منه بسهام الهوى ... وما درى بالرّمى فى مقتلى «1» أدنيتنى بالوعد فى صيده ... إدناء عطشان من المنهل ثمّ تناسيت وسلّمتنى ... إلى مطال موحش المنزل تركتنى فى لجّة عائما ... لا أعرف المدبر من مقبل صرّح بأمر واضح بيّن ... لا خير فى ذى لبس مشكل وهو القائل جارية قد شفّنى هواها ... ترسل سهم الحتف مقلتاها سبحان من فى حسنها براها ... قد حجبت عنّى فما ألقاها ولست إلّا نائما أراها ... أذكرها دهرى فلا أنساها بغّضها الله إلى مولاها هارون بن المعتصم وقيل اسمه محمد باسم أبيه فغيره هو، وقال لا أتسمى باسم أبى أو أخى فحصل على هارون، أنشدنا عبد الله بن المعتز لهرون بن المعتصم وحدثنى بعض أصحابنا قال قالها بحضرتى: حمدى لربّى وشكرى ... عاب الهدادىّ شعرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وليس يدرى المسي ... كين أنّه ليس يدرى وأنشدنا عبد الله بن المعتزله أيضا: إذا ما خاننى يوما جوادى ... جعلت الأرض لى فرسا وثيقا وجالت راحتى بالسّيف حتّى ... ترى فى الهام من ضربى طريقا وأنشدنا عبد الله بن المعتز، قال أنشدنى بعض أصحابنا له: فرد الملاحة ماله شبه ... فلكلّه من كلّه نزه جعل الفتور للحظه كحلا ... فجفونه حسن بها المزه «1» وأنشدنى له عبد الله بن عبد الملك أبو محمد الهدادى: وشادن يفضح بدر الدّجى ... والبدر فى ليلته يزهر يجحد أنّى مستهام به ... فهو لقولى أبدا منكر وقد كسانى سقمى حلّة ... تظهر من وجدى الّذى أستر يكفيك منّى شاهدا أنّنى ... إليك من بين الورى أنظر حدّثنى الهدادى قال عبث هارون يوما بغلام لحمزة بن المعتز، فقال له دعنا فقال له: أخرج السّحر من جفونك عنّا ... ثمّ إن لم ندعك نحن فدعنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 ثم قال لى أريد أن أزيد على هذا فقال: وغزال إذا تمنّيت يوما ... فهو لا غيره الّذى أتمنىّ يتجنّى فان نطقت بعذرى ... ردّه ظالما له وتظنّى أيّها اللّائم العيون إذا ... أبصرت من وجهه جمالا وحسنا أخرج السّحر من جفونك عنّا ... ثمّ ان لم ندعك نحن فدعنا حدّثنا عبد الله بن المعتز قال حدثنى جيران هارون بن المعتصم أن الهدادى غلب على أشعار له وانتحلها، لأن شعره مما لم بدر بين الناس. وأنشدنى [عبد الله بن المعتز] بعقب هذا الحديث له: زارنى طيفه هبوب المنادى ... فتناجى فؤاده وفؤادى قال شخصى لشخصه سيّدى زر ... ت كأنّا كنّا على ميعاد وقال: وشادن ان قست بدر الدّجى ... بوجهه كنت مبين المحال تحسده شمس الضّحى وجهه ... والغصن الغضّ على الاعتدال وصاحب النّقصان من شأنه ... أن يحسد الكامل فضل الكمال وقد سمعت بعض الطنبوريين يتغنى فى هذه الابيات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 ومما أنشده له ابن المعتز بيت واحد؛ ولم أسمع له منه غيره: سيّدى أنت أحسن البريّة وجها ... فلتكن أحسن العباد فعالا وكان عبد الله بن المعتز يزعم أن شعر هذا كثير، ولكنه كان لا يظهره، ووجدت من شعره: وغزال أعطاه مليك القلوب ... لحظ عين تحلّ كسب الذّنوب أنا منه مروّع كلّ يوم ... بوعيد أو هجرة أو مغيب يا دوائى إذا تطاول دائى ... وطبيبى إذا فقدت طبيبى أنت أجريت دمع عينى بال ... هجر وعلّمتنى لحاظ المريب أبو عيسى محمّد بن المتوكّل كان أبو عيسى من أفضل أولاد المتوكل نفسا وعلما وعقلا وديانة، وكان له درس معروف من القرآن فى كل يوم وليلة، لا يخليه ولا يشتغل عنه، وكان يعنى بصلاة القيام، حتى يقال إنها ما فاتته قط. حدّثنا ابراهيم بن عبيد الله قال لما أوقع بالمهتدى وجعل فى دار سمع ضجة الناس وتكاثرهم، فقال ما هذا؟ قالوا بايع الناس أحمد بن المتوكل، قال ابن فتيان؟ قالوا نعم، قال ويل لهم فهلا أبا عيسى، فانه كان أقوم بحق الله. وكان أبو عيسى قد سمع حديثا كثيرا، وعرف شيئا من الفقه، وكان يلزمه جماعة من العلماء لا يفارقونه، وله شعر قليل أكثره فى الزهد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 أنشدنى محمد بن يحيى لابى عيسى: فارقت ألّا فى وخلّانى ... أبكاهم الدّهر وأبكانى لم يضع الدّهر لهم واحدا ... إلّا ولى من ذاكم اثنان حدّثنا أحمد بن يزيد قال لما عزم المعتمد على الخروج إلى الشام والموفق إذ ذاك يحارب الخائن بالبصرة، والدنيا مضطربة، أشار عليه أبو عيسى أخوه ألا يفعل، وحرص به، فأبى عليه، فقال أبو عيسى وعمل لحنا فيه: أقول له عند توداعه ... وكلّ لعبرته مبلس لئن قعدت عنك أجسادنا ... لقد رحلت معك الأنفس ومن شعره: إلى الله أشكو ما أرى من زماننا ... وكثرة ما فيه من الجور والظّلم وأنّ الموالى قد علاهم عبيدهم ... كما قد تعالى الجهل فيهم على العلم حدّثنى محمد بن يحيى بن أبى عباد قال كان أبو عيسى بن المتوكل يؤثرنى ويقدمنى، وكنت أحب الاتصال به لفضله ودينه. وكان ربما قال الشعر كالمتفرج لقوله وكان قد كتب الحديث وحفظ العلم، وكانت تأتيه من المعتضد بالله فرائض، فكتب إلى كتابا يقول فيه- وقد اتهم بعض جلساء المعتضد بالسعاية به، ممن كانت لأبى عيسى عنده أياد واصطناع- وأنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 وهو كما قال أبو قال أبو الذوائب مولى بنى قيس «1» . إذا ما وضعت العرف فى غير أهله ... رزئت ولم تحمد ولم تتّخذ يدا وأنشدنى محمد بن يحيى لابى عيسى بن المتوكل: أنظر إلى الدّهر فى تصريف حالته ... فانّه ما وفى غدرا لانسان فلا تمايله مغترّا بطاعته ... فسوف يعقبها منه بعصيان ولا يغرّنك سلطان ظفرت به ... نسبت فيه إلى ظلم وعدوان وجاز إحسان من أولاك عارفة ... بالشّكر عمّا أتى منه وإحسان قال لى محمد بن يحيى: وأظنه كان يعرض بالموفق فى هذا القول وشبهه، ويحضه على ابن المعتمد وتوفيته حقه- ومن شعره أذكر الله باللّسان وبالقل ... ب على شدّة وعند الرّخاء واعتمد شكره على كلّ حال ... لا تكوننّ كافر النّعماء حدّثنى أبو الحسن أحمد بن محمد الاسدى قال حدثنى من سمع أبا عيسى يقول وقد أمر بالركوب ليحدر من سر من رأى: سيكون الّذى قضى ... سخط العبد أم رضى ليس هذا بدائم ... كلّ هذا سينقضى وهذان البيتان لابى العتاهية من أبيات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 بسم الله الرّحمن الرّحيم أبو العبّاس عبد الله بن المعتزّ بالله شاعر مفلق محسن حسن الطبع، واسع الفكر كثيرا الحفظ والعلم يحسن فى النظم والنثر، من شعراء بنى هاشم المتقدمين وعلمائهم، ومن نشأ فى الرواية والسماعة، يكثر فى مجلسه من حدثنا وأخبرنا سمع من صعود صاحب الفراء، وأخذ عنه اللغة والغريب، وعن أعراب فصحاء كانوا يقدمون سر من رأى، وسمع عن أحمد بن أبى فنن، وعن الحسن بن عليل العنزى. وما رأيت عباسيا قط أجمع منه ولا أقرب لسانا كان من قلب، وكان يقدم أهل العلم ويؤثرهم وكان أبو العباس محمد بن يزيد المبرد يجيئه كثيرا ويقيم عنده، وكان ذلك سائغا لمحمد بن يزيد لكثرة مجيئه إلى إسماعيل بن إسحاق القاضى، وقرب القاضى من منزل ابن المعتز. وكان قد لقى أبا العباس أحمد بن يحيى مرات، وكان يبعث اليه فيسأله عن الشىء بعد الشىء. وكان أحمد بن سعيد الدمشقى مؤدبه لا يفارقه، وكانت داره مغاثا لاهل الادب، وكان يجالسه منهم جماعة وكان رأيه مخالفا لرأى العامة إلا أنه كان يسلم عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يذكر له أحد منهم إلا عدد فضائله وناضل عنه ونصره، إلا أنه كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 يقدم بنى هاشم ويفضلهم، وما سمعته فى حال من الاحوال ينقص أحدا ولا عرض بذلك ولا أومأ إليه. ثم حدث له فى آخر أيامه شعر فيه مفاخرة لأهله وبنى عمه الطالبيين، وكان يرى أنهم يناقضونه الشعر فكان قوله يمضى على ذلك، وتمر له أبيات يتأول فيها شيئا فيتأول أعداؤه غير ذلك، ويحتمل الشعر المعنيين. حتى اجتمع اليه جماعة من الطالبيين منهم أبو الحسين محمد بن الحسن المعروف بابن البصرى وكان يجالسه على قديم الايام. ومنهم القاسم بن إسماعيل فحلفوا له أنه ما يقول هذه الاشعار أحد منهم، فتندم على ما كان من قوله على أنى وجدت عنه أشعارا يتكذب فيها على العباس رضى الله عنه وعلى أفاضل ولده وعلى الخلفاء رحمة الله عليهم أكثرها لم يظهر. وكان يقول من عذيرى من الناس تأتينى مثل هذه الاشعار فأجيب بتعريض عن مائة كلمة قد صرح بها كلمة، فأنسب إلى ما أنسب اليه. ثم عمل أشعارا يعتذر فيها ويمدح أمير المؤمنين عليا وولده عليهم السلام، وأعطى الله عهدا ليقولن باقى عمره فى هذا الفن. ولو كان عندى ما يظنه قوم من أعدائه وينسبونه إلى أنه كان يعتقده ولم يظهر منه ندم منه وتوبة على ما كان يتأول عليه فيه، لما استجزت أن تجرى له ذكر فضيلة على لسانى أبدا وليس بمسلم عندى ولا عاقل ولا ذى مروءة من علم أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 رجلا فارق الدنيا وفيه ميل على أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام أو أحد من ولده ثم أعتقد ودا له أو ميلا اليه أو ثناء عليه وليس بمسلم ولا عاقل عندى من علم هذا من أب فانتسب اليه أو من ابن فأقر به. وأنا مبتدىء بما هو أجدى على ابن المعتز من فضيلة الشعر بالشواهد على بطلان ما اعتقده قوم فيه أو أنه فارق الدنيا وهو عليه ان شاء الله. حدّثنى أبو القاسم الحسن بن محمد بن على بن محمد بن يحيى بن الحسين ابن زيد بن بنت على بن محمد الحمانى قال حدثنى ابو الحسين محمد بن الحسن العلوى المعروف بابن البصرى قال كنت أجالس عبد الله ابن المعتز وكان يحلف لى بالله لئن ملك من هذا الامر شيئا ليجعلن البطنين بطنا واحدا، وليزوجن هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء، وقال لا أدع طالبيا يتزوج بغير عباسية، ولا عباسى بغير طالبية، حتى يصيروا شيئا واحدا، وأجرى على كل رجل منهم عشرة دنانير فى الشهر، وعلى كل امرأة خمسة دنانير، واجعل لهم من الدنيا ناحية تفى بذلك ومن أشعاره التى كانت من آخر قوله فى آخر أيامه ما أنشدنيه لنفسه: رثيت الحجيج فقال العدا ... ة سبّ عليّا وبنت النّبى أآكل لحمى وأحسو دمى ... فيا قوم للعجب الأعجب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 علىّ يظنّون بى بغضه ... فهلّا سوى الكفر ظنّوه بى إذا لا سقتنى غدا كفّه ... من الحوض والمشرب الأعذب بلى قرمطيّين متّوا إلي ... هـ بالّنسب الأفجر الأكذب سببت فمن لامنى فيهم ... فلست بموصى ولا معتب مجلّى الكروب وليث الحرو ... ب فى الرّهج السّاطع الأصهب وبحر العلوم وغيظ الخصوم ... متى يصطرع وهم يغلب يقلّب فى فمه مقولا ... كشقشقة الجمل المصعب وأوّل من ظلّ فى موقف ... يصلّى مع الطّاهر الأطيب وكان أخا لنبىّ الهدى ... وخصّ بذاك فلا يكذب وكفء لخير نساء العبا ... د ما بين شرق إلى مغرب وأقضى القضاة بفصل الخطا ... ب والمنطق الأعدل الأصوب وفى ليلة الغار وقّى النّبىّ ... عشاء الى الفلق الأشهب وبات دريّته فى الفرا ... ش موطّن نفس على الأصعب وعمرو بن عبد وأصحابه ... سقاهم حسا الموت فى يثرب فسل عنه خيبر ذات الحصو ... ن تخبّرك عنه وعن مرحب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وسبطاه جدّهما أحمد ... فبخ بخ لجدّهما والأب فيا أسدا ظلّ بين الكلا ... ب ينهشنه دامى المخلب ولا عجب غير قتل الحسي ... ن ظمآن يقصى عن المشرب لئن كان روّعنا فقده ... وفاجاه من حيث لم يحسب فكم قد بكينا عليه دما ... بسمر مثقّفة الأكعب وبيض صوارم مصقولة ... متى يمتحن وقعها يرسب وكم من شعار لنا باسمه ... يجدّد غيظا على المذنب وكم من سواد حددنا به ... وتطويل شعر على المنكب ونوح عليه لنا بالصّهيل ... وصلصلة اللّجم فى مقنب وذاك قليل له من بنى ... أبيه ومنصبه الأقرب وأنشدنا عبد الله بن المعتز لنفسه: قيل إنّى لعلىّ مبغض ... مصّ من يزعم هذا ودخل لعنة الله على مبغضه ... كلّما صلّى مصلّ وابتهل والّذى زوّر قولا كاذبا ... أثبت الله له قرن وعل وهو عندى فرخ سوء حملت ... أمّه لا شكّ من ذاك العمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وله بعد هذا اعتذار كثير فى قصائد الا أنه خلط الاعتذار ببعض الاحتجاج فلم أذكره، والذى ذكرته عنه هو آخر ما قاله وعليه فارق الدنيا. وقال من أبيات: زعمت بأنّى يا مبغّض مبغض ... عليّا فما فخرى إذا فى المحافل أآكل من لحمى وأشرب من دمى ... كذبت لحاك الله يا شرّ واغل علىّ وعبّاس يدان كلاهما ... يمين سواء فى العلى والفضائل فهذا أبو هذا وهذا كم ابن ذا ... فهل بين هذين اتّساع لداخل ستسمع ما يخزيك فى كلّ محفل ... وتمسح رأس العارف المتغافل وقال فى قصيدة أولها: أبعد البين صبر أم هجود ... أبى ذاك التّذكّر والسّهود وفيها: أليس محمّد منّا فحسبى ... به فخرا وما فيه مزيد به طلعت نجوم الحقّ سعدا ... وبيّنت الشّرائع والحدود وفارسنا علىّ ذو المعالى ... هناك الفضل والأمر الرّشيد وأوّل مؤمن وأخو نبىّ ... وميمون نقيبته سعيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 وقال قل لقريش دعى الاسراف واقتصدى ... إنّ عليّا وعبّاسا يدى ويدى إن تسخطوهم تروا أسيافنا معهم ... إنّا وإيّاهم روحان فى جسد وقال بنى عمّنا عودوا نعد لمودّة ... فانّا إلى الحسنى سراع التّعطف وإلّا فانّى لا أزال عليكم ... محالف أحزان كثير التلهّف لقد بلغ الشّيطان من آل هاشم ... مبالغه من قبل فى آل يوسف ومنزلة عبد الله فى الشعر منزلة شريفة، وقد وقع من قوم إفراط فى أمره وتقديمه وكان أبو العباس أحمد بن يحيى يقدمه، ويقول «هو أشعر أهل زمانه» وكان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يقول «هو أشعر قريش، لأنه ليس فيهم من له مثل فنونه «لأنه قال فى الخمر، والطرد، والغزل، والمديح، والهجاء، والمذكر، والمؤنث، والمعاتبات والزهد، والاوصاف، والمراثى .... فأحسن فى جميعها، وهو حسن التشبيه، مليح الألفاظ، واسع الفكر. وكان أحمد بن اسماعيل الكاتب نطاحة يقول «هو أشعر بنى هاشم» وآل وهب كلهم يقدمونه، ويقولون فيه مثل هذا القول وهو يأخذ كثيرا من الناس، ويستعين فيحسن، وكثيرا ما يتكىء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 على نفسه، وهو يفضل أشباهه بألفاظ له ملوكية. وسمعت بعض العلماء بالشعر يقول «أول الشعراء المنقدمين فى صفة الخمر الأعشى ثم الأخطل ثم أبو نواس ثم الحسين بن الضحاك ثم عبد الله بن المعتز، فقلت أنا هو أيضا عندى متقدم فى الغزل لأن الشعراء الذين أحسنوا فى الغزل حتى تفردوا به وكان الغزل قطعة من شعرهم معروفة قليلون، وخاصة من عمل فى المذكر والمؤنث وهو «1» أول من حصل هذا، وجعله فنين وأضاف اليه فنا ثالثا سماه مجونا وكثره حتى تقدم فيه من سبقه وتبعه الناس. أخبار لعبد الله بن المعتز ّ كان عبد الله بن المعتز يحب لقاء أبى العباس احمد بن يحيى ويعلمه ذلك، وكان أبو العباس احمد بن يحيى يعتذر اليه فى تخلفه عنه بأنه ضعف عن أن يمضى إلى أحد. فكتب اليه عبد الله يعرفه شوقه اليه، ويصف مقداره فى العلم. ويعتذر من ترك إتيانه، لأن الركوب ليس بسائغ له: ما وجد صاد فى الحبال موثق ... بماء مزن بارد مصفق «2» بالرّيح لم يطرق ولم يرنّق ... جادت به أخلاف دجن مطبق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 بصخرة إن تر شمسا تبرق ... فهو عليها كالزّجاج الأزرق صريح غيث خالص لم يمذق ... إلّا كوجدى بك لكن أتّقى «1» يا فاتحا لكلّ علم مغلق ... وصيرفيّا ناقدا للمنطق إن قال هذا بهرج لم ينفق ... إنّا على البعاد والتّفرّق لنلتقى بالذّكر إن لم نلتق فكتب اليه أبو العباس يشكره عن قوله، ويقول له أول أبياتك تشبه قول جميل: فما صاديات حمن يوما وليلة ... على الماء يغشين العصىّ حوانى لوائب لم يصدرن عنه لوجهة ... ولا هنّ من برد الحياض دوانى يرين حباب الماء والموت دونه ... فهنّ لأصوات السّقاة روانى بأوجد منّى عيل صبر ولوعة ... عليك ولكنّ العدوّ عدانى وآخر الأبيات يشبه قول رؤبة: إنّى وإن لم ترنى فانّنى ... أراك بالغيب وإن لم ترنى أخوك والرّاعى لما استرعيتنى وحدّثنى بعض أصحابنا قال كنت عند أبى العباس أحمد بن يحيى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وحوله جماعة فجاء ابن المعتز يسلم عليه، فقام اليه وأجلسه مكانه، فداس قلما فكسره، فقال على البديهة: لكفىّ وتر عند رجلى لأنّها ... أبادت قتيلا ما لأعظمه جبر وكنا يوما نتغدى مع عبد الله بن المعتز وغلام يذب عنا، فأصابت المذبة رأس رجل على المائدة بالسهو من الغلام، فقال عبد الله من وقته: قل لمن ذبّ ذبّ نفسك عنّا ... حسبنا منك أو فحسبك منّا ودخلت يوما على عبد الله بن المعتز وقد هدم أكثر داره وهو ينظر إلى الضناع وكيف يبنون قبة له، فكأنى أشفقت من الغرم مع قلة الدخل، فأومأت بالقول إلى ذلك، فأنشدنى مساعد الى: ألا من لنفس وأشجانها ... ودار تداعت بحيطانها أظلّ نهارى فى شمسها ... شقيّا لقيّا ببنيانها تسوّد وجهى بتبييضها ... وتخرب مالى بعمرانها وكنا يوما عنده فقرأ شعرا رديئا لمتوج بن محمود بن مروان الاصغر بن أبى الجنوب بن مروان الا كبر، وكان شعرا رديئا جدا. فقال أشبه لكم شعر آل أبى حفصة وتناقضه حالا بعد حال؟ فقلنا إن شاء الأمير. فقال كأنه ماء سخن لقليل «1» فى قدح، ثم استغنى عنه فكان أيام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 شعر مروان الأكبر على حرارته، ثم انتهى إلى عبد الله بن السبط وقد برد قليلا، ثم إلى ادريس بن ادريس وقد زاد برده، والى أبى الجنوب كذلك، الى مروان الأصغر وقد اشتد برده، والى ابى هذا متوج وقد ثخن لبرده، والى متوج هذا وقد جمد، فلم يبق بعد الجمود شىء. ودخلنا اليه نهنئه ببرء من علته فأنشدنا لنفسه: اتانى برء لم أكن فيه طامعا ... كحلّ أسير شدّ بعد وثاقه فان كنت لم أجرع من الموت حسوة ... فانّى مججت الموت بعد مذاقه وكنا نشرب بين يديه فتثاءب بعضنا فقال: إذا فتح القوم أفواههم ... لغير كلام ولا مطعم فلا خير فيهم لشرب النّبي ... ذ ودعهم يناموا مع النّوّم ومن مختار شعر عبد الله فى المديح ، على أنه قد مر فى المعتمد والمعتضد والمكتفى أشعار جياد، لا حاجة بنا إلى إعادتها: فكّ حرّ الوجد قيد البكاء ... فاعذرينى أو [لا] فموتى بدائى «1» [لو أطعنا للصّبر عند الرّزايا ... ما عرفناه شدّة من رخاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 أسرع الشّيب مغريا لى بهمّ ... كان يدعوه من أحبّ الدّعاء ما لهذا المساء لا يتجلّى ... حياء منه سراج السّماء] «1» قرّبا منّى عقال المطايا ... واحللا عنها عقال الثّواء «2» حرّة يسترعف المرء من ... ها منسما مشعلا بالنّجاء طعنت بالسّير أحشاء خر ... ق لم تمتّع معه بالبقاء [أنفذت فى ليل التّمام وحنّت ... كحنين للصّبّ يوم التّنائى والدّجى قد ينهض الصّبح فيه ... قائما ينشرنّ ثوب الضّياء من لهمّ قد بات يشجى فؤادى ... ما له حال دمعتى من خفاء إخوة لى قد فرّقتهم خطوب ... علّمت مقلتى طويل البكاء إن أهاجو بآل أحمد حربا ... ببنيكم لا تحلبوا فى إنائى وتحلّوا عقد التّملّك منكم ... بأكفّ قد خضّبت بالدّماء] وخليل قد كان مرعى الأمانى ... ورضى النّفس وحسب الاخاء غير أنّا من النّوى «3» فى افتراق ... وبلقيا ذكرنا فى التقاء يعرف المعروف طبعا ويثنى ... بيد الجود عنان الثّناء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 ربّ يوم عامر الكأس ظلنا ... نقرع القهوة فيه بماء ودجى ليل بطىء الحواشى ... مدنف الرّيح قصير البقاء أسقط الأمطار حتّى تثنىّ ال ... نّور وابتلّ جناح الهواء زمن مرّ بنا فى نعيم ... وصباح غافل ومساء وقال فى المعتضد بالله «1» «2» سقيا لمنزلة الحمى وكثيبها ... إذ لا أرى زمنا كأزمانى بها إذ لمّتى ريّا السّواد أثيثة ... صرف ولم تمزج باون مشيبها لمّا رأيت الملك شظّى عوده ... وهوت كواكب سعده لغروبها حرّكت تدبيرا عليه سكينة ... وخلطت ضحكة حازم بقطوبها كم فتنة بادرت منها فرصة ... فحسمتها ووثبت قبل وثوبها راعيت جانبها بلحظة حازم ... فطن بعقرب غلّها ودبيبها كم قائل والهام تنظم فى القنا ... لا يصلح الخرزات غير ثقوبها لعزائم أغمدتها فى صمته ... لا تكشف الأوهام ستر غيوبها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 ولربّ سمع قد قرعت بحجّة ... هذّبتها من شكّها وعيوبها أثنى عليها بالسّداد حسودها ... وقضى عليها خصمها بوجوبها وقال يا ربّ إخوان صحبتهم ... لا يملكون لساوة قلبا لو تستطيع نفوسهم فقدت ... أجسادهم وتعانقت حبّا وقال ربّ أستبقيك نفس ابن وهب ... وسميعا قد دعوت مجيبا ربّ ليل نمته وابن وهب ... ساهر يطرد عنّى الخطوبا وقال وحلو الدّلال مليح الغضب ... يشوب مواعيده بالكذب [قصير الوفاء لأصحابه ... فهم من تلوّنه فى تعب] سقانى وقد سلّ سيف الصّبا ... ح واللّيل من خوفه قد ذهب عقارا إذا ما جلتها السّقا ... ة ألبسها الماء تاج الحبب وأصلح بينى وبين الزّما ... ن وأبدلنى بالهموم الطّرب [وما العيش إلّا لمستهتر ... تظلّ عواذله فى شغب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 يهيم إلى كلّ ما يشتهى ... وإن ردّه العذل لم ينجذب ويسخو بما قد حوت كفّه ... ولا يتبع المنّ ما قد وهب فكم فضّة فضّها فى سرو ... ر يوم وكم ذهب قد ذهب] ولا صيد الّا بوثّابة ... تطير على أربع كالعذب «1» [وإن أطلقت من قلاداتها ... وطار الغبار وجدّ الطّلب فزوبعة من بنات الرّيا ... ح تريك على الأرض شدّا عجب] تضمّ الطّريد إلى نحرها ... كضمّ المحبّة من لا يحبّ «2» [ألا ربّ يوم لها لا يذ ... مّ أراقت دما وأغابت سغب] إذا ما رأى عدوها خلفه ... تناجت ضمائره بالعطب لها مجلس فى مكان الرّدي ... ف كتركيّة سبيها للعرب ومقلتها سائل كحلها ... وقد جلّيت سبجا فى ذهب وظلّت لحوم ظباء الفلا ... على الجمر معجلة تلتهب وطافت سعاتهم يمزجو ... ن بماء الغدير بنات العنب [وحثّوا النّدامى بمشمولة ... إذا شارب عبّ فيها قطب] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 فراحوا نشاوى بأيدى المدا ... م وقد نشطوا من عقال التّعب إلى مجلس أرضه نرجس ... وأزيار عيدانه تصطخب وحيطانه خرط كافورة ... وأعلاه من ذهب يلتهب فيا حسنه بامام الهدى ... وخير الخلائف نفسا وأبّ له راحة مالها راحة ... ترى جدّ نائلها كاللّعب وأهيب ما كان عند الرّضا ... وأرحم ما كان عند الغضب [وكم قد عفا وأقرّ الحيا ... ة فى آيس قلبه يضطرب على طرف العيس قد حدّقت ... اليه المنايا وكادت تثب وما زال مذ كان فى مهده ... مليّا خليقا بأعلا الرّتب كأنّا نرى الغيب فى أمره ... بأعين ظنّ لنا لم تخب ونسترزق الله تمليكه ... ونستعجل الدّهر فيما نحبّ ويبدو لنا فى المنام الخيا ... ل بما نشتهيه فتنفى الكرب بشارة ربّ لنا بلّغت ... وكانت لتعجيل شكر سبب إلى أن دعته إلى بيعة ... فكم عتق رقّ ونذر وجب ورثت الخلافة عن والد ... فأحرزت ميراثه عن كثب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 ولم تحوها دون مستوجب ... ولا صادها لك سهم غرب فلا زلت تبقى وتوقى لنا ... خطوب الزّمان وصرف النّوب] وقال فى المعتضد بالله عرف الدّار فحيّا وناحا ... بعد ما كان صحا واستراحا ظلّ يلحاه العذول ويابى ... فى عنان العذل إلّا جماحا علّمونى كيف أسلو وإلّا ... فخذوا عن مقلتىّ الملاحا «1» من رأى برقا يضىء التماحا ... ثقب اللّيل سناه فلاحا وكأنّ البرق مصحف قارى ... فانطباقا مرّة وانفتاحا [فى ركام ضاق بالماء ذرعا ... حيثما مالت به الرّيح ساحا] لم يزل يلمع باللّيل حتّى ... خلته نبّه فيه صباحا وكأنّ الرّعد فحل لقاح ... كلّما يعجبه البرق صاحا [لم يدع أرضا من المحل إلّا ... جاد أو مدّ عليها جناحا وسقى أطلال هند فأضحت ... يمرح القطر عليها مراحا ديما فى كلّ يوم ووبلا ... واغتباقا للنّدى واصطباحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 كلّ من ينأى من النّاس عنها ... فهو يرتاح إليها ارتياحا لا أرى مثلك ما عشت دارا ... ربوة مخضرّة أو بطاحا لو حللنا وسط جنّة عدن ... لاقترحناك عليها اقتراحا وإذا ما ذرّت الشمس فيها ... فتّحت أعين روض ملاحا فى ثرى كالمسك شيب براح ... كلّما أنبته القطر لاحا] جمّع الحقّ لنا فى إمام ... قتل البخل وأحيا السماحا إن عفا لم يلغ لله حقّا ... أوسطا لم نخش منه جناحا ألف الهيجاء طفلا وكهلا ... نحسب السيف عليه وشاحا [وله من رأيه عزمات ... وصل الله ضمنهنّ نجاحا يجعل الجيش إدا صار ذيلا ... جرأة فيه وبأسا صراحا فرح الأعداء بالسّلم منه ... وهو فى السّلم يعدّ السّلاحا فرّقت أيديهم المال كرها ... ولقد كانوا عليها شحاحا خاط أفواههم وقديما ... مزّقوها ضحكا ومزاحا ووعوا شكوى اليه وكانوا ... ملأوا دور الملوك نباحا أيقنوا منه بحرب عوان ... ورجال يخضّبون الرّماحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وبخيل تأكل الأرض شدّا ... ملجمات يبتدرن الصّياحا قاصدات كلّ شرق وغرب ... ناطقات بالصّهيل فصاحا حملت أسدا من النّاس غلبا ... وكباشا لا تملّ النّطاحا إن أغب عنك فما غاب شكر ... دعوة جاهدة وامتداحا يا أمين الله أيّدت ملكا ... كان من قبلك نهبا مباحا] وقال فى الموفق بالله وفارس أغمد فى جنّة ... يقطّع السّيف إذا ما ورد كأنّما ماء عليها جرى ... حتّى إذا ما غاب فيه جمد «1» فى كفّه عضب اذا ما هزّه ... حسبته من خوفه يرتعد وقال لعبد الله بن سليمان عليم بأعقاب الأمور كأنّه ... بمختلسات الظّنّ يسمع أو يرى إذا أخذ القرطاس خلت يمينه ... تفتّح نورا أو تنظّم جوهرا وقال أيا موصل النّعمى على كلّ حالة ... إلىّ قريبا كنت أو نازح الدّار كما يلحق الغيث البلاد بسيله ... وإن جاد فى أرض سواها بأمطار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 ويا مقبلا والدّهر عنّى معرض ... يقسّم لحمى بين ناب وأظمار ويا من يرانى حيث كنت بذكره ... وكم من أناس لا يرونى بأبصار لقد رمت بى أمال نفسى كلّها ... فيا لهف نفسى لو أعنت بمقدار وكم نعمة لله فى صرف نعمة ... ترجّى ومكروه حلا بعد إمرار وما كلّ ما يهوى النّفوس بنافع ... ولا كلّ ما يخشى النّفوس بضرّار لقد عمر الله الوزارة باسمه ... وردّ اليها أهلها بعد إقفار وكانت زمانا لا يقرّ قرارها ... فلاقت نصابا ثابتا غير خوّار وقال من قصيدة اسلم أمير المؤمنين ودم ... فى غبطة وليهنك النّصر فلربّ حادثة نهضت لها ... متقدّما فتأخّر الدّهر ليث فرائسه اللّيوث فما ... يبيضّ من دمها له ظفر سحب الجيوش فكم بها فتحت ... بعد التّمنّع بلدة نكر ما ردّ عن متحصّن يده ... إلّا وقلعته له قبر وقال فى القاسم بن عبيد الله من أبيات ... ألا سقّنيها أمّ دهر تقادمت فلم يبق منها غير ريح ومنظر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 على دنّها وشم لعاد وتبّع ... وفيه علامات لكسرى وقيصر وهاجرة مهجورة قد صليتها ... على شدقمىّ كالظّليم المنفّر وليل موشّى بالنّجوم صدعته ... إلى صبحه صدع الرّداء المحبّر أبى لى أن أخشى الحوادث قاسم ... فجهدك فىّ استقدمى أو تأخّرى وقال فى الموفق عذر الهوى عند العذول رشا ... ما ليم حبّى فيه حين فشا شقّ الظّلام البدر حين بدا ... واهتزّ غصن البان حين مشى يسقيك من خمر بوجنته ... كأسا يزيدك شربها عطشا [عجل الرّقيب بلحظ عاشقه ... لو دام فى وجناته خدشا أدرجت فى الأحشاء فتنته ... فسعى البكاء بسرّها ورشا] يا ناصر الاسلام إذ خذلت ... دعواته فأبلّ وانتعشا لمّا استغاث وقلّ ناصره ... لبّيته وسعيت منكمشا كاللّيث لا تبقى مخالبه ... برءا لجارحه إذا بطشا وسط الخميس بكفّه ذكر ... عضب كأنّ بمتنه نمشا صافى الأديم كأنّ صيقله ... كتب الفرند عليه أو نقشا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 وقال فى المعتضد بالله أتسمع ما قال الحمام السّواجع ... وصائح بين فى ذرى الأيك واقع [منعنا سلام القول وهو محلّل ... سوى لمحات أو تشير الأصابع تأبّى العيون النجل إلّا نميمة ... بما كتمت من خدّ هنّ البراقع وإنّى لمغلوب على الصّبر إنّه ... كذلك جهل المرء للحبّ صارع] كأنّ الصّبا هبّت بأنفاس روضة ... لها كوكب فى ذروة اللّيل لامع توقّد فيها النّور من كلّ جانب ... وبلّلها طلّ مع اللّيل لامع «1» [وشقّ ثراها عن أقاح كأنّها ... تهادت بمسك بطحها والأجارع «2» الا أيّها القلب الّذى هام هيمة ... بشرّة حتّى الآن هل أنت راجع «3» إذ النّاس عن أخبارنا تحت غفلة ... وفى الحبّ إسعاف وللشّمل جامع وإذ هى مثل البدر يفضح ليله ... وإذ أنا مسودّ المفارق يافع] كأن لم يحلّ الدّار سرّ وأهلها ... بلى ثمّ بانوا فهى منهم بلاقع فقد بليت حتّى أوان وملعب ... وأشعث مغبرّ الغدائر خاشع وإلّا أثاف كالحمائم ركّد ... كأنّ الرّماد بينهنّ ودائع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 عجبت باعناق المطىّ كأنّها ... هياكل رهبان عليها الصّوامع وراحت من الدّيرين تستعجل الخطا ... كأنّ ذفاريها بقار نوابع وظلّت على ماء الدّجيل كأنّها ... وقد غرّد الحادى قطا متتابع عرفن رسوم الأرض فانحطّ سربها ... كلؤلؤ سلك أسلمتها القواطع سقطن إلى الغدران يشربن ماءها ... أوامن قد طابت لهنّ المشارع إذا وطئت ميثاء أرض تركنها ... كما اعتورت طين الكتاب الطّوابع وأبن الى زغب الرّؤوس كأنّها ... عوانى أسارى أثقلتها الجوامع وقفن فسدّدن الأفا حيص بالفلا ... كما سدّ أفواه الخروق الرّواقع وما أنا فى الدّنيا بشىء أناله سوى ... أن أرى وجه الخليفة قانع وهبنى أريت الحاسدين تجلّدا ... فكيف بهمّ ضمّنته الأضالع «1» وما أنا من ذكراه أمرى آيسا ... ومن دام حيّا علّلته المطامع وقال يا قاتلا ما يبالى بالّذى صنعا ... رميت قلبى بسهم الحبّ فانصدعا لولا القضيب الّذى يهتزّ فوق نقا ... شككت فيك وفى البدر الّذى طلعا قد تبت من توبتى بعد الصّلاح وكم ... مسافر فى التّقى والنّسك قد رجعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 يا خاضب السّيف قد شدّت مآزره ... وابن الحروب الّتى من ثديها رضعا كم من عدوّ أبحت السّيف مهجته ... والسّيف أحسم للدّاء الّذى امتنعا حملته فوق طرف لا يسير به ... كأنّه فارس فى قوسه نزعا دسست كيدا له تخفى مسالكه ... يقظان يسرى إذا كيد العدا هجعا وقال فى الموفق من قصيدة اليك امتطينا العيس تنفخ فى البرا ... وللّيل طرف بالصّباح قتيل فبتنا ضيوفا فى الفلاة قراهم ... عتيق ونصّ دائم وذميل يحرّك برد العصب فوق متونها ... نسيم كنفث النّافثات عليل ولمّا طغى فعل الدّعىّ رميته ... بجيش يفلّ الخطب وهو جليل وجرّدت من أعماده كلّ مرهف ... إذا ما انتضته الكفّ كاد يسيل ترى فوق متنيه الفرند كأنّما ... تنفّس فيه القين وهو صقيل وقال فى المعتضد يا راميا لم يخط لى مقتلا ... خذ من فؤادى سهمك الأوّلا أنت مشاع القلب بين الورى ... فيا رخيص الوصل ماذا الغلا ألا ترى ملك بنى هاشم ... عاد عزيزا بعد ما ذلّلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 يا طالبا للملك كن مثله ... تستوجب الملك وإلّا فلا وقال فيه يا صاح ودّعت الغوانى والصّبا ... وسلكت غير سبيلهنّ سبيلا وثنيت أعناق الهوى نحو القلا ... ورأيت شأو العاشقين طويلا وربطت جأشا كان قبل منفّرا ... وقتلت حبّا كنت منه قتيلا ولربّ ليل لا تجفّ جفونه ... من دمعه ملق علىّ سدولا ماتت كواكبه وأمسى بدره ... فى الأفق متّهم الحياة عليلا دبّت بنا فى غمرة مشمولة ... حتّى توهّمنا الصّباح أصيلا أهلا وسهلا بالامام ومرحبا ... لو أستطيع إلى اللقاء سبيلا لا يمتطى خفضا ولا يمسى له ... طرف بمرود رقدة مكحولا وقال ألا حىّ ربعا بالمطيرة أعجما ... فلو كلّمت أرض إذا لتكلّما ويوم ذعرت الوحش فيه بسانح ... إذا مادنت خيل الطّراد تقدّما وإن شئت غادتنى السّقاة بكأسها ... وقد فتح الاصباح فى ليله فما فخلف الدّجى والفجر قد مدّ خيطه ... رداءا موشّى بالكواكب معلما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 وغزلان ناس لم يرين سوانحا ... يسارقن لحظا أو سلاما مكتّما تغنّى عليهنّ المناطق كلّما ... مشين فما يتركن قلبا مسلّما مزجن زمانا بالعيون عيوننا ... كما شعشع السّاقى الرّحيق المختمّا ورحن إلينا بالعشىّ كأنّما ... ثنا مشيهنّ الخيزران المقوّما وقال فى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يا جوهر الاخوان ... وحلية الزّمان وذولة المعالى ... وروضة الأمانى عش لى كعمر شكرى ... فيك فقد كفانى أريت عين ودّى ... معايب الاخوان ومن مختار شعره فى الهجاء قال للنميرى وقد جاءته مغنية قصيرة كان يهواها على بغل قصير. قد أتتنا عنك اخبا ... رك فى اليوم العجيب ورأينا نصف بغل ... فوقه نصف حبيب أترى إبليس يرضى ... ببنيّات الذّنوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 وله من أبيات صاحبت من بعدهم معشرا ... ولم أكن فى ذاك بالرّاغب غناؤهم شتم لجلّاسهم ... ورقصهم فى كبد الصّاحب وقال لآل طولون نوائح شيب فى جدار شباب ... يبكّين نفسا آذنت بذهاب وليل كما شاء الغوىّ ادّرعته ... إلى قمر فى كلّة وحجاب أتيناكم يا آل طولون بالقنا ... وبالبيض لا يسألن غير ضراب عبأنا لكم جيشا بجيش جموعه ... اليكم بآساد وأشبل غاب فهل لكم فى أنفس قبل قتلها ... وفى العفو منّا قبل سوط عذاب وقال يهجو مغنية غناؤها يصلح للتّوبه ... وريقها من ربد الجوبه فبادروا بالشّرب قد أمسكت ... من قبل أن تلحقها النّوبه وقال وصاحب سوء وجهه لى أوجه ... وفى فمه طبل بسرّى يضرب إذا ما حلا الاخوان كان مرارة ... تعرّض فى حلقى مرارا وتنشب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 ولا بدّلى منه فطورا يغصّنى ... ويسطاع لى حينا ووجهى مقطّب كماء طريق الحجّ فى كلّ منهل ... يذمّ على ما كان منه ويشرب وقال فى خادم لعبيد الله بن مسرور عند ابن موسى خادم رأسه ... لكلّ درّ ويد له ينطح شيخ على جبهته طرّة ... خضابها من شيبها أقبح كأنّه والكأس فى كفّه ... إذا تمشّى جمل يسبح وقال لبنى طولون يا بنى طولون ما في ... كم لشرّ من مزيد أنتم أسد الثّريد ... ودكا كين العبيد وقال كم تائه بولاية ... وبعزله يعدو البريد سكر الولاية طيّب ... وخماره صفع شديد وله وصاحب يسخر بى موعده ... احمد ذا العرش ولا أحمده قول ند ينبت روض المنى ... ثم مطال بعده يحصده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وقال اقطع وصالى فلست منّى ... ودم على جفوتى وهجرى لا اشتهى الخلّ عند عيبى ... صديق قربى عدوّ وفرى وقال وزائر زارنى ثقيل ... ينصر همّى على سرورى أوجع للقلب من غريم ... ظلّ ملحّا على فقير ومن جراح بجسم ملقى ... يمخض مخضا على بعير بلا طعام ولا شراب ... ولا حميم ولا عشير وقال دبسيّة الاسم لكن ... صوتها صوت عير قبّاضة كلّ أير ... كقبض باز لطير قالت لنا كيف أنتم؟ ... غيبى ونحن بخير [أمرضت قلبى فما إن ... يطيق خدمة دير] وقال أبا طيّب من للمجالس والخمر ... وشرب غبوق أو صبوح مع الفجر وشخب زقاق شائلات بأرجل ... كصرعى من السّودان غير ذوى أزر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 وكم سحرا أذّنت فيه بنعرة ... تطير الكرى من آمن غير ذى ذعر وتصفيقة فى إثر صوت سمعته ... كتصفيق مشتاق يدفّع عن وكر وكم قربة قد بتّ تسبح فوقها ... كأنّك منها راكب لجّة البحر وساق مليح مكره قد بطحته ... ليدخل لام البطن فى ميمة الظّهر وتأخذ أموال الرّوافض زاعما ... بأنّك باب نافذ التّهى والأمر وتومى إلى علم خفىّ تسرّه ... من النّاس مكتوم يصان عن الجهر وتسخر ممّن قال إنّى عالم ... لمنتحل الأخبار والنّحو والشّعر وتضحك منه هازئا متعجّبا ... كأنّك لا تدرى بأنّك لا تدرى وإن طار خفّاش أشدت بذكره ... وحدّثتنا عمّا يكون من الدّهر وقال بليت بعد طائع ... بمانع عزيز وخدّه من درّ ... مزوّد التّلويز كأنّه فرنيّة ... كثيرة الشّونيز للّنتف فيه أثر ... مخالف التّحزيز وأنفه كسترة ... مشرفة الافريز الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 تحسبه إذا بدا ... سماجة النّيروز وقال يهجو الخارجى بالرقة أخا صاحب الخال يا دار أين ظباؤك اللّعس ... قد كان لى فى أنسها أنس أين البدور على غصون نقا ... من تحتهنّ خلاخل خرس ومراسل بنعم فجئت وقد ... شرهت إلى ميعاده النّفس فكأنّما يسخو بضمّته ... غصن توقّد فوقه شمس قد سرّنى بالغوطتين دم ... بالله أحلف أنّه رجس يا عامر الخلوات كيف ترى ... لو يستطيع لمحّك؟؟؟ الرّمس وقال لاحمد بن موسى بن بغا يا ذا الّذى تخبر ألحاظه ... عنه بتخليط وتشويش أنت أمير تملّه جنده ... وأنت خركوش بلا كوش وقال يذم بغداد، ويمدح سر من رأى هاتيك دار الملك مقفرة ... ما إن بها من أهلها شخص عهدى بها والخيل جائلة ... لا يستبين لشمسها قرص إذا علت صخرا حوافرها ... غادرنه وكأنّه دعص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 والملك منشور الجناح ولم ... يهتك قوادم ريشه القصّ «1» فمضى بذاك العيش آخره ... والهمّ ممّا سرّ يقتصّ والدّهر يخبط أهله بيد ... فى كلّ جارحة لها قرص أو ما ترى بلدا أقمت به ... أعلى مساكن أهله خصّ وله مسالح يسلحون له ... لا يتّقى سطواتها اللّصّ اسيافها خشب معلّقه ... مصبوغة وقرابها جصّ عمّاله نبط زنادقة ... ميل البطون وأهله خمص غلبت خيانتهم أمانتهم ... وطغى على تفواهم الحرص فشباكهم فى كلّ رابية ... ولهم بكلّ قرارة شصّ وأميرهم متقدّم بهم ... نحو الحرام وسيره نصّ وكأنّ خلّ الخمر يعصر من ... وجناته أو يجتنى العفص وقال إنّى غريب بدار لاكرام بها ... كغربة الشّعرة السّوداء فى الشّمط ما أطلق العين فى شىء أسرّ به ... ولست أبدى الرّضى إلّا على سخط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وقال قل للقرامط أبشروا ... بمخنّث رخو رباطه قالوا الأمير؟ نعم أمي ... ر طبل عسكره ضراطه وقال يهجو الكتاب وأجوف مشقوق كأنّ سنانه ... إذا استعجلته الكفّ منقار لاقط يتيه به قوم فقلت رويدكم ... فما كاتب بالكفّ إلّا كشارط وقال بلينا وقد طاب الشّراب وأشعلت ... حميّاه فى الفتيان نار نشاط بأبرد من كانون فى يوم شمأل ... وأكثر فسوا من رياح شباط وقال كيف لى بالسّلوّ يا شرّ كيفا ... كيف للعين أن ترى منك طيفا وابن بشر يلومنى فى شرير ... يابن بشر جزيت بالقرض سيفا «1» وقال أيا من مات من شوق ... إلى لحيته الحلق [فأمّا القصّ والنّتف ... فقد أضناهما العشق] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وما شابت ولكن سا ... ل من عارضها زرق ومن يصلح للصّفع ... برأس كله فرق وقرطاس قفا يصل ... ح فى طوماره المشق ولو صيّر برجاسا ... لما أخطأه رشق ويا من مدحه كذب ... ويا من ذمّه صدق طبيب الكفّ لا يذ ... بل فى قبضته عرق وقال فى بدعة [جارية] ابن حمدون حدّثونا عن بدعة فأتينا ... فتغنّت فظنّ فى البيت بوق وإذا بشوكة تقصّف يبسا ... فوقها وجه فأرة مخلوق وقال كم حاسد حنق علىّ بلا ... جرم فلم يضررنى الحنق متضاحك نحوى كما ضحكت ... نار الذّبالة وهى تحترق وقال قد نتن المجلس من بيننا ... فكلّ من مرّ به يصعق وكلّ من مرّ به عائذ ... بالله منه كالح يبصق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 فقدّ إبطيك وانتفهما ... فى الصّيف بالمرتق يا أحمق ولا تقل ما فيهما حيلة ... فالخشّ قد يكنس أو يطبق وله يذم قوما فى قصيدة قوم هم كدر الحياة وسقمها ... عرض البلاء بهم علىّ وطالا يتآكلون ضغينة وخيانة ... ويرون لحم الغافلين حلالا وهم غرابيل الحديث إذا ... وعوا سرّا تقطّر منهم أوسالا فرددت راحلة العتاب كليلة ... ووضعت عن أفتابها الأثقالا ورقدت ملء العين فى فرش القلا ... وشربت من ماء الفرات زلالا وقال قبّح عمران وبطن حمله ... وابن له وابن ابنه ما أسفله يحسب ظلمى ويحه سكّره ... وليس يدرى أنّ ظلمى حنظله إيّاك منّى واجتنبنى بعدها ... فليس لحمى سائغا للأكله وفى رضى نفسى بعد سخطها ... تأخّر وفى حسامى عجله قد وليت ديواننا جارية ... تدخل ميلين معا فى مكحله عفيفة الكفّ ولكن دبرها ... يسرق منّا كلّ يوم فيشله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 دامت على ظلمى فما تنصفنى ... واستفحلت بنتى وصارت رجله وقال وقد خرج صديق له واليا ولم يودعه شخوص ولاية كشخوص عزل ... على دهش وعزّ مثل ذلّ ومجنون تخلّص بعد حبس ... وأقياد وسلسلة وغلّ ولم يقض الحقوق ولا اقتضاها ... بتسليم وتوديع لخلّ ولم أر قبله ريحا عصوفا ... مجسّمة وطيّارا بجلّ ووجه العزل يضحك كلّ يوم ... فيطنز فى معى الوالى المدلّ وقال يا بخيلا ليس يدرى ما الكرم ... حرّم اللّؤم على فيه نعم حدّثونى عنه فى العيد بما ... سرّنى من لفظه فيما حكم قال لا قرّبت إلّا بدمى ... ذاك خير من أضاحىّ الغنم فاستخار الله فى عزمته ... ثمّ ضحى بقفاه واحتجم وقال ودبسيّة فى اللّفظ لكنّ حلقها ... كحلق حمار قطّع النّهق ملجما يلامس منها الكفّ عيدان مشجب ... كنبّاش ناووس يقلّب أعظما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وعابدة لكن تصلّى على القفا ... وتدعو برجليها إذا اللّيل أظلما وقال لى صاحب مختلف الألوان ... متّهم الغيب على الاخوان منقلب الودّ مع الزّمان ... يسرق عرضى حيث لا يلقانى حتّى إذا لقيته أرضانى ... فليته دام على الهجران وقال كان لنا صاحب زمانا ... فحال عن عهده وخانا تاه علينا فتاه منا ... فما نراه ولا يرانا وقال إنّ ابن عبدان فتى مبتلى ... غلامه ينبذ فى دنّه قد صلع المسكين من شعره ... فليته يصلع من قرنه وقال فى دكان كان يجلس عليه أحمد بن أبى العلا بسر من رأى لما خرج إلى بغداد وتركه، و يهجو ابن أبى العلاء : لقد أقفر الدّكّان من كلّ لذّة ... وعطّل من رجل وقوف وركبان وسؤّال فسق لا يهتدون وسر ... ب ظباء من جوار وغلمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 ومن سعلة ترمى بأنتن بصقة ... كضفدعة ما بين أرض وحيطان وردّة داع لم يقدّم هديّة ... بتقطيب مغتاظ وزجرة غضبان وآخر جاءت بالهديّة رسله ... فيضحك إذ جاءت بأقذر أسنان ومن وثبة خلف الغلام خبيثة ... ليفرسه ما بين باب ودكّان وزائرة بعد الهدوّ كأنّها ... سنا قمر فى لجّة اللّيل عريان إلى جيفة يستقذر الكلب لحمها ... ولكنّ مصّالجّ فى رفع إنسان ومن خلعة قد صفّر الجذب لونها ... إذا نشّرت لا تستعين بأركان يراها عيون السّوس فى التّخت حسرة ... ومن دونها أثناء ثوب وخيلان لها نسب فى الأقدمين وقصّة ... لواهبها قد بيّنت أىّ تبيان فكم صفعة إن شرّدت ثمّ زجرة ... لناشرها خرّقت يا ولد الزّانى وكم لعبت أيدى البلا بسلوكها ... فلم يبق منها غير وهم وأركان وتنخر من مسّ النّسيم إذا جرى ... كنخرة عيّار من الخمر نشوان تحدّثنا عن أردشير ومزدك ... وعن آل ساسان وعن آل مروان وكم فرس بذّ الجياد كأنّما ... تعاهده بالمسح راحة دهّان على معلف ما فيه غير عجاجة ... ورأس عتيق مقفل الفم عطشان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 مقيم بذلّ الجوع يأكل نفسه ... وقد كان ذا عيش خصيب وذاشان وكم حشوة كذّابة أعلنت بها ... روائح جوف فارغ غير ملآن يقول أكلنا لحم جدى وبطّة ... وعشر دجاجات شواء بألوان وقد كذب الملعون ما كان زاده ... سوى زاد ضبّ يبلع الرّيح ظمآن وكم شجّة فؤاده بائد بها ... بموجبة لم يبن مهدومها بانى ولطمة وجه تجعل الخدّ خرّما ... وتنثر درّا لا يباع بأثمان ومهمهة محذورة والتفاتة ... بألحاظ مجنون رأى وجه شيطان وكم جولة لا يحسن البغل مثلها ... أتت عجلا منه وما جرّها جانى وزكّ إذا غنّى ترجّح تحته ... كمثل ذنابى صعوة ليس بالوانى وله يا راكبا فوق بغل ... للأرض منها دوىّ جرداء تذكر نوحا ... فى المهد وهو صبىّ له إذا ما مشى لح ... ظ اليها شهىّ لم يبق للرّحل منها ... إلّا خيال خفىّ يعرف الرّسم منها ... شسع عليها حفىّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 ومن مختار شعر عبد الله فى الفخر وسارية لا تملّ البكا ... جرى دمعها فى خدود الثّرى سرت تقدح الصّبح فى ليلها ... ببرق كهنديّة تنتضى ضمان عليها ارتداء اليفاع ... بأنوارها واعتجار الرّبى وكأس سبقت إلى شربها ... عذولى كذوب عقيق جرى يسير بها غصن ناعم ... من البان مغرسه فى نقا ومصباخنا قمر مشرق ... كترس لجين يشقّ الدّجا ومهلكة لامع آلها ... قطعت بحرف أمون الخطا وذى كرب إذ دعانى أجب ... ت ولبّيته مسرعا إذ دعا بطرف أقبّ سفيه العنان ... صافى السّبيب سليم الشّظا وفتيان حرب يخشّونها ... بزرق الأسنّة فوق القنا كغاب تسلّم أطرافه ... إلى لجّة من حديد جرى وكنت له دون ما يتّقى ... مجنّا ومزّقت عنه العدا أنا ابن الّذى سادهم فى الحيا ... ة وسادهم بى تحث الثّرى وأسهر للمجد والمكرمات ... إذا اكتحلت أعين بالكرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وقال فى قصيدة أولها: [ألا من لعين وتسكابها] ألا من لعين وتسكابها ... تشكّى الفذى وهواها بها ترامت بنا حادثات الفرا ... ق ترامى القسىّ بنشّابها ايا ربّ ألسنة كالّسيو ... ف تقطّع أعناق أصحابها وكم دهى المرء من نفسه ... فلا يؤكلنّ بأنيابها وإن فرصة أمكنت فى العد ... وّ فلا تبد فعلك إلّا بها وإن لم تلج [بابها] مسرعا ... أتاك عدوّك من بابها وإيّاك من ندم بعدها ... وتأميل أخرى وأنّى بها وما ينتقص من شباب الرّجا ... ل يزد فى نهاها وألبابها نصحت بنى رحمى كلّهم ... نصيحة برّ بأنسابها دعوا الأسد تفرس ثمّ اشبعوا ... بما ترك الأسد فى غابها وقال عتبت عليك مليحة العتب ... غضبى مهاجرة بلا ذنب قالت أما تنفكّ ذا ملل ... متنقّلا شرها على الحبّ إنّ الزّمان رمت حوادثه ... هدف الشّباب بأسهم شهب فاذا رأتنى عين غانية ... قالت لرائد لحظها حسبى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 إنّى من القوم الّذين بهم ... فخرت قريش على بنى كعب لهم وراثة كلّ مكرمة ... وبهم تغلّق دعوة الكرب وقال جار هذا اللّيل وآبا ... وقراك الهمّ أوصابا ووفود النّجم واقفة ... لا ترى فى الغرب أبوابا ومليح الدّلّ ذى غنج ... لابس للحسن جلبابا أثمرت أغصان داجنه ... لجناة الحسن عنّابا وحديث قد جعلت له ... دون علم النّاس حجّابا لا يملّ الشّىء لاقطه ... مفتن يعجب إعجابا ثمّ أهديت إلى شمط ... مسبل فى الرّأس هدّابا خضّبت رأسى فقلت لها ... فاخضبى قلبى فقد شابا وخميس ربى بسالكه ... أملأ الأرض به غابا «1» مثل لجّ البحر كوكبه ... يزجر الدّهر إذا رابا حامد لى حين أحبسه ... وإذا سرت به ذابا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وقال طوتكم يا بنى الدّنيا ركابى ... وجازكم رجائى وارتقابى حجبث بهمّتى من أن ترونى ... أراقب منكم رفع الحجاب لئن عرّيت من دول أراها ... تجدّد كلّ يوم للكلاب لقد أخلقتها بعد ابتذال لها ... ومللتها قبل الذّهاب وقال لمّا رأونا فى خميس يلتهب ... وشارق يضحك من غير عجب كأنّه صبّ على الأرض ذهب ... وبعدت أسيافنا عن القرب حتّى نكون لمناياها سبب ... [نرفل فى الحرير والأرض تجب وحنّ شريان ونبع وصخب] ... تترّسوا من القتال بالهرب وقال باكية يضحك فيها برقها ... موصولة بالأرض مرساة الطّنب جاءت بجفن أكحل وانصرفت ... مرهاء من إسبال دمع ينسكب إذا تعرّى البرق فيها خلته ... بطن شجاع فى كثيب يضطرب وتارة تبصره كأنّه ... سلاسل مصقولة من الذّهب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 واللّيل قد رقّ وأصغى نجمه ... واستوقن الصّبح ولمّا ينتصب متعرّضا بفجره فى ليله ... كفرس دهماء بيضاء اللّبب حتّى إذا غصّ الثّرى بمائها ... وبلّها صدّت صدود من غضب كم غمرة للموت يخشى خوضها ... جريت فيها جرى سلك فى ثقب حتّى إذا قالوا خضيب بدم ... نجمت فيها بحسام مختضب كأنّها جمع خميس حكمت ... عليه أرماحى وسيفى بالهرب لأىّ غاياتى أجرى بعد ما ... رأيت أترابى قد صاروا ترب وسائح مسامح ذى ميعة ... كأنّه حريق نار تلتهب تراه إن أبصرته مستقبلا ... كأنّه يعلو من الأرض حدب وإن رآه ناظر مستدبرا ... توهّمته العين يجرى فى صبب عارى النّسا ينتهب الثّرى له ... حوافر باذلة ما تنتهب تسالم التّرب وريّان الثّرى ... لكنّها مع الصّخور تصطخب تحسبه يزهى على فارسه ... وإنّما يزهى به إذا ركب أسرع من لحظته إذا عدا ... أطوع من عنانه إذا جذب يبلغ ما تبلغه الرّيح ولا ... تبلغ ما يبلغه إذا طلب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 ذو غرّة قد بلغت جبهته ... وأذن مثل السّنان المنتصب وناظر كأنّه ذو روعة ... وكفل ململم صافى الذّنب ومنخر كالكير لم تشق به ... أنفاسه ولم يخنها فى تعب يبعثها جنائبا وتنثنى ... شمائلا إلى فؤاد يضطرب قد خاض فى يوم الوغا فى حلّة ... حمراء من نسج العوالى والقضب فى غمرة كانت رحا الموت بها ... تدور والطير لها منّى قطب ولى فؤاد فى الوغا حيث الرّضا ... وحيث لا وتر له ميت الغضب أنا ابن خير النّاس بعد خيرهم ... محمّد أكرم بهذا من نسب من شرّف الله به دولتكم ... ومن لخير النّاس جمعا كان أب أنا ابن عبّاس إليه أنتمى ... به لعمرى حزت أخطار القصب عجبت من رميى عن قومى وهم ... يرموننى بسهم قوسى عن كثب وقال من قصيدة أولها [قرى الذّكر منّى زفرة ونحيب] قرى الذّكر منّى زفرة ونحيب ... وقلب شج إن لم يمت فكثيب ويوم تظلّ الشّمس توقد ناره ... يكاد حصى المعزاء منه يذوب وصلت إلى آصاله بشملّة ... تعرّفها بعد السّهوب سهوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 ترافت فروع المجد فوق مطلّها ... ومغرسها حتّى العروق خصيب وقامت ورائى هاشم حذر العدا ... وذادت بى الأحداث حين تنوب وأصمت عنّى حاسدى بخلائق ... مهذّبة ليست لهنّ عيوب فمن قال خيرا قيل إنّك صادق ... ومن قال شرّا قيل أنت كذوب وقال ألا علّلانى قبل أن يأتى الموت ... ويبنى لجثمانى بدار البلاء بيت لأهلكنى ما أهلك النّاس كلّهم ... صروف المنى الحرص واللهو والّليت ومن عجب الأيّام نعى معاشر ... غضاب على سيفى إذا أنا جاريت لهم رحم دنيا وهم يبعدونها ... إذا اصطلموها بالقطيعة أبقيت فذلك دأب البرّ منّى ودأبهم ... إذا قتلوا نعماى بالكفر أحييت يغيظهم فضلى بملك عليهم ... كأنّى قسّمت الحظوظ فحابيت ويهماء ديموم قفار كسوتها ... مناسم حرجوج ويهماء عرّيت وماء خلاء قد طرقت بسحرة ... عليه القطا كأنّ آجنه الزّيت ومرقبة مثل السّنان علوتها ... كأنّى لأرداف الكواكب ناحيت وأمنيّة لم أمنع النّفس رومها ... بلغت وأخرى بعدها قد تمنّيت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وضيف رمانى ليلة بسواده ... فحيّاه بشرى قبل دارى وحيّيت وقال ألا من لقلب لا تقضّى حوائجه ... ووجد أطار النّوم باللّيل لاعجه ومنتصر فى الحسن بالغصن والنّقا ... وصدغ أديرت حول ورد صوالجه وآخر خظّى منه توديع ساعة ... وقد مزج الاصباح باللّيل مازجه وغرّد حادى البين وانشقّت العصا ... وصاحت بأجناد العراق شواحجه فكم دمعة تقضى الدّموع غزيرة ... وكم نفس بالجمر تدمى مخارجه ويوم هجير لا يجير كناسه ... من الحرّ وحشىّ المها وهو والجه يظلّ سراب البيد فيه كأنّه ... حواشى رداء نقّضته نواسجه لبست رداء الآل منه بكوكب ... تسيل بفتيان الهياج همالجه ويوم قبضنا فيه روح مدامة ... تكون بأفواه النّدامى معارجه وقد عشت حتّى ما أرى وجه منية ... يعوج اليها من فؤادى عايجه وقال لمن دار وربع قد تعفّى ... بنهر الكرخ مهجور النّواحى محاه كلّ هطّال ملحّ ... بوبل مثل أفواه الجراح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 فبات بليل باكية ثكول ... ضرير النّجم مفتقد الصّباح وأسفر بعد ذلك عن سماء ... كأنّ نجومها حدق الملاح وفتيان كهمّك من أناس ... خفاف فى الغدوّ وفى الرّواح بعثتهم على سفر مهيب ... فما ضربوا عليه بالقداح فكابدنا السّرى حتّى رأينا ... غراب اللّيل مقصوص الجناح وإخوان هجونى عند عسرى ... وعند اليسر غالوا بامتداحى وكم ذمّ لهم فى جنب مدح ... وجدّ بين أثناء المزاح وقال من قصيدة أولها لقد صاح بالبين الحمام الصّوادح ... وهاجت له الشّوق الحمول الرّوايح لنا إبل ما وفّرتها دماؤنا ... ولا ذعرتها فى الصّباح الصّوائح إذا غدرت ألبانها بضيوفنا ... وفت بالقرى لبّاتها والصّفائح وقيّدها بالنّصل حتّى كأنّه ... اذا جدّ لولا ما جنى السّيف مازح وكم حضر الهيجاء بى سالك المدى ... تكامل فى أسنانه فهو قارح له عنق تغتال طول عنانه ... وصدر إذا أعطيته الجرى سابح أبالموت خشّتنى شريرة ويحها ... لعلّ الّذى تخشى شريرة صالح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 فان متّ فانعبنى إلى المجد والتّقى ... ولا تخزنى دمعا إذا نام نائح وقولى هوى عرش المكارم والعلى ... وعطّل ميزان من الحلم راجح وقال من قصيدة أولها [طار نومى وعاود القلب عيد] طار نومى وعاود القلب عيد ... وأبى لى الرّقاد حزن جديد سهر يفتق الجفون ونار ... تتلظّى منها بقلبى وقود نحن آل الرّسول والعترة الح ... قّ وأهل القرى فماذا تريد ولنا ما أضاء صبح عليه ... وأتته رايات ليل سود وملكنا رقّ الخلافة ميرا ... ثا فمن ذا عنّا بفخر يحيد وقال فى قصيدة أولها [سرى ليلة حتّى أضاء عمودها] سرى ليلة حتّى أضاء عمودها ... وأيّة نفس شوقها لا يقودها وشيّعه قلب جرىء جنانه ... ونفس كأنّ الحادثات عبيدها خليلىّ عودا دار شرّة فاسألا ... مغانيها لو كان ذاك يفيدها خلت وعفت إلّا أثافى كأنّها ... عوائد ذى سقم طويل قعودها وليل يودّ المصطلون بناره ... لو انّهم حتى الصباح وقودها رفعت بها نارى لمن يبتغى القرى ... على شرف حتّى انتهى لى وقودها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وقال راح فراق أو غدا ... ليس بباق أبدا من سار كلّ ساعة ... نحو المنايا وردا يا باغى الحقّ لنا ... أردد عن الظّلم يدا لئن غلبنا عددا ... لقد غلبنا جلدا وقال ملّ سقامى عوّده ... وخان دمعى مسعده وضاع من ليلى غده ... طوبى لعين تجده [غلّت من الدّهر يده ... قتّالة من تلده يفنى فيبقى أمده ... والموت ضار أسده] يا من عنانى حسده ... إنّى بعيد أمده شجى ولا تزدرده ... سهرت ليلا أرقده حظّ الحسود كمده وقال لمّا ظننت فراقهم لم أرقد ... وهلكت إن صحّ التظّنّن أوقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 مازلت أرعى كلّ نجم غابر؟؟؟ ... وكأنّ جنبى فوق جمر موقد ودنا إلىّ الفرقدان كما دنت ... زرقاء تنظر فى نقاب أسود وترى الثّريّا فى السّماء كأنّها ... بيضات أدحىّ يلحن لفرقد لمّا تحدّث بالرّحيل نجيّهم ... لغد وليس غد بعيد الموعد سلّفتهم زفرات قلب محرق ... وسجال دمع بالدّماء مورّد وحرت له سنحا جآذر رملة ... تتلو المها كاللّؤلؤ المتبدّد» قد أطلعت إثر القرون كأنّها ... أخذ المراود من سحيق الأثمد أشباه آنسة الحديث خريدة ... كالشّمس لاقتها نجوم الأسعد كم قد خلوت بها وثالثنا التّقى ... يحمى على الظّمآن برد المورد يا آل عبّاس لعا من عثرة ... لا تركننّ إلى البغاة الحسّد شدّوا أكفّكم على ميراثكم ... فالله أعطاكم خلافة أحمد «2» وقال مرّ عيش علىّ قد كان لذّا ... ودهتنى الأيّام قربا وحذّا والتوى عنّى الشّباب وغودر ... ت فريدا من الأحبّة فذّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 وخليل صاف هنىء مرىء ... جبذته الأيّام منّى جبذا ليت شعرى احاله مثل حالى ... أم صفا عيشه له وألذّا سيف حكم فى مفصل الحقّ راس ... شحذته تجارب الدّهر شحذا ولقد أهتدى على طرف الصّب ... ح بطرف إذّا ونى الجرى بذّا وإذا ما غدا قتال أذاعت ... بدخان يهذّه الرّيح هذّا إن ترينى يا شرّ فارقت أيا ... م صبى كان ناعم البال لذّا ومشى الشّيب قبل عقد الثّلاثي ... ن فلمّا انتهى اليها أغذّا فأنا الواضح الّذى عرفوه ... باضطرار فما يقولون من ذا وقال سأثنى على عهد المطيرة والقصر ... وأدعو لها بعد التّخاذل بالنّصر خليلىّ إنّ الدّهر ما تريانه ... قصيرا وإلّا أىّ شىء سوى الصّبر عسى الله أن ييتاح لى منه فرجة ... يجىء بها المقدار من حيث لا أدرى سألتكما بالله ما تعلماننى ... ولا تكتما شيئا فعندكما خبرى أأرفع نيران القرى لعفاتها ... وأصبر يوم الرّوع فى ثغرة النّفر وأسلم نيلا لا يجاد بمثله ... فيفتحه بشرى ويختمه عذرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 ويا ربّ يوم لا توارى نجومه ... مددت إلى المظلوم فيه يد النّصر فسبحان ربّى مالقوم أرى لهم ... كوامن أضغان عقاربها تسرى إذا ما اجتمعنا فى النّدىّ تضاءلوا ... كما خفيت مرضى الكواكب فى الفجر نمتنى إلى عمّ النّبىّ خلائف ... علوا فوق أفلاك الكواكب والبدر بنو الحبر والسّجّاد والكامل الّذى ... مرى الملك حتّى درّ عند ذوى الأمر ونحن رفعنا سيف مروان عنكم ... فهل لكم يا آل أحمد من شكر وقال فى قصيدة أولها [شجتك لهند دمنة وديار] شجتك لهند دمنة وديار ... خلاء كما شاء الفراق قفار إذا شئت وقّرت البلاد حوافرا ... وسالت ورائى هاشم ونزار وعمّ السّماء النّقع حتّى كأنّه ... دخان وأطراف الرّماح شرار ولى كلّ خوّار العنان مجرّب ... كميت عناه الجرى فهو مطار وعضب حسام الحدّ ماض كأنّه ... إذا لاح فى نقع الكتيبة نار وقمص حديد ضافيات ذيولها ... لها حدق خزر العيون صغار وكم عاجم عودى تكسّر نابه ... إذا لان عيدان اللّئام وخاروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وقال أىّ ربع لآل هند ودار ... دارسا غير ملعب وأوارى وثلاث دنون لا لاشتياق ... جالسات على فريسة نار لا تشيم البروق عينى ولا أب ... ذل إلّا فى مفخر أشعارى لاولا أرتجى نوالا وهل يس ... تمرئ النّاس ديمة الأمطار أخزن الغيظ فى قلوب الأعادى ... وأحلّ الجبّار دار الصّغار ولى الصّافنات تردى الى المو ... ت ولا تهتدى سبيل الفرار وسهام تهدى الرّدى من بعيد ... بالغات مواقع الأبصار وقدور كأنّهنّ قروم ... هدرت بين جلّة وبكار فوق نار شبعى من الحطب الجز ... ل إذا ما التظت رمت بالشّرار فهى تعلو اليفاع كالرّاية الحم ... راء تنعى الدّجى إلى كلّ سار قد تدرّيت؟؟ بالمكارم حولى ... وكفتنى نفسى من الافتخار أنا جيش إذا غدوت وحيدا ... ووحيد فى الجحفل الجرّار وقال أيا ويحه ما ذنبه أن تذكّرا ... سوالف أيّام سبقن وأخّرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وسكرة عيش فارغ من همومه ... ومعروف حال لم نخف أن تنكّرا أذاكير لا يرددن مافات من هوى ... ولا تدع المحزون أن يتصبّرا وقالوا كبرت وانتضيت من الصّبا ... فقلت لهم ما عشت إلّا لأكبرا لبست أخلّاء الهوى فزعتهم ... وما كنت أرجو بعدهم أن أعمّرا فأخلوا همومى من سواهم وأطبقوا ... جفونى فما أهوى من العيش منظرا وأصبحت معتلّ الحياة كأنّنى ... حسير وراء السّابقات تعثّرا فامّا ترينى ذا نسيب نكرته ... فيا ربّ يوم لم أكن فيه منكرا أروح كغصن البان ثبّته النّدى ... وقوىّ بأنفاس ضعاف وأمطرا فمال على ميثاء لاقحة الثّرى ... تغلغل فيها ماؤها وتحيّرا كأنّ الصّبا تهدى اليها إذا جرت ... على تربها مسكا فتيقا وعنبرا سقته الغوادى والسّوارى قطارها ... فجاء كما شاء القطار ونوّرا أناخت عليه ليلة أرحبيّة ... إذا ما صفا فيها الغدير تكدّرا طويلة ما بين البياضين لم يكد ... يصدّق فيها فجرها حين بشّرا فباتت إذا ما البرق أوقد وسطها ... حريقا أهل الرّعد فيه وكبّرا كأنّ الرّباب الجون دون سحابه ... خليع من الفتيان يسحب مئزرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 إذا لا حفته روعة من رعوده ... فمن برقه يستلّ عضبا مذكّرا فأصبح عريان التّراب كأنّما ... نشرت عليه وشى برد محبرّا وهمّ أتتتى طارقات ضيوفه ... فما كان إلّا اليعملات له قرى بوحشيّة قفر تخال سرابها ... مها تتعادى أو ملاء منشّرا ومن كلّ هذا قد قضيت لبانتى ... وولّى فلم أهلك أسى وتذكّرا وكم من عدوّ رام قصف قناتنا ... فلاقى بنا يوما من الشّرّ أغبرا إذا أنت لم ترفع أدانى حادث ... من الخطب لاقيت الأفاضل أو عرا وقال هى الدّار إلّا أنّها منهم قفر ... وأنّى بها ثاو وأنّهم سفر حبست بها لحظى وأطلقت عبرتى ... وما كان لى فى الصّبر لو كان لى عذر توهّمت فيها ملعبا وأواريا ... ونؤيا كدور الطّوق يلثمه القطر وغيث خصيب التّرب زاك بقاعه ... بهيم الرّبى أثواب قيعانه خضر الحت عليه كلّ طخياء ديمة ... إذا ما بكت أجفانها ضحك الزّهر فما برزت شمس النّهار ضحيّة ... ولا أصلا إلّا ومن دونها خدر كأنّ عيون العشقين منوطة ... بأرجائها فما يجفّ لها شفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 كأنّ الرّباب الجون والفجر ساطع ... دخان حريق لا يضىء له جمر أمنك سرى يا شرّ برق كأنّه ... جناح فؤاد خافق ضمّه صدر أرقت لهم والرّكب ميل رؤوسهم ... يخوضون ضحضاح الكرى وبهم فتر إلى أن يغور النّجم فى حلّة الدّجى ... وقال دليل القوم قد نقّب الفجر إذا ما ركبت الأمر والسّيف منتضى ... فقل لبنى حوّاء يجمعهم أمر فكم من خليل لم أمتّع بعهده ... وفيت له بالودّ فاجتاحه الغدر فقدّمت صفحا عنه يوجب شكره ... فما كان لى منه جزاء ولا شكر وذلك حظّى من رجال أعزّة ... علىّ فان أهجرهم يكثر الهجر لهم خير مالى حين يعتلّ مالهم ... وسرعة نصرى حين يعتذر النّصر إذا جاءنا العافى رأى فى وجوهنا ... طلاقة أيدينا وبشّره البشر وقال للأمانى حديث يغرّ ... ويسوء الدّهر من قد يسرّ كلّ حىّ فالى الموت يسعى ... وخطاه نفس ما يقرّ إن أكن خلّفت بعد أناس ... كان فيهم للمروءة ذخر ميّت أو نازح مثل ميت ... حظّ ودّى منه شوق وذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 فعلى منهاجهم أنا ساع ... وورائى سائق مستمرّ هل ترى برقا عنانى سناه ... خاض نحوى اللّيل واللّيل غمر ذاك يسقى أرض هند فدعها ... إنّما هند فراق وهجر ربّما أغدو وتحتى طرف ... حالك ما قد تراه طمرّ فهو نار والتّراب دخان ... مستطير وحصى الأرض جمر ولقد يعتدى على همّ نفسى ... [بهواها] من بنات الكرم بكر ومغنّ ملحّن كلّ نفس ... بالّذى تهواه للسّكر عذر لا يمدّ الصّوت منه نفور ... لا ولا يقطعه منه بهر فبهذا قد أسغت حياة ... طعمها [لولا] المعلّل مرّ تلمع الأسياف من دور هند ... وخيالى معها [هوى] مستمرّ أيّها السّائلىّ دع سرّ نفسى ... إنّما نفسى لسرّى قبر ولقد أخضب رمحى ونصلى ... ووجوه الموت سود وحمر وقال وقفت إلى الشّام رجراجة ... تسلّ على من عصا سيف باس رحلت صواهلنا المقربا ... ت بأفعال جنّ وأشباح ناس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وظلّت صوارم أيماننا ... تحسّيهم الموت فى غير كاس يصلن النّفوس بآجالها ... ويقطعن ما بين جسم وراس وقال الدّار أعرفها ربّى وربوعا ... لكن أساء بها الزّمان صنيعا فبكيت من طرب الحمائم غدوة ... يدعو الهديل وما وجدن سميعا ساويتهنّ بنوحة وتوجّع ... وفضلتهنّ تنفّسا ودموعا يا قلب ليس إلى الصّبا من مرجع ... فاحزن فلست بمثله مفجوعا صرمتك أيّام الصّريم وقطّعت ... حبل الهوى ونزعن عنك نزوعا إنّا لننتاب العداة وإن نأوا ... ونهزّ أحشاء البلاد جموعا ونقول فوق أسرّة ومنابر ... عجبا من القول المصيب بديعا قوم إذا غضبوا على أعدائهم ... جرّوا الحديد أزجّة ودروعا وكأنّ أيدينا. تنفّر عنهم ... طيرا على الأبدان كنّ وقوعا وإذا الخطوب رأين منّا مطرقا ... نكصت على أعقابهنّ رجوعا وقال فى قصيدة أولها [نهى الجهل شيب الرّأس بعد نزاع] نهى الجهل شيب الرّأس بعد نزاع ... وما كلّ ناه ناصح بمطاع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 وإخوان سوء قد حرثت إخاءهم ... فكانوا لغرس الودّ شرّ بقاع ولمّا نأوا عنّى نأوا بتأسّفى ... وقلّ حنينى نحوهم ونزاعى ومكرمة عند السّماء منيفة ... تناولتها منّى بأطول باع وكم ملك قاسى العقاب ممنّع ... قدير على قبض النّفوس مطاع أراه فيعدينى من الكبر ما به ... فأكرم عنه شيمتى وطباعى وإنّى لأستوفى المحامد كلّها ... وقد بقيت لى بعدهنّ مساع ويصدقك الأنباء إن كنت سائلا ... وحسبك ممّا لا ترى بسماع وقال يا قلب قد جدّ بين الحىّ فانطلقوا ... علّقتهم هكذا حينا وما علقوا فتلك دار لهم أمست مجدّدة ... وبالأبارق منهم منزل خلق كأنّ آثار وحشىّ الظّباء به ... ودع تخلّفه أظلافها نسق نادوا بليل فزمّوا كلّ يعملة ... ويعمل عملت فى أنفه حلق تلقى الفلاة بخفّ لا يقرّبها ... كأنّ مسقطه فى تربها طبق كأنّى شاورتنى يوم بينهم ... رقشاء مجدولة فى لونها برق كأنّها حين تبدو من مكامنها ... غصن تفتّح فيه النّور والورق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 يسلّ فوها لسانا تستعيذ به ... كما تعوّذ بالسبابة الفرق ما أنس لا أنس إذ قامت تودّعنا ... بمقلة جفنها فى بطنها غرق تسفر عن وجنة حمراء موقدة ... تكاد لولا دموع العين تحترق وفتية كسيوف الهند قلت لهم ... سيروا فما نقموا رأيى ولا خرقوا ساروا وقد خضعت شمس الأصيل لهم ... حتّى توقّد فى ثوب الدّجى الشّفق لجاجة لم أضاجع دونها وسنا ... وربّما جرّ أسباب الكرى الأرق وقال فى قصيدة أولها [ضمان على عينىّ سقى ديارك] ضمان على عينىّ سقى ديارك ... وإن لم تكونى تعلمين بذلك لنا إبل ملء الفضاء كأنّما ... حملن التّلاع الحوّ فوق الحوارك ولكن إذا أغبرّ الزّمان تزوّجت ... فجادت عليه بالعروق السّوافك وما العيش إلّا مدّة سوف تنقضى ... وما المال إلّا هالك عند هالك «1» وقال تعاهدتك العهاد يا طلل ... خبّر عن الظّاعنين ما فعلوا فقال لم أدر غير أنّهم ... صاح غراب بالبين فاحتملوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 [لا طال ليلى ولا نهارى من ... يسكننى أو يردّهم قفل] «1» ولا تحلّيت بالرّياض وبال ... نّور ومغناى منهم عطل «2» علىّ هذا فما عليك لهم ... قلت زفير ودمعة همل [وأنّنى مقفل الضّمائر من ... حبّ سواهم ما حنّت الابل فقال هلّا تبعتهم أبدا ... إن نزلوا منزلا وإن رحلوا «3» هيهات إنّ المحبّ ليس له ... همّ بغير الهوى ولا شغل تركت أيدى النّوى تعودهم ... وجئتنى عن حديثهم تسل؟ فقلت للرّكب لا قرار لنا ... من دون سلمى وإن أبى العذل] ولم يزل يخبط الفلاة بأخفا ... ف المطايا والظّلّ معتدل [كأنّما طار تحتنا قزع ... على أكفّ الرّياح ينتقل يغرى بطون النّقا النّقىّ كما ... يطعن بين الجوانح الأسل] حتّى تبدّت فى الفجر ظعنهم ... وسائق الصّبح بالدّجى عجل وفوقهنّ البدور تحجبها ... هوادج تحتّ رقمها الكلل [فلم يكن بيننا سوى الّلحظ وال ... دمع كلام لنا ولا رسل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 هذا لهذا فما لذى إحن ... يدسّ لى كيده ويختتل وإن حضرت النّدىّ وكّل بى ... لحظا بنبل الشّحناء ينتضل يا ويله من وثوب [مفترس] ... ربّ فراغ من تحته عمل استبق حلمى لا تفنه سرفا ... فبعد حلمى لأمّك الهبل ليتك قربى إذا تلاحق نفعا ... ن وأبدى أنيابه الأجل وقد تردّيت بابن صاعقة ... أخضر ما فى غرابه فلل كم من عداة أبارهم غضبى ... فلم أقل أين هم وما فعلوا وقال إذا أنا لم أجز الزّمان بمثله ... تقلّب منّى الدّهر فى جانب سهل عرمت فما أعطى الحوادث طاعة ... وليس يطيع الحادثات فتى مثلى وقال سقيا لأيّام مضت قلائل ... إذا أنافى عذر الشّباب الجاهل ولمّتى مصقولة السّلاسل ... أحكم فى غرّات دهر غافل يقصر بالحقّ عنان الباطل ... ووعظ الدّهر بشيب شامل وشكّنى بأسهم قواتل ... صوائب تهتزّ فى المقاتل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 أفلست من ذاك الزّمان الزّائل ... إلّا بطول الذّكر والبلابل لست أرى فريسة لآكل ... بل سيّدا من سادة القبائل منفردا بحسب ونائل ... وعالما يكثر غيظ الجاهل وقال فى اليأس لى عزّ كفانى ذلّى ... يشركنى فى القوت كلّ خلّ والسّيف راعى إبلى فى المحل ... يسلمها إلى قدور تغلى ترقل فيها بالوقود الجزل ... إرقالها فى السّير تحت الرّحل رأبت بالجود عيون البخل وقال أهاجك أم لا بالدّويرة منزل ... تجدّ هبوب الرّيح منه وتهزل قضيت زمام الشّوق فى عرصاته ... بدمع مخلّى فوق وجدى يهطل وبالقصر إذ خاط الخلىّ جفونه ... عنانى برق بالرّحيل مسلسل فلله أسباب الهوى كيف تنقضى ... ولله رجعات الهوى كيف تقبل وقد أشهد الغارات والموت حاكم ... يجور بأطراف الرّماح ويعدل «1» وخيل طواها القود حتّى كأنّها ... أنابيب شمس من قنا الخطّ ذبّل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل وكلّ الّذى سرّ الفتى قد أصبته ... وساعدنى فيه أخير وأوّل فمن أىّ شىء جازك اللّوم أتّقى ... على مهجتى أو أىّ شىء أؤمّل وقال ألم تحزن على الرّبع المحيل ... وآثار وأطلال نحول عفته الرّيح بعدك كلّ يوم ... وجالت فيه أفراس السّيول وماء دارس الآثار خال ... كدمع حار فى جفن كحيل طرقت بيعملات ناجيات ... وأفق الصّبح أدهم ذو حجول أبيت فلم أنم ثأرا لعجز ... ولم أغلب على العفو الجميل ومال قد حللت العقد عنه ... إذا انعقدت به نفس البخيل وقال لنا عزمة صمّاء لا تسمع الرّقى ... تبيت أنوف العاذلين على رغم وإنّا لنعطى الحقّ من غير حاكم ... علينا ولو شئنا لنمنا على الظّلم وقال طال ليلى وساورتنى الهموم ... وكأنّى لكلّ نجم غريم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 ساهرا هاجرا لنومى حتّى ... لاح تحت الظّلام فجر سقيم دام كرّ النّهار واللّيل محثو ... ثين ذا منبه وهذا منيم وبخيل وذو سخاء ولولا ... لؤم هذا ماقيل هذا كريم ورحى تحتنا وأخرى علينا ... كلّ من فيها طحين هشيم فترى صنعة تخبّر عن خا ... لقنا أنّه لطيف حكيم كيف نومى وقد حللت ببغدا ... د مقيما بأرضها لا أريم ببلاد فيها الرّكايا عليه ... نّ أكاليل من بعوض تحوم جوفها فى الشّتاء والصّيف والفض ... ل دخان وماؤها مخموم ليس دار الملك الّتى تنفح المس ... ك إذا ما جرى عليه النّسيم وكأنّ الرّبيع فيها إذا نوّ ... ر وشى أو جوهر منظوم طرفاها برّ وبحر ويجنى ال ... ورد فيها وللشّيح والقيصوم نحن كنّا سكّانها فانقضى ذا ... ك وبنّا وأىّ شىء يدوم أنا من تعلمون أسهر لل ... مجد إذا غطّ فى الفراش اللّئيم يا بنى عمّنا إلى كم وحتّى ... ليس ما تفعلونه يستقيم وعزيز علىّ أن يصبغ الأر ... ض دم منكم علىّ كريم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 وقال عبد الله بن المعتز [ «يا دار يا دار إطرابى وأشجانى» ] يا دار يا دار إطرابى وأشجانى ... أبلى جديد مغانيك الجديدان لئن تخلّيت من لهوى ومن سكنى ... لقد تأهّلت من همّى وأحزانى جاءتك رائحة فى إثر غادية ... تروى ثرى منك أمسى غير ريّان حتّى أرى النّور فى مغناك مبتسما ... كأنّه حدق فى غير أجفان ماذا أقول لدهر شتّتت يده ... شملى وأخلى من الأحباب أوطانى كم نعمة عرف الاخوان صاحبها ... لمّا مضت أنكروه بعد عرفان ومهمه كرداء الوشى مشتبه ... نفذته والدّجى والصّبح خيطان والرّيح يجذب أطراف الرّداء كما ... أفضى الشّقيق إلى تنبيه وسنان وربّ سرّ كنار الصّخر كامنة ... أمتّ إظهاره منّى فأحيانى لم يتّسع منطقى عنه ببائحة ... حزما ولا ضاق عن مثواه كتمانى وربّ نار أقمت الجود يوقدها ... فى ليلة من جمادى ذات تهتان تقيّد اللّحظ فيها عن مسالكه ... كأنّما لبست أثواب رهبان وقد تشقّ غبار الحرب بى فرس ... مستقدم غير هيّاب ولا وانى وكلّ قائمة منه مركّبة ... فى مفصل ضامر الأعصاب ظمآن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 بحيث لا غوث إلّا صارم ذكر ... وحيّة كحباب الماء تغشانى وصعدة كرشاء البئر ناهضة ... بأزرق كاتّقاد النّجم يقظان وقد أرقت لبرق طار طائره ... والنّور قد خاط أجفانا بأجفان سلى بذينك هل عرّيت من مننى ... خلقا وهل رحت فى أثواب منّان وقال [ «شجاك الحىّ إذ بانوا» ] شجاك الحىّ إذ بانوا ... فدمع العين تهتان وفيهم رشا أغي ... د ساجى الطّرف وسنان ولم أنس وقد زمّت ... لوشك البين أظعان وقد أنهلنى فاه ... وولّى وهو عجلان فقل فى مكرع عذب ... وقد وافاه عطشان وضمّ لم يكن تحس ... به فى الرّيح أغصان كما ضمّ غريق سا ... بحا والماء طوفان وما خفنا من النّاس ... وهل فى الناس إنسان جزينا الأمويّينا ... ودنّاهم كما دانوا وللخير وللشّرّ ... بكفّ الدّهر ميزان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 ولولا نحن قد ضاع ... دم بالطّفّ صديان به حلّت عرى الدّين وهدّت منه أركان ... فيا من عنده القبر وطين القبر قربان ... بأسيافكم أودى حسين وهو ظمآن ... فهلّا كان ذا الحبّ وداعى النّصر لهفان ... وهلّا كان إمساك إذا لم يك إحسان وقال [ «ضمن اللّقاء رواح ناجية» ] ضمن اللّقاء رواح ناجية ... مقذوفة بالنّحض كالرّعن تصغى إلى أمر الزّمام كما ... عطفت يد الجانى ذرى الغصن «1» وكأنّ ظعن الحىّ غادية ... نخل سقيت الغيث من ظعن أو أيكة ناحت حمائمها ... فى فرع أخضر ناعم لدن يصفقن أجنحة إذا انتقلت ... منشورة كطيالس دكن وجد المتيّم وهى هاتفة ... ما شئت من طرب ومن حزن يا هند حسبك من مصارمتى ... لا تحفلى فى الحبّ بالظّنّ حتّام تلمع لى سيوفكم ... حاشاى من جزع ومن جبن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 كم طابخ قدرا ليأكلها ... فاضت عليه بفائر سخن لا منصلى هجر الضّراب ولا ... صدئت مضاربه من الحزن ومما قال فى الخمر تعالوا فسقّوا أنفسا قبل موتها ... ليأتى ما يأتى وهنّ رواء نبادر أيّام السّرور فانّها ... سراع وأيّام الهموم بطاء وخلّ عتاب الحادثات لوجهها ... فانّ عتاب الحادثات عناء وقال عذرته السّلافة العذراء ... فلها ودّ نفسه والصّفاء روح دنّ لها من الكأس جسم ... فهى فيه كالنّار وهو هواء وكأنّ النّديم يلثم فاه ... كوكب كفّه عليه سماء وقال سعى إلى الدّنّ بالميزار ينقره ... ساق توشّح بالمنديل حين وثب لمّا وجاها بدت صفراء صافية ... كأنّه قدّ سيرا من أديم ذهب وقال أما ترى يومنا قد جاء بالعجب ... فلا تعطّله من شرب ومن طرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 أستغفر الله مر لحظ أردّده ... مفزّع من دواعى الظّنّ والرّيب كما تحكّم فى العنوان قارئه ... ولم يفضّ خواتيما على الكتب وقال لا تسقها الماء واتركها كما نزلت ... فحسبها منه ما قد أسقيت عنبا وكيف كان إذا ما طاف يحملها ... ظبى يسقّيك فضل الكأس إن شربا وقد تردّت بمنديل عواتقه ... وقطّب الوجه من تيه وما غضبا وناولت كفّه النّدمان صافية ... كأنّه إذ حساها نافخ لهبا وقال سقيا لأرض القيصوم والغرب ... وسرّ من رّا والجوسق الخرب وفيها فسقّنى قهوة عروس دساكي ... ر عليها طوق من الحبب فصار فى الكأس من أبارقه ... ماءين من فضّة ومن ذهب فى مجلس غاب عنه عاذله ... تطرد فيه الهموم بالطّرب وكم عناق لنا وكم قبل ... مختلسات حذار مرتقب نقر العصافير وهى خائفة ... من النّواطير يانع الرّطب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 وقال نبّهت ندمانى فهبّا ... طربا إلى كأسى ولبّى نشوان يحكى مثله ... غصنا بأيدى الرّيح رطبا مازال يصرعه الكرى ... وأذبّ عنه النّوم ذبّا وسقيته كأسا على ... ألم الخمار فما تأبّى والّليل مشمطّ الذّرى؟؟ ... والصّبح حين حبا وشبّا وقال يا من يفنّدنى فى اللهو والطّرب ... دع ما تراه وخذ رأيى فحسبك بى وقد يباكرنى السّاقى فأشربها ... راحا تريح من الأحزان والكرب فسبّح القوم لمّا أن رأوا عجبا ... نورا من الماء فى نار من العنب لم يبق منها البلى شيئا سوى شبح ... يجيله الوهم بين الصّدق والكذب وقال وساق إذا ما الخوف أطلق لحظه ... فلا بدّ أن يلقى بتسليمه صبّا يطوف بابريق علينا مقدّم ... فيسكب فى كاساتنا ذهبا رطبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 وقال سقتنى فى ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خدّيها بغير رقيب فبتّ لذا الّليلين بالشّعر والدّجى ... وفجرين من راح ووجه حبيب وقال ألا فاسقنيها قد نعى الّليل ديكه ... وعرّى أفق الصّبح فهو سليب وقد لاح للسّارى سهيل كأنّه ... على كلّ نجم فى السّماء رقيب وقال بحياتى يا حياتى ... اشرب الكأس وهات قبل أن يفجعنا ال ... دّهر ببين وشتات لا تخونينى إذا م ... تّ وقامت بى نعاتى إنّما الوافى بعهدى ... من وفى بعد مماتى وقال لو شئت زرنا عروس حانوت ... بطيزناباذ أو قرى هيت وشادن أقطع الملاحة فى ... وجه من العاشقين منحوت يمجّ إبريقه المدام كما ان ... قضّ شهاب فى إثر عفريت للماء فيها كتابة عجب ... كمثل نقش فى فصّ ياقوت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وقال إن أذكر الكرخ لا أنسى المديرات ... وبالمطيرة أيّامى وليلاتى منازل لم يضر عنقود كرمتها ... أن لم يكن بقرى هيت وعانات حتّى إذا تمّ أهدته معاصره ... للشّمس بين دساكير وحانات وظلّ خمّاره يكسوه طينته ... قلانسا ركّبت فى غير هامات يا مستطيلا على ذلّى بعزّته ... وفارغ القلب من فعل الصّبابات ماذا ترى فى جريح لابس دمه ... مقسّم بين أفواه المنيّات ويح المحبّين ما أشقى جدودهم ... إنّ المحبّين أحياء كأموات وقال ومدامة يكسو الزّجاج شعاعها ... حللا مذهّبة إذا ما سلّت حبست ولم تر غيرها فى دنّها ... فتعطّرت من نفسها وتحلّت قد جاءنى بكؤرسها ذو غنّة ... صامت له صور الملاح وصلّت وقال يا ليلة الميلاد هل عرفت ... أسهر منّى قطّ مذ خلقت ألم أصابرك كما صبرت ... وآخذ الكأس وما أخذت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وقال اشرب على موق الزّمان ولا تمت ... أسفا عليه دائم الحسرات وانظر إلى دنيا ربيع أقبلت ... مثل البغىّ تبرّجت لزناة ماذا أثار الفجر فى أنواره ... نطقت صنوف طيوره بلغات والورد يضحك من نواظر نرجس ... فدنت وآذن حبّها بممات وتنوّح الزّرع الفتىّ بسنبل ... غضّ المكاسر أخضر الجنبات والكمأة السّمراء باد حجمها ... قد حان منها موسم لجناة فكأنّ أيديهم وقد بلغ الضّحى ... يفصحن فى القيعان عن هامات والغيث يهدى الطّلّ كلّ عشيّة ... بعيون نور لم تخط لسنات وترى الرّياح إذا مسحن غديره ... صفّينه ونفين كلّ قذاة ما إن يزال عليه طير كارع ... كتطلّع الحسناء فى المرآة وسوائر يخذفن فيه بأرجل ... سكنت عليه بكثرة الحركات فتخالهنّ كروضة فى لجّة ... وكأنّما يصفرن من قصبات وتغرّد المكّاء فى صحرائه ... تغريد مرتاح من النّشوات يا صاح غاد الخندريس فقد بدا ... شمراخ صبح من ذرى الظّلمات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 والرّيح قد باحت بأسرار النّدى ... وتنفّس الرّيحان فى الجنّات شفّع به السّاقى وطيب زمانه ... فى السّكر كلّ عشيّة وغداة ومعشّق الحركات يحلو كلّه ... عذب إذا ما ذيق فى الخلوات ما إن يراك إذا مشى مستنطقا ... لمغالق من فضّة قلقات فكأنّه مستصحب ديباجة ... فى خضرة من كثرة الجلبات طالبته بمواعد فوفى بها ... فى رقدة كانت من الفلتات وقال يا عين نوحى بأسرار الهوى نوحى ... قد برّح الكتم بى كلّ التّباريح كم ليلة قد عدونا تحت كوكبها ... والفجر يومىء للسّارى بتلويح تجرى بنا من بنات الرّيح ملجمة ... طارت بكلّ خفيف الجسم والرّوح ينهبن أنفاسنا المسك العتيق إذا ... وطئن من لمم القيصوم والشّيح ومغرمين بشرب الرّاح قد هتكوا ... أستارهم ولقوا عدلا بتصريح خاضوا الظّلام إلى خمّار دسكرة ... منعّم النّوم يقظان المصابيح يبيت يشخب زقّا أو يفرّغه ... بأنطع من رخال الذّيخ مذبوح قلنا له هاتها واحكم على كرم ... فقد ظفرت بفتيان مساميح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 وقد أتوك إلى غمّى لتعديهم ... على الهموم بتفريج وتفريح فصبّ فى كأسه راحا معتّقة ... ظلّت تحدّث عن عاد وعن نوح وقال لبسنا إلى الخمّار والنّجم غائر ... غلالة ليل طرّزت بصباح وظلّت تدير الكأس أيدى جآذر ... عتاق دنانير الوجوه ملاح وقال خلّ الزّمان إذا تقاعس أو جمح ... واشك الهموم إلى المدامة والقدح واضمم فؤادك إن شربت ثلاثة ... واحذر عليه أن يطير من الفرح هذا دواء للهموم مجرّب ... فاقبل مشورة ناصح لك إن نصح ودع الزّمان فكم رفيق حازم ... قد رام إصلاح الزّمان فما صلح ومكلّل بالآس بعد وطيّة ... نظمت مخانقه الخواصر من بلح قد بات ينطق عوده فى كفّه ... غردا كقمرىّ الحمام إذا صدح وإذا أبى إلّا اقتراح غنائه ... جاوزته وطلبت ما لم أقترح وإذا تمادى فى السّرور قطعتها ... بالضّمّ والتّقبيل حتّى يصطلح وقال خليلىّ اتركا قول النّصيح ... وقوما فامزجا راحا بروحى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 فقد نشر الصّباح رداء نور ... وهبّت للنّدى أنفاس ريح وحان ركوع إبريق لطاس ... ونادى الدّيك حىّ على الصّبوح هل الدّنيا سوى هذا وهذا ... وساق لا يخالفنا مليح وقال وليلة أحييتها بالرّاح ... محسنة مسيئة الاصباح أهنت فيها سخط اللّواحى ... أكاثر الأصوات بالأقداح وقال عنانى صوت مسمعة وراح ... تباكرنى إذا برق الصّباح ومعشوق الشّمائل كسكرىّ ... له من لحظ عينيه سلاح كأنّ الكأس فى يده عروس ... لها من لؤلؤ رطب وشاح وقائلة متى يفنى هواه ... فقلت لها إذا فنى الملاح وقال قم يا نديمى نصطبح بسواد ... قد كاد يبدو الفجر أو هو باد وأرى الثّريّا فى السّماء كأنّها ... قدم تبدّت فى ثياب حداد فاشرب على طيب الزّمان فقد حدا ... بالصّيف من أيلول أسرع حاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وأشمّنا باللّيل برد نسيمه ... فارتاحت الأرواح فى الأجساد وافاك بالأنداء قدّام الحيا ... فالأرض للأمطار فى استعداد «1» كم فى ضمائر طهرها من روضة ... بمسيل ماء أو قرارة واد تبدو إذا جاء السّحاب بقطره ... فكأنّما كانا على ميعاد وقال يا ليلة وفّيت ميعادها ... وقد أراد الصّبح إفسادها جاءت ولم يظفر بها عائق ... وفاتت الغدر وقد كادها فبتّ أسقى من يدى بدرها ... شمسا كساها الماء إزبادها لها عنا كيب الفرى حاكة ... دائبة تنسج أبرادها بالله يا أحمد لا تنسنى ... إذا دهانى الدّهر فيمن دها أجفان عينيك مراض فلم ... تطرد يا مولاى عوّادها وقال ما زال يسقينى على وجهه ... بدر منير طالع بالسّعود حتّى توفّى السّكر عقلى وأل ... قانى صريعا بين ناى وعود أحمد أنسانى هوى أحمد ... يا قلب فابشر بشقاء جديد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 عجّل بوصل منك يا سيّدى ... لافضل فى عمرى لطول الصّدود وقال يا ربّ صاحب حانة نبّهته ... واللّيل قد كحل الورى برقاد فى ساعة فيها الغصون سواكن ... قد شمن أعينهنّ فى الأغماد لا تسقنى حبشيّة رازيّة ... صبغت بياض وجوهنا بسواد لكنّ مزعفرة القميص سلافة ... وشمت كشوح دنانها بمداد فأتى بها كالبذر تأكل كفّه ... بشعاعها من شدّة الايقاد وقال غدا بها صفراء كرخيّة ... كأنّها فى كأسها تتّقد وتحسب الماء زجاجا جرى ... وتحسب الأقداح ماء جمد وقال قم يا نديمى من منامك واقعد ... حان الصّبوح ومقلتى لم ترقد أما الظّلام فحين رقّ قميصه ... وأرى بياض الفجر كالسّيف الصّدى وقال خليلى قد طاب الشّراب المبرّد ... وقد عدت بعد النّسك والعود أحمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 فهات عقارا فى قميص زجاجة ... كياقوتة فى درّة تتوقّد يصوغ عليها الماء شبّاك فضّة ... له حلق بيض تحلّ وتعقد فظاهرها حلم وقور على الأذى ... وباطنها جهل يقوم ويقعد سقاها بعانات خليج كأنّه ... إذا صافحته راحة الرّيح مبرد وقال أهلا وسهلا بالنّاى والعود ... وكأس ساق كالغصن مقدود قد انقضت دولة الصّيام وقد ... بشّر سقم الهلال بالعيد يتلو الثّريّا كفاغر شبره ... يفتح فاه لأكل عنقود وقال علّلانى بصوت ناى وعود ... واسقيانى دم ابنة العنقود يا ليالىّ بالمطيرة والكر ... خ ودير السّوسىّ بالله عودى كنت عندى أنموذجات من ال ... جنّة لكنّها بغير خلود وقال من قصيدة لا حظته بالهوى حتّى استقاد له ... طوعا وأسلفنى الميعاد بالنّظر وجاءنى فى قميص الّليل مستترا ... يستعجل الخطو من خوف ومن حذر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 ولاح ضوء هلال كاد يفضحه ... مثل القلامة قد قصّت من الظّفر فكان ما كان ممّا لست أذكره ... فظنّ خيرا ولا تسأل عن الخبر ما زلت أسقيه من حمراء صافية ... عجوز دسكرة شابت من الكبر راح الفرات على أغصان كرمتها ... بجدول من زلال الماء منفجر حتّى إذا حرّ آب جاش مرجله ... بفاتر من هجير الشّمس مستعر ظلّت عناقيدها يخرجن فى ورق ... كما احتبى الرّيح فى خضر من الأزر وقال من معينى على السّهر ... وعلى الهمّ والذّكر وابلائى من شادن ... كبر الحبّ إذ كبر قام كالغصن فى النّقا ... يمزج الشّمس بالقمر شاطرنى مقطّب ... فاسق الفعل والنّظر قد سقانى المدام واللّ ... يل بالصّبح مؤتزر والثّريّا كنور غصن ... على الغرب قد نثر وقال قد حثّنى بالكأس أوّل فجره ... ساق علامة دينه فى خصره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 فكأنّ حمرة لونها من خده ... وكأنّ طيب رياحها من نشره حتّى إذا صبّ المزاج تبسّمت ... عن ثغرها فحسبته من ثغره يا ليلة شغل الرّقاد عذولها ... عن عاشق فى الحبّ هاتك ستره إن لم تعودى للمتيّم مرّة ... أخرى فانّك غلطة من دهره ما زال ينجزنى مواعد عينه ... فمه وأحسب ريقه من خمره وقال طربت إلى القفص والدّسكره ... وشربى بالكأس والكبّره وغمّيّة مثل ذوب العقي ... ق لم تشق بالنّار والمعصره وساق مطيع لأحبابه ... على الرّقباء شديد الجره وفى عطفة الصّدغ خال له ... كما أخذ الصّولجان الكره وقال يا أرض غمّى سقتك أمطار ... فيك لقلبى ما عشت أوطار يا طيب ريّاك حين يبتسم ال ... فجر ويبدو للّروض أحبار كأنّما شابها القرنفل أو ... ذرّ عليها الكافور عطّار تودع بيض الزّجاج حمرتها ... فهى كنور ضميره نار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 أحداقها فضّة مجوّفة ... نواظر ما لهنّ أشفار وصاح فوق الجدار مشترف ... كمثل طرف علاه أسوار ثمّ عدا يستلّ النّراب عن الأ ... وراق منه رجل ومنقار رافع رأس طورا وخافضه ... كأنّما العرف منه منشار فظلت فى يوم لدّة عجب ... وافى به للسّعود مقدار وقابل الشّمس فيه بدر د؟؟ جى ... يأخذ من نورها ويمتار وقال حننت إلى النّدامى والعقار ... وشرب بالصّغار وبالكبار أما وفتور مقلة بابلىّ ... بديع القدّ ذى صدغ مدار لقد فضحت دموعى فيه سرّى ... وأحرقنى هواه بغير نار وعجّل حين يلقانى كأنّى ... أنقّط خدّه بالجلّنار وبيضاء الخمار إذا أجتلتها ... عيون الشّرب صفراء الازار فضضت ختامها عن روح راح ... لها جسدان من خزف وقار وقال اسقنى الرّاح فى شباب النّهار ... وانف همّى بالخندريس العقار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 قد تولّت زهر النّجوم وقد ... بشّر بالصّبح طائر الأسحار ما ترى نعمة السّماء على الأ ... رض وشكر الرّياض للأمطار وغناء الطّيور كلّ صباح ... وانفتاق الأشجار بالأنوار فكأنّ الرّبيع يجلو عروسا ... وكأنّا من قطره فى نثار وقال ومستبصر فى العذر مستعجل القلى ... بعيد من العتبى قريب من الهجر يناجبنى الاخلاف من تحت مطله ... فتختصم الآمال واليأس فى صدرى قدير على ماساءنى متسلّط ... جرىء على ظلمى أمير على أمرى بنفسى سقام ما يداوى مريضه ... خفىّ على العوّاد باق على الدّهر ألفت الهوى حتّى قلت نفسى القلا ... وطال الضّنى حتّى صبرت على الصّبر وكرخيّة الأنساب أو بابليّة ... ثوت حقبا فى ظلمة الفار لا تسرى أرقت صفاء الماء فوق صفائها ... فخلتهما سلّا من الشّمس والبدر وقال وليلة من حسنات الدّهر ... [ما ينمحى موضعها من ذكرى] سريت فيها بخيول شقر ... [وليس تسلوها بنات صدرى] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 سياطها ماء السّحاب الغرّ ... [كأنّه ذوب لجين يجرى] فلم تزل تحت الظّلام تسرى ... محثوثة حتّى بلغت سكرى «1» فى روضة مقمرة بالزّهر ... وشادن ضعيف عقد الخصر يمضى بموج ويجى ببدر ... يفعل باللّيل فعال بالفجر «2» [مكحولة ألحاظه بسحر] ... فى خدّه عقارب لا تسرى [فى سبح قد قيّدت بالقطر] ... تلسع أحشائى وليس تدرى يا ليلة سرقتها من دهرى ... ما كنت إلّا غرّة فى عمرى أمّا وريق بارد فى ثغر ... شيبا بطعم عسل وخمر ما الموت إلّا الهجر أو كالهجر وقال ظلّت بملهى خير يوم وليلة ... تدور علينا الكأس فى فتية زهر بكفّ غزال ذى عذار وطرّة ... وصدغين كالقافين فى طرفى سطر لدى نرجس غضّ وسرو كأنّه ... قدود جوار قمن فى أزر خضر وقال أتاك الرّبيع بطيب البكر ... ورفّ على الجسم برد السّحر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 وقد عدل الدّهر ميزانه ... فما فيه قرّ وما فيه حرّ وشرب سقيتهم والصّبا ... ح فى وكره واقع لم يطر كأنّهم انتهبوا بينهم ... حريقا بأيديهم تستعر وقال ونديم قمرته ... عقله الكأس العقار لم يزل ليلته ... فى فلك السّكر يدار قهوة سرّ القذى ... فيها لعينيك جبار «1» [فترى كاساتها ... يقدح فيهنّ الشّرار] قد كساها الماء شيبا ... لم يكن فيه وقار وقال شربنا بالكبير وبالصّغير ... ولم نحفل بأحداث الدّهور فقد ركضت بنا خيل الملاهى ... وقد طرنا بأجنحة السّرور وقال قد صفّر المكّاء والقنبر ... وفرش الأحمر والأصفر نادى منادى كلّ ما حولها ... والهمّ فى قبر وينا يقبر «2» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 وقال يا حسن أحمد غاديا أمس ... بمدامة صفراء كالورس والصّبح حىّ فى مشارقه ... واللّيل يلفظ آخر النّفس «1» وكأنّ كفّيه تقسّم فى ... أقداحنا قطعا من الشّمس وقال وعاقد زنّار على غصن الآس ... مليح دلال مخطف الكشح ميّاس سقانى عقارا صبّ فيها مزاجها ... فأضحك عن ثغر الحباب فم الكاس وقال راض نفسى حتّى صبت إبليس ... وقديما قد طاوعته النّفوس كم أردت التّقى فما تركتنى ... خندريس يديرها طاووس أسكنوها فى القار مذ عهد نوح ... كظلام فيه نهار حبيس أىّ حسن تخفى الدّنان من الرّا ... ح وحسن تبديه منها الكؤوس يا نديمىّ سقّيانى فقد لا ... ح صباح وأذّن النّاقوس من كميت كأنّها أرض تبر ... فى نواحيه لؤلؤ مغروس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 وقال اشرب فقد دارت الكؤوس ... وفارقت يومك النّحوس فى كلّ يوم جديد روض ... عليه دمع النّدى حبيس ومأتم فى السّماء يبكى ... والأرض من تحته عروس وقال سقانى الكأس من يده سحيرا ... وفى أجفانه مرض النّعاس ويسراه مقرّطة بكوز ... ويمناه متوّجة بكاس وقال سقانى [خليلى] والظّلام مقوّض ... ونجم الدّجى فى حلّة اللّيل يركض كأنّ الثّريّا فى أواخر ليلها ... تفتّح نورا أو لجام مفضّض وقال بشّر بالصّبح طائر هتفا ... معتليا للجدار مشترفا مذكر بالصّبوح صاح لنا ... كخاطب فوق منبر وقفا صفّق إمّا ارتياحة لسن ... فجر وإمّا على الدّجى أسفا فاشرب عقارا كأنّها قبس ... قد سبك الدّهر تبرها فصفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 يندى لثام الابريق من دمها ... كأنّه راعف وما رعفا [بكفّ ساق حلو شمائله ... يسكر [نى] لحظ عينه صلفا يقطر مسكا على غلائله ... شعر نقا بالعبير قد وكفا أفرغ من درّة وعنبرة ... حسنا وطيبا فى خلقه ائتلفا يطيّب الرّيح حين يمسحه ... فما بريح هبّت عليه خفا أراق فيها المزاج فاشتعلت ... كمثل نار أطعمتها سعفا] وقال فى صفة سكران يريد النوم بنفسى مستسلم للرّقا ... د يكلّمنى السّكر من طرفه سريع إلى الأرض من جنبه ... بطىء الى الكأس من كفّه وقال أديرا علىّ الكأس ليس لها التّرك ... ويا لائمى لى فتنتى ولك النّسك وخلّوا فتى أعطيتموه ملاحة ... فما عنده أخذ فهل عندكم ترك ومشمولة صاغ المزاج لرأسها ... أكاليل درّ ما لمنظومها سلك جرت حركات الدّهر بين سكونها ... فذابت كذوب التّبر أخلصه السّبك وقد خفيت فى دنّها وكأنّها ... بقايا يقين كاد يذهبه الشّك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 يطيف بها ساق أديب بمنزل ... كخنجر عيّار صناعته الفتك وحمّل آذريونه فوق أذنه ... كطاس عقيق فى قرارتها مسك وقال سقى الله من غمّى قرارة منزل ... ترامت به أيدى جنوب وشمأل ألا ربّ يوم فيه قصّر طوله ... دم الزّقّ منزوفا فهات وعجّل إذا شئت غنّانى غزال دساكر ... يبقّر أحشاء الدّنان بمبزل معى كلّ مجرور الرّداء سميدع ... جواد بما يحويه غير مبخّل فان تطّلبه تفتقده بحانة ... وإلّا ببستان وكرم مظلّل ولست تراه سائلا عن خليفة ... ولا قائلا من يعزلون ومن يلى ولا صائحا كالعير فى يوم لذّة ... يناظر فى تفضيل عثمان أو على ولا حاسبا تقويم شمس وكوكب ... ليأخذ أسباب العلوم من اسفل يقوم كحرباء الظّهيرة مائلا ... يقلّب فى اصطرلابه عين أحول ولكنّه فيما عناه وسرّه ... وعن غير ما يعنيه ناء بمعزل خليلىّ بالله اقعدا نصطبح بلا ... قفانبك من ذكرى خليل ومنزل ويا ربّ لا تنبت ولا تسقط الحيا ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 ولا تقر مقراة امرىء القيس قطرة ... من الغيث وارجم ساكنيها بجندل نصيبى منها للنّعام وللمها ... وللذّئب يعوى كالخليع المعيّل ولكن ديار اللهو يا ربّ فاسقها ... ودلّ على خضرانها كلّ جدول وقال بالكرخ والميدان لى منزل ... ولذّتى القفص وقطربّل وخير مال لى طيّارة ... تدبر بى فى السّير أو تقبل يلاطم الماء مجاديفها ... حاملة لكنّها تحمل غايتها قصر حميد وفى ... بستان بشر دهرها الأطول وإن تجد من ماصر غفلة ... تطر إلى كركين لا تعدل وقال أعاذلتىّ اليوم لا تكثرا العذلا ... ومهلا دعانى من ملامكما مهلا ولوما مشيبى إن كبرت فانّ لى ... شبابا أصمّ الأذن لا يسمع العذلا وفتيان صدق قد بعثت بسحرة ... إلى بيت خمّار فحطّوا به رحلا وقمنا إلى مخزونة بابليّة ... كست دنّها أيدى عناكبها غزلا مسنّدة قامت ثمانين حجّة ... كواضعة رجلا وقد رفعت رجلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 فدرّت بمنوال علينا سبيكة ... كما فتل الصّواغ خلخاله فتلا وقال ويوم فاختىّ الدّجن مرخ ... عزاليه بطلّ وانهمال ربحت سروره وظللت فيه ... برغم العاذلات رخىّ بال وساق يجعل المنديل منه ... مكان حمائل السّيف الطّوال غدا والصّبح تحت اللّيل باد ... كطرف أشهب قانى الجلال بعاد من زجاج فيه أسد ... فرائسهنّ ألباب الرّجال غلالة خدّه ورد جنىّ ... ونون الصّدغ معجمة بخال وقال لا تقف بى فى دارس الأطلال ... شغل فعلى عنها وشغل مقالى إنّ دمعى لضائع فى رسوم ... وسؤالى محيلة من محال فاسقنى القهوة الّتى تصف العت ... ق بلون صاف وطعم زلال طعنت نحرها الأكفّ ولكن ... تأخذ الثّأر من عقول الرّجال حلف العلج أنّهم طبخوها ... فرضينا ولو بعود خلال فأدرنا رحى السّرور فدارت ... بحرام مشبّه بالحلال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وقال هات كأس الصّبوح فى أيلول ... برد الظّلّ فى الضّحى والمقيل وخبت جمرة الهواجر عنّا ... واسترحنا من النّهار الطّويل وخرجنا من السّموم إلى بر ... د شمال وطيب ظلّ ظليل ونسيم يبشّر الأرض بالقط ... ر كذيل الغلالة المبلول ووجوه البلاد تنتظر ال ... غيث انتظار المحبّ ردّ الرّسول وقال أحسن من وقفة على طلل ... ومن بكاء فى إثر محتمل كأس صبوح أعطتك فضلتها ... كفّ حبيب والنّقل من قبل فى مجلس جالت الكؤوس به ... فالقوم من مائل ومنجدل يطوف بالرّاح بينهم رشأ ... محكّم فى القلوب والمقل أفرغ نورا فى قشر لؤلؤة ... تجلّ عن قيمة وعن مثل يكاد لحظ العيون حين بدا ... يسقيك من خدّه دم الخجل وقال قم فاسقنى يا خليلى ... من العقار الشّمول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 أولى الشّهور بشرب ... شعبان فى أيلول قد زاد فى اللّيل ليل ... وطاب ظلّ المقيل وقال مولاى أجور من حكم ... صبرا عليه وإن ظلم لعب القلى بعهوده ... فكأنّما كانت حلم ومصرّعين من العقا ... ر على السّواعد والّلمم قتلتهم خمّارة ... عمدا ولم تؤخذ بدمّ وسقتهم مشمولة ... ظلّت تحدّث عن إرم لمّا أرتهم كأسها ... شربوا وما قالوا بكم وقال الآن تمّ فأهدى مقلة الرّيم ... واهتزّ كالغصن فى ميل وتقويم الآن ناجى بوحى الحبّ عاشقه ... واستعجل اللّحظ فى ردّ وتسليم قد بتّ ألثمه واللّيل حارسنا ... حتّى بدا الصّبح مبيضّ المقاديم وقام ناعى الدّجى فوق الجداركما ... نادى على مرقب شاد بتحكيم باتت أباريقنا حمرا عصائبها ... بيضا ذوائبها غصّ الحلاقيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 [والبدر يأخذه غيم ويتركه ... كأنّه سافر عن وجه ملطوم] رواكعا كلّما حثّ السّقاة بها ... تلقى الكؤوس بتكفير وتعظيم لا صاحبتنى يد لم تغن ألف يد ... ولم تردّ القنا حمر الخياشيم وقال قد نعى الذّيك الظّلاما ... فاسقنى الرّاح المداما قهوة بنت دنان ... صفّيت خمسين عاما جعل العلج لها ... من مدار الطّين هاما خلتها فى البيت جندا ... صفّفوا حولى قياما وتراها وهى صرعى ... فرعا بين النّدامى مثل أبطال حروب ... قتّلوا فيها كراما وقال لم ينم ليلى ولم أثم؟؟ ... مفردا بالوجد والسّقم فى سبيل العاشقين هوى ... لم أنل منه سوى التّهم واسقنى الرّاح صافية ... تنشر الاصباح فى الظّلم ولقد أعدو على أثر ال ... حيا راض على الدّيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 لا تلم عقلى ولم طربى ... إنّ عقلى غير متّهم وقال أخذت من شبابى الأيّام ... وتولّى الصّبا عليه السّلام ولقد حثّ بالمدامة كفّى ... غصن بان عليه بدر نمام ونداماى كل خرق كريم ... أتلفث وفره أياد كرام بين أقذاحهم حديث قصير ... هو سحر وما سواه كلام غناء يستعجل الرّاح بالرّا ... ح كما ناح فى الغصون الحمام وكأنّ السّقاة بين النّدامى ... ألفات على سطور فيام وقال يا ربّ ليل سحر كلّه ... مفتضح البدر عليل النّسيم يلتقط الأنفاس برد النّدى ... فيه فيهديه لحرّ الهموم لم أعرف الاصباح من ضوئه ... بالبدر إلّا بانحطاط النّجوم لبست فيه بالتذاذ الهوى ... ولذّة الرّاح ثياب النّعيم وقال أيا ساقى القوم لا تنسنا ... ويا جارة العود غنّى لنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 فقد نشر الدّجن بين السّما ... ء والأرض مطرفه الأدكنا وقال [من] عائدى للهموم والحزن ... وذكر ما قد مضى من الزّمن وشرب كأس فى مجلس بهج ... لم أر همّا به ولم يرنى من كفّ ظبى مقرطق غنج ... يعشقه من عليه يعذلنى جاء بها كالسّراج صافية ... كريمة لم تدنّس ولم تهن من ماء كرم قد عتقت حقبا ... فى بطن أحوى الضّمير مختزن كأنّه منذ قام معتمد ... بعظم ساق شلّاء فى بدن ميت وفيه الحياة كامنة ... تدرجه العنكبوت فى كفن وقال دعنى فما طاعة العذّال من دينى ... ما سالم القلب فى الدّنيا كمفتون أقررت أنّى مجنون بحبّكم ... وليس لى عندكم عذر المجانين وصاحب بعد مسّ النّوم مقلته ... دعوته ولسان الصّبح يدعونى نبّهته ونجوم اللّيل راكعة ... فى حلل من بقايا لونها جون فقام يمسح عينيه وسبّته ... لعقدة النّوم من فيه يلبّينى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 وطاف بالدّنّ ساق وجهه قمر ... فشكّه بسريع الحدّ مسنون ذو طرّة نظّمت فى عاج جبهته ... من شعره حلقا سود الزّرافين كأنّ شقّ عذار شقّ عارضه ... عيدان آس على ورد ونسرين وقال صحوت ولكن بعد أىّ فتون ... فلا تسألونى توبتى ودعونى ودبّ مشيبى بعضه نحو بعضه ... فأخرجنى من أنفس وعيون وأفردت إلّا من تصنّع خائن ... سريع شرار الشّرّ غير أمين وخمّارة يعنى المسيح؟؟ بدينها ... طرقت وضوء الصّبح غير أمين وقامت وفى أجفانها سقم الكرى ... تفضّ بكفّيها خواتم طين فلمّا رآها اللّيل حثّ جناحه ... مخافة صبح فى الدّنان كمين كأنّا وضوء الصّبح يستعجل الدّجى ... نطير غرابا ذا قوادم جون فما زلت أسقاها بكفّ مقرطق ... كغصن ثنته الرّيح بين غصون لوى صدغه كالنّون من تحت طرّة ... ممسّكة تزهى بعاج جبين وقال لا تملّا حثّنا واسقيانا ... قد بدا الصّبح لنا واستبانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 إنّ للمكروه لذعة همّ ... فاذا دام على المرء هانا وامزجا كأسى بريقة شرّ ... طاب للعطشان ورد وحانا ونديم أمرض السّكر منه ... مقلة فاترة ولسانا ساورته بسورة الرّاح حتّى ... صرّف الكأس وردّ البنانا لم يزل يركض وهو مخلّى ... ثمّ علّقنا عليه العنانا وقال قد مضى آب صاغرا لعنة اللّ ... هـ عليه ولعنة اللّاعنينا وأتانا أيلول وهو ينادى ... الصّبوح الصّبوح يا غافلينا وقال ألا من لقلب فى الهوى غير منته ... وفى الغىّ مطواع وفى الرّشد مكره أشاوره فى توبة فيقول لا ... فان قلت تأنى غبة قال اين هى؟ فيا ساقيىّ اليوم عودا كأمسنا ... بابريق خمر فى الكؤوس مقهقه أورّث نفسى ما لها قبل وارثى ... وأنفقه فيما أحبّ وأشتهى وقال قل لمن حيّا فأحيا ... ميّتا يحسب حيّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 ما الّذى ضرّك لو أب ... قيت لى فى الكأس شيّا أترانى كنت إلّا ... مثل من قبّل فيّا يا خليلىّ اسقيانى ... قهوة ذات حميّا إن يكن رشدا فرشدا ... أو يكن غيّا فغيّا قد تولّى اللّيل عنّا ... وطواه الغرب طيّا وكأنّ الصّبح لمّا ... لاح من تحت الثّريّا ملك أقبل فى التّا ... ج يفدّى ويحيّا ومن مختار شعره فى الطرد قال يصف الكلب لمّا تفرّى أفق الضّياء ... مثل ابتسام الشّفة اللمياء وشمطت ذوائب الظّلماء ... قدنا لعين الوحش والظّباء داهية محذورة اللّقاء ... تحملها أجنحة الهواء تستلب الخطو بلا إبطاء ... أسرع من جفن إلى إغضاء ومخطف موثّق الأعضاء ... خالفها بجلدة بيضاء وإثره فى أرضه الأدماء ... كأثر الشّهاب فى السّماء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 ذى مقلة قليلة الأقذاء ... صافية كقطرة من ماء آنس بين السّفح والفضاء ... سرب ظباء رتّع الأطلاء فى غارب منوّر خلاء ... أحوى كظهر الرّيطة الخضراء فيه مسوك الحيّة الرّقطاء ... كأنّها ضفائر الشّمطاء فصاد قبل الأين والأعياء ... خمسين لا تنقص فى الاحصاء «1» وباعنا اللّحوم بالدّماء وقال فى رام بالبندق ولم يصب شيئا يا ناصر اليأس على الرّجاء ... رميت بالأرض إلى السّماء ولم تصب شيئا سوى الهواء ... هانك هذا الرّمى يا ابن الماء وقال فى الزّرّق قد أغتدى واللّيل فى إهابه ... كالحبشىّ مال عن أصحابه والصّبح قد كشّف عن أنيابه ... كأنّه يضحك من ذهابه بزرّق ريّان من شبابه ... ذى مخلب مكّن فى نصابه كأنّ سلخ الايم من أثوابه ... ما زادنا البازى على حسابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وقال فى الصقر والفرس قد أغتدى والصّبح ذى مشيب ... بقارح مسوّم يعبوب ذى أذن كخوصة العسيب ... أو آسة أوفت على قضيب يسبق شأو النّظر الرّحيب ... أسرع من ماء إلى تصويب ومن نفوذ الفكر فى القلوب ... وأجدل حكّم بالتّأديب صبّ بكفّ كلّ مستجيب ... أسرع من لحظة مستريب وقال فى البازى غدوت للصّيد بفتيان نجب ... وسبب للرّزق من خير سبب ذى مقلة تهتك أستار الحجب ... كأنّها فى الرّأس مسمار ذهب بأنسر مثل السّنان المختضب ... قد وثق القوم له بما طلب فهو إذا عرّى لصيد فاضطرب ... عرّوا سكاكينهم من القرب وقال فى الكلاب قد أغتدى واللّيل كالغراب ... ملقى السّدول مغلق الأبواب حتّى بدا الصّبح من الحجاب ... كشيبة حلّت على شباب بكلبة سريعة الوثاب ... تفوق سبقا لحظة المرتاب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 لم يدم صيدا فمها بناب حفظا وإبقاء على الأصحاب وقال فى الشّكّ وقصب الدّبق ما صائدات لسن بارحات ... وراكبات غير سائرات وقد علون غير مكرمات ... منابرا ولسن خاطبات وما طعام ظلّ بالفلاة ... يقرّب الموت من الحياة وما رماح غير جارحات ... ولسن للطّراد والغارات يخضبن لامن علق الكماة ... برفق حرب منجز العدات مستمكن ليس بذى إفلات ... ينشب فى الصّدور واللّبّات أسنّة غير موقّعات ... على عواليها مركّبات من قصب الرّيش مجرّدات ... يحسبن فى الفنىّ شائلات أذناب جرذان منكّسات وقال فى البازى والفرس لمّا حدا الصّبح بليل أدعج ... مثل القباء الأسود المفرّج والنّجم فى غرّة نجم سسرج ... كالمصطلى باللهب المؤجّج وأفق الجوزاء بالصّبح شج ... خافقه مثل اللّواء المزعج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 رعنا الوحوش بابن شدّ مدمج ... أشقر ملزوز العرى والمنسج قد خاض تحجيلا ولم يلجّج ... كالخود فى جلبابها المضرّج رمت إلى معصمها بالدّملج ... ذى غرّه مثل الصّباح الأبلج وأضلع مثل شجار الهودج ... كيف بطلب ذى فقار مرتج كعقد الخطّى لم يعوّج ... وحافر أزرق كالفيروزج منثلم؟؟ يقشر جلد المنهج ... ومكمل شكّته مدجّج أقمر مثل الملك المتوّج ... ذى مقلة نقيّة المحجّج ومخلب كالحاحب المزجّج ... أبرش بطنان الجناح الدّيزج كطيلسان الملك المدبّج ... لم يخل من يوم سرور مرهج ورائح وقادح مؤجّج وقال فى الكلاب غدوت للصّيد بقضف كالقدد ... واللّيل قد رقّ على وجه البلد وابتلّ سربال النّسيم وبرد ... والفجر فى ثوب الظّلام يتّقد عواصف مشابهات للأمد ... ما يستزدها الشّوط من عدو تزد وتقتضى الأرجل والأيدى تعد ... لمّا عدون وعدت خيل الطّرد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 أبرق بالرّمض الفضاء ووعد ... وقام شيطان الجريض وقعد وطار فى السّماء نقع وركد ... كأنّه ملاء غسّال جدد ينشرها السّهل ويطويها الجدد ... مثل القريب عندها ما قد بعد وقال فى البازى قد أغتدى على الجياد الضّمّر ... والنّجم فى طرّة صبح مسفر كأنّه غرّة مهر أشقر ... والوحش فى أوطانها لم تذعر والرّوض مغسول بليل ممطر ... جلالنا وجه الثّرى عن منظر كالعصب أو كالوشى او كالجوهر ... من أبيض وأحمر وأصفر وطارف أجفانه لم ينظر ... تخاله العين فما لم يفغر وفاتق كاد ولم ينوّر ... كأنّه مبتسم لم يكشر وأدمع الغدران لم تكدّر ... كأنّها دراهم فى منثر أو كعشور المصحف المنشّر ... والشّمس فى إضحا جوّ أخضر كدمعة حائرة فى محجر ... تسقى عقارا كالسّراج الأزهر مدامة تعقر إن لم تعقر ... يديرها كفّ غزال أحور فى طرّة قاطرة بالعنبر ... وملثم يكشفه عن جوهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وكفل يشغل فضل المئزر ... ويذعر الصّيد بباز أقمر كأنّه فى جوشن مزرّر ... ذى مقلة تسرح فوق المحجر ومنسر عضب الشّبا كالخنجر ... تخاله مضمّخا بالعصفر وهامة كالحجر المدوّر ... وجوجؤ منمنم محبّر كأنّه رقّ خفىّ الأسطر ... وذنب كالمنصل المذكّر أو كنجىّ الطّلعة المقشّر ... وقبضة تقصل إن لم تكسر قلّص فوق الدّستبان الأحمر ... جناحه كردية المشمّر وقال فى الكلاب لهفى على دهر الصّبا القصير ... وغصنه ذى الورق النّضير وسكره وذنبه المغفور ... ومرح القلوب فى الصّدور وطول حبل الأمل المجرور ... فى ظلّ عيش ناعم غرير فالآن قد صرت إلى مصير ... واشتعل المفرق بالقتير وتركتنى ظنن العبور ... قد أعتدى بين الدّجى والنّور يضمّنى لطائف الحضور ... نمرح فى الأطواق والسّيور «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 ندنى وراء القنص المذعور ... تسمية الله من التّكبير «1» وقال فى القوس والبندق لا صيد إلّا بوتر ... أضفر مجدول ممرّ إن مسّه الرّامى نخر ... ذى مقلة تقذى مدر بطرن منها كالشّرر ... إلى القلوب والثّغر لما غدونا بسحر ... واللّيل مسودّ الطّرر نأخذ أرضا ونذر ... جاءت صفوفا وزمر يطلن ما شاء القدر ... عند رياض وزهر وهنّ يسألن النّظر ... ما عنده من الخبر «2» فقام رام فابتدر ... أوتر قوسا وحسر إذا رمى الصّفّ انتثر ... فبين هاو منحدر وذى جناح منكسر ... فارتاح من حسن الظّفر ومسّه حزّ الأشر ... وقلن إذ حقّ الحذر وجدّ رمى واستمرّ ... ما هكذا يرمى البشر صار حصى الأرض مدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 وقال فى الفهد قد أغتدى قبل الغدوّ بغلس ... وللرّياض فى دجى اللّيل نفس حتّى إذا اللّيل تدلّى كالقبس ... قام النّهار فى ظلام وجلس يلاحق الوثبة ممتدّ النّفس ... نعم الرّديف زاننا فوق الفرس ينفى القذى عن مقلة فيها شوس ... كالزّلم الأصفر صكّ فانملس لما خرطناه تدانى فانغمس ... إذا عدا لم ير حتّى يفترس وقال فى البزاة والكلب واليوزج قم صاحبى نعدو لصيد الوحش ... بصائدات من بزاة برش كأنّما نقّطها موشّى ... ويوزجات ضمّر تستنشى ذوات شمّ وذوات نبش ... ووابل فى العدو غير طشّ فقام بسّاما عبوس البطش ... كمثل دينار جديد النّقش واستبدل السّرج بلين الفرش ... لمّا رأى فى اللّيل فجرا يمشى فكم كناس قد خلا وعشّ ... وقهوة صرف بغير غشّ شربتها تحت ندى ورشّ ... فى ليلة ذات نجوم عمش الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وقال فى الكلاب لمّا تدلّى النّجم لانحطاط ... وهمّ رأس اللّيل بانشماط قدنا لغزلان النّقا العواطى ... داهية تجول فى الرّياط كأنّها والنّفط كالنّياط ... تعجل درّا خرّ بالتقاط تردّه فى حلق الأفراط ... سوائل الأذناب كالسّياط وقال فى الشاهين والغراب أقبل يفرى ويدع ... ممتلىء اللّحظ جزع مستروعا ولم يرع ... تبصره إذا وقع كفرد خفّ منتزع ... إذا رأى الرّوض ربع لمّا رآى وجه الفزع ... طار قريبا وانقمع وصكّه نيق جذع ... ففرّق الرّعب قطع وليس فى العيش طمع وقال فى البازى قد أغتدى وفى الدّجى مبالغ ... والفجر للسّاقة مها صابغ وفيه للصّبح خطيب نابغ ... واللّيل فى المغرب عنه زائغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 بمستمرّ فى الدّماء والغ ... قدّ له قميص وشى سابغ ومنسر ماضى الشّباة دامغ ... يملأ كفّيه جناح فارغ وقال فى الصقر والكلاب من أبيات ومن عجب اللّذات يوم سرقته ... من الدّهر لم يعلم به الدّهر سالف غدونا ولمّا ترتقى الشّمس أفقها ... تسيل بنا قود الجياد الجوائف «1» تشقّ رياضا قد تنفّط نورها ... وبلّلها دمع من المزن ذارف كأنّ عباب المسك بين بقاعها ... تفتّحها أيدى الرّياح اللّطائف وقيدت لحتف الصّيد غضف كواسب ... كمثل قداح الباريات نحائف إذا انخرطت من القلائد خلتها ... ترامى بها هوج الرّياح العواصف تقاسمها قبض النّفوس أجادل ... ففى الأرض نهّاش وفى الجوّ خاطف كأنّ دلاء فى السّماء تخطّها ... وترقى بها أيد سراع غوارف يشقّق آذان الأرانب صكّها ... كما شقّ أنصاف الكوافير خارف «2» تصبّح حزّان القريّة غدوة ... شياطين فى أفواههنّ المتالف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 ونبّه وسنان التّراب ضحيّة ... إلى العصر شدّ يأكل الأرض عاصف ودرّت علينا قرقف بابليّة ... يطوف بها ريم من الانس آلف يصرّف لحظا لا يعاد مريضه ... ويمشى بخصر أتعبته الرّوادف ويرجم غفلات أفتّت بنظرة ... إلىّ كمسّ الخمر والقلب خائف وقال فى البازى لمّا انجلى ضوء الصّباح وفتق ... تجلّى الصّفوة من تحت الرّنق وأنجم اللّيل مريضات الحدق ... والفجر قد ألقى على الأرض طبق غدوت فى ثوب من اللّيل خلق ... يطارح النّظرة فى كلّ أفق ذى منسر أقنى إذا شكّ خرق ... مختضب فى كلّ يوم بعلق ومقلة تصدقه إذا رمق ... كأنّها نرجسة بلا ورق تنشب فى الأنيار حتّى تنفتق ... مخالبا كمثل أنصاف الحلق مبارك إذا رأى فقد لحق ... يسبق ذعر الطّير من حيث انبرق حتّى يرين الموت من قبل الفرق وقال فى الصقر يا ربّ ليل كجناح النّاعق ... سريته بفتية بطارق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 تنتاب صيدا لم يرع بطارق ... بأجدل يلقن نطق النّاطق ململم الهامة فخم العاتق ... ذى مخلب أقنى كنون المنشق وجؤجؤ لابس وشى رائق ... كأثر الأقلام فى المهارق أو كبقايا الكحل فى الحمالق ... حتّى بدا ضوء صباح فاتق وقال وكلبة غدا بها فتيان ... أطلقهم من يده الزّمان كأنّها إذا تمطّت جان ... أو صعدة وعظمها السّنان والنّجم فى مغربه وسنان ... والصّبح فى مشرقه حيران كأنّه مصبّح عريان ... ونحبت لحينها غزلان فأحذت ما أخذ العنان وقال فى الفهود انعتها تفرى الفضاء عدوا ... نوازيا خلف الطّريد نزوا لا تحسن القدرة منها عفوا ... قد وجدت طعم الدّماء حلوا وقال فى الكلاب لمّا غدونا والظّلام قد وهى ... قدنا لغزلان الدّجيل والمها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 ضوامرا تحسبهنّ نقّها ... يصدن للعادى بهنّ ما اشتهى وما انتهت قطّ به حتّى انتهى ... فكلّ ما شاءت من الصّيد لها ومن مختار شعره فى الغزل قال قل لغصن البان الّذى يتثنّى ... تحت بدر الدّجى وفوق النّقا ليت ليلا على الصّراة طويلا ... لليالىّ فى سرّ من رأى الفدا أين مسك من حمأة، وبحور ... من بحار، وصفوة من قذا وقال لاح له بارق فأرّقه ... فبات يرعى النّجوم مكتئبا يطيعه الطّرف عند دمعته ... حتّى إذا حاول الرّقاد أبى وقال قد وجدنا غفلة من رقيب ... فسرقنا لحظة من حبيب ورأينا ثمّ وجها مليحا ... فوجدنا حجّة للذّنوب وقال وصل الخيال وصدّ صاحبه ... والحبّ لا تفنى عجائبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 يا شرّ إن أنكرتنى فلكم ... ليل رأتك معى كواكبه شابت نواصيه وعذّبنى ... بقمير خامسة أراقبه بأبى حبيب كنت أعهده ... لى واصلا فازورّ جانبه عبق الكلام بمسكة نفحت ... من فيه ترضى من يعاتبه نبّهته والحىّ قد رقدوا ... مستبطنا غضبا مضاربه فكأنّنى روّعت ظبى نقا ... فى عينه سنة تجاذبه وقال وا بلائى من محضرى ومغيبى ... من حبيب منّى بعيد قريب لم ترد ماء وجهه العين إلّا ... شرقت قبل ريّها برقيب وقال لقد بليت نفسى بمن لا يحبّنى ... وذاك عذاب فوق كلّ عذاب وقلت له ردّ الجواب فقال لى ... جوابك لا واترك جواب جوابى وقال يا أيّها المتتايه المتغاضب ... مات الرّضى عنّى فانّى تائب وغضبت لمّا قلت هجرك قاتلى ... إن عاد وصلك لى فانّى كاذب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 وقال لا وخدّ من خضرة الشّعر جدب ... لامع نوره كصفحة عضب وابتسام من بعد تقطيب سخط ... ورضى لحظ مقلة بعد عتب لا تبدّلت ما حييت ولا حدّ ... ثت نفسى من بعد حبّى بحبّ وقال ريم يتيه بحسن صورته ... عبث الفتور بلحظ مقلته وكأنّ عقرب صدغه وقفت ... لمّا دنت من نار وجنته وقال نطقت مناطق خصره بصفاته ... واهتزّ غصن البان فى حركاته وعذرت من خطّ العذار بخدّه ... ولحاظه والموت من لحظاته وكأنّ وجنته تفتّح وردة ... خجلا إذا طالبته بعداته وحياة عاذلنى لقد صارمته ... وكذاك بل واصلته وحياته وقال ومحذّف طاقين من سبج ... فى وجه عاج لاح كالسّرج أجسامنا بالسّقم قد بليت ... فسلوا محاسنه عن المهج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وقال مازلت [أطمع] حتّى قد تبيّن لى ... جدّ من الخلف فى ميعاد مزّاح ليلى كما شئت ليل لا انقضاء له ... بخلت حتّى على ليلى باصباح وقال مات وصال وعاش صدّ ... وعزّ مولى وذلّ عبد يا أحسن العالمين وجها ... مالك من أن تحبّ بدّ وقال أغلّق سمعى بالأحاديث بعدكم ... وأصرف لحظى عن محدّثها عمدا «1» وأسأله ردّ الحديث لعلّة ... سواك ودمعى دائب يفضح الوجدا وقال يا نسيم الرّيح من بلد ... إن لم تفرّج همّى فلا ترد أبيت والشّوق فى الفراش معى ... يكحل عينى بمرود السّهد أخطأت يا دهر فى تعرّقنا ... ويحك تب بعدها ولا تعد مالى أرى اللّيل لا صباح له ... ما الهجر إلّا ليل بغير غد وقال ماذا يضرّك لو رثيت لعاشق ... قلق يقوم به هواك ويقعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 تجد العيون رقادها، ورقاده ... حتّى الصّباح مضيّع ما يوجد وله إذا ما قصّر اللّيل الكرى ... ليل طويل العمر ليس له غد وقال ومن حسرة الدّنيا هواك لباخل ... بعيد من العتبى ضنين بموعد يجىء مجىء الفىء كلّ عشيّة ... ويرجع لم يسعف بلفظ ولا يد وقال ما أقصر اللّيل على الرّاقد ... وأهون السّقم على العائد يفديك ما أبقيت من مهجتى ... لست لما أوليت بالجاحد كأنّنى عانقت ريحانة ... تنفّست فى ليلها البارد فلو ترانا فى قميص الدّجى ... حسبتنا فى جسد واحد وقال أما ترى يا صاح ما حلّ بى ... من ظالم فى حكمه معتدى [يقول للقلب إذا ما خلا ... يا قلب قم واطلب ولا تقعد] كم من فسوق فى كلام له ... وغمزة مكتومة باليد ولحظة أسرع من تهمة ... تجيب من يسأل أو يبتدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 يا موسم العشّاق قل لى متى ... تخلو من الغائر والمنجد [يا مقمرا فى الشّعر الأسود ... وضاحكا فى أقحوان ندى ليتك قد أحسنت بى مرّة ... واحدة أو حلت عن موعدى] وقال لا تلق إلّا بليل من تواصله ... فالشّمس نمّامة واللّيل قوّاد كم عاشق وظلام اللّيل يستره ... لاقى الأحبّة والواشون رقّاد وقال ومستكس يزهى بخضرة شارب ... وفترة أجفان وخدّ مورّد تبسّم إذ مازخته فكأنّما ... تكشّف عن درّ حجاب زبر جد وقال قد حمى ظبى النّقا أسده ... ريقه عذب ومن يرده مشرب طابت مشارعه ... جامد فى خمرة برده «1» هو سقم حين أفقده ... وشفاء السّقم لو أجده وقال شفانى الخيال بلا حمده ... وأبدلنى الوصل من صدّه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وكم نومة لى قوّادة ... تقرّب حبّى على بعده وقال مضيت فكم دمعة لى علي ... ك تهوى وكم نفس يصعد [وجئت فحبّى ذاك الّذى ... عهدت كما هو لا ينفد] فهل لك فى أن تعيد الوصا ... ل فالعود أحمد يا أحمد وقال سقيا لظلّ زمانى ... ودهرى المحمود ولّى كليلة وصل ... قدّام يوم صدود وقال [يا أيّها الرّاكب المستعجل الغادى ... أقر السّلام على يعقوب بالوادى وقل له الحقه قد خلفّته دنفا ... يمجّ آخر عهد بين عوّاد] يا حبّذا الدّهر إذ نسقى مسرّته ... صرفا ونمزج إنجازا بميعاد وإذ نبيت وقلبانا قد انتصفا ... حادى عناق وإسعاف وإسعاد [بسرّ من راسقاها [الغيث] ما شربت ... من رائح ضاحك بالمزن أو غاد وقال ألا حلّلوا عنّى عرى الهمّ بالمنى ... وأخبار شرّ قد رضيت بأخبار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وإلّا فزيدوا زفرتى أو فأمسكوا ... جناح فؤاد بين جنبى طيّار «1» وقال: بان الخليط ولم يطق صبرا ... ووجدت طعم فراقهم مرّا وكأنّما الأمطار بعدهم ... كست الطّلول غلائلا خضرا هل تذكرين وأنت ذاكرة ... مشى الرّسول اليكم سرّا إن تغفلوا يسرع لحاجته ... وإذا راوه حسّن العذرا فطن يورّى ما تقول له ... ويزيد بعض حديثنا سحرا وقال ما الذّنب لى بل أذنب السّكر ... على لسانى وبقولى عذر فيا بديع الحسن يا سيّدى ... حتّى متى لا يهجر الهجر «2» الحق دموعى وهى فى جفنها ... موقوفة لم يجرها قطر وغصّة لى لم تصر زفرة ... من قبل أن ينهتك السّتر وقال قف خليلى نسأل لشرّة دارا ... ومحلّا منها خلاء قفارا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 ضاع شوق اليك لم تعلميه ... بات بين الأحشاء يوقذ نارا ربّ صاد إلى حديثك خلّا ... ب وقد طاف حول سرّى ودارا «1» لو رأى مطلعا من الأمر سهلا ... دبّ فى النّاس ينقب الأسرارا عزلتنى عنها المخافة إلّا ... من خيال إذا دجى اللّيل زارا لم يزل فى الرّقاد يلثم فاها ... ويقضّى من شرّة الأوطارا خاليا لا يخاف أذنا وعينا ... بات دون الفراش والبعل جارا مزجته بنفسها مثل ما يم ... زج ساق بماء مزن عقارا وقال فكيف بها لا الدّار منها قريبة ... ولا أنت عنها آخر الدّهر صابر أبن لى فقد بانت لها غربة النّوى ... أأنت على شىء سوى الهمّ قادر «2» نعم أن يزول القلب عن مستقرّه ... خفوقا وتنهلّ الدّموع البوادر وأحيا حياة بعد شرّ مريضة ... لها عاذل فى حبّ شرّ وعاذر الا يا بنى العبّاس هذا أخوكم ... قتيل فهل منكم له اليوم ثائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 وقال أقول وقد نادوا ببين وقوّضوا ... خيامهم من منجدين وغائر رويدك يا حبّ المليحة ساعة ... ولا تقتلنّى قبل زمّ الأباعر وباتوا كأنّ الدّهر لم ينخدع لها ... بطول وصال منهم وتزاور وقال يا ليلة بتّ فيها دائم السّهر ... أرعى النّجوم حليف الهمّ والفكر كأنّها حين ذرّ اللّيل ظلمته ... جمر جلته الصّبا فى مصطلى خضر يا ويح قلبى من ريم بليت به ... بالصّبح منتقب بالّليل معتجر وقال أشكو إلى الله هوى شادن ... أصبح فى هجرى معذورا إن جاء فى اللّيل تجلّى وإن ... جاء صباحا زاده نورا فكيف أحتال إذا زارنى ... حتّى يكون الأمر مستورا وقال يا هلالا يدور فى فلك النّا ... ورد رفقا بأعين النّظّاره «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 قف لنا فى الطّريق إن لم تزرنا ... وقفة فى الطّريق نصف الزّياره وقال: يا عاذلى فى ليله ونهاره ... خلّ الهوى يكوى المحبّ بناره ويح المتيّم ويحه ماذا على ... عذّاله من ذنبه أو عاره يا حسن أحمد إذ غدا متشمّرا ... فى قرطق يسعى بكأس عقاره والغصن فى أثوابه والدّرّ فى ... فمه وجيد الظّبى فى أزراره لكنّه قاس كذوب وعده ... نائى المزار على دنوّ جواره قد كنت معذورا لهجرة مثله ... لولا ملاحة خدّه وعذاره وقال «1» إنّ الخليط بكر ... زمرا تخبّ زمر ما زلت أتبعهم دم ... عا بكيد نظر ولقد طرقت على ... صدّ وحسن حذر رشأ لمحبّته ... شرب الكرى فسكر شغلته أقرطه ... دمالج وطرر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 وغدت تبشّره ... مرآته بقمر يفترّ عن برد ... لولا الجمود قطر وقال يا ظالم الفعل ومظلوم النظّر ... ويا قضيبا وكثيبا وقمر قدرت لى فحبّذا هذا القدر ... وإن ملأت العين دمعا وسهر وقال قد صاد قلبى قمر ... يسحر منه النّظر بوجنة كأنّما ... يطير منها الشّرر وشارب قد همّ أو ... نمّ عليه الشّعر ضعيفة أجفانه ... والقلب منه حجر كأنّما ألحاظه ... من فعله تعتذر «1» ألحسن فيه كامل ... وفى الورى مختصر وقال قد سقتنى ريقا وريقا كخمر ... بنت عشر فى كفّها بنت عشر كمّل الحسن والملاحة فيها ... خالق هزّ غصنها تحت بدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 مرحبا باختلاج أجفان عين ... بشّرت نفسها برؤية شرّ لك منّى عتق من الدّمع إن ص ... حّ الّذى قلته ولو بعد دهر وقال بالله يا ذا المقلة السّاهره ... اغفر ذنوب الدّمعة القاهره ته كيف ما شئت علينا فقد ... تاهت بك الدّنيا على الآخره وقال: أصابت عينه عين فزيدت ... فتورا فى الملاحة وانكسارا فصار لغمزها عذر إذا ما ... أشار إليه لحظى أو أشارا «1» وزاد سقامها سقما فأذكت ... على قلب المتيّم منه نارا وقال أرى أعين الأعداء قد فطنت بنا ... وأوجس سوء الظّنّ من كان ذا أنس فان منعوا من صورة الجسم صورة ... ففى النّوم تلقى صورة النّفس للنّفس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 وقال أيا طرّة عبّاس ... لقد أكثرت وسواسى أرى ليلا من الشّعر ... على شمس من النّاس ألا قولوا لمن يغدو ... إلى ميدان أشناس أنا أحسن من يرمى ... بسهم وجه برجاس أترضى لرجائى من ... ك أن يختم بالياس وقال بكاء يستجيب ولا يحتبس ... ونفس شكت بلسان النّفس ومولى يجور على عبده ... يقول إذا ذكروه تعس حرصت على حبّ من لا يحبّ ... فلا ربّ مستعجل قد جلس وقال [دع نديما قد تناءى وحبس ... واسقنى واشرب عقارا كالقبس] هام قلبى بفتاة غادة ... حولها الأسياف فى أيدى الحرس [لا تنام اللّيل من حبّى وإن ... غرّد القمرىّ زارت فى الغلس] وتسمّينى إذا ما عثرت ... فاذا ما فطنوا قالت تعس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 وقال يتيه عبدى وأنا أخضع ... إن كان ذا دأبى فماذا أصنع يا عاذلى عذلك لى ضائع ... أسمعتنى والحبّ لا يسمع وقال عليم بما تحت الصّدور من الهوى ... سريع بكرّ اللّحظ والقلب جازع ويجرح أحشائى بعين مريضة ... كمالان متن السّيف والحدّ قاطع وقال ألآن زاد على عشر بواحدة ... من بعد أخرى وشاب الحبّ بالخدع وجاوب اللّحظ منه لحظ عاشقه ... وجرّر الوعد بين اليأس والطّمع قد كان غرّا بقتلى ليس يحسنه ... واليوم يبدع فى قتلى على البدع وقال أيا من فؤادى به مدنف ... حجبت فلى دمعة تذرف إذا منعوا مقلتى أن ترا ... ك فقلبى يراك ولا يطرف وقال بليت يا قوم بمستبصر ... فى الظّلم لا أنطق من خوفه محرّك اليمنى إذا ما مشى ... وواضع اليسرى على سيفه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 كلامه أخدع من لحظه ... ووعده أكذب من طيفه وقال ومن دون ما أظهرت لى تضرب المنى ... ويمسى جليد القوم وهو ضعيف «1» ولم أدر أنّ البان يغرس بالنّقا ... ولا أن شمسا فى الظّلام تطوف وقال وغزال مقرطق ... ذى وشاح ممنطق زيّن الله خدّه ... بعذار معلّق لم أكن فيه بدعة ... كنت ممّن به شقى يا محلّ السّقام بى ... خذ من الجسم ما بقى وقال وزائرة تستعجل المشى طارقه ... أتتنا من الفردوس لا شكّ آبقه إذا ما تثنّت قال للرّيح قدّها ... كذا حرّكى الأغصان إن كنت صادقه وقال إذا ما جحدت الحبّ قالت عواذلى ... فما لك تبكى دمع عينيك أصدق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 شقيت كمن يشقى بريم أحبّه ... على وجهه نور من الحسن يشرق ولم تتمكّن لحية من عذاره ... بلى مسحته مسحة وهى تفرق وقال لا ويوم الرّقيب وقت التّلاقى ... وارتداء الاثنين بالاعتناق وارتضاع الفمّين من برد زيق ... طيّب طعمه لذيذ المذاق وعتاب خلاله ضحكات ... لا عتاب القطوب والاطراق وحبيب أتى على غير وعد ... نقر الباب بعد طول فراق لا أطعت العذول فى لذّة الكأ ... س ولا لمت عاشقا فى اشتياق أنا من ماء دمعتى فى ابتلال ... ولا يقاد لوعتى فى احتراق وقال يجادلنى أيّنا أعشق ... ودمعى لأدمعه المطلق فمن قد بكى شجوه الأصدق ... ومن زار صاحبه الأشوق وقال لا أرق الله من أهدى لى الأرقا ... وأودع القلب نار الحبّ فاحترقا تناصفت فيه من فرق إلى قدم ... محاسن كلّها تستوقف الحرقا «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 فكم تحيّر؟؟ من عقل ومن نظر ... فيه وكم طار من قلب وكم خفقا يا ملبس السّقم جسمى بعد صحّته ... عجّل وفاتى وإلّا فالحق الرّمقا لم يترك الشّوق [منّى] مذ عييت به ... عن نصرى تخلّقا فى صبرى ولا خلقا» وقال أيا ويلى وعولى من مكاسك ... ويا همّى وكربى لاحتباسك فكم ذا التّيه قد أسرفت فيه ... أرانى الله خدّك مثل راسك وقال بمنّى ومكّة للحجيج مواسم ... والياسريّة موسم العشّاق مازلت أنتقد الوجوه بحوّها ... نقد الصّيارف جيّد الأوراق وقال صددت وإن صددت برغم أنفى ... فكم فى الصّدّ من نظر إليكا أراك بعين قلب لا تراها ... عيون النّاس من حذر عليكا فأنت الحسن لا صفة بحسن ... وأنت الخمر لا ما فى يديكا وقال باح هجران من أحبّ بتركى ... فدعونى أبكى عليه وأبكى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 قلت للكأس وهو يكرع فيها ... ذقت والله منه أطيب منك وقال ما حان لى أن أراكا ... وأن أقبّل فاكا قلبى بكفّيك فانظر ... هل فيه خلق سواكا وقال شفّعينى يا شرّ فى ردّ قلبى ... فلقد طال حبس قلبى اليك وائذنى فى الرّقاد لى إنّ عينى ... تستزير الرّقاد من عينيك وقال أغار عليك من قلبى إذا ما ... رآك وقد نأيت وما أراك وطرفى حين نمت فبات ليلا ... يسير ولم أسر حتّى أتاك وغيثا جاد ربعا منك قفرا ... أليس كما بكيتك قد بكاك ومن طرف القضيب من الأراك ... إذا أعطيته يا شرّ فاك وقال بدر يبين اللّيل أنواره ... من تحته غصن نقا مائل لا يكفل المئزر أكفاله ... وخصره مختصر ناحل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وقال ومنعم كالغصن ذى الميل ... مازحته فاحمرّ من خجل لمّا شممت الخمر من فمه ... وفّيته حدّا من القبل وقال لا تعاتب إذا هوي ... ت ولا تكثّر العلل لا تذكّر بوصلك ال ... هجر ما دام قد غفل «1» وقال جسم المحبّ بثوب السّقم مشتمل ... وجفنه بدموع الشّوق مكتحل «2» وكيف يبقى على ذا جازع كمد ... لم يبق من صبره رسم ولا طلل وظلّ عذّاله يلحون صبوته ... لو يعلمون الّذى يلفى لما عذلوا وقال أطلت وعذّبتنى يا عذول ... بليت فدعنى حديثى يطول هواى هوى باطن ظاهر ... قديم حديث لطيف جليل ألا ما لذا اللّيل لا ينقضى ... كذا ليل كلّ محبّ طويل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وقال وزائر زارنى على وجل ... متنقّب الوجنتين بالخجل قد كان يستكثر الكلام لنا ... فجاد بالاعتناق والقبل قبّلت منه الّذى أؤمّله ... بل الّذى كان دونه أملى وقال لى حبيب يكدّنى بمطاله ... غشّ دينى بحسنه وجماله قمر يلبس الظّلام ضياء ... عجب النّقص فى الورى من كماله نازح الوصل ليس يرحم آما ... لى من طول خلفه واعتلاله وجّهت نفسى الرّجاء إليه ... وأقامت على انتظار نواله وقال قم ففرّج من كربتى يا رسول ... إنّ عبد الهوى لعبد ذليل ما رددت الجواب منه فأحيا ... ليت شعرى متى لقول يقول وقال لبست صفرة فكم فتنت ... من أعين إذ رأينها وعقول مثل شمس فى الغرب تسحب ثوبا ... صبغته بزعفران الأصيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 وقال أقول وقد طال ليل الهموم ... وقاسيت حزن فؤاد سقيم عسى شمسه مسخت كوكبا ... فقد طلعت فى عداد النّجوم وقال صدّت شرير فلم تكلّمنى ... كم ذا التّجنّى على المحبّ كم تعاونت فى دمى محاسنها ... لكن خذوا سحر عينها بدمى دعت خلاخيلها ذوائبها ... فجئن من رأسها الى القدم وقال هاتيك دار شرير لا يغيّرها ... كرّ الخطوب وطول العهد والقدم تحرّج الدّهر لا يمحو معالمها ... وإن تغنّى بها الارواح والدّيم وقال لحظ المحبّ على الأسرار متّهم ... إذا استشفّوا الهوى من تحته علموا من كان يكتم ما فى القلب من حرق ... ففى الدّموع حديث ليس ينكتم وقال البرق فى مبتسمه ... والخمر فى ملتثمّه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 ووجهه فى شعره ... كقمر فى ظلمه نام رقيبى سكرا يحرسنى فى حلمه ... وبات من أهوى معى يزقّنى ريق فمه وقال يا خفىّ الرّقى لحيّات سخطى ... وجريئا على الذّنوب العظام وله شافع من الشّكل والحس ... ن وجيه يفلّ سيف انتقامى ربّ ذنب له بديع عجيب ... جامع بين عبرتى وابتسامى وقال هجرتك عانية بلا جرم ... ظلمتك قد مرنت على الظّلم قالت بليت بحقّ جسمى أن ... تبلى وهل أبقيت من جسمى إنّ الرّسول أشاع قولك لى ... إيّاك أن تزداد من علم أوشى بسرّ هواى من سقمى ... وأنمّ من سمعى إلى فهمى وقال تعال قد أمكن المكان ... واجسر على الوصل يا جبان بادر فانّ الزّمان غرّ ... من قبل أن يفطن الزّمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 وقال قد جاءنا العيد يا معذّبتى ... لا تجعليه همّا وأحزانا قومى فضّحى بالهجر فيه لنا ... وصيّريه يا شرّ قربانا وقال كم ليلة عانقت فيها بدرها ... تحت الظّلام موسّدا كفّيه مازلت أشرب خمرة من ريقه ... وتحيّتى تفّاحتا خدّيه وسكرت لا أدرى أمن خمر الهوى ... أم كأسه أم فيه أم عينيه وقال أيا بديعا بلا شبيه ... ويا حقيقا بكلّ تيه ومن جفانى فما أراه ... هب لى رقادا أراك فيه وقال يا من به صمم عن الشّكوى ... وتغافل عن صاحب البلوى سافرت بالآمال فيك فلم ... تبلغ وصالك وانثنت حسرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 ومن مختار شعره فى الصّفات قال يصف سيفا لنا صارم فيه المنايا كوامن ... فما ينتضى إلّا لسفك دماء ترى فوق متنيه المنايا كأنّه ... بقيّة غيم رقّ دون سماء وقال يذم بستانه إذا ما سقى الله البساتين كلّها ... سجال سحاب دائم الودق منسكب فأعطش بستانى الإله ولا سقى ... له طاقة ما لاح نجم ولا غرب كتوم لحبّ البذر ليس بناتج ... وأشرب من رملات يبرين لا شرب ومرسى لغرس الآس والنّقل حالق ... بتربته الجرباء من أخبث التّرب أصفّق فيه حسرة وتلهّفا ... وقد كنت أرجو أن أصفّق من طرب وقال أحرقنا أيلول فى ناره ... فرحمة الله على آب ما قرّ لى جنب على مضجعى ... كأنّنى فى كفّ طبطاب وقال يذم الشرب فى يوم الغيم والمطر أنا لا أشتهى سماء كبطن ال ... عير والشّرب تحتها فى خراب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وبيوت يوقّع الوكف فيه ... نّ وإيقاع الوكف غير صواب إنّما أشتهى الصّبوح على وج ... هـ سماء مصقولة الجلباب حين تبدو الشّمس المنيرة كا ... لدّينار تجلوه سكّة الضّرّاب فى غداة قد ساعدتك ببرد ال ... ماء فى يومها وصفو الشّراب من عقار فى الكأس تشبه شمسا ... طلعت فى غلالة من سراب أو عروس قد ضمّخت بخلوق ... فهى صفراء فى نقاب حباب وغناء لا عذر للعود فيه ... بتبدّى الأوتار والمضراب ونقاء البساط من أثر ال ... طّين ومسح الأقدام فى كلّ باب ونشاط الغلمان إن عرضت حا ... جاتهم فى المجىء أو فى الذّهاب وحقاق الرّيحان والنّرجس الغ ... ضّ بأيدى الخلّان والأصحاب لا تندّى الأنوف منه إذا ش ... مّ لشرب ندى أنوف الكلاب وقال يصف نارا وموقدات بين نضر من اللهب ... يشبعنه من فحم ومن حطب رفعن نيرانا كأشجار [الرّ ... ] «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 وقال يصف بئرا ودلويها حفرتها جوفاء منقورة ... فى دمث سهل وطىء التّراب تضمن رىّ الجيش للمستقى ... كأنّ دلويها جناحا غراب وقال يصف فرسا يا ربّ ليل ضاع منّى كوكبه ... مشتبه مشرقه ومغربه قد اكتسى برد الشّباب غيهبه ... وقبض اللّحظ فما يسيّبه والبرق فى حافاته يشيّبه ... لا يعرف الصّبح ولكن يحسبه كأنّه والمزن صاف هيدبه ... لابسة ثوب حداد تسحبه حتّى إذا مدّ علينا طنبه ... تقطّعت سموطه وسخبه وقام فيه رعده يؤنّبه ... وقارح تركبه أو تجنبه يكاد لولا اسم إله يصحبه ... تأكله عيونهم وتشربه أضيع شىء سوطه إذ يركبه ... والجرى يرمى ماءه ويحلبه كقدح الصّريح نصّت شعبه ... كأنّ جنّان الفلاة تضربه يكاد أن يطير لولا لبنه ... يعزف جهد الغانيات جنبه كأنّ ما يفرّ منه يطلبه ... ذو مقلة قلّت لديها رتبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 يصقلها جفن رقاق حجبه ... وعنق كالجذع خطّ شذبه وأذن أمينة لا تكذبه ... كآسة فى غصن تقلّبه يعطيك من ورائه ما يكسبه ... وهو إذا استقبلته ينتهبه وأربع كأنّها تستلبه ... تخالها تعجل شيئا تحسبه كأنّما عشاوة تسلّبه ... ثوب من الدّيباج عال مشجبه «1» وقال يصف الناقة تربّعت حتّى إذا العود ذوى ... ورمّح الجندب رضراض الحصا وأشعلت جمرتها شمس الضّحا ... وسلخت عن الثّرى جلد النّدى ورقصت هوج الرّياح بالسّفا ... سمت إلى ما سحبت أيدى السّما بمقلة تطحن عوّار القذا ... كما صفا الماء على متن صفا رحلتها والفىء ظعنا ما نشا ... حتّى إذا ما النّجم فى اللّيل طفا واشتدّ بالرّكب النّجاء والسّرى ... وخيّطت جفونهم على الكرى وثقلت رؤوسهم على الطّلا ... ابتدأت سيرا كتحريق الغضا حتّى محا الاصباح عنوان الدّجا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وقال يصف الحمام أعددت للغاية سابقات ... معلّمات ومحزّمات ربّين أفراخا مزغّبات ... حتّى إذا رحن مشوّكات بأبر الرّيش مغرّزات ... سحبن فى الوكور دائرات حواصلا أودعن قرطمات ... كأنّها صرار لؤلؤات حتّى إذا نقّرن لاقطات ... لاقين بالعشىّ والغداة صدا من الآبا والامّهات ... ثمّ بعثن غير مبعدات من بعد ميقات إلى ميقات ... حتّى إذا خرجن عاريات من حلل الرّيش مجرّدات ... ثمّ تبذّلن بأخريات كخلع الوشى المنشّرات ... أرسلن من بحر ومن فلاة مقصّصات ومرجّلات ... فكم رقدن غير آمنات فى قلّة الطّود وفى الموماة ... يحملن بالأزواج والزّوجات وتارة يطرقن بالرّوعات ... من ابن عرس عجل الوثبات وربّ يوم ظلن خائفات ... من الصّقور ومن البزاة والقوس والبندق والرّماة ... وإن سقطن متزوّدات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 فمسرعات غير لابثات ... لبلغة ممسكة الحياة خوف حبالات ومنهزات ... فلم تزل كذاك دائبات طائرة القلوب طائرات ... تلوح مثل النّجم للهداة حتّى تحدّرن إلى الأبيات ... وهنّ فى البروج ساكنات وقال فى سماجة النيروز اشرب غداة النّيروز صافية ... أيامها فى السّرور ساعات قد ظهر الجنّ فى النّهار لنا ... منهم صفوف ودستبندات تميل فى رقصهم قدودهم ... كما تثنّت فى الرّيح سروات وركّب القبح فوق حسّهم ... وفى سماجاتهم ملاحات وقال فى صفة بازى وذات نأى مشرق وجهها ... معشوقة الألحاظ والغنج كأنّما تلثم طفلا لها ... زنت به من ولد الزّنج وقال وقد أحرق زنابير وجنود أبرتهم بحريق ... يتلظّى إذا أحسّ بريح «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 قرّت العين إذ رأتهم سقوطا ... كنثار من الصّبيح المليح طالما قد جمعوا أعالى دارى ... ونفونى عن طيب روح السّطوح كم صريع منّا لهم مستغيث ... مثل زقّ بين النّدامى طريح وقال كأنّى حين تعتذر المطايا ... على فتخاء ناشرة جناحا بخرق تقصر الألحاظ عنه ... بعيد الماء يبتلع الرّياحا وقال مآخير للخيرىّ فى الورد ... صار من القرب إلى البعد فى آخر المجلس هذا يرى ... وذا على العينين والخدّ وقال فى نبيذ الدوشاب لا تخلطوا الدّوشاب فى قدح ... بصفاء ماء طيّب البرد لا تجمعوا بالله ويحكم ... غيظ الوعيد ورقّة الوعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وقال فى ذم الصبوح وهى قصيدة مزدوجة وجئنا بها على الوجه [الأكمل لأن طالب] جيدها لابد له من ذكر ما فيها. لى صاحب قد ملنّى وزاذا؟؟ ... فى تركى الصّبوح ثمّ زادا «1» قال ألا تشرب بالنّهار ... وفى ضياء الفجر والأسحار «2» إذا وشى باللّيل صبح فافتضح ... وذكر الطّائر شجوا فصدح والنّجم فى حوض الغروب وارد ... والفجر فى إثر الظّلام طارد ونفض الّليل على الرّوض النّدا ... وحرّكت أغصانه ريح الصّبا وقد بدت فوق الهلال غرّته ... كهامة الأسود شابت لحيته فخمّش النّار ببعض نوره ... واللّيل قد رفّع من ستوره وقال شرب اللّيل قد آذانا ... وطمس العقول والأذهانا ألا ترى البستان كيف نوّرا ... ونشر المنثور زهرا أصفرا وضحك الورد إلى الشّقائق ... واعتنق القطر اعتناق وامق فى روضة كحلل العروس ... وحزم كهامة الطّاووس «3» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 وياسمين فى ذرى الأغصان ... منتظم كقطع العقيان والسّرو مثل قصب الزّبرجد ... قد استمدّ العيش من ترب ندى على رياض وثرى ثرىّ ... وجدول كالمبرد المجلّى وأفرج الخشخاش جيبا وفتق ... كأنّه مصاحف بيض الورق أو مثل أقداح من البلّور ... تخالها تجسّمت من نور وبعضها عريان من أثوابه ... قد خجل البائس من أصحابه تبصره مثل انثناء الورد ... مثل الدّبابيس بأيدى الجند «1» والسّوسن الأبيض منشور الحلل ... كقطن قد مسّه بعض البلل وقد بدت منه ثمار الكنكر ... كأنّها جماجم من عنبر وحلق البهار بين الآس ... جمجمة كهامة الشّمّاس حيال شيح مثل شيب النّصف ... وجوهر من زهر مختلف وجلّنار كاحمرار الخدّ ... أو مثل أعراف ديوك الهند والأقحوان كالثّنايا الغرّ ... قد صقلت أنواره بالقطر قل لى فهذا حسن باللّيل ... ويلى ممّا يشتهى وعولى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وأكثر الاصناف والأوصافا ... فقلت قد جنّبتك الخلافا بت عندنا حتّى إذا الصّبح سفر ... كأنّه جدول ماء منفجر قمنا إلى زاد لنا معدّ ... وقهوة صرّاعة للجلد كأنّما حبابها المنثور ... كواكب فى فلك تدور ومسمع يلعب بالأوتار ... أرقّ من ناجية القمارى ولا تقل لى قد ألفت منزلى ... فتفسد الوعد بعذر مشكل فقال هذا أوّل الجنون ... متى ثوى الضّبّ بوادى النّون دعوتكم إلى الصّبوح ثمّ لا ... أكون فيه إذ أجبتم أوّلا لى حاجة لابدّ من قضائها ... لتستريح النّفس من عنائها ثمّ أجى والصّبح فى عنان ... إليك قبل نقرة الأذان ثمّ مضى يوعد بالبكور ... وهزّ رأس فرح مسرور فقمت منه خائفا مرتاعا ... وقلت ناموا ويحكم سراعا لتأخذ العين من الرّقاد ... حظّا إلى تغليسة المنادى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 فمسحت جنوبنا المضاجعا ... ولم أكن للنّوم قبل طائعا ثمّت قمنا والظّلام مطرق ... والطّير فى وكورها لا تنطق [وقد تبدّى النّجم فى سواده ... كحلّة الرّاهب فى حداده] ونجن نصغى السّمع نحو الباب ... فلم نجد حسّا من الكذّاب [حتّى تبدّت حمرة الصّباح ... وأوجع النّدمان صوت الرّاح] «1» ومالت الشّمس على الرّؤوس ... وملك السّكر على النّفوس «2» جاء بوجه بارد التّبسّم ... مفتضح بما جنى مذمّم يعثر وسط الدّار من حيائه ... وينتف الأهداب من ردائه يعطعط القوم به حتّى سدر ... وافتتح القول بعىّ وحصر وجاءنا بقصّة كذّابه ... لم يفتح القلب لها أبوابه كعذر العنّين بعد السّابع ... إلى عروس ذات هنّ ضائع فلم يزل بشأنه منفردا ... يرفع بالكأس إلى فيه يدا والقوم من معذّل نشوان ... وغرق فى نومه وسنان كأنّه آخر خيل الحلبه ... له من المجهز ألف ضربه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 فاسمع فانّى للصّبوح عائب ... عندى من أخباره عجائب إذا أردت الشّرب عند الفجر ... والنّجم فى لجّة ليل يسرى «1» وكان برد والنّديم يرتعد ... وريقه على الثّنايا قد جمد وللغلام ضجرة وهمهمه ... وشتمة فى صدره مجمجمه يمشى بلا رجل من النّعاس ... ويدفق الكأس على الجلّاس ويلعن المولى إذا دعاه ... ووجهه إن جاء فى قفاه وإن أحسّ من نديم صوتا ... قال مجيبا طعنة وموتا وإن يكن للقوم ساق يعشق ... فجفنه بجفنه مدبّق ورأسه كمثل فرو قد مطر ... وصدغه كالصّولجان المنكسر أعجل عن مسواكه وزينته ... وهيئة تبصر حسن صورته كأنّه عضّ على دماغ ... متّهم الأنفاس والأرفاغ يخدمهم بشفشج محلول ... ويجعل الكأس بلا منديل فان طردت البرد بالسّتور ... وجئت بالكافور والسّمور فأىّ فضل للصّبوح يعرف ... على الغبوق والظّلام مسدف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وقد نسيت شرر الكانون ... كأنّه نثار ياسمين ترمى به الجمر إلى الأحداق ... فان ونى قرطس فى الآماق وترك البساط بعد الجدّه ... ذا نقط سود كجلد الفهده فقطع المجلس باكتئاب ... وذكر حرق النّار للثّياب ولم يزل للقوم شغلا شاعلا ... وأصبحت جبابهم مناخلا حتّى إذا ما ارتفعث شمس الضّحى ... قيل فلان بن فلان قد أتى وربّما كان ثقيلا يحتشم ... فطوّل الكلام حينا وختم ورفع الرّيحان والنّبيذ ... وزال عنك عبثك اللّذيذ ولست فى طول النّهار آمنا ... من حادث لم يك قبل كائنا أو خبر يكره أو كتاب ... يقطع طول اللهو والشّراب واسمع إلى مثالب الصّبوح ... فى الصّيف قبل الطّائر الصّدوح جين حلا النّوم وطاب المضجع ... وانكسر الحرّ ولذّ المهجع وانهزم البقّ وكنّ وقّعا ... على الدّماء كيف شئن شرّعا من بعد ما قد أكلوا الأجسادا ... وطيّروا عن الورى الرّقادا فقرّب الزّاد إلى نيام ... ألسنهم ثقيلة الكلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 من بعد أن دبّ عليه النّمل ... وحيّة تقذف سمّا صلّ وعقرب مخدورة قتّاله ... وجعل وفأرة بوّاله وللمغنىّ عارض فى حلقه ... ونعسة قد قدحت فى حذقه وإن أردت الشّرب بعد الفجر ... والصّبح قد سلّ سيوف الحرّ فساعة ثمّ تجىء الدّامغه ... بنارها فلا تسوغ سائغه ويسخن الشّراب والمزاج ... ويكثر الخلاف والضّجاج من معشر قد جرّعوا الحميما ... وأطعموا من زادهم سموما وأولعوا بالحكّ والتّفرّك ... وعصت الآباط أمر المرتك وصار ريحانهم كالقتّ ... وكلّهم لكلّهم ذو مقت وبعضهم عند ارتفاع الشّمس ... يحسّ جوعا مؤلما للنّفس فان أسرّ ما به تهوّسا ... ولم يطق من ضعفه تنفّسا وطاف فى أصداغه الصّداع ... ولم يكن بمثله انتفاع وكثرت حدّته وضجره ... وصار كالجمر يطير شرره [وهمّ بالعربدة الوحشيّه ... وصرف الكاسات والتّحيّه وظهرت مشقّة فى حلقه ... ومات كلّ صاحب من فرقه] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وإن دعا الشّقىّ بالطّعام ... خيّط جفنيه على المنام [وكلّما جاءت صلاة واجبه ... فسا عليها فتولّت هاربه فكدّر العيش بيوم أبلق ... أقطاره بلهوه لم تلتق ومن أدام للشّقاء هذا ... من فعله والتذّه التذاذا لم يلف إلّا دنس الأثواب ... مهوّسا مهوّس الأصحاب يزداد سهرا وضنّى وسقما ... ولا تراه الدّهر إلّا فدما ذا شارب وظفر طويل ... ينغّص الزّاد على الأكيل ومقلة مبيضّة المآقى ... وأذن كحقّه الدّباق وجسد عليه جلد من وسخ ... كأنّه أشرب نفطا أو لطخ تخال تحت إبطه إذا عرق ... لحية قاض قد نجا من الغرق [وريقه كمثل طوق من أدم ... وليس من ترك السّؤال يحتشم] فى صدره من واكف وقاطر ... كأثر الذّرق على الكنادر هذا كذا وما تركت أكثر ... فجرّبوا ما قلته وفكّروا وقال يشكو كثرة المطر روينا فما نزداد يا ربّ من حيا ... وأنت على ما فى النّفوس شهيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 سقوف بيوتى صرن أرضا أدوسها ... وحيطان دارى ركّع وسجود وقال غلبت على الأنس المغتدى ... فان تحى بعدهم تكمد وطارت بهم كلّ زيّافة ... عصوف براكبها جلعد سبوح إذا اعتذرت بالوجا ... كلال المطايا إلى الفرقد على لاحب غادرته الرّكا ... ب وقرع الحوافر كالمبرد أرقت وأخلبنى العاذلا ... ت ببرق عنانى فلم أرقد يطير ويزبد مثل انتها ... ض باز تضرّب فوق اليد بوبل يرقّص شؤبوبه ... ثقال حصى الصّفصف الأجرد فلما طغى ماؤه فى البلا ... د تروّى به كلّ واد صدى وقد أشعل النّور ذبّاله ... كجمر تبدّد فى موقد وظلّت هداهده كالمجو ... س متى تر نيرانه تسجد وقال فرسان قطر على خيل من الدّهر ... تحثهنّ سياط الرّيح فى الشّجر ما شئت من حركات وهى واقفة ... تخالها سائرات وهى لم تسر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 وقال غدت مبكّرة للمزن فاحتجبت ... شمس النّهار ولم نعرف لها خبرا واغرورقت لانسكاب المزن دمعتها ... فجاء ثلج كورد أبيض نثرا وقال يصف سوداء وظاهرة فى نصف شهر لم ترى ... ولكنّها مكتومة آخر الشّهر تداخل فى ليل المحاق بمثله ... وتضحك عن درّ وتسقيك من خمر وقال فى القلم يمدح القاسم قلم ما أراه أو قدر يج ... رى بماشاء قاسم ويشير «1» ساجد خاشع ويلثم طوما ... را كما قبّل البساط شكور مرسل لا تراه يحبسه الشّ ... كّ إذا ما جرى ولا التّفكير وجليل المعنى لطيف نحيف ... وكبير الأفعال وهو صغير كم منايا وكم عطايا وكم ... حتف وعيش تضمّ تلك السّطور نقشت بالدّجى نهارا فما أد ... رى أخطّ فيهنّ أم تصوير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 هكذا من أبوه مثل عبي ... د الله ينمى إلى العلى ويصير عظمت منّة الآله عليه ... فرآك الوزير وهو وزير وقال مطرنا بل غرقنا وسط بجر ... فغيرى من دعا بنزول قطر تظلّ الشّمس ترمقنا بلحظ ... مريض مدنف من خلف ستر تحاول فتق غيم وهو يأتى ... كعنّين يريد نكاح بكر وقال فى الهلال أهلا بفطر قد أنار هلاله ... ألآن فاغد على المدام وبكّر وانظر اليه كزورق من فضّة ... قد أثقلته حمولة من عنبر وقال فى بستانه لله ما ضيّعته من الشّجر ... أطفال غرس ترتجى وتنتظر ومعجبات من بقول وزهر ... مصفرّة قد هرمت على صغر فى بقعة لا سقيت صوب المطر ... حالقة لنبتها حلق الشّعر ضميرها نار وإن لم تستعر ... كم أكلت غبراؤها من الخضر كلّ امرىء علمته من البشر ... بستانه أنثى وبستانى ذكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 وقال فى القمر ما ذقت طعم النّوم لو تدرى ... كأنّ أحشائى على الجمر فى قمر مسترق نصفه ... كأنّه مجرفة العطر وقال يذم الحمار هذا الحمار من الحمير حمار ... ناحت عليه حلية وعذار فكأنّما الحركات فيه سواكن ... وكأنّما إقباله إدبار وقال فى الحمار والاتن رعى شهرين بالدّيري ... ن قبّا كالطّوامير يقلّبن الى الذّعر ... عيونا كالقوارير وآذانا سميعات ... كأنصاف الكوافير تقدّ الأرض منها أس ... وق صمّ الحوافير كأنّ الأرض تلقاها ... بأذناب الزّنابير «1» وقال فى المطر ومزنة جاد من أجفانها المطر ... والرّوض منتظم والقطر منتشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 ترى مواقعه فى الأرض لائحة ... مثل الدّنانير تبدو ثمّ تستتر مازال يلطم خدّ الأرض وابلها ... حتّى وقت خدّها الغدران والخضر وقال فى صفة بئر وبئر هديت لها عذبة ... فطفل النّبات بها منتعش فتقت بها جيب كافورة ... من الأرض جدولها منكمش تمزّق ريّا جلود الثّما ... ر إذا امتصّ ماء الثّمار العطش كفيل لأشجارها بالحيا ... ة إذا ما جرى خلته يرتعش ودبّت سواقيه فى روضة ... حماحمها كرؤوس الحبش وقال يهجو القمر يا سارق الأنوار من شمس الضّحى ... يا مثكلى طيب الكرى ومنغّصى أمّا ضياء الشّمس فيك فناقص ... وأرى حرارة نارها لم تنقص لم يظفر التّشبيه منك بطائل ... متسلّح بهقا كلون الأبرص وقال فى الجرجس «1» بتّ بجهد لا أذوق غمضا ... مسهّدا يضرب بعضى بعضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 قد قطع الجرجس جلدى عضّا ... مصاعدا يلدغ أو منقضّا كشرر القدح إذا ما رضّا ... يدمن إسخاطك حتّى ترضى وقال أتتنى دجلة لم أدعها ... فما يصنع البحر ما تصنع طفليّة لم تكن فى الحسا ... ب تأكل دارى ولا تشبع فكم من جدار لنا مائل ... وآخر يسجد أو يركع ويمطرنا السّقف من فوقنا ... ومن تحتنا أعين تنبع وأصبح بستاننا جوبة ... يسبّح فى مائه الضّفدع وقال يصف الجرجس بتّ بليل كلّه لم أطرف ... جرجسه كالزّئبر المنتفّ فمن ملاء علّق أو نصّف ... يرحن بالعريان والملفّف يعذّب المهجة إن لم يتلف ... ويثقب الجلد وراء المطرف حتّى ترى فيه كشكل المصحف ... أو مثل رشّ العصفر المدوّف وقال فى السفينة وزنجيّة كرديّة الحلى فوقها ... جناح لها فرد على الماء تخفق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 يؤدّبها أولادها بعصيّهم ... فتحبس قسرا كيف ساروا وتطلق وقال ومزنة مشعلة البارق ... تبكى على التّرب بكاء العاشق تلقح بالقطر بطون الثّرى ... والقطر بعل التّربة العاتق أحيت هشيم «1» النّبت بعد البلى ... حتّى بدا فى منظر آنق وقال فى بئر ولقد غدوت على طمّر قارح ... رفعت حوافره غمامة قسطل متلهّم لجم الحديد يلوكها ... لوك الفتاة مساوكا من إسحل ومحجّل غرّ اليمين كأنّه ... متبختر يمشى بكمّ مسبل وقال فى النخل ولقائح فى الطّين باركة ... لا تشتكى حلّا ولا رحلا يغدو سهيل فى الصّباح لها ... سلما إذا ما حارب الابلا وقال فى الحية أنعت رقشاء لا تحيا لديغتها ... لو قدّها السّيف لم تعلق بها بلل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 تلفى إذا انسلخت فى الأرض جلدتها ... كأنّها كمّ درع قدّه بطل وقال يصف أكل الارضة لدفاتره لم أبك ربعا مقفرا ولا طلل ... ولا شبابا حان منه مرتحل ولا حبيبا قطع الوصل وملّ ... لكن لعظم حادث بى قد نزل كنت امرءا من الأنام معتزل ... علىّ ستر دون دمّى منسدل على الّذى يملك رزقى متّكل ... لا راجيا لعطفة من الدّول ولا أخاف آجلا على أمل ... شغلى إذا ما كان للنّاس شغل دفتر فقه أو حديث أو غزل ... لا عابنى ولا رأى منّى زلل وإن مللت قربه منّى اعتزل ... أرقط ذو لون كشيب المكتهل راكب كفّ أين ماشاءت رحل ... ولا يحلّ موضعا حتّى يحلّ وهو دليل لمقال وعمل ... يقيم دون العقل حتّى يعتدل ويذكر النّاسى ما كان أضلّ ... كأنّه ينشر عن رقم الحلل يخاطب الّلحظ بنطق لا يكلّ ... ولا يملّ صاحبا حتّى يمل فدبّ فيهنّ دبيبا قد أكل ... عصا سليمان فظلّ منجدل يبنى أنابيب له فيها سبل ... بالماء والطين وما فيها بلل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 مثل العروق لا يرى فيها خلل ... يأكل أثمار العقول لا أكل حتّى يرى العالم مهجور المحلّ ... يعود وقّافا وقد كان بطل فأودع القلب هموما تشتعل ... وصيّر الكتب سحيقا منسحل وقال فى دفتر أهداه دونكه موشّى نمنمته ... وحاكته الأنامل أىّ حوك بشكل يأخذ الحرف المجلّى ... كأنّ سطوره أغصان شوك وقال فى بيت ضيق كان فيه هو وجماعة يا ربّ بيت زرته وكأنّما ... قد ضمّنى فى ضيقه سجن ما يحسن الرّمّان يجمع نفسه ... فى قشره إلّا كما نحن وقال فى النحل أعددت للجار وللعفاة ... كوم الأعالى متساميات روازقا فى المحل مطعمات ... لسن على الأعطان بارحات تسقى بأنهار مفجّرات ... على حصى الكافور فائضات تظلّ فيها الطّير ناعمات ... على الغصون متجاوبات بألسن كثيرة اللّغات ... كواذب القول وصادقات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 ذوات أطواق مرصّعات ... وأخنك سود مقوّسات كأنّها نونات ماشقات ... وأرجل حمر مضرّجات يصفقن فيها متنقّلات ... بأجنحات متساويات يصفقن نشوان على الأصوات ... بين حمام متهدّلات كحمم العيد المجعّدات ... أبدت من الكافور صاحيات بيضا على الأغماد فاصلات ... حتّى إذا صرن إلى ميقات رحن من الجوهر موقرات ... بالذّهب الرّطب مكلّلات وباليواقيت متوّجات ... تبارك العرائس الضّرّات ثمّت بدّلن بأوعيات ... للعسل الماذىّ ضاهيات كقطع العقيق نائعات ... بخالص التّبر مقوّمات فضمّنت خوفا بقبّرات ... تضرب بالعصىّ واقفات مجثوثة وليس بارحات ... مثل النّساء المتجرّدات يرمين بالأزباد قاذفات ... قذف صفايا الكوم بالجرّات حتى إذا زحن معمّمات ... وأفردت بالغيط خاليات ثمّ سكنّ غير راضيات ... فضّت ففاحت متنفّسات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 تنفّس الرّياض فى الحبّات ... حتّى إذا مادرن فى الهامات ذهبن بالعقول سارقات ... فى مجلس مجتمع اللّذّات يصيح بالعيدان والنايات ... كأنّ فى الكاسات والرّاحات دماء غزلان مذبّحات ... بين رياض متناهبات بأعين الأنوار ناظرات ... وبدموع القطر باكيات يملن أغصانا معطّفات ... ملاقيات ومفارقات بالرّيح نعصى وبها نواتى ومن مختار شعره فى المعاتبات قال ألا حبّذا الوجه الّذى صدّ صاحبه ... وإن كثرت ظلما علىّ معاتبه وما أمّ منقوض الظّلوف مروّع ... تمدّ إليه جيدها أو تراقبه وتلقم فاه كلّما تاق حافلا ... كعروة زرّ فى قميص تجاذبه بأحسن منها نظرة مستريبة ... يغالبها كيد البكا وتغالبه وما راعنى بالبين إلّا ظعائن ... دعون بكائى فاستجاب سواكبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 بدت فى بياض الال والبعد دونها ... كأسطر رقّ أبهم الخطّ كاتبه وقولة أقوام عدى قد سمعتها ... فما هبتها وأين ما أنا هائبه لحومهم لحمى وهم يأكلونه ... وما داهيات المرء إلّا أقاربه وما نسب الأقوام إلّا عداوة ... وأكثر ما يسعى به من يناسبه مسلّلة فى كلّ يوم سيوفه ... ومشبوبة حيّاته وعقاربه وما ذاك همّى بل أرقت لبارق ... توقّد فى ثوب الدّجنّة ثاقبه بخلت به عن كلّ أرض وأهلها ... سوى أنّنى للأحمديّة واهبه قرى للزّمان الصّعب ويحك واصبرى ... فما ناصحات المرء إلّا تجاربه ولا تحزنى إن أغلق الوفر بابه ... فبعد انغلاق الباب يأذن حاجبه وقال قد عضّنى صرف النّوائب ... ورأيت آمالى كواذب والمرء يعشق لذّة ال ... دّنيا فتعقره المصائب ما عابنى إلّا الحسو ... د وتلك من خير المناقب وإذا ملكت المجد لم ... تملك مودّات الأقارب وإذا أطاعك ظاهر ... فاصبر على عبث المعايب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 ولربّ هاجرة أكو ... ل حرّها صبر الرّكايب كلّفتها وجناء يذ ... رع خطوها عرض السّباسب والشّمس تأكل ظلّها ... أكل اللّظى عيدان حاطب كاد النّجاء يطيرها ... لولا الأزمّة والحقايب وكأنّما تبدى ذفا ... ريها بأرباق الجنايب حتّى رأيت اللّيل فى ال ... آفاق مسودّ الذّوائب وقال من يذود الهموم عن مكروب ... مستكين لحادثات الخطوب هو فى جفوة المفادير لايأ ... خذ يوما من دولة بنصيب خادم للمنى قد استعبدته ... بمطال وخلف وعد كذوب آه من ذكر أصدقاء رماهم ... قدر الموت من كهول وشيب فسقاهم كجودهم أو كدمعى ... صوب مزن ذى هيدب مسكوب ربّ أعجوبة من الدّهر بكر ... وعوان قد راضها تجريبى فبدت شيبتى وولّى شبابى ... وانتهى عاذلى ونام رقيبى أنا ريحانة المجالس فى السّل ... م وحتف الأبطال يوم الحروب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وقال حثّ الفراق بواكر الأحداج ... [وشجاك] يوم نأوا بكتم شاجى «1» فى ليلة أكل المحاق هلالها ... حتّى تبدّى مثل وقف العاج والصّبح يتلو المشترى فكأنّه ... عريان يمشى فى الدّجى بسراج يا من يدسّ لى العداوة ضغنه ... أسريت بى فاصبر على الادلاج أنا كالمنيّة سقمها قدّامها ... طورا وطورا يبتدى فيفاجى وقال طمس المشيب خطوط ميعته ... ورمى قناة قوامه بأود قال العواذل حين شبت ألا ... ينهاك شيب الرّأس قلت فقد ونهار شيب الرّأس يوقظ من ... قد كان فى ليل الشّباب رقد يا من لسارية سهرت لها ... برق السّحاب بجودها ورعد مكظوظة بالماء واطئة ... آثار رجل المحل حيث قصد والأرض إن قتل الهجير لها ... ولدا أعاش لها الرّبيع ولد ولقد وطئت الغيث تحملنى ... طرف كلون الصّبح حين وفد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 يمشى فيصدف فى العنان كما ... صدف المعشّق ذو الدّلال وصدّ بلّ المها بدمائهنّ ولم ... يبتلّ منه بالحميم جسد ولربّ خصم جاش مرجله ... أطفأت حرّ جحيمه فبرد وسفرت عن وجه اليقين له ... وهدمت باطله وكان ألد لى صاحب إن غبت يأكلنى ... وإذا رآنى فى النّدىّ سجد كم قد هممت بأن أعاقبه ... يوما فما وجد العقاب أحد والدّهر يهدم ما بنى بيد ... منه وإن زرع السّرور حصد وقال هاجت بكاءك بعد الطّير منزلة ... عفّت معالمها الأمطار والمور تضاحك الشّمس أنوار الرّياض بها ... كأنّما نثرت فيها الدّنانير ويكسب الرّيح من أرجائها عبقا ... كأنّ نفحته مسك وكافور أأوّل اللّيل منظوم بآخره ... أم الصّباح بنحر اللّيل مغمور قل للمطالب قد أنضى ركائبه ... لا تعجلنّ فانّ الرّزق مقدور ومهمه فيه بيضات القطا كسرا ... كأنّها فى الأفاحيص القوارير كأنّ حرباءه والشّمس تصهره ... صال دنا من لهيب النّار مقرور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وعازب بلّه تحت الثّرى سحرا ... طلّ تلقّى نسيما فهو محسور تكلّم اللّيل فى غدرانه لغط ... يحكى المناقيش فيهنّ المناقير خال يغرّد ذبّان الرّياض به ... كما تحنّ لدى الشّرب المزامير يكسو البلاد قميصا من زخارفه ... كأنّه فوق جسم الأرض مزرور وقد يباكرنى السّاقى بصافية ... كأنّها قبس بالكفّ مشهور يريق فى كأسها من صوب عادية ... فالخمر ياقوتة والماء بلّور وقال تنكّرت الدّنيا وغيّرت النّاسا ... وما كنت أخشى أن تغيّر عبّاسا فها هو ذا عن حاجتى متثاقل ... يروح ويغدو ليس يرفع لى راسا إذا نفرت من صدّه النّفس نفرة ... يقول لها إحسانى الظّنّ لا باسا عسى يرعوى عن ذا، دعيه لعلّه ... يعود إلى الحسنى فلا تسرعى الياسا وقال وممّا شجانى بارق لاح موهنا ... فصبّ إناء الدّمع واستلب الغمضا فبتّ ولى خصم من الشّوق غالب ... إذا ما دعى دمعى تحدّر وارفضّا وأهدته دعواتى لنجد وأهلها ... فيا أهل نجد هل تجاوزننى قرضا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 أرى كلّ يوم فى ظلام مفارقى ... شهاب مشيب باقى الأثر منقضّا وكانت يد الأيّام تفتل مرّتى ... فصارت يد الأيّام تنقضنى نقضا وكيف ثوائى بين قوم كأنّما ... ترضّ تحيّاتى وجوههم رضّا سرت عقرب الشّحناء والبغض بيننا ... ولا يملك اليأس المحبّة والبغضا وقال أغرى الخيال بنومى نازع شحط ... وكنت فيه بقرب الدّار مغتبطا لمّا تربّع فى أحشاء هودجه ... وهى من العين سلك الدّمع فانخرطا إذا دجاليله فاحت مضاجعه ... مسكا كما فتحت عطّارة سفطا وقد هوى النّجم والجوزاء تتبعه ... كذات قرط أدارته وقد سقطا أروح للشّعرة البيضاء ملتقطا ... فيصبح الشّيب للسّوداء ملتقطا وسوف لا شكّ يعيينى فأتركه ... فطالما أستخدم المقراض والمشطا وقال وسابح هيكل نهد مراكبه ... يبوع بالخطو يوما وهو مشترف تمّت له غرّة كالصّبح مشرقة ... يكاد سابلها عن وجهه يكف إذا تقرّط يوما بالعنان غدا ... كأنّه غادة فى أذنها شنف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 قل لقريش ألم نستحى حلمكم ... من حلمنا فاتّقونا إنّنا أنف نحن الفروع وأصل الفرع أنت لنا ... لا يعرف الأصل ما لم يؤثق الطّرف لك الثّرى فاسكنى إصعاده ولنا ... طيب الثّمار وفرع المجد والشّرف لا تطلبوا غاية مدّت لغيركم ... دعوا جيادكم تجرى ولا تقف وقال يا بارحا أحرجت من ذكره ... قد ذاق قلبى منك ما خافا فابخل باخوانك واستبقهم ... لا تنفق الاخوان إسرافا وقال ولمّا لحقنا الظّاعنين وأرقلت ... جمال بنا تشكو الكلال ونوق أشرن على خوف بأغصان فضّة ... مقوّمة أطرافهنّ عقيق سلاما كاسراء النّدى تحت ليله ... أتى حيث لم يرصد عليه طريق وشكوى لو أنّ الدّمع لم يطف حرّها ... تولّد منها بينهنّ حريق خليلىّ مدّا اللّحظ هل تبصرانها ... فهل بلغت بالأبرقين بروق سقى دار شرّ حيث قرّت بها النّوى ... من الأرض هطّال الغمام فتوق إذا لاح ضوء الصّبح خلّل روضه ... نسيم ضعيف الجانبين دقيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 ترى هاجع الأنوار يرفع رأسه ... كذى العشى يلقى راحة فيفيق بنى عمّنا إنّا فريق على العدا ... نفلّ شباهم والأنام فريق فلا تلهبوا نار العداوة بيننا ... فليس سواكم فى قريش صديق وقال لا لوم إن بكّى الدّويرة باك ... يا دار جازك وابل وسقاك أىّ المعاهد فيك أندب طيبه ... ممساك ذى الآصال أم مغداك أم برد ظلّك ذى الغصون وذى الجنا ... أم أرضك الميثاء أم ريّاك وكأنّما سطعت مجامر عنبر ... أوفتّ فار المسك فوق ثراك وكأنّما حصباء أرضك جوهر ... وكانّ ماء الورد دمع نداك وكأنّما أيدى الرّبيع ضحيّة ... نشرت ثياب الوشى فوق رباك وكأنّ درعا مفرغا من فضّة ... ماء الغدير جرت عليه صباك يا ربّ خرق قد قطعت نياطه ... بنجاء خاذلة لديه يراك والآل تنزو بينه أمواجه ... نزو القطا الكدرىّ فى الأشراك عبّاس لا تستعجلى لمنيّتى ... واستيقنى لمعمّر هتّاك فوزى بمثلى أو فنوحى واندبى ... لا تبخلى عن ماجد ببكاكى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 لا تخبرينى واسألينى إنّنى ... عاركت هذا الدّهر أىّ عراك ولقد أصابنى الزّمان ببؤسه ... ونعيمه فغفرت ذاك لذاك أسللت سيفى تسفكين به دمى ... ولقد سفكت به دماء عداك إن كنت لانعمى شكرت ولا بها ... جازيتنى فاليك بعض أذاك إيّاك من بطر على رحم دنت ... لا تنقضى بيد العقوق قواك وقال ألا حىّ من أجل الأحبّة منزلا ... تبدّل من آياته ما تبدّلا أبن لى سقاك الغيث حتّى تملّه ... على الأنس المفقود أين تحمّلا كأنّ التّصابى كان تعريس نازل ... ثوى ساعة من ليله وترحّلا وماء كأفق الصّبح صاف جمامه ... رفعت القطا عنه وألقيت كلكلا إذا استجفلته الرّيح جالت قذاته ... وجرّد من أغماده فتسلّلا وبيداء ممحال أطرت بها القطا ... كما قذفت أيدى الموامىّ جندلا جريت به سبّاح قفر كأنّه ... يخاف لقاحا أو يبادر موئلا كأنّى على حفياء يتلو لواقحا ... عدون بامساء يؤمّمن منهلا فلمّا وردن الماء أغمد صفوه ... كما أغمدت أيدى الصّياقل منصلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 أتيح لها لهفان يحطم قوسه ... باصفر حنّان القرى غرّا عزلا وأودعها سهما كمدرى مواشط ... بعثن به فى مفرق فتغلغلا بطيئا إذا أعجلت إطلاق فوقه ... ولكن إذا أبطأت فى النّزع عجّلا بنى عمّنا أيقظتم الشّرّ بيننا ... فكانت اليكم عدوة الشّرّ أعجلا فصبرا على ما قد جررتم فانّكم ... فتحتم لنا بابا من الغيب مقفلا ولمّا أشبّ الضّغن تحت صدورهم ... حسمناه عنّا قبل أن يتكمّلا وقال لابن الفرات يا دهر غيّر كلّ شىء سوى ... ودّ أبى العبّاس واتركه لى قد كان لى ذا مشرع طيّب ... حينا فشيب الآن بالحنظل عين أصابت ودّه لا رأت ... وجه حبيب أبدا مقبل وقال يا لهفة منّى على معشر ... إن لم يقى الله فما يتّقون كاساتهم تعلس من ريّها ... وبيضهم قد عطست فى الجفون وقال أيا وادى الأحباب حيّيت واديا ... ولا زلت مسقيّا وإن كنت خاليا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 ونظرة خلس قد نظرت فليتها ... من الفارغات لا علىّ ولاليا ألم تعلما يا عاذلىّ بأنّما ... يمينى سواقىّ العلى وشماليا وقد قلّدت فهر يدىّ زمامها ... وقامت أمامى هاشم وورائيا هم بعثوا فى ثنى فصل خطابهم ... وسنّوا الكفىء أن يجود بماليا رأيت اشتراف المشرفيّات [للعلى] ... وبذل النّدى للمكرمات موافيا ومن مختار شعره فى الشيب والزهد قال عزفت عن المدامة والتّصابى ... وعزّانى المشيب عن الشّباب وقد كان الشّباب سطور حسنى ... فمحّيت السّطور من الكتاب وقال أفق عنك حانت كبرة ومشيب ... أما للتّقى والحقّ فيك نصيب أيا من له فى باطن الأرض منزل ... أتأنس فى الدّنيا وأنت غريب وقال مات الهوى منّى وضاع شبابى ... وقضيت من لذّاته أطرابى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وإذا أردت تصابيا فى مجلس ... فالشّيب يضحك بى مع الأحباب وقال يا ربّ ليل أسود الذّوائب ... سريته بقلص نجائب حتّى نهاه زهرة الكواكب ... وأصغت العقرب للرّغائب بذنب كصولجان الّلاعب ... قد ملىء الزّمان بالعجائب وارتفع المنسم فوق الغارب ... عد بالكفاف من رجاء كاذب واقعد فقد أعذرت فى المطالب وقال تولّى الجهل وانقطع العتاب ... ولاح الشّيب وافتضح الخضاب لقد أبغضت نفسى فى مشيبى ... فكيف تحبّنى الخود الكعاب وقال آه من حسرتى على الأحباب ... آه من سفرة بغير إياب آه من مضجعى فريدا وحيدا ... فوق فرش من الحصى والتّراب وقال رأت طالعا فى الرّأس أغفلت أمره ... ولم تتعهّده أكفّ الخواضب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 فقالت أشيب ما أرى قلت شامة ... فقالت لقد شامتك عند الحبايب وقال قل لذات الّلحظة المتخنّثه ... ولمن أمست بلومى عبثه إنمّا مالى ما أنفقه ... والّذى أتركه للورثه وقال هلّا كليلاته فى ليلة الأحد ... لقد تملأت من همّ ومن سهد كم راسب فى عماد الملك تحسبه ... فى لذّة وهو فى غمّ وفى كمد وعاقد فوق أموال يجمّعها ... قد أصبحت بعده محلولة العقد ومبرم أمره والدّهر ينقضه ... هل غالب الدّهر يا للنّاس من أحد يا هند رابنى الاخوان وامتلأت ... عينى قذى وخلت من معشرى عضدى والشّيب فضّاح وعظ لست أحمده ... أسرى به فى طريق الحقّ والرّشد وقال يا صاحبى قد كفاك الدّهر تفنيدى ... خرجت من لحظات الكاعب الرود وأرسل الشّيب لا يبغى به قنصا ... بزاته البيض فى غربانى السّود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 وقال وقالوا النّصول مشيب جديد ... فقلت الخضاب شباب جديد إساءة هذا باحسان ذا ... فان عاد هذا فهذا يعود وقال قالت أرى عجبا أن نوّر الشّعر ... مهلا سليمى فهذا الشّيب والكبر يا هذه أنا دين للفناء على ال ... دّنيا تنجّزه الآصال والبكر وقد بدا لى فيما قد هديت له ... إلى الحياة إلى دار البلا سفر كم من أخ لى قد سوّيت مضجعه ... كأنّما غاب فى أكفانه قمر فمسّ نفسى يومى منه ما كرهت ... ولا أشربت به الأوهام والذّكر «1» غنيت حينا ويومى كلّه معه ... غداة سعد وليلى كلّه سحر وقال فى المشاورة تجاوز عن جناية كلّ دهر ... وصاحب يوم حادثة بصبر وإن تأتيك نائبة فشاور ... فكم حمد المشاور غبّ أمر وقسّم همّ نفسك فى نفوس ... ولا تتفرّدنّ بطول فكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 إذا كظّ الفرات بماء مدّ ... أغصّ به حلاقم كلّ نهر وقال تخفى حاجاتى من النّاس كلّهم ... ولكنّها لله تبدو وتظهر لمن لا يردّ السّائلين بخيبة ... ويدنو من الدّاعى ويعطى فيكثر وقال يا ذا الغنى والسّطوة القادره ... والدولة النّاهية الآمره انتظر الدّنيا فقد أقربت ... وعن قليل تلد الآخره وقال إن حارب الهمّ قلبى ... فقد أعين بصبر «1» يا دهر إن كنت حرّا ... لما أسأت بحرّ وقال وسكّان دهر لا تواصل بينهم ... على قرب بعض فى التّجاور من بعض كأنّ خواتيما من الطّين فوقهم ... وليس لها حتّى القيامة من فضّ «2» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 وقال يا خاضبا للحية سوف ترفض ... بعد قليل ويصبغ المعرض «1» مسودّة بها ضمير أبيض ... قام الخضاب والمشيب يركض وقال كن جاهلا أو فتجاهل تفز ... للجهل فى ذا الدّهر جاه عريض والدّهر محروم يرى ما يرى ... كما يرى الوارث عين المريض وقال ألست أرى شيبا برأسى طالعا ... ونت حيلى عنه وضاق به ذرعى كأنّ المناقيش الّتى تعتورنه ... مناقير طير تلتقى سنبل الزّرع وقال لا تكذبنّ فخير القول أصدقه ... المال يفرق من كفّ نفرّقه فما يطول بها إلّا على وجل ... حتّى يطير إلى من ليس ينفقه فيستريح إذا لاقاه من هبة ... ومن شراء وبيع كان يقلقه وقال قل لمشيبى إذ يدا ... وابيضّ منّى المفرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 يا فضّة حلّيتها ... لكنّها لا تنفق ويا نهارا لاير ... جّى صبحه من يعشق لا مرحبا لا مرحبا ... أنت العدوّ الأزرق وقال يا نفس صبرا لعلّ الخير عقباك ... خانتك بعد لذيذ العيش دنياك مرّت بنا بكرا طير فقلت لها ... طوباك يا ليتنا إيّاك طوباك لكن هو الدّهر فالقيه على حذر ... فربّ مثلك ينزو تحت أشراك «1» [ ............... ........... ... ............... ........ ] فرضيه أبو العباس وكتب اليه لحقت الرّضا من بعد طول تغضّب ... بأبلق كالجذع الّذى لم يثقّب له هامة مسودّة الّلون عينها ... تبارى سنا نار على رأس مرقب كمدرى فتاة فى خمار حدادها ... موكّلة منها برأس معصّب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 من الذّهب الأبريز يلمع لونه ... كما لاح فى جنح الدّجى ضوء كوكب ولعبد الله بن المعتز بعد هذه أشعار حسان فى مكاتباته لاخوانه تركنا ذكرها لنذكرها مع أشعار إخوانه إذا انتهينا اليهم، إذ كانوا مقلين، لتحسن أشعارهم بجواباته لهم إن شاء الله. ومن مكاتباته كلام له فى ذم صحبة السلطان ربما أورد الطمع ولم يصدر، ووعد ولم يوف. ومن تجاوز الكفاف لم يغنه اكثاره، ومن ارتحله الحرص أنضاه الطلب والأمانى تعمى الابصار والبصائر، والحظ يأتى من لا يأتيه، وربما طاب وعاء حشوه المتالف، وأشقى الناس «1» جسم تعب، ونفس خائفة، ودين يتثلم، ولئن كان البحر كثير الماء إنه لبعيد المهوى، ومن شارك السلطان فى عز الدنيا قاربه فى ذل الاخرة، كما أن أقرب الاشياء إلى النار أسرعها احتراقا. وما احلى تلقى النعمة وأمر عاقبة الفراق، ولا يدرك الغنى بالسلطان لا سيما فى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 هذا الزمان، المتلون الاخلاق المتداعى البنيان، الموقظ للشر، المنيم للخير، المطلق أعنة الظلم، والحابس لروح العدل، القريب. الأخذ من الاعطاء، والكآبة من البهجة، والقطوب من البشر، والذل من العز، والفقر من الوجود. المر الثمرة، البعيد المجتنى، القابض على النفوس بكربه، المنحى على الاجسام بغربه. لا ينطق الا بالشكوى ولا يسكت إلا على بلوى، ومن لم يتأمل الأمر بعين عقله، لم يقع سيف حينه إلا على مقاتله، والتثبت طريق الرأى إلى الاصابة، والاعتذار طريق المذنب إلى الانابة، والعجلة تضمن العبرة وتجلب الحسرة، وما أحب أن أصرف عنك خطأ توثره، ولكنى قدمت ما لا أستجيز تأخيره من النصيحة لك والمشورة عليك. والى الوزير عبد الله بن سليمان يهنئه بقدومه الحمد لله على ما امتن به فى الوزير أعزه الله، من جميل السلامة وحسن الايابة. حمدا يستمد أمر مزيده، وإخلاصا مستدعيا لقبوله، وبارك الله له فى قدومه ومسيره، فى جميع أموره وجعل له منة وافية على نعمه، وأبقاه لملك يحرسه، ومؤمل ينعشه، وعاثر يرفعه، وحفظ له ما خوله كما حفظ له ما استرعاه، ووفقه فيما طوقه، وزاده كما زاد منه. تعزية للوزير عبيد الله بن سليمان عن ابنه أبى محمد علم الوزير أيده الله بذخائر الأجر يغنى عن نزعته فيه، وسبقه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 إلى الصبر يكفينى تذكرة به، لكن لولى الوزير أيده الله موضع إن أخلاه دخل فى جملة المضيعين لحقه، اللاهين عما عناه وقد كان من قضاء الله فى أبى محمد رضى الله عنه ما خصت به المصيبة مواقع نعم الوزير، وآثار إحسانه حاش لله إقرارا بالحق، وتنجيزا للوعد منه. وعظم الله أيها الوزير أجرك ووفر ذخرك وعمر بقيتك، وكثر عددك، وسرك ولا ساءك، وزادك ولا نقصك. ووصل بسلام الزمان نعمتك، ووليك بما تحب فيما خولك. وكل مصيبة وإن عظمت صغيرة فى ثواب الله عليها، ضئيلة بين نعم الله قبلها وبعدها، وما زال أولياء الله يعرضون على المحن فيستقبلونها بالصبر؛ ويتبعونها بالشكر، وتنفذ بصائرهم مذموم أوائلها إلى محمود عواقبها، ويعدونها مراقى الى شرف الآخرة، ومراتب لاهل السعادة فى دار لا تلجها الهموم، ولا يزول فيها النعيم. واذا تأمل الوزير ما تجاوزت هذه الحادثة عنده من النعم فى ولده أبى الحسين، الذى قد نهض بما حمله، ووفى آماله، وأقر عينه، وغاظ حاسده، واكتسى لباس كرامته، وقام للخلافة بخلافته، علم أنه راع على الدهر، حقيق بتجاوز الصبر إلى الشكر، فجعل الله الخلف للوزير من الماضى طول عمر الباقى، وحرسه من المكاره كلها، وكفاه وكفانا فيه. فصل إنما قلمى نجى ذكرك، ولسانى خادم شكرك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 وإلى عليل أذن الله فى شفائك، وتلقى داءك ببقائك، ومسحك بيد العافية ووجه اليك وافد السلامة، وجعل علتك ماحية لذنوبك، ومضاعفة لثوابك. فصل من تعزية بولد لئن حرم الأجر ببرك، لقد كفى الاثم بعقوقك، ولئن فجعت بفقده لقد أمنت الفتنة به. فصل فى قبول عذر كيف أرد عذر من لا تهتدى اليه الموجدة، ولا تتسلط عليه التهمة. وو الله ما عرضت لك وحركت منك إلا بخلا بما ذخرته من مودتك، واعتمدت عليه من اخلاصك لخوفى مع ذلك أن تصير غفلتك تغافلا. وذلتك تعمدا، وهذا ما لا أحبه لك وإن كنت أحتمله منك، وما أعتذر من مطالبتك بما جعلك أهلا للمعرفة به وجعلنى بودك مستحقا له. فصل فى حاجة موصل كتابى فلان، وقد جعلت الثقة بك مطيته اليك، فلا تنضها بمطلك، وأسرع ردها بسابق انجازك، وتصديق الامل فيك والظن بك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 فصل قد ملت اليك فما أعتدل، ونزلت بك فما ارتحل، ووقفت عليك فما أنتقل. فصل لولا أن الاطناب فى وصف مطية؟؟ للمتخرص، وتهمة للمتخلص، لأطلت به كتابى، وكفى بمقاساة ذى النقص مذكرا بأهل التمام، وقد لبثت بعدك بقلب يود لو كان عينا ليراك، وعين تود لو كانت «1» قلبا، فلا تخلو من ذكراك وفى نحوه كيف ينقطع ذكرى لك بغير خلف منك، وينصرف قلبى عنك والتجارب تزوى اليك، والله يعلم أن خيالك شمس نفسى إذا نمت، وذكرك سراجها إذا انتبهت. وإن ذلك لأقل حقوقك، ولا ظلمت غيرك بك، ولا ملت عليه لك. فصل فى ذم ذكرت حاجة فلان لا فصلها الله بالنجاح، ولا يسر بابها لانفتاح. ووصفت عذرا له نصح به غير نفسه، وما نصح عنها، ولكنه نصح عليها، وأنا والله أصوبك عنه، وأنصح لك فيه، فانه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 خبيث النية، فاسد الطوية، جائر المعاتب، طالب للمعائب، يقلب لسانه بالملق، ساتر بالتخلق وجه الخلق، موجود عند الرجاء، مفقود مع البلاء. فأتعب عقلك باختياره، ولا توحش نعمتك باصطناعه. فصل فى صفة كتاب الكتاب والج للابواب، جرىء على الحجاب. مفهم لا يقيم، وناطق لا يتكلم، به يشخص المشتاق، ومنه يداوى الفراق. فصل اعتذار ترفع أعزك الله عن ظلمى إن كنت بريئا، وتفضل بالعفو عنى وإن كنت مسيئا، فوالله إنى لا طلب غفر ذنب لم أجنه، وألتمس الاقالة مما لا أعرفه، لتزداد تطولا، وأزداد تذللا. وأنا أعيذ حالى عند تكرمك من «1» جاسد يكيدها، ولحرسها بوفائك من باغ يحاول إفسادها، وأسأل الله أن يجعل حظى منك بقدر ودى لك، ومحلى من رأيك بحيث أستحق منك. فصل فى الشوق إنى لآسف على كل يوم فارغ منك، وكل لحظة لا تؤنسها رؤيتك. وسقيا لدهر كان موسوما بالاجتماع معك، معمورا بلقائك، جمع الله شمل سرورى بك، وعمر بقائى بالنظر اليك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 شفاعة فى شغل من عظمت النعمة عليه كثرت الرغبة اليه؛ فاستجلب بالانعام منك إنعام الله عليك، واسترد ما نهب منك ما يهب لك، واجعل حظى من ولايتك قبول اختيارى لك، هذا الرجل، واخلطه بأوليائك القايلين فى ظلك، فقد أفردك رغبته، وصرف اليك وجه رجائه، وليس فيه فضل للانتظار، ولا بقية للاذكار، فعجل إن نويت جودا، وبادر إن نويت صنعا، ولا تكن ممن ولايته وعد، وصرفه اعتذار «1» . فصل فى فراق كأن الدهر أبخل من أن يملينى بك، وأنكد من أن يسوغنى قربك، وإنى له لصابر إلا على فقدك، وراض إلا ببعدك. فصل فى العفو لا تشن حسن الظفر بقبح الانتقام، وتجاوز عن مذنب لم يسلك باقرار طريقا؛ حتى اتخذ من رجاء عفوك رفيقا. تهنئة بمولود اتصل بى خبر مولودك، فسرنى لك ما سرك، وأنا أسأل الله أن يتبع النعمة به عليك ببقائه لك، وأن يعمرك حتى ترى زيادة اليه منه كما رأيتها به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 فصل دعاء تولى الله عنى مكافأتك، وأعان على فعل الخير نيتك، وأصحب بقاءك عزا يبسط يدك لوليك، وعلى أعدائك، وكلاءة تذب عن ودائع مننه عندك، وزاد فى نعمك وإن عظمت، وبلغك آمالك وإن انفسحت. مثله لا أزال الله عنا ظلك، وأعلى فى شرف المنازل مرتقاك، ولا أعدمنا فيك إحسانا باقيا، ومزيدا متصلا، ويوما محمودا، وغدا مأمولا، وعزا يمكن قبضتك، ويمد بسطتك. تعزية عارية سرك الله بمدتها، وآثرك بثوابها، وأثابك عند ارتجاعها، فأبشر بعاجل من صنعه، وآجل من جزائه [و] مثوبته. عظم الله أجرك، وجعل الثواب عوضك، ووفقك لنيل مرضاته عنك، وإنا لله قولا بما علم نتنجز به ما وعد. تعزية الخلود فى الدنيا لا يؤمل، والفناء لا يؤمن، ولا سخط على حكم الله ولا وحشة مع خلافته، والانس بطاعته، فأد ما استرد صابرا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وأصبح لما استرجع مسلما؛ فان من علم أن النعمة تفضل من واهبها شكرها مقبلة، وصبر عنها مولية، جعلك الله محتملا للنعمة مؤديا للشكر، صابرا عند المحنة، محفوظا موفور أجرها، والفوز بالصبر عليها. ومن فصول لعبد الله قصار الحكمة شجرة تنبت فى القلب، وتثمر من اللسان. لا يقوم عز الغضب بذل الاعتذار. الشفيع جناح الطالب، والبشر رائد الراغب، المرض حبس البدن، والهم حبس الروح. الغضب يبدأ بالعصيان؛ يعظم ذنبه ويقبح صورته، ويعمل بذمه. أول الدنيا إلى انقضائها كصور فى صحيفة كلها نشر بعضها [و] طوى بعضها. اصبر على مصاحبة الكريم وإن اختلت حاله، فليس ينتفع بالجوهرة من لم ينتظر بقاءها. الشرير لا يظن بالناس خيرا لانه يراهم بعين طبعه. لئن استبطأنا إجابة دعائنا، لقد سددنا طرقه بذنوبنا. كلما كثر حفاظ الاسرار ازدادت ضياعا. أعدل الناس من أنصف عقله من هواه، ومن لم يملك ذلك فليس لعقله سلطان. بئبس مال البخيل لحادث أو وارث. الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له؛ يخفل بما لا يملكه، طالب لما لا يجده. شكرك نعمة سالفة، يقتضى لك نعمة مستأنفة. كلما حسنت نعمة الجاهل ازداد قبحا فيها. الوعد راحة الجود، والمطل مرضه، والأنجاز بره. الساعى كاذب لمن سعى اليه، أو خائن لمن يسعى به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 كفى بالظلم داعيا لنقمه، وطاردا لنعمه. البلاغة أن تقرب ما تريد، ولم تطل سفن الكلام. خير المعروف ما لم يتقدمه مطل، ولم يتبعه من. إذا حضرت الآجال افتضحت الآمال. الصبر على المصيبة يفل حد الشامت بها، ويطيل عبوس المتضاحك لها. المعروف رق، والمكافأة عتق. انتظر عند الظلم عدل الله فيك، وعند المقدرة قدرة الله عليك، ولا يحملك اللجاج على اقتراف إثم، فتشفى غيظك، ويسقم دينك. أعرف الناس بالله أرضاهم بأقداره. الدنيا تهين من أكرمت، والارض تأكل من أطعمت. من كان فى يدك فهو بك أملك منك بنفسك. غضب الجاهل فى قوله، وغضب العاقل فى فعله، لاتعينن من وليته على جبايته بقلة جرايته، فليس يكفيك من لم يكفه. بعض التقدير للقدر دفع، كل علو خطر، وربما أدى إلى الهلاك الحذر «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أمر من بقى من بنى العباس ممن ليس بخليفة ولا ابن خليفة للعباسية شعر عبد الله بن علّى بن عبد الله بن العبّاس وطرف من أخباره والسّبب الّذى ادّعى له الخلافة حدّثنا محمد بن موسى البربرى، قال حدثنا محمد بن صالح النطاح قال حدثنى أبو مسعود الكوفى؛ قال قال أبو العباس السفاح لعبد الله ابن على عمه إن قتلت مروان فلك الخلافة بعدى، فقتل مروان لأن صالح بن على كان من تحت يده. حدّثنا محمد بن موسى قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثنى أبو قريش ريحان خادم أبى مسلم، وكان قد جاز المائة، قال قال أبو العباس. من يسير إلى مروان فهو ولى عهدى، فقال عبد الله بن على أنا. وقد ذكرنا خبر خروجه وأمانه وموته فى أخبار المنصور حدّثنا محمد بن زكريا اللؤلؤى قال حدثنا عبد الله بن الضحاك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 عن الهيثم بن عدى، قال لما قتل عبد الله بن على بنى أمية قال: الظّلم يصرع أهله ... والبغى مرتعه وخيم ولقد يكون لك البعي ... د أخا ويقطعك الحميم حدّثنا مشيح بن حاتم العكلى؛ قال أنشدنا يعقوب بن جعفر ابن عبد الله بن على لما قتل بنى أمية بنهر أبى فطرس بنى أميّة قد أفنيت آخركم ... فكيف لى منكم بالأوّل الماضى يطيّب النّفس أنّ النّار تجمعكم ... عوّضتم من لظاها شرّ معتاض فنيتم لا أقال الله عثرتكم ... بليث غاب إلى الأعداء نهّاض إن كان غيظى بفوت منكم فلقد ... رضيت فيكم بما ربّى به راضى حدّثنا الغلابى قال حدثنا عبد الله بن الضحاك: قال حدثنا الهيثم ابن عدى قال: أشرف عبد الله وهو مستخف بالبصرة عند أخيه سليمان بن على؛ فرأى رجلا له جمال يجر أثوابه ويتبختر؛ فقيل من هذا؟ فقيل فلان الأموى، فقال يا أسفى، وإن فى طريقنا بعد منهم لوعثا، وقال لمولى له بحقى عليك إلا جئتنى برأسه؛ ثم أنشد قول سديف: علام وفيم تترك عبد شمس ... لها فى كلّ راعية ثغاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 فما فى القبر فى حرّان منها ... ولو قتلت بأجمعها فداء يعنى قبر ابراهيم بن محمد الامام، فمضى مولاه فأخبر سليمان بما قاله، فنهاه أن يقبل منه، فاعتل عليه بأنه فاته. حدّثنا عون بن محمد الكندى، قال حدثنا إسحق الموصلى، قال حدثنا الحارث بن الليث مولى عبد الله بن على عن أبيه قال جعل عبد الله بن على ينظر إلى القتلى يوم الزاب، والتفت إلى أبى عون بن محمد بن صول وهما إلى جانبه فقال: ولقد شفى نفسى وأذهب حزنها ... أخذى بثأرى من بنى مروان ومن آل حرب ليت شيخى شاهد ... سفكى دماء بنى [أبى] سفيان «1» حدّثنى أبو العيناء قال حدثنا الاصمعى؛ قال سمعت جعفر بن سليمان يقول لما قتل عبد الله بن على من قتل من بنى أمية بلغ ذلك إلى سليمان بن على؛ فقال ما كنت أحب لأخى أن يحتقب هذا الأمر ولقد وفى بما قال صغيرا، بقوله كان أبونا على بن عبد الله يقول له يا بنى إن تمكنت من بنى أمية ما تصنع بهم؟ فيقول أذبحهم، قال وقال عبد الله بن على لأبيه، يا أبت كل ولدك اثنان من أم وثلاثة غيرى؛ فانه لا أخ لى من أمى فأوص بى، قال فأوصى إلى سليمان ابن على به، وكان سليمان وصى على بن عبد الله، قال جعفر فكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 عبد الله لوصية على به أحب الى سليمان أبى من أخيه، صالح بن على وهو لأمه وأبيه. حدّثنى عمرو بن تركى القاضى قال حدثنا القحذمى عن أبيه قال وفد على على بن عبد الله رجل من ولد الخطاب بن عبد مناف، فقال له إن الوليد بن عبد الملك شديد العلة، فتمثل على بن عبد الله بقول يزيد بن الصعق الكلابى: أواردة عليا عكاظ تصلّها ... فراس ولمّا فوقها الصّاع مهوعا فقال له الرجل لئن مضى للجبلين أهله دما، قال فلما قتل عبد الله ابن على من قتل روى له هذا الخبر، فأنشد البيت الذى تمثل به أبوه فقال عبد الله بنحو ذلك: وردنا دماء من أميّة عذبة ... وكلنا لها فى القتل بالصّاع أصوعا وما فى كثير منهم لقتيلنا ... وفاء ولكن كيف بالثّأر أجمعا إذا أنت لم تقدر على الشّرّ كلّه ... وأعطيت بعضا فليكن لك مقنعا رعينا نفوسا منهم بسيوفنا ... وصاح بهم داعى الفناء فأسمعا قضينا بهم دينا وزدنا عليهم ... كما زاد بعد القرض من قد تطوّعا وكان لهم من باطل الملك عارض ... فلمّا علته الشّمس حقّا تقشّعا فليت علىّ الخير شاهد أسهم ... أصابتهم لم يبق فى القوس منزعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 حدّثنا جبلة بن محمد بن جبلة، قال حدثنى أبى قال لما دخل أبو مسلم الكوفة أمر أن يكون إلى جانبه رجل تعرفه الناس، فجاءوه برجل فلفيه عبد الله بن شبرمة الضبى. فسلم عليه ودعا له فأقبل عليه لجلالته وفصاحته، فقال له الرجل هذا ابن شبرمة الضبى، قال فزوى وجهه عنه ففطن ابن شبرمة لذلك، وقال قلت فى نفسى ذكر والله يوم الجمل، فقلت أيها الأمير إنى من ضبة الكوفة ولست من ضبة البصرة، وقد كانت مع أمير المؤمنين على عليه السلام يوم الجمل تفاتل ضبة البصرة، قال فأقبل علىّ وقال كن معنا فسايرته الى أن نزل وأمرنى فنزلت، فدخلت معه بيتا فيه سيف ومصحف، فقال يا ابن شبرمة إن هذا «يريد المصحف» يأمرنى بهذا «يريد السيف» فقلت قد علم الأمير أن هذا ينهاه عن هذا إلا فى حقه، قال صدقت، ثم كتب كتابا الى عبد الله بن على يحضه فيه على صلة الرحم وجمع الألفة والبيعة لابن أخيه المنصور، ويرغبه ويرهبه، فلما فرغ منه قال لى انظر فيه فنظرت فاذا هو لم يبق غاية، فقال زد فيه شيئا يا ابن شبرمة، قال فلم أر للزيادة وجها الا أن يكون شعرا فقلت: قل لأخى مكاشرة وضغن ... سعرت الحرب بين بنى أبيكا فأورثت الضّغائن من بنيهم ... بنى أبنائهم وبنى بنيكا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 ولو طاوعتنى وقبلت رأيى ... لسرت لهم بسيرة أوّليكا وأقررت الخلافة حيث حلّت ... ولم تعرض لملك بنى أخيكا كأنّك قد أصابك سهم غرب ... وغادرك العداة وأسلموكا فقرأه فاستحسنه، وأنفذ الكتاب، فعاد الجواب من عبد الله ابن على: ذرينى وما جرّت علىّ يد الدّهر ... فما يصعب الأمر المهول على جرّ يرى الموت لا ينحاش عنه تكرّما ... وصبرا وان كان القيام على الجمر حفاظا لما قد ورّثتنا جدودنا ... وصبرا وما للمرء خير من الصّبر بذلك أوصانا الكرام ولم نزل ... على تلك نمضى لا نضجّ من الدّهر قال أبو بكر والابيات للحصين بن الحمام المزنى «1» حدّثنا الحسين ابن اسماعيل قال حدثنا على بن عبد الله السلمى، قال حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الحميد بن فضالة بدمشق قال أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن، قال حدثنا عتبة بن حماد الحكمى أبو خليد القارى، قال حدثنا عبد الرحمن الاوزاعى، قال بعث الى عبد الله بن على وأعظمنى ذلك واشتد على فأقدمت وأدخلت عليه والناس قيام سماطين بين يديه فى أيديهم المكافر كوبات. فأدنانى ثم قال لى يا عبد الرحمن ما تقول فى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 مخرجنا هذا؟ فقلت أصلح الله الامير قد كانت بينى وبين أخيك داود مودة فأعفنى، قال لتخبرنى، فقلت لأصدقنه واستبسلت للموت، فقلت حدّثنى يحيى بن سعيد الانصارى عن محمد بن ابراهيم عن علقمة بن وقاص سمع عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول «إنّما الأعمال بالنّيّات ولكلّ امرىء مانوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر اليه» قال وفى يده قضيب ينكث به الارض، فقال يا عبد الرحمن ما تقول فى قتلنا أهل هذا البيت من بنى أمية؟ فقلت كما قلت قال لتخبرنى فقلت حدّثنى محمد بن مروان عن مطرف بن الشّخّير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه لا يحلّ قتل المسلم إلّا باحدى ثلاث البارىء لدينه أو رجل قتل نفسا فيقتل بها أو رجل زنى بعد إحصان» قال ثم أطرق هويا، ثم قال أخبرنى عن الخلافة أهى وصيه من رسول الله صلى الله عليه؟ فورد على مثل ما ورد ثم قلت لأصدقنه. فقلت لو كانت وصية من النبى صلى الله عليه لكم ما ترك على عليه السلام أحدا يتقدمه، ثم سكت سكتة وقال ما تقول فى أموال بنى أمية؟ فاستعفيت فقال لتخبرنى فقلت إن كانت لهم حلالا فهى عليكم حرام، وإن كانت لهم حراما فهى عليكم حرام، قال ثم أمرنى فأخرجت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 حدّثنا أبو ذكوان قال حدثنا ابن؟؟ عائشة قال قالت امرأة من نساء بنى أمية لعبد الله بن على قتلت من أهلى وذويهم اثنى عشر ألفا فيهم ألفا لحية خضيبة، فقال عبد الله تكبّر عندى القتل وهو صغير ... على مأرب والدّائرات تدور وقالت قتلت الأهل فى كلّ بلدة ... وأنت بعفو لو تشاء جدير فقلت وهل فيكم لعفوى موضع ... ولى منكم بعد القناة ثؤور لئن دنت الأنساب منّا ومنكم ... لقد باعدتها بالعراق قبور فلا تنكروا أن يؤخذ الحقّ منكم ... فما فى قصاص المسلمين نكير وإن تك يمنانا أصابت يسارنا ... بجرح فما جرح اليمين يضير وقد كنتم فى الشّرك تحذون حذونا ... وكلّ إلى أقصى المساء يسير فلمّا أتى الاسلام أظلم فخركم ... ولاح لنا بدر الفخار ينير ولو شئتم ما غاب عنكم ضياؤه ... ولكن أباه غادر وكفور حدّثنا عون بن محمد الكندى قال حدثنى عبد الله بن أبى الخطاب عن أبيه قال لما دخلت ابنة مروان بن محمد على عبد الله بن على حين قتل مروان فقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله، فقال لست به، فقالت السلام عليك أيها الامير، قال وعليك السلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 قالت ليسعنا عدلكم، قال إذن لا يبقى على الارض منكم أحد لأنكم حاربتم عليا عليه السلام ودفعتم حقه ونقضتم شرطه، وقتلتم الحسين بن على عليه السلام، و [قطعتم] رأسه، وقتلتم زيد بن على وصلبتم جسده، وقتلتم يحيى بن زيد ومثلتم به، و [لعنتم] على ابن أبى طالب عليه السلام على منابركم، وضربتم على بن عبد الله ظلما بسياطكم، وحبستم الامام ابراهيم فى حبسكم، فعدلنا ألا نبقى منكم أحدا، فقالت فليسعنا عفوكم قال أما هذا بنعم، ثم أمر برد أموالها عليها ثم قال عبد الله بن على: سننتم علينا القتل لا تنكرونه ... فذوقوا كما ذقنا على سالف الدّهر حدّثنا الحسين بن فهم ومحمد بن موسى ومحمد بن سعيد قالوا حدثنا محمد بن صالح النطاح أبو عبد الله قال وجه عامر بن إسماعيل برأس مروان إلى صالح بن على، فنظر اليه وتحول، فجاءت هرة فاقتلعت لسانه وجعلت تمضغه، فقال صالح بن على «لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان مروان فى فى هر لكفانا ذلك!» حدّثنا الغلابى قال حدثنا العتبى قال لما أتى عبد الله بن على موت السفاح ادعى الخلافة، وجعل يقول ذاك ولا يخطب به ولا يشهره حتى دخل البعلبكى المؤذن، فاستأذن وسلم بالخلافة عليه، فخطب الناس ولم يجد بدا من أن يشهر أمره، وكان البعلبكى معه قبل أن يصير مع المنصور، ومدحته الشعراء بالخلافة فقال رؤبة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 يا أيّها القائل قولا أجنفا ... سفاهة من قوله وسرفا ما قام عبد الله إلّا آنفا ... خوفا على الاسلام أن يستضعفا وأن يرام نقضه فيتلفا ... ومن صلاح النّاس أن يستخلفا عمّ بعهد ابن أخ تلحّفا ... أشجع من ليث عرين أغضفا وقال رؤبة أيضا إنّ لعبد الله عندى أثرا ... ونعما جزاؤها أن تشكرا أبهى الرّجال منظرا ومخبرا ... قدّمه الله فما تأخّرا حدّثنى الحارث بن أبى أسامة قال حدثنا يحيى بن زكريا مولى على بن عبد الله قال لما قتل عبد الله بن على من بنى أمية قال عبد الله ابن عمر بن عبد الله بن على العبلى والعبلات من بنى عبد شمس «1» تقول أمامة لمّا رأت ... شخوصى عن المنزل المنفس وقلّة نومى على مضجعى ... لدى هجعة الأعين النّعّس فقال فيها أفاض المدامع قتلى كدا ... وقتلى بكثوة لم ترمس «2» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 وقتلى بوج وباللّابتي ... ن من يثرب خير ما أنفس» وبالزّابيين نفوس ثوت ... وقتلى بنهر أبى فطرس أولئك قوم أناخت بهم ... نوائب من زمن متعس «2» فزلّت حياتى لمن رامها ... وأنزلت الرّغم بالمعطس فبلغ قوله هذا عبد الله بن على، فقال عبد الله بن على: شفى النّفس لو أنّها تشتفى ... دماء بنهر أبى فطرس وقتلى كدى حين أرديتهم ... بكثوة والواضح الأملس وقتلى بوجّ من الظّالمين ... إلى النّار مارت ولم ترمس فمن كان قتلهم ساخطا ... يعضّ من الرّغم بالمعطس حدّثنا أبو الحسن مشيح بن حاتم العكلى، قال حدثنا يعقوب ابن جعفر بن سليمان الهاشمى، قال لما كتب جدى سليمان بن على وسائر إخوته الامان لأخيهم عبد الله بن على على المنصور، قال لهم هذا الأمان لازم إذا وقعت عينى عليه، فلما أدخل داره عدل به ولم يره المنصور، فحبس فكتب من الحبس إلى إخوته: هذه حيلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 جرت على بكم ومنكم فاحتالوا لى فيها، قال وأنشدنى من شعره فى حبسه ذلك: نقض العهد خائس بالامان ... مستحلّ محارم الرّحمن سلبتنا الوفاء والحلم طوعا ... فاعتلينا به بنو مروان ليتنى كنت فيهم حسب العي ... ش طليقا أجرّ حبل الأمانى كلّ عتب تعيرنيه اللّيالى ... فبسيفى جنيته ولسانى حدّثنا محمد بن الفضل قال حدثنا عمرو بن شبة قال حدثنى محمد ابن يحيى قال حدثنى عبد الله بن يحيى بن على عن عبد الله بن الحسين ابن الفرات قال رحت عشية من قرية بطريق مكة مع عبد الله وحسن ابنى حسن بن حسن فضمنا المسير وداود وعيسى وعبد الله ابن على بن عباس قال فسار عبد الله وعيسى ابنا على أمام القوم فقال داود لعبد الله بن حسن لم لا يظهر محمد أبو ذاك قبل ملك بنى العباس؟ فقال عبد الله لم يأت الوقت الذى يظهر فيه محمد بعد، ولسنا بالذين نظهر عليهم، وليقتلنهم الذين يظهر عليهم «1» قتلا ذريعا، قال فسمع عبد الله بن على الحديث، فالتفت إلى عبد الله بن حسن، فقال [يا] أبا محمد: سيكفيك الجعالة مستميت ... خفيف الحاذ من فتيان جرم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 أنا والله الذى أظهر عليهم وأقتلهم وأنتزع ملكهم، وولد عبد الله بن على فى آخر ذى الحجة سنة اثنتين ومائة، وتوفى سنة تسع وأربعين ومائة. شعر أبى موسى عيسى بن موسى بن محمّد بن علىّ بن عبد الله وطرف أخباره حدّثنى مشيح بن حاتم العكلى قال حدثنا يعقوب بن جعفر بن سليمان قال ذكر عيسى بن موسى بين يدى أبى جعفر بن سليمان فقال ذاك شيخ الدولة وسيد الاهل، وكان أبوه موسى بن محمد غزا مع أبيه محمد فى غزاة ذى الشامة المعيطى، فتوفى فقدم محمد ذا الشامة ليصلى عليه فأبى وقال أنت أحق بذلك، فقدمه فصلى عليه [وبقى] ذو الشامة على قبره حتى دفن، وكان يجىء إلى أبيه، وهو مريض فيسأله عنه، فشكر ذلك السفاح وسائر ولد أبيه، فلم ينالوا لما جاءت دولتهم معيطيا بمكروه. ويروى أنه دست إلى عيسى بن موسى شربة لما امتنع من البيعة للمهدى فأفلت منها بعد أن تناثر شعره، فقال فى ذلك يحيى بن زياد ابن أبى جراية البرجمى: أفلت من شربة الطّبيب كما ... أفلت ظبى الصّريم من قتره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 من قابض يقبض العريض إذا ... ركّب سهم الحتوف فى وتره دافع عنه العظيم قدرته ... صولة ليث يزيد فى خمره حتّى أتانا ونار شربته ... تعرف فى سمعه وفى بصره أزعر قد طار عن مفارقه ... وحف أثيت النّبات من شعره حدّثنى الغلابى قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال دخل أبو نخيلة على المنصور فأنشده أرجوزة منها: قل للأمير الواحد الموحّد ... إنّ الّذى ولّاك ربّ المسجد خلافة تبلغ أقصى المسند ... فيكم على رغم أنوف الحسّد ليس ولىّ عهدها بالأرشد ... وهى على جوز وبعد مقصد مهّد لها قصد السّبيل تهتدى ... عيسى فرحّلها إلى محمّد حتّى تكون من يد إلى يد ... فقد رضينا بالهمام الأمرد وقد عقدنا غير أن لم نشهد ... وغير أنّ العقد لم يؤكّد فوصله المنصور وكتب له بمال إلى الرى فخرج وأخذه حدّثنا جبلة بن محمد بن جبلة الكوفى قال حدثنى أبى عن محمد ابن قيس الاشعثى، قال لما قال أبو نخيلة ما قال: ليس ولى عهدها بالأرشد؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 قال عيسى بن موسى وما يدرى العبد، فوالله ما أتيت غياقط! ثم قال يعرض بالمنصور: وما آمر بالسّوء إلّا كفاعل ... وما سامع الّا كآخر قائل ثم أمر بأبى نخيلة من رمى به فى بئر، فتظلم أهله إلى المنصور فقال ما أعرف حقيقة دعواكم، ولو عرفتها ما كنت مقيدا شيخ بنى هاشم بعبد بنى حيان، فيئسوا وانصرفوا، وكان عيسى بن موسى إذا حج حج معه قوم يتعرضون لمعروفه وصدقاته وصلاته، وكان جوادا تقيا، فقال أبو الشدائد الفزارى: عصابة إن حجّ عيسى حجّوا ... وإن أقام بالعراق دجّوا قد نالهم نائله فلجّوا «1» ... والقوم عندى حجّهم معوّج ما هكذا كان يكون الحجّ فقيل له يا أبا الشدائد أتهجو الحاج؟ فقال: إنّى وربّ الكعبة المبنيّه ... والله ما هجوت من ذى نيّه ولا امرء ذا رعة تقيّه ... لكنّنى أبقى على البقيّه «2» من عصبة أغلوا على الرّعيّه ... أسعار ذى مشرى وذى عطيّه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 حدّثنا المغيرة بن محمد المهلبى قال حدثنا محمد بن عبد الله العتبى قال حدثنا أبى قال سمعت محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن يخطب الناس بالمدينة، فقرأ فى خطبته طسم تلك آيات الكتاب المبين إلى قوله ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم مّا كانوا يحذرون ويومىء إلى ناحية المنصور، قال وإذا صوت من ناحية يسمع ولا يرى قائله: أتتك الرّواحل والملجما ... ت بعيسى بن موسى فلا تعجل قلت أنا وهذا الشعر لابن هرمة ومنه: وقال لى النّاس إنّ الحياء ... أتاك مع الملك المقبل فدونكها يا ابن ساقى الحجيج ... فانّى بها عنك لم أبخل لقول الوصىّ وأنت ابنه ... وصىّ نبىّ الهدى المرسل وولى داود بن عيسى المدينة ومكة، فأقام بمكة فكتب اليه يحيى بن مسكين: ألا قل لداود ذى المكرما ... ت والعدل فى بلد المصطفى أقمت بمكّة مستوطنا ... فهاجر كهجرة من قد مضى وأما موسى بن عيسى فيكنى أبا عيسى فأخذ ولد أبيه وأمه ابراهيم ابن محمد الامام وولى المدينة الرشيد والكوفة وسوادها للمهدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وموسى والرشيد وولى المدينة للرشيد وأرمينية ومصر. وكان ابنه احمد بن موسى بن عيسى بن موسى سيدا وولى اليمامة للرشيد «1» . حدّثنا محمد بن زكريا قال حدثنا عبد الله بن الضحاك قال حدثنا الهيثم، قال لما ألح المنصور على عيسى بن موسى بن محمد أن يخلع نفسه من الخلافة، ويقدم المهدى عليه ويكون بعده قال عيسى بن موسى: خيّرت أمرين ضاع الحزم بينهما ... إمّا صغار وإمّا فتنة عمم وقد هممت مرارا أن أساقبهم ... كأس المنيّة لولا الله والرّحم ولو فعلت لزالت عنهم نعم ... بكفر أمثالها تستنزل النّقم حدّثنا عمرو بن تركى قال حدثنا القحذمى قال أنشد أبو نخيلة المنصور: دونك عبد الله أهل ذاكا ... خلافة الله الّتى أعطاكا بها حباك وبها أصطفاكا ... فقد تنظّرنا لها أباكا ثمّ انتظرناك لها إيّاكا ... فنحن نستذرى إلى ذراكا ارم إلى محمّد عصاكا ... واضرب بمن والاك من عاداكا فابنك مااسترعيته كفاكا ... أيشبه الأبعد من داناكا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 ما تستوى فى فضلها يداكا ... وإنّما تخطّ فى هواكا فجرّد الرّأى لمن عراكا ... ثمّ اعصب الأقرب من رضاكا فما يريد النّاس غير ذاكا «1» وجعل المنصور يضحك وأبو نخيلة ينشده، فأمر له بمائة ألف درهم كتب له بها إلى الرى، فقال له عقال بن شبة: أما أنت فقد سررت أمير المؤمنين، فان تم ما أردت لتغتبطن، وإلا فاطلب فى الارض، فقال له أبو نخيلة. كيف التّخلّص من شبا أنيابها ... علقت معالقها وصرّ الجندب فلما أقبل من الرى وجه إليه عيسى بن موسى ببعض مواليه فقتلوه وسلخوا وجهه حتى لا يعرف، وقالوا له هذا أوان صر الجندب، فقال لقد كان جندبا على مشئوما، وهرب غلمان أبى نخيلة بالمال. ومن شعر عيسى بن موسى وحدباء لو أطلقتها من عقالها ... تضايق عنها الأفق والأفق واسع ولكنّنى يعتادنى من حميّتى ... حذار شباب تمنطيه الوقائع وخوفى أحداثا متى ما أنل بها ... أقف موقف الحيران والنّقع ساطع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 فأبق على ما بيننا من قرابة ... وراجع فخير المذنبين المراجع فانّك إن ولّيت ذمّة بيننا ... خلافا تولّتك السّيوف القواطع حدّثنا القاضى عمرو بن تركى قال حدثنا القحذمى قال كتب عيسى بن موسى إلى المنصور حين ألح عليه فى البيعة للمهدى كتابا غليظا جوابا لكتاب المنصور اليه: «فهمت كتاب أمير المؤمنين، المزيل عنه نعم الله، والمعرضه لسخطه بما قرب فيه من القطيعة ونقض الميثاق، أوجب ما كان الشكر لله عليه، وألزم ما كان الوفاء له، فأعقب سبوغ النعم كفرا وأتبع الوفاء بالحق غدرا، وأمن الله أن يجعل ما مذمن بسطته إحسانا، وتمكينه إياه استدراجا، وكفى الله من الظالم منتصرا، والمظلوم ناصرا، ولا قوة إلا بالله، وهو حسبى وإليه المصير. ولقد انتهت أمور يا أمير المؤمنين لو قعدت عنك فيها فضلا عن ترك معونتك عليها لقام بك القاعد، ولطال عليك القصير، ولقد كنت واجدا فيها بغيتى، وآمنا معها نكث بيعتى، فلزمت لك طريقة الوفاء إلى أن أوردتك شريعة الرخاء، وما أنا بآيس من انتقام الله ورفع حلمه وكتب بعد ذلك: بدت لى أمارات من الغدر سمتها ... أظنّ وإيّاها ستمطركم دما وما يعلم العالى متى هبطاته ... وإن سار فى ريح الغرور مسلّما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 أتهضمنى حقّا تراه مؤخّرا ... لحكم إلهى حين صرت مقدّما سننت انتقاض العهد فاصبر لمثله ... بنقضك من عهدى الّذى كان أبرما» حدّثنا عمرو بن تركى القاضى قال حدثنا القحذمى، قال كتب عيسى بن موسى إلى المنصور حين ألح عليه فى الخلع، وطرح عليه من أهل خراسان من هدده بالقتل: «لو سامنى غيرك ما سمتنى، لا ستنصرتك عليه، ولا ستشفعت بك اليه، حتى تقر الحرم مقره، وتنزل الوفاء منزلته، ونحن أول دولة يستن بعملنا فيها، وينظر إلى ما اخترناه منها، وقد استعنت بك على قوم لا يعرفون الحق معرفتك ولا يلحظون العواقب لحظك، فكن لى عليهم نصيرا، ومنهم مجيرا، يجزك الله خير جزائك عن صلة الرحم، وقطع الظلم إن شاء الله» «فأجابه المنصور» لولا أنك تسام النزول عن حق لك، وواجب فى يديك لزال الضرع اليك، والتحمل عليك. ولولا أنى أخاف أن تسبق أيدى هذه العصبة من أهل الدولة اليك، لما كلفتك شاقا ولا حملتك مكروها، ولكنى عندك بالنصح لك والاشفاق عليك فى جنبة من لا يرضى منك إلا بارادته، ولا يستمهل أيامك لسرعته، وما الذى أسمو بك اليه بدون الذى يستنزلونك عنه، والله يوفقك ويحسن الاختيار لك» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 فلما قرأ عيسى كتابه قال: فررت اليك من محن اللّيالى ... فسلّطت الخطوب بما شجانى فكنت كمن شكا رمضاء حرّ ... تلذّع بالّتى تحت الدّخان تعجّل نصرتى وتحرّ حقّى ... ومن يرضى المغيّب بالعيان ولم ير مثلك الرّامون طرفا ... يكلّف ظالعا سبق الرّهان إذا ما كنت للغاوين كهفا ... تعينهم فللت شبا لسانى ولو أنّى تطاوعنى أناتى ... وتسعدنى على رفض الهوان لما عطف الزّمان عليك ودّى ... ولم ألجأ اليك من الزّمان محوت بما أتيت تبوت حقّى ... وما تمحو سوى آى القران ولو طاوعت فيك مقال غاو ... لنلت مطالع النّجم اليمانى وأسلمت الخطاب إلى بليد ... يجادل عنك منقطع البيان ولكنّي صبرت النّفس أرجو ... دنّوا من بعيد غير دان يكون من استجارك من ملّم ... كمحول على طرف اللّسان «1» يبيت مقلقلا يطوى حشاه ... على همم بعدن من الأمانى «2» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 ستبعد بين أهلك غير شكّ ... كما بعد الوهاد من الرّعان «1» حدّثنا جبلة بن محمد بن جبلة الكوفى قال حدثنا أبى، قال كان عيسى بن موسى أصدق الناس لأبى مسلم على المنصور قال عيسى بن موسى: أبا مسلم إن كنت عاصى أمرنا ... وباغينا سوء فلست بمسلم سيفنيك ما أفنى القرون الّتى خلت ... وما حلّ فى أكناف عاد وجرهم وما كان أنأى منك عزّا ومفخرا ... وأنهض بالجيش الهمام العرمرم فبلغ الشعر أبا مسلم فلما قدم عاتب عليه عيسى بن موسى فجحده وقال لقد نسبه قائله إلى. حدّثنا الحسين بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن الحارث قال لما استوت الخلافة للمهدى قال لعيسى بن موسى قبل أن يتم له سنة إنك أجبت عمك على تقديمى، وأنا أحب أن أخرجك عن هذا الامر وأجعله لابنى، فان عصيتنى استحققت ما يستحقه العاصى القاطع وإن أطعتنى فما تبلغ منيتك ما أنويه لك، قال افعل ما تحب، وخلع نفسه فأمر له المهدى بعشرين الف الف درهم وأقطعه قطائع كثيرة، وأقطع ولده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 حدّثنا الحسين بن فهم قال حدثنا محمد بن اسحق النفرى قال حدثنا صالح بن اسحق [قال كان] عيسى بن موسى من أجل بنى هاشم عقلا، امتنع من أن يخلع نفسه جهده ثم لما رأى الخلع حزما بادر اليه، وله فى ذلك كلام مأثور وأشعار حسان وأنشد له: أشكو إلى من يعلم الشّكوى ... ويسمع الأسرار والنّجوى ومن به آمل دفع الّذى ... كنت له من قبل أن أهوى صار إلى [ما] كنت أرثى له ... وأرتجيه أعظم البلوى يضربنى سيفى ويرمى العدى ... نحرى بسهم لى ما أشوى قد نقض العهد امرؤ ما له ... ميل إلى الحقّ ولا دعوى يولى يمينا أنّه ناصح ... والنّصح منه أبدا دعوى حدّثنا أحمد بن محمد بن اسحق قال حدثنى هارون بن محمد بن اسحق بن عيسى بن موسى قال حدثنى ابى على «1» عن ابراهيم بن موسى قال كتب أبو جعفر المنصور إلى عيسى بن موسى كتابا يحثه فيه على خلع نفسه وتقديم المهدى عليه، فكتب اليه عيسى: بسم الله الرّحمن الرّحيم (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) وقال عز وجل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا) قرأت كتاب أمير المؤمنين وتفهمته وأنعمت بالنظر اليه كما أمر وتنحرته، فوجدت أمير المؤمنين إنما يزيدنى لينقصنى، ويقربنى ليبعدنى، وما أجهل ما لى فى رضاه من الحظ الجزيل، والاثر الخطير، ولكنه سامنى ما تشح به الانفس وتبذل دونه، وما لا يسمح به والد لولده ما دام له حظ فيه. وقد علم أمير المؤمنين انه يريد هذا الامر لابنه لا له، وهو صائر [إلى ما سيصير] اليه اشغل ما يكون، وأحوج الى حسنة قدمها، وسيئة اجتنبها ولا صلة فى معصية الله، ولا قطيعة ما كانت فى ذات الله «1» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 [بقية أخبار عيسى بن موسى قال صاحب الاغانى: وعيسى ممن ولد ونشأ بالحميمة من أرض الشام، وكان من فحول أهله. وشجعانهم وذوى النجدة والرأى والبأس والسؤدد منهم، وقبل أن أذكر أخباره فانى أبدأ بالرواية فى أن الشعر له «2» إذ كان الشعر ليس من شأنه، ولعل منكرا أن ينكر ذلك إذا قرأه. أخبرنى حبيب بن نصر المهلبى وعمى قالا حدثنا عبد الله بن أبى سعد، ورأيت هذا الخبر بعد ذلك فى بعض كتب ابن أبى سعد فقابلت به ما روياه فوجدته موافقا. قال ابن أبى سعد حدّثنى على بن الصباح، قال حدثنى أبو عبد الله محمد بن اسحاق بن عيسى بن موسى، قال لما خلع أبو جعفر عيسى ابن موسى وبويع للمهدى قال عيسى بن موسى: خيّرت أمرين ضاع الحزم بينهما ... إمّا صغار وإمّا فتنة عمم وقد هممت مرارا أن أساقيهم ... كأس المنيّة لولا الله والرّحم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 ولو فعلت لزالت عنهم نعم ... بكفر أمثالها تستنزل النّقم على هذه الرواية فى الشعر روى من ذكرت؛ وعلى ما صدر من الخلاف فى الالفاظ يغنّى أنشدنى طاهر بن عبد الله الهاشمى، قال أنشدنى بريهة المنصورى هذه الابيات، وحكى ان ناقدا خادم عيسى كان واقفا بين يديه ليلة أتاه خبر المنصور، ومادره عليه من الخلع، قال فجعل يتململ على فراشه ويهمهم ثم جلس فأنشد هذه الابيات؛ فعلمت أنه كان يهمهم بها وسألت الله ان يلهمه المزاء والصبر على ما جرى شفقة عليه. قال ابن ابى سعد فى الخبر الذى قدمت ذكره عنهم وحدّثنى محمد بن يوسف الهاشمى، قال حدثنى عبد الله بن عبد الرحيم قال حدثتنى كلثم بنت عيسى قالت قال موسى بن محمد ابن على بن عبد الله بن العباس رأيت كانى دخلت بستانا، فلم آخذ منه إلا عنقودا واحدا عليه من الحب المتراصف ما الله به عليم، فولد لى عيسى بن موسى ثم ولد لعيسى من قد رأيت. قال ابن ابى سعد فى خبره هذا: وحدّثنى على بن سليمان الهاشمى قال حدثنى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن مالك مولى عيسى قال حدثنى أبى قال كنا مع عيسى لما سكن الحيرة وأرسل إلى ليلة من الليالى فأخرجنى من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 منزلى، فجئت اليه فاذا هو جالس على كرسى، فقال لى يا عبد الرحمن لقد سمعت الليلة فى دارى شيئا ما دخل سمعى قط إلا ليلة بالحميمة والليلة، فانظر ما هو، فدخلت استقرى الصوت فوجدته فى المطبخ، فاذا الطباخون قد اجتمعوا وعندهم رجل من الحيرة يغنيهم بالعود، فكسرت العود وأخرجت الرجل وعدت اليه فأخبرته فحلف لى أنه ما سمعه قط إلا تلك الليلة بالحميمة وليلته هذه. أخبار أبى العبر ونسبه هو ابو العباس بن محمد بن أحمد ويلقب حمدونا الحامض بن عبد الله بن عبد الصمد بن على بن عبد الله بن العباس المستوى «1» فى أول عمره منذ أيام الامين، وهو غلام إلى أن ولى المتوكل الخلافة، فترك الجد وعدل الى الحمق والشهرة به، وقد نيف على الخمسين، ورأى أن شعره مع توسطه لا ينفق مع مشاهدته أبا تمام والبحترى وأبا السمط بن أبى حفصة، ونظراءهم. حدّثنى عمى عبد العزيز بن حمدون قال سمعت الحامض يذكر أن أبنه أبا العبر ولد بعد خمس سنين خلت من خلافة الرشيد، قال وعمر إلى خلافة المتوكل، وكسب بالحمق أضعاف ما كسبه كل شاعر كان فى عصره بالجد ونفق نفاقا عظيما، وكسب فى أيام المتوكل مالا جليلا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وله فيه أشعار حميدة يمدحه بها، ويصف قصره وبرج الحمام والبركة، كثيرة المحال، مفرطة السقوط، لا معنى لذكرها، سيما وقد شهرت فى الناس «1» وحدّثنى محمد بن الازهر، قال حدثنى الزبير بن بكار، قال قال عمى ألا يأنف الخليفة لابن عمه هذا الجاهل مما قد شهر به، وفضح عشيرته، والله إنه لعر بنى آدم جميعا، فضلا عن أهله والادنين «2» أفلا يردعه ويمنعه من سوء اختياره؟ فقلت إنه ليس بجاهل كما تعتقد، وإنما يتجاهل، وإن له لأدبا صالحا، وشعرا طيبا، ثم أنشدته [له] : لا أقول الله يظلمنى ... كيف أشكو غير متّهم وإذا مالدّهر ضعضعنى ... لم تجدنى كافر النّعم قنعت نفسى بما رزقت ... وتناهت فى العلا هممى ليس لى مال سوى كرمى ... وبه أمنى من العدم فقال لى ويحك، فلم لا يلزم هذا وشبهه؟ فقلت له والله يا عم لو رأيت ما يصل اليه بهذه الحماقات لعذرته، فان ما استملحت «3» له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 لم ينفق، فقال عمى وقد غضب أنا لا أعذره فى هذا ولو حاز به الدنيا بأسرها، لا عذرنى الله إن عذرته إذن. وحدّثنى مدرك بن محمد الشيبانى قال حدثنى ابو العميس الصيمرى قال قلت لأبى العبر ونحن فى دار المتوكل، ويحك إيش يحملك على هذا السخف الذى قد ملأت به الارض خطبا وشعرا وأنت أديب ظريف مليح الشعر؟ فقال يا كشخان أتريد أن أكسد أنا وتنفق أنت؟ وأيضا أتتكلم؟ تركت العلم وصنعت فى الرقاعة نيفا وثلاثين كتابا؟ أحب أن تخبرنى لو نفق العقل أكنت تقدم على البحترى، وقد قال فى الخليفة بالامس: عن أىّ ثغر تبتسم ... وبأىّ طرف تحتكم فلما خرجت أنت عليه وقلت: فى أىّ سلح ترتطم ... وبأىّ كفّ تلتطم أدخلت رأسك فى الرّحم ... وعلمت أنّك تنهزم فأعطيت الجائزة وحرم، وقربت وأبعد. فى حر أمك وحر أم كل عاقل معك. فتركته وانصرفت. قال مدرك: ثم قال لى أبو الغبر قد بلغنى أنك تقول الشعر فان قدرت أن تقوله جيدا جيدا، وإلا فليكن باردا باردا مثل شعر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 ابى العبر، وإياك والفاتر فانه صفع كله. حدّثنى جعفر بن محمد بن قدامة، قال حدثنى ابو العيناء قال انشدت ابا العبر ما الحبّ إلّا قبلة ... وغمز كفّ وعضد أو كتب فيها رقى ... أنفذ من نفث العقد من لم يكن ذا حبّه ... فانّما يبغى الولد ما الحبّ إلّا هكذا ... إن نكح الحبّ فسد فقال لى كذب المأبون وأكل من خراى رطلين وربعا بالميزان فقد أخطأ واساء ألا قال كما قلت باض الحبّ فى قلبى ... فواويلى إذا فرّخ وما ينفعنى حبّى ... إذا لم أكنس البربخ وإن لم يطرح الأص ... لع خرجيه على المطبخ ثم قال كيف ترى؟ قلت عجبا من العجب قال ظننت أنك تقول لا فأبل يدى وأرفعها «1» ثم سكت فبادرت وانصرفت خوفا من شره حدّثنى عبد العزيز بن احمد عم أبى قال كان ابو العبر يجلس بسر من رأى فى مجلس يجتمع عليه فيه المجان يكتبون عنه، فكان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 يجلس على سلم وبين يديه بلاعة فيها ماء وحمأة وقد سد مجراها وبين يديه قصبة طويلة وعلى رأسه خف وفى رجليه قلنسيتان ومستمليه فى جوف بئر وحوله ثلاثة نفر يدقون بالهواوين، حتى تكثر الجلبة ويقل السماع ويصيح مستمليه من جوف البئر من يكتب عذبك الله، ثم يملى عليهم، فأن ضحك أحد ممن حضر قاموا فصبوا على رأسه من ماء البلاعة إن كان وضيعا، وإن كان ذا مروة رشش عليه بالقصبة من مائها، ثم يحبس فى الكنيف إلى أن ينفض المجلس ولا يخرج منه حتى يغرم درهمين قال وكانت كنيته أبا العباس فصيرها أبا العبر ثم كان يزيد فيها فى كل سنة حرفا حتى مات، وهى أبو العبر طرد طيل طليرى بك بك بك «1» حدّثنى جحظة قال رأيت أبا العبر بسر من رأى وكان أبوه شيخا صالحا، وكان لا يكلمه، فقال له بعض إخوانه لم هجرت ابنك؟ قال فضحنى كما تعلمون بما يفعله بنفسه، ثم لا يرضى بذلك حتى يهجننى ويؤذينى ويضحك الناس منى، فقالوا له أى شىء من ذاك وبماذا هجنك؟ قال اجتاز على منذ أيام ومعه سلم فقلت له ولاى شىء هذا معك؟ فقال لا أقول لك فأخجلنى وأضحك بى كل من كان عندى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 فلما أن كان بعد ايام اجتاز بى ومعه سمكة، فقلت له إيش تعمل بهذه؟ فقال انيكها فحلفت لا أكلمه أبدا أخبرنى عمى عبد الله قال سمعت رجلا سأل ابا العبر عن هذه المحالات التى يتكلم «1» بها أى شىء أصلها قال أبكر فأجلس على الجسر ومعى دواة ودرج فأكتب كل شىء أسمعه من كلام الذاهب والجائى والملاحين والمكارين حتى أملأ الدرج من الوجهين، ثم أقطعه عرضا وألصقه مخالفا فيجىء منه كلام ليس فى الدنيا احمق منه اخبرنى عمى قال رايت ابا العبر واقفا على بعض آجام سر من رأى وبيده اليسرى قوس جلاهق، وعلى يديه اليمنى باشق، وعلى رأسه قطعة رئة فى حبل مشدود بأنشوطة وهو عريان فى ايره شعر مفتول مشدود فيه شص؟؟ قد القاه فى الماء للسمك، وعلى شفته دوشاب ملطخ، فقلت له خرب بيتك إيش هذا العمل؟ فقال اصطاد يا كشخان يا أحمق بجميع جوارحى؛ إذ امر بى طائر رميته عن القوس، وإن سقط قريبا منى أرسلت اليه الباشق، والرئة التى على رأسى يجىء الحدأ ليأخذها فيقع فى الوهق، والدوشاب أصطاد به الذباب، وأجعله فى الشص فيطلبه السمك ويقع فيه. والشص فى ايرى فاذا مرت به السمكة أحسست بها فأخرجتها قال وكان المتوكل يرمى به فى المنجنيق الى الماء وعليه قميص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 حرير فأذا علا فى الهواء صاح الطريق الطريق، ثم يقع فى الماء فتخرجه السباح قال وكان المتوكل يجلسه على الزلاقة فينحدر فيها حتى يقع فى البركة ثم يطرح الشبكة فيخرجه كما يخرج السمك، ففى ذلك يقول فى بعض حمقاته ويأمر بى الملك ... فيطرحنى فى البرك ويصطادنى بالشّبك ... كأنّى من السّمك وحدّثنى جعفر بن قدامة قال قدم ابو العبر بغداد فى أيام المستعين وجلس للناس فبعث إسحق بن ابراهيم فأخذه وحبسه فصاح فى الحبس «لى نصيحة» فاخرج ودعا به اسحق فقال هات نصيحتك قال على ان تؤمننى قال نعم، فقال الكشكية لا تطيب إلا بالكشك. فضحك اسحق وقال هو فيما أرى مجنون فقال لا «هو امتخط حوت» قال ايش هو امتخط حوت؟ ففهم ما قاله «1» وتبسم ثم قال اظن انى فيك مأثوم، قال لا ولكنك فى ماء بصل فقال اخرجوه عنى إلى لعنة الله ولا يقيم ببغداد فأرده إلى الحبس، فعاد الى سرمن رأى، وله اشعار ملاح فى الجد منها ما أنشدنيه الاخفش له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 يخاطب غلاما أمرد ايها الأمرد المولع بالهج ... ر أفق ما كذا سبيل الرّشاد فكأنّى بحسن وجهك قد ألب ... س فى عارضيك ثوب حداد وكأنّى بعاشقيك وقد بدّ ... لت فيهم من خلطة ببعاد حين تنبو العيون عنك كما ين ... قبض السّمع عن حديث معاد فاغتنم قبل أن تصير إلى كا ... ن وتضحى فى جملة الأضداد أخبرنى الحسن بن على قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنى أحمد بن على الانبارى قال كنا فى مجلس يزيد بن محمد المهلبى بسر من رأى فجرى ذكر ابى العبر فجعلوا يذكرون حماقاته وسقوطه فقلت ليزيد كيف كان عندك. فقد رأيته؟ فقال ما كان الا أديبا فاضلا ولكنه رأى الحماقة أنفق وانفع له فتحامق، فقلت له انشدك أبياتا له أنشدنيها فانظر لو أراد دعبل فأنه أهجى أهل زماننا أن يقول فى معناها ما قدر على أن يزيد على ما قال، قال أنشدنيها فأنشدته قوله رأيت من العجائب قاضيين ... هما أحدوثة فى الخافقين هما اقتسما العمى نصفين فذّا ... كما اقتسما قضاء الجانبين هما فأل الزّمان بهلك يحيى ... إذا افتتح القضاء بأعورين وتحسب منهما من هزّ رأسا ... لينظر فى مواريث ودين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 كأنّك قد جعلت عليه دنا ... فتحت بزاله من فرد عين فجعل يضحك من قوله ويعجب منه ثم كتب الابيات اخبرنى الحسن قال حدّثنا محمد بن مهرويه قال حدثنى ابن أبى أحمد قال قال لى أبو العبر إذا حدثك إنسان بحديث لا تشتهى أن تسمعه فاشتغل عنه بنتف ابطك، حتى يكون هو فى عمل وانت فى عمل وقال محمد بن داود حدّثنى أبو عبد الله الداودى قال كان أبو العبر شديد البغض لعلى بن أبى طالب صلوات الله عليه وله فى العلويين هجاء قبيح. وكان سبب ميتته أنه خرج الى الكوفة ليرمى بالبندق مع الرماة من أهلها فى آجامهم، فسمعه بعض الكوفيين يقول فى على صلوات الله عليه قولا قبيحا استحل به دمه فقتله فى بعض الآجام وغرقه فيها. ومن شعره] إن يكن للعيون فى وجهك العي ... ش فانّ القلوب تكوى بجمر يا قليل النّظير مستطرف الشّ ... كل بديع الجمال مغرى بهجرى كفّ عنّى الصّدود يا واحد الحس ... ن فقد عيل من صدودك صبرى وهو القائل إلهى إنّ بى فقرا اليه ... وأنت ولىّ إشفاقى عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 فان لم تقض لى فيه بصبر ... يسلّينى فدعنى فى يديه وحدّثنى أخوه و] «1» يعرف بسعوط وكان جارنا فى شارع عبد الصمد لأخيه: هوى [دفين] وهوى بادى ... اظلم فجازيك بمرصاد «2» يا واحد [الأمّة فى] حسنه ... أسرفث فى هجرى وإبعادى «3» قد كدت [ممّا نال] منّى الهوى ... أخفى على أعين عوّادى عبدك يحيى بأخذه قبلة ... يجعلها خاتمة الزّاد «4» حدّثنا أحمد بن محمد الاسدى قال حدثنى أبو العبر أنه كان يهوى غلاما فكان يتيه عليه فى محبته فقال له: أفبى تتيه وقد علا ... ك الشّعر فى خدّ فحل وخرجت من حدّ الظّبا ... ء وصرت فى حدّ الابل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 أصبحت تطلب وصلنا ... عد للعداوة بالخجل حدّثنا أحمد بن محمد قال قدم علينا ابو العبر من سر من رأى فسألته عن اخباره فقال إن محمد بن عبد الملك قد قصدنى وحبس كتبا بأرزاقى فدخلت عليه فأنشدته: قم فاسقنى يا محمّد ... من سكيرىّ مبرّد ولا تفنّد عليها ... فليس مثلى يفنّد وهذا آخر ما وجد بالأصل الشمسى المنقول عن نسخة مكتبة شهيد على بالأستانة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 فهارس الكتاب 1- فهرس الأعلام 2- فهرس الأماكن والبقاع 3- فهرس التّراجم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 فهرس الأعلام آدم (عليه السلام) 21 و 324 ابراهيم بن اسحاق 34 ابراهيم بن اسماعيل الكاتب (نطاحة) 56 ابراهيم الامام- ابراهيم بن محمد ابراهيم بن الحسن بن سهل 20 ابراهيم بن شاهين 53، 85 ابراهيم بن عبيد الله 104 ابراهيم بن على بن هشام 23 و 30 ابراهيم بن محمد الامام 88 و 289 و 299 و 305 و 312 ابراهيم بن عبد الله بن المهدى- أبو اسحاق: 17 و 18 و 20- 28 و 30- 35 و 38 و 45- 47 و 49 و 52 و 53 و 55، 83 و 89 و 90 ابراهيم بن موسى 319 ابليس 132 و 194 أحمد (رسول الله) 111 و 157 و 159 و 185 آل أحمد (رسول الله) 118 أحمد (خال ابراهيم بن المهدى) 17 أحمد (معشوق ابن المعتز) 185 و 194 و 230 أحمد بن ابراهيم بن المهدى 44 أحمد بن الحارث 318 أحمد بن الحسين الهاشمى- أبو عبد الله 70 أحمد بن الرشيد- ابو عيسى بن الرشيد 56 و 83 و 88 و 94 احمد بن زهير 15 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 أحمد بن سعيد الدمشقى 107 أحمد بن سيف- أبو الجهم 63 أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن على- حمدونا، الحامض 323 احمد بن أبى العلاء 143 احمد بن على 6 احمد بن على الانبارى 330 احمد بن عمران النسائى 13 احمد بن أبى فنن 107 أحمد بن المتوكل- ابن فتيان 104 احمد بن محمد بن اسحاق الطالقانى- أبوبكر 13 و 16 و 55 و 60 و 70 و 319 احمد بن محمد الاسدى- ابو الحسن 11 و 61 و 106 و 331 و 332 احمد بن موسى بن بغا 137 احمد بن موسى بن عيسى بن موسى 313 احمد بن يحيى- ابو العباس (ثعلب) 107 و 113 و 114 أحمد بن يحيى بن جابر: 16 و 17 أحمد بن يزيد بن محمد- ابو جعفر المهلبى 20 و 30 و 45 و 50 و 51 و 57 و 58 و 60 و 61 و 82 و 92 و 105 احمد بن يوسف الكاتب 30 و 34 الاحوص 31 الاخطل 93 و 114 ادريس بن ادريس 117 اردشير 144 اسحق؟ 17 و 53 اسحاق بن ابراهيم الموصلى 4 و 23 و 25 و 30 و 32 و 329 اسحاق بن سليمان بن المنصور- أبو يعقوب 34 اسحق بن عبد الله الحمرانى 3 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 اسحاق بن عيسى 89 اسحاق بن وهب بن سماعة المعيطى 15 و 16 ابو اسحق- الشاهينى 96 ابو اسحاق- ابراهيم بن المهدى أسماء 74 اسماعيل بن اسحق القاضى 107 اسماعيل بن الهادى 83 الاصمعى 24 و 299 الاعشى 114 أمامة 24 و 306 أبو أمامة الباهلى 25 امرؤ القيس 198 الامويون 174 بنو أمية 298- 300 و 303 و 304 و 306 الامين بن الرشيد- أبو موسى- وأبو عبد الله 82 و 88 و 323 أبو أيوب المدينى 30 أبو أيوب بن الرشيد 95 و 96 أبو أيوب- سليمان بن المنصور أبو أيوب- سليمان بن داود المهلبى «ب» البحترى 323 و 325 بخترية (أم منصور بن المهدى) 18 بدر (غلام هبة الله بن ابراهيم بن المهدى) 50 و 52 البرامكة: 57 و 91 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 ابن بشر 139 بريهة المنصورى 322 ابن البصرى- محمد بن الحسن العلوى- أبو الحسين البعلبكى المؤذن 305 أبو بكر- أحمد بن محمد بن اسحق أبو بكر- محمد بن يحيى الصولى بنان المغنى 60 أم البنين 82 «ت» تبع 127 الترك 60 أبو تمام 323 تميم (مولى أبى جعفر) 27 التوجى 4 «ث» ثمامة بن أشرس 18 «ج» الجاحظ 18 و 45 جبلة بن محمد بن جبلة الكوفى 95 و 301 و 310 و 318 جحدر 69 جحظة البرمكى 327 جرم 308 جرير بن عطية بن الخطفى الشاعر 92 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 جرهم 218 جعفر بن أبى جعفر بن المنصور 5 جعفر بن سليمان بن على 299 و 309 جعفر بن عبد الله 89 جعفر بن على بن الرشيد 90 جعفر بن محمد بن قدامة 326 و 329 جعفر بن موسى الهادى 59 جعفر بن يحيى البرمكى 31 و 34 و 45 و 46 و 57 و 91 أبو جعفر المهلبى- أحمد بن يزيد المهلبى أبو جعفر- المنصور ام جعفر 62 و 86 جميل 115 أبو الجهم- أحمد بن سيف «ح» أبو حاتم السجستانى 24 الحارث بن أبى أسامة 7 و 306 الحارث بن الليث 299 الحامض- حمدونا 323 بنو الحبر 159 حبيب بن نصر المهلبى 321 ال حرب 299 حسان بن ثابت 24 الحسن بن اسحق 46 أبو الحسن الاسدى- أحمد بن محمد الاسدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 حسين (والد طاهر) 89 الحسن بن يحيى الكاتب 5 و 21 و 22 و 52 و 53 و 62 و 73 الحسن بن محمد بن على الحمانى- أبو القاسم 109 الحسن بن عليل العنزى 3، 14، 107 الحسن بن على 330 حسن بن حسن بن حسن 308 الحسن البلعى 24 الحسين بن أحمد بن هشام- أبو عباد 60 الحسين بن اسحق 318 الحسين بن اسماعيل 302 الحسين بن الضحاك 25، 26، 33، 114 الحسين بن على (عليه السلام) 111 و 175 و 305 الحسين بن على بن عيسى بن ماهان 27 الحسين بن فهم 47 و 56 و 90 و 93 و 305 و 319 أبو الحسين بن عبيد الله بن سليمان 389 أبو الحسين- محمد بن الحسن العلوى الحصين بن الحمام المزنى 302 آل أبى حفصة (مروان) 116 حكم الوادى المغنى 4 و 5 و 7 حماد بن اسحق 45 و 46 و 56- 58 و 72 حماد عجرد- أبو الدبس 3- 8 و 10 ابن حمدون 140 حمدونا الحامض- احمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن على حمزة بن المعتز 102 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 «خ» صاحب الخارجى 137 الخطاب بن عبد مناف 300 خلوب (أم محمد بن الرشيد) 94 أبو خليفة 6 «د» داحس: 43 الدارمى: 31 داود (عليه السلام) 13 داود بن على 303 و 308 داود بن عيسى 312 أبو الدبس- حماد عجرد دحمان الاشقر المغنى مولى بنى مخزوم 7 و 18 و 82 دعبل 33، 330 الديلم 60 «ذ» أبو ذكوان 6 و 8 و 304 أبو الذوائب (مولى بنى قيس) 106 «ر» رؤبة الشاعر (الرجاز) 115 و 305 و 306 الرسول (عليه الصلاة والسلام) 49 و 56 و 107 و 155 و 303 رشأ (غلام علية) زينب- ريب 57 و 61- 63 و 73 الرشيد- هارون 15 و 22 و 31 و 35 و 55 و 61 و 82 91 و 93 و 312 و 313 و 323 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 الروم 83 ريب- رشأ (غلام علية) ريحان- أبو قريش (خادم ابى مسلم) 297 ريطة (أخت محمد بن أبى العباس) «ز» الزبير بن بكار 324 زرزور الكبير (غلام جعفر بن موسى الهادى) 59 زلزل (المغنى) 33 زهير (بن ابى سلمى) 36 زيد بن على 305 زينب- رشا (غلام علية) زينب بنت سليمان بن على 4 و 5 و 7- 10 و 34 «س» آل ساسان 144 سباع (وكيل علية بنت المهدى) 63 السجاد 159 سديف 298 أبو السرايا 95 ابن سريج 84 بن أبى سعد- عبد الله بن أبى سعد 322 سعوط (أخو عيسى بن موسى) 320 سعيد الجوهرى 16 سعيد بن هريم 11 و 16 و 56 و 57 السفاح 305 و 309 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 سفيان 299 السفيانى 11 ام سلمه بنت يعقوب بن سلمة 3 سلمى 77 سليمان بن ابى جعفر المنصور 10 و 11 و 13- 15 سليمان بن داود المهلبى 86 و 90 سليمان بن عبد الرحمن 302 سليمان بن على 40 و 298- 300 و 307 سليمان بن المنصور- سليمان بن أبى جعفر أبو السمط بن أبى حفصة 323 «ش» ذو الشامة المعيطى 309 شاهمرد 18 الشاهينى- أبو اسحاق 96 أبو شبل البرجمى 52 أبو الشدائد الفزارى 311 شرة (معشوقة ابن المعتز) شر- شريرة 155 و 158، 226- 228 و 232 و 238 و 241 و 243 و 276 شكلة (أم ابراهيم بن المهدى) 17 و 18 ابن شكلة- ابراهيم بن المهدى أبو الشيص 81 «ص» صاحب الاغانى 321 صالح بن اسحاق 319 صالح بن الرشيد 86 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 صالح بن على 297، 300، 305 أبو صالح بن عمار 79 صعود (صاحب الفراء) 107 أبو الصقر 91 الصولى- محمد بن يحيى الصولى (أبو بكر) «ض» ضبة البصرة 301 ضبة الكوفة 301 ضعيفة (جارية سليمان بن المنصور) 11- 13، 15 «ط» أبو طالب 95 ولد أبى طالب 3 الطالبيين 108 الطالقانى- أحمد بن محمد طاهر بن الحسين 35 و 88 و 89 طاهر بن عبد الله الهاشمى 322 ابن طباطبا العلوى 95 طغيان (جارية أم جعفر 62 طل (خادم الرشيد، ومعشوق علية بنت المهدى) - ظل 56- 58، 61 آل طولون 133 بنوط لون 134 «ع» عائشة 303 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 ابن عائشة 304 عاد 127 و 318 عامر بن اسماعيل 305 عباس؟ 277 عباس (معشوق ابن المعتز) 233 و 274 العباس (عم الرسول) 49 و 89، 108 و 112 و 113، 151 و 159 بنو العباس بن عبد المطلب 3 و 11 55 و 157 و 228 و297 و 308 العباس بن الاحنف 81 العباس بن المأمون 18 العباس بن محمد 46 و 53 العباس بن موسى: 35 أبو العباس- عبد الله بن المعتز أبو العباس المرشدى 12 بنو العباس ثعلب- أحمد بن يحيى أبو العباس السفاح 10 و 16، 89، 97 أبو العباس بن محمد بن أحمد بن عبد الله- أبو العبر ابن عبدان 143 عبد الرحمن الاوزاعى 302 عبد الرحمن بن عبد الله 35 عبد الرحمن بن مالك 323 عبد شمس 298 عبد العزيز بن أحمد 326 عبد العزيز بن حمدون 323 عبد الملك الهدادى 103 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 عبد الملك الزيات 26 عبد الله (عم أبى الفرج) 328 عبد الله بن أبى الخطاب 304 عبد الله بن ابى سعد 321 عبد الله بن حسن بن حسن 308 عبد الله بن الحسين بن الفرات 308 عبد الله بن الحسين القطربلى 94 عبد الله بن السمط بن مروان 117 عبد الله بن سليمان (الوزير) 125 و 288 عبد الله بن سبرمة الضبى 301 عبد الله بن الضحاك 7 و 297 و 298 و 313 عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع 22 و 55 عبد الله بن عبد الحميد بن فضالة (أبو محمد) 302 عبد الله بن عبد الرحيم 322 عبد الله بن عبد الملك الهدادى 101 و 102 عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس 297- 302 و 304- 307 و 309 عبد الله بن عمر بن عبد الله بن على العبلى 306 عبد الله بن محمد الامين 92 و 97 و 98 و 100 عبد الله بن محمد بن على الكاتب 20 عبد الله بن المعتز (أبو العباس) 33- 35 و 59 و 84، 90 و 93 و 98 و 101 و 103 و 107 و 111 و 113، 114 و 117 عبد الله بن موسى الهادى (أبو القاسم) 68 و 82 و 84 عبد الله بن يحيى بن على 308 أبو عبد الله- أحمد بن الحسين الهاشمى أبو عبد الله- الامين بن الرشيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 أبو عبد الله- الحسين بن احمد بن هشام أبو عبد الله- موسى بن صالح بن شيخ أبو عبد الله الداودى 330، 331 عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن مالك 333 عبد الوهاب بن محمد بن عيسى 20 عبيد الله (أبو القاسم) 261 عبيد الله بن عبد لله بن طاهر 37 و 113 و 132 عبيد الله بن محمد بن عبد الملك الزيات 26 و 55 عبيد الله بن مسرور 134 العبيس بن جمدون 25 و 92 أبو العبر 323، 325- 332 أبو العتاهية 47 و 48 و 73 و 106 العتبى 8 و 305 عتبة بن حماد الحكمى- أبو خليد القارى 302 عثمان بن عفان 197 عريب المغنية 91 و 92 عقال بن شبة 314 علقمة بن وقاص 303 علم السمراء (جارية عبد الله بن الهادى) 82 علوية المغنى 30، 53 العلويون 330 على بن ابى طالب 49 و 89 و 108- 113 و 197 و 300 303 و 305 و 319، 330 على بن الحسين الاسكافى 91 و 92 على بن سليمان الهاشمى 322 على بن الصباح 321 على بن عبد الله السلمى 302 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 على بن عبد الله 299 على بن موسى 30 و 300 و 305 علية بنت المهدى 54 و 55 و 57 و 59 و 61- 64 و 68 و 69، 77 و 80 و 82 و 83 عمران 141 عمر بن الخطاب 303 عمرو بن بانة 5 و 20 و 21 و 23 و 25 عمرو بن تركى القاضى 300 و 313 و 315 و 316 عمرو بن سندى (مولى ثقيف) عمرو بن شبة 15، 94 و 338 عمرو بن عبد 110 أبو العميس الصيمرى 325 العنزى 12 عون بن محمد الكندى (كاتب حجر بن أحمد الحويمى بنارس) 16، 21، 22، 31- 34، 46، 55- 57، 59، 83، 86، 88، 94، 100، 299، 304 عيسى بن ربيب 95 عيسى بن على بن محمد 308- 315، 317، 319، 321 و322 أبو عيسى 32 أبو عيسى بن الرشيد- احمد بن الرشيد أبو عيسى- محمد بن المتوكل 104- 106 أبو عيسى- موسى بن عيسى أبو العيناء- محمد بن القاسم 20 و 90 و 299، 326 «غ» أبو غالب- محمد بن سعيد الصغدى الغبراء 43 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 الغلابى 6 و 7 و 9 و 89 و 93 و 205 و 298 و 310 «ف» فاطمة بنت محمد بن محمد بن عيسى بن طلحة (أم يعقوب بن المنصور) 10 ابن فتيان- أحمد بن المتوكل الفرا. 107 فرعون 132 الفضل بن الحباب- أبو خليفة 4 الفضل بن مروان 25 فهر بن مالك 41 و 280 ابن فهم- الحسين بن فهم «ق» القاسم بن اسماعيل 108 القاسم بن عبيد الله 126 و 260 القاسم بن محمد بن عباد المهلبى 90 أبو قاسم؟ 40 أبو القاسم- الحسن بن محمد بن على بن محمد الحمانى 109 القحذمى 300 و 313 و 315 و 316 القرامطة 110 و 139 قريش 113 و 276 و 277 قيس 43 قيس بن الحطيم 8 بنو قيس 106 قيصر 127 «ك» كتلة (مولاة عبد الله بن محمد الامين) 98 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 كعب بن زهير 24 بنو كعب 43 كسرى 127 كلثم بنت عيسى 322 كنيزة (جارية عبد الله بن الهادى) 68 و 72 كنيزة (جارية أم جعفر) 69 و 78 «م» المأمون (أبو عبد الله) الخليفة العباس 15 و 16 و 18 و 20- 22 و 33 و 82 و 83 و 88 و 90 و 94 الماخورى 84 المارق (أحد المغنين) 33 مالك (أحد المغنين) 84 متوج بن محمود بن مروان بن أبى حفصة 116 و 117 المتوكل على الله 104 و 323 و 328 و 329 محمد (رسول الله عليه الصلاة والسلام) 112 و 151 محمد؟ 89 و 310 و 320 محمد بن ابراهيم 303 محمد بن الازهر 324 محمد بن أحمد بن هارون 47 محمد بن اسحق البصرى 319 و 321 محمد الامين- الامين 17 و 18 و 27 و 28 و 91 محمد بن الحسن العلوى 108 و 109 محمد بن داود بن الجراح 80 و 330 محمد بن راشد 21 و 34 محمد بن الرشيد- أبو ايوب 94 محمد بن زكريا اللؤلؤى 297 و 313 محمد بن سعيد 11 و 25 و 305 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 محمد بن سعيد الصغدى- أبو غالب 88 محمد بن سليمان بن داود 86 محمد بن سليمان بن على 4، 5 محمد بن صالح بن بيهس الكلابى 11 و 32 محمد بن صالح النطاح- أبو عبد الله 927 و 305 محمد بن عباد المهلبى 90 محمد بن أبى العباس 3 و 6 محمد بن عبد الرحمن 9 و 310 محمد بن عبد السميع 83 محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن 312 محمد بن عبد الله العتبى 312 محمد بن عبد الملك الزيات 26 و 31 و 333 محمد بن على بن عبد الله 308 و 309 محمد بن على بن عثمان 61 و 83 محمد بن عيسى الاوانى 13 محمد بن الفضل بن الاسود 15 و 308 محمد بن القاسم- أبو العيناء محمد بن القاسم بن مهروية 330 محمد بن قيس الاشعثى 310 محمد بن المتوكل- أبو عيسى 104 و 106 محمد بن محمد بن زيد بن على 95 محمد بن مروان 303 محمد بن مسلمة بن ارتبيل اليشكرى 14 محمد بن معاوية الاسدى 14 محمد بن المنصور 313 محمد بن موسى بن حماد البربرى (مولى بنى هاشم) 9 و 20 و 32، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 56 و 297 و 305 محمد بن يحيى بن أبى عباد 22 و 105 و 106 محمد بن يحيى بن ثابت 54 محمد بن يحيى بن عبد الله الصولى- أبو بكر 3 و 302 و 308 محمد بن يزيد المبرد- أبو العباس 107 محمد بن يوسف الهاشمى 322 أبو محمد بن عبيد الله بن سليمان 288 و 289 أبو محمد- عبد الله بن عبد الحميد بن فضاله 302 أبو محمد الهدادى- عبد الله بن عبد الملك 101 و 102 محياة الطائفية (أم ولد المنصور) 17 و 18 مخارق المغنى 33 المدائنى 7 مدرك بن محمد الشيبانى 325 أبو المدور الوراق 12 مرحب 110 مروان بن أبى حفصة 23 و 117 مروان بن عبد الملك 159 مروان بن محمد 297 و 304 و 305 آل مروان، بنو مروان 144 و 299 و 308 ابن مروان بن أبي حفصة 304 مزدك 144 المستعين بالله 329 مسرور الخادم 22 و 55 أبو مسعود الكوفى 297 أبو مسلم الخراسانى 297 و 301 و 318 المسيح (عليه السلام) 205 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 مشيح بن حاتم العكلى- أبو الحسن 88 و 298 و 307 و 309 مصعب الزبيرى 15 مطرب بن الشخير 303 المعتز بالله (والد عبد الله بن المعتز) 92 ابن المعتز (عبد الله) 104 و 109 و 116 المعتصم بالله 18 و 22 و 31 و 49 المعتضد بالله 105 و 117 و 119 و 123 و 128 و 130 المعتمد على الله 52 و 98 و 105 و 117 ابن المعتمد 106 المغيرة بن محمد المهلبى 25 و 312 المكتفى بالله 117 المنتصر 60 المنصور أبو جعفر 3، 4، 7، 17، 18 و 28 و 31 و 35 و 297 و 301 و 305 و 307 و 310 و 316 و 318 و 319، 312 المهدى العباسى 7 و 11 و 14 و 28 و 104 و 309 و 313 و 315، 318 و 319 و 321 موسى بن صالح بن شيخ- أبو عبد الله 61 موسى بن عيسى بن موسى 83 و 312 و 313 موسى بن محمد بن على بن عبد الله 309 و 322 موسى الهادى 13 و 84 الموفق بالله 105 و 106 و 125 و 127 و 130 أبو موسى- الامين بن الرشيد ميمون بن هارون- أبو الفضل 25 و 61 و 63 و 63 و 69 و 79 و 82 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 «ن» نافد (خادم عيسى بن موسى) 322 أبو النجم الراجز 81 أبو نخيلة 310 و 311 و 313 و 314 النبى (صلى الله عليه وسلم) 5 و 34 و 40 و 89 و 109 و 110 نطاحة- أحمد بن اسماعيل الكاتب 113 النميرى 132 أبو نهشل بن حميد 97 و 100 أبو نواس 24 و 114 و 194 «هـ» هارون- الرشيد هارون بن محمد بن اسحق بن عيسى بن موسى 319 هارون بن المعتصم بالله 101- 103 هارون بن الواثق بالله 49 هاشم (بن عبد مناف) 11 و 52 و 56 و 280 هاشم (قبيلة) 152 بنو هاشم 3 و 34 و 107 و 108 و 113 و 130 و 311 و 319 هامان 312 هبة الله بن ابراهيم بن المهدى 17 و 2 و 31 و 34 و 50 و 52،- 54 و 59 و 3 و 89 الهدادى- عبد الملك الهدادى ابن هرمة 312 هشام بن محمد 7 بو هفان 11 هند 153 و 159 و 160 و 175 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 الهيثم بن عدى 298 «و» الواثق بالله 49 و 97 وضاح اليمن 82 الوليد بن عبد الملك 300 وهب 120 آل وهب 113 «لا» لاتسل (خادم صالح بن الرشيد) 86- 87 «ى» يحيى بن زكريا (مولى عبد الله بن على) 306 يحيى بن زياد بن أبى جراية البرجمى 309 يحيى بن زيد 300 يحيى بن سعيد الانصارى 303 يحيى بن عبد الله 16 يحيى بن على 4 و 17 و 13 و 25 و 30 يحيى بن مسكين 116 يزيد بن الصعق الكلابى 300 يزيد بن محمد المهلبى 330 يزيد بن منصور 59 يعقوب (معشوق ابن المعتز) 226 يعقوب بن بيان الكاتب 91 و 92 يعقوب بن جعفر 73 يعقوب بن جعفر بن سليمان الهاشمى 307 و 309 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 يعقوب بن جعفر بن عبد الله بن على 298 أبو يعقوب- اسحاق بن سليمان أم يعمر 23 يوسف بن ابراهيم (ابن خالة ابراهيم بن المهدى) 35 يوسف بن ابراهيم الخراسانى 31 يموت بن المزرع 18 و 45 يوسف بن يعقوب (عليه السلام) 21 و 80 و 113 يؤنس بن بغا 50 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 فهرس الأماكن والبقاع «ا» أجا (جبل) 42 إرم (ذات العماد) 201 أرمينية 313 «ب» بستان بشر 198 البصرة 3، 4، 105، 298 بطن الجسر 89 بغداد مدينة أبى جعفر- 17، 18، 27، 59، 137 172، 143، 329 «ح» حران 299 الحميمة 321، 323 الحنو 92 الحيرة 322، 323 «خ» خراسان 316 الخضراء (فى مدينة المنصور) 27 خيبر 110 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 «د» دار المأمون 34 دار المتوكل 325 دجلة 264 الدجيل 129 الدسكرة 189 دمشق 302 دنباوند 18 الدويرة 170، 277 دير حنظلة 98 دير السوسى 187 الديرين 262 «ر» الرقة 15، 16، 59 الرى 60، 310، 314 «ز» الزاب 299 الزابيان 307 زمزم 73 «س» سرمن رأى 18، 106، 107، 137، 143، 226 312، 320، 326- 331 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 سلمى (جبل) 43 «ش» شارع عبد الصمد 320 الشام 11، 105، 164، 321 «ط» الصف 175 طيزناباذ 459 «ع» عدن 124 العراق 33، 45، 60، 304، 311 عكاظ 300 العمرية 97 «غ» الغار 110 غمى 197، 197 الغوطتين 137 «ف» الفرات 32، 98، 188، 284 الفرك 60 «ق» قصر حميد 198 (26- أوراق) القصر (موضع) 158، 170 قطربل 32 القفص 189 «ك» كثوة 306 كدا 306، 307 الكرخ 180، 187، 189 كركين 198 الكعبة 311 الكوفة 94، 301، 312، 330 «م» الماصر 198 المدينة 312 مدينة أبى جعفر- بغداد المربد 6 المرج 60 مصر 313 المطيرة 158 و 180 و 187 مكة 47 و 237 و 308 منى 237 الميدان 198 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 ميدان اشناس 233 «ن» نجد 274 النقا 52 نهر أبى فطرس 298 و 307 «هـ» الهدملة 92 الهند 197 «و» الوادى 226 وادى القرى 7 وج 307 وينا 193 «لا» اللابتين 307 «ى» الياسرية 327 يثرب 110 و 307 اليمامة 313 نهاية الفهارس والحمد لله رب العالمين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 فهرس التراجم 3 أبو عبد الله محمد بن أبى العباس السفاح 10 أبو أيوب سليمان بن المنصور 17 أبو اسحاق ابراهيم بن المهدى 50 أبو القاسم هبة الله بن ابراهيم بن المهدى 55 أشعار علية بنت المهدى وأخبارها 56 أخبار علية بنت المهدى مع أخيها الرشيد 61 أخبار علية مع رشأ الخادم 63 أخبار لعلية متفرقة 66 ومما غنت فيه من شعرها في الثقيل الاول 68 ومما غنت فيه من شعرها في الثقيل الثانى 71 ومما غنت فيه من شعرها فى طريق الرمل 73 ومما غنت فيه من شعرها فى طريق الرمل الثانى 77 ومما قالته علية من الشعر ولا نعلم فيه غناء 81 ومما غنت من شعر غيرها 82 أخبار علية مع الامين والمأمون وذكر وفاتها 84 عبد الله بن موسى الهادى 88 أبو عيسى بن الرشيد 94 أبو أيوب محمد بن الرشيد 97 عبد الله بن محمد الامين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 101 هارون بن المعتصم 104 أبو عيسى محمد بن المتوكل 107 أبو العباس عبد الله بن المعتز بالله 114 أخبار لعبد الله بن المعتز 132 ومن مختار شعره فى الهجاء 146 ومن مختار شعر عبد الله فى الفخر 176 ومما قاله في الخمر 207 ومن مختار شعره فى الطرد 220 ومن مختار شعره في الغزل 244 ومن مختار شعره فى الصفات 151 وقال فى ذم الصبوح 269 ومن مختار شعره في المعاتبات 280 ومن مختار شعره فى الشيب والزهد 287 ومن مكاتباته 297 شعر عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس 309 شعر أبى موسى عيسى بن موسى بن محمد بن على 330 بقية أخبار أبى موسى عيسى بن موسى 325 أبو العبر ونسبه 343 فهرس الاعلام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364