الكتاب: الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي المؤلف: سليمان بن عبد الله السويكت الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السادسة والثلاثون العدد (112) 1424هـ/2004م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي سليمان السويكت الكتاب: الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي المؤلف: سليمان بن عبد الله السويكت الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السادسة والثلاثون العدد (112) 1424هـ/2004م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم وصلى الله تعالى وسلم على المبعوث رحمة للعالمين؛ عربيهم وأعجميهم، أبيضهم وأسودهم، قاصيهم ودانيهم، لانتشالهم من حمأة الشرك ودرك الرذيلة والهوى إلى صفاء التوحيد ونقاء الفطرة وعبادة رب العباد تعالى وتقدس، أما بعد: ففي خِضَمِّ منظومة قوافل التوحيد التي انطلقت في جميع الاتجاهات تحمل رسالة الإسلام وتُبلِّغ دعوته استرعى الانتباه تلكم الحملات التي اتجهت نحو عاصمة الدولة البيزنطية؛ مدينة القسطنطينية Constantinople ولاسيما الحملة (الأخيرة) في العصر الأموي في عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك (96-99?/ 715-717م) التي بذلت فيها جهود، وسخرت لها إمكانات، وخرجت فيها قوى كبيرة، وخطط لها بعناية، فكانت بحق من أشد الحملات الإسلامية خطورة على القسطنطينية في عصر بني أمية، ومع ذلك فقد عجزت عن تحقيق هدفها المنشود. وهي من أكثر الحملات ذكراً في المصادر والروايات التاريخية؛ حتى إنها أفردت بتأليف مستقل 1، ولكن مع كثرة الروايات في المصادر التاريخية العربية عنها، فإنه يكتنفها شيء من الغموض والاضطراب وعدم الدقة، شأنها شأن بعض أحداث التاريخ الإسلامي التي تحتاج إلى إعادة نظر وتدقيق، وتوقُّفٍ عند بعض الروايات فيها لتحريرها وتمحيصها، فكان أن وفقني الله تعالى لجمع المعلومات والروايات المتعلقة بها، والنظر فيها ودراستها   1 ينسب هذا الكتاب إلى عبد الله بن قيس الهمداني، انظر الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 9/338، وابن عساكر، تاريخ دمشق 20/153، وهو مفقود الآن، ومنه نص عند ابن عساكر في تاريخ دمشق 9/167-169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وتحليلها، وتحرير المتشابه منها، أملاً في المساهمة ولو بجهد قليل في خدمة هذا التاريخ. ولاسيما أنني تمكنت بفضل من الله تعالى من الوقوف على روايات جديدة في تاريخ دمشق لابن عساكر عن شهود عيان مشاركين في هذه الحملة أفادتني كثيراً في تقويم الروايات، وكان هذا مما شجعني على المضي في هذا البحث، ومع أن الهدف هو دراسة الروايات العربية لكن الرجوع إلى بعض المراجع الغربية أحياناً كان ضرورة لدعم تحرير بعض الروايات أو للمقارنة، وليتحمل القارئ معي ثقل إدراج بعض النصوص من المصادر القديمة؛ إذ أن طبيعة دراسة الروايات وتحريرها يتطلب ذلك أحياناً. وقد مُهّد للبحث بموجز عن أهمية مدينة القسطنطينية، والمحاولات الأولى لفتحها من قبل الأمويين، ثم بدأ بتفصيل أحداث الحملة؛ استعداداتها، انطلاقها وخط سيرها، قصة ليو1 الثالث الأيسوري Leo III The Isaurian مع المسلمين ووصوله إلى العرش البيزنطي (717-741 م) ، ثم عَرَض صوراً من الروايات التي تصف أحداث الحصار والموقفَ الإسلامي والبيزنطي، ثم وضَّح كيف فُكَّ الحصار عن المدينة، ثم توقف مستقرئاً لأهم الأسباب التي أدت إلى عجز المسلمين عن فتح المدينة مرة أخرى، وكان اختتامه باستنباط وتأمل في أبرز النتائج والدروس والعبر التي تمخصت عنها هذه الحملة. والله تعالى المؤمَّل أن يعصم من الزلل ويغفر الخطأ، فهو المستعان وعليه التكلان، وصلى الله تعالى وسلم على المصطفى وآله.   1 يعرف في المصادر العربية باسم (اليون) ، وهذا ما سنستخدمه في هذا البحث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 تمهيد عن أهمية القسطنطينية، والمحاولات الأولى لفتحها: بدأت الحياة تدب نشيطة في هذه المدينة عندما اختارها الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير Consantine I (306-337 م) لتكون عاصمة لدولته سنة 330 م، بعد تعميرها وبنائها في موقع قرية قديمة تعرف ببيزنطة. كان هذا المكان يتميز بموقع جغرافي فريد عند أقرب نقطة التقاء بين قارتي آسيا وأوربا في أرضية تلالية مرتفعة أشبه بالمثلث رأسه قبالة الشاطئ الآسيوي وضلعاه متساويان يمتد أحدهما شمالاً حيث القرن الذهبي1، والآخر جنوباً حيث بحر مرمرة، وقاعدته مفتوحة براً تجاه أوربا، ودُعِّم هذا الموقع المتميز بأسوار وتحصينات وأبراج أقيمت عليها عبر العصور، فصارت مدينة القسطنطينية من أمنع مدن العالم وأهمها، ومن ثم أصبحت مركز الثقل للإمبراطورية البيزنطية في جميع مناحي حياتها، ووقفت صامدة أمام محاولات الفتح الإسلامي لها عندما زحف الأمويون إليها وطرقوا أبوابها مرات عديدة2. وقد كان اهتمام الأمويين بفتح القسطنطينية ظاهراً منذ أن توطد الملك لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (41-60?/661-680 م) ؛ إذ رأى أن الدولة البيزنطية عدو خطر اقتطع المسلمون من أملاكه بلاد الشام ومصر، لكن   1 قبل اتصال مياه البسفور ببحر مرمرة يمتد داخل البر الأوربي خليج يصل طوله إلى سبعة أميال في انحناء شبيه بالمنجل أو القرن، فصار يعرف في التاريخ بالقرن الذهبي، انظر خريطة القسطنطينية في الملحق رقم 2 2 عن موقع القسطنطينية وأهميته انظر العيون والحدائق في أخبار الحقائق، لمؤلف مجهول ص 27، والإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق 2/801، وياقوت الحموي، معجم البلدان 4/347، وإبراهيم العدوي، الأمويون والبيزنطيون ص 123، وعبد الشافي محمد عبد اللطيف، العالم الإسلامي في العصر الأموي ص 242-244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ظلت عاصمته وأجزاء الإمبراطورية الأخرى سليمة، ولمس هذه الخطورة في فترة الخلاف التي حدثت بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه (35-40?/656-660 م) ، فرسم سياسة محكمة لمواجهة خطر هذه الدولة تقوم على إشغالها بحروب متواصلة على جبهة حدودها مع الدولة الإسلامية، مع انتهاز الفرص عندما تتاح لغزو القسطنطينية ذاتها، تحفزه هو وخلفاؤه الذين جاءوا من بعده والذين ساروا على منهجه في التصميم على الفتح تلكم الأحاديث النبوية الصريحة الرافعة من شأن الفاتحين والواعدة بالمغفرة والمنزلة الرفيعة لهم، منها: عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل في ساحة حمص، وهو في بناء له، ومعه أم حرام1، قال عمير: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا"2، قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله: أنا فيهم؟ قالت: "أنت فيهم"، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت: أنا فيهم؟ قال: لا"3.   1 أم حرام بنت ملحان الأنصارية خالة أنس بن مالك، كانت تخرج مع الغزاة، فخرجت مع زوجها عبادة لفتح قبرص فوقصتها دابتها هناك فماتت بالجزيرة، انظر عنها ابن سعد، الطبقات الكبرى 8/435، وابن عبد البر، الاستيعاب 8/1931. 2 أي أتوا بالموجبة من الحسنات فوجبت لهم الجنة. 3 البخاري، الجامع الصحيح (كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في قتال الروم) ، هذا وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية، ويستفيئون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جداً لم ير الناس مثلها، ولا يرون بعدها نظيرها، انظر صحيح مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال) ، وتفسير ابن كثير 1/368. وهذا فتح آخر سيحدث مستقبلاً غير الفتح الذي تم على يد السلطان العثماني محمد الفاتح في سنة 857? كما أخبر أن هذا الفتح الأخير سيكون قبل فتح المسلمين لرومية (روما) ، مسند الإمام أحمد 2/176، ومجمع الزوائد 6/219، وقال: رجاله رجال الصحيح غير أبي قبيل وهو ثقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وعن بشر الغنوي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش1. وعن بشر بن عبد الله بن يسار قال: كان عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بأذني، ويقول: يا ابن أخي إن أدركت فتح القسطنطينية فلا تدع أن تأخذ بحظك منها2. فكانت هذه الأحاديث مما رفع من قيمة فتح القسطنطينية في نظرهم وشجعهم على اتخاذها هدفاً حيوياً مهماً سعوا جادين إلى تحقيقه، وبذلوا في ذلك وسعهم وطاقاتهم رغبة في تحقق ذلك الوعد النبوي الصادق على أيديهم. هذا وقد وصلت الجيوش الإسلامية في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى القسطنطينية وحاصرتها مرتين؛ وذلك بعد أن استكملت كافة الاستعدادات التي تساعد على تحقيق الهدف من الغزو3. كان الحصار الأول بين سنتي 49-50?4 (669-670 م) وشارك فيه عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم5، ويذكر شاهد عيان هو أبو عمران التجيبي أنهم صفوا أمام المدينة صفين طويلين 6، والهدف من ذلك فيما   1 الإمام أحمد، المسند 4/335، والهيثمي، مجمع الزوائد 6/218، وقال: رجاله ثقات. 2 الشيباني، الآحاد والمثاني 3/48، وأبو عمر الداني، السنن الواردة في الفتن 6/1128. 3 عن هذه الاستعدادات انظر عبد اللطيف، العالم الإسلامي ص245 وما بعدها. 4 تاريخ اليعقوبي 2/240، والذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث (41-60?) ص 19، 21، والهيثمي، مجمع الزوائد 10/11. 5 منهم أبو شيبة الخدري، وأبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، تاريخ الطبري 5/232، وتاريخ دمشق 66/290. 6 الحاكم، المستدرك على الصحيحين 3/518. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 يظهر والله أعلم إرهاب العدو وبث الرعب والفزع في نفوسهم وإشعارهم أن مدينتهم واقعة تحت الحصار الفعلي، ويلاحظ على هذه الحملة أنها عادت دون أن تحقق هدفها وهو فتح القسطنطينية، لكنها نجحت في صرف همة البيزنطيين عن محارشة المسلمين والتركيز على الدفاع عن ما بحوزتهم من بلاد. وفاز هذا الجيش بفضيلة السبق لغزو هذه المدينة حيث الوعد النبوي بالمغفرة لأول جيش من المسلمين يغزو القسطنطينية1. أما الحصار الثاني فقد تم أثناء ما عرف بحرب السنوات السبع 2 (54-60?/ 673-679م) حيث سارت قوة برية وبحرية نحو القسطنطينية ووصلت إليها دون مقاومة 3، وكان المسلمون قد تمكنوا في هذه السنوات وما قبلها من فتح عدد من الجزر في بحر الروم (المتوسط) مثل قبرص Cyprus، ورودس Rhodes، وكوس Cos، وخيوس Chios، وفتحوا جزيرة أرواد Cyzicus في بحر مرمرة واتخذوها قاعدة بحرية لهم في هذه الحرب، كما فتحوا إزمير، وليكيا Lycia، وقيليقية Cilicia في آسيا الصغرى 4، وتعرضت القسطنطينية للحصار في هذه السنوات مرات عديدة في فصول الصيف، لكن ذلك لم يؤد إلى نتائج حاسمة بسبب انقطاعه في فصول الشتاء وعدم إحكامه،   1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 3/413، 4/486، وهذا وفقاً لرواية البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وانظر منهاج السنة النبوية 4/544. 2 ابن الأثير، الكامل 3/246 وفيليب حتي، تاريخ العرب 3/252 3 يذكر الدكتور العدوي، الأمويون ص 143 تولي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قيادة الحملة، ولكن ذلك وهم، لأن عبد الرحمن كان قد توفي سنة 46 ?، انظر تاريخ دمشق 34/334، وتاريخ الإسلام (41-60) ص 16 4 Ostrogorski , History of The Byzantine State, P. 111. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 ونتيجة لهذا ولعوامل أخرى مثل موقع المدينة الجغرافي الحصين، وطبيعة التيارات المائية في سواحلها المحيطة بها، والنار الإغريقية وغيرها 1 رأى معاوية رضي الله عنه ضرورة عودة هذه الجيوش 2 فعادت ولم يتحقق هدفها. وكان آخر ما وصى به معاوية قبل موته: “أن شدوا خناق الروم فإنكم تضبطون بذلك غيرهم من الأمم”3.   1 فتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/50. 2 العدوي، الأمويون ص 144-145. 3 تاريخ خليفة بن خياط ص 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي وبعد التعرف على بعض الجهود السابقة نبدأ الآن في عرض ما يتعلق بهذه المحاولة الجادة المخطط لها بعناية وإحكام، والتي بذلت فيها جهود، وسخرت فيها قوى وإمكانات، تدل على رغبة صادقة في الفتح من قبل المسلمين. الغزو المتواصل لمدن الروم وقلاعهم وإلهاب جبهة الحدود: لئن مات معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فإن الهدف الذي سعى إلى تحقيقه وهو فتح القسطنطينية لم يمت في نفوس أخلافه، بل ظل أملاً حياً يراودهم متحينين الفرصة لإنجازه؛ فما أن استقرت الأمور لعبد الملك بن مروان (65-86 ?/685-705 م) إذا به يوجه جهوده نحو مملكة الروم التي راق لها انشغال المسلمين عن غزوها برهة من الزمن، بسبب الفتنة حول المُلك في أعقاب وفاة يزيد ابن معاوية (60-64?/680-683م) ، فقامت بشن غارات على منطقة الثغور الشامية، مستغلة هذه الفرصة، وكان عبد الملك قد اضطر إلى عقد هدنة معها في أول حكمه إبان تثبيته الملك، لقاء مبلغ من المال يدفعه لها 1، لكن فور فراغه من ذلك دعا الناس للجهاد في سبيل الله تعالى، فوردوا عليه من جميع الآفاق، فخطب فيهم وحثهم على الجهاد في سبيل الله تعالى، ثم وجههم بعد أن استكملوا استعداداتهم إلى بلاد الروم2، وأمر عليهم ابنه مسلمة 3.   1 تاريخ الطبري 6/150، وكامل ابن الأثير 4/2، وابن العبري، تاريخ مختصر الدول ص 194، والبداية والنهاية 8/313. 2 ابن أعثم، الفتوح 7/167، وابن عساكر، تاريخ دمشق 9/167-168. 3 مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، أبو سعيد، كان من أشجع أبناء عبد الملك، له آثار كثيرة في حروب الروم والخزر، ونكاية في الروم خاصة؛ حيث لازم الغزو في بلادهم سنين طويلة حالفه التوفيق في معظم تلك الغزوات، توفي سنة 121? بالشام. انظر ترجمته في تاريخ دمشق 58/27 وما بعدها، وللمزيد من المعلومات عن مواهبه وخصائصه انظر جواد الأعظمي، الأمير مسلمة بن عبد الملك ص 5، و57 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 إن الناظر فيما رواه ابن أعثم عن هذه الحملة التي أعدها عبد الملك بن مروان والمتتبع لسير حركتها ينتهي به النظر إلى أن هدفها كان القسطنطينية بالذات 1، لكن ذلك ليس ثابتاً ولا محرراً؛ فلم يرد في المصادر الأصلية التي اطلعت عليها والتي ينقل بعضها عن شهود عيان2، ولا حتى في المراجع العربية الحديثة 3 ما يدل على طَرْق الجيوش الإسلامية للقسطنطينية بعد وفاة معاوية رضي الله عنه حتى عهد سليمان بن عبد الملك، وأما ما قد يفهم من رواية ابن عساكر 4 عن عبد الله ابن سعيد الهمداني من توجيه عبد الملك ابنه مسلمة في تلك الغزاة نحو القسطنطينية فيعكر عليها ما ورد في الرواية نفسها من قوله: “أردت أن أغزيكم غزاة كريمة شريفة إلى صاحب الروم اليون..” فلم يكن من أباطرة الروم المعاصرين لعبد الملك من يحمل هذا الاسم، مما يدل على أن هناك خلطاً في الرواية وتداخلاً،   1 حيث ذكر أن مسلمة استمر في غزواته تلك أربع عشرة سنة، ووصل خلالها إلى القسطنطينية، وحاصرها، وبنى بإزائها مدينة القهر، واستمر هناك قاهراً للروم إلى أن كتب إليه سليمان ابن عبد الملك معزياً في أبيه عبد الملك وأخيه الوليد، في روايات متداخلة مضطربة بعضها أقرب إلى الأساطير منها إلى الحقائق، انظر الفتوح 7/194-197، و7/298-306. 2 كتاريخ خليفة بن خياط ص 267-293، وتاريخ الطبري 6/194-418، وابن عساكر 20/153، وابن الأثير 4/33-102،، وابن كثير 9/7-61. 3 انظر مثلاً فتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/ 72-78، وما بعدها، وعاشور، أوربا العصور الوسطى 1/112-113، والعدوي، الأمويون.. ص 151 وما بعدها، والسيد عبد العزيز سالم وزميله العبادي، تاريخ البحرية الإسلامية في حوض البحر الأبيض المتوسط 1/31 وما بعدها. 4 تاريخ دمشق 9/168. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وقد ذكر ابن خياط أن مسلمة قاد في عهد أبيه حملة موفقة إلى بلاد الروم فتح فيها بعض الحصون 1 يرجح أن هذا الإعداد المذكور كان لها. وهذا لا ينفي أن عبد الملك كان مدركاً لأهمية القسطنطينية بدليل توجيهه نظر أبنائه إليها، وتمهيده هو الطريق نحوها عندما زحف بنفسه إلى إقليم قيليقية بأرض الروم، وواجه الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني في فترة حكمه الأولىJustinian II (685-695 م) مع قواته عند مدينة سيواس Sebastopolis، وأنزل به هزيمة قاسية، مستفيداً من العناصر السلافية في جيش الإمبراطور الحاقدة عليه والتي استمالها عبد الملك فانضمت إلى صفه، واستفادت الجيوش الإسلامية من خبرتها بالمسالك والدروب، فتابع المسلمون إغاراتهم وانتصاراتهم على المدن والحصون 2. إن غزو معاقل الروم على جبهة الحدود والتوغل في أراضيهم ومدنهم داخل العمق البيزنطي منذ أواخر عهد عبد الملك وطوال عهد الوليد كان هدفاً مدروساً يراد به تحقيق عدة أمور؛ منها: تدريب القوات الإسلامية على مواجهة الروم في حروبهم ومعرفة أساليبهم القتالية، وأدواتهم، ومعرفة المسالك والدروب والطرق في بلادهم، وإزالة القوى والعقبات الواقعة في طريق زحف الجيوش الإسلامية نحو هدفها الرئيس القسطنطينية، ولذلك يلاحظ أنه لم تخل سنة من سنوات حكم الوليد (86-96?/705-715 م) من خروج جيش للغزو والجهاد، ودخول إلى بلاد الروم، وفتحٍ للمعاقل والحصون 3.   1 تاريخ خليفة ص 293. 2 العدوي، الأمويون ص 157، وفتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/71-72، وعبد اللطيف، العالم الإسلامي ص 254. 3 انظر مثلاً في أحداث سنة 86 تاريخ الطبري 6/426، وفي أحداث سنة 87 تاريخ خليفة ص 304 وتاريخ الطبري 6/429، وفي أحداث سنة 88 تاريخ خليفة ص 305 وتاريخ الطبري 6/434، وفي أحداث سنة 89 تاريخ خليفة ص 305 وتاريخ الطبري 6/439، وفي أحداث سنة 90 تاريخ خليفة ص 306، وتاريخ الطبري 6/442، وفي أحداث سنة 91 تاريخ الطبري 6/454، وفي أحداث سنة 92 تاريخ الطبري 6/468، وفي أحداث سنة 93 تاريخ خليفة ص 309، وتاريخ الطبري 6/469، وفي أحداث سنة 94 تاريخ خليفة ص 310، وتاريخ الطبري 6/483، وفي أحداث سنة 95 تاريخ الطبري 6/492، وفي أحداث سنة 96 تاريخ الطبري 6/495. ويلاحظ أنه ما مرت سنة إلا وكان فيها غزوة أو أكثر صائفة أو شاتية، ويلاحظ أنه قام على جميع تلكم الغزوات رجال من بني أمية إما مسلمة أو أحد أبناء الوليد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وكان من أهم المعاقل والحصون التي افتتحت زمن الوليد حصن الطوانة1 Tyana الذي هو بمثابة مفتاح الطريق بين الشام ومضيق البسفور 2، على الرغم من استعصائه، واستماتة الروم في الدفاع عنه، ووصول إمدادات إمبراطورية منجدة، لكن المسلمين صدقوا الله في الجهاد فهزموهم وفتحوا الحصن والمدينة سنة 88هـ 3. الاستعدادات البيزنطية والإسلامية والتجهيز: تابع الوليد بن عبد الملك الضغط على الدولة البيزنطية ـ كما رأينا ـ بالغزو المتواصل للحصون والقلاع والمدن المتاخمة لبلاد المسلمين، وكان يهدف من وراء ذلك إلى صرف نظر البيزنطيين عن الهدف الرئيس الذي كان يخطط له وهو غزو عاصمتهم، وقد حالف التوفيق المسلمين في معظم غزواتهم، ودخلوا إلى الأعماق البيزنطية، مما أوقع الشك والريب في قلب الإمبراطور (أنسطاس   1 حصن وبلد منيع من الحصون التي بناها الروم بثغور المصيصة، افتتحه المسلمون سنة 88. معجم البلدان 4/45-46. 2 عبد اللطيف، العالم الإسلامي ص 254. 3 لمعرفة تفاصيل هذا الفتح انظر تاريخ دمشق 26/443-446 فيما رواه عن ابن عائذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 الثاني Anstasius II 713-716 م) 1 بأن وراء هذا النشاط العسكري ما وراءه، ولذلك أرسل سفارة في سنة 95? (714م) تسعى إلى طلب الصلح وعقد هدنة بين الطرفين، وهدف آخر لها وهو تلمُّس ما وراء ذلك النشاط العسكري من مقاصد، والتحري في العاصمة الإسلامية عن ما يجري من إعداد لغزو العاصمة البيزنطية، ويذكر أن البعثة لم تظفر بما أعلن أنها جاءت من أجله، لكنها أدركت ما يخطط له المسلمون من غزو عاصمتهم، فعادت لتؤكد للحاكم البيزنطي صدق عزيمة المسلمين فيما ينوون من جهادهم وتنصح بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للدفاع عن العاصمة وصد المسلمين عنها2، فبادر عندئذ بالاستعداد للمواجهة؛ فكان من الإجراءات والاحتياطات التي اتخذها ما يلي 3: أعلن في العاصمة عن نبأ حملة مرتقبة للمسلمين يتطلب الإعداد لها التكيف معها. على كل فرد يعيش داخل العاصمة أن يخزن لنفسه مؤونة تكفيه لمدة ثلاث سنوات. على كل فرد غير قادر على تدبير مؤونته أن يغادر المدينة. عُبئت الخزائن الإمبراطورية بالقمح وما يحتاجه المدافعون من طعام. تجديد أسوار المدينة المتداعية ولاسيما المطلة منها على البحر. تزويد الأسوار البرية بآلات الدفاع من منجنيقات وغيرها. أمر الإمبراطور بإعداد حملة لمهاجمة سواحل الشام بقصد عرقلة استعدادات   1 المسعودي، التنبيه والإشراف ص 165. 2 عن هذه السفارة انظر العدوي، الأمويون ص 159، وفتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/ 84، ولم أجد في المصادر الإسلامية القديمة التي اطلعت عليها شيئاً عنها. 3 عن هذه الاستعدادات ينظر الذهبي، تاريخ الإسلام (80-100) ص 169، والعدوي، الأمويون ص 160، وماجد، التاريخ السياسي للدولة الأموية ص 254 وفتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/84 و Bury , Later Roman Empire, II, P. 371. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 المسلمين أو القضاء عليها. هذا في الوقت الذي كان يمضي فيه المسلمون قدماً في الإعداد لغزو القسطنطينية، فبعد موت الوليد بن عبد الملك في منتصف شهر جمادى الآخرة من سنة 96? 1تابع أخوه سليمان الإعداد والتجهيز مستغلاً الظروف السيئة التي مرت بها الإمبراطورية؛ من تعاقب الأباطرة، وضعف بعضهم، والصراع حول العرش، والثورات والفتن الكثيرة 2، وطمع أعدائها 3، وسوء أحوالها بعد أن سرى الفساد في جميع مرافقها وإداراتها4، وانحطاط نظامها العسكري5، والخلاصة أنها كانت تعيش حالة ضعف تام 6، وكان من الإجراءات التي اتخذت في سبيل الاستعداد للحملة: الاستمرار في غزو أراضي الروم في مناطق الحدود؛ حيث غزا داود بن سليمان الصائفة سنة 97?، فافتتح حصن المرأة 7، وغزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فافتتح بعض الحصون كبرجمة والحديد وحصن ابن عوف 8، كما غزا عمر بن هبيرة أيضاً 9، وذلك بهدف إلهاء السلطات البيزنطية،   1 تاريخ الطبري 6/495. 2 مؤلف مجهول، العيون والحدائق ص 25-26. 3 ماجد، التاريخ السياسي ص 245، ونبيه عاقل، تاريخ خلافة بني أمية ص 246-247. 4 العدوي، الأمويون ص 161. 5 فتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/87، عن شاهد معاصر في سنة 715 م 6 علي حسن، التاريخ الإسلامي العام ص 315، وانظر سعيد عاشور، أوربا العصور الوسطى 1/112. 7 تاريخ الطبري 6/523. 8 تاريخ خليفة بن خياط ص 319-320، وتاريخ الطبري 6/523، وكامل ابن الأثير 4/146. 9 المصادر السابقة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 والتمويه على الهدف الرئيس1. صناعة سفن جديدة في دور الصناعة بمصر لتدعيم الأسطول البحري2. جُمعت أدوات الحرب من كل صنف للصيف والشتاء، وأدوات الحصار من مجانيق وغيرها، كما تزودوا بالنفط وغير ذلك 3، بل لقد ساهمت معظم أقطار الخلافة الإسلامية فيما تحتاجه الحملة من عدة وعتاد 4. حُشد جيش بري كبير من أهل الشام والموصل والجزيرة 5، وخرج مع الجيش المتطوعة المحتسبون أجرهم على الله تعالى 6، وجماعة من الفقهاء من الشام والعراق 7، قال أكثر المؤرخين: إن عدة الجيش. بلغت 120 ألفاً 8.   1 طقوش، تاريخ الدولة الأموية ص 130. 2 العدوي، الأمويون ص 160. 3 العيون والحدائق ص 24. 4 العدوي، الأمويون ص 160، وعاقل، تاريخ خلافة بني أمية ص 246. 5 الذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 270، وابن كثير، البداية والنهاية 9/178. 6 البداية والنهاية 9/175. 7 العيون والحدائق ص 25، وتاريخ دمشق 64/92، وانظر الأنباري، تاريخ الدولة العربية ص 388. 8 المسعودي، التنبيه والإشراف ص 165، والمقدسي، البدء والتاريخ 6/43، وابن العبري، تاريخ مختصر الدول ص 169، والذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 270، وقال في دول الإسلام: “أزيد من مائة ألف” ص 67، وفي سير أعلام النبلاء قال: “مائة ألف” 5/125، ووردت رواية عند ابن كثير فيما رواه عن الواقدي فيها مبالغة كبيرة، قال: “جهزَّ في البر مائة وعشرين ألفاً وفي البحر مائة وعشرين ألفاً من المقاتلة”، البداية والنهاية 9/175، لكنه عاد في ص 178 من الجزء نفسه فقال: “وهم في نحو من مائة وعشرين ألفاً”. وحتى هذا العدد الأخير يبدو لي أنه مبالغ فيه؛ إذ يصعب تحرك مثل هذا الجيش الضخم وتموينه، وقطعه مسافات شاسعة ومسالك وعرة في عمق بلاد عدو متجه إلى حربه. وأقل ما ذكر عن عدد هذا الجيش هو 80 ألفاً، ابن أعثم، الفتوح 7/309، والعدوي، الأمويون ص 163، وعاشور، أوربا 1/113. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 أُعدّ أسطول حربي ضخم لحمل المجاهدين البحريين من مصر وأفريقية،. قدرت قطعه البحرية بألف مركب 1، أو 1800 سفينة كبيرة عدا سفن صغيرة أخرى2. والرواية الأولى أقرب إلى القبول لأنها عن شاهد عيان. عَيَّنَ الخليفة سليمان أخاه مسلمة بن عبد الملك ليكون قائداً عاماً للجيوش كلها البرية والبحرية3، وهذا الاختيار جاء نتيجة لخبرته الحربية الطويلة في بلاد الروم منذ زمن أبيه عبد الملك، فقد عركته التجربة في بلادهم فصار من أعرف الناس بها، وكان شجاعاً مقداماً، أما قائد الأسطول البحري فهو عمر بن هبيرة الفزاري 4، وإن كانت بعض المراجع الحديثة 5 تقول إن أمير البحر هو   1 تاريخ دمشق 50/338، والذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 270، وابن كثير، البداية والنهاية 9/178. 2 عاشور، أوربا 1/113،والعدوي، الأمويون ص 163-164،وسالم، تاريخ البحرية 1/35، وهذا أيضاً وفق المراجع الغربية انظر مثلاً Vasiliev , History of the Byzantine Empire, I, P.236. 3 تاريخ الطبري 6/530، والمسعودي، التنبيه ص 165، ومروج الذهب 2/44، وتاريخ القضاعي ص 358،وتاريخ بغداد 9/338، وكامل ابن الأثير 4/146، وتاريخ الإسلام (81-100) ص 270، وسير أعلام النبلاء 4/501، والبداية والنهاية 9/178 4 تاريخ خليفة بن خياط ص 321، وتاريخ اليعقوبي 2/300،والمسعودي، التنبيه ص 165،وابن عساكر: تاريخ دمشق 45/374، والذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 270، سير أعلا م النبلاء 4/501، والعبر في خبر من غبر 1/87، والبداية والنهاية 9/178.وهو أبو المثنى، كان أميراً من الدهاة الشجعان، عزله عمر بن عبد العزيز عن إمارة البحر بعد القفول من القسطنطينية، ثم ولاه الجزيرة فغزا الروم، وتولى العراق ليزيد ابن عبد الملك، ثم عزله هشام. انظر عنه: تاريخ دمشق 45/373 وما بعدها. 5 العدوي، الأمويون ص 164، وسالم، تاريخ البحرية الإسلامية 1/35، وعبد اللطيف، العالم الإسلامي ص 257، وطقوش، تاريخ الدولة الأموية ص 130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 سليمان [هكذا] دون تعيين، اعتماداً على المصادر الغربية1، لكن روايات شهود العيان تؤيد القول الأول، كالليث بن تميم الفارسيّ 2 الذي قال: “كنت ممن غزا على اسمه وعطائه بفيء عمر بن هبيرة إذ ولاه سليمان غازية البحر”3، وقال: إن عمر بن هبيرة لم يزل على غازية البحر حتى عزله عمر بن عبد العزيز (99-101?/717-720 م) عند القفول من القسطنطينية4، وصُرّح بإمارة ابن هبيرة على البحر في أحداث الحصار نفسها 5. همّ الخليفة سليمان بالإقامة في بيت المقدس لجمع الناس والأموال 6، ولكنه عدل عنها إلى دابق 7 شمالاً، حيث عسكر هناك 8، ليرفع من الروح المعنوية للجند، وليكون أقرب إلى ميدان الحرب، وقد حلف أن لا يعود حتى تفتح القسطنطينية أو يموت دون ذلك 9.   1 على سبيل المثال Bury, Later Roman Empire, II, P. 401 2 من مشيخة ساحل دمشق، ومن غزاة البحور، روى عنه الوليد بن مسلم روايات كثيرة عن مغازيه التي شارك فيها، في القسطنطينية وغيرها، انظر عنه: تاريخ دمشق 50/337 وما بعدها. 3 ابن عساكر: تاريخ دمشق 50/337. 4 المصدر السابق 57/131. 5 المصدر السابق 68/230-231. 6 الذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 469، وسير أعلام النبلاء 4/501. 7 دابق: قرية قرب حلب بينهما أربعة فراسخ عندها مرج معشب نزه، معجم البلدان 2/ 416. 8 المصدر السابق 2/416-417. 9 تاريخ الطبري 6/531، والذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 469، وسير أعلام النبلاء 4/501، ويذكر صاحب العيون والحدائق أن بعض العلماء أخبر سليمان أن الخليفة الذي يفتح القسطنطينية اسمه اسم نبي، ولم يكن في بني أمية من اسمه اسم نبي غيره، فطمع أن يكون هو، فاستعد وتحمس ص 24. ولم أر فيما اطلعت عليه من كتب الحديث ما يؤيد هذا القول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 أخرج سليمان العطاء للجيش، وأنفق أموالاً كثيرة من الخزائن، وبين للناس غزوتهم وطولها، وأمرهم بتقوى الله، ومصابرة العدو، والتناصح والتناصف1. أخذ مسلمة معه ما يحتاجه من مواد تساعده على إنجاح مهمته؛ من مؤن وأخشاب لإقامة بيوت تكنُّ المسلمين من شتاء القسطنطينية القارس2. هذا وقد جاء في رواية للواقدي ساقها كل من الذهبي3 وابن كثير4 أن سليمان قبل أن ينفذ الحملة استشار موسى بن نصير وأخاه مسلمة في أيِّهما يبدأ به أولاً القسطنطينية، أم ما دونها من البلاد حتى يصل إليها فيفتحها؟ فكان رأي موسى بن نصير أن يبدأ بما دونها حتى يصلها، سيراً على سَنن الفاتحين الأولين، أما مسلمة فقد رأى أن يبدأ بالقسطنطينية أولاَ، وقد أعجب سليمان هذا الرأي فأخذ به. ويبدو أنهم كانوا على عجلة من أمرهم وإلا فإن رأي موسى كان أحكم وأصوب وأثبتت الأيام نجاحه وصوابه. سير الحملة إلى القسطنطينية وضرب الحصار: استدعى مسلمة بن عبد الملك بشراً الغنوي الذي روى عن أبيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: “لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”، قال: فدعاني مسلمة بن عبد الملك، فحدثته، فغزاها5. وكان هذا بعد أن تكامل إعداد الحملة وتجهيزها في سنة   1 الذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 270، وابن كثير، البداية والنهاية 9/175، وابن دقماق، الجوهر الثمين ص 70. 2 انظر طقوش، تاريخ الدولة الأموية ص 131. 3 تاريخ الإسلام (81-100) ص 270، وسير أعلام النبلاء 4/501. 4 البداية والنهاية 9/174-175. 5 البخاري، التاريخ الكبير 2/81، ابن عبد البر، الاستيعاب 8/170، وقال إسناده حسن، وانظر تاريخ دمشق 58/34-35. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 97?1، واتُخذت كافة الوسائل والتدابير التي تساعد على تحقيق الهدف، فتحركت الجيوش البرية من مرج دابق نحو القسطنطينية سالكة طريق مرعش 2 من ناحية الشام 3، ثم قطعت الدرب مجتازة مناطق الثغور الحدودية، وأفضت إلى ضواحي الروم4، ثم واصلت زحفها حتى وصلت إلى إقليم الأناضول Anatolikon، فتوغلت فيه حتى وصلت إلى عاصمته مدينة عمورية rumiAmo، فضربت عليها حصاراً لم يلبث أن فُكَّ، بسبب اتفاق مع حاكم الإقليم ستأتي الإشارة إليه بإذن الله. واجتازت الجيوش الإسلامية إقليم الأناضول دون مقاومة، باثة الرعب والذعر في نفوس السكان، وصار الطريق مفتوحاً أمامها، ويستشف من الروايات أن مسلمة استغرق وقتاً قبل الوصول إلى القسطنطينية، وذلك بسبب هجوم الشتاء القارس على الجيش، فشتى بضواحي الروم5، وكانت الدوريات بقيادة أبي يحيى البطال تقوم بتأمين الجيش وحمايته من مباغتة العدو 6. اقترب الجيش الإسلامي من بحر القسطنطينية وفتح في طريقه مدينتي ساردس Sardis وبرغامة Pergamum الواقعتين قرب شواطئ بحر إيجه7، وتقدم إلى أبيدس Apydos على الساحل فعسكر عندها، وبعد ستة   1 تاريخ الطبري 4/44، والبداية والنهاية 9/169. 2 مرعش: مدينة في الثغور بين بلاد الشام وبلاد الروم إلى جانب ثغر الحدث. انظر عنها: ابن خرداذبة، المسالك والممالك ص 253، والحموي، معجم البلدان 5/107. 3 العيون والحدائق ص 25. 4 تاريخ دمشق 58/21. 5 تاريخ خليفة بن خياط ص 321، وتاريخ اليعقوبي 2/300، والعيون والحدئق ص 25. 6 تاريخ دمشق 33/402، وهذه رواية مهمة انفرد بها ابن عساكر عن الوليد بن مسلم ذكر فيها أن مجموع هذه القوة عشرة آلاف. 7 العريني، الدولة البيزنطية ص 187، وطقوش، تاريخ الدولة الأموية ص 131. وأومان، الإمبراطورية البيزنطية، تعريب: مصطفى طه بدر، ص 145، و Vasiliev, History of the Byzantine Empaire, I, P. 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 عشر يوماً1 وصلت مراكب المسلمين وأسطولهم البحري إلى أبيدس ومسلمة مقيم عليها عند عين ماء، عرفت فيما بعد بعين مسلمة 2. أما طريق سير الأسطول البحري فيروي شاهد عيان كان ضمن أفراده هو الليث الفارسي أنهم انطلقوا حتى مروا بمصر فتبعوهم فمضوا جميعاً حتى طرابلس أفريقية وعلو أرض الروم حتى إذا حاذوا القسطنطينية ساروا في بحر الشام حتى دفعوا إلى خليج القسطنطينية 3، ومعنى هذا أن أسطول الشام توجه جنوباً لينضم إليه أسطول مصر، ثم اجتمع الأسطول كله ليأخذ طريقاً موحداً نحو القسطنطينية. وعبر المسلون من أبيدس بواسطة الأسطول إلى الشاطئ الأوربي4، وكان عرض الخليج من ذلك الموضع كما يقول صاحب العيون والحدائق غلوة سهم5، وأثناء العبور تعرض البيزنطيون لبعض مراكب المسلمين فاختطفوها لكن تصدى لهم أحد القادة البحريين فأوقع بهم ـ كما في رواية شاهد العيان الليث الفارسي6 ـ. وبعد أن تم الانتقال إلى العدوة الأوربية توجهت الجيوش نحو القسطنطينية، وعند الوصول بدأ مسلمة بتنظيم الصفوف لإحكام الحصار على المدينة من ناحية البر، وعسكر عند أحد الأبواب المهمة، ونصب المجانيق عليها7، وأرست   1 العدوي، الأمويون ص 163. 2 المسعودي، مروج الذهب 2/44. 3 تاريخ دمشق 50/337-338. 4 العيون والحدائق ص 26، وتاريخ دمشق 50/339. 5 ص 26، وانظر المسعودي، مروج الذهب 2/44 6 تاريخ دمشق 50/338-339، وهذه الرواية مهمة لم تذكرها المصادر والمراجع الأخرى. 7 العيون والحدائق ص 27. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 السفن على الساحل مما يلي العسكر، فصار الاتصال بين مسلمة ـ القائد العام ـ وبين ابن هبيرة ـ قائد الأسطول ـ ميسوراً 1، ثم تحرك جزء من الأسطول وفرض الحصار على المدينة من ناحية بحر مرمرة، وحاولت قطع أخرى من الأسطول عبور مضيق البسفور لمحاصرة المدينة من جهة الشمال ـ بعد أن أحكمت السيطرة على مدخله الجنوبي ـ مستغلة هبوب رياح جنوبية ساعدت على تحركها على الرغم من مواجهتها للتيارات المائية القادمة من الشمال التي تعيق السير، وكادت أن تعبر لولا تغير الرياح المفاجئ الذي أربك حركتها وعرضها للتقهقر، فاستغل الروم هذا التراجع وأمطروا السفن بنيرانهم الحربية المعروفة بالنار الإغريقية 2، فعطبت كثير من تلك السفن، وأصيب عدد من المسلمين، وأغلق الروم مدخل القرن الذهبي بسلسلة ضخمة من الحديد 3. وبهذا ظلت الجهة الشمالية للمدينة مفتوحة لم يستطع المسلمون الوصول إليها أو تطويقها، مما أحدث ثغرة في الحصار مكنت البيزنطيين من الاتصال بالمناطق التي يستمدون منها بعض حاجاتهم ومؤنهم. ومع هذا فإن المسلمين حاصروا عاصمة الروم من الجهات الأخرى، وضغطوا عليها، ومنعوا أهلها من كل مرفق براً وبحراً 4، وقهروهم 5، وأحدثوا الرعب في نفوسهم؛ بما رأوا من بأس المسلمين وشدتهم، وتحملهم للصعاب. هذا وكان من العوامل التي ساعدت المسلمين على الثبات والصبر على   1 تاريخ دمشق 50/339، وهذه الرواية أيضا عن شاهد عيان. 2 العدوي، الأمويون ص 164. والنار الإغريقية هي مادة شديدة الاشتعال تحترق حتى على سطح الماء، اكتشفها مهندس من أصل سوري من دمشق، يدعى كالينيكوس Callinicus، حتي، تاريخ العرب ص 253. 3 حتي، تاريخ العرب 3/254، وطقوش، تاريخ الدولة الأموية ص 132. 4 العيون والحدائق ص 27. 5 تاريخ الطبري 6/530، والعيون والحدائق ص 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 حصار المدينة على الرغم من برودة الطقس أن مسلمة بن عبد الملك أمر الناس ببناء بيوت من الخشب، وحفر الأسراب1، لتكنهم من البرد، وحفر حول المعسكر خندقاً عميقاً 2، بل وحفر خندقاً آخر من بحر مرمرة حتى القرن الذهبي لمنع الإمدادات من جهة تراقيا 3. وأنه لما دنا من القسطنطينية أمر كل فارس أن يحمل معه مدين من طعام على عجز فرسه حتى يصل إليها، وكذلك العلف للدواب، نُقل إليه كل ذلك من الضواحي ومن رساتيق 4 الروم وجاءه في المراكب، فألقي في ناحية فصار كالجبال، وأمرهم أن يدخروه لوقت الحاجة ففعلوا، ومنها أنه أمر الناس بزراعة الأرض، والإغارة على النواحي، فصاروا يأكلون مما يصيبون من الغارات، ثم أكلوا الزرع لما استوى 5. ولهذا فقد واصل المسلمون حصارهم لمدينة القسطنطينية، ومنعوا الأقوات من التسرب إلى داخلها من ناحيتهم، وشددوا الضغط عليها، فاستخدموا النفط، واستعملوا نوعاً أشبه بالمدفعية 6 في دك أسوار المدينة، وأظهروا من ضروب الشجاعة وحب الاستشهاد في سبيل الله تعالى والروح المعنوية العالية ما أغاظ عدوهم وفتّ في عضده وأنزل الرعب في قلبه.   1 العيون والحدائق ص 32. 2 سالم، تاريخ البحرية الإسلامية 1/35. 3 أومان، الإمبراطورية البيزنطية، تعريب مصطفى بدر ص 146،وفتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية 2/90، وجوزيف نسيم يوسف، تاريخ الدولة البيزنطيةص131. (4) واحدها رُسْتاق، ويقال رُسْداق ورُزْداق، فارسي معرب، قال في التاج عن ياقوت: الذي شاهدناه في زماننا في بلاد الفرس أنهم يعنون بالرستاق: كل موضع فيه مزدرع وقرى، ولا يقال ذلك للمدن، فهو بمنزلة السواد عند أهل بغداد. الزبيدي، تاج العروس، مادة (رزتق) 13/162، والجواليقي، المعرب ص 158. 5 تاريخ الطبري 6/530، والعيون والحدائق، وكامل ابن الأثير 4/146. 6 سالم، تاريخ البحرية الإسلامية 1/35، والعدوي، الأمويون ص 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 قصة اليون الإيسوري (717-741 م) مع المسلمين ووصوله إلى العرش البيزنطي : يرجح أكثر المؤرخين أنه نصراني من أهل مرعش 1، وسماه المسعودي اليون بن قسطنطين المرعشي 2، وبعد أن قضى فترة طفولته في مرعش؛ حيث تمكن من معرفة اللسان العربي 3، عاش في إقليم إيسورة في المنطقة الجبلية الواقعة في الطرف الشرقي لآسيا الصغرى، فنسب إليه، فعرف باليون الإيسوري (ليو الثالث) 4. ويذكر أنه انتقل مع عائلته إلى منطقة تراقيا في عهد جستنيان الثاني، وهناك تولى عدداً من المناصب العسكرية حتى صار أحد القادة المشهورين خاصة بعد حملة ناجحة في منطقة القوقاز حيث ظهرت قدراته العسكرية والسياسية 5، ثم اختاره الإمبراطور انسطاس الثاني ليكون حاكماً لإقليم الأناضول 6.   1 المسعودي، مروج الذهب 2/54، والتنبيه ص 165، ومؤلف مجهول، العيون والحدائق ص 25، والمقدسي، البدء والتاريخ 6/43-44، والذهبي، سير أعلام النبلاء 4/502، وابن كثير، البداية والنهاية 9/175، وانظر حتي، تاريخ العرب 3/254، وعبد المنعم ماجد التاريخ السياسي ص 246، والعدوي، الأمويون ص 158. بينما يذكر الطبري في تاريخه 6/530 أنه من (أرمينية) ، وابن الأثير في كامله 4/146 أنه من (أذربيجان) ، ورواية المسعودي ومن وافقه أقرب إلى الروايات البيزنطية عن أصل اليون، انظر مثلاً: Vasiliev, History of the Byzantine Empaire, I, p.234 & Ostrogorsky, History of The Byzantine State, P. 137 (2) التنبيه والإشراف ص 165. 3 العيون والحدائق ص 25. 4 جيبون، اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، ترجمة لويس إسكندر 2/552، وعاشور، أوربا 1/114 5 Ostrogorsky, History of The Byzantine State, P. 137 6 العيون والحدائق ص 25، والعدوي، الأمويون ص 158-159، وانظر تاريخ دمشق 50/337. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 بدأت قصة اليون الإيسوري مع المسلمين عندما انطلقت حملة مسلمة بن عبد الملك التي نحن بصددها نحو هدفها، مجتازة إقليم الأناضول الذي يحكمه، وضربت حصاراً على عاصمته مدينة عمورية 1، فبدأ اليون الاتصال بالمسلمين. وهنا بين يدي نص ثمين أورده ابن عساكر في ترجمة مسلمة بن حبيب الفهري، مفاده أن اليون كتب كتاباً إلى مسلمة بن عبد الملك يخبره بما تحت يده من ولايات، وأنه إن أعطاه ما يسأله قدم عليه فناصحه وقواه على فتح القسطنطينية، فقرأ مسلمة هذا الكتاب على كافة الأمراء الذين معه في الجيش وأهل المشورة، فاجتمع رأيهم على إجابته ما خلا مسلمة بن حبيب الفهري الذي رفض ذلك بحجة أن الروم أهل مكر وخديعة قال: “.. وهذه إحدى مكرهم، فلا تعطه إلا السيف”2، لكن المجتمعين خالفوه وضحكوا من رأيه وقالوا: كبر الشيخ، وهوّنوا من شأن اليون، وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً إزاء جموعهم الغفيرة. فكتب مسلمة إلى اليون يؤمِّنه على ما سأل، فقدم ومعه اثنا عشر ألفاً من أساورته 3، “ فكاتبه على مناصحته ومظاهرته على الروم، ودلالته على ما فيه سبب فتح القسطنطينية على بطرقته وتمليكه على جماعة الروم”4. هذا النص رواه الوليد بن مسلم أحد شيوخ الشام الكبار المهتمين بأمر المغازي والفتوح والعلاقات الحربية بين المسلمين والروم خاصة، عن غير واحد من شيوخه، وهو يخالف المصادر البيزنطية التي لم تثبت وجود مناظرات مباشرة بين اليون ومسلمة 5.   1 عبد اللطيف، العالم الإسلامي ص 259. 2 تاريخ دمشق 58/21. 3 جمع أُسْوار: قائد الفرس، أو الجيد الرمي بالسهام، أو الجيد الثبات على ظهر الفرس. لسان العرب، مادة (سور) . 4 تاريخ دمشق 58/21. 5 انظر وسام فرج، العلاقات بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الأموية ص 154، حيث يذكر أن المصادر البيزنطية لم تثبت وجود مناظرات مباشرة بين اليون ومسلمة، وإن أشارت إلى رسائل متبادلة بينهما، لكنهما لم يتقابلا شخصياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 ويؤخذ من هذه الرواية أن بدء اتصال اليون بالمسلمين كان بعد أن اجتازت حملة مسلمة إلى بلاد الروم متجهة نحو القسطنطينية، خلافاً لما رواه الطبري ومن وافقه1 من أن اليون جاء إلى الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك لما هلك إمبراطور الروم فأخبره بذلك، وضمن أن يدفع إليه أرض الروم، فوجه معه مسلمة حتى نزل بالقسطنطينية. وينسجم مع رواية ابن عساكر هذه ما رواه المسعودي 2، وصاحب العيون والحدائق3، والمقدسي4، وابن كثير5، عن وقت اتصال اليون بالمسلمين. ويستفاد أيضاً أن موافقة مسلمة بن عبد الملك ومن معه على قدوم اليون واستنصاحه كان وفقاً لأهوائهم ورغبتهم العاجلة في الفتح من غير نظر في عواقب موالاة الكفار وموادتهم، كما تنبه إليها ذلك الشيخ اللبيب الحازم مسلمة بن حبيب. ويلفت النظر ذلك العدد الكبير الذي قدم به اليون (12 ألفاً) لماذا؟ هل هو لنصرة المسلمين؟ ‍‍‍‍‍! أليس الهدف من استصحابه الدلالة على الطريق والعورات والدلالة على ما فيه سبب الفتح6؟. ويفصح النص بصراحة ووضوح عن الهدف الذي شارطهم عليه مقابل   1 تاريخ الطبري 6/531، وكامل ابن الأثير 4/146. 2 التنبيه ص 165. 3 ص 26. 4 البدء والتاريخ 6/44. 5 البداية والنهاية 9/174. 6 المقدسي، البدء والتاريخ 6/44 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 ما سيؤديه من خدمات وهو (بطرقته وتمليكه على جماعة الروم) ولا أدري كيف يُقبل من رجل أنه سيدل على عورات قوم يسعى إلى ولايتهم، وسيكون مسؤولاً عن مصالحهم والدفاع عنهم؟!. ولهذا يتضح أن قبول مثل هذا الجسم الغريب لينضم إلى الجيش بداية حقيقية للفشل والعجز عن تحقيق الهدف. على أي حال فُكَّ الحصار عن مدينة عمورية تنفيذاً للاتفاق، وواصل الجيش الإسلامي مسيره نحو القسطنطينية كما أسلفنا. وهنا تختلف الروايات العربية حول اليون؛ فأكثرها يذكر أنه صاحَبَ الجيشَ الإسلامي حتى وصل إلى القسطنطينية، وظل مع مسلمة يظهر موالاته ويتحين الفرصة المناسبة للانحياز إلى صف الروم، ليصل إلى هدفه الذي خطط له وهو تسنم عرش الإمبراطوية ـ في ظل ضعف حاكمها عن المواجهة ـ ومن ثم المكر بالمسلمين. وهذا ما تم له ـ وفقاً لهذه الروايات ـ؛ فإنه لما ألحَّ المسلمون في حصار المدينة وضاق الحال بأهلها طلب الروم من مسلمة أن يبعث إليهم اليون، فلما صار إليهم أخبرهم بأنه مستعد للتصدي لمسلمة مقابل تمليكه عليهم، فبايعوه، 1، وعند المسعودي أنه هو الذي استأذن مسلمة في التوسط بينه وبينهم، فلما سار إليهم، دعاهم إلى بيعته فأجابوه 2. والروايتان كما يظهر متفقتان، وإن بدا اختلاف يسير في مَنْ هو الذي طلب من مسلمة التوسط، هل هو اليون نفسه أم الروم؟ ويمكن أن يقال: إن الروم هم الذين بدأوا بالطلب ثم استأذن اليون من مسلمة تبعاً لذلك، ليهتبل الفرصة التي كان ينتظرها على أحر من الجمر.   1 المصدر السابق 6/44. 2 التنبيه ص 165-166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 ورواية المقدسي السابقة عن كيفية وصول اليون إلى عرش الإمبراطورية ذكرتها معظم المصادر العربية التي تناولت هذا الموضوع 1. وعند صاحب العيون والحدائق أن اليون ظلَّ في عمورية حتى استدعاه مسلمة لما أشرف على فتح القسطنطينية، وأنه هو الذي أرسله إلى أهلها وطلب منهم أن يملِّكوه عليهم حتى يرحل ويدعهم هم وبلادهم ودينهم وكنائسهم، وما زال مسلمة يلح عليهم حتى ملَّكوا اليون بعد أن وعدهم هذا بالغدر بمسلمة 2. ويظهر من هذه الرواية كأن مسلمة ما جاء لفتح القسطنطينية، وإنما جاء منقذاً لعرش بيزنطة من التردي في هوة الخلافات والضعف، وتنصيب اليون حاكماً عليها. لكن ثمة رواية أخرى عن شاهد عيان تفيد أن اليون وقت عبور القوات الإسلامية إلى البر الأوربي كان جالساً على برج باب القسطنطينية ينضم قواته ويصف رجاله فيما بين الحائط والبحر 3. ومعنى هذا أن اليون وصل إلى القسطنطينية قبل وصول القوات الإسلامية بوقت كاف تمكن فيه من الوصول إلى العرش البيزنطي، وإعادة تنظيم قواته واستعداداته لمواجهة القوات الإسلامية الزاحفة براً وبحراً، والتي كان على دراية بمدى قوتها وضخامتها. وهذه الرواية فضلاً عن كونها عن شاهد عيان وهو الليث الفارسي أحد المشاركين في القوة البحرية الإسلامية فهي تتفق مع الروايات البيزنطية التي تذكر أن اليون بعد أن نجح في فك الحصار عن   1 تاريخ الطبري 6/531، وتاريخ دمشق 58/21، وكامل ابن الأثير 4/146، وتاريخ مختصر الدول ص 196، وتاريخ الإسلام (81-100) ص 271، وسير أعلام النبلاء 4/502، والبداية والنهاية 9/1474،175. 2 ص 28. 3 تاريخ دمشق 50/338. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 عمورية اتجه غرباً عبر ثيم الأبسيق وهزم القوى البيزنطية التي اعترضت طريقه نحو القسطنطينية بما فيها قوات كان يقودها ابن الإمبراطور نفسه، وعند نيقوميديا Nicomedia جرت بينه وبين أهل القسطنطينية مفاوضات انتهت بتنصيبه إمبراطوراً بعد عزل الإمبراطور الضعيف تيودوسيوس الثالث Teodosius III، وكان ذلك قبل وصول مسلمة بستة أشهر 1 لم يرد في المصادر العربية ما يدل على وقت انفصال اليون عن مسلمة ولا كيف سمح له بالتقدم نحو القسطنطينية، لكن يحتمل أن اليون كسب ثقة مسلمة بسبب ما أعطى من العهود فسمح له بذلك ليمهد له الطريق لفتحها. ويرجح بعض الباحثين احتمالاً آخر وهو أن اليون اتجه غرباً إلى القسطنطينية بغير علم مسلمة 2   1 Bury, Later Roman Empire, II, p. 383 & Ostrogorsky, History of The Byzantine State, P. 138 2 فرج، العلاقات بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الأموية ص 142. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 صور من الروايات التي تصف أحداث الحصار والموقف الإسلامي والبيزنطي : على أي حال أصبح اليون إمبراطوراً جديداً للدولة البيزنطية، وصار تبعاً لذلك المسؤول الأول عن الدفاع عن القسطنطينية وتخليصها من الأزمة التي تعيشها، وأسفر عن ما كان يخفيه عن المسلمين من المخادعة والمكر، ومحاولة إضعافهم بكافة ما يستطيع من الوسائل والسبل، ولا غرابة في ذلك؛ فهو يبني لنفسه مجداً، وينافح عن بني دينه ووطنه. وظهر لمسلمة بن عبد الملك خطؤه، واشتد أسفه، وغلبته كآبة وهم عظيم1، ولكن هيهات بعد فوات الأوان. وهنا نقف بعد أن تكشفت الأمور عند بعض الأحداث أثناء الحصار لاستجلائها، ومعرفة الموقف الإسلامي والبيزنطي أثناء وغِبَّ ذلك. استعراض القوى: يصف الليث بن تميم الفارسي وهو أحد المشاركين في الحملة البحرية مشهداً أثار انتباهه وتعجبه؛ فذكر أنه بعد أن تكاملت القوى الإسلامية أمام أسوار القسطنطينية صف المسلمون قواتهم صفاً طويلاً جداً، أو صفين ـ لم ير الليث مثلهما في حياته ـ مع الكراديس2 الكثيرة، وأظهروا (السلاح في ألف مركب بين محرقات وقوادس فيها الخزائن.. والمعينات فيها المقاتلة 3، وذلك   1 العيون والحدائق ص 30. 2 كتائب الخيل، واحدها كردوس. لسان العرب، مادة (كردس) . 3 تاريخ دمشق 50/338، وانظر 45/374. والمحرقات: قال في لسان العرب مادة (حرق) الحراقات سفن فيها مرامي نيران، وقيل هي المرامي نفسها. والقوادس: هي السفن الكبار. لسان العرب مادة (قدس) ويؤيده ما ذكر في النص من حمل الخزائن والأمتعة فيها. أما المعينات: فذكر في النص أنها التي تحمل الجنود والمقاتلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 لاستعراض القوى أمام العدو، وبث الرعب والخوف في النفوس، وقد فعلوا مثل ذلك في الحصار الأول. ولم يجد إمبراطور الروم بداً من مسايرة المسلمين وإظهار التحدي فصف " رجاله فيما بين الحائط والبحر صفاً طويلاً بحذاء صف المسلمين " وأظهروا السلاح 1. وفد مسلمة إلى اليون: فيما حفظ لنا محمد بن عائذ عن شيخه الوليد بن مسلم عن يزيد بن جابر خبر السفارة التي بعث بها مسلمة بن عبد الملك إلى اليون في القسطنطينية، بعد أن ظهر منه المكر والخديعة، وانحاز إلى صف الروم وصار ملكاً عليهم، لتناقشه في نقض ما أبرم معهم من اتفاق، وتناشده وفاء العهد: “أين ما كنت عاهدت الله عليه من النصيحة لنا وإدخالنا إياها؟ ”، قال بعد أن أذن لهم، وعرف أفراد الوفد 2: “لئن ظن مسلمة أني أبيع ملك الروم بالوفاء له لبئس ما ظن”، وعرض عليهم أن يصنع لمسلمة وللجيش طعاماً وحماماً، فيدخلون ويصيبون من الطعام والحمام ثم ينصرفون، فردّ أفراد الوفد بحزم رافضين ذلك، وأنهم لن يبرحوا إلا بدفع الجزية عن صغار أو يدخلوا المدينة عنوة، فقال اليون: “إن دون ذلك لصغاراً وقتالاً شديداً..” ثم دعا بغداء فغداهم من الألوان والطرائف، ليظهر للوفد عدم تأثرهم بالحصار، وليؤكد ذلك أوعز للوفد بأن يطلبوا ما يشاؤون ويتشهّوا، فقال البطال: “كفاً من تراب من خلف الخندق”3، فغضب   1 تاريخ دمشق 50/338. 2 هم البطال وأبو زرعة اللخمي وثالث لم يصرح باسمه، قد يكون سليمان بن معاذ الأنطاكي انظر العيون والحدائق ص 28. 3 وذلك من أجل الفأل، وهو أمر محمود وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ويكره الطيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وأمر فخرجوا من عنده، وأتوا مسلمة بما كان بينهم 1 أثبتت هذه الرواية وقوع المسلمين في الخدعة نتيجة الغفلة عن المنهج الرباني في التعامل الصحيح مع أهل الشرك؛ قال تعالى: {كيفَ يكونُ للمشركينَ عَهْدٌ} [التوبة: 7] أي أَمَانٌ، وقال: {كيفَ وإنْ يَظهروا عليكم لا يَرقُبوا فيكم إلاًّ ولا ذِمةً يُرضونكم بأفواههمْ وتأبى قلوبهمْ وأكثرهمْ فاسقون} [التوبة: 8] ، ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى بصدد هذه الآية تحريض الله تعالى للمؤمنين على معاداة الكفار والبراءة منهم، وأنهم لا يستحقون عهداً ولا أماناً لشركهم بالله تعالى وكفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولأنهم لو ظهروا على المسلمين لم يبقوا ولم يذروا2. هذه الرواية أكدت ما رجحنا من قبل وهو أن الاتفاق المبرم كان بين مسلمة بن عبد الملك واليون عندما تكاتبوا وأشهدوا على ذلك 3، وليس بين اليون وسليمان، وأن اليون عرف أفراد الوفد، مما يدل على لقاء سابق بهم قبل هذا اللقاء، وأثبتت غدر اليون ونكثه لما أبرم مع المسلمين من المناصحة وتسهيل دخول المدينة. وفيها ما يؤكد ارتفاع روح المسلمين المعنوية مع بعد الدار وكَلَب العدو عندما أعلنوا أمام الملك ـ في تحدّ ـ أنهم لن يبرحوا إلا بدفع الجزية عن صغار، أو فتح المدينة عنوة. وأظهرت نباهة هذا الملك وحزمه عندما رفض غاضباً أن يعطيهم شيئاً من تراب المدينة، لا كما فعل نظيره الفارسي الذي حمَّل وفد المسلمين ـ في نزق   1 تاريخ دمشق 66/246-247،وانظر الذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 271. 2 الإلّ: القرابة، والذمة: العهد، انظر تفسير ابن كثير 2/338، 339. 3 تاريخ دمشق 58/21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 ـ وقراً من تراب، تفاءلوا به في فتح بلاده1. وفدُ ملك الروم إلى مسلمة وابن هبيرة في بذل الفداء وطلب الصلح: وعند ابن عساكر في رواية أخرى لابن عائذ عن شيخ من موالي ابن هبيرة عن عمر بن هبيرة القائد البحري لأسطول المسلمين المحاصر للقسطنطينية ذكر فيها قصة مجيء رسول ملك الروم إليه، مستجدياً إياه في التوسط لدى القائد العام مسلمة بن عبد الملك لقبول عرض الفداء الذي تقدم به إليه الملك، فرفضه مسلمة، وهو أن يدفع (فدية صلح على كل إنسان بالقسطنطينية من رجل وامرأة وصبي2 ديناراً ديناراً، على أن ترحلوا عنا إلى بلادكم..) ، فأصرَّ مسلمةُ على أن يؤدوا الجزية عن صغار، أو يدخل البلد عنوة. قال رسول الملك في استجدائه لابن هبيرة ـ بعد أن حكى له ما شاهد من سوء أحوال المسلمين مما حاول ابن هبيرة ستره عنه ـ: “الصغارُ ما لا تطيب به أنفسنا أبداً..”، وطلب منه أن يتوسط لدى القائد مسلمة لقبول العرض، فرد عليه ابن هبيرة من فوره بصواب رأي مسلمة، وأنه غير مخالف له وأنه عونه على ما يريد، وأن ذلك ما أمر الله تعالى به، فغضب الرجل وصلَّب على وجهه وانصرف إلى أصحابه 3. إن تقدم الروم بهذا العرض على مسلمة ثم على ابن هبيرة دليل على شدة الضراء التي كانوا بها من جراء الحصار المضروب على مدينتهم، حتى وإن   1 تاريخ الطبري 2/392 2 وعند صاحب العيون والحدائق عن كل رجل بالغ فقط ولم يذكر المرأة والصبي ص 31، لكن ابن هبيرة في رواية ابن عساكر هذه شاهد عيان وطرف في المفاوضات. 3 تاريخ دمشق 68/230-231. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 لم يكن محكماً من ناحية الشمال، وحتى مع علمهم بسوء أحوال المسلمين فقد نفد صبرهم، وتطلعوا إلى إنهائه والتخلص منه وبذلوا في ذلك أموالهم. وهنا ما يدل أيضاً على سمو الروح المعنوية لدى المسلمين، وأنهم لا تُنَهْنِهُهُمْ الصعاب، ولا يغريهم بريق المال، وأنهم عندما يسيرون في جهادهم لأعداء الله تعالى وفق ما شرعه لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهم يرهبونهم، وتحصل لهم العزة، ويتصل حبلهم بالله سبحانه. وفي هذا النص ما ينبئ عن تلاحم القيادة الإسلامية، واتحاد كلمتها أمام عدوها. هذا وكشفت بعض النصوص عن وجود عناصر عربية نصرانية كانت تعيش في بلاد الروم وكانت تقاتل جنباً إلى جنب في صفوفهم، بل كان بعضهم شديداً على المسلمين؛ كما في قصة خالد بن عمير السلمي الذكواني في مبارزته وصراعه مع الرجل الإيادي أثناء فترة الحصار، والتي انتهت بأسْره، ثم بعثْه إلى هشام بن عبد الملك وهو بحرّان، فقتل بين يديه لما أصر على الكفر 1. استغاثة اليون بملك برجان (البلغار Bulgar) 2وما كان بينهم وبين المسلمين: ولعل من أهم ما حدث أثناء فترة وقوف المسلمين على القسطنطينية   1 تاريخ دمشق 16/179، ومعجم البلدان 3/43-44. 2 ينحدر البلغار من أصول صقلبية على الراجح، وهذا ما يفسر تسمية بعض المؤرخين المسلمين لهم بالصقالبة، وهم قسمان: بلغار الفولجا (اتيل) شمال بحر الخزر، وبلغار الدانوب (الطونة) جنوب غرب القسطنطينية، وهؤلاء الأخيرون هم المعنيون هنا، وقد كان بلغار الدانوب يسمون ببرجان. انظر: ابن خرداذبة، المسالك والممالك ص 257، وبارتولد، مادة (بلغار) في دائرة المعارف الإسلامية 4/88، والموسوعة العربية الميسرة ص 398، والراجحي، العباسيون والبلغار ص 14، 15. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 عندما ألظّ بأهلها الحصار استنجاد إمبراطورهم اليون بملك البرجان؛ ترفل Tervel، وتخويفه من المسلمين، فتحرك هذا الأخير وأوقع بالمسلمين وقعة عظيمة في مخادعة منه كما سنرى بإذن الله تعالى. وقد وردت إشارات موجزة لدى بعض المؤرخين الأقدمين تومئ إلى ما حصل بين المسلمين وبرجان؛ كما عند الطبري رحمه الله تعالى فيما رواه عن الواقدي؛ حيث ذكر في أحداث سنة 98? إغارة برجان على مسلمة بن عبد الملك وهو في عدد قليل من المسلمين، فطلب المدد من أخيه سليمان فأمده، وذكر مكر الصقالبة، ثم هزيمتهم بعد ذلك، وفتح المسلمين لمدينتهم1. لكن التفصيل الشافي لتلك الأحداث هو ما رواه ابن عساكر رحمه الله تعالى بسنده عن شاهدي عيان مشاركين هما الليث الفارسي وأبو سعيد المعيطي2، وهذه الرواية أقرب ما تكون إلى الحقيقة لقرب رواتها من الحدث، وللتجرد من الهوى؛ فليس هناك ما يدعو إليه، وملخص هذه الرواية: أن اليون كتب إلى صاحب برجان بعد أن اشتد عليه الحصار وخاف ظهور المسلمين يخبره بنزولهم على بلده ويستصرخه لنجدته وقال مخوفاً له إنهم: “إنما يقاتلون الأقرب فالأقرب والأدنى فالأدنى..” 3. وقد استجاب ملك برجان لهذا النداء سريعاً، ونظراً لأن مسلمة لم يعلم بخبر هذه المراسلة فقد أظهر له ملك برجان في كتاب إليه فرحه بغزو المسلمين لبلاد الروم، وعرض عليه المساعدة، فكتب مسلمة إليه بحاجته إلى الميرة والسوق فقط، فاهتبل الملك هذه   1 تاريخ الطبري 6/532، وكامل ابن الأثير 4/147. 2 للتأكد من مشاركتهما انظر تاريخ دمشق 16/62، 50/337، 66/267. وأبو سعيد هو مولى لمحمد بن عمر المعيطي الأموي، شارك في غزو القسطنطينية وحصارها الأول والثاني. انظر عنه: تاريخ دمشق 66/267-268 3 تاريخ دمشق 22/442. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 الفرصة وكتب إلى مسلمة يخبره بإعداد سوق عظيمة للمسلمين في مكان اختاره تحيط به الجبال والغياض، فلما نزل المسلمون بذلك المكان يريدون التسوق على غير حذر أو خوف من عدو ـ وكان مسلمة قد ولى عليهم رجلاً ـ أحاطت بهم كتائب برجان فقتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا، ثم عادوا إلى بلادهم. وجاء الخبر إلى مسلمة ومن معه من المسلمين فأغمهم ذلك وأزعجهم 1. مما يلفت النظر في هذه الرواية تعاضد قوى الكفر لحرب الإسلام ومناهضة المسلمين؛ فلم يصرفهم عن هذا اختلاف الدين أو الجنس أو وجود العداوة بينهما، بل كانت المبادرة سريعة من قبل برجان، لإنزال ضربة غير متوقعة بالمسلمين. ويلفت النظر كذلك تخلي مسلمة بن عبد الملك عن الحذر في مثل هذا الموقف الخطر الذي ينبغي فيه الاحتياط وأخذ الأهبة للعدو، وعدم الركون إلى ما يُظهر من اللين أوالموادعة أوالموافقة، ولاسيما أنهم في حالة حرب، وأنهم ما زالوا يتجرعون غصص غدر اليون بهم. لم تبين الرواية حجم الإصابة التي لحقت بالمسلمين؛ لا عدد القتلى، ولا المأسورين، ولا الفارين، لكن يفهم منها أن مصيبة المسلمين كانت فادحة، لمباغتة العدو لهم على غير أهبة أو استعداد، والتعبير بقوله: “فقتلوا ما شاءوا وأسروا ما شاءوا إلا من أعجزهم”2 يوحي بذلك، وقريب منه قول ابن كثير: “فقتلوا خلقاً كثيراً من المسلمين وأسروا آخرين، وما رجع إلى مسلمة إلا القليل”3.   1 المصدر السابق 22/442-443، والبداية والنهاية 9/183-184 وقد صرح بالنقل عن ابن عساكر. 2 تاريخ دمشق 22/443 3 البداية والنهاية 9/184 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 ويتضح من هذه الرواية عدم دقة رواية الواقدي التي أومأنا إليها قبل قليل ـ كما رواها الطبري ـ والتي تفيد أن برجان أغاروا على مسلمة نفسه وهو في قلة من الناس، والأمر ليس كذلك لأن إغارتهم كانت على المسلمين الذين رغبوا في التسوق وكان الوالي عليهم رجلاً آخر من قِبَل مسلمة لا مسلمة نفسه. ويستفاد من روايات شهود العيان هذه أنها حفظت لنا ألفاظ المخاطبات التي جرت بين اليون وملك برجان وبين هذا ومسلمة 1. وتمضي الروايات في رصد ما جرى بين المسلمين والبرجان في ضوء تتابع الأحداث، مشيرة إلى الموقف الإسلامي الذي اتخذ بعد مصاب المسلمين؛ فقد وُجِّهَ جيش قوي كثيف إلى بلادهم عليه عبيدة بن قيس وابنه شراحيل بن عبيدة، ومضى هذا الجيش حتى دفع في أرض برجان، وكان العدو قد نذر بالمسلمين فلقوهم متأهبين، فكان بينهم قتال شديد، فأنزل الله تعالى نصره على المسلمين، فقتلوا من الكفار مقتلة عظيمة، وسبوا وأسروا وخلّصوا أسرى المسلمين، كما   1 ونصها أن اليون كتب إلى صاحب برجان، “أما بعد: فقد بلغك نزول العرب بنا، وحصارهم إيانا، وليسوا يريدوننا خاصة دون غيرنا من جماعة من يخالف دينهم، وإنما يقاتلون الأقرب فالأقرب، والأدنى فالأدنى، فما كنت صانعاً يوم تأتيهم الجزية، أو يدخلوا علينا عنوة، ثم يفضون إليك وإلى غيرك، فاصنعه يوم يأتيك كتابي هذا “. فكتب صاحب برجان إلى مسلمة: “أما بعد: فقد بلغنا نزولك بمدينة الروم، وبيننا وبينهم من العداوة ما قد علمتم، وكلما وصل إليهم فهو لنا سار، فمهما احتجت إليه من مدد أو عدة أو مرفق فأعلمناه، يأتيك منا ما أحببت”. فكتب إليه مسلمة: “أنه لاحاجة لنا بمدد ولا عدة، ولكنا نحتاج إلى الميرة والسوق، فابعث إلينا ما استطعت”. فكتب إليه صاحب برجان: “إني قد توجهت إليك سوقاً عظيماً فيه من كل ما أحببت من باعة، يضعفون عن النفوذ إليكم به ممن يمرون به من حصون الروم، فابعث من يجوزه إليك” تاريخ دمشق 22/422-423 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 تجلت المعركة عن قتل صاحب برجان، وقتل شراحيل بن عبيدة رحمه الله تعالى. وكان عبيدة قد أراد أن يوغل في أرض العدو بعد هزيمتهم، لكن صرفه عن ذلك رسول مسلمة الذي استعجله بالقدوم بعد أن فتح الله عليه1 وتؤكد أغلب المصادر الإسلامية على فتح المسلمين لمدينة الصقالبة 2، مما يدل على أن نصرهم كان حاسماً في معاركهم مع برجان. وتشير الروايات بعد ذلك إلى لطف الله تعالى بالمسلمين حيث صرف عنهم كيد عدوهم عندما أضرموا النار في الحشيش اليابس الذي ينزل عليه المسلمون، فأطفأها الله عنهم 3. كما تشير إلى أسماء بعض المجاهدين الذين خرجوا ابتغاء الحصول على الشهادة فرزقوا إياها، ورأوا بشائر صدقهم وإخلاصهم في نزلهم بالجنة وهم ما زالوا على قيد الحياة 4. تحقيق في روايات إرسال المدد: ثم ماذا عن إرسال الإمدادات؟ هل أمدَّ سليمان بن عبد الملك الحملة بقوى جديدة بعد أن وصلت إلى القسطنطينية وحاصرتها، ثم بعد أن تطورت الأحداث فصارت الأمور تسير في غير صالح الجيش المحاصِر؟ من مطالعة الروايات في المصادر المختلفة نجد أن هناك اختلافاً من مصدر لآخر، بل حتى في المصدر الواحد نلاحظ تناقضاً في الروايات؛ فبينما تثبت   1 تاريخ دمشق 38/154-155، وانظر 22/443-444 والبداية والنهاية 9/184. 2 تاريخ خليفة بن خياط ص 321، وتاريخ الطبري 6/532، وتاريخ القضاعي ص358، وتاريخ دمشق 58/27، وكامل ابن الأثير 4/147، والبداية والنهاية 9/328. ومدينة الصقالبة هذه لم أجد في المصادر والمعاجم التي وصلت إليها ما يُعين على التعريف بها، لكن قد يُستشف من سياق الحديث عنها أنها عاصمة دولتهم. 3 تاريخ دمشق 38/155. 4 المصدر السابق 67/159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 روايات كل من اليعقوبي1وابن كثير2 إرسال المدد، تجد روايات لدى كل من الطبري 3 وابن عساكر 4 وابن الأثير5 تنفي ذلك، في الوقت الذي تجد فيه روايات أخرى لديهم أنفسهم تثبته6. وبعد فحصٍ وتدقيق فيما وقفت عليه من روايات في هذا الشأن، ترجح لديَّ ثبوت إرسال سليمان بن عبد الملك الأمداد إلى أخيه مسلمة في أعقاب وقعة برجان ومصاب المسلمين، عندما بعث إليه بخبرها، ومستندي في ذلك وجود رواية مصدرها شاهدا عيان هما الليث الفارسي وأبو سعيد المعيطي، جاءت روايتهما صريحة في هذا الصدد 7. ثم إن سليمان كان مرابطاً في دابق شمالي الشام لمتابعة أخبار الحملة عن قرب، وللإمداد وقت الحاجة، لكن يبدو أنه لم يستطع في آخر المدة بعد أن اشتدت الأزمة على المسلمين أن يمدهم لحلول فصل الشتاء ببرده وثلوجه 8، ومداهمة أجله إياه رحمه الله تعالى، وإلا فقد عقد العزم على أن لا يرجع إلى دمشق حتى تفتح القسطنطينية، باذلاً في سبيل ذلك ما بذل، أو يموت، فمات هنالك 9. وبهذا يزول التناقض الذي قد يظهر في روايات المؤرخين المشار إليها.   1 تاريخ اليعقوبي 2/300. 2 البداية والنهاية 9/175، 9/184. 3 تاريخ الطبري 6/531. 4 تاريخ دمشق 22/443. 5 الكامل 4/147. 6 تاريخ الطبري 6/532، تاريخ دمشق 38/154، الكامل 4/147. 7 تاريخ دمشق 22/443. 8 العيون والحدائق ص 33. 9 البداية والنهاية9/183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 فك الحصار عن المدينة وتحرير مدته: بعد أن تظافرت أسباب كثيرة حالت دون الاستمرار في حصار مدينة القسطنطينية، وتوفي الخليفة سليمان بن عبد الملك في شهر صفر سنة 99?، فخلفه ابن عمه عمر بن عبد العزيز، الذي رأى أن من مصلحة الجيش المحاصِر رفعَ الحصار عن المدينة، والعودةَ إلى ديار الإسلام، خوفاً عليهم من غائلة الروم وبلادهم، وبما أصابهم من الضراء وضيق العيش 1، ولهذا فقد أرسل عمر في مستهل خلافته بعثاً عليهم عمرو بن قيس السكوني 2 إلى مسلمة بن عبد الملك في أربعة آلاف رجل 3، معهم الطعام والشراب والكسوة والدواب 4، والخيل العتاق 5، وزيت الزيتون لعلاج الجرب 6، لإغاثة الناس وإمدادهم بما يحتاجون، وكان قد استحث الناس على معونتهم 7، كما أرسل رسولاً بكتاب إلى مسلمة يأمره بالعودة8 فرأى مسلمة بعد مراجعة مع الخليفة أنه لا بد من فك خناق المدينة، ورفع الحصار عنها. هذا وأحب أن أنبه هنا إلى أن بعض المراجع العربية الحديثة قد بالغت   1 المصدر السابق 9/184. 2 تاريخ دمشق 46/320. 3 المصدر السابق 68/332. 4 المصدر السابق 58/32، والعيون والحدائق ص 33. 5 تاريخ الطبري 6/553. 6 تاريخ دمشق 50/61. 7 تاريخ خليفة ص 326، وتاريخ الطبري 6/553. 8 تاريخ دمشق 68/332، ويذكر صاحب العيون والحدائق أن عمر بن عبد العزيز أمر الرسول أن ينادي هو بالقفول إن تلكأ مسلمة في ذلك، ففعل ص 33، لكن رواية ابن عساكر عن شاهد عيان، فهي أقوى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 كثيراً في الحديث عن هزيمة المسلمين عند القسطنطينية وعن تحطم القوى الإسلامية أمام أسوارها بشكل ملفت للنظر، وحتى الإمدادات البحرية والبرية كان مصيرها الدمار والهلاك على أيدي القوات البيزنطية المظفرة؛ وذلك اعتماداً على المراجع الغربية التي بالغت في هذا الجانب، وصورت الإمبراطور اليون بصورة بطولة خارقة 1، ولم ألاحظ في المصادر العربية القديمة أو المصادر التي تنقل عن شهود العيان صدى واضحاً لتلك الانتصارات أو الهزائم، فهي إذاً تنقل وجهة نظر طرف واحد، وهو منهج غير دقيق. بل الذي يفهم مما روى ابن عساكر عن شاهد عيان كان مشاركاً في الحصار أن مسلمة لما قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز الذي يأمره فيه بالعودة لم يستجب على الفور وإنما أعاد الرسول بكتاب إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يخبره فيه بما بلغ من جهد المحاصَرين وما أشرف على المسلمين من الفرج بقرب موسم حصاد ما زرعوا حول المدينة، ويشير عليه بتركهم حتى يحكم الله تعالى بينهم 2، وورد في رواية أخرى أن مسلمة دافع رسول عمر وقال: أقم علي أياماً، فإني قد أشرفت على فتحها 3، فالمشكلة التي كان يعاني منها المسلمون بالدرجة الأولى مشكلة قلة الأقوات في شتاء قارس البرودة، ولو كان هناك هزائم متتالية وتحطم أساطيل لتحدث عنها شهود العيان، فقد ذكروا أشياء أقل من ذلك أهمية. ورأينا في روايات ابن عساكر كيف تمكنت قوات المسلمين التي يحتمل   1 انظر مثلاً فرج، العلاقات بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الأموية ص 149-151،159، 161-162، وعمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص 98. 2 تاريخ دمشق 68/331-332. 3 العيون والحدائق ص 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 جداً أنها كانت مدداً 1 من هزيمة البرجان بعد خدعتهم ومباغتتهم للمسلمين على غرة، وهي روايات موثقة بأسانيد ليست على غرار الروايات الغربية التي لا تعرف هذا النمط من التوثيق وبعد أن تم رجوع الجيش الإسلامي بعث عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عبد الأعلى بن أبي عمرة لفداء أسراء القسطنطينية، ففاداهم الرجل من المسلمين برجلين من الروم 2. هذا وقد اختلفت روايات المؤرخين في تحديد مدة الحصار؛ ما بين سنة 3، وعشرين شهراً4، وثلاثين شهراً 5، وذكرت بعض الروايات أنهم أقاموا عليها سنين 6. وقبل تحرير مدة الحصار أحب أن أقف عند بعض التواريخ التي وردت لدى بعض الأساتذة من المؤرخين المحدثين فقد ذكروا أن مسلمة بن عبد الملك وصل إلى القسطنطينية وعسكر عند أسوارها في 15 أغسطس سنة 717 م7، وهو يوافق الثاني من شهر محرم سنة 99 هـ تقريباً 8، وهذا التاريخ في نظري   1 تاريخ دمشق 22/443. 2 المصدر السابق 33/419. 3 الذهبي، سير أعلام النبلاء 4/501، وانظر العدوي، الأمويون ص 166، وعاشور، أوربا ص1/113. 4 الذهبي، تذكرة الحفاظ 1/70. 5 المقدسي، البدء والتاريخ 6/44، وابن العبري، تاريخ مختصر الدول ص 197، والذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 271، وسير أعلام النبلاء 4/502. 6 ابن تيمية، مجموع الفتاوى 18/352. 7 العدوي، الأمويون ص 163، والناصري، الروم والمشرق العربي ص 240، وفرج، العلاقات.. ص 143. 8 محمد مختار باشا، التوفيقات الإلهامية 1/131. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 موضع شك؛ لأن وفاة سليمان بن عبد الملك كانت لعشر ليال خلون من شهر صفر سنة 99?1، فيكون بين وصول مسلمة ووفاة سليمان شهر واحد وأيام، بينما استغرقت مدة الحصار على أقل تقدير - كما رأينا - سنة كاملة كان أكثرها في زمن سليمان. كما ذكروا أيضاً أن القوات الإسلامية رفعت الحصار عن المدينة في 15 أغسطس من سنة 718 م2، ويوافق في التاريخ الهجري 13 محرم سنة 100? تقريباً 3، ومعنى هذا أن عمر بن عبد العزيز لم يأمر الجيش بالقفول إلا بعد مضي حوالي سنة من بدء حكمه، لأنه تولى في اليوم الذي توفي فيه سليمان وهو العاشر من شهر صفر سنة 99? 4، وهذا يخالف ما نصت عليه معظم المصادر من أنه أمر بالعودة سنة 99?5، ويخالف ما عرف عن عمر من حرص على حياة المسلمين وراحتهم، فلا يمكن أن يُجَمِّرَهم هذا الوقت كله بعد ولايته مع علمه بسوء حالهم. ولتحرير مدة الحصار أقول ـ بعد استقراء وتأمل للروايات ـ: يُرجّح أن انطلاق الحملة من الشام إلى بلاد الروم كان في سنة 97?6، فقضت أغلب   1 تاريخ خليفة ص 322، وتاريخ الطبري 6/546. 2 العدوي، الأمويون ص 166، والعريني، الدولة البيزنطية ص 89، وهذه التواريخ تتفق مع ما في المراجع الغربية، انظر مثلاً: Bury, Later Roman Empire, II, P.404 & Ostrogorsky, History of The Byzantine State, P. 138 3 باشا، التوفيقات 1/132. 4 تاريخ خليفة بن خياط ص 322. 5 تاريخ خليفة ص 326، وتاريخ الطبري 6/553، والعيون والحدائق ص 33 وينص على أن عمر بن عد العزيز أمر بذلك ساعة ولي، وانظر ص 39، وتاريخ دمشق 46/320 6 المسعودي، التنبيه ص 165، وابن عساكر، تاريخ دمشق 45/374 وروايته هنا عن شاهد عيان. وهذا يخالف ما ردده أكثر المؤرخين من أن انطلاق الحملة كان في سنة 98 ? انظر: تاريخ خليفة ص 321، وتاريخ الطبري 6/530، وابن الأثير، الكامل 4/146، وابن العبري، تاريخ مختصر الدول ص 196، والذهبي، العبر 1/87، وابن كثير، البداية والنهاية 9/174. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 شتاء ذلك العام في الضواحي، كما سلف، ثم كان الوصول إلى القسطنطينية، وضرب الحصار عليها في أواخر تلك السنة1، ودخلت سنة 98? والحصار قائم، وبذلك توحي إشارات بعض المؤرخين 2، وهجم شتاء تلك السنة، وكان ذا برد شديد 3، ثم ابتدأت أزمة المسلمين الغذائية بعد أن نفد ما لديهم من أقوات، ولم يستطع سليمان أن يمدهم بشيء من المؤن لكثرة البرد والثلوج، إلى أن توفي، فخلفه عمر بن عبد العزيز في العاشر من شهر صفر سنة 99? الذي أمر بعودة الجيوش فورَ توليه4، لكن قد يكون تنفيذ هذا الأمر استغرق وقتاً ـ بسبب مراجعة مسلمة له في استمرار الحصار ـ فيما بين ذهاب الرسول إلى القسطنطينية، ثم رجوعه منها إلى الشام، ثم عودته إليها مرة أخرى 5، ويؤكد هذا قول المسعودي: “فقفل (أي مسلمة) بعد كره شديد وخطب طويل”6. وبذلك فإنه يرجح أن مدة الحصار كانت أكثر من سنة؛ حيث كان   1 قارن بأشهر السنة الميلادية المقابلة في التوفيقات الإلهامية 1/129. 2 انظر مثلاً تاريخ دمشق 85/34؛ حيث يروي ابن عساكر عن الوليد بن مسلم: “أن سليمان بن عبد الملك سنة 98 نزل بدابق، وكان مسلمة على حصار القسطنطينية”، والذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 269 3 العيون والحدائق ص32. 4 المصدر السابق ص 33. 5 تاريخ دمشق 68/332. 6 التنبيه ص 166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 بدؤه في أواخر سنة 97?، واستمر إلى أن مضت عدة أشهر من سنة 99?، وقد تصل هذه المدة إلى حدود عشرين شهراً ـ حسب رواية الذهبي السابقة ـ لكنها لاتصل بحال إلى ثلاثين شهراً؛ لأنه لو افترضنا أن فك الحصار كان بعد تولي عمر بثلاثة أشهر على أكثر تقدير، فسيكون بدؤه قبيل منتصف سنة 96?، وهذا قبل وفاة الوليد، وهو مخالف لما عليه كافة المؤرخين من أن انطلاق الحملة وحصار القسطنطينية كان في زمن سليمان بن عبد الملك. ويعزز هذا الترجيح عبارة وردت لدى ياقوت الحموي ذكر فيها: أن سليمان شتى بدابق شتاءاً بعد شتاء 1، فهي تفيد أنه مرّ شتاءان بعد خروج الحملة شتاء سنة 97 والشتاء الذي يليه، ويعزز ذلك أيضاً ما روي من أن مسلمة أقام على حصار الروم شتاءاً وصيفاً وزرع بأرضهم، وهجم عليه الشتاء الآخر، وكان ذا برد شديد 2. وكانت تعوز ابن العبري الدقة عندما أرخ انطلاق الحملة في سنة 98?، ثم أرخ رجوعها بتولي عمر بن عبد العزيز أي في سنة 99?، ثم ذكر أن مدة الحصار ثلاثين شهراً!! 3. مناقشة رواية دخول المسلمين القسطنطينية وبناء المسجد: ونقف هنا عند مسألة وردت موجزة عند بعض المؤرخين وهي مصالحة المسلمين أهل القسطنطينية على دخولها، وبناء مسجد فيها 4. لكن جاءت   1 معجم البلدان 2/416. 2 العيون والحدائق ص 32 3 ابن العبري، تاريخ مختصر الدول ص 196-197. 4 تاريخ القضاعي ص 352، والبغدادي، تاريخ بغداد 9/338، وابن تيمية، مجموع الفتاوى 18/352، والذهبي، دول الإسلام ص 69، وسير أعلام النبلاء 5/112، وابن كثير، البداية والنهاية 9/174، 9/177، 9/328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 رواية ابن أعثم عن دخول مسلمة المدينة مفصلة؛ فذكرت أن اليون طلب من مسلمة المصالحة على أن يؤدي إليه في كل سنة (ألف ألف درهم، وألف ألف أوقية من ذهب، وخمسة آلاف من البقر والغنم، وألف رمكة1، بفحولها، سوى ما يتبع ذلك..) وأن مسلمة رفض هذا العرض، وحلف يميناً مغلظة أن لا يرحل عن المدينة إلا بعد أن يدخلها، أو يقيم عليها، فوافق اليون على ذلك، شريطة أن يكون وحده لا ثاني معه، وله الأمان حتى يخرج، على أن يقف قائده البطال بالجموع على باب المدينة الذي يظل مفتوحاً فإن كان ثم غدر اقتحم المدينة، فقاتل المقاتلة وسبى النساء والذرية، وأخذ الأموال. وتمضي الرواية في ذكر تنفيذ الاتفاق، ودخول مسلمة المدينة بتكبير وشموخ؛ وأنه دخل كنيستهم راكباً، واقتلع صليبهم الأعظم، المصنوع من الذهب والجوهر، فاحتمله معه، واليون يتشفع إليه في تركه، فيأبى، حتى إذا توسط المدينة رفعه منكساً على رمحه وهم ينظرون إليه بتحسر وألم، حتى خرج من المدينة وقت العصر. ثم بعث إليه اليون ما صالحه عليه. وآذن مسلمة جيشه بالرحيل بعد أن خطبهم وذكر لهم وفاة أبيه وأخيه الوليد واستدعاء أخيه سليمان إياه، فبكى الناس، وعرضوا عليه البيعة، فرفض 2. عند التمعن في محتوى هذه الرواية يتبين ما يلي: أولاً: لم تشر رواية ابن أعثم هذه مع تفصيلها في مسألة الدخول إلى بناء المسجد داخل المدينة إطلاقاً، وإنما ذكرت وجود مسجد خارجها، فيما أسمته بمدينة القهر التي بناها مسلمة بإزاء مدينة القسطنطينية، وأن مسلمة لما أزمع على الرحيل هدد اليون إن تعرض لهذا المسجد 3.   1 الرَّمَكَةُ: الفرس والبرذونة تتخذ للنسل. الخليل بن أحمد، كتاب العين 5/370. 2 الفتوح 7/299-304. 3 المصدر السابق 7/305. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 ثانياً: تدور علامات التساؤل والشك حول كثير مما ورد في رواية الدخول هذه التي ساقها ابن أعثم، ومن ذلك: - ورد في مقدار المصالحة (ألف ألف درهم) والدرهم عملة فارس أعداء البيزنطيين، التي لا يتعاملون بها وإنما يتعاملون بالدنانير. - ما ورد في مقدار المصالحة يخالف ما هو ثابت في رواية شهود العيان من أنهم لما رغبوا فيها ـ أي المصالحة ـ قبلوا أن يدفعوا عن كل إنسان في القسطنطينية ديناراً ديناراً. - عندما رفض البيزنطيون الجزية التي عرضها عليهم المسلمون رفضوها أنفة وكبرياء؛ قالوا: “والصغار والجزية ما لا تطيب به أنفسنا أبداً “1، وهذه الرواية تخالف ذلك تماماً، وتفيض بذكر ما صاروا إليه من الذل والصغار والقبول والتنفيذ لكل ما طلب منهم. - ثم إن مسلمة لم يكن في موقف المنتصر على أهل القسطنطينية حتى يفرض شروطه عليهم ويذلهم بتلك الطريقة المهينة بالنسبة لهم. ولذلك فإن مسألة دخول مسلمة إلى المدينة مستبعدة وكذلك بناء المسجد داخلها، وإن كان هناك مسجد مبني فهو خارج أسوارها، حيث كان يقيم مسلمة وجنده، عندما بنوا بيوت الخشب أول قدومهم، وظلوا فيها أثناء الحصار، ومن المتوقع بل المفترض أن يكون لهم مسجد جامع يؤدون فيه الجمع والجماعات والأعياد، ومن المحتمل أيضاً بقاء هذا البناء بعد رحيل المسلمين، ولا سيما أن بعض العلماء صرحوا بأنه باق إلى زمانهم 2. ومن الغرائب التي وردت عند ابن أعثم: أن مسلمة عندما أراد فك   1 تاريخ دمشق 68/231. 2 ابن تيمية، مجموع الفتاوى 18/352، وابن كثير، البداية والنهاية 9/328. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 الحصار أخبر الناس بوفاة أبيه عبد الملك وأخيه الوليد!! ـ وكأن الناس لم يعلموا بذلك، ولا مضى على وفاتيهما زمن طويل ـ مع أن معظم المصادر تكاد تجمع على أن خروج جيش مسلمة الذي نحن بصدده كان في عهد سليمان. وورد عنده أن سليمان بن عبد الملك هو الذي استدعى أخاه مسلمة وكتب إليه يأمره بالانصراف إلى ما قبله، ليوجهه إلى خراسان حيث يزيد بن المهلب 1. والروايات الصحيحة تثبت غير ذلك؛ لأن سليمان توفي والحصار ما زال قائماً، والذي أمر الجيش بالقفول هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. وأمرٌ آخر وهو أن خلاف يزيد بن المهلب على الأمويين لم يكن في عهد سليمان، وإنما كان في عهد يزيد بن عبد الملك، وفي العراق وليس في خراسان. ومن غرائب بن أعثم أن مسلمة كان يقاتل أهل القسطنطينية في معارك برية مكشوفة خارج أسوار المدينة، ثم يدخلها أهلها والمسلمون يَقتلون ويَسلبون 2. وهذا غير ثابت في المصادر التي تنقل عن شهود العيان، ولا كان أهل القسطنطينية يجرؤون عليه، فيعرضون أنفسهم ومدينتهم للخطر، لمعرفتهم الدقيقة بالمسلمين وجرأتهم، وإنما كانوا يقاتلون خلف الأسوار. الأسباب التي حالت دون فتح القسطنطينية: لم يدخر المسلمون وسعاً في الإعداد لهذا الفتح والتخطيط له ـ كما لاحظنا ـ وضربوا على أهل المدينة حصاراً أضناهم، وأبدوا من ضروب البسالة والفداء والتحمل والصبر ما أذهل العدو وأرهقه، وجعله يتوسل إليهم طالباً المصالحة وقبول الفداء عن كل رأس من أهل القسطنطينية حتى يرحلوا عنهم. ولما لم يكن هدف المسلمين من جهادهم جمع الأموال واكتنازها فإنهم رفضوا   1 الفتوح 7/298. 2 المصدر السابق 7/298-299. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 ذلك، وخيروا أهل القسطنطينية بالإسلام أو دفع الجزية مع الصغار أو القتال، وحيث لم يقبلوا بالخيارين الأولين، كان لابد من الثالث، لكن المسلمين لم يتمكنوا من مناجزتهم؛ بسبب احتمائهم خلف أسوار المدينة، ولذا ظلوا مرابطين عندها رجاء فتحها، حتى تجمعت أسباب كثيرة اضطرتهم إلى إنهاء الحصار في ذلك الحين، ورجاء أن تسنح فرصة أخرى يتحقق فيها ما لم يتحقق هذه المرة. وقبل أن نقف عند أهم الأسباب والعوامل التي حالت دون إتمام فتح المسلمين للمدينة، نود أن نطرح السؤال التالي: ما مدى حقيقة غدر اليون بمسلمة وسرقة ما لدى المسلمين من طعام؟! تكاد تتفق معظم المصادر العربية على ذكر خديعة اليون مرة أخرى للمسلمين؛ حيث سرق طعامهم الذي جمعوه وادّخروه لوقت الحاجة؛ فأدخله القسطنطينية، وبيان ذلك: أن اليون لما اتفق مع أهل القسطنطينية على تمليكه، بعد أن أذن له مسلمة في الدخول إليهم، للتفاوض معهم، لما ضاقت بهم الحيلة، خرج إلى مسلمة، وقال: قد أجابوني لفتح المدينة، إلا أنهم اشترطوا أن تتنحى عنهم وتبتعد قليلاً في بعض الوجوه أو الرساتيق، حتى يطمئنوا ويصدقوا بأن أمري وأمرك واحد، وأنهم في أمان من السباء والخروج من بلادهم، فقال مسلمة: أخشى أن هذا غدر منك، فحلف له اليون أن يدفع كل ما في القسطنطينية من ذهب وفضة وديباج ومال وآنية وسبي وجوهر وسلاح ووشي وما يدخره الملوك، فارتحل مسلمة وتنحى، فأمر اليون الرجال المستعدين بسفنهم، فنقلوا طعام المسلمين وعلوفاتهم، فأدخلوها المدينة، وشحنوا بها الخزائن الإمبراطورية، وأخذوا ما أمكنهم من أمتعة الجيش، وبلغ الخبر مسلمة، فتحقق غدر اليون، فأقبل راجعاً، وأدرك شيئاً من الطعام، ثم أصبح اليون محارباً 1.   1 المسعودي، التنبيه ص 166، والمقدسي البدء والتاريخ 6/44، وتاريخ دمشق 58/21، والكامل 4/174، وتاريخ مختصر الدول ص 196، الذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 271، والبداية والنهاية 9/175. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 هذه الخدعة التي حيكت ونقلتها المصادر العربية باطلة من وجهة نظري؛ فهي مبنية على احتمال أن اليون كان مصاحباً لمسلمة حتى وصل القسطنطينية، ثم دخل المدينة واتفقوا على تنصيبه امبراطوراً، وحتى يثبت ولاءه لهم قام بهذه الخدعة، وهي سرقة طعام المسلمين وعلوفاتهم، وقد سبق أن رجحنا رواية ابن عساكر التي تنقل عن شاهد عيان تحدث أن اليون كان ينظم قواته داخل أسوار القسطنطينية وقت وصول المسلمين إليها، وتبين لمسلمة ومن معه حينئذ موقف اليون الغادر فأصابتهم كآبة وهم عظيم، لما رأوا من مخادعته وخيانته، فهل يا ترى يسوغ والحال ما ذكر أن يخرج إليهم ويقابل مسلمة ويخدعه مرة أخرى؟!! هذا أمر، وأمر آخر؛ حتى على افتراض أن ما ذكرته تلك المصادر كان صحيحاً، وهو أن اليون ما دخل القسطنطينية إلا بعد وصول مسلمة، فهل ما ذُكر من تبرير من أجل أن يتنحى المسلمون في بعض الرساتيق، حتى يطمئن أهل القسطنطينية (بأن أمري وأمرك واحد) يعتبر تبريراً معقولاً يمكن أن يصدقه مسلمة ورجاله، أم هو كلام بارد لا يمكن أن يجوز على أقل الناس عقلاً!!، وأمر ثالث وهو أن المصادر البيزنطية لم تشر إلى حادثة سرقة الطعام، أو إحراقه من قريب أو بعيد، ولم تذكر ذلك مطلقاً 1، ولو أن شيئاً من هذا القبيل حدث لهللت له وأبرزته وأضافته إلى مواهب اليون التي وقفت عندها كثيراً. وكذا الرواية الأخرى التي مفادها أن اليون أشار على مسلمة بحرق ما معه من الطعام حتى يتحقق أهل القسطنطينية العزم منه على حربهم ومناجزتهم، فيعطوا بأيديهم، فأحرقه 2، فهي رواية متهافتة يراد بها الحط من قدر مسلمة؛   1 فرج، العلاقات.. ص 155. 2 تاريخ الطبري 6/531، والعيون والحدائق ص 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 يتضح ذلك من وصفه بأنه قد خدع خديعة لو كان امرأة لعيب بها1، فهل يُصدقُ أن يعمد قائد جيش بنفسه إلى إحراق طعامه وطعام جنده وهو في مواجهة عدوه؟! هذا ما لايمكن أن يصدقه عاقل، وهي فرية مكشوفة ظاهرة للعيان، تذكرنا بقصة طارق بن زياد وإحراق السفن المنسوبة إليه زوراً وبهتاناً. ومثل هذه الرواية في البطلان الرواية الأخرى التي ساقها الطبري أيضاً عن علي بن محمد المدائني ـ وكلتا الروايتين عنه ـ والتي ذكرت أن اليون كتب إلى مسلمة يسأله أن يدخل من الطعام ما يعيش به القوم، ويصدقونه بأن أمره وأمر مسلمة واحد2!! والسؤال الذي يبرز نفسه؛ ما قيمة الحصار المضروب على المدينة إذاً، إذا كان يتصور أن مسلمة سيعطيهم من الطعام ما يعيشون به؟! إن تلك الروايات في نظري يفهم منها أمر مهم وهو تحميل مسلمة بن عبد الملك مسؤولية عدم نجاح هذه الحملة بتحقيق هدفها الرئيس، وما أصاب المسلمين أثناء الحصار من بعض المحن، حتى قال عنه صاحب العيون والحدائق: إنه عاجز، لا رأي له في الحرب، ولا في أصحابه من له رأي يرجع إليه 3، وقال في موضع آخر كلاماً نابياً عنه 4، وقالوا عنه بعد فقد الطعام: إنه قد خدع خديعة لو كان امرأة لعيبت بها 5.   1 تاريخ الطبري 6/531. 2 المصدر السابق نفسه، والعيون والحدائق ص 32. 3 ص 27-28. 4 وهو أن ليون كان يناظره ويعامله بالمكر والخديعة حتى قال: لو كان مسلمة امرأة ثم شئت أن أفعل بها لفعلت، وما كان يمتنع علي قط في شيء أردت منه. العيون ص27. 5 تاريخ الطبري 6/531، العيون والحدائق ص 32،ابن الأثير، الكامل 4/147، ابن العبري، تاريخ مختصر الدول ص 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 وفي رأيي أن هذا القول عن مسلمة غير دقيق، وقد يكون فيه شيء من التحامل عليه؛ فهو وإن كان لا يعفى من المسؤولية، إلا أنه لا يتحمل نتيجة كل ما حدث، فهو قَدَر نافذ بمسلمة أو بدونه؛ حيث لم يحن بعد زمن الفتح، ومسلمة لم يكن متفرداً بالرأي دون سواه، فقد رأينا مثالاً على مشاورته لأصحابه، لكنه كان يفضل رأي الأغلبية، وإصراره على عدم قبول الفداء من أهل القسطنطينية لمّا عرضوه عليه، كان تنفيذاً لأمر أخيه سليمان الذي وصاه بأن يقيم عليها، حتى يفتحها أو يأتيه أمره، ومن قرأ عن مآثره الحربية وانتصاراته المتوالية على جيوش الروم في أراضيهم، وفي بلاد الخزر استيقن أنه لم يكن وراءها إنسان سهل القياد، عاجز الرأي. نقل ابن عبد ربه عن الأصمعي: “لم يكن لعبد الملك ابنٌ أسدَّ رأياً ولا أذكى عقلاً ولا أشجع قلباً ولا أسمح نفساً ولا أسخى كفاً من مسلمة”1. وقال الجاحظ: “وكان مسلمة شجاعاً خطيباً بارع اللسان جواداً، ولم يكن في ولد عبد الملك مثله ومثل هشام بعده”2، وقال ابن كثير: بعد أن ذكر انتصاراته في حروبه ونكايته في عدوه من الروم وغيرهم: “كانت لمسلمة مواقف مشهورة ومساعي مشكورة، وغزوات متتالية منثورة، وقد افتتح حصوناً وقلاعاً، وأحيا بعزمه قصوراً وبقاعاً، وكان في زمانه في الغزوات نظير خالد بن الوليد في أيامه في كثرة مغازيه، وكثرة فتوحه، وقوة عزمه، وشدة بأسه، وجودة تصرفه في نقضه وإبرامه، هذا مع الكرم والفصاحة”3، فهل مَنْ هذه صفاته يخدع بسهولة مرات عديدة، ويكون الإخفاق بسببه وحده؟!، ومع ذلك كله فهو بشر يصيب ويخطئ، والمعصوم من   1 العقد الفريد 6/131. 2 البيان والتبيين 3/189. 3 البداية والنهاية 9/328-329. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 عصم الله وحده 1. ونعود الآن إلى النظر في الأسباب الحقيقية التي حالت دون فتح القسطنطينية وأدت إلى رفع الحصار عنها: - يأتي في مقدمة ذلك حلول برد قارس شديد البرودة ذي أمطار وثلوج في شتاء سنة 98?، ومع أن المسلمين استعدوا لهذا الشتاء ببناء بيوت من خشب فشتوا فيها إلا أن قسوة البرد وكثرة الثلوج والأمطار قد أضرت بهم كثيراً، قال صاحب العيون والحدائق: “وسليمان بن عبد الملك مقيم بدابق لا يقدر أن يمدهم بشيء من الأزواد لكثرة البرد والثلوج “ 2، وروي أن الثلج غطى وجه الأرض نحواً من مائة يوم فاشتد الضيق على المسلمين 3، وذكر أحد المؤرخين الغربيين أن المسلمين لقوا شدة في ذلك العام عندما كان نزول الجليد لا ينقطع لمدة اثني عشر أسبوعاً 4، ولا شك أن ذلك أثر على المسلمين تأثيراً شديداً؛ فتوقف نشاطهم وانكمشوا في انتظار حلول الربيع، لأنهم لم يتعودوا عليه، بينما كان ذلك مألوفاً لدى البيزنطيين؛ فاستفادوا منه بإعادة تنظيم دفاعات مدينتهم، ونقلوا المؤن إلى الداخل، وأرسلوا سفارتهم إلى البلغار 5. وقد مات بسبب ذلك وبسبب الجوع خلق كثير من المسلمين 6، ونفقت كثير من خيولهم وبغالهم وجمالهم 7.   1 وقد رأينا مثالاً على خطئه في تعامله مع برجان. 2 ص 32. 3 عثمان، الحدود الإسلامية.. ص 91. 4 أومان، الإمبراطورية البيزنطية ص 146، وذكر في الصفحة نفسها أن اليون كان يفخر بأن ديسمبر ويناير وفبراير من أعظم قواده 5 فرج، العلاقات.. ص 166. 6 المقدسي، البدء والتاريخ ص 44. 7 عثمان، الحدود الإسلامية.. ص 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 - ثم كان من الأسباب الرئيسة في فك الحصار حدوث أزمة نفاد أقوات المسلمين، ومع أن المسلمين قد جمعوا أول ما وصلوا إلى القسطنطينية ما استطاعوا جمعه من الطعام والعلف وادخروه لوقت الحاجة إلا أن ذلك نفد ولم يقم بحاجتهم طوال فصل الشتاء الذي صاحبته الأمطار والثلوج والبرد الشديد كما ذكر، ولاسيما أن عدد الجيش كان كبيراً ومعهم دوابهم التي تحتاج إلى أعلاف ومؤونة في أرض كساها الجليد، ولذلك انتشرت المجاعة والأمراض بين المسلمين، قال عمر بن هبيرة - قائد الأسطول: “بلغنا من حصارهم ما بلغنا، وكان بنا من الأزل والمرض نحواً مما بهم أو أشد” 1، وقال أحد المشاركين في الحملة وهو محمد بن زياد الألهاني: “هلكنا من الجوع ومات الناس” 2، وروى أحد الجنود قال: “كنت فيمن حاصر القسطنطينية، فبلغنا من حصارهم وبلغ منّا الجوع نحواً مما سمعتم” 3، وتحدث شاهد عيان هو أبو سعيد المعيطي عن حال المسلمين إذ ذاك؛ فذكر أن مسلمة تفقد الجيش وسأل عن طعامهم، فأخبر أن الناس في شدة وضيق، وأنهم يتقوتون الخزيرة 4، فحثهم على الصبر. قال أبو سعيد: “وقد جهد عامة الناس، وإنما يأكل الخزيرة منهم أهل القوة، وبقيتهم فيما لا يصفه واصف من أكل توافق الدواب وأشباه ذلك، حتى لقد ذكر أن قوماً أكلوا ميتاً لهم”5، وتحدث شاهد عيان آخر وهو زيد بن واقد عن ما   1 تاريخ دمشق 68/230. 2 الذهبي، دول الإسلام ص 67. 3 تاريخ دمشق 68/332. 4 الخزيرة: شبه عصيدة، وهو اللحم الغابّ يقطع صغاراً في القدر، ثم يطبخ بالماء الكثير والملح، فإذا أميت طبخاً ذُرَّ عليه الدقيق فعصد به، ولا تكون الخزيرة إلا بلحم، تاج العروس، مادة (خزر) . 5 تاريخ دمشق 66/267-268. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 أصابه من الجوع والجهد فذكر أنه هم بنزع جلدة الفسطاط التي تكون في أعلى عمود الخيمة، ليطبخها ويلوكها ويتقوى بها، لكنه سمع تكبير الناس فرحاً بالقفول، فذهب عنه الجوع1. وورد أنهم أكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والعروق والورق وكل شئ غير التراب 2. وأنه عظم البلاء عليهم لذهاب أقواتهم3، وأن الناس في معسكرهم أكلوا الميتة والعذرة من الجوع 4، وأنهم جاعوا جوعاً عظيماً 5. ومن الأخطاء التي وردت عند بعض المؤرخين قولهم عند الحديث عن هذه المجاعة التي أصابت المسلمين: أنهم أكلوا الميتة والعذرة من الجوع في الوقت الذي كان في وسط المعسكر كومة من حنطة مثل الجبل العالي يغيظون بها الروم!! 6 ولاشك أن هذا غير صحيح؛ لأنهم لا يمكن أن يغيظوا الروم بقتل أنفسهم. وعلى أي حال فلا شك أن تلك المجاعة كانت مما زاد من سوء أحوالهم، وتعرضهم للإصابة ببعض الأمراض 7، وكانت سبباً في هلاك بعضهم، وهلاك دوابهم 8، وأخيراً كانت من الأسباب التي أدت إلى رحيلهم عن القسطنطينية 9.   1 المصدر السابق 19/527. 2 تاريخ الطبري 6/531، والعيون والحدائق ص 33، وكامل ابن الأثير 4/147. 3 المسعودي، التنبيه ص 166. 4 سير أعلام النبلاء 4/502. 5 ابن كثير، البداية والنهاية 9/328. 6 الذهبي، تذكرة الحفاظ 1/70،وسير أعلام النبلاء 4/502. 7 تاريخ دمشق 58/21. 8 العيون والحدائق ص 30. 9 تاريخ دمشق 68/230، 232. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 - وقد ضاعف من أزمة نفاد أقوات المسلمين وحلول المجاعة بهم بعدُ خطوط اتصال الجيش الإسلامي بقيادته، للحصول على ما يحتاج إليه من التموين، ومع أن المسلمين هداهم تفكيرهم إلى زراعة الأرض، فأكلوا مما زرعوا، ومما وقع في أيديهم من غنائم من العدو1، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لسد حاجاتهم. - أحدثت النار الإغريقية التي استخدمها البيزنطيون، والرياح الشديدة والعواصف، والتيارات المائية العاتية أضراراً بسفن الأسطول الإسلامي، ودمرت عدداً من قطعه 2، وكانت النار الإغريقية بالذات سبباً فاعلاً من الأسباب الرئيسة التي حدت من فاعلية الأسطول الإسلامي وقدرته 3. -مناعة القسطنطينية بموقعها الجغرافي المتميز، وأسوارها العالية، وتحصيناتها القوية، ودفاعاتها المحكمة، وكثرة جيوشها. - عدم إحكام حصار المدينة من جميع جهاتها؛ فقد ظلت ناحيتها الشمالية المطلة على القرن الذهبي والمتصلة بالبحر الأسود مفتوحة، وذلك بسبب أن التيارات المائية القوية حالت دون وصول المسلمين إليها، ولذا أصبحت تحصل على بعض إمداداتها من حقول القمح الواقعة على شواطئ هذا البحر الشمالية 4. - مهاجمة برجان (البلغار) الذين استجاشهم اليون المسلمين من الجانب الأوربي 5، وعلى الرغم من الهزيمة القاسية التي ألحقها المسلمون بهم آخر الأمر   1 تاريخ الطبري 6/530. 2 ماجد، التاريخ السياسي ص 249. 3 عمران، معالم تاريخ الإمبراطورية البيزنطية ص 97. 4 العدوي، الأمويون ص 164، وعاشور، أوربا 1/113. 5 ابن العبري، تاريخ مختصر الدول ص 197. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 إلا أنه لم ينقطع نشاطهم العدائي عن المسلمين1. - ويضيف ابن العبري أن الإفرنج كانوا يغيرون على المسلمين في السفن 2، ومعنى هذا أنه وصلت قوات إفرنجية مساندة للقسطنطينية وقت حصارها، وحاربت المسلمين بحراً. - وكان الروم يحاربون المسلمين من داخل أسوار المدينة بالمنجنيقات وأدوات الدفاع المتيسرة لديهم 3. - وقد أعطى طول أمد الحصار امبراطور الروم فرصة للتحالف مع بعض القوى المعادية للمسلمين؛ كما فعل مع خان الخزر، ليزيد به قوة جيشه 4. - وتشير بعض المراجع إلى وجود عناصر نصرانية ضمن بحارة سفن المسلمين، حدث منها تواطؤ في بعض الأحيان مع بني دينهم 5. - وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك المفاجئة ـ وهو المتحمس للفتح ـ حالت دون استمرار الحصار، وبعث الإمدادات والأقوات إلى الجيش. أهم نتائج الحملة والدروس المستفادة منها: - عادت هذه الحملة الموجهة لفتح القسطنطينية أدراجها، ولم تحقق الهدف الأكبر الذي كانت تطمح إلى تحقيقه، وهو فتح المدينة ونشر الإسلام فيها، وبعد أن كانت الدولة الأموية قد أخفقت في محاولتين سابقتين ـ كما سلف ـ،   1 المصدر السابق نفسه. 2 نفسه. 3 نفسه. 4 عمران، المرجع السابق ص 96. 5 طقوش، تاريخ الدولة الأموية ص 132-133. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 لكن ذلك لم يفت في عضد المسلمين، أو يسرب اليأس إلى نفوسهم، أو يوهن من عزائمهم تجاه الدولة البيزنطية الرابضة على حدودهم الشمالية؛ فقد استمر الضغط على أطرافها طوال العهود التالية، من خلال بعثات الصوائف والشواتي التي اضطلعت بالقيام بهذه المهمة بنجاح 1. وظل هاجس الفتح حياً في نفوس المسلمين إلى أن تحقق لهم بفضل الله تعالى في سنة 857هـ على يد السلطان العثماني محمد الفاتح رحمه الله تعالى. - أثبت المسلمون كفاءتهم الحربية وقدراتهم القتالية وروحهم الجهادية العالية أمام هذا العدو البعيد الدار، وذلك من خلال المناوشات التي حدثت أثناء الحصار، كما برهنوا على مقدرتهم على تحمل الصعاب والمشكلات والظروف مهما كانت قاسية وعسيرة وشاقة. - ولا شك أن إخفاق المسلمين في الفتح رفع من معنويات الطرف الآخر، وتجددت آماله في القدرة على المواجهة والتحرش بالمسلمين؛ فمن ذلك تجرؤهم في الإغارة على ثغر اللاذقية في سواحل الشام سنة 100هـ 2. - ومن جانب آخر فبعدَ هذه الحملة غض البيزنطيون الطرف عن موقع آخر كانوا يحاولون استعادته من المسلمين، وهو شمالي أفريقية، وركزوا اهتمامهم على أن تكون عاصمتهم بعيدة المنال عن أيدي المسلمين 3.   1 انظر على سبيل المثال البلاذري، فتوح البلدان ص 167، 172-176، وتاريخ دمشق 21/217، 318، 46/445-446، 56/347-348، 37/90، 48/86، 11/432، 66/140، 37/299-300، 23/358-359، 26/396، 59/445، 53/48، 33/301-302. 2 البلاذري، فتوح البلدان ص 139. 3 العدوي، الأمويون ص 167، وعاقل، تاريخ خلافة بني أمية ص 250. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 - حرم صمودُ القسطنطينية وتأبِّيها على الفتح الإسلامي الشعوبَ القاطنة شرقي أوربا، ولا سيما الوثنية منها كالآفار والسلاف والبلغار والروس من التعرف على نور الإسلام وحضارته، ويمكن لنا أن نتصور مدى التغيير الذي سيعتري الشطر الشرقي لأوربا لو تم ذلك الفتح 1. - نودي باليون الإيسوري بعد هذه الحملة مخلِّصاً لأوربا النصرانية من المسلمين والعرب 2، واعتبره بعضهم من أصحاب الوقائع الفاصلة في التاريخ 3. - وظلت الدولة البيزنطية تحتفظ بهيبتها أمام دول الغرب الأوربي فترة طويلة 4. - كان من إفرازاتها قتلى من الطرفين، وأسرى 5. - ومن أهم الدروس المستفادة منها أن الركون إلى أعداء الله تعالى وموادتهم والإصغاء إليهم، والتخلي عن الحذر عند التعامل معهم، سبب رئيس في القصور عن بلوغ الهدف، وعدم التمكين في الأرض، ووقوع الابتلاء، ألا ترى معي وأنت تقرأ هذه الآيات، وكأنها تشخص الموقف الذي نحن بصدده   1 فشر، تاريخ أوربا العصور الوسطى 1/68-69، وعاشور، أوربا العصور الوسطى 1/113. 2 حتي، تاريخ العرب 3/225. 3 المرجع السابق 1/69. 4 سالم، تاريخ البحرية الإسلامية 1/36. 5 الذهبي، تاريخ الإسلام (81-100) ص 271، وسير أعلام النبلاء 4/502، وبروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية ص 148 (الحاشية 41) ، وماجد، التاريخ السياسي.. ص 247. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل} ? [الممتحنة: 1] - أن قوى الكفر مهما كان بينها من اختلاف وبغضاء وتناحر فإنها تجتمع على حرب الإسلام وأهله، جرياً وفق السنن الربانية التي تشير إلى الصراع الأزلي بين الحق والباطل بمختلف أشكاله وصوره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الخاتمة : تتلخص أهم نتائج البحث فيما يلي: - اهتمام الأمويين بفتح القسطنطينية واتخاذها هدفاً حيوياً، أملاً في تحقق الوعد النبوي الصادق على أيديهم، وكسراً لشوكة الدولة البيزنطية المتربصة بهم. - أن أدق مصدر من المصادر العربية عن أحداث هذه الحملة هو كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر، لاحتوائه على روايات عن شهود عيان مشاركين في الحملة نفسها، وروايات جديدة لم تستخدم في أي بحث سابق لهذا الموضوع، منها على سبيل المثال: - رواية عن الدوريات التي تقوم بتأمين الحماية للجيش البري الإسلامي - رواية تفيد تعرض الروم لبعض سفن المسلمين أثناء العبور إلى العدوة الأوربية وتصدي المسلمين لهم - روايات تثبت أن قائد الأسطول الإسلامي هو عمر بن هبيرة الفزاري. - رواية إرسال سفارة من مسلمة إلى اليون وهو في القسطنطينية لمناقشته في نقض عهده مع المسلمين، وفيها تصوير للحوار الذي دار هناك. - رواية إرسال إمبراطور الروم وفداً إلى عمر بن هبيرة ليتوسط لدى القائد مسلمة لقبول فدية صلح. - روايات عن استنجاد اليون بملك البلغار، وما جرى بين هؤلاء وبين المسلمين من حروب. - روايات تصور معاناة المسلمين من الجوع بعد طول أمد الحصار. - أكد البحث من خلال الروايات الموثقة على حدوث اللقاء بين مسلمة واليون، وحصول الاتفاق بينهما على المناصحة، خلافاً لما تذهب إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 روايات الغربيين في هذا الصدد، كما أكد على نقض اليون لهذا الاتفاق وغدره بالمسلمين. - ترجيح الرواية التي أفادت أن دخول اليون إلى القسطنطينية كان قبل وصول القوات الإسلامية إليها، حتى وإن كانت أكثر المصادر الإسلامية تخالفها، لأنها رواية إنسان حكى ما شاهد، وهي في الوقت نفسه تتفق مع الروايات البيزنطية. - فند البحث الروايات التي ذكرت خدعة اليون فيما يتعلق بطعام المسلمين إما سرقة أو إحراقاً. - التنبيه إلى انسياق بعض المراجع العربية الحديثة خلف المراجع الغربية في تهويل هزائم المسلمين وانتصارات البيزنطيين، اعتماداً على روايات طرف واحد في النزاع ـ وهو منهج خاطئ ـ بينت روايات شهود العيان المسلمين خلافه. - الاستنتاج من خلال روايات قريبة من الحدث أن بدء الحصار كان في آخر سنة 97 هـ، وأن انتهاءه كان بعد مضي أشهر من سنة 99هـ، وبهذا تكون مدته أكثر من عام، خلافاً لما رددت بعض المصادر الغربية ومن نقل عنها. - فند البحث روايات دخول مسلمة إلى القسطنطينية وبناء مسجد فيها. - أثبت البحث أن القائد مسلمة بن عبد الملك لا يتحمل نتيجة إخفاق الحملة في تحقيق هدفها، بناء على نظر شمولي في صفات هذا القائد، وتأسيساً على العوامل الحقيقية لهذا الإخفاق. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على رسولنا المبعوث رحمة للعالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 ملحق رقم (1) :أسماء بعض المشاركين في الحملة الذين ورد ذكرهم في المصادر - إبراهيم بن نشيط بن يوسف الوعلاني / تهذيب الكمال 2/229 - أصبغ بن الأشعث بن قيس الكندي / تاريخ دمشق 9/167 - ابن بلال بن سعد بن تميم السكون/تاريخ دمشق 68/21 مات في الغزوة - جابر التميمي / تاريخ دمشق 11/198 - أبو خراسان بن تميم الفارسي/ تاريخ دمشق50/337-339 - خالد بن عمير الذكواني / تاريخ دمشق16/179ومعجم البلدان 3/43 - خالد بن معدان / تاريخ الطبري 6/530 - أبو زرعة اللخمي / تاريخ دمشق 66/246 - زيد بن واقد / تاريخ دمشق 19/527 - أبو سعيد المعيطي / تاريخ دمشق 66/267 روى بعض الأحداث - سليمان بن عبد الله الأشعري / تاريخ دمشق 22/335 - سليمان بن معاذ الأنطاكي / العيون والحدائق ص 28 - شراحيل بن عبيدة العقيلي / تاريخ دمشق 38/ 155، قاد مع أبيه المعركة ضد برجان وقتل فيها - صدقة بن اليمان الهمداني / تاريخ دمشق 24/46 - الضحاك بن مزاحم الأسدي / تاريخ دمشق 24/368 - الضحاك بن يزيد السلمي / تاريخ دمشق 24/374، قتل في الغزوة - عبد الرحمن بن صعصعة / تاريخ دمشق 34/435 و35/8 - عبد الله بن جرير البجلي / تاريخ دمشق 27/246 - عبد الله بن زكرياء الخزاعي / تاريخ الطبري 6/530 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 - عبد الله بن سعد بن أوس الهمداني/ تاريخ دمشق 60/138 - عبد الله بن سعيد ين قيس الهمداني / تاريخ دمشق 29/65 - عبد الله بن مسلم الزهري / تاريخ دمشق 33/195 - عبد الله بن الحسين، أبو يحيى البطال / تاريخ دمشق 66/246 - عمر بن هبيرة الفزاري / تاريخ دمشق 57/131و 68/230، القائد البحري - عبيد الله بن عبد العزيز بن عدي الأكبر/ تاريخ دمشق68/11وجمهرة أنساب العرب ص 116، قتل فيها - عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب / تاريخ دمشق 38/3-4 - عبيدة بن قيس العقيلي/ تاريخ دمشق 38/155، قائد المعركة ضد برجان - كثير بن ميسرة / تاريخ دمشق 50/61 - أبو كرب العراقي / تاريخ دمشق 67/158-159، قتل في المعارك مع برجان - الليث بن تميم الفارسي/ تاريخ دمشق 45/374، روى كثيراً من أحداث الحملة - مجاهد بن جبر/ تاريخ الطبري 6/530 - أبو محجن بن عبد الله اللخمي/ تاريخ دمشق67/199وجمهرة أنساب العرب ص 424، قتل فيها - محمد بن خالد بن الوليد المخزومي/ تاريخ دمشق 52/387 - محمد بن زياد الألهاني/ سير أعلام النبلاء 4/502 - محمد بن عبد العزيز بن مروان / تاريخ دمشق54/125والفتوح 7/191، قتل فيها - محمد بن الضحاك بن قيس التميمي/ تاريخ دمشق 53/278 - محمد بن مسلمة بن عبد الملك / تاريخ دمشق 55/289 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 - محمود بن الربيع الأنصاري / تاريخ دمشق 57/110 - مسلمة بن عبد الملك بن مروان / تاريخ دمشق 58/27، القائد العام - مسلمة بن حبيب الفهري / تاريخ دمشق 58/21 - المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي/ جمهرة أنساب العرب ص 145 - الهيثم بن الأسود النخعي / تهذيب الكمال 30/363 - يحيى بن إياس الخزاعي / تاريخ دمشق 64/92 - يحيى بن أبي عمرو الشّيباني / تاريخ دمشق 64/167وتهذيب الكمال 31/482وتهذيب التهذيب 11/260 - يزيد بن مرة القبطي / تاريخ دمشق 65/380 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 ملحق رقم (2) :خريطة مدينة القسطنطينية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 ملحق رقم (3) :المسار البري والمسار البحري للحملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع - ابن الأثير، علي بن أبي الكرم محمد الشيباني (630 هـ) الكامل في التاريخ، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، بيروت 1387 هـ - الإدريسي، محمد بن محمد بن عبد الله الحمودي الحسني (القرن السادس) نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة (د. ت) - ابن أعثم، أحمد بن أعثم الكوفي، أبو محمد (314 هـ) الفتوح، الدار السلفية، الطبعة الأولى، حيدر أباد 1394 هـ. - الأعظمي، عواد مجيد الأمير مسلمة بن عبد الملك بن مروان، منشورات اتحاد المؤرخين العرب، بغداد 1980 م - الأنباري، عبد الرزاق على تاريخ الدولة العربية، العصر الراشدي والأموي، مطبعة الإرشاد، بغداد 1406 هـ - أومان، ك. الإمبراطورية البيزنطية، تعريب مصطفى طه بدر، دار الفكر العربي 1953 م. - بارتولد، و. مادة (البلغار) في دائرة المعارف الإسلامية، ترجمة محمد ثابت الفندي وزملائه، الطبعة الإيرانية (د. ت) - باشا، محمد مختار التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنكية والقبطية، تحقيق: محمد عمارة الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1400 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488