الكتاب: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة المؤلف: أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (المتوفى: 542هـ) المحقق: إحسان عباس الناشر: الدار العربية للكتاب، ليبيا - تونس الطبعة: الجزء: 1 - الطبعة: 1، 1981 الجزء: 2 - الطبعة: 1، 1978 الجزء: 3 - الطبعة: 1، 1978 الجزء: 4 - الطبعة: 2، 1981 الجزء: 5 - الطبعة: 1، 1981 الجزء: 6 - الطبعة: 2، 1981 الجزء: 7 - الطبعة: 1، 1979 الجزء: 8 - الطبعة: 1، 1979 عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة الشنتريني الكتاب: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة المؤلف: أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (المتوفى: 542هـ) المحقق: إحسان عباس الناشر: الدار العربية للكتاب، ليبيا - تونس الطبعة: الجزء: 1 - الطبعة: 1، 1981 الجزء: 2 - الطبعة: 1، 1978 الجزء: 3 - الطبعة: 1، 1978 الجزء: 4 - الطبعة: 2، 1981 الجزء: 5 - الطبعة: 1، 1981 الجزء: 6 - الطبعة: 2، 1981 الجزء: 7 - الطبعة: 1، 1979 الجزء: 8 - الطبعة: 1، 1979 عدد الأجزاء: 8   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] مقدمة التحقيق بين ابن بسام في مقدمة كتاب الذخيرة أنه قد جعله أربعة أقسام، على النحو الآتي: 1 - القسم الأول: لأهل حضرة قرطبة وما يصاقبها من بلاد موسطة الأندلس. 2 - القسم الثاني: لأهل الجانب الغربي من الأندلس وذكر أهل حضرة إشبيلية وما اتصل بها من بلاد ساحل البحر المحيط. 3 - القسم الثالث: لأهل الجانب الشرقي من الأندلس. 4 - القسم الرابع: لمن طرأ على جزيرة الأندلس من شعراء وكتاب، ولبعض مشهوري المعاصرين ممن نجم بإفريقية والشام والعراق. وبين سنتي 1939 1942 ظهر القسم الأول من الكتاب، في مجلدين، بعناية لجنة من المحققين ولجنة من المشرفين على التحقيق؛ وفي سنة 1945 ظهرت قطعة من القسم الرابع. ثم توقفت اللجنة المضطلعة بتحقيق الكتاب عن متابعة عملها فيما يبدو لظروف وأسباب مختلفة، وكان في ذلك التوقف، خسارة كبيرة لدارسي الأدب الأندلسي وطلابه، لأن الذخيرة أولاً من أهم مصادر ذلك الأدب، ولأنه ليس من السهل ثانياً على كل دارس أن يحصل على أصولها الخطية، ثم لأن تلك الأصول ثالثاً ليست ميسرة للقراءة على نحو مباشر طيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 لهذا وجدت أن تحقيق الذخيرة على صعوبته أمر ضروري، وأخص منها القسمين الثاني والثالث، وما تبقى من القسم الرابع؛ فهذا هو القدر الذي لم يظهر من الكتاب مطبوعاً حتى اليوم؛ وقد بدأت التحقيق بحسب وفرة الأصول الخطية لكل قسم، وكان القسم الثالث أوفرها حظاً، ويليه في ذلك القسم الثاني، ولهذا عملت في تحقيقهما بهذا الترتيب، مرجئاً النظر في القسم الأول، لأنه قد طبع وتداولته الأيدي منذ زمن؛ ولكن رغبة الدارسين في أن يروا جميع أجزاء الذخيرة محققة بكاملها متناسقة في اكتمالها متجانسة في سماتها العامة المشتركة ألزمتني بإعادة النظر في هذا القسم الأول؛ وهكذا كان. وأبادر لأقرر مخلصاً أن أعضاء اللجنتين اللتين تولتا هذا العم تحقيقاً وإشرافاً قد بذلوا في إخراجه من العناية ما يستحق كل تقدير؛ أقول هذا وأنا قد اطلعت على أصول الذخيرة ووقفت على مدى ما فيها من صعوبة ناشئة عن حال النسخ نفسها، وعما فيها من كثرة الخلافات في القراءة؛ ومن التفاوت الشديد بين ما تثبته نسخة وما تثبته أخرى، ومن تعرض بعض تلك النسخ لتدخل أيد وأقلام أخرى في سياقها غير يد المؤلف وقلمه. فإذا أضيف إلى ذلك أنني على ما بذلت من محاولات ودراسات لم أستطع أن أزيد على الأصول التي اعتمدتها اللجنة السابقة في تحقيق هذا القسم الأول، وجد القارئ أن النص لم يبتعد كثيراً عما جاء عليه في الطبعة السابقة، وإن كنت أقدر أن تفاوت النسخ، سيكون مدعاة في المستقبل إذا تم كشف شيء منها مجالاً لزيادات مفيدة ولقراءات جديدة. ومهما يكن من شيء، فإن عدم توفر أصول جديدة لم يوقف بذل الجهد في اتجاهات أخرى، وأرجو ألا يؤخذ قولي مأخذ الدعوى حين أقول أنني قد منحت هذه الطبعة مميزات كثيرة: فقد صححت عدداً غير قليل من أخطاء القراءة، وعرفت بالأعلام والأماكن حيث كان ذلك ضرورياً، وشرحت لألفاظ التي تتطلب شرحاً وخاصة بعض المصطلحات الأندلسية مثل حنبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 وطولق وقلبق وما أشبه ذلك من ألفاظ غير مألوفة أو معرفة لدى المشارقة، إذ قد يستغرق البحث عن معانيها وقتاً طويلاً لا يتيسر لكل قارئ، كما وفقت إلى تخريج كثير من الشواهد الشعرية التي أدرجها المؤلف في الكتاب، واتبعت نهجاً مختلفاً في تمييز الأصيل من الدخيل في نص الكتاب، وراجعت النص على المصادر التي استمدت من الذخيرة، وعلى سائر المصادر الأندلسية التي طبعت بعد صدور ما طبع منها. أما النسخ التي اعتمدتها فهي أيضاً تنقسم في فئتين مثلما كانت الحال في أصول القسم الثالث، وتضم الفئة الأولى: 1 - نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم 1324 (ورمزها: ط) ، وعدد أوراقها 167 ورقة، في كل صفحة منها 29 سطراًن ومسطرتها 23.5 × 16؛ وهي مكتوبة بخط مغربي جميل واضح، ولكنها لا تحمل تاريخاً للنسخ، وهي قريبة الشبه بالنسخة (ط) التي وصفتها في مقدمة القسم الثالث، وإن لم يكن الخط فيهما واحداً بالضرورة؛ وهذا الشبه بين النسختين قد يحمل على القول بأن (ط) تنتمي إلى القرن الحادي عشر، وأقدم التملكات المؤرخة المكتوبة على الورقة الأولى منها تحمل تاريخ أوائل شعبان 1019 حين دخلت في ملك محمد ابن أحمد بن محمد الشريف الحسني، ثم باعها هذا المالك إلى سيدي محمد بن عبد الملك بن عبد الله في رمضان المعظم سنة 1021. 2 - نسخة دار الكتب الملكية بالقاهرة وعدد أوراقها 197 ورقة، وفي الصفحة الواحدة 25 سطراً، ومسطرتها 25 × 13 وقد تم نسخها سنة 1229. وهاتان المخطوطتان متشابهتان في حالتي الزيادة والنقص في النص مما يرجح أنهما مأخوذتان عن أصلين متقاربين، وإذا تميزت نسخة دار الكتب القاهرية في بعض القراءات عن (ط) فهذا التميز لا قيمة له في الغالب، وقد تلتقي هذه النسخة مع نسخ الفئة الثانية الآتي وصفها في بعض القراءات، وفي هذا أيضاً ما يجعل قيمتها ثانوية، لأنها لا تتمتع بالزيادات التي تتمنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 بها نسخ الفئة الثانية إلا في موطن واحد، حيث يفترق عن (ط) على نحو لافت للانتباه وذلك في إيراد أبيات زائدة عما هي في (ط) في ترجمة ابن زيدون، واشتراكها مع نسخ الفئة الثانية في إيراد نص دخيل على الذخيرة هو رسالة ابن زيدون لأبي بكر بن مسلم، بل إنها في هذه الرسالة تنفرد عن نسخ الفئة الأخرى ببعض عبارات أدرجتها بين حاصرتين من هذا النوع مشيراً في الحاشية إلى مصدر الزيادة؛ ولقلة الاعتماد على هذه النسخة لم أضع لها رمزاً خاصاً. وأما الفئة الثانية فإنها تضم النسخ الآتية: 1 - نسخة باريس رقم: 3321 (ورمزها: س) وتقع في 125 ورقة، عدد سطور كل صفحة 23 سطراً، ومسطرتها 22 × 13 وهي مكتوبة بخط مغربي، وفيها أخطاء وأوهام كثيرة، وليس هناك ما يدل على تاريخ نسخها. 2 - نسخة المكتبة التيمورية ورمزها (م) ، وتتألف من 225 ورقة، في كل صفحة 26 سطراً، ومسطرتها 20 × 13 دون تاريخ أيضاً، وخطها مغربي. 3 - نسخة خاصة كانت في ملك الأستاذ ليفي بروفنسال (ورمزها: ب) ، عدد ورقاتها 104، وعد الأسطر في كل صفحة 33، ومسطرتها 24 × 17، وخطها مغربي مزود ببعض الشكل، إلا أن الخروم فيها كثيرة. وتعد هذه النسخ الثلاث متقاربة لأنها قد تميزت عن الفئة الأولى بزيادات كثيرةن وتجيء هذه الزيادات في ثلاثة أنواع: أولها ورود النصوص المنقولة عن ابن حيان فيها على نحو تفصيلي لا يتوفر في الفئة الأولى من النسخ حيث يرد النص موجزاً بشكل واضح؛ وثانيها: ورود رسائل وأشعار لا يستبعد أن يكون ابن بسام هو الذي زادها؛ وثالثها: كثرة الدخيل فيها مما قام بإضافته شخص (أو أشخاص) بعد عهد المؤلف، وكان أحد الذين زادوا بعض النصوص مطالعاً على مسودات ابن بسام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وقد كان منهجي في التحقيق قبول أوسع الصور في النسخ وأكثرها تفصيلاً، ولهذا اعتبرت أن كل نص تنفرد به النسخ (ب س م) فإنه لا يميز بإشارة لأن ذلك يعني إثقال الحواشي في كل صفحة بفروق لا تكاد تحصر، فأما إذا كان النص من زيادات (ط) فإنه يوضع بين معقفين على هذه الصورة [] . والعيب في هذه الطريقة أن القارئ لن يتصور مدى ما ينقص النسخة (ط) أو مدى ما تتمتع به النسخ (ب س م) من زيادات ولكن هذا عيب شكلي خالص، إذ أن إقامة نص سليم هو الهدف الأهم والأكثر جدوى. فأما ما أقطع يقيناً بأنه من الدخيل على نص الذخيرة فأني أبقيه في موضعه مميزاً له باختيار حرف طباعي أصغر حجماً من حرف النص الأصلي؛ ولاختياري هذا المنهج وجدت من الضروري أن أرد الرسائل التي أضيفت إلى ترجمة كل من ابن برد والبزلياني إلى مواضعها بعد أن كانت لجنة التحقيق التي قامت بإصدار هذا القسم من قبل قد انتزعتها من موضعها وجعلتها ملحقاً بآخر الكتاب، وقد كان عمل اللجنة في هذه الناحية غير قائم على منهج موحد، فهناك مثلاً زيادات دخيلة في ترجمة ابن زيدون تركت في موضعها، ولم تفرد في ملحق خاص. وقد أهملت لدى مقارنة النسخ قراءات واضحة الخطأ، إذ لا ضرورة لإثقال الحواشي بها؛ وأثبت في المتن أصح القراءات في نظري ووضعت ما يعد في الدرجة الثانية من حيث الصحة أو من حيث احتمال الصحة في الحاشية، وهذا أمر ذاتي اجتهادي لا يمكن تعليله في كل مرة. وكل ما زدته في المتن اجتهاداً من عند نفسي أو اعتماداً على المصادر فقد وضعته بين حاصرتين على هذا الشكل دون أن أشير إلى ذلك في كل مرة، وذلك تمييزاً لهذا النوع من الزيادات عن الزيادات المستمدة من النسخة القاهرية، فإنها مشفوعة دائماً بالإشارة إلى مصدرها. وبما أن الذخيرة عمل ضخم قد يستغرق سنوات فقد وجدت من الخير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 الإسراع بعمل فهرست خاص بكل قسم، (وكل قسم يقع في جزءين متسلسلي الترقيم) بدلاً من إرجاء الفهرسة حتى يتم ظهور الأجزاء جميعاً. على أني أرجو أن أخصص جزءاً تاسعاً للاستدراكات العامة والتعليقات وبعض الفهارس الفنية التي تيسر الإفادة من هذا الكتاب القيم؛ كذلك أرجو أن يكون هذا الجزء الأخير مجالاً لدراسة مؤلف الكتاب، ومنزلته الأدبية، وقيمة كتابه من النواحي التاريخية والأدبية والنقدية، وهي دراسة لا يمكن أن تتم على الصورة الشاملة المرضية قبل اكتمال أجزاء الكتاب تحقيقاً ونشراً. وأود في ختام المقدمة أن أتقدم بالشكر إلى الدار العربية للكتاب، التي أخذت على عاتقها بذل كل جهد ممكن لوضع " الذخيرة " في متناول الدارسين والقراء، خدمة منها للتراث العربي بعامة وللتراث المغربي بخاصة، وأن على يقين من أن الدراسات في الأدب الأندلسي ستجد في الذخيرة مجالاً خصباً لا يدانيه في غناه واتساعه أي مصدر آخر، وأن وجود الذخيرة في أيدي الدارسين محققةً، لن يجعل الإفادة منها أمراً جزئياً محدوداً تحول دون اتساع مداه صعوبة النسخ الخطية؛ ولهذا أكاد أسكت صوت الاعتذار عما قد يكون تسرب إلى هذه الطبعة من خطأ أو وهم، بعد أن استفرغت جهد الطاقة. ومن الله أستمد العون، وإليه أبرأ من الزهو والدعوى، وعليه أتوكل وبه أستعين. بيروت في آب (أغسطس) 1975. إحسان عباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو الحسن علي بن بشام الشنتريني الأندلسي، رحمه الله: أما بعد حمد الله ولي الحمد وأهله، والصلاة على سيدنا محمد خاتم رسله، فإن ثمرة هذا الأدب، العالي الرتب، رسالة تنثر وترسل، وأبيات تنظم وتفصل؛ تنثال تلك انثيال القطار، على صفحات الأزهار، وتتصل هذه اتصال القلائد، على نحور الخرائد؛ وما زال في أفقنا هذا الأندلسي القصي إلى وقتنا هذا من فرسان الفنين، وأئمة النوعين، قوم هم ما هم طيب مكاسر، وصفاء جواهر، وعذوبة موارد ومصادر؛ لعبوا بأطراف الكلام المشقق، لعب الدجى بجفون المؤرق، وحدوا بفنون السحر المنمق، حداء الأعشى ببنات المحلق؛ فصبوا على قوالب النجوم، غرائب المنثور والمنظوم؛ وباهوا غرر الضحى والأصائل، بعجائب الأشعار والرسائل: نثر لو رآه البديع لنسي اسمه، أو اجتلاه ابن هلال لولاه حكمه؛ ونظم لو سمعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 كثير ما نسب ولا مدح، أو تتبعه جرول ما عوى ولا نيح؛ إلا أن أهل هذا الأفق، أبوا إلا متابعة أهل الشرق، يرجعون إلى أخبارهم المعتادة، رجوع إلى قتادة؛ حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أوطن بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا صنما، وتلوا ذلك كتاباً محكماً؛ وأخبارهم الباهرة، وأشعارهم السائرة، مرمى القصية، ومناخ الرذية، لا يعمر بها جنان ولا خلد، ولا يصرف فيها لسان ولا يد. فغاظني منهم ذلك، وأنفت مما هنالك، وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري، وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري، غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلة، وتصبح بحاره ثماداً مضمحلة؛ مع كثرة أدبائه، ووفور علمائه؛ وقديماً ضيعوا العلم وأهله، ويا رب محسن مات إحسانه قبله؛ وليت شعري من قصر العلم على بعض الزمان، وخص أهل المشرق بالإحسان - وقد كتبت لأرباب هذا الشأن، من أهل الوقت والزمان، محاسن تبهر الألباب، وتسحر الشعراء والكتاب. ولم أعرض لشيء من أشعار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 الدولة المروانية، ولا المدائح العامرية؛ إذ كان ابن فرج الجياني قد رأى رأيي في النصفة، وذهب مذهبي من الأنفة؛ فأملى في محاسن أهل زمانه " كتاب الحدائق " معارضاً ل - " كتاب الزهرة " للإصبهاني، فأضربت أنا عما ألف، ولم أعرض لشيء مما صنف. ولا تعديت أهل عصري، ممن شاهدته بعمري، أو لحقه بعض أهل دهري؛ إذ كل مردد ثقيل، وكل متكرر مملول، وقد مجت الأسماع: " يا درا مية بالعلياء فالسند "، وملت الطباع: " لخولة أطلال ببرقة ثهمد "؛ ومحت: " قفا نبك " في يد المتعلمين، ورجعت على ابن حجر بلائمة المتكلفين؛ فأما " أمن أم أوفى "، فعلى آثار من ذهب العفا. أما آن أن يصم صداها، ويسأنم مداها - وكم من نكتة أغفلتها الخطباء، ورب متردم غادرته الشعراء، والإحسان غير محصور، وليس الفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 على زمن بمقصور؛ وعزيز على الفضل أن ينكر، تقدم به الزمان أو تأخر، ولحى الله قولهم: الفضل للمتقدم، فكم دفن من إحسان، وأخمل من فلان. ولو اقتصر المتأخرون على كتب المتقدمين، لضاع علم كثير، وذهب أدب غزير. وقد أودعت هذا الديوان الذي سميته ب - " كتاب الذخيرة، في محاسن أهل هذه الجزيرة " من عجائب علمهم، وغرائب نثرهم ونظمهم، ما هو أحلى من مناجاة الأحبة، بين التمنع والرقبة، وأشهى من معاطاة العقار، على نغمات المثالث والأزيار؛ لأن أهل هذه الجزيرة - مذ كانوا - رؤساء خطابة، ورؤوس شعر وكتابة، تدفقوا فأنسوا البحور، وأشرقوا فباروا الشموس والبدور؛ وذهب كلامهم بين رقة الهواء، وجزالة الصخرة الصماء، كما قال صاحبهم عبد الجليل ابن وهبون يصف شعره: رقيق كما غنت حمامة أيكة ... وجزل كما شق الهواء عقاب على كونهم بهذا الإقليم، ومصاقبهم لطوائف الروم؛ وعلى أن بلادهم آخر الفتوح الإسلامية، وأقصى خطى المآثر العربية؛ ليس وراءهم وأمامهم إلا البحر المحيط، والروم والقوط؛ فحصاة من هذه حاله ثبير، وثمده بحر مسجور؛ وقد حكى أبو علي البغدادي الوافد على الأندلس في زمان بني مروان قال: لما وصلت القيروان وأنا أعتبر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 أمر به من أهل الأمصار، فأجدهم درجات في الغباوة وقلة الفهم بحسب تفاوتهم في مواضعهم منها بالقرب والبعد، حتى كأن منازلهم من الطريق هي منازلهم من العلم محاصة ومقايسة. قال أبو علي: فقلت: إن نقص أهل الأندلس عن مقادير من رأيت في أفهامهم، بقدر نقصان هؤلاء عمن قبلهم، فسأحتاج إلى ترجمان، بهذه الأوطان. قال ابن بسام: فبلغني أنه كان يصل كلامه هذا بالتعجب من أهل هذا الأفق في ذكائهم ويتغطى عنهم عند المباحثة والمفاتشة، ويقول لهم: إن علمي علم رواية، وليس بعلم دراية، فخذوا عني ما نقلت، فلم آل لكم أن صححت. هذا مع إقرار الجميع له يومئذ بسعة العلم وكثرة الروايات، والأخذ عن الثقات؛ ولولا أن كل معنى معترض، يزيح سهمي عن ثغرة الغرض، المقصود في هذا الكتاب، لأوردت في هذا الباب، بعض ما وقع لأهل الأندلس من عجب، وسمع لهم من نادر مستغرب. وسيمر منه في تضاعيف هذا التصنيف ما فيه كفاية، ويربي إن شاء الله على الغاية. ولعل بعض من يتصحفه سيقول: إني أغفلت كثيراً، وذكرت خاملاً وتركت مشهوراً. وعلى رسله، فإنما جمعته بين صعبٍ قد ذل، وغرب قد فل، ونشاط قد قل، وشباب ودع فاستقل؛ من تفاريق كالقرون الخالية، وتعاليق كالأطلال البالية، بخط جهال كخطوط الراح، أو مدارج النمل بين مهاب الرياح؛ ضبطهم تصحيف، ووضعهم تبديل وتحريف؛ أيأس الناس منها طالبها، وأشدهم استرابة بها كاتبها؛ ففتحت أنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 أقفالها، وفضضت قيودها وأغلالها؛ فأضحت غايات تبيين وبيان، ووضحت آيات حسنٍ وإحسان. على أن عامة من ذكرته في هذا الديوان، لم أجد له أخباراً موضوعة، ولا أشعاراً مجموعة، تفسح لي في طريق الاختيار منها، إنما انتقدت ما وجدت، وخالست في ذلك الخمول، ومارست هنالك البحث الطويل، والزمان المستحيل، حتى ضمنت كتابي هذا من أخبار أهل هذا الأفق، ما لعلي سأربي به على أهل الشرق. وما قصدت به - علم الله - الطعن على فاضل، ولا التعصب لقائل على قائل؛ لأن من طلب عيباً وجده، وكل يعمل باقتداره، وبجهد اختياره؛ وما أغفل أكثر مما كتب وحصل؛ والأفكار مزن لا تنضب، ونجوم لا تغرب؛ ومن يحصل ما تثيره القرائح، وتتقاذف به الجوانح - وقد قال أبو تمام: ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت ... حياضك منه في العصور الذواهب ولكنه صوب العقول إذا انجلت ... سحائب منه أعقبت بسحائب وهذا الديوان إنما هو لسان منظوم ومنثور، لا ميدان بيان وتفسير. أورد الأخبار والأشعار لا أفك معماها، في شيء من لفظها ولا معناها؛ لكن ربما ألممت ببعض القول، بين ذكر أجريه، ووجه عذر أريه؛ لا سيما أنواع البديع ذي المحاسن، الذي هو قيم الأشعار وقوامها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وبه يعرف تفاضلها وتباينها؛ فلا بد أن نشير إليه، وننبه عليه؛ ونكل الأمر في كل ما نثبته، ونرد الحكم في كل ما نورده، إلى نقد النقدة المعرة، وتمييز الكتبة الشعرة، الذين هم رؤساء الكلام، وصيارفة النثار والنظام؛ فأما من رين على قلبه، وطبع بالجهل على لبه، فقد وضعت عنا وعنه، كلفة الاعتذار منه. وقد كان في وقتي من فرسان هذا الشان، من كان أجدر أن يجري بهذا الميدان، ويعرب عما أعربت فيه عن القوم بأفصح لسان، يثير فيه المعاني من مرابضها، وأشد عارضة يظهر بها الأعراض المقصودة في اجمل معارضها؛ لكني بما أقدمت عليه، وتصديت إليه، كالنسيم دل على الصبح، والسهم ناب عن الرمح؛ ولا أقول إني أغربت، لكن ربما بينت وأعربت؛ ولا أدعي أني اخترعت، ولكني لعلي قد أحسنت حيث اتبعت، وأتقنت ما جمعت، وتألفت عنن الشارد، وأغنيت عن الغائب بالشاهد؛ وتغلغلت بقارئه بين النظم والنثر، تغلغل الماء أثناء النور والزهر؛ وانتقلت من الجد إلى الهزل، انتقال الضحيان من الشمس إلى الظل، واستراحة البهير من الحزن إلى السهل؛ وتخللت ما ضممته من الرسائل والأشعار، بما اتصلت به أو قيلت فيه من الوقائع والأخبار؛ واعتمدت المائة الخامسة من الهجرة فشرحت بعض محتها، وجلوت وجوه فتنها، ولخصت القول بين قبيحها وحسنها؛ وأحصيت علل استيلاء طوائف الروم، على هذا الإقليم، وألمعت الأسباب التي دعت ملوكها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 إلى خلعهم، واجتثاث أصلهم وفرعهم؛ وعبرت عن أكثر ذلك، بلفظ يتتبع الهم بين الجونح، ويحل العصم سهل الأباطح؛ وعولت في معظم ذلك على تاريخ أبي مروان بن حيان، فأوردت فصوله ونقلت جمله وتفاصيله؛ فإذا أعوزني كلامه، وعزني سرده ونظامه، عكفت على طللي البائد، وضربت في حديدي البارد؛ على حفظ قد تشعب وحظٍ من الدنيا قد ذهب. ومع أن الشعر لم أرضه مركباً، ولا اتخذته مكسباً، ولا ألفته مثوى ولا منقلباً؛ إنما زرته لماماً، ولمحته تهمماً لا اهتماماً؛ رغبةً بعز نفسي عن ذله، وترفيعاً لموطئ أخمصي عن محله؛ فإذا شعشعت راحه، ودأبت أقداحه، لم أذقه إلا شميماً، ولا كنت إلا على الحديث نديماً؛ وما لي وله، وإنما أكثره خدعة محتال، وخلعة مختال؛ جده تمويه وتخييل، وهزله تدليه وتضليل؛ وحقائق العلوم، أولى بنا من أباطيل المنثور والمنظوم؛ وعلى ذلك فقد وعدت أن ألمع في هذا المجموع، بلمع من ذكر البديع؛ وأن أمهد جانباً من أسبابه، وأشرح جملاً من أسمائه وألقابه؛ وإذا ظفرت بمعنى حسن، أو وقفت على لفظ مستحسن؛ ذكرت من سبق إليه، وأشرت إلى من نقص عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 أو زاد عليه؛ ولست أقول: أخذ هذا من هذا قولاً مطلقاً، فقد تتوارد الخواطر، ويقع الحافر حيث الحافر؛ إذ الشعر ميدان، والشعراء فرسان. وعلم الله تعالى أن هذا الكتاب لم يصدر إلا عن صدر مكلوم الأحناء، وفكر خامد الذكاء، بين دهر متلون تلون الحرباء؛ لانتباذي كان من شنترين قاصية الغرب، مفلول الغرب، مروع السرب؛ بعد أن استنفد الطريف والتلاد، وأتى على الظاهر والباطن النفاد، بتواتر طوائف الروم، علينا في عقر ذلك الإقليم؛ وقد كنا غنينا هنالك بكرم الانتساب، عن سوء الاكتساب، واجتزأنا بمذخور العتاد، عن التقلب في البلاد؛ إلى أن نثر علينا الروم ذلك النظام، ولو ترك القطا ليلاً لنام؛ وحين اشتد الهول هنالك، اقتحمت بمن معي المسالك؛ على مهامه تكذب فيها العين الأذن، وتستشعر فيها المحن: مهامه لم تصحب بها الذئب نفسه ... ولا حملت فيها الغراب قوادمه حتى خلصت خلوص الزبرقان من سراره، وفزت فوز القدح عند قماره؛ فوصلت حمص بنفسٍ قد تقطعت شعاعاً، وذهب أكثرها التياعاً؛ وليتني عشت منها بالذي فضلا! فتغربت بها سنوات أتبوأ منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ظل الغمامة، وأعيا بالتحول عنها عي الحمامة؛ ولا أنس إلا الانفراد، ولا تبلغ إلا بفضلة الزاد؛ والأدب بها أقل من الوفاء، حامله أضيع من قمر الشتاء؛ وقيمة كل أحد ما له، وأسوة كل بلد جهاله؛ حسب المرء أن يسلم وفره، وإن ثلم قدره، وأن تكثر فضته وذهبه، وإن قل دينه وحسبه. وهذا الديوان نية لم يفصح عنها قول ولا عمل، وأمنية لم يكن منها حول ولا حول: كامن بين العيان والخبر، كمون النار في الحجر، وجار بين اللسان والقلب، جري الماء في الغصن الرطب؛ إلى أن طلع على أرضها شهاب سعدها وتمكينها، وهبت لها ريح دنياها ودينها، ونفخ فيها روح تأميلها وتأمينها، ملك أملاكها، وجذيل حكاكها، وأسعد نجوم أفلاكها؛ " فلان " ثمال المظلوم، ومال السائل والمحروم؛ ومحيي العلم، ومربع ذويه وحامليه، ومستدعي التأليفات الرائقة فيه؛ جعل الله الدهر أقصى أيامه، والنجوم مراكز أعلامه، والأرض نهبة سيوفه وأقلامه؛ فحامت عليه أطيارها، وأهل إليه حجاجها وزوارها، وانتثرت في يديه شموسها وأقمارها؛ من كل شعث ذي طمرين، مشنوء الأثر والعين، محروم محسود، محلأ عن طريق الماء مطرود؛ قد جعلوا بيوتهم قبوراً، واتخذوا بنات أفكارهم ولداناً وحوراً، وركبوا الحدثان صعباً وذولولاً، وعاهدوا الحرمان ليبلونه صبراً جميلاً {فمنهم من قضى نحبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا} (الأحزاب: 23) . فما هو إلا أن سطع لهم هذا الشهاب، وفتح بينهم وبين روح الله ذلك الباب، حتى نفروا خفافاً وثقالاً، وابتدروا بطاءً وعجالاً؛ ينظرون بعيون لم ترو من ماء وجه كريم، ويصغون بآذان لم تأنس بنغمة صديق حميم؛ قد كانوا يئسوا من هذا النشور {كما يئس الكفار من أصحاب القبور} (الممتحنة: 13) فاسألهم أي جانب يمموا، وبأي جناب خيموا، وإلى أي ملك لبابٍ أنجدوا وأتهموا؛ ويا رحمتا لبحور أدب، وصدور رتب، كان نظمني وإياهم ود قديم، ولف هواي بهواهم عهد كريم، لا منسي ولا مذموم؛ قد طال ما عطيتهم أكؤس الخمول، على البكاء والعويل؛ في أيام أوحش من توديع الشباب، وليال انكد من مناقشة الحساب؛ ألا يكونوا قد أخذوا على القضاء عهداً مسؤولاً، ومتعوا بالبقاء ولو قليلاً؛ حتى يروا حظ الأدب كيف نفق، وعز الإسلام كيف اتفق، وشمل الجور كيف تصدع وتفرق؛ ويا حسرتا ألا ينشق عن حاتم ضريحه، ويعاد في جسمه روحه؛ فيرى أن الكرم بعده علم، وأن علو الهمم بغيره بدئ وختم. ولما سمعت صوت المهيب، وتنسمت ريح الفرج القريب، ووجدت لسبيل التأمل مدرجاً، وجعل الله لي من ربقة الخمول مخرجاً؛ طالعت حضرته المقدسة بهذا الكتاب على حكمه، مطرزاً بسمته واسمه؛ مستدلاً بمجده، متوسلاً إليه بكرم عهده؛ ولعلمي أن الأدب ضالة اهتباله، ونتيجة خلاله، وأن أهله على ذكر من إجماله، وبمكان مكين من كماله؛ ولما سئلت أيضاً انتساخ هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الديوان، ورأيت شره أهل الزمان، إلى الاقتباس من نوره، بما يلتقطونه من شذوره، أحببت أن يجوب الآفاق، وتسير به الرفاق، وعليه من اسم من له جمع، وإلى جوانبه العلية رفع، طراز به تنفق سوقه، ولا تضيع إن شاء الله حقوقه. وقسمته أربعة أقسام: الأول: لأهل حضرة قرطبة وما يصاقبها من بلاد موسطة الأندلس، ويشتمل من الأخبار وأسماء الرؤساء وأعيان الكتاب والشعراء على جماعةٍ هم: 1 - المستعين بالله أبو أيوب سليمان بن الحكم، وحربه مع المهدي ابن عمه ومقتله. 2 - والمستظهر بالله أبو المطرف عبد الرحمن بن عبد الجبار الناصري ومقتله. 3 - والأديب أبو عمر أحمد بن دراج القسطلي، وإمارة علي ابن حمود ومقتله. 4 - وأبو حفص بن برد الأكبر ومقتل عيسى بن سعيد القطاع وزير ابن أبي عامر. 5 - والكاتب أبو المغيرة بن حزم. والفقيه أبو محمد بن حزم الشافعي وخبر الأمير منذر بن يحيى التجيبي. 7 - والوزير أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شهيد والوزير أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الوليد ابن عبدوس، والفقيه أبو العباس بن أبي الربيع، والأديب أبو علي بن عوض، والكاتب أبو بكر بن زياد. 8 - وذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون وإمارة المستكفي وخبر ولادة. 9 - والأديب أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحناط المكفوف، ونصب المرتضى الناصري خليفة بشرق الأندلس ومقتله. 1 - والأديب أبو بكر عبادة بن ماء السماء، وإمارة القاسم بن حمودٍ وتغلب القاضي ابن عباد عليه. 11 - والوزير أبو حفص بن برد الأصغر. 12 - والأديب أبو مروان الطبني ومقتله، وأشعار الطبانية حفدته. 13 - والأديب أبو عبد الله محمد بن مسعود الهذلي وابن مسعود البجاني. 14 - والشيخ أبو مروان بن حيان، وإمارة بني جهور وخلعهم. 15 - . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 16 - والوزير الكاتب أبو جعفر بن اللمائي. 17 - والكاتب أبو عبد الله بن الزلياني. 18 - والكاتب أبو جعفر بن عباس. 19 - والكاتب أبو حفص بن الشهيد. 20 - والأديب أبو عبد الله بن الحداد، وإمارة بني صمادح وخلعهم. 21 - والأديب أبو محمد ابن مالك القرطبي. 22 - والشاعر المنفتل، ومقتل ابن نغريلة اليهودي. 23 - والأديب أبو المطرف عبد الرحمن بن فتوح الإسفيرياني. 24 - والأديب أبو بكر بن ظهار. 25 - والأسعد بن إبراهيم بن بليطة. 26 - والأديب أبو عبد الله محمد بن عبادة بن القزاز. 27 - والأديب أبو عبد الله محمد بن مالك الطغنري من أهل غرناطة؛ وجملة قصائد لغير واحد في تأبين ابن سراج. 28 - والوزير الكاتب أبو مروان بن شماخ. 29 - والفقيه أبو عمر أحمد بن عيسى الإلبيري. 30 - والأديب العالم أبو محمد غانم. 31 - والأديب أبو عبد الله بن السراج المالقي. 32 - والأديب أبو القاسم المعروف بالسميسر. 33 - والأديب أبو العباس أحمد بن قاسم المحدث. 34 - والأديب أبو طالبٍ عبد الجبار المعروف بالمتنبي من أهل جزيرة شقرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 والقسم الثاني: لأهل الجانب الغربي من الأندلس، وذكر أهل حضرة إشبيلية، وما اتصل بها من بلاد ساحل البحر المحيط الرومي، وفيه من الأخبار وأسماء الرؤساء وأعيان الكتاب والشعراء جملة موفورة وهي: 1 - القاضي أبو القاسم بن عبادٍ. 2 - والمعتضد بالله عباد ابنه. 3 - والمعتمد على الله محمد بن عباد وكيفية خلعه. 4 - والوزير الفقيه أبو حفص الهوزني. 5 - والقاضي أبو الوليد الباجي. 6 - والوزير أبو عامر بن مسلمة. 7 - والوزير أبو الوليد بن المعلم. 8 - والأديب أبو الوليد الملقب بالحبيب. 9 - والأديب أبو جعفر بن الأبار. 10 - والأديب أبو الحسن علي بن حصن. 11 - والوزير الكاتب أبو عمرو الباجي. 12 - والفقيه الأديب أبو الحسن بن الإستجي. 13 - وفصل يشتمل على مقطوعات أبيات لجماعة أدباء بعصر المعتضد. 14 - والوزير الفقيه أبو العلاء بن زهرز 15 - والوزير أبو عبيد البكري. 16 - والوزير الخطيب الأديب أبو عمر بن حجاج. 17 - وذو الوزارتين أبو بكر بن سليمان المعروف بابن القصيرة، وذكر تغلب ابن ذي النون على قرطبة وعودتها إلى المعتمد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 18 - والوزير الفقيه الكاتب أبو القاسم بن الجد. 19 - والوزير الكاتب أبو محمد بن عبد الغفور وأبوه قبله. 20 - والوزير الفقيه أبو أيوب بن أبي أمية. 21 - وذو الوزارتين أبو بكر بن عمار ومقتله. 22 - والوزير الكاتب أبو الوليد حسان بن المصيصي. 23 - والوزير الفقيه أبو بكر بن الملح. 24 - والأديب أبو محمد عبد الجليل بن وهبون المرسي. 25 - . 26 - والوزير الكاتب أبو بكر بن عبد العزيز. 27 - والوزير الكاتب أبو الحسين بن الجد. 28 - والأديب أبو الحسين غلام البكري. 29 - والكاتب أبو الحسين غلام البكري. 30 - وأبو الحكم وأبو الوليد ابنا حزم. 31 - والأديب أبو بكر بن بقي. 32 - والأديب أبو الحسن بن هارون الشنتمري، وكيفية إمارة بني الأفطس، والمتوكل على الله منهم. 33 - والوزير الكاتب أبو عبد الله بن أيمن، والخبر عن فتح مدينة سبتة، والتعريف بأولية أميرها سقوت. 34 - والوزير الكاتب أبو محمد بن عبدون. 35 - والأديب أبو جعفر أحمد بن هريرة الأعمى التطيلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 36 - والوزير الكاتب أبو بكر بن سعيد المعروف بابن القبطورنه. 37 - والوزير الكاتب أبو بكر بن قزمان. 38 - والوزير أبو زيد بن مقانا الأشبوني. 39 - والشيخ أبو الحسن القرشي الأشبوني. 40 - والأديب أبو عبد الله بن البين. 41 - وذو الوزارتين أبو محمد بن هود. 42 - والشيخ الأديب أبو عمر بن فتح البلطيوسي. 43 - والأديب أبو عمر بن كوثر الشنتريني. 44 - والأديب أبو الوليد النحلي. 45 - والوزير الكاتب أبو بكر محمد بن سوار الأشبوني. 46 - والأديب أبو محمد عبد الله بن سارة الشنتريني. والقسم الثالث: ذكرت فيه أهل الجانب الشرقي من الأندلس، ومن نجم من كواكب العصر في أفق ذلك الثغر الأعلى، إلى منتهى كلمة الإسلام هنالك، وفيه من القصص وأسماء الرؤساء وأعيان الكتاب والشعراء طوائف منهم: 1 - مجاهد ومبارك ومظفر من فتيان ابن أبي عامر. 2 - والوزير الكاتب أبو عبد الرحمن بن طاهر، وتغلب العدو على بلنسية، وعود المسلمين إليها. 3 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 4 - وذو الوزارتين القائد أبو عيسى بم لبون>. 5 - وحسام الدولة أبو مروان بن رزين. 6 - والوزير الكاتب أبو محمد بن عبد البر، ومقتل إسماعيل بن المعتضد عباد، وتغلب العدو على بربشتر وفتحها بعد. 7 - والوزير الكاتب أبو عامر بن التاكرني، وإمارة عبد العزيز ن عامر وابنه ببلنسية. 8 - والوزير الكاتب أبو المطرف بن الدباغ. 9 - والأديب أبو الربيع بن مهران السرقسطي، وذكر ابن الكتاني المتطبب. 10 - والأديب الأستاذ أبو عبد الله بن خلصة الضرير. 11 - والأديب أبو مروان بن غصن الحجاري. 12 - والأديب أبو عبد الله إدريس بن اليماني. 13 - والوزير الكاتب أبو الأصبغ بن أرقم. 14 - والوزير الكاتب أبو المطرف بن مثنى. 15 - والوزير الكاتب أبو عم بن القلاس. 16 - والوزير الكاتب أبو عبد الله بن مسلم. 17 - والوزير الكاتب أبو جعفر بن جرج. 18 - والوزير الكاتب أبو الفضل بن حسداي. 19 - والأديب أبو الربيع القضاعي، وجملة من أخبار هشامٍ المعتد أمير قرطبة يومئذ، ومقتل وزيره الحائك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 20 - والأديب أبو عامر البماري. 21 - والأديب أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة. 22 - والأديب أبو حاتم الحجاري. 23 - والأديب أبو بكر الداني المعروف بابن اللبانة. 24 - والأديب أبو جعفر بن الدود بن البلنسي، ورسالة ابن غرسية الشعوبية والرد عليه. 25 - والكاتب أبو جعفر بن أحمد الداني. 26 - والوزير الكاتب أبو الخطاب بن عطيون الطليطلي. 27 - والوزير الكاتب أبو عبد الله بن أبي الخصال. 28 - والأديب أبو بحر بن عبد الصمد، وذكر الشيخ الكاتب عبد الصمد السرقسطي. 29 - والأديب أبو تمام الملقب بالحجام. 30 - والأديب أبو إسحاق بن معلي، وخبر وقعة بطرنة. 31 - والأديب أبو عامر ن الأصيلي. 32 - والأديب أبو الفضل جعفر بن محمد بن شرف. 33 - وفصل يشتمل على طوائف مقلين من سكان ذلك الجانب الشرقي. والقسم الرابع: أفردته لمن طرأ على هذه الجزيرة في المدة المؤرخة من أديب شاعر، وأوى إلى ظلها من كاتب ماهر، واتسع فيها مجاله، وحفظت في ملوكها أقواله؛ ووصلت بهم ذكر طائفة من مشهوري أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 تلك الآفاق، ممن نجم في عصرنا بأفريقية والشام والعراق، فيشتمل منهم على جملة، وهم: 1 - أبو العلاء صاعد اللغوي، وتلخيص التعريف بدولة ابن أبي عامر، من المبدأ إلى الآخر. 2 - وأبو الفضل بن عبد الواحد البغدادي. 3 - وسليمان بن محمد الصقلي. 4 - وأبو الفتح الجرجاني. 5 - والأديب عبد العزيز السوسي، ولمع من دولة ابن ذي النون ومآل حفيده، وأخذ طليطلة من يديه، ودوران دائرة السوء بها عليه؛ مع ما اندرج في ذلك من خبر، والتف به من قبيح أثر. 6 - وأخبار أبي عبد الله بن شرف، وغرر أشعاره، وذكر خراب بلده القيروان. 7 - وأخبار ابن السقاء مدبر الملك الهوري بقرطبة ومقتله. 8 - وأبو الحسن المكفوف الحصري، وذكر تغلب ابن هود المقتدر على دانية. 9 - وأخبار عبد الكريم بن فضال الحلواني 10 - وأبو العرب الصقلي. 11 - وأبو عبد الله بن الصباغ الصقلي. 12 - وأبو محمد ن حمديس الصقلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 13 - والحكيم أبو محمد المصريز 14 - وأبو محمد بن الطلاء المهدوي. 15 - وأبو بكر محمد بن الحسن المرادي. 16 - والفكيك البغدادي. 17 - وأبو زكرياء يحى الزيتوني. 18 - وأبو بكر بن العطار اليابسي. 19 - وابن القابلة السبتي. ذكر من كان منهم بالمشرق: 20 - الرضي الشريف. 21 - أبو القاسم المغربي. 22 - عبد الوهاب المالكي. 23 - أبو عبد الله ابن قاضي ميلة. 24 - أبو الحسن التهامي. 25 - مهيار الديلمي. 26 - أبو منصور الثعالبي. 27 - أبو إسحاق الحصري. 28 - أبو علي بن رشيقٍ، وذكر انحرافه عن القيروان. 29 - أبو الفتيان العسقلاني. 30 - القاضي أبو محمد بن نعمة. 31 - جلال الدولة ابن عمار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 32 - المجيد بن الشخباء وإنما ذكرت هؤلاء ائتساء بأبي منصور، في تأليفه المشهور، المترجم ب - " يتيمة الدهر، في محاسن أهل العصر ". وتحريت في الجملة حر النظام، وتخيرت جيد الكلام، وجردت جملة الفصول والأقسام. وإذا مر معنى غريب وتعلق به خبر مشهور، وأمكنني فيه شعر كثير، مددت أطنابه، ووصلت أسبابه؛ وقد أذكر الشاعر الخامل، وأنشد الشعر النازل، لأربٍ يتعلق به، أو لخبرٍ أذكره بسببه؛ وقد أذكر الرجل لنباهة ذكره، لا لجودة شعره؛ وأقدم الآخر لاشتهار إحسانه، مع تأخر زمانه. وبدأت بذكر الكتاب، إذ هم صدور في أهل الآداب، إلا أن يكون له حظ من الرياسة، أو يدعو إلى تقديمه بعض السياسة؛ فأول من ذكرت من أهل قرطبة من كان بها من ملوك قريش في المدة المؤرخة من أهل هذا الشأن ثم من تعلق بسلطانهم، أو دخل في شيءٍ من شانهم؛ وتلوتهم بالكتاب والوزراء، ثم بأعيان الشعراء، ثم بطوائف من المقلين منهم. وكذلك فعلت في كل قسم: بدأت بالملوك، ثم استمر على ما وصفته من الترتيب، وأنتظم على ما شرحت من التبويب، وعلى الله أتوكل، وهو حسبي فيما أقول وأفعل، لا إله سواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 @ذكر الكتاب والوزراء، وأعيان الأدباء والشعراء، بحضرة قرطبة @وما يصاقبها من بلاد موسطة الأندلس، وتسمية من نشأ من @فرسان هذا الشان، من آخر دولة بني عامرٍ إلى وقتنا، @وإيراد ما انتخبته من نظمهم ونثرهم، مع ما يتعلق @من فنون المعارف المفيدة بذكرهم قال أبو الحسن بن بسام رحمه الله: وحضرة قرطبة، منذ استفتحت الجزيرة، هي كانت منتهى الغاية، ومركز الراية، وأم القرى، وقرارة أهل الفضل والتقى، ووطن أولي العلم والنهى، وقلب الإقليم، وينبوع متفجر العلوم، وقبة الإسلام، وحضرة الإمام، ودار صوب العقول، وبستان ثمرة الخواطر، وبحر درر القرائح؛ ومن أفقها طلعت نجوم الأرض وأعلام العصر، وفرسان النظم والنثر؛ وبها انتشأت التأليفات الرائقة، وصنفت التصنيفات الفائقة؛ والسبب في ذلك، وتبريز القوم قديماً وحديثاً هنالك على من سواهم، أن أفقهم القرطبي لم يشتمل قط إلا على أهل البحث والطلب، لأنواع العلم والأدب. وبالجملة فأكثر أهل بلاد هذا الأفق أشراف عرب المشرق افتتحوها، وسادات أجناد الشام والعراق نزلوها؛ فبقي النسل فيها بكل إقليم، على عرقٍ كريم، فلا يكاد بلد منها يخلو من كاتب ماهر، وشاعر قاهر؛ إن مدح ما كثير عنده بكثير، وإن هجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 أجر لسان جرير، وعدا عديا عن مدح ذويه، وأنسى جرولاً العواء في أثر قوافيه وإن تغزل أربى على الساحرات فنوناً، وأزرى بالغانيات مجوناً. وقد وعدت في صدر هذا الكتاب بأن أتخلل أشعار الشعراء، ورسائل الكتاب والوزراء، بما عسى أن يتعلق بأذيالها، ويساير أفياء ظلالها: من أنباء فتن ذلك الزمان البعيد - كان طلقها، المفرق لشمل الأمر في هذه الجزيرة نسقها. ونلمع بنبذ من مشهور وقائعها، ونشير بأسماء طوائف توابعها وزوابعها، الذين استظهروا على شهواتهم بجر ذيولها، وامتروا بطالاتهم من أخلاف أباطيلها، حتى شقوا عصاها، وأداروا بدائرة السوء على الجماعة رحاها؛ ليجمع هذا المجموع بين الشعر والخبر، جمع الروضة بين الماء والزهر، والزمان بين الأصائل والبكر، فإني رأيت أكثر ما ذكر الثعالبي من ذلك في " يتيمته " محذوفاً من أخبار قائليه، مبتوراً من الأسباب التي وصلت به وقيلت فيه؛ فأمل قارئ كتابه منحاه، وأحوجه إلى طلب ما أغفله من ذلك سواه. وسينخرط في سلك ما أوشح به هذا التصنيف، من تلخيص التعريف بأخبار ملوك الجزيرة، وسرد قصصهم المأثورة، ووقائعهم المبيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 المشهورة، لابن حيان، فصول من غرائبه، وجمل وتفاصيل من عجائبه؛ لأني إذا وجدت من كلامه فصلاً قد أحكمه، أو خبراً قد سرده ونظمه، عولت على ما وصف، ووليته خطة ما سطر وصنف، إقراراً بالفرق، وإعفاءً لنفسي من معارضة من أحرز بأفقنا في وقته قصبات السبق، [وأبرز في زمانه على جميع الخلق] . وأكثر ما يمر في هذا الكتاب، من هذا الباب، فعل تأريخه الكبير عولت، ومن خط يده أكثر ما نقلت؛ وتحريت جهدي اقتضاب ما طول، وتخفيف ما ثقل، وإجمال ما شرح وفصل؛ على أنه لم يخلص إليّ من غمامه إلا قطرة، ولا حصلت في يدي من حسامه إلا إبرة؛ ولذلك ما ارتشفت ثمادي، ونفخت فيما لم أجد من كلامه رمادي، وأنفقت في ذلك من تافه زادي؛ وابتدأت بمن كان في ذلك الأوان، من ملوك بني مروان، من أهل هذا الشان، وارتسم بهذا الفن الذي تصديت لإقامة أوده في هذا الديوان. @فصل في ذكر المستعين بالله أبي أيوب سليمان بن الحكم والأخذ @بطرف مستطرف من أخباره وأشعاره، والسبب الموجب @لقيامه، وما حدث من نادر مستغرب في أيامه. @ [ونقلت بعضه من لفظ الشيخ المذكور بنصه، @وأتيت من الحديث بفصة، واعتمدت الإيجار، @وأتقنت الصدور والإعجاز] . هو سليمان بن الحكم بن سلميان بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي. بويع بقرطبة منتصف ربيع الأول سنة أربعمائة بعد وقعة كانت له على أميرها قبله محمد بن عبد الجبار الملقب بالمهدي القائم على الدولة العامرية؛ ثم خلعه المهدي بوقعةٍ كانت له عليه، ثم عاد إليها سليمان ثانيةً في خبرٍ طويل، فملك سليمان قرطبة في دولتيه ست سنين وعشرة أشهر، وكانت كلها - كما وصف ابن حيان شداداً نكدات، صعاباً مشئومات، كريهات المبدأ والفاتحة، قبيحة المنتهى والخاتمة؛ لم يعدم فيها حيف، ولا فورق فيها خوف؛ ولا تم سرور، ولا فقد محذور؛ مع تغير السيرة، وخرق الهيبة، واشتعال الفتنة، واعتلاء المعصية، وظعن الأمن، وحلول المخافة: دولة كفاها ذماً أن أنشأها شانجه، فقشعها أرمقند، وثبتتها الجلالقة، ومزقتها الإفرنجية؛ ودبرها فاجر شقي، ووزر لها خب دني؛ فتمخضت عن الفاقرة الكبرى، وآلت بمن أتى إلى ما كان أعضل وأدهى، مما طوى بساط الدنيا، وعفى رسمها، وأهلك أهلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ولما تمت بيعته نفذت عنه كتب إلى نواحي الجزيرة بخبر فتحه قرطبة، وكانت موشحةً بما توشح به كتب الفتوح الإسلامية على أهل دار الحرب، من وصف حال القهر، وشدة السطوة والاقتدار على الفتك والاستباحة؛ فأفرط في ذلك إرهاباً للناس بذكره، وتخويفاً لهم من مصثله؛ فكان أجلب لنفار القلوب، وقرف الندوب، وبعث الشرود، ونبش الحقود، لما وتر جميعهم بالحادثة في قرطبتهم؛ فاستشعروا بغضه، وانقادوا لكل من عانده ورد أمره، من عبدٍ أو حر، فزعاً إليهم منه، ويأساً من خيرٍِ يجيئهم من برابرته؛ فكان ذلك سبباً في تفريق البلاد وتملك أصحاب الطوائف. قال ابن حيان: وتسمى لوقته من الألقاب السلطانية بالمستعين بالله، وانتقل إلى مدينة الزهراء بجملة جيشه، رجاء أن يحسم عن أهل قرطبة معرتهم، فضاقت الزهراء عنهم، فنزلوا بما يتصل بها من منازل الناس، ونزل ابنا حمودٍ: علي والقاسم، قائدا فرقة المغاربة، بشقندة؛ وامتحن هشام المؤيد بالله مع سليمان عند خوله القصر؛ فقيل إنه قضي عليه، وقيل إنه فر من يديه. وكان هشام - عند ما رآه من اضطراب أمره، وتيقنه من انصرام دولته، بما مني به قديماً وحديثاً، من تمالؤ بني عمه آل الناصر عليه، وقيامهم واحداً بعد واحد في خلعه - صير إلى علي بن حمودٍ ولاية عهده، وأوصى إليه بالخلافة من بعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وراسله بذلك إلى سبتة، أيام تردده عليها، بمعنى الاستمداد، وجمعه طوائف البرابرة للجهاد؛ وولاه طلب ذحله، واستكتمه السر فيه إلى أوانه، وبلوغ زمانه؛ هائجاً للحفائظ القرشية، ومحركاً للطوائل الطالبية؛ فرماهم يومئذ من علي هذا بثالثة الأثافي، طوى كشحه منها على مستكنةٍ أرجأها لوقتها. ومن الاتفاق الغريب على سليمان أنه لما استوسق له الأمر بعد فراغه من خبر هشام المؤيد، أنفذ عزمه من بين قواد جيوشه في اختيار علي بن حمود المذكور، فقدمه على مدينة سبتة، رأياً ذهل عنه، ونبذها إلى ذد له مكاشح شريك في الدعوى والقرابة؛ فتلقفها علي تلقف الأكياس المقبلين، ودب لمغبونه سليمان من قبلها الضراء دبيب الحنق الموتور، حتى هجم عليه وسلبه ملكه، وحول دولته ومزق عترته؛ وكانت غلطة سليمان التي لم يستقلها هو ولا من بعده؛ وإذا أراد الله شيئاً أمضاه. قال أبو الحسن بن بسام: وذكرت بما اتفق في هذا الخبر، ما حكاه الرواة في حلول الفاقرة أيضاً بالمتوكل جعفر؛ قالوا: لما عزم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 بغا الصغير على قتل المتوكل جعفر بتدبير ابنه المنتصر، دعا بباغر، وهو غلام تركي، بعد أن اصطنعه بالصلات، وكان مقداماً أهوج، فقال له: يا باغر، أنت تعلم تقديمي لك، وأني قد صرت عندك في منزلة من لا يعصى له أمر، وأريد أن آمرك بشيء، فعرفني كيف إقدامك عليه؛ قال: قل ما شئت فإني فاعله؛ فقال: إن ابني قد فسد علي، وصح عندي أنه يحاول سفك دمي، وأريد إذا دخل علي غداً أن أضع القلنسوة من رأسي في الأرض، فإذا أنا وضعتها فاقتله؛ قال: نعم؛ فلما دخل ابنه عليه لم يضع القلنسوة من رأسه، وظن أنه نسي، فغمزه بحاجبه، فلم ير العلامة، وانصرف ابنه. فقال له: إني فكرت في أنه ولد وحدث، وأريد أن أستصلحه. فقال له باغر: فإني قد سمعت وأطعت. ثم أمسك عنه مديدة وقال له: إن أخي قد فسد علي، وهو عزم على أن يقتلني وينفرد مكاني، وأحب أن تبادر غداً إذا دخل علي وتقتله؛ قال: نعم؛ وجعل له علامةً، فلما دخل عليه لم ير العلامة، ووقف حتى خرج أخوه. فقال له: يا باغر، هو أخي وعسى أن أستصلحه؛ وههنا امرؤ هو أعظم وأكبر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 هذا كله. قال له باغر: من هو - قال: المنتصر، قد صح عندي أنه على الإيقاع بي وقتلي، وأريد قتله، فكيف ترى نفسك في ذلك - ففكر باغر ساعة ونكس رأسه طويلاً ثم قال: هذا أمر لا يجيء منه شيء. قال: ولم - قال: لا نقتل الابن والأب باقٍ، إذ لا يستوي لكم شيء ويقتلكم أبوه كلكم. قال: فما الرأي - قال: نبدأ بالأب ويكون أمر الصبي أيسر؛ قال: وتفعل هذا ويحك -! قال: نعم، أفعله وأدخل عليه إلى قتله، وادخل أنت في اثري، فإن قتلته وإلا فاقتلني أنت، وضع سيفك علي وقل: أراد أن يقتل مولاه. فعلم بغا حينئذ أنه قاتله، فتمكن له التدبير على المتوكل. وحدث البحتري الشاعر قال: كنا عند المتوكل مع الندماء، فتذاكرنا أمر السيوف؛ فقال بعض من حضر: يا أمير المؤمنين، وقع عند رجل من أهل البصرة سيف من الهند ليس له نظير. فأمر المتوكل بالكتاب فيه إلى عامل البصرة؛ فاتفق أن اشتري بعشرة آلاف درهم؛ فسر المتوكل بجودته، وانتضي فاستحسنه المتوكل وقال للفتح بن خاقان: اطلب لي غلاماً نثق بنجدته وشجاعته، أدفع إليه هذا السيف ليكون واقفاً به على رأسي كل يوم ما دمت جالساً؛ قال: فلم يستتم المتوكل الكلام حتى دخل باغر التركي المذكور، فدعا به المتوكل، ودفع إليه ذلك السيف، وأمره بما أراد وتقدم بأن يزاد في مرتبته. قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 البحتري: فوالله ما انتضي ذلك السيف ولا أخرج من غمده منذ الوقت الذي دفع إليه إلا في الليلة التي ضربته فيها باغر بذلك السيف. رجع الحديث: قال ابن حيان: فلما كانت سنة خمس وأربعمائة طلع النبأ على سليمان أن مجاهداً العامري أقام عليه خليفةً رجلاً يعرف بالفقيه المعيطي، فاستعظم ذلك إلى أن بلغه نجوم عليّ بن حمود الفاطمي بسبتة، فسقط في يديه، وتفرقت الظباء عليه؛ وكان على أجل من الحرش، وأخذ في استدفاع ذلك جهده، فلم يغنه شيئاً، وجاءه عليّ في جموعه بعد أن اجتمع بالمرية مع خيران صاحب المرية وغيره من الفتيان؛ فخرج إليهم سليمان واقتتلوا، فانهزم سليمان وقبض عليه وعلى أخيه وأبيه وسيقوا أسارى إلى عليّ بن حمود. ودخل القصر وخيران يطمع أن يجد هشاماً المؤيد حياً، فلم يوجد، وذكر أنه قتل وعرض عليه قبره. فأمر علي بنبشه، فأخرج الشخص، وشهد أنه هشام، وسليمان يتبرأ من دمه، وما كان في جسده شيء من أثر السلاح، فتوهم فيما الخنق، وأمر عليّ بتجهيزه إلى أهله، وأنذر طبقات الناس للصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 عليه؛ فدفن لزيق أبيه الحكم. ثم دعا علي بسليمان وذويه فضرب عنقه بيده، وظهر منه جزع شديد عند ملاحظته السيف، خارت منه قواه، فجثا على ركبتيه، ثم ضربت عنق الشيخ أبيه وعنق عبد الرحمن ابنه، وجعلت الرؤوس الثلاثة في طست، وأخرجت من القصر إلى المحلة ينادي عليها: هذا جزاء من قتل هشاماً المؤيد؛ ثم ردت الرؤوس الثلاثة ونظفت وطيبت؛ وقد كانت جمعت رؤوس رؤساء من البرابرة المقتولين في الوقعة في قفة، وجعل رأس أحمد ابن الدب في أعلاها، وعلقت في آذانهم رقاع بأسمائهم. وكانت في المحلة تحمل من مضرب قائدٍ إلى مضرب سواه. وعجب الناس من اجتماع رؤوس من ضاقت أرض الأندلس برحبها عنها، وشملها شرها وأذاها طراً في قفة ضيقة، والأمر لله. وحكي أن والد سليمان حين عاين قتل ابنيه بين يديه قال له عليّ: أهكذا يا شيخ قتلتم هشاماً - قال: لا والله ما قتلناه وإنه لحي يرزق! فحينئذ عجل عليّ بقتل الشيخ؛ وكان رحمه الله تقياً صالحاً لم يتشبث بشيء من أمر ابنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 وكان هشام يقول برموز الملاحم وكتب الحدثان، وخامر نفسه من ذكر قائم بسبتة، أول اسمه عين، ما لا شيء يزيله، ولم يزل مرتقباً لظهوره؛ فلذلك ما كاتب عليّ بن حمود لرفع بيته، وبعد صيته؛ فكان منه في أخذه بثأره بعد موته ما كان. فإن كان كذلك، فهشام - على مشهور عجزه - أحد كائدي الأعداء بغيره من منكوبي الملوك بما لا شيء فوقه، فما أدرك فيه بعد هلاكه بوتره واستقاد بدمه وسطا بعدوه؛ انتهى ما لخصته من خبره مع ابن حمود. فصل: قال ابن حيان: وأما حربه مع المهدي، فإنه لما استوسق الأمر لسليمان حسبما تقدم، وتابعته الباربرة، اجتمعوا لحرب قرطبة، فنزلوا في سفح الجبل بها وبشرقيها، يوم الخميس الحادي عشر من ربيع الأول سنة أربعمائة؛ وقد كان واضح الفتى وافاها قبلهم بيومين في أجناده من رجال الثغر، فقلده المهدي أمر الحرب، واحتشد الناس من الكور والبادية، فعسكروا في جموعٍ لم يحصها إلا خالقهم، فتداني الزحفان يوم السبي الثالث عشر من ربيع المؤرخ، فتسرع إليهم أهل قرطبة، وخالفوا واضحاً في تدبير حربهم، فاستجرتهم البرابرة، حتى إذا تمكنوا منهم عطفوا عليهم، فانكشفوا عنهم انكشافاً ما سمع بمثله، وانهزموا إلى منازلهم، وتشعبت الطرق بهم، عاد تضيق مسالك كانوا أعدوها لعدوهم سداداً دونهم، فازدحموا وتناشبوا وقتل بعضهم بعضاً. ووضع البرابرة والنصارى السيوف عليهم؛ فقتل في هذه الوقعة عالم، وأبادوا أمة. وهي وقعة قنتيش المشهورة بالأندلس التي قطع المقال على أنه قتل فيها عشرة آلاف قتيل وأزيد. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ومال النصارى يومئذ على المنهزمين من المسلمين، فقتلوا منهم في صعيد واحد نيفاً على ثلاثة آلاف رجل. وخرج الأمر عن يد واضح، فلم يثبت أحد ممن كان معه، ولا كر في تلك الوقعة عامي ولا خاصي. وكان أمره عجباً. ونادى واضح بشعاره، فاجتمع إليه رجاله، وثبت إلى أن أجنه الليل واتخذه جملاً، وسارعن قرطبة هارباً إلى الثغر. وانبسط البربر يومئذٍ في أرض قرطبة يقتلون ويأسرون. قال ابن حيان: وأصيب في تلك الوقعة من المؤدبين خاصة نيف على ستين، أعريت سقائفهم في غداة واحدة منهم، وتعطل صبيانهم لعدمهم. وأصيب فيها زربوط الطنبوري، وأقام الطنبوريون أصحابه عليه مأتماً مشهوداً بعد الحادثة. وهلك في تلك الوقعة أخلاط من الناس. وكان بعض الظرفاء يقول: من كل طبقة أخذت وقعة قنتيش حتى من الباطل؛ فإنها ألصقت بالصميم في قتل قنبوط الملهي، وزربوط المغني ونمطهما، فهيهات أن يخلف الدهر مثلهما. وكان المهدي، إذ دخل قرطبة منتصف جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وقتل عبد الرحمن بن أبي عامر، أظهر موت هشام المؤيد في رمضان من العام، وورى الشخص الذي موه به وقسم تراثه. فلما كان غداة الأحد ثاني وقعة قنتيش، أظهر المهدي هشاماً المؤيد رجاء أن يستميل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 البرابرة به. لما كانوا يكثرون من الترحم عليه والطلب بدمه؛ فأبرزه للناس وعجبوا من ذلك، فقال له البربر: الله محمود على سلامته، ونحن فلا حاجة لنا في إمامته، ولا نرضى بغير سليمان؛ فلما سمع المهدي ذلك، خرج في الليل عن القصر، وتطمر بقرطبة إلى أن لحق بطليطلة، ودعا الناس إلى القيام بنصرته؛ فجمع له واضح عساكر الإفرنجة وأهل الثغور؛ وجاءهم مع واضح إلى قرطبة، فبرز إليه سليمان، والتقى الجمعان يوم الجمعة في شوال من العام؛ فانهزم سليمان؛ فدخل المهدي قرطبة وبويع له بها، وتردد عليه البربر يحاربونه، فشرع في حفر الخندق حول قرطبة، وألزم أهلها القيام بأمره؛ فاشتدت الكلفة عليهم. ودبر واضح مع الموالي العامريين الغدر بالمهدي، وشغبوا عليه في ذي الحجة من العام، وأخرجوا هشاماً المؤيد من محبسه بالقصر، وأجلسوه للخلافة بالسطح، ونادوا بشعاره، وضربوا عنق المهدي بين يديه، وألقوا جسده من أعلى السطح، ورفعوا رأسه على قناة طيف بها البلد كله، وقطعت يده ورجله. وعاد هشام المؤيد إلى الخلافة، وجددت له البيعة، واستحجب واضحاً الفتى، واستولى على التدبير الأمور، وأرسل برأس المهدي إلى عسكر سليمان على معاودة طاعة هشام، وقد رجا استمالتهم به فأبوا ذلك، وأغلظ سليمان على رسله، وأراد قتلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 وأظهر الجزع على ابن عمه المهدي، وبكى عليه، وأمر بتنظيف الرأس، وأنفذه إلى طليطلة، إلى ولد المهدي عبيد الله، فأعظم قتل أبيه ودفع بيعة هشام. وكان بعسكر سليمان عبد الرحمن بن متيوه، فلما بلغه مهلك المهدي بن عبد الجبار عدوه، كاتب واضحاً وتوثق له، فهرب إلى قرطبة، فدبر أمر هشام مدةً بعد قتل واضح وعلي بن وداعة، في أخبار طويلة، إلى أن ضعف أمر هشام. ودخل عليه سليمان دولته الأخيرة، ودبر قرطبة، إلى أن وقع له مع علي بن حمود ما وصفناه. انتهى ما لخصته من كلام ابن حيان. قال أبو الحسن بن بسام: وكان سليمان ممن مدت له في الأدب غابة، كبا دونها أهل الأدب، ورفعت له في الشعر راية مشى تحتها كثير من الشعراء والكتاب؛ غير أن أيام الفتون ألوت بذكره، وأيدي تلك الحرب الزبون طوت بجملة شعره؛ وهو أحد من شرف الشعر باسمه، وتصرف على حكمه؛ مع قعود همم أهل الأندلس يومئذ عن البحث عن مناقب عظمائهم، وزهدهم في الإشادة بمراتب زعمائهم. ولم أظفر له حين نقل هذه النسخة المقررة من هذا المجموع في وقتي المؤرخ إلا بقطعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 عارض بها هارون الرشيد فشعشعت بها الكؤوس، وتهادتها الأنفاس والنفوس. وقد أثبت القطعتين معاً ليرى الفرق، ويعرف الحق. قال هارون الرشيد: ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن، وهن في عصياني ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... - وبه قوين - أعز من سلطاني فقال سليمان المستعين: عجباً، يهاب الليث حد سناني ... وأهاب لحظ فواتر الأجفان فأقارع الأهوال لا متهيباً ... منها سوى الإعراض والهجران وتملكت نفسي ثلاث كالدمى ... زهر الوجوه نواعم الأبدان ككواكب الظلماء لحن لناظري ... من فوق أغصان على كثبان هذي الهلال، وتلك بنت المشتري ... حسناً، وهذي أخت غصن البان حاكمت فيهن السلو إلى الصبا ... فقضى بسلطان على سلطاني فأبحن من قلبي الحمى وتركنني ... في عز ملكي كالأسير العاني لا تعذلوا ملكاً تذلل للهوى ... ذل الهوى عز وملك ثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ما ضر أني عبدهن صبابةً ... وبنو الزمان وهن من عبداني إن لم أطع فيهن سلطان الهوى ... كلفاً بهن فلست من مروان @فصل في ذكر المستظهر بالله أبي المطرف عبد الرحمن @ابن هشام بن عبد الجبار الناصري، وشرح مقتله، @وإيراد جملة من اشعاره، مع ما يتعلق بها @وينخرط في سلكها من مستطرف أخباره قال أبو الحسن: نقلت من خط أبي مروان بن حيان قال: كان عبد الرحمن هذا لبقاً ذكياً، وأديباً لوذعياً؛ لم يكن في بيته يومئذ أبرع منه منزلة. وكان قد نقلته المخاوف، وتقاذفت به الأسفار، فتحنك وتخرج وتمرن فيها، وكاد يستولي على الأمر لو أن المنايا أنسأته. وكان عاد إلى قرطبة بعد تجواله؛ فدخلها مستخفياً أيام القاسم بن حمود، وقد اضطرب سلطانه بها؛ فشاهد الفتنة الحادثة بين البرابرة وأهلها، وهم فيها بالوثوب، وبث دعاته إلى أهلها. فلم يصح له شيء مما أراده، وأنكر الوزراء المدبرون قرطبة أمره؛ فتجردوا لطلبه وطلب دعاته، فسجنوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 ولم يخرجوا من الحبس إلا يوم جلوس صاحبهم عبد الرحمن للإمارة؛ فبقى مستخفياً، وهو يدب الضراء في الدعاء إلى نفسه، إلى أن أعلقوه بالشوى عند إيقاعها في ذلك الوقت لظهور براعته، وأجمعوا عليه وعلى سليمان بن المرتضى، وعلى محمد بن العراقي. فتقدم في إحضار الخاصة والجند والعامة بالمسجد الجامع لمشاهدة بيعة من يختار من هؤلاء الثلاثة الأمراء للخلافة، فغدا الناس لذلك على طبقاتهم. قال ابن حيان: وكنت في من حضر المقصورة يومئذٍ، فكان أول من وافى منهم سليمان بن المرتضى، جاء مع عبد الله بن مخامس الوزير في أبهةٍ وشارة دلت على المراد فيه؛ فدخل من باب الوزراء الغربي والسرور بادٍ عليه، فاستقبله أصحابه وقدموه إلى بهو الساباط؛ فأجلس هنالك على مرتبةٍ لا تصلح لأحد سواه، وهو بهج جذلان، لا يشك في تمام الأمر له، وأصحابه يرتقبون مجيء ابني عمه المذكورين - وقد أبطأا - كيما يحصلوهما عنده. فبينما نحن على ذلك، والقلق على القوم باد، إذ غشيتنا ضجة وزعقة هائلة ارتج لها الجامع واضطرب لها من بالمقصورة. فإذا عبد الرحمن بن هشام قد وافى شرقي الجامع، في خلقٍ رجالهما، شاهرين سيفيهما أمامه، لهيجن باسمه؛ فراع الوزراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ذلك وألقوا للوقت بأيديهم وخذلتهم حيلهم، ودخل المقصورة عبد الرحمن فبويع لوقته. واستدعي سليمان بن المرتضى وجيء به مبهوتاً فقبل يده وهنأه، فأجلسه إلى جنبه، ثم وافى محمد بن العراقي أيضاً فقبل يده وبايعه، ثم عقدت له البيعة، وذلك اليوم الرابع من شهر رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة. وكان أحمد بن بردٍ قد تقدم في عقدها باسم سليمان بن المرتضى فبشره وحك اسمه، وكتب اسم عبد الرحمن مكانه فكان ذلك من عجائب الدنيا. ثم ركب وحمل مع نفسه ابني عمه سليمان وابن العراقي فاحتبسهما عنده وآنسهما؛ وظهرت من عبد الرحمن لوقته عرامة، وكان فتى أي فتىً لو أخطأته المتالف. وكان استقل بما طلبه من السلطان جرأة وصرامةً، وركب أعناق الخطوب وقد اعتاصت فأردته. وكان رفع مقادير مشيخة الوزراء من بقايا مواليه بني مروان، منهم أحمد بن برد وجماعة من الأغمار، كانوا عصابةً يحل بها الفتاء، ويذهب بها العجب، قدمهم على سائر رجاله، فأحقد بهم أهل السياسة، فانقضت دولته سريعاً، منهم أبو عامر بن شهيد فتى الطوائف، كان بقرطبة في رقته وبراعته وظرفه خليعها المنهمك في بطالته، وأعجب الناس تفاوتاً ما بين قوله وفعله، وأحطهم في هوى نفسه، وأهتكهم لعرضه، وأجرأهم على خالقه. ومنهم أبو محمد بن حزم، وعبد الوهاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ابن عمه، وكلاهما من أكمل فتيان الزمان فهماً ومعرفةً ونفاذاً في العلوم الرفيعة. وأقر المستظهر يومئذ على مراتب الخدمة طوائف؛ منهم خدمة المدينتين الزهراء والزاهرة، وخدمة كتابة التعقب والمحاسبة، وخدمة الحشم، وخدمة القطع بالناض والطعام، وخدمة مواريث الخاصة، وخدمة الطراز، وخدمة المباني، وخدمة الأسلحة وما يجري مجراها، وخدمة الخزانة للقبض والنفقة، وخدمة الهراية والقبض والدفع، وخدمة الوثائق ورفع كتب المظالم، وخدمة خزانة الطب والحكمة، وخدمة الأنزال والنزائل، وخدمة أحكام السوق. قال أبو الحسن: ولكل لقبٍ من أصناف هذه الخدمة جماعات سماهم أبو مروان بن حيان في كتابه، ثم قال: وهذا زخرف من التسطير وضع على غير حاصل، ومراتب نصبت لغير طائل، تنافسها طالبوها يومئذ بالأمل فلم يحلوا منها بنائل، ولا قبضوا منها مرتزقاً، ولا نالوا بها مرتفقاً؛ وغرهم بارق الطمع وسط بلدٍ محصور، وعمل مغصوب، وخراب مستول، ومع سلطان فقير، لا يقع بيده درهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 إلا من صبابة مستغل جوف المدينة، أو نهب مغلول ممن تقلقل عنها؛ يقيم منه رمقه، ويفرق جملته على من تكنفه من جنده ودائرته، ويتطرق إلى ما يقبح من ظلم رعيته؛ فلم يلبث الأمر أن تفرى به فسفك دمه، وانحسم الأمل من دولته. وكان قد بادر في الإرسال عن جماعة من وزرائه، فلما حصل جميعهم عنده قبض عليهم وصادرهم على أموال لصدوفهم عنه، وطالبهم نجاح الضاغط يومئذ عنها. وكان قد استرجحه خاصة الناس وذوو الحجى منهم في القبض على هؤلاء الوزراء، واستبطأوا إبادته لهم ورجوا استظهاره على الأمر بإزالتهم، وسلامة تدبيره من اعتراضهم، وكان قد أخرج رسله إلى جماعة الرؤساء بالأندلس يلتمس البيعة، ويستنفر الكافة، ويدعو إلى كرة الدولة؛ فأخفق ما طلبه وعوجل، ولما تقبض الأجوبة رسله، واضمحل أمره، والبقاء لله وحده. وكان أيضاً مما حرك الناس عليه استهدافه إلى أهل بيته من ولد الناصر، ومبادرته لحبس سليمان بن المرتضى وابن العراقي المذكورين، وتجاوزهما إلى نفر غيرهما، اعتقل بعضاً وطلب بعضاً، حتى شملهم الخوف؛ فبعث الله عليه من جرأة صاحبه بكر بن محمد بن المشاط الرعيني أدنته من حمامه، وسعى إلى أن وثب عليه محمد بن عبد الرحمن المستكفي، وأحس المستظهر بشيء من ذلك فطلبه، فأعجزه؛ ولم يزل السعي عليه حتى قتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 @ذكر الخبر عن كيفية مقتله قال ابن حيان: وكان سبب ذلك أن حسن رأيه في ابن عمران - أحد الرهط الذين كان سجنهم - فأخرجه، فقال له بعض أصحابه: إن مشى ابن عمران في غير سجنك باعاً، بتر من عمرك عاماً؛ فعصاه المستظهر فيه لغالب هواه، فحاق به في الثالث رداه؛ وكان ورد عليه قبل إطلاقه بيومين فوارس من البربر، فكرم مثواهم وأنزلهم معه في دار الملك، فاهتاج لذلك الدائرة وقالوا للعامة: نحن الذين قهرنا البرابرة وطردناهم عن قرطبة، وهذا الرجل يسعى في ردهم إلينا، وتمكينهم من نواصينا؛ فهاجوا العامة، فوثبوا عليه بالقصر، وقتل البرابرة حيث وجدوا. ولم يشعر عبد الرحمن إلا والرجالة قد انتشروا على سقف القصر، وسمع المسجونون عنده هتاف الناس فاستغاثوهم، فدقوا الأغلاق دونهم، واختلط بالحرم؛ فعلم عبد الرحمن أنه مقتول. وأحيط به من كل جهة؛ فاستغاث الوزراء: ابن جهور ولمته، فلم يجدوا له مناصاً ولا خلاصاً، ولا يصدقون بنجاة أنفسهم وقد ضهلوا عنه بالحيلة في تخليصهم؛ فأشار عليهم الدائرة الفسقة بتركه، والذهاب عنه؛ فجعل الوزراء يتسللون عنه واحداً بعد واحد إلى أن أفردوه. فنجا عامة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 تعجل القرار من الوزراء وأهل الخدمة على باب الحمام من القصر فاهتدى إليه الدائرة، وأحلوا بمن خرج منه الفاقرة؛ منهم أحمد بن بسيلٍ متقلد المدينة، قتل يومئذ. وجاء عبد الرحمن إلى ذلك الباب يطمع في الخروج؛ فقام الدائرة في وجهه وزرقوه وهم يسبونه؛ فارتد على عقبه، وترجل عن فرسه، وتجرد من ثيابه، حتى بقي في قميصه؛ واستخفى في أبزن الحمام، ففقد شخصه؛ واستخفى البرابرة في الحمام وفي أكناف القصر فبحث عنهم وقتلوا. ولاذ منهم طائفة بالجامع فقتلوا فيه؛ وفضح حريم عبد الرحمن وسبى أكثرهن الدائرة وحملوهن إلى منازلهم علانية، وجرى عليهن ما لم يجر على حرم سلطانٍ في مدة تلك الفتنة. قال: ولما فقد شخص عبد الرحمن ظهر ابن عمه محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر الساعي عليه في المكان الذي كان متطمراً فيه فهتف الدائرة باسمه، وانتهوا به إلى دار الملك، فإذا هي بلاقع؛ فأجلسوه في مجلسها القبلي مبهوتاً. وقام الدائران الفاسقان محمود وعمير على رأسه بالسيوف مقامها بالأمس على رأس عبد الرحمن ابن عمه وتكاثرت الدائرة والعامة عليه. وافتقد عبد الرحمن المستظهر فوجدوه في ابزن الحمام قد انطوى انطواء الحية في مكان حرجٍ، فأخرج في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 قميص مسود بحالٍ قبيحة؛ وجيء به إلى محمد بن عبد الرحمن المستكفي وقد بويع يوم السبت الثالث من ذي قعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة؛ فبطش به بعض الرجالة القائمين على رأسه، فتهلل وجه ابن عمه [القائم عليه] ، وأخذ في تدبير سلطانه. فكانت إمارة المستظهر - إلى أن قتل - سبعة وأربعين يوماً، لم تنتشر له فيها طاعة، ولا التأمت عليه جماعة، ولا تجاوزت دعوته قرطبة. وكان سنه يوم قتل ثلاثاً وعشرين سنة. وكان على حداثة سنه ذكياً يقظاً لبيباً أديباً حسن الكلام جيد القريحة مليح البلاغة يتصرف فيما شاءه من الخطابة بديهة ورويةً، ويصوغ قطعاً من الشعر مستجادة. وقد اقتضب بحضرة الوزراءة في أيامه عدة رسائل وتوقيعات لم يقصر فيها عن الغاية، يزين ذلك بطهارة أثواب وعفةٍ وبراءة من شرب النبيذ سراً وعلانية. وكان في وقته نسيج وحده، ختم به فضلاء أهل بيته الناصريين، فلم يأت بعده مثله. وهذه جملة ما وجد له من شعره: من ذلك قصيدة كتب بها إلى مشنف زوج سليمان بن الحكم، أيام خطب بنتها من سليمان المسماة حبيبة فلوته؛ وكان بقلبه من هذه الابنة مكان لنشأتهما معاً في ذلك الأوان؛ يقول فيها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وجالبة عذراً لتصرف رغبتي ... وتأبى المعالي أن تجيز لها عذرا يكلفها الأهلون ردي جهالةً ... وهل حسن بالشمس أن تمنع البدرا وماذا على أم الحبيبة إذ رأت ... جلالة قدري أن أكون لها صهرا جعلت لها شرطاً علي تعبدي ... وسقت إليها في الهوى مهجتي مهرا تعلقتها من عبد شمس غريرةً ... محدرةً من صيد آبائها غرا حمامة عش العبشميين رفرفت ... فطرت إليها من سراتهم صقرا لقد طال صوم الحب عنك فما الذي ... يضرك منه أن تكوني له فطرا وإني لأستشفي بمري بداركم ... هدوءاً وأستسقي لساكنها القطرا وألصق أحشائي ببرد ترابها ... لأطفئ من نار الأسى بكم جمرا فإن تصرفيني يا ابنة العم تصرفي ... - وعيشك - كفأ مد رغبته سترا وإني لأرجو أن أطوق مفخري ... بملكي لها وهي التي عظمت فخرا وإني لطعان إذا الخيل أقبلت ... جرائدها حتى تري جونها شقرا وإني لأولى الناس من قومها بها ... وأنبههم ذكراً وأرفعهم قدراً وعندي ما يصبي الحليمة ثيباً ... وينسي الفتاة الخود عذرتها البكرا جمال وآداب وخلق موطأ ... ولفظ إذا ما شئت أسمعك السحرا وإنه لمحها يوماً وأومأ بالسلام، فلم ترده عليه خجلاً، فكتب إليها: سلام على من لم يجد بكلامه ... ولم يرني أهلاً لرد سلامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 سلام على الرامي الذي كلما رمى ... أصاب فؤادي عامداً بسهامه بنفسي حبيب لم يجد لمحبه ... بطيف خيال زائرٍ في منامه ألم تعلمي يا عذبه الإسم أنني ... فتى فيك مخلوع عذار لجامه وأني وفي حافظ لأذمتي ... إذا لم يقل غيري بحفظ ذمامه يبشر ذاك الشعر شعري أنه ... سيوصل حبلي بعد طول انصرامه وما شك طرفي أن طرفك مسعدي ... ومنقذ قلبي من حبال غرامه عليك سلام الله من ذي تحيةٍ ... وإن كان هذا زائداً في اجترامه وله فيها أيضاً: تبسم عن در تنضد في الورس ... وأسفر عن وجه يتيه على الشمس غزال براه من نور عرشه ... لتقطيع أنفاسي وليس من الإنس وهبت له ملكي وروحي ومهجتي ... ونفسي ولا شيء أعز من النفس وهو القائل: طال عمر الليل عندي ... مذ تولعت بصدي يا غزالاً نقض الو ... د ولم يوف بعهدي أنسيت العهد إذ بت ... نا على مفرش ورد واجتمعنا في وشاح ... وانتظمنا نظم عقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وتعانقنا كغصني ... ن وقدانا كقد ونجوم الليل تحكي ... ذهباً في لازورد ورفع إليه شاعر ممن هنأه بالخلافة يوم بيعته شعراً له كتبه في رقٍ مبشور، واعتذر من ذلك بهذين البيتين: الرق مبشور وفيه بشارة ... ببقا الإمام الفاضل المستظهر ملك أعاد العيش غضاً شخصه ... وكذا يكون به طوال الأدهر فأجزل المستظهر بالله صلته، ووقع على ظهر رقعته بهذه الأبيات: قبلنا العذر في بشر الكتاب ... لما أحكمت من فصل الخطاب وجدنا بالجزاء بما لدينا ... على قدر الوجود بلا حساب فنحن المنعمون إذا قدرنا ... ونحن الغافرون أذى الذئاب ونحن المطلعون بلا امتراء ... شموس المجد من فلك الثواب ومما قاله - زعموا - يوم وثوب البرابرة عليه بالدائرة التي أمرت بقتله: يا أيها القمر المنير ... كن نحو شبهك لي سفير بتحيةٍ أودعتها ... شوقاً بنيات الصدور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 انتهى ما وجدناه من أشعار بني أمية من أول المائة الخامسة من الهجرة ابتداءً من تأريخ هذا الديوان. وشرحنا بعض ما تعلق بذلك من خطب، واندرج أثناءه من ذكر حرب. ونتلوه بذكر من تقدم زمانه، واشتهر إحسانه، وملأ المسامع والمجامع بيانه وسار في المغارب والمشارق ذكره وشانه، وملأ ظهور السباسب وبطون المهارق سماعه وعيانه. @فصل في ذكر الأديب أبي عمر أحمد بن دراج القسطلي @وإثبات جملة من نظمه الفائق الدرر، ونثره المعجز الورد والصدر @واجتلاب ما يتعلق به ويتصل بسببه من خبر قال ابن بسام: كان أبو عمر القسطلي وقته لسان الجزيرة شاعراً وأولاً حين عد معاصريه من شعرائها المشهور، وآخر حاملي لوائها، وبهجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 أرضها وسمائها، وأسوة كتابها وشعرائها؛ له عقد فخرها المحمول وسهم، وبه بدئ ذكرها الجميل وختم؛ حل اسمه من الأماني محل الأنس، وسار نظمه ونثره في الأقاصي والأداني مسير الشمس؛ وأحد من تضاءلت الآفاق عن جلالة قدره، وكانت الشام الشام والعراق أدنى خطى ذكره. وقد أجرى الثعالبي طرفاً من أمره، وأغرب بلمع من شعره، فقال في كتابه المترجم ب - " اليتيمة ": " بلغني أن أبا عمر القسطلي كان عندهم بصقع الأندلس كالمتنبي بصقع الشام؛ وهو أحد شعرائهم الفحول هنالك. وكان يجيد ما ينظم " انتهى كلام الثعالبي. وإنما ذكرته أنا؛ وكان من شعراء ابن أبي عامر، لأنه تراخت أيامه، وأغضى عنه حمامه، حتى أخرجته المحن، وسالت به تلك الفتن، الكائنة صدر المائة الخامسة من الهجرة. وذكره ابن حيان معجباً من أخباره، معرباً عن جلالة مقداره؛ فقال: وأبو عمر القسلطي سباق حلبة الشعراء العامريين، وخاتمة محسني أهل الأندلس أجمعين. وكان ممن طوحت به تلك الفتنة الشنعاء، واضطرته إلى النجعة، فاستقرى ملوكها أجمعين، ما بين الجزيرة الخضراء، فسرقسطة من الثغر الأعلى؛ يهز كلا بمديحه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ويستعينهم على نكبته، وليس منهم من يصغي له، ولا يحفظ ما أضيع من حقه، وأرخص من علقه؛ وهو يخبطهم خبط العضاه بمقوله، فيصمون عنه، إلى أن مر بعقوة منذر بن يحيى أمير سرقسطة، فألقى عصا سيره عند من بواه، ورحب به وأوسع قراه؛ فلم يزل عنده، وعند ابنه بعده، مادحاً لهما، مثنياً عليهما، رافعاً من ذكرهما، غير باغٍ بدلاً بجوارهما، إلى أن مضى بسبيله، بعد أن جرت له، رحمه الله، على إحسانه الباهر، في فتنة البرابر مع أملاك الجزيرة، في طول الاغتراب والنجعة، أخبار شاقة، فيها لذي اللب موعظة بالغة. وذكره أيضاً أبو عامر بن شهيد فقال: والفرق بين أبي عمر وغيره أن أبا عمر مطبوع النظام، شديد أسر الكلام؛ ثم زاد بما في أشعاره من الدليل على العلم بالخبر واللغة والنسب، وما تراه من حوكه للكلام، وملكه لأحرار الألفاظ، وسعة صدره، وجيشة بحره، وصحة قدرته على البديع، وطول طلقه في الوصف، وبغيته للمعنى وترديده، وتلاعبه به وتكريره، وراحته بما يتعب الناس، وسعة نفسه فيما يضيق الأنفاس. انتهى كلام ابن شهيد. قال ابن بسام: وأنا أقول: إن من ذكره لم يوفه حقه، ولا أعطاه وفقه، ولا استوفى تقدمه وسبقه؛ ولو أوفى الأيام، واستنفد القراطيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 والأقلام. وقد أتيت أنا من شعره بما يبهر نيرات الألباب، ويظهر خفيات الأسباب، ومن نثره ما يبهر العقول، ويباهي الغرر والحجول؛ وبسامي التيجان والأكاليل، ويسهل التقليد والتأويل. @جملة من فصول اقتضبتها من كلامه الطويل، @فراراً من التطويل فصل له من رقعة: يا سيدي، ومن أبقاه الله كوكب سعد، في سمء مجد، وطائر يمنٍ، في أفناء أمن، مرجواً لدفع الاسواء، مؤملاً في اللأواء؛ وكنت قد نشأت في معقل من العفا والوفر، محدقاً بسور من الأمن والستر، حتى أرسل إليّ سلطان الفقر، رسولاً من نوب الدهر، يريد استنزالي إليه، وخضوعي بين يديه، فأبيت من ذلك عليه، فغراني بكتائب من النوائب، تسير تحت ألوية المصائب، تبرق بسيوف الرزايا، وتشهر أسنة المنايا، يرمون عن قسي الأوجال، ويضربون طبول الذعر وسوء الحال، بأيد باطشة لا تكل، وبصائر ثابتة لا تمل، فلم يرعني ذلك منهم أن تلقيتهم بمن معي من جنود الصبر، فافتتح معقلي سلطان الفقر وأخذني أسراً، وطلب مني فداءً لا أقوم به قسراً، فأوثقني في قيود الانقياد، وشدني في أغلال الأصفاد، ووكل بل الحيرة والتبلد، وأمرهما ألا يطلقا سبيلي إلا بالفداء، فضاقت بذلك مذاهبي حتى أتى منك رسول يسمى حسن الثناء، فضمن لي عنك فديتي، من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 يدي أسرتي، وسيدي أولى من وفى بضمانه، وصدق قول رسوله على لسانه. وله من أخرى إلى سليمان بن الحكم أمير المؤمنين: حاشا لله أن أستشف الحسي قبل جموحه، وأستكره الدر قبل حفوله، أو أتعامى عن سراج المعذرة، وأرغب عن أدب الله في نظرة إلى ميسرة ولكن: " ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر " ما أوضح العذر لي لو أنهم عذروا ... وأجمل الصبر بي لو أنهم صبروا لكنهم صغروا عن أزمةٍ كبرت ... فما اعتذاري عمن عذره الصغر وقد قلبت لهم ظهر الأمور، وميزت بين المعسور والميسور، فما وجدت أحسن بدءاً، ولا أحمد عوداً، مما أذن الله فيه لعباده الذين أعمرهم أرضه، وسخر لهم بره وبحره، أن يمشوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه؛ وحيث نتقلب ففي كرمك، وأين نأمن ففي حرمك، [وحيث لا توحشنا دعوتك، ولا تفوتنا نعمتك، من ملكك إلى ملكك] ، ومن يمينك إلى شمالك. وفي فصل من أخرى: ولعل مقلب القلوب قد قلب قلبك الكريم للأطفال المشردين، الذين دعوك مضطرين، أن تحل عنهم عقل النوى، وتكلهم إلى جبار السما، الذي أمر عباده أن ينتشروا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 أرضه، ويبتغوا من فضله. وله من أخرى إلى علي بن حمود: حسبك الله يا ابن رسول الله، [وعلى هدىً من الله] ، فيما خفقت إليه راياتك، وصدقت به آياتك، جدير أن يعز بطاعته نصرك، كما شرح بتوفيقه صدرك، ويتمم بتأييده أمرك، بما أوليت أولياءه المؤمنين، وأبليت في عباده الصالحين، المصابين في الأموال والأهلين، أيام تزاحمت إليهم أسباب القضاء بالبأساء والضراء، وأبرقت عليهم آفاق السماء بسيوف الأعداء، تسح بوابل الدماء [وتموج بأسراب السباء] ، فسرعان ما هاموا فلا وزر، وربعوا فلا مستقر، ونادوا ولات حين مناص ولا فوت، إلا من أعفاه الموت؛ فأصبحوا أنفاض الجلاء، وأغراض الفناء، قد جهدوا بالبلاء، وعيوا بالداء العياء، فلئن زلزلت بهم الأرض، لقد سكن بهم عز سلطانك، ولئن تهفت بهم الذعر، لقد اطمأنوا في مهاد أمانك. وله من أخرى إلى منذر بن يحيى: حياك بتحية الملك، من أحيا بك دعوة الحق، ورداك رداء الإعظام، من أعلى بك لواء الإسلام، مجري الأقدار بإعلاء قدرك، ومصرف الليل والنهار بإعزاز نصرك، ومظهر من أطاعك على من عصاك، ومدمر من عاداك بسيوف من والاك. قد جعل الله أول أسمائك أولى بأعدائك، وأقرب اعتزائك صفواً لأوليائك؛ ثم سما بك حاجب الشمس، نوراً وأنساً لهذا الإنس، ونفس حياةٍ لكل نفس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ثم أحييت فجرهم يا ابن يحيى ... بسراجين: نور دين ودنيا وخلفت السحاب ظلاً وجوداً ... فوسعت الإسلام سقياً ورعيا وتحليت من تجيب سناءً ... كنت فيه للدين والملك محيا ومن كتاب له: وأكرم بها أعراقاً سرت إليك، وأخلاقاً نظمت عليك، وأعباء ملك حملت عاتقيك، وأعنة خيلٍ أسلمت في يديك، [فإليك أهل الدليل، وأرزمت الحمول] ، ومن نداك سقي الغليل، وشفي العليل، وفي ذراك برد المقيل، وقصر الليل الطويل، وبعلاك أمن الخائف وعز الذليل، وبسناك هدي ابن السبيل [سواء السبيل] ، إلى الظل الظليل، والأمل المأمول، فحبل الغريب موصول، وعذر المسيء مقبول، وجفاء الضيف محمول، فكيف بضيفك المجتاب، إليك غول القفر اليباب، وهول البحر ذي العباب، يهدي إليك لباب الألباب، ويتحفك بجواهر الآداب، متضائلاً في أسمال الاغتراب، مكفكفاً من عبرات الاكتئاب، يتسلى بسلام الحجاب، واستلام الأبواب، إلى أن اكرمته برفع الحجاب [فيا روح ثنائه بكم الأحساب] ويا فوح رياضه بديم السحاب، ويا طيب طوبى وحسن مآب [لمن نصرت وآويت، ووصلت وأدنيت؛ ما دعاك حتى لبيت، ولا استسقاك حتى سقيت، ثاني عطفه عن الشكوى إليك، ناكص طرفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 عن الإدلال عليك، علماً بأن الهلال ساع إلى الكمال، وأن البدر مؤدٍ إلى الفجر، وأن انسجام زعيم بابتسام الزهر] . إلى لاعجٍ في القلب مضطرم ... جاش إليك به بحر من الكلم ودمع أجفان عين قد شرقن به ... حتى ترقرق بين الرق والقلم ديناً لذي أسرةٍ دنيا وفيت به ... ورحمة وصلت مني بذي رحم إذا رددت سيوف الهند عن دمه ... فإنما رفعت عن مهجتي ودمي وإن ضربت رواقاً دون حرمته ... فإنها ستري مدت على حرمي لهفي عليه وقد أهوت له نكب ... لا تستقل لها ساق على قدم فبات يسعر برد الليل من حرق ... ويستشير دموع الصخر من ألم وما بعيني عن مثواه من وسنٍ ... وما بأني عن شكواه من صمم قال ابن بسام: ونثر أبي عمر، رحمه الله، دون نظمه الرائق بكثير، فلذلك ما ألمعت منه بالشيء اليسير، وعولت على عارض شعره الهتن العزيز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 @ما أخرجته من قصائد السلطانيات حكى أبو مروان بن حيان قال: لما استوسق الأمر بقرطبة لسليمان حسبما وصفناه، تعرض لمدحه من كان ثوى بقرطبة يومئذ من بقية الشعراء العامريين رجاءً في ثمد نواله، فصاغوا في مديحه أشعاراً حسنةً استذموا فيها إلى الدين والمروءة، وأنشدها أكثرهم في مجلس حفله علانية فأصغى وهش، ثم غل المديح فما بل ولا رش؛ وتم لذلك تقويض الجماعة عن حضرة قرطبة، وتخلى الكثير منهم عن ولايته، فأمحى لذلك رسم الأدب بها، وغلب عليها العجمة، وانقلب أهلها من الإنسانية المتعارفة إلى العامية الصريحة، وفارقوا الحرية. وكان ممن شهر امتداحه للخليفة سليمان يومئذ، وحفظ كلامه من تلك الطبقة العلية، كبيرها أبو عمر أحمد بن محمد بن دراج القسطلي، وقد كان إلى وقته ذلك ثاوياً بقرطبة، يحسب أن سليمان سيجيره من الزمان، وكان النجم أدنى من ذلك إليه. دخل عليه أول مجلسٍ كان له بالقصر فأنشده قصيدته التي أولها: شهدت لك الأيام أنك عيدها ... لك حن موحشها وآب بعيدها [وأضاء مظلمها، وأفرخ روعها ... وأطاع عاصيها، ولان شديدها] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وصفت بك الدنيا فشب كبيرها ... في إثر ما قد كان شاب وليدها ما كان أجمد قبل نوئك بحرها ... فالآن فجر بالندى جلمودها فارتاح بيتك في أباطح مكةٍ ... لمعاد أيام دنا موعودها لمواكب صهلت إليك خيولها ... وكتائب هفقت عليك بنودها شغفاً بدعوتك التي قد طالما ... عمرت تهائمها بها ونجودها حتى ارتقت من المنازل رتبةً ... عزت بها غر الرجال وصيدها في قبة الملك التي صنهاجة ... وزناتة أطنابها وعمودها صدقتك أيام النزال سيوفها ... ضرباً وفي يوم النفار عهودها يا ساعة مقطوعةً أرحامها ... لا البر شاهدها ولا مشهودها يوماً أذل كرامه للئامه ... وسطت بأحرار الملوك عبيدها وتواكلت أبطالها في كربةٍ ... عيت بها ساداتها ومسودها لا يهتدي سمت النجاة دليلها ... دهشاً ولا وجه السداد سديدها حتى طلعت لهم بأسعد غرةٍ ... طلعت عليهم في السماء سعودها ومنها: واستودعوا جنبي شرنبة وقعةً ... هز الجبال الراسيات رعودها دلفوا إلى شهابء حان حصادها ... وطلى رؤوس الدارعين حصيدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وشعاب قنتيش وقد حشرت لهم ... أمم بغاة لا يكف عديدها تركوا بها ظهر الصعيد وقد غدا ... بطناً، وأجساد العداة صعيدها وكتائب الإفرنج إذ كادتك في ... أشياعها والله عنك بكيدها بسوابح في لج بحر سوابغ ... فاضت على الأرض الفضاء مدودها ولقد أضافوا نسرها وغرابها ... وقراهما طاغوتها وعميدها شلو لأرمنقودها حشدت به ... للزحف ثم إلى الجحيم حشودها ودنوا لها في آر تحت صوارم ... وريت بعز المسلمين زنودها من بعدما قصفوا الرماح وأصلتوا ... بيضاً يشايع حدها توحيدها فكأنما رفعت له صلبانها ... في ظل هبوتها فحان سجودها وبجانب [الغربي] إذ قدمتها ... شعثاً يبشر بالفتوح شهيدها ضربوا على الأخدود هام حماته ... حتى عبرن وجسرهن خدودها في وقعة قامت بعذر سيوفهم ... لو ذاب من حر الجلاد حديدها ويضيق فيها العذر عن خطيةٍ ... سمراء لم يورق بكفك عودها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 فيها رأيت العز حيث تريده ... وسوابغ النعماء حيث تريدها فاقبل فقد ساقت إليك مهورها ... أكفاء حمدٍ لا يذم حميدها بدعاً من النظم النفيس تشابهت ... فيها الجواهر درها وفريدها وليهنها أيام عزٍ كلها ... عيد وأنت لمن أطاعك عيدها ومدحه أيضاً بقصيدة أخرى أولها: هنيئاً لهذا الملك روح وريحان ... وللدين والدنيا أمان وإيمان فإن قعيد الخزي قد ثل عرشه ... وإن أمير المؤمنين سليمان سمي الذي انقاد الأنام لأمره ... فلم يعصه في الأرض إن ولا جان وقام فقامت للمعالي معالم ... وللخير أسواق وللعدل ميزان وجدد للإسلام سور خلافةٍ ... عليها من الرحمن نور وبرهان قريب النبي المصطفى وابن عمه، ... ووارث ما شادت قريش وعدنان وما ساقت الشورى وأوجبه التقى ... وأورث ذو النورين عمك عثمان وما حاكمت فيه السيوف وحازه ... إليك وأبو الأملاك جدك مروان ومنها في صفة رجال حربه، وهو من جيد الكلام وحر النظام: وقد لمعت حوليك منهم أسنة ... تخيل أن الحزن والسهل نيران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 أسود هياج ما تزال تراهم ... تطير بهم نحو الكريهة عقبان وأقمار حربٍ طالعت كأنما ... عمائمهم في موقف الروع تيجان وكل زناتي كأن حسامه ... وهامة من لاقاه نار وقربان وأبيض صنهاجٍ كأن سنانه ... شهاب إذا أهوى لقرنٍ وشيطان ومنها في وصف صلحٍ والندب إليه: وقلت لعاً للعاثرين كأنه ... نشور لقوم حان منهم وقد حانوا وقد أمن التشريب إخوة يوسف ... وأدركهم لله عفو وغفران وحنت لداعي الصلح بكر وتغلب ... وشفعت الأرحام عبس وذبيان وفازت قداح المشتري بسعودها ... وسالم بهرام وأعتب كيوان وله من أخرى في منذر بن يحيى، حين قدم عليه صاعد اللغوي: علا فحوى ميراث عاد وتبعٍ ... بهمته العليا ونسبته الدينا فأعرب عن أقوام يعرب واحتبى ... فلم ينس من هود سناءً ولا هديا ومن حمير رد القنا أحمر الذرى ... ومن سبأ قادت كتائبه السبيا وما نام عنه عرق قحطان إذ فدى ... عروق الثرى من غلة القحط بالسقيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وما أسكنت عنه السكون سيادةً ... ولا رضيت طي لراحته طيا ولا كندت أسيافه ملك كندةٍ ... فيترك في أركان عزتها وهيا ولا أقعدته عن إجابة صارخٍ ... تجيب ولو حبواً إلى الطعن أو مشيا وكائن له الأوس من حق أسوةٍ ... بنصب الهدى جهراً وبذل الندى خفيا هم أورثوه نصر دين محمد ... وحازوا له فخر الندى والقرى وحيا مناقب أدوها إليه وراثةً ... فكان لها صدراً وكانت له حليا وصوت ثناء أسمع الله ذكره ... ليسمع منه الصم أو يهدي العميا [ومنها في ورد صاعد الغوي] : وأهدت له بغداد ديوان علمها ... هدية من والى وتحفة من حيا فكانت كمن حيا الرياض بزهرها ... وأهدى إلى صنعاء من نسجها وشيا وحسب رواة العلم أن يتدارسوا ... مآثره حفظاً وآثاره وعيا إذا لمعت زرق الأسنة حوله ... كإضرام نيران الهموم حواليا وقد لاذ أبطال الجلاد بعطفه ... كما لاذ أطفال الجلاء بعطفيا وقد قصرت عنه رماح عداته ... كما قصرت عنهم رياض جناحاً ومنها: فيالك من ذكرى سناءٍ ورفعةٍ ... إذا وضعوا في الترب أيمن شقيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وفاحت ليالي الدهر مني ميتا ... فأخزين أياما دفنت بها حيا وكان ضياعي حسرة وتندما ... إذا لم يفد شيئا ولم يغني شيا وأصبحت في دار الغنى عن ذوي الغنى ... وعوضت فاستقبلت أسد يوميا سوى حسرتي عرض ووجه تضعضعا ... لقارعة البلوى وكانا عتاديا فيا عبرتي سحي لعلي مبلل ... بجريك ما أنزفت من ماء خديا ويا زفرتي هل في وقودك جذوة ... تنير لنا صبحا ثناه الأسى مسيا ويا خلتي إن سوف الغوث بالمنى ... ويا غلتي إن أبطأ الغيث بالسقيا فقوما إلى رب السماء فأسعدا ... تقلب وجهي في السماء وقد حيا ويا أوجه الأحرار لا تتبدلي ... بظل ابن يحيى بعد ظلاً ولا فيا وله فيه من أخرى: لبيك، أسمعنا نداك ودوننا ... نوء الكواكب مخوياً أو ممطراً فسريت في حرم الأهلة مظلماً ... ورفلت في خلع السموم مهجرا ظعن ألفن القفر في غول الدجى ... وتركن مألوف المعاهد مقفرا يطلبن لج البحر حيث تقاذفت ... أمواجه، والبر حيث تنكرا هيم وما يبغين دونك مورداً ... أبداً ولا عن بحر جودك مصدرا من كل نضو الآل محبوك المنى ... يزجيه نحوك كل محبوك القرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 بدن فدت منا دماء نحورها ... ببقائها في كل أفق منحرا نحرت بنا صدر الدبور فأنبطت ... قلق المضاجع تحت جوٍ أكدرا خوص نفحن بنا البرى حتى انثنت ... أشلاؤهن كمثل أنصاف البرى وصبت إلى نحر الصبا فاستخلصت ... سكن الليالي والنهار المبصرا نذرت لما ألا تلاقي راحة ... مما تلاقي أو تلاقي منذرا فلئن صفا ماء الحياة لديك لي ... فبما شرقت إليك بالماء الصرى ولئن خلعت علي برداً أخضراً ... فلقد لبست إليك عيشاً أغبرا ومنها: أبني لا تذهب بنفسك حسرة ... عن غول رحلي منجداً أو مغورا فلئن تركت الليل فوقي داجياً ... فلقد لقيت الصبح بعدك أزهرا وحللت أرضاً بدلت حصباؤها ... ذهباً يرف لناظري وجوهرا ولتعلم الأملاك أني بعدها ... ألفيت كل الصيد في جوف الفرا ورمى علي رداءه من دونهم ... ملك تخير للعلا فتخيرا ضربوا قداحهم علي ففاز بي ... من كان بالقدح المعلى أجدرا ومنها: كلا وقد آنست من هود هدىً ... ولقيت يعرب في القيول وحميرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وأصبت في سبأ مورث ملكها ... يسبي املوك ولا يدب لها الضرا فكأنما تابعت تبع رافعاً ... أعلامه ملكاً يدين له الورى والحارث الجفني ممنوع الحمى ... بالخيل والآساد مبذول القرى وحططت رحلي بين ناري حاتمٍ ... أيام يقري، موسراً أو معسرا ولقيت زيد الخيل تحت عجاجةٍ ... يكسو غلائلها الجياد الضمرا وعقدت في يمنٍ مواثق ذمةٍ ... مشدودة الأسباب موثقة العرى وأتيت مجدك وهو يرفع منبراً ... للدين والدنيا ويخفض منبرا وخططت بين جفانها وجفونها ... حرماً أبت حرماته أن تحفرا تلك البدور تتابعت وخلفتها ... سعياً فكنت الجوهر المتخيرا قال أبو الحسن: أراه احتذى في هذه الأبيات الأخيرة حذو أبي الطيب في ابن العميد حيث يقول: من مبلغ الأعراب أني بعدها ... جالست رسطا ليس والإسكندرا ولقيت بطليموس دارس كتبه ... متبدياً في ملكه متحضرا ولقيت كل الفاضلين كأنما ... رد الإله نفوسهم والأعصرا نسقوا لنا نسق الحساب مقدماً ... وأتى " فذلك " إذ أتيت مؤخرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وقوله " خوص نفحن بنا البرى " ... البيت، معنى مشهور، وهو في الشعر كثير، ومنه قول بعض أهل العصر، وهو أبو جعفر بن هريرة التطيلي يصف إبلاً: كأنصاف البرى وتدق عنها ... شواها دقةً تسع الجلالا وكذلك قوله: " لله أي أهلةٍ " ... البيت، كقول أبي جعفر المذكور: كل عوجاء كالهلال عليها ... كل ذي تدرإٍ كبدر الكمال وأنشدت لابن بياع السبتي: وردت بها التنوفة وهي بدر ... فلم أصدر بها إلا هلالا وقوله: " ورمى علي رداءه من دونهم " أشار إلى لفظ الهذلي دون معناه وهو: ولم ادر من ألقى عليه رداءه ... سوى أنه قد سل عن ماجدٍ محض وذكر الرواة أنه لا تعرف العرب رجلاً مدح من لا يعرفه غير أبي خراش الهذلي هذا، وكان خراش وعمه عروة غزوا فأخذا، وهموا بقتلهما، فنهاهم بنو دارمٍ وأبى بنو هلالٍ إلا قتلهما، فأقبل رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 من بني دارم فألقى على خراش رداءه، وشغل القوم بقتل عروة، وقال الرجل لخراش: انج، فنجا إلى أبيه وأخبره الخبر، فقال الأبيات التي أولها: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض فقلت: لا، قال: من قول أبي خراش: " ولم أدر من ألقى عليه رداءه " ... البيت، قلت له: والمعنى مختلف قال: أما ترى حذو الكلام واحداً - وقال القسطلي يمدح الوزير أبا الأصبغ عيسى بن سعيد القطاع: أفي مثلها تنبو أياديك عن مثلي ... وهذي الأماني فيك جامعة الشمل وقد أمن المقدار ما كنت أتقي ... وأرخصت الأيام ما كنت أستغلي وأذعن صرف الدهر سمعاً وطاعةً ... لما فهت من قولٍ وأمضيت من فعل وناديت بالإنعام في الأرض والتقت ... بيمناك أشتات الطرائق والسبل وهذا مقامي منذ تسع وأربع ... رجائي في قيد وحظي في غل كأني لم أحلل ذراك ولم أقم ... مناخ المطايا فيه مرتهن الرحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وأغض عن البرق الذي شيم للحيا ... وأعقد بحبلٍ منك بين الورى حبلي ولم تصفني خلقاً أرق من الهوى ... ولم تولني نعمى ألذ من الوصل ولم تثن عني في مواطن جمةً ... سيوفاً حداداً قد سللن على قتلي ولم أطوسن الإكتهال محاكماً ... إليك خطوباً شيبت مفرق الطفل وكنت ومفتاح الرغائب ضائع ... ملاذي فهذا بابها ضائع القفل وإني في أفياء ظلك أشتكي ... شكية موسى إذ تولى إلى الظل وهذا البيت من لفظ القرآن العزيز، وقد أقدمت على مثل هذا جماعة من الشعراء من محدثين وقدماء؛ فمن غال متسور، ومن آخذٍ معتذر؛ قال أبو العلاء المعري: كنت موسى وافته بنت شعيبٍ ... غير أن ليس فيكما من فقير وأخذه بعض أهل عصرنا، وهو حسان بن المصيصي فقال للمعتمد ابن عباد: كبنت شعيب إذ زفت لموسى ... ولكن للثراء هنا مزيد ومن آخر من ركب هذا الأسلوب في مكابرة الحقائق، وأضل من ذهب هذا المذهب الغريب، من الاجتراء على الخلق والخالق، المنفتل بقوله: وقد كان موسى خائفاً مترقباً ... فقيراً وآمنت المخافة والفقرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وستأتي قصيدته هذه في موضعها، وتنتظم القصة عنه بأجمعها. وفي هذه القصيدة يقول القسطلي: ولي الندى أصبحت في دولة الندى ... كأني عدو والبخل في دولة البخل يقتل أخفى اليأس أحيا مطالبي ... ليالي جل الوعد عن رتبة المطل وأبدي للسع الدبر وجهي منازعاً ... وقد فاز غيري سالماً بجنى النحل وهكذا كقول المتنبي: ولا بد دون الشهد من ابر النحل ... وقال ابتن سارة الشنتريني: لها قسمة بين الرواة وبينكم ... فمن قسمة ضيزى ومن قسمةٍ عدل بأفواههم منها جنى النحل كلما ... رووها وفي أستاهكم إبر النحل ومنها: أواصل آناء الأصائل بالضحى ... وزادي من جهدي، وراحلتي رجلي وهذا مما شرحه وأوضحه أبو الطيب بقوله من المنسرح: لا ناقتي تقبل سالرديف ولا ... بالسوط يوم الرهان أجهدها شراكها كورها، ومشرفها ... زمامها، والشسوع مقودها ومنها: إذا أحفت الفرسان غر جيادهم ... خصفت برجلي ما تمزق من نعلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وإن أقبلوا والمسك يندى عليهم ... أتيت وقد ضمخت مسكاً من الوحل وإن شغلوا لهواً بأنعم كفه ... فخدمته لهوي وطاعته شغلي أقر عيون الشامتين وليتني ... أبرد ما تطوي الصدور من الغل أمر بهم ألقلى الثرى وكأنما ... فؤادي من أحداقهن غرض النبل إذا الأسد الضرغام أنفذ مقتلي ... فما فزعي إلا إلى الأرقم الصل وإن ذاب حر الوجه من حر نارهم ... فما مستغاثي منه إلا إلى المهل ومن شيمة الماء القراح - وإن صفا - ... إذا اضطرمت من تحته النار أن يغلي ولا وزر إلا وزير له يد ... تمل على أيدي الربيع فتستملي أبا الأصبغ المعني هل أنت مصرخي ... وهل أنت لي مغن وهل أنت لي معلي فأكسولك الأيام من حر ما أشي ... وأملأ سمع الدهر من سحر ما أملي وحتى متى أعطي الزمان مقادتي ... وقد قبضت كفي على قائم النصل أيحتقب الركبان شرقاً ومغرباً ... غرائب أنفاسي وألقاك في الرجل وينتقل الشرب الندامي بدائعي ... وهيهات لي من لذة الشرب والنقل وضيف بحيث الطير تدعى إلى القرى ... يضيق به رحب المباءة والنزل وسيف يقد البيض والزغف مقدماً ... يروح بلا غمدٍ ويغدو بلا صقل وذو غرةٍ معروفة السبق في المدى ... وقد قرح التحجيل من حلق الشكل قوله: " ومن شيمة الماء القراح ".. البيت، هو قول ابن أبي عيينة المهلبي. ولا بد للماء في مرجلٍ ... على النار موقدةً أن يفورا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وينظر أيضاً معناه - من طرفٍ عليل - إلى بيت عمارة بن عقيل: وما النفس إلا نطفة بقرارة ... إذا لم تكدر كان صفواً غديرها وأخذه المعري وزاد حتى كاد يخفيه فقال: والخل كالماء تبدو لي ضمائره ... مع الصفاء ويخفيها مع الكدر وقوله: " وذو غرةٍ " ... البيت، من قول أبي الطيب: وإن تكن محكمات الشكل تمنعني ... ظهور جري فلي فيهن تصهال وقال أبو العلاء المعري يصف قصيدته من جملة أبياتٍ فقال: حجلت فلم يرها الذي قيدت له ... وغدت بآفاق البلاد تجول كالطرف يقلقه المراح صبابةً ... بالجري وهو مقيد مشكول وقال أبو الوليد بن زيدون: ثوى صافناً في مربط الهون يشتكي ... بتصهاله ما ناله من أذى الشكل وكرره ابن زيدون في موضع آخر فقال: وأن الجواد الفائت الشأو صافن ... تخونه شكل وأزرى به ربط وقال عبد الجليل للمعتمد بن عباد من جملة أبيات هي ثابتة في موضعها مكن هذا المجموع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 أتتك على خلائقها جيادي ... وإن كان الضياع لها شكالا وقال القسطلي يمدح المرتضى، آخر ملوك بني مروان، من قصيدة أولها: جهادك حكم الله من ذا يرده ... وعزمك أمر الله من ذا يصده وطائرك اليمن الذي أنت يمنه ... وطالعك السعد الذي أنت سعده يقول فيها: وبيعة رضوان رعى الله حقها ... لمن بيعة الرضوان إذ غاب جده فأصبح في رأس الرياسة ناجه ... ونظم في جيد الخلافة عقده مسرته مأوى الغريب وستره ... ولذته خير المقل ورفده وأجناده في موقف الروع روضه ... وأعلامه في مورد الموت ورده نلاعب آرام الفلا من هباته ... وآرامه غر الطراد وجرده ونفترش الديباج من جود كفه ... وما فرشه إلا الجواد ولبده ومن برح البيض الحسان بوجده ... فبالبياض في الهيجاء برح وجده [وكل إمام ناصر أنت صنوه ... وكل إمام قاهر أنت نده نموك إلى بيت النبوة وابتنوا ... لك الشرف الفرد الذي أنت فرده فأفخر بمن قرب النبيين فخره ... وأمجد بمن مجد الخلائف مجده] وله من أخرى في المنصور بن أبي عامر: ألم تعلمي أن الثواء هو التوى ... وأن بيوت العاجزين قبور تخوفني طول السفار وإنه ... لتقبيل كف العامري سفير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ذريني أرد ماء المفاوز آجناً ... إلى حيث ماء المكرمات نمير فإن خطيرات المهالك ضمن ... لراكبها أن الجزاء خطير ومنها في وصف وداعه لمن تخلفه، وذكر ابنه الصغير، بما لا شبيه له ولا نظير، ولا مثيل ولا عديل: ولما تدانت للوداع وقد هفا ... بصبري منها أنة وزفير [تناشدني في عهد المودة والهوى ... وفي المهد مبغوم النداء صغير] عيي بمرجوع الخطاب ولفظه ... بموقع أهواء النفوس خبير تبوأ ممنوع القلوب ومهدت ... له أذرع محفوفة ونحور فكل مفداة الترائب مرضع ... وكل محية المحاسن ظير عصيت شفيع النفس فيه وقادني ... رواح بتدآب السرى وبكور وطار جناح البين بي وهفت بها ... جوانح من ذعر الفراق تطير لئن ودعت مني غيوراً فإنني ... على عزمتي من شجوها لغيور ولو شهدتني والهواجر تلتظي ... علي ورقراق السراب يمور أسلط حر الهاجرات إذا سطا ... على حر وجهي والأصيل هجير وأستنشق النكباء وهي بوارح ... وأستوطئ الرمضاء وهي تفور وللموت في عين الجبان تلون ... وللذعر في سمع الجريء صفير ومنها: وقد خيلت طرق المجرة أنها ... على مفرق الليل البهيم قتير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 ودارت نجوم القطب حتى كأنها ... كؤوس مهاً وإلى بهن مدير لقد أيقنت أن المنى طوع همتي ... وأني بعطف العامري جدير ومنها: ولما توفوا للسلام ورفعت ... عن الشمس في أفق السماء ستور وقد قام من زرق الأسنة دونها ... صفوف ومن بيض السيوف سطور رأوا طاعة الرحمن كيف اعتزازها ... وآيات صنع الله كيف تنير وكيف استوى بالبر والبحر مجلس ... وقام بعبء الراسيات سرير فجاؤوا عجالاً والقلوب خوافق ... وولوا بطاء والنواظر صور ومنها: وضاءل قدري في ذراك عوائق ... جرت لي برحاً والقضاء عسير وما شكر النحعي شكري ولا وفى ... وفائي - إذ عز الوفاء - قصير أثرني لخطب الدهر والدهر معضل ... وكلني لليث الغاب وهو هصور وقد تخفض الأسماء وهي سواكن ... ويعمل في الفعل الصحيح ضمير وتنبو الردينيات والطول وافر ... ويبعد وقع السهم وهو قصير وله من أخرى في ابن أزرق، وهي أيضاً من حر كلامه، وسحر نظامه: أخو ظمأ يمص حشاه سبع ... وأربعة وكلهم ظماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 كأنجم يوسف عدداً ولكن ... برؤيا هذه برح الخفاء خطوب خاطبتهم من دواه ... يموت الحزم فيها والدهاء تراءت بالكواكب وهي ظهر ... وآذن فيه بالشمس العشاء [فهل نظري تخفى أو بصدري ... وضاق البحر عنها والفضاء] وكلهم كيوسف إذ فداه ... من القتل التغرب والجلاء وإن سجن حواه فكم حواهم ... سجون الفلك والقفر القواء نقائذ فتنة وخلوف ذل ... ألذ من البقاء به الفناء وإن أقوت مغاني العز منهم ... فكم عمرت بهم بيد خلاء وإن ضاقت بهم أرض فأرض ... فما بكت لمثلهم السماء [شموس غالها ذعر وبين ... فهن لكل ضحية هباء] وكم لبسوا من النعمى بروداً ... جلاها عن جسومهم الجلاء وكم عسفوا إليه لج بحرٍ ... تلاقى الماء فيه والسماء [فما ظفروا بمثلك نجم سعدٍ ... به لهم إلى الأمل انتهاء] ولكن عدلوا منه حساباً ... له فيما دعوك له قضاء كما زجروا من اسم أبيك فألاً ... فردت فيه قبل الزاي راء وله من أخرى: فما تجاوزت قرن الموت معتسفاً ... إلا وقرني رخيم الدل بارعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 تحيتي منه تقبيل ومعتنق ... يشدني غله عنه وجامعه لم أخلع الدرع إلا حين شققه ... عن صبح صدري ما تحمي مدارعه ولا توقيت سهماً من لواحظه ... يذيب سيفي وفي قلبي مواقعه غضن تجرع أنداء الغمام فما ... تطوق الدر إلا وهو جارعه يميس طوراً وسكر الدل عاطفه ... وتارةً وانثناء الوشي لاذعه فاستفرغ الخصر كثباناً تباعده ... وأنبت الصدر رماناً يدافعه فبت تحت رواق الليل ثانيه ... والشوق ثالثنا والوصل رابعه والسحر يسحر من لفظ ينازعني ... والمسك يعبق من كأس أنازعه راحاً يمد سناها نور راحته ... لولا المها لجرت فيها أصابعه كأنما ذاب فيها ورد وجنته ... وشجها ريقه المعسول مائعه فيا ظلام نجوم الليل إذ عدمت ... بدر السماء وفي حجري مضاجعه [ويا حنين ظباء القفر إذ فقدت ... غزالهن وفي روضي مراتعه مجال طرفي وما حازت لواحظه ... وحر صدري إذا ما ضمنت أضالعه] والطرف مرآة عيني أستدل بها ... على الصباح إذا م خيف ساطعه جوناً أزيد به ليل الرقيب دجىً ... ويستنير لي الإصباح لامعه فبات يعجب من ظبي يصارعني ... وقد يرق على ليث أصارعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وما رأى قرناً أعانقه ... إلا وودع نفساً لا تراجعه حتى بدا الصبح مشمطاً ذوائبه ... يطارد الليل موشياً أكارعه كأن جمع ضلال حان مصرعه ... وأنت بالسيف يا منصور صارعه قال أبو الحسن: قوله " موشياً أكارعه ": جعل ذوائب الصبح مشمطة من ممازجة الليل له، وجعل أكارع الليل موشية من ممازجة الصبح لها، وجعل آخر الليل من مواخره وهي متصلة بأول الصبح، وآخر الصبح من مقادمه وهي المتصلة بآخر الليل، وأصاب في الإشارة إلى التشبيه لأنه أومأ إلى أن الصبح كالثور الوحشي وهو أبيض، والثيران الوحشية كلها بيض، وأكارعها موشية خاصة. وإنما ألم القسطلي في هذا بقول أعرابي يصف ليلةً: خرجنا في ليلة حندس قد ألقت على الأرض أكارعها فمحت صور الأبدان، فما كدنا نتعارف إلا بالآذان. وقوله: " فيا ظلام نجوم الليل " ... البيت، من مليح المعاني، وقد أخذه إدريس بن اليماني، فقال من جملة أبيات هي ثابتة في موضعها من هذا المجموع: بدر ألم وبدر الليل ممحق ... والأفق محلو لك الأرجاء من حسد تحير الليل فيه أين مطلعه ... أما درى الليل أن البدر في عضدي - وله من أخرى في علي بن حمود؛ قال ابن بسام: وهذه القصيدة له طويلة، وهي من الهاشميات الغر، بناها من المسك والدر، لا من الجص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 والآجر، لا بل خلدها حديثاً على الدهر، وسر بها مطالع النجوم الزهر؛ لو قرعت سمع دعبل بن علي الخزاعي، والكميت بن زيد الأسدي، لأمسكا عن القول، وبرئا إليها من القوة والحول؛ بل لو رآها السيد الحميري، وكثير الخزاعي، لأقاماها بينة على الدعوى، ولتلقياها بشارةً على زعمهما بخروج الخيل من رضوى؛ وقد أثبت أكثرها إعلانا بجلالة قدرها، واستحساناً لعجزها وصدرها، وأولها: لعلك يا شمس عند الأصيل ... شجيت لشجو الغريب الذليل فكوني شفيعي إلى ابن الشفيع ... وكوني رسولي إلى ابن الرسول فإما شهدت فأزكى شهيد ... وإما دللت فأهدى دليل على سابق في قيود الخطوب ... ونجم سناً في غثاء السيول [ينادي الثرى لسقام الضياع ... ويشكو إلى الملك داء الخمول] [وعز على العلم مثواه أرضاً ... على حكم دهرٍ ظلوم جهول] ويعجب كيف دنا من علي ... ولم تنفصم حلقات الكبول وكيف تنسم آل النبي ... وأبطأ عنه شفاء العليل وأطواد عزهم ماثلات ... له وهو يرنو بطرف كليل وأبحرهم زاخرات إليه ... ويرشف في الثمد المستحيل [تجرأ من جنتي مأربٍ ... بخمط وأثل وسدر قليل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 ومنها: شريد السيوف وفل الحتوف ... يكيد بأفلاذ قلب مهول تهاوت بهم مصعقات الرع ... د في مدجنات الضحى والأصيل بوارق ظلماء ظلم تبيح ... دمى من حمى أو دماً من قتيل فأذهل مرضعةً عن رضيع ... وأنسى الحمائم ذكر الهديل فما تهتدي العين فيها سبيلاً ... سوى سبل العبرات الهمول [ولا يعرف الموت فيها طريقاً ... إلى النفس إلا بعضب صقيل] ركبت لها محملاً للنجاة ... وصيرت قصدك فيه عديلي فردت على عقبيها المنون ... بواق مجير ورأي أصيل وقد سمتها بنفيس التلاد ... على أنفس ضائعات الذحول نفوس حنت قوس عطفي عليها ... فكن سهام قسي الخمول ومعنى هذا البيت كقول الرضي مما أنشده الثعالبي: هن القسي من النحول فإن سما ... طلب فهن من النجاء الأسهم قال الثعالبي: وما أحسن ما جمع بين القسي والأسهم، وما أراه سبق إليه على هذا الترتيب. قال ابن بسام: وقد قال بعض أهل عصرنا وهو عبد المجيد بن عبدون من جملة أبيات هي ثابتة بموضعها من هذا المجموع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 جوانح كالقسي رمت ثبيراً ... بفتيان - أقلني - بل نبال وقال أبو العرب الصقلي: وحط بنا عن ناجيات كأنها ... قسي رمت منا البلاد بأسهم وفي هذه القصيدة يقول القسطلي: ومن دوننا آنسات الديار ... نهاب الحمى موحشات الطلول مغاني السرور لبسن الحداد ... على لابسات ثياب الذهول خطيبات خطب النوى والمهور ... مهارى عليها رحال الرحيل فمن حرة جليت بالجلاء ... وعذراء نصت بنص الذميل ولا حلي إلا جمان الدموع ... تسيل على كل خد أسيل فبدلن من طول خفض النعيم ... بشق الحزون ووعث السهول ومن قصر الليل تحت الحجال ... بهول السرى تحت ليلٍ طويل ومن علل الماء تحت الظلال ... صلاء القلوب بحر الغليل ومن طيب نفحٍ بنور الرياض ... تلظي لفحٍ بنار المقيل ومن أنسها بين ظئر وتربٍ ... سرى ليلها بين ذئب وغول ومن كل مرأى محياً جميل ... تلقى الخطوب بصبر جميل لعل عواقبه أن تتم ... فيهدي الغريب سواء السبيل إلى الهاشمي، إلى الطالبي، ... إلى الفاطمي العطوف الوصول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 فسمي جدك عمرو الكرام ... بهشم الثريد زمان المحول وضيف حتى وحوش الفلاة ... وأهدى القرى لهضاب الوعول وإن أبا طالب للضيوف ... لأطلب من ضيفه للنزول يروح عليهم بغر الجفان ... ويغدو لهم بالغريض النشيل فأنتم هداة حياة ومرت ... وأنتم أئمة فعل وقيل وسادات من حل جنات عدن ... جميع شبابهم والكهول وأنتم خلائف دنيا ودينٍ ... بحكم الكتاب وحكم العقول ووالدكم خاتم الأنبياء ... لكم منه مجد حفيٍ كفيل تلذ بحملكم عاتقاه ... على حمله كل عبٍ ثقيل ورحب على ضمكم صدره ... إذا ضاق صدر أب عن سليل ويطرقه الوحي وهناً وأنتم ... ضجيعاه بين يدي جبرئيل وزودكم كل هدي زكي ... وأودعكم كل رأي أصيل قوله: " فمن حرةٍ جليت بالجلاء " ... البيت، كقول أبي عبد الله بن شرف القرواني من جملة أبيات: بات كرسيها الجلاء فأضحت ... في ثياب الجلاء للناس تجلى قال ابن بسام: وانتحى ابن شرف، فيما وصف من فتنة قيروانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 منحى القسطلي في شكوى زمانه، والحديث عن الفتن، فكاثر البحر بوشلٍ مشفوه، وجارى الريح بكودن لا فضل فيه. وفي القسم الرابع من هذا الديوان جملة من شعره، شاهدة على ما أجريت من ذكره. وقال أبو عمر في الخليفة خيران العامري صاحب المرية، وهو متوجه إلى سرقسطة سنة سبع وأربعمائة، ورأيت إثبات بعضها لحسنها: لك الخير قد أوفى بعهدك خيران ... وبشراك قد وافاك عز وسلطان هو النجم لا يدعى إلى الصبح شاهد ... هو النور لا يبغى على الشمس برهان إليك شحنا الفلك تهوي كأنها ... وقد ذعرت من مغرب الشمس غربان على لجج خضر إذا هبت الصبا ... ترامى بنا فيها ثبير وثهلان مواثل ترعى في ذراها مواثلاً ... كما عبدت في الجاهلية أوثان وفي طي أسمال الغريب غرائب ... سكن شغاف القلب شيب وولدان يرددن في الأحشاء حر مصائب ... تزيد ظلاماً ليلها وهي نيران إذا غيض ماء البحر منها مددنه ... بدمع عيون تمتريهن أشجان وإن سكنت عنها الرياح جرى بها ... زفير إلى ذكر الأحبة حنان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 يقلن وموج البحر والهم والدجى ... تموج بنا فيها عيون وآذان ألا هل إلى الدنيا معاد وهل لنا ... سوى البحر قبر أوسوى الماء أكفان وهبنا رأينا معلم الأرض هل لنا ... من الأرض مأوى أو من الإنس عرفان وصرف الردى من دون أدنى منازل ... تباهى إلينا بالسرور وتزدان تقسمهن السيف والحيف والبلى ... وشطت بنا عنها عصور وأزمان كما اقتسمت أخدانهن يد النوى ... فهم للردى والبر والبحر إخدان ظعائن عمران المعاهد مقفر ... لهن وقعر الأرض منهن عمران هوت أمهم ماذا هوت برحالهم ... إلى نازح الآفاق سفن وأظعان كواكب إلا أن أفلاك سيرها ... زمام ورحل أو شراع وسكان فإن غربت أرض المغارب موئلي ... وأنكرني فيها خليط وخلان فكم رحبت أرض العراق بمقدمي ... وأجزلت البشرى علي خراسان وإن بلاداً أخرجتني لعطل ... وإن زماناً خان عهدي لخوان سلام على الإخوان تسليم يائسٍ ... وسقياً لدهر كان لي فيه إخوان نودعهم شجواً بشجو كمثل ما ... أجابت حفيف السهم عوجاء مرنان ويصدع ما ضم الوداع تفرق ... كما انشعبت تحت العواصف أغصان إذا شرق الحادي بهم غربت بنا ... نوى يومها يومان والحين أحيان فلا مؤنس إلا شهيق وزفرة ... ولا مسعد إلا دموع وأشجان وما كان ذاك البين بين أحبة ... ولكن قلوب فارقتهن أبدان فيا عجباً للصبر منا كأننا ... لهم غير من كنا وهم غير من كانوا قضى عيشهم بعدي وعيشي بعدهم ... بأني قد خنت الوفاء وقد خانوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وأفجع بمن آوى صفيح وجلمد ... ووارت رمال بالفلاة وكثبان وجوه تناءت في البلاد قبورها ... وإنهم في القلب مني لسكان وما بليت في الترب إلا تجددت ... عليها من القلب الموجع أحزان هم استخلفوا الأحباب أمواج لجة ... هي الموت أو في الموت عنهن سلوان ومنها: ولا يأس من روحٍ وفي الله مطمع ... ولا بعد من خيرٍ وفي الأرض خيران متى تلحظوا قصر المرية تنزلوا ... ببحر ندى يمناه در ومرجان وتستبدلوا من موج بحر شجاكم ... ببحر لكم منه لجين وعقيان فتى سيفه للدين أمن وإيمان ... ويمناه للآمال روح وريحان ففضت سيوف حاربته وأيمن ... وشاهت وجوه فاخرته وتيجان وبالخير فتاح وبالخير عائد ... وبالخيل ظعان وللخيل طعان لها الكرة الغراء عن كل شارد ... أضاءت لهم منها ديار وأوطان ورد بها يوم اللقاء زناتةً ... كما انقلبت يوم الهباءة ذبيان بكل كمي عامري يسوقه ... لحر الوغى قلب على الدين حران حليهم بيض الصوارم والقنا ... لها وحلاهم سابغات وأبدان فأي صقور قلبت أي أعين ... إلى أي ليث ردها وهي خلدان عيون بها كادوا العلا ففقأتها ... فهم في شعاب الرشد والغي عميان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وما لهم في ظلمة بعد كوكب ... وما لهم في مقلةٍ بعد إنسان يضيق بهم رحب القصور وودهم ... لو احتازهم عنها كهوف وغيران وأنسيتهم حمل القنا، فسلاحهم ... عليك - إذا لاقوك - ذل وإذعان وأنى لفل القبط في مصر موئل ... وقد غيل فرعون وأهلك هامان حفرت لهم ف يوم قبرة بالقنا ... قبوراً هواء الجو منهن ملآن يطير بها هام ونسر وناعب ... ويعدو بها ذئب وذيخ وسرحان فلو نشر الأملاك يومك فيهم ... لألقى إليك التاج كسرى وخاقان ولو رد في المنصور روح حياته ... غداة لقيت الموت والموت غرثان وناديت للهيجاء أبناء ملكه ... فلباك آساد عبيد وفتيان جبال إذا أرسيتها حومة الوغى ... وإن تدعهم يوماً إليها فعقيان كتائب بل كتب بنصرك سطرت ... ووجهك " بسم الله " والسيف عنوان هو السيف لا يرتاب أنك سيفه ... إذا نازل الأقران في الحرب أقران واسمر يسري في بحار من الردى ... بيمناك لكن يغتدي وهو ظمآن تلألأ نوراً من سناك سنانه ... وقد دعت الفرسان للحرب فرسان فلله ماذا أنجبت منك عامر ... ولله ماذا ناسبت منك قحطان ولله منا أهل بيت رمتهم ... إلى يدك العليا بحور وبلدان وكلهم يزهى على الشمس بالضحى ... وبدر الدياجي أنهم لك جيران وقد زاد أبناء السبيل وسيلة ... وحلوا فزادوا أنهم لك ضيفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فما قصرت بي عن علاك شفاعة ... ولا بك عن مثلي جزاء وإحسان @إيجاز الخبر عن إمارة علي بن حمود الذي ذكر قال أبو مروان: هو علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن عبد الله بن حسن [بن حسن] بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم. د وذكر ابن قتيبة أن نفراً من ولد إدريس بن عبد الله بن حسن أيام طلبه الرشيد فحبسه عند جعفر بن يحيى فروا إلى المغرب فوقعوا ببلاد أفريقية، ثم رفضتهم آفاقها إلى طرف بلاد البربر فنكحوا إليهم وتبربروا معهم. قال أبو الحسن: وقد بلغني أن عقبهم إلى اليوم هنالك. وقد قدمت فيما نقلته من كتاب ابن حيان في أخبار الخليفة سليمان السبب الذي أوطأ لعلي ابن حمود ثبجها، وأوضح له منهجها، حتى خرج من عمائها، وعرج إلى شمائها، ونكتب هاهنا ما نصه أيضاً أبو مروان من كيفية مقتله وخبره، بقرطبة أوله وآخره، بعد أن نبرأ من التطويل، ونحذف إن احتجنا إلى ذلك بعض الفصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 قال ابن حيان: بويع علي بن حمود في باب السدة من قصر قرطبة يوم الاثنين لسبع بقين لمحرم سنة سبع وأربعمائة، ثاني اليوم الذي أدرك فيه بثأر هشام المؤيد؛ ولم يتخلف أحد عن بيعته، ووصلوا إليه على طبقاتهم، فكرم منازلهم، وأجمل خطابهم، وتسمى ليومه من الألقاب السلطانية بالناصر لدين الله: لقب قد سبقه إليه أبو أحمد بن المتوكل العباسي بالمشرق، وتبعه فيه أيضاً عبد الرحمن ابن محمد بهذا الأفق. ولما صارت لعلي بن حمود الخلافة تقدم من القهر للناس بالغلبة والإرهاب لهم بما خامر القلوب من هول سطوته، ولا سيما برابرة العسكر لما أحل بهم من الذل والقتل فدهشوا منه، وقادهم مديدة قود الإبل المخطوطة، وأعدى عليهم الخصوم، حتى صار أقل الرعية يرفع أعتاهم إلى الحكام بما شاء من وجوه الدعاوى فتجري عليهم الأحكام؛ فبرقت للعدل يومئذ بارقة خلب لم تكد تقد حتى خبت، وتبين أن البرابر أطوع خلق الله لمن أخافهم. وجلس علي بنفسه لمظالم الناس، وهو مفتوح الباب، مرفوع الحجاب، للوارد والصادر، يقيم الحدود مباشراً بنفسه، لا يحاشي أحداً من أكابر قومه. فانتشر أهل قرطبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 في الأرض ذات الطول والعرض، وسلكت السبل ورخا السعر، وأرقوا الأغذية، وشاموا النساء وطلبوا النسل، وكان أكثرهم يقول بالعزلة، واتخذوا الحلواء على طول عهد بها، ورجوا الإقالة فخانهم الأمل عما قليل، وارتكبوا في المحنة. ومن بعض ما جرى في مجلس له من مباشرته إقامة الحدود بنفسه، وجلوسه حيث لم يجلس قط خليفة أنه قدم إليه عصابة من البرابر الأكابر في جرائم تجاوزت حد النكال، فأمر بضرب أعناقهم، وعشائرهم ينظرون خفوة لا ينسبون، ولا يجسرون عليه في شفاعة. وبهذا المجلس وشبهه ما فتن أهل قرطبة بابن حمود أشد فتنة. وخرج يوماً على باب عامر فالتقى بفارس من البرابر قدامه حمل عنب، فاستوقفه وقال له: من أين لك هذا العنب - قال: أخذته كما يأخذ الناس؛ فأمر بضرب عنقه، ووضع رأسه وسط الحمل، وطيف به البلد كله. وكل أفعاله كانت حسنة عند الرعية إلى أن أوقعهم في أعظم بليةٍ. وكان علي بن حمود تلقاعةً، شديد الإصابة بعينه، لا يكاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 يفتح عينيه على شيء يستحسنه إلا أسرعت الآفة إليه؛ وله في ذلك نوادر عجيبة، ولربما قال للنفيسة من نسائه: واري محاسنك عن عيني ما استطعت، فإني شاح عليك من عيني، وأنا أحب الاستمتاع بك، أو كلاماً هذا معناه، أخذته عن حظئةٍ له زادتني من عجائبه. واستمر مع أهل قرطبة نحواً من ثمانية أشهر في أحسن عشرةٍ، ثم آنس منهم الكراهية لدولته، وبلغه أيضاً قيام المرتضى بشرقي الأندلس فعزم على إبادة أهل قرطبة وإخلائها، فلا يعود لأئمتهم المروانية سلطان آخر الدهر، ثم يعود إلى ساحله، ويجمع شمل برابرته، فيضرب بهم جميع الأندلس. فانقلب سريعاً ظن التجميل الذي كان يظهره لهم وانصرف إلى حزبه البربري فآثره، وأغضى على سوء ما كانوا عليه من الظلم والحيف، فوقع أهل قرطبة وغيرهم في حالتهم مدة سليمان، من استطالتهم عليه. وصب على أهل قرطبة ضروباً من التنكيل والمغارم، وانتزع السلاح منهم، وهدم دورهم، وقبض أيدي الحكام عن إنصافهم، وأغرم عامتهم، وتوصل إلى أعيانهم بأقوام من شرارهم، ففتحوا له أبواباً من البلايا أهلك بها الأمة، وتقربوا إليه بالسعاية، وقرن بجميع الناس الأشراط، ووكل بهم الضغاط، فما شئت من مكشف عن اليمين والشمال، متلول الجبين مذال القذال، قد صار شطر الناس أشراطاً على سائرهم، قلما تلقى أحداً منهم إلا بموكل عليه، حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 كأن الكرام الكاتبين بدوا للأبصار، فأخذت على الناس الأقطار، فأظلمت الدنيا وأبلس أهلها وغشيتهم من أمر الله ما غشيهم، فلزموا البيوت، وتطمروا في بطون الأرض، حتى قل بالنهار ظهورهم وخلت أسواقهم، فإذا دنا المساء وكف الطلب عنهم، انتشروا تحت الظلام لبعض حاجتهم. وامتحن معه جماعة من الأعيان، ممن خدم في مدة سليمان، فاعتقلوا وصودروا بأموال. وامتهن بعضهم بالضرب حتى صانعوا على أنفسهم بجملة من المال ففدوا أنفسهم وأمر بإطلاقهم؛ فلما أحضرت دوابهم للركوب، قبضت جميعها، وانطلق القوم رجلاً إلى بيوتهم، فكانت عندهم أعظم آفة جرت عليهم؛ وكان منهم أبو الحزم ابن جهور، وأحمد بن برد الأكبر وغيرهما. فهذه جملة من أخباره، في حالي صلاحه وفساده، ووقتي رضاه وسخطه. @كيفية مقتله فلما شنأته القلوب، وأثقلته الأوزار، والتقت عليه الأكف، وخلصت فيخ النجوى، وتوالى عليه الدعاء، نظر الله إلى عباده، وسلط عليه أضعف الخليفة: صبياناً أغماراً من صقالبة بني مروان كانوا أقرب الناس إليه، وأدناهم من حرمته، وأحقرهم في عينه، جسرهم الله تعالى على الوثوب عليه بموضع أمنه، في حمام قصره، لا عن مواطأةٍ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 أحد إلا ما ألقاه الله تعالى في نفوسهم له، وكانوا ثلاثة من الصقلب رفقاء، فيهم وصيف حسن الوجه جدا كان يخف عليه اسمه: منجح ولبيب وعجيب؛ دبروا جميعا عليه فقتلوه ليلا غرة ذي القعدة من سنة ثمان وأربعمائة، وقد دخل الحمام سحرا فابتدره منجح بكوب نحاس ثقيل صبه على رأسه، فشجه فغشي عليه، ونادى صاحبيه فوجدوه بالخناجر حتى برد، وسدوا عليه باب الحمام، وتسللوا وصعدوا إلى سقف بعض القصور، وكمنوا في مخاب هنالك كانوا يعرفونها فلم يحس بهم. ولما استطال نساؤه بقاءه بالحمام دخلن عليه، فلم يرعهن إلا مسيل دمه، وهو قتيل ممزق الإهاب. ولم يستتم النهار حتى صح عند الناس مقتله وخبر الفتك به؛ ففرج عنهم غم عظيم، وابتهلوا بشكر خالقهم. واجتمعت زناتة ووجهوا من حينهم إلى أخيه القاسم صاحب إشبيلية يومئذ، فوافى قرطبة رسوله ليقف على صحة وفاة أخيه بالمعاينة، وخاف أن تكون حيلة منه عليه هنالك، فكشف له عنه وتحققه، فانكفأ إلى صاحبه، ولحق القاسم فأخرج إليه جسد أخيه، فصلى عليه وأمر بإنفاذه إلى مدينة سبتة فدفن بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 كانت مدة علي بن حمود - من يوم قتل سليمان إلى يوم قتل - واحدا وعشرين شهرا وسبعة أيام؛ فانقضى أمر علي على هذه السبيل، وصار خامسا لمغتالي جبابرة الملوك في الإسلام بأيدي عبيدهم وأتباعهم في الحمام خاصة: أحدهم الفضل بن سهل ذو الرياستين وزير المأمون، ثم أبو سعيد الجنابي صاحب القرامطة، ثم الديلمي المنتزي باصبهان بعد الثلثمائة، ثم ناصر الدولة الحسن بن حمدان المنتزي بالأندلس بعد الأربعمائة، مع مزيته عليهم ببراعة الشرف وحرمة القرابة، فاغتدى علي في ذلك القران بسوء مصارع هؤلاء المبعوثين آية وموعظة. على أن قتل الملوك والأثمة بأيدي الفحول من عبيدهم وأصحابهم - من غير هذا النمط وعلى خلاف هذا - كثير يشق إحصاؤهم والله بأنبائهم البالي سرائرهم. وكان الأغلب على علي بن حمود السخاء والشجاعة على عطوله من الفهم والمعرفة، وبراءته من الخير جملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي حفص بن برد الأكبر @وإثبات جملة ما انتخبته من نظمه ونثره، @مع ما يتعلق بذكره: قال أبو الحسن: كان أبو حفص في ذلك الأوان واسطة السلك، وقطب رحى الملك؛ استقل ببهائه وجلاله، ورفل في بكره وآصاله، وبرز على نظرائه وأشكاله. وبنو برد ينتمون لبني شهيد بالولاء. وقلد أبو حفص هذا ديوان الإنشاء بعد ابن الجزيري ثم كتب عن سليمان المستعين وغيره من أمراء الفتنة فأسمع الصم بيانا، واستنزل العصم إبداعا وإحسانا؛ وقد أخرجت من رسائله، ما يعرب عن فضائله، ويوضح مشهور دلائله؛ وكانت وفاته بسرقسطة سنة ثماني عشرة وأربعمائة، وقد نيف على الثمانين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 @ما أخرجته من ديوان رسائله في أوصاف مختلفة فصول له من العهد المعقود للناصر عبد الرحمن بن أبي عامر: هذا ما عهد به أمير المؤمنين هشام المؤيد بالله - أطال الله بقاءه - إلى الناس عامة، وعاهد الله عليه من نفسه خاصة، وأعطى به صفقة يمينه، بيعة تامة، بعد أن أمعن النظر، وأطال الاستخارة؛ وأهمه ما جعل الله له من إمامة المسلمين، وعصب به إمرة المؤمنين، واتقى حلول القدر بما لا يؤمن، وخاف نزول القضاء بما لا يصرف، وخشي - إن هجم محتوم ذلك عليه، ونزل مقدوره به، ولم يرفع لهذه الأمة علما تأوي إليه، ولم يوجرها ملجأ تنعطف عليه - أن يكون بلقاء الله تعالى مفرطا إليه، ساهيا عن أداء الحق إليها. وتقصى عند ذلك طبقات الرجال من أحياء قريش وغيرها، ممن يستحق أن يسند الأمر إليه، ويعول في القيام به عليه، ممن يستوجبه بدينه وأمانته وهديه ورعيه، بعد اطراح الهوادة، والتبرؤ من الهوى، والتحري للحق، والتزلف إلى الله تعالى بما يرضيه، وإن قطع الأواصر وأسخط الأقارب، عالما أن لا شفاعة عنده أعلى من العمل الصالح، [وموقنا أن لا وسيلة إليه أزكى من الدين الخالص] ؛ فلم يجد أحدا هو أجدر أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 يقلده عهده، ويفوض أمر الخلافة إليه بعده، في فصل نفسه، [وكرم خيمه] ، وشرف مركبه، وعلو منصبه، مع تقواه وعفافه، ومعرفته وإشرافه، وحزمه وثقافه، من المأمون الغيب، الناصح الجيب، النازح على كل عيب، ناصر الدولة أبي المطرف عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر، وفقه الله. وفي فصل منه: مع أن أمير المؤمنين - أيده الله - بما طالعه من مكنون العلم، ووعاه من مخزون الأثر، أمل أن يكون ولي عهده القحطاني الذي حدث عنه عبد الله بن عمرو بن العاص بتحقيق ما أسنده أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه ". فلما استوت له به الأخبار، وتقابلت عند فيه الآثار، ولم يجد عنه مذهبا، ولا إلى غيره معدلا، خرج إليه عن تدبير الأمور في حياته، وفوض إليه النظر في أمر الخلافة بعد وفاته. وله فصل من رقعة كتبها عن المظفر بن أبي عامر يقول فيها: وإن من أعجب العجائب ما يجترئ عليه بعض أهل خدمتنا من نبذ عهودنا إليهم بعد توكيدها، وحل عقودنا عليهم بعد تشديدها، ساهين عما يتعرضون له من النقمة، لا يحذرون وقوع المحذور، ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 يتوقعون حلول التغيير، قد وله أفئدتهم جهل الواجب، وران على قلوبهم ما أضاعوه من الحق، فلم يرجوا لله وقارا، ولا وفوا سلطانه إجلالا وإكبارا. وقد قال بعض السلف الصالح: إن من إجلال الله إجلال السلطان عادلا كان أو جائرا. ولا أحسب الذي غرهم بنا، وجرأهم علينا، إلا ما وهب الله تعالى لنا من الحلم مع المقدرة، والكظم عند الحفيظة. وذلك وإن كان سجية غالبة، وخليقة لازمة، فرب شنع تحت مخيل النعماء، وغصص في شهي الغذاء، وشرق في نمير الماء. وبين أيديكم - معشر الخدمة - ولا أخص بندائي صغيرا ولا كبيرا، ولا أعني بعيدا دون قريب، ولا أنبه غائبا دون شاهد، ونصب أعينكم، وحشوا أسماعكم عهد المنصور، رضي الله عنه، لم يقدم زمانه فينسى، ولا أتت دونه الدهور فيبلى، ثابت على جماعتكم، ولازم لكافتكم، من خاص وعا، ودان وشاحط، صدره التوبيخ باستكتاب الجهلة، واستعانة الضعفة، واستكفاء العجزة، ممن قلت معرفته، واتضعت همته، فلم يبلغ أن يحكم الخط فيقيم حروفه، ويراعي المداد فيجيد صنعته، ويميز الرق فيحسن اختياره، وعجزه الحزم النافذ والحكم الصادع، بأن تكون صدور كتب الاعتراضات وعنواناتها وتواريخها والأعداد في رؤوس رسومها، بخطوط أيدي القواد والعمال، من كان منهم كاتبا فبيده، ومن لم يكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فبخط كاتب له معروف، وأن تكون تسمية طبقات الأجناد فيها قائمة الخطوط بينة الحروف، وفي تضاعيفه ألية نحن أولى من أبرها، ووفى بها؛ على أنه إن ورد لأحد من الخدمة بعد وصول ذلك العهد إليه كتاب اعتراض أو عمل في رق ردي، بمداد دني، أو خط خفي، فيه لحن أو كتاب على بشر في عدد أو رأس رسم ما لم يخف أو يقع في حشو الكتاب ويعتذر منه، ليبطلن سعي كاتبه فيما كتب، وليعاجلن بعقوبة العزل وإغرام المال الثابت عدده في القنداق. وفي فصل منها: وإن قوما من خدمة الحضرة قد عادوا لما نهروا عنه، فكتبوا الخط الدقيق في دني الرقق، دقة من هممهم، ودناءة في اختيارهم، وجهلا بأن الخط جاه الكتاب، وسلك الكلام، به ينظم منثوره، وتفصل شذوره، ونبله من نبل صاحبه، وهجنته لاحقة بكاتبه، ما اقترفوه من العصيان، وأقدموا عليه من خلف السلطان؛ وأنا أعطي الله عهدا لئن ارتفع إلى - بعد بلوغ عهدي هذا أقصى حدود المملكة، وانتهائه أبعد أقطار الطاعة - كتاب على الصفات المذمومة والأحوال المسخوطة، من رق أو مداد أو خط، لأوفين لصاحبه بما قدم إليه من الوعيد إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 شاء الله؛ فليحذر من حضر منهم أو غاب أن يخالف ما حددناه، أو يجوز ما شرعناه. وله عنه إلى هذيل بن رزين: أما بعد - آتاك الله رشدك، وأجزل من توفيقه قسطك - فإن الله تعالى خلق الخلق غنيا عنهم، وأنساهم بمهل غير مهمل، بل ليحصي آثارهم، وليبلوا أخبارهم؛ وجعلهم أخيافا متباينين، وأطوارا مختلفين؛ فمنهم المختص بالطاعة، ومنهم المبتلى بالمعصية، وبين الفريقين أقوام خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم؛ ولو شاء الله لكان الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، ولذلك خلقهم. والسعيد من خاف ربه، وعرف ذنبه، وبادر بالتوبة قبل فواتها، واستعطى الرحمة قبل منعها. وإن كنت تركت قصدك، وخالفت رشدك، ونكبت عن سبيل سلفك، فلم يوحشك ممن شردت عليه مكروه نالك به، ولم يؤنسك ممن جنحت إليه، أمل لم تطمع فيه إلا لديه، بل كنت من المخاوف، بعيدا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 المكاره، قريب المكانة، رفيع الدرجة، مصدرا في أهل النصيحة والثقة؛ خلا أنه حدث بينك وبين الحاجب ما لم يزل يحدث بين القواد والعمال على قديم الزمان مما لم يبلغ أن يخرج ذا الرأي الأصيل عن طبقته، ولا يجاوز أن يزيد المحنق على المحك في خصومته، والله عليم أن أمير المؤمنين لم يبخسك في تلك الهبات حظا، ولا أولاك إعراضا، ولقد اعتنى بمصلحتك، وعزم على إزاحة علتك، حتى يتهيأ من ذلك ما يفي بأملك لو انتظرته، واستقام فيه ما يزيد على طلبتك لو صبرت عليه، ولك في القدر المقدور فسحة، وفي القضاء المحتوم مندوحة؛ ولن تضيق بك السبيل عند أمير المؤمنين، وأنت بين طاعة سالفة، واستقامة موروثة، وبين إنابة منتظرة، وتوبة متقبلة، فإحدى الحالتين تحط الذنوب الكبيرة، وتغطي على العيوب الكثيرة؛ فالآن - عصمك الله - واللبب رخي، والمركب وطي، وبابك إلى رضى أمير المؤمنين مفتوح، وسبيلك إلى حسن رأيه سهل، ولا يذهب بك اللجاج إلى عار الدنيا ونار الآخرة - إياك ومصارع الناكثين، وحذار موارط الغادرين. وله من أخرى عن سليمان إلى جماعة العبيد: إن الله تعالى قسم لأهل بيتنا بني أمية من السلطان الموصول لهم بخلافة النبوة ما حازه لهم دون سائر قريش، وسراة رجالها وافرة، وبيوت شرفها عامرة، فكان أول من أجمع عليه خيار الصحابة بالشورى والاختيار عثمان بن عفان أمير المؤمنين ذو النورين، وصهره عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 السلام مرتين، فلم ينكر فضله هاشمي، ولا دافع إمامته قرشي، ولا نازعه الخلافة عربي ولا عجمي؛ ثم غلب الشقاء على أقوام فنالوا منه ما انفتح عليه باب الفتنة، إلى يوم القيامة، فيالها مصيبة صدعت شمل المسلمين، وأوهنت أركان الدين؛ وافترق أهل الإسلام بعده فرقتين، ثم لم تجتمعا إلا على رجل منا، لرضاء الله عن سيرتنا، وأنس المسلمين إلى حسن مأخذنا، وفضل سياستنا؛ فكانت الجماعة على معاوية بن أبي سفيان كاتب الوحي وصهره عليه السلام ورديفه؛ فبلغ من ضبط الأمور، ولين الولاية، وجهاد العدو، وجباية الفيء، وبث العدل، وإدرار العطايا، ما لا يجهله ملي ولا ذمي. وورثه ابنه وابن ابنه؛ ثم صير الله تعالى خلافته إلى مروان بن الحكم جدنا الأعلى أمير المؤمنين، دوسر قريش المفتي بتوفيقه، والحاكم في الأمة بتسديده؛ فألقت إليه بالمقاليد الكافة، وتداولها بنوه آباؤنا الخلفاء الراشدون بالمشرق والأندلس إلى يومنا هذا، والله متم نعمته علينا كما أتمها على آبائنا من قبل، إن ربنا حكيم عليم. وفي فصل منها: ولم تزل الأثمة منا مقبلة على مواليها، مختصة لعبيدها، تقدمهم في الثقة، وتقربهم بالمودة، وتعدهم لحوادث الأمور، وتقذف بهم في معضلات الخطوب، فيتولون من اجتهادهم لهم ما أوجبت لهم منهم المحبة الخالصة، حتى شرف القوم ونبلوا، وسما ذكرهم ونسبوا إلى مشهور أنسابهم، ومذكورين بيوتاتهم؛ فهم الذين تسمعون عنهم وتعرفون رياستهم كآل خالد، وبني أبي عبدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وبني شهيد، وبني بسيل، وبني حدير، وغيرهم من أشراف موالينا. وقد أفضى الأمر إليكم، معشر الموالي؛ فهذا اسمكم إذ قد رفع الله عنكم العبودية به، وأخرجكم من رق الملكة، وصيركم منا، وخلطكم بنا، وأفضى بأنسابكم إلينا، والولاء لحمة، فمولى القوم منهم، وملعون من انتمى إلى غير أبيه، وادعى إلى غير مواليه. هذا حكم الديانة على لسانه عليه السلام؛ وأما حكم الدنيا وسير أهل السداد والصلاح فيها، فلا يخرج أيضاً أن يكون ضلعكم معنا، وميلكم إلينا، وتعصبكم لنا، فنحن أحق الناس بكم، وأجدر أن نعمل عمل آبائنا في أمثالكم، من مواليهم الذي أجرينا ذكرهم، فإن نقمتم حالا مزقت الشمل، ونعيتم أمرا صدع الجمع، فتلك الفتنة التي يعق فيها الابن أباه، ويقتل لها المسلم أخاه، أجارنا الله وإياكم منها، وكشف لنا ظلمتها. وفي فصل منها: ولعلنا فيما ساءكم من تلك الهنات، ونالكم من الفجعات، أوجع قلوبا، وأشد غموما. فسبحان من لو شاء لأطلعكم على غيبنا فيكم، وعرفكم إشفاقنا عليكم؛ وكيف لا يكون ذلك وكذلك وما زلتم الشعار والدثار، لا نؤثر عليكم، ولا نثق إلا بكم - فإن يكن الشيطان قد نزغ بما نزغ به بين ابني آدم فمن بعدهما من ذريته، فقد آن أن تثوب الحلوم فتعود السيوف في أغمادها، والنبال في كنائنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ونحن نعاهد الله ألا نؤاخذ أحدا بذنب، ولا نناله بعقوق له ولا بأذى، ولا ننطوي له على إحنة، بل نغفر ونصفح ونزيد في العطاء، ونترككم بمواضعكم التي ارتضيتموها، تدر عليكم جباياتها، وتخصكم منافعها، ولا ننسئ في أموركم إذا سمعتم وأطعتم. وله عنه إليهم في مثل ذلك من رقعة، يقول في فصل منها: زعم كاتب صحيفتكم أنه ما دامت خلافة سلفنا إلا بطبقتكم، ولا عزت إلا بدعوتكم، وهذا قول من لا علم له، فلم تظهر طبقتكم إلا حديثا، ولا كثر عددكم إلا قريبا، ولم تزل الخلافة عزيزة، والسلطان قائما بأولياء الحق وأنصار الدين، العارفين بفضل الطاعة وموقعها من رضاه تعالى، وبنقص المعصية وموقعها من سخطه. والمنة عليكم لمن عرفكم - معشر العبدى - بالله، وأدخلكم في دينه، واستنقذكم من الضلالة، وأخرجكم من الكفر، ثم اصطنعكم ونوه بكم بالتصرف في الخدمة، فنلتم بذلك البغية، وهيهات أن تقضوا الحق كله، فأقصروا عن شأوكم، فذلك أولى بكم. وفي فصل منها: وأقسمتم على أن من حسبناه من رؤسائكم كان أولى بالسياسة، فأني لكم ذلك وما أنتم منه - وإنما مدبرون مسوسون أتباع مربوبون؛ وسر التدبير نازح عنكم، والسياسة القويمة محجوبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 دونكم؛ ومتى بلغكم قط عن عبد ثرب على مولاه فأفلح، أو سمعتم بجندٍ شغب على مدبره فأنجح - والحق لا يضره قلة أهله، والباطل لا ينفعه كثرة جمعه، فإن العاقبة للمتقين، وحزب الله هم الغالبون؛ مع أن سفهاء كل طبقة أكثر من حلمائها؛ وقد رأيتم قديماً نتيجة آراء السفهاء، وكيف أخنى على أهله بموتٍ ذلك التدبير، وطالما جهدنا في الصلاح، وحاولنا قطع الشغب، ودفت الفنتة، فأبى الله إلا ما أراد على أيدي رؤسائكم، الذين أتيتم على عهدهم. وأما من طلبنا من أصحابكم فإنهم قوم خدموا العمالات، تصرفوا في الولايات، وعابوا على الجباة، وخلدت عليهم في الديوان الحسبانات؛ فهم الذين طولبوا في سبيل الحق، ورمي منهم دون الكل بالبعض، وأخذ فيهم وفي أسبابهم بالرفق دون العنف فاعتدوه ظلماً، وغلى صلاح مآل أمرهم إذ قوربوا، والجميع على ذلك في خير من العافية، وبحظ من الكافية، وأمدٍ من النظرة، إلى أن يأذن الله ببلوغ ما يشاء من المدى. وليس كل ما يبلغكم من التشنيع ويتصل بكم من الإرجاف يلتفت إليه ذوو العقول، ولا يصغي إليه أهل التحصيل. وفي فصل منها: وأما ما ألصق بكم كاتب صحيفتكم إذ قال: إن لم يعمل بما أردتم أجبتم دعوة من يناديكم؛ فليت شعري من ذا المنادي الذي إليه تلوى الأعناق عنا، أم إلى تفزعون إن فارقتم عصمتنا - أما إن غركم الشيطان، وأسلمكم الخذلان، لتقرعن من الندم الأسنان، بحيث لا ينفعكم أسف، ولا يجدي عليكم لهف؛ والله تعالى ودينه وخلافته في غنىً عمن عند عليه وحاده، وألحد في الإسلام عنه وشاقه، وخرج عن الجماعة، وشق عصا الأمة، واستخف بحقوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الأئمة، ونازع الأمر أهله، واعترض من الرأي فيما ليس من شأنه على من صيره الله اليه، وأسلمه في يديه، واجتباه واصطفاه على علمٍ به. ولولا أن أمير المؤمنين عرف أن ملأكم لم يجتمع على هذا الكتاب، وتيقن أن أهل السداد منكم لم يرضوا هذا الخطاب، لكان له في ذلك نظر يقيم الأود، ويعدل الميل، مع أن الحلم والكظم من أخلاقه، والرفق والأناة من شيمه؛ فاقبلوا أدبه، وانتفعوا بموعظته، فلو كشف لكم الغطاء واجتلى عليكم الغيب، لعلمتم أن أمير المؤمنين لا ينام عن مصالحكم، ويني في منافعكم، ولا يسعى إلا فيما يرد ألفتكم، ويجمع كلمتكم. وله عنه من أخرى إلى ابن ... إن العاقبة للتقوى، وإن كلمة الله هي العليا، ولا تبتئس فإن الحق دامغ الباطل، وإن لاحت للكذب بارقة، وهبت له نافحة، فإنما ذلك استدرج لأهله، وإملاء لحزبه؛ ثم يأخذهم بما اجترحوا، ويوبقهم بما اكتسبوا؛ وقد علم الناس أن هذين الخارجين علينا، الناكثين بيعتنا، موسومان بإحسانا. أما الطالبي فرفعناه من أوضع ملاحق الجند إلى أعلى مراتب أهل الخطط، ونوهنا بذكره، وأشدنا باسمه، وأشركناه في سلطاننا، وصرفنا إليه طائفةً من جندنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ووثقناه هم من أعمالنا. وأما المعيطي فإن البلاد نبت بجده فلفظته إلى جدنا رضي الله عنه، فآواه وواساه؛ وامتثلنا مثل ذلك في هذا الضعيف المتعير، فوهبنا له خطير ما استوهب، ويسرنا عليه عسير ما طلب، وألحقناه بثقاتنا. فاستبقا في ميدان الغدر، وجمحا إلى مدى الغمط والكبر، جاحدين بحقنا، منتحلين لما لم يجعلهما الله له أهلاً. وأمير المؤمنين دافع لهما بحقه عليهما، ومستعين بالله ثم بإحسانه إليهما. وفي فصل منها: وأما ما وصفت به نفسك، وعرضته علينا من مجاهدة المارقين، ومناضلة الناكثين، وضمنته من حشد الأجناد قبلك، واستنفار أهل عملك، وما سمحت به من الإنفاق على جميعهم من مالك، فأنت أهل لكل ذلك، وخليق بالوفاء به، وقد بذلت جهدك، وقضيت حق إمامك، فأرضيت ربك، وزكيت نفسك، ورفعت في الغابرين ذكرك؛ وصدقت ظن أمير المؤمنين، وحققت تفرسه فيك، وهو يرجو أن يجتزئ بمن حوله من أنصاره، ويكتفي بمن في حضرته من الأجناد، فهم على أجمل بصيرة في نصره، وعلى أثبت نية في الذب عن سلطانه، والله يعينه وإياهم ويؤيده معهم، وإن احتاج إليك فما أطيب نفسه عليك، وأوثقه بإجابتك أو دعائك، بارك الله فيك، ومتعه بك، فأنت سيفه الفاصل، وسهمه النافذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وله عنه إليه أيضاً: ويجب أن تزيد في رتبتك، وتهذب جمال جهتك، وتسعى في توفير محاسنك، وتكثير مناقبك؛ وإن كنت بحمد الله ومنه كامل الأدوات، كثير الحسنات؛ ولكن الزيادة من فضل الله محبوبة من النجباء، مطلوبة من النبلاء؛ وأنت صدرهم السابق وهاديهم المبرز؛ وقد نبذنا إليك في كتابنا مع فلان نبذةً لم نضعها دون غاية البيان، ولم يسعنا إلا إيضاح الدليل وإقامة البرهان. وله عنه إلى منذر بن يحيى: وأما أمر عليّ بن حمود فعلى ما أعلمناك به من الضعف والوهن، وإنما يطمع في من عندنا والله يبطل طمعه، وقد أوحشنا بطء أخبارك عنا، وإن كنا لا نشك في أنك على جميع ما تصرفت به، وفي كل ما تقلبت فيه، كما نحبه ونهواه، فذاك حظك منا، وموقعك من ثقتنا، وعلى ذلك فإن بواعث الإشفاق جمة، وعوارض التوقي كثيرة، وقد توالت المحن، وطالت الفتن، ونجم النفاق، وشاع الخلاف أهواء أوليائنا. وله من أخرى إلى ابن صمادح: وإن للبغي مصارع لا تعدو أهله، وللنكث عواقب لا تخطى معتقده، وقد علمت الكافة ما أولاه أمير المؤمنين فلاناً من إحسانه، وأفاضة عليه من معروفه، فرفعه من الحضيض، وانتعشه عند الجريض، ونوه به بعد الخمول، وكثرة وهو قليل، فلم يشكر الله نعمة، ولا وفى له بذمة، وظل يبني الغدرة على غير أسٍ فخر بناؤه، وانتضل في الرميات في غير هدف فصافت سهامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وأصحابه يتساقطون علينا في كل حين أفواجاً، ويتتابعون إلينا نزاعاً أرسالاً، لما يبدو من ضعف آرائه، وخبث مذاهبه، وقبح غدره، وتناكب أمره، حتى اتسع عليه الخرق، وأعضله الفتق، واستنفر له وجه الخلائق، وأسلمه غرور الشيطان، فأصبح نادماً سادماً، وأمسى حائراً بائراً، ونكال الله تعالى نازل به، وسخطه منزل عليه، وبأسه منصرف إليه. وفي فصل من أخرى: أنالك في فلتات تحجب حسن الظن بمن أسبغت عليه النعمة، ووجبت لربه الحجة في أداء النصيحة. وقد اندرجت في أثناء هذه الفتنة خطوب استعمل فيها أمير المؤمنين الثقة بمن لم يتق الله في النصيحة له ولرسوله عليه السلام ولخليفته ولجماعة المسلمين، ولم تصدق نيته ولم يصح خبره، ولا رأي لمكذوب. فأوطأه عشوةً، وزخرف له كذبةً على إثر كذبة، ومنى الأماني، وقرب المواعيد، ونمق الزور، ولبس الأمور، وأمير المسلمين يوجس الخيفة، ويخشى الخديعة، ويرى أعلام الريبة، حتى وضح الفجر، وصرح عن زبدته المحض، وليس هو بأول من أحسن فضاع إحسانه، واصطنع فسقطت صنائعه. وفي فضل الله عوض من كل فائت، وفي جزائه خلف من كل ضائع، وفي إقبال رحمته غنىً عن كل مدبر، وللأيام عقب تديل الكره بالرضى، وتنسخ الشدة بالرخا. وله من أخرى عن عليّ بن حمود إلى منذر بن يحيى: وما أنكرت شيئاً مما ذهبت إليه من التأني والتثبت، ولا اعتقدنا إلا رأيك في نظر الاجتماع، وترقب الالتئام، لترتفع الشبهة وينجلي الشك، وإن كان مذهبنا في هذه الأمة مشهوراً، واحتسابنا الأجر في صلاحها معروفاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وقيامنا لنصرها وسخاؤنا بأنفسنا وأموالنا لاستنقاذها، لا ننوي إلا وجهه تعالى، وإلا فقد علم من عرفنا، وأيقن من أنصفنا، أننا كنا عيش هني، ولبب رخي، وعمل واسع، ومال وافر، وجند مطيع، وحصن منيع؛ وفي دون ذلك ما أقنع من عرف الدنيا بحقيقتها، وأجزأ من أنزلها منزلتها؛ وما كفى من لا يعدل بالسلامة ولا يبيع بالغبن، ولا يركب الأهوال، ولا يقتحم المهالك، مغررا بدمه، مخاطرا بنفسه، لحطام تافه، وظل زائل، ومتاع قليل، وانا لنرجو منه تعالى أنه لم ييسر ما يسر من آمالنا إلا عند اطلاعه على نيتنا فيها، فنحن بعين الله، ونواصينا بيده، والملك والأمر له. وفي فصل: والشروط التي خططتها بيدك، وأردت معرفة رأينا بإمضائها، فإنها لعمر الله قليلة في استحقاقك، ولو اتسعت البلاد لأضعاف ما تليه، لكنت لذلك عندنا أهلا في كفايتك وضلاعتك وضبطك وحزمك. فأما الاعتماد عليك في الرأي والقصد إليك بالمشورة فهو الذي لا نعدوه بك ولا نجاوزه فيك، ونحن بذلك أحظى، والفائدة لنا فيه أعلى. وقد أنفذنا كل ما دعوت إليه من تنفيذ سجلاتك على ما في يديك من الأعمال، واعتقدنا لك ولجميع أهل الصغور - حرسهم الله - الأيمان المنعقدة والأقسام المغلظة لا تدخل عليهم داخلة يكرهونها، ولا يكلفون كلفة يستثقلونها؛ ولا يخالف بهم طريقة يرضونها، ما سمعوا وأطاعوا. وفي فصل: ووصيتك بأهل قرطبة وغيرهم مقبولة، ونصيحتك فيهم متبوعة، ولن يروا منا، ولن تسمع فيهم عنا، إلا كما يعجبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 ويسرك، ويجذلك ويبهجك؛ وإنما هدى الله أولهم بأولنا، وأسبغ النعم على سلفهم بسلفنا؛ وهل يؤملون أحنى عليهم وأرأف بهم منا - أم هل لمت آتاه الله رشده، وشرح بالإيمان صدره، رغبة عنا - وهل ينكر فضلنا إلا جاهل مكابر، أو يدافع حقنا إلا معاند خاسر - وله من أخرى: بلغنا جوابك ناكبا عن الحق، بعيدا عن الإنصاف، خلوا من حسن المعاملة، بداية بالامتنان بما كان منك، بما لو اقتنعت فيه بما بذلنا من الشكر لركبت سنن المنصفين، وسلكت سبيل المحسنين، فقد قيل: إن الشكر وإن قل، ثمن لكل نوال وإن جل؛ كما قيل: إن المنة تفسد الصنيعة. ولو نظرت في أخبار الماضين، وكشفت عن سير الأولين، لوجدت ملوك الأمم على قديم الزمان قد تعاملت بالتعاون، وتواصت بالترافد، وإن شحطت ديارها، واختلفت أديانها؛ وجعلت ذلك بينها حقوقا تقضى، وفروضا تؤدى، فالدهر أطور والأيام دول. وقد علمت أن الذي سامحتنا فيه لم تقدم إليه إلا على شروط اشترطتها، وأطماع استدعيتها، فقضيناك كل ما ملكناه، تقدمت، ولا صحبة سلفت، ولو هربت عن هذا الجفاء دهرك، وأنفقت في السلامة من هذا الخطل عمرك، لكنت لنفسك ناظرا، وفي صفقتك تاجرا؛ فإن كنت أردت معرفة العي، كفى بذلك عيا من القول، وزللا من الرأي. وإن قلت إنك لم تعرف مكاننا من الخلافة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ووارثتنا الإمامة، عن أسلافنا الماضين، وأجدادنا الأقربين، وجهلت أننا في نصابها وذروتها، وأقعد الناس بها وأقواهم عليها، فقد كابرت العيان، ودافعت البرهان. [وله عنه في معنى الرعية: إن الله تعالى قلدني من رعاية عباده، وحملني من سياسة خلقه، وعصب بي من تدبير أمورهم وإصلاح شؤونهم، وألزمني من النظر لهم، والعمل بما يصلحهم، ما لا حول لي فيه ولا قوة عليه إلا بمعونه وتأييده، ولا هداية إلا بتوفيقه وتسديده. وإن الرعية من السلطان، بمكان الأشباح من الأرواح، صلاحهما وفسادهما متصلان، ونماؤهما ونقصانهما منتظمان، إذ كانت الرعية عنصر المال، ومادة الجباية، بها قوام الملك، وعز السلطان، ورزق الأجناد، التي بها يقاتل العدو وينصر الدين، وتحمى الحرم، ولما تأملت أحوال أهل عملك من كورة جيان وذواتها، وحصلت ما يلزمهم أداؤه هذا العام من الطعام في العشور الواجبات، تكنفهم من شفقتي، وأحاط بهم من عواطفي، ما أدى إلى رفع مؤونة طعامهم، وإعفائهم مما يلحقهم فيه من العنت، ويرجع عليهم من الدرك، وكلف الحمولة إلى الأهراء، وما يتبع ذلك من الانتقاص ويتصل بالكيل من التطفيف، وتسقط التبعات، ويخف الثقل،. فانظر عندما يرد كتابي في توزيع ما يجب على أهل عملك من الناض عن كذا وكذا من القمح والشعير، حساب كل مدي من القمح ستة دنانير، ومن الشعير ثلاثة؛ واشمل بتوزيعها الناس كافة، غير محاش منهم أحدا. وليكن ذلك على العدل، وتحري الحق، واعتماد الصدق، بمشاهدة قاضي الجهة، وموافقة شيوخ الرعية ووجوهها، وأهل المعرفة بمواقع وظائفها، إن شاء الله] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وله من أخرى، عن المظفر بن أبي عامر، حين قتل عيسى بن سعيد القطاع وزيره: أيها الناس - وفقكم الله لعصمته، واستنقذكم برحمته - إن من علم منكم حال الخائن عيسى بن سعيد بالمشاهدة، ورأى مبلغ النعمة عليه بالمحاضرة، فقد اكتفى بما شهد، واجتزأ بما عاين وحضر؛ ومن غاب عنه كنه ذلك من عوامكم بانتزاح منزل أو لاتصال شغل، فليعلم أنا أخذناه من الحضيض الأوهد، وانتشلناه من شظف العيش الأنكد، فرفعنا خسيسته، وأتممنا نقيصته، وخولناه صنوف الأموال، وصيرنا حاله فوق الأحوال؛ فدلله بذلك المنصور مولاي رضي الله تعالى عنه، فاعتمدته ومهدت له فرش الكرامة، وبوأته دار الفخامة، وأسبغت من نعمي عليه، ما أحوج الخاصة والعامة إليه، فلم يقم لله تعالى بحق، ولا قابل إحسانه بصدق، ولا عامل رعيتنا برفق، ولا تناول خدمتنا بحذق؛ بل أعلن بالمعاصي، واستذل الأعزة وذوي الهيئات والمروءات، ونافرهم وأنس بأضدادهم، ونبذ عهودنا، وخالف سبلنا، وكدر على الناس صفونا؛ حتى إذا ملكه الأشر، وتناهى به البطر، وغلت به الأمور، وغره بالله الغرور، حاول شق عصا الأمة، وهد ركن الخلافة والأمانة، بما احتجن من حرام المال، واستمال من طغام الرجال؛ فحجته نعمنا عنده، وخصمته عوارفنا لديه، وكشف لنا سر نيته، حتى صرعه بغيه، وأسلمه غدره، وأخذه الله بما اجترم، وأوبقه بكا اكتسب، فأعجلناه عن تدبيره، وصار إلى نار الله وسعيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 قوله: " فحجته نعمنا عنده، وخصمته عوارفنا لديه " محلول من قول أبي تمام حيث يقول: أألبس هجر القول من لو هجرته ... إذن لهاجني عنه معروفه عندي وأخذه أبو تمام من قول عمران بن حطان إذ ظفر به الحجاج فقال: اضربوا عنق ابن الفاجرة، فقال له عمران: بئسما أدبك أهلك يا حجاج! كيف أمنت أن أجيبك بمثل ما لقيتني به - أبعد الموت منزلة أصانعك عليها - فأطرق الحجاج استحياءً وقال: خلوا عنه. فلما رجع إلى أصحابه قالوا: والله ما أطلقك إلا الله فارجع إلى حربه معنا، قال: هيهات! غل يداً مطلقها، واسترق رقبةً معتقها، ثم قال الأبيات التي أولها: تالله لا كدت الأمير بآلةٍ ... وجوارحي وسلاحها آلاته وفي فصل منها: وقد زالت التقية ووجب الصدق. ألا من سمع هذا الكتاب وأخبر عنه من تلك الطبقة فليرد إلينا مالنا، وليخرج لنا عن حقنا؛ وليحذر أن يجعل لنا عليه سبيلاً. فإنما هي أشياء غلب عليها إما من صميم مالنا فلم يتورع فيه عن الخيانة، وإما من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 أموال الله بأيدينا فلم يؤد فيها الأمانة، وما ظهرنا عليه منها فمصروف إلى سبيله من مصالح المسلمين في أرزق أجنادهم، ونفقات ثغورهم. وأنا زعيم لمن سارع بما في يديه، وبادر بما عنده، أن نعرف له طاعته، ونشكر مباردته؛ ومن توانى وتربص، وقعد ونكص، أن نصه بحيث وضع نفسه من الظنة، وأثبت عليها من التهمة، وننتهي به نهاية النكال البالغ؛ فلا ينظرن جارم لدينا إلا في ذمة. @تلخيص التعريف بخبر الوزير عيسى بن سعيد @المذكور، من الأول إلى الآخر، ومقتله على @يدي المظفر عبد الملك ابن أبي عامر قال ابن بسام: وكان عيسى بن سعيد المعروف بابن القطاع قيم دولة ابن أبي عامر وحامل لوائها، والمستقل بأعبائها، ومالك زمام إعادتها وإبدائها. طلع في فلكها قبل دورانه، ودل على ما أخفاه طي كتابها دون عنوانه؛ وأنا أشرح - حين أفضى بي القول إلى ذكره - كيف كان غروبه وطلوعه، ومن أين اتفق طيرانه ووقعه؛ على ما قدمت والتزمت، وحسبما ضمنت ونظمت. قال ابن حيان: لم يكن لعيسى بن سعيد مأثرة سلف، ولا بيت تقدم، خلا أنه [كان] عربي النجار، من قوم يعرفون ببني الجزيري من كورة باغه. وكان أبوه معلماً، فاختلف عيسى إلى الديوان، وصحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 محمد بن أبي عامر وقت حركته في دولة الحكم؛ فبلغ به المنازل الجليلة، وكان عنده مشهوراً بيمن النقيبة، وأخباره معه كثيرة. وتبحبح عيسى بعد مهلك المنصور بن أبي عامر في دولة ابنه عبد الملك، فتناهى في الاكتساب بالحضرة وجميع أقطار الأندلس ضياعاً ودوراً، فات الناس إحصاؤها، واشتمل على الملك هو وولده وصنائعه. وكان لهم مع ذلك في سائر أعمال السلطان نصيب، وعلى كل عامل وظيف، ولم ينفذ توقيع إلا بأمره، ولا تم أمر إلا بمشورته. وكثر أعداء عيسى لوقته؛ فاحترس منهم جهده، وتيقظ في حراسة نفسه، ووالى كثيراً من وجوه أهل الدولة، تصاهر لهم ببنيه وبناته، فسمت جماعته، ثم تصاهر أخيراً إلى ابن أبي عامر، والذكر من عنده، زوج ابنه المكني أبا عامر أخت عبد الملك الصغرى من بنات المنصور، فتمت تلك المصاهرة في سنة ست وتسعين وثلثمائة، وكانت وليمة عظيمة. وتناهت بعد أمور عيسى في الجلالة، وأخذته الألسنة. واتفق أيضاً عليه أن عبد الرحمن بن المنصور انبسط على أخيه عبد الملك في أول دولته بصحبة طائفة تخل به، فعرف عيسى أخاه عبد الملك بذلك؛ فحمله على كف عبد الرحمن عنه، فحقد على عيسى ورصد السعي عليه، واستفسد أيضاً السيدة " الذلفاء " أم عبد الملك وأساء إلى صنيعتها " خيال " أم ولده، والغلبة كانت عليه، ومن يتصل بهما بسبب نكاح عبد الملك بنات الجنان مولاته، كانت قد تأدبت بأدب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 أهله، وأخذت الغناء من محسنات قيانه، فنظرها عبد الملك يوماً فراعته، وهان عليه لفرط عفته زواجها، فأنكرت عليه ذلك والدته، فاستراح في الأمر مع عيسى فصوبه له وأمضاه. وبنى عبد الملك بها، فحقدت أمه على عيسى. ثم اتهم آخراً بالعظمى من مداخلته للولد أبي بكر هشام بن عبد الجبار بن الناصر للقيام على عبد الملك وأخذ الملك عنه. وكان عيسى لا يحضر مجلس شراب عبد الملك إلا في الندرة أو الدعوة تقع؛ استعفاه من ذلك لضعف شربه، فأمكن أعداءه القول فيه لغيبته بما شاؤوا، وزاد الأمر حتى تنكر له عبد الملك، ففهم عيسى بعض ذلك لقوة حسه، وأهمته نفسه، وأعمل الحيلة في خلاصها؛ فسما عند ذلك إلى الغدر بالعامرية أولياء نعمته، والانقلاب مع المروانية الموتورة بدولته، وإقامة الولد أبي بكر هشام المذكور على الخليفة هشام المؤيد ابن الحكم، وأخذ الخلافة عنه لضعف استقلاله والقطع لدولة ابن أبي عامر قطعاً لا بقية معه. وكان عيسى خليطاً لهشام بعد المنصور صاحبه، محمولاً ما بينهما على السلامة، فدعا هشاماً إلى ذلك وراسله سراً ولقيه خفيةً، وقرب له مأخذه على يده لمنزلته من آل العامرية، وأن جندها لا تخالفه بحيلة. فاستجاب هشام، فيما ذكروا، وأخذ بيعته عليه، وساعده جماعة، وكاد يتم الأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 وأعد رجالاً للفتك بعبد الملك، فسار أحدهم إلى نظيف الفتى الكبير مولى ابن أبي عامر، فتنصح له بالقضية فأعلم عبد الملك بها لوقته، فاشتغل باله، وترجح في أمر عيسى وخاف أن السعاية من كياد عدوه، إلى أن أنهى إليه صاحب المظالم أبو حاتم بن ذكوان ما أقلقه، ولم يرتب به لثقته؛ وحدثه أن رجلاً يعرف بابن القارح الوزان كان متخصصاً من العامة، وله بالولد أبي بكر هشام المذكور اتصال؛ فحكى عن نفسه أنه رأى نزول عيسى عليه ببعض بساتينه، وأنه سمع ابن عبد الجبار يقول له: يا أبا الأصبغ، والله إني لخائف والخطر عظيم؛ فقال له عيسى: ومن تخاف - أو ليس الملك بيدي، والجند طوعي، والناس راضون بفعلي - ثم افترقا، فجاء ابن القارح، فأعلم ابن ذكوان، فطار إلى عبد الملك بالخبر، فبطش عبد املك بعيسى. وكانت صورة قتله واطأ عليه أخاه عبد الرحمن ومن يليه من أصحابه، فشدوا عزيمته، وعقد معهم مجلساً للشرب، وبعث عن أكثر أصحاب عيسى، فجلس للشرب بالمجلس الكبير المشرف على النهر لعشر خلت من ربيع الأول سنة سبع وتسعين. ثم أرسل عن عيسى وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 مضى من الشرب وقت، فجاءه رسوله وهو قد بدأ يشرب أيضاً مع نفر من أصحابه فيهم أبو حفص بن برد وغيره. قال أبو حفص: فلم نرتب بدعائه، وبادر بالركوب نحو عبد الملك، والقضاء قد جد به، فلما وصل إليه أظهر الاستبشار به وأقبل عبد الملك عليه بوجهه وأعلى مجلسه وأخذوا في شأنهم. فلما دارت الكؤوس أخذ عبد الملك في معاتبته والتعرض لما قرف به عنده؛ وعيسى ينزعج من ذلك، ويقلد الكأس ملامته هنالك، إلى أن صرح عبد الملك بما في نفسه، وألقى القدح، وأقبل يسبه ويغلظ له؛ فأحس عيسى بالشر، ورابه نظر القوم إلى العيون، وطفق يعتذر ويحتج في إبطال ما قرف به ويشد القسم على فساده، ويناشده في إراقة الدم، وعبد الملك لا يلتفت إليه، إلى أن اعتلى الكلام وكثر اللجب، فقبض عبد الملك على سيفه من جانب الفراش فصبه على عيسى، وقد قام فزعاً؛ فاستقبل وجهه بضربة، فسقط عيسى ثم أعاد عليه، وشاركه أصحابه بسيوفهم حتى هبروه، وحز رأسه ووضع جانباً. وأمر عبد الملك أيضاً بقتل صاحبيه ابن خليفة وابن فتح فهبرا بالسيوف، واختلط المجلس، ولحق كثيراً من أهله دهشة حملت بعض من كان بقربه من الأعاجم إلى أن رمى بنفسه في النهر هرباً من القتل، فطاح في اللجنة. وأمر برفع رأس عيسى بباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الزاهرة، وما زال هنالك إلى أن فتحت الزاهرة على يد ابن عبد الجبار المهدي، وذهبت الدولة العامرية. وقام عبد الملك من ذلك المجلس، وأمر بتغيير ما وقع، ثم لم يعد إلى الشرب فيه - زعموا - حياته. وأنفذ في الوقت ثقات خدمه إلى منازل عيسى وأصحابه وكتابه، فاستصفى ما فيها وسجن أولاد عيسى الأكابر بمطبق الزاهرة، وأمر ابنه بطلاق أخت عبد الملك فطلقها، ولم تزل خليةً إلى أن ذهبت دولة قومها فراجعها. وكان الناس يحسبون مال عيسى التراب كثرةً. فما وجد له منه شيء؛ وتعجب الناس من ذلك، حتى إن أولاده إلى آخر أمرهم ما فارقهم الإقلال والمسغبة. وأعظم الناس قتل عيسى لجلالة قدره، وسار منهم إلى الزاهرة خلق عظيم ينظرون إلى رأسه. قال ابن حيان: وكنت في جملة من نظر إليه، واستبنت الضربة بخده الأيمن. وكان أبو العلاء صاعد بن الحسن اللغوي منقطعاً إلى عيسى، فكان أول من أنشد عبد الملك، على سبيله من سرعة الانقلاب، شعراً يقول فيه: فتلك هامته في الجو ناطقة ... تحدث الناس من آياتها عبرا مكتوبة الوجه بالهندي يقرؤه ... من ليس يقرأ مكتوباً ولا سطراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ومن أغرب ما وردت به الرؤيا بعد قتله أن رجلاً من الصلحاء رأى في النوم كأن رأسه ينشد على الخشبة التي كان عليها: بان الخليط وشفني وجدي ... وبقيت أندب ربعهم وحدي فآذنت الرؤيا ببين آل أبي عامر وصدقت إلى مديدة. انتهى ما لخصته من كلام ابن حيان في خبره. ومن شعر أبي حفص بن برد، مما خاطب به أبا العلاء صاعداً بن الحسن اللغوي من أبيات يقول فيها: أبا العلاء تعريض ذي مقة ... أهدى لك الود محضاً غير مقطوب ناء بغربته والفهم نسبته ... وكم دني قصي في المناسيب وصار في غربة الآداب مغترباً ... أما كفى الدهر عض دون تغريب أولاك محمدةً من بعد تجربة ... لا يصلح الحمد إلا بعد تجريب أنت الذي لم يعاشر مثله رجلاً ... في العلم والظرف والآداب والطيب تحصيل فضلك للحساد معجزة ... وكنه عملك شيء غير محسوب أما اللغات فلا يعقوب يبلغ ما ... وعيت منها ولا أشياخ يعقوب [وأنت رب القوافي الشاردات به ... تحدى وسيقتها في كل أسلوب إنا نناديك للجلى وأنت لها ... طب تعالج فيها كل مطلوب] فهل شعرت ببدر طاف بي غلساً ... رخص البنان كحيل العين مخضوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 أهدى إلى أرقٍ - لو حازها - سنةً ... لم تعد بي مزج تصديق بتكذيب حياً تحية ذي أنسٍ بنا وجلا ... قناع وجهٍ طويل الصون محجوب فقلت: أهلاً ورحباً، من هداك لنا ... ليلاً - فرد بتأهيل وترحيب وقال: ماذا ترى - قلت: الغزالة في ... ثوب احمرار من الظلماء غربيب قال: اتئد! قلت: قد أبصرتها قبلاً ... فقال: حلاً، فقلت: الحل مطلوبي [قال: تحر فلا تشطط بنا سرفاً ... فقلت: ليس سوى التقصير مرغوبي] ثم اعلمي أنني من حبكم دنف ... قالت: علمت فلا تخضع لمحبوب قلت: الوصال، فقالت: مه بلى وعسى ... وفي عسى فرجة ترجى لمكروب ثمت ولت فأبقت في الحشا ضرماً ... يذكو بدمع على الخدين مسكوب فالآن فازجر أو اسجع إن هممت به ... كسجع شق أو الأفعى أو الذيب هذي عبارتها فالأمر مشترك ... تلقى أفانينه طراً بتهذيب فأجابه أبو العلاء صاعد بأبيات يقول فيها: لبيك ألفاً، أبا حفصٍ، إجابة من ... يد لي إليك بودٍ غير مأشوب أبعد خمس وسبعين التحفت بها ... حتى قرعت لهذا الدهر ظنبوبي رمينني بسهامٍ غير طائشةٍ ... حور زرين على صم الأنابيب يا من يرقع بالآمال ما خرقت ... يدا الليالي، قبيح صبوة الشيب ناديتني لخيالٍ عز طائفه ... إلا ليوم عصيب إذ تنادي بي حتى أقيك شذا الأيام عن عضدٍ ... ملدد وحسام غير مخشوب إياك والموعد الخوان تقبله ... فلا أمانة للعس المخاضب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 فاكتب على جمدٍ ما قد وأتك به ... وضعه في الشمس يذهب غير مصحوب ولا تكونن قرحاناً نصبن له ... حتى عدون عليه عدوة الذيب [الله في قلبك المزجور عن دده ... لا تسلمينه لتسهيد وتعذيب] فقد نجوت وما صدقت فورته ... مهشم القدح مهضوم الأنابيب شيخ الوزارة جني الكتابة إن ... ركبت منها طريقاً غير مركوب فلا تسومن شيخاً طار طائره ... سوم الشبيبة في لهو الخراعيب وأنت منفرد المضمار منصلت ... غمر البديهة رواض المصاعيب قوله: " ولا أمانة للعس المخاضيب " من قول كثير: وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين وقوله: " فاكتب على جمدٍ ... البيت، كقول ابن العميد: متقلب يأتيك أثبت عهده ... كالخط يرقم في بسط الماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي المغيرة عبد الوهاب بن حزم، @وإثبات ما تخيرت له من النثؤر والنظم، مع @ما يتعلق به، ويذكر بسببه قال ابن بسام: كان أبو المغيرة هذا ظبة الحسام، وواسطة النظام، وفارس ميدان البيان، وذات صدر الزمان، حل من زهر الفضائل، محل السنان من المعامل، والزبرقان من المنازل، وتمت به غرر المحامد، تمام الصلات بالعوائد، ومجهول اللغة بمعلوم الشواهد. ودولة عبد الرحمن بن هشامٍ المستظهر المتقدمة الذكر كانت مهبة الذي منه عصف، ومجاله الأول الذي فيه تصرف، ألقى إليه زمامه، وأخدمه أيامه؛ ثم عتب عليه في بعض الأمر، فلحق ببلاد الثغر، فهناك تسحب على الدول، تسحب الهوى على العذل؛ وامتزج بملوك العصر، امتزج الماء بالخمر، ولو طال مداه لم يذكر معه سواه، ولا اعترف بتفضيله أحبته وعداه. نقلت من خط أبي مروان بن حيان قال: ولحق أبو المغيرة ببلاد الثغر، وقد اعتلت طبقته في النظم والنثر، وكتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 عن عدة من الأمراء، ونال حظاً عريضاً من دنياهم، إلا إنه اعتبط شاباً شاباً بعد أن ألف عدة تواليف، وشجر الأمر بينه وبين الفقيه أبي محمد بن حزم ابن عمه، وجرت بينهما هنات ظهر عليه فيها أبو المغيرة، وبكته حتى أسكته، لأنه كان أنبه من أنبه من أبي محمدٍ في حضور شاهده، وذكاء خاطره، وحسن هيئته، وبراعة ظرفه، وجودة أدبه، وهو كان في زمانه في الجد والهزل صاحب اللواء، في مجالس الأمراء، مستنجزاً للبيضاء، مقتضاً للشقراء، وتصور في قلوب الروساء فأجزلوا أرزاقه فعظمت صلاته وهباته؛ انتهى كلام ابن حيان. قلت أنا: وقد أخرجت من رسائله العميدية، وقصائده اللبيدية، ومما جرى بينه وبين ابن عمه ما يسحر الألباب، ويبهر الشعراء والكتاب. @جملة من رسائله في أوصاف شتى كتب إليه أبو عليّ بن ربيب القروي رقعة يقول فيها: إني فكرت في بلدكم أهل الأندلس إذ كان قرارة كل فضل، ومقصد كل طرفة، ومورد كل تحفة، إن بارت تجارة أو صناعة فإليكم تجلب، وإن كسدت بضاعة فعندكم تنفق، مع كثرة علمائه، ووفور أدبائه، وجلالة ملوكه، ومحبتهم للعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وأهله، ورفعهم من رفعه أدبه، وكذلك سيرتهم في رجال الحرب يقدمون من قدمته شجاعته، وعظمت في الحروب، نكايته؛ فشجع عندكم بذلك الجبان، وأقدم الهيبان، ونبه الخامل، وعلم الجاهل، ونطق العيي، وشعر البكي، واستنسر البغاث، وتنثعبن الحفاث، وتنافس الناس في العلوم. ثم هم مع ذلك في غاية التقصير ونهاية التفريط، من أجل أن علماء الأمصار دونوا فضائل أعيانهم وقلدوا الكتب مآثر أقطارهم، وأخبار الملوك والأمراء، والكتاب والوزراء، والقضاة والعلماء، فأبقوا لهم ذكراً في الغابرين، ولسان صدق في الآخرين؛ وعلماؤكم مع استظهارهم على العلوم، كل امرئ منهم قائم في ظله لا يبرح، وثابت على كعبه لا يتزحزح؛ يخاف إن صنف أن يعنف أو تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، لم يتعب نفساً أحد منهم في مفاخر بلده، ولم يستعمل نقساً في فضائل ملوكه، ولا بل قلماً بمناقب كتابه ووزراءه، ولا سود قرطاساً بمحاسن قضاته وعلمائه؛ على أنه لو أطلق ما عقل الإغفال من لسانه، وبسط ما قبض الإهمال من بيانه، لوجد للقول مساغاً، ولم تضق عليه المسالك هنالك، ولكن هم كل أحد منهم أن يطلب شأو من تقدمه من رؤساء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 العلماء، ليحوز قصب السبق ويفوز بقدح ابن مقبل، ويأخذ بكظم دعبل، ويصير شجىً في حلق أبي العميثل: فإذا أدرك تلك البغية، وجاءته بعد المنية، دفن علمه معه، ومات ذكره، وانقطع خبره. ومن قدمنا ذكره من علماء الأمصار احتالوا لبقاء ذكرهم، فألفوا دواوين يبقى لهم ذكر يتجدد طول الأبد. فإن قلت: إنه كان ذلك من علمائكم، وألفوا كتباً لكنها لم تصل إلينا، فهذه دعوى لم يصحبها تحقيق، لأنه ليس بيننا وبينكم إلا روحة راكب، أو دلجة قارب، لو نفث ببلدكم مصدور، لأسمع ببلدنا من في القبور، فضلاً عمن في الدور والقصور، وتلقوا قوله بالقبول، كما تلقوا ديوان ابن عبد ربه منكم الذي سماه ب - " العقد ". على أنه يلحقه فيه بعض اللوم، إذ لم يجعل فضائل بلده، واسطة عقده، ومناقب ملوكه يتيمة سلكه، لكنه أكثر وطول، وأخطأ المفصل، وأطال الهز بسيف غير مقصل، وقعد به ما قعد بأصحابه من ترك ما يعنيهم، وإغفال ما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 يهمهم: فأرشد أخاك - أرشدك الله - إن كان عندك في ذلك الجلية، وبيدك فصل القضية، إن شاء الله. فراجعه أبو المغيرة برقعةٍ حذفت أكثر فصولها لطولها، منها: أبقاك الله من حميمٍ صريح الود، أهدى تحيته على البعد، فإن الفهم رحم، والأدب ما بين أهله وسائل وذمم؛ وليس عدم الترائي والعيان، بقاطعٍ للأسباب والأقران، ولا تنائي الديار والمنازل، بقادحٍ في الأذمة والوسائل؛ فالكتاب عوض عن الكلام، والتواصل بالنفوس لا بالأجسام، وما زلت أتنسم ذكرك، فأترسم قدرك، وأسمع خبرك فأرى خبرك، حتى أرادت الأيام كشف الر، ورفع الستر؛ فوقفت على الصحيفة التي ظاهرها ديباج مرقوم، وباطنها لؤلؤ منظوم، ووشي محوك، وذهب مسبوك؛ فرأيت صور الأدب باهرة المرأى والعيان، شاهدةً لك بأذلق لسان، وأصدق بيان، أنك أبو عذرتها، ومالك جملتها، وواحد فنونها، ووارد معينها، وقادحة جناحها، وصبا رياحها، فسألت سؤال العالم، وبحثت بحث اليقظان المتغافل، وادعيت الحيرة وأنت أهدى في تلك الفلا، من فارط القطا، لتعلم أين المخطئ والمصيب، وكيف الجواب والمجيب؛ والله يوفق من المراجعة لما يرضيك، ويكون وفق أمانيك، وما أجهل أني على نفسي أبتهل بهذا الدعاء، لمن أسر حسواً في ارتغاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 فأول ما قدمت في كتابك ما يقدمه ذو الفضل والنبل في الثناء على بلدنا وأهله، ووصفت الجميع على اختلاف طبقاتهم، وتباين درجاتهم، من آرائهم التي نحوها، وعلومهم التي وعوها، بأوفر الأقسام، واحتلالهم من ذلك بالغارب والسنام؛ حتى عارض الجبان الأسد، وناطح الجوزاء الجلمد، وناطق الأعجم الفصيح، وبارى الجاهل العالم، وجارى القاعد القائم، تحاسداً على الفضائل. هذا معنى كلامك لم أورد ألفاظه، وإن أصميت أغراضه، إشفاقاً من أن أفضح كلامي به، وأدل على قصور آلتي بمجتلبه، فأكون كمن جمع بين الشبه والذهب، وقرن الدر إلى المخشلب؛ ثم قلت: إن ذكر الفتى عمره الثاني، والميت المجهول لا الفاني؛ فكم من هالك آثاره كاشفة عيانه، وواصفة قدره وشانه، وحي أثوابه كفنه، وجهله جننه. وهؤلاء الذي أنضيت في وصفهم جياد مدحك، وهتكت ظلامهم بغرة صبحك، على غير هذا الرأي مقيمون، وبخلاف هذا المذهب قائلون. فوليت في حيز وعزلت، وارتفعت في حال ونزلت، وأتيت بغاية المحال، وهو إثبات الضدين في حال، ثم زدت في التعليل، وبالغت في الاجتماع على التمثيل، باعتمادك تكذيب من قال: إن الذي قاله غيرك لو وقع لكان قرب المسافة التي هي شوط جارٍ، بل غمضة سارٍ، توجب حل الشك، وانجلاء الإفك؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 فعجبت من أمنك مراجعاً لا يقصد في أدب المقابلة قصدي، ولا يعقد على سانح أخوتك عقدي؛ يجعل جوابك قول القائل: لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي وغفراً غفراً لهذا العقوق؛ وخذه بإزاء قولك: تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق. وعلى كل حال فقد نادينا لو أسمعنا، وطرنا لو وقعنا؛ وما أشبهنا بالغريبة التي خبرها يدفن، وشرها يعلن، يتعب أحدنا نفسه، ويرهف حسه، ويعارض السيف بفهمه، والبحر بعلمه، والنار بذكائه، والزمان بمضائه، ونتائج فكره محجوبة، وبنات صدره غير مخطوبة: [إن يسمعوا ريبةً طاروا لها فرحاً ... عنه وما سمعوا من صالح دفنوا] وفي فصل منها: ولو لم يعلم لنا خبر، ولا ظهر منا أثر، وبقينا لا يعرف مكاننا، إلا بإخراج قسمة الأقاليم لنا، والحاجة في الجغرافيا إلى ذكر صقعنا، لكان عذراً في التقصير عن اشتهار الفضل لائحاً، وإن كان نهجنا إلى أخذه والعلم به واضحاً؛ وإن كنت بإطلاق قولك، قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 جاهرتنا - وحقك - بالظلم مجاهرة أنا أعجب كيف انقاد كريم طبعك لها، وأعجب أيضاً من بخوعي لك، ووقوفي عن الانتصاف منك، وأنا أعلم أن عندكم لنا تواليف تطيرون بها، وأشهد بتقصير أربابها فيها؛ وإن وداً عقل لك لساني، ولم يجر إلا بما تؤثره وتختاره بناني، لود يفضح الروض في حزنه، برائق حسنه، ورضوى في هضبه، بثقل وزنه، ونوء السماك في هتنه، بوابل مزنه؛ وما هي إلا شيمة قديمة فيكم أهل الجهة الظاهرة أعلامها، الباهرة علومها وأفهامها. قال ابن بسام: وخرج أبو المغيرة في رسالته هذه إلى التطويل، وبالغ في الاحتجاج بفصول، هي عادلة عن هذه السبيل؛ وختمها بذكر جملةٍ من تواليف أهل الأندلس، أضربت عن تسميتها لشهرتها. وله فصل من رقعة: وعسى أن يكون شراء ذلك الديوان شراء التجار الأكياس، من المدبرين القائلين بارتضاع الكاس؛ وهمك أن يكون أبو الحسين وسيطك، وجماله شفيعك، فهو ممن كان له في الحسن لواء مرفوع، وحلة تزري بالوشي الصنيع، فعفى تلك الآثار ما سال من عذاره، وطمس ليل اللحية ما كان أشرق من نهاره؛ لا جرم لقد بقيت خيلان كالآثار الدالة على الديار، والحلي السقيط، المخبر عن بين الخليط؛ وإذا تأملتها قد اشتمل الشعر عليها، وزحف من كل جانب إليها، ذكرت قول أبي الطيب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 برسوم كأنهن نجوم ... في عراص كأنهن ليال وله حديث ستستظرفه إذا سهلت له إذنك، وأعرت له أذنك. وأبو المغيرة في دعابته هذه كما قرأته في فصل كتبه أبو عبد الرحمن ابن طاهر إلى الوزير ابن عبد العزيز مع غلام وسيم، قال فيه: هذا الفتى كما تراه يطلب خدمة، وبه حشمة، ويزعم أنه يحمل حمله، ويؤتي كل حين أكله؛ وقدماً عهدتك تحن إلى هذه العصافير، فإنها حمر الحواصل صفر المناقير. وعرضت على أبي المغيرة رسالة بديع الزمان في الغلام الذي خطب إليه وده بعد أن عذر، وبقل وجهه وأزهر، فعارضها برقعةٍ يقول فيها: ورد كتابك تنشد ضالة ودنا، وترقع خلق عهدنا، وتطلب ما أفاتته جريرتك إلينا، وذهبت به جنايتك علينا، أيام غصنك ناضر، وبدرك زاهر، لا نجد رسولاً إليك غير لحظة تخرق حجاب الدموع، أو زفرة تقيم منآد الضلوع؛ فإن رمنا شكوى ينفث بها مصدورنا، أو يستريح إليها مهجورنا، لقينا دونها أمنع سد، وأفدح رد. وقلت: أهذا الطامع في أن يطالع القمر الطالع، والراغب في أن يصاحب النجم الثاقب - لشد ما زاد، وأبعد ما أراد! حاول تألف الظبي الشارد، وهصر الغصن المائد، بدمعة صبها، وزفرة شبها، أما علم أن لحظي سهم: القلوب أغراضه، وأني ظبي: النفوس رياضه - فننصرف عنك كما أتينا، ونقف كما جرينا، ونعود إلى نار الوجد بك نصلاها، ونار البعد عنك لا نبرح مغناها؛ حتى إذا طفئت تلك النيران، وانتصف منك الزمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 بشعرات أغضت علالك كسوفاً، وقلبت ديباجك صوفاً، وأعادت نهارك ليلاً، وناحت عليك تلهفاً وويلاً، وأطار حمامك غرابها، وحجب ضياءك ضبابها؛ فصار عرسك مأتماً، وعاد وصلك محرماً: وبت مداماً تسر النزيفا ... فأصبحت تجرع خلا ثقيفا وصرت حجازاً جديب المحل ... وقد كنت للطالب الخصب ريفا أقبلت تنسل إلينا لواذاً، وتطلب منا عياذاً، قد أنساك ذل العزل عز الولاية، وأولاك طمعاً نسيانناً تلك الجناية، أيام ترشقنا سهام ألحاظك رشقاً، وتقتلنا سيوف ألفاظك عشقاً؛ وتميس غصناً، فتثير حزناً، وتطلع شمساً، فتغيب نفساً، خدودنا أرض نعالك، وصدورنا حد مجالك، ونفوسنا مهاد خبك، وقلوبنا ميدان حربك؛ فالآن نلقاك بدمعٍ قد جف، ووجد قد كف، وعزاء قد أيد، وصبر قد غار وأنجد، وهوىً قد أراح رواحله، وأطاع عاذله، وسلو قد قرب ركائبه، واسعد طالبه؛ وننظر منك إلى روضٍ قد صوح، وسار قد أصبح، وأعجم قد أفصح، ومبهم قد صرح؛ فلا شك وقد رفع الغطاء، ولا إفك وقد برح الخفاء، ولا لوم وقد وقع الجزاء؛ فهلا ذكرت المثل الممتهن: الصيف ضيعت اللبن، ونسيت من أحرقت قلبه صداً، وأقلعت خلبه رداً؛ وملأت حوانحه ناراً، وتركت نومه غراراً؛ أن يوفيك قرضاً، ويجازيك حتى ترضى، حين نكس علمك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وعثرت قدمك، وضاقت طرفك، وأظل أفقك، وخوى نجمك، وخاب قدحك، وفل سيفك، وحط رمحك. فاطو ثوب وصلك، فلا حاجة لنا إلى لباسه، وازو طارق شخصك، فلا رغبة لنا في إيناسه، فما نشتهي اليوم زيارة رمس من زهد فينا أمس: حانت منيته فاسود عارضه ... كما تسود بعد الميت الدار قوله: " وبت مداماً تسر النزيفا " ... البيت: أخذه ابن عبادة المعروف بابن القزاز، وأوجزه غاية الإيجاز فقال: يا عقاراً صار خلاً ... وملاذاً للبعوض سر فما لي فيك حظ ... كان ذا قبل الحموض ما أبالي بعد أكل ال ... زبد من طرح المخيض والبيت الذي تمثل به أخيراً لعلي بن بسام البغدادي، من جملة أبيات قالها في أخيه جعفر، منها: يا من نعته إلى الإخوان لحيته ... أدبرت والناس إقبال وإدبار قد كنت ممن يهش الناظرون له ... تغض دونك أسماع وأبصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 لله در فتىً ولت شبيبته ... وكل شيء له حد ومقدار فيا لدهر مضى ما كان أحسنه ... إذ أنت ممتنع والشرط دينار أيام وجهك مصقول عوارضه ... وللرياض على خديك أنوار حانت منيته فاسود عارضه ... كما تسود بعد الميت الدار وكان ابن بسام هذا في أوانه، باقعة زمانه، لم يسلم منه عصره أمير ولا وزير، ولا من أهل بيته صغير ولا كبير؛ وكان أخوه جعفر الذي ذكر من أهل الجمال الفائق، وفيه يقول: حان المنية يا أبا العباس ... فدع المكاس فلات حين مكاس ما بال وجهك بعد كثرة نوره ... قد سودوه بحالك الأنقاس أين الدنانير التي عودتها ... هيهات جاء الشعر بالإفلاس كانت تجد ثيابه ديباجة ... فاستبدلت حلساً من الأحلاس وكذا البناء فغير مرتفعٍ إذا ... كانت بليته من الآساس وهو القائل في أبيه وقد بنى داراً. شدت داراً خلتها مكرمةً ... سلط الله عليها الغرقا ورأيناك صريعاً وسطها ... ورأيناها صعيداً زلقا واشتهار شعره في أبيه وأخيه وأهل عصره، يمنعني عن ذكره؛ ويذكر الشي بالشيء إذا كان من واديه، أو نظر إلى ألفاظه أو معانيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ولما اتفق أن يكون علي بن بسام هذا سمي، واجتمعت بالوزير أبي محمد عبد المجيد بن عبدون أول لقائي له بشنترين في جملة أصحاب المتوكل، فأول مجلس اجتمعت معه فيه، وسمع بعض الإخوان يدعونني باسمي، فقال لي: أنت علي ابن بسام حقاً - قلت: نعم، قال: أو تهجو حتى الآن أباك أبا جعفر وأخاك جعفراً - قلت له: وأنت أيضاً عبد المجيد - قال: أجل، قلت: وحتى الآن فيك ابن مناذر يتغزل - فضحك من حضر لهذا الجواب الحاضر. وخبر ابن مناذر مع عبد الوهاب الثقفي أوضح من أن يشرح. وكان من أجمل فتيان ذلك الأوان، وآدبهم وأظرفهم، فكلف به ابن مناذر وتعشقه، فاعتبط لعشرين سنة، فرثاه بذلك القصيد الفريد، الذي يقول فيه: فلو إن الأيام أخلدن حياً ... لعلاء أخلدن عبد المجيد وأما صفات المعذرين من الغلمان، فقد جرت خيول فرسان هذا الشان، بهذا الميدان، وتفننوا في ذلك نثراً ونظماً، وتطاردوا فيه مدحاً وذماً. وممن ذمهم من أهل عصرنا عبد الجليل، حيث يقول: وأمرد يستهيم بكل وادٍ ... وينصب للشجى خلداً صليبا دعوت دعاء مظلوم عليه ... وكان الله مستمعاً مجيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فطوقه الزمان بما جناه ... وعلق من عذاريه الذنوبا وأخذه أبو بكر الداني فقال: بدا على خده عذار ... في مثله يعذر الكئيب وليس ذاك العذار شعراً ... لكنما سره عجيب لما أرق الدماء ظلماً ... بدت على خده الذنوب ولعبد الجليل في هذه الصفات عدة مقطوعات، فتح بها جراب السخف، ولم يستتر فيها من العقل بسجف؛ وقد كتبت من شعره في هذا الباب وسواه في القسم الثاني من هذا الكتاب بعض ما اخترناه. ولم أسمع في ذم من عزل عن ولاية حسنه، أحسن من قول بعض أهل عصرنا وهو أبو الحسن البرقي في أبيات تستندر بجملتها وهي: ألآن لما روضت وجناته ... شوكاً وأضحت سلوة العشاق واستوحشت منك المحاسن واكتست ... أنوار وجهك واهي الأخلاق أنشأت تبذل لي الوصال تصنعاً ... خلق اللئيم وشيمة المذاق هلا وصلت إذ الشمائل قهوة ... وإذ المحيا روضة الأحداق فلكم أطلت غام قلبٍ موجع ... كم ألب إليك بالأشواق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 ما كنت إلا البدر ليلة تمه ... حتى قضت لك ليلة بمحاق لاح العذار فقلت: وجه نازح ... حتى قضت لك ليلة بمحاق ولأبي الحسن في هذه أيضاً عدة محاسن، إذ كان قد خلع عذاره في صفات المعذرين كقوله: وأزهر حيا بريحانة ... تضوع من عرفها المندل وزاد بنفسج أصداغه ... فقلت الزيادة قد تقبل وقال أيضاً: بأبي الذي خط الجما ... ل بوجه لاماً ونون وأظنته جعل المدا ... د سواد أحداق الجفون خافوا عليه من العيو ... ن فعوذوه بالعيون وهذا كقول عبد الجليل: معذرين كأنما بخدودهم ... طرق العيون ومنهج الأرواح وكأنما صقلوا الجمال وأظهروا ... مشي النمال على متون صفاح وممن عني بهذا الوصف المعري، حيث يقول في ذكر السيف: ودبت فوقه حمر المنايا ... ولكن بعدما مسخت نمالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 قوال في موضع آخر: ولا حسبت صغار النمل يمكنها ... سعي على اللج أو مشي على السعر وقال بعض أهل عصري وهو الوزير أبو محمد ابن عبد الغفور: تريه المنايا الحمر فيه وجوهها ... مخاتلة الأرواح في صور الذر وقال أيضاً بعض أهل أفقنا: جداول ماءٍ ما تسوغ لواردٍ ... ترى النمل غرقى فيه غير الأكارع وقد كرر عبد الجليل معنى بيته المتقدم فقال: ومشت لحاظي في جوانب خده ... حتى أثرن بصفحتيه طريقا وقال أبو محمد بن سارة الشنتريني: ومعذر رقت حواشي حسنه ... فقلوبنا وجداً عليه رقاق لم يكس عارضه السواد وإنما ... نثرت عليه سوادها الأحداق وقال أيضاً بعض أهل عصري وهو ابن رباح أبو تمام الملقب بالحجام: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 يا لعبةً بذوي الألباب لاعبةً ... في أصل حسنك معنىً غير متفق خلقت بيضاء كالكافور ناصعةً ... فصرت سوداء من مثواك في الحدق وهو أيضاً القائل في هذا المعنى: وسدواء الأديم إذا تبدت ... ترى ماء النعيم جرى عليه رآها ناظري فصبا إليها ... " وشبه الشيء منجذب إليه " وسمع الوزير أبو جعفر بن جرج من أهل أفقنا قول ابن الجهم: وعائب للسمر من جهله ... مفضل للبيض ذي محك قولوا له عني: أما تستحي - ... من جعل الكافور كالمسك - فعارضه بقوله: وعائب للبيض ذي إفك ... معارض الكافور بالمسك دع عنك هذا وانقلب خاسئاً ... ما النور مثل الظلم الحلك ثم ساعد ابن الجهم فقال: غصن من الآبنوس أبدى ... من مسك دارين لي ثمارا ليل نعيم أظل فيه ... للطيب لا أشتهي نهارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ولابن جرج أيضاً في مثله: وسمراء باهى كلفة البدر وجهها ... إذا لاح في ليل من الشعر الجعد محببة من حبة القلب لونها ... وطينتها للمسك والعنبر الورد وقال أبو علي ابن رشيق: دعا بك الحسن فاستجيبي ... يا مسك في صبغة وطيب تيهي على البيض واستطيلي ... تيه شباب على مشيب ولا يرعك أسوداد لونٍ ... كمقلة الشادن الربيب فإنما النور عن سوادٍ ... في أعين الناس والقلوب قال ابن بسام: وهذا من الكلام الرائق، المتأخر السابق، في تفضيل السواد على البياض، مع أن ابن الرومي لم يدع فيه لأحد من اعتراض، وقد كان قبله أبو حفص الشطرنجي قال: أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينة واحده ولما كانت شدة البياض مما يعاب، وأن أكف بعض السودان مشققة وأطرافهم ليست ناعمة لينة، وأن عرفهم خبيث مع الفلح الملازم لأوساط الشفاه، وسائر ما فيهم من هذه الأشباه، نفى ابن الرومي ذلك كله فقال يصف جارية عبد الملك بن صالح السوداء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 سوداء لم تنتسب إلى برص الشقر ولا كلفة ولا بهق ... ليست من العبس الأكف ولا الفلح الشفاه الخبائث العرق ... وبعض ما فضل السواد به ... والحق ذو سلم وذو نفق ألا تعيب السواد حلكته ... وقد يعذب البياض بالبهق أكسبها الحب أنها صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق فانصرفت نحوها الضمائر ال ... أبصار يعنقن أيما عنق ولما سمع ابن الرومي قول أبي نواس، وقد نبه نديماً لبلصبوح فأخبر عن حاله، وهو من جيد تشبيهاته: فقام والليل يجلوه الصباح كما ... جلا التبسم عن غر الثنيات قال ابن الرومي في هذه القصيدة: يفتر ذاك السواد عن يقق ... من ثغرها كاللآلئ النسق كأنها والمزاج يضحكها ... ليل تفرى دجاه عن فلق وفضل كلام ابن الرومي على سواه، أنه قدم في التشبيه لمعناه مقدمة أيدته ووطأت له الآذان، وأصغت الأفهام إلى الاستحسان، وهي قوله: " يفتر ذاك السواد عن يقق " وكان سئل أن يستغرق في صفات محاسنها الظاهرة والباطنة فقال: لها حر يستعير وقدته ... من قلب صب وصدر ذي حنق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 كأنما حره لذائقه ... ما ألهبت في حشاه من حرق يزداد ضيقاً على المراس كما ... تزداد ضيقاً أنشوطة الوهق وفكر ابن الرومي فيما فكر فيه النابغة إذ أمره النعمان بوصف المتجردة فوصف ما يجوز ذكره من ظاهر محاسنها ثم كره أن يذكر من باطنها ما لا يسوغ لمثله أن يذكره منها، فرد الإخبار عن تلك الصفات إلى صاحبها وهو الملك فقال: زعم الهمام بأن فاها بارد ... عذب مقبله شهي المورد الأبيات، فقال ابن الرومي: وصفت فيها الذي هويت على ال ... وهم ولم انتبذ ولم أذق إلا بأخبارك التي وقعت ... منك إلينا عن ظبية البرق حاشا لسوداء منظر سكنت ... دارك إلا من مخبرٍ يقق ولما سمع الفرزدق يرثي امرأة توفيت حاملاً، حيث يقول: وجفن سلاحٍ قد رزئت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا وفي بطنه من دارم ذو حفيظةٍ ... لو أن المنايا أنسأته لياليا قال ابن الرومي: أخلق بها أن تقوم عن ذكرٍ ... كالسيف يفري مضاعف الحلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 إن حفون السيوف أكثرها ... أسود، والحق غير مختلق فزاد زيادة بينةً، وعبارةً واضحة، لم تفتقر إلى تفسير أصحاب المعاني، وبلغ من الإجادة، فوق الإرادة. ومناسبة الشعر في المعنى واللفظ كثيرة. ونرجع إلى رسائل أبي المغيرة: فصل من رقعة له: مؤدي كتابي هذا قصد حضرة الحاجب الفاضل، ولم يجد بداً من سبب واصل، إلى رجاء حاصل؛ وأنت هنالك في كل مطلب صالح، ومذهب راجح، الدلو والرشاء، والنهاية والابتداء؛ وللقرشيين ألسنة بالثناء فصاح، ومن أولاهم يداً فقد حمل محاسنه أجنحة الرياح، وكبها في غرة الصباح. فصل من رقعة شفاعةٍ أيضاً: إذا شرب روض الشكر، من حوض البر، أطلع من الزهر، ما يخجل مسك الطرر؛ وتنفس عن نسيم، يشفي حرارة القلوب الهيم، وبحسب القائل يكون المقال، وعلى قدر الجائل يتسع المجال، وأبو الربيع من علم لسانه إن قال، وبيانه قصر أو طال؛ وأنه أشد بناة الكلام حرصاً، إذا وجد آجراً وجصاً؛ وأعظم جياده تهافتاً، إذا وجد ميداناً متفاوتاً، فمن أوثقه براً، طوقه شكراً، ومن خلع عليه ثياب الفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 من طراز الإكرام، نزع إليه بجياد الحمد من مربط الكلام؛ ولم يزل يمري خلف الطلب، بيد الأدب، ويسري في ظلام الأمور، بسراج المنظوم والمنثور، حتى إذا رأى تلك الأسباب رثاثاً، وعاين مبرم وسائلها أنكاثاً، طلق عرس الشعر ثلاثاً، وصار لا يرى نجعة الأدب، ولو أوطأته على أرض الذهب؛ فمن سماه أديباً فقد عقه، أو وسمه بشاعر فقد أبطل حقه؛ حتى إذا لقي من كريم صوناً، وعلى ما يحاوله عوناً، ذكر فشكر، بثناء كالزهر، تحت أنداء السحر، وأمسك من الآداب، على هذا الذناب، ولولا أن يسر بهذا القدر ذا قدر، لصدق الحملة، ومحاها من صدره جملة، ونزع إلى تصوف يحمد فيه رأيه، ويجنيه ثمر العيش منه سعيه؛ فقد سئم تشبهه بالعيال، ودخوله تحت المنن السابغة الأذيال. وغرضه منك - أعزك الله - رأي أصيل، وإرشاد جميل، وتأنيس يسهل به وعر الزمان، ويثني إليه - إن شاء الله - شارد الأمان. وله من أخرى: أعزك الله - في الاحتماء حسم الداء، ولا عدو للإنسان إلا نفسه، ولا حية ولا عقرب إلا جنسه؛ وليس في الحيوان، أخبث في ذاته من الإنسان؛ فالاحتراس كل الاحتراس، والمعاشرة الجميلة للناس؛ فأبصر بصيرتك، وأحسن سريرتك، ولا تلدغن من جحر مرتين، واذكر المثل السائر في اللاعب بين وتدين؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 والعاقل من حمله كل بلد، ونفق عند كل أحد، وأعقل منه من عرف الناس ولم يعرفوه، فاستراح من أجنبي متكلف، أو قريب غير منصف، ولم يفتقر إلا إلى ربه، ولم يأنس إلا بنور لبه. وله من أخرى: فالأرض قد نشرت ملاءها، وسحبت رداءها، ولبست جلبابها، وتقلدت سخابها، وبرز الورد من كمامه، واهتز الروض لتغريد حمامه؛ والأشجار قد نشرت شعورها وهزت رؤوسها، والدنيا قد أبدت بشرها وأماطت عبوسها؛ وكأن بها قد أطلعت من كل ثمر ضروباً، وأبدت من جناها منظراً عجيباً؛ وإن كنا لا نشارك في تلك إلا بالعيان لا باللسان، وبالطرف لا بالكف، وننالها بالاختلاس لا بالأضراس؛ وللدهر قسم من أقسام اللذة، وصنف من أصناف الشهوة: شهدنا إذ رأيناهم فإنا ... على اللذات في الدنيا شهود وحالي حال للسقام بها اتصال، وللصحة عنها انفصال، يعين على ذلك ضعف البنية، وفساد الأهوية، والتخليط في الأغذية؛ وبعض صلاحها بل كله تعجيلك مطالعتي بحالك، لأسكن إلى ما أوثره من ذلك، وشفع لي بخبر فلان، واشرح لي من خبر فلان، وأين بلغ من تكسبه، وحيث انتهى من تطببه، وكيف ظروفه وخزائنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ولعوقاته ومعاجنه، وهل ينفذ طبه، وينفق بختجه وحبه؛ وصف لي ما يقوله على الماء، ويبديه من الأدواء، وأهد إلي ما ينمقه من المقال، على الكبد والطحال، ويرقشه من الكلام، في الفالج والزكام؛ فالحمد لمن قرن له ذلك إلى القيام بشريعة الإسلام، والتمهر في الأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، والفلج عند الجدال والخصام. وله من أخرى: فكم ليث كامن في غابه، سمعت صريف أنيابه، وقفر أنست في يبابه، إلى عواء ذئابه؛ لا أمر إلا باللص المستلب، ولا ألقى غير الخارب المنتهب؛ وشعاري عند النائبة ألقاها قأتخطاها، والنازلة أراها فاتعداها، قول أبي الطيب: فإن أسلم فما أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام وأنا أرقب من الزمان صنيعه، وأنتظر الحمام وأتخيل وقوعه؛ وهو يذهب بي إلى قبلة الآمال وأنا لا أصدق، ويسوقني إلى محط الرحال وأنا لا أحقق، ويؤم بي البحر الذي لا تحصى فوائده، والغيث الذي لا يخيب رائده؛ وهللت إحماداً لما سقطت عليه، وعلمت أني في الحرم الذي لا يوطأ رحابه، ولا يطار غرابه، ولا يخضد شجره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 ولا يمنع ثمره، ولم ألبث ن نزلت باليفاع الخصيب، وتمكنت من الرشاء والقليب. وفي فصل: وما أعلم نائبةً كفراقك أهد لمتن، ولا نازلةً كنأيك أجلب لحزن، وما كنت أريم ربعك لو كان لي الخيار، ولا أبرح منزلك لو ساعدتني الأقدار. لقد كنت أدركت المنى غير أني ... يعيرني قومي بإدراكها وحدي وله فصل من أخرى: لم أزل أزجر للقاء سيدي السانح، وأستمطر الغادي والرائح، وأروم اقتناصه ولو بشرك المنام، وأحاول اختلاسه ولو بأيدي الأوهام، وأعاتب الأيام فلا تعتب، وأقودها إليه فلا تحصب. حتى إذا غلب الياس، وشمت الناس، وضربت بي الأمثال، فقيل أكثر الآمال ضلال؛ تنبه الدهر من رقدته، وحل من عقدته، وقبل مني، وأظهر الرضى عني؛ وقال دونك ما جمح، فقد سمح؛ وإليك فقد دنا، ما كان في المنى؛ فطرت بجناح الارتياح، وركبت إلى الغمام كواهل الرياح؛ وقلت فرصة تغتنم، وركن يستلم، وطرقت روضة العلم عميمة الأزاهر، فصيحة الطائر، ريا الجداول، باردة الضحى والأصائل، وطفت بكعبة الفضل مصونة الحبر، ملثومة الحجر، عزيز المقام، معمورة المشعر الحرام، فما شئت من محاضرة تجمع بين الدنيا والآخرة، بين يدي نثر يري الإعجاز، ونظمٍ ما أشبه الصدور بالأعجاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وحديث تقف العقول بإزائه، وتروى بصافي مائه. فحين شمخ بالظفر أنفي، واهتز لنيل الأمل عطفي؛ والدهر يضحك سراً، ويتأبط شراً؛ وقد أذهلني الجذل عن سوء ظني به، وأوهمني نزوعه عن ذميم مذهبه، آلت ألوانه، وفسا ظربانه، ونادى ليقم من قعد، وينتبه من رقد. إنما فترت تلك الفترة، ليكون ما رأيت عليك حسرة وسمحت لك مرة، لتذوق من الأسف عليها كأساً مرة. فرأيت وقد كان غطي على بصري، وعقلت وكنت في عمياء من خبري؛ وقلت: هذا الذي أعهده من لؤمه، وأعرفه من شؤمه، ما وهب إلا سلب، ولا أعطى إلا ساعات كإبهام القطا؛ فيا له من قادر ما ألأم قدرته، وذابح ما أحد شفرته! ولو تسلط علينا من يظهر إلينا شخصه، لأدركته رماحنا، وعصفت به رياحنا؛ وطاح بين موتورين منا: قاصد أبوه قحطان، ومقصوده أبوه كسرى أنو شروان. وما ظنك بصريخ يثوب إليه من يعرب ثائبها، ومن بني ساسان كسرى حفت به مرازبها؛ لكنه أمير من وراء سجف، يسعى بلا رجل ويصول بلا كف. وهذا محلول من قول أبي الطيب حيث يقول: وما الموت إلا سارق دق شخصه ... يصول بلا كف ويسعى بلا رجل وأخذه المعتمد بن عباد فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ولكنها الأيام تردي بلا ظباً ... وتصمي بلا نبل وترمي بلا يد وهو معنى متداول مشهور، وهو في نثرهم ونظمهم كثير. وفي هذه الرسالة لفاظ كثيرة، حلها من معقود الشعراء أبو المغيرة، منها قول محمد بن هانئ الأندلسي: وركبت شأو مآرب ومطالب ... حتى امتطيت إلى الغمام الريحا وله: قد أغنى الله ما يشاء بتمكن بنياته، وثبات أركانه، عن تعاطي القول في تقريظه ووصفه، ورأيت ما هززت مني في خدمة إرادتك ماضي الحز، لين المهز، لو صادف مضرباً ووقع على محز، وإذا احتجت إلى دليل على معتقدي في تأتي أوطارك ومآربك، وحظي في شعب أنحائك ومذاهبك، فالجزء أصغر من الكل. مفتقر إلى البرهان، وكل مقدمة موجودة بالعقل محتاجة إلى الشرح والبيان، وإذا كانت حالنا مبنية على هذا الأبس، وثبتت صورته هذه في النفس، فقد عييت إذا قصرت بي الأقدار، عن موقف الاعتذار. وله من أخرى: وأما فلان فالكلام وإن طال فيه قصير، والواصف دون بلوغ مداه حسير، لله أبوه، صحة إخاء، ومحض وفاء، وحسبك أنه في الرعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الأول من إخواني، وفي الصدر المقدم ممن أثق به من أهل زماني، وإن كان فيهم ذو السرو والفضل، والنباهة والنبل. وكل له فضله، والحجول ... يوم التفاضل دون الغرر وليالي الخريف خضر ولكن ... زهدتنا فيها ليالي الربيع وله من أخرى: وإن رأيت تأنيسي بكتايب أجتلي منه وجوه البدور، وجواهر النحور، ودرر الثغور، وأجتني به ثمر السرور، وارتع منه في رياض العلوم، ما بين منثور ومنظوم، نفست من خناق مشتاق كئيب، وأنست من وحشة منفرد غريب، بحيث لا أخ كريم، ولا ولي حميم، فقد صرت، ولا أحيل على الأثر بعد العين، كما قال أحمد بن الحسين: ما مقامي بأرض نخلة إلا ... كمقام المسيح بين اليهود وعرفني بعلو مكارمك، ووضوح معالمك، في درج كتابك، وطي خطابك، بحالي شقيقي في النسب، وشفيعي في الأدب، أبي فلان وفلان: هم الذين أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا ولله أيام جلا لي الدهر شخصيهما شجني نور، بقلوب أسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وألحاظ صقور، إذ كنت كالعروس وهما قرطاي، أو كالفلك الدوار وهما قمراي، وأنسنا كالمشتري نازلاً ببرج القوس، وسعدنا كسعد محتبياً بين الخزرج والأوس. وله من أخرى يخاطب بها عن نفسه الفقيه أبا عمر ابن عبد البر: ولقد بقيت حالي بعدك مريضة، وعين آمالي مغضوضة، وأيدي أنسي مقبوضة، وجيوش صبري عنك مفضوضة؛ فقد كان ذلك البعد الطويل أحدث بعض السلوان، وأتى بما في طبيعة الإنسان من النسيان، وإن كان عذا القول لا يقال على الإطلاق، بل على الإضافة لما في الحال بحديث الافتراق، حتى إذا وقع اللقاء تأجج من ذلك الالتياع خامده، وثار راكده، وسال جامده، وكانت حالنا ما قال أبو الطيب: افترقنا حولاً فلما التقينا ... كان تسليمه علي وداعا وله من أخرى: بانعكاس الزمان، انعكست أمثال البيان، كما يروى في خبر الفتى المدعي للكتابة عند عمرو بن مسعدة، أنه عاياه بكتاب من عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 صاحب البريد بخبر بقرة ولدت غلاماً، فأنشأ خطبة مفتتحها: الحمد لله خالق الأنام في بطون الأنعام. فجذب الرقعة من يده، وبالغ في إجزاك صفده. وإذا تأملت انقلاب الزمان، وما وقع لي مع فلان، انقلبت الخطبة فصارت: الحمد لله خالق الأنعام في بطون الأنام. وأبدأ بحديث اليهودي موصل كتابك: دخل الحضرة عقب جولة كانت لي مع ابن مخامس - حشر الله كليهما مع صاحبه - فوالله لا أعلم حال من منهما أضعف وأظلم، أحال اليهودي بمضادة الدين، أم حال هذا المسلك - فوافى وقد كشفت عوراته، وما زالت مكشوفة، وعرفت سوآته، وما زالت معروفةً، إخباراً عنه، وتحذيراً منه، وإعلاماً بما يستره ذيله، ويشتمل عليه ليله، من قبائح يمليها العار، ويكتبها الليل والنهار. وفي فصل منها: وجاء في مقدمة صهر يصهر به جنبه، وفي نكاح ينكح الردى منه قلبه، يمشي مشي من جمع بين المشتري والزهرة، لا مشي من سعى لتركيب حر على كمرة، وأي درةٍ حاول إخراجها من صدفة، ما أشبه النكرة هاهنا بالمعرفة، قبح الله زماناً يقرب إلى اللئيم حصاناً، وإلى الكريم أتاناً. وله من أخرى، خاطب بها الفقيه أبا محمد بن حزم أثبت منها بعض الفصول فراراً من التطويل، وافتتحها ببيتي أبي نواس: ألا لا أرى مثل امترائي في رسم ... توهمه عيني ويرفضه وهمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 أنت صورة الأشياء بيني وبينه ... فظني كلا ظن وعلمي كلا علم وقفت - كلاك الله - وأنت عين التمام، وعلم الأعلام، على كتاب عنوانه باسمك أسمال، كأنه طلل بالٍ؛ فكلما هززته هوم، أو سألته استعجم؛ معنى كصدى الإنسان، ولفظ كمنهجات الأكفان؛ وأغراض لا يدب فيها سهم مقرطس، وإظلام لا وضح فيه لصبح متنفس، ورطانة تمجها الأسماع، وتجتويها الطباع، فأقمت متبلداً، وعدت على نفسي وقريحتي متردداً، فقالتا: أفق أيها الإنسان، لست بالنبي سليمان، متى وعدناك أن نفهمك كلام الحكل وسرار النمل -! ألم نسلك بك في شعاب الكلام فتغلغلت - ألم تسر في صحرائه بنا فأوغلت - ألم تجر في ميدانه فسبقت - ألم تنر في ظلمائه فأشرقت - هل أحسست بنكول جنان، أو قصور لسان، فيما نظمت كالعقود، على ترائب الفتاة الرود، ونثرت كالنجوم، في صفحة الليل البهيم - قلت: بلى؛ قالتا: فأعرض عن رطانة الزط، وصفير البط، ولا تعج على طللٍ بائد، ودار قد أتى الله بنيانها من القواعد، فقلت: أسرفتما طاغيتين، إن كاتب الصحيفة لندرة الزمان، ولعلم نوع الإنسان، إلا أنه ربما كذب العنوان، ونحل ذلك الهذيان؛ فأعدت النظر، فإذا بك أبا محمد صاحبه، كتاب مبني على الظلم العبقري، والبهتان الجلي، ومكابرة العيان، ومدافعة البرهان، قد طمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الله أنواره، وأظهر عواره، فجاء كالفلاة العوراء، لا ماء ولا شجر، والليلة الظلماء، لا نجم ولا قمر. وفي فصل منها: فاستقصرت من دفع إليّ كتابك فقلت: من لي بمثل غاشيتك من هذه العصابة، وبأشباه الملمين بك من تلك البابة، ونسيت أبا محمد حاشيتك وشيعتك، التي صرت رئيس مدراسهم، وكبير أحراسهم، تحدثهم عما كان فيهم من العبر، وتخبرهم بما تعاقب عليهم من الصفا والكدر؛ فتارةً عن السامري والعجل، وتارة عن القمل والنمل، وطوراً تبكيهم بحديث التيه، وطوراً تضحكهم بقوم جالوت وذويه؛ حتى كأن التوراة مصحفك، وبيت الحزان معتكفك، وأنا بمعزل، وأنت تحدث وتعزل؛ وتعجبت من حرصي، ونسيت نفسك أبا محمد، حين قطعت البيداء تبلك السماء، وترعدك الجربياء، في وقت تكمن فيه أنواع الحيوان، وأحقها بالكمون نوع الإنسان، لترث حياً قائماً على حاله، مالكاً لماله، يدعو الله عليك، أن استطلت عمره، ونعيت إليه نفسه. وفي فصل منها: ومن ظريف ما في كتابك قولك: أقصرها وأتأخها. ومن أين نفذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أبصرك، حتى همزتها همز عامر بن الطفيل قرنه في سواد الليل، وما ظنك جعلتها إلا تميمة، لتلك القطعة الكريمة، امتثالاً لقول القائل: ما كان أحوج ذا الكمال إلى ... عيبٍ يرقيه من العين ومن ذلك بأن نصبر عليك، ونتأنى بك، وهذا الجواب كما تراه ابن الوقت ونتيجة الساعة، ونفثة من لا يخرج له الكلام عن طاعة، ومن تشغله عن التفاسير كلف السلطان، وتثقله أعباء الزمان، كاد ينتقش في ظهر كتابك قبل حصوله بيدي: فقل فيما يجن عليه ليل ... ويمضي في صياغته نهار هنالك تظهر الآيات حتى ... يقال تناثر الفلك المدار فراجعه الفقيه أبو محمد برقعةٍ قال فيها: سمعت وأطعت لقوله تعالى: {وأ " رض عن الجاهلين} ، وسلمت وانقدت لحديثه عليه السلام: " صل من قطعك، واعف عمن ظلمك "، ورضيت بقول الحكماء: " كفاك انتصاراً ممن تعرض لأذاك إعراضك عنه "، وأقول: تبغ امرءاً يبتغي ... سبابك، إن هواك السباب فإني أبيت طلاب السفاه ... وصنت محلي عما يعاب وقل ما بدا لك من بعد ذا ... وأكثر فإن سكوتي جواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وأقول: كفاني ذكر الناس لي ومآثري ... ومالك فيهم يا ابن عمي ذاكر عدوي وأشياعي كثير كذاك من ... غدا وهو نفاع المساعي وضائر وما لك فيهم من عدوٍ فيتقى ... وما لك فيهم من صديق يكاثر وقولي مسموع له ومصدق ... وقولك منبت مع الريح طائر وإني وإن آذيتني وعققتني ... لمحتمل ما جاءني منك صابر فوقع له أبو المغيرة على ظهر رقعته: قرأت هذه الرقعة العاقة فحين استوعبتها أنشدني: نحنح زيد وسعل ... لما رأى وقع الأسل فأردت قطعها، وترك المراجعة عنها، فقالت لي نفس قد عرفت ذكاءها: تالله لا قطعتها إلا يده! فأثبت على ظهرها، ما يكون سبباً لصونها، وقلت: نعقت ولم تدر كيف الجواب ... وأخطأت حتى أتاك الصواب وأجريت وحدك في حلبةٍ ... نأت عنك فيها الجياد العراب وبت من الجهل مستنبحاً ... لغير قرىً فأتتك الذئاب لعمرك تبينت عقبى الظلوم ... إذا انتفضت في الخميس العقاب أنيل المنى والظبا سخط ... وأعطي الرضى والعوالي غضاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وأقول: وغاصب حق أوبقته المقادر ... " يذكرني حاميم والرمح شاجر " غدا يستعير الفخر من خيم خصمه ... ويجهل أن الحق أبلج ظاهر ألم تتعلم يا أخا الظلم أنني ... برغمك ناه منذ عشر وآمر تذلل لي الأملاك حر نفوسها ... وأركب ظهر النسر والنسر طائر وأبعث في أهل الزمان شوارداً ... تألفهم وهي الصعاب النوافر فإن أثو في أرض فإني سائر ... وإن أنأ عن قوم فإني حاضر وحسبك أن الأرض عندك خاتم ... وأنك في سطح السلامة عاثر إذا كنت في ظهر من العدل منجداً ... فإنك في بطن من الجور غائر ولا لوم عندي في استراحتك التي ... تنفس عنها والخطوب فواقر فإني للحلف الذي مر حافظ ... وللنزغة الأولى لحاميم ذاكر هنيئاً لكل ما لديه فإنها ... عطية من تبلى لديه السرائر [قول أبي المغيرة: " فإن أثو في أرض " ... البيت، أخذه من قول البحتري: وشهرت في شرق البلاد وغربها ... فكأنني في سوسط نادٍ جالس قال ابن بسام: وكان نقش خاتم أبي محمد: يا علي بن أحمد ... اتق الله ترشد فقال له أبو المغيرة: " عليك بفحص التيه " ... البيت] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وإذا انتهى بنا القول إلى ذكر أبي محمد بن حزم، فأنا ألمع في هذا الموضع بلمعةٍ من خبره، حتى أدل على عينه بأثره؛ فإنه كان كالبحر لا تكف غواربه، ولا يروى شاربه. وقد وجدت للشيخ أبي مروان بن حيان فصلاً أورد فيه ذكره، وجرده - زعم - لشرح أمره، وأنا أثبته بأسره. قال ابن حيان: كان أبو محمد حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب، وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة. وله في بعض تلك الفنون كتب كثيرة، غير أنه لم يخل فيها من الغلط والسقط، لجرأته في التسور على الفنون لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك، وضل في سلوك تلك المسالك، وخالف أرسطاطاليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض في كتبه، ومال به أولاً النظر في الفقه إلى رأي أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي وناضل عن مذهبه، وانحرف عن مذهب غيره، حتى وسم به، ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالذوذ، ثم عدل في الآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 إلى قول أصحاب الظاهر، مذهب داود بن علي ومن اتبعه من فقهاء الأمصار، فنقحه ونهجه وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه، وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله، رحمه الله. وكان يحمل علمه هذا ويجادل من خالفه فيه، على استرسال في طباعه، ومذل بأسراره، واستنادٍ إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده، ليبيننه للناس ولا يكتمونه؛ فلم يك يلطف صدعه بما عنده بتعريض، ولا يزفه بتدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل، وينشقه متلقيه إنشاق الخردل، فينفر عنه القلوب، ويوقع بها الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته، فتمالأوا على بغضه، وردوا قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخ عنه، فطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة، وبها توفي رحمه الله سنة ست وخمسين وأربعمائة، وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع إلى ما أرادوا به، يبث علمه في من ينتابه بباديته تلك، من عامة المقتبسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 منه، من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يحدثهم ويفقههم ويدارسهم ولا يدع المثابرة على العلم، والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف، حتى كمل من مصنفاته في فنون العلم وقر بعيرٍ، لم يعد أكثرها عتبة بابه لتزهيد الفقهاء طلاب العلم فيها، حتى أحرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانية، لا يزيد مؤلفها ذلك إلا بصيرة في نشرها، وجدالاً للمعاند فيها، إلى أن مضى لسبيله. وأكثر معايبه - زعمول - عند المنصف له، جهله بسياسة العلم التي هي أعرض من إيعابه، وتخلفه عن ذلك على قوة سبحه في غماره؛ وعلى ذلك كله فلم يكن بالسليم من اضطراب رأيه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يحرك بالسؤال فيفجر منه بحر علم لا تكدره الدلاء، ولا يقصر عنه الرشاء، وعلى كل ما ذكرناه دلائل ماثلة، وأخبار مأثورة. وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية، ماضيهم وباقيهم بالمشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم، وانحرافه عمن سواهم من قريش، حتى نسب إلى النصب لغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وقد كان في غرائبه انتماؤه في فارس، واتباع أهل بيته له في ذلك بعد حقبة من الدهر تولى فيها أبوه الوزير المعقل في زمانه، الراجح في ميزانه، أحمد بن سعيد بن حزم لبني أمية أولياء نعمته، لا عن صحة ولاية لهم عليه، فقد عهده الناس خامل الأبوة، مولد الأرومة من عجم لبلة، جده الأدنى حديث عهد بالإسلام، لم يتقدم لسلفه نباهة، فأبوه أحمد على الحقيقة هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر برأس رابيةٍ، وعمده بالخلال الفاضلة من الرجاحة والمعرفة والدهاء والرجولة والرأي، فاغتدى جرثومة شرف لمن نماهم، أغنتهم عن الرسوخ في أولي السابقة، فما من شرف إلا مسبوق عن خارجية، ولم يكن إلا كلا ولا، حتى تخطى علي هذا رابية لبلة، فارتقى قلعة إصطخر من أرض فارس، فالله أعلم كيف ترقاها، إذ لم يكن يؤتى من خطلٍ ولا جهالة، بل وصلة بها وسع علمٍ ووشيجة رحمٍ معقومة بلها بمستأخر الصلة، رحمه الله، فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصفته، وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يظلم الناس مثقال ذرةٍ، عزت قدرته. ولهذا الشيخ أبي محمد مع يهود لعنهمومع غيرهم من أولي المذاهب المرفوضة من أهل الإسلام مجالس محفوظة، وأخبار مكتوبه؛ وله مصنفات في ذلك معروفة، من أشهرها في علل الجدل كتابه المسمى: " الفصل بين أهل الآراء والنحل ". ومن تواليفه " كتاب الصادع والرادع " [في الرد] على من كفر أهل التأويل من فرق المسلمين والرد على من قال بالتقليد. وله كتاب في شرح حديث الموطأ والكلام على مسائله؛ وله " كتاب الجامع " في صحيح الحديث باختصار الأسانيد، والاقتصار على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أصحها واجتلاب أكمل ألفاظها وأصح معانيها؛ و " كتاب التلخيص والتخليص " في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب ولا في الحديث. و " كتاب منتقى الإجماع وبيانه من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف "، وكتاب " الإمامة والسياسة " في قسم سير الخلفاء ومراتبها والندب إلى الواجب منها، و " كتاب أخلاق النفس "، وكتابه الكبير المعروف ب - " الإيصال إلى فهم كتاب الخصال "، وكتاب " كشف الالتباس، ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس "؛ إلى تواليف غيرها، ورسائل في معان شتى كثير عددها. ومن شعره يصف ما أحرق له من كتبه ابن عباد قوله: فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي ... تضمنه القرطاس بل هو في صدري يسير معي حيث استقلت ركائبي ... وينزل إن أنزل ويدفن في قبري دعوني من إحراق رق وكاغد ... وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري وإلا فعودوا في المكاتب بدأةً ... فكم دون ما تبغون لله من ستر وله: من ظل يبغي فروع علم ... بدءاً ولم يدر منه أصلا فكلما ازداد فيه سعياً ... زاد لعمري بذاك جهلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وقال: كأنك بالزوار لي قدر تبادروا ... وقيل لهم أودى علي بن أحمد فيا رب مخزون هناك وصحاك ... وكم أدمع تذرى وخد مخدد عفا الله عني يوم أرحل ظاعناً ... عن الأهل محمولاً إلى بطن ملحد وأترك ما قد كنت مغتبطاً به ... وألقى الذي آنست دهراً بمرصد فوا راحتي إن كان زادي مقدماً ... ويا نصبي إن كنت لم أتزود ويا لبدائع هذا الحبر علي لبن حزمٍ وغرره! ما أوضحها على كثرة الدافنين لها، والطامسين لمحاسنها! وعلى ذلك فليس ببدع فيما أضيع منه، فأزهد الناس في عالم أهله، وقبله أردى العلماء تبريزهم على من يقصر عنهم، والحسد داء لا دواء له؛ انتهى ما لخصته من كلام ابن حيان في خبره. قلت أنا: ولعمري ما عقه، ولا بخسه حقه. وأخبرني الفقيه الحافظ أبو بكر ابن الفقيه أبي محمد ابن العربي عن الفقيه أبي عبد الله الحميدي قال: كان لشيخنا الفقيه أبي محمد بن حزم في الشعر والأدب نفس واسع، وباع طويل، وما رأيت أسرع بديهةً منه؛ وشعره كثير، وقد جمعته على حروف المعجم، ومنه ما كتب عنه: هل الدهر إلا ما رأينات وأدركنا - ... فجائعه تبقى ولذاته تفنى إذا أمكنت فيه مسرة ساعةٍ ... تولت كمر الطرف واستخلفت حزناً إلى تبعات في المعاد وموقفٍ ... نود لديه أننا لم نكن كنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 حصلنا على همٍ وإثم وحسرةٍ ... وفات الذي كنا نلذ به عنا حنين لما ولى، وشغل بما أتى ... وغم لما يرجى، فعيشك لا يهنا كأن الذي كنا نسر بكونه ... إذا حققته النفس لفظ بلا معنى قال: وله أيضاً من قصيدة خاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن ابن بشر يفخر فيها بالعلم، ويذكر أصناف ما علم، يقول فيها: أنا الشمس في جو العلوم منيرةً ... ولكن عيبي أن مطلعي الغرب ولو أنني من جانب الشرق طالع ... لجد على ما ضاع من ذكري النهب ولي نحو أكناف العراق صبابة ... ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ... فحينئذ يبدو التأسف والكرب فكم فائل، أغفلته وهو حاضر ... وأطلب ما عنه تجيء به الكتب هنالك يدري أن للبعد قصةً ... وأن كساد العلم آفته القرب فواعجبا من غاب عنهم تشوقوا ... له ودنو المرء من دارهم ذنب وإن مكاناً ضاق عني لضيق ... على أنه فيح مذاهبه سهب وإن رجالاً ضيعوني لضيع ... وإن زماناً لم أنل خصبه سغب ومنها في الاعتذار من مدح نفسه: ولكن لي في يوسف خير أسوةٍ ... وليس على من بالنبي أئتسى ذنب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 يقول - وقال الحق والصدق - إنني ... حفيظ عليم، ما على صادقٍ عتب وأنشدني لنفسه: لا يشتمن حاسدي إن نكبة عرضت ... فالدهر ليس على حال بمترك ذو الفضل كالتبر طوراً تحت ميقعةٍ ... وتارةً في ذرى تاجٍ على ملك وأنشدني أيضاً له: لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ... فروحي عندكم أبداً مقيم ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم وقد كرر هذا المعنى أيضاً فقال: يقول أخي: شجاك رحيل جسم ... وروحك ما له عنها رحيل فقلت له: المعاين مطمئن ... لذا طلب المعاينة الخليل قال أبو عبد الله الحميدي: وقلت له يوماً: قال أبو نواس: عرض للذي تحب بحبٍ ... ثم دعه يروضه إبليس فقل أنت في طريق التحقيق فقال: ابن فول وجه الحق في نفس سامعٍ ... ودعه فنور الحق يسري ويشرق سيؤنسه رفقاً فينسى نفاره ... كما نسي القيد الموثق مطلق انتهى كلام الحميدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وأنشدت له أيضاً يما كان يعقده من المذهب الظاهري من جملة أبيات يقول فيها: وذي عذل في من سباني حسنه ... يطيل ملامي في الهوى ويقول: أفي حسن وجه لاح، لم ترغيبه ... ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل - فقلت له: أسرفت في اللوم ظالماً ... وعندي رد - لو أدرت - طويل ألم تر أني ظاهري، وأنني ... على ما بدا حتى يقوم دليل! @ما أخرجته من شعر أبي المغيره في أوصاف شتى له من قصيدة أولها: أحاجيكم: من قلد القمر القرطا - ... وأسألكم: من ألحف الغصن المرطا - فما جزعي إن جاوزوا الجزع ظاعناً ... ولا ساقط حزني إذا جاوزوا السقطا ومنها: وليدة سر المجد تبذخ نخوةً ... وقد عظمت مجداً وقد كرمت رهطا ولم ترض بالجوزاء عقداً ودملجاً ... ولا قنعت بالنجم شنفاً ولا قرطا تقنصتها والعمر في عنفوانه ... فلا غصني أحنى ولا لمتي شمطا وليل غطى والنجم في الأفق حائر ... فغطى على الأعلام منه الذي غطى وليس وشاحي غير عضب مهندٍ ... أبى حده أن يسأم القد والقطا تشابه عزمي والحسام وهمتي ... ثلاثة أسياف بأمثالها يسطى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وهذا كقول أبي تمام: العيس والبيد والليل التمام معاً ... ثلاثة أبداً يقرن في قرن وأخمده البحتري فقال: اطلبا ثالثاً سواي فإني ... رابع العيس والدجى والبيد وقال الصنوبري أيضاً: حتى تكون لي الطمرة خلةً ... والبيد داراً والحسام رفيقا وقال أبو الحسن السلامي أيضاً: فكنت وعزمي في الظلام وصارمي ... ثلاثة أشباه كما اجتمع النسر وقال بعض أهل عصرنا: وإلا الثلاث السفع لم يزل الهوى ... لها ابعاً في أعين وقلوب ولأبي المغيرة من أخرى أولها: سرت من لوى خبت إلينا تعسف ... مهامه ذات الجهل والجو أكلف يقول فيها: تبيت بذي الأرطى وقد بات طيفها ... لنا صنماً نحنو عليه ونعكف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 هبيك سريت الليل فرعك أسحم ... وثغرك بسام، ولحظك أوطف فأنى أطقت المشي، قدك مائد ... وردفك رجراج، وخصرك أهيف سقى ربعك المألوف، حيث تصدعت ... لي الكبد الحرى، ربيع وصيف فكم لي فيه من جناب وطئته ... كريماً فلا آسى ولا أتأسف وقد شققت فيه البروق جيوبها ... وباتت علينا أدمع الغيث تذرف ليالي بات البان فوق كثيبه ... علي بأنواع الجنى يتعطف إذا ارتج من ردفٍ كثيب مرجرج ... تأود من قد قضيب مهفهف يمد علينا للسحاب سرادق ... ويسحب فينا للجنائب مطرف ولله دري ما أدر مدامعي ... إذا سجعت ورق على الأيك هتف بدا العلم الفر الذي كنت عالماً ... به، وسرى العرف الذي كنت أعرف يذكرني سعداي بالغور ما تني ... مساعدةً إذ لا صدوفي تصدف ولله سلمى يوم أهدى سلامها ... بذي سلمٍ نحوي البنان المطرف ومنها: وما ظبية أدماء تعرو أراكها ... وتعطو وقد أوفى برير وعلف بأحسن منها يوم ريعت لزورتي ... فراغت إلى أترابها تتشوف وقالت: أما تثنيك رقبة حارس ... وأنياب ليث في العرينة تصرف - ودون الذي أملت أجرد سابح ... وأسمر عراص وأبيض مرهف فقلت لها: بعض الذي بك، فانثت ... وأنجز ميعاداً بخيل مسوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ونلت سقاطاً من حديث وعاقني ... تنزه حرٍ عن خنا وتعفف مساعدني تحت النقابين منظر ... ويسعدني تحت اللثامين مرشف ومنها: وركب سروا والليل عليهم ... سيتوراً من الظلماء لا تتكشف خبطت بهم أكنافه ونجومه ... ورائم أظار على البدر عكف على كل قنعاس كأن لغامه ... - وقد سئم الإرقال - قطن مندف هدايا خطوب بات ينحرها السرى ... ولكنها من باطن الخف ترعف إلى أن أناف الصبح ينفض عرفه ... وطائره في غرة الفجر يهتف فما أنشق إلا عن منادي ابن منذر ... نذيراً بصرف عاقهم عنه يصرف ومنها: يا رب ميدان أتى فيه سابقاً ... وغودر منكوتاً هجين ومقرف وما نام حتى لم مفترق العلا ... فها هي عقد في يديه مؤلف إياس وبسطام بن قيس وحاتم ... وقس ولقمان بن عاد وأحنف وما هذه الأيام إلا مقاول ... تلت سوراً من مجده وهو مصحف إذا مضر الحمراء أدلت بمجدها ... وجرت ذيول الفخر قيس وخندف سما لك قحطان ببنيان سؤدد ... ينيف على تلك المباني ويشرف وله من أخرى: أمن البراق التاح برق ما سرى ... إلا ورد الأفق مرطاً أحمرا أتبعته نظر المشوق بمقلة ... لم تدر مذ عهد الأثيلة ما الكرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 عاينته كالصقر طائراً ... فغدت غرابيب الدياجي نفرا ومنها: وسللت من نار الصبابة صارماً ... وجررت من وفد التصابي عسكرا ومشيت منساباً فقل في أرقم ... وضح النهار له فعاد غضنفرا بتنا، وبات المسك فينا واشياً ... بمكاننا، والحلي عنا مخبرا ورنت بألحاظ تدير كؤوسها ... فينا فنشربها حلالاً مسكرا والليل يلحفني سرابيل الدجى ... جهلاً وقد عانقت صبحاً مسفرا لو جئتنا لرأيت أعجب منظر ... أسد توسد كف ظبي أعفرا ولقد رقيت من الحمى أعلامه ... وشككت لما شمته متغيرا ومنها: إلا ترى المنصور تحت لوائه ... تلق ابنه طلق الجبين مظفرا أو لا تجد في الحفل عاقد حبوةٍ ... هوداً فإنا قد وجدنا حميرا أو تفتقد صمصام عمرو في الوغى ... فلقد سللنا ذا الفقار مذكرا لا غرو جئت البحر إذ أجلى الحيا ... ورأيت يحيى حين لم أر منذرا فإذا دعونا من يجيب لنكبةٍ ... لبت تجيب فخلتها سيلاً جرى شيم غدت قرط الزمان فلم أنم ... حتى نظمت عليه شعري جوهرا لله درك والرماح شوارع ... والبيض تقطع لأمة وسنورا ومقامة لك في الأعادي قد حمت ... أيام قوم قبلها أن تذكرا كان اللسان لها الحسام المنتضى ... والمنبر العالي الأغر الأشقرا غادرت أحشاء البنود خوافقاً ... فيها ومران الوشيج مكسرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 أنسيتنا جذل الطعان وعامراً ... وعتيبة بن الحارثي ومسهرا فإذا أتيتك مادحاً لك لم يجيء ... شعري ليسأل بل أتاك ليفخرا غيري الذي اتخذ المدائح مكسباً ... وسواي من جعل القوافي متجرا أنا ما شعرت لأن أنبه حاملاً ... لكن لأمنع شاعراً أن يشعرا وقوله: " أو نفتقد صمصام عمرٍ و " ... البيت، لفظ حبيب ومعناه، نقله أبو المغيرة: أو نفتقد ذا النون في الهيجا فقد ... جلى الإله لنا عن الصمصام @لمع من أخبار منذر الذي ذكر قال: ونقلت من خط أبي مروان ابن حيان، قال: كان منذر بن يحيى صاحب سرقسطة رجلاً من عرض الجند، وترقى إلى القيادة آخر دولة ابن أبي عامر، وتناهى أمره في الفتنة إلى نيل الإمارة، والانتباذ من العسكر إلى الثغر الأعلى بلده، واقتطاعه لما صير في يده، وكان أبوه يحيى من الفرسان غير النبهاء؛ فأما ابنه منذر فكان فارساً لبق الفروسية، بهي الشارة، مليح التقلب على الدابة، سخياً كريماً خارجاً عن حد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الجهل، يتمسك بطرف من الكتابة الساذجة، وأما غدره فالنار برأس اليفاع، من أفحشه صنعه بهشام المخلوع مولى نعمته ومعلي رتبته، وباعثه إلى الثغر لنصرته، فانقلب ناصراً لعدوه، وغزاه في عقر داره، وأنزله عن سريره، وأسلمه لحتفه، وباع دماء عشيرته أهل قرطبة مجاناً باطلاً بلا ثمن من البرابرة على غير عذر، ولا ضرورة. وعاد بمثلها بمحمد بن سليمان أثيره عندما استجار به في نكبته، فقتله وهو ضيفه، فجاء بها صلعاء مشهورة لم تغسلها معذرة؛ إلا أنه كان كريماً، واتفق على تفضله، وعمرت لذلك حضرته سرقسطة، حتى أشبهن الحضرة الكبرى قرطبة أيام الجماعة، فحسنت أيامه، وهتف المداح بذكره. وكان مع سموه للمعالي من الإيثار لشهواته، والمسارعة لقضاء لذاته، والانهتاك في طلب راحته، والشغف بزي دنياه، والكلف بزخرفها، والتهالك في حبها، على أضلع ما كان عليه من تفرد بشأنها، فاتخذ الجواري الحسان، وملاح الغلمان، فجلب إليه كل علق خطير، وحصل عنده من كل ما وصفناه كثير. وكان لأول ولايته قد ساس عظماء الإفرنج وهاداهم حوطاً للثغر وأهله، وتأنياً للجماعة حتى تثوب لأهل الإسلام، يناهضون بها عدوهم. وكان رؤساء الجلالقة يومئذ ريمند الجليقي وشانجه القشتلي، فسلك معهما سبيل الاسترضاء، والموافقة والاستخذاء، فحفظت أطرافه وكفت المعرة عن عمله، وربما أوقع ببعض أصاغر القوامس في أطرافهم وسبى منهم، وريمند وشانجه باقيان على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 معاقدته إلى أن مضى بسبيله، والثغر مسدود لا ثغرة فيه ولا وهي في حاله. وبلغ من استمالة الحاجب منذر لهذين الطاغيتين أن أجريا تصاهرهما على يديه، وكتب عقد النكاح بينهما بحضرة سرقسطة في حفل من أهل الملتين، فقرفت الألسنة منذراً لسعيه في نظم سلك الطاغيتين لما فيه من سوء العاقبة. وقد قيل إن رأي منذر كان في ذلك أحصف، من رأي من قدح فيه وقرف، لنظره في شأن وقته، وعلمه بانصداع عصا أهل كلمته؛ فآثر من الموادعة ما ستر به العورة، وشراه بغليظ الكلفة، واختدع به عظيمي الجلالقة ريمند وشانجه المحدثين أنفسهما يومئذ بمناهضة أهل الأندلس، فألهاهما عن الحرب وحبب إليهما الدعة. وأعقب الحاجب منذر أهل الثغر في مغبة ذلك عاجل السلامة، واستظهروا به على العمارة، فحيوا وعاشوا في نعمة ضافية، وعيشة راضية، لم يتغير به عنهما حال، إلى أن ألوت بمنذر المنية، وقد اعترف الناس لرأيه، وأقروا بسياسته، ولم يأت بعده من يسد مسده، ولم ينفع الله الطاغيتين بصهرهما الذي كانا عقداه للتآلف على المسلمين، إذ أعجل عنه شانجه بن غرسية شيطانهم الرجيم، وهوى أميرهم ريمند ظهير المذكور، وابنه بعده؛ فشتت الله شمل تلك الطواغيت يومئذ وكفى المسلمين شرهم برحمته. واشتمل منذر على قواد تلك الثغور، واستوسقت له هنالك الأمور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 واستكتب عدة كتاب كأبي العباس ابن مروس من تدمير، وكأبي عامر ابن أرزق، وابن واجبٍ وغيرهم. قال ابن حيان: وأخبرني الكاتب أبو أمية ابن هاشم القرطبي - وكان من وجوه من خرج عنا أيام الفتنة واستوطن ثغر تطيلة، وما رأيت مثله في أولي البيتوتات فضلاً - قال: اجتاز القومس شانجه بن غرسية صاحب قشتيلة بباب تطيلة صدر أيام الحاجب منذر، وعلينا يومئذ من قبله سليمان بن هود صاحبه، فسلك مجتازاً يريد طرف الثغر الأعلى للاجتماع هنالك بالقومس ريمند صاحب برشلونة، لعقد المصاهرة بينهما، والأنثى من عند شانجه، واطئاً لأرضنا عن علم من منذر والينا، وضمان منه لكف عادية جيشه عنا؛ فأنكره أهل تطيلة وهم يومئذ بحال عزة وقوة، وذهبوا إلى عصيان أميرهم منذر فيه تفادياً من وصمته؛ فنمي ذلك إلى الطاغية شانجه، فلما شارف البلد أرسل يستدعي قوماً من أعيانهم، يكلمهم في سبيله. قال أبو أمية: فكنت في عدد من مضى، فدخلنا محلته يومئذٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 فخرصتها خيلاً ورجلاً زهاء ستة آلاف، ولم يكن احتفل في حشده، ووصلنا إلى مضربه فإذا هو جالس على مرتبته عليه ثياب من ثياب المسلمين، ورأسه مكشوف أصلع كهل، لم يغلب عليه الشيب بعد، أسمر اللون جميل الصورة؛ فكلمنا بكلام لطيف حسن بين فيه وجه سيره، وذكر ما فارق والينا عليه من المحالفة معه، فعرفناه بكره من وراءنا لاجتيازه، وذهابهم إلى التمرس به، فنهانا عن ذلك وذكر الحرب وعدواءها؛ فانصرفنا عنه وأدينا قوله إلى من خلفنا فلم يتقبله عوام الناس، وحملهم الأنف على أن خرجوا إلى عجل أبطأت في ساقته تحمل أزواد عسكره يريدون نهبها عاصين للمشيخة، فأنهي إليه ذلك، فصرف من أصحابه مقدار خمسمائة فارس ثاروا في وجوه الناس، فخرج البلد بأسره لدفاعهم، فحمل من الخمسمائة قطعة، فولى الناس الأدبار حتى اقتحموا باب المدينة. فما رأيت في النصرانية يومئذ رجالاً مثل رجاله، ولا في ملوك الطواغيت من أعد له به في ركانة مجلسه ورجوليته ودهبه وكمال أدواته، وصدوع كلماته، إلا ما كان من صهره وسميه شانجه بن غرسية صاحب البشكنش الذي تفرد بالرئاسة بعده فكان مثله، بدد الله شيعتهم. وكان من أعظم ما حبا الله به الإسلام يومئذ عند منبعث فتنتهم، ومحدث فرقتهم، وتشتيت كلمتهم، بعد الدولة العامرية بأفقنا، تعجيله حتف أملاك النصرانية المترسين بهم، وتلاحقهم في المدة القريبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وإلقاؤه بين من أنظر منهم الشتات والعداوة، حتى صاروا أسوة المسلمين حذو النعل بالنعل، في افتراق الكلمة وزوال أمر المملكة، فإن الفتنة بأفقنا جاءت يومئذ بين المسلمين، وزعماء الطاغية حضور، وفيهم عدو الله شانجه بن فرذلند الذي تمرض بالمنصور بن أبي عامر، رحمه الله، ذو العزة والسطوة، فأعيا عليه حتى قمعه، وضرب بعده فريقي الفتنة، ومالأ الخوارج على الجماعة، حتى تمكن من هشم البيضة؛ وطمح أمله إلى الكرة، فقطع الله بهم، وأهلكهم في مدة قريبة. @ذكر الخبر عن مقتل منذر قال ابن حيان: وكان ذلك على يدي رجل مارد من بني عمه، يقال له عبد الله بن حكم، وكان مقدماً في قواد منذر، أضمر الفتك به دهراً، فدخل عليه يوماً في مجلسه غرة ذي الحجة سنة ثلاثين وأربعمائة، وهو غافل في غلالة، ليس عنده إلا نفر من خواص خدمه الصقلب، قد أكب على كتاب يقرؤه، فعلاه بسكين قد أعده، ففرى به أوداجه ولا ما نسع منه، وهرب خدام السر الغلمان الخصيان، الذين كانوا على رأسه، وخلوه في يديه، إلا خادماً شهماً منهم مشى إليه وهو حاسر، فضربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 عبد الله بخنجره فقضى عليه مع مولاه. وأخرج رأس المنذر للوقت من قصره فوق قناةٍ ينادى عليه: هذا جزاء من عصى أمير المؤمنين هشاماً ودفع حقه، يريد بذلك الرجل الذي كان يدعى له يومئذ بإشبيلية، تعلقاً من هذا المارد لولايته، وتوطئة لقيامه، إذ كان هذا القتيل ممن رد طاعة هشام تأسياً بوالده يحيى وبخاله إسماعيل بن ذي النون؛ فنزلت بسرقسطة يومئذ حادثة عظيمة، وأشرف أهلها على فتنة شديدة، واضطربت لها حالهم، وطمع فيهم أكثر من كان يجاورهم، وأذعنوا لهذا الغوي المتوثب عليهم آنفاً، ورهبوه لاستجاشته الغوغاء والسلفة؛ فملك البلد لنفسه. وكان سليمان بن هود الجذامي صاحب لاردة وقته مقيماً بتطيلة بجمعه، فسارع إلى سرقسطة ساعة سمع بخبر منذر رجاءً في دخولها، فمنعه هذا الفتى القاتل، ثك جاءه إسماعيل بن ذي النون خال منذر ممتعضاً لما جرى على ابن أخته، فامتنع ابن حكم بالقصبة، واتصلت الفتنة، ونال أهل سرقسطة يومئذ جهد شديد وخربت أحوالهم. قال ابن حيان: وكان ركب ابن حكم القاتل من خطة التغرير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 مركباً لم يجسر عليه فاتك قبله، لتفرده ووثوبه على الأمير منذر جوف قصره في قرارة مجلسه بين غلمانه وأهله وتحت أغلاقه، وبينه وبين الباب الأقصى من قصره ما لا يحصى من حجابه وقهارمته؛ فلم يفكر في شيء من ذلك، وحمل نفسه على التصميم فيه، وهون عليها الموت دونه؛ فلما تم له ذلك لم يكن في الخصيان العبدى الذين حضروا مجلس منذر ساعتئذ فضل للدفاع عنه والوثوب بابن حكمٍ، على كثرتهم وتفرده وسطهم، وأنهم لم يزيدوا على الهرب قدامه، فجاء بفتكة أسقطت كل من فتك في الإسلام قبله؛ ثم لحق طعمه برياسة الملك فملكه، ولم يفكر في ابن ذي النون خال منذر لما دنا إليه. وفعل ذلك بسليمان بن هود، وقد جاء ناشراً أذنيه، فحاربه ودافعه. وكان قصر منذر وقت فتكه به من حاشيته وغلمانه أزيد من مائة رجل سوى نسائه، فطار الرجال على وجوههم فزعاً، ولم يكن فيهم من يأخذ على يده، وقام بينهم كالأسد الورد، فحز رأس الفتى منذر للوقت، وأخرجه إلى الناس، فهمتهم أنفسهم وأبلسوا، ولم ينطق منهم أحد بكلمة. وأرسل من حينه يستدعي قاضي البلد والمشيخة، فدخلوا عليه وهو قاعد على فراش منذر قتيله، ومنذر إلى جانب الفراش مرمل في دمائه، مغطى بثيابه؛ ووصف أنه جرى في سبيل الإصلاح عليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 والشد لسلطانهم، وتقدم إليهم بتسكين من خلفهم من العامة، وأظهر الدعاء أولاً لسليمان بن هود، فأروه قبول ما وصفه، وتفرقوا عنه، وكلمتهم مختلفة عليه، إلى أن ثاروا به وقاتلوه، فخرج من باب بظهر القصر، ونجا منه بفاخر ما اشتمل عليه من ذخائر آل منذر، ولحق بحصن روطة اليهود، أحد معاقل سرقسطة المنيعة، وقد كان أعده لنفسه، فأقام به يرصد الفتنة جهده. وكان قد حمل مع نفسه الغلامين أخوي منذر قتيله، وحمل أبا المغيرة بن حزم وزيره وغيرهم من وجوه رجال منذر الذين نكبهم عند قتله مقيدين، فحبسهم عنده، يطالبهم بالأموال. ونهب العوام قصر سرقسطة إثر خروجه نهباً ما سمع أعظم منه، حتى قلعوا مرمره، وطمسوا أثره، لولا تعجيل ابن هود ملك البلد إثر ذلك في المحرم سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: وأذكر بهذه الغدرة الصلعاء، والفتكة الشهيرة الشوهاء - إذ الشيء يذكر مع ما جانسه، ويضم إلى ما التف به ولابسه - ما اتفق من مثلها في ملك المناديين الغالبين إلى وقتنا هذا على طرف إفريقية الأدنى إلى الأندلس، المستقرة رياستهم بقلعتهم المنسوبة إلى جدهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 حماد؛ وذلك أنه لما أفضى ملكهم إلى بلقين بن محمد منهم، أحد جبابرة الإسلام، المفتاتين على الأنام، من رجل كان لا يملأ يده إلا من لبدة أسد، ولا يسرح لحظه إلا في نهاب بلد مضطهد، ولا يراح إلا وبحر الموت يلتطم، ولا يكلم إلا حين يبتسم قد تجاوز في شذوذ أمنيته، وقهره لرعيته، والإخافة لأقرانه، والاستبداد على زمانه، غاية من سلف من جبابرة الأرض، وسمع به من فراعنة الإبرام والنقض، إلى شهرة آثاره، وتطاوح أسفاره، وما لا يحصى من عجائب أخباره. حدثت أنه آب مرة من بعض غزواته الأفراد، المقلقلة لأحشاء الأنام والبلاد؛ فكأنه ارتاح إلى ما يرتاح إليه الناس من إراحة نفسه، والخلوة ولو ساعة بوجه أنسه؛ فجلس لذلك مجلساً حشد له شهواته، وتقدم في إحضار ما يصلح له من آلاته وأدواته؛ وأمر قيمة جواربه باستحضار عقيلة أترابها يومئذ جلالة سلطان، وحسن سماع وعيان، إحدى بنات عمه دنيا، لم ير بعدها - زعموا - ولا قبلها أبرع ظرفاً، ولا أقتل طرفاً منها؛ فجاءت تود الثريا لو تكون نعلها، والشمس لو تصور مثلها، وقد خطرت بنفسه إحدى هناته، وتمثلت له بعض غزواته؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 فأخذ يدبر، وطفق يورد ويصدر. قالت قيمته: وكأني أنظر إلى الكاس في يده، وإلى ابنة عمه قائمةً على رأسه، من لدن صليت العصر حتى طلع الفجر، وجانت منه بعد طول ليلته نظرة فرآها، فاعتذر إليها واستدناها، ووعدها ومناها، وقام من حينه فوضع الكأس ملأى في طاق وطبع عليها، وأمر بالركوب من حينه، فغزا غزوته المشهورة إلى المغرب من العدوة، بلغ فيها مدينة فاس، فوطئ الدول، ودوخ السهل والجبل؛ ثم رجع فجلس ذلك المجلس بعينه، واستدعى كأسه تلك وابنة عمه، فخلا بأنسه، وقضى وطره من لذة نفسه، بعد أيام كثيرة، وحروب مبيرة. ولما تناهى أمره، وتجاوز السها ذكره، وظن أن البلاد تحت ختمه، وأن الناس على حكمه، سما إليه في بعض أسفاره ابن عمه الناصر، أصغر خلق الله عنده شاناً، وأهونهم عليه سراً وإعلاناً، من فتىً علمه الخوف كيف يجسر، وهجم به ضيق المسلك على الموت وهو ينظر، لم يشاور إلا الحسام، ولا استصحب إلا الإقدام؛ وقد كان بعض نصحاء بلقين خوفه منه، لكلمة أخذت يومئذ عنه، فجعلها بلقين نقلة ركابه، وسمر أصحابه. وكان قلما يركب إلا دارعاً، آخذاً بما يأخذ به من ذعر القلوب، ووتر البعيد والقريب؛ وكان مولعاً بالإدلاج إذا ارتحل، مؤثراً للانفراد كلما ركب ونزل؛ فأقسم تلك الليلة ألا يدلج إلا حاسراً، وليقتلن الناصر إذا نزل ولو كان أسداً خادراً؛ فأعجله عن الأمر، ولما يبد وضح الفجر؛ لقيه كأنه يسلم عليه، أو يسير بين يديه، فما راجعه الكلام، إلا وقد جلله الحسام، وأراح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 منه البلاد والأنام؛ ثم قام مقامه، واستظل أعلامه، وأمر برأسه فرفع على بعضها وسير به أمامه، والناس يظنون أن بلقين، قد قتل بعض أتباعه الممتحنين، فهم يتساءلون عمن قتل، ويرجمون الظن فيما فعل، حتى طلعت الشمس، وارتفع اللبس؛ فأمر برفع مضاربه، وحشر زعماء ذويه وأقاربه، فقال: أنتم تعلمون أن بلقين قتل أختي، وفجعتي بأكرم حرمتي؛ وإنما شفيت صدري، وأخذت بوتري، لا أني حدثت نفسي بسلطانكم، ولا رأيتني أهلاً للدخول في شيء من شانكم. فردوا عليه جميلاً، ورأوا إمهاله قليلاً، وظنوا أنه لم يجسر على ما فعل إلا وله أشياع، وأهمه ما هو فيه؛ وأمر لحينه بخزائن بلقين فأنهبها ذؤبان العرب وصقورة زناتة، فاستخلص بذلك غيوبهم، وأمال إليه قلوبهم، ورحل تحت ليلته يطوي المراحل، ويعتسف المجاهل، فسبق الأخبار إلى القلعة فوطئ الحريم، وتملك الظاعن والمقيم. @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي عامر أحمد بن عبد الملك @ابن شهيد؛ وسياقة جملة وافرة من نظمه ونثره قال ابن بسام: وكان أبو عامر شيخ الحضرة العظمى وفتاها، ومبدأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الغاية القصوى ومنتهاها، وينبوع آياتها، ومادة حياتها، وحقيقة ذاتها، وابن ساستها وأساتها، ومعنى أسمائها ومسمياتها، نادرة الفلك الدوار، وأعجوبة الليل والنهار؛ إن هزل فسجع الحمام، أو جد فزئير الأسد الضرغام؛ نظم كما اتسق الدر على النحور، ونثر كما خلط المسك بالكافور، إلى نوادر كأطراف القنا الأملود، تشق القلوب قبل الجلود، وجواب يجري مجرى النفس، ويسبق رجع الطرف المختلس. وقد ذكره أبو مروان بن حيان في غير ما موضع من كتابه فقال: كان أبو عامر يبلغ المعنى ولا يطيل سفر الكلام، وإذا تأملته ولسنه، وكيف يجر في البلاغة رسنه، قلت عبد الحميد في أوانه، والجاحظ في زمانه. والعجب منه أنه كان يدعو قريحته إلى ما شاء من نثره ونظمه في بديهته ورويته، فيقود الكلام كما يريد من غير اقتناء للكتب، ولا اعتناء بالطلب، ولا رسوخ في الأدب، فإنه لم يوجد له، رحمه الله - فيما بلغني - بعد موته، كتاب يستعين به على صناعته، ويشحذ من طبعه إلا ما لا قدر له؛ فزاد ذلك في عجائبه، وإعجاز بدائعه. وكان في تنميق الهزل، والنادرة الحارة أقدر منه على سائر ذلك. وشعره حسن عند أهل النقد، تصرف فيه تصرف المطبوعين، فلم يقصر عن غايتهم. وله رسائل كثيرة في فنون الفكاهة وأنواع التعريض والأهزال، قصار وطوال، برز فيها شأوه، وبقاها في الناس خالدة بعده. وكان في سرعة البديهة وحضور الجواب وحدته، مع رقة حواشي كلامه، وسهولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ألفاظه، وبراعة أوصافه، ونزاهة شمائله وخلائفه، آية من آيات الله خالقه؛ من رجل غلبت عليه البطالة فلم يحفل في آثارها بضياع دين ولا مروءة، فحط في هواه شديداً حتى أسقط شرفه، ووهم نفسه راضياً في ذلك بما يلذه، فلم يقصر عن مصيبة، ولا ارتكاب قبيحة. وكان مع ذلك من أصح الناس رأياً لمن استشاره، وأضلهم عنه في ذاته، وأشدهم جناية على حاله ونصابه. وكان له في الكرم والجود انهماك، مع شرف وبطالة، حتى شارف الإملاق، فمضى على هذه السبيل رحمه الله، انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: وقد أخرجت من أشعاره الشاردة، ورسائله الباقية الخالدة؛ ونوادره القصار والطوال، وتعريضاته السائرة سير الأمثال، ما يحل له الوقور حباه، ويحن معه الكبير إلى صباه. @جملة من كلامه في أوصاف شتى فصول من رقعة خاطب بها المؤتمن عبد العزيز بن عبد الرحمن ابن أبي عامر: لولا أن من العادة بين السادة والمسودين، والمالكة والمتملكين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 تطارح ادمة، وتدارس لطائف الحرمة، لأكبرته - أيده الله - عما أرغب ذكره، وأكرمته عما أطلب نشره؛ ولولا أن من السياسة وعقد الحزامة تذكير أهل العلياء، بسوالف النعماء، لربأت بما ينته الآباء والأجداد، وضربت بينه وبين افات بالأسداد، عن أن أحرز منه بتذكير، أو أدفع عنه بتقدير. لولا أن التطويل فيما أقصد قصده وأنحو نحوه على زمننا وشاغله، ومجد خطبنا وهازله، موجب للقول وموجد للسبيل إلى الطعن ممن ضعف حجاه، وقصر به مرماه، لرسمت إليه من الورق، أعداد الورق، ولرقمت إليه من المهارق، أشباه النمارق. وفي فصل أيضاً: وأقل ما أمت به، وأنطق عنه، ممتد عنان الأمل، كارعاً في بحر الرجاء لا الوشل، من مواتي بالمنصور جده - رضي الله عنهما - أني نشأت في حجره، وربيت في قصره، وارتضعت ثدي كرائمه، واعتجرت رداء مكارمه؛ واغتذيت من فيه، أكلاً زقنيه، وماء علنيه، فصرت من أفراخ نعمائه الحمر الحواصل، ولحقت بأخوة أبنائه الغر العباهل. ومن مواتي بالمظفر عمه - عمته رحمة الله. إن أبي عبد مننكم لما بعد أمله، وبان خشوعه، وسالت دموعه، نكب عن طريق أهل الدنيا، ورمى مرمى من مرامي أهل الأخرى، فكسر همتي، وحلق لمتي، وسلبني بزي، وعراني من خزي، فكانت أفدح نازلة نزلت بصبوتي، وأقلق حادثة سلبت رونق بهجتي؛ وأنا ذاك ابن ثمان، قد هجنت في مدارع الكتان؛ ولقيني الوزير ابن مسلمة وقد عاد أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 إثر إبلال، وعند نقوه من اعتلال، فسألني عن الحال، وعما شغل البال، فلم يكن جوابي غير النشيج والعجيج، وسوى العويل والضجيج؛ ولقي المظفر على حينه، وأدى إليه ما شاهد مني، فوجه عني، فلما صرت بين يديه، أمر بي فألبست ثياب الحرير، وضمخت بنفاح العبير، وحملت على فرس بسرجه ولجامه، ينهل من أعطافه ماء جمامه، وأتبع ذلك ألف دنيار في طبق، كأنها عيون النرجس الصفر الحدق، وعقد لي على الشرطة، وكانت لسني أرفع خطة، فانصرفت وأنا أنظر عطفي عن شوس، وقد ضاق صدري على أبي عن سعة نفس. ومن مواتي بالناصر أبيه - برد الله مضجعه، ونعم مهجعه - أني صرت بين يدي المنصور، في يوم مطير، وأنا ابن خمس، أذكر ذلك ذكري لما كان بالأمس، وكان من إكرامه لي، ولطيف اهتمامه بي، ما يطول به الكتاب، ولا يحتمله الخطاب؛ وعينه ومحضه، وصريحه وزبده: أنه وهبني يوماً تفاحةً كانت بين يديه كبيرةً، ورآني أنظر إليها نظر الكلف، وأتأملها تأمل الشره، فأمرني بالقبض عليها، والعض فيها، فضاق فمي عن أن أحيط بجزء من أجزاء كرتها، وصغرت كفي عن أن تقبض إلا بمخنق من مخانق أنحائها، فجعل يقطع لي بفمه، ويطعمني على حكمه؛ ودعا الناصر، ومعه فتى سمعتهم يكنونه أبا شاكر، فقال له: احمله إلى أمك، وارفق به في أمك؛ فأخذا بيدي أمامه، وابتدار يسيران بي قدامه، وأنا لا أسمح في القياد لشدة ذلك الوابل، وتتابع قطر ذلك الهاطل، فصاح بهما: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أقلاه فاحملاه على أعناقكما، وسوقا به سوقاً رفيقاً أحسن مساقكما. فلفا أعضاد هما لفاً، ووصلا أذرعهما بأعناقهما وصلا، وامتطيت العاتق الكريم، على عين الملك الزعيم، امتطاء امتنان، لا امتطاء امتهان، ومرا بي حتى أنزلاني بين يدي السيدة، وإليها أمر كل قيمة؛ فاستوت بي على سريرها، وعلى مفرقها إكليل من مهابة أميرها؛ فلا أنسى ذلك البهاء في ذلك البهو، وذلك الحسور إليّ من قناع الزهو، وطار الخبر بقدومي في مقاصير العقائل، وحجرات الكرائم؛ فأرقلن من تلك المصانع، تطير بهن أجنحة الصنائع، فيا لها من كسى وخلع، وغرائب وبدع! وأمرت السيدة بألف تحمل معي عن نفسها، وثلاثة آلافٍ عن سيدها، فانصرفت بالغنى، من ذلك الجنى، ولم أصرف إلى المنصور حتى صرت عند أبي، وقد ظننت أنه متجاف عنه لي، أو تارك منه معي؛ وكانت لي فيه آمال، من التوزيع على الخدمة والعمال، من الصبيان وصبايا الجيران. أمر ففرق منه على بطانته، وأشار بحمل باقيه إلى خزانته، فظللت واجماً، وطفقت راغماً، أطفئ جمرتي فتذكو، وأخفي من لوعتي فتبدو. وبلغ ذلك المنصور، سفوجه نحوي بخمسمائة دينار، وأقسم على أبي بحياته ألا يمنعني منها، وأن يدعني بحكمي فيها؛ فبادرت بالركب والرجل، وأخذت في العطاء والبذل، وحبوت بأجزل الحباء، والخيل إذا ذاك نخب من قصب، والدرق قشور من خشب، فيومي مذكور في منية المغيرة إلى الآن، إذ كان مسكننا بدار ابن النعمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 وأغربها ماتة، وألطفها وصلة، أن أخي موسى انتزعه المنصور من أبيه، وأحله محل بنيه، فاجتمعت الأفواه على الثدي، والتقت الشفاه على الدر المري؛ وقبضه الله إليه وقد رتع في مراتعكم، وجثم في مضاجعكم، فنحن عمار مقاصركم أحياء، وقطان مقابركم أمواتاً، جمعنا بذلك عشرة العاجلة والآجلة، وحصلنا على صحبة الدنيا والآخرة. هذه - أيده الله - لمعة أبديتها له من وصائلي، وغرة أطلعتها إليه من وسائلي. وفي فصل: ومملوكك عاكف على الوطن، فكوع الراهب على الوثن، ولم يبق من النعمة غير مصاصة بلةٍ قد آن لها أن ترتشف، وتفاهة ثمرة حان لها أن تخترف؛ وعرج لمآله، والنظر لعاقبة حاله، على استخراج ما يمكن من أصول نعمتكم، ليصون بها جمة وجنته، ويفر عليها نطفة صفحته، إذ لا سبيل إلى التعريج على غير ذلك قطعاً، ولا إلى الالتباس بسواه حتماً، ولو لحس التراب، وذاب في الثياب، فإنه يتنفس عن نفس همتها الكوكب، وهمها الغيب؛ فلولا همتها لأظلم الدهر، ولولا همها لأسفر الأمر، وهذا موضع الحدس لا امتراء، وخليفة النفس لا ادعاء. ووعد الوزير عباس بصرف ضيعة لي بجهة تدمير، حالت الفتن دونها، واضطراب الأحوال عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 مطالعتها. وأنا أسأل فضلك سؤال المدل في استنجار ما وعد، فإنه يعتاض من شكري له وثنائي عليه، وصدعي في المحافل بفضله، أجل فائدةٍ يصطفيها، وأكرم نفيسةٍ يقتنيها. وأصل اصطفائنا لتلك الضيعة وسائر أخواتها أن المنصور - رضي الله عنه - استعمل أبي عبده على تلك الجهة الشرقية تسعة أعوام توالف بتدمير وبلنسية، فلما سئم العمل خاطبه برقعة يقول فيها: إن كبير حق المولى لا يذهب بصغير حق العبد، ولي حرمة أدل بها، وذمة أنبسط لها، وقد طالت علي الغربة، وسئمت الخدمة، ومللت من النعمة، فالإدالة الإدالة، فأداله - رضي الله عنه - على رضاه، وأشخصه إليه على هواه، فورد قرطبة بأربعمائة ألف دينار نائضةً، ومائة ألف من ذهبٍ آنيةً، ووثائق خمسمائة زوج مكتسبةً، ومائتي نسمة من رقيق الصقلب متنتقاةً، والسعر إذ ذاك بها سامٍ جداً، ونفقة أبي رأس كل شهر سبعون مدياً من قمح، وعلف ثمانين دابة من شعير. فكتب إليه يعرض عليه ما جاءه به، ويحكمه فيه، ويسأله أخذه، أو الأخذ منه، فجاوبه يقول: لو أردنا أخذ ما أعطيناك، ما قد مناك، ونحن نخاف أن تستصفي نفقتك ما استقته، وتأتي على ما اجتلبته، برتفاع ثمن الطعام، وأنك لم ترد منه على ذخيرة، وقد صككنا لك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 بألفي مديٍ بشطرين من قمحٍ وشعير تستظهر بهما على زمانك، فاقبضها من أهراء فلانة لقربها من مكانك، إن شاء الله. مكرمة - أعز الله المؤتمن - لم تعهد لغير عامري، ولا سمع بمثلها لغير معافري. ولما عز الخطاب، ووقع الكتاب، وكان عبدك منسوباً إلى شيء من نظم الكلام، قال على كلة الذهن وفلة الغرب بالحان، وشغل البال، ما علم وفهم: أما الرياح بجو عاصم ... فحلبن أخلاف الغمائم يقول فيها: سهر الحيا برياضها ... فأسالها والنور نائم حتى اغتدت زهراتها ... كالغيد باللج العوائم من ثيباتٍ لم تبل ... كشف الخدود ولا المعاصم وصغار أبكار شكت ... خجلا فعاذت بالكمائم ورد كما خجلت خدو ... د العين من لحظات هائم وشقيق نعمانٍ شكت ... صفحاته من لطم لاطم وغصون أشجارٍ حكت ... رقص المآثم للمآثم بكر الحسان يردنها ... من كل واضحة الملاغم وضحكن عجباً فالتقت ... فيها المباسم بالمباسم ضحكت وأومض بارق ... فظللت للبرقين شائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وتشوفت فتطامنت ... أجياد أظبيها الحوائم ورنت فبادر نرجس ... يشكو عماه إلى حمائم طاردتهن بقتيةٍ ... حرد على حرب المسالم وكأنني فيهم لقي ... ط قاد من أحياء دارم وتكاوست فيها الأبا ... رق وهي فاهقة الحلاقم وكأنها أظبٍ رعف ... ن فثرن دامية الخياشم وجرى بها فلك الصبا ... باللهو، والقضب اللوائم وكأننا فيها العفا ... رت والكؤوس من الرواجم وعلا بنا سكر أبى ... إلا الإنابة للمحارم نرمي قلانسنا له ... ونجر من عذب العمائم وترنمت فيها القيا ... ن لنا ورجعت البواغم قمنا نصفق بالأكف ... لها ونرقص بالجماجم وأعن من سدن الملو ... ك سليل أقيال خضارم يشكو الرعات تنعماً ... ويضج من حمل التمائم لا تستحيه الراشفا ... ت ولا تباليه اللوائم يجنينه ثمر النحو ... ر ويعتلين به المحازم متجاهلات أنه ... يهوى وهن به علائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 لازمت باب محله ... والنجح من قنص الملازم حتى إذا وثقت بنا ... عجز الحواضن والخوادم القيت من أخذي له ... وتلوت من سور العزائم واقتدته بشكائمي ... فانقاد في تلك الشكائم فوردت جمات المنى ... وكرمت عن لوم المآثم وأغر قد لبس الدجى ... برداً فراقك وهو فاحم يحكي بغرته هلا ... ل الفطر لاح لعين صائم فكأنما خاض الصبا ... ح فجاء مبيض القوائم ويسير في يبس الثرى ... وكأنه في البحر عائم حتى إذا علم الصبا ... ح أشار من تلك المعالم وتمايلت أيدي الثريا ... وهي مذهبه الخواتم ورنت ذكاء بنظاظر ... رمد من الاقذاء سالم طلع الصوار لحينه ... وكأنه الموج المراكم أو عسكر ركبوا الخيو ... ل الشهب واحتفروا الاداهم فاشتد سبقنا له ... يكثرون عن مثل اللهاذم وكأننا في رميها ... نستل من بيض الصوارم فحمى أواخره أغر ... معاود تلك الملاحم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 يهوي بروقي محربٍ ... طبنٍ بحرب الغضف حازم وكأنما أرواقها ... مسودةً أقلام عالم فتبادر الفتيان من ... جنباته أشهى المطاعم شياً ومطبخاً على ... جمر زهته الريح جاحم وبعيدة الأرجاء نا ... زحةٍ على أيدي الرواسم لا تدعي جوباً لها ... ذات الخوافي والقوادم من فتنةٍ قد أسبلت ... ظلماتها بيد المظالم عمهت لها أحلامنا ... وكأنها أضغاث حالم وتضاءلت أجرامنا ... فيها بموبقة الجرائم وتحولت فينا الذنا ... بي الرأس، وابن المجد راغم وأدار كل صغير قد ... ر المنتهى أرحي العظائم فكأننا عمي نسا ... ق على العمى في ظل عاتم حتى انتضى عبد العزي - ... ز عزيمة من صدر عازم فبدت لنا سبل الهدى ... بنواجم غير الهواجم ضرب الأعاجم سودها ... بالسد من بيض الأعاجم فاستجفلوا فكأنما ... ضرب الثعالب بالضراغم أبناء ملكٍ حميري ... قام بالغر القماقم من عامرٍ أهل المصا ... نع والصنائع والكرئم الكفر عنهم قاعد ... قدماً ودين الله قائم حكم الزمان بظلمهم ... دهراً وصرف الدهر ظالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 فارتد بهجة ملكهم ... كر الخبعثنة الضبارم واشتد ينظم حزمهم ... شيحان طلاع المخارم ذكر على ذكر يصو ... ل وصارم يسطو بصارم إيهٍ هيا عبد العزي - ... ز وأنت رجام المرجم قمر تضيء له الخطو ... ب على دآديها الفواحم تسري الرياح بمجده ... فنسيمها بالغور فاغم لم يرو من ماء الشبا ... ب وكل أشيب عنه خائم رعياً لمؤتمنٍ رعى ... فينا الحدايث والقدايم بدأت أوائله وعا ... د لكشف غاشية الغياهم ى تتركن صرم الزما ... ن على ظبا تلك الصوارم وارم الخطوب بمثلها ... عزماً فأنت لها مساهم وإليكها من ناطق ... يدعوك إذ صمت البهائم وله من جواب على خطاب: ورد كتابك الكريم، بفضله العميم، يتبلج تبلج البرق، ويتحلب تحلب الودق، متكسراً في المشية، جالياً لليل الشك والمرية، قائداً بأزمة المنى والبغية، كلما اشتق موجاً غمره، أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 لاعب مرجاً بهره، أو جزع وادياً أمده من أتيه، ونعم من أنبوب برديه، أو مر بروض شق عليه رداء ورد، وأثار به عجاج ند، أو عارض حمامةً حيته بغنائها، أو سامت لقوة نزلت إليه من هوائها، أو مسح بعصمٍ حنت إليه، أو خطر بأسد تهالكت عليه؛ كتاب منع جانبه، وحمي حامله، كلما خبط بطحاء كتبت بالكتائب، أو ركب جرعاء رقمت بالأراقم، كان لهذه مدية، ولتلك رقية؛ وكلما كحل مقلةً شوساء خشعت، أو لمس كفاً خشناء بخعت؛ أو وقع إلى رئيس وضعه على رأسه، أو دفع إلى ذي بأس أخدمه من بأسه، أو لمحته شقراء حمحمت، أو بصرت به بيضائ ترنمت، هو الحديقة، تساق سوق الرسيقة، أو اللطيمة في ثنيها الغنيمة؛ فثرت إليه قائماً، وأرقلت نحوه ساعياً، وكان أول تحيتي له أن قبلته ووضعته على راسي، وحبست عليه أنفاسي، ثم فضضت ختمه، واسترقت شمه، ففتق علي نسيم العبير لخلخ به صدور الحور، وأهدى إليّ عبق الياسمين، ذر عليه مسك دارين، فأنعمت في نشر طيه، وضربت في مدرج ليه، فإذا ببنات من البر مسلمة علي، وثغور من الإكرام ضاحكة إليّ، وفاض اللألاء، وكثر الهتاف والإيماء، فكلت عيني عن ذلك الرونق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وحبست أذني عن ذلك المنطق، فلم أتمالك أن عطيت وجهي حياء، وقد تصببت ماء، وتقضبت في ردني، وقد ضاق به عطني. وفي فصل: فتنفضت تنفض العقاب، وهزتني أريحيات الشباب، وقام بوهمي أني ملأت الأرض بجسمي، فأومأت إلى الجوزاء بكفي أن تأملي، وإلى العواء أن أقبلي، وقلت المجرة في عيني أن تكون لي منديلاً، وصغر الزبرقان عندي أن أتخذه إكليلاً، فقلت: هكذا يكون الألوك، وبمثل هذا تنفح الملوك. وفي فصل منها: ولما طال الكلام - أيد الله المؤتمن - ولم يبلغ مملوكه الغاية التي إليها قصد، ولا استوفى من الإيراد ما إياه اعتمد، خشي أن يصيبه ما يصيب التطويل من السآمة المخصوصة به، والملال الموقوف عليه، ففصله بنظم، فيه عون على الدرس، وتنبيه لشهوة النفس، وهو: هاتيك دارهم فقف بمعانها ... تجد الدموع تجد في هملانها [عجنا الركاب بها فهيج وجدنا ... دمن ذعرن السرب من أدمانها] دار عهدت بها الصبا لي دوحة ... أتفيأ الفرحات من أفنانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 أرعي على بقر الأنيس بجوها ... وأحكم الصبوات في غزلانها وإذا تهادت بالشموس نواعماً ... فيها الغصون جنيت من رمانها قضت النوى بذياد رجح عينهم ... ظلماً وكان الدهر من أعوانها رجروا اغتراباً من نعيب غرابها ... وقضوا ببينٍ من مغرد بانها فبدا لهم وجه الفراق موقحاً ... آت على خبر النوى بعيانها يقذفن در الدمع في يوم النوى ... عن جمة لعب الأسى بجمانها [ودعتهم وبنات قرح في الحشا ... دون الضلوع تشب من نيرانها وأسلتها ذوب الجفون كأنها ... أيدي بني المنصور في سيلانها] يا صاحبي إذا ونى حاديكما ... فتنشقا النفحات من ظيانها وخذا لمرتبع الحسان فربما ... شفع الشباب فكنت إلف حسانها عاودت ذكر العيش فيه وما انقضى ... من صبوتي وطويت من أزمانها فبكيت من زمن قطعت مراحلا ... وشبيبة أخلقت من ريعانها ورعيت من وجه السماء خميلة ... خضراء لاح البدر من غدرانها وكأن نثر النجم ضأن وسطها ... وكأنما الجوزاء راعي ضانها وكأنما فيه الثريا جوهر ... نثرت فرائده يدا دبرانها ومنها يفخر: أنا طودها الراسي إذا ما زلزلت ... أيدي الحوادث من فؤاد جبانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 وعلي للصبر الجميل مفاضة ... زغف أفل بها شباة سنانها والنفس نفسص من شهيد سنخها ... سنخ غذت منه العلا بلبانها ما أحول نحوي لحظ مقلة ساخط ... إلا وضعت السهم في إنسانها ولو أنه نطح النجوم بقرنه ... كنت الزعيم له بنحس قرانها وقضت بعز النفس مني دوحة ... من عامر أصبحت من أغصانها يا ابن الأبالج من معافر والذي ... أربى يزيد على علا بنيانها أعلى كتابك في مهمي حرمتي ... وجلا جوابك من دجى حرمانها فليطلعن إليك من زهر الحجى ... أبكار شكر لحن في إبانها حر القوافي ماجد في أهلها ... والشعر عبد في بني عبدانها مدح الملوك وكان أيضاً منهم ... ولقد ترى والشعر من ديوانها أمسى الفرزدق كفؤها في حوكه ... وجرى القضاء لها على صلتانها هذا - أيد الله المؤتمن - جوهر رطب، نظم بلا ثقب، غاية حسنه لو لفظه بحره على قرب، وقد كان أقل حقوق مولاي أن أقف ببابه، وأخيم بفنائه، وأهدي إليه الشكر غضاً، وأنثر عليه المدح نضاً، ولكني ممنوع، وعن إرادتي مقموع، يملكني سلطان قدير، وأمير ليس كمثله أمير، شيء غلب صبر الأتقياء، واستولى على عزم الأنبياء، وهو العشق، باطل يلعب بالحق، ليبين ضعف البشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وتلوح قدرة مصرف القدر؛ والذي أشكو منه أغرب الغرائب، وأعجب العجائب، بث شاغل، وبرح قاتل، وصبر يغيض، ودمع يفيض، لعجوز بخراء، سهكةٍ درداء، تدعى قرطبة: عجوز لعمر الصبا فانيه ... لها في الحشا صورة الغانيه زنت بالرجال على سنها ... فيا حبذا هي من زانيه تريك العقول على ضعفها ... تدار كما دارت السانيه فقد عنيت بهواها الحلوم ... فهي براحتها عانيه تقاصر عن طولها قونكة ... وتبعد عن غنجها دانيه ترديت من حزن عيشي بها ... غراماً فيا طول أحزانيه طاب لي الموت على هواها، ولذ عندي سقي دمي لثراها: وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا إذ ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا ولما استطرد طيب هذا المساق، وارفض كلمه كالماء المهراق، وخفق جناح العشق المذكور، وتدحرج وصفه كاللؤلؤ المنثور، تحركت لي أطراب، واهتز لرداء شوقي أهداب، وتمحضت نفسي فصارت نفساً، وتراكم ذاك النفس فصار كلاماً، وانتظم ذلك الكلام فصار عقداً، فقلت متغزلاً، وبما صدر في أيام السرور متمثلاً: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 سقياً لطيب زماننا وسروره ... وغرير عيش مسعف بغريره ... ... ... وتكفري برداء وصل مقرطق ... كتبوا بنقس المسك في كافوره متلفع بحريره متضمخ ... بعبيره مترنح بفتوره وسنان ناولني مدامة طرفه ... فشربتها وسمعت من طنبوره يدعو بلكنة بربري لم يزل ... يستف بالصحراء حب بريره متقدم بمضائه متلفع ... بردائه متكلم في عيره مستفتح لبيانه ببنانه ... يهدي السلام إلى رجال عشيره متنصب كالغصن إلا أنه ... يهتز من أعجازه وصدوره طارحته كلماً وكنت زعيمه ... غرداً أحرك منكبي لزميره فمشى إليّ فثرت غير معفر ... كالليث مطرداً إلى يعفوره وملكته بالكف ملكةً قادرٍ ... فانصاع مؤتمر لحكم أميره فقضيت ما لم أقض فيه بريبةٍ ... يأبى العفاف وعصمتي بحضوره زمن قضى ثم انقضى فكأنه ... حلم قرأت الموت في تفسيره ومنها: وبراحتي من فكرتي ذو ذكرةٍ ... عهدت تذاكرني بطبع ذكيره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 فرد إذا بعثت دياجي صرفه ... هولاً علي خبطت في ديجوره حتى بدا عبد العزيز لناظري ... أملي، فمزقت الدجى عن نوره ملك تبقى المجد ناصره له ... وتقيل العلياء عن منصوره ورأى الزمان يحيد عن تأميره ... فسقى سهام المجد من تاموره فإن طعن طاعن على نسيب هذا الشعر، وقال: إن الملوك لا تقابل بمثله، والعظماء لا تتلقى بشبهه، قلنا: ذلك لجهله بأخبارهم، وقلة روايته لآثارهم؛ ولو شئت أن أملأ الصحف وأرقم القراطيش بما جرى عند الملوك ومعهم، وما استعمل لهم، وتوصل به إليهم، لفعلت، ولكني اقتصرت من ذلك على قريب معجب، واكتفيت منه بحديث مطرب. قال ابن بسام: وأنشد أبو عامر إثر هذا قطعة شعرٍ لأبيه، هي ثابتة في القسم الرابع من هذا التصنيف، قال فيها: قهقه الإبريق مني ضحكاً ... ورأى رعشة رجلي فبكى ثم قال: فإن استهل الطاعن صارخاً، وقال: هكذا الشعر، وهكذا الطبع، وهذا الماء رقة وعذوبة، والهواء لطافةً وسهولة، لا ما كنا فيه من الشنائع والقعاقع، قلنا له: أذن الديك فثب أو ثوب ... وانضح القلب بماء العنب وتأمل آيةً معجزةً ... ما قرأنا مثلها في الكتب ركع الإبريق من طاعته ... وبكى فابتل ثوب الأكؤب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ولول المزهر ينفي كربي ... وتطربت فأعيا طربي وربيب قام فينا ساقياً ... كالرشا أرضع بين الربوب ظبية دون الصبايا قصصت ... فأتت غيداء في شكل الصبي فتح الورد على صفحتها ... وحماه صدغها بالعقرب فمشت نحوي وقد ملكتها ... مشية العصفور نحو الثعلب ومنها: وغمامٍ باكرتنا عينه ... تترع الأفق بدمع صيب مثل بحر جاءنا من فوقنا ... جرمه من لؤلؤ لم يثقب فدنا حتى حسبنا أنه ... يمسح الأرض بفضل الهيدب فسألناه، وقد أعجبنا ... حشوه العين بمرأى معجب: أنت ماذا - قال: مزن علمت ... كفه النفحة كفاً درب سامني بالشرق أن أسقيكم ... رحمةً منه بأقصى المغرب فسألناه: أين ذاك لنا ... قال: هل يخفى ضياء الكوكب - [ملك ناصب من خالفكم ... عامري المنتمى والمنصب] فعلمنا أنها نفحة من ... ورث الجود أباً بعد أب ومنها: لك كف بالثريا فيضها ... ولها بسط الندى من كثب كقليب دلوها مترعة ... أشرقت بالماء عقد الكرب تبصر العينان منه إن بدا ... قمر السرج وشمس الموكب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 أنجبته للمعالي أسرة ... نزلوا للمجد أعلى الرتب بنفوس من سناء غضة ... في جسوم بضة من حسب ووجوه مشرقات أومضت ... ضاحكات في وجوه الكرب لهم أيام حربٍ كثرت ... في عداهم داعيات الحرب لم يطق عام قدماً مثلها ... لا ولا عمرو بن معد يكرب سحبوا من ذيل مجد إذ هم ... للوغى في ظل نقعٍ أشهب يا ابن أم المجد خذها عبرةً ... جد قول يشتهى كاللعب من بنات اللب زانتك كما ... زان صدر المهر حلي اللبب خمرة من طيبها قد سبيت ... قطعت نحوك عرض السبسب فإن يراجع - أعزك الله - المؤتمن منصفاً فهو أولى به وأستر له، لا كقوم عندنا، حظهم من الفهم الحفظ، ومن العلم الذكر، وهذا حظ القصاص، وأعلى منازل النواح، فترى الممخرق منهم إذا قرئ عليه الشعر يزوي أنفه، ويكسر طرفه، وإذا عرضت عليه الخطبة يميل شقه، ويلوي شدقه، فإن تناولهما لم يبق ملحةً إلا حشدها، ولا أبقى عفصة فجةً إلا جلبها. وأصل قلة هذا الشأن، وعدم البيان، فساد الأزمنة، ونبو الأمكنة؛ وإن الفتنة نسخ للأشياء، من العلوم والأهواء، ترى الفهم فيها بائر السلعة، خاسر الصفقة يلمح بأعين الشنآن، ويستثقل بكل مكان. وهذا رأينا، وحربنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 أنا طلبنا البيان، فأدركناه بكل لسان، والتمسنا الإبداع فأثبتنا كل معجب، وأتينا على كل مطرب، فما سقطنا على سوقة يهش إلينا، ولا دفعنا إلى ملك يصبو بنا؛ وليت إذ لم يكن غنم، ألا يكون غرم؛ ووددنا أنا برازخ لا حرب ولا سلم، ولا يقظة ولا حلم " كفى بذلك إنحاء على الزمن ". ولولا أن المؤتمن نجم من تلك الأنجم الكريمة، وفرع من تلك الدوحة القديمة، أمسك على الدنيا عينها، وحفظ عليها زينها، لقلت: إنها نسخ، وإن أصلها مسخ، سناؤها للئيم أو غد، وزمامها بيد بوم أو قرد. وله من أخرى إلى الوزير ابن عباس: ولما أسندت منك إلى هضبة لا انخرام معها، واستمسكت بعروةٍ لا انفصام لها، إذ ورد علي كتاب رسولي إليك، يذكر تغيرك له، وأنكرت ذلك عليك، ثم تذكرت قولهم: ما نزل حتى رحل، وقول الآخر: كريشة بمهب الريح ساقطة ... لا تستقر على حال من القلق وفي فصل: وقلت: أستنوق الجمل، ويتضح الكوكب، وتخف حصاة الحلم، ويتضعضع جبل العمل والعلم، ويكبو جواد الهمم، وتزل نعل الكرم، وتغلب الدنيا الدين، ويسطو الشك باليقين - ثم تذكرت علمي بك، وقولي فيك: غير أني مع الوزير أبي القا ... سم حزب محض من الأحزاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 التقي التقي كهلاً وطفلاً ... فارس الجيش راهب المحراب فعلمت أنك صاحب محراب، ومؤمن بآية الكتاب؛ فتللت الأوهام للجباه، وكبحت الظنون كبحة أقعدتها عن الأشباه، ولم تبق إلا بقية من قول القائل: ولو ترك الناس الملوك لأحسنوا ... ولكن أولاد الزنا كثير فبحثت عمن طرأ عليك من الأنذال، وحل بساحتك من الأعلاج، فقيل لي: ابن فتح، فأنعمت البحث، وأعملت لطائف الكشف، حتى صح عندي أنه كدر صفوك علي، وغير شربك لدي، فقلت: من هاهنا أتينا، وعن هذه القوس اللئيمة رمينا؛ وقصصي مع هذا العلج طويل. وفي فصل منها: ولم يزل يسعى لإفساد تلك النيات حتى فسدت وانتفضت، وزاد في إفساد الضمائر، ورام التدبير من غير طرق الأكابر، حتى تلف وأتلف، وكانت العاقبة ما عاينت، والمغبة ما شاهدت؛ ولقد سألني أبو جعفر أن ينفرد ذات يومٍ بأكبر وزيرين عندنا، ووجهني فيهما، وحضرا، فنفث هذا الساحر فانصرفا، فخاطبته بأبيات أقول فيها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 هلا سترت الشين بالزين ... من قبل إحضار الوزيرين - قد علما أنهما أحضرا ... لخلوةٍ أثقل من دين لما تدانت قاب قوسين ... أصابها الحاسد بالعين فانصرفا مثل انصراف الفتى ... أسلم إلفاً ليد البين صدهما من قردك المصطفى ... نطحة نطاح بروقين وما رأى الناس على ما مضى ... من قبله قرداً بقرنين أربعة في مجلس جمعوا ... فطار هذان بهذين قد لزما جنبيك لم يبرحا ... لهفي على ضيعة جنبين فأنت ما بينهما جالس ... جلوس أبر بين خصبين وما كان هذا القرد أهلاً لأن يحمل عليه حر كلام، ولا ليرمى بفضل بيان. وبالحرا أن يرقم على عتبة دكان، أو يصور على باب حمام، وقد غرس في وجعائه رأس نخلة، وحيي في سعفها عش نحلة؛ أو ينقش في خاتم قيمار، وقد علاه خنزير، وعطس مستنجاه بإبرة زنبور، فإنه بقية من بني إسرائيل الذين استحلوا الحرام، واجترحوا السيئات والآثام؛ فلما عتوا عما نهوا عنه، قيل لهم كونوا قردةً خاسئين، فجعلت نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين. ولولا أنه منتسب إلى آل هاشم، إلى عصابة أقلني كرمهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 وأظلتني نعمهم، ومسند على العلات من أبي جعفر، إلى وزير كان لي وزراً، رقرق شرابي، وأخصب به جنابي؛ لأدرت بداره دائرة السوء، وسريت إليها في لمةٍ في صعاليك الأحرار، وصميم الرجال، فأحرقتها على نازلها، وجعلت عاليها سافلها، امتثالاً لقوله تعالى في ديار قوم لوط؛ فالشائع لدينا أنها قرار لبنات السحق، وبركة لسمكات العشق، يتناكح بها النسوان بعضهن إلى بعض بالصدقات، ويستعملن خرز جلود البقر في الكيرنجات. فالله الله في قبول هذا القرد والالتباس به، فإنه قدار من لزمه، وهو والفرضي رضيعاً لبان، وفرسا رهان، ولذا لم يؤثر فيه إذ نقره على الرأس، لأن الأفعى لا تقتلها نهشة الأفعى، وأخاف عليك عاديته، وأتقي على أيامك بادرته؛ كان الله خليفتي عليك يا أبا القاسم؛ والله الله في إعادة نفحة من كرائم نفحاتك على قرية أبي الجودي، فلو أنها الجودي كرامةً، وقرية النمل عمارة، لقلت في جنب ما أتغنى به من شكرك، وأترنم به من تقريظك ومدحك. والذي أستقبله من ذلك أكثر منىً: علي أن أهدي من ذلك لطيمةً إلى جارتك القيروان، وأخرى إلى حبيبتك مكة بيت الرحمن، بكلام عذب، ومساق رطب، يبكي الحجيج، ويقدح نار العجيج، تحن له الرباب، وترق له الأعراب. واعلم أن نعمتك فيها، لشهرتها بك، وارتفاعها بارتفاعك، مكتوبة بكف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الثريا في مفرق السماء، نونها الهنعة، وعينها الشولة، وميمها النثرة، فإن أعقبتها " لا "، كان الدبران كاتبها عليك، ترمقها الأبصار، على انتزاح الأقطار. وفي فصل: وبحثت على من تجرد للتنبيه على مثل ذلك وتفرغ للاشتغال به، فوقعت على الكاتب الوزير، اليقظ النحرير، خالد بن يزيد الكيميائي أبي عبد الله الفرضي، فقلت: شنشنة أعرفها من أخزم، لا يصلح للأفعى مراد الروض، ولا ورود الحوض، ولا يدفع لؤم الكلب، كرم الصحب، وإنما الأخلاق جارية على الأعراق، والأفعال مأخوذة عن الأعمام والأخوال؛ وهذا المذكور مشئوم، أدوى من موم، وأشأم من بوم، يسيء لمن أحسن إليه، ومن أجاره تجنى عليه؛ منته نفسه على ضيق نفسها ملك الملوك، وإحياء وقائع اليرموك، فارتبك فيما ارتبك، ولولا القدر لطحنته الرهك، لقد أخطأت استه الحفرة، وما ثبت عند النفرة؛ أولى له! لقد خبث مغرسه عما حاول، ولؤم معطسه عما تناول؛ وهيهات! لا تبصر الشمس العمش، ولا تهتدي السبل الخفش. وإني لأخاف على سعدك نحسه، وأحذر على يومك أمسه، أفقده الله حسه، وأورده الكنيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 رمسه، فإنه لو جاور البحر لسده، ولو جاس أبا قبيس لهده. وما أبعد أن تمنيه نفسه الخبيثة الفتك بك، والوثوب عليك، فإن أمره أسخف، وصفاقة مخه أشف، من ألا يجري هذا المجرى، ولا يرمي هذا المرمى؛ وربما ساعده القدر: هذا حمزة قعصه وحشي، وبسطام صرعه عاصم، وكسرى فتك به مرازبة له. وكتب الوزير أبو مروان ابن الجزيري إلى الوزير أبي عامر ابن شهيد: قل للوزير الذي بانت فضائله ... وقام فينا مقام الغيث نائله إذ بان فضل مساعيه وهمته ... بين لنا شرح معنى سال سائله: أواخر الورد إذ تجنيه ملتقطاً ... أزكى وأعطر نشراً أم أوائله - وأي حاليه موجوداً ومفتقداً ... أولى وأجدر أن ترعى وسائله - وقد أتاك لتوديع على عجل ... خضراً مقانعه حمراً غلائله فامنحه منك قبولاً واقض نهمته ... من الوداع فقد زمت رواحله فأجابه: يا سيداً أرجت طيباً شمائله ... وشاكهت شعره حسناً رسائله وسائلاً لي عما ليس يجهله ... ولا الذي كلف التفضيل جاهله الورد عهداً ونشراً صنو عهدك لا ... تنسي أواخره طيباً أوائله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ووصله في كلا الحالين مفترض ... سيان قاطعه جهلاً وواصله فالعود يخفق، والمزمار يتبعه ... وهاجر الراح قد هاجت بلابله تخبر بمثل الذي أنت العليم به ... أيامنا والصبا تعصى عواذله قال أبو الحسن: وقد ضارع أبو عامر هذا محاسن الطبقة العالية البغدادية المضارعة التي بانت فيها قوته، ولدنت اختراعاته ومقدرته، فصار يتناول المعنى الحسن فيصيره محساً بحسن مساقه، فمنها وصفه للنحل والعسل: واسعة الأكفال والصدور مرهفة. ووصف البرغوث فقال: أسود زنجي. ووصف البعوضة فقال: مليكة لا جيش لها سواها. ووصف الثعلب فقال: أدهى من عمرو. فهذه أوصاف لو رامها غيره لكبا جواد بنانه، ونبا حسام لسانه. وقد عارضه فقال في صفة النحلة: وطائرة تهوي كأن جناحها ... ضمير خفي لا يحدده وهم ملازمة للروض حتى كأنما ... لها كل ما تفتر عنه الربى طعم تمج بفيها الشهد صرفاً ويختفي ... لمشتاره ما بين أحشائها سهم منافرة للإنس تأنس بالفلا ... مفرقة للشهد، من بعضها السم فإدناؤها رشد وهتك حجابها ... إذا احتجبت في غير أيامها ظلم وقال في صفة البرغوث: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 ومنفر للنوم مسكنه إذا ... نام المملك بين أثناء الثياب يسري إلى الأجسام يهتم عدوه ... عن كل جسمٍ صيغ بالنعمى حجاب ويعض أرداف الحسان وماله ... كف ولكن فوه من أعدى الحراب متحكم في كل جسم ناعم ... متدلل ما بين ألحاظ الكعاب فإذا هممت بزجره ولى ولا ... يثنيه عما قد تعوده طلاب وترى مواضع عضه مخضوبةً ... بدم القلوب وما تعاوره خضاب قرم من الليل البهيم مكور ... يمشي البراز وما تواريه ثياب عظمت رزيته ولكن قدره ... أخزى وأهون من ذباب في تراب رجع. وله: تخلصك الله منه! ثلاثة سموم: أفعى وعقرب ويعسوب نحل. شرب الماء وارداً وعنده حشائش استفادها من كيميائه، تكفيه وعثاء عنائه، إذا رام فتكاً أو حاول وثباً. وإذ قد اطرد هذا القول، وانثالت هذه الكلمات، فلا بد من تعريف الموفق - وفقه الله - أصل هذا الفاسق وفرعه، وإن كلفته تطويله وسجعه: صحبته منذ أعوام، أيام اختلافنا إلى الزاهرة، وإذ تلك المواطن قائمة غير دائرة، وبالغرر من آل عامر عامرة، وكنا كثيراً ما نتدارس ضروب العلم: من ادب وخبر وفقه وطب وصنعة وحكمة؛ على أنه في أهل الفهم واو عمرو، أو لسان بظر. وكان - ولا أشعر - يدالس يوالس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 قد استهتر على الفلوس، واستهلك على التدليس، وصار في ذلك وضح النهار، ونفخة المزمار؛ لو لمس البدور لعادت زيوفاً، أو تناول الشموس لغشاها كسوفاً، وقصدته يوماً، على جهل بتلك الخليقة منه، لأستريح إليه، وألقي من شيئي عليه، فألفيته قد خلا بابه، وغاب بوابه، فولجت فثار إليّ صبي غرير أصبته هنالك قائلاً لي: طال انتظارنا لك! وتقدمني وسرت حتى انتهيت إلى دار ذات أجوان، قد غشيها دخان، كقطع العنان، تعبق منها صنان، من زرنيخ وكبريت، وزنجفور وأنزروت؛ فتذكرت {يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس، هذا عذاب أليم} (الدخان: 10، 11) فاستشعرت الشر، وأردت الفر، ثم التفت فإذا أنا بأكداس جمر، وآلات تبر، وأشخاص سود وصفر؛ ثم أفضيت إلى بيت فيه عدة أشباح، كأنها قباض الأرواح، غرابيب، بأيديهم كلاليب؛ رزادق قد تقلدت مطارق؛ فلما رأونى صاحوا: فضحكم الواغل، فامحقوه من عاجل؛ فلما نظرت إلى امنية، وخشيت فصل القضية، ضحكت إليهم وقلت: تخطتكم النعمة، ولا هديتم سبيل الحكمة، أهكذا تعجلون، ولا تدرون من تريدون - قالوا: ومن أنت - قلت: من أخذ الطلق، فسحقه بالمدق، وشق بيد الذكاء، عن زهرة الأشياء، فبشر الآباء بالأبناء. فقالوا: بنار أم بماء - قلت: بهما جميعاً وبهواه. فأمضوا إليّ ضاحكين، واستقبلوني معتذرين، وقالوا: كدت والله أن تلتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وتكون السواد المخترم! قلت: وأين أبو عبد الله - قالوا: انفرد يرقق ماء بيض، ويصفق دم حيض، وغرضه استخراج دهن الحجر الكريم؛ فقلت: حبس حديث أو قديم - فنادوا: أواه، أواه! على الخبير سقطتم. ثم تلطفت وخرجت، تطير بي رجلاي، وقد حقن الله دني بعطفه، واستنقذني من يدي منيتي بلطفه. ووصفت لمن استوثقته ذلك بعد أن استكتمته، فجاس وخاص، وكأني أودعت سري ريحاً؛ فاضطغن ذلك علي، وأكد ذلك أيضاً معاملة عاملني بها أيام حرب المدينة، وكانت حبالها إذ ذاك منية، أعقبته وقع السوط على رأسه، وعض الحجل على ساقه؛ وكان الأمير بها أبو أيوب ابن المرتضى رضي الله عنهما، فأعددت شعراً نويت أن أنشده إياه أول بيعته، وكان ما كان، وبلغه الشعر، فزادت نفسه لي خبثاً، ومنه: فلما بدا فيهم سليمان عندها ... وصاح ابن ذكوان فثار رجال هدى من ضلال الحائرين محمد ... وأذن بالبيت العتيق بلال وقام أبو عمران يرأب صدعها ... بسعي تجلى عن هداه ضلال وزير متى يستوزر الملك رأيه ... أمرت له في النائبات حبال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وليس كمنحوس من القوم منحس ... تعاظم حتى قيل ليس ينال أعانته أموال تخون عينها ... وأعلته غثر سوقة وسفال له كعب نحسٍ لم يصاحب به امرءاً ... على الدهر إلا رد وهو خيال ففي كل عصر من عصور حياته ... تثل عروش أو تدك جبال هو الداء فاستأصله تلبس جمالها ... وداء كعوب المنحسين عضال ولما قضي ماقضي، ووقعت تلك الهنات، ودرج أبو أيوب وعظم تأسفي، رميته بأبيات بلغته، فاصطكت أجرام عداوته، وأخذ في وجوه مطالبته، منها. نالت سليمان منه رجل ... من قبل ما أرجلت أباه فاستدرجا كاشفي دجاه ... يا ويلة المرء؛ ما دهاه - يا سخط رب العلا عليه ... إذ أدت المرتضى يداه لم يبق من زمرة المعالي ... إلا هشام العلا أخاه يا رب فاحرسه لي بعين ... تمنعه الدهر من أذاه وفي فصل: وقال فيه أيضاً مسلمة بن عبد الملك: لا تعرضن لإمام ... فبحر نحسك طامي أصميتهم دون رمي ... والله إنك رامي ثم اشتدت وطأة هذا الخبيث أيام المستظهر، فلم يبق غايةً من اهتضامي إلا امتد لها، وأجرى نحوها، وقصرت به الأقدار دونها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وظاهر صاحبه أبا الحسن علي، وقاد مضرته إليّ، وصنع شعراً حملنيه عنده، وهو: يا كسرة دهمتنا ليس تنجبر ... وسبةً لحقتنا ما لها عذر باتت قعوداً رجال طاب محتدها ... وقام نذلان في سنخيهما بخر أمسى قدار يسوس الأمر أجمعه ... لقد تأنق فيما ساءنا القدر وذا أبو اليسر قد أمسى لها وزراً ... إنا إلى الله، يسر جره عسر نذلان ما حركا إلا فشا ذفر ... نفح الكلاب إذا ما مسها المطر لو أن أشياخنا كانت لهم همم ... تبقي رياستنا لم ترأس البقر لكنهم - وقضاء الله محتمل - ... إذا هم اجتمعوا يوماً لمعضلة ... رأيت نار التقالي كيف تستعر بوم يرى الشؤم باد في صحيفته ... وقرد سوءٍ على صفحاته وبر فأغريا بي، وأرصدا لي، فكفى الله شرهما؛ فشبا حرب البسوس، وتناقرا على الرؤوس، وكانت هامة أحدهما صينية، أو مرآة هندية، فكبا الجد بمن كبا، ونبا المجد عن هامة من نبا، ليبلغ الكتاب أجله، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً. فكيف يصغي الموفق - أيده الله - إلى رجلٍ هذه صفته، وبيني وبينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 ما قد شرحته وأوضحته - فليجرني من قبول حديث هذا الخبيث في، وإصغائه إلى كذبه علي، وليجر نفسه من عاديته، وينظر من وجه فائدته، يجده أشقى الأشقياء، وأضعف الضعفاء. إنما هو لطبخ إكسير، أو لشد قصدير، أو لنقش في ذكير، أو لادعاء أعمال، لو لتغشيةٍ مثقال، أو إقامة طلسمات، وهو خلي من ذلك كله، والحقيقة نائية عنه، والشعوذة غير مستملحة منه، لبرد طباعه، وقصر باعه؛ وإنما هي لأديب ظريف، ذي فهم لطيف. فأما هو فأبرد من ثلجة، وأشد عفوصةً من عفصةٍ فجة، إذا تقبض أنفه، وشمخ طرفه. ولولا أن المولك لا تتهادى بالوضيع، ولا تعتمد في تحفها غير الرفيع، لرأيت أن تهديه إلى البلينة ملكة البحر، والقيمة بالأمر، لينصرف البارد إلى عنصره، وعسى أن يخرجه البحر بعد حين في عنبره، فيكون أحر قليلاً، وأهدى إلى ذلك سبيلاً؛ ولولا أن وصف هذا الخبيث داخل في معاتبة الموفق، لما ارتضيت سوقه، ولا غشيته من كلامي روقة، فإنما يتعاتب الأكفاء، ويتمازح الأخلاء. @فصول قصار اقتضبتها من طويل كلامه فصل: جلا الشكوك بيقينه، واستنبط معرفة الأعمال من شئونه؛ وقسم ليله نصفين: نصفاً للتلاوة، ونصفاً للسياسة؛ ويومه شطرين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 شطراً للميدان، وشطراً للديوان، فاستجم در الخراج، ونزف دماء الأعلاج، من الأوداج. فصل: لا نعمة للخالق على المخلوق أجمل عاقبةً، وأحمد مغبةً، وأروق بهاء، وأسبغ رداءً، وأبعد مأثرة، وأيسر مكرمة، من تقى يشعرها قلبه، وأدب يزين به عقله، ولسان مبين يفيضه عليه فيعرب به عن نفسه، ويكشف عن حقيقة ذاته، قال الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (الحجرات: 13) وقال: {هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون} (الزمر: 9) ، وقال {سلقوكم بألسنة حداد} (الأحزاب: 19) ، وقال: {أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} (الزخرف: 18) وقال علي رضي الله عنه: قيمة كل امرئ ما يحسن، وقال: المرء مخبوء تحت لسانه. ولذلك كانت الملوك تعدل ببنيها عن التنعم إلى شظف العيش، وتدني محالتهم من البادية، وتبوئهم منازل الفصاحة، لتحتد أفئدتهم، ونمتد ألسنتهم، وينسابوا في لصاب الدهاء، ومزاحف النكراء، فيجيدوا الحز، ويطبقوا المفصل، ويسوسوا النوب، ويكبتوا الخصوم، ويخرجوا من الغماء، ويمضوا قدماً في الشنعاء، كما قال عمرو لمعاوية: فإن تعطني مصراً فأربح بصفقة ... أخذت بها شيخاً يضر وينفع وإن امرءاً يقابل ابن هند بهذا، وهو هو، لفضفاض قميص الأدب، طويل نجاد المعرفة، موقوف على ذروة الفضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فصل: واصل الجهاد، واستأصل الكفر والعناد، واتخذ ظهر الجواد بيتاً، وظل اللواء كناً، واستبدل من نقر الكران قرع الطبول؛ ومن نغم القيان شجا الصهيل، ومن وجبة المعازف لجب الجيوش؛ يمشي في الهجير، ويسري في الزمهرير، ويحن إلى الأذان والتكبير؛ في خطة إبليس، ومصدح الناقوس. فصل: كنت أسمع من هذه المآثر والمكارم مثل نفح الصبا، ويقرع أذني منها جرس ألذ من نغمة الصبا، فلا أكذب، لصدق الشاهد، وأمانة الناقل، وكثرة القائل. والحكيم أبو فلان خادم الشيب، ومصلح العيب، وله جوارشات مؤلفة، حارة مفلفلة، تكاد ترد الخصي فحلاً، والثور المسن عجلاً. فصل: أجل ما بيننا ارتضاع الكاس، وشم الآس، والجري في حافات الصبا، والصيد بالسكر في الربى؛ وإن كانت هنات مخلقة، وأوقات موبقة، ذهبت وبقي وزرها، وظعنت وأقام شرها، فإن المرجوع للعليم الحكيم، رب العرش العظيم. وله من رقعة خاطب بها مجاهداً أمير دانية وقته: قد يحلف الغمام، وتغدر اللئام، وتقطع الأرحام. من عز بز، ومن ريش طار، ومن سارت به الأيام سار، وعلى الجد المدار. جد كبا، وحسام نبا، وآمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 تفرقت أيدي سبا. كلمات أنثرها عليك، وآمال أصرفها إليك. كنا قبل أن ترمي بنا النوى مراميها، وتلقي الخطوب علينا مراسيها، وتمخضنا الأيام مخضاً، وتركض بنا الليالي ركضاً، تر بي صحبة، وحليفي صبوة؛ قد تخلينا عن الأنساب، وانتسبنا إلى الآداب، والدار إذ ذاك صقب، والملتقى كثب؛ فإذا شمخ بأحدنا مارن، وثار به كمد ساكن، بعتب على زمن، وتقصير بإرادة عن سكن، تعاطينا كأس الشكوى، وتجاذبنا حبل البلوى، والزمان غر، وحواصلنا صفر، نترنم ترنم الحمام، على زق الجمام؛ ثم ألقت الأيام علينا بكلكل، وأناخت من فوقنا بجران، فنثرتنا بكل فج عميق، وأفق سحيق، نثر الدرر، شذر مذر؛ ونفحت عليك رياح السعد، وجاءتك المنى من تهامة ونجد، وامتطيت ظهر الجوزاء، وافترشت لبدة العواء؛ وكلما دعيت إلى النزال والعراك، تترست بالثريا وطعنت بالسماك، فزحمت منكب الدهر، وقضيت أربك منه على قهر. فكان أول حيصتك عن الرفاء، وحيدتك عن رعاية قديم الإخاء، أن تركت المخاطبة، وأضربت عن المكاتبة، خشية أن يكون كلنا عليك، ورغبتنا في ما لديك، وهيهات! يأبى ذلك كرم محض، وهمة علياء ما لها خفض. ثم قلت: حمل أحسن الظن أجمل، والقضاء بأكرم العهد قبل، قد تشتغل الرؤساء، وتتجاذب العظماء، وعينه مع ذلك راعية، وأذنه واعية، وإنما الوصل بالفؤاد لا بالمداد، والالتقاء بالحلوم لا بالجسوم، فانطويت على ود، وثبت على صحة عقد. ثم دارت الدهور، وطلع البشير، أن قيل طالعكم عسكر جرار، فيه لأسد العرين نار، قضي لكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 به الأمر، وخفقت عليكم ألوية النصر، فقلت: من زعيم هذا الجيش - قيل لي: أخوك أبو الجيش [قلت: رؤوف عطوف، شقاق للصفوف، وواحد يعدل بألوف. وقلت: رد شهيد في أمتك] من أمم، وجاءتك تسعى على قدم، وضح الصبح لذي عينين، وأمكن البطش ذا يدين؛ هذا حبيبك قائد أعنتها، وذا خليلك مالك أزمتها، هذا أبو الجيش مصعب على مقرب، ومغضب يضرب بمقضب، آن لذهب العلم أن يزف، وحان لجوهر الفهم أن يشف؛ ويل للجهل وبنيه، وعشيرته وأقربيه. وفي فصل: ولقيت إخواناً لقوك، فو الذي جعل الغدر من شعارهم، والحذر من دثارهم، ما أجروا في ذكرك، فضلاً على أن يجروا ذكري لك. وهم يعلمون أن مرماي غير مرماهم، ومغزاي سوى مغزاهم، ويوقنون أن أبعد آمالي في صديق إذا سما، وأرفع رغباتي لديه إذا طمى، انفراج بابه، وانهتاك حجابه، يمتعني بإشراق وجهه، ويوردني غدير بشره، ويزنني بغيري من إخوانه، ويضربني بسواي من أهل زمانه، ولا يقلل حظي من إكرامه، ولا يهجر قسطي من لطيف اهتمامه، بعد أن يعدل القسطاس، ويميز الذهب من النحاس. وفي فصل: وهذا أخف حمل وأيسر. فأدركني ما يدرك من طاب غرسه، وكرمت عليه نفسه، وأزمعت على المقاطعة، فقلت: الصبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 أولى، والإنصاف أحجى، لا بد أن توفى الرجال مقاديرها في أزمانها، ويستحال لها عند استحالة أعيانها؛ وتخشع من أوهد لمن أصعد سداد، وتلين من أتهم لمن أنجد رشاد، فتقلقلت واضطربت، وتجمعت لي وانقبضت، ثم جاشت كما يجيش البحر، له همهمة وزخر، فقالت: ثكلتك المكارم يا ابن المكارم! ألست من أشجع في العلا، ومن شهيد في الذرى، وللخالق في صدرك حكمة، وللرزاق في حجرك نعمة - تقول بهذه فتسمع، وتعنى بتلك فلا تخضع، وساويت امرءا لم تحتج إليه، ووازنته ما لم تطمع فيما لديه - لا أسر إنما أعلن، قيمة كل امرئ ما يحسن. قلت لها: فأين اليأس - قالت: هو في القلب والرأس، لئن أصابه غيرك فارسا، إنك لغير بعيد منه راجلا، فقلت: لقد أدركتك عجرفية، واستولت عليك أعرابية، لا بد من قصدي أبا الجيش، قالت: ليهنك العيش، في أبرد من ظل الخيش! وقصدتك من جهتي، فلم أشك ولم أقر، ولم أعرف ولم أنكر، وانصرفت بين الحالتين، لا قرب ولا شحط، ولا رضى ولا سخط. [وعرضت] فصول من كلامه على الكاتب أبي بكر المعروف باشكمياط فقال: فقر حسان إلا أنه عثر عليها. فوصل كلامه إلى أبي عامر فكتب إليه: ما أغيرك أبا بكر، على نظم ونثر، لو إليك كان العلم، أو بكفك كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 الفهم، لم تترك لأرض أعلاما، ولا لغيرك إنعاما؛ أحشا عند رعدتك -! عرضت عليك الدر منظوما، فقلت: نعم ما صنعت لو اخترعت؛ وما أحسن ما أطلت لو ابتدعت. معرضا بالتقصص، ومشيرا إلى التلصص؛ هيهات! لا يزيد الحز من الغرب، ولا يضيء السليط في لأقطعن حبالك هاجرا، ولأتركن ليلك ساهرا. وله في فصل: وإصابة البيان لا يقوم بها حفظ كثير الغريب، واستيفاء مسائل النحو، وإنما يقوم بها الطبع مع وزنه من هذين: النحو والغريب؛ ومقدار طبع الإنسان إنما يكون على مقدار تركيب نفسه مع جسمه، فمن كانت نفسه في أصل تركيبه مستولية على جسمه، كان مطبوعا روحانيا، يطلع صور الكلام والمعاني في أجمل هيئاتها، وأروق لبساتها؛ ومن كان جسمه مستوليا على نفسه - من أصل تركيبه - والغالب على حسه، كان ما يطلع من تلك الصور ناقصا من الدرجة الأولى في الكمال والتمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وحسن الرونق والنظام. فمن كانت نفسه المستولية على جسمه فقد تأتي منه في حسن النظام، صور رائقة من الكلام، تملأ القلوب، وتشعف النفوس. فإذا فتشت لحسنها أصلاً لم تجده، ولجمال تركيبها أساً لم تعرفه؛ وهذه هو الغريب، أن يتركب الحسن من غير حسن، كقول امرئ القيس: تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي فإن هذه الديباجة إذا تطلبت لها أصلاً من غريب معنى لم تجده؛ وكقول أبي نواس: طرحتم من الترحال ذكراً فغمنا ... فلو قد شخصتم صبح الموت بعضنا ثم قال فيها: سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد ... هواك، لعل الفضل يجمع بيننا فهذا من الكلام الغث، واللفظ الرث، الذي لو رامه حمار الكساح لأدركه، ولكن له من التعلق بالنفس، والاستيلاء على القلب ما ترى. وفي فصل له: وقول الجاحظ: إنا إذا اكترينا من يعلم صبياننا النحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 والغريب قنع منا بعشرين درهماً في رأس كل شهر، ولو اكترينا من يعلمهم البيان لما قنع منا بألف درهم. ولم يقل هذا إلا وقد ألف " كتاب البيان ". ولو كشف فيه عن وجه التعليم، وصور كيفية التدريج، لأرى كيف وضع الكلام، وتزيين البيان، وكيف التوصل إلى حسن الابتداء، وتوصيل اللفظ بعد الانتهاء، وأبدى لهم عن تدبير المقاطع والمطالع، فإنها معادن الصنعة، ومواضع مفاتح الطريقة؛ ولكنه استمسك بفائدته، وضن بما عنده، غيرةً على العلم، وشحاً بثمرة الفهم، وعرف أن النفع كثير، والشاكر قليل، فلم يفد بما أوضح من أمر البيان فائدةً غير أهله، ومن كرع في حوضه، واستاف من نده. وأما أن يخلارج مبتدئاً، أو يعلم جاهلاً فلا ألبتة. وفي فصل له: قال أبو عمار: وقد كنا أطعمنا من هذا الطعام بعض التلاميذ، فاستطابه وعلم مقداره، ولكن البطالة على الفتيان غالبة، والسآمة عليهم مستولية؛ فمن بنى على تعليم هذا الشان فلا يعلم إلا أهل النجابة والمثابرة على التعليم، لأنه من لم ينجب له تلميذ حمل عليه ذلك النقص، وظن به العجز. جلس إليّ يوماً يوسف بن إسحاق الإسرائيلي، وكان أفهم تلميذ مر بي، وأنا أوصي رجلاً عليّ من أهل قرطبة، وأقول له: إن للحروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 أنساباً وقراباتٍ تبدو في الكلمات، فإذا جاور النسيب النسيب، ومازج القريب القريب، وطابت الألفة، وحسنت الصحبة؛ وإذا ركبت صور الكلام من تلك، وحسنت المناظر، وطابت المخابر، أفهمت - قال لي: إي والله، قلت له: وللعذوبة إذا طلبت، والفصاحة إذا التمست، قوانين من الكلام، من طلب بها أدرك، ومن نكب عنها قصر، أفهمت - قال: نعم، قلت: وكما تختار مليح اللفظ، ورشيق الكلام، فكذلك يجب أن تختار مليح النحو، وفصيح الغريب، وتهرب عن قبيحه، قال: أجل، قلت: أتفهم شيئاً من عيون كلام القائل: لعمرك إني يوم بانوا فلم أمت ... خفاتاً على آثارهم لصبور غداة التقينا إذ رميت بنظرة ... ونحن على متن الطريق نسير ففاضت دموع العين حتى كأنها ... لناظرها غصن يراح مطير فقال: إي والله، وقعت " خفاتاً " موقعاً لذيذاً، ووضعت " رميت " و " متن الطريق " وضعاً مليحاً، وسرى " غصن يراح مطير " مسرىً لطيفاً، فقلت له: أرجو أنك تنسمت شيئاً من نسيم الفهم، فاغد عليّ بشيء تصنعه. قال أبو عامر: وكان ذلك اليهودي ساكتاً يعي ما أقول؛ فغدا ذلمك القرطبي فأنشدني: حلفت برب مكة والجمال ... لقد وزنت كروبي بالجبال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 في أبيات تشبهه. وجاء اليهودي فأنشدني: أيمم ركبانهم منعجاً ... وقد ضمنوا قلبك الهودجا - واستمر إلى آخر قصيدته، فأتى بكل حسن، فقال لي ذلك القرطبي: شعر اليهودي أحسن من شعري، قلت: ولا بأس بفهمك إذ عرفت هذا. ولم يزل يتدرب باختلافه إليّ حتى ندي تربه، وطلع عشبه، ثم تفتح زهره، وضاع عبقه. ورآني أستعمل وحشي الكلام في مواضعه ولم يشعر بحسن الوضع فاستعمل شيئاً منه وعرض عليّ، فقلت: استره، فقال: تبخل عليّ به. وعرضه على ابن الإفليلي، فقال له: تنكب هذا الكلام، فقال له: إن أبا عامر يستعمله، فقال: يضعه في موضعه، وهو أدرب منك في استعمال. وفي فصل له: وربما لاذ بنا المستطعم باسم الشعر ممن يخبط العامة والخاصة بسؤاله، فيصادف منا حالةً غير ذات فضلة، لا تتسع له في كبيرة مبرة، فنشاركه ونعتذر له؛ وربما أفدناه بأبيات يعتمد بها البقالين ومشيخة القصابين، فإذا قرعت أسماعهم، ومازجت أفهامهم، در حلبهم، وانحلت عقدهم، وجل شخص ذلك البائس في عيونهم، فما شئت إذ ذاك من خبزة وثيرة يحشى بها كمه، ورقبة سمينة تدفن في مخلاته، ومن كوز فقاع يصب في فمه، وتينة رطبةٍ يسد بها حلقومه، وسنبوسقة ودكة تدس تحت لسانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وفالوذجة رطبةً يحنك بها حنكه، فلا يكاد البائس يستتم ذلك حتى يأتينا فيكب على أيدينا يقبلها، وأطرافنا يلطعها، راغباً في أن نكشف له السر الذي حرك العامة فبذلت ما عندها له، وبادرت بدرها إليه. وتعليمه ذلك النحو من أنحاء السحر لا نستطيعه، لأن هذا الذي يريده منا هو تعليمه البيان، وبين فكره وبينه حجاب؛ ولكل ضرب من الناس ضرب من الكلام، ووجه من البيان؛ والمرء لا يفجر صفاة غيره إلا أن يوفي على معرفة ذلك بفهمه التبيين والتبين، ويكون من المستنبطين بوجوه الحيل على قوانين قائمة، وأصول ثابتة، فتكون النتيجة ما سمعت. وفي فصل: وأصعب من هذا تحريك البخلاء من الكبراء إلى البذل، لأنهم بعادتهم لا تمكن نقلتهم لعزتهم، ولما اشتملت عليه ثياب مجدهم، فلا ينجع تقريظهم؛ فها هنا يحتاج إلى أثقب ما يكون من الذهن، وأوسع ما يمكن من الحيلة، إلا أن هذه العصابة لا يتمكن لذي التفاهة تحريكها، ولا بد لها من طبقةٍ يكون لها في العين بعض التصويب والتصعيد، ولهذا صار سب الأشراف عسيراً عويصاً؛ فإنك تجدهم يتدحرج عنهم قبيح المقال، ولا يضعضعهم خبيث الكلام، لقوة بنيانهم، وثبات أركانهم؛ فهدم بنيان هؤلاء صعب، ولذلك فخرت العرب بمن لا يمكن له ذلك فيهم من أهل الكلام، ولذلك سب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الأشراف، واستحسنوا من ذلك قول ابن صفوان في شبيب: ليس له صديق في السر، ولا عدو في العلانية. وفي فصل له: قال أبو عامر: وكما أن لكل مقام مقالاً، فكذلك لكل عصرٍ بيان، ولكل دهرٍ كلام، ولكل طائفةٍ من الأمم المتعاقبة نوع من الخطابة، وضرب من البلاغة، لا يوافقها غيره ولا تهش لسواه. وكما أن للدنيا دولاً، فكذلك للكلام نقل وتغاير في العادة. ألا ترى أن الزمان لما دار كيف أحال بعض الرسم الأول في هذا الفن إلى طريقة عبد الحميد وابن المقفع وسهل بن هارون وغيرهم من أهل البيان - فالصنعة معهم أفسح باعاً، وأشد ذراعاً، وأنور شعاعاً، لرجحان تلك العقول، واتساع تلك القرائح في العلوم. ثم دار الزمان دوراناً، فكانت إحالة أخرى إلى طريقة إبراهيم بن العباس ومحمد بن الزيات وابني وهب ونظرائهم، فرقت الطباع، وخف ثقل النفوس. ثم دار الزمان فاعترى أهله باللطائف صلف، وبرقة الكلام كلف، فكانت إحالة أخرى إلى طريقة البديع وشمس المعالي وأصحابهما. وكذلك الشعراء انتقلوا عن العادة في الصنعة بانتقال الزمان، وطلب كل ذي عصرٍ ما يجوز فيه، وتهش له قلوب أهله، فكان من صريع الغواني وبشار وأبي نواسٍ وأصحابهم في البديع ما كان، من استعمال أفانينه والزيادة في تفريغ فنونه. ثم جاء أبو تمام فأسرف في التجنيس، وخرج عن العادة، وطاب ذلك منه، وامتثله الناس، فكل شعر لا يكون اليوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 تجنيساً أو ما يشبهه تمجه الآذان، والتوسط في الأمر أعدل؛ ولذلك فضل أهل البصرة صريع الغواني على أبي تمام، لأنه لبس ديباجة المحدثين على لأمة العرب، فتركب له من الحسن بينهما ما تركب. وفي فصل له: قال أبو عمار: أهل صناعة الكلام متباينون في المنزلة، متفاضلون في شرف المرتبة، على مقدار إحسانهم وتصرفهم. فمنهم الذي ينظم الأوصاف، ويخترع المعاني، ويحرز جيد اللفظ، إلا أنه يصعب عليه الكلام، ويكد قريحته التأليف، حتى إنه ربما قصر في الوصف، وأساء الوضع. فهذا في الأبيات القليلة نافر، وفي القريبة المأخذ سائر، وفي طريقة الجمهور الأعظم ذاهب، حتى إذا ازدحمت عليه، وانحشدت إليه، وطالبته ببهاء البهجة، وشرف المنزلة، وقف وانفل، وتلاشى واضمحل. ومنهم الكارع في بحر الغزارة، القادح بشعاع البراعة، الذي يمر مر السيل في اندفاعه، والشؤبوب في انصبابه، لا يشكو الفشل، ولا يكل على طول العمل، إذا ازدحمت في الكلام عليه المطالب، وعلقت بحواشي فكره المآرب، وحشرت عليه الصعائب والغرائب، استقل بها كاهله، واضطلع بثقلها غاربه، وأعارها من نظره لمحة، ومن فكره قدحة، ثم رمى بها عن جانبيه، قد رويت بمائها، ولبست شعاع بهائها، وبقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 كاللقوة في المرقب، سام نظره، قد ضم حجناحيه، ووقف على مخلبه، لا تتاح له جارحة إلا اقتصها، ولا تنازله طائرة إلا اختطفها، جرأته كشفرته، وبديهته كفكرته، فذلك الألسن يوم حرب الكلام، لا تخطئ ضربته، ولا تصاب غرته. ومنهم من يتجافى الكلام، ويروغ عن المقال، فإذا مني به، أخذ بأطراف المحاسن، وشارك في أنحاء من الصنعة، وجل ما عنده تلفيق وحيلة، وبذلك يصاحب الأيام، ويجاري أبناء الزمان، ما كان له عقل يغطى على نقصانه، وسياسة يسوس بها فحول زمانه. ومن خرج عن هذه الطبقات الثلاث لم يستحق اسم البيان، ولا يدخل في أهل صناعة الكلام. وفي فصل له: قال أبو عامر: وقوم من المعلمين بقرطبتنا ممن أتى على أجزاء من النحو، وحفظ كلمات من اللغة، يحنون على أكبادٍ غليظة؛ وقلوبٍ كقلوب البعران، ويرجعون إلى فطنٍ حمئة، وأذهانٍ صدئة، لا منفذ لها في شعاع الرقبة، ولا مدب لها في أنوار البيان. سقطت إليهم كتب في البديع والنقد فهموا منها ما يفهمه القرد اليماني من الرقص على الإيقاع، والزمر على الألحان، فهم يصرفون غرائبها فيما يجري عندهم تصريف من لم يرزق آلة الفهم، ومن لم تكن له آلة الصناعة، مما هي مخصوصة بها، لا تقوم تلك الصناعة إلا بتلك الآلة؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 فهو كالحمار لا يمكنه أن يتعلم صناعة ضرب العود والطنبور، لتوتد رسغه، واستدارة حافره، ولا له بنان يجس به على دستبان. ولو جاز أن يكون حمار يغني: ما بال أنجم هذا الليل حائرةً ... أضلت القصد أم ليست على فلك وشبهه، من أجل أن له حنكاً ولساناً وقصبة رئة، لما جاز أن يوقع بالمضراب على الأوتار، ويتمم بجس الأنامل، ويرخي الوتر في مجرى السبابة والبنصر، فيبلبل بنشيده، ويولول في ضربه على بسيطه. فهذه حال العصابة من المعلمين: يدركون بالطبيعة، ويقصرون بالآلة. وتقصيرهم بالآلة هو من طريق العلل الداخلة من فساد الآلة القابلة للروحانية، والخادمة لآلات الفهم، الباعثة لرقيق الدم في الشريانات إلى القلب، وزيادة غلظ أعصاب الدماغ ونقصانها عن المقدار الطبيعي. يعين على ذلك بالحدس وطريق الفراسة فساد الآلة الظاهرة، كفرطحة الرأس وتسفيطه، ونتوء القمحدوة، والتواء الشدق، وخزر العين، وغلظ الأنف، وانزواء الأرنبة. فنستعيذ بالله ألا يشوه خلقة قلوبنا، ولا يجسي أجرام أكبادنا، ويضم أوتارنا وأعصابنا، ولا يعظم أنوفنا، ولا يجعلنا مثلةً للعالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وفي فصل له: وليس العجب في هذه العصابة إلا من أبي القاسم، فإنه زاد عليهم في الصناعة، وبزهم بوفور البضاعة. دخل الشعراء فأخذ لباقتهم، وصار في جملة الكتاب فاستعار صلفهم ورشاقتهم، وباشر أهل الحساب فاستفاد طريقة البراهين، وناظر أهل الجدل فتعلم القوانين، وعرف عناصر الكلام؛ فكل علم يزعمه قبض يده، وكل جد وهزل فإليه منسوب، وعنه مأخوذ؛ وهو مع ما اجتمع له من ذلك كله، وحبي به، أشدهم صبابة بألا يكون بالأندلس محسن سواه، ولا مجيد حاشاه. وكان الرأي عندي له أن يسكن أرض جليقية أو قطرا بعد عن الإسلام، حتى لا يسمع فيه الخطيب ذكرا، ولا يحس لشاعر ركزا، فيكون هناك فردا. ومن العجب أيضاً في أمره أن كل كاتب كتب للسلاطين عندنا، وكل شاعر مدحهم، رويت أشعاره ورسائله غير أبي القاسم وحده. على أنه إنما جلس للتعليم على هذا المعنى. وربما عرض بأن يؤخذ منه شيء من أشعاره ورسائله ولا يجيبه تلميذ؛ والمحروم محروم؛ ولو أنه اشترى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الزبيب لصبيان المساجد، وقشور أصل الجوز لصبغ شفاه خراجيات الخانات، وروى الطبقتين ما عنده، لعرضتا رسومه وجعائله، ورويتا أشعاره ورسائله، وغنتا بها على قوارع الطرق ومناقع المياه ومطارح الزبول، كما تغنبان أشعارهما، وتسعان حماقتهما، فيكون ذلك سببا إلى أن تدب وتدرج، وتعتاد الطيران فتطير، ويراها الناس فتعرف. وهو مع هذا كله يسمينا الهمج الهامج، ويسمي البديع والصابئ وشمس المعالي العضاريط. وهو أبخل أهل الأرض لا محالة. ولم يقصر بنا عنده إلا توقيرنا لثغامته. وهو يرى أن بعض صبيانا قد أقلقوه حين قالوا: ليست مشيته مشية أديب، ولا وجهه وجه أريب، ولا جلسته جلسة عالم، ولا أنفه أنف كاتب، ولا نغمته نغمة شاعر. وحكوا أنه إذا مشى الخيزلى، وتقدم قليلا ثم رجع القهقرى، والقصبة في يده، والخرج على عاتقه، أحذق الناس في إخراج لعبة اليهودي، فأقلقوه بما يسمع، فكيف لو عضته أنياب غير مفلولة، وخدشته أظافر غير مقلمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وفي فصل له: ذكر يوماً عند أبي القاسم سهل بن هارون والجاحظ، فضرب فيها مثل العامة: بينها ما بين الملائكة وصبيان الحرس. هذا من الإنحاء العظيم على سهل. والأولى أن يسميا محسنين، إلا أن سهلاً كاتب سلاطين، والجاحظ مؤلف دواوين. وقد يؤدي النظر إلى أنهما في طريقين مختلفين، وكلاهما محسن في بابه؛ إلا أنه لم ير أغبن من الجاحظ لنفسه؛ إن كان واحد البلاغة في عصره، فما باله لم يلتمس بها شرف المنزلة بشرف الصنعة، وقد رأى ابن الزيات وإبراهيم بن العباس بلغا بها ما بلغا، وهو يلتمس فوائدهما والجاه بهما - فلا يخلو في هذا إما أن يكون مقصراً عن الكتاب وجمع أدواتها، أو يكون ساقط الهمة، أو يكون إفراط جحوظ عينيه قعد به عنها، كما قصر بي أنا فيها ثقل سمعي، وبأبي القاسم ورم أنفه. إذ لا بد للملك من كاتب مقبول الصورة تقع الصورة عليها عينه، وأذن ذكية تسمع منه حسه، وأنف نقي لا تذم أنفاسه عند مقاربته له. ولذلك استحسنوا من الكاتب أن يكون طيب الرائحة، سليم آلات الحواس، نقي الثوب، ولا يكون وسخ الضرس، منقلب الشفة، مكحل الاظفور، وضر الطوق. وربما أنكر منكر قولنا في شرط جمع أدوات الكتابة فقال: وأي أداةٍ نقصت الجاحظ - فنقول: أول أدوات الكاتب العقل، ولا يكون كاتب غير عاقل. وقد نجد عالماً غير عاقر، وجدليا غير حصيف، وفقيهاً غير حليم. وقد وجدنا من ينسب العقل إلى سهل أكثر من نسبته إلى الجاحظ. لو شهد الجاحظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 سهلاً يخادع للرشيد ملكاً، ويدبر له حرباً، ويعاني له إطفاء جمرة فتنة، مستضلعاً في ذلك كله بعقله، وجودة علمه، لرأى أن تلك السياسة غير تسطير المقال، في صفة غراميل البغال، وغير الكلام في الجرذان، وبنات وردان، ولعلم أن بين العالم والكاتب فرقاً. وفي فصل له: ومن دليل تقصير عصابة المعليمن أنهم لا يقدومون أن يجعلوا ما يحملون من المعرفة تصنيفاً، ولا تغزر مادتهم أن ينشئوها تأليفاً، وإنما تفسو به أنفاسهم فسواً بين تلاميذهم، ولا يقدر أن يزيد في النفخ فيضرط به ضراطاً يسمع. فهم في ذلك أمثال الجنادب، وقرناء الخنافس لا توازن الظربان في قوة فسائه، وإن زادت عليه في نتنه، ولا يبلغون درجة الحمار الوحشي في شدة ضراطه، وإن شاركوه في اسمه، ولا تروى لهم نادرة، ولا تؤثر عنهم في البلاد شاردة. قال: ومما علم من خلق هذه العصابة إذا لمحتنا أبصارهم قابلونا بالملق، وهم منطوون على حسد وحنق. فإذا جمعتنا المحافل، وضمتنا المجالس، تراهم إلينا مبصبصين، وعن الأخذ في شيء من تلك المعاني زائغين. وإنما يتبين تقصير المقصر، وفضل السابق المبرز، إذا اصطكت الركب، وازدحمت الحلق، واستعجل المقال، ولم توجد فسحة لفكرة، ولا أمكنت نظرة لروية؛ أو في مجالس الملوك عند أنسها وراحتها، فإنه يقع فيها، ويجري لديها، ما لا ينفع له الاستعداد، ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 ينفذ فيه غير الطبع والغريزة المتدفقة. فترى الجواد السابق إذ ذاك متشوفاً بأذنه، باحثاً لكديد الإحسان بيده، طامح النظر، صهصلق الصهيل، وأهل الصنعة خرس، لا يسمع لهم جرس، ولا شيء عندهم غير حسو الكاس، وشم الآس، وتنفس الصعداء، قد اصفرت ألوانها، وقلصت شفاهم، كأنهم من رجال عذرة. وما أذكر أني فزت من هذا المجلس بخطير غير مرة، بين يدي هشام بن محمد، والمجلس قد غص بالعمائم والطماطم من أهل المصر لجواب بعض الرؤساء عن فصول خبيثةٍ حادةٍ لا جواب فيها ولا عذر عنها. فجرى ما أكره ذكره من أجل أنه متصل بتعجيز أهل البيضة، والغض من الأصحاب، على أنهم جدراء بذلك، لقلة إنصافهم لنا، وتسلطهم علينا، وإسرافهم في ثلبنا. @فصول من رسالة سماها بالتوابع والزوابع، وإن صدرت عنه @مصدر هزل، فتشتمل على بدائع روائع قال في صدرها مخاطباً لأبي بكلار ابن حزم: لله أبا بكر ظن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 رميته فأصميت، وحدس أملته فما أشويت! أبديت بهما وجه الجلية، وكشفت عن غرة الحقيقة، حين لمحت صاحبك الذي تكسبته، ورأيته قد أخذ بأطراف السماء، فألف بين قمريها، ونظم فرقديها، فكلما رأى ثغراً سده بسهاها، أو لمح خرقاً رمه بزباناها، إلى غير ذلك. فقلت: كيف أوتي الحكم صبياً، وهز بجذع نخلة الكلام فاساقط عليه رطباً جنياً - أما إن به شيطاناً يهديه، وشيصباناً يأتيه؛ وأقسم أن له تابعةً تنجده، وزابغةً تؤيده، ليس هذا في قدرة الإنس، ولا هذا النفس لهذه النفس. فأما وقد قلتها أبا بكر فأصخ أسمعك العجب العجاب: كنت أيام كتاب الهجاء، أحن إلى الأدباء، واصبوا إلى تأليف الكلام، فاتبعت الدواوين، وجلست إلى الأساتيذ، فنبض لي عرق الفهم، ودر لي شريان العلم، بمواد روحانية؛ وقليل الالتماح من النظر يزيدني، ويسير المطالعة من الكتب يفيدني، إذ صادف شن العلم طبقة. ولم أكن كالثلج تقتبس منه ناراً، ولا كالحمار يحمل أسفاراً. [فطعنت ثغرة البيان دراكاً، وأعلقت رجل طيره أشراكاً، فانثالت لي العجائب، وانهالت على الرغائب] . وكان لي أوائل صبوتي هوىً اشتد به كلفى، ثم لحقي لعد ملل في أثناء ذلك الميل. فاتفق أن مات من كنت أهواه مدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ذلك الملل، فجزعت وأخذت في رثائه يوماً في الحائر وقد أبهمت عليّ أبوابه، وانفردت فقلت: تولى الحمام بظبي الخدور ... وفاز الردى بالغزال الغرير إلى أن انتهت إلى الاعتذار من الملل الذي كان، فقلت: وكنت مللتك لا عن قلىً ... ولا عن فسادٍ جرى في ضميري فأرتج عليّ القول وأفحمت، فإذا أنا بفارسٍ بباب المجلس على فرسٍ أدهم كما بقل وجهه، قد اتكأ على رمحه، وصاح بي: أعجزاً يا فتى الإنس - قلت: لا وأبيك، للكلام حأحيان، وهذا شأن الإنسان؛ قال لي: قل بعده: كمثل ملال الفتى للنعيم ... إذا دام فيه وحال السرور فأثبت إجازته، وقلت له: بأبي أنت، من أنت - قال أنا زهير بن نمير من أشجع الجن. فقلت: وما الذي حداك إلى التصور لي - فقال: هوى فيك، ورغبة في اصطفائك. قلت أهلاً بك أيها الوجه الوضاح، صادفت قلباً إليك مقلوباً، وهوى نحوك مجنوباً. وتحادثنا حيناً ثم قال: متى شئت استحضاري فأنشد هذه الأبيات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وآلى زهير الحب يا عز أنه ... إذا ذكرته الذكرات أتاها إذا جرت الأفواه يوماً بذكرها ... يخيل لي أني أقبل فاها فأغشى ديار الذاكرين وإن نأت ... أجارع من داري هوىً لهواها وأوثب الأدهم جدار الحائط ثم غاب عني. وكنت أبا بكر متى أرتج علي، أو انقطع مسلك، أو خانني أسلوب، لأنشد الأبيات فيمثل لي صاحبي، فأسير إلى ما أرغب، وأدرك بقريحتي ما أطلب؛ وتأكدت صحبتنا، وجرت قصص لولا أن يطول الكتاب لذكرها أكثرها، لكني ذاكر بعضها. فصل: تذاكرت يوماً مع زهير بن نمير أخبار الخطباء والشعراء، وما كان يألفهم من التوابع وازوابع، وقلت: هل حيلة في لقاء من اتفق منهم - قال: حتى أستأذن شيخنا، وطار عني ثم انصرف كلمح بالبصر، وقد أذن له، فقال: حل على متن الجواد. فصرنا عليه، وسار بنا كالطائر يجتاب الجو فالجو، ويقطع الدو فالدو، حتى التمحت أرضاً لا كأرضنا، وشارفت جواً لا كجونا، متفرع الشجر، عطر الزهر، فقال لي: حللت أرض الجن أبا عامر، فبمن تريد أن نبدأ - قلت: الخطباء أولى بالتقديم، لكني إلى الشعراء أشوق. قال: فمن تريد منهم - قلت: صاحب امرئ القيس. فأمال العنان إلى وادٍ من الأودية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ذي دوح تتكسر أشجاره، وتترنم أطياره، فصاح: يا عتيبة بن نوفل، بسقط اللوى فحومل، ويم دارة جلجل، إلا ما عرضت علينا وجهك، وأنشدتنا من شعرك، وسمعت من الإنسي، وعرفتنا كيف أجازتك له. فظهر لنا فارس على فرس شقراء كأنها تلتهب، فقال: حياك الله يا زهير، وحيا صاحبك! أهذا فتاهم - قلت: هو هذا، وأي جمرةٍ يا عتيبة! فقال لي: أنشد، فقلت: السيد أولى بالإنشاد، فتطامح طرفه، واهتز عطفه، وقبض عنان الشقراء، وضربها بالسوط، فسمت تحضر طولاً عنا، وكر فاستقبلنا بالصعدة هازاً لها، ثم ركزها وجعل ينشد: سما لك شوق بعدما كان أقصرا ... حتى أكملها ثم قال لي: أنشد. فهممت بالحيصة، ثم اشتدت قوى نفسي وأنشدت: شجته مغانٍ من سليمى وأدؤر ... حتى انتهيت فيها إلى قولي: ومن قبةٍ لا يدرك الطرف رأسها ... تزل بها ريح الصبا فتحدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 تكلفتها والليل قد جاش بحره ... وقد جعلت أمواجه تتكسر ومن تحت حضي أبيض ذو سفاسق ... وفي الكف من عسالة الخط أسمر هما صاحباي من لدن كنت يافعاً ... مقيلان من جد الفتى حين يعثر فذا جدول في الغمد تسقى به المنى ... وذا غصن في الكف يجنى فيثمر فلما انتهيت تأملني عتيبة ثم قال: اذهب فقد أجزتك. وغاب عنا. فقال لي زهير: من تريد بعد - قلت: صاحب طرفة. فجزعنا وادي عتيبة، وركضنا حتى انتهينا إلى غيضة شجرها شجران: سام يفوح بهاراً، وشحر يعبق هندياً وغاراً. فرأينا عيناً معينةً تسيل، ويدور ماؤها فلكياً ولا يحول. فصاح زهير: يا عنتر بن العجلان، حل بك زهير وصاحبه، فبخولة وما قطعت معها من ليلة، إلا ما عرضت وجهك لنا! فبدا إلينا راكب جميل الوجه، قد توشح السيف، واشتمل عليه كساء خز، وبيده خطي، فقال: مرحباً بكما! واستنشدني فقلت: الزعيم أولى بالإنشاد، فأنشد: لسعدى بحزان الشريف طلول ... حتى أكملها، فأنشدته من قصيدة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 أمن رسم دارٍ بالعقيق محيل ... حتى انتهيت إلى قولي: ولما هبطنا الغيب نذعر وحشه ... على كل خوار العنان أسيل وثارت بنات الأعوجيات بالضحى ... أبابيل من أعطاف غير وبيل مسومة نعتدها من خيارها ... لطرد قنيص أو لطرد رعيل [إذا ما تغنى الصحب فوق متونها ... ضحياً أجابت تحتهم بصهيل] ندوس بها أبكار نور كأنه ... رداء عروسٍ أوذنت بحليل رمينا بها عرض الصوار فأقعصت ... أغن قتلناه بغير قتيل وبادر أصحابي النزول فأقبلت ... كراديس من غض الشواء نشيل نمسح بالحوذان منه أكفنا ... إذا ما اقتنصنا منه غير قليل فقلنا لساقيها أدرها سلافةً ... شمولاً ومن عينيك صرف شمول فقام بكأسيه مطيعاً لأمرنا ... يميل به الإدلال كل مميل وشعشع بكأسيه مطيعاً لأمرنا ... برأس كريمٍ منهم وتليل إلى أن ثناهم راكدين لما احتسوا ... خليعين من بطش وفضل عقول نشاوى على الزهراء صرعى كأنهم ... أساطين قصر أو جذوع نخيل فصاح عنتر: لله أنت، اذهب مجاز. وغاب عنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 ثم ملنا عنه فقال لي زهير: إلى من تتوق نفسك بعد من الجاهلين - قلت: كفاني من رأيت؛ اصرف وجه قصدنا إلى صاحب أبي تمام؛ فركضنا ذات اليمين حيناً، ويشتد في أثرنا فارس كأنه الأسد، على فرس كأنها العقاب، وهو في عدوه ذلك ينشد: طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائرٍ ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها فاستربت منه، فقال ي زهير: لا عليك، هذا أبو الخطار صاحب قيس بن الخطيم. فاستبى لبي من إنشاده البيت، وازددت خوفاً لجرأته وأننا لم نعرج عليه؛ فصرف إليه زهير وجه الأدهم، وقال: حياك الله أبا الخطار، فقال: أهكذا يحاد عن أبي الخطار ولا يخطر عليه. قال: علمناك صاحب قنص، وخفنا أن نشغلك. فقال لي: أنشدنا يا أشجعي، وأقسم أنك إن لم تجد ليكونن يوم شر؛ فأنشدته قولي من قصيدة: منازلهم تبكي إليك عفاءها ... ومنها: خليلي عوجا بارك الله فيكما ... بدارتها الأولى نحي فناءها فلم أر أسراباً كأسرابها الدمى ... ولا ذئب مثلي قد رعى ثم شاءها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 ولا كالضلال كان أهدى لصبوتي ... ليالي يهديني الغرام خباءها وما هاج هذا الشوق إلا حمائم ... بكيت لها سمعت بكاءها عجبت لنفسي كيف ملكها الهوى ... وكيف استفز الغانيات إباءها - ولو أنني أنحت علي أكارم ... ترضيت بالعرض الكريم جزاءها ولكن جرذان الثغور رمينني ... فأكرمت نفسي أن تريق دماءها إليك أبا مروان ألقيت رابياً ... بحاجة نفس ما حربت خزاءها هززتك في نصري ضحى فكأنني ... هززت - وقد جئت الجبال - حراءها نقضت عرى عزم الزمان وإن عتا ... بعزمة نفسٍ لا أريد بقاءها فلما انتهيت تبسم وقال: لنعم ما تخلصت! اذهب فقد أجزتك. ثم انصرفنا وركضنا حتى انتهينا إلى شجرة غيناء، يتفجر من أصلها عين كمقلة حوراء. فصاح زهير: يا عتاب بن حبناء، حل بك زهير وصاحبه، فبعمرو والقمر الطالع، وبالرقعة المكفوفة الطابع، إلا ما أريتنا وجهك! فانفلق ماء العين عن وجه فتى كفلقة القمر، ثم اشتق الهواء صاعداً إلينا من قعرها حتى استوى معنا. فقال حياك الله يا زهير، وحيا صاحبك! فقلت: وما الذي أسكنك قعر هذه العين يا عتاب - قال: حيائي من التحسن باسم الشعر وأنا لا أحسنه. فصحت: ويلي منه، كلام محدث ورب الكعبة؛ واستنشدني فلم أنشده إجلالاً له، ثم أنشدته: [أبكيت إذا ظعن الفريق فراقها ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 حتى انتهيت فيها إلى قولي] : إني امرؤ لعب الزمان بهمتي ... وسقيت من كأس الخطوب دهاقها وكبوت طرفاً في العلا فاستضحكت ... حمر الأنام فما تريم نهاقها وإذا ارتمت نحوي المنى لأنالها ... وقف الزمان لها هناك فعاقها وإذا أبو يحيى تأخر نفسه ... فمتى أؤمل في الزمان لحاقها - فلما انتهيت قال: أنشدني من رثائك. فأنشدته: [أعينا امرءاً نزحت عينه ... ولا تعجبا من جفون جماد إذا القلب أحرقه بثه ... فإن المدامع شلو الفؤاد] يود الفتى منهلاً خالياً ... وسعد المنية في كل واد [ويصرف للكون ما في يديه ... وما الكون إلا نذير الفساد] لقد عثر الدهر بالسابقي ... ن ولم يعجز الموت ركض الجواد لعمرك ما رد ريب الردى ... أريب ولا جاهد باجتهاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 [سهام المنايا تصيب الفتى ... ولو ضربوا دونه بالسداد] أصبن على بطشهم جرهماً ... وأصمين في دارهم قوم عاد وأقعصن كلباً على عزه ... فما اعتز بالصافنات الجياد إلى أن انتهيت فيها إلى قولي: ولكنني خانني معشري ... وردت يفاعاً وبيل المراد وهل ضرب السيف من غيرٍ كفٍ - ... وهل ثبت الرأس في غير هاد - فقال: زدني من رثائك وتحريضك، فأنشدته: أفي كل عام مصرع لعظيم - ... أصاب المنايا حادثي وقديمي هوى قمرا قيس بن عيلان آنفاً ... وأوحش من كلب مكان زعيم فكيف لقائي الحادثات إذا سطت ... وقد فل سيفي منهم وعزيمي - وكيف اهتدائي في الخطوب إذا دجت ... وقد فقدت عيناي ضوء نجوم - مضى السلف الوضاح إلا بقيةً ... كغرة مسود القميص بهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 ومنها: رميت بها الآفاق عني غريبةً ... نتيجة خفاق الضلوع كظيم لأبدي إلى أهل الحجى من بواطني ... وأدلي بعذرٍ في ظواهر لوم أنا السيف لم تتعب به كف ضاربٍ ... صروم إذا صادفت كف صروم سعيت بأحرار الرجال فخانني ... رجال ولم أنجد بجد عظيم وضيعني الأملاك بدءاً وعودةً ... فضعت بدارٍ منهم وحريم فقال: إن كنت ولابد قائلاً، فإذا دعتك نفسك إلى القول فلا تكد قريحتك، فإذا أكملت فجمام ثلاثة لا أقل، ونقح بعد ذلك، وتذكر قوله: وجشمني خوف ابن عفان ردها ... فشقفتها حولاً كريتاً ومربعا وقد كان في نفسي عليها زيادة ... فلم أر إلا أن أطيع وأسمعا وما أنت إلا محسن على إساءة زمانك. فقبلت على رأسه، وغاص في العين. ثم قال لي زهير: من تريد بعده - قلت: صاحب أبي نواس، قال: هو بدير حنة منذ أشهر، قد غلبت عليه الخمر، ودير حنة في ذلك الجبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وعرضه علي، فإذا بيننا وبينه فراسخ، فركضنا ساعةً، وجزنا في ركضنا بقصرٍ عظيم قدامه ناورد يتطارد فيه فرسان، فقلت: لمن هذا القصر يا زهير - قال: لطوق بن مالك؛ وأبو الطبع صاحب البحتري في ذلك الناورد فهل لك في أن تراه - قلت: ألف هل، إنه لمن أساتيذي، وقد كنت أنسيته. فصاح: يا أبا الطبع، فخرج إلينا فتىً على فرس أشعل، وبيده قناة، [فقال له زهير: إنك مؤتمنا، فقال: لا، صاحبك أشمخ مارناً من ذلك لولا أنه ينقصه؛ قلت: أبا الطبع على رسلك، إن الرجال لا تكال بالقفزان، أنشدنا من شعرك] . فأنشد: ما على الركب من وقوف الركاب ... حتى أكملها، ثم قال: هات إن كنت قلت شيئاً، فأنشدته: هذه دار زينبٍ والرباب ... حتى انتهيت فيها إلى قولي: وارتكضنا حتى مضى الليل يسعى ... وأتى الصبح قاطع الأسباب فكأن النجوم في الليل جيش ... دخلوا للكمون في جوف غاب وكأن الصباح قانص طير ... قبضت كفه برجل غراب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 ومنها: وفتو سروا وقد عكف اللي ... ل وأرخى مغدودن الطناب وكأن النجوم لما هدتهم ... أشرقت للعيون من آدابي يتقرون جوز كل فلاة ... جنح ليلٍ جوزاؤه من ركاب عن ذكري لمدلجيهم فتاهوا ... من حديثي في عرض أمر عجاب همة في السماء تسحب ذيلاً ... من ذيول العلا وجد كابي ولو أن الدنيا كريمة نجرٍ ... لم تكن طعمة لفرس الكلاب جيفة أنتنت فطار إليها ... من بني دهرها فراخ الذباب ومنها يفخر: من شهيد في سرها ثم من أش ... جع في السر من لباب اللباب خطباء الأنام إن عن خطب ... وأعاريب في متون عراب حتى أكلمتها، فكأنما غشى وجه أبي الطبع قطعة من الليل، وكر راجعاً إلى ناورده دون أن يسلم. فصاح به زهير: أأجزته - قال: أجزته، لا بورك فيك من زائر، ولا في صاحبك أبي عامر. [فضرب زهير الأدهم بالسوط، فسار بنا في قنته] ، وسرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 حتى انتهينا إلى أصل جبل دير حنة، فشق سمعي قرع النواقيس، فصحت: من منازل أبي نواس، ورب الكعبة العلياء؛ وسرنا نجتاب أدياراً وكنائس وحانات، حتى انتهينا إلى دير عظيم تعبق ورائحه، وتصوك نوافحه. فوقف زهير ببابه وصاح: سلام على أهل دير حنة! فقلت لزهير: أو هل صرنا بذات الأكيراح - قال: نعم. وأقبلت نحونا الرهابين، مشددة بالزنانير، قد قبضت على العكاكيز، بيض الحواجب واللمحى، إذا نظروا إلى المرء استحيا، مكثرين للتسبيح، عليهم هدي المسيح؛ فقالوا: أهلاً بك يا زهير من زائر، وبصاحبك أبي عامر، ما بغيتك - قال: حسين الدنان. قالوا: إنه لفي شرب الخمرة، منذ أيام عشرة، وما نراكما منتفعين به. فقال: وعلى ذلك. ونزلنا وجاءوا بنا إلى بيت قد اصطفيت دنانه، وعكفت غزلانه، وفي فرجته شيخ طويل الوجه والسبلة، قد افترش أضغاث زهر، واتكأ على زق خمر، وبيده طرجهارة، وحواليه صبية كأظب تعطو إلى عرارة. فصاح به زهير: حياك الله أبا الإحسان! فجاوب بجوابٍ لا يعقل لغلبة الخمر عليه. فقال لي زهير: اقرع أذن نشوته بإحدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 خمرياتك، فإنه ربما تنبه لبعض ذلك، فصحت أنشد من كلمةٍ لي طويلة: ولرب حان قد أدرت بديره ... خمر الصبا مزجت بصفو خموره في فتية جعلوا الزقاق تكاءهم ... متصاغرين تخشعاً لكبيره وإلى علي بطرفه وبكفه ... فأمال من رأسي لعب كبيره وترنم الناقوس عند صلاتهم ... ففتحت من عيني لرجع هديره يهدي إلينا الراح كل معصفرٍ ... كالخشف خفره التماح خفيره فصاح من حبائل نشوته: أأشجعي - قلت: أنا ذاك، فاستدعى ماءً قراحاً، فشرب منه وغسل وجهه، فأفاق واعتذر إليّ من حاله، فأدركتني مهابته، وأخذت في إجلاله، لمكانه من العلم والشعر. فقال لي: أنشد، أو حتى أنشدك - فقلت: إن ذلك لأشد لتأنيسي، على أنه ما بعدك لمحسنٍ إحسان، فأنشد: يا دير حنة من ذات الأكيراح ... من يصح عنك فإني لست بالصاحي يعتاده كل محفوف مفارقه ... من الدهان عليه سحق أمساح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 لا يدلفون إلى ماءٍ بآنيةٍ ... إلا اعترافاً من الغدران بالراح فكدت والله أخرج من جلدي طرباً. ثم أنشد: طرحتم من الترحال أمراً فغمنا ... وأنشد أيضاً: لمن دمن تزداد طيب نسيم ... على طيب ما أقوت وحسن رسوم تجافى البلى عنهن حتى كأنما ... لبسن من الإقواء ثوب نعيم واستمر فيها حتى أكملها. ثم قال لي: أنشد. فقلت: وهل أبقيت للإنشاد موضعاً - قال: لابد لك، وأوعث بي لا تنجد. فأنشدته: أصفيح شيم أم برق بدا ... أم سنا المحبوب أورى أزندا هب من مرقده منكسراً ... مسبلاً للكم مرخٍ للردا يمسح النعسة من عيني رشا ... صائد في كل يوم أسدا قلت: هب لي يا حبيبي قبلةً ... تشف من عمك تبريح الصدى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 فانثنى يهتز من منكبه ... قائلاً: لا؛ ثم أعطاني اليدا كلما كلمني قبلته ... فهو إما قال قولاً رددا كاد أن يرجع من لثمي له ... وارتشافي الثغر منه أدردا قال لي يلعب: خذ لي طائراً ... فتراني الدهر أجري بالكدا [وإذا استنجزت يوماً وعده ... قال لي يمطل: ذكرني غدا] شربت أعطافه خمر الصبا ... وسقاه الحسن حتى عربدا وإذا بت به في روضةٍ ... أغيداً يقرو نباتاً أغيدا قام في الليل بجيدٍ أتلعٍ ... ينفض اللمة من دمع الندى رشأ بل غادة ممكورة ... عممت صبحاً بليل أسودا أححت من عضتي في نهدها ... ثم عضت حر وجهي عمدا فأنا المجروح من عضتها ... لا شفاني الله منها أبدا فلما انتهيت قال: لله أنت، وإن كان طبعك مخترعاً منك. ثم قال لي: أنشدني من رثائك شيئاً، فأنشدته من قولي في بنيةٍ صغيرة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 [أيها المعتد في أهل النهى ... لا تذب إثر فقيد ولها حتى انتهيت إلى قولي] : وإذا الأسد حمت أغيالها ... لم يضر الخيس صرعات المها وغريب يا ابن أقمار العلا ... أن يراع البدر من فقد السها فلما انتهيت قال لي: أنشدني من رثائك أشد من هذا وأفصح. فأنشدته من رثائي في ابن ذكوان؛ ثم قال: أنشدني جحدريتك من السجن، فأنشدته: قريب بمحتل الهوان بعيد ... حتى انتهيت فيها إلى قولي: فإن طال ذكري بالمجون فإنني ... شقي بمنظوم الكلام سعيد وهل كنت في العشاق أول عاشقٍ ... هوت بحجاه أعين وخدود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وفمن مبلغ الفتيان أني بعدهم ... مقيم بدار الظالمين طريد لست بذي قيد يرق وإنما ... على اللحظ من سخط الإمام قيود فبكى لها طويلاً ثم قال: أنشدني قطعةً من مجونك، فقد بعد عهدي بمثلك، فأنشدته: وناظرة تحت طي القناع ... دعاها إلى الله والخير داعي سعت بابنها تبتغي منزلاً ... لوصل التبتل والإنقطاع فجاءت تهادى كمثل الرؤوم ... تراعي غزالاً بأعلى يفاع أتتنا تبختر في مشيها ... فحلت بوادٍ كثير السباع وريعت حذاراً على طفلها ... فناديت: يا هذه لا تراعي! فولت وللمسك من ذيلها ... على الأرض خط كظهر الشجاع فلما سمع هذا البيت قام يرقص به ويردده، ثم أفاق، ثم قال: هذا والله شيء لم نلهمه نحن؛ ثم استدناني فدنوت منه فقبل بين عيني، وقال: اذهب فإنك مجاز على بظر أم الكاره. فانصرفنا عنه وانحدرنا من الجبل، فقال لي زهير: ومن تريد بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قلت له: خاتمة القوم صاحب أبي الطيب، فقال: اشدد له حيازيمك، وعطر له نسيمك، وانثر عليه نجومك. وأمال عنان الأدهم إلى طريقٍ، فجعل يركض بنا، وزهير يتأمل آثار فرسٍ لمحناها هناك؛ فقلت له: ما تتبعك لهذه الآثار - قال: هي آثار فرس حارثة بن نعمان المغلس صاحب أبي الطيب، وهو صاحب قنص. فلم يزل يتقراها حتى دفعنا إلى فارسٍ على فرس بيضاء كأنه قضيب على كثيب، وبيده قناة قد أسندها إلى عنقه، وعلى رأسه عمامة حمراء، قد أرخى لها عذبةً صفراء. فحياه زهير، فأحسن الرد ناظراً من مقلة شوساء، قد ملئت تيهاً وعجباً. فعرفه زهير قصدي وألقى إليه رغبتي. فقال: بلغني أنه يتناول، قلت: للضرورة الدافعة، وإلا فالقريحة غير صادعة، والشفرة غير قاطعة، قال: فأنشدني، وأكبرته أن أستنشده، فأنشدته قصيدتي التي أولها: أبرق بدا أن لمع أبيض قاصل ... حتى انتهيت فيها إلى قولي: تردد فيها البرق حت حسبته ... يشير إلى نجم الربى بالأنامل ربى نسجت أيدي الغمام للبسها ... غلائك صفراً فوق بيض غلائل سهرت بها أرعى النجوم وأنجماً ... طوالع للراعين غير أوافل وقد فغرت فاها بها كل زهرةٍ ... إلى كل ضرعٍ للغمامة حافل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ومرت جيوش المزن رهواً كأنها ... عساكر زنجٍ مذهبات المناصل وحلقت الخضراء في غر شهبها ... كلجة بحرٍ كللت باليعالل تخال بها زهر الكواكب نرجساً ... على شط وادٍ للمجرة سائل وتلمح من جوزائها في غروبها ... تساقط عرش واهن الدعم مائل وتحسب صقراً وافعاً دبرانها ... بعش الثريا فوق حمر الحواصل وبدر الدجى فيها غديراً وحوله ... نجوم كطلعات الحمام النواهل كأن الدجى همي ودمعي نجومه ... تحدر إشفاقاً لدهر الأراذل هوت أنجم العلياء إلا أقلها ... وغبن بما يحظى به كل عاقل وأصبحت في خلفٍ إذا ما لمحتهم ... تبينت أن الجهل إحدى الفضائل وما طاب في هذي البرية آخر ... إذا هو لم ينجد بطيب الأوائل أرى حمراً فوق الصواهل جمةً ... فأبكي بعيني ذل تلك الصواهل وربت كتاب إذا قيل: زوروا ... بكت من تأنيهم صدور الرسائل وناقل فقه لم ير الله قلبه ... يظن بأن الدين حفظ المسائل وحامل رمح راح فوق مضائه ... به كاعباً في الحي ذات مغازل حبوا بالمنى دوني وغودرت دونهم ... أرود الأماني في رياض الأباطل وما هي إلا همة أشجعية ... ونفس أبت لي من طلاب الرذائل وفهم لو البرجيس جئت بجده ... إذاً لتلقاني بنحس المقاتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 ولما طما بحر البيان بفكرتي ... وأغرق قرن الشمس جداولي رحلت إلى خير الورى كل حرةٍ ... من المدح لم تخمل برعي الخمائل وكدت لفضل القول أبلغ ساكتاً ... وإن ساء حسادي مدى كل قائل فلما انتهيت قال: أنشدني أشد من هذا، فأنشدته قصيدتي: هاتيك دارهم فقف بمعانها ... فلما انتهيت قال لزهير: إن امتد به طلق العمر، فلابد أن ينفث بدرر، وما أراه إلا سيختصر، بين قريحة كالجمر، وهمة تضع أخمصه على مفرق البدر. فقلت: هلا وضعته على صلعة النسر -! فاستضحك إليّ وقال: اذهب فقد أجزتك بهذه النكتة. فقلبت على رأسه وانصرفنا. قال لي زهير: من تريد بعده - فقلت: مل بي إلى الخطباء، فقد قضيت وطراً من الشعراء. فركضنا حيناً طاعنين في مطلع الشمس ولقينا فارساً أسر إلى زهير، وانجزع عنا. فقال لي زهير: جمعت لك خطباء الجن بمرج دهمان، وبيننا وبينهم فرسخان، فقد كفيت العناء إليهم على انفرادهم. قلت: لم ذاك - قال: للفرق بين كلامين اختلف فيه فتيان الجن. وانتهينا إلى المرج فإذا بناد عظيم، قد جمع كل زعيم، فصاح زهير: السلام على فرسان الكلام، فردوا وأشاروا بالنزول، فأفرجوا حتى صرنا مركز هالة مجلسهم، والكل منهم ناظر إلى شيخ أصلع، جاحظ العين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 اليمنى. على رأسه قلنسوة بيضاء طويلة. فقلت سراً لزهير: من ذلك - قال: عتبة بن أرقم صاحب الجاحظ، وكنيته أبو عتيبة؛ قلت: بأبي هو! ليس رغبتي سواه، وغير صاحب عبد الحميد. قال لي: إنه ذلك الشيخ الذي إلى جنبه؛ وعرفه صغوي إليه وقولي فيه، فاستدناني وأخذ في الكلام معي، فصمت أهل المجلس، فقال: إنك لخطيب، وحائك للكلام مجيد، لولا أنك مغرى بالسجع، فكلامك نظن لا نثر. فقلت في نفسي: قرعك - بالله - بقارعته، وجاءك بمماثلته. ثم قلت له: ليس هذا - أعزك الله - مني جهلاً بأمر السجع، وما في المماثلة والمقابلة من فضل، ولكني عدمت ببلدي فرسان الكلام [ودهيت بغباوة أهل الزمان، وبالحرا أن أحركهم بالازدواج. ولو فرشت للكلام] فيهم طولقا، وتحركت لهم حركة مشولم، لكان أرفع لي عندهم، وأولج في نفوسهم، فقال: أهذا على تلك المناظر، وكبر تلك المحابر، وكمال تلك الطيالس - قلت: نعم، إنها لحاء الشجر، وليس ثم ثمر ولا عبق. قال لي: صدقت، إني أراك قد ماثلت معي. قلت: كما سمعت. قال: فكيف كلامهم بينهم - قلت: ليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 لسيبويه فيه عمل، ولا للفراهيدي إليه طريق، ولا للبيان عليه سمة. إنما لكنة أعجمية يؤدون بها المعاني تأدية المجوس والنبط. فصاح: إنا لله، ذهبت العرب وكلامها! ارمهم يا هذا بسجع الكهان، فعسى أن ينفعك عندهم، [ويطير لك ذكراً فيهم، وما أراك مع ذلك إلا ثقيل الوطأة عليهم، كريه المجيء إليهم] ، فقال الشيخ الذي إلى جانبه، وقد علمت أنه صاحب عبد الحميد، ونفسي مرتقبة إلى ما يكون منه: لا يغرنك منه أبا عيينة ما تكلف لك من المماثلة، إن السجع لطبعه، وإن ما أسمعك كلفة، ولو امتد به طلق الكلام، وجرت أفراسه في ميدان البيان، لصلى كودنه، وكل برثنه. وما أراه إلا من اللكن الذين ذكر، وإلا فما للفصاحة لا تهدر، وللأعرابية لا تومض - فقلت في نفسي: طبع عبد الحميد ومساقه ورب الكعبة؛ فقلت له: لقد عجلت أبا هبيرة - وقد كان زهير عرفني بكنيته - إن قوسك لنبع، وإن ماء سهمك لسم، أحماراً رميت أم إنساناً، وقعقعة طلبت أم بياناً - وأبيك إن البيان لصعب، وإنك منه لفي عباءة تتكشف عنها أستاه معانيك، تكشف است العنز عن ذنبها. الزمان دفء لا قر، والكلام عراقي لا شامي. إني لأرى من دم اليربوع بكفيك، وألمح من كشى الضب على ما ضغيك. فتبسم إليّ وقال: أهكذا يا أطيلس، تركب لكل نهجه، وتعج إليه عجه - فقلت: الذئب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 أطلس، وإن التيس ما علمت؛ فصاح به أبو عيينة: لا تعرض له، وبالحرا أن تخلص منه. فقلت: الحمد لله خالق الأنام في بطون الأنعام! فقال: إنها كافية لو كان له حجر؛ فبسطاني وسألاني أن أقرأ عليهما من رسائلي، فقرأت رسالتي في صفة البرد والنار والحطب فاستحسناها، ومن رسالتي في الحلواء حيث أقول: خرجت في لمة من الأصحاب، وثبة من الأتراب، فيهم فقيه ذو لقم، ولم أعرف به، وغريم بطن، ولم أشعر له، رأى الحلوى فاستخفه الشره، واضطرب به الوله، فدار في ثيابه، وأسال من لعابه، حتى وقف بالأكداس، وخالط غمار الناس، ونظر إلى الفالوذج فقال: بأبي هذا اللمص، انظروه كأنه الفص، مجاجة الزنابير، أجريت على شوابير، وخالطها لباب الحبة، فجاءت أعذب من ألسنة الأحبة. ورأى الخبيص فقال: بأبي هذا الغالي الرخيص، هذا جليد سماء الرحمة، تمخضت به فأبرزت منه زبد النعمة، يجرح باللحظ، ويذوب من اللفظ، بم ابيض - قالوا بماء البيض البض. قال: غض من غض، ما أطيب خلوة الحبيب، لولا حضرة الرقيب. ولمح القبيطاء فصاح: بأبي نقرة الفضة البيضاء، لا ترد عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 العضة. أبنار طبخت أم بنور - فإذا أراها كقطع البلور؛ وبلوز عجنت أم بجوز - فإني أراها عين عجين الموز. ومشى إليها وقد عدل صاحبها أرطال نحاسه. وعلق قسطاسه من أم راسه؛ فقال: رطل بدرهمين، وانتهشها بالنابين، فصاح: القارعة ما القارعة. هيه! ويل للمرء من فيه. ورأى الزلابية فقال: ويل لأمها الزانية، أبأحشائي نسجت، أم من صفاق قلبي ألفت - فإني أجد مكانها من نفسي مكيناً، وحبل هواها على كبدي متيناً، فمن أين وصلت كف طابخها إلى باطني، فاقتطعتها من دواجني - والعزيز الغفار، لأطلبنها بالثار؛ ومشى إليها، فتلمظ له لسان الميزان، فأجفل يصيح: الثعبان الثعبان! ورفع له ثمر النشا، غير مهضوم الحشا، فقال: مهيم -! من أين لكم جنى نخلة مريم - ما أنتم إلا السنار، وما جزاءكم إلا السيف والنار؛ وهم أن يأخذ منها، فأثبت في صدره العصا، فجلس القرفصا، يذري الدموع، ويبدي الخشوع. وما منا أحد إلا عن الضحك قد تجلد. فرقت له ضلوعي، وعلمت أن الله فيه غير مضيعي. وقد تجمل الصدقة على ذوي وفر، وفي كل ذي كبد رطبة أجر. فأمرت الحلواني بابتياع أرطال منها تجمع أنواعها التي أنطقته، وتحتوي على ضروبها التي أضرعته. وجاء بها وسرنا إلى مكان خالٍ طيب، كوصف المهلبي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 خان تطيب لباغي النسك خلوته، وفيه ستر على الفتاك إن فتكوا فصبها رطبة الوقوع، كراديس كقطع الجذوع؛ فجعل يقطع ويبلع، ويدحو فاه ويدفع، وعيناه تبصان، كأنهما جمرتان، وقد برزتا على وجهه كأنهما خصيتان، وأنا أقول له: على رسلك أبا فلان! البطنة تذهب الفطنة! فلما التقم جملة جماهيرها، وأتى على مآخيرها ووصل خورنقها بسديرها، تجشأ فهبت منه ريح عقيم، أيقنا لها بالعذاب الأليم، فنثرتنا شذر مذر، وفرقتنا شغر بغر، فالتمحنا منه الظربان، وصدق الخبر فيه العيان: نفح ذلك فشرد الأنعام، ونفح هذا فبدد الأنام، فلم نجتمع بعدها والسلام. فاستحسناها وضحكا عليها، وقالا: إن لسجعك موضعاً من القلب، ومكاناً من النفس، وقد أعرته من طبعك، وحلاوة لفظك، وملاحة سوقك، ما أزال أفنه، ورفع غينه. وقد بلغنا أنك لا تجازى في أبناء جنسك، ولا يمل من الطعن عليك، والاعتراض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 لك، فمن أشدهم عليك - قلت: جاران دارهما صقب، وثالث نابته نوب، فامتطى ظهر النوى، وألقت به في سرقسطة العصا. فقالا: إلى أبي محمد تشير، وأب القاسم وأبي بكر - قلت: أجل. قالا: فأين بلغت فيهم - قلت أما أبو محمد فانتضى علي لسانه عند المستعين، وساعدته زرافة استهواها من الحاسدين، وبلغني ذلك فأنشدته شعراً، منه: وبلغت أقواماً تجيش صدورهم ... علي، وإني منهم فارغ الصدر أصاخوا إلى قولي فأسمعت معجزاً ... وغاصوا على سري فأعياهم أمري فقال فريق: ليس ذا الشعر شعره ... وقال فريق: أيمن الله ما ندري أما علموا أني إلى العلم طامح ... وأني الذي سبقاً على عرقه يجري وما كل من قاد الجياد يسوسها ... ولا كل من أجرى يقال له: مجري فمن شاء فليخبر فإني حاضر ... ولا شيء أجلى للشكوك من الخير وأما أبو بكر فأقصر واقتصر على قوله: له تابعة تؤيده. وأما أبو القاسم الإفليلي فمكانه من نفسي مكين، وحبه بفؤادي دخيل، على أنه حامل علي، ومنتسب إليّ. فصاحا: يا أنف الناقة ابن معمر، من سكان خيبر! فقام إليهما جني أشمط ربعة وارم الأنف، يتظالع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 في مشيته، كاسراً لطرفه، وزاوياً لأنفه، وهو ينشد: قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا فقالا لي:: هذا صاحب أبي القاسم، ما قولك فيه يا أنف الناقة - قال: فتى لم أعرف على من قرأ. فقلت لنفسي: العصا من العصية1 إن لم تعربي عن ذاتك، وتظهري بعض أدواتك، وأنت بين فرسان الكلام، لم يطر لك بعدما طائر، وكنت غرضاً لكل حجر عابر. وأخذت للكلام أهبته، ولبست للبيان بزته؛ فقلت: وأنا أيضاً لا أعرف على من قرأت. قال ألمثلي يقال هذا - فقلت: فكان ماذا - قال: فطارحنى كتاب الخليل، قلت: هو عندي في زنبيل، قال: فناظرني على كتاب سيبويه. قلت: خريت الهرة عندي عليه وعلى شرح ابن درستويه؛ فقال لي: دع عنك، أنا أبو البيان، قلت: لاها الله! إنما أنت كمغن وسط، لا يحسن فيطرب، ولا يسيء فيلهي، قال: لقد علمنيه المؤدبون، قلت ليس هو من شأنهم، إنما هو من تعليم الله تعالى حيث قال: {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان} (الرحمن: 3 - 4) ليس من شعر يفسر، ولا أرض تكسر، هيهات حتى يكون المسك من أنفاسك، والعنبر من أنقاسك، وحتى يكون مساقك عذباً، وكلامك رطباً، ونفسك من نفسك، وقليبك من قلبك؛ وحتى تتناول الوضيع فترفعه، والرفيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 فتضعه، والقبيح فتحسنه -! قال: أسمعني مثالاً، قلت: حتى تصف برغوثاً فتقول: أسود زنجي، وأهلي وحشي؛ ليس بوان ولا زميل، وكأنه جزء لا يتجزأ من ليل، وشونيزة، أوثبتها غريزة، أو نقطة مداد، أو سويداء قلب قراد؛ شربه عب، ومشيه وثب؛ يكمن نهاره، ويسري ليله؛ يدارك بطعنٍ مؤلم، ويستحل دم كل مسلم، مساور للأساورة، يجر ذيله على الجبابرة؛ يتكفر بأرفع الثياب، ويهتك ستر كل حجاب، ولا يحفل ببواب؛ يرد مناهل العيش العذبة، ويصل إلى الأجراح الرطبة، لا يمنع منه أمير، ولا ينفع فيه غيرة غيور، وهو أصغر كل حقير، شره مبثوث، وعهده منكوث، وكذلك كل برغوث؛ كفى بهذا نقصاً للإنسان، ودالاً على قدرة الرحمن. وحتى تصف ثعلباً فتقول: أدهى من عمرو، وأفتك من قائل حذيفة بن بدر؛ كثير الوقائع في المسلمين، مغرى بإراقة دماء المؤذنين؛ إذا رأى الفرصة انتهزها، وإذا طلبته الكماة أعجزها؛ وهو مع ذلك بقراط في إدامه، وجالينوس في اعتدال طعامه؛ غداؤه حمام أو دجاج، وعشاؤه تدرج أو دراج. قال أبو عامر: وكان فيما يقابلني من ناديهم فتى قد رماني بطرفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 واتكأ لي على كفه، فقال: تحيل على الكلام لطيف وأبيك! فقلت: وكيف ذلك - قال: أومأ علمت أن الواصف إذا وصف شيئاً لم يتقدم إلى صفته، ولا سلط الكلام على نعته، اكتفى بقليل الإحسان، واجتزا بيسير البيان - لأنه لم يتقدم وصف يقرن بوصفه، ولا جرى مساق يضاف إلى مساقه، وهذه نكتة بغدادية، أنى لك بها يا فتى المغرب - فقلت لزهير: من هذا - قال: زبدة الحقب، صاحب بديع الزمان. فقلت: يا زبدة الحقب، اقترح لي. قال: صف جارية، فوصفتها؛ قال: أحسنت ما شئت أن تحسن؛ قلت: أسمعني وصفك للماء، قال: ذلك من العقم [قلت: بحياتي هاته، قال] : أزرق كعين السنور، صاف كقضيب البلور؛ انتخب من الفرات، واستعمل بعد البيات، فجاء كلسان الشمعة، في صفاء الدمعة. فقلت: انظره يا سيدي كأنه عصير صياح، أو ذوب قمرٍ لياح؛ لعه في إناثه، اصباب الكوكب من سمائه؛ العين حانوته، والفم عفريته، كأنه خيط من غزل فلق، أو محضر يضرب به من ورق؛ يرفع عنك فتردى، ويصدع به قلبك فتحيا. فلما انتهيت في الصفة، ضرب زبدة الحقب الأرض برجله، فانفرجت له عن مثل برهوت، وتدهدى إليها، واجتمعت عليه، وغابت عينه، وانقطع أثره. فاستضحك الأستاذان من فعله، واشتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 غيظ أنف الناقة علي فقال: وقعت لك أوصاف في شعرك تظن أني لا أستطيعها - فقلت له: وحتى تصف عارضاً فتقول: ومرتجز ألقى بذي الأثل كلكلاً ... وحط بجرعاء الأبارق ما حطا سعى في قياد الريح يسمح للصبا ... فألقت على غير التلاع به مرطا وما زال يروي الترب حتى كسا الربى ... درانك، والغيطان من نسجه بسطا وعنت له ريح تساقط قطره ... كما نثرت حسناء من جيدها سمطا ولم أر دراً بددته يد الصبا ... سواه، فبات النور يلقطه لقطا وبتنا نراعي الليل لن نطو برده ... ولم يجر شيب الصبح في عرفه وخطا تراه كملك الزنج في فرط كبره ... إذا رام مشياً في تبختره أبطا مطلاً على الآفاق والبدر تاجه ... وقد علق الجوزاء من أذنه قرطا حتى تصف ذئباً فتقول: إذا اجتاز علوي الرياح بأفقه ... أجد لعرفان الصبا يتنفس تذكر روضاً ذا شوي وباقر ... تولته أحراس من الذعر تحرس إذا انتابها من أذؤب القفر طارق ... حثيث إذا ما استشعر اللحظ يهمس أزل كسا جثمانه متستراً ... طيالس سوداً للدجى وهو أطلس فدل عليه لحظ خب مخادع ... ترى ناره من ماء عينيه تقبس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 فصاح فتيان الجن عند هذا البيت الأخير: زاه! وعلت أنف الناقة كآبة، وظهرت عليه مهابة، واختلط كلامه، وبدا منه ساعتئذ بوادٍ في خطابه، رحمه لها من حضر، وأشفق عليه من أجلها من نظر. وشمر لي فتى كان إلى جانبه عن ساعدٍ، وقال لي: وهل يضر قريحتك أو ينقص من بديهتك أو تجافت لأنف الناقة وصبرت له - فإنه على علاته زير علم وزنبيل فهم وكنف رواية. فقلت لزهير: من هذا - فقال: هو أبو الآداب صاحب أبي إسحاق بن حمام جارك. فقلت: يا أبا الآداب، وزهرة ريحانة الكتاب، رفقاً على أخيك بغرب لسانك، وهل كان يضر أنف الناقة، أو ينقص من علمه، أو يفل شفرة فهمه، ان يصبر لي على زلة تمر به في شعر أو خطبة، فلا يهتف بها بين تلاميذه، ويجعلها طرمذة من طراميذه - فقال: إن الشيوخ قد تهفو أحلامهم في الندرة. فقلت: إنها المرة بعد المرة. ثم قال لي الأستاذان عتبة بن أرقم وأبو هبيرة صاحب عبد الحميد: إنا لنخبط منك ببيداء حيرة، وتفتق أسماعنا منك بعبرة، وما ندري أنقول: شاعر أم خطيب - فقلت: الإنصاف أولى، والصدع بالحق أحجى، ولابد من قضاء. فقالا: اذهب فإنك شاعر خطيب. وانفض الجمع والأبصار إليّ ناظرة، والأعناق نحوي مائلة. قال ابن بسام: وامتد بأبي عامر الكلام في هذا الباب، ومد فيه أطناب الإطناب والإسهاب، فلذلك وقفت دون الغاية، وقطعت قبل النهاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 قوله في ما عرض به لصاحب أبي تمام: " بعمرو والقمر الطالع، والرقعة المفكوكة الطابع " أشار إلى قول أبي تمام في غلامه: يا عمرو قل للقمر الطالع ... اتسع الخرق على الراقع يا طول فكري فيك من حاملٍ ... لرقعة مفكوكة الطابع ما أنت إلا رشا خاذل ... حل بمعنى أسدٍ جائع وحكى الصولي في أخباره قال: كان أبو تمام يتعشق غلاماً خزرياً للحسن بن وهب، وكان الحسن يتعشق غلاماً رومياً لحبيب. فرآه يعبث بغلامه فقال له: والله لئن سرت إلى الرومي لأسيرن إلى الخزري. فقال الحسن: لو شئت حكمتنا واحتكمت! فقال أبو تمام: أنا أشبهك بداود عليه السلام، وأشبهني أنا بخصمه. فقال الحسن: لو كان هذا منظوماً! فقال أبو تمام من جملة أبيات: أذكرتني أمر داود وكنت فتىً ... مصرف القلب في الأهواء والفكر أعندك الشمس لم يحظ المغيب بها ... وأنت مشتغل الألحاظ بالقمر - إن أنت لم تترك السير الحثيث إلى ... جآذر الروم أعنقنا إلى الخزر ورب أمنع منه جانباً وحمىً ... أمسى وتكته مني على خطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 جردت فيه جنود العزم فانكشفت ... عنه غياهبها عن نيكة هدر أنت المقيم فما تعدو رواحله ... وأيره أبداً منه على سفر وقيل لأبي تمام: غلامك أطوع للحسن من غلامه لك. قال: أجل لأن غلامي يجد عنده مالاً، وأنا أعطي غلامه قيلاً وقالا. وكان ابن الزيات قد وقف على ما كان بينهما في غلاميهما، فاتفق أن عزم يوماً غلام أبي تمام على الاحتجام، فكتب إلى الحسن يعلمه بذلك، ويستدعيه مطبوخاً. فوجه إليه بمائة زق ومائة دينار، وكتب إليه بشعر يقول فيه: ليت شعري يا أملح الناس عندي ... هل تداويت بالحجامة بعدي - دفع الله عنك لي كل سوءٍ ... باكر رائحٍ وإن خنت عهدي قد كتمت الهوى بمبلغ جهدي ... فبدا منه غير ما كنت أبدي وخلعت العذار إذ علم النا ... س بأني إياك أصفي بودي فليقولوا بما أحبوا إذ كن ... ت وصولاً ولم ترعني بصد واتفق أن وضع الرقعة تحت مصلاه، وبلغ محمد بن الزيات خبرها، فوجه إلى الحسن من شغله بالحديث، وأمر من جاءه بتلك الرقعة، ففكها وقرأها وكتب فيها على لسان أبي تمام: ليت شعري عن ليت شعرك هذا ... أبهزل تقوله أم بجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فلئن كنت في المقال مجداً ... يا ابن وهب لقد تطرفت بعدي وتشبهت بي وكنت أرى أن ... ي أنا العاشق المتيم وحدي لا أحب الذي يلوم وإن كا ... ن حريصاً على صلاحي ورشدي بل أحب الأخ المشارك في الحب ... وإن لم يكن به مثل وجدي كنديمي أبى علي وحاشا ... لنديمي من مثل شقوة جدي إن مولاي عندي غيري ولولا ... شؤم جدي لكان مولاي عندي ثم قال: ضعوا الرقعة مكانها. فلما قرأها الحسن قال: إنا لله! افتضحنا والله عند الوزير! وأعلم أبا تمام بما جرى، ووجه إليه بالرقعة. فلقيا محمد بن عبد الملك، فقالا له: إنما جعلنا هذين الغلامين سبباً لتكاتبنا بالأشعار، فلا يظن الوزير - أعزه الله - إلا خيراً. فقال: ومن يظن غير هذا بكما - فكان قوله أشد عليهما. رجع: قال ابن بسام، قال ابن حيان: وكان أبو القاسم المعروف بابن الإفليلي الذي به عرض، وجعله الغرض، قد بذ أهل زمانه بقرطبة، في علم اللسان العربي، والضبط لغريب اللغة، وفي ألفاظ الأشعار الجاهلية والإسلامية، والمشاركة في بعض معانيها، وكان غيوراً على ما يحمل من ذلك الفن، كثير الحسد فيه، راكباً في الخطأ البين إذا تقلده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 أو نشب فيه، يجادل عليه، ولا يصرفه صارف عنه. وعدم علم العروض ومعرفته مع احتياجه إليه، وإكمال صناعته به، فلم يكن له شروع فيه. وكان لحق الفتنة البربرية بقرطبة، ومضى الناس من حائن وظاعن، فازدلف إلى الأمراء المتداولين بقرطبة من آل حمود ومن تلاهم إلى أن نال الجاه. واستكتبه محمد بن عبد الرحمن المستكفي بعد ابن برد، فوقع كلامه جانباً من البلاغة، لأنه كان على طريقة المعلمين المتكلفين، فلم يجر في أساليب الكتاب المطبوعين فزهد فيه. وما بلغني أنه ألف في شيء من فنون المعرفة إلا كتابه في شعر المتنبي لا غير. ولحقته تهمة في دينه في أيام هشام المرواني في جملة من تتبع من الأطباء في وقته كابن عاصم الشبانسي والحمار وغيرهم. وطلب ابن الفليلي وسجن بالمطبق، ثم أطلق. وفيه يقول موسى بن الطائف من قصيدة: يا مبصراً عميت نواظر فهمه ... عن كنه عرضي في البديع وطولي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 لو كنت تعقل ما جهلت مقاومي ... من ضاق فرسخه بخطوة ميل ولئن ثلبت الشعر وهو أباطل ... فلقد ثلبت حقائق التنزيل وخلعت ربق الدين عنك منابذاً ... ولبست ثوب الزيغ والتعطيل وأقمت للجهال مثلك في الغبا ... علماً مشيت أمامه برعيل ومن المغائظ أن تكون مقلداً ... علماً، ولو مقدار وزن فتيل تعتل في الأمر الصحيح معانداً ... أبداً وفهمك علة المعلول وتظن أنك من فنوني موسر ... وكثير شأنك لا يفي بقليلي سيسل روحك من خبيث قراره ... تأثير هذا الصارم المصقول وأخص سيف الدولة الملك الرضى ... ليعيد عقد رباطك المحلول وأريك رأي العين أنك ذرة ... عبثت بها مني قوائم فيل رجع الحديث إلى أخبار ابن شهيد قال أبو عامر: وحضرت أنا أيضاً وزهير مجلساً من مجالس الجن، فتذاكرنا ما تعاورته الشعراء من المعاني، ومن زاد فأحسن الأخذ، ومن قصر، فأنشد قول الأفوه بعض من حضر: وترى الطير على آثارنا ... رأي عينٍ ثقةً أن ستمار وأنشد آخر قول النابغة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طيرٍ تهتدي بعصائب تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في ثياب المرانب جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجيشان أول غالب وأنشد آخر قول أبي نواس: تتأيى الطير غدوته ... ثقةً بالشبع من جزره وأنشد آخر قول صريع الغواني: قد عود الطير عادات وثقن بها ... بهن يتبعه في كل مرتحل وأنشد آخر قول أبي تمام: وقد ظللت عقبان أعلامه ضحىً ... بعقبان طير في الدماء نواهل أقامت مع الرايات حتى كأنها ... من الجيش إلا أنها لم تقاتل فقال شمردل السحابي: كلهم قصر عن النابغة، لأنه زاد في المعنى، ودل على أن الطير إنما أكلت أعداء الممدوح، وكلامهم كلهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 مشترك يحتمل أن يكون ضد ما نواه الشاعر، وإن كان أبو تمام قد زاد في المعنى؛ وإنما المحسن المتخلص المتنبي حيث يقول: له عسكرا خيل وطير إذا رمى ... بها عسكراً لم تبق إلا جماجمه وكان بالحضرة فتىً حسن البزة، فاحتد لقول شمردل، فقال: الأمر على ما ذكرت يا شمردل، ولكن ما تسأل الطير إذا شبعت أي القبيل الغالب. وأما الطير الآخر فلا أدري لأي معنى عافت الطير الجماجم دون عظام السوق والأذرع، والفقارات والعصاعص - ولكن الذي خلص هذا المعنى كله، وزاد فيه، وأحسن التركيب، ودل بلفظة واحدةٍ على ما دل عليه شعر النابغة وبيت المتنبي، من أن القتلى التي أكلتها الطير أعداء الممدوح، فاتك بن الصقعب في قوله: وتدري سباع الطير أن كماته ... إذا لقيت صيد الكماة سباع لهن لعاب في الهواء وهزة ... إذا جد بين الدارعين قراع تطير جياعاً فوقه وتردها ... ظباه إلى الأوكار وهي شباع تملك بالإحسان ربقة رقها ... فهن رقيق يشترى ويباع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وألحم من أفراخها فهي طوعه ... لدى كل حربٍ والملوك تطاع تماصع جرحاها فيجهز نقرها ... عليهم وللطير العتاق مصاع فاهتز المجلس لقوله، وعلموا صدقه. فقلت لزهير: من فاتك بن الصقعب - قال: يعني نفسه. قلت له: فهلا عرفتني شانه منذ حين -[إني لأرى نزعات كريمة] . وقمت فجلست إليه جلسة المعظم له. فاستدار نحوي، مكرماً لمكاني، فقلت: جد أرضنا - أعزك الله - بسحابك، وأمطرنا بعيون آدابك؛ قال: سل عما شئت، قلت: أي معنى سبقك إلى الإحسان فيه غيرك، فوجدته حين رمته صعباً عليك إلا أنك نفذت فيه - قال: معنى قول الكندي: سموت إليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال قلت: أعزك الله، هو من العقم. ألا ترى عمر بن أبي ربيعة، وهو من أطبع الناس، حين رام الدنو منه والإلمام به، كيف افتضح في قوله: ونفضت عني النوم أقبلت مشية ال ... حباب وركني خيفة القوم أزور قال: صدقت، إنه أساء قسمة البيت، وأراد أن يلطف التوصل، فجاء مقبلاً بركنٍ كركنه أزور؛ فأعجبني ذلك منه، وما زلت مقدماً لهذا المعنى رجلاً، ومؤخراً عنه أخرى، حتى مررت بشيخٍ يعلم بنياً له صناعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الشعر وهو يقول له: إذا اعتمدت معنى قد سبقك إليه غيرك فأحسن تراكيبه وأرق حاشيته، فاضرب عنه جملة، وإن لم يكن بد ففي غير العروض التي تقدم إليها ذلك المحسن، لتنشط طبيعتك، وتقوى منتك، فتذكرت قول الشاعر وقد كنت أنسيته: لما تسامى النجم في أفقه ... ولاحت الجوزاء والمرزم أقبلت والوطء خفيف كما ... ينساب من مكمنه الأرقم فعلمت أنه صدق، وابن أبي ربيعة لو ركب غير عروضه لخلص، فقلت أنا في ذلك: ولما تملأ من سكره ... فنام ونامت عيون العسس دنوت إليه على بعده ... دنو رفيق درى ما التمس أدب إليه دبيب الكرى ... وأسمو إليه سمو النفس وبت به ليلتي ناعماً ... إلى أن تبسم ثغر الغلس أقبل منه بياض الطلا ... وأرشف منه سواد اللعس فقمت وقبلت على رأسه، وقلت: لله در أبيك! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 قال ابن بسام: وذكر بعض الرواة إن هذين البيتين، [نعني البيتين المتقدمين على شعر أبي عامر] ، غنى بهما في مجلس الواثق مخارق، فطرب واستملح معناهما، وقال الواثق: قالت إذا الليل دجا فأتنا ... فجئتها حين دجا الليل خفي وطء الرجل من حارسٍ ... ولو درى حل بي الويل وأنشد بعضهم لأبي دهبل الجمحي: قالت: إذا ما جئتنا فأتنا ... ليلاً إذا ما هجع السامر واسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا زاجر قال أبو عامر: فقال لي فاتك بن الصقعب: فهل جاذبت أنت أحداً من الفحول - قلت نعم، قول أبي الطيب: أأخلع المجد عن كتفي وأطلبه ... وأترك الغيث في غمدي وأنتجع قال لي: بماذا - قلت بقولي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 ومن قبةٍ لا يدرك الطرف رأسها ... تزل بها ريح الصبا فتحدر إذا زاحمت منها المخارم صوبت ... هوياً على بعد المدى وهي تجأر تكلفتها والليل قد جاش بحره ... وقد جعلت أمواجه تتكسر ومن تحت حضني أبيض ذو سفاسق ... وفي المف من عسالة الخط أسمر هما صاحباي من لدن كنت يافعاً ... مقيلان من جد الفتى حين يعثر فذا جدول في الغمد تسقى به المنى ... وذا غصن في الكف يجنى فيثمر فقال: والله لئن كان الغيث أبلغ، فلقد زدت زيادةً مليحة طريفة، واخترعت معاني لطيفة. هل غير هذا - فقلت: وقوله أيضاً: وأظمأ فلا أبدي إلى الماء حاجةً ... وللشمس فوق اليعملات لعاب قال: بماذا - قلت: بقولي: ولم أنس بالناووس أيامنا الألى ... بها أيننا محبوبها وحبابها وفتية ضربٍ من زناتة ممطر ... بوبل المنايا طعنها وضرابها وقفنا على جمر من الموت وقفةً ... صلي لظاه داب قومي ودابها إذا الشمس رامت فيه أكل لحومنا ... جرى جشعاً فوق الجياد لعابها فصاح صيحةً منكرةً من صياح الجن كاد ينخب لها فؤادي فزعاً والله منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وكان بنجوة منا جني كأنه هضبة لركانته وتقضبه، يحدق في دونهم، يرميني بسهمين نافذين، وأنا ألوذ بطرفي عنه، وأستعيذ بالله منه، لأنه ملأ عيني ونفسي. فقال لي لما انتهيت، وقد استخفه الحسد: على من أخذت الزمير - قلت: وإنما أنا نفاخ عندك منذ اليوم - قال: أجل! أعطنا كلاماً يرعى تلاع الفصاحة، ويستحم بماء العذوبة والبراعة، شديد الأسر جيد النظام، وضعه على أي معنى شئت. قلت: كأي كلام - قال: ككلام أبي الطيب: نزلنا على الأكوار نمشي كرامةً ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا نذم السحاب الغر في فعلها به ... ونعرض عنها كلما طلعت عتبا وكقوله: أرأيت أكبر همة من ناقتي ... حملت يداً سرحاً وخفاً مجمرا تركت دخان الرمث في أوطانها ... طلباً لقوم يوقدون العنبرا وترفعت ركباتها عن مبرك ... تقعان فيه، وليس مسكاً أذفرا فأتتك دامية الأظل كأنما ... حذيت قوائمها العقيق الأحمرا وكقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 على كل طاوٍ تحت طاو كأنما ... من الدم يسقى أو من اللحم يطعم لها تحتهم زي الفوارس فوقها ... فكل حصان دارع متلثم وما ذاك بخلاً بالنفوس على القنا ... ولكن صدم الشر بالشر أحزم فآدني والله بما قرع به سمعي، وقلت له: أي ماء لو كان من جمامك، واستهلت به عيون غمامك! ثم استقدمت فأنشدته: ولرب ليل للهموم تهدلت ... أستاره فمحا الصوى بستوره كالبحر يضرب وجهه في وجهه ... صعب على العبار وجه عبوره طاولته من عزمتي بمضبرٍ ... أثبت همي في قرارة كوره وعلي للصبر الجميل مفاضة ... تلقى الردى فتكل دون صبوره وبراحتي من فكرتي ذو ذكرةٍ ... عهدت تذكرني لطبع ذكيره فرداً إذا بعثت دياجي جنحه ... هولاً علي خبطت في ديجوره حتى بدا عبد العزيز لناظري ... أملي فمزقت الدجى عن نوره [وأنشدته: الله في أرض غذيت هواءها ... وعصابةٍ لم تتهم إشفاقها نكزتهم أفعى الخطوب وعوجلوا ... بمثمل منها فكن درياقها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وافتح مغالقها بعزمة فيصل ... لو حاولت سوق الثريا ساقها ولو أنها منه إذا ما استلها ... تتعرض الجوزاء حل نطاقها] وأنشدته: لا تبكين من الليالي أنها ... حرمتك نغبة شارب من مشرب فأقل ما لك عندها سيف الردى ... يستل من شعر القذال الأشيب ورحيل عيشك كل رحلة ساعةٍ ... وفناء طيبك في الزمان الأطيب وأنشدته: ولم أر مثلي ما له من معاصر ... ولا كمضائي ما له من مضافر ولو كان لي في الجو كسر أؤمه ... ركبت إليه ظهر فتخاء كاسر وهمت بإجهاش علي وقد رأت ... مصابي في آثار إحدى الكبائر فقلت لها: إن تجزعي من مخاطرٍ ... فإنك لن تحظي بغير المخاطر [تشهت ثمار الوفر مني وإنها ... لدى كل مبيض العنانيز وافر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 له في بياض اليوم يقظة فاجر ... وتحت سواد الليل هجعة كافر] رويدك حتى تنظري عم تنجلي ... غيابة هذا العارض المتناثر ودون اعتزامي هضبة كسروية ... من الحزم سلمانية في المكاسر إذا نحن أسندنا إليها تبلجت ... مواردنا عن نيرات المصادر وأنت ابن حزم منعش من عثارها ... إذا ما شرقنا بالجدود العواثر [وما جر أذيال الغنى نحو بيته ... كأروع معرورٍ ظهور الجرائر] إذا ما تبغى نضرة العيش كرها ... لدى مشرعٍ للموت لمحة ناظر فسل من التأويل فيها مهنداً ... أخو شافعيات كريم العناصر [لمعتزلي الرأي ناءٍ عن الهدى ... بعيد المرامي مستميت البصائر] يطالب بالهندي في كل فتكةٍ ... ظهور المذاكي عن ظهور المنابر وأنشدته: وقالت النفس لما أن خلوت بها ... أشكو إليها الهوى خلواً من النعم: حتام أنت على الضراء مضطجع ... معرس في ديار الظلم والظلم - [وفي السرى لك، لو أزمعت مرتحلاً ... برء من الشوق أو برء من العدم] ثم استمرت بفضل القول تنهضني ... فقلت: إني لأستحبي بني الحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 المحلفين رداء الشمس مجدهم ... والمنعلين القريا أخمص القدم ألممت بالحب حتى لو دنا أجلي ... لما وجدت لطعم الموت من ألم وذادني كرمي عمن ولهت به ... ويلي من الحب أو ويلي من الكرم تخونتني رجال طالما شكرت ... عهدي وأثنت بما راعيت من ذمم لئن وردت سهيلاً غب ثالثةٍ ... لتقرعن علي السن من ندم هناك لا تبتغي غير السناء يدي ... ولا تخف إلى غير العلا قدمي حتى تراني في أدنى مواكبهم ... على النعامة شلالاً من النعم ريان من زفرات الخيل أوردها ... أمواه نيطة أرعى لحق العلا من سالف الأمم ففتح علي عينين كالماويتين ثم قال لي: من القائل - طلع البدر علينا ... فحسبناه لبيبا والتقينا فرأينا ... هـ بعيداً وقريباً قلت: أبي، قال: فمن القائل - [فيا من إذا رام معنى كلامي ... رأى نفسه نصب تلك المعاني] شكوت إليك صروف الزمان ... فلم تعد أن كنت عون الزمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وتقصر عن همتي قدرتي ... فيا ليتني لسوى من نمائي ولا غرو للحر عند المضيق ... أن يتمنى وضيع الأماني قلت: أخي، قال: فمن القائل - صدود وإن كان الحبيب مساعفاً ... وبعد وإن كان المزار قريباً وما فتئت تلك الديار حبائباً ... لنا قبل أن نلقى بهن حبيبا ولو أسعفتنا بالمودة في الهوى ... لأدنين إلفاً أو شغلن رقيبا وما كان يجفو ممرضي، غير أنه ... عدته العوادي أن يكون طبيبا قلت: عمي، قال: فمن القائل - أتيناك لا عن حاجة عرضت لنا ... إليك ولا قلب إليك مشوق ولكننا زرنا بفضل حلومنا ... حماراً تلقى برنا بعقوق قلت: جدي، قال: فمن القائل - ويلي على أحور تياه ... أحسن ما يلهو به اللاهي أقبل في غيد حكين الظبا ... بيض تراق حمر أفواه يأمر فيهن وينهى ولا ... يعصينه من آمرٍ ناهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 حتى إذا أمكنني أمره ... تركته من خيفة الله قلت: جد أبي، قال: فمن القائل - ويح الكتابة من شيخ هبنقةٍ ... يلقى العيون برأس مخه رار ومنتن الريح إن ناحيته أبداً ... كأنما مات في خيشومه فار قلت: أنا، قال: والذي نفس فرعون بيده، لا عرضت لك أبداً، إني أراك عريقاً في الكلام، ثم قل واضمحل، حتى إن الخنفساء لتدوسه، فلا يشغل رجليها. فعجبت منه، وقلت لزهير: من هذا الجني - فقال لي: استعذ بالله منه، إنه ضرط في عين رجل فبدرت من قفاه، هذا فرعون بن الجون. فقلت: أعوذ بالله العظيم، من النار ومن الشيطان الرجيم! فتبسم زهير وقال لي: هو تابعة رجل كبير منكم، ففهمتها عنه. وله فصل في مثل ذلك: قال أبو عامر: ومشيت يوماً أنا وزهير بأرض الجن أيضاً نتقرى الفوائد، ونعتمد أندية أهل الآداب منهم، إذ أشرفنا على قرارة غناء، تفتر عن بركة ماء، وفيها عانة من حمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 الجن وبغالهم، قد أصابتها أولق فهي تصطك بالحوافر، وتنفخ من المناخر، وقد اشتد ضراطها، وعلا شحيجها ونهاقها، فلما بصرت بنا أجفلت إلينا وهي تقول: جاءكم على رجليه، فارتعت لذلك، فتبسم زهير وقد عرف القصد، وقال لي: تهيأ للحكم. فلما لحقت بنا بدأتني بالتفدية، وحيتني بالتكنية، فقلت: ما الخطب، حمي حماك أيتها العانة، وأخصب مرعاك - قالت: شعران لحمارٍ وبغل من عشاقنا أختلفنا فيهما، وقد رضيناك حكماً. قلت: حتى أسمع. فتقدمت إليّ بغلة شهباء، عليها جلها وبرقعها، لم تدخل فيما دخلت فيه العانة من سوء العجلة وسخف الحركة، فقالت: أحد الشعرين لبغل من بغالنا وهو: على كل صبٍ من هواه دليل ... سقام على حر الجوى ونحول وما زال هذا الحب داءً مبرحاً ... إذا ما اعترى بغلاً فليس يزول بنفسي التي أما ملاحظ طرفها ... فسحر، وأما خدها فأسيل تعبت بما حملت من ثقل حبها ... وإني لبغل للثقال حمول وما نلت منها نائلاً غير أنني ... إذا هي بالت بلت حيث تبول والشعر الآخر لدكين الحمار: دهيت بهذا الحب منذ هويث ... وراثت إراداتي فلست أريث كلفت بإلفي منذ عشرين حجةً ... يجول هواها في الحشا ويعيث [وما لي من برح الصبابة مخلص ... ولا لي من فيض السقام مغيث] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وغير منها قلبها لي نميمة ... نماها أحم الخصيتين خبيث وما نلت منها نائلاً غير أنني ... إذا هي راثت رثت حيث تروث فضحك زهير، وتماسكت وقلت للمنشدة: ما هو يث - قالت: هو هويت، بلغة الحمير، فقلت: والله إن للروث رائحة كريهةً، وقد كان أنف الناقة أجدر أن يحكم في الشعر! فقالت: فهمت عنك، وأشارت إلى العانة أن دكيناً مغلوب، ثم انصرفت قانعةً راضية. وقالت لي البغلة: أما تعرفني أبا عامر - قلت: لو كانت ثم علامة! فأماطت لثامها، فإذا هي بغلة أبي عيسى، والخال على خدها، فتباكينا طويلاً، وأخذنا في ذكر أيامنا، فقالت: ما أبقت الأيام منك - قلت: ما ترين، قالت: شب عمرو عن الطوق! فما فعل الأحبة بعدي! - أهم على العهد - قلت: شب الغلمان، وشاخ الفتيان، وتنكرت الخلان، ومن إخوانك من بلغ الإمارة، وانتهى إلى الوزارة، فتنفست الصعداء وقالت: سقاهم الله سبل العهد، وإن حالوا عن العهد، ونسوا أيام الود، بحرمة الأدب، إلا ما أقرأتهم مني السلام؛ قلت: كما تأمرين وأكثر. وكانت في البركة بقربنا إوزة بيضاء شهلاء، في مثل جثمان النعامة، كأنما ذر عليها الكافور، أو لبست غلالةً من دمقس الحرير، لم أر أخف من رأسها حركة، ولا أحسن للماء في ظهرها صباً، تثني سالفتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وتكسر حدقتها، وتلولب قمحدوتها، فترى الحسن مستعاراً منها، والشكل مأخوذاً عنها، فصاحت بالبغلة: لقد حكمتم بالهوى، ورضيتم من حاكمكم بغير الرضى؛ فقلت لزهير: ما شأنها - قال: هي تابعة شيخٍ من مشيختكم، تسمى العاقلة، وتكنى أم خفيف، وهي ذات حظ من الأدب، فاستعد لها، فقلت: أيتها الإوزة الجميلة، العريضة الطويلة، أيحسن بجمال حدقتيك، واعتدال منكبيك، واستقامة جناحيك، وطول جيدك، وصغر أسك، مقابلة الضيف بمثل هذا الكلام، ولقي الطارئ الغريب بشبه هذا المقال - وأنا الذي همت بالإوز صبابةً، واحتملت في الكلف بها عض كل مقالة، وأنا الذي استرجعتها إلى الوطن المألوف، وحببتها إلى كل غطريف، فاتخذتها السادة بأرضنا، واستهلك عليها الظرفاء منا، ورضيت بدلاً من العصافير، ومكلمات الزرازير، ونسيت لذة الحمام، ونقار الديوك، ونطاح الكباش. فدخلها العجب من كلامي، ثم ترفعت وقد اعترتها خفة شديدة في مائها، فمرة سابحة، ومرة طائرة، تنغمس هنا وتخرج هناك، [قد تقبب جناحاها، وانتصبت ذناباها، وهي تطرب تطريب السرور] ؛ وهذا الفعل معروف من الإوز عند الفرح والمرح، ثم سكنت وأقامت عنقها، وعرضت صدرها، وعملت بمجدافيها، واستقبلتنا جائية كصدر المركب، فقالت: أيها الغار المغرور، كيف تحكم في الفروع وأنت لا تحكم الأصول - ما الذي تحسن - قلت: ارتجال شعر، واقتضاب خطبة، على حكم المقترح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 والنصبة، قالت: ليس هذا أسألك، قلت: ولا بغير هذا أجاوبك، قالت: حكم الجواب أن يقع على أصل السؤال، وأنا إنما أردت بذلك إحسان النحو والغريب اللذين هما أصل الكلام، ومادة البيان. قلت: لا جواب عندي غير ما سمعت، قالت: أقسم أن هذا منك غير داخلٍ في باب الجدل، قلت: وبالجدل تطلبيننا [وقد عقدنا سلمه، وكفينا حربه] وإن ما رميتك به منه لأنفذ سهامه، وأحد حرابه [وهو من تعاليم الله عز وجل عندنا في الجدل في محكم تنزيله، قالت: أقسم أن الله ما علمك الجدل في كتابه، قلت: محمول عنك أن خفيف، لا يلزم الإوز حفظ أدب القرآن، قال الله عز وجل في محكم كتابه حاكياً عن نبيه إبراهيم عليه السلام: {ربي الذي يحيي ويميت، قال أنا أحيي وأميت} (البقرة: 558) . فكان لهذا الكلام من الكافر جواب، وعلى وجوبه مقال، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما لاحت له الواضحة القاطعة رماه بها وأضرب عن الكلام الأول، قال {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب؛ فبهت الذي كفر} وأنا لا أحسن غير ارتجال شعر، واقتضاب خطبة، على حكم المقترح والنصبة. فاهتزت من جانبيها، وحال الماء من عينيها، وهمت بالطيران، ثم اعتراها ما يعتري الإوز من الألفة وحسن الرجعة، فقدمت عنقها ورأسها إلينا تمشي نحونا رويداً، وتنطق نطقاً متداركاً خفياً، وهو فعل الإوز إذا أنست واستراضت وتذللت، على أني أحب الإوز وأستظرف حركاتها وما يعرض من سخافاتها] . ثم تكلمت بها مبسبساً، ولها مؤنساً، حتى خالطتنا وقد عقدنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 سلمها وكفينا حربها، فقلت: يا أم خفيف، بالذي جعل غذاءك ماء. وحشا رأسك هواء، ألا أيما أفضل: الأدب أم العقل - قالت: بل العقل، قلت: فهل تعرفين في الخلائق أحمق من إوزة، ودعيني من مثلهم في الحبارى - قلت: لا، قلت: فتطلبي عقل التجربة، إذ لا سبيل لك إلى عقل الطبيعة، فإذا أحرزت منه وبؤت منه بحظ، فحينئذ ناظري في الأدب، فانصرفت وانصرفنا. قال أبو عامر: وكنت يوماً بحمام لي مع أصحابنا فأتى رسول الحاجب أبي عامر يرغب إخلاءه لبنيان عرض في حمامه منعه من دخوله، وكنت لم أصحبه، فخرجنا له عنه، ورغبوا أن أكتب إليه في ذلك فقلت: شكرت للدهر حسن ما صنعا ... طائر مجد بجنتي وقعا نفرت لما أيقنت جيئته ... وطارت النفس عندها قطعا يا حسن حمامنا وقد غربت ... شمس الضحى فيه بعد ما متعا أيقن أن الهلال زاكنه ... فضاء للحاضرين واتسعا فانعم أبا عامر بنعمته ... واعجب لأمرين فيه قد جمعا نيرانه من زنادكم قدحت ... وماؤه من بنانكم نبعا قال أبو الحسن: وننشد هنا بعض مقطعات تتعلق بذكر الحمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 قال المنفتل: انظر إلى حمامنا قد حكى ... حالين من حال الأحباء حرارة الأنفاس يوم النوى ... وحرة الأنفاس في الماء فماؤه من أدمعي سائل ... وناره من حر أحشائي وقال في صفة حمامٍ كانت مضاويه من زجاج أحمر، وفي سمائه حمرة وبياض: تحيرت من طيب حمامنا ... بخيل لي أن فيه الفلق فمن حمرة فوقنا وابيضاض ... كخد الحبيب إذا ما عرق رأى الدهر ما شذ من حسنه ... فسد كوى سقفه بالشفق ومما يتعلق أيضاً بصفته قول الآخر، ولكنه خلطه بالنسيب، وأشار فيه إلى معنى غريب، فقال: ولم أدخل الحمام يوم رحيلهم ... طلاب نعيم قد رضيت ببوسي ولكن لتجري دمعتي مطمئنةً ... فأبكي ولا يدري بذاك جليسي ودخل الحمام يوماً من أهل عصرنا الأديبان: أبو جعفر ابن هريرة التطيلي، وأبو بكر ابن بقي، فقال أبو جعفر: يا حسن حمامنا وبهجته ... مرأى من السحر كله حسن ماء ونار حواهما كنف ... كالقلب فيه السرور والحزن ثم أعجبه هذا المعنى أيضاً فقال فيه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ليس على لهونا مزيد ... ولا لحمامنا ضريب ماء ويه لهيب نارٍ ... كالشمس في ديمة تصوب وابيض من تحته رخام ... كالثلج حين ابتدا يذوب وقال أبو بكر: حمامنا فيه فصل القيظ محتدم ... وفيه للبرد سر غير ذي ضرر ضدان ينعم جسم المرء بينهما ... كالغصن ينعم بين الشمس والمطر وقال أبو جعفر التطيلي، وقد نظر فيه إلى غلام وسيم: هل استمالك جسم ابن الأمير وقد ... سالت عليه من الحمام أنداء - كالغصن باشر حر النار من كثبٍ ... فظل يقطر من أعطافه الماء - وفي أبي عامر ابن المظفر الذي ذكر يقول أبو عامر بن شهيد من جملة قصيدةٍ بقول فيها: جمعت بطاعة حبك الأضداد ... وتألف الأفصاح والأعياد كتب القضاء بأن جدك صاعد ... والصبح رق والظلام مداد ونقلت من خط أبي مروان ابن حيان قال: سلف لأبي عامر بن المظفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 هذا بقرطبة عيشة راضية في سرور وحبور وقتاً، إلى أن ساءت الأيام بطامة ففارقها بغصة، وكان من محاسنه أنسه بالأدب، وغلبة أهله على خاصته، ولم يكن في مغدىً ولا مراح، فتجملت آثاره بهم، وسارت أقوالهم فيه، وكان من ألهجهم بذكره أبو عامر بن شهيد، له معه أخبار مأثورة مشهور. شاهدتهم ليلةً في مجلسه [و] طفيلةً صغيرةً عجيبة الخلق كانت تسقيهم [تسمى] أسماء عجبوا من مكابدتها السهر معهم، على صغر سنها، وحسن قيامها بخدمتهم، فسأله ابن المظفر وصفها فقال: أفدي أسيماء من نديمٍ ... ملازمٍ للكؤوس راتب قد عجبوا في السهاد منها ... وهي لعمري من العجائب قالوا: تجافى الرقاد عنها ... فقلت لا ترقد الكواكب قال أبو عامر وابن حيان: واستوحش أبو عامر ابن المظفر هذا من هاشم المعتد ووزيره حكم بن سعيد القزاز، وكانوا قد رموه بذنب سليمان بن هشام الناصري، فلما خاف دبر الفرار، وخرج في لمةٍ من ثقات أصحابه وأعوانه، وحمل معه عيون ذخائره وخاصة حرمه، وقطع أرضاً بعيدة، ولم يعلم المعتد بخبره، إلى أن جاء خبر اجتيازه قرطبة راجعاً على عقبه من شاطبة، لم يتفق له فيها ما أراد، فكر إلى ابن عبد الله بقرمونة مستجيراً به في ظنه، فأحلف ابن عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الله ظنه، وخاطب قائده بحصر المرور وبإزعاجه عن قطره، ولا يجتاز على شيء من عمله، فضاقت به الأرض يومئذ، فألقى نفسه على أبي حمامه حرزة اليصدراني، فأجاره وبوأه منزلاً في حصنه على نهر قرطبة، أقام به كمد وغصة، والحمام يغازله إلى أن مات عنده. وحدثني أبو عبد الله ابن هريرة الكاتب قال: قصد أبو عامر ابن المظفر في خروجه من شاطبة إلى مواليه العامريين بعد مراسلة متقدمة، لما وصل ردوه خجلا خائباً، فرغب أن تخرج إليه أخته بنت المظفر الأيم المقيمة - كانت - عندهم وقتهم، فأسعفوه بذلك وخرجت إليه، فخلا بها وأودعها جوهراً نفيساً كان احتمله، وولى ناكصاً، والعبدى تطرده عن ناحيتها، وأسلموه غرضاً للحتوف، فمات عند حرزة اليصدراني كما وصفناه. وعلم ابن عمه عبد العزيز بمكان ذلك الجوهر، فلما هلك اختدعها ووعدها أن ينكحها، وكانت ضعيفة الرأي، فأسلمته إليه وغدر بها ولم ينكحها، فصارت بقية دهرها تجفوه وتشتمه. ولما استقر أبو عامر عند حرزة، وأيس المعتد من انصرافه، قبض ما خلفه بداره ونقله إلى القصر، فطلب أسبابه، وتتبع ودائعه وعقاره، فانفتح على أهل قرطبة في هذا الباب بذلك الوقت بلاء عظيم، أجلى بعضهم عن الأوطان، بسبب تلك الودائع العامرية؛ انتهى كلام ابن حيان. @جملة من شعره في أوصاف شتى حدث عن نفسه قال: لما قدم زهير الصقلبي فتى بني عامر حضرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 قرطبة من المرية، وجه أبو جعفر ابن عباس وزيره عن لمة من أصحابنا منهم ابن برد، وأبو بكر المرواني، وابن الحناط، والطبني، فسألهم عني، وقال: وجهوا عنه، فوافاني رسوله مع دابة له بسرجٍ محلى ثقيل، فسرت إليه ودخلت المجلس، وأبو جعفر غائب، فتحرك المجلس لدخولي وقاموا جميعاً إليّ، حتى طلع أبو جعفر علينا ساحباً لذيل لم ير أحد سحبه قبله، وهو يترنم، فسلمت عليه سلام من يعرف حق الرجال، فرد رداً لطيفاً، فعلمت أن في أنفه نعرةً لا تخرج إلا بسعوط الكلام، ولا تراض إلا بمستحصد النظام، فرأيت أصحابي يصيخون إلى ترنمه فسألتهم عن ذلك، فقال لي الحناطي، وكان كثير الإنحاء علي، جالباً في المحافل ما يسوء الأولياء إليّ: إن الوزير حضره قسيم من شعره، وهو يسألنا إجازته. فعلمت أني المراد، فاستنشدته فأنشده، وهو: مرض الجفون ولثغة في المنطق ... فقلت لمن حضر: لا تجهدوا أنفسكم فلستم المراد؛ فأخذت القلم وكتبت بديهةً: مرض الجفون ولثغة في المنطق ... سيان جرا عشق من لم يعشق من لي بألثغ لا يزال حديثه ... يذكي على الأكباد جمرة محرق يبني فينبو في الكلام لسانه ... فكأنه من خمر عينيه سقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 لا ينعش الألفاظ من عشراتها ... ولو إنها كتبت له في مهرق ثم قمت عنهم فلم ألبث أن وردوا علي، وأخبروا أن أبا جعفر لم يرض ما جئنا به من البديهة، وسألوني أن أحمل مكاوي الكلام على حتاره، وذكروا أن إدريس هجاه فأفحش، فلم أستحسن الإفحاش، فقلت فيه معرضاً إذ التعريض من محاسن القول: أبو جعفر رجل كاتب ... مليح شبا الخط حلو الخطابه تملأ شحماً ولحماً وما ... يليق تملؤه بالكتابه وذو عرق ليس ماء الحياء ... ولكنه رشح فضل الجنابه جرى الماء في سفله جري لينٍ ... فأخذت في العلو منه صلابه [قال ابن بسام: وليت شعري ما التصريح عند أبي عامر إذا سمى هذا تعريضاً - ولولا أن الحديث شجون، والتتابع فيه جنون، والكلام إذا لان قياده، سهل اطراده، وإذا قرب بعضه من بعض، لم يفرق فيه بين سماء وأرض، لما استجزت أن أشين كتابي بهذا الكلام البارد معرضه، البعيد من السداد غرضه، وقد يطغى القلم، وتجمح الكلم. وقوله: جرى الماء في سفله جري لين ... يشبه قول الآخر، وضمن بيت النابغة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 يا سائلي عن خالد، عهدي به ... رطب العجان وكفه كالجلمد " كالأقحوان غداة غب سمائه ... جفت أعياله وأسفله ندي " وقوله: وذو عرق ليس ماء الحياء ... ألم به ابن زيدون فقال من جملة أبيات: مخضت في أسته الأيور حليباً ... فعلى عينه من الزبد نقطه وتأنق في هذا المعنى أبو الحسين ابن الجد فقال: وأزرق والأمور لها اشتباه ... وتؤتى العين من قبل العجان ومما شك أسفله العوالي ... بدا في عينه زرق السنان] قال ابن بسام: قول أبي عامر في صفة الألثغ مما أحسن فيه، لا سيما على البديه. ومن أحسن ما سمعت في صفته قول الرمادي: لا الراء تطمع في الوصال ولا أنا ... الهجر يجمعنا فنحن سواء فإذا خلوت كتبتها في راحتي ... فبكيت منتحباً أنا والراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وأخذ لفظ الرمادي هذا أبو القاسم ابن العريف فقال: أيها الألثغ الذي شف قلبي ... جد ينطق ولو نطقت بسب هجرك الراء مثل هجري سواء ... فكلانا معذب دون ذنب فإذا شئت أن أرى لي مثيلاً ... في هواني خططت راء بجنبي على أن أبا الطيب قد قال فأحسن: قشير وبلعجلان فيها خفية ... كراءين في ألفاظ ألثغ ناطق ويشبه قول أبي الطيب قول بعض أهل عصرنا، وهو أبو الوليد ابن حزم الإشبيلي، يصف سكران: ويروم قول أبي الوليد وربما ... كتمت مكانه لامه الواوان وقال أبو عامر يتغزل: مر بي في فلك من ربرب ... قمر مبتسم عن شنب زينوا أعلاه بالدر كما ... ثقلوا أسفله بالكثب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فازدهتني أريحيات الصبا ... واستخفتني دواعي طربي فتعرضت لتسليم له ... فإذا التياه لا يعبأ بي قال: هذا العبد من دلله ... ما الذي أمنه من غضبي - يا ظبا لحظي خذي لي رأسه ... فهو لا شك من أهل الريب فانبرت ألحاظه تطلبني ... وأنا قدامها في الهرب لو تراني وأنا ألطفه ... وأداريه مداراة الصبي خلته جبار قوم مردوا ... وأنا في لطف الوعظ نبي قال أبو عامر: ومن الواجب على الناقد أن يبحث عن الكلام، ويفتش عن شرف المعاني، وينظر مواقع البيان، ويحترس من حلاوة خدع اللفظ، ويدع تزويق التركيب، ويراطل بين أنحاء البديع، ويمثل أشخاص الصناعة، فقد ترى الشعر فضي البشرة، وهو رصاصي المكسر، ذا ثوب معضد أو مهلهل، وهو مشتمل على بهق أو برص، مبنياً بلبن التماثيل، وصفوان التهاويل، وهو لا يجن صاحبه عن النسيم فضلاً عن الحرجف، ولا يقيه رقيق ريق الندى فضلاً عن شؤبوب الكنهور، وقد ملحته ملاحة الأسماء، واتقد فيه الهوى، واضطرمت في جانبه نيران الجوى، ولمع فيه البرق، واستن فيه الودق، وسفحت عليه الدموع، وبان فيه الخشوع، وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً} (النور: 39) لا يستحق صاحبه غير أن يكون تلعابةً، أو صاحب براعة. وإنما يستحق اسم الصناعة بتقحم بحور البيان، وتعمد كرائم المعاني والكلام، وأن ينطق بالفصل، ويركب أثباج الجد، ويطلب النادرة والسائرة، وينظم من الحكمة ما يبقى بعد موته، ويذكر بعد فوته، ويتصرف تصرف الملح، ويتلون تلون أبي براقش. ونحن نرجو أنا ذهبنا بقولنا هذا مذهباً كريماً من الكلام: ولما رأيت الليل عسكر قره ... وهبت له ريحان تلتطمان وعمم صلع الهضب من قطر ثلجه ... يدان من الصنبر تبتدران رفعت لساري الليل نارين فارتأى ... شعاعين تحت النجم يلتقيان فأقبل مقرور الحشا لم تكن له ... بدفع صروف النائبات يدان فقلت: إلى ذات الدخان، فقال لي ... وهل عرفت نار بغير دخان - فملت به أجتره نحو جمرةٍ ... لها بارق للضيف غير يمان إذا ما حسا ألقمته كل فلذةٍ ... لفرخة طير أو لسخلة ضان فما زال في أكل وشرب مدارك ... إلى أن تشهى الترك شهوة واني فألحفته فامتد فوق مهاده ... وخداه بالصهباء تتقدان وما انفك معشوق الثواء نمده ... ببشر وترحيب وبسط لسان تغنيه أطيار القيان إذا انتشى ... بصنجٍ وكيشار وعود كران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 ويسمو دخان المندل الرطب فوقه ... كما احتملت ريح متون عثان إلى أن تشهى البين من ذات نفسه ... وحن إلى الأهلين حنة حاني فأتبعته ما سد خلة حاله ... وأتبعني ذكراً بكل مكان قوله: " وعمم صلع الهضب " ... البيت، كقول بعض أهل عصرنا يصف الثلج أيضاً: وأترع الوهد من ازباد لجته ... بالبرس ينبت بين القوس والوتر فالأرض ملساء لا أمت ولا عوج ... كنقطة من سراب القاع لم تمر وقوله: " فأتبعته ما سد خلة حاله " ... البيت، كقول حبيب: فراح في ثنائي ... ورحت في ثيابه وأخذه بعض أهل عصرنا فقال: وخذ حمدي بجودك، ذا بهذا ... كلانا اليوم أربح صيرفي لأصبح من نوالك في رياش ... وتصبح من مقالي في حلي قال أبو عامر: ولما أنشد المعتلي بالله يحيى بن علي بن حمود قول ابن قاضي ميلة يصفف مركباً للروم أوقع به المسلمون وغرقوه وذكر قتل العلج: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 إذا طفا أبصر الصمصام يرقبه ... أو غاص في الماء من خوف الردى شرقا وأي عيشٍ لموقوف على تلفٍ ... يراقب الميتتين: السيف والغرقا وكانت إثر ذلك وقعة للمعتلي بالله على السودان بإشبيلية، فأمر أبا عبد الله ابن الحناط بصفة ذلك إذ الوقعتان متشابهتان، ففعل؛ وبلغني أنا ذلك، فكتبت إلى المعتلي بشعر طويل في المعنى أوله: غناك سعدك في ظل الظبا وسقى ... " فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقا " ومنها في صفة الوقعة: سقياً لأسد تساقى الموت أنفسها ... وتلبس الصبر في يوم الوغى حلقا قامت بنصرك لما قام مرتجلاً ... خطيب جودك فيها ينثر الورقا سريت تقدم جيش النصر متخذاً ... سبل المجرة في إثر العلا طرقا في ظل ليلٍ من الماذي معتكر ... يجلو إلى الخيل منه وجهك الفلقا وصفح قرن غداة الروع يكتبه ... من الظبا قلم لا يعرف المشقا أجريت للزنج فوق النهر نهر دمٍ ... حتى استحال سماء جللت شفقا وساعد الفلك الأعلى بقتلهم ... حتى غدا الفلك بالناجي به غرقا من كل أسود لم يدلف على ثلج ... بأن جدك يجلو صفحه يققا كأن هامته والرمح يحملها ... غراب بينٍ على بان النقا نعقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 ومنها: إذا ولى ثغر ثغرته ... أو عاذ مسلوب القوى غرقا وأي نهر يرجي العبر عابره ... وسفنه طافيات غودرت فلقا قوله: " حتى استحال سماءً " ... البيت، إلى قول المعري أراه أشار. وعلى الأفق من دماء الشهيدي ... ن علي ونجله شاهدان فهما في أواخر الليل فجرا ... ن وفي أولياته شفقان وقوله: " كأن هامته والرمح " ... البيت، أخذ معناه ابن الحداد فقال من قصيدة في مدائح ابن صمادح، يصف غلبته على وادي آش سنة خمس وخمسين: بلاد غدت يأجوج فيها فأفسدت ... فكنت كذي القرنين والجحفل السد وما زال شرقي المرية عاطلاً ... إلى أن علاها من رؤوسهم عقد وقد عوضوا من بائنات جسومهم ... بمصمتةً لا عظم فيها ولا جلد كأنهم فيها غرابيب وقع ... على باسقات لا تروح ولا تغدو ومن مشهور هذا المعنى قول الآخر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وعاد لكنه رأس بلا جسد ... يسري ولكن على ساق بلا قدم وإذا تراءى على الخطي أسفر في ... حال العبوس لنا عن ثغر مبتسم ولم أسمع في صفة الرأس المصلوب على الرمح أحسن من قول أبي فراس يخبر عن سيف الدولة وقد أنقذ أبا وائل التغلبي من الأسر، وقتل آسره: وأنقذ من ثقل الحديد ومسه ... أبا وائل والدهر أجدع صاغر وآب ورأس القرمطي أمامه ... له جسد من أكعب الرمح ضامر وكان هذا المقتول الذي أوقع به سيف الدولة قد ظهر على أطراف الشام والتفت عليه القبائل، وكان يعرف بالمبرقع، فحارب أبا وائل تغلب بن داود وهو خليفة سيف الدولة على حمص، فهزمه وأسره وألزمه شراء نفسه بعدد من الخيل والمال، فخرج سيف الدولة من حلب وأسرى حتى لحق في اليوم الثالث بنواحي دمشق، فأوقع بالمبرقع، وفي ذلك يقول المتنبي: ولو كنت في أسر غير الهوى ... ضمنت ضمان أبي وائل فدى نفسه بضمان النضار ... وأعطى صدور القنا الذابل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 ومناهم الخيل مجنوبةً ... فجئن بكل فتىً باسل كأن خلاص أبي وائلٍ ... معادوة القمر الآفل دعا فسمعت وكم صامت ... على البعد عندك كالقائل قال ابن بسام: وإذ قد أجرى أبو عامر ذكر يحيى بن حمود، فلنشر إليه، ونتلو قصيدة أبي عامر بفصل نجعله منبهاً عليه، إذ قد مر ذكره فيها، ونسقت له قوافيها. وأنا أشرح في هذا الموضع مقتله خاصةً، إذ كان خاتمة آثاره، ومميزاً من سائر أخباره. وسيمر في أخباره عمه القاسم كيف نجم ملكه، وعلى يدي من نظم سلكه. @ذكر الخبر عن مقتل يحيى بن حمود الذي ذكر قال ابن حيان: حكى لي أبو الفتح البرزالي قال: لما كان عيد الأضحى سنة ست وعشرين وأربعمائة، وانغمس يحيى بن حمود في شربه ولهوه، سرت مع لمة من بني عمي إلى اللحاق بإشبيلية، للاجتماع بابن عمنا محمد بن عبد الله والقاضي ابن عباد، فوصلنا وأنبأناهما من خبر ابن حمود يحيى ولهوه ما رأيا أن يوجها إليه بجيشٍ لقتاله. فخرج إسماعيل بن عباد مع ابن عمنا محمد بن عبد الله في المحرم من سنة سبع وعشرين بعدها، وهما في بيعة هشام بن الحكم تلك الأيام، فجئنا إلى باب قرمونة بالجيش كي نغيظ يحيى فيخرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 أو يخرج أحد من قبله، وقد قدمنا سريةً كمن الجيش ناحية أخرى، وقد كنا وجهنا فوارس ليلاً للسامرة بسور قرمونة، فطار الخبر إلى يحيى وهو تلك الليلة على شراب وقد أخذ منه، فنعر نعرةً ووثب قائماً يقول: وابياض بختي الليلة، وابن عباد ليلاً على باب قرمونة، وأصحابه يتلاحقون، فالتأمت عدته في نحو ثلثمائة فارس أكثرهم دغل السريرة، فمضى على وجهه مغتراً يضرب إبطي أهجن خيله، معنقاً إلى حينه. قال أبو الفتح: وأقول إنه على ذلك عند انتهائه، لو ضرب مصافاً يقيم فيه ويقدم رجاله للحرب طائفة يمدهم بطائفة، وتقف خيلهم ردءاً لهم ما فارق الصواب. لكن الحين غطى على بصره فألقى نفسه علينا في أوائل خيله، ولما تستبن الأشباح ظلمةً. فانتشب الحرب معنا غلس ذلك اليوم ووالى علينا الشدات الصعاب بنفسه، فعلمنا أنه لا ينجينا إلا الصدق، فاستقبلناه بوجوهنا ثم رددنا عليه الكرة، وطاولنا بالقوة، فحمل علينا حملة ثالثةً مع أصيحاب له، وكنا في سند ضروس كؤود، منيع الصعود إلينا، نؤود منه وننال من أصحابه، فإذا رددنا عليهم استعنا بفضل الانحدار من علٍ، فنخطفهم خطف الأجادل، فصدقنا هذه الحملة، فساقنا حتى رمانا على إسماعيل بن عباد ومن معي من الأندلسيين، فثاروا في وجهه، فتواقف الفريقان ساعةً، وظهر كمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 ابن عباد وجاد صبره، وحرض غلمانه العجم، فشدت الجماعة على يحيى شدة منكة، وحدروا من ذلك التل الذي تسنموه فانكسروا، وصرع في ذلك قوم وتمادى الطلب وراءهم بعد مواقفة عظيمة، فصرع يحيى وحز رأسه، وطير به إلى ابن عباد بإشبيلية فخر ساجداً وسجد من حضر لسجوده، وانطبق البلد فرحاً، واستمرت الهزيمة على أصحاب يحيى، حتى ساء ذل محمد بن عبد الله، وبدت عصبيته لقومه، وكلم ابن عباد في رفع السيف عنهم فأطاعه في ذلك، وتم لابن عبد الله ما أراد من حقن دماء قومه، إذ لم يأت الذي أتاه إلا عن ضرورة، ولم يتلعثم أن أسرع الركض إلى قرمونة دون إسماعيل بن عباد، فجاءها لوقته وقد ملك سودان يحيى أبوابها على أهلها، فدنا إلى مكان عورتها من سورها الجوفي وقد عرفه، ففتح له ودخل من ساعته دار يحيى وحاز جميع ما ألفاه من مال ومتاع، واشتمل على نسائه وأباح حرمه لبنيه، واستحل حرامهن، واستوى في مجلسه، ونصر نصراً لا كفاء له، ورد الله عليه ملكه، ثم لم يجده على ذلك شاكراً للنعمة، ولا مقصراً عن ارتكاب المعصية. وسقط الخبر بمقتل يحيى على أهل قرطبة فما صدقوه من الفرح. قال أبو عامر: ومما يلزم المدعي لصناعة الكلام إذا اعتمد وصف حالة أن يسوفي جميعها، ويكون ما يطلبه من الإبداع والاختراع فيها غير خارجٍ عنها وما هو بسبيلها، فذلك أبهى لكلامه، وأفخم للمتكلم به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وأدل على أن الكلام له ومن تأليفه، لا كما شهدته يوماً عند ابن حمود وقد قد صدر عن ابن الشرب، ومدحه عدة شعراء صدور أشعارهم لزينب والرباب ولميس وفرتنى، وأعجازها للجود والكرم وبذل اللهى، ولم يلمم أحد منهم بذلك الغرض والمغزى إلا في بيتين أو ثلاثة، فأنشدته أنا يومئذ من جملة قصيدة أولها: فريق العدا من حد عزمك يفرق ... وبالدهر مما خاف بطشك أولق عجبت لمن يعتد دونك جنةً ... وسهمك سعد والقضاء مفوق ومن يبتني بيتاً ليقطع دونه ... ممر رياح النصر وهو الخورنق وما شرب ابن الشرب قبلك خمرةً ... من الذل بالعجز الصريح تصفق توهم فيه الرعن حصناً فزرته ... بأرعن فيه مرعد الموت مبرق وحولك أسياف من السعد تنتضى ... وفوقك أعلام من النصر تخفق بأبيض مسود الدلاص كأنه ... شهاب عليه من دجى الليل يلمق وأسود مبيض القباء كأنما ... يطير به نحو الكريهة عقعق وخيل تمشى للوغى ببطونها ... إذا جعلت بالمرتقى الصعب تزلق وهذا البيت مما لم يحسن أبو عامر سرقته، ولا بلغ به طبقته، وهو من قول أبي الطيب: إذا زلقت مشيتها ببطونها ... كما تتمشى في الصعيد الأراقم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وله من أخرى في سليمان المستعين: بكى اسفاً للبين يوم التفرق ... وقد هون التوديع بعض الذي لقي وما للذي ولى به البين حسرة ... بكيت، ولكن حسرةً للذي بقي وقد شاقني الورق السواجع بالضحى ... ومن يستمع داعي الصبابة يشتق على فنن من أيكة قد تعلقت ... بحبل النوى من قلبي المتعلق فصدقتها في البين من غير عبرةٍ ... وكم من كثير الدمع غير مصدق لعل نسيم الريح تأتي به الصبا ... بنشر الخزامى والكباء المعبق كأن عليها نفحةً عبشميةً ... أتت من جناب المستعين الموفق ومنها: فنلت الذي قد نلت إذ ليس للعلا ... سواك كأن الدهر للناس منتقي قوله: " وما للذي ولى به البين حسرةً " ... البيت، يلمح قول محمد بن هانئ: لا تسلني عن الليالي المواضي ... وأجرني من الليالي البواقي وأوضح منه قول الآخر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنما الميت مبت الأحياء وقوله: " كأن الدهر للناس منتقي " ... لفظ بيت أبي الطيب: ولما رأيت الناس دون محله ... تيقنت أن الدهر للناس ناقد ولأبي عامر قصيدة يقول فيها، وقد أزمع على الخروج من قرطبة إلى مالقة لاحقاً بيحيى بن علي: أرى أعيناً ترنو إليّ كأنما ... تساور منها جانبي أراقم أدور فلا أعتام غير محاربٍ ... وأسعى فلا ألقى أمرءاً لي يسالم ويجلب لي فهمي ضروباً من الأذى ... وأشقى امرئ في قرية الجهل عالم وأوجع مظلوم لقلب وذي حجىً ... فتى عربي تزدريه أعاجم غنيتم على ما تزعمون عن الورى ... لقد سفهت تلك الحلوم الزواعم وهل يقدم البازي على الطير في الضحى ... إذا زال عن ريش الجناح القوادم سلام عليكم لا تحية شاكرٍ ... ولكن شجىً تنسد منه الحلاقم وما قرعت سني عليكم ندامةً ... وأوشك غداً أن يقرع السن نادم عليكم بداري فاهدموها دعائماً ... ففي الأرض بناءون لي ودعائم لئن أخرجتني عنكم شر عصبةٍ ... ففي الأرض إخوان علي أكارم وإن هضمت حقي أمية عندها ... فهاتا على ظهر المحجة هاشم ولا غرو من تلك القلانس جالياً ... إذا عرفت حقي هناك العمائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 قال أبو الحسن: وقد تقدم القول من تحيل حذاق الصناعة في أخذ المعاني أن تترك القافية والوزن، وكذلك يجب أن يقصد إلى التطويل إذا قصر المتقدم؛ ألا ترى قول أبي عامر حين سمع الرمادي يقول: ولم أر أحلى من تبسم أعين ... غداة النوى عن لؤلؤ كان كامنا فقال أبو عامر في هذه القصيدة: ولما فشا بالدمع من سر وجدنا ... إلى كاشحينا ما القلوب كواتم أمرنا بإمساك الدموع جفوننا ... ليشجى بما تطوي عذول ولائم [فظلت دموع العين حيرى كأنها ... خلال مآقينا لآل توائم] أبى دمعنا يجري مخافة شامت ... فنظمه بين المحاجر ناظم وراق الهوى منا عيون كريمة ... تبسمن حتى ما تروق المباسم فقام بهذا التركيب ما نسيت له حيلة التطويل. وبيت الرمادي من قول ابن عبد ربه: وكأنما غاص الأسى بجفونها ... حتى أتاك بلؤلؤ منثور فاحتال الرمادي حتى أتى باللؤلؤ وعوض من الغائص التبسم، ووقعت له استعارة التبسم للعين موقعاً لطيفاً، وإنما هو للثغور، بسبب توسط اللؤلؤ الذي هو للعيون والثغور، فنسخ المعنى نسخاً، وقلبه قلباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وتشبيه الدموع باللؤلؤ أكثر من أن يحصى، ومن أحسنه قول القائل: ولما وقفنا للوداع ودمعها ... ودمعي يثيران الصبابة والوجدا بكت لؤلؤاً رطباً وفاضت مدامعي ... عقيقاً فصار الكل ف نحرها عقدا ومن أحسن ما جاء من توقع أهل النمائم، والاحتيال لكتمان الدموع السواجم، لا سيما وقد أزف الفراق، وعصت بما فيها من الدمع الآماق، قول بعض العرب: ومما شجاني. أنها يوم ودعت ... تولت ودمع العين في الجفن حائر فلما أعادت من بعيد بنظرةٍ ... إليّ التفاتاً أسلمته المحاجر وقال آخر: ولما أبت عيناي أن تحسبا البكا ... وأن تمنعا در الدموع السواكب تثاءبت كي ابغي لدمعي علةً ... ولكن قليلاً ما بقاء التثاؤب أعرضتماني للهوى ونممتما ... علي، لبئس الصاحبان لصاحب وأنشد ثعلب: ومستنجد بالحزن دمعاً كأنه ... على الخد مما ليس يرقأ حائر ملا مقلتيه الدمع حتى كأنه ... لما انهل من عينيه في الماء ناظر نظرت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من ماء الصبابة أنظر> فعيناي طوراً تغرقان من البكا ... فأعشى وطوراً تحسران فأبصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ناقص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 ناقص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فرأى سوابق عبرةٍ مسفوحةٍ ... عمرو فقال: بكى أبو الخطاب! وقال العباس بن الأحنف، ورجع إلى الطريق: لكن ذهبت لأرتدي ... فطرفت عيني بالرداء وقال ابن فتوح من أهل عصرنا: وقد تعلق بالأشفار منحدراً ... تعلق القطر بالأغصان والورق وقال أبو جعفر ابن هريرة التطيلي: يكفكف من تلك الدموع وربما ... جلاها الرداء وامترتها الأصابع وحدث أبو بكر محمد بن أحمد بن جعفر بن عثمان المصحفي قال: دخلت يوماً على أبي عامر، وقد ابتدأت علته التي مات منها فتأنس بي، وجرى الحديث إلى أن شكوت إليه تجني بعض إخواني علي، ونفاره عني، فقال لي: سأسعى في إصلاح ذات البين، فخرجت عنه، واتفق لقائي بذلك المتجني مع بعض إخواني، وأعزهم علي، فلما رآني مولياً عن ذلك الصديق أنكر علي، وسأله عن السبب الموجب، فأخبره وزادا في مشيهما حتى لحقا بي وعزما علي في مكالمة صاحبي، وتعاتبنا عتاباً أرق من الهوى، وأشهى على الظما، حتى جئنا دار أبي عامر، لمما رآني ضحك وقال: من كان الذي تولى إصلاح ما كنا سررنا بفساده - فقلنا: قد كان ما كان، فأطرق قليلاً ثم أنشد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 من لا أسمي ولا أبوح به ... أصلح بيني وبين من أهوى أرسلت من كابد الهوى فدرى ... كيف يداوي مواضع البلوى ولي حقوق في الحب ظاهرة ... لكن إلفي يعدها دعوى يا رب إن الرسول أحسن بي ... يا رب فاحفظني من الأسوا قال ابن المصحفي: ودخلت عليه يوماً في تلك العلة ومعي غلام وسيم من إخواننا، وكان أبو عامر قبل ذلك يجب ممازحته فينافره، حتى خاطب أبو عامرٍ بعض إخوانه بشعر مسه فيه بطرف لسانه، فقال له ذلك الغلام: فجوتني يا أبا عامر دون أن تستثبت في أمري، وأن تعلم من سري ما يوجب ذلك، فقال: علي تكفيره بما يمحوه من القراطيس والصدور، وكان ذلك إثر صلاة العشاء الأولى، فطفنا بالجامع ثم انصرفنا إليه وأنشدنا: ألا بأبي زائري في العتم ... بوجه يجلي سواد الظلم تكتم بالليل في ظله ... وهل يمكن الصبح أن يكتتم - أتى يستجير أليفاً له ... كما جاور البان رطب العنم وقد رق ما ورد تلك الخدود ... بما سال من مسك تلك اللمم وكان يحمحم تحت العذار ... كحمحمة الخيل تحت اللجم فقلت: من الزائري والدجى ... يسد العيون بثوب أحم فقال أبو جعفر: لائم ... بما جئت من كذب ينتظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فأيقنت أن أبا خالد ... سرى وخيال حبيبي ألم فأبصرت وجهاً حكاه الهلال ... وثغراً حكى الدر لما ابتسم وإلا فعفو يقيل العثار ... فذو العرش يرحم من قد رحم فقال: بل العفو يا سيدي ... وقبلني من بعيد وضم فبت على برد طيب الرضى ... أسر بليلي وإن لم أنم وقلت: ابن زيدون، لا كنت لي ... بخال ولا كنت لي بابن عم خبيث سعى بيننا بالنميم ... وقطع خلتنا بالجلم @فصل في ذكر آخر أيام أبي عامر ووفاته، رحمه الله قال: ولما طال بأبي عامر ألمه، وتزايد سقمه، وغلب عليه الفالج الذي عرض له في مستهل ذيب القعدة من سنة خمس وعشرين وأربعمائة، لم يعدمه حركةً ولا تقلباً، وكان يمشي إلى حاجته على عصا مرةً، واعتماداً على إنسان مرة، إلى قبل وفاته بعشرين يوماً، فإنه صار حجراً لا يبرح ولا يتقلب، ولا يحتمل أن يحرك لعظيم الأوجاع، مع شدة ضغط الأنفاس وعدم الصبر، حتى هم بقتل نفسه، وفي ذلك يقول من قصيدة: أنوح على نفسي وأندب نبلها ... إذا أنا في الضراء أزمعت قتلها رضيت قضاء الله في كل حالةٍ ... علي وأحكاماً تيقنت عدلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 أظل قعيد الدار تجنبني العصا ... على ضعف ساق أوهن السقم رجلها وأنعى خسيسات ابن آدم عاملاً ... براحة طفل أحكم الضر نصلها ألا رب خصمٍ قد كفيت، وكربة ... كشفت، ودار كنت في المحل وبلها ورب قريض كالجريض بعثته ... إلى خطبة لا ينكر الجمع فصلها فمن مبلغ الفتيان أن أخاهم ... أخو فتكةٍ شنعاء ما كان شكلها عليكم سلام من فتى عضه الردى ... ولم ينس عيناً أثبتت فيه نبلها يبين وكف الموت تخلع نفسه ... وداخلها حب يهون ثكلها ونقلت من خط الفقه أبي محمد علي بن حزم الشافعي قال: كتب إليّ أبو عامر ابن شهيد في علته التي اعتلها بهذه الأبيات: ولما رأيت العيش ولى برأسه ... وأيقنت أن الموت لا شك لاحقي تمنيت أني ساكن في غيابةٍ ... بأعلى مهب الريح في رأس شاهق أذر سقيط الحب في فضل عيشةٍ ... وحيداً وحسي الماء ثني المفالق خليلي من ذاق المنية مرةً ... فقد ذقتها خمسين قولة صادق كأني وقد حان ارتحالي لم أفز ... قديماً من الدنيا بلمحة بارق فمن مبلغ عني ابن حزم وكان لي ... يداً في ملماتي وعند مضايقي عليك سلام الله إني مفارق ... وحسبك زاداً من حبيب مفارق فلا تنس تأبيني إذا ما فقدتني ... وتذكار أيامي وفضل خلائقي فلي في إدكاري بعد موتي راحة ... فلا تمنعونيها علالة زاهق وإني لأرجو الله فيما تقدمت ... ذنوبي به مما درى من حقائقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 ومن جواب ابن حزم له: أبا عامر ناديت خلاً مصافياً ... يفديك من دهم الخطوب الطوارق وألفيت قلباً مخلصاً لك ممحضا ... بودك موصول العرى والعلائق شدائد يجلوها الإله بلطفه ... فلا تأس إن الدهر جم المضايق ورب أسير في يد الدهر مطلق ... ومنطلق والدهر أسوق سائق سفينة نوح لم تضق بحلولها ... وضاق بهم رحب الفلا المتضايق فإن تنج قلت الحمد لله مخلصاً ... فمن أعظم النعمى بقاء المصادق وسمع في تلك العلة نعي الوزير الكاتب أبي جعفر ابن اللمائي، فقال في قصيدته هذه: أمن جنابهم النفح الجنوبي ... أسري فصاك به في الغور غاري - أهدي إليّ ظلاماً ردع نافجة ... أدماء شق بها الدأماء هندي والليل قد قام في أثواب نادبةٍ ... كأنه فوق ظهر الأرض نوبي والنجم تحسبه قدام تابعه ... حمامةً رامها في الجو بازي وجدول الأفق يجري في منافسه ... ماء سقى زهرة الخضراء فضي فقلت والسقم منشور على جسدي ... يحدو الردى ورداء العيش مطوي: أهدى اللمائي من أزهار فكرته ... نشراً فقال الدجى: مر اللمائي فقيل مات فقال الليل قارب ذا ... فانهل من مقلتي نوء سماكي وبت فرداً أناجي مقلتي شغفاً ... كأنني في نقوب الدار جني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 لا عشت إن مت لي يا واحدي أبداً ... وموتنا واحد لا شك مرئي إن الكريم إذا ما مات صاحبه ... أودى به الوجد والثكل الطبيعي إن مت قبلك لا تعجب فذو أمل ... قد حم من دونه يوماً حمامي أومت قبلي فما منعاك لي عجب ... إن الكريم إلى الأصحاب منعي زاد البلاء على نفسي فأعدمها ... صبري فصبري عليك اليوم وحشي حتى أهم بقتلي كل داجيةٍ ... يا قوم هل رام هذا قبل إنسي - إني إلى الله من عقبى بليت بها ... جرى بها الحكم والأمر الإلهي وقال أيضاً في علته تلك: اقر السلام على الأصحاب أجمعهم ... وخص عمراص بأزكى نور تسليم وقل له: يا أعز الناس كلهم ... شخصاً علي وأولاهم بتكريم الله جارك من ذي منعة ظفرت ... منه الليالي بعلق غير مذموم ما كان حبك إلا صوب غاديةٍ ... طيباً وحاشا لحبي فيك من لوم إن شاء صرف الردى تقديم أطوعنا ... فقد رضيت - حماك الله - تقديمي وإن أحب الثرى جسماً ليأكله ... أسمح بجسمي له يفديك تعظيمي عشنا [أليفين] في بر الهوى زمناً ... حتى زقا بنوانا طائر الشئوم فشتت نوب الأيام ألفتنا ... قسراً ولم يغنها ظني وتنجيمي وكتب أيضاً إلى جماعةٍ من إخوانه في علته يومئذ: هذا كتابي وكف الموت تزعجني ... عن الحياة وفي قلبي لكم ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 إن أقضكم حقكم من قلة عمري ... إني إلى الله لا حق ولا عمر لهفي على نيرات ما صدعت بها ... إلا وأظلم من أضوائها القمر فاقر السلام على المنصور أفضل من ... سعى لثأر بني الإسلام فانتصروا واعطف بها عطفة تهتز من كرم ... على المظفر فهو الفلج والظفر وقال أيضاً في علته تلك: تأملت ما أفنيت من طول مدتي ... فلم أره إلا كلمحة ناظر وحصلت ما أدركت من طول لذتي ... فلم ألفه إلا كصفقة خاسر وما أنا إلا رهن ما قدمت يدي ... إذا غادروني بين أهل المقابر سقى الله فتياناً كأن وجوههم ... وجوه مصابيح النجوم الزواهر إذا ذكروني والثرى فوق أعظمي ... بكوا بعيون كالسحاب المواطر يقولون: قد أودى أبو عامر العلا ... أقلوا فقدماً مات آباء عامر هو الموت لم يصرف بإجراس خاطبٍ ... بليغ ولم يعطف بأنفاس شاعر ولم يجتنب للبطش مهجة قادر ... قوي ولا للضعف مهجة صافر يحل عرى الجبار في دار ملكه ... ويهفو بنفس الشارب المتساكر وليس عجيباً أن تدانت منيتي ... يصدق فيها أولي أمر آخري وليس عجيباً أن بين جوانحي ... هوى كشرار الجمرة المتطاير يحركني والموت يحفز مهجتي ... ويهتاجني والنفس عند حناجري وبلغني أن آخر شعر قاله يودع إخوانه هذه الأبيات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 أستودع الله إخواني وعشرتهم ... وكل خرق إلى العلياء سباق وفتيةً كنجوم القذف نيرهم ... يهدي، وصائبهم يودي بإحراق وكوكباً لي منهم كان مغربه ... قلبي، ومشرقه ما بين أطواقي الله يعلم أني ما أفارقه ... إلا وفي الصدر مني حر مشتاق كنا أليفين خان الدهر ألفتنا ... وأي حر على صرف الردى باقي فإن أعش فلعل الدهر يجمعنا ... وإن أمت فسيسقيه كذا الساقي لا ضيع الله إلا من يضيعه ... ومن تخلق فيه غير أخلاقي قد كان بردي إذا ما مسني كلف ... لا يثلم الحب آدابي وأعراقي حتى رمتنا صروف الدهر عن كثب ... ففرقتنا، وهل من صرفه واقي - إني لأرمقه والموت يضغطني ... فأقتضي فرجةً مرتد أرماقي ثم أوصى أن يدفن بجنب صديقه أبي الوليد الزجالي، ويكتب على قبره في لوح رخام هذا النثر والنظم: بسم الله الرحمن الرحيم " قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون "، هذا قبر أحمد بن عبد الملك بن شهيد المذنب، مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. مات في شهر كذا من عام كذا، ويكتب تحت هذا النثر هذا النظم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 يا صاحبي قم فقد أطلنا ... أنحن طول المدى هجود - فقال لي: لن نقوم منها ... ما دام من فوقنا الصعيد تذكر كم ليلة لهونا ... في ظلها والزمان عيد - وكم سرور همى علينا ... سحابة ثرةً تجود - كل كأن لم يكن تقضى ... وشؤمه حاضر عتيد حصله كاتب حفيظ ... وضمه صادق شهيد يا ويلنا إن تنكبتنا ... رحمة من بطشه شديد يا رب عفواً فأنت مولى ... قصر في أمرك العبيد ينظر قوله: " لن نقوم منها " ... البيت، إلى قول ابن المعتز يصف أهل القبور: وسكان دار لا تزاور بينهم ... على قرب بعض في المحلة من بعض كأن خواتيماً من الطين فوقهم ... فليس لها حتى القيامة من فض وما أرى أبا عامر إلا نقله من قول المعري في رثاء أمه حيث يقول: سألت متى اللقاء - فقيل حتى ... يقوم الهامدون من الرجام قالوا: وكان أبو عامر كثيراً ما كان يخشى صعوبة الموت، وشدة السوق، فيسر الله عليه، وما زال يتكلم ويرغب إلى الله أن يرفق به، ويكثر من ذكره، وقد أيقن بفراق الدنيا، إلى أن ذهبت نفسه رحمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 يوم الجمعة آخر يوم من جمادى الأولى سنة ست وعشرين وأربعمائة. لم يشهد على قبر أحد ما شهد على قبره من البكاء والعويل، وأنشد على قبره من المراثي جملة موفورة لطوائف كثيرة، منها قول أبي الأصبغ القرشي من قصيدة يقول فيها: شهدنا غريبات المكارم والعلا ... تبكي على قبر الشهيدي أحمدا وما زال أهل الدين والفضل والتقى ... عكوفاً به حتى حسبناه مسجدا أريد بسقيا الغيث إحياء حفرة ... كدرنا بها نجم العلا المتوقدا ولم أر مثلي بات مستسقي الحيا ... لماء حياء كان يشفي من الصدى فاي جمال صار في قبضة الثرى ... وأي بهاء قد طوته يد الردى وأي قناة في طلى الأرض غيبت ... وأي حسام في حشا القبر أغمدا بنفسي الذي أودى وأنشأ للندى ... حماماً على دوح العلاء مغردا أبا عامر، بعداً لسهم مصيبة ... رماك به ريب المنون فأقصدا لقد فت في نشر الفضائل يافعاً ... وبرزت في جمع المكارم أمردا لشقت عليك المكرمات جيوبها ... وأظهر فيك المجد خداً مخددا ومنه قول أبي حفص ابن برد الأصغر من قصيدة أولها: بفيك الترب من ناع نعاني ... نعى غيري إليّ وما عداني وكيف ولم يسل طرفي بدمعٍ ... عليه، ولم يجن له جناني لأية خصلة تبكيك عيني ... ومالي بالحساب لها يدان أللهمم المنوطة بالثريا ... أم الشيم المهذبة الحسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 أم الكرم الذي ما زال يجري ... مع الأنواء في طلق الرهان أم القلم الذي قد كان يجني ... من القرطاس نوار البيان أم الرأي الذي ما زال يغني ... عن السيف المهند والسنان شهدت لقد أصيب بنو شهيدٍ ... بقاطعة السواعد والبنان به درجوا من الدنيا فبانوا ... وكل ما خلا الرحمن فإني @فصل في ذكر ذي الوزارتين الكاتب أبي الوليد @ابن زيدون، واجتلاب عيون من أخباره، @وفصوص من رسائله واشعاره قال أبو الحسن: كان أبو الوليد صاحب منثور ومنظوم، وخاتمة شعراء مخزوم، أحد من جر الأيام جراً، وفات الأنام طراً، وصرف السلطان نفعاً وضراً، ووسع البيان نظماً ونثراً؛ إلى أدب ليس للبحر تدفقه، ولا للبدر تألقه. وشعر ليس للسحر بيانه، وللنجوم الزهر اقترانه. وحظٍ من النثر غريب المباني، شعري الألفاظ والمعاني. حدثني غير واحد من وزراء إشبيلية قال: لما خلص ابن عبد البر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 من يد عباد، خلوص الفرزدق من يد زياد، بقيت حضرته من أهل هذا الشان، أعرى من ظهر الأفعوان، وأخلى من صدر الجبان. فهم يوماً باستخلاف أبي عمر الباجي المشهور أمره، الآتي في القسم الثاني من هذا الكتاب ذكره، فكأن أبا الوليد غص بذلك، وواطأ أبا محمد ابن الجد على الإشارة بالاستغناء عما هنالك، فكانت الكتب تنفذ من إنشاء أبي الوليد إلى شرق الأندلس، فيقال: تأتي من إشبيلية كتب هي بالمنظوم أشبه منها بالمنثور. قرأت في كتاب أبي مروان ابن حيان، وقد أجرى ذكر من اصطنع ابن جهور من رجال دولته فقال: ونوه أيضاً بفتى الآداب وعمدة الظرف، والشاعر البديع الوصف والرصف، أبي الوليد أحمد بن زيدون ذي الأبوة النبيهة بقرطبة، والوسامة والدراية وحلاوة المنظوم والسلاطة وقوة العارضة والافتتان في المعرفة. وقدمه إلى النظر على أهل الذمة لبعض الأمور المعترضة، وقصره بعد على مكانه من الخاصة والسفارة بينه وبين الرؤساء، فأحسن التصرف في ذلك، وغلب على قلوب الملوك. قال أبو مروان: وكان أبو الوليد من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة في أيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 الجماعة والفتنة، وفرع أدبه، وجاد شعره، وعلا شأنه، وانطلق لسانه، فذهب به العجب كل مذهب، وهون عنده كل مطلب. وكان علقه من عبد الله بن أحمد بن المكوي أحد حكام قرطبة ظفر أحجن أداه إلى السجن فألقى نفسه يومئذ على أبي الوليد ابن جمهور في حياة والده أبي الحزم، فتشفع له وانتشله من نكبته، وصيره في صنائعه. ولما ولي الأمر بعد والده نوه به وأسنى خطته، وقدمه في الذين اصطنعهم لدولته، وأوسع رابته، وجلله كرامةً لم تقنعه، زعموا. واتفق أن عن له مطلب بحضرة إدريس بن علي الحسني بمالقة فأطال الثواء هنالك، واقترب من إدريس، وخف على نفسه، وأحضره مجالس أنسه. فعتب عليه ابن جهور، [وصرفه عن ذلك التصرف قبل قفوله، ثم عاد إلى جميل رأيه فيه] ، وصرفه في السفارة بينه وبين رؤساء الأندلس فيما يجري بينهم من التراسل والمداخلة؛ فاستقل بذلك لفضل ما أوتيه من اللسن والعارضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 فاكتسب الجاه والرفعة، ولم يبعد في ذلك من التهافت في الترقي لبعد الهمة، فهوى عما قليل إلى عبادٍ صاحب إشبيلية، اجتذبه إلى ذلك فهاجر عن وطنه إليه، ونزل في كنفه، وصار من خواصه وصحابته، يجالسه في خلواته، ويسفر له في معهم رسائله على حال من التوسعة. وكان ذهابه إلى عباد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، [فخلا بالحضرة مكانه، وكثر الأسف عليه انتهى كلام ابن حيان] . قلت: فأما سعة ذرعه، وتدفق طبعه؛ وغزارة بيانه، ورقة حاشية لسانه، فالصبح الذي لا ينكر ولا يرد، والرمل الذي لا يحصر ولا يعد. أخبرني من لا أدفع خبره من وزراء إشبيلية قال: لعهدي بأبي الوليد قائماً على جنازة بعض حرمه، والناس يعزونه على اختلاف طبقاتهم، فما سمع يجيب رجلاً منهم بما أجاب به آخر، لحضور جنانه، وسعة ميدانه. وقد أخرجت من أشعاره التي هي حجول وغرر، ونوادر أخباره التي هي مآثر وأثر، ورسائله التي أخرست ألسنة الحفل، [واستوفت أمد المنطق الجزل، ما يسر الآداب ويصورها، ويستخف الألباب ويستطيرها] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 @جملة من نثره، مع ما ينخرط في سلك ذلك من شعره [له من رقعةٍ خاطب بها ابن جهور من موضع اعتقاله يقول فيها: يا مولاي وسيدي الذي ودادي له، واعتدادي به، واعتمادي عليه، أبقاك الله ماضي حد العزم، واري زند الأمل، ثابت عهد النعمة. إن سلبتني - أعزك الله - لباس إنعامك، وعطلتني من حلي إيناسك، وغضضت عني طرف حمايتك، بعد أن الأعمى إلى تأميلي لك، وسمع ثنائي عليك، وأحس الجماد بإسنادي إليك، فلا غرو فقد يغص بالماء شاربه، ويقتل الدواء المستشفي به، ويؤتى الحذر من مأمنه، وإني لأتجلد فأقول: هل أنا إلا يد أدماها سوارها، وجبين عضه إكليله، ومشرفي ألصقه بالأرض صاقله، وسمهري عرضه على النار مثقفة - والعتب محمود عواقبه، والنبوة غمرة ثم تنجلي، والنكبة " سحابة صيفٍ عن قريب تقشع "، وسيدي إن أبطأ معذور. وإن يكن الفعل الذي ساء واحداً ... فأفعله اللائي سررن ألوف وليت شعري ما الذنب الذي أذنبت ولم يسعه العفو - ولا أخلو من أن أكون برئياً، فأين العدل - أو مسيئاً فأين الفضل - وما أراني إلا لو أمرت بالسجود لآدم فأبيت، وعكفت على العجل، واعتديت في السبت، وتعاطيت فعقرت، وشربت من النهر الذي ابتلى به جنود طالوت، وقدت لأبرهة الفيل، وعاهدت قريشاً على ما في الصحيفة، وتأولت في بيعة العقبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 ونفرت إلى العير ببدر، وانخزلت بثلث الناس يوم أحد، وتخلفت عن صلاتي في بني قريظة، وأنفت من إمارة أسامة، وزعمت أن خلافة الصديق فلتة، " ورويت رمحي من كتيبة خالد "، وضحيت بالأشمط الذي عنوان السجود به، لكان فيما جرى عليّ ما يحتمل أن يسمى نكالاً، ويدعى ولو على المجاز عقاباً. وحسبك من حادثٍ بامرئ ... ترى حاسديه له راحيمنا فكيف ولا ذنب إلا نميمة أهداها كاشح، ونبأ جاء به فاسق - والله ما غششتك بعد النصيحة، ولا انحرفت عنك بعد الصغية، ولا نصبت لك بعد التشيع فيك، ففيم عبث الجفاء بأذمتي، وعاث في مودتي، وأني غلبني المغلب، وفخر على الضعيف، ولطمتني غير ذات سوار - ومالك لا تمنع مني قبل أن أفترس، وتدركني ولاما أمزق وقد زانني اسم خدمتك، وأنلت الجميع من سماطك، وقمت المقام المحمود على بساطك - ألست الموالي فيك نظم قصائدٍ ... هي الأنجم اقتادت مع الليل أنجما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وهل لبس الصباح إلا برداً طرزته بمحامدك، وتقلدت الجوزاء إلا عقداً فصلته بمآثرك، وفيت المسك إلا حديثاًَ أذعته بمفاخرك، وما يوم حليمة بسر، وحاش لله أن أعد من العاملة الناصبة، وأكون كالذبالة المنصوبة تضيء للناس وهي تحترق. وفي فصل منها: ولعمري ما جهلت أن الرأي في أن أتحول إذا بلغتني الشمس، ونبا بي المنزل، وأضرب عن المطامع التي تقطع أعناق الرجال، ولا أستوطئ العجز فيضرب بي المثل: خامري أم عامر. وإني مع المعرفة بأن الجلاء سباء، والنقلة مثلة، لعارف أن الأدب الوطن الذي لا يخشى فراقه، والخليط الذي لا يتوقع زياله، والنسب الذي لا يجفى؛ أينما توجه ورد أعذب منهل، وحط في جناب قبول، وضوحك قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 إنزال رحله، وأعطي حكم الصبي على أهله، وقيل له أهلاً وسهلاً ومرحباً ... فهذا مبيت صالح وصديق غير أن الوطن محبوب، والمنشأ مألوف، واللبيب يحن إلى وطنه، حنين النجيب إلى عطنه، والكريم لا يجفو أرضاً بها قوابله، ولا ينسى بلداً فيه مراضعه، قال الأول: أحب بلاد الله ما بين منعجٍ ... إليّ وسلمى أن يصوب سحابها بلاد بها عق الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها مع مغالاتي بعلو جوارك، ومنافستي، في الحظ من قربك، واعتقادي أن الطمع في غيرك طبع، والغنى من سواك عناء، والبدل منك أعور، والعوض لفاء: وإذا نظرت إلى أميري زادني ... ضناً به نظري إلى الأمراء وكل الصيد في جوف الفرا، وفي كل شجر نار واستمجد المرخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 والعفار. فما هذه البراءة ممن يتولاك، والميل عمن يميل إليك؛ وهلا كان هواك في من هواه فيك، ورضاك لمن رضاه لك: يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم عدم أعيذك ونفسي أن أشيم خلبا، وأستمطر جهاماً، وأكد غير مكدم، وأشكو " شكوى الجريح إلى العقبان والرخم ". وإنما أبسست بك لتدر، وحركت لك الحوار لتحن، ونبهتك لأنام،، وسريت إليك لأحمد السرى لديك، بعد اليقين أنك إن سنيت عقد أمري تيسر، ومتى أعذرت في فك أسري لم يتعذر، وعلمك محبط بأن المعروف ثمرة النعمة، والشفاعة زكاة المروءة، وفضل الجاه - تعود به - صدقة. وإذا امرؤ أهدى إليك صنيعةً ... من جاهه فكأنها من ماله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 لعلي ألقي العصا بذراك، وتستقر بي النوى في ظلك، فتستلذ جنى شكري من غرس عارفتك، وتستطيب عرف ثنائي من روض صنيعتك، فأستأنف التأدب بك، والاحتيال على مذهبك، فلا أوجد للحاسد مجال لحظة، ولا أدع للقادح مساغ لفظة، والله شهيدك من إطلابي بهذه الطلبة، وإشكائي من هذه الشكوى، لصنيعة تصيب بها طريق المصنع، وقد تستودعها أحفظ مستودع، [حسبما أنت خليق له، وأنا منك حري به، فذلك بيدك، وهين عليك] . [ولما توالت غرر هذا النثر، واتسقت درره] ، فهز عطف غلوائه، وجر ذيل خيلائه، عارضه النظم مباهياً، بل كايده مداهيا، حين أشفق من أن يعطفك استعطافه، وتميل بنفسك ألطافه، فاستحسن العائدة منه، واعتد بالفائدة له، وما زال يستكره الذهن العليل، والخاطر الكليل، حتى زف إليك منه عروساً مجلوة في أثوابها، منصوصة بحليها وملابها، وهاهي: الهوى في طلوع تلك النجوم ... والمنى في هبوب ذاك النسيم سرنا عيشنا الرقيق الحواشي ... لو يدوم السرور للمستديم ومنها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وطر ما انقضى إلى أن تقضى ... زمن ما ذمامه بالذميم زار مستخفياً وهيهات أن يخ ... فى سرى البدر في الظلام البهيم فوشى الحلي إذ مشى وهفا الطي ... ب إلى حسن كاشح بالنميم أيها المؤذني بظلم الليالي ... ليس يومي بواحد. من ظلوم ما ترى البدر إن تأملت والشم ... س هما يكسفان دون النجوم وهو الدهر ليس ينفك ينحو ... بالمصاب العظيم نحو العظيم بوأ الله جهوراً شرف السؤ ... دد في السر واللباب الصميم واحد سلم الجميع له الفص ... ل فكان الخصوص فوق العموم قلد الغمر ذا التجارب فيه ... واكتفى جاهل بعلم عليم ومنها في ذكر اعتقاله: سقم لا أعاد منه وفي العا ... ئد أنس يفي ببرء السقيم نار بغي سرت إلى جنةالأر ... ض بياتاً فأصبحت كالصريم [بأبي أنت إن تشأ تك برداً ... وسلاماً كنار إبراهيم] للشفيع الغناء والحمد في صو ... الحيا للرياح لا للغيوم وبعد تمام هذه القصيدة: هاكها - أعزك الله - يبسطها الأمل، ويقبضها الخجل، لها ذنب التقصير، وحرمة الإخلاص، فهب ذنباً لحرمة، واشفع نعمة بنعمة، لتأتي الإحسان من جهاته، وتسلك إلى الفضل طرقاته، إن شاء الله] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وهذا البيت الأخير، إلى معنى بيت البحتري يشير: حماز حمدي وللرياح اللواتي ... تجلب الغيث مثل حمد الغيوم وأخذه البحتري من قول أبي تمام: وإذا امرؤ أهدى إليك صنيعةً ... من جاهه فكأنها من ماله وقوله: " سقم لا أعاد منه " ... البيت، من قول علي بن الجهم بيت يجدد للكريم كرامةً ... ويزار فيه ولا يزور ويحقد وله أيضاً في ابن جهور، وكتب بها [إليه] من السجن: ما جال بعدك لحظي في سنا القمر ... إلا ذكرتك ذكر العين بالأثر ولا استطلت ذكاء الليل من أسف ... إلا على ليلةٍ سرت مع القصر في نشوة من سنات الوصل موهمة ... أن لا مسافة بين الوهن والسحر يا ليت ذاك السواد الجون متصل ... قد استعار سواد القلب والبصر أما الضنى فجنته لحظة عنن ... كأنها والردى جاء على قدر فهمت معنى الهوى من وحي طرفك لي ... إن الحوار لمفهوم من الحور ومنها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 من يسأل الناس عن حالي فشاهدها ... محض العيان الذي يغني عن الخبر لم تطو برد شبابي كبرة وأرى ... برق المشيب اعتلى في عارض الشعر قبل الثلاثين إذ عهد الصبا كثب ... وللشبيبة غصن غير مهتصر يا للرزايا لقد شافهت منهلها ... غمراً فما أشرب المكروه بالغمر هل الرياح بنجم الأرض عاصفة ... أم الكسوف لغير الشمس والقمر إن طال في السجن إيداعي فلا عجب ... قد يودع الجفن حد الصارم الذكر وإن يثبط أبا الحزم الرضى قدر ... عن كشف ضري فلا عتب على القدر من لم أزل من تأنيه على ثقة ... ولم أبت من تجنيه على حذر وزير سلم كفاه يمن طائره ... شؤم الحروب ورأي محصد المرر أغنت قريحته مغنى تجاربه ... ونابت اللمحة العجلى عن الفكر كم اشترى بكرى عينيه من سهرٍ ... هدوء عين الهدى في ذلك السهر في حضرة غاب صرف الدهر خشيته ... عنها، ونام القطا فيها ولم يثر حرمت منه وحظ الناس كلهم ... لهذه العبرة الكبرى من العبر وكنت أحسبني والنجم في قرن ... ففيم أصبحت منحطاً إلى العفر أحين رف على الآفاق من أدبي ... غرس له من جناه يانع الثمر وسيلة سبب إلا تكن نسباً ... فهو الوداد صفا من غير ما كدر يا زهرة الزهر حياً وهو إن فنيت ... حياته زينة الآثار والسير لي في اعتمادك في التأميل سابقة ... وهجرة في الهوى أولى من الهجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 هل من سبيل، فماء العتب لي أسن ... إلى العذوبة من عتباك والخصر لا تله عني فلم أسألك معتسفاً ... رد الصبا غب إيفاء على الكبر فاشفع أكن مثل ممطور ببلدته ... جذلان بالوطن المألوف والمطر [قوله: قد استعار سواد القلب والبصر " لفظ المعري حيث يقول: يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر] وقوله: " هل الرياح بنجم الأرض عاصفة " ... البيت، معنى قد طوي ونشر، ومنه قول أبي تمام: إن الرياح إذ ما أعصفت قصفت ... عيدان نجد ولم يعبأن بالرتم بنات نعشٍ ونعش لا كسوف لها ... والشمس والبدر منها الدهر في الرقم وأخذه منه البحتري فقال: ولست ترى شوك القتادة خائفاً ... سموم الرياح الآخذات من الرند ولا الكلب محموماً وإن طال عمره ... ألا إنما الحمى على الأسد الورد وبيت البحتري الأخير من قول حبيب أيضاً: فإن تك قد نالتك أطراف وعكة ... فلا عجب قد يوعك الأسد الورد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وأخذه الأمير شمس المعالي، وننشد القطعة بجملتها: [قل للذي بصروف الدهر عيرنا: ... هل عاند الدهر إلا من له خطر أما ترى البحر تطفو فوقه جيف ... وتستقر بأقصى قعره الدرر] فإن تكن عبثت أيدي الزمان بنا ... ونالنا من تمادي بؤسه ضرر ففي السماء نجوم ما لها عدد ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر ومعنى بيت شمس المعالي الثاني من متداولات المعاني، منها قول ابن الرومي: دهر علا قدر الوضيع به ... وغدا الشريف يحطه شرفه كالبحر يرسب فيه لؤلؤه ... سفلاً وتطفو فوقه جيفه وقد كرره ابن الرومي في مواضع، منها قوله: قالت علا الناس إلا أنت قلت لها: ... كذاك يسفل في الميزان ما رجعا وقال المتنبي: ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتام وقول ابن زيدون: " حضرة غاب صرف الدهر خشيته ".. [البيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 مع الذي بعده، لم يخله من برد، ولا أقامه على ساق نقد، وخير منهما ما وصف من خبر التاجر] مع أبي دلف وقد مر به في مكان، فوطئ له طرف طيلسان، فقال له: يا أبا دلف، ليس هذا كرجك، هذه حضرة أمير المؤمنين، الشاة والذئب يشربان فيها من إناء واحد. ومن اللفظ المليح، الطيار الخفيف الروح، في هذا المعنى قول ابن عمار: وألف بين الظبي والذئب عدله ... فلا تجزعي أن زار ربعك ذيب وله أيضاً قصيدة فريدة خاطب بها ابن جهور، وهو تلك الحال من الاعتقال، أولها: ألم يأن أن يبكي الغمام على مثلي ... ويطلب ثاري البرق منصلت النصل وهلا أقامت أنجم الليل مأتماً ... لتندب في الآفاق ما ضاع من نبلي فلو أنصفتني وهي أشكال همتي ... لألقت بأيدي الذل لما رأت ذلي ولافترقت سبع الثريا وغاظها ... بمجمعها ما فرق الدهر من شملي لعمر الليالي إن يكن طال نزعها ... لقد قرطست بالنبل في مقتل النبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 تحلت بآدابي وإن مآربي ... لسانحة في عرض أمنية عطل أخص لفهمي بالقلى وكأنما ... يبيت لذي الفهم الزمان على ذحل وأجفى على نظمي لكل قلادة ... مفصلة السمطين بالمنطق الفصل ولو أنني أسطيع - كي أرضي العدا - ... شريت ببعض العلم حظاً من الجهل أمقتولة الأجفان مالك والهاً ... ألم ترك الأيام نجماً هوى قبلي - أقلي بكاء لست أول حرةٍ ... طوت بالأسى كشحاً على مضض الثكل وفي أن موسى عبرة إذ رمت به ... إلى اليم في التابوت فاعتبري واسلي ولله فينا علم غيب وحسبنا ... به عند جور الدهر من حكم عدل وإن رجائي في الهمام ابن جهور ... لمستحكم الأسباب مستحصد الحبل كريم عريق في الكرام وقلما ... يرى الفرع إلا مستمداً من الأصل يرف على التأميل لآلاء بشره ... كما رف لآلاء الحسام على الصقل ويغنى عن المدح اكتفاءً بسروه ... غنى المقلة الكحلاء عن زينة الكحل أبا الحزم إني في عتابك مائل ... على جانب تأوي إليه العلا سهل حمائم شكري صبحتك هوادلاً ... تناديك من أفنان آدابي الهدل جواد إذا استن الجياد إلى مدى ... تمطر فاستولى على أمد الخصل ثوى صافناً في مربط الهون يشتكي ... بتصهاله ما ناله من أذى الشكل أأن زعم الواشون ما ليس مزعماً ... تعذر في نصري وتعذر في خذلي - ولم أستثر حرب الفجار ولم أطع ... مسيلمة إذ قال إني من الرسل وإني لتنهاني نهاي عن التي ... أشار بها الواشي ويعقلني عقلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 أأنفقض فيك المدح من بعد قوةٍ ... فلا قتدي إلا بناقضة الغزل - هي النعل زلت بي فهل أنت مكذب ... لقيل الأعادي إنها زلة الحسل ألا إن ظني بين فعليك واقف ... وقوف الهوى بين القطيعة والوصل وإلا جنيت الأنس من وحشة النوى ... وهول السرى بين المطية والرحل سيعنى بما ضيعت مني حافظ ... ويلفى لما أرخصت من خطري مغلي وأين جواب منك ترضى به العلا ... إذا سألتني عنك ألسنة الحفل - ومعنى هذا البيت الأخير كقول الآخر: فاختر لنفسك ما أقول فإنني ... لابد أخبرهم وإن لم أسال وقوله: " ثوى صافناً في مربط الهون " كقول المتنبي: وإن تكن محكمات الشكل تمنعني ... ظهور جريٍ فلي فيهن تصهال قال القسطلي: وذو غرة معروفة السبق في المدى ... وقد قرح التحجيل من ألم الشكل وقوله: " ويغنى عن المدح اكتفاء بسروه " البيت، معنى متداول وينظر إليه قول القائل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وأعشق كحلاء المدامع خلقةً ... لئلا ترى في عينها منة الكحل وفي بني جهور يقول: بني جهورٍ أحرقتم بجفائكم ... جناني فما بال المدائح تعبق - تعدوني كالمندل الرطب إنما ... تطيب لكم أنفاسه حين يحرق وأراه توارد في هذين البيتين مع أبي علي ابن رشيق القيرواني حيث يقول: أراك اتهمت أخاك الثقه ... وعندك مقت وعندي مقه وأثني عليك وقد سؤتني ... كما طيب العود من أحرقه وأخذاه معاً من قول أبي تمام: لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود وأنشدني بعض أهل وقتنا وهو أبو مروان ابن شماخٍ لنفسه: نوائب غالتني فأبدت فضائلي ... فكانت وكنت النار والعنبر الوردا ولغيره: إن مست النار جسمي ... أبديت طيب نسيم كالدهر إن عض يوماً ... أبان فضل الكريم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وأبو الوليد ابن زيدون على كثير إحسانه كثير الاهتدام، في النثار والنظام. وكتب إلى الأديب أبي بكر ابن مسلم وهو مختف بقرطبة بعد فراره من السجن فصلاً من رقعة [يقول فيها] : أبدأ أولاً بشرح الضرورة الحافزة إلى ما صنعت، إذ بلغني أنك صدر اللائمين لي عليه، ومن أمثالهم: ويل للشجي من الخلي، وهان على الأملس ما لاقى الدبر. وأعاتبك على افنصالك عني، وبراءتك أمد المحنة مني، [عسى أن تتلاقى عوداً ما أضعت بدءاً، وإن كنت في ذلك كدابغة وقد حلم الأديم، ومنفعة الغوث قبل العطب، وفي علمك أني سجنت مغالبةً بالهوى، وهو أخو العمى، وقد نهى عنه تعالى فقال: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} (ص: 26) الآية. وشهد علي فلان الناشر أذنيه طمعاً، ليأكل بيديه جشعاً، قال، وكان القول ما قالت حذام؛ وليت مع قبول من لا تجهل شهادته علي يعذر فيه إليّ، ولم يقرن الحشف بسوء الكيلة. وكنت أول حبسي بموضعٍ جرت العادة فيه وضع مستوري الناس وذوي الهيئات منهم، وفي الشر خيار، وبعضه أهون من بعض. ثم نقلت بعد إلى حيث الجناة المفسدون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 واللصوص المقيدون، ومنع مني عوادي، فشكوت إلى الحاكم الحابس لي، فصم عني، ولو ذات سوارٍ لطمتني: وإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيفٍ ولم يغلبك مثل مغلب] فلم استطع صبراً، وعلمت أن العاجز من لا يستبد، والمرء يعجز لا المحالة، ولم أستجز أن أكون ثالث الأذلين: العير والوتد. وذكرت أن الفرار من الظلم، والهرب ممن لا يطاق، من سنن المسلمين، وقد قال تعالى على لسان موسى: {ففررت منكم لما خفتكم} (الشعراء: 21) فنظرت في مفارقة الوطن، إذ قديماً ضاع الفاضل في وطنه، وكسد العلق الغبيط في معدنه، كما قال: أضيع في معشري وكم بلدٍ ... يعود عود الكباء من حطبه واستخرت الله في إنفاذ العزم، وأنا الآن بحيث أمنت بعض الأمن، إلا أن السعي لم يرتفع، ومادة البغي لم تنقطع. وختم رسالته بهذا النظم: شحطنا وما للدار نأي ولا شحط ... وشط بمن نهوى المزار وما شطوا أأحبابنا ولت بحادث عهدنا ... حوادث لا عهد عليها ولا شرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 لعمركم إن الزمان الذي قضى ... بشت جميع الشمل منا لمشتط وما شوق مقتول الجوانح بالصدى ... إلى نطفة زرقاء أضمرها وقط بأبرح من شوقي إليكم ودون ما ... أريد المنى منه القتادة والخرط وفي الربرب الإنسي أحوى كناسه ... نواحي ضميري لا الكثيب ولا السقط ألا هل أتى الفتيان أن فتاهم ... فريسة من يعدو ونهزة من يسطو - وأن الجواد الفائت الشأو صافن ... تخونه شكل وأزرى به ربط - عليك أبا بكر بكرت بهمة ... لها الخطر العالي، وإن نالها حط أبي بعد ما هيل التراب على أبي ... ورهطي فذاً حين لم يبق لي رهط لك النعمة الخضراء تندى ظلالها ... علي ولا جحد لدي ولا غمط ولولاك لم تقدح زناد قريحتي ... فينتهب الظلماء من نارها سقط هرمت وما للشيب وخط بمفرقي ... ولكن لشيب الهم في كبدي وخط وطاول سوء الحال نفسي فأذكرت ... من الروضة الغناء طاولها القحط ولما انتحوني بالتي لست أهلها ... ولم يمن أمثالي بأمثالها قط فررت فإن قالوا الفرار إرابة ... فقد فر موسى حين هم به القبط وإني لراج أن تعود كبدئها ... لي الشيمة الزهراء والخلق السبط فما لك لا تخصني بشفاعة ... يلوح على دهري لميسمها علط - كأن أول هذه القصيدة ناظر إلى قول راشد أبي حكيمة حيث يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 ومستوحش لم يمس في أرض غربة ... ولكنه ممن يحب غريب [وقال الآخر: فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى ... ولكن من تنأين عنه غريب ويناسبه أيضاً قول المتنبي: إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ... ألا تفارقهم فالراحلون هم وقوله: " هرمت وما للشيب " ... البيت، ناقص عن قول المتنبي: إلا يشب فلقد شابت له كبد ... شيباً إذا خضبته سلوة نصلا وقوله: " وإن الجواد "، كقول أبي الطيب أيضاً: وما في طبه أني جواد ... أضر بجشمه طول الجمام وقد كرر هذا المعنى أبو الطيب في مواضع من شعره، وكلف به وشغف، وصرف الكلام فيه فتصرف، وقد تقدم إنشاده. ومنه أيضاً قول عبد الجليل، المرسى للمعتمد بن عباد: أتتك على خلائقها جيادي ... وإن كان الضياع لها شكالا وكتب من سجنه إلى أبي حفص ابن برد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 ما على ظني باس ... جرح الدهر وياسو ربما أشرف بالمر ... ء على الآمال ياس ولقد ينجيك إغفا ... ل ويرديك احتراس والمحاضير سهام ... والمقادير قياس يا أبا حفص وما سا ... واك في فهم إياس من سنا رأيك لي في ... ظلم الخطب اقتباس وودادي لك نص ... لم يخالفه القياس أذؤب هامت بلحمي ... فالتهام وانتهاس كلهم يسأل عن حا ... لي وللذئب اعتساس يلبد الورد السبنتى ... وله بعد افتراس إن أكن أصبحت محبو ... ساً فللغيث احتباس فتأمل كيف يغشى ... مقلة المجد النعاس ويفت المسك في التر ... ب فيوطا ويداس لا يكن عهدك ورداً ... إن عهدي لك آس وأدر ذكري كاساً ... ما امتطت كفك كاس فعسى أن يسمح الده ... ر فقد طال الشماس قوله: " يلبد الورد السنتى " ... البيت، كقول النابغة: وقلت يا قوم إن الليث منقبض ... على براثنه للوثبة الضاري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 وأخذه ابن الرومي فقال: سكنت سكوناً كان رهناً بوثبةٍ ... عماس كذاك الليث للوثب يلبد وقوله: " لا يكن عهدك ورداً " من قول العباس بن الأحنف: لا تجعلي وصلنا كالورد حين مضى ... ذا طلعة وأديمي الود كالآس وكرره العباس في موضع آخر فقال: ولكنني شبهت بالورد عهدها ... وليس يدوم الورد دائم @ما أخرجته من شعر ابن زيدون في النسيب وما يناسبه قال من قصيدة طويلة: بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم ... رأياً ولم نتقلد غيره دينا نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسينا حالت لفقدكم أيامنا فغدت ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالنا إذ جانب العيش طلق من تألفنا ... ومورد اللهو صاف من تصافينا وإذ هصرنا غصون الوصل دانية ... قطوفها فجنينا منه ما شينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 ليسق عهدكم عهد السرور فما ... كنتم لأيامنا إلا رياحينا لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا ... أن طالما غير النأي المحبينا والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً ... منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا يا ساري البرق غاد القصر فاسق به ... من كان صرف الهوى والود يسقينا ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا ... من لو على البعد حيا كان يحيينا ربيب ملك كأن الله أنشأه ... مسكاً وقدر إنشاء الورى طينا إذا تأود آدته رفاهيةً ... توم العقود وأدمته البرى لينا كانت له الشمس ظئراً في أكلته ... بل ما تجلى لها إلا أحايينا يا روضة طالما أجنت لواحظنا ... ورداً جلاه الصبا غضاً ونسرينا ويا حياةً تملينا بزهرتها ... منى ضروباً ولذات أفانيننا يا جنة الخلد أبدلنا بسلسلها ... والكوثر العذب زقوماً وغسلينا كأنن لم نبت الوصل ثالثنا ... والسعد قد غض من أجفان واشينا سران في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا إنا قرأنا الأسى عند النوى سوراً ... مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا أما هواك فلم نعدل بمنهله ... شرباً وإن كان يروينا فيظمينا لم أنجف أفق جمال أنت كوكبه ... سالين عنه ولم نهجره قالينا ولا اختياراً تجنبناه عن كثب ... لكن عدتنا على كره عوادينا نأسى عليك وقد حثت مشعشعة ... فينا الشمول وغنانا مغنينا لا أكؤس الراح تبدي من شمائلنا ... سيما ارتياح ولا الأوتار تلهينا دومي على الوصل - ما دمنا - محافظةً ... فالحر من دان إنصافاً كما دينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 فما استعدنا خليلاً عنك يصرفنا ... ولا استفدنا حبيباً عنك يسلينا [ولو صبا نحونا من علو مطلعه ... بدر الدجى لم يكن - حاشاك - يسبينا] أبلي وفاءً وإن لم تبذلي صلةً ... فالذكر يقنعنا والطيف يكفينا وفي الجواب متاع إن شفعت به ... بيض الأيادي التي ما زلت تولينا [عليك مني سلام الله ما بقيت ... صبابة بك نخفيها فتخفينا] وهذه القصيدة بجملتها فريدة، وقد عارضه فيها جماعة قصروا عنه، منهم أبو بكر ابن الملح، فإنه نازعه فيها الراية، فقصر عن الغاية، حيث يقول من قصيدة أولها: هل يسمع الربع شكوانا فيشكينا ... أو يرجع القول مغناه فيغنينا ثم استمر في غزلها واسحنفر فقال: يا باخلين علينا أن نودعكم ... وقد بعدتم عن اللقيا فحيونا قفوا نزركم وإن كانت فوائدكم ... نزراً ومنكم بالوصل ممنونا سترتم الوصل ضناً لا فقدتكم ... فكان بالوهم موجوداً ومظنونا سرى من المسك عن مسراكم خبر ... يعيد عهد هواكم نشره فينا أيام بدركم يحيي ليالينا ... قرباً وظبيكم يرعى بوادينا مهلاً فلم نعتقد دين الهوى تبعاً ... ولا قرأنا صحيف الحسن تلقينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ومنها: قد انصرف القول يغوينا ويرشدنا ... ونترك الدار تشجينا وتسلينا ونتبع الحي والأشواق محرقة ... نحوم بالماء وارماح تحمينا كواكب في سماء النقع قد جعلت ... لنا رجوماً وما كنا شياطينا قول ابن زيدون: " وإن كان يروينا فيظمينا " معنى متداول، ومن أشهره قول ابن الرومي: ريق إذا ما ازددت من شربه ... رياً ثناني الري ظمآنا كالخمر أروى ما يكون الفتى ... من شربها أعطش ما كانا وقال ابن الرومي أيضاً فيما يناسبه من بعض الوجوه: يا رب ريق بات بدر الدجى ... يعله بين ثناياكا يروي ولا ينهاك عن شربه ... والماء يرويك وينهاكا وأشبه به ما أنشده الثعالبي: كرضاب الحبيب يشفي عليلا ... ثم ينشي إلى المزيد غليلا وقوله: " سران في خاطر الظلماء " ... البيت [مما زاد فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 لمليح الاستعارة على قول أبي الطيب: أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي] على أن أبا الطيب أجاد فيه ما أراد، وكرره في مواضع من شعره كقوله: وكم لظلام الليل عندك من يدٍ ... تخبر أن المانوية تكذب وإنما أخذه من مصراعٍ لابن المعتز حيث يقول: فالشمس نمامة والليل قواد ... وكل من إلى هذا المعنى أشار، فحوالي المثل دار، وهو قولهم: الليل أخفى للويل. وله من أخرى: في أثر نزهة كانت له بمدينة الزهراء: غني ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا وللنسيم اعتلال في أصائله ... كأنه رق لي فاعتل إشفاقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 والروض عن مائه الفضي مبتسم ... كما حللت عن اللبات أطواقا لا سكن الله قلباً عن ذكركم ... فلم يطر بجناح الشوق خفاقا لو شاء حملي نسيم الريح حين سرى ... وافاكم بفتىً أضناه ما لاقى يا علقي الأخطر الأسنى الحبيب إلى ... قلبي إذا ما اقتنى الأحباب أعلاقا الآن أحمد ما كنا لعهدكم ... سلوتم وبقينا نحن عشاقا قوله: " وللنسيم اعتلال في أوصائله " .... البيت، أراه ألم فيه يقول ابن المعتز: والريح تجذب أطراف الثياب كما ... أفضى الشفيق إلى تنبيه وسنان وقلبه الرضي فقال: وأمست الريح كالغيرى تجاذبنا ... على الكثيب فضول الربط واللمم وأحسب الفرزدق أبا عذرته، وواسم غرته، بقوله: وركبٍ كأن الريح تطلب عندهم ... لها ترةً من جذبها بالعصائب ومد أطناب المعنى بالبيت الآخر حيث يقول: سروا يخبطون الريح وهي تلفهم ... إلى شعب الأكوار ذات الحقائب وقوله: " سولتم وبقينا نحن عشاقاً " يناسب قول الآخر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 أشكو الذين أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا قال ابن بسام: والشيء يذكر بالشيء وإن لم يكن من المنهاج، ولابد مع ذكر المعترضات من المعاج: قرأت في كتاب " أخبار بغداد " لابن طاهر، قال محمد بن عبدوس الفارسي: سرت يوماً إلى ابن الجهم فأنشدني لنفسه في العناق: ألا رب ليلٍ ضمنا بعد هجعة ... وأدنى فؤاداً من فؤاد معذب وبتنا جميعاً لو تراق زجاجة ... من الراح فيما بيننا لم تسرب فاقتدح زندي لإبراء مثله، فأطرقت وقلت: لا والمنازل من نجد وليلتنا ... بفيد إذ جسدانا بيننا جسد كم رام فينا الكرى في لطف مسلكه ... يوماً فما أنفك لا خد ولا عضد ما أنصفوني دعوني فاستجبت لهم ... حتى إذا قربوني منهم بعدوا أردت هذا البيت. وقوله: " لو شاء حملي نسيم الريح " ... البيت، كقول المجنون وهو أحسن ما قيل في النحافة، على زعم المبرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 إلا إنما غادرت يا أم مالكٍ ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب وقال المتنبي: كفى بجسمي نحولاً أنني رجل ... لولا مخاطبتي إياك لم ترني وقال الخبز أرزي: أنحلني الحب فلو زج بي ... في مقلة النائم لم ينتبه وله من أخرى، وكتب بها من بطليوس أيام تكرره عليها، وهي من غرر نظامه، وحر كلامه: يا دمع صب إن شئت أن تصوبا ... ويا فؤادي آن أن تذوبا إن الرزايا أصبحت ضروباً ... لم أر لي في أهلها ضريبا قد ملأ الشوق الحشا ندوباً ... في الغرب أن رحت به غريبا عليل دهر ضامني تعذيبا ... أدنى الضنى إذ أبعد الطبيبا ليت القبول أحدثت هبوبا ... ريح يروح عهدها قريبا بالأفق المهدي إلينا طيباً ... تعطرت منه الصبا جيوبا يبرد حر الكبد المشبوبا ... يا متبعاً إساده التأويبا مشرقاً قد سئم التغريبا ... أما سمعت المثل المضروبا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 أرسل حليماً واستشر لبيبا ... إذا أتيت الوطن الحبيبا والجانب المستوضح العجيبا ... والحاضر المنفسح الرحيبا فحي منه ما أرى الجنوبا ... مصانع تجاذب القلوبا حيث ألفت الرشأ الربيبا ... مخالساً في وصله الرقيبا كم بات بدري ليله الغربيبا ... لما انثنى في سكره قضيبا يشدو حمام عقده تطريبا ... هصرته حلو الجنى رطيبا أرشف منه المبسم الشنيبا ... حتى إذا ما اعتن لي مريبا شباب أفق هم أن يشيبا ... بادرت سعياً هل رأيت الذيبا - أهاجري أم موسعي تأنيبا ... من لم أسغ من بعده مشروبا ما ضره لو قال: لا تثريبا ... فلا ملام لحق المغلوبا قد طال ما تجرم الذنوبا ... ولم يدع في العذر لي نصيبا إن قرت العين بأن أؤوبا ... لم آل أن أسترضي الغضوبا قد ينفع المذنب أن يتوبا ... قوله: " هل رأيت الذيبا - " أخذه من قول الراجز يصف، لبناً ممذوقاً: جاءوا بضيح هل رأيت الذئب قط - ... وهذا التشبيه عند أهل النقد نوع من أنواع الإشارة، لأنه أشار إلى تشبيه لونه بالماء الذي غلب على اللبن فصار كلون الذئب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وقال من أخرى: وضح الحق المبين ... ونفى الشك اليقين ورأى الواشون ما غر ... تهم منه الظنون أملوا ما ليس يمنى ... ورجوا ما لا يكون وتمنوا أن يخون ال ... عهد مولى لا يخون فإذا الغيب سليم ... وإذا الود مصون قل لمن دان بهجري ... وهواه لي دين: يا جواداً بي إني ... بك والله ضنين أرخص الحب فؤادي ... لك والعلق ثمين يا هلالاً تتراءا ... هـ نفوس لا عيون عجباً للقلب يقسو ... منك والقد يلين ما الذي ضرك لو سر ... بمرآك الحزين - وتلطفت بصب ... حينه فيك يحين فوجوه اللفظ شتى ... والمعاذير فنون وقال أيضاً: صحت فصح بها السقيم ... ريح معطرة النسيم مقبولة هبت قبو ... لاً فهي تعبق بالشميم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 إيهاً أبا عبد الإل ... هـ نداء مغلوب العزيم إن عيل صبري من فرا ... قك فالعذاب به أليم الله يعلم أن حب ... ك من فؤادي في الصميم ولئن تحمل عنك بي ... جسم فعن قلب مقيم قل لي: بأي خلال سر ... وك قبل أفتن أو أهيم أبمجدك العمم الذي ... نسق الحديث مع القديم - أم بالدائع كاللآ ... لي من نثير أو نظيم - إن أشمست منك الطلا ... قة فالندى عنها مغيم وبلاغة إن عد أه - ... لوها فأنت لهم زعيم إن الذي قسم الحظو ... ظ حباك بالحظ العظيم قوله: " ولئن تحمل عنك بي جسم " ... البيت، معنى مشهور أنشدت فيه لبعضهم: أقول له حين ودعته ... وكل بعبرته ملبس: لئن رجعت عنك أجسامنا ... لقد سافرت معك الأنفس وفي قريب منه، وإنما أنشدته لحسنه، ولكون هذا المعنى فرعاً من غصنه، قول الآخر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 حملتك في قلبي فهل أنت عالم ... بأنك محمول وأنت مقيم - ألا إن شخصاً في فؤادي محله ... وأشتاقه شخص علي كريم وقال أيضاً: يا ليل طل لا أشتهي ... إلا كعهد قصرك لو بات عندي قمري ... ما بت أرعى قمرك وقال أيضاً: ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك يا أخا البدر سناءً وسناً ... حفظ الله زماناً أطلعك إن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك وقال: بيني وبيمك ما لو شئت لم يضع ... سر إذا ذاعت الأسرار لم يذع يا بائعاً حظه مني ولو بذلت ... لي الحياة بحظي منه لم أبع يكفيك أنك إن حملت قلبي ما ... لا تستطيع قلوب الناس يستطع ته أحتمل واستطل أصبر وعز أهن ... وول أقبل وقل أسمع ومر أطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 أراه احتذى في هذا البيت مذهب أبي العميثل الأعرابي: فاصدق وعف وفه وأنصف واحتمل ... واصفح ودار وكاف واحلن واشجع والطف ولن وتأن واحلم واتئد ... واحزم وجد وحام واحمل وادفع وكقول ديك الجن: احل وامرر وضر وانفع ولن واخ ... شن ورش وابر وانتدب للمعالي وهذا الباب صنعه المولدون وعدوه تقسيماً وتقطيعاً وتبعهم المتنبي فقال: أقل أنل أقطع احمل عل سل أعد ... زدهش بش تفضل أدن سر صل ثم زاد أبو الطيب في هذا وتباعض حتى قال: عش ابق اسم سد قد جد مر انه رف اسر نل ... بيته المعروف، وأحسن لعمري ابن زيدون في هذا التقسيم، ودفع بالحديث في صدر القديم، ولو قرع سمع أبي منصور، بما في تضاعيف هذا التصنيف من الشذور، لما كان عنده ابن وشمكير بمذكور، ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 أغرب بغرائب الصاحب، ولا ببديع البديع. ومن شعر ابن زيدون في النسيب السائر الغريب، الطيار المليح، الخفيف الروح، قوله: أما رضاك فشيء ما له ثمن ... لو كان سامحني في ملكه الزمن تبكي فراقك عين أنت ناظرها ... قد لج في هجرها عن هجرك الوسن إن الزمان الذي عهدي به حسن ... قد حال مذ غاب عني وجهك الحسن والله ما ساءني أني خفيت ضنىً ... بل ساءني أن سري في الهوى العلن لو كان أمري في كتم الهوى بيدي ... ما كان يعلم ما في قلبي البدن وهذا البيت الأخير، إلى معنى صريع الغواني يشير: فقلت: قلبي مكاتم جسدي ... ولو درى لم يقم به السمن وهذا البيت الرابع منها ناظر إلى قول الآخر: والله ما جزعي نفسي وإن هلكت ... وإنما جزعي ما سر حسادي وقال من أخرى: أنت معنى الضنى وسر الضلوع ... وسبيل الهوى وقصد الدموع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 أنت والشمس ضرتان ولكن ... لك عند الغروب فضل الطلوع ليس بالمؤيسي تكلفك العت ... ب دلالاً من الرضى المطبوع إنما أنت، والحسود معنى ... كوكب يستقيم بعد الرجوع وقال أيضاً: غريب بأرض الشرق يشكر للصبا ... تحملها مني السلام إلى الغرب وما ضر أنفاس الصبا في احتمالها ... سلام فتىً يهديه جسم إلى قلب وهذا منقول من قول العباس بن الأحنف حيث يقول: تالله ما شطت نوى ظاعنٍ ... سار من العين إلى القلب وقال أيضاً: سأحب أعدائي لأنك منهم ... يا من يصح بمقلتيه ويسقم أصبحت تسخطني وأمنحك الرضى ... جوراً وتظلمني ولا أتظلم يا من تألف ليله ونهاره ... فالحسن بينهما مضي مظلم قد كان في شكوى الصبابة راحة ... لو أنني أشكو إلى من يرحم أول مصراع من هذه المقطوعة مقتطع من قول أبي الشيص: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم وكذلك قوله فيها: " يا من تألف ليله ونهاره " ... البيت، مقتضب من قول أبي الطيب: الحزن يقلق والتجلد يردع ... والدمع بينهما عصبي طيع @ما أخرجته من شعر ابن زيدون في المدائح @مع ما يتشبث به من سائر الأوصاف قال من قصيدة: أما في نسيم الريح عرف معرف ... لنا هل لذات الوقف بالجزع موقف فتقضني أوطار المنى من زيارة ... لنا كلف منها بما نتكلف ضمان علينا أن تزار ودونها ... رقاق الظبا والسمهري المثقف وقوم عدى يبدون عن صفحاتهم ... وأزهرها من ظلمة الحقد أكلف يودون لو يثني الوعيد زماعنا ... وهيهات ريح الشوق من ذاك أ " صف وفي السيراء الرقم وسط قبابهم ... بعيد مناط القرط أحور أوطف وليلة وافينا الكثيب لموعد ... سرى الأيم لم يعلم لمسراه مزحف تهادى أناة الخطو مرتاعة الحشا ... كما ريع يعفور الفلا المتشوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 فما الشمس رق الغيم دون أياتها ... سوى ما أرى ذاك الجبين المنصف قعيدك أنى زرت، نورك فاضح ... وعطرك نمام، وحليك مرجف هيبك اغتررت الحي واشيك هاجع ... وفرعك غربيب، وليلك أغضف فأنى اعتسفت الهول خطوك مدمج ... وردفك رجراج وخصرك مخطف لجاج تمادي الحب في المعشر العدا ... وأم الهوى الأفق الذي فيه نشنف كفانا من الوصل التحية خلسةً ... فيومئ طرف أو بنان مطرف وإني ليستهويني البرق صبوة ... إلى برق ثغر إن بدا كاد يخطف وما ولعي بالراح إلا توهم ... لظلم به كالراح لو يترشف ويذكرني العقد المرن جمانه ... مرنات ورق في ذرى الأيك هتف فما قبل من أهوى طوى البدر هودج ... ولا ضم رئم القفر خدر مسجف ولا قبل عباد حوى البحر مجلس ... ولا حمل الطود المعظم رفرف وهذا بيت القسطلي بجملته حيث يقول في ابن أبي عامر: وكيف استوى بالبر والبحر مجلس ... وقام بعبء الراسيات سرير - وفيها يقول ابن زيدون: هو الملك الجعد الذي في ظلاله ... تكف صروف الحادثات وتصرف رويته في الحادث الإد لحظة ... وتوقيعه الجالي دجى الخطب أحرف طلاقة وجه في مضاء كمثل ما ... يروق فرند السيف والحد مرهف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 على السيف من تلك الصرامة ميسم ... وفي الروض من تلك اللطافة زخرف أظن الأعادي أن حزمك نائم - ... لقد تعد الفسل الظنون فتخلف ومنها: ولما قضينا ما عنانا أداؤه ... وكل بما يرضيك داع فملحف رأيناك في أعلى المصلى كأنما ... تطلع من محراب داود يوسف ولما حضرنا الأذن والدهر خادم ... تشير فيمضي والقضاء مصرف وصلنا فقبلنا الندى منك في يد ... بها يتلف المال الجسيم ويخلف ولولاك لم يسهل من الدهر جانب ... ولا ذل مقتاد ولا لان معطف لك الخير أنى لي بشكرك نهضة ... وكيف أؤدي فرض ما أنت مسلف - أنرت بهيم الحال مني غرةً ... يقابلها طرف الحسود فيطرف قوله: " وما ولعي بالراح " ... البيت، أراه قلب قول أبي الطيب: وما شرقي بالماء إلا تذكراً ... لماء به أهل الحبيب نزول وقوله: " ويذكرني العقد المرن " ... البيت، نسخة من قول أبي تمام ونقص عنه: وبالحلي إن قامت ترنم فوقها ... حماماً إذا لاقى حماماً ترنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وقوله: " طلاقة وجه " ... البيت، معنى مشهور، وهو في شعرهم كثير، ومنه قول البحتري: ويحسن دلها والموت فيه ... كم يستحسن السيف الصقيل وزاد فيه بعض أهل عصري زيادة مليحة فقال: مضاء كحد السيف لدناً مهزه ... يكفكفه حلم كحاشية البرد وقوله: " ولما حضرنا الإذن " ... البيت، مع الذي بعده، أرى أبا الوليد احتذى فيه حذو الوليد في أبيات أنشدها لحسنها، وهي من أحسن ما قيل في الهيبة: ولما حضرنا سدة الإذن أخرت ... رجال عن الباب الذي أنا داخله فأفضيت من قرب إلى ذي مهابة ... أقابل بدر التم حين أقابله كما انتصب الرمح الرديني ثقفت ... أنابيبه واهتز للطعن عامله وكالبدر وافته لتم سعوده ... وتم سناه واستهلت منازله فسلمت فاعتاقت جناني هيبة ... تنازعني القول الذي أنا قائله فلما تأملت الطلاقة وانثنى ... إليّ ببشر آنستني مخايله دنوت فقبلت الندى من يد امرئ ... كريم محياه سباط أنامله صفت مثل ما تصفو المدام خلاله ... ورقت كما رق النسيم شمائله وقول ابن زيدون: " وصلنا فقبلنا الندى منك في يد " ... البيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 معنى مليح، ولفظ صحيح، إلا أنه كما تراه، لفظ بيت البحتري ومعناه. ويقول بعض أدبائنا إن ابن زيدون بحتري زماننا وصدقوا، لأنه حذا حذو الوليد، إلا أن أبا الوليد في بعض قصائده كابن حميد سعيد. وقال بعض أهل عصرنا وهو أبو محمد ابن سارة الشنتريني من جملة أبيات: وإن فمي يصافح راحتيه ... فيعرف فيهما عرف السياده وقال بعض أهل العصر: ولثمت يمناه فأعيا حسدي ... أأنا لثمت العارض المثعنجرا - وقال ابن زيدوزن من جملة قصيدة: يا أيها الملك الذي تدبيره ... أضحى لمملكة الزمان ملاكا أعرض عن الخطرات إنك إن تشأ ... تكن النجوم أسنة لقناكا هصر النعيم بعطف دهرك فانثنى ... وجرى الفرند بصفحتي دنياكا دنيا لزهرتها شعاع مذهب ... لو كان وصفاً كان بعض حلاكا فتجل في فرش الكرامة ناعماً ... واعقد بمرتبة السرور حباكا وأطل إلى شدو القيان إصاخةً ... وتلق مترعة الكؤوس دراكا لك أريحية ماجد إن تعترض ... في لهو راحك تستهل لهاكا من كان يعلق في خلال ندامه ... ذم ببعض خلالخ فخلاكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 أسبوع أنس محدث لي وحشةً ... علماً بأني لست فيه أراكا وأنا المعذب غير أني مشعر ... ثقةً بأنك ناعم فهناكا أنى أقوم بشكر طولك بعد ما ... ملأت من الدنيا يدي يداكا بردت ظلال ذراك واحلولى جنى ... نعماك لي، وصفت جمام نداكا وله من أخرى في ابن جهور أولها: هذا الصباح على سراك رقيبا ... فصلي بفرعك ليلك الغربيبا ولديك أمثال النجوم قلائد ... ألفت سماءك لبةً وتريبا يقول فيها: لينب عن الجوزاء قرطك كلما ... جنحن بفرعك جناحها تغريبا وإذا الوشاح تعرضت أثناؤه ... طلعت ثريا لم تكن لتغيبا ولطالما أبديت إذ حييتنا ... كفاً هي الكف الخضيب خضيبا أظنينةً دعوى البراءة شأنها ... أنت العدو فلم دعيت حبيبا - ما الهجر إلا البين إلا أنه ... لم يشح فاه به الغراب نعيبا ومنها في المدح: متمرس بالدهر يقعد صرفه ... إن قام في نادي الخطوب خطيبا لا يوسم الرأي الفطير به ولا ... يعتاد إرسال الكلام قضيبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 بسام ثغر السن إن عقد الحبا ... فرأيت وضاحاً هناك مهيبا ملأ النواظر صامتاً ولربما ... ملأ المسامع سائلاً ومجيبا إن الجهاورة الملوك تبوأوا ... شرفاً جرى معه السماك جنيبا فإذا دعوت وليدهم لعظيمةٍ ... لباك رقراق السماح أديبا همم تعاقبها النجوم وقد تلا ... في سؤدد منها العقيب عقيبا ومحاسن تندى رقائق ذكرها ... فتكاد توهمك المديح نسيبا كان الوشاة، وقد منيت بإفكهم ... أسباط يعقوب وكنت الذيبا قوله: " فصلي بفرعك ليلك الغربيبا "، من قول أبي الطيب: كشفت ثلاث ذوائب من شعرها ... في ليلةٍ فأرت ليالي أربعا وقال التهامي: وتود لو جعلت سواد قلوبها ... وسواد عينيها سواد عذاري ومنه قول المعري وقد تقدم: يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر وقال محمد بن هانئ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 قد أظلموا بالدهم منها فجرهم ... فتكدرت شمس النهار تغضبا واستأنفوا بشياتها فجراً فلو ... عقدوا نواصيها أعادوا الغيهبا وقوله: " فتكاد توهمك المديح نسيبا " ... البيت، من قول حبيب: طاب في المديح والتذ حتى ... فاق وصف الديار والتشبيبا وقوله: " ملأ النواظر صامتاً " ... البيت، من قوله أيضاً: فاسألنها واجعل بكاك جواباً ... تجد الشوق سائلاً ومجيبا وينظر إلى هذا المعنى من بعض الوجوه لفظ أبي الطيب حيث يقول في ابن العميد: فدعاك حسدك الرئيس وأمسكوا ... ودعاك خالقك الرئيس الأكبرا خلفت صفاتك في العيون كلامه ... كالخط يملأ مسمعي من أبصرا ويلمح أيضاً هذا المعنى قول أبي نواس، على ما فسره بعض الناس: ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وهذا التفسير فيه، أضعف الوجوه. وبيت ابن شرف أشبه من هذا كله ببيت ابن زيدون، وهو قوله يمدح صاحب القيروان: سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل وقال ابن زيدون من أخرى: أما وألحاظٍ مراضٍ صحاح ... وتصبي وأعطاف نشاوى صواح لفاتنٍ بالحسن في خده ... ورد وأثناء ثناياه راح لم أنس إذ باتت يدجي ليلةٍ ... وشاحه اللاصق دون الوشاح لأصفين المرتضى جهوراً ... عهداً لروض الحسن عنه افتضاح بشرت آمالي بتأميله ... فما عداني منه فوز القداح لم أشيم البرق جهاماً ولم ... أقتدح النار بزند شحاح يا مرشدي جهلاً إلى غيره ... أغنى عن المصباح ضوء الصباح ذو باطن أقبس نور التقى ... وظاهر أشرب ماء السماح إيه أبا الحزم اهتبل غرةً ... ألسنة الدهر عليها فصاح لا طار لي حظ إلى غايةٍ ... إن لم أكن منك مريش الجناح عتباك بعد العتب أمنية ... ما لي على الدهر سواها اقتراح لم يثنني عن أمل ما جرى ... قد يرقع الخرق وتوسى الجراح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 اشفع فللشافع نعمى بما ... سناه من عقد وثيق النواح إن سحاب الأفق منها الحيا ... والحمد في تأليفها للرياح قوله: " وشاحه اللاصق " ... البيت، معنى متداول، ومن أقربه عصراً قول النحلي من أهل وقتنا: إن العزيز علي خصرك إنه ... بالردف حمل منه ما لا يحمل فخذي له جسمي مكان وشاحه ... إن العليل بشكله يتعلل وقال ابن زيدون من أخرى في بني جهور عند نكبة بني ذكوان: لولا بنو جهور ما أشرقت هممي ... هم الملوك ملوك الأرض دونهم> ... كمثل بيض الليالي دونها الدرع قوم متى تحتفل في وصف سؤددهم ... لا يأخذ الوصف إلا بعض ما يدع أبو الوليد قد استوفى مناقبهم ... فللتفاريق منها فيه مجتمع مهذب أخلصته أوليته ... كالسيف بالغ في إخلاصه الصنع إن السيوف متى ما طاب جوهرها ... في أول الطبع لم يعلق بها الطبع [ومنها في عتابه أيضاً] : قل للوزير الذي تأميله وزري ... إن ضاق مضطرب أو هال مضطلع: أصخ لهمس عتابٍ تحته مقة ... تكلف النفس فيه فوق ما تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 ما للمتات الذي أحصفت عقدته ... قد خامر القلب من تضييعه جزع - لا تستجز وضع قدري بعد رفعكه ... فالله لا يرفع القدر الذي تضع إن الألى كنت من قبل افتضاحهم ... مثل الشجى في لهاهم ليس ينتزع تلك العرانين لم يصلح لها شمم ... فكان أهون ما نيلت به الجدع أودعت نعماك منهم شر مغترس ... لن يكرم الغرس حتى تكرم البقع قوله: " إن السيوف إذا ما طاب جوهرها " ... البيت، ينظر من لحظ مريب، إلى قول حبيب: والسيف ما لم يلف فيه صقيل ... من سنخه لم ينتفع بصقال وله من أخرى يهنئ المعتضد عباداً بهزيمة ابنه إسماعيل لابن الأفطس، وقتل ولد إسحاق بن عبد عبد الله في تلك الحرب: ليهن الهدى إنجاح سعيك في العدا ... وأن راح صنع الله نحوك أو غدا وبشرك دنيا غضة العهد طلقة ... كما ابتسم النوار عن أدمع الندى دعوت فقال النصر لبيك ماثلاً ... ولم تك كالداعي يجاوبه الصدى وأحمدت عقبى الصبر في درك المنى ... كما بلغ الساري الصباح فأحمدا ولما اعتمدت الله كنت مؤهلا ... لديه بأن تحمى وتكفى وتعضدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وجدناك إن ألقحت سعياً نتجته ... وغيرك شاو حين أنضج رمدا سل الخائن المغتر كيف احتقابه ... مع الدهر عاراً بالفرار مخلدا رأى أنه أضحى هزبراً مصمماً ... فلم يعد أن أمسى ظليماً مشردا وهذا منقول من قول أبي الطيب: فأتيت معتزماً ولا أسد ... ومضيت منهزماً ولا وعل رجع: يود إذا ما جنه الليل أنه ... أقام عليه آخر الدهر سرمدا لبئس الوفاء استن في ابن عقيده ... عشية لم يصدره من حيث أوردا وأصبح يبكيه المصاب بثكله ... بكاء لبيد حين فارق أربدا ونلمع من أخبار هذه الوقعة بلمعة: قال أبو مروان: وفي سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة أوقع ابن عباد بابن الأفطس إلى جنب يابرة؛ وكان سبب هذه الحرب أن فتح بن يحيى صاحب لبلة يومئذ حليف ابن الأفطس وإلى عباداً لضرورةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 فكاشفه ابن الأفطس وخانه فيما كان ائتمنه من ماله الصامت، عندما حمله إليه وديعةً وقت تورطه في حرب عبادٍ قبل؛ وانبتت بينهما العصمة، وأرسل ابن الأفطس في ذلك الوقت خيله للضرب على ابن يحيى فاستغاث عباداً، فأرسل إليه خيلاً منتقاةً، فلحقت الخيل الأفطسية وهي قد شنت الغارة على لبلة، فكرت عليهم إذ كانوا ضعفهم، واسترسلوا في اتباع العباديين ولا يشعرون، فإذا بعباد بجملته في كيمنٍ قد خرج إثرهم، قد هشوا وولوا الأدبار فركبهم السيف، وبذل عباد المال في رؤوسهم وكانت نقاوة خيل ابن الأفطس وأبطال رجاله، فجز لعبادٍ من رؤوسهم مائة وخمسون رأساً ومن خيلهم مثلها، فقص جناح قرنه، وأفنى حماة رجاله. ثم إن عباداً إثر ذلك جمع خيل حلفائه وخيله وقود عليها ابنه إسماعيل مع وزيره ابن سلام، وخرج نحو بلاد ابن الأفطس يابرة. وقد استدعى أيضاً ابن الأفطس حليفه إسحاق بن عبد الله فلحقت به خيله مع ابنه العز بعد أن جمع ابن الأفطس بقايا جيشه من هزيمتهم المتقدمة الذكر، وأخرج كل من قدر على ركوب دابة من البياض ببلده، وحشر من رجال البوادي بعلمه خلقاً كثيراً، وأقبل بجمعه هذا المنخوب ليدفع خيل ابن عباد عن بلده يابرة. وقد كان برابرة حليفه إسحاق في عسكره قالوا له: لا تلقهم فلست تعرف قدر من زحف نحوك، ونحن رأيناهم وسمعنا بجمعهم بإشبيلية؛ فلم يسمع منهم ومضى، فالتقى الفريقان من غير نزول مولا تعبئةٍ، فاختلطوا واجتلدوا ملياً، فحقق العباديون الضراب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 وتابعوا الشدات، فغحاد البرابر عنه أصحاب إسحاق، وانهزم ابن الأفطس وحمل السيف على جميع من معه، فاستأصلهم القتل، وقتل ولد إسحاق العز، وحز رأسه وبعث به إلى إشبيلية مع رأس ابن عم لابن الأفطس صاحب يابرة يدعى عبيد الله الخراز، ونجا ابن الأفطس في قطعة من خيله إلى يابرة. قال أبو مروان: وأقل ما سمعت في إحصاء قتلى هذه الوقيعة من ثلاثة آلاف رجل فأزيد. وأخبرني من أثق به أن بطليوس بقيت مدةً خالية الدكاكين والأسواق من استئصال القتل لأهلها في وقعة ابن عباد هذه بفتيان أغمارٍ إلا الشيوخ والكهول الذين أصيبوا يومئذ. فاستدللت بذلك على فشو المصيبة. وجزع إسحاق بن عبد الله من مصاب ابنه، ولم يخضع لضده عبادٍ في طلب رأس ابنه، فإن عباداً ضافه رأس جده محمد ابن عبد الله الذي هو مختزن عنده بإشبيلية؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: ولم يزل الرأسان عند آل عبادٍ مع عدة رؤوس أهدتها إليهم الفتنة المبيدة، حتى فتحت إشبيلية على الأمير الأجل سير بن أبي بكر فجيء بجوالقٍ مقفل مطبوع عليه، فأمر بفتحه، لا يشك أنه مال أو ذخيرة، فإذا هو مملوء من رؤوس. فأعظم وهاله، وأمر بدفع كل رأس منها إلى من بقي من عقبه بالحضرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 حدثني من رأى رأس يحيى بن علي الحمودي ثابت الرسم، غير متغير الشكل، فدفع إلى بعض ولده فدفنه. [رجع] قال ابن زيدون في ابن جهور من قصيدة أولها: أجل إن ليلى حيث أحياؤها الأزد ... مهاة حمتها في مراتعها الأسد يمانية تدنو وينأى مزارها ... فسيان منها في الهوزى القرب والبعد إذا نحن زرناها تمرد مارد ... وعز فلم نظفر به الأبلق الفرد هو الملك المشفوع بالنسك ملكه ... فلله ما يخفى ولله ما يبدو لقد أوسع الإسلام بالأمس حسبةً ... نحت غرض الأجر الجزيل فلم تعد أباح حمى الخمر الخبيثة حائطاً ... حمى الدين من أن يستباح له حد فطوق باستئصالها المصر منة ... يكاد يؤدي شكرها الحجر الصلد غني فحسن الظن بالله ماله ... عزيز فصنع الله من حوله جند لنعم حديث البر أوضعت الصبا ... تبث نثاه حيث لا يوضع البرد وكان ابن جهور كسر يومئذ دنان الخمر، وكان مدحه أيضاً يومئذ بمثل ذلك عبد الرحمن بن سعيد المصغر بشعرٍ أوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 كسرت لجبر الدين أوعية الخمر ... فأحرزت خصل السبق في الكسر والجبر عمدت إلى الشر الذي جمعوا له ... ففرقت منه فاسترحنا من الشر في أبيات غير هذه استبردت جملتها. وإنما ذهب إلى عكس قول من تقدم من عباث الشعراء من ذم صب الشراب، ومن أشهره قول بكر ابن خارجة الكوفي، وقد رأى من سلطان وقته مثل ذلك فقال: يا لقومي مما جنى السلطان ... لا يكن للذي أهان الهوان سكبوا في التراب من حلب الكر ... م عقاراً كأنها الزعفران صبها في مكان سوء لقد صا ... دف سعد السعود ذاك المكان من كميتٍ يبدي المزاج لها لؤ ... لؤ نظم والفصل فيها جمان فإذا ما اصطبحتها صغرت في القد ... ر عندي من أمه الخيزران كيف صبري عن بعض نفسي موهل يص - ... بر عن بعض نفسه الإنسان - وبلغني أن الجاحظ أنشد هذه الأبيات، فقال للمنشد: " من حق الفتوة أن أكتبها قائماً، وما أقدر إلا أن تعمدني " لنقرسٍ كان به. قال المحدث: فعمدته وقام فكتبها. وكان بكر بن خارجة هذا مولى بني أسدٍ، طيب الشعر، خليعاً ماجناً، وكان يألف هدهداً في موضع يأتيه كل يوم بقنينة شرابٍ، فلا يزال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 يشرب على صوته إلى أن يسكر، وكان أيضاً يهوى غلاماً نصرانياً وهو القائل: زناره في خصره معقود ... كأنه من كبدي مقدود وبكر القائل: قلبي إلى ما ضرني داعي ... يكثر أسقامي وأجاعي كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي - ولصالح بن عبيد في مثل ما تقدم: ليس همي ولا طويل انتحابي ... لمشيبٍ أدال عني شبابي لا ولا لاغتراب أحباب قلبي ... أو لصد الإخوان والأصحاب إنما حسرتي وعبرة عيني ... لشراب يصب فوق التراب سرت الأرض حين صب عليها ... فبكت صبةً عيون السحاب رجع: وقال ابن زيدون يرثي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 انظر لحال السرو كيف تحال ... ولدولة العلياء كيف تدال من سر لما عاش قل متاعه ... فالعيش نوم والسرور خيال ولى أبو بكر فراع له الورى ... هول تقاصر دونه الأهوال يا من شأى الأمثال منه واحد ... ضربت به في السؤدد الأمثال نقصت حياتك حين فضلك كامل ... هلا استضيف إلى الكمال كمال من للقضاء يعز في أثنائه ... إيضاح مشكلة لها إشكال من لليتيم تتابعت أرزاؤه - ... هلك الأب الحاني وضاع المال هيهات لا عهد كعهدك عائد ... إذ أنت في وجه الزمان جمال حيا الحيا مثواك وامتدت على ... ضاحي ثراك من النعيم ظلال وإذا النسيم اعتل فاعتامت به ... ساحاتك الغدوات والآصال ولئن أذالك بعد طول صيانةٍ ... قدر فكل مصونةٍ ستذال وله من أخرى مما وجدته بخط ابن حيان يرثي بها أبا الحزم ابن جهور: ألم تر أن الشمس قد ضمها القبر ... وأن قد كفانا فقدها القمر البدر وأن الحيا إن كان أقلع صوبه ... فقد فاض للآمال في أثره البحر إساءة دهر أحسن الفعل بعدها ... وذنب زمان جاء يتبعه العذر فلا يتهن الكاشحون فما دجا ... لنا الليل إلا ريثما طلع الفجر وإن يك ولى جهور فمحمد ... خليفته العدل الرضا وابنه البر لعمري لنعم العلق أتلفه الردى ... فبان ونعم العلق أخلفه الدهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 همام جرى يتلو أباه كما جرى ... معاوية يتلو الذي سنه صخر فقل للحيارى قد بدا علم الهدى ... وللطامع المغرور قد قضي الأمر أبا الحزم قد ذابت عليك من الأسى ... قلوب ومنها الصبر لو ساعد الصبر دع الدهر يفجع بالذخائر أهله ... فما لنفيس إذ طواك الردى قدر مساعيك حلي للزمان مرصع ... وذكرك في أردان أيامها عطر أمامك من حفظ الإله صنيعة ... وحولك من آلائه عسكر مجر وما بك من فقر إلى نصر ناصر ... كفتك من الله الكلاءة والنصر تحامى العدا لما اعتلقتك جانبي ... وقال المناوي: شب عن طوقه عمرو ووجدت له قصيدة أخرى، على رويها ووزنها، رثى بها أم أبي الوليد ابن جهور، وكرر أكثر أبياتها، أولها: هو الدهر فاصبر للذي أحدث الدهر ... فمن شيم الأحرار في مثلها الصبر يقول فيها: هنيئاً الأرض أنس مجدد ... بثاويةٍ حلته فاستوحش الظهر بطاهرة الأثواب قانتة الضحى ... مسبحة الآناء محرابها الخدر فإن أنثت فالنفس أنثى نفيسة ... إذ لجسم لا يسمو بتذكيره ذكر حصان إذا التقوى استبدت بذكرها ... فمن صالح الأعمال يستوضح الجهر بني جهور أنتم سماء رياسةٍ ... مناقبكم في أفقها أنجم زهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 ترى الدهر إن يبطش فمنكم يمينه ... وإن تضحك الدنيا فأنتم لها ثغر إلى أبيات غير هذه من سائر أبيات القصيدة استمر فيها بالتقديم والتأخير، والتأنيث والتذكير، ثم رثى بها آخراً عباداً المعتضد، وجعل أول قصيدته قوله: هو الدهر فاصبر للذي أحدث الدهر ... البيت المتقدم، ثم اتبعه بقوله: حياة الورى نهج إلى الموت مهيع ... له فيه إيضاع كما يوضع السفر فيا واضح المنهاج جرت فإنما ... هو الفجر يهديك الصراط أو البحر إذا الموت أضحى قصر كل معمر ... فإن سواء طال أو قصر العمر ألم تر أن الدين ضيم ذماره ... فلم تغن أنصار عديدهم كثر بحيث استقل الملك ثاني عطفه ... وجرر في أذياله العسكر المجر أأنفس نفس في الورى أقصد الردى ... وأخطر علق للهدى أفقد الدهر أعباد يا أوفى الملوك لقد عدا ... عليك زمان من سجيته الغدر فهلا عداه أن علياك حليه ... وذكرك في أردان أيامه عطر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 غشيت فلم تغش الطراد سوابح ... ولا جردت بيض ولا أشرعت سمر لئن كان بطن الأرض هنئ أنسه ... بأنك ثاويه لقد أوحش الظهر ولا ثنت المحذور عنك جلالة ... ولا عدد دثر ولا نائل غمر فهل علم الشلو المقدس أنني ... مسوغ حال ضل في كنهها الفكر - وأن متاتي لم يضعه محمد ... خليفتك العدل الرضا وأبنك البر - وأرغم في بري أنوف عصابةٍ ... لقائهم جهم ولحظهم شزر إذا ما استوى في الدست عاقد حبوةٍ ... وقام سماطا حفله فلي الصدر فتلاعب أبو الوليد كما ترى في هذه القصيدة تلاعب الحطيئة بنسبه، وتصرف تصرف أبي حنيفة في مذهبه، فأنث وذكر، وقدم وأخر [كما] قال أبو العلاء: رب لحد قد صار لحداً مراراً ... ضاحك من تزاحم الأضداد وبلغني أنه وجد لابن زيدون إثر موت عباد شعر يقول فيه: لقد سرنا أن النعي موكل ... بطاغية قد حم منه حمام تجانف صوب المزن عن ذلك الصدى ... ومر عليه الغيث وهو جهام وقال يخاطب الوزير أبا عامر بن عبدوس من قصيدة أولها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 أثرت هزبر الشرى إذ ربض ... ونبهته إذ هدا فاغتمض وما زلت تبسط مسترسلاً ... إليه يد البغي لما انقبض أرى كل مجرٍ أبا عامر ... يسر إذا في خلاء ركض أعيذك من أن ترى منزعي ... إذا وتري بالمنايا انتفض أبا عامر أين ذاك الوفاء ... إذ الدهر وسنان والعيش غض - وأين الذي كنت تعتد من ... مصافاتي الواجب المفترض - عمدت لشعري ولم تتئد ... تعارض جوهره بالعرض لعمري لفوقت سهم النضال ... وأرسلته لو أصبت الغرض وشمرت للخوض في لجةٍ ... هي الموت ساحلها لم يخض وغرك من عهد ولادةٍ ... سراب تراءى وبرق ومض هي الماء يأبى على قابضٍ ... ويمنع زبدته من مخض [وبعد ما أمسكت عنه. قوله: " هو الماء يأبى على قابض " ... البيت، أبلغ منه في المعنى قول الوزير أبي محمد بن عبد الغفور: هي الشمس تأبى على قابضٍ ... إذا الماء نالت نداه اليد] ونبئتها بعدي استحمدت ... بسير إليك لمعنىً غمض أبا عامر عثرة فاستقل ... لتبرم من ودنا ما انتقض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ولا تعتصم ضلةً بالحجاج ... وسلم فرب احتجاج دحض وحسبي أني أطبت الجنى ... لأفنانه وأبحت النفض ويهنيك أنك يا سيدي ... غدوت مقارن ذاك الربض وكتب إلى المظفر سيف الدولة أبي بكر بن الأفطس من رقعة، وضمنها قصيدة أولها: لبيض الطلى ولسود اللمم ... بعقلي - مذ بن عني - لمم: لما لبس الحاجب - أعزه الله - رداء المجد معلما، وحمل لواء الحمد معلنا، فاستطار بارق فجره، واستضاع فائح ذكره، وشهرت محاسنه على كل لسان، وسارت مآثره مسير الشمس بكل مكان، لما سوغ من كرمه، وأسبغ من نعمه، ووطأ للآملين من أكنافه، وهز إلى الراغبين من أعطافه، ورفرفت أجنحة الأهواء عليه، واهتزت جوانح الآمال إليه، وكثر التغاير على تفيؤ ظله، والتنافس في الاعتلاق بحبله، وكل استفرغ جهده، وتوسل على حسب ما عنده، ولا غرو أن يستمطر الغمام، ويؤمل الكرام، ويكثر في المشرب العذب الزحام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وما زلت - أبقى الله الحاجب - أتلقى من مساعيه المشكورة، ويقرع سمعي بمآثره المأثورة، ما هو أندى من بلوغ الأمل، وأشهى من اختلاس القبل، وأغض من جني الزهر، وألطف من نسيم السحر، حتى انقادت نفسي في زمام التأميل والمودة، ونازعت إلى الأخذ بحظٍ من الاعتلاق والممازجة. ونظرت إلى ما دون ذلك من أسباب البعد المانعة، وامتداد البلاد المعترضة، فغضضت طرف الخيبة، وطويت كشحاً على اليأس من درك الأمنية، إلى أن ندبني الأديب أبو فلان إلى مخاطبته، وحرضني على مكاتبته، ونبهني على ما في التثاقل عن مداخلته، من التضييع الصريح، والتقصير البين الصحيح، إذ هي أسنى علق غولي به، وأنفس ذخر نوفس فيه. فطربت إلى ذلك " كما طرب النشوان مالت به الخمر "، واهتززت له " كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب ". ورأيت من شكر يد العلياء فيما حثني إليه، وحضني عليه، مما فيه حلية الفخر، ومكرمة الدهر، أن أستفتح باب المكاتبة بالشفاعة، وأنهج طريق المخاطبة في العناية به، وبيننا، بعد، من ذمام الطلب، وحرمة الود والأدب، ما أستقصر نفسي معه أن أتقدم في خدمة رغبته بقلمي، وقد تأخرت قدمي، ويعد لاقتصار غيبته كتابي، دون أن أزم لذلك ركابي، وهو فتى نام جده، واستيقظ حده؛ فتنكر الزمان له، واعترت الأيام به، بين ذئاب سعاية عوت عليه، وعقارب وشايةٍ دبت إليه، وأصلي بنار حربٍ لم يجنها، وأعدته مبارك جرب التبس بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وآل به الأمر إلى فراق أحبته، والبعد عن مسقط رأسه ومعق تمائمه، على ضيق حاله، وضعف إحسانه. وأشهد أن ذلك لم يزده للحاجب لا ولاءً، وعليه إلا ثناء، وأنه لا يزال يعيد شكره ويبديه، وينثر حمده ويطويه، والحاجب - أدام الله إعزازه - ولي إعدائه على زمنه الغشوم، وأسلا بإنصافه من دهره الظلوم، بإلباسه من جميل رأيه ما عري منه، وإيراده من شريعة رضاه ما حليء عنه، والتخلية بينه وبين الأفق الذي لم ير كوكب سعد إلا فيه، ولا تلقى نسيم حياة إلا منه، فإنه مما يوليه من إحسانه، ويأتيه من الفضل في شانه، مستجزل شكر من أنهضه لسان، واستقل به بيان، وهو أهل الفضل، والمعهود منه كرم الفعل، والله يبقيه ويعليه، وهو حسبه وحسبي فيه. ولما اطرد هذا النثر لحسن اتساقه، ولذ مساقه، هزت النظم أريحية جذب لها بعنانه، وعارضه بها في ميدانه؛ وأبت أن ينفرد النثر بلقاء الحاجب ومشافهته، ويستبد بأن يلمح غرته، ويخدم بالحضور حضرته، فأثبت منه ما إن أنعم عند تصفحه بالصفح عن الزلل يعرض فيه، والخلل يبدو منه، وصل النعمة بمثلها، وقرن العارفة بشكلها: لبيض الطلى ولسود اللمم ... بعقلي، مذ بن عني، لمم ففي ناظري عن رشاد عمى ... وفي أذني عن ملام صمم قضت بشماسي على العاذلين ... شموس مكللة بالظلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وما سقمت لحظات العيون ... إلا لتغريني بالسقم يلوم الخلي على أن أحن ... وقد مزج الشوق دمعي بدم وما ذو التذكر ممن يلام ... ولا كرم العهد مما يذم وإني أراح إذا ما الجنوب ... راحت بريا جنوب العلم وأصبو لعرفان عرف الصبا ... وأهدي السلام إلى ذي سلم ومن طرب عاد نحو البراق ... أجهشت للبرق حين ابتسم أما وزمان مضى عهده ... حميداً لقد جار لما حكم قضى بالصبابة لما انقضى ... وما اتصل الود حتى انصرم ليالي نامت عيون الوشاة ... عنا وعين الرضى لم تنم ومالت علينا غصون الهوى ... فأجنت ثمار المنى من أمم وأيامنا مذهبات البرود ... رقاق الحواشي صوافي الأدم كأن أبا بكر المسلمي ... أجرى عليها فرند الكرم ووشح زهرة ذاك الزمان ... بما حاز من زهر تلك الشيم هو الحاجب المعتلي للعلا ... شماريخ كل منيف أشم مليك إذا سابقته الملوك ... حوى الخصل أو ساهمته سهم فأطولهم بالأيادي يداً ... وأثبتهم في المعالي قدم وأروع لا مبتغي رفده ... يخيب ولا جاره يهتضم ذلول الدماثة صعب الإباء ... ثقيف العزيم إذا ما اعتزم سما للمجرة في أفقها ... فجر عليها ذيول الهمم وناصت مساعيه زهر النجوم ... وبارت عطاياه وطف الديم نهيك إذا جن ليل العجاج ... سرى منه في جنحه بدر تم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 فشام السيوف بهام الكماة ... وروى القنا في نحور البهم جواد ذراه مطاف العفاة ... ويمناه ركن الندى المستلم يهيج النزال به والسؤال ... ليثاً هصوراً وبحراً خضم شهدنا لأوتي فصل الخطاب ... وخص بفضل النهى والحكم وهل فات شيء من المكرمات ... جرى السيف يطلبه والقلم ومستحمد بكريم الفعال ... عفواً إذا ما اللئيم استذم شمائل تهجر عنها الشمول ... وتجفى لها مشجيات النغم على الروض منها رواء يروق ... وفي المسك طيب أريجٍ يشم أبوه الذي فل غرب الضلال ... ولاءم شعب الهدى فالتأم ولاذ به الدين مستعصماً ... بذمة أبلج وافي الذمم وجاهد في الله حق الجهاد ... من دان من دونه بالصنم فلا سامي الطرف إلا أذل ... ولا شامخ الأنف إلا رغم تقيل في العز من حميرٍ ... مقاول عزوا جميع الأمم هم نعشوا الملك حتى استقل ... وهم ظلموا الخطب حتى اظلم نجوم هدىً والمعالي بروج ... وأسد وغى والعوالي أجم أبا بكر اسلم على الحادثات ... ولا زلت من ريبها في حرم أناديك عن مقة عهدها ... كما وشت الروض أيدي الرهم وإن يعدني عنك شحط النوى ... فحظي أخس ونفسي ظلم وإني لأصفيك محض الهوى ... وأخفي لبعدك برح الألم ومستشفع بي بشرته ... على ثقةٍ بالنجاح الأتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وغيرك أخفر عهد الذمام ... إذا حسن ظني عليه أذم وقدماً أقلت مسيء العثار ... وأحسنت بالصفح عما اجترم وعندي لشكرك نظم العقود ... تناسق فيها اللآلي التوم تجد لفخرك برد الشباب ... إذا لبس الدهر برد الهرم فعش معصماً بيفاع السعود ... ودم ناعماً في ظلال النعم ولا يزل الدهر أيامه ... لكم حشم والليالي خدم هذا - أعز الله الحاجب - ما اقتضته القريحة من اقتضائها، وأجابتنا به البديهة عن استدعائها، والذهن عليل، والطبع كليل، والروية فاسدة، وسوق الأدب إلا عنده كاسدة. ولو أني أوتيت في النثر غزارة عمرو، وبراعة ابن سهل، وأمددت في النظم بطبع البحتري، وصناعة الطائي، لما رددت إلى الحاجب إلا ما أخذت منه، ولا أوردت عليه غير ما صدر عنه، ولما أنفذت ما أنفذت إلا بين أمل يبسط، وخجل يقبض، فرأيه موفقاً في أن يمنح ما بعث الأمل إسعافاً، وما أوجب الخجل إغضاء، ليأتي الإحسان من جهاته، ويسلك إلى الفضل طرقاته، ومراجعته لي عن كتابي بعهد كريم، يكون كحلاً لعين الرضى بوجنة القبول، أقف به من توالي النعم عليه، وانتظام الأحوال بالصلاح لديه، على ما تبتهج له نفسي، وينتظم معه عقد أنسي، يد عندي جناها شهد، وشذاها عنبر وورد، أرفلها الشكر الجزيل، وأتبعها الثناء الجميل، إن شاء الله. وليبلغ مني سلاماً يهدي إليه نفسه، وتحيةٍ آخرها عندي وأولها عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وكتب من قرطبة إلى ابن مسلمة بإشبيلية قبل تحوله إليها: يا سيدي، وأرفع عددي، وأول الذخائر في عددي، وأخطر علق ملأت من اقتنائه يدي، ومن أبقاه الله في عيشة باردةٍ الظلال، ونعمة سابغة الأذيال، قد تقاصر الثناء عليك، وتوالى الحديث الحسن عنك، حتى حللت محل الأمانة، وكنت موضع تقليد الوطر، وإثبات الطوية، والله يمتعك بما حازه لك من الخير، ووفره عليك من طيب الذكر. في علمك - أعزك الله - ما تقتضيه العطلة من إظلام الخاطر، وصدأ النفس، ويجنيه طول المقام من إخلاق الديباجة، وإرخاص القدر. وقد آن أن أجتني ثمرةً من آداب أطلت الاعتناء بها، وأخلاق أدمت رياضة الأنفس عليها. ولما مخضت الملوك، وجدت عميدهم الذي أنسى السالف قبله، وتقدم الراهن معه، وأتعب الغابر بعده، الحاجب فخر الدولة مولاي، ومن أطال الله بقاءه، وكبت أعداءه، لما خصه الله به من سناء الهمم، وسماحة الشيم، وانتظام أسباب الرياسة، وكمال آلات السياسة، واجتماع المناقب التي أفردته من النظراء، وأعلته عن مراتب الأكفاء، فرأيت قبل أن أحمل لغيره نعمة، أو أوسم ممن سواه بصنيعة، أن أعرض نفسي مملوكة عليه، عرض من لا يؤهلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 لإجازته إلا بالاستجارة، ولا يطمع لها في قبوله إلا مع المسامحة، فلو كنت الوليد بن عبيد براعة نظم، وجعفر بن يحيى بلاغة نثر، وإبراهيم بن المهدي طيب مجالسة، وإمتاع مشاهدة، ثم حضرت بساطه العالي، لما كنت مع سعة إحاطته إلا في جانب التقصير، وتحت عهدة النقصان، غير أنه لم يعدم مني نجابة غرس اليد، وإصابة طريق المصنع، من ولاية أخلصها، ونصيحة أمحضها، وشكر أجنيه الغض من زهراته، وثناء أهدي إليه العطر من نفحاته، ففوضت إليك هذه السفارة، واعتمدتك بتكليف النيابة، لوجوه: منها حظوتك لديه، ومواتك إليه، سوغك الله الموهبة في ذلك، وأنهضك بأعباء الشكر لها، ومنها سرو مذهبك، وكرم سجيتك، وصحة مشاركتك، لمن لم يستوجبها استيجابي، ولا استدعاها بمثل أسبابي، من تداني الجدار، وتصافي السلف، والانتماء إلى أسرة الأدب. فإن وافقت السانحة الإرادة، فحظ أقبل، وعبد بلغ من قبول سيده ما أمل، ولم أقل: " عمرك الله " كما قيل في النجمين، بل قلت: " وقد يجمع الله الشتيتين "، وإن عاق حرمان عادته أن يعوق عن الظفر ويعترض دون الأمل، فأعلمه - أيده الله - أني في حالي العطلة مع غيره والتصرف، ويومي الإيطان والتوف، كالمهتدي بالنجم حين عدم ذكاء، ومتيمم الصعيد إذ لم يجد الماء: فإن أغش قوماً غيره أو أزرهم ... فكالوحش يدنيه من الأنس المحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 والله يتولاه بالفسحة في عمره، والإعلام لأمره، ويصرف الأقدار مع إيثاره، ويصرف وجوه التوفيق إلى اختياره. ولك يا سيدي في انتدابك لما ندبتك له، ما للساعي المنجح من الشكر، وللمجتهد البالغ من العذر، وملاك الأمر تقديم المراجعة بالإيجاب فأسكن إليها، والجواب فأعتمد عليه، وأهدي إليك ندي الغض الناضر من سلامي، والأرج العاطر من تحيتي. وكتب إثر ذلك إلى المعتضد رقعةً يقول فيها: أطال الله بقاء الحاجب فخر الدولة مولاي وسيدي، ومولى المناقب الجليلة، والضرائب النفيسة، في أكمل ما تكفل له به من علو القدر، ونفاذ الأمر، وخصه من النعم بأسبغها سربالاً، وأبردها ظلالاً، وأحمدها مآلاً. كنت - أعز الله الحاجب مولاي - قد كتبت إلى الوزير أبي عامر عبده بما أيقنت أنه انتهى إليه، واشتمل عليه، فكتب الوزير إلى بعض أسبابه بما يقوم مقام المراجعة لي بما يرتفع عن قدري، ولا تتسع له ساحة شكري، لعلمي أنه عن الحاجب - أيده الله - صدر، وبإذنه نفذ، والذي عداني عن أن يكون الكتاب في ذلك إلى الحاجب - أبقاه الله - التأدب بآداب حصفاء العبيد في الإجلال والإعظام، وترك التبسط والإقدام، وقلما استغنت أوائل مطالب الأتباع بحضرة الملوك من وسائط تمهد لها، وتعتمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 أوقات الإمكان بها، لا أني اتخذت إلى الحاجب - أدام الله علوه - إلى استطلاع ما قبله شك في كرمه، ولا سوء ظن بسماحة شيمه، بل لزوم الطريقة في التوطئة للمطلب، والتدرج إلى إحراز الأرب، وحسبي أن أملي قد ارتاد الجناب الرحب، والمشرب العذب، ولعل الحظوظ ستكشف، والنوائب ستصرف، إلى أن أبلغ إلى أبعد غايات الأمل من مشاهدة حضرته العلياء، والنظر إلى غرته الزهراء، فوالله ما ينصرف فكري، ولا ينصرم حين من عمري، إلا في الذكر له والشوق إليه، وتصور المثول بين يديه، وأنا أقدم الاعتذار من مهابة تستملك جنابي، وحصر يكاد يقطع في أول المشافهة لساني، فإن حدث فعذري عذر الفضل بن سهل، وقد انقطع بين يدي الرشيد فقال له: يا أمير المؤمنين، من فراهة العبد أن تملك قلبه مهابة سيده. وسيفضي ذلك بمشيئة الله إلى ما يستجيزه الحاجب مولاي من إمتاع ويقبله من شاهد، ويشتطرفه من أدب، ويستلطفه من إجمال طلب، وجمال مذهب، كما أني أعلم أني سأصل إلى ما لم أعهد مثله من بهاء منظر، وسناء مخبر، ورفعة شان، وعظم سلطان، ولعل السعادة تهيء لي من الحظ ما أثبت به ما ادعيته لنفسي من هذه الصفات، وأنجز معه ما قدمت عنها من هذه العدات، فحول الله في ذلك كفيل، وهو حسبي ونعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 الوكيل. زاد الله الحاجب مولاي من سني قسمه، وهني نعمه، وبلغه النهاية من آماله، وصرف بعزته غير الزمان عن كماله. وكتب إليه بعد أن صدر عن حضرته إلى قرطبة رقعةً يقول فيها: أطال الله بقاء مولاي للنعم يطوقها،، والمنن يقلدها، والأحرار يستعبدها. يعلم الذي أسأله إعزاز مولاي، وإعلاء أمره، وصلة تأييده، وتمكين نصره، أني لم أزل منذ فارقت حضرته الجليلة، حضرة المجد والسيادة، ومحل الإقبال والسعادة، لهج اللسان بما أجناني من ثمار الحكمة والنعمة، وأفادني من عقد الأدب والنشب، فمن كبد حاسد تصدعت، وأنفاس منافس تقطعت، وناعم البال كسفت باله، ومتمن لحالي طالما تمنيت حاله، وقل لمن نال أدنى مكانة منه، ورقي أول درجة من الخصوص به، أن تحسده الكواكب في إشرافها، وتنحشد إليه الأماني من أطرافها، والله يبقيه لعبيده الذين أنا آخرهم في الخدمة، وأولهم في شكر النعمة، ويرفع من هممهم ما انخفض، ويبسط من آمالهم ما انقبض، ولا يعدمهم التقلب في نعمه، والاعتلاق بأسباب ذممه، بمجده وكرمه. وكانت من مولاي - أعزه الله - إشارة بل عبارة أعددتها طليعة لسعود ستتوافى طلقاً، ومقدمةً لمسرات ستتوالى سبقاً؛ فلما لحق الجسم بعد تركه النفس لديه، والبراءة منه إليه، بالوطن الذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 أسلاني عنه، وأسنى لي العوض منه، تأتيت من طاعته المقترنة بطاعة الله في نفسي مملوكته، حاولته، ولا عداني تيسر أمر تناولته، ولم تبق علة تسوغ باعتراضها الاعتذار، إلا ما يتراخى ريثما يعاود أمره، ويتجدد في الحركة إذنه، ولم أستأذن لأن الأذن بعد عهد،. فلمولاي الطول في أمر الواسطة عبده بمراجعة أعتمد عليها، وأجتهد في الانتهاء إليها، والله يبلغني الأمل من وقفة بحضرته ونظرة إلى غرته، وتقبيل لراحته، وتصرف في ساحته، فهو المالك لذلك، والقادر عليه. وله من رسالة حذف أبو الحسن رحمه الله هنا أكثرها، ولم يذكر منها إلا قطرة من وابل، أو نفثة من سحر بابل، وها أنا مثبتها على تواليها إشادة بحسن معانيها، واستفادة من سني آدابه فيها، وهي: يا سيدي الذي كنت أراه أعد عددي لأبدي، وأحصن جنني من زمني، ومن أبقاه الله في أصلح الأحوال، وأفسح الآمال؛ أبدأ من كتابي إليك، بشرح الضرورة الحافزة إلى ما صنعت، مما بلغني أنك صدر اللائمين لي عليه، وأول المسفهين لرأيي فيه، ومن أمثالهم: ويل للشجي من الخلي، وهان على الأملس ما لاقى الدبر، وأوسطة بمعاتبتك على ما كان من انفصالك عني، وبراءتك أمد المحنة مني، وأنك لم تكن في ورد ولا صدر من مشاركتي فيها، ولا كانت لك ناقة ولا جمل في مظاهرتك لي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 عليها، مع القدرة بك على تهوين خطبها، وتذليل صعبها، وتليين شديدها، وتقريب بعيدها: فأرى صدقك الحديث وماذا ... ك لبخلي عليك بالإغضاء أنت عيني وليس من حق عيني ... غض أجفانها على الأقذاء وإنما يعاتب الأديم ذو البشرة، والمثل السائر: " ويبقى الود ما بقي العتاب " وقال الأول: أبلغ أبا مسمعٍ عني مغلغلةً ... وفي العتاب حياة بين أقوام وأختمه بتكليفك ما كان سبب الكتاب، والداعي إلى الخطاب، عساك أن تتلاقى عوداً ما ضيعت بدءاً، وتهتبل آخراً ما أغفلت أولاً، فيعود غيثه على ما أفسد، وإن كنت في ذلك كدابغة وقد حلم الأديم، فمنفعة الغوث قبل العطب: وخير الأمر ما استقلت منه ... وليس بأن تتبعه اتباعا في علمك أني سجنت مغالبة بالهوى، وهو أخو العمى، وقد نهى الله تعالى عن اتباعه، وذكر أنه مضل عن سبيله، إذ يقول: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} (ص: 26) . وقال الشاعر: إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال دون تأن تدرك بعض الحاجة به، أو استثبات تؤمن مواقعة الزلل معه، بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا تورد يا سعد الإبل وشهد ابن العطار العشار العاري من الثقة والأمانة، البعيد من الرعية والصيانة الناشر لأذنيه طمعاً، الآكل بيديه جشعاً، فكان القول ما قالت حذام. ولم يقتصر على أن ألحق بالشهود وهو واو عمرو فيهم، ونون الجمع المضاف معهم، دون أن يلحق بخزيمة ذا الشهادتين، وينوب منفرداً عن اثنين، وليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد وليتني مع من لا يحل قوله علي، أعذر في شهادته إليّ، ولم يقترن الحشف مع سوء الكيلة، وتستضف لي الغدة إلى الموت في بيت سلولية. خطتا خسف لم أر النجاء منهما إلا أن ركبت الحولي الأشهب، ورأيت خراسان مكان السوق أو هي أقرب. وكان المتولي سجني بعد شهر من إنفاذه، له مجلس حضره فقهاء الحضرة، ومن أعلم بسيماهم، وجرى في غشيان الحكام مجراهم، فذكر له أنه اتهمني بالمغيب على عهد المتوفى مولاي - كان - نقع الله صداه وبل ثراه - وثبت عنده مع ذلك أني ممن تعلقه التهم، ولا ترتفع عنه الظنن، فكلهم أفتى بالإعذار إليّ، فيما شهد به عن ذلك علي، ثم سجني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 إن لم آت بمدفع، أو أصدع من الحجة بمقنع؛ فاحتاط واجتهد، وتحرى واقتصد، وصالحني من هذه الفتيا على النصف، بتأخير الإعذار، وتقديم السجن، والصلح جائز بين المسلمين؛ ثم أظهرت إليه عقداً كان المتوفي - قدس الله روحه ونور ضريحه - قد أشهد فيه أن لا مال له، وأن جميع ما تحيط به الدار التي توفي بعيد هذا الإشهاد فيها إنما هو للغانية التي في عصمته حاشا دقائق بينها، ومحقرات عينها، ومعلوم أن من أشهد بهذا على نفسه، وتقيد إلى مثله من لفظه، فمحال أن يخلف عهداً، أو يهلك عن وصية. وسألته الشورى فيما أثبته من هذا العقد، فلم يجبني إلى ذلك. ولو لم تكن الشورى من أدب الله إذ يقول: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} (آل عمران: 159) لوجب أن يعلم أنها لقاح العقل، ورائد الصواب، وأن للمشاور إحدى الحسنيين: صواباً يفوز بمحمدته، أو خطأ يشارك في مذمته، قال الشاعر: ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي عدة للقوادم قد قرعت له العصا، ونبه على الذي دعوته إليه، لا يسوغ لي دفعه عنه، ولا يجوز منعي منه، فحينئذ عللني بمواعيد كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً ... إذا قطعن علماً بدا علم ... وكان آخرها الذي نسخ به ما قبله أن تدرج الشورى إلى إبقاء الشورى للورثة، فشويت أرقب هذا الحين وأرجو أن يحين، كما يرجو أخو السنة الربيعا ... كما في بطون الحاملات رجاء ... فكانت وإياه سحابة ممحلٍ ... رجاها فلما جاوزته استهلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وفي فصل منها: ولم أقص عليك يا سيدي مما اجتلبته إلا ما شهر شهرة الاسم، وعرف معرفة النسب، و " ما يوم حليمة بسر ". وكنت أول حبسي قد وضعت من السجن في موضع جرت العادة بوضع مستوري الناس وذوي الهيئات منهم فيه، وفي الشر خيار، وبعضه أهون من بعض. فمنيت من مطالبة بعض من يأتمر الناظرون في السجن له ويسمعون منه. بما اقتضى نقلي إلى حيث الجناة المفسدون، واللصوص المقيدون. وشكوت ذلك إلى الحاكم الحابس لي في اليوم الذي مضى ذكره بمشهد من تقدم وصفه، فانتفى من الرضى به، وأظهر الامتعاض منه، وتقدم إلى الموكل بالسجن في اختيار مجلس أباين فيه من لا تليق بي ملابسته، وأنتبد عمن لا ترضى لي مجالسته. ثم لم لبث أن أحضره مجلس نظره، وأمر بتأديبه على امتثاله في ما أمره به، وانتهائه إلى ما حد له، وأستأنف العهد في التضييق علي، ومنع من اعتاد صلتي من الوصول إليّ، فأصعدت إلى غرفة في السجن اقنعني بها مع خساستها، وأسلاني عن المصيبة بالكون فيها على مضاضتها، انفرادي من لفيف الأخلاط، ومن ضمه السجن من السلفة والسقاط، فحين استوائي إليها عهد بخطي إليهم وخلطي بهم ووضعني بينهم، فنقلت في نفسي ثلاث نقل على أقبح النصب، وأسوأ الرتب. ودخل إليّ. في هذه الحال من أبلغني عن ابن أخي الحكم رسالة جامعة من السب الفاحش لفنون، مشتملة من الوعيد المرهب على ضروب، فلو ذات سوارٍ لطمتني!! وإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب فلم أستطع صبراً، وعلمت أني قد أبليت عذراً، ولم يتق إلا أن يعذرني لبيد وكاد ورأيت أن العاجز من لا يستبد، فالمرء يعجز لا المحالة، ولم أستجز أن أكون ثالث الأذلين: العير والوتد. وذكرت أن الفرار من الظلم والهرب مما لا يطاق من سنن المرسلين، قال الله عز وجل على لسان موسى عليه السلام {ففررت منكم لما خفتكم} (الشعراء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 لا عار ولا في الفرار فقد ... فر نبي الهدى إلى الغار ونظرت في مفارقة الوطن، والبين عن الأحبة، فتبين لي أن إيحاش نفسي، بإيناس أهلي، وقطعها في صلة وطني، غبن في الرأي، وخور في العزم، ووجدت الحر ينام على الثكل، ولا ينام على الذل، وأذنت إلى قولهم: ليس بينك وبين البلاد نسب فخيرها ما حملك. وإذا نبابك مبزل فتحول ... وقال بعض المحدثين: أرى الناس أحدوثةً ... فكوني حديثاً حسن كأن لم يزل ما أتى ... وما قد قضى لم يكن إذا وطن رابني ... فكل مكان وطن ولم أستغرب أن أسام مثل هذا الخسف في مسقط رأسي، ومعق تمائمي، وأول أرض مس ترابها جلدي، فقديماً ضاع المرء الفاضل في وطنه، وكسد العلق الغبيط في معدته؛ قال بعضهم: أضيع في معشري وكم بلد ... يعد عود الكباء من حطبه فاستخرت الله عز وجل، واضح العذر، ثابت قدم الحجة، عند من غض عين الهوى، وخزن لسان التعسف. والله يصيب غرض الصواب برأيي، ويقرب غاية النجاح على سعيي، حسبما في علمه أني مظلوم مبغي عليه، منسوب ما لم آته إليّ، فهو المؤمل بذلك والمرجو له. ولعمرك يا سيدي إن ساحة العذر لتضيق، وما تكاد تتسع لك في إسلامك لتلميذك وابن جارك وشيخك الذي لم تزل متوفراً عليه، آخذاً عنه، مقتبساً منه، مع إكثارك من ذكر هذا، والاعتداد به، وادعاء الحفظ له. وقد رويت أن حسن العهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 من الإيمان، وسمعت المثل: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فالمرء كثير بأخيه، وألا أقل من استعمال الجد، واستغراق الجهد: فمبلغ نفس عذرها مثل منجح ... ولا لوم في أمري إذا بلغ العذر ... ولكن من لك بأخيك كله - وأين الشريك في المر أينا وبعد ما مر بي فالقضاء غالب، وما حم واقع، ولا حذر من قدر، وقد سبق السيف العذل، وتقدم من فعلي ما جف به القلم، وأنا الآن بحيث أمنت بعض الأمن، إلا أن رزاً من وعيد سقط إليّ بأن السعي لم يرتفع، وأن مادة البغي لم تنقطع، وأن البصيرة مستحكمة في استرجاعي من الأفق الذي أحل به، والجناب الذي أحط فيه. وأكد ذلك في ظني ما كان أشار إليه بعض من كنت آوي إلى الثقة بعهده، وأبني على الوثاقة من عقده، من الفقهاء الموسومين بالأثرة عند الحكم المذكور، والمكانة منه؛ وقد عاتبته على تأخيره عن مظافرتي، وتقصيره في مؤازرتي، فاعتذر بأن ذلك لا سبيل إليه، ولا منفذ للحيلة فيه، إذ المحرض علي لا تتأتى معارضته، ولا يتهيأ الاستبداد عليه، وأنه وصفني بالبذاء، وعابني بالتسلط على الأعراض، ووالله ما استجزت هذا بعد أن هتك من ستري ما هتك، وانتهك من حرماتي ما انتهك، إذ كنت أقول معذوراً، وأنفث مصدوراً، فكيف قبل ذلك إذ لم يحدث سبب، ولا عرض موجب - وما لي وهذا المجتنى ثم ماليا ... و {ستكتب شهادتهم ويسئلون} (الزخرف: 19) وليست هذه ببكر من النمائم التي دخل بها بين العصا ولحائها: وإني رأيت غواة الرجال ... لا يتركون أديماً صحيحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 ومن يأذن إلى الواشين تسلق ... مسامعه بألسنة حداد ويا سيدي: لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري ووالله توعمته أني أوتى ممن زعم أني أتيت منه، مع اتصالي به وانقطاعي إليه، واتسامي بالتأمل له والتعويل عليه، إن المعارف في أهل النهى ذمم ... ولكن: إذا كان غير الله للمرء عدة ... أتته الرزايا من وجوه الفوائد لقد كان من محاسن الشيم، وشروط المروءة والكرم، أن يهب لي ما أنكر لما عرف، ويغفر ما أسخط لما أرضى، ويدفع بالتي هي أحسن، ويؤثر الذي هو أجمل وأرفق، ويتوقف عند ما نص عليه من سعاية، وزف إليه من وشاية؛ فإن كان باطلاً ألغاه، وفضح المخبر المتقرب به وأقصاه، وإن كان حقاً صبر صبر الحليم، وأغضى إغضاء الكريم وقبل إنابة المعتب، واقتص في مؤاخذة المنب، فقدم التوقيف قبل التثقيف، والتأنيب قبل التأديب، فإن الرفق بالجاني عتاب ... والحر يلحى والعصا للعبد ... ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث أي الرجال المهذب - وهو يرى ويسمع أن بالحضرة قوماً لا يحصرهم العد، تحتمل سقطاتهم، وتغتفر هفواتهم، وتقال عثراتهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا وما أعلم أنهم يدلون بوسيلة لا أشاركهم فيها، ولا يمتون بذريعة ينفردون دوني بها هو الجد حتى تفضل العين أختها ... وحتى يكون اليوم لليوم سيدا فإن كانت مسامحتهم لسابقة سلفت فقد أحرزت منها الحظ الأعلى، أو لكمال أدب فقد ضربت فيه بالقدح المعلى، أو للطف تودد فما قصرت في الاجتهاد، غير أني حرمت التوفيق والأمر لله، رب مجتهدٍ ... ما خاب إلا لأنه جاهد فإن كان ذنبي أن أحسن مطلبي ... أساء ففي سوء القضاء لي العذر والله لقد أظهرت مدحه، وأضمرت نصحه، وتممت على الصياغة له، وجريت ملء العنان إلى الاعتلاق به، أسقيه السائغ من مياه ودي، وأكسوه السابغ من برود حمدي، وأجنيه الغض من ثمرات شكري، وأهدي إليه العطر من نفحات ذكري، لا يفيدني التحبب إليه إلا ضياعاً لديه، ولا يزيدني التقرب منه إلا بعداً عنه: كأني أستدني به ابن حنيةٍ ... إذا النزع أدناه من الصدر أبعدا والذي أحبه منك، وأثق في المسارعة إليه بك، لقاؤه مجارياً ذكري، مفاوضاً في أمري، معلماً له بما لا يذهب عنه من أن الذي اخترته لنفسي غاية ما يسيء القرونة، ويساء المولى منه، فالجلاء أخ القتل، والغربة أحد السبائين، قال الله تعالى: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم} (النساء: 66) ، وقال الشاعر: ومن يغترب عن داره لا يرى ... مصارع مظلوم مجراً ومسحبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وتدفن منه الصالحات وإن يسئ ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا وقد هجرت الأرض التي هي ظئري، والدار التي كانت مهدي، وغبت عن أمٍ أنا واحدها، تمتد أنفاسها شوقاً إليّ،، والله يرى بكاءها، ويسمع لي على من ظلمني نداءها، فالاستجابة مضمونة للمخلص والمظلوم؛ وقد حملت السمتين، واستوجبت الصفتين، ولتكن بغيتك التي تدخرها عليها كلمة تأمن، وإشارة إلى تأنيس وتسكين، تراجعني بها فأظهر بحيث أنا آمناً، وألقي العصا مطمئناً، فإن وجدت محز الشفرة فالعوان لا تعلم الخمرة فإن أشبهت الليلة البارحة، أعلمتني بذلك، فطلبت الأمن في مظانه، وتقريت السلامة في مواطنها، وصبرت حتى يحكم الله لي وهو خير الحاكمين. {كل يوم هو في شان} (الرحمن: 29) ، ومع اليوم غد: ولكل حالٍ معقب ولربما ... أجلى لك المكروه عما تحمد ولك يا سيدي في انتدابك لما اندبتك إليه الفضل، والأيادي قروض، والصنائع ودائع، " لا يذهب العرف بين الله والناس "، والتحية الطيبة والسلام المردد على سيدي. @ومما يتعلق بذكر وفاة ذي الوزارتين، رحمة الله عليه فصل من تاريخ الشيخ أبي مروان ابن حيان، رأيت إثباته لنبل مساقه، وحسن اتساقه، يقول فيه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وفي يوم الاثنين لثلاث عشرةً ليلةً خلت من ذي الحجة سنة اثنتين وستين وأربعمائة، سار الحاجب سراج الدولة عباد بن محمد إلى إشبيلية - الحضرة الأثيرة - لمطالعتها وتأنيس أهلها من وحشةٍ خامرت عامتهم، من أجل عدوان رجلٍ منهم على يهودي جاء لامرجة السوق عندهم، ماراه في بعض الأمر، فزعم أنه سب الشريعة، فبطش به المسلم وسط السوق وجرحه وحرك عليه العامة، فقبض عليه صاحب المدينة عبد الله بن سلام واعتقله، فكان لعامة الناس في إنكار حبسه كلام وإكثار خشي وباله، فخاطب السلطان بقرطبة ما كان منه ويستأمر في شأنه، فعجل إنفاذ ولده الحاجب سراج الدولة إلى إشبيلية في جيش كثيف من نخبة علمائه ووجوه رجاله، لمشارقة القصة، والاحتياط على العامة، فغدوا معه وسط هذا اليوم، وأنفذ معه ذا الوزارتين أبا الوليد ابن زيدون أحد الثلاثة كابري وزرائه المثناة وزارتهم، عمد دولته، النفوذ مع الحاجب على بقية وعكٍ كان متألماً منه، ولم يعذره في التوقف من أجله. فمضى لطيته مسوقاً إلى منيته، وخلف ولده أبا بكر الفذ الوزارة، المرتسم بالكتابة وراءه، ساداً مكانه بالحضرة، فأقر فيها أياماً، ثم أمر بالمسير وراء والده لأمر كلفه، أعجل بالانطلاق له؛ فمضى بعينه غداة يوم السبت لثمان خلون من المحرم سنة ثلاث وستين بعدها. فخلت منهم منازلهم وصيرت إلى سواهم، فتحدث الناس بنبو مكان الأديب ابن زيدون لدى السلطان، وأن استساكه بعلى مرتبته، بعد مختصه المعتضد بالله، كان من المعتمد على الله رعايةً لخصوصية ابنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 به، يغص باستمرارها ثقتاه المختصان به، الحظيان لديه، المستهمان لخاصته: ابن مرتين وابن عمار، إلى أن عملا في إبعاده وإبعاد ابنه الرقيب بعده، فأمضي خلفه، فعندها استساغا غصته، واستهما مكانه، واحتويا على خاصة السلطان وتدبير دولته؛ ولكل دولة رجال، ولكل مكتف أبدال. ولم يطل الأمد بابن زيدون - رحمه الله - بعد لحاق ابنه به، ووجدانه إياه متزايداً في مرضه، نازحاً عن ألافه، على جهده في استدعائها على انتهاء المدة، وانتهاك القوة؛ فاستقر به وجعه إلى أن قضى نحبه، وهلك بدار هجرته إشبيلية صدر رجب سنة ثلاث وستين، فدفن بها مشهوداً مفتقداً، واحتوى تربها عليه، فيا بعد ما بين قبره وقبر ابنه لدينا، رحمة الله عليهما؛ فقد تولى من أبي الوليد كهل لن يخلف الدهر مثله جمالاً وبياناً وبراعة ولساناً وظرفاً، وحلولاً من مراتب البلاغة - نظماً ونثراً - بمرقبةٍ لم يخلف لها بعده عاطياً، بقرانه بين الكلامين، وبراعته في الفنين، إلا أن يكون عند أولي التحقيق والتحصيل في النظم أمد طلقاً، وأحث عنقاص، فلا يلحقه فيه تقصير ولا يخشى رهقاً، أشهاده في الفنين عدول مقانع حضور عند أهل المعرفة. لقد اتصل خبر هلكه بعشيرته أهل قرطبة فتناعوه، وسيئوا لفقده، وحزنوا عليه، إذ كان منهم، متعصباً لهم، هاوياً إليهم، حدباً عليهم، وليجة خير بينهم وبين سلطانهم الحديث الولاية، فصار مصابه لديهم كفاء ما اجتث فيه من تأميلهم، والبقاء لمن تفرد به وحده، لا رب غيره. ولا جرم أن عزى الله إخوانه عنه بامتداد بقاء فتاه الندب أبي بكر ولده، ساداً ثلمه، سامياً مسماه، غائظاً عداه، عاطياً منتهاه، بأنواط صدق، يجذبن إلى العلاء بضبعه، من شماخة ودماثة وحصافة ونزاهة ومعرفة، ووفور حظ من أدب بلاغة وكتابة، وشركة في التعاليم المعلية، واشتداد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 في رعاية متقادم الذمة، لم يفقد إخوان أبيه معها إلا عينه: خلال حركن حاله عما قليل بعد أبيه عند سلطانه قسطاس السياسة، فاستبصر في إحضاره، وأدناه من اجتبائه، ورقاه في مراتب والده، منقلاً له في درجاتها، راضياً بلاءه فيما ناط به منها، حتى فرع ذروتها عما قليل، فأحظاه بالوزارة ووزره بحضرته الأثيرة إشبيلية، وجمع له أعاظم خططها العلية، معاطن التنافس من قوام المملكة: خطة ولاية المدينة مجموعة إلى خطة ولاية السكة - بكل استقل، وعلى كل استظهر، فكفى وعدل، فاغتبط به السلطان، وواتاه الزمان، والله يؤتي فضله من يشاء، له الفضل والامتنان. وفي فصل: وكان أبو الوليد ممن أنشأته دولة الجهاورة، واصطفته الفرس للأساورة؛ اختص بأبي الوليد اختصاص القرح بالنور، وارتبط بهم ارتباط الإفاضة بالفور. وأبو الحزم ابن جهور إذ ذاك رأس الجماعة، وأصل تلك الإمرة المطاعة، من رجل أدهى من فقيد عمان، وأجرأ من ليث خفان، وأدهى من عمرو بن الجعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 ومان ابن زيدون متصلاً بابنه أبي الوليد أطول حقبة، اتصال أبي زبيد بالوليد بن عقبة " وبينهما تألف أحرما بكعبته وطافا، وسقياه من تصافيهما نطاقا، وابن زيدون يعتد ذلك حساماً مسلولاً، ويرى أنه يرد به صعب الخطوب ذلولاً، إلى أن طلب عند ابيه أبي الحزم وتوسل، فاستدفع به تلك الأسنة المشرعة والأسل، فما ثنى إليه عنان عطفه، ولا كف عنه سنان صرفه " مع استعطافه له بكل مقال يحل سخائم الأحقاد، واستلطفه إياه بما يرد الصعب سلس القياد؛ فمن بديع ذلك وأحسنه قوله: إيه أبا الحزم اهتبل غرةً ... ألسنة الشكر عليها فصاح لا طار لي حظ إلى غاية ... إن لم أكن منك مريش الجناح عتباك بعد العتب أمنية ... مالي على الدهر سواها اقتراح لم يثنني عن أمل ما جرى ... قد يرقع الخرق وتوسى الجراح فاشحذ بحسن الرأي عزمي يرع ... منه العدا بكل شاكي السلاح واشفع فللشافع نعمى بما ... تمر من عقد وثيق النواح إن سحاب الأفق منها الحيا ... والحمد في تأليفها للرياح وكان القاضي أبو بكر ابن ذكوان، أجل من اشتمل عليه أوان، مجداً وشرفاً، وتفننا في العلم وتصرفاً، مع دعابة حين خلواته تحل حبى المحتبي، ورقاعة عند نشواته كالتنوخي والمهلبي؛ فإذا أصبحوا بكر أبو بكر إلى مصادرة ما يتجه عليه الحكم ومواجهته، وأنكر ما كان عليه من فكاهته، فكأنما في برديه الأنام، وكأنه وقاراً يذبل أو شمام، مع عدله فيقضائه، وإنفاذ الحكم بمقتضى الحق وإمضائه. حتى إذا راح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 الرواح عادوا إلى القصف، وتجاوزوا في ميدانهم كل وصف. إلى أن اختلس أبو بكر منهما، وتقلص ذيل مؤانسته عنهما، فاعتاضا عنه بسواه، وأفاضا فيما كانا فيه وما تعدياه. واتفق أن مر بقبره في لمة من أخوانه، وجماعة من عمار ميدانه، فعطفوا عليه مسلمين ووقفوا عليه متألمين، فقال أبو الوليد: ما أقبح الدنيا خلاف مودع ... غنيت به في حسنها تختال يا قبره العطر الثرى لا يبعدن ... حلو من الفتيان فيك حلال ما أنت إلا الجفن أصبح طيه ... نصل عليه من الشباب صقال يا من شأى الأمثال منه واحد ... ضربت به في السؤدد الأمثال نقصت حياتك حين فضلك كامل ... هلا استضاف إلى الكمال كمال زرناك لم تأذن كأنك غافل ... ما كان منك لواجب إغفال أين الحفاوة روضها غض الجنى ... أين الطلاقة ماؤها سلسال هيهات لا عهد كعهدك عائد ... إذ أنت في وجه الزمان جمال فاذهب ذهاب البرء أعقبه الضنى ... والأمن وافت بعده الأوجال حيا الحيا مثواك وامتدت على ... ضاحي ثراك من النعيم ظلال وإذا النسيم اعتل فاعتامت به ... ساحاتك الغدوات والآصال ولئن أذالك بعد طول صيانةٍ ... قدر فكل مصونة ستدال وله: على دارة الشرقي مني تحية ... زكت وعلى وداي العقيق سلام ولا زال روض بالرصافة ضاحك ... بأرجائها يبكي عليه غمام معاهد لهو لم تزل في ظلالها ... تدار علينا للسرور مدام زمان رياض العيش خضر نواعم ... ترف وأمواه النعيم جمام فإن بان مني عهدها فبلوعةٍ ... يشب لها بين الضلوع ضرام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 ومن اجلها أدعو لقرطبة المنى ... بسقيا ضعيف الطل وهو رهام فما لحقت تلك الليالي ملامة ... ولا ذم من ذاك الحبيب ذمام وله: خليلي لا فطر يسر ولا أضحى ... فما حال من أمسى مشوقاً كما أضحى لئن شاقني شرق العقاب فلم أزل ... أخص بمخصوص الهوى ذلك السفحا وما انفك جوفي الرصافة مشعري ... دواعي بث تعقب الأسف البرحا ويهتاج قصر الفارسي صبابة ... لقلبي لا تألو زناد الأسى قدحا وليس ذميماً عهد مجلس ناصح ... فأقبل في فرط الولوع به نصحا كأني لم أشهد لدى عين شهدةٍ ... نزال عتاب كان آخره الفتحا وقائع جانيها التجني فإن مشى ... سفير خضوعٍ بيننا أكد الصلحا وأيام وصل بالعقيق اقتضيتها ... فإن لا يكن ميعاده العيد فالفصحا معاهد لذات وأوطان صبوةٍ ... أجلت المعلى في الأماني بها قدحا ألا هل إلى الزهراء أوبة نازحٍ ... تقضت مبانيها مدامعه نزحاً! مقاصر ملك أشرقت جنباتها ... فخلنا العشاء الجون أثناءها صبحا محل ارتياح يذكر الخلد طيبه ... إذا عز أن يصدى الفتى فيه أو يضحى هناك الجمام الزرق تندى حفافها ... ظلال عهدت الدهر فيها فتىً سمحا تعوضت من شدو القيان خلالها ... صدى فلوات قد أطار الكرى ضبحا ومن حملي الكأس المفدى مديرها ... تقحم أهوال حملت لها الرمحا وله يرثي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 أعباد يا أوفى الملوك لقد عدا ... عليك زمان من سجيته الغدر فهلا عداه أن علياك حليه ... وذكراك في أردان أيامه عطر أأنفس نفس في الورى أقصد الردى ... وأخطر علق للهدى أفقد الدهر فهل علم الشلو المقدس أنني ... مسوغ حال ضل في كنهها الفكر وأن متاني لم يضعه محمد ... خليفتك العدل الرضا وابنك البر وأرغم في بري أنوف عصابةٍ ... لقاؤهم جهم ومنظرهم شزر إذا ما استوى في الدست عاقد حيوة ... وقام سماطاً حفله فلي الصدر ومما أغفل ابن بسام من نسيب أبي الوليد الصحيح الأقسام، النازح عن الأطماع والأوهام، المصدق قول الجعفرية فيما ينص من الإلهام، قوله: لئن قهر اليأس فيك الأمل ... وحال تجنيك دون الحيل وناجاك بالإفك في الحسود ... فأعطيته جهرة ما سأل وراقك سحر العدا المفترى ... وغرك زورهم المفتعل وأقبلتهم في وجه القبول ... وقابلهم بشرك المقتبل فإن ذمام الهوى لن أزال ... أبقيه حفظاً كما لم أزل فديتك إن تعجلي بالوفاءفقد يهب الريث بعض العجل ... علام اطبتك دواعي القلى ... وفيم نهتك نواهي العذل ألم أوثر الصبر كيما أخف ... ألم أكثر الهجر كيلا أمل ألم أرض منك بغير الرضى ... وأبدي السرور بما لم أنل ألم أغتفر موبقات الذنو ... ب عمداً أتيت بها أم زلل وما ساء ظني في أن يسيء ... بي الفعل حسنك حتى فعل على حين أصبحت حسب الضمير ... ولم تبغ منك الأماني بدل وصانك مني وفي أبي ... لعلق العلاقة أن يبتذل سعيت لتكدير عهد صفا ... وحاولت نقض وداد كمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 فما عوفيت مقتي من أذى ... ولا أعفيت ثقتي من خجل ومهما هززت إليك العتا ... ب ظاهرت بين ضروب العلل كأنك ناظرت أهل الكلام ... وأوتيت فهماً بعلم الجدل ولو شئت راجعت حر الفعال ... وعدت لتلك السجايا الأول فلم يك حظي منك الأخس ... ولا عد سهمي فيك الأقل عليك السلام سلام الوداع ... وداع هوىص مات قبل الأجل وما باختياري تسليت عنك ... ولكنني مكره لا بطل ولم يدر قلبي كيف النزوع ... إلى أن رأى سيرة فامتثل وليت الذي قاد عفواً إليك ... أبي الهوى في عنان الغزل يحيل عذوبة ذاك اللمى ... ويشفي من السقم تلك المقل وقوله أيضاً: فديتك ليس لي قلب فأسلو ... ولا نفس فآنف إن حفيت فإن يكن الهوى داء مميتاً ... لمن يهوى فإني مستميت أسر عليك عتباً ليس يبقى ... وأضمر فيك غيظاً لا يبيت وما ردي على الواشين إلا ... رضيت بحب قاتلي رضيت وقوله: أنى أضيع عهدك ... أم كيف أخلف وعدك - وقد رأتك الأماني ... رضىً فلم تتعدك يا ليت ما لك عندي ... من الهوى ما لي عندك وطال ليلك بعدي ... كطول ليلي بعدك سلي حياتي أهبها ... فلست أملك ردك الدهر عبدي لما ... أصبحت في الحب عبدك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ولأبي بكر بن عمار يخاطب أبا الوليد ابن زيدون، رحمهما الله: كيف اعتززت على الدليل ... وقطعت أسباب الوصول - وقتلتني وزعمت أن ... الذنب منا للقتيل وعليك جاهدت العدا ... وإليك ملت عن العذول يا قاتلي ودمي بصف ... حة خده أهدى دليل ما أليق الفعل الجمي ... ل بذلك الوجه الجميل أبرزت في خلق الكري ... م وراءه خلق البخيل ودعوتني حتى أجب ... تك ثم حدت عن السبيل جد بالقليل فإن نف ... سي منك تقنع بالقليل واذكر على زمن قطع ... ناه بصافية شمول إذ نسحب الأذيال ما ... بين الخليج إلى النخيل ونحل من سيف الغدي ... ر بقبة الظل الظليل والروض ممطور تنم ... عليه أنفاس القبول والشمس ترمقنا خلا ... ل الغيم عن طرف كليل إبان يحدو الرعد من ... ورق السحائب كالحمول ويهز كف البرق في ال ... آفاق مرهفة النصول زمن ستبكيه الحما ... م معي وتذهل عن هديل يا برق أد رسالتي ... تفديك نفسي من رسول عرج بشلب محيياً ... ما شئت من تلك الطلول والمع على شرفات حم ... ص قرارة الشرف الأثيل فإذا اجتلاك أبو الولي ... د بناظر اليقظ النبيل فاقرأه من قلبي سلا ... ماً يقتضي حسن القبول يا غرة الزمن البهي ... م وعزة الأدب الذليل ومحكم القلم القصي ... ر على شبا الرمح الطويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 أعلمت أني خادم ... ذكراك بالشكر الجزيل لم أستحل عما عهد ... ت مع الزمان المستحيل أشفع عنايتك الجلي ... لة لي لدى الملك الجليل ولئن أجبت لراغبٍ ... وأقلت عثرة مستقيل فلكم أتيت بمثلها ... وهي الصنيعة في مثيلي يا أنس بدر في الظلا ... م وبرد ظل في المقيل وله يتغزل في ولادة: يا نازحاً وضمير القلب مثواه ... أنستك دنياك عبداً أنت مولاه ألهتك عنه فكاهات تلذ بها ... فليس يجري ببال منك ذكراه عل الليالي تبقيني إلى أجل ... الدهر يعلم والأيام معناه وله يتشوق إليها: غريب بأقصى الشرق يشكر للصبا ... تحملها منه السلام إلى الغرب وما ضر أنفاس الصبا في احتمالها ... سلام فتى يهديه جسم إلى قلب وله: أيوحشني الزمان وأنت أنسي ... ويظلم لي النهار وأنت شمسي - وأغرس في محبتك الأماني ... فأجني الموت من ثمرات غرسي - لقد جازيت هجراً عن وفاء ... وبعت مودتي ظلماً ببخس ولو أن الزمان أطاع حكمي ... فديتك من مكارهه بنفسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وله: ولقد شكوتك الهوى ... ودعوت من حنق عليك فأمنا منيت نفسي من هواك بضلة ... ولقد تغر المرء بارقة المنى " وله يتغزل، ويعاتب من يستعطف ويستنزل ": يا مستخفاً بعاشقيه ... ومستغيثاً لناصحه ومن أطاع الوشاة فينا ... حتى أطعنا السلو فيه الحمد لله إذ أراني ... تكذيب ما كنت تدعيه وكتب عن المعتضد إلى صهره الموفق أبي الجيس بن مجاهد: عرفت عرف الصبا إذ هب عاطره ... من أفق من أنا فيقلبي أشاطره أراد تجديد ذكراه على شحط ... وما تيقن أني الدهر ذاكره نأى المزار به والدار دانية ... يا حبذا الفأل لو صحت زواجره خلي أبا الجيش هل يقضى اللقاء لنا ... فيشتفي منك قلب أنت هاجره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 @بعض خبر ولادة قال ابن بسام: وأما ولادة التي ذكرها أبو الوليد بن زيدون في شعره فإنها بنت محمد بن عبد الرحمن الناصري. وكانت في نساء أهل زمانها، واحدة أقرانها، حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر. وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها، إلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها؛ تخلط ذلك بعلو نصاب، وكرم أنساب، وطهارة أثواب. على أنها - سمح الله لها. وتغمد زللها - اطرحت التحصيل، وأوجدت إلى القول فيها السبيل، بقلة مبالاتها، ومجاهرتها بلذاتها. كتبت - زعموا - على أحد عاتقي ثوبها: أنا والله أصلح للمعالي ... وأمشي مشيتي وأتيه تيها وكتبت على الآخر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وأمكن عاشقي من صحن خدي ... وأعطي قبلتي من يشتهيها هكذا وجدت هذا الخبر، وأبرأ إلى الله من عهدة ناقليه، وإلى الأدب من غلط النقل إن كان وقع فيه. ولها مع أبي الوليد بن زيدون أخبار طوال وقصار، يفوت إحصاؤها ويشق استقصاؤها. قال أبو الوليد: كنت في أيام الشباب، وغمرة التصاب، هائماً بغادة، تدعى ولادة، فلما قدر اللقاء، وساعد القضاء، كتبت إليّ: ترقب إذا جن الظلام زيارتي ... فإني رأيت الليل أكتم للسر وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا ... وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر فلما طوى النهار كافوره، ونشر الليل عنبره، أقبلت بقد كالقضيب، وردف كالكثيب، وقد أطبقت نرجس المقل، على ورد الخجل، فملنا إلى روض مدبج، وظل سجسج، قد قامت رايات أشجاره، وفاضت سلاسل أنهاره، ودر الطل منثور، وجيب الراح مزرور، فلما شببنا نارها، وأدركت فينا ثارها، باح كل منا بحبه، وشكا أليم ما بقلبه، وبتنا بليلة أقحوان الثغور، ونقطف رمان الصدور. فلما انفصلت عنها صباحاً، أنشدتها ارتياحاً: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 ودع الصبر محب ودعك ... ذائع من سره ما استودعك يقرع السن على أن لم يكن ... زاد في تلك الخطى إذ شيعك يا أخا البدر سناء وسناً ... حفظ الله زماناً أطلعك أن يطل بعدك ليلي فلكم ... بت أشكو قصر الليل معك قال أبو الوليد: وكانت عتبة قد غنتنا: أحبتنا إني بلغت مؤملي ... وساعدني دهري وواصلني حبي وجاء يهنيني البشير بقربه ... فأعطيته نفسي وزدت له قلبي فسألتها الإعادة، بغير أمر ولادة، فخبا منها برق التبسم، وبدا عارض التجهم، وعاتبت عتبة، فقلت: وما ضربت عتبى لذنب أتت به ... ولكنما ولادة تشتهي ضربي فقامت تجر الذيل عاثرة به ... وتمسح طل الدمع بالعنم الرطب فبتنا على العتاب، في غير اصطحاب، ودم المدام مسفوك، ومأخذ اللهو متروك. فلما قامت خطباء الأطيار، على منابر الأشجار، وأنفت من الاعتراف، وباكرت إلى الانصراف، وشت بمسك الأنقاس، على كافور الأطراس: لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا ... لم تهو جاريتي ولم تتخير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 وتركت غصناً مثمراً بجماله ... وجنحت للغصن الذي لم يثمر [ولقد علمت بأنني بدر السما ... ولكن دهيت لشقوتي بالمشتري] وأما ذكاء خاطرها، وحرارة نوادرها، فآية من آيات فاطرها: مرت بالوزير أبي عامر ابن عبدوس - المتقدم الذكر - وكان بقرطبة أحد أعيان المصر، وبعض من هذى باسمها، وتصرف على حكمها، وأمام داره بركة دائمة تتولد عن كثرة الأمطار، وربماً استمدت بشيء مما هنالك من الأقذار، وقد نشر أبو عامر كميه، ونظر في عطفيه، وحشر أعوانه إليه، فقالت له: أبا عامر: أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفقا فكلاكما بحر فتركته لا يحير حرفاً، ولا يرد طرفا. وطال عمرها وعمر أبي عامر حتى أربيا على الثمانين، وهو لا يدع مواصلتها، ولا يغفل مراسلتها. وتحيف هذا الدهر المستطيل حال ولادة، فكان يحمل كلها، ويرقع ظلها، على جدب واديه، وجمود روائحه وغواديه، أثراً جميلاً أبقاه، وطلقاً من الظرف جرى إليه حتى استوفاه. وكانت - زعموا - تقرض أبياتاً من الشعر، وقد قرأت أشياء منه في بعض التعاليق، أضربت عن ذكره، وطويته بأسره، لأن أكثره هجاء وليس له عندي إعادة ولا إبداء، ولا من كتابي أرض ولا سماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 ونشير هاهنا أيضاً إلى شيء من أخبار أبيها المستكفي مداً لأطناب الآداب، ووفاء بشرط الكتاب. @التعريف بمحمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله الناصري @والد ولادة قال أبو حيان: بويع محمد بن عبد الرحمن الناصري، يوم قتل عبد الرحمن المستظهر يوم السبت لثلاث خلون من ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة، فتسمى بالمستكفي بالله، اسماً ذكر له فاختاره لنفسه، وحكم به سوء الاتفاق عليه، لمشاكلته لعبد الله المستكفي العباسي - أول من تسمى به - في أفنه ووهنه وتخلفه وضعفه، بل كان هذا زائداً عليه في ذلك، مقصراً عن خلال ملوكية كانت في المستكفي سميه، لم يحسنها محمد هذا لفرط تخلفه، على اشتباههما في سائر ذلك كله: من توثبهما في الفتنة، واستظهارهما بالفسقة، واعتداء كل واحد منهما على ابن عم ذي رحم ماسة، وتوسط كل واحد منهما في شأنه بامرأة خبيثة، فلذلك حسناء الشيرازية، ولهذا بنت سكرى المورورية فأصبحا في ذلك على فرط التنائي عبرة. وقال صاحب كتاب نقط العروس: ومن العجب اتفاقهما في الأخلاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وفي العمر واللقب، وأن كل واحد منهما خلع عن الأمر، وكل واحد منهما تركه أبوه صغيراً. قال أبو حيان: ولم يكن هذا المستكفي من هذا الأمر في ورد ولا صدر، إنما أرسله الله تعالى على أهل قرطبة محبة وبلية، إذ كان منذ عرف غفلاً عطلاً منقطعاً إلى البطالة، مجبولاً على الجهالة، عاطلاً من كل خلة تدل على فضيلة، عضته الفتنة فأملق حتى استجاز طلب الصدقة. رأيته أيام الخسف بأهل بيته في الدولة الحمودية، ولم يكن ممن لحقه الاعتقال لتحقير أمره، يقصد أهل الفلاحة أوان ضمهم لغلاتهم يسألهم من زكاتها تكليماً ومخاطبة. وبالجملة في تلخيص التعريف بأمره أن أجمع أهل التحصيل أنه لم يجلس في الإمارة مدة تلك الفتنة أسقط منه ولا أنقض، إذ لم يزل معروفاً بالتخلف والركاكة، مشتهراً بالشرب والبطالة، سقيم السر والعلانية، أسير الشهوة، عاهر الخلوة، ضداً لقتيله عبد الرحمن المستظهر في اللب والمعرفة. وكان افتتح هذه السنة المؤرخة القاسم بن حمود بخلافته، واختتمها هذا المستكفي المذكور. وكان بينهما عبد الرحمن المستظهر القتيل، فتصرمت تلك السنة النكدة عن ثلاثة خلفاء، وهذا من غريب الأنباء، ولله البقاء السرمدي. وقلد هذا المستكفي الأمر ولم يكن من أهله، فتلقى جميع الناس بالإيناس، واستمالهم بالأهوية، ورأى أن المال عزيز، فظن البشر الرخيص يقوم مقامه أو ينوب منابه، فكان يقول للناس أجمعين: ارتعوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 كيف شئتم، وتسموا بما أحببتم من الخطط. فتسمى بالوزارة في أيامه مفردةً ومثناة أراذل الدائرة، وأخابث النظار، فضلاً عن زعانف الكتاب والخدمة. وأما الشرطة العليا وما دونها من رفيع المنازل فحملها كثير من التجار والعامة، وانثال الناس على ابتغاء هذه المنازل عند السلطان بالطماعية في كرة الدولة، فغشوا بابه، وعمروا فناءه، وتعللوا بالمنى. فلما استبانوا ضعفه رفضوا خططهم، وتبرأ كثير منهم منها، وأقسم أنه لم يتقلدها، ولا سيما عند تكرر التقسيط عليهم للغرامة عند إلحاح الإضاف، فجرت لبعضهم عند الانتفاء عن تلك الخطط نوادر ظريفة مضحكة؛ وانتهى هذا التنويه العام، بهذا الملك الهمام، إلى أن فضه أيضاً في طبقات أهل العلم، فأسهم منهم الفقهاء، فآثر العلية منهم المشاورين أصحاب الفتوى بالإرقاء إلى خطة الوزارة، خالطاً بهم فيها من ذكرناه من زعانف الخدمة، وكبار الدائرة النظار. وجاءوا في ذلك بطامة لم تسمع في الأعصر الخالية، فأخطأوا وألحقوا بالدين وصمةً، وطلبوا زيادة المعتلي على العامة، ففتنوا بهذه الخطة، وشدوا أيديهم عليها، وهجروا من حطهم في الخطاب عنها، معرضين بما يعاب من ذلك، إلى أن مضوا بسبيلهم. وارتقى المستكفي أيضاً بكثير ممن يحمل المحابر، ويدرس مسائل الدفاتر، من أصاغر الطبقة الفقهية، إلى ما بلغت عليتهم من منزلة الشورى، فوسم كافتهم بوسم الفتوى، فأسرف في ذلك حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 بلغ عددهم بقرطبة يومئذ إلى الأربعين، وذلك ما لم يعهد في الغابرين. وكثر الإرجاف بتغيير رجال الدائرة، فاضطربت قرطبة لكثرة من كان فيها من المردة، فقبض على جماعة من بني عمه وحاشيته، منهم علي بن أحمد بن حزم، وعبد الوهاب ابن عمه المتقدما الذكر، سجنوا بالمطبق، ثم عاجل المستكفي ابن عمه عبد العزيز العراقي، فخنق وأمسى ميتاً ونعاه إلى الناس، فلم يخف عليهم اغتياله. وفي أيام المستكفي هذا استؤصل بقية قصوره جده الناصر بالخراب، وطمست أعلام قصر الزهراء، واقتلع نحاس الأبواب ورصاص القني، وغير ذلك من الآلات. فطوي بخرابها بساط الدنيا، وتغير حسنها، إذ كانت جنة الأرض، فعدا عليها قبل تمام المائة من كان أضعف قوة من فأرة المسك، وأوهن بنية من بعوضة النمرود، والله يسلط جنوده على من يشاء، له العزة والجبروت. فلما كانت سنة ست عشرة وتحرك يحيى بن حمود إلى قرطبة، وضعف أمر المستكفي، اتفق الملأ على خلعه، فدخلوا عليه وقالوا له: قد علم الله اجتهادنا في تثبيتك، فاعتاص ذلك علينا، واضطررنا إلى مقارعة عدونا، وها نحن خارجون إليه، ولا ندري ما يحدث عليك بعدنا، فإن تك لك الكرة فلا تيأس، فمع اليوم غد. فأجمل الرد، وانقاد للدنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 واستشعر الذل، واهتبل الغرة، وعزم على الهروب. فخرج على وجهه وقد لبس ثياب الغانيات منتقباً بين امرأتين لم يميز منهما لمرانته على التخنيث. وخرج عن قرطبة فمات بأقليش، فكانت دولته سبعة عشر شهراً صعاباً نكدات، سوداً مشوهات مشؤومات؛ انتهى ما لخصته في حديثه من كلام ابن حيان. @فصل في ذكر الأديب أبي عبد الله محمد بن سليمان بن الحناط @الكفيف وسياقة جملة من نثره ونظمه [قال ابن بسام] : وأبو عبد الله بن الحناط هذا زعيم من زعماء العصر - كان - ورئيس من رؤساء النظم والنثر في ذلك الأوان، وجمرة فهم لفحت وجوه الأيام، وغمرة علم سالت بأعلام الأنام، فكم له من وقذة لا يبر أميمها، ونكزةٍ لا يسلم سليمها. وكانت بينه وبين أبي عامر بن شهيد بعد تمسكه بأسبابه. وانحاشيه - كان - إلى جنابه، مناقضات في عدة رسائل وقصائد أشرقت أبا عامر بالماء، وأخذت عليه بفروج الهواء، وقد أوردت من ذلك ما يكون أنطق لسان بنباهة ذكره، وأعدل شاهد على براعة قدره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وقد ذكره ابن حيان في فصل من كتابه فقال: وفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة نعي إلينا أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحناط الشاعر الضرير القرطبي، بقية الأدباء النحارير في الشعر، هلك بالجزيرة الخضراء في كنف الأمير محمد بن القاسم، وهلك إثره ابنه الذي لم يكن له سواه بمالقة فاجتث أصله. وكان من أوسع الناس علماً بعلوم الجاهلية والإسلام، بصيراً بالآثار العلوية، عالماً بالأفلاك والهيئة، حاذفاً بالطب والفلسفة، ماهراً في العربية والآداب الإسلامية، وسائر التعاليم الأوائلية؛ من رجل موهن في دينه، مضطرب في تدبيره، سيء الظن بمعارفه، شديد الحذر على نفسه، فاسد التوهم في ذاته، عجيب الشأن في تفاوت أحواله، ولد أعشى الحملاق، ضعيف البصر، متوقد الخاطر، فقرأ كثيراص في حال عشاه، ثم طفئ نور عينيه بالكلية، فازداد براعةً، ونظر في الطب بعد ذلك فأنجح علاجاً. وكان ابنه يصف له مياه الناس المستفتين عنده، فيهتدي منها إلى ما لا يهتدي له البصير، ولا يخطئ الصواب في فتواه ببراعة الاستنباط؛ وتطبب عنده الأعيان والملوك والخاصة، فاعترف له بمنافع جسيمة، وله مع ذلك أخبار كثيرة مأثورة. @جملة من نثره فصل له من رقعة خاطب بها ابن دري: حنانيك أيها الغيث الهطل، ولبيك أيها الروض الخضل، فإنه طلع علينا من رعين رائد رتع بروضك، وكرع في حوضك؛ هز بك عطف الشعر، فمد إليك طرفه، وثنى إليك عنان الشكر، فحث نحوك طرفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وكان فلان ذو الخلق العميم، والخلق الكريم - {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} (الحديد: 21) يتحفنا من ذكرك بنافجة مسك، ويخبرنا بخبرك عن واسطة سلك، وتعرف مواقع الغيث برواده. فعن مقة نزعنا إليك فاجتهدنا، وعن ثقة نبهنا لها عمر ثم نمنا، وما حركنا من أدبك ساكناً، ولا أثرنا من كرمك كامناً، غير أن الجمر يحش على ذكائه، والنصل يهز على مضائه، فدونكها قد حبر الحبر تطريزها، وإليكها قد خلص الفكر إبريزها، تتلفع منها في حلة ثناء، وتتوج منها إكليل بهاء، يخال مدادها من بهيم الليل صنع، ويحسب رقها من أديم الصبح قطع. أرسلناها كافورةً بمسك موسومة، وأهديناها درة بياقوت مختومة، وأقدم أولاً الإعتراف بالتقصير، وأذعن في الكف عن التعبير، إذ أهديت الدرغلى منظمه، وخلعت الوشي على منمنمه. وله من أخرى: الإسهاب كلفة، والإيجاز حكمة، وخواطر الألباب سهام، يصاب بها أغراض الكلام؛ وأخونا أبو عامر يسهب نثراً، ويطول نظماً، شامخاً بأنفه، ثانياً من عطفه، متخيلاً أنه قد أحرز السباق في الآداب، وأوتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 فصل الخطاب، فهو يستقصر أساتيذ الأدباء، ويستجهل شيوخ العلماء: وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس وفي فصل منها: في ليلة بتها، والكف الخضب سوارها البدر، والشعرى العبور وشحها النسر، وكأنما سماؤها روضة تفتحت النجوم وسطها زهراً، وتفجرت المجرة خلالها نهراً، وادٍ يسيل بعسجد على رضراض زبرجد. فلما أصبت الغرة، وأقصدت الثغرة، تقلبت عراراً، وتناومت غراراً، حتى أنبهني الفجر ببرده، وسربلني الصباح ببرده، وهببت من النومة، وصحوت من النشوة، فزففتها إليك بنت ليلتها عذراء، وجلوتها عليك كريمة فكرتها حسناء. تتلفع بحبرة حبر، وتتبختر في شعار شعر، مؤتلف بين رقها ومدادها، ومجتمع في بياضها وسوادها: الليلاذا عسعس، والصبح إذا تنفس؛ وقعتها كافور نمنم بمسك، وختامها ياقوت نظم في سلك، فتحسب خطها تيم لفظها فشكا، وتخال القلم رق لما به فبكى، فأنشدها أخاك الشهيدي، وكلفه على العروض والقافية معارضتها، وحمله على اللين والشدة مقارضتها، فستوقد بقلبه قبساً، وتضرب في أذنه جرساً، فيتبين به حظه، ويعرف لغيره فضله، وختم الرقعة بهذه الأبيات: أقصر عن لومي اللائم ... لما درى أنني هائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 ما زلت في حبه منصفاً ... من لم يزل وهو لي ظالم أسهر ليلي غراماً به ... وهو أخو سلوة نائم مهفهف ماس في برده ... غصن ثنته الصبا ناعم شمس ولكنما فرعها ... ليل على صبحها فاحم إن ابن ذكوان ذو راحة ... كديمة صوبها دائم لم يأتلق برقها خلباً ... ولا اتقى خلفه الشائم ومن أبوه أبو حاتم ... قصر عن جوده حاتم يبني العلا بالندى جاهداً ... وغيره للعلا هادم محكك حول قلب ... محنك حازم عازم تبصره دهره قاعداً ... وهو بأعبائه قائم إذا انتضى سيفه معلماً ... لم تدر أيهما الصارم من لم يكن شاعراً عالماً ... فإنني الشاعر العالم البدر في أخمصي شسعة ... والشمس في خنصري خاتم الدر لو بلغوه المنى ... نظمه في فمي الناظم قوله: " لم تدر أيهما الصارم "، كقول حسان بن المصيصي: قوم يمانون إن سلوا يمانيةً ... لم تعرف السيف في الهيجا من الرجل وقال عبد الجليل: شبيه ما اعتقلوه من ذوابلهم ... فالحرب جاهلة من منهم الأسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 ولابن عبد ربه: إذا أدارت بنانه قلماً ... لم تدر للشبه أيها القلم وقال بعض أهل العصر: بها نخيل والأبطال والبيض والقنا ... سواء بحكم العين والأذن واللب فلا فرق إلا أن يهب بها الردى ... فيعرف أن الفضل للرجل الندب وقال أبو الطيب: همام إذا ما فارق السيف غمده ... وعاينته لم تدر أيهما النصل وكرره في موضع آخر فقال: قلوبهم في مضاء ما امتشقوا ... قاماتهم في قوام ما اعتقلوا وهو من متداولات المعاني. وإنما نقلوا كلهم بيت الحماني: ما علق السيف منا بابن عاشرةٍ ... إلا وعزمته أمضى من السيف وكرره أيضاً الحماني فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 والسيف إن قسته يوماً بنا شبهاً ... في الروع لم تدر عزماً أينا السيف وله من رقعة طويلة بها المظفر بن الأفطس قال في أولها: حجب الله عن الحاجب المظفر - مولاي وسيدي - أعين النائبات، وقبض دونه أيدي الحادثات، فإنه مذ كان أنور من الشمس ضياء، وأكمل من البدر بهاء، وأندى من الغيث كفاً، وأحمى من الليث أنفاً، وأسخى من البحر بناناً، وأمضى من النصل لساناً، وأنجبه المنصور فجرى على سننه، وأدبه فأخذ بسننه، وكانت الرياسة عليه موقوفة، والسياسة إليه مصروفة، قصرت الأوهام عن كنه فضله، وعجزت الأقلام عن وصف مثله، غير أن الفضائل لابد من نشرها، والمكارم لا عذر في ترك شكرها: فالشكر للإنسان أربح متجرٍ ... لم يعدم الخسران من لم يشكر وله في فصل: وردني كتاب كريم جعلته عوض يده البيضاء فقبلته، ولمحته بدل غرته الغراء فأجللته، كتاب ألقى عليه الحبر حبره، وأهدى إليه السحر فقره، أنذر ببلوغ المنى، وبشر بحصول الغنى، تخير له البيان فطبق مفصله، ورماه البنان فصادف مقتله: معارك آداب، ووقائع ألباب، سال المداد به نجيعاً، وجرى الغرض المجرى إليه صريعاً، ووصل معه المملوك والمملوكة اللذان سماهما هدية، وتنزه كرماً أن يقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 عطية؛ همة تزحم السماكين، ونعمة تملأ الأذن والعين. ومنه: كتبت على البعد مستجدياً ... لعلمي أنك لا تبخل فجاء الرسول كما أشتهي ... وقد ساق فوق الذي آمل وما كان وجهك ذاك الجميل ... ليفعل غير الذي يجمل وفي فصل: وما حرك الحاجب - أيده الله - بكتابه ساكناً بحمده، ولا نبه نائماً عن قصده، كيف وقد طلعت الشمس التي صار بها المغرب شرقاً، وهبت الريح التي صار بها الحرمان رزقاً - صاحب لواء الحمد، وفارس ميدان المجد، طلاع كل ثنية، وفعال كل سنية، يسير صدر الجيش وهو ربه، ويتقلب فيه وهو قلبه، ولواء النصر عليه منشور، وفؤاد الكفر منه مذعور. وفي رسالته هذه طول تصرف فيها في أنواع البديع، تصرف المطبوع، واندرج له في أثنائها عدة مقطوعات من شعره كقوله: ومهفهف قلق الوشاح يروعه ... جرس السوار ويشتكي من ضيقه وسنان خط المسك فوق عذاره ... لاماً فهمت الموت في تعريفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 مزج المدام بريقه لما سقى ... فسكرت من فمه ومن إبريقه وختم الرقعة بقصيدة هنأه فيها بخروجه من الأسر، منها قوله: ولما أقال الله عثرتك التي ... قضى الله فيها بالنجاة وقدرا تهللت الدنيا وأشرق نورها ... وأقبل سعد كان بالأمس أدبرا وسينخرط في سلك أخبار ابن عباد خبر إساره، وكيف خرج بدره من سراره، إن شاء الله. @ما أخرجته من قصائد في المدح، وما يتشبث به @من الأوصاف له من قصيدة في علي بن حمود، أولها: راحت تذكر بالنسيم الراحا ... وطفاء تكسر للجنوح جناحا أخفى مسالكها الظلام فأوقدت ... من برقها كي تهتدي مصباحا وكأن صوت الرعد خلف سحابها ... حاد إذا ونت السحائب صاحا جادت على التلعات فاكتست الربى ... حللاً أقام لها الربيع وشاحا روض يحاكي الفاطمي شمائلاً ... طيباً ومزن قد حكاه سماحا أعلي إن تعل الملوك فإنهم ... بهم جعلت أغرها الوضاحا لما طلعت لها بكل ثنية ... أنسيتها المنصور والسفاحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وله من أخرى [فيه] : شقي بعدنا بالبعد من نعم نعمان ... وأوحش من لبنى على البعد لبنان سقى القطر ما بين العقيق وضارج ... معارف فيها للأحبة عرفان وحيا الحيا عهداً عهدناه باللوى ... لوى ديننا فيه صدود وهجران ليالي روض الوصل فيهن ممرع ... وغصن الصبا إذ ذاك أخضر فينان تدير علينا الراح فيها جآذر ... ويسكرنا باللحظ منهن غزلان ولم أر مثلي كيف صار بقلبه ... من الوجد بركان وفي الجفن طوفان ولا مثل هذا العدل كيف أعاده ... علي وقد مرت من الظلم أزمان وله من أخرى فيه أيضاً: بكيت لها شجواً وهن الحمائم ... ينحن بلا دمع ودمعك ساجم ولما علونا الحزن واعتسفت بنا ... رسوم الديار اليعملات الرواسم لوينا بأعناق المطي إلى اللوى ... وقد علمتنا اللبث تلك المعالم لئن أوحش الربع الذي كان آنساً ... وأقوت من الحي الرسوم الطواسم فكم ليلة فيه وصلت نعيمها ... بأخرى وأنف الهجر بالوصل راغم سقى منبت اللذات منها ابن هاشم ... إذا انهملت من راحتيه الغمائم إمام أقام الدين حد حسامه ... طريراً ومنه في يد الله قائم ويزهر في يمناه نور من الظبا ... له من رؤوس الدارعين كمائم وهذا البيت ينظر إلى قول المتنبي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 سقاك وحيانا بك الله إنما ... على العيس نور والخدور كمائمه وقال أبو بكر بن عمار: ندامى وما غير السيوف أزاهر ... لديهم وما غير الغمود كمائم وكذلك البيت الذي قبله كقول المتنبي: على عاتق الملك الأغر نجاده ... وفي يد جبار السموات قائمه وهو من قول حبيب: لقد حان من يهدي سويداء قلبه ... لحد سنان في يد الله عامله وفي هذه القصيدة يقول ابن الحناط: سيوف إذا اعتلت جهات ثغورها ... فمنهن في أعناقهن تمائم بكل خميس طبق الجو نقعه ... وضيق مسراه الجياد الصلادم كأن مثار النقع إثمد عينه ... وأشفار جفنيه الشفار الصوارم تعد عليه الطير والوحش قوتها ... إذا سار والتفت عليه القشاعم وهذا المعنى قد تقدم منه جملة في مكانه، وذكرت من استن في ميدانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وقوله: " سيوف إذا اعتلت " ... البيت، من قول المتنبي: وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم وله من أخرى: لم يخل من نوب الزمان أديب ... كلا فشأن النائبات ينوب أمسي قراراً للخطوب وأغتدي ... غرضاً تفوق نحوه فتصيب وإذا انتهيت إلى العلوم وجدتها ... شيئاً يعد به عليك ذنوب وغضارة الأيام تأبى أن يرى ... فيها لأبناء الذكاء نصيب ولذاك من صحب الليالي طالباً ... جداً وفهماً فاته المطلوب وهذا أيضاً من قول المتنبي: وما الجمع بين الماء والنار في يدي ... بأصعب من أن أجمع الجد والفهما وقال أبو علي ابن رشيق وولد معنىً زائداً مشتظرفاً: أشقى لجدك أن تكون أديباً ... أو أن يرى فيك الورى تهذيبا ما دمت مستوياً ففعلك كله ... عوج وإن أخطأت كنت مصيبا كالنقش ليس يتم معنى ختمه ... حتى يكون بناؤه مقلوبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 ومنها: أمت أمير المؤمنين مواحلاً ... فسقى صداها غيثه الشؤبوب المعتلي بالله والملك الذي ... تاج الفخار برأسه معصوب إن كان عدوا حب آل محمدٍ ... ذنباً فإني لست منه أتوب وهذا كقول العباس بن الأحنف: إن كان ذنبي في الزيارة فاعلمي ... إني على كسب الذنوب لجاهد وله من قصيدة يرثي أبا الحزم بن جهور، ويهنئ ابنه أبا الوليد، وكتب بها من الجزيرة الخضراء، إذ أقصي عن قرطبة، أولها: إنا إلى الله في الرزء الذي فجعا ... والحمد لله في الحكم الذي وقعا ولى أبو الحزم عن ملك تقلده ... أبو الوليد فعز الملك وامتنعا اب كريم غدا الفردوس مسكنه ... وابن نجيب تولى الأمر واضطلعا لله شمس ضحى في اللحد قد غربت ... فأعقبت قمراً بالسعد قد طلعا [ومنها] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 يا واحد الدين والدنيا أقل زللا ... يدعوك جانبه أن تقتص أو تدعا لو أنه أعطي الدنيا بما رحبت ... ولم ينل عفوك المأمول ما قنعا وما عساك سوى الإحسان تصنعه ... إلى مسيء رجا عتباك فارتجعا وقد رأيت ابن سعد حين أمكنه ... بشر عفا عنه فادفع بالذي دفعا ليمحون مديحي فيك من كثبٍ ... محواً حديث ملامي حيثما سمعا وقال من أخرى: تفرغت من شغل العداوة والظعن ... وصرت إلى دار الإقامة والأمن أمقتولة الأجفان من دمع حزنها ... أفيقي فإني قد أفقت من الحزن فلله سيري يوم ودعت صحبتي ... زماعاً ولم أقرع على ندم سني رحلت فكم من جؤذر وغضنفر ... يروي الثرى من فضل أدمعه الهتن وما عن قلى فارقت تربة أرضكم ... ولكنني أشفقت فيها من الدفن وينظر هذا إلى قول القسلطي: وفاحت ليالي الدهر مني ميتاً ... فأخزين أياماً دفنت بها حيا وكذلك قوله: " رحلت فكم من جؤذر " ... البيت، من قول المتنبي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 رحلت فكم باكٍ بأجفان شادنٍ ... علي وكم باك بأجفان ضيغم ومنها: مررت بشوسٍ والنجوم كأنها ... توقد من فكري وتسرج من ذهني وأسريت من بدر الظلام بألبةٍ ... بصحبة مطفي الجمر أو مكفئ الظعن لبسنا بها ليلاً من الثلج أبيضاً ... كسته يد الصنبر ثوباً من القطن ورحنا على ألبيرة فاستقل بي ... جناح عقابٍ لا يروح إلى وكن ولما تنكبنا المنكب لم نجد ... لنا مركباً أهدى سبيلاً من السفن ترامت بنا الأهوال في كل لجةٍ ... تخيلها جواً تجلل بالدجن ترى السفن فوق الموج فيها كأنها ... تحدر من رعن وتوفي على رعن [ومنها] : فبوأت رحلي ظل أروع ماجد ... يقول بلا خلف ويعطي بلا من إمام وصي المصطفى وابن عمه ... أبوه، فتم الفخر بين أب وابن وله من أخرى: أرقت وقد غنى الحمام الهواتف ... بمنعرج الأجزاع والليل عاكف أعدن لي الشوق القديم وطاف بي ... على النأي من ذكرى المليحة طائف وما الجانب الشرقي من رمل عالج ... بحيث استوت غيطانه والنفانف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 إذا ما تغنى الرعد فوق هضابه ... سقى الروض من وبل الغمامة واكف بأحسن من أطلال علوة منظراً ... وإن درست آياته والمعارف خليلي هل بالخيف للشمل ألفة ... فيأمن قلب من نوى الخيف خائف أفي وقفة عند العقيق ملامة ... على دنف شاقته تلك المواقف سقى عرصات الدار كل ملثة ... من المزن تزجيها البروق الخواطف كأن نثير القطر منها جواهر ... تفرقها للريح أيد عواصف كأن ابتسام البرق فيها إذا بدت ... سيوف عليٍ بالدماء رواعف وله من أخرى في القاسم بن حمود، ويصف خيران الصقلبي، وقتل المرتضى المرواني، أولها: لك الخير خيران مضى لسبيله ... وأصبح ملك الله في ابن رسوله يقول فيها: وفرق جمع الكفر واجتمع الورى ... إلى ابن حبيب الله بعد خليله وقام لواء الجمع فوق ممنع ... من النصر جبريل أمام رعيله وأشرقت الدنيا بنور خليفةٍ ... به لاح بدر الحق بعد أفوله من الهاشميين الذين بمجدهم ... تعود شخص المجد جر ذيوله فلا تسل الأيام عما أتت به ... فما زالت الأيام تأتي بسوله ولما دعا الشيطان في الخيل حزبه ... وأقبل حزب الله فوق خيوله كتائب من صنهاجة وزناتةٍ ... تضايق في عرض الفضاء وطوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 تقدم خيران إليها بزعمه ... ليدرك ما قد فاته من ذحوله فلما التقى الجمعان عاود رأيه ... فخلى لبعض الهول جل فضوله وولى وأبقى منذراً من ورائه ... يقيم لأهل الغدر عذر نكوله @ذكر الخبر عن مقتل الأمير المرتضى المذكور قال ابن حيان: كان عبد الرحمن بن محمد من ولد الناصر لدين الله قد نصب خليفةً بشرقي الأندلس، وسمي المرتضى، فزحف بمن تألف معه من الموالي العامريين وغيرهم إلى غزو البرابرة المنتزين بقرطبة وأعمالها، وأميرها يومئذ القاسم بن حمود، وعقدوا مع المرتضى على غزو قرطبة، فخرجوا بجملتهم سنة تسع وأربعمائة، فعرجوا به في طريقهم إلى غرناطة ليبدأوا بحرب ذلك الفريق من صنهاجة لما ارتأوه من الغدر بسلطانهم، فأوبقوا الجماعة وأحلوا بها الفاقرة، على أيدي البرابرة، ورسا بتلك الوقعة ملك الحمودية، وإذا قضى الله أمراً سبب له أسباباً، فجاءوا معهم، في جملتهم منذر التجيبي وخيران الصقلبي وقطعة من خيل الإفرنجة. ولما حلوا غرناطة وأميرها يومئذ زاوي بن زيري بن مناد، ارتاعت صنهاجة واعصوصبوا بأميرهم زاوي كبش الحروب، فأحكم لهم التدبير، والدولة تسعده، والمقدار ينجده؛ وحملت عنه في تلك الرحوب حكايات بديعة: منها أن المرتضى لما نازله خاطبه بكتابٍ يدعوه فيه إلى طاعته، ومسح أعطافه، وأجمل موعده. فلما قرئ على زاوي قال لكاتبه: اكتب على ظهر رقعته: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون} السورة، لا تزده، فلما بلغت المرتضى أعاد إليه كتاب وعيد، فلما قرئ على زاوي قال: ردوا عليه {ألهاكم التكاثر} إلى آخرها لم يزده حرفاً. فازداد المرتضى غيظاً، ويئس منه، وناشبه القتال ودنا إليه في تعبئة محكمة، وكراديس منتظمة، فاقتتلوا أياماً إلى أن أنهزم الأندلسيون، وطاروا على وجوههم، مسلموهم وإفرنجهم، لا يلوي أحد على أحد، والخيل تطردهم في تلك المضايق، وصرع المرتضى في ضنك ذلك المأزق، ووقع البرابرة من نهب محلة المرتضى على ما كفاء له اتساعاً وكثرة - ظل الفارس منهم يجيء من اتباعه المنهزمين، ومعه العشرة الأبغل فما دون ذلك موقرةً بفاخر النهب، ورفيع الشارة والحلية، وحيزت فساطيط أولئك الأمراء ومضارب الرؤساء الذين كانوا في جميع ذلك المعسكر المخذول، يتباهون بالقوة والشارة، بجميع ما فيها. وسبق سلطانهم زاوي إلى سرادق الحائن المرتضى، فحازه بما حواه مما كان الأمراء قد جمعوا له وجملوه به. وكان أمراؤه والوجوه من أهله قد تنازعوا بالبشارة، وجاءوا مجيء من لا يشك في الظفر، فساقوا مع أنفسهم رفيع الحلية كي يتباهوا بذلك إذا دخلوا قرطبة، حتى إن كثيراً من جاليتها والتجار المتجهزين منهم ومن سواهم اغتروا بذلك العسكر الخاوي فصحبوه مبادرين ميسرة الفتح، وسعة الربح، فخابوا وحاق البغي بهم، وخسروا أموالهم. وأول من انهزم من ذلك العسكر منذر بن يحيى وخيران الصقلبي، وكان منذر قد أوقع في نفوس مدده من رجال الإفرنجة الذعر من غدر الموالي العامريين، فشغل بذلك بالهم. فلما انهزم لم يعرفوا السر، وأجفل منذر في أصحابه الثغريين، فمر بسليمان بن هود صاحبه وهو مثبت للإفرنجة لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 يريم موقفه. فصاح به: النجاة يا ابن الفاعلة، فلست أقف عليك؛ فقال له سليمان: جئت والله بها صلعاء، وفضحت أهل الأندلس! ثم انقلع وراءه ببقية عسكره، وانقلع أيضاً خيران برجاله. وصبر الموالي العامريون قليلاً حول صاحبهم المرتضى، على أحر من جمر الغضا، وهو مع جبنه حسن الثبات، حتى استحر القتل في أصحابه، وصرع كثير منهم حوله، فانكشفوا عنه، وخاف أن يقبض عليه فولى، فوضع عليه خيران عيوناً لئلا يخفى أثره، فلحقوه بقرب وادي آش وقد أمن على نفسه، فهجموا عليه وقتلوه، وجاءوا برأسه إلى خيران ومنذر، وقد لحقا بالمرية، فتحدث الناس أنهما اصطحبا على رأسه سروراً بمهلكه، وتناولاه من الذكر عبثاً بما لم يكن له أهلاً له، وجعلا يقولان: يا أحيمق قم فاعرض جندك؛ كلمة تحدث بها عنهما جرأة على الله ونكثاً لعهوده. ففقد المرتضى على هذه السبيل، ونجا من تلك الملحمة أخوه أبو بكر ابن هشام، ولحق بالموالي العامريين فزهدوا فيه، فاستقر عند ابن القاسم صاحب حصن البونت، وكان شيعة المروانية على سوء ما أسلفوه في سلفه، فأجاره وضيفه، ولم يزل مقيماً عنده إلى أن كان من تقديمه للخلافة ما كان. قال ابن حيان: فحل بهذه الوقعة على جماعة من الأندلس مصيبة سوداء أنست ما قبلها، ولم يجتمع لهم على البربر جمع بعد، وأقروا بالإدبار، وباءوا بالصغار. وورد على القاسم بقرطبة كتاب زاوي بشرحها مع نصيبه من الغنيمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وفي جملتها سرادق المرتضى. فضربه القاسم على نهر قرطبة وغشيه من النظارة جملة من علية الناس، وقلوبهم تتقطع حسرة منه؛ فركدت ريح المروانية من ذلك الوقت بقتل من نجم منهم في أطراف الأرض، وأيس الناس من دولتهم، وألوى الخمول بجملتهم، فتقطعوا في البلاد ودخلوا في غمار الناس، وامتهنوا واستهينوا. حدثت بزوائد في شرحها حصرتها تتميماً للقصة: قالوا: لما جاء منذر التجيبي في جيشه مع الإفرنج وغيرهم للاجتماع بالمرتضى بشاطبة لغزو قرطبة، وفي جملته ابن مسوف، اجتاز على بلنسية فأغلق واليها مبارك بابها في وجهه، ومنعه أن يخرجه معهم للغزو فلم يجبه المرتضى لذلك، وأقام عذر مبارك أن يخرجه معهم للغزو فلم يجبه المرتضى لذلك، وأقام عذر مباركٍ، وأقعده خلفه لجمع الأموال وإنفاذها خلفه، فأحقده عليه، فتجمع ابن مسوف وخيران ومنذر، وتظاهروا على الغدر به، فمالوا به إلى غرناطة، وقالوا: لا يصلح أن نسير إلى قرطبة ووراءنا هذا العدو، ثم دسوا إلى زاوي وأسروا عليه الغدر بالمرتضى، فلما أصبحوا للقتال جعل منذر يحرض الموالي العامريين سخرية يبغي توريطهم ويقول: أين أنتم معشر أرباب المملكة المؤثرين على كل طبقة - أين أصحاب الوظائف المرتبة - هذا يومكم، تقدموا. فحمي القوم وخرجت صنهاجة ومغراوة من زناتة فاجتلدوا أياماً، فلما حمي الوطيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 أشار منذر وخيران بإدناء المحلة إلى قرب حومة القتال. فلما زحزحت صنهاجة من موضعها اضطرب العسكر، وشد البرابر شدة منكرة، فانحاز منذر وخيران لأول وقتهما وانهزما على وجوههما، فلم يك للناس ثبات بعدهما، فاستمرت بهم الهزيمة حسبما تقدم. وأخبر عن منذر أنه الذي ورط المرتضى وحلفاءه، وأقحمهم أوعاراً صعبةً حتى أنزلوهم فوق رؤوس صنهاجة في الجبل المطل عليهم. ولما شرع في قتالهم بان لمنذر جد الموالي، ولم يشك في ظهورهم فحسدهم وتحيل لهم بما فل حدهم. وكان بلغه أيضاً عن زاوي أنه لا يشك في الغلبة فتداركه بكتاب يثنيه به عن حربه، فتراجعت نفس زاوي وطمع في النجاة فلذلك ما جد في القتال. ولهول ما عاينه زاوي من اقتدار أهل الأندلس في تلك الحرب وجعجاعهم به، وإشرافهم على التغلب عليه، ما هان سلطانه عنده بالأندلس وعزم على الخروج عنها نظراً في عاقبة أمره، ودعا جماعة قومه مستنصحاً فعصوه في ذلك، لظنهم بطيب معيشتهم بالأندلس، فلم يثنه ذلك عن عزمه، وركب هو البحر بماله وأهله فلحق بإفريقية وطنه. فكان من أغرب الأخبار في تلك الدولة الحمودية انزعاج ذلك الشيخ الباقعة زاوي ابن زيري عن سلطانه، ولفظه لما كان يلوكه من فلذة كبد الأندلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 أرض ألبيرة، بأثر الفتح العظيم الذي أتيح له على المرتضى ومن كان معه من عساكر أهل الأندلس. فأخذ في عبور البحر حين صفا العيش واخضر عوده، ووقم العدو وفل غربه، فصمم في الرحيل بعد أن استأذن صاحب إفريقية يومئذ المعز بن باديس ابن عمه، في ذلك، فأذن له، وحرص جميع بني عمه بالقيروان على رجوعه لهم لحال سنه، وتعريهم يومئذ عن مثيله من مشيختهم لمهلك جميع إخوتهم، وحصوله هو قعدد بني مناد، الغريب شأنه، في ألا يحتجب عنه من نسائهم زهاء ألف امرأة في ذلك الوقت، هن - زعموا - محرم له بنات إخوته وبناتهن وبني بنيهن. فرحل عن الأندلس سنة عشر وأربعمائة، واستقلت به سفنه من مرسى المنكب، وفي شحنتها من ذخائر الأندلس ما يفوت الإحصاء كثرة لعظيم ما خمسه أيام الفتنة. فاجتمع شمله بالقيروان، وأقره المعز في دولته وكنفه. إلا أنه لم يؤثره ولا أناف بمحله ولا قلده ولا واحدا من ولده شيئا من عمله بل وكلهم إلى سحتهم. قال ابن حيان: وحدثت عن السبب المزعج كان لزاوي يومئذ في ارتحاله، وذلك أنه لما انهزم المرتضى قال زاوي لقومه: كيف رأيتم ما قد خلصنا منه - قالوا: عظيما، قال: فلا تتناسوه وتغالطوا أنفسكم بعده، إن انهزام من رأيتموه لم يكن من قوة منا. إنما جره مع القضاء غدر ملوكهم لسلطانهم ليهلكوه كما فعلوا، فإني عرفت ذلك من يوم نزولهم، ولذلك ما كنت أقوي نفوسكم، وقد نجانا الله منهم برحمته، ومضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 القوم ولم يعدموا إلا رئيسهم، واستخلافه هين عليهم، ولست آمن عودهم جملة إليكم فيما بعد، فلا يكون لنا قوام بهم، فالرأي الخروج عن أرضهم، واغتنام السلامة مع إحراز الغنيمة، والرجوع إلى الجملة التي انفصلنا عنها كانفين للعيال والذرية، مباعدين لهم لما وراءنا من أهل جنسنا زناتة، الأعداء في الحقيقة، الذين لا يغفلون عنا وإن غفلت الخليقة، لا سيما وقد قرفنا قرحهم، ونبشنا أحقادهم المدفونة. فإن فرغوا لنا على قلة عددنا، وظاهروا علينا الأندلس وقعنا منهم بين لحيي أسد فاصطلمونا، وها أنا قد أديت لكم النصيحة وأنا راحل عن الأندلس، فمن أطاعني فليرحل معي. فلم يساعده أحد، فرحل كما وصفناه. ويلغني أن حلالي بن زاوي تلوم بغرناطة، بعد حصول والده بالمنكب، أياما لتتميم لباناته،. وقد دبر مع الراحلين من بني عمه القبض على قاضي البلد ابن أبي زمنين والمشيخة من أهله إذا رجعوا من تشييع أبيه ليأخذ أموالهم. فاهتدى ابن أبي زمنين لتدبيره ونكب عن المنكب إلى حبوس، وكان متوقفا بحصن آش يرتقب ركوب عمه البحر فيلحق بغرناطة، فكان ذلك كذلك. فركب مع ابن أبي زمنين وقد خوفه بوائق الإبطاء، فلم تشعر صنهاجة حتى أطل عليهم قارعا طبوله، فخرجت صنهاجة تستقبله ووقف ابن عمه حلالي بباب البلد حائرا قد فسد تدبيره على ابن أبي زمنين، ولم يعرج حبوس عليه حتى صعد إلى قصبة غرناطة فضبطها وحط رحله فيها. ثم خرج إلى ابن عمه حلالي ليودعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 فعاتبه حلالي في اقتحامه عليهم وقال له: الفوت خفت أبا مسعود في بدارك -! أهذا دخول مكتئب بفراق عشيرته -! هو بدخول شامت أشبه! ! كأنك فتحت بلدا وطردت عدوا -! فاعتذر له حبوس، وقال: ما ذاك إلا لرسم الإمارة، وإرهاب الرعية. ثم استوطن حبوس البلد وأورثه عقبه. قال ابن حيان: وبلغني أن زاوي استوهب علي بن حمود، يوم قتل سليمان بن الحكم رأسه، حنقا على بني مروان المهدى إليهم رأس زيري والده، وأنه أسعفه بذلك، فصار عنده، ونقله من الأندلس معه في ذلك الوقت مفتخرا به على أهل بيته. فإن يكن ذلك حقا فزاوي أكبر من أدرك الثأر المنيم، ورحض العار المقيم. وأخبار هذا الداهية زاوي كثيرة، ونوادر أفعاله مأثورة. وكان حبوس هذا أحد نابي برابرة الأندلس اللذين يفترون عنهما لم يبق بعده يومئذ، سوى محمد بن عبد الله نظيره، من ترهب لد شذاة. وكان على قسوته يصغي إلى الأدب، وينتمي في العرب، للأثر المقفو في قومه صنهاجة. وكان يؤثر لذلك " كتاب التيجان " لابن دريد في ذكر مناقبهم، ولا يغب سماعه ومطالعته. وكان وقورا حليما، فظا مهيبا، نزر الكلام، قليل الضحك، كثير الفكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 شديد الغضب، غليظ العقاب، شجاعا حسن الفروسية، جبارا متكبرا داهية، واسع الحيلة، كامل الرجولية، له في كل ذلك أخبار مأثورة. أخبرني أبو الوليد ابن زيدون قال: سأل حبوس يوما محمد بن عبد الله في بعض التقائمها عن سنه بمعراض فقال: ابن كم كنت يوم قتل ابن الخير - فأجابه مسرعا: كنت يوم قتل زيري بن مناد يفعة، وشهدت وقعته مع قومي ابن كذا. فتبسم حبوس، وعجب من حضر من فطنتهما. وإنما أراد حبوس تعيير ابن عبد الله بمقتل ابن الخير سلطان زناتة المصاب في وقعة صنهاجة، فعارضه ابن عبد الله بذكر وقعتهم بجد حبوس زيري بن مناد. فلو كانا في الرعيل الأول من أذكياء العرب ما زاد على ما أتيا به. وقد أعاد علي ولد ابن عبد الله أيام لقيته بقرطبة عن والده محمد ابن عبد الله بألطف من هذا التعريض، مكتفيا باسم الموضعين عن ذكر اسم الرجلين، فقال: قال حبوس لوالدي يوما: أشهدت يوم تلمسان - فقال له والدي: لا، مشاهدي يوم كرض؛ ويوم تلمسان يوم الخير وزناتة، ويوك كرض يوم زيري وصنهاجة. فلمي يزد أحدهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 على التبسم، وما درى من معهما ما ذهبا إليه؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: ومن مليح التلويح بالمعاريض قول رجل من نمير وقد سايره ابن هبيرة الفزاري فزادت بغلة النميري عليه، فقال له ابن هبيرة: غض من لجامها، فقال: أنها مكتوبة - أعزك الله - فضحك. وإنما أراد ابن هبيرة قول جرير: فغض الطرف إنك من نمير ... وأراد النميري قول ابن دارة في فزارة: لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار وكانت فزارة ترمى بإتيان الإبل، ولذلك قال الفرزدق يهجو ابن هبيرة: [أمير المؤمنين وأنت بر ... حليم لست بالجشع الحريص] أوليت العراق ورافديه ... فزاريا أحذ يد القميص - ولم يك قبلها راعي مخاض ... ليأمنه على وركي قلوص ومن المعاريض: أن رجلا هلاليا بات مع رجل من محارب على بعض المياه، وقد كثر فيه صياح الضفادع، فقال الهلالي: ما تركنا شيوخ محارب ننام الليلة، فقال له المحاربي: إنها أضلت برقعا فجعلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 تطلبه. أراد الهلالي قول القائل: تجيش بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها كانت تريش ولا تبري ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر وأراد المحاربي قول الآخر: لكل هلالي من اللؤم برقع ... ولابن يزيد برقع وجلال وحضر باب عبد الملك ناس من العرب فيهم تميمي ونميري، فمر عليهم رجل يحمل بازيا، فقال التميمي: ما أحسن هذا البازي! فقال النميري: أجل، وهو يصيد القطا؛ أراد التميمي قول جرير: أنا البازي المطل على نمير ... أتيح لها من الجو انصبابا وأراد النميري قول الطرماح: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلت ومن المعاريض قول معاوية للأحنف بن قيس: ما الشيء الملفف في البجاد - قال: السخينة يا أمير المؤمنين؛ أراد معاوية قول القائل: إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجيء بزاد بخبز أو بتمر أو بمسن ... أو الشيء الملفف في البجاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وأراد الأحنف أن قريشا كانت تعير بأكل السخينة، وهي حساء من دقيق يتخذ عند غلاء السعر، وفي ذلك يقول شاعر كنانة: يا شدة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم ومن المعاريض قول النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة مخفيا لشأنه عن قريش، ومعه أبو بكر، فكلما سألهما سائل عن شأنهما قال: نحن باغ وهاد، يريد باغيا وهاد، يريد باغيا للخير، وهاديا إليه. ومنه: قوله عليه السلام، حين خرج هو وأبو بكر يتحسسان عن العير، وقد سألا بسبسا فأخبرهما على أن يخبراه بأمرهما، فلما أخبرهما وسألهما، قال عليه السلام: نحن من ماء، فقال لهما بسبس: ما رأيت كاليوم عجبا، أمن ماء كذا، أم من ماء كذا - يعدد مياه العرب. وقد قال عليه السلام لأصحابه، حين أرسلهم إلى بني قريظة أيام الأحزاب: إن رأيتموهم على غير ما أحب فالحنوا لي. فلما انصرفوا قالوا له: يا رسول الله، عضل والقارة، وقد كان هذا القبيلان غدرا، فكنى له بهما أصحابه عن غدر بني قريظة. ومما يتعلق بباب المعاريض: قوله عليه السلام للمرأة: علمي حفصة رقية النملة، وكانت حفصة عليها السلام عندما يريدها صلى الله عليه وسلم ربما تأبت، فأراد أن يلحن لها برقية النملة، وكانت العرب ترقيها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الجاهلية، يقول لها: العروس تكتحل وتحتفل، وكل شيء تفتعل، غير تعاصي الرجل. وشبيه هذا ما فعله معاوية - رحمه الله - حين بلغه أن بعض بناته تمتنع، فدخل عليها، فجعل ينكت بقضيبه وينشد: من الخفرات البيض أما حرامها ... فصب وأما حلها فذلول ومن المعاريض الخبر المأثور عن كثير وجميل، قال: زار جميل بثينة ورام إيصال شيء إليها فعزه ذلك. فلقي كثيرا وقد ارتحل من عند أبيها، فسأله عن موضع مبيته، فقال: كنت عند أبي بثينة. فقال له: هل إلى إعلامها أني ها هنا سبيل - فقال: هل كان بينكما شيء تعرفه هي - فقال: نعم، آخر عهدي بها بأسفل وادي الدوم، وأصاب عمامتي شيء فغسلته جاريتها. فرجع كثير قبل أن يقوم والد بثينة من مجلسه، فقال: ما رجعك - قال له كثير: أبيات قلتها وأحببت أن تسمعها، قال: هات ما عندك، فأنشده: وقلت لها: يا عز أرسل صاحبي ... على طول نأي والرسول موكل [بأن تجعلي بيني وبينك موعدا ... وأن تأمريني فيه أفعل وآخر عهدي منك يوم لقيتني ... بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل] فقالت بثينة: اخسأ! فقال أبوها: ما لك يا بثينة - قالت: كلب يأتينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 إذا هوم الناس من وراء هذه الرابية. قال: ودخل محمد بن أمية الشاعر مجلسا فيه قينة تغني فأعجبته، فقال لها: جعلت فداك، أتحسنين أن تغني: خبريني من الرسول إليك ... واجعليه من لا ينم عليك فقال له: لا، وقدمت قبلك، ولكني أغني في طريقته: أحمد قال لي ولم يدر ما بي ... أتحب الغداة عتبة حقا وأومأت إلى مخنث كان على رأسها اسمه أحمد. وقد أرخص الفقهاء في هذه المعاريض، وقال بعض السلف: في المعاريض مندوحة عن الكذب. وكان النخعي إذا خرج من عنده أصحابه يقول لهم: قولوا لمن سألكم عني: لا ندري أين هو، فإنكم لا تدرون أين أتحول من الدار. ومنها قول شريح، رحمه الله، في شأن عبد الملك، وقد عاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 في علته التي مات منها: تركته يأمر وينهى، فلما استفهم قال: يأمر بالوصية وينهى عن البكاء. وأهدي علي بن هشام إلى المأمون جاريةً اسمها " صرف " حين أحس بتغيره عليه، وأمرخا أن تكتب إليه بما عسى أن تحس به من ذلك إليه؛ فوقف يوماً بين يديه فسقطت منه رقعة، فأخذها المأمون فإذا فيها: " يا موسى، يا موسى " ليس شيء غير ذلك. فقال المأمون لجلسائه: أيكم يعلم إيماء هذه الرقعة - فكلهم قال: لا أدري. فقال: هذه كتبت من قصري، تخوف هذا الرجل بادرتي، أراد كاتبها قوله تعالى: {يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} ثم حذف إخفاء، وكرر توكيداً. فبحث عن أمر الرقعة فإذا هي لصرف. ومن مليح فطنة المأمون أيضاً - وله بهذا الباب بعض تعلق - أنه جلس يوماً في بعض مجالس أنسه، وفي المجلس عريب المأمونية، وأحمد ابن محمد بن حمدون الذي كان يهواها، فأومأ إليها بقبلة، فاندفعت تغني بيت النابغة الجعدي: رمى ضرع نابٍ فاستمر بطعنةٍ ... كحاشية البرد اليماني المسهم فقال المأمون: من أومأ إلى عريب بقبلة - فوجم الحاضرون، فعزم عليهم ليخبروه. فقال أبو عيسى أخوه: لا تظلم الناس؛ من يجترئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 على هذا إلا هذا الفاسق - وأومأ إلى ابن حمدون، فاستفسر المأمون من أين وقع له ذلك، فقال: هي لا تغني حتى تؤمر واندفعت تغني ارتجالاً. ودخل حارثة بن بدر على زياد وفي وجهه أثر. فقال له زياد: ما هذا الأثر في وجهك - قال: ركبت فرسي الأشقر فجمح بي! فقال: أما إنك لو ركبت فرسك الأشهب ما فعل ذلك! فكنى بالأشقر عن النبيذ، وبالأشهب عن اللبن. @فصل في ذكر الأديب أبي بكر عبادة بن ماء السماء، وإثبات @جملة من شعره مع ما يتعلق به من ذكره قال ابن بسام: [هو عبادة بن عبد الله الأنصاري من ذرية سعد بن عبادة، وقيل له ابنم ماء السماء لجدهم الأول، ولحق بقرطبة الدولة العامرية والحمودية ومدح رجالها] . وكان أبو بكر في ذلك العصر شيخ ؤالصناعة، وإمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 الجمعة، سلك إلى الشعر مسلكاً سهلاً، فقالت له غرائبه مرحباً وأهلاً. وكانت صنعة التوشيح التي نهج أهل الأندلس طريقتها، ووضعوا حقيقتها، غير مرقومة البرود، ولا منظومة العقود، فأقام عبادة هذا منآدها، وقوم ميلها وسنادها، فكأنها لم تسمع بالأندلس إلا منه، ولا أخذت إلا عنه، واشتهر بها اشتهاراً غلب على ذاته، وذهب بكثير من حسناته. وهي أوزان كثر استعمال أهل الأندلس لها في العزل والنسيب، تشق على سماعها مصونات الجيوب بل القلوب. وأول من صنع أوزان هذه الموشحات بأفقنا واخترع طريقتها - فيثما بلغني - محمد بن محمود القبري الضرير. وكان يصنعها على أشطار الأشعار، غير أن أكثرها على الأعاريض المهملة غير المستعملة، يأخذ اللفظ العامي والعجمي ويسميه المركز، ويضع عليه الموشحة دون تضمين فيها ولا أغصان. وقيل إن ابن عبد ربه صاحب كتاب " العقد " أول من سبق إلى هذا النوع من الموشحات عندنا. ثم نشأ يوسف بن هارون الرمادي فكان أول من أكثر فيها من التضمين في المراكيز، يضمن كل موقف يقف عليه في المركز خاصة. فاستمر على ذلك شعراء عصرنا كمكرم بن سعيد وابني أبي الحسن. ثم نشأ عبادة هذا فأحدث التضفير، وذلك أنه اعتمد مواضع الوقف في الأغصان فيضمنها، كما اعتمد الرمادي مواضع الوقف في المركز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وأوزان هذه الموشحات خارجة عن غرض هذا الديوان إذ أكثرها على غير أعاريض أشعار العرب. وقد أثبت من شعر عبادة في هذا الفصل ومن سائر كلامه، ما يدل على تقدمه وإقدامه. @جملة من شعره في أوصاف شتى أخبرني الفقيه أبو بكر بن العربي عن الفقيه أبي عبد الله الحميدي قال، أخبرني الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن حزم أن أبا بكر عبادة كان حياً في صفر سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وكان البرد المشهور خبره في ذلك الوقت الذي لم ير مثله، فقال عبادة: يا عبرة أهديت لمعتبر ... عشية الأربعاء من صفر رسل ملء الأكف من برد ... جلامداً تنهمي على البشر فيا لها آيةً وموعظةً ... فيها نذير لكل مزدجر كاد يذيب القلوب منظرها ... ولو أعيرت قساوة الحجر قال أبو عبد الله الحميدي: وذكر أبو عامرٍ ابن شهيد أن عبادة هذا مات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 في شوال سنة تسع عشرة بمالقة، ضاعت له مائة مثقال فاغتم عليها وكانت سبب وفاته. فلا أدرى من وهم منهما، وأبو محمد بن حزم أعلم بالتواريخ وأحفظ للتقييد، والله أعلم. وقال: لا تشكون إذا عثر ... ت إلى خليط سوء حالك فيريك ألواناً من ال ... إذلال لم تخطر ببالك إياك أن تدري يمي ... نك ما يدور على شمالك واصبر على نوب الزما ... ن وإن رمت بك في المهالك وإلى الذي أغنى وأق ... نى اضرع وسله صلاح حالك وقال يتغزل: إذا رمت قطف الورد ساورني الصدغ ... بعقرب سحر في فؤادي له لدغ غزال بجسمي فترة من جفونه ... وفي أدمعي من لون وجنته صبغ زيارته أخفى خفاءً من السها ... ودون فراغي من محبته الفرغ وقال: ما مر يوم علي لم أرك ... إلا وجدت الضمير صورك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 ولا مبيتي وأنت لست معي ... إلا مبيت القطاة في الشرك أما أنا فالبعاد غيرني ... وأنت خوف الرقيب غيرك يا لعبة صورت لسفك دمي ... غطي بفضل النقاب محجرك وقد رويت هذه الأبيات لابن القطان. نقلت من خط الوزير أبي عامر بن مسلمة قال: أنشدني أبو بكر عبادة لنفسه. اجل المدامة فهي خير عروس ... تجلو كروب النفس بالتنفيس واستغنك اللذات في عهد الصبا ... وأونه لا عطر بعد عروس قال: وأنشدني أيضاً له: اشرب فعهد الشباب مغتنم ... وفرصة في فواتها ندم وعاطنيها بكف ذي غيدٍ ... ألحاظه في النفوس تحتكم كأنها صارم الأمير وقد ... خضب حديه من عداه دم واحد بتذكاره الكؤوس فما ... يلذ نقلاً سوى ثناه فم وقال أيضاً: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وليلةٍ لسرور كان لها ... بحسن ساق كحسن خلخال قصيرةٍ أقصر الغرام بها ... كأنها مستهل شوال ناولني الماس بدرها بيدٍ ... عنابها من طريف أنقال يعلني ريقة الحياة فم ... قضى بتعطيل كل علال وقال أيضاً: سقى الله أيامي بقرطبة المنى ... سروراً كري المنتشي من شرابه وكم مزجت لي الراح بالريق من يدي ... أغر يريني الحسن ملء ثيابه أوان عذاري لم يرع بمشيبه ... شبابي ولم يوحش مطار غرابه تعللني فيه الأماني بوعدها ... وهيهات أن أروى بورد سرابه سل العنم البادي من السجف دانفاً ... لتعذيب قلبي هل دمي من خضابه - وقال أيضاً: فهل ترى أحسن من أكؤس ... يقبل الثغر عليها اليدا - يقول للساقي: أغثني بها ... وخذ لجيناً وأعد عسجدا أغرق فيها الهم لكن طفا ... حبابها من فوقها مزبدا كأنما شيبها شارب ... أمسكها في كفه سرمدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وهذا البيت أراه اخترع معناه. وله من أخرى في القاسم بن حمود: ما ضيع الله ملكاً أنت راعيه ... ولا أباح ذماراً أنت حاميه لله درك من مولىً عوارفه ... لم تبق في الأرض إلا من يواليه تهديه والناس قد ضلوا كواكب من ... آرائه في سماء من معاليه مكفلاً برضاه همةً أنفاً ... ترمي إلى الغرض الأقصى فتصميه كانت خلافتنا في الغرب مظلمةً ... كأن أيامنا فيها لياليه سياسة أبرأت بالرفق في مهل ... داء الخلاف وقد أعيا مداويه وحكمة خضعت هام الملوك لها ... عزاً فلا حر موجود بواديه مؤيد جاءت الدنيا إلى يده ... عفواً ولبته من قرب أمانيه جلت أياديه حتى إن أنفسنا ... وما ملكناه جزء من أياديه وقال يتغزل من قصيدة: مستجبر لا يطيبه بالرضى ... أحد ولا يجري الوفاء بباله دارت دوائر صدغه فكأنما ... حامت على تقبيل نقظة بباله رشأ توحش من ملاقاة الورى ... حتى توحش من لقاء خياله فلذاك صار خياله لي زائراً ... إذ كنت في الهجران من أشكاله ولقد هممت به ورمت حرامه ... فحماني الإجلال دون حلاله وحببته حب الأكارم رغبةً ... في خلقه لا رغبةً في ماله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وهذا ينظر إلى قول المتنبي: وأغيد يهوى نفسه كل عاقل ... عفيف ويهوى جسمه كل فاسق وقال عبادة في الحاجب ابن أبي عامر: لنا حاجب حاز المعالي بأسرها ... فأصبح في أخلاقه واحد الخلق فلا يتغرر منه الجهول ببشره ... فمعظم هول الرعد في أثر البرق قال عبادة: أول شعر قلته أني وقفت على هدف الرمي بعدوة النهر بقرطبة، وثم غلمان من أبناء العبيد ينتضلون، فقلت: وما راعني إلا سهام رواشق ... إلى هدف بنحوه كل يدي ظبي أقاموه كي يرموا إليه فلم يكن ... لهم غرض حاشا فؤادي في الرمي وهو القائل في ميمون بن الغانية وكان وسيماً: قمر المدينة كيف منك خلاص ... أو أين عنك إلى سواك مناص - ما أنت إلا درة الحسن التي ... قلبي عليها في الهوى غواص والشادن الأحوى الذي في طرفه ... سحر يصاد بسهمه القناص أمن جفونك من مغبة ما جنت ... فينا فليس على الملاح قصاص وقال عبادة من قصيدة يمدح ابن حمود: أبسل عليك الماء حتى يشوبه ... دم والكرى حتى تقض المضاجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 أجم جياداً أدمن الغزو نهكها ... فمنها حسير في الجهاد وظالع وأغمد سيوفاً تشتكيك جفونها ... كما تشتكي نجل العيون البراقع وسكن عجاج الركض شيئاً فقلما ... يرى الجو مما هجته وهو ناصع وآنس قصوراً طال إيحاشها به ... فقد أشفقت مما صنعت المصانع وهل ضرك الباغي بسهم مكيدة ... وأنت بواقي عصمة الله دارع - وأي يدٍ قراعك بعدما ... رأينا يد الجبار عنك تقارع - وهذه المعاني كلها متداولة، وألفاظها متناقلة، وإن كان قد تشبث بها معان أخر، فهي أشهر من أن تذكر، منها قول المتنبي: فقد مل ضوء الصبح مما تغيره ... ومل سواد الليل مما تزاحمه ومل القنا مما تدق صدوره ... ومل حديد الهند مما تلاطمه وقال عبادة فيه من أخرى: صلى عليك الله يا ابن رسوله ... ووليه المختص بعد خليله ومنها: وله من السعد المتاح معدل ... يغني أخا التنجيم عن تعديله وهذا كقول المتنبي: يقر له بالفضل من لا يوده ... ويقضي له بالسعد من لا ينجم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 وأبين منه قول ابن شرف: ونجوم آمالي طوالع بالمنى ... والسعد يستغني عن التقويم وفيها يقول عبادة: كم يبعث الباغون رسلهم إلى ... من كتبه من زرقه ونصوله وزع الإله ببأسه وعقابه ... ما لم يزع بالنص من تنزيله هذا علي ناصر الدين الذي ... نظمت له غرر السنا بحجوله وهذا البيت الثالث منها كقول المتنبي: ولا كتب إلا المشرفية عنده ... ولا رسل إلا الخميس العرمرم وكرره في موضع آخر فقال: ورب جواب عن كتاب بعثته ... وعنوانه للناظرين قتام حروف هجاء الناس فيه ثلاثة: ... جواد ورمح ذابل وحسام وقال المعري: ولا قول إلا الضرب والطعن عندنا ... ولا رسل إلا ذابل وحسام ومعنى البيت الرابع منها نظمه من قول الحسن بن أبي الحسن البصري: " يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 وكان عبادة يظهر التشيع في شعره، من ذلك قوله في يحيى بن حمود: فها أنا ذا يا ابن النبوة نافث ... من القول أرياً غير ما ينفث الصل وعندي صريح في ولائك معرق ... تشيعه محض وبيعته بتل ووالي أبي قيس أباك على العلا ... فخيم في قلب ابن هند له غل وله من أخرى في علي بن حمود الحسني: أطاعتك القلوب ومن عصي ... وحزب الله حزبك يا علي فكل من ادعى معك المعالي ... كذوب مثل ما كذب الدعي أبى لك أن تهاض علاك عهد ... هشامي وجد هاشمي وما سميت باسم أبيك إلا ... ليحيا بالسمي له السمي فإن قال الفخور أبي فلان ... فحسبك أن تقول أبي النبي قوله: " عهد هشامي " قد تقدمت الإشارة به، والوجه الذي قاله بسببه، في أخبار الخليفة سليمان، المفتتح باسمه هذا الديوان. وله من أخرى يرثيه ويهنئ أخاه القاسم بالخلافة: صلى على الملك الشهيد مليكه ... وسقاه في ظل الجنان الكوثر مولىً دهته عبيده، وغضنفر ... تركته أيدي العفر وهو معفر كانت تهيبه الأسود فغاله ... في قصره مستضعف مستحقر لم يثن عز الملك عنه منونه ... فسمت له من حيث لم يك يحذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 ختلته سراً والقبائل درع ... تحميه لكن المنايا جسر ولو إنها رامته جهراً لانثنت ... والبيض تقرع والقنا يتكسر ثم خرج إلى المدح فقال: ما غاب بدر التم إلا ريثما ... جلى الدجى عنا الصباح الأزهر إن يهو من أفق الخلافة نير ... يهدي السبيل فقد تلاه نير بالقاسم المأمون أفرخ روعنا ... فالقسم وافٍ والنصيب موفر قوله: " ختلته سراً " .... البيت مع الذي يليه، معنى قد طوي ونشر، كسف رواؤه مما ابتذل، وأسن ماؤه مما عل به ونهل، ومنه قول المهلبي يرثى جعفراً المتوكل: جاءت منيته والعين هادئة ... هلا أتته المنايا والقنا قصد فخر فوق سرير الملك منجدلاً ... لم يحمه ملكه لما انقضى الأمد ومنه قول الأسدي أيضاً يرثيه، وألم بهذا المعنى فيه: هكذا فلتكن منايا الكرام ... بين ناي ومزهر ومدام بين كأسين أردياه جميعاً ... كأس لذاته وكأس الحمام لم يزل نفسه رسول المنايا ... بصنوف الأوجاع والأسقام هابه معلناً فدب إليه ... في كسور الدجى بحد الحسام وأخذ هذا المعنى عبد الكريم التميمي فقال يرثي صاحب خراج المغرب، وكان تناول فمات بسببه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 سنايا سددت الطرق عنها ولم تدع ... لها من ثنايا شاهق متطلعا فلما رأت سور المهابة دونها ... عليك ولما لم تجد لك مطمعا ترقت بأسباب لطاف ولم تكد ... تواجه موفور الجلالة أروعا فجاءتك في سر الدواء خفيةً ... على حين لم تحذر لداء توقعا وقد أخذ أيضاً هذا المعنى أهل وقتنا وهو أبو محمد عبد المجيد بن عبدون، فقال من قصيدة يرثى بها الوزير أبا المطرف ابن الدباغ الكاتب: ثارت إليه المنايا من مكانها ... سراً على غفلة الحراس والسمر أولى لهن وأولى لو هممن به ... والمنع ذو راحة والدفع ذو حذر في أبيات غير هذه هي ثابتة في موضعها من هذا المجموع. ولله در صريع الغواني فإنه أخذ عليهم ثنايا البديع في هذا المعنى، وإن كان بينهم بعد كما ترى، حيث يقول: ألم تعجب له أن المنايا ... فتكن به وهن له جنود - وقال أبو الطيب: تخون المنايا عهده في سليله ... وتنصره بين الفوارس والرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 @ذكر الخبر عن ولاية القاسم بن حمود قرطبة إلى انقضاء الأمر @بانقطاع دولته القاضي ابن عباد عليها قال ابن حيان: بويع القاسم بن حمود بقرطبة صبيحة يوم الأحد، بعد ست ليال من مقتل أخيه علي بها، وأحسن تلقي الناس وأجمل مواعيدهم، وأخرج النداء في أقطار البلاد بأمان الأحمر والأسود وتخلية الناس لشأنهم، وبراءة الذمة ممن تسور على أحد. وقرر الفتية الثلاثة التي فتكت بأخيه فأقروا بجريمتهم، ونفوا عن جميع الناس المواطأة والتدليس، فقتلهم القاسم لوقته، وأطفأ النائرة بولايته. وتنسم الناس روح الرفق، وباشروا ظل الأمن، وأطمأنت بهم الدار. وأمر بإسقاط رسم التقرية، وأظهر البراءة منها، وأقصى السعاة وطردهم، وأقر القاضي والحكام والخدمة على منازلهم. وزاد كلف القاسم في اتخاذ السودان، وقودهم على أعماله، إلى أن ضعف أمره، وتسلط البرابرة عليه حتى احتقروا. فكاتب منذر بن يحيى ابن أخيه علي بالعدوة، وأخوه إدريس بمالقة، فلما قتل أبوهما علي اتفقا لأول وقتهما على ضبط مالقة وشد سلطانها، إلا أنهما أظهرا مبايعة عمهما القاسم، إلى أن انكشف له يحيى من أول سنة عشر وأربعمائة، وانتقل إلى مالقة وجعل أخاه بالعدوة ليقرب هو من أذى عمه القاسم، فحل بالأندلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 لأول وقت جواز يحيى شواظ من نار، وأضرمها سعيراً، واستخف بعمه، وضم الرجال وسعى لتبديد شمل عمه. وشكا القاسم أمره إلى البرابرة فتثاقلوا عنه، وأجبوا التضريب بينهما. ولم يزل أمر يحيى يقوى، وأمر القاسم يضعف، فلم يجد مخرجاً مما وقع فيه إلا الهرب من دار الخلافة والانقلاب إلى عمله بإشبيلية؛ وكان يكثر الندم على ما دخل فيه من سلطانهم إلى أن عيل صبره، ففر من قرطبة إلى عمله بإشبيلية في خمسة فوارس من خاصته، وذلك ليلة السبت لثمان خلت لربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، اتخذ الليل جملاص ولم يعلم بخبره إلا عند الصباح. فضبط البربر قصر قرطبة إلى أن لحق يحيى ابن أخيه بعد خطوب، فبويع يحيى في التاريخ، واجتمع عليه الفريقان: الأندلس والبرابرة من أهل قرطبة وأعمالها خاصة. وكانت أم يحيى لبونة بنت محمد بن الأمير حسن ابن القاسم الملقب بقنون، فعرف يحيى بكرم الولادة لما جاء هاشمي الأبوين، رابع أربعة من أبناء القرشيات من خلائف الإسلام: أولهم جده الأكبر علي بن أبي طالب، وابنه الحسن بن علي، ثم الأمين محمد بن هارون. فعرف يحيى بهذه الفضيلة، وسلك سبيل والده في التحقيق بالفروسية والحب لركض الخيل والخروج للقنص، وتنكب ما سوى ذلك من مذموم أخلاق أبيه ومكروه سيرته، فجانب العصبية وآثر النصفة وطلب السلامة، فطاب خبره. إلا أن العجب والكبر شانا خصاله هذه، إلى أن خلط وتبلد. وتمرست به عفاريت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 زناتة، فضيقت عليه التكاليف، حتى أقصر بعدما قصر، وتولى دون أن يعذر، وركب ما عاب مثله على عمه، فصارت عاقبة أمره خسراً. وأقر يحيى أصحاب الخطط على مراتبهم؛ وحسن رأيه في أحمد بن برد وعول عليه في كتابته، واستخلص من الأندلسيين صحبه: جعفر ابن محمد بن فتح والفقيه الأديب أبا عمر بن موسى بن محمد اليماني الوراق صاحب محمد بن عبد الله النبهاني، وولاه خطة الوزارة فكادت الجبال تنهد لهذه العظيمة، وجمح مركبها به وأبدع في الكبر والخنزوانة. وقدم أيضاً إلى الوزارة محمد بن الفرضي الكاتب، فكان أعدى من الجرب على دولته، وارتقب عقلاء الناس عند ذلك حلول المحنة، فقديماً استعاذوا بالله من وزارة السفلة. ووصل جعفر بن فتح صاحبه الأقدم إبراهيم بن الإفليلي كبير الأدباء بقرطبة بالخليفة يحيى، ورغبه في الإحسان إليه، فذاكره وحدثه ونوه به. وسما في أيامه أبو بكر بن ذكوان وأبو العباس أحمد بن أبي حاتم أخوه، وأنهضهما إلى الوزارة عقب وفاة الشيخ أبي العباس ابن ذكوان. وغرب شأو أبي بكر منهم، فجاء أحوذياً نسيج وحده في فضله وعلمه وعفته. وعدل بروع الظرف بابن عمه أبي العباس إلى الاشتهار بالمجون، فجاء فيه طرفاً ليست وراءه غاية، يصور القلوب برقة ظرفه وحرارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 نادرته، لا يكاد أحد يمكنه من أذنه إلا أخذ بفؤاده رقةً وحلاوةً، ويشوبها ببعض الهزل عند انبعاث النادرة، له في ذلك أخبار مشهورة، من أشهرها ما تفاكه الناس به في تلك الدولة من قطعة له مجونية، نبس بها بديهةً في بعض خلواته، وقد أكثروا عليه تهنئةً بالوزارة فقال: أنا مشغول بعزفي ... وبضربي للحجاره إنما يصلح مثلي ... أن يرى راكب جاره أو يرى في جوف خانٍ ... لابساً نصف غراره قد نضا عني ثيابي ... حثي الكأس المداره وملحه في الأدب غزيرة شاهدة له بقوة الطبع وخفة الروح. ثم لم يبعد أن أقصر بعد عن الهزل على حين الذكاء، فاعتدلت حاله، وهبت له ريح بعد حينٍ، أحظته عن العلية من نمطه. قال ابن حيان: ثم فر يحيى بن علي أيضاً عن قرطبة إلى مالقة أمام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 البرابرة، وجيء بعمه القاسم بن حمود إلى قرطبة كرته الأخرى التي أعقب ابن أخيه يحيى بن علي، في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة، فتكنف سريره أغمار الناس من البرابرة، وخرجوا لقتالهم سنة أربع عشرة على نظام مسرود، فانهزموا وقتلوا قتلاً ذريعاً، فارتحلوا عن قرطبة وحلوا بقلشانة وشذونة وغيرها من الكور. وانتبذت من الهزيمة طائفة من صعاليك القبائل وألفاف البطون، والتفوا بالقاسم يرجون به كرة الدولة، فدعوه إلى الرجوع إلى إبيلية، وكان خلف بها ولده محمد بن القاسم مع وزيره محمد بن خالص، فسار بجماعته تلك يؤمها، وإذا بخبر هزيمته قد سبقه إليها، فخاف أهلها معرة من معه، فوثبوا على ولده وأصحابه وحصروهم بدار الإمارة، وأحاطوا به، ووقع بينهم قتال شديد. فوافى القاسم باب إشبيلية بمن معه، ولاطفهم في القول، وطمع خديعتهم فلم يصغوا إليه، واشتد الأمر على ولده ورجاله، فرضي القاسم من أهل البلد بإسلامهم جميعاً إليه موفورين بماله وأهله، فعاقدوه على ذلك، فخرج ابنه وولده محمد وأهله، ودخل بهم إلى شريش. ولم يدع مع ذلك السعي في الفتنة على ابن أخيه يحيى صاحب الدولة. وكانت آفة القاسم بإشبيلية من قبل ثقته محمد ابن زيري بن دوناس اليفرني، فقدم زعيمهم القاضي محمد بن إسماعيل ابن عباد، وأطعمه في إمارة البلد بعد دفع القاسم عنه، فاغتر بقول ابن عباد وعاقده على ذلك، فأعان أهل إشبيلية على قتال محمد بن القاسم، فلم يك لأصحابه بعد نظام، وخرجوا عن البلد، وملكه أهله. فوثبهم ابن عباد زعيمهم بالغادر محمد بن زيري، فخرج وصفت إشبيلية من البرابرة. وآلت حال القاسم بعد ابن أخيه يحيى إلى أن حاربه بشريش، وحاصره عشرين يوماً، كانت بينهم فيها حروب صعاب، قتل الله فيها من الفريقين أمة. وأجلت الحرب عن قهر يحيى لعمه القاسم، وحمله مقيداً إلى مالقة أسيراً، وقبض على حرته، " أميرة " القرشية وسائر حرمه وولده وأسبابه، بعد نهبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وامتهان لجماعتهم، لم يقدر يحيى على تخليصهم منه لتلظي الحرب. وكان يحيى أولاً في حلف مع محمد ولد عمه القاسم، فدله على إشبيلية حارس لابن عباد، فلما انجلت الحرب وقع يحيى على نكث لعمه القاسم، فقبض على ابنه محمد وقيده وبعث به إلى مالقة، وحينئذ صمد إلى شريش لعمه فبلغ فيه ما وصفناه. @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي حفص بن برد الأصغر، @وإيراد جملةٍ من نظمه ونثره، مع ما يتصل @من قصة وخبرٍ بذكره قال ابن بسام: كان أبو حفص ابن برد الأصغر في وقته فلك البلاغة الدائر، ومثلها السائر، نفث فيها بسحره، وأقام من أودها بناصع نظمه وبارع نثره، وله إليها طروق، وفي عروقها الصالحات عروق، إذ كان أبو حفص الأكبر - على ما تقدم ذكره - واسطة السلك، وقطب رحى الملك، بالحضرة العظمى قرطبة، وقد تقدم من أخباره المأثورة ورسائله المشهورة في أخبار سليمان، وغيره من ملوك بني أبي عامر وبني مروان، أول ما يشهد أن آل برد جمهور كتابة، ومحور خطابة، وقد فخر أبو حفصٍ هذا بذلك في كتابه الموسوم ب - (سر الأدب وسبك الذهب " من أرجوزة يقول فيها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 يا طالب الدنيا بأقصى الجهد ... إسع بجدٍ منك لا بكد من شاء خبري فأنا ابن برد ... حد حسامي قطعة من حدي وأرفع الناس بناءً جدي ... من نظم الألفاظ نظم العقد ونقد الكلام حق النقد ... وكف بالأقلام أيدي الأسد به استضاء في الخطوب الربد ... كل إمامٍ وولي عهد @فصول مقتبضة من كتابه المذكور قال في صدره: أما بعد، فإن الله تعالى - وله الحمد - جعلنا أهل بيت أشرب حب ثناعة الكلام نفوسهم، وشغل بطلب البيان والتبيين قلوبهم، فغذانا بالحبث عن الأصول، على حسب ما وهب الله تعالى لنا من المعرفة، وسهل علينا من الحزونة، حتى عرفنا المقسوم لنا منها فتفقنهاه، وفهمنا المنعم به علينا فأحكمناه، ثم انعطفنا على الفروع فذهبنا مع فنونها، واستكثرنا من عيونها. ثم أنا لما رأينا أن الأصول قد اخترناها زاكية المنابت طيبة المغارس، وأن الفروع قد لويناها لدنة الأفنان عذبة، ترامت بنا آمالنا إلى أن نجتبي من زهرتها ونطعم من ثمرتها، فرأينا أن نمد يداً إلى غرس قد أبرناه، حتى بلغ إناه، فنقطف من خياره، ونتأنق في اختياره. وأصبحنا بعد نرمي أغراض الكلام بأسهم أزرها التسديد، ونعقل مناظم القول بألسن برئ منها التعقيد، ونذيب من المنثور جداول النطاف، ونجمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 من المنظوم جواهر الأصداف. وكان جدي أحمد بن بردٍ - رحمه الله - بطول ممارسته لهذه الصناعة، برخاء اللبب والنهمة في الطلب، ودعة الزمان وإقبال السلطان، ومسافة العمر الممتدة له، قد اقتعد سنامها، ورفع أعلامها، وأصبح إمامها، وزين أيامها، وركب وسط مساقها، وأحرز قصب سباقها. وفي فصل منه: فإني وافقت أول معالجتي لهذه الصناعة آخر أيامه، وأوان بتات عمره وانصرامه، خلا أنه - عفا الله عنه - ولما يحل المقدور به، قد كان أقبسني مصابيح من وصاياه فيها، ووطأ لي مراكب من دلائله إليها، وضرب لي صوى من هداياته نحوها، أفاد الله بها نفعاً، وأوسع معها إرشاد. ثم إن الأيام إثر مصابه، وبعد ذهابه، باكرتني صروفها، وشغلتني برقع خروقها، ومكابدة ضيقها، وسوق الأدب قد كسدت، وجمرة السلطان قد همدت، والعي أمضى من البيان، والإساءة أحمد من الإحسان؛ وأقلامنا يومئذ في عطلة، ومحابرنا في عقله، وكتبنا تحت موجدة، وحينئذ قلت: قرعنا بالكتابة باب حظٍ ... لندخله فزاد لنا انغلاقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 فلم تبلغ بلاغتنا مناها ... ولا مد المداد لنا ارتفاقا ولا راحت تقرطس بالأماني ... قراطيس أجدناها مساقا وقلمت المطالب من حداها ... لنا أقلامنا ساقاً فساقا فلا هطلت على الآداب مزن ... ولا برحت أهلتها محاقا وعوضنا بما ندريه جهلاً ... لعل السوق مدركة نفاقا فما زلنا مع الخطوب مساجلين، ولصروف الأيام مناضلين فيوم لنا ويوم علينا. حتى إذا أراد الله أن يحيى لهذه الصناعة رسماً، ويعيد لها دولة واسماً، ويرفع سائر العلوم من التخوم إلى النجوم، وفنون الآداب من التراب إلى السحاب، طرف جفن السعد الباهت، وارتد نفس الحد الخافت، ولقي عثرة العلم مقيلها، ودولة الجهل مديلها، ونخوة الباطل مزيلها، ورسوم الغباوة محيلها، وقداح البلاغة مجيلها؛ ورفعت لي سجوف الأماني، عن الملك اليماني، غرة كندة التي تضحك عنها، وهضبة تجيب التي تأوي إليها، أبي الأحوص معن بن محمد، أيده الله كما أيد الحق، وصدقه وعده كما أحيا الصدق، فوصلت به سببي، ولويت بقوى أطنابه طنبي، ورأيت به للحلم جبلاً موطوداً، وللديانة ظلاً ممدوداً، وللتقوى حبلاً مشدوداً، وللعلم بحراً طموحاً، وللأدب روضاً مجوداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 مروحاً. ولم يزل - لا زالت به النعل - منذ اعتصمت بحرمته، واعتزيت إلى خدمته، يقبل عليّ في مجالسه المأنوسة باللحظ واللفظ، ويكسبي بمنازعة الأدب شرف المرتبة والحظ، فأتمرن على تثقيفه وتقويمه، وأتضمر عن رياضته وتعليمه، وتلزني هيبة كماله، وروعة جلاله، إلى شخذ سجايا، وجمع قواي، واجتناب الخطل في إيوانه، والزلل في ميدانه، فلا ترى شيئاً أشبه في التفضل، وبي في التقبل، من قول حبيب: نرمي بأشباحنا إلى ملكٍ ... نأخذ من ماله ومن أدبه والبلاغة وإن كانت من فنون العلم أرق ما استرق، وألطف ما غرف، وأيسر ما به حاضر، وأقل ما أمل، وأوهن ما خزن، وأدنى ما اقتنى، فله كلف بانتقادها شديد، وصوت في معرفة نقادها بعيد. وقد خلص بيمينه العالية جوهر الكلام من أخباثه، وممر القول من أنكاثه، في غير ما كتابٍ منتم إلى البلاغة، معلم في الكتابة، فجاء بالصواب حاسراً، وبيان الحقيقة سائراً، وفي هذا النقد سقط العشاء بمن سقط على السرحان، وفيه أساء من أحسن بنفسه الظن في ألإحسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 ومن هذا الباب تولجت إلى صنعة هذا الكتاب ليرى - أيده الله - كيف نبت كلامي على سقيه، ونما ما أودع تربة قبولي من غرسه. فإني ضمنته، في فنون من البلاغة وفصول من اكتابة، سلطانيات وإخوانيات. وكل ما أوردته مما ولدته، وما وضعته مما صنعته، لم أغله لغيري، ولا خنت فيه أمانة سواي؛ إلا أنني طرزته بأبواب من بيوت الشعر المحتوية على الحكم البوالغ، والجارية مجرى الأمثال السوائر، لشعراء مجيدين، وعلماء مفيدين، قد ركبوا من المعاني أوطأها مركباً، ووردوا للألفاظ أعذبها مشرباً، وتخطوا في نظمهم الخشونة إلى اللدونة، والتكلف إلى التلطيف، وخاضوا جسوم الحكم إلى الأرواح، وخرجوا بحسن التخلص من الالتباس إلى الإيضاح، لئلا تباين طبقة منثورة طبقةً منظومة، ولا تبعد مرتبة جامدة من مرتبةٍ ذائبة، وليأتي في ازدواج الليل والنهار، وامتزج الماء بالعقار. @فصول له في التحميدات فصل: الحمد لله الذي علا وقهر، وبطن وظهر، وبحكمته قدر وأمر، وبعدله قدم وأخر. فصل آخر: الحمد لله الذي علم القرآن، خلق الإنسان علمه البيان، المحجوب عن الأبصار، والفائت إحاطة الأفكار، تعالى في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 الحجب العلا، واطلع على النجوى، وعلم السر وأخفى، خلق الخلق للفناء، ثم يعيدها للبقاء. فصل: الحمد لله اللطيف الخبير، العالم بذات الصدور، الذي يطلع على الإصرار، ويعلم خفي الأسرار، ويتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار. فصل: الحمد لله جالي الكرب السود، وفاتح المبهم المسدود، الذي أقال العشرات، وأدال من الحسرات، وانتاش متن البأساء وأعقب بالنعماء، وأراح من جهد البلاء. فصل: الحمدل لله واصل الحبل بعد انقطاعه، وملائم الشمل بعد انصداعه، المصبح بنا من ليالي الخطوب، والماحي عنا غياهب الكروب، والناظم لما انتثر من الألفة، والجامع لما انتشر من الكلمة. فصل: الحمد لله الكائن قبل المكان، والموجود في عدم الزمان، الحي الذي لا يدركه الموت، والدائم الذي لا يلحقه الفوت، والفرد الذي ليس له نظير، والصمد دون وليٍ ولا ظهير، وارث الأرض ومن قطنها، والسماء ومن سكنها، مميت كل حي وباعثه، ومحيي كل ميتٍ ومنشره. فصل: الحمد لله خالق العوالم على نتافر في الصفات شديد، وتباينٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 في التركيبات بعيد، فمن صلصالٍ كالفخار، ومن مارجٍ من نار، ومن جواهر روحانيةٍ، وأنوار، وكل عالمٍ منها ناطق بأنه خالق، وشاهد بأنه واحد. فصل: الحمد لله وإن عثرت الجدود، وهوت السعود، المرجو للإدالة، والمدعو في الإقالة، والقادر على تعجيل الانتصار، والآخذ للإسلام بمنيم الثار. فصل: أما بعد فما أتيت البصائر من تعليل، ولا الأعداد من تقليل، ولا القلوب من خور، ولا السواعد من قصر، ولا السيوف من كهم، ولا الرماح من جذم، ولا الجياد من لؤم أعراق، ولا الصفوف من سوء اتساق. ولكن النصر تعذر، والوقت المقدور حضر، ولم يكن لتمضي سيوف لم يرد الله مضاءها، ولا لتبقى نفوس لم يرد الله بقاءها. وفي قوله تعالى أحسن التأسي وأجمل التعزي {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله؛ وتلك الأيام نداولها بين الناس} (آل عمران: 139) . فصل: الحمد لله مؤلف الآراء، وجامع الأهواء، على ما أغمد من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 سيف الفتنة، وأطفأ من نار الإحنة، وأصلح الفاسد، وألف الشارد، ونشر الأمن، وأحيا الحق، وجمع الشمل، ووصل الحبل، ورجع الكلمة إلى أجمل نظام، وأنعم على المسلمين أتم إنعام. فصل: الحمد لله الذي صير أعداءنا وأضدادنا من أعضادنا، والسيوف المسلولة علينا مسلولةً دوننا، والجيوش المجهزة إلينا مجهزة عنا، حمد من لا يستغرب له صنعاً، ولا يرى من آياته بدعاً، ولا يطيق لنعمه عداً، ولا يحسد لآلائه حداً. @وله فصول في شكر النعم فصل: إن للنعم عيوناً إذا كحلن بالشكر أرين المنعم عليه السبيل التي يأتي المزيد منها، وتنحدر المواد عليها، والمناهج التي تفضي بها إلى دار إقامتها، وتبليغها مأمنها وملقى عصاها. فصل: أما بعد، فإن زهر النعمة إذا تفتح بوابل الشكر رأت فيه قرتها العين، وأخذت منه حاجتها النفس. فصل: نعم حاضن النعمة الشكر، يغذوها فتنمى، ويحرسها فتحتمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 ويلطفها فتلقي عصاها، ويعطفها فتعطي جناها. ولبئس الجار لها الكفر، يطيرها عن موضعها، وينفرها عن مشرعها، ويبقى صاحبها مبلساً من إلباسها، وحشاً من إيناسها. فصل: من ربى النعمة في حجر الشكر، وأرضها ثدي الحمد، وكفلها بأداء الحق، رأى في شخصها النماء، وتعرف من عمرها البقاء، وأمن عليها التحول والالتواء. فصل: - الشكر حرم للمنة، وأمان بيد النعمة. - إذا أقفل باب النعمة فالشكر مفتاحها. - الشكر عوذة على العرافة، وتميمة في جيد النعمة. - من شكر النعمة التحف بها، ومن كفرها عري منها. - الكفر غراب ينعب على منازل النعم. - الشكر بيد النعمة أمان، وعلى وجه العارفة صوان. - مهر النعمة الشكر، وطلاقها الكفر. @فقر في صف القلم والمداد والكتاب - الكتاب من حلية الملائكة، قال الله تعالى: {كرماً كاتبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 يعلمون ما تفعلون} (الافطار: 11 و 12) . - المداد كالبحر، والقلم كالغواص، واللفظ كالجوهر، والقرطاس كالسلك. - الدواة كالقلب، والقلم كالخاطر، والصحيفة كاللسان. - العقل أب، والعلم أم، والفكر ابن، والقلم خادم. - ما أعجب شأن القلم، يشرب ظلمةً ويلفظ نوراً. - قد يكون قلم الكاتب، أمضى من سنان المحارب. - القلم سهم تنفذ به المقاتل، وشفرة تطبق بها المفاصل. - إذا أخذ الكتاب شكتهم للكلام، واخترطوا ظبات الأقلام، فكم من عرشٍ يثل، ودمٍ يطل، وجبار يذل، وجيشٍ يفل. - لولا القلم ما عبئت كتائب، ولا سريت مقانب، ولا انتضيت سيوف، ولا ازد لفت صفوف. - على غيث القلمٍ يتفتح زهر الكلم. - ما أصوغ القلم لحلي الحكم. - قاتل الله القلم، كيف يفل السنان، وهو يكسر بالأسنان. - فصاد القلم خدر في أعضاء الخط. قال ابن بسام: وهذا محلول من قول القائل حيث يقول: من خط يوماً ببريةٍ فسدت ... أصاب أعضاء خطه خدر - رداءة الخط قذىً في عين القارئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 @فصول له تنخرط في سلك الأمان : إن أفضل ما تناجي المسلمون به، ووجهوا بصائرهم إليه، وصححوا نياتهم فيه، ولم يلوهم لاو عنه، ولا لفتهم لافت دونه، ما قرب من رضى الله، وأبعد من سخطه، وعمل فيه بأمره، واحستب فيه خلافة رسوله في أمته، من الإصلاح بين المتحاربين وتحذيرهم في سفك الدماء، وتأريث نار الشحناء، وتوكيد رر الحقود، وإيقاظ عيون الحروب، من فساد الدين، ووهن اليقين، وذهاب الرجال، ونفاذ الأموال، واجتياح النعم، واستنزال النقم. قال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروف أو إصلاح بين الناس} (النساء: 114) وقال: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} (الحجرات: 9) . فصل: إن الحرب مثكلة للنفوس، متلفة للأموال، للندامة في العواقب، تلذ مباديها للأشرار، وتنجي كلاكل عاقبتها على الأخيار. وقلما يقدح شعلها، ويغلي مرجلها، إلا فراش الشر وذبان الطمع، ممن لا يحفل بعار، ولا يستحيي من فرار، فإن هلك لم يفقد، وإن نجا لم يحمد. ثم ترتكض جماهير الناس وأولو الذكر، والأعاجم أخطاراً، والأحاسن آثاراً، في لججٍ تبعد عنها السواحل، وينوءون بفوادح تهد عنها الكواهل، فأصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 الناس لباً، وأبعدهم نظراً، وأخيرهم أحساباً، من حض على الصلح، ونسب إلى إبراء الجرح، ولم يأل إرشاداً وتبصيراً، ومن سوء العواقب تخويفاً وتحذيراً، وبادر نار الفتنة بالإطفاء، وعصب المتحازبين بالإرخاء، وشوكة الحرب بالخضد، فحقن الدم، وحمى الحرم، وأوطن النعم. : أما بعد، فقد آن أن توقظوا سواهي العقول، وأن تريحوا عوازب الأحلام، فتسلوا السخائم، وتغمدوا الصوارم، وتعيدوا السهام في كنائها، وتقفوا الأسنة في مراكزها، وتسلموا الخيول في مرابضها، وتعلموا أن الله القادر عليكم الآخذ بنواصيكم أقلها استئصال آثار النعم عليكم، وسطوات أبرزها تحكم أيدي البلاء فيكم، فكم صال بناركم لم يشرككم في قدحها، وشقيٍ بفتنكم ولم يغمس معكم يداً فيها، وموفور سعيتم لذهاب وفره، ومستور أعنتم على انكشاف ستره، فلا العظة تسمعون، ولا على أنفسكم ترعون؛ أما والله لتجرعن الخطبان، ولتقرعن الأسنان، ولتحاولن الأوبة ولا مآب لكم، والتوبة ولا قبول منكم. : بايع الإمام عبد الله فلان بانشراح صدرٍ، وطيب نفس، ونصاحة جيبٍ، وسلامة غيبٍ، بيعة رضىً واختيار، لا بيعة إكراه وإجبار، على السمع والطاعة، والمؤازرة والنصرة، والوفاء والنصيحة، في السر والعلانية، والجهر والنية، والعمل على موالاة من والاه، ومعاداة من عاداه، من بعيدٍ وقريب، وغريبٍ ونسيب، ويقسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 على الوفاء به والقيام بشروط بيعته، بالله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، عالم الغيب والشهادة، والقائم على كل نفسٍ بما كسبت، ويعطيه على ذلك كله ذمة الله وذمة محمدٍ ورسوله، وذمة الأنبياء والمرسلين، والملائكة والمقربين، وعباد الله الصالحين. ومتى خلعت ربقةً بخترٍ أو غدر، أو طويت كشحاً على نكث أو حنث، فعليك المشي إلى بيت الله الحرام ببطحاء مكة من مستقرك ثلاثين حجة، نذراً واجباً لا يقبل الله تعالى إلا الوفاء به؛ وكل زوجة لك مهيرة، أو تنكحها إلى ثلاثين سنةً، فطالق تحتك طلاق الحرج ثلاثاً. وكل أمة أو غرة أو عبد لك أو تملكه فأحرار لوجه الله العظيم. مال لك من صامتٍ أو ناطقٍ أو تملكه إلى ثلاثين سنةً غير عشرة دنانير أو قدرها فصدقة على الفقراء والمساكين، وقد برئ الله تعالى منك ورسوله وملائكته. والله بجميع ما انعقد عليك في هذه البيعة شهيد، وكفى به شهيداً، وعلى الأعمال والنيات مثيباً. : أما بعج، فإن الغلبة لنا والظهور عليك جلباك إلينا على قدمك دون عهد ولا عقد يمنعان من إراقة دمك. ولكنا، بما وهب الله تعالى لنا من الإشراف على سرائر الرياسة، والحفظ لشرائع السياسة، تأملنا من ساس جهتك قبلنا، فوجدنا يد سياسته خرقاء، وعين حزامته عوراء، وقدم مداراته شلاء، لأنه مال عن ترغيبك فلم ترجه، وعن ترهيبك فلم تخشه، فأدتك حاجتك إلى طلاب الطعم الدنية، وقلة مهابتك إلى التهالك على المعاصي الوبية. وقد رأينا أن نظهر فضل سيرتنا فيك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 ونعتبر بالنظر في أمرك، فمهدنا لك الترغيب لتأنس إليه، وظللنا لك الترهيب لتفرق منه، فإن سوت الحالتان طبعك، وداوى الثقاف والنار عودك، فدلك بفضل الله عليك، وبإظهاره حسن السياسة فيك؛ وأمان الله لك مبسوط منا، ومواثيقه بالوفاء لك معقودة علينا، وأنت إلى جهتك مصروف، وبعفونا والعافية منا منكوف، إلا أن تطيش الصنعية عندك، فتخلع الربقة وتمرق من الطاعة، فلسنا بأول من بغى عليه، ولست بأول من بدت لنا مقاتله من أشكالك إن بغيت، وانفتحت لنا أبواب استئصاله من أمثالك إن طلبت. أمان غريب الصنعة: أما بعد، فإنكم سألتم الأمان أوان تلمظت السيوف إليكم، وحاولت المنايا عليكم، وهمت حظائر الخذلان أن تفرج لنا عنكم، وأيدي العصيان أن تتحفنا بكم. ولو كلنا لكم بصاعكم، ولم نرع فيكم ذمة اصطناعكم، لضاق عنكم ملبس الغفران، ولم ينسدل عليكم ستر الأمان. ولكنا علمنا أن كهولكم الخلوف عنكم، وذوي أسنانكم المعاصين لكم، ممن يهاب وسم الخلعانن ويخاف سطو السلطان، وأنهم لا يراسلونكم في ميدان معصية، ولا يزاحمونكم منهل حيرة، ولا يماشونكم إلى موقف وداع نعمة. ولولا تحرجنا أن نقطع أعضادهم بكم، ورجاؤنا أن يكون العفو على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 المقدرة تأديباً لكم، لشربت دماءكم سباع الكماة، وأكلت لحومكم ضباع الفلاة. وقد أعطيناكم بتأميننا إياكم عهد الله تعالى وذمته، ونحن لا نخفرهما أيام حياتنا إلا أن تكون لكم كرة، ولغدرتكم ضرة، فيومئذٍ لا إعذار لكم ولا إقصار عنكم، حتى تحصدك ظباة السيوف، وتقتضي ديون أنفسكم غرماء الحتوف. وفي العتاب: أظلم لي جو صفائك، وتوعرت علي أرض إخائك، وأراك جلد الضمير على العتاب، غير ناقع الغلة من الجفاء. فليت شعري ما الذي أقسى مهجة ذلك الود، وأذوى زهرة ذلك العهد - عهدي بك وصلتنا تفرق من اسم القطيعة، ومودتنا تسمو عن صفة العتاب ونسبة الجفاء؛ واليوم هي آنس بذلك من الرضيع بالثدي، والخليع بالكأس. وهذه ثغرة إن لم تحرسها المراجعة، وتذك فيها عيون الاستبصار، توجهت منها الحيل على هدم ما بنيناه، ونقض ما اقتنينا، وتلك ناعية الصفاء، والصارخة بموت الإخاء. لا أستبد - أعزك الله - من الكتاب إليك، وإن زعم أنف القلم، وانزوت أحشاء القرطاس، وأخرس فم الفكر، فلم يبق في أحدها إسعاد لي على مكاتبتك، ولا بشاشة عند محاولة مخاطبتك، لقوارص عتابك، وقوارع ملامك، التي قد أكلت أقلامك، وأعضت كتبك، وأضجرت رسلك. وضميري طاوٍ لم يطعم تجنباً عليك، ونفسي وادعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 لم تجن ذنباً اليك، وعقدي مستحكم لم يمسسه وهن فيك. وأنا الآن على طرفٍ من إخائك معك، فإما أن تدلي بحجةٍ فأتنصل عندك، وإما أن تنبئ بحقيقة فأستديم خلتك، وإما أن تأزم على فأسك فأقطع حبلي منك، كثيراً ما يكون عتاب المتصافيين حيلةً تسبر المودة بها، وتستثار دفائن الأخوة عنها، كما يعرض الذهب على اللهب، وتصفق المدام بالفدام. وقد يخلص الود على العتب خلاص الذهب على السبك. فأما إذا أعيد وأبدي، وردد وولي، فإنه يفسد غرس الإخاء، كما يفسد الزرع توالي الماء. @فصول في الاستزارة - اليوم يوم بكت أمطاره، وضحكت أزهاره، وتقنعت شمسه، وتعطر نسيمه، وعندنا بلبل هزج، وساق غنج، وسلافتان: سلافة إخوانٍ، وسلافة دنان؛ قد تشاكلتا في الطباع، وازدوجتا في إثارة السرور؛ فاخرق إلينا سرادق الدجن تجد مرأى لم يحسن إلا لك، ولا يتم إلا بك. - الزيارة في الليل أخفى، وبالزائر والمزور أحفى، وقد سدل حجابه، ووقع غرابه، وتبرقعت نجومه بغيومه، وتلفعت كواكبه بسحائبه؛ فاهتك إلينا ستره، وخض نحونا بحره؛ ولك الأمان من عين واشٍ تراك، وشخص رقيبٍ يلقاك. - البدر صنوك، فإن طلعت معه علي ذعر الخافقان، والشمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 تربك، فإن صاحبتها إليّ استراب الثقلان؛ فاجعل ليالي السرار مواقيت الازديار، وأيام الانكساف ساعات الائتلاف. - لم نلتق منذ عرينا مركب اللهو، وأخلينا ربع الأنس، وقصصنا جناح الطرب، وعبسنا في وجوه اللذات. فإن رأيت أن تخف إلى مجلسٍ نسخت فيه الرياحين بالدواوين، والمجامر بالمحابر، والاطباق بالأوراق، وتنازع المدام بتنازع الكلام، واستماع الأوتار باستماع الأخبار، وسجع البلابل، بسجع الرسائل، كان أشحذ لذهنك، وأصقل لفكرك، وآنس لخاطرك، وأطيب لنفسك، وأفرج لهمك، وأرشد لرأيك. - نحن من منزل أبي فلان بحيث نلتمس سناك، ونتنسم رياك؛ وقد راعنا اليوم باكفهرار وجهه، وما ذر من كافور ثلجه، فاردعنا له بالستور، وانغمسنا بين جيوب السرور، ورفعنا لبنات الزناد راياتٍ حمراء، وأجرينا لبنات الكروم خيلاً شقراٍ، وأحببنا أن تشهد جيش الشتاء كيف يهزم، وأنفاس البرد كيف تكظم. @فصل قصار في مدح الإخاء - بيننا خصائص ودادةٍ، كأنها وشائج ولادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 - رعيت به السعدان، وأخذت من ريب دهري به الأمان. - جلى من مطلبي ما أظلم عليّ، وأشعل من همتي ما خمد لدي. - أمضى لساني، وبل ريقي، وأشاد باسمي، وأعلى قدري. - ولا والحجر اليماني، والسبع المثاني، لا جعلت سواه قصدي، ولا استكفيت غيره عظم أمري. - ناصري إذا تكاثرت الخطوب عليّ، ومجيري إذا أثخنت الأيام جانبي. - هو ذخري المعد، وركني الأشد، وسلاحي الأحد. - خزانة سر لا إقليد لها، ولا للصوص حيلة فيها. - آراؤه كالمرائي إذا جليت، والسيوف إذا انتضيت. يحسن عشرة الجار، ويسيء عشرة الدرهم والدينار. وله في ضد ذلك: - خليت عنه يدي، وخلدت قلاه خلدي. - بيض الأنوق من رفده أمكن، وصفا المشقر من خده ألين. - منزور النوال، رث الفعال. - أحاديث وعده لا تعود بنفع، ولا هي من غربٍ ولا نبع. - مطحلب الوجه، مهراق ماء الحياء، مظلم الخلق، دبوري الريح، مقشعر الوجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 - طاشت عنده الصنيعة، وضاعت فيه اليد. - على وجهه من التعبيس قفل ضاع مفتاحه، وليل مات صباحه. - غنى من الجهل، مفلس من العقل. - تتضاءل النعم لديه، وتقبح محاسن الإحسان عليه. - لم ينظم عليه قط خرز ثناء، ولا استحق أن يلبس بزة مديح. - غربال حديثٍ، إذا وعى سراً قطر منه. - أجال قدحاً غير قامرٍ، ورمى بسهم غير صائب. - كبد الزمان عليه قاسية، ونعم الله له ناسية. - شر بقعةٍ لغرس المودة وبذر الإخاء. - قصير الوفاء للإخوان، عون عليهم مع الزمان. - هو كدر الدنيا وسقم الحياة. - رقدت ملء عيني في فرش القلى له، وشربت زلال ماء العزاء عنه. - مربٍ لأطفال الإحن، محيٍ لأموات الدمن. @وهذه جملة أيضاً من شعره في أوصاف شتىً @النسيب وما يناسبه قال: لما بدا في لازور ... دي الحرير وقد بهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 كبرت من فرط الجما ... لو قلت: ما هذا بشر فأجابني: لا تنكرن ... ثوب السماء على القمر وهذا كقول ابن الرومي: يا ثوبة الأزرق الذي قد ... فاق العراقي في السناء كأنه فيه بدر تمٍ ... يشق في زرقه السماء وابن المعتز أيضاً القائل: وبنفسجي الثوب قت - ... ل محبة من رائه الآن صرت البدر حي - ... ن لبست ثوب سمائه ورأى ابن بردٍ غلاماً قد بيض على عادة أهل أفقنا في لباس البياض عند الحزن فقال: أجل جفونك في ذا المنظر الحسن ... ولم على النأي منه حادث الزمن واعجب لضدين في مرآه قد جمعا: ... شخص السرور عليه لبسة الحزن وفي لباس أهل أفقنا البياض على المتوفي يقول الحلواني: لئن كان البياض لباس حزنٍ ... بأندلس فذاك من الصواب ألم ترني لبست بياض شيبي ... لأني قد حزنت على الشباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 وقد أخذ هذا المعنى بعض أهل عصرنا وهو أبو العباس أحمد بن قاسم المحدث بقرطبة فقال: قالت وقد نظرت فروعها ... شيب على فودي منتشر: ما شأن تلك البيض - قلت لها: ... مات الشباب فبيض الشعر وقال ابن برد: أقبل في ثوب لازوردٍ ... قد أفرغ التبر من عليه كأنه البدر في سماءٍ ... قد طرز البرق جانبيه وقال أيضاً: بأبي طائر حسنٍ ... لاقط حب القلوب كلما اهتز جناح ال - ... صد هزت بالوجيب يتغنى بلسانٍ ... معربٍ فوق قضيب: أعطي الملك محب ... فاز مني بنصيب وينظر من هذا بعض النظر قول أبي نواس: وما أنا إن عمرت أرى جناباً ... وإن ضنت بمبخوس النصيب مقنعة بثوب الحسن ترعى ... بغير تكلفٍ ثمر القلوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وقال ابن برد أيضاً: كيف لا أعشق ظبياً ... سارحاً في ظل ملك - إنما السمرة فيه ... مزج كافورٍ بمسك وهذا كقول ابن فتوح: قد قضيبٍ وبدر ديجور ... وثغر در ولحظ يعفور نازل صبري وأي مصطبرٍ ... يفي بتلك اللواحظ الحور كأنما نوره وسمرته ... مسك مشوب بذوب كافور وقال ابن برد: بأبي أنت وأمي ... لم تطبعت بظلمي - أبداً تأتي بعتبٍ ... دون أن آتي بجرم بيننا في الحب قربى ... سقم عينيك وجسمي وهذا كقول ابن الرومي: يا عليلاً جعل العل - ... ة مفتاحاً لسقمي ليس في الأرض عليل ... غير جفنيك وجسمي وأخذه محمد بن هانئٍ فقال: المدنفان من البرية كلها: ... جسمي وطرف بابلي أحور والمشرقات النيرات ثلاثة: ... الشمس والقمر المنير وجعفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وقال ابن برد: يا كثير الجفاء لي ... ومضيعاً وسائلي طال حبي ولم تفز ... منك نفسي بطائل أنت لي هاجر وإن ... كنت في ثوب واصل أنت أمررت منهلاً ... كان أحلى مناهلي سوف أبكيك لا ستحا ... لة تلك الشمائل بجفونٍ قريحةٍ ... ودموعٍ هوامل وقال أيضاً: يا من بفيه يعبق العنبر ... ومن لماه سكر مسكر صح الهوى منا ولكنني ... أعجب من بعد لنا يقدر كأننا في فلكٍ دائرٍ ... فأنت تخفى وأنا أظهر وقال أيضاً: صب ذكت في فؤاده الحرق ... يغرق في دمعه ويحترق لدده في دجى صبابته ... وجه بماء الشباب مؤتلق لما رمته العيون ظالمةً ... وأثرت في جماله الحدق ألبس سن نسج شعره زرداً ... صيغت له من زمرد حلق وقال في مثله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 هو في الحسن كالجوا ... د بريح الصبا حذي زين إذ جاء سابقاً ... بعذاري زمرذ وقال أيضاً: وجه لمصباح السماء مباهي ... يبدي الشباب عليه رشح مياه رقم العذار غلالتيه بأحرفٍ ... معنى الهوى في طيها متناهي نادى عليه الحسن حين لقيته: ... هذا المنمنم في طراز الله وهذا كقول المتنبي: فدعاك حسدك الرئيس وأمسكوا ... ودعاك خالقك الرئيس الأكبرا خلفت صفاتك في العيون كلامه ... كالخط يملأ مسمعي من أبصرا وقال ابن برد: أعنبر في فمه فتتا ... أم صارم من لحظه أصلتا - يا شارباً ألثمني شارباً ... قد هم فيه الآس أن ينبتا انظر إلى الذاهب من ليلنا ... وامزج بماء الذهب المنبتا كأنه ذهب في البيت الثاني منها إلى معارضة ابن المعتز في قوله: قد صاد قلبي قمر ... يسحر منه النظر بوجنةٍ كأنما ... يقدح منها الشرر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 وشاربٍ قد هم أو ... نم عليه الشعر ضعيفة أجفانه ... والقلب منه حجر كأنما مقلته ... من فعله تعتذر الحسن فيه كامل ... وفي الورى مختصر وليست يد ابن بردٍ فيه عن مرماه بقاصرةً، ولا صفقته حين جاراه بخاسرةٍ، بل ساواه وزاد. وأجاد ما أراد. ألا ترى قول ابن المعتز على تقدمه: " قدهم أو نم عليه الشعر " لا يكاد يخرج عن لفظ العامة، وابن برد جمع في بيته بين ما بابين من أبواب البديع: فجانس بين الشارب والشارب، وأنبأ أن محبوبه في آخر درجة من المرودة وأول درجة من اللحية، بإشارة عذبة وعبارة حلوة رطبة، دون تطويل، ولا تثقيل - وقول ابن برد: " وامزج بماء الذهب المنبتا " -[يعنى بذلك الفضة، والمنبت مولد ليس من كلام العرب]- ينظر إلى قول الصنوبري: وليلة كالرفرف المعلم ... محفوفة الظلماء بالأنجم تعلق الفجر بأرجائها ... تعلق الأشقر بالأدهم عدلت فيها بين خمرين من ... خمر العناقيد وخمر الفم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 تناول الجام يدي من يدٍ ... موشية الراحة والمعصم شبهت ذوب الراح في جامها ... بذوب دينار على درهم وإن كان الصنوبري أراد غير ما ذهب إليه ابن برد، لأنه أمر محبوبه ان يمزج له مدامة صفراء بماء زلال، والصنوبري شبه ذوب الراح في كأسها بذوب الذهب [وشبه الكأس بالدرهم، فعلم ابن برد الإشارة، وأن الخمر إذا اصفرت شبهت بالذهب] والمنبت إذا ذوب أشبه الماء، فناسب قول الصنوبري على هذه الإشارة. وقد نحا هذا النحو [بعض أهل أفقنا] وهو أبو علي الحسن بن حسان المعروف بالسناط فقال: أدر كأسيك يا قمر الندي ... فقد نام الخلي عن الشجي كفى بك والمدامة لي صباحاً ... يفرق عسكر الليل الدجي فخذ ذهباً ورد له لجيناً ... تكن في النقد أربح صيرفي وقول ابن المعتز " والقلب منه حجر " ... البيت، كقول المؤمل المحاربي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 فما اكترثت ... يا قلبها أحديد أنت أم حجر - وبعده: إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فتأتيكم فنعتذر وقال ابن برد: بخداع عللوه ... وبهجر وصلوه لم يبالوا يوم صدٍ ... أي وجد حملوه أخرجوه عن محلٍ ... للتسلي دخلوه بلغوا فيه الأعادي ... كل شيءٍ أملوه رب ستر للتصابي ... فوقه قد سدلوه وسنا نار حميا ... في الدجى قد أشعلوه كلما سقوه كأساً ... إثر كأس قتلوه وهلال بشري ... بنجوم كللوه في بهيم من ظلام ... بسناه حجلوه نشطوه ثم لما ... لان عظفاً أخجلوه عذلوه عن وصالي ... حسداً ثم ولوه إنما حبي فيكم ... مثل ما قد سألوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وذكرت بهذه القطعة قطعةً على وزنها ورويها، ويتعلق بها خبر من سيء الأخبار وشرها. قالوا: كان الأمين محمد بن هارون يوماً على بركة ماء وقد عضه ببغداد الحصار، وأخذت عليه الأقطار، إذ دخل عليه غلامه كوثر الخادم الوسيم، وكان له من حبه جزء مقسوم، وقد أصابه سهم خرق حجاب قلبه فخر لحينه، فجزع عليه الأمين جزعاً كان دونه الجنون: ثن قال: قتلوا قرة عيني ... ومن اجلي قتلوه يا هلال الدجن قل لي ... ما لقومي جهلوه - طلع البدر نهاراً ... فلذا لم يعرفوه أخذ الله لقلبي ... من أناسٍ خرقوه! وذكر بعض الرواة أن أبا محمد التيمي زاد في هذه الأبيات فقال: من رأى الناس له فض ... لاً عليهم حسدوه مثلما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه وفي غلامه كوثر يقول، وقد نظر إلى طولع البدر، وهو يشرب على الفسطاط: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وصف البدر حسن وجهك حتى ... خلت أني وما أراك أراكا وإذا تنفس النرجس الغض ... توهمته نسيم شذاكا خدع للمنى تعللني في ... ك بإشراق ذا ونكهة ذاكا لأقيمن ما حييت على الشك ... ر لهذا وذاك إذ حكياكا وهو القائل فيه حين يئس من نفسه: يا كوثري من ملكي إلا الذي ... تراه والجسران والماطر وقال ابن برد: أسمر في اللون ولكنه ... قد وقف الصبح على الإفتضاح يا عجبي من شادن أهيف ... يطارد الخيل ويثني الرماح إذا مشى والجيش قدامه ... صاح عليه حسنه: لا براح وذكرت بهذا المعنى قول محمد بن هانئ وإن لم يكن به فيتطرف المغزى [بنا] إليه: قمر لهم قد قلدوه صارماً ... ولو انصفوه قلدوه كوكبا جاءوا به من بعد أن حشدوا له ... من ردفه جيشاً لئلا يغلبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 وكأنما طبعوا له من لحظه ... سيفاً رقيق الشفرتين مشطبا خالسته نظراً وكان مورداً ... فاحمر حتى كاد أن يتلهبا هذا طراز ما العيون كتبنه ... لكنه قبل العيون تكتبا صفة تحير بعضها في بعضها ... حتى غدا التوريد فيها مذهبا وقال ابن برد: زدتك ذلاً فزدت تيها ... واخطةً ذل من يليها! ليتك حملت بعض ما بي ... فذقت ما ذقت منك فيها يا شاعر الحسن بي ترفق ... لا تقتلني به بديها @ومن شعره في سائر الأوصاف قال: ويوم تفنن في طيبه ... وجاءت مواقيته بالعجب تجلى الصباح به عن حياً ... قد أسقى وعن زهر قد شرب وما زلت أحسب فيه السحا ... ب ونار بوارقها تلتهب بخاتي توضع في سيرها ... وقد قرعت بسياط الذهب يناسب معنى البيت الثاني منها قول ابن حمديس الصقلي: من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور القاح وقوله: " بخاتي توضع في سيرها " ... البيت، يشبه قول الآخر من أناشيد أبي علي البغدادي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 حتى إذا ما رفع لآل الضحى ... حسبته سلاسلاً من الذهب وقد قال بعض أهل عصرنا وهو أبو بكر ابن بقي فذهب به مذهباً عجيباً، وولد معنى غريباً: يا لك من برق ومن ديمةٍ ... خلتهما في ليلي العاتم سوطاً من العسجد تومي به ... كف النجاشي إلى حاتم وقال ابن برد: رضابك ري لمن قد عطش ... وقربك أنس لمن قد وحش وكم ليلة جلتها فانجلت ... إلى مدنف زرته فانتعش وقد فتح الأفق للناظرين ... عن شهلة الصبح هدب الغبش وينظر هذا إلى قول المعري: وصبح قد فلينا الليل عنه ... كما يلفى عن النار الرماد وقال ابن برد: عارض أقبل في جنح الدجى ... يتهادى كتهادي ذي الوجى أتلفت ريح الصبا لؤلؤه ... فانحنى يوقد عنه السرجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 وكأن الرعد حادي مصعب ... كلما صال عليه وسجا وكأن البرق كاس سكبت ... في لهاة المزن حتى لهجا وكأن الجو ميدان وغىً ... رفعت فيه المذاكي رهجا ومعنى البيت الثاني من هذا كقول ابن المعتز، وهو من أحسن ما قيل في الصبح: والصبح يتلو المشتري فكأنه ... عريان يمشي في الدجى بسراج وقال تميم بن المعتز: وكأن الصباح في الأفق بازٍ ... والدجى بين مخلبيه غراب وقال البحتري: والصبح يلمح من خلال سحابه ... كالماء يلمع من خلال الطحلب وقال ابن برد: سقاني وجفن الليل يغسل كحله ... بماء الصباح والنسيم رقيق مداماً كذوب التبر أما نجارها ... فضخم وأما جرمها فدقيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وقال أيضاً: وكأن الليل حين لوى ... هارباً والصبح قد لاحا كلة سوداء حرقها ... عامد أسرج مصباحا وقال أيضاً: تأمل فقد شق البهار مغلساً ... كمائمه عن زهره الخضل الندي مداهن تبر في أنامل فضةٍ ... على أذرع مخروطة من زبرجد وقال: سقى جوف الرصافة مستهل ... تؤلف شمله أيدي الرياح محل ما مشيت إليه إلا ... مشى في ابتهاجي وارتياحي كأن ترنم الأطيار فيه ... أغان فوق أوتار فصاح كأن تثني الأشجار فيه ... نصل عذارى قد شربن سلاف راح كأن الجدول المنساب نصل ... صقيل المتن هز إلى كفاح كأن رياضه أبراد وشي ... تعطف فوق أعطاف ملاح وقال: يا نعمة من عشيٍ غاب حاسده ... وصح فيه اجتماع دون تشتيت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 [رحنا إلى النهر والأرواح لاعبة ... بموجه بين إحياء وتمويت] ولاح في الماء منه منظر حسن ... حبست مني عليه طرف مبهوت كأنما هو من صافي اللجين وقد ... ذابت على متنه زرق اليواقيت وقال يصف كلف البدر: والبدر كالمرآة غير صقلها ... عبث العذارى فيه بالأنفاس والليل ملتبس بضوء صباحه ... مثل التباس النفس بالقرطاس ورأيت ابن برد قد ذكر في كتابه أنه لم يسمع فيه لأحد شيئاً، وابن المعتز القائل في وصف الفرند: جرى فوق متنه الفرند كأنما ... تنفس فيه القين وهو صقيل قال أبو الحسن: وإذ قد انتهينا إلى ذكر البدر فنلمع بشيء مما قبل فيه من مقطوعات وأبيات لها موقع بهذا الموضع، لمحدثين متقدمين ومعاصرين: قال ابن المعتز: انظر إليه كزورق من فضةٍ ... قد أثقلته حمولة من عنبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وسمع ابن الرومي هذا التشبيه فقال: أنا لم أر قط زورقاً من فضة، وإنما أصف ما شاهدته، وأشبه بما عاينته، قال: ما أنس لا أنس خبازاً مررت به ... يدحو الرقاقة وشك الملح بالبصر ما بين رؤيتها في كفه كرةً ... وبين رؤيتها قوراء كالقمر إلا بقدار رؤيتها في كفه كرةً ... في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر [وقال المعري: ولاح هلال مثل نون أجادها ... بذوب النضار الكاتب ابن هلال] وقال: وكأن الهلال يهوى الثريا ... فهما للوداع معتنقان وقال ابن المعتز: مثل القلامة قد قدت من الظفر ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 وقال أبو المغيرة ابن حزم: لما رأيت الهلال منطوياً ... في غرة الفجر قارن الزهره شبهته والعيان يشهد لي ... بصولجان أوفى لضرب كره وله: قلبي وقلبك لا محالة واحد ... شهدت بذلك بيننا الألحاظ فتعال فلنعظ الحسود بوصلنا ... إن الحسود بمثل ذاك يغاظ وله إلى من ودعه، وأودعه من الجوى ما أودعه: يا من حرمت وصاله أو ما ترى ... هذي النوى قد صعرت لي خدها - زود جفوني من جمالك نظرةً ... فالله يعلم إن رأيتك بعدما قال ابن برد: ولما مات محمد بن ربيب، صنيعة أبي الأحوص وأبي عتبة، وورد الخبر قرطبة، سألني أبو عامر بن شهيد رثاءه ووصف علته، وكانت العلة الكبرى، فقلت: سيروح المرء إن لم يغتد ... والمنايا للفتى في مرصد مات من كنا نراه أبداً ... بارئ النفس عليل الجسد بحر سقم ماج في أعطافه ... فرمى في جلده بالزبد كان مثل السيف إلا أنه ... حمل الدهر عليه فصدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 وكأن المرء لم يحم الأذى ... لائذ منها بثنيي زرد ينثني الإخوان عنه جانباً ... ويفل الدهر قصد العود وترى المشفق عنها ينزوي ... وترى الآنف منها يفتدي ومن بدائعه العقم، المستنزلة للعصم، وما أرى أبا الحسن تجافى عنها غاضاً منها، لكن قدر أعجله، أو زمن لم يسمح له، ولأمر ما عطل هذا الورق، وأحال على الأيام أن تستنطق، فالحمد لله الذي لم يثكلنا بها، ويسرنا لاكتتابها. رسالة في السيف والقلم وكتبها إلى الموفق أبي الجيش مجاهد، يقول فيها: أما بعد حمد الله بجميع محامده وىلائه، والصلاة على خاتم أنبيائه، فإن التسابق من جوادين سبقا في حلبة، وقضيبين نسقا في تربة؛ والتحاسد من نجمين أنارا في أفق، وسهمين صارا على نسق؛ والتفاخر من زهرتين تفتحتا من كمامة، وبارقتين توضحتا من غمامة، لأحمد وجوه الحسد، وإن كان مذموماً مع الأبد. وربما امتد أحد الجوادين بخطوة، أو خص أحد القضيبين بربوة، أو كان أحد السهمين أنفذ مصيرا، أو راح أحد النجمين ضوأ تنويرا، أو غدت الزهرتين أندى غضارة، أو أمست إحدى البارقتين أسنى إنارة؛ فالمقصر يرتقب تقدماً، وتقارب الحالتين في المجانسة يشب نار المنافسة، وإن حال بينهما قدح النقاد، وقبح تحاسد الأضداد. وإن السيف والقلم لما كانا مصباحين يهديان إلى القصد، من بات يسري إلى المجد، وسلمين يلحقان بالكواكب، من ارتقى لساميات المراتب، وطريقين يشرعان نهج الشرف لمن تقوى إليه، ويجمعان شمل الفخر لمن تأشب عليه، ووسيلتين يرشفان العلى فم عاشقها، ويبسطان في وصال المنى يد وامقها، وشفيعين لا يؤخر تشفيعهما، ومجمعين لا يفرق تجميعهما، جررا أذيال الخيلاء تفاخراً، وأشما بأنف الكبرياء تنافراً، وادعى كل واحد منهما أن الفوز لقدحه، وأن الوري لقدحه، وأن الدر من أصدافه، وأن البكر من زفافه، وأن البناء من تشييده، وأن الملاء من تعضيده، وأن كباء الثناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 موقوف على مجامره، وأن خطيب الفخر محبوس على منابره، وأن حلل المآثر من نسيجه، وأن أفراد المفاخر من تزويجه. وحين كشف الجدال قناعه، ومد الخصام ذراعه وهز الإباء من عطفه، وأشم الأنف من أنفه، قاما يتباريان في المقال، ويتساجلان في الخصال، ويصف كل واحد منهما جلال نفسه، ويذكر فضل ما اجتني من غرسه، ويبأى بمنقبة نافرت السها، ومرتبة ريضة خيسها، ورياسة من ذوائب الجوزاء صادها، ونباهة في صهوة العيوق أفادها. فقال: ها، الله أكبر! أيها المسائل بدءاص يعقل لسانك، ويحير جنانك، وبديهة تملأ سمعك، وتضيق ذرعك. خير الأقوال الحق، وأحمد السجايا الصدق. والأفضل من فضله الله عز وجل في تنزيله، مقسماً به لرسوله، فقال: {ن. والقلم وما يسطرون} (القلم: 1) ، وقال: {أقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم} (العلق: 4) فجل من مقسم، وعز من قسم، فما تراني، وقد حللت بين جفن الإيمان وناظره، وجلت بين قلب الإنسان وخاطره - لقد أخذت الفضل برمته، وقدت الفخر بأزمته. فقال السيف: عدنا من ذكر الطبيعة إلى ذكر الشريعة، ومن وصف الخصلة إلى وصف الملة، لا أسر ولكن أعلن، قيمة كل امرئ ما يحسن. إن عاتقاً حمل نجادي لسعيد، وإن عضداً بات وسادي لسديد، وإن فتى اتخذني دليله لمهدي، وإن امرءاً صيرني رسيله لمفدي؛ يشق مني الدجى بمصباح، ويقابل كل باب بمفتاح. أفصح والبطل قد خرس، وأبتسم والأجل قد عبس؛ أقضي فلا أنصف، وأمضي فلا أصرف؛ أزري بالوفاء، وأهتك اللأمة هتك الرداء. فقال القلم: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وقبحاً للتحلي بالجور. وتسود ما بيض الصفاء، وتكدر ما أخلص الإخاء، وتوكد أسباب الفتن، وتضرب بقداح الفتن. الحق أبلج، والباطل لجلج، إن فإنها في قدحها لمأمونة الطائر، محسود الباطن والظاهر. أحكم فأعدل، وأشهد فأقبل؛ وترحل عزماتي شرقاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وغرباً ولا أرحل؛ أعد فأفي، وأستكفى فأكفي، أحلب الغنى من ضروعه، واجتني الندى من فروعه. وهل أنا إلا قطب تدور عليه الدور، وجواد شأوه يدرك الأمل، شفيع كل ملك إلى مطالبه، ووسيلته إلى مكاسبه؛ وشاهد نجواه قبل كل شاهد، ووارد معناه قبل كل وارد. فقال السيف: يالله! استنت الفصال حتى القرعى، ورب صلف تحت الراعدة؛ لقد تحاول امتداداً بباع قصيرة، وانتفاضاً بجناح كسيرة. أمستعرب والفلس ثمنك، ومستجلب وكل بقعة وطنك - جسم، ودمع بار، تحفى فتنعل برياً، حتى يعود جسمك فيا، إن الملوك لتبارد إلى دركي، ولتتحاسد في ملكي، ولتتوارثني على النسب، ولتغالي في على الحسب؛ فتكللني المرجان، وتنعلني العقيان، وتلحفني بخلل كحلل، وحمائل كخمائل، حتى أبرز براز الهندي يوم الجلاء، والروض غب السماء. فقال القلم: من ساء سمعاً ساء إجابة. أستعيذ بالله من خطل أرعيت فيه سوامك، وزلل افتتحت به كلامك؛ إن ازدراءك بتمكن وجداني، وبخس أثماني، لنقص في طباعك، وقصر في باعك؛ ألا وإن الذهب معدنه في العفر، وهو أنفس الجواهر، [والنار] مكمنها في الحجر، وهي إحدى العناصر، وإن الماء وهو الحياة، أكثر المعايش وجداناً، وأقلها أثماناً، وقلما تلفى الأعلاق النفيسة، إلا في الأمكنة الخسيسة. وأما التعري، فغنينا بالجمال عن جر الأذيال؛ وهل يصلح الدر حتى يطرح صدفه، أو يبتهج الإغريض حتى يشذب سعفه، أم يتلألأ الصبح حتى تنجلي سدفه - إن الضحاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 للرجال معروف. وإن الخفر على النساء موقوف. ولولا جلاء الصياقل صدأك لأسرعت ذهاباً، وعدت مع التراب تراباً. فقال السيف: جعجعة رحى لا يتبعها طحن، وجلجلة رعد لا يليها مزن، في وجه مالك تعرف أمرته؛ وجه لئيم، وجسم سقيم، وغرب يفل، ودم يطل، ودموع سجام، كأنهن سخام، ورأس يتقلقل فيه لب، وجوف لم يتخضخض فيه قلب، أوحش من جوف العير، يشهد عليه كثرة الجور بقلة الخير. فهب من نومك، وأفطر من صومك، وتحكم بطرف نظار، في جسم ماء وحلة نار. إن امتضاني جاهل، أوهمته أني سائل، ففر خوفاً أن يغرق، وولي حذراً أن يحترق؛ في بحر زبده الشعل، وبرق سحابه الخلل. لو انتضت والشم كاسفة لم ينظر وقت تجليها، أو السنون مجدبة أيقن بالحيا راعيها. قد خط الفرند في صفحتي أمثال صغار الخيلان، في البيض من صفحات الحسان. أكرع يوم الوغى في لبة البطل، فأعود كالخد كسي صبغ الخجل، كأنما اشتملت بالشقيق، أو شربت ماء العقيق. فقال القلم: إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً. ما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة. إن ماءك السائل الجامد، وإن جرمك الملتهب لبارد، ولن يغرق فيه حتى تكرع في السبسب العطاش، ولن يحترق به حتى يقع في نار الحباحب الفراش، فأقصر عن جفنك من العمى رواقاً، واحلل من خصرك للجهل نطاقاً، يسفر البلاء لك عن قضيب عاج، ولسان سراج، وقدح ورق جلل بالعقيان، وحلة نرجس فوق جسم أقحوان؛ لليل في فوديه لطخ، وللمسك في صدغيه نضخ. أنجلي عن المهارق، انجلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 الغمام عن الحدائق، وأرقم في بطون الصحف، مالا يرقم الربيع في الروضة الأنف، من منمنم يختال بين مسهم، ومعضد فوق مسرد. ولما كثر تعارضهما، وطال تراوضهما، وقابل كل واحد منهما بجمعه جمعاً، وقرع بنبعه نبعاً، ولم ينثن أحد الصارمين كهاماً، ولا ارتد أحد العارضين جهاماً، تبادرا إلى السلم يعقدان لواءهما، وإلى المؤالفة يردان ماءها؛ وقالا إن من القبيح أن تتشتت أهواؤنا، وتتفرق آراؤنا، وقد جمعنا الله في المألف الكريم، وأحلنا بمحل غير ذميم، بأعلى يد نالت آمالها، ووافت المطالب في أوطانها، ولم تقابل باباً مغلقاً إلا قرعته، ولا حجاباً مضلعاً إلا رفعته، ولا جداً عاثراً إلا أقالته، ولا أملاً غائراً إلا أسالته - تلك يد الموفق أبي الجيش مولى المعالي ومسترقها، ومستوجب المكارم ومستحقها، العاقد لواء المجد بذوائب السماك، والمطل بفخره على الأفلاك، والمقدم إذا أحجمت الأبطال، والضاحك إذا بكت الآجال، والساري إلى العلياء إذا أدلج الكرام، والمسهد في الآراء إذا هجد الأنام، والطالب ثأر العديم بجوده، والمشفع النيل بمزيده، والمسعف لميعاده، والمخلف لإيعاده، والمجري في ذاويات الهمم ماء، والمطلع في ظلمات الآمال سناء. فإذا قد عدل بيننا بكمه، يوم وغاه ويوم سلمه، فجاوز بك حد المسالمة، وجاوز بي حد المشارسة، ولم يثنك حتى بلغ مناه، ولم يثنني حتى وافق، ولم يقصر بي عن غاية بلغك إليها، ولم يقدمك إلى مرتبة أخرني عنها، فأجمل رداء نرتديه، وأفضل حذاءٍ نحتذيه، وأهدى سبيل نقصده، وأصفى منهل نرده، مؤالفة نجرر ذيلها، ونميل ميلها، ومعاشرة نتجانى ثمارها، ونتعاطى عقارها، وذنوب نخلي أوطانها، ونهدم بنيانها، ودمن نعفي دمنها، ونرد في أجفانها وسنها. ثن ثقال القلم: إن مما نبرم به عقدنا وننظم عقدنا، ويستظهر به بعضنا على بعض، إن حالت حال، كان للدهر انتقال، أن نخط كتاباً مصيباً، يكون لنا مناباً وعلينا رقيباً، فقد يدب الدهر بعقاربه، بين المرء وأقاربه، ويسعى بالنميمة، بين الفرعين من الأرومة. فقال السيف: أنت والبيان، وجرياً والميدان. فقال القلم: إن النثر في ذلك مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 يسير، وإن الشعر في ذلك ذكر خطير، وإن لشدو الحادي، وزاد الرائح والغادي. وأختاره على النثر، تنويهاً بالذكر، فقال: قد آن للسيف ألا يفضل القلما ... مذ سخرا لفتىً حاز العلى بهما إن يجتنى المجد غضاً من كمائمه ... فإنما يجتنى من بعض غرسهما ما جاريا أملاً فوافيا أمداً ... إلا وكانت خصال السبق بينهما سقاهما الدهر من تشتيته جرعاً ... ولليالي صروف تقطع الرحما حتى إذا نام طرف الجهل وانتبهت ... عين النهى قرعا سنيهما ندما راحا بكف أبي الجيش التي خلقت ... غمامة كل حين تمطر النعما فعاد حلبنهما المنبت منعقداً ... وراح شملهما المنفض ملتئما يا أيها الملك السامي بهمته ... إلى سماء علاً قد أعيت الهمما لولا طلابي غريب المدح فيك لما ... وصفت قبل علاك السيف والقلما وإنما كان تعريضاً كشفت به ... من البلاغة وجهاً كان ملتثما: أما بعد - جعلك الله من المؤثرين على أنفسهم والموقين شحها، والمنجزين لمواعيدهم والمعطين صدقها - فقد علمت ما سلف لنا في العام الفارط من عتابك، ولبسنا شكته من ملامك، لما كتمتنا صرام النخلة التي هي بأرضنا إحدى الغرائب، وفريدة العجائب، هرباً من أن نلزمك الإسهام في رطبها، وحرصاً على تمام لذة الاستبداد بها، وقلت، وقد سألناك من جناها قليلاً، ورجونا أن تنيلنا منها ولو فتيلاً: لو علمت أن لكم به هذا الكلف، وإليه هذا النزاع، لأمسكته عليكم وجعلت حكم جداده إليكم؛ ولكنها إن شاء الله في العام الآنف غلتكم، عتاد نفيس لكم، وذخر حبيس عليكم. فأما نحن فرسمنا تلك العدة في سويداوات قلوبنا، ووكلنا بها حفظة خواطرنا؛ وأما أنت فهلت عليها التراب، وأسلمتها إلى يد البلى. حتى إذا أخذت الأرض زخرفها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وأزينت زينتها، وبلغت غايتها، وأشبع صبغها، وأحكمت الشمس نضجها، دببت إليها بصرامك، ومشيت نحوها الجهر بجرامك، على حين نام السمار، وغفلت الجارة والجار، وأبت بها إيابة الأسد بفريسته، وتحكمت فيها تحكمه في عنيزته. ولما رأينا على ذلك طلائع الرطب في الأسواق، والجني من بكر النخيل على الأطباق، هزت جوانحنا ذكر العدة، وقلقل أحشاءنا حذر الخيبة، فركضنا الهماليج إلى حرمتك، وجعلنا نشتد طمعاً في لقائك، فلما غشينا الجهة تلقانا فتىً وضاح الجبين، آخذ بالعيون، في وجهه للأدب شاهد، وبين عينيه من الظرف رائد، فقال: بأبي أنتم، وعين الله تكلؤكم حيث كنتم، أراكم ناشدي ضالة أو مستدركي سيب فائت، فاسألوا فربما سقطتم على الخبير، وشاوروا فالمشورة تفتح غلق الأمور. فقلنا له: بآبائنا أنت، إنا لنرجو بيمن لقياك ظفراً بالمطلب، ونجحاً في المذهب. جارك وصديقنا الذي نحن تلقاء منزله، وفي حاشية محله، وعدنا منذ عام بأن يسهم لنا في جنى نخلة لديه، لم تتفقأ تربة هجر عن مثلها، ولا أوت قماري بصرى إلى شكلها، فجئناه لنأكل منها وتطمئن قلوبنا، ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. قال الفتى: يا لإخواني في الخيبة، وشركائي في فوت الأمل؛ أنا ساكن المحلة التي منبت هذه النخلة في ساحتها، وقد صرمها منذ خمسة عشر يوماً؛ ولقد كنت قبل صرامها أمنحها نظر العاشق إلى المعشوق، فإذا رأت الطير وهي على سعفها ما أواصل إليها من لحظاتي، وأتابع عليها من زفراتي، رمتني بأفراد من رطبها أحلى من شفاه العذارى. وأنا اليوم أبكي منها ربعاً خالياً، وبعد ثالثة أغدو عنها جالياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 فما هذا الخيس أبا عبد الله بعهدك، وما هذه الربدة في وجه عدوك، وما هذا الاستئثار على إخوانك المؤثرين لك - إن كنت لم تحضرنا يوم صرامها لنحتكم على قولك فيها، ونأخذ معك بأجزل الأقسام منها، فالعذر لا يضيق عنك، واللوم لا ينبسط إليك. هات مما ذخرته لساعات تفكهك، أسهم لنا فيما اعتدته ليوم نوروزك. لم يكن جناها بنزر فيقتسمه الإهداء، ولا بدون فتطيب عنه النفس. ولا تخش منا ما أفسد به حين قال لهم: " أكلتم تمري وعصيتم أمري "، إذا نحن أكلنا منها فمرنا نناصب عنك أعداءك براً وبحراً، ولا نعص لك أمراً. جلعنا الله فداك: نحن عصابة نتحلى بأدب، وننتمي إلى حظ غريب وصياغة قريض. وربما لم تصدق في هذا الطريق مضاءنا، ولا قبلت يقيناً غناءنا؛ فأدرنا أن نصف لك شيئاً من كلام العرب في النخل وبدء نباته، والتمر حالاته، فإن سرك ما جئنا به، وراقك ما أفضنا فيه، جعلت جوائزنا تمراً، وكان ذلك لنا أجراً. نعم، تقول العرب لصغار النخل: الجثيث، والودي، والهراء، والفسيل، والأشاء، والكافور، والضمد، والإغريض. فإذا انعقد سمته السياب، فإذا اخضر قبل أن يشتد سمته الجدال، فإذا عظم فهو البسر، فإذا صارت فيه طرائق فهو المخطم، فإذا تغيرت البسرة إلى الحمرة فهي شقحة، فإذا ظهرت الحمرة فهي الزهو وقد أزهى، فإذا بدت فيه نقطة من الإرطاب قيل وقد وكت، هي بسر موكتة، فإذا أدرك حمل النخلة فهو الإناض، فإذا أتاها التوكيت من قبل ذنبها فهي مذنبة، فإذا بلغ الإرطاب نصفها فهو المجزع والمجرع، لغتان، فإذا بلغ ثلثيها فهي حلقانة، فإذا جرى الإرطاب فيها كلها فهي منسبتة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 فيا أبا عبد الله أمجدنا رطباً، نمجدك خطباً. هذا قليل من كثير، وثماد من بحور، وليس يطيب وصفنا نظماً ونثراً لمناقب هذه النخلة إلا بعد اختيارنا منها، وفوز قداحنا بها. إذا أنت فعلت فكلفنا فيها خاصة ما تكلفه عمرو بن بحر الجاحظ في نخل الدنيا عامة نأتك به، ونربي فيه عليه. ولعلك تحب أن تسمع شيئاً من منظوم الكلام في النخل يذيب من جمودك، ويولد عقيم جودك، فالمنظوم خداع بحسنه، مستميل بطنه. أنشد الأصمعي لأبي الغفار الرياحي: غدت سلمى تعاتبني وقالت ... رأيتك لا تريغ لنا معاشا فقلت لها أما تكفيك دهم ... إذا أمحلت كن لنا رياشا بوارك ما يبالين الليالي ... ضربن لها وللأيام جاشا إذا ما القاريات طلبن مدت ... بأسباب ننال بها انتعاشا ترى أمطاءها بالبسر هدلاً ... من الألوان ترتعش ارتعاشا هذا وإنا لنخشى أنك أزيد تمادياً في أمرك، وأعظم شحاً على تمرك، إراغة المعاش ومعالجة الاقتيات. فقال لها: في النخل التي رزقنا الله كفاف من العيش كاف، وبلغة من القوت مقنعة. ثم أعظم من أمرها بدنو طعامها في الجدوب، وصبرها لتصرف الليالي والأيام. وما ترى أرسل هذه الأبيات على ألسنتنا إلا شيطان قد شكا إليك عسرة فأنلته بسرة. فهو يحب إبقاءنا عندك، ودفع متطفلي الإخوان عنك؛ فلعن الله الشيطان وأعاذنا منه، وصلى الله على محمد ولا صدنا عنه، فإنه يقول: " نعمت العمة لكم النخلة "، والخطاب لجميع المسلمين. وأنت قد استوليت على عمة من عماتهم، تستبد بخيرها دونهم، وتمسك معروفها عنهم. ونحن رجال من بني أخيها أتينا نعتقها، فإن أنت سويتنا مع نفسك فيما تدر به عليك، وتملأ منه يديك، وإلا نافرناك إلى السلطان، وألبنا عليك أبناء الزمان، ونستغفر الله ونسأله أن يبدلنا من بخلك نوالاً، وبمطلك إعجالا. ورسالة سماها بالبديعة في تفضيل أهب الشاء على ما يفترض من الوطاء، يقول فيها: ألهمك الله مراشد الأمور، ومنحك صواب التدبير، وعرفك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 من بركة التواضع ما يدخلك في أهله، وقبح إليك من نقيضه الكبر ما يعدل بك عن سبله، وجعل أحب أسباب معايشك إليك، ما عاد قليله بكثير المنفعة عليك. وما دعائي هذا بحق استوجبته بالتسليم لمن إلى الدنيا سبقك، وإلى باكورة التجارب مد يده قبلك، ولكنه عرض لمحاسن الأخلاق عليك، وضراب عن وجه المعاتبة لك، في الهوة التي كانت منك. وإني وإن كان شأو سني أمد، وساعد زمني أشد، وكنت بالأيام أقطن، ولمسائل تجاريبها أفطن، فما احب أن أقتني الخمر بالربا، ولا أن أجزع عن أحمد أخلاق أهل الفتا، فأحتج عليك معنتاً، وأرادك القول مجملا، استطالة بأبهة الكبر عليك، وأنساً إلى مساعدة الجاهلين فيك، على ما عليه اليوم أقوام أساءوا تدبيرهم، وجهلوا مقاديرهم، ورأوا لأنفسهم من الحق ما لم يجعلهم الله له أهلاً، ولا أسلكهم منه حزناً ولا سهلاً. وإن طالت مناقلتنا الكلام، وامتد لنا ميدان الخصام، فلا تحسبني منهم، ولا تنظمني في سلكهم، وانثن من دوحة كلامك على أي غصن شئت، وانعطف من جداول معانيك في أي جزع أحببت. عبتني - أعزك الله - بارتخاص الأشياء ومقا في الشراء، وقلت: لم تؤثر ذلك إلا اللؤم الخليقة، والهمة الدقيقة، وإلا فالشيء ربما غولي في ثمنه لطول الاستمتاع به، وتعرف نماء فائدته، وربما مالت نفس الحريص إلى الرخيص، فطال بقاؤه معه، وبلغ في التعويض منه أضعاف الذي كان استشنعه، ونامت هناك عين الرأي، واحتجب دونك وجه النظر. وسأفسح للكلام ميداناً، وأنثر عليك من الألفاظ مرجاناً، وأعاطيك من سلاف المعاني أكواساً، وأشمك من روض البيان آساً، وأريك صورة الحسنة في جمالها، وأعطيك الحلية بزمامها، فلعلك أن تكون سلس الرجوع إلى الحق، ملوي ثني العنان عن التمادي في الباطل، فنروح مشكورين: أنت على الاستماع وأنا على الإفهام. جل ما له عبت، وفيه قلت ورددت، وبه أبدأت وأعدت، [من] إيثاري في الصيف والشتاء، اهب الشاء، ومراوحتي منها في البرد والحر، بين البطن والظهر. وأي بساط منها أدل عل التواضع وأعرب عن القناعة، وأدفأ في السبرة، وألين في المس، وأخف في المحمل، وأمكن للنقلة، وأوفق لمقدار الحاجة، وأجدر بطول المتعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 وأبقى على حدث الدهر، وأغنى عن تكلف التبطين ومراعاة الترفيع، والمحافظ على الطي والنشر - تجد على الابتذال، وتعتق مع الامتهان، ولا تحوجك إلى خياط ينازلك في السوم، ويخجلك أما القوم، تنتح جبينك بعرق الاختلاف إليه، وذل التكرر عليه، وهو تبحبح في دكانه، واشتغل عن سوء مقامك باستطالة محادثة صبيانه. ثم لعل القمل الذي يكون لم يحضرك، فتشمت العدو بنفسك، وتبدي ما كان مستوراً من مالك. هذه بأنفسنا مكتفية، وعن سواها مستغنية، مع صيانة المروءة ووقاية ماء الوجنة. إن قلبتها لبطونها شتوت على وثارة، أو صرفتها لظهورها صفت في لدونة. للعيال فيها - فضلا عنك - على تقادم العهد ووقوع الاستبدال، أكبر عون وأكمل انتفاع، في التمهيد للطفل الصغير، واستعمالها في أبي الخمير في سحرة الليلة القرة. فإن دعتك حاجة نفسك إلى البكور بالغداة، فقد وجدت من ذلك نعم المعين، وإن أدلج إليك ضيف يكرم عليك، لم يكن بحضوره لوقته عندك منفس تقيسه به وتقرنه معه. وبعد، فإنك لا تتكلف شراءها إلا في وقت تتقرب إلى ربك به، وتستجزل من كريم ثوابه عليه، لأنك تستعملها في أضحيتك التي ترجو بركتها، وتأخذ نسيئة إليها فيها، فتنفلك أجر أخراك، وتعجل لك منفعه دنياك. ثم أن جردتها مع الأعوام فتجرد آخر استئناف منفعة، فهي أيمن قعيد لك، وأغبط كائن معك. وباب الارتخاص الذي نعيت علي هاهنا، باب قد قامت الدلائل على فضله، وكان له ظهري من نفسه. فغال ولو في درانك عبقر، ورفرف تستر، فلن تبلغ من هذه الفضيلة، ولن تحظى بمثل هذه المزية، مع قلة المؤنة ونزارة الكلفة. ثم أعلن أنها من معاهد صالحي السلف ورؤساء الحكمة، الذين كانوا بالدنيا أعرف، وعن زخارفها أعزف، جاءت بذلك الأخبار، ونقله الخيار. ولم يجعل الله عز وجل من هذا الجنس أقرب قربان فدى به ابن خليله، وسماه ذبحاً عظيماً في تنزيله، إلا لسر من فضله سبق في علمه. فإن قلت: لا ترى صنفاً من الناس أكثر افتراشاً لها من المعلمين، وقد قيل إن الثقل لا يرضى عندهم، فكيف تسلم في حسن الاختيار لهم، واختيار المرء قطعة من عقله، وعيار على نقصه أو فضله - قلت لك: الصوف تجمع أنت وكل ذي معرفة على أنه زي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 النساك، ولباس المنقطعين للتعبد، وعمدة الطراز الأول من السلف. فإن قلت: وهاهو في جزيرتك زي رهبان البيع وأرباب الخانات، وهم أضعف الناس أحلاماً وأدناهم طينة، والقائلون بأن الله ثلاثة - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. فجملة القول في هذا المعنى أنه لم يحجب الله تعالى وجوه المعاش، التي يصحبها جميل النظر، ويلوح عليها سيما البركة عن جنس من خلفه دون جنس، ولا أبداها إلى صنف وحجبها عن صنف، بل ألهم الكل إلى رشده، وعرفه نهج معرفته، الأشكال والمراتب، واختلفت النحل والمذاهب. كما جعلها لقدرته في سائر الحيوان من الطائر والداخر بين الآنس والشارد في صحصح القفر، كل ختلف مسعاه لنفسه، ووجه تدبيره لشأنه، على ما يسر ما تعود وألهم إليه. والمعلمون نظروا إلى ضعف سبب اكتسابهم، وفكروا في تيسر ما تعود عليهم صناعتهم، فأخذوا بالأقوى والأرفق، واعتمدوا على الأرخص والأوفق، ثم علموا أنهم إن تحاملوا على أنفسهم، وافترشوا ما يزينهم لم يلبث أحدهم أن يقوم عن مجلسه لبعض الأمر أو لقضاء الفرض، فتقوم حرب لعب الصبيان على ساق، وتبلغ بتمزيق ذلك الذي افترشه وغالى فيه بالأيدي والأقدام، والترامي والأزدحام، ما لا تبلغ أنياب كلاب القنص في إهاب العقيرة، فيعود ما يسخن العين، ويوجب الرين. وهذا النوع الذي أنسوا إلى خيره، وآثروه على غيره، لو أقامه الصبيان مقام الطبل، وجعلوه هدفاً للنبل، لم يكن أثرهم فيه إلا أثر الندى في صم الصفا. وفي اختلاف ألوانه تذكرة للناظر إليه، وعظة لمجيل بصره فيه، فما كان منه أسود ذكر بسواد الشباب، وقميص الفتوة، وطيب زمن الحداثة، فأبكى لفراقه، وقلة المتعة به؛ وما كان أبيض ذكر ببياض المشيب، ونذير الرحلة ورائد الأجل، فجر إلى العبادة وبعث على صالح العمل. هذه - أبقاك الله - خصال لو قسمت على كل مستعمل لهذا الشأن من رخيص وغال، ودون وعال، لأربت على الكفالة، وجازت مدى الغاية، فعها من ممليها، ودع القوس لباريها، وأسلم أعنة الجياد إلى مجريها. لم آت في معناها بظلمة تحتاج إلى صباحك، ولا جئت بلفظ ذي تهمة يضطر إلى إيضاحك. فإن كنت قد لبست شكة المعارضة، وأوترت قسي المناقضة، ورشت سهام المناقلة، فإلى غيري فاكشف صفحتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 في سوى هذا الفن فشمر عن ساعديك، فقد قام بنفسه وأعرب عن ذاته، ولم يترك مقالاً لقائل، ولا مجالاً لجائل. وأخاف عليك - شحاً بك - أن تستقبل بذم هذه الأهب كل مفترش لها، مغتبط بها، فلا تجده إلا شيخاً رائع الوسامة، ابيض الشعرة، أنس إخوانه، وحلس أسطوانه، قد حفظ المسائل، وملأ من إجازات الشيوخ الخزائن، تقصده الفتيات والفتيان، وتفديه الجارات والجيران، وتتنافس في حضوره أيام الزفاف، ويختص بصدور المجالس وطيبات الصحاف، أو معلما ذا سبلة طولى، وجبين أخلى، قد ائتمنته الملوك على ثمار قلوبها، وعماد ظهورها، وقطع أكبادها، يتوسط من صبيته قلب جيش، ويعيش بألطاف أمهاتهم أخصب عيش؛ يقعد عنده الوراقون، ويتحاكم إليه في الخطوط الناسخون، فإذا كانت أيام الأخمسة والجمعات أطال قلنساته، وولى الزيارة منساته، وسار مهينما بتسبيحه وتقديسه، وتهليله وتحميده، يزور الإخوان ويتعاهد المعارف، والكل هش إليه، مقبل عليه. فإن عارضت هذا الجنس، وناقضت هذا الصنف، دون اتقاء من وراءها من الأصاغر والأكابر، والملوك والسوقة، ضاقت عليك الأرض وكثر عدد الحصى، ولم يستنبت في شانك، ولا رقت كبد لرقة بيانك. وأخوك من صدقك، ومحبك من نصحك؛ وأنا استغفر الله مما كان في ذلك من قول أو عمل، والسلام. @فصل في ذكر الأديب أبي مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني @واجتلاب جملة من أشعاره مع ما يتشبث بها من أخباره كان أبو مروان هذا أحد حماة سرح الكلام، وحملة ألوية الأقلام، من أهل بيت اشتهروا بالشعر، اشتهار المنازل بالبدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 أراهم طرأوا على قرطبة قبل افتراق الجماعة، وانتشار شمل الطاعة، وأناخوا في ظلها، ولحقوا بسروات أهلها، وأبو مضر أبوه زيادة الله علي التميمي الطبني هو أول من بنى بيت شرفهم، ورفع بالأندلس صوته بنباهة سلفهم. قالابن حيان: وكان أبو مضر نديم محمد بن أبي عامر، أمتع الناس حديثاً ومشاهدة، وأنصعهم ظرفاً، وأحذقهم بأبواب الشحذ والملاطفة، وآخذهم بقلوب الملوك والجلة، وأنظمهم لشمل إفادة ونجعة، وأبخلهم بدرهم وكسرة، وأذبهم عن حريم نشب ونعمةً، له في كل ذلك أخبار بديعة؛ من رجل شديد الخلابة، طريف الخلوة، يضحك من حضر، ولا يضحك هو إذا ندر، رفيع الطبقة في صنعة الشعر، كثير الإصابة في البديهة والروية؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: وشعر أبي مضر ليس من شرط هذا المجموع لتقدم زمانه. فأما ابنه أبو مروان هذا فكان من أهل الحديث والرواية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 ورحل إلى المشرق، وسمع من جماعة من المحدثين بمصر والحجاز، وقتل بقرطبة سنة سبع وخمسين وأربعمائة. ولمقتله خبر طن ابن حيان به، ولم يمنعه من سرد قصصه استبشاعه، وحسبك من شر سماعه؛ ونلمع منه بلمعة: قال ابن حيان: وذلك أنه عدا عليه - زعموا - نساؤه بتدبير ابن سوء خلف له، حملهن على ذلك لشدة تقتيره على نفسه وعليهن في المعيشة، وحبسه لهن مع ذلك عن التماس الحيلة لتوسعة الضيقة. فقد كان في ذلك، مع انسدال الستر عليه، وسعة ريعه بالحضرة، وبعد نجعته لابتغاء الفائدة، إلى استناده لرابت هلالي واسع كان يجريه السلطان عليه [عوناً] على صيانته، ويأبى إلا الزيي بالقل والاعتزاء إلى المسغبة، عجباً لمن عرفه أو سمع به، يصدق زعم الجاحظ في نوادر كتابه في البخلاء ويزيد عليها؛ فحمل عنه في ذلك أشياء يكاد النظر يحيلها، حتى لأفضى به تقتيره على أهله أن وكلهن إلى أنفسهن في أكثر مؤنهن، وقاتهن بأمداد من غلث الحبتين القمح والشعير، يستدعيها لهن من متقبل غلته مياومةً، ويكلفهن استطحانها بأيديهن، وهو قد استوحش منهن واعتزلهن، وانفرد بنفسه ليله ونهاره، لا مؤنس له سوى غلام حزور من ولده، مئوف الخلقة، ضعيف العقل، لا أم له، يدعى عبد الرحمن، آواه إليه من جميع ولده وأقصى سائرهم في قعر داره، وصير بينه وبينهن عدة أبواب موصدةن فأصبح بمكانه ذلك في ربيع الآخر من العام المؤرخ قتيلاً فوق فراشه، مضرجاً بدمه، مبعوجاً بالخناجر في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 وريده وإلبته وأعالي جسده، مفزعا لمن عاين مصرعه، قد أعلن نساؤه بالنوح عليه، يزعمن أنه طرق بمكانه منفردا عنهن، وأخبرن أن ابنه زيادة الله المسمى باسم جده لم يكن عنده علم حتى جئن إليه وأخبرنه بما جرى على أبيه، فهب مستعملا للروع مغالطا بالدمع، داعيا بويله، سائلا عن أبيه سؤاله بالشيء الذي هو جاهله، بلسان تحيل ينبئ عن دهشه، وعين جمود تدل على صحوه. وقد تكابس الناس عليه توجعا لأبيه. وطلب موضع تسور عليه، أو نقب يولج منه إليه، فلم يقف أحد على عين ولا أثر من ذلك، فعرف ابن جهور بما جرى، فأوقع التهمة به، واستبعد أن يطرق أبوه بتلك الداهية، من يد أعتى المردة، إذ كان من وطاءة الخلق، ودماثة النفس، وخلابة المنطق، واجتلاب المودة، من جميع الخلق، وطلب السلامة منهم، بحيث لا يحقد عليه ذو غائلة منهم ولا يغتاله صاحب فتكة. فأحاق به تهمته وأمر صاحب المدينة بالتوكيل به والكشف على داهية أبيه المصاب، والوقوف على صور محنته، فلم يوقف على أثر امتحان، وبحث عن الأمر فشملت الريبة أهله؛ واستفهم صاحب المدينة الغليم ابنه عبد الرحمن فوصف أنه شاهد المحنة، وأخبر أن امرأته أم ولده زيادة الله وابنتيها، ابنتي القتيل، تولين شأنه بسكينه الذي كان يحاول النسخ حتى برد، ولم يذكر أن ابنه زيادة الله حضر ذلك، ففحشت القصة، واضطر صاحب المدينة إلى هتك حجاب القتيل في نسوانه، وبطش به يضرب أم ولده الفاجر زيادة البشر، فدرأت عن نفسها العذاب بإقرارها بكيفية الحال وصفة المحنة المهولة؛ فسجنوا. ودفن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 أبو مروان اليوم الثاني من مصابه، ولم يتخلف أحد عن جنازته ممن سمع خبره، لاشتهار فضله فيهم، واجتماع صالح الخلال له من الفقه والحديث والرواية والأدب والشعر واللغة والعربية، إلى دماثة الخليقة، واستقامة الطريقة، والتزام الحقائق، واكتمال الإيمان، بقضائه لجميع فرائضه، وعوده في نافلة الحج بعد تأدية فرضه، على وهن بجسده، وتخلف في ناضه، رغبة في الاستكثار من الخير، والترقي في المعرفة، وزيادة لمعاني العلم [وطلبه] ولقاء رجاله. فأكثر الناس من تأنيبه، وأخلصوا الدعاء على قاتليه، واستبطأوا السلطان في إنفاذ الحد عليهم بالشبهة التي ظهرت. وأفتى الفقهاء بتطويل سجنهم بعد الضرب المبرح. وتوقف ابن القطان عن صدع الفتوى في القصة إلا بعد إنعام النظر على عبد الرحمن ابنه، والوقوف على جنس آفته: هل هي في جسمه دون عقله، أو في أحدهما، أو كليهما، فيعمل بحسب ذلك. فإن كان مميزا عاقلا فهو ولي الدم القائم بطلبه دون من تقدم إلى ذلك من بني أخي المقتول وأبناء عمه، وعندها تستقيم له الفتوى في طلبه. فخالفه صاحبه ابن عتاب، وألغى حق الغليم ابنه عبد الرحمن، ونجم الخلاف وبان الإشكال. فأخذ ابن جهور برأي ابن عتاب، وانفصل الحفل عن الأخذ بالقسامة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 المتهمين ثلاثتهم، زيادة الله ابن القتيل وأمه ولده الأخرى، وسجن زيادة الشر ابنه زمانا طويلا، ثم سرح فظل خاسئا بين الناس، يخال أنه طليق وهو من شنآنهم ومقتهم، في محابس موصدة. وطاح دم أبي مروان - رحمه الله - فلم يقرع فيه أحد بضغث، ولا حبقت فيه عنز. وبلغت تركته قيمة وافرة في أثمان دفاتر، وأثاث فاخر، ومتاع رفيع، من كسوة وفرش كثر الناس جملته، وأخذوا في مذمته لسوء ما كان يدعيه من القل، ويأخذ نفسه به من شظف المعيشة. وللغرائز المفطورة سلطان على النفوس لا يغالب بصدق نظر ولا قوة معرفة، ومن أدى حق الله في ماله فليس بشحيح فيما قتر من إنفاقه؛ على أن المرء راع مسئول عمن يقوته من أهله، حبانا الله بالتوفيق، وأقامنا على وضح الطريق، بمنه؛ انتهى ما لخصته في هذه الحادثة من كلام ابن حيان. قال ابن بسام: قول أبي مروان فيما تقدم من وصفه لابن القتيل إذ جاء سائلاً عن مصيبته " سؤاله بالشيء الذي هو جاهله "، محلول من قول خوات بن جبير، ويتعلق به خبر نورده على العادة من الزيادة في الإفادة: ذكر أهل الأدب أن الأتراك لما تقلوا المتوكل جعفراً بتدبير ابنه المنتصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وكان ذلك ليلاً، فلما وقعت الصيحة وارتفعت حضر المنتصر للحين، فجلس على كرسي وحف به بغا الصغير وجميع قتلة أبيه، فجعل المنتصر يسأل ويقول: ما هذا الصياح وما هذا الخبر - سؤال جاهل به، فكان كما قال خوات بن جبير: وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد احتربوا في عاجل أنا آجله فأقبلت في الساعين أسأل عنهم ... سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله فقال بغا: إن الفتح بن خاقان عدو الله قتل أمير المؤمنين، فقال: وما فعلتم بالفتح - قالوا: قتل وسفك دمه. وخبر قتل المتوكل جعفر بتدبير ابنه المنتصر أشهر من أن يذكر، وقد ألمعت من ذلك بلمعة في أخبار [الخليفة] سليمان، المفتتح به هذا الديوان. وكان البحتري ليلة قتله حاضراً فاختفى في طي الباب، وهو القائل فيه من قصيدة يرثيه: وكان ولي العهد أضمر غدرةً ... فمن عجب أن ولي العهد غادره فلا ملي الباقي تراث الذي مضى ... ولا حملت ذاك الدعاء منابره وكان كثيراً ما يرتاح في شعره إلى ذكره الفتح بن خاقان وتأبينهما، وهو القائل فيهما: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 مضى جعفر والفتح بين موسد ... وبين قتيلٍ في الدماء مضرج أأطلب أنصاراً على الدهر بعدما ... ثوى منهما في الترب أوسي وخزرجي وفيهما أيضاً يقول: تداركني الإحسان منك ونالني ... على فاقة ذاك الندى والتطول ودافعت عني حين لا الفتح يرتجى ... لدفع الأذى عني ولا المتوكل وقال في غلام له: عسى آيس من رجعة الوصل يوصل ... ودهر تولى بالأحبة يقبل أيا ساكناً فات الفراق بنفسه ... وحال التعازي دونه والتزيل أتعجب لما لم يغل جسمي الضنى ... ولم يخترم نفسي الحمام المعجل - فقبلك بان الفتح مني مودعاً ... وفارقني شفعاً له المتوكل فما بلغ الدمع الذي كنت أرتجي ... ولا فعل الوجد الذي خلت يفعل وما كل نيران الجوى تحرق الحشا ... ولا كل أدواء الصبابة يقتل @جملة ما أخرجته من أِشعار بني الطبني أخبرني الفقيه أبو بكر ابن العربي عن الفقيه أبي عبد الله الحميدي قال أخبرني أبو الحسن العائذي أن أبا مروان الطبني لما رجع من بلاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 المشرق إلى قرطبة، واجتمع إليه في مجلس الإملاء أنشد: أني إذا حضرتني ألف محبرةٍ ... تقول أنشدني طوراً وأخبرني يا حبذا ألسن الأقلام ناطقة ... " هذي المكارم لا قعبان من لبن " ووجدت في بعض التعاليق بخط بعض أدباء قرطبة قال: لما عدا أبو عامر أحمد بن محمد بن أبي عامر على الحذلمي في مجلسه وضربه ضرباً موجعاً وأقر بذلك أعين مطالبيه، قال أبو مروان الطبني فيه: شكرت للعامري ما صنعا ... ولم أقل للحذيلمي لعا ليث عرين عدا لعزته ... مفترساً في وجاره ضبعا [لا برحت كفه ممكنةً ... من الأماني فنعم ما صنعا] وددت لو كنت شاهداً لهما ... حتى ترى العين ذل من خضعا إن طال منه سجوده فلقد ... طال لغير السجود ما ركعا [وابن رشيق القائل قبله: كم ركعة الصفعان تحت يدي ... ولم يقل سمع الله لمن حمده] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 قال ابن بسام: والعرب تقول فلان يخبأ العصا وفلان يركع لغير صلاة إذا كنوا عن عهر الخلوة. ومن مليح الكناية لبعض المتقدمين يخاطب امرأته: قلت التشيع حب أصلع هاشم ... فترضي إن شئت أو فتشيعي قالت: أصيلع هاشم! وتنفست ... بأبي وأمي كل شيء أصلع ولما صنت كتابي هذا عن شين الهجاء، وأكبرته أن يكون ميداناً للسفهاء، أجريت هاهنا طرفاً من مليح التعريض في إيجاز القريض، مما لا أدب على قائليه، ولا وصمة أعظم على من قيل فيه. والهجاء ينقسم قسمين: قسم يسمونه هجو الأشراف، وهو ما لم يبلغ أن يكون سباباص مقذعاً ولا هجراً مستبشعاً، وهو طأطأ قديماً من الأوائل، وثل عرش القبائل، إنما هو توبيخ وتعيير، وتقديم وتأخير، كقول النجاشي في بني العجلان، وشهرة شعره تغني عن ذكره، واستعدوا عليه عمر بن الخطاب، وأنشدوه قول النجاشي فيهم فدرأ الحد بالشبهات. وفعل مثل ذلك بالزبرقان حين شكا الحطيئة، وسأله أن ينشد ما قال فيه، فأنشد قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فسأل عن ذلك كعب بن زهير فقال: والله ما أود بما قال له حمر النعم. وقال حسن بن ثابت: لم يهجه وإنما عليه بعد أن أكل الشبرم، فهم عمر بعقابه ثم استعطفه بشعره المشهور. وقد قال عبد الملك بن مروان يوماً: احفظوا أحسابكم يا بني أمية، فما أود أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس وأن الأعشى قال في: تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم ... وجاراتكم غرثى بين خمائصا ولما سمع علقمة بن علاثة هذا البيت بكى وقال: أنحن نفعل هذا بجاراتنا - ودعا عليه؛ فما ظنك بشيء يبكي علقمة بن علاثة، وقد كان عندهم لو ضرب بالسيف ما قال حس! - وقد كان الراعي يقول: هجوت جماعةً من الشعراء وما قلت فيهم ما تستحي العذراء من إنشاده في خدرها. ولما قال جرير: فغض الطرف إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا أطفأ مصباحه ونام، وقد كان بات ليلته تململ، لأنه رأى أن قد بلغ حاجته وشفى غيظه. قال الراعي: فخرجنا من البصرة فما وردنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 ماءً من مياه العرب إلا وسمعنا البيت قد سبقنا إليه، حتى أتينا حاضر بني نمير فخرج إلينا النساء والصبيان يقولون: فبحكم الله وقبح ما جئتمونا به! والقسم الثاني هو السباب الذي أحدثه جرير وطبقته، وكان يقول: إذا هجوت فأضحكوا. وهذا النوع منه لم يهدم قط بيتاً، ولا عيرت به قبيلة، وهو الذي صنا هذا المجموع عنه، وأعفيناه أن يكون فيه شيء منه، فإن أبا منصور الثعالبي كتب منه [في يتيمته] ما شانه وسمه، وبقي عليه إثمه. ومن مليح التعريض لأهل أفقنا قول بعضهم: في بني الحيان سر ... فيه للعالم يفهم القوم بشيء ... نسأل الله الكفايه ومن مليح التعريض لأهل أفقنا ما قال بعضهم في غلامٍ كان يصحب رجلاً يعرف بالعبوضة: أقول لشادنكم قولةً ... ولكنها رمزة غامضه لزوم البعوض له دائماً ... يدل على أنها حامضه وأنشدت في مثله لبعض أهل الوقت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 بيني وبينك سر لا أبوح به ... الكل يعلمه والله غافره وحكى أبو عامر بن شهيد عن نفسه قال: عاتبت بعض الإخوان عتاباً شديداً عن أمرٍ أوجع فيه قلبي، وكان آخر الشعر الذي خاطبته به هذا البيت: وإني على ما هاج صدري وغاظني ... ليأمني من كان عندي له سر فكان هذا البيت أشد عليه من عض الحديد، ولم يزل يقلق به حتى بكى إليّ منه بالدموع. وهذا الباب ممتد الأطناب، ويكفي ما مر ويمر منه في أضعاف هذا الكتاب. ومن شعر أبي الحسن علي بن عبد العزيز بن زيادة الله الطبني، مما أخذته عنه، قوله: كم بالهوادج يوم البين من رشأ ... يهفو عليه وشاح جائل قلق وكم برامة من ريمٍ يفارقنا ... لهفان يثنيه عن توديعنا الفرق ونرجس كفرند السيف ساهرني ... معللاً بنسيمٍ عرفه عبق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 نادمته وشباب الليل مقتبل ... والنجم كف يحيينا بها الأفق في فتيةٍ كنجوم السعد أوجههم ... في أوجه الحادثات الجون تأتلق نلهو برقراقةٍ صفراء صافيةٍ ... يكاد ينجاب من أضوائها الغسق يعسى بها مرهف كالغصن نعمه ... ماء النعيم عليه النور والورق وأنشدني أيضاً له: يا سالياً عاشقيه ... وعاشقاً كل تيه ومن مدامي ونقلي ... بوجنتيه وفيه هلا جزيت فؤادي ... ببعض مالك فيه وأنشدني أيضاً لنفسه: عجباً أن يكون ساكن قلبي ... راتعاً منه في بساتين حبي ويجازي على الوفاء بغدرٍ ... حسبي الله ثم حسبي وحسبي جازني كيف لا أترك الذن - ... ب إذا كان فرط حبك ذنبي وهذا كقول أبي بكر ابن عمار: لئن كان ذنبي للزمان محبتي ... فذلك شيء لست منه أتوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وقال العباس بن الأحنف: إن كان ذنبي في الزيارة فاعلمي ... إني على كسب الذنوب لجاهد @فصل في ذكر أبي عبد الله محمد بن مسعود وإثبات @جملة من أقواله، في جده وأهزاله وكان - رحمه الله - ظريفاً في أمره، كثبير الهزل في نظمه، ونثره، وأراه فيما انتحاه، تقيل منهاج سميه وكنيه محمد بن حجاج بالعراق، فضاقت ساحته، وقصرت راحته، وأعياه الصريح فمذق، ولم يحسن الصهيل فنهق. ولما كان هذا المجموع كتاب أدب، وعقداً يجمع الدر والمخشلب، رأيت أن لا أخليه من ذكره، وهذه فصول من نظمه ونثره. فصل له من رقعة خاطب بها ابنه إذ توجه إلى الغرب، وقد بلغه خلع عذاره في البطالة والشرب، قال فيها: فاز يا بني استشعر البر والتقوى، واستمسك بالعروة الوثقى، واعتصم بحبل القناعة والرضى، وتحصن بالعفاف، وتبلغ بالكفاف، فلم يزاحم الأقدار، ولا غالب الليل والنهار. ولشد يا بني ما أوغلت في البلاد، واستوطأت في غربتك خشونة المهاد، وتورطت موحش المجاهل، وتوردت آجن المناهل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 تجاوزت في هذا وذلك ما به ... أمرت ولم تقنع من البعد بالدون ولم تتذكر شوق أم حزينةٍ ... عليك وشيخٍ هائم القلب مخزون بماذا يفي وذلك لو حوت ... يمينك ما حازت خزائن قارون فأخبرني يا تاجر البحرين، وسمسار العراقين، ودليل الحجازين، وخريت الفلاتين، وابن عظيم القريتين؛ أتعس بك من خراجٍ ولاجٍ، ماضٍ على السرى والإدلاج، جرئ على الليل الداج، كالسراج الوهاج، والعارض الثجاج، وصف لي موقع الشمس في العين الحمئة، وكيف كان مخلصك من تلك البلاد الوبئة، وكيف رأيت مدينة يونس [وجنة إرم] ، والبركان [المؤنس] وجزيرة الغنم، والزاوية وصخرة العقاب، وبئر الهاوية وكنيسة الغراب، وهول العرف، والمعدن وذلك الجرف، ومبيض العنقاء، والفلاة الخرقاء يوم البلقاء، والثنية الخلقاء، ومرسى الزرقاء، وإيوان كسرى، وكفرتوثي، والهرمين والمنار، وجبل اللكام والغار، وغانة السودان، وغرائب البلدان، وفيفاء بني تميم، والكهف والرقيم، وحلق وادي الأشبونة، ومدينة جيبونة؛ وكيف كان دكك على المجوس، بضروب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 الشعوذة والناموس [واحك لنا من لغاتهم أحسنها، ومن هيئاتهم أتقنها: لقد اجترأت على الزمان وأهله ... ولقيت كل غريبةٍ شنعاء " وخرجت منها كالشهاب ولم تزل ... مذ كنت خراجاً من الغماء " فقل الحمد لله. [وعليك يا بني بالشجرة الجامعة واللبان، من عيون ذوي الحسد والشنآن] . فأين منك الحية النضنانض، وسليك بن السلكة والبراض - أو ما سمعت أن السفر الطويل، يرد خشبة البلد إلى عويد قنديل - صح عندي أن العسل في [تلك] الجهة غير غال، ومنحط غير عال، فتناول إقامته وتركيبه، وأتقن صناعته وتربيبه. لقد نسيت يا بني أن أبعث إليك بنسخةٍ في تربيب العسل المشروب، مطابقةٍ للمرغوب، التقطتها [مغتنماً] عن فلان اليهودي كان انتخبها المنصور بن أبي عامر وأصحابه كعيسى بن سعيد وعبد الله بن مسلمة. ولست بحمد الله دونهم، فنجابتك قد ظهرت، والدرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 قد ندرت، ومخايل السعود طالعة، وآيات الفلاح ساطعة، كما سمي اللديغ سليماً، وسمع عن طهر الإوز قديماً. كانت تلك النسخة في طيبها يا بني غاية، وفي لذتها نهايةطح ولست تعدم في الجهة عوضاً منها، فابحث عنها، فخير المال يا بني ما هبط من الأنبوط، وصفي على القنوط. وقد صح عند عنك بعض ذلك، والألمعي ذو تنجيم. ولا تعدن هذا تعديداً عليك، ولا كرامة، للشيطان الرجيم. فاشرب على ودي وقف صافناً ... فعل المحب الوامق الذاكر ولا تكن تشرب إلا على ... حسن أغاني خلفق الزامر وزد جفاءً لا تكن ناسياً ... فهو من المستطرف النادر وخذ على الريق من اسبابه ... جوارش الأول والآخر حتى ترى أملس طاوي الحشا ... قرة عين الشامت الساخر والبلد بكثرة الصيد موسوم، والحوت الطري هناك غير معدوم، واللبرجان الذي عليه المدار موافق، والصاحب مشاكل مطابق. وله من أرجوزة [مزدوجةٍ] خاطب بها الوزير ابن بقنة على لسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 جارية كان أهداها إليه، وضاعت بين يديه، وهي طويلةً منها: إني بالله وبالوزير ... أدفع ما حل من المحذور وهبتني لأوحد منقطع ... في القبح والفقر خفي الموضع [ولم يبين لي بهذا العيب ... من فقره حتى دهى بالشيب عيبان في الدرهم نقص وردي ... وواحد قد كان يكفي لو قد] جعلتني أسيرةً مملوكه ... لطلعة حائلةٍ صعلوكه يعزى على الفال إلى مسعود ... وهو شقي ليس بالمحمود كما يكنى بأبي البيضاء ... أسود كالسروة في الظلماء وكنت أرجو معه للراحه ... إذ لم يفز بطائل الملاحه إذا به أدخلني في شغل ... لفرط الالمام بسوق الغزل وقال لي إن كنت تهوين التحف ... والأكل والشرب وحلة الطرف فانتبهي وحكمي الأصابع ... واطرحي عن نفسك المطامع ألا وهبتني لشخص تاجر ... ولم أكن عند فقير فاجر أو ليتني كنت لبعض الجند ... فربما حاز نفيس المجد يضرب بالسيف ولا يقاسي ... خطة خسفٍ بسؤال الناس قد كدت آدابه والشعر ... فما له عند البرايا قدر ألحن في أشعاره من تيس ... أعجز في البيت من الضريس ولو تراه سائراً للسوق ... إذا بدا في كسوة الغرنوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 مشمراً في الطين عن ساقيه ... مداولاً عصاه في كفيه يأخذ في التعيير والإزهاد ... منكمشاً في طلعة الصياد فمرةً يعطى وألفاً يمنع ... ومرةً يمشي وعشراً يقع ولو ترى يا ذا الندى مثواه ... لقلت سبحان الذي أبلاه قطعة لبد دارس الآثار ... قد طرحت حول مكان النار إلى قدورٍ هي أقصى عقل ... لم يك فيها قط غير البقل وقدسٍ معلقٍ مقابلي ... أودع فيه في الدجى مغازلي وطوبة بوضع الرقاد ... كأننا من أعبد العباد يا شوقنا فيه إلى قنديل ... وتوقنا أيضاً إلى منديل! هذا جميع كل ما في البيت ... بلا دقيق يرتجي وزيت [وقد شكا منه لبعضٍ بعضي ... إن كان عندي من ثياب الأرض غير الذي كسوتني بمالقه ... فبنت قبل الليل منه طالقه] فلا تدعني غرضاً للقر ... فقد كفاني عدمي للبر لا سيما، زيادةً في التحفه ... أنني حبلى مقرب ينطفه وربما جئت له باثنين ... لكي يحوز قرة العينين بذا وذا تنطبخ الششون ... يا ليته لو أنه قبون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 كيس الفقير كله في طرفه ... بعد سلطان الهوى من ظرفه وله من أخرى: ولم أزل في عكاظ ... أصبح في دكان: هذا الطبيب المداوي ... هذا الحكيم المعاني فيا لعوقي وكتبي ... وكحلي الأصبهاني إذا تكحلت منه ... يوماً فلست تراني قم يا غلام فناد: ... علم الدنا علمان فالعلم في الدين حق ... كالعلم في الأبدان هذا لهذا قوام ... كالروح للجثمان أنا أبط بحذق ... نغانغ الصبيان أنا أشق بلطف ... مني على السرطان أنا المرجي المسمى ... مشمر الأجفان عندي سناً حرمي ... وطرف سلكٍ وران عندي حمامي ولبنى ... في مرود قيرواني أنا دللت البرايا ... على خفي المعاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 أنا تكلفت صيد ال - ... عنقاء بالورشان أنا بعثت رسولاً ... للفرس عن ترجمان وسست نمرود حتى ... تمت له الهرمان أنا رأيت بعيني ... تسافد الغربان أنا أدرت يرأيي ... ناعورة الخذلان لكنها لم تقدر ... للحين بالدوران وله من مقطعاتٍ اندرجت في رسائله الهزلية: طرة مسكٍ وشارب أخضر ... وثغر درٍ ومقلتا جؤذر ريم إذا رمت أن أكلمه ... كلمني من جفونه خنجر وإن تعرضت من عوارضه ... لثماً تجني عليّ واستكبر كأن خيلانه ووجنته ... سماء حسنٍ نجومها تزهر طرز فيه الجمال مبتدعاً ... وشياً بلطف المهيمهن الأكبر وقام في خده لعاشقه ... عذر بذاك العذار إذ غدر وقال أيضاً: قل للذي دلهني حبه ... أفسدت ما أصلحته أولا لما بدا وجهك في حسنه ... كالبدر وافى السعد واستكملا كأنما طرفك من سحره ... من مقل الحور قد استكحلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 أطعمتني حتى إذا قلت قد ... آن حرمت الصب ما أملا والله لولا لحظات الهوى ... لكنت من ذا العالم الأفضلا وقال: جنبونا سجية العشاق ... ودعونا من الهوى والتلاقي وأقلوا من البكاء على الرس - ... م ولا تأسفوا غداة الفراق ما بشخص الحبيب يفرح ذو العق - ... ل ولا بالخدود والأحداق إنما الملك ثردة من تفايا ... من دجاجٍ مسمناة عتاق وإذا قيل لي: بمن أنت صب ... وعلام انسكاب دمع ألمآفي - قلت: بالسكباج والجمليا ... ت ورخص الشوا معاً بالرقاق وجشيش السميذ أعذب عندي ... من رضاب الحبيب عند العناق وقال: ما زارني طيفك يا هذه ... إلا تمنيت بألا يزور فتور ألحاظ ذاك الذي ... أعار أعضائي هذا الفتور وقدك المائس فوق النقا ... قد فؤادي الهائم المستطير كم قائل: صفها لنا واختصر ... ولا تطول؛ قلت: شمس القدور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 قيل وزد قلت لهم إنها ... في سعةٍ مثل الدنا والبحور تستقذر الجيفة أنفاسها ... وتجعل الفسو مكان البخور للكحل والغمرة في وجهها ... والطيب والزين شهادات زور نقراء شقراء على سمرةٍ ... فهل ترى يا سيدي من فطور وله من أخرى في سليمان بن الحكم المستعين يقول فيها: هل لك يا مولاي في طرفة ... تنسيك حسناً طرف المتحفين - ليس على مرسلها نحوكم ... من حرجٍ إن راح صفر اليمين قد أبدعت أهزال أشعاره ... في العالم السحر الحلال المبين لكنها كاسدة ها هنا ... أكسد منها في قرى شريون ليس على عاتقه عقدة ... إلا من البرد، لأجل اليمين وانتتفت عنفقتي بعدما ... شبت وذا من حرفة المملقين وكنت ذا هدي وسمت إلى ... أن لفني موج الخنا والمجون ولا بديع لا ولا منكر ... أن يفسد الدين صلاح البطون فعلت في آخر عمري كما ... تفعل شاة السوء بالحالبين أصبت في نسكي وزهدي الذي ... أصابه منذر في ألبيرون وكان صوتي قبل ذا فتنةٍ ... تستنزل الطير بحسن الرنين وقد غدا ناعورةً خانها ال - ... ماء كذا الدهر مجيح خؤون وله فيه من أخرى يصف اللص الذي أخذه في طريق قرطبة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 يا ابن خير الملوك والخلفاء ... وأجل الولاة والأمراء قيض الله لي من ابنا أبي الر ... يش غليظ الفؤاد ذا كبرياء لم يكن مثله متن اولاد جالو ... ت ولكن من فراخ الزناء قال لي قرطبي أنت تحيل ... ت وراقبت غفلة الرقباء - ما أنا - يافديتكم - قرطبي ... قال دع ذا فليس حين انتماء وقل الحق والفصاحة خل ... ليس هذا بموضع الفصحاء الشعير الشعير دعني من الشع - ... ر أنا الآن أشعر الشعراء هات ذاك النطاق واخلص وإلا ... لم تقلب عينيك نحو السماء وأراد العدو ذبحي ولكن ... حاط ذو العرش صبيتي ونسائي فعلاني بالهندواني حتى اس - ... ود ظهري وسال مني دمائي واعتراني ما لست أذكر لكن ... ظن ما شئت غير كشف الغطاء يا صباباً خليت في ذلك الفح - ... ص كثيفاً مطبق الأرجاء وهو باقٍ هناك ما خبت الري - ... ح ولاحت كواكب الجوزاء كيف أحتال بالتخلص من قر ... دي - انبتونا معشر الأولياء لو يكون الحرمان أقصى خراسا ... ن حداه إليّ دون حداء إن أكن ثاوياً بحمص غريباً ... هيناً بينكم دميث الثواء فوق رأسي قبالة عهدها من ... زمن المنذر بن ماء السماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 فلقد عشت برهةً ناعم البا ... ل لحماً خصيب الفناء ومنها: كنت يممتكم أرجي حياةً ... في اتصال بكم فمت بدائي وخرجنا كما دخلنا بلا شي ... ءٍ ولكن ربحت صفع قفائي مد في ذا المكان ذا الحرف لما ... مده صفع ظالمٍ باعتداءٍ وقال من أخرى: لاح على عارضي القتير ... فحل ما منه أستجير وكان ذا الدهر قد كساني ... برد صباً ماؤه نمير فاعتضت منه رداء شيبٍ ... واسترجع المنحة المعير أبيض لكنه سواد ... في القلب مستبشع نكير إنا إلى الله لا ارتداع ... والعمر كالبرق يستطير وإن تماديت ذا خمارٍ ... فلا خمير ولا فطير من لم يكن بالمصف يغلي ... برأسه الحر والحرور لم تغل حين الشتاء منه ... بالبر في بيته القدور وزارني زائداً لهمي ... من لا يسمى إذا يزور فاجأني والمحل صفر ... للبرد في جوفه صفير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 والفأر يدعو وحق صومٍ ... في فيه إذ خانه السحور لهفان قد أزمع ارتحالاً ... لو يستطيع الشقي يسير الشعر قوتي وقوت فأري ... إذا سبي قلبه الشعير فلو ترانا به حيارى ... والهر في قبضنا أسير أبصرته مثخناً طريحاً ... ذا وبرٍ منه يستطير والشيخ من بين ذا وهذا ... وهذه خاسئ حسير حيران من دهشة كأني ... قلبق خانه الغدير وله من أخرى: أمغنى سليمى اسلم سقاك الحيا مثنى ... وإن كان ما أغنى وقوف على مغنى فكم قد بكى في الدار قيس صبابة ... ولم يقض أن يقضي اللبانة من لبنى ومنها: أبا القاسم اسمع من عبيدك طرفةً ... أبثكها فأذن لها تلج الأذنا دنت ليلة النيروز منا ولم تكن ... لترضى لنا فيها من العيش بالأدنى وقالت خجولي سر إلى السوق واحتفل ... ولا تبق فيها من جراديقها منا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 وقف بابن نصر واحشون ثم قفة ... من اطرف ما يحويه كي تذهب الشجنا وجز بالفتى الجزار واختره هابلاً ... بقد ابن فتوي أبي بكر المضنى ولابد من أترجة صعترية ... وإياك أن تنسى التوابل والحنا فقلت وأين النقد يا ابنة عزةٍ ... لقد جئتها بلقاء منتنةً نتنا فقالت: أديب شاعر متفنن ... حوى من حظوظ الظرف في زعمه الأسنى بلا قطعة - هذه لعمرك هجنة ... فسر راشداً عنا فما لك من معنى لئن لم تجئ بالتين ألبست شيرة ... وبالزيت أضحى سجنك البيت والدنا فلا ينكسر بالله جاهي عندها ... وخذ في الذي أحتاج شعري ذا رهنا ووجدت لابن مسعود هذا غير ما قصيدة في مثل هذه الأنحاء، تربي على حصى الدهناء، وفيما مر منها كفاية، ولا يتسع هذا المجموع لاستقصاء الغاية. @محمد بن مسعود آخر وكان أيضاً قبله بحضرة قرطبة بن مسعود آخر يعرف بالبجاني، وينتمي في غسان، وكان شاعراً مجوداً جزل المقاطع، حسن المطالع، جيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 الابتداع، لطيف الاختراع، كثير الغوص على دقيق المعاني، حسن الاستخراج للألفاظ الرائقة والتصريف لمستعمل الكلام. وقرف عند المنصور بن أبي عامر بالرهق في دينه، وسجن بالمطبق مع الطليق القرشي لأمر غريب اتفق له، والطليق يومئذ غلام وسيم، وكان ابن مسعود به كلفاً، فقال فيه من قصيدة أولها: غدوت في الجب خدناً لابن يعقوب ... وكنت أحسب هذا في التكاذيب [يقول فيها] : رأت عداني تعذيبي وما شعرت ... أن الذي فعلته ضد تعذيبي راموا بعادي عن الدنيا وزخرفها ... فكان ذلك إدنائي وتقريبي لم يعلموا أن سجني لا أبا لهم ... ق كان غاية آمالي ومرغوبي يا ابن الخلائف من مروان واحزني ... عل ضياعك يا ابن الصبية الشيب وفيك ما يتسلى العاشقون به ... من حسن خلق ومن ظرف ومن طيب بلى لقد فجعت نفسي لمحتجب ... قد كان عن لحظ عيني غير محجوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 قد صيغ من فضة بيضاء صافيةٍ ... ووشح الحسن خديه بتذهيب والتف بالياسمين الغض بينهما ... نضير ورد بماء الحسن مهضوب ما أقبح الصبر عندي بعد فرقته ... يا نفس ذوبي عليه هكذا ذوبي تعجب القطر من عيني حين همت ... منها الشآبيب في إثر الشآبيب عندي استقرت جنود الكرب أجمعها ... فلست تسمع من بعدي بمكروب سجن وقيد وأعداء منيت بهم ... لا يسأمون مع الأيام تثريبي في منزل مثل ضيق القبر أوسعه ... دخلته فحسبت الأرض تهوي بي يحن عند مقاساة البلاء به ... قلبي إليك حنين الهيم والنيب ولو توسد أطباق الثرى جسدي ... ناداك قلبي بترجيع وتثويب وكان ابن مسعود يومئذ بالمطبق مع جماعة من رؤساء الأدباء، فلم يزل الطليق يأخذ عنهم، ويستمد منهم، حتى ثري تربه، وطلع عشبه، وسما ذكره، وطار شعره. وكانت أشعاره تأتي ابن أبي عامر فيتهمه فيها. وانطلق الطليق من معتقله وبقي ابن مسعود مدة محبوساً إلى أن انطلق سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بعد مديدة. وليس من طبقة كتابي لتقدم زمانه، وإنما جر حديثه حديث سميه المتقدم الذكر، وكذلك الطليق أيضاً متقدم الأوان، وليس من طبقة هذا الديوان. وابن مسعود هو القائل في سجنه، وقد انطلق الطليق عنه، وقرب ضده منه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 ولي جليس قربه مني ... بعد الأماني كلها عني قد قذيت من لحظه مقلتي ... وقرحت من لفظه أذني نادمني في السجن من قربه ... أشد في السجن من السجن لو أن خلقاً كان ضداً له ... زاد على يوسف في الحسن إذا اشتهى قطعي في حجة ... سلط إبطيه على ذهني كأنه يجلس من ذا وذا ... بين كنيفين من النتن والطليق القائل: غصن يهتز في دعص نقا ... يجتني منه فؤادي حرقا أطلع الحسن لنا من وجهه ... قمراً ليس يرى ممحقا ورنا عن طرف ريم أحورٍ ... لحظه سهم لقلبي فوقا وتناهى الحسن فيه إنما ... يحسن الغصن إذا ما أورقا رب كأس قد كست جنح الدجى ... ثوب نورٍ من سناها يققا ظلت أسقيها رشاً في طرفه ... سنة تورث عيني أرقا فكأن الكأس في أنمله ... صفرة النرجس تعلو الورقا أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... ويد الساقي المحيي مشرقا فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 وهذا يشبه قول الآخر: ومدامة صفراء عللني بها ... رشأ كغصن البان في حركاته صهباء تغرب إن بدت من كفه ... في فيه ثم تلوح في وجناته وغمام هطل شؤبؤبه ... نادم الروض فغنى وسقى فكأن الأرض منه مطبق ... وكأن الهضب جان أطبقا خلع البرق على أرجائه ... ثوب وشي منه لما أبرقا وكأن العارض الجون به ... أدهم طل عليه بلقا في ليال ظل ساري نجمها ... حائراًلا يستبين الطرقا وقد البرق لنا مصباحها ... فثنى جنح دجاها مشرقا وشدا الرعد حنيناً فجرت ... أكؤس المزن عليها غدقا فانتشى شرباً وأضحى مائلاً ... مثل نشوان وقد خر لقى وغدت تحنو له الشمس وقد ... ألحفته من سناها نمرقا وكأن الورد يعلوه الندى ... وجنة المعشوق تندى عرقا وله من أخرى: قمري الوجه أبدى بضحى ... وجهه خط الغوالي غبشا فأراني سبحاً في ذهب ... من عذاريه كما اصفر العشا ضرجت خداه حتى خلتها ... عض طرفي فيهما أو خدشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 وحوت عيناه [خمراً] لم يرح ... صاحياً من سكره صاحي الحشا فكأن الصبح في وجنته ... قد سقاه طرفه حتى انتشى عشيت عين امرئ لم تكتحل ... للبكا والسهد فيه بعشا جد في قتلي حتى خلته ... أنه فيه من الدهر ارتشا لم يزل يوشى بنا حتى غدا ... سحر عينيه بنا في من وشى ومنها: أين لي ملجاً إذا ما طرفه ... بجيوش السحر نحوي جيشا ونضت ألحاظه أنصلها ... فثناني بطشها أن أبطشا رشأ إما مشى تحسبه ... غصناً نيط بهضب فانتشى ثقل الخصر بردف راجح ... مثلما أثقلت الدلو الرشا فإذا ما ظل يوماً قاعداً ... خلته أوطئ منه فرشا خمشت ألحاظ عيني خده ... مثلما باللحظ قلبي خمشا نقشت عيني عليه أسطراً ... أعربت عما بقلبي نقشا منعت ثم تجلت فدنت ... ربما أرداك ما قد نعشا أنت كالبدر يرى الليل به ... مؤنساً طوراً وطوراً موحشا كن كما شئت فقد شاء الهوى ... إنه ينفذ فينا ما يشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 ورد جانب من خطبة الذخيرة في النفح 2: 500، كما نشرها دوزي في النصوص التي جمعها عن تاريخ بني عباد 3: 39 - 56. ط: ينثال ذلك. ط: نجوم. ط: القطر. ط: الفئتين. ط: وحذوا ... حذاء. ط: بغرائب. ط: المشرق. النفح: المعادة. أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي (61 - 117 أو 118) ، كان من حفاظ أهل زمانه، وقد تفاوتت فيه الآراء فيه: كان حاطب ليل، كما قيل فيه: فلما يحد من يتقدمه، وأنه كان من علماء الناس بالقرآن والفقه (انظر تهذيب التهذيب 8: 351 - 356) . ط: لحنوا. الرذية: الناقة الهزيلة المتروكة التي لا تقدر أن تلحق بالركاب؛ يعني أن أخبارهم وأشعارهم مطروحة منبوذة. ط: محاسنها. أبو عمر أحمد بن فرج الجياني (- 360 أو حوالي 366) ؛ عرف بكتابه " الحدائق الذي ألفه للحكم المستنصر، وكان من مقدمي الشعراء في العهد الأموي، وقد سجنه الحكم وصدرت عنه وهو في السجن أشعار كثيرة (انظر الجذوة: 97 والبغية رقم: 331 والمطمح: 79 والمغرب 2: 56 والصلة: 11 واليتيمة 2: 16 والوافي بالوفيات 8: 34 ومعجم الأدباء 4: 236) وله أشعار في كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس. ط: رأياً. الأصبهاني صاحب كتاب الزهرة هو محمد بن داود الظاهري، وكتابه الزهرة صنفه عنفوان شبابه (انظر ابن خلكان 4: 259 والفهرست: 217 وتاريخ بغداد 5: 256 وطبقات الشيرازي: 175 والوافي 3: 58) وقد نشر القسم الأول من كتابه بتحقيق لكل وطوقان، بيروت 1931. ط: وضجت. ط: من برد. ط: الفرع المتكلفين. من قول زهير (ديوانه: 58) : تحمل أهلها منها فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء ط: بين التمتع والرقة. ط: فأروا. ط: كلاهما. سيترجم له ابن بسام في القسم الثاني. ط: حظ. انظر النفح 3: 154. ط: يمر بي. س ط: محاصاة. ط: بلغني. ط: الزواج. ففتحت ... وبيان: لم يرد في ط. ط: أربي. ديوان أبي تمام 1: 221 - 222. قرت الحياض: جمعت الماء. س: أوريه. ط: التحاسين. ط: بالحبل (اقرأ: بالخبل) . ط: به. ط س: عين. ط س: ونقلته. ط: ضمنته. ط: أو شنات. من قول المجنون (الأغاني 2: 73) : وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح ط: تشعشعت رائحته. من قول أبي نواس (ديوانه: 325) : أيها الرائحان باللوم لوما ... لا أذوق المدام إلا شميما فاصرفاها إلى سواي فإنني ... لست إلا على الحديث نديما ط: لا نتباذ من. شنترين (Santarem) تقع في البرتغال على بعد 67 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من لشبونه؛ استولى عليها الفونسو الخامس القشتالي سنة 485 فاضطر ابن بسام إلى الفرار عنها (انظر الروض المعطار، الترجمة الفرنسية: 139، ومادة " شنترين " في الموسوعة الإسلامية) . ط: قمر. هذا مثل، انظر فصل المقال: 384 والميداني 2: 82. من قول المتنبي: بهماء تكذب فيها العين والأذن (ديوانه: 469) . البيت للمتنبي (ديوانه: 248) والرواية فيه: مهالك. حمص: اسم يطلقه الأندلسيون على إشبيلية. من قول المتنبي (ديوانه: 12) : حتى وصلت بنفس مات أكثرها ... وليتني عشت منها بالذي فضلا ط: أنيس. كمون: مكررة في ط. ط: الأرض. ط: وجديد؛ وهذا من قولهم " هو جذيلها المحكك "، يعني أنه يستشفي برأيه كما تستشفي الإبل الجربى بالاحتكاك بالجذل، وهو عود ينصب لذلك الغرض. لم يسمه هنا، ولعله سير بن أبي بكر الذي تولى إشبيلية في فترة تأليف الذخيرة. ط: أقصر. ط: ويمنحون. ط: أبوه من. س: باله. ب س: لحضرة. والوزير أبو الوليد ... زياد: سقط من ط، وجاء في ب س بعد هذا قوله: " وقع ذكر هؤلاء في المسودة وسقط عند الاتنفاء والنقل "؛ قلت: وليس في نسخ الذخيرة الموجودة بين أيدينا تراجم لهؤلاء. في النسخ: الطبانية. ط: الجياني. ط: والأديب. زيادة لم ترد في النسخ، لكن الترجمة ثابتة في موضعها من الكتاب، اعتماداً على النسختين ب س، ويبدو أن الترجمة مأخوذة عن " الجذوة " إما إضافة من ابن بسام أو من غيره. زاد في ط: والأديب أبو أحمد عبد العزيز بن خيرة، وهو المنفتل. زيادة لم ترد في النسخ، اعتماداً على أن الترجمة وردت في هذا الموضع من الكتاب، ووقع في ط بعد ابن وهبون: " وأبو بكر الخولاني المنجم ". س ب: صارة. ط: الثقات. ط: وقتل. س ب: وتولى. ط: الأول. ط: أدرج. ط: وأبو الحسن بن فضال. ط: والشريف المرتضى. ط: ابن المغربي. ط: وابن أبي الشخباء. ط: لأدب. ط: وصفت. أجر اللسان: حبسه عن الحركة. فيه إشارة إلى قول الحطيئة وقد سئل عن أشعر الناس " فحسبك والله بي .... إذا رفعت أحد رجلي على الأخرى ثم عويت عواء الفصيل في اثر القوافي " (الشعر والشعراء: 242 - 243) . والوزراء: سقطت من ط. ط: الآصال. ط: أغفل. أنظر أخبار المستعين في الجذوة: 19 والحلة السيراء 2: 5 - 12 وابن عذاري 3: 91، 113 وأعمال الاعلام: 114 والمعجب: 90 وابن خلدون 4: 151 والنفح: 428 وبروفنسال 2: 304 وما بعدها، وspanish Islam لدوزي: 547 - 561. نقل ابن عذاري هذا الوصف في البيان المغرب 3: 118. ط: نكرات. ط: تغيير. ط: العصبية. شانجة غرسية (Sancho Garcia) صاحب قشتالة؛ وارمنقد Ermengaud أو Armengol أخو ريمند بوريل الثالث صاحب برشلونة، وقد كان لكل منهما دور في الفتنة؛ راجع الجزء الثاني من تاريخ اسبانيا الإسلامية لبروفنسال (صفحات متفرقة) . س ب: جري. ط: وآلت من التي. قرف الندوب: قشرها بعد أن تيبس، والندوب: الجروح؛ وفي هامش ط: أظنه الذنوب، وهو وهم. شقندة (Secunda) أحد أرباض قرطبة (انظر الروض المعطار: 127 من الترجمة الفرنسية ومادة شقندة في الموسوعة الإسلامية.) . كان تملك علي بن حمود لسبتة عقب شهر شوال سنة 400 إذ انتزى فيها باسم المستعين (البيان المغرب 3: 96) . ط: دمه. نقل ابن عذاري هذا النص 3: 114. البيان: عشيرته. انظر هذا الخبر في مروج الذهب 7: 262 وما بعدها، وفي نقل ابن بسام تصرف. ط: على قتله. ط: بالإحسان. ط: فقال. ط: القلنوسة. من رأسه: سقطت من ط. ط: فقال له: يا باغر. ط: إنه حدث ووله؛ وفي المروج: إنه حدث وإنه ولدي. ط: بمكاني. ط: ولعلني استصلحه. ط: يقتل. النقل مستمر عن مروج الذهب 7: 267. ط: وسيق وانتضي. ط: الحديث. ط: منذ دفعه إلى باغر ... فيها بذلك السيف. ط: كان. فيه إشارة إلى قول الشاعر: تكاثرت الظباء على خراش ... فما يدري خراش ما يصيد من المثل: " هذا أجل من الحرش " انظر فصل المقال: 471، يضرب لمن كان يخشى شيئاً ثم وقع فيما هو أشد منه. ط: خيران وطمع. ط: لزق. انظر النص في البيان المغرب 3: 117. ط: معه ... وجثا. ط: كان. ط: تحمل في المحلة. بعدها في س ب: " ومشورة " ولعلها: ومشورة، أي موضع الشورى، وهو القصر. البيان: يتلبس. حسبما تقدم: لم ترد في ط. ط: أمرها. ط: واجتمع ... فاتخذه. س ط: سلائحهم. ط: بعدهم. ط: البطل. ط: فأظهره. ط: وتطير؛ وتمطر: استخفى. ط: وجاء بهم. ط: بها. ط: به. ط: وجدد. وبكى عليه: ليست في ط. ط: منيره؛ س: مهوه؛ ب: فهوه. ط: هلاك. ط: الآخرة. ط: ما تقدم. نقل النص في البيان المغرب 3: 118. ط: مد. البيان: وقف. ط: الرشيد هارون؛ انظر أبيات هارون في الحلة 2: 9 والجذوة: 21 والمعجب 92 والأغاني 16: 269 والغيث 2: 326، وقد نسبتها المصادر للرشيد، إلا أنها أدرجت في ديوان العباس بن الأحنف: 279. انظر الحلة والجذوة والمعجب والغيث في التعليق السابق. ط: الأبطال. وقع هذا البيت آخراً في ط. انظر في أخبار المستظهر: الجذوة: الجذوة: 24 والحلة 2: 12 - 17 وفيه نقل عن ابن حيان، والبيان المغرب 3: 135 والمعجب: 105 وأعمال الأعلام: 134 والنفح 1: 488 وبروفنسال 2: 334 ودوزي (Spanish Is) : 574. ط: فتجند. فيها: سقطت من ط والحلة. ط: أراد. ط: بعد. ط: الجماعة. ط: للمسجد. ط: فكنت. كذا يرد في النسخ بالخاء المعجمة " مخامس "، وفي الجذوة (ص: 288) من اسمه عثمان بن مخامس، بالحاء المهملة. ط: لا تصلح بسواه. ط: شرقي .... في: سقط من ط. س ب: هاتفين. ط: صرامة. ط: وبراعة ظرفه. ط: المنهتك. والطعام: سقطت من ط. ط: مراتب. ط: أنواع. انظر أيضاً البيان المغرب 3: 137. ط: الشيطان. ط: طالبوه. ط والبيان: بطائل. البيان: تعدى عليه؛ ط: تعرى. ط: طلب. ط: تقتض. نقل الخبر في البيان المغرب 3: 138. ط: ذلك حسن. ط: سجنه. ط: يبتر؛ س: نتر. ط: بالرجالة. ط: الأغلال. ط: وأشار. ط: ونجا. الابزن (Basin) : الحوض؛ وفي س ب والبيان: أتون، حيث وقعت. ط: مختفياً. ط: وقام الدائران؛ وفي بقية النسخ: وقام الفاسقان، البيان: وقام الدائران الفاسقان، كما أثبته. البيان: وعنبر. ط: فوجد. ط: الرهابة. انظر البيان المغرب 3: 139 وأعمال الإعلام: 134 والحلة السيراء. الحلة والبيان: حدوث. الحلة: شنف؛ ط: منتف. ط: جليبة. وردت القصيدة في الحلة، وبعض أبياتها في الجذوة. ط: عزيزة. البيان، س ب: بيت؛ ط: عيش. الحلة: لما بي. ط: جوائدها؛ س ب: جرائرها. ط: ويسبي. انظر الحلة 2: 15. ط: بسلامه. ط: الظبي. س ب: الماء. ط: اخترامه. الحلة 2: 16. س ب والحلة: ينوب عن. الحلة 2: 16 والنفح 1: 436، 489. الحلة 2: 16 والبيان المغرب 3: 140 والنفح 1: 490. النفح: الطرس. النفح: ملكه. النفح الأعصر. المستظهر بالله: سقطت من ط. ط: بما أظهرت. البيان: لدى الرئاب. ط: وهو القائل زعموا يوم الوثوب عليه. ط: مع بعض. ط: ونصله. ترجمة ابن دراج في الجذوة: 102 (والبغية رقم: 342) والصلة: 44 والمطرب: 145 والمغرب 2: 60 ومواضع متفرقة من النفح؛ واليتيمة 2: 104 وابن خلكان 1: 135 والوافي 8: 49 والمسالك 11: 201 وعبر الذهبي 3: 142 والشذرات 3: 217. وقد نشر ديوانه الدكتور محمود مكي (دمشق 1961) وصدره بمقدمة هامة، حشد فيها مزيداً من المصادر التي أوردت له خبراً أو شعراً (المقدمة: 19 - 20) وانظر دراسة عنه في كتابي: تاريخ الأدب الأندلسي، عصر سيادة قرطبة: ط ثانية؛ ودراسة لبلاشير في Hesperis: 99 121 (1933) ، انظر أيضاً كتاب التشبيهات. ط: نظمه ونثره مع ما يتعلق بذلك من خبره. اليتيمة 2: 104، وليس في اليتيمة " بلغني أن أبا عمر القسطلي ". اليتيمة: الفحول، وكان ... ينظم ويقول. ط: قدره. س ب: ويستغيثهم. ط: عقله. ط: أقام. ط: عند من بره. بالغة: لم ترد في ط. وأنا أقول ... والأقلام: سقط من ط. جملة من: لم ترد في ط. لم يرد هذا الفصل في ط. ط: فصل له من رقعة. ط: استشفي ... بعد؛ س: استشفي. مضمن، وهو للحطيئة (ديوانه: 208) . لم هذا الفصل في ط. ط: أخطاه. ط: أنقاض. ط: سماك. ط: فخرهم. ومن كتاب له: سقط من ط، والكلام متصل بما قبله. ط: وشفي العليل وسقي الغليل. ط: على. ط: لؤد. الديوان: 516. في النسخ: مجر؛ والتصحيح عن الديوان. ط: أسوة. س ب: وحرمة. س ب والديوان: رجعت. الديوان: حزن. ط: قال ابن حيان. للخليفة يومئذ: لم يرد في ط. ط: فمدحه بقصيدته. الديوان: 60 - 66. س ب والديوان: الأعياد. الديوان: بك. ب س والديوان: لنا. ط والديوان: يومك. في النسخ: النوال، وقراءة الديوان أدق. الديوان: في ساعة. الديوان: يوم. في النسخ: جبي شرنبة؛ وشرنبة نهير من فروع تاجه يسمى اليوم Rio Jarama، قاله محقق الديوان: 63. اسم المعركة التي دارت بين المستعين والمهدي سنة 400. الديوان: بكت. الديوان: الغواة. في النسخ: يعيدها، ورواية الديوان أصح. هذه هي قراءة الديوان، وفي الأصول: وقوامها، ولا أراه صواباً. أرمنقود (Ermengaud) قد مر التعريف به ص: 36. وقد قتل في عقبة البقر. آر (Guadiaro) واد في جنوب الأندلس كانت عنده الوقعة بين المستعين والمهدي في 6 ذي القعدة 400؛ ورواية الديوان: ودنت لها في آر. الديوان: يشيع. زيادة من الديوان. الديوان: رأينا ... توده. الديوان: ولتهننا. انظر الديوان: 54 - 59. الديوان: الشرك. ط: ميدان. الديوان: ثوب. س ب والديوان: سمي. س ب: حكمت. س ب: كلامه ... نظامه. ط: الحرب. وقع هذا البيت متقدماً على الذي قبله في ط؛ ورواية الديوان: بكل زناتي. في وصف ... إليه: سقط من ط. س ب: وساعد. الديوان: 173. الديوان: إقدام. ط: واحتوى. ط: وما استكنت؛ الديوان: ولا أسكنت. في النسخ: زيادة، وصوبته عن الديوان. في النسخ: فتترك؛ س ب: عزته. الديوان: بنصر. الديوان: ونخبة. الديوان: بيض الصوارم. الديوان: عاذ ... كما عاذ. هذه هي القراءة الصحيحة، لأن الميت يضجع على شقه الأيمن؛ وهي قراءة ط ب؛ وفي الديوان " جنبيا "، وهو بمعناه. الديوان: ببحريك. ثناه الأسى مسيا: أي أن الأسى رد الصباح مساء، وهي قراءة ط ب والديوان، وفي المطبوعة " نساه الأسى نسيا "، ولا أراه صحيحا. انظر الديوان: 124 - 131. ط: موج. الديوان: ببغائها. الصرى: الماء الذي طال ركوده. الديوان: وليعلم ... بعدهم. جار مجرى المثل: انظر فصل المقال: 10 والميداني 2: 54. الحارث الجفني، أي أحد ملوك بي جفنة الغسانيين. س ب: تكسو. هذه هي قراءة ط؛ وب س: بحدك؛ وفي الديوان " بحدل " وهو شيخ الكلبيين الذين نصروا الأموية في معركة مرج راهط. ط: أرى القسطلي ذهب مذهب أبي الطيب حيث يقول في قصيدة يمدح بها ابن العميد. ديوان المتنبي: 541. الديوان: وسمعت. ط: أهل وقتنا يصف إبلا، وانظر ديوان الأعمى التطيلي: 243 - 245 وهو مكن قصيدة كتب بها إلى ابن بياع السبتي الذي يرد ذكره فيما يلي. ط: كقول بعض أهل العصر، وانظر ديوان التطيلي: 250 وهو مأخوذ عن الذخيرة إلا أنه يلتئم في موضعه من القصيدة: 38، ص 100 - 105. ط: هوجاء. ط: البيت. ديوان الهذليين: 1230. ط: من أخرى في الوزير. سيعرف به ابن بسام في هذا القسم الأول من الذخيرة؛ وقصيدة ابن دراج هذه في ديوانه: 43 - 48. الديوان: فيك. بعد هذا البيت وقع خرم في ب ضاعت بسببه أوراق. ط: آخر. شروح السقط: 53. تجيء ترجمته في القسم الثاني من الذخيرة. سيترجم له ابن بسام في هذا القسم من الذخيرة. ط: وفيها يقول. في النسخ: أصفى الناس، وآثرت رواية الديوان. الديوان: ريبة. ديوان المتنبي: 3. الديوان: جياده. س والديوان: بوجهي. الديوان: الضلوع. هو أبو عيينة بن محمد بن أبي عيينة، أحد المطبوعين من الشعراء المولدين (انظر ترجمته في الاغاني 19: 20 وطبقات ابن المعتز: 288 ومعجم المرزباني: 109 والشعر والشعراء: 750) والبيت من قصيدة له في الشعر والشعراء: 751 والكامل للمبرد 2: 32. ترجمة عمارة في طبقات ابن المعتز: 316 والأغاني 23: 424 والخزانة 2: 497 وتاريخ بغداد 12: 282 ومعجم المرزباني: 78 والكامل 1: 29، وبيته يرد في القسم الثالث. شروح السقط: 33. ديوان المتنبي: 502. شروح السقط: 186. ديوان ابن زيدون: 267. ديوان ابن زيدون: 287. عبد الجليل بن وهبون: ترد ترجمته في القسم الثاني. من جملة ... المجموع: سقط من ط. زاد في ط: من أخرى، وسقط قوله: " من قصيدة أولها ". ديوان ابن دراج: 81 86. الديوان: بكل. ديوان ابن دراج: 297 - 304. الديوان: دعيني. ط: بما ليس له من شبيه. ولا مثيل ولا عديل: سقط من ط. ط: واستمطئ. ومنها: سقطت من ط. ط: وآية. ط: فقد. وقال من أخرى؛ أما ابن أزرق فكان أحد كتاب منذر بن يحيى التجيبي صاحب سرقسطة. انظر ديوان ابن دراج: 327 - 331. البيت غير واضح المعنى، ونقله على حاله محقق الديوان، إذ انفرد به وبالأبيات قبله كتاب الذخيرة؛ وهو مما ورد في ط دون غيرها. الديوان: حواها الرق. ط: دعوت. الديوان: صفح ... تحوي. س والديوان: النعيم. س والديوان: يطوق. ط: ذيب (اقرأ: ديف) . الديوان: ضلال. ط: فجال ... وحن؛ والتصويب عن الديوان. الديوان: ويستثير. الديوان: يحن. ط: حاز. قال أبو الحسن: سقطت من ط. لم يردا في القسم الثالث من الكتاب: ط: طويلة، وإنما مرت فيها ألفاظ لو قرعت ... الخ. ط: في خروج. وقد أثبت ... وأولها: سقط من ط؛ وانظ القصيدة في ديوان ابن دراج: 75 - 81. الديوان: الندى. فيه إشارة إلى الآية: 16 من سورة سبأ. الديوان: الرواعد. هذا البيت شديد الاضطراب في الأصول، وقد اعتمدت قراءة محقق الديوان، وهي وجه مرجح. بعد هذا البيت ورد في س ب ومنها، وليس ثمة حذف. ط: والديوان: نفوساً. اليتيمة 3: 138. ستأتي ترجمة أبي العرب في القسم الرابع من الذخيرة؛ وانظر التكملة: 386 والسلفي 68، 138 والمسالك 11: 181 والخريدة 2: 219 وابن خلكان 3: 334، والبيت في الخريدة. ط: وفيها يقول. الديوان: يسيل. الديوان: من بعد. الديوان: للحلول. في س: بغض، والتصويب عن الديوان. ترجمة ابن شرف في القسم الرابع من الذخيرة، انظر المطبوعة 4 / 1: 133 وما بعدها؛ والبيت يقع في ص: 178، وراجع ترجمة ابن شرف في الوافي 3: 97 ومعجم الأدباء 19: 37 والخريدة 2: 224 والمغرب: 230 والصلة: 545 والمطرب: 71 ومسالك الأبصار 11: 43 وبغية الوعاة: 47 والزركشي: 278 وفوات الوفيات 3: 359 ومعالم الإيمان 3: 39 وعنوان الأريب 1: 56. إلى هنا تنتهي ترجمة ابن دراج في النسخ ما عدا س التي تنفرد بما تبقى منها؛ ويبدو إن هذه الزيادة دخيلة لأنها فصلت بين قصيدته عن ابن حمود وبين إيراد الخير عن علي بن حمود نفسه. ديوان ابن دراج: 86 - 94. الديوان: آواك. الديوان: النجح. الديوان: عن. الديوان: حز. الديوان: عنا ... بنا. س: إخوان. الديوان: آيس. الديوان: المفجع. قبل هذا البيت في س: ومنها، ولكن لا حذف هنالك. الديوان: تظفروا. الديوان: حصى. س: بموج. س: وإيمانه للأهل، وهو خطأ. الديوان: الهدى. الديوان: شهد. الديوان: عريان. الديوان: الندى. الديوان: في الضحى. س: زاد ... فرادوا. ط: إمرة. ترجمة علي بن حمود وأخباره في جذوة المقتبس: 21 والبيان المغرب 3: 119 - 124 والمعجب: 98 وجمهرة ابن حزم: 50 - 51 وأعمال الأعلام: 128 وابن خلدون: 4: 152 ونفح الطيب 1: 431، 482 وبروفنسال 2: 326 والصوفي (نهاية الخلافة الأموية) : 256 ودوزي (Spanish Is.) : 562. س: القتبي. س: لفظتهم. س: إلى طرف من بلاد المغرب. وتبربروا معهم: سقطت من ط. ط: غمائها. س: شرح. قارن البيان المغرب 3: 122. س: الأسماء الخلافية. س: وهو اسم. ط: قبله. س: صاحب الأندلس. ط: ولما صارت الخلافة إليه. ط: بربر. ط: أطوع البشر. سقط في ط من هذا النص قوله: " وهو مفتوح الباب "، " للوارد والصادر "، " في الأرض ذات الطول والعرض " مما يشير إلى طبيعة هذه النسخة التي تعتمد الإيجاز كثيراً وبخاصة إن كان النص منقولاً عن ابن حيان؛ وعلى هذا سأقلل من الإشارة إلى ما ينقصها في سائر الكتاب، اقتصاداً واكتفاء. ط: مباشرة. س: رقابهم. ط: ينتسبون. ط: بعينيه. ط: لنفيسة. س: لأهل الأندلس. س: أهلكوا. ط: مزال العدال. ط: إلا بموكلين. ط: وأمروا. ط: قبض. لم يرد هذا العنوان في ط؛ وقارن بالبيان المغرب 3: 122. س: جسرهم الله تعالى على مواثبته في قصره وموضع محله وأمنه. س: بدروا. س: هامته. س: فضربوه. واستطال .... ودخل عليه فلم يرعهم ... الخ. ط: إلى إشبيلية عن أخله القاسم. ط: ليقف على صحة ذلك. ط: فانكف. ط: فصلى عليه وأنفذه. ط: إلى أن. ط س: الجياني. هذا الديلمي المنتزي بعد الثلاثمائة هو مرداويج بن زيار - فيما أقدر - وقد استولى على أصبهان وحاول الأتراك قتله في الحمام سنة 315 وظنوا أنهم قضوا عليه؛ ولكنه عاش بعد ذلك (انظر تكملة تاريخ الطبري: 51) . ط: برازقه. ط: تعلق. الأخبار عن أبي حفص أحمد بن برد قليلة إذ له ترجمة موجزة في الجذوة: 111 (البغية رقم: 387) وعلى الجذوة اعتمد ابن بشكوال في الصلة: 24 وقد مر ذكره في البيان المغرب لصلته بالكتابة عن عبد الملك المظفر ابن المنصور ثم عن غيره حتى عهد يحيى بن علي بن حمود. هو عبد الملك بن إدريس الجزيري (- 394) ، كان كاتبا في دولة المنصور بن أبي عامر، ثم حبس في إحدى القلاع الأندلسية، وله رسائل وأشعار كثيرة (انظر ترجمته في الجذوة: 261 (البغية رقم: 1058) والمطمح: 13 والصلة: 350 واعتاب الكتاب 193 والمغرب 1: 321 واليتيمة 2: 102 والنفح؛ وسيذكره ابن بسام في القسم الرابع من الذخيرة. جاء في النسخة ط: " ولم أجد حين إخراج هذه النسخة من رسائله إلا ما لا يكاد يعرب ولا يوضح مشهور دلائله، وقد أثبت منها على ذلك بعض ما ألفيته هنالك "، ويبدو أن العبارة المثبتة بدلا من رواية ط تمثيل عهدا تاليا، حين أتيح لابن بسام العثور على عدد من رسائله يمثل صورة أوضح عن فنه النثري. س: فصل: عهد عقد هشام. ورد هذا العقد في البيان المغرب 3: 44 وتاريخ ابن خلدون 4: 148 وأعمال الأعلام: 91 ونفح الطيب نقلا عن ابن خلدون 1: 424. ط: القدر. ط: ونفض، وآثرنا ما جاء في المصادر، وفي البيان: ونظر. ط: ومن. ط: ورعته؛ النفح: وصيانته. النفح: مرتبته. ط: أمور مكنون. ط: وله من أخرى. ط: ومن أعجب العجب. إشارة إلى الآية: 13 من سورة نوح " ما لكم لا ترجون لله وقارا ". ط: سلطانهم. س: القدرة. ط: سبع ... محيل. ط: عدة. القنداق: من الإغريقية (Kontakion) وهو الكتاب الرسمي أو البراءة أو ما أشبه (انظر ملحق دوزي) ؛ وفي س: الكتاب. ط: وإن قوما منهم. ط: الرقوق. ط: قبل. ط: الصفة. س: وله من أخرى عن سليمان بن (اقرأ: إلى) هذيل بن رزين، وهذا هو الأشبه بالصواب، أعني أن الرسالة قد تكون موجهة عن سليمان المستعين إلى هذيل لأن هذيلا أبى التخلي عن هشام والدخول مع منذر التجيبي وغيره في تأييد دعوة سليمان، وظل كذلك حتى توفي هشام، فسلك هذيل مسلك منذر، فرضي منه سليمان بذلك وعقد له على ما بيده، فزاده ذلك بعادا من سليمان (البيان المغرب 3: 181) . ط: ويبلو. س: أجناسا. ناظر إلى الآية: 102 من سورة التوبة. ناظر إلى الآية: 118 من سورة هود. ط: فالسعيد. ط: الهناة. ط: تهيأ. الدوسر: الأسد الصلب الموثق الخلق، وفي س: ذو سن؛ ولو قرأت " ذي سن " لكان ذلك أنسب للحديث عن مروان بن الحكم. عد في هذه الفقرة عددا من العائلات الهامة التي كانت تعد موالي لبني أمية، وهي عائلات احتلت مراكز هامة في الإدارة والمجتمع، إذ كان الولاء رابطة سيادة؛ وبعض مؤسسي هذه العائلات دخلوا الأندلس عربا أحرارا أو موالوا بني أمية في المشرق، ثم انتقل ولاؤهم إلى بني أمية بالأندلس (انظر تفصيل ذلك في فجر الأندلس للدكتور حسين مؤنس، وبخاصة ص 408 - 410) . س: فرقت. ط: وله من أخرى عنه إليهم. س: هم العارفون. سقط جانب من هذه الرسالة في ط. ط: حسبناه. مطموس في س؛ ولم يرد في ط. لعله يعني بالطالبي " علي بن حمود " فقد قدمه والياً على سبتة، ثم كان من خروج علي عليه ما كان. أغلب الظن أنه عبد الله بن عبيد الله بن الوليد المعيطي، أموي كان بقرطبة في الفتنة وخرج منها إلى شرق الأندلس، وقد دعا له مجاهد العامري بالخلافة سنة 405 (انظر الصلة: 261 والبيان المغرب 3: 116) . المتغير: الخارج في زي العيارين وسلوكهم. لم يرد هذا الفصل والذي يليه في ط. انظر التعليق: 1، ص: 108 إذ كان منذر ممن والوا المستعين ونبذوا خلافة هشام المؤيد. صاف السهم: حاد عن الهدف. تبدأ الرسالة في ط من هنا. ط: قدم. س: ناصرا. س: اجترح. ديوان أبي تمام 2: 115. قارن بما ورد في أخبار أبي تمام: 203 - 205، وبيت عمران من أبيات في زهر الآداب: 855 والموازنة 1: 72 وتهذيب ابن عساكر 4: 66 حيث ذكر أنها لبعض الخوارج من أصحاب قطري، وذلك أقرب إلى الصواب من نسبة الأبيات والموقف نفسه إلى عمران (انظر شعر الخوارج: 169 الطبعة الثانية) . بقية هذا الفصل لم ترد في ط. ط: بنا. باغه (أو بيغه كما في س) : Rriego تعد ولاية قرطبة وتقع بينها وبين غرناطة (انظر الروض المعطار: 76 من الترجمة الفرنسية) . ط: بأبي. س: كف يد. س: فحنقت. ط: بمداخلته. ط: وهمة نفسه. قارن بما في البيان المغرب 3: 30. س: المذكورة، والتصويب عن البيان. ط: فصار. س: بالقصة. ط: فأخبر. أبو حاتم محمد بن عبد الله بن هرثمة بن ذكوان (- 414) كان هو وأخوه أبو العباس أحمد عميدي بيت بني ذكوان منذ أيام المنصور، وكان أبو حاتم صاحب المظالم، حسن السيرة ذا بصر بالفقه (انظر الصلة: 477 والبيان المغرب 3: 32 وترتيب المدارك 4: 667 وديوان ابن شهيد: 89 والنباهي: 86 - 87) . ذكر في البيان (3: 32) أن اسمه خلف بن سعيد وأنه كان أحد الموالي صنائع ابن أبي عامر الأندلسيين. ط: جذبه، والبيان: والقضاء يجذبه. ط: عتابه. البيان: ويولي. هما خلف بن خليفة وحسن بن فتح، كما في البيان (3: 33) . ط: منازل عيسى وأصحابه. س: وقبض جميع. س: كالتراب. ط: وأعظم الناس قتله. ط: وسار منهم خلق كثير إلى الزاهرة ليروا رأسه. س: آياته. قارن بالبيان 3: 35. البيان: فأولت. س: عيش غير. ط: بزور. س: فالعلم. ط: الأمر. س: مخضوب. البيت في زهر الآداب: 7 والمسالك 14: 71، منسوباً لكثير، وانظر ديوانه: 176. اليتيمة: 3: 176. اليتيمة: ذي ملة. ط س: يرسم، وآثرت ما في اليتيمة لأنه أدق. أبو المغيرة عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن حزم (- 438) ؛ له ترجمته في الصلة: 361 والجذوة: 273 (البغية رقم: 1110) والمغرب 1: 357 والمطمح: 22 والنفح 1: 616 - 618، 620 (نقلاً عن المطمح) 2: 79 - 81. س: والقمر. س: تمام الصلة بالعائد. ط: وحدث. س: ممتطياً. انظر النفح 3: 156، وأبو علي ابن الربيب القروي لعله الحسن بن محمد التميمي التاهرتي الأصل، كان عارفاً بالأدب وعلم النسب قوي الكلام يتكلفه بعض التكلف، وكان عبد الكريم النهشلي يعده شاعراً متقدماً (انظر المسالك 11: 319 نقلاً عن الانموذج) . النفح: بلادكم إذ كانت؛ ط: بلادكم. (ويتلو ذلك في النفح: علمائهم، أدبائها ... الخ) . س: الخارس. تثعبن الحفاث: اتخذ هيئة الثعبان، والحفاث: حيوان كالثعبان يفح فحيحه ويثب مثل وثبه، ولكنه غير مؤذ (الحيوان 6: 33، 345) . النفح: وراتب. زاد في النفح: وإن ألف أن يخالف ولا يوالف. ناظر إلى الآية: 31 من سورة الحج. هو الشاعر ابن مقبل، الذي يقول في وصف قدح: غدا وهو مجدول وراح كأنه ... من الصك والتقليب في الكف أفطح خروج من الغمى إذا صك صكة ... بدا والعيون المستكفة تلمح (انظر ديوانه: 28 - 29 وثمار القلوب: 218) وقدح ابن مقبل يضرب في حسن الأثر. النفح: دغفل، وهو دغفل النسابة من بني ذهل بن ثعلبة وكان عالماً بأنساب العرب. (انظر ديوان القطامي: 31، واللسان والتاج: عض) . أبو العميثل: عبد الله بن خليد (أو خالد أو خويلد) : أعرابي خدم طاهر بن الحسين تجدد؛ وطبقات ابن المعتز: 287 وابن خلكان 3: 89 - 91. النفح: رحلة. ط: فالكتب. فارط القطا: المتقدم منها نحو الورد. هذا مثل، انظر فصل المقال: 76 والميداني 2: 251. س:: ومارى. ناظر إلى قول المتنبي (ديوانه: 505) : ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ... ما فاته وفضول العيش أشغال الجنن: القبر. باعتمادك ... الإفك: سقط من ط. هو لكثير في ديوانه: 222 ولعبد الرحمن بن الحكم في الأغاني 15: 117 (ط. دار الكتب) والغيث: 70 ويروى لعمرو بن معد يكرب؛ انظر القسم الثالث: 11. ط: بآداب. البيت لقعنب ابن أم صاحب من قصيدة في مختارات العلوي: 7 - 9 والحماسية رقم: 606 (شرح المرزوقي: 1450) ، وعقنب شاعر إسلامي كان موجوداً أيام الوليد ابن عبد الملك (86 - 91) . ط: والأكياس. ط: وتعمد. س: أبو الحسن. ديوان المتنبي: 111. راجع ترجمة بن طاهر في القسم الثالث من الذخيرة: 24 وكذلك ترجمة ابن عبد العزيز: 40. انظر رسائل البديع: 84 وزهر الآداب: 732. وقلت أهذا الطامع ... مغناها: سقط من ط. س: نسيانك. ط: فتفيت. هذه قراءة تقديرية، إذ اللفظة لم ترد في ط، ووردت في س: بنك؛ والخب: الخداع. انظر فصل المقال: 357 والميداني 2: 10 والفاخر: 90 والضبي: 7. ط: جوارحه. س: وهوى. ستأتي ترجمته في هذا القسم من الذخيرة. هو علي بن محمد بن منصور بن بسام المعروف بالبسامي (- 302 أو 303) ؛ انظر ترجمته في الفهرسيت: 150 (فلوجل) ومعجم المرزباني: 154 وتاريخ بغداد 12: 63 ومعجم الأدباء 14: 139 ومروج الذهب 4: 297 واعتاب الكتاب: 188 ووفيات الأعيان 3: 363 والفوات 3: 92 واللباب (البسامي) والهدايا والتحف: 139. س ط: ابنه. هنا تعود النسخة ب فتشترك مع ط س. تكررت هذه القصة في القسم الثالث من الذخيرة: 498. ط: فرثاه بالقصيدة التي يقول فيها. البيت من قصيدة أوردها المبرد في الكامل 4: 62 وانظر طبقات ابن المعتز: 122 - 124 ونهاية الأرب 3: 83. ط: عبد المجيد. انظر الذخيرة 3: 669. المطمح: 89 والنفح 7: 55 (نقلاً عن المطمح) . المطمح: ضرجت؛ النفح: صوحت. النفح والمطمح وب: وجد. ط: ولأبي الحسن هذا. ط: ياذا. شروح السقط: 28. شروح السقط: 160، باختلاف في الرواية. سترد ترجمته في القسم الثاني. نسب البيت في س ب إلى ابن عبد الغفور أيضاً. ترد ترجمته في القسم الثاني. س ب: نفضت عليه صباغها. ترجمته في القسم الثالث: 821. س ب: سمراء. انظر ترجمته في القسم الثالث: 448. ديوان ابن الجهم: 162 عن شرح المقامات 1: 131. ديوانه: 36 والغيث 2: 345 ونهاية الأرب 2: 39 وشرح المقامات 1: 131. في النسخ: بمقلة. زهر الآداب: 229 - 232 وابن بسام هنا يتابعه؛ وفي ط: وأبو حفص الشطرنجي قبله القائل. ط: البصائر. ديوان أبي نواس: 250. ب س وزهر الآداب: فضائلها. زهر الآداب: ولم نختبر ولم نذق. زهر الآداب: 232 والصناعتين: 206 والموازنة 1: 83 وأخبار أبي تمام: 220. لم يرد هذا الفصل في ط. ب س: وللعرسيين. حرصاً: لها وجه من معنى، ولعلها أن تقرأ " ترصا " وهو الأحكام. ب: ظلم. ب س: بأديب. في ط ب س: الاندال، وبهامش ط: الأذيال. ط: اللعب. ط: أجنب. ط: غريب. وحالي حال ... فلان: سقط من ط، وجاء في موضعه: " وفي فصل منها ". ط: تلبسه. البختج: العصير المطبوخ، والحب: وعاء مثل الدن. ط: والتمهد. سقط هذا الفصل والذي يليه من ط. ديوان المتنبي: 478. س ب: يولي. ط: أتت. ط: وهو. ديوان المتنبي: 271. ديوان المعتمد: 10. ط: النثر والنظم. ديوان ابن هانئ: 30. سقط هذا الفصل من ط. الأبس: التحقير؛ وربما كانت " الألس " أي الكذب والغش. ديوان المتنبي: 14. البيت للعباس بن الأحنف، ديوانه: 84 (رقم 159) والشعر والشعراء: 476، 707، وروايته: أشكو الذين. أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النميري القرطبي (- 463) ؛ انظر ترجمته في ابن خلكان 7: 66 وترتيب المدارك 4: 808 وتذكرة الحفاظ: 1128 والصلة: 640 والجذوة: 344 (وبغية الملتمس رقم: 1442) والمغرب 2: 407 والديباج المذهب: 357. ديوان المتنبي: 526. س ب: أعلام. ط: كنا نروي. ط: من مقابح يحليها (اقرأ: يجليها) العار ويكشفها. ط: يخاطب. ديوان أبي نواس: 325. ط: لسهم؛ ولعل الصواب: " لا مدب فيها لسهم ". ط: ارفق. ط: ولعالم. ط: ومكابدة. ط: مدارسهم. الجربياء: الريح التي تهب بين الجنوب والصبا؛ وقيل هي النكباء التي تجري بين الشمال والدبور، وقيل هي ريح شمالية باردة. ط: وقلت في كتابك " واتأخها ". انظر نفح الطيب 1: 79. تمثل به وأبو المغيرة، وهو للأشل البكري الأزرقي كما في البيان 1: 42 والكامل 1: 31 وشعر الخوارج: 130. من قول قاتل محمد السجاد: يذكرني حاميم والرمح شاجر ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم النفح: تلينهم. ديوان البحتري: 1133. ترجمة أبي محمد في الجذوة: 290 (البغية رقم 1204) والصلة: 395، وطبقات الأمم: 86 والمطمح: 55 والمغرب 1: 354 والمعجب: 30 وتاريخ الحكماء للقفطي: 156 وتذكرة الحفاظ: 1146 ومسالك الأبصار (ج -: 8) ونفح الطيب 1: 77 ومعجم الأدباء 12: 235 وعبر الذهبي 3: 239 والشذرات 3: 299 وابن خلكان 3: 325 وفي طوق الحمامة أخبار كثيرة عنه، وقد كتبت عنه دراسات كثيرة في العصر الحديث. ط: وله في ذلك عدة تواليف. هذه التهمة موجودة في طبقات صاعد: 86. ط: على. هو داود بن علي بن خلف (- 270) أصبهاني الأصل، نشأ ببغداد، وأوجد القول بالظاهر فاستقل بمذهب بعد أن كان شديد العصبية للشافعي (انظر ابن خلكان 2: 255 وتاريخ بغداد 8: 369 والفهرست: 216 وطبقات السبكي 2: 42 وتذكرة الحفاظ: 572) . ط: واستسناده. ط: يرقه. ب: متلقنه. لبلة (Niebla) في الجنوب الغربي من إسبانيا؛ انظر الروض المعطار، الترجمة الفرنسية: 203 والموسوعة الإسلامية؛ وابن حزم من قرية قريبة منها تدعى منت لشم. ط: العلم. ط: فيهم. ط: المناظرة. ومزقت ... لسبيله: لم يرد في ط. ط: وبالأندلس. في بعض هذا جانب من الغرابة، فابن حزم في رسالة في أسماء الخلفاء والولاة يعتقد بإمامة ابن الزبير ويقول في مروان ابن الحكم " وهو أول من شق عصا المسلمين بلا تأويل ولا شبهة وبايعه أهل الأردن وخرج على ابن الزبير " (جوامع السيرة: 359، وانظر نقاشنا في المقدمة: 12 لهذا القول أيضاً) ويقول ابن حزم أيضاً في المحلى 1: 236 " مروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير ". نشر هذا الكتاب في خمسة أجزاء (القاهرة: 1317 - 1321) . هو رسالة نشرتها مع مجموعة من رسائله (انظر الرد على ابن النغريلة: 137) ؛ القاهرة 1960. أكثر النقل عنه ابن رضوان في كتاب " الشهب اللامعة "، واستخرج الأستاذ إبراهيم الكتاني ما أورده ابن رضوان ونشره مستقلا. هو رسالة في صورة " مذكرات " (انظر رسائل ابن حزم 113 - 173) القاهرة 1954. وقد نشرتها السيدة ندى طومش وترجمتها إلى الفرنسية. (بيروت: 1961) . من هذا الكتاب قطعة بدار الكتب المصرية. ابن عباد: سقطت من ط. ط: الراقبين. جذوة المقتبس: 291 - 293. هو أبو المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن بشر بن غرسيه، ويعرف بابن الحصار، كان عالماً بارعاً متفنناً في العلوم، ولاه علي بن حمود قضاء الجماعة صدر سنة 407 وبقي في منصبه حتى سنة 419 حين عزله المعتد، وتوفي سنة 422 (الصلة: 313 والجذوة: 241 والبغية رقم: 993) . ط: ومن شعره ما أنشد الحميدي في كتابه. ط: للعبد قصة. لم يرد هذا في ترجمة ابن حزم من جذوة المقتبس. ورد البيت في الأغاني 22: 52 والغيث 1: 147 لأبي حفص الشطرنجي. انظر النفح 2: 82 - 83. ديوان أبي تمام 3: 338. ديوان البحتري: 633. ديوان الصنوبري: 403. اليتيمة 2: 402 وابن خلكان 4: 52، 407. يبدو وكأنها معارضة لابن زيدون، انظر ديوانه: 479 - 498. ط: نبيت. ط: الليل. ومنها: سقطت من ط. العراص: الرمح حين يكون لدن المهزة. ط: ميعاد الخليل. القنعاس: الجمل العظيم الضخم. منكوتاً: مطروحاً. ط: فشككت. ط: وعتيبة وابن الحباب؛ س ب: وعتيبة بن أبي الحباب. ديوان أبي تمام: 205 وفي الديوان: دفع الإله؛ وفي بعض أصوله " خلى " موضع " جلى ". وذو النون سيف كان لعمرو بن معد يكرب، وروي أنه كان لمالك بن زهير سيف بهذا الاسم. راجع أخبار منذر بن يحيى التجيبي في البيان المغرب 3: 175 - 181 وأعمال الإعلام: 196 - 201 والمغرب 2: 435 وبروفنسال 2: 321 - 330 ودوزي (Span. Ish Is.) 568 - 569 وقد نقل دوزي هذا الفصل عن الذخيرة في كتابه Recheres (الملحق رقم 14 ص 35 من الملاحق) . جاء هذا الفصل في ط كثير الحذف؛ وقارن بما في البيان المغرب. ط: وقرفه. البيان: وسدها بيسير. ط: واعتقب. ط: عقداه بحضرة منذر. ط: وهوى اثره ريمنده. ط: مدوش. ط: وابن أزداق. ب س: هشام. ط: فأوطن. تطيلة (Tudela) على بعد 78 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من سرقسطة (الروض المعطار، الترجمة الفرنسية: 80 - 81) . ط: اجتاز بنا. ط: لعقد مصاهرتهما. فخرصتها: أي قدرت عددها تخميناً؛ ط: فخرستها. ط: إلى أن. ط: الطاغية. ط: شيعهم. من هنا حتى آخر الفصل سقط من ط. قارن بالبيان المغرب 3: 178، وما نقله دوزي في Recherches (الملحق رقم: 16 ج - 1، ص 39 من الملاحق) ويلاحظ أن البيان يتفق في المحذوف من النص مع النسخة ط. البيان: عبد الله بن الحكم. ب س ودوزي والبيان: خدم السوء. البيان: دفع عنه. ط: حاسراً. البيان: عصاه. ب س ودودزي والبيان: وتوطيداً. واضطربت لها حالهم: سقطت من ط والبيان. ط: من جاورهم. ط: في جمعه. ط: وسارع إلى سرقسطة إذ فجأه الخبر؛ البيان: حين مجيئه (اقرأ: فجأه) الخبر. ب س ودوزي: التقدير. ط: رياسة الملك؛ البيان: لحق طعمه الملك. ط: للناس. ط والبيان: عن قاضي. ط: مرسل؛ ب س: مزمل. روطة اليهود: (Rueda de Jalon) في ولاية سرقسطة. وهذه التسمية تميزها عن ورطة ثانية في ولاية وشقة وعن روطة ثالثة في ولاية قادش. ط: يرتصد. ط والبيان: مع نفسه أخوين لمنذر. انظر عن الحماديين، تاريخ ابن خلدون 6: 171 - 177 وقد حكم بلقين بن محمد 447 - 454 حيث قتل على يد الناصر بن علناس. من قول الشاعر: يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فلا يكلم إلا حين يبتسم س ب: شرود. ب س: وتطارح. ب س: المقلقلة. ط: راحة. ط: إلى غرب العدوة. ط: وليفتكن. ط: أنه. ترجمة ابن شهيد في المطمح: 16 والمطرب: 147. واليتيمة 2: 35 والجذوة: 124 (والبغية رقم: 437) ومعجم الأدباء 2: 218 واعتاب الكتاب: 203 وابن خلكان 1: 116 والمغرب 1: 78 والخريدة 2: 555 والوافي 7: 144 والمسالك 11: 206 وقد جمع شعره كل من يعقوب زكي (القاهرة: 1969) وشارل بلا (بيروت: 1963) ولشارل بلا محاضرات عنه (عمان: 1966) وانظر فصلا عن ابن شهيد في كتابي " تاريخ الأدب الأندلسي - عصر سيادة قرطبة: 270 الطبعة الثانية. ط: شيخ قرطبة. ط: في غير مكان. ب س: الحادة. من رجل ... قبيحة: سقط من ط. ب س: ماله. يتحدث ابن بسام في القسم الثالث: 249 عن المؤتمن عبد العزيز بن عبد الرحمن ابن أبي عامر الذي كان يلقب أيضاً بالمنصور ثم سماه خليفة قرطبة القاسم بن حمود " المؤتمن ذا السابقتين " وقد ظل والياً على بلنسية حتى سنة 452 وخلفه ابنه عبد الملك (وانظر أيضاً البيان المغرب 3: 164 - 165) . ب س: برد. ط: المصفر. ط: يجزء من أجزائها. ب س: يدعونه بشاكر. ب س: البذل والعطاء. ط: نجب. ط: تمكن. ط: قال. ط: أدلي. الزوج من البقر أو البغال المتخذة للحرث، ثم تكون الالة اللفظة على مقدار من المساحة. ط: ومنتقاه. ط: جاء. الديوان (يعقوب زكي) : 155 ويضاف إلى مصادر تخريجها الوافي 7: 146. الوافي: الغيد. ب س: والوافي: وأزعج. ط: فتضامنت. المسالك: الحماحم. الوافي: صبر على حرب المسالم؛ ط: حرب على جرد المسالم. ط: أجياد. ط: والقصف؛ المسالك: وانقضت اللوائم. كذا في الأصول والمصادر، وأرجح أنه " الإباية ". ب س: أيقنت؛ والصواب ما أثبته، والمعنى أنني طرحت له الأخذ وهي جمع أخذة ومعناها رقية تشبه السحر، ومما يقوي هذا قوله بعد ذلك: " وتلوث من سور العزائم ". ط: حبات؛ المسالك: مأمول. الوافي: القوادم. ط: بالسحر. ط: أغن. الخبعثنة: الرجل العظيم الخلق؛ الوثيق الخلق، الجرئ. ب س: زحام المزاحم. الدآدي: الليالي الثلاث الأخيرة من الشهر. ط: بالغرو. ط: مرت. ط: ويستحلب. ط: صوجا؛ س: صرما. ط: موجاً؛ ب: قهره. ب س: شوهاء. ب س: ورفلت؛ ط: وأرفلت. ب س ط: وحسبت. لخلخ: طيب. ط: تشريطه. ط: وصوبت. زاد في ط: منها. س ب، أريحية كأريحية الشباب. زاد في ب س: فوادهما أنك من نيله والحقني أنك من نسله. ط: المملوك. الديوان: 165. ط: دعون. ب س: صلفاً. ب س: غرابهم. ط: موشحاً. ط: بعمانها. ب س: هاديكما. ط: ساقط. ب س: يدي. ب: دونهانها؛ ذوبانها. ب س: مخلوع. ط: شهم. انظر الديوان: 168 ولم ترد إلا في الذخيرة. ب س: عبثت. ط: ترضيت. البيتان لابن الرومي في ديوان المعاني 2: 189. ب س: الشباب. ديوان ابن شهيد: 116. في النسخ: وغزير ... بغزيره؛ ولا معنى له؛ وفي اللسان (غرر) عيش غرير: أبله لا يفزع أهله؛ اما " غرير " الثانية فتعني الغلام الحدث السن. ط: بنقش؛ ب: بحسن. ط: عن متعرف؛ وأرى صوابه " غير معقر " - بالقاف - أي غير دهش ولا متهيب. ب س: كالميت مطروحاً. ط: فملكته. ب: بجدوره؛ س: بحدوره. ط: تأثيره. ديوان ابن شهيد: 178. ب س: النجعة؛ ولا أراه صواباً، لأنه بعد ثلاثة أبيات يقول: " فعلمنا أنها نفحة من ورث الجود ... ". ب س: وأسير. ط: حشرها. س: دأبنا. ط: فإنا. ب س: على الأستاه. ارجح أنه هو جعفر بن فتح، قدمه صاحبه محمد بن الفرضي أبو عبد الله وزير يحيى بن علي بن حمود (312 - 313) كما قدم أبا القاسم ابن الأفيلي؛ (البيان المغرب 3: 132) وكان ابن شهيد يعدهم خصوماً له؛ وسيأتي الحديث عن ابن الفرضي فيما يلي. ط: تطول. الديوان: 164 (عن الذخيرة وحدها) . ط: حدهما. كذا ولعل الصواب " وخبئ ". ب س: قميار. ناظر إلى الآية: 65 - 66 من سورة البقرة. ب ط: القلات. انظر الآية: 82 من سورة هود. في النسخ: الكرنجات؛ والكيرنجات: أدوات في شكل عضو الرجل (كير بالفارسية: عضو الذكر) ؛ انظر محاضرات الأدباء 3: 272 (وقد صحفت هنالك " كير بيخات ") . هذا مثل، انظر فصل المقال: 219 والميداني 1: 344 وجمهرة ابن دريد 1: 154، 2: 217. الموم: البرسام. ارتبك: نشب ولم يكد يتخلص. كذا في ب س؛ وفي ط: لصحبته، ولعله أن يقرأ: لصبحته الرمك، أي الخيول؛ والرهك - بتسكين الهاء - الطحن بين حجرين. انظر الميداني 1: 165 وسرح العيون: 430. ب س: سره. ط: وصفاق. أي أن حمزة بن عبد المطلب عم النبي قتل على يد وحشي، وكان عبداً حبشياً، وبسطام بن قيس سيد بني شيبان قتله عاصم بن خليفة، وكان يعد في البلهاء. ديوان ابن شهيد: 146 (عن الذخيرة وحدها) . اليتيمة 2: 46. اليتيمة 2: 47. اليتيمة 2: 47. الديوان: 150 (عن الذخيرة وحدها) . الديوان: 87 (عن الذخيرة وحدها) . في النسخ: ولم يثنيه. وكتب الوزير أبو مروان ... في تراب: سقط كله من ط. هذا النص متصل في ط بقوله: " وكسرى فتك به مرازبة له "، دون أي فاصل، وكأنه تتمة للحديث عن الفرضي والتحذير منه. ط: وعندها. ب س: العلم. يوالس: يخادع ويداهن. الرزدق: الصف من الناس. س ب: فاستحقوه (اقرأ: فاسحقوه) . ب: بالبرق. ط: يرقو ... ويصفو. ط: نفس. ط: أستوثقه. ط: حبالنا. ط: وضع. ديوان ابن شهيد: 138 (عن الذخيرة وحدها) . ط: بسعد. ط: تخرق. ديوان ابن شهيد: 169 (عن الذخيرة وحدها) . ط: عبثه. ط: بدا. ط: يوماً ترى. ب: صبيحته؛ ط: صبيته. ط: وتنافرا. ط: وليقضي. س: كذبه وانحائه علي. س: خلو. ط: ولذا. ط: ترى. البلينة: الحوت. ط: لتصرف. س: الأشباه. ط: على المخلوق أحسن من تقى ... الخ. س: موف على ذروة العقل. س ب: كميتا. الكران: العود وقيل الصنج. ط: ومصرخ. سقط هذا الفصل من ط. ط: الانتساب. ط: علينا الأيام. في النسخ: أبو الحبيش، وسوابه ما أثبت، لأنه يتنحدث عن مجاهد، وكنيته " أبو الجيش ". ط: شهيدي أمتك. هذا الفصل شديد الإيجاز في ط. ط: ويستحمل. في النسخ: إلى الحبيش. هكذا ورد هذا الاسم في نسخ الذخيرة، وفي المغرب (2: 31) اشكهباط، وفي النفح (2: 95) اشكنهادة؛ واسمه محمد بن قاسم، وكنيته أبو بكر، وهو ممن شهد الفتنة، ثم استقر آخرا في دانية عند مجاهد العامري. ب س: الأرض. الحش: أن يريش الرامي سهمه ويلزق به القذذ، استعدادا للرمي؛ ومثل هذا لا بد له من سداد وثبات جنان، أما الرعدة فإنها لا تتفق وهذا الحش لأنها تسبب طيش السهم عند الرمي. التقصص: التتبع، أي تتبع معاني الآخرين. هذه قراءة تقديرية، والمعنى أن الغرب بطبعه لا يصلح للسهام، فإذا أعددته ليكون سهما فإن الحز لن يزيد من قيمته؛ كما أن السليط يضيء في قنديل بسيط، ولا يضيء إذا وضع في القصب، وهي أنابيب من الجوهر. ب: حبلك؛ ب س: أجرا. س: صناعة الكلام وإصابة ... ط ب: بل بالطبع. النحو والغريب: زيادة من س. زاد في ب س: ألاعم صباحاً أيها الطلل البالي، وقوله .... ؛ وانظر ديوان امرئ القيس: 31. ديوان أبي نواس: 45. س: ديناراً. ط: في الشهر. س: واشتار من ثغره. ط: يوسف الاسرائيلي. وردت الأبيات منسوبة لأعرابي في شرح المختار من شعر بشار: 250 وأمالي القالي 2: 271 وحماسة ابن الشجري: 161 وأمالي المرتضى 1: 500. المختار: المنقى. س: بكل شيء حسن. وزاد في ب س: فانصرف إلي وعرفني بما جرى وسألني أن اكشف له السر فقلت ... ب س: قارعت. ب س: بجميع. ب س: أضعف (اقرأ: أصعب) . أي أن العرب يفتخرون بأولئك الذين لا يستطيع أهل الكلام هدم بنيانهم؛ وفي العبارة بعض التواء؛ وانظر حديث الجاحظ (في الحيوان 2: 93 والبيان 4: 41) عن هجو الشعراء للأشراف. يعني خالد بن صفوان وشبيب بن شيبة وكانت الحال بينهما قائمة على المناقشة والمحاسدة؛ وكلمة خالد هذه في البيان 1: 47 قال الجاحظ: وتدل كلمة خالد هذه على أنه يحسن أن يسب سب الأشراف. ط: وسهل بن هارون وأصحابهم. ب س: ويطيب على قلوب أهله. ط: عليه. ط: ويحرر. س ب: القلائل الأعداد. س ب: اهتضمها. ب س: عندنا. ب س: ينحتون من. ب س: أفكار. من أبيات في المختار من شعر بشار: 15 والشعر لمحمد بن قرلمان. ب س: بالألفة. ط: وتبسيطه. يعني ابن الافليلي. ط: البرهان. ط: الجدال. ط: قنص. ب س: ضنانة. ط: حيث. في النسخ: حراجيات، والصواب " خراجيات " بالخاء المعجمة، وقد جاء في رسالته ابن عبدون في الحسبة: 50 " يجب أتن ينهى دور الخراج عن كشف رؤوسهن خارج الفندق " فسماهن " نساء دور الخراج "؛ وقال ابن هشام في كتاب لحن العامة: " ويقولون لمن يسكن في الفنادق من النساء: خرجيرات، والصواب " خراجيات " منسوبات إلى الخراج " (انظر مجلة معهد المخطوطات 3 - 1: 156) . لعل صوابه: " وتسمعان ". ومن العجب ... هذا كله: سقط من ط؛ وبدئت العبارة بقوله: " ومن الغرائب أنه يسمينا العلج ويسمي البديع ".. الخ. ط: لشامته. ط: أظافير. ط: كان واحداً في البلاغة. ط: يلبس. ط: لسهل. ب: مما ينسبه. ب س: ويدير. ب س: وتجربة. ب: يحيلوا. ب س: يقع. ب س: باعثاً. ط: قد غص بالطماطم؛ ب س: بالجماجم. ط: مصدرها. هو أبو بكر يحيى بن حزم شيخ من شيوخ الأدب، قال الحميدي (الجذوة: 351 والبغية رقم: 1466) وهو الذي خاطبه أبو عامر ابن شهيد برسالة التوابع والزوابع التي سماها " شجرة الفكاهة " وهو من بيت خر غير بيت الفقيه أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم " قلت: إن جهل هذه الحقيقية وهي عدم وجود ايه صلة من قرابة بين أبي بكر ابن حزم والفقيه المشهور، أوقع عدداً من الدارسين في استنتاجات خاطئة حول رسالة التوابع والزوابع (انظر مثلاً: ابن شهيد لشارل بلا س: 54، 95) . ط: لما رأيت. ب س: فتساقطت. ب س: أولى أن له سلطاناً. ب س: يوقدني. ط: ثغر. ب س: إثر. الحائر أو الحير: المكان المطمئن يجتمع فيه الماء، ثم سموا البستان به. ب س: على باب. يعني أنه مكن قبيلة أشجع التي تنتمي إلى الجن مثلما أن صاحبه ابن شهيد من أشجع (الإنس) . ط: تصورت لك رغبة. ط: وتذاكرت معه أخبار. ب س: من اتفق من هذه الطوائف. ب س: الأدهم. ط ب: فسرنا. ط: إلا ما عرضت لنا وسمعت. الصواب: " قال " - أي زهير. ديوان امرئ القيس: 56 وعجز البيت: وحلت سليمى بطن قو فعرعرا. ديوان ابن شهيد: 107. ب س: تكنفتها. السفاسق: طرائق السيف وشطيه. ط: شجرها شجر سام. ط: وشجر. ديوان طرفة: 76؛ وفيه " لهند "؛ والحزان: جمع حزيز، وهو الغليظ من الأرض؛ والشريف: واد بنجد؛ وعجز البيت " تلوح وأدنى عهدهن محيل ". ديوان ابن شهيد: 140. ب س: الجودان؛ وسقط البيت من ط. والحوذان: نبت ينبت مسطحاً في جلد الأرض لازقاً بها. ط: فقلت. التليل: العنق. ط: حتى ب س: اذهب فقد أجرتك. ط: بعده. ديوان قيس بن الخطيم: 7. ط: أنشدني يا شمعني. ديوان ابن شهيد: 82. ط: إلينا. ديوان ابن شهيد: 217. اليتيمة: خمر. ديوان ابن شهيد: 97 (اعتماداً على الذخيرة وحدها) . في الأصل: تلو، والتصحيح عن الديوان. ناظر إلى المثل: " في كل واد بنو سعد " أو " أينما أوجه ألق سعداً "، انظر الميداني 1: 34 والعسكري 1: 61 (تحقيق الأستاذ أبو الفضل إبراهيم) . يلاحظ إيراده " الكون " و " الفساد " في هذا السياق، كأنه يومئ إلى ثقافة فلسفية. ب س: الموت. ط: ولن. ب س: المنون. ب س: حازم. ب س، أصاب4 وأصمى بدارهم. ب س: يضرب. الهادي: العنق. ديوان ابن شهيد: 147 وهي في رثاء الوزير حسان بن مالك بن أبي عبدة، وكان من الأئمة في اللغة والآداب، روى عن أبي العباس ابن ذكوان مذاكرة، وعمل كتاب سماه " ربيعة وعقيل " في الأسمار، وتوفي قبل العشرين وأربعمائة (الجذوة: 183 والبغية رقم 662) . المغرب: حين. المسالك: الرزايا. ط: بعذري. ب س: بواطن. س: عوداً وبدأة. البيتان لسويد بن كراع، الشعر والشعراء: 23، 530 وانظر الأغاني 12: 345 في ترجمة سويد، والبيان 2: 12. ب س: ماءورند؛ والناورد هنا بمعنى " الميدان "، وهي من الفارسية ومعناها: معركة، قتال. ط: على أنه من. ط: أنيسه. ديوان البحتري: 83 وعجزه: " في مغاني الصبا ورسم التصابي ". ديوان ابن شهيد: 85. المغدودن: المسترخي. ب س: لبرص. ب س: على. ط: أجزت. ط س: نوافجه. ب س: أو قد صرنا. ب س: وأرقلت. ب س: متشدة. ب س: شرك. ب س: وبيمينه. الطهرجارة: الفنجال أي شيه كأس أو طاس يشرب به. ط: اقرع أذنيه. ب س: فصرخت. ديوان ابن شهيد: 115. المطمح والنفح: شربت. المطمح والنفح: يصرف عصيره. المطمح والنفح: السرور شعارهم. المطمح والنفح وس: مصفر؛ ب: مصفن. ب س: لأهدأ تأنيساً؛ ط: لأشد من تأنيسي. ديوان أبي نواس: 128. ديوان أبي نواس: 75، وعجز البيت: " فلو قد شخصتم صبح الموت بعضنا ". ديوان أبي نواس: 88 وانظر الذخيرة 3: 463. ط: تركت. ديوان ابن شهيد: 102. الديوان: أصبيح؛ المطمح: أصباح. أكثر المصادر: زنداً. النفح: نعسته. المغرب: متفتلا. ب س: عن. في الأصول: غمك. المطمح: مائلا لطفاً وأعطاني اليدا. ب س: مهما. الديوان: صد لي. المغرب: أمشي في الكدى. المغرب: وثناه. في الأصول: يعرو. المغرب: خدي. ديوان ابن شهيد: 170 (عن الذخيرة وحدها) . انظر ديوان ابن شهيد: 89 ومطلع هذه القصيدة وارد في ترتيب المدارك 4: 667 (ولم يرد في الديوان) وهو: إذا لم تجد إلا الأسى لك صاحبا ... فلا تمنعن الدمع ينهل ساكبا هوت بأبي العباس شمس من التقى ... وأسى شهاب الحق في الغرب غاربا والمرثي في هذه القصيدة هو أبو العباس ابن ذكوان (- 413) ؛ انظر ترجمته في الجذوة: 121 (البغية رقم 425) والصلة: 37 والمغرب 1: 210 - 212 وترتيب المدارك 4: 662 والنباهي: 84 - 87 والحلة السيراء 1: 27 وصفحات متفرقة من البيان المغرب ج - 3. ديوان ابن شهيد: 99 وعجز البيت: " يجود ويشكو حزنه فيجيد "؛ وقد كتبها حين سجنه علي بن حمود (انظر المطمح: 20) . ب س: بعيدهم. ب س: الظاعنين. ب س: طرباً. ب س: عيونك. ديوان ابن شهيد: 124. ب س: بروض. ب س: كخط. ب س: وهو ذو قنص. ب س: حتى لاح لنا. ب س: حشيت. ب س: أنك تتناول. ديوان ابن شهيد: 142 وعجز البيت: " ورجع صدى أم رجع أشقر صاهل ". ط: زهواً؛ ب س: زهراً. ط والمغرب: وحلقت؛ ب س: نجمها. المسالك، حافل. ب: التمحتهم. ب س: لم ينجده طيب. ط: تأتيهم. ديوان ابن شهيد: 165؛ وانظر ما تقدم ص: 205. ب س: حتى إذا سمعها. ط: فلما انتهينا ... إذا. ط: به. ط: فقلت. ط: بجهل (اقرأ: لجهل) مني. ط: الكلام. قد حاولت شرح هذه اللفظة " طولق " في القسم الثالث: 653، وفي ظني أن معناها مما جاء في (Vocabulista) لم يتحدد بوضوح: وكلمة " يفرش " هنا قد تفيد أنها حصير أو بساط أو ما أشبه، على أن يقترن ذلك بالشعوذة أو بالدعوة إلى بيع العقاقير أو التكلم ببذاءة، أو غير ذلك من الأمور. في كلية ودمنة: 31 فارقي بهذه الرقية " شولم، شولم " سبع مرات؛ فلعل حركة مشولم هي حركة الراقي وهو يردد لفظة شولم. ط: ارقهم. ب س: لما يأتي منه. ط: للبيان لعصبا (اقرأ: لعصيانا) . ب س: العير. ب س: بفكيك. ط: رسائلي. ب س: فبال. اللمص: الفالوذج. الشوابير: جمع شابورة، وهي السمكة أو نوع من السمك، ولم يتضح لي ماذا يعني ذلك في السياق. ط: القبيطي؛ وهو صواب أيضاً. ب س: لا يؤذي على. ب س: غير. ب س: فصاح. ب س: وهل هنا. ب س: وهل هنا. في أخبار ابن القوطية أن ابن هذيل لقيه عائداً من ضيعة له بسفح جبل قرطبة، فسأله: من أين أقبلت من لا شبيه له ... ومن هو الشمس والدنيا له فلك فأجابه: من منزل يعجب النساك خلوته ... وفيه ستر على الفتاك إن فتكوا (انظر ابن خلكان 4: 369) فلعل ابن القوطية تمثل به، وغير في بعض لفظه. تبصان: تلمعان؛ ب س: بنصران. ب س: آخرها؛ ط: مناخيرها. ب س: النعام. ب س: مرجعاً. ط: عيبه. ط: تجاري. ط: داراهما. يمكن القول إن أبا بكر هو ابن حزم الذي خاطبه في أول الرسالة، لأنه هو الذي اقتصر على قوله: " له تابعة تؤيده " كما سيجسء القول، وأما ابن القاسم فقد صرح بأنه ابن الإفليلي، ويبقى الثالث وهو أبو محمد، وليس لدي ما يعين على التعرف إليه. ديوان ابن شهيد: 114 والنفح. 3: 439 والمسالك. النفح والمسالك: فأعجزهم. البيت للحطيئة، ديوانه: 128. ط: فقال. ب س: سكتته (اقرأ: شكته) . تكسر: تقاس مساحتها وتقدر. اليتيمة 2: 46. الشونيزة: الحبة السوداء. ط: أوثقتها. اليتيمة: كل كافر ومسلم. ب س واليتيمة: أحقر. اليتيمة 2: 47. قاتل حذيفة هو قيس بن زهير. ب س: موصوفاً. ب س: سرد (اقرأ: سدد) . اليتيمة 2: 46. برهوت: واد أو بئر بحضر موت يرون أنها مقر أرواح الكفار. ديوان ابن شهيد: 121. ديوان ابن شهيد: 119. ط: من. ب س: الصعب. ب س: الليل. ط: خبيث. ط: مهانة. ب س: تابعة. الطرمذة: المفاخرة والتنفج. ديوان أبي تمام 4: 386. الديوان: صحيفة. الديوان: هل أنت. أخبار أبي تمام: 194 - 199، وانظر الشعر في ديوانه 4: 463. الصولي: لو كان هذا منظوماً خفتاه، أما منثوراً فهو عارض لا حقيقة له. الصولي: والذكر. الصولي: مضطرب الأحشاء؛ الديوان: مشتغل الأحشاء. ب والصولي: دن. الصولي: محقاً. أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن زكرياء القرشي الزهري المعروف بالإفليلي (352 - 441) ؛ انظر ترجمته في الصلة: 94 وأنباه الرواة 1: 183 والجذوة: 142 والبعية رقم: 485 ومعجم الأدباء 2: 4 وابن خلكان 1: 51. ط: النياقي (اقرأ: اليناقي) ؛ وفي ب س: السباسي، وفي ابن أبي أصيبعة (2: 47) البسباسي؛ والشبانسي هو قاسم بن محمد القرشي المرواني، ذكر ابن حزم أنه قرف وشهد عليه عند القضاة بما يوجب القتل فسجن، ثم تشفع إلى المنصور ابن أبي عامر فاطلقه (الجذوة: 310 والبغية رقم: 1296) . الحمار هو سعيد فتحون السرقسطي، وقد ذكر أنه امتحن من قبل المنصور وسجن مدة (انظر الجذوة: 216 والبغية رقم: 813 وطبقات صاعد: 68 والذيل والتكملة 4: 40 وبغية الوعاة: 256) . موسى بن الطائف: ذكر الحميدي (الجذوة، 317 والبغية رقم: 1325) أنه كان شاعراً مشهوراً أيام المنصور بن أبي عامر، ونسب إليه الأبيات " لا تنسى من سحتك المكسوب " وهي أبيات أوردها ابن بسام في القسم الثالث: 320 - 321 لابن مهروان السرقسطي، وانظر هجائه هذا في الغيث 2: 123. ب س: تعلم. بيت الأفوه في ديوانه (الطرائف الأدبية: 13) والخزانة 2: 196 وزهر الآداب: 1000 والصناعتين: 225 والوساطة: 274. انظر ديوان النابغة: 57، وزهر الآداب: 998 والصناعتين: 225 والوساطة: 274 والمطرب: 162. ديوان أبي النواس: 69 وزهر الآداب: 998 والصناعتين: 226 والوساط: 274 والمطرب: 161. ديوان صريع الغواني: 12 وزهر الآداب: 998 والصناعتين 226 والمطرب: 162. ديوان أبي تمام 3: 82 وزهر الآداب: 988 والصناعتين: 226 والوساطة: 274 والمطرب: 162. ب س: الفرسان. ديوان المتنبي: 247 والمطرب: 162. ط: كما. أورد ابن خلكان (1: 117) بيتين من هذه القصيدة ونسبهما لابن شهيد، ولعله تابع في ذلك صاحب المطرب: 161؛ ونرى ابن شهيد هنا ينسب الأبيات إلى جني اسمه فاتك ابن الصقعب، فهل هو يعني نفسه؛ إن جنيه هو زهير لا فاتك، فهل كان له غير تابع واحد - يبدو ذلك، لأن هذا الجني نفسه هو الذي استطاع أن يأخذ معنى امرئ القيس " سموت إليها ... " البيت، وأن يحله في أبياته " ولما تملأ من سكره "؛ وهذا امرئ القيس من فعل ابن شهيد والأبيات ثابتة له؛ فلماذا اختار ابن شهيد في هذا الموقف أن يكون له تابعان - وقد أدرجت الأبيات العينية في ديوان ابن شهيد: 123. ط: حولي. ديوان امرئ القيس: 31. ديوان عمر: 123 وفيه " خشية القوم ". ب س: بركن أزور كركن أزوركم ذلك. ب س: لتنبسط. البيتان لإسماعيل ابن يسار من قصيدة له في الأغاني 4: 417 وذكر أبو الفرج (418) إن فيهما غناء لابن سرفج، وأنه غنى بهما في حضرة الوليد بن يزيد؛ وانظر أيضاً الأغاني 9: 281 - 282، 284 حتى إذا الليل خبا ضوءه ... وغابت .......... الأغاني (9: 281) . الأغاني: خفي. ب س: فقلت. ب س: لتخلص. ب س: وملت. ب س: دنا فالتمس. انظر الأغاني 9: 281 - 282. ب س: به، وأثبت رواية ط والأغاني. نسب هذا الشعر لوضاح اليمن، انظر الأغاني 6: 203 - 204، وروايته: قالت لقد أعييتنا حجة، فأت ... البيت. وانظر الفوات 2: 272 في ترجمة وضاح اليمن (واسمه عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال) وتهذيب ابن عساكر 7: 295. ب س: جاريت. ديوان المتنبي: 302. انظر ما تقدم ص: 249. ديوان المتنبي: 479. ديوان ابن شهيد: 95. ط ب: أتينا. ب س: لحومها. ب س: كان ملء. ب س: عمن. ديوان المتنبي: 318. ديوان المتنبي: 540 - 541. ديوان المتنبي: 294؛ وفي ط: كل ظام. الديوان: في الوغى. ب س: مما. ط: استعزمت. انظر ما تقدم ص: 209. ب س: همتي. ديوان ابن شهيد: 137. ديوان ابن شهيد: 91. ديوان ابن شهيد: 111 (عن الذخيرة) . ب س: كصابي ... مظافر. ب س: ولو أن لي في الجو كسراً. ب س: لم. ط: الخطائر. العناني: جمع عناز؛ جاء في الامتاع والمؤانسة (2: 174) : أبو العباس قد حج ... وقد عاد وقد غنى وقد علق عنازاً ... فهذا هم كما كنا وشرح المحققان العناز بأنه طبل كان يعلقه المخنثون وأصحاب الغناء في أعناقهم؛ ويقترح محققو هذا القسم من الذخيرة أن تقرأ اللفظة " عثانين ". استمده من قول الشاعر: رويدك حتى تنظري عم تنجلي ... عملية هذا العارض المتألق ب س: ببلجة. ب س: أخا. ط ب: فكة. ديوان ابن شهيد: 151. ط: بفصل. ط: تقضهني (اقرأ: تعضهني) . ب س: الهمم. المطمح: كلفت؛ ولعل صواب القراءة هنا " ألمت ". نيطة: اسم موضع. ب س: سائر. ترجمة عبد الملك بن أحمد بن عبد الملك بن عمر بن محمد بن عيسى بن شهيد والد أبي عامر في الجذوة: 261 (البغية رقم: 1057) . ذكر ابن سعيد أخا أبي عامر دون أن يسميه وأنشد له ثلاثة من الأبيات السابقة (المغرب 1: 86) . ذكر ابن سعيد أيضاً عم أبي عامر دون أن يسميه وأورد له الأبيات (المغرب 1: 85) . البيتان " أتيناك لا عن حاجة ... " وردا في ترجمة أحمد بن عبد الملك بن عمر، وهو جد أبي عامر، وفي المطمح: 9 (وعنه نفح الطيب 1: 380 - 382) والجذوة: 123 (البغية رقم: 439) والحلة 1: 237. الجذوة (267) : من خشية. هو عبد الملك بن عمر بن محمد بن عيسى بن شهيد؛ ترجم له الحميدي في الجذوة: 267 (البغية رقم 1072) ، وأورد له ثلاثة أبيات مما نسبه أبو عامر. ط: تأبى. ديوان ابن شهيد: 106 (عن الذخيرة وحدها) . ب س: ناجيته. ط: عربياً. س: ففهمت. ط: ونتعهد. ب س: الأدب. ب س: الوحش. ب س: تميمة. ب س: فاستضحك. ط: فانصرفت ... رضية. ط: الطائر. ب س: ولا تحكم في الأصول. ط: ما حكم. ط: بك. يريد النبي إبراهيم. ط: فتكلمت. هذا الفصل كله حتى قوله: انتهى كلام ابن حيان، لم يرد في النسخة: ط. ديوان ابن شهيد: 126 (عن الذخيرة وحدها) . ب س: شكوت. ستأتي ترجمته في هذا القسم من الذخيرة. بدائع البدائه: 255 ونفح الطيب 3: 348 وديوان التطيلي: 145. انظر المصادر السابقة. في النفح 3: 347 أن البيت الثاني للأعمى إجازة. ورد بهامش ب 13 بيتاً لابن دراج في وصف الحمام، وهي قصيدة في ديوان: 252 - 253 في مدح يحيى بن منذر، ويستطيع القارئ أن يراجعها هنالك، ولا داعي لاثباتها. ديوان ابن شهيد: 94 وبدائع البدائه: 353 والنفح 3: 260 وأخطأ ابن ظافر وتابعه المقري، إذ جعل صاحب المجلس هو الحاجب المظفر نفسه لا ابنه. قال أبو عامر وابن حيان: كذا جاء، ولعل الصواب: قال ابن حيان، وجاءت " أبو عامر " سهواً. من هنا تعود نسخة ط إلى الاشتراك من ب س. بدائع البدائه: 83 - 84 والنفح 3: 610 - 611. في النسخ: جلي، وأثبت ما في البدائع والنفح. النفح: ولا ترام. ب س والنفح والبدائع: الدواة. ط: سماه؛ وإدريس هو ابن اليماني العبدري اليابسي، وقد أثبت ابن ظافر (بدائع البدائه: 84) أبياتاً هجا فيها إدريس أبا جعفر ابن عباس. ديوان ابن زيدون: 593 (نقلا عن الذخيرة) . ط: جرى. ط: في الألثغ. انظر ابن خلكان 6: 9، 7: 227. أبو القاسم حسين بن وليد بن نصر المعروف بابن العريف (- 395) قرطبي كان عالماً بالنحور والعربية، له رحلة إلى المشرق، واستأدبه المنصور لأبنائه، وكان كثير المديح في أشعاره (ابن الفرضي 1: 134) . ب س: بحرف. ب س: مثالا. ب س: قد ملح في قوله؛ وانظر ديوان المتنبي: 388. ترجمته في القسم الثاني من الذخيرة. ديوان ابن شهيد: 91 (عن الذخيرة وحدها) . س: يا ظبا الهند. س: أخذت. ط: حلاته (اقرأ: خلا به) . ط: مضيء. الحرجف: الريح الباردة الشديدة الهبوب. الكنهور: السحاب المتراكب. س: يمتطي الفصل. ديوان ابن شهيد: 163 والنفح 3: 440. النفح: بنان. العثان: الدخان. البيتان للأعمى التطيلي، ديوانه: 52. ديوان أبي تمام 1: 114. ترد ترجمته في القسم الرابع من الذخيرة، وهو أبو محمد عبد الله بن محمد التنوخي (انظر ابن خلكان 5: 348، 6: 159) . س: الضرغام. س: فأمر ابن الحناط أن يصنع في ذلك شعراً. ديوان ابن شهيد: 131. س: مجدك. شروح السقط: 441. س: كقول أبي عبد الله ابن الحداد من أهل المرية من قصيدة يمدح بها ابن صمادح يقول فيها؛ وستأتي ترجمة ابن الحداد في هذا القسم من الذخيرة. س: باسلات. ط: مضمتة. ورد هذا البيت في اليتيمة 1: 37. انظر ديوان أبي فراس: 119 واليتيمة 1: 37، وابن بسام ينقل خبر المبرقع عن اليتيمة 1: 36 - 37؛ وانظر خبره: سيف الدولة لكانار ص: 220 نقلا ابن ظافر، إذ يقول: " في سنة 336 ظفر الأمير سيف الدولة بالقرمطي الملقب بالهادي واستنقذ أبا وائل ... الخ ". ديوان المتنبي: 259 - 260. انظر الجذوة: 23 والبيان المغرب 3: 188 وأعمال الأعلام: 136. ط: البرزيلي. زاد في س: وخامر ناموسه الأمة. البيان بالكثرة. البيان: في جبل منيع الصعود. البيات نذود. ط: فساقها. البيان: وعجب. البيان: إلى مكان عرفه في سورها الجوفي. س: بنيه. س: يستوفي ذكره. ديوان ابن شهيد: 130 (عن الذخيرة وحدها) . ديوان المتنبي: 379. ديوان ابن شهيد: 132 (عن الذخيرة) . س: الهوى. ط: للهوى. ديوان ابن هانئ: 95. البيت من أبيات لابن الرعلاء الغساني، والرعلاء أمه، انظر الخزانة 4: 187 وحماسة ابن الشجري: 51 والسمط: 8، 603. ديوان المتنبي: 312. هنا تنتهي ترجمة ابن شهيد في ط. ديوان ابن شهيد: 153. كذا ورد. انظر الجذوة: 348. س: بجفوننا. المختار من شعر بشار: 247 والعقد 6: 14 والزهرة: 294. هو أحمد بن أبي فنن كما في زهر الآداب: 1012 والسمط: 198 والمختار: 220 والزهرة: 320. السمط: 496 والأمالي 1: 208 وزهر الآداب: 942. زيادة من زهر الآداب: 942 والأمالي 1: 206. لم يرد في ديوانه، وهو لبشار عند ابن خلكان 1: 224 والسمط: 197. لم يرد في ديوانه. ديوان ابن شهيد: 171 (عن الذخيرة) . ديوانه: 152 (عن الذخيرة) . س: في الدجى. س: بثوبي أدم. ورد بيت مضطرب قبل هذا وهو: فقلت أمر بهم فاشعر ... بضرب فاحذر حان ندم س: لا كنته بحال. س: أمر. ديوانه: 145 (عن الذخيرة) . ديوانه: 133 (عن الذخيرة) . تنفرد نسخة دار الكتب ببعض أبيات هذه القصيدة والقصائد التالي، وتخل بها النسخة س. يذر الحب: يأخذه بأطراف الأصابع. س: فلا بأس. س: الملا. ستأتي ترجمة من اسمه اللمائي في هذا القسم من الذخيرة؛ ولعله شخص آخر. الديوان: 172. ديوان ابن شهيد: 149 (عن الذخيرة) . ديوانه: 107 (عن الذخيرة) . ديوانه: 113. س ب: أول الأمر. ديوانه: 129. س: أصحابي. ذكره الفتح في القلائد: 153 (وعنه النفح 1: 535 - 636) وكناه " أبا مروان ". ديوانه: 98 والقلائد: 153 والنفح 1: 636. القلائد والنفح: نعمنا. القلائد والنفح: شكرك. ديوان ابن المعتز 4: 354 وزهر الآداب: 774. شروح السقط: 1468. سترد ترجمته في هذا القسم من الذخيرة. ب: ونصوص. ترجمة ابن زيدون في الجذوة: 121، 379 (البغية رقم: 426) والقلائد: 79 والمطرب: 164 والمعجب: 162 والمغرب 1: 63 واعتاب الكتاب: 207 والنفح (في صفحات متفرقة) والخريدة 2: 48 وابن خلكان 1: 139 والوافي 7: 87 ومقدمة سرح العيون، ومقدمة تمام المتون. ب س: غاية. ب س: أخبرني. أبو محمد ابن عبد البر الكاتب، انظر القسم الثالث: 125. ط: باستجلاب. في الأصول: أبي محمد؛ وقد جاء في الفهرست العام في مقدمة الذخيرة أبو عمرو، وفي القسم الثاني (نسخة الرباط رقم 1324 الورقة 38ب) أبو عمر، واسمه يوسف ابن جعفر، وكان أبوه جعفر أحد الكتاب صدر الفتنة عند عدد من الملوك، وتوفي جعفر سنة 435. ب س: الديوان. ط: تأتي. ب س: بالنظم الخطير. هو عبد الله بن أحمد بن عبد الملك بن هشام، أبو محمد ابن المكوي القرطبي، كان أبوه أبو عمر أحمد بن عبد الملك (ترتيب المدارك 4: 635) مولى بني أمية، وكان من أفقه أهل زمانه وأحفظهم لمذهب مالك، وعظم قدره بالأندلس وصار معتمداً لجميع قضاتها وحكامها فيما اختلفوا فيه، توفي منبعث الفتنة البربرية (401) ؛ أما ابنه أبو محمد فقد استقصاه أبو الحزم ابن جمهور سنة 432 ولم يكن من القضاء في ولارد ولا صدر لقلة علمه، ثم صرفه أبو الوليد ابن جمهور، وبقي خاملاً حتى أدركته منيته سنة 448 (انظر الصلة: 267 - 268 والمغرب 1: 160) . يتضح من التعليق السابق أن يجن ابن زيدون تم بين 7 محرم 432 و 3 بقين من ربيع الأول 435، وهي الفترة التي تولى فيها ابن المكوي. ب س: فشفع. ب س: اصطنع. هو ادريس بن يحيى بن علي الملقب بالعالي، بويع سنة 434 تم خلعه أهل مالقة سنة 438 (انظر البيان المغرب 3: 217) . ب س: أمراء. ب س: والمنفعة. س: يحصى. موضع هذه العبارة في ب س: وكيف يصح ذلك وهو منقول عن عمر رضي الله عنه؛ وهي عبارة غريبة في موقعها. هذه هي الرسالة الجدية، التي شرحها الصفدي في تمام المتون؛ ونصها كما أورده الصفدي ناقلا عن خط ابن ظافر (صاحب ذخائر الذخيرة) يدل على أن ابن بسام يوجز كثيراً بالحذف، ويغير بعض التغييرات الطفيفة محافظة على السياق الموجز. من قول أبي شجرة السلمي وكان من الفتاك (تمام المتون: 186 - 187) . ورويت رمحي من كتيبة خالد ... وإني لأرجو بعدها أن أعمرا يعني عثمان بن عفان، وفيه إشارة إلى قول حسان (تمام المتون: 191) ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا البيت للعتبي، انظر تمام المتون: 121. تمام المتون (264) وعاث العقوق في مواتي. إشارة إلى قول امرئ القيس: وانك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب من المثل: " لو غير ذات سوار لطمتني "؛ فصل المقال: 381 والميداني 2: 81 والعسكري 2: 193 (تحقيق أبو الفضل) وفيها: لو ذات سوار. البيت للبحتري، ديوانه: 1984. انظر فصل المقال: 127، 486 والميداني 2: 150 والضبي: 79 وتمام المتون: 294. إشارة إلى الآية " وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة " (الغاشية: 2، 3) . من قول العباس بن الأحنف: كنت كأني ذبالة نصبت ... تضيء للناس وهي تحترق من قول أبي تمام: وإن صريح الرأي والحزم لامرئ ... إذا بلغته الشمس أن يتحولا من قول البعيث (تمام المتون: 313) : طمعت بليلي أن تريع وإنما ... تقطع أعناق الرجال المطامع فصل المقال: 187 والميداني 1: 160 وتمام المتون: 318. ب س: زواله. ب س: يخفى. ب س والصفدي: ورد منهل بر. ب س: فنزل. من قول عمرو بن الاهتم أو حاتم: أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ... ويخصب عندي والزمان جديب ب س والصفدي: ومقيل؛ والبيت لعمرو بن الاهتم من مفضلية له قافية (المفضليات: 249) . معجم البلدان (منعج) لبعض الأعراب. ب س: تعلق (اقرأ: بعلق) ؛ وفي تمام المتون: بعقد. في النسخ: عوز؛ وصوبته عن تمام المتون: 339 إذ فيه إشارة إلى المثل " بدل أعور " انظر الميداني 1: 59 وفصل المقال: 81. اللفاء: الشيء الخسيس. البيت لعدي بن الرقاع؛ الشعر والشعراء: 517 وتمام المتون: 340. فصل المقال: 10 والميداني 2: 54 والعسكري 2: 150 وتمام المتون: 337. فصل المقال: 202 والميداني 2: 14 وتمام المتون: 341. البيت للمتنبي، ديوانه: 324. ب س والصفدي: واكرم غير مكرم؛ وما ثبت هنا فإنما هو من المثل " كدمت غير مكدم "، فصل المقال: 355 والميداني 2: 57. من قول المتنبي (ديوانه: 513) : لا تشك إلى خلق فتشتمه ... شكوى ........ الميداني 1: 191. من قول بشار: إذا أيقظتك حروب العدا ... فنبه لها عمراً ثم نم ناظر إلى قول بشار: فبالله ثق إن عز ما تبتغي وقل ... إذا الله سنى عقد أمر تيسرا البيت لأبي تمام، ديوانه 3: 60 وتمام المتون: 366. الصفدي: ميسرك. الإشكاء: إزالة الشكوى. الصفدي: مكان. الصفدي: أحسن. الصفدي: بيده ... عليه. ب س: حتى. الصفدي: يستكد؛ ب: يستنكر. ب س: وهي هذه الأبيات، وانظر ديوان ابن زيدون: 278. ب س: وفق. ديوان البحتري: 2073. ديوان أبي تمام 3: 60 وانظر ما سبق: 344. ديوان ابن الجهم: 45. ط: من قصيدة. ديوانه: 250. في النسخ: إن. ب: عصر غير محتضر. ب س: السرى. ب س: وبات. أولى مؤنث صفة للفظة " وهجرة "، والهجرة الأولى دليل السابقة؛ وإنما أنبه إلى ذلك لأن محقق الديوان قد وقع في الخطأ لدى شرحه البيت (ص 259) إذ قرأ " أولى " على أنها أفعل تفضيل. شروح السقط: 119. س: ومنه قول أبي تمام وقد تقدم إنشاده؛ وانظر ديوانه 3: 280. ديوان البحتري: 757 - 758 وفيه " عود الأراكة ". ديوان أبي تمام 2: 99. اليتيمة 3: 61. اليتيمة 4: 61. ديوان ابن الرومي: 563. ديوان المتنبي: 92. ط: وإنما أشار إلى. ب س: ماء. ب س: عفوه؛ ولم يورده صلاح خالص في مجموع شعره. ط: وقال من أخرى وهو أيضاً بتلك الحال من الاعتقال؛ وانظر ديوان ابن زيدون: 261. ط: يبكي الحمام على قتلي. ب س: وغاضها.. بمطلعها. ط: قرسطت. ب س: الفتل. الحسل: ولد الضب؛ ولعله إنما يريد " زلة الحذر " لأن الضب - وهو أبو الحسل - مشهور بالحذر. ب س: وهذا مأخوذ من قول الآخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 شروح السقط: 976. ديوانه: 592، ولم يرد البيتان في أصول الديوان، وإنما أوردهما الصفدي في المتون والوافي. الديوان: 582. فيه إشارة إلى المثل: " كل مجر في خلاء يسر ". الديوان: هي البحر. هكذا قال هنا، ولم يرد من ذلك شيء في الديوان. الديوان: بسري. الديوان: لإبانه. من هنا حتى بداية ولادة سقط كله من ط؛ وهنالك أجزاء من هذا الفصل قد زيدت في الذخيرة بعد ابن بسام، وقد صرح بذلك من زادها؛ ولعل هذا القسم الواقع قبل رسالته إلى أبي بكر ابن مسلم قد زيد لعدم قيامه على الاختيار. س: مسيرة. ب س: إليه. ب س: الأمل. ب س: ما هو ألطف. ب س: فيه. س: قلمي؛ وهنا موضع خرم في ب، ضاعت بسببه ورقات. س: واعتزت. س: وأبعد. س: حياء. ديوان ابن زيدون: 406. س: ملامي. المسلمي: نسبة إلى بن مسلمة، وهم بنو الأفطس؛ وفي الديوان: الأسلمي، وهو خطأ. نهيك: شجاع. شام: أغمد. في النسخ: بالظلم. س: تزل. ستأتي ترجمته في القسم الثاني من الذخيرة، وهو: أبو عامر محمد بن عبد الله بن محمد ابن مسلمة الوزير الأديب، مصنف كتاب " الارتياح بوصف الراح "، هاجر من قرطبة إلى إشبيلية ووزر للمعتضد. (انظر المطمح: 23 وعنه النفح 3: 544 والمغرب 1: 96 والجذوة: 61 والبغية رقم: 170) . س: يعتمدك. س: ومكانتك إليه. س: السابحة. أي سهيل والثريا، كما في قول " عمرك الله كيف يلتقيان ". من قول الشاعر: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن أن لا تلاقيا س: تكمل. س: مما ... من. زيادة من نسخة دار الكتب، ولم يرد في س. زيادة من نسخة دار الكتب. س: تتوافى. في المطبوعة: نسقا، وهي قراءة جيدة. الضمير في " منه " يعود إلى " الجسم ". زيادة من نسخة دار الكتب. واضح أن هذا القسم دخيل على الذخيرة، وقد ورد بعض هذه الرسالة ص: 355 فيما تقدم. س: يلقى. س: مورد. البيتان لابن الرومي، ديوانه: 66. صدره: إذا ذهب العتاب فليس ود، انظر التمثيل والمحاضرة: 465. البيت لهمام الرقاشي في البيتان 2: 316، 3: 302، ودون نسبة في التمثيل والمحاضرة: 465. البيت للقطامي، ديوانه: 35 والتمثيل والمحاضرة: 67. ورد غير منسوب في البيان 3: 187. فصل المقال: 347 والميداني 2: 214 والعسكري 1: 93 (أبو الفضل) . هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري من الأوس، يعرف بذي الشهادتين، لأن الرسول (ص) جعل شهادته بشهادة رجلين (الاستيعاب: 448) . لأبي نواس، ديوانه 1: 185 (تحقيق فاجنر) وخاص الخاص: 88 والتمثيل والمحاضرة: 80، 434 ونهاية الأرب 30: 80 ورواية الديوان " ليس لله ". س: قبوله. إشارة إلى المثل " أحشفاً وسوء كيلة " وقد مر ص: 355. إشارة إلى قول عامر بن الطفيل: " أغدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ". نثر قول عبد الله بن الزبير الأسدي: تخير فأما أن تزور ابن ضابئ ... عميراً وإما أنتزور المهلبا هما خطتا كره نجاؤك منهما ... ركوبك حولياً من الثلج أشهبا تاريخ الطبري 2: 872 والشعر والشعراء: 269 والأغاني 13: 432 وطبقات ابن سلام: 176 (الطبعة الثانية) . س: للغلامة. لبشار بن برد، ديوانه (جمع العلوي) : 206 وانظر السمط: 932. صدر بيت لكعب بن زهير؛ وعجزه " وما مواعيدها إلا الأباطيل ". من قول المكعبر الضبي (أو محرز بن المكعبر) وصدره: وإني لأرجوكم على بطء سعيكم؛ انظر الكامل 1: 80، 81 والحماسة، شرح التبريزي (4: 15 - 16 ط: بولاق) . لكثير عزة، ديوانه: 103 وروايته " كأني وإياها " وانظر أمالي المرتضى 1: 414 ومجموعة المعاني: 142. من قول أبي خراش الهذلي: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشر أهون من بعض إشارة إلى قول لبيد " ومن يبك حولاص كاملاً فقد اعتذر "، أي أنه أدى كل ما في طوقه، ولم يبق إلا أن ينجو فاراً من السجن. عجز بيت؛ وصدره: " احذر محل السوء لا تحلل به "، ينسب إلى عنترة، قال أبو الفرج الأغاني (8: 234) : وهذا البيت لعنترة صحيح لا يشك فيه. عجز بيت لعروة بن الورد (ديوانه: 40) وصدره: ليبلغ عذراً أو يصيب رغيبة. من قول الشاعر: خير إخوانك المشارك في الضر ... وأين الشريك في الضر أينا وتنسب الأبيات لكثير في ترجمته من تاريخ ابن عساكر وفي الذهب المسبوك: 33، انظر ديوانه: 492؛ وهي دون نسبة في الصداقة والصديق: 92 وبهجة المجالس 1: 717 والعقد 2: 308. فصل المقال: 67 والميداني 1: 221 والفاخر: 48. البيت في الكامل 2: 309 والحيوان 5: 181 ولباب الآداب: 240 وعيون الأخبار 1: 39 وقال في الكامل إنه لعلي أبي طالب أو إنه كان يكثر التمثل به. البيت لعدي بن زيد، ديوانه: 93 وهو مثل، انظر فصل المقال: 265، 484 والخزانة 4: 460. عجز بيت للمتنبي، وصدره: " وبيننا لو رعيتم ذام معرفة ". البيت لأبي فراس الحمداني، ديوانه: 83. عجز بيت للمتنبي وصدره: ترفق أيها المولى عليهم. من أرجوزة لبشار، ديوانه (جمع العلوي) : 85. ديوان النابغة الذبياني: 78. يدخل البيت في معلقة عمرو بن كلثوم، انظر الزوزني: 239 وفي رسالة الغفران 182 أن البيت لعمرو بن عدي، وانظر الخزانة 3: 162. ديوان المتنبي: 359. ديوان أبي تمام 4: 571. لابن الرومي، ديوانه: 770. البيتان للأعشى، ديوانه: 80 (برواية مختلفة) وانظر الأول منهما في الحماسة البصرية 2: 61 والثاني في معجم البكري (كبكب) . زيادة عن نسخة دار الكتب. من المثل " العوان لا تعلم الخمرة "، الميداني 1: 13 والعسكري 2: 38 (أبو الفضل) واللسان (خمر) . من المثل " ما أشبه الليلة بالبارحة "، فصل المقال: 227 والميداني 2: 152 والعسكري 2: 206 (2: 247 أبو الفضل) والفاخر: 254. هنا تعود النسخة ب للمشاركة مع س. عجز بيت للحطيئة وصدره: - " من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ". ليس من المقطوع به أن يكون هذا الفصل دخيلاً، وإن كنت أرجح ذلك، لأن طريقة اثباته لا تشبه طريقة ابن بسام. ب س: ما أراه. زيادة من نسخة دار الكتب. س: أحبائه. من الواضح أن هذا الفصل اختلط بالنقل من القلائد، وبتكرار شعر مر من قبل، كما أن استئناف الحديث عن علاقة ابن زيدون بالجهاورة بعد أن أشبع المؤلف القول فيه، يدل على أن هذا الفصل دخيل على الذخيرة. القرح: البياض. ارتباط الإفاضة بالفور: أي حين يفيض الناس في الحج من عرفات إلى منى، يندفعون بكثرة، والإفاضة سرعة الركض. هو قيس بن زهير الذي كان يضرب به المثل في الدهاء، وقد جاءته منيته في عمان (انظر الدرة الفاخرة: 201) . من قول ليلى الأخيلية: فتى كان أحيا من فتاة حيية ... وأجرأ من ليث بخفان خادر وانظر الدرة الفاخرة: 116. لم أهتد لمعرفته، وفي تكرير " أدهى " ما يستوقف النظر. عن أبي زبيد الطائي ومنادمته للوليد بن عقبة انظر الشعر والشعراء: 219 والحاشية. ما بين أقواس صغيرة موجود نصاً في قلائد العقيان: 71. قد وردت هذه الأبيات فيما تقدم: 383 ولم يكن بابن بسام حاجة لاعادتها. انظر ما تقدم ص: 391 الحاشية: 3. إشارة إلى ما قاله الثعالبي في اليتيمة 2: 336 عن القضاة ندماء المهلبي " ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطراح الحشمة والتبسط في القصف والخلاعة " يغمسون لحاهم في الشراب القطربلي ويرشون به بعضهم بعضاً، فإذا أصبحوا عادوا لعادتهم في التزمت والتوقر. في ب س: وقار يدخل، وصوبته بما يناسب المعنى. قد مر بعض هذه القصيدة ص: 392. ديوان ابن زيدون: 152. الديوان: الشغب الشرقي. الديوان: نور. ب س: حمام. الديوان: 158 وانظر القلائد: 72، ويلاحظ متابعة الرواية كما جاءت في القلائد. الديوان: بممحوض. الديوان: ذكرى. ب س: الفلحا. الديوان: 564 وقد تكررت أبيات منها في هذه الترجمة، وكان من الممكن الاقتصار على ذكرها في موضع واحد، ومن الملاحظ أنها متابعة للقلائد في الأبيات المختار منها. هذا القول صريح بأن هذا الفصل ليس من صنع بن بسام. الديوان: 187. الديوان: قصر. ب س: أبليه حفظك. ب س: صروف. ب س: عهد. الديوان: 178، والبيتان الأولان لم يردا في أصل الديوان. الديوان: 165. شلب (Silves) بلد بالبرتغال في الولاية المعروفة باسم الغرب (Algarve) انظر الروض، الترجمة الفرنسية: 129. س ب: بدري. هذا التعيين بأن هذه الأبيات غزل في ولادة مطابق لما في القلائد: 73 وانظر الديوان: 148 فإنها لم ترد في أصول الديوان، وإنما زيدت فيه من المصادر، وانظر المغرب 1: 65. القلائد: 75 والديوان: 153. الديوان: هوى. القلائد: 77 والديوان: 185. الديوان والقلائد: غدراً. القلائد: 78 والديوان: 191. الديوان: وفائك ضلة؛ القلائد: صفائك ضلة. هذه العبارة وردت نصاً في القلائد وبعدها الأبيات: 77؛ وانظر الديوان: 190. انظر القلائد: 78 والديوان: 236ن وهي مثطوعة لم ترد في أصول الديوان، وإنما وردت بذيله منسوبة إلى المعتضد، وقد نسبها صاحب القلائد إلى ابن زيدون، أما ابن بسام فسيوردها للمعتضد في القسم الثاني. أهم المصادر عن ولادة - إلى جانب الذخيرة - هي الصلة: 657 (وعنها نقل الضبي في البغية رقم: 1595) وما أورده الحجاري في المسهب وعنه نقله صاحب المغرب (وترجمة ولادة قد ضاعت) ، فأما ما جاء من نتف في القلائد فأكثره تخيل أو تخليط؛ وعن هذه المصادر الأربعة نقلت المادة المتوفرة في المطرب: 7 وتمام المتون وسرح العيون: 22 ونزهة الجلساء: 101 ونفح الطيب 4: 205؛ وقد ورد العنوان هذا بهامش ط. ب س: أوانها. ط: تختلط. ط: تختلط. هذا النص يستوقف النظر، أولاً لأنه على لسان ابن زيدون، وثانياً لأنه مصوغ في قالب " مقامة " وأسلوبه لا يشبه أسلوب ابن زيدون أو ابن بسام؛ ومن الغريب أنه ثابت في ط وهي أكثر النسخ اقتصاداً. ط: عبيره. ديوان ابن زيدون: 377، وتنسب الأبيات في بعض المراجع لولادة. أثبتهما ناشر ديوانه: 120 على أنهما من شعره، وليس ثمة ما يؤكد ذلك. ديوانه: 175، وليسا من أصل الديوان. تمام المتون: 11 وأنيس الجلساء: 102. ط: وكثرة. سرح العيون: 23 - 24 والفوات والنفح وأنيس الجلساء. أثبتت المصادر نماذج من هذا الهجاء. أخبار المستكفي في الجذوة: 25 والبيان المغرب 3: 140 وأعمال الأعلام: 135 والنفح: 1: 432، 437 وبروفنسال 2: 335 ودوزي (Spanish Is) : 583. ورد نص ابن حيان بصورة موجزة في ط. ط: الموروية؛ ب س: المرورية؛ البيان: المروزية. هو أبو محمد ابن حزم. البيان: والعهر واللعب. ط: وانثالوا عليه في طلب هذه الخطط وعمروا بابه. ط: من تلك الخطط. ب س: قصه. ط: في طبقات الفقه. ب س: بعلت. ط: بلغ أهل الفتوى. ب س: رجالة. ط: عبد الرحمن. قارن بالبيان المغرب 3: 142. ب س: فلا تسر. ط: المكفوف. ترجمة ابن الحناط في الجذوة: 53 (والبغية رقم: 124) والصلة: 640 والتكمة: 387 والذيل والتكملة 6: 221 والمغرب 1: 121 والخريدة 2: 297 وطبقات الشافعية 2: 161 والوافي 3: 124 وصفحات متفرقة من نفح الطيب. ط: وغرة. الوقذة: الضربة؛ الأميم: المأموم أو المشجوج. فص ابن حيان شديد الإيجاز في ط. ط: واهتديناها. ط: وجعلت. هذه الرسالة أوردها ابن عبد الملك (6: 224) بتمامها، وهي موجهة إلى الوزير أبي العباس ابن أبي حاتم ابن ذكوان ومعها القصيدة الميمية التالية ليأخذ بمعارضتها أبا عامر ابن شهيد. ط: تصاب. الذيل: قصب السبق. البيت لجرير، ديوانه: 250 والتاج (قنعس) . الذيل: توسدت. الذيل: حتى إذا ما أنبهني ... هببت. ط: في شعر أو شعر. في النسخ: قصر، والتصويب عن الذيل والتكملة. الذيل: ديمتها. الذيل: خلفها. ديوان المتنبي: 40. الديوان: الغمد سيفه. ديوان المتنبي: 127. الحماني هو أبو الحسين علي بن محمد بن جعفر العلوي الكوفي، نزل في بني حمان فنسب إليهم، بينه وبين علي بن الجهم مناقضات حول العلويين أو العباسيين، وله مراث في أخيه إسماعيل وفي يحيى بن عمر الثائر العلوي، وكانت وفاته سنة 260 (انظر مروج الذهب 7: 236 - 242 وسمط الآلي: 439 والبصائر 1: 236) . كذا ورد، وهو غير منسجم مع ما قبله وما بعده في التقفية. ب س: الغرب. ط: واندرج له في فصول هذه الرسالة عدة مقطعات من شعره، منها قوله. ب س: فيه. ب س: بالنجاح. المغرب 1: 122 والنفح 1: 483 (بيتان) . المغرب: مرت. بعض أبياتها في المغرب 1: 123. ب س: علون. ب س والمغرب: البث. ديوان المتنبي: 245. ديوان المتنبي: 248. ديوان أبي تمام 3: 27. المغرب: طبق الأرض؛ ط: طوق. ط: عليها. ب س: افتن. ديوان المتنبي: 375. الذيل والتكملة 6: 222 ومنها أربعة أبيات في الغيث 2: 74. الذيل: مراداً. الذيل: انتميت. الذيل: تعد به علي. ديوان المتنبي: 162. ديوان ابن رشيق: 37. الديوان: ليس يصح. ب س: مدح. ديوان ابن الأحنف: 81. كان أبو الحناط ممن خاف من أبي الحزم ابن جهور بسبب ما شاع عنه من هجائه إياه فلحق ببني حمود (الذيل والتكملة: 222) . ب س: فاضطلعا. ب س: في القبر. ب س: أبقته بدر دجى. ب س: عن. ديوان ابن دراج: 180 وقد مر البيت ص: 73. ط س: الترب؛ ب س: مني عنبراً. ط: ومعنى البيت الثاني ... الخ. ديوان المتنبي: 456. في ط والمقتبس (129) شوش " فاحتل يومه ذلك على نهر شوش "؛ وتحديده إلى الجنوب من قرطبة. ألبيرة (Elvira) ، انظر الروض المعطار: 39. المنكب (Almunecar) فرضة صغيرة على البحر تابعة لمركز مطريل (Motril) في منطقة غرناطة، وتبعد مسافة 23 كيلومتراً إلى الغرب من مطريل (انظر الروض، الترجمة الفرنسية: 225) . وقع هذا البيت بعد تاليه في ط. المغرب 1: 124 والبيان 3: 130. ط: الرفع؛ المغرب: النصر. قارن بالبيان المغرب 3: 125 - 129 والإحاطة (ترجمة زاوي بن زيري) ودوزي (Recherches: ج - 1 - الملحق: 15 والملحق: 17) . البيان: يا حسن؛ ط س ب: يا أحيمر. ط والبيان: البنت. البيان: وقتل. ب: المبارك. ب: أغراء مبارك على. ب: المعسكر. ب س: وحلفاءهم. حدثت بزوائد في شرحها ... في القتال: لم يرد هذا في ط، ولا وجود له في البيان المغرب. زاد في س: فتجدد لذلك اثر الفتح عليه، (اقرأ: فتحدث بذلك ... ) . البيان: حازه؛ ط: قشمه (اقرأ: قسمه أو قمشه) . س ب: أعماله. ط: محنهم. س ط: جنه. ط: وتلوم ابنه حلالي بغرناطة. ب س: حاجاته. ط: بائي؛ ب س: نائبي، وصوبته بحسب المعنى. ب س: يفترقون عنهما؛ والنابان أحدهما حبوس والثاني هو محمد بن عبد الله البرزالي؛ وافتر عن نابه: كشف عنه. كذا في ب س دون ط، والمشهور أن التيجان لوهب بن منبه، غير أن هذا لا يمنع أن يكون لابن دريد كتاب بهذا الاسم. ب س: طويل. س: الحجاب. ط: الرجولة. ب س: مشهورة. محمد بن الخير بن خرز الزناتي خاض حربا ضد صنهاجة بقيادة زيري فقتل زيري، ثم إن يوسف بن زيري أراد الثأر من زناتة وغلب محمد بن الخير وهزمه (سنة 360) وحين وجد محمد أن يوسف قد أحاط به انتحر (البيان المغرب 2: 243) . قارن بما جاء في السمط: 862 - 864 والاقتضاب: 50 والعقد 2: 468 - 469 وفصل المقال: 4 - 6 والخزانة 4: 168 والبيان 2: 181 - 182 وزهر الآداب: 21 وكنايات الثعالبي: 56 - 58 فقد ورد فيها معظم هذه القصص المتصلة بالتعريض. البيتان للأخطل، ديوانه: 132 وفيه: تنق بلا شيء. البيان والعقد: وقميص. ط: ومر على فاس من العرب فيهم نميري وتميمي رجل. ط: تعير بالسخينة. ب س: غير منكرة. لم يرد الخبر في ط؛ وانظر مسند أحمد 6: 372. انظر الزهرة: 11 - 112 والأغاني 8: 107 والشعر والشعراء: 348. ط: ومن المعاريض ما حكي عن جميل أنه زار ... ط: والموكل مرسل، وانظر ديوان كثير: 452. انظر الأغاني 12: 144. البيت لمحمد بن أمية، كما ذكر في الأغاني. لأبي العتاهية، ديوانه: 583. ط: غلام. ط: وقيل إن فيها. قال الميداني (1: 9) إنه من كلام عمران بن حصين؛ وروي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير (طبقات ابن سعد 7: 144) ورفعه البكري في السمط: 240 إلى الرسول (ص) ؛ وانظر فصل المقال: 4. هنا وقع خرم في ب ضاعت بسببه ورقات. انظر الأغاني 21: 78 - 79. ديوانه: 143. س: علي وعلي لئن لم تخبروني لأقتلكم. في النسخ: زيد، وهو خطأ؛ وحارثة بن بدر الغداني كان جليس زياد (انظر ترجمته في الأغاني 23: 444 - 500 وقد وردت القصة ص: 482) . ترجمة عبادة بن عبد الله بن محمد بن عبادة بن ماء السماء في الجذوة: 274 (البغية رقم: 1123) والصلة: 426 وأدباء مالقة: 145 (مخطوطة خاصة) وصفحات متفرقة من نفح الطيب، وله مقطعات شعرية في كتاب التشبيهات، وانظر أيضاً الفوات 2: 149 وقد أورد له ابن شاكر موشحتين؛ إلا أن الصفدي نسب إحداهما إلى محمد ابن عبادة القزاز (الوافي 3: 189) . وقد كان عبادة أحد تلامذة اللغوي المشهور أبي بكر الزبيدي، وقد ألف كتاباً في أخبار شعراء الأندلس (النفح 3: 173) وعن هذا الكتاب ينقل ابن سعيد في المغرب؛ وترجم له ابن خاقان في المطمح: 84 ترجمة موجزة (وعنه النفح 4: 52) وانظر المسالك 11: 397. س: يتعلق بذكره. الفوات: وأحكم. قوله: وكانت صنعة التوشيح ... حسناته: النص في كتاب أدباء مالقة نقلاً عن كتاب الأصبغ. ط: حمود؛ وهو محمد بن محمود القبري عند الحميدي (الجذوة: 86) . هذه اللفظة غير واضحة تماما في نسخة الذخيرة س؛ وقد سقط النص كله في ط ابتداء من قوله: ثم نشأ ... في المركز؛ ولهذا أثبت ما جاء في الفوات. ط: وهي أوزان. س: كتابنا هذا. ط: حكى أبو عبد الله الحميدي عن الفقيه أبي محمد ابن حزم؛ وانظر الجذوة: 274. س: التاريخ. انظر الجذوة، ومنها بيتان في المسالك. الفوات 2: 149 وفي الغيث 1: 97 منها بيتان. الفوات: صديقك. الفوات: أنواعاً. س: إذ لست أنت معي. س: بالشرك. س: ببعض. س: هذه القطعة. ط: وأنشد له أبو عامر بن مسلمة في كتابه قال أنشدني. الفوات 2: 150 والمسالك 11: 398. انظر الفوات والمسالك. ط: الحسن ساق بحسن خلخال. س: ظريف. كري المنتشي من: هذه قراءة تقديرية. الفوات: 150 والمسالك. هنا تنتهي النسخة س، والخرم ما يزال مستمراً في ب؛ ولهذا يصبح أكثر الاعتماد على ط م، وستعامل م على أنها أوسع نصاً من ط، وتثبت قراءاتها دون إشارة إلى ما تزيد به على ط. في ط م: اغتبق لي، والتصويب عن الفوات. نسخة التيمورية: " من معانيه المخترعة وألفاظه المبتدعة ". ط: تحليل. ديوان المتنبي: 386. البيتان في المسالك 11: 398. ديوان المتنبي: 247 - 248. ط: أخو. ديوان المتنبي: 292. النتف: 112. ديوان المتنبي: 291. ديوان المتنبي: 381. شروح السقط: 612. منها أربعة أبيات في المسالك 11: 398. المسالك: ولا عصي. انظر ما تقدم ص: 43. هو يزيد بن محمد المهلبي، انظر مروج الذهب 7: 280 والسيوطي: 378. ترجمته في القسم الثالث: 251. ديوان مسلم بن الوليد: 149. ديوان المتنبي: 270. قارن بالبيان المغرب 3: 124 - 131 وخاصة ص: 130؛ والنص في ط موجز، ولهذا تم اعتماد كثير من زيادات م. ط: المواطات. البيان التقوية. م: واستضم. م: عليه. ط: وأمر القاسم يضعف إلى أن فر. م: الطرفين. هنا تنتهي الخرم في النسخة ب. ط: تبدأ هذه الفقرة بقوله " وكتب له أحمد ... الخ ". ط: وقرب جعفر ... الخ. م: بهذا الوضيع. ط: أهل اللب. ط: فقدما. ط: إلى الخليفة. تقدم التعريف بهما. ط: بعزمي. م ب: احطته. ورد الخبر شديد الإيجاز في ط، ولذلك أبث رواية م ب في المتن، وهذه رواية ط: " ثم فر يحيى بن علي عن قرطبة أيضاً، وجيء بعمه القاسم بن حمود، وصرف إلى الخلافة بها كرة ثانية، فانبعث من ذلك فتنة عاثت في الناس معاثها، فجلس القاسم على سرير الملك بقصر قرطبة كرة أخرى في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة فبان الاختلال، إلى أن اتفق الناس على خلعه في جمادي من العام الداخل، فارتفعت بزواله عن قرطبة دولة آل حمود بعد وقعة للبرابرة على أهلها بالمرج باد فيها جماعة منهم. ثم انصرفت الكرة على البرابرة فقتلوا قتلاً ذريعاً، وارتحلوا عن قرطبة، وجاء القاسم مفلولا إلى إشبيلية، وكان خلف بها ولده محمد بن القاسم، فوثب أهل إشبيلية عليه. وجاء القاسم بعد والناس يقاتلون ابنه بالقصر، قرضي القاسم منهم بإسلامه مع من معه، فعاقدوه على ذلك. وخرج ابنه وأهله، ورحل بهم إلى شريش. وملك إشبيلية القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد، فحارب يحيى عمه القاسم بشريش، وحاصره إلى أن حمله مقيداً أسيراً إلى مالقة في خبر طويل ". ترجمة ابن برد الأصغر في الجذوة: 107 (البغية رقم: 354) والمغرب 1: 86 والمطمح: 24 ومعجم الأدباء 2: 106 والمسالك 8: 311 ونفح الطيب 3: 545 (عن المطمح) وصفحات أخرى. من أول الفصل لم يرد في ط؛ وفي موضعه: " فرأينا أن نمد ... ". ط: ونعقد. ب م: ومناقبه الغر. ط: الابلة. ط: طوا من مداد اية. ب م: أدهى. ب م: غفلة. ب: ثواء. فما زلنا ... علينا: سقط من ط؛ وموضعه: " وفي فصل منها ". ط: الأدب. ب م: ورسم. ب م: وللآداب. ب م: بعصمته. ديوان أبي تمام 1: 276. ط: عرف. ب م: ما حضر. ب م: الإنسان؛ والإشارة إلى قول أبي تمام: ويسيء بالاحسان ظنا لا كمن ... هو بابنه ويشعره مفتون نقل ابن سعيد بعض هذه التحميدات في المغرب. ب م: فقهر. ب م: توارى. ب والمغرب: الشعب؛ م: الشعث. ب م والمغرب: ليل. ب م: العالم. م: تغاير. ب م: روحانيات. المغرب: بالثار؛ في النسخ: النار. حق لفظة " فصل " أن تسقط، لأن ما يجيء ليس تحمداً وإنما هو تال للتحميد، وكذلك جاء في المغرب. ط: أوتيت. المغرب: لم يشأ. المغرب: وأخمد. ب م: وعطف. اختار في المغرب بعض هذه الفصول. ب م: السبل. ب م: يفضي. ب م: غب وابل. ب م: فيها ... منها. ب: يطير بها عن موقعها. ب م: سليما. ط: مفتاحه. ب م: حلى. المغرب: والطرس. المغرب: القراءة. ب م: كتب. سقط هذا الفصل وثلاثة فصول بعده، من النسخة ط. ب: المنحازين. زيادة تقديرية لالتئام السياق. ب م: حرة. ب م: تراءت. ب م: أمان آخر؛ وانظر المغرب: 88 حيث نقل هذا الأمان. المغرب: تنفرج. ب: عليكم ملتقى. ب م: المعالين (اقرأ: المقالين) ؛ المغرب: العاصين. ط: تحوجنا. ب م: أعضاءهم. انظر المغرب: 88. ب م: أقصى. ب م: وأذبل. ب م: دقائق. ب م والمغرب: نلتمح. المغرب: ألوية. انظر المغرب: 89. ط: خلوت. المغرب: المقال. المغرب: در. الأبيات في الجذوة والمطمح: 3 والنفح: 546. ديوان ابن الرومي: 137. ط: ينشق. ب م: لبسة. تجيء ترجمته في القسم الرابع. سيترجم له ابن بسام في هذا القسم ويكرر البيتين وبيتي الحلواني أيضاً. ديوان أبي نواس: 362. ط: وما لي. سترد ترجمته والأبيات في هذا القسم. ب م: الملاحظ. ديوان ابن هانئ: 362. أورد ابن ظافر البيتين الثاني والثالث منها في بدائع البدائه: 253 ونسبهما لابن خفاجة. يستشهد به ابن بسام كثيراً، وانظر ديوان المتنبي: 540. ب م: كأنه قد ذهب بقوله: " قد هم فيه الآس أن ينبتا ". الأوراق للصولي: 231. ط: نم أو هم. الصولي: ألحاظه. ب م: نم أو هم. ط: المردة؛ ب م: المرودية. ديوان الصنوبري: 487 عن قطب السرور: 691 ومنها بيتان في نثار الأزهار: 70 ونهاية الأرب 1: 145. الديوان: يدي. في النسخ: حسان بن الحسن؛ وقد ترجم له الحميدي في الجذوة: 179 (البغية رقم 631) وابن سعيد في المغرب 2: 37 نقلا عن المسهب باسم " الحسن بن حسان " وقد اشتهر في قرطبة أيام عبد الرحمن الناصر وله فيه مدائح، وأصله من وادي الحجارة؛ وقتل نفسه غيظاً لأنه وجد امرأته مع رجل. الأبيات في المغرب 2: 37. ب م والمغرب: نجميك. المغرب: لنا. ب م والمغرب: في الناس. في النسخ: المأمون الحارثي؛ وهو خطأ؛ والمؤمل بن أميل من بني جسر بن محارب، كوفي مدح المهدي، وهو ولي عهد، وتوفي حوالي 190هـ - (انظر ترجمته في الأغاني 523) والبيتان من قصيدة له طويلة، انظرهما في معجم المرزباني، والثاني منهما في التمثيل والمحاضرة: 90 وخاص الخاص: 91. ط ب ك: فقلت لها، والتصويب عن المرزباني. ط: مرضتم. ب م: ونعتذر. ب م: أسدلوه. ط: فيه. ب م: مثلا قد أرسلوه. ب م: بينا الأمين. انظر الأغاني 19: 324 - 325 وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 327، والتيمي المذكور هو عبد الله بن أيوب مولى بني تميم، من أهل الكوفة، من شعراء الدولة العباسية، وكان أحد الخلعاء المجان، صديقاً لإبراهيم الموصلي وابنه ثم اتصل بالبرامكة ومدحهم (الأغاني 19: 319) . ب م: وعلى الفسطاط نرجس؛ السيوطي: وقد سقاه وهو على بساط نرجس؛ والأبيات تنسب أيضاً للحسين بن الضحاك الخليع، كما في تاريخ بغداد لطيفور: 325 وزهر الآداب: 702 والديارات: 39؛ وانظر ديوان الخليع: 88. ب م: أيس. ط: كوثر. ب م: والجند. ديوان ابن هانئ: 193. ب م: طرفه. ديوان ابن حمديس: 89 ط: ومعنى البيت الأخير من قول الآخر. ترجمته في القسم الثاني من الذخيرة. ب: جبتها. شروح السقط: 308. الديوان: وإصباح. ب: فانتحى. ب م: سرجا. ديوان المعاني 1: 358 ومحاضرات الراغب 4: 547. ديوان تميم: 70. ديوان البحتري: 80. الديوان: حتى تجلى الصبح من جنباته؛ ب: يلمع. الحلة السيراء 2: 49 والنفح 4: 242 والبيان 3: 208 منسوبين للمعتضد، وسيردان في الذخيرة، قسم: 2 كذلك. انظر النفح 3: 197. ب م: ذاهبا. ب م: أحرقها. انظر الجذوة والمطمح والنفح 3: 293، 546. ب م: زمرد. سرور النفس (الورقة: 78) دون نسبة، وحلبة الكميت: 300 والأول وحده في الغيث 2: 153 والذخيرة 3: 874. ب م: لم ير. ط: وابن المعتز قال؛ وانظر زهر الآداب: 776. ديوان ابن المعتز 4: 98 والأوراق: 261 وديوان المعاني 1: 340 وحلبة الكميت: 275. ب م: إننا لم نر. مختار الديوان: 341 والشريشي 2: 58 ومجموعة المعاني: 197 وشرح مقصورة حازم 1: 119 والسمط: 442. شروح السقط: 1197 وروايته: " بجاري النضار ". شروح السقط: 430. صدره: ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا؛ انظر الصناعتين: 222 وديوان المعاني 1: 340 وحلبة الكميت: 275، وديوان ابن المعتز 3: 50 وفيه " كاد يفضحه "، والأوراق: 187 - 188 وحماسة ابن الشجري: 258 - 259 وتشبيهات ابن أبي عون: 13. البيتان في المطمح: 22 والنفح 1: 621. هنا تنتهي الترجمة في ط. البيتان لابن برد في الجذوة: 108 والمطمح والنفح 3: 545. المطمح والنفح 3: 546. من الواضح أن هذه الرسائل قد أدخلت على نص الذخيرة، ولهذا ميزناها بحرف طباعي مختلف، وقد انفردت بها النسختان ب م. خيسها: ذللها. الحور بعد الكور: النقصان بعد الزيادة. ب م: فإن. فصل المقال: 402 والعسكري 1: 71. فصل المقال: 430 والميداني 1: 198 والعسكري 1: 316. كذا في ب م؛ وزيادة عار مستوحاة مما سيجيء في السياق. ب م: العنيان. ب م: الجلاد. فصل المقال: 48 والميداني 1: 223 والعسكري 1: 14. فصل المقال: 294 والميداني 2: 11 والعسكري 2: 104؛ وأمرته - بفتح الهمزة وتخفيف الميم - وإمرته - بكسر الهمزة وتثقيل الميم - أي نماره وكثرته. فيه إشارة إلى قول امرئ القيس: " وواد كجوف العير قفر قطعته ". ب م: الشقل. ب م: الجلل. الميداني 1: 21 والعسكري 1: 31 (أبو الفضل) . الميداني 2: 156 والعسكري 2: 287 (أبو الفضل) . ب م: مسهد. ب م: عابراً. ب م: لمعاده. ب م: وجربا. الجداد - بفتح الجيم وكسرها -: قطف النخل أو الثمار عامة. ب: حتى إذا أخذت الأرض زينتها وبلغت. الجرام: صرام النخل؛ وفي ب م: بحرابك. لعل الصواب: " عقيرته ". كذا ولعل الصواب: بصرة. ب م: رأيت. ب م: حاليا. وما هذه الربدة في وجه عدوك: عبارة مستقيمة المعنى إلا أن معناها غير ملائم للسياق؛ ولعل الصواب " ما هذه الربدة ... عدك ". عند البلاذري (الأنساب 5: 194 و 363 وانظر الاشتقاق: 407) أنه قال ذلك لعامله على وادي القرى. ويقال إنه قالها بشيوخ من العراقيين وجههم إليه مصعب. انظر المخصص 11: 102 وما بعدها والتلخيص: 486. قال السيرافي (المخصص 11: 122) : بسرة موكت، بغير هاء. ب م: المخرع؛ ولم تورده المعاجم بهذا المعنى. ب م: ثلثها. نهاية الأرب 11: 111. ب م: تنال. ب م: إزاغة. هذه العبارة الواقعة بعد الشعر قلقة في موضعها لأنها فصلت بين الأبيات ونثر الكاتب لها، ابتداء من قوله: فقال لها. كذا في ب م: ولعلها " أخدع " أو " أنزع ". قراءة تقديرية. ب م: وأحذر لطول المنعة. ب م: تنتج. ب م: واستقل. ب م: ظهيري. زيادة لاكتمال المعنى. ب م: يزنهم. زيادة للمعنى. ب م: اسطوانه. ترجمة أبي مروان عبد الملك بن زيادة الله الطبني في الصلة: 343 والمغرب 1: 92 والنفح 2: 496 (نقلا عن الذخيرة) والجذوة: 265 (البغية رقم: 1065) وبغية الوعاة: 312 والمسالك 11: 398. ب م: بالنثر. ب م: وأراهم. ب م: وانتثار. أبو مضر زيادة الله بن علي بن حسين بن محمد بن أسد التميمي الطبني (336 - 415) ؛ انظر الصلة: 190؛ وترجم الحميدي في الجذوة: 205 لمن اسمه زيادة الله بن علي ولم يرفع في نسبه، وذكر أنه ألف للمنصور كتاب " الحمام "؛ وقد كان محمد بن حسين أخو أبي مضر ممن دخل الأندلس أيضاً سنة 325 واتصل بالعامريين وتولى الشرطة بعهدهم وكانت وفاته سنة 394 (الصلة: 563) . ط: شحذاً وملاطفة. ط: الملوك الجلة. ط: الإفادة والنجعة. ب م: نسب. م: ظريف؛ ب م: الخلقة. ط: البديه. ط: نمط. ب م: جماعة المحدثين. ط: دريعه؛ ب م: ربعه بالحاضرة. ب م: علف ... البر. ط: ويتكلفهن. ط: وقد. ط: وإليتيه. ب م: لمكان تفرده عنهن. ب م: جهل. م: تكاثر. ط: بانفاذ. هو أبو عمر أحمد بن محمد بن عيسى بن هلال (390 - 460) ، كان بارعا بمعرفة المسائل واختلاف العلماء والفتاوى والوثائق، قدمه المستظهر للشورى سنة 414 (الصلة: 64 - 65) . ب م: صريح. ب م: وعند ذلك. هو أبو عبد الله محمد بن عتاب (383 - 462) شيخ أهل الشورى في زمانه، قدم إلى تلك الخطة سنة 414 أيضاً وكان عليه مدار الفتوى (الصلة: 515) . ب م: العيشة. ب م: قدر. ط: قوله عن ابن القتيل. ط: حله. ب م: لما قتل الأتراك المتوكل. ط: للخبر. ط: وخبر قتل المنتصر أباه جعفراً. ب م: المستفتح باسمه. انظر ما تقدم ص: 38 - 41. ديوان البحتري: 1048 وروايته " أكان ". ديوانه: 418 وروايته " بين مرمل وبين صبيغ ". ديوانه: 1795 وروايته " ومسني على حاجي ذاك الجدا؛ يبتغي لدفع الذي أخشى ". ديوانه: 1892 (مع بعض اختلافات في الرواية) . الجذوة: 266 وانظر المغرب 1: 93. الجذوة: العابدي. الجذوة: احتوشتني. الجذوة: حدثني. الجذوة: نادت بعقوتي الأقلام ناطقة؛ المغرب: صاحت بعقوتي الأقلام زاهية. صدر بيت لأمية بن أبي الصلت، وعجزه " شيبا بماء فعادا بعد أبوالا ". النفح 2: 497 والمسالك 11: 399. ط م ب: الخديلمي. نقل المقري هذه القطعة في الهجاء 2: 497 - 500؛ وانظر البيت في ديوان ابن رشيق: 59. البيان والتبيين 3: 56 وكنايات الجرجاني: 36. ب م: يسجد. النفح: طلقا. النفح: عظمى. قصة النجاشي وبني العجلان وردت في الشعر والشعراء: 248 - 249، كما وردت قصة الحطيئة والزبرقان في الكتاب نفسه: 244 - 245، والقصتان تترددان كثيراً في المصادر الأدبية، وقد وردتا بشيء من التفصيل في ب م، ولكن شهرتهما تعني عن إثبات النص المطول. ب م: قوا. ب م: وما هجوت أحداً منهم. ب م: أن تنشده. ب م: هذا الكتاب. ب م: اسمه. ب: لبعض أهل وقتنا. ب م: وأنشدت لأبي الحسن. ب م: شيء. ب م: يقول. ب م: وفيما مر منه كفاية. ترجمته في المغرب 1: 93 وذكر أن الحجاري جعله أشعر بني الطبني؛ وانظر المسالك 11: 399. وردت أبيات منها في المسالك. ب م والمسالك: ساومني. ب م: به. ب م: عن. المسالك: والعذق. المغرب: سالباً. المغرب: من وجنتيه. انظر ما تقدم ص: 449. ترجمته في المغرب 1: 134 (نقلاً عن الذخيرة والمسهب) وانظر المسالك 11: 400. ب م: ولم. ط: والزواية. ط: وفلاة يوم البلقاء. الدك: الشعوذة: وقد قال الجويري في كتابه المختار في كشف الأسرار: 74 اعلم أن أهل هذه الصناعة أكبر ودك وزغل،.. وقال في ص 62: وهم صناع في صوغ الكلام والدك على الناس؛ وقال: إني كشفت لهم ثلاثمائة طريقة في الدك، وقال (ص: 63) ومنهم من يجعل دكه فحمة وينزل ما فيها من الدك إلى البودقة ثم تخترق العقاقير التي وضعها في البودقى ويبقى الدك سبيكة ... وعلى حسب العبارة الأخيرة يكون " الدك " في الأصل بعض المواد المستعملة في علم الصنعة خداعاً، ثم أصحبت اللفظة تدل على " العملية " نفسها. وذكر ابن خلكان لابن شهيد كتاباً اسمه " كشف الدك وإيضاح الشك " (الوفيات 1: 116) وقال الجويري (ص: 5) إنه رأى الكتاب المذكور وطالعه، وأنه صنف كتابه حاذياً فيه حذو ابن شهيد. الناموس: وقوعها بعد لفظة " شعوذة " يشير إلى أنها مرادفة لها، يقول الجوبري (ص: 38) : وجعل له ناموساً من بعض النواميس يأكل به أموال النصارى .... أعظم ناموس لهم قنديل النور؛ ويقول أيضاً: (ص: 54 - 46) ثم رأيت مع هذا القرد من الناموس ما لا يقدر عليه أحد. البيت لأبي تمام، ديوانه 1: 19. ط: اللوبان. ب م: تربية. ب م: برزت. ب م: وحكي. لم أجد " الانبوط " ولعله آلة التقطير، أما القنوط فهو القصبة أو الانبوب (انظر ملحق دوزي) . هكذا وردت في ط؛ وصورتها في م: اللرحان، وهي غير معجمة في ب؛ وأقرب الصور إليها لبركة labarca أي القارب، وهو مناسب للمعنى، لأنه يتحدث عن الصيد البحري، فلعل اللبركان (اللبرجان) هو النوتي أو صاحب القارب. بقنة: غير واضحة الرسم في ب م؛ وربما قرئت " ابن بقية " وقد ورد هذا الاسم عند الحديث عن الهدية التي أهداها ابن شهيد إلى عبد الرحمن الناصر، انظر النفح 1: 359، 360 وأزهار الرياض 2: 264، وهذا المذكور هنا قد يكون ابنا حفيدا له. ب م: لديه. ط: قضي. ب م: بالراحة، ولعل الصواب " وكنت أرضى معه بالراحة ". ط: التعبير. أقدر أن يكون صواب القراءة، يأخذ في التعثير والارعاد " أي يعثر في مشيه ويضطرب مهتزاً حتى يستدر عطف المحسنين، لما يرون من عجزه. ط: بلاه. هكذا ورد في الأصول. ط: وطربة. في النسخ: تنطبع؛ والششون هي البقول التي تطبخ (كالسبانخ وغيره) أو تقلى دون تتبيل (انظر: ششن عند دوزي) . لم أهتد إلى تبين معناها. غير واضح المعنى. ط: غطاط. ط: دكاني. السنا الحرمي هو نفسه الذي يسمى سنا مكي (شرح أسماء العقار: 29) والسلك هو العفص (منهاج الدكان: 135) والران لم أجده في المصادر؛ فإن كان صورة موجزة لضرورة الشعر من " الرنج " فإن هذا هو التاريخ نفسه (شرح أسماء العقار: 28) وإن كان بالزاي فهو خشب معروف. الحمامي: نوع من النبات يوجد بالشام ولا يعرف بالمغرب (ابن الحشاء: 35) ولبنى هي الميعة السائلة (انظر منهاج الدكان: 143 وابن الحشاء: 70) . م: يعني، وربما قرئت في ب: بفني. ط: أصلحت ما أفسدته. ب م: فاستكملا. هذه القطعة لم ترد في ط. راجع صفحات متفرقة من كتاب الطبيخ في المغرب والأندلس، للاطلاع على أنواع الثردة والتفايا. انظر ص: 94، 112 من المصدر السابق. ألوان للطعام الجملي والمثلث والمري والمخلل والمعسل ... الخ، (ص: 85 من كتاب الطبيخ؛ وانظر ص: 121 حيث يصف إعداد " جملية ". ب: يحور؛ م: يجوز. شريون: حصن من حصون بلنسية (انظر أخبار وتراجم أندلسية: 70 ومعجم ياقوت) . ط: عانته. ب م: في الطريق؛ ومنها أبيات في المسالك. ط: عند. ب م: كثيباً. هذا البيت وأربعة بعد لم ترد في ط. صورة اللفظة في ب م تشبه: " فراساي ". قبالة (CAPELO) ، قلنسوة، وغالباً ما تكون للكاردينال. المغرب: فلس. ب م: ذي اعتداء. ط: واعتضت. ط: المحنة. ط: يومه. ط: السقي: ب م: السعي. ب م: تدور. ب م: والقط. القلبق أو القلابق: السلحفاة المائية. ب م: حجو. ط: خداريقنا (دون إعجام للقاف) : ب م: مداريفها؛ والجراديق: الفطائر. هذه هي قراءة ط؛ وفي ب م: فنا، وهي قراءة جيدة بمعنى " نوعا ". م: من أطراف. ب م: بعد ابن بتري. ب م: مغنى. الشيرة: الكيس. لم يرد هذا العنوان في ط م. أبو عبد الله محمد البجاني، أصله من بجانة وسكن قرطبة فنسب إليها، وكان كثير الشعر (انظر الجذوة: 86 والبغية رقم: 281 والنفح 3: 387 - 389) . زاد في ب م: ورأيت له عدة أشعار. الطليق القرشي: هو أبو عبد الملك مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناسر، مات قريباً من الأربعمائة (انظر ترجمته في الجذوة 321 والبغية: 1343 والحلة السيراء 1: 220 والمغرب 1: 186 والمعجب: 285 والتيمية 2: 61 والمسالك 11: 176 ونفح الطيب 3: 586 وكتاب التشبيهات؛ وعنه دراسة في كتابي: تاريخ الأدب الأندلسي، عصر سيادة قرطبة: 223 - 235، الطبعة الثانية) . ب م: وهو القائل يومئذ فيه. النفح: السجن، ب م: الحب. النفح: رامت. النفح: كذبا. النفح: راهنني. النفح: إذا ارتمى فكري في وجهه. هنا تنتهي الترجمة في ط. انظر بعض هذه القصيدة في النفح 3: 197، 586 والجذوة: 322 والمغرب 1: 186 وسائر المصادر المذكورة في ترجمة الطليق، وبخاصة الحلة السيراء 1: 222 - 224. هو ابن فتوح، كما سيرد في ترجمته في هذا القسم. ب م: الورد. الحلة: خلى. الحلة: لها مصباحه فانثنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 فصل في ذكر الشيخ الأديب الكامل أبي مروان ابن حيان (1) والاتيان (2) بفصول مقتبسة (3) من كلامه سوى ما مر ويمر منها في أثناء هذا الديوان ولما تحدث بتاريخه في ملوك الطوائف (4) بأفقنا استشرفت طائفة منهم إلى مطالعة غرره، وعدوه من فرص العمر وغرره، واهزوا لقطف زهره، وافتقروا إلى مطالعة فقره، واستهدوه إياه، وأجزلوا على ذلك قراه، وأن تسمع بالمعيدي لا أن تراه، [ليس بعشك فادرجي ولا   (1) أبو مروان حيان بن خلف بن حسين بن حيان (- 469) ؛ ترجم له ابن بشكوال في الصلة: 150 وانظر الجذوة: 188 (والبغية رقم: 679) ؛ وقد كتب عنه الأب ملشور انطونية رسالة بعنوان Ibn Hayyan de Cordoba y sa Historia de la Espana musulmana (ضمن دفاتر أسبانيا، المجلد الرابع، بونس آيرس 1946 ص 5 - 72) ؛ والأستاذ غرسيه غوممس بحث صغير عنه في مجلة الأندلس (المجلد 11، 1946) وكتب عنه الدكتور مؤنس فصلا صغيراً في كتابه " تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس " ص 101 (مدريد 1967) وفي كتاب بونس بويجس عن مؤرخي الأندلس وجغرافييها وللكتور محمود مكي بحث مفصل ضاف عنه جعله مقدمة على القطعة هنالك قطعتان من هذا الكتاب نشر المقتبس (القاهرة 1971) ، وإلى جانب هذه القطعة هنالك قطعتان من هذا الكتاب نشر إحداهما أنطونية (باريس 1937) ونشر الثانية الدكتور عبد الرحمن الحجي (بيروت 1965) وهناك جزء بفترة عبد الرحمن الناصر من 300 - 330 وهو ما يزال قيد التحقيق. (2) ب م: وإيراد. (3) ب م: مقتضبة. (4) ب م: ولما تحدث في قص [ ... ] بتاريخ ابن حيان، وكان ذلك في مدة ملوك الطوائف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 كرامة، لإنه] وإن كان فيما قرع من هذا الباب، قد مرى سحابه فصاب، فإنه أخطأ التوفيق وما أصاب، إذ جاء أكثر كلامه كما قال ابن الرومي: مهما تقل فسهام منك مرسلة ... وفوك قوسك والأغراض أغراض وما تكلمت إلا قلت فاحشةً ... كأن فكيك للأعراض مقراض ومن علم أن كلامه من عمله، أقل إلا فيما ينفعه، ومن اعتقد أنه مسؤول عما يقول ويكتب عليه ما يكتب، لم يستفرغ المجهود في القول فضلاً عن أن يثلب. ولله رد القائل: فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه ومع ذلك فقد كان سهماً لا ينمي رميه، وبحراً لا ينكش آذيه؛ لو ثلب الماء ما نقع، أو تعرض لابن ذكاء ما سطع، يتناول الأحساب قد رسخت في التخوم، وأنافت على النجوم، فيضع منارها، ويطمس أنوارها، بلفظ أحسن من لقاء الحبيب غب الموعد، وأمكن من عذر الطبيب عند العود. فرب شامخ بأنفه، ثان من عطفه، قد مر في كتابه بفصل قد جرده لوضع حسبه، وخلده أحدونة باقيةً في عقبه وولده، فيرده ورود الظمآن الرنق، ويلبسه لبس العريان الخلق. وقد أثبت في هذا الاختبار من نثره ما هو شاهد على ما أجريت من ذكره. وكانت وفاة هذا الشيخ [الباقعة] سنة تسع وستين وأربعمائة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 @فصول من كلامه في أوصاف شتى فصل جعله مفتتح تاريخه الكبير، قال في صدره: الحمد لله الذي علا في سمائه، وتفرد ببقائه، وتسمى الجبار بجبروته [وكبريائه] ، فله أسماء الحسنى، والمثل الأعلى؛ خلق الإنسان علمه البيان، وأجرى بيده فلك القلم العظيم الشان، فعلمه ما لم يعلم، وأشهده ما لم يحضر، وكرر عليه نبأ ما لم يلحق من القرون الماضية، والأمم البائدة؛ وأراه سبيل منقلبهم عن هذه الدنيا الفانية، التي استعمرهم فيها قرناً بعد قرن ليبلوهم فيما آتاهم، فتهافتوا في شهدها، وتهالكوا كالأذبة عليها؛ لا الآخر بما انتهى إليه عن الأول معتبر، ولا الغابر بما مر على الماضي مزدجر، حكمة بالغة فما تغني النذر، إذ كل مقدر كائن، وكل مربوب مسخر. وبعض لفظه في هذا الأصل محلول، من قول القائل حيث يقول: ترحاً لدار إنما ... سكانها رفق مخبه دار غريب خيرها ... وترى الشرور بها مربه أدوت وغاب دواؤها ... عن كل نفس مستطبه وصفت محبة أهلها ... منها لمدغلةٍ مضبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 لم يدر فيها حلوها ... من مرها إلا الألبة فتهافتوا في شهدها ... وتهالكوا مثل الأذبه وله من رقعة: وبعد، فإني امرؤ يسرت لطلب هذا الخبر، واقتفاء هذا الأثر، أحرس شارده، وأقيد نافره؛ وأبيت بأبوابه، وأنصب لطلابه؛ فشغلت به دهراً، وفجرت منه نهراً، صيرني ترباً لعدنان، وزماماً على الحدثان، أقص أنباءه، وأضرب أمثاله، وأحصي وقائعه، وأحترز مواعظه. وأنسأتني المدة إلى أن لحقت بيدي منبعث هذه الفتنة البربرية الشنعاء المدلهمة، المفرقة للجماعة، الهادمة للملكة المؤثلة، المغربة الشأو على جميع ما مضى من الفتن الإسلامية، ففاضت أهوالها تعاظماً أدلهني منها، نفس الخناق، وبلل الرماق؛ فاستأنفت من يومئذ تقييد ما استقبلته من أحداثها؛ فأنعمت البحث عن ذلك عند من بقي يومئذ من أهل العلم والأدب لدينا، فلم أظفر منه إلا بما لا قدر له، لزهد من قبلنا قديماً وحديثاً في هذا الفن، ونفيهم له عن أنواع العلم. وانثنيت خائباً خجلاً ألوم نفسي على التقصير، وأحدوها بالأمل، وأعذر من قال " هممت ولم أفعل "؛ وشرعت في التقييد غب ذلك التفنيد، غير مخل به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 ووصلت القول فيما فاتني قبل من ذكر انبعاث تلك الفتنة، وأخبار ملوكها، ومشهور حروبها، مما أصبت به عندي تذكرة، أو أخذته عن ثقة، أو وصلتني به مشاهدة، أو حاشته إليّ مذاكرة؛ حتى نظمت أخبارها إلى وقتي مكملة، وجئت بها على وجوهها، وأوردتها على سبوغها؛ ناشراً مطاويها، ومعلناً بخوافيها، غير محاب ولا حائف في الصدق عليها، سالكاً سبيل من ائتسيت به من مستأخري أصحاب التاريخ بالمشرق، كأبي محمد الحصني، وأبي بكر ابن القواس القاضي، والفرغاني، ونظائرهم من أعلام الفقهاء الذين لحقوا الفتنة الحادثة عندهم بالمشرق بعد الثلاثمائة، من تصريحهم بأخبار أمرائهم المتوثبين على المملكة عند وهن متقلدي الخلافة فيهم. فلأمر ما اعتنوا بذكر أخبار الأعاجم هناك من الديلم والأتراك، مع عدم الفائدة فيها وتفشي العار بوجوهها، وبعدها مما كتبه من قبلهم من أخبار ملوك العرب صدر الإسلام لفظاً ومعنى، وعقداً ومبنى؛ حتى توسعوا في ذكرها، وتناعوا في التنقير عنها. وإن ذلك لا محالة كان لاستغرابهم شأنها، وإكبارهم مجيء الزمان بمثلها، وإشارتهم إلى أنها طرقت هادمة لما بنته الدنيا، مغيرةً لمحاسنها، مزهدة فيها، مؤذنة بانقطاعها، كي يكون البقاء لمن تفرد بجبروته، ويدوم البهاء لمن لا تتساط الغير على ملكوته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 فركبت سنن من تقدمني فيما جمعته من أخبار ملوك هذه الفتنة البربرية، ونظمته وكشفت عنه وأوعيت فيه ذكر دولهم المضطربة، وسياساتهم المنفرة، وأسباب كبار الأمراء المنتزين في البلاد عليهم، وسبب انتقاض دولهم، حال فحال بأيديهم، ومشهور سيرتهم وأخبارهم، وما جرى في مددهم وأعصارهم، من الحروب والطوائل، والوقائع والملاحم؛ إلى ذكر مقاتل الأعلام والفرسان، ووفاة العلماء والأشراف، حسب ما انتهت إليه معرفتي، ونالته طاقتي. وكنت اعتقدت الاستئثار به لنفسي، وخبأه لولدي، والضن بفوائده الجمة على من تنكب إحمادي به إلى ذمي ومنقضتي، طويت على ذلك كشحاً، وأوجبته عزماً، إلى أن رأيت زفافه إلى ذي خطبة سنية أتتني على بعد الدار، أكرم خاطب وأسنى ذي همة، الأمير المؤثل الإمارة المأمون ذي المجدين، الكريم الطرفين، يحيى بن ذي النون. وفي فصل له من أخرى، صدرها: يا مولاي وسيدي، قحطاني زمانه، وغلاب أقرانه، المتوقي في ملكه من ضر اعتماده عليه، ومن هنأه الله جليل الفتح له، وعلى رعيته به، ولا ألهاه طمحان السرور بجلالته عن تحقيق التواضع لمولاه، وإخلاص الخشوع لوجهه، والعياذ بعصمته، من إقراف ما جر مثله على مقترفه، وسؤاله تسويغه إياه، بالنخل له، والفوز بجميل عافيته، بمنه. وله من رقعة خاطب بها ابن عباد بظهوره على ابن ذي النون: لو أن فتحاً اعتلى عن تهنئة ممنوحة بارتفاع قدر، أو جلالة صنع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 أو فرط انتقام مستأصل، أو تنزل حكم من الرحمن فاصل، لكان فتحه هذا لك، على عدو أسود الكبد، مظاهر البغي على الحسد، طال الله ما استحييته لا من خجل، وتنكبته لا عن وهل؛ فأبى له رأيه الفائل، وجده العاثر، وحينه المجلوب، وحزبه المكبوب، إلا اكتساب العار، ومماتنة محصد الأقدار؛ فجمع الجيش ذا الألوف، وتجشم الشقة العنوف، ثم لا يرزأ العدو الغائظ له إلا التسلط على ضعفاء رعيته بإفساده لأقواتهم، ونيله من دماء المحاويج منهم، إلى التقاط سقاط سنبلهم؛ فكم نال فساقه الذي أرسلهم عليهم من دم أرملة غرثى، ويتيمة كفرخ الحبارى، إلى من أصيب فوقهم من عابر سبيل وضارب لمعيشة؛ مؤيم نسوة وموتم صبية؛ أضحوا طعم ذئاب. وفي فصل منها: حتى ابتعثك امتعاضك تحت صدق العزيمة، ومهل الروية، وصواب التدبير، وتقدم الاستخارة، مستظهراً منهن بعدة ضربت عليه بالأسداد، باعدته عن السداد؛ وابتعثك تعالى للسمو إليه لما دنا منك قبل اكتمالك في الاحتشاد، وانتهائك في الإعداد؛ ويسرك لرميه بأهزع الكنانة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 ومظنة النجابة، وطليعة السعادة، الحاجب سراج الدولة سيد العرب أنعم الله به عليك في من حضرك من خاصة الغلمان، لله درهم من حماة حقائق، ومدركي أوتار، ورحضة عار، اهتدوا بقمرهم الساري، وليثهم العادي، وحاميهم الواقي العبادي، مقتفياً أثرك في محمود مواقفك؛ طرف الله عيون حسدتك فيه، ومتعك بما منحك من يمن طائره وسعده اللذين بهما انقض على عدوك انقضاض الكوكب الساري، فخسف به وبجمعه، أحفل ما كان في عديده، وأوثق ما هو بجنوده، فطواه طي الرداء، وغل أيدي كماته عن إعمال القنا، وأرغى فوقهم سقب السماء، فاقتسمتهم أيدي الحتوف بين حر الحديد وبرد الماء [أولى لهم فأولى: قبل الله معذرة المستكرهين منهم، وقارض سواهم بطاعتهم لظلوم فر عنهم فرار الظليم، وأسلم بائياً بالعار الذي قدماً تحاماه ذوو النهى، ورأوا أن الموت منه أحجى، ولم يقرنوا بمعذرة الحارث بن هشام ما الفرار منه أحرى] . وله من أخرى يعاتب صاحب الصلاة ابن زياد: يا سيدي المعتلي بسمو رتبته، المعتدي باعتداء بصيرته، ومن أصحبه الله التوفيق، وأقامه على سواء الطريق، ونحاه من معتبة الصديق: [من كلامهم] : إن أدهى المكروه ما كان من تلقاء المحبوب، لا سيما إن قارن فادح نكبة، ووافق كارث مصيبة، فزادها حطباً وأشعلها نفخاً، وتلك داهيتي العظمى بك، إذ علمت عظيم محنتي بأمتي الفاجرة، التي فلت غربي، وفرت كبدي، ونظمت أشتات المصائب في سلكي، خبلاً للبال، وثلماً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 للمال، الذي لا تنام العين على حزازته وتنام على الإثكال. وكان الظن لتشيعي فيك أن تأخذ بحظك من مشاركتي، فتنكبتها، وتجاوزت إلى قطع آصرتي وتذكية لوعتي، بقيامك دون الخبيثتين النطفتين ابنتي قباط الحناط، جارتي جنبي، ومسببتي كربي، اللهجتين سراً وعلانية بأذاتي وإمداد أمتي الفاجرة خليلتهما في غيها لكون بيتهما دبر بيتي في حائط يليهما. فلم تزل تناولها منه ما تسلله في الفلتات والخرجات السيئات حتى استأصلت متاع البيت. وفي فصل منها: وقد كان صاحب المدينة ذهب إلى اعتقالهما بما لاح من ظلامتي، فبادرته أنت واستنقذت وزكيت غير مستثبت في مآل من استنقذته، ولا سائل عن باطن من زكيته، وشككت السلطان في صدق تهمته، فهل سبقك إلى مثل هذه العجلة قيم شرعة، أو فارس منبر، أو واعظ أمة - فتعلم الآن أن قد قمعتني قمع المقهور، ودحرتني دحر المليم المأزور، وحركت علي من اعتكار الضمير، وفساد التفكير، ما لم أمتلك معه والله عن عرض اسمك عليه، والنجوى ببثي إليه؛ ورجل الدولة الذي اعتمدته بخطابك، وثنيت غربه عن النظر لي، قد حل يده عن ذلك، وأرسلني مخلى العنان في ميدان الخصام الرحيب الساحة؛ وكنت حسبت أنه منحرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 عني فلذلك ما انتحيته بكتابك، وحسبت أيضاً لشغل بالي أن سراك تحت الظلام خفي علي إذ تحدث وتغزل، وأنا عنك بمعزل. وله من أخرى خاطب بها ذا الوزارتين أبا القاسم ابن عبد الغفور: لا أبثك من ذكر حالي لانثلال عرشي، وانفلال غربي، بما أخشى تناسيك له، أو ونيك في المعونة عليه، فأنت طودي من بين هذه الهضاب، ومصدق ظني فيما ينوب من طلاب، الموحي بأشجاني إلى جنان الملك اللباب، نهاية الآمال الرغاب، أقرضك الله بغير حساب. وخاطبه الوزير الأجل أبو بكر ابن زيدون برقعة يقول فيها: وللذي أسكن إليه من حسن قبولك، وجميل تأويلك، أقابل بالحقير، وأواجه بالتافه اليسير. ويعلم الله تعالى لو تاحفتك بهبة عمري، ما رأيت ذلك كفاءً لقدرك، ولا وفاء ببرك، فكيف ما دونه - فلك المنزلة التي لا تسامى، والجلالة التي لا توازى، وما شيء وإن جل إلا ومحتقر لك، مستصغر عند محلك. ويصل مع موصل كتابي هذا ما ثبت ذكره في المدرجة طيه، وأنت بمعاليك تتفضل بقبوله، وتصل أجمل صلة بالتغاضي عن وتاحته، والاستجازة لنزارته، مقتضياً بذلك شكري وحمدي، ومستبداً منهما بجميع ما عندي. فراجعه ابن حيان برقعة يقول فيها: إن لفجآت المسرات الباغتة لآمال النفوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 الحائمة صدمات تذهل الجنان، وتعقل اللسان؛ فمن فرح النفس ما يقتل، ومن باهر الصنع ما يذهل، ولا كمثل ما فاجأني من فضلك المبتدر ميقاته، المقتضى المزيد فيه على وفاق من إنفاض الأزودة، وخمود المصابيح المعلة، وعنة من الظنون المخوفة ينكد السنة. لم يشغلك عن جودك شاغل حتى قضيت نذرك في لأول وقته، ولم ترض بعادتك المتكلفة لي بشأن الدهن، حتى تحملت عني ثقل القوت؛ فلم أكد أشم برق الزيت، حتى نلت ودقه، حاشداً لأحمال البر التي استحقبت أعداله [أوطابه] فأسلات غرته. وطرقني قطار هديتك الفاجئة غداةً أصبحت فيها منفضاً من الزاد، مستوفزاً للارتياد؛ فأجلت عيني منها في حديقة مجد لم يصبها مطر، ولا تكممها زهر، أكسبت فرحي دهشاً، وأحالت بياني بلها، حتى نوولت كتابك الكريم، ونظرت في لآلئه التوم، فيالي به من اهتزاز لذكرك، وارتياح لطولك. فجوزيت أوفى جزاء المنعمين، وأوفر قرض المحسنين، بما أرحت من فكري بكشفك عنتي في أديم يوم هم عام، فعمت فيه أوعيتي، وأفهقت آنيتي، مع أنك قتلت شكري، فلا فضل فيه لمقابلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 معروفك إلا إمحاض الدعاء لك، في حراسة مهجتك، ودوام نعمتك، واستبصار الملك الأعلى عميد الورى مستكفيك، في حسن رأيه فيك. أعاذك الله من عين الكمال، ووقاك طوارق الأيام والليال، وحفظ على زماننا ما فيك من كرم الخلال، وأنهضك بما التزمته من إحناث من أقسم أن الجود في عصرنا عدم لا ينال، بمنه ويمنه. وله من أخرى يهنئ بعض العمال بخلاصه من نكبة: كتابي عن نفس قد أشرق وجه صباحها، وهبت رياح ارتياحها، وسرى نفس السرور فيها، بما طلع علينا من البشائر السارة بخلاصك، وجميل انفكاكك ومناصك، على حين بلغت قلوب الأوداء الحناجر، وكادت موارد الحزن لا تكون لها مصادر، فإن الأيام عمت فيك، بإساءتها إليك، كل منتسب إلى فضل، متسم باسم نبل، وإن كانت قد أصابت فيك سواد ناظرها الذي تضيء به وتتجمل، وسخت منك بحلي جيدها الذي يحق به أن تبخل، فذلك خلق لها لم نزل نصحبها عليه اضطراراً لا اختياراً فالحمد لله الذي كفى ووقى. فأنت أعلم بمجاري الأمور، ومصاير الدهور، وأهدى إلى التسليم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 للمقدور، فلم تورد الأيام عليك من حوادثها المجهول النكر، ولا وردت عليك بالفتكة البكر، ولا هاضت منك بما جنته، ولا هدت من ركنك بما أتته، بل صادفت منك الإبريز الذي لا يزيده السبك إلا تخليصاً، والمبرز الذي لا يعقبه حؤول الأحوال نكوصاً؛ تتلقى الخطوب بصدر وساع، وصبر منفسح الباع؛ وتسبر الدهر بمسباره، وتعرف من مكنونه حقيقة إيراده وإصداره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 @وهذه فصول مقتضبة من طويل كلامه في تاريخه، @وكنيت عن أكثر من به صرح، وأعجمت باسم @من به أعرب وأفصح، رغبة بكتابي عن الشين، @وبنفسي عن أن أكون أحد الهاجين، إلا في بعض @أخبار ملوك الطوائف، لما تعلق بذكرهم من فنون المعارف وله إلى ابن عبد الغفور، وقد أعاره سفراً من تاريخه: ليس يخفى عليك مكان هذه الصحف المستملاة من الصدور، المستعراة من النظير، من أنفس مؤلفيها، وقلوب مصنفيها، فأثبك شأن الاهتمام بها. وناولتك يوم التقينا السفير الحقير، ختام تاريخي المهجور، سائلاً علاك تصفحه كيما تكذب ما زور فيه علي، ولا محالة أن قد فعلت، ورددت وجهدت. واستأخر صرفه إليّ، فحملت ذلك على نسيانك، لتقسم الأشغال لخاطرك، ولمناخ القلق بي: " ويومان من هجر الحبيب كثير "؛ ونفسي منطلقة إلى حضوره حذراً من أن يعدوك، فلا أستقبل فيه الحيرة. فنفضل بصرفه غانماً حميدي، إن شاء الله. فصل: نعي إلينا فلان، وكان في غفلته، وبعد فطنته، وغباوة شاهده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 وفجاجة شمائله، وشكاسة خلائفه، آيةً من آيات خالقه، من رجلس نسمة ريب، وقرارة حرب؛ على لسانه نملة تدب على أعراض الناس، لا يراعي لأحد ذمةً، فصار مشنوءاً إليهم ومرهقاً في دينه محروماً، لم ترتفع له قط حال، ولا فارقه إقلال، ولا أتيح له مرفق إلا من حيث يرتشيه، لتلقين خصم أو توهين عقد، أو دفع حق بمشاغبة، أو بهت خصم بمعاندة، له في ذلك نوادر محفوظة. وكان مع هذه المساوئ وسخ الثياب، زمر المرؤة، محكل الأظفور، وضر الطوق، داني الغائط من المائدة، لا يتقذر شيئاً ألبتة. وهو أول من لاعن زوجة بالأندلس فأرى الناس العمل في اللعان بالعيان. فصل: وكان فلان من البخل بالمال، والكلف بالإمساك، والتقتير في الإنفاق، بمنزلة بذ فيها ملوك عصره. لم يرغب قط في صنيعة، ولا سارع إلى حسنة، ولا جاد بمعروف، فما أعلمت إلى حضرته مطية، ولا عرج إليه أديب ولا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 شاعر، ولا امتدحه ناظم ولا ناثر، ولا حظي أحد منهم بطائل، ولا استخرج منه درهم في حق ولا باطل، فأصبح في اللؤم قريع دهره، وفريد عصره، لا يعد له فيه ملك ولا سوقة. وكان فرط الثوار بصقع الأندلس في إيثار الفرقة، وتشتيت كلمة الجماعة، فاقتطع ناحيةً، وتفرد في الشقاق، وصار جرثومة الخلاف والنفاق، إذ أمه من بعده، وسلك سننه، فتركه الله في ضلاله ولم يرض له عقوبة الدنيا مثوبة، لما هو أعلم به. من رجل كثرت جبايته، وكثف جمعه، فكلما درت ضروع ورقه وتبره، وغزرت استفادته، زاد حرصه، وتضاعف جشعه: كالحوت لا يكفيه شيء يلقمه ... يصبح عطشان وفي البحر فمه فصل: ونعي إلينا عدو نفسه، زاوي بن زيري موقد الفتنة بعد الدولة العامرية. ورد النبأ بمهلكه في القيروان وطنه، بعد منصرفه إليها خاملاً مغموراً بين أعاظم قومه، لم يرتفع له ذكر بينهم. مهلكه كان - زعموا - من طاعونة أصابته. فالحمد لله المنفرد بإهلاكه، الكفيل بقصاصه؛ فلقد كان في الظلم والجور، والاستحلال للمحارم والقسوة، آية من آيات الله؛ أهان الله مثواه، ولا قدس صداه. فصل: وانكدر على أثره من الظلمة المسرفين المترقين من السمسرة إلى شرف المنزلة، فلان الكاتب الضعيف الرأي [والعقل] . وكان قد ركض في حلبة كتاب الرسائل، وقلد جملة من تدبير الأعمال الجلائل، من غير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 معرفة، ولا قديم أبوة، ولا إحكام صناعة. ومن استخدام مثله في شيء من العمل كانت حذرت حكماء الملل والفلاسفة الأول، لاجتماع الخلال الذميمة فيه. فصل: ونعي إلينا فلان صديق فلان، وكانا أخص أخوين، فرق بينهما من عافى الفرقدين. من رجل مرخص في السماع، صب بإنشاد الأغزال المفتنة، مسامح في النبيذ، ظنين الخلوة عهرها، حاط في بعض اللذة، مسف إلى الرشوة، إلى شكاسة خلق وحدة يكدران صفوه، ويبعدانه عن رصانة طبقته. فصل في بكيء: وكان فلان مع تحققه بعلم اللسان، في غير ورد ولا صدر من البيان، مقلاً من العلم، مقلداً، بريئاً من البلاغة، جريئاً على الخطابة، بإيراد ما حفظه من قول من قبله، يطيل مع ذلك فيخرج عن الغرض المقصود. وكان أول ما قام بذلك المقام اختصر القول، ليتخلص من مأزق ضنك لم يقمه قبل. ثم استمر على ذلك فازداد مع المرانة عياً وحبسة، ونثر ألفاظه ولم ينسقها، وطمس معانيه ولم يكشفها، وأقل الابتداع، وحذف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 الحديث، وأدق الكلام، وأحال النظم لما يسرده، فشهد مقامه ألا حر بالواد، ولا فارس للأعواد. فصل: وكان فلان غليظ الطبع، خشن الجانب، وخيم الخيم، فدماص جهم اللقاء، يعتريه ضجر يخل به، قلما ينجو الخصم منه من بادرة، له في ذلك أخبار شائعة. وكان فيما زاد من علته خطأ الطبيب لإصابة المقدار، فبان عليه أثر خطأ العلاج. [قال ابن بسام] : وهذا محلول من قول ابن الرومي: والناس يلحون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدار فصل: ونعي إلينا فلان، وكان فظاً قاسياً ظنيناً جشعاً جباراً مستكبراً قليل الرحمة نزر الإسعاف زاهداً في اصطناع المعروف، أحد الجبابرة القاسطين على الرعية، المجترين على رد أحكام الشريعة وكان مهلكه - زعموا - من طاعونة طلعت عليه ببعض أطرافه، فتجاسر على قطعها بفرط جهالته، فمات معذباً في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 فصل: ومات فلان الغني العبام، حجة الله في الرزق وغيظ الأنام، فنهض بريئاً من كل خلة جميلة، تدل على فضيلة، إلى عي غالب [عليه] ؛ وكان أخوه مثله في الأفن والجهالة، وكلاهما ممن استهينت به خطة الوزارة بحملهما اسمها الخطير الأثير، من غير تعلق في حديث ولا قديم، ولا معرفة بشيء من التعاليم. فصل: وكان فلان من جمع الحطام الدنيوي والكلف بالترقيح، ما حدث عنه فيه كل قبيح، مع انطلاق يده على الأوقاف، وأكل أموال اليتامى والضعاف. أخذ بأوفر حظ من الفلاحة، وضرب بأعلى سهم وأفوز قدح في التجارة. ثم تجاوزهما ثانياً عنانه إلى الاستعمال والعمارة؛ فكم زوج من عوامل البقر مسومة بالاحتراث لسنام الأرضين، محمولة على هام عتاة الجبابرة، إلى عدتها من بساتين ودكاكين، ومنازل مغلة، إلى أعجل جرياً منها وأسرع دوراناً مع الساعات من مناسج الحرير المرتفعة، يحوكها في طرزه، ويرفع له فيها السوق، فيقبض الربح، ولا يستكف سحت الظلمة بأفحش القبح كل القبح. كل هذا من داء الفتنة المبيرة، ولا يزال مع ذلك مضاع الجار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 فصل: ونعي إلينا فلان، وكان مع ثروته مضاع الجار، ممطول الغريم، عاتب الصديق، مكرهاً إلى الأنام، معضوضاً بأنياب الملام؛ مقدماً في صدور الأمثال ببسطة الرزق، على ضيق الباع في العلم والفضل، والاتساع في الجهل، فلا يحفظ من الفقه مسألة، ولا يوثق من الشروط عقداً، ولا يتخلص في التلاوة من سورة، ولا يفيض في الأدب ببيت شعر، ثم يأوي بجهله إلى حرج صدر، وغالب نزق، فلا تلقاه الخصوم أبداً إلا سريع التغضب سيء التناول، ينازق الذباب شراسة. سولت له نفسه الجهول أنه قاض لما ناسب الذكاونة، وأول من ظفر من قلانسهم بطويلة، فنبذ مسحاة الفلاحة، وأعجبته نفسه الغثراء فخال أنه إمام الأمة المستظهر على الإمارة، فارتقى إلى الغي ذرى شاهق زلت منه قدمه، فهوى في الحضيض أسرع من رقيه. غره ابن عمه الشهير البطالة، السفيه الماجن، من رجل دد، لم يكن قط من الجد في صدر ولا ورد، دن شراب، وزير قحاب، دفتره الدف، وتسبيحه السخف، وأنسه بكأس وقينة، ودرسه لنميمة وغيبة، وقضمه لحوم الغافلين، ورأيه رأي المستهزئين. إنما أربه بطنه وفرجه، وهمه عيبته وخرجه، وبطانته كل بطال ماجن ماجن ومأفون عائب، يرضون منه بالكسرة والعرق، جزيئين على تمزيق أهب الخلق، يتجسسون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 له عن أخبارهم، ويهدون إليه معايبهم، بها يعمر مجلسه وينفي ساعات كسله، وبنوادرها يهز مزهره، وترسل النغم عليه رياح ضلوعه. فيالك من شق بلا فصل، وإرهام من غير هطل، يقطع دهره بتعميره الموائد، وتعطيله المساجد. فصل: ونعي إلينا فلان الدغل، غازله السل، كالأفعوان الصل؛ وكان أحد أعاجيب الدنيا في الفجور والخبث، والزهو والكبر، والعقوق والجرأة وانكدر إثر مهلك الجبارين المذكورين؛ وكان من أكابر الظلمة المترقين من السمسرة صدور الفتنة، يجوب البلاد ابتغاء المعيشة، ولا يحاشي الترقيح عن ارتكاب كل قبيح. ولم يكن إلا " كلا " حتى فتحت له أبواب الرزق على عاميته وأفنه وأميته. وكان إذا كتب مضطراً يضحك من تأمله، له في ذلك نوادر محفوظة أمسى بها من حجج الله تعالى في الرزق المقسوم: لو كانت الأرزاق مقسومة على الحجى لم يرزق. وهذا من قول حبيب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 فصل: وفلان أحد من انسدل عليه السرت في هذه الفتنة المبيرة، وكان على نباهة اسمه عاطلاً من الفضائل التعاليمية، إلا أنه كان ذرب اللسان، كثير النوادر، ذا جواب حاضر، وكان يقلب بالجني؛ فعاتبه يوماً فتى من قريش المروانيين بقرطبة فقال له: ما عندك من خبر السماء - فقال: انقراض سلطان بني مروان؛ فأفحمه. فصل: وصدر فلان مع أصحابه الرسل، وقد امتلأت حقائبه مما قمشه من السحت، بضروب الكدية والشحذ، وبخل حتى بالزاد المأدوم في الطريق، وضن به على الرفيق، وأشرج عليه الجوالقات تأميلاً في توصيله للبيوت في حمارة القيظ حتى زنخ، فكان أحرص الوفد - زعموا - على قمش ذلك السحت، وأغوصهم على استخراجه، وأشرههم على التعرض بطلبه، فلان منهم الولي اللوم العاطل من كل حلية جميلة تدل على فضيلة، فإنه حملت عنه في ذلك أخبار، إلى زيادة مساو فيه غضت ممن أرسله وصرفه. قال ابن حيان: ولولا أن أكون لهم مغتاباً، ولرسل نفذوا عن البيضة ثلابا، لشرحت من مساوئ أخبار هذا الوفد أكثر مما وصفته. قلت أنا، صاحب الكتاب: حاشاك أبا مروان من الثلب والاغتياب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 فصل: وفلان ساذج الكتابة، بين الجهل والتخلف، طلق اللسان بالحنا والهجر، أحد الأفسال من أولي النباهة، عظيم البطالة والباطل، ومن كل حلية جميلة عاطل، من رجل عي اللسان، مثلوم الجنان، فدم الخلقة، طويل اللحية متهافت، لم يرهف الأدب طباعه، ولا استخرج منه كلمة حكمة. فصل: ومن غرائب هذا الدهر الغفل في اعتبار تحول العالم، والتنويه بمضاعي الأسافل، أن هلكت أم عجوز لبني كوثر، فاهتبل بنوها في السعي لها، وإنذار طبقات الناس لشهود جنازتها بأنفسهم والمشي على أعاظم القرية بنعيها، فسارعت طبقاتهم لشهود جنازتها، فجيء بسريرها، وابن جهور الوزير يقدم حضارها ماشياً على قدميه، قد ائتسى به كل ذي منزلة رفيعة، ووقف على جدثها إلى أن ووريت وانفض جمعها، ثم ضرب على قبرها قبة عالية تمهيداً للمبيت عليها طول أسبوعها ومدة زيارة قبرها، حسبما كنت الجبابرة تفعله في الأعصر الخالية على قبور الملوك الأغرة؛ فقضي العجب بمشاهدة هذه النادرة في امرأة من [نساء] حثالة العامة، مرددة في الخمول، لم يكن قط بينها وبين النباهة من كلا طرفيها نسبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 في الدولة القريبة ولا البعيدة، ولا ظفرت ببعل مثر ولا ذرية نبيهة؛ عهدي ببعلها الشيخ مطرف ناجل هؤلاء الصبيان من بنيها قرنبى حزقةً، أحد سماسرة البر بقرطبة، يروح بها يومه الأطول كميش الإزار، أعظم أفراحه ظفره بقوت يومه. وكان مع ذلك كثيراً ما ينتاب الخانات على قله وقماءة حاله، فيروح نشوان العشيات يمسح الأرض بأسماله. وكان له تقدم في ضرب القرقرة، محكماً لأفانين إيقاعها. فسبحان الكبير المتعال، ناقل الأحوال مبدل العسر يسرا. فصل: وتوفي فلان، وما علم بموته لخموله، وأخنى الدهر على أهل بيته؛ على أنه كان خالفةً منهم تطبعاً، عاطلاً من كل خلة تدل على فضيلة وله أولاد سخف قاسموه الجهل شق الأبلمة. فصل: وتوفي الوزير الحسيب، أحد أعاظم القرية قرطبة، فسيء عوام الناس بمهلكه. لعفاف كان يبديه، وبشر يشيعه ويستعمله، وينطوي من أمثاله لأهل الدنيا على ضده؛ إذ كان زاهداً في إسداء المعروف، راغباً عن اتخاذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 الصنيعة، تاركاً للمواساة، شرهاً إلى الحطام الدنيوي، عطلاً من جميع التعاليم المحظية، لا يجيل في شيء منها قدحاً، ولا يقيم لسانه لحناً؛ وكان قد عضه صرف الزمان المتقلب بأهل بلده فأقعده إلى الأرض، واضطره إلى التوكل على مساحته، مرقحاً معيشته بعمارة بستانه، إلى أنعطف الدهر عليه بصحبة متوثبي السلاطين المنتزين على الأقطار وسط الفتنة، فخاض معهم، وصار أخص من مارسها، وشاطر السلطان خطة المواريث، ولزمه العمل على ذلك فسلخها نيفاً على عشرين سنة، مرى فيها درتها من غير تعقب ولا توقع عزلة، إلى أن تولت ذلك منه المنية، وقد اقتعد الثرى مطية. فصل: وتوفي الفقيه النبيه، السريالمغفل، المجتمع على كمال خصاله، المتفق على كمال خلاله، بقرطبة، أبو القاسم سوار بن أحمد، ختام رجال المملكة بها، وسوار معصمها لدى أيام الزينة، وكان حليماً وقوراً ركيناً، مطلق البشر، حسن المشاركة، متودداً إلى الناس، وجيهاً إلى السلطان - على انزوائه عنه، وقد أراده أمراء التصرف فاستعفاهم، فخلوه واختياره، وكسوه أثواب الوزارة فنضاها، ولم يعج عليها ولا ارتضاها، حتى سقط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 عنه اسمها، وكان على خصاله الجمة من أحفظ الناس لأخبار بلده قرطبة وسير ملوكها المروانية، وأحصاهم لنوادرهم وآثارهم وعيون أخبارهم، بفصاحة لسان، وخلابة منطق، وحسن إيراد، يصور إليه الأفئدة. فصل: من رجل غبر دهره، عطلاً لا ينظر في شيء من التعاليم،، إلى أن فتح الله عليه درس هذه المسائل الفقهية، فركض في حلبة الفقهاء المشاورين، وقدم لعلو السن لا لعلو الدرجة، وكان في ذاته كريه الطلعة، باذ الهيئة، درن الكسوة، هزيل الدابة، يمتهن نفسه في خدمة أهله، مما يتنزه عنه كثير من العامة، تقتحمه عيون الناس ويحصون نوادره، وكان موصوفاً بالنهم، على ضؤولة جسمه، وانهداد قوته، وملازمة الذرب لمعدته، وطلبه لعلاجها. فصل: من رجل معدن من معادن الجهل والأفن والغباوة، وحجة من حجج الله تعالى في الرزق، واستظهر بما رأى الناس فيه من شدة وطأة المجاعة بما شاء من وفور الزاد وكثرة الطعام ونفاسة البر وسعة الثروة، فاغتدى على فرط الزلزلة في المجاعة بكثرة القوت والطعام أرسى من ثهلان وثبير، بما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 يفوت التقدير، وولي المظالم صدر اكتهاله أيام التخليط الواقع بمنبعث الفتنة: ومن المظالم أن ولي ... ت على المظالم يا فزاره فصل: ومضى فلان فأدرج في جننه غير فقيد، لم تبك عليه غير نفسه، إذ لم يكن لغيره نصيب في خيره؛ لأنه كان جهم المحيا، باسر اللقاء، مشنأ إلى الورى، شكس الجبلة، كز الخلقة، سريع الضجر، شئن الطبيعة، متغمغم المنطق، لا يكاد يبين الكلام، لا طريق للخير من وجه عليه، ولا يتأدى بسبب إليه؛ وكان مع ذلك مصاحباً للظلمة من أمراء الفتنة، خواضاً في دولهم المدلمة، معيناً على مظالمهم الموبقة، قد رزق الحظ في شأنه. وبعد الصيت في جودة حوكه لأعماله، فاكتسب وثري من المال، محوطاً بمنيع الجاه، مغلولاً بوثيق من الشح، لا يتسلط عليه حق ولا باطل، ولا يمتريه مجتد ولا سائل، ولا حظي أحد منه بطائل. فصل: وكان حجة الله في القسم، ومحنته لذوي الفهم، إذ كان من الأمية والعامية وخمول الأصل، ونذالة الفرع، ولؤم الأطراف، ودخلة الأعراق، على ثبج عظيم، وبمكان مقعد مقيم، وعفو الله لا يبعد عمن جاءه بقلب سليم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 فصل: وانكدر بإثر وفاته ابن باشة المعروف بالأصغر، هدام القصور، ومبور المعمور؛ وكان من التبحبح في اللؤم، والالتحاف للشؤم، مع دناءة الأصل والفرع، وتنكب السداد، وتقيل الفساد، على ثبج عظيم. بيده بادت قصور بني أمية الرفيعة، ودرست آثارهم البديعة، وحطت أعلامهم المنيعة. وصار من البديع أن قدمه ابن السقاء مدبر قرطبة وقت النظر في جميع آلات ما تهدم من القصور المعطلة؛ فاغتدى عليها أعظم آفة، يبيع أشياء جليلة القدر، رفيعة القيمة، في طريق الأمانة، ولم يك مأموناً على باقة بقل؛ فعاث فيها عياث النار في يبيس العرفج، وباع آلاتها من رفيع المرمر، ومثمن العمد، ونضار الخشب، وخالص النحاس، وصافي الحديد والرصاص، بيع الإدبار. ولم يزل ينفق ما غل بمرأى ومسمع في أبواب الباطل، حملت عنه في التبذير نوادر تشهد بأن الدار ليست بدار مثوبة ولا جزاء. وكانت رسل أملاك الأندلس تأتيه كثيراً في ابتغاء ما لديه من تلك الآلات بالأثمان النفيسة، فيبذلها هو في أنواع الضلالات إلى أن استنفدها على طول المدة، ثم فقر آخر مدته، واختل واعتل، ووافته منيته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 وقد اغتدى مثلاً لمن عرفه وسمع به. وأغيظ من ذلك لأولي الألباب تسليطه على هدم قصور بني أمية المبتناة على أساس العلا، المسخر فيها أصناف الورى، المكتملة الاستواء في حقب من السنين تترى، حتى اغتدت بجزيرة الأندلس كإرم ذات العماد لا يخشى على أركانها انهدام، فلما أذن تعالى بحط أعلامها، وطمس آثارها، أتاح لها هذا الأنيسيان الضعيف القوى، القصير المدى، كإتاحة الجرذ المهين لسد مأرب ذي الأنباء البديعة، فدكدكها حتى عادت كوم رماد ومصايد ضباب، ولم يقلع عنها حتى أوقع النار على صخورها، وصيرها كلساً لكل مرتاد. فيا لها موعظةً لمن بقي على الأرض ممن لحق هذه البقعة السعيدة بدولة أملاكها. فتبارك منزل الآيات ومعجل النقمات، ومصرف الدولات ومبدل البقعات. قال ابن بسام: إلى هذا المكان انتهى ما أخرجته في هذا الفصل من كلام ابن حيان. وكان عندهم بقرطبة خاتمة المتكلمين وجمهور المحسنين، على ما تراه ركب من إثم، واحتقب من ظلم، وتناول من عرض، وأطبق من سماء على أرض، عجباً بافتنانه، وتعجيباً من بيانه، وتنبيهاً على مكانه من علو شانه ومشهور إحسانه. وعجائبه أكثر إعلاماً، وأشهر أياماً. وأكثر ما وجدته من كلام هذا الشيخ الباقعة، ففي هذا الباب - أعني الذم - أحفى شباة قلمه، وخلد أوابد كلمه. ولو وجدت له في سواه شيئاً استشهد به على فضله، وأجعله ذريعةً إلى الثناء بنبله، لكنت له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 أجمع، واليه أسرع. وعلى كل حال فقد سلم على لسانه أكير بلده أكبر أهل زمانه، أبو الحزم ابن جمهور، وابنه بعده، فجرى لهما بأيمن طائر، ولم يعرض لذكرهما إلا بخير، وقد أثبت من ذلك ما دل على الإحسان، ووفى بشرط الديوان. - فصول من كلامه في إيجاز الخبر عن أولية دولة بني جمهور قال ابن حيان: وفي منتصف ذي الحجة من سة اثنتين وعشرين وأربعمائة، بعد خلع هشام المعتد ومقتل وزيره حكم الحائك، اجتمع الملأ من أهل قرطبة على تقليد أمرهم وتأميرهم للشيخ أبي الحزم ابن جهور، وعددوا من خصاله ما لم يختلف فيه أحد منهم، وأبى من ذلك، فألحوا عليه، حتى أسعفهم شارطاً اشتراك الشيخين: محمد بن عباس وعبد العزيز بن حسن ابني عمه خاصة من بين الجماعة، فرأوا مشورتهما دون تأمير، فرضي الناس بذلك، وخلعوا من دونهم من الرؤساء، ووحدوا له عقد الرياسة، فأعطوا منه قوس السياسة باريها، وولوا من الجماعة أمينها المأمون عليها، فاخترع لهم لأول وقته نوعاً من التدبير حملهم عليه، فاقترن صلاحهم به، واقتصر من الجند على أعيانهم، وسد باب البرابر جملة إلا من قد صار في البلد من بني يفرن الموثوق بهم، وأقصى من سواهم من فرق البرابرة من غير إيحاش، فنال منهم الرضى، وملكهم عما قليل، وأصبح في ذلك عجباً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 وأجاد السياسة، فانسدل به الستر على أهل قرطبة مدته، وحصل كل ما يرتفع من البلد في جميع أوقاته، بعد إعطاء مقاتلته فارسهم وراحلهم، وصير ذلك بأيدي ثقات من أهل الخدمة، مشارفاً لهم بضبطه، فإن فضل شيء تركه بأيديهم مثقفاً مشهوداً عليه إلى أن يعن وجه تصرفه فيه، لا يلتبس بشيء منه ولا يدخل داره، ومتى سئل قال: " ليس لي عطاء ولا منع، هو للجماعة وأنا أمينهم "؛ وإذا رابه أمر أو عزم على تدبير، أحضرهم وشاورهم فيسرعون إليه، فإذا علموا مراده فوضوا إليه بأمرهم؛ وإذا خوطب بكتاب لا ينظر فيه إلا أن يكون باسم الوزراء. فأعطى السلطان قسطه من النظر، ولم يخل مع ذلك من النظر لنفسه وترقيحه لمعيشته، حتى تضاعفت ثراؤه وصار لا تقع عينه على أغنى منه، حاط ذلك كله بالبخل الشديد والمنع الخالص، اللذين لولاهما ما وجد عائبه طعناً، ولكمل لو أن بشراً يكمل. وكان مع براعته ورفعة قدره، وتشييده لقديمه بحديثه، من أشد الناس تواضعاً وعفة وصلاحاً، وأنقاهم ثوباً، وأشبههم ظاهراً بباطن، وأولاً بآخر، لم يختلف به حال من الفتاء إلى الكهولة، ولم يعثر له قط على حال يدل على ريبة؛ جليس كتاب منذ درج، ونجى نظر منذ فهم، مشاهداً للجماعة في مسجده، خليفة الأئمة متى تخلفوا عنه، حافظاً لكتاب الله قائماً به في سره وجهره، متقناً للتلاوة، متواضعاً في رفعته، مشاركاً لأهل بلده، يزور مرضاهم ويشاهد جنائزهم. وفي فصل: واستمر ابن جهور في تدبير قرطبة، فأنجح سعيه بصلاحها، ولم شعثها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 في المدة القريبة وأثمر الثمرة الزكية، ودب دبيب الشفاء في السقام، فنعش منها الرفات، وألحفها رداء الأمن، ومانع عنها من كان يطلبها من أمراء البرابرة المتكنفين لها، المتوزعين أسلابها، بخفض الجناح والرفق في المعاملة، حتى حصل على سلمهم، واستدرار مرافق بلادهم،. ودرأ القاسطين عليه من ملوك الفتنة، حتى حفظوا حضرته وأوجبوا لها حرمةً، بمكابدته الشدائد حتى ألانها بضروب احتياله؛ فرخت الأسعار، وصاح الرخاء بالناس أن هلموا، فلبوه من كل صقع، فظهر تزيد الناي بقرطبة من أول تدبيره لها حتى ملأوا المساجد والأفنية، وسمت أثمان الدور بها، والابتناء لخرابها الفاشي، أخذاً بالهوينا، فاتصل البنيان بها، وغلت الدور، وحركوا الأسواق، فعجب ذو التحصيل للذي أوى إليه في صلاح أحوال الناس من القوة ولما تعتدل حال، أو يهلك عدو، أو تقو جباية، وأمر الله تعالى بين الكاف والنون. وتوفي أبو الحزم ليلة الجمعة السادس من محرم سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، فصار الأمر إلى ابنه أبي الوليد محمد بن جهور بن محمد بن جهور ابن عبيد الله السر من آل عبدة، نهاية الشرف الأثيل بقطربة، على أس الدهر المغرب شأوه في نظم قلادة خمسة ككعوب الرمح أنبوباً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 على أنبوب، هم ما هم، تناقلوا الوزارة والكتابة ما بينه وبين خامسهم عبيد الله ذي المنقبة الزائدة، خولهم الله الرياسة على تعاقب الأزمان واختلاف الأعصار، ولم تنقلها الفتنة إلى أن ورثها تربها هذا الوالي الفاضل أبو الوليد، ولما يعرف البؤس يوماً، فأعانه ذلك على الحسب والمروءة، وأقر أبو الوليد لأول ولايته الحكام، وأولي المراتب على حسب ما كانوا عليه أيام أبيه. قال ابن حيان: وكنت ممن جادته سماء الرئيس الفاضل أبي الوليد الثرة، وكرم في فعله ابتداء من غير مسألة، فأقحمني في زمرة العصابة المبرزة الخصل، مع كلال الحد وضعف الآلة؛ واهتدى لمكان خلتي وقد ارتشف الدهر بلالتي، بأن قلدني [إملاء] الذكر في ديوان السلطان المطابق لصناعتي، اللائق بتحرفي، براتب واسع، لولا ما أخذ على كتم ما أسداه لجهدت في وصفه، وإلى الله تعالى أفزع في إحمال المكافأة عني برحمته. ثم اقتفى أبو الوليد آثار أبيه أبي الحزم في السياسة من درء الحدود ما وجد إلى ذلك سبيلاً، والتأول في تعطيل الإقادة بالحديد ألبتة، لعدم الإمام المجتمع عليه في الوقت، والتربص لإدبار الفتنة؛ فأصبح من العجب العجاب تكاف الناس في الأعم عن التظالم والتسافك، بخلاف ما كانوا عليه تحت الضبط الشديد، وتجاوز الحدود، بأيدي جبابرة أصحاب الشرطة أيام الجماعة، فلا يكاد يسمع لشرارهم من معهود ذلك إلا النادرة الفذة. وبرز أيضاً أبو الوليد في فك العقل السلطانية، وأنفذ الحكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 في المظالم الديوانية، وعقار الغيب عن قرطبة التس أجلها الفتنة الغماء، أشياء عظيمة القدر توقف والده عنها، فأطلقها وردها على أربابها، وشمل العالم الدعة. وأما عترة الأشراف الأموية، فتقلب بهم الزمان، وغير أحوالهم الحدثان. وكان بقرطبة منهم طائفة غامضة الشخوص، باذة الهيئة، عارمة الأدب والمروءة، متطبعة بأخلاق العوام الغفل، أكثرهم من ولد الناصر، معصوبين بيعيسيب لهم من أبناء أمرائهم في الفتنة يدعة ابن المرتضى، أبوه كان صاحب البيعة بالثغر يومى إليه بالأصابع؛ فخالطه من ذلك على سكر الشباب وخيلاء الشرب والأفن والغباوة عجب وغطرسة، عقد ناصيته بالثريا، فاصبح من طماح همته في جهد، يراقب الناس منه فتنة عمياء، ويمشي في الناس مختالاً، أصعر الخد، أشوس اللحظ، جميل الرواء والشارة، عالي القلنسوة، تلحظه العيون، وكان له بقايا من شيع المروانية؛ فبلغ ابن جهور عنه ما بعثه على إزعاجه من قرطبة، فاستقر بشرقي الأندلس حيث اضطرب أبوه المرتضى، فبطل الإرجاف بعده. قال ابن حيان: وفي سنة ست وخمسين وأربعمائة كثر خوض أهل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 قرطبة في الذي رأوه من تنافس ولدي أبي الوليد محمد بن جهور في الانتصاب لخلافته: عبد الرحمن كبير جماعتهم، وأخيه عبد الملك أشهمهم فؤاداً وأصلبهم عوداً، الذي كشف عن وجوهم غمة مركسهم ابن السقاء، كافر نعمتهم، فاستدرك لهم ما كان تولى من سلطانهم، لفتكته به التي أثبتت أوتاد ملكهم، ثم شد يده بطلب حقه من ذلك، ونازع أخاه كبير عبد الرحمن ما ذهب إليه من التفرد به؛ وقد كان أشار على أبيهما بعض حلفائه من رؤساء الأندل بإيثار عبد الرحمن منهما، فتمسك الشيخ بحظه من إرضاء ولده الصغير عبد الملك، فمال إلى قسمة الرياسة بينهما حياته، غير ناصبٍ لأحدهما للأمر، يقضي الله به لمن يشاء بعده، صنيع والده فيه؛ فمتع نفسه بهواها في صغير ولده، وأنشد قول ابن الجزيري: وإذا الفتى فقد الشباب سما له ... حب البنين ولا كحب الأصغر فأرتع ولديه هذين في دنياه، وبسط أيديهما في سلطانه، فطفقا يستميل كل منهما طائفةً من الجند، ويصطنع من الرعية فرقة، ويفتلذ من عقيدة الملك فلذة، فأصبح الأمر مختلطاً، والأرباب متفرقين، والمخاوف تطلع من كل ثنية، والهوادي تؤذن بالأعجاز، والله كل يوم في شأن. ثم خاف عليهما، فجعل إلى أكبرهما عبد الرحمن النظر في أمر الجباية، والإشراف على أهل الخدمة ومشاهدتهم في مكان مجتمعهم، والتوقيع في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 الصكوك السلطانية المتضمنة للحل والعقد، والاطراح والضم، وجميع أبواب النفقات، ألجأ كل ذلك إلى ختمه، وأمضاه تحت حكمه. وجعل إلى عبد الملك النظر في الجند، والتولي لعرضهم، والإشراف على أعطيتهم، والركوب فيهم لدى الروع، وتجريدهم في البعوث، والتقوية لأولادهم، وجميع ما يخصهم؛ فرضياً منه بهذا التقسيم، وأقامها به على الصراط المستقيم. قال ابن بسام: إلى هذا الموضع انتهى ما وجدته من أخبار الدولة الجهورية من كتاب ابن حيان وقت تجردي للفراغ من تتميم هذا الديوان، واستعجلت لإخراج هذه النسخة المقررة منه، وأعياني تتبعه لآثارهم، وشرد عليّ وجود لفظه ونظمه لبقية أخبارهم، ولم أجد من نظامها، لتجيء أخبارهم بتمامها؛ فرقعت الضحى بالغلس، وجمعت بين حافر العير وجبهة الفرس، على تفاهة علمي، وغب نوبٍ أنستني اسمي، وجرت مجرى الروح في جسمي: كان عباد قد خامر صدره من شأن ابن السقاء مدبر دولة بني جهور ما لا يسعه بوح ولا كتم، ولا يردعه سفه ولا حلم، شرقاً يحسن سيرته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 608 وفرقاً من استمرار مريرته، وحسداً لآل جهور في من حسم عنهم الأطماع، وجمع دولتهم الشعاع. فقد كان ابن السقاء هذا من الاستقلال بمكانه، والضبط لسلطانه، والاستيلاء على ميدانه، بحيث يخيف الأنداد، ويغيظ الأعداء والحساد. فدس عباد إلى عبد الملك بن جهور من جسره على الفتك، وإلى ابن السقاء من ألقى في روعه حب الملك، وكلاهما راش وبرى، حتى جرى القدر بينهما بما جرى. وسيأتي الخبر عنهما مشروح الأسباب، في القسم الرابع من هذا الكتاب. وخلا لعبد الملك الجو بعد ابن السقاء؛ فأعرض وأطال، وطلب الطعن وحده والنزال: وأعجبه شأنه وازدهاه، وأمره شيطانه ونهاه؛ ووجد عباد السبيل إلى شيء طالما كان شرد كراه، ونغص عليه كثيراً من لذة دنياه: من افتقار بني جهور إلى نصره، وتصرفهم بين نهيه وأمره. وانقبض عن عبد الملك لأول استبداده بالأمر حماته الذين كان ابن السقاء يرفعهم برفعه، ويصطنعهم بحذقه، ويوردهم ماء سماحته وبذله، ويلحفهم ظلي تواضعه وعدله. وقد خامر نفس يحيى بن ذي النون من الشغف بقرطبة ما هون عليه إنفاق المال، واحتمال الأثقال، وتكلف الحل والترحال؛ فهي مضمار خيله، ومدرج سيله، وحديث نفسه، وهم يومه وأمسه. وخلت السنون، وغالت عباداً المنون؛ وصار الأمر إلى ابنه المعتمد سنة إحدى وستين [حسبما يذكر في القسم الثاني من هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 المجموع، إن شاء الله] . فلما كان سنة اثنتين بعدها، دلف ابن ذي النون إلى قرطبة، وكان لا يغبها شره، ولا ينام عنها مكره؛ وقد احتاج عبد الملك بن جهور إلى استمداد من المعتمد لانفضاض من لديه، وعجزه عما كان أسند من تدبير قرطبة إليه، فأمده المعتمد بجمهور أجناده، على أكابر قواده، قد تقدم إليهم بمرداه، ونهج إليهم سبيل إصداره وإيراده؛ فوافوا قرطبة، ونزلوا بربضها الشرقي، وأقاموا بها أياما يحمون حماها، وأعينهم تزدحم عليه، ويذبون عن جناها، وأفواههم تتحلب إليه. فلما سئم ابن ذي النون سفره واجتواه، وقضى من غزو قرطبة وطره وما قضاه، أخذ في الرحيل عنها، فما انقشعت سدفة ليله، ولا تمزق غبار سنابك خيله، حتى هتك العباديون الحريم، وركبوا الأمر العظيم؛ باتوا متحدثين بالقفول، ثم غلسوا مظهرين للرحيل؛ وعبد الملك متأهب لتشييعهم، عازم على البكور إلى توديعهم، وشكرهم على حسن صنيعهم،؛ فلم يرعه إلا إحداقهم بقصره، وارتفاع أصواتهم بالبراءة من أمره، وإصمات الأفواه عن ذكره؛ وقد تمخضت له ليلته بيوم عقيم، وافتر له ناجذ صبحها عن ليل بهيم، ومشى من أنصاره هنالك بين أسد شتيم، وأسود مسموم: ومن يجعل الضرغام للصيد بازه ... تصيده الضرغام في من تصيدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 610 وقبض للحين عليه وعلى إخوته، وسائر أهل بيته وأسرته. وبالغوا لوقتهم في انتهاك حرمه، وإزالة نعمه، وإخفار ذممه. وأخرج الشيخ اليفن أبو الوليد - بقية أشراف الأندلس في وقته - مفلوج الشدق، مائل الشق، مغلوب الباطل والحق؛ لم تحفظ له حرمة، ولا رعي فيه إل ولا ذمة. بلغني أنه لما وسط به قنطرة قرطبة خارجا منها على مركب هجين، وحاله تقر عيون الحاسدين، رفع يديه إلى السماء، وأخذ يبتهل في الدعاء، وكان مما حفظ عنه قوله: اللهم كما أجبت الدعاء علينا فأجبه لنا؛ فمات بعد أربعين يوما من نكبته بجزيرة شلطيش مزال النعمة، [مذال الحرمة] ، فتعالى المنفرد بالبقاء، جبار الأرض والسماء. وأقرت ساقته بها، فأقاموا هنالك أكثر أيام المعتمد، يأخذهم الحدثان ويدعهم، ويخفضهم الزمان أكثر مما يرفعهم. @فصل له في ذكر رحيل أين ذي النون عن قرطبة يقول فيه: لما نزل ابن ذي النون بسبيله، فكشف الله هممه عن أهل قرطبة، أبدوا الشمات به، وقضوا بالإدبار عليه، وتنقصوا حجاه، واستفالوا رأيه، وأضافوا سمو محله إلى حظوة جده، من غير استعانة منه بغريزة لب، أو مادة معرفة، أو اكتساب تجربة، إذ جمع الجيش ذا الألوف المختلفة الألسنة، الناهك الكلفة، فجره على بعد الشقة إلى قرن غفل غبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 منخلع من صالح الخصال، مترد في هوة السفال، لا يتحرز منه في حال من الأحوال، راكب للغي، مستميت على الإمارة، مطرح للنظر في العاقبة، شتيت الشمل، قليل الوفر، نزر العدد، حال البلد حاضر أهله، إلى من فارقوا من جاليهم، قد وقذه، ورجاله ورعيته طول ما صحبوا الغلاء وحالفوا المجاعة، يكاد يأسه يستولي على طعمه فيدفعه بالتوطي عن الكريهة، والتحكيم على متقلد خطة البغي في سوء العاقبة، قد مثل منتصبا لحظته، لابسا فؤاد القاسي فوق درعه، يكاثر بحور الحصى من فرط جهله، قد جمع محاشه عند شمرته لحربه، فما إن تتامت عدتهم مائتي فارس، أكثرهم مسوقون حاقدون معوقون مستقصرون، يشتري لهم القوت من السوق، مضيقاً على رعيته، ويزدلف بهم في غد أيامهم، ويعدهم ثواب عاجل الطعن نسيئةً على مستأخر النصر؛ قد علم ذلك من اختلال أحواله عدوه المتظاهرة قواه وعدده، فنزل بساحته نزول النظير له، المتكافئ العدة، متسنماً هضاب جبل البلد المسامتة لباب المدينة الجوفي، مهتضماً وأحبشه اللهام، بإنزاله إياهم ساترات تلك الأهضام، كالمتقدم بالاستظهار على مرهوب بيات الليل ومغافصة النهار، قد اقتصر من اللصوص بأهل البلد والموالاة لقتالهم على قفص يده لزروعهم؛ أطال بذلك حصار قرطبة، وأعداؤه يعجبون من طول كنفه لها، ويرونه لا محالة محروم المصال، مع ما يزجي من كتائب لو قادها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 غشوم مسلط يوفيها حق إقدامها على من قادها إليه، لما قاومه نظير من أملاك أفقه، إذ يقول عدة دارعين ما بين أجناده وأمداده، ذوي ألسنة شتى، وبطارق أعزة تعرب عنهم التراجمة؛ لكنه سلطان الله يؤتيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء. وما أحسن ما تمثل به معاوية عندما أفاده جده بحظوة الخلافة دون عليّ رضي الله عنه الذي نازعه إياها، على بون ما بينهما، إذ قال وقد جرى ذكر عليّ رضي الله عنه وخيبة سعيه: لئن كان أدلى خاطباً فتعذرت ... عليه وكانت رائداً فتخطت فما تركته رغبةً عن جنابه ... ولكنها لآخر خطت فليت شعري ما الذي يقوله مهنئ ابن ذي النون بقفوله إلى حضرته، ويصوغه ممتدحه في تمجيده، مع ضيق تولجهما، عن معذرة ينحلانها له، واعتياص احتيالهما في تخليصه ن قبيح ما ركبه - إن وجوه التكذب لتخجل دون مقابلته، والله تعالى شهيد عليه، كفيل بجزائه. فلما تولى ابن ذي النون وقفل لطيته، أصبح فؤاد سلطان قرطبة الرابض إلى جنبه فارغاً من همه، مسترجحاً لرأيه، حامداً لجده، واثقاً بدوام ملكه، يرى أن قد فاز بحظه، بإيقاد نار الفتنة بين ابن ذي النون وابن عباد قرنه، وأنه مخير في التشبث بها، والانفصال عنها، متى شاء وكيف ارتأى. فاشتد جذله، واسترخى لببه، وارتاح إلى منصرف من عنده من رجل ابن عباد الثقال عليه، كيما يخلو بشأنه. فجعل يدس إليهم من يعرض، ويقطع تعدهم، وهم يرونه الحرص على الانطلاق عنه، والاستبطاء لإذن أميرهم لهم وقد كاتبوه، ويأخذون في التأهب لمسيرهم، ويعدون من ذهب إلى السفر معهم بوشك رحيلهم، وسرى القين أولى بهم. وقد سرى بين قوادهم وكبار من جاورهم من أهل البلد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 من التدبير معهم، في أخذهم لسلطانهم البيعة التي تريهم أموراً غابت عنه، أذهله عن التجسس عليها انهماكه في لذاته، ومقارفته لمدامه، إلى أن انتهت مدتها. فثارت الجماعة بعد مسير ابن ذي النون عنه بسبعة أيام سواء، وكان من خلعه وزوال أمره ما نذكره بعد هذا إن أعاننا الله. قال ابن بسام: فصح عندي أنه وصف كيفية خلعهم وإخراجهم من قرطبة في جزء كبير سماه " البطشة الكبرى " في مجلد كبير لم يقع إليّ وقت هذا التحرير. @فصل في ذكر الفقيه القاضي أبي الوليد المعروف بابن الفرضي شاعر مقل، هو في العلماء أدخل منه في الشعراء، ولكنه حسن النظام، مقترن الكلام، رحل ورحل إليه، وأخذ وأُخذ عنه. أخبرني الفقيه أبو بكر ابن الفقيه الوزير أبي محمد ابن العربي عن الفقيه أبي عبد الله الحميدي قال: حدثني الفقيه محمد علي بن أحمد بن حزم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 قال: أخبرني القاضي أبو الوليد ابن الفرضي قال: تعلقت بأستار الكعبة وسألت الله الشهادة، ثم انحرفت وفكرت في هول القتل فندمت، وهممت أن أرجح فأستقيل الله ذلك فاستحييت. فمات مقتولاً رحمه الله في الفتنة أيام دخول البرابرة قرطبة سنة أربعمائة. قال أبو محمد ابن حزم: أخبرني من رآه بين القتلى يومئذ وهو في آخر رمق يقول: " لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك ". كأنه يعيد على نفسه الحديث الوارد في ذلك، ثم قضى نحبه هنالك. وهذا الحديث في الصحيح، أخرجه مسلم بن الحجاح مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخبرني الفقيه المذكور عن الحميدي قال: أنشدني الفقيه أبو عمر ابن عبد البر، قال: أنشدني أبو الوليد [ابن] الفرضي شعره في طريقه إلى المشرق في طلب العلم، وكان كتب بها إلى أهله، حيث يقول: مضت لي شهور منذ غبتم ثلاثة ... وما خلتني أبقى إذا غبتم شهرا وما لي حياة بعدكم أستلذها ... ولو كان لم أكن بعده حرا سأستعتب الدهر المفرق بيننا ... وهل نافعي أن صرحت أستعتب الدهرا أعلل نفسي بالمنى في لقائكم ... وأستسهل البر الذي جبت والبحرا ويؤنسني طي المراحل بعدكم ... أروح على أرضٍ وأغدو على أخرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 وتالله فارقتكم عن قلىً ... ولكنها الأقدار تجري كما تجرى رعتكم من الرحمن عين بصيرة ... ولا كشفت أيدي الردى عنكم سترا والبيت الأول من هذا ينظر إلى قول أبي عبد الله ابن شرف القروي: فارقتهم لا لملالٍ ولا ... قلىً ولكن للخطوب الكبار ستة أعوام وما كان لي ... فر فرقة الأيام عنهم قرار وقال أبو مروان ابن شماخ: صبرت والبعد أحوال وذا عجب ... ولم أكن صابراً والبعد أميال وقال الحميدي: وأنشدني أيضاً الفقيه أبو عمر ابن عبد البر: إن الذي أصبحت طوع يمينه ... إن لم يكن قمراً فليس بدونه ذلي له في الحب من سلطانه ... وسقام جسمي من سقام جفونه وبالسند المذكور عن أبي عمر بن عبد البر قال: أخبرني أبو الوليد ابن الفرضي بتاريخه في العلماء والرواة للعلم بالأندلس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي جعفر ابن اللمائي @وإثبات جملة من نظمه ونثره وكان أبو جعفر هذا [وقته] أحد أئمة الكتاب، وشهب الآداب، من سخرت له فنون البيان، تسخير الجن لسليمان، وتصرف في محاسن الكلام، تصرف الرياح بالغمام. طلع من ثناياه، واقتعد مطاياه، ولع إنشاءات سرية، في الدولة الحمودية، إذ كان علم أدبائها، والمضطلع بأعبائها، إلا أني لم أجد عند تحريري هذه النسخة من كلامه إلا بعض فصول من منثور، [هي ثماد من بحور] ، وقد أخرجت من براعته ما يشهد له بالفضل في صناعته، والتقدم على أكثر جماعته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 فصل له من رقعة خاطب بها أبا جعفر ابن عباس: غصن ذكرك عندي ناضر، وروض شكرك لدي عاطر، وريح إخلاصي لم صباً، وزمن آمالي فيم صباً، فأنا شارب ماء إخائك، متفيء ظلال وفائك، جان منك ثمر فرع طاب أكله، وأجناني البر قديماً أصله، وسقاني إكراماً برقه، ورواني إفضالاً ودقه؛ وأنت الطالع في فجاجه، السالك لمنهاجه: سهم في كنانة الفضل صائب، وكوكب في سماء المجد ثاقب، إن أتبعت الأعداء نوره أحرق، وإن رميتهم به أصاب الحدق؛ وعلى الحقيقة فلساني يقصر عن جميل أسره، ووصف ود أضمره، " وإنما يبلغ الإنسان طاقته ". وموصل كتابي هذا اختل ما عهده من أمره، وطغى عليه بحر دهره، فإن سبح غرق، وإن شرب شرق، وله أصل يوصله إلى استقلال بك،. وله من أخرى يعزيه في أبيه: إن لم أجد التأبين، فأجد البكاء والحنين؛ وإن لم أحسن التملق والإطراء، فأحسن الإخلاص والدعاء. واتصل بي موت الوزير أبيك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 لقاه الله غفرانه - وكونك بفضل الله مكانه، فروع جنان الصبر، وأخرس لسان الشكر: بدر أفل، وهلال استقل. أعزيك وأسليك. قدر مصابك قدر ثوابك. صبراً جميلاً عليه لتؤجر، وفعلاً حميداً بعده لتذكر. أصاب الغرة فأصب، وأتعب أهل زمانه فأتعب. أقول محققاً، وستشهد لي مصدقاً: أولاني من البر ما لا أدفعه، وألبسني من الإكرام ما لا أخلعه: ستفتح عيني عليه دماً ... إذا ما العيون سفحن الدموعا فقد كان غصني به ناعماً ... وروضي أنيقاً ودهري ربيعا وله من أخرى إلى القاضي ابن عباد: روض العلم - أيدك الله - في فنائك مونق، وغصن الأدب بمائك مورق، وقد لفظ بحر العلم درره، وأطلع روض المجد زهره، فأهدى ذلك مع المنشد أبي محمد نفيس أجناسه، وبعث هذا نسيم أنفاسه، فهو لؤلؤ أدب، ونوار طرب، يسقيك جنانه عقار اعتقاده، في كأس وداده؛ يغنيك لسانه أشعار حمده، في مثاني قصده؛ مشيراً إلى ثمر معان من بدائعه لا تجنى، فوق شجر بيان من غرائبه لا ترتقي، فإذا لاحظها الفكر أنس، وإذا رامها أيس. ولم يسر إلا ليحمد سراه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 ولا قصد إلا ليبلغ مناه؛ ولم يناد بحمدك إلا لتجيبه، ولم يرم بك دهره إلا ليصيبه؛ فأمطر رجاءه بعض طلك، ووسد جوازئه أبردي ظلك، فما ماؤك بوشل، ولا وردك بنهل؛ وفيه أجر، ولديه شكر. وله من أخرى: وردني في ذلك كتاب كريم بنت البلاغة سماء بيانه، وجادت أرض إحسانه، فنور شمسه يشرق في ليل نقسه، وكوكب نواره يتألق في اسطاره، فأصبحت تختال بخلتك، وتبسم عن مودتك، وقد سرى خيالك فشوق، واستطار برقك فأرق؛ فأجفان الإخلاص ناظرة إليك، ويد القبول مسلمة عليك، فصل ما جعلك الفضل فيه أصلا، ورآك أهلا. وقد حل المنشد أبو محمد من جفن الشكر في سواده، ومن صدر الإحسان في فؤاده، ألبسني حلة إخائك، وسقاني رسل وفائك، وحالي حال من يعدك في عدده، ويعدك من عدده. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 @ومن شعره ولم يقع لي من نظم أبي جفعر عند إملائي هذه النسخة من هذا المجموع إلا ما أنشدني الأديب أبو بكر ابن بقي قال: أنشدني أبو الربيع ابن العريف لجده الكاتب أبي جعفر ابن اللمائي: قد قلت إذ سار السفين بهم ... والبين ينهب مهجتي نهبا لو أن لي ملكا أصول به ... لأخذت كل سفينة غصبا [أنشد أبو المنصور هذين البيتين للخباز البلدي في اليتيمة] . وأنشدني أيضاً عنه له: غني وللإيقاع فو ... ق بيان منطقه بيان وكأنما يده فم ... وقضيبه فيها لسان ودخل عليه بعض أصحابه في علته التي مات منها، فجعل يروح عليه، فقال في مقامه: روحني عائدي فقلت له ... مه، لا تزدني على الذي أجد أما ترى النار وهي خامدة ... عند هبوب الرياح تتقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 ومما قال في هذه العلة، وكانت داء النسمة: عظم البلاء طبيب يرتجى ... منه الشفاء ولا دواء ينجع لم يبق شيء لم أعالجها به ... طمع الحياة، وأين من لا يطمع - " وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع " ومما وجدته أيضاً بخطه لنفسه: طلعت طوالع للربيع فأطلعت ... في الروض وردا قبل حين أوانه حيا أمير المؤمنين مبشرا ... ومؤملا للنيل من إحسانه [ظنت سحائبه عليه بمائها ... فأتاه يستسقيه ماء بنانه] دامت لنا أيامه موصولة ... بالعز والتمكين في سلطانه [وله: يا كبدي بالبين من أكلمك ... ويا دموع العين من أسجمك - ويا فؤداي كم تقاسي الهوى ... مكتتما عني، ما أكتمك! علمتك الكتم أما تستحي ... ويحك أن تكتم من علمك - كنت أداويك فلا ذنب لي ... لو أنني أعلم من أسقمك] ونقل أيضاً من خطه قصيدة من شعره يشكو نوائب دهره، أولها: أمسى سقامي زاجري ومؤنبي ... وغدا مشيبي واعظي ومؤدبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 أوهت خطوب الدهر مني عاتقي ... ثقلا، وزعزع منكباه منكبي وهمت سحائبه علي فغادرت ... أرضي قرارة كل خطب معجب فأظل أبصر فيه لم أحتسب ... جورا وأقرأ فيه ما لم أكتب سن حديث تحت جد شارف ... وسواد رأس فوق قلب أشيب أغدو على بكر لصرف بناته ... وأروح مبتنيا بأخرى ثيب أفتض منها كل يوم عذرة ... لا تشتهي وأزف ما لم أخطب يا سيدي وأخي الوفي وما أخي ... منه إلى قلب الإخاء بأقرب وإذا غدا العلم المشرف أهله ... نسبا يؤلفنا فنحن بنو أب هلا اهتديت إلى خطاب مرزإ ... ما بين أضلاع الخطوب مغيب لم يبق منه الدهر غير مدامع ... سفح وقلب بالسقام معذب أخفتني الأيام في لهواتها ... وسجنني فيها فكيف شعرت بي - وكتبت عن ود وقد كتب الإخا ... بين النفوس صحائفا لم تكتب بأرق من دمع المشوق فؤاده ... وأرق من ريق الحبيب وأعذب فظللت منه في غدير بلاغة ... عذب وملتف الحدائق معشب كرمت مغارسه فأورق فرعه ... علما وأثمر بالكلام الطيب صبح تدرع من سواد مداده ... ليلا كفعل الزائر المترقب خفيت معانيه على أوهامنا ... فالفكر بين مصدق ومكذب طلعت كواكبه ولما تطلع ... وغربن فيه لنا ولما تغرب أنا مذنب لا شك إذ لم أستطع ... رد الجواب وأنت غير المذنب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 حملته من طيب الإخاء محبة ... فيكم وإخلاص لكم فتطيب وبعثث ماء الورد فيه سائغا ... عذبا لذائقه زلالا فاشرب أذكى من المسك الفتيق نسيمه ... أرجا وأصفى من لعاب الجندب @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي عبد الله البزلياني @وإثبات جملة مما نثر، مع ما يتعلق بذلك من خبر وأبو عبد الله البزلياني كان في ذلك الأوان، أحد شيوخ الكتاب، وجهابذة أهل الآداب، ممن أراد الملوك ودبرها، وطوى الممالك ونشرها. وقد أجرى ابن حيان طرفا من ذكره، وشرح مآل أمره. وقد ألمعت أنا منه بلمعة في أخبار ابن عبد البر في القسم الثالث من هذا المجموع. وذكره بموضع آخر من كتابه فقال: ولما قبض عابد على البكريين بأونبة وشلطيش وتملكها منهم سنة ثلاث وأربعين، جعل بهما ابنه محمدا، واستكتب ابن البزلياني الكاتب البليغ النحرير. وإلى ابن عباد صارت مصايره بعد طول تقلقله في البلاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 @فصول من نثره فصول من رقعة عن حبوس إلى ابن عبد الله أمير قرمونة: من النصح تقريع، ومن الحفاظ تضييع، ولكل مقام مقال، إذا عدي به عنه استحال. ووصل إلي منك كتاب طمست منحاه، وعميت معناه، أومأت فيه إلى النصح، ودللت على سبيل النجح؛ فوقفت على فصوله ومعانيه، وأحطت علما بجميع ما فيه. ولم يكن لمن أوحشت جهته، وتغيرت مودته، أن يدخل مدخل الناصحين، وقد خرج من جملة المشفقين. وكان بالجملة أوله سباب، [وآخره إعجاب] ؛ والسباب لا ينطق به كريم، والإعجاب لا يرضى به حليم. وقد نزهني الله عن المقارضة بهذا ومثله. وما أحسن قول القائل: وتجهل أيدينا ويحلم رأينا ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلم فإن كنت أردت أن تستصلح مني بسبك فاسدا، وتستقرب من ودي باستطالتك مباعدا، فما هذه شيم يقضي بها الفضل، ولا سياسة يحكم بها العقل. وإن كنت أردت التخويف والإيعاد، والإبراق والإرعاد، فقد كفني بيت الكميت: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 أبرق وأرعد يا يزي ... د فما وعيدك لي بضائر وأنا أحد البرابرة: لا أخرج عن جماعتهم، ولا أبعد عن موافقتهم، ولا أرغب بنفسي عن نفوسهم: وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد وفي لزوم الجماعة السداد والرشاد، والغي في الانفراد والاستبداد. وأما قولك: " فمن كان متبوعاً قلما يستقيم أن يكون تابعاً، ومن عرف في النادي مطاعاً لم ينقلب مطيعاً، إلا أن يصادف هدي العمرين، وأجدر بذلك أن يبعد " - فقد أزريت على كل خلافة، وبينت أنك خارج عن كل فرقة، وأن غرضك المحاماة عن غزك، والمرامات دون حرزك، وليس هذا نظر مشفق، ولا قول محقق، إذ لا تتم ديانة إلا بإمامة يدعى إليها، وتجري السنن عليها، إلا في مذهب نافع بن الأرزق وعبد ربه وأشباهها. وفي فصل منها: وما ذكرته من الذي بين الطائفتين من بني عمنا بالعدوة، فكل أمر بقدر، ولكل نبإ مستقر، والدنيا أحوال، والحرب سجال، وخيرهم وشرهم عنا بعيد، وكل من نصرك وأيدك فهو القريب الودود، وإن تفرقت الآباء والجدود. ومن شذ عن الجماعة وفارقها، ونابذها وشاقها، فهو الجاني على نفسه وعليها، والجار سوء العاقبة إليه وإليها؛ وأكثر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 الوبال واقع على الظالم، ونازل بالجارم. والله ولي التوفيق، والهادي إلى سواء الطريق. قال ابن بسام: وذكرت بإنشاده: " وتجهل أيدينا " ... البيت ما حدثت به عن يحيى بن علي الحمودي في أيام محاربته لاشبيلية، وبعض الرجالة يعلن بثلبه، ويصرح أقبح التصريح بسبه، وهو يظن أن قد تحصن منه بالأسوار، واحتجب عنه بما دونه من حماة الذمار، فدب إليه دبيب الكرى، وساوره مساورة ليث الثرى، حتى خالطه سيفه الصقيل، ثم انصرف إلى مركزه وهو يقول: ونشتم بالأفعال لا بالتكلم ... [وله من أخرى عنه إلى ابن منذر: واتصل بي ما وقع بينك وبين المؤتمن وأبي المنذر والموفق وعضد الدولة أبي الحسن، وأنكم اضطررتم إلى إخراج كل فريق منكم النصارى إلى بلاد المسلمين. فنظرت في الأمر بعين التحصيل، وتأولته بحقيقة التأويل؛ فعظم قلقي، وكثر على المسلمين شفقي، في أن يطأ أعداؤهم بلادهم، ويوتموا أولادهم، ويتسع الخرق على الراقع، وينقطع طمع التلاقي على الطامع. ولو لم تكن - يا سيدي - الفتنة إلا بين المسلمين، والتشاجر إلا بين المؤمنين، لكانت القارعة العظمى، والداهية الكبرى. فإذا تأيدنا بالمشركين، واعتضدنا بالكافرين، وأبحناهم حرمتنا، ومنحناهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 قوتنا، وقتلنا أنفسنا بأيدينا، وأدتنا إلى الندم مساعينا، كانت الدائرة أمض، والحيرة أرمض، والفتنة أشد، والمحنة أهد، والأعمال أحبط، والأحوال أسقط، والأوزار أثقل، والمضمار أشمل. والله يعيذنا من البوائق، ويسلك بنا أجمل الطرائق. ولما انتظرت أن يسفر لي ذلك الديجور، وتستقر تلك الأمور، وأبطأ ذلك عليّ، ولم يعد من قبلك رسول إليّ؛ داخلت عميد الدولة جاري في هذه الأنباء، وراوضته في علاج هذه الأدواء؛ وأنت يا سيدي للمسلمين الحصن الحصين، والسبب المتين، والنصيح المأمون، فاجر في جمع كلمتهم، والمراماة دون حوزتهم] . له من أخرى: يا سيدي الذي قطعت بالاتصال به مدة عمري، ونظمت في أجياد علاه درر حمدي وشكري؛ ومن أبقاه الله للفضل يرسي هضابه، والعلم بذل صعابه، والمجد يؤلف مختلف، والحمد يلبس مفوفه. أنا أحمد حالاً آوتني إليك وإن كانت ذميمة، وعلةً أصحت أملي وإن كانت مليمة فقد عادت كريمة، فرب صغيرة عادت عظيمة، وهيهات: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 من رغب عن الفضل فنفسه ظلم، ومن فر من الليل أدركه حيث خيم. ومن لكل ظمآن بعذب زلال، ولكل آمل بنيل الآمال - وما كل مستسقٍ يمطر، ولا كل طالب يظفر. ولولا العلل لم تحمد الصحة، ولولا الترحة لم تطب الفرحة. وما ضاق عذر من وسعه حلمك، ولا خذل دهر من نصره عزمك. وما عشت يا سيدي عمراً لم أقطعه في ذراك، ولا نلت حظاً لم يكن بمسعاك، ولا حسن لي عمل خالف هواك، ولا لذ لي أمل لم يكن برضاك. والآن قد أمكنك استرقاق حر رائده، من حريتك، وابتناء مجد دعائمه من سروك ومروءتك، فالأبي مصحب لمرامك، والعصي مطيع لا عتزامك. وما أحسن العافية ولا كحسنها بعد البلاء، وما ألذ السعادة ولا كلذاتها بعد الشقاء، وما أنقع الورد لغلة الخوامس، وأطيب الظل للضاحي الشامس! ومن عدم الشفعاء قامت أمامه فضائلك، ومن قسا عليه الزمن لانت له شمائلك. والشمس بعد السحاب أبهى، والإمكان بعد التعذر أشهى. ومن يحسد مناوئاً، ويغبط مضاهياً، فأنا أحسد على ملاقاتك، وأغبط نفسي على مناجاتك. فإن منعت عنك عيني فقد رأتك في كل حسن تراه، وإن حزنت بالبعد منك فقد سررت بما من لقائك أتمناه. والله يدنيني من حضرة المجد، والتماح غرة السعد. وله فصل من رقعة: وتوجه فلان إلى ما قبلك يأمل سناً فهداه، ورجاءً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 هب له نسيمه فحياه وأحياه. وإن طائراً أجري بسعدك لسانح، وإن تاجراً افتتح باسمك لرباح، وبعزماتك تنفذ الأسنة فكيف أشحذها، ولمثلك تنفع التذكرة فكيف أنبذها - وقد تهز الصوارم فتقد الدروع، وتهاج الضراغم فتفض الجموع؛ وحماك الإسلام فكيف يباح - وركنك الإيمان فكيف يزاح - وجارك الأدب فكيف يهتضم - وحزبك القرآن فكيف يغلب ويذم - [وله فصل من أخرى عن حبوس إلى صاحبي شاطبة: وقد عقد الله بيننا عقوداً قادها للاختيار؛ وفي طول الأمد، وتصرم المدد وتباعد الديار، وتقلب الليل والنهار، ما يحيل الأحوال، ويقطع الآمال، ويشفق منه الضنين، وتسوء منه الظنون؛ لا سيما إلى هذه الفتنة التي تبلد الحليم، وتخلط الصحيح بالسقيم. وأنا لكما الصفي الذي لا تقدح الأيام في وده، والوفي الذي لا يخشاه الأنام على عهده. وإذ لا سبيل إلى أن أؤدي معتقدي في ذلك مشافهة، فإني أنبأته مكاتبة، مع من ينطق بلساني، ويشفق بجناني، ألصق أسرتي نسباً، وأفضل خاصتي حسباً، وأصدقهم عني خبراً، وأحمدهم في السفارة أثراً، الوزير أبي فلان] . وله في فصل: تفديك نفس نفست عنها خناق الكروب، وأنقذتها من أيدي شعوب، وأسأل الذي سنى لك الفضل عليّ، وجعل من نعمتك أكبري: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 630 همتي ولبي، وطبع يشكرك أصغري: لساني وقلبي، أن يجزيك جزاء من أحسن ثم عاد، ووالى فضله وزاد، كالرياض تعاهدتها العهاد؛ وألا يخيلك من فعل يكتب الذكر محاسنه على صفحات الدهر، ويصير ثاقبه في سماء الفخر، ثالث الشمس والبدر. وله في فصل من أخرى: قد قيدني من برك وإيثارك ما أفصح عن طيب نجارك، وأوضح عندي كريم آثارك، وتعركني أرسف في قيود الامتنان، وأنوء بأعباء الإحسان. وأقعدني عن لقائك لسان حسير، وخاطر بهير، وحد كليل، ولحظ من الحياء عليل؛ وشيمة الدهر إذا صفا تكدر، وإذا عافى تنكر، وإذا سر أحزن، وإذا سهل اخشوشن، وإذا سمح بالإنعام، بخل بالتمام. وله فصل: هذا الوقت الذي كنت أتأياه، والحين الذي ما زلت أتمناه، والزمن الذي قاسيت فيه تعب الانتظار، وقطعت إلى بلوغه مسافة الليل والنهار. وإلى مثلك يتقرب بإخلاص الوداد، ومن فضلك تجتني ثمرة [حسن] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 الاعتقاد؛ ولا يجتمع رجاؤك واليأس في قلب، ولا تحل محبتك والحرمان في خلب. وله في فصل: البدر وصوف ولا كصفة الساري به، والبحر معروف ولا كمعرفة الجاري فيه، وقد جلوت بنورك من الظلمات، واجتليت بجنابك من الأمنيات، وما وسم زماني الغفل، وصار لذلك الدهر على سائر الدهور الفضل؛ أيام ناديك محط كل مرتاد، وجارك أمنع من جار أبي دواد، إلى أن ضرب البعد بجرانه، وحكم الدهر بعدوانه، وأعاد العين أثراً، والخبر خبراً، واللقاء توهماً، والمناسمة توسماً؛ ومع ذلك فما خست بذمم فضائلك، وما أنست إلا بكرم شمائلك؛ أمزج بذكرها خطبان الخطوب فتحلولي، وأسرج بسناها في أجفان الكروب فتنجلي، وأرمي بها إذا هوى سهمي فيصيب، وأتنسم عرفها إذا خوى نجمي فيصوب. وحاربتني الأيام عليك، فلم توجدني سبيلاً إليك؛ إلى أن طلع نجمك في مطلعه، ووقع حزمك في موضعه، وأعطيت القوس باريها، والسهام راميها، والدرر أجيادها، والغرر جيادها، وفي الشمس يقوى السعد، وفي عنق الحسناء يستحسن العقد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 [وله من أخرى إلى ابن عبد الرحيم: طيب ثنائك ثنى إليك أنسب، وغريب وفائك أفاء عليك نفسي. والثناء النفيس شرك النفوس؛ وفعل المحبوب مصائد القلوب؛ ومن كان الفضل من أنصاره، اجتمع على إيثاره؛ حين طلعت من سماء فضلك نجومه، ونضر بك من روض رجائي هشيمه. وأنا أحمد للأيام هذه الكرة، وأستغرب من أفعالها هذه الندرة. وأحب أن يعلم سيدي أني سابق في مضمار وداده، لاظ بثنايا ارتباطه واعتقاده، أثني عليه خنصري إذا عددت واعتددت، وأبدأ به بعد البسملة إذا كتبت من وددت واعتقدت. وله - أعزه الله - الرأي العالي في قبول من أقبل عليه، والنزاع من نزع إليه. فأقسم لو كتب عني عطارد، أو جعلت لك النجوم قلائد، ما أقنع في وصف ودادي، ولا بلغت الأمل من مرادي] . وله من أخرى إلى أبي جعفر ابن عباس، وقد زاره فلم يوفه حقه: كلف المروءة - أبقاك الله - صعبة إلا على الكرام، وطرق الجفاء رحبة لسلوك اللئام، والأحمق يرى البر خسراناً، ويعتقد إكرام الوافدين نقصاناً، فيمنح الكثير من عرضه، ويمنع اليسير من عرضه، ويلبس درعاً وهو مهتوك بالطعن، ويجعل الكبرياء رداءه وهو مطرز باللعن؛ والكبرياء رداء الله الذي من جاذبه إياه قصمه؛ والتقى حبل الله الذي من تعلق به عصمه، وما يتكبر إلا من جهله، وعجب المرء أحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 حساد عقله؛ والمتكبر في النفوس صغير، والمتواضع في الصدور كبير؛ والرفيع من ترفع عن الدناءات، والوضيع من ادعى لنفسه واجباً وضيع الواجبات. وجئتك زائراً، فكأني جئتك آملاً، وأردت مصافحتك فما مددت يداً، وطلبت معانقتك فخلتك مقعداً، وبعد أن هممت بالنهوض أقعدك الكسل، كأنك خمصانة أثقلها الكفل؛ وجعلت تشير بالحاجب وتلوي الشفة، وتدعي بالجهل في كل شيء معرفة. فما كان ضرك حين أخللت لو أجللت، وما كان يسوؤك حين ناظرت لو أجملت، وما كان ينقصك حين حكمت لو عدلت - زعمت أني أخطأت في كتب " سحن الوجه " بالسين، وطمست طرق المخارج لي وهي تستبين، وهذه اللغة كلها قد طلبتها فلم أجد فيها " صحن الوجه " بالصاد، فإن أردت أن تستعير " صحن الدار " للوجه فلا يبعد أن أجعل " السحن " جمع سحنة، وهو أقرب وأعرف؛ وإن قلت إن الأكثر اتفقوا على كتابه بالصاد، فإن لمثلي أن يختار في كلام العرب ما أراد. وما أبرئ نفسي من زله، ولا أعصمها من ظهور خلة؛ فالأدب يجعل للأديب مخرجاً، ولا يجعل باب العذر له مرتجاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 وفي فصل منها: ومن العجب أن تنسبني إلى الشعوذة وهي حصنك إذا غلبت، وتلحنني في النطق وهي عادتك إذا كتبت. ولعمري لقد قلتها ولقد جهلتها، وتركتها وما عرفتها؛ وكما أن بركة الأشجار في الأنوار، فكذلك بركة الأدب في الرسائل والأشعار. فأين رسائلك وأشعارك، ومؤلفاتك وآثارك - هيهات هيهات: غلبك على الحق أهله، ونفاك عنه جهله؛ وكفاك ما طار لك من حسن الذكر، وطيب النشر، ولمثله فاعمل، وعلى ما كسبت منه فتوكل، فتحصد الذي زرعت، وتعلم عاقبة ما صنعت. " وهذه نبذة من كلامه الواقع من هذا السفر، مكان الواسطة من عقد البكر، جمعها أبو الحسن في مسودة هذا التأليف، ورأيته قد ألمع منها عند التحرير بالنزر اللطيف على عادته من إيثار الاختصار واقتضاب ما يتخلص على الانتقاء والانتخاب. وقد رأيت أن أحبر منها الأوراق التي بقيت بيضا، بما يخجل الروض أريضاً، ويزري بالمسك فضيضاً، تحفظاً بتلك الآثار الكرام أن تعفو، وخوفاً على تلك الأنوار الوسام أن تخبوا ". [ ... ] أفاز الله يا سيدي الأعلى قدحك، وجعل لمرضاته كدحك، وسدد إلى أغراض الصواب سهامك، وأورد على حياض السحاب أعلامك؛ وفتح المبهمات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 بعزمك، وأوضح المظلمات بنجمك، وأبقى المحاسن ببقاك، وسقى مواطن العلياء بسقياك. كتابي يا سيدي، وأجل عددي، كتب الله لك السلامة، ووهب لك الكرامة، ولو تقدمني في الاعتراف بمآثرك مطنب، أو أفحمني في أوصاف مفاخرك مسهب، ما شق غباري في ودادك مجار، ولا تعلق باثآري في اعتقادك مبار. وكيف وقد حزت الغايتين من تفضيلك [وإعزازك] ، وأحرزت الفضيلتين من تبجيلك وإحرازك؛ وما انفردت من زماني بفائدةٍ توازيك، ولا استبددت من إخواني بفائدة تساويك؛ وبحسب ذلك ضني بك وشحي، ومحبتي لك ونصحي؛ وما أذكرك ما لا تذكر، ولا أبصرك ما لا تبصر؛ فأي علمٍ إلا سلكت شعابه، وأي حلم إلا ملكت رقابه؛ وإن كنت لا أورد عليك إلا ما يؤثر عنك، ولا أوفد إليك إلا ما يظهر منك، فللساعي مراده، وللداعي اعتقاده، وللمجتهد أجره، وللمقتصد عذره؛ فما أستصبح إلا من قمرك، ولا أستوضح إلا بغررك، ولا أعشو إلا لنارك، ولا أمشي إلا بأنوارك. والله يبقيك للأفضلين أسوة، ويحييك للأكرمين قدوة. واتصل بي يا سيدي ما وسوس به الشيطان من الأمر، حتى عمد له البيان، في الفتق لأثر مسحوب وقدر مكتوب. وأنت الذي نجذته التجارب، وشحذته النوائب، وارتضع أخلاف الحروب، وامتضغ أصناف الخطوب، وعجم قناة الزمن، واقتحم غمرات المحن، بقلبٍ غير منخوبٍ ولا وهل، وعقل غير مسلوب ولا وكل، وذكاء تنكسف له ذكاء، وآراء ينكشف لها الغطاء، وعلمٍ لما تأتي وتذر، وفهمٍ بما تورد وتصدر، ومذاهب مثلها لك التحقيق، ومطالب شرحها التوفيق؛ فهي بعصمة الله محفوفة، وبنعمته مكفوفة، وعلى إرادته متوقفة، وفي طاعته متصرفة؛ فكم لك في المشركين من البلاء الجميل، وعلى المسلمين من الغناء الجزيل؛ فكم علمٍ خلدت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 وحزمٍ أيدت، وكم فضلٍ أبديت وأعدت، وكم طول بنيت وشيدت، وكم راية للدين رفعت، وغيابةٍ عن المسلمين قشعت. أفالآن يدعى للهوادة، ويسعى العادة، حين أملت للزيادة، واكتهلت في السيادة، وأرج بفخرك كل ناد، ولهج بذكرك كل حاد؛ عديم أتراب وأقران، ونديم آدابٍ وقرآن؛ لم تفتك من الفعال فضيلة، ولا شانك إلى الكمال وسيلة. ولا أعرفك من المعالي ما لا تعرف؛ ولا أصفك من المفاخر بما لا توصف؛ الألسنة عن واجبك حسيرة، والأمكنة بمناقبك معمورة، والله تعالى يزيدك علواً ومجداً، ويقيدك سمواً وجدا. وأنت لا تألو المسلمين نصحاً، ولا يعدمهم سعيك نجحاً، ولا يفقدهم هديك صفحا. فعياذاً بالله أن يسفك بك دم، ويهتك بسببك محرم، أو يهلك بطلبك مسلم؛ وأنت العالم بأمر الله، والقائم بسنة رسوله، والحاكم بما يرضاه، والعاصم بتنزيله، والمقتدي بسبيله، والمهتدي بدليله. فلا أتلو عليك من آدابه إلا ما أحكمت تأويله، ولا أجلو لك من تبيانه إلا ما قدمت تحصيله. فما مثلك من أهل الفضل [يذكر] يقول الله عز وجل: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ؛ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (التوبة: 70) . وله عنه إلى صاحبي شاطبة: كتبت يا سيدي، ومشارب الآمال قد تكدرت، ووجوه المحاسن قد تغيرت، وأيدي التوازر قد قصرت، وسبيل التناصر قد توعرت، إلا أن يتلاقى الله الخلل بتسديد نظركما، وينعش الأمل بحميد أثركما؛ فينظم الشمل، ويصل الحبل، ويسد الثلم، ويشد الحزم، ويرقع المنخرق، ويجمع المفترق، ويضع الإصر، ويرفع الوزر، ويعيد الكلمة متفقة، والأمة متسقة، والأيدي متأيدة، والنفوس متوددة، والأهواء متعاضدة، والأنحاء واحدة، والدماء محقونة، والعاقبة مأمونة؛ والله تعالى يعين كلا على الصلاح، ويفضي بنا إلى النجاح، بعزته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 واتصل بي ما وقع بينكما وبين المظفر أبي محمد من المتنازع، الذي أخاف أن يفضي بكم إلى التقاطع، وورد عليّ كتابكما الكريم في ذلك بما ترقبت انصرام أجله، وتنظرت انحسام علله، حتى خشيت أن يتمادى بكم اللجاج، ويتعاصى في أموركم العلاج، وأشفقت من ادلال الشيطان بمخاتله، وإطلال الخذلان بحبائله؛ فيقرع الثكلان سنه من الندم، وينطوي الحران على يده من ألم. وحالي يا سيدي في الأخذ من أحوالكم بأوفر نصيب، والتزع في أموركما بأكبر ذنوب، حال من أعدكما لحوادث الزمن، وكوارث المحن، واعتقد كما العدة الكافية، والعصمة الواقية، فيما استسر وعلن، وظهر وبطن؛ فلم أر نفسي في سعةٍ من إهمال التذكرة، وإغفال التبصرة. والله يعيد الكل من الشتات والشمات، ويعيدكم إلى المواساة والمواتاة. ولم يخف عليكما ما في صلاح ذات البين، من الفوز بخير الدارين، وأمن العباد، وخصب البلاد، وإعزاز الدين، وإذلال القاسطين، وتوهين المشركين، وقوة العضد، ووفور العدد، ودعة الأجسام، والرعة عن الآثام، وستر العورات، وحفظ الحرمات، والانتهاء إلى حدود الله، والازدجار بزجره، والتأدب بأدبه، والائتمار بأمره؛ فإنه يقول عز من قائل {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} (الأنفال: 1) وقال (واعتصموا بحبل الله جميعاً) ... الآية (آل عمران: 103) وقال صلى الله عليه وسلم " لا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً وعلى طاعته أعواناً ". وقد علمتم أنه لم يهلك من هلك من الأمم الماضية، والقرون الخالية إلا بتقاطعهم وتحاسدهم وتدابرهم وتخاذلهم، وأن اللجاج مطية الجهل، والهوى آفة العقل، والحمية من أسباب الجاهلية، والعصبية من العنجهية، والحرب مشتقة المعنى من الحرب؛ مع ظنك المتغلب وكأنه المتغلب، توتم الأطفال، وتلتهم الرجال، سوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 لا ينفق حاضروها غير النفوس والأرواح، وشرب يتعاطون المنايا بظبا السيوف وأطراف الرماح؛ مصروعهم دائر وصارعهم خاسر، وماضيهم نادم، وباقيهم واجم. والذي يحملون من أوزارهم وأوزار مع أوزارهم، ويحتقبون من آصارهم، تسلط النصارى على المسلمين، وعيثهم في بلادهم يقتلون ويأسرون؛ فالأموال مستهلكة، والحرمات منتهكة، والدماء مهراقة، والنساء مستاقة، وعقد الدين مفسوخ، وعهد الإسلام منسوخ، والكفر عال على الإيمان، والسوء غالب على الإحسان. فقد بلغني أن مذهبكم الاستجاشة بالنصارى إلى بلاد المسلمين، يطؤون ديارهم، ويعفون آثارهم، ويجتاحون أموالهم، ويسفكون دماءهم، ويستعبدون أبناءهم، ويستخدمون نساءهم. وإن نفذ هذا - وأعوذ بالله - فهي حال مؤذنة بالذهاب، وجريرة تؤذن بالخراب؛ ولم نأمن أن يظهر لهم من الخلل في بلادنا، والقلة في أعدادنا، ما يجرئهم علينا، ويجرهم إلينا، بما لا نقدر على مكاثرتهم فيه، ولا نقوى على مصابرتهم به، فتلك الوقعة التي لا ينتعش عثورها، والقارعة التي لا ينجبر كسيرها. ولم أجد يا سيدي وعدتي دواء أنجع، ولا سعياً أنفع، من صلة يدي بيد الفتى الكبير فلان، في توسطه هذه الأحوال بينكم، والتأني، لإصلاح ما فسد منها عليكم، ولم نلف سبباً إلى كشف هذه الغيايات، وفتح هذه المبهمات، أقوى في النجاح، وأهدى إلى الصلاح، من بعث أعلام بلدنا، ووجوه رجالنا. وكتب إلى ابن الناصر: سيدي وأعظم عددي، بقيت لمجدٍ تؤسسه، وحمد تلبسه، كتبت - كتب الله لك ما يفوت أملك - عن نفسٍ تعدك أكرم نفائسها، فلا يساويك في هاجسها، وضمير صفا لك منهله، فلا أحد قبلك ينزله، وود أحكمت لك عقده، ونظمت بك عقده؛ حقيقة أدني نظرها إليك، وخليقة وقف سرها عليك؛ فطرف اهتبالي إليك شاخص، وضمير إدلالي عليك خالص؛ والعهد الذي أنت لحرماته لاحظ، ولأماناته حافظ، ينجد لساني في المقال، ويمد عناني في الاسترسال، ويوفد إليك النصح محضاً، ويورد عليك الصدق فرضاً؛ موازرة لا أرى التخلف عنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 ديانة، ومظاهرة لا أعد التبري منها أمانة؛ وأخوك من صدقك، وعدوك من مذقك. واتصل بي، ما جزعت له، من لزومك مع الموفق أبي الجيش، ومن تبعكما من معاقديكما، لمفاتنة المظفر أبي محمد ومنازلته ومقارعته، واستجاشة كل حزب منكم بالنصارى، وطمعكم أن تمنعوا بهم ذماراً، وتقضوا بإخراجهم أوطاراً، وتدركوا بأيديهم أوتاراً؛ ولم يخف عليك ما يتسبب بالفتن، من البلوى والمحن، وما يكتسب فيها من الحوب، ويحتقب بها من الذنوب، وما ينوب الظالم والمنصف من معرتها، ويصيب البريء والنطف من مضرتها، وما يعم من بأسائها، ويطم من دهيائها، باحترام الرجال، وإيتام الأطفال، وإرمال النساء، وإحلال الدماء، وانتهاب الأموال، واعتساف الأهوال، وإخلاء الأوطان، وجلاء السكان، وانقطاع السبل، واتساع الخلل. هذا إذا كانت الدعوة واحدة، والشرعة معاضدة، فأما إذا انساق العدو إلينا، وتطرق علينا، وضري على أموال المسلمين ودمائهم، وجرؤ على قتل رجالهم وسبي نسائهم، وبانت له العورات، وتحققت عندهم الاختلافات، وأحدوا رحاهم، واستمدوا من وراهم، لم يكن للمسلمين بهم يعد يد، ولا عن إخلاء هذه الجزيرة بد، والله يحميها من الغير، ويكفيها سوء القدر. وإن أحق من لم شعث المسلمين، وضم منتكث الدين، من أيد الله أولهم بأوليه، ورقع خللهم بمساعيهم ومساعيه؛ وكانت وقائعه في المشركين مشهورة، وصنائعه بالكافرين مذكورة، ومن لا تؤرخ الأيام إلا بغزواته ولا تحلى الأيام إلا بفعلاته. وأنت قاضب من تلك القواضب، وثاقب من تلك الكواكب، وغرة من تلك الأوضاع، وشعلة من ذلك المصباح، ومعلى من تلك القداح، وعامل من تلك الرماح، فحقيق عليك أن تجري إلى غاياتهم، وتعلي راياتهم، وتحمي ذكرهم، وتحيي مجدهم. وقد علمت ألا عدة أعد، ولا نجدة أنجد، من توازر القلوب، وتناصر العيون، وتضامن الأيادي، وتظاهر المساعي؛ فحينئذ يخشن الجانب، ويعن المجانب، ويصحب الأبي، ويطيع العصي. ومن خلا من صالح الأعوان، وضيع الاستظهار بأحباء الإخوان، كان أجذم الرماح، كهام السلاح، مقصوص الجناح، خائب القداح، مفلول الحد، مصلد الزند؛ والمرء كثير بأخيه، والجناح بقوادمه وخاوفيه، والانفراد في الوطن غربة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 640 والانقياد للآخر كربة؛ مع أن الغلبة بالتغرير والإخطار، ليست من شيم أولي البصائر والأبصار. ومن الذي دعاك يا سيدي إلى فتنة تخوض غمارها، وتحمل أوزارها، ولا تغتبط بعقباها غالباً ولا مغلوباً، ولا تنتشط من بوساها حارباص ولا محروباً -! فإن كان وفاء لمن عاهدت، وغناء عمن عاقدت، فأدنى المساعي إلى النجح، وأولى المطالب بالكدح، وأبعد المذاهب من العيب والقدح، ما بدء بالمتاركة وختم بالصلح؛ فالله تعالى يقول: " والصلح خير " " والفتنة أشد من القتل ". والاتفاق يا سيدي أضم للشمل، وأوصل للحبل، وأحمد فاتحة وخاتمة، وأرضى بادئه وعاقبة، وأسلم دنيا وآخرة. ومعاذ الله أن تزل بك قدم، أو يحل بك ندم، أو تزعجك إلى المجاهل لجاجة، وترهج لك في الباطل عجاجةز وله عن تأييد الدولة أبي جعفر: كتبت - كتب الله في قلبك ذكراً لا يمحوه نسيان، وأعذب لي من شريك ما ينسي مرارة كل خطبان - ولو أعطبت الأجسام لطافة الأرواح، لطرت إليك بلا جناخح؛ وإلا يمثل الجسم بين يديك، فالقلب مائل لديك، والنفس حائمة عليك، والأمل نزاع إليك. فهل لمولاي عطفة، تميل إلى عبده عطفه، فتقبل الثريا كفه، أم هل له إليه لحظة، تنيله الدنيا بها حظه؛ فقد طال إبعاد الليالي بلإحالة، وأوعاد آمالي بالإدالة، وأنا بينهما كالظفر يوم صفين، والخلافة يوم تحكيم المسلمين. وقد أطلت من عنان أملي ما قصر خطا العوائق، وفسحت من ميدان رجائي ما ضيق مسارح البوائق، فلا عذر لي ولم أفصل به الجوزاء عقوداً، وأنل السماء قعوداً، فالواعد حري بالوفاء، والله ملي بالعطاء. وله: الحسب - أعزك الله - في مواطنه، كالذهب في معادنه، والشرف في الأشراف، كالدرر في الأصداف، والمجد في أهله، كالفرع في أصله؛ ومن حازت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 له آفاق المعالي تجيب؛ ورث السيادة نجيباً عن نجيب، وكان الكرم فيه كالفرند في القواضب، والضياء في الكواكبن والصفاء في الماء، والروح في الأحياء وإن لم يحظ بك العيان، ولا أسعد بقربك الزمان؛ فالرؤية بالقلب لا بالعين، والقرب بالنفس على الدنو والبين؛ ومن كان مثالك نور ناظره، وخيالك سمير خاطره، فقد قاربك مقاربة الارتياح للأرواح، بل مازجك ممازجة الماء للراح. وإذا كان المعتقد من الإخوان أوفاهم ذمة، والمعتمد عليه في الحدثان أعلاهم همة، وأحق الناس بالوفاء وارثوه، وأشبه الأتباع لتبع بنوه، وقد أعلقت ودي منك من يزكو وده، وأوثقت عقدي بمن لا ينحل على الأيام عقده، فشاري ودك بنفسه رابح التجارة، ومضيع عهدك في أمسه فاحش الخسارة. وأنا أحمد يوماً وصلني بمعرفتك، وأذم دهراً قطعني عن صلتك، واعتقدك أكرم العقد، وأعدك للأهل والولد، ولا وسيلة إلا فهمك، ولا وصيلة إلا همك؛ فما أزور الرياض إلا تشوقاً إلى شيمك، ولا ألحظ السحاب إلا تخيلاً لكرمك. وفيما يحكيه فلان [مردد] شكرك، ومطيب ذكرك، من مآثرك الزاهرة، ومفاخرك الباهرة، شائق يحوم طير القلوب عليك، وسائق يحدو بالنفوس إليك؛ وأنت أرق نفساً وطبعاً، وأكرم أصلاً وفرعاً، من أن يجمع علي بعدك وبعد كتابك، وفقدك وفقد خطابك. وكتب إلى صديق وقد بعث تفاحاً: لو لم تكن نفسي لك، لأهديتها إليك، ولولا أنه حقك أثبته لديك، لجلوت وجه مودتي عليك، متوجاً بطيب الذكر يرفل في حلل الشكر؛ وما عسى أن يهدي الغريق في بحار برك، والمنقطع في مضمار شكرك! لكن لك الإبداء بالفضل والإعادة، ولي الاقتداء والجري على العادة، في إهداء الحقير إلى الخطير، ومقابلة الجليل بالقليل؛ فما قصرت مقدرته، من أطالت مكارمك معذرته. ولكلفي بشمائلك الشمولة، وشغفي بخلائقك المعسولة، بعثت بما يحكيها ولا يدانيها، ويخبر برياه وطعمه عن بعض ما فيها، تفاح قطعت حمرته وصفرته من خجلات الخدود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 ونزعت صورته شبه فوالك النهود، وختم على ألذ من سلوى النحل، وأعذب من جني النخل؛ ناسب الرياض وأفنى عمره عمرها فورثته زهرها، تذكرك أسافله سرر البطون الغلب، وطعمه لذاذة الثغور الشنب. @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي جعفر أحمد بن عباس وسياقة جملة من نثره، مع ما يتعلق من الأخبار السلطانية بذكره كان أبو جعفر هذا قد بذ أهل زمانه في أربعة أشياء: المال أولاً: لم تجتمع - زعموا - عند أحد من نظرائه ما اجتمع عنده من عين وورق، ودفاتر وخرق، وآنية ومتاع، وأثاث وكراع. والعجب: فلم يكن الفضل بن يحيى، ولا معلمه عمارة بن حمزة، ولا عبيد الله بن ظبيان، ولا مطعم بن جبير، في ذلك إلا بعض قوى سببه، وحثالة واطئ عقبه. والبخل: حتى لو أن الجاحظ رآه ما ضرب في البخل مثلاً، ولا ذكر في رسالته رجلاً. له في ذلك أخبار تخرق سجف العادة، وتضيق عن قبول الزيادة. حدثت عن الوزير أبي محمد بن الجد، وكان امرأ صدق، أنه سافر أيام شبيبته في معسكر زهير فتى ابن أبي عامر قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 أن يظهر أمره، ويشتهر بصحبة السلطان ذكره؛ فرحلوا في بعض الأيام وقد خلص إلى الأحشاء برد الأجسام، وسوى برس السماء بين الغيطان والآكام، حتى كأن الأرض صفيحة حسام، أو صبير غمام؛ وغب مطر قد غادر الكثبان وعوثا، وصير المسالك تلاعاً ميثاً؛ فكبت به فرسه وقد تأخر عن صحبه، وساخت رجله في بعض ذلك الخبار فصرع لحينه. وكانت عنده فروة فنك قد أعدها لأيام الوفد، فاستظهر بها يومئذ على شدة ما كان فيه من الجهد، ومخافة من عادية ذلك البرد، فأصابه من الطين ما كاد يشككه في عيانه، وأقام عامة يومه على إصلاح ما فسد من شأن فروته وشانه. فورد العسكر وقد زاحم الليل، وبث الوزير المذكور في طلبه الخيل، فساعة رآه قال له: ما غالك، وأي شيء حبسك لا أبا لك - فطفق يقص عليه أمره وهو يضحك، وكان آخر ما راجعه به أن قال: أو ما عندك غير ذلك الفنك - ثم انتفخ في إهابه، واستدعى في قهرمان ثيابه، وقال له: كم أودعت عيابي، وأدرجت أثناء ثيابي في سفرنا هذا من الأفناك - فجاء منها بعدد، ما ظن أنها تجتمع لأحد، ولا يحيط بها ملك يد. قال أبو محمد: ولم أشك في تحصيل فروته، وجر ذيول كسوته، فوالله ما زاد على أن عدها، وأمر القهرمان فردها؛ ثم قال: يا أبا محمد، هذه ثياب سفري ومهنتي، فكيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 لو رأيت ثياب المدينة، وملابس الزينة -! والكتابة: وهي اقل أربعته، وعلى كل حال فله بها يد، ونفس ممتد، وفيها يوم وغد، وعدة وعدد. وقد ذكر ابن حيان من أين غرب وطلع، وكيف طار حتى وقع، وأنا مثبت من ذلك في هذا المكان، ما يليق بهذا الديوان، بعد إثبات بعض فضائله، واستخراج ما حضرني من رسائله. @فصول له في أوصاف شتى من ذلك رقعة [خاطب بها أبا المغيرة ابن حزم] قال فيها: أنهى إليّ كتابك رجل طويل القامة، صقل الهامة، بعينيه ليانة، وعلى أسنانه طرامة، وفي شاشيته وضارة، وفي منطقه لكنة صعبة، وعلى أنفه عقدة كالكبة، وفي أطواقه سعة، يخرج منكباه من أقطارها كأنها ثياب واله، أو شبارق راهب، وفي مشيته تفحج قبيح كأنه عائم في يبس؛ وعليه غفارة شفافة شبكية السيدارة، وأظن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 العمالقة غزلت صوفها زمن الفطحل، والأكاسرة تولت صباغها عام الصفر؛ كأنها الطيلسان الحربي، أو التبان السعدي. ولقيت الرجل وقد أحاط بي جمع، والتف علي قوم، فوقفت معه موقفاً كفاك الله خزيه، ولا وقفك مثله. وقد عهدتك تجري بميدان الفكاهة، وتنخرط في سلك الدعابة؛ فلما أسلم إليّ الكتاب ولحظت عنوانه، وحياني بلفظ لم أفهم لسانه، قلت: خبأها [أبو المغيرة] ورب الكعبة، وأهدى إليك بهذا الإنسان لعبة؛ ورماك عن قوس فكاهته بهيئة باذة، ودهاك من تماثيل خياله بطلعة شاذة؛ وسد تطييبك بسداد من ثغره، وطار إلى أفق تنديرك بجناح من هزله. فتماسكت وما كدت، ثم تجلدت؛ ولجأت إلى فض الكتاب، وابتغت نقلة لأستتر [بجملة أسباب] ؛ واعتصمت بعصمة خطه الموشي، ولفظه البالي؛ وصعدت في الكتاب وصوبت لأعمل لنفسي شغلاً، حتى رأيت النسب، وسمعت اللقب، فقلت: الرجل - لا محالة - عبري المنتمى، وشاهد الطلعة عدل مزكى، فوحق الطرب، وحرمة الأدب، لقد هممت أن أوفي الشطارة حقها، وأسم الخلاعة وسمها، فأجعل في يده عكاز قصبة خضراء، وفي رأسه قلنسوة بيضاء، وأضع على عاتقه خرجاً بنخالة، وأقيم من نفسي ومن حضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 عرافةً وآلة، وآخذ به من طرق بني مردخاي على قارعة المحجة بين الناس، وأقلده سيف الباجي أبي القاسم، فإنه صفيحة مقشرة لا غرار لها ولا ظبة، كأنه قضيب صاحب اسفيريا، أو عمود نيزكي لم يحدد له زجاً؛ وهذا شرط ذلك اللعب، ففي نفوس القوم خور، لا تحمل معه السلاح إلا بخوف وحذر. وتأملت خفية فإذا بهما من كيمختٍ بال، مصدران تصدير السندال، قد انهرتت أشداقهما، وتهدلت مشافرهما، وصار عاجهما آبنوساً، ونعلهما خيالاً مرسوساً؛ فقلت: لا يزدوج طليسان ابن حرب إلا بخفي حنين، وقد كفينا ارتياد خلعة، توافق هذه الطلعة؛ ثم جمعت جراميز صبري، وأخذت بكظم نفسي، واستعذت بالله من آفة الغفلة، وشغل بالي ذلك المرأى الشنيع، والموقف المهول، وحرمت عامة نهاري من يعلمني، حتى ظفرت بمن أوسعنيه علماً، وفسره لي نصاً، فلففت رأسي حياءً منه، وتمنيت أن تضمرني البلاد عنه؛ وأدركته - لا محالة - خجلة ذلك الملتقى، فحماني زورته، ومنعني عودته، يرجم في الظن السوء؛ وإن يقل فمعذور، وإن يكن مني ما كان فغير ملوم، لأنك رميتني بآيدة الأوابد، وداهية الغبر، ومشكلة لا تنفرج بالبديهة، ولا ينفذ فيها إلا بطول الروية، وما أعجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 شأنها إن كان وقع اتفاقاً، وأغلب الظن أن تأتيها اعتماداً. ومن جواب أبي المغيرة عليها: وأرجع من كتابك إلى ما ركض جواد الهزل، وشهر سلاحه، ونشر علمه، وشب زبون حربه، وأوقد وطيس فتنته؛ بل إلى ما مد بساطه، وفرش أنماطه، وأدار كؤوسه، وأماط عبوسه، وحرك أوتاره، ونبه أطياره؛ بل إلى ما أقام لعبه، وحرك لعبه، وأحضر مجونه، واستجر فنونه، وزمر في بوقه، ونقر بطن دفه، ورقص على إيقاع لحنه، فقلنس في أختانه، وطرطر في قرونه، وبربر في رعي ضانه، وترهب في غير خالقه، ولم يدع من الجد طرفاً، ولا للهزل سبباً، إلا وتمسك به. فهو القائم القاعد، والغوي الراشد، في وصف القارئ بالكتاب عليك، الذي هذبه الزمان، وقاده إليك الخذلان، وحمله إليك من أنزح مكان، ليكون أتم في إلهائك، وأبلغ في إضحاكك. فالغريب من كل حق وباطل نافق، والموجود كاسد. ولم أميز من هييئته غير القامة، وأنكرت سائر ذلك من الهامة؛ فعهدي بجبينه كالصحيفة الصقيلة، وخده كمرآة الغريبة، وعينيه كناظر صقر طاوٍ على مرقب، ضفدع بنظر من خلال طحلب؛ وأنفه كغرار سيف ليس الذي قلدته به، وألقيت حمائله في عنقه، ولسانه كمخراق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 لاعب، وبصوت شبيب به نئيماً، وزجر أبي عروة همساً خفياً؛ وأثوابه تزري على اليمن بشرف صنعة صنائعها؛ وخفه لو وطئ لابسه ما أنكر مدخله، ولا تبين خلله. لطف توصل يوهمك أن السحر يمده، وقواه تشده؛ لو شاء أن يجمع بين الجن والإنس، ويضم جميع الأنواع تحت جنس، ما ارتقى صعداً، ولا لقي كبدا. فكيف انقلبت هذه العين، وانسلخت ن ذلم الزين، وصارت آبدةً تلهى،، وناردةً تجري، لولا ما هيأة سعدك، وسببه جدك - وقد قام النوروز بما وجب عليه، ولم يوجدك السبيل إليه، فارتقب من المهرجان نعتها، وانتظر فيه شكلها. وكنت أسومك مساجلتي بنظيرها، ومقابلتي بمثيلها، لكن من لي بمساعدة الزمان بقسطك، والأخذ فيه بشرطك - ولابن عباس من رقعة إلى أهل غرناطة يقول في فصل منها: لم أعقر ناقةً رضاكم فأسخط، ولا أكلت من شجرة عقوقكم فأشحط؛ وإنما أعطيتكم صفقة الصاغية لأكرم، وانحرفت عنكم على زاوية المقة كي لا أهان، ونمت على مهاد الثقة بكم لئلا أتهم. أفاليوم يقال: جعلتنا قنطرة، وكتبت إلى صديقك كتباً مبطنة -! وكان ابن أبي موسى مواتاً نفخ الروح فيه، وعيالاً علينا فاستأثرتم به، وجعلتموني مركز دائرتكم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 في اللفظ، وعين سعايتكم في القصد، فضربتم بي أمثال السوء، إلى معانٍ طوال ألصقتم بي عارها، وطوقتموني شنارها، وانحداراً عليّ كالسيل بالليل، وتصدياً إليّ كالسهم، وتولعاً بي كأني عندكم ذنب الدهر. تلزومونني في صيد العنقاء في جحوركم، وتشترطون عليّ بيض الأنوق في بيوتكم؛ فأقروا الطير في وكناتها، واتركوا القطاة بمناها، وكونوا تجافيف الإنس، وصور الحمامات، وخيال الظل، أو {كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً} (النور: 39) . وأما ما عددتموه من الآثار الجميلة عندي ففصل قبيح بكم إيراده، والكريم يتنزه عن مثله، والمن بالصنيعة تكفرها؛ ولقد أجهدت نفسي في خدمة هواكم، واتباع رضاكم، وصرت منقاداً لرمز حواجبكم، وتبعاً لركابكم؛ على أنني ما أكلت من حلوائكم ما يحطني في أهوائكم، ولا لمظت من دنياكم العريضة بلمظة؛ ولقد خبنا من صفقات أرباحكم، وحصلنا على الحرمان من متاجركم؛ وقنعنا بشم قتاركم، واستنشاق النسيم من تلقائكم. وله من أخرى إلى أهل قرطبة عن زهير الفتى: أنتم - معشر الأعلام، وأكابر الرجال - غرر المصر، وبقايا هذا العصر، وموضع اقتباس النور والرأي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 والملأ المقتدى به، والمشار إليه، من حاط هذه الملة، وانتدب لصلاح الأمة، ومخض الرأي وهذبه، وألقح عقيمه ونتجه، ورفع عن هذا العالم أسباب الشبهة، وكشف لهم عن غطاء الهداية، فقد طالما خبطوا عشواء، وأخذوا بغتة، وكلب عليهم من بني زمانهم من انتدب لتجويز المحال، ولو أخذنا في عدهم، وبسط أولهم وآخرهم، لخرجنا عن غرض الخطاب إلى التأليف، وجانبنا سير القصد في الأمور إلى التصنيف. وأشد هذه العصابة المشؤومة ابن عباد، الذي سل سيف الفتنة والبغي، من قرابه، وأثار بعير الظلم من مبركه، وانتزى ببطنته أشراً، ومشى في الأرض مرحاً، وظن أن يخرق الأرض ويبلغ الجبال طولاً؛ فغزا [أهل] الإسلام في عقر دارهم، وأسقط عن نفسه حرمه الله فيهم، وأذهب ذمته، وبنى أمره على دعامة زيت، وأتى لشأنه من ظهر بيت، واستعار اسم الشهيد هشام المؤيد بالله لغير أهله، وعزاه إلى من ليس من شكله؛ فضاعف السيئة، وجاهر بالمعصية، وأتبع الرسم الداثر، وجعل حظ الناس فيه التمثيل في اسم كاذب؛ واعترض على منكريه بكهانة شق وسطيح، وآيات طسم وجديس، واحتج بكتب الجفر، ودان بالتناسخ؛ وأضاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 إلى هذه الغرائب قراع أسماع الأغمار بها، يريهم وجدوه الاستبصار، فضلاً عمن تدرج في طبقات المعرفة، وجرى على وتيرة الدراية، وسبقت له قدم صدق في الرواية. ثم رفع السوط للسيف، فأوجع قلوب المسلمين باللسان واليد، يحكم كيف شاء في أبشارهم، وصارفهم صرف الدينار بالدراهم في أموالهم؛ لا تتخلل الموعظة قلبه، ولا تقرع التذكرة سمعه، فتارةً يأخذ النصارى واليهود بذنب التوراة والإنجيل، وأخرى يقول للمسلمين توبوا مما عسى أن يكون. [وفي فصل منها: فإن كاذباً فيا لها حسرة، وإن كان صادقاً فما أحوج الملك إلى القطرة] ! وكتابي هذا إليكم وقد اتفقت الكلمة في وضع رأس الإمارة على كاهله، ونصل الإمامة في نصابه؛ وأعدنا الحق إلى أهله، وأصفقنا على بيعه رضىً واتفاق وطاعة لعبد الله أمير المؤمنين إدريس المتأيد بالله - أيده الله - وطهرنا المنابر من دنس تلك الدعوة المستعارة، وهتفنا بها هتف التباشر، وقامت بها الخطباء على المنابر، وانجلت الغياية عن فلق الصبح، وأقلعت الظلمة عن وضح الشمس، وأزاح - بفضله - تعالى غصة الشك، وشجى الإفك. فاعتبروا بما ألقينا إليكم اعتباراً من يحتاط لدينه وتقواه، ويرغب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 عن الهضيمة بنفسه في دنياه؛ والرمز يكفيكم، والإيماء يغنيكم. ولم نجهل علمكم بحال الموصوف، لمعرفتنا بمكانكم من التحصيل، إذ أنتم أهل النظر والتأويل. ولما استوثق الأمر على منهاجه، واستتم الرأي على أدراجه، وهززناكم هزة التذكير ورمينا إليكم بنبذ يسير. وله من أخرى إلى أبي المغيرة ابن حزم: قرأت الرقعة الكريمة التي ناولتنيها اليد العزيزة، فكأن البدر مدّ إليّ كفاً تخمت بالنجوم الزاهرة، أو الدهر أعطاني بها أماناً من خطوبه الجائرة؛ وعاينت وشياً منمنماً، وأبصرت ريطاً مسهماً، وطفقت ألتمس المجاراة، وأروم المباراة، فإذا شأوي حسير،وباعي قصير، وفمي ملجم، ولساني مفحم، ولأني تعاطيت أسد العرين وهو مشبل خادر، وموج البحر وهو مزبد زاخر: وفي تعبٍ من يحسد الشمس نورها ... ويطمع أن يأتي لها بضريب لله أنت من نثرة آداب، وسليل أحساب، وسمام حاسد، وسراج محامد، إن ناضل عن الحريم حماه، وإن رمى الغرض أصماه؛ يفتح مغاليق الأمور بسياسته، ويستنزل الشارد الممتنع بلطافته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 وفي فصل منها: ولو جاز أن يقرن مع البدن العجف، وينظم مع الجوهر الصدف، لشفعتها إليك، لكنها ممنوعة ما سألت، وغير مدركة ما طلبت، فالسادة لا تمتزج مع العبيد، والشهد لا يضاف إلى الهبيد. ورأيت ما نحلته الرسالة المعربة عن فنون البراعة، وأعرتها من بدائع الصناعة، التي لو رام نبذاً منها بديع الزمان، أو عمرو بن عثمان، لترددا يخبطان عشواء، وأصبحا في خجلة يطلبان النجاء. فدونكها عذبة اللثام، كريمة الأخوال والأعمام، بذل المهج أقل أثمانها، والعنبر الورد يسيل من أرادنها. فإن كنت حضضتني على أن أصونها في تامور الخاطر، وأكتبها على جبهة الأسد الخادر، فأعز من هذا أن أنوطها بذوائب العيوق، وأودعها الجوانح على التحقيق؛ فهي لمن تأمل در نثير، ولمن تنزه روضة وغدير؛ لنسيم الأدب فيها هبوب، ولكل قلبٍ منها نصيب؛ وقد وشحت بغرائب الكلم، ورصعت بجواهر الحكم. ليس فيها عيب يدرك، ولا سبب يفرك، غير صدرها عن صدر فاجر نكس، ومن لسان ملحد رجس، لا يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يؤاخي إلا كل منافق كافر؛ يسب الصحابة الأبرار، ويكذب بالجنة والنار، ولا يرجو حساباً، ولا يحذر عقاباً؛ ادعى خلافة الله فهي منه تضج، وليس أثوابها فهي عليه تعج؛ لو اتعظ بمصرع أبيه، لأقلع عما هو فيه؛ بل أشبهه حقاً فما ظلم، وتقليه نسقاً فزاد وتمم؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 يأخذ الرشوة على بيت الله الحرام، هـ ويستخف بشرائع الإسلام؛ يهتك الحريم ويسفك الدماء، ويستصحب الأوغاد والشطار؛ بئس الشيعة وقود جهنم وحصبها، وعليهم يزداد حنقها وغضبها. وفي فصل منها: وبقي جزء من الإطالة أسوقه إليك، وأورده عليك: أنا مقر بالمعجز لبيانك، مقبل أنجم الثريا من بنانك، راغب أن تلبسني من عفوك ثوباً أسحب أذياله، وأن تفيئني من صفحك ظلاً آمن زياله، إذ أنا سكيت هذه الصناعة التي بيدك لولؤها، ولك يدين رؤساؤها، وإليك، تعزى وتنسب، وباسمك على منابرها يخطب، وتردني لك كتب لو فوجئ بها نقاد الكلام، وجهابذة النثر والنظام، لألقوا إليها السلم، وادعوا عندها البكم. فأنى لي بمقاومتك، مع تقدمك وتخلفي، ومصارعتك، مع قوتك وضعفي -! فالواحد لا يقرن مع الكل، والفرع لا يضاف إلى الأصل. فأسلك وأستعفيك، وأضرع إلى مجدك ومعاليك، ألا ترهقني عسراً، فيظهر عجزي، ولا تحملني إصراً، فيبين نقصي؛ فإنك إمام وأنا مأموم، وأنت حاضر وأنا معدوم، وأنا قف وأنت نهر، وأنا جدول وأنت بحر. قال ابن بسام: وسائر رسائل أحمد بن عباس ثابتة في القسم الثالث من هذا المجموع في أخبار أبي عامر ابن التاكرني، إذ تنازعا في هذه الصناعة الراية، وجريا من البلاغة فيها إلى غاية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 @إيجاز الخبر عن مقتل أحمد بن عباس وزهير فتى بني عامر وما اتصل به من خبر نادر قال ابن حيان: كان سبب فساد باديس بن حبوس وجماعة قومه صنهاجة على جارهم وحليفهم القديم الحلف والولاية زهير الصقلي، فتى المنصور بن أبي عامر، موالاته لكاشحه محمد بن عبد الله زعيم زناتة. ومضى على ذلك حبوس من عداوته، وخلفها كلمة باقيةً في عقبه، أضرم زهير بعد نارها بتمادي تمسكه بالمذكور وإيفاده إليه المدد بقرمونة، واستخفافه بحق باديس، وإنزاله إياه منزظلة الأكفاء، وهيهات له من ذلك من فتى غير قليل التجربة؛ فآثر شفاء نفسه عن النظر لعاقبة أمره، وأضمر الغدر، وقدم العذر، وأرسل رسوله إلى زهير ملطفاً في العتاب، مستدعياً تجديد المخالفة، فسارع زهير إلى ذلك، وأقبل نحو باديس إقبال المستطيل عليه، المتصور له صورة اليتيم في حجره، المضطر إلى ابتاعه وموافقته، فصار في تضييع الحزم والاغترار بالعجب، والثقة بالكثرة، والانخلاع من فضيلة الرأي وفائدة التجربة، ضداً للقصد الذي قصده، وآية للغابرين بعده، إذ جاء مدلاً بجمعه وكثرته، أشبه شيء بمجيء الأمير الضخم إلى العامل من عماله؛ قد ترك رسوم الالتقاء بالنظراء المعهودة له ولمن قبله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 من التوافق على المكان، والاستظهار بآخر حدود الأعمال، غير ذلك من وجوه الحزم. فأعرض زهير عن ذلك كله، وأقبل ضارباً بسوطه، حتى تجاوز الحد الذي جرت به العادة، من الوقوف عنده من عمل باديس دون إذنه، وصير الأوعار والمضايق خلف ظهره، لا يفكر فيها، واقتحم البلد حتى وصل إلى باب غرناطة، وخرج إليه باديس في جمعه، وقد أنكر اقتحامه عليه، وعده حاصلاً في قبضته، فبدأه بالجميل والتكريم، وأوسع عليه وعلى رجاله، في القرى والتعظيم، ما مكن اغترارهم، وثبت طمأنينتهم. ووقعت المناظرة بين باديس وزهير ومن حضرهما من رجال دولتيهما من أول يوم التقائهم، ففشا بينهما عارض الخلاف لأول وهلة، وحمل زهير أمره كله على التشطط، وخلط التغرير بالدالة، والجفاء بالملاطفة، وزعم في بعض ما يقوله أن الذي جاء به زيارة قبر حليفه وخليله حبوس، وهو قد بخل بالتعزية على ولده إثر موته. واتصلت بينهما المناظرة، والأمرار يزداد، وزهير يأبى ذلك وتهاون كأنه قد اقتدر على خصمه، ووزيره أحمد بن عباس المعجب التياه يفري في تصريح ما يعرض به زهير، إيعاد للقوم، وإغلاظاً عليهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 فعزم باديس عند ذلك على القتال، ووافقه قومه صنهاجة، فأقام مراتبه، ونصب كتائبه، وأرسل إلى طريق زهير فقطع قنطرةً لا محيد لزهير عنها، والحائن زهير لا يشعر، وبات تتمخض له ليلته عن راغية البكر؛ وغاداه باديس صبيحتها على تعبئة محكمة، فلم يرعه إلا رجة القوم راجعين إليه، تخفق طبولهم وهدير رقاصته الأساود، فدهش زهير وأصحابه، فيا لك من أمر شتيت، وهول مفاجئ، قسم بال المرء بين نفسه وماله، ووزع همه بين روحه ورحله! إلا أن أميرهم زهيراً أحسن ابتداء الثبات لو استتمه، وقام ينصب الحرب، فثبت في قلب عسكره، وقدم خليفته هذيلاً الصقلي في وجوه أصحابه من الموالي العامريين الفحول وعشيرته الصقلب وغيرهم لاستقبال صنهاجة. فلما رأوهم علموا أنهم حمته وشروكته، وأنهم متى خضدوها لم يثبت لهم من وراءهم، فاختلط الفريقان، واشتد بينهم القتال ملياً، فلم يكن إلا كلا، حتى حكم الله بالظهور لأقل الطائفتين عدداً ليري الله قدرته، ويجدد في قلوب عباده عبرته، فنكص في الصدمة قائدهم هذيل، والرحى عليه دائرة، إما بطعنة أردته عن متن فرسه، أو بكبوة كانت منه، وابذعر أصحابه عباديد وانهزموا، وقيد هذيل لوقته إلى باديس أسيراً، فأعجل بضرب رقبته. فما كان إلا أن نظر زهير إلى مصرعه، فانثنى عنه وفر على وجهه، فلم يستصحب ثقة، ولا انحاز إلى فئة؛ ولج به الفرار، وانهزم أصحابه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 658 خلفه لا يلوون على شيء، وركبت صنهاجة ولفها [ومن تبعها] من أمداد زناته أكتاف القوم، باذلين السيف فيهم بصدق العصبية وإيثار الفناء، فلم يبقوا على أحد قدروا عليه، ولا فرقوا بين أندلسي ولا جندي ولا سوقي، فأساءوا الاعتداء، وأبادوا أمة، حتى إمام فريضة زهير ولد الفقيه ابن نابل. فاستدل بقتلهم على من سواهم؛ وعلم المنهزمون أنه أخذ عليهم المضيق المعترض في طريقهم، فنكبوا وأخذوا في شعاب وعرة وجبال شامخة، ألجأهم إليها السيف، فكانت حتف من فر، وتقطعوا وتمزقت أوصالهم. وفي هذه السبيل أودي أميرهم زهير وصار ذلك سبب مجهل مصرعه واعتصم الرجالة بتلك الأوعار الأشبة. وأما السودان من رجالة زهير فإنهم غدروه أول وهلة وعمدوا إلى خزانة سلاحه فنهبوها، ونادوا بشعار صنهاجة، وانقلبوا معهم، ووضعوا السلاح فيهم، وليست بالبدع من أفعالهم، وكانوا قطعة خشنة يتقاربون، الخمسمائة، وكان زهير يعدهم للنائبة، فكانوا أول من أعان عليه. ولؤم مقام الأندلسيين بهذا المأزق وانهزموا، فاصطلم عسكرهم. فنصر باديس، وغنم رجال باديس من المال والخزائن والأسلحة والحلية والعدد والغلمان والخيام ما لا يحاط به وصفاً ولا قيمة. وظهر باديس في الموقعة على قومٍ من وجوه رجال زهير، فعجل على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 الفرسان والقواد بالقتل، فكان ذلك من أكبر ما صنعه لخلاف الوجه في قتال أهل القبلة. واشتمل الأسار على حملة الأقلام جميعاً، وفيهم وزيره التياه المستكبر المعجب أبو جعفر أحمد بن عباس، الجار لهذه الحادثة: قيد إلى باديس، وصدره وصدور أصحابه تغلي عليه بما أوقد من هذه النائرة، فأمر بحبسه ليستخرج منه مالاً، وشفاؤه الولوغ في دمه، وعجل عليه إلى مديدة، وحلت به الفاقرة بعد دون أصحابه من حملة الأقلام، فإن باديس عف عن دمائهم من بين أصحاب السيوف إلا من أصيب منهم في الحرب، وأما الأسرى كابن حزم وابن الباجي صاحب الرسائل وغيرهم فأطلقهم. قال ابن حيان: أخبرني القرشي المعروف بالقط عن شيخ من شيوخ صنهاجة يسمى بلقين قال: سرت والله ليلة الوقعة إلى الرفيع ابن عباس مستنزلاً له عما كان صاحبه زهير تمادى فيه من قطيعة باديس صاحبنا، وعذلته وألطفت وقلت له: اتق الله فإنما هذا منك، وصاحبك منقاد إليك، وقد تعرفنا البركة في تألفنا، وقد رببنا به مثل هذه النعمة التي كثر عليسها حسادنا، فاستدم بنا ما نحن فيه من الاتفاق، ولا تعنق إلى الفتنة، فيزول أكثر ما تراه. ما الذي غركم من موالاة ابن عبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 حتى تقاطعونا في رضاه - فأجيبوا هذا الفتى أميرنا فيما دعاكم إليه من الألفة. فجعل يستجهلني، ويجيب جواب المتبوع للتابع، وأنا أرفق به بعد أن قبلت وجهه، واستعبرت رقبةً لاستلانته، فلم يزدد بذلك إلا قسوة، وقال: دع القعقاع فليست تهولنا، وكلامي لك الليلة مثل كلامي لك أمس، والله لا نزلتم إلا على رضانا، وإلا أعقبكم على ذلك ندامة؛ " فأحفظني كلامه وقلت: يا هذا أرجع إلى الجماعة - قال: نعم وأشد منه. فانصرفت إلى أميرنا باديس ومن معه من المشيخة، وإن دموعي لتتحدر على وجهي غضباً، فلما رأوا ما بي ابتدروا سؤالي، فخبرتهم وقلت: يا صنهاجة، هذه إحدى الكبر، قوموا لدفاعها بقوة وإلا فليست داركم! فالتظت الجماعة، وسعر بلقين ابن حبوس نار أخيه باديس، فحمى الوطيس، وكان أحرص منه على الحرب، فهيأنا لها، وصبحنا القوم على تعبئة محكمة، فما زالت الشمس إلا وهم جزر مذبحة، ومغويهم ابن عباس بدنة مشعرة. وكان سبب نجاة القائد ابن شبيب من يدي باديس، وقد أسر ذلك اليوم، أن نظر إلى ابن عباس وهو يقاد إلى بادس أسيراً، فلم يمنعه هول، مقامه أن صاح: حاجب! أسألك بالذي نصرك ألا يفلتك هذا المأبون الزاري بالخليفة! فوالله ما جنى كل هذا غيره، فليتني عاينت حتفه ولا أبالي القتل بعده. فتبسم باديس لقومه وعرف صدقه، وأمر بإطلاقه. وحكى أحمد القيسي متقبل السكة بالمرية أن مهلك زهير وأصحابه كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 بقدر الله على يدي أحمد بن عباس وزيره المدبر لسلطانه، إذ كان في باطنه فاسد الضمير عليه، حريصاً على إيراطه والحصول على المرية مكانه، إذ كانت داره والده عباس وحوزته، وأهلها صنائعه وخوله، وجندها تربيته، فهو يرى أن مهلكه تراثه، ويحرص على زواله. وحدثت أن باديس لما تقدم تلك الليلة بحبس الأوعار أشعر بذلك زهير، وقال له بعض أصحابه: أطعني وقلدني عارها، وهون على نفسك هذا الخرق، وخل عنها، وتقدم إلى قوادك الليلة في الارتحال معك سراً، واتخذ الليل جملاً، فلعلك تجاوز هذه الأوعار فتخر من الورطة، فإن القوم متى تبعوك فيها دخلوا من التغرير فيما خرجت عنه، وتهيأ لك العطف عليهم بمجال فسيح يمكنك القتال فيه والتعلق ببعض حصونك. وأكثر من ذلك حتى رد عليه أحمد بن عباس قوله وقال: هذا وسواس أدخلك فيه الذعر. فقال له: ألمثل تقول هذا يا أبا جعفر وأنا فارس [ابن فارس] ، نيفت على عشرين وقعةً وأنت ما قرعتك قط وعوعة! - ستعلم عاقبة أمرك. فأجلت الوقعة عن أسره، وكان مناه الخلاص إلى المرية لينفرد بالإمارة. وكان من جهله المأثور أن قال يومئذ للذين يحملونه إلى باديس: الله الله في حمولتي! قولوا لأبي منادٍ باديس يحتاط عليها لا تنخرم، فإن فيها قطعة دفاتر لا كفاء لها! فضحك البرابر من جهله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 ولما سقط إلى المرية خبر زهير ملكوا بلدهم، وكاتبوا عبد العزيز بن أبي عامر، فلحق بالمرية ودخلها عفواً إثر الوقعة، وذلك منسلخ ذي القعدة سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وظفر من تركه مولاه زهير وأصحابه الصقلب المصابين معه في هذه الوقعة على أموال عظيمة، وأمتعة رفيعة تفوت الإحصاء والقيمة، أمسى فيها عبد العزيز مخرقاء وجدت صوفاً، فرط تبذير، إلى مال كثير من العين أصابه ببيت مال زهير من الورق والذهب، ووضع عبد العزيز كل ذلك غير موضعه، فتضاعفت البلية. @مقتل أحمد بن عباس قال ابن حيان: وكان باديس قد أرجأ قتله مع جماعة من الأسرى، وكان الرئيس أبو الحزم قد وجه رسولاً إلى باديس شافعاً في جماعتهم، مؤكداً في شأن أحمد بن عباس، وكان أبعدهم من الخلاص واعتذر في حبسهم ليمين، مغلظة، وشد صفاد أحمد، ورغب عن الرغائب المبذولة فيه، فاشتد البلاء بأحمد لفرط فزعه وثقل حديده، وامتناعه عن استيفاء الغذاء المقيم لجسمه، وتألمه من عقر القيد لظنبوبه. وظل يستعطف باديس ويشهيه بكثرة ما بذل له من الأموال في فكاك نفسه، وباديس يترجح في ذلك وقتاً، وتأبى له قوة غضبه عليه إلا شفاء بقتله، فآثر الشفاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 منه على عظيم ما كان يعطي في فديته، وتولى قتله بنفسه [مع] أخيه بلقين إغراقاً في العداوة وتحققاً في الأنفة. فانصرف يوماً من بعض ركباته مع أخيه بلقين، فلما توسط الدار التي فيها أحمد بن عباس وقف فيها هو وأخوه بلقين وصاحبه الخاصة عليّ بن القروي لا رابع لهم، وأمر بإخراج أحمد إليه، فأقبل يرسف في قيوده، حتى أقيم بين يديه، فأقبل على سبه وتبكيته بذنوبه، وأحمد يلطفه ويسأله إراحته مما هو فيه، فقال له: اليوم تستريح من هذا الألم وتنتقل إلى ما هو أشد! وجعل يراطن أخاه بلقين بكلامه، فبان لأحمد وجه الموت منه، وجعل يكثر الضراعة لباديس ويضعف له عدد المال، فأثار غضبه وهز مزرقته، فأخرجها من صدره، فاستغاث الله عند ذلك - زعموا - وذكر أولاده، فاعتوره أخوه بلقين بزرقات كثيرة كبته لوجهه، وشركهما ابن القروي فمزقوه. وأمر باديس بحز رأسه، وووري خارج القصر. وزعموا أن القيد الذي بساقه عسر إخراجه بعد موته على خازن باديس فرض قدميه حتى، انتزعه وهما القدمان الدرمان والكعاب التي لم يخشن لها موطئ في سالف الزمان. فمضى ابن عباس [بسبيله] ، رحمه الله، على هذه السبيل، ولم تبك أرض عليه، ولا قطع ذنب عنزٍ فيه. وكان أحمد بن عباس كاتباً حسن الكتابة، مليح الخط، جيد الخطابة، غزير الأدب، قويّ المعرفة، شارعاً في الفقه، مشاركاً في العلوم، مقتبساً للشعر من غير طبعٍ فيه، حاضر الجواب، ذكي الخاطر، جامعاً للأدوات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 الملوكية، جميل الوجه، حسن الخلقة، كلفاً بالأدب، مؤثراً له على سائر لذاته، جماعاً للدفاتر، [مقتنياً للجيد منها] ، مغالياً فيها، نفاعاً من خصه بشيء منها، لا يستخرج منه شيء للؤمه إلا في سبيلها، أثرى كثير من الوراقين والتجار معه فيها، حتى جمع منها ما لم يكن عند ملك. حكى وراقه أنه حصلها قبل مقتله بسنة، فبلغت المجلدات في التحصيل أربعمائة ألف، وأما الدفاتر المحزومة فلم يقف على عددها لكثرتها. وكان مع ذلك أغنى ملوك الأندلس، ولا يعلم ابن ورث لأبيه ما ورثه أحمد هذا. زعم بعض من عرف أمره أن ماله العين بلغ خمسمائة ألف مثقال جعفرية، سوى فضة والآنية والحلية. وأما الأمتعة في المخازن والكسوة والطيب والفرش فبحسب ذلك. ثم حاط هو تلك النعمة بالبخل الشديد القبيح، وحماها بالإمساك الصريح، وأثلها بالاكتساب والترقيح، حتى أضعفت أضعافاً؛ ولم يوفقه الله فيها لبر مزلفٍ إليه، ولا لصنيعة مشكورة منته، بل كره الخلق فيه بالكبر والعجب، والصلف والتيه، فطمست بذلك محاسنه، ووضحت مقابحه. وحسبك من جهله وعجبه أن عامل أهل قرطبة الذين فيهم منتماه، وهم بقية الناس، أيام دخلها مع زهير صاحبه، بأسوأ ما عنده، فحجب كبيرهم الشيخ أبا عمر ابن أبي عبدة من غير عذر، وما عرف عباس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 أبوه إلا بخدمة ابن عمه، وتنقص أديبهم أبا عامر بن شهيد ولم يك [يحسن] مستملياً. ثم أجمل وصف جماعتهم، [وقد سئل عنهم] ، فقال: ما رأيت بقرطبة إلا سائلاً أو جاهلاً. وهو مع تنقصه الخليقة أظهرها نقصاً، لم ينافس في مكرمة ولا رغب في إسداء منة، ولا لذ بنعمة شاكر، ولا هش لثناء حامد، ولا استخرج درهم من عنده إلا في سبيل الشهوات؛ فأسمن جسمه، وهزل عرضه، وأشبع بطنه، وأجاع ضيفه، يمسكه على الهون، ولعلله بالأمل. لكي يقال عظيم القدر مقصود ... من رجل كان يطوف في مقاصيره - زعموا - على خمسمائة من مثمنات القيان، وربما لم يكن حظ الحسناء منهن عنده غير لدغة العضة، ثم لا يعود الدهر إليها، وأتهم على ذلك بعهر الخلوة للذي شهر به من قلة الجماع، إلى بخل لا كفاء له بالخبز فما فوقه، يحمل الناس عنه في ذلك أحاديث شائعة، من أحضرها ما حكاه لي الوزير أبو الوليد بن زيدون، عن ابن الباجي، كاتب الرسائل قالك دعاني ابن عباس يوماً مع خواص أصحابه إلى داره، فصرنا في مجلس ناهيك به، متشاكل الحسن في فرشه وستوره وآلته وآنيته، قد صفقت فيه فواكه غريبة وأنقال ملوكية على طوله، ما وقعت عيني قط على أكثرها منها ولا أغرب من أجناسها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 666 ولا أنفس من أطباقها، وقد غطي جميعها بمناديل شربٍ تبين صورها من تحتها فتصور الأعين والقلوب إليها. فأخذ يلاعبنا بالشطرنج التي كانت أغلب الشهوات عليه، فاستغرق فيها ولها عن سائر ما أردنا له، ووصل اللعب نهاره كله وبعض ليلته، لا يرفع رأسه ولا يدعو لنا بطعام ولا غيره، إلى أن جعنا وألححنا عليه في الانصراف إلى منازلنا، فبعد لأيٍ أذن لنا. فانصرفنا ولم نرزأه شيئاً مما كان أعد لنا، ولا اعتذر إلينا، ولا منا إلا من رأسي على ما حرمنا من نعيم ما بين يديه، وتعجب من قحته وبخله واستخفافه بمن دعاه. ومن صلف ابن عباس وعجبه الذي صحبه إلى يوم محنته أنه لما قيد إلى باديس أسيراً فوقعت عينه عليه، بدأه أحمد بالابتسام وقال له: أبا مناد! رأيت أي كأس أدرتها لك على هؤلاء الكلاب -! - يشير إلى الموالي العامريين - أريد أن تتقدم إلى حفظ دفاتري فإنها أهم ما عليّ. فتجهم له باديس وقال: أمكراً عند الموت يا ابن الفاعلة - إياي تغالط! وأمر بتله إلى محبسه. فعند ذلك عرف ما يراد به، ريئس من المغالطة في جرمه. قال أبو مروان: وبلغني أن عبد العزيز بن أبي عامر سعى على دمه ودماء المأسورين معه من أصحاب زهير عند باديس، لما حصل على المرية، وخاف أن يتخلص فيكدرها عليه. وإن آكد ما أشخص به أبا الأحوص ابن صمادح يومئذ لباديس خبر ابن عباس، فقتله انصراف ابن صمادح عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 وحكى خادم باديس قال: رأيت جسد ابن عباس ثاني يوم قتل، ثم قال لي باديس: خذ رأسه مع جسده. فنبشت صداه وأضفته إلى جسده بجنب قبر أبي الفتوح قتيل باديس أيضاً. وقال لي: ضع عدواً إلى جنب عدوّ إلى يوم القصاص. وحكي أن باديس وبلقين أخاه إذ طعنا يومئذ أحمد بن عباس ما وقع إلا عن سبع عشرة طعنة، وإنه لباقي الذماء طلق اللسان طامع في الحياة، فعجبا من قوة نفسه، وكان الظن أن يلفظها لأول طعنة، لفرط ترفهه وغضارة جسمه، فاغتاط باديس عند ذلك وأمر بقطع جسمه. وحدثت من غير وجهٍ أن ابن عباس كان قد أولع قبل محنته ببيت من الشعر صيره هجيراه أوقات لعبه للشطرنج، أو معنى يسنح له، مستطيلاً بجده، ومكافياً بسعده، فيقول: عيون الحوادث عني نيام ... وهضمي على الدهر شيء حرام وذاع بيته هذا في الناس وغاظهم حتى قلب له مصراع الأخير بعض الأدباء فقال " سوقظنا قدر لا ينام ". فما كان إلا " كلا " حتى تنبهت الحوادث لهضمه انتباهةً انتزعت منه نخوته وعزته، وغادرته أسيراً ذليلاً يرسف في وزن أربعين من قيده، منزعجاً من عضه لساقه البضة، التي طالما تألمت من ظغطة جوربه - غب يومٍ أصبح فيه أميراً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 مطاعاً، أعتى خلق الله على عباده، وآمنهم لمكر ربه؛ فأخذه أخذ مليك مقتدر، وسلبه نعمةً لم يكن لها كفؤاً، والله غالب على أمره. وحكي عنه أنه نزل في بعض سفره منزلاً، واستدعى ماءً لغسل رجليه، إثر خلعه لخفيه، فقدم إليه رب المنزل الماء، وكانت عليه جبة أسماط، فمر أسفلها بقدم أحمد فتألم وتأوه لخروشتها، وكأن شيئاً لدغه، [تماجناً] ، وقال: ابعدا يا هذا فقد بردت رجلي بجبتك، إنما هي اسكلفاج وليست بساج! فخجل الرجل وأخذ في طرف من الاعتذار. وأخباره في الكبر غريبة شائعة جداً. وكتب إليه أبو عامر ابن التاكرني: يا سيدي، وأجل عددي، وذخيرة الأيام عندي، وفائدتها العظمى بيدي، الذي أستند إلى فضله، وأستظل من هواجر النوائب بظله، ومن أبقاه الله للأيام مقرعاً، وللخائفين مفزعاً، أحمد مسعاه، من كنت منتهاه، وحمد سراه، من كان ضيائك سناه؛ وقاد النجاح برمته، من سما إليك بهمته، وقرب منالك الجوزاء، على من امتطى إليك الرجاء، وأخصب رائد من وجدك، وأعذب وارد من وردك واعتمدك. وأتت الخيرات شفعاً من كان إليك شافعاً، ولم يعدم من الصالحات نفعاً من كان عندك نافعاً، لأن الله أحلك من حوض المجد عقره، وجمع لك بين روض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 الحمد ومطره؛ وجريت من المكارم في مضمار طالما أحرز أبوك خصله، وأويت من حفظ الذمم إلى جوارٍ شد ما عرف أولوك فضله؛ والله تعالى يزيدك من جزيل نعمه، ولا يخليك من جليل قسمه بحوله. إلى ذمام النسب ذمام الأدب، وأوى من تأميلك إلى حصن حصين، ومت من صحبة أبيك - رضي الله عنه - بالسبب المتين، وحقيق على مصلك ممن جمع أشتات الفضل، واحتاز مكارم القول والفعل، أن يجمع بين شفاعتي والنجاح، ويؤلف بين حاله والصلاح. وفلان شاكر فضلك، وراحجي طولك، ممن يمت بوسائل، ويدني بوصائل، أنت المعين على رعيها، والمؤيد على حفظها، وحاجته حاجتي وإرادته إرادتي، وشكري لك على ما توليه وتوليني فيه، شكر يتضوع نسيمه، ويأرج شميمه؛ وهذه بكر حوائجي فاجعل مهرها القبول، وأول شفاعتي فأوسعها فضلك الجزيل، ورأيك الجميل، ناهجاً لأملي فيك السبيل، وموضحاً لرجائي لك الدليل، إن شاء الله. @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي حفص عمر بن الشهيد @وإيراد جملة مما انتخبته من نظمه ونثره وأبو حفص هذا [في وقتنا] كان فارس النظم والنثر، وأعجوبه القران والعصر، ونهاية الخبر والخبر؛ رقم برود الكلام، ونظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 عقود النثر والنظام. وهو إن لم يزر لملك، ولم تدر عليه رحى ملك، فليس بمتأخر عن طبقات المحسنين، ولا بسكيت حلبات الكتاب المجيدين. وقد أخرجت في هذا الفصل من بارع كلامه، في نثره ونظامه، ما يشهد برسوخ أعلامه، وشهرة أيامه. @جملة من كلامه في أوصاف مختلفة. من ذلك رقعة خاطب بها بعض إخوانه يقول فيها: أبثك أحدوثة عجبٍ تضحك سنك، وتطبق بالطيب وقتك، فما زالت النوادر مستغربةً لا سيما نوادر علية الكتبة: وجهت فلاناً إليّ بكتاب يخصك ما تضمنه، وكنت - علم الله - حين موافاته منزلي حليف ألم، قد أطلت عليه التململ، وأسهرني ليله الأطوال، وقد انقض عني من كان معي رجاء غفوةٍ أستشفي بها، وأسترد بعض منتي بها. فقرع الباب قرعاً منكراً يتبين الحرج فيه، ويظهر الضجر في تتاليه؛ فتداخل الخادم رعب وقالت: هو خطب؛ ثم خرجت على تحامل، بروعة جنان، ولجلجة لسان، ومنطق جبان؛ تنقل قدمها إليه على وجل: كما يمس بظهر الحية الفرق ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 ثم قالت: من الرجل - فأنغض رأسه نحوها وقبض على لحيته بيمنه، وأحد النظر إليها وتنهد وقال: أواه على طموس رسم الأدب! وتمثل: أني لأفتح عيني ثم أغلقها ... على كثير ولكن لا أرى أحدا ثم أقبل على الخادم وقال: يا لكعاء، كسبت في ترفه العيش معرفة الحلو والمرّ، والخشن من اللين، وفي كل ذلك لم تحفظي بيتاً واحداً من الشعر يحسن به أدابك ويحجرك أن تقولي من الرجل - أين أنت يا لكعاء من قول أبي تمام: يحميه لألأؤه ولوذعيته ... من أن بذال بمن أو ممن الرجل ولكنك ما علمت، حرجة الصدر، فلبك فارغ إلا من الغفلة، ولحظاته بليدة على التفصيل والجملة. أقسم لو أنك امرأة من الأزد، أسد الباس ومقاديم الناس، لرأيت لألأة الأزدية في أسرة وجهي، ولولا تحفزي للأمر الذي وردت له، لكان لي ولك خطب، ولأعطيتك قانوناً في الفراسة والزجر، ونبذت إليك بعلم من علوم الدهر، لا يلتبس عليك معه الشريف أيام عمرك. يا هذه قولي لرب المنزل يترمم لإنفاذ هذا الكتاب. فقالت له الخادم: عافاك الله، إنه عليل، ومن صبه ثقيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 وقد برح به السهر، ولان لغفوته السمر، ولا بد من التخفيف عنه. فجرجر جرجرة العود الدبر، وتزيد من الحرج والضجر، وقال: بسل علينا معشر الأزد أن نفري ولا نخلق، أو نتوجه في أمر فلا نحقق. يا هذه، ليس هذا إيوان كسرى فنتزود لا ستخراج الحاجة به: المال والصبر والعقل؛ ومن العجب وقوفي معك منذ اليوم أضرب لك الأمثال، وأصرف المقال، وأنت لاهية عني، لا يعنيك أمري. أترين صاحبك شرب من الخمر أقداحاً، وسمع نوبات، فلما اعتدل مزاجه، وتوارت وجوه النوائب عنه، قال للدهر أدر دوائرك فإني لا أعبأ بك! - قد علمت علته؛ أقسم لو أن به ألف علة، تكون حياته من جميعها مختلة، لينفذن هذا الكتاب. قالت له الخادم: ويحك ما أجفاك من وافد الأزد! أين منك رقة الحجاز وفصاحة نجد - ما أقبح هذا العقوق، بمن شرب ماء العقيق، وأسوأ هذا الأدب، ممن ينتهي إلى ذؤابة العرب! فقال: يا لكعاء، إنك لتجادلينني عن نسي - وحياة ما نقلته من الخطى، وتجشمته من البيداء، لينفذن هذا الكتاب، أو لأشهدن عليه بالعصيان والتكاسل، والتواني والتثاقل؛ فمثلي لا يرد إلا بحزم، ولا يصدر إلا عن فضل. فقالت له الخادم: ما أسوأ تقديرك للأمور! لئن كان مخموراً خمار وصب، فهؤلاء الشهود معهم شرب، وعندهم طرب، وصاحب المدينة منه بنسب، وعلى صلة سب، فأين تذهب - فشمخ بأنفه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 وكسر من طرفه، ومدد الزفرة، وردد التلهف والحسرة، ثم قال: أفٍ للدنيا فما تزال تعنينا بمثل هذه الهنات. فلما شد على شعسه للانصراف أقبل على الخادم فقال: قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا أما إنك لولا أن تكوني باهلية الضئضئ لعرفتك. ولكن سأودع عندك أرجاً يدل على موقفي في هذه البحبوحة. أنا العتكي الحسيب والنسب، وذو الهمة والأدب، فمن سألك فقولي ما شهدت، وحدثي عما عاينت، وما أراك تجدين ظاهراً تقيمين به فرض الثناء عليّ؛ اذهبي لا محفوظةً ولا مكلوءة. ثم انحدر فما علمنا ما كان منه. @وله من مقامة حذفت بعض فصولها لطولها قال في صدرها: إن صناعة الكتابة محنة من المحن، ومهنة من المهن؛ والسعيد من خدمت دولة إقباله، والشقي من كانت رأس ماله، والعاقل من إذا أخرجها من مثالبه لم يدخلها في مناقبه، لا سيما وقد تناولها [يد] كثير من السوق، وباعوها بيع الخلق؛ فسلوبها تاج بهائها، ورداء كبريائها، وصيروها صناعة يكاد الكريم لا يعيرها لحظه، ولا يفرغ في قالبها لفظه؛ إذ الحظ أن يعثر الكرام إذا ولي الأعلاج، وأن تستنعج الآساد إذا استأسدت النعاج. غير أنه من وسم بسمتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 وظهر في وسمتها، فغير مجهول مكانه، ولا مسلم له كتمانه. وما عسى أن يصنع بذي مكانة وحسب، إذا اتفق يوم سرور وطرب؛ ورغب رغبة كريم، أن يؤرخ له بمنثور ومنظوم - أقسم لو كان وجه الإنسان في صفاقة نعله، أو وقاحة حافر بغله، لما وسعه غير الإسعاف، على حكم الإنصاف وإلا لزمه اسم التبريد والجمود. وبهذا السبب دفعنا إلى النصب فيما تسمعه، وربما تستبدعه. ولئن مرت بك كلمات محاليات، تنظمها سلوك هزليات، فإنما هي أوصاف طابقت موصوفاتها، وحلى على أقدار محلياتها. والبليغ كالجوهري واجد التعب، في نظم الدر أو المخشلب، وكالصائغ واجد العناء، في سبك الصفر أو الفضة البيضاء، وكالعقاب واجد الانهواء، على الصقر أو المكاء. والعاقل من برز يوم السرور في زي الأعياد، ويوم الحزن في ثياب الحداد؛ وسيان في الفجاجة والبرد، من جد عند الهزل أو هزل عند الجد. ولا أوضح في القياس، من حركات الناس، كحركات الشموس والأقمار، في الفلك الدوار، كلما انتقلت في المنازل والبروج، عدلت بالأسطرلاب والزيج، ووقف على حقائقها، بثوانيها ودقائقها، محصورة بالحدود، في القريب والبعيد، كحركات الفقيه ابن الحديد، فإن أيامه على مناكب الأيام أردية شباب، وفي مفارقها تيجان نخوة وإعجاب. وفي فصل منها: فدونكها عذراء، محجلة غراء، كما رفع عنها سجف الإبداع، وأبرزت من كناس الاختراع؛ تنظر بعين الغزال روع، وأويس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 بعدما أطمع. نعم، اتفق من الربيع وقت حلول الشمس في الحمل، وقام وزن الزمان واعتدل، وأخذ آذار على ما اعتاد، فحلى الوهاد والنجاد، وخلع على ظهور المروج، ضروب الدبابيج، وأثقل صدور الأشجار، بحلى النوار، واطبى نفوس الأطيار، بنضارة الثمار، فبعثت أشجانها، ترجع ألحانها، فما شئت من رمان تملأ كف العميد، من أمثال النهود، تحت القلائد والعقود، وتفتق عن أمثال الجمر، إن وصفت فكاللثات الحمر، أو ارتشفت فكالرضاب الخصر أو الخمر. ولما انتظمت للزمان هذه المحاسن، حنت نفس الفقه بسيادتها، إلى كرم عادتها، من الإحسان إلى الأتباع، والتسلية لنفوس الألاف والأشباع؛ فلما صعق الديك وصاح،واستغفر كل عبد منيب ربه وسبح، وهم بشن الغارة كمين الصبح من المشرق، واهتز الفجر اهتزاز الرمح في يمين الأفق، أطلق لسانه الفصيح، بالتهليل والتسبيح، ثم عاد بماء طهور، وأفرغه نوراً على نور، فوضاً وجهاً وضاء، يملأ العيون بهجة وسناء. وفي فصل منها: وملنا إلى منزل بدوي، ذي هيئة وزي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 676 له منزل رحب عريض مزرب ... بأعواد بلوط وطوج مفتل " ترى بعر الآرام في عرصاته ... وقيعانه كأنه حب فلفل " فهش وبش، وكنس منزله ورش، وصير عياله إلى ناحية، وجمع أطفاله في زاوية، وجعل يدور كالخذروف أما الصفوف، يتلقى الواحد منا بعد الواحد، يأخذ بركابه، ويكشر عن نابه، ويتمثل: أخذي كذا بركاب الضيف أنزله ... ألذ عندي من الأسفنج بالعسل أو من رغائف كانون ملهوجة ... أو رائب بقري جيد العمل أو من خوار عجول في مسارحها ... أو من ركوب الحمير الفره في الكفل ثم مال بنا إلى بيت مكنس، منوع مجنس، قد جلله حصراً بلدية، وغشاه بسطاً بدوية، ومد فيه شرائط وحبالاً، كأنه يريد أن يخرج خيالاً،وعلق منها غلائل وملاءات، وهمايين وسراويلات، وكم شئت من خرق معصفرة، وعصائب مزعفرة، حتى المقنعة والخمار، والدلال المستعار؛ وقد اتخذ في الحائط كوة وثانية، وملأها حقاقاً وآنية، وأودعها من عتاد العروس فاخره، ومن طيب البادية أوله وآخره، مثل حراقة الورد بالبان، وعصارة العصفر بالزعفران، وشيء من الاثمد والاسفيذاج، ومراود الزجاج، وحبات المصطكي واللبان، وغبار العفص وقشور الرمان، وكثير من سنون ذلك المكان. فقلت: يا صاحب المنزل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 هنئت وهنيت، لقد أوتيت وأوتيت؛ وجعلت أرقق عن صبوح، وأقول: متى كان الخيام بذي طلوح ... من أين للبداوة، بهذا الرونق والطلاوة، وكيف حتى أغرت على حانوت العطار، ومتى نقل سوق البز إلى هذه الدار - لقد قرت بك الأعين، وسرت الأنفس. هذا زي العروس فأين العرس - فضحك البدوي ملء فيه، وتوسمت الازدراء فيه، وأنشد يا أخي نحن على أن ... انتاج بدوي سادة ناس لنا في ... هذه الدنيا دوي عندنا إن جاء ضيف ... شبع جم وري وسرير حشوه ري ... ش الفراريج وطي وكرامات كثيرا ... ت وهيئات وزي ثم قام من مكانه، ودعا بصبيانه، وأغراهم بديك له هرم، ليذبحه في طاعة الكرم. فأجروه لأمهم الهاوية، من زاوية إلى زاوية، حتى سقط الديك سقوط طليح، جسماً بلا روح، فأقبلوا إليه، متهافتين عليه، وهو يضطرب اضطراب المخنوق، ويستغيث بالخالق والمخلوق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 678 واتفق لفرط حنقه، ومؤلم تقلقه، أن عض على أيديهم عضة، وانتفض منهم نفضة، وصعد في بعض الجوائز، وحمد الله حمد الفائز، وتمثل: إذا غرقت ببحر ... من الردى فياض فلا يكن بهلاك ... عليك ظنك قاض فليس في كل وقت ... سيف المنية ماض وحان وقت الظهيرة، فصفق بجناحيه ثنتين، وصرخ صرختين، واقتدى به المؤذنون، وتجمهر المؤذنون، حتى إذا قضيت الصلاة استصرخهم فأصرخوه، وتواثبت إليه السادة والوجوه، فقال لهم الديك أيها السادة الملوك، فيكم الشاب متع بالشباب، والأشيب نور شيبه مع الكواعب والأتراب؛ وقد صحبتكم مدة، وسبحت الله تعالى على رؤوسكم مراراً عدة، أوقظكم بالأسحار، وأؤذن بالليل والنهار؛ وقد أحسنت لدجاجكم سفاداً، وربيت لكم من الفراريج أعداداً؛ فالآن حين بلي في خدمتكم تاجي، أنعى إلى دجاجي، وتنحى الشفرة على أوداجي -! وحين أدركني الشيخ، يمزق لحمي ويطبخ - يا للكرام، من ذل هذا المقام! وجعلت دموعه تسفح من دمه، والحزن يطبق على فمه؛ ثم غشي عليه، فاجتمعت البداوة من كل ناحية إليه، يضربون وجهه بالماء، ويخلصون له في الدعاء؛ ثم أفاق من غشيته وأنشد: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 علام يقتل شيخ ... من كل ذنب بري - محقق متحر ... موحد سني هل نص هذا كتاب ... أو قال هذا نبي لا ذنب لي غير أني ... مؤذن بدوي فرقت له أنفس القوم، وأقبلوا على صاحب المنزل باللوم، فقال: ويحكم، إن هذا الديك ذو فخذٍ وصدرة، وقد أصابتني عليه ضجرة؛ ولي في ذبحه سر، ولابد أن تزين به قدر، وتضرم تحته النيران، ويشبع من لحمه الضيفان؛ أما ترونه قرة العين والقلوب، سبيكة لجين محكمة التذهيب - وتمثل: ومن شيمتي مهما تزين منزلي ... بضيف أن أقريه بأحسن ما عندي لو إن دمي خمر لرويته به ... ولو صلحت كبدي شويت له كبدي بذلك أوصاني أبي مذ عقلته ... وقد كان أوصاه بذا قبله جدي فقال الديك: لا أكذب، الحق طريق مستبين، واتباعه مروءة ودين؛ أما إنه لعلى خلق عظيم، كريم ابن كريم؛ غير أنه لؤم في أمري وأفرط، وغلط ما شاء أن يغلط. أما علم أن هرمات الديوك، ليست من مطاعم الملوك، وأنها بالأدوية، أشبه منها بالأغذية - وأقسم لو اتخذ برمة من فؤاد مهجور، ووضعني من مثله على تنور، لا قضى بي حاجة، ولا عدم مني نيوءاً وفجاجة؛ وإن له في بني ما لا يجده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 في، من طيب الشيم، ولذة المطعم، والتوليد لأحمر ما يكون من الدم. وأنى كالفروج اسفيدباجا، لمن أراد أن يعدل مزاجاً - فزكى قوله، كل من حوله، لم يألوه تعظيماً، واتخذوه من ذلك اليوم حكيماً، وصرف البدوي من ألطافه، ما أحسن به قرى أضيافه؛ وختم نوبة بره، بالرغبة في بسط عذره، فسمعنا منه، ورحلنا سحراً عنه. وفي فصل منها: ولم تزل الجياد تمعج بكماتها، والشمس تنتقل في درجاتها؛ حتى أشرفنا على عين كالدينار، كأنما هندست بالبركار، ذات ماء ريان من الشنب والخصر، وحصباء كالأسنان ذوات الأشر؛ وقد حف بها النبات حفيف الشارب بفم الأمرد، وتزينت بخضرة كالمرآة الصقيلة طوقت بالزبرجد. ومنها: فأصغيت فإذا بصوت ناقوس، في دير قسيس؛ وقرية آنة، كلها حانة؛ دار البطاريق، وملعب الكاس والإبريق؛ سائمتها الخنازير، وحياضها المعاصير، ومياهها الأنبذة والخمور؛ وشكلها مثلث مسطوح، هندسته حواريو المسيح؛ نباتها غصون من قدود، تهتز في أوراق من برود، وتثمر رماناً من نهود، وتفاحاً من خدود، وعقارب من أصداغ، وافاعي من أسورة وعقود؛ وفيها مدام من رضاب، وسقاة من كواعب أتراب، وغيد لمهوى قرط، وارتجاج لكثيب في مرط؛ وجولان لنطاق، وغصص لخلخال في ساق، وخنث في ألفاظ، ومواعيد بألحاظ، وقلوب تكلف وتشغف، ونفوس تنشأ وأخرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 تتلف. فلما أكثر محدثنا بحضرة الفقيه، من هذا التشبيه، ومن هذه المحاسن، المحركات لكثير من السواكن، قطبنا له وجوه الاستكراه، وعضضنا له على الشفاه. فبينا نحن كذلك نكثر لغطاً، ونرى الحلول بالمسيحيين غلطاً، إذ نظرنا إلى اطراد صفوف، من أعطاف خنثة وخصور هيف، وشموس وأقمار، على أفلاك جيوب وأزرار؛ لا سيوف إلا من مقل، ولا درق إلا من خجل، ولا عارض إلا من خلوق، ولا صناعة غير تخليق، ولا اسم غير عاشق ومعشوق؛ فتشفع القسيس بحسن خدودهم، وأقسم بنعمة قدودهم، إلا جزلتم المنة، وثنيتم الأعنة، تعريجاً إلينا، وتحكماً في المال والولد علينا. فكرمت الشفاعة، وقلنا السمع والطاعة، وجلنا جولان الزنابير، على هيف الخصور، نفص بما بقي من الطريق، غص الدماليج بخدال السوق، حتى وافينا الباب، وأنحنا الركاب، وتولى تولي الحر، ضروباً من البر، غير أنه قنع بالدن وجه مدامه، تقنع الورد بأكمامه، وقضانا من الإكرام نافلة وفرضاً، وشددنا الجياد عنه ركضاً، وسرنا حتى رفع لنا في طريقنا جدر، فإذا كنيسة عارية الأطلال من الجمال، إلا تعلة المتوسم، للتخيل والتوهم، كالثوب الكريم أخلقه ابتذاله، أو كخد الأمرد تغشاه سباله، فهيج ذكراً، وأجد فكراً، فأنشدت: وكنيسة أخذ البلى منها كما ... أبصرت فيثاً في مغار ينهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 نمت علينا في السفارة نفحة ... من ماء كرم كان فيها يسكب أهوى إليها بالمطي تخيل ... منا بريء والأماني تكذب فتواقف الركبان في عرصاتها ... كل بها متحير متعجب أنى تأتت لابن آدم قدرة ... حتى استقام وتم ذاك المنصب ومن أي أرض كان رائع مرمرٍ ... كسواعد الغزلان فيها يجلب كم صاد إبليس بها من تائب ... بحبائل ألقى بهن ترهب وكم ابتنى القسيس فيها منبراً ... من جؤذر وبدا عليه يخطب سقياً لها من دار غي لم يزل ... فيها كريم بالملاح معذب كلاً وما زالت نجوم مدامة ... فيها بأفواه الندامى تغرب بئس المصلى إن أردت تعبداً ... فيه ولكن كان نعم المشرب ثم أغذذنا سيراً، وكأننا ننفر طيراً؛ حتى نظرنا من السائمة تسرح في مروجها، كالعذارى تميس في دبابيجها؛ كلأ نضير، وماء نمير؛ وما زلت أروى هناك بالرائب والميس، حتى كاد كياني ينقلب إلى كيان التيس. ثم رحلنا وتذكرنا الطراد، فمشت الجياد، وتواثبت آساد، واستعد بباز وكلاب، فإذا بحر من برك، يخرقه سفين من برك، وفي السيور صقور إذا نظرت، وليوث إذا جردت، تنظر من أمثال الدنانير، وتتخطف بأشباه المرهفة الذكور، فأرسلناها إرسال سهام الأحداق، إلى قلوب العشاق، فلم نر إلا ريشاً محلوجاً، ومنسراً يحسن توديجاً؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 ووردنا ماء في رقة النسيم، ولذاذة بنت الكروم، فشربنا وطعمنا، وقرينا سباع الفلاة، مما فضل عن الكماة؛ ونقشت على مرمرة بيضاء، ساعة وردنا ذلك الماء: يا رب ماء عازب مجه ... مزن هزيم الودق في سبسب زبرجد جلله مكثه ... غشاء ديباج من الطحلب إن كان فيما قد مضى مورداً ... فللعطاش الأسد والأذؤب باكرته مع كل ذي همة ... لا يرتضي الأفلاك عن مركب ولغط الطير بأرجائه ... كلغط الصبية في المكتب فانقض من أيماننا كوكب ... ذو ناظر أنور من كوكب مكحل الآماق ذو منسر ... يسترزق الرحمن من مخلب فاستشعر الطير هروباً وهل ... عن نازل المقدور من مهرب فصاد ما أوسع صحبي قرى ... وفاض في الأبعد والأقرب صيد لعمري لم يعبه سوى ... أن لم يكن نقلاً على مشرب ثم لم نزل نسري سرى النجوم في الدياجي، إذ تلقانا شاب كما ذهب عقيق خديه، ونم شاربه بالتذكير عليه، متقلد حسام كأنما طبع من لحظه لا من لفظه، على جواد ظمآن الأسافل كخصريه، ريان الأعالي كردفيه؛ تستعيذ عيون البررة من النظر إليه، وتزدحم أطماع الفجرة حواليه: ذو مقلة شهلاء رومية ... وذو لسان عربي مبين قلت وقد عيب بتثليثه ... مقال ذي رأي وعقل رصين طلعته الدنيا و [يا] قلما ... يجمع للإنسان دنياً ودين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 فلما بلغنا، قبل عرف جواده، وعبراته تنسكب على نجاده. قلنا: ما لك لا أبالك - فقال: منفلت من السجن، وآبق من أهل الحصن، وعائذ من ظلمات الغواية، بنور الهداية، ومن ذل عبادة الأوثان، إلى عز عبادة الرحمن؛ ولي خبر أريد أن أقصه، ويمتن الفقيه وفقه الله أن يسمع نصه. فخرج إليه الإذن، وقيل له أدن؛ فقضى فرض التحية ونافلتها، ثم قال: أيها الفقيه، للأشياء غايات تنتهي إليها، ومقادير تجري عليها، أما والخلاق العليم، والفاطر الحكيم، الذي أسعد قوماً بالهداية وأثابهم عليها، وأشقى آخرين بالضلالة وعذبهم بها، لقد أنحلتني عبادة الطواغيت فعبدت الصليب وقرعت الناقوس، وفعلت كل ما قرت به عين إبليس؛ قدر لم يكن ليخطئني ولا يتخطاني، إلى أن استنقذني ربي وهداني؛ وأنا أشهد أيها الأشهاد أن الله إله واحد، ليس له ولد ولا والد، كان ولم تكن الأكوان: لا أرض ولا ماء ولا دخان، مخترع الكل ومنشئه، ومعبده ومبدئه، له المثل الأعلى، والأسماء الحسنى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 @ومما وجدت له من المدائح في المعتصم بن صمادح له من قصيدة: لما دعتك المكرمات أجبتها ... لا وانياً عنها ولا متثاقلا فهززت من أسد الرجال قوادماً ... وهتكت من برد الظلام حبائلا وسريت في القمر المنير بمثله ... وجهاً وأعراقاً زكت وشمائلا ومنها في اجتماعه بصهره ابن مجاهد: أبدى علي فرحة بمحمد ... أبدت مسالك في الصفاء جلائلا فلئن غدا بك للقلوب مباهياً ... فلقد رأى ملكاً أغر حلاحلا سبط اليدين كأن كل غمامة ... قد ركبت في راحتيه أناملا وأما وحقك إنه الحق الذي ... بذ الحقوق مسامياً ومساجلا لقد احتملنا في مغيبك لاعجاً ... أنحى على كبد وأثقل كاهلا ومنها: تفديك أنفسنا التي ألبستها ... حللا من النعمى وكن عواطلا كانت نواك البحر يزجر موجه ... فالآن صار لنا إيابك ساحلا لا عيش إلا حيث أنت وإنما ... تمضي ليالي العمر بعدك باطلا لا عطلت منك الحياة فإنها ... لولاك ما سرت لبيباً عاقلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 وله من أخرى: سقى كل غيث صادق البرق وابل ... منابت نوار الربى والخمائل فروى غصوناً كالقدود تطلعت ... من أوراقها في مثل خضر الغلائل خليلي عوجا بي على الربع دارساً ... نحي رياضاً أحدقت بجداول ملاعب كاسات ونزهة أعين ... ومسلى لمشتاق وذكرى لغافل وأحسن من روض تحلى بنوره ... محيا ابن معن في حلي الفضائل جواد كأن الأرض جمعاء راحة ... له وبحور الأرض خمس أنامل ليهن تجيباً أنها عندما اغتدت ... قبيلاً له سادت جميع القبائل تكسد سوق الدر فيك قصائدي ... وتزري بعرف المسك عنك رسائلي جللت فجل القول فيك وإنما ... يقد لقدر السيف قدر الحمائل يزين شعري أنه فيك سائر ... وزين عنان الطرف يمنى المجاول وله من أخرى وكان المعتصم قد هجر النبيذ زمناً: عسى دهرنا أن يكف الخطوبا ... ويجعل منك لكأس نصيبا وشت حادثات الليالي بها ... فأعرضت عنها وكانت حبيبا وكم من ذمام لها مثله ... يحل الحقود ويثني القلوبا وأنت ابن معن على خلقةٍ ... تقيل المسيء وتمحو الذنوبا وله في من أخرى: هجر المدام وكان يألف وصلها ... ملك جليل في الملوك عظيم فاصفرت الأقداح من جزع ولو ... يسطعن لم يأرج لهن نسيم وتطلع الساقي يؤمل عودة ... ليعود عهد بالكرام كريم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 وله من أخرى: لو خيموا بظلال الضال والسمر ... لم أشك من لهب في القلب مستعر لكن مقيلهم المرهوب جانبه ... بين السنور والهندية البتر بحيث لا لبد إلا فوقه لبد ... ترى ولا شارة إلا على شرر واين موقع شكوى الصب من زرد ... ومن حسام ومن ناب ومن ظفر دون الظباء ظباً جد الصليل بها ... والرعد والبرق دون الشمس والقمر وفي الهوادج أبشار كأن لها ... وجوه جدوى أبي يحيى على البشر ملك له سير في الملك فاضلة ... أعيت على كتب الأخبار والسير إذا أنامله ضمت على قلم ... يود منهرقه لو قد من بصر وقال من أخرى: ومما شجاني في الغصون حمائم ... تجاوب في جنح الظلام حمائما يرجعن ألحاناً لهن شواجياً ... فيرسلن أسراب الدموع سواجما سقى الله أيكاً ما يزال حمامه ... يهيج مشتاقاً ويسعد هائما وكم ليلة للدهر باهيت نجمها ... بنجم من الصهباء يجلو الغوائما إلى أن رأيت الشمس في الأفق طالعاً ... كوجه ابن معن إذ يجلي المواسما أمعتصماً بالله لقيت عصمة ... كما لم تزل من حادث الدهر عاصما لك المثل الأعلى إذا ذكر الندى ... ودع هرماً فيما سمعت وحاتما وله أيضاً: الخمر موصوفة بالمجد والشرف ... تعوض الخلف الباقي عن السلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 انظر وبارك على حاس ومعتصر ... ماذا تولد بين القار والخزف كأنما كأسها نجم على فلق ... وريحها نفس في روضة أنف ألقيت في دنها الدنيا بأجمعها ... فليس عن صرفها قلبي بمنصرف ولا الأمير أبو يحيى بمنتقل ... عن عادة البر والإجمال واللطف تخالف الناس حتى في معارفهم ... وليس في خلقه خلق بمختلف كمنت في الكون حتى لحت منه لنا ... فرد الجمال كمون الدر في الصدف فالدهر تحت صباح غير ملتبس ... وتحت نير سعد غير منكسف والطول منك به صفو بلا كدر ... والحكم منك به عدل بلا جنف مكارم لم تزل تجري لغايتها ... كالسهم سدده الرامي إلى الهدف وقال أيضاً: فشربتها كلف الفؤاد عميدا ... راحا وكانت مرة عنقودا ختمت بطينتها وزمزم حولها ... قس وغادر بابها مسدودا وتنوسيت فكأن صف دنانها ... في الحان أصحاب الرقيم رقودا وكأنما الخمار كلبهم وقد ... ألقى ذراعيه وسد وصيدا وكأن ذا القرنين أفرغ دونها ... سدا جرى قطرا وسال حديدا صهباء ألبسها التورد مجسدا ... عجبا وقلدها الحباب عقودا فإذا شممت فمسكة مفتوقة ... وإذا لحظت فبارقا معقودا وإذا طعمت فريق أشنب واضح ... شف المشوق تجنبا وصدودا حذيت على خلق ابن معن فاغتدت ... أملا وكنزا للسرور عتيدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 أخبرني الفقيه أبو بكر ابن الوزير الفقيه أبي محمد العربي عن الفقيه أبي عبد الله الحميدي قال: كان الوزير أبو حفص عمر بن الشهيد كثير الشعر، متصرفا في القول، مقدما عند أمراء بلده، وشاهدته في حدود الأربعين وأربعمائة بالمرية، وكتبت من أشعاره طرفا، ومن شعره مما كتبته: في صحبة الناس في ذا الدهر معتبر ... لا عين يؤثر منها لا ولا أثر ليست تشيخ ولا يزري بها هرم ... لكنها في شباب السن تختضر إذا حبت بينهم أطفال ودهم ... لم يترك البغي حابيهن يثغر كأنها شرر سام على لهب ... يغدو الخمود عليه حين ينتشر كأن ميثاقهم ميثاق غانية ... يعطيك منها الرضى ما يسلب الضجر فلا يغرنك من قول طلاوته ... فإنما هي نوار ولا ثمر لو ينفق الناس مما في قلوبهم ... في سوق دعواهم للصدق ما تجروا لكن فيها نقود القول جارية ... على مقادير ما يقضى به وطر يقضي المحنك أو يقضى لحنكته ... وبين ذاك وهذا ينفد العمر تسابق الناس إعجابا بأنفسهم ... إلى مدى دونه الغايات تنحسر فللتسامي ضباب في صدورهم ... وللتكبير في آنافهم نعر وما عذلتهم لكن عذرتهم ... فالجهل ليس له سمع ولا بصر وبالسند المذكور عن الحميدي، قال: ومما كتبت له أيضاً: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 تعلم لحظك سفك الدماء ... وأنت تعلمت ألا تدي وليتك إذ كنت لي ممرضا ... رثيت فزرت مع العود حنانيك إن هلاك العبي ... د مما يعود على السيد وما بي نفسي ولكنني ... أشح بمثلك أن يعتدي قال أيضاً: يا قوم شدوا المطي واسروا ... فإن روحي بأرض قوم نام الخليون واستراحوا ... ومن لعين الشجي بنوم وطيب هذا النسيم ينبي ... أني أراه غداة يومي @فصل في ذكر الأديب أبي عبد الله محمد بن احمد بن الحداد @وإيراد جملة من أشعاره وما يتشبث بها من مستطرفات أخباره قال ابن بسام: وكان أبو عبد الله هذا شمس ظهيرة، وبحر خبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 وسيرة، وديوان تعاليم مشهورة؛ وضح في طريق المعارف وضوح الصبح المتهلل، وضرب فيها بقدح ابن مقبل؛ إلى جلالة مقطع، وأصالة منزع، ترى العلم ينم على أشعاره، ويتبين في منازعه وآثاره، وله في العروض تأليف، وتصنيف مشهور معروف، مزج فيه بين الأنحاء الموسيقية، والآراء الخليلية، ورد فيه على السرقسطي المنبوز بالحمار، ونقض كلامه فيما تكلم عليه من الأشطار. وأصل أبي عبد الله من وادي آش إلا أنه استوطن المرية أكثر عمره، وفي بني صمادح معظم شعره، ومع ذلك طولب عندهم هنالك؛ ولحق بثغر بني هود، وله فيهم أيضاً غير ما قصيد، وهو القائل بعد خروجه من المرية من قطعة فلسفية: لزمت قناعتي وقعدت عنهم ... فلست أرى الوزير ولا الأميرا وكنت سمير أشعاري سفاهاً ... فعدت لفلسفياتي سميرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 وكان أبو عبد الله قد مني في صباه بصبية نصرانية، ذهبت بلبه كل مذهب، وركب إليها أصعب مركب، فصرف نحوها وجه رضاه، وحكمها في رأيه وهواه؛ وكان يسميها " نويرة " كما فعله الشعراء الظرفاء قديماً في الكناية عمن أحبوه، وتغيير اسم من علقوه. وقد كتبت في هذا الفصل بعض ما قال فيها من ملحه، ورائق أوصافه ومدحه، وسائر شعره بعد تقديم فصول من نثره، ما يقر بتفضيله، ويشهد له بجملة الإحسان وتفصيله. @جملة من نثره فصل له من جواب عن كتاب عتاب استفتحه من قول أبي الطيب: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عداته ... وأصبح في ليل من الشك مظلم لما كان - أعزك الله - العتاب جلاء الأقذاء، وصقال الأصداء، وعقال الأدواء، وسمتني منه بوسوم، ولفحتني بسموم؛ وأسررت حسواً في ارتغاء، فأدرجت ذماً في ثناء؛ والحر يأنف من الضيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 ويشمئز من الذيم، ولا يقتصر على الاجتراء بغير الجزاء؛ ولو ترك القطا ليلاً لنام، " وفي العتاب حياة بين أقوام ". فاصطبر لشرب صبره، وانتدب لتسوغ مقره، فمن الحكم العدل، والقضاء الفصل، أن الدغك بما لدغتني، وأجرعك ما جرعتني، غير آفك في حال، ولا مباهت بمحال، فالتمويه ليس من الخلق النبيه؛ والحر على ما ساء يصر، وكل مجر بالخلاء يسر؛ والفضل لمن حواه، لا لمن زخرف دعواه، وتحقيق البرهان غير تنميق البيان، والسؤدد في محاسن الخلال والفعال، لا في إمكان الزمان وإقبال السلطان، وقيمة كل امرئ ما يحسن: أمثال أضربها لك واضحة المناهج، ومقدمات أنشئها معك صادقة النتائج، وجمل تشتمل على تفصيل حالينا، ونبذ تشير إلى ما فيه جرينا. وقد دهمني عتابك وإجلابك، بريح تعصف، ورعد يقصف، واستقبلني خطابك وإطنابك، بوبل يخشف، وسيل ينسف، بلغ الزبى وزاد، وغمر الربى والوهاد؛ لو أم الهلالي لاقتلع أزهاره، وطمس أنواره؛ أو اعتمد الميكالي لطم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 على قريه، وطما على سريه؛ فما ظنك بغر، على مذهبك غمر، يحتل من الأدب في صبب، لا يرد إلا بقطه، ولا يزود إلا سقطه؛ فهل عندك مرية أنه غريق أتيه، ومحتمل آذيه - تضمن صدره من برك وتقريظك ما ملأ صدري ثلجاً، وأفقي أرجاً، فحياه حمدي بنواره، وسقاه شكري من عقاره. ثم انتقل من تصفحه إلى صفاح تأنيب لامعة، ورماح تثريب شارعة، وسهام مذام، وأعلام ملام، تروع المقدام، وتدحض الأقدام؛ لكن تلقيتها في لؤم التجمل، وتوقيتها بجنن التحمل؛ وما عسى أن أقول لزعيم من زعماء حضرتي، وعميد من عمد أسرتي، وقمر من أقمار أسلاكي، ووسطى أسلاكي، يسلم له ويستسلم، ويعرض عن زاخر جفائه، ولا يلتفت إلى زبده وجفائه - تبينت العلة الداعية إلى قعقعة شنانك، وجعجعة لسانك، ومعمعة نيرانك. ولقد أوضحت في المجلس المذكور علاءك، وأخفقت فيه لواءك، وأعقبت فيه أنباءك، غير مواطئ برمز كما أنهي إليك، ولا ملاحن بهمز كما صور لديك؛ فاملك من جماحك، واخفض من طماحك، ولا يجرجر بازلك، ولا يزمجر باسلك، فما نبح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 كلبي بدرك، ولا ستر غيمي زهرك، ولا بهرج ميزي درك؛ ولا ألحدت في آيتك، ولا حططت من رايتك؛ ووجه المحرش أقبح، وخد المورش أوقح، ورب ملوم لا ذنب له: ومن وضعت للقول أغراض سمعه ... رمته ولم تخطئ سهام النمائم وكان الأحجى بمكانتك، والأحرى بأصالتك وركانتك، أن تمحص ما أنهي عني إليك، وتخلص ما به شبه عليك؛ ولا يبتز من حلمك هذا الابتزاز، ولا يستفز من جلدك هذا الاستفزاز؛ ولو وليت البحث قسطه، وأعطيت النظر حقهن لذكرت قول الزباء: " عسى الغوير أبؤساً "، ولتبينت أن الخائن المائن، الذي حرق ناب حرجك وحردك، وأعض أنامل ضجرك وضمدك، ولم يذهب - أهذب الله شرواه، وابعد منا نجواه - إلا ليطيش بأناتك، ويجيش من هناتك، والنيق لا يهتز لخريق، والهشيم لا يثبت لنسيم. وفي فصل: ومطلعنا من أفق، ومرجعنا إلى تحقيق؛ وإن كنت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 أيدي الفتن قد أزعجت أسلافنا عن الوطن، واغتصبت أملاكنا إلا أسماء، واستلبت جماهيرنا إلا اللفاء، فقد أعذرت إذ أبقت بأيدينا ما أبقى مياه الصون بزرقتها وجمامها، وزهرات السرو في غضارتها وكمامها. ولم أمتدح المعتصم طالب جدىً، ولا راغب ندىً؛ على أن جميعنا رائد في رياض إنعامه، ووارد في حياض إكرامه؛ ولكني منيت بقردةٍ حسدةٍ، أعجزتهم محاكاتي، وأعوزتهم محاذاتي، فوخزوا فضلي بمثل الأشافي، ورموا عرضي بثالثة الأثاقي. وفي فصل: ولو أني من هذه الفرقة التي مزجني بها ظلمك، وضمني إليها هضمك، وعملت عملهم على حكمك، وسلكت سبلهم على زعمك، لكان لي في تشبثك الداني، وتعلقك المجاهدي، أسنى مؤتسى، وأهدى مقتدى، فللتسامي مناقل، وللترقي منازل؛ وإن جمعتني بهم الصفات، فقد أفردتني منهم الموصوفات، وما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة: قد يبعد الشيء من شيء يشابهه ... إن السماء نظير الماء في الزرق وما كل معنى يضح، ولا كل دعوى تصح، كمثل ما تابعت إيراده، وشفعت ترداده، من أنك غرستني وبنيتني، وأقمتني وقومتني، وكلها عبارة تؤلم الأبي الحمي، واستعارة توهم السامع الشاسع، وإشارة تعجب الحاضر الناظر. ولست بمنكر معاضدتك في شأن الكتابين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 الكريمين، فهما وسميك ووليك، المتوبان بزعمك على وجه صباحك، والموصولان بأجنحة رياحك. ولن تعدم على ذلك جزيل حمدي هنالك. وحاشا لله [أن] أنكر اليد وأن صغرت، أو أكفر النعمة وإن نزرت؛ ولست بحيةٍ صماء كما أشرت، ولا بسلقةٍ طلساء كما عرضت. ولو غير أعمامي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما وما أفصح تبيانك لفهاهتي، وأوضح برهانك على جهالتي، في تلويحك بل يتصريحك، أني لم أرم ذراي، ولا برحت مثواي، ولا أعملت لي رحلة للعلماء، ولا هجرة للفهماء. فيا للأدب لهذا العجب، ما أكثر إجحافك، وأقل إنصافك! كأنك جهلت أن العلماء بمصري متوافرون، والمشيخة الجلة به متكاثرون، وأن فنون العلم به تلتمس، ومن أنواره تقتبس، واليه كانت أولاً وفادتك، ومنه عظمت إفادتك. وأما زعمك أن الدهر لو عضني والخبر لو عجمني، لتبينت أن بحري ضحضاح، وأن إصباحي مصباح؛ فليس بأول جنفك، ولا ببدعٍ من سرفك؛ إن التقدم بالأذهان لا بالأسنان، والتفهم بالأفهام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 لا بتكاثر الأعوام، والمرء بأصغريه، والحسام بغراريه، وةالسقط يحرق الحرجة وهو حقير، والناظر يخترق الفلك وهو صغير. وأما الامتحان فذهني إبريز ناره، ولبي تبريز مضماره، وطالما فوضلت ففضلت، ونوضلت فنضلت، وقد أنصف القارة من راماها، والحلبة من جاراها، وإن قلت المذكية لا تقاس بالجذاع، فإني أقول: في الإجراء من مائة ترك الخداع، وكشفت القناع: وتخفى السوابق من غيرها ... إذا لم تضم إلى مقبض وإذا شئت فنحك ذكاء لا تخبو ناره، ولا تنبو شفاره، وبهرك مضاء لا تطيش سهامه، ولا تخفق أزلامه، وإن كنت على زعمك عوداً لا يقلح، فالحديد بالحديد يفلح. وفي فصل: فتحقق أني مكدر الشموس التي تكسفها، ومغور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 البحار التي تنزفها، وأنا أخلع عليك حظي من الفهم الأدبي والعلم الشعري، ولم أجعلها غرضاً، فلم ألمحهما، إلا عرضاً؛ وكذلك أناقض زهوك، وأخالف بأوك وأعترف لتعديك، لعلي أرضيك. وإني لا أضرب بسهمٍ في فهم، ولا أختص بقسم في علم، ولا آخذ بحظ في لفظٍ، ولا ألم بمغنىً لمعنىً، ضيق العطن في الفطن، عالم باضمحلال خيالي، ونضوب أوشالي، منقطع الرجاء عن تثنية واحدتك، وتقفية قافيتك، واعتراض عروضك. ولله أنت! لقد أغربت بعنقائك، [وبرزت] ببلقائك، فلا داحس لغبرائك، ولا مباري لغرائك. إلا أن الحسناء لا تعدم ذاما، وبليق مع جريه لا يفقد ملاما؛ فكم ندي قضى منتدوه، وحكم مشاهدوه، أن يتيمتك هذه منحلة من إحدى بناتي، وحقيقتك منتخلة من بعض خيالاتي. وزعموا أنك في لواحبها سلكت، وعلى قوالبها سبكت، وما زدت على أن مسخت راءها نوناً، وصيرت أبكارها عوناً. ومن الظلم الجم أن تجعل نصري خذلاناً، وعضدي عدواناً؛ وكل سمع قولي: إن بحر الوزير أزخر من أن يستمد بجزري، وعلمه أوفر من أن يستكثر بنزري، وفضله أبرع من أن يختلس من حلاي، وشمسه أرفع من أن تقتبس من سهامي؛ والاتفاق غير نكير، فقد جرى لهمام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 وجرير، وقبلهما للكندي والبكري. وفي فصل: وهذه نزغات الحاسدين، ونتغات المنافسين، فأعرض عن فندهم، ولا تحفل بعندهم، وقل في قولهم قول الأحنف في مثلهم: عثيثة تقرض جلداً أملسا ... ومن قال سمع، ومن قرع قرع، ومن جمع كبح، ومن زهي ازدري؛ فلا تسمع ممن يقصد إسماعك، ويعتمد إيجاعك، فلو فحصت لما انتقصت، ولو تحققت لما تدفقت، فرب غيث عاد عيثا، وعجلة تهب ريثا؛ فقد تعاطينا كأس النصف فلنجدع أنف الأنف، ولنطفئ سقط الشنف، ولنمح السالف بالمؤتنف، فقد بردت كبد الإخلاص، وانتهجت سبيل الاستخلاص، وانصقلت ماوية الصفاء، وتوثقت آخية الإخاء، فلا يختلج بهاجسك، ولا يخطر بخاطرك، أن هفوات هذه الهنوات تغص أجفاني عن لحظ سناك، أو تخرس لساني عن إيضاح علاك، وعلى ما خيلت، أن أنفصل من تقديمك، وأن أنفك من تعظيمك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 وله من أخرى إلى ابن الحديدي بطليطلة: قد سطع - أعزك الله - من سناك وسنائك، وتضوع من نثاك وثنائك، وانتشر من علاك وحلالك، ما ضمخ مسكه اللوح، وستر نوره يوح؛ فسور سيرك تتلى في منازل الفضائل، وصور غررك تجلى في محافل الأفاضل؛ ولا غرو أن تنزع الأنفس الشاسعة تلقاءك، وتتمنى لقاءك؛ ولا بدع أن تمتد الأعين النازحة إليك، وتود أن تقع عليك، فالفضل موموق، والنفيس مرموق، وحرص الحوباء على مشافهة الأخلاء يقضي عليها باقتداح زند المخاطبة، واستفتاح غلق المكاتبة، وإذا عدم التناطق، فقد وجب التباطق، ولو أن التكاتب لا يقع إلا بعد وقوع طير التعارف، على ماء التآلف، وتفيؤ النفس، ظلال الأنس، لا نسدت أبواب المواصلة، وانبتت أسباب المراسلة. وما زلت مذ تنسمت أرج ذكراك، وتوسمت نهج علياك، أصبو إليك صبو الهائم، وأظمأ ظمأ الحائم، وأرتقب للإمكان صالحة أتوصل بها إلى مجاراتك في ميدان الاستدلال، وأتوسل بها إلى معاطاتك أفنان الالتئام والاتصال، والزمن يأبى إلا اللي، فينهد العوائق إلي، إلى أن دهمني من ضروب خطوبه بعجائب، واستقبلني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 من صنوف صروفه بغرائب، قذفتني من سمائي، وسقتني غير مائي، فأيدي التغرب تتعاطاني، وأقدام النوب لا تتخطاني. والله يحسن العقبى، ويعقب الحسنى، بمنه. وله من أخرى: قد كنت خاطبتك في أمر فلان، وجلوت إليك معه خبري، وشكوت إليك عجري وبجري، لتنظر كيفية حاله، ولعلك تصرفه عن محاله. فما أصرت بنهرك زبدا ولا حببا، ولا أثرت لمهرك عنقا ولا خببا، ولا سلكت لشعبك صعدا ولا صببا، ولا فككت لسعيك وتدا ولا سبا. وعهدتك - أبقاك الله - أنفذ سهامي، وأقتل سمامي، فما الذي عاق بدارك إلى رغباتي، وسكن مثارك في طلباتي - فعودا إلى معترفاتك، وجريا على قديم عاداتك، في أن تعمل حيلك البابلية، وهدايتك اللاهوتية، وألطافك الناموسية، ودقائقك البطليموسية؛ فعساك أن تطلق ربقي، وتعتق رقي. وله من أخرى إلى أبي بكر الخولاني المنجم: لو أنصفك الزمان الذي أنت غرة أيامه، ودرة نظامه، لكنت أحق بالسرطان من الزبرقان، وأولى بالميزان من كيوان، وأحجى بعلو المراتب من سائر الكواكب، فما زلت لفلك علمها مركزا، ولمدى فهمها محرزا. ولو ميز الزمان ضياء جوهرك، وصفاء عنصرك، لما عداك عن العروج، إلى فلك البروج؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 وأرجو أن هذا زمانه، وقد آن أوانه، فقد ظهرت له دلائل، وشهدت له مخائل. فكأني بك من ذات الصدع، إلى ذات الرجع، على كبد الجزع، فيا ليت شعري هل يتمارى فيك، فيقول من يصافيك: ما رشق ولا مشق، ولكنه شبه وموه. أوردنا الله خير موارد النجاة والهدى، وعصمنا من الضلالة والردى، بمنه. وله أيضا: يا سيدي الذي هو قسيم ذاتي إن تحققت الذوات والنحائز، وشقيق نفسي إن تبينت الخلائق والغرائز، ومن أبقاه الله بقاء الفرقدين، في تدبير السعدين؛ بيننا - أعزك الله - من التحام المقة واستحكام الثقة، ما أربأ عن تضمين الصحائف، ولو قدت من السوالف، وأنزهه عن اشتمال المداد، ولو كان من دم الفؤاد، فصفاؤنا شمسي النقاء، ووفاؤنا فلكي البقاء، ولا تضمن الطروس، غلا ما لحقه. وكتابي بعد إثر إتحافك لي بكتابين كالنيرين، فإن كان القمر ويوح، لإنارة اللوح، فهذان لجلاء الأذهان. @وهذه أيضا جملة من شعره في أوصاف شتى ومن ذلك ملحه في نويرة، قال: ورأت جفوني من نويرة كاسمها ... نارا تضل وكل نار ترشد والماء أنت وما يصح لقابض ... والنار وفي الحشا تتوقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 وقال أيضا: قلبي في ذات الأثيلات ... رهين لوعات وروعات فوجها نحوهم إنهم ... وإن بغوا قبلة بغياتي وعرسا من عقدات اللوى ... بالهضبات الزهريات وعرجا يا فتيي عامر ... بالفتيات العيويات فإن بي للروم رومية ... تكنس ما بين الكنيسات أهيم فيها والهوى ضلة ... بين صواميع وبيعات وفي ظباء البدو من يزدري ... بالظبيات الحضريات أفصح وحدي يوم فصح لهم ... بين الأريطى والدويحات وقد أتوا منه إلى موعد ... واجتمعوا فيه لميقات بموقف بين يدي أسقف ... ممسك مصباح ومنساة وكل قس مظهر للتقى ... بآي إنصات وإخبات وعينه تسرح في عينهم ... كالذئب يبغي فرس نعجات وأي مرء سالم من هوى ... وقد رأى تلك الظبيات فمن خدود قمريات ... على قدود غصنيات وقد تلوا صحف أناجيلهم ... بحسن ألحان وأصوات يزيد في نفر يعافيرهم ... عني وفي ضغط صباباتي والشمس شمس الحسن من بينهم ... تحت غمامات اللثامات وناظري مختلس لمحها ... ولمحها يضرم لوعاتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 وفي الحشا نار نويرية ... علقتها منذ سنيات لا تنطفي وقتاص وكم رمتها ... بل تلتظي في كل أوقاتي فحي عني رشأ المنحنى ... وإن أبى رجع تحياتي وقال أيضاً: حديثك ما أحلى فزيدي وحدثي ... عن الرشأ الفرد الجمال المثلث ولا تسأمي ذكراه فالذكر مؤنسي ... وإن بعث الأشواق من كل مبعث وبالله فارقي خبل نفسي بقوله ... وفي عقد وجدي بالإعادة فانفثي أحقاً وقد صرحت ما بي أنه ... تبسم كاللاهي بنا المتعبث وأقسم بالإنجيل إني لمائن ... وناهيك دمعي من محق محنث ولابد من قصي على القس قصتي ... عساه مغيث المدنف المتغوث فلم يأتيهم عيسى بدين قساوة ... فيقسو على مضنى ويلهو بمكرث وقلبي من حسن التجلد عاطل ... هوى في غزال الواديين المرعث سيصبح سري كالصباح مشهراً ... ويمسي حديثي عرضة المتحدث ويغري بذكري بين كأس وروضة ... وينشد شعري بين مثنى ومثلث وقال أيضاً: صنت اسم إلفي فدأباً لا أسميه ... ولا أزال بإلغازي أعميه وصاحبي عددي قد رمزت به ... بذكر أعداد ما تحوي مبانيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 706 فجذر أوله ربع لآخره ... وجذر آخره ربع لثانيه وإن ثانيه خمس لثالثه ... فافهم فقد لاح للأفهام خافيه وقال أيضاً: أما الذي بي فإني لا أسميه ... لكن سألقي رموزاً جمةً فيه إذا أردت من الأعداد نسبته ... فجذر أوله عشر لثانيه وإن أضفت إلى ذي الجذر رابعه ... رأيت ثالثه زهراً معانيه ونصفه أولعت أخت الرشيد به ... فقد تبين ماضيه وباقيه وله فيها أيضاً: عساك بحق عيساك ... مريحة قلبي الشاكي فإن الحسن قد ولا ... ك إحيائي وإهلاكي وأولعني بصلبان ... ورهبان ونساك ولم آت الكنائس عن ... هوى فيهن لولاك وها أنا منك في بلوى ... ولا فرج لبلواك ولا أسطيع سلواناً ... فقد أوثقت أشراكي فكم أبكي عليك دماً ... ولا ترثين للباكي فهل تدرين ما تقضي ... على عيني عيناك وما يذكيه من نار ... بقلبي نورك الذاكي - حجبت سناك عن بصري ... وفوق الشمس سيماك وفي الغصن الرطيب وفي ال ... نقا المرتج عطفاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707 وعند الروض خداك ... ومن رياه رياك نويرة إن قليت فإن ... ني أهواك أهواك وعيناك المنبئتا ... ك أني بعض قتلاك وقال أيضاً: وبين المسيحيات لي سامرية ... بعيد على الصب الحنيفي أن تدنو مثلثة قد وحد الله حسنها ... فثني في قلبي بها الوجد والحزن وطي الخمار الجون حسن كأنما ... تجمع فيه البدر والليل والدجن وفي معقد الزنار عقد صبابتي ... فمن تحته دعص ومن فوقه غصن وفي ذلك الوادي رشاً أضلعي له ... كنائس، وقمري فؤادي له وكن وله فيها أيضاً: رويدك أيها الدمع الهتون ... فدون عيان من أهوى عيون يظن بظاهري حلم وفهم ... ودخلة باطني فيه جنون إلى كم أستسر بما ألاقي ... وما أخفيه من شوقي يبين نويرة بي نويرة لا سواها ... ولا شك فقد وضح اليقين وله فيها من قصيدة: ومن جرحته مقلتاك نويرة ... فليس يرجي من جراح الأسى أسوا أرى كل ذي سلوى رآك متيماً ... فما أكثر البلوى بحسنك والشكوى ونار الأسى تخبو بقرب نويرة ... ومن لي بأن آوي إلى جنة المأوى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 708 وقال فيها أيضاً: وفي شرعة التثليث فرد محاسن ... تنزل شرع الحب من طرفه وحيا وأذهل نفسي في هوى عيسوية ... بها ضلت النفس الحنيفية الهديا فمن لجفوني بالتماح نويرة ... فتاة هي المردى لنفسي والمحيا سبتني على عهد من السلم بيننا ... ولو أنها حرب لكانت هي السبيا واسمها على الحقيقة " جميلة " ولذلك قال فيها: أتعلم أن لي نفساً عليله ... وأشواقاص مبرحة دخيله - وفي طي الجميلة ريم إنسٍ ... رمزت بها فلله الخميله فصحف اسمها كما تراه، وجرى في وصفها طلق الجموح فلم يف شرط الكتاب بمداه. @ما أخرجته من المدائح في أميره ابن صمادح من ذلك قصيدة أولها: لعلك بالوادي المقدس شاطئ ... فكالعنبر الهندي ما أنا واطئ وإني في رياك واجد ريحهم ... فروح الهوى بين الجوانح ناشئ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 709 ولي في السرى من نارهم ومنارهم ... هداة حداة والنجوم طوافئ لذلك ما حنت ركابي وحمحمت ... عرابي وأوحى سيرها المتباطئ فهل هاجها ما هاجني أو لعلها ... إلى الوخد من نيران وجدي لواجئ رويداً فذا وادي لبينى وإنه ... لورد لباناتي وإني لظامئ ميادين تهيامي ومسرح ناظري ... فللشوق غايات به ومبادئ ولا تحسبوا غيداً حمتها مقاصر ... فتلك قلوب ضمنتها جآجئ محاملة السلوان مبعث حسنه ... فكل إلى دين الصبابة صابئ فكيف أرفي كلم طرفك في الحشا ... وليس لتمزيق المهند رافئ وما لي لا أسمو مراداً وهمة ... وقد كرمت نفس وطابت ضآضئ وما أخرتني عن تناه مبادئ ... ولا قصرت بي عن تباه مناشئ ولكنه الدهر المناقض فعله ... فذو الفضل منحط وذو النقص نامئ كأن زماني إذ رآني جذيله ... قلاني فلي منه عدو ممالئ فداريت إعتاباً ودارأت عاتباً ... ولم يغنني أني مدار مدارئ فألقيت أعباء الزمان وأهله ... فما أنا إلا بالحقائق عابئ ولازمت سمت الصمت لا عن فدامة ... فلي منطق للسمع والقلب مالئ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 710 ولولا علا الملك ابن معن محمد ... لما برحت أصدافهن الآلئ لآلئ إلا أن فكري غائص ... وعلمي دأماء ونطقي شاطئ تجاوز حد الوهم واللحظ والمنى ... وأعشى الحجى لألاؤه المتلالئ فتنعكس الأبصار وهي حواسر ... وتنقلب الأفكار وهي خواسئ أنشده هذه القصيدة سنة خمس وخمسين، وأخذ عليه أنه همز فيها ما لا يهمز فقال: عجبت لغمازين علمي بجهلهم ... وإن قناتي لا تلين على الغمز تجلت لهم آيات فهمي ومنطقي ... مبينة الإعجاز ملزمة العجز ولاحت لهم همزية أوحدية ... وويل بها ويل لذي الهمز واللمز رموها بنقص بينت فيه نقصهم ... ومن لمس الأفعى شكا ألم النكز وإن أنكرت أفهامهم بعضها همزها ... فقد عرفت أكبادهم صحة الهمز وقال من أخرى: أقبلن في الحبرات يقصرن الخطا ... ويرين في حلل الوراشين القطا سرب الجوى لا الجو عود حسنه ... أن يرتعي حب القلوب ويلقطا مالت معاطفهن من سكر الصبا ... ميلا يخيف قدودها أن تسقطا وبمسقط العلمين أوضح معلم ... لمهفهف سكن الحشا والمسقطا ما أخجل البدر المنير إذا مشى ... يختال والخوط النضير إذا خطا! الجزء: 2 ¦ الصفحة: 711 ومنها: يا وافدي شرق البلاد وغربها ... أكرمتها خيل الوفادة فاربطا ورأيتما ملك البرية قاطبا ... ووردتما أرض المرية فاحططا يرمي نحور الدارعين إذا ارتأى ... ويذل عز العالمين إذا سطا ومنها: فإليكها تنبيك أني ربها ... نسب القطا متبين مهما قطا ومعنى هذا البيت منقول من قول المعري حيث يقول: عرفت جدودك إذ نطقت وطالما ... لغط القطا فأبان عن أنسابه وقال النابغة قبله: تدعو القطا وبه تدعى إذا نسيت ... يا صدقها حين تدعوها فتنتسب وألم بهذا المعنى بعض أهل عصرنا وهو عبد الجليل، من قصيدة يمدح بها المعتمد بن بعاد حيث يقول: وحين أسمعت ما أسمعت من كلم ... تمثلت لهم الأعراب والحلل ومن أناشيد أهل المعاني لأبي وجزة السعدي في صفة القطا مما يتعلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 712 بهذا المعنى. ما زلن ينسبن وهنا كل صادقة ... باتت تباكر عرما غير أزواج حتى سلكن الشوى منهن في مسك ... من نسل جوابة الآفاق مهداج تنساب منهن فيه أمة خلقت ... جدا مذبحة منه بأوداج وله أيضا: خليلي من قيس بن عيلان خليا ... ركابي تعرج نحو منعرجاتها بعيشكما ذات اليمين فإنني ... أراح لشم الروح من عقداتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 713 فقد عقبت ريح النعامى كأنما ... سلام سليمى راح في نفحاتها وتيماء للقلب المتيم منزل ... فعوجا بتسليم على سلماتها وإن تسعدا من أسلم الصبر قلبه ... يعرس بدوح البان من عرصاتها فبانتها الغيناء مألف بانة ... جنيت الغرام البرح من ثمراتها وروضتها الغناء مسرح روضة ... تبختر في الموشي من حبراتها هنالك خوط في منابت عزة ... تخال القنا الخطي بعض نباتها مشاعر تهيام وكعبة فتنة ... فؤادي من حجابها ودعاتها فكم صافحتني في مناها يد المنى ... وكم هب عرف اللهو من عرفاتها عهدت بها أصنام حسن عهدنني ... هوى عبد عزاها وعبد مناتها أهل بأشواقي إليها وأتقي ... شرائعها في الحب حق تقاتها غرام كإقدام ابن معن ومغرم ... كإنعامه والأرض في أزماتها ومنها: وكم قد رأت رأي الخوارج فرقة ... فكنت عليا في حروب شراتها بعزم أبي لا يرد مضاؤه ... وهل تملك الأفلاك عن حركاتها - هو الجاعل الهيجا حشا وسنانه ... هوى فهو لا يعدو قلوب كماتها ومنها: وكم خطبتني مصر في نيل نيلها ... ورامت بنا بغداد ورد فراتها ولم أرض أرضا غير مبدإ نشأتي ... ولو لحت شمسا في سماء ولاتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 714 ولي أمل إن يسعد السعد نلته ... ويفهم سر النفس في رمزاتها وأسنى المنى ما نيل في ميعة الصبا ... وهل تحسن الأشياء بعد فواتها - قوله: " هو الجاعل الهيجا حشا " - البيت، ذهب بمعناه إلى قول أبي الطيب: كأن الهام في الهيجا عيون ... وقد طبعت سيوفك من رقاد وقد صغت الأسنة من هموم ... فما يخطون إلا في فؤاد وألم أبو الطيب في بيته بقول مسلم: لو أن خلقا يخلقون منية ... من بأسهم كانوا بني جبريلا قوم إذا احتدم الهجير من الوغى ... جعلوا الجماجم للسيوف مقيلا وقول مسلم يشير إلى ما قال النميري: ذكر برونقه الدماتء كأنما ... يعلو الرجال بأرجوان ناقع وكأن وقعته بجمجمة الفتى ... خدر المدامة أو نعاس الهاجع وقال ابن الحداد من أخرى: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 715 فذر العقيق مجانبا لعقوقه ... وذر العذيب عذيب ذات الضال أفق محلى بالقواضب والقنا ... للأغيد المعطار لا المعطال حجوبك إلا من توهم خاطري ... وحموك إلا من تبوء بالي والقارظان جميل صبري والكرى ... فمتى أرجي منك طيف خيال - والقارظان رجلان ذكرتهما قديما، قال أبو ذؤيب: وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في الهلكى كليب لوائل فأحدهما فقد في طلب القرظ؛ نهشته حية، واسمه عامر بن رهم بن هميم من النمر بن قاسط، ولا حديث له. وأما حديث الآخر فسببه كان خروج قضاعة من مكة، وذلك أن خزيمة بن مالك بن نهد هوي فاطمة بنت يذكر بن عنزة وخطبها، فرده أبوها عنها، فخرج ذات يوم هو وأبوها يذكر يطلبان القرظ، فمرا بقليب فيه معسل للنحل، فتقارعا للنزول فيها، فوقعت القرعة على يذكر، فنزل واجتنى العسل، ثم قال: أخرجني، فقال له خزيمة: لا أخرجك حتى تزوجني فاطمة، فقال: أخرجني وأفعل؛ فتركه هناك ومات بها. وانصرف إلى الحي، فسئل عنه فقال: أخذت طريقا وأخذ أخرى، واتهموه، وأرادوا قتله فمنعه أهله. وإن خزيمة شهر نفسه بقوله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 716 فتاة كأن رضاب العصير ... يعل بفيها مع الزنجبيل قتلت أباها على حبها ... فتبخل إن بخلت أو تنيل فاحتربت بكر وقضاعة بسببه، فكان ذلك أول بدء تفرقهم عن تهامة، فلما أخذوا يتفرقون قيل لخزيمة: إن فاطمة قد ذهب بها فلا سبيل إليها، فقال: أما دامت حية فأنا أطمع فيها، وقال: إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا وحالت دون ذلك من همومي ... هموم تخرج الداء الدفينا وقال ابن الحداد أيضاً: فيا عجباً أن ظل قلبي مؤمناً ... بشرع غرام ظل بالوصل كافرا أرجي لسلواني نشوراً وحسنها ... يرى رأي ذي الإلحاد أن ليس ناشرا وليس على حكم الزمان تحكم ... على حسب الأفعال يجري مصادرا ومعرفة الأيام تجدي تجارياً ... ومن فهم الأشطار فك الدوائرا ولولا طلاب الدهر غاية علمها ... لما بسطوا منها بسيطاً ووافرا ولولا أبو يحيى ابن معن محمد ... لما كانت الأيام عندي ذخائرا فلا تنكروا مني بديعاً فمجده ... نوادر قد أوحت إلي النوادرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 717 يحج ذراه الدهر عاف وخائف ... جموعاً كما وافى الحجيج المشاعرا فزر مكة مهما اقترفت مآثما ... وزر أفقه مهما شكوت مفاقرا تهيم بمرآه العصور جلالة ... وتحسد أولاها عليه الأواخرا وله فيه أيضاً: يا سائلي عما زكنت من الورى ... والسر قد يفضي إلى الإعلان إبها سقطت على الخبير بحالهم ... عند العروض حقائق الأوزان هم كالقريض وكسره من وزنه ... يبدو من التحريك والإسكان هاجوا سكوني فاستدمت هياجهم ... إن الحراك دلالة الحيوان فإنجاب عن شمسي دجى إجلابهم ... ولرب برء كان في بحران لما فضلت رموا بكل عظيمة ... والفضل موضع أسهم البهتان شاد ابن معن في تجيب مكارماً ... ليست لمعن في بني شيبان يا من يضيف إليه حاتم طيئ ... مرعى ولكن ليس كالسعدان أعطته أهواء القلوب سياسة ... خفيت لطائفها على ساسان وبدت إلينا منه صورة سيرة ... تنبيك عما سنه العمران قوله " هم كالقريض " -. البيت، كقول أبي العلاء: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 718 تقارب عالمنا وامتزج ... فرج حياتك في من يزج فإني رأيت طويل العروض ... من متقاربه والهزج وله فيه في أخرى: سل البانة الغيناء عن ملعب الجرد ... وروضتها الغناء عن رشأ الأسد وسجسج ذاك الظل عن مهلب الحشا ... وسلسل ذاك الماء عن مضرم الوجد فعهدي به في ذلك الدوح كانساً ... ومن لي بالرجعى إلى ذلك العهد وفي الجنة الألفاف أحور أزهر ... تلاعب قضب الرند فيه قنا الهند ومنها: فأي جنان لم يدع نهب لوعة ... وقد لاح من تلك المحاسن في جند - وفي صدغه الليلي نار حباحب ... من القرط يصلاها حباب من العقد وفي رنده الريان سور تعضه ... فيدمى كما ثار الشرار من الزند أحاذر أن ينقد ليناً فأنثني ... بقلب شفيق من تثنيه منقد وقد جرحت عيناي صفحة خده ... على خطأ فاختار قتلي على عمد وآمل من دمعي إلانة قلبه ... ولا أثر للغيث في الحجر الصلد وإني بذات الأيك أسعد ورقه ... فهل عند ذات الطوق ما للهوى عندي ومنها: ويا لك من نهر صؤول مجلجل ... كأن الثرى مزن به دائم الرعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 719 إذا صافحته الريح تصقل متنه ... وتصنع فيه صنع داود في السرد كأن يد الملك ابن معن محمد ... تفجره من منبع الجود والرفد ويرفل في أزهاره واخضراره ... كما رفلت نعماه في حلل الحمد وقد وردت في غمره نهل القطا ... كما ازدحمت في كفه قبل الوفد مفيض الأيادي فوق أدنى وأرفع ... وصوب الغوادي شامل الغور والنجد فمن جوده ما في الغمامة من حياً ... ومن نوره ما في الغزالة من وقد تلألأ كالإفرند في صارم النهى ... وكرر كالإبريز في جاحم الوقد وإن ولهت فيه أذيهان معشر ... فلا فضل للأنوار في مقلة الخلد ومنك أخذنا القول فيك جلالة ... وما طاب ماء الورد إلا من الورد قال ابن بسام: قوله " أذيهان معشر " بالتصغير، يشبه قول عيسى بن عمر: ما كانت إلا أثياباً في أسيفاط قبضها عشاروك. ولعله أراد أن يتبع أبا الطيب في قوله: ظللت بين أصيحابي أكفكفه ... وظل يسفح بين العذر والعذل وهيهات، ما كل من جرى سبق، ولا كل من ارتاح نطق. وله من قصيدة أولها: نوى أجرت الأفلاك وهي النواعج ... وأطلعت الأبراج وهي الهوادج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 720 طواويس حسن روعتني ببينها ... غرابيب حزن بالفراق شواحج موائس قضب فوق كثب كأنما ... تحمل نعمان بهن وعالج وما حزني ألا تعوج حدوجهم ... لو الهودج المزرور منهن عائج مضرج برد الوجنتين كأنما ... له من ظبات المقلتين ضوارج وما الدهر إلا ليلة مدلهمة ... وكون ابن معن صبحها المتبالج كأنك في الأملاك نقطة دائر ... وأملاكها منها خطوط خوارج سماح وإقدام وحلم وعفة ... مزجن فأبدى مهجة الفضل مازج فقد صاك من فضل العوالم طيبه ... وهل يكتم المسك الذكي نوافج مساع أحلتك العلا فكأنها ... مراق إلى حيث السها ومعارج وله في من أخرى: لقد سامني هوناً وخسفاً هواكم ... ولا غرو عز الصب أن يتعبدا إذا شئت تنكيلا وتنكيد عيشة ... فحسبك أن تهوى سليمى ومهددا وإن تبغ إحساناً وإحماد مقصد ... فحسبك أن تلقى ابن معن محمدا حليم وقد خفت حلوم فلو سرى ... بعنصر نار حلمه ما تصعدا جواد لو إن الجود بارى يمينه ... لكان قرار الحرب في الناس سرمدا ذكي لو إن الشمس تحوي ذكاءه ... لما وجد الظمآن للماء موردا ولو في الحداد البيض حدة ذهنه ... لما صاغ داود الدلاص المسدرا واصطبح المعتصم يوماً مع ندمائه، وأظهر صبية مهدوية في أنواع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 721 من اللعب المطرب، وحضر أيضاً لاعب مصري هنالك، فارتجل ابن الحداد يصف ذلك: كذا فلتلح قمراً زاهراً ... وتجن الهوى ناضراً ناضرا وسيبك صوب ندى مغدق ... أقام لنا هاملاً مامرا وإن ليومك ذا رونقاً ... منيراً لنور الضحى باهرا صباح اصطباح بإسفاره ... لحظنا محيا العلا سافرا وأطلعت فيه نجوم الكؤوس ... وما زال كوكبها زاهرا وأسمعتنا لاحناً فاتنا ... وأحضرتنا لاعباً ساحرا يزفن فوق رؤوس القيان ... فتنظر ما يذهل الناظرا ويخطفها ذيل سرباله ... فتبصر طالعها غائرا فظاهرها ينثني باطناً ... وباطنها ينثني ظاهرا وثناه ثان لألعابه ... دقائق تثني الحجى حائرا وفي قيم الراح من سحره ... خواطر ولهت الخاطرا إذا ورد اللحظ أثناءها ... فما الوهم عن وردها صادرا ومن بدع نعماك إبداعه ... فما أنفك عارضها ماطرا وسروك يجتذب المغربات ... ويجعل غائبها حاضرا وله فيه أيضاً: والنفس عادمة الكمال وإنما ... بالبحث عن علم الحقائق تكمل والمرء مثل النصل في إصدائه ... والجهل يصدي والتفهم يصقل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 722 ومنها: متلألئ يثني العيون نواكساً ... كالشمس تعكس لحظ من يتأمل لا يتقي رمد النوائب ناظر ... يجلى بنير صفحتيك ويكحل وكأن راحته الذراع إفاضةً ... وكأنما الأنواء منها الأنمل تتصور الأكوان في حوبائه ... فكأن خاطره الصقيل سجنجل ومنها: وإذا رأتك الشهب مزمع عزوةٍ ... ودت جميعاً انها لك جحفل ولو الأمور جرت على مقدارها ... حمل السلاح لك السماك الأعزل وله فيه من أخرى: دوين الكثيب الفرد قضب وكثبان ... عليها لورق الوجد سجع وإرنان وفي ظلل الأفنان خوط على نقاً ... منيع الجنى لدن التأود فينان وفي مكنس الرقم المنمنم أحور ... كأن مصاليت الظبا منه أجفان وبين دراري القلائد نير ... له الحسن تم والتلثم نقصان على صدغه الشعرى تلوح وتلتظي ... وفي نحره الجوزاء تزهى وتزدان ومنها: وما بال طرفي لا يوافيك شاكياً ... وطرفك في كل الأحايين وسنان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 723 وفي ثغرك الوضاح ري لبانتي ... فظلمك صدءاء وقلبي صديان تسح بأهواء الورى منه راحة ... شآبيبها فيها لجين وعقيان وما كيمينيه الفرات ودجلة ... وإن حكموا أن المرية بغدان به اعتدلت أزمانها وهواؤها ... فكانون أيلول وتموز نيسان وله من أخرى يعتذر من خروجه عن المرية بعد اعتقال أخيه، وكتب بها من مرسية: الدهر لا ينفك من حدثانه ... والمرء منقاد لحكم زمانه فدع الزمان فإنه لم يعتمد ... بجلاله أحداً ولا بهوانه كالمزن لم يخصص بنافع صوبه ... أفقاً ولم يختر أذى طوفانه لكن لباريه بواطن حكمةٍ ... في ظاهر الأضداد من أكوانه ومنها: وعلمت أن السعي ليس بمنجحٍ ... ما لا يكون السعد من أعوانه والجد دون الجد ليس بنافع ... والرمح لا يمضي بغير سنانه ومنها: وسما إلى الملك الرضا ابن صمادح ... فأدالني بالسخط من رضوانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 724 وهوى بنجمي من سماء سنائه ... وقضى بحطي من ذرا سلطانه ومن شعره أيضاً في بني هود، ولحق ابن الحداد بسرقسطة سنة إحدى وستين، فأكثر المقتدر بالله من بره، وعلم أنه متشوف إلى شعره، فمدحه بقصيدةٍ أولها: أسالت غداة البين لؤلؤ أجفان ... وأجرت عقيق الدمع في صحن عقيان وألقت حلاها من أسىً فكأنما ... أطارت شوادي الورق عن فنن البان وأذهلها داعي النوى عن تنقب ... فحيا محياها بتفاح لبنان وقد أطبقت فوق الأقاحي بنفسجاً ... كما خمشت ورداً بعناب سوسان ومنها: وليل بهيم سرته ونجومه ... أزاهر روض أو سواهر أجفان كان الثريا فيه كأس مدامة ... وقد مالت الجوزاء ميلة نشوان وما الدهر إلا ليلة مدلهمة ... وشمس ضحاها أحمد بن سليمان وله فيه من أخرى أولها: وقفوا غداة النفر ثم تصفحوا ... فرأوا أسارى الدمع كيف تسرح وفيها يقول: كافأت متجهي بوجهي نحوكم ... ونواظر الأملاك نحوي طمح أيام روعني الزمان بريبه ... وأجد بي خطب الفرار الأفدح ولئن أتاني صرفه من مأمني ... فالدهر يجمل تارةً ويجلح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 725 فكأنما الإظلام أيم أرقط ... وكأنما الإصباح ذئب أضبح صدع الزمان جميع شملي منحياً ... إن الزمان مملك لا يسجح فقضى بحطي عن سمائي واقتضى ... رحلاً تطيح ركائي وتطلح يممتها سرقسطة وهي المدى ... والدهر يكبح واعتزامي يجمح حيث العلا تجلى وآثار المنى ... تجنى وساعية المطالب تنجح والنفستوقن أن عهدك في الندى ... موفٍ بما طمحت إليه وتطمح فحيا النفس المنى من بحر جودك يمترى ... وسنا الضحى من زند مجدك يقدح ومنها: والشعر إن لم أعتقده شريعةً ... أمسي إليها بالحفاظ وأصبح فبسحره مهما دعوت إجابة ... ولفكره مهما اجتليت توضح فاذخر من الكلم العليّ لآلئاً ... يبأى بها جيد العلاء ويبجح واربأ بمجدك عن سواقط سقطٍ ... هي في الحقيقة مقدح لا ممدح ونظام ملكك رائق متناسب ... فكما جللتم فليجل المدح وكان ابن ردمير الطاغية قد بنى على بعض حصون سرقسطة، فنهد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 726 له المقتدر، وأسرى إليه، وأناخ عليه، وابن ردمير في جموعه يشرف على ذلك من بعض جباله، ثم عطف المقتدر على بعض حصونه وافتتحه، وانصرف غانماً إلى سرقطسة سنة اثنين وستين، فقال يصف ذلك: مضاؤك مضمون له النصر والفتح ... وسعيك مقرون به اليمن والنجح إذا كان سعي المرء لله وحده ... تدانت أقاصي ما نحاه وما ينحو بك اقتدح الإسلام زند انتصاره ... وبيضك نار شبها ذلك القدح وجلى ظلام الكفر منك بغرةٍ ... هي الشمس والهندي يقدمها الصبح فهم ذهلوا عن شرعهم وحدوده ... فقد عطل الإنجيل واطرح الفصح وله يهنئ المؤتمن بن المقتدر بن هود بمولودٍ من جملة قصيدة: فبشر سماء السنا والسناء ... بنجم هدىً لاح في آل هود بمقتبس من شموس النفوس ... ومقتدح من زناد السعود هلال تألق من بدر سعد ... ومزن تخلق من بحر جود شهاب من النيرين استطار ... لإرداء كل مريدٍ عنيد ونصل إذا تم منه انتضاء ... فويح العدا من مبيرٍ مبيد تبين فيه كمون الذكاء ... ويا رب نارٍ بمخضر عود وله أيضاً من قصيدة في المقتدر، ويذكر كمال السلم بينه وبين أخيه المظفر، ويصف غزو الحاجب ابنه المؤتمن وبنيانه في نحر العدو حصن المدوّر: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 727 مساعيك في نحر العدو سهام ... ورأيك في هام الضلال حسام ولمحك يردي القرن وهو مدجج ... وذكرك يثني الجيش وهو لهام كأنك لا ترضى البسيطة منزلاً ... إذا لم يطنبه عليك قتام ومنها: كأنك خلت الشمس خوداً فلم يزل ... يقنعها بالنقع منك لثام وقد يحسبون السلم منك سلامةً ... ورب منام دب فيه حمام ثم عاد ابن الحداد إلى المرية، وحسن بعد بها مثواه، وأكرمه المعتصم وأجزل قراه. @ومن شعره في النسيب وما يتصل به من الأصواف آيا شجرات الحي من شاطئ الوادي ... سقاك الحيا سقياك للدنف الصادي فكانت لنا في ظلكن عشية ... نسيت بها حسناً صبيحة أعيادي بها ساعدتني من زماني سعادة ... فقابلني أنس الحبيب بإسعادي فيا شجرات أثمرت كل لذة ... جناك لذيذ لو جنيت على الغادي فهل لي إلى الظبي الذي كان آنساً ... بظلك من تجديد عهد وترداد وقلبي على أغصان دوحك طائر ... ينوح ويشدو والهوى نائح شاد وقال أيضاً: يا زائراً ملأ النواظر نورا ... والنفس لهواً والضلوع سرورا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 728 لو أستطيع فرشت كل مسالكي ... حدقاً وبيض سوالفٍ ونحورا فيك اكتسى جوي سناً وتلألؤاً ... وارتد تربي عنبراً وعبيرا وله أيضاً: واصل أخاك وإن أتاك بمنكر ... فخلوص شيء قلما يتمكن ولكل شيء آفة موجودة ... إن السراج على سناه يدخن وشعر ابن الحداد كثير، ولا يفي بشرط هذا الكتاب إلا ما كتبت منه. @لمع من أخبار الأمير ابن صمادح المذكور هو أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح التجيبي. وقد ذكر ابن حيان بيته في تجيب، وألمع بلمع من أسباب ملكه المغصوب، وبين كيف تبلج نهاره، ومن أين انصب تياره. وقد كتبت من ذلك ما أمكنني تفسيره، ولاقت بكتابي أعجازه وصدوره. قال ابن حيان: كان جده محمد بن أحمد بن صمادح المكتني أيضاً بأبي يحيى صاحب مدينة وشقة وعملها، طلعت نباهته في أيام المؤيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 729 هشام، ثم كان له بسليمان اتصال فثنى له الوزارة وأمضاه على عمله، وكان أول أمره مجاملا لابن عمه منذر بن يحيى التجيبي، يظهر موافقته، ويكاتمه من حسده إياه ما لا شيء فوقه، حتى خذله تجمله، فلم يلبث أن تفرجت الحال بينهما بعد مضي سليمان، وتحاربا على ملك وشقة، فعجز ابن صمادح عن منذر لكثرة جمعه، وأسلم له البلد وفر بنفسه؛ فلم بق له بالثغر متعلق، وكان أول ساقط من الثوار، لم يتمل سلطانه ولا أورثه من بعده. وكان أبو يحيى هذا رجل الثغر رأيا ومعرفة، ودهيا ولسانا وعارضة؛ ولم يكن في أصحاب السيوف من يعدله في خلاله هذه - من رجل محروم، يقارنه الشؤم، ويقعد به النكد واللؤم. وكان يحمل قطعة صالحة من الأدب ينال بها حاجاته مخاطبا ومذكرا، وكان لا يزال يسمو إلى طلب الدنيا والحرص عليها في أكثر حركاته، فيقعد به جده، وينكسه زمانه، إلى أن أخنى عليه - حسبما ذكرناه. وأما معن ابنه ذو الغدرة الصلعاء، فإنه لما قتل زهير فتى ابن أبي عامر صاحب المرية، وصارت لعبد العزيز بن أبي عامر واستضافها إلى بلده بلنسية، واستمد بما ورثه من تلاد الفتيان العامريين موالي جده الجزء: 2 ¦ الصفحة: 730 حسده على ذلك مجاهد صاحب دانية، وأظلم الأفق بينهما، فخرج مجاهد غازيا إلى بلاد عبد العزيز، وهو بالمرية مشتغل في تركية زهير، فخرج مبادرا عنها لاستصلاح مجاهد، واستخلف فيها صهره ووزيره معن بن صمادح، فكان شر خليفة استخلف، لم يكد يواري وجهه عبد العزيز عنه حتى عمل بالغدر به والتمهيد لنفسه عند رعيته، فخانه الأمانة، وطرده عن الإمارة، ونصب له الحرب، فغرب في اللؤم ما شاء؛ وتنكب التوفيق ابن أبي عامر لاسترعائه الذئب الأزل على ثلته، ومسترعي الذئب أظلم، وسر الله في خليفته لا يظهر أحدا عليه؛ وكان من العجب أن تملاها ابن صمادح مدته، وخلفها ميراثا في عقبه. ثم أفضى الأمر من بعده إلى ابنه أبي يحيى محمد بن معن، وصار من العجائب أن ارتقى ذروة الإمارة، وتلقب من الأسماء الخلافية بالمعتصم، والرشيد لم يلده، وهو يعلم أن من الجور أس ملكه الموروث عن أب لم يكرم فيه فعله، ولا طال في طلبه تعبه، ثم لم يكفه تغطيه عن أجنحة النوائب بساحله الذي حال الحوز أمامه واللج وراءه، فرعى خضرته ولبس فروته، وأفنى دجاجه، مستبدا بمال ألفاه، لا يتجاوز به شهواته ومآربه إلى قضاء حق في جهاد عدو أو سد ثغر، أو معونة على بر؛ حتى مل العافية، وبطر الدعة، وطلب الزيادة، فسعى للتوسع في بره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 731 فحاول مفاتنة أحق الناس بولايته، ابن خاله عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي عامر الفتى المتأمر - كان - ببلنسية بعد أبيه عبد العزيز المنصور، ولم يرع فيه حق صهره يحيى بن ذي النون كبير أمراء الأندلس، وقد كان بادر إلى مفاتنته، وبادر السير إثر خاله عبد العزيز بنفسه، طمعا في مدينة لورقة، فصد عنها خائبا، وانصرف على قطيعة عبد الملك منها وزير صدق، شيخ مجرب للأمور، يلجأ من تدبيره إلى كهف منيع، وهو الوزير ابن عبد العزيز، وعلى ذلك صمد ابن صمادح هذا على حصن من عمل تدمير وثب فيه لعامل عبد الملك، وجرت بينهما خطوب، واستعان بحليفه باديس، واستمده على ما ذهب إليه من الفتنة، فوجده مسارعا إلى ذلك، لما كان يعتقده من العصبية البربرية، ويذهب إليه من إيراء الفرقة بين أضداده الأندلسيين، على ذلك كله انقلب ابن معن هذا خائب السعي، قبيح الخجل، ضائع النفقة؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: ولم يكن أبو يحيى هذا من فحولة ملوك الفتنة، أخلد إلى الدعة، واكتفى بالضيق من السعة، واقتصر على قصر يبنيه، وعلق يقتنيه، وميدان من اللذة يستولي عليه ويبرز فيه؛ غير أنه كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 732 رحب الفناء، جزل العطاء، حليما عن الدماء والدهماء؛ طافت به الآمال، واتسع في مدحه المقال، وأعلمت إلى حضرته الرحال، ولزمه جملة من فحول شعراء الوقت كأبي عبد الله بن الحداد وأبي الفضل ابن شرف وابن عبادة وابن الشهيد وغيرهم ممن لم يعلق بسواه سببا، ولا شد إلى غير ذراه كورا ولا قتبا. وقد كانت بينه وبين حلفائه من ملوك الطوائف في الجزيرة، فتون مبيرة، غلبوه عليها، وأخرجوه من سجيته مكرها إليها، لم يكن مكانه منها بمكين، ولا صحبه فيها بمبين. وقد اندرجت له ولهم في تضاعيف هذا التصنيف قصص تضيق عنها الأيام، وتتبرأ منها القراطيس والأقلام. ولما أهابوا بأمير المسلمين وناصر الدين أبي يعقوب يوسف بن تاشفين، رحمه الله، دخل ابن صمادح في غمارهم، ومشى على آثارهم، فخرج عن المرية إلى لييط يجر جيشا، لا تتأيى الطير غدوته، ولا يتوقع العدو وطأته: ولما رأت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات فألفى بها أمير المسلمين قد وضع قدمه على صلعته، وضرب أبنيته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 733 بين جوزائها وهقعتها، وتمكن من قيادها، وألقت إليه بأفلاذ أكبادها، لولا أجل محتوم، وتخاذل من ملوك الطوائف بالأندلس معلوم؛ فعرض ابن صمادح نفسه عليه، ومثل بين يديه، فتلقاه أمير المسلمين، رحمه الله، بجميل نظره، وبوأه جانبا من معسكره؛ فكان كالقري أفضى إلى البحر، أو الكوكب الدري غرق في لجة الفجر؛ وسيأتي الخبر عن ذلك مشروحا في أخبار محمد بن عباد المخلوع، بموضعه من هذا المجموع. وائتسى ابن صمادح به مجاهرا بالعصيان، وأبدى صفحة الشنآن، فوافيا نكبتهما كفرسي رهان؛ غير أن ابن صمادح كانت بينه وبين الله سريرة، أو سلفت له عند الحمام يد مشكورة، مات وليس بينه وبين حلول الفاقرة به إلا أيام يسيرة، في سلطانه وبلده، وبين أهله وولده. حدثني من لا أرد خبره عن أروى بعض مسان خطايا أبيه قالت: إني لعنده وهو يوصي بشأنه، وقد غلب على أكثر يده ولسانه، ومعسكر أمير المسلمين يومئذ بحيث نعد خيماتهم، ونسمع اختلاط أصواتهم، إذ سمع وجبة من وجباتهم، فقال: لا إله إلا الله، نغص علينا كل شيء حتى الموت! قالت أروى: فدمعت عيني، فلا أنسى طرفا إلي يرفعه، وإنشاده إياي بصوت لا أكاد أسمعه: ترفق بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 734 وكنا فيما أوصى به إلى ابنه الذي كان رشحه لسلطانه، وبوأه صدر إيوانه، ولقبه من الألقاب السلطانية بالواثق بالله، أن قال له: يا بني إن ابن عباد معنى السريرة، وشيخ هذه الجزيرة، فساعة يبلغك عنه شيء فأخف صوتك، وانج وليتك. فلما فار التنور، وبطلت تلك الأساطير، وسقط عليه بخبر ابن عباد الخبير، باع ذروة الملك، بصهوة الفلك، واعتاض من مناسمة الروح والريحان، بمزاحمة الشراع والسكان، ومن سماع نغم المزامير والأوتار، بالتصامم عن صخب تلك الأثباج والغمار. وخلى أهل المرية بينه وبين شأنه رعيا للذمام، ومكافأة عن سالف أياديه الجسام، وسخر له البحر فنجا ولم يعلقه شرك، ولا رجع عليه درك. ولأبي يحيى بن صمادح: وتحت الغلائل معنى غريب ... شفاء الغليل وبرء العليل فهل لي من نيله نائل ... ولابن السبيل إليه سبيل فما لي إلا الهوى متجر ... فغير الغواني متاع قليل فيا ربة الحسن في غاية ... وعصر الشباب وظل المقيل ذريني أعانق منك القضيب ... وأرشف من ثغرك السلسبيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 735 وكتب إليه النحلي: أيا من لا يضاف إليه ثان ... ومن ورث العلا بابا فبابا أجلك أن تكون سواد عيني ... وأبصر دون ما أبغي حجابا ويمشي الناس كلهم حماما ... وأمشي بينهم وحدي غرابا فوصله، وراجعه: وأنت ولليل البهيم مطارف ... عليك وهذي للصباح برود وأنت لدينا ما بقيت مقرب ... وعيشك سلسال الجمام برود وله في خبر: لما غدا مفجوعا بأسوده ... وفض كل ختام من عزائمه ركبت ظهر جوادي كي أعزيه ... وقلت للسيف كن لي من تمائمه وله: انظر إلى حسن هذا الماء في صببه ... كأنه أرقم قد جد في هربه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 736 @أبو يحيى رفيه الدولة بن صمادح من بيت إمارة، والي عليها السعد طوافه واعتماره، انتجعوا انتجاع الأنواء، واستطعموا في المحل والأواء، وأبو يحيى فجر ذلك الصباح، وضوء ذلك المصباح، التحف بالصون وارتدى، وراح على الانقباض واغتدى، فما تراه إلا سالكا جددا، ولا تلقاه إلا لابسا سؤددا. وله أدب كالروض إذا زهر، والصبح إذا اشتهر، وقفه على النسيب، وصرفه إلى المحبوبة والحبيب: يا عابد الرحمن كم ليل ... أرقني وجدا ولم تشعر إذ كنت كالغصن ثنته الصبا ... وصحن ذاك الخد لم يشعر وله: ما لي وللبدر لم يسمح بزورته ... لعله ترك الإجمال أو هجرا إن كان ذاك لذنب ما شعرت به ... فأكرم الناس من يعفو إذا قدرا وله: وأهيف لا يلوي على عتب عاتب ... ويقضي علينا بالظنون الكواذب يحكم فينا أمره فنطيعه ... ويحسب منه الحكم ضربة لازب وله: وعلقته حلو الشمائل ماجنا ... خنث الكلام مرنح الأعطاف ما زلت أنصفه وأوجب حقه ... لكنه يأبى على الإنصاف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 737 وله: حبيب متى ينأى عن القلب شخصه ... يكاد فؤادي أن يطير من البين ويهدأ ما بين الضلوع إذا بدا ... كأن على قلبي تمائم من عيني وله إلى أبي نصر: قدمت أبا نصر على حال وحشة ... فجاءت بك الآمال واتصل الأنس وقرت بك العينان واتصل المنى ... وفازت على يأس لبغيتها النفس فأهلا وسهلا بالوزارات كلها ... ومن رأيه في كل مظلمة شمس وكتب ابن اللبانة لرفيع الدولة: يا ذا الذي هز أمداحي بحلبته ... وعزه أن يهز المجد والكرما واديك لا زرع فيه اليوم تبذله ... فجد عليه لأيام المنى سلما فراجعه: المجد يخجل من لقياك في زمن ... ثناه عن واجب البر الذي علما فدونك النزر من مصف مودته ... حتى توفر أيام المنى السلما وله: سلوت أبا نصر وما كنت ساليا ... وأظهرت عن قرب المزار التنائيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 738 فديتك قل كيف اجترأت على النوى ... وخلفت من تهواه بالجزع ثاويا ظننت بأن يسليك نأي محله ... وهيهات ما تزداد إلا تماديا وله: عجبت أبا نصر لعيشك آسيا ... بفاس ما فيها مقام لفاضل وفي حمص الدنيا نعيم وجنة ... وماء وظل وارف غير زائل @فصل في ذكر الأديب أبي محمد بن مالك القرطبي @وإيراد جملة من نظمه ونثره وكان فردا من أفراد الشعراء والكتاب، وبحرا من بحور المعارف والآداب، شق كمام الكلام عن أفانين النور والزهر، ورفل من النثر والنظام بين الآصال والبكر؛ ولم يقع إلي من شعره ونثره، إلا نبذة كإيماء المريب بذات صدره، وفيما أثبت منها ما يغرب بذكره، ويعرب عن عجيب أمره. وأقام بالمرية مدة تحت ضنك معيشة مع عدة مدائح، رفعها لأميرها ابن صمادح، فلما كان يوم عيد أنشده شعرا قال فيه: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 739 أإخواننا لهفا عليكم وحسرة ... فإنا صحبناكم أبر أصاحب عليكم سلام من محب يودكم ... فقد قلقت نحو العراق ركائبي وما هو إلا البين قد جد جده ... فلم يبق منه غير شد الحقائب حقائب قد ضمن كل لطيفة ... وإن صفرت من منفسات المواهب أمعتصما بالله يا خير موئل ... وأكرم مأمول وأفضل واهب مضى الفطر والأضحى ولا نيل يقتضى ... فلم أخفقت وحدي إليك مطالبي وكم عفت قدما من جزيل مواهب ... وقد خطبتني من جميع الجوانب سأرحل عنكم دون زاد لبلغة ... وتلك لعمري سبة في العواقب فقال له ذو الوزارتين أبو الاصبغ ابن أرقم: عياذا بالله من ذلك يا أبا محمد. وما زال يعلن باضطراره، ويشكو الفقر في أشعاره، حتى أعياه ذلك، فجعل بعد يصف الغنى واليسار هنالك، تعريضا وتطييبا، فمن ذلك قوله من جملة قصيدة: وما نذكر الإعدام إلا تخيلا ... لكثرة ما أغنى نداه وما أقنى وأكثر ما نخشاه طغيان ثروة ... فإنا نرى الإنسان يطغى إذا استغنى فقال له بعض أصحابه: ومن أين هذا الغنى وقديما تشكو الفقر - ومضوا معه إلى منزله فما وجدوا معه غير قلة فخار وقدح للماء، ونحو ثمانية أرطال دقيق في مخلاة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 740 @فصول له من مقامة تعرب عن حفظ كثير @خاطب بها ابن صمادح المذكور @اقتضبها لطولها وسقت بعض فصولها يقول في فصل منها: إن تطلع - لا زال طالعا نجم سعوده - إلى نبأ من أنباء عبيده، فإني أنبئه، ولا أنبئ إلا حقا، وأخبره ولا أخبر إلا صدقا؛ أما الأفئدة من بعده فمفؤودة، وأما الأكباد لبعده فمكبودة، والدهر من بعده ليلة ليلاء، والناس جبلة دهماء. وفي فصل: بشرى لنا ولدولته الغراء، وهنيئا لنا ولحضرته الزهراء، فتح تفتحت له أزاهير النجاح، وبشر تباشرت به تباشير الفلاح، ورواء أشرق منه جبين الصباح، وخبر تضوعت به نوائج الرياح؛ يوم هز له الزمان ثنيي عطفه، وشمخ عزة بأنفه؛ فالآن حين انصدع جون الهزيع، عن جون الصديع، فوجه الزمان ضحيان مشرق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 741 وعود الدهر فنيان مورق، والعيش غضة مكاسره، عذبة موارده ومصادره، طاب كما لذت لشاربها الشمول، وتضوع كما خطرت على الروض القبول. وفي فصل: فلله يومنا بالأمس، ما أجلب لألطاف الأنس، حين طلع علينا من كان طلوعه ألذ إلى الأعين من وسنها، وأوقع في القلوب من سكنها، طلع طلوع الصباح المتهلل، وجاء مجيء العارض المسبل، دلفنا إليه كالقطا الأسراب، فبهرنا الأمر العجاب، وكادت الأفئدة مما وجفت، والألباب مما رجفت، ألا يرجع نافرها، ولا يقع طائرها. وفي فصل: لا تسمع إلا همهة وصهيلا، وقعقعة وصليلا، فخلت الأرض تميل مميلا، والجبال تكون كثيبا مهيلا، لا تعلم لأصوات تلك الغماغم، وضوضاة تلك الهاهم، من وهواه صهيل، ودرداب طبول، أزئير ليوث بآجام، أم قعقعة رعد في ازدحام غمام - فتزاحم في الأفق الهميم والهديد، وتلاطم في الجو النئيم والوئيد، فكادت الدنيا بنا تميد، لا تبصر غير ململمة جأواء، وموارة شهباء، قد ضعضعت التلال، ودكدكت القلال، إذا فرعت من ذات نيق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 742 أو صبت من فج عميق، أو تطالعت من أفق سحيق، حسبتها تجيش على البلاد بحارا، أو تسح على الوهاد مدرارا، فقد نسجت فوقها من القتام، ظللا كتراكم الغمام، فكأنها رفعت سماء من عجاج، وأطلعت نجوما من زجاج. ومنها: حتى لاح لنا ملك الأملاك، وثالث القمرين في الأفلاك، وجه جلى هبوة ذلك العثير، والعجاج الأكدر، فحين جلت غرته الغراء جلابيب الغبار [لم ندر أبدر الليل] أم شمس النهار. فلله ما ضمت أطناب ذلك السرداق، وما أظلت أفياء تلك الخوافق، من مال المسيف وعنبر المستاف، وليث العرين وبحر الاغتراف، ومن نزال الهواجر، وبذال الجواهر، فلما جلت غرة وجهه المتهلل، غياية ذلك القسطل، جعلت أتأمل ضراغم فوق قب صلادم، فمن كمت تسبح بكماة، ومن حم تردي بحماة، قد تحلت بحلي لباتها وألجامها، تحلي الغياهب بأنجمها، يرفلن في العبقري ويحملن جنة عبقر، ويسفرن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 743 عن مثل الصبح إذا أسفر، من الجياد اللواتي تضمن أقوات النسور القشاعم، وتقري سراحين الفلاة بالطلى والجماجم، أنجاد كأنها أسنتها، كأنها أعنتها، فما ترى غير محارب يهز حرابا، وأعاريب تركض عرابا. [وفي فصل] : كل قد أخذ عتاد اليوم للبأس الشديد، يظاهر بالحديد على الحديد، تلبب بالسابرية وتدرع، وتعصب بالصقال وتقنع، حتى اليلامق والدروع سواء، وحتى المقلة النجلاء والحلقة الحوصاء، من كل مسرود الدخارص، متألق دلامص، كأنما جللته بحبكتها السحاب، أو خلع برده عليه الحباب، أو غمس في ماء فجمد عليه الحباب، وكأنما باض على رؤوسهم نعام الدو، وبرقت في أكفهم بوارق الجو، لكنها ما هزت فبوارق، وإذا صبت فصواعق، من كل ذي شطب كأنما [أهل] قرى نمل، علون منه قرا نصل، فإذا أصاب فكل شيء مقتل، وإذا حز فكل عضو مفصل، أمضى في الأشباح، من الأجل المتاح، عضب الحد صقيل، يكاد إذا انتضي يسيل، ويكاد مبصره يغنى عن الورد، إذا اخترط من الغمد، ما لم يخله ريعان سراب، في صحصحان يباب، لاشتباه فرنده بحباب في شراب، أو حباب في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 744 سراب؛ فلما رأيت جفنه قد انطوى على جمر الغضا، وماء الأضا، وانضم على خضرة الجنح، ورونق الصبح، قلت: سبحان مكور الليل على النهار، والجامع بين الماء والنار. وفي فصل: ومن كل مثقف الكعوب، أصم الأنبوب، كأنما سلب من الروم زرقتها، واجتلب من العرب سمرتها، وأخذ من الذئب عسلانه، ومن قلب الجبان خفقانه، ومن رقراق السراب لمعانه، أو استعار من العاشق نحوله، ومن العليل ذبوله. فكررت الطرف خلال تلك اجياد، فرأيت مقربات خيل يتخايلن تخايل العذارى الرود، ويتهادين تهادي المهارى القود، فكأنما يتوجسن عن أطراف أقلام، ويتشاوسن عن مقل آرام: فمن مبيض شطر كابيضاض المهرق، ومسود شطر كاسوداد العوهق، كأنما اختلس نصفه الفلق، واحتبس بنصفه الغسق، " مقابل الخلق بين الشمس والقمر "، ومقسم السربال بين الجنح والفجر؛ إذا توجس عن رقيقتين، كأنما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 745 صيغتا من لجين، حسبته من شهامة نفس، ولطافة حس، يحس وطء الرزايا، ويعلم مغيبات الخفايا. ومن ورد كأنما جلل بورد، أو خلعت عليه من الصباح المسفر، حلة فجره المعصفر، أو شقت عنه كمائم شقيق، أو سلت عقيقته من أديم عقيق، أو كسي خدود الغانيات، فرمي بالعيون الرانيات، فاخجلته حياء، وضرجته دماء، واستعار برد الأفق، عند وقت الغسق؛ ومن أصفر كأنما يصفر عن وجنة عليل، ويرفل في حلة أصيل، أو كأنما كسفت في أديمه الشمس، أو ذر على نقبته الورس، حتى ليكاد الجادي يجري من ماء عطفيه، ويجنى الحوذان من روض متنيه، ومن ذي كمتة قد نازع الخمر جريالها، فسلبها سربالها، ومن محجل هملاج، كأنما سور بوقف عاج، أو شكل بشكالين، صيغا له من ناصع لجين، أو من خوافق برق وشيج، تسير بها متون عناجيج، إذا أهوت بها سراعاً، ختها سفناً تحمل شراعاً، تثني متونها هبات الرياح، كما تثني أعطاف النشاوى نشوة الراح، فكأن أعطافها أعطاف سكارى، وكأن قدودها قدود عذارى. وفي فصل منها: وعلم - لا زال مؤيداً - أن الداء يبرأ إذا حسم، والخطب يستشري كلما قدم، وأنهم إن تركوا في اليوم كراعاً، صاروا في الغد ذراعاً، فرماهم ببديهات عزم كالنجوم العواتم، وماضيات الجزء: 2 ¦ الصفحة: 746 رأي كالسيوف الصوارم، وآراء تصدع صفا الجلمود، وعزمات تنقب في الصخرة الصيخود، فغدت أمانيهم نقماً وكانت نعماً، وعادت أراجيهم هموماً وقد كانت همماً؛ فقرع السن من الندم، " وزلة الرأي تنسي زلة القدم "، وأيقن أن من خطب بنات النصر بالسعد زوج، ومن ألقح الرأي بالعزم أنتج. ومنها: ولما علم أنه إما شرق وإما غرق، وعاين الموت محمرة أظافره، موفيةً موارده ومصادره، ووصلت له دؤلول ابنة الرقم، في أعلى تلك القممن فحينئذ انجلت عمايته وغياطله، واستخذى لحق مولاه باطله، وكان حرياً أن تئيم حلائله؛ وأوهم أنه لو ظلت بين منازل النجوم نوازله، لرأى أنها عقالاته لا معاقله، فرمى بيده صاغراً إلى السلم ثقة بعفو كظل المزنة الممدود، وكرم كشط اللجة المورود. فلولا حلم كالجبال رصين، وجود كالسحاب هتون، لبادوا خلال تلك الديار، كما بادت جديس في وبار، ولنغلت تلك المنازل نغل الجلد، ومحت كما محت وشائع من برد. وما دلاهم في غدرهم الذي غدروا، وغرهم في خترهم الذي ختروا، إلا العلم بأن سوف يعفو حين يقتدر، فقد اعتصموا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 747 بحبل معتصم بخالقه، وتوكلوا على رزق متوكل على رازقه، واستوثقوا من عقد من لا عقاله بأنشوطة، ولا ميثاقه بأغلوطة. وفي فصل: فيا أيها المغترون بخلقه الفضفاض، وكرمه الفياض، لا يجهلنكم تحمله، ولا يغرنكم تكرمه، فالبحر قد تردي غواربه وليس بطام، والعارض قد تصيب صواعقه وليس بركام، والنصل قد يبري وهو غير مؤلل، وأين نار ليس لها شرار، وأين خمر ليس لها خمار - فهو جدب وربيع معرق، وليل ونهار مشرق، فيه الصاب والعسل، وفي السهل والجبل، له خاطر على خواطر الحوادث مرسل، وطرف بأطراف البلاد موكل. فأنى بعناد من تميد الأرض إذا وجم، ويرق نسيم الهواء إذا ابتسم - فلم يجتمع لملك - حاشاه - خضاب الصوارم، واجتناب المحارم، قسم العدل بين البدو والحضر، كقسمة الغيث بين النبت والشجر، فلا غرو أن يفوق جميع الأنام وهو من الأنام، فإن المسك بعض دم الغزال، وإن معدن الذهب الرغام. فهو الأبلج المتدفق، والأزهر المتألق، من جوهرة المجد وهو ماؤها، ومن مهجة العلياء وهو سويداؤها، ولا يقتدي في سؤدد بغريب، بل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 748 يجري على سنن منه وأسلوب، كالغيث شؤبوباً بشؤبوب، والرمح أنبوباً على أنبوب. وفي فصل: فلله أي مراد ردته، وأي مورد وردته، لم أكن ممن غره السراب، حين أعوزه الشراب، ولا كنت كمن زجر الطير بالنجم والدبران، ولا ممن سقط العشاء به على سرحان، ولا كمن قال مرعى ولا كالسعدان؛ كلا، إن مملوكك ألقى أرواقه، حيث مد المجد رواقه، بحيث يعتصر الندى من عوده، ويرتشف صرف الجود من ناجوده، فانتقيت الجار قبل المنزل، وبوأت رحلي في المحل المبقل، ورتعت في أثر الغمام المسبل. وفي فصل: ولولا ذلك لكان لي في الأرض العريضة مسارح، وفي أبناء الكرام منادح، غير أني عن أكثر المراتع عزوف، ولأكثر المشارع عيوف وأني لكالسيف لا يحمد كل من حمله، وكالرمح لا يسر بكل من اعتقله، وما كل عجيبٍ في عيني بعجيب، ولا كل غريب في نفسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 749 بغريب. أنساني الله رشدي يوم أنساه، وأبدلنيه يوم أستبدل سواه، ما وصل أو قطع، ورفض أو اصطنع، وما ضر أو نفع. ولئن أعقب يوماً من الدهر بحرمانٍ - وحاشاه - فلقد سبق بمعروف، وإن ساءني منه يوما فعلة - وخلاه - فإن اللواتي قد سررن ألوف. ولقد ألفى وده صدري خلاءً من غيره فاستوطن، وصادف قلبي فارغاً فتمكن. وفي فصل: ما رأيت وجهاً أسمح، ولا حلماً أرجح، ولا سجيةً أسجح، ولا بشراً أبدى، ولا كفاً أندى، ولا غرةً أجمل، ولا فضيلةً أكمل، ولا خلقاً أصفى، ولا وعداً أوفى، ولا ثوباً أطهر، ولا سمتاً أوقر، ولا أصلاً أطيب، ولا رأياً أصوب، ولا لفظاً أعذب، ولا عرضاً أنقى، ولا ثناءً أبقى، مما خص الله به ثالث القمرين، وسراج الخافقين، وعماد الثقلين، المعتصم بالله ذا الرياستين، دامت راياته منصورة، [وآياته] منظورة، ومقاصير ملكه بالسعد معمورةً، ما هبت صباً وجنوب، وما أقام يذبل وعسيب. وإني وإن أطنبت فأطيبت، وأسهبت فاعذبت، لخجل أن يكون مثلي يثير غباراً على جبينه، وينظم سواراً عن يمينه. فإن فكري بعد كالسيف الخشيب، والقدح المخشوب، فهذا لم تذلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 750 ظبتاه، وذاك لم يخلق حقواه، فإنه أول استعمال القريحة، ورياضة السجيحة، وأول الضرام سقط ثم يلتهب، " وأول الغيث طل ثم ينسكب ". وفي فصل: فإني غادرت بعدي لحماً على وضم، وجرحى بين عقبانٍ ورخم، ستعلم أي خبر أنمنم وأحبر، وأي در أنظم وأنثر، فإني وإن كنت الأخير زمانه، والسكيت أوانه، لدليلة على الدلائل، ومخيلة على المخايل، أني آتي بما لم تستطعه الأوائل [فأفصلها كتفصيل الجواهر في العقد، وأقدر تقدير داود في السرد] . وفي فصل: ويا لهفي ألا تكون معونتي له إلا باللسان، دون السنان، أطاعن أمامه دراكاً، وأزاحم قدامه الأقران لكاكاً! ولولا أفرخ كزغب القطا، يدبون في نائله عندي دبيب الكرى، فيستشفون علالتي، ويستنزفون بلالتي، لامتطيت من جدواه السابح اليعبوب، وتقلدت من نداه الصارم الرسوب، واعتقلت من عطائه الصعدة السمراء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 751 وادرعت من حبائه الفضفاضة الجدلاء، فيبصر هنالك، مملوكه ابن مالك، يلاعب الأسنة كعامر بن مالك، فينظر أحسن منظر، ويبلو أفضل مخبر، رب القصائد والقنا المتقصد، فطوراً طعناً بالمثل، وضرباً بالمنصل، وطوراً ارتجالاً بالخطبة الفيصل، كخطبة قيس بن سنان، في حمالة عبسٍ وذبيان، خطبة تباري الريح في هبوبها، من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، حضاً على السلم والمحاجرة، ونهياً عن الحرب والمناجزة؛ فلو شهد هنالك لشهد أمراً معجباً، وأبصر خطيباً مسهباً فيرى شقشقةً وقرماً مصعباً، يجنحهم إلى السلم لماً لماً وثباً وثباً. قال ابن بسام: ومد ابن مالكٍ في رسالته هذه أطناب الإطناب، وشن الغارة فيها على عدة شعراء وكتاب، من جاهليين ومخضرمين، ومحدثين معاصرين، ولو ذكرت من أين استلب واختطف، جميع ما وصف، وانصرف إلى كل أحدٍ كلامه، نثره ونظامه، لحصل هو ساكتاً، وبقي باهتاً. ومن شعر له من قصيدةٍ في يوسف بن هود أولها: شرخ الشباب أمن روحٍ وريحان ... عصراك أم جوهر في الوهم روحاني عهدي بليلك فجراً والهجير ضحىً ... ضحيان أزهر رقراق الأصيلان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 752 أكان عهدك في دارين ينفح أم ... من أندرين ومن ريا وريان وكان من غفلات الدهر طيبك أم ... من غفلةٍ خلست من لحظ رضوان سقياً لعهدك ما أندى نوافحه ... ريا وأنقعها رياً لحران عصر جنيت جناه الغض من قمرٍ ... وافى به ثمراً غصن من البان إذ تشرئب لي الأغصان مائةً ... مهفهفات على رجراج كثبان فلم أزل ساحباً أذيال بردته ... حتى عثرت بأرداني فأرداني وابتز رائع ريعانٍ نذير نهىً ... فريع روعي لما ابتز ريعاني ومنها: وإنما العذر لي أن جئت في زمنٍ ... لا الجيل جيلي ولا الأزمان أزماني والله لولا رجائي أن تهاودني ... إلى ابن هود هوادي كل مذعان لمت من كمدٍ غيظاً على دول ... صروف أزمانها تجري بإزماني وليس يوسف عندي مثل يوسف بل ... لقيا أبي عمر من عمري الثاني إذ ما يزال بقسطي باخساً أبداً ... من لم يزني بقسطاس وميزان وقد حويت قصاب السبق في بدعٍ ... شتى وأحرزتها في كل ميدان وكم بدائع لي ما باشرت بشراً ... ولا سرى طيبها في وهم إنسان لكن بصائرهم عمي ولا بصر ... والشمس تشرق إلا عند عميان لقد أجد فؤادي من محبته ... ما كنت أحسبه وسواس جنان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 753 مغنيطس في ذراه الرحب يجذبنا ... أم سحر بابل أم آثار حران - أم عنصر شاق أجساماً وأنفسها ... بجوهر فيه جسماني ونفساني - براهن هن عن علياك موضحة ... لو أحوجتنا إلى إيضاح برهان فضائل لك تستدعي فضائلها ... لك الأفاضل من آفاق بلدان وليس فضلك مطوياً ضحيفته ... فيستدل على ضمن بعنوان فالصبح أبين لألاء لمبصره ... من أن يعان بشرح أو بتيان @فصل في ذكر الاديب أبي احمد عبد العزيز بن خيرة القرطبي المشتهرة @معرفته بالمنفتل، وسياقة جملة من نظمه ونثره، مع ما يتعلق بذكره والمنفتل أيضاً ممن نثر الدر المفصل، وطبق في بعض ما نظم المفصل، ولم يحضرني في وقت تحرير هذه النسخة من شعره إلا النزر القليل، وقد يعرب عن العتق الصهيل، ويكفي من البياض الغرة والتحجيل. فصل له من رقعة وقد بعث بأترجة، قال فيه: وقد بعثت إليك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 754 من بنات الثمار أجملها، ومن نتائج البستان أفضلها؛ لم تطرفها عين أحد، ولا باشرها بشر بيد؛ قد صيرت من الأغصان خدراً، وأرسلت من الأوراق ستراً، فلما تكامل حسنها، وماد بها غصنها، وارتوت من ماء الجمال، وصارت في نصاب الكمال، هتكت سترها، وطرقت خدرها، فإذا هي في حلة الخائف، قد أصفرت وجلا من يد القاطف، فشربت على ودها رطلين، وتناولتها بالراحتين، ثم وضعتها في هودج خيزران، وآثرتك بها على جميع الإخوان؛ فبحرمة الكأس التي رضعنا، وأمير الظرف الذي بايعنا، إلا ما رفعت قدرها، وجعلت القبول مهرها، وجلوتها على مجلس المدام، وحجبتها عن عيون اللئام، فخصالها عجيبة، وصفاتها غريبة، إن خزنتها عطرت أثوابك، وإن أمسكتها أذهبت أوصابك، وإن أعلمت فيها غرب السكين، قرنت لك بين النرجس والياسمين، وأرتك وجنة لكئيب، على سالفة الحبيب؛ يا لها من أترجة غضة، قد صورت من ذهب وفضة! قد سرقت من العاشق سيماه، ومن المعشوق طعم ثناياه، وخصت بالحسن أجمع، وأعطيت الطبائع أربع. فصلني - وصل الله آمالك، وقرن بالنمو سعدك وإقبالك - بالأمر بقبولها، وتعريفي بوصولها، إن شاء الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 755 @جملة من شعره في أوصاف شتى قال: سمح الزمان لنا بأسعد ليلةٍ ... والسمح لا يدرى له قبل أبصرت نفسي بين ظبيي قفرة ... هذي المدام وهذه النقل وكأن ذا وعد وذا إنجازه ... وكأنني من بينهم مطل وقال أيضاً: بتنا كأن مداد الليل شملتنا ... حتى بدا الصبح في ثوب سحولي كأن ليلتنا والصبح يتبعها ... زنجية هربت قدام رومي وقال أيضاً: ولما تجلى الليل والبرق لامع ... كما سل زنجي حساماً من التبر وبت سمير النجم وهو كأنه ... على معصم الدنيا جبائر من در وقال يصف الشمس وقد طفلت للغروب: إني أرى شمس الأصيل عليلة ... ترتاد من بين المغارب مغربا مالت لتحجب شخصها فكأنها ... مدت على الدنيا بساطاً مذهباً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 756 وقال أيضاً: من لي بظبي بزني نسكي ... قام من الكافور والمسك لو أن داود رأى وجهه ... ألقى إليه خاتم الملك أو أن يعقوب رأى وجهه ... في غيبة الصديق لم يبك وقال أيضاً: لا شيء أعجب من تركي لهم روحي ... يوم الوداع ولم أترك تباريحي ومن بقائي أمشي في ديارهم ... يا من رأى جسداً يمشي بلا روح - وله أيضاً: ما لي بجور الحبيب من قبل ... هل حاكم عادل فيحكم لي - حمرة هديه من دمي صبغت ... ويدعي أنها من الخجل وحضر عند القائد ابن دري بجيان مع أبي زيد بن مقانا الأشبوني، واستدعاهما إلى عنب أسود قد قطف في غير إبانه، من عريش قد أقيم على أربع قوائم، تحته صهريج، فقال المنفتل: عنب تطلع في حشا ورق ندى ... صبغت غلائل خده بالإثمد فكأنه من بينهن كواكب ... كسفت فلاحت في سماء زبرجد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 757 وقال في صفة خال: في خد أحمد خال ... يصبو إليه الخلي كأنه روض وردٍ ... جنانه حبشي وقال فيه: قد فؤادي بحسن قده ... وسد باب الكرى بصده أردت تقبيله فذابت ... سوداء قلبي بصحن خده وأخذ هذا ابن رباح أبو تمام الحجام فقال في صفة الخال: يا لابساً للحسن ثوب سمائه ... كالبدر يشرق في دجى ظلمائه أحرقت قلبي فارتمى بشرارة ... في صحن خدك فانطفا في مائه ووعد المنفتل بعض أخوانه أن يعمل مرقاسا ويدعوه إليه، وصنع ذلك فلم يدعه فقال: ... يا أجود الناس بما عنده ... إلا إذا استعمل مرقاسا فإن ينلها عذره بين ... إذ لم يجد فيهن أنفاسا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 758 وقال فيه يهجوه: لا آكل المرقاس دهري لتأ ... ويل الورى فيه قبيح العيان كأنما صورته إذ بدت ... أنامل المصلوب بعد الثمان وقال: إن جفاني الكرى وواصل قوما ... فله العذر في التخلف عني لم يخل الهوى لجسمي شخصا ... فإذا جاءني الكرى لم يجدني وهذا كقول الآخر: لم يعش أنه جليد ولكن ... ذاب سقما فلم تجده المنون وقال المنفتل: بأبي غزال زارني ... فشفا الفؤاد المدنفا عانقته فكأنني ... يعقوب عانق يوسفا وقال أيضاً: قلت لمن أهوى تصدق على ... معذب حبك أضناه بقبلة من فيك يا سيدي ... فقال لي: يحفظك الله وقال: لو تقاسي من الهوى ما أقاسي ... ما تمنيت أن قلبك قاسي كنت أدعوك للعناق ولكن ... أتقي أن تذوب من أنفاسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 759 وقال في صفة قطرميز وأخبر عنه: أنا من كل فتنة مخلوق ... جسدي لؤلؤ وروحي عقيق فإذا ما الكؤوس دارت بريقي ... فاح في الأفق منه مسك فتيق فكأني بين الكؤوس هلال ... وكأن الكؤوس حولي بروق وقال يهجو الأفوه الشاعر الجزار: وبارد المنظر والمخبر ... أبرد من ريح الصبا الصرصر تبدو على أضراسه صفرة ... كأنه من فمه قد خري حديثه أوحش من وجهه ... وشعره يشبه ذاك الطري وله في ميمون بن الفراء: لابن ميمون قريض ... زمهرير البرد فيه فإذا بيت بيتا ... نفقت سوق أبيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 760 وقال في جهران بن يحيى صاحب لبلة: إن ابن يحيى ضحكة فتوسم ... واذكر به خدام نار جهنم أكل الخبيث فشعره متساقط ... كالكلب أسقط شعره لعق الدم وله من رقعة خاطب بها ابن النغريلي الإسرائيلي: من فهم الزمان وخلقه، ورفل في جديده وخلقه، وعلم أنه يستأصل ريثما يواصل، ويقصم غب ما يقسم، لم يبال بوقع سلاحه، ولا استعد لوقت إصلاحه، ولما أغصني بالريق، وحفزني بالمضيق، ولم يترك هماً إلا سنى عقده، ولا نظماً إلا نثر عقده؛ ورأيت الاستحالة في الحال، والعيلة في العيال، وجداً قد جد فجاء من المصلين، وساهم فكان من المدحضين، هيأت راحلة وأثاثاً، وطلقت ابنة الوطن ثلاثاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 761 وقلت إما أن أجد فأظهر، أو أموت فأعذر؛ فكم من حرة سافرة القناع، تندبني موقت الوداع، وباكية يوم الرحيل، بكاء الحمام على الهديل؛ فقد فقأت عين السرى، بأربع كقداح السرا، يتشبثون بالآكام، تشبث الخصوم بالأحكام؛ ويتعلقون بالمطي، تعلق الأيتام بالوصي، إلى أن أخضلت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر؛ وجعلت أعوذهن بالمثاني، وأبسط لهن في الأماني، وأقول: ستنسين هذا الموقف، إذا اتصلتن بإسماعيل بن يوسف، فتى كرم خالاً وعما، وشرح من المجد ما كان معمى، قساً فصاحة، وكعباً سماحة، ولقمان علما، والأحنف حلما. أكرم همة من همام، وأعظم بسطة من بسطام؛ إن خاطب أوجز، وإن غالب أعجز، أو جاد أجاد، أو وعد أعاد؛ يأمر ويمير، ويأجر ويجير؛ مأوى السماح والضيف، ورحلة الشتاء والصيف؛ حامي الذمار، بعيد المضمار؛ لا يظلم نقيراً، ولا يخيب فقيراً: يحافظ على صلاته، حفظه لصلاته، ويحن إلى البذل، حنين الغريب إلى الأهل: قرن الفضائل والفواضل ... فشأى الأواخر والأوائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 762 سقطوا برفعة فضله ... كالشمس في شرف المناقل هذا ابن يوسف الذي ... ورث الفضائل عن فواضل شرف الزمان بمثله ... شرف الأسنة بالعوامل من لم يلذ بجناحه ... لم يأمن الدهر المخاتل متقلد سيف العلا ... والمركمات له حمائل قصرت في وصفي له ... ولو أنني سحبان وائل ما قل ما يرجى الكما ... ل لمن أبوه غير كامل سكن الندى في كفه ... سكنى الرواجب في الأنامل وجرى الحياء بوجهه ... جري الفرند على المناصل فحين سمعوا بوصفه، الذي هو طليعة عرفه، وثقوا بمجده، وود عوني مستبشرين، وتركتهم منتظرين. وله من قصيدة أولها: أحاجيكم هل يمموا الضال والسدرا ... أبى قلبي المعمود أن يسكن الصدرا وفي الهودج المزرور جؤذر رملة ... أسيل مجال القرط في حرة الذفرى كأن الثريا ما بدا من وشاحها ... وقد همت الأرداف أن تسلم الخصرا يذكرني شكل الهلال سوارها ... وقد أرسلت من دون هودجها سترا يقولون إن السحر في أرض بابل ... ولو عاينوا أجفانها نظروا السحرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 763 يريك طلوع البدر طرق شعاعها ... وتفجأ من إيضاح غرتها الشعرى فيا لك من نحر يزين عقدها ... إذا عقد من تشجى بها زين النحرا فلا هجرت عيني سوابق أدمعي ... كما أن ليلي بعدهم هجر الفجرا فقل في شج قد بات يمسح دمعه ... بكف وأخرى تحتها كبد حرى وقد ضرب الليل البهيم رواقه ... وأطلع في الآفاق أنجمه الزهرا كأن سماء الأرض بحر زبرجد ... وقد نثر الغواص من فوقه درا لقد طال هذا الليل فالدهر بعضه ... ولم أر ليلاً قبله شاكل الدهرا وما اكتحلت عيني بمثل ابن يوسف ... ولست أحاشي الشمس من ذا ولا البدرا ومنها: بدور ولكنا أمنا سرارها ... بحور ولكن لا نرى دونها برا غيوث إذا ما المحل شب ببلدة ... كهوف إذا جاءت بنا أرضه كبرى يخالون من فرط الحياء أذلة ... وترتج أحشاء الملوك لهم ذعرا ومن لم يكن للنظم والنثر محسناً ... فإن نداهم علم النظم والنثرا وهذا القصيد اندرج له من الغلو فيه، ما لا أثبته ولا أرويه، وأبعد الله المنفتل، فيما نظم فيه وفصل، وقبحه وقبح ما أمل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 764 وله من قصيدة من الغلو في القول، ما نبرأ منه إلى ذي القوة والحول، وهو قوله: ومن يك موسى منهم ثم صنوه ... فقل فيهم ما شئت لن تبلغ العشرا فكم لهم في الأرض من آية ترى ... وكم لهم في الناس من نعمة تترى أجامع شمل المجد وهو مشتت ... ومطلق شخص الجود وهو من الأسرى فضلت كرام الناس شرقاً ومغرباً ... كما فضل العقيان بالخطر القطرا ولو فرقوا بين الضلالة والهدى ... لما قبلوا إلا اناملك العشرا ولاستلموا كفيك كالركن زلفة ... فيمناك لليمنى ويسراك لليسرى وقد فزت بالدنيا ونلت بك المنى ... وأطمع أن ألقى بك الفوز في الأخرى أدين بدين السبت جهراً لديكم ... وإن كنت في قومي أدين به سرا وقد كان موسى خائفاً مترقباً ... فقيراً وأمنت المخافة والفقرا قال ابن بسام: فقبح الله هذا مكسباً، وأبعد من مذهبه مذهباً، تعلق به سببا؛ فما أدري من أي شؤون هذا المدل بذنبه، المجترئ على ربه، أعجب: ألتفضيل هذا اليهودي المأفون، على الأنبياء والمرسلين، أم خلعه إليه الدنيا والدين - حشره الله تحت لوائه، ولا أدخله الجنة إلا بفضل اعتنائه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 765 @فصل في تلخيص التعريف بمقتل ذلك اليهودي وكان من عجائب ذلك الزمان الواهي النظام، اللاعب بالأنام، ترقي ذلك اليهودي المأفون الرأي، الزاري على كل ذي دين، لم تسلم له يهود في دينها الملعون، ولا أمنته على غيبها الظنين. وكان أبوه يوسف رجلاً من عامة اليهود، حسن السيرة فيهم، ميمون النقيبة عندهم، تولى لباديس ولأبيه قبله حبوس بغرناطة جباية المال، وتدبير أكثر الأعمال، ونجم ابنه بعد غلاماً وضياً، ومركباً - زعموا - وطياً، وكانت لمن اعتنى يومئذ بالغلمان فتنة، حتى كان يقال إنه وإنه، فقلد أزمة الأعمال، وخلي بينه وبن أثباج الأموال، وأوطئ عقبه جماهير الرجال، وجرى به طلق الجموح، مهوناً فيه مأثور القبيح، فنأى بجانبه، وأعرض عن ذكر عواقبه، حتى كان يغسل يده من القبل، ويتمدح بالطعن على الملل؛ ألف كتاباً في الرد على الفقيه أبي محمد بن حزم المتقدم الذكر، وجاهر بالكلام، في الطعن على ملة الإسلام، فما دفع عن ذلك بتأنيبن ولا استطيع تغييره عليه إلا بالقلوب؛ قد نصبه مكانه من السلطان غيظاً للأحرار، وحمة على الليل والنهار. واليهود مع ذلك تتشاءم باسمه، وتتظلم من جور حكمه، على ما كان قد رضخ لهم من الحطام، ووطأ لهم من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 766 مراكب الأمور العظام، وهو مع ذلك متماد في غلوائه، غافل عن عادة الله في نظرائه. فغضب يهود أحكامها، وذلل أعلامها، وتسمى من خططهم الشرعية بالناغيد، معناه المدبر بالعربية، خطة تحاماها قدماؤهم، وتطأطأ عنها قديماً زعماؤهم، اجترأ هو عليها بوهي أسه، وقلة نظره لنفسه. وأما ما بلغ من المنزلة عند صاحبه وغلبته عليه فما لا شيء فوقه. أخبرني من رآه يساير صاحبه بساحة قرطبة في بعض قدماته عليها لبعض تلك الشؤون المضلة، والفتن المصمئلة، قال المحدث: فرأيته مع باديس، فلم أفرق بين الرئيس والمرؤوس، فأنشدت: " تشابهت المناكب والرؤوس ". وحدثت عن ابن السقاء مدبر قرطبة يومئذ أنه قال: لا بأس بإسماعيل لولا أنه نسي اليهودية. وكان على ذلك قد نظر في الكتب، وشدا أشياء من علم العرب. وكان آخر أمره قد حجب صاحبه عن الناس، وسجنه بين الدن والكاس، ملحداً في أمره، مبرماً لأسباب غدره، ووعد جاره ابن صمادح بالمرية أن يقعده مكانه، ويخلع على أعطافه سلطانه، فسرب إليه ابن صمادح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 767 صميم الأموال، وجلا عليه وجوه الآمال، وإنما كان أراد أن يثل عرش الباديسي بالصمادحي، لما كان يعلم من كلاله، ويتيقن من قلة استقلاله؛ وقد عزم ساعة يخلو له وجه ابن صمادح بعد باديس أن يتمرس بجانبه، ويلحقه بصاحبه، كأنه نظر خبر عبيد الله بن ظبيان، حين وضع رأس المصعب بين يدي عبد الملك بن مروان، فسجد عبد الملك، قال ابن ظبيان: فقمت في ركابي، وأحس بي ورفع رأسه وقال: ما الذي أردت أن تصنع - قلت: هممت أن أقتلك فأكون قد قتلت ملكي العرب في يوم واحد. فقال: لولا منتك علينا برأ المصعب، لكان عنقك أهون ما يضرب. فأراد هذا اليهودي على انحطاطه عن الرجال، وانخراطه في سلك ربات الحجال، أن يستدرك على ابن ظبيان، بقتل رئيسين من رؤساء ذلك الزمان؛ فلما تم تدبيره، واستوسقت له أموره، لزم سكنى القصر، وأخذ مفاتيح المصر، وأظهر لصاحبه أن الناس قد ملوا سياسته، ونفسوا عليه رياسته. وركب ابن صمادح بعسكره، وكمن حيث يسمع صوت المهيب، ويتنسم - بزعمه - روح الفرج القريب. فلما كان اليوم الذي أراد أن يختمه بداهيته الدهياء، ويلبس سواد ليلته لغدرته الشنعاء، نذر به قوم من الرجالة المغاربة؛ وقد كان الناس قبل ذلك استرابوا باختلال الشان، واستوحشوا من احتجاب السلطان، وقد كان اليهودي ملك ابن صمادح أكثر حصون غرناطة باحتجان أموالها، وإفساد رجالها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 768 فأضافها ابن صمادح إلى بلده، وباديس لا يشعر بخروجها عن يده، واليهودي أثناء ذلك يريش ويبري، وشفرته في أديم صاحبه تخلق وتفري، فلما كان اليوم الذي أراد الله فيه إزالة نعمته عنه، وإراحة عباده وبلاده منه، نذر به أولئك المغاربة، فأعلنوا بالصياح، وثاروا إلى السلاح؛ وأتى الصريخ بقية الجند وعامة أهل البلد، ونادى مناديهم: غدر اليهودي وخان، وطاح المظفر - يعنون باديس - وحان! فدخلوا القصر من كل باب، وهتكوا حرمة اليهودي دون حجاب، فقتل - زعموا - في بعض خزائن الفحم. وسمع باديس الوجبة فخرج يقول: إسماعيل لا يحفل بسواه، ولا يرتاع لشيء يسمعه من ذلك ولا يراه. وقد استطال الناس على يهود، وقتل منهم يومئذ نيف على أربعة آلاف، ملحمة من ملاحم بني إسرائيل، باءوا بذلها، وطال عهدهم بمثلها. ورجع ابن صمادح قفد صفرت يداه، وأخلفه ما تمناه، وانقلب اليهودي مذموماً مدحوراً، لم يمتع بدنياه، ولا خلص إلى ما رجاه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 769 @ذكر الأديب أبي المطرف عبد الرحمن بن فتوح، @وإثبات جملة من شعره في الغزل والمديح بلغني أنه كان يعرف بابن صاحب الإسفيريا، من مشاهير الأدباء، وه شعر كثير إلا أن إحسانه نزر يسير. وله تأليف في الأدب ترجمه بكتاب " الإغراب في رقائق الآداب "، ورفعه إلى المأمون يحيى بن ذي النون، وتصنيف آخر سماه بكتاب " الإشارة إلى معرفة الرجال والعبارة "، وكتاب سماه " بستان الملوك "، رفعه إلى ابن جهور أيام إمارته بقرطبة. وحدث عن نفسه أنه صحب أبا حفص بن برد الأصغر، وجاذبه أذيال المذاكرة، وراكضه أفراس المحاضرة، حتى وقفه - بزعمه - على البديع والبيان على حقيقتهما، ووضحت له جادتهما، وعرفه أنحاءه، وكاشفه أجزاءه؛ قال ابن فتوح: فمتى رمنا معنى أطلقنا عليه بزاة البحث، وأخذناه أحسن أخذ، وصدناه دون كلال فهم، ولا نبو لسان، إلا أن أبا حفص يشف علينا جملة في الملح القصار، أضعاف شفوفنا عليه في مطولات الأشعار. قال ابن بسام: وابن فتوح هذا كثير الاهتدام والاغتصاب، والاختطاف والاستلاب، لأشعار سواه، قبيح الأخذ في كل ما انتحاه، وشعره كثير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 770 البرد، وبينه وبين ابن برد من مسافة البعد ما بين القطب الثابت، والقصب النابت. وقد أثبت في هذا المجموع من شعر الرجلين، ما يتبين به الصبح لذي عينين؛ على أني ظلمت ابن برد ولم أعدل، إذ لا يمثل بينهما بأفضل، وأين مواقع السيل، من مطالع سهيل، وهو معه كما يقابل الصباح بمصباح، وتبارى الرياح بجناح. وأكثر شعر ابن برد مليح السرد متمكن القوافي لا تكاد له قافية تخرج من مركزها؛ وقوافي ابن فتوح قلقة موضوعة في غير مكانه، نازلة في غير أوطانها. @جملة من شعر ابن فتوح في النسيب قال: قد قضيب وبدر ديجور ... وثغر در ولحظ يعفور أزال صبري وأي مصطبرل ... يبقى لتلك الملاحظ الحور كأنما نوره وسمرته ... مسك مشوب بذوب كافور وقال أيضاً: وقف العذار بخده فحسبته ... ليلاً توقف وسط ضوء نهار وتوردت وجناته فحسبتها ... ناراً تلظى فوق ماء جار وقال: خلع الجمال عليك ثوب بهائه ... فغدوت تسحب ذيله متبخترا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 771 فكأن خدك والعذار بصحنه ... صبح جرى فيه دجى فتحيرا وما أقبح هذا الأخذ، فإنه لفظ تميم بن المعز حيث يقول: ما بان عذري فيه حتى عذرا ... ومشى الدجى في صبحه فتحيرا وقال: ولما أحس الليل أني منادم ... معذب قلبي بالتجنب والهجر تولى مغذاً لا يقر كأنما ... يعاين إلفاً فهو في إثره يجري فما كان ما بين الطفول وفجره ... كما بين جفن العين في الطول والشفر وما أحسن قول إبراهيم بن العباس في قصر الليل: وليلة من الليالي الزهر ... قرنت فيها بدرها ببدري لم تك غير شفق وفجر ... حتى تقضت وهي بكر الدهر ولغيره في هذا المعنى: يا ليلة كاد من تقاصرها ... يعير منها العشاء في السحر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 772 وقد أكثر الناس في قصر الليل وطوله، فمنهم من استهدف فيما وصف، ومنهم من عدل وأنصف، كقول بشار: لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيف ألم وإنما أخذه من قول الأعرابي: ما أقصر الليل على الراقد ... وأهون السقم على العائد وممن بلغ الغاية في الإنصاف، لو سلم له من الاستلاب والاختطاف، قول ابن بسام البغدادي: لا أظلم الليل ولا أدعي ... أن نجوم الليل ليست تغور ليلى كما شاءت فإن لم تجد ... طال وإن جادت فليلي قصير وهذا بجملته منقول، من قول علي بن الخليل، حيث يقول: لا أظلم الليل ولا أدعي ... أن نجوم الليل ليست تزول ليلى كما شاءت قصير إذا ... جادت وإن ضنت فليلي طويل وهذه السرقة كما قال بديع الزمان في التنبيه على الخوارزمي في بيت أخذ وزنه ومعناه وبعض لفظه: إن كانت قضية القطع تجب في الربع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 773 فما أشد شفقي على جوارحه أجمع، ولعمري ما هذه سرقة، إنما هي مكابرة محضة، وأحسب أن قائله لو سمع هذا لقالك هذه بضاعتنا ردت إلينا؛ فحسبت أن ربيعة بن مكدم وعتيبة بن الحارث ما كانا يستحلان من النهب ما استحله، إنما كانا يأخذان جله، وهذا الفاضل قد أخذه كله. وأخذه علي بن الخليل من قول الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان حيث يقول: لا أسأل الله تغييراً لما صنعت ... نامت وقد أسهرت عيني عيناها فالليل أطول شيء حين أفقدها ... والليل أقصر شيء حين ألقاها وابن بسام في هذا كما قال الآخر: وفتى يقول الشعر إلا أنه ... في كل حال يسرق المسروقا رجع: وقال ابن فتوح: وخل كان يألفني قديماً ... مواصلة الصوادي للورود فلما قل وفري صار يلقى ... تحياتي بلحظ من بعيد برئت إلى البرية من إخاه ... كما بريء المسيح من اليهود الجزء: 2 ¦ الصفحة: 774 وقال: ريم أروم الدهر منه على ... رغم العدا قرباً فما أقدر كأنما غرته تحتها ... ماء عليه صارم يشهر كأنما حمرته إذ بدت ... من فوقها نار بها تسعر كأنها والصدغ قد شابها ... ذوب عقيق شابه عنبر كأنما يهتز من برده ... غصن ببدر ساطع مثمر كأنما الله لتعذيبنا ... ألبسه الحسن ولا أكثر قال ابن بسام: وتشبيهه صفاء الوجه وحمرته، بصفاء الماء وحمرة النار من مبتذلات الألفاظ، ومتداولات المعاني، وما أملح قول محمد بن هانئ: افتك بهذا السامري الساحر ... وأذقه طعم المشرفي الباتر كم قلت إذ نزهت في وجناته ... طرفي فما رجعت إليّ محاجري ذا ويحكم ماء وجمر محرق ... فقد اشتفيت وما تروى ناظري وأخذه ابن هانئ من قول تميم بن المعز: وبارزة بين أحبارها ... بروز الشموس لإسفارها وقد فصلت بين ثقل الكثيب ... ولين القضيب بزنارها ترى الماء والنار في وجهها ... قد امتزجا بين أبشارها فلا النار تعدو على مائها ... ولا الماء يعدو على نارها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 775 وقول ابن فتوح " غصن ببدر مثمر " كقول بعض البصريين: بأبي قضيب مثمر ... إثماره بدر الدجى لما بدا لي سافراً ... عنه نقدت له الحجى وقال ابن وكيع: غصن ظل مثمراً ... ببديع من الثمر ما رأى الناس قبله ... غصناً أثمر القمر وقال أبو الوليد بن زيدون القرطبي: عذري إن عذلت في خلع عذري ... غصن أثمرت ذراه ببدر هز منه الصبا فقوم شطراً ... وتجافى عن الوشاح بشطر وقول ابن فتوح " كأنما الله لتعذيبنا " البيت .... ينظر إلى بيت من جملة هذه الأبيات لتميم بن المعز حيث يقول: وساق يملأ العينين حسناً ... رخيم دله يصبو ويصبي شقائق خده باللحظ تسبي ... ولحظ جفونه بالغنج يسبي له نبت على الخدين غض ... يصنفه فيتلف كل لب تبارك من براه بلا شبيه ... وسلطه على قتل المحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 776 وقال ابن فتوح: ومدامة صفراء عللني بها ... رشأ كغصن البان في حركاته صهباء تغرب إن بدت من كفه ... في فيه ثم تلوح في وجناته وهذا من قول الآخر: بدر بدا يشرب شمساً بدت ... وحدها في الحسن من حده تغرب في فيه ولكنها ... من بعد ذا تطلع في خده وقال الطليق المرواني المتقدم الذكر في شعر تقدم إنشاده: فإذا ما غربت في فمه ... أطلعت في الخد منه شفقا وقال ابن فتوح: ناولني الكأس على غفلة ... من ملأت ألحاظه الكاسا ظبي إذا ما شمته شارباً ... ذكرني شاربه الآسا وهذا من قول ابن برد وقد تقدم: يا شارباً ألثمني شارباً ... قد هم فيه الآس أن ينبتا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 777 وكذا بيته الأول من قول الآخر: يا رب ساق يدير كأساً ... تملؤه في الهوى جفونه كأنما قده قضيب ... يهفو بلب اللبيب لينه وحدث ابن فتوح هذا عن نفسه قال: ماشيت غلاماً معذراً كنت قديم الامتزاج به، والكلف بقربه، فلقيني بعض إخواني معه في جوف المسجد الجامع فسلم علي مضمراً خبراً ثم قال لي: مثالك في عصرنا مثال ذي الرمة في وقته، تقنعك الأطلال، وما شخص من آثار الديار؛ ففهمت عنه، وأنشدته قبل أن يستتم كلامه: ما ربع معموراً يطيف به ... غيلان أبهى رباً من ربعها الخرب فقال: إلى متى يدوم غرامك بهذا الغلام، وهذه بنود عزله قد رفعت، وعقدت خلعه قد عقدت - فقلت: لا والله ما أرى بنود عزلة، ولا عقدت خلعة، وإنما أرى لامات مسك في صحيفة كافور، وسطور دجى في مهارق نور، فولى عني. وكتبت إليه: أيها العاند المفند جهلاً ... في هوى من قوام نفسي هواه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 778 أنت تلحى على قضيب لجين ... عطفتني عن غيره عطفاه كان صبحاً لعاشقيه فلما ... بقلت صفحتاه أغشي سناه مثل ضوء الهلال يزداد ضعفاً ... نوره إن دجت له أفقاه وقال أيضاً: نشر الغمام رداءه فتقنعت ... خجلاً به للناظرين ذكاء فكأنه ستر تشير بمقلة ... مطروفة من خلفه عذراء وكأنها إذ مده من تحتها ... سر تضيق بكتمه الظلماء وهذا كقول ابن عبد ربه: نهار لاح في سربال ليل ... فما عرف الرواح من البكور وعين الشمس ترنو من بعيد ... رنو البكر من خلف الستور وابن المعتز القائل قبلهما: تظل الشمس ترمقنا بطرف ... خفي لحظه من خلف ستر تحاول فتق غيم وهو يأبى ... كعنين يحاول نكح بكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 779 وتابعه ابن الرومي فقال: واليوم مدجون فجونته ... ما بين مطلع ومحتجب ظلت تلاحظنا وقد بعثت ... ضوءاً يلاحظنا بلا لهب ومحمد بن سيق من غلمان ابن أبي عامر: فكأن الشمس بكر حجبت ... وكأن الغيم ستر قد سدل وقال ابن فتوح يصف الشمع: ولما دجا الأفق واغرورقت ... بكواكبه وسط لج السحب نصبنا له قضباً صاغها ... من التبر صائغها للعجب ودارت نجوم من الراح في ... بروج التصابي بأفق الطرب وهز نسيم الصبا عطفه ... وقام خطيب الصبا فاختطب تجهم وجه السما إذ رأى ... سرور الورى بتهادي النخب كأن السحاب به إذ بدت ... بخات على غيمها ترتكب تسير ويقرعها رعدها ... لتعدو بسوط له من ذهب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 780 وهذا كقول ابن برد وقد تقدم إنشاده: بخاتي توضع في سيرها ... وقد قرعت بسياط الذهب وقول ابن فتوح في صفة الشمع من قول أبي الفضل الميكالي: وليل كلون الهجر أو ظلمة الحبر ... نصبنا لداجيه عموداً من التبر [يشق جلابيب الدجى فكأنما ... نرى بين أيدينا عموداً من الفجر] تبدى لنا كالغصن قداً وفوقه ... شعاع كأنا منه في ليلة القدر تحمل نوراً حتفه فيه كامن ... وفيه حياة الأنس واللهو لو يدري تراه يدب الدهر في بري نفسه ... وقد كان أولى أن يريش ولا يبري إذا ما عرته علة قط رأسه ... فيختال في ثوب جديد من العمر وهذا كقول ابن المعتز: وصفراء تونس جلاسها ... بقد يقطع أنفاسها تبيت تقضي لباناتنا ... وتعمل في نفسها باسها ولم أر من قبلها مثلها ... تعيش إذا قطعوا راسها وهذا المعنى يتطرف قول العباس بن الأحنف: أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 781 صرت كأني ذبالة نصبت ... تضيء للناس وهي تحترق وقال بعض أهل عصرنا وهو أبو القاسم بن مرزقان يصف شمعة أقيمت بجانب مطيب نرجس: وشمعتين يروق الشرب حسنهما ... نور ونار مجال فيهما البصر فذي تموت إذا ما نالها بلل ... وذاك يحيا إذا ما عمه المطر ووقفت على رأس ذي الوزارتين ابن خلدون وصيفة في يدها شمعة فقال: يا شمعة تحملها أخرى ... شبهتها شمساً علت بدرا امتحنت إحداهما مهجتي ... بمثل ما تمتحن الأخرى وقال أيضاً غيره من أهل العصر: وقد أنهبوا جنح الدجى كل شمعة ... كأن سناها من محياك أو فكري بآية ما تبكي وفي النار صدرها ... وقد جمدت عيناي والنار في صدري وقد نصبوها رزدقاً بعد رزدق ... كما أشرعوها تحت ألوية الخمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 782 وهذا كقول أبي الفضل البغدادي من جملة أبيات تأتي في أخباره من القسم الرابع: فنارك من جمر وناري من هجر ... وصدرك في نار وناري في صدري وقال أبو الفضل الميكالي: يا رب غصن نوره ... يزري بنور الشفق يظل طول عمره ... يبكي بجفن أرق صفرته تخبر عن ... عشق ولما يعشق نار المحب في الحشا ... وناره في المفرق لاح لنا في مغرب ... فردنا في مشرق وقال أيضاً فيها: أعددت لليل إذا الليل غسق ... وقيد الألحاظ من دون الطرق ... قضبان تبر عريت من الورق ... يغني الندامى ضوؤها عن الفلق ... شفاؤها إن مرضت ضرب العنق ... وقال: وقضيب من بنات النح ... ل في قد الكعاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 783 يشبه العاشق في ... لون ودمع والتهاب كسي الباطن منه ... وهو عريان الإهاب فإذا ما أنعم الأبدا ... ن ملبوس الثياب فهو للشقوة ... في بلاء وكذاب وقال الأسعد بن بليطة: لنا شمعة نيطت ذراها بشعلة ... كحية تبر نضنضت بلسانها إذا عثر الساقي بذيل من الدجى ... نحنا له نحر الدجى بسنانها تموت إذا ما قبلت خد حائط ... فثبت خالاً فوقه من دخانها كأن الجدار امتص جوهر روحها ... ولم يستسغ منها سويدا جنانها وقال أبو العلاء المعري: وصفراء لون التبر مثلي جليدة ... على نوب الأيام والعيشة الضنك تريك ابتساماً دائماً وتجلداً ... وصبراً على ما نالها وهي في الهلك ولو نطقت يوماً لقالت محقة ... تخالون أني من حذار الردى أبكي فلا تحسبوا دمعي لوجد وجدته ... فقد تدمع العينان من شدة الضحك وقال أبو فتوح وقد استهدي مقصاً فبعث بها وكتب معها: خذها إليك فإنها مخلوقة ... من فطنة مشبوبة وذكاء تحكيك في دفع الملم لأنها ... ولعت بشق حناجر الأعداء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 784 قال ابن بسام: وقد نهى بعض الظرفاء الأدباء عن إهدائها واستهدائها، قال الفقيه ابن قالوص في ذلك: إعطاء مثلي للمقص نقيصة ... وأرى إعارتها أجل العار إن المقص حكت بصورة شكلها ... " لا " والجواد ب - " لا " لئيم نجار وهذا من الاختراع البديع، والتشبيه المطبوع. وتشبيه ابن فتوح صديقه بالمقص من الوصف القبيح مما مال فيه إلى العقوق، وعدا به سواء الطريق. ومتى كانت المقص تشق الحناجر، وتجر الجرائر، كأنه لم يسمع قول الآخر، وهو ابن الرومي: وما تكلمت إلا قلت فاحشة ... كأن فكيك للأعراض مقراض وهذا بالمقص أشبه، وعلى تفاهة قدره أنبه. ولم أسمع في المقص أحسن من قول ابن الرومي أيضاً يصف قوادة: تسعى لكي تجمع وسطيهما ... كأنها مسمار مقراض وسميت المقص لملازمتها القصاص، وهو أطراف الشعر. وقال ابن فتوح في صفة نحلة: وطائرة تخفى كأن جناحها ... ضمير خفي لا يحدده وهم منافرة للإنس تأنس بالفلا ... مرقرقة للشهد من بعضها السم فادناؤها وهتك حجابها ... إذا احتجبت في غير إبانها ظلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 785 وحدث ابن فتوح أيضاً عن نفسه قال: كنت ليلة في رمضان أطوف بالمسجد الجامع بالمرية سنة ثلاثين، وإذا فتى حسن المنظر، فسلم علي سلاماً ارتاحت له نفسي، وانشرح له صدرين فرددت عليه رد من توسم فيه سمة الفهم، فقال لي: بحرمة الأدب إلا ما أعدت علي البيت، فأعدته، وأنشدته سائر الأبيات، فقال: الشعر؛ ثم قال لي: إنما أخذته من قول العباس بن الأحنف: وأحسن أيام الهوى يومك الذي ... تروع بالهجران فيه وبالعتب إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضى ... فأين حلاوات الرسائل والكتب! - فقال: وريت بك زنادي، فأخبرني عن السبب الموجب لترديدك البيت، قلت له: منيت بخل مولع بالخلاف، مائل إلى قلة الإنصاف، إن لاينته غضب، وإن استعتبته عتب، وقد علم الله شفقة نفسي لفرقته، فقال: قلب الله لك قلبه، وجنبك عتبه. ثم ولي عني وقد غرس في كبدي ثمرة وده، قبت الليلة مستأنساً بخباله، جذلان بوصاله، حتى رأيت غرة الفجر تلمع في كفل الدجى، فخلته بحراً تسرب في جدول، أو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 786 عجاجاً سل من تحته منصل؛ فقمت ثابتاً على قصده، فلم ألبث أن سمعته ينشد ويطلب منزلي، فقرع الباب وأذنت له فدخل، فرحبت به، وقمت إليه، وأقبلت عليه؛ فقال لي: يا ابن الكرام، إن هذا يوم قد بكى ماء غيمه، ونبض عرق برقه، وخفق قلب رعده، واغرورقت مقلة أفقه، ونحن لا نجد الخمر، فبم نقطع تأويبه - فقلت: الرأي إلى سيدي أبقاه الله، فقال لي: كيف ذكرك لرجال مصرك، ووقوفك على شعراء عصرك - قلت: خير ذكر. فقال: من أعذبهم لفظاً، وارجحهم وزناً - قلت: الرقيق حاشية الظرف، الأنيق ديباجة اللطف، أبو حفص ابن برد. قال: فمن أقواهم استعارات، وأصحهم تشبيهات - قلت: البحر العجاج، والسراج الوهاج، أبو عامر ابن شهيد. قال: فمن أذكرهم للأشعار، وأنظمهم للأخبار - قلت: الحلو الظريف، البارع اللطيف، أبو الوليد بن زيدون. قال فمن أكلفهم بالبديع، واشغفهم بالتقسيم والتتبيع - قلت: الراتع في روضة الحسب، المستطيل بمرجة الأدب، أبو بكر إبراهيم بن يحيى الطبني، فأنشد: وخاطب قساً في عكاظ محاوراً ... على البعد سحبان فأفحمه قس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 787 @فصل في ذكر الأديب أبي بكر بن ظهار وإثبات جملة @مما وجدت له من الأشعار وكان أبو بكر هذا من فتيان الأدباء في ذلك الأوان، ثم اعتبط وماء معرفته غير ممتاح، وركن إبداعه غير مراح، في شرخ شبيبته وأوان ظهوره، ولولا ذلك لبز أهل الآفاق، رقة وحسن مساق. وأكثر ما وجدت من شعره ففي مدح أبي المغيرة بن حزم، إذ كان قد ميزه تمييز مثله من صيارفة النثر والنظم. وحدثت عن بعض من جعل الانتجاع بهذا العلق الذي نحن في إقامة أوده [من أجل ذخائره وعدده] ، أنه انتجع أبا بكر بن ظهار، وكان من الإقلال في غاية، ومن قلة ذات اليد في نهاية، وقصده في ذلك بخمسة أبيات شعر أنشدتها سقطت من ذكري، فباع ابن ظهار ثوبه ووجه إليه بثمنه، وكتب إلى مستمنحه بهذه الأبيات: يعز على الآداب أنك ربها ... وأنك في أهل الغنى خامد النار وخمسة أبيات كأنك قلتها ... بهاء وإشراقاً من القمر الساري طلبت لها كفؤاً كريماً من القرى ... فقصر باع المال عن نيل أوطاري سوى فضلة لا تستقل بنفسها ... وأقلل بها لو أنها ألف دينار بعثت بها لا راضياً لك بالذي ... بعثت به إلا فراراً من العار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 788 ومن شعره قوله: والله ما أربي من الدنيا ... إلا المدام ووجه من أهوى فإذا نظرت إلى صفائهما ... لم يبق لي أمل ولا دعوى وقال: صبغوا غلالته بحمرة خده ... وكسوه ثوباً من لمى شفتيه فتخاله في ذا وتلك كأنما ... نثر البنفسج والشقيق عليه وقال: من لي بداني المحل ناء ... تراه عيني ولا أناله لا وصل لي منه غير أني ... أقول للناس كيف حاله وقال: عللاني فإنما أنا حيث ... جاد روض الهوى من الوصل غيث وكأن الظلام لما تولى ... نمر راعه من الفجر ليث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 789 وقال: أما ترى بدر الدجى مشرقاً ... يضحك من نور ضحك - كأنما ينثر من نوره ... في الأرض كافوراً على مسك وقال: إذا أردت صباحاً ... فانظر إلى وجه ساقيك فقد أطلت سؤالاً ... يا قوم هل غرد الديك ماذا تريد بصبح ... أو أين ترقى أمانيك وللنجوم مدار ... عليك والبدر يسقيك @ - فصل في ذكر الأسعد بن إبراهيم بن أسعد بن بليطة " سرد المعاني أحسن السرد، وافترس المعالي كالأسد الورد، فأبرز درر المحاسن من صدفها، وأحرز ما شاء من فخر الإجادة وشرفها ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 790 وأصله كان من حضرة قرطبة، وتردد بأقطار الجزيرة شرقاً وغرباً، وكان بها في وقته أحد الغرائب، وأعجوبة في عيون العجائب؛ عالم بما يريشه ويبريه، على لوثة - زعموا - كانت فيه؛ وكان بعيد الهمم، بليغاً بالسيف والقلم، تردد على ملوك الطوائف بالأندلس، فارس جحفل، وشاعر محفل، فجرى في الميدانين، وارتزق في الديوانين. ولم أظفر من شعره في حين إخراجي هذه النسخة من هذا المجموع إلا بقليله؛ ولا بأس - بحمد الله - من الزيادة فيه؛ وقد أثبت منه ما يعترف بحقه، ويعرف به مقدار سبقه. @ما أخرجته من شعره في النسيب وما يناسبه من الأوصاف قال: لو كنت شاهدنا عشية أمسنا ... والمزن تبكينا بعيني مذنب والشمس قد مدت أديم شعاعها ... في الأرض تجنح غير أن لم تذهب خلت الرذاذ برادة من فضة ... قد غربلت من فوق نطع مذهب وقال: ظلت به والدموع جارية ... أقبل الجيد منه والليتا تقطر دراً حتى إذا وردت ... روضة خديه عدن ياقوتا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 791 وهذا من قول الحسن، وزاد في التشبيه، فأجاد ما أراد فيه، وهو: وقد غلبتها عبرة فدموعها ... على خدها بيض وفي نحرها صفر وقال: ليس ليوم البين عندي سوى ... مدامع نجيعها سكب كأنما فض بأجفانها ... رمانة فانتشر الحب وقال: عوذت قلبي منه ... بكل ما يتعوذ كأنما خده وال ... عذار حين تأخذ تفاحة علقت في ... سلاسل من زمرذ وقال: قمر لوى من فوقه ... من صدغ غالية حنش ودنا ليلثم جمرة ... من وجنيته فانكمش وأملح من هذا التشبيه، قول تميم بن المعز فيه: طمعت تقبله عقارب صدغه ... فاستل ناظره عليها خنجرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 792 وقال محمد بن هانئ: وكأن صفحة خده وعذاره ... تفاحة رميت لتقتل عقربا وقال الأسعد: من رأى الورد تحت قطر نداه ... لم يعب فوق وجنتي جدريا أنا شمس أردت في الأرض مشيا ... فنثرت النجوم حليا عليا وهذا كقول ابن السراج النحوي صاحب كتاب " الأصول ": لي قمر جدر لما استوى ... فزاده حسنا وزادت همومي كأنما غنى لشمس الضحى ... فنقطته طربا بالنجوم وقال الأسعد في سمج بين مليحين: أما ترى الدهر بما قد أتى ... من حسن هذين وهذا السمج كدرتي عقد على ثغرة ... بينهما واسطة من سبج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 793 وقال يصف الخيلان: تتنفس الصهباء في لهواته ... كتنفس الريحان في الآصال وكأنما الخيلان في وجناته ... ساعات هجر في زمان وصال قال ابن بسام: وهذان النوعان من وصف الجدري والخيلان غير موجودين في أشعار المحدثين والمولدين والعصريين إلا في النادر، وأنا أنشد في هذا الموضع بعض ما تعلق من ذلك بحفظي، ووقع في شرك صدري. قال الشيخ أبو مروان بن سراج: جدرت فقالوا بها علة ... ستقبح بعد بآثارها ألا إنها روضة نورت ... فزادت جمالا بأنوارها وقال أبو عامر ابن عبدوس القرطبي: أكثر الحاسدون فيك فقالوا ... جدري بدا على وجنته ويحهم ما دروا بأنك ورد ... نثر الجوهر النفيس عليه ونجوم السماء أسرى حلاها ... وجمال الوشاح في طرتيه ولأبي زيد بن العاصي: عابه الحاسد الذي لام فيه ... أن رأى فوق خده جدريا إنما وجهه هلال تمام ... جعلوا برقعا عليه الثريا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 794 ولأبي تمام بن رباح: [أوقدت قلبي فارتمى بشرارة ... في صحن خدك فانطفت في مائه] وله أيضاً: خدك مرآة كل حسن ... تحسن من حسنها الصفات ما لي أرى فوقه نجوما ... قد كسفت وهي نيرات - وأنشدني أبو محمد بن فرج الجياني لنفسه يصف خالين بخد غلام أحدهما أصغر من الآخر: إني ضعفت عن الهوى قد صادفني ... عبد القوي بلحظ ريم أحور أبصرت في الحمام منه محاسنا ... حسن بلوى قلبي المتحير جسم من البلور يطفو فوقه ... عرق تبدى مثل نظم الجوهر ونجده خالان أما واحد ... فيلوح والثاني كأن لم يظهر فكأنه من حسنه بدر الدجى ... كسف السهى في صحنه والمشتري وأنشدني أبو بكر الداني لنفسه: بدا على خده خال يزينه ... فزادني شغفا فيه إلى شغف كأن حبة قلبي عند رؤيته ... طارت فقلت لها في الخد منه قفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 795 رجع: وقال الأسعد يصف النفط: والنفط مهما افتر فوه فاغرا ... أجرى لسان النار فوق الماء فكأنه ذهب بدا في صارم ... أو رجع برق في أديم سماء وله: وتلذ تعذيبي كأنك خلتني ... عودا فليس يطيب ما لم يحرق وهو مأخوذ من قول ابن زيدون: تظنونني كالعود حقا وإنما ... تلذ لكم أنفاسه حين يحرق وقال في أسود: يا رب زنجي لهوت به ... الشمس عند سناه ممقوته محدودب قد غاب كاهله ... في منكبيه فلا ترى ليته قد حكم التجعيد لمته ... فتراكمت فكأنها توته وإذا سعى بالكأس تحسبه ... جعلا يدحرج فص ياقوته وكأنه والكأس في يده ... نجم رمى في الجو عفريته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 796 وأخذ هذا التشبيه من قول [بعض أهل أفقنا وهو] ابن زرقون في الكميت الشاعر: تأملت الكميت وقد علاه ... من الأثواب ثوب ذو احمرار فقلت لصاحبي جعل تمشى ... لعمري في ثياب الجلنار ومن قديم هذا التشبيه قول الفرزدق في نصيب وقد لبس ثيابا بيضا: كأنه لما بدا للناس ... أير حمار لف في قرطاس وقال ابن بليطة الأسعد: وزورق أبصرته عائما ... وقد تمطى ظهر دأماء كأنه في شكله طائر ... مد جناحيه على الماء وأنشدني أبو بكر الخولاني المنجم قال: أنشدني ابن بلطية الأسعد لنفسه: رأيت ليوسف في بيته ... فخربه الله بين البيوت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 797 حصير صلاة علاه الغبار ... وقد نسجت فوقه العنكبوت فقلت له: كم لذاك الحصير ... وكم لك لم تقر فيه القنوت فقال: هنالك ألفيته ... وثم يكون إلى أن أموت وأنشدني له أيضاً: أحبب بنور الأقاح نوارا ... عسجده في لجينه حارا أي عيون صورن من ذهب ... ركب فيها اللجين أشفارا إذا رأى الناظرون بهجتها ... قالوا نجوم تحف أقمارا كأن ما أصفر من موسطه ... عليل قوم أتوه زوارا كأن مبيضه صقالبة ... صاروا مجوسا فاستقبلوا النارا كأنه ثغر من هويت وقد ... ألقيت فيه بفي دينارا وأنشدني له أيضاً من قصيدة أولها: أرجي عساه في الهوى ولعله ... ولو وصفوا حال العليل لعله خليلي من نعمان ما أكثر الهوى ... لجاجا وصبري في الهوى ما أقله ومنها: فلا تضربن حدا بحد فإنه ... إذا السيف لاقى مضرب السيف فله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 798 @ومن شعر الأسعد في المديح وما يتصل به له من قصيدة في ابن صمادح أولها: برامة ريم زارني بعد ما شطا ... تقنصته في الحلم بالشط فاشتطا رعى من أناس في الحشا ثمر الهوى ... جينا ولم يرع العرار ولا الخمطا خيال لمرقوم البنان براعة ... تأوبني بالرقمتين فذي الأرطى فأنشقني من خده روضة المنى ... وألثمني من صدغه حية رقطا كأن الدجى جيش من الزنج نافر ... وقد أرسل الإصباح في إثره القبطا [منها في وصف الديك: كأن أنو شروان أعلاه تاجه ... وناطت عليه كف مارية القرطا: وطائر حسن بالسقاة موكل ... بحب قلوب الشرب يلقطها لقطا] توهم عطف الصدغ نونا بخده ... فبات بمسك الخال ينقطه نقطا وهذا كقول ابن المعتز: غلالة خده صبغت بورد ... ونون الصدغ معجمة بخال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 799 محيرة الألحاظ من غير سكرة ... متى شربت ألحاظ عينيك إسفنطا أرى صفرة المسواك في حوة اللمى ... وشاربك المخضر بالمسك قد خطا عسى قزح قبلته فإخاله ... على الشفة اللمياء قد جاء مختطا وسارية خلنا تلألؤ برقها ... سلاسل تبر والظلام قد اشمطا فبتنا نخال الجو بحرا قد أرسلت ... على متنه كف البروق له نفطا وباتت نخال الجو بحرا قد أرسلت ... على متنه كف البروق له نفطا وباتت تثير المسك من هجعة الثرى ... رياض ترى للنور في فرعها وخطا حيا أبا يحيى بن معن أجازها ... فعلمها من كفه الوكف والبسطا تألف من در وشذر نجاره ... فجاءت به العليا على جيدها سمطا أقول لركب يمموا مسقط الندى ... وقد جاور الركبان من دونها السقطا أفي المجد يبغي لابن معن مناقض ... ومن يوقد المصباح في الشمس قد أخطا ولو قابل الشمس المنيرة أظلمت ... سناها ولو أوما إلى البدر لانحطا وله من أخرى في المعتضد: عليك عقلت مطي الأمل ... وفيك اعتقلت بزرق الأسل وفيك تنسمت زهر العلا ... جنيا وروض العلا قد ذبل كأنا ومجدك يسمو بنا ... ذبال أمدت إليها شعل أيا ملكا راع سرب العدا ... وأمن سرب الصريح الجلل أتصبح بحرا معين الجدا ... ويكرع عبدك ذا في وشل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 800 فتى سأرتك أمانيه من ... أقاصي الشواهق حتى نهل أعد لأعدائكم صعدة ... ونصلا جرازا وطرفا رفل جهاز ابن هيجاء علامة ... بطعن الكلى وبضرب القلل وشخت الحواشي لمن سامه ... رحاب الخليقة في من يحل تنسم إذا شئت ريحانة ... وهز إذا شئت عضبا أفل فمثلي لدى ملك ماجد ... يهان ويقصى لكي يرتحل - أبثك من بجري بعضها ... فجلدي بكتمانها قد نغل ولست أريد الذي قد مضى ... فقد سبق السيف فيه العذل فلا غيض بحرك غيث الورى ... فنحن الرياض وأنت السبل @فصل في ذكر الأديب أبي عبد الله محمد بن عبادة المعروف بابن القزاز من مشاهير الأدباء الشعراء. وأكثر ما اشتهر اسمه وحفظ نظمه في أوزان الموشحات التي كثر استعمالها عند أهل الأندلس. وقد ذكرت فيما اخترت في هذا القسم من أخبار عبادة بن ماء السماء من برع في هذه الأوزان من الشعراء. وهذا الرجل ابن القزاز، ممن نسج على منوال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 801 ذلك الطراز، ورقم ديباجه، ورصع تاجه. وكلامه نازل في المديح، فأما ألفاظه في هذه الأوزان من التوشيح فشاهدة له بالتبريز والشفوف، وتلك الأعاريض خارجة عن غرض هذا التصنيف. فصل له من رقعة خاطب بها أبا بكر الخولاني المنجم يقول فيه: إن لم تتقدم بيننا مخاطبة، ولا جرت بيننا مكاتبة، فقد علم الله تعالى أن ودادي لك محض لا يشوبه كدر، وأن ثنائي عليك غض يتضوع تضوع الزهر، فحال قدري لوصفك الجليل، مطرزة بذكرك الجميل، وتيجانه على مفارق مجدك الأثيل، مرصعة بلآلئ حمدك الجزيل. وكنت عند حلولك بالمرية، قد باشرت من أفعالك السنية، وشهدت من محاضرك الحسان، ما يكل عن وصفه كل لسان؛ وما زلت مذ غبت عنها - لا غاب نجم سعدك، ولا أصلد واري زندك - أذكر مآثرك، وأنشر مفاخرك، وأبث ما عاينت من مناقبك، كالذي يتعين من واجبك، أعان الله على أدائه، والقيام بأعبائه. ولما بلغنا ما سناه الله من التأييد والتمكين، والظهور على المشركين، بسعد المعتمد على الله، نظمت بعض ما سمعته من ذلك الخبر السار، ووصفت ما حاز فيه من الفخار؛ ولم تطب نفسي - فاديتك - على الإرسال بما قلت إلا لعلمي بجدك فيما يعول فيه عليك، وأشرت إلى ما تراه، وتقف عليه إن شاء الله؛ فلك الفضل في توصيل ذلك إليه، وتقبيل الكريمتين عني يديه؛ فإن نجح السعي وساعد السعد، فمن عندك أرى ذلك، فأنت المشارك المشكور على اهتبالك؛ ولولا جوائح جرت علي، فقصت جناحي وسلبت ما لدي، لأمضيت عزمي، وكنت مكان نظمي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 802 ومن قصيدته التي بعث بها يومئذ قوله في أولها: ثناؤك ليس تسبقه الرياح ... يطير ومن نداك له جناح لقد حسنت بك الدنيا وشبت ... فغنت وهي ناعمة رداح ثناؤك في طلاها حلي در ... وفي أعطافها منه وشاح تطيب بذكرك الأفواه حتى ... كأن رضابها مسك وراح ملكت عنان دهرك فهو جار ... كما تهوى فليس له جماح فداك ملوك هذا العصر طرا ... فإنك ضيغم وهم لقاح وأنت بكل ما تحوي جواد ... وهم بأقل ما حازوا شحاح فزندك في العلا والحرب وار ... ولا زند لهم إلا شحاح جزاك الله خيرا عن بلاد ... محا عنها الفساد بك الصلاح جنبت إلى الأعادي أسد غاب ... براثنها المهندة الصفاح وقدتهم فكان لهم ظهور ... ولولا الشمس ما ظهر الصباح وقفت وموقف الهيجاء ضنك ... وفيه لباعك الرحب انفساح وألسنة الأسنة قائلات ... قفوا هذا المؤيد لا براح محمد بن عباد هزبر ... لعباد المسيح بدا فطاحوا ومنها: رأى منه أبو يعقوب فيها ... عقابا لا يهاض له جناح فقال له لك القدح المعلى ... إذا ضربت بمشهدك القداح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 803 في أبيات غير هذه ثابتة في القسم الثاني من هذا المجموع، إذ لها موقع بذلك الموضع: وله من أخرى: يا دوحة بظلاها أتفيأ ... بل معقلا آوي إليه وألجأ رمدت جفوني مذ حللت هنا ولو ... كحلت برؤيتكم لكانت تبرأ فخبئت عنك وإنما أنا جوهر ... في طي أصداف الحوادث أخبأ يا من إذا انتسب البرايا للثرى ... فله من الشمس المنيرة ضئضئ لم أخترع فيك المديح وإنما ... من بحرك الفياض هذا اللؤلؤ أما بنو عبد الحميد فإنهم ... زهر وأنت هلالها الملالئ فخر الزمان بنا لأنك حاتم ... في جوده ولأنني المتنبئ وأنشدني أبو بكر الخولاني المنجم، قال أنشدني أبو عبد الله القزاز لنفسه: أبا عامر ماذا أتيت من العار ... فها أنت من ثوب العلا في الورى عاري تبدلت شرطيا بصاحب شرطة ... كريم نجار النفس ممتنع الجار فأصبحت كالطرطور كان لسيد ... فأخلق حتى صار في رأس عيار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 804 وله في رجل قراق من أهل جيان: أوغاد أهل المرية افترسوا ... عرسك يا وغد أهل جيان قراقهم أنت غير أنهم ... قد بشروا رأس قافك الثاني وقال: شابت وزارة عصرنا ... فأشبها عبد العزيز فكأنما هو يوسف ... وكأنها امرأة العزيز وقال: انظر الفحم قد علاه بياض ... وكسا لون وجهه تتريبا لون شعر الشباب كان ولكن ... حرق النار أورثته المشيبا @فصل في ذكر الأديب أبي عبد الله محمد بن مالك الطغنري من غرناطة لم أقف من ذكر هذا الرجل إلا على أبيات من شعره، وفصلين من نثره، ويستدل على الشجر، بالواحدة من الثمر، ومع قلته فإنه يعرف أنه صدر أديب ذو حفظ كثير وأدب غزير. فصل له من رقعة يصف فيها السوط الذي يجلب لحث الخيل من المغرب: وتوأم هذا الجواب - أعزك الله - البعثة بالمحثة؛ وقد تخيرتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 805 عقيلة أتراب، كريمة أصحاب، تسمو بالنسب البحري، وتتيه بالنصاب الملوكي، قد أشبهت سرق الحرير لمسا، واشتق اسمها منه، ودعج الآبنوس لبسا، محكي لونها عنه، كأنما استلت من ظهر حية، أو حلت من أكارع طلا موشية، عنوان عزة، وجمال بزة، ودليل إنافة، وخليفة خيزران الخلافة، أبهى في أيدي الصيد، من طرر الغيد؛ وأحسن على أعناق الجرد، من قطاطي المرد؛ وكأني بالفقيه، يحرك رأسه عند هذا التشبيه، فيقول: الصدق على الألمعي لا يبطئ، وفراسة المؤمن لا تخطئ، كل على شاكلته يفعل ويقول، ومن جرابه يزن ويكيل، ويظن ما يظن، غفر الله له، وبعد رغبة له ورغبة فيه، أقول: يا معلم العلماء يا زين الندى ... لله درك من فقيه أوحد أكثرت إطرابي فظني أنني ... أصبحت من وعر العتاب بقردد ما حق ذاك السوط سوط مدائح ... أصبحت منها بالمكان الأبعد لما أتى سمعي فخرت شطارة ... وطردت مني منكبي متمرد فامنن ببسط العذر في تأخيره ... منا أرد منه بأعذب مورد وانعم بأيام أرق من الهوى ... وألذ من وصل الحبيب المسعد تا الله إقسام المحب لما حبا ... دهري بأكرم منك علقا في يدي أنت الوهوب أخو التفضل طالبا ... وأنا إذا قبلت يداك المجتدي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 806 وله من أخرى خاطب بها والد غلام تناول بره في الحمام، قال فيها: ولا ظهير إلا فريخ لي رطيب العظام، لم يقنأ دمه، ولا ثغر فمه، ولا انعقد مخه، ولا دعاه من الشباب شرخه؛ فعلى هذه الحال ما وكل بي النجيب ابنك - دامت به قرة العين - عينا راعية، وبترجيعي على علاة الحال أذنا واعية، فانتشاني من ذلك المقام بيد طالت أيدي المتطاولين إلى ركني، في سماء بعد على أرشية الأذرع هواؤه، وقعد عن القائم ماؤه، فوشكان ما استفرغ لي منه جمة المجهود، وقرب العدم من الوجود؛ وطاف علي منها بأكواب كما رأيت مقلة المشرق في دمعها المغرق، وسمعت بجابية الشيخ العراقي تفهق، وطرف ذلك بنبذ من أدبه البارع، كنبذ الزراع، ولمح من نظمه الساطع كبرقه اللامع. وأنشدت لبعد الرحمن بن عبد الرزاق وزير عبد الله الأمير -[كان بها - من قصيدة أولها] : بخل الظاعنون بالتسليم ... فأعاروا الجفون سهد السليم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 807 وطوى كل مطمع فيهم اليأ ... س فإن مت مت غير مليم ما عليهم لو ودعوا مستهاما ... ذا غرام مغرى به كالغريم قلت يوما وقد أتت منبت البا ... ن فأزرت بكل خوط قويم علمي القضب منك حسن التثني ... فبها حاجة إلى التعليم علمتها سفك الدماء كماة ... لم يرقوا يوم النوى لمقيم أيأسوا من إسعاد سعدى ومن إن ... عام نعم ورشف ظلم الظلوم وله من أخرى: صب على قلبي هوى لاعج ... ودب في جسمي ضنى دارج في شادن أحور مستأنس ... لسان تذكاري به لاهج ما قدر نعمان إذا ما مشى ... ومن عسى يبلغه عالج - فقده من رقة مائس ... وردفه من ثقل مائج كأن ماء الحسن في خده ... مدامة شعشعها المازج عنوان ما في ثوبه وجهه ... تشابه الداخل والخارج فلا تقيسوه ببدر الدجى ... ذا معلم الوجه وذا ساذج @فصل في إيراد أشعار رثي بها الوزير الفقيه أبو مروان بن سراج @رحمه الله بحضرة قرطبة مع ما يتشبث بها ويذكر بسببها وهي جملة قصائد لغير واحد من أهل العصر، منهم من يأتي ذكره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 808 فيما بعد، ومنهم من لم يسمح بإثبات شعره النقد. وقد وجدت الكاتب أبا الوليد بن طريف قد أثبت في جزء لطيف جملة هذه القصائد، ولم يسلك فيها أسلوب ناقد، ضنانة منه بخطها من التسامي بالمؤبن بها، وتثبيتا لذكر اسمه المطرزة به حواشيها، فنشر طي كل نسيجة عن منوالها، وأثبتها بحالها. وقد أثبت أنا منها ما يليق بالكتاب، فرارا من الإطناب؛ وسردت الفصل الذر أدار أبو الوليد عليه رحاه، وقدمه صدقة بين يدي نجواه. قال أبو الوليد: وكان أبو مروان عبد الملك بن سراج فذ العصر، وعلم الفخر، وبقية حسنات الدهر، ونخبة أهل التقدم في شرف النصاب، وكرم الأحساب، ونسبه في كلاب بن ربيعة؛ أصاب سلفه سباء قديم صيرهم أولا في ولاء بني أمية بالمشرق، فكانوا في عداد مقدمة الموالى المروانيين، وصدروا في عظمائهم، ثم اتصلت نباهتهم بالأندلس يرثها خالف عن سالف، ويخلفها عن تالد طارف، مع صيانة وعفة وكرم طعمة، وعلو نفس وشرف همة، وعدول عن خدمة السلطان، وتنزه عن التصرف فيها والامتهان، وانحياش إلى طلب الديانة وانحطاط في شعب طريقة السلف الصالح؛ ويؤثر أن سراج ابن قرة الكلابي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو جدهم الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 809 إليه ينتمون، وناهيك بذلك شرفا مؤثلا، وفخرا خالدا مؤبدا؛ فتمسكوا بالانقباض عن التكالب على الدنيا، على أنها كانت متصدية لهم لو جنحوا إليها، ومعرضة لهم لو أقبلوا عليها، بل اقتصروا على مكاسبهم الطيبة وترقيح رفيع معايشهم، من فاشي ضياعهم المنتشرة المغلة، مقتعدين غارب الوقار والتجلة، أيام الصلاح وزمان الجماعة؛ ثم استمروا على طريقتهم تلك في مدة الفتنة وأمد المحنة، عند تقلص الأموال، وذهاب الأحوال، وفشو الاختلال، لم يفارقوا مع تزلزل الأقادم، وتقلب الأيام، وذهاب السلطان، وتضعضع الأركان، مركزهم من الصيانة، ولا أخلوا بكريم عادتهم من التحلي بها، والتزيي بباهر رونقها، ولا انحطوا عن رفيع مرتبتهم من نفاسة المأخذ والسيرة التي آثروها، ولا انسلخوا من حلة القناعة، إلى أن درج من درج منهم، وستر التجمل ضاف لديه، وظل الجلالة مكتنف له ومشتمل عليه. ثم نشأ هذا الشيخ أبو مروان فيهم محيي [رسم] علم اللسان بجزيرة الأندلس ومقيم أوده، ومسدد رزيغه، ومثقف معوج قناته، وموضع معضله، ومجلي غياهب مشكله، وجامع مفترق أدواته، وحاوي قصب السبق في إحراز بعيد غاياته، وتجاوز أقصى نهاياته، وأعلم به من كل من شددت إليه الأقتاب، وأنضيت في طلب ما عنده الركاب؛ ولقد كان في ذلك كله آية من آيات الله معجزة، وندرة من ندرات الأيام معجبة، ونورا ساطعا، وجوادا سابقا، مع متانة الدين، وصحة اليقين، وجلالة المأخذ، وجزالة المقطع، وصلابة القناة في الحقائق، وقلة الإدهان فيها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 810 وملازمة الجد في جميع الأحوال، ومشهود الثقة فيما يتقلده، وبراعة الإيجاز فيما يلقيه ويورده، وحسن التأدية، وقرب الإفهام، وتذليله كل صعب المرام، والتبيين في الرد والإقناع في الجواب، وترك الجدال والمراء، والبعد عن العجب والخيلاء؛ لعظيم ما كان يحمله، وجليل ما ينتخله، وخطير ما يشتمل عليه صدره، ويجيش به بحره، ويشخو به ذكره، وتفيض به مواد معرفته، وتنهل به أهاضيب علمه، وتسح به شآبيب إحاطته، ثم لا يزال مع ذلك دهره يعترف بالتقصير، وينتسب إلى التعذير، ويعلم أن الإحاطة معجزة، وأن محاولتها معوزة. سبق بهذه الخلال الحميدة من سلف، وأيس بإدراك بعضها من خلف، لم ير قبله مثله، ولا يرى بعده، والله أعلم. وأحيا كثيرا من الدواوين الشهيرة الخطيرة، التي أحالتها الرواة الذين لم تكمل لهم الأداة، ولا استجمعت لديهم تلك المعارف والآلات، واستدرك فيها أشياء من سقط واضعيها، ووهم مؤلفيها، ككتاب البارع لأبي علي البغدادي، وشرح غريب الحديث للخطابي وقاسم بن ثابت السرقسطي، وكتاب أبيات المعاني للقتبي، وكتاب النبات لأبي حنيفة وكتاب الأمثال للأصبهاني وغير ذلك من كتب الحديث وتفسير القرآن مما لم يحضرني ذكره، ولم يمكن حصره، إذ كانت قبل فتحها عليه، وإصلاحها بين يديه، طامسة الأعلام، مختلة النظام، وقد سد التصحيف طرقها، وعور التبديل نسقها، ففتح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 811 مستغلقها، ونظم مفترقها، وعانى خللها، وأزاح عللها، وقيد مهملها، وأبرز محاسنها، وأثار كمائنها، وأعتقها من هجنة التعطيل فرغب في استعمالها، وأطلقها من ربقة الخمول فحرص على حملها وانتحالها، فلو رأى ذلك الواضعون لها وشاهدوا لسلموا له وأذعنوا، وصرحوا بفضل شفوفه عليهم وأعلنوا. ولقد أذهب الله بذهابه خيرا كثيرا، وأطفأ بوفاته سراجا منيرا. وكانت وفاته ليلة الجمعة لثمان خلون لذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة؛ ومولده كان في ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة خلت منه سنة سبع وأربعمائة وكان رحمه الله في اعتلاء سنه حسن البنية، ممتعا بحواسه وتوقد ذهنه وسرعة خاطره، يقرأ دقيق الخط، ويثابر على المطالعة ويدأب عليها، ولا يخل بحظه منها، ويقرأ عليه مستغلق الكتب، وعويص المعاني وغامضها، فينكر وهم القارئ ويحسن الرد عليه؛ ختم الله به علم اللسان، كما ختم به وبأبيه قبله أفاضل أهل الزمان. ودفن عصر السبت التاسع من ذي الحجة المؤرخ، وصلى عليه ابنه الوزير الفقيه أبو الحسين سراج بن عبد الملك، تاليه في الفضل وكرم الخلال مع سري الخصال، وحائز ميراث مفاخره الجمة. وكان يومه حافلا مشهودا، والأسف في الخاصة والعامة عليه شديدا، والثناء حميدا، وتناغت لمة أهل الأدب من الآخذين عنه والمقتبسين منه وغيرهم في تأبينه ورثائه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 812 فأكثروا وأجادوا، وأبدوا وأعادوا؛ منهم الشيخ الفقيه أبو بكر بن خازم وبقية الأعيان - كان - في ذلك الأوان من أهل قرطبة وذوي السوابق النبيهة فيهم، رثاه بقصيدة أولها: ألم تر أن الموت نادى فاسمعا ... فأنت جدير أن تشيب وتجزعا .... ولما فشى بين البرية نعيه ... أصم به الناعي وإن كان اسمعا ومما شجاني أنني إذ سمعته ... تمنيت أن نسقى كؤوس الردى معا فقطع قلبي ثم سال بمدمعي ... فيالك دمعا من فؤاد تقطعا! ومعنى هذا البيت الأخير مشهور، وقد اندرج منه في تضاعيف هذا التصنيف كثير، ومنه قول ابن دريد: قلب تقطع فاستحال نجيعا ... وجرى فصار مع الدموع دموعا رجع: فيا طالبا للعمل لا تطلبنه ... بطي الثرى قد غادروا العلم أجمعا أبعد أبي مروان تبصر عالما ... نبيها لأنواع العلوم مجمعا - إذا ما احتبى في مجلس العلم أنصتوا ... له وأتى بالمعجزات فأبدعا وما كان إلا الغيث عم بنفعه ال ... أنام فلما هم بالري أقلعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 813 ومنهم الأديب أبو جعفر أحمد بن عبد الله المعروف بابن شانجه الوكيد الاختصاص به واللزوم له، والأخذ عنه. رثاه يومئذ بقصيدة يقول فيه: نعى الهدى والعلم ناع ... فأودى ما تضمنه الصدور سيعلم من نعاه لنا بأنا ... وجدنا الفضل ناعيه كثير يقول القائلون حواه لحد ... تجسم دونه كرم وخير ولا والله ما وارتك أرض ... وسروك فوقها أبدا يسير ومنهم الوزير الفقيه النبيه أبو عبد الله جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب القيسي أحد أعيان وقته ذكاء ونبلا، وسروا كاملا وفضلا، أبنه بقصيدة أولها: انظر إلى الأطواد كيف تزول ... والحالة العلياء كيف تحول الموت حتم والنفوس ودائع ... والعيش نوم والمنى تضليل لا يعصم العصماء منه شاهق ... صعب ولا الورد السبنتي غيل يرمي فما تشوي الرمية نبله ... فيصاب تنبال بها ونبيل يهوى الفتى طول البقاء مؤملا ... وله رحيل ليس عنه قفول يلهو ويلعب مطمئنا ذاهلا ... وله رسيم نحوها وذميل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 814 ومنها: أودى سراج المجد وابن سراجه ... فلنور شمس المكرمات أفول لو كان علم الدين يبكي ميتا ... لبكى الحديث عليه والتنزيل كم من حديث للنبي أبانه ... فبدت له غرر ترى وحجول كم مصعب في النحو راض جماحه ... حتى غدا والصعب منه ذلول أدنى إلى الأفهام نائي علمها ... حتى تساوى عالم وجهول طب بأدواء الكلام ملقن ... سهم على عوراته مدلول قوله: " انظر إلى الأطواد كيف تزول " معنى منقول، ومنه قول ابن بسام البغدادي: قد استوى الناس ومات الكمال ... وقال صرف الدهر أين الرجال هذا أبو القاسم في نعشه ... قوموا انظروا كيف تزول الجبال وقال ابن الرومي: من لم يعاين سير نعش محمد ... لم يدر كيف تسير الأجبال وقال الرضي يرثي الصاحب: أكذا المنون تقطر الأبطالا ... وكذا الزمان يضعضع الأجبالا - جبل تسنمت البلاد هضابه ... حتى إذا ملأ الأقالم زالا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 815 وقال أبو محمد الصقلي للمعتمد بن عباد: ولما رحلتم بالندى في أكفكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الراسيات تسير وقوله: " يهوى الفتى طول البقاء " ... البيت مع الذي بعده، من المعاني المتداولة أيضاً، وقد تفرقت في أثناء هذا الكتاب. ومنهم الوزير الكاتب أبو محمد عبد المجيد بن عبدون أحد الزعماء في صناعة الشعر والنثر، وثبوت القدم في الأدب، أبنه أيضاً بقصيدة فريدة أولها: ما منك يا موت لا واق ولا فادي ... الحكم حكمك في القاري وفي البادي قدم أناسا وأخر آخرين فلا ... عليك يا مورد الحادي على الهادي يا نائم الفكر في ليل الشباب أفق ... فصبح شيبك في أفق النهى بادي سلني عن الدهر تسأل غير إمعة ... فألق سمعك واستجمع لإيرادي نعم هو الدهر ما أبقت غوائله ... على جديس ولا طسم ولا عاد ألقت عصاها بنادي مأرب ورمت ... بآل مامة من بيضاء سنداد وأسلمت للمنايا آل مسلمة ... وعبدت للرزايا آل عباد ما لليالي أقال الله عثرتنا ... منها تصرع أضدادا بأضداد فلت قنا سمهر شلت أناملها ... بعود طلح وأسيافا بأغماد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 816 فعوضت من حسين الخير أو حسن ... بالأرقط ابن أبيه أو بعباد بعدا ليومك يا نور العلاء ولا ... شجا بموت ولا سلى بميلاد لهفي عليك خبا فيه سناك وما ... خبا ولكنها شكوى على العادي لا شمس قبلك زادت بالغروب سنا ... واستأنفت نشر أنوار وأوراد أطلعت ذكرك لما غبت وابنك في ... أفق العلا نيري هدي وإرشاد لما ملأت دلاء المأثرات إلى ... أكرابها واحتبى في حلمك النادي وطبقت بك آفاق العلا همم ... زانت مطالع آباء وأجداد غضت عنانك أيدي الدهر ناسخة ... علما بجهل وإصلاحا بإفساد لا در در ليال غورتك ولا ... سقى صداها غريض الرائح الغادي فما سمعنا ببحر غاض في جدث ... وكان ملء الربى يرمي بأزباد ولا بطود رسا تحت الثرى وسما ... على السها حملوه فوق أعواد أعجوبة قصرت من خطو كل حجى ... فلم يكن في قوى منها ولا آد لقد هوت منك خانتها قوادمها ... بكوكب في سماء المجد وقاد ومقرم كان يحمي شول قرطبة ... أستغفر الله لا بل شول بغداد ومنها: من للعلوم إذا ما ضل ناشدها ... في ظلمة الشك بعد النير الهادي - من للحديث إذا ما ضاق حامله ... ذرعا بمتن وإيضاح وإسناد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 817 من للتلاوة أو من للرواية أو ... من للبلاغة بعد العاد والبادي - شق العلوم نظاما والعلا زهرا ... ثبين ما بين رواد ووراد مضى ما أبقت وما أخذت ... أيدي الليالي من المفدي والفادي! وهذه القصيدة طويلة سلك فيها أبو محمد طريقته في الرثاء، إلى الإشارة والإيماء، بمن أباده الحدثان من ملوك الزمان، وقد نسق ذكرهم على توالي أزمانهم في قصيدة [اندرج له كثير من البديع فيها] ؛ هي ثابتة في أخباره في القسم الثاني من هذا المجموع. واقتفى أبو محمد أثر فحول القدماء، من ضربهم الأمثال في التأبين والرثاء، بالملوك الأعزة، وبالوعول الممتنعة في قلل الجبال، والأسود الخادرة في الغياض، وبالنسور والعقبان والحيات في طول الأعمار، وغير ذلك مما هو في أشعارهم موجود، فأما المحدثون فهم إلى غير ذلك أميل، وربما جروا أيضاً على السنن الأول. وممن رثاه يومئذ الكاتب أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف أحد كتاب العصر، وفرسان النظم والنثر، رثاه بقصيدة أولها: يبيح الحمام منيع الحجاب ... ويسري إلى المرء من غير باب ولم أر أنفذ من سهمه ... وأفوز من قدحه بالغلاب ألم تره كيف هد الهدى ... وأصمى العلا بأليم المصاب - ومنها: فمن لخفايا حديث الرسول ... ومن لغوامض علم الكتاب - ومن ذا يروي ظماء العقول ... ويشحذ البابهن النوابي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 818 فلهفي عليه وإن كان لهفي ... قليل العزاء ضعيف المناب إذا عادني عيد تذكاره ... أجد أسى لم يكن في الحساب وإن جمد الدمع في ناظري ... مددت قواه بقلب مذاب فلا شيء أعجب من يومه ... برؤية ثهلان بين الرقاب عزاء سراج العلا فالجميع ... قليل البقاء سريع الذهاب ومنهم الوزير الكاتب أبو بكر محمد بن ذي الوزارتين الكاتب المشرف أبي مروان بن عبد العزيز المقدم في نبله على تأخر سنه، رثاه أولا بقصيدة أولها: هل فوجئت بمصاب قبله العرب ... أو أسقطت لملم غير الشهب - ومنها: ما كنت أحسب أن الموت معترض ... ذاك الجلال ولما ينته الرهب من لا تمر عليه الشمس طالعة ... إلا وعرنينها من نعله ترب إذا تطلع في ناديه محتبيا ... لم يأته الدهر إلا وهو منتقب يا طالب العلم لا ترحل فقد رديت ... بك المهارى وجف الماء والعشب فيم الذميل وحث السير منتجيا ... وأين يبلغك التقريب والخبب ضلت سبيلك لا هاد ولا علم ... وغاض شربك لا ورد ولا قرب يا فاضل الخطة الشنعاء قد عوصت ... تعيا بها الخطباء اللسن والخطب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 819 إن الخصوم قد اصطكت مرافقها ... فخل بينهم حكما فقد شغبوا قلها لدى الحفل تمضي إن مبلغها ... ما ليس تبلغه الهندية القضب طود العلا زعزعتك النائبات وما ... حذرت أن تترقى نحوك النوب ما مات من خلدت فينا مآثره ... لكنه سبب أن يرفع الأدب لولا سراج وفي وجدانه عوض ... لم يدر ما اسم لمعلوم ولا لقب [فإن تفلل بأيدينا صوارمنا ... لم تعن إلا وأطراف القنا سلب] ومنهم الفقيه الأديب أبو عبد الله محمد بن محمد القرشي المرواني الناصري، عين أهل بيته الخطيرة، وأحد شهبها المنيرة، رثاه أيضاً بقصيدة أولها: رمته الرزايا عن قسي خطوبها ... بسهم فأيا فوقت نحوه أيا - فيا عجبا أنى طواه ضريحه ... وقد كان يطوي الدهر من نشره طيا فثل ذرا عرش العلا وتناثرت ... نجوم المعالي من مراتبها وهيا وكم آية للدين بين شرحها ... ولم يعترفها بعد ما كان قد أعيا وكم من حديث للنبي أبانه ... وألبسه من حسن منطقه وشيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 820 ومنهم الأديب النبيل أبو العباس أحمد بن محمد الكناني أحد تلامذته الآخذين عنه، رثاه أيضاً بقصيدة أولها: رزء تطلبت فيه الصبر فامتنعا ... ورمت دمعي على التسكين فاندفعا قال فيها: حديث صدق نعى الناعي إلي ضحى ... فزعت فيه إلى التكذيب حين نعى صبرا سراج فيما يبقي الردى أحدا ... كل سيجرعه من كأسه جرعا أقول صبرا كأني غير مكترث ... والله يعلم أنا موجعان معا إلى غيرها من قصائد طويلة قليلة الطائل أثبتها أبو الوليد المذكور بجملتها، لم يتسع هذا المجموع لاستيفائها، وفيما مر منها كفاية. وأكثر من أبنه في ذلك اليوم أطال في مدح ابنه، وليس من عادة أئمة الشعراء المقتدى بهم الإكثار من مدح المعزى في تأبين حميمه المتوفى، وإنما يلمون به إلماما بعد التوفر على ندبة ميته والإشباع في ذكر ما فقد من خصاله، ثم الكر على تسكين جأشه، وحضه على التعزي اتقاء لربه، هذه طريقة فحول الشعراء. والوزير الفقيه أبو الحسين ابنه المخاطب يومئذ بهذه الأشعار هو سراج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 821 ابن عبد الملك بن سراج، اسم وافق مسماه، ولفظ طابق معناه، فإنه سراج علم وأدب، وبحر لغة لسان العرب، وإليه في وقتنا هذا بحضرة قرطبة شد الأقتاب، وإنضاء الركاب، في الاقتباس منه، ثم إنه في هذا الفن الذي نحن في إقامة أوده، زمامه وخطامه في يده، ولنظمه ونثره ديباجة رائقة، وهو القائل: لما تمكن من فؤادي منزلا ... وغدا يسلط مقلتيه عليه ناديته مسترحما من عبرة ... أفضت بأسرار الضمير إليه رفقال بمنزلك الذي تحتله ... يا من يخرب بيته بيديه! وهذا البيت الأخير منها كقول التهامي: حرق سوى قلبي ودعه فإنني ... أخشى عليك وأنت في سودائه وأنشدت أيضاً لبعض أهل العصر: فقلت له لا ترم قلبي فإنه ... مكانك والمرمي أنت ولا تدري وقال أبو الوليد بن حزم: أذكيت في قلبي بنأيك لوعة ... حتى خشيت على محلك فيه وفي قريب منه قول ابن شرف: عجبت منه وأحشائي منازله ... كيف استقر بها من كثرة القلق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 822 وقلب هذا المعنى بعض فتيان وقتنا وهو الأديب أبو بكر بن بقي فقال: أبعدته عن أضلع تشاقه ... كي لا ينام على وساد خافق وبلغني أنه خرج مع بعض إخوانه إلى بعض البساتين، فعار فرس أحدهم فاتبعه صاحبه وساعده أبو الحسين، وتخلف عنهما أبو الحسن بن اليسع، وأكب على راحه هنالك، فكتب إليه أبو الحسين ابن سراج: عمري أبا حسن لقد جئت التي ... عطفت عليك ملامة الإخوان لما رأيت اليوم ولى عمره ... والليل مقتبل الشبيبة داني والشمس تنفض زعفرانا في الربى ... وتفت مسكتها على الغيطان أطلعتها شمسا وأنت عطارد ... وخففتها بكواكب الندمان فأتيت بدعا في الأنام مخلدا ... فيما قرنت ولات حين قران ولهيت عن خلي صفاء لم يكن ... يلهيهما عنك اقتبال زمان غنيا بذكرك عن رحيق سلسل ... وحدائق خضر وعزف قيان ورضيت في دفع الملامة أن ترى ... متعلقا بالعذر من حسان وهذا رواء الديباج الخسرواني، ورونق العصب اليماني، ولمثله فلتنشرح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 823 الصدور، ويتشوف السرور، ويذعن المنظوم والمنثور، ألا ترى ما آنق استعاراته، وأرشق إشاراته، وأقدره على الإتيان بالتشبيه دون أداته، وكذلك طبعه في سائر مقطعاته. على أن أشعار العلماء على قديم الدهر وحديثه بينه التكلف، وشعرهم الذي روي لهم ضعيف، حاشا طائفة، منهم خلف الأحمر، فإن له ما يستندر، وقطرب له أيضاً ما يستغرب، كقوله وقد رويت لغيره: إن كنت لست معي فالذكر منك معي ... يرعاك قلبي وإن غيبت عن بصري فالعين تبصر من تهوى وتفقده ... وناظر القلب لا يخلو من النظر والخليل بن احمد، له أيضاً بعض ما يحمد، ومؤرج السدوسي، وابن دريد من الشعراء العلماء؛ وكذلك من علماء البصرة أبو محمد اليزيدي وبنوه، وهو القائل في حمويه ابن أخت الحسن الحاجب: إن فخر الناس بآبائهم ... أتيتهم بالعجب العاجب قلت وأدغمت أبا خاملا ... أنا ابن أخت الحسن الحاجب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 824 ومن هذا أخذ دعبل قوله: سألته من أبوه ... فقال دينار خالي فقلت دينار من هو ... فقال والي الجبال وابن مناذر أيضاً عالم شاعر، وأبو محلم السعدي، وهو الذي يقول: تصيخ لكسرى حين تسمع ذكره ... بصماء عن ذكر النبي صدوف وتغرق في إطراء ساسان وابنه ... وما أنت من أعلامهم بشريف ومن العلماء الشعراء أحمد بن أبي كامل وهو القائل: لا أرى فيما أرى شبهاً ... لك غير البدر في الظلم غير أن البدر ليس له ... لحظة تدعو إلى السقم ومن الرواة الأخباريين محمد العتبي وهو القائل: رأين الغواني الشيب لاح بمفرقي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 825 الأبيات. هؤلاء أعيان العلماء الشعراء بالمشرق، ممن علا شعرهم ديباجة ورونق، فأما من سواهم كيونس والأخفش وأبي عمرو بن العلاء وسيبويه والفراء وسائر أصحابهم فأكثر الرواة لم يسمع لهم بشعر، والكسائي الذي يقول: " إنما النحو قياس يتبع " له شعر ضعيف، بين التكليف. فأما أبو عبيدة فله شعر يضحك، لا سيما قوله في ابن أخي يونس النحوي، وكان يسمى خرك، لم أر أن أكون من رواته إذ هو معدود في هناته. وللأصمعي قصيدة في بني برمك أكثر فيها من الغريب، وما أتى بغريب؛ وكذلك من علماء الكوفة جماعة مثل خالد بن كلثوم، وأبي عمرو الشيباني، وابن الأعرابي وأصحابهم، زعم ابن المنجم أنه لم يسمع لهم بشعر. وأما العلماء الشعراء بأفقنا هذا الأندلسي من حين استفتحت الجزيرة إلى آخر دولة بني عامر، فقد تقدم المصنفون قبلي إلى تدوين نثرهم ونظمهم، فأغناني عن ذكرهم، وإنما شرطت ذكر أهل عصري ممن شاهدته بعمري، أو لحقه بعض أهل دهري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 826 @فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي مروان عبد الملك بن محمد بن @شماخ، وإيراد جملة من نظمه ونثره، مع ما يتعلق به ويذكر بسببه وأبو مروان هذا أحد من شافهته وذاكرته، وأنشدني شعره، وكان باهر الضوء، صادق النوء، ينفث بالسحر، في عقد النظم والنثر، ويوفي على أنواع البديع، إيفاء نيسان على محاسن فصل الربيع، إلى علم أعذب من الماء، وأكثر من حصى الدهناء، وفهم أذكى من الشمس، وأجرى من النفس في النفس؛ ولولا أنه اختصر، لبهر الشمس والقمر، كما أعجز من نظم ونثر، وسبق أكثر من تقدم وتأخر، وقد أجريت من نظمه ونثره، ما يشيد باسمه، ويدل على سعة علمه. فمن ذلك رقعة خاطب بها الفقيه قاضي الجماعة أبا عبد الله بن حمدين، افتتحها متمثلاً بهذه الأبيات: لما وضعت صحيفتي ... في بطن كف رسولها قبلتها لتمسها ... يمناك عند وصولها وتود عيني أنها اق ... ترنت ببعض فصولها حتى ترى من وجهك ال ... ميمون غاية سولها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 827 نعم، أدام الله عز الفقيه سامي الرفعة، إني حاسد هذه الرقعة، لأنها تحظى دوني برؤيته، فلو حظيت بمثل ما به حظيت، لبلغ قلبي غاية أمنيته. أمثال أضربها عليك ما لها أمثال، وسلسال أمزجه لديك يحيا به الصلصال، يا أيها الخطى الذي أنبته وشيجه، يا أيها الأعوجي الذي هذبه تخريجه، يا أيها الفرع الذي ثبت أصله فوق السماء، وشمخ سنخه بناصية الجوزاء: إذا ثبتت فوق السماء أصوله ... فأين أعاليه وأين الذوائب - بعد صيتك في النباهة حتى طبق الغبراء، وصعد سروك في الجلالة حتى آنق الخضراء، لو اقتصرت على ما بنى لك أولك، لسبق جهد السابقين مهلك، بل ينيت على ما بنوا، وسموت كما سموا؛ فلو فضت خواتم الطين، عن بائك الأكرمين، لبصرت بعظامهم تهتز وهي رميم، إعجاباً بما أهداه إليها سعيك الكريم: فقد يضحك الحي سن الفقيد ... فتهتز أعظمه بالعراء خطبت ودك، فان ترني كفواً، بلغت المبالغ الشاسعة عفواً، ظمئت إلى شمول تلك الشمائل، فإن سقيتني منها نغبة، سرت في الأريحية حقبة، ما أرى الفقيه يعلم من أمري، أكثر من معرفته بضئضئي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 828 ونجري. سألمع لك في شأني بلمعة واختصر، فقد يروي - وإن قل - الزلال الخصر. كان مدة في يدي زمام بلدي، ثم نقلت إلى حمص، وكانت لخم متى شاءت أمراً لم تعص، فلما رمت بصنهاجة اللجج، وثار لهم ذلك الرهج، في يوم أشرعت فيه الأسنة، وأجهضت لشدة خطبه الأجنة، فانتهب مالي كما انتهب مال المصر، وكسد في حمص سوق النظم والنثر، زهدنا فيها فمقتناها، وسكتنا عن الكتابة فما أبناها، ولجأنا إلى غافق، بعلق من الأدب غير نافق، بحيث يتساوى الجهل والعلم، ويصفع البليغ الفدم؛ وإني - أعز الله الفقيه - وإن كان أوطاني الله منها أوطاني، وأعطاني منها أعطاني، وآواني منها إيواني، لعدم الشكل، لغريب فيها بين الأحبة والأهل. فإن تبك عين الفقيه الشفيق، ضياع صديق، فلتبك مني لطائر كريم، رد إلى وكر لئيم، ولترث لدرة سنية، ردت إلى صدفة دنية، وحسبنا الله! أنا المصدور أكثرت نفثاً، وشكوت بثاً؛ وإن كنت أطلت الخطاب، فان حوار الفقيه لذ لي وطاب، وانتظاري لجوابه انتظار الصائم للفطر، والساري للفجر، وأقرأ عليه من سلامي عدد مناقب الفقيه، بل عدد محاسن أبي الحسن أبيه، فإنها تجاوز الحد، ولا تطاوع العد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 829 قوله " وإني بها لعدم الشكل، لغريب بين الأحبة والأهل " محلول من قول الخطابي حيث يقول: وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي وما غربة الإنسان في شقة النوى ... ولكنها والله في عدم الشكل وأخذه عمر بن أبي السجزي فقال: وليس اغترابي في سجستان أنني ... عدمت بها الإخوان والدار والأهلا ولكنه مالي بها من مشاكل ... وإن الغريب الفرد من يعدم الشكلا وقوله " فتهتز أعظمه بالعراء " كقول أبي تمام: ولو علم الشيخان أد ويعرب ... لسرت إذاً تلك العظام الرمائم وإليه أشار محمد بن هانئ بقوله: فليت أبا السبطين والترب دونه ... رأى كيف تبدي حكمه وتعيد فأجابه القاضي أبو عبد الله برقعة اقتضبت بعض فصولها لطولها [قال فيها: كتبت ولو قدرت هوى وشوقاً ... إليك لكنت سطراً في كتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 830 من صحب الآصال والبكر، عرف وأنكر: ما أحسن العيش لو أن الفتى حجر ... تنبو الحوادث عنه وهو ملموم] عمر بابك، وأخصب جنابك، وطاوعك زمانك، ونعم بك إيوانك: وسقى بلادك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي فما درج بسبيله، من كنت سلالة سليله، ووراث مجده ومقيله؛ وما خام وضرع، فخر رمى عن وتر قوسك ونزع، لم يهلك هالك، ترك مثل مالك. [كالعندواني لا يحزيك مشهده ... وسط الهياج إذا ما تضرب البهم] فركت المهاد، وألفت السهاد، وتقيلت الآباء والأجداد، فأسرجت في ميدان عتاق الجود براقاً، مريت له حافراً وساقاً، فاحتل من شعاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 831 المجد صقعا، أثار به نقعا، ودوم في جو السماء، تدويم قزع العماء، [كأنه على قمة الرأس ابن ماء محلق] ، فحق لباهر فضلك أن يطول فيقول: ما بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبنفسي فخرت لا بجدودي أو يتنزل، فيتمثل: لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوما على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا كم متعاط شأو طلقك، ومشترط منال أفقك، سولت له نفسه شق غبارك، واقتفاء مناهج آثارك، سلك فما أدراك، وبلج بعيره فبرك: فهن رذايا بالطريق ودائع ... وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس لو بما تعتز به عشائر نسبوك، وآباء صدق ولدوك فأنجبوك: أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 832 وجلباب أدب، شفع الحسب، وكسا الدرة الذهب، فثناك وتر الأبد، كالسيف الفرد، إذ غلت الركاب، وعلقت الأسباب - لتعديت منابج العواء، فهصرت هقعة الجوزاء، واتخذت إكليلها إكليلا، فلم تذممك نزيلا، وقبلت أخمص قدميك تقبيلا. وفي فصل: بيننا وسائل، أحكمتها الأوائل، ما هي بالأنكاث، والوشائج الرثاث، من دونها ود جناه شهد، ومراده خلد، أنضر من أنيق الخضر، وأعبق من فتيق الزهر، غب المطر، [جمت أعراضه، ونديت حياضه، سرى له النسيم، فوشى به النميم: ما روضة من رياض الحزن معشبة ... غناء جاد عليها مسبل هطل يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل يوما بأطيب منه نشر رائحة ... ولا بأحسن منه إذ دنا الأصل لو كان بشرا كان حسن البشرة، أنيق الحبرة] ، أرج عرف النسيم، مشرق جبين الأديم، رائق رقعة الجلباب، مقتبل راد الشباب، كالصباح المنجاب، تبرق أساريره، وتلقاك قبل اللقاء تباشيره: ورثناهن عن آباء صدق ... ونورثها إذا متنا بنينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 833 المقة تبعث الثقة، لا يلهينك وقد لاح البدر، ووضح للساري الفجر، جواب أنيته، ودين مطلته ولويته: فقلت امكثي حتى يسار لعلنا ... نحج معا قالت: أعاما وقابله - إسجاح ومعذرة، إذا لم تكن مقدرة، فنظرة إلى ميسرة، لو بحسب ما أطويه، لبيت داعي مناديه، لبادرت بدار العين، وأوفزت إيفاز لمع اليدين، واقتضبت المدى، فكان الكلام وكنت الصدى، وما بهن خجل التسويف والليان بأرقد من معضوض الأفعوان، ومفترش حسك السعدان: على الفراش لضوء الصبح مرتقب ... كأنه به الإبر وفي فصل منها: ولا غرو إن استعجم لسان، وحصر بيان، لجنة جنان، وخريدة بيان، ترود روض الآداب، وترد ذوب ماء الألباب، نماها كهلان، ونهد بها سحبان، تدعو نزال، وتتنجز رد السؤال: بيان لم ترثه تراث دعوى ... ولم تنبطه من حسي بكي أهلا به طائر وداد وقع، وبلبل واد سجع فرجع، وهيج داء دفينا، فذكر بعض ما كنا نسينا: فضضت ختامه فتبلجت لي ... غرائبه عن الخبر الجلي فكان أغض في عيني وأندى ... على كبدي من الزهر الجني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 834 وأحسن موقعا مني وعندي ... من البشرى أتت بعد النعي ... صدور الغانيات من الحلي> لله فطنة فطرته، ويد سطرته، وصحيفة احتوته، وأنامل لوته! ما أبدع ما وسق، وأعجب ما نظم ونسق، إن هو إلا سحر يؤثر، ودر ينثر، وأنفاس تعبق، ونفوس تسبى وتسترق، إلى أغراض كقطع الرياض، ومعان كأبكار الغواني لوين قدودا، وكسين من وشي الكلام مجاسدا وبرودا، فمعجبه يهزج بيفاعه، ويرتجل على إيقاعه: أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم سمير الآذان، وحديث الركبان: [به تنفض الأحلاس في كل منزل ... وتعقد أطراف الحبال وتوثق نادى شخص طلل حابس، وكلم ربع رسم دارس، من نفس أبداد، وفؤاد فاد، صدي حتى بلي، ودهي حتى فني؛ بمثله وقف جميل، واستعبر يقول: ألم تسأل الربع القواء فينطق ... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 835 فكان حيا جلجل رعده، وأسبل ودقه، بأكناف جوى محل واديه، وأجدبت بواديه، فلأيا ما لان مدره، وانبجس حجره، وطلع نجمه وأشرق زهره: ... كلا ولا نبت فهو سعدان> {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} (الأعراف: 58) شتان بين ربوة يفاع، وصفوانة بقاع، وأين من الغمر المعين، وشل ينضج بمثل رشح الجبين - في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، وأن تسمع بالمعيدي، وتخبر عن الإياسي، فشاكه أبا يسار، فبدون ما وصفتنيه ينفق الحمار، وتخطب غير ذات النجار؛ ما هي إلا حلى فضائلك خلعتها علي، وخمائل شمائلك أضفتها إلي، وإلا فود تجاوز القدر، فأعمى البصر: وعين الرضى عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا] والشفق والغسق، ولوامع الفلق، إنك لصاحب الراية ومحرز الغاية، زعيم حلبة البيان، وفارس ذورة الإحسان، [لتعط القوس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 836 باريها، وتمنح المنحة ذويها] ، وإن للمتعاطي ذلك المضمار، أن يبايع بيد الصغار، وينبذ بأزمة مقادير الأقدار: وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصار لا عطر بعد عروس، ويا لك من نضو فؤاد هجت به ادكارا، وحركت له حوارا، تجاسر بخمعه، واستن على ظلعه، فدسع بجرة عقير، فانفهق عن فرصة فقير: نزرا كما استكرهت عابر نفحة ... من فارة المسك التي لم تفتق على حين ذوى روض الأدب، فقاظ مصيف الطرب، [وألفت " قال مالك "، وتركت ما هنالك] ، فما عهدي الآن إلا زورة اللمم، وذكرة الحلم، أذوقه شميما، وأطعمه نسيما، وأغري المحافظ عليه، وأغبط أفئدة من الناس تهوي إليه: فكأني وما أزين منه ... قعدي يزين التحكيما لم يطق حمله السلاح إلى الحر ... ب فأوصى المطيق ألا يقيما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 837 وإن أنخت بعطنك من أفق غافق، ذا بضاعة أدب غير نافق، أصبحت منها كالمسك ينافح نفسه، أو الفذ يكلم حسه، معاشر معاشر لم تغذهم رقة الآداب، ولا أعربت ألسنتهم عوامل الإعراب: فهن يغلطن به إلغاطا ... مثل النبيط لاقت الأنباطا وإن نطق زهير، قالوا نهق العير: أرض الفلاحة أو أتاها جرول ... أعني الحطيئة لاغتدى حراثا تصدا بها الأفهام بعد صقالها ... وترد ذكران العقول إناثا أرض خلعت اللهو خلعي خاتمي ... فيها وطلقت السرور ثلاثا فخير أنيس المرء ذكر يشحذ الفكر، وروض كتاب يصقل الألباب: أعز مكان في الدنا سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب ولله ما حويت، ونعم ما اقتنيت، من حدائق أدب، في يفاع حسب، سنخ ضرب الأرض بعروقه، وبسق فاستوى على سوقه يونق البقاع، ويعجب الزراع، كرم [مدده فزكا ثمره، وطاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 838 خبره وخبره] ، أكرم نسب وأفضل نشب، ناهيك ما يروق جمالا، ويخف حمالا، لا تبتزكه اللصوص، ولا ترحل به دونك القلوص: [يزيد بكثرة الإنفاق منه ... وينقص إن به كفا شددتاٍ ولن تراع فلن تضاع، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وكفى بربك هاديا ونصيرا؛ وأبلغك سلاما، يكون بنحر عقدك نظاما، ويضرب على روض ودك غماما: فينبت حوذانا وعوفا منورا ... سأتبعه من خير ما قال قائل قال ابن بسام: والفقيه قاضي الجماعة أبو عبد الله بن حمدين هذا في وقتنا غرة الزمان الزاهرة، وآية الإحسان الباهرة، أحد من تقدم على أهل الفضل، تقدم الاسم على الفعل، واستولى على النبل، استيلاء الشمس على الظل، وله صدر يسع الدهر كله، ولسان يخلق السحر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 839 لو استحله، وهو وإن كان اليوم، بالحضرة العظمى قرطبة، يعسوب الإسلام، ومدار الأنام، وجماع النقض والإبرام، فلهذا الشأن الذي تصديت لإقامة أوده بهذا الديوان، من عنايته أوفر نصيب، ولأهله من استقلاله وكفايته حمى غير مقروب، وقد رفعت له على علمه نار، فضربت عليه في حرمه أرواق وأستار، وسارت على ألسنة الركبان من كلمه رسائل وأشعار، أجزل من ذكر أبان، وأحسن من الحديث عن جنان، وأوضح من عذر قريش في حب عثمان، ولم أظفر منها عند تحرير هذه النسخة من هذا الكتاب، إلا بهذا الجواب، وفيه متعة جد كافية، وعلامة من الفضل غير خافية، ويعلمك بجنى الشجرة الواحدة من ثمرتها، ويدلك على خزامى الأرض النفحة من رائحتها. @جملة من شعر ابن شماخ من ذلك ما أنشدنيه لنفسه من جملة أبيات اندرجت له في رسالة موشحة عارض بها بديع الزمان في طريقته، وضربها على قالب سبيكته، يقول فيها: أودت بنخوة أهل حمص بديعة ... ملأت قلوبهم علي حفائظا فتشت فيهم قارضاً يأتي بها ... فكأنما فتشت فيها القارظا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 840 وله فيها: بعثت بها يعنو لها كل ناثر ... ويعيا بما مضنتها كل قارض جعلت حياتي أجر من قال مثلها ... فمن شاء عمراً طائلاً فليقارض وأنشدني أيضاً لنفسه: فويح جفوني كيف تطلق لحظها ... وروؤية هذا الخلق تتركها رمدا نوائب غالتني فأبدت فضائلي ... فكانت وكنت النار والعنبر الوردا وهذا من قول أبي تمام: لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود ومنها يصف ناقة: تجد على أن الفيافي برينها ... فتعرفها عتقاً وتنكرها جهدا ومنها في المديح: فلولا علاه عشت دهري كله ... وكيس كلامي لا أحل له عقدا قال ابن بسام: واستعارته كيساً للكلام، من مضحكات الأنام، وقرأت في أخبار الصاحب ابن عباد قال: كنا نتعجب من قول أبي تمام: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 841 " لا تسقني ماء الملام "، ونستبشع استعارته له ماء حتى عذبت عندنا ب - " حلو البنين " في قول أبي الطيب: وقد ذقت حلواء البنين على الصبا ... فلا تحسبني قلت ما قلت عن جهل كيف لو سمع الصاحب استعارات أهل وقتنا، كقول المهدوي بن الطلاء: بقراط حسنك لا يرثي على عللي ... وقوله: أفاقت بك الأقطار من برص البلوى ... [وقول ابن الطراوة: أبا حسن فت الملوك مهابةً ... فكلهم فأس المهابة عالك] وقول حسان بن المصيصي: إذا كانت جفانك من لجين ... فلا شك الغنى فيها ثريد وقد قدح أهل النقد في المتنبي بخروجه في الاستعارة إلى حيز البعد بقوله: مسرة في قلوب الطيب مفرقها ... وحسرة في قلوب البيض واليلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 842 وفي قوله: ألا يشب فلقد شابت له كبد ... شيباً إذا خضبته سلوة نصلا وفي قوله: لم يحك نائلك السحاب وإنما ... حمت به فصبيبها الرحضاء فجعل كما تسمع للطيب واليلب والبيض قلوباً، وللكبد شيباً وللسحاب حمى، [كما جعل أبو تمام الدهر يصرع في قوله: خطوب كأن الدهر منهن يصرع ... وجعله بشار يموق بقوله: وما أنا إلا كالزمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق الزمان أموق وكذلك] أخذ على المتنبي في قوله: لويته دملجاً على عضد ... لدولة ركنها له والد لما كان الممدوح عضد الدولة أراد أن يصوغ له دملجاً فأخطأ الصوغ، لا سيما في بيت ختم به القصيدة، وهو آخر ما يقع في السمع؛ وأعجب من الصحاب ابن عباد حين لم يجد من استعارات أبي تمام شيئاً ينعاه إلا قوله " ماء الملام " وليس هذا بأعجب من قوله: " هو كوكب الإسلام أية ظلمة ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 843 ولأبي حفص ابن برد من أهل أفقنا شيء مضحك على رشاقته وهو قوله: يا شاعر الحسن بي ترفق ... لا تقتلني كذا بديها وإن كان أبو بكر بن عمر اتبعه، فلقد صفعه، أو اقتفى أثره، فلقد طوى خبره، بقوله. روى ليضرب وابتدهت لطعنة ... إن الطعنا بدائه الفرسان ومن شعر ابن شماخ ما أنشدنيه من قصيدة: بلى قد حلبت الدهر في كل وجهة ... فلم يبق خلف يستدر ولا شطر [فأصديت حتى ضنت السحب بالحيا ... ورويت حتى انهل بالسبل الصخر] وكان على الإنسان إنفاد جهده ... فإن يكد بعد الجهد كان له عذر على العضب أن يفري إذا جرد الصلا ... وليس عليه التاث أو ساعد النصر وقدر لي استيطان لك وقلما ... يكون لمن كانت له وطناً قدر مؤهلة من أهلها غير أنها ... من الكرم الموجود في غيرها قفر فإن كسدت أعلاق علمي لديهم ... فلا غرو أن يكسد لدى النعم الشذر جزم بحرف النصب وأراه وهم فيه. على أن أبا الحسن اللحياني حكى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 844 في نوادره أن بني صباح من بني ضبة يجزمون بعوامل النصبن وأنشد لشاعرهم: وأغضي على أشياء منك لترضني ... وأدعى إلى ما سركم فأجيب وليس العمل به، ولا لمحدث أن يتعلق بسببه. وفي هذه القصيدة يقول: فيا لك إن لم تقض لي عنك رحلة ... فلا يقض إن يمتد فيك لي العمر قال ابن بسام: فكأنه والله أجيبت دعوته في هذا البيت، لأنه مات فيما أرى وقد نيف على الثلاثين. وقرأت في أخبار المتنبي في القصيدة التي ودع فيها عضد الدولة فجرت فيها ألفاظ على لسانه كأنه ينعى فيها نفسه ولم يقصد ذلك، منها: ولو أني أستطعت خفضت طرفي ... فلم أبصر به حتى أراكا ثم قال: إذا التوديع أعرض قال قلبي ... عليك الصمت لا صاحبت فاكا وقال في آخرها: وأياص شئت يا طرقي فكوني ... أذاة أو نجاة أو هلاكا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 845 فجعل قافية البيت " هلاكا " فهلك، وذلك أنه ارتحل عن شيراز حضرة عضد الدولة بعد أن وصل إليه من صلاته أكثر من مائتي ألف درهم، فخرج عليه في طريقه قوم من بني ضبة الذين كان هجاهم، فحاربهم فأجلت الوقعة عن قتله وقتل ابنه محسد ونفر من غلمانه، وفاز الأعرابي بماله، وذلك سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. وأول من جرت على لسانه ألفاظ يتطير منها المؤمل بن أميل في قوله: شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر فعمى. ومن شعر ابن شماخ من جملة قصيدة وصف فيها ارتحاله عن وطنه، ومثواه باشبيلية على غير رضى، أولها: يا ليت شعري هل دامت لهم حال ... عهدتها في حفاظ العهد أم حالوا - يقول فيها: فإن تكن سائلا عمن تركت فقد ... شاب الشباب وقد شب الاطيفال صبرت والبعد أحوال وذاعجب ... ولم أكن صابراً والبعد أميال أرجو الإياب لفأل فيه أسمعه ... والدهر يفعل ما لا يخبر الفال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 846 وفيها يقول: فهل لهم سائل عني فيخبرهم ... كما أنا عنهم مذ غبت سآل - إن كان يسأل عن ثوبي فلا درن ... أو كان يسأل عن حال فلا حال أضاع مجدي مال ضيعته يدي ... ما ضيع المجد إن لم يرعه مال وبز حالي ترحالي إلى بلد ... مذ جئته لم يكن لي عنه ترحال أقمت حولين فيه خاملاً خرساً ... كأنني وأنا السلسال صلصال بل لم أزل معرباً عما لدي فلم ... أجد به معرباً ينبيه تصهال أطال شغلي فراغي مذ حللت به ... إن الفراغ من الأشغال أشغال إن أبق في حمص تبق النار في حجر ... وإن أسر سار في الآفاق سلسال [وعر من العيش ما لي أرتقيه وفي ... بني أبي لنا بالمصر آمال] ! ضاءت بسؤددهم أرجاء قرطبة ... وعاد إدبار ذاك العصر إقبال @فصل في ذكر الفقيه أبي عمر أحمد بن عيسى الإلبيري من أفراد الزهاد - كان - في ذلك الأوان، ومع ما كان أدير عليه يومئذ من الأمور، وجعل إليه من التقديم والتأخير، فإني وجدته خالص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 847 الأدب، [محصد السبب] ، ذهب بفصوصه وعيونه، وتلاعب بمنثوره وموزونه، وتصرف بين مذاله ومصونه؛ إلا أن أكثر ما ألفيت له من المقطوعات والأبيات، في الزهد والعظات، وقد كتبت منها ما هو من شرط هذا المجموع. أخبرني من لا أرد خبره عن الفقيه أبي المطرف الشعبي عن شيخه هذا الفقيه أبي عمر بن عيسى، قال: خاطبت الوزير أبا العباس بن العريف في أرض تعدى علي فيها برقعة منها: أما بعد، وفقك الله لما يرضيه منك عملاً، ويرضيك منه جزاءً؛ فإن للدنيا حرثاً والناس زارعون، وكل في معاده، يأكل من حصاده، وذو الجاه يسأل في الآخرة عن جاهه، كما يسأل ذو المال عن ماله. وقد أحوجت الأيام إلى جاهك، وأغنت القناعة عن مالك، فاتخذ عندي اليوم يداً، تجدها عند الله مضاعفة غداً، فالحظ حاجتي بعين يقظتك، ولا تلحظها بعين سنتك، فان لله لوحاً ضمنه المقادير كلها، يلحظه في كل يوم وليلة ثلاثمائة وستين لحظة، يحي بكل لحظة ويميت، ويعز ويذل، ويرفع ويضع، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد؛ واعلم أنك تلحظ بمثل ما به تلحظ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 848 وله من أخرى: خاطب بها بعض إخوانه سنة ست عشرة وأربعمائة: سمت بك سماء العلم إلى سموه، ودنت بك أرض السكينة إلى دنوه، ودار بك فلك المعرفة في ملكوته، وغابت بك نجوم الحكمة في جبروته، وهيأتك يد القدرة هيئة روحانية، وأحياك روح القدس حياةً إلهية، وألبستك الشريعة لباس التقوى، وراشتك الطبيعة بريش النهى، حتى تطير مع الروحانيين، في مجال الصديقين، إلى منازل المقربين، فتذوق برد عيش النعيم، وتلذ بالنظر إلى وجه القيوم، وتشتاق إلى لقاء الرب الرحيم. هيهات! كيف ينعم من لا يعلم أين النعيم، من ملك القديم -! إن لله يا أخي عباداً أقام أرواحهم بقيوميته على صراط مستقيم، فمشت بأقدام الصدق إلى الحق، فدنت منه، فنظرت إليه على جلاله، في اتساع كماله، فضعفت لكبر سلطانه؛ ثم أفاقت بالإسلام، ونطقت بالإيمان، وأبصرت بالإحسان، واتصلت بالقرآن، فأمرها فقامت بالخدمة، وعلمها ففازت بالحكمة، فانقطعت إليه بالكلية، ودانت له بالحنيفية، فآواها إلى كنفه، ونعمها بطرائف تحفه؛ فملكها أبداً لا يبيد، وعلمها به يزيد؛ حتى أطلع لها السر، وأكمل لها البر، فحييت بقربه، وشربت بكأس حبه، فرفضت الأسباب، وخرقت الحجاب؛ وبيض وجوهها البرهان، وأثلجها البيان، {وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة} (القيامة: 22) فرحمانهم علامهم، وجبارهم رزاقهم، خلاؤهم ملاء، وملاؤهم خلاء، وسماؤهم أرض، وأرضهم سماء، روحانيون جسمانيون إنسيون ملكيون، أولئك الأصفياء الاتقياء، الأولياء النجباء، أتاهم العون، فساعدهم الكون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 849 @ومن شعره أنشد له الفقيه أبو المطرف الشعبي: يا خالقاً الزمان بقدرة ... في غير حين من أحايين الزمان يا محدثاً للكل كنت ولم تزل ... وكذاك ربي لا يزال بلا مكان أنت الذي جلت صفات جلاله ... وعلت جلالته من إدراك العيان وأنشد له: ملك تعالى فوق غايات العلا ... يقضي القضاء على نهايات الثرى من فوق فوق الفوق ينفذ حكمه ... في تحت تحت التحت تحت الإنتها قرباً وبعداً وهو أبعد من نأى ... من كل شيء وهو أقرب من دنا جلت صفات جلاله فجلاله ... قد جل عن تحديد كيف ومن وما وأنشد له أيضاً: شربت بكأس الحب من جوهر الحب ... رحيقاً بكف العقل في روضة الحب وخامر ماء الروح فاهتزت القوى ... قوى النفس شوقاً وارتياحاً إلى الرب ونادى حثيثاً بالأنين حنينها: ... إلهي إلهي من لعبدك بالقرب - فخاطبه وحياً إليه مليكه: ... سأكشف يا عبدي لعينك عن حجبي فأعلن بالتسبيح: مثلك لم أجد ... تعاليت عن كفؤ يكافيك أو صحب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 850 أحول ببعضي فوق بعضي كأنني ... ببعضي لبعض كالنجائب والركب فخذ بزمام الشوق مني تعطفاً ... إليك ولا تسلم زمامي إلى لبي لعلي أسقى ثم أسقاه دائماً ... رحيقاً بكف العقل من جوهر الحب ويجانس هذا رقعة مرت بي في بعض التعاليق لرجل ناسك من أهل سرقسطة كتب بها مداعباً لصديق، كتب إليه: ليت شعري يا أخي ما الشراب الذي تشربه [وتستعمله] ، فتحمر عنه وجناتك، وتنشط إلى سعيك حركاتك؛ بياضك أبداً مشرب بحمرة، كأنك مدمن خمرة، وأنت في كل حال طروب لعوب، غير عبوس ولا قطوب، لا يظهر عليك هم، ولا يخامرك غم؛ فلو وصفت لي صفة غدائك وشرابك، رجوت التأهب بإهابك، والتخلق بأخلاقك وآدابك. فأجابه الزاهد: خذ كمأة الليل في جام من السهر ... واسكب عليه دموع العين بالسحر وامزجه بالحوف مزجاً ناعماً أبداً ... وقم على قدم الإيراد والصدر واجعل من الشوق مخواصاً لساكبه ... ليستوي لك منه الصفو بالكدر واشربه مصطبراً بالله وأرض بما ... يجري عليك من الأحكام في القدر واغسل بباقيه وجهاً لا حياء به ... ألقت عليه المعاصي حمأة الغير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 851 لعل قلب أن تصبو معاطنه ... لتستمد مجاري السمع والبصر فيهتدي كل عضو نحو غايته ... فبين مزدجر عنه ومعتبر إن الوجوه قلوب إن نظرت إلى ... حقائق الحال أو حددت في النظر إذا امتلأت القلوب من ضروب دواعيها، أظهرت الوجوه بطلان دعاويها، ونم على الأوعية ما جعل فيها، ولذلك قال من قال: الحمد لله الذي ألبس أولياءه حللاً من ضمائرهم، وأنار وجوههم بنور إخلاص سرائرهم، وكللهم بالمهابة في العيون، وطهر قلوبهم من اختلاج سوء الظنون، فنفوسهم مستريحة رائحة، ومحاسنهم لأهل العقول لائحة، وثناؤهم عطر الانتسام، فهم بين الأنام كالأعلام، بهم يستمطر الغمام إذا حجب، وفي جملتهم يحشر السعيد إذا نجب، فمن جاراهم نكب، ومن حاربهم غلب، ومن أقلع إليهم بخلاف ريحهم عطب. ومنها: يا بؤس مقام الظالمين، وندامة العاصين، إذا رأوا العذاب، وتقطعت بهم الأسباب، ويقولون هل إلى مرد من سبيل، ولات حين سبيل {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} (سبأ: 52) ، {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} (الأنعام: 28) ، كيف يتعلق المنقطع بحبل الاتصال، أو يجد قلبه برد ماء الوصال، وقد خالف أمر الكبير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 852 المتعال - ألا ومن خالف خولف به، ومن عدل عن سلوك سبيل الرشاد نكص على عقبه، ومن أبصر واجتهد أدرك غاية مطلوبه، واتصل بمحبوبه، ووصل إلى رياض مرغوبه، وصل والله إلى مقام أمين، في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين: كم بين من عبر الصراط خفيفا ... وأتى الإله من الذنوب نحيفا وطوى المراحل بالطوى عن كل ما ... كره الإله وجانب التعنيفا حتى أناخ ببابه وقبابه ... ضيقاً عزيزاص عنده معروفاً فأتى القرى بحبائه وجزائه ... حتى ينال من النعيم صنوفا @فصل في ذكر الأديب العالم الناثر الناظم أبي محمد غانم، والأخذ @بطرف مستظرف من خبره وحميد أثره قال ابن بسام: وكان أبو محمد غانم بن وليد، ونسبه في بني مخزوم، قد بذ وقته أهل ذلك الإقليم، في أنواع التعاليم؛ فرد عصره ونسيج وحده، في تناهي جده؛ متفنناً جرى في ميدان السبق، وفقيهاً قرطس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 853 أغراض الحق؛ وكان في هذا الباب الذي ولجنا فيه من أهل الروية والبديه؛ حدث عنه الفقيه أبو عبد الله بن عميثل وكان من خاصته الملازمين له، والآخذين عنه، أن أبا محمد أنشد هذين البيتين: وإذا الديار تنكرت عن حالها ... فذر الديار وأسرع التحويلا ليس المقام عليك حتماً واجباً ... في بلدة تدع العزيز ذليلا وسئل الزيادة عليهما فقال: لا يرتضي حر بمنزل ذلة ... إن لم يجد في الخافقين مقيلا فارض العلاء لحر نفسك لا تكن ... ترضى المذلة ما حييت سبيلا واخصص بودك من خبرت وفاءه ... لا تتخذ إلا الوفي خليلا فلقد خبرت الناس منذ عرفتهم ... فوجدت جنس الأوفياء قليلا سقياً لأيام الشباب فإنها ... كالإلف حاول أن يجد رحيلا @جملة من نثره من ذلك خاطب بها بعض إخوانه بغرناطة، قال فيها: يا سيدي سمواً، وسندي علواً، كل جواد من بني جودي سابق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 854 وكل سيد من بني سوادة سامق، ولولا أن أجاهر بسر الإطراء، وأناظر في باب الإغراء، لقلت إنك حابس لوائهم، وفارس وفائهم، وحارس ثنائهم؛ ورحم الله من كان لك سمياً، فلقد كان سرياً، وفي الفضلاء سنياً، وأرجز أن يكون عند ربه مرضياً. وردني - أعزك الله - كتاب ألذ من مراشف الأحباب، وخطاب أرق من معاني أبي الخطاب، عمر بن أبي ربيعة، فله على علمك معان بديعة، جلوت منها زهر المعاني في رياض الشعر، وعروس الأماني في نثار النثر، وتبسك لي عصر الربيع قبل أوانه، فتقسم ناظري بين شقائقه وحوذانه، وورده وسوسانه، إلى لطائف من أبكار درر، وأنواع غرر، بعضها من بنات الفكر، وبعضها من بنات الذكر، وغير نكير أن يصير روض النهى، في حلي روض الربى، ودر الأفكار كدر التجار. ولما رتع ناظري في تلك المراتع، وربع خاطري في تلك المرابع، هزتني راح الأريحية، وازدهتني خفة الأمنية، فلو كنت ممن يشرب الراح، لطرت بلا جناح؛ تذكرت بخطابك ونظامك تلك الشمائل، بمالقة، وروح تلك البكر والأصائل، وإن لم يكن إلا في ليال قلائل. وفي فصل منها: ومما أغفلته بقلة اليقظة، وسألت الله ألأ تكتبه علي الحفظة، تهنئتك بالفارس المولود، والفرع المودود، والنجم السعيد، الذي تطلع في أفق سمائك، وتلفع بلفاع ضيائك، مليته ولداً براً، ووفياً حراً. تقسمت خطرات القلب ريحان ... هذي ارتياحي وفي هاتيك ريحاني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 855 إني على السن والدنيا مولية ... لذو فؤاد إلى الإخوان حنان أرتاح نحو نسيم ساق عرفهم ... كأنما يعتلي بالجسم روحاني أمن لبيرة تسري الريح حاملة ... روح النسيم فأحياني وحياني - مقر ملك الرئيس المستجار به ... باديس فاز بتمكين وإمكان يا لائح البرق من أعلامها غسقاً ... جد بالتحية من حيا فأحياني طود من العلم والآداب راسية ... أصوله وذراه فوق كيوان حر الفضائل معسول شمائله ... يخص من زنة العليا برجحان أحيا أبو الحسن المشهور منصبه ... محاسن الدهر من حسن وإحسان قد كان عتبي موصلاً على زمني ... حتى طلعت به بدراً فأرضاني وله من أخرى خاطب بها أبا الحسن الحصري: ما أفصح لسانك، وأفسح ميدانك، وأوضح بيانك، وأرجح ميزانك، وأنور صباحك، وأزهر مصباحك، أيها السابق المتمهل في ميدان النبل، والسامق المتطول بفضائل الذكاء والفضل، أرحتني من غل الهم، فازدهتني أريحية، وأزحتني عن ظل الغن، فلاحت لي شمس الأمنية، بما أطلعته علي، وأنفذته مكارمك إلي. فقلت: أعصر الشباب رجع، أم كوكب السعد طلع، أم بارق الإقبال لمع - كلا والله، إنها لمكرمة فهرية، أهدتها نفس سنية، وهمة علية. إن قلت الوشي الصنعاني فقد نقصتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 856 أو الديباج الخسرواني فقد بخستها. بلى والله. أرتني زهر الربيع في غير أوانه. وحسن الصنيع على عدمه في أهل زمانه، لمحت منه عقد اللآل، يبقي على أخرى الليال. فأنت واحد البلاغة الذي لا يجارى، وفارس الفصاحة الذي لا يبارى. وقد اعتقدت ما به أشرت. وإياه اعتمدت، لو لاح لي في أفق النقلة صباح. أو استقل بي في طرق الرحلة جناح. وكم حاولت مسالمة النوائب بانقباضي. ومداراة الدنيا بتركي لأغراضها وإعراضي. فإذا الانقباض قد حصلني في جملة القبض. والترك للأغراض قد جعلني للنوب كالغرض. ولا سلاح إلا الدعاء إلى الله تعالى في الصلاح، ولا جناح إلا التمني لمن يقول ما عليك جناح. فسبحان من قدر أن أكون لناب النوب حربا. وتكون علي أيام الزمان إلبا. أصلى بنار المصائب السود. كأني مما أنا باك منه محسود. أستغفر الله! فقد حمي صدري حتى غلى مرجله. وضاق مجال فكري حتى اتسع في الشكوى مقوله. ولو أني سلمت لمواقع. وعلمت أنه ليس على القدر اختيار. ورضيت بما يأتي به الليل والنهار. وتيقنت أن خلق الزمان عداوة الأحرار. لأرحت قلبا ينقلب في جمر الأسى. وأذكرت لبا قد نسي الاقتداء بالأسى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 857 @ومن شعره أنشد له الفقيه [الزاهد] المذكور في الزهد: صرف بقايا العمر في طاعة ... ولا يغرنك كيد الغرور وارحل إلى الأخرى بزاد التقى ... فإنما الدنيا متاع الغرور قال: وخرجنا معه إلى ربوة تعرف بالعقاب مشرفة على وادي مالقة، فقال بديهة: ضحك الزمان بحسنه وبهائه ... كالصب يضحك بعد طول بكائه وكأن إقبال الربيع بوصله ... وصل الحبيب أتاك بعد جفائه وكأنما وادي العقاب عشية ... مستمطر دمعي بجرية مائه وكأن رشح الطل في روض الربى ... رشح الخدود بدا بنار حيائه قال: وهبطنا إلى الوادي فلم نجد ماءا. فحفرنا في الرمل حتى خرج الماء من قاعه، فقال: أيها الحسي الذي جا ... د بماء دون منع إن تخف غيضا من ال ... قيظ فهذا فيض دمعي قال: وطبخنا له مرة شراب تفاح فوجد فيه رائحة ثوم، فقال: دهيت يا قوم بأعجوبة ... لم تك في الزنج ولا الروم شراب تفاح تخيرته ... فعاد مطبوخا من الثوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 858 وأنشد له: يا غريبا بحسنه ... قصتي فيك أغرب أنت في طي ناظري ... والمنى منك تحجب لا تلم في مداده ... بدم القلب يكتب إن إدريس ماجد ... للعلا فيه مذهب جده خاتم الهدى ... وعلي له أب فهو للمجد مطلع ... وهو للمجد مغرب وقال له عتيق المغني [المهدوي] وهو بالقصر: إني أحفظ بيتا فلعلك تذيله، وأدخله في طريقته، والبيت: يا نائب الوجه عن شمس الضحى غسقا ... والبدر لو كلفوه ذاك لم ينب فقال بديهة: في غرة الملك العالي ومنظره ... بدر يعطل نور السبعة الشهب نرى محياه في ليل فيخبرنا ... عن الحقيقة أن الشمس لم تغب ودخل مجلس باديس فوسع له على ضيق كان فيه، فقال: صير فؤادك للمحبوب منزلة ... سم الخياط مجال للحبيبين ولا تسامح بغيضا في معاشرة ... فقلما تسع الدنيا بغيضين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 859 قال ابن بسام: وهذا من قول الخليل بن أحمد، وقد دخل عليه بعض أوانه وهو على نمرقة صغيرة، فرحب به وأجلسه معه في مكانه، فقال: إنها لاتحملنا، فقال له الخليل: ما تضايق سم الخياط لمحبين، ولا اتسعت الدنيا بمتباغضين. وسمع هذا أيضا ابن عبد ربه فقال هذين البيتين: صل من هويت وإن أبدى معاتبة ... فأطيب العيش وصل بين خلين واقطع حبائل خلٍ لا تلائمه ... فربما ضاقت الدنيا بإثنين - @ومن مدائحه له من قصيد في العالي بالله إدريس بن يحيى بن بن علي بن حمود أولها: لولا التحرج لم يحجب محياك ... حييت عنا وحيينا بمحياك هذا اللثام غمام ما يبين هدى ... حطي اللثام ليس البدر إلاك لما هديت إلى نعمان سافرة ... كانت هدايتنا من بعض نعماك أيا غزالتنا شمس الضحى طلعت ... على اتفاق فسيماها كسيماك بدوت في حلة زرقاء وهي هكذا ... فقال قاضي الهوى: هذي ولا ذاك أظمأتني منك يا ظمياء جائرة ... ما كان ضرك لو أحضى بسقياك إني أراك بقتل النفس حاذقة ... قولي بفضلك من بالقتل أوصاك مالي وللبرق أستسقيه من ظمأ ... هيهات لا ري لي إلا ثناياك إن كان واديك ممنوعا فموعدنا ... وادي الكرى ثم تلقاني وألقاك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 860 رق الدجى فتلاقينا على جزع ... وأين مثواي من أقطار مثواك دمعي ببغداد ممدود بدجلتها ... وأنت من روض نجد نشر رياك ريح الصبا بلغي أنفاس ذي ظمأ ... وبرديها بما يقضيه مجراك أو يممي حضرة العالي بما احتملت ... مني الضلوع فثم البرء للشاكي وله نثر فيه طويل إذ ولي الخلافة، قال فيه بعد الصدر: ولم يترك المتطول علينا عز وجهه بالهدى أمة محمد عليه السلام سدى؛ بل نضم شملها بإمام عادل تجتمع إليه، وتعول عليه، تتوارثه كابرا عن كابر، وتتلقاه غابرا عن غابر؛ إلى أن أذن الله للإمام الهاشمي، والملك الفاطمي، والفرع العلوي، إدريس العالي بالله بن يحيى المعتلي بالله ابن علي الناصر لدين الله بن حمود بن أبي العيش بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب؛ فقام العالي بالله بخلافة المغربين، واضطلع بملك العدوتين؛ ولما آن أوان إمامته، حان من عدوه حين قيامته. وكان مقتل العبد الغادر - وكافر النعمة كالكافر - في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين، وفي عشرين ليلة خلت من كانون. فانجلت سموم الشتاء بانجلائه، وانقضت أيام الشؤم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 861 بانقضائه، وكان عقب الشهر في استقبال شهر رجب الشهر الأصم، سمي بذلك لأن العرب أسقطت فيه قعقعة السلاح؛ وكأن المثل إنما جرى في مضمار، على مفرق الليل والنهار، وأرى الناس مخايل السعد والإيناس، وهو قولهم: عش رجبا تر عجبا؛ وكان هذا العجب آخر يوم من الليالي، وقامت فيه دولة هذا الملك العالي، والشمس تأخذ من قعر الفلك في الصعود، وتؤذن بجري الماء في العود؛ وتترقى بالعالم في درج السعود: واستقبل الملك إمام الهدى ... في أربع بعد ثلاثينا خلافة العالي سمت نحوه ... وهو ابن خمس بعد عشرينا إني لأرجو يا إمام الهدى ... أن تملك الملك ثمانينا لا رحم الله امرءاً لم يقل ... عند دعائي لك آمينا فسفرت الدنيا قناعها فتية، وبلغت النفوس بخلافته الأمنية، وانثالت عليه بيعات الأمصار، وأمت حضرته الرسل من جميع الأقطار، وبدأ بالفضل، وصدع بالعدل، فأحيا مآثر آبائه الطاهرين، وفي وصف دولته يقول من اتسم بسيماء نعمته، ومحبة دعوته: ضحك الزمان إليك بعد عبوس ... ونفى دجى الإيحاش بالتأنيس فأدر نجوم الراح في فلك المنى ... وتطوف نحوك من أكف شموس في روضة تحيي النفوس كأنما ... باتت تنفس عن علا إدريس ملك أقام الله دولة ملكه ... فكبا من الأعداء كل رئيس من دوحة الوحي التي بسموها ... درست معاني الكفر أي دروس الجزء: 2 ¦ الصفحة: 862 قال: ودخلت يوما على العالي، ووصلت إلى مجلسه العالي، وأنا على بعد منه، وانتزاح عنه، ألحظه بمقلة حائم، وأناجيه بقلب هائم؛ فأنشدته بيتي إسحاق الموصلي في المأمون: يا سرحة الماء قد سدت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود لحائم حام لا ورود له ... محلأ عن طريق الماء مردود فقرب وأدنى، وسأل عن حالي فأحفى؛ فتغنى بعد هدء محمد بن الحمامي المغني بشعر لعبد الله بن المعتز: هل يزيل البين محتال ... أن غدت للبين أجمال فأمر العالي بتذييله فقلت: إنما العالي إمام هدى ... حليت في عصره الحال ملك إقبال دولته ... لذوي الإفهام إقبال قل لمن أكدت مطالبه ... راحتاه الجاه والمال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 863 ولم أكد استتم إنشاد هذه الأبيات، حتى أنعم علي بالصلات. ولما انفصلت وقد تسربلت أثواب نعمته. قصدت إلى وزيره وثقته أبي عمر بن هاشم فأعلمته، وأثنيت وشكرت، ولو استطعت جعلت الريح لسانا، والزمان ترجمانا. قال: وحضرت مجلسه أيضا فتغنى الحمامي بشعر محدث أوله: إذا بلغتني يا نا ... قتي المسمي إدريسا فكأن العالي بالله استحسن الحلة ولم يرض قوله " المسمي "؛ وإنما هو المسمى أو المسمى من سميت أو أسميت، ولا يقال من التسمية سموت ولا سميت، ولو قال " المسمى بإدريسا " لصالح الوزن والكلام؛ فأطرق قليلا - أيده الله - ثم قال للمغني أعد الصوت، قل: إذا ضاقت بك الدنيا ... فعرج نحو إدريسا إذا لاقيته تلقى ... رئيسا غير مرؤوسا ومن عزماته تنفي ... عن الأوطان إبليسا إمام ماجد ملك ... يزيل الغم والبؤسا فتبادر من بالحضرة إلى حفظها؛ ثم قال لي: أيجوز من طريق النحو " رئيسا غير مرؤوس " - فقلت: للنحويين في هذا مذهبان، وهما في جوازه وامتناعه فرقتان، فأهل البصرة أنكروه، والأخفش والكوفيون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 864 جوازه وامتناعه فرقتان، فأهل البصرة أنكروه، والأخفش والكوفيون أجازوه، وأنشد من أجاز ترك صرف المصروف قول عباس بن مرداس: فما كان قسيس ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع وأنشدوا: وقائلة ما بال دوسر بعدنا ... صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند ومثله: وممن ولدوا عا ... مر ذو الطول وذو العرض فلم يصرفوا مرداسا ولا دوسرا ولا عامرا وهي منصرفة. وللبصريين في هذه الأبيات تبديل، ومذاهب وتأويل؛ رووا مكان دوسر " ما للقريعي بعدنا " وتأولوا في عامر القبيلة. والذي يعول عليه أن منع الصرف دن علة ضرورة عند سيبويه، وإن كان في اختلافهم مجال، لمن تصرف في سبيل المقال. ثم أمر بعد أن يبدل مكان " غير " في البيت " ليس مرؤساً "، وقال: السلامة من الاختلاف، أولى في طريق الإنصاف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 865 @ومن مراثيه أنشد له الفقيه ابن عميثل المذكور يرثي أخويه من جملة قصيدة: يا دمع لا تخذل وكن مسعداً ... لا تخش من صبري أن يمنعك أخ غريق وأخ في الثرى ... وترتجي السلوة ما أطمعك! إن جمود العين خوف العدا ... ورقبة الحساد لن ينفعك إن جمود العين خوف العدا ... ورقبة الحساد لن ينفعك يا عمراً أعمرت قلبي أسى ... ودع صبري مثلما ودعك رزئت في الدنيا يدي نصرتي ... يا دهر تباً لك ما أفجعك وله فيهما: ما طمعي في العيش من بعدما ... كدره موت شقيقيا كفان صافحت المنى عنهما ... فكفت الأيام كفيا هذا فقير طاح في قفرة ... ودا غريق ما أرى حيا وله من قصيدة يرثي الفقيه القاضي أبا علي بن حسون أولها: الموت أعرب في أصح مساق ... أن المنية شمرت عن ساق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 866 [الموت يخبر عن مرارة كأسه ... والكأس ملأى لم يدرها ساق] هلا تواصينا بصورة حالنا ... والنفس ترقى في لهى وتراق - يا آمل الدنيا لباقي عمره ... أقصر فما أمل عليها بطلاق معشوقة الحركات إلا أنها ... أفعى تدب لأعشق العشاق كم أودت الدنيا بغض شبيبة ... كالغصن ماس بناضر الأوراق وموقر لبس المشيب جلالة ... بحر لباغي العلم عذب مذاق طرقته أحداث المنون فأطرقت ... منه الفضائل أيما إطراق لو كان يبقي الموت حبراً عالماً ... لوقى الحمام أبا علي واق ما أنصفت عقباك يا طلق الردى ... أرديت عالمنا على الإطلاق ولى حسين والمحامد بعده ... كيلا تقاسي جاحم الأشواق أسفي لرية كنت عقد جمالها ... فابتز ذاك العقد دون وفاق تزدان منك بحسن ما قد طوقت ... زين الحمام الورق بالأطواق علم أعين بفضل حلم راجح ... أخذ الأمان له من الإخلاق وصباحة وسماحة قسمت له ... رزقاً تبارك قاسم الأرزاق ومن الغريب غروب شمس في الثرى ... وضياؤها باق على الآفاق أبقيت في الدنيا مآثر ثرة ... تبلى حلى الأيام وهي بواق قد كان مجلسك المبارك موسماً ... فأقام أوحش من غداة فراق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 867 غيبت عنه مغيب بدر كامل ... والليل أدهم ضارب برواق ومن العجائب والكسوف مرتب ... قمر توارى في زمان محاق من ذا أعزي من هذا الورى ... لم يلقني إلا بحزنك لاق والناس محزونون فيك كأنما ... كان اتفاقهم على إصفاق وله في بلقين بن باديس، من قصيدة أولها: هو العمر يطوى والأماني رواحل ... هو العيش يفنى والليالي مراحل إذا كانت الآمال تدعى قواتلا ... على الحكم فالآجل منا مقاتل نغالب أجناد الردى الدهر بالمنى ... كما غالب الحق المصرح باطل وأحوالنا بين الحياة وصدها ... تصرف والأقدار فيها العوامل على ذا تقضى عالم بعد عالم ... ولم تختلف فيه القرون الأوائل ومنها: مضى ملك العليا ولم يظلم الضحى ... ولا انتقلت عن حالهن المنازل ولا انهدت الشم الرواسي ولا انثنت ... أعالي ديار الأرض وهي أسافل فقل لعتاق الخيل تندب يومه ... فقد فجعت فيه القنا والقنابل وليس صهيل الخيل ما تسمعونه ... ولكن عويل رجعته الصواهل [ولا تعجبوا من واكف القطر إنه ... دموع هراقتها السحاب الهواطل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 868 فقل للسان المجد أخرست مفحماً ... لفقد بلقين، فما أنت قائل - فيا طالباً للجود لا تتعب المنى ... فقد نصبت في الأرض تلك الأنامل كأن جميل الصبر راء ومن غدا ... يحاول وصلاً من تأتيه واصل ومنها: وقد كنت أغدو نحو قصرك مادحاً ... فها أنا أشدو وحول قبرك ثاكل وقد كنت في مدحيك سحبان وائل ... فها أنا من فرط التأسف باقل وفيها يقول: أفق أيها المولى الرئيس فإنما ... بقاؤك عمر للندى متطاول وإن كان سيف الدولة انجاب ظله ... فأنت لهذا المد كاف وكافل وإن كان شمساً قد تولى ضياؤها ... فيوشع في تمكين نورك حاصل وإن كان بدراً أنت عنصر نوره ... فأين من الشمس البدور الأوافل - إذا ثبت الماء المعين بحاله ... فليس نكيراً أن تفيض الجداول وفي الخيس أشبال ترشح للعدا ... وآراؤك الحسنى مواض فواصل وأنشد له من أشعاره في صباه: هون عليك فقد مضى من يعقل ... والبس من الأخلاق ما هو أفضل فلقلما تأتي عليك مسرة ... إلا تتابع بعدها ما يثكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 869 وإذا خبرت الناس لم تلف امرءاً ... ذا حالة ترضيك لا يتحول ما بالهم - بكبت بهم آمالهم - ... كل يعيب ولا يرى ما يفعل فمساتر ضعفت قوى آرائه ... ومجاهر يرمي ولا يتأمل ومقلد متعاقل متأدب ... وإذا اختبرت فباقل هو أعقل ومن الغرائب من يقارع في النهى ... أهل البصائر وهو فيهم أعزل ومنها: حاولت أن ألقى الزمان بطبعه ... لولا الوفاء وشيمة لا تنقل في الأرض متسع لنفس حرة ... إن تنب منزلة دعاها منزل وأنشد له: بعينك هل لي منهما متخلص ... فإن كنت تدريه فكيف يكون - وإن زماناً ضن عني بوصلكم ... على طول ما قاسيته لضنين وأنشد له: أمط عنك لومي فالطباع ضروب ... ومن سالم الأيام فهو لبيب إذا ما تجنى المرء من غير علة ... فليس لداء الود منه طبيب وإن كان ما قد حال منه لعلة ... فكل مداو بالعتاب مصيب يقولون لي غمض على غدر من مضى ... ولا تعتبن إن الوفاء غريب فقلت لهم إني غريب كمثله ... وكل غريب للغريب نسيب @فصل في ذكر الأديب أبي عبد الله بن السراج المالقي محسن في أهل عصره معدود، وشاعر بني حمود، وله فيهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 870 غير ما قصيد، ومقطوعات في النسيب وجدتها بخط الأديب أبي علي الحسن ابن الغليظ من أفق مالقة أيضاً، صاحبه الكثير الاتصال به والمنادمة له، وقد اخترت منها ما يليق بشرط هذا المجموع. قال أبو علي: أردت يوماً الأنس به، فعلمت اتصال شربه، فانفردت مع صديق وكتبت إلى ابن السراج: يا خليلاً صفا وكدر يومي ... هل إلى الطيب في غدٍ من سبيل - لو تراني أسارق اللحظ خلي ... وأسقى من ريقه المعول لتمنيت أن ترى " حسن الور ... د " تغنيك بالغناء الثقيل يا خليلاً مثاله نصب عيني ... لو خلونا إذن شفيت غليلي فألفاه رسولي سكران فكتب إليّ: يا صديقي شغلت عنك بخطبٍ ... لم يكن لي بتركه من سبيل وغداً نلتقي عليها سلافاً ... مزةً في حرارة الزنجبيل أثقلتني هوىً بقد خفيفٍ ... حسن الورد فوق ردفٍ ثقيل سلبت صبري الجميل وقلبي ... بجفونٍ نجل ووجه جميل كحلت بالسهاد والدمع طرفي ... يوم أبصرتها بطرف كحيل هي سؤلي من الملاح كما أن - ... ك من سادة الأخلاء سولي لا عدتني زيارة منك تذكي ... نور عيني سناً وتشفي غليلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 871 وكنت معه يوماً على جرية ماءٍ في موضعٍ حسنٍ يحار فيه الطرف، ويقصر عنه الوصف، وأقمنا هنالك أياماً في أطيب عيش وأظرف منظر، وكنت أهيجه للقول فقلت: شربنا على ماءٍ كأن خريره ... خرير دموعي عند رؤية أزهر حلفت بعينيها لقد سفكت دمي ... بأطراف فتان وألحاظ جؤذر وقلت: شربنا على ماءٍ كأن خريره ... فقال مبادراً: بكاء محب بان عنه حبيب ... فمن كان مشغوةفاً كئيباً بإلفه ... فإني مشغوف به وكئيب وأزهر التي بذكر جارية كانت لبعض إخواننا، وله بها كلف، وفيها يقول: خليلي في ريح الصبا لو تنسمت ... علسينا شفاء من هوىً متسعر رسول التي في صوتها سوط لحظها ... على هائمٍ مثلي بها غير مقصر تذكرت بالوادي زماناً لقيتها ... به فيه والمشتاق حلف تذكر فلو صب في كأسي أذىً لشربته ... على شرط أن أسقاه من كف أزهر وورد عليه يوماً رسول حسن الورد ومعه قفص فيه طائر يغرد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 872 فاقرأه سلامها، ودفع إليه القفص هدية منها إليه، وأخبرني بذلك، واجتمعنا إثر هذا وهجته لذكرها، وبين يدينا كثير نضير معلق من أغصانه، فقال: ذكرت بالورد حسن الورد شقته ... حسناً وطيباً وعهداً غير مضمون هيفاء لو بعت أيامي لرؤيتها ... بساعة لم أكن فيها بمغبون كالبدر ركبه في الغصن خالقه ... فما ترى حين تبدو غير مفتون فاشرب على ذكرها خمراً كريقتها ... وخصني بهواها حين تسقيني قال: فقلت أنا: بدا الورد في أغصانه متعرضاً ... يذكرني من إسمه حسن الورد يذكر أياماً نعمنا بطيبها ... ورشف رضابٍ طعمه حسن الورد فدعني ولا تلح على الحب أهله ... فلو كنت تدري لم تلمني على وجدي وقال أبو عليّ: ولما تبدى الورد فوق غصونه ... وذكرني بالورد في صفحه الخد ذكرت به من خده لي روضه ... تهيم بها من حسنها روضة الورد فقلت لمن عهدي له مثل عهده ... سقاك الحيا من صاحب حافظ العهد وقلت اسقني كأساً على طيب ذكرها ... فإني مشغوف بها بينكم وحدي وشربنا يوماً على ماءٍ يتفجر من أعالي أحجار، وقد أحدقت بنا عدة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 873 أشجار، وتردد فيها علينا غناء أطيار، تنسي لحن الأوتار؛ وانكسر لنا الكاس هنالك، وكان بتلك القرية صديق لنا فكتب إليه: بقينا بلا كأس سوى شقف شربةٍ ... يميت سرور الشارب المترنم فمن بكأس يا فتى الفتك والذي ... مضى لي زمان وهو فيه معلمي وهبت علينا في ذلك المكان ريح عطرة أتت بأنواع أرواح النبات، فقال: ألا يا نسيم الريح هل أنت مخبري ... بحال حبيب ليس لي عنده علم - حبيب رآني أشتفي منه فاتقى ... جفوني بسترٍ تحته القمر التم وقال عند رحيلنا: عليك سلام الله يا ماء موضعٍ ... شربنا عليه مثله قهوةً خمرا وروى التي من حسنها وجفونها ... سقتني سحراً خمرةً تسكر السحرا وكتب إلى صديقٍ له ونحن على ذلك الماء: هل لك في الشرب يا أبا الحسن ... في منزلٍ طيب الثرى حسن - أرجاؤه لا تزال دائرةً ... بواكفٍ من مياهه هتن لو كان مما يباع كنت له ... مشترياً بالغلا من الثمن ما كنت فيه والزق يصحبني ... أبدل كأسي بتاج ذي يزن وقال وقد ارتحلنا من ذلك المكان: سقى صفحة الصفاح من غيث عبرتي ... سحائب تروي تربها وثراها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 874 شربت بها يوماً وصحبي ماجد ... له راحة يسقي السحاب نداها جواد إذا ما استمطرت جود كفه ... ظوامئ آمالٍ همي فسقاها قال: ودعوته إلى النزهة بالبادية ومطلته، وكان بعض خدمتنا قد أعرس ورغب إليّ أن أبقى لأحضر العرس، فكتبت إليه: يا صديقاً وداده ما يريم ... وخليلاً إخاؤه لي يدوم جاءني راغباً لأحضر عرساً ... من له عندنا ذمام قديم وهو عرس لا تأته خاوي البط ... ن فإن الغداء فيه نسيم فكتب إليّ: إن كنت تبقي على عرس البواقين ... فأنت عندي مجنون المجانين دع ذا وسر بي إلى أم الحسان ففي ... صدري لها وصلوعي قلب مفتون وصاحب العرس بوقون وأنت فتى ... ما زلت تكره أحوال البواقين وخرجنا إلى البادية في أيام الربيع، وأقمنا على روضة ورد وحولها مياه تطرد، وأم الحسن تغرد، فقال ارتجالاً: يا سيدي والذب رضاه رضىً ... عليه دون الأنام أعتمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 875 أما ترى الدهر كيف جاد لنا ... بيوم أنس ساعاته جدد ورد جني وروضة تركت ... بوفرها والمياه تطرد فقل لأن الحسان تقتلني ... ولا عليها دم ولا قود واشرب كشربي على محبة من ... في صوتها العذب طائر غرد ومالت الشمس هناك إلى الغروب، وأحدثت شعاعاً في تلك الروضة، وعلا خرير الماء ببرد العشي، فقال أيضاً: إذا الشمس مالت للغروب رأيتني ... أميل بأثقال الهوى فأميل تذكرني أوصاف من عرض الهوى ... علي فلما همت ظل يحول خليلي وجدي فوق ما تبصرانه ... فهل لي إلى السلوان عنه سبيل خذا رحمة من بعض ما بي من الهوى ... فإن الهوى حمل علي ثقيل قال: واجتمعنا يوماً بمجلس أنس، وكتبنا إلى أبي بكر عبادة، وقد كان تاب عن الشراب ويساعد في النبيذ: نبيذك المحكم يدعوكا ... مستشعراً شوقاً إلى فيكا فامنن بإقبال وإلا مضى ... جميعنا دمت لنا ديكا فراجعنا بقوله وجاء لوقته: قصدي بود ليس مشكوكا ... فيه وعهد ليس متروكا من حق ناديكم على شاكر ... غدا لكم صنواً ومملوكا وكيف صبري عن ندي أرى ... فيه دم الكرمة مسفوكا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 876 وغبت مدة طويلة من الدهر في سفر لقيت فيه نصباً، وصحبت قوماً لم يحسن موقعهم من نفسي ولا التذذت بهم، ثم قدمت مشتاقاً إلى الأنس به، فكتبت إليه: يا من أقلب طرفي في محاسنه ... فلا أرى مثله في الناس إنساناً لو كنت تعلم ما لاقيت بعدك ما ... شربت كأساً ولا استحسنت ريحانا فورد علي من حينه فقال: أردت مجاوبتك فخفت أن أبطئ، فصنعت الجواب في الطريق، وهو: يا من إذا ما سقتني الراح راحته ... أهدت إلي بها روحاً وريحانا من لم يكن في صباح السبت يأخذها ... فليس عند بحكم الظرف إنسانا فكن على حسن هذا اليوم مصطبحاً ... مؤخراً حسناً فيه وحسانا وفي البساتين إن ضاق المحل بنا ... مندوحة لا عدمنا الدهر بستانا قال: وغبت في غزوة مع يحيى المعتلي بالله، وذلك في سنة أربع وعشرين، فاتصل بي أنه تنزه مع بعض أصحابه في زمان الورد، وفصاحة أم الحسن، وأنه صنع أشعاراً في وصفها، منها: ومسمعة غنت فهاجت لنا هوى ... جنينا به منها ثمار المنى جنيا دعوت لها سقياً فما استكمل الرضى ... دعائي لها حتى سقاها الحيا سقيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 877 وكنت رفيقاً للوزير الكاتب أبي بكر ابن زياد، وسألني مخاطبته ليزيد عليها، فكتبت إليه في ذلك، فزاد فيها: وكأس على طيب استماعي لصوتها ... شربت ودمع المزن يسعدني جريا ولو أقلعت أولى عزاليه لانبرت ... رياح النوى تمري دموع الهوى مريا خليلي هذا اليوم لو بيع طيبه ... بما حوت الدنيا لقلت له الدنيا ولله أيامي وما خلت أنها ... تعوضي من قربها في الرضى نأيا تولت حميدات فسقياً لعهدها ... ورعياً ولا سقياً لهذي ولا رعيا جفتني عيون الغانيات وطالما ... سعت طول أيامي لتبصرني سعيا وأطلع شيبي عارضاً فوق عارضي ... يسح هموماً ما علي لها بقيا مضى عمري والدهر لي غير منصف ... يكلفني أشياء جلت عن الأشيا فلا جيد من غيداء يشفي عناقها ... غليل صباباتي ولا شفة لميا كفى حزناً أني أرى الحسن ممكناً ... ولست أرى لي فيه أمراً ولا نهيا ولو تعدل الأيام في بذل خطةٍ ... لما كنت في السفلى وغيري في العليا وقال في يدك صدح سحراً: رعى الله ذا صوت أنسنا بصوته ... وقد بان في وجه الظلام شحوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 878 دعا من بعيد صاحباً فأجابه ... يخبرنا أن الصباح قريب علي له لو كنت أملك أمره ... حياة على طيب الزمان تطيب وقال وقد رأى الغيث ينزل: تأمل سقوط الغيث ماذا أثار من ... هوى هو في قلب المحب كنين رأى في جفوني دمعها جامد الهوى ... ففاضت على الإسعاد منه جفون وقال أيضاً: ذكرتك بالوادي الذي كنت مرة ... به والهوى ما بيننا أبداً غر فحرك مني باعث الشوق ساكناً ... وكلفني صبراً ومن أين لي صبر - فيا نازحاً والدار مني قريبة ... إلى كم يطول الصد لي منك والهجر - إذا الله يوماً خص بالقطر ساحة ... " فلا زال منهلاً بساحتك القطر " قال أبو علي: وطالت بنا الايام، وسئمنا المدام، فتناومنا لها، فقال ابن السراج: يا راقدين تنبهوا من رقدة ... منعتكم طيب السرور العاجل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 879 وصلوا بعامكم السرور فإنكم ... لا تضمنون سروركم في القابل لا خلق أغبن متجراً من بائع ... بالبخس عاجل طيبه بالآجل لله هذا اليوم لو ظفرت يدي ... فيه بحفظ العهد في لقابل وقال أيضاً: رعى الله فتياناً أنست بقربهم ... على جدول للماء فيه خرير أقمنا به يومين في خفض عيشة ... ولا عيش لا قهوة وغدير تدور القوافي بيننا نستحثها ... وكأس الحميا بالسرور تدور وفي الشجرات الخضر منه رقيقة ... لنغمتها بين الضلوع هدير إذا ما تغنت فوقنا قلت قينة ... تلاها بصوت مثلثان وزير سبتني بصوت لو يباع اشتريته ... بما مر من عمري وذاك يسير واستعفيناه يوماً من الشرب وكان يدمنه على ضعفه، فقال: رعى الله يوماً لم أجد فيه مسعداً ... على شربها والمسعدون قليل شربت بها وحدي وإني بشربها ... إذا لم أجد لي مسعداً لكفيل وقال أيضاً: خليلي هبا للمدامة واشربا ... سروراً على الطير الذي يترنم علا صوته حتى حسبناه عاشقاً ... يبوح ودمع العين في الخد يسجم كأنا سألناه مزيداً لما شدا ... به فهو من إلحاحنا يتبرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 880 وقال: يا حابساً كأس المدامة حثها ... نحوي فلي في شربها تأويل واطرب على وجه الربيع فقد بدا ... منه لنا وجه أغر جميل واشرب على ماء الخليج فإنه ... ضيف إقامته لديك قليل لو كان أمري في يدي ما فارقت ... يوماً يدي رامشنة وشمول وقال: ومسمعة تغنينا ارتجالا ... وتصحبنا بنغمتها دلالا وبين أكفنا خمر وماء ... إذا ما سال خلت الدر سالا فإن شاءت سقيناها مداما ... وإن شاءت سقيناها زلالا ولو سقيت دمي ودمي حرام ... لكان لحسن منطقها حلالا قال: وكنا يوماً على الوادي في أيام الربيع، فمر به سرب ملاح فيهن جارية حسناء، ظريفة المنطق، وهي تأكل باقلاء، فاعترضها وسألها منه فدفعته إليه، فقال بديهةً: وسرب ملاح مر بي وبصاحبي ... ونحن على ماء يذكرنا عندنا ويحملن فولا عندهن نظيره ... عوان ولكن نوره عز أن يجنى فقلت عسى من فولكن بقية ... فقلن: وأي الفول ترغبه منا - فقلت الذي تحت السراويل قلن لي ... جهلت ولم تفهم مقالتنا عنا وفيهن نشوى الطرف لم أر قبلها ... من الإنس شمساً تحمل الدعص والغصنا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 881 وأقمنا بالبادية في أيام العصير مدة في لهو وطيب، وقفلنا فكتب إلي: رعى الله عصراً ضمنا في عصيره ... محل وصلنا اللهو فيه لياليا تدور علينا الراح في أريحية ... من العيش لو دامت زماناً كما هيا أقول لأصحابي خذوا من حياتكم ... برأيي زاداً سوف ينفد فانيا ومن مل منكم شربها فليردها ... إلي فإني لا أمل التماديا أرى عمر الإنسان يوماً يسره ... فمن نال ذاك اليوم نال الأمانيا فلا تلق يوماً بالخلاف إلى غد ... فلست بما لاقيت بالأمس لاقيا ولا تخل من كأس يسرك شربها ... على طرب ما دام سرك خاليا فإن أبك أيام الشباب فواجب ... على من جفته أن يرى الدهر باكيا وقال أيضاً: ألا من منقذي من كرب ليل ... تعرض بين طرفي وارتياحي - تضاعف طوله واشتد حزني ... به حتى يئست من الصباح @فصل في ذكر الأديب أبي القاسم خلف @ابن فرج الإلبيري المعروف بالسميسر وكان باقعة عصره، وأعجوبة دهره، وهو صاحب مزدوج كأنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 882 حذا فيه حذو منصور الفقيه، وله طبع حسن، وتصرف مستحسن في مقطوعات الأبيات، وخاصة إذا هجا وقدح، وأما إذا طول ومدح، فقلما رأيته أفلح ولا أنجح، وقد أثبت من ذلك، بعض ما تخيرته له هنالك. وله مذهب استفرغ فيه مجهود شعره، من القدح في أهل عصره، صنت الكتاب عن ذكره، [ألا تسمع إلى قوله: ألا قل لأهل القيروان لحاكم ... واستاهكم هانت عليكم فهنتم فأستاهكم تعطونها ولحاكم ... تعفونها بالحلق طراً لعنتم والسميسر في هذا كما قال القائل: عابني من معايب هي فيه ... خالد فاشتفى بها من هجائي أو كما قال الآخر: ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه ... مراد لعمري ما أراد قريب لكنه ليست ضعة المرء في نفسه بمذهبة جوهرية الأدب المركب في الإنسان، وقد أومأ إلى ما كانت عليه حاله بقوله: حستي صحيح ولكن ... هواي يوهن حسي فصح رأيي لغيري ... ولم يصح لنفسي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 883 ثم بعد أن لوح، صرح وأوضح في قوله: إذا تبطنت لذتي فأنا ... نطيس نفسي عسى أداويها فلا تلم مولعاً بلذته ... فإنها علة يعانيها] @ما أخرجته من شعره في أوصاف شتى [من شعره في الازدواج على كل منهاج، قوله: لا تغرنك الحيا ... ة فموجودها عدم ليس في البرق متعة ... لامرئ يخبط الظلم وقال أيضاً: بئس دار المرية اليوم دارا ... ليس فيها لساكن ما يحب بلدة لا تمار إلا بريح ... ربما قد تهب أو لا تهب وقال: أقارب السوء داء سوء ... فاحمل أذاهم تعش حميدا فمن تكن قرحة بفيه ... يصبر على مصه الصديدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 884 وقال: قالوا المرية فيها ... نظافة قلت إيه كأنها طست تبر ... ويبصق الدم فيه وقال في ملوك الأندلس: ناد الملوك وقل لهم ... ماذا الذي أحدثتم أسلمتم الإسلام في ... أسر العدا وقعدتم وجب القيام عليكم ... إذ بالنصارى قمتم لا تنكروا شق العصا ... فعصا النبي شققتم وقال: رجوناكم فما أنصفتمونا ... وأملناكم فخذلتمونا سنصير والزمان له انقلاب ... وأنتم بالإشارة تفهمونا وهذا كقول الآخر مما انشده الثعالبي: سنصبر إن جفوت فكم صبرنا ... لغيرك من أمير أو وزير ولما لم ننل منهم سروراً ... رأينا فيهم كل السرور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 885 وقال: يا مشفقاً من خمول قوم ... ليس لهم عندنا خلاق ذلوا وقد طلما أذلوا ... دعهم يذوقوا الذي أذاقوا وقال: إذا رأيت العبد فاحكم على ... مولاه من ظاهر مرآه دليل حال المرء عبدانه ... والعبد من طينة مولاه وهذا المعنى كثير، ومنه قول أبي الحسن بن مضا القرطبي في غلام وسيم من عبيد المتوكل للمتوكل: قد جاءكم فاضح الهلال ... يعبق بالمسك والغوالي لا تنكروا نشرها عليه ... فالعبد من طينة الموالي وقال السميسر: خذ من الدهر ما أتى ... إن نعيماً وإن نكد كن كسكين جازر ... قاطع كل ما وجد وقال: ليس يخلو المرء من هم ... باكتساب اللحم والدم حيوان حيوان ... صحفوه فهو أقوم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 886 كأن معنى البيت الأول ينظر إلى قول المعري: يغنى الفتى بالمنايا عن مآربه ... وينفخ الروح في طفل فيفتقر وقال في عبد الله الأمير بغرناطة وقد رآه يحصن على نفسه: يبني على نفسه سفاهاً ... كأنه دودة الحرير وهذا المعنى [كثير] مطروق ومنه قول حبيب: وإن يبن حيطاناً عليه فإنما ... أولئك عقالاته لا معاقله وقال ابن الرومي: انظر إلى الدهر هل فاتته بغيته ... في مطمح النسر أو في مسبح النون ومن تحصن مسجوناً على وجل ... فإنما حصنه سجن لمسجون وقال السميسر: قالوا أتسكن بلدة ... نفس العزيز بها تهون - فأجبتهم بتأوه ... كيف الخلاص بما يكون! غرناطة مثوى الجني ... ن يلذ ظلمته الجنين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 887 وقال: بعوض جعلن دمي قهوة ... وغنينني بضروب الأغان كأن عروقي أوتارها ... وجسمي رباب وهن القيان ولعمري لقد أصاب في أن جعل جسمه الرباب، وكان تشبيهه البعوض بالفتيان أولى من القيان، فإليهم كان ينزع، وبهم زعموا كان يقول ويسمع، وفيهم لم يزل يسجد ويركع. وأنشدت لبعضهم في البعوض: ضاقت بلنسية بي ... وذاد عني غموضي رقص البراغيث حولي ... على غناء البعوض ولم أمسع في وصفها أحسن من قول ابن المعتز: بت بليلي كله لم أطرف ... [من قرقس يلبس ثوب السدف ... يلم بالعريان والملفف] ... يلسعنا بشعر مجوف ... غادر جسمي كعشور المصحف ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 888 وقد أخذه الآخر فقال: ونفطنني بخراطيمهن ... كنقط المصاحف بالحمرة وقال أبو عمر القسطلي: بت بليلي كله لم أنم ... عن قرقسٍ بليس ثوب الظلم يشدو على جسمي بصوت أعجم ... كأنما غنى على شرب دمي @ما أخرجته من شعره في الزهد والحكم جملة الدنيا ذهاب ... مثل ما قالوا سراب والذي منها مشيد ... فخراب ويباب وأرى الدهر بخيلاً ... أبداً فيه اضطراب سالب ما هو معطٍ ... فالذي يعطي عذاب وليوم الحشر إنعا ... م سؤال وجواب وصراط مستقيم ... يوم لا يطوى كتاب فاتق الله وجنب ... كل ما فيه حساب قال: ليس لمن ليست له قدرة ... كالأخذ عند الرزء بالصبر أو لا فما حيلة مستضعفٍ ... ليس له فضل على الذر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 889 نسبته منها فهذي وذا ... تحت الذي حد له يجري من كان مخلوقاً من الأرض إذ ... ركب لم يطلع على السر حتى ترى الجثة مطروحةً ... والنفس في عالمها تسري فعندها يأمن ما يتقي ... وعندها يعلم بالأمر هذا على مذهبنا ثم قد ... قيلت مقالات ولا أدري لقد نشبنا في الحياة التي ... توردنا في ظلمة القبر يا ليتنا لم نك من آدم ... أورطنا في شبه الأسر إن كان قد أخرجه ذنبه ... فما لنا نشرك في الأمر -! والسميسر في هذا الكلام ممن أخذ الغلو بالتقليد، ونادى الحكمة من مكان بعيد، صرح عن عمى بصيرته، ونشر سريرته، في غير معنى بديع، ولا لفظ مطبوع، ولعله أراد أن يتبع أبا العلاء، [فيما كان ينظمه من سخيف الآراء] ، ويا بعد ما بين النجوم والحصباء، وهبه ساواه في قصر باعه، وضيق ذراعه، أين هو من حسن إبداعه، ولطف اختراعه - وقال السميسر: أصاب الزمان بني عامر ... وكان الزمان بهم يفخر فعاد نهارهم مظلماً ... وليلهم بعد لا يقمر وأيامهم بعد لا تزدهي ... وصبحهم ظل لا يسفر أماتهم الدهر قبل المنون ... فهم ميتون ولم يقبروا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 890 كأنهم أربع دارسات ... فما لهم غير أن يذكروا فأين السرير وأين السرور ... وأين القصور التي عمروا - فلا تعجبن بما وقد ترى ... فلا خير في كل ما تبصر وهون عليك كثير الحياة ... فسكناك في قبرك الأكثر وقال أيضاً: دع عنك جاهاً ومالاً ... لا عيش إلا الكفاف قوت حلال وأمن ... من الردى وعفاف وكل ما هو فضل ... فإنه إسراف وقال: لا توقدن عدواً ... وأطفه بالتودد فالنار بالفم تطفا ... والنار بالفم توقد وقال: قد هجرت اللذات إلا قليلاً ... بعد وصولي لها زماناً طويلا فأنا ثابت البناني لكن ... لي قلب عن النواسي أزيلا وبحق أقول لولا حذاري ... ن كلام الوشاة قالاً وقيلا لبدا للأنام مني عجاب ... ولأوضحت للرواة السبيلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 891 وقال: المال ذل، وذل ... ألا يرى لك مال فاحرص كأنك باقٍ ... فما لذي الفقر حال واقنع فإنك فانٍ ... غداً وكل محال @ومن شعره في ذكر الطب والأطباء كل علمٍ ما خلا الشر ... ع وعلم الطب باطل غير أن الأول الطب ... على رأي الأوائل هل تمام الشرع إلا ... أن يكون الجسم عامل - فإذا كان عليلاً ... بطلت تلك العوامل وقال: العلم علمان علم ال - ... أديان والأبدان ما الطب للدين إلا ... كالروح للجثمان هل الشريعة إلا ... بصحة الأبدان - وقال: يا آكلاً كل ما اشتهاه ... وشاتم الطب والطبيب ثمار ما قد غرست تجنى ... فانتظر السقم عن قريب يجتمع الداء كل يوم ... أغذية السوء كالذنوب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 892 وقال: لا تسترب من غير ما ... تجنيه كالجاني المريب وكذا حكوا بل صافياً ... واضرب به وجه الطبيب [والقائل قد تقدم إلى ذلك قبله: إذا ما كنت ذا بولٍ صحيح ... فقم فاضرب به وجه الطبيب @وفي ذكر الشعر والشعراء قال: أنا أحب الشعر لكنني ... أبغض أهل الشعر بالفطره فلست تلقى رجلاً شاعراً ... إلا وفيه خلة تكره إن لم يكن كفر تكن آفة ... تلازم الظهر أو السره والعجب والنوك إلى الجهل في ... أكثرهم إلا مع الندره والسميسر في هذا كقول الآخر: عابني من معايبٍ هي فيه ... حكم فاشتفى بها من هجائي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 893 فإنه كان - زعموا - ممن وسع هذه الخلال، وجمع هذه الأحوال، حاشا التي في السرة فإنه انتبذ عنها، وبرئ إلى أصحابه الشعراء منها. وما ينقضي التعجب من السميسر، فإنه لما سمع المتنبي يقول: أوكم آدم سن المعاصي ... وعلمكم مفارقة الجنان حسده على غلوه فقال بيته المتقدم الذكر: إن كان قد أخرجه ذنبه ... فما لنا نشرك في الأمر - والسميسر في هذا كما يحكى عن بعض الرواة قال: كان أحد المخنثين قد تسربل المجون، وعبد البطالة والجنون، حتى مح شبابه، وأقصر أترابه، ولم يدع عاراً إلا ركبه، ولا أثماً إلا ارتكبه، فطاف به طائف اعتلال، بعد طول إملاء من الله وإمهال، فكان يقول: أي رب، بأي ذنبٍ أخذت، وعلى أي جريرة عوقبت -! هذا كان استغفاره، حتى محا الموت أخباره. وقال أيضاً: يا شعراء العصر لا يتحسبوا ... شعركم مذ كان محسوسا فإنما حيكم ميت ... كأنما محييكم عيسى إن كان منظومكم عندكم ... سحراً فمنظومي عصا موسى وقال في أبي عبد الله بن الحداد بالمرية: قالوا ابن حداد فتى شاعر ... قلت وما شعر ابن حداد - أشعاره مثل فرخ الزنى ... فتش تجد أخبث أولاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 894 @ومن شعره في أوصاف شتى ضعت في معشرٍ كما ضاع نوح ... بين قومٍ قد أصبحوا كفاره ضربوه وما ضربت ولكن ... جعلوني ممن ينافر داره فتأخرت عن دياري لهوني ... والهوينا لمن يخلي دياره وقال: رأيت بني آدم ليس في ... جموعهم منه إلا الصور فلما رأيت جميع الأنام ... كذلك صرت كطير حذر فمهما بدا منهم واحد ... أقل قل أعوذ برب البشر وقال: تحفظ من ثيابك صم صنها ... وإلا سوف تلبسها حدادا وميز عن زمانك كل حين ... ونافر أهله تسد العبادا وظن بسائر الأجناس خيراً ... وأما جنس آدم فالعبادا أرادوني بجمعهم فردوا ... على الأعقاب قد نكصوا فرادى وعادوا بعد ذا إخوان صدقٍ ... كبعض عقاربٍ عادت جرادا ومن يلمح ذكاء بناظريه ... يظن بياض قرطاس مدادا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 895 وقال: يمنعني من تكسب الولد ... علمي بأن البنين من كبدي فإن يعيشوا أعش على ظلع ... وإن يموتوا أمت من الكمد وإن أمت قبلهم تركتهم ... أهون بين الأنام من وتد وقال: حاسدي لي معذب ... يتلقى من الحسد وأنا عنه غافل ... لا وجدت الذي يجد دعه يشقى بدائه ... داؤه علة الكبد طار ذكرى ولم يطر ... ذكره فهو يتقد وقال: قصتي يا سادتي مضحكة ... بينكم من حيث يبكي بالمقل إن أجئكم بغريب قلتم ... عندنا أغرب فاسكت أو فقل أبصر النصال دراً غالياً ... قال عندي منه أغلى وأحل @ومن مقطوعاته الإخوانيات ورد ابن شرف غرناطة، فتخلف عن قصده، فكتب إليه معتذراً: كتبت إلى سيدي قبل أن ... أراه ورجلي قد زلت أيقصد يذبل غرناطةً ... وأترك قصديه في زمرتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 896 ويهبط كيوان من برجه ... إلينا ونحن على غفلة فمعذرة لك حتى أراك ... فأنت الممثل في مهجتي فأجابه ابن شرف: بدأت وللمبتدي الفضل في ... فروض المودة والسنة وما الرد إلا امتنان وقد ... سبقت سواك إلى المنة وبالسبق في أول الهجرتين ... تقدم قوم إلى الجنة وحدثت أنك سمح الطباع ... إذا ما طباعهم ضنت ونفسك فاضلة حرة ... إذا عاينت فاضلاً حنت خلائق لو مازجتها الجبال ... إذن رقصت لك أو غنت فلو من أبان ورضوى خلقت ... لما كنت إلا من القنة له في الوزير الكاتب أبي عمر بن الباجي: يا فاضل الشرطة شرطي على ... شرطك تنويهي ولا أختلف فاحذف لي السين وسوف التي ... زيدت على الزائد فهو الأخف " فسوف " سيف قلبت واوها ... كم قطعت أعناق من قد سلف فردها حالاً ففعل مضى ... ماضٍ وما استقبل قد يختلف @ومن شعره في النسيب وما يناسبه قوله: بين الأزرة والمآزر ... حسن تحن له الأكابر فإذا نظرت إلى الخدو ... د رأيت أنواع الأزاهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 897 وإذا تأملت الثغو ... ر وما لناظمهن ناثر أبصرت دراً يغتذي ... خمراً وما للخمر عاصر وإذا تأملت الما ... جر تحتها دعج المحاجر خلت المنية أقبلت ... من جيش صقلب والبرابر وذكرت بهذا البيت الأخير وإن لم يكن في معناه قول بعض أهل عصرنا: بي شادن خده كالصبح منبلج ... وصدغه كسواد الليل يلعب بي كالزنج حلت بأرض العرب فاصطلحت ... فما بقائي بين الزنج والعرب -! نظر في هذا إلى ما أنشده الثعالبي لبعض أهل عصرنا: سواد صدغين من كفرٍ يقابله ... بياض خدين من عدلٍ وتوحيد قد حلت الروم أرض الزنج فاصطلحا ... فويح نفسي بين البيض والسود! وقال السميسر: لما أبى عن وصالي ... وأضرم القلب نارا ولم أجد لي عزاءً ... دعوت ربي انتصارا وقلت: يا رب أنبت ... بعارضيه عذارا فكان ذاك ولكن ... زاد الفؤاد استعارا إذ صار صبحاً وليلاً ... وكان قبل نهارا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 898 وهذا كقول الآخر إلا أنه قلبه: حلقوا رأسه ليزداد قبحا ... غيرة منهم عليه وشحا كان قبل الحلاق صبحاً وليلا ... فمحوا ليله وأبقوه صبحا وقال: أيها العائب العذا ... ر وذو الجهل عائبه لا أحب العذار إلا ... إذا شاب صاحبه فاطرح قول من يقو ... ل كما طر شاربه هو والطفل واحد ... حين يهواه راغبه أنا أشكوه وهو تل ... هيه عني ملاعبه وإذا ما اصطفيت كه ... لاً صفت لي مشاربه وأين هذا من قول بعض أهل العصر في ضده: ما أنت والجلواز في خلوة ... إياك ما امتد بها الصوت الله في نفسك من ظنةٍ ... يهون في جانبها الموت إن كان فالطفل ولم يحتلم ... من قبل أن يدركه الفوت وقال أيضاً يناقضه: أوصيك حيث النصح معترض ... إياك والمرد وهي متحلمه الطفل ما أصبحت أويرته ... إذا استشاطت كأنها حلمه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 899 واقس عليه إذا شكا وبكى ... لا رحم الله كل من رحمه لا تخش والقول عنك مرتفع ... عاقبة الظلم فيه من ظلمه فإن تجاوزت ما حددت فما ... يسوءني أن تعد في القطعه وقال أيضاً يناقض السميسر: بدا لي منك نبل وانطباع ... وظني أن ستكفيك الإشاره سأجعل بيننا حيث التقينا ... وقوع السوط من كفي أماره وبين يديك أمر لا تكله ... إلى نظر الغمارة والغراره ستلقى في غد طفلاً بزيعاً ... يجرر من بزاعته إزاره ترى صبحاً من الكافور بضاً ... كما ندري النقاوة والنضاره فما استهواك فاتركه ودعه ... وحاصره وإن أبدى حصاره إذا ارتعد الحسام وراق حسناً ... فذاك الوقت لا تأمن غراره هو الجد الذي لا هزل فيه ... فدع سمج الفكاهة والشطاره كبير السن زاد على ثمان ... وعشر كيف تألفه الزياره - فإن يك صاحباً وأردت زوراً ... فحصن ما استطعت من الحصاره أترضى أن يقال أبو فلان ... يناك ولو حملت بها الإماره - وقال أيضاً في مثله يناقض السميسر: الطفل في عشر فما هو دونه ... حتى يجيء الظن غير مرجم لا تعذل الإنسان في شهواته ... في الناس من يلتذ أكل الحصرم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 900 ومن الإفراط في مدح العذار قول ابن غصن الحجاري: فديتك لا تخف مني سلوا ... إذا ما غير الشعر الصغارا أدين بدين خل كان خمراً ... وأهوى لحية كانت عذارا وقال أيضاً بعض أهل العصر يناقضه، واستطرد فيه إلى هجوه استطراداً ظريفاً: إن كنت تهوى مليحاً ... فلا تقل بمعذر واهو الصغار ففيهم ... على الحقيقة تعذر ودع الكبار لقوم ... دانوا بدين السميسر وحقيقة الاستطراد عندهم أن يري الشاعر أنه يريد مذهباً، وهو إنما يريد غيره، فإن قطع ورجع إلى ما كان فيه فهو الاستطراد الحقيقي، وإن تمادى فذلك الحروج؛ وأصح الاستطراد قول السموأل: ونحن أناس لا نرى القتل سبةً ... إذا ما رأته عامر وسلول واتبعه الفرزدق فقال: كأن فقاح الأزد حول ابن مسمع ... إذا اجتمعوا أفواه بكر بن وائل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 901 ثم أتى جرير فأربى وزاد بقوله: لما وضعت على الفرزدق ميسمي ... وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل فهجا واحداً واستطرد باثنين، وقال مخارق بن شهاب المازني يصف معزى: ترى ضيفها فيها يبيت بغبطة ... وضيف ابن قيس جائع يتحوب فوفد ابن قيس على النعمان، فقال له: كيف مخارق بن شهاب فيكم - قال سيد شريفن من رجل يمدح تيسه ويهجو ابن عمه! ومن جيد الاستطراد قول دعبل، وقيل بشار وهو أصح: خليلي من كعب أعينا أخاكما ... على دهره إن الكريم معين ولا تبخلا بخل ابن قزعة إنه ... مخافة أن يرجى نداه حزين إذ جئته في حاجة سد بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين وقال أبو تمام في صفة فرس: ولو تراه مشيحاً والحصا زيم ... على السنابك من مثنى ووحدان أيقنت إن لم تثبت أن حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 902 وأخذه البحتري فقال: ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يوماً خلائق حمدويه الأحول وقد يقع من الاستطراد ما يخرج به من ذم إلى مدح، كقول زهير: أن البخل ملوك حيث كان ول - ... كن الجواد على علاته هرم ومن مدح إلى ذمٍ، كقول بكر بن النطاح في مالك بن طوق: فتى شقيت أمواله بعفاته ... كما شقيت بكر بأرماح تغلب وهذا مليح، أوله خروج وآخره استطراد، وملاحته أن مالكاً من بني تغلب، فصار الاستطراد زيادةً في مدحه. ومما استطرد به أبوه الطبيب قوله: يموت به غيظاً على الدهر أهله ... كما مات غيظاً فاتك وشبيب على أن هذا البيت لم يقع موقع غيره من أبيات هذا الباب، إذ ليس المقصد فيه مدحاً ولا هجاء للرجلين المذكورين، لكن التشبيه والحكاية لا غير. وأصل الاستطراد أن يريك الفارس أنه فر، وإنما فر ليكر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 903 وكذلك الشاعر يريك أنه في شيء فيعرض له شيء لم يقصد إليه فيذكره وإن لم يقصد حقيقةً إليه. ومن الاستطراد نوع يسمى الإدماج، كقول ابن طاهرٍ لابن وهب حين وزر للمعتضد: أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا فيمن نحب ونكرم فقلت له نعماك فيهم أتمها ... ودع أمرنا إن المهم المقدم ومن مليح الأدماج قول البن مسعدة في فصل من رقعة: كتابي ومن قبلي من القواد والأجناد، في الطاعة والانقياد، على أحسن ما تكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، واختلت أحوالهم. فقال المأمون: ما أحسن إدماجه المسألة في الأخبار، وإعفاء سلطانه من الإكثار! ! اكتبوا له رزق ثمانية أشهر. وهذا النوع عندهم أغرب من الاستطراد، ومن مليحه أيضاً قول بعض الفقهاء: إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر الواثبين على القياس تمرداً ... والراغبين عن التمسك بالأثر ومما هجي به السميسر قول ابن الحداد، ويدخل في باب الاستطراد: يا أهل غرناطة نيكوا سميسركم ... ففي رميلينا عنه لنا شغل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 904 @فصل في ذكر الأديب الأريب أبي العباس أحمد بن قاسم المحدث @وجملة مما وقع إليّ من نثره، تعرب عن محله من الأدب وفهمه قال ابن بسام: أبو العباس هذا في وقتنا بحضرة قرطبة، مقلة عين العصر، وصفحة وجه الدهر، تبريزاً في النظم والنصر. وقد أثبت من كلامه قطعةً تنبئ عما طالعه من علوم، ونظر فيه من أنواع التعاليم، على صغر سنه، ولدانة غصنه. ولما بلغه جمعي لهذا التصنيف خاطبني برقعةٍ استفتحها بهذه الأبيات: يا من تكلف جمع المجد في ورقٍ ... أنا أناديك جهراً غير تعريض ذهبت عصرك يا من شعره ذهب ... بالمذهبات فأتبعنا بتفضيض فشبه تبرك متلواً بفضتنا ... جمان هودٍ على لباتها البيض يا سيدي وعمادي، طال بقاؤك، ودام علاؤك؛ تكلفت من العناية بتنويهي ما دل على محتدك الكريم، ونصابك السليم، على انتمائك من المجد إلى دوحة ساقها قويم، وطلعها هضيم؛ ولولا ثقتي بتمييزك، وظهورك في هذه الصناعة وتبريزك، ما اجترأت على أن أجري بما كتبت إليك به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 905 كفاً، ولا أن أخط متباهياً بها حرفاً، فهي تجري منك على يدي نقاد، وأنا إذ عليك أنشر بزي أضع الثوب في يدي بزاز. وكتب إليّ أيضاً في مثله أول ورودي بقرطبة، وقد بلغه ثنائي عليه بمجلس بعض الأعيان فيها: يا دوحة المجد الكريم ... وسلالة الشرف الصميم والغرة الغراء في ... وجه النثير وفي النظيم قد كان نام زماننا ... عن كشف آثار العلوم حتى أتيت منبهاً ... جفنيه تنبيه النسيم فرددته يقظان يمحو ال - ... محو عن تلك الرسوم إن الصباح إذا انجلى ... جلى المنام عن النؤوم من الواجب كان - أعزك الله - عليّ وعلى من ينتسب إلى أدب، ويتعلق منه بأدنى سبب، أن يمتطي إليك ظهور العيس المهرية، وصهوات الجياد الأعوجية، حيثما استقر مكانك، وثبت إيوانك؛ فكيف إذا جلاك مصباح بلادنا بضيائه، وسترك ليل عراضنا بظلمائه، فانتظمك معنا هذه الجدران التي جللت عنها قدراً، وسموت رفعةً وخطراً. ولكن المهيب لا يجسر عليه. ولا تنقل قدم التقدم بداهةً إليه، بل يرتقب منه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 906 المتوصل لفظةً في عرض ناحيته، أو لحظةً تقع على ساحته، تجعل الأولى سبيلاً، والأخرى هادياً ودليلاً. ولقيت فلاناً فأنهى إليّ جملة كلامك في، وأنت ممن لا يجاري خطاباً، ولا يباري كتاباً وجواباً، وبراعةً في لفزظ يتبرج في ملاء الوشي الصنعاني، ويتصدى في أردية العصب اليماني، ونظمٍ ود الربيع لو توشح به تفضيلاً، ونثر كنثر العقود، وتفويت البرود، والغرر البيض في الطرر السود. إن نظمت فصريع صريع، والبديع غير بديع، وإن نثرت فالصاحب صاحب، وقابوس ذو بوس؛ وهذا باب لو استقصيته فيك غاية الاستقصاء، واستقريته نهاية الاستقراء، لتغلغل بنا الكلام، إلى نفاذ الأمدة والأقلام. وفي فصل منها: ولما كنت متى انحرفت إلى النثر، أو انصرفت إلى الشعر، أجريت فيهما بعدك بالخطار، وضربت منهما عقبك بذي الفقار، رأيت أن أتبع بعضه بعضاً، حتى أجلو عليك وردهما جنياً غضاً؛ فهاك النثر يجلو، والنظم يحلو: يا ماجداً ينمى إلى بسام ... قد ذبت بين محبة وهيام توقاً إلى لقياك ... [ثم كتب قصيدةً على روي نسبي قال فيها يصف شعراً خاطبته به] : لا حشو فيه ولا معاظلة به ... سلس على الأسماع والأفهام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 907 ويرى البديع به بغير تكلفٍ ... ما بين منفرد وبين تؤام متقسم متقابل متطارد ... متجانس متطابق الأقسام إن رمت تشبيباً أتيت بكل ما ... يجد الشجي من لوعةٍ وغرام أو رمت تشبيهاً قرنت مشبهاً ... بمشبهٍ في غايةٍ الاتمام أو رمت مدحاً لم تكن متطلباً ... ما ليس في الممدوح من أحكام حذقاً بما تأتي ومعرفةً به ... وتصرفاً في أفق كل كلام وأحسن من هذا التقسيم قول أبي بكر عبادة بن عبد الله بن عبادة من جملة أبياتٍ خاطبني بها أيام مقامه عندنا بالأشبونة، أولها: يا منيفاً على السماكين سام ... حزت فضل السباق من بسام قد خبرت الورى فلم ألفهم إلا ... ثقال الأفهام والإفهام وتأملت منك نكتة بغدا ... د لباب العراق معنى الشآم شك ذهني في أن يرى بصري مث - ... لك حتى لخلتني في المنام إن تحك مدحةً فأنت زهير ... أو نسيباً فعروة بن حزام أو تباكر صيد المها فابن حجرٍ ... أو تبكي الديار فابن خذام أو تذم الزمان وهو حقيق ... فأبو الطيب البعيد المرامي في أبيات غير هذه، مع خبر طويل هو ثابت في موضعه من هذا المجموع. @فصل لأبي العباس من رقعة خاطب بها بعض إخوانه: كتبت وأنا من الحزن في ثوب حداد، ودمع كأكف الأجواد، شوقاً ووحشةً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 908 إلى الأنس بتفيؤ ظلك الوارف، كعهدي السالف، وتوقاً ودهشةً إلى برد مائك الحصب، كزمان الماضي الخصب: سقياً لظلك بالعشي وبالضحى ... ولبرد مائك والمياه حميم وإن كنت مقيماً على كرم عقد، كهذا الزمان الذي قام وزنه فأصبح غلاماً، وأطلع حسنه قمراً تماماً، بين فرادي من نوابت أزهار كالرياط، وتؤامٍ من حدائق أنوارٍ كالأنماط، قد تفتحت عيونها، وتكشفت مصونها، وحلت أزرار جيوبها، عن مسكها وطيبها، وابتسمت أفواه ثغورها، عن لؤلؤها وشذورها، وأترعت جداولها فتسلسلت، وتربت أرضها فتصندلت، لعالم أنك لي على أمثالها، ثقةً بمجدك الذي هو ضربة لازب، واستنامةً إلى أن عقبك من الوفاء على الذروة والغارب. واندرج له فيها شعر قال فيه: أو حين نور عارضي فتفتحت ... أنواره فكأنها أنوار أصبحت لا تلوين فارعي حقه ... أو ما لمظلم ليلةٍ إسفار - يا هذه حرب الزمان شهدتها ... فعلي من ذاك الغبار خمار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 909 ومن المديح: جزل أحطت بخبره فوجدته ... كالخمر لكن ليس فيه خمار نادت تحالفه العلا فأجابها ... ألا تفرق ما أضاء نهار آهاً وإن من التوجع آهة ... لو حم أن يدنو إليك مزار فأبث من أمري الخفي وراحة ... للنفس في أن تطلق الأسرار خذها كما اعتدلت أنابيب القنا ... ميزي الثقاف لها وذهني النار قوله " فعلي من ذاك الغبار خمار " في صفة الشيب كقول ابن المعتز: " هذا غبار وقائع الدهر " وقد تقدم هذا المعنى بما فيه: وأخذه فقال: قالت غبار قد علا ... ك فقلت ذا غير الغبار هذا الذي نقل الملو ... ك إلى القبور من الديار وله من أخرى: ولما ورد كتابه غاية الفصاحة، ومنتهى البلاغة والملاحة، قبلته عشراً، وأقبلته مني رأساً وثغراً؛ وحين فضضت مسكة الخاتم سقط بصري على شكل مشق خطه فاندمج، ووسع بين أسطاره فانفرج. فيا للكتاب من كتاب قصر وطال، وجمد قلم كتابه وسال، نتيجة برهان مقدمتاه الطبع والبراعة، والجزالة والإصابة، جمع بين مبدأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 910 البلاغة وآخرها، في سحاءة طولها فتر، وعرضها ظفر؛ ولا غرو فمن علم الأصول استنبط الفروع، ومن انتقى القليل استغنى عن شغب الجموع؛ ولذلك جعلته إماماً أحتذيه، ومثالاً أماثله وأقتفيه. ولو أسهبت هكذا أبداً ما بلغت غاية الوصف، ولا أعطيته من حقه النصف. وله من أخرى فيمن حمل القلنسوة وأنهض إلى الشورى، وخاطب بها قاضي قطره: لم يغب عنك - زاد الله في توفيقك - رحلة أحد القائمين بنشر علاك، المطيبين محاضرهم بطيب ذكراك، الفقيه أبي فلان أبقاه الله، وأنه هجر الوطن على خصبه، ووصل منزل الغربة على جدبه، متكرراً إلينا، ومدارساً علينا، باصغرين أكبرين: قلب أصمع، ولسان مصقع، فما مطلته بحمد الله الأيام، ولا سوفته الأعوام، حتى لحق بالمرتبة التي تفصل بها القضية الشنعاء، وتسمع النازلة الصماء؛ وحتى أفضى إلى المنزلة التي تقتضي تعصيبه بالشورى، وإلحاقه بعداد أهل الفتيا، تطبيقاً للمفصل، وتبييناً للمشكل؛ وعند ذلك ما رأينا إنهاضه إليها، وأن يتزيا بزي أهلها عمن سواه، وحملناه على التزامه دون كل زي عداه، على ما أنت الحري بحمله عليه كما حملناه. ولما كان مثلك في سرورك، وميلك إلى المجد وصغوك، لا يعلم كيف يبني المجد ويشيده، ولا كيف يمهده وينجده، كما لا يعلم الفم التبسم، ولا اللسان التكلم، كان واجماً أن يكتفى بيسير العبارة، وقليل الإشارة، ومهما زدته من كريم رعاية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 911 وجميل حفاية، فنحن شاكروك شكراً يهز عطفيك، طوراً هز المهند وطوراً هز القضيب الأملد. وله من أخرى يعزي بعض الأعيان: قد علم - أطال الله بقاءه وأحسن عزاءه - أن سكان هذه الدار، وإن تراخت بهم الأعمار، ينتقلون منها تنقل الأفياء، كما يتلونون فيها تلون الحرباء؛ فإن من وقع تحت الكون والفساد، وانبعث من الأضداد في مركز الأضداد، غير بديع في طباعه أن ينحل جرمه، إلى ما منه تألف حجمه، وأن تتخلص شعلة نفسه من ذلك الصلصال الذي سقطت لديه، فاحتوى عليها وأوت إليه، ثم ضرب المنشأ، فتعود عند ذلك الطبيعة الترابية إلى أصلها، والشعلة النورية إلى شكلها؛ فإن كان ما قدمت خيراً حمدت الجيئة، وإن كان شراً رغبت - وأنى لها - في الفيئة، ثم لم تترك في حين سلوكها إلى الوقت المعلوم، والأجل المحتوم، سالمة من الضراء، آمنة من البرحاء، بل قرن بها هنات مجحفات، وحبب إليها خطوب متلفات، فلم تنفك من تغيير مجحف، وتعثير متلف. وإذا كان الوزير - أعزه الله - عالماً جملة هذا الخبر وتفصيله، ودقيق هذا الغرض وجليله، فالمتوفاة - قدس الله روحها، وبل بالرحمة ضريحها - وإن كانت منه كالبنان من اليد، والزند من العضد، فإني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 912 لأعلم أنه لم يتلق وارد حمامها تلقي الغافل الفارغ، بل سلم للقضاء، وأفضى إلى الدعاء، فلا معنى لتذكيره الصبر ومنه يستفاد، وتبصيره الأجر وعنه يستزاد. ولما كانت التعازي على الأعصر الخالية من العوائد الجارية، كتبت رقعتي هذه، فإن لم تكن تبصيراً، كانت مطالعة وتذكيراً. وله في فصل في صفة وراق: وأما أبو فلان فإنه يقلب من المعاش كفاً صفراً، ويستدر من شرعه مقداراً نزراً، بخطوط غير منصرمة، ونقط غير منقسمة، وشكل تشكل الحظ عن الإتيان، وتطلق رجل الفاقة والحرمان، فقبحن من خطوط تحط الحظوظ، ونقط تثير القنط، وشكل تبعث الكسل؛ وقبح من رزق يحرم سلمه بجليل الأفهام، [ويخبط بدقيق الكلام] ويعضد برقيق الأقلام؛ ثم يفضي خايطه لحظ نزر، غير جليل ولا ثر. @وهذه جملة من شعره قال في النسيب على مذهب أهل أفقنا في لباس البياض على المتوفى: قالت وقد نظرت فروعها ... شيب على فودي منتشر ما شأن تلك البيض، قلت لها ... مات الشباب فبيض الشعر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 913 وهذا كقول الحلواني تلميذ أبي علي ابن رشيق: إذا كان البياض لباس حزنٍ ... بأندلس فذاك من الصواب ألم ترني لبست بياض شيبي ... لأني قد حزنت على الشباب -[وأراه من هذا نقل، وعليه عول] وقال ابن فرج صاحب كتاب " الحدائق " مما ينظر إليه بعض النظر: ونرجس تطرف أجفانه ... كمقلة قد دب فيها الوسن كأنه من صفرة عاشق ... يلبس للبين ثياب الحزن وقال أبو العباس ابن قاسم: قالت وقد نظرت شيبي فروعها: ... إن المشيب لسود الشعر أكفان فقلت: أنكرت كافور الزمان به ... من بعد مسك وطيب الدهر ألوان قالت: فأين من الكافور نفحته ... قلت: انقضت وتبدى منه جثمان قالت: فإن كان كافوراً فلم ضعفت ... قواك والطيب للأعضاء معوان فقلت: ما بي من الأيام أثقلني ... قالت: كذلك شيب المرء ثهلان [فقلت: يا ليتني للنشء منصرف ... كيما تعود إلى الإيراق أغصان] قالت: وهل عاد أقوام كما نشأوا ... من قبل أن يرجعوا مثل الذي كانوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 914 وذكرت بتشبيهه الشيب بالكافور بيتي الحضرمي، على أنه من المشهور، وهما: قالت وقد خلطت في عارضي ... مسك الشباب بكافور المشيب يا ليت ذا المسك لم يخلط فما ... عند الغواني لذا الكافور طيب وهذا العروض معروفة، وإن لم تكن مألوفة، وهي من مجزوء البسيط التي أنشد الخليل في مثالها قول بعض العرب: يا بنت غيلان ما أصبرني ... على خطوب كنحت بالقدوم قال أبو العباس بن قاسم: لهج الناس بالقبيح وهاموا ... فالزم البيت واسدد الأبوابا وإذا ما خرجت تطلب رزقاً ... فتلين لهم وكن خلابا وإذا ما جلست يوماً إليهم ... فالزم الصمت واضمم الأثوابا فكثير ممن تجالس تلفي ... من عيوب الورى لديه عيابا وإذا ما سألتهم عن جميل ... لم تجد فيهم لديه جوابا لقي الناس قبلنا غرة الده ... ر ولم نلق منه إلا الذنابى فانقبض والزم التصاون حتى ... يغلق الموت من حياتك بابا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 915 @فصل في ذكر الأديب أبي طالب عبد الجبار من أهل جزير شقر، كان يعرف بالمتنبي، برع أهل وقته أدباً، وأعجبهم مذهباً، وأكثرهم تفنناً في العلوم، وأوسعهم ذرعاً بالإجادة في المنثور والمنظوم. وكان - بلغني - يعد نفسه بملك، وينخرط للمجون في سلك، ولا يبالي أين وقع، ولا يحفل بشيء صنع، وكان قد استتر ببلغة، واقتصر على طريقة؛ فلم يطرأ على الدول، ولا تجاوز في شعره ملح الأوصاف والغزل. وله أرجوزة في التاريخ أغرب فيها، وأعرب بها عن لطف محله من الفهم، ورسوخ قدمه في مطالعة أنواع العلم؛ وقد أثبتها على طولها، لاشتمال فصولها على علم جليل، وباع في الخبر طويل؛ وقدمت قبلها جملة مما وقع في شرك حفظي من سائر شعره؛ على أنه استفرغ مجهوده في وصف صنت الكتاب عن ذكره. @جملة من أشعاره في أوصاف شتى قال يصف مجاري الماء في سواقي أجنة بلنسية: خرجنا للنزاهة في البقيع ... فنلنا الوصل من رشأ بديع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 916 وهب لنا النسيم بكل طيب ... كأنا منه في زمن الربيع على نهر كأن الماء فيه ... بقايا فوق خد من دموع وقال يصف منزله: كيف البقاء ببيت لا أنيس به ... ولا وطاء ولا ماء ولا فرش كأنه كوة في حائط نقبت ... في ظلمة الليل يأوي جوفها حنش وقال: قل لأبي يوسف المنتقى ... الفاضل الأوحد في عصره ومن إذا حرك أوتاره ... وظل يبدي السحر من عشره تخاله إسحاق أو معبداً ... يشدو بألحان على وتره هل لك أن تسمع مهديكم ... وأن توفي الحق من بره حتى إذا الأيام أبدت له ... ما في ضمير الدهر من سره وصير التاج على رأسه ... وأقبل الوفد إلى قصره أعطاك من جدواه ما تشتهي ... فضته البيضاء أو تبره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 917 وقال: وشادن وجهه ذكاء ... فيه حيا الحسن والحياء لما اغتدى قارئاً بحزن ... لذ لي الحزن والبكاء ثم تذكرت قول ربي ... " يزيد في الخلق ما يشاء " وقال: وخمار أنخت به مسيحي ... رخيم الدل ذي وجه صبيح سقاني ثم غناني بصوت ... فداوى ما بقلبي من جروح وفض فم الدنان على اقتراحي ... ففاح البيت منها طيب ريح فقلت له لكم سنة تراها ... فقال أظنها من عهد نوح فلما أن شدا الناقوس ضرباً ... دعاني أن هلم إلى الصبوح وحياني وفداني بكأس ... وقبلني فرد إلي روحي @فصول من خطبته التي جعلها مقدمة لأرجوزته قال في صدرها: أما بعد، فإنه لما كانت مخاطبة الرئيس، تنوب عن لقائه الذي هو حياة النفوس، وربيع القلوب، وثلج الصدور، وناظم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 918 فرائد الحظوظ والحبور، وكانت حالي قد أناخت بذراه الرحب، وآمالي قد كرعت في مورده العذب، إذ هو سماء تمطر، وبحر لا يكدر وغيث ممرع يحيا به المجدب؛ وما زلت روم لقاءه على تراخي الأيام، فيحول بيني وبينه قدر لا يرام، وعقال تقاضيه غير مطلق، وباب الرجاء به مغلق؛ فأعملت المداد والأقلام؛ برجز صنعته، وكلام وضعته، والغرض فيه امتداحه، والقصد منه استمناحه، وهو في معنى ما تضمنته كتب التواريخ؛ قطفت عيون زهرها، والتقطت مكنون دررها، واقتصرت على أقلها دون أكثرها، مما لا يسع جهله؛ وحذقت كل حديث يتغلغل، وخبر يتسلسل، وما اتصل بذلك من أخبار املاكها الدرس، إلى وقتنا هذا، ومن وليها من بني أمية وغيرهم. وذكرت من ولي الخلافة بالمشرق من بني العباس بعد المطيع لله إلى وقتنا هذا، وهو وقت التاريخ الذي ذكرته في الارجوزة، والإمام الآن فيه القائم بأمر الله ابن القادر بالله، وقصدت إلى معنى الاستذكار به لجوامع التاريخ والأخبار، وسلكت مذهب الاختصار، رجاء أن تطلعني قريحتي على مغزاه، وتنشط منتي إلى قرب مرماه، وقدمت أولاً مقدمات من أصول الاعتقادات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 919 @وأول أرجوزته يقول مهدي الورى المنتظر ... ها فاسمعوا ما قلته واعتبروا أبدأ باسم الله في الترجيز ... رب الأنام الملك العزيز ثم بذكر المصطفى محمد ... صلى عليه الله طول الأبد والطيبون آله الكرام ... عليهم الصلاة والسلام أهدي من القريض ما نمقته ... إلى رئيس سيد أملته تنفق سوق العلم في ذراه ... مضمناً للبعض من حلاه في كلم كلؤلؤ العقود ... أنظم ما ضمنه المسعودي وغيره من سائر الأئمه ... في كل من ولي أمر الأمه مقتصراً منه على عيونه ... وحاذفاً للحشو من فنونه @في التحميد والحمد للمبتدع السماء ... والأرض ذي الآلاء والنعماء سبحانه من خالق جبار ... يعلم ما في البر والبحار وكل شيء عنده معلوم ... فهو الإله الواحد القيوم رب عظيم أول لم يزل ... باري البرية الكبير المعتلي أبدعها من بعد أن لم تكن ... بدعة خلاق لها مهيمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 920 وعرشه قد كان فوق الماء ... كذا المقال الحسن الملاء من قبل أن لم يك عرش لا ولا ... ملاً يرى تكوينه ولا خلا ولم يكن شيء سواه قبل ... تبارك الله المليك العدل وانفرد الرب بوحدانيته ... فوق النهى والوهم عن بريته وسبقت كل البرايا قدرته ... والصفة العليا فتلك صفته جلت صفات الصانع القديم ... عن قول جهم وذوي التجسيم فافهم مقال جبهذٍ مميز ... يومي إلى الحق ولما يلغز إياه فاعبد أيها الإنسان ... فهو اللطيف القادر المنان ولتعتبر في ملكوت العالم ... كلا وفي نفسك يا ابن آدم ألم تكن من نطفةٍ مكونا ... ثمت هيا لك صنعاً متقناً - من آلة الإحساس والحياة ... والقوت والرزق إلى الممات فصرت حياً ناطقاً بصيرا ... تعتبر الحكمة والتدبيرا علمنا بالقلم البيانا ... حتى علمنا قبل ما قد كانا من أمم بادت بصرف الأدهر ... أشهدنا من ذاك ما لم نحضر سبحانه من واحدٍ قدير ... مصرف الأزمان والدهور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 921 @مقدمات من أدلة المعرفة والاستدلال @على الصانع تعالى من الصنعة والجسم ليس فاعلاً في الجسم ... قال بهذا القول أهل العلم أليس ذا أولى برسم العقل ... من ذاك لما استويا في المثل - أف لقول الفئة البصرية ... أهل الهوى والفرقة يجزي كارث دانوا معاً بقدم الحوادث ... سوف يجازون بخري كارث وأحذر هداك الله يا ذا الفهم ... قولهم وأحذر مقال جهم وجانب الحيدة والتعمقا ... فإن ذاك نهج من تزندقا وقل بما يقول أهل الحق ... من مثبتي صفات رب الخلق وأدوات الحس يا من يفحص ... عن علمها ومن عليها بحرص السمع والبصر ثم اللمس ... والشم والذوق فتلك خمس وكل ما تدركه موجود ... مؤلف مبعض محدود جهاته ست بلا امتراء ... معلومة من غير ما خفاء أعلاه والتحت وبعد خلف ... ويمنة ويسرة تحف ثم أمام سادس الجهات ... وهكذا مقترن الصفات فبعضها يوجب فاعلم بعضا ... فلا تكن بجهل هذا ترضى فكل ماله قياس يعقل ... من المضاف في المعاني أول إن له فافهم مقالاً آخرا ... فكل ما له طرف لا إمترا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 922 إن له فاعقل كلامي وسطا ... كذاك فتش الغطا في أن ما ظاهره مشهود ... ففيه فاعلم باطن موجود والخبر الصحيح باتفاق ... سماعنا عن مصر والعراق وعلمنا البحر وإن لم نره ... علم صحيح ليس فيه شبه والنقل في تواتر الأخبار ... يغني عن الرؤية بالأبصار وهو بالجم الغفير كاف ... وبالجماهير بلا خلاف وكل محسوس فذو ابتداء ... ومدة تفضي إلى انتهاء والحد قول موجز مطبوع ... مخصص يدرى به الموضوع والاسم ما دل على الموجود ... فمازه من سائر المعدود واعلم بأن الجسم والزمانا ... مصطحبان أبداً قرانا إذ الزمان حركات الجسم ... وذاك أقصى مدرك بالوهم وكل شيء جوهر أو عرض ... إلا الذي الطوع له مفترض فإن فحصت قائلاً ما الجوهر ... وما هو العرض إذ يفسر فالجوهر الحامل للأعراض ... وهو الذي ليس بذي أبعاض والعرض المحمول كالألوان ... وحركات الجوم والإسكان وقسمة الوجود فضروب ... بثلاثة يدركها اللبيب ما تجد الخمس من الحواس ... فافهم هداك الله رب الناس ثم وجود لمثال العقل ... يعرف هذا ذو الحجى والنبل ثم وجود ثالث رفيع ... فوق العلا علمه البديع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 923 برهانه يدرك بالدليل ... مثل دخان النار في التمثيل وكالبناء وثمار الشجر ... والأثر الكائن عن مؤثر وحسبنا ما لا يصح جهله ... في الاعتقادات وهذا أصله @في بيان العلم وانظر أوصيك يا من يطلب العلوما ... أن تعرف الموهوم والمعلوما ولا تقل بالميل للتقليد ... فذاك رأي الكودن البليد واتخذ العلم لنفس العلم ... لا للمباهاة ولا للخصم والعلم، عن أردت حد مطلبه ... معرفة الشيء على ما هو به والعلم علمان أيا من يبحث ... علم قديم ثم علم محدث إن القديم علم رب العرش ... باري البرية الشيد البطش ومحدث فذاك علم الخلق ... من ناطق وغير ما ذي نطق وكل علم محدث علمان ... علم ضروري بلا برهان كالعلم أن اثنين ضعف واحد ... وأن ليس قائم كقاعد وبعده فعلم الاستدلال ... والمنطق الباحث عن أحوال ما فيه ما ينظر من يفكر ... يدرك هذا كل من يعتبر وصانع العالم فرد صمد ... والصنع لم يشركه فيه أحد فصنع الاثنين اشتراك منهما ... لا يخلوان من تغايرهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 924 وكل ما زاد على اثنين كذا ... من خالف التوحيد فهو قد هذى والانفراد غاية في المدح ... والاشتراك من دواعي القدح وللنصارى القول بالتثليث ... أفظع به من مذهب خبيث وطابقوا اليهود في التجسيم ... أف له من منطق ذميم وللبراهمية والمجوس ... مقال سوء ليس للقدوس جل الإله الفرد عن شريك ... فهو ذو التقديس والتبريك وليس ذا حد ولا انتهاء ... فهو فوق الفوق ذو اعتلاء أحاط بالأشياء طراً علمه ... وهم فيما قد براه حكمه أحصى الكثير منه والقليلا ... وعلم الجملة والتفصيلا وجاد بالغنى وقدر العدم ... وكان عدلاً منه كل ما قسم @التفكر في الملكوت يا من يجيل فكره للعبره ... في كل مووضوع له بالفكره انظر إلى الموت والنبات ... والحيوان نظر استثبات كيف ترى التكوين فيها ماثلاً ... ينبيك أن لقواها فاعلا يؤلف الأربعة العناصرا ... يمنع من أضدادها التنافرا وجاوز العبرة نحو الفلك ... حيث السموات ذوات الحبك تبصر هنالك النجوم الخنسا ... سخرها من في العلا تقدسا والأبرج الثابتة المكان ... نيرة تعلو على كيوان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 925 يهدي بها في ظلمات البر ... كلاً وفي ظلماء لج البحر وعدد السنين والحساب ... يعلمه بها ذوو الألباب وتعلم الأنواء والمنازل ... ذا طالع منها وهذا آفل شواهد تشهد بالتوحيد ... للواحد المبتدع الحميد واسم إلى تفكر في النفس ... تبصر قواها في محل القدس بحجم جسم العالم المحيط ... المستدير الشكل ذي التخيطي وانظر إلى التسخير فيها لازما ... يؤمها كما يؤم العالما يلحقها النقصان والزياده ... وأنها ليست لها إراده من ذاتها في حالة التصريف ... فهي تنقاد إلى التكليف لقوة العقل الذي يحملها ... فهو إلى اختياره ينقلها إذ هو أعلى رتبة واشرف ... منها إذا حصلته وألطف لكنه تلحقه الآفات ... من غيره والعجز والعاهات فدل ذاك أن رباً فوقه ... باين بالذات والاسم خلقه يملكه وكل ما سواه ... ملك إحاطة قد احتواه وكم له في خلقه من آيه ... تنبئ أن ليس له نهايه يبصرها ذو الفطن الصحيحه ... إن أعمل الفكرة والقريحه واعتبر المقايس المطروده ... فبعضها ببعضها معتضده بينة في حجج العقول ... شاهدة بالصدق للرسول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 926 @بدء الخليقة وذرء البرية أقول قولاً ليس بالمفند ... ولي لسان كشبا المهند إن مقال المسلمين اتفقا ... أن إله العالمين خلقا من غير أصل أو مثال شي ... مكون من ميت أو حي أبدع تكوين المبادي الأول ... بقدرة عظيمة لم تزل وكان بدء الخلق في يوم الأحد ... وتم في يوم العروبة العدد فخلق الله السموات العلا ... كما عن الرسول في الذكر تلا أخرج من ماء دخاناً فسما ... ثم دحا الأرض ليبلو الأمما أسكن فيها الجن قبل آدم ... فأتقن الرحمن خلق العالم وآدم صور من صلصال ... فكان منه جملة الأنسال ثم برا لآدم حواء ... فسكنا جنته العلياء فمكثا مقدار ربع يوم ... وأهبطا منها هبوط لوم بالهند حيث العود والقرنفل ... والمسك والكافور ثم الصندل فولدا هابيل ثم قساينا ... ليقضي الخالق أمراً كائنا كما حكى في قصص القربان ... شأنهما في محكم القرآن من قتل هابيل ببغي الحسد ... قضاء باري الباريات الأحد فقال ما يروى من القريض ... آدم قول الأسف المهيض ثم خلا بزوجه لما سلا ... فحملت حواء منه رجلا سماه شيثاً آدم أبوه ... فكان في سيرته يتلوه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 927 فعاش تسع مائة سنينا ... آدم بعد ثم ثلاثينا ثم تولى الحكم شيث بعده ... فسد في أحكامه مسده وأن شيث غشي امرأته ... فحملت أنوش فاسمع نعته فانتقل النور إليه فأضا ... وكان يقفو فعل من قبل مضى فولدت قينان لأنوش ... فصار ذا ملك وذا جيوش ثم ابنه من بعد مهلاييل ... والعهد مأخوذ فما يقيل ثم أن مهلاييل يرد ملكا ... والنور موروث يجلي الحلكا وقام بعده ابنه خنوخ ... ضمن هذا كله التاريخ ثم متوشلخ ابنه والنور ... في وجهه والشرف المذكور وقام لمك بعده ذا فضل ... في كائنات واختلاط نسل وناح نوح والفساد قد ظهر ... وصنع السفينة ذات الدسر فصار في الفلك وقد عم الغرق ... من جحد الله تعالى وفسق ثم نجا ومعه أولاده ... سام وحام وهما عتاده ويافث فالنسل منهم كائن ... تحويهم الآفاق والمدائن @الأنبياء المنصوص على قصصهم في القرآن ونعمة الله ببعث الرسل ... بحمدها ينطق كل مقول أولهم آدم الصفي ... وآخر محمد النبي أرسلهم طراً ليهدوا الناسا ... مؤلفاً بالدعوة الأجناسا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 928 فأدحضوا كل مقال زائف ... أكرم بهم من صفوة خلائف تأتيهم الملائك الكرام ... بكل ما يريده العلام فبينوا الحلال والحراما ... وأنفذوا الأمور والأحكاما حتى بدا الصبح لذي عينين ... وأسمعوا من كان ذا أذنين تألفهم صحابة أمجاد ... أسد حروب قادة أنجاد حتى هدى الله بهم من اهتدى ... لولاهم لأصبح الناس سدى فاختص كل مرسل بمعجزة ... من آية وكلمات موجزه @الخلفاء الأربعة ومن تلاهم من بني أمية ثمت خص الخلفاء الأربعة ... فأكمل الله بهم ما صنعه فاستخلف الصديق ثاني اثنين ... ذاك أبو بكر بغير مين جرد في جهاد أهل الرده ... ولم يكن يرضى بغير الشده ثم توفاه الإله راضيا ... وكان في ذات الإله ماضيا ثم تولى عمر الفاروق ... فالتأمت من بعده الفتوق واستعمل البعوث والأجنادا ... وألف الحروب والجهادا حتى أتته محنة الشهاده ... فهيأ الله له السعاده فصير الشورى إلى أصحابه ... ستتهم وهو يشكو ما به فآثروا عثمان بالخلافه ... وكان للإله ذا مخافه فمهد الأمة ذو النورين ... حتى سقاه الله كأس الحين إذ حصروه في حريم الدار ... مستسلماً من غير ما أنصار طوبى له من أشمط قتيل ... يقوم طول الليل بالتنزيل بؤساً لقوم قتلوا عثمانا ... إذ نقموا استخلاصه مروانا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 929 ثم تولاها أبو السبطين ... ذاك أبو الحسن والحسين علي ذو العلوم والشجاعه ... والزهد في الدنيا وذو البراعه فسار طلحة مع الزبير ... إلى العراق في أحث سير وخرجت عائشة للصلح ... فانصرفت والحرب ذات كلح فشبت الحروب يوم الجمل ... حتى أصيب طلحة في المقتل وقتل الزبير قبل الملحمه ... منصرفاً عنها حليف مندمه وثارت الحروب بالخوارج ... أصلاهم بالنار ذو المعارج ثم مضى علي إلى معاويه ... فاضطرب الأمر بعمرو الداهيه فاجتمعوا للحرب في صفينا ... فأيتموا البنات والبنينا ودام في حروبه علي ... حتى دهاه حادث وبي حين أصابته يدا ابن ملجم ... فخضب المفرق منه بالدم تباً له من خارجي فاسق ... خالف في التنزيل أمر الخالق فاغتاله وهو ينادى سحراً: ... قوموا إلى الصلاة يدعو منذرا ثم تولى الحسن الإمامه ... فمنحت بيمنه السلامه وحقن الله به الدماء ... وأذهب المحنة واللأواء وسلم الأمر إلى معاويه ... حياته وصار عنها ناحيه فسار فيها ابن أبي سفيان ... بسيرة للعدل والإحسان وكان فرداً في النهى والحلم ... حتى رماه حينه بسهم فانتقل الأمر إلى يزيد ... فحاد عن مناهج التسديد مجترماً في قتله الحسينا ... وجاء في الحرة فعلاً شينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 930 حتى أتاه الموت حتف أنفه ... فلم تكن له يد في صرفه ثم أبو ليلى تولى الحكما ... فعاقه حمامه إذ حما وكان لا بأس به في السيره ... ثم انقضت مدته اليسيره فاستخلفوا مروان نجل الحكم ... طوبى له من ملك محتزم فأوقعته زوجه في عطبه ... إذ أنفت من قوله: ابن الرطبه يقولها لابن يزيد خالد ... سليلها غضبان قول حاقد وكان ذا بأس وذا دهاء ... وبسطة في العلم والذكاء يقتحم الحرب بجأش رابط ... كفعله في يوم مرج راهط ثم تولى الأمر عبد الملك ... وكانت الدما به لم تسفك لكنه كان شديد الحزم ... أبو الخلائف الرضي الحكم وكان من عماله الحجاج ... سراجه في خطبه الوهاج حتى إذا بابن الزبير ظفرا ... وكان في مكة يعلو المنبرا للحرمين والعراق مالكا ... ومصعب أخ له هنالكا سقاه كأساً مرة المزاج ... وكان للحروب ذا اهتياج وثارت الحرب مع ابن الأشعث ... فاغتاله الحجاج لما يلبث وغلب البغاة عبد الملك ... بالحزم والجد وعزم موشك حتى توفاه مزيل ملكه ... فولي الوليد بعد هلكه وقد بنى الجامع في دمشق ... مقتصداً في ذاك وفق الصدق في عهده فتح أندلوسا ... طارق مولى ابن نصير موسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 931 ثم عام تسعين مضت واثنين ... ثم سقاه الدهر كاس الحين ثم سليمان تولى الملكا ... وساسه حتى تولى هلكا وكان ذا غزو وذا حروب ... في الروم لا يبقي على الدروب نعت إليه نفسه جاريته ... يوماً كانت أعجبته بزته وكان ذا حسن وذا جمال ... بين شباب راق واكتمال فأنشدت بيتين من قريض ... حثا مسيره إلى الجريض ثم تولى الأمر بعد عمر ... وكان في العدل إماماً يؤثر زهداً وعلماً واعتدالاً وتقى ... حتى اغتدى في الأمر فرداً منتقى قفا سبيل جده الفاروق ... ودحض الباطل بالحقوق إلى انتهاء الحتم من مدته ... فصار عند الله في رحمته ثم تلاه والياً يزيد ... فظل في سيرته يحيد تصبحه سلامة شرابه ... وربما تغبقه حبابه حتى أتاه الحين بعد حينها ... وبان عنه الملك عند بينها فصار في الأمر هشام يحكم ... يسوس في سيرته ويحزم قتل زيد بن علي إذ خرج ... عليه قتلاً لم فيه حرج فدام في جد إلى أن ماتا ... وزال عنه ملكه وفاتا فصير الملك إلى الوليد ... فلم يكن في الحكم بالسديد لما اغتدى مشتغلاً بالخمر ... وبالأغاني وسماع الزمر فأهلك الأمة بخلاعته ... فانخلعوا لذاك عن طاعته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 932 حتى ثوى معتنقاً حساما ... منصلتاً مغتبقاً مداما يا عجبا من ذاك كيف جازا ... وقدموه دون أن يمازا في العقل والدين بلا مثيل ... وهكذا الأكثر في التحصيل لأنهم قد كتموا النصوصا ... فأشبهوا السباع واللصوصا وقدموا ابن عمه يزيدا ... فكان في سيرته سديدا ذا ورع عدلاً رضاً صواما ... يتلو كتاب ربه قواما فدام في الأمر شهوراً خمساً ... حتى ثوى فضمنوه الرمسا فقدموا أخاه إبراهيما ... وخلعوه بعد ذا ذميما واستخلفوا من بعده مروانا ... في طالع ما إن عدا كيوانا فبايع الناس له بالأمر ... فصلي القوم به في جمر وقامت الحرب على ساق به ... إلى حمامه وحين نحبه إذ سار صالح مع المسوده ... إلى خراسان بجند جنده فسيق مروان إلى الحمام ... طوق طوق الصارم الحسام وانقرض الأملاك من أميه ... والموت قصرى كل نفس حيه @الدولة العباسية فصار في الأمر بنو العباس ... فلم يكن في حكمهم من باس أول أملاكهم السفاح ... خبر منه العدل والصلاح لكنه كان كثير القتل ... في عبد شمس طالباً بذحل دعا أبو سلمة الخلال ... إليه فانقادت له الرجال فكان رأس مظهري دعوته ... فخاف منه القدح في دولته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 933 إذ كان قد مال إلى آل علي ... مشايعاً من رام منهم أن يلي فدس من سارره جنح الغبش ... بأسمر أذلق كالصل نهش كان أبو مسلم السراج ... في عسكر مجر له عجاج قد سودوا الثياب والرايات ... يبغون من إثارة الثارات يدعون في بلاد خراسانا ... بطاعة السفاح لا مروانا فقتلوا مروان في بوصير ... فسجد السفاح للقدير لما رأى لا يقبل ذا نميمه ... مجانباً للشيم الذميمه وكان ذا علم وذا أناة ... مقتدياً بآله الهداة حتى حواه بعد قصر جدث ... وصار حتى الحشر فيه يلبث فصير الأمر إلى المنصور ... فأحكم التدبير للأمور إذ كان ذا سياسة وحزم ... مسدد الرأي قوي العزم فخرجت بمكة ويثرب ... طالبة آل أبي طالب فآلت الحرب إلى اهتياج ... مع أبي مسلم السراج فاحتال حتى اغتاله المنصور ... لما أتاه القدر المقدور فخلص الأمر لأبي جعفر ... مهنأً من غير ما تكدر حتى توفي في طريق مكه ... وبزت الأيام عنه ملكه فولي الأمر ابنه المهدي ... ذو السيرة الحسنى الرضا السري وهو ممدوح أبي العتاهيه ... في غير ما قصيدة وقافيه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 934 مشبباً بعتبة محبوبته ... في كتب التاريخ ذكر قصته لابنته علية شعر فشا ... وقصة في شأن طل ورشا وكان يشتد على الزنادقه ... ومن غلا يرضي بذاك خالقه إذ كان في العدل إماماً مقسطا ... حتى أتاه حينه فاعتبطا فولي الهادي ابنه من بعده ... فسار في سيرته وقصده عدلاً إلى أن ذهبت أيامه ... فعاق عن مأموله حمامه فصار هارون الرشيد تاليا ... للملك الهادي إماماً واليا فشيد الملك وأعلى كعبه ... حزماً وعزما وأذل صعبه واستوزر البرامك الأمجادا ... فاستوسق الأمر بهم وزادا حتى دهاهم حادث الأيام ... وكل عيش فإلى انصرام ثم دهى الحين الرشيد فاخترم ... والموت حتم في العباد قد حتم ثم ولي محمد الأمين ... في طالع حل به التنين فلم يزل مشتغلاً باللهو ... في غرة ومهملة وزهو ينشده أبو نواس الحسن ... وكان ممن شأنه التمجن أشعاره في الخمر والغلمان ... فيحتذي ما قاله ابن هاني حتى أتاه الحتف بالمأمون ... فصار رهناً في يد المنون أنحى عليه طاهر فاغتاله ... قتلاً وعن سلطانه أزاله ودارت الحروب في بغداد ... وآل أمرها إلى الفساد فجاءها المأمون عبد الله ... فانزاح عنها كل أمر داه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 935 حتى اغتدت في زينة العروس ... وغاب عنها كوكب النحوس إذ بايع الناس له فسلموا ... وأشرق الدهر وكاد يظلم وكان في سيرته المأمون ... عدلاً رضاً له تقى ودين ذا بصر بالعلم والكلام ... مفوهاً بالنثر والنظام وكان في أيامه ابن أكثم ... قاضيه يحيى اللوذعي المفهم له حديث معه مستطرف ... وكان ذا فقه له تصرف وثار إبراهيم ابن المهدي ... عليه والطالع غير سعد فعاقه عما أراد القدر ... فجاءه منهزماً يعتذر واستوزر الحسن نجل سهل ... إذ ناهز الحسن سن الكهل مصاهراً له ببوران ابنته ... منوهاً من جاهه وحرمته فصد عما ينتجه الحسنا ... وشك حمام بدفاع قد دنا فأصبح المأمون بعد الحسن ... مرزءاً يلبس ثوب الحزن مورياً إذ كان قد سقاه ... سماً وحياً قاطعاً حشاه وبايع المأمون موسى ألرضا ... ثم قضى الله لموسى ما قضى فدفن الرضا مع الرشيد ... طوبى لموسى من فتى شهيد ثم ثوى المأمون في جهاده ... رهناً بما قدمه من زاده وصير الملك إلى المعتصم ... فأحسن السيرة لما يظلم فاستفتح المعتصم العموريه ... ثم أراد غزو قسطنطينيه فعاقه عن ذاك أمر مزعج ... من ثائر قام عليه يخرج وأن الافشين بدا من كفره ... ما كان قد أجنه في صدره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 936 وقتل المعتصم الأفشينا ... إذ كان بالبغي يكيد الدينا أحرقه بالنار لما أن بغى ... وهكذا يجزي الإله من طغى ثم دهى بعد الإمام المعتصم ... وهو على دجلة حين فقصم فبويع الواثق بالإمامه ... وكان ذا عدل وذا استقامه وإنه كان محباً للنظر ... لكنه بالقول بالخلق أمر ثم عدا الواثق حين نزلا ... فابتز ملكه وما قد خولا فبايعوا لجعفر التوكل ... وكان عين الفضل والتفضل حتى دهاه حادث كبير ... فاغتاله بغاء الصغير مالا عليه ابنه المنتصر ... إذ سامه هوناً ومقتاً يضجر فبايعوا محمد المنتصرا ... فلم يدم في الملك إلا أشهرا فاضطربت أحواله بالترك ... ولم يزل في نكد وضنك جرعه المعتز من بغي جرع ... فسلم الأمر إليه وانخلع فتم للمعتز ما قد أمله ... والدهر يفري لو درى أجله فلم يكن يحسن [في الأتراك ... سيرته فحل في أشراك من ضغطهم فبايعوا للمهتدي ... فانخلع المعتز يلقى باليد ومات في المجلس] بعد خلعه ... فقمن يندبن نعاة ربعه فعرضت للمهتدي أعراض ... كان بها في ملكه انتفاض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 937 أظهر زهداً لم يوافق جنده ... وكف عنهم سيبه ورفده فوجؤوه بشبا الخناجر ... فلم يكن للمهتدي من ناصر فولي المعتمد الخلافه ... فآثر اللذات والسلافه وكان في حرب مع الصفار ... وغيره من سائر الثوار حتى دهاه ما دهى البريه ... فسلبته ملكه المنيه فولي الخلافة المعتضد ... وكان في حروبه يؤيد فخرجت في ملكه القرامطه ... بغياً فأبدى فيهم مساخطه وكان ببدر غلامه كلف ... وكان بدر البدر من غير كلف ووصلت قطر الندى إليه ... بنت ابن طولون خمارويه فكان منها في سرور وطرب ... حتى دنا الحمام منه فذهب فصار منها في سرور وطرب ... حتى دنا الحمام منه فذهب فصار في الأمر علي المكتفي ... فكان في السيرة عين المنصف لكنه أذاق بدراً حتفه ... إذ كان على ملكه قد خافه ثم أتى المكتفي الحمام ... وكان قد ساوره السقام فصير الأمر إلى المقتدر ... لله نجل المعتضد جعفر وابن المعتز قد غدا إماماً ... فسامه المقتدر الحماما ولم يسع مراد عبد الله ... لما دهاه بالمنون داه وأدركته حرفة الآداب ... بالقدر السابق في الكتاب فدام في الأمر سنين جعفر ... حتى أتاه القدر المقدر فشبت الحروب في أيامه ... فجرعته المر من حمامه فولي القاهر نجل المعتضد ... وكان فظ النفس ذا خلق نكد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 938 يعيث حتى سلمت عيناه ... إذ كان سهماً يتقى شباه فاستخلف الراضي أبو العباس ... فكان مشغوفاً بشرب الكاس ذا أدب وذا قريض حسن ... وكان في العلوم ذا تفنن ثم تولى بعد ذاك المقتي ... فما بقوا من بعده ولا بقي وبايعوا من بعده المستكفيا ... ثم انزوى عن أمرهم مستعفيا فأخلصوا الطاعة للمطيع ... فأحسن السيرة في الجميع ثم رمى بنفسه كالخالع ... إلى ابنه عبد الكريم الطائع طاعوا له ثم عدوا عليه ... وقطعوا حاجز منخريه وخلعوه بعد ذاك صاغرا ... وبايعوا ابن المتقي القادرا فاستوسق الملك له سنينا ... ثلاثة - قالوا - وأربعينا حتى سقته أكؤس الحمام ... وكل ملك فإلى انصرام ثم ابنه القائم بعد قاما ... وسار في سيرته أعواما ثم انتهى ملك بني العباس ... ودبر الأتراك أمر الناس [وبعد حين قام في بغدان ... مقدم يدعى بأرسلان فأسر الخليفة المذكورا ... وكان مرءاً بالتقى مشهورا وجد في الخلع بكل جهد ... وصرف الدعوة للعبيدي فحرك الرحمن ذو الجلال ... لنصره الملك الميكالي التغلبكي ملك الأغراز ... فقتل التركي بالأهواز ونصر القائم خير نصر ... وانفرد الغز بضبط الأمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 939 ثم ثوى القائم بعد مده ... وبايعوا لمقتديهم بعده ابن ابنه أحمد عبد الله ... وألمر للعادل شاهنشاه وبايعوا من بعده إذ قبرا ... سليله أحمداً المتسظهرا ثم تولاه ابنه المسترشد ... الفضل فاعتلوا به وسعدوا وشد أزر الملك والخلافه ... وهابه عدوه وخافه فهو إلى الآن إمام الخلق ... والملك لله الإله الحق] @دولة بني أمية بالأندلس وزمن الوليد كان فتحها ... بحسب ما قدم قبل شرحها وبعدكم حرب وكم من هول ... ليوسف الفهري والصميل استوسق الملك بهذي الناحية ... لعابد الرحمن بن معاويه ثم تولاها ابنه هشام ... حتى أتاه بعده الحمام فبايعوا ابنه المسمى الحكما ... فأبرم الملك له وأحكما فاعترض الملك له من اعترض ... فأوقع الصلب على أهل الربض ثم تولى عابد الرحمن ... سليله أسخى بني مروان ثم تولاها ابنه محمد ... وكان في السيرة ممن يحمد ذا بصر بالشعر والآداب ... وراسخاً في العلم بالحساب ثم ابنه المنذر وهو الأكبر ... ثمت عبد الله وهو الأصغر وبعده الناصر ذو البناء ... خمسين عاماً صاحب الزهراء وبعده المستنصر ابن الناصر ... وبعده هشام آل عامر ذاك الذي مات مراراً ودفن ... فانتفض الترب ومزق الكفن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 940 @ذكر الفتنة الأولى بقرطبة لما انقضت دولة آل عامر ... قام بها المهدي من آل الناصر وقال عن هشام المؤيد ... بأنه قد صار رهن الملحد وإنما أخبرهم بباطله ... والمرء لا يسطيع قتل قاتله فجاءه البربر في حفل الجنود ... مع ابن عمه المسمى بالرشيد فظفر المهدي بابن عمه ... وكان ذاك زائداً في غمه في طالع ينظر منه كيوان ... فجاءه البربر مع سليمان فوقعت بينهم حروب ... لاح له من بينها الهروب فأظلمت في عصره الآفاق ... وعمها الشقاق والنفاق فانصرف الملك إلى يديه ... فهجموا من بعد ذا عليه وطوقوه بشبا المهند ... بين يدي هشام المؤيد فسلم الأمر لسليمانه ... وهشموا هشام في أكفانه فلم يزل فيهم سليمان يلي ... حتى انبرى له ابن حمود علي فاغتاله الصقلب في الحمام ... وجرعوه أكؤس الحمام ثم انقضى عصر بني حمود ... والحرب والفتنة في مزيد وظهر المستظهر المرواني ... وشعره من أحسن المعاني وقتلوه بعد ذاك صبرا ... من بعد ما قد قلدوه الأمرا فبايعوا للناصر المستكفي ... بعد خطوب طال فيها وصفي ففر عنها ثم عاد المعتلي ... بالله يحيى نجل حمود علي ثم أتى من بعده المعتد ... والحرب في أقطارها تشتد فنقموا استخلاصه للحائك ... وزيره فخر أي هالك وخلعوا معتدهم هشاما ... وسجنوه عندهم أعواما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 941 @ذكر ملوك الطوائف الثوار بالأندلس @بعد ذهاب دولة ابن أبي عامر وأمراء الجماعة بقرطبة لما رأى أعلام مصر قرطبه ... أن الأمور عندهم مضطربه وعدمت شاكلة للطاعه ... واستعملت آراءها الجماعه فقدموا الشيخ ل جهور ... المكتني بالحزم والتدبر ثم ابنه أبا الوليد بعده ... وكان يحدو في السداد قصده فجاهرت في فضلها الجهاوره ... وكل قطر حل فيه الفاقره من كل منتز بها وثائر ... وعادل عن كل عدل جائر فالثغر الأعلى ثار فيه منذر ... ثم ابن هود بعد فيما يذكر وابن يعيش ثار في طليطله ... ثم ابن ذي النون تصفى الملك له وفي بطليوس انتزى سابور ... وبعده ابن الأفطس المنصور وثار في حمص بنو عباد ... والحرب والفتون في ازدياد وشاع عن هشام المؤيد ... بأنه حي ولما يلحد وأنه جاء من الحجاز ... واحتل في حمص على المجاز وقال عباد به فصدقوا ... بأنه حي لديه يرزق فنصبوا دعوته طلسما ... وقد محا الممات منه الرسما فعبدوه مدة أعواما ... إذ عدموا الألباب والأحلاما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 942 ثم نعاه بعد ذا عباد ... من بعد ما طاعت له البلاد وثار في غرناطة حبوس ... ثم ابنه من بعده باديس وآل معن ملكوا المريه ... بسيرة محمودة مرضية ذكرهم في غير ما قصيد ... يشرق مثل النحر بالفريد وثار في شرق البلاد الفتيان ... العامريون ومنهم خيران ثم زهير والفتى لبيب ... ومنهم مجاهد اللبيب سلطانه رسا بمرسى دانيه ... ثم غزا حتى إلى سردانيه ثم أقامت هذه الصقالبه ... لابن أبي عامرهم بشاطبه وجل ما ملكه بلنسيه ... وثار آل طاهر بمرسيه وبلد البنت لآل قاسم ... وهو حتى الآن فيه حاكم وابن رزين جاره بالسهله ... أمهل أيضاً ثم كل المهله ثم تمادت هذه الطوائف ... تخلفهم من آلهم خوالف دانت بدين الجور والعدول ... إذ سلبت عقائل العقول فأهملوا البلاد والعبادا ... وعطلوا الثغور والجهادا واشتغلت أذهانهم بالخمر ... وبالأغاني وسماع الزمر وزادهم في الجهل والخذلان ... أن ظاهروا عصابة الصلبان لما طوت صدورهم من غل ... ولاختيار البعض حال الكل فخسفت [ ... ] بالأرض ... وضيقوا من طولها والعرض فاستولت الروم على البلاد ... واستعبدوا حرائر العباد وقتلوا الرجال كيف شاءوا ... وضاع دلو الدين والرشاء وإذ أطال القوم أسرى القدر ... نحوهم خسفاً وما إن شعروا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 943 @دولة المرابطين بالأندلس فإذا أراد الله نصر الدين ... استصرخ الناس ابن تاشفين فجاءهم كالصبح في إثر غسق ... مستدركاً لما تبقى من رمق وافى أبو يعقوب كالعقاب ... فجرد السيف من القراب وواصل السير إلى الزلاقه ... وساقه ليومها ما ساقه لله در مثلها من وقعه ... قامت بنصر الدين يوم الجمعه وثل للشرك هناك عرشه ... ولم يغن عنه يومه أذفنشه فوجب الخلع لذي الخلاعه ... وصرحوا ليوسف بالطاعه واتصل الأمر على نظام ... وامتد ظل الله للإسلام وانصرفت على العدو الكره ... ورجع الجمع كأولى مره فتلك خيل الله في العدو ... تعيث في الرواح والغدو ثم ولى علي بن يوسف ... مهتدياً حكم أبيه يقتفي تمت الأرجوزة وبتمامها تم القسم الأول وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 944 ط: ينهى؛ ونمت الرمية: إذا أصيبت وغايت عن النظر ثم وجدت ميتة، ولذلك قيل: كل ما أصميت ودع ما أنميت. ينكش: ينزف. ب م: طلع. ط: اجتريت. ب م: كتابه الكبير؛ وهذا التاريخ الكبير هو المسمى بالمتين، وقد ذكر ابن سعيد أنه في نحو ستين مجلدة (النفح 3: 181) . ب م: مقدور. ط: ألبة. انفردت ب م بهذه الرسالة والتي تليها. من قول ضابئ بن الحارث البرجمي: هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله كان عبد الله بن أحمد الفرغاني (- 362) مؤرخاً، وله كتاب بعد صلة على تاريخ الطبري (انظر ترجمة الطبري عند ياقوت) وكان ابنه أبو منصور أحمد بن عبد الله (- 398) مؤرخاً كذلك، وله تاريخ وصل به تاريخ والده، وعنه ينقل ابن خلكان في مواضع (راجع فهرست وفيات الأعيان) وله أيضاً سيرة كافور وسيرة جوهر (ابن خلكان 5: 416) وسيرة العزيز (معجم الأدباء 3: 105) . ط: فتح. ط: طالما. ط: وعز به المكتوب. ط: ويتيم. ب م: حتى حرك العدى امتعاضك. ط: للسير. ب م: حسدك. ط: جاء. ب م: نباط. ب م: بأذاي. ب م: داري. ب م: تسله. ب م: أن ذلك كفء. ط: مع موصله. ط: والاستجارة؛ ب م: والاستخارة. ب م: فاجأتني. ط: ريقه. ط: واطابه. ب م: فأدالت عزته. ط: فيه. ط: تكسها. ب م: فنالني. عام: أي مطبق بالعماء وهو السحاب؛ وإذا قرئ " غام " فكأنه من غمى البيت أي غطاء. ب م: قبلت. ب م: بإمحاض. ط: ريح. ط: البشارة. ب م: الحمد. ب م: تزل تصحبها. ط: ووفى. ب م: أعرف. ط: مكتومه. انفردت ب م بهذه الرسالة. م: لمناح القلوب؛ ب: لمنا القلوب. ط: خرب (اقرأ: حزب) . ب م: الاظفر. في أخبار أبي عمر أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني المعروف بابن الهندي أنه لاعن زوجته (سنة 388) فلما لاموه في ذلك قال: أردت إحياء سنة (الصلة: 19 والمغرب 1: 212 والديباج المذهب: 38) ولا أدري إن كان هذا هو الذي يتحدث عنه ابن حيان هنا، فإن ابن الهندي وصف أيضاً بأنه كان حافظاً للفقه وأخبار أهل الأندلس، بصيراً بعقد الوثائق، ألف فيها ديوانا كبيراً، وكان طويل اللسان بصيراً بالحجة تنتجعه الخصوم فيما يحاولونه ويشاورونه، وكان وسيماً حسن الخلق والخلق (توفي سنة 399) . لم يرد في ط. ب م: أمحض. ط: الأغاني الفاتنة. ب م: ليخلص. ب م: الانتزاع. ط: وحرف. من المثل: لا حر بوادي عوف. الأعواد: المنابر. انظر ابن خلكان 3: 361. ب م: وكان أحد. ط: الدين. ب م: لفرط. ب م: الغبي. ط: والجهل. لم يرد في ط. ط: عانت. الذكاونة: أسرة بني ذكوان. ط: حرد. ب م: ووثن صحاب. ب م: جرئ. ب م: ويرسل للتغير (اقرأ: للنقير) عليه ريح ضلوعه. لم يرد هذا الفصل في ط. ب م: المسرفين. يعني قوله: لو كانت الأقسام تجري على حجى ... هلكن إذن من جهلهن البهائم ط: المبيدة. ط: السخف. ب م: رحمة. ط: تحويل. ب م: بمناحي. ط: فاهتبل بنوها في المشي على أعاظم القرية إلى شهود جنازتها. ب م: فبقي. ب م: أحد السماسرة. ب م: فيروح العشيات نشوان. ط: وتوفي فلان. ط: لموته. ب م: لأمثاله من أهل. ب م حطام الدنيا. ط: متولي الإمارة. أبو القاسم وأبو سوار بن محمد بن عبد الله بن مطرف بن سوار بن دحون القرطبي (- 444) كان من أهل الذكاء والفهم حافظاً للمسائل عارفاً بعقد الشروط، (الصلة: 224) . ط: دهراً. ب م: العلوم. ط: وفلان. ط: بما شاء من ادخار القوت والطعام. ط: الزلزلة والمجاعة. ط: وشمام. ب م: واندرج. ب م: اثر وفاته. ط: باسة. ط: لجمع آلات. ب م: على. ط: فاقة نعل. ب م: ولا يزال. ط: وكانت رسل الأملاك تأتيه لشراء تلك الآلات بأغلى الأثمان. ب م: تسليط الله تعالى له. ب م: حتى قلع صخام صخورها وأوقد النار عليها. قارن بالبيان المغرب 3: 233. ط: وجدت. ب م: ولم يذكرهما. ط: على تقديمهم لأبي الحزم. ط: ما لم يختلفوا فيه. ط: وجه تصرفه. ب م: الطمأنينة. ط ب م: مكابدته. ب م: تزايد. بعدها في ب م: وحركوا الأسواق؛ وسترد بعد قليل. ط: الناس للتحصيل. ب م: تعدل. ط: وولي ابنه أبو؛ وقارن بالبيان المغرب 3: 234. ط: وأقر لوقته. ب م: السياسة في درء. ب م: في العجب. ط: من. ط: قد تطبعوا بأخلاق العوام. ب م: في بلية. ط: عجباء. ب م: القلنساة. ب م: إخراجه من البلد. قارن بالبيان المغرب 3: 255. ب م والبيان: الانتصاف. في النسخ: خلفائه. يعني عبد الملك بن إدريس الجزيري، والبيت من قصدية له في الآداب والسنة، كتب بها إلى بنيه (الحذوة: 262 واعتاب الكتاب: 194) . ط: فطفق. ط: خطه. ب م: ما لخصته. ب م: من كلام. ب م: من إملاء. ب م: وشرد علي نظامه. ب م: ليجيء خبرهم بتمامه. قارن بالبيان المغرب 3: 256. من قول المتنبي: وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا البيان: يرفههم برفقة؛ وهو أصوب. ط: بخرقه. ب م: أمر. ط: لهم. ب م: بربض الجانب الشرقي منها. ب م: عن. البيان: عن يوم. البيت للمتنبي، ديوانه: 360. ب م: توسط قنطرة. ب م: ويضعهم. لم يرد هذا الفصل في ط. ب م: لا يتحرا (ى) منه. قبل " حال " بياض بمقدار كلمة في ب، وفي ب م: حاصر أهله. لعل الصواب " مسوفون ". معوقون: شبههم بالمنافقين الذين كانوا يعوقون الناس عن الخروج. القفص: الجمع؛ وفي النسخ: قبض. لم يرد هذا الفصل إلا في ب م. أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي الحافظ المعروف بابن الفرضي: هو صاحب تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس الذي ذيل عليه ابن بشكوال بكتاب الصلة. وله من المؤلفات أيضاً أخبار شعراء الأندلس، وكتاب في المؤتلف المختلف، وكان فقيهاً عالماً في جميع فنون الحديث، قتل في الفتنة لست خلون من شوال سنة 403 (انظر الصلة: 246 - 250 والجذوة: 237 (والبغية رقم: 888) والمغرب 1: 103 والمطمح: 57 والمطرب: 132 ووفيات الأعيان 3: 105 والديباج المذهب: 143 وتذكرة الحفاظ: 1076 والشذرات 3: 168 والنفح 2: 129) . الجذوة: 238. ب م: في هذا القيل، والتصويب عن الجذوة. صحيح مسلم: 2: 96، باختلاف يسير. وردت في الصلة والجذوة والبغية والمغرب والنفح. سترد ترجمته في هذا القسم من الذخيرة، ويرد البيت نفسه في ترجمته. الجذوة: 239 وانظر البيتين في المصادر المذكورة. اسمه أحمد بن أيوب، عمل كاتباً لدى الناصر لدين الله علي بن حمود، وتولى تدبير ملكه، وأحرز لذلك صيتاً شهيراً وجلالة عظيمة؛ وعرض له داء النسمة (ضيق النفس) وتمادت علته ولم ينجع شيء في علاجها، ثم لم تفارقه حتى كانت سبب وفاته عام 465 بمالقة، ونقل منها إلى حصن الورد فدفن فيه بعهد منه بذلك، وكتبت على قبره أبيات من نظمه، وحصن الورد عند حصن منت ميور (الذيل والتكملة 1: 73 - 75 والإحاطة 1: 240 - 243 نقلاً عن الذيل والذخيرة؛ وانظر المطمح: 25 (وعنه النفح 3: 547) والجذوة: 370 (والبغية رقم: 1520) والمغرب 1: 446) . وقد ذكر في ترجمة ابن شهيد فيما تقدم من الجزء الأول أنه رثى اللمائي عندما جاءه نعيه؛ ولابد أن يكون شخصاً آخر، أو أن يكون النعي كاذباً، لأن ابن شهيد توفي سنة 426. ب م: وإيراد جملة مما وجدته من نثره. ب م: بمحاسن. سيترجم له ابن بسام في هذا القسم من الذخيرة؛ وهذه الرسالة وردت في المطمح: 25. ب م: ظل. المطمح: ابتغت. زيادة عن المطمح. ط: الخلوص. ب م: فأسليك. ب م: العزة. ب م: بنسيم. ط: يجنى. ب م: يئس. ط: لتصميه. ط: بعد. يشير إلى قول الشماخ (ديوانه: 331) : إذا الأرطى توسد أبرديه ... خدود جوازئ بالرمل عين ب م: ولدي. ط: روض. ب م: وكوكب نوره يتألق في روض طرسه. ط: ومن شعره ما أشدني. وردا منسوبين له في المغرب 1: 447. المغرب: به. اليتيمة: 209، والخباز البلدي هو محمد بن أحمد بن حمدان (انظر الوافي 2: 57) . انظر المغرب 1: 447. النفح 3: 596 والذي والتكملة 1: 73 - 74 والإحاطة 1: 243. البيت لأبي ذؤيب الهذلي، شرح أشعار الهذليين 1: 8. ب م: وجدت. ب م: طلائع. ب م: أوهت عتاق خطوب دهري عاتقي. ط: فوق. ط: بفعل. ط: رضاب. أبو عبد الله محمد بن أحمد البزلياني: أصله من مالقة، وكان في خدمة حبوس أولا، ثم انتقل إلى بني عباد، وقد عزا إليه ابن حيان دورا في ثورة إسماعيل بن المعتضد على أبيه، وذكر أن المعتضد قتله. ط: وأبو عبد الله هذا وأيضا من. ط: حرفا. ب م: وقد أتيت به مشروحا. ب م: بموضعه. انظر القسم الثالث ص: 146 - 147. هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله البرزالي (البرزيلي) الزناتي، بويع بقرمونة سنة 400، وتوفي سنة 343 (انظر البيان المغرب 3: 311 وقد مر له ذكر في صفحات سابقة من هذا الجزء من الذخيرة) . البيت من الحماسية رقم: 253 (شرح المرزوقي: 750) لمعبد بن علقمة المشهور باسم معبد بن أخضر المازني (السمط: 343) . انظر ديوانه 1: 225. البيت لدريد بن الصمة، الأصمعيات: 112 (وانظر تخريج البيت في المصادر ص 110) . سورة الأنعام: 67. ب م: وعلينا ... إليه وإلينا. ب م: يحيى بن علي بن حمود. المؤتمن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أبي عامر. الموفق مجاهد العامري. عميد الدولة محمد بن عيسى بن محمد بن مزين صاحب شلب، بويع آخر سنة 445 وتلقب بالناصر ولم يزل ملكاً حتى سنة 450 (البيان المغرب 3: 297 - 298) ولا يمكن أن يكون هذا جاراً لحبوس، فلعل عميد الدولة لقب لشخص آخر، ومما يؤكد ذلك أن حبوس توفي سنة 428؛ والظاهر أن الرسالة ليست على لسان حبوس. ب م: مسافة. ب م: للحلم. ب م: أدنتني، ولعل الصواب " أدتني ". ب م: سليمة. ب م: وضعت. ب م: فخر. ب م: الزمان. ب م: أنفاسي. ب م: متجراً. وحزبك ... ويذم: زيادة من نسخة دار الكتب. في النسخ: أكبر. ط: أعاد. ب م: وتصير باقية. ط: ولا أبوء. ب م: وسمة. ب م: وإذا أسهل أحزن. ب م: أتاناه. ب م: والزمان. ط: رجاؤه ... محبته. ط: رجاؤه ... محبته. م ب: أيامي. ط: الدهر. يضرب المثل بمنعة جار أبي دواد، انظر ثمار القلوب: 127. ط م: والمناسبة. الخطبان: العلقم. ط: لاض. ب م: الزائر. ب م: رداء. ط: فكأن. ب م: وهنانة. ب م: أكملت. ب م: كتاب. ب م: أكثر العرب. ط: إذ. ط: ونقلك. ط: الشكر. هذه نهاية الترجمة في ط؛ وما جاء بعد ذلك فهو زيادة دخيلة أوردها من اطلع على مسودات ابن بسام، وألحقها بترجمة البزلياني، وقد انفردت بها ب م. بياض بمقدار ثلاث كلمات. ب م: زمانك. ب م: أعشى إلا بنارك. قراءة تقديرية. ب م: وينهك (أقرأ: وينهتك) . ب م: بطلب. هما مظفر ومبارك، وكانا صاحبي بلنسية أيضاً (انظر القسم الثالث من الذخيرة: 13) ؛ وقوله: " عنه " لا يعرف إلى من تشير على وجه اليقين. من قول أبي تمام (ديوانه 1: 70) . لما رأى الحرب رأي العين توفلس ... والحرب مشتقة المعنى من الحرب ب م: بسوق. ب م: داير. ب م: داير. ب م: بالمشاركة. ب م: الحيا. أبو جعفر أحمد بن عباس: ترجم له في المغرب 2: 205 (واعتمد على الذخيرة) والنفح 3: 535 والإحاطة 1: 129 (1: 267 تحقيق عنان) وراجع ترجمة ابن شهيد فيما سبق من هذا القسم. ب م: قد بذ الناس وقته. تأتي هذه الفقرة في ب م بعد الحديث عن بخله. ب م: سافرت؛ وكذلك سائر الخبر بضمير المتكلم. البرس: القطن، ويعني به هنا الثلح. ب م: صفحة. الميث: جمع ميثاء، وهي الأرض السهلة أو الرابية الطيبة. الخيار: ما تهور من الأرض وساخت فيه القوائم. ب م: في أثناء. ب م: فروة .... كسوة. ب م: وإخراج. الطرامة: خضرة تركب الأسنان أو بقية الطعام بينها. الشاشية: غطاء الرأس من حرير أو جلد أو غيرهما. الشبارق: الثوب الرقيق أو المقطع. زيادة من نسخة دار الكتب وحدها. ب م: يبيس. السيدارة: القلنسوة بلا أصداغ؛ وفي ب م ط: السداوة، ولعل صوابها " السداة ". الفطحل: زمن نوح، أو دلالة على زمن قديم: " والحجارة رطبة ". عام الصقر: هو عام يؤرخ به الرومان من عصر قيصر اكتبيان (Octaius) (المغرب 2: 8) التبان: سراويل صغير يكون للملاحين. ب م: حيله. ب م: تدبيرك. ب م: عربي. ب م: عنقه. ب م ط: مردخان. ب: اسفيرا؛ م: أسعير؛ والاسفيريا: خليط من اللحم والبيض والبصل. نيزكي: نسبة إلى النيزك، وهو الرمح القصير. الكميخت: (لفظة فارسية) نوع من الجلد. ب م: السندان. ب م: مرموساً؛ مرسوماً: قد نسي لتطالول العهد عليه. ب م: العمر؛ ب م: العبر. ط: غموسه. ب م: واستمد. ب م: قروبه. ب م: لهزل. ب م: إليك. ب م: إلعابك. ب م: وبصرته شبيباً تيمياً. ب م: النمر. ب م: كمدا. انظر المغرب 2: 205. المغرب: مسترة. المغرب: نفخنا. ب م: لي. ب م: وتسديداً. ب م: تلمظت. ط: وصرنا. ط: لقائكم. ب م: بكم. ب م: ومحض. ط: عددهم. ط: بآخرهم. ب م: بروكه. ب م: شأنه. ب م: وعدا به. ط: خط. ط: لهم. ب م: لما. ط: فإنما. ط: المؤيد. ط: وانقلعت. ب م: مناهجه. ط: هززناكم بهذه التذكرة ... يسيرة. ب م: يداً. ب م: حصير. البيت للمتنبي، ديوانه 337. ط: وسحام (اقرأ: وشجى) . ب م: مغالق. ب م: لشفعت لها. ب م: ومن كل قلب. هذه الفقرة حتى قوله: " حنقها وغضبها " لم ترد في ط، وهي دخيلة - فيما يبدو - لأنها متقطعة الصلة بما قبلها وما بعدها. ب م: فيتبين. ب م: إمامي. انظر القسم الثالث: 229 - 244. ط: وتجاربا. انظر البيان المغرب 3: 169 والإحاطة 1: 268 - 270، 526 - 528 (تحقيق عنان) . ط: خبر ونادر. ط: باديس بن حبوس على جاره القديم الحلف. ب م: ضرم. وردت العبارة موجزة في ط على النحو الآتي: " تمسكه بالمذكور، فأرسل إليه باديس رسوله معاتباً مستدعياً تجديد المحالفة، فسارع زهير وأقبل نحوه، وضيع الحزم، واغتر بالعجب والثقة بالكثرة، أشبه شيء بمجيء الأمير الضخم إلى العامل من عماله، قد ترك رسوم الالتقاء بالنظراء، وغير ذلك من وجوه الحزم "، وما في البيان المغرب مطابق لنص النسخة ط. ب م: الحد الذي جرت عادته بالوقوف عنده. ب م: استكثر. بقابل هذه العبارة في ط: " ومن حضرهما من رجال دولتيهما، فنشأ بينهما عارض الخلاف لأول وهلة، وحمل زهير أمره كله على التشطط، ووزيره أحمد بن عباس يفري الفري في التصريح بما يعرض به زهير ". ب م: كمائنه. ب م: راجفين. زاد في ب م: بما أسرع القعود عنه. ب م: حصدوها. ط: وجهل مصرعه؛ وسودان زهير غدروه. في ط: وانقلبوا مع صنهاجة، وليست من أفعالهم، وكانوا قطعة خشنة يقاربون خمسمائة. ب م: والعدة. ب م: بقوم. ب م: تلظى. ب م: ط: عف باديس عن ... ب م: المعركة. ط: وأطلق ابن حزم والباجي وغيرهما. ط: عن بلقين الصنهاجي. ب م: مستنزلاً عما أزمع عليه صاحبه ... من قطيعتنا. ب م: تسخطونا. ب م: إلى ما دعاكم إليه. ب م: وبلغني. ب م: على أسر ابن عباس. ب م: حمولي. ب م: فيه. ب م: بلدتهم. ب م: تسع وعشرين. ب م: وظهر. موضع العبارة في ط: فكان أبعدهم خلاصاً، وآثر الشفاء من قتله على عظيم ما كان يعطي في فديته. ب م: وذكر بأولاده. ب م: الخطاب. ب م: مسهماً بالأدب. ط: خصه بها. ب م: ولا يعلم أب ورث ابناً مثلها. ب م ط: له. ط: ومن عجبه أنه دخل قرطبة ومنها منتماه وهم بقية الناس فحجب. ب م: بقرطبتكم. صدره: جوعان يأكل من زادي ويمسكني. ط: لذلك. ب م: مشاكل الجنس. ب م: صنفت. ط: ومن صلفه. انظر الإحاطة 1: 270. ب م: عن صداه؛ الإحاطة: فنبشت قبره. ط: بحيث. الإحاطة (269) : أربعين رطلاً. ورد هذا الخبر مقدماً في ب م على سابقه. لم ترد هذه الرسالة في ط؛ ويبدو أنها مقحمة، وأن سياق الترجمة ينتهي نهايته الطبيعية قبلها؛ وترجمة أبي عامر التاكرني في القسم الثالث من الذخيرة: 226. ب: أسند. ذكره الحميدي (الجذوة: 283 والبغية رقم: 1165) ونسبه إلى تجيب وقال إنه كثير الشعر، مقدم عند أمراء بلده، وكان لقاؤه له بالمرية في حدود سنة 440؛ وانظر نفح الطيب 3: 413؛ وسترد رواية الحميدي هذه في ترجمته (انظر ص: 690) وهي رواية انفردت بها النسختان ب م. ب م: في حلبات. ب م: الديوان. ط: بوضوح ... وشهر. لعل الصواب: ردنك (وهي قراء نسخة دار الكتب) . ب م: ليلي. البيت لدعبل في العقد 1: 281، 2: 295، 3: 214 وشرح الشريشي 1: 351 وديوانه: 57 (تحقيق محمد نجم) وروايته: حين أفتحها. ط: مؤنة. ديوان أبي تمام 3: 15، وفيه: أو لوذعيته. ط: شأن. نوبات: جمع نوبة وهي الدورة الغنائية. قال للدهر: سقطت من ط. ط: مختلفة. ط: الندا؛ ب: البدا (اقرأ: البذا) . ط: عليك. البيت للقطامي، ديوانه: 31. ب م: سأدع. ط: صنعة. ط: وجهه. ط: تستبرعه. ط: وكالصانع. ب م: البديع. ب م: الأوهاد والأنجاد. ب م: الديباج. ط: تملأ. صعق: أتى بصوت شديد، والأشهر أن يقال في حال الديك " صقع "؛ وفي ب م: صفق، وهي قراءة جيدة، وسيكرر الكاتب " صفق وصرخ " في المقامة الآتية في حديثه عن الديك. ط: وصرخ. مزرب: محاط بزرائب أو أسوجة، الطوج: الحلفاء (Spartum) . الاسفنج: عجين لدن راب بالتخمير، يلقى في الزيت ويعرك بالبيض ثم يحشى بالجوز أو ما أشبه (شبيه بالقطائف المشرقية) انظر كتاب الطبيخ: 88. أغلب الظن أن اللفظة هنا تعني " خيال الظل ". ب م: والاسعيدام. من المثل: " أعن صبوح ترقق " (فصل المقال: 75 والميداني 1: 315 والعسكري 1: 16) يضرب مثلاً لمن كنى عن شيء وهو يريد غيره. صدر بيت، وعجزه: " سقيت الغيث أيتها الخيام "، ديوان جرير: 278. ب م: وإن كنا. ب م: واهتز هزة هرم للكرم. ب م: يتهافتون. ب م: أحدهم. الجوائز: جمع جائزة وهي خشبة السقف. ب م: حين. ط: والحرر. ط: الصبيان. ب م: من. ب م: مجاجة. ب م: وأين. الاسفيدباج: تفايا بيضاء ساذجة، وهي إذا كانت من لحم الضأن تقطع قطعاً صغيرة وتخلط ببعض التوابل واللوز المقشر، وتنضج على نار لينة (كتاب الطبيخ: 85) . ب م: غصص الدمالج. ب م: الأظلال. ط: التوسم. ط: وأحد. ط: تحيل. الميس (أو الميص) : مصالة اللبن (والميس المطبوخ في Brosat Vocabulista) . البرك: جمع بركة، طائر مائي صغير أبيض. التوديج: الفصد. ط: نسري النجد في الدياميم. ط: بعز. ط: ويتمنى. ط: ولا. منها بيتان في النفح 3: 413، وذكر أنه استحسنها فقال للشعراء: هل فيكم من يحسن أن يجلب القلوب بمثل هذا - النفح: البنان. النفح: كنت. ب م: تجلى. ب م: ألحاظاً ... سواجياً. ب م: تعود. ب م: نشر بها (اقرأ: بشر بها) . ب م: وشد. جاء في موضع هذه المقدمة في ط قوله: ومن شعره في الأوصاف، له من قصيدة؛ وانظر الجذوة: 283. ط: بها. الجذوة: يغضي ... أو يغضى. ط: تنحصر. ليست هذه الأبيات من رواية الحميدي، وقد وردت قبل الأبيات الرائية في ب م. ترجمته في المطمح: 80 والتكملة: 398 والمغرب 2: 143 والذيل والتكملة 6: 10 والإحاطة 2: 250 والمحمدون الشعراء: 99 والخريدة 2: 204 والسلفي: 17 والوافي 2: 86 والفوات 3: 283 والمسالك 11: 400 والزركشي: 262، وانظر ابن خلكان 5: 41 - 42 وصفحات متفرقة من نفح الطيب؛ وأورد ابن خلكان نسبه كالآتي: محمد بن أحمد بن خلف بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم، وورد في سائر المصادر محمد بن أحمد بن عثمان؛ ووصفه ابن عبد الملك بأنه كان متقدماً في التعاليم والفلسفة، مبرزاً في فك المعنى لا يكاد يدرك فيه شأوه، وذكر ابن الأبار أن ديوانه مدون على حروف المعجم؛ وكانت وفاته في حدود 480 بالمرية. ط: مليح. ب م: وضح. تأليفه في العروض هو " المستنبط في علم الأعاريض المهملة عند العرب " وله أيضاً " قيد الأوابد وصيد الشوارد " وكتاب ثالث اسمه " الامتعاض للخليل "، وفي هذا الأخير رد على السرقسطي المنبوز بالحمار واسمه سعيد بن فتحون، وقد مر التعريف به (انظر الذيل والتكملة: 10) . شرح ابن عبد الملك هذه المطالبة، وذلك أن أخا ابن الحداد قتل رجلاً فقبض عليه، ونالت الشاعر بسببه مطالبة أخفى من أجلها حيناً، ففصل إلى مرسية ونفذ منها إلى سرقسطة سنة 461. أقام ابن الحداد في كنف المقتدر أحمد بن هود مدة وامتدحه وامتدح ابنه الحاجب المؤتمن ثم عاد إلى المرية سنة 464. انظر نفح الطيب 3: 502. ب م: افتتحه بقول. ديوان المتنبي: 456. ب م: قطع من الليل. ط: الكتاب. ب م: الأوداء. ب م: فأدمجت. ط: الأجزاء. هذا مثل، انظر فصل المقال: 384 والميداني 2: 82 والعسكري 2: 162. عجز بيت، وصدره: أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة. ب م: لمسموغ. مثل، انظر فصل المقال: 203 والميداني 2: 54 والعسكري 2: 133. ب م: يخسف. الهلالي: لعله يعني أبا إسحاق الصابي. القري: مجرى الماء. السري: النهر. البقط: تفاريق الأشياء؛ ولعل الصواب هنا " نقطه "، وفي ب م: وخطه. ب م: يرود. لؤم: جمع لأمة، وهي آلة الحرب. ب م: الدافعة. ب م: بلمز. ب م: بأثارتك. ب م: خلدك. انظر فصل المقال: 424 والميداني 1: 312 والعسكري 2: 73. ب م: المائن الحائن. ط: خرق حجاب خرجك. ط: وخمدك. ب م: منك. النيق: أرفع موضع في الجبل؛ الخريق: الريح الشديدة؛ وفي ب م: لحريق. ب م ط: واعتصبت. ب م: سبيلهم. ط: ونبهتني. ب م: ولم تعدم. ب م: المنة. السلقة: الذئبة. البيت للمتلمس، انظر الأغاني 23: 569. ب م: داري. ب م: للفقهاء. ب م: أول وفادتك. ب م: عظمى. ب م: حنكني. ب م: للأذهان لا للأسنان. ب م: يخرق. انظر فصل المقال: 204 والعسكري 1: 36. انظر المثل: " مذكية تقاس بالجذاع " في فصل المقال: 413 والميداني 2: 147 والعسكري 2: 217. انظر المثل: " ترك الخداع من أجرى من مائة " في فصل المقال: 154 والضبي: 28 والميداني 1: 81 والعسكري 1: 188. ب م: مقنص. ط: أشفاره. يقال في المثل: " عود يقلح "، يضرب للمسن يؤدب، والقلح: صفرة تركب الأسنان، والتلقيح هو نزعه وتنقيحه؛ انظر العسكري 2: 39 (تحقيق أبو الفضل) والميداني 1: 309. انظر المثل: " الحديد بالحديد يفلح " في فصل المقال: 134 والميداني 1: 8 والعسكري 1: 229. ب م: مكور. ب م: ألمحها. انظر المثل في فصل المقال: 42 والميداني 2: 109 والعسكري 2: 273. بليق: اسم فرس، وفي المثل: " يجري بليق ويذم " يضرب للرجل يجتهد ثم يلازم؛ انظر اللسان (بلق) والعسكري 2: 424 والميداني 2: 249. ب م: منخلة. اللواحب: جمع لاحب وهي الطريق الواضحة. ط: أمتن. همام: الفرزدق بن غالب بن صمصمة، أما الكندي فهو امرؤ القيس، والبكري: طرفة ابن العبدج. النتغ: العيب؛ وفي النسخ: " تبقات ". انظر المثل: " عثيثة تقرم جلدا أملسا " في العسكري 2: 54 (تحقيق أبو الفضل) والميداني 1: 320؛ والعثيثة: تصغير عثة وهي دويبة تقع في الجلد فتفسده. ب م: ازدهى. انظر فصل المقال: 335 والضبي: 61 والميداني 1: 198 والعسكري 1: 313. السقط: الشرارة؛ الشنف: البغضاء. الماوية: المرآة، وقيل حجر البلور. لعله أبو بكر الحديدي وكان مقدما عند أهل طليطلة ومن أهل العلم والدهاء، حسن المنظر في صلاح بلده، وكانت العامة تعضده، ولهذا كان إسماعيل بن ذي النون ثم ابنه يحيى من بعده يستشيرانه في مهمات الأمور (البيان المغرب 3: 277) وسيعقد ابن بسام فصلا في القسم الرابع يتحدث فيه عن مقتل أبي بكر هذا (انظر المطبوعة 4 / 1: 118) . اللوح: الجو؛ يوح: الشمس. الحوباء: النفس. التباطق: التراسل بالبطاقات، وكأنه اشتقه إذ لم يرد استعمال الفعل " بطق " في المعاجم. ط: وتوهمت. ب م: ما تحته (اقرأ: فاتحة أو سانحة) . ب م: عليك. ب م: معترجاتك. ذكره العماد في الخريدة 2: 584 وقال إنه منجم المعتمد، وسيأتي له ذكر في القسم الثاني من الذخيرة، ويعتمد عليه ابن بسام في رواية بعض الأخبار. ب م: به. ذات الصدع: الأرض تتصدع عن النبات؛ وذات الرجع: السماء، ترجع بالمطر؛ والكبد: المعاناة والمشقة؛ الجزع: القطع. ب م: هذا. وردت أبيات من هذه القصيدة في الخريدة 2: 267 منسوبة للأسعد بن بليطة. ب م ط: صوامع. المنسأة: العصا. ط: مثنى ويلفو. ب م: ويشدى لشعري. ب م: فرأياً. ب م: وفي. وردت أبيات منها في المسالك والمغرب وابن خلكان والمطمح ونفح الطيب 3: 503 والخريدة. ط: فكالعنبري. النفح: فجمر. ابن خلكان: حداة هداة. أوحى: أسرع. النفح: موارد. ابن خلكان والخريدة: حوتها. الضآضئ: جمع ضئضئ وهو الأصل والمعدن. ب م: تناء. ط: رأى ابن جذيله. الخريدة: ذهني. ط: لم. انظر النفح 3: 503. ب م: يدمي. شروح السقط: 725. ديوان النابغة: 177 والمعاني الكبير: 319. هو يزيد بن عبيد بن بني سعد بن بكر، كان شاعرا راوية للحديث، وتوفي بالمدينة سنة 130 (انظر ترجمته في الشعر والشعراء: 591 والأغاني 12: 239 والخزانة 2: 150 وابن حيان رقم: 566 والجمهرة للزبير: 268) . الأبيات من قصيدة له ورد عدد من أبياتها في اللسان والمعاني الكبير: 1052 - 1053، والبيتان الأولان منها في اللسان (هدج) ومحاضرات الراغب 2: 673 والأول وحده في اللسان (زوج، القطا) والحيوان 5: 573 والميداني 1: 278 والمعاني الكبير: 318، والثاني وحده في اللسان (هدج، مسك) والثالث في المعاني الكبير: 640. المعاني والحيوان: وهن. في المصادر: تباشر. أي أن القطا تقول: قطا، قطا حين تفزعها الحمر ليلا فتنسب أنفسها فتصدق في نسبتها. العرم: بيض القطا لأنه منقطا. غير أزواج: لا يكون بيضها إلا فردا. الشوى: الأطراف؛ المسك: الذبل من العاج كهيئة السوار، جوابة الآفاق يريد الريح. مهداج: ريح حنون. يتحدث عن حمر الوحش في ورودها الماء، وقد شبه الشعر الذي في قوائمها بالمسك، حين وردت الماء (الذي هو من نسل الريح لأن الريح تسوق السحاب وتعصره) . المعاني الكبير: تنحاز .... منها؛ وفي النسخ: جندا. يصف الأمة التي تنساب في الماء أو تنحاز فيه، وهي المسك، والجد جمع جداء وهي التي لا لبن لها؛ قال ابن قتيبة: وكان بعض العلماء يزعم أنه أراد القطا ينحاز من الحمر عند الماء؛ مذبحة: أراد الأطواق في أعناق القطا كأنه أثر الذبح، وكان يرويه " حذا " والقطاة حذاء (أي قصيرة الذنب قليلة الريش) . ب م: أجسام. كذا في ب م وسقط البيت من ط. ديوان المتنبي: 79. ديوان صريع الغواني: 60 وديوان المعاني 2: 51. ب م: احمر؛ الديوان: حمي. هو منصور بن سلمة النمري (ترجمته في الأغاني 13: 139 وطبقات ابن المعتز: 242 وتاريخ بغداد 13: 65 والشعر والشعراء: 736) . انظر النفح 3: 503 وقال إنه مما يتغنى به بالأندلس. ب م: الخال. ديوان الهذليين: 147، وانظر عن حديث القارظين ديوان بشر ابن أبي خازم: 26 وفصل المقال: 473 والميداني 1: 142 والأزمنة والأمكنة 2: 13 والأغاني 13: 75. الأغاني 13: 76. الأغاني: بفيها يعل به. أي طلعت الجوزاء إثر الثريا عند الفجر، ففي ذلك الوقت يرجع أهل البوادي إلى مياهم، فعند ذلك أظن الظنون بآل فاطمة لأني لا أعرف أين ينزلون، معنا أم مع غيرنا. ط: محارباً، غير معجمة في ب، م: مجارياً. ط: فهجره (اقرأ: ففخره) . ط: معاقرا. انظر الخريدة 2: 281. ط م: ركنت. ط: فتى. اللزوميات: 66 / أ (نسخة ليدن: 206) ، 1: 176 (ط. هندية) . اللزوميات: غدا الناس كلهم في أذى. م: خفيف؛ اللزوميات: ألم تر أن طويل القريض. ط: مئول. م: ويبرز. عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري (- 149) كان صاحب تقعير واستعمال للغريب؛ انظر نور القبس: 46 وأنباه الرواة 2: 374 والفهرست: 41 ومعجم الأدباء 16: 374 ووفيات الأعيان 3: 486. ديوان المتنبي: 328. م: المزور. ط م: فأيدى. ط: وتحيي الهدى ناصراً ناصرا؛ م: وتجني الهدى. ط: ويحفظها. م: صفحتيه. ط: يسمع إرنان. م: صداء، وكلاهما صحيح. م: فينا. انظر نفح الطيب 3: 504 وذكر أن المعتصم بن صمادح حين قرأ الأبيات قال: لا يتهيأ له صلاح عيش إلا بأخيه، فهو منه بمنزلة السنان من الرمح؛ وأمر بإطلاقه. الأضبح: ما كان لونه على لون الرماد؛ وإذا قرئت بالصاد المهملة دلت على لون فيه حمرة؛ والأول أدق في وصف الذئب. م: فلسحره. بعد هذا البيت تعود النسخة ب لمشاركة ط م وينتهي الخرم. ب م ط: وينجح. ط: فنفد. ط: ومقترع: ب م: زنود. ب م: وشأنه. ط: وحصن. ب م: العادي. وردا في الخريدة والمغرب والتكملة والذيل وسرور النفس، الورقة: 449 والنفح 3: 504 وأورد المقري معهما قصة. راجع أخباره في البيان المغرب 3: 167، 173 - 175 والمعجب: 196 والمغرب 2: 195 والقلائد: 47 وأعمال الأعلام: 190 والمطرب: 34 والحلة السيراء 2: 78 - 88 والخريدة 2: 83 - 89 ووفيات الأعيان 5: 39 والوافي 5: 45 وتاريخ ابن خلدون 4: 162 وعبر الذهبي 3: 306 وصفحات متفرقة من نفح الطيب. قارن بالبيان المغرب ودوزي (Recherches ج - 1 الملحق: 19) . ط: حاجب. البيان: جملة. البيان: تقبحت؛ وأراه استعمل " تفرجت " بمعنى: انكشفت وتوضح منها ما كان مستورا، أو لعلها: تمرجت " بمعنى فسدت. ب م: أبوه. ب م: الشنعاء. ب م ط: واستضافت. ب م: لإصلاح. ط: فيه. ط: فيه. ب م والبيان: يده. ب م: يده. ب م: معاتبة. ظ: من ازدراء فرقة الأندلسيين؛ ب م: من ارداء. نقل ابن الأبار هذا النص في الحلة (2: 82) ونسبه إلى أبي عامر ونقله ابن سعيد ونسبه إلى ابن بسام. ب م: أبو معن. ب م: من فحولة الملوك. ب م والبيان: واكتفى من (البيان: عن) الضيق بالسعة. في النسخ: لبيط؛ وقد تكتب ألبيط وهي (Aliedo) حصن بين ليورقة ومرسية. من قول أبي نؤاس: تتأيى الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره البيت لمحمد بن عبد الله بن نمير النميري الثقفي وكان من شعراء الدولة الأموية يهوى زينب أخت الحجاج، انظر الأغاني 6: 180 - 197 في أخباره؛ والبيت ص: 183، وفي الأغاني: 153. ب م ط: واضطرب. موضعه القسم الثاني من الذخيرة. ب م: يوصيني. هو ابنه معز الدولة أحمد، وقد عهد إليه أبوه أن يلحق ببلاد ابن حماد إذا سمع بخلع ابن عباد على يد المرابطين، فلما حدث ذلك، غادر المرية في رمضان وقيل شعبان سنة 484 وقصد بجاية فأنزله المنصور بن الناصر بن علناس في كنفه (الحلة السيراء 2: 89 - 90) . عند هذا الحد تنتهي الترجمة في ط؛ ويبدو أن ما ألحق بعد ذلك إنما هو دخيل على الذخيرة، فهو مأخوذ عن القلائد والمطمح. انظر الحلة السيراء 2: 88 والقلائد: 48 والمغرب 2: 197 وكانت المناسبة أن دخل النحلي المرية والناس قد لبسوا البياض، أما هو فكان يرتدي أسمالا سوداء؛ وسترد ترجمة النحلي في القسم الثاني. الحلة والقلائد: أيجمل. القلائد: 48 والمغرب. القلائد: 49. المصدر نفسه؛ والنفح 1: 666، 3: 329 والمغرب 2: 197. رفيع الدولة: ذكره صاحب سمط الجمان ولم يسمه وكناه أبا يحيى وكذلك فعل السالمي، وكناه صاحب أبا زكريا (وفي النفح 3: 369 أبو زكريا يحيى بن المعتصم) ؛ انظر في ترجمته الحلة 2: 82 والمغرب 2: 199 والمطمح: 30 والنفح 3: 369، 387، وفي ج - 7: 43 ترجمة منقولة عن المطمح وهي مخنلفت عن ما جاء في المطمح المطبوع؛ وتعد هذه القطعة دخيلة على الذخيرة ولذلك ميزتها بحرف طباعي أصغر. المطمح: حجه. يعني الفتح بن خاقان. عند ابن الأبار (الحلة 2: 91) أنه كتب بذلك إلى عز الدولة وهو أخو رفيع الدولة؛ وانظر النفح 3: 369، 7: 42 - 43. الحلة والنفح: بحليته. الحلة والنفح: من يفديك. هذه القطعة والتي تليها لم يوردهما المطمح المطبوع. ترجم الفتح في القلائد (170 - 171) لمن سماه الوزير المشرف أبا محمد بن مالك ونقل المقري بعض تلك الترجمة (1: 674) ويؤخذ مما ذكره ابن خاقان أن منزلة ابن مالك ارتفعت لدى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وأنه بوأه المراتب اللائقة به وجعله مشرفا على صرف أموال خصصت لإصلاح الأحوال بشرق الأندلس؛ وقد التقى به الفتح بطرطوشة، كما لقيه بإشبيلية. ب م: اخترت ... ما يعرف. ب م: صواحب. ط: الفراق. ط: الوزير. يعتمد ابن مالك في هذه المقامة حل الأبيات الشعرية، وسأشير إلى نماذج من ذلك في سياق هذه التعليقات، ولكن استقصاء ذلك كله يثقل الحواشي كثيرا. ب م: أزهار. ب م: وبشرى. النوائج: الرياح الشديدة المرور والهبوب؛ ب م: نوائح؛ ط: بوائح. انصدع جون الهزيع عن جون الصديع: انشق سواد الليل عن بياض الصبح، والصديع: انصداع الصبح؛ ب م: انصدع جون الضريع. ب م: أجلبه للأنس. ب م ط: تنافرها. الهميم: كأنه من الهمهمة وهي الصوت الخفي؛ والهديد: الدوي؛ وفي ب م: البهيم. النئيم: الصوت الضعيف الخفي؛ الوئيد: الصوت العالي الشديد. الكتيبة الجأواء: التي يعلوها السواد لكثرة الدروع؛ ط: بأواء. ب: سواده؛ ط: مواده. ب م: صفصفت. ب م: صرفت. ب م: من الغبار ... كتراكم الغمار. ط: وثابت ... الأحلاك. ط: جلا. ط: ضمنت. من قول المعري (شروح السقط: 1264) : أودى فليت الحادثات كفاف ... مال المسيف وعنبر المستاف والمسيف هو الذي ذهب ماله. والمستاف: الشام، يقال: ساف الطيب يسوفه واستافه يستافه.. ط: تودي (وهو خطأ) . ب م: وأنجمها. ط: جياد تضمن. الكلام متصل في ب م. ب م: فظاهر. الدخرص والدخرصة من الدرع ما يوصل به البدن ليوسعه. والدلامص: البراق الذي يبرق لونه. ب م: باضت. ب م: المتن. من قول المعري: فلولا الغمد يمسكه لسالا. الأضا: جمع أضاة وهي البركة. ط: وارتسم. ط: واستعار. ب م: الفرق. العوهق: الخطاف الأسود، وقيل هو الطائر الذي يسمى الأخيل ولونه أخضر أورق وقال ابن خالويه: العوهق الصبغ شبه اللازورد. ب م: والبدر. توجس: تسمع. محلول من قول البحتري (ديوانه: 1745) : متوجس برقيقتين كأنما ... تريان من ورق موصل ط: ود. ط: ثنت. من المثل: إن يعط العبد كراعاً يتسع ذراعاً؛ في ط: ساروا في الغد .... الدؤلول: الداهية، والرقم كذلك. نثر هنا أبياتاً لأبي تمام (ديوانه 3: 27، 28) : وكم ناكث للعهد قد نكثت به ... أمانيه واستخذى لحقك باطله إذا مارق بالغدر حاول غدرة ... فذاك حري أن تبين حلائله وإن يبن حيطاناً عليه فإنما ... أولئك عقالاته لا معاقله من قول أبي تمام (ديوانه 2: 109) : شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي ... ومحت كما محت وشائع من برد والوشائع: خيوط الثوب؛ ومحت: أخلقت. مؤلل: محدد. ب م: وأي. ط: السهب. ط: رجم. من قول المتنبي (ديوانه: 258) : فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال من قول المتنبي (ديوانه: 92) : وما أنا بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام نثر قول البحتري (ديوانه: 247 - 248) : لا يحتذي خلق القصي ولا يرى ... متشبهاً في سؤدد بغريب شرف تتابع كابراً عن كابر ... كالرمح أنبوباً على أنبوب انظر فصل المقال: 362 والميداني 1: 221 والعسكري 1: 331. انظر فصل المقالك 199 والضبي: 54 والميداني 2: 152. نثر قول أبي تمام (ديوانه 3: 49) : بوأت رحلي في المراد المبقل ... فرتعت في أثر الغمام المسبل من مبلغ أبناء يعرب كلها ... أني ابتنيت الجار قبل المنزل وفي ط: أنزلت رحلي. ط: كالسيف. من قول الشاعر: فان يكن الذي ساء واحداً ... فأفعاله اللائي سررن ألوف وانظر ما تقدم ص: 340. ط: خلدي. من قول الشاعر: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً فارغاً فتمكنا السيف الخشيب: الحديث الصنعة أو الذي برد ولم يصقل؛ المخشوب: الذي بري البري الأول. ط: تذكر. من قولهم ": وأول الغيث قطر ثم ينهمر. ب م: غربان. ب م: أي جيد أقلد. من قول المعري: وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل ط: لدلالة. اللكاك: الزحام. الرسوب: السيف الماضي الذي يغيب في الضريبة. الجدلاء: الدرع المحكمة النسج. هو أبو براء عامر بن مالك شيخ بني عامر، وكان يلقب ملاعب الأسنة، لمهارته في التصرف بالرمح؛ وفي ب م: ملاعب الأسنة. م: بالنبل؛ ب: بالميل. المشهور هرم بن سنان الذي قام بالحمالات بين عبس وذبيان. ب م: واقتطف. ب م: ريحان. ط: عامر. ب م: بقسطاسي. ط: نصاب. ب م: ولا سرى وهمها في طيف وسنان. ط: وأنفسنا. ذكره الحميدي (الجذوة: 366) في من شره بالكنية ولم يعرف اسمه " أبو احمد المنفتل " (البغية رقم: 1510) وانظر المغرب 2: 99 حيث ذكر أنه من أعلام شعراء البيرة في مدة ملوك الطوائف، وإن صاحب المسهب ذكره، وذكره العمري في المسالك 11: 404 والعماد في الخريدة 2: 165 وسماه أحمد بن شقاق؛ وجمع ان ظافر في بدائع البدائه بين التسميتين فقال: أحمد بن الشقاق (في البدائع: الشفاق) المنعوت بالمنفتل ويقول العمري: " " قام على الغواية برهة ثم أقلع " وانظر النفح 3: 264، 332، 387 - 388. ب م: عند إملاء. انظر المسالك 11: 406. المسالك: تطرقها. المسالك: الطرب. ط: الأنام. المسالك: ثيابك. المسالك: بالمن. ب: يرجى. المسالك 11: 405. ط: يشملنا. ورد البيتان في المسالك. ط: ما. ط: عادل حاكم. أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني القبذاقي: له ترجمة في القسم الثاني من الذخيرة، ونسبه الحميدي (الجذوة: 260) إلى بطليوس؛ ورويت القصة والبيتان في النفح 3: 264 وبدائع البدائه: 365 - 366. انظر البيتين في المسالك والنفح وبدائع البدائه. وردا في المغرب والخريدة. ب م: يسمو. ترجمة أبي تمام ابن رباح الحجام في القسم الثالث (ص: 821) والبيتان في المسالك 11: 452 برواية مختلفة. ط: يستعمل. المرقاس، أو المركاس كما في كتاب الطبيخ: 21) نوع من النقانق، يدق اللحم ويعرك في قصعة بشيء من الزيت ثم يضاف إليه ثلاثة أرباعه من الشحم ويحشى به المصران ويقلى ثم تصنع له مرقة من خل وزيت. وردا في المسالك. ب م: لتمنيت. القطرميز (Bocal) نوع من الزهرية ضيق عند العنق واسع الفم. الأبيات في المسالك. ط: الحرار. يعرف بالأخفش بن ميمون أو بابن الفراء. أصله من القبذان وتأدب في قرطبة وله أمداح في ابن النغريلي (النغرله) الإسرائيلي وزير صاحب غرناطة (انظر المغرب 2: 182 - 184 والنفح 3: 387؛ وبيتا المنفتل في النفح والثاني منهما فيه 3: 332 ونسمه ابن سعيد 2: 184 لابن زيدون) . المغرب والنفح: فإذا ما قال شعرا. ب م: حمدان. ثار بلبلة أبو العباس أحمد بن يحيى اليحصبي سنة 414 وظل يحكمها حتى سنة 433 وتلقب تاج الدولة ثم خلفة أخوه محمد عز الدولة حتى سنة 433 وجاء بعده ابن أخيه فتح بن خلف بن يحيى ناصر الدولة إلى أن قضى المعتضد على دولته سنة 445، ولا أدري إلى أي واحد يشير بقوله " جهران " ولعل الصواب: حمدان وهي صورة من صورة " أحمد ". ب م: لثق. ابن النغريلي الإسرائيلي: يكتب الاسم على أشكال لعل أصوبها ابن نغدالة أي " المدبر " ويطلق على اثنين مشهورين هما صموئيل بن يوسف (إسماعيل أو اشموال بن يوسف) ويوسف ابنه، وقد كان إسماعيل عالماً وزر لصاحب غرناطة، وخلفه ابنه يوسف فاساء اتصرف فيما يبدو، فثار عليه الناس وقتلوا. ولكن ابن بسام ينسب أفعال الابن إلى أبيه، ويتابعه في ذلك ابن سعيد في المغرب، وهذا خطأ على وجه الدقة (انظر مقدمتي على رسالة الرد على ابن النغريله لابن حزم: 9 - 18، القاهرة 1960) . ب م: لم يألم. ب م: عقداً. من قول امرئ القيس: فقلت له لا تك عينك إنما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا السراء: ضرب من الشجر تتخذ منه القسي، وقال زهير - والكاتب هنا يومئ إلى ما ورد عنده: ثلاث كأقواس السراء وناشط ... قد انحص من لس الغمير جحافله استعمل " أربع " على التأنيث، ثم قال: " يتشبثون، ويتعلقون " ثم عاد إلى التأنيث بقوله " أعوذهن " .... الخ. ب م: وأحنف. ب م ط: المقاتل. بعد هذا البيت وقع خرم في ب. ورد منها عشرة أبيات في المسالك 11: 406. المسالك: قد بدت. ط: تزين عقودها. م: كهوف، وسقط البيت من ط. هذه العبارة التي تنص على عدم إدراج الغلو قد نسخت بما جاء بعدها من إثبات للغلو، وتعليق لابن بسام عليه، وهذا قد يشير إلى مرحلتين من العمل في نص الذخيرة؛ ولم يرد هذا القسم في ط حتى نهاية الفصل. م: لم. القطر: النحاس. م: وإن. واضح أن القصيدة موجهة إلى إسماعيل، وهذا الفصل يشرح مقتل ابنه يوسف، وقد أشرت إلى اضطراب ابن بسام في ذلك. ط: المأبون. م: على كل دين. م: نصب. م: وحجة. ط: بالناغير. م: عندهم. م: الذهلة. من قول أعربي يهجو بني جوين: إذا ما قلت أيهم لأي ... تشابهت المناكب والرؤوس انظر فصل المقال: 196 - 197 وعيون الأخبار 2: 2. م ط: وشد. ط م: البادسي. ط: نجعه. م: وتنسم. م: وثابوا. م: وهتكوا دون اليهودي كل حجاب. ترجم له ابن الأبار (التكملة رقم: 1552) وذكر أن كنيته أبو الحسن، وقال: روى عن أبي بكر مسلم بن أحمد الأديب بقرطبة، وله كتاب بستان الملوك، ذكره القنطري. ومسلم بن أحمد هو ابن أفلح النحوي الأديب (376 - 433) كان رجلاً جيد الدين راوية للشعر وكتب الآداب، وكان لتلاميذه كالأب الشفيق (انظر الصلة: 591 - 592) . م: بصاحب الاسفيريا؛ والاسفيريا (وتكتب أيضاً اسفريا) نوع من الطعام، راجع وصفه في كتاب الطبيخ: 23. م: الأعراب. هنا ينتهي الخرم في ب. وردت هذه الأبيات ص 508 من هذا الجزء. التيمية 1: 308 ودمية القصر 1: 93 وألحق بديوانه: 464. الدمية واليتيمة: في خده؛ الدمية: فتبخترا. ديوان إبراهيم بن العباس: 145 ومعاني العسكري 1: 351 وزهر الآداب: 299 ونهاية الأرب 1: 134 وسرور النفس: 32. نسبه في سرور النفس: 32 لابن المعتز. ديوان بشار: 211 (جمع العلوي) وفيه تخريج كثير. ورد لابن المعتز (الأوراق: 224) . سرور النفس: 30 ومعاني العسكري 1: 348 وزهر الآداب: 749 والمختار: 20 ونهاية الأرب 1: 135. انظر المصادر المذكور في الحاشية السابقة. زهر الآداب: 749 والمختار: 21 والعكبري 1: 40 وسرور النفس: 30 ونهاية الأدب 1: 135 وديوانه: 20. ط: بلفظ. ب م ط: حمرتها. لم ترد في ديوانه. ديوان تميم: 239. ب م: نبذت. لم يردا في ديوانه. ديوان ابن زيدون: 230. لم ترد في ديوانه. وردا من قبل ص: 565. ط: كقول. هما لكشاجم في قطب السرور: 569. انظر ما تقدم ص: 564. ط: الكاس، الآس. انظر ما تقدم ص: 510. ط: يلهو. ط: دثر. البيت لأبي تمام، ديوانه 1: 62. ط: عزلته ... خلعته. ط: أعشى. ديوانه 4: 90 والأوراق: 261 وحلبة الكميت: 329 ونهاية الأرب 1: 46 وشرح الشريشي 1: 72. الديوان: بلحظ مريض مدنف. ديوان ابن الرومي: 147. الديوان: فحرته فيه بمطلع. الديوان: شمس تساترنا؛ ط: ظلت تلاحظه. ب م: منيق؛ والقاف غير معجمة في ط؛ ولعل الصواب: " ينق ". ب م: الليل. ط: غصنه. انظر ما تقدم ص: 516. زهر الآداب: 692 وسرور النفس: 427. في النسخ: قد، وزهر الآداب: جر (اقرأ: حز) . لم ترد في ديوان ابن المعتز؛ ونسبها صاحب سرور النفس: 424 للنامي، ولم تدرج في ديوانه المجموع. ديوان العباس: 197. ترجمة ابن مرزقان في القسم الثاني من الذخيرة. ب م: بينهما. ط: وقال في جارية كان في يدها شمعة؛ وانظر نفح الطيب 3: 264. ط والنفح: إحداكما. ب م: وقال أبو جعفر بن هريرة التطيلي؛ ولم ترد الأبيات في ديوانه، وهي تلحق بقصيدته رقم 24 (ص: 70) في رثاء زوجته. ب م ط: خمدت. زهر الآداب: 693. سرور النفس: 434 - 435. زهر الآداب: 693. شروح السقط: 1683 وسرور النفس: 428. ط: المهم. ب م: وتخر الحرائر. انظر ما تقدم ص: 574. هنا تنتهي الترجمة من ط. أقدر أن هنا سقطاً في النص، لا يتم المعنى دونه، كأن يقال " وأنا أردد قولي ... " وأنه لابد من إيراد البيت المقصود، وذلك ينسجم مع قوله من بعد " بحرمة الأدب إلا ما أعدت علي البيت ". ليس الشعر للعباس بن الأحنف، وإنما ينسب تارة لعلية بنت المهدي (الأغاني 10: 185 والفوات 3: 125) وتارة لأبي حفص الشطرنجي (الأغاني 22: 51 والفوات 3: 136) وكان الشطرنجي قد نشأ في دار المهدي وكان يقول الأشعار لعليلة فتنتحلها. ب م: بانياً على قصوره؛ ب: قصوده. في ب م: يحيى بن إبراهيم؛ والصواب ما أثبته وهو إبراهيم بن يحيى بن محمد بن حسين ابن أسد التميمي، وكان صديقاً للفقيه أبي محمد ابن حزم، توفي سنة 461 (الجذوة: 149 والبغية رقم: 531 والصلة: 96) وهو ابن عم عبد الملك بن زيادة الله الذي تقدمت ترجمته، يلتقيان في " حسين ". ذكره ابن سعيد (المغرب 2: 281) ونسبه إلى لورقة، وكذلك ورد ذكره في المسالك 11: 407، وكلا المصدرين يعتمد على الذخيرة. ط: لبز أهل عصره. ط: وكان من ذوي الاقتار. المغرب 2: 282. وردا في المغرب. ب م والمغرب: أملي. ب م: صفاتهما. وردا في المغرب والمسالك. انظر المغرب 2: 283. وردا في المسالك. ب م والمغرب: وجه. المغرب: يبسم. وردت في المغرب والمسالك. المسالك: صباحاً. وردت ترجمته في الجذوة: 166 (البغية رقم: 581) والمطمح: 83 والمغرب 2: 17 والمطرب: 126 والخريدة (في ثلاثة مواضع) 2: 90، 262، 585) والمسالك (في موضعين في الثاني منهما ظنه ابناً له) ج - 11: 408، 460 وخلط بعض شعره بشعر ابن الحداد، ونقل المقري (النفح 4: 51 - 52) ترجمته عن المطمح، وانظر النفح أيضاً 4: 100. ما بين حاصرتين من المطمح: 83. ط: وأظنه. ط: وتردد ببلاد المغرب. ب م: في حين تأليفي هذا التصنيف. ب م: ولا بأس بحول الله من حصوله. هي في الجذوة والمسالك: 408، ومنها بيتان في المطمح والنفح. وردا في المسالك: 408. هو أبو نواس، وهذا البيت في ديوان المعاني 1: 258 وتشبيهات ابن أبي عون: 84 ونهاية الأرب 2: 272. وردا في المسالك. تقدم هذا البيت من قبل. ديوان ابن هانئ: 194. هما في المسالك: 408 والخريدة 2: 90، 270، 587. هو أبو بكر محمد النحوي (- 316) ؛ انظر ترجمته في إنباه الرواة 3: 145 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى. إنباه 3: 148 وذكر أنه قالهما لما حضر ابن يانس المغني. وردا في الجذوة. قطعة من ثلاثة أبيات في المطرب؛: 126 والخريدة (90، 269، 587) والمسالك: 460 واثنان في المسالك: 408. سيجيء الحديث عنه في هذا القسم. تقدم من قبل. انظر القسم الثالث ص: 669. هما في المسالك: 408. هذا البيت والذي يليه لم يردا في ط: وأغلب الظن أنهما دخيلان من المطمح: 84 (النفح 4: 50) والبيت الذي للأسعد هذا أحد بيتين في الجذوة: 166؛ وانظر ديوان ابن زيدون: 590 وروايته: تعدونني كالمندل الرطب إنما؛ وقد مر البيت في ترجمة ابن زيدون ص: 354. وردت ثلاثة منها في الخريدة: 588 واثنان في المسالك: 408. أبو بكر الكميت بن الحسن شاعر وشاح كان من شعراء عماد الدولة أبي جعفر بن المستعين ابن هود بسرقسطة، لقيه الحميدي وقرأ عليه كثيرا من شعره (انظر الجذوة: 314 والبغية رقم: 1315 والمغرب 1: 370 والنفح 3: 354 والتكملة: 348؛ وانظر جيش التوشيح: 86 - 96) . ينسب أيضاً لجرير: انظر ديوانه: 1030. هما في المسالك: 408. وردت الأبيات في الخريدة: 90 والمسالك: 408. ط: عليه. ب م: نموت. منها أربعة في المغرب. ب م: كانوا. ب م: وضعت. منها ستة عشر بيتا في المطمح (مكررة في النفح 4: 50، وثلاثة في النفح 4: 100 و 13 ثم 7 ثم 3 في الخريدة: 585، 266، 90 و 4 في المسالك: 460. ب م: بالحلم. المطمح والنفح: برامة. الأوراق: 199. ط والخريدة: حمرة. ب م: أجادها. ب م: ذبالا أعدت؛ وسقطت جميع الأبيات من ط. كذا؛ ولعل الصواب: شايرتك، أي ارتفعت ببصرها إليك. ترجمته في أخبار وتراجم للسلفي: 76 وسماه هناك عبادة بن محمد (وعبادة هو ابن هذا الشاعر المترجم به) والقلائد: 14 والخريدة 2: 182 والمغرب 2: 134 والوافي 3: 189 والنفح 3: 411، 394، 610؛ 4: 13، 103 وترجمته في أزهار الرياض 2: 252 أجود، وهي منقولة عن ابن خاتمة، وانظر مسالك الأبصار 11: 377 ودار الطراز حيث وردت له موشحات؛ ومن الغريب أن لسان الدين لم يذكره في جيش التوشيح. ط: ذكر. ب م: وأنشد. منها 11 بيتا في المغرب و 6 في قلائد العقيان: 14 وأربعة في الخريدو. ب م: جلبت. منها 5 أبيات في المسالك وثلاثة في المغرب. ط: وهو القائل. ط: العلاء به. القراق: الذي يصنع الأقراق (نوع من النعال) فهو الإسكاف. لم أجد أحدا ذكره سوى العمري في المسالك 11: 412 اعتمادا على الذخيرة؛ وفي ب م: الطغيري. ط: العيد. ط: بفرقد. ب م: شوط. ب م: يصف فيها قدر الحمام، خاطب بها والد غلام، كان له هناك حفظ وإكرام يقول فيها. ب م: على ذات الحال. ب م: يد. ب م: نماؤه. من قول الأعشى (ديوانه: 150) : نفى الذم عن آل جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق ط: وظرف؛ ب م: وظعن. بهامش ظ تصحيحا: لعبد الرحيم. ليس يتضح علاقة هذه الأبيات بالترجمة، أو علاقة المترجم به بعبد الرحمن بن عبد الرزاق؛ والأمير عبد الله هو عبد الله بن بلقين آخر بني زيزي في غرناطة (469 - 483) ولكني لم أجد ذكرا لوزيره في المصادر. ط: منية. ط: الظليم. منها أربعة أبيات في مسالك الأبصار. ب م: ذا كرر الوجه وذا سامج. ترجمته في الصلة: 346 والقلائد: 190 والخريدة 2: 374 وترتيب المدارك 4: 816 والمغرب 1: 115 والديباج المذهب 157 وبغية الوعاة: 312. هو أبو الوليد احمد بن عبد الله بن أحمد بن طريف بن سعد، روى عن شيوخ قرطبة ومن بينهم أبو مروان ابن سراج وابن حيان، وكان أديبا نحويا لغويا كاتبا بليغا، وهو أحد شيوخ ابن بشكوال، وكانت وفاته سنة 520 (الصلة: 79 - 80) . ذكر القاضي عياض أنه " قوة " بالواو، وهو سراج بن قوة بن رفعي بن الكاهن (ترتيب المدارك: 816) . ب م: التهافت. ب م: ومشهور. ب م: وأيأس. ب م: وكتاب المعاني. ط: وغير ذلك من الكتب. ط: لثلاث خلون؛ وعند ابن بشكوال: ليلة عرفة. ب م: سنة خمسمائة. في الصلة: سنة أربعمائة. ط: الرابع. ط: ابن حازم؛ وهو خازم بن محمد بن خازم (410 - 496) قرطبي غلب عليه الأدب وكان له تصرف في اللغة ولكنه لم يكن بالضابط لما رواه (الصلة: 178) . ط: قال فيها. ديوان ابن دريد: 39 (ط. تونس) . صحب أبا مروان ابن سراج مدة أربعين عاما، وكان من أهل المعرفة بالآداب ومعاني الأشعار وكان عسر الأخذ نكد الخلق، وتوفي سنة 514 (الصلة: 77 - 78) . جده مكي بن أبي طالب هو المقرئ المشهور، أما هو فكان شيخ ابن بشكوال، صحبه خمسة عشر عاما، وكان عالما باللغات والآداب ضابطا، جماعة للكتب في هذا الشأن، وتوفي سنة 535 (الصلة: 129 والمغرب 1: 108 وإنباه الرواة 1: 267 وبغية الملتمس رقم: 617) . ب م: خلس. ب م: منه. ب م: به. ابن خلكان 3: 214، 5، 31 ونسبها لابن المعتز. ديوان الرضي 2: 201. ديوان ابن حميدس: 269. ط: تصرفت. ترجمته في القسم الثاني من الذخيرة. ط: وارت. ط: نشأ، وسقطت من م. ب م: الملا. ب م: منه. ب م: القوى. ب م: فوق. نرد ترجمته في القسم الثاني من الذخيرة. ط: المتقدم بنبله. ب م: اصطفت مواقفها. ط: فيها. ط: تفنى. هو محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن حكم بن سليمان بن الناصر الأموي، ويعرف بالأحمر، تتلمذ على أبي مروان ابن سراج وكان حافظا للفقه متفننا في المعارف، توفي سنة 542 (الصلة: 557) . ب م: أبنه قصيدة يقول فيها. ب م: وليس هذا المجموع لاستقصائها. ط: قدماء. ترجمة أبي الحسين سراج بن عبد الملك في الصلة: 222 والمغرب 1: 116 والقلائد: 202 وأخبار وتراجم أندلسية: 132 والديباج المذهب: 126 وترتيب المدارك 4: 518 والخريدة 2: 484 والمطرب: 132 والمسالك 11: 414 ومعجم الأدباء 11: 181 وبغية الوعاة: 251. وردت الأبيات في المغرب والخريدة والمسالك والسلفي. ب م: الدموع. ديوان التهامي: 89. ترد ترجمته في القسم الثاني من الذخيرة. من أبيات له سائرة، انظر الخريدة 2: 237 وابن خلكان 6: 203 والمطرب: 198 والمغرب 2: 19 ومعجم الأدباء 19: 21 والنفح 3: 209، 4: 155، 237 وسترد ترجمة ابن بقي والأبيات في القسم الثاني من الذخيرة. ط: عنه. أبو الحسن بن اليسع: أخباره في الحلة السيراء 2: 172 - 176 والمغرب 2: 87، 248 والقلائد: 167. ط: فارتجل أبو الحسين؛ وانظر الحلة: 173. هو أبو علي محمد بن المستنير أحد تلامذة سيبويه (توفي سنة 206) انظر نور القيس: 174 وفيه نماذج من شعره، وإنباه الرواة 3: 219 وفي الحاشية ثبت بمصادر ترجمته. أبو محمد اليزيدي: يحيى بن المبارك بن المنيرة العدوي (- 202) . ترجم له ابن خلكان 6: 183 (وفي الحاشية بيان بمصادر ترجمته) وانظر مجموعة من شعره في نور القبس: 80 - 87؛ وقد قام الدكتور محسن غياض بجمع شعر اليزيديين (بغداد 1973) . انظر شعر الزيديين: 34. ط: جاهلا. ديوان دعبل: 136. اسمه محمد بن سعد (ويقال هشام) بن عون السعدي، وكان يسمى بمحمد ومرة بأحمد وكنيه أغلب عليه، وكان أعرابياً يفخم كلامه ويعرب منطقه، توفي سنة 248 (الفهرست 48 وأنباه الرواة 4: 167) . وفي ب م ط: ابن محلم. هو محمد بن عبيد الله بن عمرو، أموي النسبة، بصري، وكان يروي الأخبار وأيام العرب، وكان مستهتراً بالشراب ويقول الشعر في عتبة فعرف بالعتبي، توفي سنة 228. (انظر ابن خلكان 4: 398 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى) . في النسخ ابن ليونس ... جرك؛ والتصويب عن نور القبس: 114 وأنباه الرواة 3: 282، وورد شعر أبي عبيدة فيهما. ب م: استفتاح. لم أجد من ترجم له، وفي الذيل والتكملة 5: 33 ذكر لعبد الملك بن محمد بن شماخ الغافقي أبي مروان أخي أبي جعفر وأنه روى عن أبي جعفر البطروجي، ولم يزد على ذلك. ط: أدركته. ط: ولولا أنه اختصر لمهر وبهر. ط: أخرجت. ط: القاضي. ط: قال فيها. ط: دام عز؛ ب م: أعز الله. ط: أدبه. ب م: الواسعة. ب م: سألمح ... بلمحة. ب م: بإشبيلية. ب م: زهدنا في حمص. غافق: من كورة فحص البلوط. ب م: صرفت. انظر يتيمة الدهر 4: 335 وعكس ترتيب البيتين. المصدر السابق نفسه. ط: والجار. ديوان أبي تمام 3: 182. ديوان ابن هانئ: 58. في النسخ: يبدي ... ويعيد. ورد بعض هذه الرسالة في القلائد: 193. البيت لتميم بن أبي بن مقبل، ديوانه: 273 وشرح شواهد المغني: 227 والخصائص 1: 318. في النسخ: غني، والتصويب عن القلائد. البيت لطرفة، ديوانه: 93؛ وفي ب م: وسقى ديارك. القلائد: لسبيله. القلائد: معرسه. فيه إشارة إلى المثل: " فتى ولا كمالك ". في النسخ: وتقبلت، والتصويب عن القلائد. القلائد: في ميدان الحمد .... اتخذ له الريح خافية وساقا. ط: وجه. من قول ذي الرمة (ديوانه 2: 490) : وردت اعتسافا والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماء محلق انظر ديوان المتنبي: 15. ب م والقلائد: بسنا وإن كرمت أوائلنا. ط: وثلج؛ القلائد: وطلح، وهي قراءة جيدة. هو لجرير (التاج: قنعس) . البيت لأبي الطمحان القيني (الأغاني 12: 8 - 9) . ب م: كالمرهف. ب م: وأعطر. ط: جفت. لأعشى الكبير، ديوانه: 43. ط: منبتل رداء (اقرأ: مسبل رداء) ؛ القلائد: مقتبل رداء. ط: تشرق؛ القلائد: تروق. إلى هنا ينتهي ما ورد من الرسالة في القلائد. في النسخ: وأوعزت إيعاز؛ وصوبته بحسب المعنى. البيت والأبيات التالية لأبي تمام، ديوانه 3: 355 - 357. زيادة من الديوان. ب م: أدرن. ط: ببقاعه. انظر ديوان المتنبي: 323. ب م: باد. انظر ديوان جميل بثينة: 144. لم يرد إلا في نسخة دار الكتب؛ وفي البيت إشارة إلى المثلين: ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان؛ انظر فصل المقال: 199 والضبي: 21، 54، والميداني 2: 153، 152. انظر فصل المقال: 202 والميداني 2: 14. انظر فصل المقال: 135 والضبي: 9 والميداني 1: 86. انظر فصل المقال: 33 والميداني 1: 242. البيت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، انظر بهجة المجالس 1: 814 وعيون الأخبار 3: 76. البيت للفرزدق وهو من شواهد سيبويه 2: 207 والخزانة 1: 99. انظر فصل المقال: 427 والميداني 2: 108. من المثل: حرك لها حوارها تحن (العسكري 1: 100) . دسع البعير بجرته: دفعها حتى أخرجها من جوفه. كذا هو، ولعل صوابه " عن غرضة فقير " والغرضة: الحزام، والفقير: الجمل المكسور الفقار؛ وفي ط: قرصة فقير، وهي قراءة جيدة، وهو يومئ إلى القلة، ويفسره البيت التالي. قال مالك: يريد أنه ترك ميدان الأدب، وتعلق بالفقه، وإلى مثل هذا يشير الأعمى التطيلي بقوله ويا قال زيد أعرضي أو تعارضي ... فقد حال من دون المنى " قال الملك " الشعر لأبي نواس، ديوانه: 325. في النسخ: ينافج. انظر اللسان: (لغط) . ديوان أبي تمام 1: 325. ديوان المتنبي: 480. ب م: بقاع. زاد في نسخة دار الكتب: الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرجل ط: سآتيكه. البيت للنابغة الذبياني، الأغاني 8: 214، وسقط من قصيدة في ديوانه: 113 - 120 (شرح ابن السكيت، تحقيق الدكتور شكري فيصل) . بنو حمدين تغلبيون في نسبتهم، وقد كان لمحمد بن علي منهم ابنان أحدهما أبو القاسم أحمد (الصلة: 81 والمغرب 1: 162) وكان قاضيا للجماعة بقرطبة وتوفي سنة 521؛ والثاني أبو جعفر حمدين تولى قضاء بلده سنة 529 ثم صرف عن القضاء سنة 532 ثم أعيد وبقي حتى انهيار دولة المرابطين، فتسلم زمام قرطبة ودعي له على منابرها وسمى نفسه " أمير المسلمين " المنصور بالله " (وكانت وفاته سنة 548) أما أبو عبد الله المذكور هنا فهو ولد أبي القاسم أحمد. وقد سماه ابن خاقان أيضاً (القلائد: 192) قاضي الجماعة، ولا بد أن يكون تولى القضاء بعد وفاة والده (أي بين 521 - 529) . ب م: الأيام. ب م: معزوب. ب م: منه. ط: البديع. ب م: وأفرغ فيها ... سكته. ب م: بسجوة. في النسخ: ويعنى. ديوان أبي تمام 1: 402. انظر رسالة الكشف عن مساوئ المتنبي (مع الابانة للعمدي) : 234 - 235. ديوان أبي تمام 1: 25. انظر الوساطة: 429، 180 ورسالة الصاحب: 244، وأبيات المتنبي في ديوانه: 424، 11، 119، 572. ديوانه 2: 324 وصدره: تروح علينا كل يوم وتغتدي. ديوان بشار: 165 (جمع العلوي) . ب م: بطعنة. لعلها يك (Yecla) شمال مرسية؛ وهناك لكة وهي من كورة شذونة حيث كان لقاء طارق ورذريق (الروض المعطار: 169) وذكر صاحب الروض (185) لكة في أقصى الشمال، مما يجعل تعيين الموضع الذي قصده ابن شماخ غير متيسر. بنو صباح: انظر الاشتقاق: 192 - 193، 198. ديوان المتنبي: 584، 586. في النسخ: محسن وتفرق غلمانه. قد مر التعريف به ص: 512 وانظر الأغاني 22: 255 - 256. ب م: بهم. ط: بفأل. ب م: جامداً. ط: العيش. أورد ابن بشكوال ترجمة لأبي عمر أحمد بن يحيى بن عيسى الالبيري الذي يروي عنه أبو المطرف الشعبي، وقد لقيه أبو المطرف بغرناطة سنة 428، وكان أبو عمر يعرف قديماً بابن المحتسب ثم عرف بابن عيسى، وكان أديباً شاعراً متكلماً، له مؤلفات قرأها عليه أبو المطرف؛ وقال ابن خزرج أن ابن عيسى سنة 429 (الصلة: 48) وترجم له ابن سعيد (المغرب 2: 95) في قسم البيرة، ولكن جانباً مما ذكره مختلط بترجمة أبي الوليد غانم، وهي الترجمة التالية. ب م: ما هو شرط للكتاب. أبو المطرف الشعبي هو عبد الرحمن بن قاسم من أهل مالقة، كان فقيهاً ذاكراً للمسائل يحفظ المدونة وغيرها، أخذ عن شيوخ مالقة كأبي أيوب الالبيري وحسين بن موسى الفقيه المشاور وغيرهما، وشوور ببلده في الأحكام، توفي سنة 497 (الصلة: 329 وأدباء مالقة: 131) . ب م: العلم. ب م: أنى. ب م: صراطها المستقيم. في النسخ: وجلت (اقرأ: جلت) . ط: حنيناً. ط: مشوب. ب م: كميت (اقرأ: كمنة) . ب م: دائماً. ط: مخواصاً؛ ب: محواضاً. ب م: أبقت. ب: تصفو معاطفة؛ ب م: لتستمر. ط: جددت. ب م ط: سر. انظر الآية: 44 من سورة الشورى. ط: الطريق. ط: وجوابه. هو غانم بن وليد بن محمد بن عبد الرحمن المخزومي من أهل مالقة (- 470) ؛ انظر الجذوة: 306 (والبغية رقم: 1280) والصلة: 433 وأدباء مالقة: 179 والمطمح: 60 والمغرب 1: 317 والمطرب: 84 ومعجم الأدباء 16: 167 وبغية الوعاة: 371 وصفحات متفرقة من النفح. ب م: وجميل. ب م: في مخزوم. ط: التعليم. ذكر ابن عسكر في أدباء مالقة: 166 علي بن عميثل وقال: من اشياخ مالقة، ولم يذكر كنيته، وذكر ص: 190 سليمان بن عميثل، ويرجع بنسبه إلى قبيلة عاملة، وكنيته أبو أيوب. وردا في المغرب 1: 318 ومعهما بيت ثالث. ب م: لو. ب م: الوفاء. بنو جودي: ينتسبون إلى بني سعد بن بكر بن هوازن، وقد رأس بعضهم (النفح 1: 291) ؛ كان جدهم جودي بن أسباط يلي الشرطة للحكم الربضي، كما ولي قضاء البيرة (الحلة 1: 155) . ط: بالراح. وردت هذه الرسالة في أدباء مالقة: 179 - 180. أدباء مالقة: الفارط. ب م: والشاهق؛ أدباء مالقة: والسابق. أدباء مالقة: جوى. ب م وأدباء مالقة: وأهدته. ط: أحدثها. ط: الوصلة. ط: صاولت. من قول المتنبي: ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه ... أني بما أنا باك منه محسود الأبيات في أدباء مالقة: 179. ط: منه، ب: منذ؛ م: منك. ب م: حاتم العلا (م: خاتم) ب م: العليا. البيتان في أكثر المصادر الموجودة في ترجمته، وفي نفح الطيب 3: 265، 398، 447، 596؛ 4: 28. انظر النفح 3: 265، 398. انظر النفح3: 447. ط: بالحب. كذا، وهو خارج على المقبول من الصيغ، إذ حقه أن يقول " تلقينني ". ب م: يقضيه مجراك؛ ط: فحواك. ب م: بإمام ترجع إليه. في النسخ: الحسين. ب م: بين إقامته. الأرجح أن الإشارة هنا إلى السطيفي، وهو رجل من مالقة، تعاون مع نجاء الصقلبي الذي اعتقل إدريس، فلما أخفق في تحقيق أهدافه واغتاله بعض العبيد، ثار العامة على السطيفي وقتلوه، وبايعوا إدريس بعد أن أخرجوه من معتقله (انظر البيان المغرب 3: 291) . ط: الملك. ب م: فأنشدت. انظر الأغاني 5: 350. الأغاني: لا حيام له ... مطرود؛ ب م: مصدود. في النسخ: فأجفى. ط: مبدء. الخبر في النفح 3: 614 - 615. ب م: للحي. ط: أبدت. في المغرب (1: 425) أبو عمرو بن هاشم، وأورد له بيتين. ط: بهذا الصوت. تأمل استشهادات أبي الوليد غانم تجد أن اعتذاره - من جهة النحو - ضعيف متهافت، فإنها شواهد على عدم صرف الاسم العلم. انظر سيرة ابن هشام 1: 494 والعيني4: 265. انظر العيني 4: 266،وهو لدوسر بن دهبل القريعي. البيت لذي الاصبع العدواني، انظر العيني 4: 264. ب م: أودع ... أودعك. ب م: بذي نصرتي. ط: بتاً. ب م: فقيد. هو الحسن (وفي القصيدة: حسين) بن حسون من علماء مالقة، ويبدو أنه تورط في ثورة نجاء الصقلبي والسطيفي فوبخه العالي لأنه بايع عدوه (النفح 3: 39) ثم ولاه العالي قضا مالقة، وقاسى شدة من اختلاف الخلفاء على بلدته (المغرب 1: 430 - 431) . ب م: والمحاسن. رية: الاسم القديم لمالقة (المغرب 1: 423) . ط: فازدان منك بحسن ما طوقته. ب م: بسماحة. ط: وله من أخرى. بلقين (ويكتب أيضاً بلكين) بن باديس بن حبوس الصنهاجي: جعله والده باديس ولي عهده ولقبه سيف الدولة ولكنه توفي سنة 456، واتهم ابن النغريلة بدس السم له (البيان المغرب 3: 359 والإحاطة 1: 439 - 443) . ب م: معجماً. ط: يواصل. البيتان التاليان في النفح 3: 398 والقافية فيهما منصوبة. ط: تغيض. هو أبو عبد الله محمد بن السراج المالقي، وقال الحميدي: لم يقع لي اسم أبيه، وقال إن ابن شهيد ذكره (على الأرجح في حانوت عطار) ولم ترد ترجمته في القطعة المتبقية من كتاب أدباء مالقة - وهو يبدأ بالمحمدين، إذ يبدو أنها سقطت فيما سقط من أوراق الكتاب (انظر الجذوة: 56 والبغية رقم: 144 والمغرب 1: 434 - 435 والمحمدون: 338 والمسالك 11: 413) . ترجم له في المغرب 1: 435 وذكره في بدائع البدائه: 81 والنفح 3: 270، 398، 610 بما لا يخرج عما ورد في الذخيرة من علاقة بينه وبين ابن السراج. انظر المغرب 1: 435. المغرب: بعينك بالجناب الظليل؛ ب م: بالغناء النبيل. ب م: رضى. انظر بدائع البدائه: 81 والنفح 3: 270، 610 والمسالك 11: 413 وقد وردت القافية بالباء بعدها هاء " حبيبه، كئيبه " في بدائع البدائه. ط: وهيجته. شقته: شقيقته. ب م: الحي. ب م: كريم. لفظة بوقون وجميعها بواقين، وردت كذلك في ب م ط، ويبدو أن الذي أوحى باستعمالها قول ابن الغليظ في الأبيات السابقة " فإن الغداء فيه نسيم " ومن كان يغدي نسيماً فإنه بوقون، وترجيح ذلك من Bocinero وهو نافخ البوف أو القرن؛ ولفظة Bocon بالإسبانية تعني أفوه أو " فشار ". أم الحسن: الطائر الذي يسمى الهزار (المغرب 1: 434) ، وفي درة الحجال أن أم الحسن بلغة المغاربة هي العندليب والشحرور والبلبل (انظر أمثال العواء: 1847 ص: 424) . هو أبو بكر عبادة بن عبد الله بن محمد بن عبادة بن ماء السماء الوشاح، وقد مرت ترجمته ص: منها أبيات في المغرب 1: 436 والنفح 3: 398 والمسالك. ط: يظهرها. هو يحيى بن علي بن حمود أبو زكريا وأبو محمد بويع سنة 412 بقرطبة ثم خلع في السنة التالية، ثم أعيدت دولته سنة 416 وخرج في السنة التي تليها إلى مالقة وقتل سنة 426 وقد شرح ابن حيان قصة مقتله في ما تقدم. أورد خمسة أبيات منها في المغرب 1: 434 - 435. ط: الهوى. ط: بها. ب م والمغرب: العين. ب م: تجري ... جرياً، والتصحيح عن المغرب، ولم يرد البيت في ط. وقع في ب م قبل البيت الأخير. ط: الجيد. ط: صرخ. ط: كان؛ وما في المغرب يتفق وما أثبته. ب م والمغرب: عمره. المغرب: كمين. المغرب: غير ذائب فذابت. ب م: لقيتك فيه والهوى بيننا غر. من قول ذي الرمة: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلاً بجرعائك القطر ط: طول. ب م: منكم. ب م: وبصحبتي. ب م: طمعت. ب م: وامتد. ترجمة السميسر وبعض أخباره في المغرب 2: 100 والمطرب: 93 والخريدة 2: 167 والمسالك 11: 167 وأخبار وتراجم أندلسية للسلفي: 28، 83 وفي نفح الطيب مقطعات كثيرة له (انظر الفهرست) ، وبدائع البدائه: 379، 394 ويبدو من أخباره أنه هجا باديس أو بلقين فطلب فهرب إلى المعتصم بن صمادح، الذي لم يسلم فيما يقال من هجائه، وقيل بل وضع ذلك على لسانه (أخبار وتراجم: 83، 84 والنفح 3: 412) وله قطعة يرثي فيها الزهراء (النفح 1: 527) . ب م: كان أحد بواقع الزمان وعجائب أهل هذا الشان. هو منصور بن إسماعيل الفقيه الشافعي التميمي الضرير، أصله من رأس العين، وله مصنفات في مذهب الشافعي، وكانت وفاته بمصر سنة 306 (انظر طبقات الشيرازي: 107 والسبكي 1: 317 وابن خلكان 5: 289 ونكت العميان: 297) وأكثر شعره في الأخلاق والحكم؛ وقد أورد عبد البر في كتابه بهجة المجالس وجامع بيان العلم قطعاً كثيرة من شعره. زاد بعده في نسخة دار الكتب: وفي مثل: رمتني بدائها وانسلت. زاد بعده في النسخة المذكورة: ونقلت هذا من خطه في سفر عرضه علي أبو بكر الخولاني امنجم بإشبيلية سنة ثمانين وأربعمائة، ولكن ليست (له) صفة طبيعية في ذاته، على بدع من أدواته. وردا في النفح 3: 390. وردا في المسالك والنفح 4: 20. النفح: قرابة. ب م: تكن. وردا في المسالك والنفح 3: 390. المسالك: وينزف. ب: أمراء. نسبهما للسميسر في المسالك. وردا في الخريدة والنفح 4: 108. ب م: قول الحسن بن مضا. ط: وسيم للمتوكل؛ والمتوكل المعني هنا عو عمر بن المظفر صاحب بطليوس (430 - 460) . وردا في المسالك. ط: حيران؛ ب م: حتى أن. اللزوميات 1: 257. ورد في النفح 3: 412. ديوان أبي تمام 3: 28. انظر المسالك. وردا في المطرب والنفح 3: 329 وبدائع البدائه: 394. ب م: فيها. ديوان ابن المعتز 4: 104 والأوراق: 157. الديوان: قرقسه كالزئبر المنتف. الديوان: برحن. الديوان: يلسعننا. الديوان: حتى غدا فيه كشكل المصحف. لعله ابن دراج القسطلي، ولكن هذا الرجز ليس في ديوانه. ب: سخيفاً؛ ط: سخيلا (اقرأ: سحيلا) . ب م: فما. وردت أربعة أبيات منها في المسالك. ط: فغادر برقهم؛ م: فعاد زمانهم. يعني ثابت بن أسلم أبا محمد البناني وكان من الأتقياء الزهاد في العصري الأموي، اختلف في وفاته بين سنتي 123 و 127 (انظر تهذيب التهذيب 2: 2 - 4) . ب م: فكل. ط: حامل. وردت في المغرب والخريدة والنفح 4: 108. ب م: والطم. ب م: نكرة. مر ص 883: وفيه " خالد " موضع " حكم ". ولم يرد البيت في ب م وورد بيت آخر هو الذي مر أيضاً وهو: ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه ... البيت. أما نسخة دار الكتب فقد جاء فيها بيتان آخران زيادة على هذين، وهما: يا من يعيب وعيبه متشعب ... كم فيك من عيب وأنت تعيب أو كما قال الآخر: وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... هل عيبي الرجال ذوو العيوب ديوان المتنبي: 558. مرت ترجمته ص: 691. ط: فأصبحوا. وردت أربعة منها في المغرب وخمسة في النفح 3: 291. النفح: وناظر. ط: صادت (اقرأ: صارت) ؛ النفح: رجعت. ط: حاسد. كذا في ب م، ولم يرد البيت في ط. ب م: بديل. ترجمته في القسم الثاني من الذخيرة. ب م: جيب. ط: القلوب. لم ترد هذه المقطوعة والتي تليها في ط. هذا الشطر مختلف في وزنه عن سائر الأشطار في المقطوعة. ب م: الناقمة. انظر القسم الثالث ص: 335، 339. ط: الأدب. هذا الفصل عن الاستطراد متابع للعمدة 2: 39 - 42. ط: أن يومئ. ب م: صفة شيء؛ العمدة: وصف شيء. شرح المرزوقي، الحماسية رقم: 15 وزهر الآداب: 1016. البيت له في زهر الآداب: 1015. هو مالك بن مسمع بن شيبان سيد بكر، انظر عنه صفحات متفرقة في شرح النقائض. شرح النقائض 1: 213 وروايته: وضغا البعيث، وكذلك ديوان جرير: 940 وزهر الآداب: 1015. الحيوان 5: 489 - 490 يصف تيس غنمه. ديوان بشار (جمع العلوي) : 220 وزهر الآداب: 1016. ديوان أبي تمام 4ك 434 وزهر الآداب: 1014 - 1015 وأخبار أبي تمام: 68. هو عثمان بن إدريس السامي (الشامي) . ديوان البحتري: 1745 وزهر الآداب: 1015 وأخبار أبي تمام: 69. ديوان زهير: 152. زهر الآداب: 1017 وديوانه: 7 (صنعة حاتم الضامن) . ديوان المتنبي: 500. العمدة: وقيل أصل. العمدة: قواده وأجناده. ب م: برزق. هو أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس من بني العنبر، سمع الحديث وغلب عليه الرأي (طبقات الشيرازي: 135 والجواهر المضية 1: 343) . ذكره أبو الوليد ابن خيرة في شيوخه وقال: أدركته وجالسته، وله كتاب مفيد في النفس (انظر التكلمة: 37 والذيل والتكملة 1: 109 والمسالك 11: 415) . ب م: مجلوا. من قول المتنبي (ديوانه: 190) : ملك منشد القريض لديه ... يضع الثوب في يدي بزاز في النسخ: بقرطبة. ب م: النجر. ط: عارضنا. ط: التوصل. يريد على روي " بسام ". ب م ط: مغالطة. ط: الجواد. الحصب: المفروش بالحصباء، ويكون الماء صافياً، ولذلك قال أبو ذؤيب: فكرهن في حجرات عذب بارد ... حصب البطاح تغيب فيه الأكرع وقد خصبت الأرض فهي خصبة مثل خصيبة. من أبيات لأبي القمقام الأسدي (معجم البلدان - وشل) . ب م: عهد. ورد هذا البيت في المغرب. ط: مسك الختام. ط: الغاية. ط: شعب. ب م: الخطبة (اقرأ: الخطة) الصنعاء (اقرأ: الصلعاء) . ب م: عطفك. ط: بعيد. ط: أرضها. ب م: يجحف ... يتلف. ب: وعند الجزء: 2 ¦ الصفحة: 945 مقدمة التحقيق هذا هو القسم الثاني من الذخيرة وهو يشمل تراجم أدباء الجانب الغربي من الأندلس، أي أهل حضرة إشبيلية وما اتصل بها من بلاد ساحل المحيط الرومي، وقد اعتمدت في تحقيقه على أربع مخطوطات (1) يمكن أن تمثل فئتين - تضم الفئة الأولى: (1) مخطوطة الخزانة العامة بالرباط (رقم: D 1324) وقد رمزت لها بالحرف (ط) ومجموع ورقاتها 157 ورقة، وهي مكتوبة بخط أندلسي جميل محلى بشكل جزئي، وعدد السطور في الصفحة الواحدة ثلاثون سطراً، ومعدل الكلمات في السطر الواحد اثنتا عشرة كلمة، ومسطرتها 27 × 19.5 وعلى هوامشها قراءات من نسخة أخرى، وتعليقات بعضها بخط الناسخ نفسه، وبعضها بخط متأخر في الزمن مختلف عن خط الناسخ، وقد أثبت من القراءات المقارنة ما رمز إليه الناسخ بالحرف (خ) ، وحذفت ما صرح الناسخ بأنه ليس من أصل الذخيرة، كما حذفت التعليقات والإضافات المتأخرة. وقد فرغ الناسخ من كتابة هذا القسم من الذخيرة في زوال يوم الأربعاء 24 ذي القعدة عام 1055، وهو الذي قام بنسخ القسم الأول والثالث من هذا الكتاب أيضاً، واسمه أحمد بن الحاج علي بن الحاج أبي القاسم بن محمد بن سودة الأندلسي. ولما كانت هذه النسخة هي خير النسخ التي حصلت عليها ضبطاً ودقة فقد أثبت أرقام أوراقها في سياق هذه الطبعة. ومع أنها   (1) هناك نسخة مغربية خامسة إلا أني استبعدتها لأنها غير واضحة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 - نسبياً - متأخرة في الزمن، فإنها تعد من أقدم النسخ المتيسرة من الذخيرة وهذه مشكلة لم أستطع التغلب عليها، فأنا - حتى اليوم - لم أستطع العثور على نسخ تتمتع بقدم واضح، أو حتى على الأصل الذي أخذت عنه (ط) أياً كان تاريخه. (2) مخطوطة بغداد، وقد رمزت لها بالحرف (د) وتحتوي 331 صفحة، مكتوبة بخط نسخي مشرقي حديث وعدد السطور في الصفحة الواحدة 29 سطراً ومعدل الكلمات في السطر الواحد إحدى عشرة كلمة، ومسطرتها 25 × 14.5، وقد كتب على الصفحة الأخيرة منها: " نجز ولله الحمد تسويد هذا الجزء من الذخيرة لابن بسام عليه الرحمة على نسخة قديمة بخط مغربي مغلط، وقد اجتهدت بتصحيحها حسب الإمكان، والله المستعان. وقد وافق ذلك اليوم الحادي والعشرين من شهر المحرم سنة أربع وعشرين وثلثمائة وألف هجرية، على يد أفقر الورى للطف ربه المنان: عبد اللطيف ثنيان، في بغداد المحمية، صانها الله عن كل بلية، آمين ". إذن فهذه النسخة حديثة جداً، وقد صرح ناسخها بأنه نقلها عن أصل مغربي، ولا ندري حتى اليوم من أمر هذا الأصل شيئاً، ولكني أستطيع أن أقول إن (د) منقولة عن أصل يشبه (ط) للتماثل الدقيق بين القراءات حتى في الخطأ، وللتطابق التام في طول كل ترجمة، وفيما نقص من تراجم كاملة أو أجزاء من تجمات، كما سيأتي بيانه بعد قليل، وكل الفرق بين النسختين أن ناسخ (د) حاول أن يجتهد في بعض القراءات، التي عدها خطأ في الأصل، ولم يسلم من إضافة أخطأ جديدة، مما قد يلحق الناسخ عن طريق السهور. وتضم الفئة الثانية من المخطوطات: (3) مخطوطة الخزانة الملكية بالرباط (رقم: 9144) وقد رمزت لها بالحرف (م) وتقع في 245 ورقة، وهي مكتوبة بخط أندلسي، ومسطرتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 19.5 - × 23، وعدد السطور في الصفحة الكاملة 22 سطراً، ولكن هذا لا يطرد لأن الناسخ يراوح كثيراً بين الكتابة بخط ذي حجم عادي والكتابة بخط كبير جداً حتى إن عدد الأسطر في الصفحة الواحدة لا يزيد عن أحد عشر سطراً. وهذه الكتابة بالخط الكبير لا تقتصر على عنوانات الفصول بل تشمل كل ما ظنه الناسخ بداية فقرة جديدة. وتظهر في هذه النسخة آثار الأرضة بكثرة، وفيها خروم ضاعت بسببها أوراق كثيرة كما تنبهم الفوارق فيها بين عدد من الحروف المتقاربة في صورها، وهي لا تشمل كل القسم الثاني، وإنما تنتهي عند أوائل ترجمة ابن عبدون ثم تجيء في خاتمتها صورة تملك على هذا النحو: " الحمد لله: تملك هذا الكتاب عبده تعالى أبي [كذا] بكر بن أحمد بن علي أعانه الله على طاعته ". إلا أنها لا تحمل تاريخاً. ورغم ما في هذه المخطوطة من عيوب فقد كانت ذات دور هام في ما قدمته من عون أثناء تحقيق هذا القسم، لانفرادها عن (ط) واعتمادها على أصل آخر، وهذا ما جعلها تحفل بزيادات غير موجودة في (ط) وقرينتها (د) ومنها زيادة في ترجمة عبد الجليل بن وهبون وأخرى في ترجمة أبي بكر ابن عبد العزيز كما أنها تنفرد إذا قورنت بالنسختين السابقتين بإيراد ترجمة ابن مرزقان. (4) نسخة المكتبة الوطنية بباريس رقم: 3322 (ورمزها: س) ، وهي منسوخة عن نسخة عدد أوراقها 222 ورقة مثبتة أرقامها على هوامش الصفحات، وتقع (س) في 265 ورقة، وعدد السطور في كل صفحة عشرون سطراً، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 12 كلمة، وخطها نسخي حديث، ويبدو أن كاتبها أجنبي، يدل على ذلك نوع الخط، ومحاولة رسم الكلمات دون إدراك لمعناها، وكثرة الأخطاء في الصفحة الواحدة، وقد تم نسخها في 11 أكتوبر سنة 1884. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 ولا ريب في أن الأصل الذي نقلت عنه (س) قريب الشبه بالنسخة (م) وقد احتفظت النسخة الباريسية أيضاً بالزيادات التي جاءت في نسخة الخزانة الملكية بالرباط؛ وكان لابد من الاعتماد على (س) لأن قرينتها (م) غير كاملة، فاستطاعت نسخة باريس أن تمدنا بترجمة لم ترد في مخطوطات الفئة الأول وأعني بذلك ترجمة الأعمى التطيلي. أما فيما عدا ذلك فإنه ليس في مقدور أي محقق أن يثبت جميع الفروق التي تتمتع بها (س) لأن أكثرها قائم على الخطأ المحض، وإنما كان أكثر الاعتماد عليها استئناساً بطبيعة السياق، وترجيحاً إن أمكن الترجيح. وبعد: فقد كان هذا القسم من الذخيرة معداً للنشر في النصف الأول من سنة 1975، وبعد الانتهاء من طبع القسم الثالث ولكن كان يمنعني من دفعه إلى المطبعة إحساسي بأن هناك شيئاً ينقصه ويتمثل هذا في مواطن: 1 - ترجمة أبي الوليد الباجي، فقد كتب ف هامش ط أن الترجمة لا يزال ينقصها ورقة ونصف الورقة، وهو شيء لم أسطتع العثور عليه في (م) أو (س) رغم انتمائهما إلى فئة مختلفة. 2 - إن ترجمة الوزير أبي عبيد البكري لا يمكن أن تكون كاملة، فإن ابن بسام لم يورد شيئاً من نثره أو شعره. 3 - إن فهرست الذخيرة (في صدر القسم الأول) ينص على وجود ترجمة لمن اسمه " الوزير الخطيب الأديب أبو عمر ابن حجاج " تقع بعد ترجمة أبي عبيد البكري ولا وجود لها في المخطوطات الأربع، أليس من المعقول أن تكون موجودة في مخطوطة أو مخطوطات أخرى - وفي هامش (ط) ما ينبئ بأنها ناقصة، وكاتب هذا التعليق بخط متأخر، ربما فعل ذلك لأنه رآها في مخطوطة أخرى. 4 - إن الزيادات التي وردت في نسختي (م) و (س) قد تشير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 إلى أن استكشاف مخطوطات أخرى قد يتيح العثور على زيادات جديدة. لهذا كله آثرت التريث؛ وغادرت بيروت في سبتمبر (أيلول) 1975 إلى جامعة برنستون، واشتدت وطأة الأحداث المؤسفة في أثناء ذلك على لبنان، وكان أن سعى بعض أصدقائي - جزاهم الله خيراً - إلى تصوير مسودة القسم الثاني، كما تركتها محققة، وإرسالها لتودع عند صديقي العلامة يوسف فإن اس، بجامعة توبنجن بألمانيا، ولم أستطع رؤية هذا القسم من الذخيرة إلا بعد عودتي إلى بيروت في حزيران (يونيه) 1977؛ وفي أثناء هذه الغيبة صدر من هذا القسم قطعة تستغرق حتى آخر ترجمة أبي العلاء بن زهر، قام بتحقيقها الدكتور لطفي عبد البديع (1) ، ولما قارنتها بما كنت حققته وجدت مصداق بعض ما قدرته فقد احتوت تلك القطعة (اعتماداً على النسخة الكتانية) ما تفتقده النسخ من ترجمة أبي الوليد الباجي، ولعل هذه النسخة الفريدة (أعني الكتانية) أن تكون قد احتفظت أيضاً بكل ما قدرته من نقص في النسخ التي تيسرت لي، أو بمعظمه. إنني أكتب هذه المقدمة، قد قطع هذا القسم شوطاً غير قليل في المطبعة، ولهذا رأيت أن أضيف إليه ما جاء من زيادة في ترجمة الباجي مستمداً من القطعة التي حققها الدكتور عبد البديع، وأن أصنع لترجمة البكري تحشية مما ورد في المصادر من شعره ونثره، أميزها عما عداها لأنها ليست من أصل الذخيرة، راجياً إذا أتيح لي الإطلاع على النسخة الكتانية - وهو شيء لا أظنه سهلاً - أو غيرها من النسخ، أن أثبت الزيادات وفروق القراءات في نهاية هذا الجزء. لقد كنت أظن أن الصعوبات ستصبح مذللة لإخراج هذا القسم على نحو أكثر تحقيقاً للرضى، ولكني حين اعتبر هذه الفترة الطويلة التي مضت على   (1) الهيئة المصرية العامة للكتاب: 1975. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 الذخيرة - ولعلها أن تكون أهم مصدر من مصادر الأدب الأندلسي - دون أن تيسر للقراء والدارسين، أحس أن إخراجها على هذا النحو خير من التمادي في تأخير احتجابها حتى تكتمل جميع الوسائل. ولقد كان العبء في هذا القسم - كما كان في القسمين: الأول والثالث - يستنزف موفر الطاقة، ومذخور الجهد، فالذخيرة لا يمثل نصاً سهلاً، يتفق كل الناس على قراءته - وبخاصة للتباعد بين المخطوطات - ولا يمكن الإسراف فيه في ناحية على حساب ناحية أخرى؛ بل لابد من الموازنة بين الشرح والتعليق والتخريج وترجيح القراءات، والاقتصار على الضروري، مع مراعاة الربط بين الذخيرة والمصادر الأندلسية (وأحياناً غير الأندلسية) الأخرى. وقد تلقيت العون في تحقيق هذا القسم من اثنين يستحقان كل شكري وتقديري وهما الدكتور وداد القاضي التي لم تأل جهداً في تدقيق الملازم الطباعية، وتوجيه بعض القراءات التي أعياني أمرها، والإشراف على الفهارس المفصلة الدقيقة، والدكتور ألبير مطلق، الذي بذل جهداً طيباً في معاونتي على مقارنة النسخ، والتضحية بوقته في تقديم كل ما يعين على إنجاز القسم. فإليهما مرة أخرى، تقدير عارف بمدى ما بذلاه من جهد مخلص، والله يوفقنا جميعاً إلى ما فيه الخير. بيروت في أيلول (سبتمبر) 1977 إحسان عباس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله فصل في ذكر الأعيان المشاهير، من أرباب صناعة المنظوم والمنثور، بحضرة إشبيلية ونواحيها، وما يصاقبها ويدانيها، من بلا ساحل البحر المحيط الرومي، وهو الجانب الغربي من جزيرة الأندلس، وإيراد ما بلغني من غرر أشعارهم، ومستطرف أخبارهم، مع ما يتعلق بها، ويذكر بسببها. قال ابن بسام: وحضرة إشبيلية على قدم الدهر كانت قاعدة هذا الجانب الغربي من الجزيرة، وقرارة الرياسة ومركز الدول المتداولة، ومنها مهدت البلاد، وانبثت الجياد، عليها الفرسان، كأنها العقبان، وبهذا الأفق نزل جند حمص من المشرق فسميت حمص، ولما كانت دار الأعزة والأكابر، ثابت فيها الخواطر، وصارت مجمعاً لصوب العقول وذوب العلوم، وميداني فرسان المنثور والمنظوم، لا سيما من أول المائة الخامسة من الهجرة حين فرح كل حزب بما لديه، وغلب كل رئيسٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 على ما في يديه، بعد الدولة العامرية، فأضحت أقطار الجزيرة يومئذٍ كبني الأعيان، وأهلها كما قال أخو بني عدوان: عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض بغى بعضهم بعضاً ... فلم يبقوا على بعض فاشتمل هذا القطر الغربي لأول تلك المدة على بيتي حسب، وجمهوري أدب، مملكتان من لخم وتجيب، مصرتا بلاده، وأكثرتا رواده، فأتاه العلم من كل فج عميق، وتبادره العلماء من بين سابق ومسبوق، وكلما نشأ من هذين البيتين أمير كان إلى العلم أطلب، وفي أهله أرغب، والسلطان سوق يجلب إليه، ما ينفق لديه، حتى اجتمع في الجانب الغربي على ضيق أكنافه، وتحيف العدو قصمه الله لأطرافه، ما باهى الأقاليم العراقية، وأنسى بلغاء الدولة الديلمية، فقلما رأيت فيه ناثراً غير ماهر، ولا شاعراً غير قاهر، دعوا حر الكلام فلبى، وأرادوه فما تأبى، وطريقته في الشعر الطريقة المثلى التي هي طريقة البحتري في السلاسة والمتانة، والعذوبة والرصانة. وأنا أورد في هذا القسم بعض ما انتهى إليّ من حر كلامهم، في نثرهم ونظامهم، مشوباً ذلك كله بفنون فوائد ومعارف من أخبار يحسن الوقوف عليها. على أن الذي بلغني من شعر كل قطر، ثماد من بحر، ونقطة من قطر، ولقد فاتني كثير من الكتاب والوزراء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 وجملة من أعيان الشعراء، ممن كان في ذلك التاريخ، منهم من لم أسمع بذكره، ومنهم من لم يسمح نقدي بإثبات ما بلغني من شعره، وربما أجريت ذكر أحدهم غير مبوب عليه، ولا مشير إليه، إما لشيء أجاد فيه، وإما أن يتعلق ذكره بذكر من أجريه، وقد أبدأ بذكر الرجل لمكانه من الإحسان، لا لتقدمه من الزمان، أو لبعض ما يدعو إليه القول من نسق خبر، أو موجب نظر، فأول ما ابتدأت به من أهل حمص آل عباد لنباهة ذكرهم، مع جودة شعرهم. فصل في ذكر القاضي أبي القاسم محمد بن عباد وإيراد جملة من أخباره، واجتلاب قطعة من أشعاره قال ابن بسام: كان ذو الوزارتين القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل ابن عباد المتغلب على إشبيلية ممن له في العلم والأدب باع، ولذوي المعارف عنده بها سوق وارتفاع، وكان يشارك الشعراء والبلغاء في صنعة الشعر وحوك البلاغة، بسطاً لهم، وإقامة لهممهم، ولما كان في طبعه من ذلك أيضاً، وقد ذكر الوزير أبو رافع الفضل بن علي بن أحمد بن حزم الفارسي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 في كتابه الموسوم ب - " الهادي إلى معرفة النسب العبادي " كيف طلع نجمه، وثبت في ديوان الملوك اسمه، وقد أثبت من ذلك ما امتد بي إليه سبب، واتصل بينه وبين ما أنا بسبيله نسب، ووصلت به ما لم أجد لأبي رافع زيادة على ما بين، وتماماً على الذي أحسن. قال أبو رافع: القاضي ابن عباد هو أبو القاسم محمد بن ذي الوزارتين أبي الوليد إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمرو بن أسلم بن عمرو بن عطاف بن نعيم، وعطاف هو الداخل منهم بالأندلس في طالعة بلج بن بشر القشيري، وكان عطاف من أهل حمص من صقع الشام لخمي النسب صريحاً، وموضعه من حمص العريش، والعريش في آخر الجفار بين مصر والشام؛ ونزل بالأندلس بقرية يومين من إقليم طشانة من أرض إشبيلية. قال ابن حيان: وإسماعيل بن عباد قاضيهم القديم الولاية، ورجل الغرب قاطبةً، المتصل الرئاسة في الجماعة والفتنة، وكان أيسر مكور بالأندلس وقته، ينفق من ماله وغلاته، لم يجمع درهماً قط من مال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 السلطان ولا خدمه، وكان واسع اليد بالمشاركة، آوى صنوف الجالية من قرطبة عند احتدام الفتنة، وكان معلوماً بوفور العقل وسبوغ العلم والركانة، مع الدهاء وبعد النظر وإصابة القرطسة. فأما ذو الوزارتين أبو القاسم ابنه فأدرك متمهلاً، وسما بعد إلى بلوغ الغاية فخلط ما شاء وركب الجراثم الصعبة، وكان القاسم بن حمود قد اصطنعه بعد مهلك أبيه إسماعيل، ورد عليه ميراثه من قضاء بلده بعد بعده عنه مدة، [2ب] وحصل منه بمنزلة الثقة، فخانه تخون الأيام عند إدبارها عنه، إيثاراً للحزم وطلباً للعافية، فصده عن إشبيلية بلده لما قصده من قرطبة مفلولاً؛ وكان الذي وطد له ذلك نفر من أكابرها المرتسمين بالوزارة، مناغين في ذلك لوزراء قرطبة، على تحميلهم لابن عباد كبر ذلك، لإنافته عليه في الحال وسعة النعمة، وإحسائهم عليه ملك ثلث إشبيلية ضيعةً وغلةً، يخادعونه بذلك عن نشبه، إبقاءً منهم على نعمهم، وهو يشتري بذلك أنفسهم ولا يشعرون، إلى أن وقعوا في الهوة، وكانوا جماعةً منهم بنو أبي بكر الزبيدي النحوي وبنو يريم صنائع ابن عاد وغيرهم، راض بهم الأمور واستمال العامة، فلما توطأت له قبض أيدي أصحابه هؤلاء، وسما بنفسه فأسقط جماعتهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وجرت له في تدبيرهم أمور يشق إحصاؤها، ركب فيها أحزم طرق طلاب الدول، حتى انفرد بسابقته ومهد لدولته، واجتمع أهل عمله على طاعته، فدانوا له، وسلك سيرة أصحاب الممالك بالأندلس لأول وقته، وقام بأصح عزمٍ وأيقظ جد، واخترع في الرياسة وجوهاً تقدم فيها كثيراً منهم، وامتثل رسم ابن يعيش صاحب طليطلة من بينهم في تمسكه بخطة القضاء وارتسامه باسمه، وأفعاله على ذلك أفعال الجبابرة، وأقبل لأول وقته يضم الرجال الأحرار من كل صنف، ويشتري العبيد، والجد يساعده والأمور تنقاد له، إلى أن ساوى ملوك الطوائف وزاد على أكثرهم بكثافة سلطانه، وكثرة غلمانه، فنفع الله به كافة رعيته ونجاهم من ملك البرابرة؛ وتدرج في تدبير ذلك أولاً أولاً، ومارسه شأناً شأناً، إلى أن استولى على أمده، ومهد، قواعد سلطانه، وشد أواخيه. وأخباره مأثورة مشهورة. قال ابن حيان: ومن أشهر أخباره أنه نظر في شأن من بقي من فتيان بني مروان يومئذ فسقط إليه خبر الدعي المشبه بهشام بن الحكم، وكان قد تحدث أنه أفلت من يدي سليمان قاهره، وإنه غاب ببلاد المشرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 مدته الطويلة ثم عاد إلى الأندلس، فقدح ذلك في قلوب الناس لمقدمات سلفت في ذكر هذا الرجل والشك في موته، إذ كان سليمان قاتله قد ترك إبداءه للناس، حسبما فعلته خدمة الملوك قبل فيمن خلعوه، إما استخفافاً من سليمان يومئذ بمن ملك نواصيهم بالقهر، أو ما شاء الله من غلط أصاب المقدار قصده، لقضاء سبق في علم أم الكتاب، فلم تزل طائفة من شيعته تنفي موته، وتروي في ذلك روايات تبعد عن الحقيقة، وتصدر عن نسوان وخصيان من أهل القصر بقرطبة، إلى أن علق ذلك بمن فوقهم من شيع المروانية، فشدوا أواخي خلاصه، وقطعوا على حياته، ووصفوا أنه اضطرب بقرطبة في دولة البرابر ممتهنا نفسه في طلب المعيشة، ثم زعموا بعد حين أنه عبر إلى أرض المشرق، وانساح في ذلك الأفق، وقضى كل المناسك هنالك، ووطئ كل بقعة، ثم كر راجعاً إلى دياره لأمد محدود ولكرة الدولة المروانية، لتحدث على يديه الأنباء البديعة، فدانوا - كما تسمع - بالرجعة دينونة الشيعة، وتاهوا في ذلك تيه تضليل، سخر منهم أهل التحصيل، إلى أن ظهر على زعمهم بالمرية سنة ست وعشرين في أيام زهير الصقلبي. ولم تزل قصة هذا المشبه بهشام في قلوب الناس دبيب النار في الفحم، فدبر ابن عباد خبره، واهتبل الغرة في ذلك، وأنه أقل ما يجيء له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 منه دفع مكروه ابن حمود، ونظم الناس على حربه، [3أ] فأخبر أنه حصل هشام عنده، وجمع من بقي بإشبيلية من نساء القصر والحرم، فاعترف به أكثرهم ووقفوا على عينه، وأومأ إلى ثقاتهم عنده بما يريد فيه، فاجتنبوا خلافه وابتغوا موافقته، فوجد ابن عباد بذلك السبيل إلى ما دبره من حرب ابن حمود، وحجبه عن أعين الناس، وبث كتبه بذلك إلى جميع الرؤساء، واستنهضهم إلى الاجتماع على هذا الخليفة المخبوء لفك الرقاب وكرة الأيام، والجهاد دونه، فكثر الخوض بالأندلس في ذلك، ومالت نفوس أهل قرطبة في نصبه إماماً للجماعة، وأشخصوا الرسل للوقوف على عين هشام، وتثبيت الشهادة فيه، وزور ابن جهور وغيره في ذلك شهادات، على علم منهم، ابتغاء عرض الدنيا وإذعاناً من ابن جهور أيضاً لما رآه من دفع ابن حمود الفاغر فاه على حضرة قرطبة، فرجع منه سريعاً إلى الاعتراف بالخطأ بقية عمره بعد عظيم ما انبعثت في ذلك من الفتن، وجرت من المحن، وصرع من الجبابرة، ونقل من الدول؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: وكان القاضي ابن عباد - كما وصف - زاخر العباب متألق الشهاب، أذكى من قاس وقلد، وأدهى من أتهم وأنجد، يأخذ وكأنه يدع، ويطير فيحسب أنه وقع، فتغلب على إشبيلية وليس له أوان ذلك معقل إلا وله شر راتب، وعليه أمير غالب، فدار الأمر بها عليه لتميزه بخطة القضاء التي لم يجاذب رداءها، ولا سلم لأحدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 بعد لواءها، إلى أن استوثق الأمر ليحيى بن علي الحمودي - حسبما تقدم - فاضطر أهل إشبيلية إلى الإذعان لطاعته، والدخول فيما دخل فيه الناس من جماعته، وأدارهم لأمور جرت على رهون تكون بيده، فضن كل بولده، وبادر القاضي فراهنه ابنه عباداً، فانفرد بالتدبير، واستولى على الأمور، واستظهر على ذلك بهدم البيوتات، وتشتيت ذوي الهيئات، وأول ما بدأ به من ذلك نكبة شيخي المصر يومئذ الزبيدي وابن يريم، طواهما طي السجل، وقبضهما قبض الظل، فأيد القاضي يومئذ بحبيب وزيره، ودارت عليه رحى تدبيره، رجلٍ من أهل بادية إشبيلية لم تكن له نباهة مذكورة، ولا سابقة مشهورة، أوسع أهل زمانه شراً، وأوسعهم خديعة ومكراً، وأيد أيضاً بابنه إسماعيل طود أصالةٍ، وجني بسالة، محش تلك النار، وسابق ذلك المضمار، فبين هذين استوسقت له الأمور، وتدفقت تلك البحور؛ وله أخبار مشهورة، وقصص مأثورة، فيها بعض الطول، وهي عادلة عن تلك السبيل، لكني ألمع منها بلمعةٍ. قال ابن حيان: تعطلت قصبة باجة في ذلك الأوان بسبب فتنة البرابرة وخربت، على قدم بنائها في الجاهلية، واتصال عمرانها في الإسلام، ومكانها من طيب الميرة واتساع الخطة، وكانت آفاتها من اختلاف أهلها قديماً، وبقاء شؤم العصبية بين العرب منهم والمولدين إلى آخر الأيام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 فسما لها ابن عباد وابن مسلمة المعروف بابن الأفطس، وذهبا يومئذ إلى عمارتها، فاستظهر القاضي ابن عباد في ذلك بحليفه محمد بن عد الله البرزيلي صاحب قرمونة، وجرد ابنه إسماعيل لبنائها، فسبقه ولد ان مسلمة إليها الملقب بالمظفر، وجاء مدداً لابن طيفور صاحب ميرتلة من أمراء الساحل، فنزل ابن عباد عليه بباجة، وضربت خيلة إلى ناحية يابرة والغرب فهتكت أستاراً، وخربت دياراً، واتصل الحصار بابن الافطس بباجة، وانصدع الجمع عن أسره وقتل كبار رجاله، وبعث بالأسرى إلى أبيه، وكان في جملتهم أخ لابن طيفور صلب بإشبيلية، وحبس ولد ابن الأفطس عند [3ب] صاحب قرمونة ابن عبد الله، وبلغت هذه الغارة من ان الأفطس الغاية، وتجاوز البلاء في جهته النهاية، وهيض جناحه بأسر ابنه، ووهن ابن طيفور بقتل أخيه، وكان ابن عبد الله بقرمونة، قطب رحى الفتنة، كثيراً ما يحرض القاضي ابن عباد على الخروج إلى بلد ابن الأفطس، وإلى قرطبة، فيعما الجهات كلها تدويخاً، كلما آبا من جهة صارا إلى سواها، حتى أثرا آثاراً قبيحة، فارتفع طمع وزراء قرطبة المدبرين لها منه، لأنه كان لا يوافقهم على دعوة أموي لفرط الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 شروده عن الجماعة، وإنما كان مذهبه طمس رسم الخلافة من معانها بقرطبة، وتصيرها أسوة إشبيلية في إسنادها إلى رئيس من أهلها، وطرد قريش عن سلطانه، إبطالاً للإمامة ورسوخاً في الخارجية ودفعاً لأمر الله، فقطع سيل قرطبة وشد حصرها، فتمسك الوزراء بحبل بعض البرابر من بني برزيل بجهة شذونة، وكانوا على قديم الأيام جمرة زناتة بأساً وصرامةً، واعتضدوا بهم مدة، واعتضد أيضاً ابن الأفطس بطائفة أخرى منهم، فكان في كل بلدٍ جملة منها سالت عن أهل البلاد سيول بها، وخلطوا الشر بين رؤسائها، واستخرجوا بذلك ما اطمروه من دنانيرهم وخلعهم، وجاحوا ذات أيديهم، وعلموهم كيف تؤكل الكتف، فطال العجب عندنا بقرطبة وغيرها من صعاليك قليلٍ عددهم، منقطع مددهم، اقتسموا قواعد الأرض في وقت معاً، مضربين بين ملوكها، راتعين في كلأها، باقرين عن فلذتها، حلوا محل الملح في الطعام ببأسهم الشديد، وقاموا مقام الفولاذ في الحديد، فلا يقتل الأعداء إلا بهم، ولا تعمر الأرض إلا في جوارهم، فطائفة عند ابن الأفطس تقاوم أصحابها قبل ابن عباد، وطائفة عندنا بقرطبة تحيز أهلها عن الأضداد، فسبحان الذي أظهرهم، ومكن في الأرض لهم، إلى وقت وميعاد. وكان انطلاق المظفر من يد ابن عبد الله في ربيع الأول من سنة إحدى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 وعشرين في خبر طويل، وعرض عليه ابن عبد الله يوم أطلقه أن يجتاز على القاضي ابن عباد [ليشركه] في المن عليه بفكه، فأبى من ذلك وقال: مقامي في أسرك أشرف عندي من تحمل منته، فأما انفردت باليد عندي وإلا أبقتني على حالي، فأعجب ابن عبد الله بمقاله، ونافس في إسداء اليد عنده لكمال خصاله، وأكرم تشييعه، فنفذ إلى أبيه يومئذ ببطليوس وقد هذبته محنتهن وتمت أدواته وقويت حنكته، وكان مرجلاً معقلاً أديباً عالماً، فرجع إلى مقاومة ابن عباد. فلما كان في سنة خمس وعشرين وجه ابن عباد بابنه إسماعيل مع عسكر إلى أرض العدو تحت معاقدة بينه وبين ابن الأفطس، فلما أوغل إسماعيل ببلده يريد أرض غليسية، وابن الأفطس مضمر الغدر به، بادر بجميع رجال ثغره، ورصده في شعب ضيق في طريق قفوله، ولم يعلم ابن عباد بشيء من تدبيره حتى حصل في الأنشوطة، فبادر إسماعيل بالنجاة لنفسه، وأسلم جميع عسكره له، وجرت عليه في مهربه مع جملة من أصحابه شدة لجأ فيها إلى ذبح خيله والاغتذاء بلحومها، ونحا بذمائه إلى مدينة أشبونة آخر عمله من ساحل البحر المحيط، فاصطلم ابن الأفطس عسكره اصطلاماً لم يسمع بمثله، ووقع سرعان العدو من النصارى على كثير منهم فاقتصوهم اقتناصاً، وقتلوا منهم أمة، وكانت حادثة شنيعة بقيت بها عداوتهما إلى آخر وقتهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 قال ابن بسام: ومن شعر ذي الوزارتين قوله: يا حبذا الياسمين إذ يزهر ... فوق غصون رطيبةٍ نضر قد امتطى للجبال ذروتها ... فوق بساطٍ من سندس أخضر كأنه والعيون ترمقه ... زمرذ في خلاله جوهر وقال: وياسمين حسن المنظر ... يفوق في المرأى وفي المخبر كأنه من فوق أغصانه ... دراهم في مطرف أخضر وقال: ترى ناضر الظيان فوق غصونه ... إذا هو من ماء السحائب يغتذي وحفت به أوراقه في رياضه ... وقد قد بعض مثل بعض وقد حذي كصفرٍ من الياقوت يلبسن بالضحى ... منضدةً من فوق قضب الزمرذ فصل في ذكر المعتضد بالله عباد ابن ذي الوزارتين القاضي أبي القاسم محمد بن عباد وسياقة مقطوعات من أشعاره، مع جملة من عجائب أخباره قال ابن بسام: ثم أفضى الأمر إلى عباد ابنه سنة ثلاث وثلاثين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وتسمى أولاً بفخر الدولة ثم المعتضد، قطب رحى الفتنة، ومنتهى غاية المحنة، من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد، ولا سلم عليه قريب ولا بعيد، جبار أبرم الأمور وهو متناقض، وأسد فرس الطلى وهو رابض، متهور تتحاماه الدهاة، وجبار لا تأمنه الكماو، متعسف اهتدى، ومنبت قطع فما أبقى، ثار والناس حرب، وكل شيءٍ عليه إلب، فكفى أقرانه وهم غير واحد، وضبط شانه بين قائم وقاعد، حتى طالت يده، واتسع بلده، وكثر عديده وعدده؛ افتتح أمره بقتل وزير أبيه حبيب المذكور، طعنةً في ثغر الأيام، ملك بها كفه، وجباراً من جبابرة الأنام، شرد به من خلفه، فاستمر يفري ويخلق، وأخذ يجمع ويفرق، له في كل ناحية ميدان، وعلى كل رابية خوان، حربه سم لا يبطئ، وسهم لا يخطئ، وسلمه شر غير مأمون، ومتاع إلى أدنى حين. وذكره ابن حيان فقال: وعشي يوم الأربعاء لست خلت لجمادى الآخرة سنة إحدى وستين، طرق قرطبة نعي المعتضد عباد زعيم جماعة أمراء الأندلس في وقته، أسد الملوك، وشهاب الفتنة، وراحض العار، ومدرك الأوتار، وذو الأنباء البديعة، والحوادث الشنيعة، والوقائع المبيرة، والهمم العلية، والسطوة الأبي، فرماه الله بسهم من مراميه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 المصمية، أجل ما كان اعتلائه، وأرقى ما كان إلى سمائه، وأطمع ما كان في الاحتواء على الجزيرة، محتفزاً لها عند تشميره الذيل بفتنة لا كفاء لها، فتوفاه الله على فراشه من علة ذبحة قصيرة الأمد، وحية الإجهاز، اتفقت الحكايات أنها كانت شبه البغت. وكانت ولايته بعد موت أبيه القاضي يوم الاثنين غرة جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين، وقضى نحبه يوم السبت الثاني من جمادى الآخرة سنة [4ب] إحدى وستين، ودفن عشي يوم الأحد بعده، تغمد الله خطاياه، فلقد حمل عليه على مر الأيام، في باب فرط القسوة وتجاوز الحدود، والإبلاغ في المثلة، والأخذ بالظنة، والإخفار للذمة، حكايات شنيعة لم يبد في أكثرها للعالم بصدقها دليل يقوم عليها، فالقول ينساغ في ذكرها؛ ومهما برئ من مغبتها فلم يبرأ من فظاعة السطوة وشدة القسوة، وسوء الاتهام على الطاعة، سجايا من جبلة لم يحاش فيها ذوي رحم واشجة. وقد كان تقيل سيرة أحمد بن أبي أحمد بن المتوكل أحد أشداء خلفاء العباسيين الذي ضم نشر المملكة بالمشرق، وسطا بالمنتزين عليها، وبفقده انهدمت الدولة، فحمل عباد سمته المعتضدية، وطالع بفضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 نظره أخباره السياسية التي أضحت عند أهل النظر أمثلة هاديةً إلى الاحتواء على أمد الرياسة، في صلابة العصا وشناعة السطا، فجاء منها بمهولات يذعر من سمع بها فضلاً عن من عاينها، نسبوا إلى هذا الأمير الشهم عباد امتثالها من غير دلالة، وقد انطوى علم الله فيها وتقرر إرصاده للمكافأة بها؛ ولم يقصر عباد في دولته التي مهدها فوق أطراف الأسنة وصير أكثر شغله فيها شب الحروب، وكياد الملوك وإهراج البلاد، وإحراز التلاد، من توفر حظه الأوفى من الأمور الملوكية، والعدد السلطانية، والآلات الرياسية، فابتنى القصور السامية، واعتمر العمارات المغلة، واكتسب الملابس الفاخرة، وغالى الأعلاق السنية، وارتبط الخيول السابحة، واقتنى الغلمان الروقة، واتخذ الرجال الذادة، تناقهم من كل فرقة، فساس طبقاتهم ما بين إدرار الأعطية وضمان الزيادة على صدق الصيال، والوفاء بالوعيد على النكول عن العدو، سياسة أعيت على أنداده من أملاك الأندلس، فخرج منهم رجالاً مساعير حروب، أباد بهم أقتاله. ومن نادره أخباره المتناهية في الغرابة أن نال بغيته وأهلك تلك الأمم العاتية، وإن لغائب عن مشاهدتها، مترفه عن مكابدتها، مدبر فوق أريكته، منفذ لحيلها من جوف قصره، ما إن مشى إلى عدو أو مغلوب من أقتاله غير مرة أو اثنتين، ثم لزم عريسته يدبر داخلها أموره، جرد نهاره لإبرام التدبير، وأخلص ليله لتملي السرور، فلا يزال تدار عليه مؤوس الراح، ويحيا عليها بقبض الأرواح، التي لأناسيها من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 أعدائه بباب قصره حديقة تطلع كل وقت ثمراً من رؤوسهم المهداة إليه، مقرطة الآذان برقاع الأسماء المنوهة بخاملها، ترتاح نفسه لمعاينتها، والخلق يذعرون من التماحها، وهو واصل نعيم ليله بإجالة كيده، ومستدع نشاط لهوه بقوة أيده، له في كل شأن شؤين، وعلى كل قلب سمع وعين، ما إن سبر أحد من دهاة رجالة غوره، ولا أدرك قعره، ولا أمن مكره، لم يزل ذلك دبه منذ ابتدائه إلى انتهائه. وكان محمد بن عبد الجبار الملقب بالمهدي، مفرق الجماعة بقرطبة، ومبتعث تلك الفتنة المبيرة، سبق عباداً إلى اتخاذ مثل هذه الحديقة المطلعة لرؤوس أعدائه، أيام أكثر له واضح الخصي العامري من إرسال برؤوس الخارجين عليه، لأول وقته، وأصلح بهم باب مدينته سالم، فغرس منها فوق الخشب المعلية لها بشط النهر حذاء قصره حديقة هول عريضةً طويلة الخطة، جمة عدد الصفوف المسطورة، فأضحت شغلاً للنظارة، وذكرتها شعراؤه مثل قول صاعد بن الحسين، من قصيدة أولها: جلاء العين مبهجة النفوس ... حدائق أطلعت ثمر الرؤوس هناك الله مهدي المساعي ... جنى الهامات من تلك الغروس فلم أر قبلها وحشاً جميلاً ... كريه روائه أنس الأنيس فماذا يملأ الأسماع منها ... إذا ملئت من انباء الطروس وقد كانت لعباد وراء هذه الحديقة المالئة قلوب البشر ذعراً، مباهاة بخزانة بلوى، أكرم لديه من خزانة جوهره، مكنونة جوف قصره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 أودعها هام الملوك الذين أبادهم بسيفه، منها رأس محمد بن عبد الله البرزيلي شهاب الفتنة، ورؤوس الحجاب ابن خزرون وابن نوح وغيرهم الذين قرن رؤوسهم برأس إمامهم الخليفة يحيى بن علي بن حمود، سابقهم إلى تلك الرفعة، فخص رؤوسهم بالصون بعد إذالة جسومهم الممزقة، وبالغ في تطييبها وتنظيفها للثواء لا للكرامة، وأودعها المصاون الحافظة لها، فبقيت عنده ثاويةً تجيب سائلها اعتباراً؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: فلما افتتحت إشبيلية وخلع المعتمد، حدثت أنه وجد جوالق مطبوع عليه، وظن أنه مال أو ذخيرة، فإذا هو مملوء رؤوساً، فأعظم ذلك وهال أمره، فدفع كل رأس منها لمن كان بقي من عقبهم بالحضرة، أخبرني من رأى رأس يحيى بن علي بن حمود يومئذ ثابت الرسم متغير الشكل، فدفع إلى بعض ولده فدفنه. قال ابن حيان: وكان عباد أوتي أيضاً من جمال الصورة، وتمام الخلقة، وفخامة الهيئة، وسباطة البنان، وثقوب الذهن، وحضور الخاطر، وصدق الحس، ما فاق أيضاً به على نظرائه. ونظر مع ذلك في الأدب، قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان، أدنى نظر بأذكى طبع، حصل منه لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعهد لها، ولا إمعان في غمارها، ولا إكثار من مطالعتها، ولا منافسة في اقتناء صحائفها، أعطته نتيجتها على ذلك ما شاء من تحبير الكلام، وقرض قطع من الشعر ذات طلاوة، في معان أمدته فيها الطبيعة، وبلغ فيها الإرادة، واكتتبتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 الأدباء للبراعة - جمع هذه الخلال الظاهرة والباطنة إلى جود كف بارى بها السحاب. وأخبار عباد في جميع أفعاله وضروب أنحائه - عالناته وخافياته - غريبة بعيدة، وكان على تجرده في إحكام التدبير لسلطانه ذا كلف بالنساء، فاستوسع في اتخاذهن، وخلط في أجناسهن، فانتهى في ذلك إلى مدىً لم يبلغه أحد من نظرائه، قيل إنه خلف من صنوفهن السريريات خاصة نحوا من سبعين جارية، إلى حرته الحظية لديه الفذة من حلائله بنت مجاهد العامري أخت علي بن مجاهد أمير دانية، ففشا نسل عباد لتوسعه في النكاح وقوته عليه، فذكر أنه كان له من ذكور الولد نحو من عشرين ومن الإناث مثلهم؛ انتهى كلامه. قال ابن بسام: وكان المعتضد - كما وصف - ينفث بأبيات من الشعر فيما يعن له من أمر، ورأيت ابن أخيه إسماعيل قد جمع شعر عمه هذا في ديوان، وسأجري هاهنا طرفاً منه. جملة من أشعاره مع ما ينخرط في سلكها من عجائب أخباره قال: كأنما ياسميننا الغض ... كواكب في السماء تبيض والطرق الحمر في جوانبه ... كخد عذراء مسها عض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 وقال: إشرب على وجه الصباح ... وانظر إلى نور الأقاح واعلم بأنك جاهل ... ما لم تقل بالإصطباح فالدهر شيء بارد ... إن لم تسخنه براح وقال: أتتك أم الحسن ... تشدو بصوتٍ حسن تمد في ألحانها ... مد الغناء المدني تقود مني سلسلاً ... كأنني في رسن أوراقها أستارها ... إذا شدت في فنن [5ب] ومعنى هذا البيت كقول ابن المعتز: ذرى شجر للطير فيه تشاجر ... كأن سقيط الطل فيها جواهر كأن القماري والبلابل حولنا ... قيان وأوراق الغصون ستائر وقال بعض أهل عصرنا وهو الوزير أبو محمد بن عبدون: يا نفحة الزهر من مسراك وافاني ... خلوص رياك في أنفاس آذار والأرض في حلل قد كاد يحرقها ... توقد النور لولا ماؤها الجاري والطير في ورق الأشجار شادية ... كأنهن قيان خلف أستار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 ومعنى بيت ابن عبدون الثاني من متداولات المعاني، منها قول الآخر ونقله إلى الدموع: لولا الدموع وفيضهن لأحرقت ... أرض الوداع حرارة الأكباد وأشبه منه قول ابن رباح: نار يغذيها السحاب بمائه ... فلذاك لم تك ترتمي بشرار ومن أحسن شعر المعتضد قوله: شربنا وجفن الليل يغسل كحله ... بماء صباح والنسيم رقيق معتقة كالتبر أما نجارها ... فضخم وأما جسمها فدقيق وقال يخاطب مجاهداً: خلي أبا الجيش هل يقضى اللقاء لنا ... فيشتفي منك طرف أنت ناظره شط المزار بنا والدار دانية ... يا حبذا الفال لو صحت زواجره وقال من جملة قصيدة يخاطب بها أباه القاضي: أطعتك في سري وجهري جاهداً ... فلم يك لي إلا الملام ثواب ولما كبا جدي إليك ولم يسغ ... لنفسي على سوء المقام شراب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 فررت بنفسي أبتغي فرجةً لها ... على أن حلو العيش بعدك صاب وما هزني إلا رسولك داعياً ... فقلت أمير المؤمنين مجاب فجئت أغذ السير حتى كأنما ... تطير بسرجي في الفلاة عقاب وما كنت بعد البين إلا موطناً ... بعزمي على أن لا يكون إياب " ولكنك الدنيا إليّ حبيبة ... فما عنك لي إلا إليك ذهاب " أصب بالرضى عني مسرة مهجتي ... وإن لم يكن في ما أتيت صواب وكان المعتضد كثيراً ما يرتاح في شعره إلى ذكر الطائفة التي كانت يومئذ تحاربه، فمن ذلك قوله: لقد حصلت يا رنده ... فصرت لملكنا عقده أفادتناك رماح ... وأسياف لها حده وأجناد أشداء ... إليهم تنتهي الشده غدوت يرونني مولىً ... لهم وأراهم عده سأفني مدة الأعدا ... ء إن طالت بي المده [6أ] فكم من عدةٍ قتل ... ت منهم بعدها عده نظمت رؤوسهم عقداً ... فحلت لبة السدة وأعجب المعتضد يومئذ بهذه القطعة الرندية، عجب حسان بن ثابت بقصيدته الميمية، وأخذ الناس بحفظها، وحملهم على ضبط معانيها ولفظها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وعلى ذكرها وذكرهم، فلنلمع بشيء من أمرهم. بدأ بغرب إشبيلية وبها عدة رؤساء، وجماعة خلفاء، فكانوا دخان ناره، وزبد تياره، إلا ما كان من ثبوت قدم قريعه المظفر بن الأفطس، فإنه نازعه لبوها، وعاطاه إلى آخر أيامه كؤوسها، ولهما في ذلك غير مجال وميدان، وقد سرد قصصهما أبو مروان ابن حيان، وسألمع بعيونها، وأقلب ظهورها لبطونها. جملة من حروبه مع المظفر وغيره من أمراء الغرب قال ابن حيان: وأول ما ظهر من تفاسد عباد والمظفر أن ابن يحيى صاحب لبلة عند هجوم عباد عليه استجار بالمظفر بن الأفطس، فأجاره وانزعج له، ووصل يده وعطل ثغره، وجمع جيشه وأقبل إلى لبلة ناصراً لابن يحيى، مضيعاً لمن خلفه يوقد نار فتنة كان في غنى عنها، حتى نزل بنفسه على ابن يحيى ودافع ابن عباد عنه، وحرك في ذلك في حلفائه البرابرة جماعةً، فسارعوا إليه غير ناظرين في عاقبة أمرهم، وتقدموا في تحريك يعسوبهم محمد بن القاسم فانتظم به أمرهم، وتقدم بهم إلى إشبيلية ورحاهم تدور على قريعهم باديس بن حبوس، مدرههم في الجلى ومفزعهم في النائبة، يسلمون لرأيه ويزحمون بركنه، فأشفق الوزير ابن جهور من حركتهم تلكن على عادته في التقلقل لأمثالها، وجهد جهده في صرفهم، وأرسل ثقات رسله إلى عامتهم، إلا ما كان من الدائلين منهم عباد داعية المروانية ومحمد بن إدريس صاحب مالقة دائل الحمودية، فإنه تنكبها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 بعاداً من الظنة، إذ كان هو وجماعة قرطبة متوقفين على كل دعوة، فلما وصلت رسله إليهم ما زادهم إلا لجاجاً. ولم يزل ابن جهورٍ يضرب لهم الأمثال، ويخوفهم من سوء العاقبة والمآل، حتى صار فيهم كمؤمن آل فرعون وعظاً وتذكرة، يجد منهم الأطواد الراسية، ويرقي الحيات المتصامة. واستن القوم في ميدان الغي؛ فلما صح عند ابن عباد خروجه للبلة بجشيه دفعاً عن ابن يحيى منتظراً لخلطائه، جرد خيلاً ضربت على بلد ابن الأفطس، وغارت وأنجدت، وفعلت فعلات تكأن القلوب، وقرفت الندوب، ثم نهض ابن عباد بنفسه إلى لبلة للقائه، فجرت بينهما على بابها وقعة عظيمة صعبة، استهما فيهما النصر في مقام واحد شق على الأبلمة، وكانت أولاً على ابن الأفطس، فولى الدبر وخاض واديها دون مخاضة، وقيل قتل من رجاله عدد كثير، ثم رجعت له على ابن عباد كرة فكشف رجاله وأصاب منهم نفراً، ثم افترقوا ولحق بعد باديس بجمعه وخاض وادي قرطبة وجاز إلى الشرف، وتجمع بحلفائه، وعاثوا في نظر إشبيلية، وانقطعت السبل جملة، وكثر القتل والهرج والسلب، وأمسى الناس في مثل عصر الجاهلية، ثم والى ابن يحيى بعد ذلك كله المعتضد لضرورة دفعته إلى ذلك، فكاشفه المظفر وخانه فيما كان ائتمنه عليه من ماله وأودعه عنده، [6ب] أيام تورطه في حرب المعتضد، فانبتت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 بينهم العصمة، وضربت خيل المظفر على صاحب لبلة، فاستغاث المعتضد فلحق به خيله واقتتلت مع خيل المظفر، وكان ابن جهور كثيراً ما يوالي رسله إلى الاصطلاح بينهما، فتصدر عنهما وتخبر أن ابن الأفطس قرب إلى الملام، بامتطاء قعود اللجاج في القطيعة. ومن النوادر المحفوظة بينهما أن المعتضد والى حربه في شهور سنة اثنتين وأربعين فعبر بلده، وفتح عدة حصون ضمها إلى عمله، وشدها برجاله، ودمر عمارات واسعة أفسد غلاتها، وأوقع رعيته ف امجاعة الطويلة، وعجز المظفر عن دفاعه شبراً واحداً فما دونه، استكانةً للحادثة التي هدت ركنه، وأفنت حماة رجاله، فاعتصم بحصنه بطليوس، ولم يخرج من خيله فارساً، وجعل يشكو به إلى حلفائه، فلا يجد ظهيراً ولا نصيراً. فلما قضى المعتضد من تدويخ بلاده وطره، وكر راجعاً إلى إشبيلية في شوال من العام، وردت علينا بقرطبة يومئذ غريبة، وذلك أن رسول المظفر في أثر هذه الوقائع عليه يلتمس شراء وصائف ملهيات يأنس بهن، نافياً بذلك الشماتة عن نفسه، ولم يكن له عادة بمثله، فنقب له رسوله عن ذلك، وكن قد عدمن بقرطبة يومئذ، فوجد له صبيتين ملهيتين عند بعض التجار لا طائل فيهما، فاشتراهما له، وأقام رسوله يلتمس الخروج بهما فلم يستطع، لقطع خيل المعتضد جميع الطرق، فأقام مدةً بقرطبة إلى أن شيع بخيل كثيفة ومضى بهما، وأولوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 النهى يعجبون ويعجبون مما شهر به نفسه من البطالة، أيام الحروب المحرمة لأطهار النساء على فحول الرجال العاقدة للأزرة، وعلى ما كان يدعيه لنفسه من الأدب والمعرفة، وبحثت على هذه الأعجوبة وما الذي حمله على هذا افن فإذا به ناغى كاشحه المعتضد المرتاح بعد الظفر لاجتلاب قينة عبد الرحيم الوزير من قرطبة، إثر وفاته يومئذ، وقد استدعاها لما وصفت له بالحذق في صنعتها، فوجهت نحوه، فنقيله المظفر في إظهار الفراغ وطلب الملهيات، وقد علم العالم أنه لفي شغل عنهن. فامتد شأو هذين الأميرين يومئذ في الغي وتباريا في القطيعة حتى أفنيا العالمين، إلى أن سنى الله بينهما الصلح، في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين، بسعي ابن جمهور أمير قرطبة، كعادته بينهما، بعد كتب ورسل في ذلك، والمظفر يمتطي اللجاجة هنالك. فلما سكنت الحال بينهما فرغ المعتضد إلى حرب الأمراء الأصاغر بالغرب، كابن يحيى وابن هارون وابن مزين والبكري، وأتيح له من الظفر عليهم ما حاز به أملاكهم وضمها جملةً إلى عمله، ثم مد يده بعد إلى القاسم بن حمود صاحب الجزيرة الخضراء، فرضة المجاز من الأندلس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 إلى أرض العدوة التي كان منها فتحها ومن قبلها ما أتاها على قدم الدهر، وذلك أنه لما وجد هذا الفتى، على نباهته وجلالة عمله، أضعف أمراء البرابرة شوكةً وأقلهم رجالاً، صمد له وحصره، فاستغاث القاسم حلفاءه بالأندلس وصاحب سبتة سقوت البرغواطي مولى ابن حمود، فأبطأ عليه حتى سقط في يده، ونزل على أمان، وآل أمره إلى أن لحق بقرطبة وأسكنها تحت كنف ابن جهور مع نظرائه من المخلوعين. فلما كانت سنة إحدى وخمسين، وقد أتيح له من الظفر ما أتيح، اتصلت الأنباء عندنا بقرطبة بصموت منابره في جميع أعماله عن ذكر إمامه هشام بن الحكم، صاحب الرجعة، الذي اتصل الدعاء له على منابره من عهد قيام والده إلى آخر هذه السنة، يومئ إليه بالحياة في غياهب الحجب من غير ظهور لخاصة ولا عامة، ودعوته على ذلك كله [7أ] مرفوعة عند من ائتسى بالمعتضد من أمراء شرق الأندلس، إلى أن قطعها قاطع الأعناق عليها ابن عباد، فذكر أنه دعا وجوه حضرته فنعى لهم إمامهم هشاماً، وكشف إليهم تقدم وفاته من علة زمانية، ووصف أن الحال التي كان بسبيلها من اشتداد الفتنة بينه وبين من تظاهر عليه من أمراء الأندلس الدانين منه عاقه يومئذ عن البوح بوفاة هذا الإمام والشهرة لدفنه، إعطاء للحزم بقسطه، فلما سكنت الحال وجب التصريح بالحق، وعطف - زعموا - بكلامه على شحذ بصائرهم في التمسك بحبل الإمامة، والفرار عن الميتة الجاهلية. وذكر أنه خاطب من كان تحت دعوة هذا المنعي هشام من أمراء الأندلس ناعياً له، داعياً إلى التعوض منه، فارتفعت الدعوة منذ ذلك الوقت، وصارت هذا الميتة لحامل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 هذا الاسم الميتة الثالثة، وعساها تكون إن شاء الله الصادقة، فكم قتل وكم مات، ثم انتفض من التراب، ومزق الكفن قبل نفخة الصور ووقعة الواقعة، فقد اكن مات في يد أول خالعيه محمد بن هشام بن عبد الجبار ودفن علانيةً، ثم نشر بيد واضح الصقلبي فتى بني أبي عامر ودال مديدةًن ثم قتله خالعه الثاني سليمان المستعين ودفنه خفيةً، ثم أبرز صداه علي حمود الحسني المنتزي، يذكي الطلب بثأره على الدولة، ودفنه الدفنة التي خلناها حقيقةً، فلم يلبث أن نجم حياً بإشبيلية بعد حقب، فبقي هنالك ملكاً ودال قرناً إلى أن وقعت عليه الميتة الثالثة، فما نقول ونعتقد في الفرق بين هذه الميتات المتواليات، إذ كان مائتها واحداً، وليس إلا السيوف عليها أدلة، غير إخلاص الدعاء لكلمة المسلمين في الائتلاف لما فيه الصلاح؛ انتهى ما لخصته من كلامه. قال ابن بسام: ثم غمس المعتضد يده بعد في من كان يليه من أقتاله البازلة فصدم شرهم بشرهم، وضرب زيدهم بعمرهم؛ وقد كان عندما تسعرت نار الحرب، بينه وبين رؤساء الغرب، هادنهم على دخن، ومتح لهم حتى ضربوا حوله بعطن، ليقتلهم بسيوفهم، ويستدرجهم إلى حتوفهم، فلما استقرت قدمه بشلب، قاصية قواعد الغرب، كان أول ما بدأ به من حربهم هجومه على الحاجب ابن نوح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 المنتزي منهم - كان - بكورة مورور في غير كتيبةٍ نظمها، ولا مقدمة إليه قدمها، إلا فتيان ينبهان عليه، ويحملان الأموال بين يديه، تجاسراً على ركوب الخطر الذي تحاماه اللبيب، واستنامةً لصرف القدر وهو لا يدري أيخطئ أم يصيب، فخلص إلى ابن نوح هذا: من رجلٍ لا يبالي دم من تجرع، ولا يحفل بأي شيء يصنع، فبالغ ابن نوح في بره، وتضاءل لأمره، وحمل ذلك من فعله على آكد أسباب السلامة، وأتم وجوه الاستنامة، وفض المعتضد يومها من صميم ماله، في وجوه حماة ابن نوح ورؤوس رجاله، ما استمال به قلوبهم، واسنصح به جيوبهم. ثم صار إلى ابن أبي قرة برندة فسامه مثلها، وحذا له نعلها، فتلك اعتد عليهم يداً، وجعلها لما أراد من مكروههم أمداً. وقد كان أحد أجنادهم أشار بالرأي في أكره، وأراد أن يطلع عليه من ثنية مكره، فواطأهم يومئذ بغدره، ورمز لهم بالاستراحة من شره، ففهمها المعتضد وجعل تلك الكلمة دبر أذنه، وأثبتها في ديوان إحنه، حتى حلي بطائلها، واستقاد بعد مديدة من قائلها، وجأجأ بالحاجبين المذكورين لأول تمكنه من الغرة، وساعةً صدره من مركزه من الحضرة، فتهافتا تهافت الفراش على الجمرة، وجاءا مجيء الحائن إلى الشفرة؛ وتطفل عليهما الحائن ابن خزرون المنتزي - كان - وقته بأركش، فلله أبوه وافداً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 لم تجزه الوفادة، وواهاً له قتيلاً لم يحل بطائل الشهادة، فجرع الكل [7ب] الحتوف، وحكم في عامتهم السيوف، واستمر بعد ذلك على حرب بقاياهم، وتتبع أخراهم، حتى تغلب على بلادهم، وألوى بطارفهم وتلادهم، في أخبار طويلة استوفاها ابن حيان، هي خارجة عن غرض هذا الديوان؛ وقد ألمعت منها بما فيه كفاية، إذ لا يتسع هذا المجموع لاستقصاء الغاية. والسبب الذي كان يغربه بطلبهم، ويبعثه على التمرس بهم، أن بعض من نظر بمولده كان أخبره أن انقضاء دولته يكون على أيدي قوم يطرؤون على الجزيرة من غير سكانها، فكان لا يشك أنهم تلك البرازلة الطارئون عليها في عهد ابن أبي عامر، فأعمل في نكالهم وجوه سياسته، وشغل بقتالهم أيام رياسته؛ واتفق أن دخل عليه يوماً بعض وزرائه وبين يديه كتاب قد أطال فيه النظر، فإذا كتاب سقوت المنتزي يومئذ بسبتة، يذكر أن القوم الملثمين المدعوين بالمرابطين قد وصلت مقدمتهم رحبة مراكش، فقال له ذلك الوزير المذكور كلاماً معناه: وأين رحبة مراكش - دخلوها فكان ماذا - ومات الحجاج فمه -! ودونهم اللجج الخضر، والمهامه الغبر، والليالي والأيام، والجماهير العظام، فقال له المعتضد: هو والله الذي أتوقعه وأخشاه، وإن طالت بك حياة فستراه، اكتب إلى فلان - يعني عامله على الجزيرة - باحتراس جبل طارق حتى يأتيه أمري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 وأخذ يريش في تحصينه، ووضع أرصاده هنالك وعيونه، ويبري، ولله عزائم لا تقيها الحصون، ولا يهتدي إليها الأرصاد والعيون، ولكل شيء أمد مكتوب، وميقات مضروب، ويبلغ الكتاب أجله. فصل في ذكر المعتمد على الله محمد بن عباد واجتلاب جملة من شعره، مع ما يتعلق من الأخبار السلطانية بذكره قال ابن بسام: ثم استوسق الأمر بعد المعتضد لابنه المعتمد، وكان مع اشتغاله بالحرب، وسعة مجاله بين الطعن والضرب، وعلى أن أباه عباداً ما انفك يدير عليه الرحى، ويقرع إليه كلما قرعت عصاً عصاً، حتى صار أسوة لنجوم ليلها، وحلساً لمتون خيلها: لا يشرب الماء إلا من قليب دمٍ ... ولا يبيت له جار على وجل فقد كان متمسكاً من الأدب بسبب، وضارباً في العلم بسهم، وله شعر كما انشق الكمام عن الزهر، لو صدر مثله عمن جعل الشعر صناعة، واتخذه بضاعة، لكان رائعاً معجباً، ونادراً مستغرباً، فما ظنك برجلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 لا يجد إلا راثياً، ولا يجيد إلا عابثاً، وهو مع ذلك يرمي فيصيب، ويهمي فيصوب، وشعره يوضح ما شرح ويعبر عما ذكره، مع أنه قد رويت أشعار أولي النباهة والأعيان، على قديم الزمان، لشرف قائلها، مع قلة طائلها، وقد رأيت أبا بكر الصولي أثبت لملوك بني أمية وخلفاء بني العباس، ما لو صدر مثله لصغار الناس لا ستهجن، أو طرأ لضعفاء السوق لا ستصغر، فلنا في الصولي أسوة في إثبات هذا النوع من الشعر إن وقع في كتابنا هذا. [8أ] والعجب من المعتمد أنه مرى سحابه في كلتا حاليه فصاب، ودعا خاطره فأجاب، ولا تراجع له من طبع، ولا بعد الخلع، بل يومه في هذا الشأن دهر، وحسنته في هذا الديوان عشر، فإن أجاد فما أولى، وإن قصر فعذره أوضح وأجلى. والمبيت المتقدم من جملة قصيد، للمخزومي أبي سعد، وإنما أشار في معناه إلى قول بشار: فتىً لا يبيت على دمنةٍ ... ولا يشرب الماء إلا بدم وقال أبو الطيب: ولا ترد الغدران إلا وماؤها ... من الدم كالريحان تحت الشقائق وقال محمد بن هانئ: لا يوردون الماء سنبك سابحٍ ... أو يكتسي بدم الفوارس طحلبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 جملة من شعر المعتمد في النسيب وما يناسبه قال: داري الغرام ورام أن يتكتما ... وأبى لسان دموعه فتكلما رحلوا وأخفى وجده فأذاعه ... ماء الشؤون مصرحاً ومجمجما سايرتهم والليل غفل ثوبه ... حتى تراءى للنواظر معلما فوقفت ثم محيراً وتسلبت ... مني يد الإصباح تلك الأنجما وكأن معنى هذا البيت الأخير، إلى قول المجنون بشير: فأصبحت من ليلى الغداة كناظرٍ ... مع الصبح في أعقاب نجمٍ مغرب وله في أم الربيع وقد مرضت فلم يعدها: مرضتم فأمسكت الزيارة عامداً ... وما عن قلىً اأمسكتها لا ولا هجر ولكنني أشفقت من أن أزوركم ... وأبصر آثار الخسوف على البدر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وقال المعتمد: أكثرت هجري غير أنك ربما ... عطفتك أحياناً عليّ أمور فكأنما زمن التهاجر بيننا ... ليل وساعات الوصال بدور وهو ينظر إلى قول الأسعد بن بليطة: تتنفس الصهباء في لهواته ... كتنفس الريحان في الآصال وكأنما الخيلان في لباته ... ساعات هجرٍ في زمان وصال وقال: تظن بنا أم الربيع سآمةً ... ألا غفر الرحمن ذنباً تواقعه أأهجر ظبياً في فؤادي كناسه ... وبدر تمامٍ في ضلوعي مطالعه وروضة حسنٍ أجتنيها وبارداً ... من الظلم لم تحظر علي شرائعه إذن عدمت كفي نوالاً تفيضه ... على معتفيها أو عدواً تقارعه وناوله بعض نسائه كأس بلور مترعاً خمراً ولمع البرق فارتاعت فقال: ريعت من البرق وفي كفها ... برق كم القهوة لماع يا ليت شعري وهي شمس الضحى ... كيف من الأنوار ترتاع وقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 قامت لتحجب قرص الشمس قامتها ... عن ناظري حجبت عن ناظر الغير [8ب] علماً لعمرك منها أنها قمر ... هل تحجب الشمس إلا غرة القمر وقال: عفا الله عن سحرٍ على كل حالةٍ ... ولا حوسبت عني بما أنا واجد أسحر ظلمت النفس واخترت فرقتي ... فجمعت أحزاني وهن شوارد وكانت شجوني باقترابك نزحاً ... فها هن لما أن نأيت شواهد وقال: فإن تستلذي برد مائك بعدنا ... فبعدك ما ندري متى الماء بارد وقال: يا غرة الشمس التي ... قلبي لها أحد البروج لولاك لم أك مؤثراً ... فرش الحرير على السروج وقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 تم له الحسن بالعذار ... واقترن الليل بالنهار أخضر في أبيض تبدى ... ذلك آسي وذا بهاري فقد حوى مجلسي تماماً ... إن يك من ريقه عقاري هذا كقول ابن وكيع: شادن خده وعي ... ناه وردي ونرجسي إن يجد لي بخمرةٍ ... فلقد تم مجلسي ما أخرجته من مقطوعاته السلطانية التي أجراها مجرى الإخوانيات بات الوزير أبو الأصبغ بن أرقم على قرب من إشبيلية، وأعلمه أنه وافد عليه صبيحة غدٍ، فكتب إليه المعتمد: أهلاً بكم صحبتكم نحوي الديم ... إن كان لم يتجنح لي بكم حلم حلوا المطي ولو ليلاً بمجهلةٍ ... فلن تضلوا ومن بشري لكم علم سأكتم الليل ما ألقاه من بعدٍ ... وأسأل الصبح عنكم حين يبتسم وأدخلت إليه يوماً باكورة نرجس، فكتب إلى ابن عمار يستدعيه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 قد زارنا النرجس الذكي ... وآن من يومنا العشي ونحن في مجلسٍ أنيقٍ ... وقد ظمئنا وثم ري ولي نديم غدا سميي ... يا ليته ساعد السمي فأجابه ابن عمار: لبيك لبيك من منادٍ ... له الندى الرحب والندي ها أنا في الباب عبد قن ... قبلته وجهك السني شرفه والداه باسمٍ ... شرفته أنت والنبي وسأله الوزير أبو عمرو بن غطمش أن يشرفه بالسير معه إلى منزله، فاجتمع الندماء بالقصر، [9أ] بعد صلاة العصر، لينتقلوا ليلاً بانتقالها إلى دار الوزير المذكور، فبدت من ابن عمار حينئذ هنة أوجنت أن رماه المعتمد ببعض الآنية، فافترقوا بعد نومه ووقوع اليأس من سيره، ومضت الجماعة إلى دار الوزير المذكور، فلما استيقظ المعتمد من السكر، أخبر بما وقع من الأمر، فكتب إليهم بهذين البيتين: لولا عيون من الواشين ترمقني ... وما أحاذره من قول حراس لزرتكم لأكافيكم بجفوتكم ... مشياً على الوجه أو حبواً على الراس وله يستعطف أباه المعتضد إذ دخل مالقة وأخرج منها، في قصيدة أوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 سكن فؤادك لا تذهب بك الفكر ... ماذا يعيد عليك البث والحذر وإن يكن قدر قد عاق عن وطر ... فلا مرد لما يأتي به القدر وإن تكن خيبة في الدهر واحدة ... فكم غزوت ومن أشياعك الظفر إن كنت في حيرة عن جرمٍ محترم ... فإن عذرك في ظلمائها قمر ومنها: يا ضيغماً يقتل الفرسان مفترساً ... لا توهنني فإني الناب والظفر قد أخلفتني صروف أنت تعلمها ... وعاد مورد آمالي به كدر وحلت لوناً وما بالجسم من سقمٍ ... وشبت رأساً ولم يبلغني الكبر لم يأت عبدك ذنباً يستحق به ... عتباً وهاهو قد ناداك يعتذر ما الذنب إلا على قوم ذوي دغل ... وفى لهم عهدك المعهود إذ غدروا ومنها: لم أوت من زمني شيئاً ألذ به ... فلست أعرف ما كأس ولا وتر ولا تملكني دل ولا خفر ... ولا سبى خلدي غنج ولا حور رضاك راحة نفسي لا فجعت به ... فهو العتاد الذي للدهر يدخر وهو المدام التي أسلو بها فإذا ... عدمتها عبثت في قلبي الفكر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 ذكر الخبر عن حديثه يومئذ بمالقة ودخوله إياها، وانصرافه مفلولا دون ما تخيل من التخييم في ذراها، وأمل من الاستباحة لحماها قال ابن بسام: لما سما باديس بن حبوس إلى قصبة مالقة بعد تقلص الظلال الحمودية عن أرجائها، وأفول النجوم العلوية في سمائها، في خبر خلا منه هذا المجموع حين لم يتعلق بذيله مما وقع إليّ نظم ولا نثر، ولا أشرق في ليله مما حصل في يدي للأدب كوكب ولا بدر، فلذلك أضربت [9ب] عنه، وأخليت كتابي منه، وأتيت بخبر المعتمد فيها حين أنبأ به شعر، وجرى له على لسان الأدب ذكر، وفاءً بالشرط، وتوفيةً بالقسط: كان أهل مالقة إذا جرى ذكر عباد ارتاحوا إليه ارتياح الغصون تحت النسيم، ورفعوا أصواتهم بالصلاة عليه والتسليم، هذا على ما كان يقذي عيونهم من قبح آثاره، ويصك أسماعهم من هو أخباره، ويلفح وجوههم من وهج ناره، تشيعاً لم يكن له أصل إلا شؤم الحمية، ولؤم العصبية، فاهتبلوا غرةً من باديس أميرهم، وناجوا عباداً بذات صدورهم، وألقوا إليه بأيدي تأميلهم وتأميرهم، فجأجأوا لظمآن لا يروي على طول الشرب، وهزوا سيفاً يكاد يهتك الضريبة قبل الضرب، فجد فيها وشمر، ونادى أهلها وحشر، وكان المعتضد إذا طول اختصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وإذا تحدث عنه على البعد حضر، ولبى دعاة أهل مالقة بالخيل بين الجلال واللبود، وبالأبطال أثناء الحرير والحديد، وأنفذ إليهم شوكته الوحي سمها، وأطلع عليهم كتيبته البعيد همها، القاسط حكمها، معصبة بابنيه جابرٍ ومحمد، فلأول إطلال عسكره عليها هبت له ريح فتحها، وضحك في وجه بشر صبحها، فحل لأول وقته بحريمها، وتحكم في ظالمها ومظلومها، إلا فرقةً من السودان المغاربة لاذوا بذروة قصبتها وهي بحيث ينشأ تحتها الدجن، ويعجز دون مرامها الظن، إنافة مكان، وإطالة بنيان؛ وقد كان أهل مالقة أشاروا على ابني المعتضد، حين خلوا بينهما وبين البلد، بإذكاء العيون، وإساءة الظنون، وضبط ما حولها من المعاقل والحصون، فغفلا، واستصرخ السودان المغاربة أميرهم باديس فلباهم بزخرة من تياره، وأقبسهم شرارة من ناره، فلم يرع ابني عباد، إلا صهيل الجياد، وتداعي الأجناد، بشعار الجلاد، فلم تر إلا أسيراً أو قتيلاً، أو فازعاً إلى الفرار ما وجد إليه سبيلاً، وامتلأت أيدي الباديسيين من السلاح والكراع، ورفلوا بين خيار البز وفاخر المتاع، ولجأ ابنا عباد إلى رندة وقد انغمسا في عارها، وصليا بنارها، ورأيا وجه الموت في لمعان أسنتها وشفارها، ومن ثم خاطب المعتمد أباه بالشعر المتقدم الذكر، وقد أخفر ذممه، ونذر دمه، ولولا أنه استجار - زعموا - يومئذ برجلٍ من العباد كان هنالك لتبت يداه، ولحق إسماعيل أخاه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 ورفع إلى المعتمد صدر دولته شعر، عزي إلى بعض الأصحاب، من الوزراء الكتاب، يعرض بأبي الوليد بن زيدون فيه، أوله: يا أيها الملك العلي الأعظم ... اقطع وريدي كل باغٍ ينئم [واحسم بسيفك داء كل منافقٍ ... يبدي الجميل وضد ذلك يكتم] لا تتركن للناس موضع شبهةٍ ... واحزم فمثلك في العظائم يحزم قد قال شاعر كندة فيما مضى ... بيتاً على مر الليالي يعلم " لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم " فلما سمعها المعتمد، عرف الغرض الذي إليه قصد، ووقع على ظهر الرقعة، بهذه القطعة، وهي من جيد نظامه، وحر كلامه: كذبت مناكم صرحوا أو جمجموا ... ألدين أمتن والمروة أكرم خنتم ورمتم أن أخون وإنما ... حاولتم أن يستخف يلملم وأردتم تضييق صدرٍ لم يضق ... والسمر في ثغر الصدور تحطم وزحفتم بمحالكم لمجرب ... ما زال يثبت في المحال فيهزم أنى رجوتم غدر من جربتم ... منه الوفاء وجور من لا يظلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 أنا ذاكم لا البغي يثمر غرسه ... عندي ولا مبنى الصنيعة يثلم كفوا وإلا فارقبوا لي بطشةً ... يلقى السفيه بمثلها فيحلم ولأبي الوليد على ذلك جواب شكرٍ من جملة قصيد، قال فيه: قل للبغاة المنبضين قسيهم ... سترون من تصميه تلك الأسهم أسررتم فرأى نجي غيوبكم ... شيحان مدلول عليه ملهم ما كان حلم محمد ليحيله ... عن عهده دغل الضمير مذمم فرق عوت فزأرت زأرة زاجرٍ ... راع الكليب بها السبنتى الضيغم لي منك فليذب الحسود تلظياً ... لطف المكانة والمحل الأكرم لم تلف صاغيتي لديك مضاعفةً ... كلا ولا ضاع اصطناعي الأقدم بل أوسعت حفظاً وصدق رعاية ... ذمم موثقة العرى لا تفصم فليخرقن الأرض شكر منجد ... مني تناقله المحافل متهم ومن كلام المعتمد الجزل، قوله يوم كبل يخاطب الكبل: إليك فلو كانت قيونك أشعرت ... تصرم منها كل كف ومعصم مهابة من كان الرجال بسيبه ... ومن سيفه في جنة أو جهنم ومما قاله بعد زوال سلطانه وتضعضع بنيانه، لما دخل عليه البلد يوم الثلاثاء منتصف رجب سنة أربع وثمانين، خرج مدافعاً عن ذاته، وذاباً عن حرماته، وظهر يومئذ من بأسه، ومن تراميه - زعموا - على الموت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 بنفسه، ما لا مزيد لبشرٍ عليه، ولا تناهي لخلق إليه، وفي ذلك يقول: لما تماسكت الدموع ... وتنبه القلب الصديع قالوا الخضوع سياسة ... فليبد منك لهم خضوع وألذ من طعم الخضوع ... على فمي السم النقيع إن تستلب عني الدنا ... ملكي وتسلمني الجموع فالقلب بين ضلوعه ... لم تسلم القلب الضلوع لم أستلب شرف الطبا ... ع أيسلب الشرف الرفيع قد رمت يوم نزالهم ... إلا تحصني الدروع وبرزت ليس سوى القمي ... ص على الحشا شيء دفوع وبذلت نفسي كي تسي ... ل إذا يسيل بها النجيع أجلي تأخر لم يكن ... بهواي ذلي والخضوع ما سرت قط إلى القتا ... ل وكان من أملي الرجوع شيم الأول أنا منهم ... والأصل تتبعه الفروع [10ب] قوله: " ما سرت قط إلى القتال " ... البيت، كقول قيس بن الخطيم: وإني في الحرب الضروس موكل ... بتقديم نفسٍ لا أريد بقاءها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 وروى ابن قتيبة قال، قال أبو دلامة: كنت في عسكر مروان بن محمد أيام زحف إلى شيبان، فلما التقى الزحفان خرج رجل منهم ينادي إلى البراز، فلم يخرج إليه أحد إلا أعجله ولم ينهنهه، فغاظ ذلك مروان، فجعل يندب الناس على خمسمائة، فقتل أصحاب الخمسمائة، فندبهم على الألف، ولم يزل يزيد حتى نادى بخمسة آلاف، قال أبو دلامة: وكان تحتي فرس لا أخاف خونه، فلما سمعت بخمسة آلاف اقتحمت الصف، فلما نظر إليّ الخارجي علم أني خرجت للطمع، فبرز إليّ وهو يقول: وخارج أخرجه حب الطمع ... فر من الموت وفي الموت وقع ... من كان ينوي أهله فلا رجع ... فلما وقرت في أذني انصرفت عنه هارباً، فجعل مروان يقول: من هذا الفاضح - إيتوني به، ودخلت في غمار الناس. وقيل كان أبو دلامة مع أبي مسلم في بعض حروبه مع بني أمية، فدعا رجل إلى البراز فقال له أبو مسلم: أخرج إليه، فأنشأ يقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 ألا لا تلمني إن هربت فإنني ... أخاف على فخارتي أن تحطما فلو أنني أبتاع في السوق مثلها ... وجدك ما باليت أن أتقدما وحدث أيضاً أبو دلامة قال: أتي بي المنصور وأنا سكران، فحلف أن يخرجني في بعث حرب، فأخرجني مع روح بن حاتم المهلبي لقتال الثراة، فلما التقى الجمعان قلت لروح: لو أن تحتي فرسك ومعي سلاحك لأثرت اليوم في عدوك أثراً ترضيه، فنزل عن فرسه ونزع سلاحه، فلما حصل ذلك في يدي وزالت حلاوة الطمع أنشدته: إني استجرتك أن أقدم في الوغى ... لتطاعن وتنازل وضراب فهب السيوف رأيتها مشهورة ... فتركتها ومضيت في الهراب ماذا تقول لما تجيء ولا ترى ... من بادرات الموت بالنشاب قال: دع عنك هذا، وبرز رجل من الخوارج فقال: اخرج إليه، قلت: أنشدك الله في دمي أيها الأمير، إن هذا أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا، وأنا والله جائع ما تنبعث مني جارحة من الجوع، فأمر برغيفين ودجاجة، فأخذت ذلك وبرزت إلى الصف، فلما رآني الخارجي أقبل نحوي وتحدثنا، وقلت: إن معي زاداً أحببت أن تأكله معي وما أريد قتالك، فجعلنا نأكل على ظهور دوابنا والناس يضحكون، فلما استوفيناه ودعني، فلما انصرفت قلت لروح: قد كفيتك قرني فقل لغيري يكفيك قرنه. ثم خرج آخر إلى المبارزة فقال: اخرج إليه فقلت: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فتخزى بي بنو أسد إن البراز إلى الأقران أعلمه ... مما يفرق بين الروح والجسد [11أ] إن المهلب حب الموت أورثكم ... وما ورثت اختيار الموت من أحد لو أن لي مهجة أخرى لجدت بها ... لكنها خلقت فرداً فلم أجد فضحك وأعفاني. رجع: ثم التوت بالمعتمد الحال أياماً يسيرة، والناس بحضرة إشبيلية قد استولى علهم الفزع، وخامرهم الجزع، يقطعون سبلها سياحةً، ويخوضون نهرها سباحةً، ويترامون من شرفات الأسوار، ويتولجون مجابي الأقذار، حرصاً على الحياة، وحذراً من الوفاة، فلما كان يوم الأحد الموفي عشرين من رجب المؤرخ، دخل البلد على المعتمد بعد أن جد الفريقان في القتال، واجتهدت الفئتان في النزال، وفي أثناء تلك الحال، وما كان يناجي باله من البلبال، خاطب أبا بكر المنجم الخولاني بهذه الأبيات: أرمدت أم بنجومك الرمد ... قد عاد ضداً كل ما تعد هل في حسابك ما نؤمله ... أم قد تصرم عندك الأمد قد كنت تهمس إذ تخاطبني ... وتخط كرهاً إن عصتك يد فالآن لا عين ولا أثر ... أتراك غيب شخصك البلد وتراك بالعذراء في عرسٍ ... أم إذ كذبت سطا بك الأسد الملك لا يبقى على أحد ... والموت لا يبقى له أحد ثم أخرج المعتمد في ذلك اليوم إلى أن أطلقت إليه جميع أمهات أولاده وبنيه، وكل ما يختص به من أقرابه وذويه، وعمر بهم مركب فركبوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 البحر ورزقوا السلامة فيه، إلى أن وصلوا إلى أمير المسلمين وناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين، رحمه الله، فبقوا هنالك في كمفه وذرى فضله، تحت إحسان عميم، وبذل نائلٍ جسيم، حتى انقرضت هنالك أيامه، ووافاه حمامه، بعد مرض شديد أصابه، وكانت وفاته في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين، وكان مولده في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين. ومن النادر الغريب أنه نودي في جنازته بالصلاة على الغريب، بعد عظيم سلطانه، وجلالة شانه، فتبارك من له البقاء، والعزة والكبرياء. وبلغني أنه لما أحس بالوفاة، رثى نفسه بهذه الأبيات: قبر الغريب سقاك الرائح الغادي ... حقاً ظفرت بأشلاء ابن عباد بالطاعن الضارب الرامي إذا اقتتلوا ... بالخصب أجدبوا بالري للصادي نعم هو الحق وافاني به قدر ... من السماء فوافاني لميعاد [11ب] ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه ... أن الجبال تهادى فوق أعواد فلا تزل صلوات الله نازلةً ... على دفينك لا تحصى بتعداد ثم وصى بأن تثبت على قبره. وتنازعت يومئذ لمة من أهل الأدب بأغمات، ورثوه بقصائد مطولات، منهم أبو بحر بن عبد الصمد رثاه بقصيد أوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 ملك الملوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن السماع عواد لما نقلت من القصور فلم تكن ... فيها كما قد كنت في الأعياد قبلت في هذا الثرى لك خاضعاً ... وجعلت قبرك موضع الإنشاد وأنشد على قبره وفعل ما ذكر: قبل الترب ومرغ جبينه وعفر، فأبكى من حضر. وبلغني أيضاً عن بعض بني عباد أنه أنشد في النوم قبل حلول الفاقرة بهم هذه الأبيات: ما يعلم المرء والدنيا تمر به ... بأن صرف ليالي الدهر محذور بينا الفتى مترد في مسرته ... وافى عليه من الأيام تغيير وفر من حوله تلك الجيوش كما ... تفر إن عاينت صقراً عصافير وخر خسراً فلا الأيام دمن له ... ولا بما وعد الأحرار محبور من بعد سبعٍ كأحلام تمر وما ... يرقى إلى الله تهليل وتكبير يحل سوء بقوم لا مرد له ... وما ترد من الله المقادير وكذلك حكي عن رجل أنه رأى في منامه إثر الكائنة عليهم كأن رجلاً صعد منبر جامع قرطبة واستقبل الناس ينشدهم: رب ركب قد أناخوا عيسهم ... في ذرى مجدهم حين بسق سكت الدهر زماناً عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 فلما سمع المعتمد ذلك أيقن أنه نعي لملكه، وإعلام بما انتثر من سلكه، فقال: من عزا المجد إلينا قد صدق ... لم يلم من قال مهما قال حق مجدنا الشمس سناءً وسناً ... من يرم ستر سناها لم يطق أيها الناعي إلينا مجدنا ... هل يضير المجد إن خطب طرق لا ترع للدمع في آماقنا ... مزجته بدمٍ أيدي الخرق حنق الدهر علينا فسطا ... وكذا الدهر على الحر حنق قد مضى منا ملوك شهروا ... شهرة الشمس تجلت في الأفق نحن أبناء بني ماء السما ... نحونا تطمح ألحاظ الحدق وإذا ما اجتمع الدين لنا ... فحقير ما من الدنيا افترق قال ابن بسام: والبيتان اللذان أنشدا في المنام رواهما الرواة [12أ] في خبر النعمان بن المنذر، وهو أنه نزل تحت شجرة، ومعه عدي بن زيد فقال له: أتدري ما تقول هذه الشجرة أيها الملك - قال تقول: رب ركبٍ قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال ثم أضحوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدهر حال بعد حال فتكدر على النعمان نعيم يومه الذي كان فيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 ويتعلق بذيل هذا الخبر الآخر: سل الأرض من غرس أشجارك وشق أنهارك، وجنى ثمارك، فإن لم تجبك حواراً، أجابتك اعتباراً. وقال بعض الحكماء: أشهد أن في السموات والأرض آيات ودلالات، وشواهد قائمات، كل تؤدي عنه الحجة، وتشهد له بالربوبية. وجلس أبو العتاهية بحانوت وراقٍ فأخذ كتاباً وكتب على ظهره: أيا عجباً كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده جاحد وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد فلما انصرف اجتاز بالموضع أبو نواس فقال: لمن هذه - لودتها لي بجميع شعري، قيل له: لأبي العتاهية: فكتب تحتها: سبحان من خلق الخل ... ق من ضعيفٍ مهين فصاغه في قرار ... إلى قرارٍ مكين يجول شيئاً فشيئاً ... في الحجب دون العيون حتى بدت حركات ... مخلوقة من سكون وإلى هذا المعنى ذهب أبو الطيب بقوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 تنشد أثوابنا مدائحه ... بألسن ما لهن أفواه إذا مررنا على الأصم بها ... أغنته عن مسمعيه عيناه ومنها قول نصيب: فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكنوا أثنت عليك الحقائب وقال أبو تمام، وله بهذا المعنى بعض الإلمام: من القلاص اللواتي في حقائبها ... بضاعة غير مزجاةٍ من الكلم وأخذه بعض أهل عصرنا، وهو الوزير أبو محمد بن عبدون، فقال للمتوكل: فجاءته لم تبصر سوى البشر هادياً ... وسله ولم يسمع سوى الشكر حاديا هوادٍ على أعجازها قيم الندى ... فأربح بها مشري حمد وشاريا وهذا المعنى الذي افتنوا فيه نظماً ونثراً هي النصبة الدالة بذاتها التي وصفها الجاحظ في أقسام البيان. رجع: وكان أبو بكر الداني مائلاً لبني عباد بطبعه، إذ كان المعتمد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 الذي جذب بضبعه، وله في البكاء على أيامهم، وانتثار نظامهم، عدة مقطوعات، وقصائد مطولات، يشتمل عليها جزء لطيف، صدر عنه في صيغة تأليف، وهيئة تصنيف، ضل فيه وأضل " والذر يعذر في القدر الذي حمل " سماه ب - " نظم السلوك، في وعظ الملوك " ترجمة رائقة بلا معنى،، ليست من الغرض الذي نحاه ولا المغزى؛ على أنه كان شاعرا يتصرف، وقادرا لا يتكلف، فوفد هنالك على المعتمد وفادة وفاء، ولا وفادة استجداء، وانقطع إليه انقطاع وداد، لا انقطاع استرفاد، وله أشعار سائرة، ومعه أخبار نادرة، تدل على كرم طعمته، وبعد همته، وأنا أورد هاهنا منها ما يليق بالديوان، ويروق في السماع والعيان. حدث الداني عن نفسه قال: لما أردت الانفصال عنه هنالك بعث إلي بعشرين مثقالا وشقة رازي بغدادي، وكتب مع ذلك: إليك النزر من كف الأسير ... فإن تقبل تكن عين الشكور تقبل ما يذوب له حياء ... وإن عذرته حالات الفقير ولا تعجب لخطب غض منه ... أليس الخسف ملتزم البدور ورج بجبره عقبى نداه ... فكم جبرت يداه من كسير وكم أعلت علاه من حضيض ... وكم حطت ظباه من أمير وكم من منبر حنت إليه ... أعالي مرتقاه ومن سرير زمان ترجعت عن جانبيه ... جياد الخيل بالموت المبير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 فقد نظرت إليه عيون نحس ... مضت منه بمعدوم النظير نحوس كن في عقبي سعود ... كذاك تدور أقدار القدير قال الداني: فرددت عليه صلته وكتبت إليه مع ذلك: سقطت من الوفاء على خبير ... فذرني والذي لك في ضميري تركت هواك وهو شقيق ديني ... لئن شقت برودي عن غدور ولا كنت الطليق من الرزايا ... لئن أصبحت أجحف بالأسير أسير ولا أصير إلى اغتنام ... معاذ الله من سوء المصير أنا أدرى بفضلك منك إني ... لبست الظل منه في الحرور غني النفس أنت وإن ألحت ... على كفيك حالات الفقير تصرف في الندى حيل المعالي ... فتسمح من قليل بالكثير أحدث منك عن نبع غريب ... تفتح عن جنى زهر نضير جذيمة أنت والزباء خانت ... وما أنا من يقصر عن قصير وأعجب منك أنك في ظلام ... وترفع للعفاة منار نور [رويدك سوف توسعني سرورا ... إذا عاد ارتقاؤك للسرير وسوف تحلني رتب المعالي ... غداة تحل في تلك القصور تزيد على ابن مروان عطاء ... بها وأزيد ثم على جرير تأهب أن تعود إلى طلوع ... فليس الخسف ملتزم البدور] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 قال الداني: فراجعني المعتمد بهذه الأبيات: رد بري بغيا علي وبرا ... وجفا فاستحق لوما وشكرا حاط نزري إذ خاف تأكيد ضري ... فاستحق الجفاء إذ حاط نزرا فإذا ما طويت في الحمد بعضا ... عاد لومي في البعض سرا وجهرا يا أبا بكر الغريب وفاء ... لا عدمناك في المغارب ذخرا أي نفع يجدي احتياط شفيق ... مت ضرا فكيف أرهب ضرا [13 أ] وهذا المصراع الأخير، كأنه إلى بيت أبي الطيب يشير: أنا الغريق فما خوفي من البلل ... قال الداني: فراجعته: أيها الماجد السميدع قدرا ... صرفي البر إنما كان برا حاش لله أن أجيح كريما ... يتشكى فقرا وكم سد فقرا ليت لي قوة أو آوي لركن ... فترى للوفاء مني سرا أنت علمتني السيادة حتى ... صرت أرقى على الكواكب قدرا ربحت صفقة أزيل برودا ... عن أديمي بها وألبس فخرا وكفاني كلامك الرطب نيلا ... كيف ألفي درا وأطلب تبرا لم تمت إنما المكارم ماتت ... لا سقى الله بعدك الأرض قطرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 قال الداني: وبلغت حالي عنده من التقريب والترحيب أن أفرطت في الإدلال، وانبسطت في الاسترسال، وخاطبته في أن يكون زادي من نعمائه، وأن يحاول صنعه بعض إمائه، حرصا مني على التشريف، وسعيا إلى الاستزادة من شكر المعروف، فكان ذلك على أحسن وجه، وشكر غاية الشكر ابنساطي، وتحقق به صحة ارتباطي، وكنت خاطبته في ذلك بهذه القطعة: وداع ولكني أقول سلام ... وللنفس في ذكر الوادع حمام أخادع نفسا إن تحققت النوى ... فليس لها بين الضلوع مقام قد ائتلفت أهواؤها بك جملة ... كما ائتلفت في وكرهن حمام وشقت عن النصح المبين جيوبها ... كما شققت عن زهرهن كمام أكرر لحظي في محياك إنه ... لنور الهدى فيه عليك قسام وأحمل من تقبيل كفك سؤددا ... على عاتق الجوزاء منه حسام أملبسي النعمى قديما ومثلها ... حديثا وأحداث الزمان عظام لأجلستني حتى اتكأت ولم يزل ... يدل على المولى الكريم غلام عسى عند حمل العيس رحلي في غد ... يهيأ من زادي لديك طعام وميلي إلى الطاهي وطيب إرادة ... ليثبت لي في وصف ذاك كلام وكيف أزيد المجد صحف محاسن ... سهرت لها والعالمون نيام قال: فأجابني بقوله: كلامك حر والكلام غلام ... وسحر ولكن ليس فيه حرام ودر ولكن بين جنبيك بحره ... وزهر ولكن الفؤاد كمام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وبعد فإن ودعتني بخداعة ... فحقي أن يجني عليك ملام أعني على نفسي بتزويد نفسها ... بل قول لا شيء علي حرام فدونكه إذ لم أجد لي حيلة ... وقلبي فاعلم في الطعام طعام فهنئته زادا وفي الصدر وقدة ... وللصبر من دون الفؤاد مرام لقد كان فأل من سمائك مؤنس ... وقد عاد ضدا فالعزاء رمام تحليت بالداني وأنت مباعد ... فيا طيب بدء لو تلاه تمام ويا عجبا حتى السمات تخونني ... وحتى انتباهي للصديق منام أضاء لنا أغمات قربك برهة ... وعاودها حين ارتحلت ظلام تسير إلى أرض بها كنت مضغة ... وفيها اكتست باللحم منك عظام وأبقى أسام الذل في أرض غربة ... وما كنت لولا الغدر ذاك أسام فبلغتها في ظل أمن وغبطة ... وسني لي مما يعوق سلام قال ابن بسام: وكان الحصري المكفوف القروي قد طرأ على الأندلس في مدة ملوك طوائفها، فتهادته تهادي الرياض للنسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم، ولما خلعوا وأخوت تلك النجوم، وطمست للشعر تلك الرسوم، اشتملت عليه مدينة طنجة وقد ضاق ذرعه، وتراجع طبعه، فتصدى إلى المعتمد في طريقه، وهو في تلك الحال، من الاعتقال، بأشعار له قديمة صدرها في الرباب وفرتنى، وعجزها في الاستجداء وطلب اللهى، خارجة عن الغرض والمغزى، مما كان فيه المعتمد يومئذ، وألح عليه بالوصول بتلك الأشعار إليه، فندبه كرم جبلته إلى مقارضته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 عند مفاوضته، فطبع على ثلاثين مثقالا لم يمكنه سواها، وأدرج قطعة شعر طيها معتذرا من نزرها، راغبا في قبول أمرها، فلم يجاوبه الحصري عما حصل حينئذ من قبله لديه، فكتب المعتمد بهذه الأبيات إثر ذلك إليه: قل لمن قد جمع العل ... م ومن أحصى صوابه كان في الصرة شعر ... فتنظرنا جوابه قد أثبناك فهلا ... جلب الشعر ثوابه واتصل فعل المعتمد بالحصري إلى جماعة من زعانف الشعراء، وكل طالب حباء، من مشحوذ المدية، في الكدية، فتعرضوا له بكل قارعة طريق، وجاءوه من كل فج عميق، يحسبون الدفلى من حاله نور اجتناء، ويعتقدون السراب في أمره غدير ماء، وطي الحال، كان ما لا مزيد عليه من الاختلال، وعند ذلك قال: شعراء طنجة كلهم والمغرب ... ذهبوا من الأغراب أبعد مذهب سألوا العسير من الأسير وإنه ... بسؤالهم لأحق فأعجب وأعجب لولا الحياء وعزة لخمية ... طي الحشا ناغاهم في المطلب قد كان أن سئل الندى يجزل وإن ... نادى الصريخ ببابه اركب يركب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 وعند ذلك قال: قل لمن يطمع في نائله ... قد أزال اليأس ذاك الطمعا راح لا يملك إلا دعوة ... رحم الله العفاة الضيعا وسأله رجل يعرف بابن الزنجاري أن يزوده من شعره فكتب إليه [14 أ] : لو أستطيع على التزويد بالذهب ... فعلت لكن عداني طارق النوب يا سائل الشعر يجتاب الفلاة به ... تزويدك الشعر لا يغني عن السغب زاد من الريح لا ري ولا شبع ... غدا له مؤثراً ذو اللب والأدب أصبحت صفراً يدي مما تجود به ... ما أعجب القدر المقدور في رجب ذل وفقر أدالا عزةً وغنى ... نعمى الليالي من البلوى على كثب قد كان يستلب الجبار مهجته ... بطشي ويحيا قتيل الفقر في طلبي والملك يحرسه في ظل واهبه ... غلب من العجم أو شم من العرب فحين شاء الذي آتاه ينزعه ... لم يجد شيئاً قراع السمر والقضب فهاكها قطعةً طوى لها حسداً ... " السيف أصدق إنباء من الكتب " ومما قاله في ابنيه، وتعجب من حاليه، قال: بكت أن رأت إلفين ضمهما وكر ... مساء وقد أخنى على إلفها الدهر بكت لم ترق دمعاً وأسبلت عبرةً ... يقصر عنها القطر مهما همى القطر وناحت وباحت واستراحت بسرها ... وما نطقت حرفاً يبوح به سر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 فما لي لا أبكي أم القلب صخرة ... وكم صخرة في الأرض يجري بها نهر بكت واحداً لم يشجها غير فقده ... وأبكي لألاف عديدهم كثر بني صغير أو خليل موافق ... يمزق ذا قفر ويغرق ذا بحر ونجمان زين للزمان احتواهما ... بقرطبة النكداء أو رندة القبر غدرت إذن إن ضن جفني بقطرةٍ ... وإن لؤمت نفسي فصاحبها الصبر فقل للنجوم الزهر تبكيها معي ... لمثلهما فلتحزن الأنجم الزهر قال ابن بسام: وهذه القطعة يشبه أولها قطعة عوف بن محلم، وما أراه إلا بها ألم، وعلى منوالها سدى وألحم، وهي: وأرقني بالري نوح حمامةٍ ... فنحت وذو الشجو الغريب ينوح على أنها ناحت ولم تذر عبرةً ... ونحت وأسراب الدموع سفوح وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح وقال المعتمد أيضاً يبكيهما بما يفت الكبد، ويفت العضد: يقولون صبراً لا سبيل إلى الصبر ... سأبكي وأبكي ما تطاول بي عمري هوى الكوكبان الفتح ثم شقيقه ... يزيد فهل عند الكواكب من خبر ترى زهرها في مأتم كل ليلةٍ ... تخمش لهفاً وسطه صفحة البدر ينحن على نجمين، أثكلت ذا وذا ... وأصبر ما للقلب في الصبر من عذر [14ب] أفتح لقد فتحت لي باب رحمة ... كما بيزيد الله قد زاد في أجري توليتما والسن بعد صغيرة ... ولم تلبث الأيام أن صغرت قدري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 توليتما حين انتهت بكما العلا ... إلى غايةٍ، كل إلى غاية يجري فلو عدتما لاخترتما العود في الثرى ... إذا أنتما أبصرتماني في الأسر يعيد على سمعي الحديد نشيده ... ثقيلاً فتبكي العين بالجس والنقر مع الأخوات الهالكات عليكما ... وأمكما الثكلى المضرمة الصدر فتبكي بدمعٍ ليس للقطر مثله ... وتزجرها التقوى فتصغي إلى الزجر أبا خالدٍ أورثتني الحزن خالداً ... أبا النصر مذ ودعت ودعني نصري وقبلكما قد أودع القلب حسرةً ... تجدد طول الدهر ثكل أبي عمرو قوله: " فلو عدتما لاخترتما العود في الثرى.. " البيت، كأنه من أشعار النساء، وأراه ينظر إلى قول الخنساء في صيغة المبنى، وإن خالفه في المعنى، وهو: فلولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي وأبو عمرو الذي ذكره هو ابنه المقتول بقرطبة على يدي ابن عكاشة، حسبما يأتي شرحه في موضعه من هذا المجموع إن شاء الله. قال أيضاً فيهما يندبهما بما يوقد الضلوع، ويسكب الدموع: يا عين عيني أقوى منك تهتانا ... أبكي لحزن وما حملت أحزانا ونار برقك تخبو إثر وقدتها ... ونار قلبي تلفى الدهر بركانا نار وماء صميم القلب أصلهما ... متى حوى القلب نيراناً وطوفانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 ضدان ألف صرف الدهر بينهما ... لقد تلون في الدهر ألوانا بكيت فتحاً فإذ ناديت سلوته ... لقد تلون في الدهر ألوانا يا فلذتي كبدي يأبى تقطعها ... عن وجدها بكما ما عشت سلوانا لقد هوى بكما نجمان ما رميا ... إلا من العلو بالألحاظ كيوانا مخفف عن فؤادي أن ثكلكما ... مثقل لي يوم الحشر ميزانا يا فتح قد فتحت تلك الشهادة لي ... باب الطماعة في لقياك جذلانا ويا يزيد لقد زاد الرجا بكما ... أن يشفع الله بالإحسان إحسانا كما شفعت أخاك الفتح تتبعه ... لقاكما الله غفراناً ورضوانا مني السلام ومن أم مفجعة ... عليكما أبداً مثنى ووحدانا أبكي وتبكي ونبكي غيرنا أسفاً ... لدى التذكر نسواناً وولدانا واجتاز يوماً عليه بموضع ثقافه سرب القطا فهاج وجده، وأثار من لاعج الشوق ما عنده، فقال: بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي ... سوارح لا سجن يعوق ولا كبل [15أ] ولم تك والله العليم حسادةً ... ولكن حنيناً أن شكلي لها شكل فأسرح لا شملي صديع ولا الحشا ... وجيع ولا عيناي يبكيهما ثكل هنيئاً لها أن لم يفرق جميعها ... ولا ذاق منها البعد من أهلها أهل وأن لم تبت ليلاً تطير قلوبها ... إذا اهتز باب السجن أو صلصل القفل وما ذاك مما يعتريني وإنما ... وصفت الذي في جبلة الخلق من قبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 لنفسي إلى لقيا الحمام تشوق ... سواي يحب العيش في ساقه كبل ألا عصم الله القطا في فراخها ... فإن فراخي خانها الماء والظل ومعنى البيت الخامس منها يشبه قو أبي عامر بن شهيد القرطبي: وما اهتزت باب السجن إلا تفطرت ... قلوب لنا خوف الردى وكبود ولست بذي قيد يرن وإنما ... على اللحظ من سخط الإمام قيود وقال السمهري العكلي من شعراء الدولة الأموية بالعراق: لقد جمع الحداد بين عصابةٍ ... تساءل في الأقياد ماذا ذنوبها بمنزلة أما اللئيم فسامن ... بها وكرام الناس بادٍ شحوبها إذا حرسي قعقع اللباب أرعدت ... فرائص أقوام وطارت قلوبها نرى الباب لا نسطيع شيئاً وراءه ... كأنا قناً أسلمتها كعوبها وتجوز المعتمد في قوله: " وما ذاك مما يعتريني " ... البيت، وأجاد فيه ما أراد. وقال من جملة قصيد، وقد دخل عليه بناته للسلام يوم عيد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 في ما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعةً ... يغزلن للناس ما يملكن قطميرا برزن نحوك للتسليم خاشعة ... أبصارهن حسيرات مكاسيرا يطأن في الطين والأقدام حافية ... كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا أفطرت في العيد لا عادت إساءته ... فكان فطرك للأعياد تفطيرا قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً ... فردك الدهر منهياً ومأمورا من بات بعدك في ملك يسر به ... فإنما بات بالأحلام مغرورا ودخل عليه ابنه أبو هاشم وهو يرسف في قيوده، ويتقلب في حديده، فخنقت الطفل العبرة، وكان أحبهم إليه، وأحظاهم على صغره لديه، وفيه يقول يوم الجمعة المشهور، إذ أبلى في قتال النصارى: أبا هاشم هشمتني الشفار ... فلله صبري لذاك الأوار ذكرت شخصيك ما بينها ... فلم يثني حبه للفرار وعند بكائه قال: [15ب] قيدي أما تعلمني مسلما ... أبيت أن تشفق أو ترحما دمي شراب لك واللحم قد ... أكلته لا تهشم الأعظما يبصرني فيك أبو هاشمٍ ... فينثني والقلب قد هشما ارحم طفيلاً طائشاً لبه ... لم يخش أن يأتيك مسترحما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وارحم أخيات له مثله ... جرعتهن السم والعلقما منهن من يفهم شيئاً فقد ... خفنا عليه للبكاء العمى والغر لا يفهم شيئاً فما ... يفتح إلا لرضاعٍ فما وذكرت بقوله: " فكرت شخصيك " ... البيت، بيتين أنشدنيهما الوزير أبو بكر - هما لأخيه أبي الحسن البطليوسي - لنفسه: ذكرت سليمى وحر الوغى ... كقلبي ساعة فارقتها وأبصرت بين القنا قدها ... وقد ملن نحوي فعانقتها ومن شعره في الندبة على نفسه قال: غنتك أغماتية الألحان ... ثقلت على الأرواح والأبدان قد كان كالثعبان رمحك في الوغى ... فغدا عليك القيد كالثعبان متمدداً يحميك كل تمدد ... متعطفاً لا رحمةً للعاني قلبي إلى الرحمن يشكو بثه ... لا خاب من يشكو إلى الرحمن يا سائلاً عن شأنه ومكانه ... ما كان أغنى شأنه عن شاني هاتيك قينته وذلك قصره ... من بعد أي مقاصر وقيان من بعد كل غريرةٍ رومية ... تخزي الحمائم في ذرى الأغصان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 وقال من قصيدة: تبدلت من عز ظل البنود ... بذل الحديد وثقل القيود وكان حديدي سناناً ذليقاً ... وعضاً رقيقاً صقيل الحديد فقد صار ذاك وذا أدهماً ... يعض بساقي عض الأسود وقال: غريب بأرض المغربين أسير ... سيبكي عليه منبر وسرير وتندبه البيض الصوارم والقنا ... وينهل دمع بينهن غزير إذا قيل في أغمات قد مات جوده ... فما يرتجى للجود بعد نشور مضى زمن والملك مستأنس به ... وأصبح عنه اليوم وهو نفور برأي من الدهر المضلل فاسد ... متى صلحت للصالحين دهور أذل بني ماء السماء زمانهم ... وذل بني ماء السماء كثير فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... أمامي وخلفي روضة وغدير بمنبتة الزيتون مورثة العلا ... تغني قيان أو ترن طيور [16أ] بزاهرها السامي الذرى جاده الحيا ... تشير الثريا نحونا ونشير ويلحظنا الزاهي وسعد سعوده ... غيورين والصب المحب غيور تراه عسيراً أم يسيراً مناله ... ألا كل ما شاء الإله يسير قضى الله في حمص الحمام وبعثرت ... هنالك عنا للنشور قبور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 والثريا وسعد السعود والزاهي الذي ذكر في هذا الشعر أسماء قباب ومصانع سلطانية كان تأنق في بنيانها من قصور إشبيلية. وعلى هذا الشعر أجابه أبو محمد الصقلي المعروف بابن حمديس بأبيات قال فيها: تجيء خلافاً للأمور أمور ... ويعدل دهر في الورى ويجور أتيأس من يومٍ يناقض أمسه ... وزهر الدراري في البروج تدور وقد تنخي السادات بعد خمولها ... وتخرج من بعد الكسوف القمر ومن هذا الجواب يقول: ولما رحلتم بالندى في أكفكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الراسيات تسير ونعبت غربان بجدار المكان الذي كان فيه، ثم ورد إثر ذلك النبأ بقدوم بعض نسائه عليه فقال: غربان أغمات لا تعد من طيبةً ... من الليالي وأفناناً من الشجر تظل زغب فراخ تستكن بها ... من الحرور وتكفيها أذى المطر كما نعبتن لي بالفال يعجبني ... مخبرات به عن أطيب الخبر أن النجوم التي غابت قد اقتربت ... منا مطالعها تسري إلى القمر علي إن صدق الرحمن ما زعمت ... ألا يروعن من قوسي ولا وتري والله والله لا نفرت واقعها ... ولا تطيرت للغربان بالعور ويا عقاربها لا تعدمي أبداً ... شدخاً وعقراً ولا نوعاً من الضرر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 كما ملائن قلبي مذ حللت بها ... مخافة أسلمت عيني إلى السهر ماذا رمتك به الأيام يا كبدي ... من نبلهن ولا رام سوى القدر أسر وعسر ولا يسر أؤمله ... أستغفر الله كم لله من نظر وقال أيضاً وهو بتلك الحال، من الاعتقال: لك الحمد من بعد السيوف كبول ... بساقي منها في السجون حجول وكنا إذا حانت لنحر فريضة ... ونادت بأوقات الصلاة طبول شهدنا فكبرنا فظلت سيوفنا ... تصلي بهامات العدا فتطيل سجود على إثر الركوع متابع ... هناك بأرواح الكماة تسيل ومما قيل فيه بعد خلعه من ملكه وانتثار سلكه من ذلك قصيد لأبي بكر الداني أنشده [16ب] إياه حين فكت عنه القيود، أوله: تنشق رياحين السلام فإنما ... أفض بها مسكاً عليك مختما وقل لي مجازاً إن عدمت حقيقة ... لعلك في نعمى فكم كنت منعما أفكر في عصر مضى لك مشرقٍ ... فيرجع ضوء الصبح عندي مظلما وأعجب من أفق المجرة إذ رأى ... كسوفك شمساً كيف أطلع أنجما لئن عظمت فيك الرزية إننا ... وجدناك منها في البرية أعظما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 قناة سعت للطعن حتى تقصدت ... وسيف أطال الضرب حتى تثلما بكى آل عباد ولا كمحمد ... وأبنائه صوب السحائب إذ همى حبيب إلى قلبي حبيب لقوله ... " عسى طلل يدنو بهم ولعلما " وكنا رعينا العز حول حماهم ... فقد أجدب المرعى وقد أقفر الحمى كأن لم يكن في أنيس ولا القتى ... به الوفد جمعاً والخميس عرمرما ولا حلت الآمال فيك ثباً ثباً ... فقامت إليها المكرمات لماً لما ولا اخضر روض في رباها فخلته ... توشح منهم لا من النور أنعما ولا انعطفت فيه الغصون فعانقت ... وشيجاً بأيدي الدارعين مقوما ولا تخفق الرايات فيها فأشبهت ... قوادم طيرٍ في ذرى الجو حوما ولا جر فيها صعدة الرمح خلفه ... فتاها فقلت الصل أتبع ضيغما وفيها يقول: مؤيد لخمٍ هل تؤمل رجعةً ... فكم أمل أضحى إلى النجح سلما حكيت وقد فارقت ملكك مالكاً ... ومن ولهٍ أحكي عليك متمما تدبتك حتى لم يخل لي الأسى ... دموعاً بها أبكي عليك ولا دما وإني على رسمي مقيم فإن أمت ... سأترك للباكين رسمي مرسما بكاك الحيا والريح شقت جيوبها ... عليك وباح الرعد باسمك معلما ومزق ثوب البرق واكتست الدجى ... حداداً وقامت أنجم الليل مأتما ينجيك من نجى من الجب يوسفاً ... ويؤويك من آوى المسيح بن مريما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 قوله: " ندبتك " ... البيت، أغار فيه على إبراهيم الشاشي وقصر باعه، وضاقت فيه ذراعه، وخلى السبيل له حيث يقول: لا ترحلن فما أبقيت من جلدي ... وما أستطيع به توديع مرتحل ولا من الغمض ما أقري الخيال به ... ولا من الدمع ما أبكي على طلل ومن هذه القصيدة: لله جسمي فما أبقى حشاشته ... على الحوادث والأسقام والعلل يغدو سقامي على مثل الخيال ضنى ... ويقرع الخطب مني صفحة الجبل [17أ] ولا يرى في فراشي شبحاً ... وأملك السرج في وجه القنا الذبل ولا يقل ردائيب عاتقي دنفاً ... ويحمل الدرع مسلوباً عن البطل ورأى أبو بكر الداني حفيد المعتمد، وهو غلام وسيم، قد اتخذ الصياغة صناعة، وكان لقب في دولتهم من الألقاب السلطانية بفخر الدولة، فنظر إليه وهو ينفخ النار بقصبة الصائغ، فقال من جملة قصيدة: شكاتنا فيك يا فخر العلا عظمت ... والرزء يعظم في من قدره عظما طوقت من نائبات الدهر مخنقةً ... ضاقت عليك وكم طوقتنا نعما وعاد كونك في دكان قارعةٍ ... من بعد ما كنت في قصر حكى إرما صرفت في آلة الصواغ أنملة ... لم تدر إلا الندى والسيف والقلما يد عهدتك للتقبيل تبسطها ... فتستقل الثريا أن تكون فما يا صائغاً كانت العليا تصاغ له ... حلياً وكان عليه الحلي منتظما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 للفنح في الصور هول ما حكاه سوى ... هول رأيتك فيه تنفخ الفحما وددت إذ نظرت عيني إليك به ... لو أن عيني تشكو قبل ذا عمى ما حطك الدهر لما حط من شرفٍ ... ولا تحيف من أخلاقك الكرما لح في العلا كوكباً إن لم تلح قمراً ... وقم بها ربوةً إن لم تقم علما [واصبر فربتما أحمدت عاقبةً ... من يلزم الصبر يحمد غب ما لزما] والله لو أنصفتك الشهب لانكسفت ... ولو وفى لك دمع الغيث لانسجما بكى حديثك حتى الدار حين غدا ... يحكيك رهطاً وألفاظاً ومبتسما وله فيهم أيضاً من قصيدة يرثيهم أولها: تبكي السماء بدمع رائحٍ غادي ... على البهاليل من أبناء عباد على الجبال التي هدت قواعدها ... وكانت الأرض منهم ذات أوتاد عريسة دخلتها النائبات على ... أساود لهم فيها وآساد وكعبة كانت الآمال تعمرها ... فاليوم لا عاكف فيها ولا باد أن يخلعوا فبنو العباس قد خلعوا ... وقد خلت قبل حمص أرض بغداد نسيت إلا غداة النهر كونهم ... في المنشآت كأموات بألحاد والناس قد ملأوا العبرين واعتبروا ... من لؤلؤ طافياتٍ فوق أزباد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 حط القناع فلم تستر مخدرة ... ومزقت أوجه تمزيق أبراد حان الوداع فضجت كل صارخةٍ ... وصارخ من مفداةٍ ومن فاد سارت سفائنهم والنوح يصحبها ... كأنها إبل يحدو بها الحادي كم سال في الماء من دمع وكم حملت ... تلك القطائع من قطعات أكباد ومحاسن الداني كثيرة، وفي القسم الثالث من شعره جملة موفورة، ومحاسن المعتمد أيضاً أكثر من أن تعد فقد استوفيتها في كتابي المترجم ب - " الاعتماد على ما ضح من شعر المعتمد بن عباد ". [17ب] باب يشتمل على طائفة من الوزراء والأعيان، ممن كان بدولة المعتمد من أرباب هذا الشأن، واجتلاب ملح وطرف لشعراء كانوا بذلك الأوان، مع ما يتعلق بها، ويذكر بسببها فصل في ذكر الوزير الفقيه أبي حفص عمر بن الحسن الهوزني وإثبات فصول من نثره، مع ما ينخرط في سلكها من شعره، وإيراد جملة من أخباره، وحميد آثاره هو أبو حفص عمر بن الحسن بن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الله أبي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 سعيد الداخل بجزيرة الأندلس، وهو كان صاحب صلاة الجماعة بقرطبة على عهد عبد الرحمن بن معاوية وهشام الرضي ابنه. وهوزن الذي نسب إليه، وغلب اسمه عليه، بطن من ذي الكلاع الأصغر. وأفضى أمر إشبيلية إلى عباد، حسبما تقدم به الإيراد، وأبو حفص يومئذ ذات نفسها، وإياة شمسها، وناجذها الذي عنه تبتسم، وواحدها الذي بيده ينقض ويبرم. وكان بينه وبين عباد قبل إفضاء الأمر إليه، ومدار الرياسة عليه، إئتلاف الفرقدين، وتضافر اليدين، واصتال الأذن بالعين. ولما ثبتت قدم المعتضد في الرياسة، ودفع إلى التدبير والسياسة، أوجس منه ذعراً، وضاق بمكانه من الحضرة صدراً، وأحس بها أبو حفص وكان ألمعياً، وذكياً لوذعياً، لو أخطأ الحازم أجله، ونفعت المحتال حيله، فاستأذن المعتضد في الرحلة سنة أربعين وأربعمائة، فصادف غرته، وكفي إلى حينٍ معرته، واحتل صقلية تضيق عن فخره الآفاق، وتهادى عجائب ذكره الشام والعراق، ثم رحل إلى مصر وله هنالك صوت بعيد، ومقام محمود، ووصل إلى مكة، وروى في طريقه كتاب الترمذي في الحديث وعنه أخذه أهل المغرب، ثم رجع إلى الأندلس واستأذن المعتضد في سكنى مرسية: رأياً رآه، وبلداً اختاره وتوخاه، وأميرها يومئذ ابن طاهر؛ فلما غلب الروم على مدينة بربشتر سنة ست وخمسين، وقرف الندب، وتفاقم الخطب، وضاق عن ساكنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 الشرق والغرب، خاطب المعتضد برقعة يحضه فيها على الجهاد، ويستشيره إلى أين ينتقل من البلاد، فراجعه برسالة من إنشاء الوزير الكاتب أبي الوليد ابن المعلم، وهي ثابتة في أخباره من هذا القسم، يشير عليه فيها بالرجوع إلى بلداه، لا بل استدرجه إلى ملحده، فأذهله عما كان استشعر، وأنساه ما كان حذر، أجل قريب، وحمام مكتوب، ومصرع، لم يكن عنه مدفع؛ فاستقر بإشبيلية سنة ثمان وخمسين، ولقيه المعتضد فأعلى المحل، وفوض إليه في الكثر والقل، وعول عليه في العقد والحل. فلما كان يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة لربيع الأول سنة ستين أحضره القصر، وقد غلب [18أ]- زعموا - عليه السكر، وأمر خادمين من فتيانه بقتله، فكلاهما أشفق من سوء فعله، وفر، لا يبالي سيء عباد أو سر، فقام إليه هو بنفسه وباشر قتله بيده، فلم ينل عباد بعده سولاً، ولا متع بدنياه إلا قليلاً، وإلى الله الإياب، وعليه الحساب. فصل من رقعة كان خاطب بها المعتضد من مرسية واستفتحها بهذه الأبيات: أعباد جل الرزء والقوم هجع ... على حالة من مثلها يتوقع فلق كتابي من فراغك ساعةً ... وإن طال فالموصوف للطول موضع إذا لم أبث الداء رب دوائه ... أضعت وأهل للملام المضيع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وفي فصل منها: وكتابي عن حالة يشيب لشهودها مفرق الوليد، كما غير لورودها وجه الصعيد، بدؤها ينسف الطريف والتالد، ويستأصل الوليد والوالد، تذر النساء أيامى، والأطفال يتامى، فلا أيمة إذا لم تبق أنثى، ولا يتيم والأطفال في قيد الأسرى، بل تعم الجميع جما جما، فلا تخص، وتزدلف إليهم قدماً قدماً، فلا تنكص، طمت حتى خيف على عروة الإيمان الانقضاض، وسمت حتى توقع على جناح الدين الانهياض. وفي فصل منها: كأن الجميع في رقدة أهل الكهف، أو على وعدٍ صادق من الصرف والكشف، وأنى لمثلها بالدفاع عن الحريم، ولما نمتثل أدب العزيز الحكيم في قوله: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} (البقرة: 251) وقوله تعالى: {لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره} (الحج: 40) ومن أين لنا دفعهم بالكفاية أو كيف، ولم نمتط إليهم الخوف، ونساجلهم السيف، بل لما يرأب من صدوعهم ثلم، ولا دووي من جراحهم كلم، ولا رد في نحورهم سهم، إن حاربوا موضعاً أرسلناه، أو انتسفوا قطراً سوغناه، وإن هذا لأمر له ما بعده، إلا أن يسني الله على يديك دفعه وصده: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 فكم مثلها جأواء نهنهت فانثنت ... وناظرها من شدة النقع أرمد فمرت تنادي الويل للقادح الصفا ... لبعض القلوب الصخر أو هي أجلد وألقت ثناءً كاللطائم نشره ... تبيد الليالي وهو غض يجدد وفي فصل منها: والحرب في إجتلائها حسناء عروس تطبي الأغمار بزتها، وفي بنائها شمطاء عبوس تختلي الأعمار غرتها، فالأقل للهبها وارد، والأكثر عن شهبها حائد، فأخلق بمحيدٍ عن مكانها، وعزلةٍ في ميدانها، فوقودها شكة السلاح، وفرندها مساقط الأشباح، وقتارها متصاعد الأرواح، فإن عسعس ليلها مدةً من الانصارم، أو انبجس وبلها ساعةً لانسجام، فيومها غسق يرد الطرف كليلاً، ونبلها صيب يزيد الجوف غليلاً: أعباد ضاق الذرع واتسع الخرق ... ولا غرب للدنيا إذا لم يكن شرق ودونك قولاً طال وهو مقصر ... فللعين معنىً لا يعبره النطق [18ب] إليك انتهت آمالنا فارم ما دهى ... بعزمك، يدمغ هامة الباطل الحق وما أخطأ السبيل من أتى البيوت من أبوابها، ولا أرجى الدليل من ناط الأمور بأربابها، ولرب أمل بين أثناء المحاذير مدمج، ومحبوب في طي المكاره مدرج، فانتهز فرصتها فقد بان من غيرك العجز، وطبق مضاربها فكأن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 قد أمكنك الحز، ولا غرو أن يستمطر الغمام في الجدب، ويستصحب الحسام في الحرب، فالسهام تطيش فتختلف، والرماح تلين وتنقصف، فإن جعجعت أيها الساعي المخب في بغاء الفرج، وتحققت بالحث على جلاء تلك اللجج، ووجدت في فتح ذلك الباب المرتج: فنادٍ: أعباد ذا عائذ ... وقدك، على حينها تنصرم تجبك أسود على ضمرٍ ... معودة ما بغت أن يتم كأن المقادير حزب له ... فيمضي على رأيه ما حكم سقته الحمية جريالها ... وصحت مناقبه في الكرم فصاب لأعدائه ممقر ... وغيث لراجيه حلو الديم كنوه بما مد في عمره ... وكان نحور العدا يخترم تقيدنا حر أفعاله ... وكنيته تقتضي ما رسم فمن ذين تفريع أوصافه ... وبالرمز نعني الذكي الفهم وفي فصل منها: وما زلت أعتدك لمثل هذه الجولة وزراً، وأدخرك في ملمها ملجأ وعصراً، لدلائل أوضحت فيك الغيب، وشواهد رفعت من أمرك الريب، فالنهار من الصباح، والنور من المصباح، ولئن كان ليل الفساد مما دهم قد أغدف جلبابه، وصباح الصلاح بما ألم قد قدّ إهابه، فقد كان ظهر قديما من اختلال الأحوال ما أيأس، وتبين من فساد التدبير ما أبلس، حتى تدارك فتق ذلك سلفك، فرتقه جميل نظرهم ورأبه، وصرفه مشكور أثرهم وشعبه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 فعاد الشمل منتظماً هنيا ... وآض الصدع ملتئماً سويا ثم توليت فكفيت، وخلفت فأربيت، وبرعت فأوريت، فالناس مذ بوأتهم رحب جنابك في عطن يربي على لين الدمقس، وتحت منن تعلو على منى النفس، وفي زمان كالربيع اعتدل هواؤه، وتشاكهت أرضه وسماؤه، واخضر بالنبت أديمها فكأنها الرقيع، وتعميم بالنور جميمها فتقول هو الترصيع، ففضلكم في الأعناق أطواق، ومجدكم للآفاق إشراق، وحيثما حللت: الأرض عراق، فأنا أول من هو إلى تلك الحضرة مشتاق، فلا تحرمني وصلاً كنت جاهداً في إنباطه، ولا تصدني عن منهل كنت صدراً في فراطه، فأحق الورى بجزيل تلك الآلاء، وأخلقهم بمنزل تلك السماء، أنصحهم له جيباً، وأصحهم فيه غيباً: أعباد كلاً قد علوت فضائلاً ... تقاصر عنها كل أروع ماجد فأولها جود أرانا أكفهم ... جموداً ككف لم تؤيد بساعد وسعي لما تبغي يخيل سعيهم ... تلاعب ولدان أطافت بوالد ونصر لمن واليت يردي عدوه ... ردى أهل جو في وقيعة خالد [19أ] منعت بني جالوت ما قد أباحهم ... سواك بحربٍ قيدت كل شارد فمن شاء فلينظر أسوداً بروضةٍ ... تراعي عصا راعٍ وتعنو لرائد عجائب مجدٍ أعجزت من سواكم ... ومن سرها المشهور صدق المواعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 فإن راث أمري فادركني برحلةٍ ... إلى مأمن فالخوف أعجل طارد وحد مكاناً آته فرضاكم ... هواي وإن أغشى كريه الموارد فقد جد أمر هد شرع محمدٍ ... وما مخبر عن حالة مثل شاهد لكل يبين الرأي عند وفاته ... وهل من دواء بعد نهش الأساود أضاعوا وجوه الحزم يوماً فعزهم ... على أمرهم من ليس عنه بهاجد وفي فصل منها: فالثمرة من ساقها، والجياد على أعراقها، ولئن لذت تلك الثمرة لذائق، وشدخت غرة تلك القرحة لرامق، لما يبين كنه المجتبى قبل تفطر أكمامه، ومما يصحح عتق الجنين قبل أوان فطامه، فلذوي الأبصار أدلة على العتق لائحة، ولأولي الألباب شواهد على الكرم واضحة، وبحق أدركت، فعلى السوابق سلكت، وبمشاعر المعالي نسكت فتنسكت: " وما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل " " وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل " وقول رسول الله أعدل شاهد ... فحكمته شرع ومنطقه فصل يقول: بنو الدنيا معادن، خيرها ... إذا ما زكوا من كان قدماً له الفضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وصلى الله على رسوله فقد نبه بتصحيح، ودل دلالة نصيح، فإن المعادن لا تؤتي غير معهود فلزها، كما لا تصح الدوائر إلا على نقطة مركزها، فمن طلب النبل في غير معادنه، واستثار الخير من غير مكانه، أعجزه من مطلبه مرامه، وطاشت في سهمته أقلامه، بل قد ضل قصد السبيل، واعتسف الفلاة بغير دليل، فسقط العشاء به على سرحان، وأفضى القضاء به إلى الطوفان، وإنما هو الفجر أو البحر. ومن شعره أيضاً يحض على الجهاد، ويستنفر كواف البلاد قوله: بيت الثر فلا يستزل ... طرق النوام سمع أزل فثبوا واخشوشنوا واحزئلوا ... كل ما رزءٍ سوى الدين قل صرح الشر فلا يستقل ... إن نهلتم جاءكم بعد عل بدء صعق الأرض نشء وطل ... ورياح ثم غيم أبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 قد رجت عاد سحاباً يهل ... فإذا ريح دبور محل نقبوا فالداء يحل ... واغمدوا سيفاً عليكم يسل ومنها: يدنا العليا وهم ويك شل ... فلم استرعى الأعز الأذل عجب الأيام ليث صمل ... ذعرته نعجة إذ تصل " خبر ما جاءنا مصمئل ... جل حتى دق فيه الأجل " قوله: " فثبوا واخشوشنوا ... " من قول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: " اخشوشنوا واخشوشنوا وعليكم باللبسة المعدية "؛ وقوله: " بدء صعق الأرض نشء وطل " ... معنى مبتذل، ومنه المثل " السقط يحرق الحرجة "، وقال الأول: والشيء تحقره وقد ينمي ... وقال الفرزدق: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 قوارص تأتيني وتحتقرونها ... وقد يملأ القطر الإناء فيفعم [19ب] وقال نصر بن سيار من أبيات كتب بها لمروان: فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب مبدأها الكلام وقال أبو تمام، وعليه عول الفقيه، ولكنه استحقه بما زاد فيه، وهو: كم من قليلٍ حدا كثيراً ... كم مطرٍ بدؤه مطير وأخذه أبو عبادة فقال: وأول الغيث طل ثم ينسكب ... وقال ابن الرومي: ولا تحقرن سبيباً ... قد قاد خيراً سبيب وقال أبو العلاء، وحرفه إلى بعض الأنحاء، ولكنه إليه أشار، وحواليه دار. فأول ما يكون الليث شبل ... ومبدأ طلعة البدر الهلال وكان له فيه إلمام، بقول أبي تمام: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 إن الهلال إذا رأيت نموه ... أيقنت أن سيكون بدراً كاملا وقال العباس بن الأحنف وقصد به قصده، وكان ينفق مما عنده: الحب أول ما يكون لجاجةً ... تأتي به وتسوقه الأقدار حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى ... جاءت أمور لا تطاق كبار وقال الآخر، وكأنه نحا به نحواً غريباً، ولكنه نظر إلى المعنى نظراً مريباً: فلا تحقرن عدواً رماك ... وإن كان في ساعديه قصر فإن السيوف تحز الرقاب ... وتعجز عما تنال الإبر ومن كلام المحدثين ما أجروه مجرى الأمثال: " رب عشق جني بلفظة، وصبابة غرست من لحظة ". إلى غير ذلك مما لا يحد شهرةً، ولا يحصى كثرةً. وقال الوزير أبو حفص من جملة قصيدة: أيا أسفاً للدين إذ ظل نهبةً ... بأعيننا والمسلمون شهود أفي حرم الرحمن يلحد جهرةً ... ويجعل أشراك الإله يهود ويثلب بيت الله بين بيوتكم ... وقادره عن رد ذاك قعيد ويوضع للدجال بيت بمكة ... ويخفى عليكم منزع وقصود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 أعيذك أن تدهنوا فيمسكم ... عقاب كما ذاق العذاب ثمود وأقبح بذكر يستطير لأرضكم ... يؤم به أقصى البلاد وفود ولا عجب أن جانس الحوض ضفدع ... وقدماً تساوي مطلب وشهود يقود امرءاً طبع إلى علم شكله ... كما انمازت الأرواح وهي جنود وهذا المصراع الأخير، إلى معنى الحديث يشير: " قلوب المؤمنين أجناد مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف "، وأخذه السحن فقال: إن القلوب لأجناد مجندة ... لله في الأرض بالأهواء تعترف فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف [20أ] وقال الوزير أبو حفص من أخرى: تبارك من تفرد بالبقاء ... وأسلك خلقه سبل الفناء وشتت شملهم بعد انتظامٍ ... وكدر وردهم إثر الصفاء ولم يجر الأمور على قياسٍ ... فليست دارنا دار الجزاء فتبصر محسناً يجزى بقبح ... وذا ضعةٍ يقاد إلى السناء وقد كنت اعتلقت اجل ملكٍ ... وأعمهم بنقب أو هناء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 ومن يجهد لدنياه حريصاً ... فليس بحائر غير العناء ومن يثق الزمان يجده خباً ... ويصرعه على حين الرجاء إذا كان الدواء به اعتلالي ... فأي الخلق أرجو للشفاء وهذا كبيت عدي بن زيد: لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري وأرى الوزير أبا حفص إنما عول فيه قول أبي بكر رضي الله عنه وقد قيل له: لو سلنا لك الطبيب، فقال: " الطبيب أعلني ". فصل في ذكر الفقيه القاضي أبي الوليد الباجي، من باجة الأندلس، والإتيان بلمعةٍ من أخباره التي زاحمت في بيوت شرفها الكواكب، وقطعةٍ من أشعاره التي ملأت بفوائدها وطرفها المشارق والمغارب قال ابن بسام: نشأ أبو الوليد هذا وهمته في العلم تأخذ بأعنان السماء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 ومكانه من النثر والنظم يسامي مناط الجوزاء، وبدأ في الأدب فبرز في ميادينه، واستظهر أكثر دواوينه، وحمل لواء منثوره وموزونه، وجعل الشعر بضاعته فوصل له الأسباب بالأسباب، ونال به مأكل القحم الرغاب، حتى جن الإحسان بذكره، وغنى الزمان بغرائب شعره، واستغنت مصر والقيروان بخبره عن خبره، ولم تزل أقطار تلك الآفاق تواصله، وعجائب الشام والعراق تغازله، حتى أجاب، وشد للركاب، وودع الأوطان والأحباب، فرحل سنة ست وعشرين، فما حل بلداً إلا وجده ملآن بذكره، نشوان من قهوتي نظمه ونثره، ومال إلى علم الديانة، وقد كان قبل رحلته تولى إلى ظله، ودخل في جملة أهله، فمشى بمقياس، وبنى على أساس، فلم يبعد أن أصبح نسيج وحده، في حله وعقده، حتى صار كثير من العلماء يسمعون منه، ويرتاحون إلى الأخذ عنه، وحتى علم العلم أن له أشكالاً، وتيقن أهل العراق بالأندلس رجالاً، ثم كر، وقد نفع وضر، وأحلى وأمر، واستقضي بطريقه بحلب، فأقام بها نحواً من عام، ثم نازعه [20ب] هوى نفسه، إلى مسقط رأسه، ومنبت غرسه، من أرض الأندلس، فورد وعشب بلادها ناب وظفر، وصوب عهادها دم هدر، ومالها لا عين ولا أثر، وملوكها أضداد، وأهواء أهلها ضغائن وأحقاد، وعزائمهم في الأرض فساد وإفساد، فأسف على ما ضيعه، وندم لو أجدى عليه ذلك أو نفعه، على أنه لأول قدومه رفع صوته بالاحتساب، ومشى بين ملوك أهل الجزيرة بصلة ما انبت من تلك الأسباب، فقام مقام مؤمن آل فرعون لو صادف أسماعاً واعية، بل نفخ في عظامٍ ناخرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وعكف على أطلال دائرة، بيد أنه كلما وفد على مهلك منهم في ظاهر أمره لقيه بالترحيب، وأجزل حظه بالتأنس والتقريب، وهو في الباطن يستجهل نزعته، ويستثقل طلعته، وما كان أفطن الفقيه، رحمه الله، بأمورهم، وأعلمه بتدبيرهم، لكنه كان يرجو حالاً تثوب، ومذنباً يتوب، ولم يخل مع ذلك من تأليف الدواوين وتدريسها، وتشييد المكارم وتأسيسها. بلغني عن الفقيه أبي محمد بن حزم أنه كان يقول: لم يكن لأصحاب المذهب المالكي بعد عبد الوهاب مثل أبي الوليد الباجي، وقد ناظره بميورقة ففل من غربه، وسبب إحراق كتبه، ولكن أبا محمد وإن كان اعتقد خلافه، فلم يطرح إنصافه، أو حاول الرد عليه، فلم ينسب التقصير إليه. وتوفي أبو الوليد الباجي، رحمه الله، سنة أربع وسبعين، وهو بسبيله من تصنيف الدواوين، في علوم الدين؛ وقد أخرجت ما وجدت من كلامه في هذا الفن الذي أنا في إقامة أوده. ووجدت للوزير الكاتب أبي محمد بن عبد البر رقعةً كتبها عن مجاهد أمير دانية، وقته، إلى المظفر ببطليوس في صفته، يقول في فصل منها: الآفاق - أيدك الله - وإن وارت الأنوار والشهب، والأبعاد وإن كثفت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 الأستار والحجب، فلن تحجب أنوار الفضل والكرم، ولن تسد مطالع المآثر والهمم، ولن تقطع تعمال التواصل والوداد، وتدآب التضافر والإنجاد، وتلك حالنا فإننا على بعد الدار، وشحط المزار، ننطوي على أنفس متجاورة متلاصقة، ونأوي إلى مذاهب متوافقة، والفقيه الحافظ أبو الوليد الباجي غذي نعمتك، ونشأة دولتك، هو من آحاد عصره في علمه، وأفراد دهره في فهمه، وما حصل أحد من علماء الأندلس متفقهاً على مثل حظه وقسمه، وقد تقدم له بالمشرق صيت وذكر، وحصل بجزيرتنا ولك فيه جمال وفخر، فإنه إليك تنعطف أسبابه، وعليك تلتقي وتلتف آرابه، لكن شددت عليه يدي، وجعلته علم بلدي، يشاور في الأحكام، ويهتدى إليه في الحلال والحرام، فقد ساهمتك به، وشاركتك فيه، كما تساهمنا وتشاركنا في الأحوال السلطانية، والأمور الدنياوية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 ما أخرجه من أشعاره في أوصاف شتى فمن ذلك قوله: إذا كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن ميع حياتي كساعه فلم لا أكون ضنيناً بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه وقوله في صفة قلم: وأسمر ينطق في مشيه ... ويسكت مهما أمر القدم على ساحة ليلها مشرق ... منير وأبيضها مدلهم وشبهتها ببياض المشيب ... يخالط نور سواد اللمم [ودخل بغداد والحرمان قد كساه سرابيل، ورماه بطير أبابيل، وقاضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 قضاتها السمناني ناصح الدين تاج الإسلام يباري القطر، ويحلي ديباج الفقر، فقلده معهود تحفيه، وسقاه ماء أمانيه، وأهبه من نوم فاقته، وطبه بجودٍ أسرع في إفاقته، واشتمل عليه اشتمالاً مع صون ماء وجهه عن إراقته، أناله ما أحسبه والله وأكسبه، فاقتصر على نداه، واهتصر أفنان جناه. وقال يمدحه: يا بعد صبرك أتهموا أم أنجدوا ... هيهات منك تصبر وتجلد يأبى سلوك بارق متألق ... وشميم عرف عرارة ومغرد في كل أفق لي علاقة خولةٍ ... تهدي الهوى وبكل أرض ثمهد ما طال عهدي بالديار وإنما ... أنسى معاهدها أسىً وتبلد ولقد مررت على المعاهد بعد ما ... لبس البداوة رسمها المتأبد فاستنجدت ماء الدموع لبينهم ... فتتابعت حتى توارى المنجد طفقت تسابقني إلى أمد الصبا ... تلك الربى ومنال شأوي يبعد لو كنت أنبأت الديار صبابتي ... نحل الصفا بفنائها والجلمد لله أيام الشباب وحسنها ... وغصونهن المائسات الميد أيام أنفض للمراح ذؤابتي ... بين اللدات ودرع بردي مجسد أتقنص الظبيات في سبل الصبا ... فيصيدهن لي العذار الأسود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 حتى علاني الشيب قبل تحلمٍ ... وأبر ما سبق المشيب المولد وحجيت سن الحلم في زمن الصبا ... وبصرت فالتاح السبيل الأقصد وسقتني الدنيا زعاق خمارها ... وسعى إليّ من الخطوب معربد ما هالني صعب المرام ولا الذي ... تستبعد الأيام عندي يبعد استقرب الهدف البعيد بهمةٍ ... أدنى منازلها السها والفرقد أسري إذا اعتكر الظلام وقادني ... أمل مطالبه العلا والسؤدد ومن مديحه: حيث التقت ظبة السماحة والعلا ... ورست قواعده وحل المقود فجنابه لا يستباح وجاره ... لا يستضام ونبعه لا يقصد حرم المكارم لا [ينال] فناءه ... ذام ولا للفضل عنه مبعد عالي محل النار في كلب الشتا ... إذ بالحضيض لغيره مستوقد هذا الشهاب المستضاء بنوره ... علم الهدى هذا الإمام الأوحد هذا الذي قمع الضلالة بعد ما ... كانت شياطين [الضلال] تمرد وله في المعتضد بالله: عباد استبعد البرايا ... بأنعم تبلغ النعائم مديحه خيم كل نفسٍ ... حتى تغنت به الحمائم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وله يرثي ابنيه: رعى الله قلبين استكانا ببلدة ... هما أسكناها في السواد من القلب لئن غيبا عن ناظري وتبوءا ... فؤادي لقد زاد التباعد في القرب وأبكي وأبكي ساكنيها لعلني ... سأنجد من صحب وأسعد من سحب فما ساعدت ورق الحمام أسى ... ولا روحت ريح الصبا عن أخي كرب ولا استعذبت عيناي بعدهما كرى ... ولا ظمئت نفسي إلى البارد العذب أحن ويثني نفسي على الأسى ... كما اضطر محمول على المركب الصعب وله يرثي ابنه محمدا: أمحمد إن كنت بعدك صابرا ... صبر السليم لما به لا يسلم ورزئت قبلك بالنبي محمد ... ولرزؤه أدهى لدي وأعظم فلقد علمت بأنني بك لاحق ... من بعد ظني أنني متقدم لله ذكر لا يزال بخاطري ... متصرف في صفوه متحكم فإذا نظرت فشخصه متخيل ... وإذا أصخت فصوته متوهم وبكل أرض لي من أجلك روعة ... وبكل قبر عبرة وترنم فإذا دعوت سواك حاد عن اسمه ... ودعاه باسمك مقول بك مغرم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 حكم الردى ومناهج قد سنها ... لأولي النهى والحذق قبل متمم فلئن جزع فإن ربي عاذر ... ولئن صبرت فإن صبري أكرم وله يمدح الأمير معز الدولة أبا علوان ابن أسد الدولة: محل الهوى من سر حبك آهل ... وصرف النوى عن شمل شوقي غافل ولله طيف لا يلم كأنما ... له من سهادي في الزيارة عاذل غدا نافرا لا أستطيع اقتناصه ... ولو أن لي يوم الكثيب حبائل تبيت جفوني صاديات من الكرى ... ولكنها من ماء دمعي نواهل لئن أمطرت روض الخدود سحابها ... لقد صديت منا قلوب مواجل خليلي ها فاستعرضا الركب منهما ... فقد درجت في الريح منها رسائل أسروا إلى الليل البهيم سراهم ... فنمت عليه في الشمال شمائل متى نزلوا ثاوين في الخيف من منى ... بدت للهوى بالمأزمين مخايل فلله ما ضمت منى وشعابها ... وما ضمنت تلك الربى والمنازل ولما التقينا للجمار وأبرزت ... أكف لتقليب الحصى وأنامل أسرت إلينا بالغرام محاجر ... وباحت به منا جسوم نواحل سقى أثلاث الجزع من أم مالك ... عشار سحاب مترعات حوافل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وله يمدحه: لرياهم في عرف ربعك عنوان ... ومن حسنهم في حسن مغناك تبيان وفيك من الحي الذين تحملوا ... مخايل أغصان تميس وكثبان وكم ليلة فيها تعسفت حولها ... وكالئها مني مشيح ويقظان سرينا كما يسري الخيال وغضضت ... على ركبنا من ناظر الليل أجفان لبسنا برود الليل حتى تشققت ... جيوب تضيء بالصباح وأردان حويت معز الدولة الملك فاعتزى ... بذكرك في الآفاق ملك وسلطان فللمجد سلك قد أجيد نظامه ... وأنت لذاك السلك در ومرجان وله: تجنب بجهدك ما صوروا ... وإن كان في ستر أو [ميثره] فإن الرسول عليه السلام ... أحق العذاب لمن صوره وله: تبلغ إلى الدنيا بأيسر زاد ... فإنك عنها راحل لمعاد وغض عن الدنيا وزخرف أهلها ... جفونك واكحلها بطول سهاد وجاهد عن اللذات نفسك جاهدا ... فإن جهاد النفس خير جهاد فما هذه الدنيا بدار إقامة ... فيعتد من أغراضها بعتاد وما هي إلا دار لهو وفتنة ... وإن قصارى أهلها لنفاد وله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 يا قلب إما تلهني كاذبا ... أو صادفا عن الهدى جائرا تشغلني عن عمل نافع ... في موقف ألقاك لي ضائرا أحر بأن تسلمني نادما ... إن لم ألق الله لي عاذرا وحاق بي ما جاء عن ربنا ... (ووجدوا ما عملوا حاضرا) وله في معنى السفر: إذا كنت ربي في طريقي صاحبا ... وتخلفني في الأهل ما دمت غائبا فسهل سبيلي وزاو عني شرها ... وشر الذي ألقاه في الأهل آبيا وله في معنى الحمد والشكر: الحمد لله ذي الآلاء والنعم ... ومبدع السمع والأبصار والكلم من يحمد الله يأتيه المزيد ومن ... يكفر فكم نعم آلت إلى نقم وله: الحمد لله حمد معترف ... بأنه نعماه ليس نحصيها وأن ما بالعباد من نعم ... فإن مولى الأنام موليها وإن شكري لبعض أنعمه ... من خير ما نعمة يواليها وله في قيام الليل: قد أفلح القانت في جنح الدجى ... يتلو الكتاب العربي النيرا فقائما وراكعا وساجدا ... مبتهلا مستعبرا مستغفرا له حنين وشهيق وبكا ... يبل من أدمعه ترب الثرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 إنا لسفر نبتغي نيل المدى ... ففي السرى بغيتنا لا في الكرى من ينصب الليل ينل راحته ... عند الصباح يحمد القوم السرى وله: وتيقن بأنك الدهر تملي ... في كتاب المستحفظين الكرام ثم تؤتى يوم الكتاب كتابا ... ناطقا بالفجور والآثام وأرى عثرة اللسان، وإن لم ... تبد، أنكى من عثرة الأقدام وأرى القول كالسهام فإن كا ... ن قبيحا عادت علي سهامي ومن الغي أن أصاب بسهم ... وأنا مالك يمين الرامي] الوزير أبو عامر بم مسلمة: طائل الدهر، وعلم بردة ذلك العصر، وأحد جهابذة الكلام، وجماهير النثار والنظام، من قوم طالما ملكوا أزمة الأيام، وخصموا بألسنة السيوف والأقلام، لم يزالوا أقمارا في آفاق الكتائب، وصدورا في صدور المراتب، وكان أبو عامر هذا من شرفهم بمنزلة الفص من الخاتم، وبمكان السر من صدر الحازم. ولما ثلت تلك العروش الأموية، واختلت تلك الدولة القرطبية، تحيز إلى المعتضد، لأملاك قديمة كانت له في البلد، فعاش بفضل وفره، وتصون عن الدخول في شيء من أمره، إلا عن زيارة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 لمام، ومنادمة في بعض الأيام، جذبه إليها، وغلبه مضطرا عليها، ولم يزل يتخادع له عن ذلك استدفاعا لشره، ومداراة على بقية عمره، حتى مات مستورا بماله، مبقي على أشكاله، وله منظوم مطبوع، ونثر بديع، وقد وقع إلي من إملاءاته، وغرائب أداوته، تأليف جمعه للمعتضد سماه على ما اقتضاه مطابقة الزمان، ومذهب الأوان " حديقة الارتياح في صفة حقيقة الراح " دل على كثرة روايته [21 أ] وجودة عنايته، إلى غير ذلك من نظمه ونثره، وأوردت منه طرفا شاهدا على ما أجريت من ذكره. جملة من شعره نقلت من خطه قال: كتبت يوما بهذه الأبيات إلى الأديبين أبي علي إدريس وأبي جعفر بن الأبار مستدعيا لهما: أيا شقيقي إخاء ... ويا قسيمي صفاء ومن هما في ذوي الفه ... م جوهر الأدباء تفضلا وأجيبا ... إلى ندي نداء لتأنسا بحديث ... وقهوة وغناء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 قال، فأجابني إدريس: يا صنو ماء السماء ... في رقة وصفاء ويا سراج ضياء ... يجلو دجى الظلماء بهرت سيما ذكاء ... في بهجة وذكاء وحزت في العلياء ... قوادم الجوزاء يا حاتم الكرماء ... وأحمد الشعراء بادهتنا بلآل ... سواطع اللألاء قريض حسن كدر ... على طلى الحسناء يقود في كل معنى ... معنى الغنى والغناء وقد أجبنا إلى ما ... دعوت من آلاء [لا زال] نجمك أسمى ... من نجم كل سماء قال الوزير أبو عامر: وبعث إلي أبو الأصبغ بن عبد العزيز باكور بهار وكتب معها: وبهار ألم قبل الأوان ... في بهاء يروق رأي العيان أمكن القطف في مدى شهر تشري ... ن على غير عادة الإمكان سبق الزهر في الفضائل طرا ... وكسا بالجمال فضل الزمان قال، فأجبته: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 يا إماما في السبق يوم الرهان ... كل حين يؤمني بالأمان وصل النرجس المكر يحكي ... سبق عباد المليك اليماني يا بهار الرياض أنت بهار ... باهر الأنوار والريحان قال الوزير أبو عامر: وأعلمت ابن الأبار بخبر البهارة، وكان عليلا وقلت له: إني نادمتها ليلتي، وجعلتها مؤنستي على قهوتي، فكتب إلي: بالله كيف النديمه ... يا ذا السجايا الكريمه عذراء تعبق شما ... وأنت تعبق شيمه أحبب بها بكر نور ... من البهار يتيمه فتلك عندي والعو ... د لا نديما جذيمه فاصبب فديت عليها ... من المدامة ديمه والدهر يمضي فبادر ... من الزمان غنيمه وانعم بدولة ملك ... ثنى الغيوث لئيمه عباد المنصف المج ... د باللهى المظلومه وله في وصف مشروب زبيب: مزة ماتت زمانا ... بحجاب يحتويها لبثت في بطن أم ... غيبتها عن بنيها ألحدتها الشمس دهرا ... ثم عاد الروح فيها كان ماء المزن عيسى ... إذ وضعناه بفيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 فانبرى منها سراج ... رائق من يجتليها وبدت منها شموس ... غربت في مطلعيها عزبت ألبابنا إذ ... غربت في شاربيها والمصحفي قبله القائل: [21 ب] ولما تولى بابنة الكرم جائر ... عليها فأصلها بزعمكم الشمسا ولم يبق من جثمانها غير جلدها ... غدت للذي تحويه من روحها رمسا وصلت بها الماء القراح محافظا ... فراح لها جسما وراحت له نفسا وذكر الوزير أبو عامر أنه ما رآه، ولا نظر إليه، ولا اعتمد عليه، ولا قصده، ولو سمعه لما أورده. وقال: ومهفهف غض الشباب منعم ... فيه أطرت إلى الجماح جناحي قد جاء يسعى بالمدام فقلت لا ... إني هجرت تعاطي الأقداح لا تسقني راح الكؤوس وسقني ... سحر العيون يقم مقام الراح فأقام لي من لحظه ورضابه ... راحا وقام الخد بالتفاح وضللت في ليلي فأبدى غرة ... أغنت عن المصباح والإصباح قال: وبلغني أن ابن الأبار صد عنه يوما من يهواه، وواصل سواه، فكتبت إليه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 قد هجر الأنس والسرور ... إذ هجر الشادن النفور وغيضت غيضة التمني ... فطرف نوارها حسير وأقفر الربع بعد أنس ... فعمر لهو الفتى قصير قال: فراجعني بهذه الأبيات: يا من به تزدهي الدهور ... ومن له تخضع البدور ومن إذا احتل في علاه ... فكل جفن به قرير قد عوتب الشادن الغرير ... فعاد من وصله اليسير ومن لي بالجواب تيها ... وهو بما قلته خبير فافتر عن واضح شنيب ... فيه لميت الهوى نشور ثم تلاقت لنا عيون ... تخالفت تحتها الصدور ترجم بالثغر عن معان ... ضن بإعلانها الضمير ولم نزل نعمل الحميا ... واللحظ ما بيننا سفير مدامة أفنت الليالي ... وأرضعت ثديها الدهور تخالها في الكؤوس سرا ... وهي لشرابها سرور حتى إذا ما الصدود أودى ... تناولت مزجها الثغور فاهنأ بما قد هنا محب ... خطرك في نفسه خطير كان لك الله من وفي ... وفى به دهرنا الغرور إن الورى أصبحوا أجاجا ... وإنك السائغ النمير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 لطفت ظرفا وطبت حتى ... ترجم عن خلقك العبير لا زلت بالفضل لي مليا ... فإنني بالثنا فقير [122 أ] وقال الوزير أبو عامر: أهلا وسهلا بوفود الربيع ... وثغره البسام عند الطلوع كأنما أنواره حلة ... من وشي صنعاء السري الرفيع أحبب به من زائر زاهر ... دعا إلى اللهو فكنت السميع بث على الأرض درانيكه ... فكل ما تبصر فيها بديع قال الوزير أبو عامر: وكتبت إلى ابن الأبار يوما بهذه الأبيات: قل لأبي جعفر المنتقى ... من سر قحطان وخولان انظر إلى الظبي الأنيق الذي ... يختال في أبراد إحسان كأنما مقلته بابل ... حفت بسحر الإنس والجان كأنما شاربه بهجة ... زمرد من فوق مرجان كأنما أردافه عالج ... وقده غصن من البان قال، فأجابني منها قوله: وابأبي ذاك الغزال الذي ... يجول في سر وإعلان مقرطق يبسم عن لؤلؤ ... رصعه الحسن بمرجان أفديه من أحور أجفانه ... نامت لكي تسهر أجفاني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 لما بدا لي جيده متلعا ... قلت لمن قد ظل يلحاني لا فزت منه بجميع المنى ... إن كان هذا عند رضوان من أين للظبي كأجفانه ... أو مثل ذاك الخوط للبان ما هو إلا [ ... ] برهان ... وحجة اللوطي على الزاني قال: وكتب إلي ابن الأبار أيضاً بهذه الأبيات: يا مفصح الكف واللسان ... بالطول طورا والبيان عندي من عنده فؤادي ... ومن تجنيه قد براني أظنها نومة لقردي ... أو غفلة الغر من زماني وليس سر السرور إلا ... ضرة أخلاقك الحسان قال فأجبته: يا مالك السحر والبيان ... وناظم الدر والجمان أكرم بمولى أجاب عبدا ... فأقبل الدهر بالأمان وانتزحت دولة التنائي ... واقتربت دولة التداني وكل شيء يكون عندي ... ملكك يا ناظر الزمان وقد بعثت المدام تحكي ... جزءا من اخلاقك الحسان الوزير أبو الوليد محمد بن عبد العزيز المعلم: بديع ذلك الزمان، أحد وزراء المعتضد الكتاب الأعيان، وممن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 شهر بالإحسان، في صناعة النظم والنثر، ولم أقع له عند نقلي هذه النسخة إلا على التافه النزر، وعلى ذلك فقد كتبت له منهما ما يشهد أنه كان من أهل الرواية والعلم، وذوي الدراية والفهم. فصول له من مقامة قال في أولها: سقى عهدك أيتها الدمنة الزهراء كل عهد، وجاد قطرك أيتها الروضة الغناء كل قطر، وسال عليك من أدمعي كل ملث هطال، وتناوحت عليك من أضلعي كل جنوب وشمال، منشرة أنوارك، لا معفية آثارك، ومهدية أرجك ونسيمك، لا مغيرة أطلالك ورسومك، فكم لنا في واديك من بلهنية زمان أنيق، وفي مغانيك من رفاهية عيش رقيق، نعل بكأسي عتبا وإعتاب، ونرتع في جنبتي صبا وتصاب، غدونا من عشيق إلى صديق، ورواحنا من صبوح إلى غبوق، وخليلنا مساعد، وعدونا مباعد، ورقيبنا أعمى، وزماننا أعشى؛ حتى إذا استيقظ الدهر من هجعته، وهب من غطيط رقدته وسكرته، ضرب فوقنا بجرانه، وصرف إلينا لهذم سنانه، ولبس لنا جلدة النمر، وقلب لنا ظهر المجن، وألقى علينا بعاعه، وطمس ذوننا شعاعه، مستردا ما وهب وأعطى، ومكدرا ما منح وأصفى: أبدا تسترد ما تهب الدن ... يا فيا ليت جودها كان بخلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 فما لبث أن صدع مروتنا، وفصم عروتنا، وحل عقدنا، ونثر عقدنا. وفي فصل منها: وكان لي أليف، وعقيد شريف، من صرحاء الإخوان، وصيابة الفتيان، ومصاص أعيان الزمان، وحين سولت لي همتي ما سولت، وخيلت لي أمنيتي ما خيلت، أجلنا قداح الرأي، وأسهمنا بين القرب والنأي، شاور في أمري قريحته، ونخل لي نصيحته، وقال: أرى أن لا تريم بيضتك وأرومتك، وأن توطن أرضك ولا تفارق عشيرتك، وأربأ بك عن مضلات المنى، وأعيذك من ترهات لعل وعسى، فتحسب كل بيضاء شحمة، وتظن كل سوداء تمرة، وربما سقط العشاء بك على سرحان، وكل الناس بكر، وفي كل واد بنو سعد: والرفق يمن والأناة سعادة ... فاستأن في رفق تلاق نجاحا وإن أبيت إلا التحول، فعليك من الرؤساء، بأحلم الحلماء، ومن القرباء بأشرف الشرفاء، ولا تغرنك المناصب، دون المناسب، ولا المقول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 دون المعقول، ولا الدراهم دون المكارم، وازهد في أكثر كل عين، واذكر قول [ابن] الحسين: وما رغبتي في عسجد أستفيده ... ولكنها في مفخر أستجده فلما سمعت ووعيت، ارتكنت وتوليت، ثم أبيت قبولا، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وناقضت نصحه بقول حبيب: وإن صريح العزم والرأي لامرئ ... إذا بلغته الشمس أن يتحولا ومغترا بقول الثاني: تلقى بكل بلاد أنت نازلها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران وفي فصل منها: وصرح لي الدهر عن أهله، ووجدت الناس اخبر تقله، من أمير لا أسميه، ووزير أقحمت الواو فيه، وكاتب أمي، وقاض جبلي، وأمة مبورة، في قرية مصورة، وإذا اختلفوا أنشدوا: ومن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال بادية ترانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 [23 أ] فبينا أقرع السنين، وأعض الكفين، وأخضب بلا حناء، وأنشد في الأمراء: وإذا نظرت إلى أميري زادني ... كلفا به نظري إلى الأمراء إذ قرع البشير بابي، وطرق المستأذن حجابي، فائل: رسول مولاك، وكتابه وافاك، فقمت أتساقط من الجذل، وأعثر في دعاثر العجل، مقبلا فاه، وصائحا: زاه. وفي فصل منها: وأفضنا في وصف معاليه، واستنشدني فأنشدته ما قلته فيه، فقال: بزاعة الفصحاء، وبراعة الشعراء، دعني من زخرف شعرك، وصفه لي بمنصف نثرك، فللمنظوم رونق، وأنت فيه ذو طولق، فقلت: على الخبير سقطت، وأنا الكفيل بما سألت وشرطت، وأسمعته سجعا لا نظما، ونثرا لا شعرا، فقلت: هو الإمام الطاهر، والكوكب الزاهر، والأسد الخادر، والبحر الزاخر، أوهب الملوك للذخائر، وأعفاهم عن الجرائر، وأرفعهم قدرا، وأوسعهم صدرا، وأطيبهم ذكرا، أعطر من العنبر، في كل منبر، وأفوح من المسك الذكي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 في كل ندي، الحليم فما يغضب، والجواد وما يرغب، والشجاع وما يرهب، والقوي وما يعنف، واللين وما يضعف، والرفيق إذا ساس، والمصيب إذا قاس، ينبوع كل جذل، ودافع كل وجل، وحسبك بي عنده من جليس رئيس، أكلم منه سحبان، وآخذ عن لقمان، وأستنزل كيوان: له كبرياء المشتري وسعوده ... وسطوة بهرام وظرف عطارد وقمر إلا أنه بشر، وجبل إلا أنه رجل، بحر علم، وطود حلن، وعالم في عالم؛ الأصمعي عنه ناقل، ولجاحظ عنده باقل، إذا ركب ضاق عنه الأفق، وإذا تبدى وسع الدهر ندى، وإن نطق بين وصدق، وإن كتب أبدع وأغرب، نداه سحائب، وكتبه كتائب، مشرفياته من لسانه وبيانه، وخطياته من أقلامه وبنانه، تمشق فيها جياد فهمه، ويمري درر أشوالها من آدابه وعلمه، ويسحب لها من فكره مضمارا، ويثير من مداده قسطلا وغبارا، ويرتب فيها الحروف، ترتيب الصفوف، ويمشق بها في المهارق، مشقه في الطلى والمفارق، هذا إلى روحانية ملك، في تجلة ملك. فاستطير فرحا، وازدهي مرحا، وخف فقام إلي، ورف يقبل بين عيني، وكأنه إنما نشر من قبر، أو صحا من سكر، وقال: أصبت والله القرطاس، وبنيت على أساس، وفزت بالقدح المعلى، وتحليت من الجلى، والحديث ذو شجون: متى الحركة - وفيم التلوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 والمقام - وكنت شاكيا فقلت: رويد الإبلال، وبعيد الإقلال، قال: فسر في كنف السلامة، إلى وطن الكرامة. وله من رقعة كتبها عن المعتضد إلى الوزير الفقيه أبي حفص الهوزني، قال فيها: وردني كتابك الأثير المقابل بين النثر البليغ والنظم البديع، تصرفت فيهما تصرف من إذا حاك الكلام طرز، وإذا غشي ميدان البيان برز، وأخذ بآفاق العلوم، وأشرقت خواطره فيها كإشراق النجوم، وإنها لفضيلة بعد فيها شأوك، وفات جهد لمجارين لك عفوك؛ فأما ما صدرته به من بالغ إطراء، وسابغ ثناء، فأمر أعلم أنه صدر عن عهد كريم، ومعتقد سليم، أنا معتقد عليهما بجميل القرض، والمجازاة الحسنة بهما في وكيد الفرض. واقتضيت ما تلا ذلك من وعظك المبرور، واحتسابك المشكور، في الحال التش أشرت إليها فأقنعت، ورمزت بها فأسمعت، بصحة دينك، وبرد يقينك، حتى نظرت إلى ما دهم المسلمين من كلب العدو عليهم: يجوسون البسيط من ديارهم، ويستبيحون المحوط من ذمارهم، ليس إلى الانقياد عن أحكامهم دفاع، ولا سوى الانحياز من أمامهم امتناع، قد تبين لهم أن تخاذلنا لهم علينا ناصر، وتواكلنا مظاهر مؤازر، فلا يعدمون من يتخلى لهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 عن بلد، أو يعطيهم الجزية عن يد {ولو شاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض} (محمد: 47) . ولقد شرحت من تلك [23 ب] النصب ما يسهر النواظر، ويبلد الخواطر، ولا يدع ركن عز إلا أوهاه، ولا بناء جلد إلا أرداه، ولا عد صبر إلا أغاضه، ولا ثمد دمع إلا أفاضه، وإن الحذر أن تغشى التي لا شوى لها، وتفجأ التي لا لعا منها، فيرام من ذلك استكفاف سيل من التلف قد انحدر، وينظر في أعقاب نجم من التلافي قد انكدر، إلا أن يعود الله علينا برحمته، ويهيأ لنا أسباب عصمته. وأما ما ندبت إليه، وحضضت عليه، من إحفاد السعي فيما يقمع المشركين - بددهم الله - ويجمع عليه كلمة المسلمين، فيعلم الله أني قد ناجيت بذلك وناديت، وراوحت فيه وغاديت، وبثثت رسلي إلى ذلك داعين يصلون التذكرة، ويوكدون التبصرة، ويتلون المواعظ، ويستشيرون الحفائظ، فصمت المسامع، واتفقت في التثاقل المنازع، وخلج بالخذلان، وتجوزت الجمجمة في ذلك الإعلان، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى. وفي فصل منها: وأما إزماعك للتنقل، وأن أرسم لك مكان التحول، فأي مكان يكون ذلك سوى وطنك الذي تعرفت فيه سابغ الأمن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وتلقيت فيه طائر اليمن، ولم تعدم المحل الرفيع، والجانب المنيع، والسكون مني إلى من لم يزل يعتمدك بإيثاره، ويشاركك في خاص أسراره، ويرفع قدرك فوق أقدار الأكفاء، ويحط عن منزلتك منازل النظراء، وإن كان قد جرى قدر بمارقة فكانت سليمة لم يتبعها إلا حال لك محوطة محفوظة، وساقة بعين الصيانة مكلوءة ملحوظة. وهذه أيضاً جملة من شعره له في المعتضد من قصيد أوله: دون الأحبة بالوعساء أعداء ... وسلم كل بعيد الهم هيجاء والحب كالمجد لا ينفك من كبد ... فيه يلذ لنا بؤس ونعماء حفيظة منك عين الله تكلؤها ... وشيمة شيم منها العين والطاء وهيبة لم تزل تعنو إليك بها ... والدين يخبط منه الليل عشواء مدوا إليك أكف البغي فانجذمت ... وقد خلت منهم بالسيف أقفاء وقادة في وجوه القوم أخجلها ... من حد سيفك توبيخ وإدماء أبناء دأية من مقطوف هامهم ... على الجذوع لها وقع وإقعاء قوم هم نبذوا الإسلام قاطبة ... عنهم كما نبذ الأموات أحياء ومعنى البيت الثاني منها كقول حبيب: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 كأنه كان ترب الحب مذ زمن ... فليس يعجزه قلب ولا كبد وأخذه أبو الطيب فقال: وقد صغت الأسنة من هموم ... فما يخطرن إلا في فؤاد وقال من أخرى: سحبت على أثر الخيال ذيولا ... وسرت تعود من الصدود عليلا عللت منك بكل وعد كاذب ... وسرى خيالك بالرضى تخييلا لو كنت صادقة رحلت إلى الصبا ... وخضبت شيبي بالشباب محيلا سقيا لعهدك والشباب ملاءة ... تثني عيون عني حولا [24 أ] أيام أمرح في الصبابة خالعا ... رسني وأسحب في المجون ذيولا وأصيد بين حمائلي وحبائلي ... صيدا وغيدا ما يدين قتيلا ومنها: يا هذه عني إليك فإن لي ... أملا بأعنان السماء كفيلا من لم يبت عند ابن عباد فقد ... ضل السبيل وأخطأ التأميلا ومنها في وصف حربه مع صاحب سبتة: فأرح جيادك فهي أطلاح السرى ... وقد الجيوش إلى العدا أسطولا أنشأتهن سفائنا ومدائنا ... وجنبتهن كتائب ورعيلا دهم تخال البيض في أوساطها ... بلقا وفي أطرافها تحجيلا قرعت بأسواط الرياح فأسرعت ... في الماء تعمل كلكلا وتليلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 قوله: " لو كنت صادقة " ... البيت، نقل لفظه من قول أبي الطيب: خلقت ألوفا لو رددت إلى الصبا ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا وقال محمد بن هانئ: لخططت شيبا من عذاري كاذبا ... ومحوت محو النقس عنه شبابا وخضبت مبيض الحداد عليكم ... لو أنني أجد البياض خضابا وله من أخرى في المعتمد: أشمت البرق بات له ائتلاق ... تضيء به الأماعز والبراق وبين جوانحي قلب مطار ... جناحاه ادكار واشتياق ومنها: ولم أنس الكثيب وليلته ... كأنهما اختلاس واستراق نجوم الراح في أفلاك راح ... مشارقها المطرفة الرقاق وشدو تطرب الألفاظ عنه ... كما نفضت من الدر الحقاق وأفصح من أبان النصح عنه ... يد نيطت بها قدم وساق تذكرت الصبابة والتصابي ... هنالك إذ تروق ولا تراق ونحن كأننا غصنا أراك ... قد اشتبكا وضمهما اعتناق ذراعاه على عنقي نجاد ... وساقاه على كشحي نطاق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 إذا ما الشمس ورسها أصيل ... أدال الإصطباح لها اغتباق ومن نعم ابن عباد كؤوس ... نعل بها وأقداح تتاق ومن كف الربيع لنا ربيع ... يصوب حيا ومن حمص عراق وله فيه وقت انصراف قرطبة إليه، وقتل ابن عكاشة على يديه: صفا لك الشرب كانت فيه أقذاء ... وعاد برء على ما أفسد الداء ولن يعجل مقدور له أجل ... وللأمور مواقيت وآناء [24 ب] وقد تباطأ وحي الله آونة ... عن النبي وغابت عنه أنباء فليهنك الصنع قد راقت عواقبه ... وشفعت عنه بالآلاء آلاء فتح كما وضح الإصباح منه على ... آفاق ملكك إشراق ولألاء ومنها في رثاء ابنه: الظافر الذفر الذكرى معطرة ... منه المنابر ألقاب وأسماء رزئته فاحتسبته عند خالقه ... زلفى بذلك تقريب وإدناء ولو أفاد عليك الحزن فائدة ... لكان صخرا وكل الناس خنساء تشرفت بك دولات وأزمنة ... وفاخرت بك أموات وأحياء ومن مرثية له في المعتضد: عليك أبا عمرو سلام مودع ... له كبد بين الضلوع دخيل عممت الورى بالثكل فيك رزية ... وقبحت وجه الصبر وهو جميل فمن شاء فلينظر بعين حقيقة ... ففيك لنا وعظ مداه طويل يرى الأرض فيها الأرض كيف تزلزلت ... بنا ويرى الأطواد كيف تزول أفلت فعادت حمص بعدك دجنة ... كأنك شمس والزمان أصيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 وكتب إلى الوزير أبي عامر بن مسلمة من جملة أبيات: يا ابن الكرام السادة الخلص ... قولا بلا إفك ولا خرص ماذا ترى في القصف متكئا ... مع رنة الطنبور والرقص فلعلني أشفي بريقتها ... من عارض في الصدر كالغصص وألذ عند سماع مبهجها ... من طيب الأخبار والقصص أهل العراق على مذاهبها ... لا تلق منهم غير مرتخص فأجابه أبو عامر بأبيات منها: يا جهبذا قد قال بالرخص ... القصف عندي غاية الفرص مع ماجد حلو شمائله ... ذي حنكة للهو والقنص فإذا مضت للفطر ثانية ... أرسلت خيل اللهو للقنص فجرت لدى الميدان جامحة ... وجريت في لبب من الرخص في مجلس قد طاب مجلسه ... خال من التكدير والنغص الأديب أبو الوليد إسماعيل بن محمد الملقب بحبيب: كان سديد سهم المقال، بعيد شأو الروية والارتجال، والأديب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 أبو جعفر ابن الأبار هو الذي أقام قناته، وصقل - زعموا - مرآته، فأطلعه شهابا ثاقبا، وسلك به إلى فنون الآداب طريقا لاحبا، ولو تحاماه صرف الدهر، وامتد به قليلا طلق العمر، لسد طريق الصباح، وغبر في وجوه الرياح. وتوفي ابن اثنتين وعشرين [25 أ] سنة، فذهب بأكثر ما كان في ذلك الوقت من حسنة، وقد أعرب عن ذلك من أمره بأبيات شعر قرأتها على قبره، وله كتاب سماه ب - " البديع في فصل الربيع " جمع فيه أشعار أهل الأندلس خاصة، أعرب فيه عن أدب غزير، وحظ من الحفظ موفور، وقد أخرجت من نثره ونظمه، ما يشهد بغزارة علمه وفهمه. فصل من نثره قال في صدر التأليف الموصوف: فصل الربيع آرج وأبهج، وآنس وأنفس، وأبدع وأرفع، من أن أحد حسن ذاته، وأعد بديع صفاته، وهو مع سماته الرائقة، وآلائه الفائقة، لم يعن بتأليفها أحد، وما انفرد بتصنيفها منفرد. وله فصل من أخرى إلى أبيه: لما خلق الربيع من أخلاقك الغر، وسرق زهره من شيمك الزهر، حسن في كل عين منظره، وطاب في سمع خبره، وتاقت النفوس إلى الراحة فيه، ومالت إلى الإشراف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 على بعض ما يحتويه، من النور الذي كسا الأرض حللا، لا يرى الناظر في أثنائها خللا، فكأنها نجوم نثرت على الثرى، وقد ملئت مسكا وعنبرا، إن تنسمتها فأرجة، أو توسمتها فبهجة، تروق العيون أجناسها، وتحيي النفوس أنفاسها: فالأرض في بردة من يانع الزهر ... تزري إذا قستها بالوشي والحبر قد أحكمتها أكف المزن واكفة ... وطرزتها بما تهمي من الدرر تبرجت فسبت منا العيون هوى ... وفتنة بعد طول الستر والخفر فأوجدني سبيلا إلى إعمال بصري فيها، لأجلو بصيرتي بمحاسن نواحيها، والفصل على أن يكمل أوانه، وينصرم وقته وزمانه، فلا تخلني من بعض التشفي منه، لأصدر نفسي متيقظة عنه، فالنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد، ومن أجمها فهو السديد الرشيد. وله من أخرى إلى بعض إخوانه: قد علم سيدي أن بمرآه يكمل جذلي، ويدنو أملي، وقد خللت محلا عني الجو بتحسينه، وانفرد الربيع بتحصينه، فكساه حللا من الأنوار، بها ينجلي صدأ البصائر والأبصار، فمن مكتوم يعبق مسكه، ولا يمنعه مسكه، ومن باد يروق مجتلاه، ويفوق مجتناه، في مرآه ورياه، فتفضل بالخفوف نحوي، وتعجيل اللحاق بي، لنجدد من الأنس مغاني درست، ونفك من السرور معاني قد أشكلت وألبست الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 ونشكر للربيع، ما أرانا من البديع. قال ابن بسام: ووجدت لأبي الوليد هذا رسالة عارض بها أبا حفص ابن برد في رسالته في تقديم الورد على سائر الأزهار، فخرج فيها أبو الوليد - خروج أبي حفص بن برد - على الورد، ودعا إلى البهار، وأسمع سائر الأنوار، فنصبه إماما، ولولا اشتهار فضل الورد لكانت لزاما، وقد اقتضبت من الرسالتين قبض فصول، تخفيفا للتثقيل، وجمعا للشمل،، ومقابلة للشكل، وقدمت رسالة ابن برد، على حكم الإحسان ومقتضى النقد، وهي رقعة خاطب بها ابن جهور قال فيها: أما بعد، يا سيدي ومن أنا أفديه، فإنه ذكر بعض أهل الأدب المتقدمين فيه، وذوي الظرف المعتنين بملح معانيه، أن صنوفا من الرياحين، وأجناسا من أنوار البساتين، جمعها في بعض الأزمنة خاطر خطر بنفوسها، وهاجس هجس في ضمائرها، لم يكن لها بد من التفاوض فيه والتحاور، والتحاكم من أجله والتناصف، وأجمعت على أن ما ثبت في ذلك العهد، ونفذ من الحلف، ماض على من غاب شخصه، ولم يئن منها وقته، فقام منها قائمها فقال: يا معشر الشجر، وعامة الزهر، إن الله تعالى اللطيف الخبير [25 ب] الذي خلق المخلوقات، وذرأ البريات، باين بين أشكالها وصفاتها، وباعد بين منحها وأعطياتها، فجعل عبدا وملكا، وخلق قبيحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 وحسنا، فضل بعضا على بعض حتى اعتدل بعدله الكل، واتسق على لطف قدرته الجميع، فجعل لكل واحد منها جمالا في صورته، ورقة في محاسنه، واعتدالا في قده، وعبقا في نسيمه، ومائية في ديباجته، وقد عطفت علينا الأعين، وثنت إلينا الأنفس، وزهت بمحضرنا المجالس، حتى سفرنا بين الأحبة، ووصلنا أسباب القلوب، وتحملنا لطائف الرسائل، وصيغ فينا القريض، وركبت على محاسننا الأعاريض، فطمح بنا العجب، وازدهانا الكبر، وحملنا تفضيل من فضلنا، وإيثار من آثرنا، على أن نسينا الفكر في أمرنا، والتمهيد لعواقبنا، والطيبب لأخبارنا، وادعينا الفضل بأسره، والكمال بأجمعه، ولم نعلم أن فينا من له المزية علينا، ومن هو أولى بالرئاسة منا، وهو الورد الذي إن بذلنا الإنصاف من أنفسنا ولم نسبح في بحر عمانا، ولم نمل مع هوانا، دنا له، ودعونا إليه، فمن لقيه منا حياه بالملك، ومن لم يدرك زمن سلطانه، ودولة أوانه، اعتقد ما عقد عليه، ولبى ما دعي إليه، فهو الأكرم حسبا، والأشرف زمنا، إن فقد عينه لم يفقد أثره، أو غاب شخصه لم يغب عرفه، وهو أحمر والحمرة لون الدم، والدم صديق الروح، وهو كالياقوت المنضد، في أطباق الزبرجد، وعليها فرائد العسجد، وأما الأشعار فبمحاسنه حسنت، وباعتدال جماله وزنت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 وفي فصل منها: وكان ممن حضر هذا المجلس من رؤساء الأنوال والأزهار، النرجس الأصفر والبهار، والبنفسج والخيري النمام. فقال النرجس الأصفر: والذي مهد لي حجر الثرى، وأرضعني ثدي الحيا، لقد جئت بها أوضح من لبة الصباح، وأسطع من لسان المصباح، ولقد كنت أسر من التعبد له والشغف به، والأسف على تعاقب الموت دون لقائه، ما أنحل جسمي، ومكن سقمي، وإذ قد أمكن البوح بالشكوى، فقد خف ثقل البلوى. ثم قام البنفسج فقال: على الخبير سقطت، أنا والله المتعبد له، والداعي إليه، المشغوف به، وكفى ما بوجهي من ندوب، ولكن في التأسي بك أنس. ثم قام البهار فقال: لا تنظرن إلى غضارة منبتي، ونضارة ورقي ورقتي، وانظروا إلي وقد صرت حدقة باهتة تشير إليه، وعينا شاخصة تندى بكاء عليه: ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي ثم قام الخيري فقال: والذي أعطاه الفضل دوني، ومد له بالبيعة يميني، ما اجترأت قط إجلالا له، واستحياء منه، على أن أتنفس نهارا، أو أساعد في لذة صديقا أو جارا، فلذلك جعلت الليل سترا، واتخذت جوانحه كنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 فلما استوت آراؤها قالت: إن لنا أصحابا، وأشكالا وأترابا، لا نلتقي بها في زمن، ولا نجاورها في وطن، فهلم فلنكتب بذلك عقدا ينفذ على الأقاصي والأداني؛ فكتبوا رقعة نسختها: هذا ما تحالف عليه أصناف الشجر، وضروب الزهر، وسميها وشتويها، وربيعيها وقيظيها، حيث ما نجمت من وهاد أو ربوة، وتفتحت من قرارة أو حديقة، عندما راجعت من بصائرها، وألهمت من مراشدها، [واعترفت بما سلف] من هفواتها، وأعطت للورد قيادها، وملكته أمرها، وعرفت أنه أميرها المقدم لخصاله فيها، والمؤمر لسوابقه عليها، واعتقدت له السمع والطاعة، والتزمت له الرق والعبودية، وبرئت من كل زهر نازعته نفسه المباهاة له، والانتزاء عليه، في كل وطن، ومع كل زمن، فإنه زهرة قضى عليها لسان الأيام هذا الحلف، فلتعرف أن إرشادها فيه، وقيام أمرها به. وأما رسالة أبي الوليد فخاطب [26 أ] بها المعتضد يومئذ [قال] فيها: فأول من رأى ذلك الكتاب، وعاين الخطاب، نواوير فصل الربيع التي هي جيرة الورد في الوطن، وصحابته في الزمن، ولما قرأته أنكرت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 ما فيه، وبنت على هدم مبانيه، ونقض معانيه، وعرفت الورد بما عليه، فيما نسب إليه، من استحقاقه ما لا يستحقه، واستئهاله ما لا يستأهله، ورأت أن مخاطبة من أخطأ تلك الخطية، وأدنى من نفسه تلك الدنية، تدبير دبري، ورأي غير مرضي، فكتبت إلى الأقحوان والخيري الأصفر كتابا قالت فيه: لو استحق الورد إمامة، واستوجب خلافة، لبادرتها آباؤنا، ولعقدها أوائلنا، التي لم تزل تجاوره في مكانه، وتجيء معه في أوانه؛ ولا ندري لأي شيء أوجبت تقديمه، ورأت تأهيله، بما غيره أشكل له وأحق به، وهو نور البهار، البادي فضله بدو النهار، والذي لم يزل عند علماء الشعراء، وحكماء البلغاء، مشبها بالعيون التي لا يحول نظرها، ولا يحور حورها، وأفضل تشبيه الورد بنضرة الخد عند من تشيع فيه؛ وأشرف الحواس العين، إذ هي كل متول عين، وليس الخد حاسة، فكيف تبلغه رئاسة -: أين الخدود من العيون نفاسة ... ورئاسة لولا القياس الفاسد وأصح تشبيه الورد وأقربه من الحق قول ابن الرومي في الشعر الطائي ولقد وافق ووفق، وشبه فحقق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 وطول أبو الوليد في رسالته هذه، وختمها بمبايعة الأزهار للبهار، فرجعت عن تقديم الورد في خبر طويل. ومن شعر أبي الوليد في أوصاف شتى قال يصف وردا بعث به إلى أبيه: يا من تأزر بالمكارم وارتدى ... بالمجد والفضل الرفيع الفائق انظر إلى خد الربيع مركبا ... في وجه هذا المهرجان الرائق ورد تقدم إذ تأخر واغتدى ... في الحسن والإحسان أول سابق وافاك مشتملا بثوب حيائه ... خجلا لأن حياك آخر لاحق وقال فيه: إنما الورد في ذرى شجراته ... كأجل الملوك في هيئاته نفحة المسك من شذا نفحاته ... خجل الخد من سنا خجلاته مزجت حمرة اليواقيت بالدر ... فجاءت به على حسب ذاته مثل ما جاء من سماح وبأس ... خلق الحميري سم عداته إن يعد فالوفاء حتم عليه ... فرضه في صلاته كصلاته وقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 أتى الباقلاء الباقل اللون لابسا ... لبرد سماء من سحائبها غذي ترى نوره يلتاح في ورقاته ... كبلق جياد في جلال زمرذ وقال: كأن نور الكتان حين بدا ... وقد جلا حسنه صدا الأنفس أكف فيروزج معاصمها ... قد سترتهن خضرة الملبس [26 ب] أو لا فزرق الياقوت قد وضعت ... على بساط يروق من سندس وقال: وقهوة لا يحدها مبصر ... رقت وراقت في أعين النظر إذا دنت فالسرور مبتسم ... وإن نأت فالسرور مستعبر كأنها والحباب يحجبها ... بحر من التبر يقذف الجوهر غنيت عنها فلست أقربها ... بناظر منه يسكر المسكر وبيته الثالث في هذه من التشبيه الذي ما له من شبيه، وأما بيته الأخير منها فمن قول ذي الرمة: وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر وزاد أبو الوليد زيادة حسنة: لم يقنع أن يفعل ناظره فعل الخمر حتى أسكرها منه. وقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 وكأس لها كيس على اللب والعقل ... شمول تريك الأنس مجتمع الشمل كأن حباب الماء في جنباتها ... دروع لجين قد جلتها يد الصقل تزيد ذوي الألباب فضلا ولم تزل ... تديل بطبع الجود من طبع البخل غنيت بمن أهواه عن نشواتها ... فمن طرفه خمري ومن ريقه نقلي وقال: حمام بلحظك قد حم لي ... فما زال يهدي إلى مقتلي وإن لم تغثني بمعنى الحياة ... من ريق مبسمك السلسل فها أنا قاض بداء الهوى ... وقاضي جمالك لم يعدل فيا ليت قبري حيث الهوى ... فأكرم بذلك من منزل عسى من تلفت بحبي له ... يرق على ذي بلاء بلي فإن جاد بالوصل بعد الوفاة ... رجعت إلى عيشي الأول فيا صاحبي هناك احفرا ... ولا تحفرا لي بقطربل إذا ما أدرت كؤوس الهوى ... ففي شربها لست بالمؤتلي مدام تعتق بالناظرين ... وتلك تعتق بالأرجل وهذا البيت مما أغرب به على الألباب، وأعرب فيه عن موضعه من الصواب، وبينه وبين قول أبي الطيب شبه بعيد، ولكن لأبي الوليد فضل التوليد، وحسن من النقل ليس عليه مزيد، وهو قوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 انظر إذا اختلف السيفان في رهج ... إلى اختلافهما في الخلق والعمل هذا أعد لريب الدهر منصلتا ... وعد ذاك لرأس الفارس البطل وقال الآخر وإن لم يكن به: بالهند تطبع أسياف الحديد وفي ... بغداد تطبع أسياف من الحدق الأديب أبو جعفر أحمد بن الأبار أحد شعراء المعتضد المحسنين المتقين [27 أ] انتحل الشعر فافتن وتصرف، وعني بالعلم فجمع وصنف، وله في صناعة النظم فضل لا يرد، وإحسان لا يعد، وقد كتبت طرفا مما أبدع، ليكون أعدل شاهد على أنه تقدم وبرع. ما أخرجته من شعره في أوصاف شتى قال: لم تدر ما خلدت عيناك في خلدي ... من الغرام ولا ما كابدت كبدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 أفديك من زائر رام الدنو فلم ... يسطعه من غرق في الدمع متقد خاف العيون فوافاني على عجل ... معطلا جيده إلا من الغيد عاطيته الكأس فاستحيت مدامتها ... من ذلك الشنب المعسول بالبرد حتى إذا غازلت أجفانه سنة ... وصيرته كفك يد الصهباء طوع يدي أردت توسيده خدي وقل له ... فقال كفك عندي أفضل الوسد فبات في حرم لا غدر يذعره ... وبت ظمآن لم أصدر ولم أرد بدر ألم وبدر التم ممتحق ... والأفق محلولك الأرجاء من حسد تحير الليل فيه أين مطلعه ... أما درى الليل أن البدر في عضدي قال ابن بسام: وقد رأيت من يروي هذه القطعة لإدريس بن اليماني، وهو الأشبه بما له من الألفاظ والمعاني، وهي لمن كانت له منهما رائقة، ومتأخرة سابقة، في التزام العفاف مع السلاف؛ وما سمعت بأبدع منها لأحد من أهل هذا الأفق. وإنما أثبت هنا بعض مقطوعات في معناها لأهل المشرق ثم أعود لإيراد ملح أهل أفقنا، وأرجع إليها وأكر بعد عليها، وأقدم أولا الحديث: " من أحب فعف ومات فهو شهيد "، والعفاف مع البذل، كالاستطاعة مع الفعل، ولله در صريع الغواني، فهو صاحب بديع في أكثر المعاني، كقوله: ألا رب يوم: صادق العيش نلته ... بها ونداماي العفافة والبذل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وقال الآخر: وبتنا فويق الحي لا نحن منهم ... ولا نحن بالأعداء مختلطان وبات يقينا ساقط الطل والندى ... من الليل بردا يمنة عطران نعدي بذكر الله في ذات بيننا ... إذا كان قلبانا بنا يردان ونصدر عن ري العفاف وربما ... نقعنا غليل النفس بالرشفات وقال الصمة القشيري: بنفسي من لو مر برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله ومن هابني في كل شيء وهبته ... فلا هو يبداني ولا أنا سائله وقال القس المكي: أهابك أن أقول بذلت نفسي ... ولو أني أطعت القلب قالا [27 ب] حياء منك حتى سل جسمي ... وشق علي كتماني وطالا وقال العباس بن الأحنف: أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر لا يضمر السوء إن طالت إقامته ... عف الضمير ولكن فاسق النظر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 ولبعض الطالبيين: رموني وإياها بشنعاء هم بها ... أحق أدال الله منهم وعجلا بأمر تركناه ورب محمد ... جميعا فإما عفة أو تجملا وقال سعيد بن حميد: زائر زارنا على غير وعد ... مخطف الكشح مثقل الأرداف غالب الخوف حين غالبه الشو ... ق وأخفى الهوى وليس بخاف غض طرفي عنه تقى الله واختر ... ت على بذله بقاء التصافي ثم ولى والخوف قد هز عطفي ... هـ ولم نخل من لباس العفاف وأنشد الصولي لأبي حاتم السجستاني في أبي العباس المبرد، وكان يلزم حلقته، وهو غلام وسيم: ماذا لقيت اليوم من ... متمجن خنث الكلام وقف الجمال بوجهه ... فسمت له حدق الأنام حركاته وسكونه ... تجنى بها ثمر الأثام وإذا خلوت بمثله ... وعزمت فيه على اعتزام لم أعد أفعال العفا ... ف وذاك أكرم للغرام نفسي فداؤك يا أبا ال ... عباس حل بك اعتصامي فارحم أخاك فإنه ... نزر الكرى بادي السقام وأنله ما دون الحرا ... م فليس يطمع في الحرام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وكان أبو حاتم يتصدق كل يوم بدينار، ويختم القرآن في كل أسبوع. واجتمع أبو العباس بن سريج الشافعي وأبو بكر بن داود القياسي في مجلس الوزير ابن الجراح فتناظر في الايلاء، فقال له ابن سريج: أنت بقولك " من كثرت لحظاته دامت حسراته "، أبصر منك بالكلام في الإيلاء؛ فقال أبو بكر: لئن قلت ذلك فإني أقول: أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه ... يصب على الصخر الأصم تهدما وينظر طرفي عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فلست أرى حبا صحيحا مسلما فقال أبو العباس: لم تفتخر علي، ولو شئت أنا أيضاً لقلت: [128 أ] ومطاعم للشهد من نفثاته ... قد بت أمنعه لذيذ سناته ضنا بحسن حديثه وكلامه ... وأكرر اللحظات في وجناته حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولى بخاتم ربه وبراته فقال أبو بكر: يحفظ عليه ما قال، حتى يقيم عليه شاهدي عدل أنه ولى بخاتم ربه، قال أبو العباس: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك: أنزه في روض المحاسن مقلتي ... البيت. ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 فضحك الوزير ابن الجراح، وقال لقد اجتمعنا ظرفا ولطفا وفهما وعلما. وقال الشريف الرضي: بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى ... يلفنا الشوق من قرن إلى قدم وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي ... مواقع اللثم في داج من الظلم وباتت الريح كالغيرى تجاذبنا ... على الكثيب فضول الريط واللمم يولع الطل بردينا وقد نسمت ... رويحة الفجر بين الضال والسلم وأكتم الصبح عنها بردا وهي عافلة ... حتى تكلم عصفور على علم فقمت أنفض بردا ما تعلقه ... غير العفاف وراء الغيب والكرم وقال المتنبي: وأشنب معسول الثنيات واضح ... سترت فمي عنه فقبل مفرقتي وأجياد غزلان كجيدك زرنني ... فلم أتبين عاطلا من مطوق وقال: يرد يدا عن ثوبها وهو قادر ... ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد وهذا المعنى في شعرهم أكثر من أن يحصى. وأثبت هنا أيضاً مقطوعات أبيات ليغر واحد ممن تقدم ابن الأبار في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 ذكر العفاف، ثم أعود بعد إلى ماله من الأشعار في سائر الأوصاف: قال الرمادي: وليلة راقبت فيها الهوى ... على رقيب غير وسنان والراح ما تنزل من راحتي ... وقتا ومن راحة ندماني ورب يوم قيظه منضج ... كأنه أحشاء ظمآن أبرز في خديه لي رشحه ... طلا على ورد وسوسان وكان في تحليل أزراره ... أقود لي من ألف شيطان فتحت الجنة من جيبه ... فبت في دعوة رضوان مروة في الحب تنهى بأن ... يجاهر الله بعصيان وقال من أخرى: ليالي بعت العاذلين إمامتي ... بفتكي ووليت الوشاة أذاني وإذ لي ندمانان: ساق وقينة ... رشيقان بالأرواح يمتزجان أمد إلى الطاووس في تارة يدي ... وفي تارة آوي إلى الورشان وكنت أدير الكأس حتى أراهما ... يميلان من سكر ويعتدلان [28 ب] فكانا بما في الجسم من رقة الضنى ... يكادان عند الضم يلتقيان ونفضي إلى نوم فإن كنت جاهلا ... مكاني فوسطى العقد كان مكاني فلو تبصر المضنى وبداره حوله ... لقلت السها من حوله القمران وما بي فخر بالفجور وإنما ... نصيب فجوري الرشف والشفتان وقال الحصري الكفيف: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 قالت وهبتك مهجتي فخذ ... ودع الفراش ونم على فخذي وثنت إلى مثل الكثيب يدي ... فأجبتها نعم الأريكة ذي وهممت لكن قال لي أدبي ... بالله من شيطانها استعذ قالت: عففت فعفت، قلت لها ... مذ شبت باللذات لم ألذ ولابن فرج الجياني: وطائعة الوصال عففت عنها ... وما الشيطان فيها بالمطاع بدت في الليل سافرة فباتت ... دياجي الليل سافرة القناع وما من لحظة إلا وفيها ... إلى فتن القلوب لها دواعي فملكت الهوى جمحات شوقي ... لأجري في العفاف على طباعي وبت بها مبيت الطفل يظما ... فيمنعه الفطام عن الرضاع كذاك الروض ما فيه لمثلي ... سوى نظر وشم من متاع ولست من السوائم مهملات ... فأتخذ الرياض من المراعي قال ابن بسام: وابن فرج هذا ممن تقدمني في نشر محاسن أهل هذه الجزيرة، وإظهار خبايا فضائلهم المشهورة؛ فعارض كتاب " الزهرة " للأصبهاني بتصنيف رائق ترجمة ب - " كتاب الحدائق "، فإن لا يكن سبق بالزمان، فلقد زاحم بالإحسان، وله شعر مشهور له فيه إحسان كثير كقوله، وهو من مليح الوصف في العفاف عن الطيف: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 بأيهما أنا في الحب باد ... بشكر الطيف أم شكر الرقاد سرى فازداد بي أملي ولكن ... عففت فلم أنل منه مرادي وما في النوم من حرج ولكن ... جريت من العفاف على اعتيادي أخذه من قول المتنبي: يرد يدا عن ثوبها وهو قادر ... البيت. ... كأنه لما عف في اليقظة جرى على عادته في النوم. ولابن الأبار في هذا عدة أشعار، منها قوله: ومعرض بالغصن في حركاته ... تسل القلوب العفو من لحظاته عاطيته كأسا كأن سلافها ... من ريقه المعسول أو وجناته حتى إذا ما السكر مال بعطفه ... وعنا بحكم الوصل في نشواته هصرت يدي منه بغصن ناعم ... لم أجن غير الحل من ثمراته [29 أ] وأطعت سلطان العفاف تكرما ... والمرء مجيول على عاداته وقال: ومنعم غض القطاف ... عذب الغروب للارتشاف قد صيغ من در الجما ... ل وصين في صدف العفاف وسقته أندية الشبا ... ب بمائها حتى أناف فتروضت عنه الريا ... ض وسلفت منه السلاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 مهما أردت وفاقه ... يوما تعرض للخلاف لما تصدى للصدو ... د ومال نحو الإنحراف هيأت من شركي له ... فعل اللطاف من الظراف فسقيته ماء بها ... وأدرت صافية بصاف حتى ترنح مائلا ... كالغصن مال به انعطاف فوردت جنة نحره ... ونعيمها داني القطاف وضممت ناعم عطفه ... ضم المضاف إلى المضاف فورعت في حين الجنى ... وكففت عن فوق الكفاف وعصيت سلطان الهوى ... وأطعت سلطان العفاف وما أملح هذه الملح، وما أقبح ما أنشدت في ضدها لعبد الجليل، حيث يقول: تعرض لي ليسقط في حبالي ... سقوط تعمد شبه اتفاق وبات على المدامة لي نديما ... وبين جفونه للغنج ساقي إلى أن مال من سنة الحميا ... وقام الليل ممدود الرواق وحل معاقد الهميان عنه ... بسبط كان يعقدها رقاق وصار على كرامته بساطا ... ولفت بيننا ساق بساق وبعده ما أضربت عنه، وصنت كتابي منه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وأنشدني أبو بكر الداني لنفسه: أتوب لله من هوى رشأ ... غيره بالعطاء من غير ليس معي خاتم ولا فنك ... ولا شراب إناؤه عنبر وإنما كان شرطه قدحا ... وكان شرطي عليه أن يسكر وممن رأيته أولع بهذه الأوصاف وشغف، وصرف فيها الكلام فتصرف، الأديب أبو القاسم المعروف بالمنيشي الاشبيلي، أنشدني لنفسه من جملة قصيدة: وعجزاء حوراء وفق الهوى ... تحيرت فيها وفي أمرها غلامية ليس في جسمها ... مكان دقيق سوى خصرها إذا أدبرت أو إذا أقبلت ... ففي فرها الموت أو كرها ولما خلونا ورق الكلام ... دفعت بكفي في صدرها [29 ب] ومن لا أسميه مثل القناة ... فألقت ذراعا على عشرها فما زلت أجمع طعنا وضربا ... على زيدها وعلى عمرها وصارفتها العين هذا بذاك ... وقد شدت السوق من أزرها فأعطيتها المحض من فضتي ... وأعطتني المحض من تبرها قوله: " ولما خلونا ورق الكلام "، من قول امرئ القيس: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ... ورضت فذلت صعبة أي إذلال وأخذه الآخر فقال يصف كتاباً: وفيه الوصل يشرق جانباه ... وقد رق التشكي والخطاب وقال ابن الرومي: كادت لعرفان النوى ألفاظها ... من رقة الشكوى تكون دموعا وقوله: " غلامية " ... البيت، معنىً كثر ترداده، وطال منهم تعمده واعتماده، وأرى أيضاً أن أول من أشار إليه ونبه عليه الملك الضليل، حيث يقول: متى ما ترق العين فيه تسهل ... البيت ... غير أنه ورد مقلص الذيل، بهيم الليل، وقد بينه بقوله: له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ ... ثم نقله الشعراء بعد كل على مقدار ما أوتي من البيان، ووهب من الإحسان، فقال الأعرابي: عقيلية أما ملاث إزارها ... فدعص وأما خصرها فبتيل وقال الآخر: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 تساهم ثوبها ففي الدرع رادة ... وفي المرط لفاوان ردفهما عبل وقال ابن ربيعة: خود وقير نصفها ... ونصفها مهفهف ونسخه أبو تمام فقال: تشكى الأين من نصف سريع ... إذا قامت ومن نصف بطي وقال الأخطل: أسيله مجرى الدمع أما وشاحها ... فيجري وأما القلب منها فلا يجري وهذا كقول خالد بن يزيد: تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا ومدحهم بضمور الكشح، وجولان الوشح، وصموت القلب والخلخال، وامتناع الخدام من الحجال، كثير، ومنه قول النابغة: على أن حجليها وإن قلت أوسعا ... صموتان من ملء وقلة منطق وقال الطائي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 من الهيف لو أن الخلاخيل صيرت ... لها وشحا جالت عليها الخلاخل وقال ابن أبي زرعة: استكتمت خلخالها ومشت ... تحت الظلام به فما نظقا حتى إذا ريح الصبا نسمت ... ملأ العبير بنشرها الطرقا وقال المتنبي: وخصر تثبت الأبصار فيه ... كأن عليه من حدق نطاقا وقلبه الناجم فقال: مسلولة الكل غير بطن ... مثقل فهي عنكبوت حجولها الدهر في اصطخاب ... ووشحها كظم صموت وما أحسن قول القائل فإنه ترك اللفظ المطروق، واختصر على كافة الشعراء الطريق: أبت الروادف والثدي لقمصها ... مس البطون وأن تمس ظهورا وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... نبهن حاسدة وهجن غيورا وحسنه بعض أهل أفقنا فقال: إن العزيز علي خصرك إنه ... بالردف حمل منك ما لا يحمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وإنما أخذه من قول المتنبي: أعارني سقم عينيه وحملني ... من الهوى ثقل ما تحوي مآزره قال ابن بسام: وهذا الباب واسع الميدان، متلف الأغصان، وإنما ألمع مع كل معنى بيسير، وأثير حصاة من ثبير. وقول أبي القاسم المذكور: " على زيدها وعلى عمرها " من الكنايات المختارة، والسامع يفهم الإشارة، وإنما نبهته على هذا التعريض، وأرته كيف يأخذ في هذه العروض، إحدى من جاهرت بالصبوة، وتجاوزت طلق الجموح في ميدان الشهوة فقالت: إن ضم قضقض، وإن دسر أغمض، وإن أخل أحمض. وقال أبو القاسم من أخرى: وخشفية الألحاظ والجيد والحشا ... ولكن لها فضل القبول على الخشف ثتنى على مثل العنان إذا التوى ... وقد عقدوها للفسوق على النصف وليس كما قال الجهول تقسمت ... فبعض إلى غصن وبعض إلى حقف ومنها: سعت في سبيل الفتك والفتك بيننا ... إشارة لحظ تنسخ النكر بالعرف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 ومنها: وما شئت من عض الحلي ورضه ... وما شئت من صك الخلاخل والشنف قوله: " خشيفة الألحاظ " معنى مشهور، ومنه قول مجنون بني عامر: أيا شبه ليلى لا تراعي فانني ... لك اليوم من وحشيةٍ لصديق وقوله: " وما شئت من عض الحلي " ... البيت، كقول الآخر: باعتناقٍ يذوب منه حصى اليا ... قوت ضما وتطمئن النهود وقال أبو بكر الداني: ضممتها ضم مشتاقٍ إلى كبدي ... حتى توهمت أن الحلي ينكسر [30ب] وقال ابن عمار: ضماً ولثماً يغني الحلي بينهما ... كما تجاوب أطيار بأطيار وقوله: " وما شئت من صك الخلاخل بالشنف " فانه صك به وجه بعض أهل عصرنا حيث يقول: وجمعت بين القرط والخلخال ... ومن مجون ابن الأبار قوله مما يضارع ما تقدم: زارني خيفة الرقيب مريبا ... يتشكى القضيب منه الكثيبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 رشأ راش لي سهام المنايا ... من جفونٍ يصمي بهن القلوبا قال لي: ما ترى الرقيب مطلاً ... قلت ذره أتى الجناب الرحيبا عاطه أكؤس المدام دراكاً ... وأدرها عليه كوباً فكوبا واسقنيها بخمر عينيك صرفاً ... واجعل الكأس منك ثغراً شنيبا ثم لما أن نام من نتقيه ... وتلقى الكرى سميعاً مجيبا قال لا بد أن تدب إليه ... قلت أبغى رشاً وآخذ ذيبا -! قال فابدأ بنا وثن عليه ... قلت كلا لقد دفعت قريبا فوثبنا على الغزال ركوبا ... ودببنا إلى الرقيب دبيبا فهل آبصرت أو سمعت بصب ... محبوبه وناك الرقيبا قال ابن بسام: ولقد ظرف ابن الأبار واستهتر ما شاء وندر، وأظنه لو قدر على إبليس الذي تولى له نظم هذا السلك، وأوطأ له ثبج هذا الملك، لدب إليه، ووثب أيضاً عليه، وأبو نواس، سهل هذا السبيل للناس، حيث يقول: نكنا رسول عنانٍ ... والرأي فيما فعلنا فكان خبزاً بملحٍ ... قبل الشواء أكلنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 ومن أناشيد الثعالبي: لي أبر أراحني الله منه ... صار همي به عريضاً طويلا نام إذ زارني الحبيب عناداً ... ولعهدي به ينك الرسولا حسبت زورةً لشقوة جدي ... فافترقنا وما شفينا غليلا وقرأت في بعض الملح خبراً له بهذا الموضع، بعض موقع؛ قال بعضهم: مشيت فإذا أنا بصديقٍ من أهل اليسار خارجاً من دار بغي، فقلت له: أيكون عندك أربع حرائر، وأكثر من ستين سرية، وتأتي مثل هذه الدنية -! فقال: اسكت. مثل الكلب ينابح من طرأ عليه ولا يتعرض لمن اختلط به. وقد قلت إن الحسن بن هاني، أكثر من هذه المعاني، حتى منعه الأمين محمد بن هارون عن ذلك؛ وله في وصف الشراب، وما يتعلق بهذه الأسباب، شعر كثير، كقوله: قد هجرت المدام والندمان ... وتمتعت ما كفاني زمانا ونهاني خليفة الله أن لا ... أقرب الخندريس والغلمانا [31أ] وخشيت الهلاك إن لم أطعه ... ودعتني نفسي إليهم عيانا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وغزال سقيته الراح حتى ... أضعفت منه مقلةً ولسانا قال: لا تسكرنني بحياتي ... قلت: لا بد أن ترى سكرانا إن لي حاجةً إذا نم - ... ت فإن شئت فاقضها يقظانا فتلكا تلكؤا بانخناثٍ ... ثم أصغى لما أردت فكانا واشتهار شعره، يمنعني من ذكره. وممن سلك أيضاً هذه السبيل من الشعراء المجاهرين بالمجون، الناطقين بألسن الشياطين، الفرزدق، بقوله: هما دلتاني من ثمانين قامةً ... كما انقض باز أفتخ الريش كاسره وهو قصيد مشهور، وقد عيره به جرير فقال: تدلى ليزني من ثمانين قامةً ... وقصر عن باع العلا والمكارم ومن محاورات امرئ القيس التي تقدم الناس فيها قوله: تقوله وقد جردتها من ثيابها ... كما رعت مكحول المدامع أتلعا وعيشك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا وزاد فيه ابن أبي ربيعة فقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 ناهدة الثديين قلت لها اتكي ... على الأرض في ديمومةٍ لم توسد فقالت على اسم الله أمرك طائع ... وإن كنت قد عودت ما لم أعود وذكرت بقوله: " على اسم الله " ما أنشده ثابت في كتابه " في خلق الإنسان " مما له بهذا بعض تعلق: تقول إذ أعجبها عتوره ... وغاب في كعثبها جذموره أستقدر الله وأستخيره ... وقال أبو نواس أيضاً: فبتنا يرانا الله شر عصابةٍ ... نجرر أذيال الفسوق ولا فخر وهو القائل: عصابة شرٍ م تر الدهر مثلهم ... وإن كنت منهم لا برياً ولا صفرا إذا ما أتى وقت الصلاة رأيتهم ... يحثونها حتى تفوتهم سكرا وقال والبة بن الحباب: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 قلت لندماني على خلوةٍ ... أدن كذا رأسك من رأسي ونم على جنبك لي ساعةً ... إني امرؤ أنكح جلاسي وقال سحيم: وبتنا وسادانا إلى علجانة ... وحقف تهاداه الرياح تهاديا توسدني كفاً وتثني بمعصم ... عليّ وتلوي رجلها من ورائيا [31ب] وممن كنى ولم يصرح ابن المعتز بقوله: وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر قال ابن بسام: والباب طويل والاكثار مملول، وتتبع كل معنىً يعترض، يخرج بي عن الغرض، فإن سكت فترفيهاً، وان ألمعت بشيءٍ فدلالةً على الأدب وتنبيهاً. سائر أشعار ابن الأبار في أوصاف شتى غني يوماً بشعر ابن الرومي حيث يقول: وحديثها السحر الحلال لو أنه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز فسأله الوزير الشيخ أبو الوليد ابن المعلم الزيادة فيها، فقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 راق الرياض بزهره وبزهوه ... فتحيرت في معجبٍ بل معوز عاقرت من طربٍ عليه عقارةً ... صفراء تعزى للنحول وأعتزي لكن تميز في الكؤوس بنورها ... وبهائها، وبقيت غير مميز وقال: نطق العود فعاتب من نطق ... واصطحبها مزةً أو فاغتبق لا تدعها قهوةً كرخيةً ... لم يدعها نوح إذ خاف الغرق خلتها في كأسها إذ شعشعت ... شفقاً تلبس أثواب الفلق قهوة رقت وراقت كأبي ... عمرو الرائق خلقاً وخلق حاجب ما إن ثنى أنمله ... بالعطايا والمنايا تندفق هو والإفضال روض وصبا ... هو والعلياء عقد وعنق هو والأملاك إن قيسوا به ... مهيع بين بنيات الطرق قوله: " لم يدعها نوح " أشار إلى ما روي في بعض الأحاديث: إن الشجرة التي أكل آدم عليه السلام منها في الجنة المنهيّ عنها شجرة العنب. وروي أيضاً أن نوحتً عليه السلام لما نزل عن السفينة نازعه إبليس أصل العنب، فاصطلحا على أن لنوح الثلث، ولإبليس الثلثان، وإلى هذا أشار يوسف بن هارون الرمادي بقوله، وهي من ملحه: أفي الخمر لامت خلتي مستهامها ... كفرت بكأسي أن أطعت ملامها لمحمولةٍ في الفلك من جنة المنى ... قد أوصي نوح غرسها وضمامها فخادعه إبليس عنها لعلمه ... بها فرأى كتمانها واغتنامها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 ففاز بثلثيها ونوح بثلثها ... ولولا مغيبي عنه لم يك رامها له حظ أنثى وهو حظ مذكر ... قليل لعيني أن تطيل انسجامها وإنا لوراث، وقد مات جدنا ... غبيناً، وإنا لا نجيز اقتسامها ومن قصائد ابن الأبار الطويلة في المدح له من قصيدة في إسماعيل [32أ] بن عباد قال فيها: حييت من برق يجن جنانه ... وجداً إلى أهل الدخول دخيلا كالأته سهراً وبات مكالئي ... حتى رأيت اللحظ منه كليلا والصبح يشهر من سناه صوارماً ... والليل يرفع من دجاه سدولا وكأن جنح الليل طرف أدهم ... متضمن من صبحه تحجيلا وكأن غائرة النجوم بأفقها ... عن وجهه تغضي عيوناً حولا وكأنما الجوزاء إذ بصرت به ... ألقت إليه نطاقها محلولا عذلوا ولو عدلوا أو اسطاع الهوى ... نطقاً لكان العاذل المعذولا لا تكثروا فالحب في حوبائه ... كالحمد في أسماع اسماعيلا ملك إذا الهبوات أظلم جنحها ... في معرك جعل الحسام دليلا راعت وقائع بأسه حتى لقد ... ترك الحمام بنفسه مشغولا إن كانت الأسد الضواري لا تخا ... ف صياله فلم اتخذن الغيلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 إن كانت البيض الصوارم لم تهم ... في حبه فلم اكتسبن نحولا لم يبتسم ثغر الحجابة زاهياً ... حتى غدا لجبينها إكليلا لو تخفر العشاق بيض سيوفه ... لم يتركوا عند العيون ذحولا وما أحسن قول (أبي الفضل ابن شرف) : لم يبق للظلم في أيامهم أثر ... إلا الذي في عيون الغيد من حور وقال المتوكل بن الأفطس في صفة سيفٍ وأخبر عنه: لولا الفتور بألحاظ الظباء إذن ... لقلت إني أمضي من ظبا الحدق ومن قصيدة ابن الأبار: غضوا الملاحظ إن نور جبينه ... يعشى العيون ويبهر المعقولا ولقد خشيت على الثرى وعلى الورى ... لما دنوا من كفه تقبيلا هل كان يعصم منه إلا عفوه ... لو أن أنمله جرين سيولا الأديب أبو الحسن علي بن حصن الاشبيلي من مشاهير شعراه المعتضد أيضاً، أحد من راش سهام الألفاظ بالسحر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 الحلال، وشق كمائم المعاني عن أبين من محاسن ربات الحجال، بين طبع أرق من الهواء، وأعذب من الماء، وعلمٍ أغزر من القطر، وأوسع من الدهر، إذا ذكر شعراً ظن أنه صانعه، أو ديواناً توهم أنه مؤلفه وجامعه واني لأعجب من قومٍ من أهل أفقنا لم يعرفوه ولم ينضفوه، فأضربوا عن ذكره، وزهدوا في أعلاق شعره، ولعلهم حاسبوه بخزعبلاتٍ كان يعبث بها بين مجونه وسكره، وهيهات فضله أشهر، وإحسانه أكثر، ولو تأملوا قوله من قصيدة في إسماعيل بن عباد: [32ب] بكرت سحرةً قبيل الذهاب ... تنفض المسك عن جناح الغراب وقوله على أنها من عبثاته: عليّ أن أتذلل ... له وأن يتدلل خد كأن الثريا ... عليه قرط مسلسل لعلموا أنه رأس الصناعة، وإمام الجماعة. ولما هيت المعتضد بأبي الوليد بن زيدون فانحط في حبله، وتولى إلى ظله - حسبما قدمت ذكره في أخباره من القسم الأول - أفرج له عن صدر النادي، وخلى بينه وبين بحبوحة الوادي، وهو يظن أن سيجري بالخلاء، ويستولي على حمل اللواء، فانتحاه من ابن حصن هذا شيطان مريد، وطلع عليه منه رقيب عتيد، وطفق ينازعه الراية، ويسابقه إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 الغاية، وإن كان أبو الوليد ربما غمره بمكانه، وتمكنه من سلطانه. وكان المعتضد، لشذوذ مناحيه، وفضل عربدة كانت فيه، ربما أغرى بينهما إذا اجتمعا في مجلسه، فيتمكن لابن حصن التقدم عليه، بسعة ذرعه، ورضاه بالعفو من طبعه؛ وكان ابن زيدون قد جرى من الكلام إلى غاية لا يتعداها، ولا يرضى من نفسه إلا بلوغ أقصاها، ولا يمكنه ذلك منها إلا في مهلةٍ طويلة، وعلى كلفة ثقيلة، فربما كبا جواده، وتأخر مراده، ولم يزل الوليد يطرق ويحلم، ويسدي في أمره ويلحم، وابن حصنٍ يغتر ويقدم، ففاز ابن زيدون بحمله وتوقره، وهوى نجم ابن حصنٍ بين اغتراره وتهوره، فزلت قدمه، وطاح دمه، في خبر مشهورٍ مذكور، " وعند الله تجتمع الخصوم " واليه ينتهي الظالم والمظلوم. جملة من أشعاره في صفات مختلفة قال: ألا قل لبدر الدجى ما عداه ... مما بدا من نوال نوى لي وهات اشفين غلتي بالمدام ... فإن بنات الدوالي الدوا لي وقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 ورب شعلة نار ... شفيت منها أواري أليس ذاك عجيبا ... يطفى الغليل بنار -! كأنما عصرت من ... شقائق الجلنار إذا بدت لك في قط ... عة من البلار حسبتها شفقا ص ... ب في زجاج نهار وقال: قم يا غلام فسقنيها واطرب ... واشرب عتبت عليك إن لم تشرب من قهوة صفراء ذات أسرة ... في الكأس تأتلق ائتلاق الكوكب خضبت بنان مديرها بشعاعها ... فعل العرارة في شفاه الربرب وقال: مالي وللراح وأخلاقها ... ولائمي فيها لإخلاقها هات اسقنيها الآن تبرية ... تحكي سنا الشمس بإشراقها راح متى راحت بكفي فقد ... قامت لي الدنيا على ساقها وقال: ولي نديم راقد ليله ... أعدى من الحين على الأنفس نادى به مازحنا في الدجى ... والورد مقرون مع النرجس قلت له: دعه فلا بد من ... نيلوفر في وسط المجلس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 وقال: قد شغل الناس بذكري وما ... شغلي إلا الكأس والآس ماذا على الناس من الناس ما ... أحمق بعض الناس يا ناس [33أ] ومن مستظرف مجونه قوله: بأبي ظبي صغير الس - ... ن حازت ثلث سني سرني أن ليس يدري ... مذهبي فيه فني فهو يدعوني عماً ... وأنا أدعوه يا ابني ذاك عندي وأبي أطر ... ف ما مر بأذني قلت لما أن بدا لي ... وجهه (من) تحت بطني قال ماذا قلته لي - ... قلت خيراً فيك أعني أنا صب فيك ميت ... فاتق الله وصلني لست أخشى الموت إلا ... خوف أن تبعد عني فاكتست وجنته رو ... ضة وردٍ فتنتني لو ترى مجلس لهوي ... قلت ذا جنة عدن ومدامي خندريس ... لم يشبها ماء مزن لو تراني قلت هذا ... ملك ماذا ابن حصن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 ومعي مسمعة تش - ... رب كأساً وتغني وإذا ما شربت كأ ... ساً من الراح سقتني قهوتي خمرٍ وعينٍ ... بهما قد أسكرتني قلت للمازج خذ صا ... فيةً منها ومني فاسقينها بكبير ... فإن آعيا فبدن فلقد شاق فؤادي ... رنة العود المرن فتساقينا إلى أن ... جاز جوز الليل عني قمت نشوان وقامت ... في تهادٍ وتثني ونضت عنها قميصاً ... ثم لما ضاجعتني قلبت بطناً لبطنٍ ... قلت لا ظهراً لبطن فانثنت في خجلٍ قا ... ئلةً عند التثني أنا حانوت بوجهين ... فلط إن شئت وازن لم أنل من كل ما فهم - ... ت به غير التمني إنما الشعر فكاها ... ت وحسبي حسن ظني قوله: " قلت لما أن بدا لي وجهه " ... البيت، مما أراد أن يصهل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 فيه فنهق، وأن يتغزل فزلق، وإنما أراد قول عمر فقصر، وما أورد ولا أصدر، حيث يقول: قلت يوماً لها وحركت العو ... د بمضرابها فغنت وغنى ليتني كنت ظهر عودك يوماً ... فإذا ما احتضنته كنت بطنا فبكت ثن أعرضت ثم قالت ... من بهذا أتاك في اليوم عنا قلت لما رأيت ذلك منها ... بأبي ما عليك أم أتنمى وقال ابن حصن: أمت إليه فما يسعف ... وأشكو جفاه فما ينصف غزال كحيل له ريقة ... يشاب بها المسك والقرقف كأن العذار على خده ... نجاد ومقلته مرهف وهذا كقول ابن رشيق القيرواني، وهو من متداولات المعاني: وهل على عارضيه إلا ... قلائد قلدت حساما وقال في الشقر: وبستانٍ أعدت الطرف عنه ... على شقر كمثل لحى الديوك كأن حباب ثاوي الطل فيه ... جمان فوق تيجان الملوك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وقال: شربناها كميت اللون حتى ... رأيت الفجر قد وضع النقابا [33ب] عجوز عتقت حججاً ولكن ... تروقك كلما شابت شبابا وأحسب أنها كانت عقيقاً ... جرت أنفاسنا فيه فذابا وقال: يجحف عنها الدن فاستعبرت ... جرياً كما قوس إكليل كأنها في الكأس مبيضةً ... خيط من الفضة مفتول وقال: طل على خده العذار ... فافتضح الآس والبهار وابيض هذا واسود هذا ... واجتمع الليل والنهار وقد جرى للنعيم فيه ... ماء بأحشاي منه نار أقام من فوقه حباب ... يطير من تحته شرار أغض جفني عنه لأني ... عليه من مقلتي أغار رشا أعار الغزال لحظاً ... فحسنه منه مستعار شربت من خمر مقلتيه ... كأسين لي منهما خمار متى أرم سلوةً نهاني ... غنج بعينيه واحورار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 عذاره قائم بعذري ... فليس لي في الهوى اعتذار حكى غزال الفلا نفاراً ... فشأنه التيه والنفار وكان يوماً على وادي قرطبة في مجلس أنس فتذكر اشبيلية، فقال: ذكرتك يا حمص ذكرى هوىً ... أمات الحسود وتعنيته كأنك والشمس عند الغروب ... عروس من الحسن منحوته غدا النهر عقدك والطود تاجك ... والشمس (في) أعلاه ياقوته وقال: اشرب على طيب نسيم السحر ... وانظر إلى غرة ذاك القمر كأنه ماء غدير صفا ... والمحق فيه مثل ظل الزهر ومنها: أنشدكم شعري كمن قد قرا ... سورة ياسين على من كفر في نفر أستغفر الله بل ... في بقر لولا اختلاف الصور ما أخرجته من قصائده المطولة في المدح وما يتشبث به قال من قصيدة: وما راعني إلا ابن ورقاء هاتفا ... على فنن بين الجزيرة والنهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 مفستق طوق لازوردي كلكل ... موشى الطلى أحوى القوادم والظهر أدار على الياقوت أجفان لؤلؤ ... وصاغ من العقيان طوقا على الشعر حديد شبا المنقار داج كأنه ... شبا قلم من فضة مد في حبر توسد من عود الأراك أريكة ... ومال على طي الجناح مع النحر ولما رأى دمعي مراقا أرابه ... بكائي فاستولى على الغصن النضر فحث جناحيه فصفق طائرا ... فطار فؤادي حيث طار ولا أدري ومنها في المدح: جواد يرى أن العلا خير ما اقتنى ... وأن ادخار الحمد من أفضل الذكر يرى أنه عريان من كل ملبس ... إذا لم يكن يختال في حلل الشكر طموح إلى العلياء كاس من التقى ... غضيض عن الفحشاء عار من الوزر يروقك منه خلقة وخليقة ... متى شئت إطراء أرتك بما تطري وهذا مما ذهب به مذهب أبي الطيب وقصر عنه: وأخلاق كافور إذا شئت مدحه ... وإن لم أشأ تملي علي وأكتب وقال من أخرى: أقام قناة الدين واقتعد العلا ... وشد عرى الإسلام واخترم الشركا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 يضيق الفضا عن أن يكون لبانه ... وتدنو الثريا أن تكون له سمكا أدرت وقد دارت رحى الحرب عزمة ... أبادت ذوي الشحناء صولتها هلكا فآبوا وسمر الخط سائلة دما ... وأجسامهم ينضحن من صدأ سهكا قبائل ما انفكت تغادر في العدا ... وقيعة غسان غداة غزت عكا ومنها في الحرباء: تظل ترى الحرباء فيها مرفعا ... يدي كاتب ما زال يدعو وما انفكا قال ابن بسام: وقد أكثر الناس في وصف الحرباء وانتصابها، وكنوا بكل شيء عن تلونها وانقلابها، فممن أحسن في التشبيه، وذهب بهذا المعنى مذهبا من الحسن لا شك فيه، ابن الرومي بقوله: ما بالها قد حسنت ورقيبها ... أبدا قبيح، قبح الرقباء ما ذاك إلا أنها شمس الضحى ... أبدا يكون رقيبها الحرباء وقال ابن بابك في غير هذا المعنى، ولكنه في ذكرها معه التقى: بغرة كشعاع الشمس لو برزت ... في ظلمة الليل للحرباء لانتصبا ونقله بعض أهل عصرنا فقال في صفة بيداء: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 يبيت حرباؤها ضحيان منتصبا ... وإن أظل فلم ينظر إلى نور وقال: بحيث ترى الحرباء بالشمس كافرا ... ولو أنه جاءته من جنتي عدن ولو يستطيع التف في ظل عوده ... على وشك ما يعني وقلة ما يعني وقال أبو العلاء: أوفى بها الحرباء عودي منبر ... للظهر إلا أنه لم يخطب فكأنه رام الكلام ومسه ... عي فأسعده لسان الجندب وقال أيضاً: وساحرة الأقطار يجني سرابها ... فتصلب حرباء بريا على جذع وقال عبد الجليل المرسي: بقلب كحرباء الظهيرة لا يني ... مع الشمس من ذاك الشعاع يدور وأرى أول من ذكرها ذو الرمة في قوله: غدا أكهب الأعلى وراح كأنه ... من الضح واستقباله الشمس أغبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وقال ابن حصن من قصيدة أولها: أعاجوا المهارى بالعقيق فمنعج ... وأوضح منهم توضح كل منهج [34 ب] على نؤي دار الركب عرج فإنه ... حرام علينا السير إن لم نعرج على نؤي دار قد تبقى كأنه ... وقد مح منه شطره نصف دملج ومنها: بعيدة مهوى القرط مصمتة البرى ... لطيفة طي الكشح ريا المدملج تعض على العناب بالبرد الشهي ... وتمسح ماء الطل فوق البنفسج جلت بعقيق جوهرا فتبسمت ... وذبت عن الورد الندي بصولج ومنها: فقلت صلي قد ضقت ذرعا بهجركم ... فقالت صه قد ضقت ذرعا بدملجي وهذا المعنى مشهور، هو في شعرهم كثير، إلا أنه غوره وأبعده، وأوعر لفظه وعقده، والذي إليه أشار، وعليه دار، قول أبي تمام: يعيرني أن ضقت ذرعا ببينه ... ويجزع أن ضاقت عليه خلاخله ومن مدح هذه القصيدة: جزيل التقى يمشي الهوينا تواضعا ... ويهتز إعظاما له كل خنج الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 وهذا المعنى مما ركب فيه ابن حصن رأسه وحكم هواه، والمعنى مشهور في من وصف بالنسك ومدح بالانسلاخ عن أبهة الملك، ومن ذلك ما قال أبو تمام: يقول فيسمع ويمشي فيسرع ... ويضرب في ذات الإله فيوجع ورأت عائشة رضي الله تعالى عنها رجلا ناسكا يداني الخطى ويخفض الصوت فقالت: ما بال هذا - قيل: هو ناسك، قالت: عمر والله كان أنسك منه، ولكنه كان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب في ذات الله أوجع، وأبو تمام بهذا الكلام ألم، وبه ترنم. وفي الحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ كأنه ينحدر من صبب. وقال من أخرى: خليلي من يضحي إلى البدر شافعي ... فما لي على وجدي به من تبصر يعز على واديهم أن أزورهم ... فلا يردون الماء غير مكدر وما شفني واد تضوع عنبرا ... سواه ولا ماء يشاب بسكر تدرج عطفيه الرياح فينثني ... تثني أعطاف النزيف المخصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وإلا فلي منهم بمنعرج اللوى ... علائم لا تخفى على المتبصر معرس صيدان وأعطان بزل ... ومسرح غزلان وآري ضمر معاهد لم أعهد بها علل الصبا ... ثمادا وفينان الهوى غير مثمر وصلت بها عيشا كأني قطعته ... على ظهر خوار الجديلين مجفر فكم غمرة جلى شكرت لها الدجى ... وعنفت أوضاح الصباح المشهر وما استيقظت إلا لقرع حجالها ... وجرس جربان الحسام المفقر وقالت: هو الهيمان ما باله انتهى ... ومن دوننا أهوال بيد ومعشر إلى كم أناجي كل أبيض صارم ... هوى كل أحوى بالصريمة أحور وحتام أستدعي الظبا سلما إلى ... لقا كل ظبي بالسماوة أعفر [35 أ] ومنها: تحامى هداجا بالظبا كل هودج ... له واشتجارا بالقنا كل مشجر وقائع تغتال النفوس كأنها ... وقائع عباد لدى كل عسكر فتى كفرند السيف أرهف حده ... يهولك في مرأى نبيل ومخبر أخو الحرب مشاء إليها ترهوكا ... إذا سهك الأبطال تحت السنور إذا شهد الهيجا فأول مورد ... حرائبها علا وآخر مصدر يفاجيك عفوا منه جود بنانه ... بأغدق من صوب الغمام وأغزر ويغشاك دون الستر نور جبينه ... بأشرق من ضوء الصباح وأنور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 تكفكفت الأبصار عنه بمؤدم ... أغر طليق الوجه أروع مبشر مقابل أطراف العمومة مخول ... مقدس أعراق الأروم مطهر أمستخبري عنه، عن الدهر لا تسل ... فقبلي قد أعيا على كل مخبر أأرقى إلى السبع الشداد تخرصا ... وأنى بما في قعر سبعة أبحر ومنها في وصف قصيدته: تذكرت ليلى للقوافي فلم تزل ... تساعدني عفوا ولم تعتذر فدونك عذراء المعاني ابتدعتها ... عوان القوافي خيرة المتخير إذا ما الرواة استنشدتها تبرقعت ... لها أوجه من حشمة وتغير ومنها في التعريض بابن زيدون: وينكل عنها شاعر المصر كله ... ألا فاضحكن من شاعر المصر واسخر ودونك فاحكم بين نظمي ونظمه ... بذهن ذكي ثم قدم وأخر ولست بكاسيها مدى الدهر حلة ... بنغمة إنشاد ولا بمكرر وما أنت ممن يحمد السيف عنده ... بجودة صقل وهو غير مذكر وله من أخرى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 أبى أبدا إلا اصطحاب ثلاثة ... أبى كرم الأخلاق إلا اصطحابها حسام ويعبوب وسمراء لدنة ... أعارت قلوب العاشقين اضطرابها أجال على الصحراء أجرد سابحا ... فباهى به أعرابها وعرابها طليعة عيني منه أذن حديدة ... أعارته آذان الظباء انتصابها شكت ظلمه ظلمان كل مفازة ... وعاقب فيها ذيبها وعقابها وصاغ من الإكليل حليا لنحره ... وأما الثريا فازدادها وعابها أصرف منه في الأعنة بارقا ... وتحتسب الجوزاء رجلي ركابها ومنها: أحن إلى البرق اليماني إذا انتحى ... لأن إلى البرق اليماني انتسابها متى حسب الأملاك من كل أمة ... عقدنا بعباد الحسيب حسابها [35 ب] به نسخت أيدي الليالي ملوكها ... وكانوا خطاياها فأضحى صوابها وقال من أخرى: جفا الأبردين الماء والظل وارفا ... وهجر يجتاب البلاد تنائفا معنى بأحباب يسائل عنهم ... مرابع أقوت بعدهم ومصايفا ثنى ذكره المثنى مخايل دمعة ... هواتن تمريها الحمام هواتفا أسى بالتي من أجلها اقتحم القنا ... لفائف واجتاب البلاد نفانفا محش وغى وراد ما حمت القنا ... ورود كمي لا يهاب المتالفا تبوأ أفياء القنا وكفى بها ... طرافا ومسرود الحديد مطارفا ومنها: وأبيض مهو لم تجده إذا انتمى ... إلى الشرف العادي يعدو المشارفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 أعارته أنفاسي التهاباً ورقرقت ... عليه جفوني موج دمعي ذارفا وراق العذارى حسنه فأعرنه ... دماج خصورٍ وائتلاف سوالفا تخال مذاب التبر فوق لجينه ... سواكاً بأفواه الكواغب لاصفا ومنها: يذكرني البرق اليماني إذا انتحى ... لدى الهز برقاً من حفافيه خاطفا على عاتقي ثهلان منه غمامة ... إذا أسدف الليل استهلت سدائفا ومنها: سقى عهدها بالخيف غادٍ ورائح ... وأيامنا بالجزع منه السوالفا فكم ليلة نازعت كف المنى بها ... جنى الوصل حلو الطعم والعيش غاضفا معاهد أستسقي لها أنجع الحيا ... وفاءً وأستصحى الدموع الذوارفا تحملني ما لا أطيق وطالما ... عرفت صبوراً في الملمات عارفا بما بيننا ما بال قلبك لا يرى ... على عطفك المضني بردفك عاطفا رويدك بالغصن الخضيد فإنها ... روادف يتركن الجبال رواجفا وفكي أسيراً من ثقافك إنها ... مضارب ألحاظ بهرن المثاقفا إذا جن ليل أو ترنم طائر ... حسبت به طيفاً من الجن طائفا طوى نحوك الأجزع يرعى خلالها ... صفائف والأجزع تندى صفاصفا تبدل من ريح القرنفل بالضحى ... ذواري من أرواحها وذوارفا ومن فدن غنته شدواً قيانه ... ثقائل من ألحانها وخفائفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 وبالرمل مرتجاً وبالبان مائسا ... روادف يملأن الملا ومعاطفا وبالنفس النفاح من نحو أرضهم ... غوالي يلقين الرياح غوالفا وبالأمل [الملقي] بأطرافه على ... أبي عمرو الأعلى تليداً وطارفا فتىً ترد الأملاك سدة بابه ... كما ترد الماء الحمام عوائفا تخالهم من كل شرقٍ ومغرب ... طوائف بالبيت العتيق طوائفا يؤمن بحراً يترك البحر جوده ... غريقاً، وبدراً يترك البدر خاسفا [26أ] مكارم تنبي حد ذهني وتغتدي ... مصابيح فكري في دجاها توالفا نماه إلى العلياء كل مدججٍ ... يراح إلى المعروف جذلان عارفا وآساد آجام تهب رياحهم ... غداة الوغى في الناكثين حراجفا إذا ما انتضوا بيض السيوف حسبتهم ... شموس ضحىً تبدي بروقاً خواطفا يهزون بالسمر اللدان أشجعاً ... عواري بالطعن التؤام عوارفا ترى البشر منهم في صحائف أوجه ... قرأنا عليها للنجاح صحائفا يصونون أحسابا كراماً وأوجهاً ... حساناً وأحلاماً حصاناً حصائفاً تلافي هضيم المجد فاخضر عوده ... ولولا تلافيه لأصبح تالفا إذا جمدت كف الكرام عن الندى ... وخلفها مر السنين جلائفا وجدت أبا عمرو على كل حالةٍ ... جواداً بما يحويه سمحاً ملاطفا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وأصبحت للدنيا وللدين كالئا ... وللمجد والعليا وللملك كانفا رمتني صروف الدهر خيفا عيونها ... فأمنتني منهن ما كنت خائفا وأصلحت أحوالي وكن فواسدا ... وأحييت آمالي وكن توالفا وأوردتني صداء ودك سلسلا ... وأرعيتني سعدان برك وارفا وأرضت أطماعي وكن خشاشيا ... وجددت آمالي وكن خشائفا وإني وإن أحكمت نظم جواهر ... وألقاك منها بالنفيس متاحفا لملق سبيك العسجد المحض منك في ... يدي صيرفي يسترك الصيارفا وأنشدك السحر الحلال مخاطرا ... كمن قلد الليث المهيج مواقفا وأجنيك من شكري بورد مضاعف ... وودي فتعطيني العطاء مضاعفا وتمنحني بده الكريم وتارة ... تجازي بإطرائي فتعطي مجازفا وله من أخرى أيضاً: عل الظن أني عنك سال ولم أكن ... سلوت ولكن عن صبوح أرقق ومن فرقي لا تعجبي وتعلمي ... بأني ملدوغ من الحبل أفرق وإني وإن عاقت عوائق دوننا: ... رقيب عتيد أو فراق مفرق ليذكرنيك المسي والصبح والدجى ... وجوز الضحى، كل إليك مشوق مشم ذكي عرفه، ومقبل ... شهي، وصدر ناهد، ومعنق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 وخد غدا يستغفر الله كلما ... تخلله لحظي يعيث ويفسق يخادعه مكرا فيحسب أنه ... يناجيه سرا وهو يزني ويسرق وليل زمان الوصل منك لحقته ... بيوم به كل الأماني تلحق نرقرق من نظم الكلام ونثره ... سلافا تسقاها الجرشى وتغبق حديثا كعرف العنبر الورد بيننا ... مع المسك مفتوقا يذر ويسحق [36 ب] جلت وهي عبرى عن محيا نقابها ... كما انحل خيط المزن والشمس تشرق تكاد بلحظ الوهم تندى غضارة ... وتعقد لينا بالبنان وتطلق ومما يغيظ الخيزرانة أنها ... بعقدتها فوق الحشا تتمنطق إذا طفقت تمشي الهوينا تهاديا ... كما انساب مشحونا على الماء زورق أرتك الهوى رشدا ولم تعد أنها ... أراك على وعساء بالحلي تورق وإن سفرت تفتر عما بجيدها ... وعن مثل ما تفتر من ذاك تنطق سمعت قلوب العاشقين كأنها ... بنود أبي عمرو مع الريح تخفق مليك له مرأى جميل ومخبر ... نبيل وفعل مستطاب ومنطق تلوذ بحقويه الملوك كأنها ... كواكب بالشمس المنيرة تحدق إذا صال كاد النجم من شد صوله ... يخرق جلباب الدجى ويمزق وإن لقي الأعداء ولت كأنها ... بغاث رأت في الجو صقرا يحلق له من نبيل الرأي سيف وذابل ... ومن حزمه درع حصين ويلمق ذكي إذا حاك الكلام رأيته ... يصمم في أوصاله ويطبق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 يشقق أبكار المعاني كأنها ... جيوب بأيدي الثاكلات تشقق يطيب نسيم الشعر من طيب ذكره ... وتعذب أفواه الرواة وتعبق متى حكمت فيه الشعر بت وليلتي ... من الروضة الغنا أنم وأعبق به دمر الرحمن دمر وانطوى ... بنو يفرن أعدى الأعادي وأمرق ومن آل يرنيان أنكث أمة ... لعهد وميثاق وأغوى وأفسق ثلاثة رهط بدد الله شملهم ... أثافي كانوا للفساد ففرقوا وصيرهم قبل انقاضء حديثهم ... حديثا به ظهر الجدالة يخرق وكل غدا رهنا بما كان عاملا ... وكل على ما خيلت سوف يغلق فأشكل ملبوس تخيرته لهم ... جوامع أغلال بها يتأنق وأفضل مركوب عليه حملتهم ... أداهم إلا يعنقوا ليس تعنق هم وردوا الحوض الذي عنه ذدتهم ... ووارد ذاك الماء لا بد يعلق هم نقضوا ميثاق عهدك عنوة ... فأوثقهم في بقة الأسر موثق هم أنضجوا ذاك الشواء فرمدوا ... وهم طبخوا ذاك القديد فأزعقوا ومنها: بمعتضد بالله أشرقت الدنا ... وأطلقها من ربقة الجور مطلق ورقت حواشي الدهر حتى كأنها ... رداء عروس بالعبير مرقرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 ومنها: لأغرقتني من أن أكون بشكرها ... أقوم، على أني أقوم فأغرق ولو كل عضو في أو كل شعرة ... بجسمي لما أوليت بالشكر تنطق [37 أ] أتتني يد بيضاء منك كأنها ... سنا الصبح تجلو الهم والصبح مشرق ومشتاقة عذراء شد خناقها ... ولم أر عذرا مثلها كيف تخنق عليها من اسم الملك عقد منظم ... ومن خاتم الملك اليماني بخنق تلاقيتها بشرا ملاقاة شيق ... إليها فقل إلف تلقاه شيق أقبلها طورا وطورا أضمها ... إلى كبد تحنو عليها وتشفق إلى أن تشفينا عناقا وخفت أن ... يضر بها ذاك الرباط المخنق قطعت عليها عقدها فتناثرت ... دنانير أمثال الكواكب تشرق كحلت بها حولاء عيني فاغتدى ... بها حور يزهي العيون ويونق ومنها في ذكر قصيدته: وأيقظت أفراخي لها فتطايروا ... سرورا بآباط علي تصفق فيا لك من لهو وطيب وفرحة ... ويوم سرور حسنه متألق لو أن جريرا والفرزدق أنشدت ... لأدى جرير حقها والرزدق وهن وإن كانت قوافي تنتقى ... جبال بإجهاد القرائح تنتق وله فيه من أخرى: وليل كأكباد العداة وصلته ... بنوم كسا الآفاق منه وصائل ويوم عماسي بليل ذعرته ... كما فاجأ الرعديد في الحرب باسلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وجرية ماء كالمجرة جللت ... من البرك بدورا كواملا تشادي به ورق الحمائم بالضحى ... بلابل يبعثن الأسى والبلابلا ومنها: أحمج شري الخطب جروا ومخطبا ... وألمج بنت الدهر جداء حافلا وألقى بأمثال الخطوب خطوبها ... من الهمة الطولى تليلا وكاهلا ومن يشك ما أشكو إلى نصب السرى ... من الراحة استمرى السموم القواتلا ومن يرج عباد بن عباد الرضا ... رجائي لم يلق الليالي خاملا فتى تدري الهيجاء أرواقها به ... على نكل حرب لا يرى الدهر ناكلا وتسفر منه المشكلات نقابها ... إلى فيصل يستشعر القول فاصلا وما أصعب الأشياء حتى يرومها ... برأي يريه آجل الأمر عاجلا يذل له الأمر العسير فكاد أن ... يكلفه أن يرجع العام قابلا ومنها: وطوقني دون السؤال اهتباله ... أيادي حلتني وقد كنت عاطلا فأينع لي ما جف من عود مطلبي ... وعاد أجاجي منه عذبا سلاسلا تراسل في الجلى أسرة وجهه ... نجيعا وطورا سؤددا وطوائلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 يد تسع الدنيا بما وسعت ولا ... أحاشي بهابرا بحرا وسواحلا [37 ب] يقل أبان أن يرى فص خاتم ... لها والبحور الزاخرات أناملا أمستوصفي عنه ابن بجدتها أجل ... لقد جل عن وصفي علا وفواضلا مساع إذا ما الوصف حاول بعضها ... ذهبن به في كل واد محاولا خلعن على سحبان حلة باقل ... فساوى بها سحبان في العي باقلا سوى العجز لا يجدي تناول وصفها ... علي وقولي عزت المتناقلا وإن زمانا جاد فينا بمثله ... جدير بأن يدعى الجواد المناولا فهذا مكان الوصف إن كنت واصفا ... وهذا مكان القول إن كنت قائلا فما يهب الآمال إلا حواليا ... إذا وهب الناس العطايا عواطلا وإن خاتلت أعداؤه أفتا لهم ... بمأقط حرب لم تجده مخاتلا فما ينظم الآراء إلا دآديا ... ولا يبعث الرايات إلا قوائلا ومنها: هم القوم طابوا أبطنا وعمائرا ... وطابوا شعوبا قوبلت وقبائلا ضراغم آجام تهب لدى الوغى ... شمائلهم في المأزقين شمائلا فما حملوا إلا بنصر حمائلا ... ولا عملوا إلا بنجح عواملا ولا ادرعوا غير القلوب سوابغا ... ولا سكنوا غير السروج معاقلا ومنها: ودونكها مصبوحة رسل مقول ... أزف بها بكرا عوانا مراسلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 قوافي أمثال الصخور بعثتها ... قديما على أسماع قوم معاولا حوامل للآمال أجمل من غدت ... مطافيل بالمعنى النفيس حواملا إذا أنشدت في محفل القوم أعربت ... من الغيظ في أضلاع قوم محافلا بيان هو السحر الحلال تجودت ... به فكرة أضحت لبابل بابلا وله من أخرى في إسماعيل بن عباد: هوى بي هوى الغيد الحسان فللجوى ... بكل فؤاد من فؤادي تمكن وزين عندي حلة السقم أنها ... نحور بها زهر الحلى تتزين أما وعيون العين يوم النوى لقد ... سبى قلبي الغصان منهن أغصن أمرضعها كأس الملامة مدمنا ... أقل علي اللوم كم أنت تدمن نفضت يدي عن كل ورد وسوسن ... لخد به ورد أنيق وسوسن وأغضيت إلا أن يلوح لناظري ... محيا به أيقنت أني محين وألعس معسول الثنايا من المنى ... ألذ ومن شمس الظهيرة أحسن حبيب رقيب الحسن فوق جبينه ... يتيه، ومعشوق الملاحة يمجن حشا كحلا عينيه مسك عذاره ... فلاح به وجه من العذر بين سأهواه ما اهتز الأراك وأصبحت ... أنامل إسماعيل بالجود تهتن [38 أ] صقيل فرند السيف يبيض ليله ... إذا اربد من ليل الكريهة موهن تنبل منه كل مرأى ومخبر ... فقد فتنت فيه قلوب وأعين تلين له الأيام وهي شدائد ... وتعنو وجوه الحادثات وتذعن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 فلا تيأسن منه بلين عريكة ... فقد يقطع الصماصم والمتن لين نماه إلى العلياء آباء عزة ... رأى حسن مسعاهم فما زال يحسن ميامن أمجاد مآمين لم تكن ... وقائعهم في كل هيجاء تؤمن ترقرق منهم بالسماحة أوجه ... وتنثال منهم بالفصاحة ألسن كفاهم بإسماعيل مجدا مؤثلا ... وعزا مكينا لا يني يتمكن تظن به في المشكلات كهانة ... وليس كذا لكنه يتظنن توقد ذهن في خمود سكينة ... ذكي كمثل النار في الزند تكمن وله من أخرى: ما بين البين يوم الخوف مذموم ... إلا إشارة عناب وتسليم وآية الحب في الأجفان واضحة ... والستر منتهك والصبر معدوم هي الغزالة لولا ضيق دملجها ... حملتها ضعف ما يلقى بها الريم ومنها: ساروا وقلبي أسير في القباب وقد ... حداهم كل رهو السير مخطوم وفي الغبيط الموشى شادن خرق ... أحوى المحاجر طاوي الكشح مهضوم مخدد الخد بالأوهام ناعمه ... كأنه المحاجر طاوي الكشح مهضوم بدر بديباجتيه عجمتا سبج ... تحفه طرتا ليل وتعميم غصن من الورق الماذي يجذبه ... للين حقف من الكافور مركوم يهدي لك الدر من لفظ ومبتسم ... ضربان منتثر منه ومنظوم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 يجني الذنوب وأحنو أن أواخذه ... من أجل ذلك قيل الحسن مرحوم ما هاج برح الهوى إلا مطوقة ... كأنها من نحول شفها جيم ترنمت ودموع الصب آية أن ... يهل ساجمها بين وترنيم أيا حمامة ذا الوادي أثرت جوى ... تنقض منقدة منها الحيازيم إلا يكن واديا حلت ركابهم ... به وإلا فما واديك مأموم هم أناخوا بجزعيه جمالهم ... وأنهلوا وهن الطلح الهيم [هلم] نسري اعتسافا حيث عن لنا ... منهن وهنا سنا نار وتخييم نغشي بهن بنات الوخد سابحة ... تخدي وقد هم بالسمار تهويم ينضي سرى الليل تأويب النهار ولل ... هجير من لهب الرمضاء تضريم والآل عند هيام القيظ مضطرب ... كأنه في بساط القاع محموم [38 ب] يزاحم الليل والخرقاء موضعة ... والقفر مثل طراد السيف ديموم مزقته وثرياه تلوح كما ... لاحت بأنمل زنجي خواتيم وقد محا سنة البدر الخسوف كما ... محا سنا رونق المرآة تسهيم ومن المدح: حوى من الفخر ما لم يحوه ملك ... وحاز ما لم يحزه العرب والروم أغر مبتهج فاح الزمان به ... كأنما دهرنا بالمسط مرثوم هو الجواد الذي أضحى السماح له ... ريطا كأن العطايا فيه تعليم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 قد كفل الخلق جدواهم فعمهم ... كأنما الرزق من كفيه مقسوم إذا نبا حادث للدهر عن له ... عزم ثنى المتن منه وهو مفصوم يا ها أمية لا تقرب لحمص حمى ... محمد ما تحامى فهو ترخيم كذاك آباؤه الماضون هم أكما ... ت العز ما ظلموا يوما ولا ضيموا إذا نظرت فأشكال البدور وإن ... خبرتهم فهم الأسد الضراغيم نماك للمجد عباد فأنت له ... نجل سمت بكما الصيد اللهاميم هذي الليالي على حكم وإن رغمت ... زمامها بكلا كفيك مزموم ومنهم اوزير الكاتب أبو عمر بن الباجي قال ابن بسام: وكان أبو عمر يوسف بن جعفر المعروف بابن الباجي من بلغاء الكتاب، وأغرب شأو جده الباجي في الولادة كل الإغراب، في صلة حبل البلاغة على جميع كتاب الإسلام، لأنه أنسل أربعة من حملة الأقلام وفرسان الكلام، أولهم جده يوسف، وابنه جعفر بن يوسف، وعبد الله ويوسف ابنا ابنه جعفر، ويوسف هذا هو المكني بأبي عمر. فأما أبوه جعفر فكتب صدر الفتنة المؤرخة أول هذا الكتاب لعدة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 من كبار أملاكها آخرهم يحيى بن إسماعيل بن ذي النون، ولديه توفي بمدينة سالم سنة خمس وثلاثين. وكان أبو عمر هذا إنما تصرف كاتبا، وطلع شهابا ثاقبا، بأفق المشرق، وإنما ذكرته هنا لأن بلده وبلد سلفه باجة، إحدى مدن الجانب الغربي من الأندلس، وقاعدة بلاد ساحل البحر المحيط الرومي. ونقلت ما أثبت في هذا المجموع من رسائل بني الباجي من قراطيس تعاليق، وبطائق وقعت إلي تفاريق، منسوبة لهم في الجملة، وربما اختلطت رسائل الابن والأب لهذا السبب، وهذا الذي أصف وأشرح، مما لا يضر ولا يقدح، لا سيما في رواية حكاية لا يخل بها نسبتها إلى من يحكها، يحكها، وفي نشر نسيجة لا يغض من بهجتها إضافتها إلى من لم يحكها، وإنما هي ملح منثور أو منظوم، وليست بحقائق علوم، فنتكلف في صحة الأسانيد، والفرق بين سعيد وسعيد، والفصل ما بين عبيد وعبيد. وعلى أي حال ورد هذا المجموع، من مجهول أو معلوم، في منثور أو منظوم، فبديع رائق، ومخر إن شاء الله سابق. جملة من رسائله في أوصاف مختلفة له من رقعة عن ابن هود إلى المعتضد: كثرت - أيدك الله - محامدك فصارت زاد الرفاق، وأشرقت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 محاسنك فرمت بساطع نورها إلى الآفاق، ففي كل سبيل طليعة من ثنائك مرحل، وفي كل أفق بريد من أنبائك يتعلل، [39 أ] ولفضائلك المأثورة حملة يتباينون في القدر، ويتفاضلون في النشر، وكلهم موجز وإن حاول أن يطنب، ومقتصد وإن حاول أن يسهب، والله يصون ما ألبسك من المكرمات، ويزيد فيما خولك من الصالحات، بمنه. وأنا لا أزال بفضل خلوصي إليك، وصدق انجذابي لك، وشدة اغتباطي بموهبة الله السنية فيك، مصيخا إلى كل داع بشعارك، وحامل لآثارك، مستهديا لطيب أحاديثك ومبهج أخبارك، فإذا ظفرت بمحدث عنك فقد نلت جذلي، وإذا وقفت على خبر من لدنك فذلك من أملي. وفلان لحق بجهتي، طاعتك، وعنده أوفى بضاعة من رفيع ثنائك، وأحسن إشاعة بجميل أنبائك، وهو الناطق القؤول، والصادق المقبول، فعرض تلك البضاعة الزكية في معرض نفاقها، وقصد بها أقوم أسواقها، وأهدى ذلك العلق السني إلى مستهديه، وأداه إلى يد مقتنيه؛ ولما أن صدر عنها، بعد انقضاء وطره منها، وقد ضمخها بذكرك، وقام فيها بشكرك، تقت إلى مواصلتك معه، وتجديد العهد الكريم على يده، فأصحبته كتابي هذا مخبرا عن مقامه في بث مناقبك، وواصفا لحاله في نشر محامدك، ومحيلا عليه في وصف ودي، والإخبار عما عندي. وله من تعزية إلى ابن أبي عامر في ابنه المعتز: بأي لسان - أيدك الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 أخاطبك مذكرا، أو بأي مقال ألاطفك مصبرا، وقد أذهلتني فجأة الخطب، وتركتني طائر القلب واللب، وقد رماني ساعد الزمان حين رماك، وأصماني سهمه كما أصماك، وثارت إلي فجائعه من حيث ثارت إليك، ودارت علي وقائعه من حيث دارت عليك. ولو كان ما طالعني خطرة حلم، لكفى به داعية بث وألم، فكيف إذا كان يقينا يقطع أمل المؤمل، ويبطل رجاء المرتجي المتعلل -! وورد كتابك الجليل ناطقا بلسان الرزية، مقصدا سهم الفجيعة في المعتز بالله، ابنك، ومعتمدي - كان - فإنا لله! ! أي زرء ما أفظعه في القلوب، وأي خطب ما أشنعه في الخطوب، وأي مصاب ما أحقه بالأسى ونبذ الأسى، لولا أمر الله تعالى. ولا أجد - أيدك الله - لهذه الفادحة قدرا، ولا أقيس بها أمرا، ولا أكاد أقول في مثلها صبرا، فإنها سالبة الأذهان، وجامعة الأحزان، وخبيثة الحدثان، وكبيرة نوائب الزمان. وفي فصل منها: ونحن مأمور فينا، ومحكوم علينا، يملكنا خير المالكين، ويحكم فينا أعدل الحاكمين، ولو شاء الله لم يخلقنا، فضلا عمن خلق منا ولنا، وقد أنعم عليك بنعمى متعك بها ما شاء، ثم صنع في بعض ما شاء، فإن تقابل بالاحتساب قدره النازل، وبالتفويض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 قضاءه العادل، فأحر بحزنك أن يعود سرورا، وبصدعك أن يكون بثواب الله مجبورا. وله من أخرى مثله: كتابي عن نفس مستطارة بلوعتها، وكبد مذابة بروعتها، وعن قلب شعاره برح الجوى، وأعشاره نهب الأسى، تفجعا لما فجعك، واشتراكا في عظيم المصاب معك، وأسفا على من فقدناه فقدان السمع والبصر، ورمينا فيه بأفظع الحوادث والغير، فأنا لله وإنا إليه راجعون، بها يعتصم العارفون، وإلى حقيقتها يرجع المسلمون. وإن كتابك ورد منبئا عن صورة حالك، وتوفية رزئك حقه من الأسف، وإعطاء مصابك بقدره من اللهف، فسد على نفسي - فاديتك - ثنايا الصبر، ووقع منها موقع الهيثم من الجمر، ولعمر الله إنه الرزء، [فليس كمثله الأرزاء، التي] يحسن فيها العزاء، وإنك بالبث والحزن لحقيق، ثم إنك بالصبر والاحتساب لخليق، ولولا أني أثق برجوعك إليه، وتأييد الله تعالى في الاحتمال عليه، لسلكت في الذكرى طريق المحتشد [39 ب] ، وأنفدت فيها وسع المجتهد، على أني باستهدائها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 جدير، وإلى سماعها فقير. وما اقتباسي إلا منك، ولا اقتدائي إلا بك، جعلك الله في تلقي هذا الزرء، وتحمل هذا العبء، قدرة رشدٍ للجازعين، وأسوة هدىً للغافلين. وله من أخرى إلى ابن هود بعد خروجه عنه: كتب مملوكه الملتحف في نعمائه، المتقلب في الآئه، من فلانة، وما قطع مرحلةً، ولا احتل منزلة، إلا ودأبه وصف معاليه، ونشر أياديه؛ وأما مفارقة ذراه فيكاد الإشفاق يصمي الجنان، ويدمي الأجفان، وينفي السلوان، وهو أمر حم واقترب، وقضاء سبق وغلب، وأنا مع انفصالي عن ذلك الكنف الجليل المأمول، والفناء العزيز الموصول، الذي عمرته في ظل الإكرام والتوجيه، ومهاد الإنعام والترفيه، غير خارج من عداد متن يتقلب فيه، وجملة من يراوحه ويغاديه، لأن فضلة بي حيث كنت محيط، وأملي به منوط، وتشيعي له مشهور، واعترافي بعوارفه لدي مأثور، وسيعلم مولاي أني صحبت فاعتدلت، ثم فاقرت وما اختللت، بل أعظمت وأجللت، وأثنيت فاحتفلت، والله الحسيب بالنيات والأعمال، الشهيد على الأقوال والأفعال. ومن أخرى له: سيدي، ومن أبقاه الله للكرم يتبوأ سطته، والشرف يدرع بردته، والعز يلبس سرباله، والفخر يسحب أذياله، بأي لسان - أعزك الله - أناجيك على بعد الدار، وقد أخرست عن واجب الشكر لساني، وطمست على وجوه بياني، بما أضيفت من حلل برك التي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 أخجلتني، وطوقتني من مننك التي ألجمتني، بالهدية السنية التي لا يزال الدهر ينثرها، وأيدي الثناء تنشرها، فكم من علقٍ نفيسٍ شافهني منها بلسان إلي نجوم السماء، ودان لها تفويت كل روضة غناء، وتحدث بها الكرم المحض، وأشاد بذكرها الثناء الغض، وحق لهدية أهداتها أناملك المستهلة السحائب، وجادت بها راحتك الثرة المواهب، أن يعنو لها القمران، ويحاسن بها زماننا كل زمان، فلو أن البحر عاينها طامياً لما ساجلك، والغمام شاهدها هامياً لاما طاولك. وله من جواب على كتاب عتاب: المودات - أعزك الله - إنما تثبت دلائلها، وتصح مخيلها، بمضمرات الفؤاد، لا بمزورات المداد، وبمعتقدات الحقائق، لا بمعهودات البطائق، وفي علمه تعالى أني من الاعتداد بمجدك، والاعتلاق بحبل ودك، والإسناد إلى كرم عهدك، بمنزلةٍ لا يتعاطى إدراكها أحد، ولا تطول يد صفائي فيها يد، وفي نفسك النفسية من ذلك أعدل شاهد، وأصدق رائد. وقد ورد كتابك ففضضته عن مثل عقارب لاسبةٍ، وسهام نافذة صائبة، من عتاب صدع قلبي، وفت في عضدي، وتقريع لم أقف ببابه، ولا جذبت بأسبابه، ومعاني العتاب - أعزك الله - إذا وردت على سليم منها، نزيه عنها، متحفظ من وقوعها، متحرز من جميعها، أساءت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 ظنه، وأطالت فكره، واشغلت سره، ولا سيما على بعيد الدار، نائي المحل، مشتاق إلى الإخوان، متأسفٍ على فقد الخلصان، مستشعر حرماناً لزم، وزماناً جار وظلم. وأما الهنات التي أطلقت عنان العتب عنها في ميدانٍ فسيح، وجريت في إيرادها جري الشفيق النصيح، فليست بهنات مخلقة لعرضٍ، ولا قاطعة عن فرضٍ، وربما غيرت عندك صفتي فتنكرت عليك، ومثلك من حكم الخبر على الخبر، وقنع بالعين دون الأثر. وله من أخرى عن ابن هود إلى ابن ذي النون [40أ] يشكره باطلاق ابن غصن من السجن: كتابي - أيدك الله - كتاب أعريته من ذكر الوداد، وعدلت فيه عن وصف الاعتقاد، خرقاً لعادة المتوددين، وصفحاً عن طريق المتصنعين، على أني - علم الله - في الصدر المقدم ممن يواليك، والرعيل الأول ممت يتشيع فيك، وأفردته بشكر يدك البيضاء، وحميد صنيعتك الغراء، التي طوقت بها جيد الأدب، طوقاً يبقى على الحقب، ووضعت على نار الذكاء، وقوداً يسطع بطيب الثناء، مزاحماً بفضل همتك كلكل الزمان، وقد أناخ على الفهم بجران، ومحافظاً على حرمة الكرم وقد أعرض عن ثقلها الثقلان، أنفةً من أن يضيع حذاء نظرك حق أديبٍ، وتقطع بمرأى عينك نفس لبيب، وأنت عين الآداب، وعمدة ذوي الألباب، فيعود عليك من أهلها ملام، ويقول قائلها ضاع عند أوفى البرية ذمام، فلله همتك التي أبت إلا الحفاظ السليم، وشيمتك التي لم ترض إلا لمقام الكريم، ويدك التي أنتعشت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 بها الأديب أبا مروان بن غصن من هوة العثار، وفككته من قبضة الإسار، فأحييته وهو مشفٍ على البوار، فإنها يد مسيح الكرام، ومبدعة حسنة الأيام، فلو كانت للمكارم صورة لكانت هذه الصنيعة كحل طرفها، أو كانت للجد روضة لكنت المستبد بطيب عرفها، أو لو نطقت ألسن الآداب لفدتك، أو أرسلت نخبة الثناء لما تعدتك، وإن كثير الشكر ليقل في جنب ما أسديت، وبالغه ليقصر عن الغاية التي لها تصديت، لأنك ضمنت حياة نفس، ونشرت دفين رمسٍ، فكأنك أحييت جميع الورى، ونشرت كلب مستودع في الثري، وأنى يقاوم هذا الصنيع، ولو تظاهر على فرضه الجميع، وعند الله كفاء ما أوليت من جميل الفعل، وجزاء ما أتيت في سبيل الفضل. وله من أخرى على لسان البهار إلى ابن هود: أطال الله بقاء المقتدر بالله، مولاي وسيدي، ومعلي حالي ومقيم أودي، وأعذني من خيبة العناء وعصمني معه من إخفاق الرجاء، ولا اشمت بي عدواً من الرياض يناصبني، وحاسداً من النواوير يراقبني، وقد علم الورد موقع إمارتي، وغنى بلطيف إيمائي عن عبارتي، وإنها تحية الزهر حياك بها، وخبيئة ذخرها لك وأهلك لها، وقد أتيت في أواني، وحضرت وغاب أقراني، ولم أخل من خدمتك رتبتي ومكاني، ولم أعر من الحضور بين يديك نوبتي وزماني، وأنا عبد مطيع مسخر، ومملوك يتصرف مدبر، حقيق بأن يحسن إلي فأدنى، وجدير بأن تهتبل بي ولا أجفى، لأني سابق حلبة النوار، وأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 طلائع الأزهار، وأنا ناظر الفضل وعينه، ونضار الروض ولجينه، وقائد الظرف وفارسه، وعاقد مجلس الأنس وحارسه. وفي فصل منها: فهل لمولاي أن يحسن إليّ صنيعاً، ويكرم النور جميعاً، ويدنيني فأرقى إلى أختي الثريا سريعاً، في مجلس قد أخلصته سحائبه، وأفرغت الحسن عليه والطيب ضرائبه، وجهك بدره، وغرتك فجره، وأخلاقك زهره، وثناؤك دره وعطره؛ وتعمل في أمر الدنيا رأيك، وتترك الهموم حيث تركها الناس قبلك، ولو صلح الكمد لأحد لكنت أنا أحق من لزمه، وأثبت عليه قدمه، لأني سريع الذبول، وشيك الأفول، لا يصحبني الظهور إلا قليلاً، ولا أمنح من متاع السرور إلا تعليلاً، غير أني مغتنم لساعاتي، آخذ من الأنس بقدر استطاعاتي، وقديماً أكرمني مولاي فلا يهني، ووصلني فلا يصرمني، ومنحني فلا يحرمني: لا تهني بعدما أكرمتني ... فشديد عادة منتزعه [40ب] ولابن الحناط رقعة في وصف هذه الرسالة، منها فصل قال فيه: بعثت إليك برسالة الوزير الكاتب أبي عمر الباجي في البهار، منقولة بخطي على اختلاله، واختلاف أشكاله، إلا أن حسن الرسالة، وموضعها من البلاغة والجزالة، يغطي على قماءة خطي، ودناءة ضبطي، فاجتلها - أعزك الله - عروس فكر، لحظها حبر، ولفظها سحر، ومعناها بديع، ومنتهاها رفيع، ومرماها سديد، ركب اللفظ الغريب فاعتن له المراد البعيد، يطمع ويؤيس، ويوحش ويؤنس، فأما إطماعها فيما تحرز من لدونة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 ألفاظها وسهولة أغراضها، وأما إياسها فبما يعجز من امتثالها، ويبعد من منالها، والله يمتعك برياض الآداب تجتني أزهارها، وتنتقي خيارها. ولأبي عمر في نزول الغيث بعد القحط: إن الله تعالى قضايا واقعة بالعدل، وعطايا جامعةً للفضل، ومنحاً يبسطها إذا شاء إنعاماً وترفيهاً، ويقبضها إذا أراد إلهاماً وتنبيهاً، ويجعلها لقوم صلاحاً وخيراً، ولآخرين فساداً وضيراً، {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، وهو الولي الحميد} (الشورى: 28) . وإنه كان من امتساك السقايا، وتوقف الحيا، ما ريع به الآمن، واستطير به الساكن، ورجفت الأكباد فزعاً، وذهلت الألباب جزعاً، وأذكت ذكاء حرها، ومنعت السماء درها، واكتست الرياض غبرةً بعد خضرةٍ، ولبست شحوباً بعد نضرة، وكادت برود الرياض تطوى، ومدود نعم الله تزوى، ثم نشر تعالى رحمته، وبسط نعمته، وأتاح منته، وأزاح محنته، فبعث الرياح لواقح، وأرسل الغمام سوافح، بماء دفق، ورواء غدق، من سماءٍ طبق، استهل جفنها فدمع، وسمح دمعها فهمع، وصاب وبلها فنقع، فاستوفت الأرض رياً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 واستكملت من نباتها ورئيا، فزينة الأرض مشهورة، وحلة الزهر منشورة، ومنة الرب موفورة، والقلوب ناعمة بعد بوسها، والوجوه ضاحكة بعد عبوسها، وآثار الجزع ممحوة، وسور الشكر متلوة، ونحن نستزيد الواهب نعمة التوفيق، ونستهديه في قضاء الحقوق، إلى سواء الطريق، ونستعيذ به من المنة أن تعود فتنةً، ومن المنحة أن تعود محنة. وإحسان بني الباجي كثير، وترسيلهم مشهور، اندرج لهم فيه بديع، ولا يتسع لاستيفائه هذا المجموع. وهذه أيضاً جملة من شعر أبي عمر قال من قصيدة في المعتمد، وقد طاعت له غافق والمدور أولها: أنارت لك الدنيا ووجهك أنور ... وجلت عطاياها وقدرك أكبر ودار كما شئت القضاء مساعداً ... فجاءت ولاءً غافق والمدور أزرتها بحر الكتائب مزبداً ... فألقت عنان الطوع رضوى وصنبر ومنها: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 يقول مثارو الجن إذ ذعروا به ... هي الأرض تسعى أم هو البحر يزخر سرى فاستطيروا خيفةً من نذيره ... ولم تك ليلاً قبله الجن تذعر فتوح يموت الحاسدون شجىً بها ... فليت حليف الغي يحيا فيخبر ومنها: لئن جهد المداح فيك فأطنبوا ... فإنك أعلى في النفوس وأخطر [41أ] فدتك مسوك لا ملوك كما ادعوا ... إذا ظفروا يوماً زهوا وتجبروا ولله منك القول والعقد صحةً ... إذا سد مسموع وخالف مضمر وعصر تحلى منك بالأحد الذي ... له في يد السبق اللواء المشهر وأيام سعد في ظلالك أوطنت ... تراح بها الآمال دأباً وتمطر نفى حسنها عن ناظري طائف الكرى ... فأنعم ساعاتي بها حين أشهر وأمتعني جو نضير وسلسل ... نمير وممتد المطارف أخضر وكم مورد في الأرض يشفى به الصدى ... ولكن نداك الغمر أحلى وأنضر أهنيك أم هذا الأنام بأنعمٍ ... جميعهم في حليها يتبختر وهل تلتقي الأجفان إلا على الرضى ... وأنت على الدنيا الإمام المؤمر وله فيه من أخرى أولها: لا زال عزك يخضع الأطوادا ... ويذل في آجامها الآسادا لله أيام بقربك أنعمت ... ما ضرها أن لم تكن أعيادا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 راقت محاسنها وطاب نعيمها ... فأتى الزمان حدائقاً وعهادا أسفي على زمنٍ مضى في غيرها ... يا ليت ذاهبه استعيد فعادا وهذا كقول أبي العلاء: وأطربني الشباب غداة ولى ... فليت سنيه صوت يستعاد وفيها يقول ابن الباجي: من مبلغ عني الأحبة إذ نأت ... أوطانهم والمعشر الحسادا أني وجدت الجو طلقاً بعدهم ... والماء مصقول الأديم برادا فليكبت الأعداء أنك واحد ... رجح الجموع وقلل الأعدادا لله معتمد عليه مؤيد ... بالنصر منه عفا وجاد وذادا لا يصرف النصحاء عزم سماحه ... سبحان من طبع الجواد جوادا جود يفيض البحر منه ومنة ... في البأس يدهش ذكرها الأنجادا وأناة حلمٍ في إباء حفيظةٍ ... كالأرض تطلع سوسناً وقتادا وله من قصيدة في تأبين المقتدر بن هود، أولها: كأنك ما اتخذت القصر دارا ... ولا أوقدت بالعلياء نارا ولا غدت الجموع عليك خرسا ... يهابون السكينة والوقارا سكينة ألمعي في حباها ... شمائل تكسب الأنس النوارا خلائق يستنير الفضل منها ... رياض الحزن سامرت القطارا [41ب] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 تعالى الله كيف هوى ثبير ... ووافى البحر مسقطه مغارا أسر الدهر مقتدر المعالي ... فلم يا بدر فارقت السرارا -! أباح لهاجم الحدثان منه ... زعيماً لم يزل يحمي الذمارا وطال به الزمان وكان قدماً ... يجير على الزمان من استجارا ربيب وقائعٍ بليت عليه ... حمائله وما حمل العذارا لتبك الخيل مرسلها رياحاً ... تلوث بمفرق الشمس الغبارا وبيض الطبع مصلتها بروقاً ... وصفر النبع مقدحها شرارا في ذكر الأديب أبي الحسن ابن الاستجي وكان شاعراً مجيداً، وإماماً في سائر التعاليم محموداً، وله سبق لا ينكر، وحق لا يؤخر، وإحسان لا يزال يذكر، أنشد له أبو الوليد ابن عامر في كتابه المسمى ب - " البديع في فصل الربيع " قال، أنشدني أبو الحسن ابن الاستجي لنفسه: قد قلت للروض ونواره ... نوعان تبري وفضي وعرفه مختلف طيبه ... صنفان خمري ومسكي ووجه عبد الله قد لاح لي ... وهو من البهجة دري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 شم غرسك الأرضي إن الذي ... أبصرته غرس سماوي حسنك نوري بلا مريةٍ ... وحسن عبد الله نوري ومعنى البيت الرابع من هذه ناظر إلى قول الآخر: لا تقس غرس ربنا ... بالذي يغرس البشر وقال يمدح المعتضد ويصف الشقائق: إن الشقائق من حم الخدود قد اش ... تقت ومسودها من حالك اللمم كأنها في المروج الخضر آنية ... حمر قد اضطربت من قانئ الأدم يا ابن الذي قد حماها في منابتها ... فلم تزل في حمى منه وفي حرم معروفة باسمه في كل مطلعٍ ... محفوظة المنتمى مرعية الذمم جدد لها من وكيد العهد حرمتها ... وصل لها محدث الإكرام بالكرم أشار إلى أن جده كان النعمان الذي نسب إليه الشقائق، وروي أنه مشى يوماً في بعض شأنه، فأفضى إلى موضع فيه من هذه الشقائق كثير فقال: احموها، فحميت، فسميت بذلك شقائق النعمان، حكى ذلك أبو حنيفة ورفعه إلى الأعشى، وذكر أنه كان حاضر النعمان يومئذ. وأذكرها هاهنا قطعاً من الشعر، ما ضرها أن لم تكن قطعاً من الزهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 تعلقت بذكر ابن الاستجي هذا، بارى بالمعارضة فيها صدور الرتب، وأفراد أهل الأدب ممن كان بإشبيلية في ذلك الزمان، أخرجتها من كتاب " البديع في فصل الربيع " لأبي الوليد بن حبيب المذكور. قال أبو الوليد: أنشدني أبو الحسن ابن الاستجي لنفسه يمدح القاضي ابن عباد من جلة قصيدة: [42أ] كأنما الورد لما ... وشت يد المزن أرضه كواكب في سماءٍ ... من الزبرجد غضه كأن طل الأقاحي ... مدامع من فضه أو لؤلؤ فوق أرضٍ ... من المها مبيضه كأنما الورد صدر ... أبقى به اللثم عضه كأنما النهر نصل ... جلا الصياقل عرضه كأنما الشمس في الجو ... حين تقطع عرضه وجه ابن عباد الند ... ب حين تأمل قرضه حوى بطول يديه ... طول الثناء وعرضه ومن شعر أبي الوليد ابن عامر في معارضته من جملة قصيدة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 انظر إلى النهر واعجب ... بحسن مرآه وارضه قد حل بين رياض ... من النواوير غضه من نرجس مثل لون ال ... مهجور فارق غمضه وأقحوان أنيقٍ ... بروده مبيضه كأنما النهر أفق ال ... سماء عانق أرضه وقد كسا عدوتيه ... بحومة الزهر مخضه كما ابن عباد الند ... ب قد كسا الصون عرضه وقال ابن القوطية في ذلك: بشاطئ النهر نور ... كسا الدرانك أرضه نمارق وزرابٍ ... من النواوير غضه فالورد وجنة خود ... غراء بيضاء بضه كما البنفسج خد ... أبقى به اللثم عضه والياسمين نجوم ... حازت من الحسن محضه حكى سجايا ابن عبا ... د الكريم وعرضه وقال ابن الأبار من جملة أبيات: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 شقائق شق قلبي ... رواؤها وافتضه كأنما الأرض منها ... خريدة مفتضه ونرجس متغاضٍ ... كأنما الحزن مضه يرنو بطرفٍ كليلٍ ... كمن يحاول غمضه وسوسن إن تشمه ... فكالوذائل بضه أو ألسن الدر صيغت ... أو الطلى المبيضه والأقحوان نجوم ... ليس ترى منقضه ثم خرج إلى المدح بأبيات حذفتها لطولها. وقال أبو الاصبغ بن عبد العزيز: يا من تأمل نوراً ... فيه النواوير غضه وعاين الحسن منها ... قد زين البعض بعضه فالنرجس الغض تبر ... في صفرة منه محضه والأقحوان بياضاً ... كأنه سمط فضه والورد ماء ونار ... سالا على وجه بضه ضدان في صحن خد ... قد ألفا بعد بغضه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 والمدح حذفته. وعارضهم القاضي ابن عباد بسطاً لأمانيهم، وعجباً بما أوردوا من ألفاظهم ومعانيهم، وكأنه نقد على ابن عبد العزيز هذا شيئاً في التشبيه، فقال يعرض به ويعاتبه فيه: أبلغ شقيقي عني ... مقالةً لتمضه بأن وصف الأقاحي ... الذي وصفت لم ارضه هلا وصفت الأقاحي ... بأكؤسٍ من فضه أو النجوم تساقط ... ن في المها المبيضه في أبيات غير هذه. وقال ابن حصن في ذلك: نبه جفونك للرو ... ض واهجرن كل غمضه قد نبه الطل منه ال ... جفن الذي كان غضه من بين ورد كخد ال ... حبيب حاولت عضه وسوسنٍ قد حكي لي ... سوالف الغيد بضه ومن بهارٍ تدلى ... جماجم منه غضه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 كأنه معرض عن ... محدث لم يرضه [42ب] ومن أقاح يباهي ... مصفره مبيضه كأنه نقر التب ... ر في مداهن فضه ولم أسلك في هذه الأشعار طريق الاختيار، إذ ليس فيها حظ لمختار، وإنما أثبتها لما تعلق بها، وذكرت بسببها، ولا أعطل جيد التأليف من مخشلبها. فصل يشتمل على مقطوعات أبيات لجماعة من الأدباء كانوا بعصر المعتضد عباد، ولم أجد لهم أشعاراً تفسح لي في طريق الاختيار، إلا ما أثبت لهم الوزير أبو عامر ابن مسلمة في عرض كتابه المترجم ب - " الحديقة " فكل ما أثبت لهم في هذا الفصل فمن كتابه نسخت، ومن خط يده نقلت فمنهم الوزير أبو الأصبغ بن عبد العزيز أنشد له في قفول الخيري ورحلة البهار: رحل الربيع عليه بند موال ... وأقيم للخيري راية وال في شهر كانون أديل وقوضت ... أيام بهجته فهن خوالي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 فاشكر أوائله فهن نوافج ... واحمد أواخره فهن غوالي وإذا سررت بخل صدقٍ وافدٍ ... ورضيته فانظر إلى الترحال وأنشد له: هام قلبي بغزالٍ ... أتمنى منه عطفه شرب الكأس وأبقى ... عامداً في الكأس نطفه فعلمنا أنه ير ... غب أن يمنح رشفه كشفت لي لولا الحميا ... ما خصصناك بتحفه كشفت من سره ما ... لم تكن تأمل كشفه وبدا في الخد منه ... خجل خالط طرفه فجني الورد فيه ... وأنا أمنع قطفه قال أبو عامر: وكتب إليّ وإلى ابن الأبار وقد رأى معنا غلاماً فيما سلف وسيماً، ثم عذر وأدبر، بأبيات أولها: أمفترسي ظبيٍ أغر غرير ... ومقتنصي بدرٍ أنار منير لئن نلتما بالسحر من كل غرة ... ففي مقل الغزلان كل غرور وقد رحم الرامي المصيب فريسة ... ويرزقها بالسحر كل سحور أثرت من الصيد الذي قد عقرتما ... وكم عاقر للصيد غير مثير وسعد الفتى في عمره جالب المنى ... إليه وفي الحرمان كل عسير فطيبا جميعاً واطربا وتمكنا ... فليس الذي أدركتما بيسير هل الراح إلا وجهه ورضابه ... فإن جمعت حلت بغير نكير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 فأجابه ابن الأبار: لعمرك إن الظبي غير غرير ... وإن محيا البدر غير منير بدت لحية في وجهه هي لحنة ... أتاحت له موتاً بغير نشور [43أ] ومنها: إذا لم أقل إلا براحٍ وراحةٍ ... فما قدر ذنبي في اغتفار قدير ساقعد عن ناهي النهى في اجتنابها ... وإن قام في فودي شاهد زور هل العيش إلا أن أقبل ثغرها ... وأصغي إلى بم أجش وزير خبرت بني الأيام شرقاً ومغرباً ... فآثرتها إذ لم أفز بأثير وأنشد له أيضاً بما خاطب به ابن الأبار: أما وخد له معذر ... ومبسم الخاتم المجوهر وخصره المتعب المعنى ... بثقل ما ضاق عنه مئزر ولمةٍ أسبلت أثيثاً ... كأنه وابل معطر وورد خديه بعد سكرٍ ... والغنج من حظه المحير إن لعينيه في فؤادي ... أشد من وقع كل خنجر إن خلته ضيغماً قطوباً ... أو أسداً عابساً غضنفر فهو من الحسن كل بدر ... وهو من الطيب كل عنبر ريقته خمرة ولكن ... شيب شذاها بطعم سكر لو كان في الخلد مثل هذا ... تاه على الحور أو تكبر في شبهه قال مثل هذا ... من أحسن الوصف ثم ندر " مظفر كاسمه مظفر ... أخلاق ليث وخلق جؤذر " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 فأجابه ابن الأبار بهذه الأبيات: لست بصاب إلى معذر ... بل أنا في حبه معذر لا أعشق الظبي ذا لجام ... لأنه في الظباء منكر أهواه والخد منه صبح ... حتى إذا ما دجا تغير أحسن ما فيه أن تراه ... بين مهاةٍ وبين جؤذر متوجاً لمةً تبدى ... بتاج كسرى وملك قيصر إن ماس فالمرط منه مثر ... بما حوى والوشاح معسر يرفق بالخلق حين يغضي ... وينظر الموت حين ينظر متى يلم عاذل عليه ... يبدو له وجهه فيعذر كم علني الراح ثم حيا ... أحوى مريض الجفون أحور كأنما سحر وجنتيه ... نوم اجفانه لتسهر ما زلت أشتفها ونقلي ... طلاه والمبسم المجوهر أمكن من طرةٍ وثغرٍ ... فصرت في جنةٍ وكوثر وأنشد للوزير أبي الاصبغ بن سعيد: وما أنس لا أنس المدامة بيننا ... يناولنيها وهو بالسحر نافث ويجعل نقلي ريقه بعد رشفها ... فيا لك من طيب على السكر باعث فسكران من خمرٍ ومن رشف ريقه ... وبينهما من سحر عينيه ثالث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 وأنشد له: يا أيها الساقي الذي بعثت لنا ... يمناه من مزن الغمام رذاذا لا تسقنيها دون ملء كؤوسها ... وإذا سجدت بها إليك فماذا إني اتخذت الغي رشداً والهوى ... ديناً ولذت عن الرشاد لواذا فامزج بريقك لي الكؤوس وقل لنا ... خذ، تلقني لكبارها أخاذا وأنشد له: بالغت في عذلي وفي تأنيبي ... وفي الراح حين وعظتني بمشيبي هيهات لست بتائب عن شربها ... ما دام شربها أقل ذنوبي إن كان أكربني المشيب فإنها ... راح تروح بكربة المكروب فلأشربن لكي أدافع كربها ... عني وأطرب فوق كل طروب وأنشد لأبي إسحاق بن خيرة الصباغ [43ب] يوم كأن سحابه ... لبست غمامي المصامت فالغيث يبكي الضحى ... كمثال أجنحة الفواخت والرعد يخطب مفصحاً ... والجو كالمحزون ساكت والروض يسقيه الحيا ... والنور ينظر مثل باهت فاطرب ولذ بحسنه ... واشرب فإن العمر فائت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 صرفاً كأن حبابها ... در على العقيان نابت تحكي خلال الحاجب الز ... اكي المغارس والمنابت عباد السامي الذرى ... والمجد حيث النجم ثابت ملك إذا نطقت علا ... هـ بمعرك فالخطب صامت أو طاش عقل معاشرٍ ... في ضنك حرب فهو ثابت وأنشد له أيضاً: انبذ مقال النصيح ... ودن بشرب الصبوح ورح وباكر مداماً ... كالشمس وقت الجنوح خرقاء يلثغ منها ... لسان كل فصيح إذا تناولت منها ... حسنت كل قبيح رقت على ظهر كسرى ... وعهد عادٍ ونوح فليس توجد إلا ... بنور لونٍ وريح وأنشد له: رب ليلٍ طال لا صبح له ... ذي نجوم أقسمت أن لا تغور في دجى ليلٍ بهيمٍ حالك ... يستوي الأكمه فيه والبصير فتراها حائرات في الدجى ... زاهرات كمصابيح تنير قد هتكنا جنحه عن فلقٍ ... من خمورٍ ووجوه من بدور إذ بدت شبهتها في كأسها ... نار إبراهيم في برد ونور وامتطينا للملاهي مرحاً ... خيل راحٍ بمنايانا تدور صرعتنا إذ علونا ظهرها ... في ميادين التصابي والسرور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 فنعانا العود في ميتتنا ... بأبح البم إسعافاً وزير فرفعنا من كؤوس نكسٍ ... وفتحنا من عيون بفتور فكأن حين قمنا معشر ... نشروا بعد مماتٍ من قبور وأنشد لأبي بكر بن نصر الإشبيلي: أهدت إليّ روحي براح يمينها ... راحاً أرق من الهواء وأعتقا فكأن حب حبابها في وجهها ... در على أرض النضار تفرقا وكأن شخص الكأس شمس وشحت ... قمراً فغاض شعاعها وتمزقا لله درك من زمان لم يزل ... حلو الحلى رحب الجناب معتقا زمن هصرنا عيشه فكأنه ... من جود إسماعيل كان منمقا الحاجب الملك الذي حجب الورى ... عن كل مكروهٍ يخاف ويتقى وكأنه بيديه صور نفسه ... فأجادها كيف اشتهى وتأنقا وأنشد لمحمد بن ديسم الإشبيلي: امزح حمياً الكؤوس واشرب ... بنفثةٍ من رضاب ألعس راحاً تمطى بطون راح ... لها خلال الضلوع مكنس يدير منها البنان خمراً ... صبغة ماء اللجين ملبس ملك زها رفعةً ومجداً ... كما زكا محتداً ومغرس [44أ] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 تطلع أنواره شهاباً ... إن عارض للخطوب عسعس ويذعن الموت حين يسطو ... ويبسم الموت حين يعبس وأنشد له في ترك الشراب: تجافيت عن شربي لها لا لعفةٍ ... ولم يك إقصائي لها عن تحرج وإن أك قد عرجت عن حق حبها ... فما أنا عن تفصيلها بمعرج وأنشد له في مثله: ولم أجتنب شرب المدام لعفةٍ ... ولم ألحق الصهباء ذماً ولا عذلا تنافرني أن صرت ضداً لشكلها ... فليست لنا أهلاً ولسنا لها أهلا وأنشد لأحمد بن محمد البلمي الإشبيلي: ولقد رشفت مدامةً ... أشهى من الثغر البرود بكراً ولكن عهدها ... من عهد عادٍ أو ثمود لانت لنا لكن لها ... بعقولنا بطش شديد تبدو وقد نظم المزا ... ج من الحباب لها عقود وإذا توارت بالحلو ... ق بدا سناها في الخدود وكأنني مولى الورى ... والناس كلهم عبيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 ومدامة ورسيةٍ أعملتها ... عرضت علي بشربها أعمالي فكؤوسها بصفائها كلآلئٍ ... وشرابها في جوفها كالآل وأنشد له صاحب كتاب " البديع ": انظر ونزه ناظريك بروضةٍ ... غناء ما زالت تراح وتمطر لتريك من صنعاء صنعة وشيها ... بمطارف من تستر لا تستر ألوانها مثنى وطيب نسيمها ... يقصى العبير بها وينسى العنبر وقال: أما ترى النرجس الغض الذكي بدا ... كأنه عاشق ذابت ذوائبه أو المحب اشتكى لما أضر به ... فرط السقام فعادته حبابئه وقال: رب نيلوفر غدا يخجل الرا ... ئي إليه نفاسةً وغرابه كمليك للزنج في قبةٍ بيضا ... ء يدنو الدجى فيغلق بابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 وأنشد للوزير أبي بكر بن القوطية في تجنيس القوافي، عارض بها طريقة أبي الفتح البستي: سقاني كأسه ولها ... دبيب زادني ولها غزال إن رأى ولهي ... زها عن قصتي ولها وقال: ومنادم لم أرض من أشري به ... فندمت إذ أصبحت غير شريبه يا ليت ما ألقاه من أرقي به ... وسهادي انفردا بعين رقيبه وقال: ومدل بسقيه يتلقى ... ندماه بسطوة واقتدار فمن أسأل الرجوع لداري ... قال لي: اشرب فلست في وقت دار وقال في المردقوش: عنبري اللون في الخلقة قد ... فاق طيباً كل مشموم وبذ ذو جلابيب له قلصها ... فأتت خلقاً كآذان الجرذ [44ب] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 ولذا سموه إذ أشبهها ... مردقوشاً باشتقاق يومئذ أشار إلى ما حكاه بعضهم أن المراد بالفارسية: الأذن، والقوش: الفأر. وقال في الترنجان: وأخضر فستقي اللون غض ... يروق بحسن منظره العيونا ذكي العرف مشكور الأيادي ... كريم عرفه يسلي الحزينا أغار على الترنح وقد حكاه ... فزاد على اسمه ألفاً ونونا وأراه سمع قول صاعد اللغوي فيه، حيث يقول: من طيبه سرق الأترج نكهته ... يا قوم حتى من اشجار سراق ولكنه عكسه، إذا اقتبسه، وترك الرائحة ومال إلى الاسم. وقال في التفاح: وجلنارية مسكية النفس ... كأنها جذوة في كف مقتبس قد أشربت من صباغ الله حمرتها ... كأنها غرة أوفت على لعس كريمة من بنات الفرع ما حضرت ... إلا وحضت على اللذات والأنس حافت فنكستها لما كلفت بها ... فإن دعوت أجابت باسم منتكس قوله: " حافت " هو " تفاح " مقلوب. وقال في السفرجل: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 وزعفرانية في ثوب محزون ... تروق طعماً وشماً في البساتين مصفرةٍ من بنات الحسن تحسبها ... في زغبها ميتاً في ثوب تكفين قد رنحت فوق أغصان ترجحها ... وفلكت كثدي الربوب العين وقال في الأترج: جسم من النور في ثوب من النار ... كأنه ذهب من فوق بلار فابيض باطنها واصفر ظاهرها ... كأنها درهم من تحت دينار محفوفة برماح من منابتها ... مشحونة بين أرواح وأمطار عطرية لم تطيب للقاء ولا ... مدت يميناص إلى حانوت عطار وقال في الخوخ: وطيب الريق عذب آب في آب ... وزار مشتملاً في زي أعراب مخمل الثوب لم تخمل رئاسته ... بين الفواكه من نقصٍ ولا عاب خالسته نظري فاحمر من خجلٍ ... خداه ثم انثنى عني كمرتاب من اسمه فيه مقلوباً ومبتدئاً ... أربى على اللوز في تطريز جلباب يريد أن الخوخ يقرأ من طرفيه؛ وفيه يقول: لم أر كالفرسك جلبابا ... كأنه قد سكن الزابا من طرفيه يتأتى اسمه ... فإن تفطنت له ثابا وقال في الفستق: [45أ] صدف أبيض نقي ... ذو بهاءٍ ورونق متفر عن جوهر ... أخضر فيه مطبق كل صبغٍ يعزى إلى ... لونه قيل فستقي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وقال في العناب: أما ترى ثمر العناب موقرةً ... بكل أحمر لماعٍ من الخرز وقد تدلت به الأغصان مائلةً ... مثل العثاكيل من صدر إلى عجز وقد حمتها عن الأيدي أسنتها ... حذار مفترس أو خوف منتهز وقال: ما طلعت في قوسها ... إلا بدا قوس قزح نفس وما من نفسٍ ... روح ولكن لا شبح شرارة تلمحها ... قرارة لمن لمح ولست من شرابها ... ولا لها بمقترح ولا أنا مغتبق ... بها ولا بمصطبح لكنني أمدحها ... تظرفاً في من مدح الوزير أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن زهر الايادي أحد الأفراد امجاد من إياد، وهو وإن كان في وقتنا البحر الذي لم يبلغ بالتحصيل، والصبح الذي لا يفتقر معه إلى دليل، فإني أجريت ذكره في نفس هذا الديوان نفساً، واجتلبت قطعةً من شعره أقمتها للآداب عرساً، وجعلتها لألباب الشعراء والكتاب مدوساً، مع أنه أعلى قدراً، وأبهر ذكراً، من أن يعبر الدهر عن علاه، أو يدعي الشعر أنه من حلاه؛ ولم أظفر عند تحريري هذه النسخة بشيء من نثره، فلذلك اقتصرت على جملة من شعره، جعلتها ذريعةً إلى إجراء ذكره، ولولا ترتيب اقتضاه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 هذا التأليف، وقضى به التصنيف، لحل ذكره من هذا الديوان محل زحل من الفلك، والتاج من مفرق الملك. وقد قدمت في أخبار القاضي ابن عباد من إظلام أفقه - كان - على الأشكال، واجتماع فرقه من الأغفال، بما أغنى عن إعادة المقال. وكان الفقيه جده محمد بن مروان بن زهر، منشأ تلك الدولة العبادية أول من تثنى عليه الخناصر، وتشير إليه القلوب والنواظر، وتفتقر إلى ما لديه الألباب والبصائر، فضاقت دولته عن مكانه، ضيق صدر العاشق عن كتم أشجانه، واسترابت لجلالة شانه، استرابة المنافق بتلجلج لسانه؛ وأهمه أمره حتى أخرجه عن بلده، واستصفى ذات يده، فلحق بشرق الأندلس، وأقام بها بقية عمره، بين جاهه ووفره، وفي حصنٍ حصينٍ من سلامة سره وجهره. ونشأ ابنه الوزير أبو مروان عبد الملك بن محمد فما بلغ أشده، حتى سد مسده، بل ما خلع تمائمه، حتى استوفى مناقبه ومكارمه، وورث مباديه وخواتمه، ومال إلى التفنن في أنواع التعاليم من الطب وغيره من العلوم، فجمع شعاعها، واستوفى أجناسها وأنواعها، وجذب بضبعها، وفرق بين غربها ونبعها، ورحل إلى المشرق لأداء حج الفريضة فملأ البلاد جلالةً، ورجح الأطواد أصالةً، ولم يلق أحداً من زعماء تلك الأقطار إلا عول على ما عنده، وتجاوز في الأخذ عنه عفوه وجهده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 ونشأ أبو العلاء زهر بن عبد الملك فاخترع فضلاً لم يكن في الحساب، وشرع نبلاً قصرت عنه نتائج الألباب، وكنا نتوقع الحمام حتى سطا، وننتجع الغمام إلى أن أعطى، لو ساجل البحر لفضحه، أو وازن الدهر لرجحه، نشأ بشرق الأندلس والآفاق تتهادى عجائبه، والشام والعراق تتدارس بدائعه وغرائبه، ومال إلى علم الأبدان، فلولا جلالة قدره، لقلنا جاذب هاروت طرفاً من سحره، ولولا أن الغلو آفة المديح، لتجاوزت طلق الجموح، ولكن اكتفيت بالكناية عن التصريح، وصلوات الله على المسيح. [45ب] ولم يزل مقيماً بشرق الأندلس إلى أن كان من غزوة أمير المسلمين وناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين، في من انضم إليه من ملوك الطوائ إلى حصن لييط ما كان، فشخص الوزير أبو العلاء معهم، فلقيه المعتمد واستماله واستهواه، وكاد يغلب على سره ونجواه، وصرف عليه بعض أملاكه، فحن إلى وطنه، حنين النجيب إلى عطنه، والكريم إلى سننه، ونزع إلى مقر سلفه، نزوع الكوكب إلى بيت شرفه، إلا أنه لم يستقر بإشبيلية إلا بعد خلع المعتمد، ودعا به أمير المسلمين، رحمه الله، فلباه، وحل من نفسه محلاً لم يحله الماء من الظمآن، ولا الروح من جسد الجبان، وقد أخرجت من ملح أشعاره ما يعطل شذا الزهر، ويخجل سنا الأنجم الزهر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 جملة من مقطوعاته الاخوانيات كتب إليه حسام الدولة ابن رزين بهذه الأبيات: عاد اللئيم فأنت من عدائه ... ودع الحسود بغله وبدائه لا كان إلا من غدت أعداؤه ... مشغولةً أفواههم بجفائه أأبا العلاء لئن حسدت لطالما ... حسد الكريم بجوده ووفائه فخر العلاء فكنت من آبائه ... ونأى السناء فكنت من أبنائه كن كيف شئت مشاهداً أو غائباً ... لا كان قلب لست في سودائه وإليك كأساً من ودودٍ ممحضٍ ... مملوءة من وده وصفائه فأجابه الوزير أبو العلاء بقوله: يا صارماً حسم العلا بمضائه ... وتعبد الأحرار حر وفائه ما أثر العضب الحسام بذاته ... إلا بأن سميت من أسمائه ولقد غدا رأي الزمان بمعزلٍ ... حتى استمد الرشد من آرائه عنت الملوك لفضله وعلائه ... وتبرقعت شمس الضحى لسنائه شرفت ذا أمل بكأسٍ لو غدت ... سماً لما قابلتها بدوائه كيما أكون الدهر مكلوءاً به ... وأرى رهين الرمس من شهدائه قال ابن بسام: قول ابن رزين: " فخر العلاء فكنت من آبائه " ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 البيت، للشعراء تصرف في اشتقاق المدائح من أسماء الممدوحين، ومنه قول ابن الرومي: كأن أباه حين سماه صاعداً ... رأى كيف يرقى في المعالي ويصعد ولما سمع البحتري هذا البيت قال: مني أخذه في العلاء بن صاعد: سماه أسرته العلاء وإنما ... قصدوا بذلك أن تتم علاه وقال ابن البين البطليوسي في الوزير أبي الأصبغ بن المنخر: شم الأنوف لذاك ما سموا بها ... ومن المسمى تؤخذ الأسماء وقال أبو بكر بن سوار في القاضي ابن حمدين: [46أ] من معشر حمدوا فأحمد سعيهم ... فلذاك ما سموا بني حمدين وقال الصاحب بن عباد: وقد قتل المتنبي من هذا حبلاً اختنق به، فقال: في رتبة حجب الورى عن نيلها ... وعلا فسموه علي الحاجبا وقال أبو الوليد بن حزم في الوزير أبي العلاء المذكور: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 أما العلاء فلن تزاحمك العدا ... فيه وحسبك أن دعيت له أبا ومن جواب الوزير أبي العلاء له: أجريت طرفك في العتاب وربما ... - وقيت - من أجرى بلا قصد كبا عتبي ولا عتب لدي، وإن بنا ... استبدلت برقاً شام لحظك خلبا لخبا وضمن من سجايا ذاته ... نفحات غدرٍ ضمن هبات الصبا ولطالما فيه انخدعت إخاله ... نصلاً فلما أن ضربت به نبا ما كل ناضر دوحةٍ روضاً ولا ... كل ضياء راق حسناً كوكباً وقول الوزير أبي العلاء: " وربما وقيت "، من مليح الالتفات، وهو عند بعض أهل النقد تتميم، والالتفات أول به وأشك بمعناه، ومنه قول كثير: لو أن الباخلين وأنت منهم ... رأوك تعلموا منك المطالا وقوله: " وأنت منهم " التفات، وقد سماه ابن المعتز: " اعتراضاً " وجعله باباً على حدته بعد الالتفات، وغيره جمع بينهما. وقال النابغة: ألا زعمت بنو عبسٍ بأني، ... ألا كذبوا، كبير السن فان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 فقوله: " ألا كذبوا " اعتراض؛ وقال بعض العرب: فظلوا بيومٍ دع أخاك بمثله ... على مشرع يروي ولما يصرد فقوله: " دع أخاك بمثله " التفات مليح؛ وقال عوف بن محلم: إن الثمانين، وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان وقال إسحاق الموصلي: سألني الأصمعي وقال: أتعرف التفاتات جرير - قلت: وما هي - فأنشدني: أتنسى إذ تودعنا سليمى ... بفرع بشامةٍ سقي البشام وقال لي: أما تراه مقبلاً على شعره ثم التفت إلى البشام فدعا له - وأنشد له ابن المعتز: متى كان الخيام بذي طلوحٍ ... سقيت الغيث أيتها الخيام وأحسن ابن المعتز في العبارة عن الالتفات، حيث قال: هو انصراف المتكلم عن الإخبار إلى المخاطبة، وعن المخاطبة إلى الإخبار وتلا قوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف} (يونس: 22) وأنشد لأبي عطاء السندي يرثي عمر بن هبيرة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وإنك لم تبعد على متعمدٍ ... بل كل من تحت التراب بعيد وهو عندهم استدراك؛ وأنشد ابن المعتز في هذا النوع لبشار: [46ب] نبئت فاضح أمه يغتابني ... عند الأمير، وهل علي أمير - وما أملح قول نصيب: وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا ... سنا بارقٍ نحو الحجاز أطير فقوله: " ولم أخلق من الطير " عجب. ولما سمعت التي قيل فيها هذا البيت تنفست تنفساً شديداً، فصاح ابن أبي عتيق: أواه، زاه!! قد والله أجابته بأحسن من شعره، والله لو سمعك لنعق وطار، فجعله ابن أبي عتيقٍ غراباً لسواده، وأنشدوا للعباس بن الأحنف: إن تم ذا الهجر يا ظلوم، ولا ... تم، فما لي في العيش من أرب وقال عدي بن زيد، وهو في حبس النعمان: فلو كنت الأسير، ولا تكنه، ... إذاً علمت معد ما أقول واستقصاء ذكر هذا الباب، مما يضخم حجم الكتاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 وقول الوزير أبي العلاء: " ما أثر العضب الحسام بذاته " ... البيت، من مليح المدح في حسن التعرف بجنس السيفية؛ وأبو الطيب ممن اتخذ سبباً إلى سمائها وعرج، وقرع بابها حتى دخل كيف شاء وخرج، كقوله: لقد رفع الله من دولةٍ ... لها منك يا سيفها منصل وكقوله: لولا سمي سيوفه ومضاؤه ... لما سللن لكن كالأجفان وكقوله: تسمى الحسام وليست من مشابهةٍ ... وكيف يشتبه المخدوم والخدم وقال: قلد الله دولةً سيفها أن ... ت حساماً بالمكرمات محلى فإذا اهتز للندى كان بحراً ... وإذا اهتز للوغى كان نصلا وقال: وإن الذي سمى علياً لمنصف ... وإن الذي سماه سيفاً لظالمه وما كل سيف يقطع الهام حده ... وتقطع لزبات الزمان مكارمه وقال: إن الخليفة لم يسمك سيفه ... حتى بلاك فكنت عين الصارم وإذا تتوج كنت درة تاجه ... وإذا تختم كنت فص الخاتم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 وقال: من للسيوف بأن يكون سميها ... في أصله وفرنده ومضائه طبع الحديد فكان من أجناسه ... وعلي المطبوع من آبائه ولما أفضت الحال، بالمعتمد إلى الاعتقال، وحبس بأغمات، اعتلت بعض كرائمه في أثناء ذلك، والوزير أبو العلاء هنالك، فبادر إلى مرغوبه، وسارع إلى تأتي مطلوبه، ولم يلتفت إلى ما كان سلف بين سلفيهما من معانٍ، قضتها صروف الزمان، واقتضتها حماية السلطان، فلاطف علاجها ورفع قدر المعتمد بالتبجيل، ودعا له بالبقاء الطويل، وكتب إليه المعتمد إثر ذلك بهذه الأبيات، وذكر قصة غريبة وهي: أن أكرم بناته ألجأها الحين إلى استدعاء غزل بأجرة تسد بعض خلتها، فأدخل إليها في جملة ما أخرج غزل لبنت عريف شرطته المنتقل إليه من دولة غرناطة، وعلم الأمر بعد ذلك فتعجب من تقلب الدهر، وفي ذلك يقول للوزير المذكور: [47أ] دعا لي بالبقاء وكيف يهوى ... أسير أن يطول به البقاء أليس الموت أروح من حياةٍ ... يطول على الشقي بها الشقاء [أأرغب أن أعيش أرى بناتي ... عواري قد أضر بها الحفاء] خوادم بنت من قد كان أعلى ... مراتبه - إذا أبدو - النداء وطرد الناس بين يدي مروري ... وكفهم إذا غص الفناء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وركض عن يمين أو شمال ... إذا اختل الأمام أو الوراء ولكن الدعاء إذا دعاه ... ضمير خالص نفع الدعاء جزيت أبا العلاء جزاء بر ... نوى براً وصاحبك العلاء سيسلي الكل عما فات علمي ... بأن الكل يدركه الفناء فأجابه الوزير أبو العلاء بأبيات، قال فيها: تنافست المراتب فيك حتى ... حللت العسر إذ نحب الشقاء عزيز أن ينال البحر نهي ... وتسقي الكوثر العذب الرشاء ويلقى في متون الرمل ماء ... وتشكو غاية المحل السماء ولكن الزمان بلؤم طبعٍ ... على الحر الشريف له اعتداء ومجدك إنه قسم عظيم ... به وجد السنا وله السناء لكنت الغيث إن محل تبدى ... وكنت الليث إن عن اللقاء ومثلك، عز قدرك عن مثيل ... يؤمل أن يطول له البقاء لأنك في سماء المجد نجم ... به لنواظر الدنيا جلاء وغاية كل شيءٍ لانتهاءٍ ... وأنت لغاية المجد انتهاء وخاطبه الوزير أبو محمد بن عبدون برقعةٍ خطب فيها وده، فتخلف عن جوابه لشغل عرض، فأعاد عليه ثانية بهذه الأبيات: نصيبي من الدنيا مودة ماجدٍ ... أهيم به سراً وأخدمه جهرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 له الخير إن يأذن أقل غير عاذل ... وإن يأب اسكت عنه لا طالباً عذرا خطبت إليه من هواه عقيلةً ... وأعطيت من شكري وأغل به مهرا فأطرق لم ينبس بحرفٍ ولم يعد ... إليّ جواباً منه نظماً ولا نثراً وما الصمت في هذا المكان لسنةٍ ... فإني لم أخطب مودته بكرا فإن زفها دوني إلى كل خاطبٍ ... فلم ير مثلي لا وفاء ولا برا وإن حدثت منه إليّ إجابة ... عذرت عن الأولى ولم أكفر الأخرى فأجابه الوزير أبو العلاء: وفاؤك ما أسنى وفضلك ما أسرى ... ومجدك ما أسمى وزندك ما أورى إذا رمت نثراً جئت بالسحر ناثراً ... وإن حكت شعراً جئت بالآية الكبرى بسطت بعفو القول يمنى ولمت أن ... قبضت ولم أمدد إليها يداً يسرى ولو نهضت بي نحو سؤلي قدرة ... إذن لم أدع في الشكر نظماً ولا نثراً عقيلة نظمٍ عن يسار زففتها ... لكفؤ ودادٍ ولم تجد كفؤه مهرا فما لجميل الظن يحسب أنني ... صمت لكبر حين عدت به سرا أنزه ذاك الفضل عن كشف سوءة ... لجأت إليها حين أرهقني عسرا ما وجدته من شعر أبي العلاء في النسيب كلفه حسام وصف غلام قائم على رأسه. فقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 تضاعف وجدي إذ تبدى عذاره ... وتم فخان القلب مني اصطباره [47ب] وقد كان ظني أن سيمحق ليله ... بدائع حسنٍ هام فيها نهاره فأظهر ضد ضده فيه إذ وشت ... بعنبر صدغيه على الخد ناره وقال فيه: محيت آية النهار فأضحى ... بدر تمٍ وكان شمس نهار كان يعشي العيون نوراً إلى أن ... شغل الله خده بالعذار كأنه ألم في هذا بقول الآخر: حلقوا رأسه ليزداد قبحاً ... حذراً منهم عليه وشحا كان قبل الحلاق ليلاً وصبحاً ... فمحوا ليله وأبقوه صبحا وقال فيه: عذار ألم فأبدى لنا ... بدائع كنا لها في عمى ولو لم يجن النهار الظلام ... لم يستبن كوكب في سما وقال فيه: تمت محاسن وجهه وتكاملت ... لما استدار عليه صبح مونق وكذلك البدر المنير جماله ... في أن تكنفه جمال أزرق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 وهذا كقول ابن برد وقد تقدم: يا ثوبه الأزرق الذي قد ... فاق العراقي في السناء كأنه فيه بدر تم ... يشق في زرقة السماء وإنما أخذه من قول ابن المعتز: الآن صرت البدر حي ... ن لبست ثوب سمائه وله وهو مما طبق المفصل في الغرض واستوفى معنى لم أر أحداً يستوفيه، وجمعه من ألفاظ أدبية، ومعانٍ فلسفية، وأبرزه في صورة من الحسن يوسفية: يا راشقي بسهام ما لها غرض ... إلا فؤادي وما منها له غرض وممرضي بجفون لحظها غنج ... صحت وفي صنعها التمريض والمرض امنن ولو بخيال منك يؤنسني ... فقد يسد مسد الجوهر العرض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 ومنهم الوزير الفقيه أوبع عبيد البكري وكان بأفقنا آخر علماء الجزيرة بالزمان، وأولهم بالبراعة والإحسان، وأبعدهم في العلوم طلقاً، وأنصعهم في المنثور والمنظوم أفقاً، كأن العرب استخلفته على لسانه، أو الأيام ولته زمام حدثانها، ولولا تأخر ولادته، وعهدة في زيادته، لأنسى ذكر كنيه المتقدم الأوان، ذرب لسان، وبراعة إتقان، ولا يجمع الزمان حبه، إلا كما يؤلف كتبه، ولا يهز البرق حسامه، إلا كما يصرف أقلامه، ولا يتدفق البحر إلا كما يجيش صدره، ولا يكون السحر إلا كما يروق نظمه ونثره، وله تقدم سبقٍ. وسلف صدقٍ. وقد كان لسلفه بغربي جزيرة الأندلس إمرة قعدوا منها مقعد أكابر الأمراء من الخروج عن الطاعة، والاستبداد عن الجماعة، ولهم في ذلك، وللمعتضد قريع أقرانهم، الذي طم واديه على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 قريانهم، أخبار ذكرها ابن حيان، وقد ألمعت منها بلمع ليتصل الكلام، ويستقيم النظام. - فصل في أخبار البكريين من أمراء الغرب [48أ] قال ابن حيان: لما تولى الوزير أبو الوليد بن جهور الإصلاح بين ابن الأفطس والمعتضد، بعد امتداد شأوهما في الفتنة، وسنى الله السلم بينهما في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين، اعتدى بعد ذلك المعتضد على جاريه ابن يحيى أمير لبلة، وأبي زيد البكري أمير شلطيش وأنبة فأخرجهما عن سلطانهما الموروث، وحصل له عملهما بلا كبير مؤنة، وضمه إلى سائر عمله العريض، وازداد بذلك المعتضد سلطاناً وقوة، وذلك أنه لما خلا وجهه من المظفر بن الأفطس فرغ لابن يحيى بلبلة وصمم في قصده بنفسه، فنزل ابن يحيى له عن لبلة وخرج عن البلد، وانزعج إلى قرطبة: وردها مسلوب الإمارة، لائذاً بكنف ابن جهور ساد الخلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 ومأوى الطريد. وكان من الغريب النادر أن شاركه المعتضد بقطعةٍ من خيله أوصلته إلى مأمنه بقرطبة. ثم سقط إلينا النبأ بعد امتداد يده إلى البكري بولبة وشلطيش؛ وكان هذا الفتى أبو زيد البكري وارث ذلك العمل لأبيه، وكان أبوه من بيت الشرف والحسب والجاه والنعمة، والاتصال القديم بسلطان الجماعة، وكان له ولسلفه قبل إسماعيل بن عباد جد المعتضد وسائل وأذمة خلفاها في الأعقاب اغتر بها عبد العزيز البكري، فبادر البعثة إلى المعتضد ساعة دخل لبلة يهنئه بما تهيأ له منها، وذكره بالذمام الموصول بينهما، واعترف بطاعته، وعرض عليه التخلي عن ولبة، وإقراره بشلطيش إن شاء، فوقع له ذلك من المعتضد موقع إرادة، ورد الأمر إليه فيما يعزم عليه، وأظهر الرغبة في لقائه، وخرج نحوه يبغي ذلك، فلم يطمئن عبد العزيز إلى لقائه، وتحمل بسفنه بجميع ماله إلى جزيرة شلطيش، وتخلى للمعتضد عن ولبة، فحازها حوزه للبلة، وبسط الأمان لأهلها، واستعمل عليها ثقةً من رجاله، ورسم له القطع بالبكري، ومنع الناس طراً من الدخول إليه، فتركه محصوراً وسط الماء إلى أن ألقى بيده من قربٍ ولم يغرب عنه الحزم، فسأل المعتضد أن ينطلق انطلاق صاحبه، فأمنه، ولحق بقرطبة، وبوشر منه رجلاً سرياً عاقلاً عفيفاً أديباً يفوت صاحبه ابن يحيى خلالاً وخصالاً إلى زيادة عليه ببيت السرو والشرف، وبابن له من الفتيان بز الأقران جمالاً وبهاءً وسرواً وأدباً ومعرفة، يكنى أبا عبيد. وتحدث الناس من حزم عبد العزيز يومئذ أنه لما احتل بشلطيش علم أنه لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 يقارع عباداً، فأخذ بالحزم أولاً، وتخلى له عنها بشروط وفى له بها، فباع منه سفنه وأثقاله بعشرة آلاف مثقال، واحتل قرطبة في كنف ابن جهور المأمون على الأموال والأنفس، وصفت لعبادٍ تلك البلاد، لو أن شيئاً يدوم صفاؤه، والملك لله وحده. [فصل من نثره له من كتاب يهنئ فيه المعتمد بالفتح الذي كان سنة تسع وسبعين وأربعمائة: أطال الله بقاء سيدي ومولاي الجليل القدر، الجميل الذكر، ذي الأيادي الغر، والنعم الزهر، وهنأ ما منحه من فتح ونصر، واعتلاء وقهر؛ بالطالع السعد يا مولاي أبت، وبسانح اليمن عدت، وبكنف الحرز عذت، وفي سبيل الظفر سرت، وبقدم البر سعيت، وبجنة العصمة أتيت، وبسهم السداد رميت فأصميت، صدر عن أكرم المقاصد، وأشرف المشاهد، وعود بأجل ما ناله عائد، وآب به وارد، فتوح أضحكت مبسم الدهر، وسفرت عن صفحة البشر، وردت ماضي العمر، وأكبت واري الكفر، وهزت أعطاف الأيام طربا، وسقت أقداح السرور نخبا، وثنت آمال الشرك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 كذبا، وطوت أحشاء الطاغية رهبا، فذكرها زاد الراكب، وراحة اللاغب، ومتعة الحاضر ونقلة المسافر: بها تنهض الأحلاس في كل منزلٍ ... وتعقد أطراف الحبال وتطلق شملت النعمة، وجبرت الأمة، وجلت الغمة، وشفت الملة، وبردت الغلة وكشفت العلة. كان داء الإشراك سيفك واشت ... دت شكاة الهدى وكان طبيبا فغدا الدين جديداً، والإسلام سعيداً، والزمان حميداً، وعمود الدين قائماً، وكتاب الله حاكماً، ودعوة الإيمان منصورة، وعين الملك قريرة، فهنأ الله مولانا وهنأنا هذه المنح البهية مطالعها، الشهية مواقعها، المشهورة آثارها، المأثورة أخبارها، ونصر الله أعلامه ففي البر تحل وتعقد، وعضد حسامه فبالقسط يسل ويغمد، وأيد مذاهبه فبالتحزم تسدى وتلحم، وأمد كتائبه ففي الله تسرج وتلجم، فكم فادح خطب كفاه، وظلام كرب جلاه، وميت حق أحياه، وحي باطل أرداه، وكم جاحم ضلالة أطفأ ناره، وناجم فتنة قلم أظفاره، ومغلول أسنة أرهف شفاره، ومستباح حرمة حمى ذماره. فلله هذه المساعي الكريمة، والمنازع القويمة، المتبلجة عن ميمون النقيبة ومحمود العزيمة، فقد تمثل بها العهد الأول والقرن الأفضل الذي أخرج للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والذي سطع هذا السراج، وانتهج هذا المنهاج، فلا زالت الفتوح تتوالى عليه، وصنائع الله تتصل لديه، إدالةً من مشاقيه، وإذالة لمحاربيه، وإبادة لمناوئيه، وإن أجل هذه النعم في الصدور، وأحقها بالشكر الموفور، ما من الله به من سلامة مولاي التي هي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 جامعة لعز الدين، وصلاح كافة المسلمين، بعد أن صلي من الحرب نيرانها، فكان أصبت أركانها، وأصبر أقرانها: وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ... ووجهك وضاح وثغرك باسم فلله الحمد والإبداع والإلهام، وله المنة وعلينا متابعة الشكر والدوام، وفازت الكف الكليم، بأعلى قداح المكلوم لدى المقام الكريم، وإنها لهي التالية للأصبغ الدامية، في المنزلة العالية: بصرت بالراحة العليا فلم ترها ... تنال إلا جسرٍ من التعب جملة من شعر أبي عبيد البكري قال يخاطب أبا الحسن إبراهيم بن محمد المعروف بابن السقاء وزير ابن جهور، وقد خرج رسولاً إلى اديس بن حبوس بغرناطة: كذا في بروج السعد ينتقل البدر ... ويحسن حيث احتل آثاره القطر وتقتسم الأرض الخطوط فبقعة ... لها وافر منها وأخرى لها نزر لذل مكان غاب عنه مملكي ... وعز مكان حله ذلك البدر فلو نقلت أرض خطاها لأقبلت ... تهنيه بغداد بقربك أو مصر وله في المعتمد عندما أجاز البحر مستجيراً بأمير المسلمين وناصر الدين: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 يهون علينا مركب الفلك أن يرى ... محيا العلا لما نبا مركب الجرد فجزنا أجاج البحر نبغي زلاله ... وذقنا جنى الشريان نبغي جنى الشهد يذكرنا ذاك العباب إذا طمى ... ندى كفك الهامي على القرب والبعد ومنها: محمد يا ابن الأكرمين أرومة ... ليهنك تشييد المكارم والمجد فلو خلد الإنسان بالمجد والتقى ... وآلائه الحسنى لهنئت بالخلد وله: أجد هوى لم يأل شوقاً تجددا ... ووجداً إذا أتهم الحب أنجدا وما زال هذا الدهر يلحن في الورى ... فيرفع مجروراً ويخفض مبتدا ومن لم يحط بالناس علماً فإنني ... بلوتهم شتى مسوداً وسيدا وله، وكان مولعاً بالخمر: خليلي إني قد طربت إلى الكاس ... وتقت إلى شم البنفسج والآس فقوما بنا نلهو ونستمع الغنا ... ونسرق هذا اليوم سراً من الناس فليس علينا، في التعلل ساعة ... وإن وقعت في عقب شعبان من باس] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 في ذكر ذي الوزارتين الفقيه الكاتب أبي بكر محمد بن سليمان المعروف بابن القيصرة وهو في وقتنا جمهور البراعة، وبقية أئمة الصناعة، وعذبة اللسان العربي، وسويداء قلب هذا الإقليم الغربي، بحر علمٍ لا ينزح، وجبل حلمٍ لا يزحزح، من بعض كور إشبيلية، نشأ في دولة المعتضد، شهر بالعفاف فلزمه، ويسر للعلم فتعلمه وعلمه، وكانت له نفس تأبى إلا مزاحمة الأعلام، والخروج على الأيام، وهو دائباً يغض عنانها فتجمح، ويطأطئ من غلوائها فتتطاول وتطمح، ممتنعاً من خدمة السلطان، قاعداً بنفسه عن مرتبة نظرائه من الأعيان، بين عفة تزهده، وهيبة من المعتضد تقعده، حتى فطن له ذو الوزارتين ابن زيدون، فلم يزل يضرح قذى العطله عن مائه، ويعلي رماد تلك الهيبة عن نار ذكائه، إلى أن نبه عليه المعتضد [48ب] آخر دولته، فتصرف فيها قليلاً على تقية من تلك البقية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وتقشف من ذلك التعفف، إلى أن أفضى الأمر إلى المعتمد، وأحسبه قد كان في أيام أبيه، من بعض من يداخله ويصافيه، فحباه من علاه بنصيب، وسقاه من نداه ببحرٍ لا بذنوب، وأنهضه إلى مثنى الوزارة، وأكثر ما عول عليه في السفارة، فسفر غير ما مرةٍ بينه وبين حلفائه من ملوك الطوائف بأفقنا، حتى انصرفت وجوه آمالهم إلى أمير المسلمين وناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين، رحمه الله، فسفر ذو الوزارتين بينهما مراراً فكثر صوابه، واشتهر في ذات الله مجيئه وذهابه، واضطر المعتمد إليه قريباً من آخر دولته، فعظمت حاله، واتسع مجاله، واستولى على الدولة استيلاء قصر عنه أشكاله، إلى أن كان من خلعه ما كان، فكان ذو الوزارتين أحد من حرب، وفي جملة من نكب. وأقام على تلك الحال، نحواً من ثلاثة أحوال، حتى تذكره أمير المسلمين بما كان عهد من حسن خليقته، وسداد طريقته؛ وقد حدثت أن سبب ذلك الذكر، كتاب كان ورد من صاحب مصر، لم يكن بد من الجواب عليه والإنصاف منه، وتفقد يومئذ أعلام المشاهير، فكان ذو الوزارتين أقرب مذكور، فاستدعاه لحينه، وولاه كتبة دواوينه، ورفع شانه، حتى أنساه زمانه، وقد أثبت من كلامه مما أنشأه في الدولتين، ما يملأ ذكره الخافقين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 جملة من إنشاءاته السلطانيات مع ما يتعلق بها ويذكر بسببها له من رقعة وردت على الجناح بهزيمة الطاغية اذفونش، قصمه الله، يوم الجمعة المشهور، الذي أباد الله فيه عبدة الطواغيت على يدي أمير المسلمين وناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين، رحمه الله، قال فيها: كتبت صبيحة يوم السبت الثالث عشر من رجب، وقد أعز الله الدين، وأظهر المسلمين، وفتح لهم بفضله على يدي مسعانا الفتح المبين، بما يسر الله في أمسه وسناه، وقدره سبحانه وقضاه، من هزيمة أذفونش بن فرذلند، أصلاه الله - إن كان طاح - الجحيم، ولا أعدمه - إن كان أمهل - العيش الذميم، كما قنعه الخزي العظيم، وإتيان القتل على أكابر رجاله وحماته، وأخذ النهب في سائر اليوم والليلة المتصلة به إلى جميع محلاته، وحضور العدد الوافر بين يدي من رؤوسهم، ولم يحتز منها إلا ما قرب، وامتلاء الأيدي مما قبض ونهب، واتخذ الناس هاماتهم صوامع يؤذنون عليها، ويشكرون الله تعالى على ما صنع فيها، والتتبع بعد في آثارهم، وتمادي الطلب من وراء فرارهم؛ والذي لا مرية فيه أن الناجي منهم قليل، والمفلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 من سيوف الهند بسيوف الجوه والبعد مقتول، ولم يصبني بحمد الله إلا جرح أشوى، وعنت رغب حسن المآل عندي وزكى، فلا يشتغل لك بذلك بال، ولا تتوهم فيه غير ما أشرت إليه، والحمد لله على ما صنع حق حمده، وهو أهل المزيد الذي لا يرجى إلا من عنده. قال ابن بسام: وشهر رجب الذي ذكره كان سنة تسع وسبعين. ثم ورد بعد كتاب من إنشائه يشرح جمل هذا الفتح وتفصيله، قال في بعض فصوله: وقد علم ما كنا قبل مع عدو الله اذفونش بن فرذلند، قصمه الله، من تطأطؤنا واستعلائه، وتقامئنا وإنتخائه، وأنا لم نجد لدائه دواء، ولا لبلائه انقضاءً، ولا لمدة الامتحان به فناءً، إلى أن سنى اتلله تعالى من استصراخ أمير المسليمن وناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين، معقلي الأحمى - أيده الله - ما سنى، وأدنى من نأي دياره وشحط مزاره ما أدنى، فلم أزل أصل بيني وبينه الأسباب، وأستفتح إلى ما كنت أتخيل من نصره الأبواب، إلى أن ارتفعت الموانع قبله، وانتهجت السبل القصية له؛ ثم أجاز - على بركة الله وعونه - يريش ويبري، وصار بعد قدماً يخلق ويفري، ويتتبع وجوه الحزامة [49أ] كيفما اتجهت ويستقري، وأنا أنجده بوسعي، وأسعده على حسب ما يطيقه ذرعي، إلى أن صرنا معشر الحلفاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 ببطليوس - حرسها الله - واتفق رأينا بعد تشاورٍ على قصد قورية - حرسها الله - وسمع العدو - لعنه الله - بذلك، فصمد من محتشده إليها في جيوش تملأ الفضاء، وتسد الهواء، وتمنع أن تقع على ما تحت راياته ذكاء، قد تحصنوا بالحديد من قرونهم إلى أقدامهم، واتخذوا السلاح ما يزيد في جرأتهم وإقدامهم، ولما أشرف على جنابها، ولسنا بها، ودنا من أعلامها، ولم يتجه لنا بعد ما أردنا من إلمامها، دعاه تعاظمه إلى مواجهة سبيلنا، وحمله نفجه وتهوره على السلوك في مدرج سيولنا. وفي فصل منها: فدنونا إليه بمحلاتنا - نصرها الله - ثم اضطربناها بازائه، وأطللنا عليه براياتنا حتى كدنا نركزها بفنائه، ورأى - لعنه الله - ما اعتمدناه من إصغاره وإخزائه، فأجمع مضطراً على اللقاء، وقدم بعض أخبيته دهشاً في الرقعة التي كانت بيننا على صغرها من بساط الفضاء، وقد تيقن أنه إن أخذ المسلمون مصافهم، ورتبوا في مواقعهم كوافهم، اصطلم عن آخره جمعه، واجتث أصله وفرعه، فاهتبل فيما قدر غرةً، وحمل ولم يكن - بحمد الله - ما استشعره مرةً، فتنادى المسلمون بشعارهم المنصور، وقبلوا عليه وعلى من معه في حالٍ مؤذنةٍ بالظهور والوفور، فتواقف قليلاً الجمعان، وتجاول ملياً الفريقان، وللسيوف حكمها، ومن الحتوف حدها المفهوم ورسمها، ثم صدق أمير المسلمين وناصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 الدين - أيده الله - الحملة، وصدم في جمعٍ لم يكثر عدد الجملة، فلم يلبث أعداء الله أن ولوا الأدبار، واستصرخوا الفرار، واتبعهم خيل المسلمين - نصرهم الله - بقية اليوم والليلة، تقتلهم في كل غورٍ ونجد، وتقتضي أرواحهم على حالين من كالئ ونقد، ولم يخلص منهم على أيدي المتبعين - آجرهم الله - إلا من سيلتهمه البعد، ويأتي على حشاشته الجهد، وأما محلتهم فانتهبت في أول وهلة، وشربت بأسرها في نهلة. وفي فصل منها: ولم يصب بحمد الله من المسلمين - وفرهم الله - على هول المقام، وشدة الاقتحام، كثير، ولا مات من أعلامهم تحت تلك الجولة إلا عدد يسير، فإن كان اذفونش - لعنه الله - لم يمت تحت السيوف بدداً، فسيموت لا محالة أسفاً وكمداً، ونحمد الله على ما يسره من هذا الفتح الجليل وسناه، ومنحه من هذا الصنع الجميل وأولاه. قول أبي بكر فيما كتب به عن المعتمد يومئذ: " ولم يصبني إلا جرح أشوى " تواتر النبأ أنه جرحت يده في ضنك ذلك المأزق. وقيل في يوم الجمعة أشعار سارت بالمغارب والمشارق؛ أخبرني أبو بكر الخولاني المنجم قال: كتب إليّ أبو عبد الله بن عبادة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 من المرية بقصيدته في صفة يوم اجمعة، فارتفعت إلى المعتمد على يدي، وهي التي يقول فيها: وقالوا كفه جرحت فقلنا ... أعاديه تواقعها الجراح وما أثر الجراحة ما رأيتم ... فترهبها المناصل والرماح ولكن فاض سيل البأس منها ... ففيها من مجاريه انسياح وقد صحت وسحت بالأماني ... وفاض الجود منها والسماح رأى منه أبو يعقوب فيها ... عقاباً لا يهاض لها جناح فقال له لك القدح المعلى ... إذا ضربت بمشهدك القداح [49ب] وفي ذلك اليوم يقول عبد الجليل، ويمدح أمير المسلمين وناصر الدين، رحمه الله تعالى: فثار إلى الطعان حليف صدق ... تثور به الحفيظة والذمام نمي في حمير ونمتك لخم ... وتلك وشائج فيها التحام فيوسف يوسف إذ أنت منه ... كيامن، لا وهي لكما نظام نهجت لسيله نهجاً فوافى ... وفي آذيه الطامي عرام الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 فهيل به كثيب الكفر هيلاً ... وكل رفيغةٍ منه ركام وصاروا فوق ظهر الأرض أرضا ... كأن وهادها منهم اكام عديد لا يشارفه حساب ... ولا يحوي جماعته زمام تألفت الوحوش عليه شتى ... فما نقص الشراب ولا الطعام فإن ينج اللعين فلا كحر ... ولكن مثلما ينجو اللئام وكان اذفونش قد اضطره الخور يومئذ للفرار، فتسنم قنن الجبال الشاهقة والأوعار، إلى أن جنة ثوب الظلام، فنجا منجى الحارث بن هشام، برأس طمرة ولجام، ودخل طليطلة - أعادها الله - مع شرذمةٍ من أتباعه قليلة، وبقية من طائفةٍ لخ مخذولة مغلولة، فوصف ذلك كله عبد الجليل في هذه القصيدة، فقال: فأين العجب يا أذفونش هلا ... تجنبت المشيخة يا غلام ستسألك النساء ولا رجال ... فتخير ما وراءك يا عصام وهذا لفظ أبي فراس في سيف الدولة، وننشد ما قبله لاتصال المعنى به: سلي عني سراة بني كلابٍ ... ببالس عند مشتجر العوالي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 لقيناهم بأسياف قصار ... كفين مؤونة الأسل الطوال تدور به نساء بني قريظٍ ... وتسأله النساء عن الرجال وفي هذه القصيدة يقول كأنه يخاطب أذفونش: أقمت لدى الوغى سوقاً فخذها ... مناجزةً، وهون ما تسام فإن شئت اللجين فثم سام ... وإن شئت النضار فثم حام رأيت الضرب تصليباً فصلب ... فأنت على صليبك لا تلام أنام رجالك الأشقون - كلا ... وهل يحلو بلا رأس منام رفعنا هامهم في كل جذعٍ ... كما ارتفعت على الأيك الحمام سيعبد بعدها الظلماء لما ... أتيح له بجانبها اكتتام ولا ينفك كالخفاش يغضي ... إذا ما لم يباشره الظلام نضا أدراعه واجتاب ليلاً ... يود لو أن طول الليل عام وليس أوان للأيم انسلاخ ... ولكن في ضمائره احتدام وقوله: " سيعبد بعدها الظلماء " ... البيت، كقول المتنبي: [150أ] وكم لظلام الليل عندك من يدٍ ... تخبر أن المانوية تكذب وكقول أبي تمام: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 جفا الشرق حتى ظن من كان جاهلاً ... بدين النصارى أن قبلته الغرب وقوله: " يود لو ان طول الليل عام "؛ من قول المعري، وقصر عنه: يود أن ظلام الليل دام له ... البيت؛ ونقله التهامي نقلاً مليحاً فقال: وتود وجعلت سواد قلوبها ... وسواد عينيها سواد عذار وكانت طوائف الروم، مدة ملوك الطوائف بأفقنا قد كلب داؤهم بكل إقليم، فلاطفوهم بالاحتيال، واستنزلوهم بالأموال، فلم يزل دأبهم الإذعان والانقياد، ودأب النصارى التسلط والعناد، حتى استصفوا الطريف والتلاد، وأتى على الظاهر والباطن النفاد، بما كانوا ضربوا على أنفسهم من الضريبة، إلى ما يتبعها من هديات ونفقات، وشعر العصر، شاهد بالأمر، كقول حسان بن المصيصي يمدح المعتمد ويهون عليه تلك الإتاوات، من جملة أبيات: ولم تطو دون المسلمين ذخيرةً ... تهين كرام المنفسات لتكرما تحيل في فك الأسارى وإنما ... تعاقد كفاراً لتطلق مسلما ما كنت ممن شح بالمال والقنا ... فتكنز ديناراً وتركز لهذما فترسله للصفر أصفر عسجداً ... وإن خالقوا أرسلت أبيض مخذما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 وفي ذلك يقول أبو بكر الداني من جملة قصيدة: في نصرة الدين لا أعدمت نصرته ... تلقى النصارى بما تلقى فتنخدع تنيلهم نعماً في طيها نقم ... سينضر بها من كان ينتفع وقل ما تسلم الأجسام من عرضٍ ... إذا توالى عليها الري والشبع لا يخبط الناس عشوا عند مشكلةٍ ... فأنت أدرى بما تأتي وما تدع وهذا مدح غرور، وشاهد زور، وملق معتف سائل، وخديعة طالب نائل، وهيهات!! بل حلت الفاقرة بعد بجماعتهم " حين أيقن النصارى بضعف المنن، وقويت أطماعهم بافتتاح المدن، واضطرمت في كل جهة نارهم، ورويت من دماء المسلمين أسنتهم وشفارهم، ومن أخطأه القتل منهم فإنما هو بأيديهم سبايا، يمتحنونهم بأنواع المحن والبلايا، حتى دنوا مما أرادوه من التوثب، وأشرفوا على ما أملوه من التغلب ". وحصلت مدينة قورية وسرتة أولاً في يد العدو، إلى عدة حصونٍ وقلاع، كلها في غاية من الحصانة والامتناع، ثم لم يزل التخاذل يتزايد، والتدابر يتساند، حتى حلت الفاقرة، وقضيت القضية، وتعجلت البلية، بحصول مدينة طليطلة في أيدي النصارى، وذلك في سنة ثمان وسبعين، وهي من الجزيرة كنقطة الدائرة، وواسطة القلادة، تدركها من جميع نواحيها، ويستوي في الأضرار بها قاصياً ودانيها. وفي ذلك يقول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 بعض الشعراء: حثوا مطاياكم عن أرض أندلسٍ ... فما المقام بها إلا من الغلط [50ب] فالثوب ينسل من أطرافه وأرى ... ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط ولعمري لو قضى بالسماع على العيان، واستغنى بالإقناع عن البرهان، واطمأن قلبه إلى التمويه، وقد رآه محضاً لا شك فيه؛ لكان كلام الداني أبي بكر، في ذلك المعنى المتقدم الذكر، برتبة ذلك أليق، وفي حلبته أجمح وأسبق، حتى لو سمعه الحارث بن هشام، لعلم أنه ثد ترك في حمد المذموم، ومعارضة الصحيح بالسقيم، طلقاً شاسعاً، ومجالاً واسعاً. وأول من حسن الفرار، فما وقع ولا طار، الملك الضليل حيث يقول: وما جبنت خيلي ولكن تذكرت ... مرابطها من بربعيص وميسرا ثم تتابع الشعراء في خدع العقول، بالتمويه المستحيل، فمن محسنٍ برز، ومن مقصر عجز، ومن أحسن ما ورد في ذلك قول حسان: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 نوليها الملامة إن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء ونشربها فتتركنا ملوكاً ... واسداً ما ينهنهنا اللقاء الأبيات، حتى قال الحارث بن هشلام قطعته في حسن الفرار، التي صارت نهايةً في العجب، وشهادةً في تحسين نتائج الهرب، وهي قوله: الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علوا فرسي بأشقر مزبد ونشيت ريح الموت من تلقائهم ... في مأزق والخيل لم تتبدد وعلمت أني إن أقاتل واحداً ... أقتل، ولا يضرر عدوي مشهدي فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعاً لهم بعقاب يومٍ سرمد وسمعها بعض العجم فقال: قاتلكم الله معشر العرب، حسنتم كل شيءٍ حتى الفرار. ومن أسحر ما ورد في ذلك للألباب، وأخدعه عن الصواب، قول ابن الرومي في سوداء، وقد تقدم في ما مر من الكتاب: أكسبها الحب أنها صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق إلى ما لا يحصى عدده، ولا يستقصى أمده. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 ومن المشاهد أيضاً على ما تقدم من الأوصاف رقاع رأيتها تكتب يومئذ بأحد بيوت الأشراف، خوطب بها العمال، في استعجال قبض تلك الأموال، منها رقعة عن المعتمد قيل فيها: الحال مع العدو - قصمه الله - بينة لا تخفى، ومداراته - ما لم تمكن مضاهاته - أولى وأحرى، والتزم له في الصلح المتفق عليه جملة مالٍ رسم عليك منه - بعد النظر لحالك، والتحاشي من الإجحاف بمالك - كذا؛ فعجل النظ فيه، وابعثه بكتاب تجاوب على ظهره بوصوله، وبحسب تعجيلك أو تأخيرك يكون الاستدلال على طيب نفسك، وصدق ضميرك، فتدارك بالمشاركة في هذا الخطب الملم المهم الذي لا محيد عنه، ولا بد منه. وأخرى خوطب عنه بها قواد البلاد في هذا المعنى: الحال مع العدو - قصمه الله - بينه لا تحتاج إلى جلاءٍ ولا كشف، معروفة لا تفتقر إلى نعتٍ ولا وصفٍ، ومن لا يمكن مقاواته ومخاشنته، فليس إلا مداراته وملاينته. وكان - فل الله حده، وفض جنده - قد اعتقد الخروج في هذا العام إلى بلادنا - عصمها الله - بأكثف من جموعه في العام الفارط وأحفل، وأبلغ في استعداده وأكمل، إلا أن الله تعالى يسر من إنابته إلى السلم ما يسر، ونظر لنا من حيث لا نستطيع أن ننظر، ووقع [51أ] الاتفاق معه على جملةٍ من المال تقدم إليه، ونستكف بها الشر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 المرهوب لديه، فكم حالٍ كانت بخروجه تتلف، ونعمةٍ بأيدي طاغيته تنتسف؛ والرعية - حاطها الله - في هذا العام على ما يقتضيه ما عم البلاد من الفساد، وشملها من جائحة القحط والجراد، وتكليفها أداء شيء من المال الذي التزم مرتفع، وأخذها بالمعونة على ما ناب ممتنع، فلم يبق إلا أن نميل بهذه الكلفة على الخدمة ميل العموم، ونجريهم فيها على أحسن مجاري التحرير والتقويم، وهي حال تقتضي من كل من أحسن التأمل المعونة فيها، والمبادرة بحسب طاقته إليها، وقد أدرجت طي رقعتي هذه قنداقاً تسمى الخدمة قبلك فيه، ورسم على كل واحدٍ منهم ما توجبه حاله وتقتضيه، فتقدم في ما نصصته من الحال إليهم، وكلمهم بما يخفف الحال عندهم ويسهلها لديهم، ولتقبض ذلك كله في أعجل ما يمكن، فالحاجة إليه وكيدة، والضرورة حافزة شديدة. قال: ولما كلب العدو - قصمه الله - في ذلك التاريخ، وأعضل داؤه، وجعل يطأ بلاد المسلمين، آمناً لا يخاف، وآنساً لا يستوحش، مقدماً لا يكع، ومجترئاً لا يرتدع، ينزل بساحات القواعد الرفيعة، والقلاع المنيعة، فيعفي الآثار، ويستبيح الدمار، ويهتك مصون الأستار، ورمت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 لها الأنوف، واستعذبت معها الحتوف، وحميت منها النفوس الأبية، والعدو في كل ذلك ثلج الفؤاد، رابط الجأش، لا يرقب سنان دافع، ولا يبدو له وضح سيف مدافع، لأن أكثر ملوك هذا الإقليم، كانوا يداخلون طوائف الروم، ويكتري كل واحد منهم عسكراً بجملة من المال، يخرجه إلى بلد كاشحه، ويسلطه على معانده ممن يجاوره من البلاد، حسداً له وطمعاً في بلده أن يصير طوع يده، فكانت نيران الفتنة بينهم مشتعلة، والرعية مهملةً، لأن جملة غلاتهم، وجميع اعتمالاتهم، كانت تتلف بأيدي تلك الطواغيت، الخارجة إليهم في أكثر المواقيت؛ وما كان يفلت من الخراب يغرمونهفي المغارم، وما يجشمونه من المجاشم، فقطعوا أيامهم بقرع الظنابيب، وشرع الأنابيب، نكايات قعدة، لا نكايات مردةٍ، إذ كان كل واحد منهم يختفي عن قرنه بقصره، ويطيل الهز لسيف غيره، ويسله على جاره، حتىغدا ذلك السيف مسلولاً عليه، كما قال أبو تمام: عبأ الكمين له فظل لحينه ... وكمينه الملقى عليه كمين لأن النصارى لما اطلعوا على عوراتهم، زحفوا بطوائفهم إليهم، ولما لم يبق إلا نفس خافت ورمق زاهق، ورأى المسلمون أنهم بالجزيرة على طرف، وفي سبيل تمام وتلف، استصرخوا أمير المسلمين وناصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 الدين، أبا يعقوب يوسف بن تاشفين، رحمه الله، فأجاز إلى جزيرة الأندلس في صدر سنة تسع وسبعين، وبادر بنفسه وجماعته عجالاً، وتداركوها ركباناً ورجالاً، ونفروا نحوها خفافاً وثقالاً، والنجح يقدمهم، والفلج يصحبهم، فكان من الفتح يوم الجمعة المؤرخ ما كان: صرع الله فيه عبدة الطواغيت، ووفد عليه عوضاً من آلاف دنانير الأموال، ضعفهم من الفرسان الأبطال، ففي ذلك يقول عبد الجليل من جملة قصيدة: أتنكر العجم أن العرب سادتها ... وتشهد البيض والخطية السمر لما تعارض دون الشكر كفرهم ... عادت بوادر فيهم تلكم البدر وهب عن كل دينار لهم بطل ... كالخالص التبر مسبوك ومختبر فليقلبوها ألوفاً من أسود وغىً ... تزكو على السبك لا جبن ولا خور وليرقبوا من أمير المسلمين ومن ... مؤيد الدين ليلاً ما له سحر [51ب] لم يهشموا الثغر إذ عاثت أكفهم ... لو يعقلون ولكن تلكم الثغر وليس ما غيروا إلا لأنفسهم ... كأنما نبهوا إذ نامت الغير قوله: " وهب عن كل دينار لهم بطل " ... البيت، نبهه على هذا المعنى المتنبي بقوله: ولو كنت في أسر غير الهوى ... ضمنت ضمان أبي وائل فدى نفسه بضمان النضار ... وأعطى صدور القنا الذابل ومناهم الخيل مجنونةً ... فجئن بكل فتىً باسل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وفي يوم الجمعة يقول أيضاً ابن جمهور من جملة قصيدة: لم تعرف العجم إذ جاءت مصممةً ... يوم العروبة أن اليوم للعرب وهذا ينظر إلى قول أبي تمام: لئن كان نصرانياً النهر آلس ... لقد وجدوا وادي عقرقس مسلما وفي ملوك الأندلس يقول أبو الحسن ابن الجد يمدح أمير المسلمين وناصر الدين، رحمه الله: في كل يوم غريب فيه معتبر ... نلقاه أو يتلقانا به خبر أرى الملوك أصابتهم بأندلس ... دوائر السوء لا تبقي ولا تذر قد كنت أنظرها والشمس طالعة ... لو صح للقوم في أمثالها النظر ناموا وأسرى لهم تحت الدجى قدر ... هوى بأنجمهم خسفاً وما شعروا وكيف يشعر من في كفه قدح ... تحدو به مذهلات الناي والوتر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 صمت مسامعه عن غير نغمته ... فما تمر به الآيات والسور تلقاه كالعجل معبوداً بمجلسه ... له خوار ولكن حشوه خور وحوله كل مغتر وما علموا ... أن الذي زخرفت دنياهم غرر فقل لمن نام أصبحت، انتبه، فلقد ... مضى لك الليل بحتاً وانقضى السحر وانظر إلى الصبح سيفاً في يدي ملكٍ ... في الله من جنده التأييد والظفر يرعى الرعايا بطرفٍ ساهرٍ يقظ ... كما رعاها بطرف ساهرٍ عمر ردوا موارد قد أوردتم حنقاً ... بها الأنام ولكن ما لكم صدر كأنني بكم قد صرتم سمراً ... وما لكم في الورى عين ولا أثر أمانكم قبل موتٍ سوء فعلكم ... وكيف بالذكر إذ لم تحسن السير رجعت إلى إيراد فصول من ترسيل ذي الوزارتين المذكور فصول من رقعةٍ كتبها عنه إلى صاحب القلعة، قال فيها: ورد كتابك الذي أنقذته من وادي منى منصرفك من الوجهة التي استظهرت عليها [52أ] بأضدادك، وأجحفت فيها بطارفك وتلادك، واخفقت من مطلبك ومرادك، فوقفنا على معانيه، وعرفنا المصرح به والمشار إليه فيه، ووجدناك تتجني وتثرب على من لم يستوجب التثريب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وتجعل سيئك حسناً، ومنكرك معروفاً، وخطأك صواباً بيناً، وتقضي لنفسك بفلج الخصام، وتوليها الحجة البالغة في جميع الأحكام، ولم تنأول أن وراء كل حجةٍ أدليتها ما يدحضها، وإزاء كل دعوى أبرمتها ما ينقضها، وتلقاء كل شكوى صححتها ما يمرضها، ولولا استنكاف الجدال، واجتناب تردد القيل والقال، لنصصنا فصول كتابك أولاً فأولا، وتقريناها تفاصيل وجملاً، وأضفنا إلى كل فصل ما يبطله، ويخجل من ينتحله، حتى لا يدفع لصحته دافع، ولا ينبو عن قبول أدلته راءٍ ولا سامع، ولا يختلف اعترافاً به دانٍ ولا شاسع. وفي فصل منها: وننشدك الله الذي ما تقوم السماء والأرض إلا بأمره، ألم نكن عندما نزغ الشيطان بينك وبين أبي عبد الله محمد بن يوسف، رحمه الله، وفاقم الشنآن، قد توفرنا على ما كان بالحال من إقلاق، وتأخرنا عما كانت النصبة تستقدم إليه من بدارٍ أو سباق، ولم نمد الجهة حق إمدادها، ولا كثرنا فوق ما كان يلزم من جماهير أعدادها، ولا عدلنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 عن جهاد المشركين، ولا أقبلنا إلا على ما يحوط حريم المسلمين، رجاء أن يثوب استبصار، أو يقع إقصار، وأنت خلال ذلك تحتفل وتحشد، وتقوم بحميةٍ وتقعد، وتبرق غضباً وترعد، وتستدعي ذؤبان العرب وصعاليكهم من مبتعد ومقترب، فتعطيهم ما في خزائنك جزافاً، وتنفق عليهم ما كنزه أوائلك إسرافاً، وتمنح أهل العشرات مئين وأهل المئين آلافاً، كل ذلك تعتضد بهم، وتعتمد على تعصبهم لك وتألبهم، وتعتقد أنهم جنتك من المحاذير، وحماك دون المقادير، وتذهل عما في الغيب من أحكام العزيز القدير. ونحن أثناء ما فعلت، وخلال ما عقدت وحللت، نؤم العدو - قصمه الله - فنجبهه ونكافحه، فنقدعه ونناطحه، ونتحفه من أقطاره، ونغزوه بدءاً وتعقيباً في عقر داره، إلى أن استجمعت أخيراً واستجشت، وترجعت إلى عرفانك وأجهشت، ولولا ماؤك الذي ثمدوه، وشارفوا إلى أن يستنفدوه، ما أووا لشكواك، ولزادوك ضغثاً على إبالة بلواك، وإنك لمتداوٍ منهم بسمٍ، ومستريح إلى غم، فبلغت معهم ما بلغت، وأرغت بهم ما أرغت، واستقبلتنا بما أثبت عن العدو ولقد أخذناه بمخنقه، وأضفنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 أنشوطة وهق الخزي على عنقه، وأشفى على انقطاع ذمائه ورمقه، ففرجت عنه كربة لم يظنها تنفرج، ونهجت له منها وجه مخلص لم يحسبه ينتهج، وأخليت وجهه لأذى المسلمين يبدئه ويعيده، وبسطت فيهم يده وكانت في جامعة تقصره عما يريده، ولو أن صاحب رومة المشتمل معه بعباءة الكفر والشرك، المنتحل ما ينتحله من كلمة الزور والإفك، يكون مكانك من جوارنا، ويصاقب كما صاقبت قاصية دارنا، ما أتى من نصره فوق ما أتيت، ولا تولى من انتشاله، والسعي ف استقلاله، إلا بعض ما توليت، ولا أنحى على المسلمين من مضاره إلا بدون ما أنحيت، ولا بغاهم خبالاً بأكثر مما بغيت. وما في تلك الجزيرة - عصمها الله - من صالحٍ ولا طالح إلا ما يعرضك على الله تعالى، ويرفع إليه فيك عقيرته بالشكوى، وكل ما سفك من دم، وانتهك من محرمٍ، واستهلك من ذمم، فإليك منسوب، وعليك محسوب، وفي صحيفتك مكتوب، وموعد الجزاء غداً وإنه لقريب، فانظر ما أنجح أثرك، وأربح متجرك، وأصلح موردك ومصدرك. وله من أخرى عنه إلى الفقيه قاضي الجماعة [52ب] بقرطبة أبي عبد الله بن حمدين: وصل كتابك فوقفنا على معانيه، وأحصينا المجمل والمفضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 مما ذكرته فيه، والذي أومأت إليه من أن الأمر الذي وليته ذو شغوب مشغبة، واشغال على محاولها صعبةٍ، حق لا امتراء فيه، ولا غطاء عليه من محصليه، ولذلك ما اختير له، على وجه الزمان، أهل المنن من أولي الديانة والصيانة، الذين نرجو أن تكون منهم محسوباً، وفي صدر ديوانهم مكتوباً، فاستهد الله يهدك، واستعن بالله يعنك في صدرك ووردك، وتول القضاء القضاء الذي ولاكه الله بجد وحزم، وجلد وعزم، وأمض القضايا على ما أمضاها الله تعالى في كتابه وسنة نبيه، ولا تبال برغم راغم، ولا تشفق من ملامة لائم، وآس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع قوي في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، ولا يكن عندك أقوى من الضعيف حتى تأخذ الحق له، ولا أضعف من القوي حتى تأخذ الحق منه، وانصح لله تعالى ولرسوله عليه السلام، ولنا ولجماعة المسلمين. وقد عهدنا إلى جماعة المرابطين أن يسلموا لك في كل حق تمضيه، ولا يعترضوا عليك في قضاء تقضيه، ونحن أولاً وكلهم آخراً مذ صرت قاضياً، سامعون منك، غير معترضين في حق عليك، والعمال والعرية كافةً سواء في الحق، فإن شكت إليك بعامل وصح عندك ظلمه لها، ولا يتجه في ذلك عمل غير عزله، فاعزله، وإن شكا العامل من رعية خلافاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 في الواجب فأشكه منها وقومها له، ومن استحق من كلا الفريقين الضرب والسجن فاضربه واسجنه، وإن استوجب الغرم في ما استهل فأغرمه، واسترجع الحق شاء أو أبى من لدنه، والأمر في استكفاء من يكفيك، ويغني في بعض الأمور عنك، إليك، ولا نشير بشيء عليك، وتصرفك أحياناً في إصلاح صنعتك وترقيح معاشك، غير مضيقٍ عليك فيه، فاعلمه. وله من أخرى عن المعتمد إلى ابن صمادح: إنما أشاركك - أيدك الله - في النعمة بأسوغها، وأطالعك في الهمة بأبلغها، لما أعلمه علم اليقين، وأتوسمه توسم الصبح المبين، إنك بكريم عهدك، وسليم ودك، تأخذ من ذلك بالحظ الأوفى، وتضرب في الارتياح له بالقدح المعلى، وأنفذته من حصن لييط - سها الله مرامه، وأعاد إلى يد المسلمين زمامه - وقد جرى بين فرسان من النصارى وبين سرعان من الجند - نصرهم الله - عند إطلالي عليه تناوش أطمع فيهم، ودل بأنه قد سقط في أيديهم، ثم صوبحوا يوم كذا بالحرب، وكوفحوا إلى أخرة بالغرب، بالطعن والضرب، وانصرفوا ولاذوا بالانجحار، واحتجزوا بالجدران والأسوار، ولم يكن واحد منهم يثور إلا إلى حمام، ولا يبدي جارحة إلا إلى سهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 رام، وفي خلال ذلك ما أمرت بشربهم فغورت منابعه، وقطعت مشارعه، وحصلوا منا ومن العطش تحت محاربين: ظاهرٍ وباطن، وعرضةً لمجاولين: مستترٍ وعالن. وغير ذاهب على أحد ما تقتضيه هذه الحال المبهجة بما يخالفها على علو كعب الإسلام، وينصب على الشرك وأهله من سوء الانتقام، بعد البلوغ من الشكر لله تعالى إلى الغاية القصوى، من اختصاص أمير المسلمين وناصر الدين، أبي يعقوب حليفنا الأعز - أيده الله - بقسمٍ من الشكر وافر، وحظ من الثناء والنثر ظاهر، فإنه الذي نهج بنفسه الكريمة - سناها الله - هذه السبيل، وتجشم فيها المجاشم حتى أذل من المشركين العزيز وأعز من المسلمين الذليل، ثم لم يشغله - دام تأييده - عن صلة أيدينا بعد ذلك أمر، ولا ثناه عن النظر لنا عذر. وفي فصل منها: وكان نفوذي إليها من لورقة بعد أن تملكت قصابها، وتولجت على ما اقترحت أبوابها، وكان تخلي سعد الدولة أبي الأصبغ ابن لبون عنها على أفضل حال وأجمعها، بما [53أ] شئت من إلطاف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 وإجمال: ياسر وتساهل، وتقاصر حيث كان له أن يتطاول، رأياً أدرك منه على صغره، وقصر ما قطعه من مسافة عمره، ما يعجز عنه الكهل المجرب، ويقصر دونه الحول القلب. وتأملت ذلك منه - أبقاه الله - حق التأمل، ونظرت إليه بعين الملتفت المحصل، فوفيته الجزاء، وسرت معه حسبما سار معي إلى ما شاء، فحصل لي من الناحية ما لا يضاهى معقلاً وبسيطاً، وعاد الشمل محوطاً والأمر مبسوطاً، والعاجز الكاسل حازماً نشيطاً، ورجع الضيق بها سعة، والهرج بحمد الله دعةً. ومن جواب ابن صمادح، من إنشاء ابن الوكيل كاتبه: إلى مخاطبتك - أيدك الله - تسكن النفس، وبمطالعتك يتمكن الأنس. فما تزال - والله يعلي كعبك، ويجعل الأيام والليالي أنصارك وحزبك - تطلع من الاهتبال، في وفق الإجمال، ما يبدو ويتبين مع البكر والآصال - لا أعدمك الله معلوةً تبديها، ومنقبةً تنافس همم الكرام فيها -. وورد كتابك مفتتحاً بما كان من صنعه تعالى الكفيل، وبلائه الجميل، ومنه المتتابع الموصول، في احتلالك بلييط - يسره الله، وأحل الهلاك بمن احتواه - وما كان من ذلك التناوش الذي أبدى مخايل الاعتلاء، وأذن بالملك والاستيلاء، ولا شك أن من سعى لله وحده، ولم يرد الظفر والظهور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 إلا بما عنده، أن حزبه منصور، وماله موصول بها التسهيل والتيسير، والحمد لله تعالى على ما منح متعين، وموضع الضراعة إليه في الازدياد ظاهر بين، على ما أولى من نعم، أظهرت الإسلام بعد خمول، والشكر له على قسمٍ، أعزت الدين وقد كان جد ذليل. وتوجه على ما ذكرت شكر أمير المسلمين وناصر الدين أبي يعقوب، حليفنا الأعز - أيده الله - على ما أجرى إليه بدءاً من الخفوف بنفسه النفيسة - نسأها الله - وما اعتمده عوداً من الاهتبال الذي توخاه، فهو الذي نهج السبيل، وبرد اللوعة والغليل، وأعاد الحزب اللعين بعد عزته الحقير الذليل. ورأيت - أراك الله مناك - أن حركتك الميمونة كانت إلى هناك من لورقة بعد أن تملكت قصابها، وتولجت على اختيارك أبوابها، على الصورة التي وصفتها، من متابعة أهلها، وانطياع من فيها، نعمة يعلم الله تعالى أن نصيبي منها النصيب الأوفر، وذنوبي منها الذنوب الأكبر، وكل نعمة أناخت بجنابك، وحطت رحلها ببابك، فإني فيها الخليط المساهم، والمشارك المقاسم، على ما يقتضيه الإخاء، ويستدعيه الانتظام والصفاء. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وله من أخرى عنه: قل ما ينفع صلاح الظاهر إذا فسدت الدخلة، ولا يغني اندمال الخارج ما كانت العلة، وكتابي هذا يوم كذا وفي ليلة طلع علي الخبر بما يستغربه من غدر أهل فلانة لي، وعقد السلم بيننا لم يجف مداده، وعهد التواثق لم يكد ينفصل أشهاده، فانظر فعلهم ما أقبحه، وتأمله فما أفضحه، واعلم أن غائلتهم لا تطفأ أبداً نائرتها، ولا يؤمن على حالٍ ثائرتها. وله عنه من أخرى، إثر دخول ابن عكاشة قرطبة، وقتله لابنه عباد، وقد وجدت هذه الرقعة في بعض التعاليق منسوبة لابن الباجي: كتبت على أثر النازل الشنيع، والرزء الفظيع، الذي صدع كبدي، وفت في عضدي، وأثكلني من كان القرة لعيني، ما جرى على الفقيد الشهيد عباد ابني مجلك - كان - رحم الله مصرعه، وبرد مضجعه، وقتل قاتليه، ووفر لي أجر المصاب فيه. وشرح هذه الفاجعة، والقاصمة الهاجمة: تسببت من مثابرة العدو المبين المفتون، جاري الذميم الجوار القبيح الآثار، ومجاهرة الفاسق المعروف بابن عكاشة، دليله في سبيل التسلط والعدوان، وسهمه إلى أغراض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 التمرد والطغيان، على السعي الخبيث الذي لا يصر على مثله إلا منحرف عن الملة، منسلخ عن [53أ] الخبر بالجملة، طلب الغرة في قرطبة حتى أصابها، وارتقب الفرصة حتى ولج بابها، ليلاً في زمرة من أخابيث أصحابه، بعد أن هيئ له فتحه، ودخل المدينة، وصادف السرب آمناً غريراً، والعدد قليلاً نثيراً، ويمم موضع المطهر بالشهادة، فنذر بهم وخرج مطالعاً للأمر، فلم يبعد أن غشيه المردة فثبت لها مدافعاً عن نفسه حتى أفيظت - رحم الله موقعه فريداً مسلماً، وأقره في جواره العزيز سعيداً مكرماً. ثم عاث المذكور في البلد، واستثار أشباهه من السفلة الأراذل، في استباحه المنازل، فأجابوه وانضمو إليه، وصار جمعه منهم وبتوت أمره بهم، وأما سائر الأعلام والأسواط فرءاء من هذه القصة، ناؤون عن المشاركة في هذه الدنية، بغتهم من الحال ما لم يعلموا، ففوضوا وسلموا؛ وبادرت إلى عرض ما وقع على فضل تأملك، لترى جد هذا العدو المطالب، المشاق المناصب، وإكبابه على التسلط والتمرد، إلى أن انتهك الحرمة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 ووتر في الولد، غير مبال ببعيد ولا قريب، ولا ممسكٍ مخافة إنكارٍ، ولا تثريب، والرب لبغيه بالمرصاد، والقاطع بأمله في الانبساط والازدياد. ذكر الخبر عما دار به نجم قرطبة يومئذ، من ثعلب ابن ذي النون عليها، وعودة المعتمد بعد إليها قال ابن بسام: قد قدمت من عجب المعتمد بذاته، وتوفره - كان - على لذاته، وتقديره أنه يضبط أزمة البلاد، ويملك رقاب العباد، وخيله في الأجلال،وكأسه في يد الساقي المختال، على مكانه من العلم، ووفور حظه من الحلم، ما فيه كفاية لمن استغنى، وآية لمن تدبر واجتلى. وعندما أخرج قرطبة من أيدي بني جهور، في خبر قد شرح في القسم الأول وفسر، ولاها ابنه عباداً، وكان محش حربٍ، ونشأة طعنٍ وضرب، فتىً لا يبالي من لقي، ولا إلى أي شيء دعي، عاجم ابن ذي النون في بعض نهداته إلى قرطبة، وجيشه قد ملأ الفضاء، وفات الإحصاء، ففل أجناده، واستباح طارفه وتلاده، ونجا ابن ذي النون منجى أبي نصر، بعد ما أعطى على القسر، وترجح بين القتل والأسر، لا يحفل بما أخر، ولا يلوي على من تعذر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 غير أن المعتمد لما تهيأت له على ابن ذي النون الجسرة، وأمكنته منه تلك الغرة، أدار أمر قرطبة، وأميرها ابنه، على أحد عبيده المتجندين، محمد بن مرتين، وكان شهاباً لا يصطلي بناره، وأسداً لا يستقر على زاره، إلا أنه كان من الإدلال ببأسه، والإهمال لنفسه، والإقبال على كيسه وكأسه، والغفلة عن عادة الله في جنسه، آيةً من آيات الله الذي وكله إلى سوء القدر، وقتله بيد أضعف البشر، أحد الرجالة المتلصصين، والدائرة المتمردين، المتصرفين في صغار المهن، النابتين في مدارج سيول الفتن، رجلٍ كان يعرف بابن عكاشة، لم تكن له سابقة قديمة، ولا نباهة معلومة، فراشة طارت حول نار الفتنة المبيرة، المهتكة لمحارم هذه الجزيرة، فترقى من سكنى الشعاب، والسكون إلى الذئاب، وانتهاز الفرصة إن أمكنته في الطارق المنتاب، إلى تسنم المعاقل، وتدبير الأمور الجلائل، وأذكاه ابن ذي النون عيناً على قرطبة، في أحد الحصون المصاقبة لها، وأبعد آماله كانت إخافة سبلها، وتحيف عملها؛ وكان إحدى الأعاجيب ذكاء لبٍ، وصرامة قلب، وتقدماً إلى ضرب، لا يحل إلا ريثما يرحل، ولا يقول إلا بعد ما يفعل، وابن مرتين في خلال ذلك خال بشيطانه، ساع في شانه، بين بطالته وطغيانه، كلما حدث عن ابن عكاشة بغرةٍ اهتبلها، وأشير عليه في أمره بنصيحةٍ كي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 يقبلها [54أ] أعرض عن الصادق الخبير، ودفع في صدر الناصح المشير. حدثني من أثق بخبره، ممن كان بعض أبواب قرطبة يومئذ إلى نظره، أن ابن عكاشة كان يسري تحت الليل إلى أحد حراسها فيخرج إليه بعض مردتها، فيطعمهم ويسقيهم، ويدبر كيف يفتح البلد على أيديهم، ويوليهم الأعمال ويقطعهم النفوس والأموال، فأخبر بذلك عباد بن المعتمد، فقال له: الق ذا الوزارتين الأعلى ابن مرتين، وكان لا يستبد عليه، ولا يقطع أمراً إلا بين يديه، فأدى ما كان عنده من ذلك إليه، فأظهر السرور، ووعد الجد والتشمير، وقال له: تقدم إلى فلان وفلان، جماعةٍ كانت بالحضرة من الأعيان، فليكونوا عندك في العدد الوافر، والسلاح الظاهر، فأمرهم عنه فأتمروا، وتقدم إليهم بالحضور فحضروا: في ليلةٍ من جمادي ذات أنديةٍ ... لا يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا وأقاموا منتظرين لأمره حتى بدا النور، وتكلم العصفور، وهو مشغول بجر ذيوله، وعصيان عذوله، فيئسوا من نصره، وجعلوا بعد يلحدون في أمره، وتم لابن عكاشه تدبيره، واستوسق له عبيره ونفيره، فانتهك حرمة قرطبة، سنة سبع وستين، في شرذمةٍ قليلة، وشباةٍ كليلة، معلنين بشعارهم، متلبثين بين تغريرهم واغترارهم، لم تكن لهم همة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 إلا دار عباد، فثار إليهم عندما أحس بهم ولا أهبة إلا إقدامه، ولا صاحب إلا حسامه، فجادلهم بالسيف صلتاً، حتى أذاقوه الموت بحتاً؛ ثم نهدوا إلى دار ابن مرتين وهو في منزل راحته، غافلاً عما نزل بساحته. ذكر أنه كان ساعتئذٍ يلعب بين يديه بالكرج، فعول على الفرار، واستتر مديدةً في بعض الأقطار، حتى انفضت أيامه، وعثر عليه حمامه، أخرج من قرطبة كأنه يحمل إلى ابن ذي النون، وقد تقدم إلى حملته، فطووا خبره، ومحوا أثره. وبات ابن عكاشة ليلته يطرق دور الأعيان من أهل قرطبة، يتودد إليهم، ويعرض نفسه عليهم، فمن أجابه قبله، ومن أبى عليه لم يعرض له؛ وأصبح قد انضاف إليه من بني المحن، وطغام الفتن، من منع منه، وحسم الأطماع عنه. ودعا الكافة إلى المسجد الجامع فأتوه خفافاً وثقالاً، وبايعوه بطاءً وعجالاً، وانثالت إليه طوائف الأمداد، وقواد الأجناد، فانتظم له الأمر، واستوسق له المصر، ولحق ابن ذي النون بعد ذلك وهو يرى أنه قد وطئ صلعة النسر، وأخذ بمخنق الدهر، أملاً طالما عللته به المطامع، وهزته إليه المضاجع، ولم يزل في يوم دخوله قرطبة يعمل الحيلة في إقصاء ابن عكاشة من دولته، وإخراجه عن جملته. بلغني أنه دخل على ابن ذي النون يوماً، وقد رفل في الشارة، وتقلد مثنى الوزارة، فرحب به وأدناه، وهش إليه وناجاه، فلما خرج تنفس الصعداء، وأتبعه نظرةً شوهاء، وهينم بكلمةٍ عوراء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 فكأن بعض الحاضرين أنكر عليه وجعل يطري ابن عكاشة، ويذكر حسن بلائه، وينبه على مكانه من الدولة وغنائه، فلما أكثر قال له ابن ذي النون: دع عنك، من أجترأ على الملوك لم يصلح للملوك. ثم لم يلبث ابن ذي النون إلا شهراً لم تتعب كف العاقد، ولا أطالت غم الحاسد، حتى أتي من مأمنه، أغبط ما كان بسيئه وحسنه، وسقاه السم الوحي - زعموا - بعض ثقاته، فاستقل بجسده تابوته، وطار به إلى طليطلة جنه وعفاريته، وخلا وجه قرطبة بعد ذلك للمعتمد وعاد إليه ملكها، وانتظم في يديه سلكها، وأخذ بثار ابنه عبادٍ بقتله لابن عكاشة فلم يكن كما قال دريد بن الصمة: قتلنا بعبد الله خير لداته ... ذؤاب بن أسماء بن زيد بن قارب ومما كتب عن المعتمد بعود قرطبة إليه، وقتل ابن عكاشة على يديه رقعة منها: وأنفذته عندما عادت الحضرة إلى يدي، وانتظمت ببلدي، على صورةٍ من التيسير ضاعفت [54ب] حسن مواقع العارفة بها، وبشرت بلواحق النصر المترادف بعقبها، وذلك أن أهلها الصادقة في محبتنا أهواؤهم، المتفقة على طاعتنا آراؤهم، لم يزالوا على مثل الجمر تقلباً مما جرى قبل على غير اختيارهم، وتوجعاً لما كان انقضى علينا في جوارهم، نابين عمن ولي أمرهم بعدنا، مستقصرين لشانه عندنا، إلا النفر اليسير، والتافه الحقير، من سفهائهم الذين سببوا تلك الوهلة، وظاهروا على تلك الغفلة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 ولم يكن لهم أولاً علم بما سدوه وألحموا، ولا ضوا آخراً بما جنوه وارتكبوا فتحركت من وقتي، ولم أكد أطل على أفقهم إلا والإشارة علينا، بأثوابهم إلينا: أن أقدموا وصمموا، فاقتحمت من النهر مخاضةً توازي الربض الشرقي منها، وثار أهلها معي، داعين بشعاري، معلنين بانتصاري، وكلمة ثاري، يكسرون بين يدي كل غلق يعترضني، ويفتحون كل مرتج يتنصب دوني، وأحس ابن عكاشة ومن معه من الشيعة المفلوجة بمكاني ففروا بأرواحهم، وألقوا ما كان معهم من سلاحهم. وقد كنت أحطت بنواحي الحضرة خيلاً ترصدهم، وتقطع من النجاة سببهم، فوقعوا فيها وأتى على آخرهم، وسبق إليّ رأس ابن عكاشة؛ وكان الحبيب إليّ، أن يمثل بين يدي، فأبسط له من العذاب ما كان أشفى لنفسي، وأثلج لصدري. وفي هذا الفتح أنشده حسان بن المصيصي قصيدته التي يقول فيها، ووصف إشارة الناس يومئذ من سور المدينة: وليسوا بغرقي قد أشاروا لساحلٍ ... ولكنهم غرقى أشاروا إلى بحر وله عنه من أخرى إثر فتح مرسية على يدي ابن عمار، وإخراج بني طاهرٍ منها: لم يغب عنك من مجرى الحال بمرسية وجه أجلوه، ولا انطوى من فحواه أمر أنشره وأبديه، وها أنا أعرض عليك من باطنها ما ربما خفي، وأنهي إليك من نجواه ما لعله لم ينم على وجهه ولا أنهي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وذلك أن الإفرنج أيام تلومهم على صاحبها، وإحداقهم بجانبها، أشخصوا إليّ من أعيانهم من قرب عليّ وجه مرامها، فاستجبت لندائهم، ولم يكد يختلج ببالي شك في صدق أنبائهم، وإذا الأمر بخلاف ما ذكروه، وعلى غير ما سهلوه، ووقع من المطاولة ما وقع، وآلت الحال معهم إلى ما قد فشا وسمع، فأعدت إليها الخيل مع فلان لإطالة حصرها، والإناخة بعقرها، وصاحبها مع ذلك عمٍ عن رشده، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى في إعطاء صفقة يده، ليقضي الله تعالى قدره، ويبلغ أمره، فلما رأى أهلها الممتحنون بسوء نظره، المصابون من خطل تدبره، أن غماءهم لا تقرح، وظلماءهم لا تنجلي ولا تليح، أبدو إليه، ما كانوا ينطوون له عليه، فتألبةوا وثاروا وطيروا بالخبر من كان فيها من الأولياء إلى فلان، وكان على مقربة منها، غير متراخ عنها، فانصب إليها كالشؤبوب الماطر، وانقض عليها كالعقاب الكاسر، ووافاها وقد بولغ في حصاره، وانبسطت أيدي النهب في دياره، فكشفهم عن مكانه، ونفس عنه فانتشى ريح أمانه. ثم نقله وابن أخيه إلى أدنى معقلٍ إليهما، وآمنه عليهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 وأخذ في ضبط الحصون، وما يغني به الحزم من وجوه التحصين، وأظهر أهل البلد [من] الاغتباط بمآلهم، والاستبشار بمفاتحة حالهم، ما يظهر من خرج من ضيقٍ إلى سعة، وانتقل من هرجٍ إلى دعةٍ. ومن أخرى له عنه: ومن أحدث نعم الله الممنوحة عهداً، وأبعدها في التمام والوفور حداً، ما أتاحه الله في المغالط المعجب، القوي المجيء والذهب، فلان - ضاعف الله إذلاله وإخزاءه، ووفاه على ذميم السعي جزاءه - فإن حاله جرت على ما أصفه: سلف من ضلالته في موالاة التعريض للحضرة وسائر أعمالها، ما أثاره الحسد المدوي لصدره، والقلق الغالب على صبره، واتفق له من [55أ] إمهال الله تعالى إياه، وتنكيب الحوادث عن ذراه، مدةً عنه، اتفاق أجره رسنه، وأسلكه في الغواية سننه، حتى ظن أن الحوادث لا تريبه، والنوائب لا تنويه، وحسب أن الأيدي لا تمد إلى مطالبته، والآمال لا تطمح إلى معارضته، وقديماً خان هذا المعتقد أهله، وأبان لمن سكن إليه جهله. وفي فصل منها: ولم يبعد أن خرج في شهر رمضان على عادته من الاستخفاف بعظيم حرمته، وترك المراقبة لأهل الإسلام وذمته، بعد أن تأهب، واستنجد واستمد، والعجب قد أطغاه وأبطره، والشره قد غطى سمعه وبصره، والمطامع قد تشغبت عليه، وبسطت في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 انتهاز الفرصة يديه، فأخرجت ابني الظافر مستعيناً بالله معولاً عليه، متبرئاً من الحول والقوة إليه، فلما دنا من المحلة الذميمة واصطفوا إزاءها، اقتحم سرعان رجالنا نهراً كان بينهم، مبادرين غير هابين، ونشأت بين الفريقين حرب أجلت عن أعداد صرعى من أصحاب المخذول، ثم تلا ذلك عيون كافة العسكر وصدقت الحملة على الخائنين، فلم يلبثوا أن ولوا مدبرين، وألقوا بأيديهم منهزمين، والأسنة تحفزهم، والجلاد يزعجهم، فانحجزوا بالحصن وأسلموا محلتهم، فحيز جميعها، وغنم من كراعهم وسلاحهم وسائر أسلابهم جمل تفوت الحصر، وتعجز الوصف، وبقي المخاذيل إلى آخر النهار، ثم خرجوا مع المغيب، وشعر بفعلهم، فاتبعتهم الخيل إلى النهر، فتهافتوا فيه تهافت الفراش في النار، وفروا على عاجل البوار، وكان الشاذ منهم من سليم، والجم الغفير من غرق وتلف، والله حسيب من أورطهم وأغراهم، والمنتقم ممن قادهم إلى مناياهم. وأما المخذول المعهود خوره، والشديد تهوره، فإنه سقط عن مركبه في تلك الصدمة سقوطاً أوهنه وكلمه، ولولا من كر عليه حتى أقل واحتمل لحصل في ربقة الأسر، ولغلق رهنه إلى آخر الدهر. وله من أخرى: وقد كانت نشأت بيننا وبين فلان، النطف الود، السيء العهد - جزاه الله جزاء من خاس بذمامه، ونثر عقد الوفاء بعد انتظامه - مداخلة توسطها رؤساء، وتقلد وزراء، طالت زمناً لا ينتهج فيها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 إلى السلم سبيل، ولا يبدو من الوفاق دليل، ولا يلوح للنجاح وجه مقبول، بما كان السفراء يلقونه من تشطط في غير كنهه، ومقابلتي بما كان يأتي من شبهه، إلى أن تطأطأ من سموه، وتقاصر من علوه، ونضا عنه ثوب الرياء، وأبدى وجه حاجته إلى الانقياد والاستبقاء، فأنبت إنابة من يؤثر الهدنة على الفتنة، وتأتيت إرادة من يريد إدالة المودة من الإحنة، وأنا أعتقد أنه مصحح فيما أراه، صادق في الذي أعطاه، أقضي على الظاهر، ولا أتجاوز تصفح الحاضر، وإذا ما هو مصر غدرةً شوهاء، لو تهيأ مراده منها لأغصت بالريق، وللفت السوق بالسوق، ولكن الله بما عودنا من فضلة نبه على الغامض، وأبان عن برق الخلب الوامض، فرأيت مكنون الضمير، بعين التفكير، ونشرت مطوي الجوانح بيد التدبير، فإذا كل ما عقد منحل، وما أبرم مضمحل، فرددت عندما خلج عقده إليه، وقلبت غير مليم ظهر المجن إليه. ومن أخرى عنه: كنت قد هادنت أهل غرناطة - لا زالوا في أذيال مكرهم عاثرين، وفي أيدي غوائلهم مستأسرين - مهادنةً دعوني إليها فأجبت، واستدنوني نحوها فدنوت، فلما أشرقت على التمام، وآذنت بالانصرام، راسلوني في تماديها فساعدت، وأرادوني على اتصالها فانفعلت وأنفذت، وانعقد بيننا عقد بولغ في تأكيده، وتنوهي في إحكام مواثيقه وعقوده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 ولم تكد صحيفته تطوى، ولا شهيده يتولى، حتى غدروني في الحصن الفلاني باستنامة من كان فيه من قبل إلى السلم، وإضاعته استشعار الحزم، فلم أعجل بالتنكر، ولا سارعت بالتنمر، ورأيت الاستيناء، وآثرت الاستبقاء، رجاء أن يفكروا في العواقب، فيفيئوا إلى الواجب، ويعطفوا [55ب] إلى الرأي الصائب، وأعدت إليهم من أمكنني إعادته من السفراء، فلقوا منهم بدهة وإباءً، والتواءً وانزواء، ولما رأيت ذاهب رشادهم لا يرجع، ودواء استصلاحهم لا ينجع، وثأي نصفتهم لا يرأب، وغائب فيأتهم لا يرتقب، عملت على الإيثار، واستجمعت لذي الانتصار، وسقيتهم بمثل كاسهم، ورميتهم عن نظائر قياسهم، فلم يطل أمد، ولا كثر من ماضي الأيام عدد، حتى حصل من وجوه قوادهم، ورؤوس أجنادهم، فلان وفلان، إلى ستةٍ وعشرين رجلاً أحيط بهم أسراً، وتقبض عليهم طراً، وجعلوا قراهم البث واللهف، وأبا مثواهم الهون والخسف. وله من أخرى عنه: شر الناس لنفسه من جهل مقدارها، ولم يتهم اختيارها، وقفا إذا شرهت وعميت آثارها، وطار بجناح طمعها، إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 ذميم طبعها، واتبع رائد جشعها، إلى وخيم مرتعها، وعاد إلى الصالح من خلطائه فاستفسده، وإلى الصفي فأحقده، وإلى المستنيم فأوحشه وشرده، ولا سيما في حال تحض على استدناء البعداء، وتبعث على مصادفة الأعداء، ومع نصبة قد أنذرت بمآلها، وحذت من بغتة اغتيالها، بل والله قد نفحت رجومها، ولفحت سمومها، وصرح بالبأساء شومها. وليس يذهب عنك أني، بما أشرت إليه وردت حواليه، إلى صاحب طليطلة ناظر، وإلى قبح ما عاملني به شاهر، وذلك أنه منذ زمن يتمرس بجانبي، ويقوم في وجه ما لا يريبه من مذاهبي؛ فمن ذلك ما نعلمه من خفوفه إلى بسطة للقاء فلان - أخذه الله بما ألبسته من حرمةٍ فجر دها، وأوليته من نعمةٍ فغمطها وجحدها - وبقائه هنالك يشجعه على غدري، ويشيعه من مخالفة أمري، وتوثق له أنه إذا انصرم مني، وانخزل ببعض عمله عني، كان له إن هممت به سنداً، ووصل به إن وصلت يداً، فحينئذ صنع فلان ما صنع، وحاول أن يطير فوقع، من تلك الجهة التي كانت انخرطت في سلك بلدي وعملي، واطردت في منابرها الخطبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 لي، حتى انصات فيها فواق بكية حكمه، وذكر على أعوادها اسمه، " ولكن قليلاً ما بقاء التثاؤب " ووسمه، إلى غير ذلك من قوارص القول والفعل، وستصل إليك على ألسنة الرسل، وأنا في كل ذلك أحتمل الأذى، وأغضى على القذى، وأقبض يد الأنتصار، طمعاً في الاقتصار والاستبصار، وذهاباً مع عادة الأناة والإنظار. وربما ألمحت في بعض الأحايين بعتابٍ، وتكلمت بكلمات غضاب، فظن أن ذلك قصاري في إنكاري، ومنتهى وسعي واقتداري، فزاد الاعتداء والاستهداف، وعظم الازدراء والاستحفاف، ولولا نظري من هذه الجزيرة - عصمها الله - إلى ما ينظر إليه، وإشفاقي منها على ما لا يشفق عليه، لأسكنت أول انبعاثه ذلك النزوان، وردعت قبل احتفاله ذلك الاستنان. وفي فصل منها: ثم ختم تلك الهنات، وتلا تلك السيئات، بخبر صاحب فلانة، كنت أوطاته، على علمك رقاب أهلها، وجعلت إليه القبض والبسط فيها، ولم أشرك معه أحداً في معنى، فخان بما ائتمن، وفرط في ما احتجن، وخاف عاقبة ذلك فنغل واضطغن، وأراد أن يفوز ببطنته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وما جمع، وينجو مما حذر عليه وتوقع، فأزمع على الانحراف والانزواء، واستجمع للخلاف والانتزاء، وداخل فلاناً يعرض عليه مما ذهب إليه، ليؤيده على قبوله بما في يديه، فنأى عنه بجانب النزيه الكريم، وأعرض إعراض الحر الصميم، فانصرف إلى المذكور وهو لمناها مستمطر متوكف، وإلى مثلها مستوقف مستشرف، فما دعاه حتى لباه، ولا أومي إليه حتى تهافت عليه، لا يتهيب حالاً، ولا يتوقع مآلاً، وبلغني الخبر وكفى به مزعجاً، ولا كمثله مبرماً محرجاً، فصبرت حتى أعذرت، وتأنيت حتى أبليت، ثم اعتزمت على الانتصار، وتقدمت لطلب، الثار، مستخيراً وعد الله لمن بغي عليه، مقتضياً حكمه العدل فيمن تسبب إليه، فتقدمت في معسكر ألفته يد الإعجال، [56أ] وحالت البديهة بينه وبين الاحتفال، فأنخت به على بلده أياماً، قطعت فيها دونه كل الرفاق، ولم أبق حوله سقفاً على جدار ولا قائمةً على ساق، ثم مررت إلى جهة فلانة أجوس خلالها، وأتقرى بالنهب والإحراق أعمالها، وأتسنم معاقلها، وأجعل أعاليها أسافلها، إلى أن وقفت بجانبها منازلاً، وزحفت إلى بابها مقاتلاً، وصاحبها يرى الخوي ملء عينيه، ويقلب على خسارة صفقته كفيه، ولا يعاين إلا ناراً تضطرم عليها، وتصطلم حواليها، فلو أصغينا لسمعنا قعقعة أضراسه، واستشعرنا لوجدنا حر أنفاسه؛ وكل كمي عنده - وكانوا عدداً لفيفاً، وجمعاً كثيفاً - فد نسخ جباناً، ومسخ هداناً، لا يكاد يقبل حتى يدبر، ولا يبرز حتى ينجحر: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 تلقى الحسام على جراءة حده ... مثل الجبان بكف كل جبان ثم انكفأت، على غير الطريق التي كنت أنشأت، عائداً بمثل ما بدأت، واطئاً ما لم أكن قبل وطئت، فتخيل سبيلي، في وجهتي وقفولي، وتمثل أثري، في وردي وصدري. وكنت قد وجهت أسطولاً بلغ في ساحل بلده أقصى المبالغ من الإفساد والتدمير، والتغيير والتأثير، ثم انصرف بحمد الله كما انصرفت على غاية الوفور والظهور. وله عنه من أخرى: وإن فلاناً جارنا - لا أجاره الله من ريب الزمان، ولا صرف عنه صروف الحدثان - يأبى الله أن يراه حائداً عن فسادٍ، وعائداً إلى رشاد، ومقلعاً عن قبيح، ومستمعاً من نصيح، فهو - والأيام قد وعظته لو اتعظ، والأحوال قد نبهته لو انتبه واستيقظ، وحجة علو السن قد قامت عليه، ووجهوه غير الدهر قد سفرت إليه، بمنزلة الغر العابث، في مسلاخ السفيه العائث، ولا يقصر ولا يبصر، ولا يرعوي ولا بفكر. واتفق الآن، بمساعيه الخبيثة، ومحاولاته الذميمة، أن تسبب إلى مداخلة الحصن الفلاني، على يدي خبيث من أهلها، قد دبر الحيلة حتى اتجهت في مثلها، وأنفذ إليه قائداً من وجوه عبيده، واتصل بي الخبر، فطيرت من ناشبهم الحرب، فوهب الله لأوليائي الظهور، ووقى الله المحذور، من مضرةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 كان الجاهل المطاول قرع بابها، وأحصد في ظنه أسبابها، فتأمل كيف دؤوب هذا الموصوف بحقائق صفاته، المتابع لقبائح هناته، على إضرام نار الفتن، باستثارة دواعي الإحن، وتعريض المسلمين - عصمهم الله - للحوادث والمحن، وكيف لا يزداد على الأيام إلا جماعاً في ميدانه، وانقياداً لشيطانه، واستكثاراً من سوء عمله، على قريب أجله؛ وليشكر الله حق شكره من لم يضعه هذه الضيعة الورهاء الشوهاء، ويشعره هذه البصيرة العمياء الصماء، ومن طبع على قلبه، بمجاهرة عصيان ربه، فشره أبداً عتيد، وشيطانه مريد. وفي فصل من أخرى: ورد كتابك مبيناً عن ود كماء المزن، وعهد كروض الحزن، مع بر حافلٍ وفيته، إلطاف بالغٍ أحفيته، مجلوين في معرض سيادة لاحظت ضميري لها عيون حور، وجاذبته منها ألفاظ أو انس نور، أرتني البيان كيف يدب سحره، والافتنان كيف يطم بحره، وزهر الآداب كيف يطلع من كمامه، ولؤلؤ الكلام كيف يتسق من نظامه، كل ذلك سافر عن وجهه طويةٍ سائلة غرة الإمحاض، سليمة جوهر الصفاء، مع علوقٍ مستحيلة الأعراض. وله عنه منه أخرى إلى صاحب المهدية: إنني - أيدك الله - على ما بيننا من لججٍ خضرٍ، وفياف غير، لمستكثر من إخائك، مستظهر بوفائك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 متوفر على إجمال ذكرك وثنائك، وقياماً بما يتعين من مجدك وسنائك، ويعلم الله انه ما أملي الأبعد، وعملي الأحمد، إلا أنه يؤم أفقك الطلق - صان الله بهاءه، وحسن أرجاءه - من الخواص النبلاء، والأعيان الفضلاء، من يبلغك كتابي، وينوب في إنهاء طاعتي إليك منابي. وكان فلان [56ب] قد ألم بي زائراً، وتلوم لدي مجاوراً، فأقبلته وجه البشر، وألحفته جناح البر، وبخلال رائعة، وخصال بارعة، لنفائس المحاسن جامعة، منها - وهي أحظى وسائله لدي، وأدنى فضائله إليّ - إدمانه نشر نشر معاليك، وإعلانه بث أياديك، وكنت متى تشوف لمعاودة وطنه، واستشرف لمطالعة سكنه، أقوم في وجه زماعه، وأغض من طرف نزاعه، استمناحاً بما يثيره من ميامنك، واستدامةً لما يتلوه من آيات محاسنك، إلى أن جد به التوق، واستولى على مقادته الشوق، ولم يكن في صده عمل، ولا برده قبل، فأصبحته كتابي هذا إليك مجدداً رسم الوداد، وعامراً سبيل حسن الاعتقاد، ومعلماًبما بلوت من صدق تشيعه لمجدك، وخفة لسانه بحمدك، ومشيراً إلى ما عنده من كنه إجلال لك، وحقيقة استكثار منك، ثقةً بأنه يحسن إنهاءه، ويوفي أداءه إن شاء الله. قال ابن بسام: ومحاسن ذي الوزارتين أبي بكر أكثر من أن تحصى، وآياته أبين وأبهر من أن نستقصي، وإنما ظفرت منها بطرف، وحصلت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 منها على نتفٍ، ولم يقع إليّ من شعره ما أوشح هذا المجموع بذكره، ولا بأس باثباته إن حصل، وبالله أستعين وعليه أتوكل. ومنهم الوزير الفقيه الكاتب أبو القاسم محمد بن عبد الله بن الجد قريع وقتنا، وواحد عصرنا، ممن استمرى أخلاف النظم والنثر، فدرت له بالبيان أو بالسحر، فإن تكلم فأبو بحر، أو نظم فكلثوم بن عمرو، حتى إذا أخذ في الجدال، أو تفقه في علم الحرام والحلال، فرويدك حتى ترى الصبح كيف يسفر، وثبج البحر كيف يزخر وهو على نباهة الذكر، وعلو القدر وشرف المحل من فهر، قد لزم داره، وطوى أخباره، واقتصر على عفة من المعيشة رزقها، فهو يتبرض جميعها، لا بل يتزود نسيمها، والشمس، وأن سترها الضباب فغير خفية السناء، ولا مجهولة الغناء. وكان على عهد المعتمد قد تقلد وزارة ابنه يزيد، فلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 يزل معه عليّ الشان، نابه المكان، حتى كان من أمره ما كان. وهو اليوم في وقتنا قد اضطر إليه أهل قاعدة لبلة فولوه خطة الشورى، وألقوا إليه مقاليد الفتوى، فمهد لذلك جانباً متن كفايته، واحتسب فيه جزءاً من عنايته، على كرهٍ منه شديد، ومرام في التزايد من العلم بعيد. وعلى ذلك فلم يدع مساجلة الإخوان، ومراسلة من يرتسم بهذا الديوان، من بني الأوان، بما يشهد له أنه بديع الزمان، وفارس الميدان، وقد أثبت له بهذا الديوان، ما يقيم له أوضح برهان. جملة من رسائله في أوصاف شتى فصول له من رقعة أنشأها على لسان من صدر من بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه السلام: صلوات الله على خاتم الرسل، وناهج السبل، وناسخ جميع الملل، ومجلي الظلم والظلم، ومحيي القلوب بنور الهدى والحكم، ومقلد النذارة والسفارة إلى كواف الأمم، وعليه من لطائف التسليم، ما يربى على عدد النجوم، ويزري بالمسك المختوم، ويقتضي باتصاله واحتفاله رضى الحي القيوم. كتبت يا أكرام الأنبياء وسائل، وأعظمهم فضائل، وأعمهم فواضل، وأتمهم فرائض ونوافل، وقلبي بحبك معمور ومأهول، وعلى الإيمان بك مفطور ومجبول، ويتمثل ما عاينته من عظيم آثارك مهول مشغول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 ومن لي بمقولٍ [57أ] لا يتخلله خلل، ولا يدركه في الصلاة عليك والدعاء لك ملل، ولا يشغله عن ذكر الله تعالى وذكرك سهو ولا خطل، حتى أقطع بذلك آناء ليلي ونهاري، وآصالي وأسحاري، وأجعله شعاري ودثاري، وهجيراي في إعلاني وغسراري؛ اللهم ألهمني من تحميدك وتسبيحك، والصلاة على رسولك الأمين ونصيحك، ما يشغل لساني، ويثقل ميزاني، ويبسط يوم الفزع الأكبر من أماني؛ اللهم وفر حظي من شفاعته، وأحسن عوني على طاعتك وطاعتهن واحشرني في عداد زمرته وجماعته. ولما صدرت يا رسول الله عن زيارتك الكريمة، وقد ملأت هيبتك ومحبتك أرجاء فكري، وفضاء صدري، وغشيني من نور برهانك ما بهر لبي، وعمر قلبي، لحقني من الأسف لبعد مزارك، والحنين إلى شرف جوارك، ما أودع جوانحي التهاباً، وأوسع جوارحي اضطراباً، وأشعر أملي عوداً إلى محلك المعظم وإياباً، وكيف لا أحن إلى قربك، وأتهالك في حبك، وأعفر خدي في مقدس تربك، وبك اقتديت فاهتديت، ولولاك ما صمت ولا صليت، ولا سعيت ولا طفت، بل كيف لا يتحرك نحوك نزاعي، ويتأكد انقطاعي، وبك استشفاعي، واليك مفزعي يوم الداعي. فلا تنس لي يا رسول الله عياذي بك ولياذي، وإسراعي إلى زيارتك وإغذاذي، واذكرني في اليوم العظيم المشهور، عند حوضك المورود، وظلك الممدود، ومقامك المحمود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 اللهم كما أعنتني على حج بيتك المحرم، وزور نبيك المكرم، فاجعله لي شفيعاً، وتوفني على ملته مطيعاً، ويسر لي كرةً إلى مواطنه المقدسة ورجوعاً، إنك على ذلك قدير، وبحقيقة دعائي عليم خبير، والسلام المردد والمؤكد على نبي الرضوان، وصفي الرحمن، ما تعاقب الملوان، وتناوب العصران. وله من أخرى خاطب بها بعض من قدم من الحجاز: كتبت وقد هزني وافد البشرى، واستخفي رائد المسرة الكبرى، بما سناه الله من قدومك محوط الجوانب والأرجاء، منوط الفخار بذوائب الجوزاء، محطوط الآثار في مواطن الرسل ومواطئ الأنبياء، فيا لها حجةً مبرورة ما أتم مناسكها، وأوضح في مناهج البر مسالكها، لقد شهد فيه الميقات بخلوص إهلالك وإحرامك، واهتز البيت العتيق لطوافك واستلامك، ورضيت المروة والصفا عن كمال أشواطك، وتهلل بطن المسيل لسعيك فيه وانحطاطك ثم بالموقف الأعظم من عرفة سطع عرف تخشعك ودعائك، وارتفع خفض تضرعك واستخذائك، وفي البيت الأكرم من المزدلفة حظي تقربك وتزلفك، وزكا تهجدك وتنفلك، وعند الإفاضة فاضت الرحمة عليك، وكملت النعمة لديك؛ وأما منىً ففيها قضيت مناك وأوطارك، وقبلت هداياك وجمارك، وحطت خطاياك وأوزارك، فما صدرت عن تلك المعالم المكرمة، والشعائر المعظمة، وإلا وهي راضية عن عجك وثجك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 شاهدة لك بكمال حجك، مشفقة من فراقك وبعدك، متعلقة لو أمكنها ببردك، وقبل أو بعدما تأنست بك يثرب، ورفع لك جناحها مضرب، فشافهن منازل التنزيل، وطالعت معاهد الرسول، وقضيت من زيارة القبر الكريم واجباً، وقمت بينه وبين المنبر ضارعاً راغباً، فما حجب عنه عليه السلام زورك وإلمامك، وقصدك وائتمامك، وصلاتك وسلامك، بل كان لكل ذلك راعياً سامعاً، ويكون لك بحول الله شاهداً شافعاً، فهنأك الله ما منحك من جزيل الأجر في مواقف الحرمين، وأطار لك من جميل الذكر في الخافقين. ولما قعد عن قصدك ما قعد، ولم يمكني الوفود عليك في جملة من وفد، استنبت كتابي منابي [75ب] . وله من أخرى في صفة مطر بعد قحط: لله تعالى في عباده أسرار، لا تدركها الأفكار، وأحكام، لا تنالها الأوهام، تختلف والعدل متفق، وتفترق والفضل مجتمع متسق، ففي متحها نفائس المأمول، وفي منحها مداوس العقول، وفي أثناء فوائدها حدائق الإنعام رائقة، وبين أرجاء شدائدها بوارق الإنذار والأعذار خافقة، وربما تفتحت كمائم النوائب، عن زهرات المواهب، وانسكبت غمائم الرزايا، بنفخات العطايا، وصدع ليل اليأس صبح الرجاء، وخلع عامل البأس والي الرخاء، ذلك تدبير اللطيف الخبير، وتقدير العزيز القدير. ولما ساءت بتثبط الغيث الظنون، وانقبض بتبسط الشك اليقين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 واسترابت حياض الوهاد، بعهود العهاد، وتأهبت رياض النجاد، لبرود الحداد، واكتحلت أجفان الأزهار، بإثمد النقع المثار، وتعطلت الأنوار، من حلي الديمة المدرار، أرسل الله تعالى بين يدي رحمته ريحاً بليلة النجاح، سريعة الإلقاح، فنظمت عقود السحاب، نظم السخاب، وأحكمت برود الغمام، رائقة الأعلام؛ وحين ضربت تلك المخيلة في الأفق قبابها، ومدت على الأرض أطنابها، لم تلبث أن انهتك رواقها، وانبتك وشيكاً نطاقها، وانبرت مدامعها تبكي بأجفان المشتاق، غداة الفراق، وتحكي بنان الكرام، عند أريحية المدام، فاستغربت الرياض ضحكاً ببكائها، واهتزت رفات النبات طرباً لتغريد مكائها، فكأن صنعاء قد نشرت على بسيطها بساطاً مفوفاً، وأهدت إليها من زخارف بزها ومطارف وشيهاً ألطافاً وتحفاً، وخيل للعيون أن زواهر النجوم، قد طلعت من مواقع التخوم، ومباسم الحسان، قد وصلت بافترار الغيطان، فيا برد موقعها على القلوب والأكباد، ويا خلوص ريها إلى غلل النفوس الصواد؛ كأنما استعارت أنفاس الأحباب، أو ترشفت شنباً من الثنايا العذاب، أو تحملت ماء الوصال، إلى نار البلبال، أو سرت على أنداء الأسحار وريحان الآصال. لقد تبين للصنع الجميل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 من خلال ديمها تنفس ونصول، وتمكن للشكر الجزيل في ظلال نعمها معرس ومقيل؛ فالحمد لله على ذلك ما انسكب قطر، وانصدع فجر، وتوقد قبس، وتردد نفس، وهو الكفيل تعالى باتمام النعمى، وصلة أسباب الحياة، بعزته. وله من رقعة خاطب بها الوزير الفقيه أبا القاسم الهوزني إثر قدومه من حضرة أمير المسلمين، رحمه الله تعالى، غب نبوة خلصت إلى غربه، وروعةٍ كادت تطير بسربه: وكم نعمةٍ لا يستقل بشكرها ... إلى الله في طي المكاره كامنه قد يجتنى - أغرك الله - من شجر المساءة ثمر المسرة، ويجتلى وجه المحبوب غب المكروه مشرق الأسرة، وربما تجهم القدر وضميره مبتسم، وتصلب الزمن وعقده محتشم، وإنما ينظر إلى موقع الأقدار في الإصدار، وتحمد مجاري الأعمال عند المآل؛ وفي هذه المقدمة دلالة على النبوة التي ما اعتكر جنحها، إلا ريثما وضح صبحها، ولا نعب بالبعد غرابها، حتى التفت إلى سانح السعد ركابها، ولا استطار لها في قلب الولي صدع، حتى اشتمل منها على أنف العدو جدع؛ وما ذاك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 إلا لأن سلطان الحق أنجدك وأيدك، وبرهان الفضل قام معك وأطال يدك، وحاشا للعلم أن يلبس حامله خمولاً، أو يحث له نحو الاذالة حمولاً، فوشكان ما استقلت بك يدي الآثار، في صدر العثار، وخاصمت عنك ألسن السنن، عوارض المحن، وما سرت إلا وظل الكرامة عنك ظليل، وصنع الله لك رسيل وبك كفيل، فلئن أوحش مسيرك، لقد آنس ظهورك، ولئن حسن اقترابك، لقد سمج اغترابك، ولئن سخنت العين بعدك، لقد بين البين فقدك؛ فالحمد لله الذي أوشك مقدمك، وأعلى قدمك، ورفع في كل مكرمة ومأثورة علمك، [58أ] وإياه تعالى أسأل أن يهنيك ويهنئ فيك عارفة السلامة، ويبقيك بعيد الصيت رفيع القدر في الظعن والإقامة، ولولا ترددي في عقابل ربعٍ لزمت جسمي شهوراً، واتخذته ربعاً معموراً، لما استنبت في التهنئة خطاباً، ولحثثت نحوك ركاباً، وأنت بسروك توسع العذر قبولاً، وتقبله وجهاً جميلاً. وله من أخرى يهنئ بمولود: إن أحق ما انبسط فيه للتهنئة لسان، وتشرف في ميادين معانيه بيان وبنان، أمل رجي فتأبى زماناً، واستدعي فلوى عناناً، وطاردته المنى فأتعبها حيناً، وغازلته الهمم فأسعرها حنيناً، ثم طلع غير مرتقب، وورد من صحبة المباهج في عسكر لجب، فكان كالمشير إلى ما يعده من مواكب الآمال، والدليل على ما وراءه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 من كواكب الإقبال، أو كالصبح افترت عن أنوار الشمس مباسمه والبرق تتابعت إثر وميضه غمائمه، وفي هذه الجملة ما دل على المولود المجدود، المؤذن بترادف الحظوظ وتضاعف السعود. فيا له نجم سعادةٍ، تطلع في أفق سيادة، وغصن سناء، تفرع من دوحة علاء، لقد تهللت وجوه المحاسن باستهلاله، وأقبلت وفود الميامن باستقباله، ونظمت له قلائد التمائم، من جوهر المكارم، وخص بالثدي الحوافل، بلبان الفضائل. وما كان منبت الشرف بانفراد تلك الأرومة الكريمة إلا مقشعر الربى، مغبر الثرى، متهافت أغصان الرضى، فأما وقد اهتز في أيكة السيادة قضيب، ونشأ من بيتة النجابة نجيب، فأخلق بذلك المنبت أن تعاوده نضرته، وترف عليه حبرته، ويراجعه رونقه وبهاؤه، وتضاحكه أرضه وسماؤه، فالحمد لله على ما أتاحه من انثناء الأمل بعد جماحه، واختيال الجذل في حلية غرره وأوضاحه، وهو المسؤول أن يهنيك منه صنعاً يحسن في مثله الحسد، ويتمنى لفضله النسل والولد. وله من أخرى خاطب بها ذا الوزارتين الكاتب أبا بكر بن القصيرة وقد قربت بينهما المسافة، حسبما ذكر، ولم يتفق التقاؤهما: لم أزل - أعزك الله - أستنزل قربك براحة الوهم، عن ساحة النجم، وأنصب لك شرك المنى، في خلس الكرى، وأعللك فيه نفس الأمل، بضرب سايق المثل: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 ما أقدر الله أن يدني على شحطٍ ... من داره الحزن ممن داره صول فما ظنك بي وقد نزل عىل مسافة يوم، وطالما نفر عن خياله نوم، ودنا حتى هم بالسلام، وقد كان من خدع الأحلام، وناهيك من ظمأي وقد حمت حول الورد الخصر، وذمت الرشاء بالقصر، ووقف ب ناهض القدر، وقفة العير بين الورد والصدر، فهلا وصل ذلك الأمل بباع، وسمح الزمان باجتماع، وطيت بيننا رقعة أميال، كما زويت مراحل أيام وليال، وما كان على الأيام لو غفلت قليلاً، حتى أشفي بلقائك غليلاً، وأتنسم من روح مشاهدتك نفساً بليلاً؛ ولئن أقعدتني بعوائقها عن لقاء حر، وقضاء بر، وسفرٍ قريب، وظفر غريب، فما تحيفت ودادي، ولا ارتشفت مدادي، ولا غاضت كلامي، ولا أحفت أقلاني، وحسبي بلسان النبل رسولاً، وكفى بوصوله أملاً وسولا، ففي الكتاب بلغة الوطر، ويستدل على العين بالأثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 على أني إنما وحيت وحي المشير باليسير، وأحلت فهمك على المسطور في الضمير، وإن فرغت للمراجعة ولو بحرف، أو لمحة طرف، وصلت صديقاً، وبللت ريقاً، وأسديت يداً، وشفيت صدىً، لا زالت أياديك بيضاً، وجاهك عريضاً، ولياليك أسحاراً، ومساعيك أنواراً. ثم ختم رقعته بهذه الأبيات: هو الدهر لا يفتا يمر ويحلو لي ... وسيان عندي ما يجد وما يبلي [58ب] إذا أشكلت يوماً عليه ملمة ... فمن ظهر قلبي يستمد ويستملي سألقى بحد الصبر صم خطابه ... وإن صيغ فيها الشيب من حدق النبل وأعرض عن شكواه إلا شكيةً ... بها من هو مرآك ضرب من الخبل روى لي أحاديث المنى فيه غضة ... ولكنها لم تخل من غلط النقل وجاد بقرب الدار غير متممٍ ... ويا رب جودٍ قد من شيم البخل تراءى لي العذب النمير فليتني ... بردت لهاتي منه في نغبة النهل أتحجب شمس العلم بردة ليلةٍ ... ولو وصلت أردانها ظلمة الجهل ويخشن مسراها لموطئ أخمصي ... ولو نبتت في جنحها إبر النحل أجل قيد هذا الدهر أضيق حلقة ... وأقصر للخطو الوساع من الكبل سأبعث طيفي كل حين لعله ... يصادف من نجوى خيالك ما يسلي ودونك من روض السلام تحيةً ... تنسيك غض الورد في راحة الطل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 قوله: " ويا رب جود قد من شيم البخل " يشبه قول الآخر: الدهر ليس له صنيع يشكر ... شرب له يصفو وشرب يكدر يهب القليل وقد نوى استرجاعه ... هبة البخيل أقل منه وأنزر وكأن هذا من قول بشار: أما البخيل فلست أعذله ... كل امرئٍ يعطي على قدره فراجعه ذو الوزارتين برقعة نسختها: كتبت ولسان القلم يتلعثم، وقدم الكلم يتأخر أكثر مما يتقدم، هيبة لانتقادك، وعجزاً عن مواقع إصدارك وإيرادك، وإن متعاطي جرائك، ومناهض إعادتك أو إبدائك، لجدير بالتقصير، وخليق بحرمان حظ البسوق والظهور، والله يزيدك فضلاً، ويجعلك لكل جليلةٍ من الخصال ونبيلة من الأحوال أهلاً، بمنه. ووصل إليّ - وصل الله اعتلاءك، وأثل مجدك وسناءك - خطابك الكريم نظماً ونثراً، فأهدى براً، واقتضى ما لا يستطاع شكراً، ويعلم الله الذي لا ينطوي دونه سر، ولا يفوت إحصاءه أمر، أني أجد من الشوق إليك، مثل ما أخبرت به لديك، وأحس من التشوق إلى لقائك، بنحو ما أطلعته من تلقائك، والله وليك حيث كنت، وكلئك وكالئي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 فيك أقمت أو ظعنت، وإياه أسأل أن يبلغك أوطارك، ويؤتيك من كل أمل وفي كل مورد ومصدرٍ اختيارك، بعزته. وأنا أعتذر من الاقتضاب، وأن لا ألم في النظم بجواب، بما لا يذهب عليك من الأعذار ولا يستتر دونك من الأسباب، وأنت بمعاليك تقبل العذر، وتتأول أجمل تأول الأمر. وله من أخرى: لم أزل مذ جد اغترابك، ونعب غرابك، أتعجب من تحولك، وأتشوف إلى ما يراد من قبلك، فلم أظفر من خبرك بيقين، ولا حصلت من كيفية مقرك على ثلج مبين، إلى أن ورد جهينة أخبارك، وعيبة أسرارك، فلان، فكشف من صورة أمرك ما التبس، ووصف من جملة حالك ما سر وأنس، وذكر أن ذلك القطر - حرسه الله - رحبت بك معاهده، وعذبت لك موارده [59أ] واشتملت عليك أفياؤه، وتهللت إليك أرجاؤه، ولا غرو من نفاقك حيث احتللت، وقبولك أيما انتقلت، فمن تحلى بمثل حلاك، لم يضع كيف تصرف، ولا عدم اللطف أينما انحرف؛ والله تعالى يصنع لك جميلاً، وينيلك حيثما كنت أملاً وسولا. ووصل خطابك الخطير فجلا وجه برك وسيماً، وشخص عهدك عميماً، وأهدى إليّ من رياض ودك نسيماً، ومن عرار حمدك شميماً، فيا حسن موقعه من الضمير، ويا نبل منزعه الجميل المشكور. وله من أخرى: قد يرد من تحف الإخوان ما لم يراقب له مورد، ولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 ضرب فيه موعد، ولا غازله ضمير، ولا تقدم فيه بشير، فيكون لجامع الأنس أجلب، ولمجامع النفس أذهب، وعلى صفحات الفؤاد أندى وأبرد، وإلى تلعات الوداد أهدى وأقصد، لا سيما إذا ورد وللوحشة جثوم، وبين الجوانح كلوم، كمورد خطابك، فإنه هجم ولا تأهب له خلد، ونجم وفي جفن الأنس رمد، فأذكرني حسنه زمن الصبا، ونفس الصبا، وأنساني عهده زهر الربى، وثمر المنى، وجدد من رسم الصبابة والمقة قديماً، وأحيا من شخص القرابة رفاتاً رميماً، ونشر من واشجها ما دفنته الأيام خمولاً، ووصل من مقطوع أسبابها ما لم يكن قبل موصولا، فلله در عهدك ما أجمل محياه، وأنم في روض الوفاء رياه، وسقياً لمغرس مجدك فما أذكى ثراه، وأطيب جناه، وصل الله ما بيننا يوم تقطع الأسباب والأنساب، وجعله ميراثاً في الأخلاف والأعقاب، وأبقاك أنساً لذوي الألباب، ومعدنا للكرم اللباب، بمنه. وتلقيت المنزع الجميل في جهة فلان، المسند إلى مجدك بأحسن وجوه الإجمال، وأتم معاني البر المتوال، وأقبلت عليه، إقبال المصغي إليه، المستوفي ما لديه، فنشر من أياديك الجميلة مآثر، وشب بمندل ذكرك الطيب مجامر، وعمر بأوصاف معاليك مشاهد ومحاضر، وجعلت أهتز لسماعها طرباً، وأستعيد من أغانيها نوباً، وأستزيده من محاسنها عجباً وعجباً، فأمتع بشهيها أذني، وأذكر بلذيذها معسف زمني، ورأيته حسن الأداء، لمعاني الثناء، متصرف اللسان، في شكر الإحسان، والله يعمر بوفود الأمل جنابك، ويمد في ساحة الكرم أطنابك، بعزته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 وله من أخرى: قد كنت - أدام الله عزك - بتواتر السماع، وتظاهر الإجماع، أتقلد فضلك، وأشهد بالسبق لك، وأود أن يسفر بيننا خطاب، ويتفق للمفاتحة أسباب، رغبةً في الانتظام، ولو بسفارة الأقلام، واجتلاء بالإخاء، ولو بالرقم صفح الماء، إلى أن وافاني خطابك ففتح للمداخلة باباً، وأوضح في المواصلة شعاباً، وتضمن من أدلة الود ما لا يكذب رائده، ولا يحرج شاهده، بل يقضى بشهادته ويحكم، ويقطع على عدالته ويختم. فأما ما نحلتنيه من الوصف الجميل، ومنحتنيه من الغرر والحجول، فإنما هي حلاك، أعرتها أخاك، وأوصافك تبرع، بها إنصافك، وسماتك، تجافت عنها مكرماتك، وقد تقلدتها حلية جمالٍ، ورفلت منها في حلة أجمال، واعتقدتها ذخيرة أيام وليال. والله تعالى يؤكد بيننا دواعي الوداد، ويجعل خلتنا من عدد المعاد، ويعين على شكر برك المبدأ المعاد. واجتليت منه افشارة الكريمة في جهة فلان، فمهدت له عندي كنفاً رحيباً، وبوأته لدي محلاً قريباً، وشغلت لحظي برعاية أمره، وبسطت يدي في شد أزره؛ ومما أكد حقوقه علي تشيعه في علائك، وتحدثه بآلائك، وتقلبه برهةً من الزمن في ظل حرمك وفنائك، والله تعالى يبقيك مؤثراً للحسنة، محموداً بجميع الألسنة، ولا يخليك من الشيمة الدمثة والكلمة اللينة. وله من أخرى: إذا عددت [59ب] أعزك الله - أعيان الزمان، وأفاضل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 الإخوان، ثنيت عليك خنصري، وطمحت إليك ببصري، وطرت في جوك ووقعت، وانحططت في شعبك وربعت، لأنك - والله يبقيك - حامل آداب ومعارف، ولابس من خلع الفضل مطارف، ومتميز بفضول محاسن منحت جمالها، ومتفرد بخواص فضائل جمعت كمالها، لا أعدمني الله منك جملة فضل، وزهرة نبلٍ، وذخر وفاء، وعلق سناء، بمنه. وطلع علي خطابك مع فلان عبدك، ولسان حمدك، فأهب من روح الأنس بك نسيماً، وجدد عهود سلفت ورسوماً، وأجناني من رياض برك نوراً عطراً، وسقاني من حياض ودك عذباً خصراً. فيا شبعي برونقه وريي ... وأنهى إليّ المذكور ما تنسمه من أرج ثنائك، واجتلاه من تبلج إخائك، فاتصل البر واتسق، وتتابع الفضل على نسق، ثم استطرد إلى شكر ما أوليته من غر أياد، وإجمال متمادٍ، واستنفد في ذلك جهد لسانه، وجرى في ميدانه ملء عنانه، فأحمدت مقطعه ومنزعه، ووجدت العرف واقعاً فيه موقعه، وأنت بسروك تؤكد فضلك عنده، وتصل إجمالك معه، لا أخلاك الله من بث صنائع، في أصناف مواقع، وأشتات مواضع. ومن أخرى له: كتبت وأنا في عقابل شكوى سدكت بي منذ أشهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 سدك الغريم، وعركتني بأكف آلامها وأيدي سقامها عرك الأديم، حتى لقد فغرت علي فاها المنون، واستوت في اليأس مني الظنون، إلا أنه تعالى بلطفه من بالإقالة والإرجاء، ونقلني عن جهة اليأس إلى جانب الرجاء، له الحمد متواترا، والشكر أولا وآخرا، وهو المسؤول، عز وجهه، أن يمليك أطول الأعمار، ويزوي عنك مكروه الأقدار، بمنه. وكان خطابك قد وافى في عنفوانها، وصد رنزوانها، فخفف من أوصابها، وخلع بعض أثوابها، وكأنما ورد عائدا ملطفا، أو وفد زائرا متحفا، ورمت المراجعة فلم تساعدني يد، ولا نهض بي جلد، ولما نضوت برد الاعتلال، وشمت برق الإبلال، وجب إنهاء العذر المعترض، وتعين قضاء الحق المفترض. وأما شكري لما تضمنه الكتاب الكريم من لطائف البر والثناء، ونتائج الفضل والسناء، فمسحوب الأذيال، في طريق الاحتفال، مأخوذ الأنفاس، من زهر الرملة الميعاس، ويعلم الله تعالى المطلع على خواطر الضمير، وهواجس الصدور، استنامتي إلى كرم نواحيك، وثقتي بشرف مناحيك، واغتباطي بما أحكم بيننا من نظام التآلف، ورفع لنا من أعلام التعارف؛ واجتليت من مختم الكتاب سلام الوزير الكاتب ناثر درره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 وراقم حبره، ولك الفضل في إبلاغه من تحيتي ما يضاهي تنفس الأزهار، في وجوه الأسحار. وكتب كعتنياً بأحد الأدباء الشعراء: لئن كانت الأيام - أعزك الله - قد قلصت أذيال أحوالك، وسلطت هجيرها على برد ظلالك، وكدرت بأقذاء صروفها صفو زلالك، فما استلانت نبعك، ولا أحالت عن عادة الجميل طبعك، ولا عفت في منازل السناء والثناء ربعك، فقد يجري الجواد وهو منكوب، ويتجمل الحر وبه ندوب، والله تعالى يجبر الصدع، ويجمل الصنع، بعزته. ويتأدى من يد فلان، وفي علمك ما دهي به وطني من خطوب الزمن، وضروب المحن، وتقلب عباد الوثن، ودفعته الضرورة إلى استرفاد الأحرار، والتكسب بالأشعار، وهو ممن يتصرف في الصناعة بلسانٍ صنع، ويأوي فيها إلى طبع غير طبع، وله في قبول عفو المنيل إجمال، وعنده في شكر العرف المختصر احتفال. ولما عرف ما بيننا من عهدٍ لا يفارق نصابه كرم، ولا يلحق شبابه هرم، اتخذ خطابي هذا عنوان شعره، ولسان أمره، ودليلاً على موضعه، ومشيراً إلى مقصده ومنزعه، وأنت بسروك تصدق أمله، وتبيض وجه [60أ] الصنيعة قبله. وله من أخرى في مثله: العهد وإن قدمت أحكامه، وسلفت أيامه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 إذا استجد عاد جديداً، ونشأ حميداً، لا سيما إذا غرس في تربة وفاء، وسقي بنطفة صفاء، وتردد في نصاب كرم، وتشبث بأطناب ذمم؛ وكان بين سلفنا ما لا ينسى ماضيه، وإن خلت لياليه، ولا يهجر حسنه، وإن بعد زمنه، وإنه لمسطور في صحيفة تذكري، وملحوظ بعين تصوري، ولئن لم يجمعنا مكان، ولا سلف للمداخلة عنوان، فإن ذلك غير قادحٍ في الضمير، ولا مكدر من العذب النمير. وموصله فلان، ونشأة نعمتك، توسم رعايتك لها فسألها، وتخيل تحفيك بنواحيها فرغب فيها، وما أجبته إليها إلا وقد علمت أنك تشفع شفيعها، وتؤثر ترفيعها، وبوروده، عليك تجتلي وجه منزعه ومذهبه، وتقف على جليه أمله ومطلبه، وأنت بفضلك تصدق مخيلته، وتراعي وسيلته، وتتجمل معه، وتضع العرف موضعه، مقتضياً بذلك من شكري أبرعه، ومن ذكري أطيبه وأضوعه. ومن أخرى في مثله: أما وكنفك وساع، وشرفك يفاع، والتحدث يتدفق أدبك ونشبك إجماع، فلا غرو أن تقصد بتحف القصيد، وتطوى نحوك صحف البيد، ويجري من يعتمدك في مضمار تأميلك إلى الأمر البعيد، لا سيما من قد اعتمدك، فأحمدك وانتقدك، كفلان، فإنه رتع في برك، واكتحل برهة ببشرك، واشتمل بضافي عطافك، وكرع في صافي نطافك، فهو إذا عد غرر العصر ولمع الدهر، بدأ بذكرك وختم، وطار في جوك وجثم، وله في نشر المحاسن والفضائل لسان ذرب، وعنده شكر الصنائع والودائع مقام درب، ولما عضه العسر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 ومسه الضر، وجب أن ينتجع جنابك، ويستمطر سحابك، ويؤم فناءك، ويجبر ثناءك، وهو بانتحائك مسرور، وبين يديه من رجائك نور، وقد سفر له قناع السفر، عن أسرة الظفر، وجليت عليه صورة الأمل، في معارض النص والزمل، فما أجدره بأن يجد ظلك سجسجا، ومحلك منبجا، ويجتني رباك غضة النور والزهر، وينثني عن مشرب نداك حامد الورد والصدر؛ لا زال مقرك معتمد الزوار، ومنزع الأحرار، ومحصب جمار الأشعار. وله من أخرى في مثل ذلك: كتبت عن كلال ذهن، واتصال وهن، وركود خلد، وفتور جلد، لترددي في أذيال العلة التي عرفت صفتها، واجتليت من خطابي المتقدم صورتها، ولا مزيد عى ما عندي من الإجمال لذكرك، والاحتفال في شكرك، والتسحب على حواشي مجدك، والانحطاط في غورك ونجدك. وموصله فلان، لم يتفق له في غير الجهة الحالية بك أمل، ولا اعتلق به في سواها عمل، فحن إلى ما عهده فيها من حسن رائك، وكريم اعتنائك، ورحب جنابك وخصب فنائك، واستنهض مخاطبتي لتبوئه تحت ظلك كنفا، وتؤكد له سببا مؤتنفا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 وله من أخرى: كتبت وريحان العهد بمائه، ويتأود في غلوائه، لم يلم به مع القدم ذبول، ولا انسحب عليه للزمن ذيول، وكيف لا يرف ورقه، وينم عبقه، وفي روض وفائك يرتع أسحار وأصلا، ومن ثغب صفائك يشرب عللا ونهلا، ولذلك ما يقع الإعتاب بالخطاب، ويجتزى بتناجي القلوب وتصافي الغيوب عن الكتاب؛ والله يبقي ما بيننا معقودا بذوائب النجوم، محجوبا عن كلفة العبوس والوجوم. وفلان لم يجد من ذلك الأفق بدلا، ولا غرس في سواه أملا، ولا ألفى في تربة غيره ترى ولا بللا، فعاد إليه يحمد عهده، ويذم ما لقي بعده، وسألني مخاطبتك بهذه الحروف، ليتزيد بها من رأيك الشريف وفضلك المعروف. وله في مثله إلى الفقيه أبي القاسم ابن المناصف بقرطبة: أما وأحاديث فضلك صحيحة الإسناد، وأدلة سروك مزلة العناد، ومطالب علمك وفهمك ساطعة الأنوار [60 أ] ومناهج هديك وسعيك واضحة الصوى والمنار، فلا عجب أن تحوم على شرعة مداخلتك حوائم الألباب، وتنتهز في التماس مواصلتك فرص الدواعي والأسباب. ولم أزل أولع برائق صفاتك، وألتمس سبب معرفتك، حرصا على التجمل بختلك، ورغبة في التيمن بصلتك، لأنك - والله يبقيك - أحق من احتذي على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 مثاله، واقتدى بصالح أعماله، واستقريت آثار البر من مواقع خطاه، وانتسخت أخبار الزهد والقصد من صحائف هداه، وأحر بمن اتخذك صاحبا، وسلك من سبلك أثرا لاحبا، أن يأمن في جدد مسالك العثار، ويعدم في جوارك نقع الفتن المثار، والله يبقيك لأشتات الفضائل نظاما، وفي كل صالحة إماما، ويوسع النعمة بك وفيك سبوغا وتماما. ولما اتفق شخوص فلان إلى الحضرة، وعلمت أن انجذابه إلى جنباتك، ووعيت عنه جملا حسانا من صفاتك، رأيت أن أصحبه خطابا، وأمد في ساحة الانتظام بك أطنابا، حرصا على أن يتأكد في ذات الله إخاؤنا، وتتفق في سبل مرضاته وطرق طاعته أنحاؤنا؛ وحملته مع ذلك من لطائم الحمد، ونخائل الود، ما إذا أعرته ناظري تأملك، وصادق تخيلك، علمت به خلوص ضميري، وصفاء نميري، وسلامة عهودي، ودماثة تهائمي ونجودي. وهذا الرجل يشكر إجمالك معه شكر روض الحزن، لعارفة المزن، ويود أن يستظهر على ذلك بكل لسان، ويستنجز فيه كل ناء ودان، وقد جاريته في مضمار شكرك طلقا، وسعيت معه في ميدان الثناء عليك خببا وعنقا، فبيني وبينه من شابك القربى، ما يقتضي أن آخذ من مشاركتك له بالقسم الأوفى والسهم الأعلى؛ وقد عرفت ما مني به من عض الزمان، ومس الحرمان، ورأى أن يصرف وجه همته إلى تلك الحضرة ليدرك بها أملا، ويعلق من أعمالها عملا، ومعوله في موارده ومصادر عليك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 ونظره في مطامح أغراضه وألحاظه إليك، وأنت بمجدك تسدد سهمه، وتؤيد عزمه، متمما يدك البيضاء، ومتبعا دلوك الرشاء. وله في مثله إلى الفقيه القاضي بها: إن كانت المداخلة بيننا لم يفتح لها باب، ولا علقت بها أسباب، ولا رمي لنا في محصبها جمار، ولا عطف بنا نحو كعبتها اعتمار، فقد جمعتنا في معرف المعروفة مواقف، وضمتنا من معالم العلم معاهد ومآلف، ووشجت بيننا من أواصر الأدب أنساب، وضربت علينا في مدارج الطلب قباب، ولا غرو من تداني القلوب على تنائي الديار، وإئتلاف النفوس مع اختلاف النجار، فقد يتعارف الأنداد على البعاد، ويتناكر الأضداد مع قرب السواد والوساد، وربما ألف تشاكل الشيم والأخلاق، بين مستوطن الش وساكن العراق، ودأباً حن زهر الغور إلى نسيم نجد، وامتزج عبر الشحر بمسك الهند. على أني لا أدعي رتبتك في فنون العلم والآداب، ولا أتعاطى صحبتك إلا بشرط الانقياد والإصحاب، ومن يضاهي محل الفرقد، بمنبت الغرقد، أو يشبه رتبة التقليد، بدرجة النظر والوليد، أو يقرن بين الالتباس والبيان، ويعارض قوة القياس بضعف الاستحسان -! لكني وإن لم أعد في رعيلك، ولا أضيف مبرمي إلى سحليك، فعندي من بضائع الكلم ما نفق في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 سوقك، ولدي من سوامي الهمم ما يعبق ببسوقك، وعل بعض كلامي يسجد في ذراك، ويحظى برضاك، ويادف عندك رأياً جميلاً، ويستوقف لحظك لو قليلاً، بقيت حليةً للدهر فائقةً، وغرةً في وجه الزهر رائقة. ولما علم فلان، أن القيم عندك بحسب الإنسان، وعلى قدر تصرف اليد واللسان، وأن أحظى ما قرع به بابك، ورفع له حجابك، رقعة تشير بها إلى علم وأدب، ولا يخل بوجهها وشم ندب، استنهضني شفيعاً، فأجبته سريعاً، حرصاً على المداخلة أسم غفلها، والمواصلة أفتح قفلها، ورغبة في مشاركة الرجل المذكور ول بشفعة الكلام، وسفارة الأقلام، فبيني وبينه نسب موصول، وثرى مبلول، وآصرة رحم، وعاطفة سهم. وكان له بتلك الحضرة النيرة بعدلك فيما سلف ظهور، وتصرف [61أ] مشهور، ثم ألقت عليه العطلة ثقل جرانها، وجرت به ملء عنانها حتى انسفت ما كان بيده، وحلت جميع عقده؛ وقد دفعته الأيام إلى جميل نظرك، وطيب مكسرك؛ وهو بكرم الصنيعة خليق، ولحمل المنن مطيق، وغرضه ن يصرف في بعض وجوه العمل، ويختبر حاله في الشد والزمل، وأنت بمجدك تفرص له من شرف عنايتك نصيباً، وتوليه من رعايتك وجهاً خصيباً؛ وما أسديت إليه فلي فيه مفخر، وهو عند الله مدخر، والله يبقيك للحسنات تعرس بأبكارها، والمآثرات تخلد كرم آثارها، منه. وله من أخرى يشفع لبعض الشعراء: لا غرو أن يقصدك - أثل الله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 سؤددك - مهدي حمدٍ، ومقتضي رفد، ويلم بك مستوجب معروف، ومعاني صروف، فقديماً غشيت منازل الكرماء، وثبيت فضائل العلماء، وهزت أعطاف الكبراء، بنغم الثناء والإطراء، وقد أصغى إلى الأشعار، جلة الأخيار، وأثاب على المديح، من بعد عن التجريح، ومثلك سلك تلك السبيل، وآثر الجميل، وراعى التأميل. وموصله - وصل الله اعتلاءك، وحرس أرجاءك - فلان، وهو ممن اضطره كلب الحرمان، ونوب الزمان، إلى اعتماد الكرام واستفرفاد الأعيان، وه من صناعة القريض، وبضعة التفريض، حظ موفور، ونده لأوجه الصنائع إذ برقعها الكفور، ظهور وسفور، وقد قصد تلك الجهة فيما سلف منتجعاً، وارتضع من أفاويق درها جرعاً، وما عدم منك تنويلاً، ورأياً جميلاً، لكن العود أحمد، ورب العرف أوجب وأوكد، ولا يذهب العرف بين الله والناس، وليس ممن يسأل شططاً، ويتعسف غلطاً، وإنه ليتبلغ بالنسيم، ويستنجز الوعد بالتسليم، وحسبه ما يرقع جانب خلته، وينقع بعض غلته، وأنت بفضلك تشفق لما مني به من الاغتراب والاضطراب، وتحافظ على ما قبله من الوسائل والأسباب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وله من أخرى إلى الفقيه أبي الحسن ابن الأخضر: إذا كان عهد الإخاء مما رقمته يد الطلب، في صفحة الأدب، لم يسنخ له الدهر حكماً، ولا أحال الزمن منه رسماً، بل يتجدد على تقادم الأحقاب، ويتردد أبداً في عصر الشباب، وإنما هو في الحقيقة نسب لا يخفى، ورحم لا يجف له ثرى، وذمام تثنى عليه الخناصر، والتحام تشير إليه الأوار، فالأديب صنو الأديب، وكفى بتمازج القلوب، وفي علمك ما سلف بيننا من العهد، المزري حسنه بزمن الورد، سقاه الله صوب العهاد، ولا زال مخضر الماد، فما كان إلا غرةً انتهزت من تهاتف البيض الغرائر، ولمعةً كأنما اقتبست في تضاحك الترائب تحت سود الغدائر. ولما علم فلان، حليف شكرك، وأليف برك، ما بيننا من المناسب الروحانية، والمذهب الأدبي، استنهضني لشكر ما خصصته له من تقريب محل، وتخفيف كل، فنهضت في ذلك نهوض المبدي المعيد، واحتبيت برداء الثناء عليك في المحفل الشهود، وسرني كون هذا الفتى الدميث الخليقة، السديد الطريقة، من إنشاء تخريجك وتفهيمك، وأغصان تثقيفك وتقويمك، فإنه ممن ستصور مقدار ما تسدي إليه، ويفي بصون ما تودعه لديه، وليس كل من أولي جميلاً يشكر، ولا كل شجر وإن سقي يثمر، وأنت بسروك توسع قريحته ذكاء، وصحيفته جلاء،، حتى يخلص خلوص الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 الذهب، ويتخصص بحلية الأدب، محرزاً في ذلك ذكراً يشيع خبره، ويفوح عنبره، والله يبقيك لهذا الشان تذيع أسراره، وترفع مناره، بعزته. وله من أخرى عناية بأحد الأدباء الشعراء: من دفعته الأيام - أعزك الله - إلى التقلب في الأقطار، والتكسب بالأشعار، لم يخف عليه مواضع الأحرار، في النجود والأغوار، على أن رسم الشعر قد درس أو كاد، ومرتاد البر قد عدم المراد والمراد، إلا أن صاحب هذا الشأن لابد أن يتصرف، أنجح أو أخفق، ويتسوق كسد أو نفق. وممن دخل ذلك الصقع فأحمده، وتخيل بمن معاودته [61ب] فاعتمده، فلان، وله في صنعة القريض باع، وبشكر ما يوالاه اضطلاع، وبين فكيه لسان كشقة مبرد، أو ظبة حسام فرد، ولما كنت - أعزك الله - مقدماً في أعلام مصرك، وأعيان عصرك، وعلم ما بيننا من سهم الوداد، وكرم الاعتداد، سألني مخاطبتك راغباً في أن تسدد له هنالك غرضاً، وتسهل من حياض أمله فرضاً، وترفع له في سبيل التزكية مناراً، وتقلده من صوغ التحلية طوقاً وسواراً، فأجبته لما يمت به إليّ من وكيد ذمامٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 وحميد إلمام، والثقة بنزول رغبتي لديك على طرف ثمام، وشرف اهتمام، وأنت بسروك تدنيه من كنفي قبولك وإقبالك، ولا تخليه من الأنس بتهممك واهتبالك، حتى يصدر وهجيراه شكر إجمالك، ونشر صنيعة من جاهك أو مالك، إن شاء الله. وله من أخرى في مثله: من عهد - أعزك الله - أنس فنائك، وحسن اعتنائك، وألف برد أفيائك، ولين أرجائك، لم يحبسه عنك سكن ولا وطن، ولا لذ له في غير حجرك وظلك وسن، فمولي الجميل محبوب، ومكان الأنس مطلوب، والنفوس على علمك تلتمس الرجحان، وتعتمد الفضل حيث كان. وفلان، ممن قيده إحسانك، واستعبده امتنانك، فهو لا يعدل بك أحداً، ولا يحل عن عصمة تأميلك يداً، فإذا بعد عن جنابك لم يسغ له قرار، ولا اطمأنت به دار، وقد بعثه صدق الانقطاع إليك على حسم العلق الموجبة لبعده عن ظل جناحك، وأنس التماحك، ولم يبق له في غير مكانك سيب يجذمه، ولا أمل يصدقه أو يكذبه، وأنت بمجدك توالي اصطناعه، وتراعي انقطاعه، وتلحظ بعين تهممك ضياعه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 وله فصل من جواب خاطب به بعض الأدباء الشعراء: وردتني لك قطعتان من القريض، كقطع الروض الأريض، أو نغم معبد والغريض، تبسمتا عن ثغر وفاء، وأهتدتا إليّ روح شفاء، فأشعلت بذكر تهممك مجمراً، ووضعت عليه من ثنائي نداً وعنبراً، ورأيت ما ذكرته من إزماعك على الرحيل، واستجماعك لركوب ظهر السبيل، فاسترجعت بذكر البين، ما وهبت من أنس السعدين، والله يرد ذلك الصعب ذلولاً، والحزن سهولاً، ولا يعدمك ممن ترجوه ترحيباً وتسهيلاً. وله أيضاً من جواب على كتاب في مثله: تكلفت المراجعة وحسي القريحة مثمود، وفي جو الذهن ركود وجمود، وبين أثناء الضمائر خطوب مثول، وفي صفائح الخواطر ثلوم وفلول، وما قصدت معارضة التبريز بالتقصير، ولا حاولت مناهضة الخطو الوساع بالباع القصير، وإني لممن ينصف ويعترف، ويرى مدى السابق فيقف، ولست ممن يجهل فضل ما بين النبع والغرب، ويذهل عن فرق ما بين الشبه والذهب، على أن عذري في الصناعة مقبول، ونبي في ساحة القريض محمول، فإني لم أقرع له باباً، ولا شددت به عصاباً، وإنما يعد من أهله، من سلك مضايق سبله، ويكتب في فرسانه، من تصرف في ميدانه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 ومن رسائله في التعزيات نسخة رقعةٍ كتب بها إلى الوزير الفقيه أبي القاسم الهوزني يعزيه عن أخيه: لا بد من فقدٍ ومن فاقد ... هيهات ما في الناس من خالد كن المعزى لا المعزى به ... إن كان لا بد من الواحد إذا لم يكن بد من تجرع الحمام، وتشتت النظام، وانصداع شمل الكرام، فمن الاتفاق السعيد، والقدر الحميد، أن يرث أعمار البيتة الكريمة مشيد علاها، وتسلم من القلادة وسطاها، فمدار الكفاية على معلاها، وفخار الحلبة بمحرز مداها. وفي هذه النبذة إشارة إلى من فرط من الإخوة الفضلاء، ودرج من السادة النجباء، فإنهم وإن كانوا في رتبة الفضل صدوراً، وغدوا في سماء النبل بدوراً، فإن شمس علائك أبهر أضواء وأزهر أنواراً، وظل جنابك على بنيهم ومخلفيهم أندى آصالاً وأبرد أسحاراً [62أ] . ونعي إليّ - أوشك الله سلوانك، ولا أخلى من شخصك الكريم مكانك - الوزير أبو فلان - برد الله ثراه وأكرم مثواه - فكأنما طعن ناعيه في كبدي، وظعن باكيه بذخيرة خلدي، لا جرم أني دفعت إلى غمرةٍ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 التلدد لو صدم بها النجم لحار، أو دهم بمثلها الحزم لخار، ثم ثابت إليّ نفسي وقد قذها الجزع، وعضها الوجع، فأطلت الاسترجاع، وجمعت الجلد الشعاع؛ وها أنا عند الله أحتسيه جماع فضائل، وجمال محافل، وحديقة مكارم صوجت، وصحيفة محاسن درست وامحت، وما اقتصرت من رسم التعزية المألوفة، على القليل المحذوف، إلا لعلمي، بأن المعزي لا يورد عليك غريباً، ولا يسمعك من موعظة عجيباً، فبك يقتدي اللبيب، وعلى مثلك يحتذي الأديب، وإلى غرضك في كل موطنٍ يرمي المصيب، وفي تجافي الأقدار عن حوبائك، وسقوطها دون فنائك، ما يدعو إلى حسن العزاء، ويهون جلائل الأرزاء، لا صدع الله جمعك، ولا قرع بنبأة المكروه سمعك، بعزته. وله من أخرى في مثله: وردني - أعزك الله، وأشعرك الصبر لما قضاه - خطابك الخطير، فاستقبلني، أوله ببشرٍ وسيم، وبر جسيم، وتلقاني آخره بوجه شتيم، ورزء أليم، فيا قرب ما انصرفت عن نهج الاستبشار، إلى سمت الاعتبار والاستعبار، وانقلبت من مطالعة صفحة العهد الواضحة، إلى ملاحظة صورة الوجد الكالحة، فما وقع سانح البشرى، حتى أطاره بارح المنعى، ولا افتر صغر النعمى، حتى اكفهر وجه البوسي، بما ختمت به الكتاب الكريم، وكان أحق بالتقدم، من ذكر وفاة الحسيب الأديب، أخيك، ومحل صنوي، كان - رحمه الله، وألحفه رضاه - فيا له رزءاً، حملني عبئاً، ومصاباً، جرعني صاباً، وعند الله أحتسبه جملة عفافٍ، وبقية أشراف. ومما أوقد لوعتي، وأكد روعتي، أن درج وللشباب عليه سربال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 وللأمل في تراخي مدته مجال، فاغتبط النفوس أفجع، وبغت المقادير أوجع وأشنع، وهي الآجال: فمعمر إلى أقصاها، ومختضر دون مداها، ولا يزال المؤجل تتحيف نواحيه، وتختطف أدانيه، ويفجع بأحبائه، ويروع بأترابه، حتى يكون هو الغرض المصاب، والمحل المنتاب، والسواد المخترم، والخيال المستقدم. فمن تصور الدنيا تصورك، وأوسعها تدبرك، لم يرعه هاجم كرب وإن كلح وجلح، ولا هزه واقع خطب وإن طمح وجمح، ولعلمي بمضاء جنانك، على مصادرة زمانك، واتساع صدرك، لمضايقة دهرك، سلكت في التعزية مسلك التخفيف، واقتصرت من معاني التسلية على اليسير اللطيف، ولو شهدت لحملت عنك بعض الأتراح، وشاركت في زيارة الغدو والرواح، والله يعوضك العزاء الجميل، ويضفي على ساقته - جبرها الله - ظلك الظليل، ويديم إمتاعك بمن بقي معك من أخٍ كريم، وقريبٍ حميم، بعزته. وله من أخرى في مثله: محن الدنيا - وسع الله لاحتمالها ذرعك، وأنس في إيحاشها ربعك - ضروب، ولسان العبر بها خطيب، ونوائبها أطوار وفنون، ومصائبها أبكار وعون، والمرء غرض لأخياف سهامها، ومعرض لاختلاف أحكامها، فإن أخطأه منها صائب الحمام، وتخطاه واثب الاخترام، رشقته بنبل أرزائها، وطرقته بمضل أدائها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 وعرقته بعصل أنيابها، وأشرقته بمر شرابها، وأودعته من صنوف التصاريف، آلاماً وأوصاباً، وجرعته من فراق الأحبة صبراً وصاباً؛ فمن فهم معاني صروفها فهمك، وعجم عود خطوبها عجمك، لم يتضعضع منه لصدمتها جلد، ولا تروع له عند ظلمتها خلد، ولا شقت لصبره في مآتها جيوب، ولا طار بقلبه في ملامحها وجيب، بل وجدته مشيع الجنان، ثابت الأركان، متهلل الجبين، مشرق اليقين، متسع الجوانب، لزحام النوائب، مستقل الكاهل، بأعباء النوازل. فلئن نفذ القدر بوفاة من كنت تأنس بحياتها، وتتيمن على القرب والبعد بيمن صلاتها وصلاتها، وتضاعف الوجد بما افترق من فرقة المنون، وحرقة [62ب] النوى الشطون، وانتظم من شحط المزار، ونفوذ حتم المقدار، ففي تجلدك لتحامل الخطبين محتمل، ولتصبرك في سوم الخطتين تصرف وعمل، وبجسيم عظيم المصاب، وكرم الاحتساب، يكون حسن الثواب، ويمن المآب، فللرزايا قيم وأثمان، وللحسنات في موازنتها خفوف ورجحان، فلا تمكن من يد الجزع مقادك، ولا تسكن زفرة الأسف فؤادك، واعتصم عند الصدمة الأولى بعروة الصبر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 الوثقى، وتجنب ما يقدح في كرم النصاب، ويقبح عند ذوي الألباب، واحتسب فقيدتك - قدس الله روحها، وأنس ضريحها - حديقة أنس، نقلت إلى جنة قدس، وذخيرة إيمان، ضمنت أكرم صوان، ولا تذهب نفسك حسراتٍ، ولا يتدارك نفسك زفرات: فقد فارق الناس الأحبة قبلنا ... وأعيا دواء الموت كل طبيب وإذا كنا أهداف المنايا، وأخلاف الرزايا، وأبناء الأحلام، وأنداء الغمام، فاي معنىً في الجزع على من فرط، والتوجع لمن شحط، ونحن عن قريب نقدم على من تقدم ونلحق بمن سبق. وهذه جملة من شعره خاطبه بعض الأدباء والشعراء بنظم ونثر، فراجعه بقوله من جملة أبيات: لئن راق مرأىً للحسان ومسمع ... لحناؤك الغراء أبهى وأمتع عروس جلاها مطلع الفكر فانثنت ... إليها النجوم الزاهرات تطلع زففت بها بكراً تأرج طيبها ... وما طيبها إلا الثناء المضوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 لها من طراز الحسن وشي مهلهل ... ومن صيغة الإحسان تاج مرصع تبغيت منها متعة اللحظ فانزوت ... وقالت أدون المهر يبغى تمتع لئن لم تجد نقداً لمثلي عاجلاً ... فما لكم عن قيمة البضع منزع فدونك ذاك الحكم منها فانه ... تضاء لعمري عادل ليس يدفع ولي همة لو طاوع الدهر حكمها ... لكنت بفتوى الجود في ذاك أقطع وخاطبه أيضاً بعض أدباء العصر بشعر، فراجعه بقوله: سلام كعرف المسك أو عبق الندّ ... على من عدا بالفضل فذاً بلا ندّ سلام كأنفاس الأحبة موهناً ... سرت بشذاها العنبري صبا نجد سلام كإيماض الغزالة بالضحى ... إلى الروضة الغناء غب الحيا العد على من تحداني بمعجز شعره ... فأعجز أدنى عفوه منتهى جهدي غزاني من حوك اللسان بلأمةٍ ... مضاعفة التأليف محكمة السرد دلاص من النظم البديع حصينةٍ ... ترد سنان النقد منثلم الحد عليها من الإحسان والحسن رونق ... كما ديس متن السيف من صدأ الغمد وفيها على الطبع الكريم دلالة ... كما افتر ضوء السقط من كرم الزند إذا خف منها جانب الهزل كفه ... ووقر من أعطافه ثقل الجد أبا عامرٍ لا زال ربعك عامراً ... بوفد الثناء الحر والسؤدد الرغد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 لقد سمتني في حومة القول خطةً ... " لففت لها رأسي حياء من المجد " [63أ] زففت هدياً من ثنائك حرةً ... يقصر ملك الأرض عن مهرها عندي عقيلة مجدٍ أتلع الفخر جيدها ... فأغناه ذاك الحلي عن حلية العقد وكلفتني أن أستقل بحقها ... وهيهات من إدراك أيسره وحدي فلم أر براً أرتضيه لقدرها ... سوى الود محمولاً على كاهل الحمد فعذراً فما عذري بمحتجب السنا ... ولا وجهه عند الجلاء بمسود فإن كنت قد أحجمت عنك مقصراً ... فلا غرو في الإحجام عن أسدٍ ورد وكتب إليه أيضاً الأديب أبو عامر الذي ذكره بشعر أوله: أعدها علينا أيها الناس الحبر ... هدي قواف مسك صفحتها الحبر فأجابه الوزير أبو القاسم بقوله: أما ونسيم الروض طاب به فجر ... وهب له من كل زاهرةٍ نشر تجافي له عن سره زهر الربى ... ولم يدر أن السر في طيه جهر ففي كل سهبٍ من أحاديث طيبه ... نمائم لم يعلق بحاملها وزر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 لقد فغمتني من ثنائك نفحة ... ينافسني في طيب أنفاسها العطر تضوع منها العنبر الورد فانثنت ... وقد أوهمتني أن منزلي الشحر سرى الكبر في نفسي بها ولربما ... تجانف عن مسرى ضرائبي الكبر وشيب بها معنىً من الراح مطرب ... فخيل لي أن ارتياحي لها سكر أبا عامر أنصف أخاك فإنه ... وإياك في محض الهوى الماء والخمر أمثلك يبغي في سمائي كوكباً ... وفي جوك الشمس المنيرة والبدر ويلتمس الحصباء في ثغب الحصى ... ومن بحرك الفياض يستخرج الدر عجبت لمن يهوى من الصفر تومةً ... وقد سال في أرجاء معدنه التبر تطلبتها مردودةً اللحظ برزةً ... تردد في أسمال أثوابها الدهر هي الثيب استعصت عليّ وإنما ... تطوع لمن يحوي ولايتها البكر فدونكها عذراء لم يعد وجهها ... حجاب ولم يهتك لحرمتها ستر بذلت لها نقداً من الدر غالياً ... فلم يجزها مهر ولم يخزها صهر وإني لصب بالتلاقي وإنما ... يصد ركابي عن معاهدك العسر أذوب حياءً من زيارة صاحبٍ ... إذا لم يساعدني على بره الوفر قوله: " ففي كل سهب من أحاديث طيبه " كقول أبي المغيرة ابن حزم: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 ورنت بألحاظٍ تدبر كؤوسها ... فينا فنشربها حلالاً مسكرا وقوله: " أمثلك يبغي " ... البيت، كقول الآخر: أعندك الشمس تسري في مطالعها ... وأنت مشتغل الألحاظ بالقمر [63ب] واراه عكس قول حبيب: إذا الشمس لم تغرب فلا طلع البدر ... وقال أبو الطيب: خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل انتهى ما أثبته من كلام الوزير أبي القاسم، وهو أبهى من النجوم وأبهر، وأسرى من النسيم وأسير، وكنت جديراً باستقصاء أخباره، وحميد آثاره، لا سيما ومزاره كثب، وبيني وبينه من ذمام الأدب، والتزام الطلب، سبب ونسب، ولكن النوائب زاحمت ضائري، وضربت وجوه خواطري، فما دفع إليّ عفواً تلقيته ووعيته، وما كانت فيه أدنى كلفة رجوته وأرجيته، ولا بأس من الزيادة إن انتهجت سبيل، ولله نظر جميل، وفيه مطمع وتأميل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 فصل في ذكر ذي الوزارتين الكاتب أبي القاسم محمد بن عبد الغفور صاحب المعتمد وكانا قبل تمكن السلطان، رضيعي لبان، أمهما الكأس، وفرسي رهان، ميدانهما الأنس؛ فلما أفضى الأمر إليه، وأديرت رحى التدبير عليه، أرعاه تلاعه، وعصب به خلافه وإجماعه. وتوفي ذو الوزارتين في عنفوان شباب ذلك الملك، وهو منه بمكان الواسطة من السلك، فقال المعتمد فيه من جملة أبيات يرثيه: أبا قاسم قد كنت دنيا صحبتها ... قليلاً، كذا الدنيا قليل متاعها وقد وجدت لأبي القاسم شعراً إن لا يكن شديد المتن، أزور الركن، فإنه مليح الاطراد، سلس القياد، يقرب من متناوله، ويدل على قائله، ولم يقع إليّ وقت تحريري هذه النسخة شيء من نثره؛ وفيما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 أثبت هنا من مقطوعات شعره، شاهد صادق على ما أجريت من ذكره. فمن شعره يخاطب أحد أعبان بني الدب: يا وزيراً تعنو له الوزراء ... ضاق ذرعي وبان مني العزاء أمن الحق أن أكون سقيماً ... لست أرجى وفي يديك الشفاء يا كبيري وسيدي وظهيري ... كن نصيري على أناس أساءوا قد توقفت في الشهادة حتى ... حرم اليأس ما أحل الرجاء ولقد تعلمن محض ودادي ... وثنائي، وقل فيك الثناء ولكم سائل أطال سؤالي ... هل على الأرض من لديه وفاء فجعلت الجواب منه مقالي ... ليس يخفى على العيون ذكاء إن جهلت الوفاء في أهل حمصٍ ... فبنو الدب سادة زعماء فيهم عفة وفيهم وفاء ... ولهم ذمة وفيهم حياء وزراء أكابر كرماء ... علماء أفاضل حلماء أي قومٍ وأي أعلام مجدٍ ... أنجبتهم إلى العلا آباء يفخر الدهر منهم بأناسٍِ ... ليس إلا لهم يد بيضاء [64أ] من يجار الوزير أعني أبا مر ... وان في الفضل طال منه العناء من يجاريه فغي متانة دينٍ ... وعليه من الحياء رداء أورث المجد والمكارم نجلاً ... منه هامت بمثله العلياء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 فات أهل الزمان فضلاً ومجداً ... وذكاءً وأين منه الذكاء ألمعياً مهذباً لوذعياً ... للمروءات في يديه لواء وإذا ما اعتزى لأكرم خالٍ ... وقف الفضل عنده والسناء ولعمر العلا وسمر العوالي ... إنه خير من تظل السماء يا عمادي ومن عليه اعتمادي ... عش كما شئت مدركاً ما تشاء ولئن كانت النفوس فدائي ... إن نفسي لمثلكم لفداء في ذكر الوزير الكاتب أبي محمد عبد الغفور، ابن ذي الوزارتين أبي القاسم المذكور، واجتلاب قطع من شعره، ولمع من نثره وأبو محمد هذا في وقتنا عارض إذا همع استوشلت البحار، ونجم إذا طلع تضاءلت الشموس والأقمار، وهو أحد من آوى من الحسب باشبيلية إلى ثبجٍ عظيم، ومشى من الأدب على منهج قويم، سابق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 لا يسمح وجهه إلا بهيادب الغيوم، وصارم لا يحلى غمده إلا بأفراد النجوم؛ وكان نشأ بين يدي أبيه من دولة المعتمد، بحيث يفيء عليه ظلالها، ويتشوف إليه قبولها وإقبالها، وانشفت تلك السماء قبل أن ينوب مناب سلفه في سرجها، ويحل بيت شرفه من أبرجها، ولله هو، فلئن كان نبا به الأوان، وضاق عنه السلطان، فلقد نهض به جنان يتدفق بالغرائب، ولسان يفري شبا النوائب، وإحسان يملأ أقاصي المشارق والمغارب. وقد أخرجت من غرائب نظمه ونثره ما يخجل الخدود، ويعطل السوالف الغيد. فصول من كلامه في أوصاف شتى له من رقعة خاطب بها بعض أهل عصره، وافتتحها بهذين البيتين: لولا عدىً غاظوا الصدي - ... ق بنفيهم عني الكتابه لم أوذ سمعك بالهرا ... ء ولا انحرفت عن المهابه لعمري - وإن كان نفى منفياً، وتقرع صديقاً حفياً - لرب أعجم ضجر فأفصح، وأجذم عير فقدح؛ وإن لم يستألفا بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 الإفصاح، وما شق من كلفة التحامل في الاقتداح، لم يؤمنا على ذكر ميت، وإحراق بيت؛ فلله من احتال لتخلصه، ولم يعجب بتخصصه، ودفع بيد جلده، في صدر حسده. وفي هذه الجملة بلاغ لو ارتضيت بها متنقصاً، ولم يرني بالاقتصار عليها متخرصاً، في الكتابة متلصصاً، إذ لعله ممن يظن الإيجاز حصراً وانقطاعاً، ولا يعتقد الإجادة مع الاسهاب شيئاً موجوداً ولا مستطاعاً. لا جرم أني بحكم هذه التقية سأطيل قصصاً، وأتطلب فيما لم يطرق من القول قنصاً، ليعلم من ناف، ومن جلف جافٍ، بل من نزرٍ حقيرٍ خافٍ، أنني من كتابه وقته، وإن زعم أنف مقته، والله ما عرفته إلى اليوم، ولعلي سأعثر عليه في النوم، فأعرفه: من أرعن ناقص الوزن والصرف فأصرفه، بسمةٍ من الهون تشغله بنفسه، وتخجله في رمسه، والله يفنيه، [64ب] ولا يعرفنيه، وينزه عن شخصه الوضر الدنس عائر سهامي، ومن عرضه القذر النجس طاهر كلامي. وكأني بفارس هذه الصناعة، ومالك أزمة البلاغة والبراعة، قد سمع هذري، وضحك من ضجري، وعجب كريمة وده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وعقيلة عهده، من خاطبٍ، بسخفٍ مخاطب، في ليلٍ من الجهل حاطب، لم يأت خطبتها من بابها، ولا رفق في طلابها، وهيهات لمرتقب الشعرى، من ملابسة الكرى، ولمثل أملي في ذلك السماء، من تقصير في الاحتفاء، ولكن صدر التحبير، بما يشتمل على الضمير، فمتى سمح لغيره بمكانه، فقد صرم فجاء قبل أوانه، وكلف نضجاً ولات حين أبانه وسأمهرها من جميل الثناء مهراً تشمه زهراً، وتختمه نجوماً زهراً، وترده كوثراً، وتحمده عيناً وأثراً، وتحمل من بهائه تاجاً تعنو الشمس لضيائه، وتغرق في لجة لألائه، فيكون بدعاً من المهور، ويفخر دهره على سائر الدهور، بمقتضى ما التزمت شروط الوفاء فيه، وحرمت من غدر بني الأيام صحة مبانيه، ولو اكتفيت بما مضى عليه سلفنا الكريم، وتبعت ولم ترم مركزها منه أعظمهم البالية الرميم، من صفاء ودّ يعدي الجار فضلاً عن البنين، ووفاء عقد يثني النار عن أن تحرق بالطبع أو بالمماسة عدد سنين، أحرزت من الفضل نصاباً تجب فيه الزكاة، وحويت من الفصل قصاباً لا تدركها الكفاة، ولا تبلغها العفاة؛ على أنه لا شيء أغرب من عقلٍ يمتار ما في يديه، ولا يحتاج إلى صدقة عليه، ولا من فضل يتجاوز غلوة سهمٍ، فضلاً عن غاية شهم. وكنت قد استغنيت بما أصلوا، ولم أقطع بهذا الاستئناف ما وصلوا، إلا أني وجدت نسب أدبه قد كل، ورسم سببه قد اضمحل، والكلالة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 في الآداب، أمس منها في الأنساب، فاعتمدت بهذه النأمة سداد خلل، وعمارة طلل؛ وشائع مجده كان أولى بهذه الرتبة من التهمم، وأهدى إلى سنن التفضل والتكرم، إذ كان أفسح في القول طلقاً، وأحسن في در كلمه العذب سرداً ونسقاً، فكيف تزل لي عن صهوة الانتداب، وتوفر علي خطة الاقتداء، هذا إذا قدرت، وما أراها إلا كأختها قد تعذرت، ليس إلا لمكاني من الحرمان والخمول، وكل عذر يدفع به في نحر هذا الصدق فغير مقبول. وقد حطبت وخطبت، وسببت بل ضربت، وتكاتبت حتى كتبت، ولو خططت في صفحة البدر، بأنملي العشر، أو في الشمس، بالمعهودة الخمس، وصغت لفظاً للرقعتين، محاسن الجديدين، لقيل رمى الغرض فكاد، ولو نسج على منوال فلان وفلان لأجاد، وفلان إذا نقل الأقاويل توسط، وإذا رفع إلى فطرته الفطيرة تورط، فإن رأى أن يراجع بالقبول، وبما لديه من الرأي الحسن الجميل، بشرط العدول عن التفريط المخجل، واللفظ المشترك المحتمل، واعتقاد تجريحي في الصناعة بمجرد التبصير، وتنزيه خطوه الوساع فيها عن معارضة خطوي القصير، دل على موضعي من إيثاره، وطار اسمي الواقع بيمن جواره، عمر الله ربعه بالتأمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 وسمعه بالتكريم والتبجيل، وصدأ هذا الزمان معدٍ كل عقلٍ، وفي ما أتوكف من جوابٍ كريمٍ مدوس إمهاء وصقل، وأزال جاهل شبحي لما عليه من الأقذاء، حتى أجتلي صورة حقيقته في رونق الجلاء، وحبذا تعجيله قبل استيلاء العجب القبيح، وتكاتف حجب الغي على متن الصفيح، فيعز صقاله، ويعجز انتقاله، فرأيك انتقاله، فرأيك في ذلك مسدداً إن شاء الله. فتخلف المخاطب عن المجاوبة، فأعاد عليه ثانيةً بخطابٍ قال فيه: وكنت أعتقد أنه - أعزه الله - بجوابه لا يبخل عليّ، وقد بسطت لنيلي به الأمل يدي، ومددت لاجتلاء السرور عيني، وحتى الآن فلم يرتد طرفي الشيق إليّ، بل قيد بشطور، تشوفاً إلى بهجة تلك السطور، فما ظنه بصفر اليدين من الأمل، ناظر إلى [65أ] أحد الشقين كالمختبل، بل ما ظنه بقومٍ يكثرون عنه السؤال، ويضربون فيه الأمثال، يودون لو قعد تحت الريبة من تأخر الجواب، وأطاع داعي الظنة في قطع رحم الآداب، لشد ما قدحوا زند الوحشة فصادفوه - والحمد لله - جد شحاحٍ، وأكبوا لنار الفرقة فلم يستضيئوا منها بمصباح، وظنوا أنه قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 ورد من جواب كريمٍ فكتمته كتم الأرض، ولم أهش لنافلة الشكر عليه فضلاً عن الفرض، وهيهات لوجه الصبح المتبرج من كتم، ولنسيم زهره المتأرج من ختم؛ غير كلمه العذب، بل لؤلؤه الرطب، يجهل للخمول سراه، فلا يفضل عن ستر الراح سناه، ولا يحمل مثقلات الرياح من طيب شذاه، فليحينا منه بقطف يجنينا ثمر السرور، ويعفينا من وصمة التقصير بنا والقصور، فما زلت - أراه الله ما تمناه - أكرم بني الأيام عهداً، وأحكمهم عقداً، وأبعدهم من الآفات وداً، وأحمدهم قرباً حميداً وبعداً، وأصبعهم على الزمان الغادر مراماً، وأشدهم أنفه وعراماً، من أن ينقاد طوع زمامه، ويتصرف - وقد جئت خاطب وده في تضريح أنفي بدمٍ - على أحكامه، لا هم إلا أن يكون ذلك منه - صرف الله صروف الليالي والأيام عنه - ستراً على ما عهده من تأخر كلمي، وتعثر قلمي، واستعجام بناني، وقيام بناني، وقيام ظل البلادة دون إحساني؛ فهل شعر أنه قد نبل الناس، وظهر النسناس، وكلم الرمل الهزج، وسيط غير ما شيء فامتزج! ! ولذلك ما أقدم بي قدم الاعجاب، واستؤذن لي على دولة الكتابة بعد طول حجاب، فافتتحت مطالعة حضرته البهية، أراني بنيل هذه الرتبة العلية للنجم راكباً، وللسعد مواكباً، وإن كنت متكاتباً لا كاتباً، وقاعداً حين تطارد فرسان الكتابة لا جائياً معهم ولا ذاهباً؛ ما ضره لو قارضني على الجد ولو هازلاً، وسابقني إلى غاية الود وأنا الراكب المنبت فيسبق مستريحاً نازلاً، بل ما ضره لو فتق لهاتي وقد همت، وسدد سهام كلماتي وقد ألمت، بمكنون الدر، من ألفاظه الغر، ومخجل الزهر، من حكمه الزهر، فيدني من ذي حرص عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 أمله، ويبعث جذله، ويكون جمال إصابته له؛ فلم حرمني جوابه، وتغافل عني وقد قرعت بيد الثقة بابه، ألا سلم للأيام، في إحالتها طباع الكرام، وأنشد: ومن صحب الدنيا طويلاً تقلبت ... على عينه حتى يرى صدقها كذباً كلا، لا أسلم لها فيه، ولا أوجدها السبيل إلى شين معاليه، ولو ضاعت هذه الثانية ضياع سراجٍ في شمس، ولقيت من إعراضه عنها ما لقيت أختها بالأمس، فليصل من وصله، وليعذر في الاقتضاء من مطله، ولو غيره عاملني مثل هذا الانزواء، وقابلني بأيسر كبر وجفاء لنظرت إلى كلمة أبي الطيب: لا تحسبوا ربعكم ولا طلله ... أول حيٍ فراقكم قتله فكنت أقول: لا تحسبوا قولكم ولا عممه ... أول ركنٍ بناصلٍ هدمه ورب كاتب أثقف مبانٍ، وأشرف أبيات معان؛ ولكنه عيني التي بها أبصر، وعضدي التي بها أنتصر، فمن ذا الذي يعتمد بسوء بصره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 ويقلع نابه حين يجني عليه أو ظفره. وله من رقعة: توفي الصبر فهششت لإقامة رسم العزاء، ثم تذكرت فتأخرت، وأن نفسي - فاديته - عيرتني ترك المقال، وقالت: أين ما ذخرت لهذه الحال - فقلت: أحسن الله عزاء من بكاه، وأرضى بقبض ذلك الظل من اشتكاه، حتى يهدي إليه غفراناً، يلحقه رضواناً، ويحفه روحاً شهياً وريحاناً، ليعلم الهالك - رحمه الله - حيث تصفو العقول، وتنسى الحسائف السالفة والذحول، أن الباقي بعده قد عطف على الأول، وإلى ما يقربه إلى الله زلفى، فأهدى سنا المغفرة، إلى عظامه النخرة، وكره الشمات، ولم يحقد على من مات، وإن كانت العرب قد هجت قتلاها، وشمتت على مر الدهور بموت عداها. قال الحصين يهجو من قلته. [65ب] فلما علمت أنني قد قتلته ... وقال غيره يشمت: وإن بقاء المرء بعد عدوه ... ولو ساعةً من عمره لكثير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 وقال حبيب: يا أسد الموت تخلصته ... من بين لحيي أسد القاصره وقال أبو الطيب: قالوا لنا: مات اسحق فقلت لهم: ... هذا الدواء الذي يشفي من الحمق والله يعمر السيد حتى يرث أولياءه وأعداءه، ويقتضي على الأيام علاءه وسناءه، فليس لهذه المدة منتهى، ولا يبلغ منها مدى. ومن أخرى: وإنما هو دأب فلكي، وجري سليكي، يتأكد ويتصل، وتتولد أسبابه فلا تفني ولا تنفصل؛ قال الأول: فيوماً على سربٍ نقي جلوده ... ويوماً على بيدانةٍ أم تولب وتلك المنى لو أننا نستطيعها ... وأنا أقول: فيوماً في سوق فليق، ويوماً في طحن دقيق، ويوماً أقتات فيه بسخت السويق، ويوماً أقطعه على الريق، ويوماً في شهيق، ويوماً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 بالجامدة ويوماً بالسليق، سبعة ألقاب، لسبعة تأكل شلو الأحقاب، تسع جميع الشهر، وتجري كالروح في هذا الدهر، فأنا آلم من السليم بوجعه، وأشغل بهذا الكد منه بأشجعه، حتى آوي إلى عجوز، لنوبها المترادفة من يجوز، آونة تطلب بمبيت سور، وآونة ببنيان جسور، وما في إناء رزقها المكسور، منت بلالة سور، ولم يبق على هذا القياس بعد مغرم الثغور والدروب، إلا أن تشمر عن ساق للحروب، وإنما عليهن جر الذيول، وعلينا إجراء الخيول، فإن رأى - أعزه الله - أن يعفيها ويكفيها، فلها أمثال، في ربات الحجال، وفي ذوي اليسار من الرجال، وقد تقدم أمر الأمير بإعفاء النساء، بيمن فالقوادم فالحساء، فما شأن هذه المرأة تخص بالغرامة، وتستثنى بهذه الحضرة من الكرمة - أفتراها التي دلت على ضيف لوط، فتسعط من قاتل الظلم هذا السعوط -! كلا ولكنها أم كاتب هذه الرقعة التي لو فسرت لفصحاء يونان، لعضوا من حسرة التقصير عنها البنان. وله من أخرى: جعلت فداك، هل ظفرت بمطلوب يداك - كلا ولكنك رأيت سراباً، فحسبته شراباً، وغرتك دمائة، تحتها غثاثة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 وسكون، لا يصلح إلى جانبه ركون، وبحكم الرغبة والحرص، كانت فراستك في ذلك اللص، وإلا فصموت عيي، لا يذهب على ألمعي، ودمع فاجر، لا تروى منه المحاجر: وإذ قد نبا حد عتابك من قرع ذلك الحجر الصلد، كما أعيا قبل ذلك على ذي مرة جلد، فمن العناء معاناته، ومن الدناءة قربه ومداناته، فاستشعر اليأس منه، واصرف عنان التثريب والعذل عنه، فإنما هو كذئب في ثلة، بأرض مذلة، في ليلة بعيدة مسافة الصباح، قعيدة روعات الصراخ والنباح، يتملأ من دمائها، ويهزأ هذا الخبيث من ثغائها، بل هو أعق من ضب حرب، في حجر خرب، يخاف على حرشائه من الحرش، ولا يعتصم من أعدائه كعقرب الخرش، فهو إلى عقوقه أنزق من ذي خرق، وقع في حبالة ثم أبق، أحسن الله فيه العزاء حيا، وطوى بيد السلو لهجي بشكياته طيا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 حتى أنساه، ولا أعرفه حين أراه، وفراستي في سواه أصدق من نار الفرس في الصدق، وأبصر في ظلمة الاشتباه من طالع الأفق. وله من أخرى: وصل جوابك فشفى عليلا، وبرد غليلا، ونسم من روح الظفر بالأمل نفسا بليلا، وما كان لشرب ودادك العذب أن يستحيل صابا، ولا لمحل مجدك الموفي على الشهب أن ينحط نصابا، ولا لوفاء منك رسا ثبيرا، أن يذهب مع الرياح هباء مستطيرا؛ عقدة ودك أحصف، وحجاب مجدك أضفى من أن يسترق وأكثف، بقيت لغماء تجليها، ونعماء توليها، وعلياء تنافس فيها، وإن أتبع سيدي فرس البر بي لجامها، وقرع عارض المسرة تكاتفها والتئامها، فقد أمكن من الإحضار، وروى ظماء آمالي بمنهل القطار [66أ] . وله من أخرى: من الأمور الشائعة، والمعاني المتفقة الواقعة، ما يعدل له في الكتب عن قصد السبيل، ويؤخذ في أساليب التطويل، وشعاب التمثيل أو التعليل، فيقوم عذر الكاتب، ويرجى الفلاح للمكاتب؛ كالرأي المستحكم مني في جانبك - أعزك الله - دون سبب أحكمه، وأرب قضى لما عن فأبرمه، ولكن فطرة في الميلاد، وحكمة من خلاق العباد، خفيت عن أذهان منا حداد، وضرب بيننا وبين سرها المكتوم بسد بل بعدة أسداد، فمنا - معشر الإنس - من يجيب المار الأجنبي لسلامه، ويبغض البار الحفي من أخواله وأعمامه، وربما زاد سوء المقدار، في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 ذميم هذا الاختيار، فهجر أحد أبويه أو كليهما، وقد علم أن طلب الجنة تحت قدميها، ففضله النوع البهيمي بقفو أثر مرضعه، وقد غني عن رضاعها، وزاد على خطوة باعها، وتبرأ منه الجنس الإنسي بموجب عقله، ومقتضى دليلي برهانه عن الله تعالى ونقله، فلا هو من البشر في شكر المحسن إليه، ولا من البقر في إلف القائم ولا من الشجر، بل هو أقسى من الحجر، {وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء} (البقرة: 74) فيكون بإذن الله موردا، وتلطف منه الأجزاء فيكحل إثمدا. وقد لعمري منيت بهذا النوع من الولد، وكمدت به أبرح كمد، واشتغال نفسي بقسوه، بعد حنوه، وببعده بعد طول دنوه، مزج شكيتي، بالبسط لأمنيتي، حتى هرفت بما لم أعقد عليه نيتي، ولا قصدته في هذا المقام برويتي: كالهارف: " اصبحوا الركب أغبقوا الركب "، والهارفة: " زوجوني زوجوني ". إن اللسان على الفؤاد دليل ... والله يحسن فيه العزاء حيا، ويطوي بيد السلو نهجي بهذه الشكاية طيا، حتى أنساه، ولا أعرفه حين أراه، وفراستي في سواه، أصدق من نار الفرس في الصدق، وأبصر في ظلمة الاشتباه من طالع الأفق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وفي فصل منها: وإذا اتفق من المشاكلة ما صدرنا الكتاب به، المماثلة ما قد ائتلفت نفوسنا بسببه - وهي كما قال عليه السلام: " أجناد مجندة " - فمن حقنا أن نأتلف ولا نختلف، ونتعاون أعضاء وآراء، وأقوالا وأفعالا، ونطيب نفوسنا، ونستوي في حسن العشرة أقداما ورؤوسا، فنصرف على الأيام جمال أنبائها، ونرتسم في جريدة وفائها، ونتسربل من الحمد لبوسا، ونقمع من استيلاء الذم معرة وبوسا. ومن أخرى: من طال - أعزك الله - أمد ارتياده، ودوم به جناح جده واجتهاده، في طلب كريم الأخلاق، ثم قدر له به تلاق، فما أحراه وقد وجده، أن يشد على علق منه يده، حتى إذا اعتمد اختياره، وأحمد في كل الضرائب آثاره، شد عليه بالعشر، وسجد له سجدة الشكر، وصان منه بعد تميمة تاج، وفارج رتاج، فأسكنه في جفن ناظر كريم، وربأ به عن جفن متحذ من الأديم. وأنت حقيقة ذلك العلق الشريف المشدود عليه، ومجازا شبه العضب المشرفي المشار إليه، من أحرزك أغنيته، أو هزك شفيته، أو استكفاك خطبا مستليما كفيته، ولتناهي ودادي فيك، وتشيعي الشائع لمعاليك، أقتصر معك على لقية في العام، وأعتمدها في سني الإنعام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وفي فصل منها: وإنما يثابر على عمارة ما غرس، ويترجح في الإقامة على ما أسس، من استراب بخبث التربة التي احتلها بغرسه، واختطها لوقاية نفسه، وأما من أحمد ثراه، فقد طابت يقظته وكراه؛ على أن لقاء سيدي ومشافهته، ومحادثته ومفاكهته، كان أحب إلي، وأمتع لمسمعي، وأجلب لقرة عيني، ولكني مشغول بيومي، مدفوع إلى تقويت قومي: " أحارب خيلا من فوارسها الدهر " ... ولا عدة إلا التجلد والصبر قد عدت أعرى من نواة، وكنت أكسى من قطاة، فإذا لقيت ذا هيئة خجلت خجل بخراء [66 ب] اضطرت إلى سرار، وفوهاء همت بافترار، ووزير بل أمير دفع بعد ركوب الفاره إلى ركوب حمار. ومن أخرى: ربما كان من الالطاف ما لا سبب له، إلا تنفيق كتب كاسدة، وتسويق سلع فاسدة، لا أن الملطف أحوج بسوء عشرة إلى تقويم، أو غلظ قشرة إلى ترقيق أديم، ولا أن الشيء المهدى يسمن ولا يغني من جوع، فيمنع بالفرح له أو الترح عليه عينا من الهجوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 لا هم إلا أن يكون طلوع ذلك الشيء النزر، من ودود بر، أو مودود رفيع القدر، فهو أوفر ما يقني، وأبعد ما يتمنى. وفي فصل منها: فالمودات، ما خلت من تهاد مكررة، كطبيخ خلا من اللحم يدعى مزورة، والمهدى بين يدي هذه الأحرف عدد كذا من سفرجل، وتصحيفه عندي سفرجل، وإذا سفر عن ثغره جل، فالظفر بطارق الهم مجل، يشبه صور العذارى ضمخت بالعبير، وثديهن بالتقييس والتقدير، كأنما لبست من الحرير سرقا، أو شكت بألوانها وجدا قد برح بها وأرقا، بل كأنما سرقت الثدي طوابع مسك أحم، ضمت عليه جوانحها إذ خافت الذم، أقداح غرب، علت بماء ذهب، طبع من العنبر نواها، وناب عن شذاها الفائح للشرب ساطع شذاها، وربما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 فضلت شهي التفاح، وفتكت بأدواء المعد فتكة السفاح، وإن فاكهة تشبه الثدي، وتشرك في بعض صفاتها الهدي، لجديرة بأن يحفظها عناقا، ولا يعدل بالواحدة منها عناقا، بل يجعل فدية قضمها أن تشد وثاقا، وتضرب أعناقا. وإن محلك من نفسي لخصيب جناب الصفاء، نقي جلباب الوفاء، فصيح طير الثناء، نصيح جيب الصناعة والولاء، ودادا لا يبلغ مداه، ولا توبس هواجر البعد ثراه، والله يلحفه من التمهيد ظلالا، ويزيد يانع روضة نضرة وجمالا، حتى لا تكرى عيون أزهاره، ولا تعيا ألسنة أطياره، ولا يعرى من ورق عوده، ولا تخشى من حل نظام عقوده. وفي فصل: وعذب شيم، لو أنطقها الله لقالت: معشر الأنيس على شفا، لن تجدوا في غيري مرتشفا، فردوا نميرا سائغا، وتفيأوا ظلا سابغا. وغرضت عليه رسالة أبي عمر الباجي وأبي القاسم بن الجد المتقدمين في صفة المطر بعد القحط، فعارضهما برقعة قال فيها: ولله جلت عظمته أوامر تحيل المنيرة عن طابعها، وتسلب من حصى المعزاء فضل شعاعها، وترد في خلف تمريه حلب ارضاعها، لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 تلحق بسوابق الرهان، في ميادين الأذهان، ولا تدرك بقداح القمار، من معليات الأبصار، تطلع المنح من ثنيات المحن، وتخول العاجز الزمن، منفسات الزمن، وقد تذهب بما تهب، وتغير على ما به تغير، حكمة بهرت حقيقتها زواهر الأفكار، وغمرت دقيقتها زواخر بحار الاعتبار، له الخلق والأمر، وبيده النفع والضر؛ وإن أحق النعم بشكر لا تنضب مدوده، وحمد تتجاوز حد المعهود حدوده، نعمى أحيت بالسقيا أرضا مواتا، وأنشرت بدر الحيا أملا رفاتا؛ وقد غبط طير الماء ضباب اليهماء، وحجب كاسف الرجاء نيرات النعماء، وشابت مفارق الرياض، وغاضت مفعمات الحياض، واقشعرت الربى، وحل نبت الحاجر عقد الحبا، وباتت أزهار الغيطان، عليلات الأجفان، تستقي نجوم السماء، وتتوسل بالشبه إلى ذوات الأنواء، فعندما أمست البسيطة على شفا، وأجبل المحتفر ولم يجد مرتشفا، أرسل الله تلك النعمة، بين يدي الرحمة، ريحا لينة هبوب النسيم، في الروض الهشيم، شديدة حفز الغمائم، لتدارك ما في الكمائم، فنسجت بإذنه ملاءها، ورمت أمراسها ودلاءها، فلما لمت قزعها، ووصلت بقدرة الخلاق قطعها، سفحت عيون تلك النجوم، بمكفهر الغيوم، رحمة لعليل النبات، ورقة لأليل المهجات، فنمنم وشي التلاع، بيد لطيفة [67 أ] صناع، ورصع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 تيجان الأكام، بنطف الغمائم السجام، فاهتزت القطارية لذلك القطار، واشتملت على محسنها من الأوطار، وضحك ثغر الروض بعد عبوس، ونقل إلى سعة الرحمة من ضنك البوس، وسحبت فواهق الأنهار مذانبها، ونشرت عرائس الأزهار ذوائبها، ناظمة من لآلئ الطل عقودها، مالئة لبتها من جوهره الرائق وجيدها، تفوح مجامر أزهارها، وتلوح خفيات خفيات أسرارها، في مرائي أنوارها، فترمي الذاهل برياها، وتحيي النائم وما حياها، مؤذنة بادراكها، على لسان مسكها في ساحة مداكها، وقام من مترنم الأطيار، على منابر الأشجار، خطيب يتلو ما جر من الثناء، على سابغ النعماء، وسائغ رحيق الآلاء. فيا لها نعمة ما أحسن موقعها، ورحمة ما ألطف محلها، من النفوس وموضعها، لقد بردت حر الأكباد، وشفت غليل القلوب الصواد، وفديت بنفائس النفوس والأولاد، نفست خناق الآمال، وحلت عقال الإقبال، وكادت تجري الأرواح في الرمم البوالي والحمد كما لله حض عليه منتهى الحمد، ومبلغ الوسع والجهد، وما لا يحصره العد، وما شاء تعالى من شيء بعد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 ووصف له أحد إخوانه امرأة ومدحها وحضه على أن ينكحها، وكان لذلك الصديق امرأة سوادء، فكتب إليه ابن عبد الغفور: بينما كنت ناظرا في المرآة من شعر أحم، ورأس أجم، لا أخاف معه الذم، إذ تقدم رسولك إلي، يخطب بنت فلان علي، ويرغب منها في سعة مال، وبراعة جمال، ويقسم أنها لبرة بالزوج بالزوج بريكة، لا تحوجه عند النوم إلى أريكة، ولو يسرت - وعياذا بالله - لهذا النكاح، لرزقت قبل الولد منها آلة النطاح، ولا حاجة لي بعد الدعة والسكون، إلى حرب زبون، وقراع بالقرون، ولو حملت إلي تاج كسرى وكنوز قارون. فاطلب لهذه السلعة المباركة مشتريا غيري، ولا تسوقها ولا في النوم على أيري، وابتعها ولو بأرفع الأثمان لنفسك، وأضف عاجها النفيس إلى أبنوس عرسك، ولا عذر لها في النشوز والإعراض، فإنما حسن السواد الحالك بالبياض، والله يمدك بقرنين قبل الحين، ويصنع لك صنعين وبيلين، فيسقطك بهذا النكاح الثاني كما أسقطك بالأول لليدين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 ومن أخرى: بلغني من ثناء الوزير الجليل، النقاب العلامة النبيل، سيدي وسيد أهل مصره، بل وقته وأعصار خالية قبل عصره، ما فغم أنوف النجوم، وأرغم معطس حاسدي بمذلة الوجوم، وإنما يثني من رهين شكره، ومعظم شأنه الرفيع وقدره، على سهم ذربه، أو شهم قد دربه، أو تلميذ أدبه وعلمه، فكان له الفضل الأكمل بأن كلمه، فكأنه - أعزه الله، بحكم جلاله - أمير شهد لنفسه فتوقف بين حد القبول، وبين ما في رد شهادته من خوف الخبول، وهبه من كلم مكلوم الهاجس، مكدوم السيات والمعاجس، قد صحت فيه الدعوى لصاحب، ومحت الشبهة في سبقه بأوضح لاحب، أي خلل سد، وأي سلب استرد، لا بل أي خطب درأ، ووطب ملأ -! فإذ قد اعترض على ما قد انحل من الإحسان، مقدور الحرمان، فإذا في حيرتي به حسرتي، وفي الفقرة الطالعة فاقرتي، وفي حطي لها حظي، ولا فائدة لهذه الأسجاع، سوى تحيرك أشجان وتوليد أوجاع، فإن رأى - أعزه الله - أن أنبذها بالعراء، وأطلق منها داعية الضراء، فقد وافق إرادتي، واختار لي أجدى من مكذوب إجادتي، والله يقدر الوزير الجليل - سيدي وسيد أهل عصره - حتى يشكي من شكا، كما لم يزل يرق لمن بكى، ويصيخ للمكروب إذا شكا، بعزته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 وكان الوزير أبو الحسين بن سراج قد خاطب بعض أهل العصر برقعة يشفع لرجل يعرف بالزريزير يقول في فصل منها: كتبت أحرفي هذه، والود صقيل الوذائل، مطلول الخمائل، جميل البكر [67 ب] والأصائل، والله تعالى يزيد أزهاره وضوحا وأطياره صدوحا، وظباءه تيامنا وسنوحا، بمنه. ويصل به - وصل الله علوك، وكبت عدوك - شخص من الطيور يعرف بالزريزير، أقام لدينا أيام التحسير، وزمان التبلغ بالشكير، فلما وافى ريشه، ونبت بأفراخه عشوشه، أزمع عنا فطوعا، وعلى ذلك الأفق اللدن تدليا ووقوعا، رجاء أن يلقى في تلك البساتين معمرا، وعلى تلك الغصون حبا وثمرا، وأنت بجميل تأتيك، وكرم معاليك تصنع له هنالك وكونا، وتستمع من نغم شكره على ذلك أغاريد ولحونا، دون أن يلتقط في فنائك حبة، أو يسترط من مائك غبة: وإذا امرؤ أهدى إليك صنيعة ... من جاهه فكأنها من ماله وانتهت هذه الرقعة إلى الوزير أبي القاسم ابن الجد فعارضها برسالة قال فيها: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 حسنت لك يا سيدي أبا الحسين ضرائب الأيام، وتشوفت نحوك غرائب الكلام، واهتزت لمكاتبتك أعطاف الأقلام، وجادت على محلك ألطاف الغمام، وأشادت بفضلك ونبلك أصناف الأنام، فإن كان روض العهد - أعزك الله - لم يصبه من تعهدنا طل ولا وابل، ولا سجعت على أيكه ورق الوفاء ولا بلابل، فإن أزهاره على شرب الصفاء نابتة، وأشجاره في ترب الوفاء راسخة ثابتة، وقد آن الآن لعقم شجره أن تطلع من الثمر ألونا، ولعجم طيره أن تسمع من النغم ألحانا، بما سقط إلي، ووقع علي، من طائر شهي الصفير، مبني الاسم على التصغير، فإنه رجع بذكرك حنينا، وابتدع في نوبة شكرك تلحينا، وحرك من شوقي إليك سكونا، ودمث في قلبي لودك وكونا، ثم أسمعني أثناء ترنمه كلاما وصف به نفسه، لو تغنت به الورقاء، لأذنت له العنقاء، أو ناح بمثله الحمام، لبكى لشجوه الغمام، أو سمعه قيس بن عاصم في ناديه، وبين أعاديه، لحل الزمع حباه، واسترد الطرب صباه، فتلقيت فضل صاحبه بالتسليم، واعترفت بسبقه اعتراف الخبير العليم. وبعد فإني أعود إلى ذكر ذلك الحيوان الغريد، والشطيان المريد فأقول: لئن سمي بالزريزير، لقد صغر للتكبير، كما قيل " حريقيص "، وسقطه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 يحرق الحرج، و " دويهية " وهي تلتهم الأرواح والمهج؛ ومعلوم أن هذا الطائر الصافر يفوق جميع الطيور في فهم التلقين، وحسن اليقين، فإذا علم الكلام لهج بالتسبيح، ولم ينطلق لسانه بالقبيح، ثم تراه يقوم كالنصيح، ويدعو إلى الخير بلسان فصيح، فمن أحب الاتعاظ، لقي منه قس إياد بعكاظ، أو مال إلى سماع البسيط والنشيد، وجد عنده نخب الموصلي للرشيد، فطورا يبكيك بأشجى من مراثي أربد، وحينا يسليك بأحلى من أغاني معبد، فسبحان من جعله هاديا خطيبا، وشاديا مطربا مطيبا. ولما طار ببلاد الغرب ووقع، وزقا في أكنافها وصقع، وعاين ما اتفق فيها هذا العام من عدم الزيتون، في تلك البطون والمتون، أزمع عنها فرارا، ولم يجد بها قرارا، لأن هذا الثمر بهذا الأفق هو قوام معاشه، وملاك انتعاشه، إليه يقطع، وعليه يقع، كما يقع على العسل الذباب، وتقطع إلى العراد الضباب، فاستخفه هائج التذكار، نحو تلك الأوكار، حيث يكتسي ريشه حريرا، ويحتشي جوفه بريرا، ويحتسي قراحا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 نميرا، ويغتدي على رهطه أميرا. فخذه إليك، نازلا لديك، ماثلا بين يديك، يترنم بالثناء، ترنم الذباب في الروضة الغناء، وقد هز قوادم الجناح، لعادة الاستمناح، وحبر من لمع الأسجاع، ما يصلح للانتجاع، واثقا بأن ذلك القطر الناضر ستنفحه حدائقه، ولا تلفحه ودائقه، لا سيما وفضلك دليله إلى ترع رياضه، وفرض حياضه، مع أنه لا يعدم في جنابك حبا نثيرا، وخصبا كثيرا، وعشا وثيرا: [68 أ] : فإذا ما أراد كنت رشاء ... وإذا ما أراد كنت قليبا والله تعالى يكفيه، فيما ينويه، شر الجوارح، ويقيه شؤم الجابه والبارح، بمنه. وبعد هذا الهزل العجاب، جد كالظلام المنجاب، وبروز صفحة الشمس من الحجاب، أخطب به من رسائلك بكرا، أجعل نقدها شكرا، وأبذل بها لها من ودي مهرا، وأمتع بها لحظي دهرا، فإن فرجت لحظتي بابا، ووصلت في مواصلتي أسبابا، جددت للعهد شبابا، واستوجب من الحمد محضا لبابا. واقرأ على سيدي سلاما أعطر من مسك دارين، وأكثر من رمل يبرين، يحييه مع العشي شروقا، ومع النجم طروقا، والسلام المعاد الموصول، ما عضدت الفروع الأصول، وألفت الجفون النصول، على سيدي، ورحمة الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 وله من أخرى: إن عجبا بر الوزير بالزعانف والزرازير، وحظره على قلب يكاد من الشوق إليه يطير، ومن الظمأ يتشكى قطعا ويستطير، وإنه مع عرضه على نار الجفاء غدوا، ونبو مضجع الاحتفاء به هدوا، ووصمة التقصير في جزائه، وممارسة، جرع أرزائه واختزائه، إن لهج فبذكره، أو هزج فبأفانين شكره؛ فكيف به لو ضاحك من خفي بره فرض شؤبوب شنان، غمر بذوب عزاليه نوع الإنسان -! ثم نبدأ من شأن الحيوان بزرزور، لا يعرف حقا من زور، مشهور في الطير بالضرع، كثير العادية قليل الورع، كأنما رهطه عبيد للبلابل، ولغطه وقع الحصى المتقابل، وفي غيره من ذوات الريش، النازحة بكل ضراء وعريش، أنجب منه على اللغن، وأحسن تصريف لسان وذقن، كببغا لا تلعثم في عويص اللغى، وشفنين، يثير اللوعة بالرنين، كأنما عاسرته عند التلقين الراء، وداخله بعد الظفر بها امتراء، فاستظهرها بالنكير، استظهار قين بكير، وبهمة في المصاع بكرير؛ وورق كالقيان، خضبت أرجلها بالعقيان، فوارت لآلئ في الأجياد، وزبرجدا أنعلت به حوافر الأجياد، تستتر بورق الغصون، وتشهر بحرق الوجد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 المصون، ويصقع مشتاقها كالخطيب، ويقع على قاس من الأيك ورطيب، فيلين لشجوه ويميد، ويكاد يذوب له العميد؛ ورب عصفور، صفر لذات سفور، فحكت نقر الزير، وبعثت العين على الدمع الغزير، وبلبل حرك بلابل واقدات، وشك القلوب بمعابل نافذات، وكائن من غرد، حران قلب أو صرد، يفوت مدى العد، ويملأ ديار معد، ولو تقصينا لما أحصينا، ونضب عد الكلام على ثرارته، وعصب ريق الأقلام على غزارته، فلتسهب بما تشهد لفضله رجاح الألباب، ولتغرب من مدارك ثمره بلباب اللباب، حتى تبر على الغريض، بنسق كالاغريض، وتدل بسر التعريض، على سر الأضرب والأعاريض، على أني قد تحوميت وما نوغيت، أي كأني من الحقارة ألغيت، ولا نعيم لعين الوهم وقد وضحت شاكلة اليقين للمتوهم، وسأطفل على السمع، وأبذل مذخور الدمع، فأبث شجونا، وأنبذ النواة مجونا، فلا أرق البهارة، ولا أخفض الجهارة، ولا أصف أزاهر، ولا أنعت القمر الزاهر، بل أندب ربوعا، وأحرز العمر أسبوعا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 وأبكي على فقد الدراهم إذ لها ... أبا قاسم غيري من الناس يكرم وما سلف للأدب مع الذهب إخاء، ولا هاله منه انتخاء، هذا خالد موجود، لا يلحق جوهره بيود، وذلك قد راب منه الشحوب، وأخلق ذيل عمره المسحوب، فيا لمياه أسجاع هذا النقاب تطرد لغير حائم، ولأجناء ثمر منها مع ذوات الثقاب تتهدل على غير طاعم، ولعرائس نورها تضاحك ثغرا عابسا، وتستدر جلمدا يابسا، تبرج وليس من فعل النوار، وتأرج لأنف لا يعرف فضل الصوار، وتعاظم على أكفائها، وتسرع إلى ما دون الحضيض لانكفائها، وحسبك من نهودها ليهودها، وشرودها تعثر في أذيال برودها، فعلة والله ينكرها الشرف، وينبل عنها المنصرف، فلتحدث العلياء منها متاباً، ولتكتف بقرع هذه العصا عتاباً. فشد ما منحت البر عقوقاً، ومنعت التشيع لها حقوقاً. طالعت - أعزك الله - بهذه الشكاية مستريحاً، ومثلت لها قلباً قريحاً، وهو بحكم جلالها يودعها من الكتمان ضريحاً، ويرضعها من أخلاف التجاوز محضاً صريحاً، فيسره الله لبر حر، وجعله بنجوة من كل ضر. وله من رقعة شفاعة للزريزير المذكور: لله قطر باهي بك على الأقطار، واستغنى بخضل ظلك عن صوب القطار، أذكر نعيم الجنان بنضرته، وسكن نافر الجنان، بلألاء زهرته، أي محسب أنيس وطير، ومائحٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 من النعم زخارٍ من الخير، وآها لقاطعٍ، قطع به مع الفجر الساطع، وبحي خلص من بحرٍ لجي، فاهتاج طرب الجذل النجي، لهفاً يعثر في البيت على الجني، سبح فقبح للشرب الصبح، وصدح فقدح لهم من نار الغي ما قدح، ولربما نطق بالتوحيد، ويحيد عن سجدة الشكر كل محيد، ويهزج ويسنح، وإلى رهطين من الطير يجنح، مرهوب الصقع في الديار، ومحبوب السجع بأعالي الأشجار، يمتع بشتى أفانين، ويخجل البلابل والشفانين. وفي فصل منها: حتى اشتد منه الفقار، واسود فرعه والمنقار، ولم يكن به العول افتقار، فنهض وكسب، وأعرب عن نجرته وانتسب، وأخذ بالطباع في التوليد، وصدح غرداً ببيت الوليد، إلا ما غير منه وأحال، ولا يعرف الممكن ولا المحال: لك الله عشاً ليلاً بأفرخٍ ... بعلياء فرع الأثلة المتهدل فيا للعجب العجيب، ولسان هذا الزرزور النجيب، أنطقه فضل الوزير بلسانٍ، نقله من نوع الزرازير إلى نوع الانسان، فشكر وشعر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 حتى غلا مرجل أشره استعر، وأخذ عن وكنه في الرحيل، وباع مبرماً من العيش بسحيل، فرشق السماح من جسمه بسهم، وسبق الرياح عن عزمه بمثل الوهم، فما احتل من الجانب الغربي شرقاً، حتى اعتقد إلى الجناب المرضي منصرفاً، وشغل عن النظر في عطفيه، بالنظر في أسرار كفيه، يا له من عازم، خوافي عادت باللائمة على القوادم، يتمنى لغرغرته بالندم، أن يخضب من أوداجه بدم، لأنه سقط من شجر زيتونه، بعقم بطونه، في هذا العام ومنونه، على خاليات من المير، موحشاتٍ مثل جوف العير. ولما نشر جناحاً للإياب وخفت، وتنفس الصعداء والتفت، أشفقت منه لغريب غربيب، وصعدت فيه وصوبت نظر المستثيب، فشفعت له بهذا الكتاب، يقيه من السيد الأوحد حر العتاب، وقد تقلده تميمةً تكفيه اختطاف الجوارح في الهواء، وتثنيه عن إطاعة البوارح في الالتواء، وهو بمجده الصميم، وبره العميم، يشفع ويرفع ويسوغه قراحاً وقرواحاً، ليمرح في هذه مراحاً، وينال من هذه الربى مغدىً ومراحاً، ولو اقتصر من مذنب على مقتضى المتاب، لغني عند سيده عن شفاعة الكتاب. وفي فصل منها: ولو صرفت فيها الأنفاس كلاماً، والأشجار أقلاماً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 والبسيطة قرطاسا، والدجنة أنفاسا، لرأيتني مقصرا لم أبلغ ما أريد، وكنت أسأل عونا واستزيد، وبودي لتناهي المحبة والولاء، واعترافي بالأيادي الجسيمة والآلاء، لو أضحي مكان كتابي، فاسعد بالوفود عليه، وأخترم من حيف الزمن الغشوم بالمثول بين يديه، ولكنه قد حيل بين عبده لبائس وبين مراده، وشغل بقوت يومه لنفسه الشقية وأولاده، فتأخر عن حضرته السنية تأخر الكسير، ونظر إلى سنا حوزته البهية نظر الأسير. وله من أخرى: مثلك من لم يعدل [به] شح التجارة، عن كرم الوزارة، ولا شره المكسب، عن شرف المنتسب، فرأى الخطير بعين نزاهة نفسه حقيرا، والجليل [69 أ] بحكم جلالة منتسبه فتيلا؛ ولم أوقظك بهذا التنبيه من سنة، ولا نفسي عن إباء المنية بالعاجزة الزمنة، وقد أوفيت رسولك الميزان حتى رضي، وإنه لمحض النصيحة فليحظ عندك فيمن حظي، بصرنا الله الرشد فيمن بصره، وحبب إلينا تجنب ما مقته من الشح وحظره. وفي فصل من أخرى: ورد لسيدي أي كتاب، بل أي قطف من ثمرات الألباب، حيا به على البعاد، وبرد غلة قلوب صواد، فهجرنا له الزلال، وحسبناه السلسبيل الحلال، ودر دره من كاتب أقسم بالطور، لقيد عيني بشطور، تشوقا إلى بهجة تلك السطور، وفيها من شغف بها أقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 سطور أفادت كل خال بوجنة ... كما خطفت منها لماها المباسم سحبت ذيلا على بلاغة سحبان، وسرت ليلا فيا فوح ما بين قرطبة وبينه أن ييبس، لما ناضلت فائز كلمه بمعراض، ولا ضاهيت جواهره الخالدة بأعراض، والله يصله في الأحفاد، ويحرسه في حوادث الآباد، ويعمر ببشره بشرة الجماد، ويعلم به مجاهل الأجياد. وفي فصل منها: شفع الله تلك الغزوة الميمونة بغزوات، وكتب لنا في ساحات أعدائه عدة مواطئ وعدوات، حتى يحرز أسيرا ذا التاج، ويفرج عن شخصه مغلق الرتاج، ونؤوب بغير رضى الكندي، بل على وصف النابغة سمي الجعدي، راضين عن كل عقيلة، نيرة أسرة القسمات صقيلة، كريمة مثل الديمة، تذري دمعا على الأجفان، وتخفي ترائب كترائب الجفان، صقلت بالنعيم، وصافح عنهن الصفيح كل بطريق زعيم، إن اصطفيت لم تجئ بفسل، وتنجب بإذن الله النسل، كعلي بن الحسين وسالم، والمعتصم المشهور العين في المكارم، وغيرهم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 من أمير وخليفة، وذي منزلة في الفضل منيفة، ورب فخور مختال، يدفع في هذا ببيت القتال: - أما الإماء فلا يدعونني ولدا ... إذ ترامى بنو الإموان بالعار وليس كما زعم، من عار، لابس ثوب الكبر المستعار: لا تزرين بفتى من أن تكون له ... أم من الروم أو سوداء دعجاء فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللأبناء آباء ما كل الحرائر، ببريات من الجرائر، ولا كل الإماء بمخلات في الانتماء، وإني مع ذلك لأتوفر على الرهط، ولا أرغب في رقي عنه ولا هبط، وأنشد: إني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سراويلاتها والله يصرف المعترضات دون الواجبات، ويسمع عنا الخير في المحيا والممات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 وفي فصل: وما زلت معتزيا إلى أدبه ونسبه، منفقا من غرب كلمه الرائق وذهبه، مقرا بفضله، معترفا بتبريز خصله، مرتسما في جريدة من أدبه ودربه، وأرهفه وذربه، ولقنه وعلمه، وكان له الفضل الأكمل بأن كلمه: فليصل مني ولدا ثانيا " وليجبر كسيرا وانيا، وليأس بالكلام العذب، بل اللؤلؤ الرطب، كلما داميا، أصاب والعذار مبقل، وما أجلب والشيب علي مشتمل. وليمن على وليه، وغذي وسميه، برقعة يضمنها وجه الحيلة، في مداخلة تلك الدولة الجليلة، أيد الله سلطانها، ووطد أركانها، ليبني على ما أسس، ويجتني من ثمر النجاح ما رشح وغرس. وله من أخرى: ما ظنه بعليل ذلة وقلة، وهما أشد مرض وعلة، علم داؤه ودواؤه، وتعذر برؤه وشفاؤه، وقد أوجب النظر الطبي والقياس الصناعي إذا علم الداء ووجد الدواء، ولم تعترض منية أن يكون الشفاء، فهو بحكم وصبه، وتقطع أسباب الفرج به، أنزق من فحل مخفور، أو ذئب محصور، قد ثقل على ذويه، وأبغضه محبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 فضلاً عن مجتويه، ولم ألهج بذكر قلةٍ على الإطلاق، ولا خشيت مع القنوع من إملاق، فأنا رأس الأغنياء، وعندي من كيميائه فوق الكيمياء، وفي ذلك قلت: [69ب] عيرتني بفقار عاطلٍ ... حليت جداً بدمعٍ سجما بفمي عزة نفسٍ لكتها ... ملأت مني بطناً وفما وجعلت مدة باب صلت بكتبه، ضراً من النظر لقلبه، ولقلبي المنقطع القرين، في حبه، إذ كنت لا أخلي أجوبتها من صحيح الشكاة، ولا أقتصر على ما عنده من سقيم الحكاة، فأكون قد صدعت صميمه بتعديدٍ ألقاه، وبت غريمه بما عسى أن يتكلفه من السعي ويتولاه. وله من أخرى: جائز ف حكم الثقة بقدر الله أن ترجى الممتنعات، وتترقب بطلوعها الساعات، مع استيلاء اليأس على انفس، كعقد هذا البيع، الذي عقد الصيف بالربيع، فكأنما وقف الزمان فلا جزؤه الواقع وقع، وماضيه انقطع، ومنتظره اطلع، وإنما هو جزء دائم، ونفوس على الورد حوائم، وعهدي بعزة الفقيه مطلع بشائر، فلا يذكر المثل السائر: وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في الموتى كليب لوائل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 وفي فصل من أخرى: سألت الفقيه - أعزه الله - حاجة منذ عامين، وأخرى مذ شهرين، ولم تكونا بكبيرتين، وفي كليهما نفض من ودي اليدين، فليت شعري على أي ود بعد ودي يشدهما، أو إلى أي عقد مثل وثيق عقدي مدهما، تالله ليدفعن من بني الأيام، إلى لئام غر كرام، أغر من السراب، وأغدر من الذئاب، وأعق من الضباب، وأوهى حبلاً من مضمحل الضباب، وسأسأله ثالثةً والثالثة الصادقة، فإن قضاها شكرته ما ذرت شارقة، وإن أباها فخيل عتابي إليه سارية طارقة. وفي فصل من أخرى: أنا في فرط بري بالوزير الجليل - صنع الله له كل صنع جميل - إذا رماني ببهي شخصه الطريق، عصب من استحيائه بفي الريق، فلم أكد في التسليم عليه أبين، وجعلت معترضات حاجاتي إليه تفرق وتبين، حتى كأني ما بت لها أرقا، ولا طويت بها كشحا محترفا. وكيف لا أستحييه - أعزه الله - وإنما ألقاه باسط راحة، أو سائل إراحة - ولولا بشر له يؤنس، وتهلل من وصمة الود يعصم ويؤيس، لما انبسطت عليه في أمر، ولو مسني مهمه بألذع من جمر، وكنت قد أعددت لسعة كرمه أربع حوائج، ولعلها عند حرصه على الفضل أربع نتائج، سلاهيب او مرابيع، أشباهها للجري ينابيع، ونأمت بعد بهذا المنظوم وجعا، وإن كنت متصرفا لا مضطجعا، ولو سريت من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 الصحة بدليل، لاهتديت إلى ما يليق بقدره السامي الجليل. ومن أخرى: فما ظنه بأمد يوم يشيب الوليد، ويستخف الحليم الجليد، ولعمري لئن الوالدان من جهة شيبا، ليردن الشيخ اليفن من أخرى قشيبا. ومن المنظوم الذي ذكر فيها: يا حبذا قصد الوزي ... ر وإن تكلف في الهجير ذكري له ظل يرف ... وبشره ماء نمير نفسي الفداء لنفسه ... من كل دائرة تدور شهم حوى قصب العلا ... دون الورى ببها وخير وأقامها بيراعة ... أمضى من السيف الطرير يهني الأمير حصوله ... منه على العلق الخطير فعليه واقية ترد ... قنا اللهاذم تستطير يا سامياً وهو الصغي ... ر بعزمة الرجل الكبير مهلاً فضحت معاشراً ... خانوا الأمانة في الدهور وبنيت ما هدموا فهل ... خجلوا لذلك في القبور الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 وعليك من كلف بما ... يسديه رأيك أو ينير عدد النجوم تحيةً ... ولربما قل الكثير وله من أخرى: يا سيدي الذي به أفاخر الشرفاء، وأكاثر منهم العدد الجم واللفاء، فمن أنوف تسعط بالرغام، ومن ألوف تسقط كحروف الإدغام، بلغني من ثنائك علي ما به أهرف، وبالتقصير في جميعه أعترف، ما يزيد منه [70أ] النشر على مسك دارين، ويقل عليه الشكر عدد رمل يبرين. لله فضل نزه ذلك المنطق الشرف عن القدح، واستعمله فيما استولى عليه الشح، من التقريظ والمدح، لقد ألبسني من السرور بتكرمه أضفي جلباب، وكاد يطفئ المشيب في تضرمه بكرماء الشباب، لم تدنه الفضائل من الحسد، فشهدنا له فيها بقوة المسد، ولولا أن أكون مادح نفسه لقلت: شتان بين منصف ومتعسف، وطالع من بين الكلام ومنكسف؛ وقد لعمري كنت مضطراً، وكدت أحكم لنفسي على معاصريها طرا، وذلك بحكم معاشرة قوم، يستعذبون في جنب الغص من كلمي مر عض اللوم، أيقاظ هم أم رقود - أم ليس بين الشبه والذهب نقود - فيا مطلعي بقرة عين، لا منصفي لتعين دين، در در علائك حتى تصبح لك الجوزاء داراً، وتسحب بها البدر إزاراً، وتعقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 عليك الشمس أزراراً، فتفوق محلاً وتهول مقداراً. وأنفذته من كتاب، غب قصد الخجل المرتاب، بنفسي فاديته، لينظر حين مشافهته، كيف عمل آلاتها، في شكر موالاتها، فكان من الشقاء، ما تعذر من محبوب اللقاء؛ وحملته المتطبب أبا فلان، كريمة رهطه، النابه الذكر في أعلام سبطه، زعيم يهود، المسود فيهم المسود، بحكم التوقف عن الملة الحنيفية، والتردد في المذاهب الأحبارية، وطويته على كلم جاش به صدر مكلوم، وهاجس بمقارعة أقران الهموم، مصدوع مثلوم، وأريد تحقق كيفية حسنه، بالنظر في مرآة ذهنه الصقيلة، وتعلم كمية وزنه، بسجية إربه الراجحة الثقيلة، فإن كلفت بعد هذا به العيون، ولم يشل منه الجرم الموزون، فبيمن الاقتداء به، والاهتداء بنجم أدبه، لا زال علماً نهتدي بمناره، ونعشو إلى ضوء ناره، والسلام عليه ما تلألأت الفور، وصر العصفور، تحيةً تزاحمها في سمعه تحيات السعود، وتملأ رحب ربعه بإنجاز مودود منها وموعد. وله من أخرى: أطال الله بقاء الفقيه الجليل ما زخرت أودية الكلام، وانتشرت أردية الغمام، وصرت في القراطيس الأقلام، وسرت إلى النائمين الأحلام، ولو علمت مزيداً له في البقاء، ومحلاً فوق أرفع الكواكب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 في الارتقاء، سألته ضارعاً إلى الخالق، ولو قرنت الإجابة فيه بالتردي من حالق، بادرت ذلك غير رعديد، وأقدمت منه على الخطب الشديد، والله ينير منار الأيام، وينسخ بإثبات عينه آثار اللثام. وإن العاقل والمتعاقل لينضج بصبابة صبره، حر لاعج الهم المعترض في صدره، فربما أدنى له ذلك نازح منى، وأثمر أحلى من ضرب العسل جنى؛ وقد آثرت هذا النوع من المعاشرة، وانتبذت بحمد الله من كل نزق ومعاسرة، مشبهاً بهما وإن كنت عن توقيهما بمعزل، كما ألفيت الجمجمة البيضاء ثالثة أثافي المنزل، فدعيت أثفيةً، وكم باتت بطارقها المستطعم حفية، فصبرت عن اقتضائه موعوده، وحميت لإرضائه كاذب طيفي المشفق أن يعوده، مبالغةً في أدب لا تنصفه الأيام، ولا تسعفه في أرب وقد جد به الهيام؛ وإني إلى لقائه - أعزه الله - لأشوق من الساجعة، ومن لذات الأرق براحة الهاجعة -! ولو شاء لأغنى بيسر إيماء، وأدال من غلظة الحرة برقة الإماء؛ والآن حين فعم الماء الحوض الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 وغمر الترعة وشمل الروض، ومشيت على قدمي الأميال، ودست والله بهما ماء المنى السيال، وليت ببيعي صيدح، قضى عني ديناً فدح، ولكن شفع خمول العطلة، بخجل الرحلة، فقبض لي إصران، وخصصت بالشقوة من بين الأقران، وقد كان وعد في حالي بجميل نظر، ولما طال علي أمد ذلك الوعد المنتظر، رأيت أن أذكر: وإني لأدري كيف أرضى وأقتضي ... ولكنه الحرمان يقضي بأن ألحى [70ب] وأصرف عن وردٍ قد غمر الندى ... خفيف عذارٍ والهبنقة الألحى ومن عجب أن يقطعا كل نخةٍ ... وأمنع للقرص الذي فاتني الملحا وليس - أعزه الله - قرص بر ولا شعير، فإنه قد يكون مرتع بعير، ومستوقد سعير، إنما عنيت أريضة ضيقةً الساحة، تكاد تشتمل بظل الراحة، وتلغى في كسور المساحة، ضعفت عن عمارتها، وطمس الكلأ عين إمارتها، فلولا ضدها من جنة جارٍ، خبيث الطعمة لئيم النجار، جرى له بالجرأة قدر جارٍ، فمتى صدئت له صفة أرض صقلها، ول اشتكت إليه نبو المنزل لنقلها، لأصبحت هذه اليابسة ضالة أنشدها في القرى، ولو وقع منها اليأس لانقطع مني القرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 كتبت وإنما يكتب الخلي، ولا يحس غير عويله الشجي، ومن لا يملك لجده زماماً، فأحرى بأن تصير يداه الباطشتان أكماماً، وكأني به - أعزه الله - قد قال: بل تنفع الأكمام وتضر، ويطرد بها الحر والقر، وإنما أردت الأهم والأعم، وما ينفي الغم، ويحرز المعنى الأتم، لا قراً صابرته حتى انصرم وتولى، ولا حراً ما أرم عندي ذبابه ولا تغنى، لأنه إنما يألف منازل أهل الترف، ويحوم على ما فيها من صنوف مآكل وضروب طرف، وإما لائك بسباس وحشيش، مؤتدم بزيتٍ مبارك وملح جريش، فما ضجر منها لغددة، ولا جاء نطاسياً شاكياً بردة، فمن حيث صح اعتراضه، لم يحل بإصابة الشاكلة مقراضه؛ وكنت أجدع هذا الماقل لو لم أخف عليه تطويلاً، وإن تطارد لي ما أمل منه شيئاً قليلاً، فسوف أعد في البلغاء، وأحسن سجع ذوات الأطواق بعد الرغاء. وله من أخرى: بيني وبين الفقيه النبيه - صنع الله له كل ما يشتهيه - ما لا زيادة لتنميق البيان فيه، من ود مضى عليه الأسلاف، ولم يعترض فيه على من تخلفوا بنوعٍ من أنواع التداني خلاف، إذ السبب في فساد أكثر الأشياء دنو وامتزاج، ولم يجن على الصعدة أن تبيت طعمة للنار إلا الزجاج، كبكر الراح، أمنت حولاً مجرماً من عاب التخليل، حتى منيت من الماء الفراح بأشأم خليل، فجرى لها مقدور التلاق، بكراهة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 مذاق، وشراسة أخلاق، وإنهما بلا مينٍ، لمن عنصرين كريمين، سلالة غمام، وسلافة مدام، وأي شيء اصطحب إلا انتخب -! الراحة - أعزك الله - في الانفراد، ولابد من الإصدار لذوي الإيراد، فاحمد الله على نوع من الوداد، غريب الميلاد، كأنما أصبح حبيساً على الأبناء، واستمر من الوفاء به على مثال حال البناء، فما تغيرت له حركة قط، وأنى ذلك ولا يرفع ولا يحط، بل تجدد نضارته، وتؤكد - وقد أجدب ثرى كل ودٍ - غضارته، فما شئت لروح ذلك العلاء من شذاً ذكي، وعرف من زهر الثناء مسكي، تندى بذكره ألذ الشفاه، وتحترم من الخلوف الأفواه. ومنهم ذو الوزارتين أبو بكر محمد بن عمار وكان غربي المطلع، شلبي المقطع، شنبوسي المصيف والمربع، إلا أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 شعره غرب وشرق، وأشأم في نغم الحداة وعلى ألسنة الرواة وأعرق؛ لا جرم فإنه كان شاعراً لا يجارى، وساحراً لا يبارى، إذا مدح استنزل العصم، وإن هجا أسمع الصم، وإن تغزل، ولا سيما في المعذرين من الغلمان، أسمع سحراً لا يعرفه البيان، وكيف لا يرغب في شعره، ويتنافس فيما ينفث به من سحره، وهو يضرب في انواع الإبداع بأعلى السهام، ويأخذ من التوليد والاختراع بأوفر الأقسام، وقد أثبت منه في هذا الديوان، ما يشتمل على غرائب الحسن والإحسان، وأدرجت في أثناء مقطوعات أشعاره، نكثاً ولمعاً من نوادر أخباره، وذكرت آخر أمره مع المعتمد ومباشرة قتله [71أ] له بيده، وأجريت شرح صفة الحال، من المبدأ إلى المآل. وكان قد نشأ والشعر بأفقنا أنفق ما عهدت سوقه، وأعمر ما كانت إلى الجاه والمال طريقه، فاتخذه مدةً صناعته، ثم خلع بعد طاعته، رغبةً عن نحلةٍ سؤددها سؤال، وأجودها كذب ومحال، وكان أبو بكر من نقائذ البوس، ونوافض الجد اليبيس، أحد من امترى أخلاف الحرمان، وقاسى شدائد الزمان، وبات بين الدكة والدكان، واستحلس دهليز فلان وأبي فلان، جرت على رأسه من ذلك أحوال، دلت على أن الدنيا إدبار وإقبال، وأن عيش المرء فيها تهاويل وأهوال. بلغني عنه أنه لزته إحدى لياليه النكرات، في أيامه المنكرات، إلى انتجاع بعض أعيان شلب، أحد من طرفت عنه أعين النوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 وسعد بما كان ابن عمار شقي به من الأدب، فاعتمده بأبيات عملها على سبيلٍ قد تنكرت له وتنكر لها، وبنفسٍ لولا نفاستها لقتلها، واتفق أن قصده بها يومئذ حين جنحت ذكاء، وصبغت الغيطان لونها السماء، ولم يبق من النهار إلا تعلة عليل، وبلغة ابن سبيل، أضيق من عذر الجبان في الفرار، وأقصر مما بين اللحية والعذار، فلما أنشده قطعة شعلاره، وهتك له الحجاب ساعتئذٍ عن وجه عذره، أسر إلى غلامه بكلامٍ قصير، فغاب عنه غير كبير، ثم خرج عليه وفي يده مخلاة شعير،وقال له: خذ ما حضر، وأنت أحق من عذر. فجاشت نفس ابن عمارٍ جيشةً أذهلته عن اسمه، وكادت تسيل عرقاً على جسمه، وهم بصرف نائله النزر إليه، ففكر في مهيرٍ كان يركب عليه، فاحتمل الغضاضة في قبول ذلك النيل، راجعاً بالملامة على هجوم الليل، محتجاً بكل بيتٍ كان حفظه في إيثار الخيل، وقام يخد الأرض برجليه، ويدمي بالعض يديه. فلما صار ابن عمار إلى الحال التي وسوست للعصفور بصيد العقاب، وسولت للكبير ارتجاع الشباب، هجم على منزل ذلك الرجل، وقد صارت إليه أعناق الدول، وغصت الأرض حواليه بالخيل والخول، فقام يفديه بماله، ويحسبه يومئذ خطرةً بباله، أو خلوةً بطيف خياله، فذكره ذلك الزمان، وقرره على ما كان، والرجل يتلاشى بين الوجل والحياء، ويتمنى لو ابتغى نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء، ولم يرمه أبو بكر، حتى أخرج إليه قطعة الشعر، فبرئ إليه ابن عمار من تلك الدنية، وأعطاه مخلاةً مملوءة بدراهم قاسمية، وقال له: لولا حرمتك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 لأوجعتك أدباً، ولو ملأت تلك أمس برا، لملأت لك اليوم هذه تبراً. فسبحان من لا منازع له في خلقه، ولا اعتراض عليه في قسمة رزقه، له النعمة السابغة، والحجة البالغة. ثم لحظ ابن عمار الإقبال، وحالت به الحال، وقلد الأعمال السلطانية فأتهم فيها وأنجد، وقام بأعبائها وقعد، ثم لحق آخر عمره، وبين يدي إدبار أمره، بثغر سرقسطة بعد خروجه من مرسية - في خبر سيأتي ذكره - ولم يزل بذلك الثغر يتردد، وفساد حاله عند المعتمد يتزيد، إلى أن كان من خبره ما كان، حسبما يأتي الشرح والتبيان. وأول تعلقه بالمعتمد كان حين وجهه لحرب شلب أبو المعتضد فنزع ابن عمار إليه، وبلغ من المنزلة لديه، أن غلب عليه؛ وبعد انتباذه شلب، وفراغه من تلك الحرب، صحبه بحضرة إشبيلية، وأحضره معه مجالس أنسه، إلى أن أوجس خيفةً في نفسه من أبيه المعتضد، ففر عن البلد، ولحق بشرق الأندلس، وتمكن بها من المؤتمن يوسف بن أحمد بن هود، فخاطب المعتمد بهذا القصيد الفريد، وقد أثبت أكثره لاشتماله على البدائع، فإنه من كلامه الرائق الرائع، وأوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 علي وإلا ما نياح الحمائم ... وفي وإلا ما بكاء الغمائم وعني أثار الرعد صرخة طالبٍ ... لثار وهز البرق صفحة صارم وما لبست زهر النجوم حدادها ... لغيري ولا قامت له في مآثم [71ب] وهل شققت هوج الرياح جيوبها ... لغيري أو حنت حنين الروائم خذوا بي إن لم تهدأوا كل سابح ... لريح الصبا في إثره أنف راغم من العابسات الدهم إلا التفاتةً ... إلى غرة أهدت له ثغر باسم طوى بي عرض البيد فوق قوائم ... توهمتني منهن فوق قوادم وخاض بي الظلماء حتى حسبته ... له مربط بين النجوم العواتم ألا قاتل الله الجياد فإنها ... نأت بي عن أرض العلا والمكارم أشلب ولا تنساب عبرة مشفق ... وحمص ولا تعتاد زفرة نادم كساها الحيا برد الشباب فإنها ... " بلاد بها عق الشباب تمائمي " ذكرت بها عهد الصبا فكأنما ... قدحت بنار الشوق بين الحيازم ليالي لا ألوي على رشد لائمٍ ... عناني، ولا أثنيه عن غي هائم أنال سهادي عن جفون نواعس ... وأجني عذابي من غصون نواعم وليل لنا بالسد بين معاطف ... من النهر ينساب انسياب الأراقم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 بحيث اتخذنا الروض جاراً تزورنا ... هداياه في أيدي الرياح النواسم يبلغنا أنفاسه فنردها ... بأعطر أنفاس وأذكى لناسم تسير إلينا ثم عنا كأنها ... حواسد تمشي بيننا بالنمائم سقتنا بها الشمس النجوم ومن بدت ... له الشمس في قطع من الليل فاحم وبتنا بلا واشٍ يحس كأنما ... حللنا مكان السر من صدر كاتم هو العيش لا ما أشتكيه من السرى ... إلى كل ثغرٍ آهلٍ مثل طاسم وصحبة قومٍ لم يهذب طباعهم ... لقاء أديب أو نوادر عالم صعاليك هاموا بالفلا فتدرعوا ... جلود الأفاعي تحت بيض النعائم ندامى وما غير السيوف أزاهري ... لديهم وما غير الغمود كمائمي يجري ابن عمار في أكثر ما له من الأشعار جري الجموح، ولا يقنع بالكناية عن مذهبه إلا بالتصريح، لأنه كان - سمح الله له - مع مكن في دهره من تدبير الإقليم، أو انبسطت بنانه في التأخير والتقديم، واجترأ على الأيام، واقتاد من الجماهير العظام، زير قيان وغلمان، وصريع راح وريحان، أمله - زعموا - كان بين شرب كاس، وشم آس، وجذله في نصب حبالة، لغزال أو غزالة، ترى ذلك كثيراً في أشعاره، وتسمعه أثناء أخباره، حتى ثل ذلك عرشه، وأوهن بطشه، وطأطأ من سموه، وساقه صاغراً إلى يد عدوه، ألا تراه كلما نظم أو نثر، بالناي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 والوتر، وتحلى بالحسن والحور، وعاب على أهل سرقسطة وأنكر، من هيئات الثغور ما عرف، ووصفهم بما وصف، كأنه لم يسمع قول الأول: ومن تكن الحضارة أعجبته ... فأي رجال باديةٍ ترانا ولا قول أبي العلاء: من كل أروع لم تأشر ضمائره ... للثم خد ولا تقبيل ذي أشر [72أ] لكن يقبل فوه مسمعي فرسٍ ... مقابل الخلق بين الشمس والقمر إلى غير ذلك مما هو أوضح، من أن يشرح، في أكثر الأشعار؛ وما ينقضي عجبي من ابن عمار أن ينكر تلك الهيئة، على أهل ثغرٍ، أبناء قتلى وبقايا أسر، قلما خلوا من هيعةٍ من النصارى، إذ مسافة ما بينهم أقصر من إبهام الحبارى، وبلدهم مجر عواليهم، وموقد صاليهم، ومخفق أعلامهم، ودرية سهامهم. وفي هذه القصيدة يقول: وما حال من خلى بلاد أعارب ... وألقت به الأقدار أرض أعاجم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 يقبح لي قوم مقامي عندهم ... وقد رسفت رجل السرى في الأداهم يقولون لي دع أيدي العيس إنها ... تؤدي إلى أيدي الملوك الخضارم فديتهم لم يبعثوا حرص عاجزٍ ... ولا نبهوا إذ نبهوا طرف نائم ولكنها الأيام غير حوافلٍ ... بإرب أريب أو حزامة حازم وإني لأدعو لو دعوت لسامعٍ ... مجيب وأشكو لو شكوت لراحم أريد حياة البين، والبين قاتلي ... وأرجو انتصار الدهر، والدهر ظالمي ونبئت إخوان الصفاء تغيروا ... وذموا الرضى من عهدي المتقادم لقد عبتاو ظلماً على غير عاتبٍ ... عليهم ولاموا ضلةً غير لائم ولو أن عفواً من هنالك زارني ... لزرت وما عدو الزمان بدائم أجر ذيول الليل سابغة الدجى ... وأركب ظهر العزم صعب الشكائم فأورد ودي صافياً كل شامتٍ ... وألبس حمدي ضافياً كل شائم وأغضي لمن يلقى بوجه مكاره ... حياءً فألقاه بوجه مكارم وما هو إلا لثم كف محمد ... وتمكين كفي من نواصي المظالم إن اتفقت لي فالعدو مساعدي ... على كل حال والزمان مسالمي وأي حياء طيه أي سورةٍ ... كما كمنت في الروض دهم الأرقم وفيها يقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 له هزة في الجود معتضدية ... تهز إلى التشتيت شمل الدراهم إذا نشرت لخم بذكراه فخرها ... طوت طيء من خجلة ذكر حاتم أبى أن يراه الله غير مقلد ... حمالة سيف أو حمالة غارم ومن مثل عباد ومن مثل قومه ... ليوث حروب أو بدور مواسم ألكني بالتسليم منهم إلى فتى ... تهادى به جرد العتاق الصلادم إذا ركبوا فانظره أول طاعنٍ ... وإن نزلوا فارصده آخر طاعم أغر مكين في القلوب محبب ... إليها عظيم في نفوس الأعاظم تبوأ من لخم وناهيك مقعداً ... مكان رسول الله من آل هاشم أبا القاسم أقبلها إليك فإنما ... ثناؤك مسكي والقوافي لطائمي محملة عذراً فإنك جملة ... من الفضل لم أستوفها بتراجم [72ب] أنا العبد في ثوب الخضوع لو أنني ... أرى البدر تاجي والنجوم خواتمي وما عز في الدنيا مراد لمجدب ... ولا اعتاص في الآفاق ورد لحائم ولكن ذاك الظل أندى غضارةً ... لضاحٍ وذاك البرق أشفى لشائم وإني إذا أنصفت بعدك خادم ... لدهري وكان الدهر عندك خادمي لعمري لقد أفحمت كل مفاخرٍ ... لما فيك من تلك السجايا الكرائم نازعه فيك الثناء فينثني ... كأني نازعت الكؤوس منادمي تراك تنسمت الذي قد أذعته ... فأرضاك أم غابت عليك مقادمي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 ولا غرو أن حيتك بالطيب روضة ... سمحت لها بالعارض المتراكم قال ابن بسام: أما معاني هذه القصيدة فمحجة مسلوكة، ومضغة ملوكة، قد كثر تجاذب الشعراء أهدابها، وقرعوا بابها، حتى صارت كالجمل المذلل، والمهيع من السبل. فممن سلك من أهل أفقنا هذا السنن، أبو الاصبغ عيسى بن الحسن، من شعر كتب به من سجن ابن أبي عامر، يقول فيه: وإن سمعت أذناك للورق رنةً ... فحزني يبكيها وفرط تفجعي وإن هطلت يوماً على الأرض مزنة ... فلي سمحت بالدمع في كل مربع وهو شعر ضعيف، بين التكليف. وقال يوسف بن هارون الرمادي: على كمدي تهمي السحاب وتذرف ... ومن شجني تبكي الحمام وتهتف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 وما أحسن قول أبي الوليد بن زيدون من قصيدة قد تقدمت، أولها: ألم يأن أن تبكي الغمام على مثلي ... ويطلب ثأري البرق منصلت النصل ولما قتل الوزير الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بمدينة الأشبونة، رفع الله منازله، وقتل قاتله، قال بعض أهل العصر فيه يرثيه: عليك ابن إبراهيم تبكي الغمائم ... وفيك إذا ناحت تنوح الحمائم فلا يأمنوا رعد السماء وبرقه ... فما هي إلا أنصل وغماغم وقل لنعش سار شلوك فيه أن ... يرى لبني نعش عليك مآتم وأن تلبس الزهر النجوم حدادها ... عليك وتبكيك العلا والمكارم وتنثر الجوزاء من نظم عقدها ... وتسقط من كف الثريا الخواتم وقول ابن عمار: " لريح الصبا في إثره أنف راغم " هو أيضاً من متداولات المعاني، منها قول محمد بن هاني: وأجل علم البرق فيها أنها ... مرت بحاشيته وهي ظنون وقال المعري: ولما لم يسابقهن شيءً ... من الأشياء سابقن الظلالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 وقوله: " من العابسات الدهم ... " كقول ابن نباتة يصف فرساً أغر محجل الأربع: وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه على أن ابن الرومي قرب له مرماه، وإن كان في غيره معناه، حيث يقول في صفة الشمول: [73أ] أخذت من رؤوس قوم كرامٍ ... ثارها عند أرجل الأعلاج وقوله: " تسير إلينا ثم عنا " ... البيت، ينظر من طرف خفي، إلى قول الرضي: وأمست الريح كالغيرى تجاذبنا ... على الكثيب فضول الريط واللمم والذي عول عليه الرض ي قول ابن المعتز: والريح تجذب أطراف الرداء كما ... أفضى الشفيق إلى تنبيه وسنان وبهذا ألم ابن نباتة في قوله: إذا ما الصبح أسفر نبهتني ... جنوب مسها مس الشفيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 وقوله: " تمكين كفي من نواصي المظالم " مغتصب من قول أبي الطيب: كأن رحيلي كان من كف طاهر ... فأثبت كوري في ظهور المواهب لا تغرنك هذه الأوجه الغر ... فيا رب حيةٍ في رياض وقوله: " إذا ركبوا فانظره أول طاعن " ... البيت، معنى قديم، وأول من أثاره، ورفع مناره، عنترة بقوله: يخبرك من شهد الوقائع أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم ولما قتل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، عمرو بن ود يوم الأحزاب وسقط وانكشف، قال: وعففت عن أثوابه ولو أنني ... كنت المقطر بزني أثوابي وقال أبو تمام: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 إن الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب وقال المعري: أدنى الفوارس من يغير لمغنم ... فاجعل مغارك للمكارم تكرم والتناسب في الألفاظ والمعاني حبل يتصل ولا ينفصل، وإنما نلمع منها باليسير اللطيف، وقد اندرج منها جملة وافرة في تضاعيف هذا التصنيف. وقال ابن عمار من قصيدة في المعتضد عباد أولها: حبيب برق أم جفاك حبيب ... فليلك فضفاض الرداء رحيب يقول فيها: إلى الله أشكو أن مالك في دمي ... شريك وما لي في هواك نصيب أتدرين من كلفت عينيك قتله ... وقلت: فتى لا يستفيد غريب ستنصره من مهرة الخيل ترتمي ... بأعلام نصر في الوغى وتؤوب تساموا بلخم فاستهلت سماؤهم ... بغيمين منها ذائب ومذيب بدور ولكن السماء محارب ... وأسد ولكن العرين حروب مزحت فإنني يا ابنة القيل لم أكن ... لأفشي سراً ضمنته قلوب سأشهد قومي أن طرفك من دمي ... بريء وإن كان الفتور يريب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 وكيف أرى في الغدر نهجاً لسالك ... وعهدي باللك الوفي قريب فتىً نسخ العذر اقتضاء وفائه ... فلا تحكمي أن الوفاء غريب أغر ينير الملك منه بكوكبٍ ... له في سماء المشكلات ثقوب [73ب] وله فيه من أخرى: أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ... والنجم قد صرف العنان عن السرى والصبح قد أهدى لنا كافوره ... لما استرد الليل منا العنبرا والروض كالحسنا كساه زهره ... وشياً وقلده نداه جوهرا أو كالغلام زها بورد رياضه ... خجلاً وتاه بآسهن معذرا روض كأن النهر فيه معصم ... صاف أطل على رداء أخضرا وتهزه ريح الصبا فتظنه ... سيف ابن عباد يبدد عسكرا عباد المخضر نائل كفه ... والجو قد لبس الرداء الأغبرا قداح زند المجد لا ينفك من ... نار الوغى إلا إلى نار القرى يختال أني من ذراه بجنةٍ ... لما سقاني من نداه الكوثرا وعلمت حقاً أن ربعي مخصب ... لما سألت به الغمام الممطرا من لا توازنه الجبال إذا احتبى ... من لا تسابقه الرياح إذا جرى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 ماضٍ وصدر الرمح يكسهم والظبا ... تنبو، وأيدي الخيل تعثر في البرى لا خلق أقرأ من شفار حسامه ... إن كنت شبهت المواكب أسطرا السيف أصدق من زياد خطبةً ... في الحرب إن كانت يمينك منبرا وإليكها كالروض زارته الصبا ... وحنا عليها الطل حتى نورا تمقتها وشياً بذكرك مذهباً ... وفتقتها مسكاً بحمدك أذفرا من ذا ينافحني وذكرك مندل ... أوردته من نار فكري مجمرا فلئن وجدت نسيم حمدي عاطراً ... فلقد وجدت نسيم برك أعطرا قوله: " لا خلق أقرأ من شفار حسامه " ... البيت، كأنه من قول محمد بن هانئ: ولم أر أنفذ من كتبه ... إذا جعل السيف حيث القلم وذكر أن المعتمد أقام برهة بقرطبة يرفع بعض الأمور السلطانية فسئم طلقه، وتذكر على عادته خلقه، ودعته دواعي نفسه، إلى قينته وكأسه، فاستشار يومئذ ابن عمار، وكان خاطبه في ذلك بشعر، وطن عنده أهبة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 إذا كانت عليه منه بعض الرقبة، فوجده أهتك ستراً، وأقل عن اللذات صبراً، وأشار عليه بتعطيل الثغر، وإضاعة الأمر، وجاوبه على ذلك بهذه الشعر: مولاي عندي لما تهوى مساعدةً ... كما تتابع خطف البارق الساري إن شئت في البحر فاركب ظهر سابحة ... أو شئت في البر فاركب ظهر طيار حتى تحل وحفظ الله يكلؤنا ... رحاب قصرك واتركني إلى داري وقبل خلع نجاد السيف فاسع إلى ... ذات الوشاح وخذ للحب بالثار ضماً ولثماً يغني الحلي بينكما ... كما تجاوب أطيار بسحار [74أ] ومعنى البيت الرابع من هذه القطعة ينظر إلى قول عبد المحسن الصوري وأنشد الأبيات لحسنها: أفدي الذي زارني بالسيف مشتملاً ... ولحظ عينيه أمضى من مضاربه فما خلعت نجادي في العناق له ... حتى كساني نجاداً من ذوائبه وكان أسعدنا في نيل بغيته ... من كان في الحب أشقانا بصاحبه وقال ابن عمار للمعتضد: الكأس ظامئة إلى يمناكا ... والروض مرتاح إلى لقياكا والده جارٍ في عنانك لم تقل ... هات المنى إلا أجاب يهاكا فأدر بآفاق الزجاج كواكباً ... تخذت أكف سقاتها أفلاكا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 راحاً إذا هب النسيم حسبتها ... مسروقة الأنفاس من رياكا في مجلسٍ بسط الربيع بساطه ... زهراً ورقرقه عليك أراكاً سقط الندى فيه سقوط نداكما ... وجلت عليه الشمس مثل سناكا يسري على ريحانه نفس الصبا ... سحراً فيوهم أنه ذكراكا رد مورد اللذات عذباً صافياً ... فلقد وردت المجد قبل كذاكا قال ابن بسام وأخبرني الحكيم النديم أبو بكر ابن الاشبيلي، قال: حضرت مجلس أنس مع أبي بكر بن عمار بقصر الرشيد بن المعتمد، فلما دارت الكأس، وتمكن الأنس، وغنيته أصواتاً، وذهب به الطرب كل مذهب، قال ابن عمار ارتجالاً: ما ضر أن قيل إسحاق وموصله ... ها أنت أنت وذي حمص وإسحاق أنت الرشيد ودع من قد سمعت به ... وإن تشابه أخلاق وأعراق لله درك داركها مشعشعةً ... واحفز بساقيك ما قامت بنا ساق وقال في المعتمد في حين نزوله بعض الحصون: على اليمن والطائر السانح ... نزلت وغيرك للبارح وما اهتجت إلا وقد هيجتك ... دواعٍ إلى البلد النازحٍ وإلا فكم خف من خف جهلاً ... فما هز من حلمك الراجح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 تطلب حقوقك لا لائم ... فقد بين الصبح للامح ومن يعترضك بأوداجه ... فكله إلى سعدك الذابح وكم يزجرون وكم ينصحون ... فما يقبلون من الناصح وما كان أنصفهم لو رموا ... زناد الوغى ليد القادح ولا عجب لثبوت القلاع ... على بأسك الهادم الناطح فلولا امتناع الفتاة الكعاب ... لما كملت لذة الناكح [74ب] خلعت الكرى في طلاب العلا ... على نائم دونها طافح هنيئاً فأنت مليك الملوك ... فقد صرح الجد للمازج وما أخرتني عنك النجوم ... يا غرة القمر اللائح ولا النهر لم يثني عن ورود ... ندى بحرك الزاخر الطافح وهذا البيت الأخير، كأنه إلى بيت المتنبي يشير: قواصد كافورٍ توارك غيره ... ومن قصد البحر استقل السواقيا وقوله: " ومن يعترضك بأوداجه " من قول الآخر في سعدٍ، حاجب ابن خاقان: يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعد ولكن أنت سعد الذابح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 وفيه أيضاً يقول البحتري: سماه سعداً للتفاؤل باسمه ... حقاً لقد ألفاه سعد الذابح والمعري القائل ما هو شبيه به، وإن كان في غير مذهبه: يا سعد أخبية الذين تحملوا ... لما ركبت دعيت سعد المركب وقوله: " زناد الوغى ليد القادح، وقد بين الصبح، للامح " من المثلين المضروبين وهو قولهم: " قد بين الصبح لذي عينين " و " أعط القوس باريها ". وقوله: " فلولا امتناع الفتاة الكعاب " ... البيت، كقول كشاجم: لولا اطراد الصيد لم تك لذة ... فتطاردي لي بالوصال قليلا وأصل هذا المعنى المثل السائر: " تمنعي أشهى لك ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 ما وجد من شعره في النسيب وما يناسبه قال في غلام من عبيد ابن هود: وأحور من ظباء الروم عاط ... بسالفتيه من دمعي فريد نبيل الخلق جافي الخلق عبد ... هو المولى ونحن له عبيد بكيت وقد دنا ونأى رضاه ... " قد يبكي من الطرب الجليد " قسا قلباً وسن عليه درعاً ... فباطنه وظاهره حديد وإن فتى تملكه بنقدٍ ... وأحرز رقه لفتىً سعيد وسجن المؤتمن يوماً هذا الغلام لبعض الأمر فتخلف ابن عمار عن الركوب للقصر، وكتب إليه: أنا المطبق المسجون لا من سجنته ... وأطبقته فانظر لعبدك أو دع حرام حرام أن تراني عين من ... تراه فان شئت ارتجاعي فارجع ويا حسن حال الود إن سمحت يد ... ولقبت فيها بالشفيع المشفع فضحك المؤتمن وأخرج ذلك الغلام. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 وساير ابن عمار في بعض الأسفار غلامين من بني جهور، أحدهما أشقر والآخر عذاره أخضر، فكان يميل بحديث من ظهر دابته إلى الذي وصف منهما في هذه القطعة، وهي من ملحه النادرة، وغرائبه السائرة: تعلقته جهوري النجار ... حلو اللمى جوهري الثنايا من النفر البيض جروا الزمان ... رقاق الحواشي كرام السجايا [75أ] ولا غرو أن تغرب الشارقات ... وتبقى محاسنها بالعشايا ولا وصل إلا جمان الحديث ... نساقطه من ظهور المطايا شنئت المثلث للزعفران ... وملت إلى خضرة في التفايا ومعنى البيت الثالث منها من مشهور المعاني، ومنها قول الطليق المرواني: وإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا ومعنى البيت الرابع يشبه قول البحتري، ويتعلق به خبر حكاه الصولي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 عن يحيى ابنه، قال: لما ابتدأ أبي بعمل قصيدته في أبي الصقر ويهجو أحمد ابن صالح، التي أولها: أمن أجل أن أقوى الغوير فواسطه ... قلت له: لم ركب هذه القافية الصعبة مع رجل لا حظ لك معه - اركب قافية سهلة، فقال: لعمري إن الكلام في القوافي السهلة أمكن، إلا أن الحاذق لا يعمل إلا جيداً في أي شيء أخذ، ثم رأيته قال في نسيبها: ولما التقينا واللوى موعد لنا ... تعجب رائي الدر حسناً ولاقطه فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها ... ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه فطابت نفسي وقلت: ليقل بعد هذا ما أراد، فقد أجاد وزاد. وشبيه بهذا قول بعضهم: كلمتني فقلت: در سقيط ... فتأملت عقدها هل تناثر وازدهاها تبسم فأرتني ... نظم در من التبسم آخر وقال ابن عمار في مثل ما تقدم من صفته لأهل العذار: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وهويته يسقي المدام كأنه ... قمر يدور بكوكب في مجلس متأرج الحركات تندى ريحه ... كالغصن هزته الصبا بتنفس يسقي بكأس في أنامل سوسنٍ ... ويدير أخرى من محاجر نرجس عنا بكأسك قد كفتنا مقلة ... حوراء قائمة بسكر المجلس يا حامل السيف الطويل المرتدى ... ومصرف الفرس القصير المحبس إياك إياك الوغى من فارس ... خشن القناع على عذار أملس جهم وإن حسر اللثام فإنما ... رفع الظلام عن النهار المشمس سلم فقد قصف القنا غصن النقا ... وسطا بليث الغاب ظبي المكنس ومعنى البيت الرابع منها كقول ذي الوزارتين ابن الحضرمي، في رثاء غلام وسيم وكان اسمه فعال، كان المتوكل يهواه، ومات الغلام فرثاه، فقال: أودى فعال فلهفي ... له ولهفي عليه غالته أيدي المنايا ... وكن في مقلتيه وكان يسقي الندامى ... بطرفه ويديه غصن ذوى وهلال ... جار الكسوف عليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 وقال ابن عمار: غزا القلوب غزال ... حجت إليه العيون قد خط في الخد نون ... وآخر الحسن نون وكان له غلام وسيم إليه يميل إليه، فعتب في بعض الأمر عليه، وزال عنه إلى دار الوزير أبي المطرف ابن الدباغ، فشفع له أبو المطرف برقعة وصلها ذلك الغلام، فكتب ابن عمار إلى الوزير المذكور: [75ب] قرأت كتابك مستشفعاً ... لوجه أبي الحسن من رده ومن قبل فضي ختم الكتاب ... قرأت الشفاعة في خده وقال من قصيدة: قالوا: أضر بك الهوى فأجبتهم ... يا حبذاه وحبذا إضراره قلبي هو اختار السقام لجسمه ... زياً فخلوه وما يختاره من قد قلبي إذ تثنى قده ... وأقام عذري إذ أطل عذاره أم من طوى الصبح المنير نقابه ... وأحاط بالليل البهيم خماره منها: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 عيرتموني بالنحول وإنما ... شرف المهند أن ترق شفاره فوحسنه لقد ابتديت لوصفه ... بالبخل لولا أن حمصاً داره بلد متى أذكره تهتج لوعتي ... وإذا قدحت الزند طار شراره ومن مقطوعاته الإخوانيات اجتاز على بني عبد العزيز ببلنسية، وكانوا يضمرون عداوته، فأخرجوا إليه ضيافات، وتخلفوا عن لقائه، وناب في ذلك عنهم أقوام عوام، فكتب إليهم: تناهيتم في برنا لو سمحتم ... بوجه صديق في اللقاء وسيم وسلسلتم راح البشاشة بيننا ... فما ضر لو ساعدتم بنديم سألتمس العذر الجميل عن العلا ... وأحتال للمجد احتيال كريم وأثني على روض الطلاقة بالجنى ... وإن لم أفز من طيبه بنسيم ضننتم بأعلاق الرجال على النوى ... فلم تصلونا منهم بزعيم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 واستهدى منه بعض إخوانه خمراً، فبعث بها مع تفاحتين ورمانتين وكتب مع ذلك: خذوها مثل ما استهديتموها ... عروساً لا تزف، إلى اللثام ودونكم بها ثديي فتاةٍ ... أضفت إليهما خدي غلام وأهدى إلى ذي الوزارتين ابن لبون تفاحاً وإجاصاً، وكتب معهما: خذها كما سفرت إليك خدود ... أو أوجست في راحتيك نهود حذراً من التفاح نشراً بينها ... ولها بأغصان الجنان عقود وشفعت بالإجاص قصداً إنه ... شكل الجمال وحده المحدود عذراً إليك فإنما هي أوجه ... بيض تقابلها عيون سود إيه وعندي من فراقك لوعة ... يعزى إليها ثابت ويزيد أفطرت من صومي بغرتك التي ... كانت هلالاً كان عنه العيد لله ليلتنا التي من أجلها ... هذا الزمان بمثله محسود وكتب إليه ابن لبون بهذه الأبيات: ختمت بعصرك أعصر الأجواد ... وعنت لذكرك ألسن الوراد وسبقت أملاك الزمان إلى مدىً ... ضلوه حتى كنت أنت الهادي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وغدوت أكثرهم حسوداً في العلا ... إن الكريم طليبة الحساد [76أ] وبدا بفضلك نقص كل معاند ... تتبين الأشياء بالأضداد وأتتك بمغناك العيون فقابلت ... أسد العرين به وبدر النادي وأتتك وافدة الركاب فقابلت ... أمل الحريص ومنية المرتاد وصدرن قد حملن عنك عوارفاً ... أصبحن كالأطواق في الأجياد فضل أرانا جود حاتم طيئٍ ... وفخار كعب في قبيل إياد إيه أبا بكر أتظلم ساحتي ... ظلماً وصبح العدل عندك بادي عجباً لوعدك كيف تمسكه يد ... موصولة الأفعال بالأوعاد ولسيب جودك كيف لم تسمح به ... لصحيح ظني أو صريح ودادي إني لمعتقد إخاءك موئلي ... وأرى وفاءك معقلي وسنادي وأصول منك على الزمان بمنصل ... جعل الطلى بدلاً من الأغماد فسقى ديارك نائياً أو دانياً ... صوب الغمام المستهل الغادي ولئن رحلت لقد حللت بمنزلٍ ... من نور عيني أو سواد فؤادي فأجابه ابن عمار بهذه القصيدة الفريدة التي برز فيها، وأحسن ما شاء في ألفاظها ومعانيها، وأولها: عطلت من حلي السروج جيادي ... وسلبت أعناق الرجال صعادي وثنيت عزمي عن مسير هزني ... سعدي إليه وحثني إسعادي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 وسللت من ثوب المروة والوفا ... ثوبي وحلت على بني عباد إن لم أحللك من فؤادي منزلاً ... ينبيك أنك مالك لقيادي وأخص جانبك الرفيع بخدمةٍ ... أسقيك صفو أحبةٍ وأعاد وأرد بذكرك من ثاني روضةً ... غناء حالية بنور ودادي حتى تبين أن غرسك قد دنا ... بجنى وزرعك قد أنى لحصاد قال ابن بسام: وكأن هذه الأقسام التي جرت على لسانه وحلف بها أجيبت عنه، فإنه لم يرجع إلى إشبيلية بعد سفرته تلك لشيء صفا له، ولا رفا لابن عباد ولا وفى له. وذكرت بهذه الفسام - إذ الشيء بالشيء يذكر، إذا كان من واديه، أو تعلق بألفاظه ومعانيه - خيراً نقلته من خط الوزير أبي عامر ابن مسلمة، في كتابه المترجم ب - " الحديقة " قال: كنا يوماً في مجلس أنس مع أبي جعفر ابن الأبار، فغني بشعر الأشتر في التحريض على معاوية، حيث يقول: بقيت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس إن لم أشن على ابن هند غارةً ... لم تخل يوماً من نهاب نفوس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 قال أبو عامر: فسألت ابن الأبار الرد عليه، والإنضمام على السلامة من ذكر أحد، حمية للأموة وولاء إلى الحربية، فقال على الارتجال، وقد أخذت منه الجريال: غادرت عرضي عرضة وأبحته ... وتركت نهب نفائس ونفوس وقذفت أم المؤمنين تمرداً ... وكفرت من حرب بكل رئيس إن لم نصبحكم بكل مصممٍ ... وبكل ذمر في اللبوس عبوس خيل كأمثال الأجادل فوقها ... ليس غطارف غامدون لليس [76ب] فإذا كسوناكم حداد مآتم ... أبنا بصافية الأديم عروس نسقيكم خمر الردى بصوارم ... ونعل من خمر المنى بكؤوس قال أبو عامر: وقد سلم ابن الأبار لتلك الطائفة المردود عليها، وتخلص ألطف تخلص، على أن الاشتر ما سلم ولا كرم. قال ابن بسام: والذي وصف الوزير أبو عامر من الحمية للأموية، وولائه لآل الحربية صحيح، لأن جدهم الأول أبان بن عبيد المعروف بالشرخ مولى لمعاوية بن أبي سفيان، أهدي إليه من سبي البربر، وأبان بن عبيد هو الداخل مع عبد الرحمن بن معاوية، فأنزله بربض الرصافة من حضرة قرطبة، وتلك النزل دور يتوارثها بنو مسلمة من تاريخ دخول عبد الرحمن إلى وقتنا هذا، لها بأيديهم نيف على أربعمائة سنة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 وفي هذه القصيدة يقول ابن عمار: يا سيدي وأنا الذي ناديته ... لرضى فلبى منك خير منادي أعطاك فضل الإبتداء ولو جرى ... ظلم لأنكر أن تكون البادي لله در عقيلةٍ أبرزتها ... من خدر فكرك في حلى الإنشاد فرعاء عاطرة الذوائب واللمى ... غيداء حالية الطلى والهادي وصلت إليّ مع المساء فعارضت ... صلى الحبيب أتى بلا ميعاد خط من النظم البديع أفادني ... حظ الكرام وخطة الأمجاد يفدي الصحيفة ناظري فبياضها ... ببياضه وسوادها بسواد أهدى تحيتك الزكية طيبها ... كافور قرطاس ومسك مداد وشي سخت يدك الصناع برقمه ... فكسوتنيه مذهباً بأيادي ولقد تعين لو أعانت قدرة ... حسن الجزاء بها وهز النادي لكن عجزت فما استقل بنشأتي ... ماء الفرات ولا ثرى بغداد عذراً ففيك لكل طالب حجة ... خصم ألد ووجه عذر بادي بك فاخر القلم القصير فطاول ال ... رمح الطويل كتابةً بطراد فلك الفصاحة أو لسيفك كلما ... استمطيت متني منبر وجواد ثنيت عليك حلى الوزارة مثلما ... حمل الحسام عليه ثني نجاد وتتوجت منك القيادة بالذي ... ترك الرياسة مهنة القواد أنت الحلال الحلو رق طبيعةً ... وصفا مزاجاً كالسحاب الغادي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 امن معشر تتشرف الأذوا بهم ... كتشرف الأيام بالأعياد جلوا فحلوا في الأنام مكانةً ... كمكانة الآلاف في الأعداد أفديك من حر تعبد بره ... شكري وقل له الفدا والفادي ولقد ظفرت من اقتبالك بالمنى ... وبلغت أقصى غايتي ومرادي وأرحت من تعبي بعهدك في ندى ... ظل ونمت على وثير مهاد وشددت منك يدي بعلق مضنة ... ونفضتها بزعانف أنكاد يتعللون من الوفاء بعلةٍ ... ضحك الطبيب لها مع العواد جمحوا إلى ظلمي فسست جماحهم ... ولقيت شدته بلين قياد واستبطنوا حقداً وبين جوانحي ... طبع يسل سخائم الأحقاد ولكم دعي في الإخاء أعرته ... جذب ابن سفيان بضبع زياد حتى إذا رفض الوفاء رفضته ... واعتضت منه بطيب الميلاد لا ذنب لي في طر سائمة الهوى ... منه على السرح الوبيل الصادي أنا قد رضيتك فارضني وأعدني ... إن كنت محتاجاً إلى الإعداد إني لممن إن دعوت لنصرةٍ ... يوماً بساطي حجة وجلاد [77أ] أذكيت دونك للعدا حدق القنا ... وخصمت عنك بألسن الأغماد صلني أصلك وصل فديتك بي أصل ... بك واعتمدني اتخذك عمادي ولئن بدرت إلى رضاي فربما ... وافيتني لرضاك بالمرصاد وعلى تظاهرنا الضمان بقلة ال ... أعداء ثم بكثرة الحساد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 إيه وقلت إلى الوفاء محركاً ... إيه فما خطرت بعطف جماد وزعمت تظلم ساحة ما بيننا ... ظلماً وصبح العدل عندي بادي كلاً فما التسويف من خلقي ولا ... لي الجميل بعادةٍ من عادي وهل التوت بهواك إلا لقية ... أحلى لعيني من لذيذ رقاد أخطرتها وأكر بعد إلى التي ... يدعو المطي لها ويشدو الحادي لابد من ذاك السفار وإن عدت ... عنه الليالي إنهن عوادي سفر إذا استبعدته فسأمتطي ... حرصي، وأجعل من ثنائك زادي خذها نتيجة منكر لودادها ... برم بها قال لها متفادي حذراً من الرد المخل فإنها ... بعث الزيوف إلى بدي نقاد وكان بينه وبين حسام الدولة أبي مروان بن رزين تمكن أنس، فاتفق أن اجتاز على مقربة من بلده، ولم يلتقيا، فعتب ابن رزين عليه، فكتب ابن عمار إليه: لقاؤك النجح لو أعقبته سفري ... ووجهك الصبح لو أقبلته نظري وقصرك البيت لو أني قصدت به ... حجمي ويمناك منه موضع الحجر لم تثن عنك عناني سلوة خطرت ... على فؤادي ولا سمعي ولا بصري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 لكن عدتني عنكم خجلة عرضت ... كفاني العذر فيها بيت معتذر " لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر " وما قيل في العجز عن الشكر، بكثرة البر، أحسن من بيت المعري هذا، وقد تضمنه ابن عمار أحسن تضمين. ونزل ابن عمار في بعض حركاته بحصن شقورة، وانقبضوا عن لقائه استيحاشا منه، فكتب إليهم: أإخواننا هل حال من دوننا أمر ... تراءى لكم أم وحشة جرها الدهر بخلتم بلقيانا وكان نزولنا ... على جفوة منكم وإن عظم البر وما هو إلا مقطع كهوائكم ... عصيب وخلق مثل منزلكم وعر ثقوا بي إذا عن اللقاء فما اعتزى ... إلى شيمتي غدر ولا بيدي سحر وكتب منه إلى أبي الفضل بن حسداي يصف حصن شقورة وحصانته: أدرك أخاك ولو بقافية ... كالطل يوقظ نائم الزهر فلقد تقاذفت الركاب به ... في غير موماة ولا بحر طفحت صحابته بلا سنة ... وتمايلت سكرا بلا خمر [77 ب] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 ومنها في صفة الحصن: وحش تناكرت الوجوه به ... حتى استربت بصفحة البدر متجبر سال الوقار على ... عطفيه من كبر ومن كبر عال كأن الجن إذ مردت ... جعلته مرقاة إلى السر وكتب في ذلك إلى ابن المطرز: تراء لعيني إن أردت مبرتي ... وسبب إلى الحسنى ولو بقسيم فما شم عرف المسك دون تنشق ... ولا اهتز عطف الغصن دون نسيم وكان في ضيافة المعتصم صاحب المرية، بالمنية الصمادحية، فلما أزمع على الرحيل استسرحه بهذه الأبيات: يا واثقا وصل السماح الجود في فضل السماح ... ومطابقا يأتي وجوه الجد من طرق المزاح ... أسرفت في بر الضياف فجد قليلا بالسراح ... فأجابه المعتصم: يا فاضلا في شكره ... أصل المساء مع الصباح هلا رفقت بمهجتي ... عند التكلم بالسراح إن السماح بمثلكم ... والله ليس من السماح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 فلما أزمع على الرحيل، وشرع في سلوك السبيل، وحضر المعتصم لوداعه، أنشده عمار جوابا على أبياته الثلاثة: ألفظك أم كأس الرحيق المعتق ... وخطك أم روض الربيع المنمق ونظمك أم سلك من الدر ناصع ... يروق على جيد العروس المطوق بعثت بها يا قطعة الروض قطعة ... شممت بها عرف النسيم المخلق ثلاثة أبيات وهيهات إنما ... بعثت بها الجوزاء في صفح مهرق هي السحر أسرى في النفوس من الهوى ... وكيف يكون السحر في لفظ متق أمعتصما بالله والحرب ترتمي ... بأبطالها والخيل بالخيل تلتقي دعتني المطايا للرحيل وإنني ... لأفرق من ذكر النوى والتفرق وإني إذا غربت عنك فإنما ... جبينك شمسي والمرية مشرقي وكتب إليه المعتصم يوما بنثر وشعر يقول فيه: وزهدني في الناس معرفتي بهم ... وطول اختباري صاحبا بعد صاحب فلم ترني الأيام خلا تسرني ... مباديه إلا ساءني في العواقب ولا قلت أرجوه لدفع ملمة ... من الدهر إلا كان إحدى المصائب فأجابه ابن عمار بقوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 فديتك لا تزهد وثم بقية ... سترغب فيها عند وقع التجارب [78 أ] وأبق على الخلصان إن لديهم ... على البدء كرات بحسن العواقب تكنفتني بالنثر عاتبا ... وسقت علي القول من كل جانب وقد كان لي لو شئت رد وإنما ... أجر لساني ذكر تلك المواهب ولا بد من شكوى ولو بتنفس ... يسكن من حر الحشا والترائب كتبت على رسمي وبعد نسيئة ... قرأت جوابي من سطور المواكب ثلاثة أبيات وهيهات إنما ... بعثت إلى حربي ثلاث كتائب وكيف يلذ العيش من عتب سيد ... وما لذتي يوما على عتب صاحب وقبل جرت عن بعض كتبي جفوة ... ألحت على وجهي بغمز الحواجب سلكت سبيلي للزيارة إثرها ... فقابلت دفعا في صدور الركائب وما كنت مرتادا ولكن لنفحة ... تعودت من ريحان تلك الضرائب ولو لمعت لي من سمائك برقة ... ركبت إلى مغناك هوج الجنائب فقبلت من يمناك أعذب مورد ... وقضيت من لقياك أوكد واجب وأبت خفيف الظهر إلا من النوى ... وخليت للعافي ثقال الحقائب سواك يعي قول الوشاة من العدا ... وغيرك يقضي بالظنون الكواذب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 تلخيص التعريف بآخر أمره وكيفية مقتله كان حب الرياسة في رأسه يدور، وأما انتزاؤه بمريسة فمشهور، وأفضت الحال بالرشيد هنالك إلى الاعتقال، بأيدي نصارى الإفرنجة، في جملة من المال كانوا أكثروا بها، فحبسوا الرشيد بسببها، إلى أن افتكه أبوه المعتمد في خبر طويل، وابن عمار صاحب ذلك الرعيل، والملوم في المعلوم من أمره والمجهول، وفساد حاله عند المعتمد يتزايد، وتدابره يتساند. وفي أثناء ما وقع من تدبير تلك الأمور، ونجوم ذلك الاستيحاش والتغيير، خاطبه المعتمد عاتبا متمثلا بهذين البيتين، وكان قد خرج عنه: تغير لي في من تغير حارث ... وكل خليل غيرته الحوادث أحارث إن شوركت فيك فطالما ... نعمنا وما بيني وبينك ثالث فأجابه ابن عمار بقوله: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 لك المثل الأعلى وما أنا حارث ... ولا أنا ممن غيرته الحوادث ولا شاركت الشمس في وإنه ... لينأى بخطتي منك ثان وثالث فديتك ما للبشر لم يسر برقه ... ولا نفحت تلك السجايا الدمائث أظن الذي بيني وبينك أذهبت ... حلاوته عني الرجال الأخابث تنكرت لا أني لفضلك ناكر ... لدي ولا أني لعهدك ناكث ولكن ظنون ساعدتها نمائم ... كما ساعدت مثنى المثاني المثالث أبعد مضت خمس وعشرون حجة ... تجافت بنا تلك الخطوب الكواررث [78 ب] مضت لم ترب مني أمور شوائب ... ولا تليت مني مساع خبائث حللت يدا بي هكذا وتركتني ... نهابا وللأيام أيد عوابث وهل أنا إلا عبد طاعتك التي ... إذا مت عنها قام بعدي وارث أعد نظرا لا توهن الرأي إنه ... قديما نبا هاف وأدرك رائث ستذكرني إن بان حبلي وأصبحت ... تئن بكفيك الحبال الرثائث وتطلبني إن غاب للرأي حاضر ... وقد غاب مني للخواطر باعث أعوذ بعهد نطته بك أن ترى ... تحل عراه العاقدات النوافث قوله: " قديما نبا هاف وأدرك رائث " معنى مشهور، القول فيه كثير، ومن أشهره قول عبيد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 قد يدرك المبطئ من حظه ... والخير قد يسبق جهد الحريص وقال القطامي: قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل ولما سمعه أعرابي قال: هذا ضبط الناس، هلا قال بعد هذا: وربما ضر بعض الناس بطئهم ... وكان خيرا لهم لو أنهم عجلوا وفي ثناء تلك الحال، التي أفضت بالرشيد إلى الاعتقال، كتب إلى المعتمد بهذه الأبيات: أصدق ظني أم أصيخ إلى صبحي ... وأمضي عزيمي أم أعوج مع الركب إذا انقدت في رأيي مشيت مع الهوى ... وإن أتعقبه نكصت على عقبي وإني لتثنيني إليك مودة ... يغيرها ما قد تعرض من ذنب فما أعجب الأيام في ما قضت به ... تريني بعدي عنك آنس من قربي أخافك للحق الذي لك في دمي ... وأرجوك للحب الذي لك في قلبي وهذا البيت على سهولة مبناه، من أحسن ما قيل في معناه، وبمثله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 فلتنخدع الألباب، وتستعطف الأعداء للأحباب، إلا أن المصراع الأول كأنه شيء تكهنه من شأنه، وطيرة ألقاها الله تعالى على لسانه، وصدق كان له في عنقه ربق، وفي دمه حق، احتال له فناله، والمرء يعجز لا المحالة. وفيها يقول: وكم قد فرت يمناك بي من ضريبة ... ولا بد يوما أن يفلل من غربي ولا بد ما بيني وبينك من ثنا ... يطبقها ما بين شرق إلى غرب وأعلم أن العفو منك سجية ... فلم يبق إلا أن تخفف من عتب فلي حسنات لو أمت ببعضها ... إلى الدهر لم يرتع لنائبة سربي فأجابه المعتمد بقوله: تقدم إلى ما اعتدت عندي من الرحب ... ورد تلقك العتبى حجابا العتب متى تلقيني تلق الذي قد بلوته ... صفوحا عن الجاني رؤوفا على الصحب سأوليك مني ما عهدت من الرضى ... وأصفح عما كان إن كان من ذنب فما أشعر الرحمن قلبي قسوة ... ولا صار نسيان الأذمة من شعبي [79 أ] تكلفته أبغي به لك سلوة ... فليس يجيد الشعر مشترك اللب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 فلم يزده جواب المعتمد هذا إلا توحشا ونفارا، وتوقفا عن اللحاق به وازورار، ولله در أبي الطيب في قوله: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه لقول عداته ... وأصبح في ليل من الشك مظلم ونقله المتنبي من قول أعرابي: أسأت إلي فاستوحشت مني ... ولو أحسنت ما استبعدت عني أسأت فساء ظنك بي لجاجا ... وما أولى المسيء بسوء ظن وقول المعتمد: " تكلفته أبغي به لك سلوة "، صدق فيما وصف، وزاد على التكلف. وقول ابن عمار: " فلي حسنات لو أمت ببعضها، إلى الدهر " مما ردد لفظه ومعناه، وأصله فيما أراه من قول الفيلسوف: " قد تكلمت بكلام لو مدح به الدهر لما دارت علي صروفه "، وأخذه الناجم فقال: ولي في أحمد أمل بعيد ... ومعنى حين أنشده ظريف مدائح لو مدحت بها الليالي ... لما دارت علي لها صروف وقال المتنبي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 في فيلق من حديد لو رميت به ... صرف الزمان لما دارت دوائره وكانت حال ابن عمار، حين تردد بتلك الأقطار من بلد بني هود، قد تمكن منهم بالمؤتمن، إلا أن بني عبد العزيز كانوا يشرقونه بريقه، ويوعرون عليه السهل من طريقه، ويبلغه عنهم ما تتوقد له ضلوعه، وتنسكب منه دموعه. بلغه عنه وعن ابن طاهر أنهما ندرا فيه بسبب خاتمين كان المؤتمن ختمه بأحدهما، والآخر اذفونش بن فرذلند، فكتب ابن عمار إلى ابن عبد العزيز: قل للوزير وليس رأي وزير ... أن يتبع التندير بالتندير إن الوزارة مذ لبست رداءها ... وقف على التغيير والتزوير وأرى الفكاهة جل ما تأتي به ... رحماك في التعجيز والتصدير بلغت دعابتك التي أهديتها ... في خاتم التأمين والتأمير وأظنها للطاهري فإن تكن ... فجديرة التقديس والتطهير الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 فرسا رهان أنتما فتجاريا ... بالقول في التقديم والتأخير وإذا سلكت سبيله فحقيقة ... كي تتبع التصفير بالتصفير وأرى بلنسية وأنت قدارها ... سينالها التدمير من تدمير وفي بني عبد العزيز أيضاً يقول مغريا بهم، خاطبا لنفسه، ونحلها ابن المطرز الشاعر: بشر بلنسية وكانت جنة ... أن قد تدلت في سواء النار جازوا بني عبد العزيز فإنهم ... جروا إليكم أسوأ الأقدار ثوروا بهم متأولين وقلدوا ... ملكا يقوم على العدو بثار هذا محمد أو فهذا أحمد ... وكلاهما أهل لتلك الدار [79 ب] جاء الوزير بها يكشف ذيله ... عن سوءة سوأى وعار عار وأوى لينصر من نبا المثوى به ... ودهاه خذلان من الأنصار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 نكث اليمين وحاد عن سنن التقى ... وقضى على الإقبال بالادبار ما كنتم إلا كأمة صالح ... فرماكم من طاهر بقدار هذا وخصكم بأشأم طائر ... ورمى دياركم بألأم جار بر اليمين ولم يعرض نفسه ... ونفوسكم بمصارع الفجار لا بد من مسح الجبين فإنما ... لطمته غدرا غير ذات سوار هيهات يطمع بالنجاة لطالب ... ساع إذا ونت الكواكب سار كيف التفلت بالخديعة من يدي ... رجل الحقيقة من بني عمار رجل تطعمه الزمان فجاءه ... طرفين في الإحلاء والامرار سلس القياد إلى الجميل وإن يهج ... فدع العنان لهبة التيار طبن بأعراض الأمور مجرب ... فطن لأسرار المكايد دار ماض إذا برزت إليه مصمم ... حول إذا التفت عليه مدار ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... فسما فأدرك خمسة الأشبار كشاف مظلمة وسائس أمة ... نفاع أهل زمانه ضرار عجبا لأشمط راضع ثدي الوغى ... منه، وطود في القنا الخطار شارب أكواس المدام وتارة ... شراب أكواس الدم الموار جرار أذيال القنا، ظنوا به ... قد زاركم في الجحفل الجرار وكأنكم بنجومه ورجومه ... تهوي إليكم من سماء غبار وأنا النصيح فإن قبلتم فاتركوا ... آثارها خبرا من الأخبار قوموا إلى الدار الخبيثة فانهبوا ... تلك الذخائر من خبايا الدار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 وتعوضوا من صفرةٍ خبيثة ... بأغر وضاح الجبين نضار ولما سمع العتمد هذا القصيد، وقرع سمعه فخار ابن عمار، قال هذه الأبيات، وهي من مليح التعريض، ومقلوب التقريض، وأضافها إلى بيت ابن عمار حيث قال عن نفسه: كيف التفلت بالخديعة من يدي ... رجل الحقيقة من بني عمار فقال المعتمد: الأكثرين مسوداً ومملكاً ... ومتوجاً في سالف الأعصار المكثرين من الكباء لنارهم ... لا يوقدون بغيره للساري والمؤثرين على العيال بزادهم ... والضاربين لهامة الجبار الناهضين من المهود إلى العلا ... والمنهضين الغار بعد الغار إن كوثروا كانوا الحصى أو فوخروا ... فمن الأكاسر من بني الأحرار يضحي مؤملهم يؤمل سيبه ... ويبيت جارهم عزيز الجار تبكي عليهم شنبوس بعبرةٍ ... كأتيها المتدافع التيار يبكي بها القصر المنيف تلألأت ... شرفاته في خضرة الأشجار ما ضاحكته الشمس إلا خلته ... نضحت جوانبه بماء نضار يا شمس ذاك القصر كيف تخلصت ... فيه اليك طوارق الأقدار [80أ] لما تنلك شعوب حتى جاوزت ... غلب الرجال وسامي الأسوار كم كان من أسدٍ هنالك خادرٍ ... لك حارس بأسنة وشفار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 من قومك الزهر الوجوه إذا الوغى ... كست الوجوه الغر ثوب القار من كل أشوس خائض في لجةٍ ... نحو الكماة بشعلة من نار لما نماهم للعلا عمارهم ... تركوا العداة قصيرة الأعمار وشنبوس التي ذكر هي اسم قرية ببادية شلب، كانت مقر سلف ابن عمار. وقوله: " يا شمس ذاك القصر " كانت والدة ابن عمار - زعموا - تدعى بشمس مصغرة. فلما بلغ ابن عمار شعر المعتمد هذا، وقد بلغ من التندير فيه الغاية، وتجاوز من الطنز عليه النهاية، فل حد صبره، ولم يشك أنه من شعره، فشاعت في اناس أشعار، عزيت إلى ان عمار، في القدح في المعتمد وآله وذويه وعياله، منها قصيدة أولها: ألا حي بالغرب حيا حلالا ... أناخوا جمالا وحازوا جالا وعرج بيومين أم القرى ... ونم فعسى أن تراها خيالا لتسأل عن ساكنيها الرماد ... ولم تر للنار فيها اشتعالا وبعده ما أضربت عنه، رغبةً بكتابي عن الشين، وبنفسي أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 أون أحد الهاجيين، فقد قالوا: الراوية أحد الشاتمين. وقوله: " وعرج بيومين " هي أيضا اسم قرية بقطر إشبيلية كانت أولية بني عباد منها. فلم قرعت الأسماع تلك الأشعار، ونسبت لابن عمار، اشتد حنق المعتمد عليه، ونفوذ المقدور يتسبب لموته على يديه، فلم يزل المعتمد يرتصد فيه الغوائل، وينصب له الحبائل، إلى أن لاح لابن عمار عند صاحب شقورة برق خلب، وكان قد تجاوز بطمعه في الرئاسة طمع أشعب، فول للمؤتمن ابن هود امتطاء صهوتها، وسهل له تسم ذروتها، وإنما أراد أن يخدعه كما خدع ان عباد، فدفع في صدره، وحاق به سيء مكره؛ فلما طرق إليه ولحق بحصنه، لم يلبث أن حصل في سجنه، غدراً به، فجعل ابن عمار لاطفه ويسترحم، وينشده الله في حقن الدم، ووعده في نفسه وضمن له أموالاً، فلم يصغ إليه وشد صفاده اعتقالاً، وطير إلى المعتمد بالخبر، واتفق أن اجتاز الوزير أبو جعفر ابن جرج بذلك الأفق، وابن عمار في المطبق، فخاطبه بهذه الأبيات: كأني أراك أبا جعفر ... تقول وتبسم نحوي مشيرا سفرت ليرجع هذا معي ... وزيراً فلم أر إلا أسيرا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 وهل يملك المرء من أمره ... قبيلاً فينفذه أم دبيرا هو القدر الحتم يعمي الفتى ... وإن كان بالدهر طباً بصيرا واتفق أيضاً وقت القبض عليه يومئذ دخول المعتمد حصن بياسة، وتطارح أهلها عليه، وحصول تلك الجهة في يديه، ورأيت رقعة صدرت عنه في ذلك إلى أحد بينه، وذكر الخائن ابن عمار في فصل منها قال فيه: كتابي يوم كذا، وفي أمسه ورد كتاب المأمون أخيك من داخل حصن بياسة، وأن أهلها لما بلغهم تأهبي لمحاصرتهم، واحتفالي لمنازلتهم، وعلموا أن تدبيرهم قد اضمحل في أيديهم، وأن صريخهم قد خرس عن إجابة داعيهم، وتيقنوا أني إذا نويت مضيت، وإذا لججت حججت، خامرهم الفزع، وضاق بهم المتسع، ومشى بعضهم إلى بعض يتشاورون كيف المصنع، وأين المنزع، فلم يروا لأنفسهم طريقاً أنجى، ولا مهرباً أجدى [80ب] بالخلاص وأحجى، من الترامي علي، والاستسلام إليّ، فبادروا نحوي رجالاً وركباناً، وتسربوا قبلي زرافات ووحداناً، ولم أرد حضرة قرطبة إلا وقد لحق بها منهم أفواج، وسالت بمن وراءهم أباطح وفجاج، كل يستعطف ويستنزل، ويسأل لمن وراءه عفواً يعم ويشمل، فأقبلت وقبلت، وعذرت واغتفرت، وبالغت في تأنيسهم، وتطبيب نفوسهم، والحمد لله على ما من وتطول، وأنعم وأفضل. ووافى هذا الصنع الجميل، والفتح الجليل، آخر تقدمه خطا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 وكان له - ونعم ما كان - فرطاً، وذلك بقبض عتاد الدولة ابي محمد ابن سهيل على الغادر الملحد ابن عمار، قطع الله به وبمن أوى إليه وآل بكل من سعى سعيه او نزع منزعه مآله، بحبائل نصبناها له هنالك حتى علقته، وغوائل أرصدناها حتى أوبقته، وتلك عادة الله الحسنى عندنا، في من غمط نعمتنا ونكث عهدنا، فله الحمد دائباً، والشكر واصباً. قال ابن بسام: وكان القبض على ابن عمار بشقورة يوم الجمعة لست بقيت لربيع الآخر سنة سبع وسبعين، وورد على المعتمد غير ما خطابٍ في معناه ووجه الشفاعة فيه، وجبر صدعه وتلافيه، فسد بابا الشفاعة في ذلك، وشد صفاده هنالك. وممن كان شفع له يومئذ ذو الوزارتين ابن محقور صاحب شاطبة، بخطاب مشهور معروف، ورأيت عليه الجواب من إنشاء ابي الوليد ابن طريف، قال فيه: وقفت على الإشارة الموضوعة من قبلك على أخلص وجوه السلامة، المستنام فيها شرف محتدك وصفاء معتقدك أكرم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 استنامةٍ، في الشفاعة في من أساء لنفسه حظ الاختيار، وسبب لها سبب النكبة والعثار، بغمطه لعظيم النعمة، وقطعه لعلائق العصمة، وتخبطه في سنن غيه واستهدافه، وتجاوزه في ارتكاب الجرائم وإسرافه، حتى لم يدع للصلح موضعاً، وخرق ستر الإبقاء بينه وبين مولى النعمة عنده فلم يترك مرقعاً، وقد كان قبل استشراء دائه، وكشفه لصفحة المعاندة وإبدائه، عذره في جميع جناياته مقبول، وجانب الصفح له معرض مبذول، لكن غيرته الغواية، عن طريق الهداية، فاستمر على ضلاله، وزاغ عن سنن اعتداله، وأظهر المناقضة، وتعرض - بزعمه - إلى المساورة والمعارضة، فلم يزل يريغ الغوائل، وينصب الحبائل، ويركب في العناد أصعب المراكب، ويذهب منه في أوعر المذاهب، حتى علقته تلك الأشراك الني نصبها، وتشبث به مساوئ المقدمات التي جرها وسببها، فذاق وبال فعله {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} (فاطر: 43) ولم يحصل في الأنشوطة التي تورطها، والمنحسة التي اشتملت عليه وتوسطها، إلا ووجه العفو له قد أظلم، وباب الشفاعة فيه قد أبهم، ومن تأمل أفعاله الذميمة، ومذاهبه اللئيمة، رأى أن الصفح عنه بعيد، والإبقاء عليه داء حاضر عتيد؛ ومثلك في رجاحة ميزانه، ومعرفته بأبناء زمانه، لم يجهل بدأة حاله من القل والضعة، وارتقاءه منها إلى الرفعة والسعة، وإنشائه من ذل الخمول، إلى العز العريض الطويل، وتسويغه عقائل الأموال، وجلائل الأحوال. وفي فصل منها: ففوق لمناضله الجولة نباله، وأعمال في مكايدتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 جهده واحتياله، ثم لم يقتصر على ذلك، بل تجاوزه إلى إطلاق لسانه بالذم الذي صدر عن لؤم نجاره، والطعن الشاهد بخبث طويته وإضماره، ومن جهل مقدار تلك النعمة التي كان سوغها أولاً، أخلق به أن لا يعرف مقدار العفو عنه آخراً، ومن فسد هذا الفساد كيف يرجى استصلاحه - ومن استبطن مثل غله كيف يؤمل فلاحه، ومن لك بسلامة الأديم النغل، وصفاء القلب الدغل -! وعلى ذلك فلا أعتقد عليك [81أ] فيما عرضت به من وجه الشفاعة غير الجميل، ولا أتعدى فيه حسن التأويل، ولو وفدت شفاعتك في غير هذا الأمر الذي سبق فيه السيف العذل، وأبطل غافل الأقدار فيه الألطاف والحيل، لتلقيت بالإجمال، وقوبلت ببالغ المبرة والاهتبال. ما أخرجته من سري نظمه وجزل مقاله مدة اعتقاله من ذلك أبيات خاطب بها صاحب المرية يقول فيها: أصبحت في السوق ينادى على ... رأسي بأنواعٍ من المال فهل فتىً يبتاعني ماجد ... أخدمه مدة إمهالي تالله لا جار على نقده ... من ضمني بالثمن الغالي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 أربح بها مولاي من صفقةٍ ... في سلعة من برك العالي وكتب أيضاً إلى المعتمد: نفسي نحن إلى فداء ... تفديك نفسي من شراء فاسبق بنقدك وعدهم ... مسترخصاً لي بالغلاء ثم امض في على اختيا ... رك من فناءٍ او بقاء والله ما أدري إذا ... قالوا: غداً يوم اللقاء ما أقتل الحالين لي ... إن كان خوفي أو حيائي وكتب إليه أيضاً: سجاياك إن عافيت أندى وأسمح ... وعذرك إن عاقبت أجلى وأوضح وإن كان بين الخطتين مزية ... فأنت إلى الأدنى من الله أجنح حنانيك في أخذي برأيك لا تطع ... عداي ولو أثنوا علي وأفصحوا فإن رجائي أن عندك غير ما ... يخوض عدوي اليوم فيه ويمرح ولم لا وقد أسلفت وداً وخدمةً ... يكران في ليل الخطايا فيصبح وهبني قد أعقبت أعمال مفسدٍ ... أما تفسد الأعمال ثمت تصلح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 أقلني لما بيني وبينك من رضى ... له نحو روح الله باب مفتح وعف على آثار جرمٍ سلكته ... بهبة رحمى منك تمحو وتصفح ولا تلتفت رأي الوشاة وقولهم ... فكل إناء بالذي فيه يرشح سيأتيك في أمري حديث وقد أتى ... برأي بني عبد العزيز موشح تخيلتهم لا در لله درهم ... أشاروا تجاهي بالشمات وصرحوا وقالوا: سيجزيه فلان بذنبه ... فقلت: وقد يعفو فلان ويصفح ألا إن بطشاً للمؤيد يرتمي ... ولكن حلماً للمؤيد يرجح وماذا عسى الواشون أن يتزيدوا ... سوى أن ذنبي ثابت متصحح نعم لي ذنب غير أن لحلمه ... صفاةً يزل الذنب عنها فيسفح سلام عليه كيف دار به الهوى ... إليّ فيدنو أو علي فينزح ويهنيه إن مت السلو فإنني ... أموت ولي شوق إليه مبرح وبين ضلوعي من هواه تميمة ... ستنفع لو أن الحمام يجلح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 قال ابن بسام: بلغني أنه لما وصلت هذه القصيدة إلى المعتمد جعل من بحضرته [81ب] من أعداء ابن عمار ينتقدونه، ويطلبون به عيباً لو يجدونه، فجعلوا يقولون: أي معنى أراد، ما قال شيئاً ولا كاد، فقال لهم المعتمد: مهما سلبه الله من المروة والوفاء، فلم يسلبه الشعر، إنما قلب بيت الهذلي فأحسن، وهو قوله: وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع فسكت القوم في ناديهم، وسقط في أيديهم. فير أن أبا سالم العراقي جعل يتمضغ بقوله: " يكران في ليل الخطايا " وقال: ما معناه - وهلا بدل هذا اللفظ بسواه - فقال له المعتمد، وأراه طنز عليه، وأشار بالتقصير إليه: أبا سالم، أنزله، وإن استطعت بفضلك فأبد له! فأحجم وتلعثم، ولم يتأخر ولا تقدم. وكذلك قوله: " فماذا عسى الواشون أن يتزيدوا "، وهو لفظ المجنون: وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا ... سوى أن يقولوا إنني لك عاشق وإن كان المعنى مختلفاً فحذو اللفظ واحد. ولحق بشقورة بعد القبض على ابن عمار يزيد بن المعتمد الملقب بالراضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 فكتب إليه ابن عمار: قالوا أتى الراضي فقلت لعلها ... خلعت عليه من سمات أبيه فأل جرى فعسى المؤيد واهب ... لي من رضاه ومن أمان أخيه قالوا نعم، فوضعت خدي في الثرى ... شكراً له وتيمناً ببنيه يا أيها الراضي وإن لم يلقني ... من صفحة الراضي بما أدريه هبك احتجبت لوجه عذرٍ بينٍ ... بذل الشفاعة أي عذر فيه خفف على يدك الكريمة أسطراً ... في من أسرت فتنثني تفديه ثم صدر عن شقورة، وجاء به إلى قرطبة يوم الجمعة السادس من رجب من العام، وقد برز الناس لدخول الراضي، وابن عمار في ذلك الحفل، في قيوده، على دابى هجينة، حاسراً في ثوب خلق بين عدلي تبنٍ، عظةً لمن اعتبر مجاري الليالي والأيام، ولعبها بالأنام، فكم دخل قرطبة قبل في أبهة الرؤساء، يسحب ذيل الكبرياء، فسبحان من يبسط للمحسن والمسيء عدله، ولا تدوم العزة إلا له. حدثني الوزير أبو عمر الفرضي كاتب حشم المتوكل أنه شهد دخول ابن عمار يومئذ قرطبة، فلم ير زعيماً من زعماء البلد، ولا عظيماً من أهل دولة المعتمد، إلا وهو يمسح عطفه، ويمشي بين يديه أو خلفه، توقعاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 لكرته، واستدفاعاً لمضرته، فقد كان أكثرهم لا يشك أن غضب المعتمد عليه، نار يطفئها نظره إليه، وتيار يكفه مثوله بين يديه، فقد كان من قلبه بمكان، ومن إيثار قربه في شان. وأخبرني الوزير المذكور أن ابن عمار كان يباهي يومئذ بذلته وقلته، عدد آسره الراضي وعدته، ويقاوم بهوانه وامتهانه بأسه وشدته، حتى كأنه أحد خدمه، أو بعض حشمه. قال: وكتب في أثناء ذلك إلى المأمون بهذه القصيدة الفريدة، وهي من حر النظام، وجزل الكلام، وأولها: هلا سألت شفاعة المأمون ... أو قلت ما في نفسه يكفيني ما ضر لو نبهته بتحيةٍ ... يسري النسيم بها على دارين وهززت منه فقد يقلب سيفه ... يوم الجلاد الحين بعد الحين [82أ] ما لي أنبه ناظراً لم يغف عن ... حظيه من دنيا ولا من دين وأهز من عطفٍ ثناه عطفه ... حتى خشيت عليه فرط اللين بيدي من المأمون أوثق عصمةٍ ... لو أن أمري في يد المأمون أمري إلى مولى إليه أمره ... وكفاك من فوق كفاك ودون حيث استوى الخصمان حقاً والتقى ... عز الغني بذلة المسكين ملك طوى سر المهابة شخصه ... لولا أسرة وجهه الميمون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 جبل سما بذوائبه إلى العلا ... ورسا بهضبته على التمكين متوقد الجنبات كلل دوحه ... بجنى وفجر صفحه بعيون ذلت لأيدي المجتنين قطوفه ... ودنا إليهم من ظلال غصون ونأى لأبصار العصاة فإنما ... يتوهمون نعيمه بظنون بحر إذا ركب العفاة سكونه ... وهب الغنى في عزةٍ وسكون وإذا طمى للذنب لم يسمع به ... إلا الدعاء يعان بالتأمين كم أسكب العذب الفرات على فمي ... ورمى يدي باللؤلؤ المكنون واليوم قد أصبحت في غمراته ... إن لم تغثني رحمة تنجيني بعدت سواحله علي وأدركت ... أمواجه فتلاعبت بسفيني لا شك في أني غريق عبابه ... إن لم يمد الفتح لي بيمين يا فتح جردها عناية فارسٍ ... بطلٍ على حرب الولي أمين متقدم من جده بكتيبة ... مستظهر من لفظه بمكين واقرن شفاعتك الكريمة عنده ... بتواضعٍ عن عزةٍ لا هون في شكة من هيبة وسكينةٍ ... وبضجةٍ من رحمةٍ وحنين فأبوك من تغشى الملوك بساطه ... شوساً فما يرمونه بعيون ما يعرض الجبار منه لحاجةٍ ... إلا برفع يدٍ ووضع جبين يا فتح إن نازلته مستنزلاً ... فاهنأ بفتح من رضاه مبين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 وليخلصن إليك من أعلاقه ... علق يشد عليك كف ضنين وكان قد كتب أيضاً يومئذ إلى الرشيد بهذا القصيد، وهو من قصائده الحرة وقلائده المبرة: قل لبرق الغمام مطو البريد ... قاصداً بالسلام قصر الرشيد فتقلب في جوه كفؤادي ... وتناثر في صحنه كالفريد وانجذب في صلاصل الرعد تحكي ... ضجتي في سلاسلي وقيودي فجزاك الإله من ملكٍ حر ... بقاء التمكين والتمهيد من مطيع عهد الوفاء مطاعٍ ... وودودٍ على النوى مودود [82ب] كنت أشدو عليك يا دوحة المج ... د ويا روضة الندى والجود إذ جناحي ندٍ بظلك طلق ... ولساني رطب على التغريد وأنا اليوم تحت ظل عقابٍ ... لقوة مخوت الجناح صيود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 أتقيها بناظرٍ خافق اللح ... ظ مروعٍ وخاطر مزؤود غير أني سأصطفي لم جهدي ... من ثنا طيبٍ وذكرٍ حميد في قليل من القوافي كثيرٍ ... وذلول من المعاني شرود كلماتٍ كأنها الدر نظماً ... طوقت منك أي طوق وجيد أنت بدر النجوم تحت سنا الشم ... س أتتكم على سماء السعود أنت ريحانة العلا لبني عبا ... د السادة الكرام الصيد أنت إما اعترضتم درة التا ... ج فرند الحسام وسطى الفريد وإذا ما مدحتم نكتة الخط ... بة فص الحديث بيت القصيد وإذا ما ركبتم الخيل صدر الجي ... ش عين اللواء قلب الحديد أنت فيهم إن يعتموا ليلة القدر ... وإذ يصبحون يوم العيد فهنيئاً أبا الحسين خلال ... وصفات جلت عن التحديد وشفوف على الجميع بسن ... وسناء إلى سنا ممدود وهنيئاً من المؤيد حظ ... لا مزيد عليه للمستزيد لك في نفسه العزيزة حب ... شاب فيه حلاوة التوحيد وعلى لحظه النزيه طلوع ... كطلوع البشير بالتأييد وإذا ما شدا بذكرك شادٍ ... قال أحسنت هزة المستعيد فعلام السرى بصبح رضاه ... مع سنا وجهك الأغر السعيد وإلى أين في الشفيع إذا ما ... لم ألذ منك عنده بالرشيد بفتىً نازح المكان مطلٍ ... غائب الشخص ذي اعتناء عتيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 مشفقٍ يستجيب لي من قريبٍ ... وأنا أستغيثه من بعيد لو أطلت علي رحمة عيني ... هـ انجلت شدتي وذاب حديدي قال ابن بسام: فصدرت هذه الأشعار، يومئذ عن ابن عمار، وهو في قيود الحديد، وقالها على البديه والارتجال، في تلك الحال، من شدة الاعتقال، وبالٍ يناجيه البلبال، قد تيقن أنه لا يفلت، ولا ينظر إلا إلى عدو يشمت، والموت يلاحظه من حيث لا يلتفت، إذ كان المعتمد قد أحضره في تلك الحال غير ما مرة بين يديه، ويعدد ذنوبه عليه، ولو قال كل قصيد ورواه حولاً كاملاً، في أكن ودعة، وفرط شهوة أو شدة حمية وعصبية، لما زاد على ما أجاد، فكانت هذه القصائد القلائد، مع ما تشتمل من البدائع الروائع، رقىً لم تنفع، ووسائل لم تنجع، وإذا سبق القدر، فلا ورد ولا صدر. [83أ] . أخبرت عمن صحب الراضي في وجهته يومئذ من شقورة وكان ممن رقب على ابن عمار، فجعل يكلأوه في طريقه، خوفاً على نفسه ومراعاةً أيضاً لسالف حقوقه، فلما انتهى إلى قرطبة وسلم للقصر، دعي ذلك الرجل مع أصحابه بعد العصر، في سلاح شاكٍ وتعبئة ظاهرة ليصحبوه إلى إشبيلية، فبينما هم عند باب السدة ينتظرون إلى أن يسلم إليهم ابن عمار، وقد انسلخ النهار، إذ أوجسوا نبأةً، فإذا المعتمد قد خرج والشمع بين يديه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 وخدمه حواليه، وابن عمار بينهن على بغلٍ يهزأن به ويتضاحكن، فأعربت حاله يومئذٍ بمباديها، على سوء العاقبة فيها. وحدثني أبو بكر الخولاني المنجم قال: لما وصل المعتمد إلى إشبيلية من وجهته تلك، سجن ابن عمار داخل القصر على قرب منه، وأحضره مراراً بين يديه، يعدد ذنوبه عليه، فبقي مدةً كذلك، في سجنه هنالك، لا يتنفس ولا يتحرك إلا تحت سمعٍ وعينٍ، فاستدعى يوماً سحاءة ودواةً فبعث إليه بزوجٍ كاغدٍ، فكتب إلى المعتمد شعراً استرحمه فيه، فعطف عليه، وأحضره ليلته تلك، ووعده بالعفو عنه، فخاطب ابن عمار من حينه الرشيد بذلك، فلمح تلك المخاطبة عيسى بن الأعلم وزيره يومئذ، فتحدث بالأمر، وذاع السر، وانتهى الخبر إلى الوزير أبي بكر بن زيدون صاحب الدولة وقته، وعداوته لابن عمار أوضح من أن تشرح، فدمغته من ذلك دامغة، وبات بليلة النابغة، وتخلف عن الركوب إلى القصر صبيحة الغد، حتى ورده رسول المعتمد، وحدس أن مجلس سره مع ابن عمار وصل إليه، واستفهمه فوجد نص المجلس عنده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 فازداد حنقاً على ابن عمار الحائن، وحرك ضغنه الساكن، فقال لأحد الصقالب: سل ابن عمار كيف وجد السبيل، مع عظيم الترقيب، إلى إفشاء ما أخذت معه فيه، فلما سأله أنكر، قال المعتمد: فما أراد بالكاغد الذي طلب - قال: إنه أخبر أنه كتب إليك فيه بشعر، قال: هو في ورقة مفردة، فما فعل بالأخرى من الزوج الكاغد المبعوث به إليه - قال: كتب مسودة ذلك الشعر، قال المعتمد: خذها منه لأقف على ذلك؛ فلما لم يجد بداً من النطق بالصدق، رجع إلى الحق، وقال: إني خاطبت الرشيد بما وعدني به مولانا من العفو، فاتقد المعتمد، وقام من فوره كما كان، وأخذ طبرزيناً، وجاء إلى موضع ابن عمار الذي كان فيه مسجوناً، ودخل إليه، ففزع - كما كان في قيوده - إلى تقبيل رجليه، فضربه به، ثم أمر بأن يم عليه، وأخرج ووري في قيوده، خارج باب القصر المبارك المعروف في إشبيلية بباب النخيل، فمضى رحمه الله على هذا السبيل. واتفق بأن وقع حفر بموضع رمسه من ذلك المكان، لبنيان عرض فيه بعد نيف على عشرين سنة من مقتله، فأخبرني من شهد إخراج جمجمته وأعظم ساقيه بكبله وهي رميم، " وعند الله تجتمع الخصوم ". وما وقفت في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 تأبين ابن عمار على شعر لأحدٍ من أهل العصر، غير بيت مفردٍ شهد أن المعتمد باشر قتله بيده، وهو لعبد الجليل حيث يقول: عجباً لمن أبكيه ملء مدامعي ... وأقول لا شلت يمين القاتل وكان عبد الجليل متعصباً لابن عمار، مائلاً إليه بطبعه، إذ كان الذي جذب بضبعه، ونوه بذكره، ونفق من شعره، وعرفه بالمعتمد حتى استخلصه لنفسه، وأحضره مجالس أنسه. ويتعلق بهذا القتل الشنيع، خبر غيب المسموع، في ذلك الأوان، وحديث ظريف من الحدثان، أخبرت به عن غير واحد من وزراء المعتمد، وذلك أنه لما مضت لقتل ابن عمار أيام،، حضروا مع المعتمد في مجلس أنس، فلما طابت الأنفس، وأخذت [83ب] منهم حميا الأكؤس، وارتاح المعتمد وهز عطفه، وبدا على قسماته عطفه، سئل عن هذا الخبر المستظرف، الذي كانوا سمعوه من بعض السلف، وأقسموا عليه بتخليد ملكه في أن يحدثهم بحديثٍ كان إليه ينسب، وقالوا: هو من فم مولانا أطيب، فقال لهم كلاماً معناه لعل هذا الاستخبار عن شأن ابن عمار، قالوا: أجل، وطفقوا يفدونه بالأنس، وأكثروا في وداده من شربٍ الأكؤس، فأخبرهم أنه كان أيام مقامه بشلب، قد غلب ابن عمار على نفسه، وأخذ بمجامع أنسه، فأمره وأخذ عليه - إذا دعا أصحابه - أن يكون أول داخلٍ وآخر خارج، ليانس به ويتمتع بأدبه، فيجده ينفر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 نفار الشارد، ويتسلل من مجلسه تسلل الطريدة من يد الصائد؛ فلما أبى إلا اطراداً عن أصله، وطال ذلك عليه من فعله، تقدم إلى أصحاب سدته ليلة في ترقبه من مذهبه، وأنذر وتهدد، وأقام في ذلك وأقعد، وقام ابن عمار كعادته، فلم يحفل المعتمد ليلته بمكانه، لما كان قدم في شانه؛ فلما انفض من كان عنده، التمسه ففقده، وطلبه منتهى جهده فما وجده، وأحضر من كان أوصى فيه إليه، فأخبر أنه لم تقع له عين عليه، فرابه أمره، وخفي عنه سره، فشهر فيما بلغني سيفه وأخذ الشمع بين يديه وجعل يطلبه حيث يحسبه ولا يحسبه، فلما انتهى إلى بعض الدهاليز إذا بحصير مطوي، وابن عمار فيه أغمض من سرٍ خفي، عريان كالأفعوان، فأمر بحمله، وهو قد تعجب من فعله، فلما استقر بالمعتمد المجلس، جعل يبسط جانب ابن عمار ويؤنس، وابن عمار يبكي فيضحك، ويشكو فيشكك، فلما سكن قليلاً، وأفرخ روعه، ورقأ دمعه، سأله عن شأنه فأخبر أنه كلما كانت تأخذ منه الشمول سمع كأن قائلاً يقول: يا مسكين، هذا يقتلك ولو بعد حين، كلاماً هذا معناه، فلا يزال يطلب الأنس بوسعه فيبعد عليه ذلك ويمتنع، حتى يصنع ما يصنع، إلى أن كان له معه الذي قدر. ومن مقاله في أثناء اعتقاله هذه القطعة البديعة: يقول قوم إن المؤيد قد ... أحال في فديتي على نقده الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 يا قوم ماذا الشراء ثانيةً ... ترى لمعنى يريب من عنده -! أوحشني والسماح عادته ... سماحه بالغلاء في عبده الحمد لله إن يكن حرجاً ... فليس في مثله سوى حمده وحيلة إن وصلت حضرته ... جعلتها رغبةً إلى جنده لو سامحوا في الفرند أرمقه ... من طرفه لم أخفه من غمده يا رب بشر برحمةٍ وحياً ... يؤنس من برقه ومن رعده ومنهم الوزير الكاتب أبو الوليد حسان بن المصيصي وهو أيضاً من شلب، ومن ذلك الأفق طلعت نجوم الكلام، فأضاءت البلاد، ونشأت غيوم النثار والنظام، فطبقت الهضاب والوهاد؛ إلا أن حساناً هذا وصاحبيه أبوي بكر: ابن عمار وابن الملح كانوا هنالك رؤساء الأمة، ورؤوس إجماع الأئمة، ونجمت دولة المعتمد ابن عباد بتلك البلاد وهم أغصان دوحةٍ، وأخدان غدوةٍ إلى طلب العلم وروحةٍ، يتدارسون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 آياته، ويتبارون إلى أبعد غاياته، ولكل دليل في السنا مشتهر، وسبيل إلى العلياء مختصر. ونهض تصريف المقدار منهم بابن عمار، فشب عن طوفه، بالحمل وأوقه، وبلغ المبلغ الذي استغنى باشتهاره عن تكراره، وتبعه هذان في الانقطاع إلى الدولة، يحسبان كل بيضاء شحمة، ويتخيلان كل ضوء نجمة، ولله في بريته أقدار يمضيها، ومن مشيئته أسرار يتفرد بها فيخفيها؛ فلم يحصلا إلا على لبس ما خلع [84أ] والارتسام حيث أشار ووضع؛ فأما ابن الملح فإنه نفر نفرة الأنف، وفر فرار الحنق الأسف، مؤثراً للانزواء، على الاستخذاء، مكتفياً بالدون، من التصرف على الهون، وكانت له خلال ذلك مدائح يهديها، ورحل إلى الحضرة يحمل على نفسه الأبية فيها، فيطرأ جديداً، ويصادف عهداً بها بعيداً، فيؤوب ضخم العياب، محمود المقام والإياب. وأما حسان هذا فصدق الحملة، ولزم الجملة، مغتبطاً بما خول، جاعلاً نفسه حيث جعل، ورضي من ابن عمار بوطء عقبه، ولزوم مركبه، وابن عمار يرعاه لمكانه، ويخاف انتباه المعتمد لشانه، حتى زاحمه أخيراً بالأديب أبي محمد عبد الجليل، فأقرا له بالفرق، وأخذ منهما جميعاً قصبات السبق. وكان ابن عمار بعد ذلك كله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 كلما مر ذكر عبد الجليل ألقى بيديه، وشهد له بالفضل عليه، وليست الحظوظ بالأقدار، ولا الأمور على الاختيار، ولما أنشأ المعتمد لابنه الفتح، دولته بقرطبة المتقدمة الشرح، أصحبه حساناً هذا كاتب سره، وصاحب أكثر أمره. وقد أخذت من شعره أعدل شاهدٍ على ما أجريت من ذكره. جملة من شعره في المدح وما يتصل به له من قصيدة أولها: أضاء بك الأفق الذي كان أظلما ... وقد لحت في الإكليل بدراً متمما على أي وجهٍ لم يشعشع طلاقةً ... وفي أي ثغرٍ لم ينور تبسما وقد صغت من ذاك المحيا وحسنه ... صباحاً ومن تلك الخلائق أنجما إذا غبت عن ارضٍ تمثل أهلها ... " عسى وطن يدنو بهم ولعلما " ومنها: ألا قل لأرباب المخائض أهملوا ... فظل ابن عباد عليهن أينما فهل تقتدي الأعلام فيك بحارها ... لتحظى بعقد السلم منك فتسلما مع الله يمضو إن مضوا مع غيره ... ولله أحرى أن يفل ويغنما ولدت مع الإقدام في ساعةٍ معاً ... ففداك في الهيجاء كونك توأما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 ولله عادات لديك جميلة ... يفيدك أرياً حيث تحسب علقما ولو جبلي طي رميت بفرقةٍ ... لجاء أجا سلمى إليك مسلما لذاك ابن عمار ثنى اذفونش طائعاً ... بسعدك حتى لو أمرت لأسلما ولم يبق رومياً بفضلك مشركا ... وإن أشركوا بالله عيسى بن مريما تفاءلت باسم الفتح لما لقيته ... لتفتح أمراً خاله الناس مبهما تلاقيتما للسعد بدراً وكوكباً ... أباً لا يبارى في المكارم وابنما ومنها: أراه وأرجوه وأنشر فضله ... فيملأ مني العين والكف والفما ومعنى هذا البيت الأخير كقول ابن شرف: سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل وغلى هذا المعنى أيضاً ينظر قول الحسن على رأي بعض من فسر وهو: ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر ... وقوله: " ولم يبق رومياً بفضلك مشركاً " كقول محمد بن هانئ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 لم يشركوا في أنه خير الورى ... ولذي البرية عندهم شركاء [84ب] وله من أخرى فيه، أولها: من استطال بغير السيف لم يطل ... ولم يخب من نجاح سائل الأسل أعدتك صحبتك الأرماح شيمتها ... فانفذ نفوذ القنا في الأمر واعتدل وإن أتتك أمور لم تعد لها ... فانهض برأيك بين الريث والعجل أقدم على عجل وارغب على زهد ... واغلظ على رقة واسفر على خجل حاز المؤيد مما قلت أفضله ... وزاد للفرق بين القول والعمل وهذا البيت الأخير مما بعد شأوه، وفات سروره، وتجاوز أكثر الحد عفوه. ملك تواصله الدنيا ويهجرها ... سراً ويلبس تقوى الله في الحلل لا تحمدن زهد من لم يعط رغبته ... لعلة غض من جفنيه ذو الحول وكم له سنة ضاء الزمان بها ... ضوءاً بلا لهب كالشمس في الطفل تعطي الهواء ومتن الأرض غرته ... نوراً ونوراً عطاء الشمس في الحمل وهذا البيت لحسان من حسنات شعره، وأبين آيات ذكره، فيه توليد، شهد أنه شاعر مجيد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 تنهاه عفته عن أمر بطشته ... فالمشرتي عنده قاضٍ على زحل وهذا البيت أيضاً من مليح المنظوم، وله اختصاص حسن بأحكام النجوم؛ ومنها: يطوي على نور إيمان جوانحه ... فالنفس من كوكب والجسم من رجل لم يعق يوماً ولا احلولى لمسترطٍ ... وإنما هو بين الصاب والعسل جر الذيول ولكن من جحافله ... على القتاد ولكن من شبا الأسل وهذا البيت أيضاً مما برز في لفظه ومعناه، وأراده كثير من الشعراء فأعياه: فلم يطأ غير ما تحكي شمائله ... مع الجزالة من سهلٍ ومن جبل جلالة أدخلت أملاك أندلس ... تحت الخناعة والإحجام والفشل كأن ملكك أسنى من ممالكهم ... وأن دولتك العليا على الدول لما دعا الغادر المضعوف قال له ... أخوه عنك: أخي لا تبك في طلل صفحت عنه لآمال له سلفت ... وربما كره التفصيل للجمل قد يدخل المسلم المخطي الجنان غداً ... بنيتي أرتجي الغفران لا عملي وهذا البيت مما خلص فيه يقينه، وحسنت بخالقه ظنونه، وعسى الله أن يلقيه مآلها، فرب مرحومٍ بكلمة قالها. وما أحسن أيضاً ما أنشدته للحسن بن رشيق، وقد منح من التوفيق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 لسلوك هذا الطريق: إذ أتى الله يوم الحشر في ظلل ... وجيء بالأمم الماضين والرسل وحاسب الخلق من أحصى بقدرته ... أنفاسهم وتوفاهم إلى أجل ولم أجد في كتابي غير سيئةٍ ... تسوءني وعسى الإسلام يسلم لي رجوت رحمة ربي وهي واسعة ... ورحمة الله لي أرجى من العمل [85أ] وفي هذه القصيدة يقول حسان: لولا الكتائب لم تنظم مواكبها ... نظم العقود لكان الدهر ذا عطل من كل معتقل بالبأس مخترطٍ ... للعزم، مدرع للحزم مشتمل يقودهم من بني قحطان ذو بدعٍ ... من الندى والمعالي لا من النحل ينبيك سؤدده عن صيد معشره ... فليس يزري أخير المجد بالأول لا تعجبنك عليا لا قديم لها ... ولا تخل غرة ما ابيض بالكفل بيض يمانون إن سلوا يمانيةً ... لم يعرف السيف في الهيجا من الرجل وكم جلوا بالندى من ليل مفتقرٍ ... كأنه دمعة في جفن مكتحل إذ كل نابتةٍ شوك بلا ثمرٍ ... وكل طائرةٍ شور بلا عسل طلبت مثلهم في غير حيهم ... فلم أجد غرر الأفراس في الإبل ما زال يندى على كفي بنائله ... حتى مسحت عللا عيني من بلل من مبلغ يده أني نظمت لها ... شكراً جعلت قوافيه من القبل شكراً ذكرت به من جوده سرفاً ... كأنه مفرغ في قالب العذل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 لعل عذري في ذا الغزو قد عرفت ... أسراره بلسان صادقٍ مذل وما الحروب ومثلي أن يشاهدها ... وإنما أنا حسان وأنت علي قال ابن بسام: وأظن حساناً هذا لم يكن له علم بالسير، ولا تصرف بعلم الخبر، وقد رأيت جماعةً من أهل الأدب ينسبون حسان ابن ثابت رحمه الله إلى الجبن، ويخرجونه من أهل الضرب والطعن، يحتجون في ذلك بقعوده عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مغازيه وسراياه، وينشدون له في ذلك شعراً أظنهم نحلوه إياه، وهي هذه الأبيات على رواية بعض الرواة: أيها الفارس المشيح المطير ... إن قلبي من السلاح يطير ليس لي قوة على رهج الخي ... ل إذا ثور الغبار مثير أنا في ذا وعند ذاك بليد ... ولبيب في غيره نحرير ولا أمتري أنها منحولة إليه، ومفتعلة عليه؛ وبلغ من حججهم على ذلك حديثه في شأن اليهودي يوم الأحزاب المطيف بالأطم الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم، أحرز فيه النساء والأبناء، وإن حساناً حض صفية بنت عبد المطلب على قتله وأخذ سلاحه، ويقولون لم تكن به قوة على سلبه، فضلاً عن حربه، وذهب عليهم أن حساناً، رحمه الله، كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 قد أصيب في بعض حروبهم في الجاهلية، فقطع أكحله، وفي ذلك يقول: وخان قراع يدي الأكحل ... ومن أدل شيءٍ على ذلك أنه هاجى في الجاهلية والإسلام أكثر من ثمانين شاعراً، لم يصفه أحد بالجبن ولا عيره به، ولم يكن شيء يتعايرون به أشد. ولحسان أيام مشهورة، ومواطن في الحروب مذكورة، وكان ممن له كنيتان في السلم والحرب، كما كان الأبطال تفعل على عهده، كان يكنى في السلم بأبي الوليد، وفي الحرب بأبي نعامة. وقد أولع ابن المصيصي [85ب] بهذا المعنى فأعاده وأبداه، وألحمه وأسداه، وأعجبه ما اتفق له منه، حتى أخرجه إلى ما كان في مندوحةٍ عنه، والشعر ميدان ربما دعا الأرن إلى المراح، وأخرج السابق إلى الجماح، فقال من قصيدة يمدح بها المعتمد، وذكر نفسه وابن عمار: كأن أبا بكر أبو بكر الرضى ... وحسان حسان وأنت محمد فأراد أن يعرب فأعجم، وأحب أن يضيء فأظلم، ونعوذ بالله من الخطل في القول، ونبرأ إليه من القوة والحول. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 وقول ابن المصيصي: " من مبلغ يده " ... البيت كقول ابن عبدون: بلغ سلام فمي يدي ملكٍ ... غاب الملوك عن العلا وشهد وكرره ابن عبدون في موضعٍ آخر، فقال: وبلغ عن فمي يده سلاماً ... كما أدنى الأزاهير الرباب وقول حسان: " ويلبس تقوى الله في الحلل " لفظ أبي الطيب: وكساني الدرع في الحلل ... وقوله: " لا تحمدن زهد من لم يعط رغبه " ... البيت، معنى قد أكثر الناس فيه، وإن كان لحسان فضل بزيادة التشبيه؛ ومن شهوره قول حبيب: إذا المرء لم يزهد وقد صبغت له ... بعصفرها الدنيا فليس بزاهد وقد أحسن فيه أبو الطيب بقوله: والظلم في خلق النفوس فإن تجد ... ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلم وقال بعض أهل عصري: تورعوا بين لا عزٍ ولا ظفر ... وأكثر الضعف محسوب على الورع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 وقوله: " كالشمس في الطفل " معنى بين النقصان، قصير الباع في مدى الإحسان، وفيه نقد أعرب عنه بعض أهل زماننا، ومن في طبقة ديواننا، وهو أبو حاتم الحجازي، وزاد فيه بقوله: فكفى من الدينار صفرة وجهه ... الشمس صفرتها من اجل زوالها وقد نقله بعض أهل عصري إلى النسيب، فقال: يعيبونها عندي لصفرة وجهها ... فقلت الهرقليات أوجهها صفر وقوله للمعتمد: " فلم يطأ غير ما تحكي شمائله ". البيت، أرى حساناً مما بلح فيه سيره، ووقع طيره، هذا يطأ المعتمد فليت شعري ما يطأ غيره -! وقوله: " من كل معتقل بالبأس مخترط " ... البيت من التقسيم المليح في القريض، الذي كثيراً ما يتفق في هذه العروض، وهو شبيه بقول أبي سعد المخزومي: ما يريدون لولا الحين من رجلٍ ... بالليل مدرعٍ بالجمر مكتحل وشبيه أيضاً بقول أبي تمام: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 تدبير معتصمٍ، بالله منتقم ... في الله مرتغب، لله مرتقب إلى غير ذلك مما لا يحصى، والإحاطة لله تعالى. وقال حسان من قصيدة أولها: بياض أياديك تحكي الصفاح ... ومثل نفاذك تحذو الرماح [86أ] وأنبتت الحرب شوك القتاد ... وفتحت الورد فيها الجراح وكم لك في السلم وجه حيي ... وكم لك في الحرب وجه وقاح فما غير أصلك عود نضار ... ولا غير لخمك حي لقاح فجودك صرف عداه المزاج ... وطبعك جد عداه المزاح فلو كان خيمك من ماء كرمٍ ... لما شابه فيك ماء قراح ألم تر غادر اسطبة ... حوى الخسر صفقته لا الرباح سيدعى براقش أصحابه ... فقد دل منه عليهم نباح فداسوا على قصد الذابلات ... تبكي دماءً عليها الصفاح وغنى الحمام برقص الرؤوس ... ولذ اغتباق وطاب اصطباح أيخفى علاك على ذي جفون ... ويطمع يبدو إليه الصباح ولما زجرت بذكرك شعري ... تبين ينثال فيها المراح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 ولولا أياديك خابت يدي ... ولم يور من زند فكري اقتداح برقة معناه يسري كلامي ... إذا الخصر رق يجول الوشاح وجدت معاليك أصلاً لشعري ... وهل نظم الدر لولا النصاح لك الفضل أن طاب شكري ونشري ... بطيب الرياض تفوح الرياح وله فيه أيضاً من قصيدة: ليس العلا إلا على كرمٍ ... أيقوم خط ما له سطح من لخم أصلك يا مملك أم ... في الخط نبتك أيها الرمح كأس المسرة قد سكرت بها ... والحد يلزمني متى أصحو شد في الوغى لك منزلاً خشناً ... لا يهلك الديباج والصرح ودع الرياض لمن يلذ بها ... ما إن لغير مكارم نفح أذكى من الآس النضير قناً ... وأنم من ورد الربى جرح إن النصاح من الورى خلق ... حتى الكواكب بينها النطح قال أبو الحسن: وهذه المقطوعة له من التحريض الحسن، لولا اعتراض المقادير أن تمر بأذن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 وقال فيه من أخرى: غنى الحمام ولو رآني ناحا ... وأعارني نحو الحبيب جناحا ونعم كلانا فاقد محبوبه ... قلق، ولكني كتمت وباحا ومنها: ثم انثنى ليعلمني ريقاً ومن ... قدمات سكراً كيف يشرب راحا فعففت عن رشفي مدام رضابه ... وجنيت من وجناته التفاحا وثلاثةٍ خالطتها بثلاثةٍ ... ما ينتشق منه المتيم فاحا المسك والشعر الملخلخ والدجى ... والوجه والكافور والإصباحا [86ب] ليس الملاحة في الوجوه تروقني ... يوماً إذا الأخلاق كن قباحا سبحان من خص المؤيد بالعلا ... كملاً وعم بحبه الأرواحا ملأت بطاعته القلوب أناته ... أضعاف ما ملأت لهاه الراحا يا أهل قرطبة اغرفوا من بحره ... فطالما خضضتم الضحضاحا هل لي إلى الشعراء من ذنبٍ سوى ... سبقي إلى عليائك المداحا ومنابذ ناءٍ حذرت أناته ... ما غرني لما أتى وانزاحا لا تأمنن مكر العدو لبعده ... إن امرأ القيس اشتكى الطماحا قال ابن بسام: وخبر الطماح على ما ذكر الرواة: رجل من بني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 أسد كان امرؤ القيس قتل أخاه، فلما توجه إلى أرض الروم مع صاحبه عمرو بن قيثمة الذي يقول: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... ووصل إلى قيصر وأكرمه، ووجه معه جيشاً فيه أبناء الملوك، فلما فصل أتى الطماح فوشى بع إلى قيصر، وقال: إنه أعرابي عاهر يشبب بابنتك في شعره، ويشهرها عند العرب، فبعث إليه قيصر بحلة منسوجة بالذهب مسمومة، وقال: إني أرسلت إليك بحلتي تكرمةً، فالبسها باليمن والبركة، فسر بذلك ولبسها، فأسرع إليه السم، وسقط جلده، ولذلك سمي ذا القروح، وقال في ذلك: لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا ولو أنها نفسي تموت جميعةً ... ولكنها نفس تساقط أنفسا وقد كرر معنى هذا البيت وأوجزه بقوله: وإن كنت قد أزمعت قتلي فأجملي ... أي اقتليني جملة ولا تنوعيه. وإلى هذا المعنى ينظر من طرف مريب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 قول عبدة بن الطيب: فما كان قيس هلكه هلكٍ واحدٍ ... ولكنه بنيان قومٍ تهدما هذا على تفسير من جعل هلكه هلك جميع من اتبعه وعاش في رفده، كما قال الآخر: ولكن الرزية فقد قرمٍ ... يموت لموته خلق كثير وأبين منه وأولى بقول امرئ القيس قول المجنون: وعروة مات موتاً مستريحاً ... وها أنا ميت في كل يوم لا بل أشبههم عندي بقول امرئ القيس ذي القروح، قول قيس ابن الذريح: تساقط نفسي حين ألقاك أنفساً ... يردن فما يصدرن إلا صوايا وتمام الحديث عن امرئ القيس أنه رأى هنالك حين احتضر قبر امرأة من بنات الملوك، في سفح جبلٍ يقال له عسيب، وأخبر بقصتها فقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 أجارتنا إنا غريبان ها هنا ... وكل غريبٍ للغريب نسيب ومات فدفن إلى جنب تلك المرأة. وروي أن امرأ القيس دفن بأنقرة الروم، وأنهم اتخذوا صورته كما يفعلون بمن يعظمونه. وحدث المأمون أنه مر بأنقرة ورأى صورة أمرئ القيس قال: فإذا رجل مكلثم الوجه، يريد مستديره؛ وقيل المدفون بعسيب صخر أخو الخنساء، وهو القائل: وإني مقيم ما أقام عسيب ... رجع: وقال حسان بن المصيصي: روض الشباب تناوبت أزهاره ... وليّ بنفسه وجاء بهاره [87أ] ود المها لو أن أسود لحظه ... أضحى خضاباً حين شاب عذاره قد كان يعجبهن خفة حلمه ... فالآن ساء الغانيات وقاره ترك الذي اشتمل الكثيب إزارها ... منه الذي اشتمل العفاف إزاره ومنها: إني على هذا لأسمع بالصبا ... فيسرني ممن صبا أخباره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 ومنها في المدح: هو أعرف الكرماء، إن سميتهم ... جهلوا، ودل على اسمه إضماره لا تعذلنه على إهالته اللهى ... في كيمياء المجد بان نضاره لا تغترر بالبشر من سطواته ... فالسيف فيه فرنده وغراره يأبى لمولاي الهوان وظلمه ... كأبي عرارٍ إذ أهين عراره لا يستطيع النكس ينطق باسمه ... وانظر كما حمل اسمه ديناره قل للمؤيد إذ تقليه ابنه ... إن الدجى متشابه أقماره يحكيك في شأو العلاء وإنما ... تجري إلى أمد الجواد مهاره إن تمضه رمحاً فأنت وشيجه ... أو توره قبساً فأنت عفاره وقال يداعب ابن جمهور: شكوت إليه بفرط الدنف ... فأنكر من علتي ما عرف وقال الشهود على المدعي ... وأما أنا فعلي الحلف الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 فجئنا ابن جمهورٍ المرتضى ... فقيه الملاح وقاضي الكلف وكان بصيراً بحكم الملاح ... ويعلم من أين أكل الكتف فأومى إلى الخد أن يجتنى ... وأومى إلى الريق أن يرتشف وقال له جاهداً في انتصافي ... دعوا يا مخنيث هذا الصلف كذا تقتلون مشاهيرنا ... إذا مات هذا فأين الخلف -! وأرى حساناً أراد أن يسلك من هذه السبيل، مسلك ابن معمرٍ جميل، في قصيدته حيث يقول: وقلت لها: اعتديت بغير جرمٍ ... وغب الظلم مرتعه وبيل فجاء بين الشعرين ما بين الشاعرين، وبين القطعتين ما بين الزمانين؛ على أن محاسن حسانٍ كثيرة، وحسناته مشهورة، وإنما ألمعت منها بقليل، لزهدي في التطويل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 ومنهم الوزير الفقيه أبو بكر بن الملح قال ابن بسام: وأبو بكر، فرد من أفراد العصر، وهو من بيت أصالة، وبحبوحة جلالة، وفارس ميداني الزهد والبطالة، وشاعر ناد، وخطيب أعواد، غبر صدراً من زمانه لا يحفل بعاذل، ولا يصغي في الفتوة إلى قول قائل، وكان في ذلك أحسن من التوريد في الخد، وبمكان الحلمة من النهد، والدين في أثناء [87ب] تلك الوهلة، وبين خصاصات تلك الغفلة، يستطيل غيبته، وينتظر أوربته، فلما أقصر باطله، وأسمعه عذاله وعواذله، تلقاه باليمين، واشتراه بالثمن الثمين، فأصبح سجير عنزة ومنبر، وأمسى سمير مصحف ودفتر؛ وفي ذلك يقول من أبيات: وكنت فتى الكاس عهد الشباب ... فصيرني الشيب شيخ الدعاء ومد لأبي بكر هذا العمر وعاش إلى وقت تحريري هذا المجموع سنة خمسمائة، وتوفي رحمه الله في شهر رمضان منها؛ وقد أثبت من شعره ما يملأ الأسماع بياناً، ويبهر الطباع حسناً وإحساناً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 ما أخرجته من شعره في النسيب وما يناسبه قال: حسب القوم أنني عنك سالي ... أنت تدري سريرتي ما أبالي قمري أنت كل حين وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي أنت كالشمس لم تغير ولكن ... حجبت ليلها حذار الملال ما مللنا فكان ذا غير أنا ... قد حسبناه من صروف الليالي وقال: ظبي يموج الهوى بناظره ... حتى إذا ما رنا به انبعثا مبتدع البخل لا كفاء له ... يعد شكوى صبابتي رفثا أنكر سقمي وما قصدت له ... وما تعرضت للهوى عبثا أقسم في الحب أن أموت به ... فما قضى بره ولا حثا وقال: حبيب إلينا أن نراك على طيب ... حراماً بشرب الراح من كل تأنيب تكسبك الصهباء فضل خلائقٍ ... وعندك فضل آخر غير مكسوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 ومن قصائد ابن الملح المطولات في المدح قال من قصيدة في المعتمد أولها: سكن اشتياقك ما عدا عما بدا ... أرويت أم حمت الخطوب الوردا لم يطف وجدك إنما هي شعلة ... كالسيف جرده المقام وأغمدا والعضب يستره القراب وربما ... خشنت مضاربه الرقاق من الصدا والروض يبعث بالنسيم كأنما ... أهداه يضرب لاصطحابك موعدا سكران من ماء النعيم وكلما ... غناه طائره وأطرب رددا يأوي إلى زهرٍ كأن عيونه ... رقباء تقعد للأحبة مرصدا زهر يفوح به اخضرار نباته ... كالزهر أسرجها الظلام وأوقدا ويبيت في فنن توهم ظله ... بالصبح في عين القرارة مرودا قد خف موقعه لديه وربما ... سمح النسيم بعطفه فتأودا أعلى محل الشعر أن قصائدي ... جعلت مديحك بالمعاني مقصدا [88أ] خطبته تركب بطن كفي منبرا ... ودعتك تعمر ظهر كفك مسجدا أثقلت أعناق المآرب لؤلؤاً ... وملأت آماق البصائر إثمدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 كم قد ركبت إليك كاهل همةٍ ... كادت تغالط في أخيه الفرقدا أبغي لديك العيش أخضر يانعاً ... فأجوب جنح الليل أسفع أسودا يقظان تحسبني الكواكب ناظراً ... فيها يراقب للغزالة مولدا وإذا تكنفني النهار لبسته ... وهجاً لفوحاً أو سراباً مزبدا رطب الجوانح في اليباب كأنما اس ... تهديت في الماء الخفي الهدهدا قال ابن بسام: لو قطع المفازة التي اهتدى فيها أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ببيت الضليل حيث يقول: تيممت العين التي عند ضارجٍ ... يفيء عليها الظل عرمضها طامي ما زاد على ما وصف، فكيف في رقعة من الأرض مساحتها يومان، لراكب أتان، أكثر بلاد الله ماءً، وأرطبها هواء، إلا أنه والله قال فأجاد، وخيل فسحر وزاد. ولبس هذا البيت في شعر امرئ القيس في أكثر الروايات. وفي العرب عشرة رجال يسمون كلهم بامرئ القيس. وروى ابن الكلبي قال: جاء قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فضلوا في طريقهم ووقفوا على غير ماء، فمكثوا ثلاثاً لا يقدرون على الماء، فجعل رجل منهم يستذري فروع السمر والطلح، فبينما هم كذلك إذ أقبل رجل راكب على بعير، فأنشد بعض القوم بيت امرئ القيس المتقدم الذكر، فقال الراكب: ما كذب، هذا والله ضارج عندكم، وأشار إليه، فأتوه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 فإذا ماء غدق غطاه العرمض، والظل يفيء عليه، فشربوا منه وارتووا، فلما بلغوا النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخبروه القصة، قال لهم: ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، خامل في الأخرى منسي فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار. وقال ابن الملح من أخرى في المعتضد بالله: نشرت للحمد طيباً عن شذا نفسٍ ... بعثته عن ضمير غير متهم فنورت بالقوافي روضة أنف ... في تربة العقل تسقى وابل النعم لي الثواب فلم أرجع لمشكلةٍ ... عن اليقين ولم أعكف على صنم لي همة ما يزال الدهر يطلبها ... وما تزال من التأميل في حرم وما تحملتها في ظهر فاحشةٍ ... ولا وقفت بها في برزخ التهم ما لي وللناس عمت لي منابتهم ... تباين اللمس ولم تضغط بمزدحم تمزقت بردة الإنصاف بينهم ... في منكبي ولم تضغط بمزدحم ليقصر الدهر خصمي لست مكترثاً ... من الخصوم وفي بيت الندى حكمى وله فيه من أخرى: قد صرت في أخرى المقاصد فانصرف ... وشرعت في شتى الموارد فاصدر [88ب] واختر لهذا الدر أجياد العلا ... يزدن فحسن الجيد زين الجوهر واشهد صروف الدهر تظفر عندها ... بالظافر ابن أبي الكرام وتنصر فصغير مرأى العين عن بعد المدى ... كالنجم أصغره تنائي المنظر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 وهذا كقول المعري: والنجم تستصغر الأبصار صورته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر وقال منها: حاز السناء وما أسن وإنما ... نمت الفروع بطيب ماء العنصر من معشر يمسي ويصبح طفلهم ... من حب [ ... ] العلا في معشر ألفوا مضاجعة الظبا بمهودهم ... وولوا مطاولة الوشيج الأسمر فلتحفظ الأيام منهم عصبةً ... سكنت بأرجاء الوغى والمنبر ثبتوا على الأصل القديم فأثبتوا ... نسب الكواكب في قبائل حمير وبنوا على السعي الجميل فبينوا ... أن المكارم في تراث المئزر ولتحفظ الأيام سالف أمةٍ ... ملأت مفاخرهم فروج الأعصر بقي الثناء عليهم فكأنما ... ركبوا المنابر في بطون المقبر ومنها: أهدى إليك الود عبد يدعي ... شرفاً بصهر في بنات المحبر طابت موارده لديك كأنما ... وقفت ركائبه بريف الكوثر وسما يبلغه إليك كأنما ... قطع المراحل في بروج المشتري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 نقل الوداد على قطار قصائدٍ ... رتعت زماناً في جناب الدفتر يحملن طيب الحمد فيك كأنما ... ينشرن بالفلوات طيب العنبر وله فيه من أخرى: ضمانك ملء الأرض كالأخذ باليد ... لذلك هول الأمر بالغد في الغد لذلك يبدو الموت ناراً ولجةً ... على صفحتي صمصامك الواقد الندي لذلك مادت بالرماح صعادها ... وليست لوهي في الكعوب بميد يهز بها أعطافه كل باسلٍ ... رحيب ذراع أو طويل مقلد على شزبٍ لو سايرتها خطوبها ... عرضن عليها من وجوه التجلد يصلن السرى والماء غور كأنما ... حملن عصا موصى على كل جلمد ومنها: له جدول من صارم متسلل ... إلى غصن من ذابل متأود هناك ربيع للسيوف مرجس ... قريب أوان من ربيع مورد وهذا كقول أبي العلاء: روض المنايا على أن الدماء بها ... وإن تخالفن أبدال من الزهر وقال ابن شهيد من شعر قد تقدم: [89أ] : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 فذا جدول في الغمد تسقى به المنى ... وذا غصن في الكف يجنى فيثمر وقال المتنبي: أأخلع المجد عن كتفي وأطلبه ... وأترك الغيث في غمدي وأنتجع وقال ابن الملح من أخرى: أوطأن في ظبة الحسام توسدي ... ومزجن كأسي في لهاة الأرقم وإليك من نار الحياء بوجنتي ... وهجاً تحف به عيون المرزم ولكم لقيت الهم يملأ أرضه ... بأحم طامي اللجتين عرمرم وتركت ذاك الجيش نهباً للظبا ... متخاذل الأنصار مطلول الدم حتى إذا رمت الليالي جانبي ... من كل ناحية بكل الأسهم خطمت بحبل الشيب أنف شبيبة ... قد كان قبل صروفها لم يخطم لو كنت أقدر قادرٍ لم أجزها ... إني لأزهد في عقاب المجرم إني لأقبض في مراجعها يدي ... ولو احتديت بها فروع الأنجم وأرد عزمي والحقيقة مطلبي ... وأبيح حظي والكريمة مغنمي أنا ضاحك للدهر ضحكة شامتٍ ... إن كان يعبس للندى المتبسم قصد الزمان الآملين بحربه ... وأتيت في الغمرات أول مقدم وعلمت أني إن أصل بمحمد ... أنفذ على ضيق المكر وأسلم الله أكبر لو قضى لخليفةٍ ... بمزية العلم الذي لم يعلم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 لرووا حديث النفس غير مرجمٍ ... وتيقنوا التنزيل غير مترجم يا أيها البشر المنزه جملةً ... للمجد قبل إشارة المتكلم خذ بالندى والبأس أعدل وجهةٍ ... وافرض ليومك بالمآثر واقسم واحطم عداك مكايداً ومكابداً ... واثأر بسيفك للقنا المتحطم واقنع بعذر من قناك فإنه ... نبأ لرمح ربيعة بن مكدم بيديك صعدته، وكل قبيلة ... جثم وكل الأرض وادي الأخرم وله من أخرى في المعتضد بالله: سروا تحت ليلٍ في الظلام بهيم ... مكلل آفاق كليل نجوم تواصوا بأعمال الشقاوة بينهم ... وعاذروا بشيطان هناك رجيم مقامة شربٍ ما قضوا حق مجلسٍ ... ولا فرحوا في سكرهم بنديم ولا وجدوا برد السرور كأنما ... أديرت على الأقوام كأس حميم مذاهب سوء غيرت من معاشرٍ ... نفوساً فلم تسلم لها بجسوم تحاموا بلاداً مزقتهم كأنما ... مضت في رباها عاصف بهشيم [89ب] سروا تحت أطراف الرماح كأنها ... شياطين ضلت تحت رصد نجوم ومالوا على حد السيوف كأنما ... تميل إلى آذانهم بنميم كأن المنايا دانت نفوسهم ... فحلت على عسر حلول غريم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 ومنها: ألا فخاطبوا للعقول فإنها ... وإن رخصت يوماً بنات كريم ولا تبخسوها في المهور فإنها ... إباء سنيٍ في الملوك عظيم وقال من أخرى أيضاً: كم قصر أنس لهونا في مطالعه ... قد عاد والعهد دانٍ موحش الطلل فمن مغن بألحان المنى غرد ... وشارب بين طاسات الهوى ثمل وغافل بالصبا عن قطع مدته ... قد راش أجنحة الأيام بالجذل حتى إذا جئت آمالي تحرف لي ... خطب دفعت به في غرة الأمل إذا الهوى فاض طوفاناً ركبت له ... فلك العزاء ولم آوي إلى جبل لولا الحياء وقد شبت معاركه ... لقد كشفت لثام الصبر عن بطل ومنها: ضاق الزمان بما حطت من قضب ... في رعيهن وما قصدت من أسل لا تغمد البيض إلا في ضرائبها ... حتى لقد عادت الأغماد للقلل رواق ملكك بالأسياف ذو طنب ... وبرد مجدك بالأرماح ذو خمل وباب حربك مفتوح لقارعه ... عن قسور أهرت الشدقين ذي عصل كأنه بكم والله يكلؤكم ... يقضي على الدهر أو يختار للدول لو كانت الشمس من خدام دولتكم ... والعدل ما العدل لم تبرح من الحمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 قال ابن بسام: ولم أسمع بمثل هذا البيت لمن سبق، فإن كان اتباعاً فما أحسن ما أرق، وإن يكن اختراعاً فما أولى وأخلق. وفي هذه القصيدة يقول: كم حطتم من ضياع في الأنام وكم ... وصلتم من شتيت غير متصل بسنة كسنان الرمح ماضيةٍ ... ومذهب كقناة الرمح معتدل مدحتكم حيث لا فخر أزيدكم ... فقد كحلت عيوناً جمة الكحل كما أن هذا البيت أشار فيه أبو بكر إلى التقصير، فلعله أراد أن يجعله في شعره تميمة من الفتور، وأحسن مما انتحاه، قول بعضهم في معناه: لم أفدك المديح إلا لنفسي ... ليس للسيف إربة في الصقال وقال ابن الملح: لا حد للوجد إلا أنت عارفه ... كأن قلبك للأشواق ميزان ولا صبابة إلا أنت واسعها ... كأن صدرك للأشجان ميدان [90أ] ومنها: سرنا نراقب إعلان الصباح بنا ... كأننا في ضمير الليل كتمان وهذا كقول الصاحب بن عباد: كأني سر والظلام ضمير ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 وقال أبو الطيب: سريت وكنت السر والليل كاتمه ... وقال أبو الوليد بن زيدون: سران في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا وفيها يقول ابن الملح في المدح: هو المقر العلا والخيل سارحة ... واللابس الحمد والصمصام عريان والمبصر الرشد في أقصى مطالبه ... والناس من فتنة الأهواء عميان تاهت بمجدك قحطان وعدنان ... وقد تخاضع يونان وساسان وسار ذكرك والأفواه تنقله ... حتى تطارح فيه الإنس والجان وشك في العصر أقوام فقلت لهم ... فلان في ثقليها لا سليمان ذكيت جودك حربا والعدا جزر ... وسيفك النار والأطيار ضيفان همى عليها من الموت الزعاف حيا ... مجلجل بصليل البيض حنان وماج فيه وريح البأس تنسجه ... جيش هو اليم والأسياف خلجان وللدماء غدير فوق ضفته ... للجيش دوح وسمر الخط أغصان وله من أخرى يصف حلبة الخيل: خوافق قد ريشت بأجنحة الهدى ... فطارت ببحر الروم كل مطار فهن بشد الجري عقبان شاهق ... وهن بألحان الصهيل قماري الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 بكل مباه بالسلاح كأنما ... يجر من الخطي فضل إزار مهين لدنياه يظن حياته ... إذا لم يمت في الله دار بوار تسنم جدران المكاره فانتهى ... مآثر لم تحجب له بجدار سقى من قليب الحرب أشجار مفخر ... تدلت له من ساعة بثمار ومنها: فمن سابح ورد تجلبب خلقة ... بنسج دم قبل النتاج ممار وأبلق كالريم المدمى مفضض ... تخال بشقيه مسال نضار وأشهب تجلوه المعاني كأنما ... تزين منه زندها بسوار وأشقر نوري يهب كأنه ... وقد قدحته الحرب مقبس نار وأدهم كالليل البهيم تعلقت ... به تحت كم الفجر كف نهار إذا ما علاه راكب فكأنه ... بغرته تحت المطالب سار بلبته خيط المجرة فصلت ... له موهنا أوساطه بدراري سفينة بر سخرت غير أنها ... تجوب من الإلهاب لج غبار [90 ب] تطأطأ من عون الطباع بحاذف ... وتهنأ من لون الأديم بقار له خلق لولا توارد غيره ... على عتقه لم ينحرف لنفار ومن الحسن في تشبيه الخيل بالبحر، قول بعض أهل العصر، وهو الأديب أبو بكر ابن العطار اليابسي، من شعر أنشدنيه لنفسه ببطليوس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 سنة ست وثمانين: والجيش قد جعلت أبطاله مرحا ... تختال عن خيلاء السبق العتق إذا تسعرت الهيجاء أخمدها ... ما في معاطفها من ندوة العرق هي البحور ولكن في كواثبها ... عند الكريهة منجاة من الغرق والشيء يذكر بالشيء إذا ناسبه أو قاربه؛ كان للمتوكل فرس أخضر أغر محجل، وعلى كفله ست نقط بيض، فتناغت لمة من الشعراء يومئذ ببطليوس في صفته، فكل جهد جهده، وبذلك ما عنده، فما سبق إلى الغاية، ولا أخذ الراية إلا النحلي، على أنه مزجى البضاعة، في هذه الصناعة، فقال: حمل البدر جواد سابح ... تقف الريح لأدنى مهله لبس الليل قميصا سابغا ... فالثريا نقط في كفله وكأن الصبح قد خاض به ... فبدا تحجيله من بلله كل مطلوب وإن طالت به ... رجله، من أجله في أجله بيته الثاني أراه أخذ من قول ابن صاحب الاسفيريا معناه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 لبس الظلام أديمه فبدا لنا ... من بين عينيه سنا جوزائه والثالث نبه عليه ابن نباتة ببيته: وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه وما أراه نقل إلا لفظ ابن شهيد ومعناه، من جملة قصيد له قد أنشدناه، وهو قوله: وكأنما خاض الصباح فجاء مبيض القوائم ... وقال فيه أبو بكر الداني: لله طرف جال بابن محمد ... فحوت به حوباؤه التأميلا لما رأى أن الظلام أديمه ... أهدى لأربعة الهدى تحجيلا وكأنما في الردف منه مباسم ... تبغي هناك لوجهه تقبيلا ولأبي عبد الله بن عبد البر الشنتريني فيه جملة أبيات: فعلى المحيا كوكب متلألئ ... وعلى القطاة بنات نعش تسطح وكأنما عمر على صهواته ... قمر تسير به الرياح الأربع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 ولم يحضرني من شعر أهل العصر في وصف هذا الطرف إلا ما أثبت، وكانت لهم عندي في صفته عدة مقطوعات وجملة أبيات، سقطت من ذكري، وطارت من شرك صدري، وتعلق بحفظي أشعار لمن تقدمهم من أهل هذا الأفق، ممن تقدم زمانه، وشهر إحسانه بالقول، في صفة الخيل، رأيت إثباتها، إذ لها موقع بهذا الموضع. قال يوسف بن هارون الرمادي: [91 أ] . وأبلق من شرط الطراد لزينة ... وأخوان ميدان ويوم قتال فخضرته ثلث وثلثاه شهبة ... فأخضر قدام وأشهب تال له لهب من دهمة فيه شبهة ... كعام صدود فيه يوم وصال تدرع بدر التم حسنا وبهجة ... فألزم في حيزومه بهلال وقال أبو عامر بن عبدوس في صفة أشهب، حاشا عرفه كان أحمر: يا حسن هذا الجواد حين بدا ... في شية لم تكن لذي بلق قام عليه النهار مدعيا ... فاعترفت عرفه يد الشفق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 وقال أبو بكر بن حجاج: وأشهب صافي بياض الأديم ... له شية زانها عرفه كبدر سماء بدا زاهرا ... وقد مس في شفق طرفه وقال ابن فتوح: طرف يفوت الطرف شأوا عدوه ... ويضيق وسع الأرض عند مجاله بيدي سواد الليل في إدباره ... ويريك وجه الصبح في إقباله متبخرا تيها كأن لجامه ... إكليل كسرى لاح فوق قذاله عقد الجياد بشأوه وجرى على ... عرق نماه علا إلى عقاله ذرعت متن الأرض منه بذراع ... كادت تكون الأرض من أمياله تعيا الرياح وراءه في لأيه ... ويكل شأو الدهر دون كلاله وقال الرمادي: ومعارض للريح في حركاته ... لولا اللجام لجال كل مجال ذو منظر حسن تضمن مخبرا ... حسنا وكان لزينة وقتال حسنت به الحركات والمعشوق لا ... يصبي لغير براعة ودلال حطمت حوافره السلام صلابة ... فكأنه من أوجه البخال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وهذا كقول حبيب: أيقنت إن لم تثبت أن حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان وأخذه البحتري فقال: ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يوما خلائق حموديه الأحوال وقال القسطلي: سامي التليل كأن عقد عذاره ... في رأس غصن البانة المياد يهدي بمثل الفرقدين وناب عن ... رعي السماك بقلبه الوقاد فكأنما أطأ الأباطح والربى ... بعقاب شاهقة وحية وادي [91 ب] وكأنه من تحت سوطي خارجا ... في الروع شعلة قادح بزناد وقال يحيى بن هذيل: في خضرة مفترة في غرة ... كالصبح كشف عنه ليل أليل يمشي العرضنة فهو يحكي بالطلى ... كيف الصدود عن الحبيب فيقبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وقال أبو تمام بن رباح من أهل عصرنا: وأقب تنقد البروق إذا جرى ... من غيظها حسدا بأن لم تلحق ملك الرياح قوائما فجرى بها ... فيكاد يأخذ مغربا في مشرق وقال فيه: وتحتي ريح تسبق الريح إن جرت ... وما خلت أن الريح ذات قوائم لها في المدى سبق إلى كل غاية ... كأن لها فيه نفوذ عزائم وهمة نفس نزهتها عن الوجى ... فيا عجبا حتى العلا في البهائم رجع: بقية ملح ابن الملح: له من قصيدة عتاب قال فيها: لقد ظلمتني أمة ما خمشتها ... بلحظ وقد عمت حشاي ندوبا توهمتهم سلما فسولمت ظاهرا ... وشبوا على ظهر المغيب حروبا وثقت بهم في النائبات فأخلوا ... وكانوا إلى جنب الخطوب خطوبا فكم صاحب منهم يبيت بقلبه ... بعيدا ويغدو باللسان قريبا إذا لاح خير ذادني عن حياضه ... كما ذادت الزجر العرامس نيبا وإن عن شر قادني نحو ضنكة ... جنيبا وأنى لي أقاد جنيبا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 وآخر قد فاجأته الود أولاً ... بديهة ساعٍ ماجدٍ وأديبا سريت له من حسن ظني بطالعٍ ... أمنت له حتى الممات غروباً وكنت أذا بل الوداد بلفظةٍ ... أدرت عليه بالمحبة كوبا جفاني ولكني أهب بعشرتي ... شمالاً إذا هب الصديق جنوباً وآخر لم أسأل به من ولا ابن من ... فلست لما يرتاب منه طلوبا نشرت له برد الإخاء كأنما ... خضبت بها في العارضين مشيبا وكنت إذا رثت من الود بردة ... عليه صرفت الاهتبال قشيبا سقى كأس حقدٍ فوق لحق نميمةٍ ... تشق قلوباً لا تشق جيوبا فماذا يرى العبدان في ذنب أمة ... رأت حسناتي في الوفاء ذنوبا ومن ينكر الشكوى إلى الله منهم ... وقد ملأوا الصدر الرحيب وجيبا سأغفر لا عجزاً ولكن سجية ... نمتني نجيبا أو ورثت نجيبا ومن شعره في الأوصاف قال يصف سوار فضة مذهباً، وأخبر عنه: أنا من الفضة البيضاء خالصةً ... لكن دهتني خطوب غيرت جسدي [92أ] علمت عضي بما أحوي فأحسدني ... جري الوشاح فهذي صفرة الحسد وقال في شمامة فضة منيلة: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 أنا المدارة بين الكأس والطبق ... والمستعارة للآناف والحدق أكون للورد والخيري آونةً ... وتارةً لغصون الآس والحبق لولا صيانة جسمي عن مجاذبة ... لثارت الحرب بين النور والورق خفت الزمان على تغيير عهدتها ... ففي إهابي آثار من الحرق كأنني نقطة في الصحو صافية ... قد غيرت بعض لوني خضرة الورق وكان في بعض قصور المعتمد باشبيلية في من جملة التصاوير صورة من خالص اللجين على صورة الفيل، وهو الذي يقول فيه عبد الجليل: ويفرغ فيه مثل النصل بدع ... من الأفيال لا يشكو ملالا رعى رطب اللجين فجاء صلداً ... وقاحاً قلما يخشى هزالا فجلس المعتمد يوماً على البحيرة والماء يسيل، من فم ذلك الفيل، وقد أوقدت شمعتان من جانبيه، ومعه ابن الملح، فقال في ذلك عدة مقطوعات منها قوله: كأنما النار عند الشمعتين سنا ... والماء من نفذ الأنبوب ينسكب غمامة تحت جنح الليل هامعة ... في جانبيها جناح البرق يضطرب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 وقال في ذلك: ومشعلين من الأضواء قد قرنا ... بالماء والماء بالدولاب منزوف لاحا لعيني كالنجمين بينهما ... خط المجرة ممدود ومعطوف وقال فيه: وأنبوب ماءٍ بين نارين ضمنا ... هوىً لكؤوس الراح تحت الغياهب كأن اندفاع الماء بالماء حية ... يحركها بالليل لمع الحباحب وقال فيه: كأن سراجي شربهم في التظاهما ... وأنبوب ماء الحوض في سيلانه كريم تولى كبره من كليهما ... لئيمان في إنفاقه يعذلانه إذا هزه للجود برد سماحة ... أصرا على تثريبه يحرقانه في ذكر الأديب أبي محمد عبد الجليل بن هبون المرسي شمس الزمان وبدره، وسر الإحسان وجهره، ومستودع البيان ومستقره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 آخر من أفرغ في وقتنا فنون المقال، في قوالب السحر الحلال، وقيد شوارد الألباب، بأرق من ملح العتاب، وأرق من غفلات الشباب؛ وكورة تدمير أفقه الذي منه طلع، وعارضه الذي فيه لمع، وإنما ذكرته في هذا القسم الغربي مع أهل إشبيلية لأنها بيت شرفه المشهور، ومسقط عيشه المشكور، طرأ عليها منتحلاً للطلب، وقد شدا طرفاً من الأدب، وكان الأستاذ أبو الحجاج الأعلم يومئذ زعيم البلد، وأستاذ ولد المعتمد فعول عليه من رحلته، وانقطع إليه بتفصيله وجملته، وكانت له في أثناء ذلك همة تترامى به إلى العلا، ترامي السيل من أعالي الربى، وكان بين الأستاذين أبي الحجاج وأبي مروان بن سراج ما يكون بين فحلين في هجمة، وزعمين [92ب] من أمة، فاتفق أن كتب ابن سراجٍ إلى المعتمد بشعرٍ بائي من شطر الوافر يمدحه فيه، وكأنه - زعموا - عرض بقرنه ومباريه، وأعلم بذلك الأعلم، فصمت عن جوابه وأحجم، وولاها عبد الجليل فأطلعه في أفقها قمراً، ونبه منه لحربها عمراً، فقال قصيدته البائية التي أولها: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 هوى بين النجوم له قباب ... ومع أنها ليست لاحقةً بعيون شعره، لما سعها ابن عمارٍ خادم الدولة يومئذ طار بذكره، وأجناه ثمارها، وباهى به أقمارها، وخلع عليه أصائلها وأسحارها، ووافق من المعتمد ناقداً بصيراً، وعاشقاً قديراً، فأغلى بتلك الأعلاق، وأقام له الدنيا على ساق، وقصر عبد الجليل على هواه، فلم يرحل إلى ملك سواه. وكانت له كل عامٍ رحلة، يتعهد فيها بلده وأهله، فحدثني غير واحد أنه اجتاز بالمرية، في بعض رحله الشرقية، وملكها يومئذ قبلة الأمال، وقطب رحى الآمال، ومرمى جمار المدائح، أبو ابن صمادح، فاهتز لعبد الجليل واستدعاه، وعرض له بجملة وافرة من عرض دنياه، فلم يعرج على صفده، وبادر العيد - وكان قريباً - بالارتحال عن بلده، وقال في ارتجال: دنا العيد لو تدنو لنا كعبة المنى ... وركن المعالي من ذؤابة يعرب فيا أسفا للشعر ترمى جماره ... ويا بعد ما بيني وبين المحصب ولما ابتدأت الفتنة بالمعتمد، بادر الخروج عن البلد، فلم يغن عنه نفاره وأدركه مقداره، على قربٍ من مرسية، لقي قطعةً من خيل النصارى فتورط فيهم، وقضى الله له بالشهادة على أيديهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 وذكرت بمقتل عبد الجليل - رحمه الله - ومفره أعجوبةً من الزمان وحديثاً ظريفاً من الحدثان: كان بحضرة إشبيلية أيام ماجت بها على المعتمد الفتنة، ودارت عليه رحى المحنة، أبو القاسم ابن مرزقان، من شعراء الدولة، ونبهاء أهل الحضرة، ممن مت إليها بقديم جوار، لا ببارع أشعار، وأدل عليها باسم مرزقانه، لا بفضل بيانه، وكان في بني عباد عجب بكثرة عددهم، وعصبية لأهل بلدهم، وكان أبو القاسم هذا حلو الحوار، نادر الأخبار، وكان به على ذلك توهم يخرجه إلى حين الفرار السلمي، وغفلة تشهد عليه بلوثة أبي حية النمري، وكان هو وعبد الجليل من بين سائر أهل القريض، في طرفي نقيض، هذا يتعصب لسلطانه بهواه، وعبد الجليل يقفو الصواب يزعمه ويتحراه، فكانا ربما اجتمعا فيكون بينهما بون بعيد، وشقاق شديد: فأما عبد الجليل فقد ذكرت الخبر عما فعل، وشرحت كيف قتل، وأما أبو القاسم هذا فإنه غرة القتال فأقدم عليه، وهيت له القتل فبرز إليه، على حال لو تخيل بها المجد لجحده، وفي يوم لو رآه دون الماء لما ورده، فأدركه سوعان الرجالة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 فهبروه بالسيوف، وجرعوه أكره ما كان له من الحتوف، فصار حديثهما عجباً من الخبر عجيباً، ومثلاً في تصرف القدر مضروباً، وكلاهما أنهب نفسه الأقتال، وذاق منيته على يدي من خال. ولابن مرزقان هذا أخبار طريفة، ونوادر في الشعر معروفة، ونأخذ فيما بعد بطرف مستطرف منها، إن شاء الله. وقد أثبت هنا من شعر عبد الجليل في مدحه الفائقة، وأوصافه الرائقة، ما يشهد أنه سابق الحلبة، وصدر الرتبة، وضاق ذرع هذا المجموع، عن تضمين ما له من البديع، فجمعت شعره على حروف المعجم في تصنيف ترجمته ب - " كتاب الإكليل المشتمل على شعر عبد الجليل " وكذلك فعلت في سائر أعيان الوزراء الكتاب، لم يتسع لاستيفاء محاسنهم هذا الكتاب، فجمعت في تأليف ترجمته ب - " سلك الجواهر [93 أ] من نوادر ترسيل ابن طاهر " وفي تصنيف رابع وسمته ب - " كتاب الاعتماد على ما صح من أشعار المعتمد بن عباد " وفي كتاب خامس ترجمته ب - " نخبة الاختيار من أشعار ذي الوزارتين أبي بكر بن عامر ". ولبعض الناس إلى كلام بعض صغو، وذلك الكلام عند آخرين - على جودته - لغو، وإنما كان ذلك لتباين النحائز، واختلاف الغرائز، فاستوفيت في هذه التواليف لكل فرقة مرادها، وخلصت لها موادها، إن شاء الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 ما أخرجته من شعر عبد الجليل في شتى الفنون من ذلك ما له في الرثاء والتأبين من ذلك قصيدته في الأستاذ أبي الحجاج يوسف بن عيسى المعروف بالأعلم، أولها: سبق الفناء فما يدوم بقاء ... تفنى النجوم وتسقط البيضاء يقول فيها: نفسي وحسي إن وصفتهما معا ... آل يذوب وصخرة خلقاء لو تعلم الأجبال كيف مآلها ... علمي لما امتسكت لها أرجاء إنا لنعلم ما يراد بنا فلم ... تعيا القلوب وتغلب الأهواء طيف المنايا في أساليب المنى ... وعلى طريق الصحة الأدواء بتعاقب الأضداد مما قد ترى ... جلبت عليك الحكمة الشنعاء ماذا على ابن الموت من إبصاره ... ولقائه هل عقت الأبناء أيغرني أن يستطيل بي المدى ... وأبي بحيث تواصت الغبراء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 لم ينكر الإنسان ما هو ثابت ... في طبعه لو صحت الآراء ونظبر موت المرء بعد حياته ... أن تستوي من جنه الأعضاء دنف يبكي للصحيح وإنما ... أمواتنا لو تشعر الأحياء وسواء أن تجلى اللحاظ من القذى ... أو تنتضى من شخصها الحوباء ما النفس إلا شعلة سقطت إلى ... حيث استقل بها الثرى والماء حتى إذا خلصت تعود كما بدت ... ومن الخلاص مشقة وعناء قال ابن بسام: لعل عبد الجليل اكتسب في هذا البيت والذي قبله العمل بحقيقة النفس ما جهله في وصفه لها قبل أنها " آل يذوب " وما أعجب أيضاً قوله عن جسمه بأنه صخرة خلقاء، اللهم إلا إن كان عنى بذلك رأسه كان يلقب بالمدمغة. وذهب هنا من صفة النفس إلى مذهب كلامي، كقول بعض أهل بلدنا، وهو أبو عامر ابن سوار الشنتريني، من جمة أبيات: يا لقومي دفنوني ومضوا ... وبنوا في الطين فوقي ما بنوا ليت شعري إذ رأوني ميتاً ... وبكوني أي جزأي بكوا أنعوا جسمي فقد صار إلى ... مركز التعفين أم نفسي نعوا كيف ينعون نفوساً لم تزل ... قائمات بحضيض وبجو ما أراهم ندبوا في سوى ... فرقة التأليف إن كانوا دروا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 وهذا معنى فلسفي، قلما عرج عليه عربي، وإنما فزع إليه المحدثون من الشعراء، حين [93ب] ضاق عنهم منهج الصواب، وعدموا رونق كلام الأعراب، فاسترحوا إلى هذا الهذيان استراح الجبان إلى تنقص أقرانه، واستجادة سيفه وسنانه؛ وقد قال بعض أهل النقد إنه عيب في الشعر والنثر أن يأتي الشاعر أو الكاتب بكلمة من كلام الأطباء، أو بألفاظ الفلاسفة القدماء؛ وإني لأعجب من أبي الطيب، على سعة نفسه، وذكاء قبسه، فإنه أطال قرع هذا الباب، والتمرس بهذه الأسباب، وذكاء المعري: كثر به انتزاعه، وطال إليه إيضاعه، حتى قال فيه أعداؤه وأشياعه، وحسبك من شر سماعه، وإلى الله مآله، وعليه سؤاله. وإنما سلك عبد الجليل في هذا المعنى سبيل القائل حيث يقول: يا سالكاً موئلاً يكلمنا ... عرج أخبرك خالص الفائد حسمك والنفس خلتا عرضٍ ... وكل خل لخله قائد والنفس تلقى الخلود إن خلصت ... والجسم لا باقياً ولا خالد وقال المتنبي: تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في الشجب فقيل تخلص نفس المرء سالمةً ... وقيل تشرك جسم المرء في العطب وقال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 إلف هذا الهواء أوقع في الأن ... فس أن الحمام مر المذاق والأسى قبل فرقة الروح عجز ... والأسى لا يكون بعد الفراق وقال: تمتع من سهاد أو رقادٍ ... ولا تأمل كرىً تحت الرجام فإن لثالث الحلين معنى ... سوى معنى انتباهك والمنام وقال: تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمان هن من كسبه فهذه الأرواح من جوه ... وهذه الأجسام من تربه يموت راعي الضأن في جهله ... ميتة جالينوس في طبه وربما زاد على عمره ... وزاد في الأمن على سربه وإنما نقل أبو الطيب هذا المعنى من قول أبي غسان المتطبب: حكم كأس المنون أن يتساوى ... في حماها الغبي والألمعي ويحل البليد تحت ثرى الأر ... ض كما حل تحتها اللوذعي أصبحا رمةً تزايل عنها ... فصلها الجوهري والعرضي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وتلاشى كيانها الحيواني ... وأدى تقويمها المنطقي وهذا كلام من الإلحاد، على غاية الإضمحلال والفساد، فليس تساوي الناس في الموت والفناء، حجةً في عدم البقاء، والمراتب في دار الجزاء. ومن شعر أبي العلاء، في هذه الأنحاء، التي ولع بها أيضاً وشغف، وصرف كلامه فيها فتصرف، قوله: والنفس أرضية في قول طائفةٍ ... وعند قوم ترقى في السموات وكونها في طريح الجسم أحوجها ... إلى ملابس عنتها وأقوات وقال: وأوصال جسم للتراب مآلها ... ولم يدر دارٍ أين تذهب روحها وقال: والروح تنأى ولا يدري بموضعها ... وفي التراب لعمري يرفت الجسد [وقال] : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 والعيش كالماء يغشاه حوائمنا ... فصادرون وقوم إثرهم وردوا [94أ] ومد وقتي مثل القصر غايته ... وفي الهلاك تساوى الدر والبرد وقال: أما الصحاب فقد مروا وما عادوا ... وبيننا في لقاء الموت ميعاد سيران ضدان من روح ومن جسد ... هذا هبوط وهذا فيه إصعاد وقال: وفكري سل حب المال مني ... ووجدي بالحياة أطال شعفي ستضربني الحوادث في نظري ... فتمحقني ولا يزداد ضعفي رجعت إلى ما قطعت من قصيدة عبد الجليل. وفيها يقول: كذبت حياة المرء عند وجودها ... وجد الحمام ومنه كان الداء لله أي غنيمة غنم الردى ... ومن الفجائع غارة شعواء من كان غرة جنسه حتى أمحت ... فإذا البرية كلها دهماء جبل تقوض لو تشخص عظمه ... لتواصت الغبراء والخضراء ومغيض ما قد غاض منه شاهد ... أن لا يدوم بحاله الدأماء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 أكبرت نعي جلاله فنفيته ... وهو الجلية ما عليه خفاء مات ابن عيسى من يقول به عسى ... شفقاً وليس مع الحمام رجاء ومنها: أفلا حمته فضائل موفورة ... وجلالة تعنو لها العظماء وأذمة في سر لخمٍ طالما ... خدمت رعاية حقها الأمراء شهروا سلاح الدمع خلف سريره ... إذ لم يكن للباترات غناء رحنا به بل بالسيادة والعلا ... والشمس نجم والنهار مساء نطأ القلوب على سواء سبيله ... فالسير مهل والعثار ولاء أخذ الأسى فيه البرود بثاره ... مما جناه الزهو والخيلاء حتى إذا بلغوا به ملحوده ... قمنا به لو أنه الجوزاء ضرب الهدى في لحده بيمينه ... فتناولته عرصة فيحاء وأظله التنزيل يتلو نفسه ... بتلاوةٍ لم يؤتها القراء مستصحباً أعماله متأنساً ... بزواهرٍ هي والنجوم سواء ولربما استخلصت منا أنفساً ... ملأت ضريحك والصدور جلاء وهناك لو كشف الغطاء لناظرٍ ... حول القليب حديقة غناء في الجب إذ يحوي سميك أسوة ... لو حم منك وقد حجبت لقاء يا تربة استبقى سناه، ويا فلا ... لا تلحقنك جريمة شنعاء الله في وفي جوانح رطبةٍ ... لم تخل من شفقاتها الأعداء أبنيه نحن وأنتم شرع به ... وعلى المصاب بفقده شركاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 هزوا قوادمكم إلى عليائه ... قد رشحت أبناءها الفتخاء [94ب] أما وقد شبهت ماثل رسمه ... سطرا فثم الحكمة الغراء واعجب لذاك الخطك في صفح الثرى ... أن حاز علماً ما له إحصاء أنى وسعت وأنت مضجع واحدٍ ... من هذه الآفاق منه ملاء يا زائريه تكلحوا بصعيده ... كحل البصائر تلكم البوغاء فغرت له فاها الجدالة فانطوى ... في طيها الإسهاب والإيماء قسم الأنام تراث علمك فاستوى ... في نيله البعداء والقرباء كنا عبيدك في اعتقاد نفوسنا ... إذ في اعتقادك أننا أبناء يا ملبس النعمى يجر ذيولها ... لبست ثراك غمامة وطفاء وبكت عليك الشمس حق بكائها ... أن كان قد تتفاقد النظراء خذها علالة خاطر دلهته ... من حيث ينشط جاءه الإعياء قامت تناوح فيك كل قصيدة ... ثقفتها وقناتها زوراء أنشدتها على توالي الانتخاب، حسبما صنعته في أكثر أشعار هذا الكتاب. قوله: " أيغرني أن يستطيل بي المدى " ... البيت، يلمح من بعض الوجوه، وإن لم يشبهه كل التشبيه، قول أبي العلاء: وقبيح بنا وإن قدم العه - ... د هوان الآباء والأجداد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 وأبو العلاء إنما ذهب إلى قول أبي الطيب: يدفن بعضنا بعضاً ويمشي ... أواخرنا على هام الأوالي وقوله: " وسواء آن تجلى اللحاظ " ... البيت، كقول التهامي: واستل من أترابه ولداته ... كالمقلة استلت من الأشفار إلا أن عبد الجليل قد نفخ فيه روحاً، وسلك به مسلكاً مليحاً، وولد له إحساناً صريحاً. وأما قوله: " أكبرت نعي جلاله " ... البيت، فقل أحد من الشعراء قال بيتاً في الرثاء، إلا ولهذا المعنى أشار، وحواليه دار، لأنه من متداولات المعاني، قال صريع الغواني: تأمل أيها الناعي المشيد ... أحق أنه أودى يزيد أتدري من نعيت وكيف فاهت ... به شفتاك كان بها الصعيد وقال أبو الطيب: طوى الجزيرة حتى جاءني خبر ... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 وقال أبو إسحاق بن معلى من أهل عصرنا: وتلجلج الناعي به فسألته ... عن ذا الحديث لعله يرتاب وقال أبو الحسن ابن الجد: تصاممت عنها مستريحاً إلى المنى ... وقلت عساها في الأحاديث بهتان وقال أيضاً بعض أهل عصرنا: ونبهني ناع مع الصبح كلما ... تشاغلت عنه عن لي وغناني [95 أ] أغمض أجفاني كأني نائم ... وقد لجت الأحشاء في الخفقان ولبعضهم أيضاً في قريب منه وإن لم يكن به: أيحيى وما أدعوك إلا تعلة ... نغالط فيك النفس حينا من الدهر وإنا لندري أنه لا يجيبنا ... ولكن تخلينا فما ندري وقوله: " شهروا سلاح الدمع " ... البيت، كقول أبي الطيب: يبكي ومن شر السلاح الأدمع ... الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 وقوله: " والشمس نجم " ... البيت، معنى أحسن فيه وإن لم يكن اخترع، فقد أحسن وأبدع اتبع. وقوله: " نطأ القلوب " ... البيت، من قول التهامي: كأن وخد مطاياهم إذا وخدت ... يطأن في حر وجهي أو على بصري وقوله: " أخذ الأسى فيه البرود " ... البيت، نبهه عليه ابن الرومي بقوله: أخذت من رؤوس قوم كرام ... ثارها عند أرجل الأعلاج وقوله: " يا تربة استبقي " ... البيت، من قول المعري: فيا قبر واه من ترابك لينا ... عليه وآه من جنادلك الخشن لأطبقت إطباق المحارة فاحتفظ ... بلؤلؤة المجد الحقيقة بالخزن وقوله: " أنى وسعت وأنت مضجع واحد " ... البيت، كقول أشجع السلمي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 فأصبح في لحد من الأرض ميتا ... وكان به حيا تضيق الصحاصح وأجمع أثمة الأدباء، أنه لا فرق بين المدح والرثاء، إلا أن يقال: أودى وعدم به كيت وكيت وشبهه، مما يعلم أن الممدوح ميت، هذا إذا كان المؤبن ملكا أو ذا صيت وقدر، كقول النابغة في حصن بن حذيفة بن بدر: يقولون حصن ثم تأبى نفوسهم ... فكيف بحصن والجبال جنوح وألفاظ النساء، أشجى في باب الرثاء، من كثير من الشعراء، لما ركب في طباعهن من الخور والهلع، وألفاظ الناس مبنية على كثرة التفجع كما قال حبيب: لولا التفجع لادعى هضب الحمى ... وصفا المشقر أنه محزون ولذلك عروا المراثي من ألفاظ النسيب، وجرت بذلك سنة البعيد والقريب، على قديم الزمان، إلا ابن مقبل فإنه قال في رثائه لعثمان بن عفان رضي الله عنه: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 لم تنسي قتلي قريش ظعائناً ... تحملن حتى كادت الشمس تغرب ودريد في تأبين أخيه، تغزل أيضاً فيه، والشاذ لا يلتفت إليه، ولا يعول عليه. ومن أشد الرثاء صعوبةً على الشعراء، تأبين الأطفال والنساء، ألا ترى أبا الطيب - وهو الذي قال، فأصاخت الأيام والليال، قد عابوا قوله في رثائه أم سيف الدولة: سلام الله خالقنا حنوط ... على الوجه المكفن بالجمال وقالوا: ما له هذه العجوز يصف جمالها - وتعصب له بعضهم وقال: إنها استعارة، فقيل: إنها استعارة حداد في عرس، وكذلك قوله في أخته: ولا ذكرت جميلاً من فعائلها ... إلا بكيت ولا ود بلا سبب [95ب] ولولا الإطالة، وأنها تفضي إلى الملالة، لزدنا، فلنرجع إلى ما وعدنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 من شعر عبد الجليل في المدح، وهو فيه فائز القدح قال من قصيدة في المعتمد بالله، أولها: بيني وبين الليالي همة جلل ... لو نالها البدر لاستخذى له زحل سراب كل يباب عندها شنب ... وهول كل ظلام عندها كحل من أين أبخس لا في ساعدي قصر ... عن المساعي ولا في مقولي خطل ذنبي إلى الدهر إن أبدى تعنته ... ذنب الحسام إذا ما أحجم البطل يا طالب الوفر إني قمت أطلبها ... عليها تغنى بها الأسماع والمقل لا كان للعيش فضل لا يجود به ... يكفي المهند من أسلابه الخلل لكن بخلت بأنفاس مهذبةٍ ... تروي العقول وهن الجمر والشعل إذا مدحت ففي لخمٍ وسيدها ... عن الأنام وعما زخرفوا شغل وإن وصفت فكاليوم الذي عرفت ... بك الفرنجة فيه كنه ما جهلوا وقد دلفت إليهم تحت خافقة ... قلب الضلالة منها خائف وجل فراعهم منك وضاح الجبين وعن ... نشر الحسام يكون الرعب والوهل وحين أسمعت ما أسمعت من كلم ... تمثلت لهم الأعراب والرعل وكلما نفحت ريح الهوى خمدت ... ذماؤهم وسيوف الهند تشتعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 جيش فوارسه بيض كأنصله ... وخيله كالقنا عسالة ذبل يمشي على الأرض منهم كل ذي مرحٍ ... كأنما التيه في أعطافه كسل ومنها: أشباه ما اعتقلوه من ذوابلهم ... فالحرب جاهلة من منهم الأسل لولا اعتراضك سداً بين أعينهم ... لكان يغرق فيها السل والجبل أنسيتها النظر الشزر الذي عهدت ... فكل عين بها من دهشة قبل ترسلوا آل عبادٍ فربتما ... لم يدرك الوصف ما تأتون والمثل إذا أسرتم فما في أسركم قنط ... وإن عفوتم فما في عفوكم خلل يقبل الغل مرتاحاً أسيركم ... فهو البشير له أن تسحب الحلل قوله: " ذنب الحسام إذا ما أحجم البطل "، أشار إلى قول حبيب: وقد يكهم السيف المسمى منية ... وقد يرجع المرء المظفر خائبا فآقة ذا أن لا يصادف مضرباً ... وآفة ذا أن لا يصادف ضاربا وأخذه البحتري فقال: وعذرت سيفي في تبو غراره ... إني ضربت فلم أقع بالمضرب ونعم ما نقله بعض أهل عصرنا، وهو أبو الفضل ابن شرف، وزاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 فيه حسن النقل وبراعة التشبيه فقال: تقلدني الليالي وهي مدبرة ... كأنني صارم في كف منهزم وقال ابن عبد الصمد السرقسطسي: [96أ] ذل في ذا الزمان نظمي ونثري ... ذلة السيف في يمين الجبان وإن كان أبو الطيب سلك سبيلها، وكان في حسن مذهبه دليلها، حيث يقول: أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم وقال أبو تمام: نظرت في السير اللائي مضت فإذا ... وجدتها أكلت باكورة الأمم فجمع ابن شرف المعنيين، واتخذ طريقاً معلماً بين الطريقين، وأجاد المعري في هذا المعنى ما أراد وزاد، حيث يقول: تمتع أبكار الزمان بأيده ... وجئنا بوهنٍ بعدما خرف الدهر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 فليت الفتى كالبدر جدد عمره ... يعود هلالاً كلما فني الشهر وقال: كأنما الخير ماء كان وارده ... أهل العصور وما أبقوا سوى العكر وقال ابن شماخ من أهل عصرنا: صفا للألى قبلي أتوا در دهرهم ... فلم يصف لي مذ جئت بعدهم عمر فجاءوا إلى الدنيا وعصرهم ضحى ... وجئت وعصري من تأخره عصر وقال أبو جعفر المحدث من أهل عصرنا: لقي الناس قبلنا غرة الدهر ولم نلق منه إلا الذنابى ... وقال عبد الجليل من قصيدة في ابن عمار: قتلت بني الأيام خبراً فباطني ... مشيب وما يبدو علي شباب ولما رأيت الزور في الناس فاشياً ... تخيل لي أن الشباب خضاب وآليت لولا ملك لخم محمد ... لما كان ملك في الأنام لباب ولولا ابن عمار وفاضل سعيه ... لأصبح ربع المجد وهو خراب وما كان يؤتى المجد من حيث يبتغى ... ولا كان يدري للحوادث باب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 ولا أحرقت أرض العدو صواعق ... ولا مطرت أرض العفاة سحاب وما كان هارون أصح وزارةً ... لموسى، وهل دون السحاب حجاب بعيد الرضى في النصح ما كان راضياً ... لو أن له السبع الشداد قباب نهوض ولو أن الأسنة مركب ... ورود ولو أن الحمام شراب مضى مثلما يمضي القضاء وهزه ... همام يهز الجيش وهو هضاب كما اقترنت بالبدر شمس منيرة ... له عن سناها في الخطوب مناب فكايله صاع المودة وافياً ... وكل مثيبٍ بالوفاء مئاب ومن كأبي بكرٍ السماكين همة ... أناف عليها عنصر ونصاب فلفظته يوم المهابة خطبة ... ولحظته يوم اللقاء ضراب [96ب] له سنة في الجد والهزل مثلما ... تدار كؤوس أو تدق حراب ومنها في وصف كلامه: رقيق كما غنت حمامة أيكةٍ ... وجزل كما شق الهواء عقاب وله من أخرى: أطلت في الدهر تصعيدي وتصويبي ... ودهر ذي اللب مضمار التجاريب ورب أخرق لا يهدى إلى فمه ... أصاب غرة مأمول ومرغوب وآفتي أدب بادٍ فضيلته ... من حيث يشفع لي قد صار يغري بي كفى من اللحظ أني لا أنافس في ... حظٍ ومخبرتي تكفي وتجريبي وقد أرى صوراً في الناس مائلةً ... أشيمها بين تحقيق وتكذيب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 لما ملأت يدي منهم لأخبرهم ... نفضت كفي بأشباه اليعاسيب بيض وجوههم، سود ضمائرهم ... فما حصلت على عرب ولا نوب الصدق أولى بمن يبدي ضغينته ... لا تجعل الصدق في نعت الأصاحيب ومن المدح: في حسن رأي عبيد الله لي عوض ... وفضله بدل من كل مطلوب وإن صحبت فتأميلي لغرته ... وذكره خير مألوف ومصحوب بذلك الوجه تجلى كل غاشيةٍ ... عن ناظرٍ بوجوه اللوم محصوب عاد المصلى بوضاح أسرته ... تنبيك عن خلد بالفهم مشبوب فاستقبلت قبلة الإسلام بدر علاً ... يمسي له البدر نجماً غير محسوب وغرةً تطلب الآمال قبلتها ... بين المحارب طراً والمحاريب أدنى المؤيد إذ شطت منازله ... فضلاً بفضل وتهذيباً بتهذيب كالطرف والقلب فيما بين ذاك وذا ... مسرى الضمير وتبعيد كتقريب يتطرف هذا، وإن لم يكن به، قول ابن الرومي: كضمير الفؤاد يلتهم الدنيا وتحويه دفتا حيزوم ... ومنها: فبت من وصفه في غاية قذف ... والطبع ينجدني والفكر يسري بي كأنني واجد من عرف سؤدده ... ريح القميص سرت في نفس يعقوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 وله من أخرى: يعز على العلياء أني خامل ... وإن أبصرت مني خمود شهاب وحيث يرى زند النجابة وارياً ... فثم يرى زند السعادة كابي ألم في هذا بقول أبي الطيب: وما الجمع بين الماء والنار في يدي ... بأصعب من أن أجمع الوفر والفهما بل إلى قول الآخر أشار، وحواليه دار، وهو: إذا جمعت بين امرأين صناعة ... فأحببت أن تدري الذي هو أحذق فحيث يكون الجهل فالرزق واسع ... وحيث يكون النبل فالرزق ضيق وفي هذه القصيدة يقول عبد الجليل: [97أ] وإني لفي دهر فرائس أسده ... سدىً عبثت فيه نيوب كلاب أتخفى على الأيام غر مناقبي ... وقد بذ شأوي شأو كل نقاب ويركبني رسم الخمول وقد غدت ... خصال العلا والمجد طوع ركابي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 سأرقى بهماتي قصارى مراتبي ... وإن كان أدناها يطيل طلابي لتعلم أطراف الأسنة أنني ... كفيل بها عند الصدا بشراب وتشهد أطراف اليراعات أنني ... بهن مصيب فصل كل خطاب وليس نديمي غير أبيض صارمٍ ... وليس سيميري غير شخص كتاب مضمخة لا بالخلوق أناملي ... مزعفرة لا بالعبير حرابي ولكن بنفح يخجل الروض زاهراً ... ولكن بدعس في كلىً ورقاب ومنها: ومن لم يخضب رمحه ي عداته ... تساوت به في الحي ذات خضاب ومن لم يخضب رمحه في عداته ... تساوت به في الحي ذات خضاب ومن لم يحل السيف من بهم العدا ... تحلى بخزي في الحياة وعاب إذا ورق الفولاذ هز تساقطت ... ثمار حتوف أو ثمار رغاب ومن يتخذ غير الحسام مخالباً ... فما هو إلا وارد بسراب ومن غره من ذا الأنام تبسم ... فبالعقل قد أضحى أحق مصاب وله من أخرى أولها: لولا تبسم ذاك الظلم والبرد ... قبلت نصحك إلا في هوى الغيد بل لا أطيعك في غصن أهيم به ... كأنه نابت في طي معتقدي وأين بي وبصبري عن حفون رشا ... غوامض السحر لا ينفثن في العقد يعدي على اللوم قلبي وهي تؤلمه ... كما تضر كمياً شكة الزرد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 وهذا من قول أبي الطيب: بنو كعب وما أثرت فيها ... يد لم يدمها إلا السوار لها من قطعه ألم ونقص ... وفيها من جلالته افتخار ومن قصيدة عبد الجليل حيث يقول: قل للرشيد وقد هبت نوافحها ... أسرفت يا ديمة المعروف فاقتصد أشكو إليك الندى من حيث أحمده ... لو فاض فيضاً علي البحر لم يزد قال ابن بسام: وأخبرني من لا أرد خبره أنه دخل على عبد الجليل يوماً وقد تطاول حتى كاد يمس رأسه السماء، فقال له: قد أتيت [ببيت] فلم أزد، وما أحسب حسنه لأحد، وأنشد هذا البيت؛ قال الحاكي، فقلت له: فأين أنت من قول أبي عبادة: تنصب البرق مختالاً فقلت له ... لو جدت جود بني يزداد لم تزد قال: فبدا عبوسه، وتضاءل حتى كدت أدوسه، وقال: كسرتني والله، لو خطر هذا على بالي ما قلت [97ب] ذلك. وفيها يقول: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 يا قاتل الشكر بالإحسان يعمره ... مهلاً أما لقتيل الجود من قود عجبت من كرمٍ في راحتيك بدا ... إشراقه كيف لم يعز إلى الفند جادت سحابك إذ جادت على أملي ... فقال أشياعها جادت على بلد أثريت عندك من جاه ومن نشب ... حتى وجدت الغنى في همتي ويدي يا واحداً تقتضي آلاؤه جملاً ... برحت بي وبنظم الشكل فاتئد للناس بعدك في العليا منازلهم ... والواحد الفرد يحوي مبدأ العدد يدعى الرشيد ولم تعدم به صفة ... يا من هو الفصل بين الغي والرشد لك الرشادة أخلاقاً وتسمية ... مثل البسالة إذ تعزى إلى الأسد أي الفضائل تستوفيه مكتهلاً ... وذا شبابك قد ربى على الأمد بادهتني بأيادٍ لا يقوم بها ... ما في لساني من قصد ومن لدد عاد الزمان بما أوليتني غصناً ... غضاً فقمت مقام الطائر الغرد ما عذر طبعي أن ينبو وما تركت ... به أياديك من أمت ومن أود وله من أخرى في المعتمد أولها: قالوا صحا وأدال الغي بالرشد ... من لي بذاك الصبا في ذلك الفند لئن صحوت فعن كره وقد علموا ... بأي علقٍ من الدنيا فتحت يدي لم يقصد الدهر إصلاحي ولي مثل ... في الغصن تذهب عنه صورة الغيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 ومنها: طوى الزمان لييلات نعمت بها ... رنا بعين الرضى منها ولم يكد وقاتل الله أدوار السنين فكم ... مزجن بالسم ما أحلولى من الشهد لم يرسم الشيب في فودي خطته ... إلا ترحلت اللذات من خلدي ضيف الوقار أفدنا منه تكرمةً ... بما تثقف من أمت ومن أود وأسمر الخط لا تبدو فضيلته ... بغير أزرق كالنبراس متقد للدهر عندي بنات من تجاربه ... أولى وأجدر بي من بيضها الخرد الحر يزرأ إلا فضل شيمته ... وإن تقلب بين البؤس والنكد وما الغنى في يد مملوءة عرضاً ... لكنه في وفور العزم والجلد أو في رجاء ابن عباد وقد رغبت ... أيدي الملوك عن الإفضال والصفد استوثق الناس مما في أكفهم ... وربما نفثوا بخلاً على العقد ولا يرى العقد إلا في أذمته ... وما حوته يداه غير منعقد بقية الفضل في دنيا قد ارتضعت ... ورحمة الله في سلطانه النكد مستجمع الفكر لا ينحو معانده ... على بوائد من آرائه بدد [98أ] إذا استخفت حلوم القوم وقرها ... يقظان يسعى إليهم سعي متئد يكفي المؤيد في الأعداء أن له ... عيناً من الله لا تغفى من الرصد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 تلقى به صل أصلالٍ وآيته ... أن تستبين عليه قشرة الزرد وما تمر بأدهى من ليوث وغى ... يتبعن منه أباناً وافر اللبد يجر من شجر الخطي غابته ... وذاك ما لم تسعه عزمة الأسد ومنها: جاريتم الدهر في مضمار حلبتها ... جرياً سواءً إلى أقصى من الأمد لكن تحيتها قدماً وقد شهدت ... " يا دار مية بالعلياء فالسند " لخم ابن يعرب أولى أن يضاف إلى ... سناء معتضد فيكم ومعتمد أنت الجميع وأنت الفرد قد علموا ... سريرة لم تكن في واحد العدد ومنها: يا أشبه الناس آداباً بما لك من ... جمال وجه تحدتني وفضل يد من أين لي قدم في الفضل سابقة ... لو أن طبعي في واديك لم يرد هذا الأتي لذاك المزن منتسب ... عاري الأديم من الأقذاء والزبد أرسلتها في سماء المجد طائرةً ... عن غير جهد وفيها متعة الأبد تصحي النهى أبداً من حيث تسكرها ... وتسمع اللحظ صوت البلبل الغرد لو أن لقمان يعطى عمرها بك لم ... يخن عليها الذي أخنى على لبد طبعتها ولك التبر الذي طبعت ... منه فأسلمتها في كف منتقد وله وقد توقف مرتبه عند العامل: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 ألستم معشر الأملاك طائفةً ... تقضي بتخليدها هذي الأناشيد فإن نقضتم أناساً من نوالكم ... فحق منكم لأهل الشعر تزييد لكم خلقنا ولم نخلق لأنفسنا ... فإنما نحن تحميد وتمجيد يا صاحب المجد إن المجد سائمة ... تضل إن لم يكن بالشعر تقييد خذني بما شئت من غراء شاردة ... يصغي الأصم إليها وهو مفؤود واعذر بتقصيره من لا يزال له ... في ساقة الرزق إرقال وتوخيد لا يدرك القوت مما أنت واهبه ... حتى يطول من العمال تنكيد وليس للشعر إلا خاطر يقظ ... يهزه منك ترفيه وتأييد وما المدائح إلا بالملوك وهل ... يبدي سنا العقد إلا النحر والجيد وهذا كقول أبي الطيب: وفي عنق الحسناء يستحسن العقد ... وله من أخرى إذ جاز المعتمد البحر إلى أمير المسلمين وناصر الدين، أولها: عزم تجرد فيه النصر والظفر ... وفكرة خمدت من تحتها الفكر وقال فيها: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 ركبت في الله حتى البحر حين طما ... آذيه وبسوط الريح ينحصر [98ب] طرف يزل عليه سرج فارسه ... وليس مما تضم الحزم والعذر كأن راكبه في متن ذي لبد ... غضبان تقدح من أنفاسه الشرر حملت نفسك فيه فوق داهيةٍ ... دهياء لا ملجأ منها ولا وزر عذرت لو أنه ميدان معركةٍ ... يسمو له رهج في الجو منتشر في حيث للكر والإقدام مضطرب ... وحيث تملك ما تأتي وما تذر عساك خلت حباب الماء من زرد ... تعود الخوض فيه طرفك الأثر أو قلت في الموج خرصان معرضة ... تحارب الجيش أو مصقولة بتر هي البسالة إلا أنها سرف ... تنفي الحذار، ومما يؤثر الحذر لا تحمل الدين والدنيا على خطر ... وليس يحمد في أمثالك الغرر إن كان ثوبك مختصاً بلابسه ... فقد تعلق من أذياله البشر هلا رحمت نفوساً حام حائمها ... عليك واستولت الأشواق والذكر وعاد أجبنها من كان أشجعها ... شحاً عليك وأحيا ليله السهر إنا لفي حمص نستقري محاضرها ... وللقلوب بذاك اللج محتضر لا نحسن الظن إشفاقاً وقد ضمنت ... لنا مساعيك أن يعنو لك القدر كأنما النهر لما سرت سار إلى ... ذاك المجاز فأجرى فلكك النهر كأنما قمت بالجدوى تساجله ... فناله دهش أو نابه حصر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 أحاط جودك بالدنيا فليس له ... إلا المحيط مثال حين يعتبر وما حسبت بأن الكل يحمله ... بعض، ولا كاملاً يحويه مختصر لم تثن عنك يداً أرجاء ضفته ... إلا ومدت يداً أرجاؤه الأخر تواصل اللحظ حسرى من هنا وهنا ... وليس غير ادعاء الجص والحجر فصرت فوق دفاع الله تهصره ... براحة البر والتقوى فينصهر كأنما كان عيناً أنت ناظرها ... وكل شط بأشخاص الورى شفر وهذا قول أبي الحسن السلامي، وقد دخل مع بعض إخوانه دجلة، فقال: وميدان تجول به خيول ... تقود الدارعين وما تقاد ركبت به إلى اللذات طرفاً ... له جسم وليس له فؤاد جرى فظننت أن الأرض وجه ... ودجلة ناظر وهو السواد وعبد الجليل أيضاً الذي يقول في صفة الأسطول: يا حسنة يوماً شهدت زفافها ... بنت الفضاء إلى الخليج الأزرق ورقاء كانت أيكة فتصورت ... لك كيف شئت من الحمام الأورق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 حيث الغراب يجر شملة عجبه ... وكأنه من عزةٍ لم ينعق [99أ] من كل لابسة الشباب ملاءة ... حسب اقتدار الصانع المتأنق شهدت لهن العين أن شواهناً ... أسماؤها فتصحفت في المنطق من كل ناشرةٍ قوادم أفتخٍ ... وعلى معاطفها فراهة شوذق زأرت زئير الأسد وهي صوامت ... وزحفن زحف مراكب في مأزق ومجادف تحكي أراقم ربوةٍ ... نزلت لتكرع في غديرٍ متأق والماء في شكل الهواء فلا ترى ... في شكلها إلا جوارح تلتقي ومن البديع في وصف الأسطول قول محمد بن هانئ الأندلسي من جملة قصيد، قال فيه: قباب كما ترخى القباب على المها ... ولكن من ضمت عليه أسود أنافت بها آطامها وسما بها ... بناء على غير العراء مشيد من الطير إلا أنهن جوارح ... وليس لها إلا النفوس مصيد إذا زفرت غيظاً ترامت بمارجٍ ... كما شب من نار الجحيم وقود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 وقال علي بن محمد الإبادي يصف أسطول القائم من كلمة يقول فيها: يتنزل الملاح منه ذؤابة ... لو رام يركبها القطا لم يركب وكأنما رام استراقة مقعدٍ ... للسمع إلا أنه لم يشهب وكأنما جن ابن داود هم ... ركبوا جوانبها بأعنف مركب من كل مسجور الحريق إذا انبرى ... من سجنه انصلت انصلات الكوكب عريان يقدمه الدخان كأنه ... صبح يكر على ظلام غيهب ولواحق مثل الأهلة جنحٍ ... لحق المطالب فائتات المهرب يذهبن فيما بينهن لطاقةً ... ويجئن فعل الطائر المتقلب كنضانض الحيات رحن لواغباً ... حتى نقعن ببرد ماء المشرب شرعوا جوانبها مجادف أتعبت ... شأو الرياح لها ولما تتعب تتضاع من كئبٍ كما نفر القطا ... طوراً وتجمتع اجتماع الربوب والبحر يجمع بينها فكأنه ... ليل يقرب عقرباً من عقرب رجع: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 وقال عبد الجليل من قصيدة أولها: محل ألبس الدنيا جمالاً ... وإن فضح المقاصر والخلالا بناه كما بنى العلياء بانٍ ... يشيد مآثراً ويبيد مالا ومنها في وصف القصر: وللزاهي الكمال سناً وحسناً ... كما وسع الجلالة والكمالا يحاط بشكله عرضاً وطولاً ... ولكن لا يحاط به جمالا تواصلت المحاسن فيه شتى ... فوفد اللحظ ينتقل انتقالا [99ب] وقور مثل ركن الطود ثبت ... ومختال من الحسن اختيالا تدافع من جوانبه ائتلافاً ... فكاد المستبين يقول مالا فلو أدنوا حرام السحر منه ... لأضحى يعبد السحر الحلالا سماء ترتمي بعباب بحرٍ ... كأن بها إكاماً أو تلالا فقد كاد اللبيب يهال منه ... ويحسب أن بحر الجو سالا فما أبقى شهاباً لم يصوب ... ولا شمساً تنير ولا هلالا وللبهور البهي سماء نور ... تمثل شكلها حلقاً دخالا مزخرفة كأن الوشي ألقى ... عليها من طرائفه خيالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 وما خلت الهواء يكون روضاً ... ولا سقفاً يكون كذاك آلا بلى حققت أن النار كانت ... له ظئراً وعنصره زلالا فلم أعدل بجامده مذاباً ... ولم أنكر لندوته اشتعالا وكل مصور حي جماد ... تبين فيه زهواً أو دلالا له عمل وليس له حراك ... وإفهام وما أدى مقالا ومنها: ويفرغ فيه مثل النصل بدع ... من الأفيال لا شكو ملالا رعى رطب اللجين فجاء صلداً ... وقاحاً قلما يخشى هزالا كأن به على الحيوان عتباً ... فلم يرفع لرؤيتها قذالا وأوصى بالرياحين اغتراساً ... همام طالما اغترس الرجالا وكان الغرس والإثمار وقفاً ... لمن جعل الندى والوعد حالا وقامت يوم قمنا منشدات ... فغضت من رويتنا ارتجالا ومنها: براعة مصنع جلبت فاضحت ... براعة منطقي منها مثالا فكم طلب العويص فما تأبى ... وكم قلب العيان فما استحالا ولكن المؤيد عز وصفاً ... وأعيتني حقيقته منالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 إذا استوضحته أبصرت دهراً ... لو أن الدهر لم ينسخ فعالا أقام لها معاليها شموساً ... ومد لنا مساعيه ظلالا وآراء ينتجها رزاناً ... فيرسلهن أقداراً عجالا وفيه أناة مقتدر حليم ... تكاد تغر بالأسد النمالا ويبطش بطشة تنبي الأعادي ... أكفهم وما حملوا اعتقالا من البيض الذين إذا تولوا ... صنيعاً لم تجد فيهم شمالا وبينا نجتلي منهم بدوراً ... إذا بهم قد اعتضروا جبالا تألق وجهه وزكت نهاه ... فقلت مثاله محق الضلالا [100أ] وما يوم العروبة يوم سر ... لقد نطق الزمان به فقالا عجزنا أن نحقق منه وصفاً ... وما عجز الرشيد له امتثالا يعارضه بكل سبيل مجدٍ ... فتحسبه ينافسه خلالا ولما لم يطق يثني صباه ... أحال على شمائله اكتهالا وكاد يكونه حتى تراه ... بجاذبه ولا يقوى انفصالا وأبهجنا طولعهما بدستٍ ... طلوع الأصل والفرع اتصالا فلم أر قبله بدراً كساه ... جوار الشمس تماً واكتمالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 وفي يقول: أتتك على خلاقها جيادي ... وإن كان الضياع لها شكالا وما يبليك ذهن أحوذي ... إذا أصبحته جداً تفالى تزاحمت الهموم خلال صدري ... فما تركت لأنفاسي مجالا وما خلت النسيم يكون ثقلاً ... ولا نفحاته تأتي وبالا كأني كلما استنشقت منه ... أرد به إلى كبدي نصالا وكيف يصح ذو قلب أبي ... إذا كان الإباء له نكالا مضى ماء الشبيبة في الأماني ... ومن ولى فما يرجو اقتبالا وكنتم خير من يرجى فما لي ... وجدت يقين آمالي محالا ولم أحمل ودادكم ادعاءً ... ولا أظهرت مدحكم انتحالا احتذى عبد الجليل فيما وصف به الرشيد من تقيله لمذهب أبيه قول الخنساء، وقد قيل لها مدحت أخاك حتى هجرت أباك، فقالت: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 جارى أباه فأقبلا وهما ... يتعاوران ملاءة الحضر حتى إذا جد الجراء وقد ... ساوى هناك العذر بالعذر وعلا هتاف الناس أيهما ... قال المجيب هناك لا أدري برقت صحيفة وجه والده ... ومضى عل غلوائه يجري أولى فأولى أن يساويه ... لولا جلال السن والكبر وهما كأنهما وقد برزا ... صقران قد حطا إلى وكر وقيل لأبي عبيدة: ليس هذا في مجموع شعر الخنساء، فقال: العامة أسقط من أن يجاد عليها بمثل هذا. وقد أحسن البحتري حيث يقول: جد كجد أبي سعيد إنه ... ترك السماك كأنه لم يشرف قاسمته أخلاقه وهي الردى ... للمعتدي، وهي الندى للمعتفي فإذا جرى في غاية وجريت في ... أخرى التقى شأوا كما في المنصف وقول الخنساء: " يتعاوران ملاءة الحضر " أبدع استعارة، وأنصع عبارة. وقال عدي بن الرقاع: [100ب] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 يتعاوران من الغبار ملاءةً ... غبراء محكمة هما نسجاها تطوى إذا وردا مكاناً جاسياً ... وإذا السنابك أسهلت نشراها وإلى هذا أشار حبيب بقوله: يثير عجاجة في كل ثغرٍ ... يهيم بها عدي بن الرقاع وأول من نظر إلى هذا المعنى شاعر من بني عقيل فقال من جملة أبيات: قفار مرورات يحار بها القطا ... ويمشي بها الجأبان يقتريان يثيران من نسج الغبار عليهما ... قميصين أسمالاً ويرتديان وقول عبد الجليل: " يثير مآثراً ويبيد مالا "، سماه بعض أهل النقد معاقدة، وهو أن يشترط الشاعر شروطاً في معان يريد التوفيق بينها، فيعقد لكل صف منها ما يشاكله ويماثله، ومن عجيب ذلك قول جنوب أخت عمرو ذي الكلب: فأقسمت يا عمرو لو نبهاك ... إذاً نبها منك داءً عضالا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 إذاً نبها ليث عريسةٍ ... مفيتاً مفيداً نفوساً ومالا فعاقدت بين مفيت ومفيد. وقال المجنون: وأذنيتني حتى إذا ما سبيتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح تجافيت عني حين لا حاجة لي حيلة ... وخليت ما خليت بين الجوانح فعاقد بين قوله: " أدنيتني " و " تجافيت عني " حيث تشابها رسماً وشكلاً، وعاقد أيضاً بقوله: " وخليت ما خليت " وبقوله: " يحل العصم سهل الاباطح ". وإلى هذا أشار العباس بن الأحنف بقوله: أشكو الذين أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا ومن مليح هذا لبعض أهل أفقنا قول يحيى بن هذيل القرطبي: لما وضعت على قلبي يدي بيدي ... وصحت في الليل الظلماء واكبدي ضجت كواكب ليلي في مطالعها ... وذابت الصخرة السماء من جلدي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 فعاقد بين قوله: " يدي بيدي " و " ذابت الصخرة الصماء من جلدي "؛ وذكر أن المتنبي أنشد من شعر أهل الأندلس، حتى أنشد هذين البيتين، فقال: هذا أشعر القوم. ولما سمع المعتمد بن عباد قصيدة عبد الجليل هذه ووعاها، سرت في نفسه حمياها، وكانت سبباً لصلة من كان ببابه من الشعراء، غير أنه وفى لبعد الجليل في الحباء. وكانت يوماً بدار أبي بكر الخولاني المنجم، فاتفق أن دخل علينا عبد الجليل وفي كمه صلة المعتمد من ضرب السكة لديه، قيمتها ثلاثة آلاف درهم، فرفع إليه إثر ذلك قصيدته التي أولها: ما الشعر مرتجلاً أو غير مرتجل ... ببالغ كنه ذاك السؤدد الجلل بأي لفظ أحلي منك ذا شيم ... لولا حلاها لكان الدهر ذا عطل لا حلة الشمس مما قد أحاوله ... ولا نظام النجوم الزهر من عملي وسائلين أجدا في مباحثتي ... خذا حديثي عن الأملاك والدول [101أ] جيش المؤيد يقضي من خلائقه ... أن الملوك له ضرب من الخول فالفرق بينهما في كل معلوةٍ ... كالفرق يوجد بين النقص والكمل سل المكارم عنه كيف تعلمه ... أو لا فسل شفرات البيض والأسل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 أحد من ذهنه في كل معضلة ... إذا تعثر في العسالة الذبل واري البصيرة لا تزري الأناة به ... ولا تعود عليه آفة العجل لذلك الحلم في الأعداء قد علموا ... فتك يسد طريق الأمن بالوجل صاحي النهى عربدت فيهم مكايده ... فطار عنهم خمار السكر والثمل يجيزنا كلما حكنا مدائحه ... والصبح عريان مستغن عن الحلل لله آذار من شهر سموت به ... حتى لقيت عليه الشمس في الحمل ما بين نور جبين منك مؤتلق ... وبين فضل طباع منه معتدل ونائل أسدي النوء طوع يدي ... يسطو على القرن أو يسطو على البخل فديت موسومة باليمن مد بها ... فكان تقبيلها أسنى النهى قبلى لثمتها فرشفت العز ممتزجاً ... فيه الغنى وأخذت الري في النهل وقال عبد الجليل أيضاص من قصيدة في المعتمد، أولها: أربع [الندى] تهمي [به] وتصوب ... ومغنى العلا نأوي له ونثوب بحيث استقل المجد فوق سريره ... وقام لسان المجد وهو خطيب سقاك غمام مثل ودي ضاحك ... كأن سماء الصحو منه تذوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 ولا فاء ظل العيش وهو مقلص ... عليك ولا صافيه وهو مشرب ولا آل مزوراً عليك غديةً ... زمان يمسي الصفحتين طروب ولا انفك للخطي حولك هزة ... وللأعوجيات الجياد دبيب لقد رقت حتى قيل إنك رحمة ... وإن أكف الضارعين قلوب كأنك بيت نادر وأكفهم ... خواطر أورى زندهن حبيب طلعت كريعان الشبيب روقة ... فكذب في دعوى البياض مشيب ومنها يخاطب الربع: أراق على عطفيه منه طلاوةً ... مدى الدهر ملتاح الجبين مهيب إذا رسبت يوماً حلاه فإنما ... سماك العلا في منتداك رسوب ومنها: فيا أيها القصر المبارك لا تزل ... وأنت جديد الحلتين قشيب ويا أيها الملك المؤيد دم به ... ليترع كوب أو يثار عكوب أسم فيه سرح اللحظ من طرف باسل ... مراد الوغى في ناظريه عشيب ستظأره أم النجوم تحله ... لها كوكب لا حان منه غروب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 محيط بما أحببت من كل صورةٍ ... تروقك حتى شكلهن قريب ومن حبك دون السموك كأنها ... أفاريد روض الحزن وهو هضيب إلى طرر تحكي أصائل ملكه ... تكاد بأنداد النضار تصوب ومن مرمرٍ أحذاه رونقه المها ... فأخطأ فيه اللحظ وهو مصيب وبحر عليه للرياحين فيئة ... كيمناك مخضر البرود لحوب لئن كان مكظوماً كغيظك إنه ... كعرضك مصقول الأديم خشيب أرى حور الأحداق أو رونق الطلى ... طلاه ففيه للعقول خلوب أجل إنما يجتاب منك بشاشةً ... لها جيئة من فوقه وذهوب وإلا فمن آدابك الزهر يجتلي ... فرنداً له در عليه رطيب كما ضاع من أهداب ثوبك نشره ... وكل صعيد مس وطؤك طيب وكل هواء تحت ظلك سجسج ... وكل مكان في ذراك خصيب إليك أشارت أعين وأنامل ... وفيك أجيلت ألسن وقلوب كأنك من طبع الحياة مركب ... فأنت إلى كل النفوس حبيب مليك كما تهواه أما دلاصه ... فغاو، وأما برده فمنيب موفر أعطاف السيادة لم يزل ... بأفئدة الأعداء منه وجيب إذا ضاق في الهيجا مجر سنانه ... فإن مناط السيف منه رحيب ومنها: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 لهم حارك للملك ثم حنيفه ... سما كاهل منه وسال سبيب وكانوا عليه في الزمان فوارساً ... علته وشبان تروق وشيب وسنة مجد من نعيمٍ وشدة ... على الدهر منها محكة وقطوب ليخضب منها اليوم والأفق أشيب ... وينصل ثوب الليل وهو خضيب ومنها في صفة بنية: ثغور على المجد التليد ضواحك ... وأيد إلى المجد التليد تصوب ترقرق عنه الملك واهتز عطفه ... كما اهتز مخشوب الغرار قضيب مشابه لا تخطي علاك سهامها ... فتهوي إلى أغراضها فتصيب تملأ أثناء النداء مهابةً ... وتبسم عنها الحرب وهو قطوب ويهنيك عيد للصيام ذخرته ... كفيل بأن الله عنه مثيب وعيد عليه منك رسم طلاقةٍ ... كأوب حبيب طال منه مغيب خلعت عليه من بهائك حلةً ... كما عصفرت فوق العروس جيوب ونمت عليه من مديحك فوحة ... كما مسحت فوق الرياض جنوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 الوزير الأديب أبو القاسم بن مرزقان هو أكثر القوم قولاً وإصابة، فإنه يوفق في إصابة الأغراض، وكلامه سهل قريب، فمما أخرجت من شعره في أصناف شتى قوله في وصف شمعة، محكمة الصنعة، على صورة مدينة، أهديت إلى المعتمد على الله بالمحددة: مدينة في شمعةٍ صورت ... قامت حماة فوق أسوارها وما رأينا قبلها روضةً ... تتقد النار بنوارها تصير الليل نهاراً إذا ... ما أقبلت ترفل في نارها كأنها بعض الأيادي التي ... تحت الدجى تسري بأنوارها من ملك معتمد ماجد ... بلاده أوطان زوارها أكف ذات الشعر تغنى به ... وشعره حلي لأشعارها وأصبح المعتمد على الله على حال راحته في القصر المبارك، ودخل إليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 الرشيد ابنه، فتبادل الأنس معه، ثم أمر بإحضار من جرت عادته بمشاهدة المجلس الكريم من الأصحاب، فحضروا، فقال لهم المعتمد بعد كلام حذفناه للاختصار طلباً للمعنى: قلت البارحة بيت شعر وهو: بعثنا بالغزال إلى الغزال ... وبالشمس المنيرة للهلال وذلك أن المعتمد على الله قد أمر بصناعة غزالين من ذهب، فصنعا معاً من سبعمائة مثقال خالصة، فأهدى أحدهما إلى الرشيد ابنه، والآخر إلى السيدة العروس بنت ابن مجاهد، فقال في ذلك البيت المذكور، وأحب أن يذيل، فذيل هذا البيت ممن هذا المجلس ذلك اليوم وممن لم حضره، منهم أبو القاسم ابن مرزقان، وأصاب الغرض، فقال: بعثنا بالغزال إلى الغزال ... وبالشمس المنيرة للهلال فذا سكني أسكنه فؤادي ... وذا نجلي أقلده المعالي شغلت بذا وذا خلدي ونفسي ... ولكني بذاك رخي بال زففت إلى يديه زمام ملك ... محلى بالصوارم والعوالي فقام يقر عيني في مضاء ... ويسلك مسلكي في كل حال فدمنا للعلاء ودام فينا ... فإنا للكفاح وللنزال ورفع أبو القاسم ابن مرزقان قطعة شعر في ذلك أيضاً وهي: عاطني القهوة مثل الجلنار ... حملتها أكؤس مثل البهار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 وأدرها بين زهر عبق ... واسقني ود كبيرٍ بكبار ملك إن قلت من رب العلا ... فإليه كل مخلوق أشار لخمي ماجد معتمد ... كل عسر حين تلقاه يسار ما دجا ليل على آمله ... كل ليل بأياديه نهار بين كفيه وفي ناديه ... ظبية ريقتها صرف العقار عجبي منها وهذا أسد ... كيف لا تبعد عنه بنفار أنست من أنها مرسلة ... باتصال الوصل من أشرف دار ولها عد إلى غرتها ... أنهم قد صوروها من نضار في قدود تتهادى بها ... سترى في حرم ذات الفقار لا عدت موضع لهوٍ ودد ... فلقد تنهض في خير سفار الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 نشر دوزي هذا الفصل من الذخيرة الخاص ببني عباد، في المجموع الذي ضم ما جاء من هذه الأسرة في المصادر العربية، وذلك في الجزء الأول ص 201 - 223. هو ذو الإصبع العدواني، انظر الأغاني 3: 85. ط س: بكى. ط س: الذي. س: يسمع نفسي. لا مجال لحصر المصادر المعتمدة في أخبار بني عباد، فقد جمع منها دوزي في كتابه: Historia Abbadidorum (Leiden، 1846) . قسطاً وافراً، وإنما نذكر هنا بأهم المصادر مثل البيان المغرب والقلائد والصلة والمغرب والمعجب والمطرب والإحاطة والروض المعطار ونفح الطيب وبدائع البدائه وتاريخ ابن خلدون وتاريخ ابن الأثير والخريدة وابن خلكان والنويري، وتعد مقارنة هذا النص بما ورد في الحلة السيراء والبيان المغرب أمراً ضرورياً، لاعتماد المصدرين على كتاب ابن بسام. هو ولد الحافظ الفقيه أبي محمد ابن حزم، روى عن أبيه وأبي عمر ابن عبد البر وغيرهما، وكتب بخطه علماً كثيراً، وكان عنده أدب ونباهة وذكاء، وتوفي بالزلاقة سنة 479 (الصلة: 440) . انظر الحلة 2: 34 والبيان المغرب 3: 194. بكسر العين وتخفيف الطاء (الحلة) . ط د م س ودوزي: طاعة. صوابه " الشام ". طشانة (Tocina) تقع في كورة إشبيلية. الحلة 2: 35. ط د س: قديم. المكور: المعمم. واضح من هذا القول أنه لم يعد توليه القضاء من الخدم السلطانية. د والحلة: والزكانة. هذه هي قراءة م؛ والجرثومة: أصل الشجرة، وقد يفهم من ذلك أنه تجشم صعاب الأمور وفي ط د والحلة: الجرائم؛ س: الجراثيم. ط د م س: بخون. ط س: بريم؛ م: ابريم، د: ابرم، البيان: مريم. ط م د: توطدت (وهي قراءة جيدة أيضاً) ؛ س: اتواطأت. ط د م س: واجمع. الحلة ودوزي: الذين بالأندلس. هو يعيش بن محمد بن يعيش أحد رؤساء طليطلة عند نشوب الفتنة، وقد استطاع أول الأمر إبعاد منافسيه من رؤساء المدينة ولكن مدته في الحكم لم تطل، فأخرجه أهلها، وخاطبوا إسماعيل بن ذي النون لتسلم البلد، وقد ترجم له ابن بشكوال (الصلة: 650) وقال إنه بعد خروجه من بلده صار إلى قلعة أيوب وتوفي بها سنة 418 أو أوائل 419 (انظر الحلة 2: 37 - 38 التعليق رقم: 5) . البيان المغرب 3: 197. البيان: حزمة. قد تقرأ في ط: وارتاح؛ البيان: وساح. ط د س والبيان: وقصر. ط: على يده. ط: بطل؛ دوزي: تقليد؛ البيان: بتضليل؛ س: تغليل. ط م: ابن عباد، وبياض في د. ط س ودوزي: وثبتت. س م: مما. هو محمد بن أحمد بن عامر الحميري الملقب بحبيب والد إسماعيل مؤلف كتاب " البديع في وصف الربيع " (وسيترجم ابن بسام لابنه في ما يلي من هذا القسم) . دوزي: وجبير؛ س: وجنبي. زاد هنا في م: وكان القاضي ابن عباد زاخر العباب متألق الشهاب، وقد مرت آنفاً. عمارتها: موضعها بياض في د س وعند دوزي، ويكثر البياض في هذه القطعة، إلا أنه في م ط محشى بخط مختلف عن خط الأصل. تكتب أيضاً: البرزلي والبرزالي. وقد بويع البرزالي هذا بقرمونة سنة 404 فعمرت، وكان فارساً مهيباً ثم بايعته استجه والمدور وأشونة ولم يزل يتولى أمورها حتى سنة 434 (البيان 3: 211 - 312) . ميرتلة: مدينة تقع إلى الشرق من باجة (الروض المعطار: 193) . ورد النص على الأفراد في م س: فيعم ... كلما آب ... الخ. س ودوزي: شذوذه. المعان: المنزل؛ ط: مغانها؛ م س: مغانيها؛ د: مكانها. ط: قدم. من طمر بمعنى تحت الأرض؛ س: أظهروه. تقاوم أصحابها: سقطت من ط. انظر البيان المغرب 3: 203. زيادة من البيان. ط د م س: مصر. ط د م س: تعده. وردت هذه المقطعات في الحلة 2: 38 - 39، والأولى منه في النفح 4: 242. الحلة ودوزي: يلمعن. انظر الحلة 2: 39 ط د م ودوزي: وجبان. البيان المغرب 3: 204 والحلة 2: 40. الحلة: الأحد؛ والسبب في هذا الخلاف أنه توفي السبت ودفن يوم الأحد (كما سيبين في ما يلي) ولكن الخبر لم يطرق قرطبة إلا يوم الأربعاء. ط د م س: وداحض. الحلة: والجرائر. س ط د والبيان: أجد، الحلة: أمد. م: المتل (دون إعجام للتاء) ؛ س: الأمل. ط د س ودوزي: مغيبها. ط د م س: فلم يبرأ من شدة القسوة. الحلة: جبلته. دوزي والحلة: فيهن. هو الملقب بالمعتضد (279 - 289) . دوزي والحلة: خلائف. ط د م س: الشظا. دوزي: مرتين. ط د: عريشته؛ س: عن بيته. ط د م س: ةومبتدع، والتصويب عن البيان. ط د س: وقعه. البيان: الوقعة؛ وقد تقرأ في ط كذلك. س: تطبيقها. نقل لسان الدين بعض هذا النص في أعمال الأعلام: 155. قد تقرأ في م: يعتن. انظر البديع في وصف الربيع: 91 والحلة 2: 49 وأعمال الأعلام: 157. البديع: ناله؛ الحلة: مسه. نفح الطيب 4: 243. نفح الطيب 4: 242. النفح: ساكناً. ط د م س: شوال. الحلة 2: 49 والنفح 4: 242 وأعمال الأعلام: 157 والبيان 3: 208 وقد وردا في الذخيرة 1: 18 منسوبين لابن برد الأصغر. ط: الصباح. الحلة 2: 47 والبيان 3: 208. دانية بمعنى قريبة كما إنها اسم البلد حيث مجاهد العامري أبوء الجيش. الحلة 2: 46. بيت مضمن وهو للمتنبي، انظر ديوانه: 482. البيان 3: 208 والنفح 4: 243 والحلة 2: 49. رندة: (Ronda) مدينة قديمة من مدن تاكرنا (الروض: 79) . لعله يعني قصيدته التي يقول فيها: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما البيان: وجرية. البيان 3: 209. ط: متوقعين؛ البيان: مترفعين؛ س: متوفقين. ط: يحدو؛ د: يحذر؛ س: يجدوا. ط د م س: الذنوب؛ وقرفت الندوب: قشرت الجروح. عظيمة: سقطت من ط د والبيان. زيادة من دوزي. ط: فكشفه. في النسخ: بغير. ط م: عمرات؛ س: غمرات. زيادة من البيان المغرب. ويعجبون: من م وحدها. البيان: قينة ابن الرميمي. ط د م س: بينهم. ابن يحيى صاحب ليلة، وقد مر من خبره ما يكفي، وابن هارون هو سعيد بن هارون صاحب اكشونبة، توفي سنة 434 وخلفه ابنه ومن يده أخذ المعتضد اكشونية سنة 449؛ وابن مزين هو عيسى بن محمد بن مزين صاحب شلب، حكم فيها سنة 440 ووالى عباد الحروب ضده وقتله سنة 445 وانتزع مدينة شلب منه، وأما البكري صاحب شلطيش وأونبة فسيورد ابن بسام خبره مع بني عباد في ما يلي. سيأتي خبر سقوت في هذا القسم من الذخيرة. البيان المغرب 3: 214. س ودوزي: فضرب. هو محمد بن نوح الدمري الملقب بعز الدولة ثار بمورور سنة 433 إلى أن أنهى المعتضد حكمه سنة 445، وسجنه وتوفي في سجنه 449. مورور (Moron) : مدينة صغيرة إلى الجنوب الغربي من قرمونة، بولاية إشبيلية (الروض المعطار رقم: 181) . م س والبيان ودوزي: الاستقامة. في النسخ: يوماً. هو أبو النور هلال ابن أبي قرة اليفرني. س ط: فواطنهم (لعلها: فراطنهم؛ وهي قراءة توفق قوله " ورمز ") . انظر الحلة 2: 50. ط د س: المتلثمين. ط م س: وجلوها (اقرأ: وحلوها) . ويبري معطوقة على " يريش ". يقرع (من الثلاثي) فيه معنى المشاورة، وإذا كان مضارعاً للرباعي (أقرع) : ففيه معنى الرجوع تقول: أقرع إلى الحق أي رجع؛ ولولا شخصية المعتضد وما تنطوي عليه من الاعتداد لصح أن تكون القراءة " ويفزع إليه ". البيت لأبي سعد المخزومي واسمه عند المرزباني (معجم الشعراء: 98) عيسى بن خالد بن الوليد وقيل إنه دعي في مخزوم (طبقات ابن المعتز: 295 - 298) وكان يهاجي دعبل بن علي الخزاعي؛ وقد ورد بيته في معجم المرزباني وديوانه: 53. ط: المقدم. ط د م س: أبي سعيد. ديوان بشار: 217 (جمع العلوي) . دوزي: هدنة. ديوان المتنبي: 390. ديوان ابن هانئ: 189. تتردد أشعار المعتمد في كثير من المصادر التي ترجمت له، وقد جمع ديوانه الأستاذان: أحمد أحمد بدوي وحامد عبد المجيد (القاهرة 1951) وأرى أن أكتفي بمراجعة ما جاء في الذخيرة على هذا الديوان، إلا استثناءات قليلة. الديوان: 26. ديوان المجنون: 79. هذه العبارة والبيتان التاليان من هامش ط، وهما مكتوبان بخط الأصل، وأمام العبارة لفظة: " طرة "؛ وهما معهما بيت ثالث في المقتطف من أزاهر الطرف لابن سعيد الورقة: 44، ولم ترد هذه الأبيات في الديوان أو في النسخ الأخرى. ديوان المعتمد: 13 ومختارات الصيرفي: 111. ترجمته في القسم الأول من الذخيرة ص: 790. ديوان المعتمد: 20 ومختارات الصيرفي: 111. الديوان: جفوني (عن المطرب والخريدة) . الديوان: 21 ومعاهد التنصيص 2: 114 والمعجب: 161 ومختارات الصيرفي: 111. الديوان: 15 ورايات المبرزين: 37 (10 غرسيه غومس غ) والمعجب: 161. الديوان: ضوء الشمس. الديوان: 8. عد هذا البيت في الديوان لاحقاً بالأبيات السابقة. الديوان: 5. الديوان: 17. لم يردا في ديوانه المجموع. انظر ترجمته في الذخيرة 3: 360. الديوان: 60. هذه هي قراءة م، وفي ط د: يتنحنح؛ الديوان: يتبحح؛ س: يتحتح. الديوان: 64 وقد أثبت هنالك جواب ابن عمار أيضاً؛ ومختارات الصيرفي: 110. كنيته في ط د: أبو عمر؛ وقد مر ذكره عند المقري (النفح 4: 77) في رسالة كتبها المعتمد نفسه إلى الأعلم الشنتمري يقول له فيها " سألك الوزير الكاتب أبو عمرو ابن غطمش سلمه الله عن المسهب وزعم أنك تقول بالفتح والكسر ... الخ ". الديوان: 587 والمسالك: 397 وابن خلكان 5: 26. الديوان: 36 وابن خلكان 5: 24 والحلة 2: 56 والقلائد: 19 ومنها بيت واحد في رايات المبرزين: 10 (غ) . ط والديوان: أخلقتني. الحلة: ولا تمرس بي (ولم تثبت هذه القراءة في الديوان) . ط م س: الذي. انظر البيان المغرب 3: 273. ط د م س: فحاجوا الظمآن. س ودوزي: الغائظ. ط د: وجه. دوزي: اتقان. انظر ديوان ابن زيدون: 306 والقلائد: 14 والإعلام 2: 315. زيادة من دوزي. ديوان المتنبي: 218. ديوان المعتمد: 67 والقلائد: 15 والإعلام 2: 316. الديوان: النحور (عن القلائد) . ط د م س: ورجعتم لمحالكم، وبهامش ط " وزحفتم ". دوزي والقلائد: وظلم. د والديوان ودوزي: تهدم (عن القلائد) . ديوان ابن زيدون: 314 والقلائد: 16. ط م: غوت. ديوان المعتمد: 112. ديوانه: 88 وبعضها في القلائد: 22 والمعجب: 202 والإعلام 2: 314 ومختارات الصيرفي: 120. الديوان والقلائد: إن يسلب القوم العدا. ديوان قيس بن الخطيم: 10. ديوان قيس: باقدام. انظر الشعر والشعرا: 661 والأغاني 10: 256 - 257. ثار في زمن مروان اثنان كل منهما يعرف بشيبان وهما شيبان بن عبد العزيز اليشكري وشيبان بن سلمة (المعروف بشيبان الأصغر) ، وفي م س والأغاني: سنان؛ د: سنار؛ ط: سناس. انظر شعر الخوارج: 221 (الطبعة الثانية) . ط د م س: يهوى. الأغاني 10: 280. الأغاني: فررت. الأغاني 10: 255. الأغاني: واردات؛ ط م س: باردات. ديوان المعتمد: 87. ديوانه: 96 والمعجب: 222 والأعلام 2: 320 - 321. ترجمته في القسم الثالث: 809. أبياته في القلائد: 31 والنفح 4: 224، 259 والإعلام 2: 321. قارن بقوله في القلائد: ".. وقال بعد أن طاف بقبره والتزمه، وخر على تربه ولثمه، فانحشر الناس إليه وانجلفوا، وبكوا لبكائه وأعولوا ". الحلة: 2: 63. الحلة 2: 64 والمعجب: 217. المصدر نفسه. ط م س: الذي. ط م د س: علي. عيون الأخبار 2: 182 وكتاب الصناعتين: 14 وزهر الآداب: 333. زهر الآداب: 332. ديوانه: 104 وزهر الآداب: 332. زهر الآداب: 332 - 333. ط م د س: فصاغها. ط د س: تجول. ديوان المتنبي: 239. ديوان نصيب: 59. ديوان أبي تمام 3: 186. ترد ترجمته في ما يلي من هذا القسم وفيها البيتان. في النسخ: هاديا، وصوبناه ما سيجيء ترجمة ابن عبدون. ط د: نثراً ونظماً. النصبة هي الحال الدالة التي تقوم مقام الدلالات الأخرى من لفظ وإشارة وعقد وخط (البيان 1: 76) ، وفي ط د س م: النسبة. ديوان المعتمد: 102 والمعجب: 219 والإعلام 2: 322. ط د م س: عض. ط د م س: يداه. دوزي: تزاحفت. انظر ديوان المعتمد: 103 والمعجب: 220 والخريدة 2: 41 والنفح 4: 96 - 97 والإعلام 2: 322 ومختارات الصير في: 120 - 121. يشير هنا إلى أن جرير مدح الأمويين بأنهم أعطوا " هنيدة " وهي مائة من الإبل. هذه الأبيات زيادة من دوزي. ديوان المعتمد: 104 والمعجب: 221. م والديوان: عاف؛ س: خاف. م ط د س: بت. ديوانه: 328، وصدر البيت: " والهجر أقتل لي مما أراقبه ". ديوان المعتمد: 104 والمعجب: 221 وبعضها في النفح 4: 97. الديوان ودوزي: ناهضت همتي. هامش ط: في أخرى: محيا لنور الهدي فيه قسام. خ بهامش ط: من كفيك مجدا وسؤددا. ديوان المعتمد: 113. ط م: أن يحنى عليه. ط: أعين. ط م د س: وقول. ديوان المعتمد: 91 والمعجب: 206 والإعلام 2: 315. ديوان المعتمد: 91 والمعجب: 206 والحلة 2: 67 ومختارات الصيرفي: 119. الديوان: لحكاهم. ط د م س: الغنى. من أبيات في ديوانه: 108. الديوان: جبر. ديوانه: 92. ديوانه: 68 والقلائد: 21. طبقات ابن المعتز: 187 وابن خلكان 3: 86. ديوان المعتمد: 105 ومختارات الصيرفي: 120. ط م د: صبر؛ س: صهر. أبو عمرو ابنه الملقب سراج الدولة، وسيأتي الحديث عنه في ما يلي. انظر السمط: 145. ديوان المعتمد: 69 ومختارات الصيرفي: 120. العين: مطر أيام لا يقلع. ط م د س: يلقى. الديوان: فإذ ما رمت. ديوان المعتمد: 110 والقلائد: 28. ط م د س: الأهل. م س: الحبيب. ديوان ابن شهيد: 100 - 101. هو السمهري بن بشر بن أويس العكلي ويكنى أبا الديلم (الأغاني 21: 257) . الأبيات في الأغاني 21: 264. الأغاني: فشامت؛ وهو خطأ: والسامن: الذي يكتسب سمنة. ط م د س: قسي أسلمتها؛ وقد غيرته اعتماداً على الأغاني. ديوان المعتمد: 100 والقلائد: 25 ومختارات الصيرفي: 119. ديوان المعتمد: 48. ديوانه: 112 وانظر الإعلام 2: 324. ترد ترجمتهما في ما يلي من هذا القسم، وكذلك البيتان وانظر الغيث 2: 19. هذه القطع الثلاث المتوالية ترد في الديوان: 115، 94، 98 وانظر الإعلام 2: 324. في هامش ط أبيات مطلعها: تؤمن للنفس الشجية فرجة ... وتأبى الخطوب السود إلا تماديا وبعدها قطعة قافية، وهي بخط الناسخ نفسه، ولكنه كتب عليها: " من غير الأصل " فلذا لم أثبتها. ديوان ابن حمديس: 268. ديوان المعتمد: 100. ديوان المعتمد: 111. ط م س: وفود. في هامش ط قطعتان بخط الناسخ ولكنهما من غير الأصل. انظر نفح الطيب 4: 257 ومختارات الصيرفي: 121. مضمن من قول حبيب أبي تمام (ديوانه 3: 232) : عسى وطن يدنو بهم ولعلما ... وأن تعتب الأيام فيهم فربما ط س: الشاسي. المعجب: 223 والنفح 4: 97 - 98 والإعلام 2: 322 ومنها أبيات في معاهد التنصيص 3: 20 ومختارات الصيرفي: 124. في أصل ط: توقد، وخ بهامشها: تنفخ. خ بهامش ط: شكت [من] . زيادة من دوزي. القلائد: 23 والنفح 4: 214 والمعجب: 209 ومختارات الصيرفي: 122. القلائد والنفح: بمزن. فوقها في ط: منهم. القلائد والنفح: تخدمها. انظر الذخيرة 3: 666 وما بعدها. أبو حفص عمر بن الحسن الهوزني (392 - 460) طلب العلم على شيوخ الأندلس ثم ارتحل سنة 444 (وابن بسام يقول سنة 440) وأخذ عن علماء المشرق، وأصبح متفنناً في العلوم؛ ولما قتله عباد بيده أمر بدفنه بثيابه وقلنسوته وهيل عليه التراب داخل القصر من غير غسل ولا صلاة (انظر الصلة: 381 والنفح 2: 93 ومسالك الأبصار 11: 416 والمغرب 1: 234 وفيه نقل عن الذخيرة، وترتيب المدارك 4: 825) . المغرب: وتناصر. انظر التعليق رقم: 2 على الصفحة السابقة. م: مدينة ابن بشتر، وانظر الكائنة على مدينة بربشتر في الذخيرة 3: 179. في الصلة: لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر. الأبيات في المغرب وترتيب المدارك وهي وبعض الرسالة في النفح 2: 93. ترتيب المدارك: يتقنع. المغرب: نجادة؛ النفح: شكاية. د: والتليد ... الوالد والوليد. دفعهم: سقطت من ط س. م د س: الأمر. الجأواء: الكتيبة التي يعلوها لون السواد لكثرة الدروع، ط س: شهواء. م: مجدد. ط: قول. س م: يعترها. بهامش ط بخط مغاير: مفاصلها، وكذلك هي في بعض أصول النفح. م س: تخترم؛ أصل ط: تتخرم. س م: ألبس. م: بالروض. د: من هوى؛ وسقط من م س، وموضعه في ط كلمة غير واضحة. د: تصرفني. جو: اليمامة، ووقيعة خالد فيهم في حروب الردة مشهورة. بعد هذا البيت في م س: ومنها. في النسخ: فغرهم. ط م: لما تبين؛ س: لما يبين؛ وسقطت من د، وأثبتنا ما في هامش ط. م س وهامش ط: المجتنى. م ط س: وبمعاشر. البيتان الأولان لزهير بن أبي سلمى، ديوانه: 115. ط م د س: واستشار. المثل في فصل المقال: 362 والميداني 1: 221 والعسكري 1: 415 (تحقيق أبو الفضل) والمستقصى: 226 واللسان (سرح) وجمهرة ابن دريد 2: 132. من كلام أبي بكر الصديق، يقول: إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر أبصرت قصدك وإن خبطت الظلماء وركبت العشواء هجما بك على المكروه، يضرب الفجر والبحر مثلاً لغمرات الدنيا (اللسان - فجر) وانظر الذخيرة 1: 394. ط م: آل البلاد؛ س د: إلى البلاد. النفح: رش: ط ك د س: نشو. النفح: خفضوا فالداء رزء أجل. م ط: بك. في النسخ: استوى. ط د: عجبوا. مضمن من الحماسية رقم: 273 في شرح المرزوقي. فثبوا: سقطت من م ط. ط د: نشو؛ م: نشى. صدره: إن يأبروا نخلا لغيرهم، الحماسية رقم: 54 للحارث بن وعلة الجرمي. حماسة البحتري: 136 والمختار: 172. مروج الذهب 6: 62 وفصل المقال: 69، 233. المختار: 172 وزهر الآداب: 573. صدره: وأزرق الفجر يبدو قبل أشهبه، ديوان البحتري: 171 والمختار: 172. ديوان ابن الرومي: 146 وزهر الآداب: 573 وروايته: كم جر (كم قاد) . شروح السقط: 1718. ديوان أبي تمام 4: 115. ديوان العباس: 116. النفح 3: 231، وردا غير منسوبين، وهما في التمثيل والمحاضرة: 115 لابن نباتة السعدي وانظر نهاية الأرب 3: 104 واليتيمة 2: 396. في الميداني (1: 214) رب صبابة غرست من لحظة، رب حرب شبت من لفظة. في النسخ: شهود. م: البيت. في صحيح مسلم 2: 295 - 296 الأرواح جنود مجندة ما تعارف ... الخ الحديث. ديوان أبي نواس: 428. في النسخ: تختلف. في النسخ: اعتقلت، وما أثبته من هامش ط. يشير إلى المثل: " يضع الهناء مواضع النقب " والهناء: القطران، والنقب: الجرب، يضرب مثلاً للحاذق البصير في الأمور، هو من شعر دريد بن الصمة في الخنساء، وصدر البيت " متبذلاً تبدو محاسنه ". في النسخ، لدى، وما أثبته من هامش ط. ديوان عدي: 93. أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد (أو سعدون) بن أيوب التجيبي، أحد أقطاب المذهب المالكي، وصاحب المؤلفات الفقهية القيمة، منها المنتقى وإحكام الفصول في أحكام الأصول وغيرهما، توفي بالمرية سنة 474 (انظر ترتيب المدارك 4: 802 والديباج المذهب: 120 والمرقبة العليا: 95 وبغية الملتمس رقم: 777 والصلة: 197 والقلائد: 188 والمغرب 1: 404 وتهذيب ابن عساكر 6: 248 ومعجم الأدباء 11: 246 والإكمال 1: 486 وتذكرة الحفاظ: 1178 وابن خلكان 2: 408 والشذرات 3: 334 ونفح الطيب 2: 67 ومرآة الجنان 3: 108 وفوات الوفيات 2: 64 وعبر الذهبي 3: 280 والروض المعطار: 75. باجة الأندلس (Beja) : تقع في البرتغال على بعد 140 كم إلى الجنوب الشرقي من لشبونة. م ط س: ومال. هو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر القاضي (- 422) (انظر في ترجمته ترتيب المدارك 4: 691 وطبقات الشيرازي: 168 وتبيين كذب المفتري: 249 وتاريخ بغداد 11: 31 والديباج المذهب: 159 وابن خلكان 3: 219 والمرقبة العليا: 40 والفوات: 2 419 وستأتي ترجمته في القسم الرابع من الذخيرة؛ وانظر كذلك مصادر أخرى ذكرت في حاشيتي الوفيات والفوات) . في النسخ: كشفت. د: التظافر. في النسخ: فإنك .... تنطوي ... وتأوي. د: وغرس. د: بحوزتنا. بهامش ط: جملة من شعر أبي الوليد، وليس في النسخ شعر أو نثر له؛ وقد جاء في هامش ط المقطوعتان الأوليان الثابتتان هنا، وهنالك ما يفيد أنهما نقلتا من نسخة عتيقة؛ ثم كتب بهامش النسخة نفسها بخط مغاير كثيراً لخط الأصل: " بل بقي نحو الورقة ونصف " وكتب عند نهاية الترجمة، " بقيت خمسة أبيات "، وهذا الذي أثبته هنا إنما جاء في الطبعة المصرية (1975) اعتماداً على النسخة الكتانية؛ وقوله " ما أخرجه " - بضمير الغائب - دليل على أنه ملحق بجهد رجل آخر عدا ابن بسام، لعله وجده في مسودات ابن بسام نفسه، أو لعله أضافه مشاكهاً عمل ابن بسام في المقدمات المسجوعة، وما جاء به مسجوعاً هنا يقارب طريقة ابن بسام، ولكنه لا يطابقها تماماً. هذا وقد خالفت قراءة الطبعة المصرية في عدة مواضع، دون أن أشير إلى ذلك. وردت القطعة في ابن عساكر والقلائد والمغرب والفوات وبغية الملتمس والصلة والمرقبة العليا وابن خلكان ومعجم الأدباء والنفح وترتيب المدارك والديباج المذهب والروض المعطار. هو القاضي أبو جعفر بن أحمد بن محمد السنماني - سمنان العراق - كان فقيهاً متكلماً على مذهب الأشعري وقد أخذ عنه الباجي علم الكلام بالموصل لا ببغداد، وتوفي سنة 444 (اللباب والمنتظم 8: 156) . منها بيتان في معجم الأدباء 11: 249 والنفح 2: 76. في البيت إشارة إلى مطلع معلقة طرفة. النفح ومعجم الأدباء: رق. حجيت: لزمت وتمكست ب -. هذا البيت قلق القراءة. معجم الأدباء 11: 259 والنفح 2: 76. النعائم: منزلة من منازل القمر. معجم الأدباء والنفح: ضمن؛ والخيم: الخليفة والطبع. المغرب 1: 405 والقلائد: 189 ومعجم الأدباء 11: 250 - 251 وترتيب المدارك 4: 807 ومنها بيتان في ابن خلكان 2: 408. ترتيب المدارك: وأمطر. القلائد: 189 والنفح 2: 75. القلائد والنفح: لوعة ... وقفة وتلوم. القلائد والنفح: والحزن. منها أبيات في نفح الطيب 2: 84؛ وممدوح الباجي هذا هو ثمال بن صالح المرداسي صاحب حلب، فهذه القصيدة مما قاله بالمشرق. النفح: بالخيف. النفح: لتقبيل (وما هنا أصوب) . النفح: أشارت (وما هنا أصوب) . انظر النهي عن التصاوير في الستر في سنن النسائي 8: 212. والميثرة كهيئة المرفقة أو الثوب تجلل به الثياب؛ وهذه القراءة تقديرية. الأبيات في ابن عساكر 6: 250 (ما عدا الثاني) . انظر المثل في فصل المقال: 254، 334 والميداني 1: 303 والفاخر: 158 والعسكري (بهامش الميداني) 2: 64. ترجمته في الجذوة: 61 (والبغية رقم: 107) والمطمح: 23 والمغرب 1: 96. م س: على ما أخرجت. أبو علي إدريس بن اليماني ترد ترجمته في الذخيرة 3: 336 وابن الأبار سترد ترجمته في هذا القسم: 135. م ط س: بحقك. سيأتي طرف من خبره في هذا القسم: 206. م ط د س: الدهر. كذا في م ط د س، وهو مختل، ولعل صوابه " باهري الأنوار ". م ط س: فيها. هو الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي، منافس المنصور بن أبي عامر، وقد قضى عليه المنصور سنة 367 (وأخباره في المصادر التاريخية المتعلقة بتلك الحقبة، وانظر المطمح: 4 - 8) . يسعى: سقطن من ط م س. موضع هذا الشطر بياض في ط د س وقد جاء في م بخط مختلف عن خط الأصل. س م: السرور. منها ثلاثة أبيات في المغرب 1: 97. المغرب: أزهاره. الدرانيك: البسط. ذكره صاحب الجذوة مرتين: 65، 283 (البغية رقم: 383، 1572) فقال في الموضع الأول إنه أديب شاعر يروي عنه ابنه عبد العزيز، وأن ابن حزم ذكره، وأورد له في الموضع الثاني أبياتا من قصيدة طويلة قالها في القاضي أبي الفرج ابن العطار. م س: جنبي. ط د: لنا. البيت للمتنبي، ديوانه: 400. ط د س: ببيضتك. انظر المثل " ما كل بيضاء شحمة " و " ما كل سوداء تمرة " في العسكري 2: 287 (تحقيق أبو الفضل) والميداني 2: 169. انظر فصل المقال: 362 والميداني 1: 223 والعسكري 1: (أبو الفضل) والفاخر: 206 وقد مر تخريجه ص: 83. انظر العسكري 1: 61 والميداني 1: 36. بيت شعر للنابغة الذبياني (انظر اللسان والأساس: أنى؛ وفصل المقال: 328) . ديوان المتنبي: 454. م ط س: ارتكبت. ديوان أبي تمام 3: 106. م ط س: ومعنى القول الثالث. هذا من الحديث، والهاء في " تقله " هاء السكت: ولفظ الحديث لفظ الأمر، ومعناه الخبر، أي من خبرهم أبغضهم (التاج: قلى) . جبلي نسبة إلى جبل وقاضيها يضرب به المثل في الجهل (ثمار القلوب: 236) . وفي النسخ: حني. البيت للقطامي، ديوانه: 76. ط: فيها. م ط: وأنشدوا. البيت لعدي بن الرقاع العاملي، انظر الشعر والشعراء: 517 وتمام المتون: 339 - 340. طولوق: انظر في شرح هذه اللفظة 1: 268، 3: 653 من الذخيرة، وهو هناك شرح استنتاجي، وقد جاء في شرح القصيدة الساسانية لصفي الدين الحلي أن الطولوق درج فيه تصاوير وتماثيل، انظر: C. E. Bosworth: The Mediaeval Islamic Underworld part II p. 73 (Arabic Part) ، p. 329 (Eng. Trans) . ط: قدرا. د: أطيب. س ط د م: والرقيق. م ط س: عندهم. ديوان أبي تمام 2: 71. م ط س: وخاف. رويد الابلال: الإقلال: بياض في م د س: وثبت في ط بخط مغاير لخط الأصل. في النسخ: وإحسانك، وأثبت ما في هامش ط. ط د: وزمرت. م ط د س: ويحرمون. د: ويستحيون؛ م ط س: ويستحبون. خ بهامش ط: مضافر. د: بحر. م: تمشي. في النسخ: إجهاد؛ والاحفاد: الإسراع. م: وجلح؛ س: وحلج. هذا يعني أن الهوزني قد خلف له أقرباء في اشبيلية حين ارتحل عنها. ط س: معطوف. ديوان أبي تمام 2: 18. ديوان المتنبي: 79. وقع هنا خرم في م. ديوان المتنبي: 440. ديوان ابن هانئ: 199. الديوان: مسود. في المعتمد: لم ترد في ط س. س ط: السحر. س ط: وأحداق نشاق؛ وتتاق: مخففة من تتأق أي تملأ. م: باللهو. أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن عامر بن حبيب، الملقب بحبيب، وقال ابن الأبار إن أباه كان يلقب بذلك، توفي في حدود 440 وهو ابن اثنتين وعشرين سنة (وقال ابن سعيد: ابن تسع وعشرين سنة) ؛ وذهب ابن سعيد إلى أن المعتضد هو الذي قتله، وكان له أخ اسمه محمد بن محمد بن عامر وهو شيخ أبي بكر ابن العربي؛ وكانت لأبيه قدم في الرياسة عند المعتضد كما أشار ابن بسام في هذا الجزء. (انظر الجذوة: 152 والبغية رقم: 534 والتكملة: 180 والمغرب 1: 245 والنفح: 3: 427 والمسالك 11: 215) ؛ وكتابه " البديع في فصل الربيع " نشر بتحقيق هنري بيريس، الرباط: 1940. البديع: 1. البديع: بتأليفه ... بتصنيفه. البديع: 28 - 29 والنفح 3: 427 والعطاء الجزيل في كشف غطاء الترسيل ص: 4. البديع والعطاء: لكل. البديع: 29. البديع: 30 والعطاء الجزيل: 4. البديع: مكموم. في النسخ: وأبلست. ط م د س: الربيع. هو أبو الوليد ابن جهور، وفي العطاء الجزيل: ابن جمهور. البديع: 52 (وابن بسام يوجز في النقل) وانظر أيضاً العطاء الجزيل: 126 - 127 ونهاية الأرب 11: 196. العطاء: إن اللطيف الخبير. البديع والعطاء: فضل على بعض بعضا. البديع والعطاء: منا. البديع: نرتكض. العطاء: عليها. العطاء: وهو النمام. د: رونقي. للخنساء، ديوانها: 152. العطاء: الخيري النمام. ط م: زمنا في زمن. العطاء: تلعة. زيادة من البديع والعطاء الجزيل. العطاء: بخالصه. العطاء: بسوابقه. ط م د س: نازعه المباهاة. البديع: 58 والعطاء الجزيل: 127. البديع: أكبرت. العطاء: لا يجول ... ولا يحول. البديع: منول؛ وفي النسخ: مثول عون، وآثرت قراءة العطاء الجزيل. البيت لابن الرومي، انظر ديوانه 2: 644 وتشبيهات ابن أبي عون: 193 وديوان المعاني 2: 21 وحلبة الكميت: 202؛ وعند هذا البيت ينتهي ما جاء من هذه الرسالة في العطاء الجزيل. يشير إلى قول ابن الرومي في هجاء الورد (حلبة الكميت: 211) : وقائل لم هجوت الورد معتمدا ... فقلت من قبحه عندي ومن سخطه كأنه سرم بغل حين يخرجه ... البراز وباقي الروث في وسطه البديع: 128 ونفح الطيب 3: 428. البديع: 129. البديع: 105 والمسالك 11: 215 والنفح 3: 428. البديع: أرى. البديع: برود. البديع: 157 والمسالك نفسه. منها بيتان في المسالك. ديوان ذي الرمة: 478. د: أردت؛ ط س: رأيت. هذا البيت والذي يليه في المغرب 1: 245 ورايات المبرزين: 39 (11 غ) والنفح والمسالك. ديوان المتنبي: 330. الديوان: هذا المعد. الديوان: أعد هذا. هو أحمد بن محمد الخولاني الاشبيلي (- 433) ، كان كثير الشعر (انظر ترجمته في ابن خلكان 1: 141 والجذوة: 107 وبغية الملتمس رقم: 364 والمغرب 1: 243 والمسالك 11: 418 والوافي 8: 137 وله أشعار في النفح والبديع في فصل الربيع) . انظر الوافي 8: 137 ومنها بيتان في المسالك. الوافي: أفديه. الوافي: الجيد. الوافي: والبرد. روى بن بسام منها بيتين لإدريس في الذخيرة 1: 87. زهر الآداب: 272 وديوان صريع الغواني: 91. انظر الزهرة: 66. ط د: ديمة. هما ليزيد الطثرية في ابن خلكان 6: 369 والأغاني 8: 164. الأغاني 8: 337. ط د م س: بذات. زهر الآداب: 727 والزهرة: 67 وديوانه: 147. زهر الآداب: 727 والروض المعطار (بيروت 1975) : 194. زهر الآداب: 727. متابع لزهر الآداب: 727. متابع لزهر الآداب: 728 وانظر ابن خلكان 4: 260 والوافي 3: 58 ومصارع العشاق 2: 137. ط: تفخر. وبراته: مخفف من " وبراءته ". ديوان الرضي 2: 274. ديوان المتنبي: 335، 310. أبيات الرمادي في المطرب: 3 - 4. هو أبو أحمد بن فرج الجياني صاحب كتاب الحدائق، وأبياته في الجذوة: 97 والمطمح: 80 والشريشي 1: 211 والمغرب 2: 56 والنفح 3: 191، 437 واليتيمة 2: 17. في أصل ط: غدوت. في أصل ط: السقم؛ وفي الحاشية: السقب. م ط: أمتي. انظر هذه القطعة في المصادر المذكورة سابقا. تسل: مخفف من " تسأل ". انظر المسالك 11: 418 - 419. المسالك: أيام. د: قده. المسالك: خده. المسالك: حتى في الخنا (اقرأ: الجنى) . هو ابن اللبانة، وترجمته في القسم الثالث: 666. هو المعروف بعصا الأعمى لأنه كان يقود الأعمى التطيلي (انظر ترجمته في المطمح: 88 والمغرب 1: 289 والرايات: 23 غ) وأبياته قد وردت في المغرب 1: 290. عند هذا الحد ينتهي الحرم في النسخة م. المغرب: لفاء. ديوان امرئ القيس: 22. فقال: سقطت من م. البيت من قصيدة لابن الطثرية في وفيات الأعيان 6: 368 والحماسية رقم: 541 وزهر الآداب: 854 وقيل لأبي كبير الهذلي، وأدرجت في ديوان ابن الدمينة: 186 وخرجها محقق الديوان ص: 256. هو الحكم الحضرمي، انظر الأغاني 2: 250. ديوان ابن أبي ربيعة: 252. ديوان أبي تمام 3: 352. ديوان الأخطل: 129. الديوان: الحجل. زهر الآداب: 393 ووفيات الأعيان 2: 224. زهر الآداب: 393 وديوان النابغة: 184. زهر الآداب: 393 وديوان أبي تمام 3: 115. زهر الآداب: 393 والمختار: 98. زهر الآداب: 394 وديوان المتنبي: 279. زهر الآداب: 394. أمالي القالي 1: 23. هو النحلي، الذخيرة 1: 384. ديوان المتنبي: 36. انظر المغرب 1: 290. المغرب: إذا انثنى. المغرب: الهتك. ديوان المجنون: 206. هو صالح الشنتمري، كما سيجيء في ترجمته. انظر المسالك: 419 والفوات 3: 406 والنفح 3: 47 ومعاهد التنصيص 1: 95 - 96. الفوات: المكان. النفح: من خمر. المسالك: ثم لما نام الرقيب سريعاً، الفوات: نام من بعد نعس. ط: وأحذر؛ م: وأخاف؛ س: وأخشى. م: واستشر؛ ط د س: واشتهر، والتصويب عن المسالك. المسالك 11: 420 وديوان أبي نواس 1: 84 (تحقيق فاجنر) . الأبيات للمفجع البصري، انظر اليتيمة 2: 363 ومعجم الأدباء 17: 182 والمسالك 11: 420. نقل العمري هذه الحكاية 11: 420. م: من ذلك قوله؛ وانظر ديوانه: 354، وما هنا أتم. الديوان: وتفتيت. م ط س: ونهانا. الديوان: عاطيته الكأس. الديوان: فترت. ديوان الفرزدق: 212. ديوان جرير: 1001. الديوان: تدليت تزني ... وقصرت. ديوان امرئ القيس: 241 وقراضة الذهب: 42. ديوان ابن أبي ربيعة: 113 وقراضة الذهب: 42. انظر كتاب ثابت: 287 واللسان (عتر) . عتر الذكر: إذا اشتد إنعاظه واهتز. ثابت: فقرتها. ديوانه: 273. الديوان: فقمنا إليه واحداً بعد واحد. ديوانه: 274. انظر ترجمة والبة في الأغاني 18: 43 وتاريخ بغداد 13: 518 وطبقات ابن المعتز 87 والفوات 4: 247 وقد ورد بيتاه في معظم المصادر المذكورة. ديوان سحيم: 19 - 20. الديوان: وتحوي. ديوان ابن المعتز 3: 50. المختار: 41 وزهر الآداب: 9. انظر الشريشي 2: 21 - 22. م: فأوصى؛ الشريشي: قد أوحى لنوح. المسالك: 419 وفي المغرب منها أبيات. المسالك: تسهد ليله. المغرب: جعل الحسام إلى الحمام. المغرب: لم اتخف من بأسه. م: سيوفهم. انظر المغرب 2: 232 والنفح 4: 67. له ترجمة في الجذوة: 296، 371 (البغية رقم: 1232، 1523) والمغرب 1: 245، وذكره في رايات المبرزين 11 (غ) ؛ ونقل ابن سعيد عن الحجاري قوله إن ابن حصن نشأ مع المعتضد فاستوزره إلا أنه كان فيه طيش أداه إلى حتفه؛ وانظر أيضاً النفح 3: 266، 429 وبدائع البدائه: 367 والمسلك 11: 217. المسالك: أفتن. المغرب: تنفض الماء، د: غراب، والبيت في المسالك. انظر النفح 3: 429. فيه إشارة إلى المثل: كل مجر في خلاء يسر. عجز بيت من الشعر، وصدره " إلى ديان يوم الذين نمضي " والبيت لأبي العتاهية في ديوانه: 353 والأغاني 4: 53 وهو دون نسبة في ابن خلكان 6: 229. س م: نوال. المسالك 11: 217. ط: أليس ذا عجبا أن. وردت في المغرب 1: 246 والمسالك، والأخير منها في رايات المبرزين: 40 (11 غ) . ط: تحوي. سقط هذا البيت من م. وردت أبيات منها في المغرب 1: 246 وتحفة العروس: 168. كذا في النسخ، على التأنيث، ولعله " حاذي ". ط م د س: تنأ. ط: مالك. المغرب: بتهاد. م: ضجعتني. المغرب: لظهر. أصبح هذا مثلاً عند الأندلسيين، انظر المثل رقم: 836 من أمثال الزجالي (2: 190) . م س: ظن. أود البيت كاملاً في النسخ، وذلك لا يلتئم مع إثباته لفظة: " البيت " التي تشير إلى حذف. ديوان عمر: 439. الديوان: احتضنتني. ط د: النوم. منها بيتان في المسالك ومعاهد التنصيص 3: 82. ديوانه: 169 ووفيات الأعيان 2: 366 - 367. الوفيات: وهل ترى ... حمائلا. الشقر: شقائق النعمان. وردت في المسالك 11: 218. وردا في المسالك. ط م د س: يحجب؛ المسالك، حجب؛ ويجحف: يقشر. المغرب: من صبها؛ المسالك: منصبة (وهي قراءة جيدة) . وقد جرى: سقطت من م س ط. عنه لأني: موضعها بياض في م ط س. البيتان في المغرب 1: 246 والمسالك. انظر المغرب 1: 247 والمسالك 11: 219 وسرور النفس: 102 وعنوان المرقصات: 26 ونهاية الأرب 10: 267 وحلبة الكميت: 286 ورايات المبرزين: 39 (11 غ) . خ بهامش ط: هاجني، وكذلك هو في سرور النفس. ط: التبر. خ بهامش ط: فرع، وكذلك هو في سرور النفس. سرور النفس: تؤاما. ديوان المتنبي: 465. م ط س: واعتزم. ط د: ويدنو. يريد قبيلة عك. ديوان ابن الرومي 1: 63 والتشبيهات لابن أبي عون: 21 والشريشي 2: 180. اليتيمة 3: 379. اليتيمة: ذو غرة ... لو برقت ... في صفحة. م: أطل. شروح السقط: 1133. شروح السقط: 1351. ط م د س: وساجرة. ديوان ذي الرمة 2: 633. الديوان: أخضر. منها أربعة أبيات في المسالك. ديوان أبي تمام 3: 24. الديوان: يعنفني. الخنج: الضخم؛ وفي ط: خنج. ديوان أبي تمام: 326. ورد في طبقات ابن سعد 3: 29 منسوبا للشفاء ابنه عبد الله. انظر مسند أحمد 1: 89، 96، 101؛ 3: 228، 270. منها خمسة أبيات في المسالك. المسالك: أزوره. د: الغزال المخصر، م: المحصر. د ط س: جريان؛ وجربان السبف: غمده أو هو قراب ضخم يضع المرء فيه السيف وأدوات أخرى، والمفقر: السيف الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه. د: بالصرائم. المسالك: تختار. م ط س: تركوها؛ الترهوك: مشي الذي كأنه يموج في مشيته. هو مؤدم مبشر: وصف للرجل الكامل أي جمع لين الأدمة ونعومتها وهي باطن الجلد وشدة البشرة وخشونتها وهي ظاهر الجلد؛ ويقولون امرأة مؤدمة مبشرة إذا حسن منظرها وصح مخبرها. ط: وإنما؛ س د: وأنا. ومنها ... قصيدته: وقع في د قبل قوله " أأرقى إلى السبع ... ". د: خودا للمعاني. المهو من السيوف: الرقيق، وقيل هو الكثير الفرند. لصف: برق وتلألأ. الغاضف: الناعم البال. د: صفاصف؛ وأرجح أن تكون القراءة " فصافص ". ط م س: عوالفا. د: وبالأمن. تنبي: تسبب فيه نبوة. الحرجف: الريح الباردة. ط د س: قرانا. م: حصافاً؛ م ط: حضائفاً. جلائف: مقطوعة مستأصلة. س ط: سراد. فيه إشارة إلى المثل: " ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان ". ط: أبرضت؛ وأرضت: جعلتها أريضة ممرعة، والخشاشي: الأرض الصلبة ذات الحصى، والخشائف: اليابسة. من المثل: " أعن صبوح ترقق " يضرب لمن يعرض بشيء وهو يريد غيره. انظر فصل المقال: 75 والضبي: 53. في النسخ، جرشى، ولا وجه لإسقاط " ال " التعريف فيه. م ط د: ترقرق ... ونعبق، والبيت متصل بما بعده. ط د م س: الحيا. ط م: اطفقت. بنور يفرن من زناتة، استولوا بعد الفتنة على تاكرنا وكانت قلعتهم رندة، وكان زعيمهم أبو نور بن أبي قرة حليفا لعباد، ثم غدر بهم عباد في حديث طويل، (انظر البيان المغرب 3: 270 وما بعدها) وقوله: " دمر " هي أحد فروع اليفرنيين، وفي النسخ: تدمر. وردت في النسخ: يرقيان، وعند ابن عذارى (3: 271) يرنيان، وكان أميرهم عبدون بن خزرون صاحب أركش وشذونة، وقد قام عباد بالقضاء عليهم أيضاً وأباد أكثرهم سنة 458. الجدالة: الأرض. موضع هذه العبارة بياض في م ط س. في د ط: جدوا؛ ويحمج: يحدق النظر، (وفي النسخ: يجمح) والشري: الحنظل، والجرو: الحنظل حين يكون صغيرا، والمخطب: الحنظل حين يصفر. في النسخ: ألمح؛ وألمج: أرضع؛ الجداء: القليلة اللبن، والحافل: الضرع الممتلئ باللبن. في النسخ: تزدري؛ ولا معنى له. نكل حرب: قوي عليها، وفي النسخ: حزب. م ط: ابتهاله؛ س: اهتبالها. أبان: اسم جبل. س م: أفة. المأقط: المعترك. م: أحمل. ساقط في ط م س؛ وفي د: بكل فؤاد من فؤادي؛ ولا أراه دقيقا، ولعل الصواب " بكل قسيم من فؤادي " أو " بكل فؤادي علقة وتمكن " أو ما أشبه من قراءة. لعل الصواب: " ذكاء ". س ط: حدا بهم. العجمة: الثقطة؛ السبج: الخرز الأسود. س م ط: أفة أن. بياض في م د س؛ وفي ط كلمة لعلها مزيدة بخط غير خط الأصل. ط م س: يضني؛ د: يقي. مرثوم: مخلق ملطخ بالطيب. التعليم: جعله معلما أي مخططا. ط د م: وما. ذكر ابن سعيد (المغرب 1: 405) أن يوسف بن جعفر الباجي كان فقيها جليل القدر رحل إلى المشرق وحج وولي قضاء حلب، وعاد إلى الأندلس فجل قدره عند المقتدر بن هود ملك سرقسطة، وقد ذكره ابن بشرون الصقلي وعنه ينقل العماد (الخريدة 2: 313) وذكر أن له مؤلفات وتصانيف شرعية؛ وعاد العماد فذكره (2: 380) نقلا عن القلائد: 102 وفيها أن كنيته " أبو عمرو "، وانظر المسالك 11: 420. هكذا يقول ابن بسام، ولكن هذا من التجوز الذي يلحق ضررا بالدراسة الدقيقة، والمؤلف إنما ينتحل لنفسه عذرا، وقد علق العمري على هذا بقوله: " وهبهم أهل بيت واحد، أليس يفرق بينهم التفاوت -! ". كذا في النسخ. يد: سقطت من ط. وردت هذه الرسالة في العطاء الجزيل: 62. العطاء الجزيل: بطول الأسى. في النسخ: وكثيرة. في النسخ: منحك، والتصويب عن العطاء الجزيل، وزاد فيه بعد اللفظة " الله ". وردت في العطاء الجزيل: 63. العطاء الجزيل: في توفية. ط م س: فشد. في النسخ: الحبر. ط م د س: لرزء يسهل فيها، وأثبت ما في العطاء الجزيل. ط م د س: للبث. ط م د س: في الاحتساب. م س: باستدانها، ط: باستمدانها. في النسخ: هاد للعاقلين، والتصويب عن العطاء الجزيل. م ط: أفحمتني، س: أفجعتني. م ط س: وفضضته. ط: الكتاب. كان المأمون بن ذي النون قد سجن أبا مروان ابن غصن الحجاري، انظر أخباره فقي القسم الثالث: 331 وما بعدها. ط د: صبيح. تقع هذه الرسالة في سلسلة الرسائل " الزهرية " التي مرت منها نماذج في ترجمة أبي الوليد إسماعيل الملقب بحبيب: 127. هو محمد بن سليمان الرعيني أبو عبد الله، راجع ترجمته في القسم الأول: 437. ط د م س: فاعتزله. قارن بالقلائد: 103 والخريدة 2: 382، ووردت أيضاً في العطاء الجزيل: 129. القلائد والخريدة: ترفيهاً وإنعاماً ... تنبيهاً وإلهاماً. القلائد والخريدة: وعلى آخرين. العطاء الجزيل: له. م: أنعم. م د س ط: فقنع. العطاء الجزيل: إثر. القلائد والخريدة: الحمد. غافق: حصن حصين كان بقرب حصن بطروش (الروض: 139) والمدور حصن آخر (Almodovar del Ria) قريب من قرطبة، وانظر الحديث عن المدور في المغرب 1: 222. صنبر: اسم جبل، ذكره البحتري " أعلام رضوى أو شواهق صنبر "، وفي المسالك: وألقت عنان الطوع وهي تحسر. المسالك: تطوى. المسالك: الأمير. منها أربعة أبيات في المسالك. شروح السقط: 284. م د ط س: صوب. منها أربعة أبيات في المسالك. ط م د س: حام. هو علي بن عبد الله بن علي المعروف بابن الاستجي؛ ذكره الحميدي مرتين (الجذوة: 295، 370) وتصحف اسمه في الموضع الثاني إلى " الاشجعي " وكان فقيهاً نحوياً من أهل قرطبة، سكن إشبيلية (انظر البغية رقم: 1221، 1522 والمسالك 11: 42) . انظر البديع: 18 والجذوة: 371 والمسالك والبغية. البديع: 151. م: الشعر. البديع: أبنية ... اصطلمت. س د م ط: جرد، والتصويب عن البديع. يعني أبا حنيفة الدينوري صاحب كتاب النبات. البديع: 40 - 41. البديع: الروض. البديع: محضه. البديع: مرفضه. سقط البيت من م. م ط د: يأمل؛ ط د: فرضه. البديع: 41 - 42. ط د م س: عضه؛ خ بهامش ط: مخضه؛ البديع: من الأزاهر مخضه. البديع: 43. م ط س: كما (كمى) . البديع: بيضاء غراء. البديع: الهشم. بعد هذا حدث سقط في م. البديع: 43. البديع: واقتضه. ط د س: الحسن. في النسخ: يشمه. هنا ينتهي السقط في م. البديع: 46. ط د م س: سلا. س ط: بعض. البديع: 47. ورد البيت في م: بأن وصف الأقاحي ... بأكؤس من فضه البديع: 48. هذا البيت والذي يليه سقطا من م. س ط م د: نقد. ذكره الحميدي (الجذوة: 367 والبغية رقم: 1513) في من ذكروا بالكنية ولم يتحقق من أسمائهم، والحميدي يعتمد أيضاً كتاب الحديقة لأبي عامر ابن مسلمة. د: فريضة. ط: سأبعد. انظر الجذوة: 367 (البغية رقم: 1512) ووصفه بأنه رئيس أديب شاعر؛ وانظر النفح 3: 485؛ وذكر الحميدي: 164 الأصبغ بن سيد وكناه أبا الحسن، وقال إنه، شاعر إشبيلي رآه قبل 450، ولعل الشخصين شخص واحد، وإنما الخطأ واقع بين الاسم والكنية. م ط س: ريقها. هو إبراهيم بن خيرة أبو إسحاق يعرف بابن الصباغ، من شعراء إشبيلية (الجذوة: 145 والبغية رقم: 501 والغرب 1: 260 والنفح 3: 485) وفي المصادر بعض أبياته التائية؛ وقد نسبت الأبيات في المطمح: 23 لأبي عامر ابن مسلمة نفسه. س والجذوة: بمثال. س: طال. أبو بكر ابن نصر الإشبيلي، ذكره الحميدي في الكنى اعتماداً على ابن مسلمة (الجذوة: 369 والبغية رقم: 1519) . ذكره ابن سعيد نقلاً عن الحجاري وإنه من شعراء الدولة المعتضدية، معتمداً على أبي عامر ابن مسلمة (المغرب 1: 259) . وردا في المغرب 1: 259. م ط د س: ولم. انظر ترجمته في المغرب 1: 259 والنفح 3: 484. البديع: 29. م ط س: يقضي العبور. هما في المغرب والنفح؛ وقال ابن سعيد أن صاحب البديع انشدهما له، ولكنهما لم يردا في المصدر المذكور. البديع: 146 والمغرب والنفح. البديع: الأحبوش. المشهور بهذا الاسم أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن القوطية صاحب كتاب الأفعال وكتاب افتتاح الأندلس، أصله من إشبيلية وسكن قرطبة، وكان عالماً بالنحو حافظاً للغة وأخبار الأندلس وأحوال فقائها وشعرائها، وطال عمره، وكانت وفاته سنة 367، ولا يمكن أن يكون هو المذكور هنا، فلعل هذا حفيد له، ولهذا وضعه الحميدي في باب الكنى (الجذوة: 369 والبغية رقم: 1518) ، وقد كان أبو بكر هذا هو صاحب الشرطة وذكر أنه شاعر متأخر (بالنسبة لزمان الحميدي) ، وقد أكثر له صاحب البديع من المختاات الشعرية. يسمى أيضاً المرزنجوش والمرزجوش، وهو بنات كثير الأغصان ينبسط على الأرض، وله ورق مستدير عليه زغب، وهو طيب الرائحة جداً. البيت في الذخيرة 4، الورقة: 34. في النسخ: مدرسا. توفي الفقيه محمد بن مروان بن زهر سنة 422 (انظر المطرب: 293 والصلة: 487 والبغية ص: 120 والوافي 5: 16 وعبر الذهبي 3: 150) . راجع ترجمة أبي مروان عبد الملك في الذيل والتكملة 5: 37 والتكملة رقم: 1691 وطبقات صاعد: 84 وابن أبي أصيبعة: 64 والمغرب 1: 265. انظر في أخبار زهر بن عبد الملك كتاب التكملة: 334 والمطرب: 203 والنفح 3: 246، 432 (نقلاً عن الذخيرة) . وبدائع البدائه: 310 وابن أبي أصيبعة 2: 64 - 66. وكانت وفاته 525 ودفن بإشبيلية باب الفتح. انظر النفح 3: 432 - 433. النفح: حسن. ديوان ابن الرومي 2: 591 ورسالة الصاحب: 242. ديوان البحتري: 2405. ستجيء ترجمته في هذا القسم: 799. ستجيء ترجمته في هذا القسم: 811. رسالة الصاحب: 242. ديوان المتنبي: 101. ترجمته في ما يلي من هذا القسم. ديوان كثير: 507 ومعه مصادر تخريجه، ويضاف إليها: بديع أسامة: 130 وبديع ابن المعتز: 60 وإعجاز الباقلاني: 150 ومعاهد التنصيص 1: 125 وشرح النهج 2: 407. بديع ابن المعتز: 59. يريد ابن رشيق في العمدة 2: 54، وهو يتابعه في أمثلته. لم يرد في ديوان النابغة الذبياني وقال صاحب العمدة: ورواه آخرون للجعدي، وهو في ديوانه: 162 وروايته، ألا زعمت بنو كعب. العمدة 2: 45، وكذلك سائر هذا الفصل عن الالتفات. س م ط د: يوفي. طبقات أبن المعتز: 188. ديوان جرير: 279، 278. بديع ابن المعتز: 59. هذا كلام ابن رشيق، وانظر ابن المعتز: 58. ديوان بشار: 111 (جمع العلوي) . ديوان نصيب: 91. انظر الأغاني 1: 213. ديوان العباس: 33. م د: السحر. لم يرد في ديوانه. هنا آخر النقل عن العمدة لابن رشيق. انظر في هذه الأبيات ديوان المتنبي: 297، 413، 355، 401، 249، 278، 344 على التوالي. م ط س: شرطه. ديوان المعتمد: 90 والمعجب: 218. زيادة من الديوان لاستيفاء المعنى. في المعجب: وركض عن يمين أو شمال ... لنظم الجيش أن رفع اللواء يعنيه أمام أو وراء ... إذا اختل الإمام أو الوراء م ط د: سيبلي؛ س: سنبلي؛ المعجب: سيبلي النفس. د: أعقبني. بدائع البدائه: 310 - 311. م ط د س: يغشى. ط م د س: يستبق، والتصويب عن بدائع البدائه. بدائع البدائه: لما استدار به عذار مونق. بدائع البدائه: استنار. أورد ابن بسام هذين البيتين في القسم الأول: 506 وهما هنالك منسوبان لابن الرومي، وانظر ديوانه: 137. م: الأزرق. الفقيه: زيادة من ط. أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري (- 487) صاحب المؤلفات اللغوية البارعة مثل شرح الأمالي وفصل المقال، والكتب الجغرافية مثل: المسالك والممالك ومعجم ما استعجم؛ انظر مقدمة السمط التي جميع فيها الأستاذ الميمني ما ورد عنه في الصلة والقلائد وبغية والحلة والوافي وعد مؤلفاته، وانظر دراسة عنه في الجغرافيين في الأندلس: 107 - 148؛ وقد نقل الأستاذ الميمني نص الذخيرة هذا أيضاً في مقدمة السمط. بأفقنا: سقطت من م ط س. ط م س: وأبدعهم؛ الميمني: وأبرعهم. يعني أبا عبيد القاسم بن سلام. ونثره: سقطت من م س. م ط: أميرة. نقل دوزي هذا الفصل عن الذخيرة في مجموعه عن بني عباد 1: 252 وانظر البيان المغرب 3: 240 والحلة السيراء 2: 180 - 182. أونبة اسم آخر لمدينة ولبة (Huelva) وهي وشلطيش (Saltes) في كورة اكشونبة في الركن الجنوبي الغربي من شبه جزيرة ايبرية، وتسمى المديرية اليوم مديرية ولبة. وفي ساحلهما جزر صغيرة أكبرها جزيرة شلطيش (انظر الروض المعطار، الترجمة الفرنسية: 44، 135. لبلة (Niebla) تقع شمال اقليم اكشونبة وتبعد عن اشبيلية إلى الغرب مسافة خمسين كيلومتراً (الروض: 203) . م س: وردها. دوزي: جلالا وخلالا. بهامش ط الأيسر بخط غير خط الأصل: " بقي منها نحو نصف ورقة " وعلى الهامش الأيمن " هنا ترجمة للوزير الفقيه أبي عمر أحمد بن محمد بن حجاج ". ولكن مما يلفت النظر أن النسخ المعتمدة لم تورد ترجمة ابن حجاج كما أنها لم تورد للبكري شعراً أو نثراً، وهي في الأرجح ناقصة عما رسمه ابن بسام نفسه، لهذا أثبت هنا بعض نثر البكري وشعره ليكون ذلك في نسق مع طبيعة كتاب الذخيرة. نهاية الأرب 5: 145 ونقله الميمني في مقدمة السمط. للأعشى: ديوانه: 149 والذخيرة 1: 835. ديوان أبي تمام 1: 78. انظر الحلة السيراء 2: 186 وما بعدها، ومقدمة السمط. هنا تقع ترجمة أبي عمر أحمد بن محمد بن حجاج، وقد نقل ابن سعيد شيئاً منها عن الذخيرة (المغرب 1: 251) وفيها يقول: " كان بحر علوم، وسابق ميدان منثور ومنظوم " وأورد له ابن سعيد رسالة أو قطعة من رسالة، أثبتها البلوي أيضاً على نحو أتم في العطاء الجزيل (ص: 5؛ وأرجو أن أوفق إلى العثور على الترجمة كاملة وإلحاقها بها القسم من الذخيرة) . أبو بكر محمد بن سليمان الكلاعي الاشبيلي (- 508) كان من أهل التفنن في العلوم كاتباً بارع الخط، وسافر رسولاً عن المعتمد بن عباد إلى الملوك غير مرة، وقبيل وفاته أدركه الخرف؛ انظر ترجمته في الصلة: 104 والمغرب 1: 350 والمطرب: 81 واعتاب الكتاب: 222 والمعجب: 227 والوافي 3: 128 والمحمدون من الشعراء: 358 والخريدة 3: 383 والذيل والتكملة 6: 227 والنفح 4: 361، 365، 366 والإحاطة 2: 516. من هنا نقل ابن الأبار نص ابن بسام في ترجمة ابن القصيرة (أعتاب الكتاب: 222) حتى قوله: تقعده؛ ثم لخص بعد ذلك حتى آخر الترجمة. الأعتاب: فعلمه. ذكر مؤلف المعجب: 228 أن ابن القصيرة كان على طريقة قدماء الكتاب من إيثار جزل الألفاظ وصحيح المعاني من غير التفات إلى الأسجاع التي أحدثها متأخرو الكتاب، اللهم إلا ما جاء في رسائله من ذلك عفواً من غير استدعاء. فيه مشابه مما أورده صاحب الروض المعطار (مادة: الزلاقة) ونقله المقري في النفح 4: 369، وانظر أيضاً القسم الثالث من كتاب أعمال الإعلام: 245. م: وقدره ممتناً وقضاه، س: وسناه ممتناً وقضاه. أعلام: إن كان قد أمهله. أشوى: أصاب الشوى أي الأطراف، ولم يكن قاتلاً. هذه العبارة قلقة هنا، وكذلك هي في الروض والنفح وأعمال الإعلام. ط د م: القيمة (ولعل الصواب: العصية) . م س: الخلفاء. قورية (Coria) قريبة من ماردة (الروض المعطار رقم: 153) وفي س م: مورية. م ط: تعاطيه. م د: أخطرناها. م: برايتنا. الكالئ: النسيئة والسلفة، والنقد: الدفع المعجل. م: أعاليهم. يعني أبا عبد الله محمد بن عبادة المعروف بابن القزاز. انظر أبياتاً منها في القسم الثالث من أعمال الإعلام: 249 وفي القلائد: 13 والمغرب والخريدة وهي من قصيدة وردت في ترجمة ابن عبادة القزاز في القسم الأول من الذخيرة: 308. م س: تواقعه. منها أبيات في المسالك 11: 221 والخريدة 2: الورقة: 99 (في ترجمة عبد الجليل ابن وهبون) والمطرب: 120 - 121 والقسم الثالث من أعمال الإعلام: 247 - 248 والقلائد: 13. كيامن: مثل يامن (يعني بنيامين أخا يوسف الصديق) وفي أعمال الإعلام: كبا بزلا وما لكما نظام (وهو غريب) . ط: رفيقة؛ م: رقيقة؛ والرفيغة: التراب اللين. فيه إشارة إلى قول حسان بن ثابت يعير الحارث بن هشام بالفرار: إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... ننجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأسي طمرة ولجام هو مثلن انظر جمهرة العسكري 2: 255 (تحقيق أبو الفضل) والميداني 2: 143 واللسان (عصم) . ديوان أبي فراس: 306. الديوان: إماء من قريظ. م س: لليل. ديوان المتنبي: 464 والخريدة 2: 100. ديوان أبي تمام 1: 199. تمامه: وزيد فيه سواد القلب والبصر (شروح السقط: 119) . ديوان التهامي: 55. م: التصليط. ستأتي ترجمته في هذا القسم: 433. ط م س: تسام. ط د: المتن. وضعنا هذا النص بين أقواس، لأنه سيرد من بعد في رسالة لمحمد بن أيمن، فهو ليس من كلام ابن بسام، وإنما أورده مقتبساً. هو ابن العسال الزاهد عبد الله بن فرج اليحصبي، انظر النفح 4: 352. في النسخ: لقد. م: عار. ديوان امرئ القيس: 70. قيل إن بربعيص بنواحي حلب؛ وفيها وفي ميسر كانت وقعة فيما يبدو. ديوان حسان 1: 17. المغث: القتال؛ اللحاء: السباب؛ ألمنا: فعلنا ما نلام عليه. م: أبهر. انظر زهر الآداب: 230 وتشبيهات ابن أبي عون: 236 والقسم الأول من الذخيرة: 150 والغيث 2: 160. ط م د: تكن. م: وأجدى. ط: الموهوب. ط: متداماً؛ م س: قنداماً؛ وبياض في د؛ والقنداق لفظة يونانية تعني " بيان " أو " براءة " مدرجة ضمن رسالة أو رقعة، كما يفهم من النص أعلاه. قال: سقطت من م د س. في النسخ: كمل. ط: ومجرماً. كذا ولعلها " الديار "، وهي غير واضحة في م. قرع للأمر ظنبوبه (وهو عظم الساق) : استعد له وتهيأ. ديوان أبي تمام 3: 320. الديوان: المخفى. ط: نافق؛ س م: راهق. م د: سيل. د: تعرض. ديوان المتنبي: 259. م ط: غير أسر، وهي رواية أخرى. في النسخ ابن جهور، والتصويب عن الحلة 2: 101 حيث ذكر أنه أحد أدباء إشبيلية. وابن جهور ليس من إشبيلية، وقد عرف محقق الحلة بمن اسمه عبد الله بن أحمد بن جمهور ومن المستعبد أن يكون هو الشاعر المقصود هنا، لأن عبد الله ولد سنة 516 أي بعد الزلاقة بثماني وثلاثين سنة. ديوان أبي تمام 3: 242. نهر آلس ووادي عقرقس ببلاد الروم، وكان عند الأول نصر للروم وعند الثاني نصر للمسلمين. ترجم ابن سعيد (المغرب 1: 6340) لبي الحسن محمد بن محمد بن الجد، الذي سيترجم له ابن بسام في هذا الجزء ويكنيه بأبي احسين (والكنيتان تتبادلان في المخطوطات) فلعله هو المعني هنا. سقط البيت من م. م ط: صوت. هذه الرسالة موجهة إلى صاحب قلعة بني حماد على لسان يوسف بن تاشفين؛ كذا قال في القلائد: 105 والخريدة 3: 285. القلائد والخريدة: ونكرك. القلائد والخريدة: وخلافك. م ط س: بصلح. القلائد: لقصصنا؛ الخريدة: لفضضنا. ط: ويخجل من حجته. القلائد والخريدة: حجته. د والقلائد: لا. د: القصة. م ط: امتدادها. القلائد: ولا عنانا غير. القلائد والخريدة: غيظاً. القلائد والخريدة: وحماتك. م ط س: القادر. س د: فنندهه (اقرأ: فنبدهه) . م س ج وخ بهامش ط: مالك. ظ: وشاربوا. ط م: وأجليت. س م ط: ولولا صاحب رومة. هو محمد بن علي بن عبد العزيز بن حمدين التغلبي، أبو عبد الله، كان من أهل التفنن في العلوم، حافظاً ذكياً تولى القضاء بقرطبة سنة 490 وبقي في منصبه إلى أن توفي سنة 508 (الصلة: 439 - 540) وانظر القسم الأول: 839 (الحاشية: 4) وفي ما جاء هنا تصحيح لما ورد هنالك حول أبي عبد الله قاضي الجماعة. س ط د: وتولى. وجلد وعزم: سقطت من م. ط د م س: تبالي. م: وعالك. س: لديك. م ط س: إشارتك: خ بهامش ط: أشاركك. د: وأطلعك. خ بهامش ط: المستبين. م ط س: سط؛ د: لبيط (وهذا الوجه الأخير يكثر وروده) . ط: بالضرب. م د: فعورت. ط د: خليفنا. كذا ورد في م ط د. لورقة (Lorca) من أكبر مدن ولاية مرسية (الروض رقم: 162) . ط: ليون؛ وأبو الأصبغ سعد الدولة هذا ذكره ابن سعيد في المغرب (2: 275) وذكر أنه ولي لورقة بعد أخيه أبي عيسى ابن لبون (الذي ترجم له ابن الأبار في الحلة 2: 167) ثم صارت للمعتمد كما يذكر ابن القصيرة في هذه الرسالة. د: والأمل. ط: والحرج (وهي قراءة مقبولة) . لعل المعنى هنا هو أبو بكر عيسى بن الوكيل اليابري الذي عاش إلى أيام دولة المرابطين واستعمل على الكتابة بغرناطة (أعتاب الكتاب: 224) . د: أفق. د: بلبيط؛ ط س م: بليط. س ط م د: الحتوف. كذا في النسخ، ولعلها: مشايعة. ط م د س: وانطباع. ط م د س: الداخلة. قص الفتح في القلائد: 10 - 12 كيف استولى المعتمد على قرطبة بمداخلة أهلها وولاها ابنه الملقب بالظافر " ولم يزل فيها آمراً وناهياً، غافلاً من المكر ساهياً ... إلى أن ثار فيها ابن عكاشة ليلاً وجر إليها حرباً وويلاً " وقتل الظافر؛ وانظر أيضاً النفح 1: 623 - 627 وأعمال الأعلام: 151، 158 واسم ابن عكاشة " حكم " وانظر ما يلي: 268. م ط س: تم. يشير بهذا إلى ابن ذي النون، كما سيذكر ابن بسام في ما يلي. قد تقرأ في م: " سني ". م: غشيته. ط: أفيضت. ط د س: واستشار. م: ومتون؛ س: وتيمور. زاد في د: معهم. د: إلا أنهم بغتهم. قد تقرأ في م: والبابه؛ د: والبائه؛ وفي ط: واكبابه والبابه. د: البلد. نقل دوزي مهذا الفصل في ما جمعه من أخبار بني عباد 1: 322 وانظر أعمال الإعلام: 149 - 152. م ط ودوزي: الآجال. أنظر القسم الأول: 610 - 614. أبو بكر محمد بن مرتين: ذكره الحجاري وقال إنه كان ينادم ابن افتتاح (المغرب 1: 243) وقد ذكر في النفح 3: 406 ولقب بالقائد، وانظر 3: 474، وذكره ابن الخطيب في أعمال الأعلام: 151، 158 وأشار إلى أنه وزر للظافر أثناء توليه قرطبة، وهو ما يتحدث عنه ابن بسام في هذا الفصل. دوزي: أمكنت. م: أحد. بعد هذه اللفظة بياض عند دوزي، ولا وجود له في النسخ المعتمدة. من جمادي: سقطت من ط م س. البيت لمرة بن محكان التميمي، شاعر مقل اسلامي، انظر الحماسية رقم: 675. س م ط د ودوزي: وشناة. م ط: وهدته؛ خ بهامش ط: وهزته. م ط د س: وحسنته. البيت من قصيدة في الأصمعيات (رقم: 29) : 117 - 119، وانظر حماسة ابن الشجري: 13 والسمط: 690 والخزانة 3: 166. م: ويقتحمون. د: البحر. ط: نهي. ط م د س: والإباحة. م: غماتهم. م س: تنقدح؛ ط: تتفدح: تصبح قرحاء أي ذات غرة، والأقرح: الصبح لأنه بياض في سواد. الياء غير معجمة في النسخ؛ وهي من ألاح بمعنى أضاء وبدا وتلألأ؛ ويمكن أن تكون قراءة هذه العبارة على النحو الآتي: " أن غماءهم لا تتفرج، وظلماءهم لا تنجلي ولا تتبلج "، ولكن آثرت ما هو أقرب إلى الأصل. د: عنهم. هذه القراءة من هامش ط؛ وفي النسخ: فانثنى. م: حرج (واللفظتان تتبادلان في النسخ) . د: التعرض. م: المظفر. م: ومعولاً. م ط س: تبدو عن. د: والاستيفاء. م ط س: الأحة. د: الخاطر. م: شهراء. ط: فيعسوا. البدهة: المباغتة والمفاجأة؛ س ط د: بديهة. م ط د س: وثاني؛ ط: نصيفتهم. خ بهامش ط: تتمة عشرين. م ط: أسرى. ط: الجهون وفوقها " كذا "، وشكلها قريب من ذلك في م س. س م ط د: خشعها. د: نعلم. بسطة (Basa) واسمها في القديم (Basti) ، وهي اليوم أكبر مدينة في ولاية غرناطة وتبعد 123 كم إلى الشمال الشرقي من غرناطة نفسها (الروض رقم: 46) . من حرمة: سقطت من م. م: عن مخالفته؛ س: عن مخالفة. س م ط: ذلك. انصات: استقام؛ س م: اقضات؛ د: اتصلت. عجز لأحمد بن أبي فتن، وصدره: " تثاءبت كي لا ينكر الدمع منكر " (زهر الآداب: 1012 وقد مر تخريجه في القسم الأول: 323 وورد هنالك برواية مختلفة) . ط م س: التشاوب اسمه استقال؛ د: في اسمه. ط م د س: قوارض. د: الاقصار. م ط د: والاستهراف. كذا في النسخ. م ط: اسق ... مقفاً. أجوس ... وقفت: سقط من م س. م ط: بجانبها. البيت للمتنبي، ديوانه: 416. م س: السيف. م: فتطيرت. س د م: وأحصل. زاد في م: شاء. لقبائح: موضعها بياض في م. ط م د: باستثارة. النشر: الرائحة؛ وقد انفردت بها ط ولعلها مكررة إذ المعنى يتم دونها. م: واستولى مقادة. محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرح بن الجد الفهري: شلبي الأصل سكن اشبيلية، ويعرف بالأحدب، أخو الحافظ أبي بكر ابن الجد، كان من أهل التفنن في المعارف والآداب والبلاغة ذا حظ جيد من الفقه والتكلم في الحديث، وكان يفتي ببلده لبلة وتوفي سنة 415 (الصلة: 544 والذيل والتكملة 6: 326 والمطرب: 190 والمعجب: 237 والقلائد: 109 والخريدة 3: 393 والمغرب 1: 341 وإحكام صنعة الكلام: 185 - 186) . العفة: بقية اللبن في الضرع، ولعلها أن تقرأ " غفة " - بالغين المعجمة - وهي البلغة من العيش. د: غير. هو اللقب بالراضي أبي خالد، ولاه أبوه أولا الجزيرة الخضراء ثم رندة، ومنها استنزل وقتل سنة 484 (انظر الحلة 2: 70) . د: فصل. قبر: سقطت من م ط س. م: قلبك. ولا طفت: لم ترد في د. في النسخ: بقربك. في النسخ ما عدا س: يتهجدك. العج: العجيج في الدعاء. النفح: سفك دماء البدن وغيرها؛ وفي الحديث: تمام الحج العج والثج؛ د: وشجك. م: منحها؛ س: فتحها. م: الجناح. م ط س: انتهك. انبتك: انقطع. ط م: تشرفت. م ط س: ثار. م ط: للطبع. أبو القاسم واسمه الحسن هو ولد أبي حفص عمر بن الحسن الهوزني الذي ترجم له ابن بسام في هذا القسم من الذخيرة (انظر ص: 81 فيما تقدم) وأبو القاسم هو الذي سعى في فساد دولة بني عباد عند أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أخذاً بثار أبيه، وكان فقيهاً مشاوراً ببلده، توفي سنة 512 (الصلة: 137 والمغرب 1: 235 وترتيب المدارك 4: 826) . تعالى: زيادة من م. م: يتجنى. يريد حمى الربع. س م ط: فاتبعها. في النسخ: فأشعرها. د: الوليد. ط: في أوفق. ط: انثنائه، م: انشاء. البيت لحمدج المري (البلدان: صول) ؛ وصول: مدينة في بلاد الخزر من نواحي باب الأبواب. س ط م: عن حباله؛ وسقطت " نوم " من م ط س. من قول أبي العلاء المعري (شروح السقط: 153) هموا فأموا فلما شارفوا وقفوا ... كوقفة العير بين الورد والصدر فهلا: سقطت من م ط س. م س: مرادي. م س: حاصت. س: أجفت. د: أمداً. ط م س د: يبقي. كذا في النسخ، ولعلها: خطوبه. ط م د س: غصة. ط م د س: وجاء. د س: الظل. لم يرد في ديوانه (جمع العلوي) ، وهناك بيت على شاكلته وهو (ص: 140) : أعطى البخيل فما انتفعت به ... وكذاك من يعيطك من كدره م ط س: جوابك؛ والجراء: بمعنى المجاراة والمباراة. د: وإبدائك. أجمل تأول: سقطت من م ط س. م: وصولا. كذا في م ط د س؛ ولعل الصواب " متغيف " أي مائل الأغصان (أو مسعف) . د: يموج، س: يخرج. م ط: سعيك. عجز بيت لأبي تمام، وصدره (الديوان 3: 356) : فيا ثلج الفؤاد وكان رضفاً ... م: ويحتمل. م: واسلفت؛ س: واستلفت. في النسخ: يجتلي ... ويقف. مقام: سقطت من م. إشارة إلى قول البحتري (ديوانه: 405) : لا أنسين زمنا لديك مهذبا ... وظلال عيش كان عندك سجسج في نعمة أوطنتها وأقمت في ... أفيائها فكأنني في منبج م ط س: والشحب؛ د: والشخب. الثغب: الغدير. ط م د: ألقى. بنو المناصف كثيرون ترجم لبعضهم ابن الأبار في التكملة وابن سعيد في المغرب، ولم أجد من بينهم من كنيته أبو القاسم. د: واستنسخت. خ: بهامش ط: جوادك. م: وذان. من قول قيس بن الخطيم: (الديوان: 4) : إذا ما اصطحبت أربعا خط مئزري ... واتبعت دلوي في السماح رشاءها م ط: يفرج، س: يبوح. السواد - بكسر السين - السرار؛ وقيل لابنة الخس: ما أغراك بعبدك - قالت: طول السواد وقرب الوساد (الحيوان 1: 169) . م ط د س: يفرق. م: بمرضاك. الزمل: نوع من العدو؛ وفي ط: الرمل، وهو أيضاً نوع من العدو. م ط س: إلى بعض. من قول بشار (ديوانه: 15) : يسقط الطير حيث ينتثر الحب وتغشى منازل الكرماء ... ثبيت: مدحت ونالها الثناء. من قول الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس ط م د: يرفع. هو علي بن عبد الرحمن بن مهدي التنوخي من أهل إشبيلية (- 514) ، كان من أهل المعرفة بالآداب واللغة حافظاً لهما (الصلة: 404) . م: رمقته. م ط: تهايف؛ س: تهالف، وهي غير واضحة تماماً في م. لع الصواب: وصفحته. د: المرام. م س: وتسوق؛ ط: وسوق. م ط: الصنع. د: شدقيه. فرضاً: سقطت من ط ك س. العرب تقول للشيء: الذي لا يعسر تناوله هو على طرف الثمام، والثمام نبت لا يطول ولهذا لا يشق تناوله؛ وفي النسخ: تمام. م: الرهان. د: سبب. ط م: ثلم. هو الحسن بن عمر الهوزني الاشبيلي (435 - 512) وقد مر التعريف به فيما تقدم ص: 291. البيتان لأبي فراس الحمداني، ديوانه: 71 واليتيمة 1: 523 في تعزية سيف الدولة، وقد وردا في القسم الثالث: 225 ونسبا في محاضرات الأدباء لأبي نواس، وذلك تصحيف. م س د ط: أهجع. د ط: أبشع، س: أشنع وأوجع. ط م د س: ومختصر. الساقة: مؤخرة الجيش، والمقصود هنا - فيما يبدو - من خلفهم الفقيد بعد موته من أبناء يحتاجون إلى رعاية، وانظر ما تقدم ص: 120. ط س: آمالاً. م: خطبها. م ط س: لصدمها. م: لعبرة نمائها، س: مأتمها. المشيع: الشجاع لأن قلبه لا يخذله. زاد في ط د: به. ط م س: موازنها. البيت للمتنبي، ديوانه: 315. انظر القلائد: 111 والخريدة 3: 394 - 395 والمطرب: 190. ط م: معنى. القلائد والخريدة: تضوع. د والقلائد والخريدة والمطرب: مهلل. انظر القلائد: 111 والخريدة 3: 395. د م س وأصل ط: جدي. الخريدة: حباني. مضمن من شعر أبي تمام، وصدر البيت، أتاني مع الركبان ظن ظننته (ديوان أبي تمام 2: 115) ، وعند هذا البيت ينتهي ما ورد من القصيدة في القلائد والخريدة. د: المجد. القلائد: 112 والخريدة 3: 296 والمغرب 1: 341 والمطرب: يحامي. المطرب: طاب له نشر. المغرب والقلائد والخريدة: تحامي، المطرب: يحامي. المغرب والقلائد الخريدة والمطرب: نشر. المطرب: سر. المطرب: الند. المطرب: صرامتي؛ المغرب: ضرائبها. ط: وشتت؛ د: وشمت؛ م والقلائد والخريدة: وشبت ... مطرباً. الثغب: ما بقي من الماء في بطن الوادي؛ المطرب والقلائد والخريدة: ثعب. هذا البيت نهاية القصيدة في المصادر المذكورة. ط م س: ولا. القسم الأول: 179. هو أبو تمام، ديوانه 4: 464. الديوان: الاحشاء. ديوان أبي تمام 4: 568 وصدر البيت: " وقالت أتنسى البدر قلت تجلداً ". د: تشرق. ديوان المتنبي: 330. له ترجمة في المطمح: 29 والمغرب 1: 236 والخريدة 3: 437 والنفح 3: 552 (نقلاً عن المطمح) . وهو جد صاحب " إحكام صنعة الكلام " (تحقيق د. رضوان الداية، بيروت) . قد أشار صاحب إحكام صنعة الكلام إلى جانب من هذه العلاقة (ص 197) وأورد لجده بيتين طيرهما للمعتمد حين كان المعتمد ما يزال يلقب بالظافر، وهما: ظفرت بالأعداء يا ظافر ... ونلت مجداً نوره باهر فمنك للباغي وللمبتغي ... عضب جراز وندى غامر ففك المعتمد المعمى. انظر إحكام صنعة الكلام: 198. هذا المخاطب هو الوزير أبو مروان ابن الدب كانت له منية بعدوة اشبيلية، وكان صهره هو الوزير الفقيه أبو أيوب ابن أبي أمية (انظر المطمح: 28 - 29 والنفح 3: 550) . م: العليل وهن. قال صاحب المغرب (1: 236) " ذكره الحجاري فقال: قطع الله لسان الفتح صاحب القلائد، فانه شرع في ذمه، بما ليس هو من أهله، والله ما أبصرت عيني شخصاً أحق بفضله منه ... " ومما قاله الفتح فيه (القلائد: 60) : فانه بادي الهوج، وعر المنهج، له ألفاظ متعقدة، وأغراض غير متوقدة ... وربما ندرت في نثره ألفاظ سهلة الفرض، مستنبلة الغرض " وهذا الذي يقوله ابن خاقان ذو حظ كبير من الحقيقة، ويتبين ذلك من قراءة رسائله فإن الغموض - بسبب التقمر - يرين على صفحتها؛ وانظر أيضاً في ترجمته: الخريدة 3: 429 ونقل عن اليسع قوله إن ابن عبد الغفور كان كاتباً بمراكش سنة 531. ونجم ... عظيم: سقط من م س. وردت الرسالة في العطاء الجزيل: 32. د: وإن كان لعمري بقي. ط م: وتفرع. د: غير؛ ط م س: عمر. العطاء الجزيل: كلمة. د: بتخلصه. العطاء الجزيل: أرضيت. م: ترني. العطاء الجزيل: عليه. أي الذي نفى عنه القدرة على الكتابة. م: وتحجبه. العطاء الجزيل: من خاطب سخف. ط م د س: إبايه. العطاء الجزيل: وتجمل. العطاء الجزيل: أفصح. م: غدرت. العطاء الجزيل: بمكاني. العطاء الجزيل: أو فلان. العطاء الجزيل: ولي على موضوعين. العطاء الجزيل: وصار. د ولا زال؛ م ط: ولا أزال. كذا ويمكن أن تقرأ في العطاء الجزيل. وفي ط: يستحي. ط م د س: الاستيلاء. ط م د س: عن. ط س: الصفح. ط م س: المخاطبة. لا كاتباً: سقط في م س. البيت للمتنبي، ديوانه: 218. س: أوجد لها. ديوان المتنبي: 234. س د ط: عمله. م ط: ويقتلع، والتاء غير معجمة. ط: نظفر، وفوقها " كذا ". الحصين بن الحمام المري، هو الذي يقول لما اكثر القتل في بني صرمة بن مرة وحلفائهم يوم دارة موضوع: نفلق هاماً من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما أما قوله " فلما علمت أنني قتلته " فانه صدر بيت للقتال الكلابي، وعجزه " ندمت عليه أي ساعة مندم " (ديوان القتال: 89) . ديوانه 4: 362 في هجاء عياش بن لهيعة. القاصرة: موضع على الطريق بين مكة ومصر. ديوان المتنبي: 221. هو امرؤ القيس، انظر ديوانه: 49. البيدانة: الاتان التي تعيش في البيد ولا تقرب الناس، التولب: الولد الصغير. فيه إشارة إلى قول البحتري: " منى النفس في أسماء لو تستطيعها " (الديوان: 1296) . السخت والسختيت: دقاق السويق؛ ط د: بسحت؛ م س: بحت. ط د س: تجوز. م: مبيت. ط: بلقيان حبور. سور: مخففة من سؤر أي بقية. د: امتثال. من قول زهير (ديوانه: 56) : عفت من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء ط د: قراع. م س: المعنى. في النسخ: لمسافة. في النسخ: يتملأ. في النسخ: الحبيب. م: بكائها؛ س: بقائها؛ ط د: بغائها. الخرشاء: النقبة من الحرب، ولعلها " الخرشاء " أي الجلد، الحرش: الحك والقشر، والحرش أيضاً صيد الضب. د: بعقرب؛ ط م س: لعقرب. الخرش: العض والخدش. م: عقوبة. م: حبالة أبق. ط: بغيت؛ د: بقية، وسقطت اللفظة من م س. ط: فيه. فيه إشارة إلى النمر بن تولب، فقد كبر حتى خرف وأهتر فجعل يقول: اصبحوا الراكب (الشعر والشعراء: 227 والخزانة 1: 156) . فيه أيضاً إشارة إلى قصة امرأة جعلت تردد هذا القول عندما خرفت وأهترت. من هنا حتى آخر هذا الفصل مكرر، انظر ما سبق ص: 336 - 337. له: لم ترد في ط م. د: وصان منه بيمينه؛ ط د: بعد تتمة؛ س: تتميمه، وفوقها " كذا " في النسخ. في النسخ: أشبه العضب المشرف. د: واعتقدها من. س م: تقوية. صدر بيت للمتنبي، وعجزه: " وحيدا وما قولي كذا ومعي الصبر ". وردت في العطاء الجزيل: 5 وتكرر بعضها فيه ص: 97. م ط س: أهل الالطاف. س م ط والعطاء الجزيل: كتبة. م س ط والعطاء الجزيل: شعرة. الشيء: سقطت من العطاء الجزيل. العطاء الجزيل: فيمتع. ط: سيبا. م ط س: مما ينقى؛ د: يعني؛ والتصويب عن العطاء الجزيل. د: مكدرة. العطاء الجزيل: خلاء. المزورة: نوع من الحساء دون لحم. العطاء الجزيل: عدة. ط د: خل. ط د: مخل. م ط: بالعنبر. د: بالتعنيس؛ ط م س: بالتعيين العطاء الجزيل: ثم. م ط: الدم. ط: أفراح عرب. العطاء الجزيل: العبير. العطاء الجزيل: ولربما. العطاء الجزيل: نحفظها ... تعدل ... م ط: عماقا. وردت في العطاء الجزيل: 97، 129؛ وانظر ما تقدم: 289. العطاء الجزيل: وتستلب. في النسخ: من خلف الممرية جلب؛ م: بجلب. العطاء الجزيل: من منفسات. في النسخ: تعير؛ تغير: تفيد وتمنح. ط م د: رقيقتها. العطاء الجزيل: الدجى. ط م د س: وأخيل. م ط س: ألمت قرعها؛ د: فرعها. ط م: مائلة. العطاء الجزيل: ليتها. ط: وتجيدها، س: ونخيدها. ط م د س: اسئارها. ط م د س: سر العطاء الجزيل: ومحببي. العطاء الجزيل: عقل. شيء: سقطت من العطاء الجزيل. وردت في العطاء الجزيل: 112. العطاء: ورغب. م ط س: ولو رزقت. العطاء: منها قبل الولد. ط والعطاء: تشوقها. م: وأضعف. في النسخ: باليدين. م: رهون. ط: اكمله. م ط: الحبول. كما: سقطت من ط. قد مر التعريف به في القسم الأول ص: 821. التحسير: إلقاء الريش العتيق؛ الشكير: صغار الريش. ط: اللدين. المعمر: المنزل، وقيل هو اسم موضع في قول الراجز " يا لك من قبرة بمعمر ". البيت لأبي تمام من أبيات كتب بها إلى إسحاق بن أبي ربعي كاتب أبي دلف، ديوانه 3: 60 وتمام المتون 364، 366. مرت ترجمته في هذا القسم، ص 285. م ط س: تيقنت. ط: لأدانت. الزمع: القلق. فيه إشارة إلى قصة أوردها في أماليه (1: 65) وهي أن الأصمعي وقف على غلام من بني أسد اسمه حريقيص فقال له: أما كفى أهلك أن يسموك حرقوصا حتى حقروا اسمك - فقال: إن السقط ليحرق الحرجة. وردت دويهية مصغرة للتعظيم في قول لبيد: وكل أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفر منها الأنامل يعني مراثي لبيد في أربد أخيه. مطيبا: سقطت من م س. م ط د س: ورقا (ورقى) . فيه إشارة إلى قول الراجز في الضب: لا يشتهي أن يردا ... إلا عرادا عردا ... ط س: وصلت. الضمير هنا يعود - على الأرجح - إلى ابن عبد الغفور لا إلى ابن الجد صاحب الرسالة السابقة وعلى ذلك تعد الرسائل التالية حتى آخر الترجمة لابن عبد الغفور. د م ط س: وخطره. القطع: انقطاع ما البئر في القيظ، وأقطعت السماء إذا انقطع مطرها. الشنان: البارد؛ ط م د س: شان. ط م د س: عمر. اللغن: أن يتكلم المرء بكلام خاص. ط: يدب. نافذات: سقطت في م س. ونضب: سقطت من ط س. ط م د س: والمغرب. نعيم عين: كرامتها وقرتها؛ س ط: نقيم؛ م د: نغيم. م د: شاغلة؛ ط: شاغلت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 بعض هذا النص في الحلة 2: 132. قال ابن الأبار (الحلة 2: 132) : وسرى إلى ابن عمار أن المعتمد كتب من قرطبة إلى بعض كرائمه شعراً يعتذر فيه من اللحاق بها، آخره: إن شاء ربي أو شاء ابن عمار؛ فأجابه ابن عمار بهذه الأبيات: " مولاي عندي لما تهوى .... "، وذلك ما حكاه أبو الطاهر التميمي السرقسطي في ديوان شعر ابن عمار من جمعه؛ وانظر خالص: 236. خ بهامش ط: للمعتمد: وانظر الخريدة 2: 77 وخالص: 201. الخريدة: بآفاق السرور. نداكما: لا وجه للتثنية هنا، ولعل الصواب " نداكا ". خالص: 233. خالص: 225. اضطرب هذا الشطر في م فجاء: " وإلا فكم خف جهلا من خف ". ط د م س: فيا. ديوان المتنبي: 440. د: ركب. هو البحتري، انظر ديوانه: 462. بعد هذا البيت يبدأ خرم في م س. ديوان البحتري: 4763. الديوان: ظن أن يحي به، عمري. شروح السقط: 1126. المثل في فصل المقال: 61 والميداني 2: 31 والعسكري 2: 125. فصل المقال: 298 والميداني 1: 313 والعسكري 1: 50 والفاخر: 246. انظر جمع الجواهر: 65 وزهر الآداب: 11 وتمام المتون: 399. الميداني 1: 74. انظر قلائد العقيان: 94 والمطرب: 172 وخالص: 229 والنفح 3: 328 والوافي للرندي: 76 والمسلك السهل: 436. خ بهامش ط: وأغيد. مضمن وصدره: " فقالوا قد جزعت فقلت كلا " (أمالي القالي 1: 49 وروايته: وهل يبكي) وانظر الذخيرة 1: 325. النفح: وأحرز حسنه. خالص: 300. نفح الطيب 3: 326 وخالص: 254، والقصة والأبيات في القسم الرابع من الذخيرة (الورقة: 40) . ط د: جوهري. المثلث: عند الأندلسيين أنواع من الأطعمة يطلق عليها هذا الاسم منها المجنة المثلثة، والمثلث من رؤوس الخس (كتاب الطبيخ: 201، 222 ومعجم دوزي) وألوانها تضرب للصفرة لأن الزعفران يدخل في تركيبها؛ والتفايا: من بسائط الأطعمة، تحضر من لحم الضآن الفتي مضافاً إليه ملح وفلفل وكزبرة يابسة ... (كتاب الطبيخ: 85 - 88) والخضراء منها يضاف إليها ماء الكزبرة الرطبة. انظر نفح الطيب 3: 197 وقد وردت أبيات الطليق في القسم الأول من الذخيرة: 565. أخبار البحتري: 121 - 122 وديوان البحتري: 1229. ورد البيتان في الحلة السيراء: 260 وكتاب التشبيهات: 144 والمسالك 11: 174 والمرقص والمطرب: 16 والدرة المضيئة 6: 576 ورفع الحجب 1: 124. وينسبان للمصحفي أو لابن فرج، وقال المقري في النفح 1: 64 إن صاحب المطمح نسبهما للمصحفي، ولكنها لم يردا في المطمح. قلائد العقيان: 96 والنفح 1: 653، 3: 328 وخالص: 297 وبدائع البدائه: 372 والريحان 1: 156 ب. النفح: متناوح ... يندى عطفه. خ بهامش ط: نجاده (بخط مغاير لخط الأصل) . النفح: إياك بادرة الوغى. هو أبو الوليد ابن الحضرمي، وزر للمتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس، فداخله تيه وعجب وتجبر، كرهه من أجلها أصحاب الدولة فعزله المتوكل (المغرب 1: 365 والنفح 3: 450 والشريشي 4: 124. وفيه ثلاثة من الأبيات التي وردت هنا) . خ بهامش ط: وشوقي إليه. وردت ترجمته ف القسم الثالث: 251. النفح 4: 73، 306 وخالص: 244. هنا ينتهي السقط في م س. المعجب: 171 والقلائد: 86 وخالص: 220. القلائد: انتدبت. القلائد: هيج. القلائد: 90 والخريدة 2: 81 والحلة 2: 145 وخالص: 278. القلائد والخريدة والحلة: للفضل. م: بالحيا ... القلائد والخريدة والحلة: من نشره. الحلة: بخلتم بأعيان. ط م: ولم. خالص: 264. خالص: 263. م ط س: نثراً. وقع البيت في م س وهامش ط. القلائد: 93. القلائد: فلاحظت. خ بهامش ط: ولاح بدر القلائد وخ بهامش ط: ونجعة. القلائد: دانياً أو نائياً. القلائد: 93 وخالص: 272. د: وصلت. القلائد: نفسي. هذا البيت واللذان بعده من هامش ط. رفا: مخفف من رفأ بمعنى حاباه، ورفق به؛ ط م د س: وفا. انظر البيتين في الإصابة 6: 162 والحماسية رقم: 25 (شروح المرزوقي: 149) . الحماسة: ابن حرب. ط د م: ولواء. الليس: جمع أليس وهو الشجاع الذي لا يبالي الحرب. د: بالشرح؛ م: بالشرج. نقل ابن سعيد هذا في المغرب 1: 97. خ بهامش ط: خلصت. ورد في الرايات: 56. هذا البيت والذي قبله من هامش ط. هذا البيت وخمسة أبيات بعده من هامش ط. هذا البيت من هامش ط. خالص: متعللين. م س: شدتهم (وكذلك عند خالص) . مم ط س: دعاك. هذا البيت مقدم عن موضعه عند خالص. خالص: فإنما أهدي. خالص: 262. ط د س م: أعفيته. س: وقصدك. انظر شروح السقط: 120. خالص: 295. ترجمته في القسم الثالث: 459. القلائد: 92 وخالص: 302. م ط س: طفقت. ط م س: إلى المطرز؛ وسيرد " ابن المطرز " ص: 411؛ وانظر خالص: 304. القلائد: 50 وخالص: 265 والحلة 2: 85 والمغرب 2: 198. المغرب والحلة: فضح السحاب؛ المغرب: الجون. القلائد: 51 والحلة 2: 85 والمغرب 2: 198. القلائد: 86 والمطرب: 173 وخالص: 297. م ط: بعثت. ط والقلائد: منطق. القلائد: وإن. القلائد: 49 والخريدة 2: 83 وابن خلكان 5: 40 والحلة 2: 84 والمغرب 2: 197. القلائد: 50 والخريدة 2: 84 وخالص: 269. القلائد وخ بهامش ط: جاهدا (بغير خط الأصل) . القلائد وخ بهامش ط: بعض (بخط مختلف) . الخريدة: يخفف؛ القلائد: يبرد. ط م س: لغمز. القلائد: قبلها. الخريدة: فصادفت. نقله ابن الأبار في الحلة 2: 144. الحلية (2: 144) : الرحيل، وذلك تغيير من المحقق، ليطابق ما اقترحه ابن عمار من خروج إلى شرق الأندلس مع الرشيد بجيش اشبيلي للاستيلاء على مرسية (وفي أصل الحلة: الرعيل) . هما لإبراهيم بن العباس الصولي قالهما لما انحرف عنه ابن الزيات، وكان الحارث بن بسختر صديقا له، فهجره فيمن هجره من إخوانه (الأغاني 10: 45 وديوان العباس: 182) وقيل إن البيتين لإسحاق بن إبراهيم الموصلي. الحلة 2: 143 وخالص: 284 وتمام المتون: 308. الحلة: صوت. الحلة: أبعد انقضا خمس وعشرين. الحلة: كبا؛ ط م د س: بنا. د: تمر. ليس لعبيد، وإنما هو لعدي بن زيد، ديوانه: 70. ديوان القطامي: 25 وتمام المتون: 56. الحلة 2: 135 وديوان المعتمد: 51؛ وعند الفتح في القلائد: 90 - 91 أبيات اختلطت بها بعض هذه، كتبها ابن عمار إلى المعتمد، وانظر خالص: 279. الحلة: أغرب. نقل التعليق في الحلة 2: 136. د: مبتناه؛ ط: معناه. د: للأصحاب. الحلة: ولا غرو. هذا البيت ورد في ط م س، وذكر ابن الأبار (الحلة 2: 137) أن أبا الطاهر التميمي أورد هذا البيت زيادة على ما أورده ابن بسام في روايته. الحلة 2: 136 وديوان المعتمد: 52؛ والرد الذي أورده الفتح في القلائد يتضمن أبياتا على الروي نفسه، لكنها غير هذه. ديوان المتنبي: 456. م ط س: الناظم. زهر الآداب: 633 وذهب الحصري إلى أن الناجم أخذه من قول بشار في المهدي: " لقد مدحته بشعر لو قلت مثله في الدهر لما خيف صرفه على حر ". ديوان المتنبي: 37. الديوان: لو قضفت به. يعني ابن عبد العزيز، ولم يصرح بذكره فيما سبق. الحلة 2: 141 والقلائد: 64 وخالص: 293. القلائد: التنزير بالتبذير. الحلة: لو سلكت سبيلها. د: والتدوير؛ الحلة والقلائد: التعزيز والتوقير. يعني أبا عبد الرحمن ابن طاهر، وكان مشهورا بنوادره، كما وضح ابن بسام في ترجمته في القسم الثالث: 26 - 27. في الحلة: ولعل يوما أن يصير نعته ... في طينه التقديم والتأخير وفي القلائد: أن يصير نقشه. قدار: عاقر الناقة؛ وفي د: مدارها. كان ابن عمار شديد التنقص للوزير أبي بكر احمد بن محمد بن عبد العزيز، ويقال إنه نظم هذه الأبيات حين غدره ابن عبد العزيز في حصن جملة (Jumilla) من أعمال مرسية (انظر الحلة 2: 155 وديوان المعتمد: 71) . الحلة: خبر. د: سواد القار. ط د س: جاروا. ط م د س: ذيلها. البيت من هامش ط، وهو والأبيات هنا من تقييد معلق آخر عدا الناسخ. هذا البيت والذي يليه من هامش ط. هذا البيت والذي بدعه ما هامش ط. زيادة من هامش ط. ط د: التقريظ. الحلة 2: 156 وديوان المعتمد: 72. ط م د: وشنبوس. ط م س: التدبير. الحلة 2: 1576 والخريدة 2: 71 والريحان 1: 156 ب والوفيات 4: 428 والوافي 4: 230. د: أضرب. ذكر ابن الأبار (الحلة 2: 157) أن ابن عبد العزيز دس إلى مرسية نبيلاً من يهود الشرق ليلابس ابن عمار ويروي ما يقوه من أشعار، وأن هذا اليهودي هو الذي حصل على هذه القصيدة وطار بها إلى ابن عبد العزيز، فطيرها هذا مدرجة طي كتابه إلى المعتمد. ترجمته في القسم الثالث: 448. خالص: 301. ط: الخيان. د: الصنع. لم أجد تعريفاً به، ولكن يبدو من سياق الأحداث أنه كان صاحب حصن شقورة، حيث تم القبض على ابن عمار. وقد قص لسان الدين كيف احتال صاحب هذا الحصن على ابن عمار وجعل البلد بيده باللسان، وطلب منه الصعود بنفسه لمباشرة قصبته، فأسرع لذلك في طائفة يسيرة من الرجال فلما تحصل في القصبة وثب به صاحب الحصن وكلبه وأودعه المطبق (أعمال الأعلام: 160) . د: أووا. ذكره في النفح 3: 429 وأورد له أبياتاً في زوال دولة المعتمد، وانظر الذخيرة 1: 818 - 821. ط د س: رائه. ط د م س: ولقد. القلائد: 92 والمعجب: 183 وخالص: 305. ط د م س: ترك؛ د: المال. الحلة 2: 154 وخالص: 306. الحلة 2: 153 - 154 والقلائد: 98 والمعجب: 185 وأعمال الأعلام: 161 والنفح 5: 182 وخالص: 319 والريحان 1: 157 أوتمام المتون: 92. المعجب: وأسجح. القلائد: عدائي؛ الحلة: وشلي. س والحلة: وتمصح. الحلة والقلائد والمعجب: بزور. القلائد والمعجب: بفعله. القلائد: يتقى. ط: أرجح. المعجب وخ بهامش ط: واضح. الحلة: فيفصح؛ م ط س: فيمرح. م ط س: علي. النفح: ستشفع. القلائد: مجلح. انظر المعجب: 186. يعني أبا ذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين 1: 8. ط س: أزله. ديوان المجنون: 203. القلائد: 86 والحلة 2: 151 وخالص: 308 والريحان 1: 157أ. القلائد والحلة: واهباً. القلائد والحلة: سهل - أحرفاً. قارن بالحلة 2: 158 وأعمال الأعلام: 161. الحلة 2: 151 وتمام المتون: 363 وخالص: 313. الحلة: ملك. الحلة: وكفاه ... كفاه. د: التقى. د: سفحه. م ط: غرة. الحلة: درب على نصر الولي. د: حده. ط م: لدفع. الحلة: أنفاله. الحلة: عليه. يومئذ: سقطت من م. د: المنيرة؛ ط س: المنبرة؛ م: المثبرة؛ وانظر أبياتاً من القصيدة في الحلة 2: 152 وهي عند خالص: 309. مطو البريد: صاحبه؛ وفي م ط: مظهر البريد؛ الحلة: ظاهر بريدي. الحلة: وانتخب، وفوق اللفظة في م: كذا، ولعل الصواب: وانحدر. بعده في الحلة بيتان متصلان به وهما: - فإذا ما اجتلاك أو قال ماذا ... قلت إني رسول بعض العبيد بعض من أبعدته عنك الليالي ... فاجتني طاعة المحب البعيد ط: عبد. في النسخ: محوة؛ والمخوت التي إذا خاتت أي انقضت سمع لجناحها دوي. مزؤود: مذعور. د: بمن. في النسخ: يلتفت، وإنما نثر قول تميم بن جميل السدوسي (الوافي للرندي: 20) : أرى الموت بين السيف والنطع كامناً ... يلاحظني من حيث ما أتلفت قارن بالحلة 2: 158. الحلة: وحرمه. الحلة: عن. انظر الحلة 2: 159. هو عيسى بن يوسف بن سليمان الشنتمري، ولد أبي الحجاج الأعلم اللغوي المشهور، روى عن أبيه واختص بعبيد الله بن المعتمد حتى استوزره ونال معه دنيا عريضة (الذيل والتكملة 5: 515 والتكملة: 409) . د: في وقته. ط: وحدس إليه. الحلة: معه البارحة فيه. ط: فالتقد؛ د: فانفد. اضطربت كتابة اللفظة في ط م س (ط: طبر بزيراً، وفوقها: كذا) . بحاشية ط شعر بخط الأصل وهو: أما والله إن الظلم لوم ... وما زال المسيء هو الظلوم إلى ديان رب العرش نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم قلت: والبيتان لأبي العتاهية وقد مر تخريج الثاني منهما. الحلة 2: 160. انظر الحلة 2: 161. د: يسمع. ذكر ابن قاسم الشلبي الذي أخذت عنه أكثر أخبار ابن عمار أن هذه القصيدة وجدت في قراب ابن عمار بعد قتله (الحلة 2: 160) ؛ وانظر الأبيات عند خالص: 317. الحلة: فقلت. الحلة: مثلها. انظر المغرب 2: 385 والمسالك 11: 428 (وفيه نقل عن الذخيرة) ورايات المبرزين: 27 (غ) والخريدة 2: 191، 3: 588 (ط. تونس) والنفح 4: 307؛ ولفظة " حسان " سقطت من م س ط. في الأصول: حسان؛ وقد اضطرب الاسم فجاء حيناً مصروفاً وحيناً ممنوعاً من الصرف، وهذا جائز فيه، لأنه إن كان من " حسن " كان مصروفاً لأصالة النون فيه، وإن كان من حس " كان ممنوعاً من الصرف، لأن النون فيه زائدة؛ ولكني أجريت ما جاء في هذا النص على سياق واحد، أي اعتبرته مصروفاً. م: ويتبادرون. الأوق: الثقل. انظر إلى قول الشاعر: وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة ... عشية لاقينا جذام وحميرا وهو من المثل: ما كل بيضاء شحمة (الميداني 2: 169والعسكري 2: 287 تحقيق أبو الفضل، وانظر ما تقدم ص: 114) . مغتبطاً: سقطت من م. م: بيده. صدر بيت لأبي تمام (ديوان 3: 232) وعجزه: وأن تعتب الأيام فيهم فربما. يقال في مضارع مضى: يمضي ويمضو. ط م د س: تفاءلت بالفتح اسم الفتح. ط د: داله؛ م س: دله. يرد مع أبيات أخرى له في القسم الرابع من الذخيرة (الورقة: 90) . يعني أبا نواس، ديوانه: 273، وعجز البيت: " ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر ". ديوان ابن هانئ: 17. منها أبيات في المغرب والمسالك والرايات. ط م د: أغرتك؛ س: أعزتك. في الأصول: واغلظ على رقة وارغب على زهد، والتصويب عن المغرب. الرايات: قدرته. ديوانه: 153. م: يقول فيها. س: وكان. لم ترد هذه الأبيات في ديوان حسان. انظر هذا الخبر في السيرة 2: 228 والإصابة 2: 8 وفيه قول حسان عندما حضته صفية على قتل اليهودي: " يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا " وقوله بعد أن قتلته على سلبه: " ما لي بسلبه من حاجة ... ". ديوانه 1: 432 وصدر البيت: " أضر بجسمي مر الدهور ". كان حسان يكنى أبا الوليد - وهي الأشهر - وأبا المضرب وأبا الحسام وأبا عبد الرحمن؛ ولم أجد أحداً ذكر له كنية في الحرب؛ وأبو نعامة كنة قطري بن الفجاءة، ولا مانع من أن يتكنى بها غير واحد من الناس. إزاء البيت بهامش ط تعليق بخط الأصل، وهو: يا مصيصي لقد أفرطت، وفي قبيح القول تورطت، وفي التأديب فرطت. ديوان المتنبي: 329 وأول البيت: جاد الأمير به لي في مواهبه، فزانها .... ديوان أبي تمام 2: 73. ديوان المتنبي: 219. د: لا عزوا ولا ظفروا؛ م س ط: ولا ظفروا. ترجمته في القسم الثالث: 652. الهرقليات: الدنانير. المعتمد ... التقسيم: سقط من م. السمط: 766 وزهر الآداب: 330 والمختار: 80، وديوان أبي سعد: 52. في النسخ: الجبن، وهو ما في زهر الآداب أيضاً. ديوان أبي تمام 1: 63. الديوان: لله مرتقب في الله مرتغب. منها أبيات في المسالك وبيتان في تمام المتون: 290. م س ط: فانبتت. اسطبة أو اصطبة (Estepa) على بعد 23 كم إلى الشرق من أشبونة (Osuna) وتقع ضمن ولاية إشبيلية (الروض رقم: 18) . فيه إشارة إلى المثل: " على أهلها دلت براقش ". النصاح: السلك يخاط به. فيه: سقطت من م س. وردت الأبيات في المسالك، وانظر الغيث 2: 60. م: المضرة. المسالك: حسناً. م ط: ثم. منها أبيات في المسالك 11: 430. المسالك: نحو الديار. ورد هذا البيت في النفح 4: 307. م س: ذكره. ديوان امرئ القيس: 65، وعجز البيت " وأيقن أنا لاحقان بقيصرا ". في النسخ: يوشي. ديوان امرئ القيس: 108، 107. ديوانه: 12 وصدر البيت: " أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل ". انظر البيان والتبيين 2: 353، 3: 188 وعيون الأخبار 1: 287 والحماسية رقم: 263 والأغاني 10: 20. ورد البيت لمليل بن الدهقانة التغلبي في الحماسة البصرية 1: 212 ومعجم المرزباني: 445 ونسب في الأمالي 1: 272 لأعرابية، وفي البيان والتبيين 2: 353 ورد البيت التالي دون نسبة: إذا ما مات مثلي شيء ... يموت بموته بشر كثير ديوان المجنون: 256. الأغاني 9: 200. ديوان امرئ القيس: 357 ومادة " عسيب " في معجم ياقوت. م: جانب. انظر هذا الخبر في معجم ما استعجم 1: 204 (مادة: أنقرة) . معجم ما استعجم 3: 943 وابن خلكان 6: 34. المسالك 11: 430 - 431. د: امرؤ. ط م: لحظها. المسالك: فيسرني متعللا. لم يرد البيت في م ط س، وقصة عرار الذي أردت زوج أبيه إهانته فامتعض أبوه لذلك، تتحدث عنها الحماسية: أرادت عراراً بالهوان ومن يرد ... عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم انظر الخريدة 3: 588 والمسلك السهل: 435 ووردت الأبيات في زاد المسافر: 141 والوافي للرندي: 30 والنفح 3: 382 منسوبة لأبي عبد الله محمد بن الفراء الأعمى، وفيها زيادة على ما هنا، واختلاف في الختام. روايته في زاد المسافر والوافي والنفح: فجئنا إلى الحكم الألمعي شيخ المجون وقاضي الظرف. م س: يعلم. ديوان جميل: 164. الديوان: فقلت له قتلت. د: وخيم. هو أبو بكر محمد بن إسحاق اللخمي من أهل شلب يعرف بابن الملح وابن الملاح، كان له ابنان هما أبو القاسم أحمد وأبو محمد بن عبد الملك وقد رويا عنه. (انظر ترجمته في الذيل والتكملة 6: 118 والتكملة: 414 والمغرب 1: 383 والرايات: 27 (غ) والقلائد: 187 والنفح 4: 70، 148، 263، 3: 466) ؛ وفي ترجمة ابنه عبد الملك انظر الذيل والتكملة 5: 32 والتكملة رقم: 1705 وأما في ترجمته ابنه أحمد فانظر الذيل والتكملة 1: 400 والتكملة: 51، وكان أحمد هذا ريان من الأدب شاعراً، ولي الصلاة والخطبة بجامع بلده زماناً، وعن أحمد وعبد الملك يروي أبو بكر ابن خير، وقد مر لأحمد هذا شعر في النفح 4: 71 والمغرب 1: 384 وفي أخباره ما يشير إلى أنه انقلب بعد العفة إلى الانخلاع وتزوج امرأة كانت ترقص في الأعراس باشبيلية. منها ثلاثة أبيات في الخريدة 3: 467 والقلائد: 188 (وبيتان في المغرب 1: 384) . أصل ط والقلائد: صبابتي؛ الخريدة والمغرب: قضيتي. المغرب: كل يوم. القلائد: لم تغب لي. انظر القلائد والخريدة. القلائد والخريدة: رمى. القلائد والخريدة: الخلق. د ط: المطولة. منها ستة أبيات في كل من الخريدة والقلائد والريحان 1: 157 / أوأربعة في المغرب. المغرب: بنانه. ط د: فتن. القلائد والخريدة: يمسي ويصبح في القرارة. ط د س: حف. انظر مادة " ضارج " في معجم ما استعجم والروض المعطار. م: يستذر؛ ط: يستدير؛ د: يستدر. د: حروب؛ ط م س: ضروب. م ط د س: يظفر. شروح السقط: 163. د: رؤيته، وهي رواية البطليوسي. م ط س: حان النساء؛ د: حاق. بياض في ط م س؛ وفي د: أنهار، ولا معنى له. د م: الوافر. ط: غرو؛ س: غرق. شروح السقط: 158. ديوان ابن شهيد: 108 والذخيرة 1: 289. ديوان المتنبي: 302 والذخيرة 1: 288. الديوان: أأطرح. ط: وأورد (أقرأ: وأذود) . ط د: فتاك. في يوم الكديد بارز ربيعة بن مكدم عدداً من الفرسان تواتروا لمبارزته، وحمى الظعينة، فلما ذهب دريد بن الصمة ليرى ما حدث ووجد ربيعة حديث السن، أعطاه رمحاً وعاد عنه دريد وادعى أن ربيعة انتزع منه الرمح؛ وفي ذلك اليوم يقول ربيعة: إن كان ينفعك اليقين فسائلي ... مني الظعينة يوم وادي الأخرم (انظر العقد 5: 171) . ط: نبات. ومنها: سقطت من م س. ديوان المتنبي: 248 وصدر البيت: " وكنت إذا يممت أرضاً بعيدة ". ديوان ابن زيدون: 146 والذخيرة 1: 361. م ط د س: يظل. بنسج: سقطت من م س. هو محمد بن العطار اليابسي نسبة إلى جزيرة يابسة، انظر المغرب، 2: 470 والمسالك 11: 458 والنفح 4: 10 وله ترجمة في القسم الرابع من الذخيرة. منها بيتان في المغرب 2: 470. ط: كوثبها؛ د: كواتبها. بدائع البدائه: 269 والنفح 3: 333 والشريشي 3: 154. البدائه والنفح: ركب البدر جوادا سابحا. البدائع والنفح: خيض. ط م د س: أخذه. هو أبو المطرف عبد الرحمن بن فتوح، وقد وردت ترجمته في القسم الأول: 770. قد مر البيت ص: 379 من هذا القسم. مر في القسم الأول: 201 وانظر من هذا القسم. بدائع البدائه: 270 والنفح 3: 333. البدائع والنفح: يا ابن محمد. ورد البيت الثاني في البدائع والنفح. كتاب التشبيهات: 193. التشبيهات: الكمي. التشبيهات: وإحراز. التشبيهات: لبب من شهبة بين دهمة. التشبيهات: نورا وظلمة. التشبيهات: ولبب. هو أبو بكر عبد الله بن حجاج الغافقي، من شعراء المعتضد، هجر إشبيلية إلى الجزيرة الخضراء ومدح صاحبها محمد بن القاسم بن حمود، وقد لقيه الحميدي في حدود 430 (انظر الجذوة: 243 والبغية رقم: 919 والمغرب 1: 260 والنفح 3: 385) . د: بأذرع. ديوان أبي تمام 4: 434 وأخبار أبي تمام: 68. الديوان: حلفت. هو عثمان بن إدريس الشامي (أو السامي) . ديوان البحتري: 1745 وأخبار أبي تمام: 70. من ملحقات الديوان: 543 عن الذخيرة، وانظر الشريشي 3: 154. عن يحيى بن هذيل (- 389) انظر كتاب التشبيهات ص 336 - 338 حيث ورد ذكر القطع الكثيرة التي ضمها ذلك الكتاب من شعره مع نبذة عن حياته وذكر لمصادر ترجمته. ترجمته في القسم الثالث: 821 والبيتان في الشريشي 3: 154. انظر الشريشي. م: مثيلة؛ أما المنبلة فقد شرحت في القسم الثالث: 432 (حاشية: 3) ومعناها مرصع أو مزخرف. ط م د س: صبابة. الورق: موضعها بياض في ط م س. انظر نفح الطيب 4: 263 وبدائع البدائه: 373. النفح والبدائع: يجري. النفح والبدائع: منسكب. النفح والبدائع: حفاف. النفح والبدائع: في الماء. النفح والبدائع: الفيل. ترجمته في بغية الملتمس رقم: 1101 والمطرب: 118 والقلائد: 242 والخريدة 2: 95 والمعجب: 159 والنفح 1: 657 (نقلا عن القلائد) ومواطن أخرى متفرقة. والمسالك 11: 219 والسلفي: 19 ومواطن مختلفة في بدائع البدائه، ورايات المبرزين 77 (غ) . م د س: المال. أبو الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى المعروف بالأعلم الشنتمري (410 - 476) كان عالماً بالعربية واللغة ومعاني الأشعار، وكف بصره آخر عمره (انظر ابن خلكان 7: 81 والصلة: 643 ومعجم الأدباء 20: 60 ونكت الهميان: 313) . أبو مروان ابن سراج: له ترجمة في القسم الأول من الذخيرة: 808 وفيه فصل من أشعار رثي بها، وانظر صورة من هذه الخصومة بينه وبين الأعلم حول الرسالة الرشيدية في إحكام صنعة الكلام: 86. فيه إشارة إلى قول بشار (ديوانه: 217 جمع العلوي) : إذا أيقظك حروب العدا ... فنبه لها عمراً ثم نم القلائد: 244 والمطرب: 121 والخريدة 2: 102. الخريدة: فيا ويلتا. م: عليهم. ترد ترجمته في ما يلي من هذا القسم ص: 520. هو حيان بن الحكم السلمي (انظر حماسة البحتري: 65 وحماسة الخالديين 1: 142 والعيون 1: 164 والحيوان 4: 185) . اسمه الهيثم بن الربيع (ترجمته في الشعر والشعراء: 658 والأغاني 16: 236 وطبقات ابن المعتز: 143 والخزانة 4: 283 والسمط: 244 وقد جمع شعره رحيم صخي التويلي - مجلة المورد (1975) المجلد الرابع - العدد الأول: 131 - 152) . م: على الصواب (اقرأ: يقف على الصواب) . م: وجروه. على حروف ... شعر: سقط من م. كذا، وهو ثالث بحسب ما عده في هذه الفقرة، إلا أن يكون قد عد الذخيرة ضمنا. م: قصيدة. يقول فيها: سقط من م. خلقاء: مصمتة ملساء. م: لما أمست. د: عفت الأنباء. كذا في النسخ، وأظن صوابه: " العلم ". لعل لهذا اللقب صلة بقولهم: " الدامغة " وهي الشجة التي تبلغ الدماغ، وإن كنت أرجح أن اللقب يشير إلى ضخامة رأس عبد الجليل وأنه لذلك نبز عامي. ط د: نوار. د: التعيين. ط م س: كان. ط م: منزلا (دون إعجام) . ط د م س: فائد. هذه القطع في ديوان المتنبي: 426، 226، 478، 573 - 574. لعل الصواب ابن غسان؛ وقد سماه الثعالبي (اليتيمة 3: 428) أبا الحسن ابن غسان البصري الشاعر الطبيب، وذكر أنه ورد الأهواز مع الشعراء ومدح عاملها، وذكره التوحيدي باسم " ابن غسان " في الامتاع 2: 169 وحكى أنه غرق نفسه لأسباب تجمعت عليه من فقر وجرب وعشق؛ وترجم له القفطي (تاريخ الحكماء: 402) وذكر أنه كان يخدم بصناعته ملوك بني بويه. م ط: أصحا ... يزايل. ط م د س: وأردى. اللزوميات: 55 ب (نسخة ليدن رقم: 906) ؛ 1: 148 - 149 (ط. هندية) . اللزوميات: والروح ... في رأي. اللزوميات: 66 ب، 1: 178. اللزوميات: 87 أ، 1: 197. اللزوميات: 90 أ، 1: 200. اللزوميات: 91 أ، 1: 203 - 204. ط م د س: شيئان. اللزوميات: 189 ب، 2: 97. اللزوميات: ولا أزداد. بثاره: سقطت من م س. ط م س: مناه (دون اعجام في ط وفوقها كذا) ويا فلى؛ د: لا تخلقنك. البوغاء: التراب عامة، أو التراب الهابي في الهواء. الجدالة: الأرض. د: القرناء. شروح السقط: 975. ديوان المتنبي: 257. ديوان التهامي: 53. ديوان مسلم بن الوليد: 147 ورجح ابن خلكان 6: 338 أن الشعر لعبد الله بن أيوب التيمي. الديوان: تأمل. ديوان المتنبي: 423. ترجمته في القسم الثالث: 840 وانظر البيت: 844. سيرد البيت في هذا القسم: وانظر الثالث: 849. هو الأعمى التطيلي، انظر ديوانه: 228 وستأتي ترجمته في هذا القسم: 728. ط م: لعلة. ديوان المتنبي: 508 وصدره: بأبي الوحيد وجيشه متكاثر. ط د م س: أبكي. وقوله: سقطت من م ط. لم يرد في ديوانه. مر قبلا ص: 379 مع تخريجه. شروح السقط: 938 - 939. ط م د: واها ... وآها. أمالي القالي 2: 115 والحماسية رقم: 280 (شرح المرزوقي) وزهر الآداب: 794 والسمط: 745 ووفيات الأعيان 4: 89. الأمالي: وكانت له حيا. متابع للعمدة 2: 147. ديوان النابغة: 213 والعمدة؛ ط د: حصن بن بدر؛ م: حصن والفاظه بدر. قارن بالعمدة 2: 153. ديوان أبي تمام 3: 324 والعمدة. ط د م: حصب. ديوان تميم بن أبي مقبل: 11 ومطلع القصيدة: عفا بطحان من قريش فيثرب ... فملقى الرحال من منى فالمحصف وهذا الذي أورده ابن بسام هو ما جاء به ابن رشيق في العمدة 2: 252. مطلع قصيدة دريد في رثاء أخيه: أرث جديد الحبل من أم معبد ... بعاقبة وأخلفت كل موعد العمدة 2: 154. هو قول الصاحب بن عباد في رسالته: 233. الديوان: صنائعها. بعض أبياتها في القلائد والخريدة والبغية والمسالك والرايات. الرايات: ودجن. الرايات: والخريدة فلتكره سجيته. م ط د: والوهل. م ط س: دماؤهم. جيش فوارسه: موضعها بياض في ط س. ديوان أبي تمام 1: 148. ديوان البحتري: 283. الذخيرة 3: 812. الذخيرة 3: 812. ديوان المتنبي: 513. ديوان أبي تمام 3: 192. الديوان: أيامه. اللزوميات: 109 / أ؛ 1: 247. ط م د س: كالفجر. اللزوميات 137 / أ؛ 1: 315. أبو مروان عبد الملك بن شماخ، وردت ترجمته في القسم الأول: 827. ترجمة ابي جعفر المحدث في القسم الأول ص: 905 وقد ورد البيت هنالك. انظر الذخيرة، القسم الأول: 14. م: عرض؛ وسقطت " لي " منها ومن ط. زهر الآداب: 392 وتشبيهات ابن أبي عون: 347. م ط د: دنفا. انظر الغيث 2: 74 والشريشي 2: 139. ديوان المتنبي: 162. الديوان: الجد. الشعر لأبي إسحاق الصابي، انظر اليتيمة 2: 293 ومعجم الأدباء 2: 85 - 86 وبهجة المجالس 1: 194. اليتيمة والمعجم: النقص؛ بهجة المجالس: النول. اليتيمة والمعجم: الفضل؛ بهجة المجالس: الحذق. د: كتابي. ومنها: سقطت من م. م د: الفلاذ. ديوان المتنبي: 397. الديوان: فيهم. الديوان: بها. م س: هل أتيت فلم يزد. ديوان البحتري: 659. س: يغمره. ط د: عيدك. م س: تدعو. د: فقمت فيه. وقعت لفظة " ومنها " في ط بعد هذا البيت. م س: سورة. م: قطعته. ط د: فما تثقف. ط د: نبات. سقط هذا البيت واثنان بعده من م. ط س: ينجو. م: لا تخفى. لم يرد هذا البيت في م س. ط د: يزد. م س: وتشبع. م: يحق. ديوانه: 194، وصدر البيت: وأصبح شعري منهما في مكانه. منها سبعة أبيات في المطرب: 119، وبيت في الخريدة 2: 95 وسبعة في الخريدة 2: 101 وثلاثة عشر بيتاً في المسالك 11: 221. م: تجدد. وقال فيها: لم يرد في م. م: حيث. لعلها: ينحسر. ط د: المدح - معوضة؛ م: قرصان. ط: محاظرنا. ط: الدهر. ط د: وارتابه (اقرأ: وانتابه) . م: وجدت بها؛ س: وهدت بها؛ ط د والمسالك: ومدت به، والتصويب عن المطرب والخريدة. هذا البيت والذي يليه في الغيث 2: 160، والأخير في مختارات ابن الصيرفي: 124. المطرب والخريدة والصيرفي: كأنما البحر عين. اليتيمة 2: 6 قال: وركب في صباه سمارية، ولم يكن رأى دجلة قبل ذلك؛ وابن خلكان 4: 404. الذي: زيادة من م س. نفح الطيب 4: 59 - 60 والمسالك 11: 22. ط د: يعنق. النفح: لها الأعيان. ط د: فتفصحت. الشوذق والسوذق - بالشين والسين - الشاهين، و " قراهة " في النسخ قد وردت " وهادة "، وتصحيحها على التقدير، لا أنها قراءة دقيقة. لم يرد البيت في م س. م س: قصيدة قال فيها؛ وانظر ديوان ابن هانئ: 52 وزهر الآداب: 1001. الديوان: أعلامها، وما هنا موافق لزهر الآداب. من هذه القصيدة ثمانية وعشرون بيتاً في زهر الآداب: 1003 ورفع الحجب 1: 141. وثمانية عشر بيتاً في النفح 4: 57 - 58 وبعضها في المقتضب من تحفة القادم: 122 ومنها بيتان في الحلة 1: 285. النفح: مسجون؛ م س: مزجور. زهر: الظلام الغيهب. زهر: لواعباً. زهر: يبرك ماء الميزب. ط: نوائبها. منها أبيات في المسالك 11: 222 - 223 والنفح 4: 263 وانظر ما مر منها في القمم الثالث 766 - 767. م: يحيط. المسالك: من الأنس. م س والمسالك: تبر. س م: يهاب. م س: خلقاً دبالا؛ المسالك: خلقاً وحالا. م: لذوبته؛ س: لدويته. ط د: فما. انظر ما تقدم ص: 472. المسالك: فلم ترفع لرؤيته. ط د س: رويتها. المسالك: مقالا. م س: لنا معاليه. م: تغرب الأسد. م س: وذكت بهاه. د: عز، ط: عن؛ م: عق، والتصويب عن المسالك. م س: بها. م س: واكتهالا. م س: خلائفها جياد. مر البيت في الذخيرة 1: 82. م: حداً نفالا؛ س: حداً ثقالا. المسالك: أردد منه للكبد النصالا. س م د: تقبله. أبيات الخنساء في زهر الآداب: 925 وأمالي المرتضى 1: 98 وحماسة ابن الشجري: 104 والأول في الخزانة 3: 277 وأنيس الجلساء: 43. أمالي المرتضى: هجنت. ط د: سارت؛ م س: صارت؛ أمالي المرتضى: لزت هناك. أمالي المرتضى: برزت. س م: لأبي عبيد الله. متابع لزهر الآداب: 926 وانظر ديوان البحتري: 1421 وأنيس الجلساء: 43. زهر الآداب: 926 والمختار: 263 والطرائف الأدبية: 96 وديوان أبي تمام 2: 337. زهر الآداب: 926 وديوان أبي تمام: 337. زهر الآداب: 926 - 927 وأنيس الجلساء: 43. زهر الآداب: يقتربان. ديوان الهذليين 2: 583 وحماسة ابن الشجري: 83 والحماسة البصرية 1: 225 وزهر الآداب: 795 والخزانة 4: 353 وبلاغات النساء: 173 وحماسة البحتري: 273 وأمالي المرتضى 2: 243 وكتاب الصناعتين: 142؛ وقد أورد ابن رشيق هذا الشعر في العمدة 2: 31 (تحقيق محيي الدين عبد الحميد) في باب التسهيم أو ما يسميه قدامة " التوشيح " ويسميه ابن وكيع " المطمع " ولم أعثر على من سماه " معاقدة ". م: عرينة ... مبيداً. م: ومبيد. ديوان المجنون: 94 والزهرة: 47 والعقد 5: 378. ديوان العباس: 84 والعقد 5: 378. الذخيرة 3: 347. انظر المسالك 11: 224 - 225. ط: أحيي. م س: والفرق. ط د: المكاره. ط م: يحيرنا؛ د: فخيرنا؛ المسالك: يجيرنا. ط م د س: منه. ط م د س: مرسومة. إلى هنا تنتهي الترجمة في ط د، وما تبقى تنفرد به م س؛ ولهذا سيجد القارئ أن النص قد يجيء قلقاً في بعض المواضع. منها أبيات في المسالك: 224. ما بين معقفين زيادة من المسالك. هذه هي قراءة س والمسالك؛ وفي ك: سمى. ص: ضافيه. صورة اللفظة في م: مويه، وسقطت من س. س: حكمة. يريد بحبيب الشاعر أبا تمام. العكوب: الغبار. س: تخاله. المسالك: مريب. المسالك: سلكه. خشيب: صقيل كالسيف. المسالك: من كل القلوب. يعني أصلح مائله؛ وهذه قراءة محتملة لهذا الشطر لا نقطع بصحتها. فليخطب؛ س: فليخضب. م: مصيب. ذكره في المغرب 1: 261 والنفح 3: 264، 614، 4: 124 وبدائع البدائه: 114، 366 وانظر قصة له فيما تقدم ص: 476 - 477 وهذه الترجمة لا تفي بما وعد به ابن بسام من نوادره، ولعلها زيدت من بعده، وقد سقطت من ط د. الأبيات في المغرب والنفح 4: 124 ما عدا الأخير. هذه هي القراءة في المغرب والنفح؛ وأما في م فقد تقرأ " بفؤادها " وفي س: بعوادها، وهو غير منسجم مع القافية. المغرب: تضحك. المغرب: أصبحت. انظر النفح 3: 614 وبدائع البدائه: 114. النفح والبدائع: وللشمس ... بالهلال. النفح والبدائع: للسماح. م س: تلقاهم. م س: خدود. س: شفار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي بكر محمد بن ذي الوزارتين المشرف أبي مروان بن عبد العزيز (1) وإثبات جملة من نظمه ونثره وبنو عبد العزيز يعرفون ببني المرخي (2) ، نسبهم في لخم، وهم جملة فضل، وبيتة (3) نبل، وعلم وفهم، وفيهم يقول الوزير أبو محمد بن عبدون   (1) هو محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن كميل اللخمي الأشبيلي المعروف بابن المرخي أخذ عن أبي الوليد العتبي وأبي عبيد البكري وأبي الحسين ابن سراج وأبي علي الغساني وسكن قرطبة، واختص بأميرها المرابطي محمد بن الحاج داود اللمتوفي، فلما توفي يوسف ابن تاشفين سنة 500 رفض ابن الحاج أن يبايع علي بن يوسف وانحاز له الملأ من أهل قرطبة، ثم إن ابن الحاج نكب وفسد تدبيره، فهرب أبو بكر ابن المرخي إلى شرق الأندلس، حتى إذا رضي أمير المسلمين على ابن الحاج عاد ابن المرخي إلى صحبته عندما ولي فاس وغيرها من أعمال المغرب ثم سرقسطة وبلنسية عندما وليهما، وظل في صحبته حتى قتل سنة 508 بمعركة البورت (ومعناها الباب) . وبأخرة من عمره، جلس يقرئ الناس الكتب الأدبية، وكان مقرباً إلى اللمتونيين، ينتفع به الناس لحسن وساطته لديهم، وكان محدثاً متقناً ضابطاً حسن الخط، واستكتبه على بن يوسف مع أبي عبد الله بن أبي الخصال، وروى عنه ابنه الوزير أبو الحكم وغيره، وتوفي سنة 536 وقال العماد سنة 540، ودفن بمقبرة أم سلمة وشهد جنازته والي قرطبة الزبير بن عمر اللمتوني. (انظر المغرب 1: 307 والصلة: 555 والذيل والتكملة 6: 504 ومعجم الصدفي: 132 والخريدة 3: 433 والبغية رقم: 201 والمطرب: 208 والقلائد: 163 والنفح 3: 458، 570؛ ولا بد من التفرقة بين بني عبد العزيز هؤلاء وبني عبد العزيز الذي كانوا ببلنسية وكانوا خصوماً لابن عمار ومنهم أيضاً أبو بكر ابن عبد العزيز وقد ترجم له ابن بسام في القسم الثالث: 40 وكانت وفاته سنة 456) . (2) قال ابن دحية (المطرب: 208) صوابه عند أهل النحو بفتح الخاء، وقوله هذا يومئ إلى أنه كان ينطق بكسرها " المرخي " عند العامة. (3) د: ومنبت؛ ط: وثبتة (اقرأ: وبيتة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 من جملة أبيات خاطبهم بها بقرطبة (1) : بني عبد العزيز لئن سلوتم ... فما أنا عن علائكم (2) بسال وما عهدي بناسٍ أي ناسٍ ... تواصوا بالمكارم والمعالي وإيثار الغريب على سواه ... وإن لم يثر (3) من جاه ومال بحور بلاغة ونجوم عز ... وأطواد وراسٍ من جلال سلام يملأ الملوين طيباً ... على تلك السجايا والكمال فكم كافور أيامٍ خلطنا ... ولم تظلم، بمسكٍ من ليال ومن جواب أبي بكر له: أمالك رق أبكار المعاني ... ورب السبق في يوم الرهان وفائت كل منطيقٍ بليغٍ ... بطول الباع واليد واللسان بدأت وكان منك الفضل عوداً ... فمن عذراء تردف بالعوان فجاء الشعر متسقاً حداه ... كما اتسقت حلي السيف اليماني تقاصر دونك البلغاء حظاً ... كما قصر السماع عن (4) العيان لئن أهدت بدائع كل حسنٍ ... فمهديها غريب في الزمان غريب سيادةٍ غربي أفقٍ ... وقد عرضت إليه المشرقان (5) [101 ب]   (1) م س: من قرطبة. (2) م س: علاقتكم؛ ط: علاتكم. (3) م س: يوثر. (4) م س: على. (5) د: له بالمشرقان؛ ط: المشرقان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 وأبو بكر في وقتنا هذا مهب البراعة وجنوبها، ومنتهى بعيد هذه الصناعة وقريبها، وكان جده (1) صدر الفتنة الناشئة في آخر دولة بني عامر قد انزوى بضيعة له بمدينة شذونة (2) أحد أقاليم القطر الغربي من الأندلس حيث ظن أنه يخفى على الديلي مناره، وتتلفع برماد الخمول ناره، وتأبى الزهرة إلا مروقاً من الكمامة، والشمس إلا شورقاً تحت الغمامة، فاهتدى له أحد أمراء البرابرة (3) المتغلب - كان يومئذ - على مدينة قرمونة وذواتها من أقطار الجزيرة، فاستخلصه لنفسه، وغلب عليه أهل جنسه، فلم يزل يقتدح بزنده، ويلقي إليه بمقاليد حله وعقده (4) . ونشأ ابنه أبو (5) مروان المذكور في حجر دولتهم، فحمى حماها، ودارت عليه رحاها، إلى أن انتحاها من قدر الله تعالى على يدي عباد (6) ما انتحاها، فلم يجد أبو مروان بداً من لزوم طاعته، والدخول في جماعته، فأقام باشبيلية بقية أيام المعتضد وصدراً من دولة المعتمد، يتبرض جميعها، ويتزود نسيمها، إلى أن أنشأ المعتمد لابنه الفتح دولته بقرطبة - حسبما نومئ (7) إلى خبرها بالشرح -   (1) يعني عبد العزيز بن محمد. (2) تذكر المصادر أن أبا بكر بن عبد العزيز شراني الأصل أي من قرية شرانة إحدى قرى شريش بولاية شذونة. (3) م س: أحد من البرابر. (4) فلم يزل ... وعقده: سقط من م س. (5) أبو: سقطت من م. (6) استولى عباد على قرمونة سنة 459 من يد المستظهر عزيز بن محمد البرزالي (ابن عذاري 3: 312) وفي م: على يد ابن عباد. (7) م س: سنومئ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 فانتقى لها (1) من حملة السيوف والأقلام، من وقع عليه ظنه من الأعيان والأعلام، فكان أبو مروان علم بردها، ووسطى عقدها، ومالك زمامي عفوها وجهدها. ونشأ ابنه أبو بكر هذا في حجرها، وبين سماكها ونسرها، طفل دفع في صدر الكهول، وغر بهر ألباب ذوي التجربة والتحصل. وبخل المأمون به بخل الحازم بسره، وشد عليه شد يد الضنين (2) على وفره؛ فلما انقضت تلك الدولة، أخلد إلى العطلة، وتميز من الجملة، متلفعاً بالحياء، مستحلماً للوفاء، وقد لحظته اليوم هذه الدولة (3) في وقتنا، فأخذ من حبلها بطرفٍ، وتولى من ظلها إلى كنف، ولم يحضرني وقت (4) تحريري هذه النسخة من نظمه الفائقة درره، ولا من نثره الرائقة أحجاله وغرره، لما أجريت من ذكره، إلا ما لا يكاد يفي بقدره، وفيما أثبت من ذلك دليل وبرهان يريك الفرق بينه وبين سواه، إن شاء الله. جملة ما وقع إلي من نثر مع ما ينخرط في سلك ذلك من شعره كنت بحضرة قرطبة أول سفري إليها سنة أربع وتسعين، فدخل عندي هلال بن الأديب، وقرع سمعي من شعر أبي بكر هذا بكل حسنٍ غريب،   (1) م س: فانتقله. (2) م س: البطش. (3) تلك الدولة ... الدولة: سقط من م س. (4) م س: إلى وقت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 فكتبت معه رقعةً أخطب فيها وده، وأستجلب ما عنده، أقول في فصل منها: كل يبلغ (1) - أعزك الله - من حسنات نبلك وفضلك، ومعلوات حسبك ونسبك، ما يحدث إليك طرباً في الموتان، فضلاً عن الحيوان، وما زلت أسمع فأتطلع، واستشعر فأستبصر، وأحن إلى مفاتحته الخطاب، وقلما يقع إلا بأسباب، إذ الدخول لا يكون إلا على باب، وعندهم - على علمك - أن الهجوم عليه، دون سبب يدعو إليه، نوع من الجفاء، وضرب من مفارقة الحياء، ولا يستجيزه إلا من كان عن الأدب بمعزل، وللأمور غير محصل، ومع هذا فإن الزمان شأنه البخل إذا استعطي، والمطل إذا اقتضي، ورب مرغوب فيه لا ينفق، ومحروصٍ عليه (2) قد سدت دونه الطرق، ومذ (3) دخلت الحضرة، في هذه السفرة، تحدثت بلقائك، لأكتب اسمي في ديوان أوليائك، فارتقبت ذلك ارتقاب الصائم للهلال، إلى أن كتبت هذه الأحرف مع صديقنا أبي الحسن الفاضل هلال، فلك الفضل بما لك من شرف خيم، ومحتدٍ كريم، في الغض على ما تراه من زيوف، والمراجعة إن تأتت (4) عنها ولو بقليل حروف. فهذا الخطاب، الذي قرعت به هذا الباب من مواصلتك، وجعلته سلماً إلى مخاطبتك، أس يقوم (5) عليه   (1) م: يبلغه. (2) عليه دون سبب ... ومحروص عليه: سقط من م س. (3) م س: وقد. (4) تأتت: سقطت من م. (5) م س: أمر سيقوم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 بنيان، وغرس ستلتف فوقه أفنان، وهمس سيكون بعده إعلان. ثم ختمت الرقعة بهذه الأبيات (1) : أبا بكر المجتبى للأدب ... رفيع العماد قريع الحسب أيلحن فيك الزمان الخؤون ... ويعرب عنك لسان العرب [102أ] وتعدل في (2) الفهم بالحاضرين ... لديهم وما النبع مثل الغرب أراك بعينٍ أراهم بها ... إذاً فأرى الدر كالمخشلب لقد كان (3) جيل الورى أدهماً ... (4) بقرطبةٍ عجمها والعرب إلى أن تبسم عنك الزمان ... فأسفر عن واضحٍ ذي شنب فجئت كما شئت ذا مقولٍ ... يفلل حداه بيض القضب فوا حزنا لزناد (5) كبا ... وروضٍ ذوي وزلال نضب وما كان جيلك هذا الأنام ... ولا لك في أفقهم من أرب وطبعك (6) ينفث عن لؤلؤ ... تنظمه في نحور الكتب فأين (7) العميد وعبد الحميد ... وما حويا من خطير الخطب وأين البديع وشمس المعالي ... بديعك مد عليهم طنب ولما سمعت هلالاً يعيد ... قوافي لؤلؤك المنتخب   (1) انظر نفح الطيب 3: 458. (2) د ط: وتعدم ربعهم. (3) م س: حبل. (4) ط: أعجم لا عرب، م س: عجم لا عرب. (5) ط: كتب؛ س: كبت. (6) م س: فطبعك. (7) ط د: الحميد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 538 شفعت بها لو وفت ذمتي ... بواجبها إذ عليها وجب وخامرني حب سمعي لها ... كأني خلوت ببنت العنب فقلت جرير يجيد القريض ... والآن جاد بحوك الخطب وقرطبة بدلت بالعراق ... أم الأرض تحملنا من كثب فجئتك خاطب ود فلا ... ترد أبا بكر من قد خطب وإن لم يكن أفقنا واحداً ... فينظمنا شمل هذا الأدب فراجعني أبو بكر برقعة (1) قال فيها (2) : وقفت - أعزك الله - من كتابك الكريم، المضمن (3) من البر العميم، ما أيسره يثقل الظهر، ويستنفد الشكر، ويستعبد الحر، ورأيتك - رأيت أملك - تخطب من مودتي ما ليس بكفؤ لخطبتك، ولا بازاء جلالة رتبتك (4) ، لكنه فضل ملكت زمامه، وأعطيت مقوده وخطامه، ولا شك أن صديقنا أبا الحسن - أعزكما الله - أنطقه هواه، ونامت عن الخبرة (5) عين رضاه، فسماع بالمعيدي لا أن تراه، ولعمري لقد أخرت الجواب فرقاً من كشف السر، وإرادة التمادي (6) في تدليس الأمر، ثم علمت أن فضلاً وضع في يديك (7) ، وقصر   (1) د: بقطعة، وسقطت اللفظة من م؛ وفي س: رقعة. (2) ورد بعضها في المغرب 1: 308. (3) المغرب: المهدي. (4) المغرب: ولا بازاء رتبتك. (5) م: عن الخير. (6) م: للتمادي. (7) م: يدك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 539 عليك، يوسعني في النقد طولاً، كما شرفتني (1) في البدء قولاً، وعند اللقاء أنهي عذري، وأعرفك حقيقة قدري، إن شاء الله. ثم أتبع النثر بهذا النظم: أمحيي معاهد رسم الأدب ... ومبقي مشاهد فخر العرب ومن نظم الفضل نظم الجمان ... ومن سبك الشعر سبك الذهب بدأت فلبيك من خاطبٍ ... وأين الكفي له إن خطب أتحتل يا بدر في أفقنا ... ولما تحييك (2) زهر الشهب ويهتز نصلك في غمدهم ... ولما تحجبك بيض القضب فمن تلك جلاسك الواصلون ... ومن هذه لك غيل أشب تناءت علينا مساعي العلا ... ورقيت منها قصي الرتب لك الفضل حركتني للنهوض ... نحوك (3) وهو بعيد الطلب وحدثت عني وهذا الحديث ... يدخله صدقه والكذب فمعذرةً إن بعض (4) المقال ... محض وأكثره مؤتشب برئت إليك من الزائفين ... نظم القريض ونثر الخطب وعمداً تأخر عنك الجواب ... أن لم يكن قاضياً ما يجب تعرضت شأوك يوم الجزاء ... فإذ لم أجب نهجه (5) لم أجب وأقدمني العذر والإعتراف ... فجاءتك تسجد أو تقترب   (1) م: شرفني. (2) كذا وصوابه " تحيك ". (3) م: بجوك. (4) ط د: المآل. (5) ط: بهجة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 540 ولولا الحياء لقد كنت قبل ... أرغب من سيدي ما رغب [102ب] لأبقيت ذكري بما صغته ... بخطه على صفحات الكتب قواف تعطل في وزنها ... (1) " قرأت الكتاب أبر الكتب وإن تك أحمد هذا الزمان ... فأين عليّ لنا أو حلب وقال يخاطب الوزير (2) أبا محمد بن عبدون معتذراً من تخلفه عن تشييعه (3) : في ذمة (4) الفضل والعلياء مرتحل ... فارقت صبري إذ فارقت موضعه ضاءت به برهةً أرجاء قرطبةٍ ... ثم استقل فسد البين مطلعه يا قاطعاً أملاً قد كان واصله ... وناثراً حذلاً قد كان جمعه عذراً إلى المجد عني حين فارقني ... ذاك الجلال وأعيا أن أشيعه قد كنت أصحبته قلبي فأقعدني ... ما كان أودعه عن أن أودعه صب أيها القطر موروداً شرائعه ... فقد ظمئت وعم الري موقعه إني لأحسد هذا الطرس تلمسه ... كفاه أو تجلي عيناه مودعه والشمس تحسد والخضراء موضعها ... للفضل تعرف في الغبراء موضعه لا زعزعتك الليالي النكد يا جبلا ... لم ترج غير الليالي أن تزعزعه وله فصل (5) من رقعة شفاعة: أحسن الصلة - أعزك الله - بين (6) الأخوان   (1) صدر بيت للمتنبي، ديوانه: 431 وعجزه: " فسمعاً لأمر أمير العرب ". (2) الوزير: سقطت من م س. (3) القلائد: 164 والخريدة 3: 433 والمطرب: 208. (4) في المصادر: المجد. (5) ط د: في فصل. (6) ط م: حسن الصلة ... بين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 541 ما كان الفضل موجبها، والمجد مسببها، وطيب الخبر منشيها، وحسن الثناء مهدها وممطيها (1) ؛ والوزير أبو فلان - أبقاه الله - ممن يفتن في شكرك فيسحر المسامع، ويوقع ذكرك في القلوب أكرم المواقع، حتى يستميل إلى مودتك النفوس فتنقاد سمحة القياد، ويهتف بالثناء عليك في المحافل فلا يخاف المعارضة والعناد، وكان له من رأيك الجميل في سالف المدة (2) ، أشرف ذخيرة وعدة، فلما ملكك الفضل أزمة النقض والإمرار، ورتبك في ديوان الإيراد والإصدار، علم (3) أنه لا يسقط نجمه مع علو نجمك، ولا تلدغه عقارب الدهر وهو يرقيها باسمك، وأنت - دام عزك - تسمعه بميسم إيجابك (4) ، وتقيده بالإحسان في كنابك، وتطيع الكرم (5) في رعاية نزاعه، ومحافظة تأميله وانقطاعه، ومهما تعتمده به من مبرة، وتسديه إليه من عادةٍ مستمرة، فإنما تسقي غرسك، وتبني أسك. وله من أخرى: أما الود - أعزك الله - فمقيم، والعهد كريم، والإخاء مخيم لا يريم؛ لكني أخبرك عن حال مختلة، ونفس معتلة، وشغل بك قد ضيق الصدر، وأظلم منير الفكر، بما وقفت عليه من كتابك، واستطلعته من خطابك، فتجرعت الكمد - علم الله - مر المذاق (6) ، وشربت من كأسه المترع الدهاق. وعلمت أنه جنس ذليل، ورهط مخذول   (1) م: منشأها ... وممطؤها. (2) م س: المودة. (3) م: علم لنا. (4) م: إلحافك؛ س: الحافل؛ ط د: إلجائك. (5) م: الدر (لعلها: الود) . (6) م: من المراق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 542 وحزب مفلول بل مقتول، حيث لا ناصر فيستصرخ، ولا فحم لقيت فينفخ، ولا وزر إلا العبرات تستنجد، والزفرات (1) تستحث فتوقد. وقل غناءً عنك دمع تجريه، أو حزن تبديه، أو صديق (2) لا يملك إلا التفجع، ولا يستطيع إلا التلهف والتوجع، لكنه في الشر خيار، وفي الأرض قرار، وفي الناس منتجع مزدار، وإلى الله انقطاع وفرار؛ وصاحب الشرع عليه السلام قال (3) : " لا تلثوا بدار معجرة " (4) ، وقال الأول: " إذا نبا بك منزل فتحول " (5) ؛ وأنت - ولا عتب - تقيم بذلك (6) الإقليم؛ مقام عير الحي والوتد (7) ، ولا تتعوض منه ببلد، ولا من أهله (8) بأحد، حتى كأنك إنما تشفق من خراب عامر ضيعك، ودروس جديد أربعك، ومعذرةً إليك من هذا الجفاء، فيما بعث إليه إلا حنق يقوده شفق، وقلق تذكيه حرق. [103أ] وقد عرضت على عدة من إخواننا - أعزهم الله - شخص كتابك، فكلهم تألم بمصابك (9) ، وتوجع   (1) م س: وزفرات. (2) م: صديع؛ س: صديغ. (3) م س: يقول. (4) في النسخ: تلبثوا ... م: المعجزة؛ وفي اللسان (عجز) أنه من حديث عمر، ومعناه لا تقيموا ببلدة تعجزون فيها عن الاكتساب والعيش. (والمعجزة بفتح الجيم وكسرها) . (5) التمثيل والمحاضرة: 400. (6) ط د: ذلك. (7) يريد مقام ذل، مشيراً إلى قول الشاعر: ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد (8) ط د: أجله. (9) م: لمصابك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 543 لأوصابك، وارتمض لعثرة الأحرار التي لا يقال، ودولة لذل التي لا تزال (1) ، جبر الله الكسر، وحكم على الدهر، وكشف الضر، ورزق فيما بقي حسن التسليم والصبر. قال ابن بسام: وإنما امتعض أبو بكر في هذا الجواب على خطاب كان شرح له فيه الأديب أبو جعفر الكفيف (2) محنته مع مقاتل، غلامٍ كان لابن مطري أولاً، ثم لابن (3) الأفطس، لتنازع وقع بينهما على بيت شعر ظهر عليه فيه أبو جعفر، فحقد ذلك له، فبينما هو (4) ماشياً فارغ القلب، آمن السرب، إذ اعترضه مقاتل في الطريق، على مقربة من السوق، على هملاجه، بين طوقه وتاجه، فجرى شوطه، وأخرج سوطه، الذي كان يحث به فرسه، وأمر سائسه (5) بحبس يديه، وانحنى به عليه، قائلاً: لم تعرضت بطشتي، ولم تخف سطوتي -! فلا النعمان بن البشير يوم الأخطل، ولا الزبرقان بن بدر في مسألة جرول، ولا المأمون يسطو بدعبل، وتالله لو كان مقاتل كليب وائل، أو قيس بن عاصم، أو معرقاً في بني هاشم، لثنى من عنانهن وقصر من يده ولسانه، فكيف وهو مقسوم الولاء، معدوم الآباء! ! وإنما أقدره يومئذ الكبر، وأبطره الوفر، بعد الكدية في الرفاق (6) ، والقصص في الأسواق، ونقل اللحم بالأشبونة من الدور   (1) ط: تزال، س: لازال. (2) انظر مقدمة ديوان الأعمى التطيلي: ح - ي. (3) م: لبني. (4) س: فبينماه. (5) ط: سيسه؛ س: منيسه. (6) س: في الرياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 544 إلى (1) الوضم، فكيف لا (2) يتربص خروج الدجال، أو ينزل المطر على هذه الحال، أو تتأخر القيامة، ومقاتل قد صار (3) قدامه، يقتل الأحرار، ولا قود ولا ثار!! ألا مغيثاً، ألا مشياً إلى الموت (4) حثيثاً، ألا دعوة نوحٍ، من قلب قريح!! ولأبي بكر أيضاً فصول من جوابٍ عن أهل قرطبة على خطاب ورد من قبل المستعين بن هود قال فيه: وصل كتابك، فوقفنا على جميع معانيه، وأحطنا علماً بما فيه، ورأينا ما تضمنه من المقال الذي لم يوفه أعزه الله - حق النظر، ولا تدبره أحسن التدبر، بل أطاع فيه سلطان هواه، ودعاه الحرج (5) إليه فاستهواه، ولو حكم عادل النصفة، وعصى أمر الأنفة، لخاصم نفسه قبل أن يخاصم عنها، وكان قبل أن يأخذ لها آخذاً منها، ولعلم أن الحق ليس بأقوال تسطر، ولا حججٍ (6) تصرف عن طريقها وتغير؛ والشيطان قد ينصب للعاقل أشراك الخدع، ويروم أن يستنزل الحليم بأصناف الطمع، فمن صرفته عصمة الله انصرف (7) ، ومن وقفته خشيته أحجم ووقف. وفي فصل منها: وقد كنت (8) خاطبتنا المرة بعد المرة، وكاتبتنا الكرة بعد   (1) م س: إلى الصور من. (2) لا: سقطت من م س ط. (3) قد صار: سقط من م س. (4) ك: للمنية. (5) م: الخروج. (6) م: بحجج. (7) ط: أنصف. (8) وقد كنت: سقطت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 545 الكرة، تذكر أنك (1) قد حللت عن تلك البلاد يدك، وأصفيت (2) في طاعة أمير المسلمين وناصر الدين - أيده الله - معتقدك، ورأيت أنها (3) أمانة تؤديها، إلى حافظها وراعيها، وتسلمها إلى من يقوم بحق الله - عز اسمه - فيها، إلا مواضع يسيرةً استثنيتها، وأماكن قليلةً سميتها، فما الذي نقلك عن هذا الرأي الحميد، والمذهب السديد، إلى التمسك بما قد بان لك وجه الحيرة في تركه، وإرادة التملك بما لا قدرة لك على ملكه -! ولو كنت - أحسن الله توفيقك - ملياً (4) بالدفاع، قديراً على التحصن من أعداء [الله] الكفرة (5) والامتناع، لكنت معذوراً فيما ترغبه، وجديراً أن يخلى بينك وبين ما تطلبه، لكن العجب كل العجب أن يكون سعيك للكفار، وتوفيرك للدمار، وكيف يسوغ لك أن تحذر من الله وأنت لا تحذره (6) ، وتذكر به تعالى ثم لا تذكره -! ألست تعلم أن النصارى - لعنهم الله - قد استولوا على ثغور المسلمين التي كانت بنظرك منوطةً، وبمستقر قدميك (7) مخلوطة - فهل كانت لك طاقة بمحاربتهم، أو قوة على مقارعتهم، أو إصراخ لمن استرخصك من قتيل مستشهد، أو أسير مضطهد -! وفي فصل منها: فحين وصلت دعوتهم لسامعها، واتصلت مظلمتهم   (1) تذكر أنك: سقطت من م. (2) م: وأضفت. (3) م: لنا. (4) ملياً: سقطت من ط. (5) د: الأعداء والكفرة: ط: الفكرة. (6) زاد في م: العجب أن يكون. (7) م: مخدمك؛ ط: قدمك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 546 برافعها، وتعلقوا من أمير المسلمين وناصر الدين - أيده الله (1) - بالسبب المتين، وأووا منه إلى الحصن الحصين، أردت - والله يقيدك (2) - أن تقطع منه (3) حبالهم، [103ب] وتفرق اتصالهم، وتذرهم بين أيدي (4) الأسر والقتل نهاباً، ولا ترجو فيهم ثواباً، ولا تخاف (5) عقاباً. وهو - أيده الله - لم يبلغ بلادك ولا غيرها لمالٍ (6) يبتزه، ولا لتملكٍ يستفزه، وإنما بغيته (7) أن يقمع شيطان الشرك، ويستنقذ المسلمين من الهلك، ولما (8) نرجوه من حسن إنابتك، وإسراعك إلى داعي الحق وإجابتك، خاطبنا أمير المسلمين - أيده الله - محيلين على ما تضمنه خطابك، ووعاه كتابك، ممهدين عنده عذرك فيما تضمنه من القول الذي لا تصح شواهده، ولا ترتبط (9) لمتأمل معاقده، وإنا لنخشى أن ينفض (10) عن ذلك الثغر يده، ويحل من عزمه (11) فيه ما كان عقده، فحينئذ لا ينفع النادم قرع سنه ولو هتمها، والعاض يده ولو كلمها، وقد كان لك مندوحة   (1) م س: أدام الله تأييده. (2) ط: يعيذك. (3) منه: سقطت من م. (4) أيدي: سقطت من م. (5) م: يرجو.. يخاف. (6) س م: لملك؛ وسقطت من ط. (7) م: بغية. (8) ط: وإنما. (9) م: ترتبطه. (10) م س: لينفض. (11) م: العزم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 547 في القول اللين، والاحتجاج المبين، عن (1) الموافقة والمخالفة، والمدافعة بغير الحق والمكاشفة، حتى انتهيت (2) إلى أن تقول إنه لك في من سلف واعظ يزعك، أو زاجر يردعك، والله يعصمك من أن تختار اختيارهم، وتؤثر إيثارهم. وفي فصل منها: وقبيح بمن علم بما (3) عند الله علمك، وفهم بما لديه فهمك، أن يزهد في الدنيا وهو يطمع منها في غير حاصل، أو يذم العاجلة وهو يعتد بعرضٍ من أعراضها غير طائل، ونرجو أن يكون وراء هذا من ركوبك المثلى، ورجوعك إلى التي هي أولى، وتكذيب ما تلقيه (4) الوساوس، وتمنيه (5) خادعات الهواجس، ما يبقي به دينك نقياً لا يتدنس (6) إزاره، وذكرك جميلاً لا تقبح آثاره، وهو الذي يشبه مذهبك الكريم، وآراء سلفك القديم، الذي أنت متقيل حميد آثارهم، مستضيءبأنوارهم، مشيد على (7) ما أسسوه من الأثر الصالح، والعمل الراجح. وما كان في هذا الكتاب من (8) مراجعة، فيها موافقة ومنازعة، فإنما دعا إليها ما ننوي من النصيحة، والموالاة الصحيحة، وقد يعاتب   (1) م: على؛ س: الهين على. (2) م: انثنيت. (3) م س: ما. (4) ط د: تلفته. (5) د: وتمنته؛ م س: وتلقيه. (6) م: يدنس. (7) على: سقطت من ط د. (8) الكتاب من: سقطت من م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 548 الشفيق فلا يحجم، ويقول الصديق فلا يكتم، وأنت تحمل ذلك على سبله (1) الواضحة، وطرائقه اللائحة، وتعلم أن أخاك من أرضاك باطنه، وإن عصاك ظاهره وعالنه (2) . وله من قصيدة (3) في القاضي (4) : وكيف أجزوت الحي جيبك عاطر ... وردفك فضفاض وعقدك صائح تجاوب أفرد الحلي وساوساً ... عليك كما غنى الحمام النوائح وكيف شققت الليل خدك زاهر ... وجيدك براق وثغرك واضح وكيف استطعت السير حجلك مفعم ... وردفك رجراج وحليك قادح ومنعرج الوادي ظبأ وأسنه ... ومنقطع البيداء خب وكاشح وقد (5) نصت الجوزاء (6) جيداً كأنه ... عيون إلى تلك الطروق لوامح تأرجت الموماة أن سرت وسطها ... فكل سبيل جزت بالطيب فائح أقبل ترب الأرض حتى كأنما ... تضم ثناياك العذاب (7) الأباطح فما سجد (8) الرهبان في كل بيعةٍ ... كما أسجدتني أرضها والصحاصح   (1) م: سبيله. (2) م: وغالبه. (3) م: ومن قصيدة له. (4) انظر ديوان ابن زيدون: 390، 483 وقصيدة فائية لأبي المغيرة ابن حزم في القسم الأول: 176 فهذا كله نسق واحد من المعارضات؛ ولم يتضح أي القضاة يمدح، ولعل هنا نقصاً في النسخ. (5) م: نصب. (6) م ط: جيد. (7) م: العراب. (8) ط: البرهان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 549 ومنها في المدح: فإن أك في ميدان لهوي راكضاً ... فإني للقاضي الأجل لمادح هو السبب المدني إلى كل سلوةٍ ... وكفارة الآثام وهي فوادح به تنهض الأيام وهي عواثر ... وتستدرك الآمال وهي نوازح [104أ] قال ابن بسام (1) : قول أبي بكر: " أقبل ترب الأرض " ... البيت مع الذي بعده، من الوصف الغريب، في توفية إكرام ربع الحبيب؛ وأول من بكى بالربع ووقف واستوقف، الملك الضليل، حيث يقول: قفا نبك من ذكرة حبيب ومنزل ... ثم جاء أبو الطيب فنزل وترجل ومشى في آثار الديار وقال (2) : نزلنا عن الأكوار نمشي كرامةً ... لمن بان عنه أن نلم بها راكباً ثم جاء المعري فلم يقنع بهذه التوفية من الكرامة حتى خنع وسجد، وقال (3) : تحية كسرى في السناء وتبع ... لربعك لا أرضى تحية أربع وأبو بكر إنما ألم بهذا المعنى. ومحاسنه أكثر من أن تحصى، ولم أحاضر وقتي هذا إلا بقليلها (4) ، ولا   (1) نقل الصفدي جانباً كبيراً من هذا النص في الغيث 1: 67 وصرح أنه ينقل عن الذخيرة. (2) ديوان المتنبي: 318. (3) شروح السقط: 1527. (4) ط د: بأقلها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 550 بأس من الزيادة - إن شاء الله - عند حصولها. ومما سمحت (1) به الأيام، وفازت به الأزلام، من نثر أبي بكر المتدفق عن بحر (2) ، المزري بدر انتظم في لبات الزهر، رقعة يقول فيها: مولاي وسيدي الأجل لا يزال بمعونة الله تخمه الأوطار، وتطيعه الأنصار، وتتنافس فيه الأقطار، وتستأذنه في صوبها القطار، فدعاؤه متقبل مستجاب، والغيم عند استصحابه منجاب، وقد كان الغمام أسف ودقه، ورجي صدقه، فصعد وتعلى، ثم دنا فتدلى، فكاد من قام بالراح (3) يدفعه، وانتظرت شآبيبه ودفعه، إلا أن تلك الدعوة ردت مخيلته جهاماً، وفرقت جمعه وكان لماما، وعاد المحل يلتهم التهاماً، فرفقاً - رفق الله بك - فإن الناس مسنتون، ولما لا يرضى من القول بسوء الظم مبيتون، وماذا عليه - أعزه الله - في أن يخصب محله، سقى الغيث بلداً يحله، وتشيعه حيث ارتحل ديمة مدرار (4) ، وينزل حيث ينزل النوار، وننال من بركة دعائه نصيباً، ولا نلقى منه يوماً عصيباً، وإن دام دعاؤه في استصحاب الشمس، فسيتركها خاوية كأن لم تغرب بالأمس.   (1) هذا مما زيد من بعد وقد انفردت به النسختان م س حتى آخر الترجمة. (2) م س: بحره. (3) م س: بالراجي؛ وفيه إشارة إلى قول الشاعر يصف السحاب: دان مسف فويق الأرض هيدبه ... يكاد يدفعه من قام بالراح (4) من قول المتنبي (ديوانه: 268) : وإذا ارتحلت فشيعتك سلامة ... حيث اتجهت وديمة مدرار الجزء: 4 ¦ الصفحة: 551 وأخرى يقول فيها: سقى بلداً أمست تحله ... من المزن ما تروى به وتسيم (1) كيف لا استسقي لمثواه - أدام الله نعماه - عزالي (2) الغمام، وأنتقي لعلياه حر الكلام، وأعيذ (3) النفس بمقدار سعده، وأنفي الأنس جملةً من بعده، وهو - أعزه الله - سر الضمير ونجواه، وذكر اللسان ودعواه، وشغل القلب والصدر، والصديق الوفي بعدت أخلاقه عن الغدر (4) ، والواحد الذي يعدل ألوفاً في جلالة القدر، ويزيد على الأ [نام] كما زادت على الليالي ليلة القدر؛ ما هذا الإطراء، والقول بالآراء (5) -! تكفي شهادة الضمائر، وتناجي السرائر. ما أولاني بالنجه، وحثو التراب (في) الوجه! ! كيف وجد - أعزه الله - تلك البلاد الكريمة - أظنه أكرم فارتبط، وانتاب (6) فاغتبط، وحط الرجل عند الملك الظاهر، المكنى بأبي الطاهر، فأنشد قول أبي تمام في عبد الله بن طاهر (7) : إذا ما امرؤ ألقى إليك برحله (8) ... فقد طالبته بالنجاح مطالبه   (1) انظر الأغاني 2: 198 وأمالي القالي 1: 36. (2) م: عز؛ س: عن (اقرأ: عين) . (3) س: واعتد؛ م: واعند. (4) م: بعدت عن الضمير الغدر. (5) م س: الآراء (لعلها: الهراء) . (6) م س: وارتاب. (7) ديوان أبي تمام 1: 239. (8) الديوان: بربعك رحله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 552 وفي فصل منها: وماذا عليه لو عرف من شأنه بقضه (1) ، من عدة النسيم اجتاز على أرضه، فتنشق عرفه، وتقبل عرفه: يقبل الريح من صبابته ... ما قبل الريح قبله أحد ومنها: ولما علم أن تلك الحضرة مجر العوالي (2) ، بل مستقر المعالي، ومجرى السوابق، بل مسرى البواشق، أملها فأمها، وقدم أرجاءها فجاءها، وغرضه أن يكون هنالك خادم قائد، أو جامع فائد، وإذا ظفرت يداه بجواد، يحمله على جواد، فقد أخصب مراده، وأكثب مراده. ومنها: وإن خفت بالمراجعة بالحال العلية وصلة الإجمال، وختمت بالحسنة الأعمال، أسمعني الله عنك أنباء طيبة، وأمطرك من المعروف ديمة صيبةً، برحمته. وأخرى يقول فيها: وإني وإسماعيل يوم وداعه ... لكالغمد يوم الروع فارقه النصل (3) لا بل كالجفن فارقه السواد، والصدر بان عنه الفؤاد، هذا تعداد يطول، ودهر بأحداثه يصول، وعلى ما جر من خطوبه، وأعقبنا من   (1) صورتها في م: يقضه. (2) م: بحر الغزالي. (3) البيت لصريع الغواني، ذيل ديوانه: 332 والشعر والشعراء: 713. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 553 عبوسه وقطوبه، لنقرينه صبراً يرده، وجلداً يهده (1) ، وتحملاً يردعه ويصده، فلا يجد لسهامه منفذاً، ولا يعرف للقدح فيها مأخذاً، وإنا لنرضى بالقدر، ونشرب على القذاة (2) الكدر، ولا تؤثر فينا لأواء، ولا تبلغ منا عزاء؛ أما وقد ذقنا طعميه، وحلبنا شطريه، وخطرنا قطريه، وجربنا حاليه، فما يحدث جديداً، ولا ينشئ شديداً، وإن الله سبحانه ليختار للعبد، ويهديه إذا استهداه للرشد، إذا انتهى به العسر، طالعه اليسر، ووافاه النصر. ومنها: فذكرنا (3) - أعزك الله - وطالعنا بأنبائك - أطابها الله - فأنا نرتقب أخبارك، ونستوضح آثارك، ونلحظ على البعد ديارك: كما نظر الأسير إلى طليقٍ ... يؤم بلاده لشهود عيد ومن الحق أن تشد يد اغتباطك، وحبل ارتباطك، بفلان، فهو للصحبة ذاكر، وبعهدك مكاثر، ومن أعبائك في تلك الرحلة متنصل، ووده وكيد متأصب. وستفرح معه أياماً، وترى الفضل إماماً، والزمان غلاماً، إن شاء الله. وأخرى افتتحها بهذين البيتين: أخاطب ود من أخ لك عنده ... إنابة مخلوع العنان إذا لبى تفيأ إذا ما شئت ظل ضلوعه ... ظليلاً ورد من وده شبماً (4) عذبا   (1) م: يردده ... يهدده. (2) م س: القدار. (3) لعل الصواب: " فاذكرنا ". (4) م س: طلوعه ... أشنباً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 554 وصل لسيدي - وصله الله - تحية أهداها، مقترنةً ببغيةٍ اهتداها، فلولا أن تموج الهواء. لا ينقل (1) الأهواء، لوافاه يحمل من رجع السلام أحفاه، ولوصف ما نشأ له من الولوع، (و) انتهى (حتى) هد الضلوع. فما غريب أو حشه سلطانه، وجفت أوطانه، فبات يستهدي البوارح نسيمها، شوقاً إلى وسيمها، ويستكشف الركب عن أنبائها، كلفاً بأحبائها: بأشوق مني إلى حضرةٍ ... تخذت بساحتها موطنا وأتمثل بما بين يدي من الأشواق، إلى تلك الأخلاق، فأقول: ما غريب، نأى عنه هوىً قريب، فكلما أم بابه قطع (أسبابه) ،أو هم أن يثني إليه عنانه، شغلت الأيام بنانه، فبات مراق كأس الوسن، فضفاض رداء الحزن، بأشواق مني إلى ذلك الخلق الكريم، فهل يسمح به صرف الزمان اللئيم، وله الذم: ما وهب إلا خلال ما انتهب، ولا أباح إلا ريثما استباح. وإن تكن الأيام أتت لقائك، فأنا أسأل الله طول بقائك، عسى أن يدنو بك داراً، أو يدور بنا عليك مزاراً. وله (2) : قد هززناك في المكارم غصنا ... واستلمناك في النوائب ركنا فوجدنا الزمان قد (3) مال عطفاً ... وتأتى علاً وأشرق حسنا   (1) م س: لا ينفعل. (2) وردت الأبيات في القلائد والخريدة والمطرب. (3) في المصادر: لان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 555 فإذا ما سألته كان سمحاً ... وإذا ما هززته كان لدنا مؤثراً أحسن الخلائق لا يع - ... رف ضناً ولا يكذب ظنا أنت ماء الزمان أخصب وادي - ... - هـ ورفت رياضه وانتجعنا نزعت (1) بي إلى ودادك نفس ... قلما استصحبت سوى الفضل (خدنا) في ذكر الوزير الكاتب أبي الحسين يوسف بن محمد بن الجد (2) واجتلاب قطعة من نظمه ونثره (3) قد قدمت ذكر بني الجد (4) ، وذكرت أنهم كانوا صدور رتبٍ، وبحور أدب، توارثوه نجيباً عن نجيب، كالرمح أنبوباً على أنبوب، مع اشتهار بصحبة السلطان، وشرفهم على وجه الزمان. وأبو الحسين هذا كان من أسنى نجوم سعدهم، وأسمى هضاب مجدهم، ولولا ما خلا به من معاقرة العقار، وتمسك بأسبابه من قضاء الأوطار، لملأ ذكره البلاد، وطبق نظمه ونثره الهضاب والوهاد. وقد استكتبه ذو الوزارتين أبو بكر ابن عمار أيام حربه بمرسيه، وله معه أخبار مذكورة، وعنه رسائل مشهورة،   (1) بي: سقطت من م. (2) كنيته في المغرب (1: 340) أبو الحسن، وورد في مواضع أخرى من الذخيرة مرة أبو الحسين ومرة أبو الحسن؛ وفي هذا الموضع من النسخة ط " أبو الحسن "، وانظر مسالك الأبصار 11: 431؛ وسقطت لفظة " يوسف " من م س. (3) م: نثره ونظمه. (4) ذكر ابن سعيد (المغرب 1: 340) أن بيت بني الجد بيت جليل، وهم فهريون سكنوا لبلة وسادوا أيضاً باشبيلية، ثم ترجم لأربعة منهم، ولكن ليس من السهل تبين صلة القربى بينهم. وقد مرت ترجمة أبي القاسم منهم في هذا القسم من الذخيرة: 285. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 556 ولم أقع من كلامه وقت تحريري هذا التصنيف، إلا على اليسير الطفيف، وفيما أثبت منه ما يقر له بالفضل، ويرفع لواءه في النبل. جملة من نثره مع ما يتشبث به من شعره له من رقعةٍ خاطب بها من استنهضه إلى معارضة الحصري في قصائده المعشرات (1) قال فيها: يا سيدي (2) - أبقاك الله شاحذ فكرٍ، نافذ ذكرٍ؛ من حق ذمتك، الذهاب مع وفق همتك، ولما أكملت رغبتك من كتب معشرات (3) الحصري، هب من خاطري النائم البكي، فنظمت في معناها، ما لا يغني من الصناعة مغناها، فالدر لا يعارض بالمخشلب، والبحر لا يناهض بالمذنب، وإنما ذلك لما في طباع الإنسان، من اتباع الإحسان؛ مع أني أردت أن أملأ سمعك، بصورة حالي معك، وأنت تعلم أني حين تعرضت، وأوان تربصت (4) ، غريب حريب، قليل فليل، مريض الجنان، مقروض اللسان؛ فالشعر إذا لم يحكه قلب فارغ، ولم يسبكه   (1) المعشرات: قصائد تتألف كل قصيدة منها من عشرة أبيات، في موضوع من الموضوعات كالنسيب أو مدح النبي أو الزهد، ومعشرات الحصري في النسيب، وقد نشرت مع دراسة عن الحصري قام بها الأستاذان محمد المرزوقي والجيلاني بن الحاج يحيى: 212 - 240 (تونس 1963) وفي م: المشعرات. (2) يا سيدي: سقطت من ط. (3) م: معشر. (4) م: ترصنت (اقرأ: تبرضت) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 557 لب من ظلماء الشغل بازغ، لم يكمل خلقه، ولم يرو الصدور وقده، وجاء خداج النتاج، أجاج المزاج. فإن نظر في هذي إليك ناظر، وعطف من عنان المناظرة بينها وبين تلك - على تباعدها - مناظر، فأطلعه على غيب حالي، قبل أن تطلعه على عيب مقالي، ليعلم أنها زبدة الماء، وعصارة الصخرة الصماء. والله المرجو للإدالة، والمدعو في الإقالة. وله من أخرى خاطب بها عمه من ميورقه، عند تناثر عقد (1) رؤساء الجزيرة: يا مولاي وسيدي الذي أفترض بره، وألتزم شكره (2) ، ومن لا زال في أمان من الزمان، وسلامٍ من الليالي والأيام: طوى الجزيرة حتى جاءني خبر ... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب (3) [104ب] حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً ... شرقت بالدمع حتى يكاد يشرق بي وإن عيناً لم تصب بدمٍ (4) بعد دمٍ لبخيلة، وإن نفساً لم تذب على تلك النازلة العظمى لجلدة حمولة، لله تعالى التسليم فيما حل وجل، وفجع وأوجع، وأن تكن تجافت عن النفوس، ورتعت (5) في العرض الخسيس، فخطبها حقير، وكسرها مجبور (6) . على أنها كيف تصرفت مشكلة،   (1) عقد: زيادة من م س. (2) س: ذكره. (3) لأبي الطيب، ديوانه: 423 والذخيرة 2: 486. (4) م س: تصب دماً. (5) م: وولعت. (6) م: المجبور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 558 وعلى ما تخيلت (1) مذهلة، وصفاتك - أعزك الله (2) - أصلب من أن تؤثر فيها النوازل، وأثبت من أن تضعضع فيها الرواجف والزلازل؛ وأنا حين خططت هذه الأحرف على جمر الأسى متقلب، وبارتقاب ما خصكم (3) - لا زال خيراً - معذب، وقد أودعت مناولها من خبري، وحملته من عجري وبجري، ما لك الطول في الإصغاء إليه، واستيفاء ما لديه، ثم في مراجعتي بما تقررت الحال عليه. وختمها بهذه الأبيات (4) : كتبت وقد غالت عزائي (5) أشجان ... وقد شرقت بالدمع والدم أجفان وقد وقذتني نبأه الخطب لم تصخ ... (6) إلى مثلها في سالف الدهر آذان تصاممت عنها مستريحاً إلى المنى ... (7) وقلت عساها في الأحاديث بهتان إلى أن جلاها الصدق عندي فهدني ... وإن قليلاً أن تضعضع أركان كذا فارقبوا يوم القيامة بغتةً ... فيهلك شيطان ويهتك سلطان عزاءً وأني بالعزاء وقد هوت ... كما قد ذوت فيكم نجوم وأغصان وغاضت بحور (8) للندى وتقلصت ... ظلال العلا وانهد للمجد بنيان   (1) م: خيلت. (2) م س: دام عزك. (3) د: يخصكم. (4) منها بيتان في كل من المغرب والمسالك. (5) د: غرامي. (6) سقط هذا البيت والذي بعده من م س. (7) ورد البيت في القسم الثالث 3: 849 وفي هذا القسم الثاني أيضاً: 487. (8) م س: بحار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 559 لبان بما قد بان (1) أمن وإيمان ... وما الدهر إلا ناقض (2) العهد خوان ولولا الأسى لم يبد في العيش عذره ... وحبسي ولم أبعد علي وعثمان وكم قبلها من مثلها ثم بعدها ... وليس على دهر جنى (3) ذاك عدوان وبين ضلوعي والجفون تنازع ... على الرسم من جسمي فسحب ونيران ولا شك أني بين هاتين طائح ... فيغرق طوفان ويحرق بركان تقسم صبري والحوادث جمة ... ملوك وجيران وقوم وأوطان لعل الليالي، والليالي لواعب ... ستأتي التي فيها عن الغم سلوان وفي الفم ماء مانع من (4) زيادة ... وعند الذي يهدي كتابي تبيان فطولك في إرعاء سمعك ساعةً ... لتسمع ما شطت به عنك أزمان وراجع ولو في صفحة الماء راقماً ... وطالع فيكفيني من الطرس عنوان وله من أخرى: يا سيدي الأجل، وغمامي المستهل، وكوكبي النير المطل، ومن أبقاه الله في الشمل الأجمع، والأمل الأمتع، أو ذنت بمقدمك الميمون، المقر للنفوس والعيون، فارتحت ارتياح من أنشدت ضالته، وأعيدت عليه بعد السقم صحته، وقد كان من ورد اشتياقي إليك، أن أقع بين يديك، غير أن الوجل (5) قيد القدم، فلم أجد بداً من أن أستنيب القلم، ومثلك - دام عزك - شرح لعذر وله صدراً،   (1) م س: يمن. (2) س م: ناكث. (3) م ط: حنى (حنا) ؛ د س: خنى. (4) م ط: زيارة. (5) م: الوجد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 560 ولم يظن بصفيه فيما يقع من إخلاله بخلاله وجلاله (1) غدراً. ومع هذا فلو كنت على ثقةٍ من وجدانك بمكانك، لمشيت ولو على شوك [105أ] القتاد، مجتنياً من تلك الخلائق الناضرة (2) العاطرة زهر الربى والوهاد، وناقعاً من تلك السجايا الباهرة حرارة الجوانح والأكباد - لا زلت لأودائك أملا، ولأوليائك فضلاً من الزمان كملا (3) . ومن شعره (4) أهدى الزمرد (5) مورقاً ومنوراً ... عجباً تطلع كل لحظ أبصرا فحسبته من قلبه ومودتي ... حجراً وريحاناً يرف معطرا وزجرت منه بأن قسوته انثنت ... ليناً كخد منه رق وعذرا قد كان سري فيه ممنوع الحمى ... فاليوم هتك كل سرٍ سترا فلأخلعن ثوب الوقار عن (6) الصبا ... ولألبسن ثوب الهوى متبخترا ولأشربن كأس الصبابة علقماً ... حتى أعاطي كأس وصلٍ سكرا ولئن كتمت الحب فيه صيانةً ... وضنانةً فكفى بجسمي مخبرا وإذا سما بسمائه بدر الدجى ... فعليه من قلبي السلام مكررا   (1) ط: من إخلاله بجلاله. (2) س م: الباصرة (اقرأ: الباهرة) . (3) س: وكملا. (4) انظر المسالك 11: 431. (5) المسالك: مونقاً. (6) م: على. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 561 واستكتبه العامل ابن القروي (1) الإسلامي، فغاب عنه أياماً يشرب النبيذ فلامه على خلع عذاره، في استهتاره، وترك خدمته، فكتب إليه أبو الحسين: أمسك (2) عنانك إن ركبت قليلاً ... واسمع وإن كان الحديث طويلاً إعزل وول ففي حديثك آية ... لو أن قومك أحسنوا التأويلا هلا عذرت على البطالة أهلها ... ورأيت رأياً في المدام أصيلا هي ما علمت فإن عرتك (3) جهالة ... فاستفسرن من سراها الانجيلا وقال (4) : تحكمت اليهود على الفروج ... وتاهت بالبغال وبالسروج وقامت دولة الأنذال فينا ... وصار الحكم فينا للعلوج فقل للأعور الدجال هذا ... زمانك إن عزمت على الخروج وله يخاطب بعض من نهض به زمانه لا إحسانه، وكانت لداره بابان إذا انتظر من الواحد طلوعه، خرج به من الثاني عدو له عن الفضل ونزوعه، وفي ذلك يقول أبو الحسين وقد اختلف إليه فلم يلقه، ولا شام يوماً برقه: يا ماجداً والزمان عدل ... طال اختلافي لساحتيك لقد رأيت الغريب حتى ... رأيت شعراً (5) براحتيك   (1) ط: ابن القدوي. (2) م س: عتابك. (3) م ط د س: عدتك. (4) المسالك 11: 431 - 432. (5) م: شعري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 562 في ذكر الأديب أبي الحسن [غلام] البكري (1) وإثبات جملة من محاسن شعره وأبو الحسن في وقتنا بحر من بحور الكلام، قذف بدر النظام، فقلده أعناق الأيام (2) ، أسحر من أطواق الحمائم، وأبهر من النجوم العواتم؛ من شعراء الدولة العبادية، لم تكن له رحلة لسواها (3) ، ولا قدم في غير ذراها، وكان أخيراً هو وعبد الجليل وأبو بكر الداني هقعة جوزائها، ونسر سمائها، وطبقتها التي قال بتفضيلها الإجماع، وشهد لها [105ب] العيان والسماع. ولما انجابت غيومها، وامحت نجومها، بخلع صاحبها، خلع أبو الحسن صنعة الشعر خلع النجاد، وتبرأ منها تبرؤ العبادية (4) من دعوة زياد، إلا إلمام الطيف بعين الفرق، والتفات الدليل، ببنيات الطرق، واشتمل عليه البكريون لكونه إحدى ذرى بنيانهم، وأحد (5) دعائم أركانهم، ولتعويله عليهم، وأنقطاعه بالولاء إليهم، فألحفوه نعماهم، وأغنوه عن سواهم. وقد أثبت من شعره ما يقضي به بالفوق (6) ، ويخصه بقصبات السبق.   (1) اسمه حكم بن محمد: وله ترجمة في القلائد: 290 (وانظر ص: 242 وعنه النفح 1: 657) والمغرب 1: 348 وبغية الملتمس رقم: 692 والمسالك 11: 381 ولفظة " غلام " موجودة في فهرسة الذخيرة، وفي المصادر. (2) ط د: الأنام. (3) ط: سواها. (4) م س: العباسية. (5) م س: وإحدى. (6) د م س: بالفرق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 563 جملة من شعره له من قصيدة أولها (1) : ألاحت وللظلماء من دونها سدل ... عقيقة برقٍ مثلما انتضي النصل يقول فيها (2) : نكرت الدنا (3) والأهل فيها فليس لي ... بها عقوة آوي إليها ولا أهل وأفردني صرف الزمان كأنني ... طرير من الهندي أخلصه الصقل فيا ليت شعري هل مقامي لنيةٍ ... (5) تصيخ (4) لنجواها المطية والرحل وسير يخلي المرء منه (6) قرينه ... فريداً كما خلى تريكته الرأل فمن من حبيبٍ كان روضة (7) ناظري ... يرف ويندى بين أفنانها الوصل ضحى ظله إذ كورت لي شمسه ... فشخص نعيمي لا يقوم له ظل غبرت وبادوا غير أن تلبثي ... وراءهم عيش يلذ له القتل إذا كان عيش المرء أدهى من الردى ... (8) فعائدة الأيام داهية خبل   (1) انظر القلائد والمسالك وبغية الملتمس. (2) يقول فيها: سقطت من م س. (3) د والقلائد: والأرض. (4) ط: يصيح؛ والقلائد: تضج بنجواها. (5) القلائد: والرجل. (6) القلائد: قريبه. (7) القلائد: خاطري. (8) القلائد: ختل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 564 وللناس هممات تبحبح (1) بالغنى ... وإن كان جمعاً ضمه اللؤم والبخل إذا قنع المضطر كانت بكفه ... مقاليد (2) لم يبهم لها أبداً قفل ومن (3) راد لم يعدم من الله (4) نجعةً ... ففي كل محلٍ من غمامته وبل رأيت النهى في المرء فضلاً يشفه (5) ... ولكن من يحويه ليس له فضل ومن ميز الدنيا بتمييز أهلها ... تبين أن العقل مثل اسمه عقل فيا ليت (6) علمي فيهم أنه عمى ... وحلمي الذي أشقى به أنه جهل وطئت من الأيام أخشن جانبٍ ... فهل لي منها جانب دمث سهل ولكت من الأعداء شري (7) ضغينة ... لبست بها ماذية مجها النحل وقارعتهم حتى فللت شباتهم ... بسورة عز لا يكفكفها الذل ولكن صرف الدهر قرن إذ سطا ... يخر حفافيه (8) الفوارس والرجل ومنها (9) : حبست كما ضم المهند غمده ... وقيدت مثل القرم يضغطه العقل وعريت من مالي وما ملكت يدي ... كأني منه محرم ما له حل   (1) م د: تبجح؛ م: بالقنا؛ س: فالقنا. (2) القلائد: مفاتيح. (3) ط: داك؛ د: ذاك؛ م: أراد. (4) م س: تحفة؛ ط: نعمة. (5) د: يشيقه؛ ط: يشيفه. (6) م: شعري. (7) م: ولو كنت من ... أسرى صعينة؛ ط: د س: ظعينة. (8) د: يجر خفافيه؛ ط: يجد حفايفه. (9) ومنها: سقطت من م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 565 أري أعين الأعداء بشر طلاقةٍ ... وأوجه آمالي مقطبة طحل فمن لي بأني في جناح غمامةٍ ... لها بارق نحو الأحبة منهل وله من قصيدة (1) في المعتمد (2) : مضيت كما يمضي الحسام المصمم ... وأبت كما آب الحيا المبتسم (3) [106أ] وأسفر من مرآك صبح مسرةٍ ... تجلى به قطع من الليل مظلم تحف به (4) الأجناد تخطر بالقنا ... فخلناك بدر التم حفته أنجم لك العزمات النافذات التي بها ... رأينا قناة الدين كيف تقوم سيعلم من ناواك أنك لا الذي ... يخيم عن الحرب العوان ويحجم دع السيف يوهي ما بناه فإنما ... (5) على السيف أن يبنى بما هو يهدم لكيما يقر الشامخون أنوفهم ... بأن علاكم للمعاطس مرغم أحلك ربع (6) الملك مجد مؤثل ... وسرو على مر الجديدين قشعم لتربأ (7) بك الأيام عن حدثانها ... فإنك في يهماء دهرك معلم لربعك يخدي كل نضوٍ كأنها ... (8) قسي عليها من عفاتك أسهم ويومٍ كريعان الشباب شهدته ... يقيناً ولم يطمح إليه التوهم   (1) س م: قصيد. (2) المسالك 11: 382. (3) ط د: المتنسم. (4) م: الأجياد. (5) وقع هذا البيت رابعاً في م س. (6) ط د: المجد. (7) ط: لتفرأ (اقرأ: لتبرأ) . (8) اقترن الشطر الثاني من هذا البيت بالشطر الأول من البيت السابق في م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 566 فما خلت أن البحر يحويه مجلس ... ولا يحتبي وسط الندي يلملم لقد طرزت نعماك يمنه منطقي ... فراق بها وشي القريض المسهم لك الخير إن القلب واعٍ وإنما ... يبوح بما فيه اللسان المترجم ولولا (1) الأسى ما رق شعر مهلهلٍ ... ولا حاز سبقاً في الرثاء متمم وله من أخرى (2) : إذا أنت عاينت الأنام ودهرهم ... ترى نقداً يأدو لغرتها سمع تأهل قلبي وحشة حشت الحشا ... وأقفر من أنسٍ كما أقفر الربع فلا جبرة (3) إلا إراقة عبرةٍ ... وزفره منجود يقوم لها الضلع هما نصرتا من لم تؤيده قدرة ... وبئس النصيران التنفس والدمع تدرعت قلبي جرأةً وحزامةً ... ومن يدرع قلباً يهن عنده الدرع فإن خدعت دنياي مني منجداً ... فإن سراب القاع شيمته الخدع وإن افتقد عزمي فقد أطأ العدا ... بأخمص ضيمي مثلما يوطأ الفقع هببت عليهم بالردى فأطرتهم ... (4) كما نفحت عصفاً مؤوبة مسع علوا وهووا من غير نفع كأنهم ... سماء ولا رجع وأرض ولا صدع أرى النقص عاراً في الجوارح والنهى ... فما لفمي أخذ ولا ليدي منع   (1) م س: فلولا. (2) منها بيتان في المسالك. (3) م س: خبرة. (4) من قول الهذلي: " قد حال بين دريسيه مؤوبة، مع ... " والمؤوبة: ريح تجيء مع الليل والمسع: ريح الشمال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 567 أصون ببذل الجهد عرضي وإنني ... لأحفظ أسراري كما يحفظ الشرع وأفتش أعضائي مخافة أن يرى ... بها وصمة تشني فيخطفها السمع وأصمت أفواه الرواة بمقولٍ ... لورقائه في ايكة المنتدى سجع وله من أخرى في المعتمد: قرعت الصياصي بشعت النواصي ... وسمر العوالي وبيض القضيب [106ب] خميس يضاهي الحيا المكفهر ... إذا اختال في الهيدبي المنسحب ودانيت حتى ثغور الظبا ... تبسم عن فلج (1) ذي شنب وخلفت قتلك لما عتا ... فليل (2) المضارب دامي (3) الندب (5) تحاجز عنه (4) العلا فركاً ... وأبت بها آنساتٍ عرب يراعيك مرتقباً مثل (6) ما ... رعى الشمس حرباؤها المنتصب فخضت من طرفه إذ سما ... وأصمته بعد طول الصخب وعاودت قرطبةً عندما ... عبأت الهناء لذاك الجرب ومنها (7) : فلو أن جدي كودي لكم ... لبوأني الجد أعلى الرتب أليس ثنائي وسط الندي ... يجر المقاول أن تخطب   (1) ط د: ملح. (2) في النسخ: قليل. (3) د: بادي. (4) م س: تحاد عنه؛ ط د: تحاجر. (5) ط د: بركا. (6) ط د: كلما. (7) ومنها: زيادة من م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 568 ألظ الرواة به فازدهت ... قلائده في نحور الكتب وله في القاضي أبي عبد الله بن حمدين يشفع لبني البكري: بعدلك رشت جناح القضاء ... وسربلت حكمك ثوب الضياء وصارت خطاك على منهج ... من القصد بين السنا والسناء ومدت ظلالك نار الهجير ... ودرت سماؤك بالجربياء وقد كمنت فيك سيما التقى ... كما كمن العود تحت اللحاء وما يحمد الرعي في كل وادٍ ... ولا يوجد الري في كل ماء ختمت القضاء بحكم الإله ... (1) كختمة أحمد للأنبياء دعيت بكنيته واسمه ... فنور الهدى طي ذاك الدعاء أهنيك لا بل أهني الورى ... بأن فاز نقبهم بالهناء طلعت لهم وسط عمياء لا ... ترى العين فيها سبيل اهتداء ولحت منار هدىً ناره ... يؤرثها ملكوت السماء فهديك شمس يطير الضلال ... شعاعاً بأرجائها كالهباء وسعيك في ذاته لم يزل ... يبيح الجنى في جذوع الأشاء فحط أفرخاً ضمهم في يديك ... حميم ثوى في ربوع الفناء أغاض الردى منه ماء الندى ... وأخمد منه شهاب الذكاء يضمكما منتمى وائلٍ ... وقرب النفوس أجل انتماء وأكرم حي وفي رعى ... أذمة ميتٍ كريم الإخاء   (1) في هامش ط نحط الأصل: انظر هذا التمثيل البشيع، فليته لم يمثل به. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 569 ناقص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 570 ناقص الجزء: 4 ¦ الصفحة: 571 وله من أخرى، أولها: شكري لنعماك شكر الروض للديم ... فاقطف بأيدي الأيادي روضة الكلم أبت خلالك إلا كل مكرمةٍ ... بثت (1) لك الحمد في عربٍ وفي عجم سجية في العلا شابت ذوائبها ... وهمة نشأت في تربة الكرم [107ب] جيش أياديك الحسنى تقد لجباً ... واجعل سلاحك ما تسديه من نعم تهزم أعاديك اللائي إذا فحصت ... عنها المكارم لم توجد من الأمم والق انتعاشك عند (2) العثر منفرداً ... بلا أخٍ كانفراد الصارم الخذم والفظ (3) جناه وإن لذت مذاقته ... (4) فربما شرق الغصان بالشبم كم من سريرة عليا بث (5) أثرتها ... لك المهيمن بين اللوح والقلم ومن أفانين صنع كلها نعم ... لديك ترمي القذى في أعين النقم من أي (6) قطر يكر الخطب (7) تصدمه ... وإن عرتك (8) المنايا الحمر لم تخم ومنها (9) : لولاك لم تنظم في السلك لؤلؤة ... ولا غدا الشعب منه جد ملتئم   (1) ط د: بنت. (2) د: الوفر؛ ط: الور. (3) م س: جفاه. (4) ط د م: بالشيم؛ س: بالشتم. (5) د: بت آثرها؛ س: بت لشرتها. (6) د: فكر؛ س: قصر. (7) م: تصرفه. (8) د: عنتك. (9) ومنها: لم ترد في م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 572 واليت (1) سعيك بالتقوى (2) فشافهه ... بين الملمات نجح الله من أمم فمجتبيك كمرتاح (3) رمى نظراً ... في ناضرٍ من رياض الحزن مبتسم ومجتويك كمغرورٍ أجال يداً ... في مزبدٍ من عباب البحر (4) ملتطم دلائل الفضل في السادات واضحة ... منها الوفاء ومنها الرعي للذمم تبلى الليالي ولا تبلى عرائكها ... وربما جددتها لبسة الكرم همى حياك فأحيا ميت كل ثرى ... ولاح برقك وضاحاً لكل عم من لي (5) بتأدية الشكر التي كتبت ... جدواك أسطره في صفحتي عدمي حملتني منه ما لو حل في جبلٍ ... لرض رضوى وآد الركن من إضم ما لي سوى العجز (6) والتقصير من وزر ... فاعذر سكورك بعض العذر أو فلم   (1) ط د س: وانيت. (2) م س: فشابهه. (3) ط د: فمجتنيك؛ كمرتاح: بياض في ط؛ د: كثرثار. (4) م س: الدهر. (5) د: بنادية؛ م ط: ببادية. (6) في النسخ: الفخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 573 في ذكر الكاتب أبي الحسن صالح بن صالح الشنتمري (1) وإثبات جملة من نظمه ونثره (2) وابو الحسن غربي (3) النشأة، شنتمري الأفق، شاعر ناثر، وله من المعرفة بلسان العرب حظ وافر، وكلامه في المماثلة والسجع، جارٍ على الطبع، ذاهب بين الجزالة والحلاوة؛ من رجل شديد الحياء، كثير الانقباض والانزواء، يرى الكتابة عليه من أشق الأشياء، ولا لنبو طبع وقلة أدب، بل لضعف عصب، فكان لا يكتب الرقعة إلا في مدة، وكثير من الكتاب، يشق عليه الكتاب، لزمانةٍ تكون في يده، أو إفراط ضعف في خطه. وفيما (4) أثبت هنا من نوعي كلامه، في نثره ونظامه، شاهد على ما وصفته به، ومنبه على فهمه وأدبه.   (1) انظر ترجمته في المغرب 1: 397 ورايات المبرزين: 35 (غ) وذكر محقق المغرب أن له ترجمة في المسالك 8، الورقة 334. (2) م س: نثره ونظمه. (3) م س: عربي. (4) ط د: ومما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 574 جملة من نثره له من رقعة في استدعاء خلطة: المحاسن - أعزك الله - على رتب وأحوال، وصورٍ وأشكال، فأحقها بالإعظام والإجلال، ما كان منها في الخصال والخلال، وما يتلى من آيات براعتك ونبلك، ومعلومات حسبك ونسبك، بعث على التطارح عليك، والحنين إليك، وكم حننت إلى المخاطبة فملكني عنها ارتيادي لها سبباً (1) يوطئ لها كنف [108أ] القبول والارتضاء، إذ الهجوم عليها عندهم ضرب من الجفاء (2) ، والحنين في خلال ذلك يتزايد ويتصاعد (3) ، إلى أن بلغ بي غايةً ملكتني عن التملك، وأمسكتني عن التماسك. وفي فصل من أخرى: لو كان البدار (4) إلى المخاطبة بحكم الاعتقاد، وعلى حسب المحبة الوداد، لكنت أول من أعمل كلمه في مكاتبتك، وأرسل قلمه لمخاطبتك (5) ، لكن المخاطبات بين الناس تقع إلا بعللٍ وأسباب، كالدخول قلما يكون إلا على باب (6) .   (1) م: سنى؛ س: سنا. (2) انظر ص: 527 س 6 - 7 حيث كرر ابن بسام نفسه هذه العبارة. (3) س: يتصاعد ويتزايد. (4) م: البدر. (5) م: بمخاطبتك. (6) انظر أيضاً ص: 527 س: 6. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 575 ومن أخرى له (1) إلى الوزير الفقيه أبي الحسين ابن سراج: مثلك - أعزك الله - لا يغرب عليه بمقال (2) ، ولا يقعقع له باحتفال (3) ، فإن العلوم الشريفة بأصلها، والآداب الرفيعة بجملتها، مشهورة بروايتك، محصورة بداريتك، محظوظة بحفظك لها (4) ، محوطة بإحاطتك بها، والبلاغة التي هي أفضل ثمراتها، وأطيب طيباتها، لا تعزى حقائقها إلا إليك، ولا تلفى (5) معجزاتها إلا لديك، ولا يقتدي في سننها إلا بك، ولا يعترف فيها بالعجز والتقصير إلا لك، ولذلك (6) أو جزت في كتابي هذا، وتركت طريق (7) السجع حياء من التعرض لصناعة قد انفردت أنت بفضلها، وسبقت أهل الزمان في ميدانها، وأخذت عليهم مسالكهم، وأحرزت شرف الدلالة (8) في مجاهلها. وله من أخرى: كل فعال يقصر عن فعالك، وكل إجمالٍ ينزر عند (9) إجمالك، وإنك فاضل أهل زمانك، ومقلة عين أوانك، فلو خاطبتك بلسان الوائلي والإيادي (10) مخاطبةً جريت معها طلق الجموح،   (1) له: زيادة من م س. (2) ط د: يعزب عليه مقال. (3) م س: باحتمال. (4) لها: سقطت من م س. (5) ط د س: تلقى. (6) ولا يقتدي ... ولذلك: سقطت من س م. (7) م س: طريقة. (8) س م: الأدلة؛ د: الدالة. (9) ط: عن؛ د: عنه. (10) الوائلي: سحبان وائل، والأيادي: قس بن ساعدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 576 وهببت لها هبوب اليمانية النفوح (1) ، وشحنتها بفصول الإعظام والإجلال، وبلغت بها غاية (2) الاحتفال، سعايةً في الوصول إلى قضاء حقك، وعنايةً بأداء الواجب المتعين لك، لكنت في ذلك كمن جال في مناكب الأرض يروم الإحاطة بساحتها، والوقوف على حقيقة مساحتها. وإذا كان التطويل، لا يبلغ معه المأمول، فالإضطراب (3) أجمل، والخطاب دونه اسهل؛ بهذه العين نظرت، بعد ما صدرت، ولذلك ما قصرت واختصرت، فحبست العنان في أول الطلق، وصرفت العناية لها إلى الأحق بها والأخلق، وصرفتها إلى أن جمعت بين الاختصار والاعتذار، وتشفعت بالاقرار إلى الاغتفار (4) ، وإن ذلك لما يجعل المعذرة في حيز الاعتذار، لا سيما عند من أصله أصلك، وفضله فضلك، ممن إذا تشفع إليه، ورغب فيما لديه، جاءت الشفاعة بين قرينتين: من شرف قديم (5) ، وسلم كريم، ومعونتين: من سريرةٍ جميلة، ونحيزةٍ نبيلة. وفي فصل له من أخرى: ومن الحقائق التي برح فيها (6) الخفاء، واستوى في علمها العلماء والجهلاء، وأقر لها الأعداء والأولياء (7) ، أني مت أهبت بك إلى الإخاء، وهززتك بوصف ما أنا عليه في الخلوص والصفاء، فإنما   (1) النفوح: سقطت من س م. (2) م س: أبعد غاية. (3) ط: فالاضطراب. (4) س: الاعتذار. (5) قديم: زيادة من س م. (6) س: معها. (7) س م: وأقر بها الأعداء كما أقر بها الأولياء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 577 أهبت بمن له في الكرم، شهرة العلم، وفي السؤدد، منزلة الفرقد، ويأبى - لا محالة (1) - ذلك الكرم الراسخ، والشرف المنيف الباذخ، إلا أن يبلغني من ودك أملي، ويعطياني من جميل اعتقادك حتى أقول: بجلي، وينقلاني من الوقوف على فضلك بالأخبار، إلى الوقوف عليه بالاختبار، فيصير علمي بك علمين، ويقيني بك يقينين، لا زال الزمان يبدي من أسرار فضائلك، ويهدي من أزهار شمائلك، ما يصور (2) القلوب (3) إليك، ويطالب الألسنة بالدعاء لك والثناء عليك. وله من رقعة عتاب: إنا لله، لقد غرقت من غشك في بحرٍ عميق (4) ، وامتحنت منك بعدو في ثياب صديق (5) : ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... (6) عدواً له ما من صداقته بد وقد كنت خاطبتك - لا مسك خطب، ولا فل لك غرب، جارياً - علم الله - إلى التحقيق، آخذاً بما يلتزمه الصديق للصديق، [108ب] غير ملتفت إلى تلك البوادر التي كانت الدعابة تجريها، وإدلال الوداد السبب فيها، وما كان في كتابي شيء يتهمه من أخلص نية، وأوى إلى حسن   (1) ط د: ويأبى ذلك لا محالة. (2) ط س: يصون. (3) م: القلب. (4) ط م س: غميق. (5) من قول أبي نواس: إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق (6) للمتنبي، انظر ديوانه: 184. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 578 طوية، اللهم إلا إن كان ما صمنته من التبجيل، قد حرفته عن الوجه الجميل، وتأولته أقبح التأويل. قال ابن بسام: ومما لوح فيه بالعتاب، وزخرف بالتصنع ظاهر الخطاب، رقعة خاطب بها من أحوجته الأيام إلى مصانعته، وقد بدت منه بوادٍ (1) صوب فيها وصعد، وقام وقعد، قال (2) فيها: معلوم - أعزك الله - أن لكل مقام مقالاً، ولكل (3) حالٍ تناولاً وحوالا (4) ، وكما لا يصلح الإكثار في كل خطاب، فكذلك الاختصار لا يسوغ في كل كتاب، وفي النفس كوامن لا يمكن تبيينها عليك، وتقريرها لديك، إلا بالتطويل، وإن أصار إلى التثقيل، وأنت بعلاك تصرف إليها بالك. لما وهب لنا أيها العماد من عرفانك ما وهب، وسبب من التعلق بك ما سبب، رايتني قد رقيت إلى جوار الأفلاك، وجعلت الأخمص على ذروة السماك، لما رجوت من الاعتزاز بجانبك العزيز. وفي فصل منها: وإني بحمد الله لممن إذا علم أكرم، وإذا جرب قرب، وإذا خبر (5) أدخر، أما الإكرام فلما من الأدب، الذي به يرتقي إلى عليات الرتب، وأما الادخار فلا عتدالي في أحوالي، وثقةٍ جعلها الله من خلالي، وعندي من الآلات التي تبعث على اتخاذي واستعمالي:   (1) ط م س: بوداد (واقرأ: بوادر) . (2) موضع قال: بياض في ط. (3) م س: وإن لكل. (4) م: وحذالا، س: وخلالا. (5) ط د: أخبر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 579 أني أقول من الشعر أبدعه، ومن النثر أرفعه (1) ، وأنقد النقد الذي قل من يجاريني فيه، ويباريني (2) في التكلم على معانيه، وإن كان خطي لا يلحق بالخطوط القوية الكتابية فإن ضعفه لتميمة على جيد لفظي، ونميمة على ذكاء فهمي واتساع حفظي؛ فمن المعلوم المعروف، أن العلماء مخصوصون بضؤولة الخطوط ولطافة الحروف، فكل (3) يشهد أني أنهض إلى المطولاته، وأقتدر على المخاطبات السلطانية، وما أنا ممن يفتخر بخدمة الزمام، ويجعلها ذريعةٍ (4) إلى الإكرام: معاذ إلهي إنني وعشيرتي ... بنفسي عن ذاك المقام لراغب ولكنني أفتخر - عند الاضطرار إلى الافتخار - أني حامل روايات، وحافظ لغات، وذو شمائل تنسب إلى مكرمات، وما تطارحت قط على زاهدٍ في، ولا أظهرت حرصاً على غير حريصٍ عليّ، بل كنت أقابل الإباء بنظيره، وأظهر الاستغناء بظهيره، وأنشد: ولست بساقطٍ في قدر قومٍ ... وإن كرموا، كما يقع الذباب ورائي مذهب عن كل ناءٍ ... بجانيه إذا عز الذاب ولست أضرب المثل في سقوطي عليك، وانجذابي إليك، ولكني أقول:   (1) د: أسمعه؛ ط: أبد (ثم بياض) . (2) ط: ويمازيني؛ د: ويماريني. (3) م س: وكل. (4) ذريعة: سقطت من ط: وفي م: ضريعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 580 إني أسقط (1) سقوط الطل على الرياض، وأتزين بخدمتك تزين الجمال بالبياض: وله فصل في صفة القلم: بخط اليراعة، ينال حظ البراعة، وأفضل أقلام الكتاب، المنتخبة للكتاب، ما لم يكن في طوله تعوج، ولا في صلابته ترجج، وكانت خصوصية العنصر الذي نماه، وسجية المنبت الذي إليه منتماه، قد أخذت به ما بين الدقة المتناهية التي لا تستحسن، والغلظ المفرط الذي يستخشن، وأقرته (2) على المقدار الذي لا يقع اختيار الكاتب على سواه، ولا يتعداه اقتراحه ولا يتخطاه، ثم انتحى بريه ذو يمينٍ رفيقة، وسكين رقيقة، فأجاد الشق وأحكم القط، وجاء به غير شاق ولا عاق (3) ، سلس الجريان إذا أرسل، موافقاً للبنان إذا أعمل، معطياً (4) لقيادة، غير بخيل بمداده، تتبناه الأنامل فترأمه، [109أ] وتواصل العمل به فلا تسأمه. قال ابن بسام: ومن البدايع في وصف القلم ما حكاه العتابي عن نفسه قال (5) : سألني الأصمعي فقال: أي الأنابيب أصلح للكتابة وعليها أصبر - قلت: ما نشف بالهجير (6) ماؤه، وستر (7) عن تلويحه غشاؤه، من التبرية   (1) إني أسقط: زيادة من م س. (2) م س: وأقربه. (3) ط: شان ولا عان. (4) ط د: معط. (5) زهر الآداب: 619. (6) س م: في الهجير. (7) زهر: وسيره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 581 القشور، الدرية الظهور، الفضية الكسور؛ قال: فأي نوعٍ من البري أكتب وأصوب - قلت: البرية المستوية القط، عن يمين سنها برية تأمن معها المجة عن المط، الهواء في مشقها فتيق، والريح في جوفها خريق، والمداد في خرطومها رقيق. قال: فبقي الأصمعي شاخصاً إلي ضاحكاً لا يحير مسألة ولا جواباً (1) : وهذه أيضاً (2) قطعة من شعره قال يتغزل (3) : أملي من الدنيا تيسر خلوةٍ ... أبكي بها وأبث سر هواك حولي وحولك أعين ومسامع ... (4) أخفي الهوى عنهن عند لقاك حذراً عليك فديت بي ومخافةً ... أن يقصروك (5) ويحجبوا مرآك (6) لولا الحياء وأن تشيع سريرتي ... لنثرت (7) شمل الدمع حين أراك ومن شعره الطيار المليح، المتناهي في خفة الروح، قوله (8) :   (1) لا يحير ... جواباً: سقط من م س. (2) أيضاً: سقطت من م س. (3) انظر المغرب 1: 397. (4) المغرب: إذ ألقاك. (5) س: يبصروك. (6) ط د: مأواك. (7) المغرب: بددت. (8) البيتان في المغرب، وقد وردا في الذخيرة 3: 490 ونسبهما صاحب الذخيرة له هنالك أيضاً، وصرح ابن سعيد بأنهما قد ينسبان أيضاً لأبي محمد ابن سارة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 582 أسنى ليالي الدهر عندي ليلة ... لم أخل فيها الكأس من إعمال فرقت فيها بين جفني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال وقوله: للحسن في خلق من أهوى خلائقه ... روض بهي بسيف اللحظ محمي فالجيد سوسنة والعين نرجسة ... والخد ورد وذاك الخال خيري وقال: لله ما صنع الحياء بصفحةٍ ... لم تبق عندي للتجلد مذهبا كان البياض بها لجيناً خالصاً ... فأحاله فغدا (1) لجيناً مذهبا وقال: أبدي الحبيب تعجباً من طول مك - ... ث الورد عندي عندما أهداه لم يدر أن دوامه في منزلي ... من أجل أن مدامعي سقياه وقال: وصافية كمعتقد الصديق ... لها في الكأس إيماض البروق كأن بكأسها ما (2) تشتكيه ... قلوب العاشقين من الحريق إذا قبضت يد الساقي عليها ... (3) رأيت له أنامل من عقيق شربت وصاحبي عذب الثنايا ... يعللني لماه على الرحيق   (1) د: فقدي. (2) م س: تشتهيه. (3) ط: عقوق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 583 وقال: وصهباء لم تمسس بنارٍ ولم تذل ... بعصرٍ ولم (1) توهن قواها (2) بماء لحاني عليها من لحا فزجرته ... وقلت له: مه لست من قرنائي سأشربها ما سوغ الدهر شربها ... وعفو إله العالمين ورائي ومما أبهم فيه، وإنما يكنى عن قدح فخار مزفت (3) قد اتخذ للمشروب: خل إذا قل المجيبون لم يزل ... إلى كل ما أدعو إليه مجيبي غدوت أخا التوفيق لما اتخذته ... أديب السجايا وفق كل أديب تخيرته من نجر آدم خالصاً ... فكان أخي في نجره ونسيبي [109ب] وله يمازح بعض إخوانه: خذ ما أتاك من الزمان ولا تطل ... في إثر ما قد فاتك البرحاء ماذا ترى في فلذةٍ (4) رشراشة ... ورقاقةٍ ورقيقةٍ (5) صفراء إن كان عندك ما ذكرنا كله ... وبعث فينا لم تخف إبطاء وقال: ألا يا خير من يبغى نداه ... ويسعى نحو منزله ويمشي تحن إلى بنات البحر نفسي ... وأكره أن تموت لدي عطشى   (1) ط د: ولا. (2) اقرأ الألف الأخيرة من " قواها " بالقصر. (3) مزفت: زيادة من م س. (4) س م: بلدة. (5) م: ورفيقة؛ س: وفريقة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 584 وله يفتخر من كلمة طويلة (1) : خليلي ليس المجد إلا لعالم ... على كل مجهول من العلم قائم أخو العلم حيث احتل أضحى مكرما ... ولا سيما إن حل بين الأكارم وذو الجهل معدود (2) ، وإن كان سيداً ... طرير الكسا، في مهملات البهائم وإني لممن فاز بالعلم قدحه ... وممن له فيه اشتهار المعالم ولي قلم قد شرف الله شأنه ... بصنعة وشاءٍ على الماء راقم خليلي ليس الخط ما قد عنيته ... وإن كنت مشغوفاً به (3) جد هائم ولكنه لفظ إذا ما وشيته ... تحير فيه كل واش وواشيم بلى إن خطي فيه ضعف وإنما ... أقامته ألفاظي مقام التمائم إذا شئت نثراً كنت أنثر ناثرٍ ... وإن شئت نظماً كنت أنظم ناظم ومنها: تكلفني الحوباء لا در (4) درهماً ... سماح البهاليل الكرام الخضارم تقول أحب ذا قربى وصل ذا وسيلة ... وقم بالحقوق الواجبات اللوازم أما إنني لو نلت أيسر (5) نزرةٍ ... لكانت لكفي بسطة في المكارم فآهٍ (6) لعصرٍ مثل أهليه جاهلٍ ... ودهرٍ لأبناء المروءة (7) ظالم   (1) منها أبيات ثلاثة في الغيث المسجم 1: 137. (2) هامش ط: معدوم. (3) به: لم ترد في ط؛ د: على. (4) م س: لله درها. (5) الغيث: يسرة. (6) الغيث: فآهاً. (7) م: المودة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 585 وله من أخرى يصف شروط المروءة ومكارم الأخلاق (1) : أحب من الأقوام كل (2) نجيب ... شريفٍ زكي الوالدين حسيب وإني لذو علم صحيحٍ يقينه ... بأن صديق الصدق غير غريب ومن خلقي أني إذا ما وجدته ... شددت عليه منه كف رغيب وإن نصيب الجار عند احتياجه ... إلى العون في مالي لمثل (3) نصيبي وإن بعيد القوم ينزل ساحتي ... ويأوي إلى ركني لمثل قريب أهين له مالي وأحفظ ماله ... وآتيه من بري (4) بكل عجيب وألقى الخطوب السود في الذب دونه ... لقاء أخي صدرٍ لهن رحيب وجدك لو كان الزمان مساعدي ... وكان الذي في راحتي يفي بي لألفيتني جم الفضائل منعماً ... كثيراً إلى الفعل الجميل هبوبي [110أ] تجود يدي قبل السؤال وتمتري ... طلوب الندى جدواي غير طلوب لحا الله وهاباً بطيئاً حباؤه ... يجيء الذي يعطيه بعد لغوب ولكن وهاباً يهب إلى الندى ... كما هب عضب في يمين ضروب يحاذر (5) أحداث الليالي وقلما ... خلا من توقيهن قلب لبيب ويرتاب (6) بالأيام عند سكونها ... وما ارتاب بالأيام غير أريب وما الدهر في حال السكون بساكن ... ولكنه مستجمع لوثوب لقد عاين الأيام من خاف غدرها ... بعيني بصيرٍ بالأموال طبيب   (1) منها ثلاثة أبيات في الغيث المسجم 2: 198. (2) ط د: محيب. (3) ط د: بمثل. (4) م: مالي. (5) الغيث: تحاذر؛ م: يحادث. (6) الغيث: وترتاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 586 وقال في مثل ذلك: حبيب إلى الدهر إعطاء سائلي ... وإكرام قصادي وعون خليلي أهز طباعي بل طباعي تهزني ... إلى الجود لا أرضى طباع بخيل وراح كما افتر الصباح سبأتها ... لطارق ليل ما علي جليل نضوتبها عنه جلابيب ليله ... فعوض من تعريسه بمقيل وما زلت أسقيه وأشرب فضله ... وكأس الكريم الفضل ذات فضول إلى أن تناهى طيبه ونعيمه ... ومالت به الصهباء كل مميل فوطأت مثوى جنبه وكننته ... بضاف لصنبر الشتاء قتول وقلت له لما تعاظم عنده ... صنيعي به، هذا أقل قليل حللت بنا ليلا وقد قسم القرى ... فلم يبق منه مقنع لأكيل أقم عندنا تستوف ما أنت أهله ... فأنت لدينا أهل كل جميل وإني لممن تعتريه كآبة ... إذا آذنت أضيافه برحيل وهذا من حر الكلام، وجزل النظام، وسجية حاتمية، وشنشنة أعرابية، وإنما احتذى أبو الحسن في هذا قول أبي عامر بن شهيد القرطبي في أبيات، وقد تقدم إنشادها، أولها (1) : ولما رأيت الليل عسكر قره ... وهبت له ريحان تلتطمان   (1) الذخيرة، القسم الأول: 311 وديوان ابن شهيد: 163 وجواب " لما " قوله: رفعت الساري الليل نارين فارتأى ... شعاعين تحت النجم يلتقيان وسائر القصيدة في الحفاوة بالضيف على نسق شبيه بما أتى به الشنتمري. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 587 فصل في ذكر الوزير أبي الحكم عمرو بن مذحج وأبي الوليد ابن عمه، ابني حزم، وإيراد بعض ما لهما من ملح النظم وأبو الحكم (1) منهما في وقتنا شقيق الوفاء، وخاتمة من حمل هذا الاسم من النجباء، وكان نادرة الوقت لمن اتخذ قبلة، وحجة على من جعل النقصان جبلة، إذ عن كل قوس من الفخر نزع (2) ، وفي كل أفق من علو القدر طلع، أول ما نشأ بدر فلك، ومسحة ملك، وإكليلا على جبين ملك، قلما عن لنظر إلا راقه، ولا اختلج ذكره في قلب بشر إلا شاقه؛ وإياه يعني الوزير أبو الحسن بن سعيد البطليوسي [110 ب] وقد غلب على لبه، وأخذ بمجامع قلبه، عجبا منه أو عجبا به (3) : رأى صاحبي عمرا فكلف وصفه ... وحملني من ذاك ما ليس في الطوق فقلت له عمرو كعمرو فقال لي ... صدقت ولكن ذاك شب عن الطوق وفيه أيضاً يقول الوزير أبو محمد بن عبدون من جملة أبيات (4) :   (1) ترجمة أبي الحكم عمرو بن مذحج بن حزم الاشبيلي في المغرب 1: 238 والمسالك 11: 432 وله شعر في النفح 3: 471. (2) نزع: سقطت من ط د. (3) انظر نفح الطيب 1: 363، 3: 470 والمغرب والمسالك؛ وفي س م أنه أبو الحسن ابن السيد، وهو خطأ، لأن ابن السيد كنيته أبو محمد، وأما ابن سعيد هذا فترجمته تجيء في هذا القسم من الذخيرة. (4) نفح الطيب 3: 470. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 588 يا عمرو رد على الصدور قلوبها ... من غير تقطيع ولا تحريق وزر الثريا وهي نحن بكوكب ... لولا العقوق لقلت بالعيوق وأدر علينا من خلالك أوكؤسا ... لم تأل تسكرنا بغير رحيق فيه أيضاً يقول أحدهما (1) : قل لعمرو بن مذحج ... خاب ما كنت أرتجي شارب من زبرجد ... ولمى من بنفسج فلما هم ليله بنهاره، ودب على سيف وجنته فرند عذاره، راع المجد بحزم وكرم (2) ، ونبوة (3) وسيف وقلم، ممن سارى نجوم الليل. واحتل (4) صهوات الخيل، وعلى ذلك كله فلم ينس مكارم الأخلاق. ولا خلا ذكره من قلوب العشاق؛ وله في الأدب سبق سلف. ومنه بيت شرف، وله شعر مطبوع قلما يغبه البديع، وقد أتيت منه بفصول، تشهد له بالتفصيل (5) .   (1) نفح الطيب 3: 470 والمسالك ونسبهما العمري لابن عبدون. (2) س ط د والمسالك: بحر كرم، وأثبت ما في المغرب. (3) ط س: وأسوة؛ والمسالك: وأسرة. (4) ط د: وأصل، وبهامش ط: لعله: وأصهل؛ المغرب: وتقلب في؛ س والمسالك: وأمل. (5) وفيه أيضاً يقول الوزير ... بالتفصيل: سقط من م وحدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 589 جملة من شعره في أوصاف شتى كتب إليه الوزير أبو محمد عبدون بأبيات قال فيها (1) : سلام كما هبت من الحزن نفحة ... تنفس قبل (2) الفجر في وجهها الزهر من (3) الوارف الفينان وشت بروده ... (4) ذراع من الليث. الثريا له شبر وإلا يد حزمية مذحجية ... تقشع عنها مذحج فانهمى عمرو فجاد على تلك الأجارع والربى ... رواعده وعد وبارقه بشر أبا حكم أبلغ سلام فمي يدي ... أبي حسن وارفق (5) فكلتاهما بحر ولا تنس يمناك التي (6) هي والندى ... رضيعاً لبان لا اللجين ولا التبر فراجعه أبو الحكم بأبيات منها (7) : أتى النظم كالنظم الذي تزدهي به ... عروس من الجوزاء إكليلها البدر تحلت (8) لنا منه بخطك رقعة ... هي الروضة الغناء كللها الزهر   (1) النفح 3: 480 - 471. (2) النفح: عند. (3) ط: الوافر. (4) م: الميث؛ ط: ستر. (5) ط د: وارقني. (6) م: ولا تنس لي تلك التي. (7) انظر النفح 3: 471 والمسالك 11: 432 - 433 والمغرب 1: 238. (8) ط م: تحلت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 590 تحير ذهني في مجاري صفاته ... فلم أدر شعر ما به فهت أم سحر فإن قلت شعر فالقلوب شعاره ... وإن قلت سحر فهو سحر ولا كفر أرى الدهر أعطاك التقدم في العلا ... وإن كان قد أوفى أخيراً بك الدهر لئن حازت الدنيا بك الفضل آخراً ... ففي أخريات الليل ينبلج الفجر قول أبي محمد: " ... أبلغ سلام فمي يدي " ... معنى قدر كرره في مواضع من شعره كقوله في المتوكل: إن كنت من أصلي ومن عصبي ... أو كنت من فرع نأى ومجد بلغ سلام فمي يدي ملك ... (1) غاب الملوك عن العلا وشهد وحسان بن المصيصي القائل من شعره قد تقدم إنشاده (2) : [111أ] ومن بلغ يده أني نظمت لها ... شكراً جعلت قوافيه من القبل وقال أبو الحكم في صديق كان له به هوى يسمى باسمه: يا من شكا فشكا جسمي بشكواه ... الله يكلأني فيه ويرعاه ويا ضنى جسدي بالله صل جسدي ... وخل عنه ولا تلمم بمثواه عمرو بعمرو ولكن في محتمل ... لما تجشمه من برح بلواه الحمد لله حتى السقن نافسني ... فيه فأضحى كما أهواه يهواه عين الكمال أصابتني ولي كبد ... مصدوعة فيه إن لم يدفع الله   (1) ورد البيت في هذا القسم: 442. (2) انظر ما تقدم ص: 439. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 591 وله فيه وقد سقط عن دابته ووثئت رجله (1) : لقد أسرعت فيك العيون وإنما ... جميل دفاع الله عنك التمائم وما أنت إلا البدر طارت بسرجه ... عقاب لها الريح (2) الخريق قوادم ولا غرو أن طافت برجلك وثأة ... (3) لها المجد خفاق الجناحين حائم فقد ترجف الأفلاك في دورانها ... وتنقض أعلام النجوم العواتم وكتب إلى الوزير أبي محمد بن عبدون (4) : زرني فديتك يا زعيم الناس ... لترى بدوراً من كبار أناس أنت الهزبر وهم جآذر جاسمٍ ... قد خيموا من منزلي بكناس من كل من أثوابه مزرورة ... منه بغصن البانة المياس يا راضعاً در المكارم قف بنا ... " ما في وقوفك ساعةً من باس (5) وله في عمرو المتقدم الذكر: يا عمرو إنك لعبة (6) من سكر ... فإذا مررت بسكر فتذكر ما شان وجهك نمشة في صفحة ... فبذاك يوصف كل بدر أزهر يحمر أحياناً فأحسب أنه ... ورد ينقط صفحه بالعنبر   (1) انظر المغرب 1: 238. (2) ط د: الجو. (3) ط د: قائم. (4) المسالك 11: 433. (5) صدر بيت لأبي تمام (ديوانه 2: 242) وعجزه: نقضي ذمام الأربع الأدراس. (6) ط: في. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 592 أضمرت فيك صبابتي فوشى بها ... دمع فككت به صحيفة مضمر من ذا يفرق بيننا وجلالنا ... متكافئ في المنتمى والعنصر وكتب إلى الوزير أبي العلاء بن زهر: يا من نضا العزم منه صارماً خذ ما ... توشح المرعفين السيف والقلما افرش (1) بمغدى ومسرى حر أوجهنا ... وبعدها فانتعل أبصارنا أدما وما بأنفسنا بخل عليك فقد ... سارت أمامك تعدو البعد والأمما أبا العلاء ابن للعليا تشيد ما ... (2) أضاع منه بنو التضييع فانهدما لا زال شملك في ورد وفي صدر ... على اقتراح المعالي فيك منتظما وله فيه (3) : ضع الرحل في حمص بأيمن طائر ... ووال اصطناع الخير فيها وظاهر فما هو إلا السرو بين موارد ... تصاحبه طول المدى ومصادر [111ب] لعمر العلا لولا (4) أبوها وذكره ... لما شاقني برق ببرقة صادر ولا بت والظلماء إثمد مقلتي ... يؤرقها بيض النجوم الزواهر وهبت فؤادي للبشير بأوبه ... سليماً ولم أنجل عليه بناظري وأصغر بموهوب وإن جل قدره ... يقضي به الأحرار حق الأكابر وإني وإعظامي لسؤدده الذي ... يعظمه أهل النهى والبصائر لألحى الليالي إنهن قعدن بي ... وألحقن جدي بالجدود العواثر   (1) د: اسرف. (2) لم يرد البيت في ط د. (3) منها ثلاثة أبيات في المسالك 11: 433. (4) م: أبوه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 593 فلو نهضت بي قدرة لهززت في ... نهوضي إلى العليا قوادم طائر وما لي مركوب سوى رجلي التي ... تقيدها أيدي السحاب المواطر غمام عداني عن غمام كلاهما ... ثناني غريقاً في البحور الزواخر وله فيه: متى تجلى ابن زهر نواضري ... (1) محياً مصوغاً من حياً وحياء فقد دويت شوقاً إليك جوانحي ... وفي يد لقياه مسيح شفاء وأعجب مني كيف أصبحت جار من ... حياتي بكفيه ومت بدائي وله (2) : قدمت علينا والزمان جديد ... وما زلت تبدي في الندى وتعيد وعيش (3) العلا لولا مراتبك العلى ... لما اخضر في أفق المكارم عود فيا ناهضاً والجد والجَد صحبه ... بحيث كبا للمنخرين حسود لقيت أمير المسلمين وظله ... عليك بما تهوى لديه يزيد فقم بالمعالي واستقل بملكها ... فأنت بملك العالمين قعيد ولو حوا بني زخر فإن وجوهكم ... نجوم بأفلاك العلا وسعود وله فيه (4) :   (1) ط د: وحباء. (2) منها ثلاثة أبيات في النفح 3: 471. (3) النفح: وحق. (4) منها بيتان في المغرب 1: 239. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 594 يا جالياً وجه (1) السعادة واضحا ... ومقلباً طرف النباهة طامحا صير مجنك صفحتي قمر الدجى ... وسنان رايتك السماك الرامحا الله يعلم أن بين جوانحي ... قلباً إليك مدى الليالي جانحا دم للعلاء أبا العلاء مصاحباً ... واقتد زمانك سامحاً لا مجامحا وله فيه وقد جاز البحر معه، فقال (2) : يا ابن زهر طأ الثريا عبيراً ... وحصى البيد لؤلؤاً وعقيقا وتلق الهواء وهو طليق ... كمحياك حين تلقى الصديقا وما ترى الريح كيف هبت رخاء ... لك بعد الهبوب ريحاً خريقا وضحى البحر هيبةً لك لما ... جئته سالكاً عليه طريقا غمرته من راحتيك بحار ... صاح من موجها (3) الغريق الغريقا فرق اللج منك حتى استطارت ... منه أحشاؤه فريقاً فريقا جزه يا ابن الكرام أرضاً ذلولاً ... أو فقده إن شئت طرفاً عتيقا [112أ] وانتض الحزم حيث كنت حساماً ... واصحب النجح حيث كنت رفيقا وتفيأ علاك ظلاً ظليلاً ... وتنشق ذكراك مسكاً فيتقا وكتب إلى أبي الوليد ابن عمه، فقال (4) : إني لأعجب أن يدنو بنا وطن ... ولا يقضى من اللقيا لنا وطر   (1) م: السيادة. (2) فقال: زيادة من م س؛ وانظر المسالك 11: 433. (3) المسالك؛ من بعدها؛ م: وجهها. (4) فقال: زيادة من م س؛ ومنها بيتان في المسالك وثلاثة في النفح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 595 لا غرو أن بعدت دار مصاقبة ... بنا وجد بنا في الحضرة (1) السفر فمحجر العين لا يلقاه ناظرها ... وقد توسع في الدنيا به النظر صبراً جميلاً وإن أبدى الزمان لنا ... غير الجميل فإنا معشر صبر وبيننا فقر يجري المزاح بها ... كالغنج في أعين مرضى بها حور نثراً ونظماً من الآداب بينهما ... سحر البلاغة منظوم ومنثر بيته الثالث من هذه يتطرف قول الآخر: كم والد يحرم أولاده ... وخيره يحظى به الأبعد كالعين لا تبصر ما حولها ... ولحظها يدرك ما يبعد وكقول الآخر أيضاً: كتجاور العينين لا يتلاقيا ... أبداً وبينهما قصير جدار (2) ومن جواب أبي الوليد له (3) : لبيك لبيك أنت السمع والبصر ... وإن أتت دونك الأحداث والغير إيه أبا حكم فالود مقترب ... وإن تباعدت الأشخاص والصور لا عتب فالود يمحو ما أتيت به ... حسبي من الذنب تجنيه وأعتذر ينبو لساني عن عتب الصديق وما ... أزرى بغربيه لا عي ولا حصر   (1) النفح: للحضرة. (2) م: قصيد حداد. (3) انظر المسالك 11: 433 - 434. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 596 ضنانة (1) بخليلٍ أن أفارقه ... ما القوس إن لك يكن يوماً لها وتر أراع سربك يا ابن العم أن درست ... سبل الوفاء فلا عين ولا أثر إن يرفع الدهر يوماً من خسيستهم ... وحط منا ونحن الأنجم الزهر فالدهر كالبحر تطفو فوقه جيف ... وتستقر بأقصى قعره الدرر وقدم أبو الحكم من بعض أسفاره. فكتبت إليه أنا بأبيات منها (2) : يهني قدومك كلاً يا أبا الحكم ... يا دوحة العلم والآداب والحكم مذ غبت ما رنقت عيني إلى سنةٍ ... يا عمرو إلا لكي ألقاك في الحلم إن كنت من تغلب في بيت سؤددها ... وكنت من مذحج في السؤدد العمم فلم يضرنا تنائي النسبتين وقد ... رحنا نسيبين في علم وفي فهم والعذر في زمنٍ أن جئت في أممٍ ... لا الجليل جيلك فاعذرهم ولا تلم في أبيات غيره هذه. وعاتبت فيها بعض إخوانه. فراجعني بأبيات منها قوله (3) : [112ب] يا من تناول حر اللفظ من أمم ... بذي غرارين مثل الصارم الخذم لو أن لفظك تهديه إلى حجر ... لما استجيز عليه الوصف بالصمم هذي جوارح جسمي كلها أذن ... مذ جاء (4) منك بأني لؤلؤ الكلم حاشا لنبلك أن تخفى معالمه ... وهن أشهر من نارٍ على علم   (1) م س والمسالك: بخليلي. (2) المسالك 11: 434. (3) المصدر نفسه. (4) المسالك: جاز. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 597 إن كان للنبل عرنين تدل به ... حسناً فأنت به أبهى من الشمم اردد أنوف الليالي وهي راغمة ... ما لم تكن لك في الإذعان كالخدم من تغلب أنت في علياء مركزها ... فمن يباريك في مجد وفي كرم قوم أراد ابن هند أن يضيمهم ... فأوطأوا الرأس منه أخمص القدم مآثر قسمت بين الورى وغدا ... للتغلبيين منها أوفر القسم ريت نفثة مصدورٍ بعثت بها ... مني إلى متلظي الصدر محتدم لم تفض مني بالشكوى إلى طلل ... ولم تبت عاكفاً مني على صنم سافر بطرفٍ أو انظر هل ترى يقظاً ... يحل من طلب الأيام في حرم حوادث لم تزل (1) بالحر لاعبةً ... كما تلاعت الأيسار بالزلم وبيننا قربة ليست أواصرها ... ما بين آدابنا مجفوة الرحم ومن أبناء هذه القبيلة، وشعراء هذه البيتة الأصلية، ابن عمه أبو الوليد محمد بن يحيى بن حزم (2) أحد أعيان أهل (3) الأدب، وأجلى الناس شعراً لا سيما إذا عاتب (4) أو عتب، جعل هذا الغرض هجيراه، فقلما يتجاوزه إلى سواه، وكلما أبدأ فيه وأعاد، أحسن ما شاء وأجاد، وفي كل معنى يحسن،   (1) م س: بالمرء. (2) انظر ترجمته في المغرب 1: 239 والمسالك 11: 434 ونفح الطيب 3: 472. (3) أهل: سقطت من م. (4) م: عابث. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 598 أكثر ما يمكن، ولكن رأيته في باب (1) العتاب يعلن بأمره، ويعرب عن ذات صدره. وقد أجريت من شعره في هذا المعنى وسواه. ما يصرح عن مغزاه، ويشهد على بعد مداه. جملة من شعره في أوصاف شتى في النسيب وما يناسبه قال (2) : أتجزع من دمعي وأنت أسلته ... ومن نار أحشائي ومنك (3) لهيبها وتزعم أن النفس غيرك علقت ... وأنت ولا من عليك حبيبها إذا طلعت شمس علي بسلوة ... أثار الهوى بين الضلوع غروبها وهذا البيت الأخير ينظر إلى قول مجنون بني عامر (4) : نهاري نهار الناس حتى إذا دنا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع وقال أبو الوليد (5) : [113أ] وطارحك الواشون عني سلوة ... مغالطةً هيهات ذاك بعيد   (1) م: جواب. (2) الأبيات في النفح ومنها اثنان في المسالك وفي معاهد التنصيص 1: 372. (3) النفح: وأنت. (4) ديوان المجنون: 185. (5) منها ثلاثة أبيات في المسالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 599 وكيف سلوي عن هواك وإنه ... ليبلى فؤادي وهو فيك (1) جديد إذا ما ثناه الناس عنك لوت به ... علائق حب فيك ليس تبيد بلى إن عرتني (2) فترة الصبر هزني ... تذكر أيامي بكم فأعود وقال وهي من حسنات شعره، وآيات ذكره (3) : وكم ليلة ألطفت بالمنى ... فقمت أبادر إلطافها بشمس (4) إذا ما تأملتها ... رددت على الشمس أوصافها بفترة (5) لحظ كأن الكرى ... أعان عليها وإن خافها وإني وإن عفتها معلناً ... لأعذل في السر من عافها وهبت علينا صباً رطبة ... وقد عابث الطل أعطافها وقد بثها الروض هجر الحيا ... (6) فجرت على النور أطرافها وخيل الظلام أمام الصباح ... والركض قد ضم أجوافها وقد فضض الفجر أذيالها ... وزاد فذهب أعرافها وكاثرت البدر شمس بدت ... فمدت على الأرض أكنافها وغاضبت السحب (7) فيها الرياح ... فصرت من الغيظ أخلافها وذكرني بادارات الحمام ... حمائم تندب ألافها   (1) م: فيه. (2) المسالك: علتني. (3) انظر المسالك 11: 435 ومنها بيتان في المغرب. (4) م: وشمس. (5) ط: لعزة؛ د: لغرة. (6) سقط البيت من س م. (7) ط د: الصبح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 600 وقال من أخرى (1) : كم قلت معرضاً ومصرحاً ... أكذا علقت ضلالةً بفلان ومنيت من خلطائه بعصابة ... خلطت بها شبهاً من البهتان هيهات لولا (2) غنج لحظ محمد ... ما كنت نهزة أعين الغزلان ولقد بعثت على السلو لو أن لي ... قلباً يطاعوني على السلوان فجعلت ثوب الصبر فيه بصيرةً ... وثنيت عن علم إليه عناني ونبذت حلمي والتفت إلى الصبا ... ويد العفاف تضم من أرادني لله أيام على وادي القرى ... سلفت لنا والدهر ذو ألوان إذ نجتني في ظله ثمر المنى ... والطير ساجعة على الأغصان والشمس ترمق من محاجر أرمد ... والظل يركض في النسيم الواني والراح إذا ضرب الظلام رواقه ... وخشيت فيه طوارق الحدثان ملنا نؤمل غير ذلك منزلاً ... والراح تقصر خطوه (3) فيداني ويروم قول أبي الوليد وربما ... كتبت مكانه لامه الواوان (4) [113ب] ثم احتللنا والوشاة بمعزلٍ ... وقد التقت في جفنه سننان والبدر يرميني بمقلة حاسدٍ ... لو يستطيع لكان حيث يراني حتى إذا نشر السرور بساطه ... وطوى بساط شكيتي لأوان أهوى يقبل راحتي تودداً ... ويشد عقد بنانه ببناني   (1) انظر المسالك أيضاً. (2) المسالك: غنج فاتر لحظه. (3) المسالك: خطونا. (4) ورد البيت في القسم الأول: 309 وروايته " كتمت ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 601 ويقول إشفاقاً علي ورحمةً ... متلجلج الألفاظ بعد بيان هاك (1) اغتنمها من زمانك خلسة ... تشفي غليل فؤادك الهيمان فثلمت فاه والتزمت عناقه ... ويد الوصال على قفا الهجران ومرقت من ظن الأعادي عفةً ... والليل مشتمل على الكتمان وقد كرر هذا المعنى في موضع آخر فقال (2) : فاطلع طلوع الشمس أو معها ... فيد (3) السرور على قفا الحزن في ساعة سمح الزمان بها ... فكأنما هي لذة الوسن وقال (4) : وكم ليلةٍ كاد الهوى يستفزني ... ولا رقبة دون الأماني ولا ستر وفي ساعدي بدر على غصن بانةٍ ... يود مكاني بين لباته البدر وفي لحظه كالسكر لا من مدامةٍ ... ولولا اعتراض الشك قلت هو السكر وقد سلبته الراح سورة كبره ... ومال على عطفيه وانقطع العذر وبين ضلوعي يعلم الله حاجة ... (5) طواها عفافي لا كما زعم الغدر فلم يك إلا ما أباح لي التقى ... ولم يبق إلا أن تحل لي الخمر   (1) م: هات. (2) هما في المسالك 11: 436. (3) م: بيد. (4) منها أربعة أبيات في المسالك. (5) سقط البيت من س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 602 وله في مثله (1) : وكم ليلةٍ (2) ظافرت في ظلها المنى ... وقد طرفت (3) من أعين الرقباء وفي ساعدي حلو الشمائل مترف ... لعوب بيأسي تارةً ورجائي أطارحه حلو العتاب وربما ... تغاضب فاسترضيه ببكائي وفي لفظه (4) من سورة الكأس فترة ... تمت إلى ألحاظه بولاء وقد عابثته الراح حتى رمت به ... لقى بين ثنيي بردتي وردائي على حاجةٍ في النفس نلتها ... ولكن حمتني عفتي وحيائي قوله: " وفي لفظه من سورة الكأس " ... البيت، مما فتن فيه أبو الوليد فتنة لا يحسنها السامري، بل سحر سحراً لا تتعطاه الحبال ولا العصي. وقال من أخرى: لاح العذار فلاح عذري فيه ... (5) وسقى ومن عينيه ما يسقيه وقضى علي ومر يسحب ذيله ... أكذا سفكت دمي ولست تديه وفجعت سادة مذحج بزعيمها ... وأمنت من أشياعه وذويه هيهات لو ملك القضاء سبيلها ... لثنى عنان جماحه (6) ثانيه لكن حماك الحسن من سطواتهم ... ومن الذي ترنو فلا تصيبه [114أ]   (1) انظر المسالك أيضاً. (2) المسالك: ضافرت. (3) م: وكم طرفت. (4) س والمسالك: لحظه. (5) سقط هذا البيت والذي يليه من س. (6) ط د: حمامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 603 ولقد أتاح لك الهوى من معشري ... ما لا يكاد الدهر يطمع فيه وهويته عذب الشمائل (1) مترفاً ... نشوان يعثر في فضول التيه كالغصن غازلت الصبا أعطافه ... فتكاد لمحة ناظري تثنيه أطوي الهوى شحاً عليه ورقةً ... والدهر ينشر منه ما أطويه يجني فأضمر هجره لا عن قلى ... والحب يغفر كل ما يجنيه ولكم صددت فعارضتني سورة ... من ورد وجنته وخمرة فيه والبدر من حسد يجمجم قوله ... ما ضر مجدك لو شركتك فيه وقال أبو الوليد من أخرى: وشت بهواه مقلتي ولساني ... وأتلفت فيه مهجتي وجناني فلما تناهى الشوق واستحكم الهوى ... وقيل فلان طاعة لفلان نأى عن مكاني حين لا لي حيلة ... وقد حل من قلبي بكل مكان وصد على عمد ليشرك في دمي ... ولو ظفر الأعداء بي لبكاني ومن عجب أني إذا رمت سلوةً ... وجدت هواه آخذاً بعناني أبا قاسمٍ خذها شكاية واجدٍ ... كما وجد المقصوص للطيران وقال (2) : أساكن قلبي والمقام كما ترى (3) ... (4) لعلك تصغي ساعةً فأقول   (1) ط د م س: مترف. (2) المغرب 1: 240. (3) المغرب: والجوار حفيظة. (4) سقط البيت من ط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 604 أعيذك من أقوال قوم (1) وربما ... فيكم قمر غطى عليه أفول وكم أملوا لا (2) بلغوا فيك خطةً ... وحاشاك منها والحديث يطول ومستكشف لم يدر ما بين أضلعي ... يعرض (3) بي واللوم فيك ثقيل فصكت (4) لساني يعلم الله سكتة ... لها في جناني زفرة وعويل وسد طريق اللحظ دمع كأنما ... تشحط من جفني فيه قتيل وهذا البيت مما أحسن فيه، ولكن ابن الرومي زاد عليه بحسن الاستعارة والتشبيه، وهو قوله (5) : رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفى عليه بكاً عليك طويل يا نظرة ما أقشعت لحظاتها ... حتى تشحط بينهن قتيل ونسب هذين البيتين صاحب " العمدة " (6) لأبي نواس. وقوله: " فصكت لساني " البيت ... يشبه قول حبيب (7) : ولي وقد أفحم الخطي منطقه ... بسكتةٍ تحتها الأحشاء في صخب وقال أبو الوليد من أخرى:   (1) المغرب: مريبة. (2) ط د: يبلغوا. (3) المغرب: تعرض. (4) المغرب: فشدت. (5) البيتان لأبي نواس في ديوانه: 388، وكذلك نسبهما له صاحب زهر الآداب: 241. (6) العمدة 2: 120. (7) ديوان أبي تمام 1: 72. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 605 وكم معشر لاموا عليك رددتهم ... وأكبادهم غيظاً علي تذوب ومالوا إلى رجم الظنون وبيننا ... إذا ما خلونا للعفاف رقيب ولما بدت أشياء منك تريبني ... وأكثر فيها مخطئ ومصيب وشاركني فيك الذين علمتهم ... ولم يك لي إلا السلو طبيب تجافيت عن حظي لهم فيك عنوةً ... وقد يتجافى في الشيء وهو حبيب [114ب] إذا عرضوا أوليتهم فيك سكتة ... ويعرض دمعي دونهم فيجيب وقال (1) : لما استمالك معشر لم أرضهم ... والقول فيك كما علمت كثير داريت دونك مهجتي فتماسكت ... من بعد ما كادت إليك تطير فاذهب فغير جوانحي لك منزل ... واسمع فغير وفائك المشكور وقال (2) : يقول وقد لمته في هوى ... فلان وعرضت شيئاً قليلا أتحسدني - قلت: لا والذي ... أحلك في الحب مرعى وبيلا فكيف وقد حل ذاك (3) الحمى ... وقد سلك الناس تلك (4) السبيلا وقال:   (1) الأبيات في المغرب 1: 240 والنفح 3: 372. (2) الأبيات في النفح 3: 472. (3) النفح: ذاك الجناب. (4) م س والنفح: ذاك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 606 أبلغ فلاناً وإن كنت الضنين به ... قولاً تطاير من أرجائه الشرر إني تركت الحمى عن غير مقلية ... لمعشر وردوا قبلي وما صدروا وصنت وجه عفافي عن تبذله ... حتى سلا القلب عنه وارعوى البصر يا أملح الناس إلا ريبةً عرضت ... تكاد من ذكرها الأحشاء تنفطر ما الذنب عندك إلا عفة صرفت ... يد الهوى عنك إلا ما جنى النظر وباحث عن غرامي فيك قلت له ... عني إليك فلا عين ولا أثر ويلي عليه (1) وويحي من تبذله ... وطالما صنته لو ساعد القدر ومن شعره في العتاب قال من كلمة (2) : مقال يطير الجمر من جنباته ... ومن تحته قلب عليك يذوب أحين نبذت الناس إلا علالةً ... من الحسن يدعو ناظري فيجيب ودنت بما تهوى هدىً وضلالة ... وما الناس إلا مخطئ ومصيب سرت لك في أفياء ظلي قولةً ... لها بين أحناء الضلوع دبيب فهلا على حال وفيت لمن (3) وفت ... سجيته حيث الوفاء غريب وحاشاك أن تعزى إلى المجد خطة ... تجشمه داء وأنت طبيب ولكن أبى إلا إليك التفاتةً ... فؤاد عليه من هواك رقيب   (1) م س: وويلي. (2) بعض أبياتها في المسالك 11: 434: 437 ومنها بيت في المغرب. (3) وفت: سقطت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 607 وود وإن أخرتموه مقدم ... وصدر وإن أحرجتموه رحيب وكم بيننا إن كنت تحفظ ما مضى ... إذ العيش غض والزمان قشيب وقد قام في وجه النسيم غزيل ... تغازل عطفيه صباً وجنوب وسد طريق الشمس بدر إذا بدا ... أهلت عيون بالهوى وقلوب يدير علينا السحر ملء جفونه ... فكل بريء عند ذلك مريب وتحت جناح الغيم أحشاء روضة ... بها لخفوق العاصفات ضروب وللزهر في ضمن الرياض تبسم ... وللطير من فوق الغصون نحيب وقد شملتنا يعلم الله عفة ... على ما ترى والعاشقون ضروب [115أ] أما والذي أعطاك شامخة العلا ... فزل شباب عن مداك وشيب لقد علقت كفاك مني كوكباً ... له في سماء المكرمات ثقوب حنانيك لا تحمده بعد توقد ... فربتما عل الطلوع (1) غروب وخذها وإن صدت قليلاً بوجهها ... ففي صدرها شوقاً إليك لهيب قوله: " وقد قام في وجه النسيم غزيل " من براعة الشعراء الحلوة؛ وأنشدت لأبي بكر بن سعيد البطليوسي (2) : عندي (3) قطيع قهوة ... ومودتي وأبو الحسين وقال أبو الوليد من أخرى (4) :   (1) س م وأصل ط: على؛ ط: الضلوع. (2) هو أبو بكر عبد العزي بن سعيد أحد بني القبطورنة، وسترد ترجمته في هذا القسم: 753. (3) القطيع: الزجاجة الصغيرة. (4) منها أربعة أبيات في المسالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 608 ولقد منحتك مهجتي لبصيرة ... لاحت لقلبي في إخائك أو عمى فلو اطلعت على فؤادي لم تجد ... إلاك فيه ما أجل وأعظما وهوى لطيف الكشح ذا جبرية ... إلا عليك فما أحن وأرحما كالغصن غازلت الصبا أعطافه ... نشوان يعبث بالفنوس وربما وكأنما (1) غمر الكرى أجفانه ... فتضرجت وجناته منها دما فكأنما (2) لبس الملاحة حلة ... ولقد خجلت لقولتي فكأنما يروى ترابك من مدامة ريقه ... وسواك يهلك لا سواي من الظما فلئن هممت فغير مشدود الحبى (3) ... ولئن عففت فغير ممنوع اللمى (4) ولقد قنعت فلا قنعت بزورة ... ولقد نجوت فما نجوت مسلما فأبحت سرح اللهو مرتاد الهوى ... ومنعت طير الوجد أن يترنما قوله: " يروى ترابك " ... البيت، ذهب إلى قول الآخر: أتمنع ريقك المعسول عني ... وأنت على التراب به تجود إلا أن هذا زاد عليه، لبعض حاجته إليه، ولكنه والله دعا الإحسان فأسمع، وجادت نفسه، حيث يقول بعده: وأنت لو اقتصرت عليه جدنا (5) ... ولكن قد علمنا ما تريد   (1) المسالك: غمز؛ م س ط: عمر. (2) م س: وكأنما ... وكأنما. (3) م ط د س: الحيا. (4) د: ولقد قنعت بزورة من طيفه. (5) م: حرنا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 609 وقوله: " ومنعت طير الوجد أن يترنما "، من لطيف الإشارة، ومليح الاستعارة. أوما به إلى الكتمان. إيماء يأخذ بمجامع البيان. وقال من أخرى (1) : خذها أبا العباس قولة مخلص ... إن وافقت من مسمعيك قبولا تطغى (2) ويمنعها الحياء (3) وربما ... مال العتاب بها عليك قليلا واضيعتا للود عند معاشر ... لا يهتدون إلى الوفاء سبيلا فارغب بنفسك عن معاريض العدا ... لا زال دونك حدهم مفلولا وانظر (4) فربتما ظللت وكم فتى ... (5) لعب السراب بناظريه طويلا وأصخ فغيري من يسوءك غيبه ... وسواي من رضي الوداد عليلا وارفق فثم وإن (6) صدرت بقية ... تأبى على رغم السلو رحيلا [115 ب] فلطالما أجريت أجفاني دما ... وملأت أضلاعي جوى وغليلا وله من أخرى إلى أبي الحكم ابن عمه (7) : أعمرو كم أطامنها حياءً ... فتطغيها معاتبة الأماني وإن وقف الغرام بها قليلاً ... فعذرل أخيك في جفني فلان   (1) منها أربعة أبيات في المسالك 11: 437. (2) م س: تصغي ويحفظها؛ المسالك: ويحفظها. (3) ط د: وإنما. (4) ط د: فانظر. (5) ط د: طولا. (6) م س: صددت. (7) منها بيتان في المسالك: 437. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 610 أتتني قولة هجمت فكادت ... تغل يدي وتعقد من لساني ولم أرتب ومجدك غير أني ... كليم من مقارعة الزمان أأرحل والنوى قذف ورحلي ... كما تدري مظاهرة الحرمان أما رأي الأمير ولم أرجم ... ظنوني في التباعد والتداني يعين على المكارم عاشقيها ... وإن عزت مصافاة الحسان ويثني الدهر طوع يدي حتى ... كأن الدهر كفي أو بناني وإن سد القضاء سبيل سعيي ... فليس جميل سعيك لي بدان فأجابه أبو الحكم بأبيات منها: أما وعقيلةٍ لك غازلتني ... بغنج السحر من جفني فلان لقد أهديت لي منها عروساً ... معرسها سويداء الجنان جلت من رقة التعريض صحفاً ... أرق من الحسام الهندواني وأخشى أن أكون لها ظلوماً ... أذا سميتها سحر البيان بنفسي أنت قول الناس ريح ... يوافق منك ركناً من أبان أنا لك حيث كنت أخ أمين ... إذا ما خان إخوان العيان ألا ليت القبول غدت بسرجي ... إلى لقياك مطلقة العنان فألمح منك أروع أريحياً ... تبوأ ذروة الحسب الهجان ولأبي الوليد إلى أبي بكر ابن عمه (1) :   (1) أبو بكر محمد بن مذجح: أخو أبي الحكم عمرو، انظر المغرب 1: 239 ونفح الطيب 3: 471؛ ومنها بيتان في المسالك: 437. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 611 إليك وإن أصبحت عني بمعزلٍ ... وأخفق ظني في هواك ولا أدري عتاباً كحد السيف إلا بقيةً ... عليك ولولاها لساءك ما يفري وأعددته للدهر جنة واثقٍ ... فألقيته سيفاً علي مع الدهر وأرسلته سهماً سديداً (1) على العدا ... فأخطأهم عمداً وعاج (2) إلى نحري أريش ويبري أعظمي غير مقصر ... فيا ليت شعري كم أريش وكم يبري ومن جواب أبي بكر له (3) : ولما رأى حمص استخفت بقدره ... على أنها كانت به ليلة القدر تحمل عنها والبلاد عريضة ... كما سل من غمد الدجى صارم الفجر فيا أيها المهدي إلى صوارماً ... من العتب يفري حدها جنن الصبر [166أ] أفي الحق أن يحظى بقربك معشر ... قليلو الحجى ليسوا بخل ولا خمر - ومنها (4) : ألسنا من القوم الذين (5) سموا بنا ... إلى حيث لا تسري النجوم التي تسري فكم جعلوا عبساً يطول عبوسها ... وكم صبحوا بكراً براغية البكر وقال أبو الوليد من قصيدة (6) :   (1) المسالك: إلى. (2) س والمسالك: وعاد. (3) منها بيتان في المسالك والنفح. (4) ومنها: زيادة من م س. (5) م: ملوا. (6) البيتان في المسالك 11: 437 - 438. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 612 وإذا الزمان رمى إليك مسالماً ... وأمنته فأحذر من الإخوان وسجيتي ما قد علمت وربما ... صدئ الحسام من النجيع القاني ومعنى البيت الأول كأنه يشير إلى ما قال الفقيه منصور (1) : لو قيل لي خذ أماناً ... من حادث الأزمان لما أخذت أماناً ... إلا من الإخوان والبيت الثاني كقول ابن الملك من شعر وقد تقدم (2) : والعضب يستره القراب وربما ... خشنت مضاربه الرقاق من الصدا ولأبي الوليد (3) من قصيدة (4) : حبيب إليه الورد، منهل الردى ... يسير عليه الخطب، أهونه القتل إذا نال غايات المكارم والعلا ... فلا أسعدت سعدي ولا أجملت جمل ومنها (5) :   (1) هو أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي المصري الضرير (- 306) ، وقد ذكرت ترجمته في القسم الأول: 883 والمصادر، ويمكن أن يضاف إليها معجم الأدباء 19: 185 والمغرب (قسم مصر) 1: 262 والمنتظم 6: 152 وحسن المحاضرة 1: 168 ومعجم المرزباني: 280 وجمع الجواهر: 120 - 122 ولم يرد البيتان في المصادر المذكورة هنا أو في القسم الأول. (2) انظر ص: 454 فيما تقدم. (3) م س: ولأبي بكر. (4) منها بيتان في المسالك. (5) ومنها: لم ترد في م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 613 نبذت (1) إليك الناس لا غادراً لهم ... ولا طالباً جدواك إن خيم المحل ونكبت عن قومٍ مضوا وبودهم ... لو آن ثرى رجلي لأجفانهم كحل وهذا كقول بعض أهل عصري: وكم رافعٍ لي بالعداوة صوته ... يود لو آني بين أضلاعه قلب ولأبي الوليد من مرثيه (2) : بأي مقالٍ من لساني أرثيه ... وأي دموعٍ من جفوني أبكيه وقد جل رزئي فيه حتى كأنما ... رزايا جميع الناس مجموعة فيه منها: فروض سروري بعد يومك قد ذوى ... وعارض حزني فيك حلست عزاليه ولو كنت أدري أين ثاري نلته ... ولو حل ما بين الكواكب جانيه ومنها: وإن كنت أوتيت السيادة ناشئاً ... فذلك فضل الله من شاء يؤتيه وما باختياري عشت بعدك ساعةً ... (3) فلي أجل يفني سوادي وأفنيه فيا قبره ماذا تجن من العلا ... ويا يومه ماذا نعي فيك ناعيه وله مما كتب على قوسٍ وأخبر عنها:   (1) ط د: تبدت. (2) منها بيتان في المغرب 1: 240. (3) الشطر الثاني من هذا البيت اقترن مع الشطر الأول من البيت السابق في ط د. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 614 إنا إذا رفعت سماء عجاجةٍ ... والحرب تقعد بالردى وتقوم وتمرد الأبطال في جنباتها ... والوت من فوق النفوس يحوم مرقت لهم منا الحتوف كأنما ... نحن الأهلة والسهام رجوم ولكم دمٍ عز القضاء وروده ... فروين منه والعوالي هيم في ذكر الأديب أبي بكر يحيى بن بقي (1) وإثبات جملة من سري نظامه، وحر كلامه [116ب] وأبو بكر في وقتنا هذا على صغر سنه شهاب فهم ونبل قلما يخلو شعره من بديع، وأخرجته فتنة طليطلة - جبرها الله - الآتي خبرها في القسم الرابع من هذا المجموع، ولما يسطع بعد ضوءه، ولا نشأ نوءه، فاحتل اشبيلية، فمن ثم شرق وغرب، وأحزن ذكره في البلاد وأسهب، ولذلك نسقته في دررها، وأثبته أثناء حجولها وغررها؛ وقد أخرجت من شعره ايشهد بما أجريت من ذكره، ويبرأ من الإطراء، ويري أني ربما قصرت في الثناء.   (1) أبو بكر يحيى بن محمد بن عبد الرحمن بن بقي (وعند السلفي يحيى بن حكم بن بقي وعند ابن الأبار يحيى بن أحمد) الشاعر الوشاح، سر قسطي النسب (وقيل طليلطي) اشبيلي الأدب، سلوي النشب، وادياشي العطب، أي أن أصله من سرقسطة (أو طليطلة) وتأدب باشبيلية، وأكتسب المال بمدينة سلا، وتوفي بوادي آش سنة 540 (أو 545) ؛ قيل إن له ما ينيف على ثلاثة آلاف موشحة ومثلها قصائد ومقطعات، وله مدائح كثيرة في بني عشرة أعيان سلا (انظر ترجمته في القلائد: 279 وعند وعن المطمح ترجمة منقولة في نفح الطيب 4: 236 - 240؛ ووفيات الأعيان 6: 202 والسلفي: 50 - 51 ومعجم الأدباء 20: 21 والمسالك 11: 280 والخريدو 2: 308 ونفح الطيب 3: 209، 347، 404، 439، 448، 4: 13، 155، والمطرب: 198 وله موشحات في دار الطراز وجيش التوشيح.) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 615 جملة من شعره في أوصاف شتى استهدى من بعض إخوانه أقلاماً، فبعث إليه منها بثلاث من القصب، وكتب معها إليه: خذها إليك أبا بكر العلا قصباً ... كأنما صاغها الصواغ من ورقة يزهى بها الطرس حسناً ما نثرت بها ... (1) مسك المداد على الكافور ن ورقه فأجابه أبو بكر بأبيات منها قوله: أرسلت نحوي من قناً سلب ... منآدةٍ تطعن القرطاس في درقه فالحظ ينكرها والخط يعرفه ... والرق يخدمها بالرق في عنقه فكأن بعض من حضر سماع شعره حسده عليه، ونسب الانتحال إليه، فقال أبو بكر يخاطب صاحبه الأول من جملة أبيات: وجاهلٍ نسب الدعوى إلى كلمي ... لما رماه بنبل النبل في حدقه فقلت من حنقٍ لما تعرض لي ... من ذا الذي أخرج اليربوع من نفقه ما ذم شعري وأيم الله لي قسم ... إلا امرؤ ليست الأشعار من طرقه الشعر يشهد أني من كواكبه ... بل الصباح الذي يستن في أفقه وله من كلمة في الوزير أبي العلاء (2) :   (1) لم يرد هذا البيت في ط د. (2) يعني أبا العلاء ابن زهر، الذي تقدمت ترجمته ص: 218. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 616 علقتها من ربرب العفر ... (1) لكنها عربية النجر لا تلتمحها ربما سلبت ... منك الفؤاد وأنت لا تدري واذهب بشأنك إن مقلتها ... سقيت (2) ببابل قهوة السحر سل بالعيون فتىً أصيب بها ... مثلى لتعلم صحة الأمر هن السيوف من الردى طبعت ... تبري القلوب وقلما تبري ومن المدح: ن جده كعب بن مامة قد ... حاز الندى بالطي والنشر هو آثر النمري صاحبه ... بالماء في دوية القفر واساه حتى مات من ظمأ ... ثم انطوى والجود في قبر وأراك يا زهر اقتديت به ... في صبره ونواله الغمر زهر الكواكب كلها شهدت ... أن السيادة في بني زهر ذر حاتماً يشجي بكعبكم ... وافخر بدعمي (3) على عمرو وافخر بنفسك لست دونهم ... ولئن سكت (4) فخيفة الكبر وله من أخرى (فيه) : افخر على الناس ملء الأرض من شممٍ ... ألعز أقعس والآباء أنجاد [117أ] هل يستوي الناس قالوا كلنا بشر ... فالمندل الرطب والطرفاء أعواد   (1) بعد هذا البيت في م س: ومنها. (2) سقيت: سقطت من ط د. (3) دعمي الذي يعنيه هنا من إباد قبيلة كعب بن مامة وهو أخو زهر القديم (انظر كاسكل 1: 174) . (4) ط م س: سكنت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 617 وهذا يشبه قول أبي الطيب (1) : فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال وقال الحصري: أبا بكر أن أصبحت بعض لوكهم ... فإن الليالي بعضها ليلة القدر ومنها: يا زهر زهر إياد لا كما زعمت ... زهر النجوم فما للصيد أنداد حقاً سلكت إلينا كل موحشةٍ ... تيهاء ساكنها ظبي وفياد يجيب فيها الصدى من ليس يسأله ... ويقتل الجوع فيها من له زاد وينضب الماء وهو الجم مورده ... [ ... ] (2) الرمل رملاً وهو أعقاد والمرو في الحرة والرجلاء قد حميت ... كأنهن من العشاق أكباد من شر ما طرق الأقوام من نوبٍ ... وخير ما ارتاده للنجع مرتاد يخرجن من جنبات النقع طائرةً ... كأنهن سقوط وهي أزناد ومنها: ولوا جميعاً بما في الدهر من حسنٍ ... لا عيب في القوم إلا أنهم بادوا وهذا كقول أبي تمام حيث يقول (3) :   (1) ديوان المتنبي: 258. (2) بياض في ط د س وموضعه كلمة غير واضحة في م، ولعلها " ويحشد ". (3) م س: كقول أبي حاتم من قصيدة؛ وانظر ديوان أبي تمام 1: 191. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 618 وما كان بين الهضب فرق وبينهم ... سوى أنهم زالوا ولم يزل الهضب ولأبي بكر من قصيدة: لم أعلم الشوق إلا من مطوقةٍ ... فهمت عنها الذي قالت ولم تبن لا مثلها وسقيط الطل يضربها ... في عاتقي حلةٍ من سندس اليمن تذكرت ساق حر وهي تندبه ... بالأخضرين من الظلماء والفنن كأنهن بأعلى الدوح إذ جعلت ... روم تراطن بالألفاظ من فدن والنجم منهزم أولى كتائبه ... والصبح يغسل ثوب الليل من درن والروض يرشف ريق الطل عن ترف ... وليت لي مثله ممن يعذبني دع المنى ربما نيلت بلا طلبٍ ... وربما الحرمان في المهن ومنها في وصف طرفٍ: لكن على سابحٍ نهدٍ مراكله ... مؤلل الجيد والأرساغ والأذن أقام في الحي أحوالاً وآونةً ... يسقي الخليطين (1) من ماءٍ ومن لبن فجاء إذ صنعوه وهو مضطمر ... سامي التليل ممر الخلق كالشطن يهوي من الأرض أنى شاء راكبه ... ويترك الريح في الآري والرسن قوله: " والصبح يغسل ما في الليل من درن ". يشبه قول بعض أهل العصر: [117ب] شهم له نظرة في كل مشكلةٍ ... يكاد يغسل ما في الطين من درنٍ   (1) م: الطريحين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 619 وقلبه من قول المعري (1) : فإن كان يكتبه كاتب ... فقد سود الصبح مما كتب وقال أبو بكر من قصيدة: أقبلت بالجيش ملموماً كتائبه ... كأنك البدر تحت العارض الهطل في فتيةٍ كسيوف الهند أنحلهم ... حب الصوارم والخطية الذبل وتيموا بعيونٍ غير فاترةٍ ... من الأسنة لم تهج مع المقل إن لا تكن أعيناً نجلاً فإن لها ... في أضلع القوم مثل الأعين النجل وما أحسن ما أتى بهذا المعنى، وإنما ذهب إلى قول (2) أبي الطيب (3) : أثبت (4) عينك في حشاي جراحةً ... فتشابها كلتاهما نجلاء وقال: عليهن من وقع السيوف حواجب (5) ... ومن قصيدة أبي بكر: ترى السماء دخاناً مثلما خلقت ... والأرض قد شرقت بالخيل والإبل   (1) اللزوميات 47 / أ؛ 1: 126. (2) م س: ذهب بقول. (3) ديوان المتنبي: 115. (4) الديوان: مثلت. (5) وقال ... حواجب: لم يرد في م س؛ ولا يعرف إلى من يعود الضمير في " وقال ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 620 تمشي بها الخيل لا جرد مطهمة ... مشي الكواعب في حليٍ وفي حلل من كل مضطمرٍ الكشحين حافره ... أحق من مبسم الحسناء بالقبل يا معشر الروم قد شالت نعامتكم ... إما من الحين أو ن شدة الفشل لم يكسكم من ثياب الخزي أسبغها ... إلا اتقاؤكم للصدر بالكفل ويا ويلكم معشراً بل ويل أمكم ... فإنها ولدت للثكل والهبل وهذا المعنى كثير، ومنه قول أبي تمام (1) : لم تبق مشركة وقد علمت ... إن لم تنب أنه للسيف ما تلد وأخذه أبو الطيب فقال (2) : للسبي ما نكحوا والقتل ما ولداو ... والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا وقال محمد بن هانئ (3) : لو تعلم الروم ما لا قت بطارقها (4) ... ما هنئت أم بطريقٍ بمولود وقال أبو بكر من قصيدة: من لي به والوغى شهباء من أسلٍ ... في صهوةٍ من أقب البطن منجرد يردى ويصرع أقواماً، عيونهم ... حمر من الروع لا حمر من الرمد بكل غصنٍ من الخطي منعطفٍ ... بطائرٍ من سنانٍ ليس بالغرد   (1) ديوان أبي تمام 2: 20 وروايته " إن لم تتب ". (2) ديوان المتنبي: 303. (3) ديوان ابن هانئ: 46. (4) الديوان: لو كان للروم علم بالذي لقيت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 621 ومنها: الدهر أخوان من أن يستقيم لكم ... وإنما جاد عن كره ولم يكد ومن تصنع يرجع بعد آونةٍ ... إلى الطباع رجوع العير للوتد وهذا المعنى مشهور ومنه قول الآخر (1) : كل امرئٍ راجع يوماً لشيمته ... وإن تمتع أخلاقاً إلى حين وقال آخر (2) : يا أيها المتحلي غير شيمته ... إن التخلق يأتي دونه الخلق [118أ] وقال آخر (3) : ومن يتكلف غير ما في طباعه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها وقال الرضي (4) :   (1) م س: الأول، والبيت لذي الاصبع العدواني، المفضليات: 323 وبهجة المجالس 2: 113. (2) بهجة المجالس 2: 133 وروايته: ما أن تخلقت إلا شيمتي خلقاً ... إن الخلائق يأتي دونها الخلق وسقط البيت من م. (3) هو كثير عزة، انظر ديوانه: 148 وعيون الأخبار 2: 5 والشعر والشعراء: 420 واللسان (خيم) وروايته: ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه (من خيم نفسه) . (4) الرضي: سقطت من م س، وانظر ديوان الرضي 1: 652. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 622 لا تبدين لي التكلف في الهوى (1) ... فضح التطبع شيمة المطبوع ولكن أبا بكر استولى على الأمد، ونفث بالسحر في العقد، بقوله: " رجوع العير للوتد ". وله من قصيدة: لم أنس إذ ودعته وقد التقت ... مني هنالك بالبكا عينان يرنو بنرجسةٍ إليّ وربما ... قرع الأقاح بياسمين بنان وهذا كقول الآخر (2) ، ولكن أبا بكر نقص عنه (3) : وأسبلت (4) لؤلؤاً من نرجسٍ فسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد وقال من أخرى (5) : وقالوا ألا تبكي وتلك مطيهم ... على السهب يحملن الأوانس (6) كالدمى لئن (7) نفدت مني الدموع تغامزوا ... وقالوا: سلا أو لم يكن قبل مغرما فهلا أقاموا كالبكاء تنهدي ... إذا ما بكى القمري قالوا ترنما   (1) الديوان: هيهات لا تتكلفن لي الهوى. (2) هو الواواء الدمشقي، ديوانه: 84. (3) ط: تقصر منه. (4) الديوان: وأمطرت. (5) منها ثلاثة أبيات في كل من القلائد والخريدة وبيتان في الرايات: 49 (غ) وبيت واحد في المغرب. (6) القلائد: الخرائد. (7) ط م د س والقلائد: بعدت، الرايات: أإن بعدت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 623 وهذا من حجول الكلام وغرره، وإن لا يكن اخترع، فما أتقن ما اتبع! ! ومنها: نأوا بصموت الحجل عاطرة الشذا ... مبتلة الأعطاف معسولة اللمى ألا نظرة منها فتنقع غلةً ... على كبدي ما أشبه الشوق بالظما وله من قصيدة: وإني من الورق السواجع بالضحى ... ولكنني من بينها لم أطوق وهذا كقول ابن حمديس الصقلي، وهو أبرع وأجمع وأصنع، إلا أن أبا بكر قلبه على ما أراد، ونقص منه فما أخل به ولا كاد (1) : جناحي مبلول وجبدي مطوق ... وروضي مطلول (2) فما لي لا أشدو وله من قصيدة أيضاً (3) : أتى به الدهر فرداً في فضائله ... وفي الفرائد ما يربى على الجمل بياض عرضي تحامى الذم جانبه ... ليس السواد بأبهى منه في المقل والبيت الأول منها كقول بعض أهل عصرنا:   (1) ديوان ابن حمديس: 545 (عن الذخيرة) . (2) د: مبلول؛ ط: مملول. (3) أيضاً: سقطت من م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 624 وقد تقتضي هذه المفردات ... معانٍ تقصر عنها الجمل وله من قصيدة: عندي حشاشة نفسٍ في سبيل (1) ردى ... إن شئتها اليوم لم أمطل بها لغد وكيف أقوى على السلوان عنك (2) وقد ... (3) ربيت حبك حتى شب في خلدي خذها وهات ولا تمزج فتفسدها ... الماء في النار أصل غير مطرد وهذا كلام بديع، ونظم سنيع (4) . وقال: جرب ولا تغترر بمحمدةٍ ... قد يقتل [النور] (5) وهو نفاح وقال: ولقد وصفت لعاذلي من حسنه ... طرفاً فود بأنه لم يعذل وعصيته فيما مضى من عهدنا ... وأنا الذي أعصيه في المستقبل وله من قصيدة (6) : [118ب]   (1) أصل ط: هوى. (2) عنك: سقطت من ط د. (3) م س: كبد (ي) . (4) ونظم سنيع: سقطت من م س، كما سقط البيت التالي أيضاً من م وحدها؛ ط: شنيع. (5) ما بين مقفعين لم يرد إلا في س. (6) منها أربعة أبيات في كل من المغرب والقلائد، وبيتان في الخريدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 625 إذا ما غراب الليل مد جناحه ... (1) عليّ وغطاني بريش قوادم تقلبت في طي الجناح لعلني ... أرى الصبح يبدو من خلال القوادم إلى الله أشكوها نوىً أجنبيةً ... لها من أبيها شيمة ظالم سلا كل مشتاقٍ برؤية إلفه ... وكان على الشوق ضربة لازم إذا جاش صدر الأرض بي كنت منجداً ... وإن لم يجش بي كنت بين التهائم أكل بني الآداب مثلي ضائع ... فأجعل ظلمي أسوةً في المظالم أم الظلم محمول عليّ لأنني ... طلبت العلا من قبل حل التمائم لعمر أبيك الخير ما آمل الغنى ... للين لبوسٍ واحتفال مطاعم ولكنما أملته لصنيعةٍ ... أسر بها نفس الصديق الملائم ستبكي قوافي الشعر ملء جفونها ... (2) على عربيٍ ضاع بين أعاجم ولا ذنب لي عند الزمان علمته ... سوى أنني للشعر آخر ناظم توهمته عمرو بن هندٍ وخلتني ... (3) شقياً أتاه من وفود البراجم ومنها: إليك ترامت بي قلوص كنبعة ... معطفة في دفها والحيازم لعوب إذا رقص السراب استفزها ... ببيض الأداحي في النقا التراكم تباري الصبا في سيرها فكأنها ... جبان تولى في غبار الهزائم وما راعها إلا الزمام تظنه ... إذا ما تدلى حيةً في المخاطم   (1) سقط هذا البيت من ط د. (2) المغرب: الأعاجم. (3) يشير إلى المثل: " إن الشقي وافد البراجم ". (فصل المقال: 454 والعسكري 1: 81) وكان عمرو بن هند قد آلى أن يحرق مائة من بني تميم،، فحرق تسعة وتسعين ووفى العدد برجل من البراجم أقبل على النار يظن أنه يجد عندها طعاماً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 626 وهذا كقول المعري (1) : يحاذرون من وقع (2) الأزمة لا اهتدى ... مخبرها أن الأزمة أصلال وهذا كقول بعض أهل العصر (3) : تخشى الزمام فتثني جيدها فرقاً ... كأنه بين ثني حيةٍ ذكر كأني من البيداء أطوي صحيفةً ... قد اختلفت فيها خطوط المناسم لنفسك أكرمني ولا لمعاشر ... إذا انتقدوا كانوا زيوف الدراهم وميزك بي ميز الكمي بسيفه ... وإن أدركته مهنة في الصوارم أحبك للعليا غصبتك بعضها ... وكل كريم مولع بالأكارم وإن كان منك الود فيئاً أخذته ... غلولاً وحظي وافر في المغانم وإن تصطنعني تصطنع ذا حفيظة ... شديداً على الأعداء صعب الشكائم له كلمات كالقلائد في الطلى ... ولكنها في أوجه كالمياسم يشق عليها ترك مدحك ضلة ... لمدح أناس في عداد البهائم يصولون مني بالمهند ماضياً ... وأمسك منهم بالحبال الرمائم ومنها في المدح: حمدت السرى عند الصباح بماجدٍ ... هو الماء يعطي ريه كل حائم [119أ]   (1) شروح السقط: 1257. (2) شروح السقط: من لدغ. (3) هو الأعمى التطيلي، انظر ديوانه: 51. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 627 وحسبك من قاضي الجماعة أنه ... أمان لمذعور ومال لعادم به ثبت الإسلام في مستقره ... وشل فريق الكفر شل النعائم إذا مشقت يمناه في بطن مهرقٍ ... تحجب نوار (1) الربى في الكمائم ولاحت سطور كالشباب حكين لي ... سلاسل أصداغ الخدود النواعم ومن لي بتقبيل الحروف فإنها ... ثغور الدمى إلا ابيضاض المباسم أقل أيادي كتبه رد عسكر ... وتأليف أشتات وسل سخائم ورثت العلا من تغلب ابنة وائل ... تلاداً لها من عهدها المتقادم وأنى يجاريكم إلى المجد حاسد ... جهول بأسرار العلا غير عالم وهذا بجير وهو خير لداته ... (2) سوى شسع نعل منكم لم يقاوم ويا عجباً يعزى إلى (3) الجود حاتم ... وما هو منه في اللهى واللهازم بل المثل المضروب في الجود للذي ... يعود على (4) أبناء كعبٍ وحاتم وله من أخرى في الوزير أبي الحسين بن سراج: تشف وراء فطنته المعاني ... شفيف الراح من خلف الزجاج وما طلب الكلام الحر إلا ... (5) أتى بين انفراد وازدواج أقام العلم دهراً ليس يبدو ... لها منه سوى نتف خداج وكان الناس في ظلمات جهلٍ ... فما جليت بغير ني سراج   (1) ط د: أنوار. (2) يشير إلى قول مهلهل التغلبي، وقد قتل بجير بن الحارث بن عباد: " بؤ بشسع نعل كليب ". (3) ط د: المجد. (4) ط: إلى. (5) هذا البيت والذي يليه سقطا من م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 628 وقال من قصيدة: وبنات أعوج قد برمن بصحبتي ... مما قطعن من اليباب المقفر بيداء كالمحروم في أحواله ... لا ذا أنيل وهذه لم تعمر أراه كأن له في هذا إلمام، بقول أبي تمام (1) : وإذا تأملت البلاد (2) وجدتها ... تثري كما تثري الرجال وتعدم وإلى هذا أشار بعض أهل العصر بقوله: حظ من الدين والدنيا أصبت به ... كل يرزأ حتى هذه البقع ولأبي بكر من قصيد (3) : من لم يعانق غزالاً في مغازلة ... ما بين ممتنع طوراً ومنفعل فما قضى من لبانات الصبا وطرأ ... ولا تنزه في روض من الجذل وعاذلين رأوا أني على خطأ ... كما رأيت بأن القوم في خطل هل أنكروا غير تهامي بغانيةٍ ... سكرى من الدل أو ألحاظها النجل ما زال يحجبها الغيران مذ نشأت ... لو غيرها حجب الغيران لم بل [119ب] في كلة سيراء تتقي نظري ... يا أيها الناس حتى الظلم في الكلل من لي به حيث لا نخشى مراقبةً ... ولا نبيت من الواشي على وجل في ليلة لا يلي المريخ مدتها ... ولا نقيم بها إلا على زحل   (1) ديوان أبي تمام 3: 195. (2) الديوان: رأيتها. (3) م س: قصيدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 629 أما (1) الرياض فقد أمهرتها قدحاً ... من المدام نكاحاً ليس فيه ولي عقيقةً في يدي سالت وأشربها ... لو شعشعت بسجايا الدهر لم تسل وله من أخرى: كيف صبري على الكؤوس إذا ما ... عثر الروض في ذيول النسيم وهذا من المقلوب؛ إنما يعثر النسيم في ذيول الروض، فإن ذهب به أبو بكر مذهب الأخطل في قوله (2) : " أو بلغت سوآتهم هجر " ... وشبهه فأبو بكر ممن لا يتهم أدبه ... ولا يعجم نبعه ولا غربه رجع: وقال: ورنا نرجس الربى بعيون ... وجلا الورد عن محياً وسيم وبدا معصم الخليج فخطت ... فوقه الريح أسطراً من وشوم سوف تدري الهموم أية راحٍ ... أخذت من أرواحنا والجسوم بنت دن رعت (3) ببيداء نفسي ... فهي تعدو به كعدو الظليم كرمت (4) في حدائق غرسوها ... لكرامٍ فسميت بالكروم   (1) م س: الليالي. (2) ديوان الأخطل: 110 وأول البيت: " على العيارات هداجون قد بلغت، نجران أو ... الخ. (3) م س: ريقت. (4) م س: كرمة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 630 طفت بالأيك فاستهلت دموعي ... لحمامٍ تبكي فراق حميم تتغنى الثقيل حتى كأن قد ... نشر الله معبداً من رميم عجمة أعربت بوجدٍ دقيقٍ ... وكلام مقطع من كلوم قال ابن بسام: لو لم يتجاوز معبد الثقيل إلى سواه، لكان لأبي بكر ما ادعاه، وقرب منه ما تكلفه وتعاطاه، وأسحر منه وأولى بالحكمة وفصل الخطاب، أبو العلاء حيث يقول، يصف الإبل (1) : كأن المثانبي والمثالث بالضحى ... (2) تجاوب في غيد رفعن طوال كأن ثقيلاً أولاً تزدهي به ... ضمائر قوم في الخطوب ثقال ولعمري لو شبه سجع الحمام، بخفائف الغريض وأهزاج حكم الوادي لكان أحسن عبارةً وأفتق إشارة. وأما قوله: " كلام مقطع من كلوم " فأشفى للقلوب من اعتلال النسيم، وأحلى على الأكباد من محاورة الطرف السقيم. وفي هذه القصيدة يقول أبو بكر: أوضعت بي إليه وجناء حرف ... أكلتها السفار أكل القضيم تترك الريح خلفها وهي حيرى ... بين إيضاعها وبين الرسيم ظلت أطوي القفار منها بلامٍ ... طبعتها بالميم بعد (3) الميم   (1) شروح السقط: 1188. (2) الغيد: الطوال الأعناق من الإبل. (3) م: إثر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 631 فأتته (1) والمرو قد نال منها ... فهي تخطو على وظيفٍ رثيم وقليلاً تمتعت في الفيافي ... بسنام كالعارض المركوم فأنحنا إلى فناء جواد ... (2) ماله نهبة لكل عديم فأكلنا لهاه أكل الضواري ... وشربنا [ ... ] (3) شرب الهيم أما تشبيههم الخليج بالمعصم، فطريق لم يبق له ستر محرم إلا هتك، ولا فيه موضع قدم [120أ] إلا سلك، فمن أشهره مناراً، وأبهره أنواراً، قول ابن عمار (4) : روض كأن النهر فيه معصم ... صافٍ أطل على رداء أخضرا وقوله: " فسميت بالكروم " يشبه لفظه بيت المعري، وبينهما من البعد، ما بين الدرة والحجر الصلد، المعري أثبت فيه قدماً، وأمس رحماً، حيث يقول (5) : وأنت أبوها إن غدت كرميةً ... وإن سكنت راء فوالدها الكرم (6) وذكرت بقوله: " بلام، طبعتها بالميم بعد الميم "، قول ابن الرومي في جهة أخرى:   (1) ط د: والمرء، والمرو: الحجارة. (2) هذا البيت والذي يليه لم يردا في م س. (3) سقطت من ط، وموضعها في د: " لماء ". (4) انظر ما تقدم ص: 382. (5) شروح السقط: 1150. (6) شروح السقط: كرم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 632 يا أخا النحو والمقدم فيه ... لم ترى (1) اللام أدغمت في الميم وكتب خلف الأحمر إلى بعض المؤدبين: أتترك في الحلال مشق صادٍ ... وتأتي في الحرام مشق ميم وذكر الثعالبي (2) أنه كان للقاضي علي التنوخي غلام وسيم، اسمه نسيم، وكان يؤثره على سائر غلمانه، ويخصه بتقريبه واستخدامه، فكتب إليه بعض إخوانه يداعبه: هل علي لامه مدغم ... لاضطرار الشعر في ميم نسيم فوقع تحته: نعم ولم لا -! وقال أبو بكر من قصيدة: واحر قلبي من خليط زائلٍ ... صبري على آثاره سيزول زمت له قلص ببارين الصبا ... ولربما سبق الهبوب ذكيل هم فارقوك وحملوك من الأسى ... ما ليس يحمل شامة وطفيل زرعوا بقلبك حبه، ونباته ... (3) برح الجوى، لا إذخر وجليل   (1) ط: لم تر؛ م س: لن ترى. (2) اليتيمة 2: 336. (3) في هذا البيت والذي قبله إشاره إلى قول بلال بن رباح مؤذن الرسول (ص) : ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل وشامة وطفيل: جبلان قرب مكة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 633 شيعتهم متوجهين وأدمعي ... حذر الفراق سوافح وهمول ونظرت في تلك الحدوج وطيها ... غزلان وجرة أهيف وكحيل وقال من أخرى: لا تحملني على التسويف نفي هبةٍ ... فيلتقي فرحي فيها مع الأسف ليس اعتذارك بالأشغال أقبله ... فإن شغلك بي أدنى إلى الشرف وهذا كقول الأول (1) : ولا تعتذر بالشغل يوماً فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل وقال أبو حاتم الحجاري (2) : إني لأعلم أن شغلك بالعلا ... والمجد فاجعلني من الأشغال وقال أبو بكر من قصيدة (3) : عليك أبا عبد الإله خلعتها ... لها البدر طوق والنجوم دلائل وما هي إلا الدهر في طول عمرها ... وإن لم يكن فيها الضحى والأصائل قال ابن بسام (4) : ويا لهذا البيت ما أحسن مذهبه، وأبدع منتواه (5)   (1) انظر الإمتاع والمؤانسة 3: 229 والبصائر 2/1: 159 وزهر الآداب: 286 وربيع الأبرار: 258 ب (نسخة برنستون) . (2) انظر الذخيرة 3: 663؛ وسقط قول الحجاري مم ط د. (3) البيتان في تمام المتون: 289. (4) قال ابن بسام: سقطت من ط د. (5) ط د: مثواه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 634 ومنقلبه، إلا أنه أتى بالدهر ومسلوب الضحى والأصائل، فقلم يزد على أن جلاه في زي عاطل، لا بل أبرزه في مسوح شوهاء ثاكل، وليت شعري أي شيء أبقى للدهر المظلوم، بعد ضحاه الناصعة الأديم، وآصاله المعتلة النسيم - هل بقي إلا ليلة الأسود الجلباب [120ب] وهجيره السائل اللعاب -! ولو قال لممدوحه: " وتلك العلا فيها الضحى والأصائل " (1) لأبرز قصيدته رافقة البرود، شفافة العقود، ولأفاد ممدوحه بهذه الكلمة مدحاً لا يسعه المقال، ولا تفي به القصائد الطوال. وله من أخرى: وما أكثر الأقوام إلا ثعالب ... تروغ ولا يحلى لديها بطائل يرد ذهني حائراً في طباعهم ... كأنهم من مشكلات المسائل وأصغي إلى أقوالهم فتريبني ... صدور لهم أقوين مثل المنازل وقال: خذها على وجه الربيع المخصب ... لم يقض حق الروض من لم يشرب هممي سماءؤ علاً وهمي مارد ... فارجمه من تلك الكؤوس بكوكب والله ما أدري وإني واقف ... للراح بين تحير وتعجب أفضضت دناً أم فككت الخدر عن ... بكرٍ تجول مع المنى في ملعب أخت الزمان تكسبت (2) من خلقه ... جهل المراهق واحتناك الأشيب وله من أخرى:   (1) قارن هذا بما اقترحه الصفدي من تغيير (تمام المتون: 289 - 290) . (2) ط د: تكشفت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 635 مسومة تحكي سنابكها الصفا ... وتنقض منها بالضراغم عقبان نمتها إلى حرٍ كريمٍ (1) صفاتها ... فللنبع أضلاع وللآس آذان ومنها: دخلت عليها خيمةً شرفاتها ... وأعمدها (2) بيض رقاق وخرصان فقالت: ألص قلت: بل ذو صرامةٍ ... تشسب على أحشائه منك نيران إليك شفقت الليل كالسيل يرتمي ... وفيك أسغت الهول والهول (3) خطبان فقالت: أقم (4) عندي لك الوصل كاملاً ... على أن حظ العين مني حرمان ومن قوله (5) : عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الذكي (6) لناشق حتى إذا مالت به سنة الكرى ... باعدته شيئاً، وكان معانقي زحزحته (7) عن أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على وساد خافق   (1) س م: النجار. (2) ط د: وأغمادها؛ م س: وأعهدها. (3) م س: والخطب. (4) س م: أفق. (5) انفردت س م بهذه المقطوعة، وهي من قصيدة اشتهرت عند المشارقة، ووجدت استحساناً ومعارضات، ومنها بيت في القسم الأول نمن الذخيرة: 823 وقد ذكرت بعض مصادرها هنالك ويضاف إليها: الرايات: 48 (غ) والمسالك: 280 ورفع الحجب 1: 59 ومعاهد التنصيص 3: 80 والقلائد: 279 ومطلعها في المقتضب من تحفة القادم: 84. وانظر أيضاً نفح الطيب 3: 209 والغيث 1: 186 والمسلك السهل: 329. (6) في أكثر المصادر: الفتيق. (7) في رواية: باعدته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 636 في ذكر الأديب أبي الحسن بن هارون الشنتمري (1) قال ابن بسام: وأبو الحسن هذا سهل الكلام، بارع النظام، ممن اغترف من بحر الكلام بكلتا يديه، وجذب ثوب البيان من كلا طرفيه؛ جده لأمه أبو الحسن بن الاستجي المتقدم الذكر (2) ، فأما سلفه من قبل أبيه فقد انخدع لهم الزمان بريهة، وهينم بأسمائهم هنية، بشنتمرية الغرب إلى أن نبه الدهر الغافل على (3) أمرهم، وأسكت من ذكرهم، على يدي المعتضد عباد بن محمد مخلي الأوطان، وملحق الأقران بالأقران؛ وقد ذكر ابن حيان ذلك، وألمعت أنا بطرف مما وقع لهم معه هنالك. ومن شعر أبي الحسن المعرب عن أدبه، والشاهد لما وصفته به، قوله: يصف صدود غلام كان له به كلف (4) : (5) عادت إلى أديانها هيف ... واطرد الإسراف والحيف   (1) هو علي بن محمد بن سعيد بن هارون، وقد كان أهله يحكمون في شنتمرية المغرب حتى انتزعها منهم المعتضد بن عباد سنة 444 (انظر الحلة السيراء 2: 17 - 20 والمغرب 1: 395 والمسالك 11: 438) . (2) انظر ص: 200 من هذا القسم. (3) ط د: عن. (4) الحلة 2: 19. (5) من المثل: " ذهبت هيف لأديانها " (العسكري 1: 460 تحقيق أبو الفضل، وفصل المقال: 313 والميداني 1: 187) يضرب مثلا لركوب الرجل رأسه، والهيف: الريح الحارة؛ الأديان: العادات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 637 وامتنع الأصبغ من وصلنا ... وزاد حتى امتنع الطيف شنتمري (1) الأفق غربيه ... وربما حن له الخيف ذو لحظة إن لم تكن في الحشا ... رمحا وإلا فهي السيف وأنشدت له (2) : يا ليلة العيد عدت ثانية ... وعاد إحسانك الذي أذكر [121 أ] إذ أقبل الناس ينظرون إلى ... هلالك النضو ناحلا (3) أصفر وفيهم من أحبه وأنا ... (4) أنظره في السماء إذ ينظر فقلت لا مؤمنا بقولي بل ... معرضا للكلام لا أكثر أثر شهر الصيام فيك أبا ... محمد قال لي وما أثر بل أثر اليوم في هلالكم ... هذا الذي لا يكاد أن يظهر وقال (5) : وحديقة شرقت بغمر (6) نميرها ... يحكي صفاء الجو صفو غديرها تجري المياه بها أسود أحكمت ... من خالص العقيان في تصويرها وكأنها أسد الشرى في شكلها ... وكأن وقع الماء صوت زئيرها   (1) س م والحلة: القطر. (2) انظر الحلة 2: 19. (3) في النسخ: ناحل. (4) م س: انظر وهو في السماء ينظر. (5) الحلة 2: 20 والمسالك والمغرب. (6) ط د: بغير؛ الحلة: بعد؛ وما أثبته رواية م والمغرب؛ وفي س: شربت بغمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 638 وقال (1) : انظر إلى ثابت على طرفه ... قد سل سيف المنون من طرفه وهز من قده لواء ردى ... يدني الصحيح السليم من حتفه يطوف (2) بالحج منه بدر دجى ... على جواد كالبرق في خطفه يكاد من لينه ونعمته ... يعقد عقد العنان في نصفه فلا ترى غير باهت فرق ... بين يديه منها ومن خلفه ومن مشير له بإصبعه ... ومعلن بالسلام من كفه فصل يشتمل على ذكر الكتاب الوزراء وأعيان الأدباء الشعراء، ممن نشأ في المدة (3) المؤرخة بحضرة بطليوس، وسائر بلاد البحر المحيط الرومي (4) ، والأخذ بطرف من نوادر أخبارهم، وشوارد أشعارهم. قال ابن بسام: قد قدمت في صدر هذا القسم أن هذا الجانب الغربي من الجزيرة، لأول تلك الفتنة المبيرة (5) ، الواقعة بقرطبة في آخر دولة بني (6) عامر، اشتمل على بيتي حسب، وجمهوري أدب: مملكتان من لخم وتجيب،   (1) منها أربعة أبيات في المسالك. (2) كذا في الأصول. (3) المدة: سقطت من ط د. (4) زاد في م س: والأندلس. (5) م س: المثيرة. (6) ط د س: ابن أبي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 639 فوفد عليه لذلك كل أديب، واستوطنه كل أغر نجيب. وقد جئت بجملة موفورة، لطوائف كثيرة، وجماعة أعداد، كانوا بدولة بني عباد، من أرباب هذا الشأن، فلنذكر الآن من أرباب المنثور والمنظوم، بعقر هذا الإقليم، ولنقدم منهم من تقدم في الزمان. وقاعدة بلاد هذا الساحل من الجانب الغربي بطليوس، ورئيسها في أكثر المدة المؤرخة - كان -. المظفر أبو بكر محمد بن عبد الله بن مسلمة المعروف بابن الأفطس (1) أديب ملوك عصره غير مدافع ولا منازع، وله التصنيف الرائف والتأليف الفائق، المترجم ب - " التذكرة " والمشتهر اسمه أيضا ب - " كتاب المظفر (2) " في خمسين مجلدة، يشتمل على علوم وفنون من مغاز وسير، ومثل وخبر، وجميع   (1) جد بني الأفطس بن محمد بن مسلمة - فيما يقول ابن حيان - من فحص البلوط وكان من أهل المعرفة والدهاء والسياسة، استطاع أن يملك بلاد غرب الأندلس: بطليوس وشنترين والأشبونة وتوفي سنة 437 فخلفه ابنه محمد الملقب بالمظفر وكان أديبا عالما، وأقام ملكا عظيما بالثغر الجوفي ضاهى فيه ابن عباد وابن ذي النون، وكانت بين هؤلاء حروب وغارات، وقد كان محمد المظفر يدفع الإتاوة للأذفونش، وبقي في حكمه حتى سنة 456 (انظر البيان المغرب 3: 236 والحلة 2: 96 والمغرب 1: 364 والتكملة 393 (وفيه نقل عن الذخيرة) وأعمال الأعلام: 212 وصفحات متفرقة من نفح الطيب وتاريخ ابن خلدون 4: 159 وابن الأثير 9: 288 والمعجب: 127 وشرح البسامة ودوزي Spanish Islam: 634 وابن خلكان 7: 123) . (2) المشهور فيه: " المظفري " وكذلك هو في التكملة ويقال إنه لم يستعن فيه بأحد من العلماء إلا بكتابه أبي عثمان سعيد بن خيرة (البيان المغرب 3: 236) وفي م س: بكتاب ابن المظفر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 640 ما يختص به علم الأدب، أبقاه (1) في الناس خالدا. وليس بمعدود في الشعراء والكتاب، فأفرد له فصلا من هذا الكتاب، ولو كان مجموعنا هذا في طبقات العلماء، لكان قطب أفقه، وغاية طلقه. وكان ينكر الشعر على قائله في زمانه، ويفيل رأي من ارتسم في ديوانه؛ حدثني من سمعه يقول: من لم يكن شعره [121 ب] مثل شعر المتنبي أو شعر المعري فليسكت، لا يرضى بدون ذلك. وقد ذكر أبو مروان بن حيان خبره في جملة ما شرح من قصص ملوك الطوائف في ذلك الأوان، وشرح كيف غر سرابهم، وطن ذبابهم، فقال (2) : كان عبد الله بن مسلمة رجلا من مكناسة، وكان سابور العامري أحد صبيان فائق الخادم، فتى الحكم، وقد انتزى ببطليوس وثغر الغرب من عمل الحاجب ابن ميتويه (3) ، فصحبه عبد الله وظاهره (4) ، ورمى إليه بأموره، فدبر أعماله وتزيد في الغلبة عليه، حتى صار كالمستبد به، فلما هلك سابور ورث سلطانه بعده، فاستولى على الأمور وتلقب بالمنصور، ثم أفضى الأمر لابنه وتلقب بالمظفر. قال ابن حيان: ومن النادر الغريب انتماؤه في تجيب، وبهذه النسبة مدحته الشعراء إلى آخر وقته، منهم ابن شرف القيرواني حيث يقول (5) :   (1) م س: أبقاه الله. (2) النص في الحلة 2: 96 وانظر البيان المغرب 3: 237. (3) ط م د س: مينويه. (4) م س: وصاهره. (5) انظر أبياتا منها في المسالك 11: 240. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 641 يا ملكا أمست تجيب به ... تحسد قحطان عليه نزار لولاك لم تشرف معد بها ... جل أبو ذر فجلت غفار انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: وأول قصيدة ابن شرف هذه في المظفر قوله (1) : زار وقد شمر فضل الإزار ... جنح ظلام جانح للفرار وروضة الأنجم قد صوحت ... والفجر قد فجر نهر النهار قلت له: أهلا بطيف دنا ... (2) من نازح الدار بعيد المزار كيف خطوت الشر ثم الشرى ... وابنى هلال والقنا والشفار أصهوة الغبراء أم داحسا ... ركبت حتى خضت ذاك الغمار وجئت بالخطار أن أعوج ... جنيبة معتدة (3) للخطار وهل تقلدت لدفع (4) الردى ... حمائل الصمصام أم ذي الفقار وأنت زيد الخيل أم (5) عامر ... ومالك بن الريب أم ذو الخمار (6) فقال لا هذا ولا ذا ولا ... بل كنت عنهم قمرا في سرار   (1) قوله: سقطت من م س. (2) قبيل هذا البيت في س م ط: ومنها. (3) م س: معدة. (4) المسالك: الأذى. (5) عامر بن مالك أبو براء ملاعب الأسنة أو عامر بن الطفيل. (6) ذو الخمار: لقب عوف بن الربيع ذي الرمحين (التاج: خمر) ، وانظر فيما يلي (ص: 646) تعليق ابن بسام فهو خطأ، لأن الإشارة هنا إلى فارس لا إلى فرس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 642 سيري فلم نقذفك في مجهل ... (1) ولا ضربنا بك ضرب القمار حيث علوق (2) العلم مطلوبة ... يوافق السوق كرام التجار خذها أبا بكر غريبية ... سرى بها الود إليكم وطار ليست من الشعر القصير الخطى ... ولا من المسروق والمستعار قدمتها قبل قدومي كما ... قدمت الحجاج رمي الجمار ومنها: أقمت للعلم منارا وما ... أظن في الدنيا لعلم منار فما نداماك سوى أهله ... وكلهم بين ندامى العقار ميزك ميزان عقول الورى ... وفهمك العدل لكل عيار تبدو لك الهجنة في لحظة ... وتعرف الأسنان قبل الفرار من لفظهم تعرف ما هم وفي ... جحفلة العاثر يبدو العثار فما رأتك العين تصغي إلى ... محال (3) عجل سامري الخوار [122 أ] وكان ابن شرف كتب بهذه القصيدة من طليطلة إليه، فواصله بمائة مثقال من ضرب السكة لديه. قوله: " زار وقد شمر فضل الإزار، جنح ظلام " أشار إلى أنه زار آخر الليل كما قال أبو تمام (4) :   (1) من قول أبي الطيب: ضربنا بها التيه ضرب القمار ... فإما لهذا وإما لذا (2) ط د: علوم. (3) في النسخ: مجال. (4) ديوان أبي تمام 3: 185. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 643 زار الخيال (1) له لا بل أزاركه ... فكر إذا نام فكر الخلو لم ينم ظبي تقنصته لما نصبت له ... في آخر الليل أشراكا من الحلم وقد عاب الآمدي هذا عليه فقال (2) : وإذا زاره بالفكر فقد زار، فلا معنى للاستدراك؛ ثم اعتذر له فقال: الاستدراك صحيح لأنه إذا قال زار الخيال احتمل زيارة الاختيار، من غير بعث باعث، واحتمل وقوع الزيارة عن حمل حامل، فأزال هو (3) الإبهام بقوله: " لا بل أزاركه فكر "؛ وقوله: " لم ينم " لم يرد حقيقة النوم بل كما يقال: لم ينم فلان عن هذا الأمر. وقال: " آخر الليل " ولم يقل أوله، لأنه أنبأ أنه يسهر، وإنما يهوم في آخره تهويما فيطرقه الخيال في ذلك الوقت؛ وقيل وجه آخر، وهو أن الخيال لا يطرق في العادة إلا مع وفود النوم، وهذا إنما في آخر الليل مع استمرار النوم وطول زمانه. وقال أبو الطيب (4) : لا الحلم جاد به ولا بمثاله ... لولا ادكار وداعه وزياله إن المعيد لنا المنام خياله ... كانت إعادته خيال خياله يقول: التمثيل والتخييل له في اليقظة إعادة خياله في المنام، فكأن الخيال الذي في النوم خيال الخيال الذي تصور في اليقظة؛ وأظهر من هذا قو أبي   (1) الديوان: لها. (2) الموازنة 2: 167 وفي النص اختلاف كثير. (3) م س: هذا. (4) ديوان المتنبي: 274. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 644 تمام المتقدم (1) ، وإنما من قول جران العود (2) : حييت طيفك من زور ألم (3) به ... حديث نفسك عنه وهو مشغول فقوله: " وهو مشغول " أي لم يزر على الحقيقة، فبنى حبيب من هذا قوله: " وما زارك الخيال " (4) ، وبنى من قوله: " حديث نفسك " قوله: " ولكنك بالفكر زرت طيف الخيال " (5) . وقال الكميت (6) : ولما انتبهت وجدت الخيال ... أماني نفس وأفكارها وقد أعاد حبيب لفظ جران العود فقال (7) : استزارته فكرتي في المنام ... فأتاني في خفية واكتتام يا لها لذة تنزهت الأر ... واح فيها سرا من الأجسام مجلس لم يكن لنا فيه عيب ... غير أنا في دعوة الأحلام   (1) المتقدم: سقطت من م س. (2) الموازنة 2: 168 وديوانه: 55 وحماسة ابن الشجري: 177. (3) الموازنة: أهلا بطيفك ... أتاك به؛ الديوان: سقيا لطيفك. (4) ط م س: طيف الخيال، وهو خطأ، انظر التعليق التالي. (5) الإشارة هنا إلى بيتين لأبي تمام حذفهما ابن بسام أو سقطا من النسخ، وأوردهما الآمدي وهما: عادك الزور ليلة الرمل من رملة بين الحمى وبين المطالي ... ثم فما زارك الخيال ولكنك بالفكر زرت طيف الخيال ... (6) الموازنة 2: 169 وديوانه 1: 222. (7) الموازنة 2: 169 وديوان أبي تمام 4: 262. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 645 وعيب عليه " دعوة الأحلام "، لأنها من ألفاظ العوام، وصفة طيف الخيال باب ممتد الأطناب، لا يتسع له عرض هذا الكتاب. وقول ابن شرف: " وأنت زيد الخيل أم عامر " ... البيت، أراه مما وهم فيه، وذو الخمار فرس مالك بن نويرة، حكاه المبرد (1) وأنشد قول جرير (2) : عتيبة والأحيمر وابن عمرو ... وعتاب وفارس ذي الخمار جملة من نثر المتوكل وشعره (3) من ذلك رقعة خاطب بها وزيره أبا الوليد بن الحضرمي (4) وقد صرفه عن خدمته قال فيها: ولما رأيت الأمر قد ضاع والإدبار قد انتشر وذاع، أشفقت من التلف، وعدلت إلى ما يعقبنا - إن شاء الله - بالخلف، وأقبلت أستدفع مواقع أنسي، وأشاهد ما ضيعته بنفسي، فلم [122 ب] أر إلا لججا قد تورطتها، وغمرات قد توسطتها (5) ، فشمرت عن الساق   (1) انظر الكامل 3: 400 وفرس مالك يعرف حقا بذي الخمار، ولكن ابن شرف لم يقع في الوهم، كما ظن ابن بسام، إذ أن " ذو الخمار " أيضا لقب عوف بن الربيع، كما تقدم ص: 642 وكان يحارب في خمار امرأته، فإذا سئل المطعون: من طعنك - قال: ذو الخمار. (2) ديوان جرير: 855. (3) هو عمر بن المظفر محمد الذي حاصره المرابطون في بطليوس وقتل هو وابناه ذبحا سنة 487. (انظر الحلة 2: 96 والمعجب: 127 وأعمال الأعلام: 185 والقلائد: 36 والمغرب 1: 364 والفوات 3: 155 والخريدة 3: 356 والنفح 1: 663 " نقلا عن القلائد ". (4) انظر التعريف به فيما تقدم ص: 391. (5) م س: غرقتها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 646 للجتها، وخدمت النفس بمهجتها (1) ، حتى خضت البحر الذي أدخلني رأيك، ووطئت (2) الساحل الذي كاد يحول بيني وبينه فعلك، فنفسك لم، وبسوء صنيعها ألمم (3) واعتصم، وإن متت بجميل اعتقاد، ومحض وداد، فأنا مقر بذكره (4) ، معترف بقله وكثره (5) ، لكنك كنت كالمثل السائر: " شوى أخوك حتى إذا أنضج رمد " (6) حتى أطمعت في العدو، ولبست لأهل حضرتي الاستكبار والعتو، واستهنت بجيرانك، وتوهمت أن المروءة التزام زهوك وتعظيم شانك، حتى أحرجت النفوس علي وعليك (7) ، فانجذب مكروه ذلك إليك، ومع ذلك فليس لك عندي إلا حفظ الحاشية، وإكرام الغاشية. واتصل بالمتوكل أيام سلطانه بيابرة (8) أنه قدح فيه، بمجلس المنصور يحيى أخيه (9) ، فكتب إليه: كل صديق - أيدك الله - إذا خاطب صديقه،   (1) ط د: مهجتها. (2) م: وواطيت؛ س: وواطأت. (3) م س: ألم. (4) ط د: بغره؛ وفي م س: مغر بذكره. (5) د: بقلك وكثرك؛ ط: بقله وكثرك. (6) فصل المقال 1: 243 يضرب لمن يفسد اصطناعه بالمن. (7) وعليك: سقطت من ط. (8) ط د: بيانورة (اقرأ: بيابورة) ؛ ويابرة (Evora) بلدة في جنوب البرتغال (الروض المعطار، الترجمة الفرنسية: 239) . (9) تولى يحيى الملك في بطليوس بعد أبيه المظفر سنة 456 وتلقب بالمنصور، أما المتوكل فأعطي يابرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 647 فأغرب ما يطنب به عليه، ويسهب فيه لديه (1) ، أن يقول: أنا كأخيك، محبة فيك، فإذا كتبت إليك، فأي غريبة أورد عليك - ونحن منتهى كتب المتخاطبين (2) ، وغاية آمال المتحابين! غير أنه جرى في ناديك - لا زال معمورال بمعاليك - أنني أبيع (3) الأحرار والحرائر، وأستصغر المعاصي (4) والكبائر، والله نزهني عن هذا وأبعدني عنه، فلا قدرة لبشر أن ينيطه (5) بي ويدنيني منه. ثم ختم الرقعة إليه بشعر أثبتناه، على ما ذكرناه، من رواية أشعار الجلة والأعيان، على قدم الزمان، وهو (6) : فما بالهم (7) لا أنعم الله بالهم ... ينيطون (8) بي ذما وقد علموا فضلي يسيئون في القول جهلا وضلة ... وإني لأرجو أن يسوءهم (9) فعلي طغام لئام أو (10) كرام بزعمهم ... سواسية ما أشبه الحول بالقبل لئن كان حقا ما أذاعوا فلا خطت (11) ... إلى غاية العلياء من بعدها رجلي   (1) م س: عليك ... لديك. (2) ط د س: المخاطبين. (3) م: أني أسمع. (4) ط د: الصغائر. (5) ط: يلبطه (اقرأ: يلطه) . (6) الحلة 2: 104 والفوات 3: 156 والقلائد: 40 والخريدة 3: 357. (7) م س: فما لهم. (8) الحلة: ينوطون. (9) ط د: يسيئهم. (10) م س: طعام ليال أم. (11) القلائد والخريدة والفوات: فلا مشت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 648 ولم ألق أضيافي بوجه طلاقة ... ولم أمنح العافين (1) في زمن المحل وكيف وراحي درس كل غريبة ... وورد التقى شمسي وحرب العدا نقلي ولي خلق في السخط كالشري طعمه ... وعند الرضى أحلى جنى من جنى النحل " وإني وإن كنت الأخير زمانه " ... لآت بما أعيا الصناديد من قبلي وما أنا إلا البدر (2) تنبح نوره ... كلاب عدى تأوي اضطرارا إلى ظلي فيا أيها الساقي أخاه على النوى ... كؤوس القلى مهلا رويدك بالعل لنطفئ (3) نارا أضرمت في نفوسنا ... (5) فمثلي (4) لا يقلى ومثلك لا يقلي ألست الذي أصفاك قدما وداده ... وألقى إليك الأمر في الكثر والقل وصيرك الذخر الغبيط لدهره ... ومن لي ذخرا غيرك اليوم لا من لي وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكيا ... (6) فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي نفثت - أيدك الله - نفثة مصدور انتهى الجفاء به (7) منتهاه، وبلغ به أقصى مداه، فإن ظهر زلل ففضلك في ستره على المعهود منك قديم الزمان، لا على المنفصل عنك الآن، والله يقلب القلوب، ويصلح العيوب، ويبلغنا الأمل والمرغوب. وقد ذكر ابن حيان بعض ما كان شجر بين المتوكل وأخيه في ذلك الأوان   (1) الفوات: ولم أسخ للعافين. (2) م س: تلمح. (3) م س: لتطفئ. (4) ط د: فمثلك. (5) م س: يغلى ... يغلي. (6) انفردت م س بإيراد هذا البيت. (7) م س: به الجفاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 649 فقال وفي صدر سنة إحدى وستين، نشأ من تلقاء ثغر غربي الأندلس المثغور عارض هم ضاعف الإشفاق، وأكد التوقع بانكشاف خبر الاختلاف الواقع بين أميريه: يحيى وعمر ابني المظفر بن الأفطس، [123 أ] واهتدى الطاغية اذفنوش بن فرذلند المتمرس (1) بجماعة ملوك الطوائف بالأندلس، إلى شب نار الفتنة بينهما كيادا للمسلمين (2) ، فبدأ بالاعتلال على يحيى صاحب بطليوس منهما، يسومه الزيادة في مال جزيته التي كان فارق أباه الهالك عليها بوساطة (3) المأمون بن ذي النون بينهما، فانتقض على هذا الغلام لوهي في جبلته، وطماعية في إتيانه من قبل أخيه، فأظهر له يحيى العجز عن الزيادة في الجزية، فجرت بينه وبينه الطاغية في ذلك خطوب اغتدى (4) بها بلد بطليوس وثغره ثغورا، فأقام يحيى منهما على ولاية المأمون بن ذي النون وحلفه وراثة (5) عن أبيه النظفر، ومال أخوه عمر إلى المعتضد، وتأتت بين هذين الأخوين في أثناء ذلك هدنة على دخن، لم يتم معها أنس ولا تمكنت لهما طمأنينة، وما زالت السعاية تقدح بينهما العداوة، حتى أورت نار فتنة ضرمت (6) البلاد، وأجاحت الرعية، وثلمت ثغرهما وضاعفت البلية؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: ثم استوسق الأمر للمتوكل بموت يحيى أخيه (7) . وحصلت   (1) ط د: المتورس. (2) م س: للإسلام. (3) م س: بواسطة. (4) م س: اعتدى. (5) م س: وارثه. (6) س: أضرمت. (7) ط د: أخيه يحيى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 650 له جميع بلاد أبيه، واحتل حاضرة بطليوس، وجعل ابنه العباس في يابورة (1) واتفق أن خرج طلحة بن عبيد الله (2) مستوحشا عنه لأمر بلغه عنه، ولحق ببلد المعتمد، فكتب العباس إلى أبيه معتذرا عن فراره، ويقسم أنه ما خرج إلا باختياره، فأخبرني الوزير الكاتب أبو المطرف بن الدباغ قال: إني لمساير المتوكل خارج حضرته، بطليوس، حين ورود تلك الرقعة من ابنه العباس عليه، فبلغ منه الضجر منتهاه، وتجاوز مداه، واستدعى وهو على ظهر دابته دواة، ووقع في ظهر الرقعة يومئذ فصلا قال فيه - دون عنوان ولا دعاء ولا سلام، وأنا أتعجب في كتبه تلك الفقار، مع فرط الضجر (3) -: قبولي لتنصلك من ذنوبك موجب لجراءتك عليها، وعودتك إليها، واتصل بي ما كان من قبلك في خروج طلحة بن عبيد الله عنك، ولم تثبت في أمره، ولا تحققت صحيح خبره، حتى فر بنفسه عن أهله ووطنه، والعجلة من الشيطان، ولا يحمد قبل النضج بحران، وهو الذي أوجبه إعجابك بأمرك، وانفرادك برأيك، ومتى لم ترجع إلى ما وعدت به من نفسك (4) ، وصدرت به كتبك فأنا المريح والله نفسي من شغبك، وإن تكن الأخرى فهو لك الحظ الأوفى، فاختر لنفسك أي الأمرين ترى. وأخبرني الوزير أبو طالب بن غانم قال: لا أنسى والله خط المتوكل بهذين   (1) م س: بيابرة. (2) م س: عبد الله (حيثما وقع) . (3) فصلا قال ... الضجر: سقط من م س. (4) ط: عودت به نفسك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 651 البيتين في ورقة (1) بقلة الكرنب (2) وقد كتب إلي بهما من بعض البساتين (3) : انهض أبا طالب إلينا ... واسقط سقوط الندى علينا فنحن عقد بغير وسطى ... ما لم تكن حاضرا لدينا في ذكر الوزير الكتاب أبي عبد الله محمد بن أيمن (4) ، واجتلاب جملة مما بلغني من ترسيله وكان أبو عبد الله محمد بن أيمن بأفقنا أعجوبة الدهر، وفريد العصر، وفارس ميدان النظم والنثر، اشتهر في حملة الأقلام، اشتهار البدر في السماء، وتلاعب بغرائب الكلام، تلاعب الأفعال [123 ب] بالأسماء. ولما صرف المتوكل ذا الوزارتين أبا الوليد بن الحضرمي عن خدمته، وقبض يده عما كان يتصرف فيه من تدبير دولته، لم يفوض بعده إلى وزير، ولا ألقى إلى أحد بأزمة ذلك التدبير، غير أن أبا عبد الله بن أيمن هذا كان من وزرائه، وصحبته بمنزلة الرقيب من الحبيب، لا يحظى بشر بنواله،   (1) في ورقة: سقطت من م س. (2) ط: يقلب الكرب؛ د: بقلة الكرب؛ وانظر الحلة 2: 107. (3) القلائد: 46 والمغرب 1: 365 وأعمال الأعلام: 185 والحلة 2: 107 والنفح 1: 666، 3: 329؛ 4: 155 ونسبهما في الموضع الثاني إلى المعتصم بن صمادح، وانظر بدائع البدائه: 374 والمقتطف: 32 والفوات 3: 156 وفيه أن الوزير هو أبو غانم وهو يخاطبه بقوله: انهض أبا غانم الخ. (4) انظر ترجمته في المغرب 1: 366 وذكر المحقق هنالك أن له ترجمة في مسالك الأبصار 8: 332. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 652 ولا يطمح أحد معه في وصاله؛ ولما احتل الوزير الكاتب أبو المطرف (1) ابن الدباغ حضرة بطليوس - حسبما سنشرحه (2) - خاف ابن أيمن أن يمحو سناه، ويستولي على مداه، فاشتعلت بينهما نار ملأ الآفاق شعاعها، وأخذ بعنان السماء ارتفاعها، وأحسب ذلك كان سبب ارتحال أبي المطرف عن حضرتهم، وخروجه من جملتهم، وسنأتي بذكره في القسم الثالث من هذا المجموع، إن شاء الله. وقد أخرجت من كلام ابن أيمن ما يأخذ من البلاغة باليمين، ويشهد له بالمكان المكين. فصل من ترسيله لما اشتد يومئذ كلب الروم، بهذا الإقليم، على ما تقتضيه شهادة المنثور والمنظوم، بلسان من اندرج ذكره في هذا الديوان من كل زعيم، استصرخ ملوك الطوائف بأفقنا أمير المسلمين وناصر الدين أبا يعقوب يوسف بن تاشفين، رحمه الله، وقد ألقوا بأيديهم، فكتب أبو عبد الله بهذه الرسالة عن صاحبه، وأراها كانت ثالثة المفاتحة، أو ثانية المداخلة (3) ، وهي: لما كان نور الهدى - أيدك الله - دليلك، وسبيل الخير سبيلك،   (1) م س: أبو المظفر. (2) ورد مشروحا في القسم الثالث: 251. (3) عن صاحبه ... المداخلة: سقط من م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 653 ووضحت في الصلاح معالمك، ووقفت (1) على الجهاد عزائمك، وصح العلم بأنك لدعوة الإسلام أعز ناصر، وعلى غزو الشوك أقدر قادر، وجب أن تستدعي لما أعضل من الداء، وتستغاث لما أحاط بالجزيرة من البلاء، فقد كانت طوائف العدو المطيفة بها - أهلكهم الله - عند إفراط تسلطها واعتدائها (2) ، وشدة كلبها واستشرائها، تلاطف بالاحتيال، وتستنزل بالأموال، ويخرج لها عن كل ذخيرة، وتسترضي بكل نفيسة خطيرة، ولم يزل دأبها التشطط والعناد، ودأبنا الإذعان والانقياد، حتى استصفي الطريف والتلاد، وأتى على الظاهر والباطن النفاد، وأيقنوا الآن بضعف المنن، وقويت أطماعهم في افتتاح المدن، واضطرمت في كل جهة نارهم، ورويت من دماء المسلمين أسنتهم وشفارهم، ومن أخطأه القتل منهم فإنما هم بأيديهم أسرى وسبايا، يمتحنونهم بأنواع المحن والبلايا، وقد هموا بما أرادوه من التوثب، وأشرفوا على ما أملوه من التغلب (3) ، فيا لله ويا للمسلمين! ! أيسطو هكذا بالحق الأفك، ويغلب التوحيد الشرك، ويظهر على الإيمان الكفر، ولا يكتنف هذه الملة النصر -! ألا ناصر لهذا الدين المهتضم، ولا حامي لما استبيح من حمى الحرم! ! وإنا لله على ما لحق عرشه (4) من ثل، وعزه من ذل، فإنها الرزية التي ليس فيها عزاء، والبلية التي ليس مثلها بلاء.   (1) م س: ووقف. (2) م: واغترابها. (3) قوله: ولم يزل دأبهما ... من التغلب: انظر ما تقدم ص: 248 - 249 حيث اقتبسه ابن بسام كأنما هو من إنشائه. (4) عرشه: يعني عرش الدين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 654 ومن قبل هذا ما كنت خاطبتك - أيدك الله - بالنازلة في مدينة قورية - أعادها الله - وأنها مؤذنة الجزيرة بالخلاء، ومن فيها من السلمين بالجلاء، ثم ما زال ذلك التخاذل يتزايد، والتدابر يتساند، حتى تخلصت القضية، وتعجلت البلية، وحصلت في يد العدو - قصمه الله - مدينة سرته (1) وعليها قلعة تجاوزت حد القلاع، في الحصانة والامتناع، وهي من المدينة كنقطة الدائرة وواسطة القلادة، يدركها من جميع نواحيها، ويستوي [في] (2) الاستضرار بها قاصيها ودانيها (3) ، وما هو إلا نفس خافت، ورمق زاهق، إن لم تبادروا بجماعتكم عجالا، وتتداركوها ركبانا ورجالا، وتنفروا نحوها (4) خفافا وثقالا. وما أحرضكم على الجهاد بما في كتاب الله تعالى، فإنكم له أتلى، ولا أحرضكم على [124 أ] التسرع إليه بما في حديث رسوله عليه السلام، فإنكم إلى معرفته أهدى. وكتابي هذا جملة (5) : الشيخ الفقيه الواعظ يفصلها، ومشتمل على نكتة هو يوضحها ويبينها، فإنه لما توجه نحوك احتسابا، وتكلف المشقة إليك طالبا ثوابا، عولت على بيانه، ووثقت في عرض الحال عليك بفصاحة لسانة، وأنت بفضلك تستوعب ما يؤديه استيعاب المستوفي، وتصغي   (1) ذكرها الإدريسي (نزهة المشتاق - قسم الأندلس والمغرب: 175، 196 تحقيق دوزي) وذكر أن بينها وبين شقورة مرحلتين كبيرتين، وأنها مدينة متوسطة القدر حسنة البقعة كثيرة الخصب. (2) ط: ويستوفي. (3) قارن بما ورد ص: 249. (4) نحوها: زيادة من م س. (5) ط د: يحمله؛ م س: حمله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 655 إلى ما ينهيه إصغاء الواعي، وتجد منه مضض المرتمض، وتتحرك له تحرك الممتعض. ثم لم يزل يستشري الداء، ويعم أقطار الجزيرة البلاء، وأمير المسلمين وناصر الدين - رحمه الله - مشغول ببقية حرب طوائف البرابرة المتغلبين - كانوا - على أقطار العدوة، فلم يزل يميط أذاها، ويضرح قذاها، حتى سلك (1) سبيلها، وطاب مستقرها ومقيلها، وكان من أشد تلك الطوائف أيدا، وأمتنها كيدا، العز بن سقوت (2) ، المتغلب - كان على مدينة سبتة وما والاها، فإنه جاهر بالخلاف سماعا وعيانا، وشغل أمير المسلمين - رحمه الله - عن تلافي هذه الجزيرة زمانا، إلى أن بلغ الكتاب أجله ووقته، وفتحت على يديه سبتة، حسبما نلخص الخبر عنها.   (1) م س: سلكت. (2) د م: سكات، وهذا وجه من وجوه كتابة هذا الاسم (انظر الجذوة: 33) وهو أيضاً سكوت، وسواجات، وفي أخباره راجع البيان المغرب: 250 وأعمال الأعلام: 141 وروض القرطاس: 104 وابن خلدون 6: 184؛ وقد كان الحوديون استخلفوا على سبتة شخصا اسمه رزق الله (أبو العطاف) فقتله سقوت سنة 453 وحكم سبتة وتسمى " المنصور " وهو والد الحاجب العز، الذي دخل المرابطون سبتة في أيامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 656 إيجاز لخبر عن فتح مدينة سبتة وتلخيص التعريف بأولية أمرها (1) كان سقوت بن محمد المتغلب عليها قد جرى عليه سباء، واستبد به ولاء، ففاز به (2) قدح علي بن حمود أيام امترى أخلافها، واعرورى شقاقها (3) وخلافها، ومن هالته طلع هلالا وبدرا، وبين باطله وبطالته عتق خلا وخمرا، وعليه (4) جيبت رحاها، وإليه كان مجرها ومرساها، حتى عدت (5) أيامه، واشتهر مقامه، وملأ أجزاء الزمان وصدر الأوان بأسه وإقدامه. ولما أفضت الدولة الحمودية إلى سقط زندها، ومنتهى جهدها، يحيى بن علي - المتقدم الذكر - ألقى بقماليد سبتة إلى هذه الأفعى الجارية، والشعلة الوارية، سقوت المذكور، فأقام به عمودها، وأطعمه قائمها وحصيدها، وطفق لأول حينه يخلق ويفري، ويجر لأبعد شئونه ليسير ويسري (6) ، وقد كان يحيى بن علي أشرك معه في عمالتها مولى آخر من مواليه يكنى أبا العطاف، أحد أجذال الطعان، وكفاة الأقران، فأقاما بقية أيام يحيى بن علي يتجاذبان أهدابها، ويتعاطيان   (1) م س: أميرها. (2) به: سقطت من ط د. (3) م س: ثقافها. (4) م س: وعنه. (5) ط: غدت. (6) وطفق ... ويسري: سقط من ط د. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 657 أقداحها وأكوابها، إلى أن وقع من مقتله (1) سنة سبع وعشرين ما فرغنا من ذكره، ونبهنا على مستودع مستقره؛ ولما أفضت دولة آل حمود إلى ابنه إدريس بن يحيى بن علي سما سقوت بن محمد فأخذ بلقم الطريق، وطلع لمغبونه إدريس من ثنايا العقوق، وأول ما بدأ به من ذلك الفتك بشريكه الخاسر، بحيلة خفية، تمخضت له بميتة (2) وحية، في خبر طويل، تركته تخفيفا للتثقيل، فأصبح بعده سقوت بن محمد قد حلت شمس سلطانه بالحمل، وقام وزن زمانه فاعتدل (3) ، وتسمى لأول وقته يومئذ من الأسماء السلطانية بالمنصور المعان، وقد عرض له ابن حيان ببعض أوابده، وفصل بذكره سلك مقيداته وشوارده، وأنا أذكر من ذلك ما وفى به وسعي، وكان من شرط جمعي. قال ابن حيان (4) : وهذه نادرة من طخيات (5) هذه الفتنة (6) المبيرة، أن تخطت أرض هذه الجزيرة، إلى ما وراء بحرها الزقاقي الذي كان منه دخول العرب أيام فتحهم هذا الصقع، هاجتها (7) أسباب المنفسة الفادحة، لامتعاض حسيب الأملاك النبيه الأبوة الشامخة، عباد من هضم جاره الخارجي سقوت   (1) يعني مقتل يحيى الحمودي. (2) م س: بموتة. (3) م س: واعتدل. (4) نقل بعض هذا النص في كتاب مفاخر البربر: 45 مع بعض اختصار وتغيير في الترتيب وخلط بكلام ابن بسام نفسه، وانظر مخطوطة الرباط (رقم 1275) ص: 83. (5) ط: طحيات؛ م: ضحياة؛ س: صخياء؛ مفاخر: هيجان (وفي المخطوطة: طخليات) والطخية: الظلمة أو السحابة. (6) زاد في المفاخر: البربرية. (7) م س: والمفاخر: هاجها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 658 مولى ابن (1) حمود - بزعمه - الناهض الجد بأنقص (2) الخلال: من معقة المولى وختر الرفيق (3) واهتضام الحقوق، والترقي إلى أعلى مراتب (4) السلطان، حتى تسمى بالمنصور المعان، لقبين في قران، أغمض له عليهما [124 ب] الزمان، فساء غلطه في نفسه، واضطره القدر أن تمرس بجاره (5) عباد صيرفي (6) الفتنة الذي لا ينام على دمنة، كان سبب ذلك باعتقال عباد لرجل من تجار سبتة في شيء حضره بحضرته، فاعتدى عليه سقوت فاعتقل له عدة تجار (7) ، فنشأت لذلك بينهما (8) وحشة سنة سبع وخمسين، واجتمعا على عقد (9) البحر بينهما، فتلفت فيه رؤوس أموال، وهلكت من أجلها نفوس رجال، يطول في صفتها المقال، إلى أن كمل عباد من أسطول أنشأه نحوا من ثمانين قطعة، فأجراها إلى سبتة، فخرج عليها (10) أسطول لسقوت، فكان الظهور لابن عباد، ثم افترقت الأساطيل بعد حروب وسفك   (1) م س: آل. (2) م: بأنقض. (3) م س: وخبر الرقيق. (4) م س: لأعلى موارب (س: موازب) . (5) م س: يجاه. (6) ط: صيفري؛ م: صرفي. (7) ط: رجال. (8) م س: بينهما لذلك. (9) ط د: عقل؛ س: عقر. (10) م س: إليها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 659 دماء وانقطع بحر الزقاق بينهما مدة استهما اجترار (1) منافعه فيها؛ انتهى ما لخصته من كلام. قال ابن بسام: ثم غلظ أمر سقوت، حتى أخاف (2) القريب والنازح، واقتاد الحرون والجامح، وانبثت سراياه في البحر والبر، فأدرك المطلوب والطالب، وتصيد الطافي والراسب، ونجم (3) في لمتونة أمير المسلمين وناصر الدين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين، رحمه الله، فأحاطت دولته بالفرق، إحاطة القلادة بالعنق (4) ، ودبت في ممالك العرب والعجم، دبيب البرء في السقم، وطفق يتبع آفاق جورهم بالعدل، تتبع الديمة آثار المحل، ويسبق قولهم بالعمل، سبق السيف العذل، وتجاروا إلى مصارعهم، حتى لحق متبوعهم بتابعهم، وانتظم دانيهم بشاسعهم، ودارت النوبة على سقوت بن محمد، فتطرف (5) أمير المسلمين - رحمه الله - بلده للفراغ ممن شذ عنه ذؤبان زناتة، وقد التفوا بِأحد محاش الفتنة، ووألوا إلى موضع يعرف (6) بالدمنة، فنزل بساحتهم أمير المسلمين، سنة إحدى وسبعين، على مقربة من بلاد سقوت (7) ، فهم بالانحياش إليه، فقد كان آل وإيل عليه، فنهاه حزبه الذميم السعي، وثناه ابنه الفائل الرأي، فقد كان هذا الفتى على بعد   (1) ط د م س: احترام. (2) أخاف: سقطت من م س. (3) من هنا يبدأ النقل في كتاب مفاخر البربر: 54 ومخطوطة الرباط: 87. (4) م س: بالفراق ... بالأعناق. (5) مفاخر والمخطوطة: فتطوف. (6) م س: يدعى. (7) زاد في المفاخر: فتضيفه لا من خلة، وأراد أن يكثر به لا من قلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 660 مراميه، ولوذعية - زعموا - كانت فيه، يذهب مذهب الجبابرة من ملوك الطوائف عندنا، من الإعراض عن العواقب، وأخذ الشاهد عيارا على الغائب، أين ما هو فيه، لا يحفل بشيء يذره ولا يأتيه، ووضحت لأمير المسلمين - رحمه الله - السبيل إلى حربه، لما كان من نفاره عن قربه، وانتباذه لأول وهلة عن حزبه؛ فلما أوقع بأهل الدمنة، رمى سقوت ابن محمد بأقماره ونجومه، وأحله وجوه هممه (1) وهمومه، والبلاد تنقاد لحكمه، والمنابر تكاد تهل (2) باسمه، وسمع الرعية بمقدمه، فانثالوا عليه انثيال الجياع على الوليمة، وتباشروا به تباشر البلد (3) بالديمة، وخرج سقوت بن محمد في عديده وعدده، للذب - زعم - عن رعيته وبلده (4) ، وعساكر أمير المسلمين يومئذ على مقربة من مدينة طنجة، وعليها من قبله (5) ابنه المسمى بضياء الدولة، فلقي عساكر المرابطين وقد سالت بها سيولهم، وشارفها (6) لواؤهم ورعيلهم، فأقام بإزائهم يومين والأجل يقحمه، والخيل تسلمه، إلى أن طحنته رحاهم، وسالت نفسه على أسنتهم وظباهم، يوم الكسوف الشمسي الكلي من العام المؤرخ، ودخل المرابطون طنجة ذلك اليوم. وأفضت الدولة البرغواطية إلى الحاجب العز ابنه، شهاب أفلاكها،   (1) م س والمفاخر: همته. (2) م: تهذ؛ س: تمد. (3) زاد في المفاخر: التيهاء (وفي المخطوطة: التمية) . (4) زاد في المفاخر: وأقسم أن لا يسمع قرع طلبه (طبله -) في ملكه. (5) يعني: وعلى طنجة من قبل سقوت ... (6) م: وطار بها؛ س: وشان بها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 661 وخيرة أملاكها، هب للأدب ريحا، ونفخت دولته في أهله روحا، أعرض (1) به الشعراء وأطالوا، ووجدوا به السبيل إلى المقال فقالوا. وومن خيم في ذراه، ونال الحظ الجسيم من دنياه، الحصري الضرير، فإن (2) له فيه (3) ما أذهل الناظر عن الرقاد، وأغنى المسافر عن الزاد، والحاجب يكحل عينيه بزينة دنياه، ويفتق لهاته بمواهبه ولهاه، وكان سهل الجانب للقصاد، طلق اليد بالمواهب الأفراد؛ من رجل [125أ] استعان بالشر، وتهاون بالأمر، لا يجبي إلا من غلول، ولا يجيش إلا إلى ابن سبيل، لا سيما البحر فإنه أضرم لججه نارا، ولقي ريحه إعصارا، أخذ كل سفينة غصبا، وأضاف إلى كل رعب رعبا، فضجت منه الأرض والسماء والتقت الشكوى عليه والدعاء، وأذن الله لأمير المسلمين وناصر الدين - رحمه الله - فأناخ بعقوته، وحكم مداه بين سنامه وذروته. وكان من الاتفاق العجيب أن أنشأ المعتمد سفينة ضاهى بها مصانع الملوك القاهرين بعد العهد بمثلها: شدة أسر، وسعة (4) بطن، وظهر، كأنما بناها على الماء صرحا ممردا، وأخذ بها على الريح ميثاقا مؤكدا، ووجهها على (5) مدينة طنجة لتمتار، وقد أنجد أمر الله وغار، ولما رأى أمير المسلمين وناصر الدين - رحمه الله - تلك السفينة، خاطب المعتمد في ذلك، فشحنت على سبتة موتا ذريعا، وأقيمت بإزاء أسوزارها (6) حصنا منيعا. فلما كان يوم   (1) مفاخر: أعوص. (2) ط د: فبان (3) في النسخ: فيها. (4) ط د: ومنعة. (5) م س: إلى. (6) م س: سورها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 662 الخميس من صفر سنة ست وسبعين، قدم أمير المسلمين لقتال سبتة أسطولا فخما، رجم به مردة عفاريتها رجما، ولقيه العز بن سقوت ببقية جمة من أسطول طالما أوسع البلاد شرا، وملأ قلوب أهلها ذعرا، فكان لأول ذلك اليوم ظهور (1) على أسطول المرابطين حتى أخذ منه قطعة جليلة المقدار، ظاهرة الحماة والأنصار، فكان من إذلال الله للعز بن سقوت يومئذ أن بخل على آخذها (2) ، وتكلم بكلام أنكر عليه فيه؛ وارتاعت محلة المرابطين لأخذ تلك القطعة، حتى هموا بالإحجام، وقوضوا بعض الخيام. وغضب أمير المسلمين وناصر الدين - رحمه الله - إحدى غضباته فكانت إياها، وفغرت المنايا (3) على سبتة فاها، وتقدمت تلك السفينة حتى أطلت على (4) أسوارها، ورفعت صوتها ببوارها، وأفضت بدولة صاحب سبتة إلى سوء قرارها، ليلة الجمعة من صفر المؤرخ، ولجأ العز بن سقوت في نفير من أصحابه إلى البحر، فهم بركوبه، فأعوزه الفرار، ودفع في صدره المقدار، وكر راجعا، فدخل دارا تعرف بدار تنوير (5) ، وبدر به جماعة من المرابطين، فاقتحموا عليه بعد مرام بعيد، وقتال شديد، حتى ضاق اضطرابه، وفر عنه أصحابه؛ ولما أحس بالشر دفع ذخائر (6) كانت عنده إلى أحد من وفى له من رؤوس حماته، فبلغني أنه عثر عليها ووجد فيها جوهر كثير، ونشب من نشب   (1) م س والمفاخر: ظهر. (2) ط: آخذيها. (3) ط د: المنية. (4) م س: أظلت أسوارها؛ ط د: طلت على ... (5) مفاخر: شوير (وفي المخطوطة: تنوير) . (6) م س: دنانير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 663 الملوك (1) خطير، ووجد في جملتها خاتم يحيى بن علي بن حمود. وخرج العز بن سقوت حين وضح الفجر من ليلته تلك. فلقيه المعز ابن أمير المسلمين (2) - رحمهما الله - فجلله الحسام، وحكم فيه الحمام، تعالى من لا يرد قضاؤه، ولا تبيد آلاؤه. ومن ترسيل ابن أيمن أيضا رقعة (3) عن المتوكل إلى المعتمد في معنى خروج أبي المطرف ابن الدباغ عنه (4) إليه، قال فيها: من تخيرك - أيدك الله (5) - على سواك، وأرادك (6) وترك وطنه هجرة إلى ذراك، وأسرع تلبية دواعي سرورك وعلاك، فمجدك يقضي له - وإن أزعجته عنك بحكم الاضطرار، صروف الأقدار - أن تستمر عليه النعمى، وتطرد لديه (7) العارفة الحسنى، وينتظم بدء الصنيعة فيه بالعقبى، فالفضل على علمك بتمامه، والطول باختتامه، والبر بمقتضاه (8) ، والمن بأخراه. وهذه - أدام الله تأييدك - حال فلان، فإنه هجر إليك الورى، وركب   (1) م س: الملك. (2) كان المعز ولي عهد يوسف بن تاشفين، لكنه توفي في حياة أبيه فقدم ابنه عليا لولاية العهد، وفي مفاخر البربر أن المعز طلب إلى ابن سقوت أن يعيطيه المال فقال له: " خازن أبيك كنت تجمع لك المال - " فجلله الحسام ... الخ. (3) ط د: ومن ذلك رقعة ... (4) عنه: زيادة من م س. (5) م س: أدام الله تأييدك. (6) وأرادك: سقطت من م س. (7) م س: عليه. (8) م س: بمنتهاه؛ ط د: بمنتضاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 664 نحوك أعناق الأمل والهوى، وقد كان ظفر بالحظ (1) من دنياه، واعتلق منها السبب الذي لا تنتقض مرره ولا تنتكف (2) قواه، إلا أن الزمان من بت (3) العصم، وإحالة النعم، والقطع بذوي الآمال والهمم، جار في سننه الذميم، على القديم، وحين جد به (4) الجد العاثر - أسعد الله جدودك، وأدام تأييدك - في الانزعاج من جنابك، ومفارقة النعمة من ملازمة ركابك، وخدمة بابك، لحق بحضرتي - طاعتك - يعتقد - وحق [125 ب] ما أعتقده - أنه لم ينفصل عن جماعتك، ولا تحول إلا إلى أعمالك، وانتقل من يمينك إلا إلى شمالك، وعنده تذكر لحسن معاهده لديك، وطيب مشاهده بين العزيزتين يذيك، ما ليس مثله إلا عند معتقد أيام الصبا، ومستعيد عشيات الحمى، وأما شكره لسوالف نعمك، ونشره لمطاوي منازعك الجميلة وهممك، وإشادته بسنائك، وإبداؤه وإعادته في حسن (5) آثارك وأنبائك، فبحيث لو جاز أن تتقلد مقاومه في ذلك لعطلت الحلى، أو تتورد لشفت من الصدى، أو تترشف لأغنت عن برد اللمى، أو تقطف لكفت من يانع الجنى. ومن فارقك - أيدك الله - وتحرقه للبعد عنك تحرقه، وتحققه بالتشيع لك تحققه، ففضلك الباهر يأبى أن تنقطع عنه عوارف الإجمال على النوى، ولا سيما   (1) م: بالحظ فيه؛ س: بالحد فيه. (2) م س: ينتقض.. ينتكث. (3) م س: الزمن من بث. (4) م س: جذبه. (5) م س: تحسين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 665 وقد وسدت مع القرب جوازئ آماله أبردي ظلاله (1) ، وأوردت على الدنو ظامئة ذمامه النمير العذب من جمامه، وقد كان لحقه عند انزعاجه عن حضرتك - ولله حراستها، ولك رئاستها - ما الفضل له متألم، والمجد منه متذمم، مما أعلم - والله - علم اليقين أن سيادتك تأبى مسموعه، ولا ترضى وقوعه، وإنما أتى ذلك التعدي - لا محالة - من جهة المتولي، لأن قدرك - رفعه الله - منزه عن ارتجاع موهوب ولو عظم، ومعاملة خادم باستصفاء مكسوب وإن ظلم، وعند الوزير الكاتب أبي طالب من بسط هذه النكتة ما أنت بمعاليك تقتضيه منه وتستوفيه، وتأتي متفضلا من الإيجاب فيه، بما يليق بسؤددك الأثيل، وقعددك الجليل، ومعتقدك الحسن الجميل، واضعا بذلك عندي يدا تشف على ما تقدم أخواتها، وتهتف بالتعجيز عن معارضتها من جميع جهاتها. وله (2) : الفضل - لا زالت له أهلا، وبه أولى - عن شرف حامليه موضح، " وكل إناء بالذي فيه ينضح "؛ وورد كتابك - لا زالت المسار (3) تردك، والأقدار تسعدك - بوصول فلان إلى حضرتك - ضاعف الله جلالها، وبسط ظلالها -، وما كان من أخذه عند مثوله، بكرم (4) فرعه التابع لطيب أصوله، في وصفي بما والله قطعني على البعد، وقنعني حياء من المجد، فإني ما رأيت مثله سواه، والله يغفر له ما أتاه، ذكر الجود والبحر (5)   (1) ط د: ظله؛ وهذا من قول الشاعر: إذا الأرطى توسد أبرديه ... خدود جوازئ بالرمل عين (2) وله: سقطت من ط د، واتصلت هذه الرسالة بما قبلها. (3) م س: المسرات. (4) م س: بكريم طبعه. (5) ط د: والمجد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 666 شاهد، وأسهم في الفضل وربه أحد، وإذ لا أستجيز موافقة جفائه، بالاعتراض على تقريظه وثنائه، فلا بد أن أعتذر مما استكثر، وأتذمم مما استعظم، وأقول: إني ما عدوت في تلقيه ببعض حقوقه، استرسال الصديق مع صديقه، ولو ذهبت إلى معارضة فضله، وتوفيه واجب مثله، لضعفت عن ذلك أسباب المقدرة (1) ، ووضحت بوقوع العجز وجوه المعذرة، وهو ولي البر والإجمال، فيما عرضه وحسنه من الحال؛ وهكذا من شرف الله محتده، وأطاب (2) مشهده، ومن زكا عنصره، وكرم محضره. وذكرت في الكتاب الكريم، عقب هذا الفصل، بل سابغ الفضل، أن ما نقله فلان المذكور إليك، وأورد عني عليك، مما وافق مرادك، وطابق غرضك واعتقادك، ولا غرو فاتفاق المذاهب والآراء. تبع لتمازج (3) النفوس والأهواء، ونحن بحمد الله في الاتصال يد وساهد، وفي الانتظام جسمان والروح واحد. وتقدمت كتبي إليك بما كان من تطرق خيل العدو - بددها الله - جهاتي (4) ، طاعتك، حتى كادت تتركها خلاء، وتعيدها (5) عفاء، وأنبأتك أن ذلك لا يثبت معه سلم، ولا يرقأ عليه كلم، ولا يطيب معه معتقد،   (1) ط: المقدورة. (2) م س: من شرف محتده وطاب. (3) ط د: لتنازح. (4) جهاتي: موضعها بياض في م س. (5) ط د: وتوعدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 667 ولا يصبر عليه أحد؛ والآن فقد ورد ما هو أشد، وطلع ما هو أشنع وأفظع، وذلك ضرب الخيل من قبل فلان على تلك الجهات، وبلوغها في النكايات أقصى الغايات، فعل العدو المحارب، وعمل الضد المطالب، لا يمر بحصن إلا أناخ بحياله، وجد في قتاله، وهذه حال ليس وراءها إلا الاستئصال، فمذهب القوم في حيز الجلي (1) [126 أ] الظاهر، وقد وضح الصبح لذي ناظر، وأهل تلك الجهات مظهور القلق، من اتصال هذا التطرق (2) ، معلنو الشكوى، بتجاوز هذه العدوى، فكيف يسوغ لي - وجهاتهم مباحة، وأحوالهم مجتاحة، طلبهم بما تعرفه، والاستعانة بهم على ما نكلفه، أليس ذلك في حد الامتناع، وجانب الأمر المستطاع -! فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي محمد عبد المجيد بن عبدون (3) ، وسياقه فصول من غرائب نثره ونظمه. وأبو محمد هذا في وقتنا سر الدهر المكتوم، وشرف فهر الحديث والقديم،   (1) م: الجلا. (2) ط د: هذه الطرق. (3) كان ابن بسام يعتقد أن المتميزين من كتاب عصره أربعة كلاعيان وفهريان، فالكلاعيان هما ابن القصيرة وابن عبد الغفور، والفهريان أبو القاسم ابن الجد وأبو محمد ابن عبدون، (إحكام صنعة الكلام: 110) وكانت صلة ابن بسام بابن عبدون وثيقة وقد صور اللقاء الأول بينهما في القسم الأول والثالث 1: 144، 3: 498 (وانظر إحكام صنعة الكلام: 260) ؛ كما أن ابن عبد الغفور صور علاقة ابن عبدون بأبيه (إحكام: 148) وكيف تصافيا بعد خصام، وأبرز اعتداد ابن عبدون بنوع من النثر يقال له المبتدع (157) ولابن عبدون ترجمة في القلائد: 145 والخريدة 2: 103 (وكناه مرة أبا بكر ومرة أبا محمد) والمغرب 1: 374 والرايات 32 (غ) وبغية الملتمس رقم: 1567 (وقال إنه كان في حدود الأربعمائة فوهم أو عنى شخصا آخر) وصلة الصلة: 42 والتكملة: 407 (وكر أن وفاته كانت بعد 520) والمعجب: 128، 228، (وأورد له رسالتين لم يوردهما ابن بسام) والمطرب: 127، 180 والفوات 2: 388 والزركشي: 298 وأورد ابن بشكوال ترجمة في الصلة: 369 لمن سماه عبد المجيد بن عبد الله بن عبد ربه الفهري وذكر أنه توفي سنة 527؛ وانظر صفحات متفرقة من إحكام صنعة الكلام ومن نفح الطيب (وفي ج - 1: 673 نقل لترجمة ابن عبدون عن القلائد) والريحان 1: 81 ب - 86 / أ. الأصل: في الغر أنه كمر الثوب، يقال طويت الثوب على غره أي على كرسه الأول. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 668 لسان صدقها في الآخرين، وقمر أفقها ملأ الصدور والعيون، وديوان علمها المذال والمصون، ومسترق كلمها المنثور والموزون، أعجوبة الليالي، وذروة المعالي، ذو لسان يفري ظبة السيف، وصدر يسع رحلة الشتاء والصف، أفصح من صمت ونطق، وأجمح من صلى وسبق، عول من ملوك الطوائف على رئيس بلده المتوكل، فعليه نثر دره الثمين، وباسمه حبر وشيه المصون، وقد رحل إلى المعتمد فكأنه لم يجد قبولا، ولا وافق منه رأيا جميلا، وقد رحل إلى المعتمد فكأنه لم يجد قبولا، ولا وافق منه رأيا جميلا، وأراه إنما أتي من ازورار جانبه، وبعد مطالبه، فلما صمت ذكر ملوك الطوائف بالأندلس، طوى الشعر على غره (1) ، وبرئ من حلوه ومره، إلا نفثة مصدور، أو التفاتة مذعور، وهو اليوم ببلد يابرة يرتشف (2) فضل ثماده، ويأكل من بقية زاده؛ وقد أثبت من نظمه الرقيقة حواشيه، الرائقة أعجازه وهوادبه، ونثره الغضة مجانيه، المبيضة مجاليه، ما يشهد له بالفضل، شهادة البرهان على الشكل.   (1) الأصل في الغر أنه كسر الثوب، يقال طويت الثوب على غره أي على كسره الأول. (2) م: يرشف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 669 نسخة (1) له خاطب بها الوزير أبا (2) القاسم بن الجد يخطب فيها وده، ويستجلب ما عنده، قال (3) فيها: يا راية مجد رفعت، فإن تلقيتها باليمين، وأعطيتها الثناء، الثمين، شددت عليها يد الضنين، وشريعة فضل على مائها (4) أحلق وأحوم، وبصفائها أجد (5) وأهيم، وفي ابتغائها أقعد وأقوم، فلو وصل رشائي بباع، من رجع جواب واجتماع، لبردت غلة ذلك الاشتياق والالتياع، وإن تعذر لقاء، فقد انتشر ثناء، امتلأت الأرض منه السماء، ووصف عز الأوصاف وغلبها، وهز الأعطاف وجذبها، وذكر ملأ الآذان حليا، والآناف ريا، والأفواه أريا، ونبل جلت مطالعه دياجي الأوهام، وصقلت (6) مواقعه صوادي الأفهام، ومجد رد الليالي الدهم زهرا، والمساعي البهم غرا، فوددت أن أعار جناحي طائر، فأكون لكعبة ذلك الجلال أول زائر، فأقرن هناك حجة بعمرة، وأفوز من عمادي - وصل الله علوه - بنظرة، توسع عيني قرة، ووجهي نضرة، وأعشو إلى ذلك الضياء، وأرى محلي من تلك السماء؛ ولله دهر أطلعك أفقه، ووقت وسعك طلقه، ما أكرم طبيعته، وأضخم دسيعته، وأشرف في الأوقات خيمه، وأعبق في الآناف شميمه، وأرق على الأنفاس نسيمه! ! وبحقك أقسم، وألتزم من ذلك ما ألتزم،   (1) م س: نسخة رقعة. (2) م س: أبو. (3) قال: زيادة من م س. (4) ط د: ثنائها. (5) ط د: وبصفاتها أحدو. (6) م س: وروت؛ وعلى هذه القراء تكون " صوادي " بمعنى " عطاش "؛ أما على القارءة المثبتة فإن " الصوادي " تعني التي أصبحت صدئة تحتاج إلى صقل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 670 لقد أظهر بك شرفه وبين، وأخذ منك زخرفه وازين؛ وجعلك غرة بهيمه، وغارة (1) [126 ب] مليمه، والحجة على خصومه (2) ، وأبدى سرا طالما كتمه وأخفاه، وشرح معنى شد ما أبهمه وعماه، فلو كنت في الأزمان السالفة لوددت أن يتقدم دهري فألقاك، أو في الأوقات المستانفة لحمدت أن يتأخر عمري فأراك، فكيف وقد ضمني معك عصر، وجمعني وإياك غهر، وأنا أخطب إلى عمادي - أدام الله عزته - مودته عقيلة، وأجعل رحمي الأدب والنسب وسيلة، وأبذل من تحلية حمدي وشكري مهرا، وأبني لها بين سحري ونحري قصرا، وأسدل عليها من الإشاعة والإذاعة سترا، وأحليها (3) من مشدود موائق ومعاقد، بمسرود مخانق وقلائد؛ والله جل وعلا يعينني (4) على فرضه أؤديه، وقرضه أقضيه، ومن (5) جزيل تحيتي، على سيدي الأعظم وإمامي، ما يفعم رياه الخافقين، ويقر مرآه كل عين، ينقاد من غير قائد، وينساق من غير سائق، إذا انتهت أولاه، عادت أخراه، وإذا صدقت تباشيره، برقت أساريره، يحيي مغناه، عند (6) سروبه وسراه. فراجعه الفقيه (7) بما نسخته: يا روضة أدب غذيت برهم   (1) ط: وعذرة؛ س د: وغدرة. (2) ط: خصوصه. (3) م: وأحلها. (4) ط د: يعيننا. (5) من هنا حتى آخر الرسالة ورد غير منسوب في إحكام صنعة الكلام: 83. (6) عند: سقطت من ط د. (7) الفقيه: سقطت من م س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 671 الفهم، وسقيت بديم حسن الشيم، ما أدمثت رباك، وأطيب شذاك، وأزكى قرارك، وأذكى عرارك! لقد شرقت بأزهارك (1) زهر النجوم، ولبست من الكمد والحسد زي الوجوم، وبطل لنفحات (2) شذاك ورياك أرج (3) العبير، وتعطل لما وشت يداك واكتسى ثراك نسيج الجبير، لله در (4) تحفة أهديت (5) من تحفك! ما أنظر جناها، وأزهر سناها، وأبهر لفظها ومعناها! ! لقد ضمنت من بدائع الكلم فقرا شوارد، وقلدت من نواصع الحكم دررا فرائد، وخلعت (6) علي خلعة نبل أو كسي مثلها أويس (7) لاهتز طربا، أو سلي بشبهها قيس لعاد نبع وجده غربا، لا جرم أنها حلاك، تبرعت بها علاك، وصفاتك، تجافت عنها مصافاتك، فيا لها منة لا يكافئها ثمن، ولا يسمح بمثلها زمن، ومنحة تتضاءل لها بيض النعم، وتتقاصر عنها حمر النعم. وما زلت أستنشق من عرف أنبائك، ما يرغب في اقتنائك، وأتحقق من قلة أندادك، ما يبعث على خطبة ودادك، لا سيما وقد جمعتنا عناصر، وضمتنا من سهم الأدب والنسب أواصر، لكن تحاميت المفاتحة هيبة لبراعة إحسانك، وبلاغة يدك ولسانك، ومن ذا ينازعك رتبة   (1) م س: بأزاهرك. (2) م: نفحات. (3) م س: ريح. (4) د ر: سقطت من م س. (5) م س: أهديت لي. (6) م: وجعلت. (7) أويس القرني مضرب المثل في الزهد، توفي في خلافة عثمان (سنة 37هـ -) انظر طبقات ابن سعد 6: 111 وحلية الأولياء 2: 79؛ وقرن - بفتح الراء - بطن من مراد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 672 البيان، ولو سحب ذيول سحبان، أو نطق بلسان حسان؛ وإن كانت للكلام إمارة فأنت فارس منابرها، وطاعن محابرها، ومقلد (1) علمها ولوائها، ومذلل صعرها والتوائها، ولئن كنت - أعزك الله - من غرائب المغرب، لقد زهيت لك المشارق، وحليت بجواهرك ونوادرك المهارق، ولما صح لك فضل التقدم إلى صلة الأسباب، ومفاتحة هذا الباب، تعين الجواب (2) ، وإن أنبط من حسي بكي، وقلب غير ذكي، وناهيك من خجل من يقيس الصفر بالذهب، ويعرض الخمود للهب، فتكلفت المراجعة اضطرارا، واستشعرت اعترافا بفضلك (3) وإقرارا، وأنت بسروك تصفح عن هناتها؛ وتقيم أود قناتها، ولولا حق الاقتضاء، والثقة بكرم الإخاء، لأحجمت ذعرا، وقدمت عذرا. وأما المودة التي خطبت بفضلط بكرها، واستوجبت حمدها وشكرها، فقد زففتها إليك مشرقة الجبين، بنور الحق المبين، ضاحكة الترائب، على حسن (4) الضرائب، تتأود في حلل الثناء (5) ، تأود الكاعب الحسناء، وتحمل من نطف الصفاء، ما يزري على الديمة الوطفاء، فإن وافقت لديك وجها خصيبا، واستحقت من رضاك وقبولك نصيبا، فقد فاز قدحها، ووري قدحها، ولم يخب سعيها وكدحها. وظني أنها ستسعد بارتضائك، وتهتز في أيد انتضائك، وتأنس بحوارك، وتسكن إلى جوارك،   (1) م: ومتقلد. (2) الجواب: سقطت من م. (3) م: لنفسك. (4) يحلى حسن؛ وسقطت " حسن " من ط. (5) في ... الثناء سقطت من م. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 673 [127 أ] والله تعالى يبقيك، مرغوبا فيك، وأقرأ على سيدي سلاما دائم الاتصال، عطر البكر والآصال، يتكرر تكرر الأنفاس، ويخضر دائما اخضرار الآس. وكتب أيضاً أبو محمد (1) إليه برقعة قال فيها: يا أعظم من لو سريت بأنواره لاهتديت، وأفخم من لو اقتديت بآثاره لاكتفيت، ومن أبقاه الله لفخر آبائه يفضله إلا من بنيه، ولستر إغضائه يسدله على مستحقيه، ولعذر أوليائه يقبله على ما فيه، كتبت عن قريحة خمد (2) لهيبها، ونحيزة ركد هبوبها، وذهن امحت أضواؤه، وطبع أخوت أنواؤه، وجنان فل ظبته (3) الكسل، ولسان عقد عذبته الخجل، ندبته إلى الاحتفال فانقطع، وبعثته على الاسترسال فامتنع، وقال: في كل حين تعرضني على العيون، بوجه مجدور، بكل نجه (4) جدير، فقلت: لا عليك، ولتشب نفسك إليك، العذر إن شاء الله بين يديك؛ حامل الرقعة إلى عمادي - وليته لم يحملها إليه، ولم يطلعها عليه (5) ، ولم يضعها بين الكريمتين (6) يديه - حفزني أشد حفز، واختطفها (7) من يدي اختطاف الذئب دامية العنز، ومنعني من النظر فيها، وتصفح ألفاظها ومعانيها، فأسقطت لفظتين، كانتا   (1) م س: أبو محمد أيضاً. (2) إلا من ... خمد: سقطت من م. (3) م س: الطيبه. (4) م س: نجد. (5) ولم يطلعها عليه: سقطت من ط. (6) الكريمتين: زيادة من م. (7) م: واستخطفها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 674 بين سطرين، فاتفق بذلك نوع من الإغراب، لم يقع في باب من الإعراب، ولا سمع من العرب ولا من الأعراب، ولم يقع في حساب، فكيف في كتب -! ولئن وما أولاه بالتعثير، وغير كلمي وما أجدره بالتغيير، ما بهر من جلالك، وتعين من إجلاك، فمن رام الصعود إلى السماء زل، أو المكاثرة بالهباء قل، أو المظاهرة على الرؤساء ذل؛ وبين يدي نجواي صدقة على الكتاب أقدامها، وكلمة من الصواب أغتنمها: من طمع في مجاراتك قطف (1) ، ولو ركب البرق، ومن دفع إلى مباراتك تخلف، ولو سبق الخلق؛ وإن وصلت تلك الرقعة تتعثر ألفاظها في معانيها، وتتبرأ من تواليها، ووافتك ترسف من مهابتك في عقال، وتقف من سيادتك بين انقباض واسترسال، فلك - أدام الله عزك - شرف الاهتبال وكرم الإجمال، في إرخاء ستر وأسدال سجف، على ما فيها (2) من جفاء بشر وإخلال حذف؛ فقبح الله العجلة فما أسوأ آثارها، وأكثر عثارها وأكبر شنارها، وأوحش غلطها، وأفحش سقطها! وقديما تحامتها الحكماء، وتبادرتها العقلاء، من ركبها لم ينج - لو أقيل - من عثار، ومن صحبها لم يخل - لو قبل - من اعتذار، والله جل وعلا يعلي قدر عمادي على الأقدار، ويجعل إليه وفي يديه مقاوم الليل والنهار، ويديم ستر إغضائه، على أودائه وأوليائه، ويزيل وحشة أرضه بتأنيس سمائه. وكتب (3) إليه أيضاً برقعة ثانية يقول فيها: يا حامل يراعي   (1) قطف: مشى ببطء. (2) عند هذا الحد تنتهي النسخة م. (3) تنفرد س بهذه الرسالة، ولرداءة هذه المخطوطة فإن إقامة نص صحيح تماما منها أمر بالغ العسر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 675 الأعظم، ومعول انقطاعي الأقوم، ومعقل امتناعي الأعصم، ومن لا زال جنابه للأمطار رضيا، وبابه للأوطار شفيعا، ترشح فيه نعم الأيام، وتقسم أرزاق الأنام، سلام الله وروح رحماه، ونفح سقياه، عليك من روضة نجد، وزهرة حسن لا زهرة حزن، ما أغدق صوبها، وأغزر شربها، وأرسخ وهاد مطاويها الشريفة، وأشمخ نجاد مباديها المنيفة، وأشهر بغرر المجد وحجولة بطون مجانيها، وأغمر بدرر الرفد وسيوله ظهور روانيها، وأصفق غيوم كرم تسقيها، وأرق نسيم شيم يجري فيها، وآنق تسبيح لسانها، وأعبق رائح أنفاسها، وأخلص شذاها إلى الأرواح، وأعرض رياها على الأفواح، وأضحك ثغور أقحوانها ووارف نورها، على رقص قدود أغصانها وغناء طيرها، لقد حيا بها نفوسنا فشفاها، وكساها من حر أزاهر الكرم ما كساها، وحلاها من درر نوادر الحكم بما حلاها، وأجرى هوامي الخير والحمد من أصولها وفروعها، وأبدى مطاوي النور من كمونها وبروعها، فهام رعانها محلاة الأكاليل بمحاسن من المفاخر العظام، وأجسام غيظانها موشاة السرابيل بتزايين من المآثر الجسام، وأبقى من أرواحها، في رؤوس أدواحها، ألسنا تثني عليك بالجميل، ودموع أندائها تخلق في وجوه مائها نوالك بالقبول، فلا لحق أزهار خلالك ذبول، ولا طرق أنوار خصالك أفول، ما مشى بالقسيم، بريد النسيم، بيم الأزاهر والخياشيم. يا مرادي الحفي، ومن أعلى الله أمره السني، وصلني كتاب كريم، طلعت علي منه نجوم، أستغفر الله تعالى بل رجوم، هوت من أساطيري على شياطين فأحرقتها بنور الحق المبين، ومحقتها محق ضياء اليقين، ظلام الشك الظنين، وتلقفتها تلقف عصا موسى حبال الملقين، وقبل نظري إليه وفيه، قبلت يد موشيه ومهديه، وخفت أن أمحو سطوره تقبيلا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 676 فوضعته لرأسي إكليلا، وصرت به على الدهر أميرا، وكيف لا و [قد] ملأ عيني نورا وقلبي سرورا، ويدي مسكا وكافورا، وداخلت نفسي منه قوة لا أعرفها، فكيف أصفها، ولا أدريها، فكيف أحكيها - وهي - أظن - ما يداخل المضل إذا أنشد فوجد، والمقل إذا استعدى على الدهر فأعدي بنغبة الحيا، فقال: يا رفاه، فرحا بسقياه، وأنا أقول ذلك ألفا، وأضع خدا وأرفع كفا، فرحا بما أولى عمادي - أعلى الله قدره - من مسار متناصرة، ومبار متظاهرة، لا ينبري إليها شكر، ولا يحتوي عليها حضر، ولولا رجائي - بلقائه، واعتزائي إلى ولائه، ما حاسنت البقيع المزهر بشجرة، ولا ماتت الربيع المخضر بقطرة، وأرجو أن يسمح بالعفو، ويصفح عن الهفو، ويلقي عليه ستر معروفه، ويغطيه بسجف من سجوفه، والله تعالى يقيه ويبقيه، مشكورا أياديه ومساعيه، قريرة عيون أودائه وأوليائه فيه؛ ومن سلامي على عمادي المعظم، وإمامي المقدم، ما لا يخلف مكانه قطر، ولا ينوب منابه زهر، ولا يقوم مقامه عنبر، ولا يشق قتامه مسك أذفر، يلوح بلغة لكل رامق، ويفوح عبقه لكل ناشق، ما أديل لشارق، وسارب بطارق، والسلام. فكان من جواب الوزير الفقيه أبي القاسم له على ذلك ما نسخته: تمهدت لك يا عمادي أكناف الهمم، ودرت عليم أخلاف النعم، وألقت إليك مكنون ضمائرها ومصون جواهرها أصداف الحكم، فما أتم فضائلك وشمائلك، وألم (1) بأنوار المحاسن خمائلك، وأسمح بكل جوهرة ثمينة ولؤلؤة نفيسة بحارك، وأنفح الآداب بل بأرواح الشباب أصائلك   (1) س: وأنم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 677 وأسحارك! ! وأكرم بخاطبين لك تسابقا إلي وتلاحقا لدي، كما لحق المصلي السابق، وتطلع الضحى غب الشارق، وتدفق الحيا إثر البارق، أو كما شفع المولي الطوق بالسوار، وجمع العروس بين بهجة الحلي ونفح الصوار (1) ، وأنجد البطل (2) المبارز المغوار، فما طويت للمتقدم مطارف، حتى نشرت من المتأخر رفارف، وما انحسرت عن محاسن الأول معاجر، حتى سحرت من براقع الآخر محاجر، وقد كان السابق منهما (3) ما يملأ بهرا مدارج نفسي، ويملك دهرا أعنة خرسي، ويوسع لساني وجناني إفحاما، ويوجب لدواعي الانقطاع بين يدي ازدحاما، فكم تقلد من درة فكر لفظها بحرك العذب الزلال، ونفث فيها سحرك الحلو الحلال، فلم تقنع لغامر [127 أ] بحره، وباهر سحره، حتى شددت عرى أواخيه، بقوى أخيه، وأمددت مذانب سربه، بتلاع تربه؛ فلئن كان الأول قد استعار من الجوزاء مرطا، لقد استمنح الآخر من الثريا قرطا، ولئن ورد السابق من موارد النثرة نغبا، لقد شرب اللاحق من ماء المجرة ثغبا، فهلا كففت استنان خيلك، وأمسكت قليلا عنان سيلك، وثنيت من غرب غرائبك، وجريت على سجاحة ضرائبك. وقد كان من حق الإخاء أن لا تهب من عواصفك على نسيم عليل، وتجهز كتائبك إلى عدد قليل، وحد فليل، وبدون هذا كنت أواليك مبايعا، وأعطيك صفقة يدي بالعجز طائعا، فلست ممن يعارض قوة البرهان بضعف الإقناع، ويشتبه عليه فرق ما بين الإمكان والامتناع، وإني لأعلم   (1) الصوار: وعاء المسك. (2) البطل: سقطت من س. (3) في الأصول: منها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 678 ممر سهمي فأقف وأنصرف، ومنتهى علمي فأنصف وأعترف؛ وأما العذر الذي بسطته في معنى الوهم، فقد كنت غنيا عن مد أوضاحه، وحريا باطراحه لاتضاحه، وهيهات أن يلتبس عليك الغريب، فكيف القريب -! أو يشتبه لديك الخفي، فكيف الجلي -! وما حسبته إلا تميمة في صدر الكتاب، تصرف عنك أعين الكتاب. وبعد - باعدتك الأسواء - فإن رسمي في صناعة الكتابة قد دثر، ونظمي في ضبط معانيها قد انتثر، ولم يبق عندي إلا أثر خراب، أو لمع سراب، فإذا امتريت خلفها در بعسر، وعلى قسر، وتحلب رسله بضجر، كأنما يتفجر من حجر. وهي خطة مدارها على الإقبال، وفراغ البال، وزمامها في يدي الشباب، مع توكد الأسباب؛ وأنا - أعزك الله - قد عطلت صهوة جوادها، ونزلت عن ذروة أعوادها، فلا ترهقني فيها عسرا، ولا تحملني من مناهضتك إصرا، وتوخ بفضلك معي جانب الترفيه والتخفيف، وتقبل مني عفو اليسير اللطيف، وأقرأ عليك من سلامي ما يربي على القطر، ويزري بعنبر الشجر، ويبقى ميسمه في صفحة البدر. قال ابن بسام: قول أبي القاسم: " وما حسبته إلا تميمة في صدر الكتاب " احتذى في ذلك حذو أبي المغيرة بن حزم، في فصل خاطب به ابن عمه الفقيه أبا محمد بن حزم في حرف همزه، مما لا يهمز، فقال له (1) : ومن أين نفذ صبرك حتى همزته همز عامر بن الطفي، قرنه في   (1) انظر القسم الأول من الذخيرة: 163 - 164. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 679 سواد الليل، وما أظنك جعلتها إلا تميمة، لتلك القطعة الكريمة، وامتثالا لقول القائل: ما كان أحوج ذا الكمال إلى ... عيب يوقيه من العين فصول من ترسيل أبي محمد فصل له من رقعة عتاب: سلام على من نظر بقلبه لا بعينه، وحكم بيقينه لا بظنه، ونطق بعقله لا بهواه، وأخذ من دنياه لأخراه، ولم يستفزه قال ولا قيل، ولم تهزه تلك الأباطيل. وبلغني قول من قضى علي بالظنة، وحكم بالشبهة، وللمقولات طرق لا يتعداها متجاوز إلا نسب زيغها إليه، لا سيما في ضربة توجب حدا، وتضرع خدا، وتفل من فاضل حدا، لم يطلع مشيعها مني على ريبة، ولا وقف مذيعها على حقيقة، بل افتراء من مفتر، وادعاء من مدع، في تلك التي لا أسميها، فإني طلقتها قبل الدخول ثلاثا، " ونقضت حبل وصالها أنكاثا "، قبل هذا والزمان مساعد، والسلطان مهاود، فكيف بها الآن، وقد علت الإنسان أبهة [الكبير] (1) ووخطته (2) واعظة القتير، ورد ما استعار من الشباب إلى المعير، وهجر كل الهجر من ذاقها شميما، ورفض كل الرفض من لم يكن إلا على   (1) الكبير: زيادة من س. (2) كذا في النسخ، ويمكن أن تقرأ أيضاً " ووعظته ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 680 الحديث نديما (1) . وأقسم وأعرف، بما أقسم، وألتزم من ذلك ما ألتزم، لقد تركتها خوفا للمعاد، لا رياء للعباد، إذ الصيانة أذكى عتاد، فكيف وأنا تحت نعم من الله ضافية، ونوافل متوالية، وفواضل رائحة وغادية -! فلا تظن أن تنصلي لمعذرة أريد [128 أ] قبولها، وأحب تبليغها وتوصيلها، لا والذي صير العقل لصاحبه خصما، وجعل بعض الظن إثما، ولا قصدت من قصدت إلا تطوعا، ولا زرت من زرت إلا تبرعا، ولقد أذهب بنفسي عن كل طمع، وأرغب بها عن كل حرص وجشع. وله من أخرى: كتبت والعهد يرف ماؤه، ويشف ضياؤه، وتتألق غرته، وتشرق أسرته، والود كما تدريه، لا مزيد على ما تعلم فيه، وإن كانت القلوب تتناجى على البعاد، بألسن الوداد (2) ، وتتراءى على الفراق، بأعين الوفاق، فربما أحوجت دواعي الأيام، إلى المفاوضة (3) بالأقلام، لضرورة لا بد من الإفصاح عنها، والخروج شفاها (4) منها. وغاب فلان - أعزه الله - وأنت تواليه وتناصره، وتؤاخيه (5) وتظافره، فلك الفضل في إيصال أحرفي، والعذر على (6) تخلفي، فكان يجب أن أزوره   (1) في إشارته إلى ترك الخمر يومئ إلى قول أبي نؤاس: أيها الرائحان باللوم لوما ... لا أذوق المدام إلا شميما فاصرفاها إلى سواي فإني ... لست إلا على الحديث نديما (2) ط د: المداد. (3) ط د: المعارضة. (4) ط د: سفاها. (5) ط د: وتواضيه؛ س: وقواصيه (اقرأ: وتواصيه) . (6) س: عن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 681 ولو على قدمي، ولا أخاطبه إلا بفمي لا بقلمي، لكن هي الأيام وعواديها، والأقدار ومجاريها، ولو أعطيت أعنة الاختيار، لطرت إلى جنابه كل مطار، ولكنت في بابه أوثق مسمار، وإن كانت مهلة انحشرت في زمرته، وتشرفت بخدمته. وله من أخرى: لو أن جهتي غضة على مطاويها، لم تؤثر أيدي الغير فيها، ولا تحيفتها الفتن بحوادثها، ولا نظرت إليها المحن بكوارثها، لوجب علي المبادرة إلى الهجرة، والتحول إلى الحضرة، التي الفقيه الأجل القاضي سيد الأمة فيها، وبيديه أزمة أوامرها ونواهيها، ولحق على مثلي الانحياز إلى فئته، والانحشار في زمرته، والانحياش إلى جنته، ولكان تنقلي لذراه، لتقيل بعض سجاياه، على حسب قدرتي، ومبلغ منتي، ومنتهى قوتي، ولعذت بعلاه من أن أرجع أعرابيا بعد الهجرة، وبدويا بعد لزوم الحضرة، فكيف أنا آخذ من اجتبائه بأوفر قسم، وأضرب في ولائه بأوفر سهم -! وجهتي خاوية على عروشها، خلية من أنيسها، فبينها وبين النصارى، أقصر من إبهام الحبارى، هي مجر عواليهم، ومجرى مذاكيهم، ومورد صاديهم، وموقد صاليهم، ومخفق أعلامهم، ودرية سهامهم (1) ، ومسرح جيادهم، ومركز صعادهم: الخروج عنها غنيمة، والسلامة فيها هضيمة، ومن تفرد بالجلالة تفرد عمادنا، وتوحد بالسيادة توحد مصادنا، استجنى مؤمله من الليالي والأيام، ثمرة بسوقه على الأنام، ولم يزل يستثني هبة تلك المخايل الراعدة البارقة، ويقتضي عدة تلك الشمائل الصادقة. وها أنا بين يدي اختباره، فليجد في اختياره (2) ، فإن رأى   (1) أقصر من ... سهامهم: اقتبس ابن بسام بعضه: 374 س: 9 - 11. (2) ط: اختاره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 682 موضعاً لجميل رأيه (1) ، وإن ألفاني مضطلعاً بأعباء ولايه صمم، ولا رغبة إلا فيما يزلف لديه ويقرب منه، دافع الله للمجد والسرو عنه: وما أسفي إلا على فوت رتبةٍ ... عليها مضى قومي ولم أك تاليا وأنت على رفعي ووضعي حجة ... فكن لي على أولاهما بك جاريا وله من أخرى: كاتبي عن عهد طال زمانه، واستطال سلطانه، ووقت لا يحرزه حساب، ولا يحصره كتاب، ولا يحويه ولا يجمعه، ولا يحصيه عد (2) ولا يسعه، وحالت بيننا في الأكثر أقاليم، لا يقطعها الإيجاف ولا الرسيم، ولا تهتدي في طرقها النجوم، لا أقول: مجاهل ومعالم، بل أقلايم وعوالم، لا يفهم الحداث فيها إلا التراجم (3) ، ولا تقطعها الجياد بشدها، ولا الركاب بوخدها، فهنيئاً للحضرة وجميع أهل الملة حضورك، وفي مقام (4) المجد مقامك الميمون ومسيرك، ولولا آلام تناوبت، وأسقام تعاقبت، لتلقيت أوبتك السعيدة بقدمي، ألا بمدادي وقلمي، والله يملي الإسلام عمرك، ويحمل عنا - معشر أوليائك - شكرك.   (1) ط د س: أقام. (2) ط: ولا يجمعه عدد. (3) من قول المتنبي ديوانه: 376) : تجمع فيه كل لسن وأمة ... فما تفهم الحداث إلا التراجم (4) س: سبيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 683 ما أخرجته من شعره الرائع، الكثير البدائع له من قصيدة في المتوكل (1) : [128ب] وافاك من فلق الصباح تبسم ... وانجاب من غسق الظلام تجهم والليل (2) ينعى بالأذان وقد شدا ... بالفجر طير البانة المترنم ودموع طل الليل تخق أعيناً ... يرنو بها من ماء دجلة أرقم يا صاحبي بين الصراة ودجلة ... ودعا العلاقة مسعد ومتيم هل في لحاظك إنما هي عطفة ... زهر على خضر الربى أو أنجم بيض كما ضحكت حواشي روضة ... وشى السماك ملاءها والمرزم ومنها: خبطت بنا ورق الظلام سوابح ... ملء النواظر سيرهن توهم فإذا سرت فالليل منهم أبيض ... وإذا غدت فالصبح منها (3) أدهم بيني وبين الدهر يوم مثله ... والبيض تشهد والصوارم تحكم ومن المشاهد كالشهود سوامع ... ومن الأسنة ألسن تتكلم وهذا من الكلام الذي لا يجهل مناره، ولا يشق غباره.   (1) منها ثلاثة أبيات في الفوات 2: 391. (2) ط د: يبغي؛ س: تنفى، والتصويب عن الفوات. (3) ط: منهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 684 ومنها: سامت لساني فيك يا ابن محمد ... مقة إذا كتم الهوى لا تكتم ومحبة موروثة مكسوبة ... بدئ الزمان بها وعنها يختم وإليك من بنت الضمير حديقةً ... غناء تنجد بالرواة (1) وتتهم طبقت آفاق الكلام فلم أدع ... زهراً يرف ولا جماناً ينظم وحدوت من غرر البديع بأينقٍ ... أنا خلفها بادي العروق محرم وتركت أرض الغرب وهي كأنما ... بي عالج أو ضارج أو زمزم ورحمت في الآداب كل مسفسفٍ ... يثغو إذا هدر الفنيق المقرم والفهم قد غارت نجوم سمائه ... والعلم وحي والطروس تترجم لله درك هل لمجدك غاية ... إلا وأنت بها معنى مغرم وعلاك لي ردء وجودك في يدي ... ماضٍ كرأيك في الخطوب مصمم هزتك أرواح السماحة بانةً ... ومن الرجاحة في حماك يلملم وتعلمت منك الغمامة شيمةً ... تهمي وفيها للبروق تبسم قوله: " من كل هفهاف العنان " ... البيت، أخذه من قول بشار، حيث يقول (2) : ثم انثنت كالنفس المرتد ... وقوله: " وإذا سرت فالليل منهم أبيض "، من قول محمد بن هانئ (3) :   (1) ط: بالدوات؛ د: بالدواه. (2) ديوان بشار: 85 (جمع العلوي) . (3) ديوان ابن هانئ: 190. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 685 قد طلعوا بالشهب صبحهم فلو (1) ... عقدوا نواصبها أعادوا الغيهبا وألم بعض ألمام، بقول أبي تمام (2) : كظلمة (3) من دخان في ضحى شحب (4) ... ولأبي محمد بن قصيدة أولها: لمن أينق تأكل الأرض وخدا ... تريني العوالي إلى الغرب تحدى من قصيدته هذه بيت يستظرف فيما وصف من طعنة غلا في سعتها حتى أدخل عليها الفيل، [129أ] وأراق من دمها ما يربي على النيل، فقال: له طعنة يدخل الفيل منها ... إذا الطعن مزقت الزغف نقدا ومن الإفراط في وصفها قول قيس بن الخطيم (5) : طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائرٍ ... لها نفذ لولا الشعا أضاءها وذكرت بخير هذه الطعنة قول رجل من شيبان (6) :   (1) الديوان: واستأنفوا بشياتها فجراً فلو. (2) ديوان أبي تمام 1: 95. (3) الديوان: وظلمة. (4) ط د: سرب. (5) ديوانه: 7 والمعاني الكبير: 978 والسمط: 894 والمختار: 91. (6) هو ثعلب (أو ثعلبة) بن عمرو الشيباني، انظر فصل المقال: 157 والسمط: 53 والحماسة شرح التبريزي 1: 220 والمرزوقي: 146. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 686 فأتبعته طعنةً ثرةً ... يسيل على النحر منها صبيب فإن قتلته فلم (1) أرقه ... وإن ينج منها فجرح رغيب يقول (2) : إن قتلته الطعنة فلم أدع جهداً، وإن سلم فقد تركت به جرحاً رغيباً، أي واسعاً. وقوله: " لم أرقه "، كانوا يزعمون أن الطاعن إذا رقى المطعون برئ، كما قال زهير (3) : عشية عاودت الحليس كأنما ... على النحر منه لون بردٍ محبر فلم أرقه إن ينج منها وإن يمت ... فطعنة لا غس ولا بمغمر وقال حاتم الطائي (4) : سلاحك مرقي فلا أنت ضائر ... عدواً ولكن وجه مولاك تخمش وقال أبو محمد بن عبدون من قصيدة (5) : مضوا يظلمون الليل لا يلبسونه ... وإن كان مسكي الجلابيب ضافيا   (1) السمط: فلم آله. (2) متابع للسمط: 54. (3) هو زهير بن مسعود كما في السمط: 55 وفصل المقال: 157 والألفاظ: 143 والجمهرة 1: 93. (4) السمط: 55؛ ويروى: مولاك تقطف (اللسان والتاج: قطف) . (5) انظر الفوات 2: 391 وقد استخدم ابن عبدون بعض أبيات هذه القصيدة في رسالة، (انظر إحكام صنعة الكلام: 247) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 687 يؤمون بيضاً في الأكنة لم تزل ... (1) قلوبهم حباً عليها أداحيا وأغربة الظلماء تنفض (2) بينهم ... قوادمها مبلولةً والخوافيا إذا مرقوا من بطن ليلٍ رقت بهم ... (3) إلى ظهر يوم عزمة هي ما هيا وإن زعزعتهم روعة زعزعوا الدجى ... إليها كماةً والرياح (4) مذاكيا ولو أنها ضلت لكان أمامها ... سنا عمر في فحمة الليل هاديا وصلت به الهيجا عليه وسلمت ... فما ارتضيا حاشاه ساقاً وساقيا همام أقام الحرب وهي قعيدة ... وروى القنا فيها وكانت صواديا شريف المطاوي تحت ختم ضلوعه ... تميمة تقوى ردت الدهر صاحيا إذا قرئت لا بالنواظر (5) طبقت ... سرى (6) أختها ذات البروج مساعيا وهدي لو استشفى المعنى بروحه ... لما كان بالوجد المبرح صاليا ورقة طبع لو تحلى بها الهوى ... لأعدى على عصر الشباب البواكيا إليه أكلت الأرض بالعيس ثائراً ... وقد أكلت منها الذرى والحواميا حوافي لا ينعلن والبعد آذن ... على نفسه إلا الوجى (7) والدياجيا فجاءته لم تبصر سوى البشر هاديا ... (8) وسله ولم يسمع سوى الشكر حاديا   (1) ط د: حنا عليها جاحيا؛ س: جناجيا. (2) الفوات: فيهم. (3) ورد البيت في إحكام صنعة الكلام: 147 مع تغيير في الرواية. (4) ط د: كما تأتي الرياح. (5) الفوات: طابقت. (6) ط د س: سوى. (7) ط د: الدجى. (8) رواية البيت في إحكام صنعة الكلام: فجاء ولم يبصر كوجهك هاديا ... إليه ولم يسمع كشكرك حاديا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 688 هوادٍ على إعجازها قيم الندى ... فأربح مشري حمدٍ وشاريا [129ب] ألكني ألكني والسيادة بيننا ... إلى مولعٍ بالحمد يشريه غاليا إلى آمرٍ في الدهر ناهٍ، إذا قضى ... على كل من فيها أطاعوه قاضيا وحيوه لا راجين رجع تحية ... وإن كان جوداً لا يخيب راجيا إليك ابن سيفي يعربٍ زف خاطري ... عقائل لا ترضى البروج مغانيا وإني لأستحيي من المجد أن أرى ... عليّ لمأمول سواك أياديا وأني وقد أسلفتني قبل وقته ... من البر ما حازت (1) خطاه الأمانيا وأيقظت من قدري وما كان نائماً ... وأبعدت من ذكري وما كان دانيا ولكن نبا من حسن رأيك في يدي ... (2) أظن حساماً لم يجدني تاليا ولو لم يكن ما خفت لا خفت لم أجد ... على غير ما أخذ متنيه اللياليا إلى من إذا لم تشكني أنت والعلا ... أكون بما ألقى من الدهر شاكيا وأنت على رفعي ووضعي حجة ... (3) فكن بي على أولاهما بك جاريا وما أسفي إلا على فوت رتبةٍ ... عهدتك فيها بادياً ومباديا وكون مكاني من سمائك (4) عاطلاً ... ولولا مكاني الدهر ما كان حاليا وإن كسادي، رأس ألف صناعة ... ليترك وسماً (5) في السيادة باديا قال ابن بسام: أبو محمد بن عبدون لمكانه من صنعة الكلام، وسبقه - زعم - في غايتي النثر والنظام، أقامها مقام ألف صناعة، وكني بها واحدةً   (1) كذا في الأصول، وربما كان الأصوب " جازت ". (2) الفوات: نابيا؛ س: تافيا. (3) ورد هذا البيت والذي يليه فيما تقدم ص: 683 وقد تغير الشطر الثاني من البيت الثاني. (4) ط د: يكون ... عاطل. (5) ط د: رسماً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 689 عن جماعة، كما قال الأول: يا عين بكي خالدا ... ألفاً ويدعى واحدا وفي هذه القصيدة يقول أبو محمد، وهو من حر النظام، وجزل الكلام: فرد المنى خضراً ترف غصونها ... بمبسوطةٍ تندى ندىً وعواليا عوال إذا ما الطعن هز جذوعها ... تساقطت الهيجا عليك معاليا وعاون على استنجاز طبع طبع بهبة (1) ... ترقص في ألفاظهن المعانيا وأجعل أرض الروم تجلو تلاعها ... (2) عليك زروداً والحمى والمطاليا وقد نشرت من ذي القروح وخاله ... وعمرو بن كلثوم عظاماً بواليا وقيل لهم من ذا لها (3) فتخيروا ... أخيراً يبذ القائلين الأواليا فإن نسقوا على الولاء ولم يكن ... بذلك فاجعل منه ظلك عاريا وعز على العلياء أن يلقى العصا ... مقيماً بحيث البدر (4) ألقى المراسيا ومن قام رأي ابن المظفر بينه ... وبين الليالي نام (5) عنهن لاهيا ضجر أبو محمد من سكنى وطنه يابرة، وهو يكرر هذا في شعره، كقوله فيه في قصيدة أخرى:   (1) د: بهمة. (2) هذه مواطن في بلاد العرب، والحمى والمطالي قد جمعها الشاعر في قوله: ألا حي ليلى والحمى والمطاليا ... (3) ط د: فتحيروا. (4) ط د: البدو. (5) س د: قام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 690 أنا يا (1) ابن سيفي يعرب سيفك الذي ... إذا شمته لم ينب واخبره تعلم هجرت إليك الأقربين مهاجراً ... ولم أرض أرضاً كل ساكنها عم فعار على العلياء سكناي بلدةً ... كبلدة عالمي الأفق من دون أنجم (2) [130أ] فلو أن غيلاناً حوته ديارها ... (3) تغنى بمي بينهم غير معجم وقوله: " قوادمها مبلولة والخوافيا "، ينظر إلى قول أبي الحسن (4) بن حصن في سحابة (5) : بكرت سحرةً قبيل الذهاب ... تنفض المسك عن جناح الغراب وقوله: " إليه أكلت الأرض " ... البيت، نسخة من قول حبيب، ونقض عنه (6) : من القلاص اللواتي في حقائبها ... بضاعة غير مزجاةٍ من الكلم وأبو تمام إنما نظر في هذا المعنى إلى قول الأعشى (7) : فإن عتاق العيس سوف تزوركم ... ثناء على أعجازهن معلق   (1) ط د: أنا ابن. (2) البلدة: من منازل القمر، يقال إنها لا نجوم فيها البتة. (3) غيلان: هو ذو الرمة، وفي البيت إشارة إلى قوله في ميتة: أحب المكان القفر من أجل أنني ... به أتغنى باسمها غير معجم وفي ط د: وحته في موضع " حوته ". (4) ط د: أبي الحصن؛ س: أبي الحسين. (5) انظر ما تقدم ص: 159. (6) ديوان أبي تمام 3: 186. (7) ديوان الأعشى: 149 واللسان (غرب) وفيه: يزوركم ثنائي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 691 أراد المدح الذي تحدى به من ورائها كما أن الهادي من أمامها، وهذا كقول الآخر (1) : سأرفع قولاً للحصين ومنذرٍ ... يطير به الغربان شطر المواسم وتروى به الهيم الظماء وتلتقي ... (2) بأمثاله منهن سجع الحمائم ويعني بالغربان أوراك الإبل؛ وقوله: " تروى به الهيم الظماء " يعني أن الماتح يتغنى بهن فينشط ويقوى على سقي إبله. وقوله: " ولولا مكاني الدهر ما كان حالياً "، كقول القسطلي (3) : غريب تحلت بآدابه ... بلاد تواصت بتعطيله وقوله: " ترقص في ألفاظهن المعانيا " من سرقاته الغريبة، واختلاساته العجيبة، تدق عن أعدادٍ من المباني، وإنها من خفيات المعاني، وأراه أنا من قول إدريس بن اليماني، فإياه أراد، وإن كان ملح وزاد، حيث يقول (4) : ثقلت رجاجات أتتنا فرغاً ... حتى إذا ملئت بصرف الراح خفت فكادت تستطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخف بالأرواح وقوله: " وأيقظت من قدري " ... البيت، هو لفظ أبي نخيلة (5) :   (1) الأول منهما في اللسان (غرب) والمعاني الكبير: 257 وهما في الحيوان 3: 418 - 419 ورواية الأول في المعاني والحيوان: للحصين ومالك. (2) روايته في الحيوان: ويطبي، بأمثاله الغازين سجع ... (3) ديوان القسطلي: 545 (عن الذخيرة) . (4) الذخيرة 3: 344. (5) الأغاني 1: 244. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 692 ونبهت من ذكري (1) وما كان خاملاً ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض وكشف أبو تمام هذا وحسنه، فقال (2) : لقد زدت أوضاحي امتداداً ولم أكن ... بهيماً ولا أرضي من الأرض مجهلا ولكن أيادٍ صادفتني جسامها ... أغر فخلتني (3) أغر محجلا وقوله: " ولكن نبا من حسن رأيك " ... البيت، مصراعه الأول من قول أبي فراس (4) : ولكن نبا منه بكفي صارم ... وأظلم في عيني منه شهاب أخذ هذا البيت بجملته ابن عمار: أيظلم في عيني كذا قمر الدجى ... وتنبو بكفي شفرة الصارم العضب ولأبي محمد من قصيدة أخرى في المتوكل أولها: هل عمروا الأفق بالآرام والعفر ... أم كحلوا الشهب بالتفتير والحور والنقع قد (5) مد جنح الليل فوقهم ... أم عينهم لا ترى التضفير في الشعر [130ب] يا ليل هل (6) صاحب في البيد غيرك لي ... فالنجم معي عن الإدلاج والسهر   (1) الأغاني: ونوهت لي باسمي. (2) ديوان أبي تمام 3: 99. (3) الديوان: فأوفت بي. (4) ديوان أبي فراس: 24. (5) ط د: صرمد؛ ص: مرمد. (6) س: مؤنس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 693 أسري وأسرب لا مستصحباً أحداً ... والناس عميان لولا الخبر عن خبر أدور فيهم وعمران يخاطبهم ... (1) مني وهم في من روح ومن زفر شادٍ وليس لسان الرعد ذا لسنٍ ... هادٍ وما ناظر الإيماض ذا نظر كأنما الليل زار الأرض ذا شغفٍ ... فأكبرت وصل أحوى اللون ذاعور كأنها عبلة والليل عنترة ... في جمع أشتاته لو كان ذا بصر والأرض قد لبست أدراع أبحرها ... وجردت فوق أيديها ظبا الغدر من كل درع نسيم الريح غضنها ... وصارم بالحباب اعتاض (2) من أثر ما كان في هيئة الأرض القيام لنا ... (3) بالليل لولا مزيد من سنا عمر من مجده خص قحطاناً وأنعمه ... عمت ربيعة والحمراء من مضر أكسى من الكعبة الزهراء من نشب ... أعرى على لبسه العليا من الحجر بسيفه (4) انتاش سيف جده يمناً ... لا سيف وهرزٍ المحدود بالنفر أنتم عنى مسلم يا آل مسلمةٍ ... (5) بالجود إذ لم ينازعه بنو مطر ولم يرد مطراً جد اليزيد ول ... كن من ندى جدكم سماه بالمطر لولاكم أهلك الناس استواؤهم ... ولم يكونوا سوى دهمٍ بلا غرر   (1) يعني عمران بن حطان ويقال إنه نزل في تنقله بروح بن زنباع وزفر بن الحارث، وكان إذا خاف انكشاف أمره ارتحل متنكراً وادعى لنفسه اسماً ونسبة غير اسمه ونسبته (انظر شعر الخوارج: 161 - 165) . (2) ط د: اغتاض. (3) لم يرد هذا البيت في ط د. (4) ط د: لسيفه. (5) يريد مسلم بن الوليد في مدحه يزيد بن مزيد الشيباني، ويشير إلى قوله (ديوانه: 7) : سل الخليفة سيفاً من بني مطر ... أقام قائمه من كان ذا ميل وفي ط د: على مسلم؛ وصوبته بحسب المعنى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 694 كم في سرادقكم من ماجد عممٍ ... يعطي الجزيل ومأوى الخائف الحذر (1) لما رأوا أنه لا عيب يدركه ... عابوه وهو الكبير القدر بالقصر والصبح مبدي ربى نجد وإن صغرت ... والليل يستر لبناناً على الكبر وقوله: " بسيفه (2) انتاش سيف جده يمناً "، يريد سيف بن ذي يزن، حين استنقذ من أيدي الحبشة ملك اليمن، في خبر معروف، خارج عن غرض خذا التصنيف. ووهرز - يقال بالراء والزاي (3) معاً - وهو الذي أنفذه كسرى أبرويز مع سيف بن ذي يزن، أميراً على من كان في سجنه، بإشارة مرازبته فكان من أمره ما كان. وله فيه من اخرى: ما لي إذا نفس معنى قد ست وسرت ... في جسم لفظ الخلق من مثل أنت الذي باهت الأرض السماء به ... ولا لها بك إن باهتك من قبل أحوم حول حياض من رضاك وما ... لي بالورود إذا حلئت من عمل راعوا قديم ولاء يال مسلمة ... وما اطردت بكم في المدح من مثل تفري أديمي الليالي غير مبقيةٍ ... علي ما لليالي ويلهن ولي وإنني في مواليكم كملككم ... بين الممالك، والإسلام في الملل وهذا كقول ابن الرومي (4) : تلوح في دول الأيام دولتكم ... كأنها ملة الإسلام في الملل   (1) وقعت لفظة " ومنها " بعد هذا البيت في س. (2) ط د: لسيفه. (3) ط د: والزاء. (4) الذخيرة 3: 342. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 695 وله من قصيدة اندرج له بعضها في رسالة موشحة، عارض البديع بها في بابه، وصب فيها على قالبه، منها: [131أ] دوحة فرعها على الشهب موضوع وأصل قد غاص تحت النجوم ... شهب زينت سماء المعالي وحمتها من بيضه برجوم ... يردون الظبا ورود القطا والموت قد غض بالقنا المحطوم ... أوقعوا بالمجوس ما يعلم الله وثنوا من بعدها بالروم ... سؤدد حار فيه وصفي فما أسطيعه بالمنثور والمنظوم ... وإذا ما هزوا صدور القنا الصم فما صدر فيلقٍ بسليم ... زعزعوها فليس تدري سوى عهدهم في حديثها والقديم ... كلما حكموا اللهى بالندى في المال نادى مالي وللتحكيم ... مثلما حكموا اللهى بالندى في الأخذ بالاختبار في المحكوم ... ما على البيض غير أن تدع الهام بهم مثل الهاء في الترخيم ... صوتها في أسماعهم كالمثاني والمثاليث في سماع النديم ... ليس إلا الظبا لهم زهر والدم خمر لكن بلا تحريم ... فثناء مني (1) أرفرف برديه ومنهم إدمان بر عميم ... قوله: " خمر لكن بلا تحريم " من الاستدراك البديع، والتخلص المطبوع. وقوله: " كلما حكموا اللهى " ... البيت، يشبه قول أبي محمد بن صارة الشنتريني (2) : خلق الوزير أبي العلاء خوارج ... لكنها ليست ترى التحكيما   (1) ط د: متى. (2) ط: الشنتمري؛ وترجمة ابن صارة ترد في ما يلي: 834. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 696 وله أيضاً من قصيدة (1) : سقاها الحيا من مغانٍ فساح ... فكم لي بها من معانٍ فصاح وحلى أكاليل تلك الربى ... ووشى معاطف تلك البطاح فما أنس لا أنس عهدي بها ... وجري فيها ذيول المراح فكم لي في اللهو من طيرةٍ ... عليها بأجنحة الارتياح ويوم على حبرات الرياض ... تجاذب بردي أيدي (2) الرياح بحيث لم أعط النهى طاعةً ... ولم ألق سمعاً إلى لحي لاح وليل كرجعة (3) لحظ المريب ... لم ادر له شفقاً من صباح كعمر (4) عفاتك يوم الندى ... وعمر عداتك يوم الكفاح إليك رمى أملي بي ولا ... (5) هوي مصفقةٍ بالجناح أقول لراجي الحيا وهو دان ... مداه وجدواه من كل راح إذا عمر هطلت كفه ... فلا حملت سحب من رياح من النافذي الطعن تحت العجاج ... بين الدلاص وبين الرماح من القوم ينزلهم (6) خضدهم ... عن الموت شوك القنا في البراح [131ب] وعنهم تكون رفع العلا ... سماءً على عمد من صفاح وقادوا الزمان إلى اليوم وهو ... رقيق الحواشي صقيل النواحي   (1) الفوات 2: 393 والقلائد: 146 والمغرب 1: 375 والنفح 1: 674. (2) القلائد والنفح والمغرب: مر الرياح. (3) في المصادر: طرف، وكذلك خ بهامش ط. (4) الفوات: عداتك (جمع عدة) . (5) الفوات: بالرياح. (6) ط: يزلهم خضرهم؛ د: يزدهم حصدهم؛ س: ينزلهم حصدهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 697 وله من أخرى، وهي قصيدة فريدة بها الأوائل، وصرح فيها عن كل طائل، والمرء تحت لسانه، وشرفه بنفسه لا بزمانه، أولها (1) : ساروا ومسك الدياجي غير (2) منهوب ... وطرة الشرق غفل دون تذهيب على ربى لم يزل شادي الذباب بها ... يلهي بآنق ملفوظ ومضروب كالغيد في (3) قبب الأزهار أذرعه ... بالبرق فوقي دراً غير مثقوب والغيم تنثر منه راحة (4) خضبت ... بالبرق فوقي دراً غير مثقوب فرحت أستخبر الأنفاس لا الطسم ال ... أدراس عن موعد في الحي مكذوب وأشتفي بسؤال الريح مخبرةً ... (5) عنهم ولو أنها تهفو بتأنيبي هيهات لا أبتغي منكم هوىً بهوى ... حسبي أكون محباً غير محبوب فما أراح لذكرى غير (6) عالية ... ولا ألذ بحب دون تعذيب ولا أصالح أيامي على دخنٍ ... ليس النفاق إلى خلقي بمنسوب يا دهر إن توسع الأحرار مظلمةً ... فاستثنني إن غيلي غير مقروب مهلاً فدرع حويلي غير محتنة ... عجباً وسيف عزيمي غير مقروب (7) ولا نخل أنني ألقاك منفرداً ... إن القناعة جيش غير مغلوب   (1) منها بيتان في الغيث 2: 232 والريحان: 156 / أوثلاثة في رفع احجب 2: 36. (2) الريحان: موهوب. (3) س: كالقيد في قلب. (4) س: خضلت. (5) ط: بتأنيب. (6) س: عالنة. (7) سقط البيت من د س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 698 ما كل من سيم خسفاً عاف مورده ... إن الإباء لظهر غير مركوب وكم تأزرت الغيطان لي كرماً ... واستشقتني أنفاس الشناخيب أمشي البراز ولا أعفي به أثري ... حسب المريب ركوب اقاع ذي اللوب ورب عاوٍ على إثري بليت به ... بلاء ليث الشرى في الليل بالذيب أسكنت عنه ولو لم يزدجر غضبي ... وشمت صارم تأنيبي وتثريبي سويت أشباح ألفاظي وقدس أر ... واح المعاني لها نقدي وتهذيبي أوانس أذنت لي والنوى قذف ... على علا (1) كل صعل الإذن حجوب سما بذكري إلى أسماعهم أدبي ... مسرى النسين إلى الآناف بالطيب وطار بي أذنه في أفق حرصهم ... على قوادم تأهيلي وترحيبي لا ينظرون إلى شخصي كما نظرت ... بيض الخدور إلى القترا (2) من الشيب من كل مطلق قيد الحرب عن لجبٍ ... قيد الأسود على طير السراحيب يمر مر الغمام الجون يتبع من ... لحمٍ أباريق ترغيب وترهيب مدح بهذه القصيدة المعتمد بن عباد. قوله: " حسبي أكون محباً غير محبوب " لفظ أبي الطيب (3) : أنت الحبيب ولكني أعوذ به ... من أن أكون محباً غير محبوب [132أ] وقوله: " ولا أصالح أيامي على دخنٍ "؛ لفظه أيضاً (4) ، وقوله:   (1) علا: سقطت من ط. (2) ط: الفقرا؛ د: القفرا. (3) ديوان المتنبي: 449. (4) يريد قول أبي الطيب: فلا أحارب مدفوعاً على جدر ... ولا أصلح مغروراً على دخن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 699 " إن غيلي غير مقروب "، لفظ [بيت] الجميح (1) . تسكن غيلاً غير مقروب ... وقوله: " أمشي البراز " ... البيت، عكس قول امرئ القيس (2) : على أثرينا ذيل مرطٍ مرحل ... وأخذه ابن المعتز فقال (3) : فظلت أبسط خدي في التراب له ... ذلا وأسحب أذيالي على الأثر وقوله: " لا ينظرون إلى شخصي كما نظرت " .... البيت، كقول محمد بن هانئ الأندلسي (4) : هم لحظوكم والنبوة فيكم ... كما لحظت شيب الكبير (5) الفوارك وأصله من قول امرئ القيس (6) : أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه وقوسا   (1) س ط د: الجمحي، والجميح لقب لشاعر اسمه منقذ ب الطماح، وبيته هذا من قصيدة له مفضلية، وهي الرابعة ف الترتيب: (شرح ان الأنباري: 25 - 29) : أما إذا حردت حردي فمجرية ... جرداء تمنع غيلا غير مقروب (2) ديوان امرئ القيس: 14، وصدره: " خرجت بها تمشي تجر واءنا ". ... (3) ديوان ابن المعتز 3: 50. (4) ديوان ابن هانئ: 104. (5) الديوان: كما لحظ الشيب النساء. (6) ديوان امرئ القيس: 107. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 700 وللوزير أبي محمد عبد الغفور من أهل وقتنا فصل يتعلق بهذا المعنى من رقعة، قال فيه: كنت (1) قبيل هذا المشيب الذي علا، والشباب الذي تولى، كريما على ذوات الطلى، لا يتعرضن في لمكان القلة (2) بلولا؛ ولما أطار غراب الشباب باز المشيب، ورحت رث الجلباب بعد كل شخت قشيب، سمعتهن حينا يتبرمن، وحينا يترنمن، إلا أنهن يجمجمن ولا يترجمن، وبفضل حاستي - والله الفضل - ما فهمت الوزن، فلما استقريت لتعرف حروفه السهل والحزن، عثر لهجي في تطلب تلك الضالة بلعل وعسى، بقول الملك الضليل: " ألما على الربع القديم بعسعسا " ولم أزل بعد محدثا موسوسا، حتى سقط بي اليقين على قوله " وقوسا " وفي صدر هذا الروي " أراهن لايحببن من قل ماله "، وإذا قوس ظهر المرء فقد استحال جماله، فإذن قاتلهن الله يحببن القبيح ذا المال، والفقير ذا الجمال. وصفة ابن عبدون للذباب: أجاد فيه ما أراد، وقد تناول هذا المعنى أبو بكر بن سعيد البطليوسي، فقال من قصيدة (3) : كأن أهازيج الذباب أساقف ... لها من أزاهير الرياض محاريب وأخذه ابن عبدون من قول ابن الرومي يصف روضا (4) :   (1) ط: كتبت. (2) ط: القلت. (3) بيت البطليوسي في رفع الحجب 2: 36. (4) زهر الآداب: 742 وديوان المعاني 1: 361 والسمط: 486 وتشبيهات ابن أبي عون 389. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 701 وغرد ربعي الذباب خلاله ... كما حثثت النشوان صنجا مشرعا وكانت أهازيج الذباب هناكم ... على شدوات الطير ضربا موقعا وإنما اخترعه أولا عنترة بقوله (1) : فترى الذباب بها يغني وحده ... هزجا كفعل الشارب المترنم غردا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم وهذا من التشبيه الذي ما له شبيه، ولم يجسر عليه أحد، غير أن ذا الرمة نقل معنى الصفة إلى الجندب فقال (2) : كأن رجليه رجلا مقطف عجل ... إذا تجاوب (3) من برديه ترنيم [132 ب] والمقطف: راكب الدابة القطوف، فنقل صفة يدي الذباب إلى رجل الجندب فأحسن الأخذ، وكأنه لم يعرض لعنترة معناه. وقال السلامي في صفة زنبور (4) : إذا حك أعلى رأسه فكأنما ... بسالفتيه من يديه جوامع فباعد عنترة في الصفة، وإن قاربه في الموصوف، وتعلق في اللفظ   (1) زهر الآداب: 740 والحيوان 5: 513 وتشبيهات ابن أبي عون: 389 وديوانه: 197 - 198، وابن بسام يتابع في هذه القطعة ابن رشيق في قراضة الذهب: 69 - 70. (2) ديوان ذي الرمة 1: 419 وقراضة الذهب: 69. (3) ط د س: تجاذب. (4) اليتيمة 2: 420 وقراضة الذهب 69. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 702 بصريع الغواني إذ يقول في النساء (1) : فغطت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع وقد قال بعض أهل أفقنا، وهو يوسف بن هارون الرمادي: وكأس كريق الإلف شعشعتها به ... وعيشي من هذا الشراب المشعشع على روضة قامت لنا بدرانك ... وقام لنا فيها الذباب بمسمع إذا ما شربنا كأسنا صب فضلها ... على روضنا للمسمع المتخلع وقد قال الجاحظ (2) : وجدنا المعاني تقلب ويؤخذ بعضها من بعض إلا قول عنترة في الذباب، وقول أبي يونس في تصاوير الكأس، حيث يقول (3) : قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدريها بالقسي الفوارس فللراح ما زرت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس يريد أن حد الخمر بلغ نحور هذه الصور، وزيد الماء فيه فانتهى الشراب إلى فوق رؤوسها، وفائدة هذا معرفة حدها صرفا، من حدها ممزوجة.   (1) ديوان مسلم: 273 وزهر الآداب: 996 وقراضة الذهب: 70. (2) ورد هذا القول في زهر الآداب: 739 - 740 وانظر تعليق الجاحظ على شعر عنترة في وصف الذباب في كتاب الحيوان 3: 311 - 312. (3) ديوان أبي نؤاس: 295 وزهر الآداب: 740. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 703 قال ابن بسام: وقد ذكر أن الحسن ولد هذا المعنى من قول امرئ القيس (1) : فلما استطابوا صب في الصحن نصفه ... وشجت بماء غير طرق ولا كدر فجعل الشراب والماء نصفين (2) ، لقوة الشراب، فتسلق الحسن عليه، وأخفاه بما شغل به الكلام، من ذكر الصورة المنقوشة في الكأس، إلا أنها سرقة مليحة. وكرر أبو نؤاس هذا المعنى عجبا به في مواضع كقوله (3) : بنينا على كسرى سماء مدامة ... مكللة حافاتها بنجو فلورد في كسرى بن ساسان روحه ... إذن لاصطفاني دون كل نديم وأخذه الناشئ وولد معنى زائدا فقال (4) : في كأسها صور تظن لحسنها ... عربا برزن من الحجال وغيدا وإذا المزاج أثارها فتقسمت ... ذهبا ودرا توأما وفريدا فكأنهن لبسن ذاك مجاسدا ... وجعلن ذا لنحورهن عقودا وقال ابن المعتز (5) : وكأس (6) من زجاج فيه أسد ... فرائسهن ألباب الرجال   (1) ديوان امرئ القيس: 11. (2) س ط: قسمين. (3) زهر الآداب: 742. (4) زهر الآداب: 740. (5) زهر الآداب: 738 وديوان ابن المعتز 3: 97 والأوراق: 199. (6) الديوان: بغاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 704 وألم بهذا الملتمس بن بطال البطليوسي (1) فقال: غاب من الأكواس فيها ضراغم ... من الراح ألباب الرجال فريسها قرعت بها سن الهموم فأقلعت ... وقد كاد يسطو بالفؤاد رسيسها [133أ] وقال بعض أهل عصرنا، وهو أبو تمام بن رباح (2) : وكأسٍ بدا بها في قرارةٍ ... غريقاً ولكن في خليج من الخمر وما صورته فارس عبثاً به ... ولكنهم جاءوا بأخفى من السحر أشاروا بما دانوا له في حياته ... فيومي إليه بالسجود وما يدري ومثل هذه المعاني التي ذكروا مما انفرد به كل واحد من الشعراء، لا يكاد يتناولها حاذق إلا قصر، إلا أن يزيد زيادةً تظهر، ولذلك ما تحامي الناس أشياء كثيرةً من المعاني التي أخذت حقها من اللفظ، ولم يبق فيها فضلة تلتمس، والقرائح تتفاضل، ألا ترى إلى قول جميل في وصف امرأة فاجأها (3) : غدا لاعب في الحي لم يدر أننا ... نمر ولا أرض لنا بطريق فلما (4) انتحيناه اتقانا بكمه ... وأعلن من ورعاتنا بشهيق   (1) هو سليمان بن محمد بن بطال، أبو أيوب: كان فقيهاً مقدماً وشاعراً محسناً قريباً من الأربعمائة (انظر ترجمته في الجذوة: 206 وبغية الملتمس رقم: 762 والنفح 3: 292، 450 وله مقطعات كثيرة في كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس) . (2) ترجمته في القسم الثالث: 821. (3) لم يرد هذا الشعر في ديوان جميل؛ ولكن ابن بسام يتابع هنا ما يقوله ابن رشيق في قراضة الذهب: 57. (4) القراضة: افتجيناه (ولا أراه صواباً) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 705 كيف وصف حقيقة الحال التي صورها تصويراً، مع حسن لفظ، وليس مع ذلك ببالغٍ قول النابغة (1) : سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد رجع وقال ابن عبدون من قصيدة: لولا المؤيد، مد الله مدته، ... ما كان لي في سوى بغداد من ارب فلم أكن وسوى (2) بغداد لي أمل ... فيها كما كنت في أهلي بمغترب وإن نبت حمص بي والله يعصمها ... ركبتها عزمةً تشأى الكواكب بي وللمؤيد، مد الله مدته ... رأي يغالط شهب الليل في القطب لم ينتقب وجهه للسمر مشرعةً ... وإنه من حياء الوجه في نقب يشأى المساجل في بأس وفي كرم ... ويملأ الدلو في العليا إلى الكرب تراه إن تدعه يومي (3) ندى ووغى ... النار في عرفج والماء في صبب إليك مني، أعز الله نصرك ما ... أبقته أيدي السرى والبيد والنوب جاءتك ترقص أردان الكلام به ... سوابح تأكل الغبراء بالخبب وله في المعتمد من قصيدة: إن الممالك والسيوف شهود ... لكم إمام والملوك عبيد   (1) ديوان النابغة: 34 وقراضة الذهب: 57. (2) بغداد: سقطت من ط د. (3) ط د س: يوماً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 706 شامتكم في المكرمات عزائم ... جارٍ على أحكامها التأييد وعلاً نشأن مع النجوم وقبلها ... ولهن من بعد النجوم خلود من معشرٍ أخذوا بأطراف العلا ... والأفق غفل والليالي سود جادوا فبانت في البسيطة أنجم ... وسطوا فثارت في السماء أسود يا روضةً وصف النسيم أريجها ... رفي (1) علي فإنني غريد ما لي أرفرف حول دوحك ضاحياً ... أصف الأوار (2) وماؤها مورود لا ذنب للآمال إلا أنها ... شهب لها من أن تراك سعود [133ب] ركبت إليك جناح كل عزيمةٍ ... قرب الردى من خلفها مزءود أكلت إليك الأرض وهي بحسبها ... إن لم تعقها من ثناك قيود قوله: " وعلا نشأن مع النجوم وقبلها "، مأخوذ من قول المعري، وله فيه زيادة، تجاوزت الغاية في الإجادة، وخرقت في الإحسان كل عادة، وهو قوله يصف خيلاً (3) : نشأن مع النعام بكل دو ... فقد ألفت نتائجها الرئالا (4) ولعل هذا توارد من الطباع، وبحسب القريحة يكون الإبداع والاختراع. وقوله: " يا روضةً وصف النسيم أريجها "، من قول إسحاق   (1) ط: رقي. (2) لعل الصواب: " الأوام ". (3) شروح السقط: 454. (4) نشأن: الضمير يرجع إلى بيت ذكر فيه السوابق، أي وقت الألفة بين المهار والرئال وهي أولاد النعام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 707 الموصلي (1) : يا سرحة الماء قد سدت موارده ... أما إليك طريق غير مسدود ولابن عبدون من قصيدة في الرشيد نقلتها من مبيضاته، ولم يعرضها عليه، ولا أوصلها اليه، أولها (2) : عزيم لا يسد عليه باب ... وقلب لا يفل له ذباب ومنها: مضى في نائبات الدهر (3) صلداً ... فلم يثلم وقد طال الضراب وقد زروا (4) الضلوع على قلوب ... لو انتضيت لقط بها الرقاب وسرت ومن كواكبه حلي ... علي ومن غياهبه قراب ولو بسوى الرشيد جعلت هديي ... لضل الركب فيها والركاب من النفر الألى طلعوا نجوماً ... فمن أنوائهم فينا انسكاب إذا هزتهم نغم العوالي ... فليس سوى النجيع لهم شراب وباء فقلت في الغبراء برج ... وثار فقلت في الخضراء غاب لقد عقدت حباه على خلالٍ ... ظباه لا تهاب كما تهاب وطبق مفصل العليا بنفسٍ ... مآثرها تراث واكتساب كأن عداه في الهيجا ذنوب ... وصارمه دعاء مستجاب   (1) الأغاني 5: 350 ورفع الحجب 1: 41 ونهاية الأرب 1: 279 والذخيرة 1: 863. (2) ومنها ستة أبيات في الريحان 1: 155 ب. (3) الريحان: فرداً. (4) الريحان: عطفوا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 708 وهذا مما أغرب فيه، ولم أسمع له بشبيه، ولعله أمير شعره، ونتيجة فكره؛ وفيها يقول: إليك أبا الحسين ركبت عزماً ... يضيق برحب مسعاه الطلاب رمت في البحر منك ولم تعرج ... (1) على أرضٍ بقيعتها سراب وقد مرقت إليك من الدجى بي ... أعاريب تخب بها عراب هفت بي والدجى يهفو حشاه ... كما كسرت على خززٍ عقاب قول أبي محمد: " وسرت ومن كواكبه حلي " ... البيت، سلك فيه سبيلاً من البديع لا تسلك، واستولى منه على غاية من الكلام المطبوع قلما تدرك. وأما قوله: " كما كسرت على خززٍ عقاب " فما أولاه عليه بالعقاب، إذ نسخ لفظ أبي الطيب كما تراه، وقصر أكثر مما شاء عن معناه، وهو (2) : يهز الجيش حولك جانبيه ... كما نفضت جناحيها العقاب على أن أبا الطيب إنما تطرف قول طرفة (3) : بكتائبٍ تردي كما ... تردى إلى الجيف النسور [134أ] ولكن المتنبي طار في السماء مع العقاب، وترك طرفة في الأرض على التراب.   (1) وقع هذا البيت آخراً في س. (2) ديوان المتنبي: 370. (3) لم يرد في ديوان طرفة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 709 وكان أبو محمد حين استوحش من المنصور بن المتوكل (1) ، ولحق باشبيلية، كتب إلى الوزير الأجل أبي بكر بن زيدون بهذه الأبيات: لك الخير من مثري اليدين من العلا ... إذا تربت أيدي النوى والتطول بما كان بين الماضيين من الذي ... إليه استنادي (2) أو عليه معولي ولم تتمسك بالمؤيد لي يد ... وقد زهقت (3) رجلي عن المتوكل وله أيضاً يقول: قل للوزير أدام الله عزته ... والجاه يفني وقول الدهر مفهوم لئن نبت بي حمص وهي قد فعلت ... فليس تنبو بي السبع الأقاليم لي في مناكب أرض الله مضطرب ... إن سامحت بي النوى (4) لخم ومخزوم ثم انصرف إلى حضرة المتوكل ببطليوس، ودفع إليه قصيدةً أولها: خصمت الظبا عنكم على أنها لد ... بقرعٍ له في كل بارقةٍ رعد بزرقٍ بما خلف الضلوع بصيرةٍ ... على أنها مما بكت حدق رمد تركت لمن هز الأسنة رأيه ... وقلت لغيري الخفض والعيشة الرغد وطار جناح الليل مني بأجدلٍ ... إذا ما الظبا فاضت ففيها له ورد منير أسارير الرئاس إذا سرى ... وشت بسراه البيد والليل مسود   (1) كذا في النسخ، والمنصور هو أخو المتوكل لا ابنه، وقد ولي بطليموس بعد وفاة أبيه المظفر (سنة 460) ؛ وأما ابناه المتوكل فهما الفضل والعباس ولا أعرف إن كان أحدهما لقب بالمنصور، وقد قتلا مع أبيهما (سنة 487) . (2) س: اجتهادي. (3) ط د: زهقت؛ س: زلقت؛ وزهقت: خفت وعجلت. (4) س: بالنوى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 710 وفيها من عتابه للمتوكل: أفالآن لما ملني ومللته ... طلاب لوى عن نيله الزمن الوغد وباضت على رأسي السنون وفرخت ... وما لي حل في الأمور ولا عقد طمعت بحمص أن تلين لمطلبي ... ولا عجب قد يرشح الحجر الصلد ولي. فأسأت، الذنب في ذاك لا لها ... فمذ توجد الجعلان لم ينفق الورد ما أخرجته من سائر مقطوعاته الإخوانيات من ذلك ما أنشدنيه لنفسه، مما خاطب به الوزراء الكتاب بني سعيد ابن القبطورنة، حين خرج عن بطليوس مستوحشاً، حسبما وصفته (1) : أخلائي وفي قرب الصدور ... ظبا تقضي (2) على قمم الدهور وقد ضمت (3) جوانحنا قلوباً ... أبت غير القصور أو القبور إذا الكرماء نامت (4) فوق ضيمٍ ... فما فضل الكبير على الصغير فقبل أبى الدنية قيس عبسٍ ... (5) ولم يصغي إلى قول المشير لئن عثروا وليس لعاً جواب ... فلا علقت بطون من ظهور ولا سعوا بها إلا بصم ... ولا نظروا بها إلا بعور   (1) منها أربعة في القلائد: 146. (2) القلائد: تمضي. (3) س: جوانحها. (4) القلائد: باتت تحت. (5) القلائد: العشير؛ وقيس عبس هو قيس بن زهير الذي هاجر قومه بعد حرب داحس والغبراء وأوى إلى عمان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 711 ومنها: [134ب] ودلهني فراق بني سعيد ... فما أدري قبيلاً من دبير وبات بطريقه هنالك على وادي آنة بقربة لب، فقال: عذيري إلى المجد من كون مثلي ... بآنة أو من مبيتي بلب وبغداد لو هتفت بي هلم ... هلم لما كنت ممن يلبي وأنشدني أيضاً له مما خاطب به بعض الأعيان: سأطلب لا بألسنة اليراع ... سوى ذا الحظ من أيدي الزماع وأخبط بالسرى ورق الدياجي ... ووجه الموت محدور القناع وأمرق من أسارير المواضي ... كما مرق الهلال من الشعاع فسلني عن ملوك الأرض تسأل ... خبيراً فاقض حق الاستماع عرضت عليهم نفسي ونفسي ... لأوضح غبنهم عند البياع فما اتبعوا دليلاً في اجتنابي ... ولا سلكوا سبيلاً في اصطناعي كأضعاء بها ألم فقلت ... على ضمد (1) ورأس في صداع ومن عصب إذا سئلت حراكاً ... شكت بسكونها نحل (2) النخاع ويمنى لا تجود على شمال ... ولا تصغي المودة للذراع وعين لا تغمض عن قبيح ... (3) وأذن لا تألم من قذاع فما أبقوا ولا هموا ببقيا ... ونقل الطبع ليس بمستطاع   (1) الضمد: الحقد. (2) النحل بمعنى النحول، وهو من النادر في الاستعمال. (3) ط د: قراع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 712 فلو سقت السماء الشري أرياً ... لما احلولت مراعيه لراع بدهرٍ ضاعت الأحساب فيه ... ضياع الرأي في السر المذاع فبعتهم بتاتاً لا بثنيا ... ولا شرط ولا درك ارتجاع ولم أجعل قرابي غير بيتي ... (1) فحسبي ما تقدم من قراع قوله: " كأعضاء بها ألم " ... البيت، مع الذي بعده، أراه فيما انتحاه سلك سبيل أبي نصر المعافى (2) ، من أناشيد الثعالبي، حيث يقول: لما رأيت الزمان نكساً ... وفيه للرفعة اتضاع كل رئيس (3) به ملال ... وكل رأس به صداع لزمت بيتي وصنت عرضاً ... به عن الذلة امتناع أشرب مما ادخرت راحاً ... لها على راحتي شعاع لي من قواريرها ندامى ... ومن قراقيرها سماع وأجتني من ثمار (4) قوم ... قد أقفرت منهم البقاع وقول أبي محمد: " كما مرق الهلال من الشعاع "، معنى متداول إلا أن قول أبي محمد أولى بالتقديم، ومنه قول بشر بن أبي خازم (5) :   (1) س: نزاع. (2) هو أبو نصر المعافى بن هزيم الهزيمي من أبيورد، وكان يكثر المقام ببخارى ويخدم رؤساءها (اليتيمة 4: 129 - 133 وأبياته هذه ص: 132) . (3) اليتيمة: له. (4) اليتيمة: عقول. (5) ط: أبي بشر بن حازم، د: بشر بن حازم؛ س: بشر أبي حازم؛ وليس في البيت ديوان بشر، وقد جاء في اللسان (ودق) منسوباً لزيد الخيل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 713 ضربن بغمرو فخرجن منها ... خروج الودق من خلل السحاب وقال المتنبي (1) : [135أ] وضاقت خطة فخلصت منها ... خلوص الخمر من نسج الفدام وقال أبو تمام (2) : فخرجت منها كالشهاب ولم تزل ... مذ كنت خراجاً من الغماء وقال أبو الحسن الرضي (3) : وقال ابن مقبل (4) : خروج من الغمى إذا صك صكة ... (5) بد والعيون المستكفة تلمح إذا امتحنته من معد عصابة ... غدا ربه قبل المفيضين يقدح والغماء (6) : هاهنا جماعة القداح.   (1) ديوان المتنبي: 477. (2) ديوان أبي تمام: 19. (3) ديوان الرضي 2: 446. (4) ديوان ابن مقبل: 29، 30 والعمدة 2: 288 والميسر والقداح: 65 واللسان (غمم) وفي الأصول " الغما " حذفت همزته، وهو عندئذ بفتح الغين؛ وفيه يجوز القصر والمد. (5) يصف القدح؛ الغمى: الشدة والضيق؛ العيون المستكفة: المحيطة به. (6) كذا ورد أيضاً بالمد، ورواية الديوان بالقصر وضم العين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 714 وأول من نطق بهذا المعنى امرؤ القيس بقوله (1) : إذا ما ركبنا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتي الصيد نحطب فنقله ابن مقبل إلى صفة القدح، وقال: إذا امتحنه ممتحن غدا يقدح ناراً قبل الإفاضة به ثقة بفوزه، ونقله ابن المعتز إلى صفة جارح فقال (2) : قد وثق القوم له بما طلب ... فهو إذا جلى لصيد واضطرب عروا سكاكينهم من القرب ... وأنشدني أيضاً لنفسه مما خاطب به الوزير أبا القاسم ابن الجد (3) : شجيري (4) من فهر لا تخمشن ... وجه الإخاء بظفر العذل فأقسم. أني أجيب الصبا ... إذا ما دعتني إليه المقل وما أنس ليلتنا والعناق ... قد مزج الكل منا بكل إلى أن تقوس ظهر الظلام ... واشمط عارضه واكتهل ومس رقيق رداء النسيم ... على عاتق الفجر (5) بعض البلل وسبح رعد المثاني بحمد ... بني يعرب في سماء الجذل إذ الدهر ميت الخطى واللحاظ ... عنا وأحداثه في غفل وللطير في الورق النضر شدو ... كشدو القيان عليها الكلل   (1) ديوان امرئ القيس: 389 والعمدة 2: 288. (2) ديوان ابن المعتز 4: 7 والأوراق: 209. (3) منها ثلاثة أبيات في كل من المغرب 1: 375 والخريدة 2: 106 والقلائد: 147. (4) د: مجيري، والسجير: الخليل والصفي. (5) المغرب: في عاتق الليل؛ الخريدة والقلائد: على عاتق الليل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 715 فأبت وذنبي أمير الذنوب ... ودولته فوق تلك الدول أشار في هذا البيت الأخير إلى قول أبي الطيب (1) : أميرة (2) اللحظ في الألحاظ مالكة ... لمقلتيها عظيم الملك في المقل وقال أبو نواس (3) : أصبني منك يا أملي بذنب ... تتيه على الذنوب به ذنوبي وأنشدني أيضاً لنفسه (4) : هل تذكر العهد الذي لم أنسه ... ومودتي (5) مخدومة بصفاء والأنس قد خلع (6) العذار فبيننا ... بر البنين ورقة الآباء ومبيتنا في نهر حمص والحجى ... قد حل عقد حباه بالصهباء [135ب] ودموع طل الليل تخلق (7) أعيناً ... ترنو إلينا من عيون الماء وأنشدني أيضاً لنفسه (8) :   (1) ديوان المتنبي: 329. (2) الديوان: مطاعة؛ ط د: أسرة. (3) ديوان أبي نواس: 428. (4) منها ثلاثة أبيات في كل من القلائد: 147 والمغرب 1: 375 والخريدة 2: 106. (5) س: ومودة. (6) س: الوقار. (7) تكرر هذا الشطر من قبل: 684 س: 5. (8) انظر القلائد والخريدة والفوات والمطرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 716 وما أنس بين النهر والقصر وقفةً ... نشدت بها ما ضل من شارد الحب رميت بلحظي سمحت (1) به ... فلم أثنه إلا ومحرابها (2) قلبي وأنشدني أيضاً لنفسه قصيدة أولها: دعتك ومن سجيتك البدار ... رؤوس أينعت منها ثمار ومنها في وصف السيوف: فيوردها ظماءً وهي ماء ... ويصدرها رواء وهي نار ويقرضها أعاديه لجيناً ... وترجع وهي لو سلمت نضار بيته الأوسط منها نقله من قول أبي الشيص، إلا أنه زاد عليه، واستلبه من يديه، وهو (3) : فأوردها بيضاً ظماءً صدورها ... وأصدرها بالري ألوانها حمر وهذا المعنى كثير؛ وبيته الثالث نسخ بيت أبي الطيب، ونقله من الوادي إلى السيف، وهو (4) : ركض الأمير وكاللجين حبابه ... وثنى الأعنة وهو كالعقيان وقال أيضاً أبو الطيب (5) :   (1) القلائد: بعيني رمية جمحت به؛ الخريدة: سخت به. (2) القلائد والخريدة: ومجروحها. (3) لم يرد في ديوان أبي الشيص المجموع. (4) ديوان المتنبي: 414. (5) ديوان المتنبي: 390. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 717 ولا ترد الغدران إلا ماؤها ... من الدم كالريحان تحت الشقائق وقال محمد بن هانئ (1) : لا يوردون الماء سنبك سابح ... أو يكتسي بدم الفوارس طحلبا وأشهر موضع نقله منه قول السناط (2) : فخذ ذهبا ورد لنا لجينا ... تكن في الناس أربح صيرفي إلا أن قول ابن عبدون قد (3) سلم من الحشو الذي لا يحسنه إلا من أدمن محاولة مضايق المقال فاقتحمها، واعترى بفجاج السحر الحلال فتسنمها، وما أشبه في لين المهز، وإجادة المحز، بقولب ابن المعتز (4) : صببنا عليها ظالمين سياطنا ... فطارت بها أيد سراع وأرجل وأنشدني له من قصيدة (5) : مررت على الأيام من كل جانب ... أصعد فيها تارة وأصوب ينم بي الثغران: صبح وصارم ... ويكتمني القلبان: نقع وغيهب وقد لفظتني الأرض إلا تنوفة ... يحدثني فيها العيان فيكذب   (1) ديوانه ابن هانئ: 189. (2) هو أبو على الحسن بن حسان، قرطبي عاش في زمان عبد الرحمن الناصر وأصله من وادي الحجارة وقد عرفت به وبمصادر ترجمته في القسم الأول: 512 وبيته هذا في المغرب 2: 37 والقسم الأول من الذخيرة: 312، 512) . (3) ط د: لو. (4) زهر الآداب: 310 ونهاية الأرب 10: 59. (5) انظر القلائد والمطرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 718 وهذا كقول المتنبي (1) : وغادر الهجر ما بيني وبينكم ... يهماء تكذب فيها العين والأذن ومن شعر ابن عبدون في الرثاء والتأبين قوله مما أنشدنيه في أخيه عبد العزيز يرثيه: رويدك أيها الدهر الخؤون ... ستأكلنا وإياك المنون تعللنا الأماني وهي زور ... وتخدعنا الليالي وهي خون [126 أ] وكم غرت بزبرجها قرونا ... فما أبقت ولا بقت (2) القرون فجعت بزاهر من سر فهر ... كبدر التم هالته عرين بأروع ملء عين الحسن (3) قيدا ... إذا أخذت مجاريها العيون منير العرض فضفاض المساعي ... طويل الباع ناديه رزين سمت فوق السماء به ظهور ... وما حطته إذ حطت بطون فأنضبت المنايا منه بحراً ... جواريه صفون لا سفين وأغمضت البسيطة منه نصلا ... طوابعه قيول لا قيون مضى من لو سبقت لما تعزى ... ولولا جفت له بعدي جفون وأبقتني يد الأيام فردا ... كما غدرت بيسراها اليمين وهل يبقى على فير الليالي ... شفيق أو شقيق أو قرين وقال يرثي ذا الوزارتين أبا محمد بن خلدون (4) ، وكان استشهد يوم الجمعة المشهور:   (1) ديوان المتنبي: 468. (2) س: أنت. (3) ط د: قيد. (4) ذكره في المفح 3: 242 وأنه كان مع أبي الوليد ابن زيدون وابن عمار، وانظر بدائع البدائه: 225 - 226. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 719 ملكت فأسجح لا أبا لك يا دهر ... أفي كل عام في العلا فتكة بكر (1) رثته فقلنا إنها لتماضر ... وإن ابن خلدون لمفقودها صخر مضى لم يرث عنه الرئاسة وارث ... ولولا المساعي الزهر لانقطع الذكر وما كان إلا الغيث أقلع جملة ... فلم يك منه لا غدير ولا زهر فيا ليتني بين العوالي وبينه ... وقد ملكتني من أعنتها فهر لأطبق منه بالعشا حدق القنا ... ضرابي وإن كانت لها الأعين الخزر فيا لأبي محمد بن عبدون في الحرب الزبون، مجناً ليس بحصين، ليته كلما شهد وقيعة كان كمجن (2) ابن أبي ربيعة، حسبه الكتب من الكتائب، وكفاه اعتناق القضب من خرط القواضب، وأرى فهراً لو ملكته يومئذ أعنتها، وجعلت إليه سيوفها وأسنتها، لمات ميتةً ضاحكية (3) ، أو حي حياةً فهرية قطنية (4) ، ولخر البيت وعموده، وضاع الرعيل ومن يقوده. وقال من قصيدة له فريدة ضمنها من أباده الحدثان، من أكثر ملوك الزمان (5) :   (1) تماضر: الخنساء. (2) ط: كمجر؛ د: كمجد؛ س: كمحق؛ والإشارة إلى قول عمر بن أبي ربيعة: فبات محني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر وفيل أن يزيد بن معاوية عرض جيش أهل الحرة فمر به رجل من الجند معه ترس خلق، فقال له يزيد: ويحك، ترس عمر بن أبي ربيعة كان أحسن من ترسك (الأغاني 1: 91) . (3) أي مات كما مات الضحاك بن قيس الفهري. (4) أي طالت حياته كما طلت حياة عبد الملك بن قطن الفهري والي الأندلس (ابن عذاري 2: 32) . (5) وردت مشروحة، شرحها ابن بدرون (ونشرها دوزي، ونشرت بمصر 1340) وهي في المطرب والمعجب والفوات والنفح ونهاية الأرب 5: 190 وبعضها في المغرب والرايات: 32 (غ) والوافي للرندي: 116 وسأقارن نصها في الذخيرة بالفوات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 720 الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصور أنهاك أنهاك لا آلوك (1) موعظة ... عن نومة بين ناب الليث والظفر فالدهر حرب وإن أبدى مسالمة ... والسود والبيض مثل البيض والسمر فلا تغرنك من دنياك نومتها ... فما سجية (2) عينيها سوى السهر ما لليالي أقال الله عثرتنا ... (3) من الليالي وخانتها يد الغير تسر بالشيء لكن كي تغر به ... كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر كم دولة وليت بالنصر خدمتها ... لم تبق منها وسل ذكراك من خبر هوت بدارا وفلت غرب قاتله ... وكان عضبا على الأملاك ذا أثر [136 ب] واسترجعت من بني ساسان ما وهبت ... ولم تدع لبني يونان من أثر واتبعت أختها طسما وعاد على ... عاد وجرهم منها ناقض المرر وما أقالت ذوي الهيئات من يمن ... ولا أجارت ذوي الغايات من مضر ومزقت سبأ في كل قاصية ... فما التقى رائح منهم (4) بمبتكر وأنفذت في كليب حكمها ورمت ... مهلهلا بين سمع الأرض والبصر ودوخت آل ذبيان وجيرتهم ... لخما وعضت (5) بني بدر على النهر وما أعادت على الضليل صحته ... ولا ثنت أسدا عن ربها حجر وألحقت بعدي بالعراق على ... (6) يد ابنه أحمر العينين والشعر   (1) د والفوات: معذرة. (2) الفوات: صناعة. (3) س وأصل ط: القدر. (4) د: منها. (5) ط: وعضت. (6) أحمر العينين والشعر: وصف النعمان بن المنذر؛ وقد سعى في قتله زيد بن عدي بن زيد ثأرا لأبيه (شرح البسامة: 128 وما بعدها) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 721 وبلغت يزدجرد الصين واختزلت ... عنه سوى الفرس جمع الترك والخزر ولم تكف مواضي رستم وقنا ... ذي حاجب عنه سعدا في ابنة الغير ومزقت جعفرا بالبيض واختلست ... من غيله حمزة الظلام للجزر وأشرفت بخبيب فوق قارعة ... وألصقت طلحة الفياض بالعفر وخضبت شيب عثمان دما وخطت ... إلى الزبير ولم تستحي من عمر ولا رعت لأبي (1) اليقظان صحبته ... ولم تزوده إلا الضيح في الغمر وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن ... وأمكنت من حسين راحتي شمر وليتها إذ فدت عمرا بخارجة ... (2) فدت عليا بمن شاءت من البشر وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن ... أتت بمعضلة الألباب والفكر فبعضنا قائل ما اغتاله أحد ... وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر وأردت ابن زياد بالحسين فلم ... يبر بشسع له قد طاح أو ظفر وعممت بالظبا فودي أبي أنس ... ولم يرد الردى عنه قنا زفر وأنزلت مصعبا من رأس شاهقة ... كانت به مهجة المختار في وزر ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا ... رعت عياذته بالبيت والحجر ولم تدع لأبي الذبان (3) ماضية ... (4) ليس اللطيم لها عمرو بمنتصر وأظفرت بالوليد بن اليزيد ولم ... تبق الخلافة بين الكأس والوتر ولم تعد قضب السفاح نابية ... عن رأس مروان أو أشياعه الفجر   (1) أبو اليقظان: عمار بن ياسر (شرح البسامة: 154) . (2) ورد في طراز المجالس: 132. (3) شرح البسامة: قاصية؛ د: قائمة، وأبو الذبان هو عبد الملك بن مروان. (4) ط د: بمعتجر (اقرأ: بمحتجر) ؛ س: بمفتخر؛ واللطيم هو عمرو الأشدق بن سعيد بن العاص. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 722 وأسبلت دمعة الروح الأمين على ... دم بفخ (1) لآل المصطفى هدر وأشرقت جعفرا، والفضل ينظره ... والشيخ يحيى، بريق الصارم الذكر وأخفرت في الأمين العهد وانتبذت ... لجعفر في ابنه والأعبد الغدر وما وفت بعهود المستعين ولا ... بما تأكد للمعتز من مرر وأوثقت في عراها كل معتمد ... وأشرقت بقذاها كل مقتدر [137 أ] وروعت كل مأمون ومؤتمن ... وأسلمت كل منصور ومنتصر وأعثرت آل عباس لعا لهم ... بذيل رباء من بيض ومن سمر بني المظفر والأيام ما برحت ... (2) مراحلا والورى منها على سفر سحقا ليومكم يوما ولا حملت ... بمثله ليلة في مقبل العمر من للأسرة أو من للأعنة أو ... من للأسنة يهديها إلى الثغر من للبراعة أو من لليراعة أو ... من للسماحة أو للنفع والضرر أو رفع كارثة أو دفع آزفة ... أو ردع حادثة تعيا على القدر ويح السماح وويح الجود لو سلما ... وحسرة الدين والدنيا على عمر سقت ثرى الفضل والعباس هامية ... تعزى إليهم سماحا لا إلى المطر ثلاثة ما رقى النسران حيث رقوا ... وكل ما طار من نسر ولم يطر [ثلاثة ما رأى العصران مثلهم ... فضلا ولو عززوا بالشمس والقمر] (3) ومر من كل شيء فيه أطيبه ... حتى التمتع بالآصال والبكر من للجلال الذي عمت مهابته ... قلوبنا وعيون الأنجم الزهر   (1) ط د: يسح؛ والمقتول بفخ هو الحسين بن علي بن حسن بن حسن، واستشكل ابن بدرون هنا على الشاعر لقوله " وأسبلت دمعة الروح الأمين " إذ أن دمعة الروح الأمين لم تسبل على قتيل فخ وإنما على الحسين بن علي نفسه (انظر ص: 220 من شرح البسامة) . (2) من هنا حتى آخر القصيدة لم يرد إلا في س. (3) زيادة لاتصال السياق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 723 أين الإباء الذي أرسوا قواعده ... على دعائم من عز ومن ظفر أين الوفاء الذي أصفوا شرائعه ... فلم يرد أحد منها على كدر كانوا رواسي أرض الله منذ نأوا ... عنها استطارت بمن فيها ولم تقر من لي - ولا من - بهم إن عطلت سنن ... وأحفيت ألسن الأيام والبشر من لي - ولا من - بهم إن طبقت محن ... ولم يكن وردها يفضي إلى صدر على الفضائل - إلا الصبر - بعدهم ... سلام مرتقب للأجر منتظر يرجو عسى وله في أختها أمل ... والدهر ذو عقب شتى وذو غير وقد سلك بعض أهل عصرنا هذه السبيل، وهو أبو جعفر الكفيف التطيلي، فقال (1) : خذا حدثاني عن فل وفلان ... لعلي أرى باق على الحدثان وعن دول جسن الديار، وأهلها ... فنين، وصرف الدهر ليس بفان وعن هرمي مصر الغداة أمتعا ... بشرح الشباب أم هما هرمان وعن نخلتي حلوان كيف تناءتا ... (2) ولم تطويا كشحا على شنآن وطال ثواء الفرقدين لغبطة ... أما علما أن سوف يفترقان (3) وزايل بين الشعريين تصرف ... من الدهر لا وان ولا متوان فإن تذهب الشعرى العبور لشانها ... فإن الغميصا في بقية شان وجن سهيل بالثريا جنونه ... ولكن سلاه كيف يلتقيان   (1) ديوان الأعمى التطيلي: 224 ومر منها بيتان ص: 487. (2) نخلتا حلوان اللتان ذكر هما مطيع بن اياس في شعره، وقيل إنه قطع للرشيد جمار إحداهما فماتت، انظر ثلاثة شعراء عباسيون: 69. (3) الديوان: مصرف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 724 وهيهات من عدل القضاء وجوره ... شآمية ألوت بدين يمان فأجمع عنها آخر الدهر سلوة ... (1) على طمع خلاه للدبران وأعلن صرف الدهر لابني نويرة ... بيوم تناء غال كل تداني وكانا كندماني جذيمة حقبة ... (2) من الدهر لو لم تنصرم لأوان فهان دم بين الدكادك (3) واللوى ... وما كان في أمثالها بمهان وضاعت دموع بات يبعثها الأسى ... يهيجه قبر بكل مكان ومال على عبس وذبيان ميلة ... فأودى بمجني عليه وجاني فعوجا على جفر (4) الهباءة فأعجبا ... (5) لضيعة أعلاق هناك ثمان دماء جرت منها التلاع بملئها ... ولا ذحل إلا أن جرى فرسان وأيام حرب لا ينادى وليدها ... أهاب بها الحي يوم رهان فآب الربيع (6) والبلاد تهره ... ولا مثل مود من وراء عمان وأنحى على ابني وائل فتهاصرا ... غصون الردى من كزة ولدان تعاطى كليب فاستمر بطعنة ... أقامت لها الأبطال سوق طعان   (1) الدبران: نجم يدبر الثريا، بينها وبين الجوزاء. (2) إشارة إلى قول متمم بن نويرة في رثاء مالك (المفضلية: 67) . وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وندمانا جذيمة هما عقيل ومالك اللذان يقول فيهما أبو خراش الهذلي: ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل (3) إشارة إلى قول متمم: وقالوا أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك (4) جفر الهباءة: مستنقع ببلاد غطفان قتل فيه عدد من بني فزارة، أخذوا على غرة. (5) الاعلاق الثماني رهن من بني عبس قتلهم بن بدر في اليعمرية قبل جعفر الهباءة. (6) هو الربيع بن زياد العبسي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 725 وبات عدي بالذنائب يصطلي ... (1) بنار وغى ليست بذات دخان فذلت رقاب من رجال أعزة ... إليهم تناهى عز كل زمان وهبوا يلاقون الصوارم والقنا ... بكل جبين واضح ولبان فلا خد إلا فيه حد مهند ... ولا صدر إلا فيه صدر سنان وطال على الجونين بالشعب فانثنى ... بأسلاب مطلول وربقة عان (2) [137 ب] وأمضى على أبناء (3) قيلة حكمه ... على شرس أدلوا به وليان ولو شاء عدوان الزمان ولم يشا ... (4) لكان عذير الحي من عدوان وأي قبيل لم تصدع جميعهم ... ببكر من الأرزاء أو بعوان خليلي أبصرت الردى وسمعته ... فإن كنتما في مرية فسلاني خذا من فمي هلا وسوف فإنني ... أرى بهما غير الذي تريان ولا تعداني أن أعيش إلى غد ... لعل المنايا دون ما تعداني وقد تقدم أيضاً إلى هذه الطريقة جماعة من المتقدمين والمتأخرين (5) ،   (1) عدي: هو مهلهل بن ربيعة أخو كليب، والذئاب: اسم موضع يذكره مهلهل في قوله: فإن يك بالذنائب طال ليلي ... فقد أبكي من الليل القصير وفي ط: علي. (2) الشعب: شعبة جبل، وفيه يوم من أيامهم، والجوانان: عمرو ومعاوية ابنا شراحيل ابن الجون وقد أسرهما بنو عامر يوم الشعب (شرح النقائض: 407) . (3) ابنا قيلة: الأوس والخزرج. (4) عدوان: قوم ذي الأصبع، تفانوا وفيهم يقول ذو الأصبع: عذير الحي من عدوان ... كانوا حية الأرض بغى بعضهم بعضا ... فلم يبقوا على بعض وانظر ما تقدم ص: 12. (5) والمتأخرين: سقطت من ط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 726 قال أبو العلاء المعري (1) : أصاب الأخفشين بصير خطب ... أعاد الأعشيين بلا حوار وغيل المازني من الليالي ... بزند من خطوب الدهر واري وللجرمي ما اجترمت يداه ... وحسبك من فلاح أو بوار وأما (2) فرخه فبلا جناح ... يطير بحمل أقلام جوار وما نفع المبرد من حميم ... وصادت ثعلبا نوب ضوار وقال (3) : أصاب (4) أيكة أهلكوا بظهيرة ... حميت وعاد بالرياح الصرصر كسرى أصاب الكسر جابر ملكه ... والقصر كر على تطاول قيصر وقال (5) : أعيا سوار الدهر كل مساور ... ورمى الخليل بأسهم الأسوار فاحذر وإن بعدت غزاتك في العدا ... (6) قدرا أغار على أبي المغوار جرت القضايا في الأنام وأمضيت ... (7) صدقا بأسوار ولا أسوار   (1) اللزوميات: 142 / أ؛ 1: 328. (2) فرخ الجرمي: كتابه، كان يسمى فرخ سيبويه. (3) اللزوميات 142 ب؛ 1: 330. (4) اللزوميات: أصحاب ليكة. (5) اللزوميات 144 / أ؛ 1: 334. (6) أبو المغوار أخو كعب بن سعد الغنوي، وقد رثاه كعب بقصيدة مشهورة. (7) ط د: بأسرار ولا أسرار؛ والأسوار في القضايا المنطقية مثل " كل " و " بعض " فإذا عريت منها فهي بلا أسوار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 727 في ذكر الأديب أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن هريرة القيسي الأعمى التطيلي (1) له أدب بارع، ونظر في غامضه واسع، وفهم لا يجارى، وذهن لا يبارى، ونظم كالسحر الحلال، ونثر كالماء الزلال، جاء في ذلك بالنادر المعجز، في الطويل منه والموجز؛ نظم أخبار الأمم في لبة القريض، وأسمع فيه ما هو أطرف من نغم معبد والغريض. وكان بالأندلس سر الإحسان، وفردا في الزمان، إلا أنه لم يطل زمانه، ولا امتد أوانه، واعتبط عندما به اغتبط، وأضحت نواظر الآداب لفقده رمدة، ونفوس أهله متفجعة كمدة. وقد أثبت ما يشهد [له] بالإحسان والانطباع، ويثني عليه أعنة السماع.   (1) ذكر الصفدي (نكت الهميان: 110) أنه توفي سنة 525، وترجمته في المغرب 2: 451 والمسالك 11: 389 (وفيهما نقل عن الذخيرة) والقلائد: 273 والخريدة 3: 511 (قسم المغرب) وبغية الملتمس رقم: 429 والسلفي: 16 وله ذكر في الروض المعطار: 133، 196 وبدائع البدائه: 246، 255، 256، 264 والنفح (انظر الفهرست تحت: الأعمى التطيلي) وقد ورد اسم أبيه في نسخة حليم من الذيل والتكملة (الورقة: 167) " عبيد الله " وترد له كنيتان أبو كعفر وأبو العباس؛ وقد كنت نشرت ديوانه اعتمادا على نسختين خطيتين (بيروت 1963) وصدرته بمقدمة في دراسة حياته وشعره، وضممت إلى الديوان موشحاته من دار الطراز وجيش التوشيح وغيرهما، ولكن هذه الترجمة التي أوردها ابن بسام (والتي انفردت بها النسخة س) قد احتوت شعرا لم يرد في ديوانه ونثرا لم تورده المصادر الأخرى، إلا أن انفراد " س " يجعل بعض القراءات أحيانا غير دقيقة، بكل أسف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 728 فمن ذلك رقعة كتب بها إلى بعض إخوانه يعاتب: شاكرك أو شاكيك، من لا يحمد ولا يذم الأيام فيك؛ يا سيدي - كناية عن ذكره، لا توخيا لبره، وإحياء رغبة في إنصافه، لا طمعا في استعطافه - الذي عاطيته كأس الوداد فأمرها، وزفقت إليه بنت الفؤاد فأضر بها وأضرها، ومن أطال الله بقاءه ممتعا بظل السلطان، وإقبال الزمان، فإن الرجل بسلطانه، لا بإخوانه، وبإقبال زمانه، لا بإحسانه، إني - أعزك الله - وإن كان الدهر وضعني ورفعك، وضاق عني ووسعك، بين جنبي نفس عصام، وبين فكي صارم بسطام، إذا ضيم الرجال فلست بالمضروب زيد، وإذا تكلم القول فلست بسعيد بن حميد: الشجو شجوي والعويل عويلي (1) ... لا أستعير عينا للبكاء، ولا أبتغي بكبدي كبدا سليمة من الأرزاء. وإنك أعزك الله - لما تكلمت بلسان سهل بن هارون، وجلست مجلس الفضل من المأمون، وخدمك الدهر، وانثالت في يديك الأنجم الزهر، قلت: أحمد وعلي، وإن لم يكن شبع فري (2) ، أسوأ من أعنق أو نص، وأين من ولي حلب ممن ولي حمص؛ وعلى رسلك: ما كنت أنا الغلط في مثلك، إني أبيت ظمآن، ولا أبيت خزيان، وأحتمل الحرمان، ولا أحتمل الهوان. وليت هذا الأمر وقلبك لي معمور، وأنت بزعمك إلي فقير، وأنا أظن أني سأولي وأعزل، وأحدث في كنفك وأعدل، فما هو إلا   (1) شطر بيت للرمادي، وقبله: " من حاكم بيني وبين عذولي ". (2) يشير إلى شعر لامرئ القيس جاء فيه: فتملأ بيتنا أقطا وسمنا ... وحسبك من غنى شبع وري الجزء: 4 ¦ الصفحة: 729 أن نبت قدمك، وخفق علمك، وابتل قرطاسك وقلمك، [حتى] اختصرت شطر السلام، ودفعت في صدر القيام، وعزلت فلانا قبل الولاية، واقتصرت بأبي الأصبغ دون الغاية، هينمة أيا كنت معناها، وكأس لي شعشعت حمياها، وولايتك خطر، وفي عملك نظر، إنما هو ظل غمامة، ومبيض حمامة، ثم تعود إلى استحلاس البيت، وأكل الخبز بالزيت. وكتب إلى أبي الحسن بن بياع (1) بهذه الرسالة والشعر الذي بعدها: يا عمادي الذي شف قدره على الأقدار، شفوف الضحى على الإبدار، وسرى ذكره بأطيب الأخبار، مسرى النسيم بالأزهار، وامتزج حمده وشكره بالأسماع والأبصار، امتزاج المثاني بالأزيار. وفي فصل منها: وإن كنت ضيق الباع مزجى البضاعة، في غير ورد ولا صدر من هذه الصناعة، فإني أقول بفضلها، وأعرف الحسن من أهلها، وأعرض بنفسي - فاديتك - للالتفات - في حبلها، والتصرف بين جدها وهزلها؛ ولم أزل منذ تخيل جناني، وتقول لساني، وأدبر ملكي أو شيطاني، ألتمس من أهل هذا الشان إماما أسعى باسمه وأحفد، وأقيس على حكمه وأقلد، وأحل بين تهممه وأعقد، والناس كثير، والناقد بصير، وللأمور أعجاز وصدور، فكيف تراني اتخذتك خليلا،   (1) ذكره ابن بسام في الذخيرة 1: 76 وأورد له بيتا على وزن قصيدة الأعمى التالية ورويها وجاء عند السلفي ذكره عرضا (ص 122) واسمه علي بن بياع (كما سيجيء في القصيدة) وهو سبتي النسبة، وقد نقل بعض شعره وشعر غيره من المغاربة أبو عمران السبتي وأنشده للسلفي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 730 وذخرتك على الأيام عهدا مسؤولا، وبايعتك على الطاعة والسمع، وشايعتك سري الاستطاعة والوسع، فعولت عليك كعبة أولي وجهي شطرها، وأسندت إليك هضبة إن خشي سواي وعرها. لأكون قد قدرت هذه الصناعة قدرها، وأبلغت نفسي في ظلها والتعلق بسببها عذرها. وفي فصل منها: وكتبتها عن جنان بلقائك صب. ولسان بشكر آلائك رطب، وشاهد سريرة وإعلان على سلامتك، والشكر لأياديك، ومنافسة أهل ذلك القطر فيك، ما لا يسعه نظم ولا نثر، ولا يحيط به عد ولا حصر. وفي فصل: ولما حجب سناك، ونظرت إليك نظر المنهزم إلى السلم، وتنكب الحادي ذراك، وقربت منك بمكان الدبران من النجم، واستمر الزمان على عادته في إمالة حالي، بإرادته من عكس أراجي وآمالي، خاطبت الحضرة البهية الزدانة بموئلي - دام عزه - بأبيات من ذلك الهذيان، الخالي إلا من البيان، أستغفر الله: بل لهثات من ذلك البرسام، المتولد عن عكس الاحتدام. وهي على حالها ناطقة بلسان شكرها، سافرة عن وجه عذرها. وقد زففتها إليك، واستنبتها عني في المثوى بين يديك، غير - والله - مباه لك، ولا متشبه بك، ولا طمعا في اقتفاء آثارك، فضلا عن ضق غبارك، ولكن تغنما لمسرتك، واعتلاقا بمبرتك، وخدمة للعلية حضرتك، ولترى أين أقع، بما أصنع. ولولا أن أتعدى طوري. وأحور بعد كوري، لقلت: إن تفضل سيدي وإمامي بجواب عزيز ليبسط نفسي، ويرد شارد أنسي، فعل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 731 وأول الشعر (1) : أبا حسن دعاء أو حنينا ... ولا آلوك إن كانت خبالا أتأذن في التظلم من زمان ... عدا تلك الزيارة والوصولا ولو أن الخيال ينوب عني ... لأبلغك الكرى قصصا طوال ولولا أن أدلس في التلاقي ... لزرتك حيث تعترف الخيالا فلم تر بيننا وأبيك فرقا ... سوى أني أحن إذا أحالا ذكرتك ذكرة جذبتك نحوي ... فهل أحسنت نقلا أو نقالا وأعلم أنها كهواك سحر ... ولكن كيف تستهوي الجبالا بلى إن يدن طيفك من وسادي ... فقد سميتها السحر الحلالا وكيف يحس طيفك أو يراه ... ولو نصب الحبائل والحبالا معنى لا يزال سمير شوق ... عهدت لبرحه ألا يزالا يؤرقه بعادك كل ليل ... توهم طول زفرته فطالا كأن نجومه أقداح شرب ... إذا زيدت هدى زادت ضلالا أبا حسن وأين الحسن مما ... تشير به فعالا أو مقالا لك الفضل الذي هو فيك طبع ... إذا احتقبوه غضبا وانتحالا قتلت حقائق الأشياء علما ... كفاك البحث عنها والسؤالا نمتك إلى المكارم والمعالي ... إذا نجم تكارم أو تعالى صقور أبو بدور أو بحور ... وإن لم تلق مثلهم رجالا إذا شهدوا القتار (2) فسوف تدري ... لأية علة شهدوا القتالا بنو الهيجاء طاروا في وغاها ... وإن كانت حلومهم ثقالا   (1) انظر الديوان: 243. (2) الديوان: القتال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 732 إذا زبنتهم شنوا عليها ... جيادا ضمرا طوالا ونعم النازلون على الروابي ... إذا ما الشمس أحرقت الظلالا إذا اكتفت (1) الرياح بحيث تدعو ... بصوب المزن خالقها ابتهالا ولو أني أشاء لأبلغتني ... ذراك، ولو أسيء بها فعالا قلائص ما رحلناهن إلا ... رأيت بهن عصما أو رئالا كأنصاف البرى وتدق عنها ... (2) شواها دقة تسع الخلالا إذا انبعثت رأيت قسي نبع ... (3) وتحسبها إذا بركت سخالا تناسب شدقما أو (4) أذكرته ... وصار لها السرى هما وخالا [تراع من السقاب إذا رأتها ... (5) وتشتاق الأزمة والرحالا وقد ألفت بنات القفر حتى ... حسبت الغول يحذوها النعالا إذا لمع السراب تبادرته ... فأحسبها تريد به اشتمالا وبين جفونها منه نطاف ... إذا سمع الغليل بهن خالا لعلك يا علي لها معاذ ... فتسقيها بحارا (6) أو سجالا وتبسط أو تمد لها يمينا ... غدا نوء السماك لها شمالا أبيعك يا ابن بياع فؤادي ... وغيري من إذا ندم استقالا وأصفيك الوداد وغير ودي ... إذا حالت صروف الدهر حالا إليك هواي تكرمة وبرا ... إذا كان الهوى قيلا وقالا   (1) الديوان: التقت. (2) ورد البيت في الذخيرة 1: 76. (3) الديوان: إذا بلغت محالا. (4) الديوان: أنكرته. (5) زيادة من الديوان لاستكمال المعنى. (6) الديوان: غمارا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 733 ومعذرة تشير بنات صدري ... إليك بها اختصارا واحتفالا عدا بي أن أزورك صرف دهر ... ألح فما أطيق له احتيالا وهم من (1) همومي لو توخى ... طريق الريح كان لها عقالا إذا أعفيت راع إلي منه ... (2) محب لا يمل إذا أطالا يخضخض مدمعي ويخوض فيه ... فما يدع المصون ولا المذالا ودونكها وأنت أجل قدرا ... ولكن عادة حذيت مثالا فإن ضاعت لديك فأنت شمس ... يشب تعسفي فيها الذبالا وإن حظيت وأرجو أن ستحظى ... فإن الشمس نورت الهلالا على خطر أو آن الليل منه ... لعاد شباب راكبه اكتهالا وغب تعقب لو كان منه ... فرند السيف ما قبل الصقالا   (1) الديوان: هموم. (2) هذا البيت والتالي له لم يردا في الديوان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 734 ومن شعره في النسيب وما يناسبه قال (1) : هو الهوى وقديماً كنت أحذره ... السقم مورده والموت مصدره يا لوعة أجلاً من نظرة (2) أمل ... الآن أعرف رشداً (3) كنت أنكره جد من الشوق كان الهزل أوله ... أقل شيء إذا فكرت أكثره (4) ولي حبيب دنا لولا تمنعه ... وقد أقول نأى لولا تذكره وله في قينة كانت تسمى لذيذة (5) : يا قلب ذب من أسى أو لا فلا تذب ... ما من تحب وإن تحرص بمقترب ركبت هول الهوى عن غير تجربة ... وراكب الهول محمول على العطب قد صاب طعم الهوى من بعدما وضحت ... منه ضروب منى أحلى من الضرب لبيت داعيه لما أن دعاك وما ... دعاك داعي الهوى إلا إلى الشجب حتى إذا نلت من تلك المنى جعلت ... تدعو عليك بطول الويل والحرب أيا لذيذ ولا والله مذ حجبت ... عني لعيني في اللذات من أرب   (1) الديوان: 240 وانظر بغية الملتمس: 175 والقلائد: 274 والخريدة 2: 519 والمسالك 11: 390 والمغرب 2: 452. (2) الديوان: يا لوعة هي أحل من جنى أمل؛ المسالك: قربت من نظرة أجلا. (3) الديوان: شيئاً. (4) الديوان: وإن شط المزار به. (5) منها أبيات في الديوان: 247. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 735 تركتني يا حياتي للردى غرضاً ... تفديك أمي من صرف الردى وأبي يصلى فؤادي سعيراً من صبابته ... والعين في لجة من دمعها السرب يا رب قد سفكت أم الوفاء دمي ... وقد تخوفت يوماً أن تؤاخذ بي وقد وهبت لها قلبي، وما خطري ... حتى يعاقب ذاك الحسن من سبي نسيت إلا تدانينا وموقفنا ... على مراقبة من أعين الرقب لما التقينا وقد قيل المساء دنا ... وغابت الشمس أو كادت ولم تغب وأضلعي بين منقذ ومنقصف ... وأدمعي بين منهل ومنسكب تأملني أخت المجد قائلةً ... بمن أراك أسير الوجد والطرب فقلت قلبي مسبي وإنك لو ... كتمت سري لم أكتمك كيف سبي فأعرضت ثم قالت قد أسأت بنا ... ظناً، أيجمل هذا من ذوي الأدب فقلت إني امرؤ لما لقيتكم ... والمرء وقف على الأرزاء والنوب سبت فؤادي ذات الخال قادرةً ... ولا نصيب له منها سوى النصب أشقى بها وهي عني في بلهنية ... شتان والله بين الجد واللعب أصابت القلب لما أن رمته ولو ... رمته أخرى إذن لاشك لم تصب فقالت اشك إليها ما لقيت ولا ... ترهب فلن تبلغ الآمال بالرهب عسى هواك سيعديها فينصبها ... وقد يكون الهوى أعدى من الجرب فقلت أعظمها بل ما أكلمها ... إلا أشار إليّ الموت من كثب قالت أنا أتولى ذاك في لطف ... فقد أؤلف بين الماء واللهب فقلت مثلك من يرجى لمعضلةٍ ... لا زلت في غبطة ممتدة الطنب قالت لها يا لذيذ الحسن صاحبنا ... يهفو إليك وأضحى جد مكتئب صليه أو فاقتليه فالحمام له ... خير من الجهد وفي تعب فلو تراني قد استسلمت مرتقباً ... منها حنان الرضى أو جفوة الغضب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 736 حتى إذا ما ألانت تلك جانبها ... والقلب مهما أرم تسكينه يجب طفقت ألثم كفيها وقد جنحت ... إليّ تضحك بين العجب والعجب ثم افترقنا وما ساءت حفائظنا ... إذ اجتمعنا ولم نأثم ولم نحب لله مثلي ما أدنى سجيته ... من المعالي وأنآها عن الريب كم مآثم مستلذ قد هممت به ... فلم يدعني له ديني ولا حسبي وله فيها أيضاً (1) : يا حب لذة قد أدنفت فاتئد ... إن كنت اجهد في نقضي فلا تزد ويا لذيذة لا والله ما خطرت ... بالقلب ذكراك إلا بت في عضد أتحسبين فؤادي عنك منصرفاً ... وقد حللت محل الروح من جسدي بنتم فخلد عندي وشك بينكم ... شوقاً نفى جلدي لا بل سبى خلدي هيهات يسلو فؤادي عنكم أبداً ... أنى ووجدي بكم باقٍ على الأبد أم الوفاء لحيني ما فتئت بكم ... والناس قد فتنوا بالمال والولد الله يعلم أني مذ عرفتكم ... لم يخل قلبي من خبل ومن كبد ولا اتكال لعيني بعد فرقتكم ... إلا على مفنييها: الدمع والسهد ترى جفونك أرضاها الذي صنعت ... بي أنها نفثت بالسحر في العقد أتترك الناس صرعى لا حراك بهم ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود من كان يفظع طعم الموت في فمه ... فإنه في فمي أحلى من الشهد فإن سقمي أضحى ما له أمد ... والموت أروح من سقمٍ بلا أمد بما بلحظك من غنجٍ ومن حورٍ ... وما بعطفك من عطف ومن أود حني على هاتم بالحب مختبلٍ ... بالشوق مرتهن بالحزن منفرد   (1) منها أبيات في الديوان: 248. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 737 أضحى أسير صدودٍ بل قتيل نوىً ... رمته منها بسهم عنه لم يحد يخشى على حبك الحساد تفضحه ... فما يبوح به يوماً إلى أحد وإن بكى فبدا لعاذليه فعن ... غير اختيار ولكن عادة الكمد أما كفى حزناً أن قد ظمئت وقد ... عاينت عذب الحيا يجري على البرد قد أرهفت دونه سيفان من دعجٍ ... بلحظ أحوى رهيف القد ذي غيد ورد شهي حماه الموت منصلتاً ... فظلت حيران لم أصدر ولم أرد وما عجوز لها ابن واحد بصرت ... به يخوض الردى في ملتقى كبد يوماً بأجزع مني يوم قولهم ... أصخ لداعي تنائينا غداة غد أضحت على الأجد الأقواد باكيةً ... فلم ينل أحد ما نلت في الأحد لقيت فعلة واللذات قد زهيت ... بنا وقد مات صرف الدهر من حسد غنت فلو أن ميتاً كان يسمعها ... لعاد حياً كأن لم يرد يوم ردي فهل يسكن عذالي وإن جهدوا ... ما حركت حرك الأوتار في كبدي يا لذ مالك في قتلي بلا سببٍ ... وأنت سؤلي في قرب وفي بعد رفقاً بقلبي يا قلبي فإنك قد ... أسكنت حيث الأسى في اللب والخلد لم تنطقي قط إلا ظلت أفرق من ... أن أستطار فلم أبدئ ولم أعد ولا مددت يداً للعود عامدةً ... إلا وضعت عليه أن يذوب يدي وله فيها أيضاً (1) : النوم بعدكم علي محرم ... من ذا ينام وقلبه يتضرم ماء الحياة وقد نأيتم آسن ... رنق ووجه الدهر جهم مظلم قد بان عني الصبر لما بنتم ... والوجد ينجد في الفؤاد ويتهم   (1) منها أربعة أبيات في الديوان: 247. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 738 أجريتم دمعي دماً لفراقكم ... ظلماً وقلتم ما له لا يكتم ما كان أكتمني لسري قبل أن ... تكف الدموع كأنما هي عندم فإذا شهدت جماعة واعتادني ... تذكاركم فاضت دموعي تسجم فبحقكم من ذا يعاين أدمعي ... تنهل إلا قال هذا مغرم حملتموني ثقل بينكم ألم ... تتبينوا ألم الحنين فترحموا عاقبتموني في الهوى بذنوبكم ... لقد استطلتم إذ قدرتم فاعلموا أتظلمون وتظلمون محبكم ... ومن العجائب ظالم متظلم أعتبتم فعتبتم وأطعتم ... فعصيتم ووصلتم فهجرتم قد كان لي في هجركم لو أنني ... أقوى عليه من السلامة سلم ولقد علمتم أنني قد رمته ... فضعفت عنه فافعلوا ما شئتم أنتم مناي وفيتم أو خنتم ... ولكم هواي دنوتم أو بنتم يا حبذا أم الوفاء وإن جفت ... وتغيرت فهي التي لا تسأم وهي التي انفردت بودي كله ... ولطالما قد كان وهو مقسم ومن شعره في المديح: له في محمد بن عيسى الحضرمي (1) : عتاب على الدنيا وقل عتاب ... رضينا بما ترضى ونحن غضاب وقالت وأصغينا إلى زور قولها ... وقد يستفز القول وهو كذاب وغمت (2) على أبصارنا وقلوبنا ... فطال عليها الحوم وهي سراب   (1) الديوان: 8. (2) الديوان: وغطت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 739 ودانت لها أفواهنا وعقولنا ... وهل عندها إلا الفناء ثواب وتلك لعمر الله أما ركوبها ... فهلك وأما حكمها فغلاب نلذ ونلهو والأعزة حولنا ... رفات ونبني والديار خراب وتخدعنا عما يراد بنا منىً ... لبحر المنايا دونهن عباب ونغتنم الأيام وهي مصائب ... لهن علينا جيئة وذهاب بكت هند من ضحك المشيب بمفرقي ... أما علمت أن الشباب خضاب وقالت غبار ما أرى وتجاهلت ... وليس على وجه النهار نقاب هل الشيب إلا الرشد جلى غوايتي ... فأصبحت لا يخفى علي الصواب وأصبح شيطاني يعض بنانه ... وقد لاح دوني للقتير شهاب أأغفو لصرف الدهر عن هفواته ... على حين لا يأبى (1) علي عقاب وأتركه يمضي على غلوائه ... وقد عز (2) إعتاب وطال عتاب برئت من العلياء إن لم أرده ... ولي ظفر قد عاث فيه وناب وإن لم أنهنه من شباه بعزمةٍ ... تذل لها الأشياء وهي صعاب وقائلة ما بال حمص نبت به ... ورب سؤال ليس عنه جواب نبت بي فكنت العرف في غير أهله ... يعود على موليه وهو تباب وتالله ما استوطنتها قانعاً بها ... ولكنني سيف حواه قراب أيغضب حسادي قيامي إلى العلا ... وقد قعدوا عما ظفرت وخابوا هم حسدوني لا لوفر وفرته ... (3) ولكن شهدت المكرمات وغابوا وأروع لا ينأى على عزماته ... مرام ولا يخفي سناه حجاب   (1) الديوان: يأتي. (2) الديوان: قل. (3) لم يرد هذا البيت في الديوان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 740 من الحضرميين الأولى أحرزوا العلا ... بسنوا فأطالوا أو رموا فأصابوا من المانعين الدهر حوزة جارهم ... وأشلاؤه بين الخطوب نهاب هم عرضوا دون المعالي فأصبحت ... مطالب لا يدنو بهن طلاب وهم (1) جأجأوا بالمعتفين إلى ندىً ... هو القطر لا يأتي عليه حساب مضوا إن تسمهم خطة الضيم يأنفوا ... (2) وإن يدعهم داعي السماح أنابوا سجايا على مر الليالي كأنما ... هي المزن فيه رحمة وعذاب تخوفني (3) ريب الزمان وقد حدت ... برحلي إلى ابن الحضرمي ركاب إذا الله سنى لي لقاء محمد ... تفتح دوني للسماحة باب فتىً لم تسافر عنه آمال آملٍ ... وكان لها إلا إليه إياب ولا ظمئ العلم المضيع أهله ... فساغ له إلا لديه شراب له همم في الجود والبأس لم (4) تزل ... لها فوق أثباج النجوم قباب وأقسم لولا ما له من مآثرٍ ... لأصبح ربع المجد وهو يباب مآثر هن المجد لا كسب درهمٍ ... وهن المعالي لا حلى وثياب يغبط العدا منه أغر حلاحل ... أشم طوال الساعدين لباب ولا عيب فيه لامرئ غير أنه ... تعاب له الدنيا وليس يعاب هو الأسد الورد الذي طال ذكره ... وليس له إلا البسالة غاب تبوأ من دار الخلافة مقعداً ... له فيه عن حكم القضاء مناب وباهت به منذ استقل بأمرها ... كما تتهادى للجلاء كعاب   (1) الديوان: جنحوا. (2) لم يرد في الديوان. (3) الديوان: صرف. (4) الديوان: والبأس والندى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 741 سل الدين والدنيا هل ابتهجا به ... كما انجاب من ضوء النهار ضباب نضاه أمير (1) المسلمين مهنداً ... له الحلم متن والمضاء ذباب له المثل الأعلى معاداً ومبدءاً ... وللحاسد العاوي حصىً وتراب ألانت لك الأشياء وهي صليبة ... عزائم في ذات الإله صلاب إليك أبياتاً من الشعر (2) صغتها ... بودي لو أني بهن كتاب (3) فإن تتقبلها فتلك طويتي ... فيا من رأى خطباً ثناه خطاب وهل أنا إلا الروض حياك عرفه ... وقد باكرته من نداك سحاب ومن يثن بالصنع الجميل فإنه ... شكور ولا مثل المزيد ثواب وهل أنا إلا عبد أنعمك التي ... هي الشهد إذ كل الموارد صاب وهل شهد المجد الذي أنت سره ... (4) بأنك بحر والكرام شعاب وها أنا يا رضوان باسمك هاتف ... فهل لي إلى دار المقامة باب وهل يدرك الحساد غورك في العلا ... وإن طال مكر منهم وخلاب إذا (5) قايسوك المجد كنت غضنفراً ... إذا زار لم تثبت عليه ذئاب وما احمر إلا من صيالك معرك ... ولا اخضر إلا من نداك يباب وقال أيضاً يمدح ذا الوزارتين أبا جعفر بن أبي رحمه الله (6) : فؤاد على حكم الهوى لا على حكمي ... يهيم على إثر البخيلة أو يهمي   (1) الديوان: المؤمنين. (2) الديوان: قلتها. (3) الديوان: وتلك مطيتي. (4) الديوان: سراب. (5) الديوان: نافسوك. (6) انظر الديوان: 175. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 742 متى أشتفي من لوعتي أو أطيقها ... إذا كان يجنيها فؤادي على جسمي هنيئاً لسلمى فرط شوقي وأنني ... ذكرت اسمها يوم النوى ونسيت اسمي غداة وقفنا نقسم الشوق بيننا ... على ما اشترطنا وارتضت سنة القسم وقد طلعت تلك الهوادج أنجماً ... تركن جفوني في الكرى أسوة النجم فأبت بدمعي لؤلؤاً فوق نحرها ... وآبت بما في مقلتيها من السقم خليلي هل بعد المشيب تعلة ... لذي الجهل أو في الحب شغل لذي الحلم وهل راجع عيش لبسناه آنفاً ... (1) كيوم يزيد في بيوت بني جرم وهل لي حظ من مواتاة صاحب ... له قدرة القاضي وموجدة الخصم بدت رقة الشكوى على (2) غضباته ... ورابتك في أعطافه فسوة الظلم كما اضطرب الخطي في حومة الوغى ... وصم المنايا في أنابيبه الصم رماني على فوت الشباب وإنما ... تعرض لي لما رآني لا أرمي ولم يدر أني لو أشاء ختلته ... على رسله إن الحبالة كالسهم ووكل عينيه باتلاف مهجتي ... سيعلم إن لم يستجر بي من الغرم أبا جعفر هذي المكارم والعلا ... دعاء بحق وادعاء على علم أرى الناس قد باعوا المروات فاشتر ... وقد ضيعوا ما كان من حسب فاحم وأنت أحق الناس بالحزم فأته ... وصون العلا بالمال شبه بالحزم وأنت بعيد الهم مقترب الجدا ... كريم السجايا ماجد الخال والعم أبى إذا لم يدافع الضيم دافع ... بغير الحديث الإفك والحلف الإثم وأكرم من يرجى لدفع ملمةٍ ... إذا الطفل لم يسكن إلى لطف الأم   (1) يعني يزيد بن الطثرية وقد دخل ح بني جرم وانصرف من عند النساء مدهوناً مثقلاً بالهدايا (الأغاني 8: 158: 161) . (2) الديوان: حركاته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 743 وأهفى بألباب الرجال من الهوى ... وأخفى وراء الحادثات من الوهم وأحمى لحوزات المعالي من الردى ... واسخى بآمال النفوس من الحلم وذو عزمات لو تساوى بها الربى ... لطأطأها بين المذة والرغم ولم أر أحيا منك وجهاً ولا يداً ... إذا استأثر الحر المرمق بالطعم وأصبر في ظلماء كل كريهةٍ ... بحيث يكون الصبر أفرج للغم إذا الخيل عامت في النجيع وألجمت ... بسمر العوالي وهي تطغى على اللجم ولم تر إلا عاثراً بدمائه ... يحاذر كلماً أو يدافع عن كلم ولا حصن إلا السيف في يد ماجد ... يرى الموت دون المجد غنماً من الغنم هنالك حدث عن أبي (1) وأحمد ... وعبد المليك الشم في الرتب الشم تسميت بالفضل الذي أنت أهله ... ومعناه، والمذموم (2) أجدر بالذم وألبست من مثنى الوزارة حلةً ... تقوم لها تلك المآثر بالرقم وتنميك من سعد العشيرة أسرة ... هل الفخر إلا ما نمته وما تنمي بهاليل أبطال جحاجح سادة ... كأسد الشرى في الحرب كالمزن في السلم إذا ركبوا الجرد الجياد إلى الوغى ... رأيت الأسود الضاريات على العصم سيأتيك شعري ذاهباً كل مذهب ... على شيهم من خطةٍ أو على شهم جزاءً بنعماك الجزيلة إنني ... تكرمت عن شين الصنيعة بالكتم فكم لك عندي من يد ملأت يدي ... ومن نعمة أولى بشعري من نعم هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده ... وعيد لما حاكوا من النثر والنظم نأى الحجر الملثوم فيه فأحظني ... بيمناك واجعل لي سبيلاً إلى اللثم   (1) الديوان: وجعفر. (2) ص: إن الذم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 744 وقال أيضاً يمدح الوزير أبا العلاء بن زهر (1) : يفديك كل جبانٍ في ثياب جري ... نازعته الورد واستأثرت بالصدر لما رأى الخبر شيئاً ليس ينكره ... أحال بالدين والدنيا على الأثر ول السهى ما تولى من تكذبه ... إن المزية عند الناس للقمر وهي الشفار إذا الإقدام جردها ... (2) ألوت بما يدعيه العشي للشفر والناس كالناس إلا أن تجربهم ... وللبصيرة حكم ليس للبصر كالأيك مشتبهات في منابتها ... وإنما يقع التفضيل الثمر ولى رجال غضاباً حين سدتهم ... لا ذنب للخيل إذ لا عذر للحمر واستشرفوا كلما أحرزت طائلةً ... وللسنان مجال ليس للابر طولوا وإلا فكفوا من تطاولكم ... إن المآثر أعوان على الأثر مللت حمص وملتني فلو نطقت ... (3) كما نطقت تلاحينا على صدر وسولت لي نفسي أن أفارقها ... والماء في المزن أصفى منه في الغدر هيهات بل ربما جنى الرحيل غنىً ... بالمال أجني به رغداً (4) من العمر كم ساهر يستطيل الليل من دنفٍ ... لم يدر أن الردى آت مع السحر أما اشتفت مني الأيام في وطني ... حتى تضايق في ما عن من وطر ولا قضب من سواد العين حاجتها ... حتى تكر على ما ظل (5) في الشعر   (1) الديوان: 48 وبعضها في المسالك والنفح والوافي والمغرب والشريشي 1: 110 وطراز المجالس: 124 ورفع الحجب 1: 140 والذخيرة 1: 312. (2) الديوان: العين للسهر. (3) هذا البيت والذي يليه في الرايات: 90 (غ) . (4) الديوان: أحيي به فقراً. (5) الديوان: كان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 745 كم ليلة جبت مثنى طولها بفتىً ... شتى المسالك بين النقع والضرر حتى بدا ذنب السرحان لي وله ... كأنما هو ند بالصباح يري في فتية ينهبون الليل عزمهم ... فليس يطرقهم إلا على حذر لا يرحضون دجاه كلما اعتكرت ... إلا بمال ضياع أو دم هدر لهم هموم تكاد العيس تعرفها ... وربما اشتملت بالحادث النكر باتت تخطى النجوم الزهر صاعدةً ... كأنما تفتليها عن بني زهر القائلين اقدمي والأرض قد رجفت ... إلا ربىً من بقايا البيض والسمر والهام تحت الظبا والبيض قد حميت ... فما تطاير إلا وهي كالشرر أثناء كل سنان (1) عد في زرد ... كأنه جدول أفضى إلى نهر والخيل شعث النواصي فوقها بهم ... حمس العزائم والأخلاق والمرر شابت من النقع وارتاب الشباب بها ... فغيرت من دم الأبطال بالشقر والشيب مما أظن الدهر صحفه ... معنى من النقص عماه عن البشر لو يعلم الأفق أن الشيب مقتبل ... نهاية الروض أن يعتم بالزهر وليس للمرء بعد الشيب مقتبل ... نهاية الروض أن يعتم بالزهر أما ترى العرمس الوجناء كيف شكت ... طول السفار ولم تعجز ولم تخر تسري ولو أن جون الليل معركة ... ترى الردى كاشراً فيها عن الظفر باتت توجى وقد لانت مواطئها ... كأنها إنما تخطو على الإبر تخشى الزمام فتثني جيدها فرقاً ... (3) كأنه بين ثني (2) حيةٍ ذكر من كل ناجية (4) الآصال قد فصلت ... من الردى فحسبناهما من البكر   (1) الديوان: على. (2) الديوان: من تثني. (3) مر قبلاً ص: 627. (4) الديوان: الآمال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 746 بهيمة لو توفى كنه (1) شرتها ... لفاتت الخيل في الأحجال والغرر تجري فللماء ساقاً عائم دربٍ ... (2) وللرياح جناحا طائر حذر قد قسمتها يد التقدير بينهما ... على السواء فلم تسبح ولم تطر أما إياد فنالت كل مكرمة ... لولا مكان رسول الله من مضر وأوقدوا ونجوم الليل قد خمدت ... في لج طام من الصنبر معتكر ألقى المراسي والتجت غياطله ... على ذكاء فلم تطلع ولم تغر وأترع الوهد من إزباد لجته ... بالبرس يلبث بين القوس والوتر فالأرض ملساء لا أمت ولا عوج ... كنقطة من سراب القاع لم تمر أفادني حبك الإبداع مكتهلاً ... وربما نفع التعليم في الكبر إذا رميت القوافي في فرائصها ... (3) لم أرمها متلجاً كفي في قتر أين ابن بابك أو مهيار من مدحٍ ... (4) نسقتها فيك نسق الأنجم الزهر أشدو فيلقي ابن حجر بالمقالد لي ... والدهر يعلم أن الدر للحجر أبا العلاء وحسبي أن تصيخ لها ... إقرار جان وإن شئت اعتذار بري أنا الذي أجتني الحرمان من أدبي ... إن النواظر قد تؤتى من النظر وله في القاضي ابن حمدين رحمهما الله يستهينه ويستعطفه (5) :   (1) س: اثرتها. (2) الديوان: ذكر. (3) إشارة إلى قول امرئ القيس (ديوانه: 123) : رب رام من بني ثعل ... متلج كفيه في قتره وأتلج الكفين: أدخلهما، والقترة: بيت الصائد الذي يكمن فيه. (4) ابن بابك: أبو القاسم عبد الصمد بن منصور من شعراء اليتيمة؛ ومهيار الديلمي تلميذ الشريف الرضي (تاريخ بغداد 12: 276) . (5) الديوان: 4. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 747 أغمز (1) جفون وانكسار حواجب ... أم البرق في جنح من الليل راتب سرى وسرى طيف الخيال كلاهما ... يود لو أن الليل ضربة لازب وفي مضجعي أخفى على الليل (2) منهما ... وأثقب في أجواز تلك الغياهب لقى غير نفس حرةٍ نازعت به ... نجوم الدجى ما بين سار وسارب معودة ألا تطبق روعة ... بها مذهباً، والموت شتى المذاهب إليك ابن حمدين وإن بعد المدى ... (3) وإن عزبت بي عنك إحدى العوازب صبابة ود لم يكدر جمامه ... مرور الليالي وازدحام الشوائب وذكرى عساها أن تكون مهزةً ... ترد على أعقابه كل شاغب بآية ما كان الهوى متقارباً ... وخطوي فيه ليس بالمتقارب أمخلفة تلك الرسائل بعدما ... شددنا قواها بالنجوم الثواقب وكم غدوةٍ لي في رضاك وروحةٍ ... على منهج من سنة البر لاحب ليالي لم تمش الأخابث (4) بيننا ... بما كاد يستهوي حلوم الأطايب ولم يزحفوا في نقض ما كان بيننا ... بصيابةٍ ينمونها وأشائب وأياه لم يجن الدلال على الهوى ... هناتٍ جنت عتباً على غير عاتب أفالآن لما كنت أحكم (5) قادر ... وسرك أني جئت أصدق تائب ولم تبق إلا نزعة ترتقي بها ... شياطين تخشى القذف من كل جانب أضعت حقوقي أو حقوق مودتي ... فدونكها أعجوبة في الأعاجب   (1) الديوان: عيون. (2) الديوان: على الليل. (3) الديوان: غربت ... الغوارب. (4) الديوان: الأخابيث. (5) الديوان: قاصد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 748 وفجعت بي حياً نوادب كلما ... تذكرنني أسعدن غير نوادب وقال العدا ليل الخمول أجنه ... على رسلهم إني عياض بن ناشب واصبحت لا يرتاع من خوف سطوتي ... عدوي ولا يرجو غنائي صاحبي ولا تتباهي بي صدور مجالسٍ ... أسرك فيها أو صدور مواكب وما (1) تتلاقاني العفاة كأنما ... أهابوا بمنهل من الغيث ساكب ولا أمتري أخلاف كل (2) مشيئةٍ ... بأيدي صبا من عزمتي وجنائب أعاتب إدلالاً وأعتب طاعةً ... وحسبك بي من معتبٍ أو معاتب أبوء بذنبي ليس شعري بمقتضٍ ... علاك ولو قفيته بالكواكب ولكنه ما أستطيع وعوذة ... لفضلك إلا تمح ذنبي تقارب ويجحدك الحساد أنك سدتهم ... على شاهد مما انتحيت وغائب وقد وقفوا دون المدى غير خلوةٍ ... بأنفسهم أو بالظنون الكواذب غضاباً على من ناكر الدهر بينهم ... وقد عرفوه بين راضٍ وغاضب سراعاً إلى الدينار حيث بدا لهم ... ولو أنه بين الظبا والضوارب إذا المرء لم يكسب سوى المال وحده ... فألأم مكسوب لألأم كاسب عجبت لمن لم يقدر الترب قدره ... وقد تاه في نقد النجوم الثواقب ومن لم يوطن للنوائب نفسه ... وقد لج في تعريضها للنوائب أعد نظرةً فيهم وفي حرماتهم ... وإن لم يعيدوا نظرةً في العواقب وكن بهم أدنى إلى الرشد منهم ... تكن هذه إحدى علاك العجائب لعلهم والدهر شتى صروفه ... ومجدك أولى بارتقاء المراتب قد انصرفت تلك الهموم لواغباً ... إلى المقصد الأدنى وغير لواغب   (1) الديوان: ولا تتلقاني. (2) الديوان: مرنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 749 وثابت حلوم ربما زال يذبل ... وزال سهيل وهي غير ثوائب وأيقن قوم أنها هي ترتمي ... بهم بين مجنوب إليك وجانب وألقوا بأيد صاغرين وأخلصوا ... ضمائر مكذوبي المنى والتجارب وأهون مغلوبٍ على أمر نفسه ... من الناس من لا يتقي بأس غالب إليك ابن حمدين تنصيحة مشفق ... (1) تنخلها أثناء تلك الغرائب برغمي ورغم المكرمات تقضبت ... حبال بأيدي الحادثات القواضب ورغم رجالٍ علمتهم ذنوبهم ... حذار الأعادي واحتقار المصائب قضوا نحبهم إلا أسى غير نافع ... على ذاهب من أمرهم غير ذاهب يلوذون منه بالخضوع مردداً ... إذا عزهم فيض الدموع السواكب فإن تنتصف منهم فأعذر آخذٍ ... وإن تتداركهم فأكرم صاحب ومن شعره، في التأبين، قصيدة له يعزي ابن مرتين، أوله (2) : على مثله فلتبك إن كنت باكياً ... فقد عهد الأحباب ألا تلاقيا وقد أجمعوها آخر الدهر رحلةً ... يذم إليها العيس من كان ثاويا سفار تداعوا من نواهم بطيةٍ ... تساقوا بكأسيها الفراق تساقيا أفي كل يوم أودع الأرض صاحباً ... أريق به في الترب ماء شبابيا وأحسب أني لو غدوت مكانه ... لعز عليه أن أكون مكانيا ولو أنني أحببته الحب كله ... لأتبعته نفسي وأهلي وماليا وقل غناء عنه إسبال عبرة ... إذا ابتدرت كفكفتها بردائيا وعدي له الأيام لا أنا واهم ... (3) ولا أنا ثان من عنان رجائيا   (1) الديوان: النوائب. (2) لن ترد هذه القصيدة في الديوان. (3) قراءة تقديرية غير دقيقة للبيت كله. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 750 وحفظي له بالغيب حتى كأنه ... بحيث أراه أو بحيث يرانيا وقولي لا تبعد وقد حال دونه ... كثيب تهاداه الرياح تهاديا خليلي قد أفنيت سهدي وأدمعي ... وعيني فما لي لا أرى الوجد فانيا خليلي من يطمع بشيء فإني ... نفضت به لا بل نقضت فؤاديا وليست حياتي غير شجو مردد ... عهدت له ألا ألذ حياتيا صلاة ورضوان وروح ورحمة ... وكل سحاب لا أخص الغواديا على الجدث المحبوب خالط تربه ... سنا البدر تماً أو شذ المسك ذاكيا على جدث ما ضر إنسان مقلتي ... وقد بان عنها لو غدا فيه ثاويا طوى الحسن والإحسان والدين والحجى ... وبيض الأيادي يكتنفن الأياديا وشخصاً لو أن الفضل أعطي حكمه ... لكان له مما هنالك واقيا من الخفرات البيض ما انفك دونها ... مرام تحاماه الخطوب تحاميا أتت دونها الآمال مختومة فما ... تحدث عنها الشهب إلا تناجيا تخطى إلينا يومها كل شائحٍ ... يكفك غضباناً ويكفيك راضيا على كل طاوٍ طالما جشم الورى ... كفيلاً بأن لا يصبح الموت طاويا من اللائي يدعون الردى أو لحينه ... عوادي يحملن الأسود عواديا إذا قبلوها الروع خلت رقابها ... عوالي يحملن الأسود عواديا حصون لو أن الرزق معتصم بها ... لأعياك إلا أن تمنى الأمانيا أمصغية حثي تبثك شجوها ... حوائم لم تعهد كواديه واديا إذا استشعرت ذكراك أنهبت الأسى ... عيوناً رواء أو قلوباً صواديا وملآن من عطف عليك ورقةٍ ... غدا منك مأهولا وإن كان خاليا يراك بعيني شوقه وادكاره ... فيا دانياً هلا كما كنت ذانيا تهيج له ذكراك أنة ضائع ... فتضنيه مدعواً وتعنيه داعيا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 751 عزاءً بني مرتين ما أحسب الأسى ... لذي اللب إلا آسياً أو مؤاسيا أبت هذه الأيام إلا طباعها ... وإن هي دارتكم هوىً أو تداهيا وقد أمكنتكم وهي خون غوادر ... فإن شئم لم تتركوها كما هيا إليك عبيد الله والبعد بيننا ... هوى بات يرمي بي إليك المراميا ولبيك قد أسمعتني وإن التوت ... بعزمي هموم لا تجيب المناديا ولابد من أن أنتحيك بهذه ... خليلاً صفياً أو عدواً مداجيا أبثك حالي لا لأنك جاهل ... بحالي ولكن ربما كنت ناسيا وأدلي بعذري ثم رأيك بعدها ... أميراً ومأموراً وخصماً وقاضيا صدقتك عن نفسي على القرب والنوى ... وقلت لعلي أو لعل اللياليا وكنت قديماً [قي] أعرض بالهوى ... لتدنو فما تزداد إلا تنائيا وإني لأستحييك من حيث بعتني ... رخيصاً على أني اشتريتك غاليا وما كنت أخشى أن أبيت بليلةٍ ... من الدهر لا أهدي إليك القوافيا ولكنها لما استحفت مدائحا ... حذرت عليها أن تضيع مراثيا وكنت أراني ربما اسود موضعي ... يسيراً فما ظني به اليوم قانيا فإن يرع الأحباب طول تململي ... فإني سليم لم أجد لي راقيا وإن يطمع الأعداء فرط تذللي ... فحاشاك معزولاً وعتباك واليا ووالله ما بي أن تضيع مودتي ... لديك ولكن أن يضيع وفائيا وما لوت الأيام ديني لعلةٍ ... ولكن لعلي قد أسأت التقاضيا عزاءك قد أبلغت نفسي عذرها ... ودهرك غدار فما لك واقيا أرى هذه تفنى ويفنى متاعها ... ويأبى عليها الناس إلا تفانيا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 752 ويأبى معز الشيء إلا ارتجاعه ... فيا أدعياء السرو ردوا العواريا تساوى الورى قبل الحياة وبعدها ... فما بال قوم ينكرون التساويا وقال الفتى أهلي ومالي ضلةً ... وأين به عن نسبتي (1) وماليا الوزير الكاتب أبو بكر عبد العزيز بن سعيد البطليوسي (2) أحد فرسان الكلوم والكلام، وحملة السيوف والأقلام، من أسرة أصالة، وبيت جلالة، أخذوا العلم أولاً عن آخر، ورووه كابراً عن كابر، ولله دره فإنه، وأخويه أبا محمد طلحة وأبا الحسن محمداً، منتهى قول   (1) س: منشي. (2) هو أحد ثلاثة أخوة يعرفون ببني القبطرنة (أو القبطورنة أو القبطورنية) والأرجح أن هذه التسمية مركبة من كلمتين هما Caput وتعني رأس و torno بمعنى مستدير، فيكون معناها: " ذو الرأس المستدير " (انظر وثائق تاريخية جديدة للدكتور محمود مكي، صحيفة معهد الدراسات الإسلامية 7: 117 الحاشية رقم: 3) ، وهؤلاء الاخوة الثلاثة هم أبو بكر عبد العزيز وأبو محمد طلحة وأبو الحسن محمد. أما أبو بكر عبد العزيز بن سعيد فقد كان من جلة الأدباء ورؤسائهم، كاتباً مترسلا، كتب للمتوكل ابن الأفطس ثم لابن تاشفين من بعده وتوفي بعد 520 وذكر مؤلف إحكام صنعة الكلام (137) أن أبا بكر كان من رؤساء العصر في صنعة النظم والنثر، وأنه كانت بينهما مراسلة سنة 507 أورد ذكرها في كتابه " ثمرة الأدب ". (وانظر التكملة رقم: 1743) ورسالة له في الريحان 1: 92 ب) . وأما أبو محمد طلحة بن سعيد فقد أخذ عن مشيخة بلده، وكان أحد الأدباء الأذكياء وكان صديقاً لأبي بكر بن العربي وتوفي في حياة أخيه أبي بكر (التكملة: 237) وكان لأخيهما محمد بن سعيد مكانة مشابهة، إذ كتب أيضاً للمتوكل ابن الأفطس، ولكن المصادر لا تعين شيئاً واضحاً عنه. (انظر تراجم الثلاثة في المغرب 1: 364 والإحاطة 1: 528 (وفيه نقل عن الذخيرة) والقلائد: 148 والخريدة 3: 422 والمطرب: 186. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 753 القائل، وأعجوبة الأواخر والأوائل، ثلاثة كهقعة الجوزاء، وإن أربوا على الشمس في السناء والسناء، امتروا أخلاف الفخر فأمطرتهم شبعاً ورياً، وهزوا بجذوع النظم والنثر فاساقطت عليهم رطباً جنيا، ولم يحضرني من أشعارهم ومستظرف أخبارهم حين إخراجي هذه النسخة من هذا المجموع إلا ما أثبته لأبي بكر منهم خاصة، وهو علم بردهم، وواسطة عقدهم. فمن ذلك رقعة خاطب بها الوزير أبا الحسين ابن سراج قال فيها (1) : لولا أن عوائق الزمان - أدام الله عزك - تعوق، وبنائق مساعدته على الأحرار - بعلمك - تضيق، لساعدت إليك نزاعي، وانقدت في حبل تشوقي (2) واطلاعي، ولطرت بجناحٍ، وامتطيت أعناق الرياح، ولاستبطأت السلاهيب، واستهجنت الجرد اليعابيب، ولم أرض بالتي تنفخ في البرى، واستقصرت بريد السرى، بالليل من خيل بربرا (3) ، ولارتحلت الكوكب، وحملت إليك قلباً كقلب العقرب، ولاتخذت المجرة سبيلاً، وسهيلاً دليلاً، ولقدت البدر المنير، [138أ] وركبت الشعرى العبور، وامتطيت الأفلاك، وتترست بالثريا وطعنت بالسماك؛ هذا لو أردت البر، ومقاساة السهل منه والوعر، وإلا اتخذت السمكة سفينة، وأقمت لها النعائم ألواحاً، وعطارداً ملاحاً، وقيرت بالغيوم، وسمرت بالنجوم،   (1) ورد بعض هذه الرسالة في إحكام صنعة الكلام: 136 وقد اعتمدوا ابن عبد الغفور فيها الحذف والإيجاز، كما جاءت قطعة منها في تمام المتون: 218. (2) س والأحكام: شوقي. (3) من قول امرئ القيس (ديوانه: 66) : على كل مقصوص الذنابي معاود ... بريد السرى بالليل من خيل بربرا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 754 وجدفت بالفرقدين، وحملت من آمالي فيها من كل زوجين (1) اثنين، واعتصمت بالقوة والحول، وتخلفت (2) كل من سبق عليه القول، واستعذت من شيطان الكسل وهو رجيم، وقلت {باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} (هود: 41) حتى أحط في واديك، وأعرض نسخة مذاهبي في ناديك، فأرتسم في الجملة، وأصلي إلى تلك القبلة، وأسعد بتلك الغرة، وأقضي من لقائه الحج والعمر، وأطوف بذلك المقام، وأذكر الله عند المشعر الحرام، وعسى ذلك الحين يحين، وجوانب ايام أن تلين، فقد تأسو إثر ما تجرح، والصعب ينقاد (3) بعدما يجمح، والشوك بالمن يسمح. وفي فصل منها: ومؤديه حملته من عقوق زماني ما ليس بنكر، ومن عثرات أيامي ما لم يكن ببكر، وعودتني - دام عزك - الأخذ بيدي عند العثار، والنهوض بي على رغم أنف الليل والنهار، فلك الفضل الذي عودت، والطول الذي أسلفت، في التهمم برد (4) لحظة العناية إلى ما يعين على صلاحي، ويعيد بعض الريش لجناحي، جارياً على عادتك، وعاملاً على شاكلتك، والله يبقيك للمنن تتقلدها (5) ، والمكارم تشيدها، وأقرأتك (6) من أثناء تلك الدولة والاشتياق، سلام حبيبٍ على   (1) ط: من كل زوج. (2) تمام المتون: وخالفت. (3) س: يمكن، وهو أقرب إلى قول بشار: عسر النساء إلى مياسرة ... والصعب يمكن بعد ما جمحا (4) ط د: بود. (5) س د: تقلدها. (6) س: وأقربك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 755 الحسن بن وهب والعراق (1) ، وإن بكيت عني مع إخواني فطالما كنت أعير الدموع للعشاق (2) . وله من أخرى: لا معنى - دام عزك (3) - لذكر ما أنا عليه من التعظيم والتأمل، ولا لتجميل وجه حالي معك وهو الحسن الجميل، فضعيف هوىً يبغى عليه دليل (4) ، واعتزائي تدريه إليك، وتعويلي تعلمه عليك، وأني لك أنتسب في ودادي، وبك أتحلى في النادي، إن لمحت عيني نظرتك، أو خدرت رجلي ذكرتك، لا أفخر إلا بولائك، ولا أقر إلا لنعمائك، ولا أتمنى إلا كان المنى في لقائك. وهذا الباب لو أفنيت فيه الأيام، والقراطيس والأقلام، لم أبلغ فيه بعضاً، ولا أديت فرضاً، فأنا أقتصر منه على ما في ضميرك، وأقنع منه بتذكيرك، والله تعالى يبقيك لي ويعليك، ويعين (5) على شكر أياديك. وموصله ناصح - مملوكك - حركه ما حركه (6) ، وتوجه لأمر أرجو بعزتك دركه، وذلك أن أختاً لي، أمتك، لا باكية لي سواها، كان   (1) إشارة إلى قول أبي تمام (ديوانه 2: 425) : سلام ترجف الأحشاء منه ... على الحسن بن وهب والعراق على البلد الحبيب إليّ غوراً ... ونجداً والفتى الحلو المذاق (2) من قول الشريف الرضي (ديوانه 2: 79) : وابك عني فطالما كنت من قبل أعير الدموع للعشاق ... (3) س: أدام الله عزك. (4) من قول المتنبي: ضعيف هوى يبغي عليه ثواب. (5) ط د: ويعينك؛ س: ويعينني. (6) ما حركه: سقط من ط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 756 لها ابن من ابن فلان، فرعض له (1) فاختلسه، وقربه إلى الحضرة المزدانة بك، فتمثل ما شئت من كمدها، واحتراق كبدها، وتذكر قوله عليه السلام: " لا توله والدة على ولدها "، وانظر سوء فعل هذا المعاند، وتدري وجد ثكلى أصيبت بواحد، وهو وإن كان غير واضح فهو عندها عرار (2) ، وفي عينها دينار (3) ، وإن كان كما سترى، فكل شيء يحب ولده حتى الحبارى (4) ، والولد - كما في علمك - فتنة، والخنفساء في عين أمها رامشنة، وستراه - إن شاء الله - وترى أباه، فتعلم الإقراف (5) من حيث أتاه، وترى تلك المخايل، وتعرف فيه من أبيه شمائل (6) ، وتتحقق به المشابه والمناسب، وتنشد: وأنا نرى أقدامهم في نعالهم ... وآنفهم بين اللحى والحواجب وترى فيه من علامات الكرام، لأنه شبيه لأمير المؤمنين هشام، وإنه متخازر، وأن اسمه عبد الله ن طاهر، وهذا هزل كله جد، ومزح تحقيقه عمد، فهو على كل حالٍ ولد، وقطعة من كبد، وأنت [138ب]   (1) ط د س: ابن من ابن فلان يعرض عليه. (2) من قول عمرو بن شأس (الحماسية رقم: 84) : وإن عراراً إن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم (3) إشارة إلى قصة أعرابي كان ينشد ابناً له ضل فلما سئل أن يصفه قال: كأنه دنينير، وكانت الصفة بعيدة عن الواقع. (4) انظر الميداني 2: 62. (5) الاقراف من قبل الفحل أي حين كون الأب هجيناً غير عربي. (6) من قول امرئ القيس (ديوانه: 113) : وتعرف فيه من أبيه شمائلا ... ومن خاله ومن يزيد ومن حجر الجزء: 4 ¦ الصفحة: 757 ولي النعمة في جبره عليها، ورد نومها به إليها (1) ، والتطول في تأنيسي بأحرف كريمة تتضمن حالك ومجاريها، ومصانع الله الجميلة عندك فيها، والله يطلعني منك المبهج، ويسمعني عنك الطيب الأرج، وأقرئك سلاماً كودي كريماً، وكندي (2) المسك شميماً، وإن مننت بإبلاغه إخواني بإخائك، وكواكبي في سمائك، أو وسعت فيه نفسك وإياهم، وخصصت به الوزراء مفردهم ومثناهم، وأخبرتهم أني عبد وصاهم، وشاكر عهدهم، والباكي دماً من بعدهم، أنعمت وتطولت. وعرضت عليه بعض تلك الرسائل التي تقدمت في صفة الزرزور فكتب في ذلك رقعة: أملك أبا الحسن (3) الأحرار، وأمك الكبار، وانتجعت قطرك الأقطار، وشكرتك حتى بترجيعها الأطيار. ويصل به - وصل الله سعودك (4) - من الطير نطاق، من غير ذوات الأطواق، يميس من المسك في حبرة أو طاق، صغروه على جهة التعجب والإشفاق، كما صغر سهيل، وذؤيب وهذيل، وقيل العذيق والجذيل، وكم صغروا العذيب، وقال عمر - رضي الله عنه - أخاف على هذا العريب، وكقولهم يا سميراء، وكقوله عليه السلام لعائشة: يا حميراء، مهدته العذارى الحجور، وألحفته الشعور، وربته بين الترائب والنحور، وعللته بالرضاب، وسقته بأفواهها العذاب، فما خلع الشكير، حتى رفض الصفير، وهجر   (1) ط د: عليها. (2) ط: وتندى؛ س: وبندى. (3) أعتقد أن صوابه " أبا الحسين " أي ابن سراج، لأنه هو الذي أثار هذه الرسائل الكثيرة حول الزريزير. (4) س: سعادتك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 758 الراء الدائمة التكرير، وتحلى في المنطق بحلية الإنسان، ودخل في من علم البيان، وزايل عمية البلبل والورشان، وأفصح تسبيحاً وتكبيراً وخرج من جملة من قال تعالى فيه {ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً} (الإسراء: 44) فإن طلبت - أعزك الله - اسمه مكبراً، وجدته لفظاً من الزيادة مكرراً؛ أقام عندنا زماناً، لا يتألف إلا رنداً أو باناً، ولا يلتقط إلا عناباً أو سيسباناً (1) ، يتدرج في البساتين، يتطلب العنب المنتقى والتين، فذكرت له يوماً والحديث ذو شجون، منتبتة الزيتون، وأرضك الميثاء ذات الشجر والعيون، وأطيار محامدك فيها السنح الميامين، فصفق جناحاً، واهتز ارتياحاً، وحن إلى ذلك القطر، وانتفض كما (2) بلله القطر (3) ، ورجع إطراباً، وسألني إلى مجدك كتاباً، فأنلته ما ابتغى، وقلت: سلمت أخا الببغا، من المنسر الأشغى، وبلغت المدى، وجنبت من حزة (4) المدى (5) ، وعوفيت من كل حية صفراء، ترنو إلى الطائر في السماء، بمقلة سريعة الأقذاء، ولقيت الوفاء، غير اللفاء، وخولت حتى من التبن والحلفاء (6) ، فإنه يسبد (7) ريشك، ويبرد عشوشك،   (1) ط د س: سبستانا. (2) س: كأنما. (3) من قول مجنون ليلى (ديوانه: 130) : وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر (4) ط: حدة. (5) انظر الذخيرة 3: 475 حيث ورد: فوقيت بقراط الطيور تطبباً ... إذا عالج البرسام أو أبرأ البرص من المنسر الأشغى ومن حزة المدى ... ومن ندق الرامي ومن قصة المقص (6) س: وحوشيت حتى من الدبق وحلفاء. (7) سبد الفرخ: إذا بدا ريشه وشوك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 759 فانهض فقد لقيت معمراً (1) ، وما شئت منقراً ومصفراً (2) ،ورعيت ريفاً، ونزلت بحراً وريفاً (3) ، فأخذ الكتاب بمنقار، وصفق من ريش الجناحين سروراً وطار؛ ومن ركب - أعزك الله - الجناح، وامتطر الرياح، طوى البراح، وهو آتيك كالبراق في لمعة، تصفقة الطائر المستحر (4) سرعة، فإن حل البساط فابن سريجٍ والغريض، وإن احتفل السماط (5) فأبو جلدة وابن بيض (6) . وأنت بسيادتك تبسط له في بساتينك، وتفرش له من وردك ويا سمينك، حتى تلبس من أغاريده الحلل المنتشرة، وينشر على منابر أدواحك شبيباً وابن لسان الحمرة (6) ، وتنبت أرضك مندلاً، وجوك صندلاً، وثراك خزامى وقرنفلاً، وتهب له ريحك جنوباً، ويحق   (1) المعمر: المنزل الواسع. (2) إشارة إلى رجز ينسب لطرفة أو لكليب (الخزانة 1: 417 وفصل المقال: 364) : يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري ... (3) ط: ورقا ... وريقا. (4) استحر الطائر: غرد بسحر. (5) ط د: السماك. (6) ط د: فابن جلدة؛ وأبو جلدة البشكري شاعر من شعراء الدولة الأموية من ساكني الكوفة خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج، وكان معاقراً للخمر (انظر أخباره في الأغاني 11: 291 - 312) وأما ابن بيض فهو حمزة بن بيض الحنفي، وهو أيضاً شاعر أموي كوفي في سائر القول في المجون، توفي سنة 120 (انظر معجم الأدباء 10: 280 والأغاني 16: 143 والفوات 1: 395) . (6) ط د: فابن جلدة؛ وأبو جلدة البشكري شاعر من شعراء الدولة الأموية من ساكني الكوفة خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج، وكان معاقراً للخمر (انظر أخباره في الأغاني 11: 291 - 312) وأما ابن بيض فهو حمزة بن بيض الحنفي، وهو أيضاً شاعر أموي كوفي في سائر القول في المجون، توفي سنة 120 (انظر معجم الأدباء 10: 280 والأغاني 16: 143 والفوات 1: 395) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 760 لشأس أمله من نداك ذنوباً (1) ، حتى يرجع بتطريب، وينشد في الخفيف الأول لحبيب (2) : وما يلحظ العافي جداك مؤملاً ... سوى لحظةٍ حتى يعود مؤملاً وأهديك وداداً مزج باشتياق، وأقرئك سلاماً ينسي سلام حبيبٍ على الحسن بن وهب والعراق (3) . وله فصل من رقعة خاطب بها أبا بكر بن قزمان (4) : [139] المجد - أعزك الله - سباق، وللفضائل استحقاق، وأنا أرد قولهم فيها بالجدود، وأقول: لأمر ما يسود من يسود ... وأعتقد أنه ما رفعت راية لمجدٍ إلا كنت عرابة (5) ، ولا أخذ حمد بثمنٍ بها ربيحٍ إلا كنت ابن الاطنابة (6) .   (1) إشارة إلى قول علقمة بن عبدة يشفع في أخيه شأس وكان اسيراً عند الغساسنة (ديوانه: 48) : وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحق لشأس من نداك ذنوب (2) ديوان أبي تمام 3: 99. (3) قد مرت الإشارة إلى ذلك ص: 756. (4) ترد ترجمته في ما يلي من هذا القسم: 744. (5) إشارة إلى قول الشماخ (ديوانه: 336) : إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين (6) يشير إلى قول ابن الاطنابة (الكامل 4: 68) : أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح الجزء: 4 ¦ الصفحة: 761 وله من أخرى على لسان من استعفى من ابنه إلى السلطان: معلوم - أيد الله الأمير الأجل - أن العقوق ثكل من لم يثكل، وأن العاق إن عاش نغص، وإن مات نقص، وأن الناس بأزمانهم، أشبه منهم بآبائهم، ولا يشفع في ابن أب، وإن المرء لا يهدي من أحب، ولو كان في يد الإنسان من ابنه شيء أو إليه، لكان أولى الأمة نوح صلى الله عليه، لما أضل ابنه المراشد والمصالح، حتى (1) قال الله تعالى {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} (هوند: 46) ولوليك ابن سلك هذه السبيل، وابتع هذا الدليل (2) ، ولما أريته طرق التبصير والتسديد، وقلت له: يا بني من وعظ بغيره فهو السعيد (3) ، ولم يغن الوعد ولا الوعيد، تبرأت منه إليك، وقلت له: لا تجن يا بني عليّ ولا أجني عليك، وإنه للفلذة من كبدي، وآخر ولدي، ولكن لم أجد فيه صنيعاً، و {لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً} (الرعد: 31) وفي الخبر أن الإمام العادل إذا دعا أجيبت دعوته، ووليك يرغب في دعوةٍ تنفعه، أو زجرة تردعه. وله من أخرى: والفقيه الأجل الحافظ - زاده الله من التوفيق - يبني وبينه العهد المصون، وليال قطعناها " عند أصل القناة من جيرون " هو يسأل (4) ثراها، ولا ينساها، ويستنقذني من من أنياب (5) قد قتلتني بعضها، وعساه   (1) حتى: سقطت من ط د. (2) واتبع هذا الدليل: سقط من ط د. (3) من المثل: السعيد من وعظ بغيره، فصل المقال: 327 والميداني 1: 232. (4) ط: يسل؛ س: يفل. (5) ط: أينات؛ س: أبيات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 762 يذبح لي بقرةً من علمه فيضرب نفسي ببعضها (1) ، ويردها (2) وقد بلغت التراقي، ويحييها بياسر (3) من ذلك العلم الرقيق العراقي، فجرد لي من سيفه القاطع، واغرف لي من بحره الواسع. وله من أخرى على لسان من فر من موضع اعتقال: الأمير - أيده الله - حرك إلى ظلمي فسكن، وجاءه عني فاسق بنبأ فأخذ بأدب الله تعالى وتبين، وأنا رعت فارتعت، وقرأت قوله تعالى {ففررت منكم لما خفتكم} (الشعراء: 21) فاتبعت، وبحق نفرت فنفرت، وأوعدني أبو فابوس ففررت: ولا قرار على زأر من الأسد (4) ... وقد قيل: لا تقرب البحر إذ ماج، ولا السلطان إذا هاج، وقديماً ابتعت السلطان فوعيت (5) ، ورأيت من الديكة في السفافيد ما رأيت، ولم يكن فراري نفاقاً ولا إباقاً، إنما أدرت إظهار براءتي، وتطهير ساحني، فأنزلت قدري بجعالها (6) ، وأطفأت ناري في موضع إشعالها، وطلبت طالبتي، وقرعت باب ظالمتي، ودعوتها إلى الخصام، وأبرزتها إلى الحكام، ورفعتها إلى القاضي   (1) إشارة إلى ما جاء في سورة البقرة: 73 (قلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى) . (2) ويردها: سقطت من س. (3) س د: بياس. (4) صدر بيت: نبئت أن أبا قابوس أوعدني (ديوان النابغة: 25) . (5) ط: فرعيت. (6) الجعال: ما تنزل به القدر من خرقة أو غيرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 763 محمد بن حمدين (1) ، وإلى محمد بن شبرين (2) ، ولو وجدت على القافية غيرهما لدعوتها إليه ولو كان محمد بن سيرين، فأحق الله حقي تحقيقاص، وأزهق باطلها {إن الباطل كان زهوقاً} (الإسراء: 81) وها أنا معها في بساط واحد، وبين يدي ملك راشد، أرفل في الأمان، وقديماً استعيذ من شر النسوان، ومن لم يبيتن قبلي على أسف، وهن عوادي يوسف (3) ، وقد قال عليه السلام فيهن ما قال وأنذر وأعذر؛ ولولا أن للنساء أبناء (4) ، ويطول استقصاء الأحاديث والأنباء، لذكرت ما أحدثن من بلوى، وجلبن من شكوى، وسقت من بين دنيا - وهي ظالمتي هذه إلى عصر أمنا حوا، رضي الله عنها، ولكن ترك ذلك أولى، وأنا أكفر فيه يميني وأصير مع مولاي إلى فصيلتي التي تؤويني، وأعرض عليه أمري في معرضه، وأتحقق أسوده من أبيضه. وله من أخرى (5) : لا غرو - أعزك الله - وقد غطاني من إنعامك الرغد ما غطى؛ وتوطأ بي من كنفك الممهد ما توطا - أن سأل شططاً، وأذهب فرطاً، وأتكلم منبسطاً، وأبين غرضي كله مذهبي، وأتحكم   (1) قد مر التعريف به. (2) أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن شبرين، استقضي باشبيلية وحمدت سيرته، وكانت وفاته سنة 503 (الصلة: 538) . (3) من قول أبي تمام (ديوانه 1: 223) : هن عوادي يوسف وصواحبه ... فعزماً فقدماً أدرك السؤل طالبه (4) ط: أنباء. (5) وردت عبارات قليلة منها في تمام المتون: 327. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 764 على مكارمك تحكم الصبي (1) ،وأبلغ بك إلى كل أملٍ [139ب] وأرب، وأملأ دلوي في جاهك إلى عقد الكرب، فإنك سبب لي ذلك، وأرعيتني الروض الأنف من جاهك ومالك، وحررتني ولا حر بوادي عوف (2) ، وأنعمت علي نعمة الله على قريش وأطعمتني من جوع وآمنتني من خوف (3) ، إلا أنه يلزم من ألجم أن يسرج، ومن اعتمر أن يتم الحج، ووعد الكريم مطلوب، وانتزاع العادة ذنب محسوب، فجردني صارماً في ساعدك، وارم بي سهماً مسموماً في كبد حاسدك، وهو الوسع المجهود، والجود بالنفس أقصى غاية الجود (4) ... وهذه أيضاً قطعة من شعره كتب إليهم الوزير أبو محمد بن عبدون بأبيات منها (5) : سيوفي بني عبد العزيز وما أنا ... بنابٍ إذا التفت عداً ونوائب لعاً لسرورٍ لم يقم منكم به ... محيٍ على طول المدى أو مخاطب ولم تكتبوا حرفاً إليّ وأنتم ... ثلاثة كتابٍ وما أنا كاتب   (1) انظر تفسير قولهم " أعطي حكم الصبي على أهله " في تمام المتون: 325 - 328 وثمار القلوب: 670. (2) هذا مثل، انظر فصل المقال: 129، 336 والميداني 2: 124 والعسكري 2: 275 والفاخر: 178. (3) انظر السورة: 106 (وهي سورة قريش) . (4) صدر البيت: " يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها " وهو لمسلم بن الوليد في ديوانه: 164 وجمهرة العسكري 1: 95 (تحقيق أبو الفضل) وانظر التمثيل والمحاضرة: 307. (5) س: بأبيات قال فيها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 765 وكان أبو محمدٍ قد خرج من وطنه يابرة مستوحشاً وقت حلول الفاقرة بالرؤساء، فأجابه أبو بكر منهم بأبيات. منها: تباعد في طول المدى وتقارب ... وتذنب في باب الجفا وتعاتب بمجدك (1) أرشدنا إليك ودلنا ... عليك من الدنيا وخذنا نكاتب ومن خرق الآفاق يبغي بنفسه ... مساحة وجه الأرض أين يخاطب دعيص رملٍ حين يمشي وحارث ... ضحىً وعدي في الزماع وحاجب ترى لم تصب في آل بدر فتتقي ... ترى ثائرٍ أو يلتقي بك طالب وإن تنتسب يوماً تردك طفاوة ... لتطفو على الدنيا وتأباك راسب لك الخير ملت رحلك العيس، حطه ... قليلاً، وعرس قد شكتك السباسب على أن للأيام فينا وقائعاً ... نبا شاعر فيها وأفحم (2) كاتب وأما امرؤ القيس السواري فإنه ... رأى الدرب حقاً فابكه أنت صاحب يغنيه غريد (3) الدجى فإذا ونى ... يغنيه ساقٍ من دم الساق شارب قوله: " امرؤ القيس السواري " يعني أبا بكر بن سوار الأشبوني (4) ، وكان أسر في طريق قورية، وبقي بها إلى أن من الله بإطلاقه، من وثاقه، وأشار بذكر الدرب إلى قول امرئ القيس (5) : بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ...   (1) ط: لمجدك. (2) س: وأنجح. (3) ط د: الوحى. (4) تأتي ترجمته ص: 811. (5) عجز البيت: وأيقن أنا لاحقان بقيصرا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 766 وقال الوزير أبو بكر يخاطب جماعةً من إخوانه بحضرة قرطبة (1) : يا سيدي وأبي هدىً وجلالةً ... ورسول ودي إن طلبت رسولا عرج بقرطبةٍ إذا بلغتها ... بأبي الحسين وناده تمويلا فإذا سعدت بنظرة من وجهه ... فاهد السلام لكفه تقبيلا واذكر له شوقي (2) ووجدي مجملاً ... ولو استطعت شرحته تفصيلا بتحيةٍ تهدى إليه كأنما ... جرت على زهر الرياض ذيولا وأشم منها المصحفي على النوى ... نفساً ينسي السوسن المبلولا [140أ] وإلى أبي مروان منها نفحة ... تجني (3) له روض الربى مطلولا وإذا لقيت (4) الأخطلي فسقه ... من صفو ودي قرقفاً وشمولا وأبو علي بل منه ربعه ... مسكاً بماء غمامة محلولا واذكر لهم زمناً يهب نسيمه ... أصلاً كنفث الراقيات عليلا بالحير (5) لا عبست عليه غمامة ... إلا تضاحك اذخراً وجليلا يوماً وليلاً كان ذلك كله ... سحراً وهذا بكرةً وأصيلا مولى ومولي نعمةٍ (6) وموالياً ... وأخا إخاءٍ خالصاً وخليلا   (1) انظر القلائد والنفح 1: 634، 156، وفي القلائد أنه يخاطب أبا الحسين ابن سراج، وذلك واضح في البيت الثاني من القصيدة، ثم ذكر أسماء عدد من أصدقائه. (2) القلائد: وشكري. (3) القلائد: تهدي. (4) القلائد: الأخطبي. (5) س: بالخير: د: بالحي؛ والحير: هو حير الزحالي خارج باب اليهود بقرطبة (انظر التعريف به في القلائد والنفح) . (6) القلائد: وكرامة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 767 لا أدركت تلك الأهلة دهرها (1) ... نقصاً ولا تلك النجوم أفولا وله يخاطب بعض إخوانه وهو عليل: كباري وساداتي إليكم تحية ... تفتح سوساناً وتجني رياحينا ومعذرةً مني إليكم بعلةٍ ... برتني ولا لدناً من الخط مسنونا كأني فيما اشتكي ابن محلمٍ ... سقاماً ولكن لست أشكو الثمانينا (2) وقال: إليك وإن كنت قطب الوفا ... أبا عامرٍ والأريب الأديبا تكون بحمصٍ ثلاثين يوماً ... وأصبح منك القصي الجنيبا نسيت ودادي وحر اعتقادي ... وجمعي بأفقي عليك القلوبا وهبك تناسيت حر الوفاء ... ولم تر لي في ودادٍ نصيبا فهلا رعيت جزيل الثواب ... وعدت العليل وزرت الغريبا (3) وتدري الحديث وماذا عليه ... عائد ذي السقم يحتى يؤوبا ولكنها شيمة للزمان ... أن لا صديق وأن لا حبيبا وله يصف بقرةً أخذها الريق (4) الطاغية صاحب قلمرية (5) :   (1) ط د: دهرنا. (2) إشارة إلى قول عوف بن محلم: " إن الثمانين وبلغتها ... البيت ". (3) س: القريبا. (4) الريق أو الرنق هو الفونسو هنريكز (Alphonso Henrices) صاحب قلمرية (Coimbra) وكانت حينئذ عاصمة البرتغال. (5) انظر الإحاطة 1: 530 وهي هناك شديدة التصحيف والتحريف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 768 وأفقدنيها الريق أماً حفيةً ... (1) إذا هي ضفت ألفت بين رفدين تعنفني أمي على أن رثيتها ... بشعري وأن أتبعتها الدم من حيني لها الفضل عندي أرضعتني أربعاً ... (2) وبالرغم ما بلغتني رأس عامين وله فيها: وفجعني ذا الريق لا در دره ... بأم عيالٍ ما عرفنا بها الجدبا ترى فخذيها يحملان خزانةً ... إذا فتحها إصبعاً ملأت وطبا وقال يستهدي المنصور بأزياً (3) : يا أيها الملك الذي آباؤه ... شم الأنوف من الطراز الأول حليت بالنعم الجسام (4) سماحةً ... عنقي فحل يدي كذاك بأجدل وامنن به ضافي الجناح كأنما ... حذيت قوادمه بريح شمأل أغدوا به عجباً أصرف في يدي ... ريحاً وآخذ مطلقاً بمكبل [140ب] وله في دن خمرٍ تخللت له: أبا حسنٍ إني فجعت بصاحبٍ ... أنيس ينسي الهم عند احتلاله غدت بنت بسطام بن قيسٍ بدنها ... وأمست كجسم الشنفري بعد خاله   (1) ضفت: حلبت باليد كلها لفخامة الضرع (ط د س: صفت) والرفد: القدح الضخم. (2) س والإحاطة: حولين. (3) النفح 4: 313. (4) د: الحسان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 769 أشار إلى قول الشنفري (1) : إن جسمي بعد خالي لخل ... وكنى ببنت بسطام عن الخمر لأن بسطاماً كان يكنى أبا الصهباء. وقال في مثله وعرض بأبي سلمة الخلال: فإذا الوزير وزير آل محمدٍ ... شانيكم، لا كان، فيها طافي وهذا كقول الآخر (2) : ختمتها بنت بسطام لها أرج ... ثم افتضضت ختاماً عن أبي سلمة وبعث إلى بعض إخوانه بخرشف وكتب معها: بعثت بها عشراً بنات شياهم ... مكللةً هاماتها بمباضع تراها بها الأعداء فوق جفونهم ... نهاراً، وليلاً تحتهم في المضاجع وإن مد مولانا لها يد قابلٍ ... فإني فيها باسط خد ضارع وكان ابن رشيق قد انزل على أموالهم (3) وقت حلول الحوالة، فكتب إليه أبو بكر، وأخذتها عنه:   (1) وقيل هو لابن أخت تأبط شرا يرثي خاله، وصدر البيت: " فاسقينها يا سوادج بن عمرو " انظر الحماسية رقم: 273. (2) ورد البيت في الشريشي 2: 292 (بولاق) . (3) ط د: أحوالهم؛ س: أخوالهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 770 بني رشيقٍ أما لي عندكم سعة ... في منزلي ولقاكم كان مقترحي أما يشق عليكم شرب صافيتي ... في مجلسي وأنا منه بمطرح أرعى الخزامى وأنتم في (1) بلنسية ... ما بين مغتبقٍ فيها ومصطبح هلا استحيتم وقلتم إن ذا كدر ... وإن هذا لتنغيص على الفرح فتحضروني ولو ملقى نعالكم ... وتصبحوني ولو من فضلة القدح وتظفرون بما تهوون من أدب ... وما تشاؤون من ظرفٍ ومن ملح وأنشدني أيضاً له: وأحور حيا بنارنجةٍ ... تضرم نصف اسمها في البدن مخمشة الوجه مرشومة ... (2) كما عصفرت كرة من سفن وأنشدني له قوله: قريب على عزمي بعيد (3) خواطري ... تغالبني فيه وهن غوالبي أقلل منه مازحاً غير طالب ... وأكثر فيه فاخراً غير كاذب وأنشدني أيضاً لنفسه من قصيدة، أولها: لعينك (4) وعد من فؤادي مكذوب ... مضى عزمه (5) إلا سهاد (6) وتعذيب (7)   (1) س: بلهنية. (2) س: موشومة؛ ط: موشامة، والمرشومة: التي فيها برش؛ السفن: جلد خشن غليظ. (3) س: قريب. (4) ط: بعينك. (5) س: عهده. (6) د: سناد؛ ط: سعاد. (7) س: وتكذيب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 771 ومنها: ومن شق هدب الليل عن شهلة الضحى ... ببرقٍ على ثوب الدجى (1) منه تكتيب ومنها (2) : كأن أهازيج الذباب أساقف ... لها من أزاهير الرياض محاريب وأنشدني لأخيه أبي الحسن وقد رمد، يستهدي المتوكل كحلاً: [141أ] يا ملكاً آمن ما يخشى ... ونيراً أوضح ما أعشى شاعركم كان زهيراً وقد ... أصبح مما ناله الأعشى يقرأ والشمس على رأسه ... تنير {والليل إذا يغشى} ولأخيه أبي محمد: يا سائلي عن علوةٍ وجمالها ... أغنت محاسنها عن التبيين هي درهم البخلاء يلقى (3) دونها ... قفل وفوق القفل طابع طين هي روضة الآمال إلا أنها ... لم تخل من أفعى (4) ومن تنين وله يرثي الفضل بن المتوكل، ويشير إلى أنه قتل ولم يدفن، من جملة قصيدة:   (1) ط: الرجا. (2) مر هذا البيت ص: 701 من هذا الجزء. (3) ط د: تلقى. (4) ط د: يفع. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 772 وواعجبا للأرض حين ملكتها ... ومت ولم يسترك من عرضها (1) شبر فليتك من قلبي (2) وعيني صيانةً ... تؤوب إلى قبر إذا لم يكن قبر فيرعاك مني مشفق ذو حفيظةٍ ... عليك إذا لم يرعك الذئب والنسر وباتوا (3) ثلاثتهم ببعض المواضع، تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ويتعاطون أدباً كالراح ممزوجةً بماء الوقائع، والمدام لهم نقل، والزمان لولاهم غفل إلى أن غازلت السنة أجفانهم، وأجمت قليلاً أذهانهم؛ فانتبه أبو محمد منهم والصبح قد ومض، والعصفور قد انتفض؛ فقال: يا شقيقي وافي الصباح بوجه ... ستر الليل نوره وبهاؤه فاصطبح واغتنم مسرة يوم ... لست تدري بما يجئ مساؤه ثم استيقظ أبو بكر فقال: يا أخي قم تر النسيم عليلا ... باكر الروض والمدام شمولا لا تنم واغتنم مسرة يومٍ ... إن تحت التراب نوماً طويلا ثم هب أبو الحسن من مرقده، بأذكى ذهن وأوقده، فقال: يا صاحبي ذرا لومي ومعتبتي ... ولنصطبح خمرة من خير ما ذخروا وبادروا غفلة الأيام واغتنما ... (4) فاليوم خمر ويبدو في غد خبر   (1) س: وبعضها. (2) س: عيني وقلبي. (3) من هنا حتى آخر الترجمة تنفرد به س؛ وانظر القلائد: 151 والمغرب 1: 367 والإحاطة 1: 530. (4) رغم أنه متصل بقول امرئ القيس " اليوم خمراً وغداً أمر " فإنه من صياغة بشار بن برد إذ يقول: اليوم خمر ويبدو في غد خبر ... والدهر ما بين إنعام وإبآس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 773 في ذكر الوزير الكاتب أبي بكر بن قزمان (1) وسياقه جملة من نظمه ونثره (2) وأبو بكر أيضاً من كتاب الوقت والأوان، ومن أهل البلاغة والبيان (3) ، والمتوكل أول من اتخذه كاتباً، واقتدح زنده فأورى شهاباً ثاقباً، وله محتد كريم، ولسلفه تقدم معلوم، ورسائله جلائل، إلا أنه لم يحضرني منها عند نقلي هذه النسخة إلا فصول قلائل، لا تفي بقدره، وفيما كتبت منها أنموذج يعرب عما أجريت من ذكره. فصول له من رقعة عتاب، خاطب بها بعض الوزراء الكتاب، قال فيها: ما أكثر الأشياء الجامعة لنا: أدب كروض الحزن، وود كصوب المزن، وأولية كرم تاريخها واتصلت أسانيدها، لا ينكر فضلها ولا تذم عهودها، وأسلاف سلفت بينهم صحبة حميدة، وأذمة وكيدة مثلها نهج إخاء، وأورث صفاء، ونظم أهواء وآراء (4) . وما زلت على تراخي المزار، وتنازح الأقطار، أودك كل الوداد، وأعتقدك اصح   (1) ترجمته في القلائد: 187 والخريدة 3: 465 والمغرب 1: 99 والصلة: 540 وهذا هو محمد بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان (عم ابن قزمان الزجال) ، وكانت وفاته سنة 508 ودفن بمقبرة أم سلمة، وقد وهم المقري حين نقل ترجمة الوزير وترجمة الزجال ظناً منه أنهما شخص واحد، في نفح الطيب 4: 24. (2) س: نثره ونظمه. (3) والبيان: سقطت من ط د. (4) وآراء: سقطت من ط د. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 774 الاعتقاد، وألحظك بعين الإعظام، وأقترح لقاءك على الأيام، معرفةً بسبقك، وتوفيةً لحقك، وتوقاً إلى مطالعة تلك الطباع الرقيقة، ومباشرة تلك الآداب الأنيقة، إلى أن وقع ما وقع، وأتيح من التداني ما لم يتوقع، وهي الأقدار، وليس عليها الخيار. وقد كنت أعلمت بسؤالك - بفضلك - عني، ونزاعك نحوي، وغرضك إلى لقائي، واعتذارك بخفاء مكان نزولي، وغموض موضع حلولي، ولقيت فلاناً فعرض عليّ من قصدك ما فت (1) إليه حد المسابق، لو (2) أفرجت لي عنه العوائق، فأريته من اختلال الحال الباعث على الانقباض، وتجنب الاسترسال المخوف من الإعراض، ووقوع الإخلال ما رآه، فأحسبه وكفاه، وتلقاه عذراً واضحاً يلقيكه فتتلقاه، ثم ما زال يفتل في الذروة والغارب، حتى أجبته التزاماً لما لم يلزمني إلا بحكم جلالتك، وشرط المتعين من استمالتك، فوافينا منزلك ذات يوم بعيد العصر، وعلى بابه غلام، سألناه عنك فقال: هو ينام، فطوينا آثارنا؛ وأعلمني بعد باجتماعكما من الغد، وأنه (3) عرفك بذلك المقصد، فساءك أن لم تعلم، وعز عليك الالتقاء أن لم يتم، ودعاني إلى المعاودة [141ب] فلم يسعني ولم يسغ لي، ومضت على ذلك أيام إلى أن دخلت على فلان ومعه فلان وأنت حاضرهما، فحين لمحتك عرفتك، بما كان ثبت عندي من صفتك، وتقرر لدي من سمتك، وعند أخذي لمقعدي رأيتك قد وحيت إلى من كان   (1) ط د س: كنت. (2) ط د: ولو. (3) س: وأعلمني بعيد اجتماعكما من الغد أنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 775 يليك ووحى إليك، فانثنيت وقد زويت ما بين عينيك، وشمرت (1) أنفك، ومعرت وجهك، وضممت إليك من ثيابك، وقاربت بين أجزائك، فقلت: أراه ازدرى طلعتي، وتقذر هيأتي، وخشي أن أعديه بسوء حالتي، وقد قال عليه السلام: " لا عدوى "، وقال: " فمن أعدى الأول " وإن اعترض علينا بحديثه الآخر: " لا يوردون مجرب على مصح "، ودفعنا من صحيح التأويل، وأوضح الأقاويل، بما لا مدفع فيه، مما أنت أ " لم به وأذكر له. وأما الازدراء والانتخاء، والتقذر والتعذر، مع علمك بالحال وأولها، وتمكنها وتأثلها، وبحال الأيام وتقلبها، وتعاور أقطارها وتناوبها، ومع ذكرك قولهم: " ليست العزة في حسن البزة " وقول من قال: " ليست العباءة تكلمك إنما يكلمك من فيها "، وقوله بعضهم (2) : ليس الجمال بمئزر ... فاعلم وإن رديت بردا إن الجمال مآثر ... ومناقب أورثن حمدا وقول غيره: وفضل الناس في الأنفس ليس الفصل في المال ... فشيء خرقت به عادة أمثالك، وخالفت فيه سيرة نظرائك وأشكالك، وكفى بالمثل المضروب بفرحة الأديب بالأديب، وقولهم: " الأدب بين أهله نسب "، وقول الطائي الأكبر (3) :   (1) شمر: قلص؛ ولعل الصواب: وأشممت أنفك، وذلك كناية عن الكبر. (2) هو عمرو بن معد يكرب، انظر الحماسية: 34. (3) ديوان أبي تمام 1: 407. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 776 إن نفترق نسباً بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد وقول الأصغر (1) : إن كنت من فارس في بيت سؤددها ... وكنت في بحتر في البيت والحسب (2) فلم بضرنا تنائي المنصبين وقد ... رحنا نسيبين في علمٍ وفي أدب وإن كنت أكثر الاعتزاء إلى النسب الكريم، وأعتد من أهله في الصميم، وأزاحمهم بمنكب واهن ضعيف، وأمت إليهم بسببٍ سحيل سخيف، ثم أرجع عند الامتحان، وإلي منكم كإل السقب من ولد الأتان، (3) فقد قال عليه السلام: " من كثر سواد قومٍ فهو منهم "، وعسى أن يبدو لي ما يستنكر ويستكثر لمثلي، فأكون عباس بن الأحنف ويكون كبشار إذ يقول (4) : " ما زال غلام من بني حنيفة يدخل نفسه فينا ويخرجها حتى قال:   (1) ديوان البحتري: 254. (2) الديوان: إن كان من فارس ..... طيء .... ذي الحسب. (3) خلط هنا بين بيتين أحدهما لحسان (ديوانه: 394 والحيوان 4: 360) وهو: لعمرك إن إلك من قريش ... كإل السقب من رأل النعام والثاني هو قول الشاعر: وأشهد أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان وهذا البيت الثاني يروى لعبد الرحمن بن الحكم (الحيوان 1: 146، 7: 73 والخزانة 2: 518) كما ينسب لابن مفرغ (الشعر والشعراء: 279 ووفيات الأعيان 6: 350) . (4) انظر الأغاني 5: 193. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 777 نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عيناً لغيرك دمعها مدرار من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عيناً للبكاء تعار فتتصل حينئذ رحم لا تخفى، وتحصل قرابة لا تجفى؛ وإن كنت نكرت ما نكرته، ونظرت ما نظرته، من ابتدائك بالتسآل والتكليم، وترفعتي إياك ما لا أدعيه فضلاً عن أن أقتضيه من الترفيع والتقديم، بخمولي ونباهتك، وذلي وعزتك، وبعدي عن بلدي وعددي، وكوني في طينتك ومدينتك، وبين قبيلتك وفصيلتك، وجيرتك وعشيرتك، وحاشيتك وغاشيتك، وصنائعك وتوابعك، فقد قال ابن عباس، رضي الله عنه: " إن لكل داخل دهشةً فابدأه بالتحية "، وإذا أطلق الحكم بهذا للبعيد والقريب، فما ظنك بالغريب مثلي (1) المنكوب -! ونترك ما استعر إلى هلم جرا، وأطول به دهراً، فربما تلاقينا، وكأنا ما تراءينا، لا كلام ببينت شفة، ولا إيماء بطرف أنملة، واللوم في هذا كله يسقط عني، كما يضيق العذر عنك، بقضية سنة الاسلام في السلام، في أني ألقاك راكباً وأنا ماشٍ، وأنت بحمد الله طائر، وأنا - ولا كفران بالله - واقع [142أ] وعلى الطائر أن يغشى أخاه. وإن طمح بك، وحط من قدري عندك، إدبار الأمر عني وإقباله عليكن ففيها ما فيها، وما أرضاها لك طريقة، فالكريم يجل الكرام، وإن قلت: إني أدعو إلى مباعدتي، وأبعث على مقاطعتي، باستبهام خلقي، وإظلام أفقي، وثقل حواسي، وقلة استثنائي، فهذا من لم تغره رقة الحضر اللطيف (2) ، وقد   (1) ط د: مثل. (2) ط: تقده رقة الطيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 778 قال عليه السلام: " من بدا جفا ". على أني أتكبر على المتكبرين، ولا ألين لمن لا يبتغي لين (1) ، ولولا أن يدال القرب بالبعاد، دون أن يقع عتب ويشرع وداد، ويكشف يوماً على هذا التهاجر الغريب، والتنافر العجيب، ولا يعرف من الظالم منا من المظلوم، ولا من المحكوم عليه من المحكوم له، لأضربت عنها صفحاً، وطويت دونها كشحاً، ولسددت عليها أذني، وسايرتها ساحباً رسني، ولقد لقيت بعد فلاناً فذكر بصفاتك، وأثنى باتساع آدابك وكثرة أدواتك، وسألني عن الخلة، وأشار إلى هذه السمة بيننا والوصلة، فقلت: لا خلة ولا خلال، ولا وصلة ولا اتصال، فكأنه أنكر ذلك، وهذا هو الذي أثار من هذا الكتاب، ما لم يكن في الحساب، ودونكه هراء غثاً، وهباء منبثاً، وهاك إليه (2) ما يوازيه (3) عن النوازنة والمقاربة لؤماً ودقة، وركاكة لا رقة: أبا أيوب والأيام لا تبقى على حال ... وأصبحت مقلاً رهن إذلالٍ وإقلال ... لئن رحت رخي البال ذا جاهٍ وذا مال ... ومركوب وغاشيةٍ ... وأكمام وأذيال فإنك حد أشكالي ... وأشباهي وأمثالي بحكم الأدب العالي ال ... منيف المونق الحالي ولكني أنا التالي ... وأنت السابق للعالي   (1) من قول ذي الأصبع العدواني (شرح ابن الأنباري: 325، المفضلية: 31) : لا يخرج الكره مني غير مأبية ... ولا ألين لمن لا يبتغي ليني (2) وهاك إليه: سقطت من ط. (3) ط: يوازيه؛ د: يوارثه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 779 فكم خيمت من قلبي ... بدار منك محلال وقد كان التلاقي من ... أماني وآمالي فلما أن تلاقينا ... على ما قد تصدى لي فلم تبدأ بتسليمٍ ... ولم تنشط لتسآلي كما يلزم أمثالك تأنيساً لأمثالي ... تفاصلنا على الحين وكل ذاهل سالي ... ولولا طيب نفس قلت كل شانئ قالي ... وقد كنا كما أنتم ... ولا بأس على حال وقد يعقب وادي القوم خصباً بعد إمحال ... وكأني بك قد قلت عند تصفح هذه الرقعة: هذان حمارا العبادي كسير وعوير، وكل غير خير (1) ، ثم ثنيت بقولهم: " من يسمع يخل " (2) وثلثت بقول من يسمع: سبكناه ونحسبه لجيناً ... فأبدى الكير عن خبث الحديد (3) فمهلاً: فمن أنبأك أني أتشبع بما لا أملك، فأقول: من عبد الحميد وابن العميد، ومن الوليد وابن الوليد، لاها الله! ! إني لأربع على ظلعي وأعلم قصر باعي، ولا أجهل سقوط بضاعتي، وهل غير ألفاظ لفقتها   (1) انظر المثل في جمهرة العسكري 2: 151 (تحقيق أبو الفضل) والفاخر: 178 واللسان (حور) ، وسئل العبادي عن حمارين له أيهما أردأ فقال: هذا ثم هذا. (2) المثل في فصل المقال: 412 والميداني 2: 169 والعسكري 2: 263 (تحقيق أبو الفضل) . (3) التمثيل والمحاضرة: 288 (دون نسبة) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 780 بمبلغ علمي، عبرت بها عن ذات نفسي؛ وأما إن سمتني في هذا الباب مداك، ورمت مني ما لا يتعاطاه سواك، فمن للسها بتمام القمر، ومن للدآدي بأنوار العشر (1) وأوضاح الغرر -! فأرشدنا، أكرمك الله، وسددنا، يرحمك الله. وانفح علينا من كلامك نفحةً ... إن كانت الأخلاق مما توهب وبعد فإني: أناقشكم ووراء النقاش ... (2) أنف العلوق ورئمانه وأهجركم هجر مستعتبٍ ... وكم وامق طال هجرانه وكلف مخاطبة عروسٍ فكتب رقعة قال فيها (3) : الكلفة بيننا - أعوزك الله - جد ساقطة، والحال الجامعة لنا في أقصى حد المؤانسة والمباسطة، فلا نكسر أن نتباث السر (4) المحجب، ولا غرو (5) أن نتكاشف المغيب، واتصل بي دخولك بعقلية أترابها، وبيضة خدرها وربة محرابها، تشاطرك نسلك،   (1) الدآدي: ليالي أواخر الشهر، والعشر: ثلاث من ليالي الشهر بعد التسع، وفي ط د س: ومن للوادي. (2) أراه أخذه من قول الشاعر (اللسان: رئم، والخزانة 4: 455) : أم كيف ينفع ما تعطي به ... رئمان أنف إذا ما ضن باللبن والعلوق التي لا ترأم ولدها ولا تدر عليه، والرئمان: عطفها ومحبتها، وهذا البيت مثل يرب لكل من يعد بلسانه كل جميل ولا يفعله لأن قلبه منطو على ضده. (3) وردت الرسالة في العطاء الجزيل: 112. (4) ط د: السحر. (5) س والعطاء: ولا عجب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 781 كما شاطرتك أصلك، التي [142ب] لم تكن تصلح إلا ولم (1) تكن تصلح إلا لك، فخدمتك بالنية، وحضرتك على بعد المشقة وتقاذف الطية، وسألت الله أن يبارك لك ويبارك عليك، ويجمع بينكما في خير وعافية، على أسعد الجد وأيمن الطير إلى آخر القافية؛ ثم ترقبت كتابك مودعاً من وصف حالك، ما ينبئ فحواه عن اجتماع شملك ونعمة بالك، فرابني التواؤه، وقدح في نشاطي توقفه وإبطاؤه، وتسلطت علي الظنون، وخفت ما عسى أن لا يكون، وساءني أن أستمطر من الأمل جهاماً، وأستنصر (2) لدى ذلك العمل كهاماً، ويحيد صاحبك معرداً (3) عن المناجزة، [لائذاً بالمحاجزة] (4) منقطعاً في موضع الحجج (5) ، مبدعاً به (6) عند مستقبل (7) مفرق الطريق ولقم المنهج: تريد جوا ويريد برا ... كأنما أسعط شيئاً مرا ثم قلت: لعله قد حظي بما جني له، فافتتح الحصن الذي نازله قسراً، وتخلله كيف شاء مجالاً ومكرا (8) ، وأفضى به انصداع ما صدعه إلى   (1) ط د: ولا. (2) ط: ويستنصر. (3) العطاء: مفرداً. (4) زيادة من العطاء الجزيل. (5) ط د: الحج. (6) مبدع به: مخذول منقطع. (7) العطاء: عندما استقبل. (8) ط: وأكدا؛ د: وكدا، وأثبت ما في س والعطاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 782 التئام، وانشعاب ما شعبه إلى انتظام والتحام، ولهي (1) بتوابع هذه الحال التي هي أخت (2) الامرة، وجامعة أفانين المسرة، عن صديقٍ يصله بكتاب إليه يعلمه، وإن يكن ذلك فهناك، وظفرت يداك، وإن يكن ما عداه، ويكفي الله، فمع اليوم غد، وفي اللمم خلال ذلك متعلل (3) ، ثم لا يشغل عن الكتاب جذل، ولا يحول دونه خجل. جوابها من إنشائه أيضاً (4) : الكلام مأثور، والإفراط في الانبساط حجر محجور، وقديماً جر على أهليه، وأثار عليهم التقاطع من مجاثمه وأبرزه من مطاويه، فسبيل ما وردني الآن كتابك المقتحم هذا الباب المتحامى، إلا أن ما عولت عليه، وأسندت إليهن من تمكن الألفة، وارتفاع الكلفة، سوغ بعض المغزى. وقد وقفت على مقطعه، وعجبت من التفرغ لمودعه، فلئن (5) كنت مندراً فليخف وقعك (6) ، أو حذراً على الحقيقة فليفرخ روعك، فالحد بحمد الله ماض، وكلا الفريقين راضٍ، على عنف التقاضي، ثم لا بأس ولا إبلاس لو عرت نبوة، وعرضت (7) دون المرام كبوة، فربما خان الثقات، في بعض الأوقات:   (1) س: والتهى. (2) أخت: سقطت من س. (3) ط د: متقلد. (4) وردت في العطاء الجزيل: 113. (5) العطاء: فإن. (6) ط: فلخف رقعك. (7) العطاء: وعدت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 783 وسيف بني عبسٍ وقد كان صارماً ... (1) نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد وأرجع (2) فأقول بحكم الحال، وعلى شرط الاستنامة والاسترسال: لله أخوك، الذي لا فرق عندكما بين ما يعروه ويعروك، فلقد افتر عن بازل، وجرد عن قاصل (3) ، ورمى بلا أفوق ناصل، ولو لقيت أعداءك بمثل صاحبه مضاءُ وإقداماً، وتسرعاً واستقداماً: طعنتهم سلكى ومخلوجةً ... (4) لفتك لامين على نابل قال ابن بسام: وينظر من معنى هذا الخطاب والجواب أبيات خاطب بها بعض أهل عصرنا أحد إخوانه وقد ابتنى بزوجة، قال فيها، وضمن بيت ابن حجاج: أبا بكر اسمعها وراجع مؤنساً ... ولو بقسيم أو بمصراع قافيه فإنا دخلنا بالفتاة ولم يكن ... هنالك واشٍ غير مسكٍ وغاليه وكنا رجونا وصل الاسبوع كله ... لننعم فيه فابتلينا بداهيه بحيضٍ تمادى فامتنعت لحرمتي ... فدمعة أيري فوق خصييه جاريه " إذا لم يكن للأير بخت تعذرت ... عليه وجوه النيك من كل ناحيه "   (1) البيت للفرزدق يقوله معتذراً عن نبو ضربته حين أمره سليمان بن عبد الملك بقتل أحد الأسرى (انظر شرح النقائض: 383 - 384) وورقاء هو ابن زهير ابن جذيمة العبسي، ضرب خالد بن جعفر، وخالد مكب على أبيه زهير، فلم يصنع سيف ورقاء شيئاً، وانظر ثمار القلوب: 220 - 222. (2) س: وأنا أرجع. (3) ط: فاضل. (4) البيت لامرئ القيس (ديوانه: 120) وروايته: تطعنهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 784 قال فأجابه الآخر بهذه الأبيات: [143أ] لك الخير لا تعجل فإنك مقمر ... وفي الليل ما تسريه إن كنت ساريه طعنت الفتاة البكر طعنة ثائرٍ ... بمثل ذراع البكر شد بآخيه حسبت النجيع الفانئ اللون حيضةً ... وما كان إلا العود في الحين ثانيه (1) غدوت على شكلٍ تدانت طبوقه ... فباعدت من أقطاره المتدانيه ولو كنت من أهل المساحة لم تدع ... مكسرةً أضلاعه المتساويه ولكن له قطر يقوم مقامه ... هو الشكل إلا أنه منه زاويه وإن لم يكن إلا الذي كان فاتئد ... فإنك باقٍ عندها وهي باقيه ومن شعر أبي بكر بن قزمان مما أنشدنيه لنفسه، قوله (2) : ركبوا السيول من الخيول وركبوا ... فوق العوالي السمر زرق نطاف واستودعوا الخلل الجداول واصطفوا ... بيض الرؤوس من الحباب الطافي وتجللوا الغدران من ماذيهم ... مرتجةً إلا على الأكتاف وأنشدني أيضاً لنفسه: قلت للعين حين أذرت على الخد دموعاً لا تستفيق (3) انهمالا ... جزعاً من صدود أحور كم حير بالاً وكم جنى بلبالا ... لا ترومي مثال ما لن تنالي (4) والمحيه كما رأيت الهلالا ...   (1) س: شخوصه. (2) منها بيتان في القلائد والخريدة 3: 466 والمغرب والنفح. (3) س: ما تستبين. (4) ط: أن تنالا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 785 فأجابت لقد أحلت مثالاً هو أنأى من الهلال منالا ... إن بدر السماء يطلع للأبصار ممسىً ومصبحاً وزوالا ... وإذا ما استسر آب وقد ذاب اكتئاباً من أن يغب وصالا ... وهو البدر أجد ملالاً ... واجتناباً كما أجد كمالا يتوارى من العيون نهاراً ... دمع الليل لا يزور خيالا وأنشدني له أيضاً: لا تطمئن إلى أحد ... واحذر وشمر واستعد فالكل كلب مؤسد ... إلا إذا وجدوا أسد في ذكر الأديب أبي زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني (1) من شعراء عربنا المشاهير، وله شعر يعرب عن أدب عزير، تصرف فيه تصرف المطبوعين المجيدين، وفي عنفوان شبابه وابتداء حاله، ثم تراجع طبعه عند اكتهاله. أخبرني الوزير الفقيه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفهري (2) المقتول بالأشبونة   (1) له ترجمة في الجذوة: 260 (بغية الملتمس رقم 1044) والمغرب 1: 413 والرايات: 62 (33 غ) وأشار في النفح 1: 214 إلى مدحه إدريس بن يحيى الحمودي صاحب مقالة، وأورد قصيدته النونية في مدح إدريس 1: 433 وذكر في 3: 264 اجتماعه مع ابن الشقاق عند ابن دري بجيان (وانظر أيضاً مسالك الأبصار 11: 438 وبدائع البدائه: 365 - 366) وابن الشقاق هذا هو المنفتل، وقد مرت ترجمته في القسم الأول ص: 754. (2) قد مرت الإشارة إلى قتله في هذا القسم ص: 378 والقسم الثالث ص: 754. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 786 - رفع الله منزلته، وقتل قتلته - قال: كان أبو زيد بن مقانا قد انصرف شيخاً إلى وطنه عندنا. بعد أن جال أقطار الأندلس على رؤساء الجزيرة، قال: فمررت به يوماً بقريته التي تدعى بالقبذاق (1) من ساحل شنترة (2) ، وبيده مزبرة (3) ، فلما رأيته ملت إليه ومال إليّ، وأخذ بيدي [143ب] وجلسنا ننظر في حراث يحرث بين يديه، فاستنشدته فأنشدني ارتجالاً لوقته: أيا عامر القبذاق لا تخل من زرع ... ومن بصلٍ نزرٍ وشيء من القرع وإن كنت ذا عزم فلابد من رحىً ... سحابيةٍ لا تستمد من النبع فما أرض قبذاق وإن جاد عامها ... بموفية عشرين من حزم الزرع وإن أنجبت شيئاً وزادت تواترت ... إليها خنازير المفاوز في جمع بها (4) قلة من كل خيرٍ ونفعةٍ ... كقلة ما تدري لدي من السمع تركت الملوك الخالعين برودهم ... علي وسيري في المواكب والنقع وأصبحت في قبذاق أحصد شوكها ... بمزبرة رعشاء نابية القطع فإن قيل تهجوها وأنت تحبها ... فقل إن حب الخل من شرف الطبع وحسب أبي بكر المظفر قادني ... وإحسانه حتى انصرفت إلى ربعي وهذا من الشعر النازل البارد، عندما له من القصائد القلائد. ووصف   (1) في د: الفيذاق، وفي ط: القيداق، الفنداق، وفي س: القيزان؛ العيران، القيدان، وقد أثبتها محقق المغرب (1: 413) " القيذاق. (2) شنترة (Cintra) من مدن البرتغال (الروض المعطار رقم: 102) . (3) المزبرة: المنجل، أو المنجل الصغير (ملحق دوزي) . (4) ط: قلت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 787 نفسه بقلة السمع، لأنه كان كما زعموا كذلك. وهو القائل من جملة أبيات: سمعت الكنك (1) يصرخ في الربيع ... على ما بي من الصمم الطبيعي جملة من شعره في أوصاف شتى من ذلك من قصيدة في منذر بن يحيى صاحب سرقسطة: لمن طلل دارس باللوى ... كحاشية البر أو كالردا رماد ونؤي ككحل العروس ... ورسم كجسم براه الهوى غدا موسماً لوفود البلى ... وراح مراحاً لسرب المها عجبت لطيف خيالٍ سرى ... من السدر أنى إليّ اهتدى وكيف تجاوز جوز الحجاز ... وجوز (2) الخميس وسدر المنى ولم يثنه حر نار الضلوع ... وبحر الدموع وريح النوى وقولي وصيفي بالمنصفين ... وقد نقش (3) الصبح ثوب الدجى أسرب العذارى يسقط اللوى ... مشى الخيزلى أم نجوم السما برزن لنا عاطرات الجيوب ... ينازعن في الحسن شمس الضحى   (1) لعله يريد الكنكلة وهي آلة موسيقية (ملحق دوزي) ، أو الجنك (وجيمه وكافة عجميتان) ويطلق على الدف الذي يضرب به، ثم عرب بالجيم والكاف العربيتين، وفي س: الكد. (2) س: حوز البحار وحوز. (3) ط: نفش؛ س: نفس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 788 خماص البطون مراض الجفون ... أقمن الشعور مقام الردا لدان القدود حسان الخدود ... صغار النهود طوال الطلى عذاب الثغور لطاف الخصور ... خفاف الصدور ثقال الخطى مشين الهوينا ووادي الخزامى ... يود من البشر أن لو مشى فما زلن يرفلن حتى إذا ... عقدن لواء الهوى باللوى وفيها يقول: وقد أغتدي في سبيل العلا ... بذي ميعةٍ من نتاج الصبا [144أ] يهيم بذي همة نازحٍ ... (1) براه السرى مثل بري الظبا كأن فؤادي بوادي الغضا ... وقلب الدليل جناح القطا كأن عقائل (2) برق الدجى ... خلال الحبي بريق الظبا ويهدأ طوراً كغمز العيون ... فليتاع من لوعتي ما هدا (3) إذا قلقل الرعد من فوقه ... تقلقل قلبي له والحشا كأن السحائب في سيرها ... بنود المظفر يوم الوغى نجيب تجيب إذا استصرخت ... وفارسها البطل المنتقى فتىً يقرع النبع بالنبع لا ... جبان الجنان ولا مزدهى لو الفلك انخر من فوقه ... عليه بأقطاره ما شكا حمول لأعباء هذا الزمان ... ولا يرهب الموت عند اللقا   (1) سقط البيت من ط د. (2) د: بدر. (3) س: في برقه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 789 إذا سار يحيى إلى غارة ... (1) فويل لأعدائه أينما بجيشين: جيشٍ يهد الربى ... وجيش يظلله في الهوا مطاعمها من شغاف القلوب ... ومشربها من نجيع الدما إليك ابن منذرٍ المنتقى ... قرعت يد الخطب قرع العصا فقال مناديك لي مرحباً ... وقالت أياديك لي حبذا دعوت فأسمعت بالمرهفات ... صم الأعادي وصم الصفا وشمت سيوفك في جلقٍ ... فشامت خراسان منها الحيا قال ابن بشام: جلق وادٍ بشرق الأندلس، فكذبة أبي زيد في هذا البيت أشنع من كذبة مهلهل في قوله (2) : فلولا الريح أسمع أهل حجرٍ ... صليل البيض تقرع بالذكور وخرج أبو زيد يوماً من بلنسية إلى طرطوشة ليلقى صاحبها مقاتلاً (3) الفتى، فلما ورد عليها، منع الجواز، فكتب إلى مقاتل: إن كان واديك نيلاً لا يجاز به ... فما لنا قد حرمنا النيل والنيلا إن كان ذنبي خروجي من بلنسيةٍ ... فما كفرت ولا بدلت تبديلا " هي المقاديرتجري في أعنتها " ... ليقضي الله أمراً كان مفعولا   (1) ط: واينما. (2) الأغاني 5: 35. (3) ط د: مقاتل، ومقاتل لبيباً الفتي في رياسة طرطوشة وتسمى بسيف الملة، وكان عنده من العمال والكتاب ما لم يكن عنده غيره؛ ولما توفي ولي طرطوشة الفتى نبيل، وفي سنة 452 خرج عنها وسلمها للمقتدر بن هود (البيان المغرب 3: 224، 250) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 790 وله القصيدة المشهورة في ابن حمود يتداول القوالون أكثر أبياتها، لعذوبة ألفاظها وسلاستها وهي التي أولها (1) : ألبرقٍ لائحٍ من أندرين ... ذرفت عيناك بالماء (2) المعين لعبت أسيافه عاريةً ... كمخاريق بأيدي اللاعبين ولصوت الرعد زجر وحنين ... ولقلبي زفرات وأنين وأنادي (3) في الدجى عاذلتي ... وبك لا أسمع قول العاذلين عيرتني بسقامٍ وضنىً ... إن هذين لزين العاشقين ومنها: [144ب] قد بدا لي وضح الصبح المبين ... فاسقنيها قبل تكبير الأذنين سقينها مزةً صافيةً ... (5) عتقت (4) في دنها بضع سنين نثر المزج على مفرقها ... درراً عامت فعادت كالبرين مع فتيان كرامٍ نجبٍ ... يتهادون رياحين المجون وعليهم زاجر من حلمهم ... ولديهم قاصرات الطرف عين شربوا الراح على خد (6) فتىً ... نور الورد به والياسمين   (1) انظر أبياتاً منها في النفح 1: 433 والمغرب والمسالك والرايات ومنها بيتان في الوافي للرندي: 110. (2) المغرب: بالدمع. (3) النفح: وأناجي. (4) النفح والمغرب: مشمولة لبثت. (5) سقط هذا البيت من س. (6) المغرب والنفح والرايات: رشا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 791 رجلت (1) دايته عامدةً ... سبج الشعر على عاج الجبين لوت الصدغ على حاجبه ... ضمة اللام على عطفة نون فترى غصناً على دعص نقاً ... وترى ليلاً (2) على صبح مبين ويسقون إذا ما شربوا ... بأباريق وكأسٍ من معين ومصابيح الدجى قد أطفئت ... في بقايا من سواد الليل جون وكأن الطل مسك في الثرى ... وكأن النور (3) در في الغصون والندى يقطر من نرجسه ... كدموعٍ أسبلتهن الجفون والثريا قد علت في (4) أفقها ... كقضيب زاهر من ياسمين وانبرى جنح الدجى عن (5) أفقه ... كغراب طار عن بيض كنين وكأن الشمس لما أشرقت ... فانثنت عنها عيون الناظرين وجه إدريس بن يحيى بن علي ... بن حمود أمير المؤمنين خط بالمسك على أبوابه ... ادخلوها بسلام آمنين وينادي الجود في آفاقه ... يمموا قصر أمير المسلمين ملك ذو هيبةٍ لكنه ... خاشع لله رب العالمين وإذا ما رفعت رايته ... خفقت بين جناحي جبرئين وإذا أشكل خطب معضل ... صدع الشك بمصباح اليقين وإذا راهن في السبق أتى ... وبيمناه لواء السابقين   (1) المغرب: داياته، الرايات: وجلت آياته (وهو خطأ) . (2) الرايات: فانثنى ... وبدا ليل. (3) النفح: الطل. (4) الرايات: هوت من أفقها. (5) الرايات: صبحه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 792 يا بني أحمد يا خير الورى ... لأبيكم كان رفد (1) المسلمين نزل الوحي عليه فاحتبى ... في الدجى فوقهم الروح الأمين خلقوا من ماء عدلٍ وتقىً ... وجميع الناس من ماءٍ وطين انظرونا نقتبس من نوركم ... إنه من نور رب العالمين قوله: " والندى يقطر من نرجسه " .... البيت، أخذه من قول ابن الرومي، ونقص منه وقصر عنه حيث يقول (2) : كأن تلك الدموع قطر ندىً ... يقطر من نرجس على ورد وقوله: " وانبرى جنح الدجى " ... البيت، مأخوذ من قول يزيد ابن الطثرية (3) حين حلق أخوه لمته فقال (4) : [145أ] وغود رأسي كالصخيرة أشرفت ... عليها عقاب ثم طارت عقابها وقوله: " وإذا ما رفعت رايته " ... البيت، حسد ابن هانئ في هذيانه، وتقيله حيث يقول في خذلانه (5) :   (1) النفح: وفد. (2) ديوان ابن الرومي 2: 767 والمختار: 245 وزهر الآداب: 530. (3) هو يزيد بن سلمة بن سمرة من عامر بن صعصعة يعرف بابن الطثرية، كان شاعراً مطبوعاً من شعراء العصر الأموي، وقد جمع شعره أبو الفرج الأصفهاني والطوسي، وقتل مع الوليد بن يزيد سنة 126 (ابن خلكان 6: 367 والشعر والشعراء 340 والأغاني 8: 157 والسمط: 103) . (4) الأغاني 8: 181. (5) ديوان ابن هانئ: 119. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 793 أمديرها من حيث دار لطالما ... زاحمت تحت ركابه جبريلا وقوله في صفة الثريا: " كقضيب زاهر من ياسمين " من أحسن ما سمعته في تشبيه الثريا مجدداً، وإن كان قد تقدم في تقسيم التشبيه وأحسن ما شاء فيه حيث يقول: في الغرب كأس وفي مطالعها ... قرط وفي أوسط السما قدم وقد قال الناس في الثريا فأكثروا، وأول من سمع له في ذلك الملك الضليل، حيث يقول (1) : إذا ما الثريا في السماء تعرضت ... تعرض أثناء الوشاح المفصل وقد قيل: إن الثريا لا تتعرض، وإنما تتعرض الجوزاء، ولم تتزن له، أو وهم، وقال ذو الرمة (2) : قطعت اعتسافاً والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماءٍ محلق وقال أيضاً (3) : أقامت به حتى ذوى العود في الثرى ... وساق الثريا في ملاءته الفجر   (1) ديوانه: 14 ومعاني العسكري 1: 334 وتشبيهات ابن أبي عون: 4 والأزمنة والأمكنة 2: 234. (2) ديوانه 1: 490 والأنواء: 40 والأزمنة والأمكنة 2: 234 واللسان (عسف - حلق) وتشبيهات ابن أبي عون: 5. (3) ديوان ذي الرمة 1: 561 وزهر الآداب: 978 والأنواء: 30. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 794 وقال التهامي (1) : وللثريا ركود فوق أرحلنا ... كأنها قطعة من فروة النمر وقال محمد بن هانئ (2) : وولت نجوم للثريا كأنها ... خواتم تبدو في بنان يدٍ تخفى وكرر هذا التشبيه في موضع آخر فقال (3) : وحتى أرى الجوزاء تنثر عقدها ... وتسقط من كف الثريا الخواتم وقال آخر: إلى أن تولت والثريا كأنها ... على حلة زرقاء جيب مدنر وقال ابن المعتز (4) : وكأن البدر لما ... لاح من تحت الثريا ملك أقبل في تا ... ج يفدى ويحيا وقال المعري (5) :   (1) ديوان التهامي: 42. (2) ديوان ابن هانئ: 239. (3) ديوان ابن هانئ: 288. (4) ديوان ابن المعتز 3: 123 والأوراق: 206 - 207. (5) شروح السقط: 214 - 215. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 795 وقد بسطت إلى الأرض (1) الثريا ... يداً غلقت بأنملها الرهان كأن (2) يمينها سرقتك شيئاً ... ومقطوع على السرق البنان ومما قيل في ذكر الثريا، وإن لم يكن فيه صفة تشبيه، قول الآخر (3) : خليلي إني للثريا لحاسد ... وإني على ريب الزمان لواجد أيجمع منها شملها وهي سبعة ... وأفقد من أحببته وهو واحد وقال المعري (4) : والثريا رهينة بافتراق (5) الشمل حتى تعد في الأفراد ... ولأبي زيد بن مقانا، مما يتعلق بذكر الثريا من جملة قصيدة في مجاهد العامري، قال فيها (6) : ولما سقتنا من (7) إبريقها ... لثمنا يديها وخلخالها وبتنا وباتت على ساقها ... تصفق للشرب جريالها كأن نجوم الدجى روضة ... تجر بها السحب أذيالها كأن الثريا بها راية ... يقود الموفق أبطالها   (1) شروح السقط: الغرب. (2) شروح السقط: يداً لها. (3) هو لابن طباطبا في اليتيمة 1: 429 وانظر سرور النفس: 139 وشروح السقط: 1001. (4) شروح السقط: 1001. (5) شروح السقط: باجتماع. (6) المسالك 11: 440. (7) س والمسالك: بإبريقها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 796 في ذكر الشيخ أبي الحسن علي بن إسماعيل القرشي الأشبوني (1) قال ابن بسام: وكان يعرف عندنا بالطيطل، ممن نظم الدر المفصل، لا سيما في الزهد، فإن أهل أوانه، كانوا يشبهونه بأبي العتاهية في زمانه. أنشدني الوزير الفقيه أبو عبد الله بن إبراهيم [145ب] قال: أنشدني أبو الحسن الطيطل لنفسه يصف نملة (2) : وذات كشح أهيف شخت ... كأنما بولغ في النحت زنجية تحمل أقواتها ... في مثل حدي طرف الجفت (3) كأنما آخرها قطرة ... صغيرة من قاطر الزفت أو نقطة جامدة خلفها ... قد سقطت من قلم المفتي تسري اعتسافاً ولقد تهتدي ... (4) في ظلمة الليل إلى الخرت تشتد في الأرض على أرجلٍ ... كشعرة المخدج في النبت تشهد أن الله خلاقها ... رازقها في ذلك السمت   (1) أشبوني شقباني الأصل، قرأ العلم بقرطبة وأخذ عن طائفة من علمائها وأكثر من حفظ الآداب والأشعار حتى ليقال إنه حفظ الشعر عشرين امرأة، وكان مشاركاً في الحديث والفقه، ثم مال إلى النسك والتقشف ونظم أشعاراً في الزهد، واتخذ لنفسه رابطة في رقعة من جنة على بحيرة شقبان عرفت برابطة الطيطل ولزم بها العبادة إلى أن توفي (انظر الذي والتكملة 5: 195 والجذوة: 294 وفيها " الطيطن " والبغية رقم: 1212 والمسالك 11: 440) . (2) الجذوة والبغية والذيل والتكملة 5: 196 والمسالك. (3) الجفت: قشرة رقيقة تكون بين اللب والقشر في البلوط (تحفة الأحباب: 13 وأمثال الزجالي رقم: 2130) . (4) الخرت: ثقب الإبرة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 797 سبحان من يعلم تسبيحها ... ووزنها من زنة البخت فنسبتي منها لفرط الضنى ... (1) نسبتها منه بلا كت كلاً ولو حاولت من رقةٍ ... لجلت بين الثوب والتخت أرق من هذا وأضنى ضنىً ... رقة ذهني وضنى بختي لكن نفسي واعتلا همتي ... نجم لبيذختٍ كبيذخت وهذا من قول المتنبي (2) : وعزمة بعثتها همة زحل ... من تحتها بمحل (3) الترب من زحل وأنشدني أيضاً له في الزهد: يا غافلاً شأنه الرقاد ... كأنما غيرك المراد والموت يرعاك كل حين ... فكيف لم يجفك المهاد فهي زاداً وزد مزاداً ... فقد طوى عمرك النفاذ إذ سفر الموت في شحط ... والقرب منه هو البعاد ما حال سفر بغير زادٍ ... والأرض قفر ولا مزاد ضمر جواداً ليوم سبق ... لمثله يرفع الجواد أين فلان وكم فلانٍ ... قد غيبوا في الثرى فبادروا لا تبغ دنيا فإن عنها ... ألمون المتقي يذاد فابن لها بالتقى بروجاً ... تأمن إذا روع العباد   (1) الكت: الإحصاء؛ ط د س: كفت. (2) ديوان المتنبي: 265. (3) الديوان: بمكان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 798 واعتبر الأرض كيف مدت ... فهي لهذا الورى مهاد ثم السماء التي أظلت ... قد رفعت ما لها عماد كما بناها يبني سواها ... كما بدانا كذا نعاد في ذكر الأديب أبي عبد الله محمد بن البين (1) أحد الشعراء المجيدين - كان - بحضرة بطليوس، مستظرف الألفاظ والمعاني، وكان يميل إلى طريقة محمد بن هاني، على أم أكثر أهل وقتنا وجمهور شعراء عصرنا، إليها يذهبون، وعلى قالبه وجدتهم يضربون؛ ومن أحسن شعر أبي عبد الله قصائده التي على حروف المعجم، في أبي الأصبغ بن المنخر أيام استوزره المنصور يحيى بن المظفر، [146أ] ووصله عليها بمائة مثقال. فصل له من نثر جعله مقدم (2) تصنيفه، وصدر تأليفه قال فيه: وما اختصصته بالثناء تشيعاً للإخاء، ولكن لما قلت فيه: تشيعت فيه للحقائق والعلا ... وما أنا فيه للهى متشيع ولقولي فيه (3) :   (1) له ترجمة في المغرب 1: 370 ورايات المبرزين: 60 (31غ) وذكر في النفح 3: 453 وانظر المسالك 11: 440. (2) نثر ... مقدم: سقط من ط د. (3) المسالك 11: 441. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 799 لم أرض إلا فيه نظم بدائعٍ ... حسدته في منظومها الأمراء مالت إليه بها حقائق سؤددٍ ... لا كالذي مالت به الأهواء أهل المدائح سالك في منهجٍ ... سلكت به من قبله (1) الآباء ولما قال أبو الطيب (2) : أحبك شا شمس الزمان وبدره ... وإن لامني فيك السها والفراقد وذاك لأن الفضل عندك باهر ... وليس لأن العيش عندك بارد فإيه أبا الأصبغ، وفدت عليك، وصرت إليك، وإن كنت قد أهديت التمر إلى هجر، وحاسنت بقباحتي القمر، فقد تمطر الدأماء (3) ، وللشاكرين على الله ثناء. ومن تلك القصائد قصيدة مهموزة أولها (4) : هل من الغمام الغادة الحسناء ... أسرت عليها الكلة الخضراء يقول فيها: أسرى بها الغيران في أفق الدجى ... فتضوعت عن عرفها الأنواء هل كان يطمع بالسرى في خفيةٍ ... ما للبدور إذا سرين خفاء كيف (5) الخفاء وللشروق مجامر ... في جانبيك وللنسيم كباء   (1) ط د: قوله. (2) ديوان المتنبي: 314. (3) الدأماء: البحر؛ ط د: السماء. (4) منها أبيات في المسالك. (5) المسالك: النجاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 800 يا ربة الخدر التي أضللتها ... يوم النوى ومحلها الأحشاء لم كان والدك الطويل نجاده ... ليثاً وأنت الظبية العفراء أشبهته في فتكه يوم الوغى ... والسمهرية عينك النجلاء وكما حكيت البأس فاحكيه الندى ... فيرى لديك كما لديه حباء أخفى السرى وأذاعه إشراقه ... فالأرض منه منيرة زهراء وكأنه عيسى يكتم جوده ... فيشيعه منا عليه ثناء نشرت محاسنه قصائد جمة ... ملئت بها الخضراء الفخار رداء أمي النجوم فخبري عن مجده ... فله هنالك في العلا نظراء وله فيه من أخرى أولها: أفي كلل الإظعان غزلان رملة ... أم احتملت فيها جآذر وجرة ولما تولت بالجمال جمالهم ... تولى جميل الصبر يوم تولت بوادي الكرى لاقيتها وهي عاطل ... فأرسلت در العين حين تجلت [146] إذا نسمت ريح الصبا في جنابها ... ستعرف في أنفاسها حر لوعتي وإن وردت ماء الفرات فإنها ... ستنكر في سلسالها طعم عبرتي وهذا كقول أبي الطيب (1) : أوما وجدتم في الشراب (2) ملوحة ... مما أرقرق في الفرات دموعي   (1) ديوان المتنبي: 34. (2) الديوان: الصراة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 801 وقال مهيار الديلمي (1) : بكيت على الوادي فحرمت ماءه ... وكيف يحل الماء أكثره دم وقال ابن البين من أخرى (2) : غصبوا الصباح فقسموه خدودا ... واسترهفوا (3) قضب الأرك قدودا ورأوا حصى الياقوت دون محلهم ... فاستبدلوا منه النجوم عقودا واستودعاو حدق المها أجفانهم ... فسبوا بهن ضراغماً وأسودا لم يكف أن (4) خلفوا الأسنة والظبا ... حتى استنابوا (5) أعيناً وخدودا وتضافروا بضفائرٍ أبدوا لنا ... ضوء النهار بليلها معقودا ومنها: صاغوا الثغور من الأقاحة (6) بينها ... ماء الحياة لو اغتدى مورودا ومن المدح: أبني السيوف المشرفية نجدةً ... وبني (7) السحاب المستهلة جودا   (1) تجئ ترجمة مهيار في القسم الرابع من الذخيرة، وانظر ديوانه 3: 344. (2) وردت الأبيات في المغرب والنفح والمسالك. (3) المغرب والمسالك: واستوهبوا، النفح: واستنهبوا. (4) المغرب: أن سلبوا؛ النفح: لم يكفهم حمل، المسالك: أن جلبوا. (5) المغرب والمسالك: استعانوا؛ النفح: استعاروا. (6) س: الأقاحي. (7) ط د: أثنى ... وثنى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 802 الدهر عندكم طريف محدث ... وفخاركم ما زال فيه تليدا عطرتم نفس الزمان فأصبحت ... آثاركم في الجيد (1) منه عقودا في ذكر ذي الوزارتين أبي محمد بن هود (2) كانت قد أزحته عن حضرة أسرته سرقسطة، أسباب غاب عني شرحها، فتحول على رؤساء أفقنا، واتخذ آخر أمره حضرة بطليوس وطناً، فرحب به المتوكل فآواه، وأجزل قراه، وولاه مدينة الأشبونة، ثم صرفه عنها، وصدر محمود السيرة منها، وكان ممن تندر له الأبيات، وتستظرف له بعض المقطوعات، كقوله وقد سئل عما اكتسبه في ولايته، فقال (3) : وسائلٍ لي لما ... صدرت عما وليت ما نلت - قلت: ثناءً ... يبقى معي ما بقيت وإن أمت كان بعدي ... مخلداً لا يموت عفت الفضول لعلمي ... أن ليس يعدم قوت وصنت قدري منها ... تجملاً فغنيت   (1) المسالك: للعطف. (2) الأمير أبو محمد بن هود واسمه عبد الله (وقال ابن الأبار: لم أقف على اسمه، الحلة: 165) نفاه ابن عمه المقتدر عن الثغر (سرقسطة) فقصد طليطلة حضرة ابن ذي النون ثم مل الإقامة هنالك، فجعل يضطرب ما بين ملوك الطوائف إلى أن استقر عند المتوكل ابن الأفطس (المغرب 2: 439) ثم ولاه المتوكل الأشبونة (المغرب 1: 411) ثم صرف عنها محمود السيرة (وانظر المسالك 11: 441، والحلة 2: 165 - 166) . (3) الحلة: 166. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 803 وهو القائل وقد خرج عن سرقسطة (1) : ضللتم جميعاً يال هودٍ عن الهدى ... وضيعتم الرأي الموفق أجمعا وشنتم يمين الملك بي فقطعتم ... بأيديكم منها وبالغدر إصبعا وما أنا إلا الشمس (2) غير غياهبٍ ... دجت فأبت لي أن أنير وأسطعا وإن طلعت تلك البدور أهلةً ... فلم يبق إلا أن أغيب وأطلعا فلا تقطعوا الأسباب بيني وبينكم ... (3) فأنفكم منكم وإن كان أجدعا واحترق له بيت أيام مقامه بطليطلة، فقال (4) : [147أ] تركت محلي جنةً (5) فوجدتها ... على حكم أيدي الحادثات جهنما لتصطنع (6) الأيام ما شئن آخراً ... فما صنعت بي أولاً كان أعظما وأنشدت له مما نقش على رئاس سيف للمتوكل، وأخبر عنه (7) : لا تخش ضيماً ولا تمس (8) أخا فرق ... إذا رئاسي في يمنى يديك بقي أصبحت أمضى من الحين المتاح فصل ... على الكماة وبي عند الوغى فثق لولا فتور بألحاظ الظباء إذن ... لقلت إني أمضى من ظبا الحدق   (1) انظر المغرب والمسالك والحلة. (2) المغرب: عند. (3) هو من المثل: أنفك منك وإن كان أجدع. (4) الحلة 2: 166. (5) الحلة: فوجدته. (6) الحلة: لتصنع بي. (7) هي في الحلة ومنها بيتان في المسالك. (8) الحلة: تصبح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 804 ويتطرف هذا المعنى قول ابن شرف (1) : لم يبق للظلم في أيامهم أثر ... إلا الذي في عيون الغيد من حور ولابن هود في المتوكل أيام سلطانه بيابرة (2) : يا خائف الدهر يمم أرض يابرةٍ ... تأمن وتكفي الذي تخشى من الحذر وواصف البحر في شتى عجائبه ... حدث بلا حرج عنه وعن عمر وكم سمعنا قديماً عن مكارمه ... حتى رأينا فأزرى الخبر بالخبر في ذكر الشيخ الأديب أبي عمر فتح بو برلوصة البطليوسي (3) من نبهاء العصر المقلين في الشعر، إلا أن أبياته نوادر سوائر، وهو القائل في ابن برد (4) : إن ابن بردٍ لفتىً ماجد ... ونفسه بالجود مفتونه مددت كفي نحو بلوطةً ... فقال: دعها وخذ التينه وأنشدت له: وشادنٍ طلبته مقلتي بدمي ... فأطلعت لي في خديه منه أثر   (1) قد مر في ما تقدم ص: 158. (2) منها بيتان في الحلة 2: 166 أكثرهما مطموس. (3) انظر مسالك الأبصار 11: 442. (4) أوردهما في المسالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 805 وقام بين يديه الخال يعذرني ... وقد تعمم بالاظلام (1) فوق قمر كأنما حل جيش الحسن صفحته ... وكر لليل فيه فارس فأسر وأخبرني غير واحدٍ من أدباء عصرنا، قال: دخل لمة من الأدباء دار الأديب أبي مروان بن الصقيل اليابري، فرأوا في بيته سيفاً معلقاً، فقالوا له: أي شيء تصنع بهذا السيف - فقال: أعددته للمخانيث العتاة نظرائكم، فاهتبل بعضهم غرته حتى أهذ السيف، ثم قاموا به عليه وقال: والله لنقتلنك أو تكتب لنا كتاباً بخط يدك، يتضمن أنا هتكنا حريمك، وعجمنا ميمك؛ ولما رأى الجد، ولم يجد من بد، كتب لهم بذلك خط اليد، فخاطب أبو عمر هذا بهذه الأبيات بعض (2) إخوانه: زرنا أبا مروان شيخ المجون ... ونحن لا ندري سوى الظرف دين فقام يدعونا إلى نفسه ... بدمعٍ (3) جارٍ وصوت حنين قلنا (4) له قد يرفع الدهر من ... آهٍ وندريك رفيق (5) اللدين وممكن أن (6) تتناسى لنا ... ذلك أو تلفى من الجاحدين اكتب لإخوانك رفقاً بهم ... صكاً بما عندك يستظهرون [147ب] فإذ قضانا صكنا وانحنى ... قمنا على منبره منشدين سبحان من سخر هذا لنا ... منه وما كنا له مقرنين   (1) ط: بالإطلال. (2) س: أحد. (3) ط: بدمع. (4) ط د: فقلنا. (5) د: رقيق. (6) ط: تتأسى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 806 فقال أبو مروان بن الصيقل في ذلك: يا رب مفعولين قالوا أعطنا ... خط يد في أننا فاعلون قلت لهم خطي مباح لكم ... أكتب فيه كل ما ترغبون فمن رأى الخط الذي هم به ... قبل اشتهار الأمر مستظهرون يشهد بأن الخط واللفظ لي ... وأنهم في قولهم يكذبون وانتهت الأبيات إلى الفقيه أبي عبد الله (1) بن القلاس فكتب إلى ابن الصيقل بأبيات منها: قل لأبي مروان شيخ المجون ... شاعر ذا العصر العزيز القرين قال ابن فتحٍ إنه كان قد ... ولم يقل أكثر للمخبرين وقد حكى أن له شاهدي ... عدلٍ على ذاك من الصالحين فإن يكن حقاً فلا تكتئب ... إبليس جان مثل ذا كل حين فالعزم أن تقصده ضارعاً ... إليه سراً فسعاه يلين واسأله أن يستر ما جاءه ... فان أبي فاجحد وزده يمين فأجابه ابن الصيقل بأبيات منها: أهكذا يفعله الصالحون ... تقبل أيماناً من الفاسقين -! لا تعتقد من شاعر لفظةً ... ولو غدا من أزهد الزاهدين يريد أن يخفي صبحاً وهل ... يخفى سنا الصبح على الناظرين إن كان غرتك يمين له ... واحدة خذني بألفي يمين   (1) س: أبي عمر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 807 في ذكر الأديب أبي عمر يوسف بن كوثر الشنتريني (1) أنشدت له من كلمة أولها: ألا لا يفند عاشقاً من له ذهن ... فوالله لولا العشق ما عرف الحسن ومنها في أحد تلامذ عصره (2) : مررت به يوماً يغازل مثله ... وهذا على ذا بالملاحة يمتن فقلت اجمعا بالوصل رأيكما فما ... لمثلكما كان التغزل والمجن عسى الصب يقضي الله بينكما له ... بخير فقالا لي اشتهر العسل السمن فجاءهما دب فأحرز ذا وذا ... وما لامرئ من ريب أيامه أمن وأنشدت له في كلمة أولها: حل لسيوف الحب دمي ... (3) ما مثلي منه بمخترم وفؤادي فيه (4) يساعفها ... ويريها اللذة بالألم [148أ] فمتى لحظت (5) بشراً حسناً ... (6) تلتذ بصورته تهم   (1) ذكره في النفح 3: 458 وأورد له ثلاثة أبيات، وفي المسالك 11: 442 وأورد له بيتاً واحداً. (2) منها ثلاثة أبيات في النفح. (3) ط د: بمحترم. (4) د س: يساعدها. (5) د: شيئاً. (6) ط د: يلتذ ... يهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 808 يا أملح معشوقٍ نعتاً ... واسماً فلنعتك أنت سمي شعشع بوصالك كأس دلا ... لك تطف بذلك من ضرمي في ذكر الأديب أبي الوليد المعروف بالنحلي (1) كان باقعة (2) دهره، ونادرة عصره، ولم يصد دراهم ملوك عصرنا إلا بحر النادرة والتوقيع، وقد اندرجت له عدة مقطوعات في تضاعيف هذا المجموع، وكان يضحك من حضر، ولا يكاد يبتسم هو إذا ندر، وهو القائل يصف طلوع الشمس ومقابلة القمر لها: أما ترى الشمس وهي طالعة ... تمنع عنها إدامة النظر حمراء صفراء في تلونها ... كأنها تشتكي من السهر   (1) يتفق نفح الطيب (3: 233) وبدائع البدائه (114) وتحفة العروس (113) في إيراد قصة المعتمد مع احدى حظاياه وما كان من شعر النحلي فيها، ويورد النفح والبدائع قصة في وصف فرس للمتوكل كان في كفله ست نقط (النفح 3: 331 والبدائع: 269 وهي عن الذخيرة 2: 465) . وكذلك يوردان قصة شربه عند ابن طوفان (النفح 3: 331 والبدائع: 40) وينفرد النفح بايراد نادرة ماجنة له (3: 234) وشعر له في مغنية (3: 445) وتدل قصة (4: 9) على أنه كان لدى ابن صمادح ثم سار عنه إلى إشبيلية فمدح المعتمد وغمز من ابن صمادح بقوله: أباد ابن عباد البرابرا ... وأفنى ابن معن دجاج القرى ثم نسى ما قاله فلما حل بالمرية، أحضره ابن صمادح لمنادمته، وأحضر للعشاء موائد ليس فيها إلا لحم الدجاج، فلما احتج النحلي على ذلك أفهمه ابن صمادح أنه أراد تكذيبه في ما قال، فطار سكره وجعل يعتذر، فعفا عنه ابن صمادح، ولكنه فر عن المرية وندم بعد ذلك. (2) س: نابغة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 809 مثل عروس غداة ليلتها ... تمسك مرآتها من القمر أو صورة المجد وهي ماثلة ... تنظر قدامها إلى عمر ومن أحسن ما سمعت في وصف (1) الشمس قول متوكل بن أبي الحسن (2) : كأنما الشمس مرآة مجردة ... وقد غدا المغرب الأقصى لها سفطا ومن نوادر (3) الآفاق، الحلوة المساق، الغريبة الاتفاق، خبر النحلي مع المعتمد بن عباد، وذلك أنه مشت بين يديه يوماً بعض نسائه، في غلالة لا تكاد تفرق بينها وبين جسمها، ولها ذوائب تخفي إياة الشمس في مدلهما، فسكب عليها إناء ماورد فامتزج الكل ليناً واسترسالاً، وتشابه طيباً وجمالاً، فأدركت المعتمد أريحية الطرب، ومالت بعطفيه راح الأدب، فقال: وهويت سالبة النفوس غريرةً ... تختال بين أسنةٍ وبواتر ثم تعذر عليه المقال، أو شغلته تلك الحال، فقال لبعض الخدم القائمين على رأسه: سر إلى النحلي وخذه باجازة هذا البيت، ولا تفارقه حتى يفرغ منه، فأضاف النحلي إليه، لأول وقوع الرقعة بين يديه، هذه الأبيات (4) :   (1) س: صفة. (2) س: الحسين. (3) وردت هذه النادرة في النفح وبدائع البدائه وتحفه العروس والمسلك السهل: 463. (4) هي في النفح وبدائع البدائه وانظر الإعلام 2: 326 وفي ط د: " هذين البيتين " في موضع " هذه الأبيات " ولهذا لم يرد منها سوى الأول والثالث، إلا أن سائرها مثبت بهامش ط بغير خط الأصل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 810 راقت محاسنها ورق أديمها ... فتكاد تبصر باطناً من ظاهر وتمايلت كالغصن في دعص النقا ... تلتف في ورق الشباب الناضر يندى بماء الورد مسبل شعرها ... كالطل يسقط من جناح الطائر تزهى برونقها وعز جمالها ... زهو المؤيد بالثناء العاطر ملك تضاءلت الملوك لقدره ... وعنا له صرف الزمان الجائر وإذا لمحت جبينه ويمينه ... أبصرت بدراً فوق بحر زاجر فلما قرأها المعتمد استحضره وقال له: أحسنت، أو معنا كنت - فأجابه النحلي بكلام معناه: يا قاتل المحل، أو ما تلوت {وأوحى ربك إلى النحل} (1) (النحل: 67) في ذكر الوزير الكاتب أبي بكر محمد بن سوار الأشبوني (2) [148ب] وأبو بكر في وقتنا واحد عصره، وله عدة قصائد في ملوك قطره، قالها تحبباً لا تكسبا، وعمر مجالسهم بها وفاءً لا استجداء، فلما خلع ملوك الأندلس حالت به الحال، وتقسمه الإدبار والإقبال، ثم أسره العدو بعقب محنةٍ، وبين أطباق فتنة، وقيد بقورية من عمل الطاغية ابن فرذلند، ثم خرج من وثاقه، خروج البدر من محاقه، وتردد في بلاد أفقنا يحمله قرب على بعد، ويكله سعيد إلى سعد، حتى   (1) زاد في ط بغير خط الأصل: فزاد المعتمد هذا الجواب عجباً، واهتز له استغراباً وتعجباً، وقرب النحلي وأدناه، ووهب له من المال ما أرضاه به وأغناه. (2) له ترجمة في المغرب 1: 411 ومسالك الأبصار 11: 443 والمحمدون من الشعراء: 359 والوافي 3: 143. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 811 ضاقت عنه الخطوب، ومله السرى والتأويب. واتفق له أن أسمع الله صوته من وراء البحر المحيط الفقيه الأجل قاضي القضاة بالمغرب. وسلالة الأطيب فالأطيب، أبا الحسن علي بن القاسم بن عشرة، فأجابه وأباه (1) وجذب بضبعه واستدناه، فأعاد هلاله بدراً، وصير خله خمراً، ولبني القاسم (2) في الجود خيم كريم، ولهم تقدم مشهور معلوم؛ بلغني أن جدهم الأكبر أحمد بن المدبر، حامل تلك الفضائل، وصاحب الأعمال الجلائل، إذ كان أحد نجوم تلك الآفاق، ببلاد الشام والعراق، واشتهار معرفة قدره، يمنع عن ذكره، لكني ألمع هنا بلمعة من أمره. قرأت في الكتاب الكبير لليعقوبي في الدولة العباسية قال: كان لأحمد ابن المدير منزلة عند المتوكل جعفر، وكان قد قلد ديوان الضياع لإبراهيم ابن العباس الصولي، قال وهب بن سليمان بن وهب: وكنت أكتب له، وكان رجلاً بليغاً، ولم يكن له في علم الخراج تقدم، وكان بينه وبين أحمد ابن المدبر تباعد، وكان أحمد نسيج وحده، فدخل على المتوكل وقال له: قلدت ديوان الضياع إبراهيم بن العباس فضاع، فقال له المتوكل جعفر: غداً يحضر، وتتكلم في أمره بما يظهر؛ فبلغ ذلك إبراهيم فاغتم لمعرفته أنه لا يفي بابن المدبر، وحضرا من الغد، فقال له المتوكل (3) : تكلم يا أحمد   (1) واتفق ... وأباه: زيادة عن س والمسالك. (2) بنو القاسم هم بنو عشرة من أعيان سلا، وقد كانوا مقصد الشعراء في عصرهم، أو كما يقول ابن الأبار " رباب السماح وأرباب الأمداح " (اعتاب الكتاب: 224) وللدكتور بنشريفة بحث عن أسرة بني عشرة (مجلة البحث العلمي، السنة الرابعة، العدد العاشر ص: 65 - 102؛ 1967) . (3) ط د: المتكلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 812 فذكر أشياء صدق فيها، وإبراهيم ساكت، فقال له المتوكل: يا إبراهيم ألك جواب على كلامه؛ قال: جوابي يا أمير المؤمنين في بيتي شعر إن أذن لي قلتهما، قال: قل، فأنشد (1) : رد قولي وصدق الأقوالا ... وأطاع الوشاة والعذالا أتراه يكون شهر صدودٍ ... وعلى وجهه رأيت الهلالا فقال المتوكل: زاه زاه!! أحسنت والله، إيتوني بمن يلحن هذا، وأحضروا الندمان، ودعونا من أخبار الديوان، وخلع على إبراهيم. وخلا المتوكل يومه بلهوه، وبقي إبراهيم مغموماً في منزله، فقيل له: هذا يوم سرورٍ بما جدد عليك من النعمة، وخصصت به من الكفاية بدل النقمة، فقال: الحق بمثلي أولى وأشبه، وما أدفع أحمد بن المدبر، ولا كذب في شيء مما ذكره، ولا أنا ممن يعشره في الخراج، كما لا يعشرني في البلاغة، وإنما ظهرت عليه في يومي هذا بالهزل، فما لي لا أبكي فضلاً عن أن اغتم، من زمان يدفع فيه الحق بالباطل -! وسيكون لهذا وشبهه نبأ بعد. وقال يوماً يحيى بن أكثم القاضي لابن المدبر بحضرة المتوكل جعفر: أنت كاتب تتفقه وتذكر أنك لا تلزم الناس بالأموال إلا بحجج فقهية: من كتب للنبي عليه السلام - قال أحمد: ليس على الكاتب علم ذلك، ولا تعلمه أيضاً على الفقيه، إذ لا يحلل حلالاً ولا يحرم حراماً، وقد روي أن   (1) ديوان إبراهيم الصولي (الطرائف الأدبية) : 149 والأغاني 10: 59 وفيه طرف من حكاية الصولي مع ابن المدبر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 813 عثمان وعلياً وزيد بن ثابت وحنظلة ومعاوية وغيرهم كتبوا له صلى الله عليه وسلم، ولكن من الذي على عهده عملك فأمر بقتله -! يعرض له بما كان ينسب لابن أكثم من اللواط - فخجل، واستفرغ ضحكاً المتوكل، فكان ذلك سبب العداوة بينهما؛ وأخباره كثيرة مأثورة. جملة من شعر أبي بكر بن سوار في أوصاف شتى [139أ] له من قصيدة أولها (1) : إياك من ظبية في ذلك الكنس ... فإنها أخت ذاك الضيغم الهرس كم نم (2) بي جرس قرطيها وساعدني ... ما في الخلاخل من صمت ومن خرس ما ظبية المكنس العفراء همت بها ... (3) وإنما تيمتني ظبية الأنس ومنها (4) : ما يعرف العرف المسواك من سببٍ ... إلا من الشنب المعطار واللعس يا ربة الخدر حيث النجر من (5) أسد ... والموج من زرد والسيف من فرس رسوم دارك في يبرين دارسة ... وفي الحشا لك ربع غير مندرس قس ما تشاء تجد بي مثله عوضاً ... وبالزمان الذي ولى فلا تقس   (1) منها أبيات في المحمدون والمسالك. (2) ط د: لي. (3) سقط هذا البيت من ط د، وهو ثابت في س والمحمدون من الشعراء. (4) منها: سقطت من س. (5) ط د: البحر (دون إعجام) من أمد، وأثبت ما في والمحمدون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 814 ألست تذكر يوماً حين زرتهم ... والدهر يخرج من عيدٍ (1) إلى عرس نزلت في موضع حف الغدير به ... كما يحف اخضرار الليل بالغلس ... (2) فإن تهادي قليلاً صار كالترس> ترى بها الحوت حول الماء جثته ... (3) [ ... ] ما يرمي من النفس كأن جود (4) عليٍ جاد لجته ... فليس يخشى (5) عليه آفة الدرس مطهر لم يدنس عرضه بخل ... وجوهر الشمس معصوم من الدنس وكان أسر على ما ذكرته، وبقي معتقلاً بمدينة قورية، إلى أن خرج من وثاقه، وقال في ذلك قصيدة يصف كيفية القبض عليه، قال فيها (6) : وليلٍ كهم العاشقين قميصه ... ركبت دياجيه ومركبها وعر سريت وأصحابي يميلهم الكرى ... فهم منه في سكر وما بهم سكر رميت بجسمي قلبه فنفذته ... كما نفذ الإصباح إذ فتق الفجر   (1) المسالك: حزن. (2) زيادة من المسالك. (3) سقط البيت من ط د، كما سقط البيتان التاليان له من س. (4) هو علي بن القاسم بن محمد بن موسى بن عيسى، أبو الحسن ابن عشرة، كان فقيهاً حافظاً سري أهل بلده، وجيهاً فيهم نبيه القدر، رئيساً جواداً، دخل الأندلس غازياً وامتدحه بها طائفة من أدبائها وشرق حينئذ وحج ثم عاد إلى بلاده؛ وتوفي بسلا سنة 502 وممن امتدحه من جلة الشعراء ابن حمديس وأبو الوليد اسماعيل بن ولاد وله في مدحه ومدح ابنه العباس مجموع سماه " نزهة الأدب " (الذيل والتكملة - قسم الغرباء، الورقة: 10 من مصورة الخزانة العامة بالرباط) ومن مداحه أيضاً الأعمى التطيلي وابن بقي وغيرهما (انظر مقالة الدكتور بنشريفة عن بني عشرة) . (5) ط: تخفى. (6) منها أبيات في مسالك الأبصار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 815 ولما بدا وجه الصباح تطلعت ... خيول من الوادي محجلة غر فقلت لهم: خيل النصارى فشمروا ... إليها وكروا هاهنا يحسن الكر وكانت حمياً النوم قد صرعتهم ... ففلوا ولوا مدبرين وما فروا وأفردت سهماص واحداً في كنانة ... من الحرب لا يخشى على مثله الكسر وكنت عهدت الحرب مكراً وخدعةً ... ولكن من المقدور ما لامرئ مكر فطاعنتهم حتى تحطمت القنا ... وضاربتهم حتى تكسرت البتر أضرج أثوابي دماً وثيابهم ... كأن الذي بيني وبينهم عطر وأحدق بي والموت بكشر نابه ... ومنظره جهم وناظره شزر فأعطيتها وهي الدنية صاغراً ... وقد كان لي في الموت لو يدني عذر فطاروا وصاروا بي إلى مستقرهم ... يصاحبني ذل ويصحبهم فخر فقال العذارى حرقوه مقارضاً ... فمن قتله الفتيان عطلت البكر ومنها: فجاءوا بأنواع الكبول ونظموا ... سلاسل في جيدي كما ينظم الدر وساقوا كلاباً كالفحولة أجسماً ... لها أعين خضر ملاحظها شزر فقالوا اعطنا ألفاً فقلت مضاعفاً ... (1) [] سبحان ربي ما أجل جلاله ... تخلصني منها له الحمد والشكر [149ب] فضاقت علي الأرض حتى كأنها ... بما رحبت ما كان في طولها فتر فناديت في حول من الدهر كامل ... ألا رجل حر ألا رجل حر وإن وراء البحر أروع ماجداً ... بعزته الغراء يستنزل القطر ألا خبراني ابني أبي هل أتاكما ... وشيكاً عن القاضي أبي حسن ذكر   (1) زيادة من س؛ والشطر الثاني بياض، وهذا البيت يرد في القصيدة التالية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 816 سلا عن سلا هل من علي حقيقة ... فإني في أحشاء قوريةٍ سر ألا إنما الدنيا علي وقربه ... وإلا فإن الأرض عامرها قفر بعدل علي تعمر الأرض كلها ... وتتسع الدنيا ولو أنها قبر حنيني إليه موثقاً ومسرحاً ... كما جن للبر الذي يغرق البحر وله من قصيدة في قاضي الجماعة أبي عبد الله بن حمدين: من معشر حمدوا فأحمد سعيهم ... (1) فلذاك ما سموا بني حمدين مضت القرون ومرت الدنيا ومن ... فيها وما جاءت لهم بقرين لله درك أيها القاضي فما ... حبل الرجاء لديك غير متين ولقد ذكرتك والعدو يعضني ... والعلج يلطم صفحتي وجبيني يوم العذاب وللكلاب تضور ... حولي ونشاب الردى ترميني وتوهمني بالغنى وأضر بي ال ... مال الذي أخذوه إذ أخذوني قالوا: اعطنا ألفاً فقلت مضاعفاً ... لما رأيت الموت ملء جفوني فبقيت عاماً في الإسار مصفداً ... بسلاسل ضرباً من التنين لما يئست ولم تكن لي حيلة ... أرسلت في ابن أبي فكان ضميني (2) وتركته بيد العدو موثقاً ... في ذل أغلال وضيق سجون وردت رسائله علي فتارةً ... يشكو إليّ وتارةً يشكوني فقلوبهم كالقلب في خفقانه ... وعيونهم في جريها كعيون فأتيت نحوك والرجاء يقودني ... وجميل ذكرك خلفه يحدوني   (1) شر البيت ص: 222. (2) س: مثقفاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 817 وله من أخرى في القاضي أبي الحسن بن القاسم (1) : ساروا وحبل وصالهم مبتوت ... فسلوا نجوم الليل كيف أبيت بانوا وروحي عندهم وحشاشتي ... وتظن أنهم مضوا وبقيت أسفي على وادي الأراك وإنما ... يتأسف المحزون وهو يموت أنحي على الأقراط ناطقةً ولا ... أنحي على الخلخال وهو صموت لا تأخذوا في اللوم لست بسامعٍ ... إن الملامة في الهوى تعنيت ومنها في المدح: [150أ] لو أن وفقك في القلوب مركب ... لم يلتقم في البحر يونس حوت ولقد حملت من الوقار سكينةً ... لم يحتملها قبلك التابوت وله فيه من أخرى أولها: من لظى قلبي اقتدح لا من زناد ... ودموعي استسق لا صوب الغوادي اصرفوا نومي ليدني طيفكم ... وهنيئاً ما غصبتم من فؤادي أنتم الأحباب في حكم الهوى ... فارفقوا لا تفعلوا فعل الأعادي جسدي أنحل من سركم ... في تناجيكم به يوم البعاد تكمن الشحناء في أحشائهم ... ككمون الجمر في جوف الرماد يحمد النجم الثريا ألفتي ... ولقد يبكي سهيل لانفرادي ما مرادي أن أرى منفرداً ... رب محمول على غير المراد لا سقى الروض غمام ساكب ... ليس يسقي معه شوك القتاد   (1) منها أبيات في مسالك الأبصار. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 818 ومن المدح: إن من بعد بني القاسم لا ... أحد يملأ عيناً من جواد نسب مطرد من شرفٍ ... ككعوب الرمح ذات الإطراد وقبيل كله من عزةٍ ... كظبا الهندي في يوم الجلاد وبنو عشرٍ ذوو العلياء لم ... يخلقوا إلا لكف وذياد وعفافٍ واعتكاف وتقىً ... ووفاءٍ وعطاءٍ وأيادي وله فيه من أخرى (1) : بدت الغزالة والغزالة وجهها ... وتكلمت فسمعت ظبياً يبغم خالستها وتبسمت فظننتها ... عن مثل ما في نحرها تتبسم فتشابهت منها الثلاثة أضرب ... عقد وثغر طيب وتكلم لو كان مرئياً جمان حديثها ... لرأيت من أجل شيء ينظم ومضت تجر وراءها شعراً كما ... أعطاك جانبه الغراب الأسحم يمحو مواقع إثرها فكأنه ... يخفيه عن عين الرقيب ويكتم والمسك فوق الترب من أردانها ... خط كما رقم الرداء المعلم ما لي وما لك يا (2) غيور تسومني ... خطط الردى وأنا المعني المغرم هلا اتقينا حيث (3) تنتثر الظبا ... والهام تسقط والقنا تتحطم والجو أدكن بالغبار قميصه ... والجيش أرعن والخميس عرمرم وكأن يوم الحشر (4) يوم جموعنا ... وكأن غلي الحرب فيه جهنم   (1) منها أبيات في الوافي والمسالك. (2) ط د: عيون، والتصويب عن المسالك. (3) ط: ينتثر. (4) الوافي: فيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 819 وكأن كل كمي حربٍ مارد ... تهوي إليه من الأسنة أنجم ومدربين على الطعان لقيتهم ... وكأنهم في الشمس ليل مظلم [151ب] لبسوا جلود الرقم واعتقلوا القنا ... فرأيت كيف يجر أرقم أرقم حتى علوناهم بكل مهندٍ ... (1) يبكي فتحسبه لهم يترحم ذو خطبة في الهام يسمع صوتها ... في كل قطر وهو لا يتكلم ولقد سلمت من الصوارم والقنا ... (2) لو كنت من فتكات رميك أسلم أعلي يا ابن القاسم بن محمد ... بيني وبينك عروة لا تفصم رد التحية مثل ودي غضة ... إني عليك مع النسيم مسلم ولقد كتبت وأدمعي منهلة ... والقلب فيه جذوة تتضرم أمن السوية أن أكون كما أنا ... فيفوز غيري بالنعيم وأحرم والله يرضى عنك من حكمٍ فقد ... وافيت حكم الله فيما تحكم إن بنت عنك ولم ترده فإنه ... بعضي لبعضك في فراقك يخصم ولقد ندمت على فراق سلا كما ... ضعف (3) الندامة حين أهبط آدم وهذا كقول الآخر: كآدم حين عصى ربه ... عوض بالدنيا من الآخره قوله: " يجر أرقم أرقم "، كقول ابن اللبانة، وقد تقدم (4) :   (1) وردت لفظة " ومنها " بعد هذا البيت في س. (2) وقعت لفظة " ومنها " بعد هذا البيت أيضاً في س. (3) قرأها الأستاذ بنشريفة: " طعم "، وهي قراءة جيدة. (4) انظر ما تقدم ص: 78. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 820 فقلت الصل أتبع ضيغما ... وقوله: " والمسك فوق الترب " ... البيت، كقول ابن شهيد: وولت وللمسك من ذيلها ... على الأرض خط كظهر الشجاع (1) وله فيه من قصيدة أولها: إلى ضوء ذاك البارق المتعالي ... حننت وحنت (2) أينقي وجمالي تألق يزجي عارضاً مثل أدمعي ... ويحكي فؤادي خفقه المتوالي فلولا شمالي في زمام شملة ... لطارت إليه في صباً وشمال إلى مسقط الغرس الذي كان غرسها ... به لا إلى سدرٍ هناك وضاك ولم تنسها الأرطى رياض ترودها ... لدى مورد عذب المياه زلال وحبب للإنسان أول موطنٍ ... وإن كان في حاشاه ناعم بال هم بعثوا طيف الخيال الذي سرى ... فعانق جسماً مثل طيف خيال وأقبل من تلقائهم فكأنه ... مغلفة أعطافه بغوالي ومنها: فيا دارهم بالحزن حزني (3) مجدد ... عليك، وقلبي ليس عنك بسالي أرى أعيناً صوراً إليّ كثيرة ... ومن دون أن ألقاك سور عوالي (4) وأبيض هندي كأن بحده ... مطار ذبابٍ أو مدب نمال   (1) لم يرد من البيت في ط إلا قوله: " كظهر الشجاع ". (2) د: وحثت؛ س: وحمت. (3) ط د س: مجرد. (4) سقط البيت من س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 821 جرى فوقه ماء الفرند وتحته ... وجال على متنيه كل مجال وقد أظهرت فيه المنايا نفوسها ... كما خوضت لج السراب سعالي ومن المدح (1) : ولم يحكمهم صوب الحيا لكن اغتدى ... بما فيهم من شيمة وخلال وجاءوا على جيد الزمان قلائداً ... وأفعالهم فيها ضروب لآل [151أ] أقاموا لواء المكرمات وخيموا ... من المجد والعلياء تحت ظلال إذا احتجبوا لم يستر الحجب نورهم ... وإن طلعوا كانوا بدور جمال أو انتسبوا في المجد كان انتسابهم ... لأعظم عم أو لأكرم خال وإن ورث العلياء عنهم عليها ... فلا بدع في حال وراثة عال سكينته من أعفر (2) ويلملم ... وبعض رجال في سكون جبال إليك رمتنا العيس حتى كأنها ... من الوهن أقواس رمت بنبال وهذا لفظ أبي العرب الصقلي (3) ، وهو معنى قد نبهت عليه في تضاعيف هذا التأليف: وحط بنا عن ناجياتٍ كأنها ... قسي رمت منا البلاد بأسهم وكذلك قوله: " جرى فوقه ماء الفرند " لفظ ابن المعتز (4) : جرى فوق متنيه الفرند كأنما ... تنفس فيه القين وهو صقيل   (1) س: ومن مدح هذه القصيدة. (2) أعفر: جبل في بلاد الشام (معجم ما استعجم 1: 171) . (3) ترجمته في القسم الرابع من الذخيرة، الورقة: 109 ويرد البيت هنالك. (4) زهر الآداب: 776. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 822 وفي أشعار أبي بكر تلفيق كثير، على تدفق نحيوته، وقوة غريزته، كقوله في قصيدة، منها: وفتيةٍ من أعاريبٍ كأنهم ... أسد على اعةجيات سراحيب لا يلبسون جلود الرقم سابغةً ... حتى تخاط بأحدق اليعاسيب ولا تبيت على قرب محلتهم ... إلا يبيت حماهم غير مقروب يا كم مضيت (1) وغول الهول يتبعني ... وكم سريت وسيل الليل يرمي بي ملابساً ما تراه العين ملتبساً ... ليلاً مع الليل أو ذئباً مع الذيب وأطرق الفتيات البيض لابسةً ... لبض الجلابيب في سود الجلابيب والقرط كالقلب من خوفٍ ومن حذر ... كأنه هو في خوف (2) وتعذيب لم آتها قط إلا نم بي وبها ... واشٍ من الحلي أو واشٍ من الطيب ولا انتهيت إلى أطناب قبتها ... إلا على ظهر مطعونٍ ومضروب بأبيض بدم الأجساد مغتسل ... وأسمر بدم الأكباد مخضوب والطبع أكرم في تركيب خلقته ... من أن أكون محباً غير محبوب إن كنت يا دهر لم تحسن معاشرتي ... فيما مضى فلقد أحسنت تأديبي أجرب الناس في ضيق وفي سعةٍ ... والناس صنفان في حدج التجاريب وما على العود أن يهدي نوافحه ... إلا على لهبٍِ بالجمر مشبوب ويطلب الجود من قوم وجود بني ... عشرٍ يجيئك عفواً دون مطلوب محاسن ثقفت منها أوائلهم ... كما تثقف أنبوب بأنبوب وقال من أخرى، وذكر حمامة:   (1) ط د: وحول. (2) س: خفق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 823 بكت لم تسل دمعاً ولا هي أعربت ... ولا أفصحت معنىً بلحن كلام ولم أر أشجى من بكاءً بعثنه ... فزدن به في لوعتي وغرامي [151ب] نوائح ما غاضت دموع جفونها ... على السكب إلا والضلوع حوام وما ذلك المحمر فيهن خلقة ... ولكنها (1) مما بكين دوامي ومنها: سقى منزلاً بالغرب منسكب الحيا ... وجاد عليه كل أسحم هامي بحيث بنو عشرٍ تنير وجوههم ... كمات طلعت ليلاً بدور تمام فما أكثر المثني عليهم سجيةً ... وما أشبه النعمى بطوق حمام رعى الله فيكم ذمة المجد والعلا ... فلا خلق أرعى منهم لذمام وله فيه من أخرى (2) : إذا نزل العافون في عقر داره ... فقد نزلوا في غبطةٍ وأمان بحيث حياض (3) الجود زرق مياهها ... ومزن العطايا دائم الهطلان وللغيث أوقات يفاجئ صوبه ... ونائله ينهل كل أوان أغر طليق الوجه يهتز للندى ... كما اهتز مصقول الفرند بماني فما لعليًّ في البرية مشبه ... وما لعليّ في الأنام بثاني فلو أنني في الوصف لم أذكر اسمه ... دروه وقالوا: ذي صفات فلان   (1) ط: ولا كنف. (2) من أخرى: زيادة من س. (3) س: الموت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 824 وله فيه من أخرى عند صدره من حضرة أمير المسلمين: مضيت بوجه السعد وهو طليق ... وأبت بثوب النجح وهو يروق لقيت أمير المسلمين مقرباً ... كما يتلاقى شائق ومشوق رآك وللإسلام نصحك كله ... وعهدك في ذات الإله وثيق تلقاك بالبشر الذي أنت أهله ... فقالوا: أب حانٍ عليه شفيق ومنها: ولما طغى قوم وفرت لحومهم ... فعاج فريق واستقام فريق وضلت حلوم (1) بالجهالة مثلما ... أضل سواع معشراً ويعوق وجاءوك بالمكر الكريه وإنما ... بصاحبه (2) المكر الكريه يحيق أراهم مكان الفضل منك فروعوا ... كما انشقت ريح الغضنفر نوق وفروا ولولا حسن رأيك فيهم ... لما حملتهم بعد ذلك سوق فلا عدموا منك الذي عهدوا فما ... بغيرك غفران الذنوب يليق توسعت فضلاً في ولى وحاسدٍ ... ولم يك في باع المكارم ضيق كرمتم فروعاً في المعالي حميدةً ... وطابت أصول منكم وعروق وله فيه من أخرى، وكتب إليه (3) بها من تلمسان وأولها (4) : لعل إياب الظاعنين قريب ... فترجع أيام الحمى وتؤوب   (1) ط: نجوم. (2) ط: لصاحبه. (3) إليه: زيادة من س. (4) وردت أبيات منها في الوافي للصفدي وبيتان في المغرب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 825 مغاني تلاقينا وعهد اجتماعنا ... وليس علينا للزمان رقيب وأيامنا بيض الليالي ودهرنا ... من الحسن ما للشمس فيه غروب بها كان يدعوني الهوى فأجيبه ... مطيعاً وأدعو بالهوى فيجيب [152أ] وأرمي المها عن ناظري فتصيبها ... سهامي وترميني المها فتصيب وفي الخدر مكحول الجفون صفاته ... من السحر معسول الرضاب شنيب إذا ما (1) أدار الكأس من مثل ريقه ... تمايل غصن وارجحن كثيب فأجفانه سكرى ونحن وقده ... وكل بما استولى عليه مريب ويهتز نوار الملاحة حوله ... فيعبق من أنفاسه ويطيب على مثل أيام الزمان الذي مضى ... تشق قلوب لا تشق جيوب ومنها: أمثل عليّ تطلب العين أن ترى ... ومثل عليّ في الملوك غريب فتىً يهب الدنيا ويرتاح للندى ... كما اهتز غصن البان وهو رطيب وتأتي عطاياه اطراد خصاله ... كما اطردت للسمهري كعوب وإن كنت قد أضربت عن مدح غيره ... (2) فليس له في العالمين ضريب أحب سلا من أجل كونك (3) في سلا ... فكل سلاوي إليّ حبيب لصيرتها مصراً فنيلك نيلها ... وكفاك بطحاها وأنت خصيب   (1) ط د: أراد. (2) وقعت لفظة " ومنها " بعد بهذا البيت في س. (3) المغرب: من. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 826 وقد كرر هذا المعنى فيه أبو بكر، في مواضع من شعره، منها قوله من قصدية (1) : يقول رجال غير ما يفعلونه ... وإن علياً قائل وفعول فلا تطلبوا في ساحة الأرض مثله ... فمثل عليّ في الملوك قليل ولولا ما كانت سلا دار هجرتي ... ولا كان لي عمن أحب رحيل فألفيتها مصراً وأنت خصيبها ... وكفاك بطحاها ونيلك نيل ولما توفي سنة اثنين وخمسمائة قال فيه يرثي: العيش بعدك يا عليّ نكال ... لا شيء منه سوى العناء ينال يا عثرةً عثر الزمان بأهله ... ليت الزمان من الزمان يقال يا عصمة الفقراء بل يا مالهم ... هيهات ما للناس بعدك مال أبكيك بالدم لا بدمعي إنه ... يبكي سواي به وذاك محال دنيا ظفرت وما متاعك كله ... إلا سراب يضمحل وآل قد كنت مشغولاً به متوقعاً ... ولذي الوفاء بغيره أشغال فالآن ها أنا لا أبالي عن أسىً ... وقع التوقع فاستراح البال قد كنت آمالي التي أنا طالب ... جهدي ومت فماتت الآمال لا الظل ظل بعد فقدك يا أبا ... حسن ولا الماء الزلال زلال ومنها: كنت (2) الصفوح عن المسيء ولم يكن ... إلا الجميل لديك والإجمال حطوا عن الأكوار قد مات الذي ... يتحمل الأعباء وهي ثقال   (1) زاد في س: " تقدمت ". (2) ط د: كيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 827 مذ ودع القوال والفعال ما ... في الأرض قوال ولافعال (1) [152ب] وتهدم الجبل المنيف فزلزت ... رتب العلا ومن الرجال رجال فلأجعلن حجي لقبرك إنه ... للخير فيه وللتقى أوصال كلا عيالك لكن [ ... ] ... (2) فجميعنا لك يا عليّ عيال أين العزاء فقد أديل بأحمدٍ ... دول الأفاضل بالبنين تدال ومنها: طوقتني النعمى فصرت حمامةً ... تشدو وغصنك ناضر ميال وإذا الأيادي لم تكن مشكورةً ... للمنعمين فإنها أغلال ومن مدائحه في الفقيه القاضي أبي العباس ابنه (3) ، له من قصيدة أولها (4) : بعثت إليك من البراق خيالها ... فأراك شكلك حاملاً أشكالها هل ينكر الغيران مني وقفةً ... وقفت أماني النفوس حيالها في ليلةٍ عبث المحاق ببدرها ... غصباً فقصر عمره وأطالها سوداء أشرق نجمها فلو أنني ... أجري على فلك لكنت هلالها ولقد فتكت بقرطها وبمرطها ... حتى هتكت حجولها وحجالها   (1) وقعت لفظة " ومنها " بعد هذا البيت في س. (2) زيادة من س. (3) أبو العباس أحمد بن علي بن القاسم، ولي قضاء سلا بعد أبيه، ويصفه الفتح بأنه " فخر بني القاسم " وفي مدح التطيلي له يلقبه " قاضي قضاة الغرب "، وعنده نزل ابن تومرت، وكانت وفاته بعد سنة 515 (انظر بحث بنشريفه: 71 - 74، 87) . (4) وردت ثلاثة أبيات منها في الوافي ومثلها في المسالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 828 ومن المدح: ما الخطة العلياء زانته، (1) بلى ... هو زانها حتى أتم كمالها ويشق ماء العتق صفحة خده ... شق الفرند من السيوف صقالها وبأحمد بن علي بن القاسم بن ... محمد درت المكارم حالها هو لفظة من منطق الدنيا بها ... فخر الزمان على بنيه فقالها من كل مكتهل الوقار وأزهرٍ ... لبسوا الشبيبة فاكتسوا سربالها يمشون فوق الأرض تحت حلومهم ... فتخالهم أوتادها وجبالها لولاهم لتحركت جنباتها ... من جرفةٍ ولزلزلت زلزالها وله من أخرى (2) : أمعاهد (3) المدح الذي غادرته ... مغدىً لبارقة المها ورواحها وادٍ إذا ضرب الهجير رواقه ... أهدى إلى مهج القلوب رواحا (4) إن كانت الأرواح من ماءٍ فمن ... ذاك المجاج تكونت أرواحا فأتت تقبلني فقلت لها أمسكي ... عني فإني لا أقارب راحا فمضت وقد أخجلتها فتبسمت ... فرأيت في أرض العقيق أقاحا حتى إذا ما الروض نبهه الندى ... فتحت عيوناً كالعيون ملاحا ومن المدح:   (1) ط د: بل. (2) منها أربعة أبيات في المسالك. (3) كذا ولعل صوابها: المرح. (4) سقط هذا البيت والذي يليه من س، وجاء في موضعهما " ومنها ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 829 طالبتها أدباً فسال توقداً ... وطلبته كرماً فذاب سماحا وله فيه من قصيدة كتب بها إليه من تلمسان، أولها: على طول ما أبكي تعاتبني عتبا ... فياليت شعري هل يكون لها عتبي سرى جانب من جانب الغرب خافق ... خفوق فؤاد الصب قد فارق الحبا فما قنعت في الحرب بيض صوارم ... بأيدي كماة يكثرون بها الضربا ومنها: تكلفني نظم النجوم قلائداً ... لعمري لقد كلفتي مرتقىً صعبا [153أ] وهبك ملكت الشمس والبدر في يدي ... وسقت إلى جنبيهما الأنجم الشهبا إذا لم أعلقها على جيد أحمد ... فلا جيد في الدنيا يكون لها حسبا صبا بالغواني من صبا وهو لم يزل ... ببنت المعالي هائماً كلفاً صبا فتىً يهب البيض الكواعب كالدمى ... وبيض الظبا والسمر والضمر القبا لقد وهب الله الجمال لأحمدٍ ... وشرف منه الخلق والخلق العذبا موفق آراء القضاء كأنما ... بصيرته في الغيب تخترق الحجبا إذا اكتسب الناس الدنانير عدةً ... فأحمد لا يرضى بغير العلا كسبا كذاك مضت في السالفات جدوده ... كما مر كعب الرمح مطرداً كعبا وله فيه: يا راقد الليل التمام جفونه ... إني بحبك ساهر ما أرقد إني لأرحم خصره من رقةٍ ... وأرق للغصن الذي يتأود وغدا يطمعني الوصال تمنياً ... إني سأهلك فيل أن يدنو غد وليست أثواب الملاحة مثلما ... لبس السماحة والرجاحة أحمد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 830 لو كان خلد فاضل لفضيلة ... فيه لكان على الزمان يخلد المجد والشرف المؤثل والندى ... والجود والعليا له والسؤدد وبلاغة لم أدر حين سمعتها ... أفصاحة أم لؤلؤ متبدد لا ناطق عجل الكلام بها ولا ... متوقف فيها ولا متردد من معشرٍ طابوا مناصب في العلا ... وإذا يطيب الأصل طاب المولد جملة من مراثيه له من قصيدة في تأبين أمير المسلمين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين رحمه الله تعالى، قال فيها، وأنشدها على قبره: ملك الملوك وما تركت لعاملٍ ... عملاً من التقوى يشارك فيه يا يوسف ما أنت إلا يوسف ... والكل يعقوب بما يطويه اسمع أمير المسلمين وناصر ال ... دين الذي بنفوسنا نفديه جوزيت خيراً عن رعيتك التي ... لم ترض فيها غير ما يرضيه أما مساعيك الكرام فإنها ... خرجت عن التحديد والتشبيه في كل عامٍ غزوة مبرورة ... تردي عديد الروم أن تفنيه تصل الجهاد إلى الجهاد موفقاً ... حتم القضاء بكل ما تقضيه ونجي ما دبرته كنجيه ... فكأن كل مغيب تدريه متواضعاً لله مظهر دينه ... فكأن كل مغيب تدريه ولقد ملكت بحقك الدنيا وكم ... ملك الملوك الأمر بالتمويه الجزء: 4 ¦ الصفحة: 831 لو رامت الأيام أن تحصي الذي (1) ... فعلت سيوفك لم تكن تحصيه إنا لمفجوعون منك بواحدٍ ... جمعت خصال الخلق أجمع فيه وإذا سمعت حمامةٍ في أيكة ... تبكي الهديل فإنما (2) ترثيه ومضى قد استرعى رعيته ابنه ... فأقام فيهم حق مسترعيه وإذا هزير الغاب ضرى شبله ... في الغاب كان الشبل مثل أبيه وإذا علي كان وارث ملكه ... فالسهم ملقى في يدي باريه وله من مرثية: وناع نعى والقلب كالقلب خافق ... مروع ومما رابني لم أصدق بكت رحمةً لي عين كل غمامةٍ ... وساعدني نوح الحمام المطوق فيا مزن لا (3) [تؤذن] بتسكاب أدمعي ... فإن مدمع من لجة الحزن يستقي فلولا التهاب النار ما بين أضلعي ... لأصبحت في بحر من الدمع مغرق دعوني أشكو الدهر للدهر (4) معتباً ... على أنني أشكو إلى غير مشفق فما فوق هذا الرزء رزء وإنما ... رمى كبد العليا بسهمٍ مفوق مضى بابن عشرٍ كابن عشر وأربع ... فهلا هلال مثل نون معرق مضى بفتى تزري أسرة وجهه ... بضوء الصباح المشرق المتألق وله فيه:   (1) ط د: التي (2) س: فإنها. (3) زيادة من س. (4) ط: معنياً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 832 ما كنت أعلم على الزهر (1) الندي ... حتى ثوى في القبر جسم محمد خطب ثنى وجه الصباح كأنه ... بالحزن من قطع الظلام الأربد ورزية نزلت بآل محمدٍ ... خصت وعمت آل دين محمد وله فيه (2) : الصبر أجمل عند كل ملمةٍ ... لكن على فقديهما لم يجمل قمران غيب بالكسوف سناهما ... لا تخسف الأقمار إن لم (3) تكمل من قاضيين موفقين كأنما ... هذا شريح في القضاء وذا علي لم يعدوا نهج السبيل وإنما ... (4) [ .................. ] بنقيبةٍ من صحةٍ، وسجيةٍ ... من روضةٍ، وسكينة من يذبل وروية من حكمة، وقضيةٍ ... من فطنةٍ، وبديهة من منصل   (1) ط د: الدهر. (2) منها بيتان في المسالك. (3) س: ما لم. (4) زيادة من س: والشطر الثاني فيها بياض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 833 الأديب أبو محمد عبد بن صارة الشنتريني (1) ناثر وشاعر مفلق، وشهاب متألق، نثر فسحر، ونظم فنمنم، وأولع بالقصار فأرسلها أمثالاً، ورشق بها نبالاً، لا سيما قوارع كدرها على مردة عصره، وسم بها أنوف أحسابهم، وتركها (2) مثلاً في أعقابهم، وأوصاف أبدع فيها، واخترع كثيراً من معانيها، وملحٍ في شكوى زمانه، دل بها على علو شانه، حتى لو أن أبا منصور الثعالبي رآه، أو سمع شيئاً مما نحاه، لأضرب عن ذكر كثير ممن به أغرب، كابن سكرة وابن لنكك، ومن سلك ذلك المسلك. وكان أبو محمد على جودة شعره، وشفوفه على [154أ] أهل قطره، ضيق المجال، زحلي الانتقال، لم يسعه مكان، ولا اشتمل عليه سلطان،   (1) عبد الله بن محمد بن صارة (أو سارة) البكري الشنتريني الأصل، نزل إشبيلية وسكنها وتعيش فيها بالوراقة، وتجوب في بلاد الأندلس شرقاً وغرباً للتعليم بالعربية، وسكن المرية وغرناطة وامتدح الولاة والرؤساء، وكان حسن الخط جيد النقل قائماً على جمهرة من اللغة والنحو، وكانت وفاته سنة 517 (انظر التكملة: 816 والسلفي: 15 والقلائد: 260 والخريدة 2: 315 وبغية الملتمس رقم: 896 والمغرب 1: 419 والرايات: 35 (غ) والمطرب 78، 138 والإحاطة: 240 (النسخة الكتانية) والمسالك 11: 383 وبغية الوعاة 2: 57 (نقلا عن الوافي للصفدي) والشذرات 4: 55 وزاد المسافر: 66 ووفيات الأعيان وشرح المقامات للشريشي، وقد مر ذكره في مواطن من القسم الأول، انظر مثلا 1: 79، 147، 379. (2) المسالك: وخلدها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 834 وكانت قصاراه تتبع المحقرات، وبعد لأيٍ ما ارتقى إلى كتابة بعض الولاة، فلما كان من خلع الملوك ما كان، أوى إلى إشبيلية أوحش حالاً من الليل، وأكثر انفراداً من سهيل، وتبلغ بالوراقة وله منها جانب، وبها بصر ثاقب، فانتحلها على كساد سوقها، وخلو طريقها، وفيها يقول (1) : أما الوراقة فهي أيكة حرفةٍ ... أوراقها (2) وثمارها الحرمان شبهت صاحبها بصاحب إبرة ... تكسو العراة وجسمها عريان ولقد رأيت له عدة مقطوعات في الهجاء، تربي على حصى الدهناء، وهو فيه صائب السهم، نافذ الحكم، طويت عليه كشحاً، وأضربت عن ذكره صفحاً، وربما ألمعت منه بالأقل، لترى فتستدل، ولو استجزت أن أثبت في هذا الكتاب، بعض ما له في هذا الباب، لتحققت أنه بالجملة بائقة محاجاة، وصاعقة مهاجاة، وقد كتبت من ذلك في كتابي المترجم ب - " ذخيرة الذخيرة " جملة موفورة، له ولطوائف كثيرة، وفيما أوردت مع ذلك هنا من شعره، لما أجريت من ذكره، حجة فصل، وشاهد عدل.   (1) البيتان في القلائد والمسالك وبغية الوعاة وابن خلكان والإحاطة والشذرات والثاني في طراز المجالس: 141. (2) س: أغصانها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 835 جملة من شعره في النسيب وما يناسبه قال في غلام أزرق (1) : ومهفف أبصرت في أطواقه ... قمراً بآفاق المحاسن يشرق تقضي على المهجات منه صعدة ... متألق فيها سنان أزرق وهذا كقول السلامي، من أناشيد الثعالبي، حيث يقول (2) : أعانق من قده صعدةً ... ترى اللحظ منها مكان السنان وأبو محمد يتسلق على أشعار اليتيمة، تسلق القاضي الغشوم، على مال اليتيم. وفي ذلك يقول عبد الجليل: قده مهما تثنى صعدة ... والسنان الذلق فيها طرفه لابن رباح في غلام أزرق: عيني رأت أغرب شيءٍ يرى ... منزهاً عن كل تشبيه غصن من البلور أعطافه ... تريك ليناً في تثنيه يسفر للياقوت في حمرةٍ ... وإن رنا عن زرقةٍ فيه   (1) انظر القلائد والخريدة وابن خلكان والمسالك والشذرات. (2) اليتيمة 2: 403. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 836 وقال أبو محمد أيضاً (1) : أعندك أن البدر كان ضجيعي ... فقضيت أوطاري بغير شفيع جعلت ابنة العنقود بيني وبينه ... فكانت لنا أماً وكان رضيعي وقال (2) : ومعذر رقت حواشي حسنه ... فقلوبنا وجداً عليه رقاق لم يكس عارضه السواد وإنما ... نثرت عليه صباغها الأحداق وقال (3) : قاست حبك منذ حول كامل ... وطيور آمالي عليك تحوم فحرمت منك بلوغ ما أملته ... أشقى البرية عاشق محروم وقال (4) : يا من تعرض دونه شحط النوى ... فاستشرفت لحديثه أسماعي إني لمن يحظى بقربك حاسد ... ونواظري يحسدن فيك رقاعي لم تطوك الأيام عني إنما ... نقلتك من عيني إلى أضلاعي   (1) انظر المطرب والمسالك والنفح 3: 458. (2) البيتان في القلائد والمطرب والمسالك والرايات وابن خلكان وشذرات الذهب والقسم الأول من الذخيرة: 147. (3) انظر المسالك. (4) الأبيات في القلائد والنفح 4: 301. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 837 وهذا المعنى كثير ومنه قول المعتمد (1) : أغائبة عني وحاضرة معي ... كأنك من عيني نقلت إلى كبدي (2) وقال العباس بن الأحنف (3) : تالله ما شطت نوى ظاعنٍ ... صار من العين إلى القلب وقوله: " إني لمن يحظي بقربك حاسد "، كقول محمد بن أبي أمية (4) : قد رآها الرسول (5) حين رآها ... ليت عيني مكان عين الرسول وقال (6) : ومهفهف يختال في أبراده ... مبرح القضيب اللدن تحت البارح عاينت في مرآة وهمي خده ... فحكيت فعل جفونه بجوانحي لا غرو إن جرح التوهم خده ... فالسحر يفعل في البعيد النازح وبيته الثاني من هذه كقول القائل، إلا أن أبا محمد زاد فيه، وهو: فقتلتني وجرحت خدك ظالماً ... ما كان أغناني وما أغناك   (1) ديوان المعتمد: 6. (2) الديوان: لئن غبت عن عيني فإنك في كبدي. (3) لم يرد في ديوان العباس. (4) كان محمد بن أبي أمية (أو ابن أمية) كاتباً شاعراً ظريفاً من ندماء إبراهيم بن المهدي وهو ممن كان يصاحب مسلم بن الوليد وأبا العتاهية (انظر الأغاني 12: 139 - 150) والبيت الوارد هنا في الأغاني 12: 141. (5) الأغاني: وإذا جاءها الرسول. (6) الأبيات في القلائد والخريدة والمسالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 838 وقال (1) : أي امرئ يعصم من فتنةٍ ... بشادن إبليس من جنده جبينه المشرق من وصله ... وفرعه الخالك من صده ملكته رقي ولا رقة ... يحظى بها قلبي من عنده وسطوة الهندي في لحظه ... وعطفه (2) الخطي في قده وقال (3) : ماء الجمال بخده مترقرق ... والشمس منه تعوم في ضحضاح ما خده جرحته عيني إنما ... صبغت غلالته دماء جراح رشأ له خد البريء ولحظه ... أبداً شريك الموت في الأرواح ذو طرة سبجية ذو غرةٍ ... عاجيةٍ كالليل كالإصباح لله راء زبرجد في عسجد ... في جوهر في كوثر في راح أتراه يعلك أن قلبي عنده ... رهن الهوى يهفو بغير جناح مازحته ولم ادر ما حد الهوى ... حتى قدحت زناده بمزاح لولا العيون لكان من دون الهوى ... وقلوبنا قفل بلا مفتاح قامت علي شواهد من حبه ... فأرى الكناية فيه كالإفصاح   (1) في هامش ط هنا تعليقات بخط غير خط الأصل، وأكثرها شعر منقول عن القلائد. (2) س: وسطوة. (3) منها في المسالك أربعة أبيات. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 839 ومن شعره في الأوصاف قال في النارنج (1) : أجمر على الأغصان زادت (2) غضارةً ... به أم خدود أبرزتها الهوادج وقضب تثنت أم قدود نواعم ... أعالج من وجدي بها ما أعالج أرى شجر النارنج أبدى لنا جنىً ... كقطر دموعٍ ضرجتها اللواعج جوامد لو ذابت لكانت مدامةً ... تصوغ البرى فيها الأكف الموازج كرات عقيقٍ في غصون زبرجد ... بكف نسيم الريح منها صوالج نقلبها طوراً وطوراً نشمها ... فهن خدود بيننا ونوافج وقال: رخم من النارنج خمسيه وقل ... نار على الإطلاق ليس تكذب عجباً لدوحته ترف غضارةً ... والجمر في أغصانها يتلهب كالغيد لا تشقى بنار خدودها ... وقلوبنا في حره تتقلب وهذا كقول بعض أهل عصرنا (3) :   (1) انظر القلائد والخريدة والمغرب والرايات، ومنها أربعة أبيات في المسالك واثنان في النفح 3: 414. (2) القلائد: أبدى. (3) هو عمر بن الشهيد كما في الذخيرة 1: 691. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 840 وتحت البراقع مقلوبها ... تدب على ورد خد ندي تسالم من وطئت خده ... وتلدغ قلب الشجي الأبعد وقال أبو محمد (1) : أهد الثناء إلى زمان مشرقٍ ... أهدى إليك شقائق النعمان قامت فرادى فوق سوق زبرجد ... صيغت عليه جمائم العقيان يهفو بها مر النسيم كأنها ... حمر البنود نشرن في الميدان وقال (2) : وحديقة في نرجس وبهار ... رفعت لواء الحسن للنظار فكأنما هذا ضحى متهلل ... وكأنما هذا أصيل نهار أخوان أمهما معاً شمس الضحى ... وأبوهما قمر السماء الساري شربا سلاف القطر حتى عربدا ... وتراجما بكواكب الأزهار واستودعا خبريهما نفس الصبا ... فأذاع ما كتما من الأسرار فبكى الندى لهما ضحيا، والندى ... مذ كان للأزهار أكرم جار ومنها: نمت زجاجتها بها فحسبتها ... ماء يحيط بجذوة من نار رام المدير بأن يسكن فورها ... فتقاذفت جنباتها بشرار   (1) ورد في المسالك بيتان منها. (2) منها أربعة أبيات في المسالك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 841 حتى إذا ما ابن الغمامة شجها ... ثار الحباب مطالباً بالثار في درع نضناض كأن أيدمه ... يرنو بأحداق بلا أشفار ألم في هذا بقول المعري وقصر عنه (1) : كأثواب الأراقم مزقتها ... فخاطتها بأعينها الجراد وكذلك قوله: " أخوان أمهما معاً شمس الضحى "، من قول ابن الرومي (2) : هذي النجوم هي التي ربتهما ... بحيا السحاب كما يربي الوالد وقال (3) : وبستان ورد في مطارف سندسٍ ... يرف على غيد السوالف ميد نظرت إليه في الكمام فخلته ... ذوائب تبرٍ عممت بزبرجد وله يستدعي إلى مجالس الأنس: أبا تاجاً بهام المعلوات ... ويا وسطى نظام المكرمات [155ب] ومن طلعت مآثره نجوماً ... بأفلاك السعادة نيرات أرى ديماً تحت إلى مدام ... يشيعها النديم بخذ (4) وهات   (1) شروح السقط: 305، يصف الدرع ويشبهها بجلد الحية، وقد شبه المسامير فيها بعيون الجراد. (2) ديوان ابن الرومي 2: 644 والمختار: 237 وأمالي القالي 1: 270. (3) البيتان في المسالك. (4) ط: فخذ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 842 وعندي من بنات الكرم بكر ... يخفرها ملاحظة السقاة يطوف بكأسها ساق نبيل ... مليح الوصف مقبول الصفات يكر إليك ألحاظاً مراضاً ... كأن بها بقايا من سنات وقال: أيا من جارت العلياء فيه ... فما تدري له العلياء كنها بجيد النبل منا عقد أنس ... أقام بغير واسطة فكنها وقال يصف سحابة: أعاذك الله من ليلٍ بليت به ... كأنه بغتة المقدور إذ طرقا وافاني السحر الأعلى بساريةٍ ... كادت تعيد صعيداً منزلي زلقا هللت منها وقد هبت صواعقها ... كراكب البحر لما شارف الغرقا لله من عارض ضاق الفضاء به ... طولا ً وعرضاً فخلت البر قد غرقا تلألأ الجو من نيران بارقه ... حتى حسبنا أديم الأرض محترقا وقلت إذ قصفت للرعد قاصفة ... تضعضع الفلك الأعلى أو انطبقا ومن ملح شعره في ذكر الزمان وبنيه، وتعذر آماله فيه (1) : أرى الدينار للدنيا نسيباً ... يحيد عن الكرام (2) كما تحيد هما سيان إن صحفت حرفاً ... وجدت الراء تنقض أو تزيد رأيت هواهما استولى علينا ... فنحن بحكمه أبداً عبيد   (1) ورد في النفح 3: 567 خمسة أبيات منها. (2) ط: المكارم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 843 يؤمل أن يصيدها فؤادي ... فيرجع عنهما وهو المصيد فكم أصغي إلى زور الأماني ... ويغريني بها الحرص الشديد وألمح من سنا الدينار برقاً ... غمامته على غيري تجود يفوز به الخلي فيحتويه ... ويحرم وصله الصب العميد بجد فاسع لا تحفل بجد ... أبت لك صحبةً فيها الجدود فما حسن التناول فات سمعي ... ولكن فاته الجد السعيد إلى كم ينفر الدينار مني ... ويطلب كف من عنه يحيد ألم أنشده في وادي هيامي ... به لو كان يعطفه النشيد " حبيبي أنت تعلم ما أريد ... ولكن لا ترق ولا تجود " وكم غنيت حين تنكبتي ... منىً شيطانها أبداً مريد " يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما يريد " وقال وقد طلق امرأته: [156أ] أما الزمان فرق لي من طلةٍ (1) ... كانت تطل دمي بسيف نفاقها الذئبة الطلساء عند نفاقها ... والحية الرقشاء عند عناقها وقال في هر له كان يسمى رشيقاً: تبنيت الهزبر فبات شبلي ... وأقصيت الغلامة والغلاما أوسد ساعدي خدي رشيقٍ ... وأوسعه اعتناقاً والتزاما وأطوي طول ليلي ذكر ليلى ... ولا أقرا على سلمى سلاما   (1) الطلة: الزوجة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 844 وقال في أحد الكتاب: وأغر ينتحل الكتابة خطةً ... متوقدٍ كالحية النضناض عشق السواد فأصبحت أسنانه ... تشري السواد ببيع كل بياض فإذا شحا فاه رأيت خنافساً ... يأوين من فيه إلى مرحاض وقال: وأبخر قص حديثاً له ... فقال الحضور فسا ذا الحدث فقلت لهم بادروا بالقيام ... فإن الفساء نذير الحدث وهذا كقول عبد المحسن الصوري (1) : حديثه كالحديث ... يرفث كل الرفث ومن غريب ما قيل في البخر قول الحصري: أبخر لا يحيك فيه البخور ... حسد الغائبين فيه الحضور قلت لما فسا بفيه علينا ... ما له است فكذبتنا الأيور وقال آخر: أهدى مغيث هره لقمةً ... أرسلها من فمه الأبخر فبادر القط إلى دفنها ... يحسبها من بعض ما قد خري   (1) اليتيمة 1: 318. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 845 أما الثنايا فإني لست منثنيا ... عن الثناء عليها آخر الأبد يبدو لطرفك منها حين تبصرها ... سن كمثل مسن الصيقل الفرد كأن جن سليمان بنوا فمه ... بنيان تدمر بالصفاح والعمد يهدي إلى السمع من ألفاظه نغماً ... كأنها نفثات السحر في العقد له فم كحرٍ في شكل صورته ... (1) " ترمي غواربه العبرين بالزبد " واستجزت إثبات (2) هذا إذ لم يصرح بأحد، وقد قلت في غير موضع من كتابي هذا إني نزهته عن الهجاء، ولم أجعله ميداناً للسفهاء. وقال من قصيدة: أرى السيادة مذ صافحت هاجسها ... في كل وادٍ من التقوى تهيم بكا فما تلاقيك إلا وهي قائلة ... قول التي شفها الصديق هيت لكا إني خطوت إليك الناس كلهم ... ولم أزر سوقةً منهم ولا ملكا [156ب] أشكو إليك ولا عار بذي وصبٍ ... ألقى التداوي من أوصابه فشكا الخرج (3) أخرج رأسي من شبيبته ... فكلما افتر ثغر الشيب فيه بكى وفي الشهور إذا وافين لي شهر ... يظل عني فيه الستر منهتكا وما الهلال بمبيض لدى مقلي ... كأنه من قتير الشيب قد سبكا أو من دراهم مذ باتت منجمةً ... علي كدت أسب النجم والفلكا   (1) علق ناسخ ط هنا بقوله: انظر هذا الخنا البشيع، فسبحان من قدر علي بكتبه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (2) ط د: أبيات. (3) ط: الحرج. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 846 وقال أيضاً في مثله (1) : لولا الخراج خرجت عنه ولم تكن ... نوب الزمان خواطراً بخواطري قالوا الخراج فقلت ضموا خاءه ... فهو الخراج على سواد الناظر وقال من قصيدة (2) : سافر فإن الفتى من بات مفتتحاً ... قفل النجاح بمفتاح من السفر ولا يذودنك عن وجه تصعبه ... قد ينبع الكوثر السلسال من حجر (3) تنمر الدهر لي حتى مرقت له ... من قسوري الدجى في فروة النمر لابد أن يقع المطلوب في شركي ... ولو بنى وكره (4) في دارة القمر قاضي الجماعة في دار الإمارة لي ... قاض على الدهر إن لم يقض لي وطري فلست أنشد والقاضي بقرطبة ... يسر بالعدل والأحكام والسير " جار الزمان علينا في تصرفه ... وأي دهرٍ على الأحرار لم يجر " ولا أقول وعندي من تهممه ... ما يطرد الهم عن نفسي وعن فكري " عندي من الدهر ما لو أن أيسره ... يلقى على الفلك الدوار لم يدر " أصغرت من زمني ما كنت أكبره ... لما نظرت إلى آياته الكبر وفيها: وهاك بكراً تريك الحسن في قحةٍ ... إذا تجلت وحسن البكر في الخفر   (1) لم يرد البيتان في س. (2) منها أربعة أبيات في كل من القلائد والخريدة. (3) الخريدة والقلائد: الدهر حتى ما فرقت له. (4) الخريدة والقلائد: داره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 847 لها بذكرك أنفاس معطرة ... كما تنفست الأزهار في السحر طالع بغرتك الميمون طائرها ... نواظراً بك في أمن من الطير ولا تدعني في كف الزمان سدىً ... كالقوس عطلها الرامي من الوتر وقد تلين الليالي بعد قسوتها ... ويسمح الورد بعد الشوك بالزهر لم ألق في الورد إلا ما أنست به ... وأنت لي وزر من وحشة الصدر قوله: " ولو بنى في داره القمر " من قول المعري (1) : ولو أنني في هالة البدر قاعد ... لما هاب يومي رفعتي وجلالي وأظن أبا ذؤيب افتتحه بقوله (2) : ولو أنني استودعته الشمس لارتقت ... إليه (3) المنايا عينها أو رسولها وقال: [157أ] جزى الله إخواني (4) جميلاً فإنني ... وجدتهم لي عدةٍ في الشدائد هم وصلوا كفي فكانوا سواعداً ... ولا خير في أيد بغير سواعد أقلدهم حر الثناء فإنهم ... بجيد المعالي واسطات القلائد أبا بكر الأولى بحمدي وبالمنى ... نثرت على الأحرار در المحامد أهز حساماً من لسانك إن سطت ... مضاربه ذات رقاب الشدائد   (1) شروح السقط: 1210. (2) ديوان الهذليين 1: 174. (3) ط د: استودعتها ... إليها. (4) س: جميعاً. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 848 عسى أملي يحظى بإدراك سؤله ... فتثمر بالإنجاز أيك المواعد وله: لم أكسهم مدحي إلا لأكسوهم ... من سروهم سنة الأحجال والغرر ولم أزدهم بها فضلاً وهل أحد ... في وسعه رفع قدر الشمس والقمر من كل من يده يمضي بها قدماً ... باع طويل وباع السيف ذو قصر بحر وصارمه الدامي براحته ... نهر على ضفتيه يانع الثمر ومعنى هذا البيت كثير، ومنه قول المعري (1) : روض المنايا على أن الدماء به ... (2) وإن تخالفن أبدال من الزهر وقوله: " ولم أزدهم بها فضلاً "، من السرق الواضح، والاهتدام الفاضح، وهو قول أبي الطيب (3) : من كان فوق محل الشمس موضعه ... فليس يرفعه شيء ولا يضع وقال أبو محمد من قصيدة: شاورت في سيري إليه عزيمةً ... قرنت بسعي لا يخيب نجيح لم أدر حين علوت متن براقه ... أعلى البراق نزوت (4) أم في اللوح (5)   (1) شروح السقط: 158. (2) وصف السيف بأنه روض المنايا، والدماء المختلفة فيه أنواع من الزهر. (3) ديوان المتنبي: 306. (4) ط د: تروت. (5) سقط البيت من س. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 849 ومنها: يجتاب أردية العجاج ونحته ... أشلاء ذمرٍ أو صفيح ضريح شيحان لم يعرف دريس قميصه ... عرف الكباء سوى دخان الشيح وأنا الذي أخفيت جهد خصاصتي ... من بعد ما ارتشفت بلالة روحي حتى بدا ماء الندى مترقرقاً ... في صفحتي طلق اليدين صفوح وأجلت منه نواظري في غرة ... تستنطق الأفواه بالتسبيح قاضي القضاة المجتبى من معشرٍ ... كسي المديح بهم حلي مديح ممن ترف له عليك جوانح ... فيها صحيح مودةٍ وجنوح كم قلت إذ قالوا زمان قابض ... منه الكريم على عنان جموح إن طاف من حدثانه الطوفان بي ... فمكارم القاضي سفينة نوح وله فيه من أخرى (1) : الله أكبر قد رافيت قرطبةً ... دار العلوم وكرسي السلاطين (2) [157ب] وقد تهلل بي وجه النجاح بها ... طلق الأسرة من وجه ابن حمدين تزهو العلا بمساعيه إذا ذكرت ... زهو الأنوف بأنفاس الرياحين لم يرضه عرض الدنيا فجاد به ... وضن بالأكرمين: العرض والدين   (1) فيه من أخرى: سقطت من ط د. (2) ورد هذا البيت في النفح 3: 26. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 850 انتهى السفر الثاني من الذخيرة والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد المصطفى الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. وكان الفراغ منه عام خمسة بعد ألف في زوال يوم الأربعاء الرابع والعشرون [كذا] من ذي القعدة، عرفنا الله خيره، ووقانا ضيره، بمنه ويمنه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 851 فراغ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 852 تذييل واستدراكات الجزء: 4 ¦ الصفحة: 853 فراغ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 854 تذييل حين كان هذا القسم يكاد يشارف النهاية في المطبعة، وصلتني صورتان عن نسختين منه (1) وإليك وصفاً موجزاً لكل منها: (1) نسخة الخزانة الملكية بالرباط (رقم: 7753) ورمزها (ك) ، وهي تشمل القسم الثاني كله، وتضم 215 ورقة، وفي كل صفحة من صفحاتها 23 سطراً، ومعدل الكلمات 13 كلمة في السطر الواحد؛ مكتوبة بخط مغربي حديث، وفي بعض سطورها تحشيات بخط أحدث، وفي أوراقها اضطراب، وفيها خرم ضاعت بسببه بضع صفحات. ويمكن أن تعد هذه النسخة دون تردد من فئة (ط) ولهذا نجدها تطابق (ط د) بوجه عام وربما انفردت بزيادات قليلة (وخاصة في إحدى قصائد ابن عمار وفي بعض أبيات للمعتمد) ، وهي لا تشذ عن (ط د) في القراءات حيث تكون هاتان متطابقتين، وتنفرد بعد ذلك بقراءات بعضها مرجح على ما عداه، ولهذا أثبته في الاستدراكات التالية، وبعضها مرجوح ولذلك أرجأته إلى جزء أخصصه للتعليقات العامة على جميع أقسام الذخيرة (وهو فيما أقدر سيكون جزءاً تاسعاً، إذا وقفني الله إلى إنجازه) ، وهذا القسم المرجوح هو الذي تنفرد به (ك) عن أختيها (ط د) ، فأما ما تتفق فيه معهما فلا أرى داعياً لإثباته. (2) نسخة المكتبة البودليانية باكسفورد (1: 749) ورمزها (ل) ، وهي أصل   (1) تلطف الصديق الدكتور عدنان البخيت، الأستاذ بالجامعة الأردنية، فأرسل إليّ ميكروفيلم عن نسخة الخزانة الملكية رقم 7753 كما تلطف الابن العزيز الأستاذ رمزي بعلبكي فأرسل إليّ ميكروفيلم عن نسخة المكتبة البودليانية باكسفورد، فإلى الصديقين، جزيل الشكر وأوفاه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 855 النسخة (س - الباريسية) ولذلك تقع في فئة النسختين (م س) ، إلا أنها أكمل من (م) لأن هذه الأخيرة تقف عند جانب من ترجمة ابن عبدون، وأصح كثيراً من (س) التي تشاكرها في الأخطاء الأصلية وتضيف كثيراً من الأخطاء الجديدة. ولما كانت كذلك فإنها تتمتع بما في النسختين من زيادات أشرت إليها في الحواشي؛ وربما كان خطها المغربي الدقيق الجميل يشير إلى أنها من أقدم ما لدينا من نسخ الذخيرة. إلا أنها لا تحمل تاريخاً للنسخ. وتقع في 230 ورقة وفي الصفحة الواحدة من صفحاتها 25 سطراً، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 12 كلمة، وتحفل بعنوانات للفصول والفقرات مكتوبة بخط كبير. وقد اعتمدت بعض قراءاتها الضرورية لقارئ هذا القسم وأدرجتها في الاستدراكات التالية محتفظاً بالمقارنة الشاملة للجزء الخاص بالتعليقات العامة. مما تقدم يتضح أن هاتين النسخيتن لوقوعهما في فئتي المخطوطات التي اعتمدتها منذ البداية لم ينتشلا هذا القسم من الذخيرة مما يشكوه من نقص متصل بترجمة البكري وترجمة ابن حجاج (التي لا وجود لها في المخطوطات المتوفرة لدي) - كما وضحت في مقدمة هذا القسم - ولكنهما قدمتا بعض الفائدة في ترجيح بعض القراءات على البعض الآخر. استدراكات (1) 74 - حاشية رقم: 1 البيتان المشار اليهما لا يردان في هذا القسم، فالقول بورودهما وهم. 274: - 8 - 9 أن غماءهم لا تنفرج، وظلماءهم لا تنجلي ولا تتبلج (كما قدرت ف الحاشية: 4)   (1) ميزت ما اعتمدت فيه على النسخة (ل) بإثبات هذا الحرف إلى جانب القراءة المرجحة، ومعنى ذلك أن كل ما لم يرفق به رمز فإنه مستمد من (ك) ، والرقم الأول يشير إلى الصفحة والثاني إلى السطر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 856 286 - 11 ومجلي دياجير الظلم والظللم 290: - 3 وتعطلت أجياد الأنوار 301: - 15 من مختتم الكتاب 329: - 4 فكيف تزل (لعلها: تنزل) لي عن صهوة الابتداء 339: - 9 أن يشد على علق مضنة منه يده 348: - زاد في (ك) بعد السطر: 13: كلام لو أن البقل أدلى بمثله ... رمى البقل واخضر العضاه المصيف 350: 12 وابذل لها (احذف كلمة: بها) 354: - 9 وأعرب عن نحيزته وانتسب 371: - 10 - 11 وبعد انتباذه من منازلة شلب 377: - 2 أما معاني أول هذه القصيدة (كما في النسخة: د) 409: - زاد في (ك) بعد السطر: 6 " وقد رأيت البيت الأول منهما على قافية أخرى: أسأت إليّ فاستوحشت مني ... ولو أحسنت أنسك الجميل 457: 5 من حف أظآر العلا في معشر 484: - 17 يا تربة استبقي سناه ويا بلى 489: - 8 وألفاظ التأبين مبنية على كثرة التفجيع 682: - 20 - 21 الشمائل الواعدة الصادقة 732: - 19 إذا شهدوا القتال (ل كما في الديوان) 733: - 3 إذا التقت الرياح (ل كما في الديوان) 745: - 3 أحال بالدين والدنيا على الخير (ل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 857 746 - زاد في (ل) بعد السطر: 19 البيت التالي: أجللتها فاستبانت نصف دائرة ... لو كلفت شأوها الأفلاك لم تسر 748: 4 غير نفس حرة زاحمت به (ل) 749: - 5 أهلوا بمنهل من الغيث (ل) 755: - 14 ويعيد بعض الريش إلى جناحي 758: - 9 أملك أبا الحسين (كما قدرت في الحاشية رقم: 3) 873: - 8 فسبيل ما وردني به الآن 794: - 3 اقرأ: " وإن كان [ابن المعتز] قد تقدم في تقسيم التشبيه .... " والبيت التالي في غرائب التشبيهات: 36 لابن المعتز، وينسب أيضاً للصنوبري، انظر ديوانه: 487. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 858 مقدمة المحقق جرى تحقيق هذا القسم من الذخيرة على فئتين من المخطوطات، الفئة الأولى تضم مخطوطتين وهما: (1) مخطوطة الزاوية الحمزية بالخزانة العامة بالرباط (ورمزها: م) وتقع في 568 صفحة، ولكن نص الذخيرة ينتهي فيها إلى الصفحة 506 (الورقة 203/أ) فقد جاء في هذه الصفحة: " ها هنا انتهى ما أثبته ابن بسام رحمه الله في القسم الثالث من كتاب الذخيرة " وعلى الحاشية إزاء هذه الخاتمة كتب: " الحمد لله: هذه الأوراق - من أبي بكر بن الدوس إلى ترجمة أبي بكر رحيم من كتاب مطمح الأنفس في ذكر علماء الأندلس للوزير الكاتب أبي النصر الفتح بن خاقان مؤلف قلائد العقيان ". وعند مقارنة هذه الصفحات (506 - 568) بالمطمح المطبوع تتضح فروق واسعة بينهما، فلعل هذه الورقات هي إحدى صور المطمح في نسخته الكبرى أو الوسطى. ويحتوي الجزء الخاص بالذخيرة من هذه النسخة كل القسم الثالث دون نقص؛ والنسخة بخط مغربي جيد، وفي كل صفحة 23 سطرا ومتوسط عدد الكلمات في السطر الواحدة 12 كلمة، والضبط على وجه العموم حسن، والأوهام قليلة، ولهذا ولكمال النسخة أشرت إلى صفحاتها في هذا التحقيق. (2) نسخة (رمزها: ب) كانت في ملك الأستاذ ليفي بروفنسال وهي في 234 ورقة، وفيها نقص في أولها وآخرها، وقد لحقت بها آثار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 أرضة وبياض وطمس. وتشمل كل صفحة من صفحاتها على 33 سطرا ومعدل الكلمات في السطر الواحد 20 كلمة، وخطها مغربي دقيق، إلا أن غلبة العيوب التي أشرت إليها تجعل إقامة نص سليم منها أمرا صعبا. غير أنها تشبه النسخة (م) من جميع النواحي، وكلتاهما ترجع - فيما أقدر - إلى أصل واحد. وتضم الفئة الثانية من مخطوطات هذا الجزء ثلاث نسخ وهي: (3) نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم: 1324 (ورمزها: ط) وتقع في 191 ورقة ويبدأ النص فيها ناقصا على الصفحة الثانية من الورقة الثانية، وقد تملكها شخص بمدينة فاس لقاء تسع عشرة أوقية سنة 1204، وهي بخط مغربي جميل واضح، فرغ ناسخها أحمد بن الحاج علي بن الحاج أبي القاسم بن محمد بن سودة الأندلسي من نسخها سنة 1003، وفي كل صفحة من صفحاتها 25 سطرا، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 12 كلمة؛ وتعد على وجه الإجمال جيدة الضبط. (4) نسخة المجمع التاريخي بمدريد - جيانجوس (ورمزها: س) وهي في 157 ورقة تمثل القسم الثالث من الذخيرة كاملا، وفي كل صفحة 28 سطرا، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 11 كلمة، مكتوبة بخط مغربي دقيق، قريب الشبه بخط النسخة (ط) . (5) النسخة البغدادية (ورمزها: د) وهي في 291 صفحة، في الصفحة الواحدة 29 سطرا، ومعدل الكلمات في السطر 10 كلمات، وخطها مشرقي نسخي حديث، وقد تم نسخها مساء نهار الاثنين 21 ربيع الثاني سنة 1325 هـ. على يد عبد اللطيف آل ثنيان عن نسخة قديمة " مغلطة " فيها بياض كثير بخط مغربي " شكس " - كما يقول الناسخ. ولعلها نسخت عن إحدى النسختين السابقتين، أو عن نسخة تلتقي وإياهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 في الانتماء إلى أصل مشترك. فهذه النسخ الثلاث لا يقوم بينها من الفروق إلا ما ينشأ عن وهم أحد النساخ دون الآخر، أو عن محاولة ناسخ (د) أن يصحح بعض ما وجده من خطأ بمراجعة النص على الأصول. على أن النسخة الأخيرة أكثر الثلاث أخطاء - رغم وحدة المنتمى - لصعوبة الخط المغربي لدى ناسخها المشرقي. وبين هاتين الفئتين من المخطوطات فروق هامة أصيلة منها: (1) أن سياق النص في الفئة الأولى يختلف أحيانا اختلافا جذريا عن سياقه في الفئة الثانية، حتى ليشبه أن يكون تلخيصا واختصارا لما جاء في الأولى. (2) كل فئة تتضمن زيادات لا تتوفر في الفئة الأخرى، ولكن الزيادات في الفئة الأولى أكثر وأغرز، ولهذا السبب اعتبرت نص الفئة الأولى أساسا فلم أشر إلى الزيادات إلا في الصفحات الأولى من الكتاب على سبيل التمثيل، أما الزيادات المستمدة من نسخ الفئة الثانية فقد وضعتها دائما بين معقفين. (3) في بعض زيادات الفئة الأولى أمر غريب يستوقف النظر، وذلك هو دخول نص قلائد العقيان ضمن نص الذخيرة، وقد نبهت إلى ذلك بأن جعلت ما ينتمي إلى القلائد - على نحو حاسم - مطبوعا بحرف أصغر في المتن، وليس في نسخ الفئة الثانية مثل هذه الزيادات. هذا ويطيب لي في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل لصديقي وأخي الدكتور محمود مكي علامة الدراسات الأندلسية فهو الذي أمدني بالنسختين (م) و (س) مكبرتين، وشجعني على هذا العمل، وآثرني على نفسه إذ كان بحاجة إلى نسخة الذخيرة في دراساته وبحوثه، فجزاه الله عني خير الجزاء. وإذا ذكرت أهل الفضل فلن أنسى الصديقين: الدكتور عفيف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 عبد الرحمن المدرس بمعهد المعلمين بالكويت، والأستاذ محمد رشاد عبد المطلب بمعهد المخطوطات التابع للجامعة العربية فكلاهما لم يضن على هذا العمل بما يكفل إنجازه، أما الأول فقد صور لي المخطوطات المحفوظة بالمكتبة العامة بالرباط من نسخ الذخيرة، أما الثاني فقد تكرم فأ {سل إلي صور " ميكروفيلم " عن كل ما يحتفظ به المعهد من مخطوطات الذخيرة، فلهذين الصديقين أيضا شكري الجزيل. وإني لأرجو أن يتاح لي تقديم الأقسام الأخرى من الذخيرة محققة، فقد طال العهد والذخيرة تستدعي التحقيق ليفيد منها الدارسون، معتمدا في ذلك كله على عون الله وتوفيقه. بيروت في حزيران (يونيه) 1974 إحسان عباس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على مولانا محمد وآله وسلم ذكر الجانب الشرقي من جزيرة الأندلس وتسمية من نجم في أفقه من كواكب العصر وبرز في ميادينه من فرسان النظم والنثر من أول المدة المؤرخة صدر هذا الكتاب إلى وقتها الذي هو سنة اثنين وخمسمائة حسبما شرطنا، واجتلاب غرر وسائلهم وأشعارهم، وما اتصل بذلك من نوادرهم وأخبارهم. قال أبو الحسن ابن بسام: ولما إدارات تلك الفتنة رحاها، على حضرة قرطبة وما والاها - إذ كانت على ما قدمنا ذكره منتهى الغاية، ومركز الراية - فقلصت أذيالها، وانتسفت جبالها، واشتفت الماء من عودها، وألوت بمعظم طارفها وتليدها، شذ قوم من أهلها على حال لو رآها ابن جبير لقال بالتقية، وبين يدي قتال لو أحاط ببني دبيان ليئسوا من البقية، بأذماء أنفس قد نازعهم الموت أرماقها، وبقايا أحوال قد هتكت النوائب أستارها وأوراقها، فأصبحوا طرائد سيوف، وجلاء حتوف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 قد خلعتم لين العيش على خشنه، وأسلمتم غفلات الزمان إلى محنه، يلوذون بآفاق هذه المنكوبة، لواذ الماء بأقطار الزجاجة المصبوبة، فكانوا كما وصف الملك الضليل حيث يقول: فريقان منهم جازع بطن نخلة وآخر منهم قاطع نجد كبكب لا بل كما قال صاحبهم القسطلي أبو عمر يضجر من حاله، ويحار من أدباره بين تلك الفتنة وإقباله، ويصف ما حل به وانجلى عن أهله وأطفاله، في قصيدة فريدة [1ب] مدح بها خيران الصقلبي فقال: تقسمهن السيف والحيف والبلى وشطت بنا عنها عصور وأزمان كما اقتسمت أخذانهن يد النوى فهم للردى والبر والبحر إخوان إذا شرق الحادي بهم غربت بنا نوى يومها يومان والحين أحيان وكان القسطلي - حسبما قدمنا هذا الديوان - من فتنة ذلك الزمان بمنشأ ليلها، وعلى مدرج سيلها، فأوثقته في حبالها، وعركته عرك الرحى بثفالها، ولم يزل يتقلب بين أطباقها، ويترشف أسار ثمادها وأزناقها، فكم له من وفادة أخزى من وفادى البرجمي، ووسيلة أضيع من المصحف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 في بيت الزنديق الأمي، بقصائد لو مدح بها الزمان لما جار، أو رواها الزبرقان لأمن السرار، ورسائل أعذب من ماء الثغور، وأعجب من الدر بين الترائب والنحور، يتخللها بشكوى أحر من الجمر، وعذر في البكاء أوضح من الفجر، لو وجدت شفرة عتابه محزا، أو صادفت ريح عتابه عطفا مهتزا، لا بل كما قال عمرو بن معديكرب: لقد ناديت لو أسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي أو كما قال أبو عبادة: أهز بالشعر أقواما ذوي وسن لو أنهم ضربوا بالسوط ما شعروا كقوله في مبارك ومظفر، غلامين فدمين، كانا يومئذ ببلنسية أميرين، من قصيدة يقول فيها: فكم جزت من بحر إلي ومهمه يكاد ينسي المستهام ادكارك أذوا الحظ من علم الكتاب هداك لي أم الفلك الدوار نحوي أدراك وكيف رضيت الليل ملبس طارق وما ذر قرن الشمس إلا استنارك وكم دون رحلي من بروج مشيدة تحرم من قرب المزار، مزارك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 وأرضي سيول من خيول مظفر وليلي نجوم من رماح مبارك وممن كان أيضا مدح صاحب دانية يومئذ، الفتح بن أفلح، بقصيدة وصف فيها مشقة رحلته، وتقلقله لمحنته على عادته، فمنها قوله: [2أ] غراب مما أغرب الدهر أطلعت عليك هلال العلم من أفق الغرب طوت فلوات الأرض نحوك وانطوت كبدر إلى محف، وشهر إلى عقب كؤوسا تساقتها الليالي تنادما فجاءتك كالأقداح ردت على الشرب تعاورهن البر والبحر مثلما ترد بأيدي الرسل أجوبة الكتب يكتبن صفحات السعود نواظرا وينفضن من أقلامهن على القلب ويقضمن أطراف الهشيم تبلغا إلى الروضة الغناء في المشرب العذب ويفحصن في رضف الحصى بمناسم تهيم إلى حصبا من اللؤلؤ الرطب فتلقي جميعا في الصخور كلاكلا تنوء لأرض المسك زهوا على الترب ولاح لها البرق الذي أغدق الثرى فهن إليه موفضات إلى نصب فأي رجاء قاد رحلي إليكم وقد أضعفتني مثل راغبة السقب بعيد من الأوطان مستشعر العدا غريب على الأمواه متهم الصحب أقل من الرئبال في الأرض آلفا وأن كان لحمي للحسود وللخب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 وأعظم تأنيسا لدهري من المنى وأوحش فيهم من فتى الجب في الجب فلله من عزم إليك استقادني فأفرط في بعد وفرط في قرب حياء من الحال التي أنا عالم بها كيف عاثت في سناها يد الخطب وتسويف يوم بعد يوم تخوفا لعلي لا ألقاك منشرح القلب وشحا بباقي ماء وجه بذلته لعلي أقضي قبل إنفاذه نحبي وتأخير رجل بعد تقديم أختها حذارا لدهر لا يغمض عن حربي فكان في إهدائه الكلام، إلى أولئك العبيد اللئام، كمن يهدي الهنم إلى الصنم، ويجعل الخمار على وجه الحمار. ولمبارك ومظفر اللذين ذكرا ونظرائهما من أولئك العبدى أخبار سارت بها الركائب، وأحاديث تحدثت بها المشارق والمغارب، وقد أثبت في هذا المكان، بعض ما وجدت منها لأبي مروان بن حيان، حسبما شرطت، وعلى حكم ما بسطت [2ب] . جملة أخبار ونوادر، ممن ثار بهذا القطر يومئذ من فتيان ابن أبي عامر، ممن وصف القسطلي بعض أمره، وتعلق شرط الكتاب بطرف من ذكره. قال أبو الحسن بن بسام: وأبدأ أنا فأقول: كانوا عبدان محنة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 وجنان فتنة، قل الناس فأمروا، وخلا لهم الجو فباضوا وصفروا، وغاظوا الجماعة بقرطبة مدة أيامهم، ودرسوا أحساب الأحرار بأقدامهم، مستمتعين بدنياهم، غافلين عن عادة الله في من جرى مجراهم، فربما سقطت الفتنة عليهم بزعماء الأنام، وزفت إليهم عقائل الكلام، فيعكفون منهم على رسوم ديار، وأصداء قفار، سواء عندهم سجع البلبل ورغاء الإبل، وسيمر في عرض القصص جملة من غرائب ضياع الأدب، في مدة أولئك المجابيب الصقلب، مما فيه عظة لمن اعتبر، وكان له نظر فنظر، وبصيرة فتدبر. رجع الحديث إلى سياقة نص ابن حيان: قال أبو مروان: فمن غرائب هذه [الليالي و] الأيام، اللاعبة بالأنام، أن مباركا ومظفرا المذكورين كانا وليا أولا وكالة الساقية ببلد بلنسية، ثم اتفق أن صرفا عنها فدخلا على الوزير عبد الرحمن بن يسار أيام خدمته بها سنة إحدى وأربعمائة، وقد دعيا للحساب، فكلماه ومسحا أعطافه، ولثما أطرافه، فكتب لهما بما نفعهما، وكان سببا لردهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 إلى عملهما، وعند خروجهما بالكتاب يومئذ لابن يسار بهما، كان مدلا عليه، يسألهما بره وجزاءه على ما تهيأ لهما عند مولاه، فخلع لجام مبارك عن رأس فرسه وقد كان ركبه، فخره فضيحة لا يقدر على حركة، ثم بعد لأي ما رده؛ فلم تمض إلا مديدة وضرب الدهر ضربانه، فقضى لمبارك بالإمارة هنالك، ونالت ابن يسار الوزير المذكور محنة قرطبة بعد ذلك، فجال النواحي، وأم مباركا هذا لا يشك في معرفته بمنزلته، وحرصه على مبرته، فحل بلنسية، فو الله ما أنصفه في اللقاء فضلا عن القرى. ثم بلغ من سياسة هذين العبدين الفدمين، مبارك ومظفر، في مدة إمارتهما إلى أن تقارضا من صحة الألفة فيها طول حياتهما بما فاتا في معناهما أشقاء الأخوة وعشاق [3أ] الأحبة: فنزلا يومئذ معا في سلطانهما قصر الإمارة مختلطين، يجمعهما في أكثر أوقاتهما مائدة واحدة، ولا يتميز أحدهما عن الآخر في عظيم ما يستعملانه من كسوة وحلية وفراش ومركوب وآلة، ولا ينفردان إلا في الحرم خاصة. على أن جماعة حرمهما كن مختلطات في منازل القصر، ومستويات في سائر الأمر، مع أن لمبارك كان التقدم في المخاطبة هنالك في حقيقة رسوم الإمارة، لفضل صرامة ونكراء كانتا فيه، يقصر فيهما لدماثة خلقه وانحطاطه لصاحبه في سائر أمره، ورضاه بكل فعله، على زيادة مظفر - زعموا - عليه ببعض كتابة ساذجة وفروسية. وبلغت جبايتهما لأول أيامهما إلى مائة وعشرون ألف دينار في الشهر: سبعون ببلنسية وخمسون بشاطبة، فيستخرجونها بأشد العنف من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 كل صنف، حتى تساقطت الرعية وجلت أولا فأولا، وخرجت أقاليمهم آخرا، فأقبلت الدنيا يومئذ عليهما وعلى نظرائهما بكثرة الخراج، وتبوءوا البحبوحة بحيث لا يغادرون عدوا، ولا تطرقهم نائبة تضمهم لها نفقة حادثة، فانتعشوا وكثروا، ولحق بهم، لأول أمرهم، من موالي المسلمين ومن أجناس الصقلب والافرنجة والبشكنس عشيرتهم، ودربوا على الركوب، حتى تلاحق ببلنسية [ونواحيها] جماعة من هؤلاء الأصناف، فوارس برزوا في البسالة والثقاف، وانفتح على المسلمين [ببلد الأندلس] باب شديد في إباقة العبيد، إذ نزع إليهم كل شريد طريد، وكل عاق مشاق، وزهدوا في الأحرار وأبنائهم ممن طرأ منهم عليهم، فلم يواسوهم؛ وانتمت جماعة هذه الأخلاط الممتهنة الأصاغر معهم إلى ولاء بني عامر، وانتفت عن نسبها ابتغاء عرض الدنيا، فكثروا وازدادوا؛ وطلبت هذه العبدى المجابيب لما اتسعت لهم الدنيا فاخر الأسلحة والآلات، والخيل المقربات، ونفائس الحلي والحلل، فصارت دولتهم لأول وقتها أسرى الدول، ولحق بهم كل عريف، ورئيس كل صناعة معروف، فنفق سوق المتاع لديهم، وجلبت كل ذخيرة إليهم. وشرع هذان الرئيسان مظفر ومبارك، لأول سلطانهما هنالك، في بناء بلنسية وتحصينها وسد عورتها بسور أحاط بالمدينة، تحت أبواب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 حصينة، فارتفع الطمع عنها وأقبل الناس إليها من كل قطر بالأموال، وطمحت بسكانها الآمال [3ب] واستوطنها جملة من جالية قرطبة القلقة الاستقرار، فألقوا بها عصا التسيار، وأجمل عشرتهم، فبنوا بها المنازل والقصور، واتخذوا البساتين الزاهرة، والرياضات الناضرة، وأجروا خلالها المياه المتدفقة. وسلك مبارك ومظفر سبيل الملوك الجبارين في إشادة البناء والقصور، والتناهي في عليات الأمور، إلى أبعد الغايات، ومنتهى النهايات، بما أبقيا شأنهما حديثا لمن بعدهما. واشتمل هذا الرأي ايضا على جميع أصحابهما، ومن تعلق بهما من وزرائهما وكتابهما، فاحتذوا فعلهما في تفخيم البناء، فهاموا منه في ترهات مضلة، وتسكعوا في أشغال متصلة، لاهين عما كان يومئذ فيه الأمة، كأنهم من الله على عهد لا يخلفه، واتسع الحدس في عظم ذلك الإنفاق، فمنهم من قدرت نفقته على منزله مائة ألف دينار وأقل منها وفوقها، حسب تناهيهم في سروها: من نضار الخشب ورفيع العمد ونفيس المرمر، مجلوبا من مظانه، وجلب إليهم سني الفرش من سائر الحلي والحلل، فنفق سوق المتاع بعقوتهم، وبعثر عن ذخائر الأملاك لقصرهم، وضرب تجارها أوجه الركاب نحوهم، حتى بلغوا من ذلك البغية وفوق ملء فؤاد الأمنية، فما شئت من طرف رائع، ومركب ثقيل، وملبس رفيع جليل، وخادم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 نبيل، وآلات متشاكلة، وأمور متقابلة، تروق الناظرين، وتغيظ الحاسدين، حرسها لهم المقدار إلى مدة. بلغني أنه دخل دار رجل من أصحابهما يعرف بمؤمل القشالي ووقع البصر بها من سروها واكتمال النعمة فيها على ما لم يشاهد مثله قط في قصر الإمارة بالحضرة العظمى قرطبة، وأخبر المحدث أنه رأى في فرش مجلسه مطارح من صلب الفنك الرفيع مطرزة كما تدور بسقلاطوني بغدادي، وانه كان يقابل ذلك المجلس شكل ناعورة مصوغة من خالص اللجين من أغرب صنعة، يحركها ماء جدول يخترق الدار أبدع حركة، إلى أشياء تطابق هذا السرو: من جودة الآلة والآنية والمائدة وجمال الخدم ورقة الأسمعة وفخامة الهيئة ما لا شيء فوقها. وكان لمبارك ومظفر جملة ذلك النعيم، وفازا بقبض الخراج، ولم يعرضهما عارض إنفاق بتلك الآفاق، فانغمسا في النعيم إلى قمم رءوسهما [4أ] وأخلدا إلى الدعة وسارعا في قضاء اللذة، حتى أربيا على من تقدم وتأخر؛ حدثني من رأى ركوب هذين العبدين الزلمتين في بعض أيام الجمع للمسجد ببلنسية بما أنسى مركب المظفر عبد الملك ابن [أبي] عامر مولاهما المتبنك - كان - للنعماء، الوارث لحجابة الخلافة، في فخر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 لباسهما ووفور عدد أصحابهما وحسن خدمتهم لهما، وأن كلا منهما كان يظاهر الوشي على الخز، ويستشعر الدبيقي، ويتقلس الوشي، ويتعطف القسي. قال ابن حيان، قال لي المحدث: وكنت أعرفهما عبدي غية لمولاهما مفرج العامري، فكانا حظي من الاعتبار بالدنيا، إذ كانا على استخدامهما لها من الجهل والأفن واللكنة من حجج الله تعالى في القسم البالغة الدالة على هوانها عنده، إذ أنالها منها بحبوحة أضحت أبصار [أولي] النهى نحوها شاخصة، وقلوبهم مسلمة لمن له الحول والقوة، وهما عن الاعتبار عنها بمنجاة من مندوحة الجهالة، يحسبان أنهما نالا ذلك بالاستحقاق، وأن لهما على الأيام دركا، يحثتن على ذلك سوق الرعية المضطهدة بسلطانهما، ولا يعبآن بما آدها من كلفهما، ولا يرفقان لمجهود ما بلغ من عنفهما، يقلدانهم شرار العمال، ويستزيدان عليهم في الوظائف الثقال، مع الأيام والليال، حتى لغدا كثير منهم يلبسون الجلود والحصر، ويأكلون البقل والحشيش، وربما أبر ذلك على القوم بعد القوم منهم فلا يقاومونه إلا بالجلاء عن مثواهم، والتخلي عن قراهم، فلا يأسف هذان العلجان ومن تلاهما، ولا يخافان من مواقعة مثله لمن أقام بعدهم، بل يتخذان ما جلا أهله من تلك القرى ضياعا مستخلصة، فإذا وقع عليها اسم كبير منهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 راجعها أعلها راضين منه بالاعتمال له بالسهمان، راجين في دفاعه من الحدثان، على هذه السبيل سلك اكثر الثوار المنتزين على أكنافها، الثائرين بأطرافها، بعد افتراق سلطان الجماعة بقرطبة آخر دولة بني عامر. وكان موت مبارك هذا هنالك أنه ركب يوما من قصر بلنسية يبتغي الخروج للنزهة خارج البلد على فرس ورد مطهم قلق الركاب، وأهل بلنسية قد ضجروا لمال افترضه عليهم، فقال لهم يومئذ هذا العلج مبارك: اللهم أن كنت لا أريد إنفاقه فيما يعم المسلمين نفعه فلا تؤخر عقوبتي يومي هذا؛ وركب إثر ذلك [4ب] فلما أتى القنطرة، وكانت يومئذ من خشب، خرجت رجل فرسه من حدها فرمى به أسفلها، واعترضته خشبة نابية من القنطرة شدخت وجهه، وسقط لفيه ويديه، وسقط الفرس عليه، وكسر أعضاءه وفتق بطنه، ففاضت نفسه لوقته، وأمن أهل البلد من مقته، وكفاهم الله أمره، فثاروا يومهم ذلك وانهبوا قصره. ثم اتفقوا على تأمير لبيب الصقلبي، فأحدث أيضا فيهم أحداثا مقتوه بها، فلاذ بالطاغية ريمنده أمير الفرنجة ببرشلونة يومئذ، واستبلغ في الطافه حتى صير نفسه كبعض عماله، فغاظ المسلمين وعرضهم لملك النصرانية، فوثب أهل طرطوشة على لبيب وقضوا عليه، واستصرخوا ابن هود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 فلحق بهم؛ وأظلم الأفق بينه وبين مجاهد لما فاته من أمر طرطوشة، وجرت بينهما حروب خاف الناس وبال عاقبتها على ثغور مثغورة خلال كلمة مختلفة، وقوى منتكثة، ثم آلت حال تلك الناحية إلى تأثير عبد العزيز ابن أبي عامر، حسبما نذكره في موضعه أن شاء الله. انتهى ما لخطته من كلام ابن حيان، في أخبار أولئك الفتيان. قال أبو الحسن: على أن أكثر من لفظته يومئذ تلك الفتنة القرطبية، من الطبقة الأدبية، فأفلت من شركها، ونجا من دركها، قوم لم تكن لهم بيوت مشهورة، ولا حظوظ من الأدب موفورة، ولكنهم وجدوا ملوكا أغمارا، لا يعرفون إلا سرى الليل، ومتون الخيل، أسود شعاب، وأساود لصاب، قد ضروا على الدماء، وترأسوا على الدهماء، خالعين لسليمان، المتقدم ذكره صدر هذا الديوان، معارضة للطاعة، واستعراضا للجماعة، متمسكين من طاعة هشام الخليفة، كان قبله حسبما وصفنا، بحبل قد انتكث طرفاه، بغاء لتتميم آمالهم، وحطبا في حبالهم: لأمر عليهم أن تتم صدوره وليس عليهم أن تتم عواقبه واحتاجوا في جباية أموالهم، وتدبير رجالهم، إلى ذلك الفل من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 الكتاب القرطبيين الذين أصبحوا يومئذ أيدي سبا وتفاريق العصا، فشاركوهم في نعمتهم، وألقوا إليهم بأزمتهم، متمهدين بتدبيرهم لأكنافهم، مؤتمين بهم في شقاقهم وخلافهم. وقد كان الملك سليمان أسف على جماعة هؤلاء الفتيان لشرودهم عنه، وانتباذهم منه، وراسلهم بجملة رسائل [5أ] من إنشاء ابن برد وغيره من كتاب دولته، رجاء في كرة الدولة بهم، مقتنعا منهم بالطاعة، حسبما فعله مجاوروهم من أهل الثغور، ليكون من وراء التدبير، ويأمن من الهضيمة، في إنفاذ الصريمة، فصموا عن رقاه وطردوا رسله، وخرسوا عن إجابته على كتبه، وتجردوا لحربه - حسبما قد وصفته في أخبار سليمان وكاتبه ابن برد أول هذا الديوان -. ومنهم مجاهد المنتري يومئذ على دانية والجزائر الشرقية نذكر أيضا طرفا من خبره النادر، لأنه من غلمان ابن أبي عامر، وأن كان لم يذكره القسطلي أبو عمر، فأخباره تتعلق بأخبار من ذكر، لأنه على قوالبهم صب، ومن ثناياهم أنصب، وفي سبيلهم من الخلاف أوضع وخب. على أن إليه كانت هجرة أولي البقية، وذوي الحرية، من هذه الطبقة الأدبية القرطبية، للين جنابه، وذكاء شهابه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 نسخت من كتاب أبي مروان ابن حيان، قال: كان مجاهد فتى أمراء دهره، وأديب ملوك عصره، لمشاركته في علم اللسان، ونفوذه في علم القرآن، عني بذلك من صباه وابتداء حاله، إلى حين اكتهاله، ولم يشغله عن التزيد عظيم ما مارسه من الحروب برا وبحرا، حتى صار في المعرفة نسيج وحده، وجمع من دفاتر العلوم خزائن جمة، وكانت دولته أكثر الدول خاصة، وأسرارها صحابة، لانتحاله العلم والفهم، فأمه جملة العلماء، وأنسوا بمكانه، وخيموا في ظل سلطانه، واجتمع عنده من طبقات علماء قرطبة وغيرها جملة وافرة، وحلبة ظاهرة. على أنه كان - فيما بلغني - مع أدبه من أزهد الناس في الشعر وأحرمهم لأهله، وأنكرهم على منشده، لا يزال يتعقبه عليه كلمة كلمة، كاشفا لما زاغ فيه من لفظة وسرقة، فلا تسلم على نقده قافية، ثم لا يفوز المتخلص من مضماره، على الجهد لديه، بطائل، ولا يحظى منه بنائل، فأقصر الشعراء لذلك عن مدحه، وخلا الشعر من ذكره؛ وكان مع ذلك بهمة، وأكثر الناس علما بالثقافة، فلا يضم من الفرسان إلا الأبطال الشجعان، ولم يكن في الجود والكرم ينهمك فيعزى إليه، ولا قصر عنه فيوصف بضده، أعطى وحرم، وجاد وبخل، فكأنه نجا من عهده الذم. ثم اكثر التخليط مجاهد في أمره، فطورا كان ناسكا مخبتا معتكفا متبرئا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 من الباطل كله، يعكف على دفاتر يقرؤها، وتارة يعود خليعا فاتكا لا يساتر بلهو ولا لذة، ولا يستفيق من شرب وبطالة، ولا يأنس بشيء من الجد والحقيقة، له ولغيره من سائر ملوك الطوائف في هذا الباب [5ب] أخبار مأثورة مشهورة؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: وقد أثبت أيضا في هذا القسم من الشعراء والكتاب، ورؤساء أهل الآداب، ممن في ذلك الأوان إلى وقتنا هذا، من عرف مكانه، واشتهر إحسانه، وقدمت من تقدم في حلبة البيان، دون من سبق في الزمان، على ما شرطت في صدر هذا الديوان، والله العاصم من الزلل، والموفق لأحسن القول والعمل، بعزته. فصل في ذكر ذي الوزارتين الأجل الكاتب الماهر [صاحب المظالم] أبي عبد الرحمن بن طاهر، وسياقة قطعة من رسائله، وإيراد بعض شأنه، والتنبيه على مكانته من الفصل ومكانه، وشرح خلعه عن السلطان، وعلى يدي من جرى ذلك وكان: قال أبو الحسن: كان أبو عبد الرحمن بن طاهر أحد من جمع الحديث إلى القديم، وارتقى من رياسة الأقلام إلى سياسة الأقاليم، واتفق لبني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 طاهر بالفتنة المطغية، رياسة كورة مرسية، - في خبر أضربت عنه لطوله ولأني قد أوردته في كتابي المترجم ب " سلك الجواهر من ترسيل ابن طاهر " - فكان أبو عبد الرحمن يكتب عن نفسه بهذا الأفق، كالصاحب ابن عباد بالمشرق، وله رسائل تشهد بفضله، وتدل على نبله، لاسيما إذا هزل فإنه يتقدم على الجماعة، ويستولي على ميدان الصناعة. ولما حبط أبو بكر ابن عمار سمرات ملوك الأندلس بعصاه، وتردد بنتجعهم بمكايده ورقاه، وإنما كان يطلب سلطانا ينثر في يديه سلكه، وملكا يخلع على عطفه ملكه، جعل أبا عبد الرحمن بن طاهر موقع همه ووجه أمه، ولما ألقى المعتمد إلى ابن عمار بيده، وقلده - على ما شرحناه في أخباره - تدبير دولته وبلده، بعثه على حرب ابن طاهر بغاء بنفسه، وبناء على أسه، فأقبله وجوه الجياد، وأخذ عليه الثغور والأسداد، حتى فت في عضده، وانتزع سلطانه من يده. ولما قال عزمه وفعل، وقام وزن أمره واعتدل، مد يده وبسطها، وكفر نعمة ابن عباد وغمطها، وانتزى له من حينه على مرسية وقعد بها مقعد الرؤساء، وخاطب سلطانه مخاطبة الأكفاء، مستظهرا على ذلك بجر الأذيال، وإفساد قلوب الرجال، معتقدا أن الرياسة كاس يشربها، وملاءة مجون يسحبها، فقيض له يومئذ من عبد الرحمن بن رشيق، عدو في ثياب صديق: من رجل مدره ختر، وجذيل خديعة ومكر، فلم يزل يطلع عليه من الثنايا والشعاب، حتى أخرجه [5ب] من مرسية كالشهاب، وأبو عبد الرحمن بن طاهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 في أثناء تلك الحال، متردد بين النكبة والاعتقال، فبعد لأي ما سعى له الوزير أبو بكر بن عبد العزيز، زعيم بلنسية - كان - في ذلك الأوان، فخلص بعد أبو عبد الرحمن، خلوص الثريا من يد الدبران، والتقى هو وابن عمار ببلنسية بعد ذلك، وقد استوى الغالب والمغلوب، وضعف الطالب والمطلوب، وكان أبن عمار أخفش، فقال له ابن طاهر، وكان كثير النوادر: كذا يا أبا العينا، لا أنت ولا أنا. فصار ابن عمار مع ابن رشيق تحت المثل: " أنفقت مالي وحج الجمل ". ولابن طاهر عدة نوادر أحر من الجمر، وأدمغ من الصخر: أرسل إليه ابن عمار وقت القبض عليه، وهو معتقل بين يديه، يعرض له خلعة يتسربلها، ويشير إليه بكرامة: هل يقبلها - فقال لرسوله: لا أختار من خلعه - أعزه الله - إلا فروة طويلة، وغفارة صقيلة. فعرفها ابن عمار واعترف بها على رءوس أشهاده، وبحضرة من وجوه قواده وأجناده وقال: نعم إنما يعرض بزيي يوم قصدته، وهيئتي حين أنشدته، فسبحان من يعطي ويمنع، ويرفع من يشاء ويضع. وحدثني غير واحد من أهل مرسية قال: لما قام البلد على أبن طاهر خرج هو وابن أخيه مخفيين لأنبائهما، هاربين بذمائهما، وكل شيء لهما رصد، وفي كل فج عليهما عين ويد، فلقيا رجلا من أهل مرسية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 يدعى البقيلة، كان عندهم مشهور المنزع، مضروبا به المثل في برد المقطع، وقد حمل قناة فاعتقلها، ولبس فروة فحولها، وفي رأسه قلمون طويل، أبرد من طلعة العذول، فقال ابن طاهر لابن أخيه: يا بني أين المهرب - قد قامت علينا كل قبيلة حتى العرب، ما أرى هذا إلا عمرو بن يكرب أو يزيد بن الصقب. وحكوا أن ابن أخت لابن رشيق ذا لحية طويلة، وطلعة ثقيلة، وقف عليه يوما وهو معتقل عندهم، فجعل يتوجع له ويتفجع، ويتملق معه ويتصنع، فقال له ابن طاهر: خلاصي بيدك إن شئت، لو أخرجتني في لحيتك لتخلصت وخفيت. إلى نوادر كثيرة، وأوابد عنه مأثورة، إيرادها خارج عن غرض هذا التصنيف، وليست من شرط هذا التأليف. ولابن طاهر أيضا في الجود نوادر تشهد أن كرمه لم يكن تكرما، وأن مجده لم يكن تكسبا ولا تقحما: مر به ولد ابن عمار بعد مقتل أبيه، في فئته القليلة، وساقته المنكوبة المفلولة، وقد لفظتهم البلاد، وأنكرهم الطريف والتلاد، وتغير لهم الأشكال والأضداد، ورحمهم الأعداء والحساد، فأقبل عليهم ابن طاهر ببقية حال هم جنوا عليه إدبارها، وحكمهم في فضل ثياب هم [6أ] سلبوه خيارها، وخلى بينهم وبين ماء طالما حلأوه عن برده، ودفعوا في صدره دون ورده، تعالى من لا يذل سلطانه، ولا يجحد إحسانه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 ما أخرجته من نوادر رسائل ابن طاهر في أوصاف شتى فصول من رسائله السلطانيات التي أجراها مجرى الأخوانيات كتب إليه أبو بكر ابن عمار المذكور، في أثناء ما وقع بينهما، رقعة عتاب وختمها بهذه الأبيات: عندي حديث إن سمعت قليلا ولدي نصح إن أردت قبولا يا راكبا ظهر التجني راكضا في حلبتيه أما اعتقدت نزولا لله درك أو طلبت حقيقتي لوجدتني بدل العدو خليلا خذ من عنان هواك يوما للنهى وانهج لرأيك في اللجاج سبيلا وأفق من الأنف الذي تعتده عزا فقد يدع العزيز ذليلا ومن بعض مخاطبات ابن طاهر له، رقعة حدثت أنه كتبها إليه من موضع معتقله، بقطعة فحم على ظهر آجرة، فيما زعم: قد كنت - أعزك الله - أتيقن من حسن طويتك، وكرم سجيتك، أنك لي أسرع في الملمة من اليمين إلى الشمال، فارتقبت ورودك ارتقاب الصائم للهلال، فلما وافيت تحدثت بملاقاتك، واطلعت إلى مراعاتك، فأبطأ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 ذلك من سنائك، ولزمني أن استعلم السبب الموجب له من تلقائك، وبالله أقسم لو مكنت من رقعة ومداد حاضر، لخاطبك بالمحجر وسواد الناظر، لكن منعت من كل سبب لغير سبب، وألحت علي النوائب بطلب على طلب. وأما الحضرة المكرمة فكنت أعمر إليها مسافة الطريق، وأجد للقول فيه بليل الريق، وستسمع بالمشافهة كيف كان المنع لا التمنع، فلست أجهل ماآتي وما أدع. وأما أمور الفتنة فمهدورة، وعند العاقل مغفورة، وهي كبساط النبيذ، يطوى على ما فيه من المز واللذيذ، ولولا صدع بالفؤاد، وقلب ملي من الخطوب الحداد، لنبذت إليك ما في النفس نبذ النواة، فأنت موضع السر والمناجاة، لا زلت من الحوادث بمعزل، ومن المكارم بمنزل. قال ابن بسام: وقد حدثت أنه بعد خروج ابن طاهر من البلد، رأى أن يلقي بيده إلى المعتمد، إذ بدأ له من ظاهر ابن عمار ما سكن بعض استيحاشه [7أ] فأنس، فأصحبه كتبا أدرج له بينها صحيفة المتلمس، ووقف ابن طاهر على مستودعها، بفك طابعها، فكتب إلى ابن عمار رقعة فيها: بالخبر تنجلي الشكوك، ومع الفري تماز المسوك، ورب معمل سلامة، ومرسل استنامة، قد يكشف [له] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 المستور من خل عن صل، بل عن لحم مصل، وهو الأناة ينضح بما فيه، ومرسوم الوعظ ليس بمجديه، ولما بت على مرحلة من جنابك العاطر، مستقيا من سبحانك الماطر، لما أصحبتني من تلك الرقاع، التي خلتها يد الاستدفاع، مثل بين عيني في النوم [شخص] ماثل، يتغنى بقول القائل: لئن بعثت إلى الحجاج يقتلني إني لأحمق من تخدي به العير مستصحبا صحفا تدمى طوابعها وفي الصحائف حيات مناكير فوثبت كالمذعور، وأتيت إلى الطوامير، ففضضت ختامها، واستعربت إعجامها، فصرخت لي بل أقتال؛ فأبن لي - عافاك الله - بأي شيء استحللت دمي، وبعثتني لإراقته على قدمي، لا تبل: إن الأيادي قروض كما تدين تدان من استلذ زمانا أرداه ذاك الزمان وطالب الثار لا ينام، والله ولي الانتقام. ومن رقعة عتاب له يقول فيها: [أستوهب الله عقلا يعقل عن تكلف ما لا أعلمه، والتسور على ما لا أحسنه ولا أفهمه، وأستعينه على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 عمل يرضيه به عني، وأسأله لك السند الذي يعزى الجود إلى بنانه، ومنطق الفضل إلى لسانه، محزا آهل المعاهد، وحرزا ثابت القواعد، و] قد تصرفت في سهوب الاسهاب، وتعلقت بإطناب الإطناب، وسلكت من البلاغة مسالك لا تجد حيات الأذهان فيها مدبا، وأرواح الأفكار في جوها مهبا، فإن قرعت بابها معك، وقد باشرت بدعك، زادني انغلاقا، وكنت ككون مع عتيق لا يرجو له لحاقا، فالأحجى بذي الحجى سلوك سبيل الاختصار والإيجاز، إذ لا بد من الوقوع تحت الاقتصار والاعجاز، والله يبقيك لإحياء رسم الأدب، وإقامة أود لسان العرب. وفي فصل منها: وأكرم بخطابك الأثير، المضمن من الدر النثير، ما لم يستخرج مثله غائص من بحر، ولا تقلدت الغواني شكله على نحر، فلله أدبك ما أبرعه، [وحسن لفظك ما أبدعه] ، أوضحت به مناهج العلماء، وصدقت نتائج الحكماء، ولم أزل ألمحه، وأجيل طرفي فيه وأتصفحه، متعجبا من غرائب كلمك، وبدائع حكمك، إلى أن انكشفت لي أغراضه المبتدعة، وجمله المخترعة، عن ظن حكمته في اليقين، وشك غلبته على الصبح المبين: أنا أنزه ميزك الثاقب، ونظرك الصائب، ورأيك الواضح الدلائل، وما أوتيت من علم جوامع [7ب] الفضائل، عن انتساب مثل ذلك إليك، واشتباه ما فيه عليك، وكنت عهدتك تقضي بالخير على طباع الناس، ولا يوضع على بصيرتك فيه غطاء التباس، حتى فجأني منه ما لو أخبرت به عنك لأنكرته، ولا أدري له سببا، ولا أعرف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 له موجبا، إلا الاصغاء إلى من يضرب ويسعى بالفساد، ويدب بمقارب الأحقاد، ويشغب لكي يذكي نار الحرد، ويطير شرار الضمد، وأنت أجل من أن تلتفت إلى غاش، وتعرج على ساع بالنميمة واش. ومنها: وأما ذم الزمان وبنيه، فقد أكثر الناس فيه، وكنت أجلب شيئا [منه] للحاجة إليه والتورك عليه، غير أني اقتصرت مخافة التطويل، وتجنبت آفة التثقيل، فقد قالوا: الاطالة تفضي إلى الملالة. وأما من صرحت في مدرجتك باسمه، وشكواه اليك ما جرى عليه بزعمه، فهو سعر نار غدا حريقها، وفجر أنهارا ظل غريقها، وأمره أحقر من أن أحبر فيه كلما، وأعمل في ذكره قلما. ومن قولك - أعزك الله - أن العهد بك بعيد، والشوق اليك شديد، وتعريضك بقرب النزول علي، والخروج عما تريده من الشكوى إلي، خرج لي أن الذي اتفق لي في زيارتك من الإغباب، سطر أسطر هذا العتاب، فمهلا مهلا، وحلا حلا، ورب سامع بأمري لم يسمع عذري، والله ما اعتمدت ذلك جهلا بحقك، ولا قصدته إهمالا لواجب تقدمك وسبقك، بل دفعت إليه ضرورات مكابدة أحوال هذا الزمان، القاطعة عما يريده الإنسان، ولئن نافس الدهر في الورود عليك، والوصول اليك [وأحوج إلى ترك النهوض اليك] فليس ذلك مما يخل بالود، ولا يحل وثيق العهد، بل أنت كالشمس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 إن عدمنا مدارها، فما حرمنا أنوارها، وقد علمنا أن مكانها علي، وحسنها جوهري، وكان من الحكم أن أراجع على النظم، لكن لا آتي معك إحسانا، ولو كنت حسانا، فابسط العذر، وسهل الأمر، [والله يهنيك صحة تكفلك، وسلامة تشملك، برحمته، والسلام على من أراني عتابه، ليعلم كيف ودي جوابه، ورحمة الله] . وله رسائل مطبوعة، ومنازع إلى الأدب بديعة. وكتب أبو عبد الرحمن إلى ابن عبد العزيز من طريقه يومئذ رقعة يقول في فصل منها: كتابي وقد طفل العشي، وسال بنا إليك المطي، ولها من ذكرك حاد، ومن لقياك هاد، وسنوافيك المساء، فنغتفر للزمان ما قد أساء [8أ] ونرد ساحة الأمن، ونشكر عظيم ذلك المن، فهذه النفس أنت مقيلها، وفي برد ظلك يكون مقيلها، فلله مجدك وما تأتيه، لا زلت للوفاء تحييه وتحويه: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 *فدانت لك الدنيا ودامت بك العليا* إن شاء الله تعالى، بمنه. وعند انجلاء تلك الظلماء [عنه] خاطب جماعة من الرؤساء، وذلك في جمادي الآخرة سنة ثلاث وسبعين، فمن ذلك رقعة خاطب بها صاحب المرية قال فيها: ولما تخلت مني - أيدك الله - يد الزمان ونوائبه، وتجلت عني غمراته وغياهبه، ابتدرت مطالعك ابتدار الفرض، وهصرت من مجاذبتك بالغصن الغض، فاتقا لكمامة الفضل، وعامرا لشريعة الوصل، وحمد الله تعالى مقدم في السر والجهر، على ما درا من الحوادث النكر: وإذا جزى الله امرءا حسنا فجزى أخا لي ماجدا سمحا ناديته في كربتي فكأنما ناديت عن ليا به صبحا ذلك الوزير [الأجل] أبو بكر مثبت رسم الوفاء، وباني مجده على قمة الجوزاء، نبه لي كرم مسعاه، دائبا ووالاه، لم يكتحل سوق الأرق، حتى استنفذني من لجة الغرق، ووافى بي على المنى، وأحلني من بره المحل الأسنى، فأنام الله عنه عيون الأيام، ولا أنساني له شكر ذلك المقام. وله من أخرى خاطب بها ابن هود: إن الأيام - أيدك الله - تلون ألوانها، وللمساءة إحسانها، ما تذر شعبا إلا تصدعه، ولا وصلا إلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 تقطعه، إن أمرت عهدا نقضته، أو بنيت قوضته، على أنها قد تعود، ويكون لها الأثر المحمود، ورمتني - أيدك الله - بسهامها، وجرعتني غصص حمامها، فكان لله ستر وقى، وصنع أبقى، مكن النفس من رجائه، ووطن الصبر على قضائه، طمعا في الحظ من ثوابه، وتبلج الفرج من أبوابه، إلى أن تبدى فجره، وتأتى أمره، والحمد لله بحقه، منقذي من الخطب وربقه، هو المبلو بعواطفه، المدعو بعوارفه، وفي كل حال - أيدك الله - أخطرتني ببالك، ومددت علي من ظلالك، ووصلت من سببي، ونفست من كربي، وأوجدتني من ذراك مفزعا، و [أوردتني] من نعمك مشرعا، لا زال برك شاملا، ولا انفك سعدك كاملا، فانك محيي الهمة ومقيمها، ومولي النعمة ومديمها، وكم أحييت من همم، وأوليت من نعم؛ فكافأ الله الولي السني واحدي الوزير الأجل أبا بكر مكافأة ماجد جد في سعيه، وجرد [8ب] من رأيه، لدرء مهمي وكشفه، حتى انتضاني في كفه، فخلطني بالعلية نفسه، ومهد لي في جنابه وأنسه، أيده الله على شكره، وفسح في عمره. وله من أخرى كتب بها إلى الحاجب عماد الدولة: كتبت - أيدك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 الله - عند وصولي بلنسية، متخلصا من يد المحنة، متلبسا لله فيها أعظم المنحة، أن تدارك في غمراتها، وجلى المسود من هفواتها، فلله الحمد كثيرا، والشكر نضيرا؛ وإني بلوت من إجمالك في حالتي شدتي ونجاتي ما عقل اللسان، وقبض البنان، وأخجل الحوادث حتى كفت من اعتدائها، وألوت تعثر في استحيائها، فإن أثنيت فمقصر عنك الثناء، وان دعوت فإلى الله يرفع الدعاء. وتلقاني بطريقي كتابك الرفيع فتملكني بره، وحياني بشره، وعظم عندي قدره، فلله ما تبديه من فضل وما تسره، ولله در الوزير الأجل أبي بكر، جوزي بوفائه، وفسح الله له في ظله وبقائه، فانه ما اكتحل في كربتي بنوم، ولا تمتع بمسرة في يوم، ولقد كانت قذى عينيه، حتى حلني من وثاقها بيديه. ومن أخرى خاطب بها المظفر صاحب لاردة قال فيها: أن الله تعالى يصرف الأمور كيف يشاء، له النعماء والبأساء، فإن عافى واصل المنن، وأن امتحن أحسن، لأنه يمنح الأجر الذي هو أسنى، ويعود بعوائده الحسنى، وما المرء إلا كالنصل، يشحذ بالصقل، تنفذ عليه الأقدار، ليقع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 الاختبار والاعتبار، ويبدو له الزمان وأهله، وحيث منبت الفضل وأصله؛ وكان لك - أيدك الله - من التهمم بجانبي، والارتماض لنوائبي، ما أطاب ذكرك، وأبان قدرك، وأخبر أن الجميل من سجاياك، وأن محاسن الدهر بعض حلاك. ولما تخلصت من تلك الأشراك، وأذن الله منها - وله الحمد - بالانفكاك، أسرعت إلى قضاء حقك وإنه لأعز الحقوق، وتوفية الشكر لك بباهر مجدك السابق غير المسبوق، والثناء على أنعم الله تعالى قبل كل شيء وبعده التي جلت عن الإحصاء، وجلت من الغماء. وقد أوليت ما أثبت لك في الرقاب رقا، ومت تخب به الركائب غربا وشرقا، وأن المستقل بي والجاذب بضبعي لمحيي ميت الوفاء، ومحرز جزل الثناء، قسيمي في المهم، وظهيري [9أ] على الملم، الوزير الأجل أبو بكر، فاني تبوأت في ذراه محلا ودارا، ورأيت الخطوب تعتذر اعتذارا. وله من أخرى إلى القادر بالله ابن ذي النون: حكم الزمان - أيدك الله - تعثر الإنسان، ولولا دفاع الله لهوت قدمه، واستوى عدمه، لا يبالي حيث انتحت نوائبه، ولا من ازور جانبه، يلفى الدهر عابسا، ولثوب العذر لابسا. وكتابي من بلنسية وقد وافيتها موافاة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 الآمن بقراره، خارجا من ليل الحوادث واعتكاره، مستبشرا بنهاره، مستشفيا من آثاره، فالحمد لله بما أولاه، حمدا يبلغ رضاه. وما أنا - أيدك الله - في أمري، وما يسره الله من انجلاء ضري، بأجذل مني لتوقف الأيام عن مكانك، وقد أوضعت في بنيانك، تظن أن ما تتلفه، لا تصرفه، وكم لله من لطف خفي، وكرم حفي، وهو المسئول بأحب أسمائه، أن يعيد عزك إلى بهائه. وأن من تلقى راية المجد ابتدارا، وأخذني من أيدي الخطوب اقتسارا، لعلم الوفاء الذي إليه يشار، وشخص السيادة الذي به يستنار، واحدي الوزير الأجل أبو بكر - أدام الله عزه وأحسن جزاءه، ووصل اعتلاءه -. وكتب أيضا في ذلك إلى بعض إخوانه: علمي - أعزك الله - بصدق وفائك، ومحض صفائك، وأنك ضارب في حالي بأوفى السهام، أوجب أن أسبق اليك بالمشاركة والإعلام، وكتبت عند الخلاص من العقلة، والتخلص من العطلة، بفضل الله الذي له المشيئة الغالبة واليد العالية، هو المردد حمده بما أولى وسنى، المرجو لطفه بعوائد الحسنى. ورعى الله الوزير الأجل أبا بكر، وقارضه وفي الشكر، فلقد بز الأنام طروا، ووافت فعالته الكريمة غرا، لم يقصر عن أمد السعي، مدة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 ذلك البغي، حتى أخذني من أيدي الخطوب عنوة، وأحلني من جزائه وبره صفوة، فلله وفاؤه وسروه، وغايته في العلاء وشأوه. قال ابن بسام: وخاطبت جماعة من رؤساء الجزيرة يومئذ الوزير أبا بكر [بن] عبد العزيز [المذكر] شاكرين له على ما كان في ذلك من سعيه الحميد [المشكور] ، منها رقعة للمؤتمن بن هود يقول فيها: وقد تتابع عنك - أعزك الله - أحسن الحديث المذيع لخفايا سروك وسرائره، المعرب عن سجايا سنائك ومآثره، منذ انتدبت بشرف منحاك [9ب] لما يسره الله من حميد مسعاك، فانتضيت من عزمك باترا يفل نصال النوائب، وأيقظت من حزمك ساهرا ينيم عيون الحوادث، وسهل الله الوعد بصدق بصيرتك، وذلل الصعب بيمن نقيبتك، حتى شردت المحنة وعمت المنحة، بتخلص ذي الوزارتين الكاتب الأجل صاحب المظالم أبي عبد الرحمن سندي، والخطير من عددي -[أبقاه الله]- من تلك الغمرة، وانتضائه بالاستقلال من العثرة، واستقرت الحال - أيدك الله - بدءا وعودا، عما قصر أوفر الحمد، ونشر عنك أنضر العهد، فجازاك الله أفضل ما جازى علما من أعلام الوفاء، ووفاك أكرم ما وفى متقدما في أحوال الصفاء، متوحدا بجميل المقام وجليل الغناء، وخاطبتك معلما بحقيقة اعتزازي بما يسر الله على يديك من هذه العائدة، وسناه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 بلطف توصلك إلى هذه الفائدة، فلو خصصت بذلك من يشاركني بالنسبة وهو قسيمي في اللحمة، لم يعدل عندي بما أوليت في جانب من أعزه الله بإتمام النعمة، فقد كان تألمي من إساءة الدهر في هضمه، وتطاول خطوبه النكر إلى ظلمه، بازاء ما يقضيه الاعتداد بفضله، والابتهاج بشرف محله؛ إذ كانت النفس تشفق من حادثة تصيب نبيها من الأخوان، فضلا عن نائبة تحل بساحة جليل من الأعيان، والله تعالى يصرف النوب عن فنائك، ويكف المحاذر دون ألاجائك، بمنه. قال أبو الحسن: ونأخذ هنا من أخبار الوزير الأجل أبي بكر ابن عبد العزيز المذكور، بهذا الموضع، حسبما اقتضاه سرد الكلام، وأدى إليه شرط النظام. كان أبو بكر أحد من سبق وادعا، وتجاوز ذروة الشرف متواضعا، كتب أبوه عن الوزير الكاتب أبي عامر بن التاكرني أيام وزارته لعبد العزيز ابن أبي عامر، وأبو عامر أطلع جده، وأرهف حده، وبلغ به الذرى، حتى قيل: " كل الصيد في جوف الفرا ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 وقد ذكره أبو مروان ابن حيان فقال: وفي العشر الأواخر من [شهر] جمادي الآخرة سنة ست وخمسين نعي إلينا وزير بلنسية، ابن عبد العزيز، وكان - على خمول أصله في الجماعة - من أراجح كبار الكتاب، الطالعين في دمس هذه الفتنة المدلهمة، وذوي [10 أ] السداد من وزراء ملوكها، ذا حنكة ومعرفة، وارتياض وتجربة، وهدي وقوام سيرة، إلى ثراء وصيانة؛ انتهى كلام ابن حيان. قال أبو الحسن: ووزر أبو بكر بعد أبيه لعبد الملك بن عبد العزيز المتلقب - كان - من الألقاب السلطانية بالمظفر، فقطع ووصل، واضطلع بما حمل، ودارت عليه الرياسة مدارا لم تدره رحى على قطب، واشتملت عليه السياسة اشتمالا لم تشتمله جناجن على قلب: من رجل ركب أعناق خطوبها، صعبها وركوبها، وامترى أخلاف شآبيبها، منهلها وسكوبها، فلما قص يحيى بن ذي النون الملقب بالمأمون آثار آل ابن أبي عامر، واجتث أصلهم من بلنسية آخر الدهر [الداهر]- حسبما سنأتي عليه، إذا انتهينا إن شتء الله إليه - كان ابن عبد العزيز، زعموا، أحد من أقام ميلها، وأوضح لابن ذي النون سبلها، حتى خلصت له وخلص لها، فكافأه ابن ذي النون لأول تملكه إياها بأن ولاه أمورها، وحلاه شذورها، ولاث بحقويه سياستها وتدبيرها، فسامى الفراقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 وتألف الشارد، وفدح الحاسد، وقهر العدو المكايد، وهو ابن ذي النون قريب على البعد، وحاله عنده جديد على قدم العهد. فلما مات يحيى بن ذي النون صفت مساربه، وخلا له جانبه، وضعف عنه طالبه، وكان خليقا بسموه، مهيبا في صدر عدوه، طاول الجبال بالآكام، وفل السيوف بالأقلام، متشبها في مخالصة الإمارة، من خصاصة الوزارة، بأبي الحزم بن جهور، فتم له من ذلك ما نيف على المراد، وأطال غم الأعداء والحساد، واجتمع عنده من سعة المال، وفخامة الحال، ونضرة الإقبال، وآلات الجلال، ما سار في البلاد، وقصر عنه كثير من الأشكال والأضداد. ومن أعجب ما هيأ له الزمان، وأغرب ما سارت عنه به الركبان، أن ابن هود لما سما إلى دانية فورد صفوتها، واقتعد ذروتها، فيل أهل بلده رأيه، وعجزوا سعيه، في قصوره عن بلنسية، إذ كانت أدنى لمن يريدها، وأجنى على من يستفيدها، لوفور غلاتها، وتمام أدواتها، واعجاز خواصها وذواتها، ولخلوها عندهم من ملك يفي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 بمقدارها، ويذب عن عقر دارها، فجاهروه بتعجيزهم [10ب] وشاعت على الألسنة أعجوبة من ترجيزهم، كلمات في أعجمية مزدوجة، معناها: ما أحمق هذا وأهوجه، عجز عن الأيم ونكح المزوجة؛ وحين تلقفها من الألسنة، انتبه لها لا من سنة، وداخل الطاغية أذفونش مفزع آمالهم، وظهير بطالتهم وباطلهم، على عادتهم، معشر الخلفاء، من استنابته في زحوفهم، وإجابته إلى مر حتوفهم، سعيا عمهم بتنكيل، ومكرا أحاقه الله بهم عما قليل؛ فاشترى منه بلنسية يومئذ [زعموا] بمائة ألف دينار، تقرب إليه بحاضرها، وأعطاه رهنا كفافا بسائرها، فغزا بلنسية وقته في جيش تضاءلت ذرى أطوادها عن أعلامه، وتناكرت وجوه نجومها تحت قتامة، فلم يركز لواءه، ولا رفع بناءه، حتى خرج إليه ابن عبد العزيز منسلخا من عديده، في ثياب جمعته وعيده، فكلمه بما أرق قلبه، وكف غربه، وكان مما قال له: هي بلادك فقدم من شئت وأخر، ونحن طاعتك وقوادك فأقلل منا أو أكثر، في شبيه ذلك من لين القول الذي يسل الأحقاد، ويتألف الأضداد، فانصرف عنه وقد ألحفه جناح حمايته، ووطأ له كنفا من عنايته، ورجع ابن هود وقد نفض يديه، وأصبحت نفقته حسرة عليه، وكان الطاغية بعد ذلك، كلما جرى ذكر ابن عبد العزيز الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 شايعه وتولاه، واسترجحه وزكاه، حتى كان يقول - لعنة الله -: رجال الأندلس ثلاثة: أبو بكر ابن عبد العزيز و [أبو بكر] ابن عمار وششنند، وسأجري في أخبار ابن ذي النون طرفا من ذكره، وأشير إلى جهة من مآل لأمره. بقية ما استخرجته من رسائل ابن طاهر السلطانيات فصل له من رقعة خاطب بها ابن عباد يقول فيها: من وجد سلفه على مذهب من الخير بين، وسنن من الفضل متبين، سره أن يتحلى بتلك الخلق، ويتجلى من تلك الأفق، وإن الزمان اللدن الذي انقضى، وامحت صورته الحسنى، نظم بين ذي الوزارتين القاضي جدك وبين أبي مولاي، كان رحمه الله، عقد الصلة، وأربم بينهما حبل الخلة، وشق بينهما المصافاة شق الأبلمة، وأطلعهما نجمين في أكابر تلك اللمة، يفترقان عند الاستعمال، ويحملان يومئذ مضلع الأثقال، إلى أن امتزجت بهما الحال امتزاجا، وكان كل واحد منهما لنفس صاحبه غذاء ومزاجا، ولم يقنع من ذلك الالتفاف، بواقعة الكفاف، حتى أتم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 [11أ] صنائعه، ورقم وشائعه، خلال ما ابتداه، ونهجه وهياه، فضمنا والرئيس الأجل أباك معتمدي - وكان - رشي الله عنه في زمرة الطلبة، والأسرة منهم المنتجبة، ورتعا في رياض الاصطحاب، واستذرينا من أدواحها بأمثال السحاب، نصيب من بردها ودرها، إلى أن أطلعت الأيام شجر مرها، برائع الفراق، ولم نشف الأشواق، وأقبلت الفتن والمحن تنساق؛ فلما اطمأنت بك قدم الرياسة، واستقرت منك في شخص السيادة والنفاسة، جعلت الهمة تتطلع، والارادة مني تنقاد وتتبع، في الإلمام بمداخلتك، والتسبب لمطالعتك، ليلتئم باعتلاقك ذلك الشعب، ويستريح من برحائه القلب، والأيام على شيمها وشومها، في عوارضها ولومها؛ إلا أني مع ذلك لم أخل مشاهدتي من الذكر لك، والفخر بك، حتى وافى رسولك الناحية، فمددت يد المخاطبة لك، وأحببت فتحها معك، لأعلق منك كفي، بماجد يكون ركني وكهفي، واثقا بحسن المقابلة والقبول، عارضا ودي بمهب الصبا والقبول، فإن مننت بالمراجعة فذلك البغية والمراد، وإلا فما أخطأ الاجتهاد، والله ييسر المرتجى منك، ويدفع محذور النائبات عنك، [بقدرته الباهرة ومشيئته العالية] . وله من أخرى [اليه] : الآن سفرت من الأيام الخدود، واهتز منها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 غصنها الأملود، ووثقت نفوس بالنجاح، ودنا غمامها المطلوب حتى كاد يدرك بالراح، لما أتت البشرى عن مولاي باقترابه، وتعلقت الدنيا بأثوابه، ولاذ به الإسلام، وعز جانبه المستضام، وما زلت أترقب الزمان أن يخطرني بباله، ويعرضني على اهتباله، فإذا به على ازوراره، لا يبالي من صلي بناره، فكيف أذم الزمان ومولاي فيه، وهو تابع أوامره ونواهيه، لا زال جده مقبلا، وسعده متصلا، ما صدع الفجر، وطلع البدر. وله من جواب على كتاب: ورد كتابه العزيز الذي شفع به المنن الروائح والغوادي، فوريت بمضمنه زنادي، وأخصب من مستودعه مرادي، وتأتى بما التمحته مرادي، وتصفحت الطول وافي الذوائب، متصل السحائب، ولبست ثوب الإجمال، سابغ الأذيال، واسع الأضلال، والله يبقيه للواء الفضل يرفعه، وشتيت المكارم يجمعه. وفي فصل منها: وأما كتابك فكان جوابا ما أحسب! وبيانا نا أعذب! أنس من وحشة، وألبس منه بعد منة، ووقفت منه على ما ملأ جوانحي مسرة، وبسط من وجهي أسرة، وحمدت الله تعالى [11ب] بالنعمة علي في ذلك، وبما هيأة الله على يدك هنالك، وما زلتم معشر هذه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 السلمة الكريمة، الزكية الأورمة، تشيدون البناء، وتخلدون الثناء، وتحفظون الأرجاء، وتمدون الرفاء، وأني بمثل سياستكم فيما فتحه الله على المظفر - لقد أخضعتم الرقاب، وأطرتم الألباب. وفي فصل من أخرى: [ورد لك كتاب كريم وثغور] مجدك مبتسمة منه، وألسنة سروك ناطقة عنه، فطرد العبوس، وأحيا بخيره النفوس، فهنئت هذا الشرف التليد، والمذهب الحميد، وزادك الله جمالا، كما اختار لك جلالا؛ وتناولت المدرجة الكريمة التي خطتها اليد العزيزة، وجعلتها بيني وبين الحوادث شعارا ودثارا، إذ تبينت فيها مخايل وآثارا، بعد أن وضعتها تكرمة على رأسي، وأحييت بها أملي ونفسي، وتوليت من الدعاء المخلص ما الله تعالى سامعه لك، ومحققه فيك. فأما الشكر فلو أني فيه موصول اللسان، بلسان الزمان، لما وقيت بحقك منه، ولما قضيت وطرا به، إلا أني على قصوري عنه سأبرزه في غلائله، كالربيع في أوائله. وخاطبه ذو الرياستين [حسام الدولة أبو مروان] ابن رزين برقعة يخطب فيها وداده، ويستميل فؤاده، فراجعه ابن طاهر برقعة يقول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 فيها: كل المعالي - أدام الله تأييد الحاجب ذي الرياستين - إليه ابتسامها، وفي يديه انتظامها، وعليه إصفاقها، ولديه إشراقها، وإن كتابه الرفيع وافاني فكان كالزهر الجني، والبشرى أتت بعد النعي، سرى إلى نفسي فأحياها، وسلى عني خطوب الكروب وجلاها، فلتأتينه مني بالثناء الركائب، تحمله أعجازها والغوارب؛ وأما ما وصف به - أيده الله - الأيام من ذميم خبرا، ولقد رددتها على أعقابها نكرا، فلم أخضع لجفوتها، ولم أتضعضع لنبوتها، وعلمت أنها الدنيا قليل بقاؤها، وشيك فناؤها، وفي ذلك أنشدوا: تفانى الرجال على حبها وما يحصلون على طائل ومع ذلك ما عدمت من الله سترا كثيفا، ولا صنعا لطيفا، له الحمد ما ذر شارق، وأومض بارق. ورأيت ما انتدب اليه - أيده الله بسنانه - من الشفاعة عند القائد الأعلى - أعزه الله -، والصدق مواعده، وقد كان بدأني بالإجمال لو عاد عائده، وبيد الله تعالى [12أ] الأمور يقضيها، عليه التوكل فيها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 وفهمت ما أومى إليه من التنقل إلى ذراه، والورود على نداه، وأنى لي بذلك وقد قيدتني الهموم فما أستطيع نهضا ولا أتقدم، ولو أطقت ذلك لعدت العمر غضا جديدا، ولقيت الكمال شخصا وحيدا، عند من تقر بسوابقه العجم والعرب، وتؤكل خلائقه [بالضمير] وتشرب. قال أبو الحسن: وكان ذو الرياستين قد رأى لو انتقل ابن طاهر إلى ذراه، أن يستمد برأيه ونهاه، وهيهات! أبو عبد الرحمن كان أصون لفضله، وأفطن بالزمان وأهله، من أن ينخدع بمنتقل ظله، ويحكمه فيما أبقت الخطوب من جلالته ونبله: من رجل شديد الإعجاب [كان] بأمره، بعيد الذهاب بقدره، زاريا على زعماء أهل عصره، إن ذكرت الخيل فزيدها، أو الدهاة فسعيدها وسعدها، أو الشعراء فجرولها ولبيدها، أو الأمراء فزيادها ويزيدها، أو الكتابة فبديع همذان، أو الخطابة ففي حرام سبحان، أو النقد فقدامة، أو العلم فلست من رجاله ولا كرامة، وليس له من ذلك كله إلا البراءة من الإحسان، والاستطالة بمكانه من السلطان، أبى الله الا انهماكه في الشراب والشطرنج، وكان على ذلك ضيق الفناء، جهم اللقاء/ أحذق الناس بحرمان من قصده، وأشدهم احتمالا لمن لامه في البخل وفنده، وانتحاه بأصناف الذم واعتمده، على ما كان يداخله من كبر، ويعتقده لنفسه من جلالة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 قدر، وكان الشاعر إذا وفد عليه، أو مثل بين يديه، أخذ يناقشه الحساب، ويغلق دونه الأبواب، وينتحيه بضروب نقده، ويصب عليه من شآبيب برده، حتى يخرج بين الحائط والباب، ويرضى من الغنيمة بالاياب، على ذلك حجج أصحها جهله، وأوضحها بخله. حدثني من شهد ذا الوزارتين ابن عمار - المتقدم الذكر - وهو يقول: إيه عنك يا ذا الوزارتين! بأي شيء عارضت قصيدتي: أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى أبقولك في أول قصيدة: أشممت نشرك أم شممت العنبرا ومصصت ريقك أم مصصت السكرا ومن ذكر هذا وأشباهه من القول، حتى عدل به عن سبيل الطرب، وكاد ينشق عليه جلده من الغضب. وأخبرني من سمع ابن رزين في ذلك المجلس أو نظيره يقول [12ب] لمسلم المغني، وكان بحضرته يومئذ: أنا والله أغنى منك، وأشعر من ذلك يعني ابن عمار، فقال له ابن عمار، بذرب جنانه، وسلاطة لسانه: وأرقص ممن - أعزك الله - فلم يحر جوابا، وعاد نشاطه إطراقا واكتئابا. وكان أدخل نفسه أيام إناخة الأمير مزدلي على بلنسية، فما أمر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 ولا أحلى، ولا سبق ولا صلى، ومات في أثناء ذلك، ونصب ابنه مكانه هنالك، فضاق مداه، وأسلمه في يد أمير المسلمين ما قدمت يداه، فنسي. ومن رسائل ابن طاهر الاخوانيات وما يجانسها نسخة [من] رقعة يقول فيها: المرء إذا تحقق تأميله، وعرفت في المودة سبيله، تناسبت مذاهبه، وتجانست ضرائبه، وإنك - أحسن الله وقامك وظعنك - لما امتطيت ركاب النوى، وتجرد منك ربع الغرب وأقوى، كحل السهاد جفني، وتمكن [الاشفاق مني، وأخذت نفسي في الذهوب، وشمس أنسي في الغروب، حتى طلع] البشير يالقفول، فجعلت حينئذ أقول: لله نذر واجب ولك البشارة يارسول وثابت إلي المسرة، كأول مرة، وظلت أمرح في أثوابها، وأنى لي بها، فالحمد لله على صنعه الكريم، ومنه الجسيم، أشكره شكر من استعلى بسلامتك قدحه، وعاد بإيابك صبحه، وأسأله الإطالة في بقائك، والصيانة لحوبائك. وله من أخرى: الآن ساغ للكلام الالتماس، وساعدت في معالجته الأنفاس، وتبادرت إلى إثباته الأنامل، وخف فيه القلم العامل، حين أعيد إلى الجسم فؤاده، ورد في البصر نوره وسواده، بأوبتك التي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 بسطت مني ما انقبض، وهدتني إلى البيان وقد أغمض، فلم أجد في فم الشكوى ريقا، ولا إلى إيضاح ما ألقى طريقا، فلما وافى بأخذك في الصدر البشير، ووقع بلحاقك التقدير، فكأنما أنت انتشطت من عقال، وأمنت من نكس بعد إبلال، فثاب إلي من نافر القول ثائبه، وتراجع لدي غائبه وغاربه. وله من أخرى: فرط المسرة على الإطالة باعث، وبالكلام عابث، ولا سيما إذا طلعت بعد أفول، وآذنت من خل بقفول، فلا تنكرن من مقالي، ما يميله لسان الشوق من حالي. لما تحققت [خبر] تغيبك، لا عدمت [13أ] الأنس بسببك، هاجني من ذكرك هائج، ومسني منه حرق واهج، شرد لي منامي، وردد قعودي وقيامي، وأقرح المآقي، وبلغ بالنفس الترتقي، تأسفا لبعدك، ومحالفة للهموم من بعدك. وله من أخرى: قد أثقلتني عوارفك - أعزك الله - حتى أبقيت لي يدا تنظم، ولا لسانا يعرب عما في الضمير لك ويفهم، فأنا لك رهين أياد لا تستقل بها الركاب، ولا يقوم بشكرها الإطناب والإسهاب، وإذا كان العجز عن مجازاة برك أملك وأحصر، والعيان في ذلك عن شفوفك وتقدمك أنطق وأخبر، فالاعتراف لك بالتأخر عن مضمارك أجد ما سمعت إليه همة الآمل، وسايرت إلى مدى سبقه يد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 المتطاول، والرب تعالى ينظم لك أشتات المحاسن والأثر، كما أحيا بسنائك كريم الآثار والسير؛ وإن كتابك - لا عدمته من روض ناضر، وأنس محاضر - وردني مفتتحا للفضل والتهمم، وعارضا صدق مشاركتك في حالتي الصحة والسقم، وإن الذي بلغك من الالتياث المطيف بي، والوهن المساور لي، أثار لفكرك - أنعمه الله - شغلا، وحمل خاطرك - أصحه الله - ثقلا، إلى ما وصل ذلك من سؤال ملطف، وإيراد من قليب السحر مغترف، فقمت لهذه الصلة الكريمة على قدم التعظيم، ووفيتها قسط الشكر محلى بالتوفية والتتميم، وقلت: لله فعل كريم، يقثل الرقاب، ويسترق الألباب. وله من أخرى: لما تراخت المطالعة بيننا، وتصدت الموانع لنا، حركني إليك عهد كريم، وود بين الجوانح مقيم، وعندي من ذكري لك، وشوقي نحوك، ما لا يأتي عليه البيان، ولا يتسع له الزمان، وأما شكري لمشاركتك، وثنائي على مظاهرتك، فبحيث يقنع الربيع حياء، ويفضح الغصون لدونة وانثناء، ويكسب الماء عذوبة، والحجر رطوبة. وله من أخرى يعاتب بعض الأقارب: وإذا الفتى صحب التباعد واكتسى كبرا غلي فلست من أصحابه نعم، أعاذني الله من موجدتك، ولا حرمني جميل رفقك وتؤدتك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 فإني قرأت الكتاب الكريم الذي أطلت من جناحه، وأطنبت ما شئت في إفصاحه، وأكثرت من أناشيده وأهزاجه، وغيرت من عذبه بأجاجه، فجدد أي رسوم إيناسك، وهب بمعلول أنفاسك [13ب] وذكر بأيامك المراض، ونشر من ألفاظك العوارض: كلام لو أن اللحم يصلى بحره غريضا أتى أصحابه وهو منضج ما البدر يجتلى في أعقاب أسحاره، ولا الربيع يختال في أثواب أنواره وأزهاره، بأوضح من شياته، وأملح من كلماته، صدرت بقول ابن الحسين: ما كان أخلقنا منكم بتكرمة لو أن أمركم من أمرنا أمم وإذا ذكر حكمته ومعجزته: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام وضربت المثل في صحيفة قريش على بني هاشم الأخيار، وأغلفت ما كان من تسلطهم على الجار، وأردفت بقوله عليه السلام [في من وصل أو قطع الرحم، وتركت كلامه على تفرده] : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "، فوعيت الكل عنك وعيا، واستوفيته شريا وأريا، وتصرفت بين محظور منه ومباح، واستمعت فيه إلى استعطاف لي واستصلاح، ولعمرك - وقيت الردى، وجنبت الهوى - ما صدر [صدور قال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 ولا فسد لقيل وقال؛ ما تركتك توسد] للجاجك، إلا وقد يئست من علاجك، تمد في غلوائك، وتجد في استعلائك. وفي فصل منها: وايم الله يا معشر القرابة ما وجدت أبي [رحمه الله] يستكثر بكم من قلة، ولا يفزع إلى رأيكم في ملمة، ولا يمتاركم عند نفقة، ولا يمتاز منكم على ما به من علو مرتبة، يكلؤكم هاجعين، ويقيمكم مائلين، فإنما أنتم عيال مبرة، وأمال درة، وأتلاء عقبة، وأشلاء لولا غمامة سيبه، وأنا أقفو أثرا هاديا، وأقتدح زندا واريا: لا أحتذي خلق القصي ولا أرى متشبها في سؤدد بغريب وكذا النجابة لا يكون تمامها بنجيب قوم ليس بابن نجيب فمن أقبل منكم قبلت وده، ومن تولى تركت رده، لا اترفع ولا أتقلع، كما لا أتخشع ولا أتصنع. ومن أخرى: التأميل، إذا ثبت فيه الدليل، وعضدته [من] المودة شواهد، يؤيدها الاختيار الناقد، لم يسترب بجانبه، ولا يفزع ماء الملام على مذانبه، فيما تحظر منه موانع الانشغال، وتحجر عنه مخافة الإضجار والإملال، من مطالعة يجتنى بها زهر الكلام، ويروى بها ظمأ الأفهام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 وأنا - أدام الله أيام بهجتك -، وإن قصر بي عن متابعة المداخلة جلالتك، واقتصرت بي على ما تحققته من إخلاصي وتعويلي إحاطتك، فغير مفارق لدعاء صالح أرفعه، ولا لإهمال واجب لك أضيعه، إذ أشخاص آمالي بك استشرافها [14أ] وعليك انحطاطها والتفافها، ونحوك تثنى أجيادها، وإليك تبارى جيادها، فمهما وقع تفريط، فالعذر فيه مبسوط، والقلب بودك مغمور، وبالذكر لك معمور، ولما جد بي الشوق جده، وتجاوز بي حده، أعلمت في هذه الأحرف أنملي، وأملى خاطري واللوعة لا تكاد تملي، [لتنعم بمراجعتي شافيا بشرح أحوالك، لا زالت زهاء أملك، ممتنا، إن شاء الله] . ومن أخرى: أما جنوحي إليك واعتدادي، واقتصاري عليك واعتمادي، فقد وضح نهاره، وتفتح بهاره، ما المسك إلا دونه، وكثير له أن يكونه؛ وقد علمت أني واليت أمير المسلمين وناصر الدين [أبا يعقوب يوسف بن تاشفين] فيما منيت به من الأهوال، وتصرف الأحوال، فأخر أمره المقدار، وليس للمرء الخيار، وناديته الآن نداء مستصرخ قد انقطعت به الانتساب، أعار بياني عنده بسطا، ونص عليه من اختلالي فرطا، ودعاه إلى ما يجده عند الله محضرا يوم القيامة، وما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 يبقى إلا الأحاديث والذكر، ولك بما تأتيه المن والشكر، [ثم] لا يزال له به دعاء مرفوع، وثناء على أعجاز الركائب موضوع، وأنا أستنهض سروك بحسن المناب، إذ أعلقت سبي منك بأشرف الأسباب، ثقة بمجدك، ومعرفة بجدك، ومن مثلك فليكن الصنع، والمحتد الرفيع ينبت حوله الفزع، ومراجعتك الكريمة مؤنسة، وعن النفس منفسة. وله من أخرى: كثيرا ما كنت أسمع إنشاد هذا البيت: إذا أيقظتك حروب العدا فنبه لها عمرا ثم نم فلا أدري من عمر، إلى أن مررت ببالي فقلت: هو هو، أخو الحياء والإنصاف، ومشرب الأدب الصاف، وانك أبا حفص - على ما فيك من عظيم الانقياض، وعليك من سربال الحياء الفضفاض - لقبس بيد المسترشد، وسهم في يد الرامي المسدد، خبأك الله فضيلة لإخوانك، وطرفت دونك عين زمانك. له من أخرى: وردني من لدنك كتاب وقفت به من مشهدك الحسن. وغيبك المؤتمن، على ما عرفت يقينه، ووجدت قبلي قرينه، ثناء عليك يتأرج، وجدة إخلاص [لك] لا تنهج، والله يديم خلتنا نيرة سرجها، ضخما بسلامتك ثبجها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 ثم رأيت ما نشرته من الرغبة [14ب] في جبر فلان، قبحه الله من إنسان، وعاد فسوق، له في البغي أكثف سوق، وكل شفاعتكم عندي مقبول، فالقلب على مودتكم مجبول، لكنها معوذة من أن يدنس بذلك الساقط طاهرها، وما قتل أرضا جابرها، فليكن عندك نسمة حرب، وقرارة ريب، ليس كما نحلته من الخلال، ولا كما قلته في الأحوال؛ ووصفته بالحج وإنما حجت العير، وبالنفقة وإنما هو منه الخلي الفقير، وبالقراءة وما يحفظ التنزيل، ولا يميز المحرف من الحروف ولا المستطيل. جملة ما وجدت له من الرسائل، في الشفاعات والوسائل فصل له من رقعة في صفة الأستاذ أبي القاسم عبد الدائم: نحن لا ننزل بالخلة، منازل الخلة، فنتناولها بأطراف البنان، ونسلك بها شعب أهل الزمان، بل نصونها في مضمر القلب، ونحفظها على النأي والقرب، [وإنك - ما علمت - شيمتك الوفاء، وقرارتك] الصفاء، وبعد: فما زلت مفيدي ضروب الفوائد، ومقلدي عجائب القلائد، حتى كأنك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 إذا رأيت ما بأرضي من الأدب الماحل، والفهم الناحل، أنزلت عليها الماء فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. وقد طوقتني بالأديب أبي القاسم عبد الدائم - حرسه الله طوق الحمامة، وسقيتني به در الغمامة، فتنفست أنفاس العراق، واجتليت محاسن كالجمع بعد الفراق، فأنا الشاكر صنعك، القائم معك. ولقد لطف فيما ألف، وأوضع فيما وضع، فسرد المعاني أجمل سرد، ونثر الفقر نثر الجمان من عقد، وصرف المتأمل فيه بين جد وهزل، ونقله على أقتاب بين حقاق وبزل، وقد قبلت ما أهداه ووضعه على الرأس إكراما، وجعلت له الحمد لزاما وزماما، فلله أنت ولله هو! لقد شددتما أزر العلم، وأحييتما عافي الرسم، وهنيئا لقطركما لقد تدفق بكما سيله، وتفرى عن صباكما ليله؛ وتصفحت ما قرن بتلك الأسفار، من منتقى الأشعار، يتخللها من الكلم السلسال، والمثل المنثال، ما يستنزل الطير من وكناته، ويفضح عمرو البيان في نزعاته، فشهدت لقد أوتي البسطة والفنون، إن سلم من العيون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 وكان وصول الكل على يدي فلان، وقد وصفه بصفاته، وصقله بمراعاته، وقد حملته ما أتغطى منه، إن لم يكن بفضلك المعتذر عنه. وله أيضا من أخرى فيه: [15أ] إذا شئت - أعزك الله - أن تجلو البصر، وتحبو الفكر، فقد وافتك الأيام بجلائها، ووفرت لك من حبائها. ويوافيك بكتابي - وافتك الآمال - الأديب الحلو الحلال، أبو القاسم عبد الدائم، قاصدك [وسيدي] أبقاه الله، وستلقى به الأدب الموفى، والذهب المصفى، ونهزة الأصحاب، ونزهة الألباب. وقد كانت استقرت به الدار عندي، وأضاء به أفقي وزندي، حتى أوجدته النفس أدواء، وآثر لمكانك لها شفاء، حيث المحل فسيح، والهواء صحيح، والطبيب موات، غير آب ولا عات؛ وقد دعوت الله أن يبرئه من وصبه، ويرعاه في تقلبه، وأنت بمجدك تؤمن على الدعاء، وتبتدر هذا العلق بالاحتواء، وتلزمه [من] مهرة الاطباء كل [محمود] النقيبة، مأمون الضريبة، وكم بذلك من ثناء ترتديه، وعلاء تحتويه، لا زال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 مثل هذا النجم طالعا في سمائك، وزاد [الله] في مضائك وبهائك، بقدرته الغالبة الباهرة. ومن أخرى: وفلان ممن يأوي إلى خير وصلاح، ويستضيء من طلب العلم بمصباح، وبحسب ذلك أحب حياطته، وأريد إرادته، ورغبتي حفية لدى مجدك في أن ضعه منك ببال، وتخفف ما يطرأ عليه من أثقال، وتقلده من محافظتك ما يحصل به على مزية حال، حتى يرى عليه أثر الشافع، وتلذ خبره أذن السامع، وثقتي بما خططت لك من سطوري هذه، أغنتني عن الاحتفال، والإلحاف في السؤال، وأنت أرطب عودا، وأخصب نائلا وجودا، من أن يثنيك عن العلا ثان، أو يفتقر المشفوع لك فيه إلى ضمان، فان حاشيته من تلك النوائب والدقائق، سار شكري اليك سير الفيالق، يوافيك بأحشاده، ويضيق جوك بأعداده، بقيت ربعا يحط إليه، وثمالا يعول عليه، وقدرك سام، وزمانك مناضل عنك رام، وإنما أنت ركن الفضل وأسه، وزين الدهر وأنسه، ومركز الكرم وقطبه، وعين الشرف وقلبه. وله من أخرى: لما استحكم ما بيننا استحكام البنيان ذي القواعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 وصار ذلك مستقرا في علم الصادر والوارد، جعلت إليك شفيعا، وارتجي النجح بي وشيكا سريعا. وتصل أحرفي هذه على يدي فلان من أهل شلب، ممن كانت له حال بذلك الغرب، إلا أن عادة الأيام في مثله مبلوة، ومنازلهم عندها مجفوة، ونبذته عن الوطن والصميم، كما ينبذ الكراع من [15ب] الأديم، واعتمد هذا الوفق، يرجو فيه الرفق، وأنت محط أمله، ويد عمله، آثرك لتثير له أمرا يتقلده، فانك منجز به متعهده، ورغبتي مؤكدة إلى مجدك فيه، فله خلال تحظيه، وما يقع عنده من حسن صنيعتك فهو واقع من اعتداده وودادي، موقع الماء من ذي الغلة الصادي، وما خططت له بيدي، إلا تكرمة لأمره، ومبالغة في بره، لمكانه عندي، وتفعل يا معتمدي ما تحصل به على العاطر من شكري وحمدي، إن شاء الله. وله من أخرى: أكرم يد - أعزك الله - يطوقها المرء جيد مجده، ويزين بها ديوان حمده، ما سد خلة من حسيب، أقعدته يد الدهر المريب، وموصلة - وصل الله حرمتك بالسلامة من نكد الأيام - ابن المستعين بالله - رضي الله عنه وأرضاه - توسل بي إلى مكارمك في ترميق حالته، والرم لحوالته، لما جفت غضارته العيش من رغد النعمة، وحول إلى الضيق بعد السعة، وإلى التجول من الدعة، ومثلك - ولا مثيل لك - رق لما به [-] سرفه ونصابه، واغتنم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 الصنيعة، وحقق ضماني عنده وما يرتجيه، فانك ستجزى بما تسديه، أجمل الذكر، وأحفل الشكر، مع الأجر المغبوط، والذخر المحوط، والله لا يعدمك ارتهان المنن وارتباط الأحرار، ويحرسك من حوادث الليل والنهار. وله من أخرى: لم تزل - أعزك الله - من الظلم معصرا، وعند عماه مبصرا، وعلى الخير معانا، وللفضل عنوانا؛ وموصل كتابي له طلب قد دثر طلله، بالأفق الذي بك ازديانه وتجمله، وتوجه باذن المظفر لاستخراجه، وتشخيصه على منهاجه، ولا غنى به عن كريم مؤازرتك، ومعلوم سيادتك، برأي حسن يظهر فيه، يكون معه دنو وطره وتأتيه، وأنا أسأل سناك العناية بأمره، وإيثار العدل الذي لست مع غيره، وللرجل إلي أذمة قديمة، وقد استوجب على علاك بذلك، غاية محافظتك واهتبالك، وهو مورد عليك شانه، ومظهر إليك برهانه، وفضلك في الاصابة إليه، والدلالة على ما حزت به الصواب من طرفيه، مرتهنا حمدي، ومعيدا لليد البيضاء عندي. وفي فصل من أخرى: ومؤدي كتابي هذا لما تناكرت له الأيام، وأعوزه في استصلاحها المرام، آثر جواري [16أ] وقصد داري، وما انتقل من ظلك إلا ظلك، ولا تعوض من محلك إلا بمحلك، فسكن سكون المريح من تعبه، البعيد عن نوبه، ينتظر أن تنظر إليه عواطفك، وتستجد عليه عوارفك، حتى إذا كان الآن، ورأى عنان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 زمانه قد لان، نبهني ونام، وذكرني الذمام، فوكلت عزمي برعيه توكيلا، واستقبلت وجه كرامتي لديك تقبيلا، أسألك فضلك المعهود، وشرفك المسود لا المسود، في أن ترفع عنه إساءة الحادثات، وتجمع له شملا من يد الشتات، وتوجده سنن الحاجات إليك سهلا، وتقول لذي العداوة فيه مهلا، وهذا - أعزك الله - يربي لك ما سلف من الأيادي، ويخط سطورها لك في سواد فؤادي، وأشكرك عنه كما شكر الروض صباه، والعمر صباه. وله من أخرى إلى ابن العطار، وقد ثنيت له الوزارة: في إحاطتك الوافية، ودرايتك الوافرة، أني بك راجح ميزان الذخر، منهل ماء الفخر، ثري أرض الود، عطر رائحة العهد، وأن بشراي تتابعت أن هلالك في الوزارة طلع بدرا، وأن نداءك بها صار شفعا وكان وترا، فقلت: ساقها شغفها، وزانها شرفه لا شرفها، فليهنها حلولك بفرقديها، وجمعك بين نسريها، وأنك مقلدها من خلالك فذا وتوأما، وملبسها من صفاتك طرزا وأعلاما، حسن يقين، ومتانة دين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 وطيب جذم، ورسوخ ورع وعلم، وأدبا كالروض نبهه الصبا، وكرما كالغيث غمر الربى، ولقد قعدت للتهنئة فأقبلت إلي هواديها، وانثالت علي من حواضرها وبواديها [جميعهم يضحك ويسر، ويقول لكل أناس في جميلهم خبر، أوله كلامي، وإليك مقامي] فان تقدمت فبفرط الهبة، وان تأخرت فلعظم الهيبة. ومن رسائله في الدعابة والهزل فصل له من جواب على كتاب [عتاب] لابن عبدوس لتقديمه صاحبيه، في عنوان رقعة عليه: وردني من لدنك كتاب كريم انهلت علي منه سحائب فكاهتك ودقا، فلم يترك لي من فرط الضحك شدقا، مما عذب استماعه، وذهب بالإبداع اختراعه، وان كنت قد تعديت طورك، وغلبت ظنك وحكمت جورك، ولم تحاسب نفسك عند الهجوم، بما تقلع عنه من الإفحام والوجوم، إذا أقيمت عليك الحجة، وسدت دونك مناهجها، وعرضت عليك المحجة، وضاقت عنك مخارجها، وعلمت أنك مذنب فيما فعلت، منتشب [16ب] فيما دخلت، ووقعت بين ندامة واعتذار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 وتوبة واستغفار، ولو أنك تمعن نظرك، وتدمن تدبرك، لما طارت بك فتخاء نشاطك، ولما توهمت أنك إن جادلت لم أعاطك، كلا، فان خصمك لا ينكل، على أن لسانك الأطول، فكيف أضعك أبا عامر - كما زعمت - موضع قدح الراكب، وأنت بمنزله ما بين العين والحاجب، وأصول بك على الأباعد والأقارب، ولم أذهب إلى تأخيرك في العنوان، وإن كنت شيخ الأوان، إلا عناية بك وتحقيقا لدعاويك، فيما تنكره من سنيك، وبقولك بملء فيك: إنك أصغر القوم سنا لا جسما، ولقد شهدت بما قلت عدوانا وظلما، لأن ما يبدو من تغضبك يكذبني، وحسبي أن العقوبة منك ما مطلتني، وهذا جزاء الافتراء، وعاقبة المسامحة والإغضاء، فأين عزبت عنك بوادر فطنتك، أم أين غربت شمس فهمك وتثبتك - لقد أوليت اليد كفرانا، وقابلت بالاساءة إحسانا، ولو أني وفقت [لصدرت بك] ، إذ تجري هذه المعاني على الأنسان، ولدللت على ما يخفيه المقراض من شيبك ويعانيه من هرم شبابك، وقد ولاك قفاه [إعراضا] وطلقك ثلاثا، فحينئذ كنت تحمد وتقول: فدتك النفس والولد، وإنما من الله لعظة لأهل الزور، وعثرة منك بينة العثور، لا أقيلك فيها، ولا أقول لك: لعا، منها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 ومن أخرى: وقد نظمت أنسا، وبسطت مني نفسا، كان نأيك قبضها، وفراقك أوحشها وأمرضها، ولله هزلك ما أرقه وأعبقه، وجدك ما أروقه وأعتقه، إنك لفارس زمانهما، وغارس بستانهما، وإن كنت أنحيت في عتابك، وأربيت في غلوائك لسجرائك في كتابك، فانه حلو من الرضى، محمول بصحيح الهوى، ولم أشك في الذي تضمنه من نزاعك [نحوي] ، والتياعك لعبدي، وفي تلاحظ القلوب سلوة، [وفي تسارب الكتب راحة ونشوة] ، أسأل إدالة الانتزاح بقرب يعجله، على ما نؤمله. وعرضت عليه رقعة رجل يتزهد، وهو بالضد، أطال فيها اللفظ بالوعظ وردد، فأجابه ابن طاهر برقعة يقول في فصل منها: ورد كتابك فوعظ وذكر، ونصح فبصر، ونبه من سنة الغفلة، واغترار المهلة، [17أ] وحذر من يوم الندامة، وبعث يوم القيامة، فيرحمك الله من هاد، وخائف معاد، ومبتغي إرشاد، وداع إلى صلاح وسداد، لقد حركت أنفسا قاسية، وهززت جندلة راسية، قد تحكم فيها ضلالها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 وأفرط في الجهالة إيغالها، فمعولك دونها ناب، لا يؤثر فيها بظفر ولا ناب. وفي فصل منها: ولا يغرنك ما ترى فيه من سمت الوقار، ولزوم الدار، ومداومة التسبيح والاستغفار، فتحت الرغوة مذق، ودون ذلك الشعار من الرياء فسق: لا تمدحن امرءا حتى تجربه ولا تذمنه من غير تجريب استخبر من في أفقك، ولا تطلق من عنان قلمك، إلا بعد اجتلاء اليقين، وتحفظ من عدوى القرين، فقد تعدي الصحاح مبارك الجرب، وأنا أربأ بك من قال وقيل، ومن ذا ينيب حينئذ لحجتك، ويسفر عن وجه القبول لمعذرتك، كلا، فان الله لا يدنس منك طاهرا، ولا يلبس عليك ظاهرا، بل يكشف إليك ما يصرف القول عنك ويعلمك ما لم تكن تعلم. وله من أخرى إلى بعض إخوانه وقد حضر محاصرة شاطبة: ورأيت مآل الامر بوقوع الحرب، وشروع النقب، وأنه وضعت الملاطيس: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 فقلت: الآن حمي الوطيس. فأرجو أن يصحب الظفر، ويسعد القدر؛ وحدثت أنه دعيت " نزال " فكنت أول نازل، فقلت لمحدثي: أمجد أنت أم هازل -! سيدي أشد بأسا، وأعز نفسا، من أن يرى يوم جلاد، إلا على ظهر جواد، فان لبس زغفا، هزم ألفا، وان تقلد صمصامة، لم يبق هامة. ولكن أذكره بهذه الشهامة، قول أبي دلامة: ولو أن برغوثا على ظهر قملة ... يكر على صفي تميم لولت إذا صوت العصفور طار فؤاده ... وليث حديد الناب عند الثرائد وقوله: ووردت أن أنظر عند الصيحة إلى الحكيم أبي جعفر، فتجلي العين منه أحسن منظر، وقد صفف مراهمه، وجمع دراهمه؛ وأما جارنا أبو الخطار، ففي القنا الخطار، وخصصته بالتقدم للصداقة [والجوار] ، وأما الفقيه أبو مروان فرائح في قميصه المدلوك، وعليه نصف لجل من الوشي المحوك، يحذر من الفرقة، ويقص على الفرقة، وإنه لأنس في السفر، وزين في الحضر؛ وأما سائر الإخوان، فأرفعهم لغير هذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 الرهان [17ب] والله يبقيك ذخرا للزمان، وعينا في الأوان. وله من أخرى: خذ هذه النادرة، من يدي هذه الطالعة الفاترة، وأنجز لها مجدك الموعود، وصل عندها فضلك المعهود، فانها تقوم مقام الجيش في الغناء، وتصل الرواح بالغدو في الثناء، ولولا غنة [فيها] ، تلفف فكيها وتلويها، لكانت أحسن الناس وصفا، ولا سيما إذا مسحت أنفا، بسبابتها عند الكلام، وحدثت حديث مصر والشام، فهناك يقطف الزهر، وتغرف الدرر: *ولكن حديثا ما حديث الرواحل * فهي لا تقنع بشيء سوى الحاصل العاجل، فأقبل على شانها لا زلت قبلة القاصد والآمل. وله من أخرى [الشيخ أبو الفضل لما] استبدل الجار، أنكر الدار، فحصل من وساوسه في بيت وبال وسقوط، وخشي أن يظن أنه من بقية قوم لوط، وأنى له ويعطى هذه الدرجة، والسقط يحرق الحرجة، ورغب عن تلك الدار متحولا، وقصد مجدك لا يبغي سواه معولا. ومن أخرى: هذه - أعزك الله - عربدة من رأس الصباح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 وسورة شديدة من الاقتراح، وقد وردت مستورة تحت الظلام، محفوظة بالختام، فأقسم لقد قطعنا الليل بها ضحكا وتعجبا، فما عندنا إلا من ودعه صباه، وودعته نهاه، وقد كان في الخل ما يكفي فهو نعم الإدام، كما قال عليه السلام، ولكن أردت أن يكون لك في كل بر مقام، وقلت: هذا الحلو الحلال والحرام، ولولا أن الصبا عني ولى، لرشفناه رشفا، واستزدناك منه ضعفا. وله من أخرى: هذا الحلبي [أعزك الله] يوافي ذراك وماء الخجل يقطر من وجناته، ويستغفر لذنب لم يكن - علم الله - من جناته، وهو علق كما تراه لا علك، وعند الشميم ند أو مسك، فاشدد يديك به ولك الربح، واسمع له ومن عوائدك السمح، ومن الظلم أن يحلى بغير حلاه، فيقال كذوب والصدق منجاة، أو يقال بذي، والعرض نقي؛ ومثلك رق لغربته، وكشف من كربته، فاجتلى الشكر في غلائله، واعتبق المجد في غدائره، لا برح الحمد من ذخائره. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 وفي فصل من أخرى: مر بنا كاتبك السري وأمامه وزراؤه، عصابة كأنها الخطي، وقد حفف من حواجبه، واحفى من شواربه، وهو يتفكه، من قادمتي حمامة أيكة، كمن تصنع وترفع للقافية فلا تواتيه، فسألته عنك فقال بفتور: هو 0أعزه الله - لي سنان وأنا له مجن، فقلت: قرت بكما عين، لقد تخرج من الحرب [18أ] بظهر المحتطب، إن لم يكن لك درع تقيك من القنا السلب، وأستغفر الله مما يجنيه، على أن الصدق لا إثم فيه، ووجب إعلامك بنادرة هذا اللبيب، فانها من الغريب، لا برحت في كل شيء عين المصيب، ومن كل فضل وافر النصيب. ومن أخرى: لا بد للنفوس أن ترتاح، وللنوادر أن تستباح، وفلان أصابته طارقة، وابنة الكرم له معانقة، فنتفت عنه كل ريشة، [وتركته في أسوأ عيشة] ، وإني لأعجب من غفلاته، والحذر في مشتبهاته، حتى لقد يكون حارسته من اللصوص، وأمتنع من البنيان المرصوص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 ومثلك رق له وأولاه. وعطف عليه لما دهاه، وكان حسنا، لو التمس له سكنا، تكون من شرطه، ومن خير رهطه، فيقطع بها الليل الطويل، وينفي معها الهم الدخيل. وله من أخرى: أذكر سروك بالشيخ ابن القزاز أن تخلطه ببالك، وتجعله من عمالك، فسيحوك لك من الثناء برودا، وينظم عليك من لآلي الحمد عقودا، فإنه قد ترشح للخطة، وتبحبح لحلاوة الضبطة، وشمر عن ساقيه لمركب الغبطة، وأخاف أن يكون من مراكب السلف، التي تحدى بأند خلف، فهي لاصقة بالأرض. مقيمة على شدة الركض، ففضلك بالتعجيل، مستبدا بالشكر الجزيل. ومن فصل من أخرى: مثلي ومثلك مثل رجل من العرب، استقرى عقيلة ربرب، بل سليلة فصل وحسب، فأجزلت قراه، وأكرمت مثواه، فلما اطمأن المجلس، وانتظم التأنس، سعت إلى بعض أوطارها، فراقه ما تحت إزارها، فجعل ينشد: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 يا أخت خير البدو والحضاره ماذا ترين في فتى فزاره أصبح يهوى حرة معطاره إياك أعني واسمعي يا جاره وكذلك غيرك المخاطب في شئوني وأنت المراد، وإليه الإيماء، وفيك يبدأ القول ويعاد، ولله أنت ما أعطر خلالك، وأكثر اهتبالك، لا زالت أياديك كالأطواق، ومعاليك معطرة الآفاق. ومن أخرى: الكريم يلين بالهزة، ولا سيما بجناح الإوزة، وقد وافتك عارية من الريش، خالية من الحشيش، تمت إليك بسالف الذمام، وصالح الأيام، وقوام عيشها أن تهيء لها غديرا، وحمى كثيرا، ففضلك في أن يصحبها رأيك الجميل، بخدمة وإن قلت، وكلا فليس منك قليل، وستجد فيها منافع جمة، منها أنها تكون مروحة عند السموم، ومضحكة لك عند الوجوم، فاذا رأيتها وصواحبها فوق [ظهر] الماء، رأيت أبدع الأشياء [18ب] تحسبها سفينا في العيان، وكأنها بعض مرابض الغزلان، ولو جيت أن أعداد أوصافها لطال الكتاب، وامتد الإسهاب، [فاغتنم سماح الزمان بها، وأنزلها] من البر في أسنى مراتبها، وإلى فلان هذا الإيماء وهو التصريح، وعنه الكناية وهو النسب الصريح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 وفي فصل من أخرى: وكأني أنظر اليك وقد استحر الجلاد، وأدركك الإعجاب، وهان عليك الكتاب، وأنت تقول، من فرط ما تصول: إني انصرفت وأقلامي قوائل لي ... المجد للسيف ليس المجد للقلم اكتب بنا أبدأ قبل الكتاب به ... فانما نحن للأسياف كالخدم لا تعجل، فلها حجاج، كأنها زجاج، تفرى بها أوداج، ولرب جيش هزمته، وملك هدمته، ولله تعالى نعمة عظيمة فيما كان من الفتح، جاءت كفلق الصبح، تبشر دولة الإسلام، بالنصر وارتفاع الأعلام. ومن رسائله في التعازي وما يجانسها فصل له من رقعة إلى ابن رزين يعزيه في أبيه: كتبت لهفان وقد أسمع الناعي، فأضرم نار الأسى بين أضلاعي، للرزية العظمى، التي رمى سهمها فأصمى، بوفاة من جمعت فيه المحاسن والخلال، وزال كما تزول الجبال، وقل له المشابه والنظير، ومات بموته البشر الكثير، الحاجب ذي الرياستين أبيك، رب الشرف الصميم، والحسب العد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 الكريم، أوسعه الله رحماه، وجعل الجنة مأواه، فاها لله وإنا إليه راجعون؛ على الرزية فيه، ليتني بالنفس أفديه؛ فأما القلب فمنحل ومنسلب، وأما الدمع فمنهل ومنسكب، سقى الله جدثه سبل القطر، ونفعه بحسن المذهب وجلالة القدر، وجزاه المحسنين، وأنزله دار المقامة في عليين، وهناك الله ميراثه من الرياسة، ومكانه العلي من النفاسة، ومنحك العمر الطويل، وأمتعك العز الظليل، وساعفك بكل ما تهواه الزمان، ولا زال بك يتجمل ويزدان. وله من أخرى: كتبت وقد وافاني كتابك بما أطال ليلي وأسهر عيني، وحال بين التماسك وبيني، للنازلة الفاجئة، والحادثة الفاجعة، في المتوفاة - نصر الله وجهها وقدس روحها - فلقد رمتني الأيام بثكلها فأصابت مني صميما، وسلبتني علقا كريما، وأنسا عظيما، وأبقت بقلبي ندبا، وتركتني على العزاء مغلوبا، فانا لله وإنا إليه راجعون، تسليما له فيما قضى، وقولا يوجب عنده الزلفى والرضى؛ وهو الحمام، والموت الزؤام، جعلنا [19أ] الله منه على حذر، ووفقنا منه لخير عمل ونظر. وله من أخرى: وتوفي فلان - عفا الله عنه - وكان البقية التي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 يؤنس لبقائها، ويعشى إلى أضوائها، فاختلسته المنية، وفجعت به الدنيا الدنية، فمن شأنها أن تذهب بالأفاضل، وتخيم على الأماثل؛ نقله الله إلى رضوانه، وحفه بغفرانه، وأحسن العزاء عنه، وان عز العوض منه. وأما عهدنا فقد درس منه العهد، بخطوب يتمنى معها الفقد: بلاد لحقها التغيير، واستولى عليها التدمير، وأكلت الجوعة بنيها، وتعطل الشرع والدين فيها؛ فلا صلاة تجمع، ولا منبر يرفع، والكل ناهل، وفي حوض الردى ناهل، فلينح على الإسلام نائح، وليجبه صدى من جانب القبر صائح. وهذا محلول من شعر لتوبة بن الحمير، ويتعلق بذيله خبر رواه أبو عبيدة قال: إن ليلى الأخيلية مرت مع زوجها في بعض نجعهم بالموضع الذي فيه قبر توبة، فقال لها زوجها: لا بد أ، أعرج بك إلى قبره كي تسلمي عليه، وأرى هل يجيبك صداه كما زعم حيث يقول: ولو أن ليلى الأخليلية سلمت علي ودوني جندل وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح فقالت له: وما تريد من رمة وأحجار - قال: لا بد من ذلك، فعدل بها عن الطريق، فلما دنت راحتها من القبر ورفعت صوتها بالسلام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 عليه، إذا بطائر قد استظل بحجارة القبر من فيح الهاجرة وطار فنفر راحتها فوقصت بها فماتت. وهذا اتفاق غريب، وحديث في هذه الهامة عجيب، وهي ما زعم الأعراب طائر يخرج في القبر من رأس القتيل فلا يزال يقول: اسقوني، اسقوني، حتى يؤخذ بثاره، وفي ذلك يقول الآخر: يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي أضربك حيث تقول الهامة اسقوني وهذا الخبر في شعوهم أشهر من أن يذكر. وله من أخرى: الدنيا - صرف الله عنك صرفها - على الفجائع مبنية، [وقصاراها كدر أو منية] ، وان الحازم من وطن لأحداثها، وأيقن بانتكاثها، فأوسعها رحيبا، وقلبا صليبا؛ وكتبت والدموع محدور، وقد حم قضاء ونفذ مقدور، بوفاة الولد الطيب المبارك أبي عبد الله ابننا، وقرة أعيننا، كان - نضر الله وجهه ولقاه رحمته ومغفرته، ورفع في دار المقام منزلته - فناهيك بأسفي عليه وتوجعى، وما أوقد [19ب] نار الأسى بين أضلعي، فانه كان مرجوا في الأبناء، معدودا في النجباء، للسيادة مرشحا، وبالفضائل موشحا، ينهل الخير من أعطافه، ويعجب الدهر من أوصافه، أكرم به من سليل، كان على أحسن خليقة وأهدى [طريقة وأقوم] سبيل، ولكن يأبى الله إلا ما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 يريد، فأسعد بجواره ونعم السعيد. ومن أخرى: كتبت مجملا ومختصرا، ومنتحبا مستعبرا، وأعزز علي بأن أعزي مخاطبا، ولا أكون مشاهدا ومواظبا، وان المقدم لحرمته، لفائز من الله بأتم نعمته، فسلموا - أعزكما الله - عن الحادث سلو، ودعاء إلى الخالق مرجوا، في أن يكشف عنكما الغماء، وينير بكما الظلماء، وأبشروا على الصبر الجميل، بالأجر الجزيل، وما حط ما أصبتما به قدر، وإنما حط من وزر. وله من أخرى: *عيد بأية حال عدت يا عيد * عاد والله بفيض الدموع، وفض الضلوع، ومفارقة الأعزة الجلة، ومحالفة الأسى والذلة، فتوهم - أجارك الله من نوبه - ما بقلبي من تلهبه، للحال التي أنتم عليها، وكيف مقامي، وانتحابي واحتدامي، ولكني ضارع إلى الله أن يغفر الذنوب، ويكشف الكروب، وإنا لله وإنا إليه راجعون على هذا المنظر، في هذا اليوم الأكبر، وقد عهدناه أغر وضاحا، يعيد الليل فجرا وصباحا، وهو المرجو لتلافينا، والإقالة من عثراتنا ومهاوينا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 ناقص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 شاهدا كما انتحبت غائبا، وأؤدي من مفترضات أياديك واجبا. وله من أخرى: موهوب الدنيا - أيدك الله - إلى استلاب، ومعمورها إلى خراب، ومطمعها كالآل والسراب، تغافص ذا العزة، وتقطع در الدرة، وتخون ذا الثقة المبرة. وفي فصل منها: فرع [والله] من الفضل ذوى، ونجم في الرياسة خوى، أظلمت بعده الآفاق، وأدرك تمامها المحاق، وإلى الله الشكوى، فهو أضحك وأبكى، والحمد لله على نافذ أقضيته، ومحتوم قدرته، وهو المنهل، لا يعل منه الذي ينهل، فالتماسك عند هجومه ألزم، ووفور الأجر عند ذوي النهى أحزم. وفي فصل من أخرى: أسرع اليك يا معتمدي الفطام، وأقصدتك للحوادث سهام، وحملت ثقلا لا يطاق، وتغيرت له الآفاق، فقبحا لدنيا عفت بيدها جمالها، وحدت لارتحال بهجتها جمالها. ومن أخرى: كتابي عند ورود الخبر الصحيح بالتغلب على دانية وتثقيف قصبتها، وتملك معز الدولة -] استنقذه الله]- وهجوم المنية على إقبال الدولة -[رحمه الله]- فاعجب يا سيدي من انقاض الحال بغتة على الفور، وذهاب دولة السؤدد والسرو، على بعد مرامها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 وشدة أركانها، وعزة سلطانها، أعاذنا الله من سوء القضاء، وجعلنا في حيز الاحتماء. ولما ورد هذا الخبر الذي يورد المنون، ويسهر العيون، طيرت به إليك على شرط ما بيننا في الأمور، في القليل والكثير، [والله يقي جانبك ويكفيه، ويذب عن قطرك ويحميه، بقدرته] . وفي فصل: يجب أن تعذرني - أعزك الله - إذا كتبت، فالذهن كليل، والقلب عليل، والقول قليل؛ وبلغني ما أصمتك به الأيام في الصميم، والظل الكريم، بوفاة الوالدة الطاهرة، والجنة الساترة، ألحفها الله رحمته، وألحقها جنته، ومثلك في رجحانه، لم توه المصائب من أركانه، بل سلم لله في حكمه، واسترجع للخطب على عظمه، فغنم الثواب، [وعلم المآب] . وله من أخرى يعزي بموت المقتدر: أي خطب - أيدك الله - طلعت به النوائب، واسودت له المشارق والمغارب، لقد ترك شمل الإسلام صديعا، وصير عبرة الشؤون نجيعا، بمن كنا نلوذ به: قريع الزمان، ومبير العدا ومولي الإحسان، مولاي المقتدر بالله - نقع الله صداه، وكرم مثواه - فلو درى الحمام بمن فجع، لارعوى أو توجع، ولكن هكذا تزول الجبال، وتنصرم الآمال، وينهال السناء [20ب] وينهدم البناء. وفي فصل [منها] : وما أعلمت يدا إلا والدمع منسجم، والشجو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 محتدم، وقليل أن تطيش الألباب، وقد حل هذا المصاب، وفي مولاي الرجاء والعزاء، وإليه الانتماء والاعتزاء، لا زال يستقبل دهرا جديدا، وعمرا مديدا، حتى يخلد ذكرا مشيدا، وفخرا تليدا. وله من أخرى: مالي أرى المجد - أعزك الله - قد سدت معالمه، وانهدت دعائمه، بفقد من كان يغرق البحر فيض نواله، ويكاثر نجوم السماء بعض خلاله، واحد الدنيا، وجامع العليا، ومن كان يطرق الحلم لأناته، ويحار الفهم من آياته، ويعز الدين بمكانه، ويذل الشرك لسلطانه، مولاي المقتدر بالله - قدس الله روحه، ونور ضريحه -. وفي فصل: وإني لأعلم نيل الخطب منك، وصدر الرزء عنك، وحيث انتهى [بك] البكاء والعويل، وغناء لعمري لدى المصاب قليل، وما أعزيك وأترك نفسي، وقد شردتما سكني وأنسي، ولكن أعرض عليك مكان السلو وقد لاح لي بدره، بالرئيس الشهم المعظم قدره، الحاجب مولاي المؤتمن، فذ العصر، ومقتاد كل كريمة، [ووراد كل كريهة] من يحمي الحمى، ويسدي النعمى، ويزاحم الأفلاك، ويبهر الأملاك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 وله من أخرى: أنى يستطاع الكلام - أيد الله مولاي - وقد اغبرت الدنيا وأظلمت الآفاق، ونعي الإسلام، وعني به الحمام، وقامت نوادبه، وأوحشت مغانيه وجوانبه، ولكني أقول عن صعدائها، وللعين غصص بمائها، وللنفس تنفس من برحائها: لقد مات منقطع القرين، وكاليء هذا الدين، من كان - والله - ينير إذا دجت الخطوب، ويثير إذا عن الهبوب، ومن يملأ الأفواه طيب ثنائه، ويملك القلوب بشر لقائه، ومن كان يرهب الشرك صولته، ويخاف العدو وطأته، فبرد الله ثراه، وسقاه الحيا ورواه، فلو يعلم الترب ما ضم من كرم ونائل، وحلم إذا خفت الحلوم غير زائل، لطاول السماء، واعتنق الجوزاء، ولقد قلت لما غالتني فيه الغوائل: فما كان ما بيني لو أني لقيته وبين الغنى إلا ليال قلائل وله من أخرى: الدنيا - أعزك الله - ليست بدار قرار، والمرء منها على شفا جرف هار، وإنما هي جسر على الطريق، وعدو في ثياب صديق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 ولما بلغني وفاة فلان -[رحمه الله] نضر وجهه وبرد ثراه - علمت أنك الجبل الذي لا يرتقي الجزع ذراه، وإن كان سهم المنايا أصاب حميما، واستلب كريما، فقد أبقى الله بك الصدع مرؤوبا، والجزع مغلوبا. ومن أخرى: كتبت والدمع واكف، والحزن عاكف، للرزية الشاملة، والقاصمة النازلة، في فلان، فيا عظم ما [21أ] دهمت به الأيام، وفجع فيه الإسلام، فانا لله وإنا اليه راجعون، تسليما لنافذ القضاء، ومقدر الفناء؛ ولقد نالني من الكرب لهذا الخطب ما لو شهدته لراعتك المنظر، ولجعلت نفسك الكريمة تفطر؛ وخاطبت الحاجب - أيد الله صبره، وجبر صدعه - مقيما للرسم في تعزيته، ولو استطعت لنهضت بنفسي لقضاء الحق وتوفيته، فنب بفضلك عني منايا [كريما] ، وأعلمه - أيده الله - تفجعي وتوجعي، وتأسفي وتشيعي، وفي بقائه ما يسد الخلل، ويمد الرجاء والأمل. فصول اقتضبتها من كلامه في وصف ثغور البلاد والاستنفار للجهاد فصل له من رقعة: استوضحت جميع تلك الأحوال التي وصفتها، والأحداث التي قصصتها، فأكبرت وقوعها، ثم عرفت للأيام صروفها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 وصدوعها، وتألمت لما يجري على المسلمين من نكد فاضح، وتلف فادح، فليت شعري أين البصائر، وحتام تدور هذه الدوائر، على رمق الجزيرة وقد أشفى - أما آن للنصر أن يقع [وللداء] أن يشفى - نظر الله للكل، وأراهم مواضع الرشد، من العقد والحل، بمنه. وفي فصل: كتابي بعد أن وقفت على كتاب فلان الذي أودعه ما ودع من حيات، ولم يدع مكانا لمسلاة، فانه للقلوب مؤذ، وللعيون مقذ، وللظهور قاصم، ولعرى الحزم فاصم، فليندب الإسلام نادب، وليبك له شاهد وغائب، فقد طغى مصباحه، ووطئ ساحه، وقص جناحه، وهيض عضده، وغيض ثمده، إلى الله نفزع، وإليه نضرع، في طارق الخطب ومنتابه، فلا حول ولا قوة إلا به، فهو كاشف الكروب، وناصر المحروب. وفي فصل: واتصل بنا أنه أباد الديار، في جميع تلك الأمصار، والمسلمون بينهم سوام ترتع، وأموالهم نهب يوزع، والقتل يأخذ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 منهم فوق ما يدع فأطل الفكرة في هذا الخرم الداخل، والبلاء الشامل، والله المرجو لكشف الغمة، وتلافي الأمة. وفي فصل من أخرى: ورد كتابك بالخطب الأبقع، والحادث الأشنع، الجاري على المسلمين - نصر الله مقانبهم، وجمع على الائتلاف مذاهبهم - في مدينة بربشتر، وكانت صدرا في القلاع المنيفة، وعينا من عيون المدائن الموصوفة، إلى ما سبق قبل في القلعة القلهرية وغيرها من مهمات القلاع: الدروب والمعاقل، وخطيرات الحصون والمنازل، فأطار الألباب، وطأطأ الرقاب، [وصرم الآمال والهمم، وأسلبهم من الذلة والقلة إلى ما قصم] وانك رأيت الحال في معرض جلاها للنواظر [عيانا] ، ووصل [21ب] بينها وبين الخواطر أسبابا وأشطانا، فما شئت من دمع مسفوح مراق، ونفس مترددة بين لهاة وتراق، وأسى قد قرع حصيات القلوب فرضها، وعدل عن المضاجع بالجنوب فأقضها، ومآل تستك من سماعة الأسماع، وتضيق عن إيراد حقيقته الرقاع، فالله [يدرأ] في نحر ما فدح من الخطوب الكبار ويدفع، وإليه نلجأ فيما ألظ من عقيم الدواهي ونفزع، فمنه الغوث والانتصار، وعادة الإقالة إذا جد العثار. وفي فصل من أخرى: وإن الملأ الكريم - تكفل الله به - ورد وقد امتطى العزم ظهرا، واستشعر النصيحة سرا وجهرا، ووسع نطاق البيان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 وندب إلى ما فيه ثبات الإيمان، وأعرب عما رأيته ورآه، من في طاعتك من جموع المسلمين - وفقهم الله - من الاستنفار لأمر هذا العدو الذي قد سحب في الجزيرة أذياله، وفوق للاستيلاء على حدودها نصاله، لما تحقق له أن العزائم عن مقارعته ناكلة، والبلاد من أعداد تقاومه عاطلة، فبانت أصالتك وتفرد جدك، وتجدد الحفاظ والانقاذ لملة الإسلام بجهدك، وقد تعين البدار على كل رئيس ومرءوس، ولزم الجهاد كل شريف ومشروف، وقبيح على المسلم أن يحل إزارا، ويسوغ من الكرى غرارا، وإخوته المسلمون بين مشدود بالإسار، أو جزر النيوب والأظفار، تالله ما في النصفة أن تسكن الظلال، وأطراق حملة القرآن الأغلال، [والله تعالى يصير الأيدي في الدفاع يدا، ويعيد العدو المستأسد مهتضما مضطهدا] . ومن أخرى: كتبت - أيد الله أمير المسلمين - وقد وافى الخبر المبهج بأن الجزيرة المهتضمة - حماها الله - حلها إمامها العادل، وسيفها العامل، وليثها الخادر، وقرمها المبادر، فكان عندي كالماء للظمآن، والنجم للحيران، فقلت: خبر والله جلى الشك من اليقين، وشفى صدور قوم مؤمنين، فالحمد لله رب العالمين، إذ يقيم الله به للحق مناره، ويحمي من الإسلام ذماره، فأنف الكبر أجدع راغم، ووجه الظلم أسفع قاتم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 ووددت أن أسعد بلقائه، وأستظل بلوائه، وألم بجوانبه، وأسير في كتائبه، فأنال حظا جسيما (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما) (النساء: 72) . ولولا أن العدو - قصمه الله - بهذه الأقطار، يجوس خلال الديار، فلا تمكن المسالك، ولا تتورد المهالك، لكنت أول وارد مع الوارد، ولقضيت فرض الجهاد، وملأت عيني ممن ملأ البسيطة عدلا، وزاد الفضيلة فضلا، وإن العين لتفيض من الدمع، لما جدت بي الأيام [22أ] في القطع، وعسى الله أن يفسح المهل، ويرفع الوجل، ويبرئ العلل، ويبلغ الأمل. وفي فصل من أخرى: وفيما ذكرت قرع الظنابيب، وشرع الأنابيب، وهرج يشمل البعيد والقريب، ومحض ودي، وصحيح عقدي، وما لا يشك فيه عندي، يحملني لك على الانتصاح، شحا مني ورغبة في الصلاح، وحسما لأسباب الفتنة، التي تعظم معها المحنة، فإن وافق قولي قبولا، وكان على أحسن التأويل محمولا، فذلك الذي إليه عرضت وله تعرضت، وإذا كان ما سواه، فهي أمور يريدها الله، وله من رقعة إلى ابن جحاف أيام ثورة ابن عمه ببلنسية: قد ألبستني - أعزك الله - من برك ما لا أخلعه، وحملتني من ثنائك ما لا أضيعه، فأنا أستريح اليك استراحة المستنيم، وأصرف الذنب على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 الزمن المستليم، وإن ابن عمك - مد الله بسطته - لما ثار ثورته التي ظن أنه بلغ بها السماك، وبذ معها الأملاك، نظر إلي متخازرا [متشاوسا] ، وتخيلني محاسدا أو منافسا، ولعن الله من حسده جمالها: فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها ثم تورم علي أنف غرته، فرماني بضروب محنته، وفي كل ذا أتجرعه على مضضه، وأتغافل لغرضه، وأطويه على بلله، وما أنتصر بشيء سوى عمله، إلى أن رأى اليوم [سوء رأيه] ، ان يزيد في تعسفه وبغيه، فاستقبلت من الأمر غريبا ما كنت أحسبه، ولا بان إلي سببه؛ ولما جاءه رسولي مستفهما، عبس وبسر، وتاه واستكبر، فأمسكت محافظة للجانب، وعملا على الواجب، لا أن هيبة أبي أحمد قبضتني، ولا أن مبرته عندي اعترضتني. وأقسم بالله حلفه بر: لو الأيام قذفت بكم إلي وأنا بمكاني، لأوردتكم العذب من مناهلي، ولجعلت جميعكم على عاتقي وكاهلي، ولكن الله يعمر بكم أوطانكم، ويحمي من النوب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 مكانكم، ويحوط هذه السيادة الطالعة فيكم، النابتة بمعاليكم، فلا يسرك مفظعه، وليسؤك مصرعه، فما مثله يمطل، ولا يلبث حينا ولا يمهل. قال أبو الحسن: ومد لأبي عبد الرحمن بن طاهر هذا في البقاء، حتى تجاوز [مصارع] الجماعة الرؤساء، وشهد محنة المسلمين ببلنسية على يدي الطاغية الكنبيطور - قصمه الله - وحصل بذلك الثغر، في قبضة الأسر، سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، ومنها كتب رقعة إلى بعض إخوانه يقول فيها: كتبت منتصف صفر، وقد حصلنا في قبضة الأسر، بخطوب لم تجر في سالف الدهر، فلو رأيت قطر بلنسية - نظر الله [22ب] إليه، وعاد بنوره عليه - وما صنع الزمان به وبأهليه، لكنت تندبه وتبكيه، فلقد عبث البلى برسومه، وعفى على أقماره ونجومه، فلا تسأل عما في نفسي، وعن نكدي ويأسي، وضممت الآن إلى الافتداء، بعد مكابدة أهوال ذهبت بالذماء، وما أرجو غير صنع الله الذي عود، وفضله الذي عهد؛ وساهمتك مساهمة الصفي، لما أعلم من وفائك وتهممك الحفي، مستمطرا من تلقائك دعوة إخلاص، عسى أن تكون سريعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 إلى فرج وخلاص، بإذن الله، فهو - عز وجهه - يقبل الدعاء من داعيه، وما زال مكانك منه ترى البركة فيه. قال أبو الحسن: وإذ قد انتهى بنا القول إلى ذكر بلنسية فلا بد من الإعلان بمحنتها، والإتيان بنبذ من أخبار فتنتها، التي غرب شأوها في الإسلام، وتجاوز عفوها جهد الكروب العظام، وذكر الأسباب التي جرت جرائرها، وأدارت على المسلمين دوائرها، والإشارة باسم من سلك في طريقها ونهج، ودخل أبواب عقوقها وخرج. ذكر الخبر عن تغلب العدو عليها وعودة المسلمين إليها قال أبو الحسن: ونذكر إن شاء الله في القسم الرابع، نكتا وجوامع، تؤدي إلى كيفية تغلب أذفونش طاغية طاغوت الجلالقة - قصمها الله - على مدينة طليلة، واسطة السلك، وأشمخ ذرى الملك، بهذه الجزيرة، ونشرح الأسباب التي ملكته قيادها، ووطأته مهادها، حتى اقتعد صهوتها، وتبحبح ذروتها، وأن يحيى بن ذي النون، المتلقب من الألقاب السلطانية بالقادر بالله، كان الذي هيج أولا نارها، وأجج أوارها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 وكان عندما خلى [بين] أذفونش وطليطلة - جدد الله رسمها، وأعاد إلى ديوان المسلمين اسمها - قد عاهده على أن يعيد له صعب بلنسية ذلولا، وأن يمتعه بنضرتها وتملك حضرتها ولو قليلا، علما منه أنه أسير لديه، وعيال عليه. فصار تهره المعاقل، وتبرأ منه المراحل [بعد المراحل] ، حتى استقر بقصبة قونكة، عند أشياعه بني الفرج - حسبما نشرحه في القسم الرابع إن شاء الله تعالى - وهم كانوا ولاة أمره، وواعية عرفه ونكره، بهم أولا صدع، وإليهم آخرا نزع، وطفق يداخل ابن عبد العزيز بمعاذير يلفقها، وأساطير ينفقها، وأعجاز من الباطل وصدور يجمعها ويفرقها، وابن عبد العزيز يومئذ يضحك قليلا [23أ] ويبكي كثيرا، ويظهر أمرا ويخفي أمورا، والفلك يدور، وأمر الله ينجد ويغور. وورد الخبر بموت ابن عبد العزيز أثناء ذلك، واختلاف ابنيه بعده هنالك، فانسل ابن ذي النون إلى بلنسية انسلال القطا إلى الماء، وطلع عليها طلوع الرقيب على خلوات الأحباء، وانتهجت السبيل بين ملوك أفقا وبين أمير المسلمين [وناصر الدين] رحمه الله - على ما قدمن ذكره - سنة تسع وسبعين، وصدم أذفونش الطاغية - قصمه الله - تلك الصدمة - المتقدمة الذكر - يوم الجمعة، فرجع - لعنه الله - وقد هيض جناحه، وركدت رياحه، وتنفس خناق يحيى بن ذي النون هذا، فتنسم روح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 البقاء، وتبلغ بما كان بقي له من ذماء، ودخل من معاقدة أمير المسلمين فيما دخل فيه معشر الرؤساء؛ ولم يزل إدبارهم - على ما ذكرنا - يستشري وعقارب بعضهم إلى بعض تدب وتسري، حتى أذن الله لأمير المسلمين [رحمه الله] في إفساد سعيهم، وحسم أدواء بغيهم، والانتصار لكواف المسلمين من فعلهم الذميم ورأيهم، فشرع في ذلك - على ما قدمته - سنة ثلاث وثمانين، فجعلت البلاد عليه تنثال، والمنابر باسمه تزدهي وتختال؛ واستمر ينثر نجومهم، ويطمس رسومهم، باقي سنة ثلاث وسنة أربع بعدها، وفي ذلك يقول الأديب أبو تمام ابن رباح: كأن بلادهم كانت نساء تطالبها الضرائر بالطلاق وفي ذلك أيضا يقول أبو الحسين ابن الجد، وأراه عرض بصاحب ميورقة بعد خلع بني عباد: ألا قل للذي يرجو مناما بعيد بين جنبك والفراش أبو يعقوب من حدثت عنه فرش سهم العداوة أو فراش إذا نفش القضاء جبال رضوى فكيف تراه يصنع بالفراش ولما أحس أحمد بن يوسف بن هود، المنتزي إلى وقتنا هذا على ثغر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 سرقسطة، بعساكر أمير المسلمين تقبل من كل حدب، وتطلع على أطرافه من كل مرقب، أسد كلبا من أكلب الجلالقة يسمى برذريق ويدعى بالكنبيطور، وكان عقالا، وداء عضالا، له في الجزيرة وقائع، وعلى طوائفها بضروب المكروه اطلاعات ومطالع، وكان بنو هود قديما هم الذين أخرجوه من الخمول، مستظهرين بع على بغيهم الطويل، وسعيهم المذموم المخذول، وسلطوه على أقطار الجزيرة يضع قدمه على صفحات أنجادها، ويركز علمه في أفلاذ [23ب] أكبادها، حتى غلظ أمره، وعم أقاصيها وأدانيها شره، ورأى هذا منهم حين خاف وهي ملكه، وأحس بانتثار سلكه، أن يضعه بينه وبين سرعان عساكر أمير المسلمين، فوطأ له أكناف بلنسية وجبى إليه المال، وأوطأ عقبه الرجال، فنزل بساحتها وقد اضطرب حبلها، وتسرب أهلها، وذلك أن الفقيه أبا أحمد بن جحاف متولي القضاء بها يومئذ لما رأى عساكر المرابطين -[أيدها الله]- تترى، وأحس بهذا الطاغية - لعنه الله - من جهة أخرى، امتطى صهوة العقوق، وتمثل: " من فرص اللص ضجة السوق "، وطمع في الرياسة بخدع الفريقين، وذهل عن قصة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 الثعلب بين الوعلين، فاستجاش لأول تلك الوهلة لمة يسيرة من دعاة أمير المسلمين فهجم بهم على ساحة ابن ذي النون الجاء على حين غفلته، وانفضاض من جملته، واستشراء من علته، حيث لم يكن له ناصر إلا الشكوى، ولا هاد صدر العصا، فقتله - زعموا - بيد رجل من بني الحديدي طلبا بذخل عما كان هو قد قتل من سلفه، وهدم من بيوت شرفه - في خبر سيأتي ذكره، ويشرح بمشيئة الله في موضع من هذا الكتاب أمره - وفي قتله لابن ذي النون القادر، يقول أبو عبد الرحمن بن طاهر: أيها الأخيف مهلا فلقد جئت عويصا إ ذ قتلت الملك يحيى وتقمصت القميصا رب يوم فيه تجزى لم تجد عنه محيصا ولما تم لأبي أحمد شانه، واستقر به - على زعمه - سلطانه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 وقع في هراش، وتفرقت الظباء على خراش، ودفع إلى النظر في أمور سلطانية لم يتقدم قبل في غوامض حقائقها، وإلى ركوب أساليب سياسية لم يكن له عهد باقتحام مضايقها، ولا بالدخول في ضنك وآزقها، ولم يعلم أن تدبير الأقاليم غير تلقين الخصوم، وان عقد ألوية البنود، غير الترجيح بين العقود، وانتحال الشهود، وشغل بما كان احتجن من بقية ذخائر ابن ذي النون وشيعته عن استجلاب الرجال، والنظر في شيء من الأعمال، وانفضت عنه تلك الجملة اليسيرة [من الخيل] المرابطية التي كان تعلق بسببها، وموه على الناس بها، لضيق المذاهب، وغلظة ذلك العدو المصاقب، وقوي طمع رذريق في ملك بلنسية فلزمها ملازمة الغريم، وتلذذ بها [تلذذ] العشاق بالرسوم، ينتسف أقواتها، ويقتل حماتها، ويسبق إليها كل أمنية، ويطلع عليها من كل ثنية، فرب ذروة [24أ] عز قد طالما تلددت الأماني والنفوس دونها، ويئست الأقمار والشموس من أن تكونها، قد ورد ذلك الطاغية يومئذ معينها، وأذال مصونها؛ ورب وجه كانت تدميه الذر، وتحسده الشمس والبدر، ويتغاير عليه المرجان والدر، قد أصبح درية لزجاجه، ونعلا لأقدام أراذل أعلاجه، وبلغ الجهد بأهلها والامتحان، أن أحلوا محرم الحيوان، وأبو أحمد المذكور في أنشوطة ما سهل وسنى شرقا بعقبى ما جر على نفسه وجنى، يستصرخ أمير المسلمين على بعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 داره، وتراخي مزاره، فتارة يسمعه ويحركه، وتارة ينقطع دونه ولا يدركه، وقد كان من أمير المسلمين بموضع، ومن رأيه الجميل بمرأى ومسمع، ولكن أبطأ به عن نصره تنائي الدار، ونفوذ المقدار، وإذا قدر الله أمرا فتح أبوابه، ويسر أسبابه، فتم للطاغية رذريق -[قصمه الله]- مراده الذميم من دخول بلنسية سنة ثمان وثمانين على وجه من وجوه غدره، وبعد إذعان من القاضي [ابن جحاف] المذكور ألجأه بسطوة كفره، ودخوله طائعا في أمره، على وسائل اتخذها، وعهود ومواثيق - بزعمه - أخذها، لم يمتد لها أمد، ولا كثر لأيامها عدد، وبقي معه مديدة يضجر من صحبته، ويلتمس السبيل إلى نكبته، حتى أمكنته - زعموا - بسبب ذخيرة نفيسة من ذخائر ابن ذي النون، كان رذريق لأول دخوله قد سأله عنها، واستحلفه بمحضر جماعة من أهل الملتين على البراءة منها، فأقسم بالله جهد أيمانه، غافلا عما في الغيب من بلائه وامتحانه، وجعل رذريق بينه وبين القاضي المذكور عهدا أحضره الطائفتين، وأشهد عليه أعلام الملتين، إن هو انتهى [بعد] إليها، وعثر [عنده] عليها، ليستحلن إخفار ذممه، وسفك دمه، فلم ينشب رذريق أن ظهر على الذخيرة المذكورة لديه، لما كان قد قدر الله من إجراء محنته على يديه، ولعلها كانت منه حيلة أدارها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 وداهية من دواهيه سداها وأنارها، فأنحى على أمواله بالنهاب، وعليه وعلى أهله وولده بالعذاب، حتى بلغ جهده، ويئس مما عنده، فأضرم له نارا أتلفت ذماءه، وحرقت أشلاءه. حدثني من رآه في ذلك المقام، وقد حفر له حفير إلى رفغيه، وأضرمت النار حواليه، وهو يضم ما بعد من الحطب بيديه، ليكون أسرع لذهابه، وأقصر لمدة عذابه، كتبها الله له في صحيفة حسناته، ومحا عنه بها سالف سيئاته، وكفانا بعد أليم نقماته، ويسرنا [24ب] إلى ما يزلف إلى مرضاته. وهم [الطاغية] يومئذ - لعنه الله - بتحريق زوجه وبناته، فكلمه فيهن بعض طغاته، فبعد لأي ما لفته عن رائه، وتخلصهن من يدي نكرائه، وأضرم هذا المصاب الجليل يومئذ أقطار الجزيرة نارا، وجلل سائر طبقاتها خزيا وعارا؛ وغلظ أمر ذلك الطاغية حتى فدح التهائم والنجود، وأخاف القريب والبعيد. حدثني من سمعه يقول، وقد قوي طمعه، ولج به جشعه: على رذريق فتحت هذه الجزيرة، ورذريق يستنقذها - كلمة ملأت الصدور، وخيلت وقوع المخوف والمحذور. وكان هذا البائقة وقته في درب شهامته، واجتماع حزامته، وتناهي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 صرامته، آية من آيات ربه، إلى أن رماه [الله] سريعا بحتفه، وأماته ببلنسية حتف أنفه؛ وكان - لعنه الله - منصور العلم، مظفرا على طوائف العجم، لقي زعماءهم مرارا كغرسية المنبوز بالفم المعوج، ورأس الافرنج، وابن رذمير، ففل حد جنودهم، وقتل بعدده اليسير كثير عديدهم، وكان - زعموا - تدرس بين يديه الكتب، وتقرأ عليه سير العرب، فإذا انتهى إلى أخبار المهلب استخفه الطرب، وطفق يعجب منها ويتعجب. وفي بلنسية [يومئذ] يقول أبو اسحاق ابن خفاجة: عاثت بساحتك العدا يا دار ومحا محاسنك البلى والنار فإذا تردد في جنابك ناظر طال اعتبار فيك واستعبار أرض تقاذفت الخطوب بأهلها وتمخضت بخرابها الأقدار كتبت يد الحدثان في عرصاتها " لا أنت أنت ولا الديار ديار " وتجرد أمير المسلمين - رحمه الله - لما بلغه هذا النبأ الفظيع، واتصل به هذا الرزء الشنيع، فكانت قذى أجفانه، وجماع شانه، وشغل يده ولسانه، يسرب إليها الرجال والأموال، وينصب عليها الحبائل والحبال، والحرب هنالك سجال، والحال بين العدو وبين عساكر أمير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 المسلمين في ذلك إدبار وإقبال، حتى رخص عارها، وغسل شنارها، وكان آخر أمراء أجناده، المجهزين إليها في جماهير أعداده، الأمير أبو محمد مزدلي، ظبة حسامه، وسلك نظامه، ففتحها الله عليه، وأذن في تخلصها على يديه، في شهر رمضان سنة خمس وتسعين، كتب الله في عليين، وجزاه عن جده [25أ] وجهاده أفضل جزاء المحسنين. وفي ذلك كتب أبو عبد الرحمن بن طاهر إلى الوزير أبي عبد الملك ابن عبد العزيز [رقعة] يقول فيها: كتبت منتصف الشهر المبارك، وقد وافى بدخول بلنسية - جبرها الله - الفتح، بعد ما خامرها القبح، فأضرم أكثرها نارا، وتركها آية للسائلين واعتبارا، وتغشاها سوادا، كما لبست عليه حدادا، فهي تنظر من طرف خفي، وتتنفس عن قلب يقلب على جمر ذكي، غير أنه بقي لها جسمها الأنعم، وتربها الأكرم، الذي هو المسك الأذفر، والذهب الأحمر، وحدائقها الغلب، ونهرها العذب، وبسعد أمير المسلمين [وناصر الدين] وإقباله عليها ينجلي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 عنها ظلامها، ويعود عليها حليها ونظامها، وتروح في الحلل، وتبرز كالشمس في بيت الحمل. فالحمد لله مالك الملك، مطهرها من الشرك، وفي عودتها إلى الإسلام عز وعزاء، عما نفذ به قدر وقضاء. وكتب أيضا إثر ذلك إلى الوزير الفقيه ابن جحاف يعزيه بابن عمه أبي أحمد المحرق المتقدم الذكر: مثلك - وقاك الله المحاذير - في وفور الدين، وصحة اليقين، وسلامة الضمير، وعدم النظير، وقوة الرجحان، ومعرفة الزمان، أعطى الحوادث صبرا، وردها على أعقابها صغرا، فلم يخضع لصولتها، ولم يحفل بسورتها، ودرى أنها الأيام والغير، والحمام والقدر. ودارت الخطوب - عصمك الله من إلمامها، وحماك من اخترامها - بمصرع الفقيه القاضي أبي أحمد، [ابن] عمك، عفا الله عنه، ومهلكه، وانحطاطه من فلكه، فانقضت لعمري نجوم المجد بانقضاضه، وبكت سماء الفضل على تداعيه وانفضاضه، فانه كان من جمال المذاهب، والغوث عند النوائب، بحيث يكون الغيث في قنط المحل، والحلب عند انقطاع الرسل، بعيدا عن القسوة، صفوحا عن الهفوة، عطوفا على الجيران، عزيزا على الإخوان، يستهوي القلوب ببشره، ويتملك الأحرار ببره، وإن الدنيا بعده لفي حداد، لما قصدته به من داهية نآد، قائما بأعبائها، مبيرا لأعدائها، فهي تبكيه بأربعة سجام، وتندبه في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 كل مقام، فما أسرع ما سلبته المنون، وقد قرت به منكم العيون، وطوقكم طوق الفخار، وأناف بقدركم على الأقدار؛ فانا لله وإنا إليه راجعون، على أليم المصاب، وعند [25ب] الله نحتسب كريم الأصل والنصاب، وطودا منيعا، وقرما رفيعا، وقد تساوينا في الرزية، فلنعدل إلى التسلية، فذلك أوفر ذخرا، وأعظم أجرا. قال أبو الحسن: وأبو عبد الرحمن اكثر إحسانا، وأوضح خبرا وعيانا، من أن يحاط بأخباره، أو يعير عن جلاله مقداره، وقد استوفيت معظم كلامه في كتاب مفرد ترجمته ب " سلك الجواهر في ترسيل ابن طاهر " وهو اليوم ببلنسية سالم ينطق، وحي يرزق، وقد نيف على الثمانين، وما أحوجت سمعه إلى ترجمان، بل هو حتى الآن يهب الطروس من ألفاظه ما يفضح العقود الدرية، وتعسعس معه الليالي البدرية، وفيما أوردناه كفاية، ومن الذي يمكنه النهاية -. ذو الوزارتين أبو عامر ابن الفرج من بيته رياسة، وعترة نفاسة، ما منهم إلا من تحدى بالإمارة، وتردى بالوزارة، فأومض في آفاق الدول، ونهض بين الخيل والخول؛ وأبو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 عامر هذا أحد أنجادهم، ومتقلد مجادهم، فاقهم أدبا ونبلا، وباراهم كرما [تخاله] وبلا، إلا أنه بقي وذهبوا، ولقي من الأيام ما رهبوا، فعاين تنكرها، وشرب عكرها، وجال في الآفاق، واستدر أخلاف الأرزاق، وأجال للرجاء قداحا متواليا الاخفاق، فانخمل قدره، وتوالى عليه جور الزمان وغدره، فاندفنت أخباره، وعفت آثاره، وقد أثبت له بعض ما قاله وحاله قد أدبرت، والخطوب إليه قد انبرت، فمن ذلك: الشمس أنت وقد أظل طلوعها ... فاطلع وبين يديك فجر صادق وكان له ابن مكبود قد أعيا علاجه، وتهيأ للفساد بذلك مزاجه، فدل على خمر قديمة فلم يعلم بها إلا عند فتى وسيم، فكتب إليه: أرسل بها مثل ودك ... أرق من ماء خدك شقيقة النفس فانضح ... بها جوى ابني وعبدك وكتب معتذرا عن تخلفه عمن جاءه منذرا: ما تخلفت عنك إلا لعذر ... ودليلي في ذاك حرصي عليكا هبك أن الفراق عن غير عذر ... أتراه يكون إلا إليكا [26أ] فصل في ذكر ذي الوزارتين القائد أبي عيسى ابن لبون أحد وزراء ابن ذي النون المعتزين في دولته، المعدين لباسه وصولته، ولكنه ثار، وخاض الهول المثار، وخلص من الهلك، واقتنص نافر الملك، وكان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 شهم الفؤاد، معدودا في الأجواد، مفضلا في الوزراء والقواد، حصل بمربيطر واقتطعتها، وحل بها سلك الرياسة ومطلعها، وما خلع اسم الوزارة، ولا تسوغ سواها من أمه وزاره، فغدت به منزع الوافد، وكانت عنده مشاهد، تزف للمنى أبكارها نواهد، يراق بها نجيع الراح، ويساق إليها ترجيع الأقداح، والدنيا تسعده، وتنجز له ما تعده، إلى أن لعب عليه ابن رزين وخدعه، ولم يف له بما أعطاه منها عوضا وأقطعه، فبقي ضاحيا، وغدا جوه من تلك العدة صاحيا. وله نظم نظم فيه من المحاسن جملا، وأعاد سامعها ثملا، وقد أثبت له ما يدل على نفاسة سبكه، وجودة حبكه، فمن ذلك ما قاله متوجعا لخليط ظعن، وأوغل في شعاب البعد وأمعن: سقى أرضا ثووها كل مزن وسايرهم سرور وارتياح فما ألوى بهم ملل ولكن صروف الدهر والقدر المتاح سأبكي بعدهم حزنا عليهم بدمع في أعنته جماح وكان بقصر مربيطر في المجلس المشرف منها، والبطحاء قد لبست زخرفها، ودبج الغمام مطرفها، وفيها حدائق ترنو على مقل من جنسها، وتبث طيب نفسها، والجلنار قد لبس أردية الدماء، وراع أفئدة الندماء، فقال: قم يا نديم أدر علي القرقفا أو ما ترى [زهر] الرياض مفوفا والجلنار دماء قتلى معرك والياسمين حباب ماء قد طفا وله: لحا الله قلبي كم يحن إليكم وقد بعتم حظي وضاع لديكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 إذا نحن أنصفناكم من نفوسنا ولم تنصفونا فالسلام عليكم وله وقد كتب إليه راشد بن سليمان بالتمويل، وكان عهد اليه ألا يخاطبه إلا بالتسويد: ثقلت روحي أيما تثقيل فيما قصدت له من التمويل [26ب] هذا على أني عهدتك خفة كرسول برء حل عند عليل فراجعه: لا والذي ولاك ألوية الندى وحباك من خطط العلا بجزيل ما حدث عن سنن الكتابة عامدا ولو اعتمدت فعلت فعل نبيل لكن بناني أنكرت ما عودت فتبرعت بكتابة التمويل ولرب سر كامن عند امرئ أبداه بعض مقاله المفعول لله رقعتك التي ضمنتها معنى النهى من لفظك المعسول نظم وعيشك او غدا نثرا لما قدرته إلا من التنزيل وافى به لو أمنت صدوده عني غمرت يديه بالتقبيل وله يرثي ذا الوزارتين أبا محمد أخاه: قل لصرف الزمان كم ذا التناهي في تلقيك لي بهذي الدواهي كان في عامر وأرقم ما يكفي فهلا أبقيت عبد الإله فيه قد كنت بعد استدفع الخطب وأسطو على العدا وأباهي أي شمس وافى عليها أفول فل غربي عزائمي ونواهي وكتب إلى ابن اليسع: لو كنت تشهد يا هذا عشيتنا والمزن يسكب أحيانا وينحدر والأرض مصفرة بالمزن أبصرت تبرا عليه الدر ينتثر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 وله: يارب ليل شربنا فيه صافية حمراء في لونها تنفي التباريحا ترى الفراش على الأكواس طائفة كأنها أبصرت منها مصابيحا وله بعد زواله عن ملكه، وأخذ سلطانه من سلكه، يحن إلى لياليه السالفة، وظلال أنسه الوارفة: يا ليت شعري وهل في ليت من أرب هيهات لا تقتضى من ليت آراب أين الشموس التي كانت تطالعنا والجو من فوقه لليل جلباب وأين تلك الليالي إذ تلم بنا فيها وقد نام حراس وحجاب تبدي إلينا لجينا حشوة ذهب أنامل العاج والأطراف عناب [27أ] وله وقد بات له الأسى ملء الجوانح، وعوض بالبارح من السانح: خليلي عوجا بي على مسقط الحمى لعل رسوم الدار لم تتغيرا فاسأل عن ليل تولى بأنسنا وأندب أياما خلت ثم أعصرا ليال إذ كان الزمان مسالما وإذا كان غصن العيش مياس أخضرا وإذا كنت أسقى الراح من كف أغيد يناولنيها رائحا أو مبكرا أعانق منه الغصن يهتز ناعما وألثم منه البدر يطلع مقمرا وقد ضربت أيدي الأمان قبابها علينا وكف الدهر عنا وأقصرا فما شئت من لهو وما شئت من دد ومن مبسم يجنيك عذبا مؤشرا وما شئت من عود يغنيك مفصحا " سما لك شوق بعدما كان أقصرا " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 ولكنها الدنيا تخادع أهلها تغر بصفو وهي تطوي تكدرا لقد أوردتني بعد ذلك كله موارد ما ألفيت عنهن مصدرا وكم كابدت نفسي لها من ملمة وكم بات طرفي من أساها مسهرا خليلي ما بالي على صدق نيتي أرى من زماني ونية [وتعذرا] والله ما أدري لأي جريمة تجنى ولا عن أي ذنب تغيرا ولم أكفي كسب المكارم عاجزا ولا كنت في نيل أنيل مقصرا لئن ساء تمزيق الزمان لدولتي لقد رد عن جهل كثير وبصرا وأيقظ من نوم الغرارة نائما وكسب علما بالزمان وبالورى وله يأنف من المقام على ما رتب له من الإجراء، ويكلف بالإدلاج والإسرار: ذروني أجب شرق البلاد وغربها لأشفي نفسي أو أموت بدائي فلست ككلب السوء يرضيه مربض وعظم ولكني عقاب سماء وكنت إذا [ما] بلدة لي تنكرت شددت إلى أخرى مطي إبائي وسرت ولا ألوي على متعذر وسممت لا أصغي إلى النصحاء كشمس تبدت للعيون بمشرق صباحا وفي غرب أصيل مساء [27ب] وله في ذم الدنيا: نفضت كفي عن الدنيا وقلت لها إليك عني فما في الحق أغتبن من كسر بيتي لي روض ومن كتبي جليس صدق على الأسرار مؤتمن أدري به ما جرى في الدهر من خبر فعنده الحق مسطور ومختزن وما مصابي سوى موتي ويدفعني قوم وما لهم علم بمن دفنوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 فصل في ذكر ذي الرياستين أبي مروان عبد الملك بن رزين المتقلب من الألقاب السلطانية بحسام الدولة؛ والإعلان بأولية أمره، وإثبات قطعة من متخير شعره. قال أبو الحسن: كان [جد] ابن رزين الأول من كبار الجند، وأعلام الوفد، ومشهور أهل الحل والعقد؛ انطوى عني كيف كان نجومهم، وخفي علي من أين نشأت غيومهم، ولم أظفر من ذلك إلا بما حكاه أبو مروان ابن حيان من خبر جده هذيل بن رزين، وقد أثبته بنصه، وأتيت من حديثهم بفصه: قال ابن حيان: وأما أبو محمد هذيل بن خلف بن لب بن رزين المعروف بابن الأصلع صاحب السهلة - موسطة ما بين الثغر الأعلى والأدنى بقرطبة - فإنه كان من أكابر برابر الثغر، ورث ذلك عن سلفه، ثم سما لأول الفتنة إلى اقتطاع عمله، والامارة لجماعته، والتقيل لجاره إسماعيل ابن ذي النون في الشرود عن سلطان قرطبة، فاستوى له من ذلك ما أراد هو وغيره من جميع من انتزى في الأطراف، غربا وشرقا وقبلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 وجوفا، إلا أن هذيلا هذا مع تعززه على المخلوع هشام لم يخرج عن طاعته، ولا وافق الحاجب منذرا ولا جماعة المتمالئين على هشام في شيء من شأن سليمان عدوه، إلى أن ظفر بهشام، فسلك هذيل مسلكهم، فرضي منه سليمان بذلك [وعقد له ما في يده هنالك، لعجزه عنه، فزاده ذلك بعادا منه] وتمرس به الحاجب منذر بن يحيى مدرجا له في طي من استتبعه واشتمل عليه من أصاغر أمراء الثغر النازلين في ضبنه، فأبت له نفسه البخوع له والانضمام إليه، فرد مره وحاده، وصار ضده، وأجاره منعه معقلة وشجاعة رجاله، وظاهر أعداء منذر حتى حالف الموالي العامريين، واستمر معهم على دعوة هشام المخلوع وقطع دعوة سليمان، وكانت واقعية [28أ] الله عليه كونه بسطة الثغر، فصار ذلك أرد الأشياء للبرابر [عنه] ، فسلم من معرة الفتنة أكثر وقته، وتخطته الحوادث لقوة سعده، فتبنك النعمة وصفا عيشه، واقتصر مع ذلك على ضبط بلده الموسوم بولاية والده، وترك التجاوز لحده والامتداد إلى شيء من أعمال غيره، فاستقام أمره، وعمر بلده، وأنظر بعد جمهور الثوار بالأندلس شأوا بحياة. وليس في بلد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 الثغر أخصب بقعة من سهلته هذه المنسوبة إلى بني رزين، سلفه، في اتصال عمارتها، فكثر ماله إذ ناغى جاره وشبهه في جميع المال إسماعيل ابن ذي النون، ونافسه من خلال البخل وفرط القسوة فبذه، وكان مع ذلك شابا جميل الوجه حمي الأنف غليظ العقاب جبارا مستكبرا [صار] إليه أمر والده منبعث الفتنة، وهو فتى كما اجمع وجهه، تبع العشرين من سنه، فأنجده الصبا على الجهالة، وقواه الشباب على المعصية، فبعد في الشرود شأوه، فلم يحالف أحدا من الأمراء على أداة إتاوة، ولا حظي أمراء الفتنة منه بسوى إقامة الدعوة فقط، دون بذل درهم معونة، أو إمداد بفارس نصرة، أو مشاركة للجماعة في حلوة أو مرة، على كثرة ما طرق الحضرة من خطوب دهم استخفت البطاء، وقربت البعداء فضلا عن الأولياء، إلا ما كان من هذه الحية الصماء، فانه لم يزل على تصاممه عن كل نداء، إلى أن مضى بسبيله والذم حبيس عليه، والأخبار شائعة عن جهله وفظاظته، حتى زعموا أنه سطا بوالدته لتهمه لحقتها عنده، فتولى قتلها [زعموا] بيده، وكان أشنع ما كان من كبائره. قال أبو مروان: وكان هذيل هذا بارع الجمال، حسن الخلق، جميل العشرة، ظاهر المروءة، لم ير في الأمراء أبهى منه منظرا مع طلاقة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 لسانه، وحسن توصله إلى حاجته دون معرفة. وكان مع ذلك أرفع الملوك همة في اكتساب الآلات والكسوة، وهو أول من بالغ الثمن بالأندلس في شراء القيتات، اشترى جارية أبي عبد الله المتطبب ابن الكتاني، بعد أن احجمت الملوك عنها لغلاء سومها، فأعطاه غيها ثلاثة آلاف دينار فملكها، وكانت واحدة القيان في وقتها، لا نظير لها في معناها، لم ير أخف منها روحا، ولا أملح [28ب] حركة، ولا ألين إشارة، ولا أطيب غناء، ولا أجود كتابة، ولا أملح خطأ، ولا أبرع أدبا، ولا أحضر شاهدا على سائر ما تحسنه وتدعيه، مع السلامة من اللحن فيما تكتبه وتغنيه، إلى الشروع في علم صالح من الطب ينبسط بها القول في المدخل إلى علم الطبيعة وهيئة تشريح الأعضاء الباطنة وغير ذلك مما يقصر عنه كثير من منحلي الصناعة، إلى حركة بديعة في معالجة صناعة الثقاف والمجاولة بالحجفة واللعب بالسيوف والأسنة والخناجر المرهفة، وغير ذلك من أنواع اللعب المطربة، لم يسمع لها بنظير ولا مثيل ولا عديل. وابتاع إليها كثيرا من المحسنات المشهورات بالتجويد، طلبهن بكل جهة، فكانت ستارته في ذاك أرفع ستائر الملوك بالأندلس. وحدثت عنه أنه اجتمع عنده مائة وخمسون حظية، ومن الصقلب المجابيب ستون وصيفا لم تجمع عند أحد من نظرائه؛ انتهى كلام ابن حيان. قال ابن بسام: وأما ذو الرياستين فكان له طبع يدعوه فيجيبه، ويرمي ثغره الصواب عن قوسه فيصيبه، على ازدراء كان منه بالأمة، وقلة استخذاء لمن عسى ان يأخذ عنه من الأئمة، وربما خالسهم الكلمة بين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 مغالطة وأنفة، وعول في أكثر ما يقرأ على تعاليقه وصحفه، وكثيرا ما رأيت في شعره وشعر غيره ممن سلك هذا المسلك، بيداء مضلة لا تسلك، وأغاليط لا تستدرك. وبالجملة فلو جرى ذو الرياستين على عفوه، وعرف منتهى شأوه، لكان شاعرا مجيدا، وناثرا معدودا؛ وقد أخرجت من نظمه ونثره ما هو الشاهد على أديت من ذكره. نسخة رقعة له خاطب بها ابن طاهر المذكور قال فيها: من عرف - أعزك الله - الأيام وصروفها، وخلقها وصنوفها،، وخبرها على مناقلها، في وجوه تداولها، وحل محلك من التمييز، والسبق والتبريز، لم تزده شدتها إلا معتبرا، وشكرا لله وتدبرا، وما زلت - أعزك الله - القاك بالود على البعد، فأراك بتقدمك في الأعيان، وإن لم أرك بالعيان، واستخبر الأخبار فأسمع ما يقرع صفاة الكبد منك بانحاء الزمان عليك، وتنكره لك، إلى أن ورد علي فلان صادرا عن ذلك الأفق، فما قدمت على الاستفهام عن ذلك، والاستعلام بحالك، فذكر ما أزعج وكدر ارتماضا لمثلك أن يعوزه مرام، أو ينبو [29أ] به مقام، فجردت عن ساعد الشفاعة عند فلان في صرف ما يمكن من أملاكك، فوقع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 الاعتذار بأنه أمر محظور، تقدم فيه من أمير المسلمين أمر محذور، وأشار إلى إجراء ما يلم بالاكتفاء. وفي فصل منها: وأنا أعرض عليك - أعزك الله - ما هو الأوفق لي، والأحق بي، عن عزيمة مكينة، ورغبة وكيدة، من التنقل إلى جهتي، والاختلاط بي وبلحمتي، فأستوفي الحظ من مؤانستك، واستنفد الوسع في تكرمتك، وأقاسمك خاص ضياعي، ومعلوم أملاكي [ورباعي] ، وإن شق عليك الكون بجهتي - جهتك - لبرد هوائها، وبعد أحائها، فهذه شنتمرية أقف طاعتها عليك، وأصرف أمرها إليك الفضل في مراجعتي بما يستقر عليه رأيك، ويأتي به إيجابك، مكرما مواصلا، إن شاء الله. فراجعه ابن طاهر برقعة قد كتبناها في رسالته [وبالله التوفيق] . ومن شعر ذي الرياستين مما نقله من خط ابنه، قال: أدرها مداما كالغزالة مزة تلين لرائيها وتأبى على اللمس وتبدو إلى الأبصار دون تجسم على أنها تخفى على الذهن والحس إذا شعشعت في الكاس خلت حبابها لآلى قد رفعن في لبة الشمس موكلة بالهم تهزم جيشه بجيش الأماني والمسرة والأنس فإن شئت قل فيها أرق من الهوا وإن شئت قل فيها أرق من النفس قال أبو الحسن: البيتان الأولان من هذه القطعة صبح بلا صبوح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 وجسد بلا روح، استأذن بهما على قول الحسن فما وصل، ودندن حول ذلك المقطع المستحسن فما تحصل له ولا حصل، ومنحى الحسن الذي انتحاه، وميدانه الذي رامه بزعمه وتعاطاه، قوله: أكل الدهر ما تجسم منها وتبقى لبابها المكنونا فإذا ما لمستها فهباء تمنع الكف ما تبيح العيونا ولبعضهم في قريب منه: وخمارة من بنات الملوك ترى الزق في بيتها شائلا [29ب] مددنا لها ذهبا جامدا فكانت لنا ذهبا سائلا وبلغني أنه غني المعتمد بن عباد بهما فزاد فيهما هذا البيت: وقلنا خذي جوهرا ثابتا فقالت: خذوا عرضا زائلا وقال ابن المعتز: لك يبق منها البلى [شيئا] سوى شبح بقية الشك بين الصدق والكذب ولبعض أهل العصر في قريب من هذا الوصف، وإن كان في ذكر السيف: تدب المنايا الحمر من جنباته على جامد في الكف، في العين ذائب وقال ابن رزين: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 يا رب ليل أطال الهجر لذته فأيأس العمر عن إدراك منتصفه ليل تطاول حتى قد تبين لي عند التأمل أن الدهر من سدفه وله: أنا ملك تجمعت في خمس كلها للأنام محي مميت هي ذهن وحكمة ومضاء وكلام في وقته وسكوت وهذا البيت قلب معناه، فيما أراه، من قول الأول، وأحسن ما شاء: وإن كلام المرء في غير كنهه لكالنبل يهوي ليس فيه نصاله ومن غريب شعر ابن رزين قوله: أخسس بمجلس معشر ما فيه إلا الطنز بر جلساؤه قوم ثقال كلهم خبث وشر ما فيهم إلا دنيء أو غبي أو مضر أسد على ثلب الكرام وإن وزنتهم فذر هذا يغوث بل أضل وذا يعوق وذاك نسر ذاك المحل كواد عوف ليس يلقى فيه حر وهذا من طرق تلك الزيزاء التي تعسفها وحده، وبعض الشؤون التي عول فيها على ما عنده؛ إذ هذا المثل يضرب للسيد المنيع الذي غلب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 الناس على السيادة، أو قسرهم على ما تعين منهم وأراده ولو ألمعت في هذا الكتاب بشيء [30أ] من التفسير لاجتليت كل ما قيل فيه، ولنثرت ما خفي على ذي الرياستين من مطاويه، وقد ذكرت من ذلك جملة موفورة، في كتاب: " سر الذخيرة ". ما أخرجته من شعر ذي الرياستين في النسيب وما يناسبه [قال] : أنحى على جسمي النحول فلم يدع متوهما من رسمه المعلوم عبثت به أيدي الضنا فكأنه سر خفي في ضمير كتوم وقال: أقسمت بالورد الجني ورنتي ناي وعود لأواصلنك بالرضى أو تأنفن من الصدود ولأشربنك بالمنى ولألثمنك من بعيد ولأرضينك ان سخطت بذلة الدنف العميد ولأعطفنك بالخضوع وبالقنوع وبالسجود فبحق ما فيك من لعس ومن ثغر برود أدمي يضيع وشاهدا خديك في عقد الشهود وقال: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 أترى الزمان يسرنا بتلاق ويضم مشتاقا إلى مشتاق وتعض تفاح النهود شفاهنا فلطالما شردن بالأحداق ويعيد أنفسنا إلى أجسادها فلطالما شردت على الآفاق وقال: تزهدني في الزهد عين مريضة يمرضني من لحظها ما أعلني ولم تبق نفسي غير شادن عساي أفديه بها ولعلني شكوت إلى فيه الذي من الظما فأنهلني عذب الرضاب وعلني وقال: إذا زهدتني خيفة الردى جلت لي عن وجد يزهد [في الزهد] فلا دمع ما لم يجر في إثره دم ولا وجد ما لم يغن عن صفة الوجد وقال: برح السقم بي فليس صحيحا من رأت عينه عيونا مراضا ان للأعين المراض سهاما صيرت أنفس الورى أغراضا جوهر الحسن منذ أعرض للقلب ثنى الجسم كله أعراضا وقال: يا مقلة الظبي الغرير ووجنة القمر المنير ومصيب حبات القلوب بزاعبيات الفتور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 تالله إن لم تترك عن ذا الجفاء وذا النفور لأسرحن لواحظي في ذلك الورد النضير ولآكلنك بالمنى ولأشربنك بالضمير وقال يفخر: من كثر الجند رأى سعده يصعد حتى ينتهى حده ومن أذل المال عزت به أيامه وانصرفت جنده فاهدم بناء البخل وارفض به من هدم البخل بنى مجده لا عاش إلا جائعا نائعا من عاش في أمواله وحده وقال: شأوت آل رزين غير محتفل وهم على ما علمتم أفضل الأمم قوم إذا سئلوا أغنوا، وان حربوا أفنوا، وان سوبقوا جازوا مدى الكرم جادوا فما يتعاطى جود أنملهم مد البحار ولا هطالة الديم وما ارتقيت إلى العليا بلا سبب هيهات هل أحد يسعى بلا قدم فمن يرم جاهدا إدراك منزلتي فليحكني في الندى والسيف والقلم وقال: وروض كساه الطل وشيا مجددا فأضحى مقيما للنفوس ومقعدا إذا صافحته الريح خلت غصونه رواقص في خضر من العصب ميدا إذا ما انسكاب الماء عانيت خلته وقد كسرته راحة الريح مبردا وان سكنت عنه حسبت صفاءه حساما صقيلا صافي المتن جردا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 وغنت به ورق الحمائم حولنا غناء ينسيك الغريض ومعبدا فلا تحقرن الدهر ما دام مسعدا ومد إلى ما قد حباك به يدا وخذها مداما من غزال كأنه إذا ما سعى بدر تحمل فرقدا وهذا البيت الأخير معناه مشهور وهو كثير في أشعارهم، ومنه قول عنان جارية الناطفي، وقد روي لأبي نواس: وكأنها والكاس فوق بنانها شمس يمد بها إليك هلال وقال ابن الرومي: قمر يقبل عارض الشمس وقال ذو الرياستين [31أ] [من جملة أبيات] : قد خرجنا من ازدحام القتام كشموس خرجن تحت الغمام وحصلنا في نزهتين وفي حسنين بين المياه والآكام بين [روض] مدبج وغصون تتثنى كشاربات المدام غردت فوقنا البلابل والورق فأرقنني وهجن غرامي ذلك طير أطار قلبي شوقا وحمام مغرد بحمام وكتب إليه أبو جعفر سعدون بهذه الأبيات: [فديناك لا يسطيعك النظم والنثر فأنت مليك الأرض وانفصل الأمر] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 وقد جلبت ساعاتنا لهو يومنا وساعد سعد منه لو ساعد السكر وفضلك للجود المتمم ضامن فمن عنده خمر ومن عندنا شكر فأجابه ذو الرياستين: رغبتم وأرغبناكم وهي الخمر فما لم يكن سكران فليكن السكر إليكم فاني في الوغى والندى فتى هو البحر إن أعطى وإن صال فالدهر أخبر الوزير أبو عامر بن سنون أنه اصطبح يوما والجو سماكي العوارف، لازوردي المطاف، والروض [أنيقة لباته] رفيقة هباته، والنور مبتل، والنسيم معتل، ومعه قومه، وقد راقهم يومه، وصلاته تصافح معتفيهم، ومبراته تشافه موافيهم، والراح تشعشع، و [ماء] الأماني ينشع، فكتب إلى ابن عمار وهو ضيفه: ضمان على الأيام أن ابلغ المنى إذا كنت في ودي مسرا ومعلنا فلو تسأل الأيام من هو مفرد بود ابن عمار لقلت لها: أنا فإن حالت الأيام بيني وبينه فكيف يطيب العيش أو يحسن الغنى فأجابه: هصرت لي الأيام طيبة الجنى وسوغتني الأحوال مقبلة المنى وألبستني النعما أغض من الندى وأجمل من وشي الربيع وأحسنا وكم ليلة أحظيتني بحضورها فبت سميرا للسناء وللسنا أعلل نفسي بالمكارم والعلا وأذني وكفي بالغناء وبالغنى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 سأقرن بالتمويل ذكرك كلما تعاورت الأسماء غيرك والكنى [31 ب] لأوسعتني قولا وطولا كلاهما يطوق أعناقا ويخرس ألسنا وشرفتني من قطعة الروضة التي تناثر فيها الطبع وردا وسوسنا تروق بجيد الملك عقدا مرصعا وتزهى على عطفيه وشيا معينا فدم هكذا يا فارس الدست والوغى لتطغن طورا بالكلام وبالقنا وكتب إليه الوزير أبو جعفر بن سعدون وقد اصطبح يوما بحضرته وللرذاذ رش، وللربيع على [وجه] الأرض فرش، وقد صقل الغمام الأزهار حتى أذهب نمشها، وسقاها فأروى عطشها: فديناك لا يسطيعك النظم والنثر فأنت مليك الأرض وانفصل الأمر مرينا نداك الغمر فانهل صيبا كما سكبت وطفاء أو فتق البحر وجاء الربيع الطلق يندى غضارة فحيتك منه الشمس والروض والنهر وما منهم إلا إليك انتماؤه جبينك والجود المتمم والبشر خلا منك دهر قد مضى بعبوسه فلما أتت أيامك ابتسم الزهر فبشرت آمالي بملك هو الورى ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر " فراجعه: إليك فلولا أنت لم ينظم الدر ولا التام في مدح نظام ولا نثر إذا قلت لم ينطق فصيح مذرب ولا ساغ في سمع غناء ولا زمر لك السبق كم روضت من عاطل الربى وحللت من سحر وقد عدم السحر ولما ملكت القول قهرا وعنوة أطاعك جيش النظم وائتمر النثر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 فلا نقل إلا ما تقول بديهة ولا خمر ما لم تأت من فمك الخمر ثم وجه فيه إلى روضة قد أرجت نفحاتها، وتدبجت ساحتها، وتجردت جداولها كالبواتر، ورمقت أزهارها بعيون فواتر، فقال ذو الرياستين: روض كساه الطل -. .. - البيت [32أ] وللكاتب أبي الحسن ابن سابق عندما وصل مربيطر عند تخلي أبي عيسى بن لبون عنها، وكان في جملة من انحرف عن ابن لبون، وتشوف إلى المستعين، وورد على غير عذب ولا معين، فقال أبو الحسن: من كل يطلب من اصحابنا صلة على فراق أبي عيسى بن لبون فليس يقنعني من بعده عوض ولو جعلت على أموال قارون قد كان كنزي فكف الدهر عنده يدي والدهر يمتع بالنعمى إلى حين كأن قلبي إذا ذوكرت فرقته مقلب فوق أطراف السكاكين فلما سمع قوله هذا ابن رزين قال: هبوا لنا حظكم من آل لبون كم تبخلون علينا بالرياحين لا تعذلونا فحق أن ننافسكم في أكرم الناس في الدنيا وفي الدين ذاك الوفي الذي نيطت تمائمه عند الفطام على حلم ابن سيرين اختارنا فتخيرناه صاحبنا وكلنا في أخيه غير مغبون إن كان أنشر ذكري في بلادكم لأنشرن له يحيى بن ذي النون وكل من حوله حاظ بحظوته يغشى الحسود بترفيع وتمكين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 حتى تقول الليالي وهي صادقة هذا السموأل في هذي السلاطين وله: رب صفراء تردت بشحوب العاشقينا مثل فعل النار فيها تفعل الآجال فينا وله يتشوق إلى ودعه، وأجرى بعده أدمعه: دع الدمع يفني العين ليلة ودعوا إذا انقلبوا بالقلب لا كان مدمع سروا كاغتداء الطير، لا الصبر بعدهم جميل، ولا طول الملامة ينفع أضيق بحمل الفادحات من النوى وصدري من الأرض البسيطة أوسع وإن كنت خلاع العذار فإنني لبست من العلياء ما ليس يخلع [32ب] إذا سلت الألحاظ سيفا خشيته وفي الحرب لا أخشى ولا أتوقع وأخبر أبو عامر بن سنون، أنه كان معه بمنية العيون، في يوم مطرز الأديم، [ومجلس] معزز النديم، والأنس يغازلهم من كل ثنية، ويواصلهم بكل أمنية، فسكر أحد الحاضرين سكرا مثل له ميدان الحرب، وسهل عليه مستوعر الطعن والضرب، فقال: نفس الذليل تعز بالجريال فيقاتل الأقران دون قتال كم من جبان ذي افتخار باطل بالخمر تحسبه من الأبطال كبش الندي تخمطا وعرامة وإذا تشب الحرب شاه نزال وله: برح السقم -[البيت [ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي محمد عبد الله ابن الفقيه أبي عمر بن عبد البر النمري وسياقه فصول من ترسيله، تشهد لمن قال بتفضيله. كان أبو محمد قد حل من كتاب الإقليم، محل القمر من النجوم، وتصرف في التأخير والتقديم، تصرف الشفرة في الأديم، وله ولأبيه قلبه لواء سبق، ولسان صدق، وكفى بأبيه علما لا يخفى، ورحما من العلم لا تجفى، وتواليفه اليوم تيجان رؤوس العظماء، وأسوة العلم والعلماء. ولما شأى أبو محمد بالأندلس الحلبة، وتبحبح صدر الرتبة، تهادته الآفاق، وامتدت اليه الاعناق، ففاز به قدح عباد بعد طول خصام، والتفات زحام، فأصاخ أبو محمد لمقاله، وتورط بين حبائله وحباله، وحل البلد النكد، وركب يومئذ الأسد الورد، وعلى ذلك فكان غص أبو الوليد ابن زيدون بمقدمه، وجهد - زعموا - كل جهد في إراقة دمه، ولهما في ذلك خبر سارت به الركبان، وسمر تهادته السفار في جميع البلدان. ولما رأى أبو محمد أنه قد باء بصفقة خسران، وأن العشاء قد سقط به على سرحان، أدار الحيلة، وابتغى إلى الخلاص الوسيلة: زعموا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 أنه مذ دخل يومئذ لم يزل نافر النفس، منقبض الأنس، فلما استشعر الحذر، وأحس بالتغير، ألقى عصا التسيار، وأخذ في اقتناء [33أ] الضياع والديار، حتى ظن عباد أنه قد رضي جواره، واستوطن داره، فاستنام اليه برسالة إلى بعض خلفائه من رؤساء الجزيرة وقته، فجعل أبو محمد يتفادى منها، ويتثاقل عنها وهو يقول: لا أبا لك، تمنعي أشهى لك. ولما انسل من يد عباد انسلال الطيف، ونجا واسأله كيف، رجع إلى مستقره من الشرق؛ وأدار الحيلة على أبي عمر بن الحذاء الحائن، فعوضه بضياعه وعقاره، وزين له اللحاق بدار بواره، وسوء قراره. وقد كان عباد قبل ذلك يعده ويمنيه، ويستدرجه ويدليه، فلما طلع عليه لم يزد على أن أسره وقصره، وأظهر من الزهد فيه، أضعاف ما كان يعده ويمنيه، وجعل أبو محمد ابن عبد البر بعد ذلك ينتقل في الدول، كالبدر يترك منزلا عن منزل، وقد جمع التالد إلى الطارف، وكتب عندنا عن ملوك الطوائف، وقد أخرجت من شواهده على الإحسان، ما يليق بغرض هذا الديوان. وكانت وفاة أبي محمد سنة أربع وسبعين وأربعمائة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 جملة ما أخرجته من رسائله السلطانيات فصل له من رقعة عن ابن مجاهد وقد زف ابنته إلى صمادح: قد انتظمنا [أيدك الله] انتظام السلك، وضرحنا عن مشارب الحال الجامعة لنا قذاة كل شك إفك، وظهر الحق المبين من المين، وتبين الصبح لذي عينين، وأنفذت الهدية المقتضاة، محفوفة بالحرم والمحارم، مكنوفة بالكرائم ثم بالاعلام الأكرام، وانا أسأل في متوجهها ومنقلبها الرعاية الموصولة بك، والكفاية المعهودة منك، حتى يفيء عليها ظلك، ويبوئها مثوى الحفاية محلك، ويحميها حوزك ومكانك، ويؤويها عزك وسلطانك، ثم حسبي عليها كرمك وكنفك، وخليفتي عليها برك ولطفك، فهي الآن ملكك وانت الكريم المسجح، وبضاعة متجري منك وأنت المربح المنجح، فانك - والله يبقيك ويعليك، ويشد قبضتك على [رقاب] أمانيك وأراجيك - ذخر الأبد، وعتاد الأهل والإخوان والولد، وعندك ثمرة النفس وفلذة الكبد، فارقتها عن شدة ضنانة، وأسلمتها بعد طول صيانة، وما زفت إلا إلى كريم يحملها محل الأمانة، ويقضي فيها حق الديانة، ويرعى لها انقطاعها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 عن أهلها، واغترابها عن ملأها ومنشأها، وهو حكم الله [33ب] الواجب، وقدره الغالب، وسنته المشروعة، ومشيئته المتبوعة. ولنا في رسول الله عليه السلام أسوة حسنة، وفيما قاله في مثل هذه قدوة يقتدى بها، وسنة يحتذى عليها، إذ تلا قوله تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) (الفرقان: 54) وقال عليه السلام: " انما فاطمة بضعة مني، فمن أكرمها فقد أكرمني، ومن أهانها فقد أهانني ". اللهم بارك لها وبارك عليها. ولأبي محمد بن عبد البر: لا تكثرن تأملا واحبس عليك عنان طرفك فلربما أرسلته فرماك في ميدان حتفك وكتب إلى بعض إخوانه: من صحب الدهر - أعزك الله - وقع في أحكامه، وتصرف بين أقسامه: من صحة وسقم، ووجود وعدم، وفتاء وهرم، وبعاد واقتراب، وانتزاح واغتراب، واتفق لي ما قد علمت من الانزعاج والاضطراب، والتغرب والإياب، لا والله ما جرى من حركاتي شيء على مرادي واعتقادي، وإنما هيأتها الأقدار والآثار، وعند ورودي أعلمت بنا أصابتك [به] صروف الأيام، من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 الامتهان والائتلام، فيعلم الله لقد ألمت لذلك نفسي، وساء به أثر الزمان عندي، فقد جمعتنا حوادث الأيام وصروفها، وقد اختلفت أنواعها وصنوفها، على أن الذي أصابك أثقل عبئا، وأعظم رزءا، والله يعظم أجرك، ويجزل ذخرك، ويجعل هذه الحوادث آخر حوادثك، وأعظم كوارثك، حتى يستديم ما بعدها من سراء سابغة تنعم بالك وخاطرك، وتقر عينك وناظرك، ولا زلت من خطوب الدهر في جهة من الكفاية مكينة، ودرع من الحماية حصينة. وكتب مهنئا للمعتضد بأخذ شلب: كتابي - أعزك الله - عن حال قد أطل جناحها، وآمال قد أسفر صباحها، ويد قد أورى زندها، ونفس قد انتخر وعدها؛ أعزز به من صنع الله لك بحصول قاعدة شلب وذواتها في قبضتك، واستظلال ذلك الأفق بظل طاعتك، وخروج صاحبها عنها من غير عقد عاصم، ولا عهد لازم، قد خاب ظنه في التماسك، وأخلفه أمله في الهالك، فأي نعمة ما أجلها وأجزلها! وأي منة ما أتمها وأجملها! على حين تضاعف حسن موقعها، وبان لطف محلها وموضعها، ولاحت عنوانا في [34أ] صحيفة مساعينا، وبرهانا على تأتي أراجينا، فالحمد لله على ما به وأحسن، حمدا يوافي الحق ويقضيه، ويحتوي على المزيد ويقتضيه، وهو المسئول أن يتبعه بأشكاله، ويشفعه بأمثاله، فظهوري منوط بظهورك، وسروري موصول بسرورك، واتصال حالي بأحوالك، وحبلي بجبالك، هنأك الله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 وإياي ما خولك، وقرن بالزيادة آلاءه قبلك. وله يرثي بعض حظاياه: بعظك بل كلك في الرمس لتفدينك النفس بالنفس يا فجعة ما مثلها فجعة من ناظر صار إلى رمس غرس نما حتى إذا ما استوى عدت يد الدهر على الغرس وله: قل في الحمام وما عساك تقول النفس تجمع والحمام يصول يا أيها الملهوف كربا لا تفق إن جل صبرك فالمصاب جليل وله من أخرى: وقد توغلت معك في أسباب الألفة، وهتكت بيني وبينك ستار المراقبة والكلفة، فأنا أستريح اليك بخفيات سري، وأجلو عليك بنيات صدري، خروجا اليك عما عندي، وجريا معك على ما يقتضيه إخلاص ودي، وجلاء لشواغل بالي، واستظهارا بك على حالي، وشفاء لغصص نفسي، واستدعاء لما شرد ونفر من أنسي، كما ينفث المصدور، ويتلقى برد النسيم المحرور، وكما تفيض النفس عند امتلائها، وتجود العين طلبا للراحة بمائها أو دمائها؛ وكنت أشرت في كتابي بتوجه من توجه من قبلي، ممن كان روح أنسي، وريحان خلدي ونفسي، إلى أن قرع ما قرع من لوعة الفراق، ولدغ ما لدغ من روعة الاشتياق، وأنا أظن أن ذلك عاقبة الصبر تغلبه، والجلد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 يعقبه، وان انصرام الأيام ينسيه ويذهبه، فإذا هو قد أفرط وزاد، وغلب أو كاد، حتى نفى السلو، ومنع الهدو، وتعدى اللذع إلى الإحتراق، وتجاوز الروع إلى الاطباق، والأفق داج مظلم، والنهار عندي ليل مستبهم، وإني لأستخف لما أوجده حلمي، واستضعف مما أكابده عزمي، واستنهض للثبات تأييدي وحزمي، فينتزع [34ب] بي الإشفاق المستولي، ويترجم الزفير المستعلي، ويتصور لي أن قطعة مني، بانت منفصلة عني، وأن جزءا من أجزائي، ذهب بصبري وعزائي، حتى إذا تفكرت في خروجها إليك، وأنت من أنت، تراجعت وتماسكت، وإذا تذكرت تعريسها بك، وحالك حالك، تصبرت وتمالكت؛ والله يطلعني من سلامة الوصول، وكرامة الحلول، ما يقر العين ويسر النفس، بمنه ويمنه. قال أبو الحسن: كناية أبي محمد عنها ب " الهدية "، كناية سرية، وإنما احتذى في ذلك حذو بلغاء المشرق - ذكر أبو منصور الثعالبي قال: لما زف بختيار بنته إلى أبي تغلب بالموصل كتب عنه الصابي فصلا بمعناها استحسنته البلغاء وتحفظوه، وأقر له كل بليغ بالبلاغة فيه وهو: قد توجه أبو النجم بدر الحرمي، وهو الأمين على ما يلحظه، الوفي بما يحفظه، يحمل الهدية، وإنما نقلت من وطنت إلى وطن، ومن معرس إلى معرس، ومن مأوى بر وانعطاف، إلى مأوى كرم وألطاف، ومن منبت درت له نعماؤه، إلى منشأ تجود عليه سماؤه؛ وهي بضعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 مني أنفصلت إليك، وثمرة من جنى قلبي حصلت لديك، وما بان عني من وصلت حبله بحبلك، وتخيرت له بارع فضلك. وإنما ألم الصابي في هذا أيضا بفصل لابن ثوابة كتبه عن المعتضد إلى ابن طولون في ذكر ابنته قطر الندى المنقولة أيضا إليه، يقول فيه: وأما الوديعة فهي بمنزلة من انتقل من يمينك إلى شمالك، عناية بها وحياطة لها، ورعاية لمواتك فيها. فحكي أن الوزير عبيد الله بن خاقان انتقد الفصل على ابن ثوابة وقال له: ما أقبح ما تفاءلت لامرأة زفت إلى الملك بتسمية الوديعة، والوديعة مستردة، وقولك: من يمينك إلى شمالك أقبح، لأنك جعلت أباها ابن طولون اليمين، والشمال أمير المؤمنين، ولو قلت على حال: وأما الهدية فقد حسن موقعها منا، وجل خطرها عندنا، وهي وإن بعدت عنك، بمنزلة من قرب منك، لتفقدنا لها وسرورها بما وردت عليه، واغتباطها بما صارت إليه؛ فكتب الكتاب يومئذ على ذلك. وكان في جملة من تحمل قطر الندى يومئذ إلى المعتضد أبو عبد الله ابن [35أ] الجصاص، وكان آية من آيات خالقه في الجهل والغباوة، مع وفور الجاه وغلظ النعمة، ونوادره في النوكى مأثورة مذكورة، حدث أبو اسحاق الماذراني قال: خرجنا إلى الشماسية مع الوزير عبيد الله بن سليمان نستقبل ابن الجصاص، وقد وافى بغداد بقطر الندى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 وبالمعتضد يومئذ علة كبرت معها خصيتاه، فلما سألناه عن أبي الجيش خماريه وعن الحرة قطر الندى قال: أما الأمير ففي عافية، وأما العروسة فجئتكم بزبد من ورق، والله لا يضع الأمير فرد خصيتيه عليها إلا قتلها؛ فأضحك من حضر. ومن نوكه أنه دخل عليه بعض إخوانه فوجده يصلي وقد أطال السجود، فقال له: ما هذه السجدة - فقال: سألت ربي حاجة، أن يمسخني يوم القيامة حوراء ويزوجني عمر بن الخطاب، قال له: فكنت إذن تسأله أن يزوجك بالنبي عليه السلام، قال: غششتني يا سيدي، أردت أن تجعلني ضرة لعائشة! ومن نوكه أنه كان عند الوزير ابن الفرات يوما فذكروا هزارا جارية ابن المعتز وأنها تزوجت بغلامه سريعا بعده، فقال ابن الجصاص لابن الفرات: أعز الله الوزير، لا تثقن بقحبة ولو كانت أمك؛ فتبسم الوزير وانقلب المجلس ضحكا. وأجيب بختيار يومئذ على كتابه برقعة من إنشاء أبي الفرج الببغاء يقول في فصل منها: وأما أبو النجم بدر فقد أدى الأمانة إلى محتملها، وسلم الذخيرة الجليلة إلى متقبلها، فحلت محل العز في وطنها، وأوت من حمى الأسود إلى مستقرها وسكنها، منتقلة عن عطن الفضل والكمال، إلى كنف السعادة والإقبال، وصادرة عن أنبل ولادة ونسب، إلى أشرف اتصال وأنبه سبب، وفي اليسير من لوازم فروضها وواجبات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 حقوقها ما عاق رغبتي عن الوصاة بها، وكيف يوصى الناظر بنوره، أم [كيف] يحض القلب على حفظ سروره. [رجع] : ولابن عبد البر عن المعتضد إلى أبي عمر أبيه [من] رقعة يقول فيها: إن كنا لم نتعارف ترائيا، ولم نتلاق تدانيا، ففضلك في كل قطر كالمشاهد، وشخصك في كل نفس غير متباعد، فأنت واحد عصرك، وقريع دهرك، علما بيدك لواؤه، وفضلا إليك اعتزاؤه، وكنت كذلك والناس موفورون، والشيوخ [35ب] أحياء يرزقون، فكيف وقد درس الأعلام والكدى، وانتزع العلم بقبض العلماء فانقضى، والله يبارك في عمرك، ويعين كلا على برك؛ وإلى ذلك من مشهور حالك، فبيننا من وكيد السالف، وشديد اتصال التالد والطارف، وأنت له جد ذاكر وبه حق عارف، ورعاية مثل هذا منك تقتبس، ولديك تلتمس؛ ولم تزل نفسي إليك جانحة، وعيني نحوك طامحة، انجذابا إلى العلم ورغبة فيه، ومنافسة في قضاء حقوق حامليه، والناس عندنا إلى ما عندك ظماء، ولدينا الداء وأنت الشفاء، فاجعل بفضلك للغرب منك نصيب الشرق، فهو أولى بك وأحق، وعندي لك من الإعظام والأكرام ما يضاهي حالك، ويسامي آمالك، وقد صار عندي جزء منك متحكما فيه على المنصور - أيده الله - وعليك، وإرادتي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 أن أجمع شملكما، وأصل حبلكما. وله عنه من أخرى إلى ابن هود: من اعتقدك -[أعزك الله]- عمادا له وظهيرا، ورآك عتادا وذخيرا، طالعك بحاله وأمره، وأطلعك على حلوه ومره، وخرج إليك عن سره وجهره، وناجاك بمختلجات صدره، ومعتلجات فكره، مستريحا إلى النجوى، بالغا عذر نفسه في الشكوى، واثقا بقضائك الفصل فيما يورده، عالما بحكمك العدل في ما يعدده، راضيا بانصافك في ما يقدره لديك ويمهده، والله لا يعدمني الاستظهار برأيك أعشو إليه سراجا، وسعيك أحتذي عليه منهاجا، وقد علمت صورة حالي مع المدبرين لقرطبة وصبري لهم في الخطير والجليل، وانجراري معهم الزمن الطويل، مغضيا لهم على ما يوحش ويريب، مغمضا لهم على بوادر لا تزال تنوب وتثوب، على أنها جنايات قعدة، لا نكايات مردة، وأن وسعهم لا يتعدى هذا الحد، وطوقهم لا يتجاوز هذا الجد. وفي فصل منها: فلم تزل عقارب سعيهم إلي تدب، وريح جنايات بغيهم علي تهب، وأنا في كل ذلك أقابل تخشينهم بالتلين، وأتلقى غلي مراجلهم بالتسكين، أتغاضى عما يردني منهم مرة، وأغالط الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 نفسي في التأويل تارة، ولا أقارضهم عن شيء مما يطالبونني فيهم مساترة ومجاهرة، مع إمكان المقارضة سرا وعلانية، طاعة مني لعواطف النفس، في الإبقاء على الجنس، ما وجدت إلى الإبقاء سبيلا، وعليه معينا، [36أ] وكنت أرجو مع ذلك أن يثوب ثائب استبصار، ويخطر خاطر إقلاع وإقصار، فلا والله ما يزدادون إلا تماديا في الإضرار؛ والعجب كل العجب أنهم يمالئون علي أعداءهم المنابذين، وواتريهم المطالبين، الذين صيروا ملأهم بددا، وعصاهم قددا، واستباحوا دماءهم وأموالهم، وغيروا آثارهم وأحوالهم، وجاهدوهم جهاد الكفار، وسامهم سوم أهل الذلة والصغار، فكفكفت عنهم غربهم، وشغلت عنهم بنفسي حربهم، ولو أغمضت فيهم، ولنت لواتريهم ومطالبيهم، لما كانت صدور مجالسهم ومجامع أنديتهم، لأفراسهم إلا مرابط، ولا عاد آهل دارهم وعامر أفنيتهم لخليلهم إلا مسارح وبسائط، فما ظنك ببصائر تقلب - في طلب الثار، ومنابذة العدا الفجار - الطبائع، وتغلب - في مهاجرة الخوارح المراق، الروافض الفساق - الشرائع، فاعجب لهذا الاعتزاء بالمخالفة، والانتهاء في المكاشفة. وله عنه رقعة أقتبضتها تخفيفا للتطويل، شرح فيها قتله لابنه إسماعيل. قال ابن بسام: وكان عباد قد ألحق يومئذ بابنه حاشية وأبلغ في المثلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 وتجاوز بها إلى من نشأ الحلية، وما حماها عنده من الظباء ثدي ناهد، ولا شفقة الوالد.أخبرني من لا أرد خبره من وزراء اشبيلية قال: شهدنا مجلسه بعد ثالثة، من هذه الحادثة، ووجهه قد اربد، وود كل واحد [منهم] أنه لم يشهد، ولم يزيدوه على السلام، وأرتج عليهم الكلام، فصوب فيهم وصعد، وزأر كالأسد وقال: يا شامتين مالي أراكم ساكتين، اخرجوا عني. فقام كل يجر ساقيه، ولا يقدم أحد أن يطرف بشفره إليه، فلما صرنا بباب القصر، دعا بنا فانصرفنا، وأذن لنا في الجلوس فجلسنا، ثم خرج أمره بأن يحضر الكاتب ابن عبد البر، فدخل، ومجلسه قد احتفل، وقال له: اكتب إلى ابن أبي عامر، وحلل دم الخائن الغادر، وكلاما هذا معناه. وجاءه الغلام بجلد الرق الدواة، والوزراء والخاصة جلوس بذلك المقام، وقالوا في أنفسهم: ما عسى أن يتجه لابن عبد البر من كلام، على هذه الحال، لاسيما على الارتحال؛ قال المحدث: فسوى الجلد، وجعل يستمد ويكتب، وعين المعتضد فيه تصعد وتصوب، فلما فرغ منه أسمعه ذلك إلى آخره، وخرجوا عنه وهم يرون أن ابن عبد البر من آيات فاطره، وكان [قد] قال في ذلك الرقعة [بعد الصدر] : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 إذا تقوضي - أيدك الله - حق المشاركة، وتعوطي حق المساهمة بين إخوان الصفاء، في [36 ب] صغار الأبناء، فأخلق بتقاضيه في العجائب العقم، وتعاطيه عند النوائب الدهم، وطرأت علي [يا سيدي وأغلى عددي] من خطوب الأيام طارئة دهياء دهماء، وفجأتني من ضروب الأقدار فاجئة عمياء صماء، ثارت إلي من مكمني، وطلعت علي من مأمني، وشرعت نحوي من قبل الجنة التي كنت أعدها لأشباهها، وأديرها متفيئا بها من تلقائها وتجاهها، إلا أن الله بصنعه الجميل الذي لا أنفك أشكره وأحمده كفاني أولا ثم شفاني آخرا، له الحمد دائبا، والشكر واصبا، وشرح ذلك [أيدك الله] أن الغبي العاق، اللعين المشاق، إسماعيل ابني بالولاد لا بالوداد، ونجلي بالمناسب لا بالمذاهب، كنت قد ملت بهواي إليه، وقدمته على من هو أسن منه، وحبك الشيء يعمي ويصم، والهوى يطمس عين الرأي أو يلم، فآثرته بأرفع الأسماء والأحوال، ووسعت عليه في خطيرات الذخائر والأموال، وأخضعت له رقاب أكابر الجند ووجوه الرجال، ودربته في مباشرة الحروب، وأجأته على مقارعة الخطوب، ولم يكن فيما أحسبه أني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 إنما أشحذ على نفسي منه شفرة، وأوقد [منه] بالتدريب والتخريج تحت حضني جمرة، وما كنت خصصته بالإيثار، واستعملته في المكافحة والغوار، إلا لجزالة كنت أتوسمها فيه كانت عيني بها قريرة، وشهامة كنت أتوهمها منه كانت نفسي بها مسرورة، فإذا الجزالة جهالة، والشهامة شرة وكهامة، وقد يفتن الآباء بالأبناء، وينطوي عنهم ما ينطوون عليه من الأسواء، مع أن الآراء قد تنشأ وتحدث، والنفوس قد تطيب ثم تخبث، لقرين يصلح أو يفسد، وخليط يغوي أو يرشد، وكما أن داء العر يعدي، كذلك قرين السوء قد يردي، ومن اتخذ الغاوي خدينا، عاد غاويا ظنينا، (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) (النساء: 38) . وقد انطوى عن بعض الأنبياء عليهم السلام ما آل إليه [أمر] بعض بينهم، هذا والوحي يشافههم ويناجيهم، فكيف بنا وإنما نقضي على نحو ما نسمع، ونقطع على حسب ما نرى ونطلع، وليس علينا ضمان العواقب، ولا إلينا علم حقائق المذاهب، وهي الخواطر، لا يعلمها إلا الفاطر، والبواطن، لا يحيط بها إلا الظاهر الباطن، وقد يخبث طعم الماء مع الصفاء، ويروق منظر الدمنة الخضراء، ويذوي ثمر الدوحة الغناء، في التربة الغضراء. وفي فصل منها: ولما وثب اللعين [37أ] الغبين، من المهد، إلى سرير المجد، ودرج من الأذرع، إلى المحل الأرفع، ورآه استغنى، وأثرى من زينة الدنيا، أشره ذلك وأبطره، وأطغاه وأكفره، وطلب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 الازدياء، وأحب الانفراد والاستبداد، وقيض له قرناء سوء أعدوه وأردوه، وأتيح له جلساء مكر أغروه وأغرووه، وأشعروه الاستيحاش والنفار، وزينوا له العقوق والفرار، لينفرد وينفردوا معه بالبلد، ولا تكون على أيديهم [فيه] يد أحد، فخرج ليلا بأهله وولده خروجا [شنيعا] فتق فيه قصري، وخرق به حجاب ستري، يؤم الجزيرة الخضراء وما يليها، ليتملكها ويعيث فيها، وكنت غائبا على مقربة، فورت وطيرت في الحين إلى الجهة من يصده عنها، ويمنعه منها [فسبقه الخبر، وفاته الوطر، وأوى إلى قلعة ذي الوزارتين القائد أبي أيوب ابن أخي حصاد سيدي، وأفضل عددي - سلمه الله - فوجهت إلى اللعين أعرض عليه قبول عذره، وسربت الخيل مع ذلك للاحاطة به وحصره، حتى ألجاه ذلك إلى التنصل والاعتذار، وأجاءه إلى الإقالة والاستغفار، فأقبلته وقبلته] وعفوت عنه، وأغضيت على ما كان منه، وصرفته إلى جميع حالة وماله، ولم أؤدبه إلا بالإعراض والهجران، وإن كنت قد أنسته مع ذلك بمزيد الإنغام والإحسان، فإذا به كالحية لا تغني مداراتها، والعقرب لا تسالم شباتها، وكأنه قد استصغر ما أتى، واحتقر ما جنى، فردى، وسدى، ما صارت به الصغرى التي كانت العظمى، فلم أشعر به إلا وقد ألف أوباشا من خساس صبيان العبيد الممتهنين في أدون وجوه التصريف، إذ لم يطمح اللعين أن يساعده على هذه الفتكة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 من فيه أدنى رمق وأقل مسكة، ثم سقاهم الخمر وسقى نفسه ليجتري ويجريهم، ويحول بينهم وبين أدنى ميز لو كان فيهم، وسلحهم بضروب من الأسلحة المتصرفة في أماكن الضيق والسعة، وطرق القصر في بضع عشرة منهم، وتعلق معهم الأسوار والحيطان، وتسنم بهم السقوف والجدران، يروم في القضية العظمى، والطامة الكبرى، التي قام دونها دفاع الله تعالى، فشعرت [بالحركة] وخرجت، فلما وقعت [عينه و] أعينهم علي تساقطوا هاربين، وتطارحوا خائفين خائبين، وإنما كان رجاؤهم أن يجدوني في غمرة الكرى، أو على غفلة من أن أسمع وأرى، ففالت بحمد الله أراجيكم، وضلت أعمالهم ومساعيهم، وأعجلتهم عواقب كفرهم وتعديهم، وخرق اللعين سور المدينة فارا بنفسه [وأخرجت الخيل في أثره] فلحق غير بعيد، وسيق إلي في حال الأسير المصفود، وكذلك سائر الجناة، وباقي العصاة، أظفر الله بهم [ومكن منهم، وأعثر على جميعهم، فلم يفلت منهم أحد، ولا فات منهم بشر. ولقد اتفق من صنع الله الجميل من في غدر وختر، أن فر اثنان منهم فتجاوزا وادي شوش من شرقي قرمونة، وكنت قد أخرجت خيلا للضرب على بلد باديس، فخرجا هنالك إلى أيدي تلك الخيل وهي منصوفة بما غنمت ولا علم لهما بما وقع فثقفوهما واستاقوهما؛ وحصل في قبضتي جميع الصبيان من العبيد المذكورين] وأقمت حدود الله تعالى على الجميع منهم، وأنفذت حكمه العدل فيهم [والحمد الله كثيرا] . فاعجب يا سيدي لأبناء الزمن، وأنباء الفتن، وانقلاب عين الابن [37ب] المقرب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 المودود، إلى حال الواتر الحسود، والثائر الحقود، واعتبر في ورود المساءة من موطن المسرة، وطلوع المحنة من أفق المنحة [وانعكاس بعض الهبات خبالا، والأعطيات وبالا] . وقد أربت هذه الحال على كل من جرى له أو عليه من الآباء والبنين، عقوق من السلف المتقدمين، فلم يكن أكثر ما وجدناه من ذلك في الأخبار والآثار إلا استيحاشا وشرودا، ونبوا وندودا، إلا ما شذ لأحد ملوك الفرس وآخر من [ملوك] بني العباس، وجمع هذا اللعين في إرادته ومحاولته بين الشاذ النادر، والمنكر الدائر، وزاد إلى استباحة الدم، التعرض لإباحة الحرم، وإلى ما رام من إتلاف المهجات، التسامح فيما كان يجري على العورات المصونات، [ولولا دفاع الله تعالى لامتدت أيدي السفال فضلا عن أعينهم، واتسع خرق لا قوة على رتقه معهم، وقد قيل: هو الشيء: مولى المرء قرن مباين ... له وابنه فيه عدو مقاتل] وهو زمان فتنة، وشمول إحنة ودمنة، والناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم، وأصدق من هذا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) (التغابن: 14) . [وقد استجلبت من الغرب ابني محمدا، ملتزم شكرك، ومعظم قدرك، - وفقه الله - لأقعده مقعده، وأسد به مسده، وأرجو أن يكون أوطأ أكنافا وجوانب، وأجمل آراء ومذاهب، وأحمد أخلاقا وضرائب، والله أسأل الخير في ما آتي وأذر، وأقدم وأؤخر] . نفثت - يا سيدي - نفثة مصدور، وأطلت في الشرح والتفسير، خروجا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 إليك عن هذا الخطب الخطير، والملم الكبير، وهو خبر فيه معتبر، [وقالت: ما له ظهور وظفر، واله يتم النعمى، ويجمل العقبى، ويوزع الشكر على ما أولاه بمنه، وإياه أسأل أن يجعلك في حيز الكفاية، وجانب الوقاية، حتى لا تساء بقريب مأمون، ولا بعيد مظنون، بمنه وطوله، إن شاء الله] . إيجاز الخبر عن هذه الأحدوثة بلفظ ابن حيان 1 قال أبو مروان: وفي سنة أربعمائة وخمسين تواتر الإرجاف بقرطبة أن عبادا دبر النزول بزهرائها المعطلة بأسفلها، التي منها أبدا كان يصاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 مقتلها، وسبق الخبر بأنه قد أنهض نحوها ولده إسماعيل المتسمي بالمنصور خليفته وولي عهده، وهو النار في احجارها مستكنة، ولا يشك أنه أرسل منه على قرطبة شواظ نار لا يذر منها باقية، فنفس الله مخنق أهلها بما نقض تدبيره وثنى عزمه، فأقصر صاغرا. فجرى من قدر الله الذي لا يغالب أن كره هذا الفتى ما حمله عليه والده من ذلك، وهاج منه حقودا كانت له بنفسه كامنة، جسرته على معصية أبيه، وانصرف من طريقه لأمر اختلف فيه، فقيل إنه استوحش منه لمكروه كان أحل به أبوه بين يدي إخراجه إلى عدوة قرطبة لما قدر الله من حتفه، وقيل بل عظم عليه أمر الهجوم على مثل قرطبة لقلة من معه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 من جيشه، وحذره لنزوله ما بينهم وبين حليفهم باديس بن حبوس الذي لم يشك في إسراعه إليه فيقع بين لحيين يمتضغانه، وأنه عرض ذلك على أبيه فاستجبنه وأغلظ وعيده، وكاد يسطو به، وألزمه المسير لسبيله، وأوعده القتل على التواني عنه، فأوحشه [38أ] ذلك، ودبر الفرار عنه مع خويصة له أغوته، فمشى من اشبيلية نحو مرحلتين، ثم أظهر لأصحابه أن كتابا سقط عليه من عند والده يستصرفه فيه لأمر أراد مشافهته فيه، فرجع إلى اشبيلية، وأصاب فرصته بما قدر بمغيب والده عن حضرته إلى مكان متنزهه بحصن الزاهر، فاقتحم قصره، وعلق ببعض ذخائره واحتملها، وأخذ أمه وحرمه، واستكثر مما غله من المال والمتاع، يخال أن ينجو، واحتمل كل ذلك على الدواب، وطلبها في الليل ممن يعهدها عنده، ومضى لوقته مدابرا طريق الجزيرة الخضراء، ثغر أعمال والده بالساحل، مقدرا دخولها وارنتزاء بها عليه، فصار ارتباكه في تباطؤه الداعي إلى لحاقه وعوقه عن طريقه، واختلف الحكايات في قصته هذه وسبيل مهربه، وظفر والده به وانصرافه إلى يده، مما يطول القول فيه، بعد أن وقف في طريقه بعض حصون أبيه، فغلقها قواده في وجهه، وخاف اجتماعهم للقبض عليه، فاضطر إلى ابن أبي حصاد بقلعته طرف كورة شذونة، مستجيرا به، فأجاره - زعموا - بأسفل قلعته لم يصعده إليها استظهارا على مكيدة قدرها من أبيه، بعد أن نزل إليه واستقبله برجاله، مشيرا إليه بمراجعة أبيه، ورفع الخرق عليه بالإنابة إلى طاعته، ضامنا له اسجلاب عفوه، فلم يمكنه العدول عنه لقلة من معه، وأجابه، فأنزلهم عنده منزل تكريم، وبادر الكتاب إلى عباد حصوله بيده، ووصف له ندمه، وتشفع له، فسر عباد بذلك، وكان شديد الخوف أن يلحق بأعدائه هنالك، وأجاب هذا الحصادي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 وشفعه، فأجاب إسماعيل إلى أبيه، ودخل إشبيلية ليلا، ونكب [به] عن قصره إلى بعض دوره بالقرب منه، ومنعه أن يدخل عليه أحد، وصرف الله على عباد جميع ما كان احتمله إسماعيل ابنه من ماله وذخائره لم يحرم منه شيء، حتى إن زامله من زوامله قصرت عنه عند جده في السير وغادرها في الصحراء رازحة، فوقعت إلى بعض فرسان والده الذين سرحهم لاقتفاء أثره، فقبض عليها وصرفت إلى اشبيلية بحملها لم يقطع لها حبل، فزعموا أن وقرها كان مالا صامتا وذخائر تفوق قيمة، وأظفر الله عبادا بولده فيما آتاه من ذلك، فاثر الشفاء على المغفرة، إلا أنهم - زعموا - لحقته [38 ب] لهذا الحادث وفظاعته وطرقه من مأمنه وفساد لأكرم أعضائه عليه، وعمدة ثقاته لديه، خشية فلت عزمه، وحيرت قلبه، فعيت به عما صمد له من أذى قرطبة والجعجاع بأهلها، فتنفس مخنقهم قليلا، وكفت الغارات عنهم وقتا، وسارع سعرهم إلى الانحطاط. قال أبو مروان: وبلغني أن الذي دبر عليه هربه عن أبيه وتولى كبره، وزيره وصاحبه، أبو عبد الله محمد بن أحمد البزلياني المهاجر إليه عن وطنه مالقة، مختارا له على ملكه باديس، فاعترف له عباد في جهله على نفسه وسوء مورده حجة للعذر في تحكمه عن ذي اللب المقرر لحوطة نفسه، فإن هذا الفتى إسماعيل كان رمى إلى هذا الكهل بمقاليده وفوض إلى رأيه، فلم يبارك له فيه، وشكا إليه بعض ما يناله من فظاظة والده وقسوته ورميه المتالف به، فحسن عنده - زعموا - العقوق له، والذهاب عنه إلى أطراف أعماله العريضة، كيما يقرر عليه، وبنفسه؛ فلما قذف به والده [ما] تعاظمه من حرب قرطبة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 اعتزم إلى إنقاذ أمره في الفرار عنه من طريقه ذلك، فعمل في النكوص عنه بما قد مناه، وهجم على قصر أبيه وأخذ ذخائره. وخرج مبادرا. ووزيره هذا البزلياني معه قد تولى كبر ما أحدثه، ونفذ في مقدار ثلاثين فارسا من خاصة غلمانه، بعد أن غرق سفن المعابر الراتبة قدام القصر بالنهر، كيما يعتاص وصول الخبر إلى أبيه، بالمتنزه الذي كان فيه بعدوته، إلى أن يبعد في مهربه، فاتفق أن بادر إليه بعض غلمانه النازلين معه بالقصر، وقد أنكر مدخل إسماعيل وخطفه، فقطع النهر سباحة، وسبق إلى مولاه عباد فأيقظه من نومه، وعرفه بالحادثة، فسقط في يده، وبادر بإحراج عدة من فرسانه، وأنذر عليه قواد الحصون، فلجأ إلى قلعة الحصادي - حسبما قدمناه - واستقر بعد في اعتقال والده مدة يقلب الرأي في أمره ظهره لبطنه، ولا يبين من قوة غضبه عليه ما يؤنس من استبقائه له، وقد عجل على أبي عبد الله البزلياني لأول ما اعتقله عنده، لفرط حنقه عليه، فضرب عنقه، وقتل معه نفرا من خواص إسماعيل، فاستوحش من أبيه، ولم يشك أنه لاحق بهم، فدبر من مكانه، موضع اعتقاله، الهجوم على أبيه، والتسور على قصره من قبل عورة عرفها كيف [39أ] يفتك به ويصير مكانه، وساعده الموكلون به على الأمر وقد مناهم ببلوغ الأمل بتمامه، فقاموا معه في ما أراد من ذلك، والقدر يجد بهم به، إلى أن وقع في يد والده كرة أخرى فبطش به ولم يقله، وتفرد بقتله جوف قصره، فلم يقف أحد على مصرعه لطمس آثاره وآثار جميع أصحابه وغلمانه وخواصه، بعد أن جلد بعضهم، وقطع أطرافهم، وتجاوز إلى الضعفاء من حرمه ونسائه فأتى على خلق منهم سرا وجهرا، ومثل بهم أنواع المثلة، حتى طهر أثر ولده هذا وقطع دابره، فكأن لم يكن قط أميرا، ولا أنفذ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 حكما، ولا قاد جيشا، والله يملي لمن شاء، ويستدرج من يريد، له القوة البالغة. وما ابن عباد ببدع فيما أتاه في هذا، فقد يضطر الملوك مع ذي أرحامهم السامين إلى نيل مرامهم من مستجرئ عليهم، إلى ما يحملهم على انتهاك أكثر من ذلك حبا للحياة الدنيا الغريرة، ومنجاة بالرغبة من الفرقة المبيرة، على أن العفو أقرب للتقوى لا محالة، مع أن أسباب الملوك الاضطرارية لا تحمل الاستقصاء، ولا تعرض للتمحيص، قرن الله بأعمالهم الصلاح، وجنبهم بمنة الجناح. قال ابن بسام: وكان خاطب المعتضد يومئذ جماعة [من] حلفائه وقص عليهم نبأة [مع ابنه] ، فمن جواب بعضهم له في فصل قال فيه: تقديم الوصف - أيدك الله - للوداد والاعتقاد، من المتعارف المعتاد، فيستفتح به أول المكتوب، كما يستفتح الشعر بالنسيب، لكني - أيدك الله - أربا بحبلها عن شاهد غير الضمير، وواصف غير ما في الصدور، وبرهان غير الناظر المشهور، وأرمي شاكله الغرض، وأصف ما أباتني ليالي على قضض ومضض، ثم ما رد باقي الأنس، وشفى لاعج النفس، فإن الأنباء وردتني عن المنصور أبي الوليد ابنك ابني - أعزه الله - بانزعاجه أولا، وأبطأت الجلية كملا، فأشفقت على يقيني أن الداخلة تصده، والحقيقة ترده، وأن شهامته جمحت به، وصرامته صرمت منه، وأنه حسام دلق من غمده، وسهم نفذ وراء غرضه وحده، وأن ريح الصبا عصفت عليه وهو لدن المعطف، وغرة الشباب اهتبلته وهو سلس المقود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 لين المصرف، والمرء للخطل والزلل، وكل مخلوق ففيه النقص والخلل. ومن جواب ابن أبي عامر له: الدنيا رنقة المشارب، جمة النوائب، تسلك بأهلها كل سبيل، وتريهم من خطويها [39ب] كل معلوم ومجهول، تقطع ما اتصل، وتمنع ما تبذل [وتسوء من حيث تسر، وتخون من حيث تفي، لا تمتع بحال، ولا تدوم] على وصال، وهذا أصح دليل على هوانها وصغارها، وأوضح تمثيل في تفاهة شأنها ومقدارها، وان كثر فيها التنافر، وعظم فيها التقاطع والتدابر، فنسأل الله ألا يصرفنا عن التوفيق، ولا يعدل بنا عن سواء الطريق. وإن كتابك ورد بما لم يقع في تقدير، ولا عن مثله في ضمير، من الداهية الدهياء، والمعضلة الشنعاء، والحال الحادثة مع من رين على قلبه وعقله، وغبن في حظه ورشده، فزاغ عن نهاه، واتخذ إلهه هواه، ولقد وقفت بك، عمادي، على عبرة المعتبرين، وعظة المتدبرين المبصرين، فإن الذي رمتك به الأيام لغريبة الغرائب، تؤذن بانقطاع الخير، وارتفاع البر، أفلا راعى أولا ما أوجب الله تعالى [تقدست أسماؤه] للآباء على الأبناء - فإنه قرن ذكرهم بذكره، وشكرهم بشكره، فقال: (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) (لقمان: 14) وقال: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (الاسراء: 23) إلى ما جاء في العقوق، فقد قيل: إن العقوق هلك، والمروق شرك؛ وقيل: عقوق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 الوالدين يعقب النكد، ويمحق العدد، ويخرب البلد. ثم هلا راعى آخرا ما سوغته من النعم التي غبط بها، وحسد فيها، وما خصصته [به] من العزة التي بذ فيها الأنداد، وشأى فيها الأتراب والحساد -! ولكن الشيطان الغرارة أغواه، وسلطان الجهالة أرداه، مع قرناء سوء [قيضوا له] زينوا له ضلالة، وأفسدوا عليه حاله، وبحق قيل: الوحدة خير من الجليس السوء (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) (الكهف: 17) وقد صنع الله لك صنعا جميلا، ودفع عنك جليلا، وأجراك على ما عودك من فضله (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (فاطر: 43) فالحمد لله على نعمة خولها، وولاية أجملها، ومكيدة نقضها، وسعاية دحضها. وفي علمه احتراق نفسي لهذا الحادث الكارث، ومشاركتي في هذه الملمة المدلهمة، التي لم أخلها من حالتي الإشفاق والجزع، وخطتي الارتماض والتفجع، وان الأمر عندك وزنه عندي، ومأخذه منك مأخذه مني. ومن جواب ابن مجاهد [له] من إنشاء ابن أرقم: وافتني - أيدك الله - مساهمتك الكريمة، ومشاركتك السليمة، الصادرة عن الصدر السليم، المقتضية للحمد والشكر العميم، وقد كان سبق كتاب قبل بما لزمني في الحادثة الأولى، فقلت: حسام [40أ] دلق، وسنان زلق، وشباب عصف، وجواد جمح فأسرف، وعثرة تستقال، وغرارة يرفع بها ذلك الاختلال، ثم بعد نفوذه وردني النبأ على عقبها، بما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 صغر تلك على عظمها، فترددت شرقا، واضطربت قلقا، حتى استوضحت من قبلك الأمر على آخره، وتلقيت عنك الخطب بموارده ومصادره، منسوقة مراتبه ومناقله، مشروحة أعجازه وأوائله، فما ساهمت إلا من تلقى ما أنهيته بنفسك، وشرب ما عاطيته بكأسك، وشاطرك الحال بنصفين، وكان هو أنت في القضية سيين، فتجرع ما تجرعت [واستفظع ما استفظعت، واستغرب ما استغربت] واعتبر بما اعتبرت، وفي الأيام والليالي معتبر، وإنها - لكما ذكرت ووصفت - عقيمة معجبة، وعنقاء مغربة، وما شهدت لها أخت إلا من أحد الفرس وأخرى من بني العباس، كما ذكرت، وقديما استغوى الشيطان، وكان للمرء سلطان، والزمان بمثلها جواد، ولإطلاع الغرائب معتاد، وقد أوتي صاحب الخضر على علمك من أقرب الولد رحما، وأضعفهم نفسا وجسما، ومن سوق بني أمية وغيرهم الجماء الغفير، والعدد الكثير، وكثيرا ما شهدنا وسمعنا بقاتل نفسه، وهي أكرم النفوس عليه، وآكل جسمه وهو أحب الجسوم إليه، وقد يفيض الداء من الدواء، ويشرق المرء بالماء، ويؤتى الحذر من مأمنه، ويجتنى القبيح من حسنه، والأدواء تثور في الولد، كما تثور في الجسد، وتتولد في القلب والكبد؛ وقرناه السوء يكدرون الأصفياء، كما يكدر المشرب العذب الدلاء، وما ندري يا سيدي [إلا] أنك أردت إقالته والله قد عثره، واعتقدت استعاذته والله قد غيره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 وأيأسك منه بقبيح فعله، وأسلاك عنه بعظيم جرمه، وكنت معه والله مع غيره، وأردته وأراد الله سواء، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع: وليس لأمر حاول الله جمعه مشت ولاما شتت الله جامع وقال الله تعالى لنوح عليه السلام بعد قوله (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) (فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) (هود: 46) وقوله للخضر عليه السلام (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما) (الكهف: 81) : وكل مصيبات الزمان إذا أتت فهن سوا ما لم يصبن صميمي وما زادت هذه على أن وقى الله صميمك، وصان حريمك. قال ابن بسام: ولما [40 ب] أنشأ أبو محمد رسالته المتقدمة الذكر، تناغت لمة من كتاب العصر في معارضتها، وقد ذكرت بعض من أجاب عنها، وأذكر أيضا فصولا لمن انتصف على زعمه بالمعارضة منها، منهم من أفردت فصلا في ذكره، ومنهم من لم يقع إلي شيء من أمره، فلم أجد إلى ذكره سبيلا، ولا على موضعه من الصناعة دليلا، وكنت جديرا بتأخير رسالة من أفردت في ذكره فصلا، حتى أقبسها له لألاء، وأضعها في يده لواء، ولكن أذكر الشيء بما تعلق به، أو كان من سببه، لأقيد ما شرد، وأنسق ما تفرق وتفرد. وله: أتم الله أيها الأمير، الجليل مجده، الجميل معتقده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 المشهور فضله وسؤدده، عليك نعمه ظاهرة وباطنة، وأجزل لك به قسمه متوافية زاكية، وآتاك من كل حظ أجزاله، ومن كل صنع أجمله، ومن كل خير أتمه وأكمله، فإن الأيام قد وصلت بيننا إلى التراسل سببا، وجعلت لنا في التواصل أربا، فإذا أمكن سبب قدمته، وإذا تهيأ رسول اغتنمته، توكيدا للحال معك، وتجديدا للعهد بيني وبينك، فمثل الحظ منك لا يهمل، سبب الحق الذي لك لا يغفل، ومكاتبة الصديق عوض من لقائه إذا امتنع اللقاء، واستدعاء لأنبائه إذا انقطعت الأنباء، وفيها أنس تلذ به النفس، وارتياح تلتذ منه الأرواح، وارتباط يتصل به الاغتباط، واعتقاد يتبين به الوداد، ومثل خلتك الكريمة عمرت معاهدها، ومثل عشرتك الجميلة شدت معاقدها، ومثل مكارمتك المبرة حمدت مصادرها ومواردها، فإني متطلع إلى أخبارك أراعيها، وحريص على أوطارك أقضيها، ومستمطر لكتبك الكريمة أجتليها، فمنذ صدر عني فلان لم أتلق عنك خبرا، ولم ألحظ من تلقائك أثرا، وذلك لا محالة لامتناع البحر وارتجاجه، وتعذر المسلك وإرتاجه، وإذ قد ذل صعبه، وهان خطبه، فأنا أعتقد أن كتابك بازاء كتابي هذا مجدد عهدا، ومهد عنه حمدا، فإنه ما دخل إلينا ولا تكرر علينا إلا وذكرك الجميل في فمه يبدئه ويعيده، وثناؤه يلهج به ويشيده، في شكر الأمير الأجل والإشادة بتعظيم أمره، وتفخيم قدره، فإنه لا يعرف عندنا إلا بوسمه، ولا يناضل [إلا] بسهمه، ولا يجاهد إلا عنه، ولا يحتسب إلا فيه. ومن جرى على البعد هذا المجرى، وشكر شكره النعمى، فحقيق بالإنعام [41أ] خليق بالإكرام. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 فصول من جملة رقاع لغير احد في ذلك فصل من رقعة لبعضهم يقول فيها: ما أبصرك - أيدك الله - بل أذكرك! وكيف يوقظ اليقظان، وينبه النبهان، وحاشا أن تعلم الخمرة العوان، إن الدنيا على الغير موضوعه، وعلى المكاره مطبوعة: ألا إنما الدنيا غضارة أيكة إذا اخضر منها جانب جف جانب ونقل الطباع لا يستطاع، ولا تبديل لحكم الجليل، والدنيا منكرة لمتعارفيها، مسلطة بنوائبها على بنيها، المتهالكين فيها، لاسيما الأحرار، فإنها تطالبهم بثار: إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق ومنها: وماظنك بدنيا قلما تسمح بحبرة، إلا أتبعتها بعبرة، ولا تجود بمنحة، إلا كدرتها بمنحة، ولا تسقي شرابا، إلا شابته صابا، ولا تهب نسيما، إلا قلبته سموما، تكاد تسوء بالساعات، وقلما تسر إلا في الفلتات، ثم تغري بنا الآفات: ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض على الماء خانته فروج الأصابع وفي فصل: والأنام أغراض، لسهام الأعراض، قلما تتخطاها إن فوقت، ولا تخطئها إن رشقت، وقد يمقها من لا يثقها، ويتيامنها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 من لا يامنها، وأي أمان، من زمان، يدب دبيب العقربان، ويثب وثوب الأفعوان، ما أمكنها إمكان وعن لها مكان، ويسعى بالنميمة، بين الفروع والأرومة، وهيهات أن تصطفى حية رقشاء لين مسها قاتل سمها، يهوي إليها الجاهل، ويحذرها العاقل، وأي ناج من بأسها، ولو كان في سويدائها، هي والله ما علمت وتعلم، قريبة العرس من المأتم، هكذا عرفت، وبهذا وصفت: ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار وفي فصل منها: وإني منيت - أيدك الله - من زمني الخؤون، بشقيقة المنون، وكادت تكون، فيا لها [من] حادثة عظمى، وصدمة صما، كدرت شربي، وروعت سربي، واعجب لسهم رمي به راميه، ونصل دهي به منتضيه، أشد ما كان له استبصارا، وبه انتصارا، [وعليه اقتصارا] ، وليس يمكر من الأزمان، عكس الأحوال وقلب الأعيان؛ وتفصيل هذا المجمل، وإيضاح هذا المشكل، الذي رمزت بذكره، وعرضت بأمره، أن العاق المشاق، الجلف السفيه، المتمذهب بغير مذهب أبيه [41ب] ومن سلف من منسليه، ابني إسماعيل، الفاعل بي أسوأ الأفاعيل، أحدث حدثا أشنع، مثله يستفظع، بما كان منه، واستذاع عنه، من استهانة عقوقي، واطراحه حقوقي، وشذوذه عن أشكاله، وعدوله عن سنن آله، وإن جمعه بي منسبه، فقد نفاه عني مذهبه، كالذي استواه الشيطان، كأنما اقتاده في أشطان، وإذا قضى القدر، عشي البصر، وما جرأه على قبح فعاله، ومجانبته المعهود من حاله، إلا قرناء سوء قيضوا له، [إذ] جعلوا يضربون له أسداسا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 لأخماس، ويكيدونه بكيد الوسواس الخناس، حتى أوردوه أنشوطة، لم يكن مثلها أغلوطة، هوى به الهوى هوي الدلو أسلمه الرشاء، ولا غرو فقد تعدي الصحاح مبارك الجرب، وذلك أني لما أرضعته لبان مقتي، وملكته عنان ثقتي، وأدنيت زلفته، وأبديت رفعته، وأقبلته عين القبول، وأحللته مني محل الصلة من الموصول، وقلدته أعنة السياسة، ووسمته بسمة الرياسة، وأوطأت عقبه الرجال، وتجاوزت به حدود الآمال، نقلا من حال إلى حال، حتى مدت نحوه الأعناق، وسارت بذكره الأفذاذ والرفاق، ونيطت به الآمال، ولاذ به الأمال، وجعلت السيف والقلم من خدمه، ووضعت الوجوه تحت قدمه، يقول فيسمع لمقاله، ويصول فيرتاع لمصاله، حتى لقد كادت الأقدام أن تستوي لولا فضل الأبوة، ونقص البنوة، فلما رأى الدولة قد ألقت إليه بأزمتها، وأقادته بأعنتها، استأسد وتنمر، واستشعر الأشر والبطر، وحاول الشفوف، وربما كان فيه الحتوف، ونزع إلى الاستبداد، منزع الغبي إلى العناد، ورفض الحقوق، وآثر العقوق، وكفر بالنعمة ونام عن شكرها، فطويت عنه بأسرها، والشكر للنعمة نتاج، والكفر بها رتاج. [وفي فصل منها] : فعلت مرمى قوسه ومنزع سهمه، كأنما كنت نجي سره، وولي أمره، وقد تبصر الظنون بغير عيون، فتتبعت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 خبره، وقفوت أثره، بخيل كالسيل بالليل، تعجز طالبها، وتدرك هاربها، فلم ينتبه إلا وقد أحيط به، ففزع إلى الاعتراف، وهو يذهب بالاقتراف. [وفي فصل] : ومداراة الحية كيف تنفع، وهي إذا أمكنها اللسع تلسع؛ ولما أبى إلا الإباء، وأسر الشحناء، وحاول العظيمة، وتناول الجريمة، وكاد - وايم الله - يهدم بنيان الله، لولا دفاع الله، ألف أغمارا من العبدان كانوا عكوفا عليه، ورتبا حواليه [42أ] وأطمعهم في ما صرعهم، وأكثر المطامع، تئول إلى المصارع، ولو أنهم أيقنوا أن أنفسهم نعوا، وإلى دمائهم بأقدامهم سعوا، لتثبطوا، وما تورطوا، لكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وإذا حان الحين، عميت العين، ورب ساع بقدمه، على دمه، فلما جن عليه الليل، والليل أخفى للويل، تساقوا بينهم المدام، ليقدموا بها أشد ٌقدام [ورب إحجام أنجى من إقدام] ، فأخذوا الثبات، وعقدوا النيات، وتسوروا الأسوار، وتخطوا غير ما دار، وداعي الهوى يدعوهم، وحادي الردى يحدوهم، وقد اعتقلوا الردينيات، وتأبطوا الهندوانيات، وشمروا ذيلا، وادرعوا ليلا، واقتحمواالمهالك، في أضيق المسالك، وترقوا الجدران، بأشد تمرد وعصيان، فسقط العشاء بهم على سرحان، فما تمالكت أن سمعت حسيسهم، ولحظت شخوصهم، فملئوا فرقا، وتصيروا فرقا، أيدي سبا، يجدون هربا، ويرومون الخلاص، ولات حين مناص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 ونفوسهم تودع أجسادها، وتستحث آمادها: وضاقت الأرض حتى كان هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا ولم يمتروا الأرض قدرة القدير، تنقض التدبير، ولله عاقبة الأمور. وما كان رجاء القوم، إلا استغراقي في النوم، وأيقظني القدر، وما بي من حذر. وفي فصل: فلما رأى اللعين أن سهمه قد طاش، وقد راش منه ما راش، وأيقن أنه حريق ناره التي سعر، وغريق تياره الذي فجر، شرد شراد الظليم، على حين لا حليف ولا حميم، وترامى من شرفات القصر، ترامي المذعور بالقسر، وهو ينشد: إذا لم يكن عون من الله للفتى فأكثر ما يجتني عليه اجتهاده فأعجلت إليه هنالك من عثر وشيكا عليه، واستاقه استياق العاني، فيا وقفة المذنب الجاني، يشكو إلى من يصم عنه، ويتبرأ منه، وسيقت بطانته أسارى، من غير خمر سكارى، فأقروا بما دبروا، فالحمد لله جاعل تدميرهم في تدبيرهم، وإبادتهم في إرادتهم، ومن حفر لأخيه [بئرا] سقط فيها، واستحضرت مشيخة العلماء وجعلت الأمر بينهم شورى، إشارة للعدل في القضا، واتباعا لأمر الله تعالى في الغضب والرضى، فكلهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 حد إنفاذ الحد، وتلوا قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في [42ب] الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا) الآية (المائدة: 33) . فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر فاعتبر ياسيدي من هذه الفتن المضلة لأبناء الزمن، وانظر كيف يستدرجهم الشيطان، في مدارج العصيان، حتى إذا قحمهم الغرر، أسلمهم القدر، وكل ذلك مسطور ومأثور، وفي عقوق هذا من البنين، آية للعالمين، وما كان هذا اللعين، في ما جناه، فاجتناه، وسبه، فألهبه، وكاده، فأباده، إلا كالبقرة تبحث على مديتها بقرنيها، وكالنملة تطلب حتفا بجناحيها، فتبا للأولاد، يتقربون بالولاد، ويتابعون بالوداد، في مصارع الحساد، إن هم إلا فهود، بأهب أسود، يتقلبون بما صغروا، ويستأسدون إذا كبروا. وفي فصل: ولعل قائلا قد سلب المعقول، يصول يوما فيقول، ويطعن ويغمز، حيث لا مطعن ولا مغمز، وينحلني الفظاظة والقسوة، ويعتدها وصمة علي وهفوة، ورب سامع بخبري لم يسمع عذري، ولست ببدع ممن ظلم فانتصر، وخولف فما اصطبر، ولا بنكير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 ممن أرضى باريه، باسخاط أهليه، إن لي في من سلف أسوة، وبالنبي عليه السلام قدوة، ولو نظر بعين الحقيقة، ولم يعدل عن سنن الطريقة، لكان من أنصاري، في إقامة أعذاري: هذا خليل الرحمن، وكان في الأنبياء من كان، لما تبين أن أباه عدو لله تبرأ منه، وقد تل أيضا عليه السلام ابنه الذبيح للجبين، ووضع في حلقه السكين، وهو من أبر النبيين، اتباعا لأمر الله حتى فداه الرب الكريم، بالذبح العظيم، وصبر على ما لو حل بالصخر لفلقه، أو بالحجر لفرقه؛ وهذا عمر بن الخطاب، وكان من كان في الأصحاب، قد قسا قلبه علة أبي شحمة، لم تأخذه فيه [رأفة ولا] رحمة، حين جلده، حتى فقده، وصبر غير مكتئب، صبر المحتسب، إرضاء لباريه، وتقربا إليه بما يرضيه. وكان لبعض بني العباس، وهم أئمة الناس، في ابنه العاق ما قد درس خبره، وطمس أثره، ولولا أن الإطالة، تفضي إلى الملالة، لأوردت من خبره الأشنع، ما فيه مقنع، وأحدثهم عهدا في هذه العصور، عبد الله الأمير وأبو عامر المنصور، فأما عبد الله فقد قتل ابنه محمدا، لما أحس منه تمردا، وكان قرة عينيه، فما عيب ذلك عليه؛ وأما [43أ] المنصور، وحسبك به جزالة وحزامة في الأمور، فقد فعل بابنه عبد الله ما فعل لما عصى، وشق العصا، هذا وما بلغا هذا المبلغ، ولا ولغا في الدم كما كاد هذا اللعين أن يلغ، ولو اقتصصت، فوق ما نصصت، لأطلت وأمللت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 لكن اجتزيت، بمن سميت، وأي عذر [يقوم] لمن مكنه الله في بلاده، وحكمه في عباده، ألا ينفذ حده الذي حده، ويؤثر فرضه الذي فرضه، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (المائدة: 47) ولولا عقاب المسيء، لقل من لا يسيء: والظلم في خلق النفوس فان تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم ولا غرو ان أسهبت وأطنبت في خبر المغرور، فانها نفثة مصدور، وما أطقت تجرع الغصص [في كتم هذه القصص] التي فيها عبرة لأولي الألباب، وما كان هذا الذي طرا، حديثا يفترى، ولا هذا الذي طرق، نبأ يختلق. ومن رقعة أخرى أيضا في ذلك مجهولة [القائل] : المحن على ضروب، والنوائب تجري بمعضلات الخطوب، فتفجأ بالرقم الرقماء، وتطرق بالداهية الدهياء، وتأتي بالغريبة الشنعاء، فلا واقي سواه، ولا مجير من بغتاتها حاشاه، وهب الحازم ارتقب الخطوب معدا لها من سننها، ولقي المكاره بسلاحها وجننها، كيف له بعلم خفيات الضمائر، وخبيئات البواطن والسرائر - إلا أن لطفه الخفي، وصنعه الكافي الحفي، يكلآن من توكل عليه، ويعضدان من اعتضد به [واستند إليه؛ وكنت] قد اختصصت ولدي الخائن الجاني إسماعيل بضروب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 من الإنعام، والإحسان والمبرة والإكرام، وملكته زمام أعنة الجنود، وأظللته بظل خافقة البنود، وأرضعته ثدي الحرب، وجرأته على مقارعة الطعن والضرب، وأنفذت أمره ونهيه، وأجزت فعله ورأيه، فقصرت عليه أقاصي المطامع، وأشير نحوه بالأصابع، ودعي بالرئيس الأمير، ولقب بالمؤيد المنصور، إلا أن ظن المرء يخطئ ويصيب، ولله أستار دون علم الغيوب، وليس على المرء ضمان العواقب، ولا كلف سوى الاجتهاد في المطالب، فإنما هو بشر، يقضي بما ظهر، ولله ما بطن واستتر: فان كان ذنبي أن أحسن مطلبي أساء، ففي سوء القضاء لي العذر وكان ينبئ ظاهره من الاجتهاد منتهى الاستطاعة، ويجزي أمره إلى غاية اللازم من حدود الطاعة، إلى أن علق به أغواه من شياطين الإنس فزين له زخرف الغرور [43ب] والفسوق، وقذف به في هوة الخذلان والعقوق، فأحال طينته إلى أخبث الترب، وقد تعدي الصحاح مبارك الجرب، ونقله من الطبع الكريم، إلى الخلق الذميم، وعوضه من طاعة الرب والأب، آفة الكبر والعجب، وحين لبس ثوب الغرة والخيلاء، وقاد الجيوش ملء الفضاء، واستضاف إليه من استضاف من شرار القرناء، طمع في بلد، لا تكون عليه فيه يد أحد، ليستعمل السفه والجهل، ويهلك الحرث والنسل، ويأبى دفاع الله من ذلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 فهو أراف بخلقه من إسلامهم للمهالك، وطار النبأ إلي، وسقط الخبر علي، فبلغ عز وجل، من الكفاية غاية الأمل، وخاب سعيه، وفال رأيه، وندم ولات حين مندم، فتحركت مني الرحمة التي قطعها، وحنت الرأفة التي نبذها وخلعها، فعفوت [عنه] واعتلق بحبل الإنابة، وأسرع الدخول في باب الإجابة، وهو منطو على شر ضمائره، ومسر لأخبث سرائره: وأظلم أهل الأرض من بات حاسدا لمن بات في نعمائه يتقلب وقلبت توبته الظاهرة، وأقلت زلة قدمه العاثرة، ولم أخله فاضل اهتبالي واعتنائي، ولم أمنعه غير قربي ولقائي، فأطغاه ذلك وأبطره، وأطمعه في نيل ما كان أضمره، فرام التي لا شوى لها ولا بقاء معها: أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد * * سبكناه ونحسبه لجينا فأبدى السبك عن خبث الحديد ولعمري لئن أجلته آباء سرو وصدق، لقد سرى فيه للخؤولة لئيم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 طبع وعرق، ولا غرو في هذه الحال، فقد يستحيل الزعاق من الزلال، وينام عرق الأب ويسري عرق الخال: وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث المرء خبث المناكح فعاقد سقاطا من خساس صبيان العبيد المتصرفين في أحط المراتب عندي، المنحطين عن الكون في جملة جندي، إذ لم يجد مساعدا على هذه القضية، من فيه أقل مسكة وبقية، فاستهوى ضعف عقولهم، واستنفر قليل تحصيلهم، وسلحهم بسلاحي، وراشهم بفضل جناحي، ودعاهم إلى عصيان ربهم وأمري [44أ] والتعرض لهتك سلطانه وستري، وتسنموا منيف الأسوار تنسم الوعول، بعد أن سقاهم صرف الشمول، التي تذهب بوافر العقول؛ يظنوني نائما ويحسبوني غافلا، والله ليس بغافل عما يعمل الظالمون؛ وكان عدد الفتيان الفجار، كعدد خزنة أهل النار، فأطلعني الله تعالى على حسهم، وأسمعني خفي ركزهم، فثرت من الفراش، رابط الجاش، فولوا على الأعقاب حين رأوا شخصي، متساقطين على الأذقان إذ سمعوا صوتي، وعاد الخائن الحائن إلى سور المدينة بعد أن خرق اليه، ورائد الموت يجول بين عينيه، فغير بعيد ما أسرته الخيل أسرا، وقيد إلي عنوة وقهرا، وكذلك شيعته المارقة، وصحابته الجانية الفاسقة، فلم يفلت منهم بحمد الله أحد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 ولا أجاره مكان ولا بلد، حتى أخذ الله تعالى بثاره منهم، وأقام حدوده فيهم؛ وأنا متأس في هذه الرزية، بكبار ملوك الإسلام والجاهلية، فقد تعدى عقوق الأبناء، إلى كبار البشر والأنبياء، حتى قال الله تعالى لنوح عليه الصلاة والسلام: (إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح) (هود: 46) والرب تعالى يخرج الخبيث من الطيب، ويقضي ما شاء في علم الغيب، لكني على العلات، ورعاية الحرمات، أرضي طاعة الله تعالى في من عصاه، وألتزم أمره في من خالف رضاه: وإن السيف في الباغي جزاء أحق به من النسب القريب بقية ما استخرجته من رسائله السلطانيات فصل له من رقعة [عن ابن مجاهد] إلى المنصور بن أبي عامر: من اختار - أيدك الله - لحلته أزكى المعادن، واعتمد لمقته أسنى المواطن، كان جديرا أن يغتبط بجناها، ويرتبط بفوز عقباها، ويعلم أنها على الأيام صقيلة الأرجاء لا يصدئها الإهمال، صدقة المضارب لا يفلها الإعمال، وأنت الذي لا يدانى شرفه، ولا يسامى سلفه، ولا تجارى أعراقه، ولا يبارى إعراقه، فمن ظفر بصفاتك عتادا، فقد أصمى سهمه وقرطس، ونزل ساحة الفضل وعرس، ووثق بأنه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 ورد وردا لا تكدره الدلاء، واعتقد عقدا لا يغيره الإصباح والإمساء؛ وتلك حالي في ما منحته من صفاتك، ووليته من ولائك، والله يحرس حظي من وفائك، ويرفع المضار عن حوبائك، [بمنه] . ومن أخرى عنه إلى المظفر بن الأفطس: إذا تشاكلت - أيدك الله - الأحوال والضروب، تقاربت الأهواء والقلوب، وقد قيل [44ب] : الشكول أقارب، والمذاهب مناسب: ولن تنظم العقد الكعاب لزينة كما تنظم الشمل الشتيت الشمائل وما تشتت لنا، بحمد الله، شمل، ولا انقطع بنا حبل، ولا غب بيننا وصل، بل نحن على ثلج تواصل يقتضيه التشاكل والتآلف، ونهج تداخل يستدعيه التعاقد والتحالف؛ وإني - علم الله - بمكانك لمباه، وبزمانك لمظاهر مضاه، أعتقد لك العقد الذي لا تجاذب أهدابه، ولا ينازع جلبابه، وقد نظمتنا من الأحوال المشاكلة والأسباب الواشجة ما كلانا له مراع، وإلى قضاء الحق فيه وحفظ الحظ منه ساع، ورب حال جددت تآلفا وودا، وأكدت وشدت على مر الأيام عهدا وعقدا، وبنت ما لا يهدمه الدهر ولو انتحاه من خطوبه بمعول، وأنحى عليه بجران وكلكل، والله يصل ما بيننا بالدوام والثبات، ويحرسه من الانصرام والانبتات. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 وله من أخرى: لئن ضنت الأيام بالمرغوب، ولوتنا في نيل المطلوب، فلا ضير نعلم أي القسمين أرجح فنتأسف على تركه، وأي الحظين أربح فننتظم في سلكه، وحق لمن نظر بعين الفكر أن لا يبالي بحالة تعترض، أو عزيمة تنتقض، أو حبل يرث، أو شعب ينتكث، فربما كان الاعراض احكاما، وأصبح الانتقاض إبراما، والهجران وصالا، وظل النقصان كمالا، والله ولي السلامة، في الظعن والإقامة. ووافاني كتابك العزيز، فأول ما سرحت طرفي في مسطوره، وأعلمت فكري في منثوره، استطار الركاب فرحا، وعادت الغمرات مرحا، ثم أنشدت ورددت: أهم بشيء والليالي كأنها تطاردني عن كونه وأطارد بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم فند قوم فوائد وعسى الله أن يعيد عهدا تجري فيه السوانح، وتسقط به البوارح، فيصفو جمام، وينقطع هيام، ويسل حسام، ويحمد مقام. وله من أخرى إلى المنصور بن أبي عامر: إني - أيد الله الملك الكريم - لما أضاءت لي أهله مفاخرة في سماء الفخار، وأشرقت شموس مكارمه على مفارق الأحرار، وأبصرت شمائله الزهر تثير من الهمم كامنها، ومحاسنه الغر توقظ من الآمال نائمها، تيقنت أن بحق انقادت له القلوب في أعنتها، وتهادت اليه النفوس بأزمتها، فآليت أن لا ألم إلا بحماه، ولا أحط رحلا [45أ] إلا في ذراه، علما بأنه نثره الفخر، وغرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 الدهر، فيممت ساريا في طالع نوره، متيمنا بيمن طائره، بأمل متحقق الربح، موقن [بالفلج و] النجح، حتى حللت بدرجة المجد، وأنخت بذروة السعد، فجعلت أنثر من جواهر الكلام، ما يربي على جواهر النظام، وأنشر من عطر الثناء، ما يزري بالروضة الغناء، وحاش للفضل أن يعطل ليلي من أقمارك، ويخلي أفقي من أنوارك، فأرى منخرطا في غير سلكك، منحطا إلى غير ملكك، لا جرم أنه من استضاء بالهلال، غني عن الذبال، ومن استنار بالصباح، ألغى سنا المصباح؛ تالله ما هزت آمالي ذوائبها إلى سواك، ولا حدث أطماعي ركائبها إلى حاشاك، ليكون لذلك في أثر الوسمي للماحل، وعلي جمال الحلي للعاطل، بسيادتك الأولية، ورياستك الأزلية التي يقصر عن وصفها إفصاحي، ويعيا عن بعضها بياني وإيضاحي، فالقراطيس عند بث مناقبك تفنى، والأقلام في رسم آثارك تحفى. وفي فصل منها: والسعيد من نشأ في دولتك، وظهر في جملتك، واستضاء بغرتك، لقد فاز بالسبق من لحظته عيون رعايتك، وكنفه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 حرز حمايتك، فأنت الذي أمنت بعدله نوائب الأيام، وقويت بفضله دعائم الإسلام، تختال بك المعالي اختيال العروس، وتخضع لجلالتك أعزة النفوس، بسابقة أشهر من الفجر، وفطنة أنور من البدر، وهمة أبعد من الدهر: لقد فاز من أضحى بكم متمسكا يمد إلى تأميل عزكم يدا سلكت سبيل الفضل خلقا مركبا وغيرك لا يأتيه إلا تجلدا ليهنيكم مجد تليد بنيتم أغار لعمري في البلاد وأنجدا [وفي فصل] : وإنما أهدي إلى مولاي خدمتي، وأضع في ميزان اختياره همتي، لأمتاز في جملة عبيده، وأشهر في خدمته وعديده: وما رغبتي في عسجد أستفيده ولكنها في مفخر أستجده وكل نوال كان أو هو كائن فلحظة طرف منك عندي نده فكن في اصطناعي محسنا كمجرب يبن لك تقريب الجواد وشده إذا كنت في شك من السيف فابله فاما تنفيه وإما تعده [45ب] وما الصارم الهندي إلا كغيره إذا لم يفارقه النجاد وغمده وله من أخرى عن ابن مجاهد إلى ابن أبي عامر يعلمه بغدر أخيه حسن له، قال فيها بعد الصدر: وان الموفق مولاي - رضي الله عنه - كان رمى إلي بعهده، وقلدني الامر من بعده، وبايعني بذلك من كان في قبضة سلطانه، واشمال ديوانه، ولما اتفقت الآراء، ويئس الأعداء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 مد أخي حسن بيعتي يدا، وأظهر في طاعتي معتقدا، فما آن لمداد عهده أن يجف، ولا حان ليد عاقده أن تنحرف، حتى داخل صاحب اشبيلية في الغدر والخلاف، فأنفذ إليه رجلا يدعى سلمة من جنده ليتصرف على إرادته، فأجمعوا أيديهم والقضاء أملك، وأزمعوا كيدهم والقدر يضحك، وتوخوا صدري من صلاة الجمعة، فوافوني قد انسربت في كلة الأمن، ونمت في حجر حسن الظن، فما استيقظت إلا لصفح صفائحهم تصلت علي، ولا انتهبت إلا لضوء رماحهم تشرع إلي، إلا أن الله كان بازائي ظهيرا، وتلقاني نصيرا، وبين يدي رفدا، ومن ورائي مددا وردءا. فما كان إلا أن تساقط فراشهم في مصابيح الفرج، وأتسعت شبههم في موارد الثلج، وفزت وقد انجلت الكرة عليهم. فأما سلمة المذكور فانه رمى عن قوسه إلى نفسه، وسطا بسهمه على جسمه، فانثنى في بطاحه، مقتولا بسلاحه؛ وأما حسن فمر مستمرئا لما استمراه، مستمرا لما استحلاه، قد عارض النعمة بجحدها فسلبت عنه، وقارض الحسنة بضدها فانتزعت منه، على أنه كان بين الجفن والناظر نازلا، وبين الضمير والخاطر جائلا، قد قاسمته العيش نصفين، والحياة شطرين، له النوم ولي السهر، وله الأمن ولي الحذر، وله الصفو ولي الكدر، أشقى لينعم، [وأمتهن ليكرم] ، إلى أن واصلته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 الرفاهية فمل، ونادمته النعمة فاعتل، ومسه الخير فمنع، وغرته الأماني فانخدع، حتى ذاق وبال أمره (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (فاطر: 43) . وله من أخرى [عنه] إلى المظفر بن الأفطس: وما أشك في ما ذكرت من أخذك معي بالنصيب الأوفر، والقسط الأكبر، من المصاب بفقد الموفق مولاي ومعظك، كان، - لقاء الله رضوانه، وألحفه عفوه وغفرانه - فقد كان إذا عد الأفاضل لا يثني خنصره إلا عليك، وإذا ذكر الرؤساء لم يشر بتصحيح الوفاء إلا اليك، فنحن لا نستوحش بفقد فاضل وذاته موجودة، ولا نرتاع لموت جليل [46أ] وحياته ممدودة، فانك إذا قال قائل منا: كسدت لوفاة الموفق سوق الأدب، وبارت بضاعة الطلب، وهوى نجم العلم، وكبا زند الفهم، وعفا رسم الحلم، وطفئ سراج الرأي، استثنى بك المجيب، وعزي بمكانك المصيب، وأطبق الإجماع أنك جماع الفضائل ونظامها، وفي يديك لواؤها وزمامها. وله [فصل] من أخرى: أأظمأ إلى ماء نهر قد تغلغلت في حياضة، وأذاد عن لألاء زهر قد توغلت في رياضه، وأتعطل من حليك وقد فاض فض البحور، وأتعرى من حلك وقد ضفت ملابسها على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 الجمهور -! كلا والله، إني لعاجز مع تمكينها وإعراضها، وقلة عللها وأعراضها، ولقد رفع الله من هذا الأدب الذي جددت رسومه بعد دثورها، وأطلعت نجومه بعد غؤورها، ونهجت سبلة بعد انشعابها وطموسها، وبصرت أعلامه بعد ذهابها ودروسها، حتى مالت إليه الأعناق، وانثالت عليه الرفاق، وطمحت نحوه الأحداق، وحق لشيء نفقته أن يعز وينفق، ولنجم أطلعته أن ينير ويشرق، ولغصن سقيته أن يسبق ويورق، وجددته عن قدم، وأوجدته من عدم، ونشرته من كفن، وبعثته من جنن، فهو يثني بآلائك ثناء الأزهار للأمطار، ويعبق بشيمك عبق الأنوار بالأسحار، ويشير إليك إشارة المصنوع إلى الصانع، ويدل عليك دلالة الليل على النجوم الطوالع. وفي فصل من أخرى: ان سبقت إلى الفضل فالمعهود منك السبق، وان أوجبت [لك] علي حقا فقديما كان لك الحق، وقد أبى الله أن يرتدي برداء الحمد، ويتقعد ذروة المجد، إلا من قرع أنف الأنفة، بيد النصفة، وعصى سلطان الحمية الجاهلية، بالانقياد لأحكام الملة الحننيفية، وما أربحه متجرا، وأرجحه مفخرا، لمن أهداه إليه توفيق، وهداه عليه تحقيق، وأنت - أيدك الله - ذلك الناظر بعين اليقين، الساهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 في مصالح الدنيا والدين، وبحق علا قدرك، وسما ذكرك، وأصبحت في رؤساء الأندلس المشار إليه، والكبير المعتمد عليه. ومن رسائله في ذكر الجهاد واستنفار كواف البلاد فصل له من رقعة: ورد كتابك يحض على ما أمر الله به من الألفة، واتفاق الكلمة، وإطفاء نار الفتنة، وجمع شمل الأمة، في هذه الجزيرة المنقطعة عن الجماعة، فلله [46ب] رأيك الأصيل، وسعيك الجميل، ومذهبك الكريم، وغيبك السليم!! ما أصدق قيلك، وأهدى دليلك، وأوضح في سبيل البر سبيلك!! وقد كنت - علم الله - جانحا إلى ما جنحت إليه، ويلوح لي ما يلوح إليك: من أنا على طرف إلا ما كفى الله، وعلى قلة إلا ما وقى الله. وله فصول [اقتضبتها] من رسالة فيها طول، كتبها على ألسنة أهل بربشتر، عنوانها: من الثغور القاصية، والأطراف النائية، المعتقدين للتوحيد، المعترفين بالوعد والوعيد، المستمسكين بعروة الدن، المستهلكين في حماية المسلمين، المعتصمين بعصمة الإسلام، المتآلفين على الصلاة والصيام، المؤمنين بالتنزيل، المقيمين على سنة الرسول، محمد نبي الرحمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 وشفيع الأمة، إلى من بالأمصار الجامعة، والأقطار الشاسعة، بجزيرة الأندلس من ولاة المؤمنين، وحماة المسلمين، ورعاة الدين، من الرؤساء والمرءوسين، سلام عليكم، فانا نحمد الله اليكم، حمد من أيقن به ربا، وجعله حسبا، ولي المؤمنين، وغياث المستغيثين، مجري الفلك في البحر بأمره (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) (الحج: 65) ونصلي على المصطفى من أصفيائه، محمد خاتم أنبيائه، المبتعث بأنواره الساطعة، وحجاجه القاطعة، على حين عفت رسوم الدين، وخوت نجوم اليقين، فجلا الشك، وأدحض الإفك، فعليه من السلام أفضل سلام، ما وحد الرحمن، وثني الفرقدان. أما بعد: حرسكم الله بعينه التي لا تنام، فانا خاطبناكم مستنفرين، وكاتبناكم مستغيثين، وأجفاننا قرحى، وأكبادنا حرى، ونفوسنا منطبقة، وقلوبنا محترقة، على حين نشر الكفر جناحيه، وأبدى الشرك ناجذيه، واستطار شرر الشر، ومسنا وأهلنا الضر، أحسن ما كنا بالأيام ظنا، وملتنا ظاهرة، وفئتنا متناصرة، لا تشل لنا يد، ولا يفل لنا حد، حتى انقلبت العين، وبان الصبح لذي عينين. [وفي فصل منها] : وأي أمان من زمان قلما يخضر منه جانب إلا جف جانب، ولا تبرق منه بارقة إلا اتبعتها صاعقة، إلا ما وقى الله. وننبئكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 - معشر المسلمين - بعض ما نابنا في ثغورنا، عسى أن تكونوا سببا لنصرتنا، فالمؤمنون إخوة، والمسلمون لحمة، والمرء كثير بأخيه، وإلى أمه يلجأ اللهفان، وإلى الصوارم تفزع الأقران، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من عميت عيناه، وصمت عن الموعظة أذناه. ونقص عليكم من نبأنا، وما انتهت إليه حال ملأنا، ما والله يوجع [47أ] القلوب سماعه، كما قصم الضهور وأسخن العيون اطلاعه. وفي فصل منها: فأحاطت بنا كإحاطة القلادة بالعنق. يسوموننا سوء العذاب، بضروب من الحرب والحرب، أناء ليلها ونهارها، تصب علينا صواعقها، وترمي إلينا بوائقها، فانا لله وإنا إليه راجعون، على ما رأت منا العيون، من انتهاك تلك النعم المدخرات، وهتك ستر الحرم المحجبات، والبنات والمخدرات، وما تكشف من تلك العورات المسترات، فلو رأيتم - معشر المسلمين - إخوانكم في الدين، وقد غلبوا على الأموال والأهلين، واستحكمت فيهم السيوف، واستولت عليهم الحتوف، وأتخنتهم الجراح، وعبثت بهم زرق الرماح، وقد كثر الضجيد والعويل والنياح، ودماؤهم على أقدامهم تسيل، سيل المطر بكل سبيل، ورءوسهم قد أمهم تطير، وقلوبهم في أجسادهم تسيطر، ولا مغيث ولا مجير، وقد صمت الآذان، بصرخ الصبيان، ونياح النسوان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 وبكاء الولدان، وعلت الأصوات وفشت المنكرات، وتمرد الشيطان، واشتهر الطغيان، وظهرت الصلبان، وأفصحت النواقيس، وجلحت الأباليس، وسعرت طغاة الخنازير، وصارت الدور كالتنانير، دماء تسفك، وستور تهتك، وحرم تنتهك، ونعم تستهلك، وأقفاء تصفع، وأعضاء تقطع، وأعياث ترتكب، وأثاث ينتهب، ومصاحف تمزق، ومساجد تحترق، فلا الأخ يغي أخاه، ولا الابن يدعو أباه، ولا الأب يدني بنيه. (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) (عبس: 37) ولا المرضعة تلوي على رضيعها، ولا الضحجيعة ترثي لضجيعها، كأنهم في مثل اليوم الذي ذكره الجليل، في محكم التنزيل، (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وتر الناس سكارى وما هم بسكارى) (الحج: 2) ؛فما ظنكم - معشر المسلمين - وقد سيقت النساء والولدان، وما بين عارية وعريان، قودا بالنواصي إلى كل مكان، طورا على المتون، وطورا على البطون، ومشيخة الرجال، مقرنين في الحبال، مصفدين في السلاسل والأغلال، مقتادين بشعور السبال، ان استرحموا لم يرحموا، وان استطعموا لم يطعموا، وان استسقوا لم يسقوا، وقد طاشت أحلامهم، وذهلت أوهامهم، وسخنت أعيانهم، وتغيرت ألوانهم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 وفي فصل منها: وما ظنكم - معشر المسلمين - وقد رأيتم، [47ب] الجوامع والصوامع بعد تلاوة القرآن، وحلاوة الأذان، مطبقة بالشرك والبهتان، مشحونة بالنواقيس والصلبان، عوضا من شيعة الرحمن، [والأئمة والمتدينون] ، والقومة والمؤذنون، يجرهم الأعلاج كما تجر الذبائح إلى الذابح، يكبون على وجوههم في المساجد صاغرين، ثم أضرمت عليهم نارا حتى صاروا رمادا، والكفر يضحك وينكي، والدين ينوح ويبكي، فيا ويلاه، ويا ذلاه، ويا كرباه، ويا قرآناه، ويا محمداه، ألا ترى ما حل بحملة القرآن، وحفظة الايمان، وصوام شهر رمضان، وحجاج بيت الله الحرام، والعاكفين على الصلاة والصيام، والعاملين بالحلال والحرام، فلو شهدتم - معشر المسلمين - ذلك لطارت أكبادكم جزعا، وتقطعت قلوبهم قطعا، واستعذبتهم طعم المنايا، لموضع تلك الرزايا، ولهجرت أسيافكم أغمادها، وجفت أجفانهم رقادها، امتعاضا لعبدة الرحمن، وحفظة القرآن، وضعفة النساء والولدان، وانتقاما من عبدة الطغيان، وحملة الصلبان. وفي فصل منها: وقد ندب الله مسلمي عباده إلى الجهاد في غير ما آية من الكتاب، يضيق عن نصها الخطاب، ترغيبا وترهيبا، فوعد المطيعين جزيل ثوابه، والعاصين أليم عقابه، والرواية عنه عليه السلام في فصل الجهاد، وما يجازي فيه رب العباد، أشهر من أن تذكر، وأكثر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 من أن تحصر، فالله الله في إجابة داعينا، وتلبية منادينا، قبل أن تصدع صفاتنا كصدع الزجاج، فهناك لا ينفع العلاج. وفي فصل منها: ولا بد للحق من دولة، وللباطل من جولة، والحرب سجال، والدهر دول، و (لكل أمة أجل) (يونس: 49) ؛ ولولا فرط الذنوب، لما كان لريحهم علينا [من] هبوب، ولو كان شملنا منتظما، وشعبنا ملتئما، وكنا كالجوارح في الجسد اشتباكا، وكالأنامل في اليد اشتراكا، لما طاش لنا سهم، ولا سقط لنا نجم، ولا ذل لنا حزب، ولا فل لنا غرب، ولا روع لنا سرب، ولا كدر لنا شرب، ولكنا عليهم ظاهرين، إلى يوم الدين، فالحذر الحذر! فإنه رأس النظر، من بركان تطاير منه شرر ملهب، وطوفان تساقط منه قطر مرهب، قلما يؤمن من هذا إحراق، ومن ذلك إغراق، فتنبهوا قبل أن تنبهوا، وقاتلوهم في أطرافهم قبل أن يقاتلوكم في أكنافكم، وجاهدوهم في ثغورهم، قبل أن يجاهدوكم في دوركم، ففينا [48أ] متعظ لمن اتعظ، وعبرة لمن اعتبر، فانظروا إلى ثغورنا كيف تهتضم، وإلى أطرافنا كيف تخترم، وفيئنا كيف يقتسم، وأموالنا كيف تصطلم، ودماؤنا مطلولة، وحدودنا مفلولة، وأنتم عنا لاهون، في غمرة ساهون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 وكأنا لسنا منكم، ولا نحن سداد دونكم مضروبة، وجنن نحوكم منصوبة. وفي فصل منها: وأنه إن استلبت الأطراف، لم تتعذر الأصناف، والبعض للبعض سبب، والرأس من الذنب، غير أنا دنونا وبعدتم، وشقينا وسعدتم، ورأينا وسمعتم، وليس الخبر كالعيان، ولا الظن كالعرفان، ولقد آن أن يبصر الأعمى وينشط الكسلان، ويستيقظ النومان، ويشجع الجبان. إيجاز الخبر بحادثة بربشتر التي ذكر ورجع المسلمين إليها قال أبو مروان [ابن حيان] : وفي سنة ست وخمسين وأربعمائة تغلب العدو على مدينة بربشر قصبة بلد برطانية. الواسط لما بين بلدتي لاردة وسرقسطة، ركني الثغور العلا، وهي الأم البرزة، التليد حلول الإسلام فيها لأول فتوح موسى بن نصير، التي لم تزل من أقادم معمورات من تناسخ عمارة الأندلس من القرون الحالية، اتخذت بأكرم البقاع وأوثق البناء، راكبة لنهر ماردة سورا مضروبا لأهل الثغور القصى، [والدفع] في وجوه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 العدى، تناسخها قرون المسلمن منذ ثلاثمائة وثلاث وستين سنة، منذ أول عهد الفتوح الإسلامية بجزيرة الأندلس، فرسخ فيها الإيمان، وتدورس بها القرآن، إلى أن طرق الناعي بها قرطبتنا فجأة، صدر شهر رمضان من العام، فصك الأسماع وأطار الأفئدة وزلزل الأرض الأندلسية قاطبة، وصير للكل شغلا تسكع الناس في التحدث به والتسآل عنه والتصور لحلول مثله أياما لم يفارقوا فيها عادتهم من استبعاد الوجل، والاغترار بالأمل، والإسناد إلى أمراء الفرقة الهمل، الذين هم منهم ما بين فشل ووكل، يصدونهم عن سواء السبيل، ويلبسون عليهم وضوح الدليل. ولم تزل آفة الناس منذ خلقوا في صنفين منهم، هم كالملح فيهم: الأمراء والفقهاء، قلما تتنافر أشكالهم، بصلاحهم يصلون، وبفسادهم يردون، فقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا هذين، بما لا كفاية له مخلص منه، فالأمراء القاسطون قد نكبوا بهم عن نهج الطريق، ذيادا [48ب] عن الجماعة، وحوشا إلى الفرقة، والفقهاء أئمتهم صموت عنهم، صدوف عما أكد الله عليهم في التبين لهم، قد أصبحوا بين آكل من حلوائهم، خائض في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 أهوائهم، وبين مستشعر مخافتهم، آخذ بالتقية في صدقهم، وأولئك هم الأقلون فيهم، فما القول في أرض فسد ملحها الذي هو المصلح لجميع أغذيتها، وان أصبحت بصدد من خبالها: هل هي إلا مشفية على بوارها واستئصالها -! ولقد طما العجب من أفعال هؤلاء الأمراء، أن لم يكن عندهم لهذه الحادثة الغراء في بربشتر إلا الفزع إلى حفر الخنادق وتعلية الأسوار، وشد الأركان، وتوثيق البنيان، كاشفين لعدوهم عن السوءة السوءاء من إلقائهم [يومئذ] بأيديهم اليهم: أمور قبيحات الصور، مؤذنات الصدور بأعجاز تحل الغير: أمور لو تدبرها حكيم إذن لنهى وهيب ما استطاعا ولكن ما الحيلة في أديم تفرى تعبنا، فغلب الصناع، يخالها العاجز سحيلات محلولة، وهي في حكمة القدير مبرمة مفتولة، ضل فيها الحكماء قبلنا، فلنا في الإقصار عن كشفها مندوحة؛ فلنأخذ فيما افتتحنا القول فيه من حديث المصيبة الفادحة في بربشتر: وهو أن جيش الأردمانيين طنبوا عليها، ووالوا حصرها، وجدوا في قتالها طامعين فيها، وقد أسلمهم أميرهم يوسف بن سليمان بن هود لخطبهم، ووكلهم إلى أنفسهم، وقعد عن النفير نحوهم، فأقام عليها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 العدو منازلا أربعين يوما؛ ووقع بين أهلها تنازع على القوت لقلته، ولما علم العدو بذلك جد في القتال، فدخل الكفرة المدينة البرانية في نحو خمسة آلاف دارع، فبهت الناس وتحصنوا بمدينتهم الداخلة، ودارت بينهم حرب شديدة قتل فيها من النصارى خمسمائة؛ ثم اتفق من قدر الله تعالى أفضت إلى شط النهر، فانهارت في نفس ذلك السرب بأسره، فعدموا الماء وأيسوا من الحياة، ودعوا إلى تأمينهم على النزول بأنفسهم خاصة دون مال وعيال؛ فأعطاهم أعداء الله ذلك، فلما خرجوا نكثوا بهم وقتلوا معا، ولم يطلقوا منهم غير قائدهم ابن الطويل وقاضيهم ابن عيسى [49أ] في نفر من الوجوه قليل عددهم، فحصلوا من غنائم بربشتر على ما لا يقدر [حصره] كثرة؛ زعموا أنه صار لأكبر رؤسائهم، قائد خيل رومة، في حصته نحو ألف وخمسمائة جارية أبكارا كلهن، ومن أوقار الأمتعة من الحلي والكسوة والوطاء خمسمائة حمل. وتحدث أيضا أنه أصيب في هذا القتل والسبي مائة ألف نسمة، وشد الكفار أيديهم بمدينة بربشتر واستوطنوها، وهلك من نساء بربشتر جملة يكثر عدها عند إفلاتهن من عطش القصبة لتطارحهن على الماء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 يكرعن فيه بغير مهل، فكبهن للأذقان موتى. وكان الخطب في هذه النازلة أعظم من أن يوصف أو يتقصى. قال أبو مروان: وبلغني أنه كانت المرأة تطلع من فوق سور المدينة، فتنادي من يدنو اليها من الكفرة عن جرعة ماء لنفسها أو لطفلها، فيقول لها: هاتي ما معك، ألقي إلي ما يرضيني أسقك، فتلقي اليه ما عندها من كسوة أو حلية أو مال، وتدلي نحوه ما حضرها من قربة أو آنية في رشاء، فتغيث به نفسها أو طفلها. وعرف الطاغية ذلك، فنهى رجاله [عنه] وقال: اصبروا وقتا ويؤخذون جملة. وآل بجماعتهم آخرا أن ألقوا إلى المشركين بأيديهم فارين من الظمأ مع أمان، فلما رأى الطاغية كثرتهم وانتشارهم، هاله ذلك وخاف أن تدركهم حمية في استنقاذ أنفسهم، فأمر أصحابه ببذل السيف فيهم ليخفف من أعدادهم، فقتل منهم يومئذ خلق عظيم تحدث أنهم نيفوا على ستة آلاف قتيل. ثم نادى ملكهم برفع السيف عنهم، وأمر جميعهم بالخروج عن المدينة بالأهل والذرية فابتدروا الخروج عنها مزدحمين على أبوابها، فمات منهم في ازدحامهم [ذلك، من الشيوخ والعجائز والأطفال] جماعة، وجعل كثير منهم يتدلون بالحبال من ذرى السور فرارا من ضغط الازدحام على الأبواب، وبدارا إلى شرب الماء، واستمسك في القصبة من وجوه الناس وجلداء فتيانهم نحو سبعمائة رجل، تحصنوا فيها ولاذوا من موت السيف بموت الغلة. ولما برز جميع من بقي من أهل المدينة عنها إلى فناء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 بابها بعد من خفف منهم بالقتل، وهلك في الزحمة، ظلوا قياما ذاهلين منتظرين لنزول القضاء بهم، نودي فيهم بأن يرجع كل ذي دار منهم إلى داره ووطنه بأهله وولده، وأزعجوا لذلك، فنالهم من الازدحام قريبا مما نالهم في خروجهم عنها فلما استقروا فيها [مع عيالهم وذرياتهم] اقتسمهم المشركون بأمر سلطانهم قسمة قرروها بينهم، فكل من صارت في حصته دار حازها، وحاز ما فيها من أهل وولد ومال، يحكم كل علج منهم في من [49ب] سلط عليه من أرباب الدور بحسب ما يبتليه الله به [منهم] ، يأخذ كل ما أظهره عليه من نشب، ويقرره على ما أخفاه عنه، يعذبه أنواعا من العذاب حتى يبلغ نفسه عذرها منه، فربما زهقت نفس المسلم دون ذلك فاستراح، وربما أنظره أجله إلى أسوأ من ذلك، فإن عداة الله كانوا يومئذ يتولعون بهتك حرم أسراهم وبناتهم بحضرتهم وعلى أعينهم، إبلاغا في تعذيب قلوبهم، يغشون الثيب ويفتضون البكر، وزوج تلك وأبو هذه موثق بقيد إساره، ناظر إلى سخنة عينه، فعينه تدمع، ونفسه تقطع، ومن لم يرض ذلك منهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 أن يفعله في خادم أو ماهنة أو وخش أعطاهن خوله وغلمانه يعبثون بهن عبثه، فبلغ فيهم [يومئذ] ما لا تلحقه الصفة على الحقيقة. ولما كان ثلاثة أيام من استيلاء الكفرة عليهم، نهدوا لمن كان بقي من المتحصنين بذروة القصبة، وأحاطوا بهم، فنزلوا على أمان وقد سهمت وجوههم، وتغيرت خلقهم، من عبث العطش، فتجافى الكفرة عنهم، وخرجوا يريدون مدينة منتشون - أقرب مدن الإسلام إليهم - فقضي أن لقوا سرية من خيل النصارى، لم يشهدوا فتح بربشتر ولا علموا خبر هؤلاء المسرحين المكروبين، فقتلوهم جملة، إلا من نجا به أجله منهم، وقليل ما هم، فمضوا على هذه السبيل على ما حكم الله فيهم. ولما عزم ملك الروم على القفول [يومئذ] من بربشتر إلى بلده، تخير من بنات لمسلمين الجواري الأبكار، والثيبات ذوات الجمال، ومن صبيانهم الأيفاع والحزاور الحسان ألوفا عدة، حملهم معه ليهديهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 إلى من فوقه، وترك بربشتر من رابطة خيله ألفا وخمسمائة، ومن الرجالة ألفين. قال أبو مروان [ابن حيان] : وأختم هذه الأخبار البربشترية، الموقظة لقلوب أولي الألباب، بنادرة منها يكتفى باعتبارها عما سواها، وتمثل لذوي النهى صورة البلوى التي تتوقع شرواها، وهي ما حكاه لي بعض من أكاتبه بالثغور عن رجل من تجار اليهود، أتى بربشتر البائسة بعد الحادثة [عليها] ، ملتمسا فدية بنات لبعض وجوه من نجا من أهلها حصلن في سهم قومس من وجوه الرابطة فيما كان يعرفه، قال: فهديت إلى منزله الذي كان نزله فيها، واستأذنت عليه، فأجده جالسا مكان رب الدار مستوليا على فراشه، رافلا في نفيس ثيابه، والمجلس والسرير كما تخلفهما ربهما يوم محنته، لم يتغير شيء من رياشهما وزينتهما، ووصائف على [50أ] رأسه روقة مضمونات الشعور قائمات على رأسه سماعيات لخدمته؛ فرحب بي وسألني عن قصدي، فعرفته وجهه، وأشرت له إلى وفور ما أبذله في بعض اللواتي على رأسه، وفيهن كانت حاجتي، فابتسم وقال بلسانه: لسريع ما طمعت من قرب فيما أبرزناه لك، فأعرض عمن هاهنا، وتعرض لمن شئت ممن صيرته بحصني من سبيي وأسراي أقاربك في من شئت منهن؛ فقلت له: أما الدخول إلى الحصن فلا رأي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 لي فيه، وبقربك أنست، وفي كنفك اطمأننت، فسمي ببعض من هاهنا فإني أصير إلى رغبتك؛ فقال: وما الذي عندك مما تشوقني إليه - قلت له: العين الكثير الطيب، والبز الرفيع الغريب، قال: كأنك تشهيني ما ليس عندي: يا بجة - ينادي بعض أولئك الوصائف: يريد يا " بهجة " [فيغيره] بعجمته - قومي فاعرضي على هذا اليهودي الخداع مما في ذلك الصندوق؛ فقامت اليه، وأقبلت ببدر الدنانير وأجناس الدراهم وأسفاط الحلي، فكشف وجعل بين يدي العلج حتى كادت تواري شخصه؛ ثم قال لها: ادني إليها من تلك التخوت، فأدنت منها عدة من قطع الوشي والخز والديباج الفاخر بما حار له ناظري وبهت، واسترذلت ما عندي. ثم قال [لي] : لقد كثر هذا عندي حتى ما ألذ به، ثم حلف بإلهه وآبائه: لو لم يكن عندي شيء من هذا ثن بذل لي بأجمعه في ثمن مدنيته إليك ما سخت نفسي بها فيه، فهي ابنة صاحب المنزل، وله حسب في قومه، اصطفيتها له مع جمالها لولادتي، حسبما كان قومها يصنعونه بنسائنا نحن أيام دولتهم، وقد رد لنا الكرة عليهم، فصرنا الآن فيما ترته؛ وأزيدك بأن تلك الخود الناعمة - وأشار إلى جارية أخرى قائمة إلى ناحية - لمغنية السخين العين والدها التي كانت تشدو الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 له على نشواته، إلى أن أيقظناه من نوماته؛ يا فلانة - يناديها بلكنته - خذي عودك فغني زائرنا بشجوك؛ قال: فأخذت العود وقعدت تسويه، وإني لأتأمل دمعها يقطر على خدها، فتسارق العلج مسحه، واندفعت تغني بشعر ما فهمته أنا، فضلا عن العلج، فصار من الغريب أن حث شربه هو عليه، وأظهر الطرب منه. فلما قطعت ويئست مما عنده، قمت منطلقا عته، واردت لتجارتي سواه، فاطلعت من كثرة ما لدى القوم من السبي والمغنم [على] ما طال عجبي منه. فهذا فيه مقنع لمن تدبره، وتذكره لمن تذكره. قال أبو مروان [ابن حيان] : وقد أفشينا في شرح هذه الفادحة مصائب جليلة مؤذنة بوشك القلعة، طالما حذر عليها أسلافنا لحاقها بما احتملوه عمن [50ب] قبلهم من أثارة، ولأشد مما أفشينا عند أولي الألباب ما أخفيناه مما دهانا من داء التقاطع وقد أخذنا بالتواصل والألفة، وأصبحنا من استشعار ذلك والتمادي عليه على شفا جرف يؤدي إلى الهلكة لا محالة، إذ قدر الله زمانها، هذا بالإضافة إلى ما عهدناه في القرن الذي سلخناه من آخر أمد الجماعة على إدراك من لحق الذي قبله، فمثل دهرنا هذا فرس بهيم الشية ما إن يباهي بقرحة فضلا عن شدوخ غرة، قد غربل أهليه أشد غربلة فسفسف أخلاقهم، واجتث أعراقهم، وسفه أحلامهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 وخبث ضمائرهم، فاحتوى عليهم الجهل، واقتطعهم الزيف، وأركستهم الذنوب، ووصمتهم العيوب، فليسوا في سبيل الرشد بأتقياء، ولا على معاني الغي بأقوياء، شاء من الناس هامل، يعللون نفوسهم بالباطل، من أدل الدلائل على فرط جهلهم بشانهم، اغترارهم بزمانهم، وبعادهم عن طاعة خالقهم، ورفضهم وصية رسوله نبيهم عليه السلام، وذهولهم عن النظر في عاقبة أمرهم، وغفلتهم عن سد ثغرهم، حتى لظل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم يتبحبح عراص ديارهم، ويستقرئ بسائط بقاعهم، يقطع كل يوم طرفا منهم ويبيد أمة، ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم، لهاة عن بثهم، ما إن يسمع عندنا في مسجد من مساجدنا ومحفل من محافلنا مذكر بهم أو داع لهم، فضلا عن نافر إليهم أو مواس لهم، حتى كأن ليسوا منا، أو كأن فتقهم ليس بمفض إلينا، قد بخلنا عليهم بالدعاء، بخلنا بالغناء، عجائب مغربة فاتت التقدير، وعرضت للتغيير، فلله عاقبة الأمور، وإليه المصير. قال أبو مروان [ابن حيان] : فلما كان عقب جمادي الأولى من سنة سبع وخمسين [بعدها] شاع الخبر بقرطبة بارتجاع المسلمين لبربشتر، وذلك أن أحمد ابن هود الملقب بالمقتدر، المفرط فيها، والمتهم على أهليها لانحرافهم إلى أخيه، صمد لها مع مدد عباد حليفه، وسعى لإصمات سوء القالة عنه، وقد كتب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 الله عليه منها ما لا يمحوه إلا عفوه، فتأهب لقصد بربشتر، فسار نحوها، ورجال ابن عباد نحو من خمسمائة فارس، مقدمته من شداد البرابرة وغيرهم من أبطال الأندلس، فنزل عليها بجمعه، فجالدوا المسلمين بباب المدينة جلادا ارتاب منه كل جبان، وأغوى الله أهل [51أ] الحفيظة والشجعان، وحمي الوطيس بينهم إلى أن نصر أوليائه، وزلزل أعداءه، وولوا الأدبار مقتحمين أبواب المدينة، فاقتحم المسلمون عليهم وملوكهم أجمعين، إلا من فر من مكان الوقعة ولم يأت المدينة، فأجيل [السيف] في الكافرين، واستوصلوا أجمعين، إلا من استرق من أصغارهم، وابتغوا الفداء من أعاظمهم، وسبوا جميع من كان فيها من عيالهم وأبنائهم، وتملكوا المدينة بقدرة الخالق الباري، وأصيب على منحة النصر المتاح طائفة من حماة المسلمين، الجادين في نصر الدين، نحو الخمسين، كتب الله شهادتهم؛ وقتل فيها من أعداء الله الكافرين نحو ألف فارس وخمسمائة راجل، فاستولى المسلمون بحمد الله عليها، وغسلوها من رجس الشرك، وجلوها من صدا الإفك، ثبت الله فيها قدم الإسلام، وجبر صدع من تولى من إخوانهم، بمنه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 ومن رسائله الإخوانيات فصل له من رقعة في استفتاح خلطة: قد يتراسل الناس وإن لم تتقدم مباسطة، ولا سلف مخالطة، لأسباب تصل أهواءهم، وأحوال تجمع آراءهم، فتأتلف قلوبهم، وتعود ذات بينهم كأن لم تزل ملتئمة، وتلوح قواعد مؤاخاتهم كأن لم تبرح مستقرة مستحكمة، وقد دعاني إلى الأخذ بحظ من إخائك، والاكتئاب في ديوان أودائك وأصفيائك، سببان: أحدهما ما أرج إلي من طيب أخبارك، وجلي علي من محاسن آثارك، وقدر لدي من فضائلك التي تقاد اليك النفوس بأزمة ودادها، وتقف عليك خالص اعتقادها، فالفضائل حيث كانت مرغوبة محبوبة، والهمم نحوها جانحة طامحة، والأهواء بها كلفة، ولها مكتنفة؛ والسبب الآخر: مكانك من سيدنا الملك [الأعظم]- أدام الله رفعته، وثبت وطأته، ومكن سلطانه ودولته - وحظك الرفيع من أثرته، وحالك المشكورة في خدمته، فإن كل من اتصل به واعتصم بسببه، وفاء عليه ظله الظليل، وأحاط به فضله الجزيل، فقد جمعني وإياه ذمام كبير وسبب موصول، إذ أنا متمسك من حبله بأوثق عروة، ومستضيء من نوره بأنور جذوة. وله [فصل] من أخرى [في مثله] : قديما تواصل الناس على البعد، وتهادوا ثمر الإخلاص والود، وإن لم يتقدم سبب موجب للتواصل، ولم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 يرد رائد مقتض للتراسل، وما أقول إن مخالطة تمكنت [51ب] لا سبب لها، ولا مواسطة تمهدت لا باعث عليها، فإن توق النفس إلى استصفاء الفضلاء، واقتناء مودات الأوفياء، أقوى أسباب الارتباط، وأدعى أبواب الاختلاط، ومحال أن تنجذب نفس، إلى من ليس لها به أنس، أو يكلف ضمير، بمن ليس له منه حظ موفور، وقد تخلت مخاطبتي لك من الأسباب إلا من سبب المحبة فيك، والمعرفة بجميل مذاهبك ومساعيك، والرغبة في اقتناء خلتك، وادخار صداقتك، لما شهر من أحوالك الجميلة، وظهر من خلالك النبيلة، ومن كان على ما أنت عليه، فمر غوب فيه منجذب إليه، مطلوب إخاؤه، مخطوب صفاؤه، محبوب على البعاد، مفدى حتى من الأضداد. وفي فصل من أخرى [في مثله] : إن كانت المعرفة لم تحق، فكم أثر أهدى من عين، وكم خبر أغنى عن خبر، لئن كانت الألفة لم تسبق، فرب طارف حديث أكرم من تالد موروث، ورب مستفاد مكتسب، أغبط من عتاد معتقب؛ ووردني لك كتاب [كريم] نطق بلسان تفضلك فأصغى هوى النفس إليه، واستطفى مودات القلوب لديه، وقضى أنك عين الأعيان، وفاضل الزمان، والخاص بنوع الإنسان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 وفي فصل من أخرى: منابت الفضل باسقة الفروع، حميدة الجميع، طيبة الجنى، جميلة المخبر والمرأى، لا تطلع إلا ما يبهج، ولا تلقح إلا ما ينتج، ولا تروق إلا بما يرف، ولا تثمر إلا ما يشف، وأنت في أطيبها معدنا، وأكرمها موطنا، ومن أزكاها منبتا، وأسراها مغرسا، ولا يرد منك إلا ما يعبق نسيمه، ويلذ شميمه، ويروق منظره، ويفوق مخبره، وما زلت أعرف لك الحق الوكيد، والسبق البعيد، والسعي السديد، فأقول إنك غرة في وجه الدهر البهيم، ومعذرة من إساءة هذا الزمن المليم، فما أخطأت عنك الفراسة، ولا اختلفت فيك الرياسة، بل أوفيت على المقدار المظنون، وأتيت من وراء المتيقن المضمون. وله من أخرى: ورد كتابك الكريم يعرب عن ود لا تكذب فيك صفاته، وعهد لا تقرع صفاته، وقد كنت أتأمل فيك شواهد التحقيق، وأعلم أنك الواقع عليه معنى الصديق، على أنه في هذا الزمن كالعدم، إلا في الكتب والكلم. وفي فصل من أخرى: ان عوائد المتكاتبين على أي حال كانوا من اتفاق المعاقد، واختلاف المقاصد، قد جرت على سنن من ذكر [52أ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 الود وانتحاله، وحسن العهد وجماله، تمتريه كل فرقة، وتتعاطاه كل طائفة، حتى قد كاد يقع الالتباس بين المحق والمبطل، وتختلج الظنون والظنن في عيان المتأمل، بكثرة الدعاوى في الناس والنفاق، وعدم التصافي في الأغلب والوفاق، فالكلام منهل مورود، وحبل ممدود، وباب غير مسدود، فما عسى الموالي المحق أن يكتب به، معربا عن صحة ضميره ومذهبه، ولعل الظنين المستراب به قد سبق من القول في هذا الباب إلى كل ثنية، وأتى من الإسهاب والإغراب بكل قضية سنية، قبل إعمال الروية، فهي ألفاظ مشتركة غير متميزة، وكلمات مختلطة غير متحيزة. وفي فصل من أخرى [له] : وكنت أضرب صفحا عن ذكر حالي معك والاتباطها، وانجذاب نفسي إليك وانبساطها، وامتزاج ذاتي بك واختلاطها، إلا أني قلت: لا بد للنفوس من أن تظهر ألإعالها، وللحقائق ان تعطي أحوالها، فإن وراء كل دعوى، ستارا من النجوى، يعلم به هل تغلغلت في الضمير ذاهبة، أو أخذت في بعض الجوانب وازبة؛ وعلمت أنه لا بد من شواهد اللسان، مع معاقد الجنان، والله المطلع على الضمائر لم يقبل عقد الإيمان، حتى يصحبه عقد اللسان، ولهذا السبب لا بد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 للمرء أن يقول، وللسان أن يجول، إلا أنه يكتفى بالقليل من الكثير، ويحال على خواطر الضمير. وله من أخرى: إن أخذت في ذكر فضائلك، أو عطرت كلامي بطيب شمائلك، فلسان الأيام بها أفصح، ولها أشرح، وان عدلت إلى وصف ما أعتقده فيك وأضمره، وأطويه من ودادي لك وأنشره، فشاهد ضميرك به أنطق، وعنه أصدق، فليس إلا الاتفاق والاصطلاح، على ما تتناخى به النفوس والأرواح. وفي فصل من أخرى: وردني لك كتاب أراني كيف يكون الكلام درا، والبيان سحرا، وبطون المهارق حدائق، وما بين مدب الأقلام بوارق، فلله يد نمنمت وشيه، ونظمت حلية، وقريحة أطلعت أزاهره، ما أطول باعها! وأكثر في فنون الأدب اتساعها! ولله زمان أصحب بعد الامتناع، ووصل بعد الانقطاع، ورفع أعلام السعادة، وبلغ أقصى الآمال والارادة، بورود الكتاب الأثير من شاطبة، وقد تبوأ منها بسطة ذراه، وذكرت أنه وصل اليها على تناه من البهجة، فاتت الظنون، وراقت العيون، وتجاوزت حد [52ب] الجمال، واستوفت غاية الكمال، بالمنظر المعجب، والمرأى المستغرب، الذي لم تفتق الأسماع بمثله، ولا نهضت الأفكار بشكله، والحال مغنية بذاتها، عن صفاتها، فقد رفعها الله عن أن تحيط بها الأوصاف، ومحلها أجل عن أن تصفها الوصاف؛ فإنها نادرة الأيام، وفائدة الزمان، يسير بها الركب، وتحلى بها الكتب، وتدون في صحائف الفخر، وتعمر على مر الدهر، ويبلى العصر، وهي جديدة الذكر. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 وله من أخرى: وحين انتظم أمل، وتناهى جذل، لما أشرفت عليه من صدر الكتاب الكريم، أوقفتني منه على حفزة عتب، وخزت وخز الأشافي، ولدغت الأفاعي، فأمرت الحلو، وكدرت الصفو، وحزنت النفس، وشردت الأنس، فناهيك بكسلي بعد نشاطي، وانقباضي غب انبساطي، وهذه عادة الأيام يجيء كدرها جملا، وصفوها لمعا، والله المستعان على ما يجيئني منك وأنا ذاهل، ويطرقني وأنا غافل. وفي فصل له: وربما تهيأت الصداقة، وتمكنت العلاقة، على تنائي الديار، وبعد الأقطار، وبالأخبار السائرة، والأنباء المتواترة، ببارع مناقبهم، وباهر مذاهبهم، وجليل فضائلهم، وسامي منازلهم، فتتعارف القلوب، ويجمعهم عقد الوداد، وإن تناءوا في البلاد، وينظمهم سلك الصفاء، وإن لم يكن سبيل إلى اللقاء، فإذا خطب بعضهم وصل بعض ألفاه موطأ الكنف، مهيأ اللطف، سهلا مرامه، سلسا زمامه. وقد خص الله الوزير الأجل بضروب من المفاخر، وصنوف من المآثر، تتأملها أعين النظار، وتتحملها ألسن الأخبار، ويخطها سواد الليل على بياض النهار، ويحدو بها حادي الرفاق، على أقاصي البلاد والآفاق، ويسري بها سراه الركبان، إلى نائي البلدان، حتى لقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 أسمعوها كل أذن صماء، وأروها كل عين عمياء، وعمروا بها طل قطر وإن شط وبعد، وأنطقوا بها كل لسان وإن عيي وجمد، فألوية الحمد عليه خافقة، وألسنة المجد بفضله ناطقة، وكل أفق بكواكبه منير، وكل قلب بصفاء مودته معمور، والله يبقيه للمكارم نظاما، والأفاضل إماما، ولمحاسن الدنيا تماما. وفي فصل من رقعة وجدتها له منسوبة، وفي ديوان رسائله [53أ] مكتوبة، وهي فيما أراه لسواه: أما البلاغة فأنت مقيم بردتها، ولا غرو، فمن زاحم في العلم بالمنكب الأشد، وخطا في عرضه الأدب بالباع الأمد، واستولى في مضمار الركاب على الأمد، أتى من الإبداع بالعجب العجيب [واجتنى قطف الاختراع من المكان القريب] ، وتقنص شارده بالسهم المصيب. وما زلت أفض كتبك عن بدائع دونها السحر، ولآلئ يزهى بها النحر، وغرائب يعذب بها لو مازجته البحر، فأعترف بالتقصير؛ ومن ركب في الكتابة عصا قصير، أنى له بمطاولة من ركب عصا فقير - وما كفاك - أبقاك الله - حين قابلتني بما لو قوبل به النجوم لانحطت إليه من سمائها، أو الغيوم لترقرقت عليه من أرجائها، أو السموم لسمحت بنسيمها وأندائها، وذلك ما أبديته، مما أديته، بل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 أهديته، من تلك الرسالة المستبينة الإعجاز، المنتظمة الهوادي بالإعجاز، الآخذة بحاشيتي المجاز، التي رب قلائدها، وأبو فرائدها، وولي خرائدها، واحد أقرانه جلالة، وقريع دهره جزالة، ونسيج وحده أصالة، الكاتب الماهر، وبدر الصناعة الباهر، أبو فلان [ابقاه الله] ، فإنك جلوت [علي] من أبكاره كرائم، [وسقت إلي من نتائج أفكاره تمائم، وفتقت عن زاهر افتراره كمائم] ، وعرضت علي من توليد تفكيره، وبديع منثوره، وأنيق تحبيره، ما هو أحلى من لذة الكرى، وأشهى من درك الغنى، وأعبق من نفحات الأنوار، غب القطار، عند تبلج الأسحار. وفي فصل من أخرى: ولما تعين علي وظيف المراجعة، بعد طول الممانعة، وشدة المدافعة، نثرت [له] كنائن اعتزازي، وشحذت أسنة أقلامي، وامتريت درة كلامي، فبعد لأي ما انقادت صعابه، وذللت ركابه، وتفتحت شعابه، وكتابي [أعزك الله] طورا يبسط يدي وطورا يقبضها، وتارة يرسلها وأخرى يعترضها، ومرة يقعدها وأخرى ينهضها، حياء من مقابلة بحرك بنطفي، ومحاسن ضيائك بسدفي، ومناطحة طبعك بكلفي، فأما الود، فمنتظم العقد، وأما العهد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 فمستحكم الشد، وأما الجد، فكرياض الورد. وله من أخرى: وإذا كانت الأعلاق [النفيسة] الثمينة، والجواهر الرفيعة المصونة، يرغب في اقتنائها، ويتنافس في ادخارها واصطفائها، وهي أحجار جوامد، ومتملكات صوامت، فأخلق بأعلاق الشرف المجيد، وجواهر السؤدد التليد، أن تمتد اليها الأيدي والأعناق، وتستهديها الأقطار والآفاق، وتخالس اليها الأيام والليالي [53ب] ولا يعتمد منها إلا الرفيع العالي؛ وعلق صفائك - أعزك الله - أرفع الأعلاق، كما أن عرق سنائك أكرم الأعراق، فقد انجذبت اليك انجذاب الراغب فيك، والحريص عليك، واستشعرت لك ودا قدمته، وعهدا أحكمته، وصفاء أخلصته، وإخاء أمحضته، علما أني أغرسه من تربك في ثرى ثري، وأطلعه من جوهرك في أفق صاح مضى، وإن كانت المواصلة قبل لم يمتد لها سبب، ولا انعقد لها مذهب، والمداخلة لم يفتح لها باب، ولا نازع إليها انجذاب، فقد تعاقبت عليك الأيام من نوائبها ومواهبها، ومساءاتها ومسراتها، وما وجبت مشاركتك فيه، وقد قدمت الرزية، فارتفعت التعزية، وأعقبت العطية، فلزمت التهنية، وأنا أسأل الله أن يهنيك كل سرور، ويجزي بمحابك المقدور. وله من أخرى: لتتمثل - أعزك الله - منصفا مقامي، وتتخيل مسعفا خجلي واحتشامي، من لدن افتتحت كتابك [إلى] أن اختتمته، وابتدأته إلى أن أتممته، وقد رأيت في مباديه وانتهاءاته، واقتضيت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 من فصوله وغاياته، ما غمر وبهر، ورق وراق، وشق وشاق، من تواضع شريف، وتدان رفيع منيف، ووسمني بسماته، ووصفني بصفاته، وحلاني بحلاه، وأقحمني في علاه، وأثبت في ديوان الكتابة اسمي، وإن كانت الحقيقة لم تثبت فيه رسمي، ومن لي بالعصا في ميدانها، ولست من فرسانها، وكيف لي بتلك الصناعة، وأنا مزجى البضاعة -! كلا، فقد سبق ارتجاجي رهوك، وشأى اجتهادي عفوك، أيام كنت رخي البال، ناظرا إلى الدهر بعين استصغار، وان كنت أنت تخترع فأتبع، وتهيب فأجيب، فالآن إذ أخمدت الخطوب نار رويتي، وارتشفت النوائب ماء بداهتي، فما غادرت فيه شفاعة ولا علالة، ولا أسأرت فيه صبابة ولا بلالة، أرتخي أن أطيل فلا أمل، وأختصر فلا أقل -! هيهات! يأبى ذلك جفن أرق، وقلب محترق، وفكر ناب، وذكر كاب، ولو كنت ممن يبدئ ويعيد، ويحسن ويجيد، لما اغترفت إلا من بحرك، ولا نفثت إلا من سحرك، ولا أغرت إلا على نظمك ونثرك، فأنت قدرتي، وبك أسوتي، وإليك منهى روايتي، ومنك معظم درايتي. ومن أخرى: إن استدللت - أعزك الله - أو أدللت أو انبسطت، فإخلاذ إلى جنب المقة، واعتمتد على ركن الوفاء والثقة، وانقياد لما تقدم من الذمام السالف، وتأكد من تالد الإخاء [54أ] والطارف، والله يبقيك عينا للزمان، وعنوانا في صحيفة الإخوان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 ومن أخرى خاطب بها أبا القاسم بن خيرون: وقفت على ما حددته من مقابلة السفرين المشتملين على فنون الآداب، وصناعة الكتاب، وطرق الخطاب، الجامعة لفصاحة الأعراب، ولباب اللباب، وبادرت إلى ذلك بدار من علم أنها نعمة سابغة منجتها، ووصلة وصلتها، لما في تأملها من الإشراف على طرق البلاغة والكتابة، وصناعة الترسيل والخطابة، مع ما يلزمني من حقك أقضية، وواجبك أتصرف فيه وأوفيه، إذ أنت صنو أبي مولاي - مد الله علي ظلكما، وكبت الباغي عليكما، والحاسد لكما - فكم يقرع سمعي من قول الحاسدين من خص أبي مولاي بمعاداة أهل الجهل، وحباه بمولاه أهل الفضل، ولا غرو فغير غريب ذلك من فعلهم بالعلماء، ولا ببديع من صنيع الدهماء، وقد قال الأول: بيني وبين لئام الناس معتبة ... لا تنقضي وكرام الناس خلاني إذا لقيت الأصل أبغضني ... وإن لقيت كريم الأصل حياني وقال آخر: لقد زادني لنفسي أنني ... بغيض إلى كل امرئ غير طائل وأني شقي بالئام ولن ترى ... شقيا بهم إلا كريم الشمائل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 وهو في فصل منها: ومن العجائب العجيبة، والنوادر الغريبة، تحكك من ليس من شانه، ولا يجري في ميدانه، إلى مطالبته، ونصبه لمحاربته، بالإبراق وللإرعاد، والتهديد والايعاد، لا جرم أن يده أقصر، وخطبه أيسر، وهو أصغر وأحقر، فما ريع بذلك الوعيد، ولا رأسه لذلك التهديد، ولا أصبح سربه خائفا، ولا أمسى طائره واقعا، ولا طرفه خاشعا، ولا اضطرب به مستقر، ولا قال أين المفر، بل عد ذلك من دلائل سموه الواضحة، ومخايل علوة اللائحة، وتضاحك منه لاهيا، وأنشد: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع ومن أطرف ما جاءت به الأيام، وتحدثت به الأنام، مناواة جاهل خسيس، لإمام عادل رئيس، لقد استنت الفصال حتى القرعى، ولا تعجبن لجاهل علا، إن البغاث بأرضنا يستنسر، وما لتيس جبان، والجري مع العلماء في ميدان -! أوهمه نفسه إذ لقب [54ب] بالفقيه، وذلك أقصى أمانيه، وهو من العلم، أبعد من النجم، ومن الجهل الشديد، أقرب من حبل الوريد، وكيف يجاري العلماء، ويسامي الكبراء، ويزاحم أهل العلم بالفروع والأصول، والعلة والمعلول -! وماذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 عليه من العلم [المدار] ، بوثائق ابن العطار، وبعقد وثيقة وهو لا يعرف معانيها وفصولها، [ويطول وهو لا يميز حشوها وفصولها] ، إلى الله الشكوى في دثور العلم وتألب الجهلاء والغوغاء، وتألفهم على من بان فضله عليهم، حتى صاروا على الشر أعوانا، وإن لم يكونوا قبل إخوانا، خوفا على جهلهم أن يظهر، وينتشر من غباوتهم ما استتر: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم وذو الجهل في الدنيا بذي الفضل مولع* إن المقدم في حذق بصنعته أنى توجه منها فهو محسود وليت لو كانوا من الأكفاء والأنداد، وموضعا لوداد، ومكانا للأقتصاد: ولو إني بليت بهاشمي خؤولته بنو عبد المدان صبرت على عداوته ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني اخرج يا دجال، فقد غلب المحال: قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا للؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا وفي فصل منها: وإني ليبلغني ما يأتي به من هذيانه في النثور والموزون، وتخطيه إلى العرض المصون، والنيل من ذوي الفصل والدين، فأهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 بمعارضته، ثم أمسك عنه لتفاهته ودناءته، وأذكر قول القائل: نجا بك لؤمك منجى الذباب حمته مقاذيره أن ينالا [وقوله] : * ومن يعض الكلب إن عضا * لو كنت من أحد يهجي هجوتهم يا ابن الرقاع ولكن لست من أحد وله من أخرى خاطب بها [الوزير] أبا المطرف بن الدباغ: مطالعتك - أعزك الله - منتظره، وصلتك مستمطرة، فلا تعتذر إلا من الإغباب، ولا تستكثر قليل ما تصل به من الكتاب، فأنا إلى أخبارك متطلع، ولآثار الصديق المخلص من النفس موقع، وقد علم علام الغيوب شغل بالي بك، واقتضائي الأيام لك، ما تقتضيه لنفسك وذاتك، من آمالك وإرادتك، وإنه ليعتريني حصر عند مجاوبتك، وخجل حين [55!] مكاتبتك، من خلو كتابي إليك، من معنى تشد عليه يديك، وفائدة تعود بمسرة عليك، ولكن الأحوال لا تغرب ولا تغيب، وليس على الأيام عتب ولا تأنيب. وفي فصل منها: وردني كتابك مشاركا لي بفضلك، في ما أظلم من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 بالك، واغتم من حالك، وتعذر من أمرك، وتأخر من إسعاد دهرك، كأنه نفثة المصدور، وسلوة الموتور، وتعلة الشاكس إلى أخيه، وراحة الباكي مع من يباكيه، وقد علم تعالى أن مساهمي لك في ذلك مساهمة من يخصه ما يخصك، ويمسه ما يمسك، ولكن ما يصنع مع الأيام إذا صمت عن الشكوى، وأبت من العتبى، والأقدار إذا لم ينته لها أمد ولا مدى -! وإن عذرك لواضح أن يضيق صدرك، ويعاصيك [في] بعض الأحيان صبرك، فقد ترى حظوظا أنت بها أحق، وغيرك اليها أسبق، وأحوالا أنت الجاري إلى غاياتها، وغيرك الجاني لثمراتها، إلا أنها الجدود لا تعجل عن آنائها، ولا تحفز في أناتها، وعندك من معرفة الأيام ما يسليك وينفعك، ومن الأدوات ما لا يهملك ولا يضيعك، وأنت في اقتبال سنك، وعنفوان أمرك، وحالك واعدة لك بأكثر مما نفسك، فلا تضجر [بفضلك] فالزمن بين يديك، وعدم الأمائل محوج إليك. ومن أخرى إليه: إذا اتفق للمرء وفي يصادقه، وسرى يوافقه، وأديب يجاذبه أهداب الآداب، وأريب يناهيه لباب الألباب، فقد ظفر بالأخ الأسنى، وأفاض بالقدح المعلى، وراد من الأنس مرادا خصيبا، وفوق في أهداب المنى سهما مصيبا، فهي الضالة التي تنشد ولا توجد، والغريبة التي توصف ولا تعرف، وهو الاسم الواقع على غير مسمى، كعنقاء مغرب، وأرى أن قد ظفرت منك بذلك المطلوب الذي هو في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 حيز العدم، وتنسمت منك السجايا والشميم، واعتقدتك من الذخائر والعدد، واعتددتك لليوم والغد؛ ووصل كتابك الكريم وبحر القول فيه يزبد، وإنسان البيان منه يسجد، وطرف الاهتبال به يسهر، وطويل باع الشكر عنه يقصر. وفي فصل من أخرى: قد يجزئ التميم عند عدم الماء، ويكفي التعلل من كمال الشفاء، وتلك حال كتابك الكريم الوارد، وجوابك الأثير الوافد، فإنه سد من الأنس مسدا وإن لم يكف، ونال من جلد الوجد منالا وان لم يشف، أما إنه ماء وان لم يبلغ أن يكون صداء، ومرعى وإن لم ينته أن يكون سعدانا، ورأيتك رحلت على أن المقام ثلاثا فطابت لك حتى [55ب] أتممت عشرا، بل ما لأقمت إلا دهرا، فقد زدت على المثل، وتمليت مسافة الجذل، فهنيئا لك غير منغص، ومزيدا غير منتقص. ومن أخرى: ورد كتابك فلحظت منه فجر البيان، وشجر الإحسان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 وثمار البديع المزرية، واستخفني باعجابه، واستفزني بإطرابه، فأشهد لو كان خلقا لكان إنسا، أو نورا لكان شمسا، أو روضا لكان حزنا، أو ماء لكان مزنا، وكلما سرحت فيه ناظري، وأجلت في أرجائه خاطري، رأيت الطبع البعيد كيف مواقع إبداعه، ومنتهى اختراعه. ومن أخرى: قد سقط القول بيننا في الاعتقاد، وتعريفا من سنن التزيين فيه والاحشاد، فلا يحط من ورائه، ولا يريق بالإعادة من مائة، وجعلنا الضمائر - وكفى بها بيانا وتبيينا - لا تنفك محوطة، وبالكفاية منوطة، فلو استطعت لوضعت الذنب والجناح، وسقطت سقوط الندى قبيل الصباح، لا سيما وقد اتصل بي اعتلال طاف بك، أرق عيني، وقرب حيي، فما عرفته إلا بطارئ من أفقك، استوضحته عن خبرك، إلا أنه أنس بتصرفك واستقلالك، ثم تتابعت البشرى بطلوع الكريم خطابك، معلما بابلالك، فمضى الغمة، وقوى الهمة، وسكن القلب، وأزاح الكرب، وأشفقت أن لم تشاركني لوقت العارض، حتى من الله بالشفاء الفائض. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 فصول من كلامه في رسائل الشفاعات والوسائل فصل من رقعة كتبها شافعا بابن حماد، أحد أفراد القواد: وقد سمت بي همتي التي هو بفضله اسماها، وأطال مداها، أن أقرع باب كرمه شافعا، وأستمطر سحاب نعمة راغبا، في إقالة عثرة عبد من عبيد الدولة، باخع بحق الطاعة، خاضع لعز القدرة، مات بسبب القرابة واللحمة، قد اتخذني سببا إلى علائه، وسلما إلى سمائه، إذ علم أني لدولته - خلدها الله - ولي، وبدر نعمته غذي، وفي كنفها ربي، ووثق أن مثلي من دعاته في القطر الشاسع، وأشياعه في البلد النازح، لا يرد إذا رغب، ولا يصد إذا طلب، ولا يحرم إذا شفع، ولا يحجب إذا قرع، لا سيما وهو طالب عفو مذنب، ورضى عن معتب، والعفو أقرب للتقوى، والصفح أدنى إلى الزلفى، ولمقيل العثرات عند الله جزاء الحسنى. وفي فصل منها: وقد كنت قدمت في شانه من الرغبة ما يقتضيه، [56أ] فأعلمت أن شدة الموجدة عليه سدت عنه باب رغبتي فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 فسلمت بسياسة الدولة التي منها يستملي الدهر إذا أملى حكما، وعنها يقتبس الزمان إذا ارتأى عزما، وعلمت أن لكل أجل كتابا، ولكل أمد حسابا، ثم لم أيأس من عطفات الملك الأجل إذ كان كرمه اكرم شافع إليه، وانجح وسيلة لديه، يناجيه بلسان الشفاعة، ويلم بين يديه بساط الضراعة. وقد علم أن فلانا المذكور سهم من سهام تلك الدولة على أعدائها، وسيف مسلول دون من يليها من نواحيها وأرجائها، ويقارع من ضادها، ويعاند من حادها، وفي الإبقاء على جمهور من المسلمين كثير، وإحياء من الأرضين كبير، وتأمين سبل مخوفة مقطوعة، ورعية ضعيفة مروعة، وتحقن الدماء في أهبها، وتمنع الدهماء، من كلبها، ويرد على العيون كراها، ويزجى إلى النفوس مناها، [وفلان المذكور عند سيدنا يد قد دميت بسوارها، وصليت من شمس علائها بأوارها، فهو فرع من دولته المنيفة، وواحد من جملته الشريفة وعسى أن يكون العذاب قد انتهى، والملك الأجل قد استبقى] ؛ ولو أمكنني أن أخوض البحر إليه، وأمثل راغبا بين يديه، لفعلت، وكان ضمانا على كرمه ألا أرجع [عنه] صفر اليدين، ولا أنقلب بخفي حنين، فليمثلني - خلد الله ملكه - واطمئا للبساط، سائلا في السماط، قد أطلقت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 لسان الرغبة، وأدللت بذمام الولاية والمحبة، وإن كنت لم أسع في ذلك، إلى هناك، بقدمي، فقد سعت آمالي وهممي، وعرف الجميع، أني الراغب الشفيع، فالعيون ناظرة، والآذان مصيخة، والأعناق متطلعة، والنفوس متشوقة، إلى ما يكون من الملك الجليل، من الفعل الجميل، من مقابلة شفاعتي - إن شاء الله - بالقبول. وفي فصل من أخرى: من حكم شيمك - أيدك الله - الحالية، وديدن هممك العالية، أن توجب للراغب، وتنعم قبل عزيمة الطالب، واسعف من غير شفاعة ولا مسألة، وتلتزم الحق من غير ذمام ولا صلة، فكيف بك إذا توسل بذمة محبة متوسل، وتوصل بحرمة قرابة متوصل، وضرع من عبيد اصطناعك ضارع، وشفع من صدور أودائك شافع، هنالك لا محالة يوري زاده من غير قدح، ويفضي جده إلى نجح، وينتهي سراه المحمود إلى أبين صبح، ويحوز الشافع جمال القبول، ويفوز المستشفع بثمرة المأمول؛ وفلان من أصحابي [الأخصين] الأخلصين، ومن أشياعك الأودين الأجدين، وكما نحن في أحوالنا كلها مشتركان، كذلك نشترك فيه شرك عنان، فلي شخصه وقربه، ولك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 ضميره وقلبه، وإن لزوتني رعايته من وجه [56ب] فهي لك من وجوه ألزم، إذ حالك معه أقدم، وأنت أرعى وأكرم. وذكر أنه يخاصم بعض بني عمه -[كثره الله]- وكان الضلع في خصومته عليه، وإن كان الحق في يديه، لأسباب دنياوية، لا لتوجه حكم [ولا] قضية، ورغبته الموصلة برغبتي، المؤيدة بشفاعتي، أن يكون له منك جانب يرقى منه إلى مستعصب مطالبه، ويدرأ منه في نحر مطالبه، ويعيد الشهود عليه شهودا له، والمتألبين عليه إلبا معه، وإذا شد زنده حسن رأيك في يده، ضرب بنصل يقطع الهام في غمده، وسرى بسراج يضيء له مبهم قصده، فإن الله يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن. وفي فصل من أخرى: عبد سيدنا - أدام الله عزه - قد تحيفت الأيام قواه، وتخونت الحادثات عراه، وقربت الثمانون خطاه، فاختلج بنانه حتى كأنه لم يتعلق من الكتابة بأطناب الإطناب، ولا تصرف من البلاغة في سهوب الإسهاب، ولا عد في الدواوين من صدور الكتاب؛ والحضرة الجليلة تنعم باستماع بثه، واغتفار رثه، جريا على الكرم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 المعروف، وسعيا إلى الفضل المألوف؛ وعبده يخدم البساط بالتقبيل، ويسأل أن ينزله منزلة القبول، مهتبلا، مجملا، إن شاء الله. [وله من أخرى: كيف لا أتحكم - أيدك الله، وأوصلك إلى ما ترضاه - على سيادتك تحكم المدل، وأتقدم في ذلك تقدم المنبسط المسترسل، وقد مهدت لي جانب الإفضال، وأمنت سربي قديما وحديثا من الإملال والاخجال، فإن انسطت فبحق، وإن شفعت فبضمان صدق] . [ومن أخرى: إذا استحكمت المقة، وتمكنت الثقة، وخلص الصفاء من كل شوب، وسلم الإخاء من كل عيب، ارتفعت أسباب التحفظ والترقب، وعصيت دواعي الانقباض والتهيب، واسترسل المرء راغبا في كل ما عن له، وانبسط شافعا لكل من اتصل به، وذلك عندي - أبقاك الله - رسمي في تواتر من كتبي، في من له به لديك عناية وإكرام، وله إلي وصلة وذمام] . [ومن أخرى: تلزمني - أيد الله مولاي - علائق لو وقف منها على السر، لتجلى له وجه العذر، من هز فضله في شأن فلان مملوكه وحبيسه بره، ليعطف عليه عطفه الماجد، ويحنو عليه حنو الوالد، على فراخ كزغب القطا، وعيال ليس منهن إلا المفجعة الحرى، دموعها تنهل كالسحاب، وضلوعها تلتهب بنار الاكتئاب، قد شملهم الفرار، ونبا بهم القرار، وعوضوا بالبؤس من النعيم، وأديلوا بالحزن من السرور المقيم، كأتما يتكحلون بالسهاد، وينامون على شوك القتاد] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 [وأنا أمد إلى مولاي يد الضراعة، وأسأله إن لم يستوجب المذكور الرعاية لنفسه، فليرعه لأصله ومغرسه، وان لم يرق لذاته، فليرق لبنيه وبناته، وأهله وعوراته، وأذكره كلمة المأمون: لو علم الناس حرصنا على العفو لتوصلوا إلينا بالذنوب؛ وقوله: إني لأتلذ بالعفو حتى أخشى أن لا أؤجر عليه. وكان الحجاج قد استأصل بالقتل أسرى ابن الأشعث حتى انتهى إلى فتى منهم فقال: أيها الأمير: لئن أسأنا في الذنوب ما أحسنت في العفو، فقال الحجاج: أف لهذه الجيف، أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا -! وأمسك عن القتل مع قساوته، وحقنت عنده هذه الكلمة الدم، وتغمدت الاساءة والجرم. ومولاي بصحة فطرته، وتوقد فكرته، وذكاء فهمه، واتساع حلمه، أحد من اتبع كريم الآثار، وشيد مباني الفخار، ولم أذكره على طريق الحجة، لكن على وجه الذكرى التي هي في الأكرمين ناجعة، وفي المؤمنين نافعة، كما قال الجليل، في التنزيل، (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (الذاريات 55) ] . ومن كلامه في ذكر التهنئة وإقامة رسم الهدية. فصل له من جواب: ورد كتابك ففضضت ختمه عن رياض تفتحت عن أزاهر كلمك، ونشرت طيه عن جواهر حكمك، ولحظته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 بعين التدبر لمعانيه، وجميع ما ضمنته فيه، فوجدته قد أخذ بطرفي الآداب، واكتست عليه حلة الإيجاز والاسهاب، فاطردت مياه البراعة من فروع منثوره، وعبق نسيم البلاغة من مسكه وكافوره، وقابلتني منه أوجه من البر جميلة، فأردت ترك مفارضتك، نكولا عن مبارزتك، وذهبت إلى العدول عنها كلالا عن مناجزتك، وأنى بمناضلتك وقدحك الفائز، وكيف بمجاراتك وشأوي العاجز، تالله لولا مخافة العقوق، وترك واجبات الحقوق، لأضربت عن مجاوبتك تقصيرا، ولو شمرت عن ساعد ذهني تشميرا. ووصل معه الغزال الأهيف، وكأن عينيه عينا وسنان مالت به نشوة الراح، وثنى عطفه هزة الارتياح، كأنما كحلا سحرا، وأشربا خمرا، ينظر بهما نظر المريب، ويعرض إعراض الحبيب، بجيد أتلع، [57أ] ومنظر أروع، وكأن قرنيه قلمان، وكأن أذنيه جلمان، ينصبهما إذا أوجس، ويثنيهما إذا أنس، وكأنما كسي أيطلاه حلة الشفق، وطرزت بسواد الغسق، يتوحش في الإنس، ويأنس في الكنس، عدوانه رياح، ومثواه قراح، تخاله سهما إذا انصاع، ومعشوقا أشعر برقيب فارتاع، يزداد جماله إذا نفر، وتروق محاسنه إذا ذعر: كاد يحكي غزالة الإنس لولا رقة في الشوى وقرن علاه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 أنا أهواه لا لشيء ولكن كلفا بالفتى الذي أهداه وقرنت إلى هذه الهدية الرائقة، والمنحة الفائقة، شطرنجا صغيرا كأن اقليدس قسم أجزاءه، ورقق أشكاله وأنحاءه، يحار في لطيف صنعه الوهم، ويضل في كيفيته الفهم، قد قسم قسمين: قسم أحمر، وقسم كأنه من ناصع الجوهر، تتقابل خيله بلا فرسان، وتنقاد بلا عنان، في أرض مربعة الأقطار، تثير سنابكها العثار، وكأن الرخ إذا برز للمصاع، وأشهر العرصة للقراع، بطل تتقى حملته، ولا تؤمن جولته، يهوي هوي الصقر في الجو، ويصول صولة الأسد في الو، إذا حمل على صف قسمه، وإذا ضرب قرنا قصمه، يكمن فيله كمون الكمي، ويبرز بروز القسور الجري، يرتصد الفرصة، وينتهز الغرة، وكأنما الفرزن إذا جال متبخترا، أو مشى متكبرا، ثمل يترنح، أو سكران يتزحزح، فإذا شد عقده بالبيذق، فإنه مركز دائرة الفيلق، وكأنما الشاه كسرى حفت به مرازبه، أو بدر أحاطت بفلكه كواكبه، هي به قطب كواكب الجوزاء وعليها تدور الدوائر، وقلب الكتيبة وعليها تقتتل العساكر، وكأن الرجل رجل جراد تريش الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 سهام الحرب، وتقدح نار الطعن والضرب، تبرز إلى المقاتلة بلا سلاح، ويصرع بعضها بعضا بلا جراح، قد اكتفت عن الصوارم بصرامتها، وعن السابغات بصلابتها: جيشان يقتتلان لا لعداوة ... أبدا ويصطلحان لا لوداد أهداه سعد الدولة الندب الذي ... جمعت محبته عرى الأكباد وله من أخرى جمع فيها بين التهنية والتعزية: أحوال الدنيا - أعزك الله - مبنية على التداول والتعاقب، ومساءاتها ومسراتها جارية مجرى التبادل والتقارب، فمن عبرة تفضي إلى عبرة، ومن مساءة تعقب بمسرة، ومن محنة تفتر عن منحة، ومن ترحة تقلع عن فرحة، ولله تعالى في جميع الأحوال المختلفة، والأقدار المتصرفة، حقوق من الصبر على السراء [57 ب] والضراء، وعلى الأولياء المختصين فروض من المشاركة والمظاهرة في كل ما ناب من حزن، وثاب من حسن، قد جرت بها العوائد، واستوى فيها الغائب والشاهد، فتلك ترعى بالدعاء والتهنية، وهذه تتلقى باطراء والتعزية. والله يجعل أيام مسراتك الأكثر إسعادا، وأوقات تهنئاتك الأوفر أعدادا. وأنهي إلي من تقليدك العهد، وامضائك العقد، للناصر [سيدي] وأسنى عددي أبقاه الله]- على بلنسية - عمرها الله بدوام عزك، وحماها باتصال نصرك - مكان المعتصم - رحمه الله - فقلت: ملك تردد في عنصر، وخاتم تنقل من خنصر إلى خنصر، وقد سددت - أيدك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 الله - ثلما، وشفيت كلما، وسمعت الخطوب رغما، وأوسعتها هما. ومن أخرى: أطال الله بقاء الوزير الأوحد، الخطير الأمجد، مسرورا بسمو الأحوال والرتب، معصوما من طوارق الأحداث والنوب. إذا تقادمت الذرائع والوسائل، وتناصرت الطبائع والشمائل، كان للود مع ذلك وفور ونماء، ولكرم العهد ظهور وبهاء. وفي فصل منها: وكيف لا أدخل إلى رضاه من كل باب، ولا أفترس من عداة بكل ظفر وناب، وأطير من السرو، لما تهيأ له من الظهور، بكل جناح، وأتقدم إلى الفخار، بما يبلغه من الأوطار، بغير جناح، وهو ركني الذي يقيم ظهري، ويرد عني صرف دهري، ومعه هواي، الذي يعضد ديني ودنياي، ويدني إلي أملي ومناي؛ أسأل الله تعالى أن يبقيه للوزارة زينا وفخرا، وللرياسة ركنا وذخرا، وللدين عزا وجلالا، وللملك زينا وجمالا. ولما طلع البشير علي بتصيير الوزارة اليه، ودور رحى الخلافة عليه، جددت لله تعالى حمدا وشكرا، ولنعمه الجزيلة ذكرا ونشرا، وأخذتني هزة الجذل والارتياح، وأسفر لي وجه الأمل والاقتراح، فانتشيت من فرح وطرب، ونيل مراد وأرب، ودعوت الله أن يجعلها ولاية، تبلغ من السعد نهاية، وتضاعفت للدين حماية؛ وقد تعين علي أن أهنئ بالوزارة بل هي المهناة بمصيرها اليه، وظهور رسمها عليه، فهو المعدل لحدودها وسيرها، المحسن لوجودها وصورها، المبين لحجرها وغررها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 لا زال سيدنا زينا للدول والممالك، ونورا في المواطن والمسالك، وفخرا لأهل المشارق والمغرب، وقبلة لذوي الحاجات [58أ] والمآرب. ومن رسائله في التعازي فصل له من رقعة: يا سيدي، ومن لا زال جأشه ساكنا، وحرمه آمنا، وباله ناعما، وأنف من عاداه راغما، بودي [أعزك الله] لو خاطبتك بالتهنية لا بالتعزية، وشاركتك بالعطية لا بالرزية، ولكنها الأيام تحلي وتمر، والأقدار تسوء وتسر، والرزايا تتطرف وتتحيف، والمنايا تستدرج وتتخطف؛ واتصل بي وفاة الوالدة [المرجو لك دعوتها، المبلوة بركتها] فساءني يعلم الله أن يطرق خطب حماك، ويطأ رزء ذراك، مشاركة لك في المهم، ووقوعا معك تحت الحادث الملم، إلا أني أرجو أن تشد له عزائم عزائك، وتحمله على كبد احتمالك، وتقلب إليه مجن اصطبارك، وتذكي علبه قبس اعتبارك، فتعلم كثرته وجموحه، وتذكر شموله وعمومه، وتستشعر أنه عرف لا نكر، وعوان لا بكر، فتتأسى بكثرة الباكين، على الهالكين، وتتعزى بسرعة اللاحقين، على السابقين. والنساء كيف كانت مراتبهن، والحرم وإن جلت منزلتهن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 لم يغلق عليهن كأبواب التراب، ولم يسدل دونهن كستور القبور، ورب أم مبرورة، وأخت كبيرة، قد نزعت منزعا من الصيانة، وذهبت مذهبا من مباح الديانة، ود ابنتها وأخوها قبل ذلك لو طواها كفن، وواراها جنن، فتقدمهن أصون لهن، وأولى بهن. وفي فصل من أخرى: كتبت عن قلب يقشعر، ونفس بين ضلوعها لا تستقر، لخبر الرزء الهاجم، والنبأ الشنيع الكالم، بوفاة [الحاجب عز الدولة سيدي] ، كان، لقاه الله الرضوان، وألحفه العفو والغفران، محتضرا في أول الكمال، مخترطا عند الاقبال، مبادرا قبل الإبدار، معاجلا بالسرار، في عنفوان الإقمار، فيا لها حسرة ما أنكاها للنفوس، وجمرة ما أذكاها في القلوب، وروعة ما أفتها في الأعضاء، ولوعة ما أحرها على الأكباد، لكنه أمر يعم ولا يخص، كل نفس لها جارع، وفيها كارع، فمن مبتدر يعاجل، ومنظر يناول: وما نحن إلا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدموا وأنت أعلم بالأيام وصروفها، والأرزاء وصنوفها، والأنفس ومآلها، والأجسام واضمحلالها، والعواري وارتجاعها، والمنائح ومقادير إمتناعها، من أن يغلبك الجزع والتهالك، وينزع بك الجلد والتماسك، فأنت بالأزمان خبير، وبالأحوال بصير، وباستعمال ما في ذكرك من أمثال التأسي [58 ب] ومواعظ التعزي جدير، ومثلك أعد للأمور أقرانها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 وحمل على النفوس أحزانها، ولم يغرب الدهر عليه ببدع من نوائبه، ولم يفجعه بما لم يحسبه من مصائبه، ولم يتجاوز دمع العين حزن القلب، إلى إحباط الأجر وإسخاط الرب؛ وإن كان الله قد سلب بعدله، فقد وهب بفضله، وإن كان أخذ فقد أعطى، وإن كان اخترم فقد أبقى، وبهذا صدع عروة بن الزبير رضي الله عنه عندما مني به في أحد أبنائه، وبعض أعضائه، والله يمتعك بالباقي الراهن، وينفعك بالثاوي الظاعن، ويجعل هذه الرزية منهى بلواك، وآخر رزاياك، وييسرك للتسليم والاحتساب، ويحفظ عليك ما عرضك به من مذخور الثواب، وإن كان قد جرى هذا الأمر، على خلاف حكم الدهر، في تقدم الأسلاف على الأخلاف، فصنع الله لك أجمل، وصنعه في بقائك أعدل، لغنائك عن المسلمين، ومكانك للدنيا والدين، فالملم ببقائك مغتفر، والمهم وإن جل محتقر. وذكرت أنه خرج من بيته مجاهدا، وعن حمى الدين ذائدا، فقد وقع أجره على الله، وفاز بكرامة الله، وإذا فاز بالسعادة والشهادة وهو فرطك وشافعك، فهو لا محالة مغتبطك ونافعك؛ وقد أخذت بحظى من هذه الحادثة الشنعاء، والداهية الدهياء، في من تستقبل له أحوال، وتناط به آمال ويعد في أكابر العدد، وفي دخله الصديق والولد، والآخر (-) إشفاقا عليك من مضطر فقده، وتصور شديد اكتئابك من بعده، فمثل هذا في مثله لم يكد للمصاب به صدر، ولا يثبت للصدمة الاجاجية صبر، فإن جزع الجازع فالعذر واضح، وإن صبر المصاب فالأجر راجح الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 ومشاركتك لي فيما طرقتك به الأيام، وفجعك فيه الحمام، مما أشكره من فعلك، وأنشره من فضلك، أوزعني الله شكرك، ومد في عمرك، وأعقبك زيادة العدد، وجمع لك بين سعادة اليوم والغد، وفي فصل منها: وأنت الطود الموفي على كل هضبة، المعلى على كل فرحة وكربة، وما بقيت وعوفيت فكل خطب وإن جل جلل، وكل صعب وإن أعضل فمحتمل، فالله يا سيدي في نفسك العزيزة أن يكون فيها كامن رزء يقدح، أو أن يوهن منها باطن أسى يكدح [59 أ] أو يفدح، فأنت سداد كل ملم، وسنا كل مظلم، وأنا أضرب لك الأمثال، وأعلم مع ذلك علم الحقيقة أن مصابك كبير، ورزءك أليم خطير، لا يكاد يتعلق بالجازع منه ملام، ولا يستمر على الصبر فيه اعتزام، فمن كرم الكريم، الجزع على الحميم، ومن خواص القلوب، الأسف على المحبوب، وإذا كان الحيوان غير ناطق يحن ويرأم، فنحن بذلك أحق، إذ نحن أرق قلوبا وأرحم، إلا أن مثلك ممن عظم قدره، وتقدم بالأيام خبره، أرجح علما من أن يسلمه العزاء إلى التهالك، أو تغلبه الأرزاء على التماسك. وفي فصل من أخرى عن ابن مهاجر إلى ابن أبي عامر: لو استغنى - وأيدك بالنصر - أحد عن التعزية، واكتفى مصاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 عن التسلية لأصالة رأي وسعة علم، وجلالة قدر وجزالة نفس وشدة كظم، ولكنت أنت الغني عن ذلك، لإحاطة علمك بتقلب الأيام وتصرف الأحوال، وارتفاع قدرك عن أن يملأ الزمان صدرك، وتبلغ المحن صبرك، فأنت أصلب عودا من أن تروعك المصائب، وأشد ركنا من أن تضعضعك النوائب، لكن الذكرى باب مندوب إليه، وسنن معمول عليه، ولئن جل الخطب، وعظم الكرب، فالثواب بقدر المصاب، والعطية بحسب الرزية، وإنما الأجر بالصبر، والجزاء مع العزاء، وإن كان الله قد أخذ ابنا فقد ترك أبناء، وإن كان [قد] سلب نعمة فقد وهب نعماء، وإن كان الأعم والأكثر أن تمضي الآباء، وتخلف الأبناء، فالملك يدعو الله أن يخرجك من هذا العموم، ويورثك أعمار الجميع ويجعلك الباقي بعد قريب وحميم، فكل خطب ما عداك يسير، وكل رزء إذا تخطاك حقير. وفي فصل من أخرى: لقد طرقت نائبة من الموت وفاجعة من الكرب في قطب الآمال ومدارها، وسناء الهمم ومنارها، وتاج الرياسة وسوارها، [الحاجب حسام الدولة، كان، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مأواه] فوالهفا عليه مرددا، ويا أسفا له مؤبدا، ماذا خطفت [يد الحمام] وأصمت به سهام الأيام -! أي سماء للعلا فطرت، وأي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 نجم للمنى كدرت، وأي بحر من الأسى سجرت، وأي عين للبكاء فجرت، ما يقاس به مثيل، ولا يضاف إليه عديل؛ وقد كان لي أن أصرف المقال، وأضرب الأمثال، وأجتلب من التعزي ما جاءت به الآثار، ووردت به الأخبار، غير أنه - أيده الله - أعلى في الفضل [يدا] وأثبت في العلم قدما، وأرجح حلما إذا طاشت العقول، وأشد كظما إذا اضطرمت في الصدور النيران، من أن أورد عليه ما لم [59 ب] يحط علما، ولم يتوصل إليه فهما. وله من رقعة إلى المظفر بن الأفطس يعزيه بالمنصور أبيه: وصل كتابه - أيده الله - بما شرد غمضي، ونعى بمعضي إلى بعضي، وأطبق سمائي على أرضي، وأقض مضجعي، وأسأل مدمعي، وعظم ثكلي وجزعي، من فظيع الخطب الوارد، وشنيع الرزء الوافد، بوفاة [المنصور سيدي وموئلي، كان، أوسعه الله جنته ورضوانه، ولقاه رحمته وغفرانه] فيا لها مصيبة قصمت ظهري، وذهلت فكري، وفللت حدي، وأرغمت خدي، ودفعتني إلى الجزع وحدي: فلو كنت في الباكين حولك كنت قد تأسيت فاستشفيت والعين تدمع ولكني أبكي فريدا وأشتكي وحيدا فما ينفك عنى التروع هو الرزء أفضى بي إلى كل غاية من البث لا أسلو ولا أتورع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 لئن حسن السلوان والصبر بامرئ فأحس حالاتي سلو ممنع وفي فصل منها: ومثل مولاي الرئيس [الأجل] تلقى هذا الخطب الذي يهد الجبال، ويقطع الآمال، ويخلع الفؤاد، ويصدع الأكباد، بما حض الله تعالى عليه من الصبر، وندب إليه من استجزال الذخر، فهو القائل تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر: 10) وأنت في منافذ فهمك وثاقب علمك لا تبصر بل تذكر، وكان من الحق الأوجب والفرض الألزم أن أقيم قدمي مقام قلمي] وأكتفي بالركاب عن الكتاب، وقل ذلك مني في هذه النائبة [الهادمة] ، والنازلة القاصمة، إلا أني على علمك عن الارادة مردود، وفي عقالات الآلام والأعراض مصفود، جعل الله هذا المصاب الخطير آخر ما يقرع لك بابا، ويخرق اليك عن كره حجابا. وله من أخرى: كتابي والدمع ينشئ لعيني سحائبه، والحزن يجهز إلى نفسي كتائبه، والصبر قد فلت شباته، وصوح نباته، والقلب قد أظلمت آفاقه، واشتد بنار الرزية احتراقه، بما فجأ من وفاة الوزير الفقيه أبي فلان، عمدة الإسلام، ومبين الحلال والحرام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 وهاتك حجب الضلالة والجهالة، فالديانة عليه لابسة الحداد، مفجوعة الفؤاد، وهي لفقده باكية الأجفان، عاطلة البنان، مخلقة الجلباب، منقطعة الأسباب، منكوسة اللواء، مهجورة الفناء، قد ذهب ناظرها، وزمت للركاب أباعرها، [وسدت على الطالعين أبوابها] فمن لتحقيق معانيها، وتعمير مغانيها، أم من لاختيار أقوالها، وتوشيه سربالها، وإظهار ما خفي من مسائلها، وجلاء ما صدى من مناصلها، أم من ينصر ملة الإسلام، بلسان [60 أ] كالصمصام، أم من يرد على أهل التناسخ، بالحجيج الرواسخ، الثابتة كالجبال الشوامخ؛ فالدنيا تحلو لتمر، وتصفو لتكدر، وتنظم لتنثر، وتجمع فتفرق، تسقي لتشرق، فهي كالشمس تضيء فتعشي، وكالطعام يغذي فيؤذي، فالأولى الزهد عن زخرفها وزبرجها، والترك لما يحلو من رضابها، ويخدع من سرابها، والإعراض عن وصالها، ونضرتها وجمالها، فليست تبقي على السيد ولا المسود، ولا على القريب والبعيد، ولا على الملوك والعبيد، ولا على العالم والجاهل، ولا [على] النبيه والخامل. ومن أخرى: إذا رمت - أعزك الله - تعزيتك عن المصاب الحادث، والخطب الكارث، ذكرت تماسكك فأمسكت، واستقبلني فاجع الرزية فسكت: فلو شئت أن أبكي دما لبكيته عليه ولكن ساحة الصبر أوسع والليالي جارية في أخذ ما تلد، وإعدام ما توجد: لا بد من فقد ومن فاقد هيهات ما الدهر من خالد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 كن المعزى لا المعزى به إن كان لا بد من السواحد برد الله مضجعه ومثواه، وأكرم منقلبه ومأواه، ولقاء من برد النعيم، كالذي كان عليه من الخلق الكريم، وسقاه من السلسبيل، مثل ما كان يأوي إليه من الذهب الجميل. وكلام أبي محمد كله رائق بديع، لا يتسع لاستيفاء محاسنه هذا المجموع. فصل في ذكر الوزير الكاتب الماهر أبي عامر بن التاكرني واجتلاب جملة من نثره ونظمه، تشهد بنبله وفهمه. وأبو عامر كاتب مجيد، ومحسن معدود، نشأ أبوه في الدولة العامرية يفرع مراتبها، ويتدرع جلاببها، إلى أن ولي في أيام المظفر بن المنصور زمام التعقب على أهل الأندلس، فلما انقرضت الدولة العامرية وانشقت عصاها، وأدرات الفتنة المبيرة رحاها، كان أحد من مرق من ظلمائها، وآوى إلى جبل عصمه من مائها، فاستقر ببلنسية وأميراها مطفر ومبارك - المذكوران في أول هذا القسم - فانتظم أبو عامر في سلكهما، وشاركهما في مراتب ملكهما، إلى أن أجابا صوت المنادي، وخلا منهما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 النادي، فخرا حسبما شرحته لفم واليدين، وفرق بينهما [60 ب] من أعفى الفرقدين، وأفضى ملكهما وملك من كان بهذا الأفق الشرقي من هؤلاء العبدى المجابيب إلى عبد العزيز بن عبد الرحمن المتقلب بالمنصور، فنهل أبو عامر في دولته وعل، ونهض بأعباء مملكته واستقل، وكان بينه وبين أحمد بن عباس، كاتب زهير الفتى - المتقدمي الذكر - مكاتبات تنازعا فيها فضل البلاغة والبراعة، وتسابقا منها إلى غايات هذه الصناعة، وقد أثبت منها ومن سائر كلام أبي عامر في هذا الديوان، ما يقضى له بالإحسان، ويشهد بتبريزه على أهل الزمان. فصول من رسائله السلطانيات فصل له من رقعة عن المنصور إلى مجاهد الموفق، وقد أظلم بينهما الأفق: إن أولى الناس بالاصطلاح نفوس جبلت على صفو ودادها، وأحق الذنوب بالاطراح ذنوب جنيت على غير اعتقادها، وإن رسولك الكريم وردني فلم يتردد عندي إلا ريثما يقدح زند الوداد في نفسك النفيسة، فيوري سراجا من الصلة أسري به في ظلماء القطيعة. قال أبو الحسن [بسام] : وكان مجاهد الملقب بالموفق قد انتزى على دانية والجزائر الشرقية بغدره لعبد الرحمن بن أبي عامر مولاه - حسبما ذكرناه - وحظوته بذلك عند محمد بن هشام بن عبد الجبار الناصري عدوه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 ناقص الدولة العامرية، فشرد على أصحابه الموالي العامريين؛ وكان مجاهد لا يستظهر بشيء من الحزم، بل عمله في الأغلب من تدبيره بالغلبة والمناواة، وتعويله على المساماة، واستراحته إلى الغدر، فلا يزال أمره ينتقض مع لازم الحرمان الموكل به، حتى يرده على عقبه، فكم فض من جيش، وأذل من عزيز، وأباح من حمى، ووجه من فتح، يقال له ما بعده، حتى إذا هم أو كرب لم يلبث أن ينحسر عنه، ويعود في أكثر الأمر غمة عليه، ثم يلبد فيثب كاليث؛ له في هذا الباب كله أخبار مأثورة مشهورة، وقد قدمنا القول فيه أنه كان أديب ملوك ذلك الزمان؛ كتب يوما إلى المنصور حفيد ابن أبي عامر رقعة لم يضمنها غير بيت الحطيئة حيث يقول: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فانك أنت الطاعم الكاسي [61 أ] فلما وردت الرقعة على المنصور أقامته وأقعدته، وكاد يمرق من إهابه، فضلا عن ثيابه، واستحضر أبا عامر [بن] التكرني فقال له: تطأطأ لها تخطئتك، واسمع المراجعة عنه، وعنون وبسمل، وكتب هذا البيت خاصة: شتمت مواليها عبيد نزار شيم العبيد شتيمة الأحرار فسلا المنصور عما كان فيه. ولما نهض العبيد من شاطبة إلى طرطوشة واقتضت الحرب هنالك قتل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 مقاتل الصقلبي، وسيق رأسه إلى بلنسية، كتب منذر إلى المنصور يرعد ويبرق، فراجعه أبو عامر المذكور عن المنصور ببيتي أبي الطيب: فان كان أعجبكم عامكم فعودوا إلى حمص في القابل فان الحسام الخصيب الذي قتلتهم به في يد القاتل وله من رقعة خاطب بها أبا جعفر بن عباس يقول في فصل منها: كتبت عن نفس تفيض بمائها، وتجيش بدمائها، وتشكو إلى الله عظيم أدوائها، غيظا على تقلب الزمان، وعجبا من تنكر الإخوان، لا يلفظني عجب إلا إلى مثله، ولا أنتقل من مستغرب إلا إلى شكله، إن إبرمت حبلا من الإخاء، نقض المفسدون مريرته، أو ملأت يدي بمن أعتد به للشدة والرخاء، أفسد الواشون سريرته، [وبحق قيل] : إذا قلت هذا صاحب قد رضيته وقرت به العينان بدلت آخرا كذلك جدي ما أصاحب صاحبا من الناس إلا خانني وتغيرا ولا عتب على الدهر فان العتب على بنيه، والذم لازم لأهليه، والناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم. وفي فصل منها: ولو لمست العيوق، وأدركت بيض الأنوق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 وجئت بالأبلق العقوق، وسمح الدهر لي بعجائبه، وخصني بغرائبه، ما غير مني فتيلا، ولا رأيت بمن عاشرته بديلا. وأعلمني فلان بما فل من الحد، ولففت له رأسي حياء من المجد، والله ما يصلح السباب، بين الأراذل والكلاب [فضلا عن الأفاضل] ، وانك لتعلم علم يقين، وانك في على سنن مستبين، أني ما عودت قط لساني، سب من نافرني وعاداني، ولا صرفت عنان كلمي، ولا صرفت شباه قلمي، إلا في ما يطيب على الأفواه [عرفه] ، ويحسن مع الأيام وصفه [61 ب] وإني لمقبوض القول، ساكن الطائر، سالم الجانب، مستعين بالله على العدو والمطالب، وما انطويت عمري قط على حقد، ولا رضيت بنقص عهد، ولا خست في حل ولا عقد: ومراد النفوس أصغر من أن ... نتعادى فيه وأن نتفانى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 والدنيا عندي أحقر، وجميع ما فيها في عيني أصغر وأنزر، من أن أزاحم في حطامها، وأنافس على تكسب آثامها. وفي فصل منها: وقد كان يلزمك أن تعرض على نفسك، ان كنت ثلبت عدوا قط بحضرتك، أو تنقصت مخلوقا بمشهدك، على طول المجاورة، وكثرة المعاشرة، فتجعل ذلك عيارا لك، وقياسا مطردا قبلك؛ اللهم إلا إن كنت عددت ما كنا نتفاكه [به] جماما للنفوس، ونتعاطاه عند معاطاة الكؤوس، [من] توقيع نادر، وهزل حاضر، فما أشد ما غيرك الأيام والليال، وقلبتك الأقوال، أين يذهب بك الكاشحون، وكيف يوخرفك المزخرفون -! والله لو كنا من الأغمار، وممن لم يحنكه الليل والنهار، ما وجب علينا مع الذمام المؤكد، والعقد المشدد، أن تحملنا الأيام وخطوبها، ولا أن تعصف بنا الرياح وهبوبها، فكيف وقد حلبنا شطور الدهر، وعرفنا أحوال العسر واليسر، واعروينا ظهور العرف والنكر، وركبنا متون البر والبحر، وجمعتنا الشدة والليان، وحالت علينا حالات الأزمان، وأرضعتنا بلبانها الكؤوس، وتصرفنا مع الرئيس والمرءوس، فلم يكن في خلال ذلك كله إلا نظام متسق، وأمر متفق، وشعب ملتئم، وسلك منتظم. وفي فصل منها: ولقد شهدت فلانا ينحني عليك، وينسب كل مكروه إليك، بغاية السب، ونهاية الثلب، فقلت له: بفيك الحجر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 والأثلب، فخرج وهو يجمجم، كالمتهم لي بزعمه، ولم يختلج قط في صدري تلك الحماقات، ولا شغلت سري تلك الهنات، يعلم ذلك من عنده مغيبات الأمور، ولديه خفيات الصدور. ولقد كنت أشفق عليه وأحرص على خيره، وكانت ظنونه على حسب سريرته، وتوهمه بمقدار معتقده، وبحق يقول أبو الطيب: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم [62 أ] وعادى محبيه بقول عداته وأصبح في ليل من الشك مظلم فسلط لسانه، وصدق ظنونه، وبلغتني قوارضه فلم أقارضه رغبة في فيئته، وحرصا على رجعته، وأما أنت فعذرك يضيق، وأنت الحميم الصديق؛ وقد كان انتهى الي ما عمرت به مجالس فيها الرئيس والمرءوس، وأنت بها المنادم والجليس، فقلت لمبلغ ذاك: هيهات! أبت الأعراق الزكية، والأخلاق السنية، أن أتنقص بحضرتها، أو ينسب إلي الكذب بمشهدها، فلما انتهى إلي تصديقك ما نقله الواشون، وأفكه الحاسدون، والله المستعان على ما يصفون، وستكتب شهادتهم ويسألون، قلت: صفرت وطاب المروة، ودرست آثار الأخوة، وطمست أعلام الرعاية، ونفقت سوق السعاية. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 232 وفي فصل منها: ومن أعجب العجائب ما يتصل بنا عنكم على ألسنة العامة وكثير من الخاصة، لا أصل له، ولا شبهة تصح منه، فالأنفس سلم، والألسن حرب، ولو اتصلت المداخلة لارتفعت الشبهة، ولم تبق لنتخلق حيلة، ولا صار الكذب قربة ووسيلة؛ وقد كنت بفضلك حضضت على فتح باب الصلة، والتعهد بالرسل لاستحكام المقة، فامتثلنا ذلك حسبما حضضت، وصرنا إلى ما إليه ندبت، رغبة في تأكيد الخلة، وحرصا على حسم كل علة، ووافقنا من المنصور - أيده الله - نفسا جانحة إليكم، وسريرة حريصة عليكم، فعميد الدولة - أعزه الله - عمه الحاني، وأهله الداني، فلم تتقبل الرسل عندكم بواجب القبول، ولا تؤول أمرهم على أجمل تأويل، فمالك أنت أبا جعفر لا تجدد ذلك الوصل، ولم لا تصل ذلك الحبل، وتقطع ألسنة أهل الزور، وتحقق ما تنسقه الأباطيل - حتى يلوح الحق، في معرض الصدق، ويشمل السداد، ولا ينفق سوق الكساد؛ وأنت قطب عليه يدار، ورأيك سراج به يستنار، وما خاطبتك إلا مشفقا من حبل وصله الله أن ينقطع بالباطل، وود أخلصه الله أن يتغير بقول ناقل، فان هذا إن تمادى بحسبه، وبقي التنافر والاستيحاش على شخصه، تعظم الدائرة، وتتفاقم النائرة، وتزل القدم، ولا ينفع الندم، وما أخص بقولي هذا فريقا، ولا أورد إلا تحقيقا، والله يكشف الغطاء عن قلوب قد رين عليها، وزين الشيطان أسباب الفساد إليها: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 233 فأجابه أبو جعفر [ابن عباس] برقعة يقول فيها: وقفت على ما أومأت اليه وصرحت في طي التعريض، وبه ما ترجف العامة بإخطار [62 ب] ذكره، وتهتف بعض الخاصة بالتحرز من كونه، وفي مثله يقول القائل: إني أرى شجرا تورد غصنه أخلق به متوردا أن يثمرا وإذا السماء تمخضت ببروقها ورعودها فجديرة أن تمطرا كلا أبا عامر، فرب صلف تحت الراعدة، وما كل بيضاء شحمة وإن كانت ناصعة، ولا وعمرك أبا عامر، أطاله الله على حكمك، ما ينثي علينا في هذه الجملة خنصر، ولا يؤثر عنا فيها حديث مسند، ولا نحن إلا في حيز السماع المستفيض، وأغلب ظنوننا فيه التكذيب، وإن كان الظن أكذب الحديث، وعنوان أحوالنا عندكم، وسيرنا مقدود من أيمكم، فلا تسأل عما لدينا غيركم، ولا تقس علينا إلا بما قبلكم، والمرجفون كثير، والناس إلى الشر سراع، ورياح أهوائهم تنشئ سحاب التكذيب، وتستدر أخلاف التضريب، وحق هؤلاء أن تنتف سبالهم، وتخلع على أقفائهم نعالهم، وهذا رأيي فيهم، فاحكم بفتواي عليهم، وضعهم على يدي عدل فيهم، وأصغ إلى من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 234 يعرض عليك ذات نفسه، ويطلعك على بنات صدره، ودعني من التعريج على قوم ينفقون سوقهم (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) (النساء: 107) وجملة الحال وتفصيلها: ذلك العقير البرشلوني مستراب، والتداوي به داء عياء، ولو صرفت عنايتك إلى سد ذلك الثغر والبراءة منه، لأخرست ألسنة المرجفين، وابطلت زخارف المخرقين، فهذه عين الخبر، ومكان النظر فما بالنا نجعل العتاب بدا نطيف به، وننسج بيننا وبين الصدق حجابا نتناجى من خلفه!! والستر دون الفاحشات وما يلقاك دون الخير من ستر وأني لك بتكذيب ما شاع، وتزوير ما استذاع -! وقد سددت علي ثنايا الجبل، وصككت سمعي بهذا المثل: قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا فما اعتذارك من قول إذا قيلا وليس يخفى عليك نصحي بصدق مقالي وأخوك من صدقك، فإن كنت في ما ندبتي إليه محقا، وأردت به رحمه الله تعالى، فما أخلقك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 235 بهاتين الصفتين، فاقدح لي أضىء لك، وكن مثلك؛ ولا تحتج معي أن تقول: تزل القدم، ولا ينفع الندم، فإني أذكرك [63 أ] قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (الانفال: 25) ولا تكلفني دفع العيان، وتلزمني إقامة البرهان على كل محال، فكل شيء يجوز تكليفه الإنسان إلا ما لا يستطاع، وعند الله أحتسب موعظتي، وهو المجازي على نيتي. فراجعه أبو عامر ثانية برقعة [أخرى] يقول فيما: ورد كتاب كريم لك قد ضمن من الآداب عيونا، واستودع من الإغراب فنونا، فوقفت منه على ترجيم الظنون، وفي حيرة بين الشك واليقين، وقلت: هذه بدع المتطرفين، ونكت المتفلسفين، طورا إيماء وتلويح، وطورا لإفصاح وتصريح، وكلما نظرت فيه، وفكرت في معانيه، استنكر مع العرفان، واستجم على نهاية البيان، فقلت: لا غرو قد ينكر الليث في قراره، ويعرف الهلال في سراره، ولا بد مع البحث أن أصيب غرضا، أو أن دونه حرضا، فلما غصت في بحارك، وأمضيت فكرتي في مضمارك، وقع السهم في غرضه، ولاح الحق في معرضه، وبدا لي أن ما خاطبتك به لم يوافق قبولا، ولا كان على الصدق محمولا، وليس الكذب من شيمي، ولا المذق - بحمد الله - من كلمي، وبالله ما خاطبتك إلا شحا، ولا أسمعك إلا نصحا، فمنيت من قبولك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 236 بسوق كاسدة، ومن قبلك ب " رب صلف تحت الراعدة "، وكلا والله ما رعدت لنا سماء، ولا تكدر لنا ماء، ولا قصدت بخطابي مقصد التهديد، فالصدق ينبي عنك لا الوعيد، بل خاطبتك بقلب سليم، وثبت لك على عهد كريم. وفي فصل منها: ومن العجب قولك: اقدح لي أضئ لك، ولقد قدحنا لكم فأظلمتم، وحفظنا ذمامكم فضيعتم، ووصلنا فهجرتم، وقربنا منكم فبعدتم، ورب رسالة أنشأناها رغبة فرغبتم عنها، ورسول ملطف قصد جهتكم طار بجناح الخزي منها، بعد الترقيب عليه، وإظهار التثاقل إليه، ونحن على ذلك نفتل في الغارب والروة، ونزداد وصلا على الجفوة، ونلين على القسوة، ونصبر للأذى، ونغمض على القذى، إن عاتبناكم لم تقلعوا، وإن استعتبناكم لم ترجعوا، بل تركبون الهياج، وتلزمون اللجاج. ومن أغرب ما به احتججتم، وأعجب ما به لهجتم، تكرر فلان علينا، وتردده لدينا، كأنكم جهلتم القوم وأطماعهم، ولم تعلموا تطرقهم وانتجاعهم، وأنهم يتعللون بأدنى سبب في المراسلة، امتراء لأخلاف العطاء، وذريعة لاستجزال الحباء، وقد شهر هذا من فعلهم، في كل جهة تكون من سلمهم؛ فما [63 ب] بالنا نخص بهذه اللائمة وجنايتها عليكم - والإنصاف يقلب مذمتها عليكم، ألم تسلموا من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 237 كان بكم مشتدا بعد العهود المؤكدة، والمواثيق المشددة - فاحتل العدو - قصمة الله - جهة لم تخطر بباله، واستصرختم فلم تصرخوا، واستنجدتم فلم تنجدوا، والنعم تنتسف، والستور تنكشف، والدماء تسفك، والحرم تنتهك، والإسلام يعلز علز المحتضر، وأهله للشرك كالهشيم المحتظر، فلا حرمة الإسلام رعيتم، ولا ذمام المشاركة قضيتم؛ فلم تعدون ذلك من ذنوبنا، وتبثون بذلك رسلكم في البلاد، وتنادون هلم إلى الجهاد، تقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم والله بعلم ما تكتمون، بل تدبون الضراء، وتسرون حسوا في ارتغاء كل ذلك بمرأى ومسمع منا، وغير غائب عنا، ولا نزداد مع حركتكم إلا سكونا، ومع تخشنكم إلا لينا، فأبقوا على الود ما دام بوفائه، وصونوا جمال الحال ما بقي بمائه: ولا توبسوا بيني وبينكم الثرى فان الذي بيني وبينكم مثري والعدو الذي حذرتهم نحن أشد حذرا منه، وأعظم نفارا عنه، فقد صح عندنا من أمره، ما يضيق الصدر بحمله، فيا للمسلمين! تعالوا إلى التعاون، واتفقوا ولا تفرقوا، واتقوا عاقبة الخذلان. وقد ناديت إن اسمعت، ونصحت بقدر ما استطعت، فان وافقت قبولا، ولقيت تأويلا جميلا، فان الخير عتيد، والتناول غير بعيد، وإن كان للهوى سلطان، وللتعسف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 238 عدوان، فأخلق بلأمة العزم لأن يتدرعها مدرك لا يضام، ومحرب لا ينام، يقتحم النار، ولا يخشى العار، في يوم لا تطلع شمسه، ولا يذكر أمسه: تبدو كواكبه والشمس طالعة لا النور نور ولا الإظلام إظلام وحينئذ تستغرب ما إليه أشرت، وتستهل ما منه حذرت، من استعمال العقير البرشلوني على ما نهجت الحكماء عند إعضال الداء، من استعمال السموم في أثناء الدواء، ليتفق مزاجها، وينفذ علاجها، فان كان ما يحاولونه من التدبير، سببا لذلك العقير، فهو قريب عتيد، وإن كنتم على ما عهدنا فهو من جهتنا نازح بعيد، وهذه جملة مفصلة، وحقيقة محصلة، فإما ألفة وانتظام، واتفاق يحيي رمق الإسلام، وإما داعية تلف، وراعدة صلف، وهنالك تزل القدم، ولا ينفع الندم. فراجعه ابن عباس أيضا [64 أ] برقعة يقول فيها: التصدير - أعزك الله - ب " كتابي " و " كتبت "، وتوشحهما ب " كان " و " كنت " بشر يرف على صفحة التملق زبرجة، وسراب يحسبه الظمآن ماء فيستدرجه: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 ولا يغررك ذو ملق وبشر ... يقول وليس يعدو أن يقالا فتحت رغوة التصنع لبن صريح، وعلى أديم التحقيق شعار سليم، وبين أثناء المناقلة جد كالقدر ينزل بكرة وأصيلا، وفي تضاعيف المساجلة هزل كالنسيم الخصر يهدي الشفاء قليلا قليلا، وفي استرسال الصديق سلوة بالغة، وجنات عتابه حلوة سائغة، وان أنحيت فيه على خشن مبرد، وأرجحت شمائلك التي هي جامد البرد، ودب بشرك منه بنفس متدارك، وأثرت عنه بغير الكلم وهو بارك، وساورتني ضئيلة بيانك، وألقيت السلم إلى سلاطة لسانك، وبرئت إليك من عهدة قصري عن ساحة طولك وعرضك، وشهدت لك تطامن سمائي عن قرارة أرضك: فما حسن أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أخلاقا تذم وتمدح وكل ذلك لأشق كمامة صبري لك عن زهرة كلفي بك، وأتدرع مفاضة الاحتمال منك جنة بيني وبين الشماتة فيك، هذا - أعزك الله - حكم الصداقة التي وضعت يدك على رمتها، وخلعت نجاد هواك على قمتها - فان أسمح قيادك، وأنس شرادك، وأجريت في روح الإخاء نفسا، وجررت على أديم الوفاء يدا ملسا، فبجميل ذكرك أبدأ وأختم، وفي حيز رضاك أطير وأجثم. وأما قعقعتك أبا عامر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 بشنان الشرك، واعتصامك بغير حبل الله، وإزعاجك بكتائب الروم، وإبراقك بالإجلاب على ملة التوحيد، وإيعادك بمدرك لا يضام يدرع لأمة العزم، ومحرب لا ينام يقتحم النار، ولا يجتنب العار، فاتق الله يحميك، أليس الله بالمرصاد، أم اتخذت على الغيب حميلا، وأتيت على الحجج ظهيرا - وكفاك بهذا البيان سحرا في باب الجدل، وحسبك به فخرا على من تقدم وتأخر، وأما التخويف من اقتراب الساعة بزلزلة الافرنج دفعة، ونتق الجبل فوق رءوسنا كأنه ظلة، فنازلة تحرك لها حوار الإيمان [فيحن] ، وطامة كبرى يعج لها الإسلام ويضج، فبعضهم أولى ببعض (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة: 51) بحكم النص؛ فدع ضرب مثل السوء [64 ب] لنا، وعد إلى ما هو أليق بكم وبنا، فعلى الانصاف من نفسه أدلة واضحة، وعلى الحق بين المنصفين سبيل لائحة، واذكر شئون أحوالنا الأول، ورفرف بخوافي الرجاء وقوادمه على أيامنا القدم: وقل لخيال الحنظلية ينصرف إليها واصل حبل من وصل فلا أعرفني إن نشدتك ذمتي كداعي هديل لا يجاب ولا يمل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 فأما أبا عامر وقد نحت أثلة الشك لتستيقن، وقرعت مروة الحديث لتستثبت، فلأصدقنك سن بكري، استنامة إلى صدقك، ولأطلعنك على مثل ما أطلعت من غيبك، وأقول لك قول من زف اليك وده براحة ثقته، وأنبأك ما عنده بلسان صداقته، وقد تعدي الصحاح مبارك الجرب، ويغفر الله ظنوننا فبعضها إثم؛ وفي هذين المثلين كيفية بدء الحال وعودها، وجماع ما يعبر به عن حورها وكورها، وتحت جملتها تفصيل طويل، وتفسير كثير، بعيد مرامه عليك قريب: فنجي الفؤاد يعلمه العاقل ... قبل السماع بالإيماء ولهذا اكتفى البليغ من الإسهاب فيما يريد بالايحاء ... غير أن الكتائف ترفض عند المحفظات، والعجلة تترك تبركا بالأناة، وإذا استكففت حاجب أفقنا بيد رفقك، وأومأت إلى جونا برجع طرفك، أدرت دراري الوداد في مناطق أفلاكها، وتركت أعلام الوفاء ثابتة على آساسها، وجلوت أعراس الإخاء في أحسن معارضها، فما لنا لا نقر الطير على وكناتها، وننكب عن الأفاعي العزم فلا نطؤها في مراصدها، ونجانب عن بنت الطريق إلى أمها، ونسري سرى النجوم على سمتها، ونعود إلى التي هي أعدل سننا، قبل أن يسبق السيف العذل سفها: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 فان النار بالعودين تذكى وان الحرب مبدأها الكلام فلنحم ثغر اليقين بجهاد الشك فيه، ونسد ثنايا النفاق على منفقيه، حتى ييأس أهل هذه البضاعة عن مساعي نمائمهم، ولا يجدوا محزا لشفارهم، وكل ذنب دون الذم لمم، والسهم لنا ما لم ينبض الوتر، وان حلبنا لم نرد في الضرع اللبن، ولولا هنات سل العتاب بيننا سخائمها، وألان تعاطينا النصفة شكائمها، لاختالت المنافرة ببهجتها وازينت، ودارت رحى الفتنة في قطبها على ما خيلت، وإني وإن تقلدت بك الخطاب عن نفسي، فتحتها كناية إليها أشير برمزي، ومركز [65 أ] حواليه أدير معاني لفظي، ولم أتيمم صعيد هذه الغيظان فنمسحت بتربه، ولا انخرطت في سلك الانطباع ففضلت بين دره بشذره، إلا وقد وليت فصل الخطاب والحكومة باجماع، ورضينا بما لنا و [ما] علينا في القضية دون ثان، ووضعت واسطة القلادة لتعدل، ويكفي منها ما أحاط بالعنق، فاذكر المثل فهو لفظ يجمع بين معنيين، وجنس يشتمل على نوعين، أشير لك إليهما بقول الأول: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 خليلي إنسانان ديني علهما مليان لو شاء لقد قضياني خليلي أما عمرو علمتها وأما عن الأخرى فلا تسلاني وحق هذه النكت الكامنة في ضمير القوة أن تخرج إلى حد الفعل بمرة، ولا تلوى فتتراخى كأول وهلة، فيحتاج في المستأنف إلى عمل، ويعيد القضية جذعة من ذي قبل، والله تعالى يمسك رمق الإسلام في هذه البقعة، ويقيل عثرته بإلهام أهله إلى ما هم عنه في غمرة. قال أبو الحسن [ابن بسام] : وذكر بعض الرواة من نقلة الأخبار أن الواثق لما رأى أحمد بن الخصيب الكاتب يوما يمشي بين يديه تمثل بالبيتين المتقدمين، فبلغ ذلك سليمان بن وهب فقال: أنا والله تلك الأخرى، إنا لله وإنا إليه راجعون، قالوا: فنكبهما بعد ذلك بأيام. وله فصل من رقعة عنه إلى [ابن] مجاهد: [واتصل بي الحادث] على القاضي أبي العباس - رحمه الله - فقصم ظهري، وجل مصابه عندي، وعلمت موضع فقده من نفسك العزيزة - حرسها الله - وأشفقت من ذلك أشد الإشفاق، واحترقت نفسي [له] أبلغ الاحتراق، وعلمت أنه لا بد في مفارقة الإخوان وثقات الخدمة والأتباع، مع طول الصحبة وموافقة الطباع، من لوعة تلذع الكبد، وتفت العضد؛ لكن من كان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 في قوى نفسه على خليقتك، وجرى في اعتبار الدنيا على طريقتك، فهو يلقى خطوب الدهر، بمجن من الصبر، إذ قد ذاق حلوها ومرها، وخبر صفوها وكدرها، فليس حدث الزمان عنده بنكر، ولا خطبه لديه بمنكر، وهو كما قيل: وفارقت حتى ما أراع من النوى وإن بان جيران علي كرام ومما زاد علي في الإشفاق، ما كان لديه من الأعلاق - أوشك الله خلفها عليك، ولا غير نعمه لديك - وما قد فات من المال، فهو ليوم الحاجة ذخيرة إلى صالح الأعمال، وكل جليل [65 ب] يصغر عند الدفاع عن حوبائك، وكل خطير محتقر مع سلامتك وطول بقائك. وله من رقعة عن إقبال الدولة إلى المعز بن باديس: أطال الله بقاء سيدنا الأجل رافع أعلام الهدى، ومحيي كلمة التقوى، وقوام أمر الدين، ونظام شمل المسلمين، وشعار حزب المؤمنين، وناظر عين الزمان، وروح جسم الأوان، وحسام عاتق الإسلام، وحلي جيد الأنام، مخلدة دولته، مؤيدة حيث يمم بطشته. وفي فصل منها: وإني وإن قعدت عن مناسك فرضها، وتأخرت في مضمار قرضها، فإني معيرها ضميرا كما انبلج النهار، وشكرا كما أرج النوار، وهل أنا إلا أحد أبنائها، وشهب سمائها، وشيعة علائها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 وان جذم نأي الدار، كف الخيار، ففي البعد اعتذار، وفي الجهد إعذار، وإن مع التجاوز ليعلم العيان، ومع التحاور ليطمئن البرهان، ومع التزاور لتزول الأحوال، ومع التقارب ليقع الإخلال، والقوى [المخلوقات] قريبة الانحلال، سريعة الانفعال، والنيرات على وفور ضيائها، وظهور سنائها، فيما لا تقابل كليلة، وعندما لا تسامت عليلة، وفيما لا تناول ضئيلة، وما قنية ورثتها، ونعمة طوقتها، ورفعة ألبستها، بمكفورة آثارها، ولا مسودة أنوارها، ولا مواتي إلى الدولة العلية بطارفة، ولا شوافعي لديها بمستانفة. وله من أخرى عن المنصور إلى أهل قرطبة: إن كنت منكم بنبوة، وعنكم بنجوة، فإني شهيدكم بنفسي، وقسيمكم بحالي، أراكم بعين المشاهدة، واكلأكم بعين الإحاطة، أعد كبيركم كالعم، وصغيركم كابن الأم، فأنتم الأهل والجيران، والذخائر للزمان، في الدار التي منها خرجت، والبيضة التي فيها نشأت، أفضل دار تكنفني عيابها، وأول أرض مس جلدي ترابها، فلو أمكن أن تصير إليكم أمدادي مع الرياح، وتطير نحوكم أجنادي بألف جناح، ملبيا لدعوتكم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 ومسارعا إلى نصرتكم، لما تأخر ذلك عنكم طرفة، ولا تلبث خطفة، لكن عوادي الفتن، وعوائق الزمن، منعت من العجلة قبل إحكامي لما حاولته من تأليف الكلمة، فرب عجلة تهب ريثا، ومن أعد للأمور عدتها، وأخذ لها شكتها، كان قيمنا أن يكون نظره نافعا، ودواؤه ناجعا. ولم أزل أحسم العلل، وأقطع [66 أ] بالفتنة دون الأمل، حتى لانت الأيام بالسماح، وسكنت بعد الجماح، وصار المسلمون إخوة، وفي جميل المعاشرة أسوة، وقبل الرمي تراش السهام، ويحسن التناول بقرب المرام، ورأيت ان استئلاف القلوب المتنافرة، وتواصل الأهواء المتدابرة، أقوى أسباب النجاح، وأشد الأعوان على الفلاح، فتأخرت عنكم متقدما إليكم، وتبقيت دونكم وافدا عليكم، ولم أقنع من الأمور بغير التحقيق، ولم أرض من المركب بالتعليق، وقد نفذت ثقاتي إلى الجهات لتخير الأجناد [وانتحال الأنجاد] ، ليكون جميعهم صفوة، ولا يشوبهم أحد من الحشوة، وشرطت أن يتوجه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 من قبلي إليكم، ويفد منهم عليكم، من له المزية والظهور، والغناء المشهور، أولو البأس والنجدة، والثبات والشدة، والقلوب الأبية، والأنوف الحمية، يسمحون عنكم ببذل النفوس، ويقوم الواحد منهم مقام الخميس، تملئ العيون منهم قرة، والنفوس مسرة، وفي الثالث من [يوم] كتابي هذا ينفذ إليكم من الوزراء من تكون حركة الخيل معهم في زمان معروف، [واجتماعها] في مكان موصوف، إن شاء الله، ليصح عند العدو - قصمة الله - أن الأيدي قد ارتبطت عليهم، وأن الأعنة قد صرفت اليهم، وأن الوقت قد أزف، والغطاء قد كشف، فيا ليت شعري أين المفر، أم يقولون نحن جميع صبر، (سيهزم الجمع ويولون الدبر) (القمر: 45) . انتهى ما لخصته من كلام أبي عامر، موجز الموارد والمصادر، ويتلوه مما يفي بشرط الكتاب من أخبار هذا الأمير عبد العزيز بن أبي عامر المذكور، وعبد الملك ابنه، صيابة دولتهم، اللذين جاءا في آخر الرعيل، وردا هذا الاسم على الخمول. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 ايجاز القول عن امارة عبد العزيز بن أبي عامر وابنه ببلنسية وأعمالها قال أبو مروان [ابن حيان] : هو عبد العزيز بن عبد الرحمن بن المنصور محمد بن أبي عامر. كان الموالي العامريون عند ذهاب مجاهد عنهم قد أسندوا أمرهم إلى نفر من مشيختهم، فتشاوروا في ارتياد أمير من أنفسهم يعترفون له، فاتفقوا على ابن مولاهم عبد العزيز هذا إيثارا له على ابن عمه، محمد بن عبد الملك، وكان مقيما بقرطبة، وعبد العزيز بسرقسطة في كنف منذر بن يحيى [منذ التجأ إليه غب الحادثة بقرطبة، فدسوا إليه سرا من منذر بن يحيى] فأحكم له التدبير، وخرج سرا من سرقسطة، فلحق ببلنسية، فاستقبله الموالي العامريين أفواجا، وقلدوه رياستهم. وكان عبد [66 ب] العزيز هذا من أوصل الناس لرحمه، وأحفظهم بقرابته، ابتعثه الله رحمة للممتحنين من أهل بيته فآواهم، وجبر الكسير، واكتنف الطريد، ونعش الفقير، طول مدته، إلى أن بلغ من ذلك مبلغا أعيا ملوك زمانه. وخاطب لأول حينه الخليفة القاسم بقرطبة مع هدية حسنة وذكره بأيام سلفه، فقبل القاسم هديته، واعترف بوسيلته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 وعقد من أعماله، وسماه المؤتمن ذا السابقتين، فتوطد سلطانه، واشتمل على خدمته أربعة من الكتاب حتى سماهم الناس الطبائع الأربع، وهم: ابن طالوت وابن عباس [وابن عبد العزيز] وابن التاكرني المذكور، كاتب رسائله ومكانه من الأدب والعلم والذكاء مكين، فانتشر كلامه، واعتلى ذكره، ولم تزل حاله تسمو حتى اتصل بوزارته فنال جسيما من دنياه. فلما كان سنة اثنتين وخمسين اعتل علة أعيا علاجها، واختلفت نوبها، تطمعه تارة وتؤيسه أخرى، والإرتجاف لا يفتر عنه، إلى أن قضت عليه في ذي الحجة من العام، فاجتمع أصحابه على تأمير ولده عبد الملك، وقام له بأمره كاتب والده المدبر لدولته ابن عبد العزيز، [المشهور مع معرفته بابن روبش القرطبي، وكان موصوفا بالرجاحة، فأحسن هذا الكاتب معونته على شانه، وتولى تمهيد سلطانه، واستقر أمره على ضعف ركنه، لعدم المال، وقلة الرجال، وفساد أكثر الأعمال. وراعى هذا الكاتب] الشهم مدبر هذه الدولة في هذا المؤمر عبد الملك مكان صهره وظهيره المأمون يحيى بن ذي النون، إذ كان صهر عبد الملك أبا امرأته، المساهم له في مصاب أبيه، المعين له على سد ثلمه، الذائد عنه كل من طمع فيه، عند نزول الحادثة، من حضرته طليطلة إلى قلعة قونكه من طرف أعماله، للدنو من صهره عبد الملك، وبادر بإنفاذ قائد من خاصته وبالكاتب ابن مثنى إلى بلنسية في جيش كثيف، أمرهم بالمقام مع عبد الملك وشد ركنه، فسكنت الدهماء عليه. ومضى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 عبد العزيز أبوه لسبيله غير فقيد المكان، ولا عزيز الشان، ولا مبك لسمائه ولا أرضه، ما فجع به إلا [ذوو] رحمه [من] آل [أبي] عامر لتناهيه في صلتهم، حتى صار إسرافه في ذلك من أضر الأشياء لجنده، وأجلبها لذمه؛ له في ذلك أخبار مأثورة، فتوفي وهو أطول أمراء الأندلس مدة إمارة، تملاها أربعين حجة، إذ كانت إمارته ببلنسية صدر سنة اثني عشرة وأربعمائة، فسبحان المنفرد بالبقاء، الأول قبل الأشياء. فصل في ذكر الوزير [67أ] الكاتب أبي المطرف عبد الرحمن بن فاخر المعروف بابن الدباغ وإثبات جملة من نثره ونظمه. وكان أبو المطرف هذا من خلي بينه وبين بيانه، وجرى السحر الحلال بين قلمه ولسانه، وكان استوحش من أمير بلده، ومقيم أوده، ابن هود المقتدر، فخرج عنه وفر، وفارق عز ذلك المقام، " ونجا برأس طمرة ولجام " فأجزل المعتمد بن عباد قراه، ووسع له ذراه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 وأفرده بحظ من دنياه، وخصه بمكان سره ونجواه، وسفر بينه وبين المتوكل بن الأفطس أيام كونه بيابرة، حين أخذ أخوه [يحيى] بكظمه، وهم بالنزول على حكم المعتمد أو حكمه، وقد كان ابن عباد فغر فاه على المتوكل، وقدر أن ينيخ عليه [بكلكل - حسبما قدمته] في أخباره - فوعده بالغرور وزخرف له شهادات زور، على لسان [هذا] الوزير أبي المطرف المذكور، [فلما حاوره وناظره، خصه] بنصيحة أثره، ومثل له ذلة المعزولين، وذكره بفعل معاوية يوم صفين، فأوجده سبيلا، ودرجه قليلا، ومات أخوه المنصور يحيى بعقب ذلك، فورثه الله ملكه، ونظم سلكه، فرحل اليه أبو المطرف ملبيا بحج وعمرة، متوسلا بسابقي أنصارية وهجرة، فصادف وجها خصيبا، ومكانا من العز رحيبا. وكان سبب خروجه من اشبيلية - فيما حدثي بعض وزرائها - أنه تشاد مع ابن عمار، فأشار المعتمد إلى حسم ذلك بين يديه، فأبى أبو المطرف عليه، ثم اجتمعا بعد في مجلس أنس دون رأيه، فأمر المعتمد بنفيه؛ وقد كان أيضا بلغ أبا المطرف أنه قدح فيه بمجلس المعتمد وقرف بشيء أقلقه، وذلك أنه كان يعاني الخضاب ويثابر عليه، فقال بعضهم فيه: خضاب لعمرك لا للنساء ... ولكنه لفحول الرجال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 فخاطبه بشعر قال فيه: يهان بحمص عزيز الرجال ويعزى إليهم قبيح الفعال ويغرى ذوو النقص من أهلها بتلطيخ أعراض أهل الكمال فوقع المعتمد على ظهر رقعته بهذين البيتين: شعرت فجئت بعين المحال وما زلت ذا خطل في المقال متى عز في حمص غير العزيز أو ذل غير الذميم الفعال فلما قرع سمعه البيتان أخذه الأفكل، وخرج من حينه وكان يحدث نفسه بالتحول، [67 ب] إلى أن نفاه، فلحق بالمتوكل فآواه، وأجزل قراه، وخاطب المعتمد في معناه، ورحب به في بطليموس مثواه، إلى أن اشتعلت بينه وبين الوزير أبي عبد الله ابن أيمن نار ملأ الأفق شعاعها، وأخذ بأعنان السماء ارتفاعها، فكر راجعا إلى سرقسطة، فقتل ببستان من بساتينها، بعد مديدة من لحاقه بها، ورثاه الوزير أبو محمد بن عبدون بأبيات أعربت عن وده، ودلت على كرم عهده، وقد أثبتها من هذا التصنيف بحيث أجريت من ذكره، فيما انتخبته من نظمه ونثره؛ وأثبت من كلام أبي المطرف هاهنا، ما يشهد بفضله، ويدل على نبله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 جملة من رسائله في أوصاف شى من ذلك فصول له في ذم الزمان [وبينه] ، وتعذر آماله فيه * فصل له من رقعة: أوحش بأيام أقطعها وأفنيها، وأثواب عيش أخلقها وأبليها، بحيث لا أراك عيانا، ولا أملك من أنديتك مكانا، حتى أعتز بك من هون أغضي فيه على القذى، وأصبر منه على حز المدى، وأتميز من طبقة الاتضاع والاستخذا، وأعظم تلهفي بماض من الدهر بغير مستفاد، وذاهب من العمر ليس بمستعاد، وليت شعري أتنجز الأيام موعودا، أو تدني من الأمل بعيدا، فترضي بما أستخطت، وتعتذر بما أذنبت، وتنسي مضض شدتها بليان، وتمحوأثر إساءتها بإحسان -! ما تحدثني بذلك نفسي، ولا إخال أن زماني يذعن بإسماح، ولا يزال مستمر الجماح، وما الحيلة إن أبى سوى التعلل بالمنى، والاستراحة بلعل وعسى - وبودي لو ملكت عن هذه الشكوى لساني، وأمسكت في البوح بها من عناني، وأخذت نفسي بأناتها، وأنظرت الأقدار إلى أوقاتها، حتى لا أسوء ولا أنكد، بما أورد منها وأردد، ولكني والله مغلوب بالاضطرار، معدول عن وجه الاختيار، ومن العجب أني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 أنوي في كتبي أن تكون من الشكوى خالية، وبزينة التجمل حالية، ولسان الحال تأبى إلا أن تبوح بمضمر السر، وتكشف عن حقيقة الأمر؛ وقد كان لي عنه معزل إلى وصف ما للبين بقلبي من جرح وآثار، وللشوق بين جوانحي من وقود وأوار، فإنه مذهب يجول فيه القول كل مجال، وينثال عليه الكلام أي انثيال، وتتأتى به الألفاظ لازدواجها، وتتراءى المعاني في معرض انتاجها، ولئن لم أبدأ به فإليه قصدت، وإياه أردت، وقد اكتفيت منه بما أتيت، ووقفت حيث انتهيت [68 أ] . وله في مثله من أخرى: قد كنت أؤمل هذا التلاقي، لأشكو فيه إليك دواهي بلغت بالنفوس التراقي، وصيرت المنايا أماني،فمن لي ألان به وبوصولي اليك حيث أنت، ودونك ما لا يخفى عليك، وقد عرض الماء لعيني فكيف أرد، ومن أين أقصد الله حسبي في سوء جدي، وأنت ولي عذري، في الحضور بالمكاتبة إذ لم أجد سبيلا إلى المشافهة، ولا أكذبك، ضاقت بي الأرض كلها، وانسدت علي سبلها، وضللت عن كل عزاء وتماسك، وأسلمت إلى كل يأس وتهالك، فتداركني ممزقا، ونجني غرقا، وأخطربي ببالك، واعرض حالي على اهتبالك، عسى أن يتجه للفرج وجه، أو يلوح منه فجر. وله من أخرى: كل يوم تظهر من فضلك عجائب، وتطلع من ألطاف برك غرائب، وتنسى لها محاسن من تقدم، وتستبعد معها مآثر من تهمم، حتى كأن الجميل لم تعرف قبل طرائقه، واللطف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 لم تفهم بعد دقائقه، إلى أن أتيت فاخترعت من ذلك سننا وبدائع، لا يزال مثلها لأولي الفصل شرائع، وأنوارها في فلك الفصل سواطع، فما أسعد من تمسك بعصمتك، واعتزى إلى جملتك!! وفي فصل منها: وكتابي [هذا] وانا كما تدريه، غرض للأيام ترميه، ولكني غير شاك من آلامها، لأن قلبي في أغشية من سهامها، فالنصل على مثله يقع، والتألم مع هذه الحال يرتفع، وكذلك التقريع إذا تتابع هان، والخطب إذا أفرط في الشدة لان، والحوادث تنعكس إلى أضداد، إذا تناهت في الاشتداد، وتزايدت على الآماد. وبعض ألفاظ هذا الفصل محلول من قول المتنبي حيث يقول: رمانى الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال فكنت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال وله من أخرى: لا تستغرب - أعزك الله - ما صادفت [لي] هنالك من تعذر وحرمان، كما لا استغرب ما ألاقيه عندنا من تسليط وعدوان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 فالنحوس كلها مجتمعة لي في قران، ولا تعجب إلا لثبوتي لما لا يثبت عليه الحلق السرد، وبقائي على ما لا يبقى عليه الحجر الصلد، وبالجملة لا تسأل عن الحال فقد صار في عيني معمور الكرة، أضيق من خرت الإبرة، واستبهمت لي المطالب، وانسدت علي المذاهب، فما أدري أي وجه أيمم، ولا [68 ب] على أي أمر أعزم، ويا ليت شعري أين الفرج فهذا التناهي، وقد بلغت القلوب الحناجر ومتى التلاقي - نستغفر الله من هذا الضجر، ونعوذ به من السخط على القدر، ونساله صبرا يشتد لشدائد النوب حتى تجوز وتعبر، وتوفيقا يهدي في غياهب الكرب حتى تنجلي وتسفر. وله في فصل من أخرى: كتابي وعندي من الدهر ما يهد أيسره الرواسي، ويفتت الحجر القاسي، فرسا رهان: *يجد نوائبا وأجيد صبرا* ومن أجلها قلب محاسني مساوي، وأوليائي أعادي، وقصدي بالبغضة من جهة المقة، واعتمادي بالخيانة من حيث الثقة، فقس بهذا على ما سواه، وعارض به ما عداه، ولا أطول عليك فقد غير علي حتى شرابي، وأوحشني حتى ثيابي، فها أنا أتهم عياني، واستريب من بناني، وأجني الإساءة من غرس إحساني، وقاتل الله الحطيئة في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 قبره، فلشد ما غر بقوله: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس من يزرع الخير يحصد ما يسر به ... وزارع الشر منكوس على الراس أنا والله اغتررت به وفعلت خيرا فعدمت جوازيه، وأذممت عوائده ومباديه، وزرعته فلم أحصد إلا شرا، ولا اجتنيت معه إلا ضرا، وهكذا جدي، فما أصنع وقد أبى القضاء إلا أن أقضي عمري في بوس، ولا أنفك من نحوس، ويا ليت باقية قد انصرم، وغائب الحمام قد قدم، فعسى أن تكون بعد الممات راحة من هذا النصب، وسلوة عن هذه الخطوب والكرب؛ ودع بنا هذا التشكي فالدهر ليس بمعتب من يجزع، ولا بمشفق على من توجع، واطرح بنا هذا القول في الرياح، واعدل بنا عن الجد إلى المزاح. وله من أخرى: كتابي والحال على ما أسأل الله لها تبديلا وإدالة، ولعثرة الجد فيها استقلالا وإقالة، ولست أشكو إلا زماني وقعوده الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 بجدي، وقبيح آثاره عندي، وإن كان على الكل عاديا، وللجميع بكأس مكروهه ساقيا، فيخصني بمزية حرمان، ويتوخاني بفضله عدوان، ويجعلني نصب سعيه، وغرض رميه، ومكان أذابته وبغيه، حتى كأني أبديت له معاير، وأدرت عليه دواير، ودللت العالم [69 أ] على جوره في الحكم، وتطبعه في الظلم، وحسبي الله تعالى فيما أسخط وأرضى. ومع ما ذكرته فلي من الصبر جانب، وإن حميت منه جوانب، ومعي من التجمل بقية وإن سلبته السوالب. وفي فصل من أخرى: ربما كتبت تارة واستوقفت أخرى، وليس ذاك لتلون وانقلاب، وأفن في الرأي واضطراب، ولكني بحسب الحال أكتب، وعلى قدر تقلب الخطوب علي أتقلب، وما زلت أثبت لتوالي الرمي، وأستمسك على قوة الرزء، إشفاقا من أن أكون كلا، وأزيد في مؤنتك ثقلا، حتى قدم الغائب وقد تملأ من المرة الصفراء، واستفرغ من خلطي البلغم والسوداء، وتلقى الساعي هراشة بالاغراء، وناريته بالحلفاء، فاندفع يهيج ويتهوج، ويستشيط ويتأجج، ولا حلم يردع، ولا استبصار ينفع، فيا لك من مكاشفة تركت الألباب حيارى، والناس سكارى، فما أجد إلا من يثلب، ولا أمر إلا بمن يتهجم ويقطب، حتى كأني وترت الجميع، وجنيت عليهم الخطب الشنيع، ولله سمعني ماذا يسمع، وقلبي كيف لا يتصدع!! ولو نال مني ذو حرمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 تعزيت، أو أخذ مني من فيه إنسانية ما باليت، ولكن المحنة بأوغاد تدق عن المجازاة مقاديرها، والبلية بذباب يحميها من أن تنال مقاذيرها. حل هذا من قول القائل، وهو إبراهيم بن العباس في محمد بن عبد الملك الزيات: نجا بك لؤمك منجى الذباب حمته مقاذيره أن ينالا وله من أخرى: قد آلى الدهر ألا يصيبني بنوائب، حتى تكون غرائب، فهو يخترع كل يوم فنا، ويطرقني بما لم يطرق قط أذنا، وفي فصل من أخرى: تحيل في استلطاف فلان فعساه يلين بعد قساوته، ويسكن غضبه بعد اشتداده، وكيف أوصيك وأنت ساحر البلد، وأحد النفاثات في العقد - ومن العجب أن أدرك إلى ذلك وأنت الذي جنيت علي فيه، وأذقتني مرارة تجنبه، فكيف تصلح وأنت المفسد، وكيف تستدنيه وأنت المبعد، وكيف تنصف وأنت الظالم، أو تبني وأنت الهادم -! هذا مرام بعيد، واسترضاء حاسد مثلك صعب شديد، ولكني واثق بأن يحيق بك سيء مكرك، فتذوق وبال أمرك، وتحصد زوائع شرك، وتصلى بنار بغيك، وتجني ثمار سعيك، والله مقرب ذلك فيك ومدنيه منك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 وله من أخرى: كتابي عما عهدته من قعود الأيام بجانبي [69 ب] ، واعتراضها علي في وجوه قصدي، ومقابلتها بالخيبة والحرمان سعيي وجهدي، بل ما تنفك تتلاعب بي تلاعب العابث، وتستطيل علي استطالة العائث، وتريني من أحداثها عجائب تسجم الدموع، وتطلع علي من خطوبها غرائب تحطم الضلوع، فيا لنفس تستطيع حمل هذه الكلف، وتبقى على ما في أيسره وشيك التلف، وقد كان شديدها عندي هينا، وضعبها علي لينا، حتى جد الجد برحلتك، وجرت لي الأشائم بفرقتك، فسدت علي من الراحة الأبواب، وقطعت بيني وبين الفرج الأسباب، ولم يبق لي معلل من دائها، ولا فارج علي اشتباك غمائمها، ولعل الذي لم يزل يمتحنني ليعلم كيف أصبر، وينظر أأشكر أم أكفر، أن يجعل لحالي إدالة، ولعثرة جدي إقالة، وأن يقيض لجمع الشمل، ووصل الحبل، سببا، ويقضي من عودة المجالسة، وتجديد المؤانسة، أربا، بمنه. ومن أخرى في مثله: كتابي والحال في الخمول كما علمت، والجد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 في الشقاوة كما عهدت، وكلما أرجو لباب الفرج انفراجا، يستبهم ويزداد إرتاجا، وكلما أطمع بمطالبة الأيام أن تلين تشتد اعتزاء، ولسهام النوائب أن تنثني تتتابع ولاء، والحمد لله الذي يبتلي ليرى كيف الصبر، ثم ينعم ليرى كيف الشكر، حمد متوكل عليه، مفوض أمره في كل حالة إليه. وله من أخرى في مثله: لكل زمان طاغية يشقى به ويعبأ له، وربما خص بتسلطه، وانقبض في تبسطه، ولم يصل بضرامه، إلا من ضايق في خطامه، فهذا المعهود، ولا كمن جمعنا به عصر، وضمنا معه مصر، فانه جاهر الكل بالقلى، ودعا إلى مكروهه الجفلى، وامتحنت أنا منه وممن معه بأشد محنة، وأسلمت لأسنتهم وسهامهم بلا جنة، فمن أيد تستبيح الحمى، وألسنة تنطق بالخنا، ومن سطوات تملأ عراص القلب رعبا، وترسل أدمع العين سكبا، ولو استطعت أن أطوي عنك أحوالي، ولا أشغل بالك بأوجالي، لرفهتك عن سماع ما يجلب إليك ارتماضا، ولا تملك لي فيه امتعاضا، ولكن أعوز الصبر، وأعجز احتمال الضر، فاسترحت استراحة واجد كاظم، وتعللت بالشكوى إلى متوجع واجم، على ما قيل: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 ولا بد من شكوى إلى ذي حفيظة يواسيك أو يسليك أو يتوجع واشتمل كتابك الكريم على ما استحييت منه، وغضضت طرفي عنه، وأوهمني أن [70 أ] شكواي أثارته، وربما انحفزت فيما الحال بذاتها معربة عن التعذر، فأنظر الأمر إناة، وأجره على مجراه، وليس إلا التفويض إليك، والتوكل عليك، وما عندي أكثر من أن نفسي في يديك، فلا تكلني إلى رأيي فأحار، ولا تخيرني فلست أحسن أن أختار. ومن أخرى: أنا في هذا الوقت بحكم الزمان، نعم مستودع الهوان، أضحك لمن شتم، وأعتذر إلى من ظلم، وأغضي لمن همز ولمز، وأتعامى على من أشار وغمز، وأتلقى المكروه والأذى، بطلاقة التقبل والرضى، فمثلي إن أوذي شكر، أو أسخطته الأقدار تجمل، أو حمل ما لا يستطاع تحمل، فعل من يلبس للأحوال لبوسها، ولا يحفل بنعيم الأيام وبوسها. ووقفت على كتابك فلم أستغرب تجنبك، ولا أنكرت تعديك، وما عسى أن تكون في جملة من يعبر ويكلم، ويسخط ويذم، وأنت إذا خلصت من هذا الباب لم تتخلص للحجى، وكنت كجزء لا يتجزا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 هات يا سيدي عتبك وعتابك، واشحذ للملام شفارك وحرابك، تجدني لاحتمالك عودا بجنبه جلب، وعليه من قراع الدهر ندب؛ على أني خلت أن الخطوب تبلغ بي رتبة من تعتد أنت عليه ذنبا، ويسمع من مثلك عتبا، ولكنها الأيام تأتي بغرائب، وتلد ما لا يحتسب من العجائب؛ وقد - وحياتك - جاشت هنا خواطري بالذم، وهمت نفسي بأن تفارق عادتها عن الكظم، لولا بقية بقيت من الخجل ذكرتني بالتمالك، وعرفتني مذهبي في التماسك، فأمسكت عليك احتسابا، ورجوت على حمل جفاء مثلك ثوابا، وأضربت عن أن أتكلف لك في شيء مما ذكرته [جوابا] ، إكراما لنفسي عن مجاوبتك، وتنزيها لها عن مساواتك ومماثلتك. وله فصل من أخرى: كيف أكتب أو أعبر، وبأي ذهن أخبر وأستخبر، ومالي والله يد تجري بقلم، ولا خاطر يهتدي إلى كلم، وإن نفسي من التبلد والكهامة والأين، بحيث لا تخلص معنى ولا تجمع بين حرفين، وما حال من كلما هم بشيء باعده الدهر منه، وطردته الليالي عنه، وكلما قرع باب مطلب عارضه من الحرمان رد، أو ذهب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 به مذهب سعي قطع به من النحوس سد، حتى لو عرض له عند الظما شرب، لغيض وحمته من الخطوب خطب، فاليأس قاطع أسباب الطلاب، ومغلق من النجح جميع الأبواب، ولكنها النفس ما بقيت لها حشاشة فهي تشف إلى طمع، وتنهض على ظلع، وتجهد ألا تقصر [70 ب] إلى أن تموت فتعذر. وفي فصل من أخرى: ليت شعري متى أفتتح بالرضى، وهل أكتب وقتا من الدهر ولا أتشكى، فإني أحمد الله على حياة أقطعها في شدائد لا تنثني، وسكرات غم لا تنجلي، ونكد أخلاق لا يشوبه ابتهاج، وضيق أحوال لا يتخللها انفراج، ولئن كان باقي العمر كماضيه، وعوائد العيش كبواديه، فالحمام أعذب موردا، والوفاة أحسن مشهدا، فليس [بعد] هذا العذاب ما هو أشد، فلكل شيء مدى ينتهي إليه وحد؛ فسبحان من جعل الدنيا دار كرب ومحنة، لكل ذي لب وفطنة، ومقام تنعم وترف، لكل ذي خسة ونطف، وسبحان من ابتلى فيها ذوي الفضل والنهى بكل قعط بنفسه ويستشرف من سماء المجد، ويلتف في جعسه ويستقذر عنبر الهند. وفي فصل من أخرى: كتابي وقد لقيت من التعذر في الدنيا ما صحح منها اليأس، وأراح من وسواس الترجي للنفس، وأغراني برفض المطالب، بما أفادني من التجارب، وقد خلعت عني ذل الطمع، ولبست عز التوكل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 وسلمت إلى له الأمر، وبيده النفع والضر، وإليه العطاء والمنع، وأنا في هذا الوقت منشرح الصدر، خلو من الفكر، وسبب ذلك كل خير من قبل فلان، فإنه لما علم كربتي، لم يزل يتلطف في صلتي، فلله هو إذا بهرج نقد، وقلل تحصيلهم في الفضل عد، ما أميزه بالدنيا، وأسراه في طرق العليا!! وما أعرفه من أين يؤتي [المجد] ، وكيف يقتنى الثناء والحمد! ومما أنفذت اليك من مخاطباتي تقف على انفراده بالفضل، وارتفاعه عن المثل. ووردني كتابك فضاعف سروري أضعافا، ورد شوارد أنسي ألافا، وأمد ابتهاجي بأمداد، وأرادني من الجذل في أخصب مراد، ووقفت على جملة ما تجشمته، ولست أعارض بشكر إجمالك، ولا أطاول بثناء أفعالك، لأن العجز لاحق لي، والتقصير معصوب بي، غير أن مبدأ ما أنت بسبيله يقتضي أن تقف على منتهاه، وأول الأمر [فيه] يحفزك أن تنتهي إلى أخراه. وله فصل في مثل: ما أظن أن لدجى حالي انبلاجا، ولا لكربة نفسي انفراجا، ولا إخال غمرات الهم تنجلي، ولا مدد النحوس تنقضي. ومن كانت له من الدنيا حظوة يصطفيها، ومكانه يستقر فيها، فليس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 لي منها إلا أن أرى كيف تنقسم رتبها وتتناوب، وتتنازع نعمها وتتجاذب، وتغنم فوائدها وتتناهب، حتى كأني جئت على العدد [71أ] زائدا، ولم أكن عند القسمة شاهدا، فنبذت بالعراء، ولم يثبت اسمي في جملة الأسماء، وما أقول هذا قول ساخط، ولا أيأس من رحمة الله يأس قانط، ولكن ربما استراح العليل في أنة، واستغاث المتوجع إلى رنة، وخفف عن المصدور نفث، ونفس من وجد المكروب بث. ووصل كتابك مؤنسا إيحاش النوب، ومسليا عن حوادث الكرب، على عادة ما يرد من تلقائك، ويتجدد لدي من أنبائك، ووقفت على ما أزمعت عليه من لقاء الوزير الأجل فهيجت لي بذكراه، صبابة لقياه، واستطرت من أشواقي إليه وقعا، وأيقظت من آمالي فيه هجعا، وجعلت المنى تذهب بي كل مذهب، وتجري من بروقها بين صادق وخلب، وتخيل لي أن المثول بحضرته قد دنا، والفوز برؤيته قد أنى، وتناولتني الهواجس بذلك حتى كأن ناظري مستنير بمرآه، وسمعي مصغ إلى نجواه، فما لبث أن أنشدت: منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 وفي فصل منها: ما عسى أن أكتب وقد أطلعت في القول حتى أمللت، وأكثرت من التشكي حتى أضجرت، ولو شئت أن أقول لما أسعدت نفس قد هدمتها الهموم فما تقدر، وأحسب [أن] لو أقبل علي من الدنيا موليها، وأمكنتني الآمال من نواصيها، لما اهتززت لها اهتزاز نشاط، ولا وليتها ولاية اغتباط، فبؤسا للدهر ما أعنفه من مالك وأصوله، فانظر على أي نفس قدر، وفي أي همم أثر، وأي خطر أخمل، وأي إباء استنزل، وأي حد كل وفلل. ومن أخرى: في حالي - أعزك الله - عجب للمتعجب، كلما رمت وجهة فأتيتها من أقصد مذهب، وتناولتها بألطف مرعب، حتى تخيل لي أن أبيها قد أسمح، وحميد السعي فيها قد أنجح، رجعت عنها صفر الوطاب، وحصلت على رقراق السراب، وكان المستعجل منها أبطأ وأعصى، والمستقرب أبعد وأنأى، ويا ليت شعري إلى متى، وكم أتعذب وأشقى، وهل لهذا التحير أمد، زماني كله نكد -! وفي فصل من أخرى: وأما حالي التي تطلعت اليها فحال من لا يزال يستنجز الأيام عدات كواذب، ويستسقيها فتمطر صواعق ومصايب. وله من أخرى يخبر ما جرى عليه بدولة المقتدر: كتابي وأنا أساير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 من هذه النكبة غمرة يتطاول مداها ويمتد، وأصبر منها محنة تزيد مع الأيام وتشتد، وزادني قلقا ما حكاه لي فلان من [71 ب] خبر المقتدر في السبب الذي له جفيت، من أجله أقصيت، وذكر ذنوبا كانت مني، وأقوالا بلغه عني، منها تحصيل حركاته وأخباره، وتحريف ما كنت أشاهده في مجلسه الكريم من آثاره، وأراه، يذهب في تعديد ذلك ذهابا دل على حرد، وأنبأ عن سوء معتقد، فأزعجني الأمر إزعاجا يقتضيه تغير رأي مثله من الأملاك، الذين هم كالليل في الإدراك، وكالقضاء إذا شاءوا في الهلاك، ولم أجد لنفسي قرارا على تغيره، ولا هدوءا مع تنكره، وقد يجوز أن يكون للمبلغين في السعاية بلاغات محرفة، واختلاقات مزخرفة، تثير بسعيها حرجا، وتهيج أنفا، فمالي حرمت منه ما هو معلوم دون ملوك العصر، من سعة الحلم وكثرة الصبر - ولم عدمت عنده ما هو موصوف به من كظم الغيظ إذا أحفظ، وذكر الرضى إذا أغضب - بل كيف حتى خصصت وحدي من بين العالم، بأن يصغي في جهتي إلى النائم -! ولو رزقت من تأمله - أيده الله - ما أصغى إلى ذلك الناقل وما أنهاه، إذ الإفك ما حكاه، فلم يك من ذوي الأديان فيوثق في نقله، ولا من ذوي النصائح فيقبل من مثله، ثم من أعظم الخطوب ما أدرجه في أثنائه، من تعديد أياديه وآلائه؛ ونعم، أولى - أيده الله - وشرف ووجه، ونبه من خمول ونوه، ولست لكل ذلك بكاند، ولا لجميع ما أولاه بحاحد، ولو جحدت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 لأقرت علي المذاهب، ولو سكت لأثنت لآلائه الحقائب، واحمد الله تعالى على ما اتفق لي عنده من هذا الاعتقاد في، والنظر بمثل هذه العين إلي، [هذا] مع فرط تحرزي وانقباضي، وتناهي تذللي وانخفاضي، وما جبلت عليه من سكون الطائر، وغص الناظر، وخزن اللسان، ومهابة السلطان، في السر والإعلان. وإذا فكرت في ذلك لم أستغربه، لما علمت من شقائي في جدي، وسوء أثر الزمان عندي، ففي مولدي أن تقسو على قلوب أستلينها وأستلطفها، وتعرض عني جوانب أستميلها وأستعطفها، وما زلت مذ كنت أعتذر مظلوما واسترضي متسخطا، وأداري متشططا، واضطر إلى الاقرار بأجرام لا أجنيها، والاستعفاء عن ذنوب لا أدريها، وكيفما دار الأمر، وتصرف بي الدهر، فإني لا أفارق عصمة ولائه، ولا أنحرف عن تأميله ورجائه، حتى يهب الله لي منه تأملا يستوضح به براءة ساحتي مما نمي اليه، وسلامة جهتي [72 أ] مما زور لديه، فيعود بي إلى المعهود من رأيه الجميل، ويوسعني ما أوسع الكل من طوله الجزيل، فلم يكن قدر ما نمي إليه لو قام عليه دليل يقنع، وظهر بصحته أمر لا يدفع، مما قدح في رياسته، وغص من نفاسته، فيؤيس من كريم عطفه، أو يضيق عن تغمده وعظيم صفحه. وأنا أرغب أن تلخص معاني كتابي هذا بفضلك وتعرضها عليه، وتأخذ جملته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 وتفصلها لديه، وتحلي ما خشن منها بلطف إشارتك، وتتم ما نقص منه بحسن عبارتك، وتتوخى لذلك وقت نشاطه، وساعة انبساطه، فعسى أن تصادف به إصغاء يثني عن النبوة، ويلين جانبا من القسوة، ويذهب بعض ما يجده، ويصرفه عن هذا الاعتقاد الذي يعتقده. وله من أخرى يشرح أيضا ويذكر خبره مع المقتدر: تطلع عليكم مع هذا الكتاب طوام معضلة، وعجائب مذهلة، ينسيك بعضها بعضا، وتفني وأنت لا تدري أناملك عضا، وكأني بك كلما نشرت منه سطرا، وطالعت فيه أمرا، تتصبب عرقا، وتذوب فرقا، وتغشاك سكرة على سكرة، ولا تخرج من غمرة إلا غمرة، أولها: أنه يخاطبك فيه من كان ميتا ولم يكد يبعث حيا، ومن هلك علك عاد، وليس على ثقة من معاد، فيجب أن تقنع بما يتفق من وصف، وتعذر الخاطر إن لم يسمح لك بحرف، وخذ الآن إليك، فافتح مسمعيك: فارقتنا عند نهوض المقتدر بالله بجيوشه واتفق أن كنت أحد القاعدين، ولم ألف في عداد الغازين، ولا في من لقي من لفيف الكتاب، وأعيان الوزراء والأصحاب، فاشتد حنقه على الخوالف، وعم سخطه جميع الطوائف، ونذر إذا قفل، أن يصنع بهم ويفعل، وقدر الله أن غنم، وفتح على يديه وسلم، ولعلك تطلب شرح هذه النكتة، وتسأل كيف كانت القصة، ولئن عجزت عن التفصيل فاسمع الجملة: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 جلس بعد أيام من صدره في مجلس الذهب، وعليه سيما الغضب والرهب، والناس يستعيذون بالله من بوسه، لما رأوا من فرط عبوسه، ثم قال: أين فلان - فكنت للشقوة غائبا عن المكان، فقيل ليس بحاضر، فاندفع من فوره وأقسم بالغموس أن أعزل عن خدمته، ولا أبقى في بلدته، فاستحوذ على الكل البهت، وملك جميعهم السكت، وحضرت أحد الوزراء بديهة تراجع بها شيء من ذهنه، فتجاسر بعض التجاسر عليه وذكره بالكظم، واسترجعه إلى سجيته من الحلم، فضجر أشنع من الأولى، وشد اليمين [72 ب] بأخرى، فانقطعت أسباب الرجاء، ولم تكن حيلة في القضاء، وسبق إلي النبأ الفظيع، ثم تلاه الأمر الشنيع، - جعلني الله [فداك]- صورتي إن صح لك توهم، وتخيل حالتي إن بقي لك تخيل؛ وأذكر لك ما بقي في ذكري وثبت في ذهني، وسقطت مغشيا علي، وعانيت الموت جادا إلي، وشاهدت نفسي وهي تخرج، ورأيت روحي وهي تعرج، وبقيت لا أقلقل ولا أزعج، كالمستضعف أحاطت به غلبة، ولم تسمع له طلبة، ويا لك من مقتدر شمخت العزة بأنفه، ولم يثن الجبروت من عطفه، وقد فارقت الرأفة، وتمكنت منه القسوة، واللجاج يغريه بازعاجي، ولا يشفيه شيء غير إخراجي، لعلمه أن ليس له عندي إنعام، يمكنني معه خروج أو مقام، ثم خرجت مع هذا كله على رغمي إلى شنتمرية، وهي القبر إلا أنها من قبور الرحمة، وأنا الآن فيه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 أتعذب بغمته، وأتقلب في ظلمته، وتعرض علي أعمالي، ولا أدري إلى حيث يكون مالي. هذا يا سيدي بعض ما تحصل في هذه الأحوال، بما جرى علي من الشدائد والأهوال، فرق الآن لأخيك رقة راحم، وابك عليه بدمع هام وساجم، وتقطع إشفاقا، واستشعر انطباقا، والبس عليه أغبر إن لم تلبس حدادا، وألق للعزاء عنه وسادا، واعجب لطول يلاعب الأيام بي، وتلونها [وتلويها] في تركي مطرحا بمنزلة ضياع، ووضعي غرضا لتحكم جهال ورعاع، أجرع، من الهون ما أجرعه، وأقابل من الضيم ما لا أدفعه، دهري كله وأكرب، وأجر كل حين بأيدي الاهتضام وأحسب، ولا أعدم في كل مكان من يتجنى، ويعدد ذنوبا لا تدرى، ولا ذنب لي إلا كف الأذى من لساني، ومسالمة الورى في سري وإعلاني، وإذا كانت هذه المحاسن التي تعجز عنها ذنوبي التي أجفى لها، فكيف أستغفر منها، وقل لي كيف أعتذر عنها - وما زلت أجهد - على علمك - أن يكون هذا الانفصال عنه اختيارا، فأبى الله إلا أن يكون اضطرارا، وطمعت أن أستفيد في تلك الصحبة ما يعينني على نيتي، ويريش جناحي للنهوض إلى طيتي، فما حصلت منها إلا على قبيح عزائمي. قال ابن بسام: وهذا الفصل محلول من قول البحتري حيث يقول: [73 أ] . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 إذا محاسني اللائي أدل بها كانت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر ومجلس الذهب الذي وصف أبو المطرف مجلس في دار السرور، أحد قصور المقتدر بن هود بسرقسطة، وفيه يقول ذو الوزارتين ابن غندشلب يهجو الوزير ابن أحمد، وكان ينبز بتحتون: ضج من تحتون بيت الذهب ودعا مما به واحربي رب طهرني فقد دنسني عار تحتون المئوف الذنب وله من أخرى يصف ضيق المكان الذي أخرج إليه: فرق ما بين المكان الذي وردت عليه، وبين القبر الذي مآل الإنسان إليه، [أن] المقيم به والساكن فيه يدفن حيا، ولا يعلم من نور الدنيا شيئا، وأنا منذ احتلاله أفرغ من حجام ساباط، أركل وأضرب الآباط، وتارة ألعب بشطرنج ونرد، وتارة أطالع أخبار بشر وهند، وأخرى أيضا: أظل ردائي فوق رأسي قاعدا، أعد الحصى جاهدا، وأرمي بها صادرا وواردا؛ وكانت راحتي في مخاطبة صديق أجاذبه الكلام، وأقطع بمناجاته الأيام، ولكن من محن الدنيا ألا أجد من يتحمل لي كتابا؛ ولقد ظفرت بمن توجه إلى تلك الناحية فكتبت مخففا عن صدري الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 وطالعتك أنت والإخوان ببعض أمري، وانتظرت صدر ذلك الإنسان، بأجوبة تفيد بعض السلوان، فلم يكن منهم إلا كل جاف جلف، لم ير في دينه المراجعة بحرف، فساء بذلك ظني، وقرعت على ما فعلته بالندم سني، وتصرف فكري في أن ذلك الرجل كان من معارف الرجس، فاتهمت أن الداخلة دخلت علي منه، ولولا ذلك لفجأك من التعب ما يرهق شمسك، ويصلح من روح الله يأسك، فعجل مراجعتي بجلية ما عنك من وصول الكتب أو غير ذلك، ولا تزد على ما في جوابك، فإني زاهد في قراءة كتابك، غير نشط لما يرد منك ومن سواك، ولو راجعتم عما أكتب بالضعف، عن كل سطر بألف. وله من جواب على كتاب ورد عليه من بعض إخوانه بالعفو عنه: ورد جوابك الكريم فنفس من كربتي، وأنس من وحشتي، وروح عن قلبي الأسى، ووصل [بين] طرفي والكرى، بما أطلعته علي من الفرحة المستمطرة، والبشرى المنتظرة، في سكون ضجر المقتدر [بالله] وغضبته، ونزوله عن أكثر عتبه وموجدته [73 ب] وامتناعه بالقبول لإنابتي، والإصغاء إلى استلطافي واستلانتي، وما كان ليقطع عصمة من انقطع إلى علاه، ولا يؤوب بحسرة الخائب من أمله ورجاه، ورأيت ما لوحت به من الأشياء الموجبة للجفاء، على ذلك الإقصاء، وانها تواكدت على مر الأيام بأقوال مستبشعة، وبلاغات مستشنعة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 وقد آلم وساء، وبلغ الباغي في النكاية ما شاء، ولكن أترى أن الحاكي لها ممن يتحلى بفضل، أو يرجح إلى دين وعقل - وهل يجوز أن يتسوق بمثلها إلا أوضاع الدنيا، وسقاط أتباع أولاد الزنا - وقصاراهم أن يتعرضوا للطخ الأعراض الطاهرة، ويتمرسوا بطعن على الفضائل الباهرة، بكذوب تلفق، ومحاولات تختلق وتنمق، فما أبعد جوازها على العقول، وأقل نفاقها عند ذوي التحصيل، وأخلق بها من شبهة أن تنجلي، ومن ضرم إحنة أن تنطفي. ومن أخرى يصف خبر نكبته: ورأيت ما تعلق ببالك من معرفة حالي ومجراها، في حدها ومنهاها، وفي شرح ذلك خطب ثقيل، وشغب طويل، جملته: أن الذي كتب على لساني أوسعه ثلبا في قول تقوله علي، واستخفاف نسبة إلي، وعلم الله تعالى براءة ساحتي من ذلك، ونزاهة نفسي عنه، لكن الطبائع الخبيثة تقبل سريعا من أجناسها، ولم تزل تتزيد وتكثر حتى الاناء بما فيه، وأبرز ما كان ينطوي عليه ويحفيه، وليس عندي في ذلك أكثر من أن الأقدار تعمل أعمالها، وتظهر في البشر عللها وأفعالها، والذي يغمني من ذلك ويهمني جد لا ينفك من عثار، وحال لا تزال في خمول وإخمال، وقطع عمري في كد وذلة، وجهد وقلة، وتصرف لا ترضى به آلاتي، واتضاع ترفعني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 عنه أدواتي، بحيث يتقدم الجهل على النبل، ويستطيل ما شاء على الفضل، وتنال الرتب بالمخارق، وتعطى الكوادن حظوظ السوابق، ولم أزل أصبر من ذلك كله على يشيب رأس الوليد، ويذيب الحديد، ويهد الرواسي هدا، ويحدث للجماد غيظا ووجدا، لئلا يقال مضطرب يقلق، وعجول لا يتأتى ولا يرفق، حتى آلت الحال إلى هذا المآل، وبلغ الكتاب أجله في الانفصال، فاعجب يا سيدي مما يدفع الإنسان إليه من شقاء يقاسيه، وعناء يعانيه، ومحن يغشاها [74 أ] ألوانا، ونوب تفترق عليه أقرانا، ومغايظ تطرف الناظر بقذاها، ويعرض في مجاري الأنفاس شجاها، وتقطع النفس أنفسا، وتحيل العيش أبؤسا، ويأبى الروح مع ذلك لشقاوته إلا أن يكون حافظا لحياته، حتى يتعذب بكل ما عددته، ويتألم من جميع ما سردته؛ فليت شعري: لم هذا - وعلام الرغبة في الازدياد، وهذا الحرص على التماد - ولو أن الأيام كلها في نعيم محتفل، وسرور متصل، لما كان ذلك إلا بمنزلة ظل زائل، ولم يحل منه بطائل، إن هذا لطموس أضل الألباب فلا تدري الرشاد، وأفسد الأفكار فلا تعلم ما المراد. وله من أخرى إلى الوزير أبي الفتوح: ما زلت - فسح الله لك أيها الوزير الأجل غاية الأمل - منذ سمعت فضائلك تذكر، ومناقبك تنشر، وسور سروك تتلى، ومحاسن فعالك تجلى، أحن إليك حنين كلف، وأتشوق نحوك تشوق شغف، وأستمنح الأيام خلتك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 وأود لو أفادتني صلتك، حتى فتحت لذلك غلقا، ونهجت له طرقا، ومكنت من المعارض بالود، وسبب التناجي على البعد، فكان ما أتيته من ذلك بحسب البغية، وواقعا موقع الأمنية، وهكذا فعل من حوبي بالسعادة، وأنشى على السيادة، حتى فرع من المجد ذراه، واستولى من كل فضل على مداه؛ هنأني الله ما منحني من صفائك، وبارك فيما وهبني من إخائك. وإن كتابك الكريم ورد، وعلمت ما وراء افتتاحك المكاتبة من ود صريح، وميل صحيح، وانجذاب جذبه لا محالة تجانس في الخلائق، وتشابه بين الطبائع، ولله ما أفادتني الأيام بك، وأكسبتنيه منك، ورأيت ما أشرت إليه من إجرائك إلى الصلة بيني وبين الملك الأجل المنصور - أطال الله بقاءه، ووصل اعتلاءه - ولا بد أن تسبب للمواصلة أسباب، وتنفتح للمداخلة أبواب، فيتسنى بذلك من تآلف النفوس كامن، ويكون الامتزاج ظاهرا كما هو باطن، وأنا أرغب أن تتناول ما بدأت من ذلك فتتممه، ولا تحل من عقد الوصلة يدك أو تحكمه. وقد لقيت فلانا فرأيت لعمري فضلا رائعا، ونبلا بارعا، وحلاوة تستهوي، ولطافة من ذلك السرو تستملي. ومن رسائله الإخوانيات فصل له من رقعة: إذا صح الود ارتفع التصنع فيه، ولم تستخدم الأقلام في شيء من معانيه، ولهذا أضربت [74 ب] عن وصف الاعتقاد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 ولم أجر فيه على المألوف المعتاد. ووصل فلان، فلا والله ما رأيت أبنى منه لمجد، ولا أنطق منه بحمد، كلما اطمأن به مجلس لا يزال يثني، والأسماع إليه تصغي، حتى يجعل المحبة فريضة دين، ويمكن للقول من الأنفس أي تمكين، ثم تفرد في خلال ذلك من رشد الطرائق، وشرف الخلائق، وعلو الهمم، والتطبع بالكرم، بما يقضي أن للسيادة فيه أسرارا ستظهرها الأقدار، وينطق بها الليل والنهار، والرب تعالى يتم عليه يتم عليه مواد نعمه، ويوفي به على مطالع هممه. وله من أخرى: وردني كتابك على حين كانت الأشواق تتوكفه، والأماني تتشوفه، فأيبهجني مطلعه، ولطف مني موقعه، وأجلت فيه ناظري فاجتليت لسان الود يبوح بسريرة الصفاء، ويعرب بحقيقة الوفاء، وعانيت نجي المقة كيف يساقي كأس المحبة صرفا، ويهز بألطاف الصلة عطفا، لله هو من كتاب أحضر وفد الأنس عندي، وجدد الجذل كعهدي، ورفع للأطراب ألويتي، وعطر بطيب الشمائل أنديتي، وبنفسي مهديه، وخاطر تلطف في معانيه، وراع برائعة أغراضه ومباديه، وإذ لا تسعف الليالي بتلاق يشفي، فالتناجي بمثله يتعلل ويكفي؛ لا زالت أسباب مواصلتك لي مؤكدة، ورسوم ملاطفتك عندي مجددة. ورأيت من ذلك الفاضل سيرا تنتظر درج العلا أن يرتقيها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 وتتشوف اليه رتب المجد أن يعتليها، وكأني به قد أجنته الأماني ثمارها، وزفت إليه السيادة أبكارها، وقاه الله العيون، وحقق فيه الظنون، فما أنبل قدره، وأكمل سروه!! وله من أخرى: إذا نجم الفضل -[أعزك الله]- من المعادن الشريفة، في المناصب المنيفة، ثم تحلى بحلية الآداب، ولم يتكل في العلا على بنية الأحساب، فلا غرو أن يكثر خطابه، لأن تعلق أسبابه، ويتنافس في عرفانه، ليحصل من معارفه وخلانه؛ وأنت - يبقيك الله - ذلك الضارب في الشرف بأرسخ عرق، الفائت في الفضل كل ذي سبق، تعرب عن ذلك الأخبار السائرة، وتنم عليك به الأنباء العاطرة، لا سيما بأوصاف فلان، لعلمه بحرصي على ذلك الأفق لا يزال يهدي إلي أخباره فيخصك بينهم من الخلال والمناقب، وحسن السير والمذاهب، ما قد شوق نفسي إليك، وملأ جوانحي حرصا عليك، وتمنيت لو حزت أسباب [75 أ] القدرة، بتنقلي إلى تلك الحضرة، ولم أتمالك أن خاطبتك خاطبا صلتك، ولست من الأكتفاء، وراغبا في خلتك، وإن لم أكن من النضراء؛ لا زالت تستخلص الأنفس شمائلك، وتقف عليك المودات فضائلك. وفي فصل من أخرى: قد كنت - أعزك الله - متمنيا لهذه الأيام، كما يتمنى في المحل صوب الغمام، ومنتظرا لظهورك فيها، كانتظار النفس أعذب أمانيها، ولما أطلعت طلائعها السعود، واستمر بك الارتقاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 والصعود، قلت لنفسي: بشراك، أسعفك الدهر بمناك، وسرك في بعض أعزتك وأرضاك، الآن آن للنحوس أن تدبر عنك إدبار المنهزم، وللنوائب أن تحذر منك سطوة المنتقم؛ وأذني في الاصغاء، إلى ما يطرأ من الأنباء، فلا تنفك مبهجة الأخبار تترى، ومثلجة المسار تتناصر وتتوالى، وكلما قيل قرع من الجاه ذروة، واستجد من العز كسوة، سرت العزة في خلدي، وطالت على النوب يدي، وحين صح تمكنك عندي، انبسطت إلى مخاطبتك نفسي، مذكرة لك في تنويهي وغرسي، إن صادفت من الزمان إسعادا، وملكت من إحدى الممالك قيادا؛ على أنك ممن لا تنسيه المعارف حال، ولا يلهيه عن الجميل إقبال، ولو استقل بك السرير، ودان لك الخورنق والسدير؛ ليأمن مسألتي الدهر المحيل فقد حسبتني أحاوله، أم أي حظ أجزل من إقبالك علي أتناوله - كلا والله، ما أسأل وقد نلت الرضى، ولا أجري بعد أن بلغت المدى، حسب يدي وما علقت، ولتقتنع نفسي بما رزقت، فلكل طلاب غاية، وللظفر بالمنى راية. ومن أخرى: أي حمد يفي بمنن لك تسلفها ابتداء، وتتابعها ولاء، بلا وجوب يقتضيها، ودون سبب يستدعيها - بعيد علي أن تقوم لذلك قدرتي، أو تبلغه استطاعتي، وليس عندي إلا بذل المهجة فيما وصل بك، وضم إليك، وإرخاص النفس فيما أدنى إليك، وأحظى لديك. ووجدتك قد أشرت إلى عذر أعجلك في الكتاب، عن التعمل والإسهاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 ووصلت ذلك بأن حسنت مذهب الاسترسال، واعتفيت من مؤنة الاحتفال، حسبما يوجبه تمكن الاتصال. وله فصل: ووصلت الأبيات الرائقة تعبق في أنف المتنسم، وتشير لعين الناظر المتوسم، وتأملتها فرأيت نور الحكمة منها يتألق، وماء الطبع عليها يتدفق، وما أنا إلا غفل وسمته وسما باقيا، وعاطل طوقته [75 ب] طوقا باهيا، وبودي لو أغربت في الشكر، إغرابك في الشعر، واقتدرت على الجزاء، اقتدارك على الإطراء، حتى أصل إلى سبقك، وأقضي بعض حقك، وإذا كنت أقصر، ولا أقدر، فأنت بفضلك تتجاوز وتعذر. وله من رقعة خاطب بها جماعة من إخوانه: كتابي هذا من وادي الزيتون، ونحن فيه محتلون، ببقعة اكتست من السندس الأخضر، وتحلت بأنواع الزهر، وتخايلت بأنهار تتخللها، وأشجار تظللها، تحجب أدواحها الشمس لالتفافها، وتأذن للنسيم فيميل من أعطافها، وما شئتم من محاسن تروق وتعجب، وأطيار تتجاوب بألحان تلهي وتطرب، في مثله يعود الزمان كله صبا، وتجري الحياة على الأمل والمنى، وأنا - أبقاكم الله - فيها بحال من طاب غذاؤه، وحسن استمراؤه، وصحا من جنون العقار، واستراح من مضض الخمار، وزايلته وساوسه، وخاصت من الخباط هواجسه، لا أبيت بليلة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 الشئس، ولا أقوم كالذي يتخبطه الشيطان من المس، بل أنام ملء جفوني نوم مسرور، وأنتبه إذا انتبهت غير مذعور، فلتبعد بعدها الخمر، ما بقى الدهر، فقد طلقتها ثلاثا، وتركت الأسباب بيني وبينها رثاثا، ولله الحمد على أن خلص من حبائلها، ونجى من غوائلها، وسلى من حيث كان يتوقع الكرب، ولقى المحبوب من حيث كان يخشى المكروه والخطب. وأنتم سادتي أخلاء النبيذ، برئت منكم كما برئ المسيح من اليهود، فهنيئا لكم تنفس أنفاسها، وتعاطي أكواسها، فلست أزاحمكم عليها بمنكب، ولا أوافقكم فيها على مذهب، فاطلبوا لحثها الألحان، واخلعوا فيها العذر والأرسان، وتعروا من ثياب الوقار، واركبوا رءوسكم في هتك الأستار، وموتوا سكرا، ولا تعصوا لشاربها أمرا، واتخذوا الحسن في دينها نبيا، واعتقدوه إماما مرضيا، وقولوا عيش الخلاعة عيش رقيق، ولذة النفوس صبوح وغبوق، فليس لقولكم رد، ولا في غير رأيكم رشد، ولا أقصى الله إلا من تعسف، ولا أبعد إلا من لام وعنف. وكأني بكم -[أبقاكم الله]- إذا قرأتم أحرفي هذه تستذكرون عليها عهدي، وتشربون منها كاسا في ودي، وتقولون: سنفث في العقد، ونصرفه عن ذلك المعتقد، فلا تعتقدوا ذلك ولا تتوهموا أن تكيدوني بكيد، ولو تأيدتم عليه بأشد أيد، فقد استدفعت برب الناس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 غامض شركم، وتعوذت برب الفلق من [76 أ] نافث عقدكم، والله ولي الكفاية بفضله. شاركتكم يا سادتي -[أعزكم الله]- نعمة الله المتجددة قبلي، وأعلمكم بمبلغ سروري وجذلي، فإن كنتم قد خصكم منه - جل وعز - بمثلها عرفتموني [بها] لنتساوى في الشكر، وإن كنتم على الحال التي تركتكم عليها من البطالة، والتمادي في الضلالة، فأعفوني من جواب بصفتها، فلست أتطلع إلى معرفتها، [وأنتم أولياؤنا إن شاء الله] . فراجعه أبو الفضل بن حسداي برقعة قال في صدرها: يا سيدنا الذي ألزمنا بامتنانه الشكر، وكبيرنا الذي علمنا ببيانه السحر، وعميدنا الذي عقدنا بجرمه وانحل، ورمانا بدائه وانسل، أبقاك الله لتوبة نصوح تمرها، ويمين غموس تبرها؛ وردنا - أبقاك الله - كتابك الذي أنفذته من معرسك بوادي الزيتون، ووقفنا على ما لقيت في أوصافه من حجة المفتون، وإعجابك بالتفات شجره ودوحاته، واهتزازك لطيب بواكره ورحاته، ومرورك به وهو حو تلاعه، موردة صفاته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 وأجزاعه، وكل المشارب ما خلاه ذميم، وماؤه الدهر خصر والمياه حميم، وتلك عادة تلونك، وسجية تخصرمك، وشاكلة ملالك وسأمك، وأشعر الناس عندك من أنت في شعره، وأحب البلاد اليك ما أنت في عقره، فأين منك بساتين جلق وجنانه، ورياضه المونقة وخلجانه، وقبابه البيض في حدائقه الخضر، وجوه العطر في جنابه النضر، وما تضمه حيطانه، وتمجه نجاده وغيطانه، من أمهات الراح التي هجرتها بزعمك، ومواد الشمول التي طلقتها برغمك. وهيهات! فوالله ما فارقتك تلك الأجازع والمحاني، ولا شاقتك تلك المنازل والمغاني، إلا تذكرا لما لدينا من طيب المعاهد، وحنينا إلى ما عندنا من جميل المشاهد، وأين من المشتاق عنقاء مغرب. وأما ما وصفته من صحة استمرارك، ونفوذ غذائك، وإفاقتك من جنون العقار، واستراحتك من سقم الخمار، وخلوص تلك الهواجس [من اختلاط الراس، فاعلم أن الغي ما أنت فيه منذ اليوم، والوسواس ما سمعت به أسماع القوم، وقد أدانا صادق القياس، إلى علم سبب ذلك الوسواس] فإنك تعرضت للسموم غير ملثم، وبرزت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 إلى الهجير غير معمم، فأنت عملس أسفار، وجريت مهامه وقفار، فتخلل الخام اللجج، وتقطع البلغم اللزج، وتصاعدت أبخرة البدن إلى أعلاه، فقذف بذلك المحال الذي أملاه. وقد بلغنا نفضت مكامن الثغر الأعلى، وسربت إلى بلاد العدو في من سرى، وشهدت الخيل يوم طرادها، وباشرت الحرب غداة جلادها، مختالا بين الصفين على شقراء تردي منك بنسيج وحده، وتجيء [76 ب] بك معتجزا في برده، فقد كتب عليك حكم القتل والقتال، وعلينا توسيع الجيوب وجر الأذيال، فهذا هو الرأي الذي سول لك أن تدعي التوبة ولا تستدعي الكاس، وتستدعي النوبة وتستعدي الناس، وتري أنك تنسك وتتقرأ، وتنخلع من المجون وتتبرأ، فالسلام عليك يا أيها الناسك المتصوف، والمتبل المتقشف، الذي أقصر لما أبصر، وفضل نور الحقيقة، على نور الحديقة، فقطع العلائق، وهجر الخلائق؛ فأنت ممن تقول، ما لا تدركه الألباب والعقول: أخذ مني أنا، فبقيت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 بلا أنا، فبوجهك يستقى الغمام، وببركة دعائك تستشفى الآلام، فإنك الرجل الزاهد، والمرابط المجاهد، وما تخفى عليك لطائف الزهد ورقائقه، ووجوه النسك وطرائقه. ولكن هات حدثنا حين لم ترض بالراح إلفا، وطلقتها ألفا، ما سببك في سبك لها، وهي صافية طاهرة، وغضك منها وهي طيبة عاطرة، وكلوحك في وجهها وهي طلقة ناضرة -! وما لك جواب غير قول أبي نواس: لا تسم المدام إن لمت فيها فتشين اسمها المليح بفكيا وأما إشارتك في أن نشربها على ودك، ونتذكر عليها طيب عهدك، فلا ولا كرامة ولا نعمى عين، فهي أجل وأكرم من أن نبذلها في ود من جفاها وقلاها، ونديرها على حمد من ذمها وهجاها، وأما قولك: " لا يسري فيك غامض شرنا، ولا يحل عقدك لطيف سحرنا " فإنك ترقق عن صبوح، وتشيع السرى وأنت مصبح، وتسر الحسو وأنت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 مرتغ، وترى الزهد وأنت طالب مبتغ، فاعلم أنا سنجمع شرنا المبين، ونتظاهر عليك أجمعين، ونجلب من الجن كتائب وجرائد، ونصرف من المكر غدعا ومكايد، في بقائك على نسكك مستمرا، ودوامك على توبتك مصرا، فعسى أتنعم وتقر عينا بنضوح كبدك، والتياع حشاك، وتشاهد مشارع الراح ولا ترد، وتباشر مناهل المدام وتنشد: أرى بعد ورد الماء للقلب لوعة اليك على أني من الماء ناقع وإنا لنوقن أن هذا الأمل بعيد لا نبلغه، ونعيم لذيذ لو نسوغه، فما تزال يحل أيمانك من نفسك حنث، لا يقاومه سحر ولا نفث، ونعم، سنأدبك إلى مآدب أنسنا، [ونندبك] إلى محاضر لهونا، فما نتم إلا بك، ولا نلذ إلا باقترابك، وأي شيء ألذ وأمتع من أن نتعاطى [77 أ] الكرات والنخب، ونبعث من مكانه الارتياح والطرب، ونصد الكاس عنك وأنت في مجراها، ونحلق بها عليك وأنت لا تراها، ولا تعلل منها بنسيم، ولا تنفح لك من رياها بشميم، حتى إذا دبت فينا حميا الخمر، وقهوتنا سورة السكر، تمايلنا عليك معربدين، وتمسحنا بأثوابك راكعين ساجدين، كما شبرق الولدان ثوب المقدس * الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 وأما [صفة] حالتنا التي سألت عليها، فسنزيدك جنونا بالحديث عنها: اعلم أننا قيد التهاء وارتياح، ورهن اغتباق واصطباح، تصرعنا القهوة، فنتداوى منها بها، ونتدرع النشوة، فلا نعرى من إهابها، فنخرج من سكرة إلى سكرة، ونعبر من غمرة في غمرة: [سدى عده لا يعرف اليوم باسمه ونعمل فيه اللهو مرأى ومسمعا] وكتبنا إليك -[أصلحك الله]- بأنامل يمتطيها القلم فترعش، وتحتويها الكاس فتستقل وتنتعش؛ أطلعنا عليك من حالنا غائظا فتلقه بالكظم، وأوصلنا إليك من خفض عيشنا منكرا فادفعه بالصبر والحلم، وسترد فتعلم، وتلقى خلاف ما تظن وتتوهم، والله يمتعنا بمقدمك، ويؤنسنا بلقائك، وينفعنا بصلاحك وبركة دعائك. وذكرت ببعض فصول هذه الرسالة أبياتا كتب بها ذو الوزارتين أبو محمد بن هود إلى الوزير أبي محمد بن عبدون في ترك الشراب، أولها: الخمر يا سادتي حرام * فراجعه الوزير أبو محمد بهذه الأبيات: يا سيدا في حباه رضوى أستغفر الله بل شمام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 في زمن الورد يا أخاه تجفى ولم تذنب المدام إذا ألمت ذوبا وجمدا تنفر عنها ولا النعام ودار دنيا الورى عروس معشوقة ريقها المدام إني لأدرى الورى بقوم أنت لهم سيدي إمام شامت يد النسك منك سيفا لكنه مثلها كهام فعد إلى الضرب يا حساما عن مثله يعجز الحسام وله من أخرى: وصلت رقعتك - أعزك الله - تستدعي المؤانسة من توالي هذا المطر الموحش للأنفس اللبيبة، المضيق للصدور الرحيبة، فاستغرقت فضلك في تذكر من ينسى، وصلة من يجفى، واستدناء من يقصى، ويحق أن يستغرب وفاء الصديق، في زمان الغدر والمذوق، غير أن رغبتك صادفتني ولي من الكتب جلساء تؤنس في الوحدة، وتسلي من الكربة، وتجلو صدأ الخواطر، وتفتح عيون البصائر، وتحلو للمجتني ثمارها، ويتمتع ناظر المتأمل نوارها، ثم إن من أغرب فوائدها أنها تستدنيك إن نأيت، وتستعطفك إن وليت، وأغرب من ذلك [77 ب] أنك تحمد عقباها، ولا تتوقع أذاها، وقد رضيت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 اليوم بها قسما، وإن أفاتتني من السرور برؤيتك غنما، ولك أنت أحفل الشكر، فيما تلطفت به من البر، فختر إخوانا يجاوروني في الذم والمديح، ويساعدوني على الحسن والقبيح، وحسبي أنا منها ما تتذاكرون من عهدي، وتتعاطون من ألاكواس والنخب في ودي. وله من أخرى: من الأعاجيب - أعزك الله - مكاتبة مجهول لا يعرف له أسم، ومراسلة غفل لم يصح له وسم، ولكنك أصبحت غريب العليا، وزعيم بني الدنيا، فحسن لنا أن نذهب مذهب الإغراب، في ما نبغيه لديك من الطلاب، ونبدأ بعرض الآمال، من غير أن نتدرج في مدارج الاتصال، ذهابا في ذلك عن العادة، مع من خرقها في السيادة، حتى جل في المجد والعلاء، عن الأشباه والقرناء، فينشد فيه وفي: غربت خلائقه وأغرب آمل فيه فأبدع مغرب في مغرب وله من أخرى: لولا أن التعمل في بعض الأحوال، ضرب من الإزراء والإخلال، لاحتفلت، إلا أنه قد يكون في بعض السر إعلان، وينبي عن في الصحيفة عنوان، وبذلك أكتفي وأحيلك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 على نفسك النفيسة فهي تتصوره وتتخيله، ثم تصوره ببالك وتمثله. ووصل كتابك مشتملا من لطيف صلتك، وصافي برك وتكرمتك، على ما أشعر النفس اعتزازا، وكسا الأعطاف اهتزازا، وتلا ذلك من ودادك واعتدادك، وجميل مذهبك واعتقادك، ما استغرق المنى، وزاد على الأمل فأوفى. ومن أخرى: لم أزل مذ سمعت سور فضلك تتلى، ومحاسن شمائلك تجلى، وجميل فضلك يعاد ويبدا، وغريب مجدك يكرر وينشا، أهم بمكاتبتك، وأتشوق إلى مخاطبتك، وأتمنى أن لو فتح الله للصلة بابا، ومكن من الخلة أسبابا، وعوارض الاستحياء، تحول بيني وبين الابتداء، حتى جدد لي فلان من أوصافك ما لسان الزمان به أنطلق، وشواهد الفصل عليه أصدق، فلم أتمالك أن حللت عرى الانقباض عني، وتراميت إلى مفاتحتك بنفسي، وها أنا ذا قد أتيت إلى مودتك خاطبا، وفي صلتك راغبا، على ثقة بأنك - بما يجمعنا من التشاكل والتناسب، في جميع الأمور والمذاهب - تراني كفؤا لمل خطبت، وأهلا لما لرغبت. ولا غرو أن أقول بهذا استنهاضك إلى مشاركتي في الخطب [78أ] الأخطر، والمهم الأكبر، دون أن أصل للاخاء حبالا، وأتدرج في تهذيب الصفاء حالا، حتى يتمكن الارتباط، ويتمهد الاغتباط، ويحسن السؤال والانبساط، ففضلك يقتضي أن ابتدئ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 بالإدلال، وأتخطى تلك الرتب إلى الاسترسال، ليتم ما بيننا في الابتداء، ما لم يتم لغيرنا في الانتهاء. وقد علمت ما دخل الشرق من الاختلال، واضطرب الأحول، وأن الحزم داع إلى التحول عنه والانتقال، وقد تأملت أي الجهات أنجى وأعضد، وعلى أي الملوك أعول وأعتمد، فلم تطب إلا على تلك الحضرة الرفيعة نفسي، إذ كان يجمع الدولتين نظام، ويضم الحالتين التئام، وكان المنتقل بينها إنما يتقلب في ظلال، ويتحول من يمين إلى شمال. وله من أخرى بعد انتقاله: كتابي من قرطبة، وقد وردتها بحمد الله على رحب وسعة، وأخلدت منها سكون ودعة، وذهبت بحمد الله تلك الحيرة، وانجلت تلك الغمرة، واستقال الجد من عثاره، ولاح قمر السعد بعد سراره، وأعاذ الله من تلك الأحوال العائدة بمساءة الأولياء، الجالبة لشماتة الأعداء، لجمعها بين القلة والذلة، وخطة الخسف والعطلة، وأغنى حل جلاله عن تلك الدولة التي حملتنا على حال خمول، وصرفتنا على غير جميل، حصلت بالحضرة التي لا ينفق فيها بالمخارق، ولا تعطى الكوادن فيها حظوظ السوابق، وهذا هو المعهود منه تعالى في أن يديل من الضراء بالسراء، وينقل من الشدة إلى الرخاء، ومن اعتقد الخير غير دائم، ولم يحسب الشر ضربة لازم، فقد أراح نفسه من تعب الساخط على القضاء، والقانط من الفرج عند الانتهاء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 وأنت يا سيدي ممن يسر بما ذكرته، لأنك الولي الذي ل مرض بوده، ولا استحالة لعهده، ولا يوحشك ما سلف من عتب عليك، ومنفرة لك، وانقباض عنك، فمن ضن بالخلة نافس في الصلة، وقد عفا الله عما مضى، إن حققت الآن ما ادعيت، ووفيت بما منيت، فإنك عاهدت أن تستدرك من صلة المكاتبة على تنائي الأقطار، ما ضيعت منها مع تجاور الديار، وقد آن لك أن تزور كعبة الكرم، وتهاجر إلى مطمح الآمال [والهمم] ، وأن تلقى ملكا ليس كالملوك التي لقيت، ولا أحسبك ترى مثله ما بقيت، فبادر تغم، ولا تتأخر تندم. [وله] من أخرى [في مثله] : كتبت وقد أدال الله من تلك الديار الموحشة بضدها، وأراح من [78 ب] مواطن الهون بفقدها، ونقل بفضله إلى حيث البر الباهر، والانعام غامر، والفضل في النقص آمر، والنبل على الجهل ظاهر، نعم: وحيث المجد شامخ البناء، والشرف عادي الانتماء، والسلطان رائع الرواء، والملك متناه في البهاء، وحيث [بحور] الكرم زاخرة، وسماء المجد ماطرة، إلى غير ذلك يطول عدة، ويعجز البيان حده. وله من أخرى: أتراك ممن تغير، وفي جملة من تنكر، فنحتاج إلى استئلافك، ونأخذ في استلطافك -! أنا أكفيك مؤنة الجواب، في هذا الباب، وأخصم نفسي عنك، وأقيم الحجة عليها لك، فأجعل عذرك في الأشغال، ولا أنسبك إلى التغافل والإهمال، وأقول: بعيد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 على الدهر أن يؤثر في ودك، أو يحل رباطا من عقدك، ولكني أقول مع هذا: واصل فقد أغببت، واعتذر بما أذنبت، وهات يا سيدي أخبارك التي هي أشهى إلى نفسي من عصر الصبا، وأندى على كبدي من نسيم الصبا، وجدد بك وبها عهدي فقد عفا منه رسم، ولاح عليه للقدم وسم. وفي فصل: وعرفني بم تقطع دهرك، وعلى أي شيء تنفق عمرك، ونص على ما تجده عندك من العجائب، واستفدته بعدي من الغرائب، ولا تكتمني شيئا وابسطه المسهب، واشرح جميعه شرح المستوعب، تمح بذلك إساءة الإغباب، وتزل عني دواعي الاكتئاب. وله من أخرى: وقفت على كتاب من لدنك قد اشتمل على كل بر وحفاية، وإشفاق [ورثاية] ، وتسلية تذهل عن سوء الحال، وتعد على الأيام بضمان إقبال، فذهب مستودعه بغمة النفس، وأدال من الوحشة بالأنس، وغلب الرجال على اليأس، وظلت حشاشة الهمة تتراجع، وخفضة الأمل تترافع، حتى كاد هذا يستقيل من عثار، وتلك تنثر بعد إقبار، وليس هذا بأول انطباق أعتم فطلعت له من تأنيسك مصابيح، ولا بأول غلق استبهم فتداركته من ألطافك مفاتيح، بل هي لبيض أياديك شوافع، ولسوالف مشاركتك توال وتوابع. وله من أخرى: ولو رأيت فلانا وادعاءه، وزعمه أن الله اتخذه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 صفيا، وآتاه الحكم صبيا، فأفرده بجوامع الكلم، وجمع له ما افترق في الأمم، أن حصل في مجلس ملك أعلاه، وعقد بالجهل حباه، ثم قال قول علي رضي الله عنه [79 أ] وأرضاه: سلوني قبل أن تفقدوني، ولن تعدم مع هذا مطريا بالصواب، وقائلا: هذه الحكمة وفصل الخطاب، فاعجب يا سيدي لأمم، ضحكت من جهلها الأمم، وغلطت في ما لا تغلط فيه النعم، إلى أن نفقت عندها المحالات والأهذار، وبطلت بسببها القيم والأقدار، ولكن إن وقع الأمل سقط التعجب لأنه للقوم مثل، وللحال وفق وشكل: فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها وفي فصل من أخرى: ورد كتابك فنور ما كان بالإغباب داجيا، [وحسن عنك مشافعا ومناجيا] ، واسترد إلى الخلة بهاءها، وأجرى في صفحة الصلة ماءها، وعند شدة الظماء، يعذب الماء، وبعد مشقة السهر يطيب الاعفاء؛ ولا تعد [بعد] إلى هذا فيكفي ما يجنيه علينا حادث البين، حتى يزيده بقطع الأثر بعد العين. ورأيت ما وعدت به من الزيارة فسرني سرورا بعث من أطرابي، وحسن لي دين التصابي، فلم أتمالك أن استرسلت إلى المزاج، وتجليت في يد الارتياح، حتى كأنما أدار علي المدام مديرها، وجاوب المثاني والمثالث زيرها، ولعل الأيام تفعل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 ذلك فقد تحسن في بعض الأوقات الصنيع، وتشعب الشمل الصديع، ولا تسأل عن حال استطلعتها فهي شر ما عهدت: من صبح لاح من خلال ذؤابتي، وتنفس في ليل لمتي، فأراني مصارع [آمالي] ، وكشف لي عن اسوداد المطالب، وأيأسني من قضاء المآرب، وعرفتني من مبادي العيش ما زهد في العواقب. وله من أخرى: آيات مجدك ظاهرة، وأقمار سؤددك باهرة، والعيون إليها ناظرة، والهمم منها غائرة، وخطا الأيام عن نيلها قاصرة، وأقدام المساعي في مداها عاثرة، ولله عصر سبب فتح باب مخاطبتك، وزمن خلع علي حلة مواصلتك، ووهبي جميل العارفة بك. وفي فصل [له] من أخرى: ورد كتابك فرفع مغضوض نواظري، وحرك سكون خواطري، وأقام عاثر همتي، وأعاد علي ذاهب منتي، ولما فضضته وجدته قد تضمن من تفضلك وتكرمك، وعرض من اهتبالك وتهممك، ما ينقطع جري القلم في مدى شكره، ويضيق ذرع البيان عن توفية نشره. وما ذكرته من صفاء الود، والوفاء بالعهد، فكل ذلك مصور في نفسي قبل أن تشير إليه، ومحيط به علمي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 من غير أن تنبه عليه، لأنا كل في جزءين، وجوهر تظاهر في شخصين، فشملنا جميع وإن تصدع، وشعبنا واحد وإن تنوع. وفي فصل من أخرى: رأيت ما ذكرته من استقرارك في ذلك المحل الرفيع، واغتباطك بذلك الجناب [79 ب] المريع، عند صاحب المظالم، ونظام أشتات المكارم، الذي أعاد آثار الفضل معالم مشهورة، وأخبار الكرم مشاهد محضورة، أعاذ الله مجده من أعين العلوية، لا من أعين البشرية، وجعل له خاتمة إنعامه، التراخي في مدة أيامه، فحسبك إلى ما أجريت، ولا مزيد حيث انتهيت، فاشدد على التعلق به يدا، فلست تلقى بعده أحدا. حل تلك الفقرة المتقدمة من قول المعري حيث يقول: أعاذ مجدك عبد الله خالقه من أعين الشهب لا من أعين البشر وله من أخرى: إذا أسيت لفراقك فإن في الباكين حولي تسليا، أو جزعت من رحلتك فإن في المصابين معي تعزيا، فما ارتحلت إلا عن من ودع بوادعك دينه ودنياه، وفارق بفراقك سروه ومحياه، لإحاطة العلم أن قد استوت بعدك الأقدام، وطمست من العلوم الأعلام، ثم تقضي لي مزية الاصطفاء والتقريب، بوفور الحظ منك والنصيب، فقد كان لي من أخلاقك الكريمة في الاختصاص، ومذاهبك الحميدة في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 الاستخلاص، ما يحول الآن بيني وبين التماسك، ويحمل نفسي على التهالك. ومن أخرى: وظننت أني أول مخصوص بالمكاتبة، ومعتمد بالمخاطبة، فإذا أنا المنسي، وسواي المرعي، وغيري يعطاها ولا يسأل، وأنا أطلبها فأصرف بالخيبة وأخجل، وكلما رأيتها تفرق يمنة ويسرة، تقطعت نفسي عليها حسرة، فلولا العنوانات لادعيت فيها، واختطفتها من أكف آخذيها، لخجلي بين من كان يتوهم أني مختص بك وأثير عنك. وأراني فلان كتابك إليه، فوقفت عليه، وفي صدره وصف خبرك، ولعله ما استهداه، ولا سألك إياه، وفي عجزه حثك له ولأشباهه على الرحيل، فيا ليتني كنت في جملة ذلك الرعيل، وقد تواتر النبأ من بر من أيده الله لك بأشياء تنكر إلا من مثله، وتستغرب إلا من فعله، والله يبقيك جمالا للدنيا، ونورا في فلك العليا، ولولاه ما رجت الهمم بشرا، ولا عرف الكرم إلا خبرا. وفي فصل من أخرى: يا ليت شعري كيف أتغير على بعضي وأمنحه قطيعتي وبغضي، وما أظن إلا أنك داخل في جملة ومن يحب فيتجنى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 ويعشق فيتجافى، بدليل أني كلما بسطتك تنقبض، أو أبرمت منك حبلا ينتقض. وله من أخرى: ترحلت عنكم لي أمامي نظرة وعشر وعشر نحوكم من ورائيا [80 أ] ولكنها نظرة من خلال عبرة، والتفاته إثر زفرة، والصبابة تفعل بالنفس أفعالها، وتشرب من المدامع أوشالها، والقلب من جزع يضطرب ويخفق، ويطفو في أشواقه ويغرق، وكلما خطت المطي باعا، خفت على كبدي انصداعا، وما كنت ممن يكلف ويشفق، ولكن من أبصر ما أبصرت فبالضرورة يعشق فبالضرورة يعشق؛ ويا شوقاه! ويا حر قلباه! من لي بالشعب أن يلتئم، وبذلك الشمل أن ينتظم، كانتظامه في مشاهد جمعت أشتات الأنس، واحتفلت من منى النفس، وتناولت الراح من يد القمر والشمس، بين بساتين نشرت عليها تستر ألويتها، وأهدت إليها صنعاء أوشيتها، وذوب اللجين يطرد من خلالها، وأدواح الزبرجد تغشاه بظلالها، وقيان الطير راقية في أغصانها، متجاوبة بضروب ألحانها، ونحن نوفي كل مكان منها طيبا، ونشاهد منظرا عجيبا، ولا ندع أن نعرس في كل مغنى، وندير الكاس على كل معنى، ولا مثل يوم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 الدير وصبوح وصلناه، والنواقيس حولنا تضرب، ونحن نطوف بالصليب ونلعب، وذلك المزنر يسقي ونشرب، ومغنينا يغني ونطرب، وقد عقدوه بزناره فديت الغزال ومن زنره وعسى الأيام أن تجدد بتلك المعاهد عهدي، فأشفي بنسيمها وجدي، وأضع في برد ثراها خدي، فقد تلين في الأحيان منها معاطف، ويكون لها في الندرة عوارف. وكان غرضي أن أسكن بالمكاتبة من لوعتي، وأتعلل باستهداء الأخبار في وحشتي، لولا ما كنت بسبيله من سقم، لم تتمكن يدي معه من إمساك قلم، وهاهنا سر تصيخ إليه، وتطلع عليه، وعيشك ما كان جل ما بي إلا من أجل العين والباء، فبرح إن شئت بالخفاء، واستر إن شئت على مثلي من الأولياء؛ لكني لما آنست راحة من شكاتي، تطلعت إلى تناول الحميا على علاتي، وحضرت بين يدي سلاف ذكرتني برشف ذلك اللعس، ونرجس عارضني بطيب ذلك النفس، فنشطت للكتاب قليلا، وسامح الدهر وإن كان كليلا، فهات - جعلت فداك - جدد مننك عندي، بوصف صور الأحوال بعدي، وأخبرني عن القمرين إذا اعتما بذلك السبج، ولحظا من ذلك الدعج، وعارضا في العوارض الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 تلك الصوالج [المنمنة] ، وأبدينا من المباسم تلك اللآلي المنظمة، ومال بغصنيهما الدلال، وألبسهما حلاهما الجمال، كيف يروعان النفوس إذا طلعا، وكيف يفعلان بالقلوب [80 ب] إذا افترقا واجتمعا، واذهب في الوصف مع الاسترسال، ولا تجر إلى التعمل والاحتفال، وزدني من حديثك يا سعد، وإن زدتني جنونا بعد، ولا تقل أنا مقسم البال مشغول، وفيما استفهمت عنه كلام طويل. وله من أخرى خاطب بها الوزير أبا محمد بن عبدون من سرقسطة، ونقلتها من خط يده: نعم قد حم ما توقعنا من بين، وصار أمرنا أثرا بعد عين، وصرنا عنكم في الطرف الأقصى، وشطت بنا غربة النوى، وتساوينا على عارض الفرقة والأسى، " فمتى تقول الدار تجمعنا " - وقد نثرتنا الأيام فكيف تنظمنا - هذا بعيد والذي بيده كل شيء يدنيه، ومتعذر وهو جل جلاله ييسره ويسنيه، وعلى ذلك فأنا الآن بحال من بلغ أملا، واستساغ جذلا، ورضي بعض الرضى عن دهر صار للشمل جامعا، وقد كان اليأس منه واقعا، والحمد لله على نعمة جددها، ومنة أكدها، وهذه جملة موصولة منك يفصلها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 ويشرحها، ويجلوها ويوضحها، فاني كتبت على عجل، وعلى غير مهل، وفي وقت لم أتمكن من بسط المقال، والجري فيه على عادة الاسترسال، فلا تجر بهذا ولا تقارض عنه، وتفرغ للجواب، وأطل في الخطاب، واشرح كل ما جرى بعدي من خبر، وتجدد من أثر، وحدث من عجب، ووقع من نادر ومستغرب. وفي فصل من أخرى: وصلت التحفة المرغوبة، والملاطفة المحبوبة، فكانت أحلى موقعا، وأسنى موضعا، من التحف ذات القيم، و [الملاطفات] المعدودة أحلى القسم، وارتاحت إليها النفس، وحضر بها قبل وقته الأنس، وكادت تتمشى نحوها الكأس، وسأجدد لك بها ذكرى، وأشرب بها على ودك ملأى، وأديرها على الصحب، وأتساوى في قسمتها مع الشرب، فهذا من حق فضلها، وبعض ما لك في إهداء مثلها، لا زلت الملاطف المكرم، والمواصل المتهمم. وله من أخرى: أوصافك لعطرة، ومكارمك المنتشرة، تنشط سامعها من غير توطئة، في اقتضاء ما عرض من أمنية، وللراح - جعلت فداك - من قلبي محل لا تصل إليه سلوة، ولا تعترض عليه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 جفوة، إلا أن معينها قد جف [وقطينها قد خف] ، فلا توجد للسباء، ولو بحشاشة الحوباء، فصلني منها بما يوازي قدري، ويقوم له شكري، فإن قدرك أرفع من أن تقضي حقه زاخرات البحار، ولو [81 أ] سالت بذوب النضار، لا بصافية العقار. وله من أخرى في الاستدعاء: يا سيدي ومن أبقاه الله قشيبة أثواب عزه، محمية ساحات حرزه، يومنا يوم تجهم محياه، ودمعت عيناه، وبرقعت شمسه الغيوم، ونثرت صباه لؤلؤها المنظزم، وملأ الخافقين دخان دجنة، وطبق بساط الأرض هملان جفنه، فأعرضنا عنه إلى مجلس وجهه كالصباح المسفر، وجلبابه كالرداء المحبر، وحليه يشرق في ترائبه، ونده يتضوع من جوانبه، وطلائع أنواره تتمرمر، وكواكب أكواسه تزهر، وأبارقه تركع وتسجد، وأوتاره تنشد وتغرد، وبدوره تستحث أنجمها محيية، وتقبل أنملها مفدية، وسائر نغماتها، خذ وهاتها، وأقصى أملنا، ومنتهى جذلنا، أن تحث خطاك، حتى يلوح سناك، ونشتفي بمرآك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 وله من أخرى في مثله: طلع علينا هذا اليوم فكاد يمطر من الغضارة صحوه، ويعشى من الإنارة جوه، ويحيي الرميم اعتداله، ويصبي الحليم حسنه وجماله، فلفتنا زهرته، ونظمتنا بهجته، في روضة خلعت عليها السماء سبائبها، ونثرت علينا كواكبها، ووفد عليه النعمان بشقيقه، واحتل فيه الهند بخلوقه، وبكر إليه بابل برحيقه، فالجمال يشخص لحسنه طرفه، والنسيم يهز لأنفاسه عطفه، وتمنينا - أعزك الله - أن يتبلج صبحك من خلال فروجه، وتحل شمسك في منازل بروجه، فإن رأيت أن تطلع علينا الأنس بطلوعك، وتهدي الفرح بوقوعك، فلن تعدم نورا يحكي شمالك طيبا وبهجة، وراحا تخال خلالك صفاء ورقة، وألحانا تثير أشجان الصب، وتبعث أطراب القلب، وندامى ترتاح لهم الشمول، وتتعطر بأرجهم القبول، ويحسد الضحى عليهم الأصيل، ويقصر بمجالستهم الليل الطويل. وله من رقعة: ورد كتابك مشتملا على أنفس كلام راق في نظامه، وأحسن زهر تطلع من كمامه، فأبتهج النفس برائع البيان، وملك الطرف بباهر الحسن والإحسان، لا عدمتك تهدي نوادر وفوائد، ومعجزا في مصادر وموارد، ويعلم الله استيحائي من بعدك، وإشفاقي من فقدك، ولكن هذه الأيام لا تسمح بمرغوب، ولا تجري إلى إثبات الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 ناقص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 ناقص الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 مخاطبة، ومن أين تجد سبيلا إلى ذلك وزمانك كله مقسم في أشغال، ومرتب على أحوال، تنام بالضحى مثقلا من السكر، وتتململ على فراشك إلى الظهر، حتى يتكرر رسول فلان [82أ] فيوقظك من المنام، ويحركك إلى القيام، ثم تركب وتجد المائدة موضوعة، والأيدي لإبطائك مرفوعة، فتدنو من الطعام بكسل، وأنت شاك من بقايا خمار أو ثمل، وتخدش من الخبز بظفرك، وتأكل شيئا لطيفا على قدرك، ثم تستلقي وتتمدد، وتتثاءب وتتوسد، وتستحضر جنانك فتسأله عن الجنة منى سقاها، والروضة إن كان رواها، والأزهار هل تحفظ بها وجناها، وبينا أنت في ذلك يستأذن عليك وكيلك في ضياع الانزال، فتأذن له في الخول، ثم تستفهمه متى أقبل، وأي شيء عمل، وكم جمع، وما زرع، وتعلل بهذه العلل والأخبار، حتى تنقضي بقية النهار، ثم تتنشط لتستدفع شرب الماء، في ود أحد الرؤساء، وتقيم من بعد دست الأنس، حتى تعود في مثل ذلك الأمس، فمتى تتفرغ مع هذا للصديق، وكيف تتمكن من قضاء حقوق -! وأيضا فإن السياسة تقتضي أن تعرض عن ذكر مثلي، وتلعن وقتا وصلت به حبلي، لاسيما وقد دهيت من جهتي، وكاد السلطان يجفوك من أجل خلطتي، أنت لعمري في أوسع العذر، فاجر مع الدهر. وله من أخرى: ولئن كانت الأيام تنسيك، فالأماني تدنيك، ولئن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 كنت محجوبا عن الناظر، فإنك مصور في الخواطر، أناجيك بلسان الضمير، وأعاطيك سلاف السرور، وأداعبك مداعبة الحضور، وأجاذبك فضول اللعب، وأبلغ معك إلى حد الطرب، حتى أسكن شوقي إليك، وأقضي وطري منك، وأنت في كل حال لا تشعر، وذاهل لا تذكر، ولا تقطع زمانك إلا بحظيرة حولك تصنعها، وخيمة ترفعها، فإذا تم لك هذا اللهو، تداخلك الزهو، وشمخ بأنفك البأو، وخلت أنك متوج على سرير، أو رب خورنق وسدير، فمتى نلتقي على حال، ويتفق مذهبنا في وصال -! هذا لعمري بعيد، اللهم ان كان من الدهر حلم، واكتهال السن نوم، ونجوم الشيب قد طلعت من الغدائر، وعمايات الصبا قد انجلت عن البصائر، فتذكر من الود ما أذكر، وتفكر في النأي كما أفكر، وتحن إلى تلاق، وتبرد غليل اشتياق. وله فصول من رسائل، في العنايات والوسائل فصل من رقعة: معرفتك بتقلب الأيام بذوي الفضل، وحكمها [فيهم] بغير السوية والعدل، تغني عن عرض ذلك عليك، وتقريره لديك. وفلان ممن عرفت حاله في الثروة والمنعة، ورتبته في الجاه والرفعة، لكن أساءت إليه بعد الإحسان، وامتحنته [82 ب] بأنواع من الامتحان، حتى ذهبت بجميع وفره، واضطرته إلى بني دهره؛ وقصدك مستجيرا من عثرته، ومثلك إلى مشاركته، وحض على إسلاف البر إليه، ورغب في وضع الصنائع لديه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 وفي فصل من أخرى: للصنائع - أعزك الله - عوائد من الحمد، تطيل بناء المجد، ومثلك انتهى في إسلافها منتهى الجاهد، ونافس فيها بالطارف والتالد؛ والأديب أبو فلان ممن تزكو لديه، ويتظاهر جمالها عليه، بما له من المحاسن التي تؤلف منثور المفاخر، وتنظم أشتات المآثر، ثم بالأدب الذي يمتع بالاجتناء زهره، والفهم الذي يتطاير عند الاقتداح شرره، إلى ما يرجع إليه من عفة طعمته، وعلو همته، وتحل بأجمل المذاهب، وتتنزه عن دني المكاسب، وأنت بسروك ترى صلة مثله ذماما، ووضع العارفة عنده اغتناما. وفي فصل من أخرى في مثله: مكاتبتك - أعزك الله - في البر بمن يرد، والمكارمة لمن يطرأ عليك ويفد، كمن يستمطر السحاب وقد أخضلته، ويستعجل الرياح وقد استقبلته، ولكنها سنن وعوائد، تفعل وإن لم تستجلب بها زوائد وفوائد؛ وفلان ممن علمت فضله وأصالته، ويقظته وجزالته، ولطفه وحلاوته، وما الظفر بقربه إلا فرصة تغتنم، ولا المشاركة لأمثاله إلا فضيلة تلتزم، لأنه بالشكر رحب الذراع، وفي بسط الثناء طويل الباع، وحسبي أن أشير وأنت تكتفي بالإيماء، فتوفي في مكارمته على الأمل والرجاء. وفي فصل من أخرى: حيث الكلأ يرتع، وأمكنة الخصب تنتجع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 والنفس إلى من أحسن اليها أنزع، والأمل في من وصل أطمع؛ وقد كان فلان قصد تلك الحضرة - دام جمالها بك - فأوسعت مطالبه قضاء، وكنت له قليبا ورشاء، حتى انصرف بفوائد وفرها اهتبالك، وأثمرها جاهك ومالك. وكما انتجع بعدها مراعي أذكرته السعدان، أو ورد موارد أصدرته غير ريان، ولما أضل الكرم رجع إلى حيث ينشد، وعاود من يعتقد، والعود أحمد، وأنا أرغب أن يكون له في فضلك معاد، ومن طولك ازدياد. وفي فصل من أخرى: أعاذ الله عمادي من المحن والنوائب، ولا أعدمه إسداء المنن والمواهب، فقد عقد الله على الخير سريرتك، وصحح في ابتغاء الأجر بصيرتك، فما تدعى إلى حسنة إلا وأنت سابق اليها، وموف [83 أ] بسعدك عليها. وموصل كتابي رجل من الثغر ووجوه الأطراف، امتحنته الأيام في النعم، أوان الشيخ والهرم، وابتلته بذل الأسر، وطول الشقاء في دار الكفر، وبحسب حاله في الثروة، ومكانه من النجدة، اشتط عليه، وأخذ منه في الفداء جميع ما في يديه، وارتهن أولاده في بقايا بقيت عليه، وأنت بفضلك تحملها في مالك، ولا يضيق عنها حالك، حتى تفوز وحدك بأجرها، ولا يسهم لغيرك في ذخرها، وتنفرد بجمال الذكر في خبره، وتتلافى ما اختل من أمره الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 فهو ممن يقوم الأعداد، في مواطن الجهاد، ومواقف الجلاد، والله على ذلك مؤيدك، وهو بمنه مسددك. وله فصل من أخرى: توهم الشيخ - أبي، شاكرك - أن الأدب شيء يشرف حامله، ويكسب الجاه ناقله، فأراد أن يستعين على ما رغب، وليس عنده أنه مع الخطوب خطب، ومع الزمان على منتحليه ألب، ولا في عمله أن الأيام لا تمكنني من دفع مضرة عن ذراي، فكيف عن جلب منفعة لسواي، ولا في حسابه أن من كانت سعوده موليه، ونحوسه مستعلية، فبعض خاذليه في النصرة اليد، وأول مسلميه عند الحاجة العضد، وقد سمع - أعزك الله - أن لي نصيبا من ودك، فألح علي في قصدك، لأرغب له وأسأل، وقد عزمت أن أفعل، لكن رأيت الرقعة بالسؤال أسمح، والقلم في الرغبة أفصح وأنجح، فلذلك جعلت الخطاب عوضا، وتركت من القصد مفترضا. وله من أخرى: غير ذاهب عنك - أيدك الله - ما في جبلة الإنسان، من الحنين إلى الأوطان، وأنه لا يفارقها في أكثر الأحيان، إلا باضطرار، ولا يخرج عنها إلا غير مختار، ومهما طال اغترابه، وكثر في البلاد اضطرابه، ولها عنه باسعاد من الزمان، وتسلى بضروب من السلوان، فلا بد للنفوس من اشتياق إليها وتولع، ونزوع نحوها وتطلع، وقد أشار إلى العلة في ذلك المتقدمون والمحدثون، وأوضحها بعد المولدون، وعبروا عنها بغير ما عبارة حتى اتضح وضوح النهار معناها، وانتهت منها الأقوال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 منتهاها، واستوي في معرفة سرها وخبرها، واستغني باستهارها عن ذكرها؛ وإحاطة علمك بحال الوزير الكاتب أبي فلان من بدئها إلى انتهائها، يغني لك عن ذكرها وإجرائها، ولما دخل إلى بيضته التي منها خرج، ووكنه [83 ب] الذي منه درج، تذكر حال أولاده فجذبته إليه جواذبها، وغلبته على رأيه غوالبها، ولم يتماسك أن حن إلى العودة لمغناه، فحسنت له ما اعتزمه ورآه، ولم أر بأسا في تحوله من ناحيتك إلى ناحيتي، فليس بمفارق حضرتك من ينتقل إلى جهتي، ولا ينفصل من جملتك من يحصل في جملتي، لأنه لا فرق بين الحالتين، ولا تباين بين الجهتين. وفي فصل من أخرى: لئن كان مولاي أعلى الملوك مكانا، وأعظمهم شانا، وأكثرهم إنعاما وامتناعا، وأعلمهم ببواطن السرائر، وأفطنهم لهواجس الخواطر، وأسبقهم إلى العطاء دون أن يسأل، وأسمعهم بالمأمول قبل أن يؤمل، فإن عادة العبيد من الموالي أن يستزيدوا وإن غمر إحسان، وأن يذكروا وإن لم يكن نسيان، ليقف موقفه المؤمل، ويزداد رغبة في تطوله المتطول؛ فإن كنت قد وصلت من عزته الرفيعة إلى داري؛ وحصلت منها في موضع استقراري، ونلت من تقريبه فوق قدري ومقداري، فأنا الآن بمنزلة ضيف وبودي ألا أكونه، بل كنت أشتهي أن أرى نفسي بمنزلة من ألقى العصا، وأمن روعة النوى، وخيم مستوطنا، واتخذ سكنى وسكنا، وصار من دنياه في أمل، وقلب الطرف بين خيل وخول، ولا والله ما يختلج ببالي غير ذلك كله، ولا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 استبطأت من طول مولاي وفضله، ولكن ليس للمرء من عمل، في قوله عز وجل {خلق الإنسان من عجل} (الأنبياء: 37) ولئن تسرعت وعجلت، فعلى فضل أتاه مولاي عجلت، وعليه عولت واتكلت، ولولا ثقتي بالرأي الجميل، والمعتقد الكريم النبيل، لوقفت عند قدري، وما تعديت طوري، حتى يكون هو - أيده الله - السابق إلى ما يغني عن إنشاده: وفي النفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتي بيان عندها وخطاب * * ومثلك من كان الوسيط فؤاده ... فكلمه عني ولم أتكلم ومن رسائله في التعازي فصل له من رقعة: من أي الثنايا - أيدك الله - طلعت علي النوائب، وأي حمى رتعت فيه المصائب، فواها لحشاشة الفضل أرصدها الردى غوائله، وبقية الكرم جر عليها الدهر كلاكله، وواحسرتا للجة المواهب كيف سجرت، ولشمس المعالي كيف كورت، ويا لهفا على هضبة الحلم كيف زلزلت، وحدة الذكاء والفهم كيف [84 أ] فللت، فإنا لله [وإنا إليه راجعون] أخذا بوصاياه، وتسليما لأقداره وقضاياه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 ومدحه ابن خيرون بشعر قال فيه: لا تكثري لوم المحب وما به يكفيه من مضض الهوى وعذابه يقول فيه: بأبي المطرف روضة الأدب الذي أضحى به فردا بغير مشابه إن قلت قس فهو أفصح منطقا أو قلت سحبان فقد أزرى به أو قلت صابئ دهره أو دغفل أخطأت، ما جاءا بمثل خطابه يا غرة الزمن البهيم وماجدا ما إن يوازى في علو نصابه لو أنصف الزمن الخؤون ذوي العلا كنت الوحيد الفرد من كتابه لكنه يحبو اللئيم بأريه ويجود للحر الكريم بصابه يرد الوضيع من البرية ماءه صفوا، ويخدع ذا النهى بسرابه خذه إليك أبا المطرف واغتفر زللي فديت فلست من أترابه فأجابه أبو المطرف بشعر قال فيه: يا معربا في كل معنى سؤدد نظم العلا فأجاد في إعرابه نفسي فداؤك من خليل واصل أهدى إلينا الدر من آدابه لله ذاك الطبع هم بمنطق فغدا الشرود مذللا لخطابه صواغ أنواع البديع فما الرضي ومن الوليد ومن أبو خطابه علقت يميني منك علق مضنة شدت أناملها على أسبابه وسللت منك على الزمان مهندا يفري فرى الخطمي حد ذبابه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 وكسوتني من حر شعرك ملبسا قد كان غير عواتقي أولى به فأجبت عنه على الروي وربما كنت المقصر في اعتراض جوابه أسدل علي بستر فضلك واصلا فالشعر مما لا أطوف ببابه وأبو المطرف القائل في غلام وسيم رأى بيده عصفورا: يا حامل الطائر الغريد يعشقه تهنا العصافير ان فازت بقرباكا تمسي وتصبح مشغوفا بعجمتها في غفلة عن دم أجرته عيناكا إذا رأتك تغنت كلها طربا حتى كأن طيور الجو تهواكا يا ليتني الطير في كفيك مطمعه وشربه حين يظما من ثناياكا وله من رقعة خاطب بها الوزير الكاتب أبا محمد بن عبد البر: لما أصبحت - أعزك الله - في صناعة البلاغة إماما، ولأشتات الفضائل نظاما، لم تتهمم في وداد تدعيه، واعتلاق تبتغيه، من سمت به إليك همم، أو تقدمت له فيها قدم، لأنك المنتهى الذي إليه يجرى، وتبتغى لديه الزلفى، ويتوصل به إلى العليا، وأنا ممن يتشيع فيك تشرعا، ويحبك طبعا لا تطبعا، واستنزل في الجمع بك الأقدار، وأستخدم في التعلق بأسنانك الليل والنهار، لتلحقه بالعتاق السوابق، وتلقي عليه شعاعك فيشرق في المغارب والمشارق. ولما سنى الأمل لالقاء، واتصلت النفس بذلك الفضل والعلاء، جاشت بالحمد الخواطر، وهاجت بأسرارها الضمائر، لتستكشف من الثناء، تحقق النفس بالولاء، وتكون على ثقة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 بالمسامحة والاغضاء، فلست بالشعر آنسا، ولا بمعاناة النظم والنثر متلابسا، وإنما أنطقتني بما قلته الود، وأملى علي ما كتبته المجد. ثم ختم رقعته هذه بأبيات يقول فيها: قد كنت ذا حنق على الدهر الذي ما زال يسخطني صباح مسائي حتى لقيت أبا محمد الرضى فأدال ذاك السخط بالارضاء طلق الجبين وفيه فضل مهابة يغضي لها ذو المقلة الشوساء حلم لو أن الدهر حمل بعضه لشكت عواتقه من الإعياء وإذا تناولت الرقاع بنانه أنستك طرز الوشي في صنعاء وزرت على ورد الخدود وفوقها لام العذار على انعطاف الراء تقضي بأن سنا البلاغة لم يلح من قبلهن لأعين البلغاء وله إذا شاء النظام غرائب لا تدعيها فطنة الشعراء برئت من التعقيد في تأليفها فأتتك أملس من زلال الماء أفراد حمد حازما متفرد وهي في الورى مقسومة الأجزاء ما كنت بالمداح غيرك واصلا لو كانت الشعرى عليه جزائي [85 أ] ولأنت أوصل من رعى أسبابها فبنى لمهديها سماء علاء فصل في ذكر الأديب أبي الربيع سليمان بن مهران السرقسطي من شعراء الثغر، كان، في ذلك العصر، وله شعر كثير، وإحسان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 مشهور، وعلى لفظه ديباجة رائقة، غير أنه لم يمر بي من شعره عند نقلي هذا المجموع إلا أبيات سمعت القوالين يتداولونها لعذوبتها وسلاستها، وتتعلق بذيلها حكاية وجدتها في بعض تعاليق الفقيه أبي محمد علي بن حزم الشافعي بخطه عن محمد بن الحسن المذحجي المعروف بتبن الكتاني المتطبب؛ قال ابن الكتاني: شهدت يوما مجلس العلجة بنت شانجه ملك البشكنس، زوج الطاغية شانجه بن غرسيه بن فرذلند - بدد الله شيعتهم - لبعض ترددنا عن ثغرها إليه في الفتنة، وفي المجلس عدة قينات مسلمات من اللواتي وهبهن له سليمان بن الحكم - المتقدم ذكره صدر هذا الديوان - أيام إمارته بقرطبة، فأومأت العلجة إلى جارية منهن فأخذت العود وغنت بهذه الأبيات: خليلي ما للريح تأتي كأنما يخالطها عند الهبوب خلوق أم الريح جاءت من بلاد أحبتي فأحسبها ريح الحبيب تسوق سقى الله أرضا حلها الاغيد الذي لتذكاره بين الضلوع حريق أصار فؤادي فرقتين فعنده فريق وعندي للسياق فريق فأحسنت وجودت، وعلى رأس العلجة جاريات من القوامات أسيرات كأنهن فلقات قمر، فما هو إلا أن سمعت إحداهن الشعر فأرسلت عينيها [كأنهما] مزادتان، فرققت لها وقلت: ما أبكلك - قالت: هذا الشعر لأبي، وسمعته فهيج شجوي، فقلت لها: يا أمة الله، ومن أبوك - قالت: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 سليمان بن مهران السرقسطي، ولي في هذا الإسار مدة، ولم أسمع لأهلي بعد خبرا. قال ابن الكتاني: فما جزعت على شيء جزعي عليها يومئذ. قال أبو الحسن [ابن بسام] : هكذا وجدت خبر هذه الأبيات بخط الفقيه أبي محمد المذكور، ولم يخبر [ابن الكتاني] انه امتعض لفك أسر تلك الجارية هنالك، ولا وفقه الله لشيء من ذلك، وكان [85 ب] تركه لها في الأسر، مع ما أطلعته عليه من الأمر، مما يوقد الضلوع، ويسكب الدموع. وأخبرني أيضا بهذه الأبيات الفقيه أبو بكر بن العربي قال: أخبرني الحميدي عن الفقيه أبي محمد بن حزم، قال: أنشدني محمد بن الحسن المذحجي قال: أنشدني الأديب سليمان بن مهران في مجلس الوزير أبي الأصبغ عيسى ابن سعيد وزير المظفر بن أبي عامر، وأنشد الاربع الأبيات المتقدمة. وكان محمد بن الكتاني المتطبب فرد أوانه، وباقعة زمانه، منفقا لسوق قيانه، يعلمهن الكتاب والإعراب، وغير ذلك من فنون الآداب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 وكان متحيلا كثير الترقيح والاستعمال، لضروب من الكذوب [وزور المقال] ، فربما أنشأ عدة رسائل فينحلها القيان، ويبيعهن بأغلى الأثمان، وقد ذكرنا في أخبار ابن رزين أنه باع منه قينة بثلاثة آلاف دينار، حسبما حكاه أبو مروان [ابن حيان] . ولابن الكتاني فصل من رقعة يصف فيها تعليمه القيان، يقول فيه: فأنا منبه الحجارة، فضلا عن أهل الفدامة والجهالة، واعتبر ذلك بأن في ملكي الآن أربع روميات كن بالأمس جاهلات، وهن الآن عالمات حكيمات منطقيات فلسفيات هندسيات موسيقاويات أسطرلابيات معدلات نجوميات نحويات عروضيات أديبات خطاطيات، تدل على ذلك لمن جهلهن الدواوين الكبار التي ظهرت بخطوطهن في معاني القرآن وغريبه وغير ذلك من فنونه، وعلوم العرب من الأنواء والأعاريض والأنحاء، وكتب المنطق والهندسة وسائر أنواع الفلسفة، وهن يتعاطين إعراب كل ما ينسخنه ويضبطنه فهما لمعانيه ولكثرة تكرارهن فيه، وفي هذا أعظم الشهود أني واحد عصري ونسيج وحدي، وأني أفنيت الزمان تجربة، والدهر تبصره، فاعرف - أعزك الله - قدري، ووفني قسطي، ولا تطمع أن تظفر بعالم مثلي، أو متفرغ فضولي شبهي، ولو طفت الآفاق، وساءت الرفاق، ومشيتا العراق، من زقاق إلى زقاق. وأنشدت لابن مهران من شعر كتب به إلى بعض كتاب الثغر من جملة أبيات: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 لا تنسني من سحتك المكسوب واجعل نصيبك منه مثل نصيبي واذا اغترى بك في القيامة أهله فبمثل ما أوليتني تغيري بي [86أ] وهي الذنوب، وبالغ في لؤمه أقصى النهاية باخل بذنوب قال أبو الحسن [ابن بسام] : وحدثني من أثقه عن الفقيه أبي الحسين عبيد الله بن منينه الشنتمري قال: دخل بعض شعراء العصر على ابن ست الجيش، وكان جد ابن منبه لأمه - وقد تقدم ذكره والخبر عن مقتله في أخبار القاضي ابن عباد - فأنشده هذه الأبيات. وإخبار ابن منبه بهذه الحكاية عن جده [مادحا له] ، على ما فيها من قبح الاحدوثة وشناعة الذكر، ليثبت أن ذلك الخائن البائر، المتعسف الجائر، كان جده، ويعرب عن شرفه، ويدل على نباهة سلفه. وشبيه بهذا [الخبر] ما حكي عن أبي العباس المبرد أنه صنع هذه الأبيات ليثبت نسبه في ثمالة، [وهي] : سألنا عن ثمالة كل حي فقال القائلون ومن ثماله فقلت محمد بن يزيد منهم فقالوا زدتنا بهم جهاله وقال لي المبرد خل عني فقومي معشر فيهم نذاله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 فصل في ذكر الأديب الأستاذ النحوي أبي عبد الله بن خلصة الضرير وكان أحد العلماء بالكلام، وله حظ من النثر والنظام، ولكنه بالأئمة العلماء، أشبه منه بالكتاب والشعراء، وقد مرت بي له أشعار يشير بها إلى البديع، ويذهب إلى التصنيع، وقد أوردت منها جملة تليق بالديوان، وتنبه على موضع قائلها من الاحسان. فصول من كلامه في أوصاف شتى فصل له من رقعة عن إقبال الدولة إلى المعتصم: كتبت - أدام الله إعزازك، وصان ارتياحك للمحامد واهتزازك - بعد قفول من قفل عنك، وحلول من صدر بما شرح الصدور من لدنك، والحال شاملة الصلاح، فائزة القداح، جارية على الاختيار والاقتراح، ومما ضرح القذاة من شربي، واستنزح الأذاة عن سربي، وزورى روعة روعي، وروى بماء الثقة عودي، حتى رسخت في أرضها أصولي ورفت فروعي، ما حلاك به من عميم الفضائل، وكريم الشمائل، فأقر صحة ما بلاه منك في فؤادي، وأشربه ذاتي. فوحياتك التي بها حياة الكرم، لقد أسمعوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 من لطائف البر، وأودعوا من غرائب الثناء [86 ب] الحر، ونشروا من كرم الخلال، مع ركانة الوقار ومهابة الحال، وإعظام الجليس، والتزام التواضع والتأنيس، بعد توفية الرياسة حقها، وتقضية السيادة أجل واجباتها وأدقها، جعل الله الآمال طاعتها والأيام رقها، ثم استوصفتهم التذاذا بطيب أنبائك، صورة مجلسك مع وزرائك وأحبائك، فأوردوا من ذلك ما هو أشهى من السعادة، وأحلى من الحياة المعادة، وأسبى للنفوس من مراض الحدق، وأجلى للشكوك من غرة الفلق، فطارت بي هزة الشوق كل مطير، وأصارتني غرة الفرح بين روضة غناء ووداد مطير، وقلت: الحمد لله، قد وفقت أمري، وقام عند العواذل عذري، وسطع شهاب حجتي بأن خلعت عليه نفسي، وأودعت يديه مهجتي. وفي فصل منها: ومثلك من كان الوسيط فؤاده فكلمه عني ولم أتكلم * * والحق أبلج قد هديت إلى الصراط المستقيم ووثقت أني لم أبوئ حرمتي إلا حريمي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 ما ضاع حق كريمة هديت إلى كفؤ كريم يا كاسب الحمد الحديث ووارث المجد القديم قاسمتك النفس [النفيسة] واختصصتك بالصميم أي بر - أعزك الله - يعارض به برك، وقد عرض في المكارم برك وبحرك، أم أي فعال توازي فعالك، وقد ودت النيرات أن تكون نعالك، أم أي شكر يكون كفاء أياديك، وقد تمنت الأيام أن لها ألسنا تطريك، و [أن لها] أنفسا تفاديك، أم أي عرف يكون جزاء عرفك، وقد فغم الخافقين ريا عرفك. لهنك الخير الذي لا يضاهى ولا يباهى، والحر الذي لا يبارى، والجواد الذي لا يجارى، والمصيب الذي لا يناضل، والحسيب الذي لا يكارم ولا يفاضل، والملك الذي لا تجانس صفاته، ولا تجاذب أواخي أسبابه، ولا تحاذى أواذي عبابه: مليك إذا الهى الملوك على اللهى خمار وخمر هاجر الدل والدنا ولم تنسه الأوتار أوتار قينة إذا ما دعاه السيف لم يثنه المثنى وهوب ولكن لا تعد هباته بموحد إن عد الهبات ولا مثنى أشم إذا وازنت يوما بحلمه شماما ورضوى لم تجد لهما وزنا ولا للمنى إلا بساحة جنى ولا للغنى إلا براحته معنى ولو جاد بالدنيا وعاد بمثلها لظن من استصغارها أنه ضنا [87 أ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 ولا عيب في إنعامه غير أنه إذا من لم يتبع مواهبه منا وأنى تساميه الملوك وإنما وجدنا الورى لفظا ومعناهم معنا تقيل من آبائه الغر سادة قيولا فبذ البحر واحتقر المزنا وفي فصل من أخرى: كتابي عن ود لا يكدر صفو موارده، وعهد لا يفنى بحكم معاقده، ونفس ترتاح لذكراك، وتتمثل مع الساعات مرآك، وحق لمن أرعيته الخصب من روض إخائك، وسقيته العذب من مشرع وفائك، أن يفصح في بث محاسنك لسانه، وينفسح في نشر فضائلك ميدانه، ويفوز في وصف فضائلك بيانه، وينظم لفخرك على أجياد شكرك عقودا، ويحوك لمجدك وسنائك [من تقريظك وثنائك] برودا، يوشيها بذكرك الخطير، ويطرزها بالترفيع لك والتوقير، والله تعالى يحرس بحراستك فواصل الخلال، ويبقي ببقائك محاسن الآثار والأفعال، بعزته. وله من أخرى: كتابي كتاب مبتدي الحمد، مستهدي الود، ضابط على ذؤابة الإخاء، رابط بافتتاح مكاتبتك أسباب التكرم منك والوفاء، لا طالبا فضل الابتداء عليك، ولا مستزيدا على التوسل بمباراتك إليك، إلا هوادة طبيعة، وودادة شريعة، يبعثها في ذات الله مراد، لها من الفؤاد مراد، وسرائر، أحكمت عقد الإخلاص منها مرائر، صان الله بإدامة حياتك، وحسن الدفاع عن ذاتك، الفضل الذي إليك منزعه ومفزعه، ولديك مستقره ومستودعه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 وإلى ذلك - أطال الله بقائك - فموصله فلان، وافاني هذا العام راغبا في مذكراتي بما أشاركه فيه، ومحاضرتي في المجلس الذي ألتزمه وأنتديه، وعلمت ان قد ثقلت في حركته مؤونته، فلزمتني معونته، وأن قد هاجر إلي وطنه، فأجررته فيما شاء مني رسنه، وأرحبت عطنه، وهو مع ذلك لا ينساك ولا يتناساك، ماء وده عذب، ولسانه بالثناء عليك رطب، وعلم الله أني ما أخبرت إلا بما اخترت، ولا شهدت إلا بما عهدت، ولو إلى سوى ذلك أشار، لما أعطيته مني القول والايثار، فان أحب واش أن يغير الحال، فأقام مقام المستقيم المحال، فالموثوق به منك الاخذ بالفضل الذي ضفا عليك رداؤه، ونجم عليك سناه وسناؤه، وأنا الكفيل برده إلى المجلس الذي [87 ب] أنشأه وأنماه، وكشف غيابه غماه، وأخلق بسبب رجائي ألا يهن، ويجفن أملي منك ألا يسن. وهذه أيضا جملة من شعره في أوصاف شتى له من قصيدة أولها: فض لي بجودك فالغمام ضنين وف بالأمانة فالزمان خؤون بردت ظلالك والظلال سمائم وصفت مياهك والمياه أجون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 شيم إذا دعت المديح أجابها سلس العنان وانه لحرون ونقيبة تسرو النقاب عن الهوى وترد ركن الكفر وهو ركون نشر النجاح بها الجناح ونفر الطير الأشائم طائر ميمون وقف الرجاء بذي الرجاء عليكم وبدا لكم سر العلا المكنون فعلام أهزل والكثيب مروض وعلام أظما والقليب معين تلوى لباناتي وتحرم حرمتي وهوى بدر هواكم ملبون ويعز أمر عصابة منسية عرفت بفضلة جاهنا ونهون يا مالكا حسدت عليه زمانه أمم خلت من قبله وقرون ماريت صرف الدهر وهو ألندد ومريت خلف الحرب وهي زبون مالي أرى الآمال بيضا وضحا ووجوده آمال حوالك جون والعدل خيم منك إلا أنه جدي العثور وحظي المغبون أنا آمن فرق وراج يائس ورو صد ومسرح مسجون ومراقب وعدا وجدت جداه أن أغذى بما يغذى به الكمون لا تعدني أنواء يمنك لا عداك النصر والتأييد والتمكين وله [من أخرى أيضا] : أبى، فأقصر عنان اللوم أو أطل ياما ألحك من ذي منطق خطل ألقى عذاب الهوى عذبا فآلفه فما أصيخ إلى عذل ولا عذل كلمني لشوقي أصلى حر لوعته وإن بليت بما ألقى فلا تبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 ول الملاحة من أحببت أول أدل لا ناقتي في الهوى جمل ولا جملي واقن الحياء فقلبي آنفا أنف من أن يجاور حب فيه حب علي [88 أ] لم تدر من قبله عين ولا بصرت بالبدر والبحر والرئبال في رجل [ومنها] : خدمتكم ليكون الدهر من خدمي فما أحالته عن حالاته حيلي إن لم تكن بكم حالي مبدلة فما انتفاعي بعلم الحال والبدل وله من قصيدة في الوزير الكاتب أبي محمد بن عبد البر، أولها: أطع أمر من تهواه من عز قد بزا كفى بالهوى ذلا وبالحسن معتزا تعبدني حبا وتيمني هوى فياما أذل العاشقين وما أخزى إلى كم أمني النفس وهي نفيسة أماني لا وجها تريني ولا عجزا بأرض بها الالف الموازي بزعمه إذا غبت عن عينيه يلمزني لمزا يرى عين تبجيلي ووجه تحيتي ملاحظتي غمزا وتكلمتي رمزا كما اجتلبت في البدء للوصل همزة فإن وجدوا عنها غنى أسقطوا الهمزا وفي النفس هم ما يزال يؤزني إلى الكاتب الميمون طائره أزا فمن مبلغ الأحباب أن ركائبي قطعن الفلا وخدا وجبن الملا جمزا وهاجرت الروض الانيق نباته لروض علاء ينبت المجد والعزا فصيح متى ينطق تدع كل لفظة فؤادك متبولا ولبك مبتزا ولما لحاني الدهر لحو العصا ولم أجد من بينه غير من زادني وخزا جعلت لي حصنا ونبهت مقولا جرازا حدادا لا كهاما ولا كزا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 ولم تقتصد منك القصيدة نائلا كثير لها أن تستجاز ولا تجزى ليمتع بك الله الأماني والمنى ولا تفجع الآداب فيك ولا ترزا وله من قصيدة في أبيه يرثيه: يا ضريحا حوى عظاما عظاما لخيل أمسيت منه خليلا أعياء دواليت داء عياء ومحالا سألت رسما محيلا إن عهدي وإن بليت جديد كلما طال زاد شوقي طولا كدت أقضي عليك نحبي نحيبا وأرى ذاك في رضاك قليلا [88 ب] وأحل الثرى حلولك فيه بدلا منك لو أكون بديلا ومن أخرى في [أم] معز الدولة: بم، والرزء بالخليل جليل يتأسى ويوسى العليل جلل دق فيه كل جليل وتساوى التكثير والتقليل أي عرش للمجد ثل، وغرب فل، والدهر من شباه فليل أيها اللحد هل علمت بما استو دعت، كلا إن الجماد جهول ووريت فيك رحمة وغياث وحجى نابل وقدر نبيل أنس الشيمة الكريمة إن الدار وحش والمكث طويل إن تلقاك روح ربك والرضوان والله بالجميل كفيل فبما طبت والزمان خبيث وبما جدت والغمام بخيل وتسلست والمياه أجون وتروضت والبلاد محول يا أبا عامر عزاء جميلا فاليكم يعزى العزاء الجميل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 كلنا صائر إلى الله حتما واستراح العذول والمعذول وقصارى بين القصور قبور ويهب الصبا بها والقبول سنة الله في العباد وما في سنة الله للورى تبديل حكمه الفصل ليس عنه انفصال وهو العدل ليس عنه عدول عدم ذا الورى وانتم وجود وهراء وأنتم المعقول وإذا كشف الحقائق فكر شهدت لي بما أقول العقول وخاطبه الحصري بأبيات منها: وفينا لهم وخانوا كذا الناس والزمان لحوني على غرامي وقالوا الهوى هوان وما ضر ان يقولوا صبا في الهوى فلان لحا الله كل خل لحا في هوى يصان وأبقى الأديب فردا لملك به يزان فديناك من أديب عليهم له امتنان [89 أ] أسيف بفيك يقضي على الدهر أم لسان كذا تنتج المعالي كذا يسحر البيان وفي كل حاجة لي على جاهك الضمان فأجابه ابن خلصة: أفق فالهوى هوان لعهد الصبا أوان إذا ما انطوى شباب طوت ودك الحسان لعمري وإن عمري لما ليس يستهان أيا صادقا هواه إذا المدعون مانوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 فلم يحو ما حواه زمان ولا مكان ولم يفر ما فراه حسام ولا سنان إذا سل مرهفات من المنطق البيان تبينت أن أمضى من الصارم اللسان فعش للورى مليا ففي عيشك ازديان ولا زال لليالي بابقائك امتنان فصل في ذكر الأديب أبي مروان بن غصن الحجاري وإيراد طرف من خبره، وحميد أثره. وكان اقتبس من أنواع العلوم [والآداب] ما صار به في عالم عصره علما، وفي الكمال عالما، وكان كما قرأته في فصل وصفه به أبو محمد ابن عبد البر في رقعة خاطب بها المعتضد، قال فيها: أياديك - أيدك الله - قد طبقت، ومساعيك قد أنارت وأشرقت، فكل أفق بها بهج، وكل قطر منها متضرع أرج، وكل همة بها موكلة، وكل نفس اليها منجذبة مسترسلة، فان أحس امرؤ من نفسه قوة جنان، وفضل بيان، وتصرف لسان، فأقصى غرضه أن يحلي بيانه بمآثرك، ويفتق لسانه بمفاخرك، ويطرز ملاءة نظمه ونثره باسمك الأعذب، ويشرف مطرف قريضه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 بذكرك العطر الاطيب، ويتشرف بالدخول إليك، ويتمجد بالمثول بين يديك، ليحظى منك بالتتجويز، ويصح له دعوى السبق والتبريز، وإن ممن استولى على الامد الذي وصفته، وحوى فصب السبق فيما ذكرته، الأديب الكامل أبو مروان بن غصن الحجازي، وهو كما علمت ممن لا يجارى في ميدان، ولا يطاول بعنان، إن نظم فبيان مرصوص، وإن نثر فلآلئ وفصوص؛ انتهى كلام ابن عبد البر. قال أبو الحسن [ابن بسام] : ونكبه المأمون بن ذي النون وله فيه " رسالة السجن والمسجون، والحزن والمحزون " أودعها قصائد مطولات، ومقطوعات أبيات، ورسالة أخرى سماها ب " العشر كلمات ". وهو القائل في سجنه، وكتب بها إلى أخيه: [89 ب] أأروى وبين ضلوعي حريق وأشجى وإنسان عيني غريق وفي كل يوم وفي كل حين يحملني الدهر ما لا أطيق تهيم الخطوب بوصلي فما لهن إلى غير قلبي طريق أيا واحدي وشقيقي ويا فريقا يبكيه مني فريق أخوك أخو نكبات لها يرق العدو فكيف الصديق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 كسدت ونظمي در نفيس وضعت ونثري مسك فتيق ورأيي شهاب أجلى العمى به وحديثي روض أنيق وما أظلم الجهل في معشر وفي أفقهم من علومي شريق ولو جاثليق تخولته بموعظة آمن الجاثليق ومنها: وطيف صديق كريم له بنفسي وإن بان عني لصوق سرى واهتدى لي ومن دونه جدار معلى وباب وثيق فشيعه من دموعي انسكاب وودعه من فؤادي خفوق وفارق ذا سقم لا يبين لولا الزفير ولولا الشهيق ومن شعره فيه: يحيى المليك الذي به حييت نفسي وفازت بكل ما اشتهت لو حسبت في الورى مواهبه لم يخل حسابها من الغلت [ومنها] : قد استرد الشباب خلعته ونبهتني الخطوب من سنة لولا أنيني على فراشي لم يبد خيالي لعين ملتفت ولو أتتني المنون تطلبني ما علمت موضعي ولا رأت وأودع رسالته تلك ألف بيت، فقال فيها: وألف بيت من القريض إذا مات جميع الأنام لم تمت لو أن شعر الورى ينظم في عقد لكانت بموضع السطة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 سائرة حيث لم يسر قمر ولا سرت أنجم ولا جرت وللمتنبي في هذا المعنى: ولي فيك ما لم يقل قائل وما لم يسر قمر حيث سارا [90 أ] وعندي لك الشرد السائرات لا يختصصن من الأرض دارا فإني إذا سرن من مقولي وثبن الجبال وخضن البحارا وهذا أحسن ما قيل في سيرورة الشعر، وأبلغ منه قول علي بن الجهم: فسار مسير الشمس في كل بلدة وهب هبوب الريح في البر والبحر ولابن شماخ الغافقي في جملة قصيدة في المعتمد بن عباد: ان لم تسر هذه الغراء سائرة منيرة بين أنجاد وأغوار فليست الريح في الدنيا بسائرة وليست الشمس فيها ذات أنوار وقال ابن غصن الحجازي: قد ألحف الغيم بانسكابه والتحف الجو في سحابه وقام داعي السرور يدعو حي على الدن وانتهابه وتاه فيه النديم مما يزدحم الناس عند بابه وقال أيضا: يا فتية حرة فدتهم من حادثات الزمان نفسي شربهم الخمر في سكون ونطقهم عندها بهمس أما ترون الشتاء يلقي في الأرض بسطا من الدمقس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 مقطب عابس ينادي: يوم سرور ويوم أنس وقال: يوم تبدى لنا بصحو والجو صافي الهوا جلي طاب رحيلي به إلى ان كدر من صفوه العشي كأنما حالتاه ود جاراك فيه طليطلي وقال: يا صوب غادية الربيع الممطر بارد بسببك رسم دار مقفر ميدان أفراس الصبا والملاعب ال آرام والروض الأنيق الأزهار واقذف بسلك الغيث في ساحاته واكسب أليه عليه وانثر حتى ترى الغيطان زاهرة الربى تنبيك عن عهد الزمان الأزهر وترى الأقاح كأنه فم شادن غنج تبسم عن لقيط الجوهر وشقائق النعمان مثل الغيد وال طل الندي كدمعة في محجر لولا خفارتها وحالك شعرها قلنا سبايا من بنات الأصفر وقال: والفي فيك النجوم لرعيها فدريها خلي وبدر الدجى إلفي كأن سماء الله نطع زبرجد وقد نثرت فيه الدنانير للصرف [90 ب] وهو القائل [أيضا] : فديتك لا تخف مني سلوا إذا ما غير الشعر الصغارا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 أهيم بدن خمر صار خلا ... واهوى لحية كانت عذارا صل في ذكر الأديب أبي علي ادريس بن اليماني العبدري اليابسي ويابسة من الجزائر الشرقية على سمت مدينة دانية من الأندلس. وأخبرت أن أصله من قسطلة الغرب، من عمل شنت مرية ابن هارون، وبدانية قرأ، وبها نشأ، ومنها انبعث انبعاث السيل، وأدرك إدراك الليل، حتى تضاءلت له الهضاب عن قدره وصار [شعره] سمر النادي، وتعلة الحادي، وتمثل الحاضر والبادي؛ وطفق يتردد على ملوك الطوائف بالأندلس تردد الكاس على الشراب، ويجرب في أهوائهم جري الماء في الغصن الرطب، وكان كلما قال قصيدة لم يضرب عليها حجابا، ولا ضمانها كتابا، حتى يأخذ بها مائة دينار، وقد سأله عباد في بعض رحله إليه، على كثرة بوائقه، وشكاسة خلائقه، [أن] يمدحه بقصيدة يعارض بها قصيدته السينية التي مدح بها ال حمود فقال له: إشارتي مفهومة، وبنات صدري كريمة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 فمن أراد أن ينكح بكرها، فقد عرف مهرها. وقد أخرجت من أشعاره، ما يشهد بسمو مقداره، ويعرب عن غرائب أخباره. جملة من شعره في أوصاف شتى مختلفة في النسيب وما يناسبه [قال] : قبلة كانت على دهش أذهبت ما بي من العطش ولها في القلب منزلة لو عدتها النفس لم تعش طرقتي والدجى لبست خلعا من جلدة الحنش وكأن النجم حين بدا درهم في كف مرتعش وحدث ميمون بن يوسف بن دري قال: اعتمدني أبو علي ادريس ابن اليماني، فجاذبته في ذكر البديع من القول، فأنشدني هذه القطعة في صفة الثريا، فعمدت بعد إلى سبعة مثاقيل صحاحا فطبعت عليها، وكتبت معها: وجه الثريا أن شيت تعرفه فاسلك من القول نحو موعبه [91أ] نجمك في البعد ظل مشبهها وشبهها شبه ما بعثت به الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 ونظر إدريس إلى غلام [وسيم] بالحمام عليه أسمال فقال: توشح بالظلماء وهو صباح فأمرضت الألباب وهي صحاح وظل فؤادي طائرا عن جوانحي وليس له إلا الغرام جناح قضيب صباح في وشاح دجنة ألا ليتني تحت الوشاح وشاح ولا عجب أن أفسدتني جفونه فكل فساد في هواه صلاح وقال: علقته شادنا صغيرا وكنت لا أعشق الصغار أعارني سقم ناظريه فاستشعرت نفسه حذارا يسفر عن وجه مستنير يرد جنح الدجى نهارا لم أر من ذاك ماء أضرم فيه الحياء نادرا وذكرت بقوله " لا أعشق الصغار " شعرا لبعض أهل العصر استطرد فيه لهجوم السميسر استطرادا ظريفا فقال: ان كنت تهوى مليحا فلا تقل بمعذر واهو الصغار ففيهم على الحقيقة تعذر دع الكبار لقوم دانوا بدين السميسر ونصيب الاكبر القائل: ولولا أن يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشأ الصغار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 وما أعذب ما ذهب ابن غصن الحجازي بقوله: فديتك لا تخف مني سلوا إذا ما غير الشعر الصغارا أدين بدن خل كان خمرا وأهوى لحية كانت عذارا وقال ادريس: أقبلت تهتز كالغصن وتمشي كالحمامه ظبية تحسد عينيها وخديها المدامه وقال: علق الهوى قبل الهواء علاقة ما زال في نزع بها ونزع فكأنما سكن الهوى في قلبه من قبل سكنى القلب في الأضلاع ومنها في صفة الخيل: خيل يميد الدهر عند هبوبها ميد القضيب بعاصف زعزاع فكأن خطفا من نتائج أعوج تنقض من فرسانها بسباع وقال: صفراء تهديها بنان صورت كهواك من غم ومن عناب وغزال ستر بل غزالة كلة تثني عنان التعب بالاعتاب [91 ب] أحبني مراشفها العذاب وفي الحشا حرق فأمزج رحمة بعذاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 ودخل إدريس بن اليماني على الموقف أبي الجيش فانشده: ولرب ليل قد طرقت وهمتي أسري بها إذ ليس يسري كوكب في معشر شحم الأنوف كأنهم سيدان رمل أو أسود درب لبسوا دياجير الدجى إذ أسأدوا وتقنعوا بسنا الضحى إذ أوبوا وسروا فمغرب كل أرض مشرق لهم ومشرق كل أرض مغرب والفجر ملوي النقاب مبرقع والليل مسدول الرواق مطنب وكأن باهرة الكواكب معشر قام الهلال بهم خطيبا يخطب وكأن نور الصبح راية فارس حمراء يتبعها خميس أشهب وكأن قرن الشمس وجه مجاهد لما أنار سناه كادت تغرب وهو في كل ذلك يعبث في قليل شعر عارضته، استثقالا للعارفة، ونجلا بالجائزة، فلما أملقه الأمر، وأعوزه الصبر غمز حاجبه، فاختطف القرطاس من يده، وقال وقد سد خياشيمه: إن رائحة الشبين على شعرك، تعرضا له بيابسة، جزيرة في البحر كان منها، أكثر ثمرها الشبين، فخجل لمقامه، وتعثر في ذيل كلامه، فلما وثبت إليه نفسه، وراجعه حسه قال: أيها الأمير إن كنت أسأت في مدحك، فأحسن في منحك، أو قصرت في وصفك، فأطل في عرفك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 قال ابن بسام: وما أقبح هذا المنحى، وأبعد هذا المرمى، ولكن السجايا تجري على ما تيسرت له من المعتاد، وأين هو - قبح - من قول ابن عباد، وقد كتب إلي: لكفي أهدى في نداها من القطا إلى مورد عذب على [ظمأ] برح إذا أبطت الملاك غيري للثنا فاني وضاح الجبين إلى المدح وكل امرئ يجني علي جريمة فاني أجازيه على الذنب بالصفح ومن شعره في المديح وما يتشبث به من الأوصاف له في المأمون بن ذي النون من قصيدة أولها: تبين من سره ما اكتتم فلاح كنار بأعلى علم يقول فيها: [92 أ] أما والهوى وهو أحلى قسم وإن بنت عنه بنفسي قسم وما يجتلى من أقاح ضحوك يشب بماء الشباب الشبم لقد شربت شرب نومي فلو شربت سلاف الهوى لم أنم خدود غلائلها من شقيق وأيد أناملها من عنم ظلمن قلوب الهوى مذ عدون يطرفن فوق شموس الظلم ولما أقمن رماح القدود فدانت لهن رماح البهم رفعن الهوى علما خافقا فكان فؤادي جناح العلم يحم أبو كل شبلين بي ويلعب بي كل طرف أحم لقيت الليالي في شوكها فبرح نحوي بصم الصمم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 ونبهت سوق الردى في العدا فقامت ولولا يدي لم تقم فما راعني رائع غير لحظ سقيم يصح اذا ما سقم ظننت الشباب يفي حين وافى فلم يك إلا خيالا ألم تولى وشيكا ولم أجن منه سوى حلم أو شبيه الحلم وما العيش إلا فواق اغتنام فمهما تفوقته فاغتنم وفي شيم الناس ما في العيون ومن ذلك الناس شتى الشيم وما زال يقفو زمان زمانا فإما بحمد وإما بذم فقد سكنت عين دهمائه كما سكن الفعل جزما بلم رعايا الملوك قطا البيد لكن رعية يحيى حمام الحرم ملوك ولكنهم في الملوك كأمة أحمد بين الأمم وطيب حتى رضاب الثغور فلا فم إلا وفيه شبم وهذا البيت كقول محمد بن هانئ: [92 ب] قد طيب الأفواه طيب ثنائه فمن أجل ذا نجد الثغور عذابا والبيت الذي قبله كقول ابن الرومي: تلوح في دول الأيام دولتكم كأنها ملة الإسلام في الملل وفيها يقول ادريس: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 أرى العالم اعتدلت حاله فلا ما يعاب ولا ما يذم وكان بحال انتقاص فتم ولكنه بابن ذي النون تم همام له شيمة كالشمول تميت الهموم وتحيي الهمم أبا الحسن الحسن المكتني بما هو نعت له لا جرم تنست نعمته بالثناء ونشر الثناء نسيم النعم يد تقع الهام تحت الحسام بها والأقاليم تحت القلم كأن العيون ازدحاما عليه عطاش إلى مورد تزحم وخذها تجر إلى حسنها " أتجر غانية أم تلم " لو اعترضت بحبيب بن أوس طوى كل ما حاك في المعتصم فيا كعبة الحسن وافاك عبد لطاعة سيده ملتزم حججت وطفت أسابيع لكن تمام طوافي أن أستلم وله من أخرى في إقبال الدولة بن مجاهد بدانية: قد كنت لا أضحى إذا جئت الضحى حتى دفعت إلى القتير الضاحي فانجاب عن أوضاحه ذاك الدجى ووردت بعد الغمر في الضحضاح وصدرت عن حب الشباب وطالما غمست جناحي في غدير جناح صاح الصباح بجانبي ليلي فلم آسف لليلي إذا محاه صباحي لكن أسفت على طلى وترائب صفرت يدي من حليها الصياح من كل ناعمة يجول وشاحها هيمان بين مهفهف ورداح [93 أ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 ومنها: ثقلت زجاجات أتتنا فرغا حتى إذا ملئت بصرف الراح خفت فكادت [أن] تطير بما حوت وكذا الجسوم تطير بالأرواح ومنها: بعلي بن مجاهد أوردته روض المديح وموسم المداح ثهلان في عقد الحبا ولدى الوغى غصن يراح إلى نسيم رياح فالبر بحر من مدائحه التي تربي على الطيار والسباح بسياسة يقف الزمان إزاءها خضل الحياء ملازم الإسجاح محفوفة بمكارم وصوارم تثني وتصرف غرب كل جماح يا من يلحن كل خلق مدحه حتى الحمام على ذرى الأدواح هشت لتسمعها بفضلك فاستمع سياحة بثنائك السياح غررا كطالعة الكواكب موهنا طمحت إلى لقياك كل طماح فأتتك جانحة إليك وإنما جنحت إلى مغنيطس الاجناح فلكفك القدح المعلى في العلا وعلاك تحكم لي بفوز قداحي ولئن بك استغنيت عن كل ففي ضوء الصباح غنى عن المصباح وله من أخرى في ابن واجب: وادي الأراك أطلت شكوى الشاكي بشيم كل بشامة وأراك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 ويقول فيها في وصف الحمامة، وأجاد ما أراد وزاد: ورقا مطوقة السواليف سندسا لم يحك صنعتها حكاية حاك تشدو على خضر الغصون بألسن صبغت ملاثمها بلا مسواك وكأن أرجلها القواني ألبست نعلا من المرجان دون شراك وكأنها كحلت بنار جوانحي فترى لأعينها لهيب حشاك وهذا كقول ابن هانئ: وما راغني إلا ابن ورقاء هاتف بعينيه جمر من ضلوعي مشبوب قال ابن بسام: وسلك أبو البيع القضاعي سبيل إدريس في صفة الحمامة، فضل عنها، في قصيدة [93 ب] مدح بها ابن واجب أيضا، أولها: زعم العبير بأنه حاكاك كذب العبير وما حكى رياك هذا شميمك فليهب نسيمه حتى تبين مقالة الأفاك وإن ادعى ريم الفلاة بأن في عينيه لمحة عينك السفك فليلتمحك بمقلتيه مغازلا حتى تفند قوله عيناك ثم خرج إلى ذكر الحمامة بوصف غير رائق استبرد فيه، ورأيت ألا أكون ممن يرويه. وقد افتضح في صفة الحمامة في هذه العروض والقافية بأفقنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 يوسف بن هارون الرمادي مع يحيى بن هذيل، وأنا أسوق الحكاية بنص ما حكاه الرمادي عن نفسه، قال: بكرت إلى أبي المطرف ابن مثنى فألفيت قد بكر قبلي يحيى بن هذيل، فقال لي: ما عندك - فقلت: ليس عندي كبير معنى، ولكن ما عندك أنت - فأخرج من كمه قصيدته التي يقول فيها في صفة الحمامة: ومرنة والدجن ينسج فوقها بردين من طل ونوء مالت علي طي الجناح وإنما جعلت أريكتها قضيب أراك وترنمت لحنين قد حلتهما بغناء مسمعة وأنه شاك ففقدت من نفسي لفرط تلهفي نفس الحياة وقلت من أبكاك فأنشدنيها، وأنا أعد محاسنه فيها، فلما أكملها قال لي: انصرف إلى المكتب وتأدب حتى تحكم مثل هذا فكأنه [حركني؛ واتفق أنه] لم يخرج إلينا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 أبو المطرف ذلك اليوم، فبكرت من الغد إليه وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها في وصف الحمامة: أحمامة فوق الأراكة تنثني بحياة من أبكاك ما أبكاك أما أنا فبكيت من حرق الهوى وفراق من أهوى، أأنت كذاك - قال: فلما سمعها ابن هذيل قال: عارضتني!! قلت: لا والله إلا ناقصتك، فقال: اذهب فقد أخرجتك من المكتب. وأنا أقول: وإن كان كلام الرمادي من الحلو المطبوع، فلا نسبة بينه وبين كلام ابن هذيل، وقد انفرد في صفتها انفراد سهيل. وحكي أن أبا الطيب المتنبي على قلة رضاه عن شعر أحد فإنه على ما ذكر عنه أنشد لجملة من شعراء الأندلس حتى أنشد قول ابن هذيل [94 أ] : إذا حبست على قلبي يدي بيدي وصحت في الليلة الظلماء واكبدي ضجت كواكب ليلي في مطالعها وذابت الصخرة الصماء من كبد فقال أبو الطيب: هذا أشعر أهل المغرب. وعارض أيضا هذه العروض والقافية في ذلك الأوان الأديب أبو مروان المعروف بالبلينه، فقال من قصيدة أولها: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 يوم العقيق غدوت من قتلاك لما رمت بسهامها عيناك ثم خرج إلى صفة الحمامة فقال: أحمامة بكت الهديل وإنما طربت فغنت فوق غصن أراك معشوقة التفويف ذات قلائد غنيت جواهرها عن الأسلاك ناحت على غصن وكل شج بكى يوما بلا دمع فليس بباك لو كنت صادقة وكنت شجية جادت دموعك حين جد بكاك والرمادي وابن هذيل وأبو مروان ليسوا من طبقة هذا الديوان، إذ تقدم بهم الزمان، ولا من شرطنا، إذ لم يلحقهم أحد من أهل عصرنا. ومن حر الكلام، وسري النظام، مما يتعلق بوصف الحمام، قول أبي العلاء المعري، وأنا أثبته هنا زيادة بعد إجادة جلة نثر ونظام، في صفة الحمام، أخذ فيه بثوب الحسن من طرفيه، واشتمل على رداء البديع من حاشيتيه، ولولا تأخر زمانه، وتقدم يحيى بن هذيل وطبقته لقلت: إن كلام المعري نقلوا، وعليه عولوا، وهو قوله: ما حاملة طوق من الليل، وبرد من الربيع مكفوف الذيل، أوفت الأشاء، فقال للكئيب ما شاء، تسمعه غير مفهوم، لا بالرمل ولا بالمزموم، كأن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 سجعها قريض، ومراسلها الغريض، فقد ماد بشجوها العود، وفقيدها لا يعود، تندب شوقا هديلا فات، وأتيح له بعض الآفات، وليس الأشواق، لذوات الأطواق، ولا عند الساجعة، عبرة متراجعة، إنما رأت الشرطين قبل البطين، والرشاء، قبل العشاء، فحكت صوت الماء في الخرير، ورنت براء دائمة التكرير، فقال جاهل: فقدت حميما، وثكلت ولدا قديما، وهيهات يا باكية، أصبحت فصدحت، وأمسيت فتناسيت، لا همام لا همام، ما رأيت أعجب من هاتف الحمام، سلم فناح، وصمت وهو مكسور الجناح. ومن أخرى له: ما حمامة ذات طوق، يضرب بها المثل في الشوق، كانت في وكر مصون، بين الشجر والغصون [94 ب] ، تألف من أبناء جنسها ريدا، يتراسلان تغريدا، مسكنها نعمان الأراك، تأمن به غوائل الأشراك، وتمر في بكرتها بالبيت الحرام، لا تفرق لمكان صائد ولا رام، صادها وليد في حل، ما حفظ لها من إل، فأودعها سجنا للطير، ومنعها من كل مير، فاذا رأت بواكر الحمام، تمارس جرع الحمام، تسأل بطرفها أخاها، ما فعل بعدها فرخاها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 فيقول: أصبحنا ضائعين، يسترهما الورق عن العين، بأشوق مني إلى حضرة سيدي. ومن شعره في صفتها قوله من قصيدة: وغنت لنا في دار سابور قينة من الورق مطراب الأصائل ميهال رأت زهرا غضا فهاجت بمزهر مثانيه أحشاء لطفن وأوصال فقلت تغني كيف شئت فانما غناؤك عندي يا حمامة إعوال وتحسدك البيض الغواني قلادة بجيدك فيها من شذا المسك تمثال فأقسمت ما تدري الحمائم بالضحى أأطواق حسن هن أم هن أغلال وقال: غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد أبنات الهديل أسعدن أو عدن قليل العزاء بالاسعاد إيه لله دركن فأنتن اللواتي يحسن حفظ الوداد ما نسيتن هالكا في الأوان الخال أودى من قبل هلك إياد بيد أني لا أرتضى ما فعلتن وأطواقكن في الأجياد وله من أخرى في أبيه يرثيه سأبكي اذا غنى ابن ورقاء هاتفا وإن كان ما يعنيه ضد الذي أعني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 وما ندبت في مسمعي كل قينة تغرد باللحن البري من اللحن وله من أخرى في أمه: وأمتني إلى الأجداث أم يعز علي أن صارت أمامي وأكبر أن يرثيها لساني بلفظ سالك طريق الطعام [95أ] ومن لي أن أصوغ الشهب شعرا فألبس قبرها سمطي نظام مضت وقد اكتهلت فخلت أني رضيع ما بلغت مدى الفطام فيا ركب المنون أما رسول يبلغ روحها أرج السلام ذكيا يحسب الكافور منه بمثل المسك مفضوض الختام ألا نبهتني قينات بث بشمن غضا فلن إلى بشام وحماء العلاط يضيق فوها بما في الصدر من صفة الغرام تداعى مصعدا في الجيد وجدا فقال الطريق منها بانفصام أشاعت قيلها وبكت أخاها فأضحت وهي خنساء الحمام شجتك بظاهر كقريض ليلى وباطنه عويص أبي حزام سألت متى اللقاء فقيل حتى يقوم الهامدون من الرجام وقال بعض أهل عصري من قصيد خرج فيه إلى وصف الحمام: وان هتف الحمام فلست أدري وإن بارته أيهما انتكالا تعلقت الحمام بساق حر فسل هاتيك من أنكى الجمالا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 وقال محمد بن هانئ الأندلسي: وما راعني إلا ابن ورقاء هاتف بعينيه جمر من ضلوعي مشبوب وقد أنكر الدوح الذي يستظله وصحت له الأغصان وهي أهاضيب وحث جناحيه ليخطف قلبه عشاء شذانيق الدجى وهو غربيب ألا أيها الباكي على غير أيكه كلانا فريد بالسماوة مغلوب فؤادك خفاق ووكنك نازح وروضك مطلول وبانك مهضوب هلم على أني أقيك يأضلعي وأملك دمعي عنك وهو شآبيب تكنك لي موشية عبقرية كريشك إلا أنهن جلابيب فلا شدو إلا من رنينك شائق ولا دمع إلا [من] جفوني مسكوب ولا مدح إلا للمعز حقيقة يفصل درا والمديح أساليب [95 ب] نجار على البيت الامامي معتل وعدل إلى الحكم الربوبي منسوب رجح بنا الكلام إلى إدريس وقال من قصيدة في ابن مقنة وزير يحيى بن حمود أولها: دعاه الهوى من ذي الأراك فلباه وغناه أيكي الحمام فأبكاه وصدق دعوى الشوق برهان جسمه وما كل ذي دعوى تصدق دعواه وظل جناح القلب منه كأنما قدامى جناح البرق منه قداماه بذي لعس للاقحوان ثناياه وللورد خداه وللآس صدغاه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 وللسوسن الريان صفحة خده وللبدر مجلاه وللمسك رياه يريني إذا رد السلام مخالسا بنانا دماء العاشقين يرناه كأن فؤادي كلما قام قرطه فيا علو مرقاه ويا بعد مهواه فريد جمال تم لي توأم الهوى به ولكل العاشقين فراداه تكامل فيه السول حتى كأنه ندى ابن أبي موسى إذا الشعر ناجاه لقد كان معنى الجود عمي فانبرى له ابن أبي موسى ففك معماه هصرت به الدنيا فمالت رطيبة علي ميودا تحت أوراق نعماه فمن ضحك النوار من شق جيبه ولكن أياديه التي أضحكت فاه وما فتحت أيدي الحيا زهرة الربى كما فتحت روض القريض عطاياه تأمله وانظر الباري الأسنة سناه مضافا إلى السيف الطويل نجاداه وقال ادريس من قصيدة أخرى أولها: لبيك لبيك داعي اللهو من كثب إلى معاطفة الأغصان في الكثب إلى السوالف كالسوسان في صعد إلى الغدائر كالخلجان في صبب إلى خدود بنات الروم قد برزت من حجبها وأدارت أعين العرب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 من كل سافرة عن مشرب خجلا فيه طرزان من ماء ومن لهب [96 أ] واستضحكت عن لآل أو حصى برد يكاد يقطر من مائيه الشنب ومنها: يحدو بها فتية صيغت وجوههم من الرضى وعواليهم من الغضب قد قارعوا دونها كل ابن قارعة يهب منغمسا في الحرب والحرب من كل أشنب قد أفنت شبيبته شبيبة البان في ظل القنا السلب ومنها: ماذا أقول لدينا لو ظفرت بها أدبتها غضبا للظرف والأدب تجلو الرياسة في تاج البهاء على من لا يفرق بين الرأس والذنب شجى من اقذية الأيام برح بي بل بالعوالي وبالهندية القضب لكنني علوائي الهوى مرس حلبت أشطر دهري أيما حلب ألقى الأحبة مخفوض الجناح وقد أختال تحت الرداء العضب ذي الشطب لا يستثير وشاح الخود لي شغفا ما لم يجب كفؤاد العاشق الوجب ولا أهيم بجيد غير ذي جيد ولا أهش لقرط غير مضطرب ولا أروح لروض غير ذي زهر ولا أهش إلى كاس بلا طرب وحسب وشي ثنائي أن أزرره على أبي الحسن المغموس في الحسب شمائل طيبات كلما انتشقت إن الرياض متى [ما] تنتشق تطب ذو همة في العلا دأبا مسافرة لو سافرت لمداها الشمس لم تؤب أعراق طيب أتت من أصبغ بفتى حاز السناء تراثا عن أب فأب إن قام أو التف العفاة به كأنه منهم في عسكر لجب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 لم يمش قط إلى قرب ولا يبعد إلا على قدم موطوءة العقب وله من أخرى في باديس: سقيا لواديك الأغن مريعة إن الشباب به مريع ممرع إن كان خدك فيه ورد يانع فهواك في عيني وقلبي أينع ومنها القائد الجرد العتاق كأنها لجج زواخر أو عوارض لمع متوقد في الحادثات إذا دجت فكأنه فيها شهاب يسطع [96 ب] علم هو القمر المباهي طالعا صنهاجة وهم النجوم الطلع متسربلين لكل حرب مرة بأسا يقرع كل من لا يقرع فلو أنهم رفضوا الأسنة والقنا قامت قلوبهم بها والأذرع وهذا المعنى كثير، ومنه قول الأول: قوم إذا اشتجر القنا جعلوا الدروع لها مسالك اللابسين قلوبهم فوق الدروع لدفع ذلك وقال أبو محمد بن عبدون من جملة أبيات تقدم إنشادها: وقد زروا الدروع على قلوب لو انتضيت لقط بها الرقاب وكرر في موضع آخر فقال: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 أخلائي وفي قرب الصدور ظبا تقتضي على قمم الدهور وللتهامي: لو أشرعوا أيمانهم من طولها طعنوا بها عوض القنا الخطار وقال قيس بن الخطيم: اذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب وقال الآخر: اذا الكماة تنحت أن يصيبهم حد الظباة وصلناها بأيدينا وقال ادريس: أكحيلة الأجفان بالسحر الذي لولاه ما زوت البلابل بابل قد كان قلبي غافلا عما به أودى وقلب [أخي] السلامة غافل حتى دهاني منك صدر رامح ذرب سناناه وطرف نابل ما عقدك الممهى بجيدك درة لكن فرند في حسام جائل كملت سيوف الهند فوق جفونها وطوال أهداب الجفون حمائل ومنها: سار وغاد بالجياد كأنها لجج وأكباد العداة سواحل وكأنما الآجال فوق رماحه ورق على شجر الآراك هوادل الخاطفات أسافلا وأعاليا فكأنهن ضراغم وأجادل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 يلوي القنا في نحر كل مدجج ليا كما فتل السوار الفاتل بأسا كما نزل القضاء، يديره رأي كما صقل الحسام الصاقل وأذا شراب القوم كان منية لم يدن من تلك المدامة واغل [97 أ] نغم السيوف ألذ ما هو سامع ومنى النفوس أقل ما هو باذل هذا ابن خاصب ذي الفقار بجانبي وادي حنين والصفوف حوافل وبخيبر والحرب بارق عارض وبنات أعوج ما شحته زائل دفع الرسول إليه رايته وقد طمحت عيون نحوه وأنامل أربت على الغابات غاية مجدهم فالوهم عن إدراكها متضائل تزدان أقلام بهم ومحابر وتطول أرماح بهم ومناصل فكأنما المريخ من أنصاره وكأنما البرجيس فيه مجادل تصبو إليك مشارق ومغارب وتهيم فيك منابر ومحافل وتود سابحة الكواكب أنها لك سابحات والدجون قساطل تجري بما منها تشاء كأنما حركاتها فعل وأنت الفاعل لولا اضطرام البأس فيك لدى الوغى لاخضر في يدك الوشيج الذابل وهذا البيت من قول المعري: يتهللون طلاقة وكاومهم ينهل منهن النجيع الأحمر لا يعرفون سوى التقدم آسيا فجراحهم بالسمهرية تسبر من كل من لولا تسعر بأسه لاخضر في يمنى يديه الأسمر وله من أخرى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 يلقى الوغى بأديم وجه ضاحك صافي الأسرة في العجاج الأكدر بطل ترى الأبطال منه كالقطا أشفقن من زجل الجناح مصرصر في سرجه زحل وبهرام معا وببردتيه عطارد والمشتري بأسا يخلي الخيل حين يخوضها كالأيكة انقصفت بريح صرصر وذكاء فهم كلما استخبرته ألفيت أذكى مندل في مجمر في كل كف منه خمس أصابع لكنها في الجود خمسة أبحر ولادريس من قصيد فريد: [97 [] سرت في قميص الصبح وهو جسيد فأبلت قميص الليل وهو جديد ولما استمد الأفق من نور وجهها تقاصر باع الليل وهو مديد بشمس يكاد الوهم يدمي أديمها لها الليل تاج والنجوم عقود فلو يتأتى وردها أو مرادها تسلسل مورود وطاب مرود وأين من المرتاد أعفر مقمر نفور كنوم العاشقين شرود غزال كناس بل غزالة كله تزين الحلى منها سوالف غيد كأن جفوني فوق عيني من اجلها ثياب دوام تحتهن شهيد أوحشية الإعراض عنا ومالها من الوحش إلا مقلتان وجيد من الهيف تستجفي النسيم إذا جرى غليلا على أعطافها فتميد وتحتمل الياقوت يرسو ثقيله فيجفو على صدر زهاه نهود أيعطى مناه من ترائبك الحصى ويحرم مشغوف الفؤاد عميد من الصيد حران أطلت عويله وثغرك سلسال الرضاب برود فإن لم أرد ذاك اللمى العذب إنني على مهج الأسد الوراد ورود الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 وان صديت شوقا إليك جوانحي فصد به من عارضيك صدود فحسبي من شهديه ماء صارم فلول ظباه لي بذاك شهود إذا سل في الهيجاء وهي دجنة تألق فيها للصباح عمود وكأس كرقراق السراب كأنما لها رعدة عند المزاج عقود هي العين عين الشمس تأبى عن القذى فتنفي القذى عن نفسها وتذود فبت نديما لابن عشر وأربع يدير رحيقا عتقته ثمود وما اصفر وجه الشمس إلا لأنه لوجه الأمير الأريحي حسود أياديهم فوق العفاة عقود وأحلامهم الجناة برود مضوا ونحور النبل من صبغ طعنهم كما أشربت ماء الحياة خدود بساحة فاس منه مطرد الندى وليس بناج من يديه طريد [98 أ] ومنها: بحيث البحار الخضر وهي كتائب عليها السحاب الحمر وهي بنود خيول كعقبان الدجون وكلها لكل صيود في العجاج صيود لها من ذؤابات الحسان مقاود ومن لبد الأسد الوراد لبود تجرر عن [] المفر فما تني يروقك منها قائد ومقود حباب ولكن ليس يثنيه ذائد عباب ولكن ليس منه سدود فتى يخرق الأغيال وهي أسنة ويقتنص الأبطال وهي أسود فليس لمختال لديه مخيلة وليس لمريد عليه مرود بعيد المدى ماض يريك جلادة إذا لم يطق حر الجلاد جليد يحيد عن القول الكريه سماعه وليس عن القرن الكريه يحيد فأنت إذا اشتدت يد القهر لين وأنت إذا لان الكماة شديد وفي ابنه: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 إذا اعتد ذو مال به لزمانه فمالك كنز للعفاة عتيد لعمري لقد أنجبته لك مشبها فداناك منه متلطف ومفيد فغرته تعدي سناك على الدجى وراحته تبدي الندى وتعيد قريب تراه [منك] لا متباعد وكم من قريب منك وهو بعيد فنوه به حتى يساميك في العلا فقد يتساوى والد ووليد فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي الأصبغ ابن أرقم أحد كتاب الجزيرة المهرة، والنقدة الشعرة، ممن نهض في الصناعة بالباع الأسد، وأخذ فيها بالساعد الأشد، وجد في معاناتها، واقصر على كسب آلاتها، وجمع أدواتها، وارتاض في طرقها معيدا ومبديا، ورمى إلى أغراضها مصيبا ومخطيا، حتى تدرج في مدارجها، وخرج على جميع مناهجها، واطلع من ثناياها، وأشرف على خباياها، وجرت بينه وبين طائفة من أهل هذا الشان، في ذلك الزمان هنات، في ما انتقدوا عليه من ألفاظ وكلمات، وتقعير واستعارات بعيدة، وكانت تلك الطائفة قد أسندت في ذلك إلى ابن سيده، وقد أوردت من ذلك ما يليق بالديوان، ويستوفي جملة الإحسان. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 فصول من رسائله السلطانيات [98 ب] فصل له من رقعة عن علي بن مجاهد إلى المعز بن باديس صاحب افريقية: اطال الله بقاء الملك الأجل ناظر عين الزمان، وروح جسم الأمان، وحسام عاتق الإسلام، وحلي جيد الأنام، ومهدي طوال الآمال، ومأوى شارد الإنعام والإفضال، مخلدة في الأنام دولته، مؤيدة مع الأيام مدته. أنا - أيده الله - أمت إلى دولته - خلدها الله وأيدها، كما وطدها ومهدها - بما أبأى به على الأقران، وأكافح كل زمان، وأفاوح كل بستان، وأحرز كل ميدان، [إلى] أن ارتقيت إلى سمائها، وصعدت في سوائها، مستهلا وعر المرتقى، لسهل الملتقى، ومستعذبا مر المجتلى، لحلو المجتنى، فشافهت بدرها، وتبوأ حجرها، وارتضعت درها، على حين أجفان الفضل كليلة، وأقدام المجد معقولة، وأيدي النصر مغلولة، وان قعدت عن مناسكك فرضها، فإني معيرها ضميرا كما انبلج النهار، وشكرا كما أرج النوار، وهل أنا إلا أحد أبنائها، وشهب سمائها، وشيعة علائها، وحماة أرجائها، وان جذم نأي الدار كف الخيار، ففي البعد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 اعتذار، وفي الجهد إعذار، وان مع التجاوز ليعم العيان، ومع التحاور ليطمئن البرهان، ومع التزاور لترود الأحوال، ومع التقارب ليقع الإخلال، والقوى المخلوقات قريبة الانحلال، سريعة الانفعال، والنيرات على وفور ضيائها، وظهور سناها وسنائها، فيما لا يقابل كليلة وعندما لا يسامت عليلة، وفيما لا ينال ظليلة. وفي فصل منها: وقد علم مبتلي السرائر، وحافظ البواطن والظواهر، أنها بصيرتي التي أستشعر، وسريرتي التي أضمر، وحقيقي التي أخفي وأظهر، وشريعتي [التي] بها وأجهر، وأن كفيل فعالي في موالاة سيدنا - خلد الله ملكه - على طول المدى، وشط المنتأى، وبعد المرمى؛ ولما وقف الأمر على الحد الذي قدمته، والقصد ذكرته، والرسم الذي أثبته، لم أستبد من إعلامه واستئماره، ولم أقعد عن استئذانه وإشعاره، ولم أنفذ إلا بعد استخباره. وفي فصل من أخرى: إذا كانت نعم الله عند الحضرة الإسلامية مشرقة المطالع، رحيبة الأرجاء والمراتع، وكان أنصارها وعبيدها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 وكتائبها المنصورة، وجنودها المرهوبة، في اجتماع من كلمتهم على طاعتها، واتفاق من أهوائهم في مناصحتها، وتظافر من جميعهم على خدمتها، فقد علت يد الإسلام، واحتمى غره أن يضام، وجانبه أن يرام، وشملت نعماها الأقطار، وأمدت أقاصي [99أ] الديار، وأبرت على نأي المزار، فهي جماع الدين، وردء المؤمنين، ومحفل المسلمين. وفي فصل منها: ومما وجب التعريف به ما عم أقطار ثغرنا، وغشي مجامع أفقنا، من تمالؤ النصارى وتضافرهم من كل أوب إلينا، بجمع لا عهد بمثله، ملأ الفضاء، وطبق الأرجاء، وشغلنا بالفتنة بيننا عن تخفيف وطأتهم، وتضعيف سورتهم، فطمسوا الآثار، وجاسوا خلال الديار، موفورين لا مانع منهم، ولا دافع لهم إلا التفاتة الله تعالى لأهل دينه بأن أقل فائدتهم، وخيب مرامهم، وأطاش سهامهم، والحمد لله على منحته ومحنته. وله عنه من أخرى إلى مقاتل العامري: ولما اعترفت السعادة بارتباط ودك، والاغتباط بوثيق عقدك، رأيت أن أسلك بابني السبيل المثلى، والمنهج الأهدى، ويعلم أني نظرت له بأحسن ما نظر والد لولده، وحبا به أحد لفلذة كبده، حتى يكون إن أدركتني قبلك وفاة، وكانت له بعدي إناة، قد ظفر بأمل ينعه، وأوى إلى جبل يعصمه، أو تمادت لي معك حياة، وتطاولت لي ليلات، لم يضرره أن يعلق بيدين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 [ويعتمد على ركنين] ، ويسند إلى أبوين، فأنت الوالد وهو الولد، والساعد وهو اليد، بل قد اتصل الحلب بالكبد، وحل منك محل البنان من الكف والعضد، ومن حل في ذراك، ولاح في يمناك، فهو الشهاب الثاقب، والحسام القاضب، كما أن من عد في ذويك، واعتد في بنيك، فلن يقصر إن شاء الله عن معادلة الكهول وإن صغرت سنه، ولا يتأخر عن مقارعة النصول وان لان غصنه، فإنما يزاحم منك بعود، ويطاول بطود، ويقاتل بجمع، وينازل بنبع، ويقضي على الأيام بظهير، ويصول على الدهر بأمر كبير. ولما أذم اليك بهذه الحال، ودبت به نشوة الإدلال، تمنى أن توطئه الريح جناحا، وتعيره من البرق التياحا، وترفع له نحو السماء طماحا، بما يرجوه من حملك إياه على المهر المذهب، والورد الأغر المحبب، الذي استعيرت سرعته من إسراعك الى المكارم، وأخذ سبقه من سبقك إلى ندى حاتم، وعلم لين قيادك للصاحب، واسترقت جودته من سماع جودك على الطالب، وان يكن لا تؤثر به غير جنابك، ولا تختاره إلا لركابك، فمن لم يوق شح نفسه [فيه معذور] ، ومن ارتبطه بالضنانة به جدير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 وقاد المهر المستهدى لوالده، فأجابه بوصوله برقعة يقول في فصل منها: وصل - أيدك الله - البر المولي على الأرب، وأتى الورد المحلى [99 ب] بالذهب، يسبح في حلية، ويمرح في محاسن زيه، فقمت أمسح بردائي على وجهه وأطرافه، وآخذ ناظرا في نعومة وأوصافه، فإذا بالقمر قد أعطاه غرته، والصباح قد حباه بلجته، والغلس قد كساه دلجته، فجمع بين دهمة الليل وشقرة الشفق، ووضع فبقة القمر على صهوة الغسق، ومد جلال الزلفة إلى حجلة الفلق، وأردت إنعاله فإذا الرياح قد أنعلته أجنحة، وتفقدت جلاله فإذا الفراهة قد ألحفه أوشحة، فلو عزي الى الأعوج لأنف، أو نمي إلى العصا لوجف، ولو كان سليمان لما عدل بالصافات العتاق، ولا طفق لها مسحا بالسوق والأعناق؛ ولما راق منظره، وفاق مخبره، جعلت ودي معرضه، ونفسي مربطه، وخاطري مرتعه، وناظري مشرعه، وقلت: لله دره، فما أحكم الصنعة فيه، وما أصح جود مهديه!! وله عنه [من أخرى] إلى رزين: قد يكون - أعزك الله - الأجل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 في الأمل، وربما صحت الأجسام بالعلل فكم من امرئ نشر من كفنه، أخر أوتي من مأمنه، من نعم الله على البد أن يقاتل عنه من ناواه بحسامه، ويناضل دونه من عاداه بسهامه، [حتى يكون قتيل سهم رماه بيده، ومصاب أمر أجراه على معتقده] ، والسعيد من نام والأقدار تحرسه، وأقام والأيام تخدمه، واتكل والله يكفله، فحق له ألايجزع إذا دهى خطب، فإن الرج معه، وإلا يهلع إن عدا كرب، فإن الله قد رآه وسمعه، ولا سيما إن قصد بظلم واعتمد ببغي، ففي التنزيل: (ثم بغي عليه لينصرنه الله) (الحج: 60) . [وفي فصل منها] : ولما دعاه إلى السلم، وناداه باسم الصلح الاثم، غره بأيمانه، واستدناه من مكانه، فقبض عليه، وخاس بما ألقاه من العهد إليه، ثم أراد أن يتبع الإساءة ضعفا، والإبالة ضغثا، باعتزامه الغدر بأخيه الأقرب، ومحل أبيه الحدب، فصرف الله كيده في نحره، وأذاقه وبال أمره، ووضح ما كان من سره وضوح النهار، وتطلعت بنات صدره تعلو على الأستار، وهو لا يشعر أنه شعر به، ولا بأنه قد أبه له، بل خال عمايته نهار الأديب فانكشف سره، وظن غباوته غفلة الرقيب فانهتك ستره، وكان قد فكر وقدر، {فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر} (المدثر: 19 - 20) وليته قبل تدبيره لو نقح ما دبر، وحين حفره لو وسع إذ حفر، وسمع قول القائل: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 يا حافر الحفرة وسع فقد يسقط في الحفرة حفارها وقول الآخر: من ير يوما به والدهر لا يغتر به وما كان إلا أن قبض الله ظله، وفضح غله، وفاز بحظ الحرمان، وحلي بطائل الخسران، وفزع اللهفان، لا يجد أما، وخبط الحيران، لا يهتدي أما، على [حين] ما كان مستحكم الأمل، داني الرجاء، متمكن الطمع [100 أ] في ختر أخيه والأخذ بكظمه، والاقتدار على ظلمه، فإذا به نشر من قبره، وشقي بضره، حين راماه بسهمه، وأخذه بحكمه، وأتاه بعلمه، {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} (هود: 102) وجزاؤه إذا جازى القلوب وهي آثمة {ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف: 49) {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} (الجن: 27) . فالحمد لله الذي صيره نهبا، وكفاك منه حربا، فقد كان فيما بلغ ناهدا إليك، وعلى ما أتصل وافدا عليك، ولعل الصنع له كان من حيث لم يعلم، والعناية خصت به من أين لم يفهم، فربما كانت وفادته برجمية السائر، وسعايته مشئمية الطائر، وبدايته مندمية الآخر. وله فصول من رقعة طويلة خاطب بها الفقيه أبا بكر بن صاحب الأحباس الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 وشرح فيها الكلمات التي انتقد عليه ابن سيدة في رسالته [إلى مصر] ، واحتاج فيها لنفسه، قال في صدرها: لما كنت - أعزك الله - في أكف الآداب علما، وعلى لسان العرب وغيره حفيظا وقيما، لاقتباسك العلم من كتب ووراثتك إياه عن كلالة أب، ولم تزل تتلقاه كابرا عن كابر، وتترقاه باهرا عن باهر، لست ابن سمعك، ولا عبد طبعك، تقلد كاتبا ساذجا، وتعتقد قارئا هازجا، وتقبل البصر بلا بصيرة، وتقفو الأثر على غير وتيرة، تراعي الحروف، ولا تبالي عن التحريف، وتتلو الصحف، ولم تقتصر على حفظ سطور من كتاب سيبويه، و " شرح الفصيح " لابن درستويه، واستظهار أوراق من الغريب، والتحفظ مع الشروق ما تنساه مع الغروب، ولم تشد إلى المخرقة بفرفوريوس، ولا الغطرسة بأرسطاليس، والفرقعة بقافات أرثماطيقا وأنولوطيقا، والصفير بسينات قاطاغورياس وباري أرمينياس وضيعت علوم القران والتفنين في حديثه عليه السلام وصحابته، وتفهم أعراضه ولغاته، واجتناء زهره وثمراته وأغفلت " الكامل " و " البيان "، وتواريخ الأزمان، ونوادر البلغاء أهل اللسن والبيان، وأهملت أشعار العرب والمحدثين، إلا طلبك أثرا بعد عين، وقد أربيت على الستين، ولم تتمعدد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 أعجميا، ولم تتبغدد بدويا، ولم تكن مرة شبيبيا، ومرة قطريا، وتارة طبيعيا، وتارة فلكيا، ولم تتزبب حصرما، ولم تتشحم ورما، ولم تدعدع في الأمن، ولم تجعجع بلا طحن، ولم تقعقع بلجمك، ولم تجلب بخيلك، ولم تحمل بأسنتك، ولم ترهب بصوارمك، ولم تكر بجيادك، ولم تستظهر بأجنادك، ولم تحارب جالسك، ولم تقاتل ناعما، ولم تجر بالخلاء، ولم تشجع على الأولياء، وأنت الذي أدر لي غمائم الأدب، وأطلع لي من كمائمه كل معجب، وما كاد الشباب يحل تمائمي، ولا الزمان يطلعني من كمائمي. وفي فصل منها: فاندب العلم وأهليه، وارثه وحامليه، وابك رسومه وحي طلوله، [100 ب] وسلم عليه تسليم وداع، واشفق لعلقه المضاع، واعلم أن صدعه كصدع الزجاجة أعيا الصناع، فيا له مغنما هجر على برد موقعه، ونفلا زهد فيه على شرف موضعه وموردا ترك على درور أخلافه، ووطأة أكنافه، وقد تولى الفهماء ولم يبق إلا من قدمت نعوته وحلاه، ووصفت حذوه وحذياه، وأغناني ما صدرت به عن إعادة ذكراه، (واقترب الوعد الحق) ، (الأنبياء: 97) وبر الله تعالى وصدق في قولهL أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) (الرعد: 41) وقال عليه السلام: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 " إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا " - الحديث، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا؛ ومن الأمر المعجب، والخطب المغرب أنهم يدعون - على جهلهم، وما بينت من وصفهم - الترؤس في الأدب من غير رياسة، والمنافسة لأهليه من غير نفاسة، ومناهضة ذوي العلم باللسان بالهذيان، حين انسوا عدم المنتقد، وفقدان المفتقد: وإني وإياهم كمن نبه القطا ولو لم ينبه باتت الطير لا تسري وليس كل سواد أسود البصر، وما كل فائح ريحان، ولا كل ملتو خيزران، ولو عقلوا لاعتقلوا، ولو تبصروا لأبصروا. وفي فصل منها: وتفسير ما أجملته، وتفصيل ما أبهمته، أورده عليك محلول العقدة، منضو البردة، وذلك أن إقبال الدولة - أيده الله - أمرني بانشاء رسالتين إلى مصر، فلما علت شرفاتهما، وروضت عرصاتهما، ورد عليهم منهما المقيم المقعد، وكاد يهلكهم الحس، وبهت العدو وكمد، وقال الولي: لا قبل لأحد بمثلها ولا يد، فطول ما حضرت انطلق لسان الموالي، وخفق جنان المناوي؛ وعرضت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 وجهتي إلى المعتصم [بالله] فأنشد منشدهم: يا لك من قبرة بمعمر خلالك الجو فبيضي واصفري ونقري ماشيت أن تنقرى وقالوا: هذا حين يرى الرئيس، أن هذا العلق الذي نفس به ليس بنفيس، وطاروا طيران الفراش حول النار، وجالوا جوالان الذباب بين الأزهار، مرة يستفتون الفقهاء، ومرة يستشهدون السفهاء، ومرة يقولون: هذا يسأل عنه إن كان يقال، وربما كان له في مضمار اللغة مجال، ويتسورون، حديث النساء بعد البعول، وهريف الإماء دون الكفل: وقلت لها عيثي جعار وجرري بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره فاتفق رأيهم، واستمر هديهم، إلى سؤال أبي الحسن بن سيده، فلم يفكر أبو الحسن في العواقب، ولم ينظر نظر أهل التجارب، فسلم لهم واغتر بمثل وشي الحيات، وانقاد في زمام الزخارف والترهات: وكان بما يأتي به ويجيزه مجرب سوء يشرب السم للخبر والأدب ينشدهم: تنق بلا شيء شيوخ محارب وما خلتها كانت تريش ولا تبري الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت فدل عليها صورتها حية البحر فرد مواضع أنا واصفها وجوابها على سرد، وذاكرها وما يجل ارتيابها على حرد. قال ابن بسام: وطول أبو الأصبغ في جوابه المفسر، وسماه ب " عقاب المتسور "، ولم يمكن اثبات الجميع في هذا المجموع، فالطول مملول، وجئت منه بفصول، تخفيفا للتثقيل، وهربا من التطويل. قال أبو الأصبغ: كان أول التحميد: " الحمد لله تيمنا بحمده، وتحديا لحده، الهادي من ارتضاه سبل رضاه، الحدي من انتقاه، إلى علم تقاه "، فأنكر " تحديا " ووضع مكانه " تصديا "، ويكفي في هذا [قول] بشار في سيبويه: أسيبويه يا ابن الفارسية ما الذي تحديت من شتمي وما كنت تنبذ أطلت تغني سادرا بمساءتي وأمك بالمصرين تعطي وتأخذ وقال صاحب " العين ": حدا بمعنى تبع، فإذا بنيت منه تفعلت قلت: تتبعت. وذكر أبو علي الفسوي في كتاب " الحجة " أن الفعل تحمل أمثلته على أمثلة نظيره وما كان في معناه، وباب التفعل سائغ شائع، لم يمنعه مانع، ولا قطع به قاطع، إما أن يأتي مركبا على ثلاثي ماض، وإما أن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 يأتي بذاته ليكون في معنى الثلاثي البسيط، أو يكون للخروج من أمر إلى غيره، فالمركب مثل: تقفيته وتأبيته، ومن السلم تتبعته؛ والذي يأتي بذاته غير مركب مثل تحفيته وتوفيته، وما يراد به الخروج من أمر إلى غيره فمباح غبر محظور، ومستباح غير محجوب مثل: تكوف وتمصر؛ وقال أبو تمام: نبطت قلائد عزمه بمقيد متكوف متدمشق متبغدد على أنه لم يسمع: تدمشق، ولكنه مقول؛ وقال عمر رضي الله عنه: تمعددوا واخشوشنوا. وقال: " الحادي ليس من صفات الله، ولا يجوز أن يوصف إلا بما وصف به نفس تعالى، أو بما وصفه رسوله " " وبدل " الحادي " ب " المرشد ". الجواب انظر ما أعظم هذا السهو، وما أضيق هذا الشأو، وما أقبح هذا البهت، وما أخشن هذا النحت، وماذا على من قال: الحمد لله منقذنا من الغمرات، ومبرئنا من العلل الفادحات، ومرشدنا إلى سبل الهدى، وسائقنا لما يحب ويرضى، والله مسددنا وعصمتنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 وملاذنا وملجأنا [وشبهه] ، وليس شيء من هذا في القرآن، ولا حديثه عليه السلام؛ واسم الفاعل في ما بعده كالفعل يجري مجراه، وينحو منحاه، وأفعالها كلها لله تعالى، هو الفاعل، هذا مذهب [أهل] السنة وغيره مذهب البدع والمعتزلة. قال أبو بكر الباقلاني: يوصف الله تعالى بما لا يقع إجماع المسلمين على منعه؛ وخطب عبد الله بن الزبير فقال: الحمد الله [101 ب] الهادي الفاتن؛ ولو شهد أبو الحسن الجمعة لسمع على النبر من صفات الله تعالى ما ليس في القران وفي حديثه عليه السلام، وقد أجازوا " السيد " من أسمائه [تعالى] وليس في القران ولا في الحديث، واختلف فيه عن مالك، وقال أبو عبد الله محمد بن عمر المرزبان أول كتابه في " الرياض ": الحمد لله الهادي إلى حمده برحمته، والموجب من برأفته؛ و " الموجب " ليس في القران، ولكنه أجراه مجرى الفعل كما فعلنا نحن. وللباقلاني وابن فورك من الاستفتاحات بمثلها ما لا يحاط بكنهه، ويطول الكتاب بجمعه، وأين هذا من قول الراجز المروي المستشهد به: لا هم لا أدري وأنت الداري وقول العجاج فارتاح ربي وأراد رحمتي نعم، وأسماء الله تعالى يشركه فيها المخلوق إلا الله والرحمن؛ قال أصحاب أهل اللغة: الحادي بمعنى السائق، وحدا بمعنى ساق، قال القطامي: وإذا يريبك والحوادث جمة حدث حداك إلى أخيك الأوثق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 وقال الآخر: إن لها لسائقا خدلجا لا يدلج الليلة في من أدلجا ويروى: لحاديا خدلجا؛ وحدا بمعنى ساق أغزر من النمل، واكثر من الرمل؛ فأما إبداله إياه بالمرشد أو الداعي فلهو المقيم ولهو المدلج الساري، وهم يتسببون إلى إنكار " الحادي " لأنه ليس من كتاب الله ويهذون بذلك، والمرشد والداعي ليس في القرآن، فأتوا بما أنكروه، وأثبتوا ما ردوه، ولو اقتصرت على بدلهم لكانت فيه فضيحتهم وخزيهم، وبداية وهنهم ووهيهم، وأين هذا الذي معناه في القرآن وفحواه، وفي حديث الرسول الكريم عليه السلام وما يعضده البرهان، وأجمع على قبوله الثقلان، من قول أبي الحسن في خطبته التي توصل بها إلى شرح صدر من كتاب سيبويه، وهو يصف الله تعالى: " مزمع إحداثنا، لانبعاثنا من أجداثنا، يوم لا حكومة إلا بيد الصفاح العليم " والإزماع: العزم بعد التدبير، والاجماع بعد التفكير، والنشاط بعد الكسل، هذه صفة بعيدة من القديم سبحانه، والصفاح أيضا ليس في كتاب الله ولا في حديث رسوله. وأبو الحسن تخيل القذاة في عين أخيه ولم ير الجذع في عينه {ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} الآية (الأنعام: 125) . ورد قولنا " فألفت عقيلة نفسه في ذرى الحضرة كفئا من الرضى كفيلا، وظلا من [102 أ] المنى ظليلا " فأمكر " عقيلة نفسه " وبدله الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 " فألفى وارد نفسه " ولم يدر ما قدمت، ولا على ما أعدت، ورأى من علمه بالبلاغة وتحققه بالفصاحة أن " كفئا " و " كفيلا " بوارد نفسه أليق منه بعقيلة نفسه، وأنكر استعارة " العقيلة " للنفس، ولا شك أنه ينفي المجاز، وينكر ما فيه من الابداع والاعجاز، قال عمارة بن عقيل: [تبحثتم سخطي] فغير بحثكم نخيلة نفس كان نصحا ضميرها ولن يلبث التخشين نفسا كريمة عريكتها أن يستمر مريرها وما النفس إلا نطفة في قرارة إذا لم تكدر كان صفوا غديرها فاستعار للنفس: النخيلة والعريكة والغدير والنطفة، وبديع كلام العرب الاستعارة حتى خرق بهم الاتساع، إلى غير ما شهر وذاع، وسوى ما غلب وشاع؛ قال الراجز: ولم تذق من البقول الفستقا وقال الآخر: إلى ملك أظلافه لم تشقق ولولا الإطالة لجلبنا على ذلك دواوين، واستظهرنا بعدد الحصى براهين، ورد قولنا: " فان مولى الحضرة اعتمد قضاء حقها، وإتيان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 وفقها، وأداء فرضها " فأنكر " أداء فرضها " وبدله " تأدية " الجواب: عذره في ذلك لائح، وأمره واضح، لأنه لن يقرأ قوله تعالى {وأداء إليه بإحسان} (البقرة: 178) ولا قرأ شعر زهير: بأي الجيرتين أجرتموه فلم ينجيكم إلا الأداء ولا قرأ في كل كتاب " وأداء الخراج " مهزوز، اللهم إلا إن كان أراد وزن الكلام، وتعديل الأقسام، فوازن " قضاء " الذي هو أول الفقرتين ب " تأديه " التي جعلها أول الفقرتين الأخريين ولم بر موازنة " قضاء " ب " أداء "، فله عذر يليق به، ووجه هو خليق له؛ وقد قال هو في خطبته المذكورة " وإذا لا أستطيع قضاء حقه وأداءه، فأخذني الله من كل مكروه بدله وفداءه "، وأنا أقول: " قبل الله دعاءه، وأجاب نداءه ". ورد قولنا: " فتنسم مولى الحضرة رياها عطرا " وأنكر الجواز في تذكير " رياها " وبدله " أرجها ". الجواب: لم يعلم أن الريا يذكر إذا أريد به النسيم ومثله، وانه تأنيث غير حقيقي، وأني عدلت إليها لعذوبتها ولدونتها، وهم قد فالوا [102ب] في التأنيث الحقيقي: " حضر القاضي اليوم امرأة، وامرأة اليوم، والحمل على المعنى فصاحة، وقد قال تعالى (قد جاءكم بصائر من ربكم) (الأنعام: 104) (ومن بعدما جاءهم البينات) (آل عمران: 105) وكثير من هذا، قال الشاعر: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 وإن كليبا هذه عشر أبطن وأنت بري من قبائلها العشر وقال عمر بن أبي ربيعة: فكان مجني دون من كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر والعالم بالصناعة لا يظاهر بما ظاهر به أبو الحسن، ولا يجاهر بما جاهر؛ ومن مضحكاته وضعه " أرجها " مكان " رياها " والأرج طيب الرائحة وعطرها، قال كثير: تأرج الحي إذ مرت بظعنهم ليلى ونم عليه العنبر العبق [وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم] . ورد قولنا: " وقضى حق ما أولاه، وتوشح به [وارتداه] " وقال: التوشح حلية النساء، وبدله ب " تأزر " الجواب: يا لهذه المنازع الطريفة والمقاطع الفظيعة، لو تركناه بغره، وطويناه على عره، لكفانا البيان عنه والفضيحة له، فجمع ضروبا من الجهل باللفظ والمعنى، وصنوفا من العثار في سهل [ذلك] المدى؛ [عنده] أن الإزار ليس من لبس النساء، والازار لهن أخلق، وبهن أليق، قال عليه السلام لعائشة [رضي الله عنها] : " اشددي عليك إزارك "، وقال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 للمستفي: " اشدد عليه إزارها، وشأنك بأعلاها ". وقال الشاعر: فدى لك من أخي ثقة إزاري يريد أهله، فكنى به المرأة، حكاه أبو علي الفسوي في كتاب " الحجة " والازار اكثر ما يكنى بع عن الفرج، كما قال الفرزدق: مازال مذ عقدت يداه إزارة وقال آخر: والطيبون معاقد الأزر فتجنب " الازار " إلى " الوشاح " آدب وأوجه، والوشاح من استعمال الرجال بعيد عن موضع الفرج وعن الكناية عنه، وقد لبسه الجلة في سلمهم وجعلوه نظير السلاح في حربهم، قال جرير: لبست سلاحي والفرزدق لعبة عليه وشاحا كرج وجلاجله فعابه في الحرب بالوشاح لا في السلم، لأن الوشاح ليس من لبس الحرب، كما أن السلاح ليس من لبس السلم؛ والعرب تمدح وتتمدح في السلم بالنعمة والخفض واللباس الجميل، والرياش النبيل، قالت الخنساء: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 وفي السلم يلهو ويرخي الإزارا [103 أ] وقال عبد الملك بن مروان للأحنف: ما أحسن ما مدحت به، قال: قول القائل من جملة أبيات: جلا المسك والحمام والبيض كالدمى وفرق المدارى رأسه فهو أنزع وقال الآخر: إذا غدا المسك يجري في مفارقهم راحوا كأنهم مرضى من الكرم وقالت ليلى الأخيلية: ومخرق عنه القميص تخاله وسط الندي من الحياء سقيما حتى إذا رفع اللواء رأيته تحت اللواء على الخميس زعيما وقال بدر أخو المرار: مخدمون ثقال في مجالسهم وفي الرحال إذا صاحبتهم خدم ومثل هذا كثير لا يحصى، ومثل لا يقصى. وليس مرادنا أنه لبس وشاحا بعينه، ولا مراد غيرنا لبس إزارا بعينه، وانما المعنى الجلي عند صبيان المكاتب أنه لبس الخطية كالوشاح، في التزين بها والتجمل بموضعها، كما أراد بقوله الذي ألقى أبا الحسن في هذا الجهل، فحمله على غير وجه الحمل: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا إنما هو تخذ شعارا ولباسا كالإزار، ولو أن القافية تسوغه لقال: فلا أب وابنا مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتوشحا كما قال أبو ذؤيب: وكلاهما متوشح ذا رونق عضبا إذا مس الكريهة يقطع وقال أقدم من أبي ذؤيب: تركت النهاب وأهل النهاب وأكرهت نفسي على ابن الصعق جعلت يدي وشاحا له وبعض الفوارس لا تعتنق وقال أبو الحسن في خطبته المتقدمة الذكر: " لم يزل الأدب يوشح ذاتي بحليه، ويرشح نباتي لجنيه " فأتى بما صرفه، واختار ما زيفه. على أن توشيح الذات بالحلي من الكلام النقي والمعنى القصي، فتأمل هذه الغرائب، وتبين هذه العجائب: على أنها الأيام قد صرن كلها عجائب حتى ليس فيها عجائب وقد ذكر أيضا أبو الحسن الإزار في خطبته فقال يصف جارية له [103 ب] : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 " أما ما تشد اليه إزارها فسقط، وأما ما تعقد عليه زنارها فمسمط " ومن أضل الله فلا هادي له. ورد قولنا: " وسلفت السير، واستمررت المرر، بإطراف الموالي سادتهم، وإلطاف الخدام قادتهم، وإتحاف الأولياء ذادتهم " وقال: الذادة مشترك يقال في الرفيع والوضيع. الجواب: لقد كنت أبؤو به أن أقول: ما أقبح هذا المنزع، وأوقع هذا المقطع!! وهب أن ذلك مشترك - وليس بمشترك - فقد حف بالفضل من جنبيه، وكنفه من حواليه ما يرفع الإشكال، ويجلو وجه المقال، وكثير من الكلام مشترك المعنى، مشتبه المنحى، إلا أن فرشه ومقدمته تبين مشكله وتوضح مبهمه، وتبيح ممتنعه، وتحسن موضعه؛ وللبلغاء [من] تقفية " السادة " ب " الذادة " و " القادة " ما لا يحصى، والجاحظ أفصح أهل وقته في كتاب " البيان والتبين " قال: " الذادة " و " القادة " الذين هم ملح الأرض ونور الدنيا، وحكي عن العرب مثله في هذا الكثير، وقال زيد الخيل يصف رؤساء طيء: أما بنو حية فملوكنا وملوك غيرنا، هم القداميس القادة، والحماة الذادة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 والأنحاء السادة، أعظمنا خميسا، وأكرمنا رئيسا، وأحملنا مجالس، وأنجدنا فوارس. وهذا المتسور على نقد الكلام معذور لأنه لم يقرأ قط هذا المعنى، ولا سمع بهذا المغزى. ورد قولنا: " وما النفوس وحاملوها، ولا الدنيا وأهلوها، [ولا الأرض وعامروها، بكفاء لبعض واجبات الحضرة] " [فضرب على الفقرة التي هي " ولا الدنيا وأهلوها "] وقال: هو بمعنى قوله: " ولا الأرض وعامروها " فلا يجوز تكراره. الجواب: حوى في هذا التسور ضروبا من الغباوة، واجتنى صنوفا من الخزاية، منها جعل الدنيا هي الأرض، والأرض هي الدنيا، على تحليه بعلم المنطق الذي لو علمه لم ننفس عليه علمه، ولم نغبطه حمله، ولم [يعلم] أنه يقال: الدنيا محيطة بالأرض، وليست الارض محيطة بالدنيا، والدنيا جنس، والأرض تحتها نوع؛ وفي الحديث الصحيح: " سماء الدنيا " وفي الدنيا الخلق الروحاني ممن ليس في الأرض؛ ومنها: أنه لم يعلم أن من رسم العرب وفصاحتها تكرير المعنى إذا اختلفت الألفاظ، قال تعالى {وغرابيب سود} (فاطر: 27) وقال {فسجد الملائكة كلهم أجمعين} (الحجر: 30، ص: 73) [ومشبهه في كلام العرب كثير] ولا فرق بين من لم يعلم هذا والعدم {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج: 46) . ورد قولنا. " ولا أظلم أفق كان شمسه "، أنكر " أظلم " ورده " دجا ". الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 الجواب: هذه الداهية الشنعاء، والقضية الشوهاء، يدعي علم الكلام، من لا يعرف الإصباح والإظلام، لقد كان ملففا فانكشف، ومنكورا [104 أ] فاعترف: وكان كعنز السوء قامت بظلفها إلى مدية تحت التراب تثيرها ثم ختم رقعته يقول: أتيت بمنطق العرب الأصيل وكان بقدر ما عانيت قيلي فعارضه كلام كان فيه بمنزلة النساء من البعول وليس يصح في الأوهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل قال أبو الأصبغ: وما أنكر علي إلا كل لفظة جاءت مع أختها كما اقترن الكوكب والسعد، والتقى الجيد الأغيد والعقد، وشانوا ببعرهم الدرر، وبحممهم الغرر، وكان كلامهم كالبرص في أديمه، والكسوف في نجومه، وعلم الله أنهم لو ردوا مردا، وتحدوا متحدى، وذهبوا صددا، لما أنفت ولا قلقت، ولا حرجت ولا ضجرت، ولأنصت وأنصفت وانقدت، فقد قال السلف الصالح: رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا؛ وقالوا: الفاضل من عدت سقطاته؛ وقال عليه السلام: ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه. والمرء في سعة من عقله ما لم يقل شعرا وينشئ كلاما، وما أبرئ نفسي، ولا أعجب بأمري ولا أفخر، ولا أذب ذب المزدهي بما حبر، فما أحد أنشأ نثرا، ولا قال شعرا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 إلا استدرك عليه، وفوقت سهام القول إليه، وما أكثر أحد إلا أهجر، ولا أطال جواد المدى إلا عثر، ولا سبر معين إلا تغير، وقد لحن النحويون عبد الله بن عامر في قراءته {ولا يحق المكر الشيء إلا بأهله} (فاطر: 43) وقال أبو عمرو بن العلاء: ما قالت العرب قط: برق البصر، بفتح الراء؛ ولحنوا يعقوب في فراءته {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} (هود: 78) وقال بلال بن أبي بردة {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} (الزمر: 53) - بكسر النون - فقال أبو عمرو: لحن الأمير، فسأل عيسى بن عمر فقال: اللغتان مقولتان؛ وروي عن الحسن أنه قال: على من تنزل الشياطون، وقال عثمان رضي الله عنه: إني أرى في المصحف لحنا ستصلحه العرب بألسنتها. وقال عمران بن حطان: لقد خطبت فحسبت أني بدرت، فسمعت فتية من تميم تقول: أي خطيب لولا أنه عطل خطبته من القرآن؛ وسموا خطبة زياد " البتراء "، وفسر العتبي قوله تعالى {شديد المحال} بفلان إذا كاده؛ وقال الرماني في كتابه " في المذكر والمؤنث ": العصر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 يجمع أعصر في القليل وعصر في الكثير، ويجمع الجمع فيقال أعاصير كما قال الشاعر: وبينما المرء في الأحياء مغتبط إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير [104 ب] فالأعاصير جمع أعصر، والياء في الأعاصير زائدة؛ ووهم الرماني، إنما الأعاصير جمع إعصار وهي الريح الشديدة، قال تعالى {فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت} (البقرة: 266) وقال الشاعر: الناس بعدك قد خفت حلومهم كأنما نفخت فيها الأعاصير وذكر أبو حاتم في " التذكير والتأنيث " عن عمارة بن عقيل، وأنشد الصولي في كتابه " في الشبان " لبعض قريش يوم فتح مكة: خزرجي لو يستطيع من البغض رمانا بالنسر والعواء وأخذ على جميع المؤلفين بحق وباطل، ولولا الاشتهار في الأمر ومذهب الاختصار لأوردت منه الجزيل الطويل، والموصوف المعروف، والكثير الغزير، والموجود المعدود؛ ولكن هذا الرجل أبدى عواره، ورفع شناره، وكان مستورا موفورا، يقلد فيه، وينصب لدعاويه، ويحتمل على المعرفة سرائره ومفاديه، فأساء أدبه، وهتك حجبه، وفضح مذهبه: لم تكن عن جناية لزمتني لا يميني ولا شمالي رمتني بل جناها أخ علي كريم وعلى أهلها براقش تجني ويشهد الله لقد كنت أيام محاولته لاطفاء نوري، ومبادرته تقبيح الحسن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 من أموري، أذكي أنواره، وأطلع أقماره، وأرفع للساري مناره، وهو يدب الضراء، ويسر حسوا في ارتغاء، ويمالئ الحسدة والأعداء، ويحارب معهم الأولياء، فجاهر بكتم ذكاء، وخسف نجوم السماء، ولم ينظر حتى يكون التقديم مع المشاهدة والضور، فيعذر في تقصير لو كان أو تعذير، على أن الخلة، وشرط الأخوة والمروة، أن يناضل بظهور الغيب ويحامل، ويناصب دون الباطل ويجادل، بحكم الأدب، الذي هو أمس رحم وأوكد نسب، فكيف بتزييف المنتقد، وتضعيف القوي، وطمس الشمس، ورد العيان، والمجاهرة بالإفك والبهتان، وصد ما تقدم به الحجة بما لا تقوم له حجة ولا برهان، وما زلنا نشاهد الشيوخ يحسنون التأويل، ويسرون الخلل الجليل، فلم يجر أبو الحسن على سننهم، ولا تأدب بأدبهم، وكم أعرضت عن تصانيفه، وربأت بتواليفه، كرده على يعقوب في " إصلاح المنطق " بما هو المردود المحدود، والمكروه المنجوه، وكخرافاته المضحكات في " شرح الحماسة: وك " المحكم " الذي ليس له معلم، و " المخصص " [105 أ] الذي لو كتب بالسين لكان أشبه بصفته، وأليق بحليته، وأكثر هذا الكتاب " المخصص " مصحف محرف، وكنت شرعت في استخراج ما ضمه من الكلم المصحفات والحروف المحالات، ولما أحس بالمكوى: والعير يضرط والمكواة في النار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 لاذ بأنه كان إذ ألفه محجورا، فيا له عذرا يسمى تعذيرا، وقد أتت عليه الدهور، وأخذ عنه الفرض المشهور، والجزاء المذكور، كما أعطي القصب غير السابق، وخلق غير الخليق اللاحق، وما أعظم منتشبه، وأشام عليه نسبه!! ولم آت أكثر مما لمحت له هذه الخطبة، كما خطفت البرق، ورجع الطرف، وكجلوة العروس، وقعدة الخطيب، فوقعت عيني منها على منكر مستشنع، ومكروه مستشنع، ومقطع مستضعف، ومنزع مستخلف، كلها زيوف فلا تنقد، وهراء فلا تحدد، رداءة أقسام، ودناءة كلام، وقعقعة زخاريف، وجعجعة أراجيف، وإجلاب بعساكر، وركوب في مواكب وجماهير، ومديح لنفسه، وثناء على ذاته، وتعظيم لشانه، وتكبير لسلطانه، وذكر لشرح جاليوس، ووصف فرفوريوس، وخطأ وضع، وتحريف شعر، ومردود لفظة، وادعاء باطل وهجر، واسجاع كأنها قعقعة القراع، ووعوعة المصاع، مؤدبية المنزع، قلقة الموضع، خشنة الموقع، ملأها خمسين ورقة بهذيانات وترهات، وتزويرات وسخافات، [من عراب ارتبطها، وسيوف اخترطها، وجارية وصفها، وريقة رشفها] وفرية قرطها وشنفها، وعظيمة من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 المنكر تسمنها واعتسفها، وموبقات زيف بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وصنفها، وآثر عليها آراء الفلاسفة وشرفها، ولم يأت فيها بكلمة من كتاب الله تعالى، ولا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، ونعوذ بالله من الخذلان، ونزعات الشيطان. فصول من خطبة ابن سيده مما نقد ابن أرقم عليه ذكر الخضاب فعابه، وذكر من خضب فسفهه وجانبه، وقال: هذا خطيب اليونانية غليانش، وهو الذي يوثق بكلامه ويستانس، قد قال: إن التسويد من الزينة الآنيثة، فلا يستعمله من الأنام إلا أهل الطينة الخبيثة. الرد: تأملوا واعتبروا يا أولي الأبصار، قد علم الكبير والصغير، والخطير والحقير، أن الشيب معيب، وأن السواد مرغوب، وأن آدم عليه السلام لما رأى شيبة بلحيته فزع منها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عنه الخضاب، وأما صحابته الأكرمون، وعترته الطيبون، فكلهم خضب شيبه وغيره وستره، ولما جيء [105 ب] يأبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه كالثغامة قال عليه السلام: " هلا غيرتموه "؛ وكان معاوية حيث كان من الجلالة والأصالة، له خاضبة تخضبه بالسواد، ولما فرغت مرة من خضابه أنشدته: هل عندك اليوم شكر للتي جعلت ما ابيض من قادمات الرأس كالحميم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وفي السواد إغلاظ على العدو، وتجمل للأهل، وتسكين للروعة من الشيب، وتأنيس للنفس، وتعليل للقلب، وهل هذه النكتة من أبي الحسن تخفى، او هذه الزرعة يكتم منها فحوى، أو يستر لها مغزى -! وقال في فصل منها: " والحساد في كل ذلك تكسر علي أرعاظها ولا تفتر من النظر إلي ألحاظها، وأنا أنشدهم ما أنشدته عن أبي العلاء صاعد بن الحسن الربعي عن أبي رجاء الضبعي: حسود كئيب القلب يخفي أنينه ويضحي كئيب البال عندي حزينه يلوم على أن ظلت للعلم طالبا أجمع من عند الرواة فنونه وأكتب أبكار الكلام وعونه وأحفظ مما أستفيد عيونه فيا حاسدي دعني أغال بقيمتي فقيمة كل الناس ما يحسنونه الرد: في هذا البرسام غريبتان، إحداهما مقالة الحاسد الذي يكسر عليه أرعاظه، قوله " دعني أغال بقيمتي "، هذا جواب الأولياء، لا جواب الحسدة والأعداء، والأخرى تحريفه الشعر عن وجهه، وصرفه عن كنهه، ولو تبين وقرأ طرائق الشعراء، ومذهب الفصحاء والخطاب، لما استجازه، ولأجاد نقده وإحرازه، فهذا الشعر لأحمد بن المعذل مشهور مأثور: غزال سقيم اللحظ يخفي أنينه ويضحي كئيب القلب عندي حزينه ونسي نفسه أبو الحسن في تأمل البيت الأول: وكيف يجمع فيه " كئيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 القلب " " كئيب البال " وكيف يكون حزين البال، والشاعر منزه عن هذا السقط، مبرا من مثل هذا الغلط، ولم ينظر بالعين الجلية، فيرى فساد القضية، وأن الحسود ليس من رسمه، ولا من رسم العرب في وصفه أن يلوم على طلب العلم، ولا يرجع بمثل هذا الرفق، وإنما أراد أحمد ابن المعذل أن من إلفه وأنسه، فتغرب عنه إلى طلب العلم نفسه، يلومه على تشاغله عنه وتباعده منه، وأومأ إلى صبره وجده في طلب العلم وبحثه قول أحمد ينظر إلى قول كثير: [106 أ] إذ ما أرد الغزو لم تثن همه حصان عليها نظم در يزينها وقال الحسن: تقول التي من بيتها خف مركبي عزيز علينا أن نراك تسير أما دون مصر للغنى متطلب بلى إن أسباب الغنى لكثير فقلت وعزتها سوابق أدمع جرت فجرى في جريهن عبير دعيني أكثر حاسديك برحلة إلى بلدة فيها الخصيب أمير وقال: لحافي لحاف الضيف والبيت بيته ولم يلهني عنه غزال مقنع وقال أبو الحسن في فصل آخر منها: " يرهب ألا ترجح أعماله يوم القيامة قسطاسه، وألا تنجح آماله فيؤتى غير ذات اليمين قرساسه " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 الرد: ضم قاف قرطاس كما ضم قاف قسطاس للمشاركة، على دناءة اللغة، ووحاشة التقفية، وفساد المقابلة، وجور القسمة، ولم يرد أن القسطاس - بكسر القاف - لغة شائعة قرأتها بها القراء، ونطقت بها الفصحاء، ولو علمنا لما احتاج إلى هذا المرمى البعيد، والمنحى الزهيد، والوجه الشتيم، والغرض الذميم. وفي فصل منها: " وكذلك أنضيت عراب الخيل، فرميت بها حمامة النهار وغراب الليل ". قال ابن أرقم: وليس من شأن العراب أن يرمى بها الحمامة، النهار وغراب الليل ". قال ابن أرقم: وليس من شأن العراب أن يرمى بها الحمامة، والعراب هذه استعارة غير متصلة، وقلادة غير منتظمة، وفقرة غير مرتبطة، ومن يقول رميت الحمامة بالعراب، يلزمه أن يقول: جاريت الصبا بالسهام. وقال في فصل آخر: " حين استقدمت سنابكها سبائك العقيان ". قال ابن أرقم: يقال له مع تكرر سيناتك أرنا استقدحت، وأرنا السبائك من نتاج الاستقداح، فإن تلك استعارة لا تحسن ولا تتصل، وقضية لا تتمعنى ولا تتحصل؛ ومثل تكرر هذه السنات ما يحمل عن بعض المؤدبين بشرق الأندلس، وكان يصفر في الصاد والسين صفيرا منكرا، أنه قال: يا سادة، يا جيران المسجد، سقط الطاووس من سقف موسى ابن أبي الغصن، فكسر ساق صبيتنا؛ انتهى ما اقصصته من رده على ابن سيدة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 جعل له من الانشاءات السلطانيات فصل له من رقعة عن ابن مجاهد إلى صاحب مصر: وبعدها لزم الاستفتاح به وهي الإصباح شهبه، فإن مولى الحضرة الطاهرة - صلوات الله عليها - اعتمد قضاء حقها [106 ب] وإتيان وفقها، وعليه من حلل النعمة أضفاها، ومن حلل السعادة أبهاها، ومن جنن السلامة أوقاها، ومن قبله من أولياء الحضرة وحذاها، وعبيد دولتها، وسهام كناتها، وشهب سمائها، ورقيق ملكها، وشيع ملكها، المستنجحين بطائرها السانح، المتبركين بفضلها اللائح، في كنف الله وعصمته، وخفارة سعد أمير المؤمنين وذمته، وما ولاه الله من البلاد، وخوله من العتاد، وأولاه من تالد ومستفاد، على ما يرضي أمير المؤمنين وفور عدد، وظهور يد، وانه سلف لمولى حضرته الطاهرة الاستئمار في تفيؤه لبرود ظلالها، والاستئذان في ادراعه لبرود أفضالها، وارتضاعه لحلمات قبولها وإقبالها، وقدم عقيلة نفسه ورائد قلبه، ووصف مبادي نزاعه وطلائع انجذابه، ودواعي مهاجرته، وجواري مفاتحته، وأعلم أنه ذخرها ليومه وغده، واعتدها لنفسه وولده، فإنها الشمس بعد جرمها وكثر ضوءها، ونأى محلها ودنا ظلها، فصدرت المراجعة الباهرة بما أضاء جوانحه، وزجر سوانحه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 وأمرع مواطنه ومسارحه، وتبين السعد معانقه ومصافحه، وصادف رائد قلبه مرادا خصيبا، وريحا جنوبا، وتقبل المولى منها مراحا مروحا ومقيلا، وتتوج رسم الخلافة المستنصرية إكليلا؛ وإن بعدت أقطاره، فعلى مقدار بعد الهجرة إيثاره، وما تتأتى السبل، ومتون الرياح الحوامل والرسل، فإن لم تكن سليمانية النصبة، فإنها علوية النسبة، فالآن استمر المرير، واستقر الضمير، واطرد الأمر على بصير، فتنسم مولى الحضرة وياها عطرا، وراد روضها زهرا، وشام برقها ممطرا، واستوضح هلالها مبدرا، وارتشف ماءها خصرا، فما الشكر وإن جزل، يرقى ثنايا ذلك الإنفصال والإنعام، ولا اللسان وإن جعل يتعاطى ذلك الثناء ولا الأقلام، ولا الجهد يقدر قدر ذلك الإكبار والإعظام، ولا الوجد يفي بتلك العوارف الجسام، ولا الطوق يقوم بأعبائها حق القيام، وأي وسع يباري البحر وهو طام، وأي طوق يطيق ركني شمام -! ولو كانت للمولى بالقدر يدان، وساعده إمكان، وساعفه زمان، لأم شخصه كعبة الآمال، واستقبل بقصده قبلة السعد والإقبال، واستلم بيده ركن الإنعام والإسبال، فإذا لم ينسك محرما، ولم يقرب مستلما، ولم ينقل إليها قدما، فحسبه النية التي هي أس البنية والطوية، على نائي الطية، وما تيسر من هدي يهديه، وعمرة عنه تجزيه، وإن شط المحل. وسلفت السير، واستمرت المرر، بإطراف الموالي [107 أ] سادهم وإتحاف الأولياء ذادتهم، وإلطاف الخدام قادتهم، على سمح الأوان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 لا على الخطر والشان، وعلى حكم التخدم والاهتبال، لا على حكم الهمم والأحوال، فما النفوس: فكيف النفائس وحاملوها، ولا الدنيا وأهلوها، ولا الأرض وعامروها، بكفاء لبعض واجبات الحضرة، ولا بجزء من أجزاء فرضها، ولا لنبذة من جمل قرضها، ما عدا أن الله سبحانه قبل منا اليسير، وصفح عن التقصير، وتجاوز عن الحقير، فألف المولى أشتاتا، ونظم أفرادا، وجمع أصنافا، وهيأ ألطافا، من تحف أفقه، وخواص أرضه، وغرائب مغربه، وطوائف ثغره، شرح أنواعها، وأفراد جماعها، ونثر نظامها، وفصل تؤامها، في ملطف طي مكاتبته هذه، وأودع ما نوعه، وضمن ما جمعه، حربيا من أشد نمطه حصانة، وأوفره أمانة، وأكثره عدة وعدة، وأفضله جدة وجدة، وأبهجه حلية وبردة، وتفاءل المولى في اسمه ووسمه، فخرق أديم البحر على اليمن والطائر السعد، والفأل الصدق، كأنه هلال سائر، أو عقاب كاسر، أو باز مهابذ، أو شهاب قاقب، أو سهم نافذ، ولحضرته الطاهرة - صلوات الله عليها - تأكيد العارفة، وتأييد الصنيعة، وتشفيع الكرامة في حسن القبول، والتجاوز عن خلل المعقول والمقول، وتأول أمر مولاها أحسن التأويل. وله من أخرى مثل ذلك إلى الوزير هنالك: أطال الله البقاء، وأدام العزة والعلاء، والسعادة والنماء، ورحب الفناء، ونضارة الأرجاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 لحضرة سيدنا الوزير الأجل صفي أمير المؤمنين، ولا برحت القلوب حوائم على شرعته، كما زين نحرها بقلائد الخلافة، وحلي جيدها بنظام الأمامة، والشمس محل السعد: * وفي عنق الحسناء يستحسن العقد* فما أظلم ليل كان سيدنا صبحه، ولا أبهم معنى كان شرحه، ولا أساء زمان كان حسنته، ولا بخل وقت كان موهبته، ولا أذنب عصر كان عذره، ولا ذوى روض كان زهره، ولا أوحش أمر كان أنسه، ولا أظلم أفق كان شمسه، ولا عطل نحر كان حلية، ولا ضل ملك كان هديه. وإني أطال بقاء حضرة سيدنا، وإن لم أحل بمكاتبته تقليدا، ولم أحظ بمداخلته مستفيدا، فبه أثمر غرسي، وله انتظم غدي وأمسي، وعليه تهدل جنى نفسي، فمحاسنه التي ملأت الملوين، ثنتني فانثنيت، وأنواره التي طبقت الخافقين، هددتني فاهتديت، فسرت إليه مسير السيل إلى قراره، وانجذبت نحوه انجذاب النجم إلى مداره، وجريت على نهج أبي رحمه الله -[107 ب] الحضرة والمكاتبة لها والمهاجرة إليها، وما ندي لي من ثراها، وتمهد لي من رضاها، وأحظاني من سني جوابها، وبهي تحيلها، والإقبال علي بقبولها، فذلك الفخر تاج على مفرقي، وذلك الفضل طوق في عنقي، فحق أن تتأكد بصيرتي، وتستمر مريرتي، وأطرد على وتيرتي، فلا أزال مطالعا وخادما لها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 وسبقت السير، واستمرت المرر بأن يطرف المولى سيده، ويلطف الولي معتمده، وقلت الدنيا وصمتها، والأرض ووفرها، لمستمسك بحبل الحضرة؛ ولا جرم أنها خدمة تخبر عن همة، وسيرة تنبئ عن سريرة، وقربة يتقبل [فيها] الوتج الحقير، ويتجاوز عن القصور والتقصير، علما بأنها على الاختفاء لا على الاحتفال، وعن الإخبار عن الضمير لا على الأخطار، فهيا شيعة سيدنا وصفوته، سمح الأوان، وعجالة الإمكان، على النوى القذوف والنتأى الغروف، أندادا من ألطاف حوزته، وأفرادا من خواص عمله، وأعدادا من تحف جهته، يشرف بعضها بحضرة الخلافة، وبعضها بحضرة الوزارة؛ وضمنها من بياض خاصته: [حربيا] حصين البنية، أمين الطوية، رائق البردة، وافر العدة، تقلده الأستاذ أبو الحسن كوثر نعمته، وعهده الحضرة، فنفذ في حفظ الله وصحبته، وفي كفالة سعد أمير المؤمنين؛ وسلك البحر كأنه في أديمه شامة، بل في سمائه غمامة، وحضرة الوزير - أعزه الله - تسد في الجهتين الخلل، فتحمل وتجمل، وتقبل وتتقبل، وتغتفر خطل ما نقول ونفعل، وتتأوله إن شاء الله أحسن التأول، وتكسوه المعرض الأجمل، فهي الهادية لضوال الآمال، المحلية لعواطل الأعمال. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 وله من أخرى: وقد علمت الحضرة - صلوات الله عليها - أني مستمد التعلق بحبها من كثب، ووارث التحقق بفضلها عن كلالة أدب، على هذا المهاد نشأت، وبهذا القرار ثويت، ومن هذا الثمر اغتذيت، وبهذه البصيرة تتوجت وارتديت، وقد كان للموفق أبي، مولى الحضرة، منزع علق بسببه، وأرب وسم أجمل وسم به، أن يثبت في ديوان مكاتبتها اسمه، ويلحق في رسوم خدمتها رسمه، ويحرز الخصل في ميدانه، ويبرز في افقه وزمانه، ويحلي مغربنا بما لم يكن حاليا به، ويفض عذرة أمر لم يهتد لجانبه، فوافاه حمامه - أكرم الله نزله - وهو في ذمائه يمهد أكناف نيته، ويقيم شرفات بنيته، فقضى ولم يسعده القضا، ومضى ولم يكن الأمضى؛ ثم دفع مولى الحضرة - أنا - إلى فتن جذبته عن تلك الفرائض؛ وقبضته من تلك المعارض. ثم إن الله تعالى أيد مولى الحضرة فمهدت له هنيئا من الظفر، ونتجت [108 أ] له سنيا من الوطر، فلما فرغ لنيته التي كانت أمام ذكره، وملء صدره، أزمع الإيراد لآماله الحائمات، والسفور عن هممه المتقنعات، والإنزال لعزائمه المرفقات، فها نحن واردوا تلك الحياض، وخارقو ذلك الوفاض، ومنبضون إلى تلك الأغراض، فلسنا في تلك القوافي إقواء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 ولا في ذلك المضمار بطاء، ولا سهمنا غلاء. ومولى الحضرة مملأ من كرمه مؤيده بجنوده: من كتائب تملأ الفضاء، وتغشي الدأماء، فتصدعها بجبال كالرياح، ورياح كالجبال، ثانية الأقدار، وثالثة الليل والنهار، تحمل من قد قامت من آساد هي خدورها، وصوارم هي غمودها، وسهام هي كنائنها، وأفئدة هي جوانحها، فلو لقوا المنايا لصرعوها، أو ضربوا الجبال لصدعوها، أو رموا الأوهام لقرعوها، أو راموا النجوم لفزعوها. وفي فصل منها: ولم يكن ليقدم إليها غير الإستئمار، ولا ليقصد نحوها غير الإشعار، لتكون بضائعه خوالص الإضمار والإظهار، وطلائعه سوابق الإسناد والاستظهار، فهي أعز جنابا، وأعظم مهابا، من أن يقرع إليها بابا إلا بإباحتها، ويصل منها حجابا إلا بسماحتها؛ ولما جرد مولى الحضرة هذا المذهب من البأو بمكاتبتها، ولخص هذا الأرب من التشرف بمراسلتها، رأى من توقيرها وتكبيرها، تقليدها من يكون كفيلا بها أو طيقا لتحملها، فندب لها من أبناء الوزراء، وصفوة الظهراء، من له السابقة المذكورة، والعين المشهورة، والأحوال الخطيرة، والخلال المشكورة، ودماثة الجانب وسكون الطائر، مضمنا مركبا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 من مراكبه، يدل به مدل الليل بالصباح، وينم عليه كما نمت على الزهر الرياح، خلا أن من سكن المغرب الأقصى، وجاور الثغر الأعلى، وجاذب اللسان الأجفى، وارتضع الجعجعة الخشناء، والعجرفة الصماء، ثم حاول حرمة الخلافة العظمى، والحضرة العليا، وغشي مصر الإسلام ونخبة الأنام، ومحفل الجماهير العظام، فمعذور أن تعشيه أنوارها، ويغشيه إكبارها، وتحضره مهابتها، وتخرسه جلالتها؛ ومن فواضل الحضرة وسرعان إنعامها، وبواكر إكرامها، إرقاؤه إلى البساط المعظم ليلثمه، وإدناؤه [من] الحرم المكرم ليستلمه. ولو أن مولى الحضرة يستعير الروض نشره، والمسك عطره، والبحر دره، والسحات قطره، والزمان عمره، وعطارد نظمه ونثره، فيسد بها الأفقين، ويملأ ما بين الخافقين، ليوصل معقده، ويؤدي تعظيمه وحمده، وينهي كنه ما عنده، لما استوفت عده، ولا سبرت عده. [108 ب] . وله من أخرى إلى الوزير هنالك: فالحضرة العلية معنى هو شرحها، وشمس وهو صبحها، وأذن وهو قرطها، وجيد وهو عقدها، ومعصم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 وهو سوارها، وعين وهو نورها، ورأس وهو عينها، ومبسم وهو ثغرها، وكف وهو بنانها، ورمح وهو سنانها، وحسام وهو غرارها، وسماء وهو بدرها، وروض وهو زهرها، وساق وهو قدمها، ذلل لها المستصعبات، وفتح لها المبهمات، وأوضح لها المشكلات، وأضاء لها الظلمات، وأن انتظامها به، وكمال بهجتها بخدمته، وتمام سعادتها بولايته، وأرج نشرها بمظاهرته، وبروز سبقها بمؤازرته. وكان للموفق أبي نهج لمداخلتها، ومفتتح لمراسلتها، لم يفارقه - روض الله مثواه - إلى أن فارق دنياه، فكنت أبا عذرتها، وفاتق أكمتها، وفاتح مرتتجها، وسالك منهجها، فبرزت بين أبناء مغربي في مداخلتها وعرض صاغيتي وخدمتي عليها، وتوفيد مكاتبتي ومراسلتي إليها، في مركبي الذي أعلمته خالا في صفحة البحر، وسويداء في مقلة العصر، ووصلت بمكاتبتي من هو لها كفؤ، ولي ظهير ونشأ، من أبناء أهل الخطر، وذوي الشرف والقدر، ومن له الشيم الهادية، والريح الساكنة، والمناصحة البالغة، فلان، [أحد أبناء الحضرة، وذوي السرو والقدرة] ؛ إلا أن أهل مغربنا مرتضعون العجمة، مدرعون الحشمة، بمصاقبة الثغور الخشنة، ومجاذبة الألسن الثقيلة، وممازجة الأمزجة الكليلة، فمن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 دفع منهم بعد إلى خدمة الخلافة العلية، وجاور الألسنة العضبة، وشافه النفوس الرطبة، وداخل الأمزجة العذبة، وارتقى إلى سماء تلك العزة، فعذره مقبول، وأمره على الاجتهاد الأصيل والاعتقاد النبيل محمول، وما الأقلام وإن مدحت، ولا الأقوال وإن جمحت، ولا الأوصاف وإن سمحت، بمعبرات عما عنده من حسن الصاغية، وخلوص الناحية، والممالأة الصافية، والمناصحة الزاكية، والخدمة الوافية؛ وإن بعد مثواه فلم يبعد من كانت الضمائر وسائله، والرياح رسائله، ولا تكتم النيرات عن حدقه، ولا تنحرف أفلاكها عن أفقه، ولا تتجافى [في] مسالكها عن طريقه. وله من أخرى في مثله: وإن مولى الحضرة العلية لما حمل من تأميلها ما أضاء جوانحه، وارتسم من خدمتها ما أراه سوانحه، فتعرف اليمين باكره ورائحه، وتبين السعد معانقه ومصافحه، تفيأ برود ظلالها، ليدرع برود تشريفها وإيفضالها، ولرتضع حلمات جنابها، ليستدر أخلاف طلابها، واستأمر بخطابها، ليحظى بسني جوابها [109 أ] ، ووجه من صفوة نظرائه أبا مروان بن نجية، معلما باستئماره، مستظهرا باشعاره، بعد أن صفت نطف سرائره، وتبلجت أزاهر ضمائره، وثريت أرض صلغيته، ونديت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 روض طاعته، وكادت تورق صفاة طرقه، وتعشب حصى أفقه، وتطلع من عزيمته الشمس، وتثمر آماله قبل الغرس، وكاد الجسم يسبق النفس، والناظر يقدم الحس، بصريمة تخلج خلاج المنتوى، وتحتز وداج النوى، عودها نضار لا عرار، وسرها محض لا سمار. وفي فصل من أخرى: حضرة سيدنا - أيده الله - قلائد يروق على نحر الخلافة نظامها، وتخفق على عاتق الثريا أعلامها، تبرئ الأسماع من صممها، وتشفي الصدور من وحرها، وتصح الجسوم من وصبها، وتريح النفوس من نصبها، كما تصك أسماع العدا، وتخلع قلوب من ناوا، وتقض جسم من عصى، وتقطع وريد من اعتدى، فهي حياة وردى، وشهب وقضب، ونجوم ورجوم، لا برحت تمطر الولي ربيعا، والعدو نجيعا، ولا زال سيدنا حسام عاتق الملك، وواسطة ذلك السلك، وخالصة ذلك السبك، فإنه سرى إلي من مآثر حضرته ما أخجل المسك رياه، وكسف الشمس محياه. ولم يحضرني من شعر أبي الأصبغ حين تحرير هذه النسخة إلا هذان البيتان من مرثية في ابنته: انكسفي ويحك يا شمس واره بما ضمنت يا رمس في سر أجفانك لي مقلة وبين أضلاعك لي نفس وابنة أبو عامر: بوادي آش من عمل المرية، ناظم ناثر، ولم يقع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 إلي من شعره ما أجعله سببا إلى ذكره، إلا نتف يسيرة تدل على انطباعه، كدلالة الفجر على انصداعه؛ له: سريت والليل من مسراك في وهل مبرأ العزم من أين ومن كسل وسرت في جحفل يهدي فوارسه سناك تحت الدجى والعارض الهطل هوت أعاديك من سار يؤرقه ركض الجواد وحمل الأمة الفضل إذا الملوك نيام في مضاجعهم مستحسنون بهاء الحلي والحلل لله صومك من أيام فطرهم وما توخيت من وجه ومن عمل نحرت فيه الكماة الصيد محتسبا وحسب غيرك نحر الشاء والابل إذا صرير المدارى هزهم طربا ألهاك عنه صرير البيض والأسل وإن ثنتهم عن الإقدام عاذلة مضيت قدما ولم تأذن إلى العذل كم ضم ذا العيد من ولاه به غزل وأنت تنشد أهل اللهو والغزل: " في الخيل والخافقات البض لي شغل ليس الصبابة والصهباء من شغلي " ظللت يومك لم تنفع به ظمأ وظل رمحك في عل وفي نهل وكلما رامت الروم الفرار أتت من كل أوب وضمتها يد الأجل فصار مقبلهم نهبا ومدبرهم وعاد غانمهم من جملة النفل فكم فككت من الأغلال عن عنق وكم سددت بهذا الفتح من خلل أنت الأمير الذي للمجد همته وللممالك يحميها وللدول وللمواهب أو للخط أنمله ما لم تحن إلى الخطية الذبل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 لمزدلي لواء كان يرفعه مناسب كالضحى والشمس في الحمل الجابرين صدوع المعتفي كرما والكاسرين الظبا في هامة البطل والعادلين عن الدنيا ونضرتها والسالكين على الأهدى من السبل خير التبابغ والأذواء من يمن الغالبين على الآفاق والملل يسود في آخر الأعصار آخرهم وساد أولهم في الأعصر الأول يا أيها المالك المرهوب صولته والمرتجى غوثه في الحادث الجلل من كابد العدم لم يكمل له أمل والعدم من أقطع الأشياء بالأمل فاصفح لعبدك يا مولاه مغتفرا ما كان من خطأ أو منطق خطل وكتبت شافعا: سيدي الأعلى، وعلقي الأغلى، وسراجي الأجلى، ومن أبقاه الله والأمكنة بمساعيه فسيحة، والألسنة بمعاليه فصيحة، موصلة - وصل الله جذلك - حيوان، يصفر كل أوان، ويسفر بين الإخوان، رقيق الحاشية، يعتمد على كرواء، ويستمع بخذواء، وينظر من عين كأنها عين، ويلفظ بمنقار كأنه من قار، يسلي المحزون، بالمقطع والموزون، وينفس عن المكظوم، بالمنثور والمنظوم، مسكي الطيلسان، تولد بين الطائر والإنسان، كما سمعت بسمع الفلاة، وعمرو بن السعلاة، قطع من منابت الربيع، إلى منازل الصقيع، ومن مطالع الزيتون، إلى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 مواقع [110 أ] السحاب الهتون، فصادف من الجليد، ما يذهب قوى الجليد، ومن البرد، ما لا يدفعه الريش والبرد، والحدائق قد غمضت أحداقها، وانحسرت أوراقها، والبطاح قد قيدت الفور، بحبال الكافور، وأوقعت الصرد، في حبائل الصرد، فمني البائس بما لم يعهده، كما وسم بالزور من لم يشهده. ولما فال رأيه، [وأخفق] أو كاد سعيه، التفت إلى عطفه أشمط، وإلى أديمة أرقط، فناح، ثم سوى الجناح، وقد أنكر مزاجه، ونسي ألحانه وأهزاجه، ولا شك أنه واقع بفنائك، راشف من إنائك، آمل حسن غنائك واعتنائك، وأنت بارق ذلك العارض، ورائد ذلك الأنف البارص، تهيئ له حبا، يجزيك عليه ثناء وحبا، وقد تحفظ يا سيدي رسائل، جعلت له وسائل، فسام بها أهل الآداب، سوء العذاب، ودعا البطيء منهم إلى الإهذاب: *وابن اللبون إذا ما لز في قرن * لا زلت منافسا في العلوم، آسيا للأحوال والكلوم، إن شاء الله عز وجل. وله في أبي محمد الزبير بن عمر، مكن الله سعده، وقد قدم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 مرض وأراد الغزو: صحت بصحة جسمك الأحوال واسترجعت أرواحنا الآمال ووقى الإمارة من وقاك بمنه فسرى إليها السعد والإقبال والتاج بدر للعلا متألق واهتز غصن للندى ميال واعتاد [من] لعد الذبول نضارة واعتاد بعد النقص ذاك كمال لم يثن عزمتك الضنى عن وجهة فيها نكال للعدا وقتال فأخذت بالأثر الصحيح وإنما بيد الإله البرء والاعلال لله أخلاق الزبير فانها للمعتفين الروضة المحلال ومحاسن منه تروق، ببعضها سادت على مر الزمان رجال فمناسب ومفاخر ومعارف وديانة وبسالة ونوال أرجو مساعيه وأما ماله فعليه إن مال الزمان يمال لكتبتها مستعجلا إذ ما تني لا يقتضى بنسيئها استعجال سيكون منه وإن بعدت تخدم يدني المراد، وإن سكت مقال لا زلتما في عزة وسعادة تغشاكما من أجلها الآمال [110 ب] وله في الأمير تاشفين: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 أيا أيها الملك الأعظم أضاء بك الزمن المظلم وزينة منك تلك العلا كما ازدان بالغرة الأدهم أدال الشقاء لنا بالنعيم فينعم من كان لا ينعم وأقبل مستعتبا مثلما تنصل من جرمه المجرم فنشكر نعمى أتانا بها ولا بد أن يشكر المنعم نهضت وحولك لمتونة كما حف بالقمر الأنجم بكل أغر طويل النجاد له المجد والشرف الأقدم يلوذ به البائس المعتفي ويرهبه الفارس المعلم إذا سفروا فهم كالبدر وهم كالأهلة إن لثموا فيا حسنهم إن تجلوا ضحى وقد ركبوا الخيل واستلأموا ومدهم الله من عنده بجند من النصر لا يهزم فحكمهم في الذي أملوا وأظفرهم في الذي يمموا وحلوا بارض العدا فانبرت على كل ناحية صيلم فكل رجالهم قتلوا وكل معاقلهم هدموا كأن الجماجم بذر لهم وسقي الذي بذروه الدم فقل لرئيسهم أين ما حكمت لقد ساء ما تحكم تعاطى الثبوت على زعمه فلم يغن عنه الذي يزعم ورام الفرار فلا مجهل يفر إليه ولا معلم وأضحى ومركوبه أبلق فأمسى ومركوبه أدهم أتى والبنود على رأسه مهانا وتحسبه يكرم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 يصرصر عقبانها فوقه ويصفر من بينها الأرقم لتهنأ هذي الفتوح التي تناسق كالدر إذ ينظم [111 أ] على الشرق والغرب من عزها حفيظ ومن حسنها ميسم ولولاه كان السرور الذي أقر العيون بها مأتم رجوت الأمير لعلمي به وما جاهل مثل من يعلم وقلت عسى المحل أن ينجلي ويعقبنا الوابل المثجم فقد يقرب النازح المنتأي وينفتح المغلق المبهم بني تاشفين سلمتم لنا فمهما بنا نسلم وأنت لدين الهدى عصمة بها يحتمي وبها يعصم خلافتكم غير مجهولة وسر إمامتكم تعلم فلو ينطق الله فينا الجماد لناجتك - أعظم بها - زمزم فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي المطرف بن مثنى وهو عبد الرحمن بن أحمد بن صبغون، استوزره المأمون يحيى ابن ذي النون عدة سنين، ورمى إليه بيده، في تدبير بلده، فاستقل بأعباء ما تقلد، وعار ذكره وأنجد. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 قال أبو مروان بن حيان: وكان أبوه أحمد من أبناء أكابر الفقهاء بحضرة قرطبة بعهد الجماعة؛ وكان أبو المطرف عفيفا دمثا طاهرا الأثواب، حلو الشمائل مطلق البشر، متحققا بصناعة الكتابة، بذ أهل وقته في البيان والبلاغة، وكان مع ذلك يحمل قطعة وافرة من علم الحديث وأنواع الفنون، وتوفي رحمه الله سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. فصل من رقعة فيها طول لأبي الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي إليه منها: أكال الله بقاء سيدي، وجعل درج المعالي مستقرة تحت قدمه، وسرج مسفرة عن بوارق هممه، وظامئات الأماني روية من لعاب سن قلمه، وعذبات الإقبال منوطة بألوية عزائمه وآرائه، وسطوات الأقدار مربوطة بأروية مآربه وأنحائه، وصب نوب الزمان على حسدته وأعدائه. وفي فصل منها: وقد كانت -[أيدك الله]- رياض أخباره تزهر عندي بنوار الزكية التي هي أشهر من فلق الصباح، وتعبق بمحاسنه الرضية هي أسير في الآفاق من هبوب الرياح [111 ب] فتلطف بنوافر الأرواح، حتى كأنها المصافاة بين الماء والراح، فترتع الأسماع الجزء: 5 ¦ الصفحة: 410 من نضارتها في مرتع خصيب، وترفل من غضارتها في ثوب من الأنس قشيب، فلله هذه المناقب التي جعلت العين حاسدة للأذن، والفضائل التي حاجزت بين القلب والبدن، فكلما ازدادت بالأخبار بضائعها أرباحا، ازدادت النفوس إلى تبضعها طربا وارتياحا، وكلما ركضت دهمها في ميادين الفضائل مراحا، استفادت بالإحماد غرارا وأوضاحا. ومنها: وكنت مررت ببلاد شموس الفضائل في آفاقها مكسوفة، وعيون العلم والآداب في عرصاتها مطروقة، وستائر الأحرار بين أهلها مهتوكة مكشوفة، وجنباتها بأنواع البلاء محفوفة، وقد نضبت في رباعها مياه الأمانة والأمان، ونبعت بين أهلها عيون الخيانة والبهتان، وضعف حبل الديانة فيهم والإيمان، فجنحوا إلى جحود النعم والكفران، وتوسعوا في مطاوعة الظلم والعدوان، فأبدلهم الله من النور في أحوالهم ظلاما، وبالحلال في مكاسبهم حراما، وخص أسعارهم بالغلاء، وجمعهم بالفناء، ولفيهم بالتشتت والجلاء، وللخراب ما يعمرون، وللقتل ما يلدون، وللنهب ما يجمعون، ولغيرهم ما يكسبون، {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} (الزمر: 48) {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} (هود: 102) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 411 ركبت جوادا من العزم قلما امتطاه راكب إلا فاز بمبتغاه، وشكر دأب سيره وسراه، ونثلت درعا سابغة من الحزم لم يندم على ادراعها لابس، ولا استثقل حملها من الرجال أخو نجدة ممارس، فكت عني حلق الخدع من الأعداء والمكايد، وحلت دوني عقد الحبائل منهم والمراصد، فخلصت من دواعي احتفالهم خلوص الخمر من نسج الفدام، والشمس من تحت الغمام، ولم أزل أقطع المفاوز مسجورة، وأجزع الطرق مشحونة باللصوص والدعار، أخفي نفسي إخفاء القنفذ رأسه، واكتم حسي كتمان الغراب سفاده. وفي فصل: وأكبرت أن أفارق بلد الأندلس وقد أظهر الله فيه إحدى آياته، الدالة على عظم معجزاته، الناطقة بصحة براهينه وبيناته، بسيدنا المأمون بن ذي النون - أطال الله بقاء سلطانه، وقوى دعائم ملكه وأركانه - الذي أيده الله بعناية بسطت قدرته، وأعلت كلمته، فأضرمت شهاب هيبته فملأت القلوب رعبا، وأذكت بوارق سطوته فاختطفت النفوس شرقا وغربا، ومدت بحار سحائبه [112 أ] فاستملك الرقاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 412 عجما وعربا، لأجلوا قذى ناظري ببهي طلعته، وأزين أصغري بتحبير بدائع مدحته؛ وقد كاتبت الحضرة العالية تلويحا بما ذكرته، راغبا في ما اقترحته، من تحسين عرضه بالموقف الأشرف زاده الله شرافة، وتجديد المأثرة في النيابة عني به، وستر عورة إن مرت، وإقالة عثرة إن خطرت. فأجابه ابن مثنى برقعة أيضا فيها طول يقول فيها: وافى كتابك، فحين لحظته تلقيته بيد المقدم، والتزمته التزام المحب المكرم، وقلت عندما استوعبت أنواعه وفنونه، واستوضحت محاسنه وعيونه، وقيد نور لحظي عيانه، وجلا صدأ فؤادي بيانه: هذا السحر الحلال، والعذب الزلال، والدر راق في نظامه، والنور تفتح عن أكمامه، والقطر انهل من غمامه، وهكذا تكون جزالة الأفاضل، وصفاء الموارد والمناهل، وصحة الالتئام والاتفاق، والاطراد والاتساق: فكائن فيه من معنى خطير وكائن فيه من لفظ بهي فنضوت عن منكبي رداء الوقار، واهتززت اهتزاز [المهند بيد] البطل المغوار، ولما استقريت ما حواه، واستوعبت ما طواه، قلت: هذه مكارم الأخلاق، وبدائع أنفاس العراق، وأنحاء ذوي الأفهام والألباب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 413 ومآخذ أهل الفضل والاحتساء، وقد كان أدهشني ما اخترعت، وعمر فكري ما شرعت، فناديت نفسي وقد استشرفت أؤنبها، ونازعتها وقد شرقت أؤدبها: حذار من زلة القدم، ومأثور الكلم، يا نفس قفي عند مقدارك، وكفي من غلوائك، واعلمي منتهى خطوك، ومدى شأوك، فقد رمت بغداد بأفلاذ كبدها إلينا، وأطلعت نسيج وحده علينا، فأنى لك بمعارضته وقد باهى به على أبنائه الزمن، وخرست في أوصافه وخلاله الألسن، فلا تتمرسي لهذا الألمعي، النقاب، داهية الغبر، وعلم البشر، فما أبعد ما بين العلو والخفض، والسماء والأرض، وأين النور من الظلمة، والإفصاح من العجمة، ورقة الطبع من جفائه، وكدر الجو من صفائه، وكيف مجاراة الكودن للعتيق، ومقارنة التشبيه بالتحقيق -! وكيف نجاريهم، وإنما نحكيهم، وهل نحن - أهل هذه الجزيرة النائية عن خيار الأمم، المجاورة لجماهير العجم - إلا أجدر البرية باللكن، وأولاها بعدم الفطن، وأخلقها بالخرس، وأحقها بغلط الحس -! فلم يقرع سمع ابن من أبناء خاصتنا عند ميلاده، ولا خامر طبع الرضيع منهم في مهده، إلا كلام أمة وكعاء، أعجمية خرقاء، ولا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 414 ارتضع إلا ثديها، ولا اكتسب إلا عيها، ولا سكن [112 ب] إلا في حجرها، ولا مرن إلا بتدبيرها، حتى إذا صار في عديد الرجال، وانتهى إلى حدود الكمال، باشر طوائف النصرانية فخاطبهم بألسنتهم، وجد في حفظ لغتهم، وعانى طباقهم، وحابد أخلاقهم، أفليس الذكاء مع هذا أبعد من ذكاء عنه - وأما العامة منا فقد انقطع فيها المقال، وصحت المخيلة والخال، فلما قرعتها هذا التقريع، وروعتها، هذا الترويع، عادت إلى الخمود، بعد الوقود، وآلت إلى الفتور والخمول، وعاذت بالنكوس والنزول، قد انفل حدها، وآل سكونا تحريكها وجدها؛ ثم لم أستبد أن أجري في ميدان الرأي جواد نظري، وأرسل في أرض الاختبار رائد فكري، وأرفع عن النفس غطاء الترك، وأخلص الصواب عن الإبريز من السبك، ورأيت ما في التوقف عن مطالعك، من الإخلال بمكارمتك، فرشح جبيني عرقا، وانزعج قلبي تحرقا، فراجعت مخاطبة النفس، ممسكا من وحشتها بطرف من الأنس: إن أبا الفضل سيدي - دامت حياته -، قد ناداني بلسان وداده، وأومأ إلي ببنان اعتقاده، وأطار نحوي طائر الارتياد، فلم يقع مني إلا على ثمرة الفؤاد، وحن إلي حنين الألوف الأليف، وواصلني مواصلة الحليم الحليف، وأهدى إلي نزاعه، وألقى علي بعاعه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 415 فكيف لي أن أعدل عمن إلي أقبل، وأصدف عمن بي كلف - فعارضتني أشد المعارضة، وناقضتني أبلغ المناقضة، هيهات! لا يبلغ الخصم بالقضم، ولا ينتهي منال الكف إلى مباراة النجم، فاسلك النهج القويم، فمنك من أعتبك، وأخوك من صدقك، فوجدتني بين حالي اضطرار، ليس فيهما لمختار، فإما أن أعتمد المخاطبة، وألتزم المكاتبة، على علاتي، ونبو شباتي، بطبع كليل، وذهن غير صقيل، وإما أن أرفض المراجعة رفض المليم، فأكون عين الجافي الذميم؛ فأنفذت كتابي مبتغيا وجه موافقتك وإرضائك، ومتوخيا مضمون تغمدك وإغضائك، وأنك إن ألفيت حسنا تناهيت في نشره، أو عاينت قبيحا طويته على عره، وبودي أن معتمدي لا يسلط عليه حقيقة نقده، ولا يصرف إليه مرهف حده، وأن يلمحه بأقل لمح، ويسمح فيه أفضل سمح. وأما ما ارجع إليه وينطق لساني به من الإشادة بالشكر، الذي أبغيه سمة في وجه الدهر، والكناية عن العهد الذي هو أثبت من ثبير، وأطيب من الماء النمير، فلو أمكنني أن أوصله إليك على متون الرياح لأوصلت، ولو أتيح لي أن أمثله لك حتى تراه لمثلث، وقد استوفيت ما جال به بيانك الذي عذب منهله ومشربه، وشف جوهره ورف ذهبه، [113 أ] واصفا وصف المستكمل، وموضحا إيضاح المحتفل، وفهمت ما نصصته الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 فيما سنت لك عوائد الأيام، من الانتباذ عن الطوائف اللئام، الذين ألبسهم ملابس الملام، وحليتهم بحلى المذام، حتى لشغلت بوصفهم الأفكار، فأوجبت الاستعاذة والاعتبار، وأتيت بأغرب الشنع، في ما أوردت من تلك اللمع، وسردت القول الرفيع سردا، فكأنما نظمت به في جيد الدهر عقدا. وإنك - أعزك الله - لما نمي إليك ما تحملته الركائب، وأثنت به الحقائب، وغمر المسامع، وعمر المشاهد والمجامع، وامتلأت منه الآفاق، ووقع عليه الإصفاق، من محاسن المأمون ذي المجدين التي هي كالنجوم اعتلاء، الصباح انجلاء، والروض بهاء، وأنك شمت من كرم شيمته برق النجاح، وأملت أن تضرب في خدمته بمعلى القداح، أحببت أن ترمي إليه بعزمتك، وتقذف نحوه بهمتك، فتجلو ناظرك، وترهف خاطرك، بمجاورة بحر المنن، وفخر الزمن، وزعيم الأنام، وكريم الأخوال والأعمام، وبديع الأوصاف، وموطأ الأكناف، وأحلم من فرخ الطائر، وأمضى من الحسام الباتر، ومن سجيته الفضل، وسيرته العدل، وقوله الفصل، وحباؤه الجزل، تلوح على وجهه تباشيره، وتتملى الإمامة أساريره، ملاه الله أطول الأعمار، كما حاز له أعظم الفخار، فأرجو أن قد أصبت ثمرة الغراب، وارتدت أزهر الجناب، واجتنيت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 خيار الجنى، ومهدت في موطن العلا، فما أغبطني باختيارك، وأبهجني بدنو مزارك، فما كان سهمك ليمضي إلا بعيدا، وليقع إلا سديدا، وما كان ميزك ليختل، ولا سعيك ليضل، فالمرء مستدل عليه بفعله، واختياره قطعة من عقله، وقد ناديته فأجاب، واستمطرت سحاب بره فاصاب، وتلقاك باليمين، ولأقرك بالمكان المكين، واستطال نحوك الزمان، بل استكثر الساعات والأحيان، وانتظرك غدوا ورواحا، وترقبك مساء وصباحا، وأما الفؤاد فإليك منجذب، وبودك مشرب، ولو استطعت خفضت طرفي فلم أبصر به حتى أراك، شرها إلى لحاقك، وتهالكا على نفيس أخلاقك. قال ابن بسام: ولأبي المطرف، غير ما فصل مستطرف، وقلما يتعطل من حلي البديع، وانحفزت في تحرير هذه النسخة من هذا المجموع، وفاتت [دركي] ، ولم يعلق منه إلا ما كتبت [بشركي] . [فصل] في ذكر الوزير الكاتب أبي عمر القلاس من عليه كتاب الثغر الأعلى - كان -، في ذلك الأوان، [وهو على الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 الجملة] ناثر مجيد، ومحسن معدود، في كتاب بني [113 ب] هود، وله ترسيل كثير، معرب عن أدب غزير، وإنشاء ذهب فيه إلى التطويل اقتضبت منه بعض الفصول، تخفيفا للتثقيل، تليق بالكتاب، وتشره إلى مطالعتها أنفس الكتاب. جملة من رسائله في أوصاف شتى فصل له من رقعة عن ابن هود إلى مجاهد أبي الجيش الموفق: نحن وإن قصرنا بالمخاطبة، وأغببنا بالمكاتبة، محافظون على العهد القديم، معترفون بالحق الكريم، معتقدون للفضل العميم، شاكرون لله تعالى على الهبة السنية فيك، والنعمة بك، إلا أنه كدر نعمتنا وصفو المعيشة عندنا، وأقلق دعة النفوس، وشرد وسن العيون، ما ترد به الأنباء من الوحشة الواقعة بينك وبين المنصور - أيدكما الله - مما لو يستطيع الفداء له بكل علق غال، ومعالجة التياثه بكل نفيس عال، لما تأخر عن ذلك أحد، ولا قر على غيره خلد، رغبة في الألفة بينكما، وحرصا على تمام النعمة للمسلمين فيكما، فأنتما فئة الإسلام، وعمدة الأنام، ومتى اضطرب لكما حبل، وانصرم منكما وصل، فشمل الكل شتيت، ووصل الجميع مبتوت، فالله الله في الدين أن يألم بكما، والحرمة أن تذهب بينكما، فالعيون في الصلاح إنما كان سموها إليكما، فما ظنكما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 بالمسلمين وقد أصيبوا في مستقر آمالهم، وجدت الاستحالة حيث كان الرجاء في صلاح أحوالهم -! [وله] من أخرى [عنه إليه] : من استضاء بسراح رأيك المسدد، واستنجح بيمن سعدك المؤيد، واستظهر بنافذ عزمك، وتكثر ببالغ حزمك، واعتضد بخالص إخائك، وأسند إلى صدق وفائك، كان قمينا أن تنجاب عنه ظلم المشكلات، وتنفرج له قحم المعضلات، وتستقل به مراكب النجاح، وتتطلع إليه عواقب الصلاح، ويذل له الصعب الجامح، ويسهل عليه الخطب الفادح، فإنك - والله يبقيك - الميمون النقيبة، الكريم الضريبة، السعيد الجد، المحمود العهد، الذي إن اقتدح زندا أورى، وان اعتمد حدا فرى، وان ود صدق وحقق. وقد فصل: واني منذ استنجحت فيما كنت أحاوله من ذلك الأمر، ببركة سفارتك، واستظهرت عليه بسعادة وساطتك، وضربت مستعصبه بحد مؤازرتك، واقتدت ممتنعه بقوة مظاهرتك، لم أزل أشيم تباشير النجح لائحة، وأتبين مخايل الفلج واضحة، وأجد شدة قيادة تلين، وعز إباية يهون، إلى أن تأتى - بحول الله - الأمل، وأنجح العمل، وأصحب ما كان أبيا، وقرب ما كان قصيا؛ وكان للوزير الكاتب أبي [114 أ] فلان في ذلك المناب الحميد، والسعي الوكيد، الذي سهل به الحزن وقرب البعيد، وكذا يكون [من] ثقفه تأديبك، وأقام الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 أود تهذيبك، إذا سفر أصلح، وإذا سعى أنجح، وهذه الحال [لك] أولها وآخرها، وباطنها وظاهرها، فبك اتضح منهاجها، وأضاء سراجها، وبسعيك انفسحت سبلها، وتأتى مؤملها، وارتفعت أعلامها، وتهيأ تمامها، وأنت المسدي لها والملحم، والعاقد لأسبابها المبرم. وله من أخرى: إن أحق الأخبار، بالتحدث عنها والإخبار، وأولاها بأن تثيرها ألسنة التهادي والتناقل، وتنشرها أيدي التكاتب والتراسل، خبر أعرب عن نعمة تعم المسلمين، ومنة ينظم نفعها الدنيا والدين، وأبان عن مسرة وقعت والآمال دون نيلها واقعة، وبشرى طلعت والأحوال عن مثلها دافعة، وكان له من ذاته شاهد يصدقه، وبرهان يحققه، ووضوح يحميه عن أن تعترض عليه شبهة الظنون، وجمال يغنيه عن تكلف التحلية والتزيين، وتلك صفة ما أقصد محادثتك بنعم الله علينا فيه، وأعتمد إهداءه اليك مشروحة جملته موفاة معانيه. وفي فصل: ان أولى النعم بأن يتحدث عنها حديث اعتماد لشكرها، وينبه عليها تنبيه إشادة بقدرها، نعمة خصت الدين، وعمت المسلمين، وأعلت للإسلام يدا، وفتت من الشرك عضدا، وشدت من الإيمان سننا، وأوهت من الكفار ركنا، فإنها موقع العموم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 واقعة، والقريب والبعيد في نفعها جامعة. وله: انه لما كان من شرط من ابتدأ أن يتمم، وسنة من سدى أن يلحم، وحكم من نهج عملا أن يفضي به إلى غايته، وسبيل من أخذ في سعي أن لا يرجع دون نهايته، وجب على فلان - أبقاه الله - أن يتلوم على الحال التي انفرد بفخر تأسيسها وتشييدها، وفرز بحسن منابه في تقريرها وتمهيدها، حتى يستوفي فيها حقائق العمل، ويبرئ منها [جمع] العلل، ويسد من جوانبها دقائق الخلل، إذ كان هو الذي شرع مباديها، وبه انتظم متناثرها، وبلطفه سكن متنافرها، وما زال يسعى أفضل سعي، ويصدع بأجمل رأي، حتى قرر الأمور على أثبت قواعدها، وشد رباط معاقدها، فلما صححها أمن التياثه، وأبرمها إبراما لم يحذر انتكائه، وجب عند أن يقع صدره، ويحين منصرفه، فصدر محتقبا اليك من حقيقة ودي، وطيب ثنائي وحمدي، ما إذا جلاه في معرضه راقك مجتلاه، وإذا أجناه على حسبه عذب عندك جناه، وبه اكتفيت عن مد أطناب [114 ب] القول في الإخبار عن هذا وسواه، فهو بتفضيل جملته لديك جدير، وبها خبير. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 الخبر ببادرة أحمد بن سليمان بن هود فيما كان رامه من الفتك باخيه أبو مروان: وفي رمضان من سنة خمسين وأربعمائة سقط الخبر إلينا بذلك، وكانا اتفقا على الالتقاء طلبا للسلم والكف عن الفتنة، فلما خرجا للمكان المتفق عليه، تكارما في اللقاء وتدانيا دون أحد من أصحابهما، وكلاهما حاسر أعزل، على ما تشارطاه، تمكينا لطمأنينتهما، فتنازعا الكلام فيما جاءوا إليه، فلم يرع يوسف إلا إطلال فارس عليه من ناحية موقف معسكر أخيه أحمد، شاكي السلاح، يبرق سنان رمحه، وإذا بطريق من مستأمنة النصارى الحربيين معه قد واطأه أحمد على الفتك بأخيه، فانقض على يوسف وهو يكلم أخاه، وأحمد يصيح، حتى خالط يوسف وطعنه ثلاث طعنات، وتحت ثوب يوسف درع حصينة كان قد استظهر بلباسها خلال أثوابه أبدا بالحزم، فردت سنان المح عنه، وصاح يوسف نحو أصحابه: " غدرت "!! فابتدروه ونجوا به وقيذا بجراحه، وقد ابتدر أحمد رجاله، واختلط الفريقان اختلاطا قبيحا، كادت تقع بينهم ملحمة، أطفأها أحمد بالبرؤ من العلج لوقته والبدار إلى قتله، ورفع رأسه والنداء عليه، فسكن شغب الفريقين، وانكفأ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 كل إلى وطنه، فعادت حال ابني هود كالذي كانت من التفرق. ورد كتاب يوسف على ابن جهور بقرطبة من إنشاء أبي عمر، يقول فيه بعد الصدر: وبعد، باعدتك الأسواء، فإن حوادث الدهر وصروفه آيات للنبصرين، وفي أحوال ذوي الشرة والفسوق عبرة للمعتبرين، واذا تصفحت منها القريب والبعيد، والمنقضي والجديد، لم أجد في جميعها حالا توازي حال الحب الخبيث، والغدور النكوث، علم دهره فجورا وخترا، ونسيج وحده نفاقا وعذرا، القاطع مني بلؤم أفعاله وشيمه، أسباب قرباه ورحمه، والمتقدم بذميم بغيه وتعديه، إلى صميم أسرته وأدانيه، وهذه صفة لا يخفى مكان الموصوف بها وأنه صاحب سرقسطة - قارضه الله هو أهله، وأبعد مثله وأين لا أين مثله -! -. وقد كانت الأيام أبدت منه أفاعيل مستنشقة شرق ذكرها وغرب، كما [115 أ] أبدع وأغرب، وكادت تكون سمرا للسامرين، وقصصا تتلى في الغابرين، وحاول أمورا مستفظعة مقته فيها الرشيد والغوي، وتبرأ منه الداني والقصي، لم تفده إلا الخزي الذي لا يزال ناظرا من بقائه، ولم تكسه إلا العار الذي لا يراه مباينا باحتفائه، وأبى على ذلك إلا تماديا فيها وإلحافا، وأبت الأقدار غليه إلا إعراضا وإخلافا، فكلما مد بالبغي يدا، أوهن الله بطشها وأيدها، وكلما نصب للمكر جباله هون ختلها وكيدها، فضلا من الله ونعمة، وكفاية لمن توكل عليه وعصمة، وجزاء للباغي بمكره، وقرضا للمتصدي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 بغدره، والله لا يهدي كيد الخائنين، ولا يصلح عمل المفسدين. وكنت قد أبرمت معه بعد ذلك الهنات التي جرت، والشدائد التي انقضت عقدة السلم، فاعتزم صاحب برشلونة على حربه، واستنهضني للدخول في حزبه، ففلت بعد جهد مني حد غربه، واستمرت الحال على أعدل مناهجها، ولم يتعذر مني قط عليه بغية، ولا أبطأت معونة، ولم يزل يقسم لي بإيمانه التي تضج إلى الله من فجوره فيها مشافهة ومكاتبة، بعدها أقسم من قبل به وأشهد أعلام المسلمين عليها، بأنه لا يضمر لي بقية الأيام غائلة، ولا يدخل علي داخلة، وطالت مصانعته لي بزبرج من نفاقه وخداعه، يرف على بهرج من أخلاقه وطباعه، وأنا على ذلك عالم بدخائله وسرائره، مستعيذ بالله من الانطواء على ضمائره، فلما أراد الله أن يفضحه الفضيحة العظمى، ويقنعه بالخزية الكبرى، تقدمت بيننا مقدمات اقتضت لنا الاجتماع، فحركني إلى طرف عمله، وقد كنت آنست منه شرا بنى عليه مع بعض علوج البشاكنة في الفتك بي، فأوصيت إليه ألا يحضرنا أحد منهم، فقلق قلقا صرح به، وأقام مترددا بالثغر يزمع تلك البغية، إلى أن التقينا، وكنت قد استشعرت من سوء الظن بمن هو كصرف الدهر لا أمان منه ولا أغترار به، فأوصيت إلى أصحابي باحتضار سيوفهم، واطراح ما عداها من سلاحهم، ولبست أنا [أيضا] تحت ثيابي درعا حصينة، والتقينا، ثم تجارينا في فنون القول، فإذا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 بفارسين من عبيده قد جمعا رمحيهما في، وثالث قد سبق إلي، يمسك عنان فرسي، إلا [أني] ركضته، فخرج بعتقه، واستل أصحابي عند ذلك سيوفهم، وأدركتهم حفائظهم، فحملوا إلي وفر أولئك عني، واكتفني أصحابي، فانصرفت وبي طعنات قد واقعتني على الذراع لم يعظم بحمد الله كلمها، وانصرف الغادر قد أدحض الله سعيه، وأبطل بغيه، يعض بنانه [115 ب] أسفا، ويقرع سنه ندما، ولا صفقة كصفقته الخاسرة، ولا سوءى كفعلته الفاجرة، فلما وصل إلى بلده أراد ستر الحال بزعمه، وتوهيمها على ما جرى في وهمه، فأشاع أن النصارى الذين كانوا معه أرادوا غدري وغدره، وخرق في ثيابه خرقا زعم أنه أثر رمح أشرع إليه، فكان اعتذاره بهذا العذر زائدا في ذنبه، وإتيانه بهذا البهت الظاهرة مادة لجرمه، وهيهات أن يخفى ما شهر، أو يجوز ما زور، وما حليمة بسر، ولا على وجه النهار من ستر. فرأيت مساهمة الأولياء والحلفاء بصفة الحال، وعرضها من المبدأ لتعرض ما وصفته على حسن نظرك، وتعبيره بصدق تدبرك، فتزن مؤثر هذه الحال بوزنه، وتقدر محتقب شرها بقدره، والله قبل وبعد أعدل من قضى وحكم، وأحق من أثاب وانتقم، وهو تبارك اسمه المستعدى على من اعتدى وظلم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي عبد الله محمد بن مسلم آية الزمن، ونهاية الفطنة واللسن، نفث بالسحر، واغترف من البحر، ونظم الدرر بلألاء من الدر. ولم أظفر عند وضعي هذا الديوان، بشيء مما له من الاحسان، إلا بفصول من رسائل، سماها " طي المراحل " سبق في ميدانها عفوا، وتصرف بين حسنها وإحسانها تصرفا حاوا، وقد اقتبضت من فصولها ما يشهد بتفصيلها، وحذفت سائرها لطولها، دللت بها على فضل منشيها، دلالة الشمس على ما يليها. فصول له من تلك الرسائل خاطب بها أغلب صاحب ميورقة فصل منها: إن أغببت على بعد الديار مكاتبتك، وأقللت مع شحط المزار مخاطبتك، فإني أخاطبك بلسان وداد، وأناجيك فؤادا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 لفؤاد، وإنما يتخاطب أهل بعد المكان، ويتكاتب ذوو النأي عن العيان، وأنت في الضمير جائل، فما تزيد الرسائل - وبين الجفون ماثل، فما تفيد الوسائل - لكن العين لا تبرأ من الأرق، حتى تطبق مستقرها على الحدق، والنفس لا تهدأ من القلق، حتى تجمع شطريها إلى أفق، فلهذا يجب على الصديق تأكيد العهد، ولو باهداء السلام، إذا لم يستطع على الإلمام، وتجديد الود بالكتاب، إذا لم يطق المفاوضة على الخطاب، لكن قد يأتي من عوائق الزمان، وعوارض الحدثان، ما يحول [116 أ] بين المرء وقلبه، حتى يسهو في مثوله للصلاة بين يدي ربه، فلا يدري أثنتين صلى الضحى أم ثماني، وأياما شهد التشريق أم ليالي. وفي فصل: وليت زمانا فرغ للقائك، وأوانا بلغ إلى تلقائك، حتى أبرد نفسي بمحاضرتك، وأجدد أنسي بمذاكرتك، ولكني بين حل وترحال، ورجوع وإقبال، لا يجعلان إلى أمنية سبيلا، ولا يوجدان إلى مأربه وصولا؛ ولعلك - أيها الفاضل - ممن يظن هذه الأسفار فرجة، ويخال لها بهجة، وكيف والسفر قطعة من العذاب، والمسافر ومتاعه على فلت الذهاب، وان اتفقت مع ذلك فترة تستدمن، وبدرة تستحسن، فإنما هي كراحة المحتضر، ودرة المستبحر، ولا بد مع الخواطي من سهم صائب، وعند جفوف جانب من خضرة جانب، ولي منذ أجول الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 البلاد، وأجوب الصخر بالود، ما يزيد على عشر حجج نصفها، وعلى سبعة أعوام ضعفها، لم ألق إلا يوما يجعل الولدان شيبا، والجبال كثيبا مهيلا، وإن شئت أن أقصص عليك من نبأي قصصا، وأضرب لك من بعض أسفاري مثلا، ففزغ لي ذهنك، وأصغ إلي أذنك، حتى تسمع من أحوال صديقك ما يفلح ويثلج، ويغم ثم يبهج، فقد أودعت كتابي هذا نبذا مما لقيته في سفري، كان من خبري: لما صفا الحصن الفلاني إلى من أيده الله أجلب عليه المقتدر بخيله ورجله، وأحدق حوله بضبطه ومنعه، حتى صار كالسماء ملئت حرسا شديدا وشهبا {فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} (الجن: 9) فدعا إقبال الدولة إخوانه لإنجاده، ونادى حلفاءه لإمداده، فاستغشوا بأردانهم، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، وعوضوا من عونه في إصلاح ذات البين، والحصن في أثناء ذلك قد اشتد وثاقه، وضاق خناقه، حتى أيقن أهله بالهلكة، وكادوا يلقون بأيديهم إلى التهلكة، فلما رأى انه ربما أودى العليل قبل أن يؤتى الشفاء، ويهلك المريض قبل أن يركب الدواء، وعلم أن الليث لا يقتبس إلا زنده، ولا يفترس إلا وحده، وفي كفه أنصاره، وفي شدقه شفرته وناره، أقام للزحف أعلامه، وجعل أمامه، فنصر بالرعب، وفر عدوه قبل الحرب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 وفي فصل منها: وحسبنا أن يكون من أصحاب المشئمة، فتواصينا بالصبر والمرحمة، وتذكرنا قوله تعالى {وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسرم لك من أصحاب اليمين} (الواقعة: 90، 91) فأخذنا يمنة الطريق، وتيممنا أويولة على الفج العميق، فإذا بصماء منه قد انكدرت فأمطرت علينا حجارة من سجيل، كادت تجعلنا [116 ب] كعصف مأكول، فقوم شدخت رؤوسهم، وقوم ضمت عليهم رموسهم، كأنهم كانوا بقية من اًصحاب الفيل، أو نفاية من قوم لوط. فجئنا فلانة، وقد سد بابها، ونام بوابها، والسيل قد طمى، يحمل غثاء أحوى، فلم تشك القلوب أن نفوسنا ذائقة الموت، حتى إذا بلغت النفوس التراق، والتفت الساق بالساق، وقيل من راق وأشعر صاحب الحصن بمكاني، وقص عليه شاني، فأمر بفتح باب المدينة، وآواني إلى دار حصينة، وتقدم بالضرام فأجج، وبالطعام فروج، وبالمدام فشب وأسرج، وقلنا {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن { (فاطر: 34) وكفانا المحن. وفي فصل منها: ثم نفذت لطيتي، وقرنت بالعمل نيتي، في هواء سجسج، وأفق متبلج، حتى جئت المرية، وكان عهدي بها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 عهد طيف الكرى، بما بين العقيق إلى الحمى، إن سرى أصبح دونه بمراحل، أو هفا قطع المدى المتطاول، فكأني كنت ماء، وافق نفوسا ظماء، فكل فرج لي عن فلبه، وعانقني بكبده وخلبه، ولما لقيت المعتصم بالله - فتح الله له في البلاد، كما شرح بوده قلوب العباد - قال: مرحبا بالولي الحميم، والصديق الحديث القديم، أعنت لك عندنا أسباب أوجبت إقبالا، أو نحت بك نحونا ركاب طلبت فصالا - حل عن ذاتك، وأرح يعملاتك، فقلت: أيد الله مولاي، ما أجاءني حب الراحة، ولا طلب الإراحة، وإنما أنا في حكم شرع، وأداء فرض، فهو كالحج لا يحل فيه الصيد لا بالنص ولا بالقياس، والصلاة لا يصلح فيها شيء من أعمال الناس، وأنا أتمثل في ذلك قول الله: {وإذا حللتم فاصطادوا} (المائدة: 2) {فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} (الجمعة: 10) ولا بد أن آخذ فيما فيه شخصت، وله قصدت، وإنما هي كلمات مكدودة، وألفاظ معدومة، لا تورث الناطق كلالا، ولا السامع ملالا. وفي فصل منها: حتى وصلنا إلى دار منفرجة الأقطار، مستوفزة الأنوار، [متدفقة الانهار] ، عواؤها جلاء للغم، وزيادة في العمر، ضياؤها شفاء للكظم، وانشراح للصدر؛ وكأن مياهها تنبعث من بنان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 سيدها، فصارت عينا سلسبيلا، وكان مزاجها زنجبيلا، أو كأنما مست عينا حيوانا، فأنبتت من الزبرجد ريحانا، ومن الزمرد شجرا فينانا، وجعلت من النارنج عقيانا، ومن زهر الآس لؤلؤا ومرجانا. وميل بنا إلى " التاج " وهو مصنع على مفرق القصر، من جانب البحر، مرد من قوارير، وألبس الصبح المستنير، وقلد قلادة الطاووس، ونقط نقط العروس، فممن يقول هو قبة الفلك، وممن يقول هو السماء ذات الحبك، وانهم {لفي قول مختلف، يؤفك عنه من أفك} (الذاريات: 8، 9) [117 أ] ونظرنا في صدره من الملك الهمام، كالشمس تجلت من الغمام، فقضينا فرض السلام، وأخذنا مراتب القعود إلى الطعام، يطاف علينا بصحاف من فضة وذهب، وجفان كالجواب أترعت من كل أرب، فلما أتينا على الري قمنا إلى الوضوء، فجيء، بطساس من التبر، وأباريق رصعت بالدر، ووضئنا بماء قوامه بلور، ومزاجه كافور، ثم قمنا إلى المصنع " الزاهر "، وهو نظير " تاج " من الجانب الآخر، لما أعد فيه للشراب، ما بهر الألباب، فألفينا موردا عذبا، ومحلا رحبا، كأن أطباقه مقل الجفون، ملئت من قرة العيون، وأكواسه مراشف الحور، تعل بنطف الثغور، طلعت منها شجرة مباركة النوى {أصلها ثابت وفرعها في السماء} (ابراهيم: 24) صيغ عودها من الحلي المنيل، وقام عمودها كأنبوب السقي المذلل، والتفت بأغصانها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 التفات الذوائب الجعدة، والتقت أفنانها التقاء الصعدة بالصعدة، فبينا نحن نعجب من شانها، ونستغرب مناظر زهرها وأفنانها، إذ سطع من جرثومتها دخان المجمر، وارتفع من خلال لبسها غبار العرف المعطر، من دون أن يبدو إلى العيان نارها، ويعلم أين يوقد هنديها وغارها، فقلنا: تبارك الله كيف تحرق نار تخالها هامدة، وتورق أشجار تحسبها جامدة، إن الذي أنطق الجذع والحصى، وخلق الحية من العصا، والنار بعد أن كانت ضراما، وقال: كوني على إبراهيم بردا وسلاما، لقادر على أن يورق الصلاد، كما أنطق الجماد، وعلى أن يعمل النار في الخمود، كما أبطلها عند الوقود، وقام بالجريال ساق جعل المنديل، مكان حمائل السيف الطويل، وأدار نجوما بروجها أيدينا، وشموسا تطلع منه وتغرب فينا، ولما [كنت] لا أشرب إلا مشتبه الشراب، كالمزر والد وشاب، قدم إلي قعب من نبيذ الأزاذ، ومصري الداذ، فرفع نديمي شهابا، وأبرزت أنا غرابا: [لو تراني وفي يدي قدح الدشاب أبصرت بازيار غراب] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 وفي فصل: وأوحي إلى المزمار أن ينطق، وإلى الأوتار أن تخفق، وإلى الغناء أن يذوب القلوب، ويشق الجيوب، ويحث الشمول، ويكفي الساقي أن يقول، وقد أسبلت على بهو السماع وقبة الغناء قطعة من الخسروان اللازوردية، قد ألهب بالذهب نحورها وحواشيها، وقرنت بالعسجد أسافلها وأعاليها، وكحلت بأسلاك الجوهر خطوطها ورسومها، ووصلت بالياقوت الأحمر دوائرها ورقومها، فجاءت كطرة نقطت [بالنجوم] ، ولبة الفجر رصعت بغير كواكب الرجوم، فاندفعت منها بلابل المداري تغرد، وحمائم الأوتار تصوب وتصعد، وأطيار المعازف تتجاوب، وأصناف [117 ب] الملاهي تتناوب، وأقبلت نجوم الطاس تنكدر في الصدور، وقلوب الناس تنتثر في الحجور، وما بقي عقل لم يقع في شرك، ولا جيب كان في سقه من درك. وفي فصل: ثم خرجت بعد إلى المظفر [الرئيس] أبي مناد، فكأن أيام طريقي إليه، كانت كفارة لما أصررت في المرية عليه، وتمحيصا لذنب شرب المزر، وتضييع حق الخمر، ولم أر في التناقص علي عارا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 ولا قنعت بابهام السر حتى يكون جهازا، فعوضني من وقود الراح ببرد الرياح، ومن دبيب العقار بسكوب الأمطار، ومن هدير الكيزان بنعيب الغربان، ومن أنس الخيمات بوحش الفلاة، حتى أتيت حضرة الرئيس الأجل فألفيته غائبا، فكتبت إلى الوزير أبي عثمان رقعة أقول فيها: إذا كانت بأساء إثر نعماء، ومست ضراء بعد سراء، وافقت كاهلا لدنا فأثقلته، وخاطرا رطبا فأوحلته، وإني فصلت عن تلك الحضرة بعد أيام الشباب، وليال كذوائب الكعاب، سكنا منها في السواد من القلوب، وسلكنا بين المخانق والجيوب، أنقل من يد إلى يد، وأحمل بين جفن وخلد، إن ظمئت سقيت برد السرور على الأكباد، أو طربت أطمعت حلاوة الوداد في الاخلاد؛ ولله يوم " التاج " و " الزاهر "، عند الملك الماجد الباهر، فيا له من أنس وطيب، بين الخورنق والكثيب، في مجلس كأنما ألفت قواريره من خدود وثغور، وثماره من نهود ونحور، صعدنا فيه إلى العلياء، وصرنا كأننا من أهل السماء، نشرب النجوم بالأقداح، ونحيي الجسوم بالأرواح، فبتنا فاكهين فرحين، نزمر بالكؤوس، ونرقص بالرءوس، ونثاقف الاخوان، ونواقف الندمان، مواقفه الكرام، بشرب المدام، لا بحد الحسام، نسقي ود الصديق للصديق، ونطلب الصبوح بثار الغبوق، حتى أخجلنا الشمس بضياء الراح، وقمنا نقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 السراج من ضوء الصباح، وقلنا: دين المسيح، يعبده كل مليح، فطفنا حول الدنان، بمصابيح الرهبان، وما زلنا نسمع باقتراح، ونشرب على ارتياح، ونصل اغتباقا باصطباح، حتى شبت مصابيحنا لقفال، وحان أوان ظعن وارتحال، فخرجت كالمقلة استلت من الأشفار، والنفس انتزعت من فلوذ أعشار، ثم ارتحلت من الغد عن مقام كريم، إلى عذاب أليم، لا أملك فيه أدمعي، ولا أجد نفسي معي، وسرنا بين جبال وحشة، ومياه دهشة، فصاردتنا من ريح عاد، ذات صر وأبراد، أضرمت نار البرحاء، وكظمت أنفاس الصعداء، ومن أخذ بكظمه كيف يرجو الحياة، ومن أطبق بغمه أين يجد النجاة -! وما شك غمام الثلج المنثور، أني من أصحاب [118 أ] القبور، فجعل يهدي إلي حنوطا وذرورا، ويندف علي قطنا ينثر كافورا، فلما تمت الأكفان، وصح الاندفان، طلعت إلي غرة الحاجب سيف الدولة أبي الفتوح، فقمت وقد انجلت عني المحن، وانتفضت فطار القبر والكفن، ومد إلي يد الرضوان، وغمسني في نهر الحيوان، فجعلت أطرف كما يطرف الفجر في سدفه الليل، وأنبت الحبة في حميل السيل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 ورأيت ملكا تقرأ النفاسة بين عينيه، وتبصر الرياسة طلوع يديه، حلي السيف باسمه فرقت مضاربه، وتوج الملك مفرقه فعزت جوانبه، جواد يندى في كفه الجماد، وتقدح بنبله الزناد، ويقتبس من وجهه الكوكب الوقاد، وعلى أعراقها تجري الجياد؛ كيف يعجب للسيف أن يقطع، ومن حديد الهند طبع، وللبدر أن يشرق، ومن نور الشمس استرق، وللبحر أن يزخر، وعن الريح المرسلة أخبر. وفي فصل: فلما كمل المراد، ووقفت حيث وقف الاجتهاد، كتبت إلى ذي الوزارتين الكاتب أبي محمد بن عبد البر أستريح إليه بأنبائي، وأصف ارتجاج الجو من برحائي، رقعة أقول فيها: سيدي وسندي، وسهمة يدي، ونعمة أبدي، ومن أبقاه الله معافى من النوب، موقى من وعثاء السفر وسوء المنقلب، كم لله من منن جزيلة، وأياد جميلة، وعوارف وكيدة، وعواطف حميدة، وإن أولى نعمة بالشكر، وأحجى قسمة بالذكر، نعمة صرفت بأساء، ومسرة دفعت غماء، وإني كتبت بعد حال متى حوسبت بها فهي النوتة الأولى، أو جوزيت عليها فلي النجاة الطولى، لأن الله أكرم من أن يميت أكثر من ميتتين، أو يعذب أحدا عذابي مرتين، مع ما منيت به من تطاول الأسفار، ومقاساة الضرار، ولو أن هذا يكون مع صدق وأمل، ونجح وعمل، لبرد غليلا، وكان تعليلا، فكيف وما هو إلا رجاء سراب، ووجدان حساب. وإني فصلت من ألش والشمس مجلوة الناظر، والجو كمقلة الساهر، فما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 كان إلا ك " ما " حتى التقت أجفان الغمام، ثم هلت إليه هل الدموع السجام، وصرنا بين صعيد زلق، وسماء طبق، ينثر قطره نبالا ويمطر وبله وبالا، وما زال الرعد يقصف، والمزن يكف، حتى خلت البحر صار سقفا، والسماء قد اسقطت علي كسفا، واستنجز القضاء، والتقى الماء والماء، فكلما أوينا إلى جدار كاد ينقض، أو لجأنا إلى قرار خسفت به الأرض، وقلنا: سنأوي إلى جبل يعصمنا من الماء. ويقينا معرة هذه البأساء، فما كان إلا أن لذنا بجانب الطور الغربي، وأستدنا إلى هضبة [118 ب] الفسطاط الشرقي، وهناك [من] يشرح لك سره، ويوضح عندك أمره، فكأن الله قد تجلى للجبل فجعله دكا، أو كاد موسى ينتقه علينا نتقا، فانحدر هضابا، وتقطع آرابا، وأهوى إلى الوهدة التي كنا في طباقها، والعقدة التي حصلنا بين أطباقها، فلم نشك في أننا من أهل القبور، قد صبت علينا أرازب منكر ونكير، ولولا أن الله لقننا الحجة، ولأوضح لنا المحجة، وأعاننا على الخصمين، وعلمنا التخلص من النكيرين، لضغطنا ضغطة القبر، ونالتنا معرة الفقر؛ ثم إننا أخذنا في الهرب، وأخذت السيول والأمطار في الطلب، فتارة نقع من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 الوعر في شرك، وأخرى نهفو من الوحل في درك، حتى وصلنا أوريولة، ولا نراها من تراكم الظلم، واختلاط العشايا بالعتم، إلى أن ضربت في أسوارها جباهنا، فامتلأت من غبارها أفواهنا، والدجى يكفننا بظلمائه، والثرى يدفننا في طينه ومائه. وفي فصل: ومرت لنا الأيام لا نستطيع براحا، ولا نلذ غدوا ولا رواحا، فلما انقطعت ليال خمس، التفتنا الشمس التفات البكر، من خلال الستر، وصمت الماء من خريره، والهواء من صريره، فقلنا: قد يكون الرضى صماتا، والإذن التفاتا، وأخذنا في التفويض، وأسرعنا بالنهوض، وما زلنا في مسلكنا نموت ونحيا، ونتقلب بين الآخرة والأولى، حتى اصطلينا بنار الحباحب سيف الدولة أبي الفتوح، فقابل بوجه طلق وخلق سمح، فلما صرنا في ذراه، وكنفتنا نعماه، أنشدنا: فقل للسماء ارعدي وابرقي ... فانا رجعنا إلى المنزل وفي فصل: ثم اما حان إيابي، وزمت ركابي، إذا بكتاب المعتصم بالله إلى المظفر يذكر وفاة خاله المنصور بن أبي عامر، فلزمني الكتاب إليه، فكتبت ورجلي في غرز الواثب، وهنا قبل سقط الراكب، فإن كانت سقطة في كلامي، أو عثرة من أقلامي، فإنما أوجبتها حقحقة السير ومسابقة السيل؛ وكان كتابي: يا مولاي وسيدي المنعم، ومن لا زالت وجوه الكوارث عنه مصدودة، وأيدي الحوادث دونه مسدودة، بقاء المرء - أيدك الله - لفناء أسلافه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 ونماء أخلافه، كرامة للأدب، وسعادة للعقب، فما للإنسان يكون هلوعا، إذا مسه الخير منوعا، واذا مسه الشر جزوعا وإن كان المنصور مات فقيدا، فقد عاش حميدا، أو أمسى ملحودا، فطالما أصبح معمودا، لبث في أهله سنينا، وأقام في سلطانه مكينا، بين شفاء نفس، واستيفاء أنس، [119أ] وتوطيد دولة، وإقامة سنة، وحماية أمة، حتى كمل جده، وأتاه بالموت وعده، فذوى دوحه وقد أثمر غرسك، وأفل بدره وقد بزغت شمسك، فقال المجد: هذا ربي هذا أكبر، وصاح الملك: هذا ردئي، هذا أكثر، فهل هذه - أيدك الله - نعمة صغرى، أم هي قسمة ضيزى، وهل طفئ سراج ناب عنه صباح، أو خفي منهاج دل عليه مصباح، أو هلك هالك، عقبه مالك. وفي فصل: ثم توجهت تلقاء مدين الأصعد، وموطن السؤدد، حضرة المعتضد بالله، وكان طريقي إليها على قرطبة، وكثيرا ما كنت اقترح بإتيانها، وإن كانت على هرم، وأتمنى وقفة فيها ولو على قدم، وأرغب زيارتها ولو اماما، وأود رؤيتها ولو مناما، لألمح دار الخلافة، وأرى بيت الرياسة، فخرج إلي أبو الحسن بن يحيى الوزير الجوهري، فأراني بحسن سمته وكلامه، ورجاحة عقله وتمامه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 مراتب الوزراء المتقدمين، ومناصب الفضلاء السابقين، فلما أديت الرسالة جعلت أسلك في منازة المدينة، وأنظر من تلك المشابه المبينة، فاذا برسومها قائمة الأعلام، ورموزها مفهومة الكلام، ونصبها ماثلة الشكل والقيام، إلا أنها كرداح مستها زمانه، وربحلة أدركتها من السن مهانة، لم يبق فيها إلا رسوم من الحسن كانتشاء الطرف، وإن مالت أجفان، وخطوط من الجمال كاعتدال الأنف، وإن سقطت أسنان، لكنها لم تفارق عطرها، وإن كانت بعد عروس، ولا تركت بزها وإن لم تطمع بمسيس، ولا دنست ثيابها، وإن كانت أسمالا، ولا عقت شبابها، وإن تجاوزت اكتهالا، فوقع بين قلبي ورونقها سفاح، لم يصدقه نكاح، وأمتع شمسي بمعتقها لصوق، لم يلحقه رفث ولا فسوق، ووقفت بالقصر المرواني، وطفت على المصنع القحطاني، وانتبذت إلى المنزه العبدي الرحماني، فاذا الثلاث الأثافي والديار البلاقع، فأخذت بالسنة في ديار ثمود، أسكب الدموع وأمجد المعبود، فقال قريبنا: هنا كانت قصورهم، وهنالك هي قبورهم، قد صارت مفاصلهم ترابا، ومساكنهم يبابا، وقد عادوا يسكنون القبور، وكانوا يستهجنون القصور، وظلوا يعتنقون الجلمود، وكانوا يسترهفون النهود، وصاروا يلزمون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 الطين، وكانوا يملون حشايا اللين، فقلت: أين من كان هنا من القيول الأبية، والملوك الأموية، ذوي التيجان المنظومة بالمرجان، والملابس المرقومة بالعقيان، والفرش المرفوعة إلى السكاك، والعرش الموضوعة على السماك، وقد نضدت بالنمارق، ومهدت على الأرائك، وحفت بالجنود [119 ب] عند القعود للسلام والأحكام، وأين أسراب تلك الجواري الكنس، في هروط السندس، كأنما ما استعارت من الكثبان أكفالا، ولا من الأغصان اعتدالا، ولا من الروض أردانا، ولا من الظباء أجفانا، ولا رنت إحداهن عن جفن هم بالتهويم، فنبه النديم، ونظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم، والآن: قد كحلت تلك العيون بالتراب، وكان كحلها كحلا، ولصقت تلك الخدود بالكثبان وكان تقبيلها أملا، وانهالت تلك الأدعاص في الصعيد، وكان التفاتها جذلا؛ فوقعت معتبرا، وما أبقيت عبرة إلا أرسلتها، ولا دمعة إلا أسبلتها، بكاء على المآل، لا على الأطلال، وعلى المصار، لا على تلك الديار، وعلى فقد الأحباب، لا على ذلك الخراب. وفي فصل منها: ثم جئنا إلى المسجد الجامع، ونظرت من تلك المصانع، فرأيت بنيانا بديعا، وإيوانا رفيعا، شاده ذو عزم وتأييد، وبناه أولو قوة وأولو بأس شديد، فكأنما أرسته عاد، أو بنته ملائكة غلاظ شداد. مشينا من رتبة إلى رتبة، ومن قبة إلى قبة، حتى انتهينا إلى المقصورة فألفينا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 سقفا من فضة ومعارج إلى الجنة قد قرط سمكها بالذهب الأحمر، والفلز الأخضر، وبلط سطحها بماء الجوهر، وكافور المرمر، فكأن قبابها [قد] عقدت بالجفون الدعج، والحواجب البلج، وكأن درجات منبرها تكاسير الشعور، مالت على متون الحور، أو مناطق الأعكان، ضمت على الخصور اللدان، ألف من عاج كالمباسم، نقش نقش الدراهم، وأبنوس كالغدائر، طبع الدنانير، وصندل كأطراف البنان، كتبت بهدب الأجفان؛ ثم اعتمدنا إلى المحراب، فكل خر راكعا وأناب، وجيء بمصحف عثمان ذي النورين، يحمل على المفرق واليدين، فلما خلعت مطارفه، وفتحت صحائفه، اذا بمدرج من فردوس الجنات أنبت نباتا أخضر، وطرز كخدود الولدان كما أطلعت الشعر، وكأنما خطت بمجارس النحل، ونضدت من روادف النمل، فاستمد مدادها من قلوب الكافرين، وخلق خلوقها من عيون الشهداء والصديقين، فلذلك لم يحتج بيانه إلى ضبط ونقط، ولا افتقر قرآنه إلى أكثر من ورق وخط، جرى فيه كاتبه على سجية لسانه فأمن اللحن، وأخذ بسنة أهل زمانه فترك العجم والشكل، وأمر بقول رب العالمين {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر: 9) فألصقته بكدي ليبرد ذلك الأوار، وأمرغت فيه خدي عسى ألا تمسه النار، ولمحت الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 أثر دم الشهيد، فجئت [120 أ] من دمعي بأربعة شهود، وقلت: ألا فض فم الحسام كيف قصف لحمة، وأرغم أنف السنان كيف استرعت دمه، وتبا لعبيد الدار كيف أغمدوا شفارهم، وعجبا من بقية الأنصار كيف ضيعوا انتصارهم، و {لا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} (الواقعة: 75) لو شاهدت [يوم] ذلك البرح، لصار القلم في يدي كصدر الرمح، وأضحى المقط في يدي أبيض مثل السيف، ولكانت سكيني هنالك حساما، ويميني عمرا وصمصاما، وقلبي على لينه جمادا، وسعيي على ضعف حويله جهادا، حتى أرمي من رمى في المقتل، وأقتل دونه قتلة المكب المقبل. ثم خرجنا وقد صدئت نفوسنا، ووجلت قلوبنا، وخلت من الدمع عيوننا، ولم يتسع يوم الإقامة، لأكثر من هذه المقامة. باكرت الرحيل، ويممت في الغد الملك الجليل، الذي ضارع به المشرق المغرب، وسادت لحم سائر العرب. فلما فصلت عنها ورأيت من حسنها وجمالها، واتصال مساكنها وظلالها، ما حبس عليه ناظري، وجذب إليه خاطري، فقلت: سقى جديدا من الأيام قرطبة ماء الشباب وريق البارد الخصر وقفا يمد الندى في روضه شرقا من الغمام مع الآصال والبكر كأنه فيه والإمساء يبسطه رداء إلفين قد صاروا إلى وطر حتى إذا شيب كافور الصباح به أضحت تصعده نار من الزهر وبين هذين من لين ومن لطف روح يقيم سجود النجم والشجر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 لليل فيه سواد يستهام به كأنه في سواد العين والشعر وللنهار سنا يحكي تبلجه نور البصيرة مقرونا مع البصر كأنما شمسها تحت الغمام سنا وجه تنفس في مرآته نضر والطل فيها غداة القطر تحسبه حليا سقى زهر اللبات بالدرر وصفحة النهر الفضي مبسمه في روضها مثل خيط الفجر في السحر ثم نفذت لطيتي، وأخذت في وجهتي، وكان لا عهد لي بلقاء المعتضد بالله - تخول الله الدين والدنيا ببقاه، وأدام به على الزمان بهاه - وله من بعد الصيت ورفعه الشان، وفخاخة الذكر وعزة السلطان، ما تهاب النفوس سماعه، كما تألف الجفون اطلاعه، وتجل القلوب [120 ب] مكانه، كما تستلذ العيون عيانه، فأدركني من توهم لقياه، وتخيل سناه، ما يدرك راكب البحر قبل نشر الرياح، وشارب الخمر قبل امتزاج الراح بالراح. وفي فصل: ثم لقيته من الغد فقابلت من وجهه بدرا تأخذ منه البدور، وقبلت من كفه بحرا تغرف منه البحور، ولا غرو أن تغترف من بحر بحار، وتستمد من نور أنوار، فإن مادة البحور، من البحر المسجور، وعلة الأنوار، شمس النهار، وشاهدت منه منظرا استمال عيني حتى عقد به أطرافها، ومخبرا استهوى نفسي حتى كره إلي انصرافها، وظل ينفث من نبله سحرا أضبطه بذهني، وينثر من لفظه درا ألقطه بأذني، حتى صارت لي الثريا قرطا، والمجرة مرطا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 وأخذت في الرسالة، فلما سامح الأدب، وساعد المذهب، قلت: أيدك الله، إن من أرسل رسولا في مهم تطلع، ومن رجا صديقا لدفع ملم توقع، لا سيما إن رجاه شفاء من الخطب، واستهداء هناء لموضع النقب، فقد تعلم كيف نظر السقيم إلى العائد، وناهيك إن كان طبيبا، والتفات المقيم إلى الوارد، ويكفيك إن أورد محبوبا، وإن رئيسي - معظمك - أرسلني إليك وانتظر، وأوفدني عليك ثم استمطر، وقد رأى أن إسعادك مراده، وإنجادك مراده، فلوى عنك ما بطأ السباق، وعاق دونك ما أخر اللحاق، حتى تطاول الزمان، وحالت الأحيان، وفي ذلك من تعذيب نفسه، وإرجاء أنسه، ما يدعو إلى إشفاقك من شغل باله، وارتماضك من نكد حاله، إذ لا يلذ بحال يدري ما له عندك، في حلوه ومره، ولا ينعم ببال حتى يجتلي ما تنهيه إليه من جدك، في يسره وعسره، فلك الفضل في إيشاك إيابي، وإراحة مآبي، حتى أسرع بسرائه، وأقطع بما يزيد في مضائه. فخاطبت بما اقتضيته من إيجابي، وألفيته من سريع اطلابي، وكتبت إلى الوزير أبي الوليد بن زيدون برقعة أقول فيها: لم أزل منذ فارقت الشرق، وتخلفت ذلك الأفق، أتقلب بين ثلج يكفن، ووحل يدفن، وريح تبعث من في القبور، ورعد ينفح في صور النشور، وبرق يرمق أصحاب الجحيم، ويريهم صورة العذاب الأليم، إلى أن وصلت محل العليا، ومنتهى سدرة الدنيا، حضرة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 المعتضد بالله وقلت: {فنعم عقبى الدار} (الرعد: 24) ما ينكر لأهل الجنة السلوك على متن النار، وكنت أسمع أنباءه فأستغرب، وأنزع تلقاءه [121 أ] فأستدني واستقرب، حتى رأيت عيانا، واستوضحت بيانا، فاذا الخبر أزرى بالخبر، [والعيان أربى على الأثر] ، وقلت: بحق سأل الكليم رؤية الرب، وقال ابراهيم {بلى ولكن ليطمئن قلبي} (البقرة: 260] وإني رأيت ملكا لا يصعد الطرف إليه إجلالا، ولا تطيق النفوس عنه انفصالا، قد جمع مهابة العدل، إلى ودادة الفضل، وجلالة المنصب، إلى لطافة الأدب، وركانة القعدد، إلى بشاشة التودد، وبرق الحسام، إلى ودق الأيادي الجسام، إن رمق الأعداء فأجفان نصاله طارفة الشفار، أو وصل الأوداء فأنداد بناته آلفة الأوطار، ضالته الحكمة، وشريعته الحجة، وإن رأى حقيقة أنصف، وإن رمى بحجة أهدف، يصيب بذهنه حدق الغيوب، ويعلم بظنه خائنة الأعين والقلوب: الأ لمعي الذي يظن لك الظن كأن قد رأى وقد سمعا وفي فصل [منها] : والمعتضد بالله لا يدع في ذلك تأنيسي بكل تحفة يهديها مع الأحيان، وطرفة يوليها مع كل دقيقة من الزمان، ولقد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 تاحفني يوما عندما طرأت الأشابيل في النهر، وانسربت من البحر، بعدة أسماك منثنية الذوائب متمكنة الحياة، لدنة النقل والحركات، فظلت في مائها تطير سابحة، وتسبح طائرة، وأقبلت تأخذ مرة جائية وأخرى سائرة، وقد تخمنت بالعقيان في جفونها، وتتوجت بالجمان في عرانينها، وتطوثت بالمرجان في عثانينها، وعذرت بالريحان فوق متونها، وشابت قبل الإسنان بطونها، وأربت على النشوان في اضطرابها ولينها، فأعلمت فكري في شذوذ هذه الصفات، وغرابة هذه الآيات، حتى عرفت تعليلها، وفككت تأويلها، فإذا بها قد شربت ماء نداه فلم يعدم حيوانها، ورأت محياه فخصت بالحلية أجفانها، وقبلت بساط مثواه فطوقت بالدر مراشفها. [فصل] في ذكر الوزير الكاتب أبي جعفر بن جرج والإتيان بقطعة من محاسن نظمه ونثره قال ابن بسام: وكان أبو جعفر وقته أحد الأعلام، وفرسان الكلام، وحل آخر أيام ملوك الطوائف بأفقنا من الدول، محل الشمس من الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 الحمل، فحملها على كاهله، وصرف أعنتها بين أنامله، حسن شارة، وكرم إشارة، وعلو همة، وظهور نعمة، وله رسائل مطبوعة، ومنازع إلى الأدب بعيدة، وقد كتبت في هذا الفصل من نظمه ونثره، ما يعرب عن كنه قدره. جملة من نثره [121 ب] لما حل ابن طاهر أبو عبد الرحمن من وثاقه، وخرج خروج الزبرقان من محاقه، خاطبه برقعة قال فيها: ما أعجب الأيام - أعقبت منها السلامة والسلام - فيما تقضي، وكيف تمضي، تتعاقب بتلوين، وتتراءى بين تقبيح وتحسين، وهي تعتب وتعتب، وتعتذر كما تذنب، وتصدع وتشعب، كما تجد وتلعب، وإن صنيعها عندنا فيك وإن كان ألام فقد أحمد، إذ أخمد ما أوقد، فعاد غيث على ما أفسد، وإن يكن - حمى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 الله دارك، وأدنى أوطارك - كشفت إليك صفحة اعتزاء، وتخطت حماك بقدم اعتداء، فقد تراجعت تمشي على استحياء، متنصلة مما اجترمت، متأسفة على ما اخترمت، وعند مثلك للقدر التسليم، فأنت الخبير العليم، أنه ما اختلف الليل والنهار، إلا بنقض وإمرار، ولا دار الفلك المدار، إلا بطوالع ومغار، وكنت في الأرض من أسنى مطالعها الباهرة الأنوار، فلا غرو أن أدركك ما يدركها من الأفول حينا والسرار. فقد تكسف البدور، ثم تعاودها الاضاءة والنور، والحمد لله أخرجك من ظلمات تلك الغماء، خروج السيف من الجلاء، والبدر بعد الانجلاء، تقي الثياب من تلك الطيخاء، وستر الله تعالى دونك ضاف منسدل، وقدحك في كل حال من بلاء وإعفاء فائز معتدل، ولا تأس على أعراض الدنيا فهي رهينة بزوال وذهاب، " وكل الذي فوق التراب "، هنأك الله وهنأ أهل الفضل فيك طرا هذا الصنع الأجمل، وجزى الله الوزير الأجل [الأكمل] عماد الكل جزاء السادة الذادة الأحرار، ذوي الأنفة والانتصار، فيا لها منقبة [تنقب] في البلاد، ومكرمة غراء ترد بهيما كل أغر جواد، سرى لها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 وقد نامت عيون، وتغاضت جفون، فأحمدت به السرى، حين نضا الصبح ثوب الدجى، وانحسمت تلك الخطوب عن حياته دون حسامه، كما انصدع عن الصديع ممزق ظلامه، ولقد رمى [فأصابت صوائب سهامه، " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى "] (الانفال: 17) وهكذا يكون الرأي الأصيل، والسعي الجليل، والرعي الجميل، والوفاء الذي قصر عنه قصير، أبقاه الله بقاء هذا الأثر، الذي يبقى بعد فناء البشر. ومن جواب أبي عبد الرحمن له على هذا الخطاب: وافى كتابك الكريم رائدا في جناب التسلية، ومنيرا من أفق المشاركة والتهنية، وأي أنس لم أجتن منه وكل فصل فيه أنا الشاكر عنه، والأيام - كما قلت - تلون بين الإسادة والاحسان معلوم، وتقلب [122 أ] بالإنسان قديم، تنقص غب ما تبرم، وتعترض على إثر ما تسلم، فالتفويض إلى الله في خطبها أهدى، والرغبة في ثوابه جل وتعالى أحرى، وكان لها بحكمه [إيغال] في جانبي، وإطلال على نوائبي، عبس لها الزمان إلي وكان مبتسما، وتشعب وما زال منتظما، إلا أنه تعالى بلطفه الحفي، وصنعه الحفي، ألهم إلى الصبر، ودل على ما يعود بالأجر، فسايرت الغمرة كما سايرتني، وتجلدت لها كما نالت مني، وأتاح الله خلالها ذخرا كريما انتضى لي حساما من رأيه صقيلا، وبذل دوني مذهبا في سعيه جميلا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 فابتزني من يد الدهر، وخلطني بنفسه في الحلو والمر، واحدي الوزير الأجل أبا بكر بن عبد العزيز - أحسن الله ذكره، وأدى عني شكره -. وبعد، فحق مساهمتك جليل، وثنائي على مبرئك موصول، ولا ارتياب عندي بانزعاجك أولا وابتهاجك آخرا، وصحة مودتك باطنا وظاهرا. ولأبي جعفر بن جرج من أخرى: ورد كتابك [الكريم] حلو المناسمة جزل الضريم، كما عصفت الريح وهب النسيم، ومعلوم - أعزك الله، والعذر في ذلك قد قدمناه - أن الجذاع لها نشاط، وأن القرح من الإعياء على سقاط، فكيف نذارعك هذا البساط، وأنت تفتن من الكلام بين المطبوع والمصنوع، وتأخذ بطرفي الموصول والمقطوع، فطورا في سهول الوهاد، وطورا على حزون النجاد، فمن لي وكيف لي، بمن سيله يحط الجندل من عل: هو السيل إن واجهته انقدت طوعه وتقاده من جانبيه فيتبع ومن شعره، قال في النسيب: وخذ تأنق صباغه قد اختلفت فيه أصباغه فللدر والورد أبشاره وللمسك والآس أصداغه بديع المحاسن قد صاغه فأبدع ما شاء صواغه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 نتيج من الشمس في قالب من الصبح أحكم إفراغه جبيب له مقلة، طرفها عدو فؤادي لداغه وقال: يا أملح الناس بل [يا] فتنة الناس يا غصن آس لأدواء الهوى آسي يا من أشبهها حسنا إذا طلعت بدرا على غصن يهتز مياس ما لي وما لك تجزيني قلى بهوى كفى بهذا فدتك النفس من باس [122 ب] وقال: كم بالمواكب من زور على رقب خطرا على الهول في غاب القنا الأشب أسمو إلى نير الأفلاك مرتقيا حتى خلوت بشمس الخدر في الحجب وأنجم الجو تبدو في حدائقها كالنور أزهر في أحوى من العشب ثم انثنيت وقد رويت من غلل هميم ولم أنس بقيا الدين والحسب وقال: هم صيروني خيالا غير منتعش لا أستبين من الأسقام في فرش ان الهوى كتب الآجال في مقل ال آجال من أنس عن وصلنا وحش بيض مناظرها سود غدائرها كما تلاقى جيوش الروم والحبش كيف النجاة لقلب بات منتهشا ما بين عقرب ذاك الصدغ والحنش الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 أهله في ليال السعد مطلعها أفلن من كلل هلهلن في غبش جناب روح أرى ورد النعيم به ولا ورود وقد أشفيت من عطش يا عيشة النفس يا روح الحياة لها رحماك لولا رجاك النفس لم تعش وقال: ومذهب الخد لم يذهب بابريز مطرز الصدغ لم يرقم بتطريز قد راق بالنور حتى ما نحدده بأنه بشر إلا بتمييز بدائع بكمال الله شاهدة معجزات سواه أي تعجيز وقال: ساروا فودعهم طرفي وأودعهم قلبي فقد بعدوا عني ولا قرب هم الشموس ففي عيني إذا طلعوا في القادمين وفي قلبي إذا غربوا وله يندب أطلال الزهراء: سقى الله زهراء القصور وإن بدت لعينيك غبراء الدثور حيا المزن فلا جو كالجو الصقيل بأفقنا وذاك الهواء الغض كالملمس اللدن على قدر ما أعطى العيون من الحسن سناها غدت تعطي النفوس من الحزن وكم قد جنت تلك المنى أهلها المنى فأضحت وما غير الأسى رائد اللحن الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 عفا حسنها إلا أزاهر دمنة وعرفا كأن المسك فيها من الدمن [123 أ] تذكرنا تلك المباني بعرفها وبالزهر تلك الأوجه الزهر [في] الحسن إذ الملك فيها والملوك أعزة وفيها الغنى لو كان ذاك الغنى يغني ووقف أبو جعفر بن جرح على قبر أبي عامر بن شهيد فرأى شعره المنقوش الذي يخاطب فيه صاحبه الزجالي: يا صاحبي قم فقد أطلنا أنحن طول المدى هجود - الأبيات؛ فقال أبو جعفر: ماذا طوت ويبها اللحود من كرم فرعه حصيد هذا الشهيدي رهن قبر وشعره ناطق شهيد بادرني في الصفيح منه محاور صحبه مثيد وأفصح القبر باعتبار وامتع القول والنشيد كيف يحير الجواب قوم كالتراب في تربهم هجود قد عفيت منهم جنوب وعفرت منهم خدود ونخرت بالبلى عظام وانتثرت في الثرى الجلود كم شيدوا في الدنا قصورا وقصرهم ملحد مشيد كم نعموا لذة وكم قد غادتهم بالكؤوس غيد ما منهم ان دعا سئول مبدئ قول ولا معيد [ومنها] : الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 أعزز أبا عامر علينا أنك من دوننا الفقيد لو كنت تفدى فدتك نفسي وطارف المال والتليد كم لك من منطق صؤول فصل كما تزأر الأسود أين غماماتك الغوادي يروى بها الوهد والنجود أين وزاراتك الهوادي أين إماراتك الصعود ولت كما أقشعت سحاب فلا بروق ولا رعود أودى عميد الورى فكل ال ورى لفرط الأسى عميد ان تحتصدك المنون حصدا فكل زرع غدا حصيد ولو تنيل العلا خلودا كان لتلك العلا خلود إيه أبا عامر وأنت ال جواد بالقول لا تجود إنا أزرنا الركاب قصدا قبرك حق له القصود كالبيت تهوي إليه شعث ومشعرات الهدي قود جاد بذاك الثرى ربيع كمثل ما جاد منك جود ليزهر النور في ذراه كأنه لفظك البرود يقول من جاءه أوشي أم ذلك المنطق السديد وقال أيضا يرثي أبا بكر بن عمار من قصيد أوله: قد طال ما عمر المرء ابن عمار مستدرجا بأماني وأخطار يملي له وتملى كل ما وطر وللمقادير فيه أي اوطار [123 ب] استدرجته لما قد أدرجته به حتى أتى لمناياه بمقدار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 موارد خفيت عنه كصادرها والحين ما بين إبراد وإصدار وهل معمر قوم خالد أبدا ولو غدا العمر موصولا بأعمار وهل ممتع حال دائم أبدا والدهر رهن باقبال وإدبار مستوزر لم يئل منها إلى وزر كم قد تحمل من أعباء أوزار والمرء محتقب شرا وتحسبه خيرا [لاشكال] إبطان وإظهار تأتي الأمور إذا أقبلن مشكلة لكن تفاسيرها تغري بادبار وليس مقتبل أمرا كمدبر ما خابط الليل كالساري بأنوار ومن يقده الهوى أشفى به عمها على شفا جرف يهوي به هار وان مضى فلقد جد الردى فمضى للمبطلين ببطال ونظار ومحاسن أبي جعفر أشهر مما أثبت، ولا يفي شرط الكتاب بأكثر مما كتبت. فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي الفضل بن حسداي الإسلامي وإيراد جلة من نثره ونظمه كان أبوه يوسف بن حسداي بالأندلس من بيت شرف اليهود، فنجم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 بأفق سرقسطة في ذرا دولة ابن هود، وكان له في الأدب باع، وبما حمل من أعباء تلك الدولة استقلال واضطلاع، وقد رأيت له شعرا لم أروه فأجتلبه، ولا استجدته فأبحث عنه وأطلبه. ونشأ أبو الفضل ابنه هذا صفة احتملها، وكناية اختزلها، هضبة علاء، وجذوة ذكاء. وذهبوا أن جارية ذهبت بلبه، وغلبته على قلبه، فجن بها جنونه، وخلع اليها دينه، وعلم بذلك صاحبها فزفها إليه، ووضع زمامها بين يديه، فتجافى عن موضعه من وصلها، أضيع ما كان بين دلالها ودلها، أنفة من أن يظن الناس أن إسلامه كان من أجلها، فحسن ذكره، وخفي على كثير من الناس أمره. وهو أحد من عني في هذا الاقليم، بالنظر في أنواع التعاليم، على مراتبها، وتناول الفنون من طرقها، وأحكم علم لسان العرب، وبلغ الرتبة العليا من البلاغة في الشعر والأدب، فطارت الكتابة باسمه، وخلت بينه وبين حكمه، ولم يكن له بالشعر [124 أ] فضل عناية، فلم يجر منه إلى بعيد غاية، وقد أثبت من كلامه ما تعلق بحفظي، ووقع في شرط صدري؛ وكان بالجملة كما وصفه أبو عبد الرحمن بن طاهر في فصل من خطاب خاطب به المقتدر بن هود يقول فيه: " والوزير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 الكاتب أبو الفضل، وحيد الفضل وينبوع النبل، وما عدا قول القائل: إن أبا الفضل له فضله وأين في الناس فتى مثله جمع الخلال الزكية فاحتواها، ورأى تلك الجلالة فاحتذاها، وحق لمن ربي في حجرها، وارتضع بدرها، أن يتبين فيه رجحانها، ويتنسم عليه ريحانها، وأن يكون له الشفوف والتبريز، ويتحلى به الجانب العزيز ". جملة ما انتخبته له من ترسيله فصل له من رقعة إلى ابن رزين: كنت أرتاح إذا ومض من أفقه البسام بارق، أوذر من سمته الوضاح شارق، فأقتصر من تلقائه على استنشاق نسيم، وأنى لي من عرار نجد بشميم، حتى ورد ما أمتع بوابل بعد طل، وسقى نهلا ووالى بعل، واستوهب بمعجزي سحر حرام وحل، قد قصر الله عليه الإبداع: [طورا] في الندى ببراعة خطيب وبلاغة كاتب، وطورا في الوغى ببديهة طاعن وروية ضارب، والرب يديم إمتاع أشياعه ببارع جلاله، ويصون عيون الحوادث عن كماله، بمنه. واستوضحت ما أومأ إليه من نشد العبد الآبق، على النهد السابق الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 وقد أعلمت في بقائه المكايد، وبثثت في اقتناصه الحبائل والمراصد، فكأن الرياح تخطفته، والبحار فمرته، والبلاد أخفته وأضمرته، وكيف يظفر بعبد حوش الفؤاد، شكيس القياد، رغب عن خضوع المماليك، ولحق بذ ؤبان الصعاليك، يعتسف شتى المسالك، ويعروري ظهور المهالك، فاتح كاسمه سائح، على أجرد سابح: كأن على أعطافه ثوب ماتح وعسى أن يعود هذا الذاهب وشيكا إلى ملكه، وينتظم المتبدد من سلكه، وإن ند هذا الشارد، فما يأسى له الفاقد، فلا حظ في ارتباط غادر، ولو أربى في البأس على أسد خادر. وما أولاه - أيده الله - أن يرتاد لصنيعه طريق المصنع، ويودعها خير المستودع، وأن يرتاب بالثقات، ويسيء ظنا بالخدم تفرسا في السمات، وقد عري عن الخير من جمع تلك [124 ب] الصفات: من زرقة مقلة، وصفرة بشرة، وحمرة شعرة، لا جرم أنه نزع بدناءة الأروم، إلى أشباهه الروم، فليبعد مثله، فسيناله ما هو أهله، ويوبقه غيه وجهله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 وله من أخرى إلى المستعين يتعذر من خروجه عنه: الدهر - أيده الله مولاي - منتقل متقلب، والدنيا دول وعقب، ومقام القطان في الأوطان، كمقام الأرواح في الأبدان، تصحبها إلى آجال موفاة، عند آماد مستوفاة، فمدد الأحوال مناسبة للأعمار: وإنما الناس نفوس الديار وقد عمرت ذلك الأفق ما امتد المهل، فلما نبا أجد الظعن والتحول، وليس للمملوك على مولاه حق يدعيه، ولا مطلب يقتضيه، وإنما هو إحسان يوثق ويقيد، أو تسريح يطلق فيشرد، قال تعالى {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} (آل عمران: 159) وقال الحكيم: " من لان تألف، ومن شد نفر "؛ ولكل مقام مقال، ولكل زمان رجال، وفي كل مضيق مجال، وقلما اطردت الحظوة في الدول، لمن اختص بالأسلاف الأول، ومن خدم الآباء لم يخدم الأولاد، فضلا عن من خدم الأجداد، وأنا أية تصرفت، وحيث تقلبت، العبد القن، فليحسن بي الظن، فإني لا ألم بنقص ولا ثلم، ولا أهم ببغض ولا وصم. ومن أملي أن ألقى مولاي يوما من الدهر، بوجه يسفر عن أساريره الزهر، صافي الفرند من صدأ [يعيب] ، نقي الأديم من خجل يريب، وله علي من كرم العهد كالئ ورقيب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 وإن أضمرتني من جوانح البلاد حجب وغيوب: فلو كنت بالنقاء أربا سومها لخلتك إلا أن تصد تراني وقد خاطبت من ثقت بوده، وأنست إلى جده، فإن جاد مولاي بالصفح، وعاد بالخلق السمح، فهو الذي يضطره إليه عالي منصبه، وسامي رتبه، وإن صرم الحبل، وجذم الأصل، فهو حكم الزمان الفاسد، ولا نعمى للشامت الحاسد، فليس بالباقي ولا الخالد، فكل عرض ذاهب مع جسمه الفاني، و " ذكر الفتى عمره الثاني " وان استحل حرام، من دار أورثها كرام، فالعفاء على الجفن إذا سلم الحسام، وقد صانه وأغمده، من زانه إذا تقلده، وإن تعدى إلى تغيير الرسوم، فربما لبس على الإقواء ثوب النعيم، وقد قال سقراط: اذا انكسر الحب لم ينكسر المكان، ولا يتسع في تغييره الامكان، ولك في ما تراه المثل الأعلى، وفي ما تتوخاه الشرف الأزكى. قوله: " وانما الناس نفوس الديار " لفظ بيت علي بن محمد الإيادي، حيث [125 أ] يقول: ماتوا فماتت أسفا دارهم وإنما الناس نفوس الديار الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 وقوله: " فالعفاة على الجفن إذا سلم الحسام " من قول المعري في مرثية في أبيه، ومن جملة شعر يقول فيه: وإجلال مغناك اجتهاد مقصر إذا النصل أودى فالعفاة على الجفن وقوله: " فربما لبس مع الإقواء ثوب النعيم " من قول أبي نواس: لمن دمن تزداد طيب نسيم على طول ما أقوت وحسن رسوم تجافى البلى عنهن حتى كأنما لبسن على الإقواء ثوب نعيم وإنما أخذه أبو نواس من قول أحد الأعراب: شطت بهم عنك نية قذف غادرت الشعب غير ملتئم واستودعت سرها الرياض فما تزداد طيبا إلا مع القدم أو من قول الآخر: ما غير الدار بعد ساكنها ريح ولا ديمة ولا مطر كأنها ترعة يمانية قد نشرت في عراصها الحبر وقال الأخطل: لأسماء محتل بناظرة البشر قديم ولما يعفه سالف الدهر يكاد من العرفان يضحك رسمه وكم من ليال للديار ومن شهر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 وقال أبو صخر الهذلي: لليلى بذات الجيش دار عرفتها وأخرى بذات البين آياتها سطر كأنما م الآن لم يتغيرا وقد مر للدارين من بعدنا عصر وقال مزاحم العقيلي: تراها على طول القواء جديدة وعهد المغاني بالحلول قديم وله من أخرى: الناس - أيد الله مولاي - أطوار، وللبصائر ظلم وأنوار، وأكثرهم ساع لأمر لا يدركه، مراع لرأي لا يملكه، والحق مستبهم على من يتعسف المجهل فيما يسلكه، ومن أبصر رشده، واستوضح قصده، أمضى عزمه مجدا في سعيه، ولم يستشر غير نفسه [125 ب] في رأيه، وقد سدد الله تعالى وأنجح المسعى، وقذفتنا غربة النوى، حين هوت بي حيث الإلف والهوى، وله الطول في الإذن والقبول، والتوطئة للحلول، بتمهيد منزل يتبوأ، وبمديد ظل يتفيأ، لا زال فناؤه للقصاد مألفا آهلا، وحرما آمنا. وله من أخرى عن المؤتمن إلى ابن طاهر: محلك - أعزك الله - في طي الجوانح دان وإن شط المزار، وعيانك في أحناء الضلوع باد وإن نزحت الديار، فالنفس فائزة منك بتمثيل الخاطر بأوفر الحظ، والعين الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 نازعة إلى تمتع من لقائك بظفر اللحظ، فلا عائدة أسبغ بردا، ولا موهبة أسوغ وردا، من تفضلك بالخفوف واصلا مسعدا، إلى مأنس يتم بمشاهدتك التئامه، وشمل يتصل بمحاضرتك انتظامه، ولك فضل الإجمال، في الامتناع [من ذلك] بأعظم الآمال، والإعداء على الأيام بقضاء دين ممطول، وإنجاز موعود لم أحل منه بغير تسويف وتعليل، وأنا على شرف سؤددك حاكم، وعلى مشرع سنائك حائم، وأنت - وصل الله سعدك - بسماح شيمك، وسجاحة خلائقك وهممك، تنشي للمؤانسة وعدا، وتوري بالمكارمة زندا، وتقتضي بالمشاركة شكرا حافلا وحمدا. وله من أخرى عنه أيضا: وردني كتابك، أحسن ما أملاه خاطر، واجتلاه ناظر، من ألفاظ ومعان، اطردت في سلك إبداع وبيان، فحيت بالروضة الأنف، وعادت بعذاب النطف، وهو المقال الصادر عن كرم الطبع، الدال على شرف الأصل والفرع، الذي تفتر عن واضح الود مباسمه، وتنشق عن ناضر العهد كمائمه، وتنهل بواكف البر غمائمه، وقد وعيت منه ما توفر به الحظ، وتسوغه السمع واللحظ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 وإن كانت لك مزية السبق بفضل البيان [الذي] يبذ الجاهدين عفوة، ويفوت المجتهدين شأوه، فالتكافؤ واقع بالتساوي، والتوازي نازل بمحض التجازي، اكتفاء بما تضمره القلوب، وتستشفه الغيوب، وهو اليقين الذي تجد النفوس برده، وتقف المعارف عنده. وله عنه من أخرى: أنا على رسمي في الحظ الموفور منك منافس، وإلى عهدك الكريم النضير آنس، ولما انتظم بيننا من مواثيق الوفاء كالئ حارس، وان سدت دون اللقاء المطالع، فما صدت عن الصفاء المشارع، وإني لأدخرك للجلى، وأجيل في الاعتداد بسنائك القدح المعلى، [126 أ] والله يديم للعصر التحلي بمحاسنك، ويوضح سروه بسمات فضائلك: وله من أخرى: إذا انتظمت القلوب - أعزك الله - بالوداد المكين، ووردت بصفائه في المشرع المعين، تساوى البعاد والاقراب، ولم يوحش التوقف والإغباب، ولا مزيد على ما تحققه من جنوحي إلى فضلك، وتصريحي بأحسن الثناء على جلال محلك، واعلم أن عهدك الناضر لا يذوى، وبرك المستجد لا يبلى. وله من أخرى: المقدمات توطئ في الكلام لإيضاح النتائج، وإمرار الكلام على اطراد المناهج، وأما إذا كان المطلوب جليا متبينا، والوداد المرتاد في النفوس زكيا متمكنا، فتكلف ما يستغنى عنه عي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 لا سيما إذا خوطب ذكي ألمعي، ومثلك الحميم الكريم الذي يتيقن صفاؤه، ويدخر وفاؤه؛ وكنت قد خاطبتك مشعرا نيتي في التحول، سوعزمي في التجول، حتى تلقى العصا، وتستقر النوى، حيث الصغو والهوى، وأومئ في ذلك إلى البيت الذي يعرف ويروى: تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ولم تدر أني للمقام أطوف وقد تفسح المسلك بما يسره الله من تملك تلك القاعدة، وأنا بحول الله مزمع للرحيل، إذا انفرجت السبيل، فطولك في إعلامي بحال المسالك من مرسية إلى المغارب المتياسرة والمتباينة، وكيف مكان التشييع حتى يوصل إلى مأمن بذمام لا يخفى وعرف لا ينكر، فأمجدني من ذلك بيانا، كأني قد شاهدته عيانا، فالحازم الذي يسدد إلى الغرض قبل إرسال سهمه. وله [من أخرى] إلى ذي الوزارتين أبي بكر بن عمار عناية بابن الحداد: المحاسن التي تؤثر عنك بالسرو والسناء، والمحامد التي تتلاقى عليك بها ألسنة الثناء، تميل إليك أحناء القلوب، وتقف عليك نخائل الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 الصدور، وقد أصبت بفضل الله حلية الزمان، ومفخر الأوان، ومسمى عيون الأفاضل والأعيان، بما نزعت به من كرم الخلائق، وسمو الهمم السوابق؛ وما زلت - أدام الله عزك - تجلو على المتوسلين إليك صفحات البشر، وتنزلهم في ذراك عرصات الإجمال والبر، فتجني ثمرات المجد، وتتنشق نفحات الشكر [والحمد] . ومن أولئك الأعيان الأكابر، [بل] المبر عليهم بخصائص المآثر، فلان، فاني ما أفاوضك في وصف مناقبه، وأعلمك بكريم ضرائبه، واعتلائه [126 ب] في مراقي العلم وتسنمه، وشفوفه بالبراعة في الإبداع وتقدمه، مفاوضة من يسم لديك غفلا، وينبه خاملا، ويذكر ناسيا، فإنك أعلى ملحظا، وأزكى تيقظا، من أن يغيب عليك مكان مثله، ولا يقرر لديك سمو محله، في إحسانه وفضله، وحسبك به جملة تغني عن التفصيل، مع عالي نظرك الجليل، أني ما عاشرت أكبر منه في البر والصلة، ولا أقوم بحقيقة الود والخلة، ولا ناسمت أطيب منه نفسا، ولا أمتع أنسا، نفاسة خيم، صادرة عن شرف أروم، وأنت خليق بالاستكثار من جانبه، والاجمال في معونة مطالبه. وكتب عن المقتدر إلى أخيه صاحب لاردة: وصلت الهدية التي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 أصدرتها ساحة الفضل، وتضمنتها راحة النبل، وزقها المجد زفاف الهدي ترفل في الحلي والحلل، وتقدم سفير الآس، فأذاع ما حمل من طيب الأنفاس، وتلقيته بما يتقلى مثله من كرام الزوار، إذ كان بحكم الإجماع سيد الزهر والنوار، بدوام عهدته، وبقاء جدته، وتمادي نضرته، وتناولت الظرف الظريف الواصل معه ففضضت ختامه، وترشف مستودعه، وتسوغت منه شمولا معتقة، لذة عبقة، قد تناهت رقة وصفاء، ولم تبق الأيام منها إلا هباء ولألاء، فهي تمنع الكف، ما تبيح الطرف، وأدرتها بالقدح الذي أجلت به معلى القداح، قائما على قدم الإعظام أهز عطف الارتياح، وتخيلت أني في ذلك المألف العزيز حاصل، وفي ذلك المأنس الجليل ماثل، فنحن متلاقيان بعيان الإمحاض، وان تناءينا بالذوات والأشخاص؛ ووصل مبكر البهار الجني، ممتعا بمنظره البهي، وعرفه الذكي، قد شخصت أحداقه، وراقت أوراقه، يمد بنان لهب، ويرنو بحدق حمر [تلتهب] ، كأنه إكليل تبر، مرصع بيواقيت صفر، وهو شبيه الراح لونا ومشما، قد تكافأ بينهما الانتساب، يحكيه منها الجامد، ويحكيها منه المذاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 وأسفر غض الاسفرج، عما خص به ذلك الأفق من التراب الدمث والهواء السجسج، فسقاه الله صوب السحاب، ولا زال مخضر الربى خضل الجناب، واقتضى حكم الأدب المتعارف في السلام والمباداة، رد التحية على سبيل المناولة والمعاطاة، لا على سبيل المعارضة والمباراة، وقد أنفذت ريحانا مشموما، ورحيقا مختوما، ولك الفضل في تسوغ ما سقيت، وتنشق ما أهديت [127 أ] . وله من أخرى إلى المقتدر على لسان النرجس: أنا - وصل الله بهجة سلطانك، ونضرة أوطانك - إذا لحظتي بعين الاعتبار، قائد النور، ووافد الأزهار، وأنا لها جالب وهي طاردة ومبشر بورودها وهي مؤيسة متباعدة، فاني غلبت بما طبعي من التيقظ والذكاء، خلد التراب وصرد الهواء، فقمت عن إساءة الفصل عذرا، ونحلت الشتاء على الربيع فخرا، وفضلت الورد سيد الأزهار طرا، وتورده شاهد خجله، وتسترده من الحياء في أكمته وكلله، فلي عليه فضل العيون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 على الخدود، وشرف على المسود، فبينا أنا سقيم الجفون من غير سقم، مائل الجيد من دون ألم، حتى أتيح لي ظريف من خواصك يقصدني، ونبيل من عبيدك يعتمدني، فأوجست حذرا وتشوقا، حتى أنسني بالكلام تألقا، وقطفني بغير إيلام تلطفا، وحاورني بلفظ يلقنه النوار عيانا، وإن لم يحسن عنه بيانا: يا أيها الزهر الفارد، والنور الشارد، الساحر بحدقه وأجفانه، الناظر بورقه وأغصانه، الباهر بورقه وعقيانه، ما لي أرى قضبك غبرا ذابلة، ومنابتك شعثا ناحلة، وعهدي بك تمج الأنوار ريقتها في ثغورك فتصبح حافلة، وترضع الأنداد أفنانك فتغدو حاملة، فتنوء بجيدك منثنيا، كأنك أصبحت منتشيا، وقد ساءني ما عاينت من ضناك ونحولك، فبادرت جناك لإشفاقا من ذبولك، لأنقلك من جناب النبات الهشيم، إلى جناب السرور المقيم، وتسعد بالفوز العظيم، باستلام راحة الملك الكريم، وفي فصل منها: فليت الرياض تعلم بمكاني فتذبل كمدا، وتدوى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 حسدا، وتراني وقد أنرت في أفقك البهيج، وزهرت في روضك الأرج، فكم تمنى الأزهار أن تضام لديك مطالبي، وتكدر في ذراك مشاربي، فأزل عني حسدهم بكبتهم، فقد شجاهم تقدمي قبل وقتهم، وأكمل مسرتي وتمم أنسي، بلقاء شقيقة نفسي، فإني قسيمها وحميمها، ومني لونها وشميمها، وأنا أسبه بها إذا شجت وأدارت عيون حبب، من حصباء در في أرض ذهب، وطبعي طبعها، وما تقر عيني إلا بدمعها، فلا تحتقر أيها العزيز مناب مثلي واعظا مفصحا، وهنا شفيعا منجحا، فان الأزهار على العموم، تجلو قذى العيون وتفض ختام الهموم، فهي كالثغور أوضحها ابتسام، وكالآلي زانها [127 ب] في الأجياد انتظام. وما مثلت بين يديك إلا لأسم غفل العلم، فالعصا قرعت لذي الحلم، فلا تضه أيها الملك سبق تقدمي، وحق مقدمي، فقد أشخصت طرفي إليك آملا، وبسطت نحوك كفي سائلا، وحسبي أن تلاقيني ببشرك، وتناجيني بفكرك، فتنبه العزم من سنة، وتنشر الحزم من جننه، فلك من براعة العلا، وأصالة النهى، ذكاء يري لأول اقتداح زنده، ومضاء يفري بأيسر هز حده، ولديك من مناهل الكرم، وفواضل النعم، ما يزري بالمزن ويوفي على الديم: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 فانفح لنا من طيب خلقك شيمة إن كانت الأخلاق مما توهب ورو برح ظماي، وانقع صداي، ولا تكل إلى الأنواء سقياي. وله عنه من أخرى إلى المظفر أخيه، وقرن بالرقعة ظرف بلور [أحمر] مملوءا خمرا مع باقة آس، يسليه عن ابن توفي له، واشتد حزنه عليه: لما كانت نفائس المواهب، وخطيرات الرغائب، مرتادة لأجل النفس، التي بها مادة الحياة والحس، وهي نور البدن المبصر وسائسه المدبر، وجب بحكم العقل الذي أفاض عليها سناه، وأفضى إليها بهداه، أن تكون العناية بدوام صحتها، موازية لتقدمها بالفضيلة على البدن ومزيتها، إذ كان لها البقاء وله الفناء، ولها الفوز في المعاد، وله الانتفاض إلى الأضداد؛ وخاصة النفس التي تنفرد بها ولا تشارك فيها معنى السرور والجذل، وغاية الرجاء والأمل، وبه المتاع في الدنيا، والنعيم في الأخرى، ونقيضه الحزن، وهو ألم من آلامها يطمس نورها ويكدر صفاءها، وينغص نعمتها وهناءها، فإذا انجذبت مجيبة لدواعي الهم منقادة في زمانه، ولم تدافعه عند اعتراضه وإلمامه، اشتملت على المضض والنكد، وحصلت في غمرة الركود والتلبد. وبحكم ذلك يحق على الحازم اللبيب، أن لا يني عن الأخذ من أقسام المسرة بأوفى النصيب، فيستمتع بالمواهب أيام مصاحبتها، ولا يجزع عند ارتحالها الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 ومفارقتها، ويستشعر أنها معارة لتؤدى، مودعة لتقضى، فلا يأسف عند اقتضائها وارتجاعها، ولا يأسى عند بينها ووداعها، ويجاهد الهم إذا اعتلج في صدره، بمضاء عزمه وقوة صبره. وقد أسمى الله من مراقي شغفوك وتقدمك، وأوضح من معالي سجاياك وشيمك، بحيث يقتدى بأثرك، ويهتدى بعملك، وحسبي [128 أ] أن أومئ بما عرضته مذكرا، فتلحظه بنظرك الجلي معتبرا، وتعرض عن نوازع الخطوب كقصرا، وتستأنف مقتبل الزمان الأغر الجديد، والدهر الميمون السعيد، فتشرع لمطالعة الأنس بابا، وتمهد لمواصلته جنابا، وقد تعرض لي إلف كنت أصله وأدنيه، فأنا الآن أهجره وأقصيه، فلقي مني انزواء عنه وانقباضا، وشكا مني جفاء وإعراضا، فتصدى ضارعا ملحفا، في أن أرسله نحوك مستعطفا، فأسعفته وأودعته، ما تحمله وأزعجته، وهو - أنس الله مشاهدتك، وأنضر معاهدتك - زائر ملطف يتقد طبعه ذكاء، ومؤنس يستشف ظرفه صفاء، عطر المذاكرة عبق المفاكهة، يفض ختام الهموم بنفح المناسمة وطيب المفاوضة، وقد زار متوصلا برسالتي، متوسلا بشفاعتي، وصار عن يدي وانتقل عن راحتي، وهو المجفو المهجور حتى تأذن بتقريبه وإيثاره، والعامل المصروف حتى تمن بتوليته وإقراره. وكتب على لسان المنجم بلاردة، الملقب بالعافية، وقد أصيبت إحدى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 عينيه، إلى الطبيب بها الملقب بالبرذقون، وقد أصيب إحدى خصييه: أنا أدعو [لك]- يا سيدي ومولاي ومن أنا عبده على العموم - بمعهود الدعاء بدوام النعمة، وأقابله بعد بما يخصه، حسب ما علي ينصه: فوقيت بقراط الطيور تطببا إذا عالج البرسام أو أبرأ البرص من المنسر الأشغى ومن حزة المدى ومن بندق الرامي ومن قصة المقص فهذي دواهي الطير وقيت شرها إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص وقد جرعتني أحداث الدهر غصصا، وعدت مثلوما منتقصا، مشوها بعد اقتبال الجمال، مؤنس اليمين موحش الشمال، كأني شق في قفر، أو حوت موسى في بحر، وقد صنتها برقعة خمار أسود، وأدعي أني أشكو الرمد، وربما سقط فأتبعه باليد، وأنشد قبل أن أنشد: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 ومالي سلو عندما دهتني الأيام بالنقص في أكرم أعضائي وأشرف جوارحي إلا بما أنسني به إخواننا قائلا: هاك حديثا يسليك ويعزيك، بمزيد حظ وصل إلى الحكيم أخيك، فقلت: هات حدثني بالحق عن البرذقون، فلست ممن يؤمن بالأغرقون، فقال: إني اختلست منه في الحمام نظرة فرأيت إحدى خصيتيه في قدر الدلاعة العظيمة، [128 ب] والأخرى على الهيئة القديمة، فقلت له: أراك أبرزت قثاءة في عباءة، قد ركبت باذنجانة وأردفت دباءة. فأطربني طيب نادرته، وأمتعتني خبر لإفادته، وعدت إلى اللازم من مخاطبتك بالتهنئة والإيناس، وما علينا من كلام الناس، وما تخطتني نعمة وفدت عليك، ولا آلمني نقص مع مزيد وصل إليك، والعاقل لا يتنكد بما تراه العوام قبيحا مستحيلا، إذا كان في حكم الخواص حسنا جميلا؛ وفي عظيم إحدى خصيتيك - أنماهما الله - فضائل يعرفها العلماء، ولا يجهلها الحكماء، فقد الفيلسوف: إن البيضتين كالمعلاقتين، تعدلان الجسم، وتسوسان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 البدن، وهما كالمادة للقوة الطبيعية، والمعونة للحرارة الغريزية، ويشبهان بالأثقال تعلق من السقاء فترم رخيه، وتضم قصيه، وإذا عظمت الواحدة، بانت الخصلة الزائدة، فان البناء إنما يزن برصاصة، والمهندس يرصد بشاقول، وربما هجس في نفسك، أنك تصير إلى الفرك من عرسك، فتشدك، وإنما تقصدك: قد حلفت بالله لا أحبه أن طال خصياه وقصر زبه وهذا النشيد، في مثلك بعيد، فان متاعك يطول للصغرى، وتطوله الكبرى، فيتبين اعتداله، ويبدو كماله، وقد سلمتا من التشبيه بفروجين أو أترجتين، ولا يسوغ فيهما ولا يجوز، أن يكونا كثنتي حنظل في ظرف عجوز؛ أستغفر الله، وكيف تفركك غانية، أو تعتصم منك مخدرة، وما على ظهرها خود إلا وهي إذا عثرت في مرطها أعيذت باسمك الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 ولا فتاة عروب إلا وهي تستغشي من غير نعسة رجاء في لقاء خيالك، ولا محبوبة مصونة إلا وهي ترقع الكوى بالمحاجر لممرك، وهل في تمامك ريب فيعالج بحجة، أو في فضلك رد فيثبت ببينة، وقد استويت الآن بأثقالك، واعتدلت بأرطالك، ولوددت أن الأيام أعطتني ما منحتك زيادة على ما نقصتني فكانت تكمل صناعتي، وتنفق بضاعتي، ولا ستغنيت عن اسطرلاب كري، وكرة ذات كرسي، إذ كنت أعوذ من الأدرة، إلى أصح كرة، قد ماسها جرم أسطواني، ومخروط عصباني، يكون تارة عضادة اسطرلاب، وتارة مقياس باب. وما أنا وتمني ما لا أدرك، وحسد ما لا أبلغ!! الآن عدت فائقا في الجماع، وليس العيان كالسماع، فالخصية إذا عظم جرمها، وكبر حجمها، تضاعفت في التوليد قوتها، وتزايدت مادتها، ولك المزية، فإنك إنسان حجلي، أو حجلي إنسي، [129 أ] فقد ذكر صاحب كتاب الحيوان أن إناث القبج الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 تستقبل الذكورة، فتتنسم الريح تهب من تلقائها فتحبل، وتصيخ للصوت يصل من تلقائها فتحمل، فاسحب أذيالك فاخرا، فقد تقدمت أولا وآخرا، فلك من جهة الإنسانية سبقك في الفضائل، وحلاوة الشمائل، وحرارة النادرة، وطيب الفكاهة، مع شفوفك في الصناعة، فعلاجك في الاصابة واللطف كأنه وحي أو أخذ بالكف، إذ كنت تهزل بجالينوس، وتلهو بلحية اسقليبيوس، فإنك من فرقة أصحاب الحيل، وهذا رأي أتاك من جهة مزاج الحجل، فنصرت تاسلاس، على جميع الناس، وغنيت بجنس الاسترسال والاحتباس، عن هذيان أصحاب القياس؛ وأما فضلك من جهة القبج فهناك الملاحة والحلاوة، والرشاقة والطلاوة، فلك من جمال الشفة، ما يعرفه أهل النصفة، فقد قبح كل لمى بالسمرة، وحسن لماك بفضل الحمرة، فالحسن أحمر، وهذا حق لا ينكر، ولك من جهة المشي ما جهدت الطير في امتثاله، كلفا بجماله، وربما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 تشبهت بمشي الحجل، فينلن الحسن بالحيل: وكم من غراب رام مشية قبجة فأني ممشاه ولم يمش كالحجل وما تفعل برقة ساقك مع عموم محاسنك وبراعة حلاك، فلا تحفل بقول الراجز الجلف، فكلامه يخرج إلى الخلف: وهل علمت يا قفي التتفله ومرسن العجل وساق الحجله وهذا الغزال، وهو النهاية في الجمال، له دقة الشوى ونشوز القرن وصدع الظلف؛ والطاووس - وهو الغاية في الحسن - له قبح الرجلين وعرى الساقين، وإنما يوصف الشيء بالأغلب عليه، فيذكر به وينسب إليه، فقد برعت وبهرت وقهرت، فأنت كالشمس لا يتعلق بها دنس ولا ثلب، وما يضر القمر أن ينبحه كلب. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 جوابها من إنشائه أيضا على لسان الحكيم البرذقون المذكور: يا سيدي الذي أعترف بخصائصه التي انفرد بجمالها، وأقر له بمحاسنه التي استبدت بكمالها، وإن كانت قد دبت عقارب حسادته، وما يستطيع أن ينسلخ عن ذميم عادته، ووجدته قد نعى بصره، وشكا عوره، وأثنى على شرجي، ولم يحفل بعرجي: إن في الجسم دماميل وقرحات ملحه ليتها في عين من يز عمها مالا وصحة وقبح الله النهم فعنه تكون العلل المتولدة، وكل داء أصله البردة، ومع ما ركب في من الشره [129 ب] إلى المأكل، فإني متطفل على استجازة أكل الخجل، فأذهب الله نفسي، يوم أروم أكل أبناء جنسي، إذن أكون كالرنج الأجناس، الذين يستجيزون أكل لحوم الناس، بل أني أطلبها من مظانها وأرتادها، وأنصب لها الحبائل واصطادها، ثم أرسلها أسرابا وأفواجا، وأسرحها فرادى وأزواجا، وأنشد متمثلا: أيا شبه ليلى لا تراعي فأنني لك اليوم من وحشية لصديق وإن تكن - جعلت فداك - قد أصابك عور، ونالك منه ضعف وخور الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 وهو نقص في الظاهر ومزيد في الباطن، فقد حبيت باجماع نور البصر وكان متفرقا، واتحاده وكان مبددا، فقد كان النور مرسلا إلى الحدقتين في العصبتين الجوفاوين، فلما انسد ثقب الواحدة عاد إلى الأخرى موفورا، وشفع بنورها نورا، كالحال في القمر يطلع في لياليه البيض، ساطع السناء باهر الوميض، يجلو الدياجي، فيهدي الساري، فإذا غرقت أعقابه، وتكامل غيابه، فقدته النجوم، فاعتراها الوجوم، ولفها الليل في ملاءة دياجيه، وأردف أعجازه ونأى بهواديه، فلو جمعت الكواكب منتظمة في القدر، لكانت أضعاف البدر، وهي على ما هي عليه من الانتثار، لا تهدي الساري قصد الآثار، فبصرك الآن بحمد الله أجمع نورا، وأضوأ شعاعا، وأنفذ نظرا وأبعد اطلاعا، ولذلك قال القائل: شمس الضحى يعشي العيون ضياؤها إلا إذا نظرت بعين واحدة فذاك تاه العور واحتقروا الورى فاعرف فضيلتهم وخذها فائده نقصان جارحة أعانت أختها فكأنما قويت بعين زائدة والعقاب الكاسر، والنسر الطائر، وابن الماء المحلق، بالإضافة إليك خفافيش، وبالمقايسة بك أخلاد، وقد أزويت بزرقاء اليمامة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 وما يبعد أن تحسب في لحظة ألف حمامة، وترى حضنا من أقصى تهامة، فحدثنا عن هقعة لجوزاء أو نثرة السرطان: هل هي كواكب صغار منتظمة، أو [لطخة] سحابية مظلمة - فان بصرك يدرك حقيقة ذلك ولا يكل عن نيل مداه، وبلوغ أقصاه؛ وأما رؤيتك الثريا سبعة أنجم فهو ما لا يفخر به مثلك، وإنما يقاس به الحديد البصر، وأنت في ذلك أقوى البشر. وحدثنا عن كلف القمر ما هو - واشرح لنا الحال في قطر السحاب كيف هو - فإنك تبصره مجتمعا قبل ان يصير بددا، وتلحظه ذائبا [130 أ] قبل ان يجمد بردا، وهذا كله مما تراه عيانا، فأمجدنا فيه بيانا، ولولا أنك عند الفقهاء غير مقبول لما تدعيه من [علم] التأثير، إذ يرمون أهله بالتعثير، لبشرت بهلال العيد بعد الاجتماع بساعتين، وبعده عن الشمس بدرجتين، وقد كنت بالأمس، عند رفع الأسطرلاب إلى الشمس، تغمض إحدى عينيك لتعدل لك رؤية الشعاع، وموضع العضادة في أخذ الارتفاع، وقد كفيت ذلك بالعور، مع زيادة النظر؛ ولأمر ما تلطف أهل الثغر في عورك، فليس عندك شيء من خبرك، إذ صرت رابئة تنذرهم بالخيل على بعد مراحل ومسافة أيام، فأنت عندهم من أكرم البرية، وأجدى من منار الاسكندرية، لكنهم لم يشعروا أنك الدجال المنظر، وقد خرجت عليهم بخروج عينيك، وبرزت إليهم ببروزها عنك. فان اعترض معترض وقال: إن الدجال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 يقدمه خروج الدابة، فان يكن هذا هو الدجال فأين الدابة - فالجواب: أنك كنت الدابة ثم صرت بالعور دجالا. وقد جال الصدق في ذلك مجالا؛ وأنت قيطوس دابة البحر تعوم في حبك الماء، وتسبح [مثل] لها في فلك السماء، فان صورة قيطوس التي أثبتها جالينوس كواكب تعرف بدابة البحر، وبطنها غائص في كواكب النهر، فذنبها مما يلي الدلو حيث ينصب ماؤه في فم الحوت الجنوبية، وبأعلى عرفها المعروج، كواكب الحوت من فلك البروج، فهي مغمورة من كل ناحية بالمياه، مأنوسة بالأقارب والأشباه، وقد فازت بالطبع المعتدل، بما حازت من مجاورة برج الحمل، فهذا المجد الباذخ، والأصل الراسخ، والفرع الشامخ؛ فأنت حقا الدجال الأعور، والقائم المنتظر، الذي نبأنا به الأثر، نسأل الله أن يعزنا بأعلامك، وينصرنا في أيامك، ونبتهل إليه في أن يكفينا أشراطك، ويزري عنا تعديك ولإفراطك، حتى إذا ظلمت وجرت، وغيرت وبدلت، قذف بك في قرار اليم العظيم، والتقمك الحوت وأنت مليم، إن الله بعباده لرءوف رحيم. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 وله من رقعة عن المقتدر عناية بالحصري: ما أثل من مجدك وعلائك، وأكمل من سروك وسنائك، وأصدر عنك من محاسن الشيم، وقصر عليك من معالي الهمم، يقود إليك الأهواء تنتحيك بصفو ودادها، وتعتفيك بصدق ارتيادها، وما زال ذراك الرفيع سابغا على ذوي الأخطار ظله، غامرا لذوي الآداب إفضاله باهرا فضله، وأحقهم بأجزل البر الأوفى، من هاجر إليه على بعد المدى، [130 ب] مهلا بمحامده ومدائحه، مستشعرا لميامن قصده ومناجحه، وهو الشيخ الفاضل الكامل أبو الحسن بن عبد الغني، ألم بجهتي - جهتك - فوفد علي منه الوافد الأثير والزائر الكريم، وأنس بذكاء مناسمته، وأمتع بجمال محاضرته، وهو البارع المتقدم في إحسانه، وتصرفه في الإبداع وافتتانه، وربما تقول كاشح، ونمق كادح، وزور حاسد، وأوهم خب معاند، لأجل استقراره في ذلك الجانب، واشتماله بظل المجانب، أنه انحرف بصفو وداد، أو حرف بقول واعتقاد، والله تعالى قد شرف رتبتك ونزه منصبك عن الاصغاء إلى تنميق الوشاة، والإجازة لكيد العداة، والارتياب بعهده المخلصين الثقات، وعصم النبيل النبيه مثله، ممن زكى الله [دينه] وعقله، من العدول عما دان به، واعتلق بسببه، من الاعتزاء إلى ولائك، [والتشيع في عليائك] ، والتشرع بمدحك وثنائك. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 ومن شعر أبي الفضل من ذلك أبيات اندرجت له في تلك الرسالة المتقدمة على لسان النرجس: تقضى زمان، طائر الأنس عنده مذود وسرب اللهو فيه مروع وطال انتظاري دولة الوصل بعدها تصرم بالهجران مشتى ومربع عرضت له حبي فأعرض جانبا ولكن رعى عهدي الذي لا يضيع وأرسلني كيما أدل بحرمة لديك بها حق كريم مشفع فأقبلت أستجدي رضاك وان تعد يسارع إلى وصلي المحبون أجمع وها فاعتبر من منبتي وتقلبي فكل لأصل واحد يتفرع لأوى بجثماني البلى وأباده وأثبت روحا نيرا يتطلع يرى الوهم منه جوهرا متضرما يروق ونشرا ساطعا يتضوع كذلك أجسام تبيد وأنفس إلى الشرف الأعلى تعود وترجع وما العيش إلا فرصة يستديمها اللبيب بأثمار السرور فيمتع فبادر زمان الأنس واعمر جنابه فزاهره ريان بالحسن ينزع ولا تمصل اللذات عمرك مثلما يسوف بالدين الغريم ويدفع وكتب إليه ذو الوزارتين أبو عامر بن الفرج: [131 أ] . إن كان عندك شيء من الدياخيلون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 فابعث به تتعوض منه بشكر ثمين فان عندي خراجا من بابسة التليين ولا يكن مثل شعري من الطراز الدون قد قلت بالمزج أجري بطبع دهر خئون فإن تزيدت زدنا من نوع هذا الجنون عساه يجنح بعد حرب زبون فالشبه يألف شبها والمثل مثل القرين فأجابه أبو الفضل: يا آخذا باليمين في المجد شتى الفنون سلم لعلمي في الطب والقراباذين لا ينبغي أن يداوى الخراج بالتسليين [حتى يقوم ردع ال أخلاط بالتسكين] وقد بعثت شرابا يعزى إلى الزرجون يغني إذا ذقته عن شراب الافسنتين ولأبي الفضل: أيها الماء الذي لولاه ما برح الإسلام يشكو الغصصا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 جملة مني ولا حاجة لي في حديثي أن أطيل القصصا أبدا تقنص أطيار العلا مستفيدا فاتخذني قنصا وانثر الحب فإني طائر غرد لا أتعدى القفصا وله: يا صاحبي سلا هل سال نعمان بعدي وأورق فيه الطلح والبان قالا نعم سال جريا في مدائنه وأمرعت منه وبطنان أنى ولم يسر طيف للسحاب به ولا تندت بدمع منه أجفان بلى كفاه أبو عيسى وأحسبه نداه فهو روي الشرب سيحان رأى الغمائم في عسر فأقرضها إن الجزاء على الإحسان إحسان سجية هو منها موسر كرما حاز الكمال فما يعروه نقصان حي الخيام فلي في الحي آنسة واقرا السلام فلي بالجزع إخوان تسير نفسي اليهم والحداة بها هوى وشوق وتأميل وإذعان أطوي المراحل ى ألوي على وطر يشجي ولو ذكرت بالعهد أوطان قد أنكر [-.ٍ من نفسي معالمها وفي المجاهل لي أنس وعرفان أرض يجلق والنهرين مونقة أريضة كلها قصر وبستان [131 ب] أمست دياري خلاء في معاهدها وحلها ديسم بعدي وسرحان إذا نبا بلد يوما بساكنه ففي سواه له أهل وجيران وفي جناب أبي عيسى لنا بدل إذ قطعت من حبال الوصل أقران الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 حتى يمهدني قطر قرارته تيماء والهضبة العلياء عمران هو المجير من الأيام إن غدرت وهي وبعض من الإخوان خوان وأخبرني أبو عامر ابن الفرج قال: كنت بحصن روطة ضيفا عند ابن المرشاني، واتصلت مجالس أنسنا بها وغبوقا، وأظلنا العيد، وورد الوزير أبو الفضل من سرقسطة، فكتب إلى ابن المرشاني بشعر يقول فيه: العيد أيام أكل ومشرب وبعال وقد أكلنا فهات اسقنا من الجريال إذ لا نكاح لنا في محرم أو حلال إلا ما نرتجي من نكاح طيف الحيال قال أبو عامر: فكلفني فجاوبته فقلت، وبعث إليه بما رغب إليه: زفت إليك عروس بكر من الجريال قميصها ذهبي كالشمس في الآصال وحليها فضي منظم كاللآلي فدونك اشرب هنيئا لا زلت ناعم بال واجمع من الطيف بين الشنوف والخلخال الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 ومعنى هذا البيت كقول الكاتب أبي الحسن صالح الشنتمري، وقد تقدم إنشاءه: أسنى ليالي الدهر عندي ليلة لم أخل فيها الكاس من إعمال فرقت فيها بين جفني والكرى وجمعت بين القرط والخلخال وأنشدت لأبي الفضل: وأطربنا غيم يمازح شمسه فيستر طورا بالسحاب ويكشف ترى قزحا في الجو يفتح قوسه مكبا على قطن من الثلج يندف وذكرت بما وصفه من قوس قزح خبرا هن أبي الطيب المتنبي، وان ذهب في الغلو أبعد مذهب: ندف له قطن في ثوب أمر بعمله، فوجه لصانعه فيه درهما فاستقله وصرفه عليه، فمثل الصانع بين يديه، وطلب منه فيه دينارا، فقال له المتنبي: والله لو ندفته بقوس [132 أ] قزح على أجنحة الملائكة ما أعطيتك عليه دينارا. ومن أملح ما جاء في صفة قوس قزح قول القائل: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 كأن السحاب الجون قمص تراكبت على الأفق والحواشي على الأرض يطرزه قوس السماء بأحمر على أصفر في أخضر فوق مبيض كأذيال خود أقبلت في غلائل مصبغة والبعض أقصر من بعض وأنشدت لعز الدولة بن المعتصم بن صمادح في جارية: صاغت الجوزاء قرطين على مسمعها والثريا دملجا واستجادت من سماها حلالا فكساها قزح ما نسجا وقال الأسعد بن بليطة: محيرة العينين من غير سكرة متى شربت ألحاظ عينيك اسفنطا أرى صفرة المسواك في حوة اللمى وشاربك المخضر بالمسك قد خطا عسى قزح قبلته فإخاله على الشفة اللمياء قد جاء مختطا وأكثر الشعراء تشبيههم قوس السماء السحابي بقزح، وهو منهي أن يسمى قزحا. وروى الاخباريون أن نوحا عليه السلام استقرت السفينة على الجودي سأل الله تعالى أن يؤمن ولده من الغرق، فأوحى الله إليه: قد أمنت ولدك آخر الدهر، وجعلت لهم علامة يرونها في السماء: قوسا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 وقالوا: قزح من أسماء الشيطان فلا ينبغي أن ينسب إليه هذا القوس. وقال أبو بكر بن الملح: غرته الشمس والحيا يده بينهما للنجيع قوس قزح وقد تقدمت هذه الأبيات، ولكني استجزت تكرارها لأنسق الأعجاز بالصدور، وأضم الأول إلى الأخير. وسمع القطعة التي تعزى للحكيم المصري، وأولها: " توريد خدك للأحداق لذات "، فقال أبو الفضل: عهد للبنى تقاضته الأمانات بانت وما قضيت منه لبانات يدني التوهم للمشتاق ممتزجا من الوصال وفي الأوهام راحات تقضى عدات إذا هب الكرى وإذا هب النسيم فقد تهدى تحيات لعل عتب الليالي أن يعود إلى عتبي فتبلغ أوطار ولذات [132 ب] بشرى تحقق ما زار الخيال به فربما صدقت تلك المنامات وله مراجعا إلى الوزير أبي محمد بن سقبال: قابلت بالعتبى عتابك جاهدا للعهد حفظ العين للأجفان وبسطت أوضح من زياد عذره لو لم تكن أقسى من النعمان الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 أسقيك عذبا باردا وسقيتني إذ جاش حميك من حميم آن أغضبت جهلا أم نسبت إلى الصبا فامرح فإنك منه في ريعان وركب المستعين بالله يوما بسرقسطة يريد طراد لذته، وارتياد نزهته، وافتقاد أحد حصونه المنتظمة واجتمع له من أصحابه، من اختصه لاستصحابه، وفيهم أبو الفضل، مشاهدا لانفراجهم، سالكا لمنهاجهم، والزوارق قد حفت به، والتفت بجوانبه، ونغمات الأوتار تحبس السائر عن عدوه، وتخرس الطائر المفصح بشدوده، والسمك تثيرها المكايد، وتغوص إليها المصايد، فتبرز منها قضبان در أو سبائك لجين، فقال: لله يوم أنيق الغرر مفضض مذهب الآصال والبكر كأنما الدهر لما ساء أعتبنا فيه بعتبي وأبدى صفح معتذر نسير في زورق حف السفين به من جانبيه لمنظوم ومنتثر مد الشراع به نشرا على ملك بذ الأوائل في أيامه الأخر هو الهمام الامام المستعين حوى علياء مؤتمن عن هدي مقتدر تحوي السفينة منه آية عجبا بحر تجمع حتى صار في نهر تثار من قعره النينان مصعدة صيدا كما ظفر الغواص بالدرر الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 وللندامى به عب ومرتشف كالريق يعذب في ورد وفي صدر والشرب في ود من لي خلقه زهر يذكو وغرته أبهى من القمر جواب ابن هود إلى أبي الفضل عند فراره عنه: سيدي وأجل عددي، وأسنى الذخائر عندي، وأزكى الفوائد بيدي، ومن أبقاه الله في أتم نعمة، وأعم حرمة؛ وردني كتابك بما أودعته من صورة وجهتك وممرك، وصفة مستوطنك ومستقرك، وعرفت [133 أ] حقيقة منزعك، في تعجبك وتسرعك، وما علمتك - على معلوم ذكائك - يذهب السداد في آرائك، ولكن لا تملك عنانك في اعتساف طرقك، وخالق خلقك، وكان الأشبه بالجميل، أن تشعر بإزماع الرحيل، فتوصل وتشيع، ولا تصد عن غرضك ولا تمنع، مهدت بك الحال هنالك تبرح موضعك، ولا فارقت مألفك ومجمعك، بما يقتضيه انتظام الجانبين، والتفات الأفقين، وكيفما تصرفت فأنت الولي الحميم، لا ينكر ودك، ولا يخفر عهدك، والله يلقيك كل خير، ويجنبك ثمر الغبطة في كل مقام وسير. قال أبو الحسن بن بسام: ورأيت هنا أن ألمع بيسير من أخبار أبي الطيب، سوقا لفائدة أدى إليها الخبر، وإشارة إلى بعض محاسنه عنه تؤثر، وإن كان خارجا عن هذا الغرض الذي شرطته من حذف التطويل، والاجتزاء عن الكثير بالقليل. ولكنه سنح لي هنا فصل من أخباره وبديهته، وتصرفه البديع بين إشارته وفكرته، ورويته وبديهته: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 استنشده سيف الدولة قصيدته التي أولها: على قدر أهل العزم تأتي العزائم * وكان معجبا بها، كثير الاستعادة لها، فاندفع أبو الطيب ينشدها، فلما وصل إلى قوله: وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الابطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم قال له: قد انتقدنا عليك هذا البيت كما انتقد على امرئ القيس بيتاه: كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل لخيلي كري كرة بعد إجفال وبيتاك لا يلتئم شطراهما، كما لا يلتئم شطرا بيتي امرئ القيس؛ كان ينبغي لامرئ القيس أن يقول: كأني لم أركب جوادا ولم أقل لخيلي كرة بعد إجفال ولم أسبأ الزق الروي للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولك أن تقول: وقفت وما في الموت شك لواقف ووجهك وضاح وثغرك باسم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة كأنك في جفن الردى وهو نائم فقال: أيد الله مولانا، إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هنا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 أعلم منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا، ومولاي يعلم أن البزاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك، لأن [133 ب] البزاز لا يعرف إلا جملته، والحائك يعرف جملته وتفاريقه، لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية إلى الثوبية؛ وإنما قرن لمرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلته الأعداء؛ وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى وهو الموت ليجانسه، ولما كان وجه الجريح المهزوم لا يخلو أن يكون عبوسا وعينه من أن تكون باكية قلت: " ووجهك وضاح وثغرك باسم " لأجمع بين الأضداد في المعنى، وإن لم يتسع اللفظ لجمعها، فأعجب سيف الدولة بقوله وبالغ في صلته. ولما أنشد أبو الطيب سيف الدولة قصيدته التي يقول فيها: يا أيها المحسن المشكور من جهتي والشكر من قبل الإحسان لا قبلي أقل أنل أقطع احمل عل سل أعد زد هش تفضل أدن سر صل وقع سيف الدولة تحت " أقل " أقلناك، وتحت " أنل ": يحمل إليه من الدراهم كذا، وتحت " أقطع ": قد أقطعناك الضيعة الفلانية، ضيعة بباب حلب، وتحت " احمل ": يقاد اليه الفرس الفلانية، وتحت " عل ": قد فعلنا، وتحت " ادن ": ادنيناك، وتحت " سر ": قد سررناك. قال أبو الفتح: فبلغني أن أبا الطيب قال: انما أردت " سر " من السرية، فأمر له بجارية، وتحت " صل ": قد فعلنا.. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 وكان المعقلي وهو شيخ بحضرته ظريف قال له، وقد حسد أبا الطيب على ما أمر له به: قد فعلت له من كل ما سألك، فهلا قلت لما قال هش بش: هئ هئ، يحكي الضحك، فضحك سيف الدولة وقال له: ولك أيضا ما تحب، وأمر له بصلة. وسيف الدولة، مع ما شهر به من الكرم والسخاء، وعرف به من انفجار ينابيع جوده على الشعراء، قد قصر في توقيعه تحت " احمل " عن غيره من الأمراء، يحكى أن أبا القاسم الزعفراني لما أنشد الصاحب قصيدته التي يقول فيها: وحاشية الدار يمشون في صنوف من الخز إلا أنا وقع فيها الصاحب: قرأت في أخبار معن بن زائدة أن رجلا قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية، وقد أمرنا لك من الخز بجبة وقميص ودراعة وسراويل وعمامة ومنديل ومطرف ورداء وكساء وجورب وكيس، ولو علمنا لباسا آخر يتخذ نت الخز لأعطيناكه. ومما يؤثر عنه من نفاذ خاطره وحضور جوابه أنه دخل على سيف الدولة وأنشده بعض قلائده فيه، وطار به السرور كل مطار، فلما أراد الانصراف إلى الدار [134 ا] ، قال له السيف ملغزا على من حضر: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 تتبختر يا أبا الطيب، فقال: نتيه أيها الأمير، فضحك سيف الدولة وتعجب من فهم أبي الطيب وقال للحاضرين: أردت ب:تتبختر " تصحيفه: " بت بخير " فقال::نتيه " وتصحيفه: " بت به ". ومن أظرف الجواب، وأغرب مزاح الكتاب، ما اتفق لي مع الوزير أبي محمد بن عبدون أول ما لقيته، وسمع بعض الإخوان يدعوني باسمي، فقال لي: أنت علي بن بسام حقا -! قلت: نعم، [قالٍ] : وتهجو حتى الساعة أباك أبا جعفر وأخاك جعفرا، فقلت له: كلأك الله، وأنت عبد المجيد -! قال: نعم، قلت: ويتغزل فيك حتى الآن ابن مناذر -! فضحك من حضر لهذا الجواب الحاضر؛ وعلي بن بسام باقعة زمانه، لم يسلم من هجائه أمير ولا وزير، ولا من أهل بيته صغير ولا كبير، وعبد المجيد كان أجمل أهل زمانه، وكان ابن مناذر يعشقه ويغزل فيه. هذا وما أشبهه من المزاح المباح، البعيد عن الجناح. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 فصل في ذكر الأديب أبي الربيع سليمان بن أحمد القضاعي من قدماء الأدياء - كان - بذلك الثغر، ومن كتاب العصر، المتصرفين في النظم والنثر، وكلامه يجمع بين الحلاوة والجزالة، ويصرف في لطائف الصنعة، [كان] يعمد إلى خسيس المعاني فيقيم لها أودا، بسلاطة لسانه، وقوة مادته وحسن بيانه، فان كان في كلامه بعض الطزل، فهو غير مملول، لظريف ألفاظه واستعارته التي يفخم بها التافه الحقير، ويقلل المنزور الكثير، وفي ما أثبت هاهنا من فصول اقتضبتها من رسائله وإنشاءاته، ما هو الشاهد العدل على ما أجريته من صفاته. فصل له من رقعة خاطب بها يوسف الاسلامي وقد طلب منه آلة نجار، خدم عنده فوجه بها حاشا المئشار، يقول فيها: من دخل في ملة التزمها، وليس من شريعة هذا الدين منع الماعون، ومن تمام الإسلام، حفظ الجوار و [رعاية] الذمام، ومن أحسن الإحسان، قضاء لبانات الإخوان، وما تعلم العوان الخمرة، ولا نجد بك من نية الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 فأنت المستولي أمد النهايات، والمبرز في غلاب المذكيات، والحاوي قصب السبق إلى الغايات، وان كان قد قال الجهابذة أولا: وأي الجياد لا يقال [له] هلا * وما تعزى إلى بخل وأنت أسمح [من] لافظة، ولا تبصر من جهل وأنت قطب العلوم الثاقبة، وقد أنكرت أشد الإنكار، بخلك بالمئشار، وأعلمت الفكرة [134 ب] في النظر إلى بعد مراميك، والبحث عن غموض معانيك، فلاحت لي دريئة مرماك، وأشرفت مطلا على مغزاك، وحسدت بعد تسديد سهام التوهم، ورميت عن قسي التفهم، أن علة ضنائك به من أجل ما مر ببالك ذكر الشجرة التي أشرت وفيها يحيى بن زكريا عليه السلام، فتحرجت أن تخرج من حريمك آلة كانت فيما مضى سببا إلى حدث مشئوم، بسفك دم [نبي] كريم، ولو لمحت وجه مطلبي تأملك لعلمت، وما أظنك جهلت، أن الخشبة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 التي أحببت أن تؤثر عندي لم يكن فيها حيوان غير الأرضة التي أكلت منسأة سليمان عليه السلام؛ وهلا إذ أسأت بي الظن تيقنت على ما توجبه السنة أن العارية مؤداة، وقد كانت لك في ارتهان خط يدي لنجارك مقنع، فقد قبل كسرى، وهو جاهلي، قوس حاجب بن زرارة على نزارتها، رهنا عن جرائم العرب أن تعيث في السواد، وانما كانت فلقة عود ووتر [مصير] . وقد علمت أن الرباني أجدر بالوفاء والائتمار من الجاهلي، وفي الاعتذار المتقدم عنك ما يقضى ببراءتك، هذا إلى ارتئاء المشيخة وإيثارهم الروية على البديهة، وحكمهم أن الرأي الفطير، وإن أصيب به التقدير، من سوء التدبير، والأناة عندهم محمودة إلا في ثلاث: العمل الصالح، ونكاح الكفؤ، ودفن الميت. وما قدحت في شرفك هذه الوصمة وان ظاهرها بخلا وطفاسة، إذ باطنها عقل وسياسة، فإن احتج عليك بقولهم [ان] : أمقت اللؤم [وأقبحه، وأجلبه للشين وأفضحه] بخل بالتافه اليسير، والنزر الحقير، وهو مع ذلك ليس في ملك يديه، ولا طماعية له في المئشار أن يصير إليه، فإن الأمل لا يبعد، أن يصير إليه بعد، فقد تنقل دولات التأمير، فكيف الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 بآلات المياشير، والأيام دول، والدنيا جمة التنقل، تجمع وتبث، وتسمن وتغث، وربما تألفت الأضداد، وتشتت الأنداد، وأفادت غير المطلوب، وحالت دون المرغوب، ألم تر إلى موسى عليه السلام كيف اقتبس نارا، ووافد البراجم كيف شم القتار، وأم قرما إلى النار، ألم تعاين الكتابة التي أنت قطبها، وهي أجل صناعة، ربما عدل بها عن نبلاء المحسنين، إلى الدخلاء الأميين، الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، ولا يدركون بأفواههم إلا المرئي، فحديثهم الطعن على أهل العلم، والتنقص لذوي الفهم، ولأمر ما ذم الصبح المريب، وعاب المتحمل غير المعيب، وقد بصرت بما عليه هذا الصنف الواغلي من العجز والتشغيب، واللحيدة عن القياس المصيب، وأنهم إذا سمعوا بلاغة الصدر الأول، من الجيل الأفضل، قالوا: أمر ليس عليه العمل، وإذا أصغوا إلى تحبير صالح الخلف [135 أ] ، المقتدي بمحمود السلف، قالوا: هذا التعقيب، والتقعير المعيب، فقل لهم: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 فافتقوا بحوركم الزاخرة بزعمكم، وأدروا سحبكم الثرة بدعواكم، واحشدوا مدود أذهانكم، واسردوا غرائب بيانكم، - وخلاكم ذم -؛ إذا والله أيتها العصابة تهب ريح احتفالهم رخاء لا تثير سحابا، ولا تسفي هباء، إلا [ما] ينوءه بعد الريث وإدمان الإبساس من قطارة المعاني المبتدلة السوقية، وعصارة الألفاظ الرذلة العامية، التي يعافها الخاصي لسفالتها، ويجتنبها العامي لخلاقتها، ثم إذا رجعتكم البكاءة إلى الاستعارة من كلام البلغاء المتقدمين، والاجلاء المحدثين، وذهبتم إلى أن تهتدوا بأنوارهم، وتقتدوا بآثارهم، اعسفتم الكلام وصفتموه، وأحلتم النظام فأكرهتموه، ورقعتم خيش المروط الصوفية، برقيق البرود الموشية، وقرنتم در غيركم بآجركم، فامتازت مع تعديكم الآثار بتمويهكم محاسنهم من قبائحهم، وإذا حصحصت حقيقة فضائحكم، لم تعتصموا بعلق، سوى الاضطغان والحنق: غضب التيوس على شفار الجازر والمغرقين على الأتي الزاخر فقد اجتهد لنصرك، من قام بعذرك، وحملتني لك العصبية، واستدعتني الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 فيك الحمية، [إلى ما] ترى [من توبيخ] الكتبة الذين ليس لهم بسطتك في العلوم الديانية، ولا براعتك في الفنون الأدبية والرياضية، جلالا بك أن ينتسب إلى حزبك، من لا يعدل بك، وكما لا يضر بالجواد السابق أن يكون في آري مع بطاء الأعيار، كذلك ليس عليك في اختلاطك بهم من كآبة ولا عار. ثم نعود إلى تفنيد المعترض عليك باسئشار المئشار: وكيف يوسم بالحقارة، أو يرسم بالنزارة، وهو من الحديد، الذي فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وهو من إرهافه ورقة غراره واضطراب متنه مناسب لحسام الكمي البطل، وحامله غير أعزل، وان شئت استمجدت منه زنادا، وشفارا حدادا، ومن بدائع أعاجيبه أن المدى ما لم تكن مفلولة فهي أبرى، والمئشار لا يحسن قضبه، حتى يفلل غربه، ومن آلات المئشار عصاه التي تثقفه أن ينآد، وتسدده إذا حاد، وان شئت صنعت منها مخاصر لأرباب الملك، أو صلبانا [ومتكآت] لطواغيت الشرك، مع ما فيها من المآرب الجسيمة، وقد اقتصرت على تصنيفها بما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 ذكره الجاحظ في العصا، فكثيرا ما كنت أسمعك تلهج بكتاب " البيان " وتدعي حفظه. ومن عجائب المئشار إذا سمع جعجعته رئي طحنه، ومن غرائبه شكاله، واكثر ما يكون من الشعر والصوف والوبر، وقد وصفها [135 ب] الله تعالى [في التنزيل] فقال {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} (النحل: 80) فكيف لنا أن تستنزر، سما نبهنا لنحمده ونشكر، فان اعترض عليك أن شكاله قد يصنع من ليف ودوم وشبهه، فأقل ما يوجبه أن يعقل به بعير، وقد قال الصديق: لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه، ذكر في التفسير أن معناه " ثمن عقال " إذ ذلك حزم في الملة، وابتداع محدث في زكاة الأمة. ولولا خوف الطول باقامة معاذيرك لأمعنا في التوجيه، ولكن الاشارة كافية لمن عقل، كما أن الإطالة غير مقنعة لمن ساء فهمه وجهل. وله من رقعة خاطب بها الوزير ابن محامس عناية بالكاتب ابن أرقم: مكاسب الشعراء - أعزك الله - من مواهب الأمراء وعنايات الوزراء؛ ومن شنأ الأدباء فانما يناقض أرباب الرياسة، ويعارض أقطاب الوزارة؛ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 وكانت عند الأديب ابن أرقم المحتفل في شكرك احتفالي، والمطنب في حمدك إطنابي، بضاعة مزجاة أنفق في جمعها مصاصة أيام العمر، وخلاصة قوافي الشعر، وقطع في اكتسابها ظهري البر والبحر، وصلي بجمرتي القر والحر، حتى إذا وفت بثمن خادم من الوخش، لم ينتظر نماء المال، إلى أن يفي برأس غال، لتوقعه أن ينقضي الزمان، ولم يقض أربا من القيان، ويصير من كبرة السن، إلى حيث لا يقدر على ذلك الفن، فاقتنى بوشقة صبية فيها بلغة لمن كان ذا عزبة، وفضلت له خمسة وعشرون دينارا، عدد نصف سنيه الماضية، وفشا في قوم هجاء ظنوه من شعره رجما بالغيب، وحاشا لأدبه من السفه، واختلقوا أنه ابتاع بما بقي له هجينا، وثورا مرببا، وتبنى بنتا، ثم تلا قوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء} ويشير إلى قينته، {والبنين} ويشير إلى دعيه {والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة} وينظر إلى كفه منهما إلى أقل من مربع أوقية {والخيل المسومة} (آل عمران: 14) ويلحظ إلى مهرة الذي لو بيع بحجر من حجارة القذف لربح البائع وخسر المشتري، وكل هذا منهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 افتراء عليه، واغتراء به، وأخافوه فلاذ بك، واستجار بظلك: ومن يستجر بالكاتب ابن محامس فقد لاذ من ريب الزمان بحارس وزير التجيبي ابن منذر الذي تبوأ مجدا فات شأو المقايس [136 أ] مليك متى يجلس يطل كل قائم وكم من مليك قائم مثل جالس وله من أخرى: بعثت ابني وغلامي عشية العيد للسوق، فأحظا أوجه النجاح، وعاد مثخنا [لي] بالجراح، فبت أتقلب بين ألم العلة، ومضض الذلة، وبات من عندي طاويا إلا من الكرب، وصاديا إلا من الدمع، نتجاذب أطناب الكمد، وسرور العيد يقوم بالناس ويقعد؛ وسيدنا الرئيس - أدام الله تأمين سربه، وإعزاز حزبه - أجل من أن يضام جاره، أو يكدر جواره، وحسبي بهذه الشرعة سببا إلى وده، فهي شرعته، وحاشا لشيمه الكريمة من المضارعة الكلية، والمشاكهة الجملية، ولكنها - ولسؤدده المثل الأعلى - كما يقترن عطارد على خفائه، بالشمس على ضيائها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 وهذه أيضا قطعة من شعره [له من قصيدة] : بعيشك إلا ما قصرت لنا الدجى فقد زيد جنح الليل في طزله ضعفا كأن النجوم الزهر حضرة الدجى أزاهير نوار على روضة خيفا كأن جناحي نسرها وهو واقع مهيضان لما يستقلا به ضعفا كأن أخاه قد أتى من ثنية لديه فولى حين لم يرضه حلفا كأن السها مصباح مشكاه راهب تشب له طورا وآونة تطفا كأن عراقي الدلو في كف مائح مياه جفار تجذب الفرغ والغرفا كأن بني نعش [طلائع نعجة] يرودون في ديمومة عشبا جرفا كأن سهيلا خلفه من أناته سكيت على آثار حابته قفى كأن ظلام الليل أسود مطرق من الزنج في لبس الحديد قد التفا كأن ثبات القطب فوق مصامه ثبات لبيب كما شهد الزحفا وإنما احتذى أبو الربيع في هذه التشبيهات طريقة محمد بن هانئ الأندلسي وسلك سبيله فضل عنها، وهي قصيدته التي أولها: أليلتنا إذ أرسلت واردا وحفا وبتنا نرى الجوزاء في قرطها شنفا وبات لنا ساق يقوم على الدجى بشمعة صبح ى تقط ولا تطفا أغن غضيض خفف اللين قده وأثقلت الصهباء أجفانه الوطفا [136 ب] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 نزيف مضاه السكر إلا ارتجاجة إذا كل عنها الخصر حمله الردفا يقولون حقف فوقه خيزرانة أما يعرفون الخيزرانة والحقفا وقد فكت الظلماء بعض قيودها وقد قام جيش الصبح [لليل] واصطفا وولت نجوم للثريا كأنها خواتم تبدو في بنان يد تخفى ومر على آثارها دبرانها كصاحب ردء كمنت خيله خلفا وأقبلت الشعرى العبور ملبة بمرزمها اليعبوب تجنبه طرفا تخاف زئير الليث قدم نثرة وبربر في الظلماء يتسفها نسفا كأن سهيلا في مطاله أفقه مفارق إلف لم يجد بعده إلفا كأن السماكين اللذين تظاهرا على لبدتيه ضامنان له الحتفا فذا رامح يهوي إليه سنانه وذا أعزل قد عض أنله لهفا كأن معلى قطبها فارس له لواءان مركوزان قد كره الزحفا كأن قدامى النسر والنسر واقع قصصن فلم تسم الخوافي به ضعفا كأن أخاه حين دوم طائرا أتى دون نصف البدر فاخطفت النصفا كأن بني نعش ونعشا مطافل بوجرة قد أضللن في مهمه خشفا كأن ساها عاشق بين عود فآونة يبدو وآونة يخفى كأن ظلام الليل إذ مال ميلة صريع مدام بات يشربها صرفا كأن عمود الصبح خاقان معشر من الترك نادى بالنجاشي فاستخفى كأن لواء الشمس غرة جعفر رأى القرن فازدادت طرقته ضعفا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 وقد تقدم قبل لهذه الصفة الجامعة في النجوم علي بن محمد الكوفي، في قصيدة يقول فيها: متى أرتجي يوما شفاء من الضنى إذا كان جانبه علي طبيبي ولي عائدات ضعفتهن فجئن في لباس سواد في الظلام قشيب نجوم أراعي طول ليلي بروجها وهن لبعد السير ذات لغوب خوافق في جنح الظلام كأنها قلوب معناه بطول وجيب [137 أ] ترى حوتها في الشرق ذات سباحة وعقربها في الغرب ذات دبيب إذا ما هوى الاكليل منها حسبته تهدل غصن في الرياض رطيب كأن التي حول المجرة أوردت لتكرع في ماء هناك صبيب كأن رسول الصبح يخلط في الدجى شفاعة مقدام بجري هيوب كأن اخضرار الصبح صرح ممرد وفيه لآل لم تشن بثقوب كأن سواد الليل في ضوء صبحه سواد شباب في بياض مشيب كأن نذير الشمس يحكي ببشره علي بن داود أخي ونسيبي ولولا اتقائي عتبه قلت سيدي ولكن يراها من أجل ذنوب نسيب إخاه وهو غير مناسب قريب صفاء وهو غير قريب ونسبه أجسام الأقارب وحشة إذا لم يؤنسها انتساب قلوب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 ولأبي الفضل البغدادي الدامي من قصيدة في ذلك: وليل تجلى الصبح في جنباته سنا بارق في لج بحر تعببا أحاطت بآفاق السماء خيامه وطبق شرقا في البلاد ومغربا نفى طوله عني الرقاد كأنما يغار على الجفنين أن يتركبا تعانق كيوان وبهرام وسطه على الحقد في صدريهما وترحبا عريبان خافا الضغن في دار غربة وربت ناس ضغنه إذ تغربا فبت أجيل الطرف أرتاد فجره كما ارتاد ذو الشوق الحبيب المحجبا كأن النجوم الوهر فيه خرائد تطالع من زهر الكواكب ربربا تودع من تهوى بكسر جفونها وتكثر من خوف الوشاة الترقبا وإلا كغزلان النصارى تدرعوا بسر مسوح للصلاة ترهبا كأن ثرياه أنامل فضة تقلب ترسا من سنا الليل مذهبا ومن أخرى: كأن كواكب الجوزاء شرب تعاطيهم ولائدهم شرابا [137 ب] كأن الفرقدين ذوا عتاب أجالا طول ليلهما العتابا كأن المشتري لما تعلى طليعة معشر خنسوا ارتقابا كأن الأحمر المريخ معد على حنق يشب بها شهابا كأن سنا المجرة فيض نهر جرى في الزهر وانساب انسيابا كأن بقية القمر المولي كئيب مدنف يشكو اجتنابا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 كأن الفجر مبتهج ببشرى تلألأ لعدها اربد اكتئابا كأن الليل مذعورا بفخر مريب راعه سيف فهابا وله في مدح المنتصر بالله حسين بن يحيى المعتلي: كأن السماء اللازوردي وهنة ملاء على جسم الزمان منمنم كأن الثريا فيه كف خريدة أنيط له إذ أظلم الليل معصم كأني أراها إذ بدا دبرانها قيب لتعذيب المتيم يلزم كأن السها صب أضر به الهوى فلم يبق منه فيه لحم ولا دم كأن به الجوزاء حين تطلعت أمير يحييه الدجى ويعظم كأن شبيه الفرقدين متيم يقبل معشوقا جفاه ويلثم كأن سنا المريخ في غسق الدجى شهاب تذكيه الرياح مضرم كأن ظلام الليل قلب وقد هوى بايمانه نسر من الشرك قشعم كأن ابتسام الصبح في جنباته نواجذ زنجي غدا يتبسم وهذا يشبه قول ابن المعتز: حتى تبدى تحت ليل مظلم كأنه غرة طرف أدهم أو ثغر زنجي لدى التبسم ومن أخرى في مدح ابن جهور: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 في ليلة ليلاء ألقت كلكلا فوق النهار وجلببته حندسا طالت علي وطال بثي تحتها حتى حسبت الدهر ليلا عسعسا والنجم في كبد السناء كأنه [-.] تدرع بالمهابة واكتسى [138 أ] وغدا سهيل طاعنا بسماكة أعداءه وتخاله متترسا وبنات نعش تستدير كأنها أطلاء غزلان ضللن المكنسا والجدي قد أسرت يداه قطبه فثوى أسيرا لا ينهنهه الأسى والنسر قد ضم الجناح كأنه متقدم رام اللحاق فأحبسا وكأن مطلعها رياض جاده صوب الحيا قدما فأنبت نرجسا والبدر يحيي نوره وقد انطوى طرفاه حتى خلته قد قوسا والصبح منهزم وقد رفع اللوا في إثره جنح الظلام ليخسا حتى تلقى الفجر في حلل الضحى فجلا لنا وجه الظلام الأعبسا فكأنه لما استطال على الدجى بسنا أبي الحزم الأعز تلبسا ولأبي عامر بن شهيد: وارتكضنا وقد مضى الليل يسعى وأتى الصبح قاطع الأسباب وكأن النجوم عسكر خيل دخلت للكمون في جوف غاب وكأن الصباح قانص طير قبضت كفه برجل غراب [-.] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 كأنما الليل إذ تولى لغرة الفجر إذ رآها زنجية أسكرت فأمست تجر من خلفها رداها رجع: ولما دخل هشام بم محمد الناصري المتلقب بالمعتد قرطبة، واستوثق له الأمر بها، سفر عنه رسولا إلى مقاتل صاحب طرطوشة، فائز بن المغيرة، فاجتمع بها أبي الربيع القضاعي هذا فقال له ل [فائز] : لو لحقت بقرطبة إلى أمير المؤمنين المعتد بالله كنت تحصل بها على الوزارة معنا، فأنشده أبو الربيع: هبك كما تدعي وزيرا وزير من أنت يا وزير والله ما للأمير معنى فكيف من وزر الأمير وانما نظر أبو الربيع في معنى هذين البيتين إلى قول عمر بن إبراهيم في خبر أورده الصولي قال: لما رد المعتمد إلى سر من رأى من طريقه إلى ابن طولون على يدي اسحاق بن كنداج وأحسن التدبير في ذلك، وسمي ذا الوزارتين قال [138 ب [له عمر المذكور: قل للمسمى الوزير ظلما وزير من أنت يا وزير أنت أسرت الإمام قهرا وكيف يستوزر الأسير الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 جملة من أخبار هشام بن محمد الناصري أمير قرطبة الملقب من الألقاب السلطانية بالمعتد، نقلت من أبي مروان ابن حيان قال أبو مروان [ابن حيان] : وهشام بن محمد هو أخو المرتضى، أخذت له البيعة بقرطبة سنة عشرين وأربعمائة، وهو يومئذ مقيم بحصن البونت قبل أميره محمد بن قاسم الفهري، ألجأته إليه المخافة عند مهلك أخيه المرتضى، فقلد هذا الأمر في سن الشيخوخة، ولا نعلم أميرا من أهل بيته ولي في مثل سنه، وقد كان معروفا بالشطارة في شبابه، فأقلع مع شيبه، فرجي فلاحه، لصدق توبته، وخلوص طاعته، وتهديه لما فرط من بطالته، فجاء سكيتا لحلبته، متخلفا عن جميع ما قدر فيه وظن عنده، وكانت بيعته في سهولة أسرع الناس اليها، افتتحت باجماع وختمت بفرقة، وعقدت برضى وحلت بكراهية، وكان الوزراء قد نظروا في هيئة أموره، وكيفية وروده، فلم يفجأهم إلا وقد أشرف على البلد، فانقلبت قرطبة أعلاها وأسفلها طربا إليه وسرورا به، فركب جيشها لاستقباله، فدخل في زي تقتحمه العين وهنا وقلة، عديم رواء وبهجة، وعدد وعدة، فوق فرس دون مراكب الملوك، بحلية مختصرة، سادلا سمل غفارة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 ما على تحتها كسوة رثة، قدامه سبع جنائب من خيل الموالي [العامريين] سيروها معه للزينة دون علم ولا مطرد، يسير هونا والناس يهشون له، ويضجون بالدعاء في وجهه، لا يعلمون ما سيق لهم من المكروه به، فدخل القصر، وجاء معه في جملة الموالي العامريين حائك من أبناء الزعانيف بقرطبة يسمى حكم بن سعيد، الحائك المشهور، حمل ابنه هذا السلاح، وأطال السبال، وخرجته الفتنة فصحب أمراءها، وعرف هذا الخليفة عند ظهوره بالثغر بصحبة في حال الصبا، فسما إلى الغلبة، واشتمل عما قليل على تدبير سلطانه فنقضه سريعا. قال أبو مروان: ثم بات الناس ليلتهم، وغدا الملأ عليه، ووصلوا على مراتبهم إليه، وهو بمجلس الخلافة، فظهر منه ليومه عي في القول، احتاج إلى عبارة الأكابر عنه، وأنشده من حضر من أدباء الوقت، فلم يهزه شيء من ذلك لنبو طبعه. وحضره في ذلك اليوم [139 أ] محمد بن المظفر بن أبي عامر أمير بلنسية [فرفع مرتبته وسماه الحاجب وأثنى على سلفه، يخادعه وفوه يتحلب لأكله، ثم قرئت كتب وردت معه من شرق الأندلس منها كتاب عبد العزيز بن أبي عامر أمير بلنسية] وكتاب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 سليمان بن هود صاحب لاردة، كلها في إطراء الخليفة [المعتد] هشام المهدي للأمة رحمة، ثم توالت بعد كتب الرؤساء مسوقة هذا المساق من غرور أهل قرطبة [فأصغوا من إفكهم إلى ما زادهم خبالا، وأولبقهم ورطة] ونكالا، وكانت تلك الكتب المزورة حظهم من هؤلاء الساخرين بهم، أدوا إليهم هذا المغرور بامارتهم عديما لآلاتها، ثم تركوه في أيديهم وصرموا حبله، ولم يتعدوه فيما بعد بفارس ولا درهم. وحكى لي بعض أصحاب هذا الخليفة هشام أنه اجتاز على جزيرة شقر من عمل الموالي العامريين بشاطبة وطمع أن يدخلوه فلم يتفق له عندهم شيء، وجعل يجوب الدلو إلى قرطبة، وأول ما أظهر من النوادر أن جلس بنفسه للمظالم، وزاد في قراء الجامع حين بلغه أن ما به غير مكي وصاحبه، وزاد في رزق مشيخة الشورى من مال العين، ففرض لكل واحد خمسة عشر دينارا مشاهرة، فقبلوا ذلك على خبث أصله، وتساهلوا في مأكل لم يستطبه فقيه قبلهم، على اختلاف السلف في قبول جوائز الأمراء الذين سبكوا خبائث الضرائب والمكوس القبيحة، فاستدر القوم مرية هذه الطعمة الخبيثة، وكنت أحسب فقهاء الشورى بعده أنهم يكتمون شأن ذلك الراتب، حتى سمعت أبرهم يلح في طلبه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 وينتظر بلوغ وقته، فانكشف لي شانه والقوم أعلم بما يأتونه، وهو القدوة، لا جعلهم الله لنا فئة. وقد حدثت أن هشاما أطعمهم من قمح ولد القاضي ابن ذكوان أيام فر عنه، وأخذ ماله، فقبلوه قبول مال الفيء؛ وهذه الأخبار تكتب للغرائب، والفتنة تنتج العجب، والخلة تدعو إلى السلة. قال: وقلد هشام وزيره حكم بن القزاز جملة [تلك] الأعمال، وأطلق يده في المال، وناط به الرجال، فجرى مجرى أعاظم الوزراء المستمرين على فتنة الملوك في سالف الأزمنة، فحجر حجرهم على هذا الخليفة هشام في سن الشيخوخة بطبق ومائدة، كانا طباق همته الكاسدة، عكف عليهما راضيا بأدنى المعيشة، وقعد في حجره ينظر بعينه ويسمع بأذنه، يدني من أدناه، ويبعد من أقصاه، وخلاه ومعظم الأمور يدبرها بجهله وخرقه واعتسافه وتهوره، فلم يلبث أن انتقضت به، فأردته وصاحبه سريعا. واحتاج حكم إلى رجال يستعين بهم في تدبيره، فلم يهتد منهم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 إلا [إلى] نغل دغل، وماجن سفيه أو سوقي رذل، سقطت به عليهم المشاكلة، واتخذهم عيبه وبطانة، [139 ب] فمدوا له في الغواية، وجروا في هواه طلق الجموح، ما منهم حازم ولا نصيح، فهوى صريعا، وأصبح مثلا وموعظة، ووقع هشام على [خبر] ودائع ولد المظفر بن أبي عامر، وبعثر له عنها وزيره حكم، فوصل إليه منها بعض أسباب من ذخائر وثياب، وجرت بأسبابها على الناس خطوب، وجعلها على أهل اليسار وأعيان التجار بقيمة سعرت مع حمل من رصاص وحديد كان جمع من خرابات القصور السلطانية، عجل عليهم في أثمانها، فاستجحف الناس فيها واستعان عليهم بمن كان من الفقهاء رتب له فيها، ولم يلبث أن ألهبها كلها شواظ النفقة، وحال هشام في كل ذلك يزداد ضعفا حتى انكشف، واضطر إلى طلب الأمناء والأوصياء عن الأوقاف ومال الغيبة، وشبه ذلك، فبعثر عليها، وانفتح بذلك على الأمة مكاره شديدة، وكان القيم له بها مارد من المتفقهين يعرف بابن الجيار، ممن خدم الدولة المحمودية في الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 مثل هذه الأخابث، فنكب في ذلك، فنعشه هشام من نكبته، وبعثه على خدمته، فعم أذاة، وكثر صرعاه، وخص بوزير الملك أبي العاصي الحائك، لمشاكلته إياه، ففرى الفري ابتغاء رضاه، فاعترت الأمة شدة مرت لهم أيام علي بن حمود جذعة، فساءت أحوالهم لهذه السياسة المذمومة، والوزارة المسخوطة، وبلغت هشاما فانزعج منها، وأوعد من أفشاها، وأمر بإنشاء كتاب شديد عنه إلى الكافة بما استكره من ذلك، وأغلظ [فيه] وعيدهم بما دل على قصر المدة في ما أتاه، كتبه عنه أبو عامر بن شهيد وزيره، وصاحب خالصته أبي العاصي الحائك، مطولا مستكره اللفظ، عليا المعنى، شديد القسوة، خارجا عن غرض الكتاب، لم يصحبه فيه توفيق، فقام في جمادي الأخيرة سنة إحدى وعشرين أبو عامر على كرسي، وقرأه على الكافة والأعيان، ثم قرئ أيضا بالمسجد الجامع على العامة فصك الأسماع بأصلب من الجندل، وغشي وجوههم بأحر من المرجل، وانصرفوا يتدارسون نوادره. قال أبو مروان: وكان أبو عامر بن شهيد قد اعتلق يومئذ بدولة هشام المعتد، واختص بوزيره حكم النذل، المرتقي ذروة الوزارة من الحياكة الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 وانخرط في سلك من [كان] يؤيد المعتد على تلك الهنات الموبقات، ومن مأثور نظمه الشاهد بذلك، قصيدته فيه، وكانت من كتوماته، سأنشدها هذا الخليفة يوم مهرجان العام المؤرخ، إثر قتل عبد الرحمن بن محمد بن الحناط الوزير، يحسن له سطوته، ويغريه بمن بقي من أصحابه، وهي قصيدة ذميمة المعاني استهدف بها إلى سفك دماء المسلمين، [140 أ] جسر هشاما على الفتك بالعالمين، يقول فيها: أحللتي بمحلة الجوزاء ورويت عنك من دم الأعداء وطعمت لحم المارقين فأخصبت حالي وبلغني الزمان شفائي ورأيتني كالصقر فوق معاشر تحتي كأنهم بنات الماء ولمحت إخواني لديك كأنهم مما رفعتهم نجوم سماء ومنها: لا يرحم الرحمن مصرع مارق عبث بطاعته يد الأهواء ألحق به إخوانه فحياتهم نكد وقد أودى أخو السفهاء ساعد بذاك ودع مقال معاشر بخلوا فنالوا خطة البخلاء من لم يفدك سوى الرماح فخله للشمس يرقبها مع الحرباء ودع القلانس في السحاب يشقها ومفاخر الآباء للأبناء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 إن الرجال إذا تأخر نفعهم في كل معنى شبهوا بنساء أنا صلهم عند الخصام فخلهم للسان هذي الحية الرقشاء في أبيات غير هذه، ما أحسن فيها ولا أغرب، بل لأعرب عن سقم يقينه ورقة دينه. قلت أنا صاحب الكتاب: أما الأبيات في أنفسها فدر مكنون، وسحر مبين، وأبو عامر كان أعجب وأنجب من أن يقال له ما أحسن وما أغرب، ولو قال: حض على أهل بلده، وأبان عن فساد معتقده، بعد أن يبرأ إليه من البيان، ويسلم له غاية الإحسان، لكان لأولى بابن حيان. ذكر الخبر عن مقتل الوزير الحائك المذكور وخلع هشام المعتد هنالك، وما انتظم من خبر مستطرف في سلك ذلك قال أبو مروان [ابن حيان] : وضعف أمر هشام، لسوء تدبير وزيره حكم القزاز، وبلغ من الظلم والجور أن كسدت أسواق قرطبة ولم تسلك سبلها، وأسر الناس الوثوب على وزيره هذا، فسقط إليه ذرو من ذلك فانزعج وخاف على نفسه، ورحل إلى قصر السلطان بأهله ورعيله، وسكنه مدة مختلطا به، وأخذ في مداراة الناس، وكف عن الكلف، وكتب إلى الجماعة كتابا طويلا وضح فيه العذر في شأن تلك الكلف، وحمل هشاما الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 على [140 ب] الازورار عن بعض مشيخة الوزراء الأقادم، وقصد منهم كبيرهم أبا الحزم ين جهور، وطلب تعثيره فلم يستطعه، وأمله يطمح لازالته، ليتمكن بالناس بعده، والله يستدرجه، إلى أن أن أمكن الله من هذا الجائر حكم، وذلك أنه لما خرق في تدبير سلطانه، واعتسف الأمور، وأساء السيرة والتدبير، واستفسد إلى الكافة، وكان من مغرس دني، ومهنة مرذولة، فآثره الخلفية، وسما به المحل الذي لا يستحقه، وتبوأ حجره، ورضي منه في حال الشيخوخة والحنكة، بأهون ما رضيه أحداث الأمراء، ففوض إليه، وعول عليه، ثم قعد ينظر بعينيه، وينطق بلسانه، وألزم جلة الأمراء طاعة الفسكل، وهو رجل من دخلاء الجند ما فيه شيء من خصال الرجال إلا ثقافة الركوب الساذج، دون غناء ولا شجاعة، منتقلا من الحياكة إلى الذروة العليا من تقلد الوزارة، فبدر لأول وقته بعداوة الأحرار، وتنقص الفضلاء، والميل على أولي البيوتات بالأذى والمطالبات، وصير صنائعه في أضدادهم من التوابع والحاكة، فكانوا وزراءه وأنصاره، فنالوا معه المنازل النبيلة، وأكلوا الطعوم الرقيقة، أكثرهم صبية أغمار عيارون من نمطه، ممن دينه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 حث الكاس، واتضيد الآس، وطبخ الترفاس، والتفكه بأعراض الناس. إن ضج مظلوم سخروا به وحاكوه، فالناس منهم ومن صاحبهم في بلاء عظيم، وتجهد مقعد مقيم. وعندما سولت لهذا الحائك - حكم - نفسه الخبيثة الاستيلاء على البلد، واجتثاث مشيخة الوزراء، بما زين له جاري القدر، وسوء النظر، مقت جنده البلدين لعلمه انهم صنائع الوزراء قبله، ورأى أنهم لا يصلحون له، فأخر أعطياتهم فاضطربوا، فلما لاح له حركة الهمس والقول فيه، بنى القصبة المطلة على ساحة المدينة، استظهارا على ما خافه من تحرك العامة، فهتك بها عندهم ستره، ودبوا القيام عليه، وهو على ذلك مصر في غيه، عم في لجاجته، آمن مكر خالقه، عهر الخلوات، صريع الشهوات، لهج بالفكاهات، كلف بالبطالات، كثير الكذب والإيمان، شنيع الفجور والعدوان، وصاحبه أمير المؤمنين القائم بأمر الأمة عالم بذلك راض من وزيره هذا الحائك بإقامة وظائفه ليومه وشهره، من نشيلة وحنيذه، وشوائه وشرابه ونبيذه، وملأ قلبه وعينيه بالمطعم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 524 الذي آثر الأشياء عنده، فأكثر له من الأطعمة والشهوات، وأعد له القينات والملهيات والمغنيات، فوكسه في الصبا بعد المشيب، وعرف شغفه بالبطالة فقصدها وأصاب الغرة [141 أ] فنال عنده نهاية الحظوة، إلى أن خلط أهله بأهله، وأباحه سكنى داره، قد وثق حكم منه بذلك، ففرق عنه الأصحاب، وسد دونه الحجاب، وخلاه وراء الستر بين بم وزير، يطير بأجنحة السرور، وقد شغل بكأس يمناه، وبحر يسراه، وأعرض عما أحاط به، حتى أتاه من أمر الله ما أتاه، وقصده في وزيره هذا ما أشجاه؛ وأرسل [الله] على وزيره ودلته طائفه من فتاك الجند عرفت مراد الوزراء ووجوه الجند في إزالة هذا الخائن الحائك، فدبروا قتله تدبيرا محكما، خفي عن حكم مع كثرة عيونه، وكان الناظم لهذه الجماعة ابن عم الخليفة هشام، [واسمه] أمية بن عبد العزيز العراقي، من أبناء الناصر، فتى شديد التهور والجهالة، فانتظم في سلك هذه الجماعة، وسولت له نفسه نيل الخلافة، وأطمعه في ذلك، سخرية به، بعض من نظم التدبير من نظم التدبير من المشيخة، علما بأنه لا ينفذ في الوثوب على هشام إلا من ينازعه لبوسه، ويساهمه قرباه، فتهيأ أمر القوم في ستر وخفية، فرصدوا حكم الوزير في طريقه من القصر، وقاموا عليه فقتلوه وصرعوه ركن الجامع الشرقي في شديد الوحل والقذر، فكان من تمام محنته، وطافوا بالرأس وقد محا الطين رسمه، فغسلوه الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 في قصرية سماك بسوق الحوت، ونصبوه تحت العلية التي [كان] أعدها لدفاعه، فصار عبرة للمتأملين، وأخذ القوم سلبه، وغادروه عريانا مكبوبا لوجهه، مضرجا بدمائه، وجروا جيفته إلى هوقاة القناة، فألقوها وسط الحمأة والأقذار، وولفى قوم من أعدائه ففلوة بأسيافهم. ووقعت الهيعة في الناس، وانقلب البلد أعلاه أسفله، واجتمع العوام وطلاب الفتنة إلى جند البلد للوقت، ووافى إليهم بن عبد العزيز العراقي، قطب القضية، فالتف الجناة به، وتقدم بهم إلى القصر لحينه، وقد وقع الخبر على المخلوع هشام وهو آخذ في بطالته [مع نسائه] ، فبادروا الصعود إلى العلية الجديدة فوق سور القصر، المعدة لمثل هذه الحادثة، فصار الاعتصام بها سبب حياته، إذ لم يطق القوم التعلق بها، وقد قصدوا نفسه، وأشرف للحين على من اجتمع تحتها داخل المدينة من الجند والعامة، وكلمهم بجميل، وولى وزيره الملامة، فاستقبله قوم من الجناة من أسفل القصر برأس وزيره حكم، قد هشم شجاعا، ينادونه: هذا رأس وزيرك الذي أبليت به الأمة، ويغلظون له القول وهو يستلطفهم، وهم يسبونه، فتوصل الناس إلى حريمه فأباحوه، ووضعوا أيديهم في نهب ما أصابوه من نشبه، وقد كان اجتمع عنده [141 ب] من الأسلاب والغصوب التي استلبها حكم الحائك متاع فاخر ورياش حسن، من سائر من ظهر عليه من مال المنكوبين، وانطلقت الأيدي على آلات القصر من السلاح وغيره، ووجد الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 فيه أنواع قيود حديثة كان حكم أحكمها لمن يقيد بها من الأعيان، والجاهل أمية العراقي في كل ذلك يحرض العامة على النهب، والارتقاء إلى البائس هشام وطلب مهجته، فلا يجدون مطلعا إليه لمنعه مكانه، وهشام مطلع رأسه إلى من تحته بداخل المدينة ينشدهم ببيعته فلا يجيبه أحد إلا بما يسوءه، إلى أن تبين له خذلانهم إياه، فانجحر في وكره إلى أن نزل بأمان، ولم يبق نعه إلا أربعة غلمان له، أحدهم فحل والثلاثة صقلب، يرقون من دنا منهم، ويستعينون الناس لاستقاذهم. وكان منظرا عجيبا في سرعة استحالة حال الدنيا في نصف نهار من العز إلى الذلة. واجتمع الوزراء إلى زعيمهم أبي الحزم بن جهور عظيم القرية، فهتف على الناس بكف الأيدي، وسمع هشام الهتف باسم الوزراء، وقد ألغي اسنه، فأيس عند ذلك من نفسه، وكع فلم يطلع بعد وجهه، ولا تكلم بلفظة، ودفع الوزراء بباب القصر النهابة والعامة، فانتهوا، وأمية العراقي في كل ذلك مقيم بداخل القصر في جمهور النهابة، قد تبوأ مجلس البائس هشام، واستوى على فراشه، ورتب وجوه النهابة مراتبهم في الحفوف به، والنفاذ في أمور الإمارة، لا يشك في حصولها له، محرضا على هشام، مجتهدا في إتلافه. ثم اجتمع الوزراء واتفقوا على خلع هشام، وهتفوا بإبطال الخلافة جملة لعدم الشاكلة، ونفوا عن المروانية والناصرية السداد، ورجعت قرطبة إلى تدبير الوزراء، وترك الدعاء الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 لأحد، ونزل هشام إلى ساباط الجامع المفضي إلى المقصورة في من تألف إليه من ولده ونسائه، فحصل في السابط طارحا نفسه على الجماعة، مستغيثا بهم، وينشدهم الله في مهجته، فأعلم بكره الناس له، فقال: ليت إني قرب البحر فترمون بي في لجته، فتكون أخفى لشماتتي، وأروح لنفسي، فافعلوا بي ما شئتم، واحتفظوني في ولدي وأهلي، وبدالهم من ضعف نفسه وغثاثة قوله وإلقائه بيده ما كان مكتوما عن الناس. وبقي بقية يومه وليلته من الساباط أسيرا ذليلا خائفا، ونسوته حوله مولولات شعثات حاسرات لا يملك لنفسه ولا لهن صرفا ولا نصرا، شاخص البصر إلى حيث تهجم عليه المنية. ولقد حدث يعذ سدنة الجامع أن من أول ما سأل الشيوخ الداخلين إليه أحضار كسرة من خبز يسد بها [142 أ] جوع بنية له، لا ولد سواها، لطيفة المكان من نفسه، قد احتضنها ساترا لها بكمه من قر ليلته، يقول إنها لصباها تشكو من الجوع ذاهلة عما أحاط بها فتزيد في همه. فأبكى من كلمه اعتبارا بعادية الدهر، وأحضر مل طلبه. وبات الوزراء والناس بالجامع ليلتهم غب الحادثة على هشام للفراغ من شأنه، فأجمعوا على تعجيل إخراجه إلى صخرة محمود بن شرف، والثقة بحفظه، فاقتصروا على ذلك، دون الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 أن يأخذوا خطه بالخلع ويشهدوا عليه بعجزه عن تدبير الخلافة وتخلية الأمة مما له في أعناقهم من البيعة على سبيل المعهودة، وأنساهم الله ذلك إما تهاونا أو نسيانا، فنفذ إلى حصن ابن الشرف وحبس فيه، وأمية بن العراقي في كل ذلك لم يبرح من القصر، قد سولت له نفسه الخلافة، واستدعى وجوه الجند للبيعة، وفرغ له الوزراء بعد نفوذ هشام، فوبخوا الجند على الدخول إلى أمية وحذروهم فتنته، وألزموا وجوههم إزعاجه عن القصر والقبض عليه، فأطلق لسانه على الوزراء بالسب، فأخرج عن البلد. [فصل في ذكر] الأديب أبي عامر البماري نسب إلى بادية بمار، شيخ ذلك الثغر أدبا وظرفا - كان - في ذلك الزمان، وكانت له رحلة إلى المشرق، وسكن مصر، وقرأ على أبي جعفر الديباجي كتابه في العروض والقوافي وسائر كتبه، ولقي شيخ القيروان في العربية، ابن القزاز، وأبا إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم الحصري. وأخبر عن نفسه أنه كان يؤدب بمصر بالقرآن، وبين يديه تلميذ وسيم، فمر به أبو جعفر البجاني الأندلسي، فألفاه يتناوم، والتلميذ قد قام عنه، فأخذ البجاني سحاءة وكتب له فيها هذه الأبيات، وخلاها بين يديه: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529 يا نائما متعمدا ... إبصار طيف حبيبه هو جوهر فاثقبه إ ... ن الطيب في مثقوبه أو ركبني ظهره ... إن لم تقل بركوبه فلما قرأها علم أنها للبجاني، فكتب تحتها: يا طالبا أضحى حجاب ... دون ما مطلوبه لو لم يكن في ذاك إث ... م لم أكن أسخو به [142] إني أغار عليه من ... أثوابه ورقيبه قال: وأنشد يوما في حلقته قول ابن الرومي: ما أنس لا أنس خبازا مررت به ... يدحو الرقاق كوشك اللمح بالبصر ما بين رؤيتها في كفه كره ... وبين رؤيتها قوراء كالقمر إلا بمقدار ما تنداح دائرة ... في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر فقال بعض تلامذته: ما أظن أنه يقدر على الزيادة، فقال البمباري: فكدت أضرط إعجابا لرؤيتها ... ومن رأى مثل ما أبصرت منه خري فضحك من حضر وقال: البيت لائق بالقطعة لولا ما فيه من ذكر الرجيع، فقال: إن كان بيتي هذا ليس يعجبكم ... فعجلوا محوه أو فالعقوه طري وأنا مقل من أخبار هذا الرجل، وما وجدت له أكثر مما أثبت وقت الفراغ من تحرير هذه النسخة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 م: وتشعبت. يعني سعيد بن جبير، وهو من أتقياء التابعين، خرج على الحجاج مع ابن الأشعث، ولم يكن يقول بالتقية. س: وأوراقها. أي امرؤ القيس، انظر ديوانه: 43. س: جازع. م: ذكر. م: ويذكر. م: يقول فيه، وانظر ديوان ابن دراج: 88 - 89. م: والجلا. من قول زهير بن أبي سلمى في معلقته: فتعرككم عرك الرحى بثفالها فتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم من المثل " إن الشقي وافد البراجم " (الميداني 1: 7) وله قصة. الزبرقان: القمر. ورد هذا البيت في شعر كثير (ديوانه: 222) ونسب لعبد الرحمن بن الحكم (الأغاني 15: 117 ط. دار الكتب) . هنا تبدأ المخطوطة (ط) . م: البحتري، والبيت في ديوانه: 955. ديوان ابن دراج: 103 - 104. م: ودي. م: رب. م: سماء. ديوان ابن دراج: 95. ط: كؤوس. م: نتائجا. هذا البيت وبعده أربعة أبيات لم ترد جميعا في ط ر، وفي موضعها: ومنها، وقد سقطت الأبيات 4 - 8 من س. الديوان: رضم. الديوان: اليكما - أصعقتني. م: الهدى. م س: يحمي للأسود، وأثبت ما في الديوان. س: للجب. الديوان: أنت. م س: للصنم؛ والهنم: التمر كله أو نوع منه. م: رأس. م: محكم. م: غلمان. انظر البيان المغرب 3: 162. أمروا: كثروا. د ط س: مستمسكين. ورد بعدها في م وحدها لفظة " الحبل ". م: فاذكر. انظر البيان المغرب 3: 158 وما بعدها، وفيه بعض اختلاف وإيجاز؛ والمغرب 2: 299. د ط س: ببلنسية. د ط س: فاتفق. م: وكلماه. م: اثر ذلك محنة قرطبة. د ط س: بقصر. م: جماعات. م: وجلوا. البيان: تضمهم إلى. د ط س: لحق. د ط س: بباب الأندلس. م: الأصناف. د ط س والبيان: وكانا بنيا بلنسية وسدا عورتها بسور أحاط بمرفئها. س: فتبوءوا. د ط س: واتسعوا؛ البيان: وتكسفوا. م والبيان: عظيم. م: واجتلب رفيع. وجلب - والحلل: سقط من ط د س. د س ط: بعقرهم. وفوق - الأمنية: سقط من ط د س. ط د س: بمولى القشتيلي. م: نعورة؛ س: عوذة. م: بأغرب (وقبلها بياض) . الأسمعة: مجالس الغناء. د ط س والبيان: جنة. د ط س والبيان: بعنصر. س: الزنمتين؛ وكلاهما صواب، أي باللام والنون. المتبنك: المتمكن من النعمة. يتقلس: يتخذ قلنسوة؛ م: ويتقلنس (وكلتاهما صواب) . م والبيان: مهنة. م: أنفس. م: المضطرة. م: أثر. هنا تبدأ النسخة (ب) . ط د س والبيان: بالسهم. ط د س: سلف. ط د س والبيان: يستغيثون في أن يرفقهم (يرفق لهم) . هذا العلج مبارك: سقط من ط د س. ب: حطب. ط س: ثانية؛ البيان: ناتئة. م ب: ورتق. م: على هذا الظالم، وفي الحاشية: عليه. ب م: بينهم. ب: ثغور شقوره؛ د ط س: ثغوره. ط د س: انتهى كلام ابن حيان. ط د س: قال ابن بسام؛ وكذلك هي الحال حيثما ورد. اللصاب: الشقوق؛ والأساود: الحيات. ط د س: وتراموا. س: مستمسكين. البيت لأبي تمام، ديوانه 1: 229. د ط س: الخليفة. ط د س: لشذوذهم. س: من كتابه. ط د س: كثرة. ب م: وطرحوا. د ط س: وصفت. م: بني. م: البغية. أبي مروان: سقطت من ط د س؛ وانظر هذا النص في البيان المغرب 3: 156. ب م: وأسرى. ط د س: الفهم والعلم. س: راع فيه من لفظه وشرفه. ط س: يحلو؛ والصواب: يحلى (بطائل) . ب: بالتفانة. د ط: ومنع. ط س: انتهى كلامه. س: أنا. هو محمد بت أحمد بن إسحاق بن طاهر، راجع بغية الملتمس رقم: 23 وقلائد العقيان: 58 والمغرب 2: 247 والذيل والتكملة5: 590 والحلة 2: 116 والخريدة 2: 313 والمعجب: 180 وأعمال الأعلام: 202؛ وكانت وفاته سنة 507 أو 508 ببلنسية، وقد نيف على التسعين، وكان أبوه أبو بكر من أعلام تدمير، بلغت وفاته قرطبة سنة 455؛ وآل طاهر كانوا ذوي بيت عامر وعدد وافر يفخرون بالعروبية وينتمون في قيس عيلان. ذلك: سقطت من د ط. ب: يده. ب م: موقع همته. ب م: بالثغور. مجون: سقطت من د ط س. ط د س: زعيم بلنسية بعد ذلك وقد استوى في ذلك الأوان. ب: فتخلص. انظر الحلة 2: 119. من أمثال المولدين، انظر الميداني 2: 211. ط س: ضئيلة. ط د س: كتابه. م ب: مخففين لأثيابهما. ب: البقبلة؛ ط د س: النفيلة. ب م: فرق لها. ط د س: ما هو إلا. ط د س: يتوقع. ط د س: له. ب م: نسبا. س: قد. المذكور: سقطت من ط د س. ط د س: النجاح. ط د س: اعتقاله. ط د س: أسرع لي. ب م: ملاقاتك. ب م: فلزم. ب م: بغير. ط د س: يطوى بما عليه. ظاهر: سقطت من ط د س. د ط س: طوابعها. صل اللحم وأصل: أنتن. ب م: عن. د ط س: الاستشفاع. د ط س: هي. د ط س: لاراقة دمي. د ط: لا تبالي؛ س: لا تبال. د ط: وله من رقعة عتاب. ط د س: على. س: الحق المبين. د ط: فاجأ؛ س: فجأ. الضمد: الحقد. م: التورد. م: أجري. د ط س: لدي. س: هذا والله ما اعتمدته. د ط س: تقديمك. ب: من نارها. هذه العبارة سقطت من د ط س، ويبدو أنها مقحمة. وردت في قلائد العقيان: 60، وذلك بعد أن تخلص من معتقله بمنت قوط بتأثير أبي بكر ابن عبد العزيز ودفاعه عن ابن طاهر، وقد صدرت هذه الرسالة عنه وهو بجزيرة شقر؛ وانظر الذيل والتكملة 5: 591 والخريدة 2: 319. د: وسار؛ القلائد: ومال. ب: فنغتفر؛ ط د س والقلائد والخريدة: فنغفر. ط د س: النفوس. ب: درك. ط د: وما توليه. س: بالمحل. ب: عين. ط د س: ومن اخرى. د ط س: وعلى قرب من مرامها. ب م: لقضائه. ب م: أثوابه. ومددت -. مفزعا: سقط من ط د س. ب م: ومؤتي. ط د: الوفي؛ س: السني الوافي. د ط س: وكشفه حقي. زاد في د ط س: ابن المقتدر بن هود؛ وهو عبد الملك بن أحمد المستعين، وليس ابن المقتدر، تولى بعد ابيه سنة 501 بسرقسطة، ثم انتزعها منه الملثون سنة 503 (انظر اعمال الأعلام: 175 والمغرب 2: 438) . ط د س: من بلنسية. مأخوذ من قول الشاعر؛ وهو إبراهيم الصولي: سأشكر عمرا إن تراخت منيتي أيادي لم تمنن وإن هي جلت رأى خلتي من حيث يخفى مكانها فكانت قذى عينيه حتى تجلت زاد في ط د س بعد كلمة المظفر " أخاه "؛ والمظفر يوسف بن سليمان (حسام الدولة صاحب لاردة) هو أخو أحمد المقتدر وليس بأخي عماد الدولة ولهذا اقتضى حذف الزيادة تخلصا من الاضطراب. ط د س: النعمة. ب: ذكرك؛ م: وأبان الله قدرك. س: نبت. د ط س: ومن أخرى خاطب بها. هو يحيى بن إسماعيل بن المأمون بن ذي النون، تولى سنة 467 بعد جده المأمون. ط د: تعثير. ط: دفع. ب م: يقال. م: باعتكاره. م: مستترا. م: مستسقيا. كان ابن ذي النون قد واجه ثورة بطليطلة ففر منها حوالي سنة 472 فاستعان بأذفونش ملك قشتالة فأعاده إلى ملكه على شروط قاسية، ثم انتزع منه طليطة. م ب: وبدر. تنفرد ب م بهذه القطعة. م ب: سيدي. د ط س: عليك. ط د س: فجزاك. ط د س: أكمل. ط د س: متوددا. ب م: اعتذاري. م: العارفة. وخاطبتك - الفائدة: سقط من ط د س. ط د س: باللحمة. ط د س: نالني. د ط: نبهاء. والله - أرجائك: سقط من ط د س. كان أحد رجال الكمال بالأندلس، وعين بلنسية التي بها تبصر، توفي ببلنسية سنة 456؛ انظر أعمال الاعلام: 202 وقلائد العقيان: 167. د د س: التاكروني. انظر فصل المقال: 10 والميداني 2: 54. ط د س: ملوكنا. ب م: الرئاسة. ط د س: لم تشتمل عليه جناجن قلب؛ ب /: جناحان على قلب؛ والجناجن: عظام الصدر. آل: سقطت من د ط س. ط د س: حسبما نذكره إن شاء الله. ط د س: ولاذ. د ط س: وقدح. د ط س: وبهر. د ط س: الآجام. س د: جماعة. ب م: الجبال. م: والانداد. د: طارت؛ س: صارت. ب م: وأقعد. د: فند؛ ب: قفل. د: وأجرى؛ س ط: وأجدى. وتمام -. دارها: سقط من ط د س. كلمات -. مزدوجة/ سقط من د؛ م س: كلمة أعجمية. لا: سقطت من ط د س. ط د س: جو. ط د س: أطواده. ب م: جمعه. ب: بأن. ط س: شتنانده، وكانششنند أو ششنانده (سنندو دافيدس) من النصارى المستعربين، وزر للمعتضد بن عباد أولا ثم ملك قشتالة، وكانت له أدوار متعددة في أحداث ذلك العصر، وقد ولاه أذفونش على مدينة طليللة عندما انتزعها من ابن ذي النون. ب م: مذهب. س: مبين -. متين. ط د س: الطرق. م ب: يقترنان. م س: الا لتفاف. بنيت الأفعال في هذه العبارة (في د ط س) على التثنية، ولم يقنعا - أتما - رقما - الخ، ولكن الضمير يعود إلى " الزمان اللدن ". م ب: أقل. ط د س: عارضا في. ب: أو القبول. موضع هذه العبارة في ب م: بعزته. ط د س: على. ط د س: كتابك. ط د: في. س: التمسته. ب م: وألبست. ط د س: الظلال. م ب: منه. ط د س: الشيمة. م ب: الزكي. م ب: بالبناء. وتمدون الرفاء: سقطت من ط د س. م: وأنسي. س: ولا اقتضيت به. هذه الرسالة وردت في القلائد: 66 مع اختلاف يسير في الرواية، وانظر الخريدة 2: 126. ط د س: خطب - واستمال - وقال. ط د س: أيد. س: كرب الخطوب. البيت للمتنبي، ديوانه: 264. ط د س: عند فلان؛ والقائد الأعلى المشار إليه هو أبو عبد الله محمد بن عائشة، وكان ابن رزين قد سأله أن يرد على ابن طاهر ما أخذه المرابطون من أملاكه، فأعلمه ابن عائشة " أن أمير المسلمين حد له ألا يخوله شيئا، ولا ينوله منها نسفا ولا ريا " (القلائد: 66) . د ط س: بالاحسان. س: قيدني اليوم، ط: قيدني الهرم؛ وهو الصواب. بالضمير: لم ترد في م ب س. ط د س: ذو الوزارتين.؛ وسيأتي هذا اللقب نفسه بعد قليل في ب م، فهو على هذا ذو الرياستين وذو الوزارتين. هذا التهكم موجه إلى ابن رزين. وليس له -. والشطرنج: سقط من د ط س. على ما كان -. قدر: سقط من د ط س. على ذلك -. بخله: سقط من د ط س. ابتداء من هذا الموضع حتى آخر الفصل لم يرد في ط د س. م: أو في سائره. وما يجانسها: سقطت من د ط س. د ط س: قال. د ط س: القرب. ب م: ثانية. ب م: تأسيا. د ط س: أبقت. س: رهن. ب م: وتقديمك. ب م: سبقك. ب م: حال. د س: ناظرك، وسقطت من ط. م: من ذكراك. ط د س: وتشوقي. س ط د: ومودتك. س ط د: بمعلوم. ب م: العراض. يعني المتنبي، والبيتان في ديوانه: 324، 249. س: شربا وريا. د: للجاجة؛ ط س: اللجاجة. ولا - نفقة: سقط من ط د س. د ط س: رتبة. س ط د: الأشغال. س ط د: تجتنى بازهار. ب: نجتني؛ م: تجتنى، ولعلها محرفة عن " تحنى ". يريد أنه والى الكتابة إليه. ب م: أمده. س ط د: يوم يلقاه. فيه اشارة إلى قول حاتم: أماوي أن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر هو من شعر بشار، ديوانه: 217 (جميع العلوي) . ب م: حماك؛ س ط: حباك. س ط د: عنك. ب م: خلتها. ط د س: خبر. د س ط: جبارها. ب م: سمة. ب: تخيلته؛ م: تخيله. ط د س: الحرف. ط د س: ومما له. ط د س: نسخة رقعة له كتبها مع الأستاذ. ب: النابل، م: النائل. أرجح أنه عبد الدائم بن مروان بن جبر اللغوي، أبو القاسم، وهو من الطارئين على الأندلس نزل المرية، وكان قد روى كثيرا من كتب الآداب واللغات (الصلة: 372) . حرسه الله: سقط من ط د س. ب م: واجتلبت. وزماما: سقطت من ط د س. ط د س: الأشعار. ط د س: الأخبار. ط د س: الكلام. عمرو بن بحر الجاحظ. ط د س: وحملته. ط د س: أيقظني؛ وأتغطى منه أي أستحيي، يعني من عطاء إياه، وهو قليل. ط د س: أن تكون بفضلك. ط د س: في خبره. أعزك الله: سقطت من ط د س. ب: حمابها؛ جنائها؛ م: حمائلها. ط د س: الحال. س ط د: له. ب: البقية. م: مرائك. ب م: وفي فصل. م: حقيقة. ط د س: له فيك. م: باحشاده. ط د س: عنه مناضل. ب م: ورأسه. هذه القطعة والقطعتان التاليتان لها لم ترد كلها في د ط س. مقتبس من قول القطامي: فهن ينبذن من قول يصبن به مواقع الماء من ذي الغلة الصادي المستعين بالله هو أحمد بن هود، ولعل هذه الرسالة شفاعة في أحد أولاده بعد التياث حال بني هود في سرقسطة وإخراج أهلها لأحمد عماد الدولة وهو ابن المستعين (سنة 503) من سرقسطة. المعصر: الملجأ. م: من. د ط س: ومن أخرى. د ط س: شملا له. م ط: يرب؛ س: يدب. سواد: سقطت من ط د س. ط د س: شاقها. م: وزانه. ط د س: نيريها. ط د س: تقلدها. ط د: وتوأما؛ س: وتؤما. ط د س: وعلما. ط د س: ومثابة. ط د س: وآدابا. م: حاضرها وباديها. م ب: ومن رسالة. المعروف بهذا الاسم من معاصري ابن طاهر هو أحمد بن عبدوس، منافس ابن زيدون في حب ولادة، وقد توفي سنة 472. كريم: سقطت من ط د س. س: سحابة؛ ط: سحاب. الراكب يعلق قدحه في آخر رحلة، وفي الحديث " لا تجعلوني كقدح الراكب " أي لا تؤخروني في الذكر. اضطرب النص هنا سهوا في ط د س: إذ ورد " فأين عزبت عنك بوادر - " وهذا سيرد بعد قليل. ط د س: الندى. منك: سقطت من ط د س. ب م: تانيك. م ب: أوثقه؛ ط س: أورقه. من قول أبي تمام: قدك اتئب أربيت في الغلواء كم تعذلون وأنتم سجرائي والسجراء: النظراء؛ م: بسخريائك. ط د س: ازالة؛ م: إذالة. ط د س: لرجل. م ب: متزهد. وهو بالضد: سقطت من د؛ وفي س ط: وهو بضد. م ب: قاسية. ط د س: تعاين. د ط س: وادامة. ط: مذقة؛ د: مذمة. البيت في فصل المقال: 77 وهو من أبيات في حماسة البحتري: 233 تنسب لأبي الأسود الكناني. هو من قول الشاعر: جانيك من يجني عليك وقد تعدي - البيت -. م: قيل وقال. س ط: يثبت؛ م ب: بحجتك. الملاطيس: المناقير من حديد. م: ويسعف. م ب: أدركه. البيت من شعر الطرماح، ديوانه: 63؛ ورواية الشطر الثاني في م ب: رأته تميم يوم زحف لولت؛ اختار نسبته إلى أبي دلامة، تهكما، وتشبيها لمن يتحدث عنه في المجبن بأبي دلامة. البيت لعمرو بن ذي الأصبع العدواني، انظر كتاب من اسمه عمرو: 58 وروايته: إذا هتف. ط د س: مواهمه. المدلوك: المصقول. ط د س: الزمان. د ط س: يقطف -. ويعرف. شطر بيت لامرئ القيس، وصدره " فدع عنك نهبا صيح في حجراته ". السقط: الشرر عند القدح، يقال للأمر الصغير يجر أمرا خطيرا. غريدة؛ د: غريرة؛ س: عريرة. د ط: وسروة. د ط س: منشورة. ب م: الأجل. د ط س: لك من؛ ب م: له في. م: يوم. الحلبي: سقاء دبغ بالحلب، وهو نوع من النبات؛ ط د س: الحلي. د ط: دارك. ب: للذنب؛ ط: من ذنب. ب: عدائك. ب: بدي؛ ط د م س: بري. ط: كتابك. م ب: زواره. ب م: الحصى. فيه إشارة إلى قول النابغة: تجلو بقادمتي حمامة أيكة بردا أسف لتاته بالاثمد أي انه يبتسم شفتين لمياوين. س: كم يقترح ويديع؛ ط: كم يقنع ويريع. د: بالاوبة؛ م: بلا رسه؛ س ط: وليه (دون إعجام) . ط: يجنب؛ د: يجيب؛ س: يجيب (دون إعجام) . ط د س: البيت. س ط: وآواه. السكن: الزوجة؛ ط: مسكنا. س ط: جيد. د ط س: وتخلطه بأعمالك وتجعله من عمالك. م: بردا - عقدا. م ب: السبطة. بل: سقطت من ط د س. د ط س: أزرارها. هو نهشل - أو سهل - بن مالك مر بحي من طيء فأكرمت مثواه أخت حارثة بن لام، فلما بهره جمالها أنشد هذه الأبيات (انظر فصل المقال: 76 والميداني 1: 32) . ط د س: غير. ب م: واليك. ب م: بالهمزة؛ ط س: بالمهزة. م ب: الحنتيش. د ط س: تتيح. د ط س: يصحبها. ط د س: السبب. البيتان للمتنبي، ديوانه: 512. رواية الديوان: حتى رجعت. الديوان: بعد. ط د س: وإيقاع. ب: رسالة. وما يجانسها: سقطت من د ط س. توفي ذو الرياستين سنة 496، وهذا قد يعني تاريخ هذه الرسالة. أوسعه الله -. أفديه: سقط من د ط س، وورد في موضعه " وفي فصل منها ". د ط س: بوفاة فلان. نضر -. روحها: سقط من د ط س. م: رماني الزمان؛ ثم الأنفعال على التذكير: فأصاب، ولبني، وأبقى وتركني. وإنا إليه راجعون: سقطت من ط د س، وكذلك حيثما وقعت. د ط س: وفي فصل من أخرى. ط د س: ببقائها. ب م: وتحتم. م: منا. م: قول توبة. أثبت صاحب الأغاني (11: 229) رواية أخرى وفيها أن ليلى هي التي أصرت على التسليم. ب م: حتى أرى. وقصت بها: كسرت عنقها؛ وفي ط د س: فرقصت بها فوقعت. ط د س: يصيح. قد تقرأ في ب: بولد الولي. المبارك -.. منزلته: سقط من د ط س. نار: سقطت من د ط س. ولكن -. السعيد: سقط من د ط س. د ط س: ومعتبرا. ط د س: أكون. م: الحادثات. د ط س: والأجلة. د ط س: بها. ط د س: أنتحب. س: ذا. ط د س: لانهجت الى بهجتها. ط د س: بعده. ط د س: السرور. م: والسور. ط د س: تهد. ط د س: أعزك الله. م ب: غرة الشرف. مولاي -. مثواه: سقط من ط د س. د ط س: جل. ب م: اناته. مولاي - ضريحه: سقط من ط د س. ط د س: الرزء. ط د س: الخطب. ب م: لذي. ط د س: السني. الحاجب -.. العصر: سقط من ط د س. م: ايدك الله، وسقطت العبارة من ط د س. س: وقد نعي. س: ذعر الهبوب؛ ولعلها " الهيوب ". د ط س: ضمنه. د ط س: لطال. محور بعض تحوير عن قول الحيطة في رثاء علقمة بن علاثة (ديوانه: 24) : وما كان بيني لو لقيتك سالما وبين الغنى إلا ليال قلائل مثله ينسب للتابغة الذبياني (ديوانه: 19) . فما كان بين الخير لو جاء سالما ابو حجر إلا ليال قلائل مقتبس من قول ابي نواس: اذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق م ب: نضر الله. س: لنا. ط د: فدحت. س: قدحت. ب م: والاستعداد. القلائد: 58، والرسالة إلى المعتصم بالله صاحب المرية ايام رياسته. كتابي بعد أن: سقطت من ط د س. القلائد: كتاب المنصور ملاذي المعتمد بك ايدك الله. ط د س: ما أودع من حياة. م: للمسلاة. م ب: وللظهر. القلائد: نوادبه -. شاهده وغائبه. يذكر في الرسالة - كما اوردها صاحب القلائد - أنفرديناند نزل على قلعة ايوب محاصرا، وغرسية بسرقسطة، ورذمير بوشقة وما والاها. ط د س: غمته. ط د س: مهمات الدور. في النسخ: فأطارت -. وطأطأت. ط د س: صدر. س ط د: يلجأ - ويفزع. ب م: والانتصار. س ط د: ثبوت. م: حصونها. ط د س: لما تحققه من ان. وتفرد -. البدار: سقطت من ط د س. ط س د: أزرارا. سقطت هذه الرسالة من ط د س. ب م: المعاذر؛ ولعل الصواب " المغادر ". ط د س: شك. انظر قلائد العقيان: 70 وrecherches لدوزي 2: IV (من الملحقات) . ط د س والقلائد: شكرك. ط د س والقلائد: المليم. س ط: الأفلاك. زيادة من القلائد. ب م: فلم تكن تصلح له ولم يكن يصلح لها؛ س: ولا كان يصلح. والبيت لأبي العتاهية، ديوانه: 612. ط د س والقلائد: بشيء من عمله. زيادة من القلائد. القلائد: وأدبر. د: ولحملت؛ القلائد: وحملت، س ط: وتحملت. ط س والقلائد: البانية لمعاليكم. قارن بالحلة السيراء 2: 125 ودوزي 2: V. ط س: طاغية كان يدعى الكنبيطر؛ قلت: وسيأتي التعريف به. ط س د: وحصل لديه أسيرا - علق ابن الأبار على هذا بقوله: كذا قال ابن بسام وانما دخل الكتبيطور بلنسية سنة سبع وثمانين. ط د س: قال. برسومه وبأهله. د ط س: وعدا. مساهمة -. الحفي: سقط من د ط س. ط د س، الاخلاص. م: على أنها عسى. باذن - فيه: سقط من د ط س. نشر دوزي هذا الفصل في Resherches ج 2: XVIII - VI وانظر في حادثة بلنسية البيان المغرب 4: 34 واعمال الاعلام: 203 والجزء الثاني من كتاب ميراندا Hist. Mus. De Valensia ونذكر -.. وان: سقط من ط د س؛ وبدئ الفصل بقوله: وكان يحيى بن ذي النون هو الذي سجر أولا نارها - ب م: ثارها. د ط س: الإسلام، س: دين. ط د س: أسير يديه. م ودوزي: يهره؛ د ط س: بهذه. قونكة (او كونكة Cuenca) مدينة تقع على بعد 50 كيلو مترا شرقي وبذة (Hueta) . ب م: وطاغية؛ د دوزي: واعية؛ ط س: واغية. س ط د ودوزي: ينمقها. س: ابنيه بذلك. ملوك: سقطت من س. د ط س: ودخل من المحالفة فيما. م ودوزي: تزدان؛ ط د س: تزهى. ط د س: يقول بعض اهل العصر؛ وابو تمام غالب بن رباح المعروف بالحجام سترد ترجمته في هذا القسم من الذخيرة. ط س: ابو الحسن، وكذلك في المغرب 1: 340؛ وقد ترجم هـ ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة. ط د س: فرش منه. ط د س: يفعل. ط د س: تنسل. ط د س: بلذريق، حيثما وقع. Rodrigo Diaz de Vivar وقد اشتهر باسم EI Cid Campeador أي " السيد "؛ وقد كتبت عنه دراسات متعددة منها بحث لدوزي في Recherches ج 2: 1 - 283 وكتاب لرامون منندث بدال La Espana del Cid (مدريد 1974 الطبعة الثانية) ولبروفنسال بحث عنه في Renue Historiqus (1937) وللدكتور حين مؤنس بحث مستفيض عنه في مجلة الجمعية التاريخية المصرية (1951) ؛ وانظر Valencia Hist. Mus. De (ج 2) . وسعيهم -. المخذول: سقطت من ط د س. ط د س: قاصيها ودانيها. ط د س: له. ط د س: وذهب. ط د س: لمة يسيرة من الخيل. د: ناحية. ط د س: من غفلته. ط د س: القنا. ط د س: في القسم الرابع؛ دوزي: موضعه. ط س د: المجموع. ط د س: والخريدة: الاحنف؛ والحاء غير منقوطة في ب؛ والأخيف من كانت احدى عينيه زرقاء والاخرى سوداء، وانظر الحلة 2: 125. س: تخزى. ط د س: لابن جحاف. ب م: واستمر. وشغل - الرجال: سقط من ط د س. م ودوزي: ويسوق - منية. وتحسده - والبدر: سقط من ط د س. د س ط ودوزي: وشرك ما. د ط س: دياره. ط د س: للكنبيطور. انظر ص 91، الحاشية 5. ط د س: المذكور لسطوة. ودخوله - امره: سقط من ط د س. لاول دخوله: سقط من د ط س. دوزي: قد حم؛ س ط د: حم. دوزي: بأنواع العذاب. ط د س: اخبرني. ب م: حواليه. وكفانا -. مرضاته: سقط من ط د س. ط د س: قدح. ط د س: بلغني انه كان. ط د س: فتحت الأندلس. ط د س: وقوع المحذور. ط د س: الله. مرارا - رذمير: سقط من ط د س. ط د س: وكانت تدرس. ديوان ابن خفاجة: 354 وقد وردت الابيات في الروض المعطار (بلنسية) ونفح الطيب 4: 455. ب م: البلى. ط د س: عندما. هو مزدلي بن بو بلنكان (او سولنكان او ملنكان) ابن عم امير المسلمين يوسف بن تاشفين وقد استولى على بلنسية سنة 494 (انظر خبر استيلائه عليها في البيان المغرب 4: 41) ثم ولي تلمسان سنة 497 وفي سنة 505 تولى على قرطبة وغرناطة والمرية، وفي السنة التالية استدعي إلى مراكش فبرأ نفسه مما لحقه من تهم، وكانت وفاته سنة 508 (انظر صفحات متفرقة من ج4 من البيان المغرب) . والحال -. نظامه: سقط من د ط س. د ط س: حتى فتحها. ط د س: كتبها الله له منزلة. ط د س: وفي ذلك التاريخ. ط د س: يتقلب. ط د س: الأعظم. ط د س: وتنور. ط د س: وكتب يومئذ إلى الفقيه. ط د س: والعبر. ط د س: لما اصيبت به يد زناد. ناظر الى قول المتنبي: كأن الصبح يطردها فتجري مدامعها بأربعة سجام ب م: فلنعد. من قول عوف بن محلم الخزاعي: ان الثمانين وبلغتها قد احوجت سمعي الى ترجمان ط د: للطروس. ترجمته في المغرب 2: 303 والحلة السيراء 2: 171 والمطمح: 15 - 16 ونفح الطيب 3: 408، 542 - 543؛ وهذه الترجمة مطابقة لما في المطمح، وقد نبه ابن سعيد إلى هذا االتطابق بين الذخيرة والقلائد (وليست له ترجمة في القلائد ولعل ابن سعيد سها فذكر القلائد بدلا من المطمح) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في ط د س كما أن ابن بسام لم يذكر هذه الترجمة في الفهرست العام الذي وضعه في مقدمة كتابه، مما قد يدل على أنها ترجمة دخيلة. ترجمته في المغرب 2: 376 والحلة 2: 167 واعمال الاعلام: 209 ونفح الطيب 1: 672 وازهار الرياض 3: 120 والقلائد: 99 والخريدة 2: 331 والمسالك 11: 445 وفي هذه الترجمة مشابه كثيرة مما جاء في القلائد، وبعض العبارات مشتركة نصا بين الكتابين؛ ولم ترد هذه الترجمة في ط د س؛ ولم يذكرها ابن بسام في الفهرست العام الذي وضعه في مقدمة كتاب الذخيرة. م: وشدته. مربيطر - حسب الامالة الغالبة على لسان اهل الاندلس - ومرباطر (Murviedro) تقع الى الشمال من بلنسية. كذا في الاصول، ولعل الصواب: نووها. ب م: حسنها؛ القلائد: نرجسها. التمويل: قوله يا مولاي، والتسويد: يا سيدي. القلائد: فعاله المجبول. ب: الوافرة. القلائد والخريدة: تنقضي. م: نهم بها. القلائد والخريدة: اللوى. القلائد والخريدة: اياما تقضت واعصرا. القلائد والخريدة: فينان. صدر بيت لامرئ القيس، وعجزه: وحلت سليمى بطن قو فعرعرا. ابو مروان عبد الملك بن رزين (436 - 496) راجع ترجمته في القلائد: 51 (والخريدة 2: 308) والمغرب 2: 428 والمطرب: 39 والبيان المغرب 3: 309 واعمال الاعلام: 206 والحلة السيراء 2: 108 والمسالك 11: وكتاب Jacinto Bosch Vila: Histoin de albarracin y Su Siea،TomoII، (Teruel،1959) . م ب: كان ابن رزين من الاول. د ط: ومشهود. د ط س: حديثه. نقل ابن الابار في الحلة بعض هذا النص. د ط س: جماعته. ب م: إلا. البخوع: المناصحة في الطاعة. البخوع: المناصحة في الطاعة. م: حلف. ط د س: موسطة؛ والسطة: الوسط. س: أردى - إلى البرابرة. ط د س: فثبتت نعمته؛ وتبنك النعمة؛ تمكن منها. ط د س: شأوه. جبارا مستكبرا: سقط من ط د س. ط د س: الشذوذ. د ط س: دون معونة بدرهم ولا امداد بفارس ولا شارك - والذم - عليه: سقط من ط د س. د ط س: متتابعة. وكان - كبائره: سقط من ط د س. انظر هذا النص في ملحقات البيان المغرب 3: 308. د ط س: ابن الكتاني المتطبب. د ط س: لغلاء سومها، بثلاثة -. الخ. وحدثت -. نظرائه: سقط من ط د س. م ب: يقرأ عليه. د ط س: وقد اجريت من شعره. د ط س: اجريت. وردت هذه الرسالة في موضعها هنا في ب م، ثم مكررة في آخر الترجمة مع اختلاف في النص على النحو التالي: " وله يخاطب ابن طاهر مستدعيا الى الكون معه [برسالة] تدل على اناقته في الفخر دلالة النسيم على الزهر والشاطئ على النهر: انت ادام الله عزك عالم بالزمان وانقلابه، عارف باغارته واستلابه، ومن عرفه حق معرفته لم تزد شدته الا معتبرا -. الخ "؛ وهذا مطابق لما ورد في القلائد: 54. د ط س: وخلوفها. من امير المسلمين: سقط من ط د س. انظر ص: 48 في ما تقدم. يعني ابا نواس الحسن بن هانئ. ديوان ابي نواس: 339. الديوان: درس. الديوان: اجتليتها. نسبها في بدائع البدائة: 158 لابن المعتز، وذكر انه ينقل ذلك عن الذخيرة. س: وقال يفخر. د ط س: تهوي ليس فيها نصالها. ط س: فدم. سقط البيت من د ط س. فيه اشارة الى المثل: " لا حر بوادي عوف "، انظر فصل المقال: 129، 336 والميداني 2: 124 والعسكري 2: 275. د ط س: أو يقصرهم على ما يعين لهم من إرادة. س: أخنى. ب م: الشهيد. هذه القطعة، والقطعة الضادية التي سترد رابعة، وردتا مكررتين في ب في آخر الترجمة. د ط س والخريدة: تفاح الخدود؛ د ط س والقلائد: وترى بنا الاحداق؛ الخريدة: ونرى سنا - الخ. د ط س: أجسامها. سقط البيتان من ط د س. الزاعبيات: رماح منسوبة الى زاعب، رجل أو بلد. وقال المبرد: تنسب الى رجل من الخزرج، كان يعمل الاسنة. ط د س: يرى. ط د: حازوا. ط د س: على. انظر القلائد: 52 والمغرب 2: 428. هذا البيت - الشمس: ورد في ط د س في موضع هذه العبارة: " ومعاني هذه الابيات واكثر هذه التشبيهات قد نبهت عليها فيما مضى من هذا التصنيف، واندرج لها نظائر في تضاعيف هذا التأليف ". ب: كشاربات مدام؛ د: كشارب من مدام؛ س ط: كشارب مدام. د: بحمامي. م ب: لحمام. بهذه الابيات: عبارة لم ترد في د ط س. ط د س: اللهو بيننا. إلى هنا تنتهي الترجمة في د ط س؛ وما جاء بعدها في م ب يتفق مع ما ورد في قلائد العقيان: 52 وما بعدها؛ وقد انفردت ب أيضا بزيادات اشرت اليها فيما تقدم، وهي تكرار لما سبق ذكره. زيادة من القلائد؛ وفي ب م بياض. القلائد: الدنى. القلائد: بالاقلام طورا. القلائد: العصر. القلائد: العصر. القلائد: قسرا. أورد هنا سبعة ابيات سبق ايرادها، وهذا تكرار يدل على ان هذه القطعة المزيدة دخيلة على " الذخيرة " وفيها اتباع واضح لما جاء في قلائد العقيان. انظر القلائد: 54. القلائد: للدنيا وللدين. القلائد: الكريم. القلائد: يشجي. القلائد: يشجي. انظر القلائد: 56 والمغرب 2: 429. القلائد: 55 والمغرب 2: 429. القلائد: الجفن. القلائد: الندامة. القلائد: الحادثات. تكرر هذا البيت من قبل؛ وقد ورد وحده في م وورد في ب مع بيتين آخرين. ترجمة ابي محمد بن عبد البر في القلائد: 181 والخريدة 2: 13، 478، (166، 459) وبغية الملتمس رقم: 965 والمغرب 2: 402 والصلة: 270 (وفيها انه توفي سنة 458 وهو مخالف لما ذكره ابن بسام) واعتاب الكتاب: 220 والمسالك 8: 246. ب م: رؤساء. من هنا نقله ابن الابار في اعتاب الكتاب: 221 مع إيجاز وحذف. ط د س: الركائب، وسمر تهادته المشارق والمغارب، وكذلك خ بهامش م. سقط العشاء به على سرحان: مثل، وأصله ان رجلا خرج يطلب العشاء فوقع على ذئب، فأكله الذئب؛ وقال ابن السكيت: هو سرحان بن متعب، كان يحمي مكانا، فمر رجل من بني اسد فرعى فيه فقتله سرحان (فصل المقال: 362 والميداني 2: 221) . د ط س واعتاب الكتاب: وسله. ذكر ابن الابار ان والده الفقيه ابا عمر ابن عبد البر سافر من شرق الاندلس الى اشبيلية لتخليص ابنه من يدي عباد، فأطلقه له، وانصرفا عنه محفوفين بالاكرام. ب م: ابي عمرو بن الجد؛ ولفظة " الحائن " لم ترد في ط د س؛ وابو عمر ابن الحذاء هو احمد بن محمد بن يحيى التميمي، جلا عن قرطبة في الفتنة ثم عاد اليها فكان متصرفا بينها وبين اشبيلية الى ان توفي سنة 477 (الصلة: 65) . ط س د: والطارف. ط د س: يفي. انظر المغرب 2: 402 - 403. ب م: افك وشك. من المثل: " قد بين الصبح لذي عينين "، فصل المقال: 61. الهدية والهدي: العروس، وفي اللفظة تورية. د ط س: بالكرائم والاعلام. الحفاية والحفاوة بمعنى. ط د س: كفيل. ورد في الصحيحين، باب مناقب الصحابة، ومسند أحمد 4: 326 بلفظ مختلف. ب ط د س: لنا - علينا. من هذا الموضع حتى قوله: " فالمصاب جليل " لم يرد في د ط س، واكثره متابع لقلائد العقيان: 181 وما بعدها، وقد فصل بين رسالتين في موضوع واحد هو زفاف ابنة مجاهد الى ابن صمادح، وأغلب الظن أنه دخيل على أصل الذخيرة. البيتان في القلائد وبغية الملتمس والخريدة 2: 13، 478 والمغرب. انظر القلائد: 181. ب: وفتى؛ م: وفتو. القلائد: 182 والخريدة 2: 479. القلائد والخريدة: اشتد. بم: وجعله، والتصويب عن القلائد. زاد في ط د س: في ذكرها، يعني في ذكر ابنة مجاهد وزفافها إلى صمادح، انظر ص: 127. ط د س: لمضض. د ط س: المخمور. ط د س: نفس - جذلي وأنسي. ط د س: تبصرت. انظر ما تقدم ص: 127. ب م: برية. د ط س: احتذى حذو بلغاء المشرق، كقول الصابي في فصل عن بختيار وقد زف ابنته الى ابي تغلب بالموصل: وقد توجه ابو النجم - الخ. د ط س: وألم الصابي أيضا في هذا الفصل لابن ثوابة عن المعتضد إلى ابن طولون -. قال. د ط س: فانتقد الوزير عبيد الله تلك اللفظة عليه - الخ. نوادره كثيرة في كتب الادب: كالبصائر لابي حيان ونثر الدر للآبي وزهر الآداب وجمع الجواهر للحصري والهفوات للصابي ونشوار المحاضرة للتنوخي وفوات الوفيات للكتبي. د ط س: وغليظ. د ط س: ورقة. د ط س: الخليفة. د ط س: فتذاكروا. د ط س: فتبسم ابن الفرات. د ط س: قال فيها: وقد ادى ابو النجم بدر الامانة. ط س: فجاءت. ط د س: الأسد. د ط س: قال. الكدى: جمع كدية، الارض المرتفعة، والاعلام: الجبال؛ يعني درس العلماء الاعلام ومن يليهم في الشهرة والارتفاع. والله تبارك - تلتمس: سقط من ط د س. ب م: ونفسي. د ط س: جزء من اجزائك محكما. د: وارادني؛ م: وام اذنتني. م: ومختلجات. ب م: عند. م ب: تعدده؛ ط س: يقدره؛ د: يقرره. م ب ط: المديرين. ط د س: بقرطبة. س: تثوب وتثوب. ب م: العقدة -. المردة. ط د س: سعيهم. د ط س: فيه. م: وعليه اكون. ب م: واحربهم. ب م: الذمة. ط د س: فكففت. م: يشاء في الحيلة؛ ب: يشاء في الحلية. ط د س: من الظباء، برد ماء، ولا شفقة لمياء؛ ب وخ بهامش م: ثدي ناهد ولا شفة لميا. نقله ابن عذاري في البيان المغرب 3: 245 بصيغة الغائب؛ وفي ط د س: انهم دخلوا عليه بعد ثالثة من تلك الحادثة - الخ. ط د س: تلك. ط د س: بشفر عين. د ط س: فلما صاروا -.. نفذ بانصرافهم الامر، فرجعوا وجلسوا ثم امر ان يحضر. ب: الحائن. م: تعوطي - تقوضي. د ط س: العجم. د ط س: دهياء عمياء، وفاجأتني. د ط س: صروف. م: دائما - لازما. من هنا يبدأ النقل عند ابن عذاري في البيان المغرب 3: 245. م ب: اذ؛ والمعنى: او يكاد؛ وفي الحديث الشريف: " وان مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا او يلم ". زاد في البيان: وخصصته بما بيدي من القواعد والاعمال. م ب: أكن. ط د س: من ابني. ط د س: بالتخريج والتدريب. س: الأهواء. م ب: ويخبث. ب م: بعد. م ب: وتردي ثمرة. د ط س: رفعة. د ط س: وقرن. د ط س: فيها. د ط س: ليتملكها؛ البيان: ليتمكن منها. بهامش س: أبي. ط د س: حماد. م: واستحقر. ب م: الشنعة. ب م: فشرعت. د ط س: مكرهم. د ط س: العصاة - الجناة. د ط س: لواحد من ملوك. د ط س: لواحد من ملوك. يختلف النص في د ط س في خبر هذه الحادثة ولذلك اثبته هنا: " وفي سنة خمس [كذا] تواتر الارجاف بقرطبة ان عبادا دبر النزول بزهرائها المعطلة التي منها ابدا كان باب مقتلها، وسبق الخبر بانه قد انهض نحوها ابنه اسماعيل وهو كالنار [فى] أحجارها مستكنة، ولا يشك انه ارسل منه على قرطبة شواظ نار لا يذر منها باقية، فنفس الله مخنقها بما نقض تدبيره وفت عزمه فأقصر صاغرا، وكان من قدر الله تعالى ان كره هذا الفتى ما حمله عليه والده من ذلك وهاج منه حقودا كانت له بنفسه كامنة، جسرته على معصية ابيه، وانصرف من طريقه إذ عظم عليه امر الهجوم على مثل قرطبة مع قرب حليفهم باديس بن حبوس الذي لم يشك في اسراعه اليه فيقع بين لحيين يمضغانه، وانه عرض ذلك على ابيه فاستجبنه واغلظ وعيده وكاد يسطو به، فأوحشه ذلك، ودبر الفرار عنه مع خويصة له أغوته، فأصاب فرصة بمغيب والده عن حضرته إلى مكان متنزهه بحصن الزاهر، فاقتحم قصره، وعلق ببعض ذخائره، واحتملها مع امه وحرمه، واستكثر مما غله من المال والمتاع، ومضى لوقته مبادرا طريق الجزيرة الخضراء فظفر به، وصرف بعد أن اضطره الى ابن ابي حماد بقلعته مستجيرا به فأجاره باسفل قلعته ولم يصعده اليهااستظهارا على مكيدة قدرها من ابيه، وبادر بالكتاب اليه انه حصل لديه، فسر المعتضد بذلك، وخاف ان يلحق ببعض اعدائه هنالك، فآب اسماعيل ودخل اشبيلية ليلا ونكب به عن القصر، وصرف على ابيه جميع ما كان تحمله من ماله، حتى ان زامله من زوامله فصرت عنه عند جده في السير، وغادرها في الصحراء رازحة، فوقعت الى بعض فرسان والده فقبض عليها وصرفت بجملتها لم يقطع لها حبل، فزعموا ان وقرها كان مالا صامتا وذخائر؛ فأظفر الله عبادا بولده ليبلوه فيما آتاه من ذلك فآثر الشفاء على المغفرة، الا انه لحقته لهذه الحادثة، لطروقها من مأمنه، وفساده لا كرم أعضائه عليه، خشعة فتت عزمه في اذاة قرطبة والجعجاع بأهلها، فتنفس مخنقهم قليلا، وكفت الغارات عنهم وقتا، وسارع سعرهم الى الانحطاط. وكان الذي دبر له عربه عن اابيه وزيره وصاحبه ابو عبد الله البزلياني المهاجر اليه من وطنه مالقة. وكان اسماعيل قد رمى الى هذا الكهل مقاليده وفوض الى رأيه، فلم يبارك له فيه، وشكا اليه بعض ما يناله من فظاظة ابيه ورميه المتالف به، فحسن عنده العقوق له والذهاب عنه الى بعض اطراف اعماله ليتغير عليه وينفرد بنفسه، وكان خرج معه وزيره هذا البزلياني، فلما صرفوا من قلعة الحصادي - حسبما تقدم - عجل عباد ضرب عنق البزلياني مع نفر من خول ابنه، واعتقله، فدبر من كان اعتقاله الهجوم على ابيه، وساعده الموكلون به، فظفر بهم واتى عليهم، وطمس اثر ولده وقطع دابره، فكأن لم يكن قط اميرا، ولا انفذ حكما، ولا قاد جيشا. وما ابن عباد ببدع فيما اتاه في هذا، فقد يضطر الملوك مع ذوي ارحامهم السامين الى نيل منازلهم من مستجرى عليهم الى ما يحملهم على انتهاك ذلك حبا للحياة الدنيا، على ان العفو كان اقرب للتقوى، مع ان اسباب الملك الاضطرارية لا تحمل الاستقصاء ولا تعرض للتمحيص، قرن الله باعمالهم الصلاح، وجنبهم بمنه الجناح (ط د س: النجاح) . ط د س: يستفتح. ط د س: يقين. د ط س: اهتبلت غرته. د ط س: المنصف. ط س: رفقة؛ د: رقيقة. د ط س: تهافت. د ط س: وفي فصل منها: وافاني كتابك بما لم يقع -. د ط س: المعتبر -. المتدبر والمستبصر. د ط س: عقوق الولد - البعد. د ط س: واحاق المكر السيء بأهله. د ط س: لهذه الحادثة الكارثة -. المهمة. د ط س: والوجع. م ب د س: شيئين؛ ط سببين. ب د ط س: الجم. د ط س: يتكدر بهم. د ط س: الشراب. ط س: والله عثرته. د ط س: استعادته فدعثره. لم ترد هذه الرسالة في د ط س؛ ووقوعها هنا فصل بين مقدمة ابن بسام عن المعارضات لرسالة ابن عبد البر، الاسترسال بايراد هذه المعارضات؛ ومن اللافت للنظر ان هذه الرسالة ثابتة في قلائد العقيان: 182. القلائد: محتده. القلائد: وشبه. القلائد: تنتعش به. القلائد: وافتقاد -.. الاعتقاد والوداد. القلائد: البرة. القلائد: ذل صعبه لراكب -. على هائب. القلائد: وأثرك الحسن عليه. ب م: ولا يتامل باسمه. ب م: يحسب - منه. د ط س: فصل لبعضهم قال فيه. البيت لابن عبد ربه؛ انظر جذوة المقتبس: 96 والعقد 3: 175. البيت لابي نواس، ديوانه: 192. أصله للمجنون (ديوانه: 197) ورواية الصدر: فأصبحت من ليلى الغداة كقابض - البيت لأبي الحسن التهامي، ديوانه: 47. ط د س: الأيام. ط د س: وتفسير. من قول زهير: فشج بها الاماعز فهي تهوي هوي الدلو اسلمه الرشاء انظر الحاشية 5 ص 68. د: ولاذت بحقوه الرجال؛ ط س: ولاذت بحقوه الامال. د ط س: فآثر العقوق ورفض الحقوق. ب م: وقفيت. ط د س: مصارع. انظر سورة الانفال، الآية: 42، 44. هذا المثل، انظر فصل المقال: 85 والميداني 2: 94 والعسكري: 12 - 16. د ط س: عمي العين - فأخروا الثبات وعقدوا النيات، بعد ان تساقوا المدام ليقدموا؛ وعند هذا الموضع أتوقف عن الاشارة إلى ما كان من زيادات ب م على ط د س، إلا نادرا. البيت للمتنبي، ديوانه: 12. د ط س: ردء. د ط س: شرود. خ بهامش م: اتته الرزايا من طريق الفوائد؛ وهذا عجز بيت لابي فراس (ديوانه: 83) وصدر البيت: اذا كان غير الله للمرء عدة؛ اما البيت الذي في المتن فورد غير منسوب في التمثيل والمحاضرة: 10. س ط د: فكل. البيت لابن المعتز، ديوانه 3: 49 وانظر قطب السرور: 567. اصل المثل: كباحث عن الشفرة (او عن المدية) انظر فصل المقال: 392 والميداني 2: 69؛ وقد اشار الجاحظ في مواضع من كتاب الحيوان الى ان النمل اذا نبت له جناحان فقد دنا هلاكه. انظر فصل المقال: 72 والميداني 1: 201 والعسكري 1: 308. قبلها في ب م صورة " وعز ". ب م: تنكر. د ط س: وبالنبي عليه السلام قدوة، ومن التابعين رضي الله عنهم اجمعين، هذا خليل - كان مطرف ابن الامير عبد الله يغري أباه باخيه محمد، فأخذ الامير ابنه محمدا وحبسه، ولما تحرى جلية الامر اطلقه اذ لم يجد مذنبا، ففتلة مطرف سنة 277، هذا ما ذكره ابن عذاري 2: 150. قتل عبد الله بن المنصور سنة 380، انظر قصة خروجه على ابيه ثم مقتله في ابن عذاري 2: 284. د ط س: احتذيت. البيت للمتنبي، ديوانه: 219. الرقم: الداهية؛ يقال جاء بالرقم الرقماء أي الداهية الدهياء. د ط س: وينصران. ب م: بالحائن. د ط س: الغالب. د ط س: وما هو الا. قد مر هذا، انظر ص: 35، 156. د ط: العزة. ب م: الآمال. البيت للمتنبي، ديوانه: 466 وروايته: اهل الظلم، وهي رواية س ط د. د ط س: من فضائل. الشوى: كل ما كان غير مقتل، والتي لا شوى لها: فتكة تصيب مقتلا. البيت لعمرو بن معد يكرب، وكان علي رضي الله عنه يتمثل به (الكامل 3: 198 والسمط: 63) وروايته: اريد حباءه؛ وفي د ط س: عذيري من خليلي، وعكس الشطرين. البيت في التمثيل والمحاضرة: 288 دون نسبة، وروايته: فأبدى الكير. لئيم: سقطت من ط د س. ط د س: المرء. د: خساسا من سقاط. س: قلوبهم. د ط س: ستري وسلطاني؛ ب: سلطاني وستري. ناظر الى الآية: 42 من سورة ابراهيم. د ط س: كعدة. ط: صولتي. د ط س: اذ سمعوا صوتي، وفروا فأسرتهم الخيل اسرا، وقيدوا الي عنوة وقهرا، فلم يفلت -. الخ. ط د س: ارضيت - والتزمت. د ط س: الناصر؛ والناصر هو عبيد الله بن المنصور عبد العزيز بن أبي عامر. ب م: صدفة. قرطس: اصاب الرمية. م ب: عهدا. م ب: منحت. م ب: والمطلوب. د ط س: الشتيت. د ط س: ووكدت وشددت. لم ترد هذه الرسالة في د ط س. البيتان للمتنبي، وهما متباعدان في موضعيهما من القصيدة، انظر ديوانه: 310، 313. وردت هذه الرسالة في نفح الطيب 1: 597، وهي مبنية على الخطاب لا على الغيبة. النفح: في دوحة. النفح: بدولة. النفح: للفهم. النفح: الى من عداك. النفح: السنية. النفح: الأولية. ب م: ثنائي. النفح: امتك. ط د س: بقربك؛ النفح: بعزتك. س: لاحظته. النفح: اغار سناه. الابيات للمتنبي، ديوانه: 454 مع اختلاف في تربيتها. في النسخ: وبعده، والتصويب عن الديوان. د ط س: تنصرف. م: سلمة بن خنده. س: صدوري. د ط: فوافقوني. د ط س: لصيح. ط د: وانقسمت؛ س: وانغمست. ط د س: بنفسه. ط د س: خليل. ط د: بموت؛ س: بوفاة. ط د: بموت؛ س: بوفاة. ط: وعد؛ د: وأعد. ط د: بعد. بصر: وضح؛ ب م: وقصرت. ب م: اليها - عليها - نحوها؛ ط د س: الارزاق. ب: بنسيمك؛ د ط: بنسيمها. في النسخ: الا. ب ط: الحنفية. ط د: وعداه. ب: مصاليح؛ د ط: مصابيح. ب م: يعلم. بربشتر (Barbastro) تقع في ناحية وشقة على أحد فروع نهر إبره الى الشمال الشرقي من سرقسطة؛ وانظر الخبر عن كائنتها في ابن عذاري 3: 225 ودراسة عنها في Recherches 2: 332 وما بعدها، وسينقل ابن بسام نص ابن حيان عنها فيما يلي. ط د س: المعترفين بالوعد والوعيد المؤتلفين - الخ. د ط: وحججه. ط د س: جرحى. من المثل: قد تبين الصبح لذي عينين، انظر فصل المقال: 61 والميداني 2: 31 والعسكري 2: 125، وقد تقدم ص: 127. من قول ابن عبد ربه: الا انما الدنيا غضارة ايكة اذا اخضر منها جانب جف جانب هذا مثل، انظر فصل المقال: 327 والميداني 1: 232. د ط س: أنبائنا. 3 - تبدأ هذه الفقرة في د ط س: وذلك انه أحاط بنا عدونا كاحاطة القلادة بالعنق فحاربنا حتى ظفر، فانا لله -.الخ. ط د س: تراءت. ط د س: وماذا كشف. م: وغشيت. د ط س: واستهوت. جلحت: حملت؛ م: وجلبت؛ د: وضجت؛ ط س: وخلجت. د ط س: وعادت؛ ب: وسارت. قبل " فما " في د ط س: وفي فصل منها. وفي فصل منها: سقطت من د ط س. س ط د: الإيمان. د ط س: ثم اضرمت النار عليهم حتى احترق الجميع وهلكوا، والكفر يضحك، والدين يبكي، والعذاب ينكي. وفي فصل منها: سقطت من د ط س. س ط د: تحصى. د ط س، ملتهب. ط: مرتهب. ط: ولا. ط د س: أطرافكم. ط د س: وفي. انظر الآية 11 من سورة الذاريات. د ط س: وإذا ابتليت. يريد اذا اصيبت اطراف البلاد بغارات العدو سهل عليه بعدئذ مهاجمة اوساطها. قارن بابن عذاري 3: 225 ونفح الطيب 4: 449. ط د: مارة سدا. ب م: العدو. ط د س والنفح: ارض الاندلس. ط د س والنفح: ارض الاندلس. ط د س والنفح: يشغل. م: والتساؤل. ط د س: يفسدون. ط د س والنفح: وجريا. ط د س: وخابط. ب م: صرفهم. ط د س: بصدر من خيالها. ط د س: من. تحل: سقطت من د ط س والنفح. البيت للقطامي، ديوانه: 34. ط د س: الضياع بخالها. ط س: محيلا؛ والصواب " سحيلا " كما في ذ. ط س: لحطبهم. ط د س: في. ط د س: واعلم -. فجد. ط د س: والحلي. ط د س: والحلي. ط د س: اصيب فيها بالقتل والسبي خمسون الفا. وهلك من نسائها عند انلاتهن من عطش القصبة عدد كثير لتطارحهم - يكرعون - نهل، فكبهم.. موتا. ط د س: المدينة. ب م: يدني. ط د س: ولما برز جميع من خرج عن المدينة بابها. د ط س: نزول. د ط س: الخروج. د ط س: بالدور. ط د ش: ليحكم. د ط س: ويقرره عليه فيما اخفى. د ط س: يعذب اشد العذاب. ط د س: إلى أسواء مقامه ذلك. ط د س: ابلاغا في نكايتهم. ط د س: او ذات مهنة. الوخش: اراذل الناس وسقاطهم، يوصف به الرجل والمرأة. ط د س: فيهم. ط د س: منهم. د ط س: مرت. ط د س: عيث. Monzon إلى الجنوب من بربشتر، وقال ياقوت: حصن من حصون لاردة. ط د س: منهم. ط د س: حرب. ب م: تماما بحكم. م: والمرد؛ د: والجآذر؛ والحزاور: جمع حزور، وهو الغلام. ب م: ذوي. ط د س: فوجدته. ط د س: لم يغير شيئا. د ط س: ووصائف رومة. ط د س: (ما) أسرع ما طمعت فيمن أعرضناه لك. ط د س: لحصني. ط د س: منهم. ب م: تشوق. ب م: بعجومته. ط د س: عليه الخداع ما. د والنفح: واكياس. ط د س: منه. ط د س: والنفح: في ثمن تلك ما سخت بها يدي. ط س: لمغنية الغبي؛ د: لمغنية اللعين. ب م: نومته. د ط س والنفح: اشفينا. ط د س: عنها. النفح: امرنا. ط د س: زماننا. ط د س: ما. ط د س: أنفسهم. ط س: أظل. ب م: عراض. ط د والنفح: أو ماش. ط د س: برجوع المسلمين بحمد الله إليها. ط د س والنفح: امداد لحليفه عباد (ط: لخليفة) . ط د س والنفح: فتأهب لقصد بربشتر في جموع من المسلمين فجالدوا الكفار بها جلادا - د ط س والنفح: وخذل. ط د س: فاقتحمها. د ط س والنفح: يدخل. ط د س: الفدية. د ط س: وخمسة آلاف. د ط س: قدمهم. د ط س: برحمته. ط س: أراح. د ط س: محبوبة. ط د س: مخاطبة. د ط س: الاولياء. ب م: تتحدث. د ط س: وما مخاطبتي لك الا. د ط س: بجميع. ط د س: فهو مرغوب. ب م: تستبق. ط س: المجنى؛ د: المحيا. ط د س: تنتج. ط س: الخير، وسقط النص من د ابتداء من قوله " واسراها مغرسا " حتى آخر الرسالة. ط د س: الزمن. ط د س: الدهر. سقطت هذه الرسالة من د ايضا وثبتت في سائر النسخ. ط د س: منك. هذه الرسالة والتي تليها سقطتا من د. ط س: تخبر به كل طبقة. ط س: لكثرة. ط س: والاعراب. ب: نسية؛ ط: يشبه؛ س: بشبيه. ط س: متحدة. ط س: سرارا؛ ب: سيارا. وازبة: ذاهبة؛ وفي النسخ: وارية. سقطت هذه الرسالة واثنتان بعدها من د ط س. ب م: حفرة عتت؛ والحفزة: الطعنة. م: بعد، وفوقها " غب " خ. سقطت من د وحدها؛ ط س: ومن أخرى. ط س: وجميل. ب م: الناظر. ط س: ويحطها -. عن؛ م: ويخطبها. ب م: تنائي. ب م: غبي. ط س: وللفضائل. هذه الرسالة والتي تليها سقطتا من د وحدها. ب ط س: متمم. ب م: بالهوادي الاعجاز. ب م: فكره. ط س: المنى. ب: اعزامي. ط س: وفتحت. ط س: وتارة. ط س: وضياء محاسنك. ط س: بتكلفي. ط س: صباح. ب: لتمتثل. ب: وانتهائه. د ط س: وامتضيت. ب م: خيل فرسانها. ط س: بديهتي. ط س: ذلك الإخاء الطارف. ب م: جبرون؛ وقد ترجم ابن سعيد لأبي القاسم بن خيرون (المغرب 2: 419) ونسبه الى حصن بيران من اعمال دانية، وذكر انه سكن دانية وكان من شعراء اقبال الدولة. ط د س: الخطابة. ط د س: وبكت. د: مذ. البيتان في الصداقة والصديق: 30 دون نسبة. هو الطرماح بن حكيم، انظر ديوانه: 346، 347. ط د س: إلى محاربته. ط د س: والتعزير. د ط س: النشيد. البيت لجرير، ديوانه: 916. ط د س: موالاة. انظر امثال العسكري 1: 71 وفصل المقال: 402 وجمهرة ابن دريد 2: 384/3: 82. انظر امثال الميداني 1: 7 وفصل المقال: 129 والعسكري 1: 141، 163. البيت لأبي الأسود الدؤلي، ديوانه: 54 وانظر شرح شواهد المغني: 194 ونظام الغريب: 71 وفصل المقال: 45. ط د س: كان. ورد البيتان في ديوان المعاني 1: 178 دون نسبة. ورد البيت في التمثيل والمحاضرة: 456 دون نسبة، وروايته كما في د ط س: من لؤم. ط د س: ما اهم. البيت لابراهيم الصولي، ديوانه: 163 (القطعة رقم: 129) وانظر الحماسة البصرية 2: 281 وامالي المرتضى 1: 488 وديوان المعاني 1: 179. في التمثيل والمحاضرة: 355: وهل يعض الكلب ان عضا. البيت للراعي النميري، ديوانه: 64، وانظر طبقات ابن سلام: 435 والتمثيل والمحاضرة: 68. ط د س: واقتضاء. د ط س: عند. ط د س: الجاري الى غمراتها. ب ط س: إناها. د ط س: وله من أخرى. ب م د س: وأرى وقد. ط د س: وشممت. ط د س: يزخر - يسحر. ب م: فقد. د ط س: جلي. ط د س: إلا. اشارة الى المثل: " ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان "؛ انظر فصل المقال: 199 والميداني 2: 135 والعسكري 2: 200. ط س: دخلت على المقام. اشارة الى قول ابي نواس: خرجنا على ان المقام ثلاثة فطابت لنا حتى اقمنا بها شهرا سقطت هذه الرسالة والتي بعدها من د ط س. م: باحسانه. ب: باطرايه. روضة الحزن اطيب شذا من سواها؛ ب م: حرثا. ب: شنن. ب وخ بهامش م: لطرت بجناح. وسكن القلب: وقعت هنا مكررة في ب. ب م: عند ابن عبيد الدولة. د ط س: ناخع نحو؛ وبخع ونخع بمعنى أذعن. ط د س: ادامها الله بدوام الايام. في التنزيل: وان تعفوا اقرب للتقوى (البقرة: 237) . ط د س: جزاؤه عند الله. وفي فصل منها: سقطت من ط د س. د ط س: من الرغبة في شانه ما يقتضيه؛ ب م: في شانه قبل الرغبة. ط د س: شذت عنه وعني فيه. ط د س: يشتمل؛ والصواب " يستمل ". ط د س: امر. قبلها في ط د س: وفي فصل منها. ب م: وقد علم أنه سهم. ط د س: يليه. ط د س: جماعة. ب م: وإحماء. ط د س: سعيت بآمالي. د ط س: وعلم. د ط س: ومقابلة. ب: ويلزم؛ م: ويلزمني. ب م: وتضرع. د ط س: مسراه - ايمن. د ط س: وان ابا فلان. شرك عنان وشركة عنان: ان يشترك اثنان في شيء خاص دون سائر اموالهما، اوان يخرج كل شريك مبلغا من المال ويخلصا المبلغين ويأذن كل واحد لصاحبه بان يتجر بالمجموع. زاد في ط د س: واحفى بالذم واكرم. الضلع: الميل والهوى. ط د س: به. ب م: له. د ط س: سبيل. سقطت الرسالة من د ط س. ب م: الا باطناب. يكحلون. قارن بتاريخ الخلفاء للسيوطي: 348. انظر ابن خلكان 2: 39. ط س: وإقام. ط د س: فصل من رقعة له. ب م: ولحظت - التدبير. ب م: ضمنت. ط د س: أوحش. ب م: رماح. ب م: ومثواه فداح؛ ط د س: وسواه قداح. ب م: وترق. ب م: الرائعه. ط د س: لطف. ب م: تتقابل. ب م: عثار، وسقطت العبارة من ط د س. ب م: الزناد ابرز. كذا بالصاد المهملة، وربما قرئت في م ب: الفرسة. ب م: متكسرا. د ط س: يتدحرج. ب م: كأنه. ط د س: دارة. ب م: تقتل. ب م: يريش - ويقدح - يبرز -؛ س ط د: وتسرع. د ط س: بغير. د ط س: بنصر. ب م: وشعبت. لم ترد هذه الرسالة في د ط س. م: إلى. ب م: فاشبت. د ط س: وانف عدوه. ب م: مشاركا. ط د س: عزيم عزائمك. د ط س: وتتحمله على كد. د ط س: ظهر. ط د س: وتتعدى. مباح: سقطت من د ط س. د ط س: ابوها. ب م: بوفاة فلان. د ط س: محتضرا في اقباله. راجع ابن خلكان 3: 255 - 257 في صبر عروة عندما فقد ابنه وقطعت رجله. ورد بعدها في ب م: بين سعادة اليوم والغد؛ وهو سهو فيما يبدو، لأن العبارة سترد بعد قليل. د ط س: هضب - فرحة وكرب. ط س: شعب - محتمل. د ط س: جوى. ط س " يقرح. ب م: تسلية. د ط س: ويغلب بالمحن. ط س: تردعك. د ط س: ندب. د ط س: على قدر. د ط س: للمعالي. ب م: نجم للعلى. ب م: فاجلب. د ط س: كتاب مولاي. ب م: بوفاة فلان. ط د س: وفلت. اتورع: اكف وامتنع؛ د ط س: اتروع. ب: الصبر والسلوان؛ بامرئ: سقطت من م د. ط س: يلقى. د ط: وقليل. ب م: الغامضة. د ط س: بعلمك. ب م: الالم؛ ط س: غفلات الآلام. ط د س: ويخترق. د ط س: وفاة فلان. ورد البيتان منسوبين لأبي نواس في محاضرات الراغب 4: 513 ولم أجدهما في ديوانه. ابو عامر محمد بن سعيد التاكرني نسبة الى تاكرنا، وكانت قصبة كورة رنده، وقال ابن سعيد (المغرب 1: 330) انها خربت؛ راجع ترجمته في جذوة المقتبس: 56 (وبغية الملتمس رقم: 137) والمغرب 1: 332 واعتاب الكتاب: 201 واعمال الاعلام: 224 - 225. د ط س: المظفر ابن ابي عامر. نقل ابن الابار بعض هذا النص في اعتاب الكتاب: 201 - 202. انظر ص: 13 وما بعدها. د ط س: عبد العزيز بن أبي عامر. في القسم الأول من الذخيرة. اقتبس ابن سعيد هذه الرسالة في المغرب 1: 332. م: بالاصلاح. ط د س: عن. ط د س: ملوك وقته. وردت هذه القصة في المغرب واعتاب الكتاب والنفح 4: 132. ديوان الحطيئة: 284. هذا مثل، انظر فصل المقال: 229 والميداني 1: 91. د ط س: قاتل. ولي مقاتل طرطوشة بعد لبيب الفتى، وتلقب " سيف الملة (أو الملك) . ديوان المتنبي: 263. في الاصول: مصر. د ط س: وله من رقعة الى ابن عباس. البيتان لامرئ القيس، ديوانه: 69. انظر هذا القول في التمثيل والمحاضرة: 305. ناظر الى المثل: طلب الابلق العقوق، وقال الشاعر: طلب الابلق العقوق فلما لم يجده اراد بيض الانوق والعقوق: الفرس حين تحمل؛ والأبلق لا يحمل، والانوق: الرخمة وهي تحرز بيضها فلا يصل اليه احد، والمعنى لو انني فعلت المستحيل. ب م: قبيلا. من قول ابي تمام (ديوانه 2: 115) . اتاني مع الركبان ظن ظننته لففت له رأسي حياء من المجد د ط س: سبيل. د ط س: نابذني. ط د س: العدو الطالب. د ط س: خنت. البيت للمتنبي، ديوانه: 470. ط د س: وإن الدنيا. د ط س: يجب. د ط س: ونتعاطاه معاطاة. ط: شهدت أن. الاثلب: التراب والحجارة او فتاتها. ديوان المتنبي: 456. ط د س: فصدق. ط د س: والمنادم. ط د س: الزاكية -. السامية. ط د س: الخاسرون. انظر الآية: 18 من سورة يوسف. وفي فصل منها: سقطت من د ط س. ط د س: أشرت. د ط س: وتحقق - تنمقه. ط د س: ويشتمل. د ط س: قال. د ط س: بالتحذير. انظر امثال الميداني 1: 198 وفصل المقال: 430 والعسكري 1: 316 والجمهرة 2: 250، والصلف: قلة الخير. انظر امثال الميداني 2: 156. د: اعقابهم. العقير كالعقار: الدواء. د ط س: صدقت - سر. د ط س: فهو. البيت لزهير بن ابي سلمى، ديوانه: 95. ط س د: لي. د ط س: الحيل. انظر فصل المقال: 92، وهو مما قاله النعمان - فيما يحكى - ردا على الربيع بن زياد؛ ط د س: إن حقا. د ط س: سر نصحي بصدق مقالي. في المثل (الميداني 1: 16) : اخوك من صديقك النصيحة. عكس للمثل: اضىء لي اقدح لك، انظر فصل المقال: 205 والميداني 1: 285 والعسكري 1: 36. د ط س: قال. ناظر الى الآية: 85 من سورة يوسف. د ط س: وأنضيت فكري. انظر في هذا المثل، فصل المقال: 448 والميداني 1: 269 والعسكري 2: 31. ب م: الجري. د ط س: وترسلون. التطرق: اتخاذ الطريق. د ط س: في سلفهم. د ط س: وخبائثها. د ط س: مستبدا. ب م: تختطر. يعلز: تأخذه كربة الموت؛ ب م س ط د: يعلق على. ناظر الى الآية: 168 من سورة آل عمران. البيت لجرير، ديوانه: 421 وامالي القالي 1: 94 والسمط: 292 واللسان (ثرى) . ناظر الى قول المتنبي: لا افتخار الا لمن لا يضام مدرك او محارب لا ينام د ط س: يستغرب -. ويستهل. د ط س: ونظام. ب م: دون صلف. ط د س: قال. ناظر الى الآية: 39 من سورة النور. من المثل: تحت الرغوة اللبن الصريح (انظر امثال العسكري 1: 270 تحقيق ابو الفضل ابراهيم) يضرب مثلا للامر تظهر حقيقته بعد خفائها. من قول النابغة: فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في انيابها السم ناقع ب م: وحذو اتك. ب م: حزب. ط س د: هو. فيه اشارة الى الآية: (واذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) الاعتراف: 171. من المثل: حرك لها حوارها تحن (انظر امثال الميداني 1: 129) ، والحوار: ولد الناقة، معناه: ذكره بعض اشجانه يهج له. د ط س: سبل. ط س م: كراعي هذيل؛ د: كرعي هذيل؛ ط د س: يخاف. د ط س: اثلتنا. من المثل: صدقني سن بكره، انظر فصل المقال: 45 والميداني 1: 265. انظر ص 162 الحاشية: 3. د ط س: ذنوبنا. البيتان لابن الرومي، ديوانه 1: 114. من قول القطامي: وترفض عند المحفظات الكتائف؛ ومعناه تحلل الاحقاد والسخائم عند حلول الامور التي تستدعي الغضب؛ انظر ديوانه: 55 وفصل المقال: 214 والسمط: 903 واللسان (كتف) . د ط س: مصادرها. من ابيات تنسب لنصر بن سيار، انظر مروج الذهب 6: 62 وفصل المقال: 233. ووردت في مجموعة المعاني: 12 منسوبة لابي مريم البجلي. ط س د: مهزا. د ط س: لاجتلت. د: المنابذة. د ط س: حواليها. ط د س: بال. من قولهم في المثل: " حسبك من القلادة ما احاط بالعنق " انظر الميداني 1: 132. البيتان في الاغاني 23: 616 ورواية الاول: من الناس إنسانان؛ ويروى الشعر لابن الدمينة، انظر ديوانه: 31، 170. الاغاني: فمنهما. ط س د: عن. في النسخ: من. ط د س: اعتياد. ط س: يحتقر. ط د س: أخرى. ب م: يممت. ط د س: وشيمة. ب م: لتزور. ط د س: يقابل - يسامت. ب م: فتية، وسقطت العبارة من ط د س. من قول الشاعر: احب بلاد الله ما بين منعج الي وسلمى ان يصوب سحابها بلاد بها شق الشباب تمائمي وأول أرض مس جلدي ترابها د ط س: لبث. د ط س: عوائد. د ط س: تألف. انظر هذا المثل في فصل المقال: 335 والميداني 1: 198 والعسكري 1: 313. ط د س: قمنا. من المثل: قبل الرماء تملأ الكنائن (الميداني 2: 31) . ط د س: ائتلاف. ط س: وتتقيت؛ د: وتسقيت؛ ب م: وتمنيت. م ب: واجدا. د ط س: إلى الجهاد لتجهيز. ب م: والشدة - والنجدة. د ط س: اخبار. ب م: من موجز. د ط س: الرئيس. انظر المغرب 2: 300 واعمال الاعلام: 224 وابن خلدون 4: 161، وقد نقل ابن عذاري (البيان المغرب 3: 164) هذا النص. وراجع Hist. Mus. De Valencia 2: 163 وما بعدها. ب م: ثم. ط د س: من اوصلهم لرحمه. هو القاسم بن حمود الحسني، بويع سنة 412 ثم انتزع قرطبة منه يحيى بن أخيه ثم عاد القاسم إليها وبقي فيها حتى خلع سنة 414. د ط س: تأمير عبد الملك ابنه. ط د س: رويش، والتصحيح عن البيان المغرب. ط د س: حضرة. ط س: سبك؛ د: سمك. ترجمة أبي المطرف ابن الدباغ في القلائد: 106 والمغرب 2: 440 والخريدة (قسم المغرب والأندلس) 2: 349 (387) والمسالك 8: 221. نقل ابن سعيد بعض هذا النص في المغرب. ط س د: قلبه. د ط س: المقتدر بن هود. من قول حسان بن ثابت يعير الحارث بن هشام بفراره (ديوانه 1: 29) : ترك الاحبة ان يقاتل دونهم ونجا برأس طمرة والجام ط د س: وأوسع. ب م: من سره. ط د س: وحكمه؛ ب م: على حكمه أو حكم المعتمد. ط د س: الغرور. ب م: فدخل. د ط س: بحجة. د ط س: نصرة؛ ب م: أنصاره. ط د س: تشاجر. لم يردا في ديوان المعتمد. د ط س: ذم. ط د س: حتى نفاه. ط د س: المنصور. ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة، واشار الى تضايقه من قدوم ابن الدباغ الى حضرة بطليموس. ط د س: الآفاق. ط د س: من شعره. د ط س: انسك. ط د س: حد. س: موفدا؛ ط: وعودا؛ د: موعدا عودا. ط د س: ما. ط د س: مما. ب م: بأناتي. د ط س: الاوقات. فيه إثارة من قول المتنبي: وحسب المنايا ان يكن امانيا. ط د س: له. ط د س: فعلك. ط د س: شيئا لم يكن. د ط س: لا تزال امثلتها. د ط س: المجد. انظر هذا الجزء من الرسالة في القلائد: 107 والخريدة 2: 350، وقد قال الفتح انه وجه بهذه الرسالة إلى ابن حسداي. القلائد والخريدة: بهذه الحالة قد ارتفع. ط د س: الأضداد. القلائد: اضدادها -. اشتدادها - آمادها. ديوان المتنبي: 254. الديوان: فصرت. ط د س: نشاط. ط د س: اين ايمم. ط د س: لنوائب. انظر القلائد: 107 والخريدة 2: 350 والمغرب 2: 440، وقد خلط صاحب القلائد والخريدة بين هذه الرسالة والتي تقدمتها. ب م: يجيد، وسقط من د ط س. ط د س: مساويا - أعاديا. د ط س: بياني. د: بقوله في شعره، وكذلك هو في القلائد. البيت الاول وحده للحطيئة في ديوانه: 284، وانظر ما تقدم ص: 228. د ط س: وذممت؛ القلائد والخريدة: وما حمدت. د ط س والقلائد: منه. القلائد والخريدة: لفني. د ط س: ان يكون الممات. د ط س والقلائد والخريدة: والنوب. من قول ابي ذؤيب: امن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع الخريدة والقلائد، وما في الايام رجاء ولا مطمع؛ ط د س: ولا بمستقر على من يرتجع. كذا في الأصول، ولعل صوابه " ضميت ". د ط س: النوائب. ب م: وانتقاض. ب م: ويتموج. م ب: يقع. د ط س: ويقرطني - يقرط. ط د س: وفي فصل منها. د ط س: خيلت. د ط س: مقاصدي؛ خ بهامش س: مطالبي. ط د س: للنفس. ب م: ما فيه في. ب م: الرأفة. ط: استياك؛ س: اشيال. ط د س: لم يزل في امتحاني. د ط س: احالة. د ط س: والخمول. د ط س: اعتداء. ط س د: وفي فصل من أخرى. ب م: ويعنى به. ط س: بالغل. د ط س: اشد. الواجم: الذي اسكته الهم وعلته الكآبة. ورد دون نسبة في فصل المقال: 399 وفيه " او يتفجع ". ط د س: واشتمل كتابي على - ط د س: معربة بذاتها على البعد. ط د س: واغض. ط د س: وحمل - فحمل. ط س: تعير وتكلم؛ د: تغير؛ ب م: تعد وتكلم، ولعل الصواب: تعدى وتكلم. ب م: يتحصل. من قول الراجز: اصبر من عود بدفيه (او بجنبيه) جلب، وله قصة في الامثال، الميداني 1: 276 - 277 وفصل المقال: 498 والعود: الجمل المسن؛ والجلب: آثار الدبر. ب م: تعدد؛ د: يعتد. ط د س: وتسمع - مثله. د ط س: العجل؛ ب م: الفعل (اقرأ: الفضل) . ط د س: مناواتك. م: التهالك. ناظر الى قول المتنبي: اهم بشيء والليالي كأنها تطاردني عن كونه واطارد ط د س: طلب. به: سقطت من ط د س. ط د س: إلا أن. النطف: العيب او الفساد؛ ط س د: لطف. د ط س: محط؛ ب م: قحط؛ والقعط: الذليل. د ط س: عبير. ط س د: وكل. ط س د: بدنيا. ب م: إليه. م: مخاطبتي. ب م: الأنس. ط د س: ثناء؛ ب م: بثنائي. ب م: بدء. ط د س: لداجي. د ط س: وتتوزع. د ط س: وتغتنم. م ب: المستريب. عن: سقطت من ط د س. ط د س: من لقاء فلان. ط د س: بتذكاره. ط د س: وأطرت. البيت لرجل من بني الحارث، المرزوقي: 1413 وذيل الامالي: 102. ط د س: من أخرى. ب م: نفسي قد هرمتنا؛ د ط س: هرمتها. د ط س: الأيام. ط س د: أعقبه. ط س: اناء استذل؛ د: اناس. ط د س: وأي حد فل. ب م: البحر. م ب: النكدة. د ط س: بلغت. من قول النابغة: فانك كالليل الذي هو مدركي. ط د س: جرحا وتهيج قرحا. من قول نصيب بن رباح (ديوانه: 509) . س: شقي جدي. ب م: بالاجرام. س: أتحرف. ب م: اليه. ط د س: يخلص - ويعرضها - ويأخذ جمله وتفصيله - ويحلي - ويتمم. ط د س: يطلع عليكم من. ط د س: وتعض. د ط س: بقي. د ط س: رأوه. د ط س: وهو يعرج. د ط س: يشفى بشيء. ط د س: بدمعة ساجم؛ ب م: بدمعة غام وساجم. س ط د: ويعد - تدرا (تدرأ) . ط س د: نظم. ديوان البحتري: 954. في الاصول: عبدشلب، وانظر النفح 1: 534. النفح: بتحقون؛ ط د س: ببحتون. كان يحجم الجند بنسيئة اذا مروا به ثم يقعد فارغا بعد ذلك (الميداني 2: 22) . ط د س: بالشطرنج والنرد. راجع هذه القصة في مقامات البديع، المقامة البشرية: 25؛ والمعنى انه اقبل على كتب الاسمار والاساطير يقطع بها وقته. ط د س: أجاريه. ط د س: الزمان. ط س: ولو. ب م: جلف جاف. ب م: سؤالك. ط د س: واستنابه - د ط س: وإنما تأكدت. ط س: مما يحل. د ط س: بامثالها. ط د س: كذوب. ب م: شبة (صوابها: شبه) . د ط س: وله من اخرى. ط د س: ويظهر بالبشر. د ط س: يعذب. ط د س: وافسد الاكوان - السداد. سقطت هذه الرسالة من ط د س. ط س د: الصنع. س: أنبا. ط د: ان السيادة اسرار. ط د س: بتلك. ط د س: سرا. ط د س: لتعلق. ب م: مدركة. ط د س: أو تملكت. ط د س: بحال. ط د س: التعمق. ط د: اعربت -. اعرابك. انظر نفح الطيب 1: 534. ط د س: كتبت من. ط د س: فضول. الشئس: القلق؛ ب م: التبس، وموضعها بياض في ط د س. ب م: أبيت. ط د س: ما خلص. الحسن بن هانئ، ابو نواس. ط د س: النفس. ط د س: تتذكرون. ب م: سينفث -. وينصرف. ط د س: علي. ط د س: سحركم. ط د س: في نعمة. ط د س: قال فيها، وانظر هذه الرسالة في نفح الطيب 1: 535. ط د س: بالتزامه. من المثل: رمتني بدائها وانسلت، انظر فصل المقال: 93 والميداني 1: 193 والعسكري 1: 309. ب م: وردني. النفح: بلطيف. ط د س: مرورة؛ النفح: مورودة هضابه واجراعه. من قول الشاعر: اقرأ على الوشل السلام وقل له كل المشارب مذ هجرت نعيم من قولة أوردها ابن قتيبة في الشعر والشعراء: 26. ب م: عفره. ب م د ط س: وجنانه. ط د س: وتحتوي عليه نجاده. ط د س: فارقت. من قول المتنبي: احن الى اهلي واهوى لقاءهم واين من المشتاق عنقاء مغرب الراس: سقطت من س. العملس: القوي الشديد على السفر؛ ط س: عماس. الخريت: الدليل الحاذق بالدلالة. ب م: الحام؛ والخام: نوع من البلغم (مفيد العوم: 41) . من قول دكين الراجز: جاءت به معتجزا ببرده سفواء تردي بنسيج وحده والسفواء: الخفيفة الناجية السريعة؛ وفي الاصول " الشقراء " وهي للفرس؛ والسفواء صفة للبغلة. من قول عمر بن ابي ربيعة: كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول ب: التوبة. وتستعدي الناس: وردت في م: وحدها. تقرأ: تنسك. ديوان أبي نواس: 309. ب م: وقولك. من المثل: أعن صبوح ترقق (فصل المقال: 75، 76 والميداني 1: 315 والعسكري 1: 16) أي يعرض بشيء وهو يريد غيره. من المثل: اذا سمعت بسرى القين فانه مصبح (فصل المقال: 35، 107 والميداني 1: 27 والعسكري 1: 12 والجمهرة 3: 168) واليقين: الحداد، ينزل في البادية فيمكث اياما فيكسد عليه عمله فيأخذ يوهم الناس انه سار راحل عنهم وان لم يرد ذلك، فاصبح لتكرار الامر لا يصدق؛ ومصبح: مقيم حتى الصباح. ط د س: سحرنا. ط د س: لدينا. ب م: تبلغه - تسوغه. ط د س: بقربك. ط د س: ولا تمكن من أن تراها. لامرئ القيس، وصدره: فادركنه يأخذن بالساق والنسا (الديوان: 104) شبرق: مزق، المقدس: الراهب الذي يأتي بيت المقدس. ط د س: حالنا. ط د س: عنها. ط د س: فاعلم. ط د س: نخرج. د ط: النوم، ط: الناس. ط د س: الرقعة. ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة. ط د س: منها. ط: ودار دار الدنيا. ط د س: فعله. ط د س: ولابي المطرف من رقعة قال فيها. المذوق: الكذب والنفاق. ط س: التأمل. ط د س: أنا نحمد -. ولا نتوقع. من قول المتنبي: طلبت لها حظا ففاتت وفاتني وقد رضيتني لو رضيت بها قسما ط د س: يتذاكرون -. يتعاطون. ط د س: يلح عليه. ط د س: على. البيت لابي تمام، ديوانه: 112، وفيه: فاحسن مغرب. ط د س: التعمق. ط د س: ذكرك. ط د س: من الصلة. م: ومنتدى؛ والكلمة غير واضحة في ب. ط س: خاطبت. ط د س: كتبت. ط د س: حال حمول. ب م: حال حمول. م ب: يبدل؛ ط د س: بأن يديل. ط د س: والسرو. ط د س: فيمن. ط د س: الاشغال. وفي فصل: سقطت من ط د س. ط د س: وحماية. ب م: وحفظة. البيت لأبي العتاهية، ديوانه: 612. انظر القلائد: 109 والخريدة 4: 355. ب م: السفر. ب م: والعين. د ط س: وتخليت من. القلائد والخريدة: فهي كاسفة بالي، كاشفة عن خبالي، لصبح. ط د س: ذوائبي. القلائد والخريدة: مطالع اعمالي، واراني -. الخ. ط د س: عامرة. ط د س: وله سبب فتح. ط د س: حد. د ط س: بشره. ط د: وناظم. شروح السقط: 150. ط د س: ان تاسيت. د ط س: قضية. ب م: بالكتابة. ط د س: يتهم أنه. ط د س: الا على. ط د س: كمالا. انظر القلائد: 109 والخريدة 4: 357. د ط س: يكلف ويعشق. ناظر الى قول المتنبي: وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصر جفونك يعشق س: واختلفت. د ط س: ارديتها. ب م: وشيها. ط د س: بكل. ب م: والصبوح. ط س: ويشرب؛ د: ويطرب. د ط: ويطرب. س: لم يتسن لي. ب م: الباء والعين. ب م: الباء والعين. ط د س: فطيب. ب م: المنتظمة. د ط س: بغضنهما. ط د س: التعمق. من قول الشاعر: وحدثني يا سعد عنهم فزدتني جنونا فزدني من حديثك يا سعد د ط س: خاطب بها من سرقسطة بعض اخوانه بالغرب، ونقلت هذه الرقعة من خط يده. عجز بيت لعمر بن ابي ربيعة (ديوانه: 434) وصدره: اما الرحيل فدون بعد غد. م ب: منة. ط د س: إليك. ب م: معجل. ط د س: في. د ط س: وقتها. هنا وقع خرم في س ضاعت بسببه أوراق. ب م: عليها بودك. انظر القلائد: 108 والخريدة 2: 354. د ط ب م: ينشط سماعها. سباء الخمر: شراؤها. د: زاخرة؛ ط: زاجرة. القلائد: 108 والخريدة 2: 354. يا سيدي - حرزه: سقط من د ط وكذلك من القلائد والخريدة. القلائد والخريدة: يعبق في. القلائد والخريدة: تظهر. القلائد والخريدة: ايناسه. ب م: املها -. جذلها. القلائد: 109 والخريدة 2: 356. من قول ابي تمام: مطر يذوب الصحو منه وبعده صحو يكاد من الغضارة يمطر ط د س: وندمانا. ط د: ومن أخرى. د ط: مهدي. د ط: مقسوم. د ط: الضحى. د ط: للقيام. ط د: وتخدش الخبز. د ط: تنشط. ط د: الخاطر. ب م: موضع. د ط: نطيل فيها الحمد. ب م: في الاجتناء. ب م: يرد اليك. د ط: فريضة. د ط: تنزع. اشارة الى المثل: " مرعى ولا كالسعدان ". د ط: الحسن. د: الشيب. د: تتحملها، ط: لتحملها. كذا في الأصول ولعل الصواب: " جبره ". د ط: بعض المولدين. د ط: الاقوال منها. ط د: بحالة فلان. ط د: وخلصت منه. ط د: فعلى فضله عولت عليه توكلت واتكلت. ط د: والمشهد. البيتان للمتنبي، ديوانه: 481، 460؛ ب م: كلام عنده. القلائد: 107 والخريدة 2: 352. م: الردى. د ط: العلم. ب م: جبرون. ط د: لا تكثروا. م ب: ويجرع ذا البها. ب: عر، م: عن، وسقط البيت من ط د. انظر المغرب 2: 440. المغرب: بصحبته. المغرب: تجريه؛ ب م: جرته. د ط: تشيعا. د ط: مجد. ترجمته في المغرب 2: 442 والجذوة: 209 (وبغية الملتمس رقم: 773) ، ومسالك الابصار 11: 447. ط د: الاوان. ط د: الفقيه أبي محمد بن الحسن المعروف بابن الكتاني قال: ط د: ترددي. المغرب: عرف. المغرب: له بين احناء الضلوع حريق. ط د: من القيمات اسيرة كأنها فلقة -. سمعت الشعر -. م ب: هذه الأبيات. ط د: من القيمات اسيرة كأنها فلقة -. سمعت الشعر -. م ب: هذه الأبيات. هذه هي الرواية التي ذكرها الحميدي نقلا عن ابن حزم، وهي مختلفة اختلافا كبيرا عن الاولى؛ وسقطت هذه الرواية من د ط. قد وردت ترجمة محمد بن الحسن المذحجي الكتاني الطبيب في طبقات صاعد: 82 وابن أبي أصيبعة 2: 45 والصفدي 2: 45 وجذوة المقتبس: 45 وهو يرد باسم محمد بن الحسن ومحمد بن الحسين؛ راجع مقدمة كتاب التشبيهات؛ واستبعد ان يكون هو نفسه صاحب القيان، الذي يتحدث عنه ابن بسام بقوله " كثير الترقيح والاستعمال لضروب من الكذوب وزور المقال ". ب م: العلم. م ب: على. ط د: خطاطات. ط د: علوم. ب م: المسكوب. د ط: واخبرني الفقيه ابو الحسين. د ط: بعض الشعراء. د ط: وتحدث. د ط: ليعرب. د ط: يحكى. انظر ابن خلكان 4: 316، 320 وديوان المعاني 1: 178. ابو عبد الله محمد بن خلصة الشذوني الداني؛ راجع ترجمته في الجذوة: 51 (وبغية الملتمس رقم: 111) ونكت الهميان: 248 والتكملة: 395 والمسالك 11: 45 ونفح الطيب: 4: 100، 156 واشار اليه ابن الابار في تحفة القادم: 2، وانظر الوافي 3: 42، وقال ابن الابار في التكملة: وقرأت ان في ديوان شعره قصيدة له على روي الراء يهنئ فيها المقتدر احمد بن سليمان بدخول دانية وتملكها سنة 468. ب م: فصل؛ وسقط العنوان من د ط. ب: بما القه؛ م: بما لقة. ط د: هي؛ ب: الذي بها. ط د: البشر. ب م: استوفتهم. ط: الشرح؛ ب م: الترج. ب م: واصابتني. د ط: روضة وغدير. ط د: جعلت. منها: سقطت من ط د. قد مر هذا البيت ص: 314، وهو للمتنبي. د ط: المجد. ب: الصميم. د ط: بحرك وبرك. د ط: كفؤ. ب م: الذل. النفح: وثنى. هذا البيت والذي يليه وردا في النفح 4: 156. ط: لذكرك. ط د: بفخرك. ب م: ووداد. ط د: وفلان وافاني. ط د: علمت. ط د: قال. انظر بعض ابياتها في النفح 4: 156. ب م: ظنين. د ط: لديك الجون. د ط: جراه لي؛ ب م: اعدى بما يعدى. ب: ألذ. ط د: لي. ط د: فلاحظني - وكلمني. ط د: ومن مرثية له في ام معز الدولة. م: حفيل. ط د: والزمان. د ط: ينضى. انظر الجذوة: 378 (بغية الملتمس رقم: 1546) والمغرب 2: 33 والخريدة 2: 12 والمسالك 11: 447 والنفح 3: 363، 423 والتكملة رقم 1690؛ واسمه عبد الملك بن غصن الخشني من اهل وادي الحجارة، لقي ابا الوليد يونس بن عبد الله القاضي وحدث عنه بمقالة حنش الصنعاني في قرطبة، وكان فقيها اديبا شاعرا صاحب منظزم ومنثور؛ وكانت وفاته بغرناطة سنة 454. د ط: وقته. ترجم ابن سعيد في المغرب 2: 30 لمن اسمه عبد الملك بن حصن وقال انه كان من اعيان الوزراء واعلام الكتاب والشعراء، وذكر انه هو الذي سجنه المأمون حتى تخلصه ابن هود من يديه؛ ويعتقد الدكتور شوقي ضيف محقق المغرب ان هناك خلطا بين عبد الملك بن غصن الحجاري، وعبد الملك بن حصن، وان هذا الخلط وقع فيه ابن بسام وابن الابار (التكملة رقم: 1690) وصاحب النفح؛ وانا استبعد ذلك، فان ابن الابار لم يقل انه كان وزيرا للمأمون وانما قال " وامتحن ب الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 ليلى الاخليلية؛ وابو حزام العكلي شعره عويص. ديوان ابن هانئ: 22. الديوان: وسحت؛ د ط: ومجت. الديوان: ووكرك. الديوان: العدل. ط د س: رجع وقال ادريس؛ وورد منها بيتان في مسالك الابصار. ط د س: محاسنا؛ ب م: يرقاه؛ د: ترقاه؛ واليرنأ واليرناء: الحناء. ط د س: فاء. ب م: الحول. ط د: يد. ب م: على سودا - اورق؛ المسالك: على متردى؛ وسقط البيت من ط د. ط د: وله من اخرى؛ س: وقال من أخرى. ط د س: من كثب. ب م: ازوره؛ د ط: اردده. ب م: الزمان. ب م: موضوءة؛ وسقط البيت من ط د س. ورد منها بيتان في المسالك. ط د: قلبي وعيني. ط د، تلمع. د ط س: وهي. ديوان التهامي: 49. ديوان قيس بن الخطيم: 41، وانظر التعليق على هذا البيت: 203 في الديوان. البيت من الحماسية رقم: 14 ص: 108 في شرح المرزوقي، وهي تنسب الى بشامة بن حزن، ونهشل بن حري، وبعض بني قيس بن ثعلبة. ب م ط د: درت. الواغل: المتطفل على الشراب. شروح السقط: 1113. ورد منها في المسالك 11 بيتا، وسقطت من ط د س وهي وما بعدها حتى نهاة الترجمة. ب م: الليل، والتصويب عن المسالك. ب م: المراح. ب م: لمرتد. عبد العزيز بن محمد بن ارقم النميري الوادياشي، سكن المرية، وأقام بدانية مدة عند اقبال الدولة علي بن مجاهد ثم صار الى المعتصم محمد بن صمادح، وكان من وجوه رجاله ونبهاء اصحابه، وقد توجه عنه رسولا الى المعتمد بعد 460، بصحبة ابي عبيد البكري والقاضي ابي بكر بن صاحب الاحباس؛ وله " الانوار في ضروب الاشعار " ثم اختصره وسماه " الاحداق "، توفي في امارة المعتمد بن عباد، (انظر التكملة رقم: 1735 ونفح الطيب 3: 498 والقلائد: 8) . د ط س: ارباب. د ط س: بديعة. د ط س: وينسق في. ورد بعض هذه الرسالة ص: 245 منسوبا الى ابي عامر التاكرني، وذلك فيما يبدو وهم من ابن بسام؛ وقد وقع اختلاف في القراءة في المرجعين أشرت إلى بعضه، وأبقيت يعضا منه كما هو. ط د س: الأيام. س: الانفصال والإنعام. ط د س: إني. ب م: افتتح؛ ط: ابتلج. ب م: نائي. وردت قبل: ليعلم؛ ب م: ليعمر. ب م ط: ليطمس. س: لتروح. ط د: الانفلال. ب م ط د س: جليلة. ب م: تقابل -.تسامت - تنال. مرت قبلا: " ضئيلة ". ط د س: وشريعتي. ب م: استند. ب م: نائي. ط د س: العدو. ط د س: افل قائدهم؛ ط وخ بهامش س: بل أفل. ط د س: يضره. ب م: عصبه. من المثل: " زاحم بعود او دع " (الميداني 1: 216) أي لا تستعن إلا بأهل السن والتجربة. ط د س: ولما رغب ان توطئه - الخ؛ وفي ب م: تطويه. ط د س: التماحا. ط د س: المجنب. ب م: الندى. س: للمصاحب. ب م: جوده. ط: فالضياع؛ س: فالضمانة. د ط س: لابنه. ط د س: برقعة قال فيها. ب م: ويسبح في محاسن ربه. ب م: وأخذ ناظري. ب م: حكاه. ط د س: وسدد. س: خلال؛ ط د: خجلة. ب م: فكأن. عجز بيت للمتنبي، وصدره: لعل عتبك محمود عواقبه. ط: تعلق. ط د س: ولا بأنه قد ولج له؛ ب م: ولا بأنه أبه قد وبه له. ط د س: وطار غباوة غفلته. د ط س: حفيره. د ط س: وحل بطائر؛ ب م: الاحسان. د ط س: وسما بصره حتى رماه. د ط س: كربا. اشارة الى المثل: " ان الشقي وافد البراجم " (فصل المقال: 454) . ب م: وندايته؛ ط د س: وتدانيه منه الآخر. ط د: وتنقله. ب م: بارسطاليس. ط د س: والقعقعة. ب م: والسعر. ب م: قاطو اغورياس. ط س: وبار أرمينياس. د ط: ثمره وزهراته. ط د: ارميت. ب م: ووارثه. ب م: برسومه. ط د: مغنى؛ س: مغنا. د: وبقلا؛ س: وثهلان. ب م: موضع شرفه. د ط: الفقهاء. نص الحديث (البخاري، باب العلم:34) ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا؛ وانظر صحيح البخاري، باب الاعتصام: 7. د ط س: تبينت - المراس. ط د س: اسود. ط د س: منضود. ب م: شرفاتها - عرصاتها - منها؛ ط د س: علي منهم. ب م: يد لسان. ط س د: حتى عرضت. لطرفة بن العبد (او كليب) ؛ انظر فصل المقال: 364 - 365. ط د س: غير نفيس. س: لنا انظر اللسان (جعر) ؛ وجعار: الضبع، وفي رواية البيت: لم يشهد القوم، وانظر الميدان 1: 310 تحت المثل " عيثي جعار؛ ط د وخ في هامش س: حاضره. ط د س: سؤال ابن سيده أبي الحسن فلم يفكر في العواقب. البيتان للأخطل التغلبي، ديوانه: 132. ب م: العقاب المنشور؛ وفي التكملة: عتاب المتسور. د ط س: سبيل. ديوان بشار (جمع العلوي) : 98، وورد البيتان في الموشح: 385 والأغاني 3: 204 وفي كليهما " تحدثت عن " مع أن مواضع الشاهد في ما يورده أبو الأصبغ. ط د وخ بهامش س: سألتك. ب م س: تحفيته. ديوانه 2: 55. الديوان: بمحبر. يبدو ان في هذا الرأي بعض استناد الى رأي ابن حزم الظاهري حيث يقول، ومما احدثه اهل الإسلام في اسماء الله عز وجل " القديم " وهذا لا يجوز البتة، لانه لم يصح به نص البتة، ولا يجوز ان يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفس (الفصل 2: 151 - 152) وابن حزم يرى ان اسماء الله مثل قدير وسميع وبصير، غير مشتقة، ولكنه لم يقل شيئا من هذا في الصفات على وزن فاعل كما قال ابن سيده. ديوان العجاج 1: 421، قال الشارح: ولا يقال: الله ارتاح، ولكنه اعرابي مجنون جلف جاف. ديوان القطامي: 111. اللسان والتاج (خدلج) وديوان المعاني 1: 225. الخدلج: العظيم الساقين. ط د: لابتعاثنا. انظر معجم المرزباني: 78. سقط من ب م وزدناه من معجم المرزباني، والابيات لم ترد في د ط س. هو ابو نخيلة السعدي وقبله: دستية لم تأكل المرقتا (انظر اللسان والتاج مادة " فستق ") . د ط س: آخر؛ والشاعر هو عقفان بن قيس بن عاصم اليربوعي، شاعر جاهلي، وصدر البيت: سأمنعها او سوف اجعل امرها؛ انظر السمط: 746 والجمهرة 3: 490 وامال القالي: 2: 121 والصناعتين: 301 واسرار البلاغة: 37 واستوفى هنالك تخريجه فراجعه. شرح ديوان زهير: 76. الديوان: فلم يصلح لكم. في ب م ط د س: قد جاءكم موعظة من ربكم. وقد جاءكم البينات، وليست الآيتان كذلك فالاولى قد جاءتكم موعظة، وليس فيها الشاهد المراد؛ والثانية ليست آية، ولذلك ابحت لنفسي تغيير هذا كله، فابقاء ذلك في المتن لا يجوز، وهذا نوع من الخطأ غريب. ورد غير منسوب عند سيبويه 2: 174 وانظر الخصائص 2: 417 والخزانة 3: 312 ديوانه: 126 وانظر سيبويه 2، 181 والعيني 4: 483 والخزانة 3: 312. ديوانه: 467 (اعتمادا على الذخيرة دون أي مصدر آخر) . ب م: هي حلية الرجال والنساء. ب م: يا لهذه الطريقة والمنازع الفظيعة. شدي على نفسك ازارك، في مسند احمد 6: 65، 91، 185. صدر البيت: الا أبلغ أبا حفص رسولا؛ والشعر لرجل من الانصار لرجل من الانصار، العقد 2: 463. صدره: النازلون بكل معترك؛ والشعر للخرنق بنت هفان ترثي زوجها عمرو بن مرئد وابنها علقمة واخويه حسان وشرحبيل. انظر امالي القالي 2: 154 والسمط: 548، 780 والخزانة 2: 306 والعيني 3: 602 واللسان (نضر) . ديوانه: 969. ب م: كرك؛ د ط وخ بهامش س: حرة؛ د ط س: وخلاخله. ديوان الخنساء: 31، وصدر البيت " فذلك في الجد مكروهه ". بهامش س أنه مما أنشده ابن دريد، ولكن لم يعين قائله. انظر امالي القالي 1: 245 والعيني 2: 47 والشعر والشعراء: 362 والحماسة رقم: 699 (المرزوقي) والتبريزي: 4: 77. الاغاني 10: 330. عجز بيت الفرزدق، يرد صدره فيما يلي؛ انظر سيبويه 1: 305 والعيني 2: 355 والخزانة 2: 102 وشرح شواهد الكشاف: 113. ط د: تسوغ له " توشحا " لقالها. شرح اشعار الهذليين 1: 38. البيتان في الحيوان 6: 425 والبيتان 3: 246. الحيوان: تركت الركاب لأربابها واجهدت نفسي. د ط س: بياني؛ م ب: لحييه. البيت لابي تمام، ديوانه 4: 42. اشار في ب م الى ان هذه العبارة آية قرآنية، وليست كذلك. ب م: ابوء به؛ ط د: ابوا به، فأما أبؤو فانها لغة في أبأى، أي ارفعه عن ذلك. فرشه: سقطت من ط د. جاء في مقدمة الجزء الثاني من البيان " الذين كانوا مصابيح الظلام وقادة هذه الايام وملح الأرض وحلي الدنيا "؛ ولم يقرن هنا بين لفظتي " القادة " و " الذادة " فلعل ابن أرقم يشير الى ورودهما في موضع آخر. القداميس: جمع قدموس وهوالسيد؛ ب م: القراميس؛ ط د س: السراة. ط د س: وحوى هذا التسور يا ابا الحسن - الخ. البيت للفرزدق، ديوانه 71 وانظر فصل المقال: 362 والمعاني الكبير: 876، 1209 وروايته: تحت الثرى تستثيرها. الأبيات للمتنبي، ديوانه: 334. هذه العبارة مبنية على الافراد في د ط س: وشان ببعره، - وبحجمه - وكان كلامه - الخ. ليس في قراءة هذه الآية خلاف بين القراء، ولم اجد فيها لابن عامر انفرادا وإنما جاء قبلها " ومكر الشيء " وقرأها حمزة ساكنة الهمزة، (انظر كتاب السبعة: 535) وقد دافع عنه ابو الفارسي كثيرا في ذلك. قراءة ابي عمرو " برق " بكسر الراء، وقرأ ابان ونافع عن عاصم بفتحها (انظر كتاب السبعة: 661) . يعني قراءته " اطهر " بفتح الراء، انظر المحتسب 1: 325. ذكر في اللسان أن المضارع من قنط تكون عينه مكسورة ومضمونة ومفتوحة. سورة الشعراء: 221. شبيه لما في البيان 2: 6. البيتان لحمزة بن بيض، انظر الميداني 1: 311 والمثل " على أهلها تجني براقش ". د ط س: على راي. د ط س: بتزيد. ط د س: والمحدود -. والمنجوه. د ط س: في استخراج ذلك فأحس بالمكواة. فصل المقال: 432 " قد يضرط العير -. " والميداني 2: 28 والعسكري 2: 117. ط د س: فلاذ. ب م: مخمورا. ب م: القرض. ط د س: تلك. ط د س: وتكثير. يعني أنها تنم عن أنها عمل مؤدب الصبيان. ب م: بهذيات؛ وسقطت من ط د س. لم يرد هذا القسم كله في د ط س. ب م: خضيب خطيب. الارعاظ: السهام؛ وكسر عليه ارعاظ النبل: اشتد غضبه عليه، وهذا مثل، انظر الميداني 1: 24. كان حق هذه اللفظة أن تصبح " فيا عاذلي " أو " فيا لائمي " ليطرد ما يبنيه ابن ارقم في ما يلي. ديوانه: 242. ديوانه: 99. البيت في البيتان 1: 10 وهو لعروة بن الورد، ديوانه: 101 وورد في الحماسة: 1719 لعتبة بن بجير، وقيل انه لمسكين الدارمي وفي الأغاني 13: 67 انه للعجيز السلولي. د ط س: السلطانية. هي الرسالة التي تعقبه فيها ابن سيده؛ ويقول ابن الابار في التكملة إنها وجهت الى صاحب مصر سنة 452. د ط س: لبرد. د ط س: ادخرها. د ط س: الشأو. د ط س: والانفصال. د ط س: أم. ط س: لبيدة؛ د: لبيد. ط د س: حمل. ب م: نظمه. هبذ وهابذ: أسرع في الطيران. م: جنبا؛ وهي غير واضحة في ب. م ب: لدن. د ط س: وتطرد علي. ط د س: الأدهر. ط د س: وقلدت - وضمنها. ب م: والمنتهى. د ط س: يتصرف. د ط: وضمن الحملة (د: الحبلة) حديثا؛ س: وضمن الجملة حربيا؛ وهو الصواب. د ط س: النية. م: وسط؛ ب: وسك. ط د س: وقد كان لأبي. ط د س: شرافات. ط د: وفتحت - سببا. ط د س: لايراد إهماله الحاجات. ط د س: لغرائبه. ط د س: ومنتهضون. ط د س: كتائبه. ط د س: مات. د ط س: رقموا النجوم اصرعوها. بداية هذه الفقرة في د ط: ولم يكن ليقرع بابا - الخ. ب: باناختها؛ ط د س: باجابتها. د ط: وخص. د ط س: فندب - وصفوة الظهراء فلانا مضمنا - الخ. د: ينزل به منزله؛ ط: مزل به مزل؛ س: مذل. ط د س: الادنى. د ط س: العجمة. د ط س: وتحفة. د ط س: وتغشيه أقمارها. د ط س: والزمن. د ط س: كمية. ب: ولا سيرت غده؛ د ط س: شربت. ط د س: الوزير بها. ط د س: المظلمات. ط: فمررت. د ط س: بمداخلتها. ط د س: وتوفير. ب م: من. ط د س: الخشنة. ط د س: بمحادثة. ط د س: وأمره محمول على - الخ. ط د س: الطاعة. ط د س: والمعاملة. ط د س: الأفلاك. ط د س: بما. س: ورويت، د ط: ووريت. ط د س: وكادت تثمر - الشمس. السمار: اللبن المشوب. القلائد: 132 والنفح 3: 499 والخريدة 2: 398، وسقط هذا الفصل كله من د ط س، ولم يشر ابن بسام في فهرست كتابه الى انه سيترجم له، وقد زاد ما هنا عما في القلائد، فاذا حكمنا أن هذه الترجمة دخيلة فمعنى ذلك ان الذي أدرجها هنا اعتمد على القلائد ومصدر آخر؛ وفي ط د س: وابنه أبو عامر بجهة المرية ناظم ناثر، ولم يقع إلي ما أجعله سببا لذكره؛ 1 هـ. هذه القصيدة في مدح الامير المرابطي عبد الله بن مزدلي. القلائد والخريدة: برا يوم. ب م: مردلى ولى له كان تدفعه. ب م: لكما؛ القلائد: لهم، والتصويب عن الخريدة. القلائد والخريدة: وكتب شافعا لرجل يعرف بالزريزير. القلائد: وشهابي. ب م: موصلة. الكرواء: الساق الدقيقة؛ الخذواء: الأذن المسترخية؛ ب م: كوراء - لحدواد؛ القلائد: كدواء - بجذواء. الفور: الظباء، والكافور هنا كناية عن الثلج؛ والصرد: طائر فوق العصفور، والصرد: البرد. زيادة من القلائد. ب م: الأدب. الاهذاب: الاسراع. عجز البيت: لم يستطع صولة البزل القناعيس؛ وهو لجرير كما في اللسان (قنعس) وانظر ديوانه: 259 (ط. صادر) . الزبير بن عمر احد ولاة المرابطين بالاندلس، ولي قرطبة، وفي سنة 526 امر علي بن يوسف باضافة ولاية قرطبة الى تاشفين وتحويل الزبير الى غرناطة (المغرب 4: 87) ومن ثم عدة ابن سعيد (المغرب 2: 127) صاحب قرطبة كما عده صاحب مفاخر البربر (82) من ولاة غرناطة، لأنه ولي البلدين، وهو صاحب منية الزبير (نفح الطيب 1: 471) وللشاعر ابي بكر ابن الابيض اهاج فيه (النفح 3: 489 - 490) وقال فيه ابو بكر الصيرفي مؤرخ دولة المرابطين " ندوة الزمان كرما وبسالة وحزما واصالة " (الاحاطة 1: 458) . ب: فبدى. ب م: واعتاد العز الذبول -. واعتاد بعد ذاك النقص. ب م: ولفاتني. تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين: احد رجالات المرابطين شجاعة وبلاء في الأندلس وزهدا وصلاحا، ولاه ابوه على امارة غرناطة والمرية سنة 523 ثم اضاف اليهما قرطبة، فكانت له معارك في الجهاد مشهورة، ولما توفي ابوه سنة 537 خلفه في امره المسلمين، وقد خاض الحروب ضد الموحدين، ولقي مصرعه سنة 539 (انظر الاحاطة 1: 456 والمغرب 4: 79 وما بعدها) . من اهل قرطبة وسكن بلنسية، انضم الى المأمون صاحب طليطلة بعد انفصاله عن المنصور عبد العزيز بن ابي عامر، وقد انتفع به الناس في وزارته لدينه وسكون طائره وسلامة باطنه وظاهره، وكانت وفاته ببلنسية ليلة الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة 458 ودفن يوم الثلاثاء بعده، ذكره ابن حيان وأطال في الثناء عليه (انظر التكملة رقم: 1555 وذكره صاحب النفح 3: 559 ولكنه خلط بينه وبين ابي مروان عبد الملك بن مثنى، وهذا الثاني ترجم له في المطمح: 30) . د ط س: محمد بن صبغون. د ط س: قلد. قال - حيان: سقطت من ط د س. ط د س: محمد. ب م: بقرطبة. د ط س: ثلاث. ترجم له ابن بسام في القسم الرابع من الذخيرة (المطبوعة 4/1: 67) . د ط س: درجة. الاروية: الحبال، المفرد: رواء. د ط س: وصرف نوائب. لم ترد هذه الزيادة في س. د ط س: محاسنه. ب م: فاخرت. ب م: فراحا. د ط س: الفضل. د ط س: والأدب. ط د: الأمانة. د ط س: مطالعة. د ط س: بالتشتيت. ط س: بمبغاه. د ط س: سهره. ب م: العزم. د ط: استقل. من قول المتنبي: وضاقت خطة فخلصت منها خلوص الخمر من نسيج الفدام ب م: فيها. د ط س: عظيم. ب م: رغبا. ط س: وأدجت. د ط س: واقيم صعري. ب: المايابة. د ط س: برقعة منها. د ط س: الاقسام. البيت لابي تمام، ديوانه: 355. ط د: فتصوب. د ط س: وعاه. د ط س: ومآخذ الفضائل. ط: وغمر. د ط س: نزقت. ط د س: خطرك. د ط: وحلاه. من قول الحرمازي: داهية وصماء الغبر؛ راجع المعاني الكبير: 671 واللسان (غبر) وفصل المقال: 141؛ والغبر: الماء الذي قد غبر زمانا غير مورود ولا يقربه احد من اجل تلك الصماء وهي الحية. د ط س: سمع طفل منا. د ط س: ولا خامر رضيعنا في مهده. د ط س: وعامل طبقاتهم. ط د س: فالذكاء مه هذا منه - الخ. د ط س: وأما عامتنا بعد. ب م د ط س: وصحت الحيلة والحال. ب م: اقرعتها؛ د ط: فزعتنا هذا التفريع وردعتنا؛ س: أفزعتها - التفريع. ب م: بالنكوص. ب م: قد نادى. ط د س: أشد. ط د س: مقال إلى. من قول الأعشى: فقال ثكل وغدر أنت بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار ب م: الخافي؛ ط د س: الجاني. تلخصت هذه الفقرة من أولها في د ط س: فجاءت: وقد وقفت على ما وصفته من الاسنتباذ - الخ؛ وصدرت ب " وفي فصل ". ب م: الايام. د: الزمان. اذا أصاب الرجل عند صاحبه افضل ما يريد من الخير والخصب قالوا: وجد ثمرة الغراب وذلك ان الغراب إنما يبتغي من الثمر اجوده وأنضجه لقرب تناوله عليه في رءوس النخل (ثمار القلوب: 463) . د ط س: بما اغبطتني - وأبهجتني. ب م: وانتظرت. من قول المتنبي: فلو أني استطعت خفضت طرفي فلم أبصر به حتى أراكا ذكر ابن القلاس (بالفاء) عرضا في المغرب 1: 363 والنفح 1: 186 وقال المقري: وبنو الفلاس من اعيان حضرة بطليموس؛ ولا لبس في قراءة القاف بحسب الكتابة المغربية والاندلسية، والقلاس هو صانع القلانس، ولعل هذا هو الصواب في الاسم. ب م: وكان من عليه -. ايضا. د ط س: فصول. لم يرد هذا العنوان في د ط س. د ط س: المنة. د ط س: مشتوت. د ط س: قمنا. ب م: زنده - حده. د ط س: استنجحت في الامر بركة - الخ. د ط س: رأيه. د ط س: بنعمة. د ط: وله من أخرى. ب م: يحدث؛ ط د س: بها. د ط س: ميثاقا. د ط س: وهدت من الكفر. ب م: والغريب البعيد. ب م: وفي فصل منها. د ط س: وكان يحسن. ب م: تستوي. ط س: وبلفظه. ب م: أجلاه. د ط س: مد الأطناب. م: حذر وبها خبر، ب: جدر.. خبر. هذا الفصل لم يرد في د ط س؛ قلت: وكان لسليمان بن هود خمسة ابناء قسم عليهم بلاده في حياته فولى احمد مدينة سرقسطة ويوسف لاردة ومحمدا قلعة ايوب ولبا مدينة وشقة والمنذر مدينة تطيلو؛ فلم يزل احمد يحتال على اخوته حتى اخرج بعضهم من مواضعهم وسجنهم وكحل بعضهم بالنار؛ وامتنع منه يوسف حسام الدولة صاحب لاردة، فكره اهل الثغر احمد وصيروا امرهم الى ااخيه يوسف ولم يبق لأحمد إلا سرقسطة، ثم دارت الايام وعاد احمد فبسط سلطانه على عدة مدن وتضاءل شأن يوسف (البيان المغرب 3: 222 وما بعدها) . من هنا تعود د ط س للأشتراك مع ب م، وصدر الفقرة: " وله من أخرى عنه إلى ابن جهور في خبر أخيه، قال فيها: وبعد - االخ ". ب م: خلتها. ط د س: البشاكسة؛ وهم جماعة البشكنس. ب م: يريغ - البنية. ط د س: باحتضان. ط د س: في رمحيهما - سبق إلى مسك. ط د س: ثوبه. ط د س: فكان عذره ذلك. ط د: لهمه. انظر فصل المقال: 127، 486 والميداني 2:150 والعسكري 2: 194. في د ط س هنا زيادة تتصل ببعض ما قاله ابن حيان حول الخلاف بين الاخوين، وقد جاء فيها: " ووصف ابن حيان أيضا ذلك، وزاد في الحديث هنالك انه اختلط الفريقان - كالتي كانت من قبل ". وقد تقدم هذا فلم أثبته هنا. داني ترجم له ابن سعيد، انظر المغرب 2: 405 والمسالك 8: 342، والفصول التي اختارها ابن بسام من رسائله تدل على انه كان رسولا الى بعض ملوك الطوائف عن إقبال الدولة بم مجاهد حين نازعه المقتدر احد الحصون. د ط س: ابن اغلب صاحب (ط: حاجب) ميورقة؛ ويذكر ابن خلدون ان مجاهدا وابنه عليا جعلا اغلب على ميورقة، وكان اغلب مولى مجاهد، وكان صاحب غزو وجهاد في البحر، ثم تخلى عن ولايته ايام علي إقبال الدولة فولي الجزيرة سليمان بن مشكيان ثم بشر ابن سليمان الملقب ناصر الدولة (ابن خلدون 4: 164 - 165) ؛ وقد نقل ابن سعيد بعض هذه الرسالة في المغرب. ط د س: أكاتبك. من قول المجنون: اصلي فما ادري اذا ما ذكرتها اثنتين صليت الضحى ام ثمانيا وفي فصل: لم ترد في ط د س. ب م: زماني. ط د س: قلة. من المثل: مع الخواطري سهم صائب، فصل المقال: 43 والميداني 2: 155 والعسكري 2: 221. نصفها: سقطت من ط د س. ط د: او ضعفها. انظر الآية: 17 من سورة المزمل. ط د س: واصخ. ب م: يلهج. انظر الآية: 19 من سورة البقرة. انظر الآية: 17 من سورة البلد. ب م: بصمار. انظر الآية 4، 5 من سورة الفيل. ط د س: فلم نشك في. انظر الآيات 26، 27، 29 من سورة القيامة. د ط س: العمل بنيتي. ب م: المدينة. د ط س: الكدا. ب م: قطعه. من قول المعري (شروح السقط: 734) من رواية البطليموسي: وسألت كم بين العقيق الى الحمى فجزعت من بعد المدى المتطاول وعذرت طيفك في الجفاء لأنه يسري فيصبح دوننا بمراحل ط د س: ولجت بك. ط د س: خل. د ط س: منفردة. ب م: لو كان أمرها. د ط س: هيئة. بم: الحيل المنيل؛ والمنيل من اللاتينية nigellum أي المرصع أي المزخرف (انظر ملحق دوزي) ؛ أما " الحيل " حسب قراءة ب م فيمكن ربطها بلفظة " محيل " التي اوردها القلعي (الكهالا) في معجمه بمعنى مصنوع او صناعي (انظر ملحق دوزي 1: 342) . من قول امرئ القيس (ديوانه: 17) -. وكشح لطيف كالجديل مخصر وساق كأنبوب السقي المذلل والأنبوب هنا ساق البردي، والسقي: البردي الناعم، والمذلل: الذي جمعت اطرافه ليجنى. د ط: ملبسها. ب م: وتروق. د ط س: انطق الحصى. الأنبياء: 69 قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم. المشتبه: الذي لم يصح تحريمه بوجه قاطع، ولكن يمكن فيه التأول. المزر: نبيذ الذرة؛ الدوشاب: نبيذ التمر او الدبس، وقال السمعاني انه الدبس بالعربية؛ (انظر شفاء الغليل: 87) . الأزاذ: نوع من التمر، والداذ لعله الداذي أو الذاذي وهو نبت يعمل منه شراب مسكر. البيت لابن الرومي، ديوانه 1: 576 (1: 340 تحقيق نصار) ، وفي ط د س: بازيا وغرابا. الخسروان: كذا هنا، والمعروف الخسرواني وهو الحرير الرقيق الحسن الصنعة (المعرب 135) . د ط س: قطعة من الخسروان لازوردية الحرير، أما لفظة الحرير فيبدو انها مقحمة لشرح لفظة " خسرواني "، والأصوب حذفها. ط د: وقرن؛ ب م: وقبب. ب م: وحمام. ط د: شربي. س: وتضييعي؛ ب م: الخمس. ط د س: كان. ط د: مديد الكيذان؛ ب م: غرير الكران. ب: فانقلبت. ط د: فانقلبت. ب م: كما. ب: اعلى. ب م: نشرب - لا تجرب بالحسام. ط د س: نعد. ط د: وقلت. يشير الى قول امرئ القيس: (ديوانه: 31) : نظرت اليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشب لقفال ط د س: رحلت. ط د س: فصادرتنا. ط د س: الثلوج. يستعير بعض قول المتنبي: كم قد دفنت وكم قدمت عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن ط د س: عذابا. ط د س: ولولا. ب م: الشيء؛ ط د س: عن فلانة؛ وألش: (بتسكين اللام) بينها بين أوريولة خمسة عشر ميلا، ومنها إلى لقنت مثل ذلك (الروض االمعطار: 31) . ط د س: علينا. ناظر الى الآية " قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء " (هود: 43) . س: هدبة؛ ط د س: السري. انظر الآية: 143 من سورة الأعراف. ب م: فانخر. ب م: والعوذة. ب م: لصعقنا صعقة؛ ط د س: لضغطنا القبر. ط د س: ونالنا الغفر. ط د س: الذعر. د ط س: وما سقط. ط د س: الخيل. انظر الآية: 20 - 21من سورة المعارج. ب م: هنيئا. انظر الآية: 78 من سورة الأنعام. ط د س: مدن. د: أفرح. ب م: بنت الرسالة. ب ن: فخرج إلي الأمير - والوزير؛ ط س: فخرج إلي الوزير الجوهري. اشارة الى المثل " لا عطر بعد عروس "، فصل المقال: 427 والميداني 2: 108. ب م: بريها، ولعلها " برهها " أي بضاضتها وترارتها. المسيس: كناية عن النكاح. ط س: عفت. ط د س: المتنزه العبدرحماني. ط د س: بالشبه. ط د س: فقيل. ط د س: يسكنون. انظر الآية: 88 من سورة الصافات. ط س: خذلا. ب م: ارسلتها. س: ومرقبة إلى مرقبة. ب م: والعقر؛ د س: والفلق. ط د س: مكاسير. ط د: مناطيق؛ ب م للأعكان. ب م: اطلقت. ط د: بمحارم. ط د س: والصالحين. د: قصم، ولعل الصواب: " قضب "؛ ب م: لحنه. ب م: القيامة. باكرت الرحيل - فقلت: سقط كله من د ط س، وجاء في موضعه: ومن شعره. ط د س: باسمة. ط د س: خط. س: ارتحلت. ب م: بامتزاج. ب م: عقدته. ط د: يتوقع. ط د س: حبيبا. د: وانجادك؛ ط س: وايجازك. ب م: ريان. ط س: يومن. ط د س: محلة. ط د س: النفس. ط د س: جزالة. ط د س: طارقة. ط س: حذق؛ ب م د: الغيوب. البيت لأوس بن حجر، ديوانه: 53. ط د س: خلال ذلك. ط د س: يواليها. الأشابيل: يبدو أن اللفظة بهذه الصورة تفيد أنواعا من الشابل وهو السمك الذي يدعى بالفرنسية: alose وبالاسبانية: Sabalo ويقول ابن هشام إن صواب الكلمة " اشبول " (مجلة معهد المخطوطات 3: 293) وعلى هذا تكون " أشابيل " صيغة منتهى الجموع للمفرد " أشبول ". ط د س: مثنية. ط د: وغرائب. ط س: تعدم. ط د س: فجلت. يذكر ابن الأبار (التحفة: 61) أن بيت بني جرج من بيوتات قرطبة النبيهة، وأن من البيرة؛ وقد ترجم لأبي جعفر عبد الله بن محمد منهم (- 575) ؛ وهناك ابو جعفر ثان اسمه أحمد بن عتيق بن جرح الذهبي؛ وهو نتأخر الوفاة (- 601) ؛ وابو جعفر المترجم به هنا، كان وزيرا لابن عمار لما ثار بمرسية، انظر المغرب 2: 305 والمسالك 11: 449 (وكلاهما ينقل عن الذخيرة) . ط د س: بديعة. ط د س: نثره ونظمه -. عن علمه. المغرب: اعقب الله منها السلامة والسلام. ب: تغيث؛ م: تعبث؛ د: تعنت. ط د: آلم. ط د س: وما. ط د س: عيث. ط د س: لم يكن. ط د س: ذمارك، وكذلك في المغرب؛ ب م: ذراك وحرس علاك. ب م: اغترار. المغرب: متنصلا مما اقترف، متأسفا على ما سلف؛ ط د س: مبقية؛ د: منفية على ما أجرمت. ط د: الدوار. المغرب: إلا لأمر واختيار. المغرب: مشرق الانوار. د ط س: الأثواب. د ط س: ولا بؤس ولا عرض من أعراض الدنيا. عجز بيت للمتنبي، وصدره: إذا نلت منك الود فالمال هين. د ط س: عن خطوبه عن. قصير بن سعد اللخمي الذي وفى لجذيمة وجدع أنفه واحتال على الزبا، حتى أخذ بثأر جذيمة مع عمرو بن عدي؛ (انظر صفحات متفرقة من فصل المقال) . ب م: تحكما. ط د س: من الأجر. ط د س: كيف. ب م: فجاوبه ابو جعفر بن جرج؛ قلت: وذلك قول غير دقيق. الضريم: الحريق أو شيء أضرمت به النار؛ د ط س: الغريم؛ ب م: العريم؛ والجزل: الغليظ الشديد. ب م: يدار على. منها بيتان في المسالك. وردت هذه الأبيات في المسالك. ط د س: بالمراقب. المسالك: خطوا. س والمسالك: منزل. ط د س: مرتفعا. ط د س: الشعر. ب م: حيات. منها بيتان في المسالك. ط د س: يرقع. وردا في المسالك والمغرب. المسالك: فما بعدوا عني ولا قربوا مني وقد قربوا؛ المغرب: فما بعدوا - ولا قربوا؛ ط د س: ولا قربوا. انظر ديوان ابن شهيد: 98. ب م س: مجاور. ط د: في اعتبار. ط د: لحود. ب م: تروي. ب م: المفيد. ورد بعضها في المغرب. المغرب: مكاره. ب م: انظار واظفار. ب م: رأيا. ب م: للساري. ب م: حد - فصصى؛ ط: جر. البطال: البين البطولة؛ النظار: الشهم الطامح الطرف، يوصف به الفرس؛ ط د س: وبطار. حسداي بن يوسف بن حسداي: له ترجمة في المغرب 2: 441 والمغرب: 196 والقلائد: 183 والخريدة 2: 480 (3: 460) وطبقات صاعد: 77 وابن ابي اصيبعة 2: 50 ونفح الطيب 1: 535، 640 (نقلا عن القلائد) 3: 267، 293، 401 وبدائع البدائة: 367. ب م: ابن رزين. ب م: وكتابة. س: صفة جملتها وكناية حملها. انظر نفح الطيب 3: 401. ب م: صاحبه. ب م: العيون. ط د س: علم اللسان العربي. ط د س: علق. ط د س: في رقعة خاطب بها - قال فيها. اورد بعضها صاحب المغرب. ب م: ابتسام. ط س: فأختص. ط د: استوهب؛ المغرب: وبهر. ب م: وقصور. ط د س: المهر. ب م: الممالك - الصعالك. من قول تأبط شرا: يظل بموماة ويمسي بغيرها جحيشا ويعروري ظهور المهالك ط س: سابح. ط س د: مايح. م ب: بالحزم. ط س: الأرومة. ب م: ويوفقه؛ ط: ويوفقه. ط د س: أيدك الله. ط د س: فممدود. ط دس: أنى. ب م: في أني. ط د س: بعض ولا ثلم؛ ب م: ببغض - بنقض. ط د س: البعد. العنقاء: أكمة فوق جبل مشرف؛ وفي النسخ أو باسومها. ط س: معنى. ط د س: أبقراط. ب م: الأقصى. شروح السقط: 930. ديوان ابي نواس: 88، وروايته: حسن رسوم - وطيب نسيم. س د ط: الحسن. ط د س: الشمل. ب م: جرعة. لم يردا في ديوانه؛ والأول له في معجم البكري: 1289؛ ط د: وقال الآخر. ديوان الهذليين: 956. ب م: لأمر. ب م: غير رأيه في نفسه؛ وهذا مأخوذ من قول سعد بن ناشب (شرح المرزوقي: 74) : ولم يستشر في أمره غير نفسه ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا ط: أحشاء. ب م: بلقائك. ب م: جدا. ب م: موردا. د ط: مطال. م: وتقضي. ط د س: فجئت (قرأ: فجاءت) . ب م: ويوسعه. ط د س: وهذا. د ط: صدرت؛ س: الموانع. د ط: عذره؛ س: غوره. د ط س: توطأ لاتضاح؛ ب: توطا؛ ط: التناهج. د ط: ويلوى؛ س: يروى ويعرف. البيت في عيون الأخبار 1: 234. ب م: يفصح. ط د س: الرحيل. د ط س: افرجت. د ط س: إمكان السعي. أمجده بيانا: أوسعه وأتى بما كفى فضل؛ ط د: فأنجدني (حيث وقعت) . ط د س: فقد بفضل الله أصبحت. ب م: برعت - كريم. ب م: الحمد. ط د س: وتنثني بنفحات؛ ب: وتستنشق. د: يديل السير؛ ط: يريل السر (دون إعجام) ؛ س: تديل البر. د ط س: العلى. ط د س: وله من أخرى. م: ونظمتها. ط د س: عهده. د ط س: لدنة. ط د س: الأشخاص. م: الهني؛ ب: النهي. د ط س: ذهب. د ط: كأنها. ب: ومنتما. الأسفرج (Esparrago) وهو الهليون، ويقال له أيضا بعجمية الأندلس: الاسفاراج، سفارج. ب م: التراب. د ط: والمبادرة إلى. س: المقارضة. إلى المقتدر: سقطت من د ط س. ب م: طارية. د ط: فإنما. ط د س: جلد الترب (اقرأ: جلذ بمعنى جرذ) . ط د س: ومحلت السنا. ب م: العنوان على الجدود. ط د س: من غير. ط د س: بلغته. ط د س: تحسن - عنوانا. ط د س: والنوار. ط د: الأنوار. م: وترصع. ط د س: فتنثني. ط د س: جنات - جنات. د: في استلام؛ ط س: في استلامة. ط د س: وتذوي. من قول المتنبي: أزل حسد الحساد عني بكبتهم فأنت الذي صيرتهم لي حسدا من قول أبي نواس: كأن صغرى وكبرى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب من قول الحارث بن وعلة (الحماسية: 45 شرح المرزوقي) : وزعمتم أن لا حلوم لنا إن العصا قرعت لذي الحلم ط د س: ويربي. ط د س: وروح. ط د: والبصر. ط د س: موازنة. ب م: وينقص. افتتحت هذه الفقرة في د ط س بلفظتي: وفي فصل. ط د س: وتعترض. ط: بالقانية؛ س: بالعانية. ط د س: إلى طبيب يلقب (ط: يلعب) . البرذقون: لفظة تعني الفتى أو الشاب. ط د س: أصيب باحدى. ط د س: وأقابل له. ب م: بعد ما - بحسب. ب م: منتقصا. ط د س: نسناس. ط د س: بخرقة. ب م: أشكو إلى. ط د س: أستنشد. البيت للنابغة الذبياني، ديوانه: 34. ب م: أكثر. ط د: حدثنا. لعل المقصود العقار الذي يسمى: غاريقون أو أغاريقون (من اليونانية؛ وباللاتينية (Agaricum وهو شيء أشهب يوجد في قلب شجرة الأرز (انظر تحفة الأحباب: 45 ومفردات ابن البيطار: غاريقون) . الدلاعة: البطيخة. ط د: أخفيت لنا؛ س: أبرزت لنا، وبالهامش خ: أخفيت. الدباءة: القرعة. ب م: بادرته. ط د س: يراه. ط د: خصييك. ب م: أنماها. ب م: ويسوفان. ب م: كالمبدأ. ط د س: والأثقال تعلق. ب م: السدا. ط د س: يوزن. س د: بسافوره؛ ط: بساموره. ط د وخ بهامش س: زوجك. ط د س: فيسبق. فيه إشارة إلى قول الراجزة (الحماسية رقم: 836) : كأن خصيتيه من تدلدل سحق جراب فيه ثنتا حنظل ب م: مخدرة. ب م: أغرت. ناظر إلى قول المجنون (ديوانه: 299) . وإني لأستغشي وما بي نعسة لعل خيالا منك يلقى خياليا من قول عمر (ديوانه: 211) : وكن إذا أبصرنني أو سمعنني سعين فرقعن الكوى بالمحاجر ب م: فتعالج الحجة - فتثبت بينة. ب م د ط س: عصياني. ب م: ظل. ط د: جسمها. ب م: إنسان. م: حياة الحيوان. قال الجاحظ (الحيوان 7: 248) : والحمر والقبج ربما ألقحا الاناث إذا كانا على علاوة الريح. ط د س: قبلها. ط د س: بالفضائل. م ب: اسقلينوس؛ وانظر ابن النديم: 286. كذا في ب م؛ وفي ط د وخ بهامش س: فصرت به مملكا؛ ولا ريب أن:تاسلاس " اسم لأحد أصحاب الحيل (علم الميكانيك) وأقرب الصور إليه:تاسلوس " وهو والد بقراط الرابع (الفهرست: 293) ب م: فبصرت؛ س: فنصر. ط د س: وغنيت بحمى. هذا مثل؛ انظر فصل المقال: 344 والميداني: 134. ط د س: حسن. س: فنلن. ب م د ط س: في مشي. البيت في ثمار القلوب: 489 دون نسبة، وروايته: وكم عقعق قد رام. د ط س: جلالك. من أرجوزة أوردها القالي في أماليه 2: 285 ونسبها لأعرابي وقال النجيرمي: الرجز للأصمعي (انظر السمط: 930) ، وهي في الأصمعيات: لصخير بى عمير التميمي، وسماه في الجمهرة 3: 130 صخر بن عمير، وفي اللسان (مرطل، ثمل، ضلل) صخر ابن عميرة أو ابن عمير أو صخر الغي؛ وزعم أبو حاتم أن الرجز ليس بقديم، كأنه يقول هو من كلام المولدين (التاج: قفا) . قفي: تصغير قفا، وقد حذفت منه التاء؛ التتفلة: الأنثى من ولد الثعالب؛ والمرسن من الأنف: موضع الرسن. ب م: وصدع الصلف. ط د وخ بهامش س: بهرت وبرعت. من الأقوال المشبهة لهذا: قد ينبح الكلب القمر فيلقم الحجر؛ ومنه أيضا: لا يضر السحاب نباح الكلاب (انظر التمثيل والمحاضرة: 353، 354) . ط د س: استبد. ب م: شرحي - بفرحي. البردة: التخمة؛ وهذا حديث، انظر الفائق 1: 84. ط د س: يستحلون. ط د س: افرادا. البيت للمجنون، ديوانه: 206 وروايته: من بين الوحوش. م ب: ونالك مستضعف. ط د: وبجبذه وكان ممدا؛ س: وانحيازه، خ بهامش س: وبجره. ب م: عريت أعقاره؛ ط د س: عرفت. ط د س: عبابه. د ط س: وأردف أعجازها بهواديه؛ وفيه نظر إلى قول امرئ القيس: " وأردف أعجازا وناء بكلل ". يقال في المثل: " أنجد من رأى حضنا "، وهذا يعني أن من في تهامة لا يستطيع رؤيته. س: قطعة..؛ د ط: سحاب. د ط س: يرمزون. د ط س: موضع. د ط: الفكر الصدوق. قيطوس وتكتب أحيانا قيطس (Cetus) ، لفظة يونانية تعني الحوت أو البلينه؛ وصورة قيطوس تشمل 22 كوكبا منها كف الثريا االجذماء والضفدع الثاني (انظر: العلوم البحرية عند العرب ج 3/1: 209) . ب م س: الشهر. ب م: عربها. بما حازت: سقطت من ط د؛ وفي ب م: بما جاورت. د ط س: والجبل. د ط س: نبأ. د ط س: وتجبرت. د ط س: وأحقهم بالبر؛ ب م: بأجر البر. س: مقاصده. د ط س: الأديب. د ط: المعظم - المكرم. د ط س: المقدم. د ط س: بصعر. م: والتسوغ؛ ط: والتسرع؛ ط د " في تمدحك؛ س: في مدحك. د ط س: من جملة - في رسالة - د ط س: وأنبت دوحا. د ط س: وكتب إليه بعض إخوانه بهذه الأبيات. الدياخيلون: مرهم ينفع من الجراحات ويحلل السلع والصلابات، ويتكون من نسب معلومة من لعاب بزر الكتان ولزر مر وبزر الخطمى وحلبة ومرداسنج (منهاج الدكان: 89) . ب م: ولا يكون. الافسنتين (Absinthe) ويسمى أيضا شيبة العجوز والشيخ الرومي، وقد أطنب ابن البيطار في الحديث عن الشراب الذي يصنع منه (انظر المفردات 1: 41 - 44 وتحفة الأحباب: 4 وشرح أسماء العقار: 4) . لم ترد هذه اللفظة والتي تليها في د ط س. ب م: لي. ب م: مستنفذا. ب م: كفى وأبو. روطة: يطلق على غير موضع واحد بالأندلس، والمقصود هنا روطة الواقعة في الثغر الأعلى (Ruseda) وكانت من أعمال سرقسطة وهي تابعة اليوم لوشقة. د ط س: فلما وصل أبو الفضل إلى منزله بعث إليه بما طلب وكتب معها. د ط س: وهذا كقول بعض أهل عصرنا وهو أبو الحسن - الخ. ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة؛ وانظر المغرب 1: 397 ومسالك الأبصار 8: 334. ورد البيتان في المغرب 2: 441. زاد في س: وهو سيف الدولة؛ قلت: نسبها في اليتيمة 1: 8 لسيف الدولة بن حمدان، وانظر ابن خلكان 3؛ 402 حيث ذكر أنها تنسب لأبي الصقر القبيسي؛ ووردت في غرائب التشبيهات: 47 منسوبة لابن الرومي، قال: وهو الصحيح؛ وهي في ديوان ابن الرومي 3: 473 (ط. كامل كيلاني) . إلى هنا ينتهي ما ورد في د ط س من ترجمة ابن حسداي ومن التذييل عليها ببعض أخبار المتنبي. ترجم له ابن بسام في القسم الأول من الذخيرة (. مصر 1 - 2: 290) والأبيات هنالك ص: 297؛ وانظر لمطمح: 83 - 84 والنفح 4: 511. الاسفنط: ضرب من الأشربة، وورد في شعر الأعشى: وكأن الخمر العتيق من الاسفنط ممزوجة بماء زلال في القلائد: 184 وفي المصادر التي نقلت عنه (انظر الخريدة 2: 480 والنفح 1: 640، 3: 294) أن هذا المطلع لابن حسداي نفسه، ويبدو أن صاحب القلائد قد خلط بين القصيدتين. القلائد: بن سفيان. زياد: النابغة الذبياني. ب م: وكتب؛ والنص كما هو هنا ورد في القلائد، مع بعض إيجاز في الذخيرة. زيادة من القلائد. ب م: تحسر. وردت الأبيات في القلائد والنفح 3: 267 والخريدة وبدائع البدائه: 367 - 368. علق ابن ظافر على هذا البيت بقوله: قولة " نينان " غير معروف فإن نونا لم يجئ جمعها على نينان، وقد كان سيبويه خطأ بشار بن برد في قوله في وصف سفينة " تلاعب نينان البحور - " فغيره بشار " تيار البحور "؛ وفي بيت للمتنبي: فهن مع السيدان في البر عسل وهن مع الحيتان في البحر عوم جاءت لفظة " نينان " بدل " حيتان " في عدد من النسخ. انظر الواحدي: 552 والعكبري 3: 386. الواحدي: 493 والعكبري 3: 76. اليتيمة 3: س194 - 195 وترجمة الزعفراني أبي القاسم عمر بن ابراهيم في اليتيمة 3: 311 - 318، وانظر رأي هذا الزعفراني في الصاحب، في كتاب أخلاق الوزيرين: 105، 141، 295. هو علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام ويعرف بالبسامي (- 302 أو 303) ، انظر ترجمته في ابن خلكان 3: 363 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى. محمد بن مناذر شاعر فصيح عالم باللغة، كان في أول أمره يتأله ثم عدل عن ذلك فهجا الناس وتهتك، فنفي من البصرة إلى الحجاز وهنالك توفي؛ انظر في أخباره وأخبار عبد الحميد الثقفي: الأغاني 18: 103 وطبقات ابن المعتز: 119 والشعر والشعراء: 747 ومعجم الأدباء 19: 55. انظر المغرب 2: 423. ط د س: له. ط د س: كتبه. ط د: ما يصدق ما أجريته؛ س: ما يصدق ما - ط د س: فصول له. ط د س: قال. من المثل: لا تعلم العوان الخمرة (اللسان: عون) . ب م: تجدي بك؛ س: وما يجدي لك؛ د: يجري لك. يشير إلى المثل: جري المذكيات غلاب، انظر فصل المقال: 127 والميداني 1: 106 والعسكري 1: 203. من قول ليلى الأخيلية في الرد على النابغة الجعدي: وصدره (الشعر والشعراء: 360 والخزانة 3: 33 والسمط: 282) اعيريني داء بأمك مثله؛ ط: وأي جواد؛ س: وأي الجواد. هذا مثل، انظر فصل المقال: 494 والميداني 1: 238 والعسكري 2: 5 واللافظة هي الرحى ويقال أيضا هي العنز أو الحمامة أو الديك. ط د: الثابتة. ط د س: بعض. ط د س: عليهما. م: الأرض. انظر الخبر عن قوس حاجب في ثمار القلوب: 625. ط د: كرائم. ط د س: الراي. ط د: والائتمان. س: ارتقاء. ب م: يده. ب م: ولا في طماعية المئشار أن يصير -؛ د ط: أن يصل؛ س: ولا طماعته. ط د: ينتقل دولاب. ب م: المناشير. د: قدما؛ ط: قوما. في قصة وافد البراجم انظر فصل المقال: 454 والعسكري 1: 81 وقد مرت الإشارة إلى المثل " ان الشقي وافد الراجم " ص: 367 من هذا الكتاب. ب م: النبلاء. الآية: 78 من سورة البقرة " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ". ط د س: بجهد أفهامهم. ب م: المربي؛ ط: المرمى. ب م: الهمم. ب س: المتجمل. ب م: فاتبعوا؛ ولعلها " فاثعبوا ". ب م: وأمدوا؛ لعل الصواب " وامروا " من المري. ط د س: واحضروا؛ ب م: واحسروا. ط د: رجعتم البكارة؛ ب م: البكارة. س: خشن. م ب: وقويتم دار. ط د: مع نعرتكم؛ ب م: فأشارت مع تغويركم. ط د: صححت. ط د: تعتصموا بسوى. ب م: لدى الكتبة. ط د س: الدينية. ط د س: الجواد. ب م: كانه. ط د س: وفي فصل، ونعود - ط د س: في استئثار. س: استجدت، وكتب خ في الهامش: استمجدت؛ ط: استمجت. ط د س: بديع. ط د س: تلهج بكتابه. ب م: عجعجة ربى. هو من قولهم: اسمع جعجعة ولا أرى طحنا، انظر فصل المقال: 448 والعسكري 1: 107. ط د: فكيف يستنزر؛ س: يستغزر. انظر تاريخ الطبري 1: 1873. ط د س: وابتداع لحدث. ط د س: الاطالة. ط د: مراتب؛ م: واهب. ط د س: كأنما. ب م: ظهر. م: العيال؛ بك العيان. سك بوسعة؛ ط: برشقة. ط د س: ووصلت. ب م: مربيا؛ ط د س: هزيلا. ط د س: وتبنى (ط: وتبنا) بنينا؛ وفي م ب بعدها: وزرع. ب م: غولة. ط د س: عفة. ط د س: بحجارة. ط د: محاسن. وغلامي: سقطت من ط د، وجاء النص على التثنية في ب م، ولا ضرورة لذلك لأن الغلام والابن يشيران إلى واحد. ط د س: والمشافهة؛ ب م: الجلية. س: نثير جمار؛ ط د س: والعرفا. ب م: التشهيدات. ديوان ابن هانئ: 238 وانظر النفح 4: 41 والمطمح: 75 ونثار الأزهار: 129، وفي ترتيب أبيات القصيدة في الديوان بعض اختلاف عما هنا. الديوان: وقد ولت الظلماء تقفو نجومها - الفجر؛ هامش س: جيش اللبل للفجر. الديوان: مكبة؛ ب م: ملية. الديوان: يقدم. ب م: كرها. الديوان: الفجر. ط د س: في قصيدته التي. وردت أبيات منها في نثار الأزهار: 128. نثار: الجو. نثار: علي بن هرون. ترجم له ابن بسام في القسم الرابع من الذخيرة (انظر ط. مصر 4/1: 67) . ب م: صنعه. م: تعالا. ب م: مذعور. في الجمهرة: 51 ان ابن المعتلي اسمه الحسن. ب م: بن المعتلي. جاء في ديوان ابن المعتز 3: 111 أعلمتها في شفق لم يعتم تخاله طرة برد معلم والنجم في أديم ليل مظلم كأنه غرة طرف أدهم ب م: كليه. ب: وتحله. ب م: ظللن الكنسا. ب م: ليحبسا؛ وخبس: أخذ الشيء غنيمة. ديوان ابن شهيد: 85. الديوان: دخلوا. بياض في ب م. د ط: بالمعتد. انظر المغرب 2ك 424 والبيان المغرب 3ك 147. د ط س: وإنما بدل أبو الربيع في هذين البيتين قول - الخ. د ط س: ورد. تتفق المصادر التاريخية على أن صاعد بن مخلد الكاتب هو الذي لقب ذا الوزارتين في تلك الحادثة وان ابن كنداج لقب ذا السندين (انظر السيوطي: 394) . سقط هذا العنوان من ط د، وراجع في أخبار هشام المعتد كتاب المعجب: 109 والبيان المغرب 3: 145 (وفيه نقل عن ابن حيان) وأعمال الاعلام: 138 (وفيه تلخيص لما أورده ابن حيان) . ط د س: بويع بقرطبة. ط د س: لجأ إليه عند. ط د: برضى - بكره؛ البيان: بكره. ط د: نظروا في أمره. ط د س: وكيفية وروده فبادر هو ووفد على البلد، فسر الناس بع وركب جيش قرطبة لاستقباله - وقلة رواء وبهجة - سادلا لأسمال غفارة إلى ما تحتها من كسوة - سيرها (س: سيرت) - مطرد. البيان: ينونه. ب م: سبق. ط د: اللباس. ب م: احتاج بعض الأكابر إلى عبارة عنه. ط د س: وكان اجتاز. بشاطبة: سقطت من ط د س. ب م: وطمعوا. س ط د: معهم. هو مكي بن أبي طالب (غاية النهاية 2: 309) وصاحبه هو أحمد بن مهدي. ط د: أخابث. ط د س: بعهده. ط د س: المرتب. ط د س: حتى سمعت بعضهم يلح فيه بالطلب. ط د س: وهم. س ط د: فتنة. ط د س: لتستغرب. ط د: السلب؛ س: الغلة؛ ب: الصلة؛ والمعنى أن الخصاصة تؤدي بصاحبها إلى السرقة، وانظر اللسان (سلل) . البيان: المستمرين على فتية؛ ولعل صواب العبارة: المستبدين على فتية - ط د والبيان: فحجرهم؛ ب م: فجحد جحدهم. ب م: حجرة؛ البيان: قصر. س: ويقصي. ط د س والبيان: ومعاظم. ط د س: ولدان أبي عامر ابن المظفر؛ س: ولد ابن أبي عامر بن المظفر. ط د س: وجرت على الناس يها. ط د س: جزانات. ط د س: السلطانيات. ط د س: فأجحف. ط د س: التهبها. ط د س: إلى أن. ب م: أو يصيب (اقرأ: نصيب) غائب. ط د س: مكاره جمة هنالك. ب م: خرب. ط د س: في مثل ذلك. ب م: فنشله. ط د س: فاعتورت. ط د س: فمرت. ب م: أقوالهم. ب م: فانزع. ط د س: لم يصحب أبا عامر. ط د: قد اعتلق به. ط د س: قصيدة له من المكتومات قالها اثر قتله لعبد الرحمن. ط د س: دماء جماعة قال - الخ. س د: الرياح؛ وفي متن الديوان: الزمان. س: الجوزاء. س: المصاب تشقها. ط د: حرض. ورد هذا الفصل في ط د س: كثير الحذف والايجاز، فكأنه تلخيص لما هو هنا، انظر البيان المغرب 3: 148، فالنقل فيه أكثر مطابقة للنسخ ط د س. ط د س: ذرو خبر. ب م: ورحيله، وسقطت من ط د س. ط د س: إلى ازالته. ط د س: إلى أن مكن منه. ط د س: جلة الوزراء طاعته. ب م: لباقة. ط د س: ركوب ساذج. ط د س والبيان: والمطالب. س: الرفيعة. الترفاس (وعند ابن البطار: الترفاش) : الكمأة، بالبرية، وفي م ب: الرفاس. ط د س والبيان: منه. ط د: وتجهل؛ البيان: وجهد؛ س: ويجهد. ب م: واجتناب. ط د سك بما زجر له (س: زجرته) زاجر الغدر. ط د: قصبة منيفة؛ س: والبيان: قصبة منيعة. ط د سك سقيم. ط د سك النشوات. ط د سك وعينه. س والبيان: فركسه. ط د: وضرب. ط د س والبيان: الناس. ط د س: ابن عم لهشام. ط د س: برأسه. ب م: التي أعدت لرفعها. ط د س والبيان. عظة. ب م: فألحقوها. ط د سك ووافى مع. زاد في النسخ هنا: مع نسائه. ب م: الخابط. ط د سك بكف الأذى. ب م والبيان: ألقي. ط د سك الملأ. ط د سك على خلعه. ط د س: فيكون أشفى لشاني؛ البيان: فيكون أخف لشاني. ط د سك وبقي بمكانه من الساباط بقية - أسيرا. ط د س والبيان: وحدث. ط د س: صبية؛ البيان: طفيلة؛ اعمال الاعلام: طفلة صغيرة. ط د: حصن محمود بن الشرب؛ س: حصن ابن الشرب. ط د س: ولا شهد. ط د: فوبخوا على الاجتماع إليه. ط د سك فانطلق. ط د س: أبي عمر. انظر نفح الطيب 2ك 110 وفيه: التياري؛ والمباري كتبت بفتحة على الباء في ب، وبضمة في س. ب م: منسوب إلى باديته. وردت في النفح. انظر ديوان المعاني 1: 292 ونفح الطيب. ب م: دوراء. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 في ذكر الأديب أبي إسحاق إبراهيم بن خفاجة (1) الناظم المطبوع، الذي شهد (2) بتقديمه الجميع، المتصرف بين حكمه وتحكمه البديع. " تصرف في فنون الإبداع كيف شاء، وأتبع دلوه الرشاء، فشعشع القول وروقه، ومد في ميدان الإعجاز طلقه، فجاء نظامه أرق من النفس العليل، وآنق من الروض البليل، يكاد يمتزج بالروح، وترتاح إليه النفس كالغصن المروح، إن شئت فغمزات الجفون الوطف، أو إشارة الأنامل التي تعقد من اللطف، وإن وصف سراه والليل بهيم ما له وضوح، وخذ الثرى بالندى منضوح، فناهيك من غرض انفرد بمضماره، وتجرد لحمي ذماره، وان مدح فلا الأعشى للمحلق، ولا حسان لأهل جلق، وإن تصرف في فنون الأوصاف، فهو فيها كفارس خصاف (3) ، وكان في شبيبته مخلوع الرسن في ميدان مجونه، كثير الوسن ما بين صفا الإنهاك وحجونه، لا يبالي بمن   (1) توفي سنة 533؛ راجع في ترجمته العقيان: 231 والمطمح: 86 وبغية الملتمس: 202 والمطرب: 109 والتكملة ومعجم أصحاب الصدفي: 59 والمغرب 2: 368 وابن خلكان 1: 56 والخريدة 2: 147، 3: 548 (ط. تونس) والمسالك 11: 255 وصفحات متفرقة من نفح الطيب؛ وقد أثبت محقق ديوانه مصادر ترجمته (الديوان: 437) ؛ وقد راجعت جميع ما أورده ابن بسام من قصائد ومقطعات على هذا الديوان، ولكني لم أتثبت الصفحات ما اختاره المؤلف من شعره. (2) ط د س: يشهد. (3) م ب: كعارض اخصاف؛ وخصاف فرس مالك بن عمرو الغساني، فارس يوم حليمة؛ وقيل غيره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 541 التبس، ولا بأي نار اقتبس، إلا أنه قد نسك اليوم نسك ابن أذينة (1) ، وأغضى عن إرسال نظره في أعقاب الهوى عينه؛ وقد أثبت له ما يقف عليه اللواء، وتصرف إليه الأهواء " (2) . نشأ ببلاد الجانب الشرقي من الأندلس، فلم يذكر معه هناك محسن، ولا لغيره [143أ] فيه وقت حسن، ولا أعرفه (3) تعرض لملوك الطواف بوقتنا، على أنه نشأ في أيامهم، ونظر إلى تهافتهم في الأدب وازدحامهم، وهو اليوم بمطلعه من ذلك الأفق، يبلغني من شعره ما يبطل السحر، ويعطل الزهر، وقد أثبت بعض ما وقع إلي من كلامه، فتصفخه تعلم أنه بحر النظام، وبقية الأعلام. فصول من نثره في أوصاف شتى (4) 1 - فصل في استدعاء مغن: إن للطرب (5) - أعزك الله - جسما ونفسا، يسميان سماعا وكأسا. وقد حضرتنا خمرة، كأنها جمرة، قد تناسيت سورتهما، كما تضارعت في الخط صورتهما (6) :   (1) يريد عروة بن أذينة أحد نساك المدينة في القرن الأول. (2) ما بين أقواس متفق مع القلائد، ولم يرد في ط د س. (3) ط د س: أعلمه. (4) يختلف ترتيب هذه الرسائل في د ط س عما هي عليه في ب م، فقد جاء في النسخ الثلاث على النحو الآتي: 2، 1 (3) 9، 6، 13، 14، 10، 12، 24، 11، 5، 4، 7، 8، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، وقد رقمتها لضبط هذا الاختلاف. (5) د: للظرف. (6) د ط ب: سورتها -. صورتها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 542 لو ترى الشرب حولها من بعيد قلت قوم من قرة يصطلونها فإن رأيت أن تؤنس، وتطرز المجلس، فتجري في ذلك الجسم الكريم روحه، وتحضره منك مسيحه، وصلت وأجملت. 2 - فصل في ذكر متنزه: ولما أكب الغمام إكبابا، لم أجد معه إغبابا، واتصل المطر اتصالا، لم ألف معه انفصالا، أذن الله تعالى للصحو أن يطلع صفحته، وينشر صحيفته، فقشعت الريح السحاب، كما طوى السجل الكتاب، وطفقت السماء تخلع جلبابها، والشمس تحط نقابها، وتطلعت الدنيا تبتهج كأنها عروس تجلت، وقد تحلت، ذهبت في لمة من الاخوان نستبق إلى الراحة ركضا، ونطوي للتفرج أرضا وننشر أرضا، فلا ندفع إلا إلى غدير نمير، قد استدار منه في كل قرارة سماء، سحابيه عماء، وانساب في كل تلعة حباب، جلدته حباب، فترددنا بتلك الأباطح، نتهادى تهادي أغصانها، ونتضاحك تضاحك أقحوانها، وللنسيم أثناء ذلك المنظر الوسيم، تراسل مشي، على بساط وشي، فإذا مر بغدير نسجه درعا، وأحكمه صنعا، وإن عثر بجدول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 543 شطب منه نصلا، وأخلصه صقلا، فلا ترى إلا بطاحا، مملوءة سلاحا، كأنما انهزمت هنالك كتائب، فألقت بما لبسته من درع مصقول، وسيف مسلول. 3 - وفي فصل منها: فاحتللنا قبة خضراء، ممدودة أشطان الأشطان الأغصان، سند سية رواق الأوراق. وما زلنا نلتحف [منها] ببرد ظل ظليل، ونشتمل عليه برداء نسيم عليل، ونجيل النظر في نهر [فسيح] ، صافي لجين الماء، كأنه مجرة السماء، مؤتلق جوهر الحباب، كأنه من ثغور الأحباب، وقد حضرنا مسمع يجري مع النفوس لطافة، فهو يتعلم غرضها وهواها، ويغني لها مقترخها ومناها، فصيح لسان النقر، يشفي من الوقر، كأنه كاتب حاسب [143ب] تمشق يمناه، وتعقد يسراه: يحرك حين يشدو ساكنات ... ويبعث الطبائع للسكون 4 - فصل في إهداء تفاحة: مثلك - أعزك الله - ممن كرمت سجيته فرقت، وحسنت جملته فراقت، فكانت كلية الظرف منه شعبة، وجملة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 544 الذكاء شعلة، علم أن خير الهدايا، ما جرى مجرى التحايا، وأن أفضل سفير بين صديقين، وتردد بين عشيقين، سفير أشبه المحب خفة روح، والمحبوب عبق ريح. ولما طال، يا سيدي، العهد، فأحببت أن أجدده، وذهبت أن أوكده، وتوقيت من رقيب يرعى فيسعى، ويشي فيفشي، لم أر أن أجعل رسولي، وأجثم في اقتضاء سولي، مثل حمراء عاطرة، كأنها دمعة صب قاطرة، أو جمرة تصطلى واقرة، أو خمرة تجلى جامدة، مشتق من الأرج اسمها، حميد في السفارة بين محبين رسمها، لم أر مثلها ذهبا ينفح، ولهبا لا يلفح، قد أودع حشاها الصبح فلقه، وخلع عليها الليل شفقه، فهي تقد كأنها نشأت في تربة من نار ضلوعي، أو سقيت بجدول من حمر دموعي. ولما وجدتها في الحسن حيث العيون ترقمها فتمقها، والنفوس تنشقها فتعشقها، بعثت بها بين تحية لك، ورسول إليك، معتقدا أنها ستقبل عندما تقبل، وتفدى حين تتصدى، فوددت أن أكونها، وأظى بتلك الحال دونها. 5 - وكتب يستهدي ماء ورد: إن للمكارم - أعزك الله - شريعة قضت أن يكون البر عليك فرضا، والشكر علي قرضا، وإني وجهت رقعتي هذه خاطبة إلى صفو ودك، كريمة من [بنات] ماء وردك. وقد سقت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 545 إليها الشكر مهرا، وأنفذت الإناء للزفاف خدرا. والطول لك في قبول نقد الثناء، وتعجيل الجلاء والهداء، موفقا، إن شاء الله. 6 - فصل من أخرى: إن النبيذ بساط، موضوعه الراحة والانبساط، وقلما يطيب رضاع الكأس إلا الصديق الشفيق، المشتبه بالأخ الشقيق، فهو رضاع ثان ترعى حرمته، وتحفظ ذمته. وهذا يوم ضربت فيه أروقة الأنواء، وأعرست الأرض فيه بالسماء؛ فالغصن يتلوى ويتثنى، والحمامة ترجع وتتغنى، والماء يرقص من طرب ويصفق، والزهر يشق جيب كمامة ويمزق. فإن رأيت أن تكون في من شهد هذا الأملاك، وتحضر في من حضر هناك، أجبت منعما. 7 - وكانت بينه وبين [بعض] إخوانه مقاطعة، فاتفق أن ولي ذلك الصديق حصنا، فخاطبه أبو إسحاق برقعة منها: أطال الله بقاء سيدي [144أ] ، النبيهة أوصافه النزيهة عن الاستثناء، المرفوعة قيادته الكريمة بالابتداء، ما انحذفت يا " يرمي " ٍللجزم، واعتلت واو " يغزو " لموضع الضم؛ كتبت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 546 عن ود قدم هو الحال لم يلحقها انتقال، وعهد كرم هو الفعل لم يدخله اعتلال. والله يجعل هاتيك من الأحوال الثابتة اللازمة، ويعصم هذا بعد من الحروف الجازمة؛ وأنا أستنهض طولك، إلى تجديد عهدك بمطالعة ألف الوصل، وتعدية فعل الفصل، وإلى عدولك عن باب ألف القطع، إلى باب [ألف] الوصل والجمع، حتى تسقط لدرج الكلام بيننا هاء السكت، ويدخل الانتقال خال الصمت. فلا تتخيل - أعزك الله - أن رسم إخائك عندي ذو حسى قد درس عفاء، ولا أن صدري دار مية أمسى من ودك خلاء، وإنما أنا فعل إذا ثني ظهر من ضمير وده ما بطن، وبدا منه ما [كان] كمن. وهنيئا - أعزك الله - أن فعل وزارتك حاضر لا يلحق رفعه تغير، ةأن فعل سيفك ماض ما به للعوامل تأثير؛ وأنت بمجدك جماع أبواب الظرف، تأخذ نفسك العلية بمطالعة باب الصرف، ودرس حروف العطف، وتدخل لام التبرئة على ما حدث من عتبك، وتوجب بعد النفي ما سلف من عتباك، وتدع ألف الألفة أن تكون بعد من حروف اللين، وترفع للإضافة بيننا وجود التنوين، وتسوم ساكن الود أن يتحرك، ومعتل الإخاء أن يصبح. وكتابي [هذا] حرف صلة فلا تحذفه [ولا تدل في اسم الجواب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 547 على سروك فاصرفه، فبه الأنس والأنس ثلاثي فلا ترخمه، وفعل ماض فلا تجزمه] حتى تعود الحال الأولى صفة، وتصير هذه النكرة معرفة، فأنت - أعزك الله - مصدر فعل السرو والنبل، ومنك اشتقاق [اسم] السؤدد والفصل. وإنك، وإن تأخر العصر بك، كالفاعل وقع مؤخرا، وعدوك، وإن تكبر، كالكميت لم يقع إلا مصغرا. وللأيام علل تبسط وتقبض، وعوامل ترفع وتخفض، فلا دخل عروضك قبض، ولا عاقب رفعك خفض؛ ولا زلت مرتبطا بالفعل شرطك وجزاؤك، جاريا على الرفع سروك الكريم وسناؤك، حتى يخفض الفعل، وتبنى على الكسر قبل، إن شاء الله. 8 - وفي فصل من أخرى: ولو أني شئت استدرارا اخلاف العيش، وقرعت أبواب الرزق، لكددت وجددت، وحثثت الركض وجهدت، وجبت السباسب أردية، وخضت النوائب أودية، ورعت الكواكب أندية، حتى أخيم حيث السماء دار، والسماك جار [وأرفلحيث العزة حلة، والثروة حلية. ولكن بين جنبي قلبا همته ما همته] فهو يرى الصبر أيمن رفيق يصخبه، والقناعة أكرم ذيل يسخبه. وعلام يبذل الوجه مصون مائه، ويلقي عنه قناع حيائه، وإنما [144ب] الدنيا - وبئس الطمع -: سحابه صيف عن قريب تقشع ... الجزء: 6 ¦ الصفحة: 548 9 - وكتب يستدعي عود غناء: انتظم من اخوانك - أعزك الله - عقد شرب يتساقون في ودك، ويتعاطون ريحانة شكرك وحمدك. وما منهم الا شره المسامع إلى رنة حمامة ناد، لا حمامة بطن واد. والطول لك في صلتنا بجماد ناطق، قد استعار من بنان لسانا، وصار لضمير صاحبه ترجمانا، وهو على الإساءة والإحسان لا ينفك من إيقاع به، في غير ايجاع له، فان هفا عركت أذنه وأدب وأن تأتي واستوى بعج بطنه وضرب؛ لا زلت منتظم الجذل، ملتئم الأمل. 10 - وفي فصل: كل أياديك - أعزك الله - غمام، و [كل] الناس سجعا بشكرك وطيب ذكرك حمام، قد لبسوا نعمك أطواقا، وتحلوا بها أعناقا، فما يقرأون فيك إلا سورة الحمد، ولا يتطلعون منك إلا إلى سورة المجد؛ وما منهم إلا لسان شكر غير أنه فصيح، وعبد رق إلا أنه نصيح. وكفى بحسن السيرة، استصفاء للسريرة. فلا زلت لنهج الفضل سالكا، ولسماء المجد سالكا. 11 - وفي فصل: هو أشهر غرة مجد وعلاء، وتقدم فضل وسناء، من أن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 549 أومي إليه، وأنبه عليه، وقد استظل من حر النوائب ببرد ظلك، واستنار في ظلم المطالب بسراج عدلك؛ لا زلت كعبة فضل، وقبلة عدل. هو نثرة أمجاد أفراد، وأعلام كرام، ما منهم إلا مشرف العلم، في الهم، متقدم القدم، في الكرم. 12 - وفي فصل [يشفع لرجل كحال] : ومؤديه أبو فلان الكحال، وهو وإن كرمت أكحاله، وأحمدت في الصنعة حاله، لم تبلغ قوة كحله الى أن تجلو البصر، حتى ترى الغيب وتشاهد القدر. وقد وردك يخبط من نهاره في ليلة ظلماء، ويقلب مقلة صحيحة عمياء. ولا غرو، فالعين هي العين، ولعله وعساه، أن يكون عيساه. 13 - [فصل في شفاعة: وما عرفته مذ كونه عندنا إلا على أقوم طريقة، وأحسن سجية وخليقة، فاستدللت بما علن على ما بطن، وبما بدا على ما انطوى، ولله غيب السموات والأرض، فمن أمكنه أن يضع عارفة عنده يجني ثمرتها، فعل، مأجورا مشكورا] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 550 14 - وفي فصل: للمتوسمين -[أعزك الله]- منازل، وفي الأيادي فروض ونوافل، وخير المعروف، ما وضع عند الشريف لا المشروف. وإن أبا فلان الهاشمي، لفرع من أشرف تبعه، نمت في أكرم بقعة. ومن حل من الشرف محلته، ولبس من الفضل حليته، فقد غني عن الإطراء والثناء، غنى الغزالة عن الذبالة. وهو مجتاز على افقك، ونازل بك ضيفا، كما تتغشاك السحابة صيفا، وهو راحل بعد، تخد به الركائب، وتثني عليك الحقائب. وأنت أجدر من تلقاه بالبشر، واقبله وجه البر، فعند أهل الفضل يوضع الفضل، وفي مغارسها تغرس النخل، لا زلت غمام نعمى ورحمى، ولا نزلت إلا بمنزل رعيا وسقيا. 15 - فصل في العتاب: أطال الله بقاء الشيخ القاضي، علم عصره، وإنسان عين مصره، في رتبة شمخت فكأنها كبكب؛ الفضل ما قد علمه الشيخ القاضي، جبل وعر المرتقى، وجمل صعب الممتطى، لا يبتسم كل فارع ذروته، ولا يمتطي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 551 كل راكب صهوته، وشجرة باسقة الأفنان ممتدة الأفياء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا يطمئن كل جنب في ظلها، ولا تجتني كل يد من أكلها. وإنني مسحت الارض غربا وشرقا، ولقيت الدهر جهما وطلقا، وشربت العمر صفوا ورنقا، وحللت أندية القضاة، وحططت بأودية الفضل والفضلاء، فما وطئت لأحدهم ساحة إلا راق نثره، ورق قشره، فما الفضل كله في الصمت والجمود، حتى يلتبس الإنسان بالجمود. ومنها: ولولا أني نزهت سمعه عن الشعر، لأريته كيف حوك الطبع المهذب، للوشي المذهب، وكيف لفظ بحر الفكر، للجوهر البكر، ولأطلعت منه في سماء معاليه نجوما تنير، ورجوما تبير، وآخر ما أقوله، بعد دعاء إلى الله تعالى أرفعه في إطالة بقائه، [وتمكين بهجتي بوفائه] : أنت الحبيب ولكني أعوذ به ... من أن أكون محبا غير محبوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 552 16 - فصل: فما انبرت النوائب إلا أرسل زمانها، ولا برت الحوادث إلا أنصل سهامها، ولا احتشدت الدواهي إلا كان من أعيانها، ولا استنجدت الليالي إلا كان من أعوانها. وهيهات أن يظفر بالحر الشريف جوهره، الكريم عنصره، فالناس اخبر تقله وبالاختبار يتبين الأوغاد من الأحرار، وعلى النار يتميز الخبيث من النضار. وإن الدهر لماش بأهله القهقرى في سماء الفضل والكرم، ومنازل النبل ومراقي الهمم. 17 - فصل: كتاب قد أظلم بياضه في عيني وسواده، حتى تساوى طرسه ومداده. فيا له كتابا، ملى اكتئابا [وقرطاسا، لبس بدل الحداد أنقاسا، فلو أن الجماد أمكنه البكاء لبكى، وأعلن بالعويل وشكا] . 18 - فصل: [فها أنا بين عيش قد ذهب حلوه، ونضب صفوه، وأمل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 553 أخلقت جدته] وذبلت نضرته، متلدد بين عبرة أبددها، وزفرة أرددها، وحسرة أجددها، وطرف أقبله في الكواكب، كأني ألتمسه فيها وأطلبه، وآمل طلوعه معها فأرقبه. 19 - وفي فصل: ولقد اختصر على حين تطلع إلى الدنيا وارتقاب، ونضرة في عودة لماء الشباب، فكأنه -[رحمه الله]- وقد افترش بطن الثرى، وخيم بمنزله البلى، ما اشتمل بظل من العيش [مديد، ولا رفل في برد من الأمل جديد؛ وما أوشك لحاق البطاء بالعجال] وأسرع طي الليالي لصحف الآجال [145ب] فأف لدهر لا يزال يسترجع معاره، ويشن مغارة، ويقوض ما بنى، وينقض ما سنى [وما خير دنيا أرى كل يوم ثوبا يطوى، ووجهها يزى، وسهام الأمل فيها تشوي، ونجوم الإخوان بها تنكدر فتهوي] وعسى الله أن يمسح عن العين سنة الكرى، ويسري بنا فنحمد عند الصباح السرى، ويرغب بنا عمن تثاقل فألقى رحله وحط، ونام ليله فغط. 20 - وفي فصل: وما تذكرت عطل نحر الزمان، من قلائد الإخوان، وكيف كر الدهر فمحا محاسن تلك الصحيفة، وطوى طوامير تلك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 554 الشبيبة، إلا انقدحت بصدري لوعة، لو أنها بالحجر لانفطر فانفجر، أو بالنجم لانكدر فانتثر: وما وجد أعرابية قذفت بها صروف النوى من حيث لم تك ظنت تمنت أحاليب الرعاء وخيمة بنجد فلم يقدر لها ما تمنت بأعظم وجدا مني لذلك العصر ، وقد انتثر عقد أحبابه [وأقفر عامر جنابه] ، وانسلخ ليل شبابه، وطار واقع غرابه، واتطوت له صحائف أيام لا تنشر، على سطور آثام لا تبشر، فكأنها تقشع منه سحاب، واضمحل بقيعيه سراب، فصرنا لا نتلاقى إلا بالذكر، ولا نتراءى إلا بالفكر. 21 - فصل في التهنئة بالقضاء وتثنية الوزارة: بدء كون الثمر -[أعزك الله]- زهر، وأول متوع الضحى فجر، وإنما تنمي الأشياء على تدريج وترتيب، كما نشأ الإنسان من نطفة والدوحة من قضيب. ومثلك من شهدت له مخايل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 555 الولاية باكتهال السيادة، واكتمال السعادة. وإن القضاء، وإن شرف مرتبة، وكرم مأثورة [ومنقبة] ، ليضيق عن نصل فضلك غمده، ويغرق في بحر فخرك مده، ويزدان بنحر مجدك عقده، ويبتهج بعطف سروك برده. فليهنه أن تسربلت طوقه، وتحملت أوقه، وليتهنىء الوزارة أن شدت بجيدك عراها، ونيطت بنحرك حلاها، وشفع لها فضلك فأصار وترها شفغا، وجمع إلى بصر بها سمعا. وإنهما في تظافرهما لك وحسنهما بك لعقد ثني بعقد، وعلمان رقما في برد. وإن الدين لمشتد بك أزره، فعنانه على الرائض صعب، وعوده على الغامز صلب. ولقد كنت على تقارب من سنك، ولدونة في غصنك، تقلب طرف الجارح، وتجرى في عنان القارح، فضلا عنك، وقد سامت الليالي ذاتك تجريبا وتهذيبا، وقومت قناتك انبوبا فأنبوبا، حتى خلصت خلوص الذهب على اللهب، والدينار على النار. وان افقا انت بدر بدر تمامه لينطح السماء منكبه، ويزحف [146ا] تحت راية الفتح والفلج موكبه، فلا عري الفضل من ظلك، ولا حط ركاب الشكر إلا في محلك، ولا زلت تتقلد الحمد عقدا، وتلبس السعد بردا، إن شاء الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 556 22 - فصل: ان من شهده - أدام الله رفعته - يشهد القمر منيرا، والسحاب مطيرا، والماء نميرا، والروض نظيرا؛ ولاذ به فوجد الكهف منيعا، والشرف رفيعا، والمراد مريعا، والزمان ربيعا، تعلق حبله قاطنا دانيا، وتشوق فضله ظاعنا نائيا. ولما انتزحت الدار، وبعد المزار، اعتصت بالكتاب من الركاب، وإن لم ينب الطل عن الوبل، وإني بحيث أقمت أو خيمت لخادمك خاتمك، طوعا لديك، وجريا على رسمك وحدك، لا زلت نظام الحمد، وقوام الفضل والمجد. 23 - فصل: وها هو رهين قيد القبر، سليب ثوب اليسر، قد زحزحه الدهر عن بلده وولده، وأبانه مرتفعا على يده، مطويا على كمده، يطول عليه الليل وهو قصير، ويظلم عليه الصبح وهو بصير، والأجر نعم ما لزه قرن، وخير الاطواق في الأعناق بيض الأيادي والمنن. 24 - وفي فصل من تعزية: وعند الله يحتسب ذلك الفقيد الشهيد. قمر فضل سار إلى سرارع، ووسطى عقد إخوان أخذ في انتثاره، ومصباح أمل عجل بانطفائه، وصباح جذل أسرع في انطوائه. فقبحا لدينا قصفته أنضر ما كان غصنا، وكسفته أقمر ما كان حسنا؛ وما كاد أن تستنبر لساريه مطالعة، وتمتد لراجيه مطامعه، حتى مدت إليه يد البدار، وكسفته عند الابدار. فاذا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 557 تصورت ما أتاه الدهر من اجترامه في اخترامه، وأذهبه باعتباطه من اغتباطه، وتأملت كيف التقمه الحمام، واختطفته الأيام، وصار مفقودا، كأن لم يكن مشهودا، ومنشودا كأن لم يكن موجودا، وجدت لذلك وجدا لا يسعه الصدار، ولا يقاومه الصبر، وأوارا لا تطويه أحتاء الضلوع، ولا تطفيه أحساء الدموع. فكأنا وقد صار حبل حياته إلى بتات، وسلك مؤاخاته إلى شتات [لم نستبق يوما في ميدتن الصبا، ولم تهب بنا جنوب وصبا، وكأن كل ذلك لما انقضى فمضى، خيال ألم ثم تولى، وغمام أظل ثم تجلى] . 25 - وفي فصل من فصل من أخرى: محار الفتى شيخوخة او منية ومرجوع وهاج المصابيح رمدد ألا إنما الدنيا دار كون وفساد، وسوق نفاق وكساد، والعمر بالإنسان مضطرب، والمرء موج مع الأيام منقلب، وإن للشبيبة صبوة، وللحداثة هفوة، وقصارى الطيش ركانة ووقار، وأول قرح الخيل المعار، ولم أر [146ب] كالشباب مطية للجهل، ولا كالمشيب فطنة للعقل: وان نهار المرء أهدى لرشده ... ولكن ظل الليل أندى وأبرد فإذا يكن الصبا حلية تروع، فإن الكبرة عطلة أو إمرة تروق: صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 558 26 - فصل: ها أنتم - أيدكم الله - قد أظلتكم الدولة الميمونة، ووافتكم الإمرة المأمونة، ولطالما وردتنا تسير بها الرفاق، فتطلعت إليها النفوس وامتدت الأعناق، وهذه كتائب النصر قد طلعت عليكم بشائر صباحها، واظلتكم قادمة جناحها، وإن من ناصبها فحاول ان يدفع في صدرها، ويقصر من تطاول عنانها عن شانها: كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل هيهات! توخى من الفلك ألا يستدير، وابتغى من الشمس ألا تستنبر، واعترض في مطلع الليل يأمل ألا يظل، ونصب راحته تلقاء الفجر يحاول ألا يطل. 27 - وله من كتاب جاوب به العدو: فتخيل حالك وقد أحاطت بك تلك الأجناد المتكاثفة، والأعداد المترادفة، بحر متلاطم موجه، بعيد ساحله، يرتمي من رعاله، وكراديس أبطاله، بموج لجي، قد نثلت عليه مضاعفة الأزباد، فيغشاك منه ما يعيد بحرك وشلا، وعزمك فشلا، ويعيد بأسك خورا، فلا تزال غريق تلك البحار، وحريق تلك النار، ولو صدقت في حال طيرك لأنبأتك أن جدك ناب، وحدك كاب، وأنك عما قريب قد جدلت ففللت، وأسلمت فاصطلمت، وكأني بك في القيد، ووثاق القد، قد خيرت بين اثنين: إما أن تسلم فتسلم، أو تشرك فتهلك، ولم يكن الله عز وجل ليهديك سبيل من تاب وأناب، فيجمع لك بين العيث في أمته، والمنقلب إلى رحمته. 28 - وفي فصل من أخرى: انه تأكد بالحاح العدو على فلانة ما لم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 559 تنفك معه من مغاره، واصطلاء ناره، واصطلاء ناره، مع تداني داره، واقتراب جواره، فما من غدو، إلا ومعه طلوع عدو، وما من رواح، إلا ومعه وقوع اجتياح، ولما علم اللعين من أخلاقها ما علم، دنا فتدلى، وكان قاب قوسين او ادنى. 29 - وله من أخرى: إن كان التنازح - أعزك الله - لم يمتد بيننا فيه يد للتصافح [147أ] إلا من الجوانح، ولا قام خطيب للقرب، إلا في نأي القلب، ولا نطق لسان الود، إلا دون ستر البعد، ولا لمع برق للاستطلاع، إلا في حجب السماع، فلا غرو أن يعرب ذلك النطق، ويستطير ذلك البرق، فقد تقوم البصيرة مقام البصر، وتكون الأمنية أحلى من الظفر، وما أتنسم دائبا من ثنائك العاطر، وأرتع فيه سمعي من صفة خلقك الظاهر الطاهر، قمين أن يكون للمداخلة سببا، وخليق أن يكشف عن وجه المراسلة حجبا. 30 - ومن أخرى: مثل الأمير - ممن المجد من أعداءه، والبأس من أجناده، والفهم من طلائعه، والحلم من طبائعه، والكرم من حلاه، والسؤدد من علاه، والعزم من خدمه، والحزم من شيمه، والإقدام والإكرام والإنعام من صفاته، والرياسة والنفاسة والسياسة من سماته، والفضل من أخلاقه، والشرف من أعراقه، والمحامد من أرديته، والنصر معقود بألويته - جدير أن تهز نحوه الآمال ذوائبها، وحقيق أن تعمل إليه الآمال ركائبها. ولما أقبلت - أيدك الله - كما ابتسم الصارم الذكر، وحللت كما وافى المحل المطر، نشأت لي همة بالكون في جنابك، وتحت ممطر سحابك، وأنا أرغب من فضله أن يزيد أوضاحي امتدادا، ويقدح من تنبيهي زنادا، بأن يخصني بصك كريم أحيي به معالم شرفي، وأباهي بمحاسنه فارط سلفي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 560 والتحف منه رداء العروس، وأشمل من تنويه حلى الطاووس. 31 - ومن أخرى: ومن أبقاه الله كارعا من القسم في حوض لا يخلل الزمان نميره، ولا يغدر الصفا غديره، راتعا من النعم في روض تساجل النجوم ازهاره، ويمج ندى السرور جثمانه وعراره؛ كتبه وودي صدق الصفا، نبعي القناة، لا يهزه مع تراخي العهد ريح انحراف، ولا يؤضه من الغض عض ثقاف؛ بعد أن وردني كتابك الأثير يذهل بنتائج طبعك الباهر، وينث بعرف نفسك العاهر، ويعجز ببديع نظامه فيؤنس، ويطمع بمطبوع كلامه فينفس، فما حديقة تفقأ فوقها القلع، وشكلت عليها الرياح الأربع، ديمة يصلصل الرعد في أرجائها، ويضحك البرق خلال بكائها، ألظت تندفها بأدمع مشوق، حتى كستها لبسة معشوق - 32 - فصل: يقاس المرء بالمرء ... إذا ما المرء ماشاه وفي الشيء من الشيء ... علامات وأشباه [147ب] ما انت والعترة الفلانية - إنما هم أجناس، كلهم أنجاس، إلا الشاذ فيهم، والنادر منهم، وقليل ما هم؛ وأما فلان منهم: فهو الخبيث عينه فراره ... أطلس يخفي شخصه غباره ... في شدقه شفرته وناره ما شب حتى سب، ولا نفث حتى رفث، ولا زر له جيب إلا على عيب، ولا نيطت به تميمة إلا على نميمة، فهو إذا حضر أذن وعي، وعين رعي، وبظهر الغيب إنسان ظنه، ولسان غيبة، لا يشتمل ثوبه إلا على شخص الجزء: 6 ¦ الصفحة: 561 نقص، وجسد حسد، لا يهدأ شره، ولا يطفأ شراره، ولا يغرنك لين أعطافه، ولدونه كلمته، فإن الحية لينة الملمس، لدنة المجس، فإن لحظته - عافاك الله - فلحظا شزرا، او جاذبته الحديث فقليلا نزرا، كما يمس بظهر الحية الفرق ... وانه ليحضر الندي فيحفظ ما يلفظ، ويلتقط ما يسقط، فهو كاتب الشمال، غير انه ان مرت به في صحيفة ذكرك حسنة سامها بشرا، أو عثر بسيئة كتبها عشرا، لا يعني إلا بعرض غرض، فاستعذ بالله من شيطانه، وتوق من موبقات أشطانه. وهذه أيضا جملة من شعرهفي اوصاف شتى له من قصيدة يمدح بعض أهل الدولة لنهوضه بما يعن من أوطاره: وأسري فأستصفي من السيف صاحبا ... وأركب من ظهر الدجنة أدهما وأصدع أحشاء الظلام بفتية ... تواكب منهم انجم الليل انجما اذعت بهم سر الصباح وإنما ... سررت بهم ليل السرى فتبسما وقد كتمتم أضلع البيد ضنة ... ولم يك سر المجد إلا ليكتما فبتنا وبحر الليل ملتطم بنا ... نرى العيس غرقى والكواكب عوما وقد وترت منها قسيا يد السرى ... وفوق منا فوقها المجد أسهما وهذا المعنى قد نبهنا عليه. [ومنها] : وما هاجني إلا تألق بارق ... لبست به برد الدجنة معلما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 562 تلوى هدوا يستطير كأنما ... أروع به في سدفة الليل أرقما فيا رب وضاح المحاسن أشقر ... رميت به الهيجا وقد فغرت فما [148أ] وبحر خديد قد تلاطم أخضر ... إذا عصفت ريح الجياد به طمى أبى عز نفس أن يجول فيجتلى ... وإشراف هاد أن ينال فيلجما جرى الحسن ماء فوقه غير أنه ... إذا ما جرى نار الغضا متضرما وأقصى مني الكف الخضيب لو أني ... وصلت بها ذاك المهند معصما ومن المدح أيضا: فبينا ترى رضوى وقار جزالة ... وهيبة إشراف وعزة محتمى [تبيت ترى الشعرى جلالة همة ... وبهجة أوضاع ورفعة منتمى] خلال كما مر الغمام بتلعة ... فطرز أثواب الربيع وسهما وقلد نحر الروض عقدا مفصلا ... وطوق جيد الغصن وشيا منمنما [ومنها] : وقد أفصحت أعطافه عن سيادة ... فشاهدت منه صامتا متكلما وطال رجال الحي طولا ونجدة ... فأسدى يد النعمى وذاد عن الحمى فلو وصلوا يوما كعوبا لأسمر ... لكان على حكم السيادة لهذما وله من أخرى: أوميض برق ما سرى لماع ... أم قلب صب قد هفا مرتاع جلد الدجى وهنا بأبيض صارم ... فاتت به كف له وذراع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 563 سايرته في حيث يحمل لأمتي ... أسد ويلوي معطفيه شجاع في ليلة للرعد فيها صرخة ... لا تستطاب وللحيا إيقاع خلعت على بها رداء غمامة ... ريح تهلهله هناك صناع والصبح قد صدع الظلام كأنه ... وجه وضىء شف عنه قناع فرفلت في سمل الدجى وكأنما ... قزع السحاب بجانبيه رقاع ودفعت في صدر الردى عن مطلب ... بيني وبين الدهر فيه قراع وقبضت ذيلي عن رعاية معشر ... عوج الطباع كأنهم أضلاع يرمون اعطافي بنظرة إحنة ... وقدت كما تذكي العيون سباع افرغت من كلمي على اكبادهم ... قطرا له أسماعهم أقماع [148] وله من أخرى: ومفازة لا ينجم في ظلمائها ... يسري ولا فلك بها دوار تتلهب الشعرى بها فكأنها ... في كف زنجي الدجى دينار ترمي بي الغيطان فيها والربى ... دولا كما يتموج التيار والقطب ملتزم لمركزه بها ... فكأنه في ساحة مسمار قد لفني فيها الظلام وطاف بي ... ذئب يلم مع الدجى زوار طراق ساحات الديار مغاور ... ختال ابناء السرى غدار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 564 يسري وقد نضح الندى وجه الصبا في فروة قد مسها اقشعرار فعشوت في ظلماء لم يقدح بها إلا لمقلته وبأسي نار ورفلت في خلع علي من الدجى عقدت لها من انجم ازرار والليل يقصر خطوه ولربما طالت ليالي الركب وهي قصار قد شاب من طوق المجرة مفرق فيها ومن خط الهلال عذار وكان له صديق قد نشأ معه، فكانا بحيث لا يريان ينفصلان، كأنهما الدهر فرقدان، فاخترمه الأجل إثر وفاة جملة من الإخوان، فقال يتفجع ويتوجع: شراب الأماني لو علمت سراب وعتى الليالي لو فهمت عتاب وهل مهجة الإنسان إلا طريدة تحوم عليها للحمام عقاب تخب بها من كل يوم وليلة مطايا إلى دار البلى وركاب وكيف يغيض الدمع أو يبرد الحشا وقد باد اقران وفات شباب اقلب طرفي لا أرى غير ليلة وقد حط عن وجه الصباح نقاب كأني وقد طار الصباح حمامة يمد جناحيه علي غراب [ومنها] : دعا منهم داعي الردى فكأنما تبارت بهم خيل هناك عراب فها هم وسلم الدهر حرب كأنما جثا بهم طعن له وضراب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 565 هجود ولا غير التراب حشية لجنب ولا غير القبور قباب [149أ] فلست بناسي صاحب من ربيعة اذا نسيت رسم الوفاء صحاب ومما شجاني أن قضى حتف أنفه وما اندق رمح دونه وذباب وأنا تجارينا ثلاثين حقبة ففات سباقا والحمام قصاب كأن لم نبت في منزل القصف ليلة نجيب به داعي الصبا ونجاب إذا قام منا قائم هز عطفه شباب أرقناه بها وشراب ولما تراءت للمشيب بريقة وأقشع من ظل الشباب سحاب نهضنا بأعباء الليالي جزالة وأرست بنا في النائبات هضاب فيا ظاعنا قد حط من ساحة البلى بمنزل بين ليس عنه مآب كفى حزنا أن لم يرني على النوى رسول ولم ينفذ إليك كتاب وأني إذا يممت قبرك زائرا وقفت ودوني للتراب حجاب ولو أن حيا كان حاور ميتا لطال كلام بيننا وخطاب واعرب عما عنده من جلية فأقلع عن شمس هناك ضباب وله من أخرى في قاضي القضاة أبي أمية بن عصام: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 566 وأخضر عجاج تدرجه الصبا فتتهم فيه العين طورا وتنجد كأن فؤادا بين جنبيه راجفا يقوم به نأي الديار ويقعد سأركب منه ظهر أدهم ريض مروع بسوط الريح يجري فيزيد وأمضي فإما بيت نفس كريمة يهد وإما بيت عز يشيد نبهه على هذا المعنى امرؤ القيس بقوله: [" نحاول ملكا أو نموت فنعذرا "؛ ومن مدح هذه القصيدة] : فلا يغرر بالحلم قوم فربما تصدع عن سقط من النار جلمد ولا يكفروا نعمى الغمام فربما تدلت عليهم صعقة تتوقد فقصر أناة الحلم عضة سطوة تقيم صغا تلك القنا وتسدد فمن دهش يدني خطاه كأنه وقد هاله وطء البساط مقيد ومن لاثم أرض الخضوع كأنه سجودا عليها للمهابة هدهد [149ب] ومنها: أما صراط بين عينيه للهدى لقد شاد أركان العلا منه سيد [وألف أشتات الفضائل أروع وقام بأعباء المكارم أيد] ودار به في مقلة المجد ناظر وأشرف في حلي المساعي مقلد وسار مسير النجم هديا ورفعة فغار به رأي وأنجد سؤدد تدير المعالي كلما خط رقعة عيونا لها من حالك النقس إثمد تبرع لم يلجأ إلى الوعد ضنة وعاقب لم يقعده ضعف فيوعد له شيمة تندى فتشفي من الصدى وتنقع أحشاء الهجير فيبرد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 567 فمن حرنيل قد أفاضته همة فساح به في رأس ثهلان مورد وقول له مقعد الحكم حكمة يحل بها في الله طورا ويعقد وحلم له دون الديانة سورة تقيم على جمر العقاب وتقعد [وما السيف لولا الخوف إلا حديدة وما الرمح إلا خوطة تتأود] وقال: وكمامة حدر الصباح قناعها عن صفحة تندى من الأزهار في أبطح رضعت ثغور أقاحه أخلاف كل غمامة مدرار نثرت بحجر الروض فيه يد الصبا درر الندى ودراهم النوار وقد ارتدى غصن النقا وتقلدت حلي الحباب سوالف الأنهار فحللت حيث الماء صفحة ضاحك جذل وحيث الشط بدء عذار والريح تنفض بكرة لمم الربى والطل ينضح اوجه الأشجار متقسم الألحاظ بين محاسن من ردف رابية وخضر قرار وأراكة سجع الهديل بفرعها والصبح يسفر عن جبين نهار هزت له أعطافها ولربما خلعت عليه ملاءة النوار وقال في فتى نبيل حسن الصورة والصوت [يستعين به في أمر طواه لعله] : فقبلت رسم الدار حبا لأهلها ومن لم يجد ماء سعى فتيمما وحنت قلوصي والهوى يبعث الهوى فلم أر في تيماء إلا متيما فها انا والظلماء والعيس صحبة ترامى بنا أيدي النوى كل مرتمى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 568 أراعي نجوم الليل حبا لبدره ولست كما ظن الخلي منجما [150أ] منها: ترى يوسفا في ثوبه حسن صورة وتسمع داودا به مترنما تقلد منه عاتق الملك مرهفا إذا ما نبا العضب المهند صمما ومنها في التعريض بأمر طواه: ورب معمى قد تعاطيت فكه فأرقني حتى الصباح وهوما أقلب منه ناظري في غيابة لو اعترضت دون الصباح لأظلما ولو مثلت تحت العجاجة ثغرة لأطرت فيها السمهري المقوما هززت لها عطف الوزير وإنما هززت على هاد حساما مصمما وغير بعيد أن أنال بك السها سموا إذا كان اعتناؤك سلما وها أنا إن تمرض بأرضك حاجة فقد جئت ألقى منك عيسى بن مريما وله من أخرى: سقيا ليوم قد أنخت بسرحة ريا تلاعبها الرياح فتلعب سكرى يغنيها الحمام فتنثني طربا ويسقيها الغمام فتشرب نلهو فترفع للشبيبة راية فيه ويطلع للبهارة كوكب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 569 والروض وجه أزهر والظل فر ع أسود والماء ثغر أشنب في حيث أطربنا الحمام عشية فشدا يغنينا الحمام المطرب واهتز عطف الغصن من طرب بنا وافتر عن ثغر الهلال المغرب فكأنه والحسن مقترن به طوق على برد الغمامة مذهب في فتية تسري فينصدع الدجى عنها وتنزل بالجديب فيخصف كرموا فلا غيث السماحة مخلف يوما ولا برق اللطافة خلب من كل أزهر للنعيم بوجهه ماء يرقوقه الشباب فيسكب وله من أخرى يندب الشباب، ويتوجع لوفاة الإخوان والأتراب: ألا عرس الأخوان في ساحة البلى وما رفعوا غير القبور قبابا فدمع كما سح الغمام ولوعة كما ضربت ريح الشمال شهابا [150ب] إذا استوقفني في الديار عشية تلددت فيها جيئة وذهابا أكر بطرفي في معاهد فتية ثكلتهم بيض الوجوه شبابا فطال وقوفي بين وجد وزفرة أنادي رسوما لا تحير جوابا وأمحو جميل الصبر طورا بعبرة أخط بها في صفحتي كتابا [وقد درست أجسامهم وديارهم فلم أر إلا أقبرا ويبابا وحسبي شجوا أن أرى الدار بلقعا خلاء وأشلاء الصديق ترابا] [ومن شعره في الغزل وما يتعلق به] وأغيد أهدى نرجسا من محاجر وثنى فأتلى سوسنا من سوالف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 570 تطلع مثل الرمح بسطة قامة وفتكة ألحاظ ولين معاطف وقد ماج من عطفيه ماء شبيبة تعب ولا أمواج غير الروادف فقبل طرفي في محياه مبتسما شنيبا ومن صدغيه لعس مراشف وقال: ما للعذار وكان وجهك قبلة قد خط فيه من الدجى محرابا فإذا الشباب وكان ليس بخاشع قد خر فيه راكعا وأنابا فكأن وجهك وهو يخبو نوره لم تلتمح منه العيون شهابا ولقد علمت بكون ثغرك بارقا أن سوف يزجي للعذار سحابا وأقاحة غازلتها نفاحة في فرع إسحلة تميد شبابا وضحت سوالف جيدها سوسانة وتوردت أطرافها عنابا بيضاء فاض الحسن ماء فوقها وطفا بها الدر النفيس حبابا غازلتها ليلا وقد طلعت به شمسا وقد رق الشراب شرابا وترنمت حتى سمعت حمامة حتى إذا حسرت زجرت غرابا بين النجوم قلادة تحت الظلا م غمامة خلف الصباح نقابا] وله من أخرى يصف متنزها: يا رب وضاح الجبين كأنما رسم العذار بصفحتيه كتاب تغرى بطلعته العيون ملاحة وتبيت تعشق عقلة الألباب خلعت عليه من الصباح غلالة تندى ومن شفق المساء نقاب فكرعت من ماء الصبا في منهل قد شف عنه من القميص سراب في حيث للريح الرخاء تنفس أرج وللماء الفرات عباب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 571 [ومنها] : ولرب غض الجسم مر يخوضه سبحا كما شق السماء شهاب ولقد أنخت بشاطئيه يهزني طربا شباب راقي وشراب وعبرت دجلته يضاحكني بها فرحا حبيب شاقني وحباب تجلى من الدنيا عروس بيننا حسناء ترشف والمدام رضاب ثم ارتحلت وللنهار ذؤابة شيباء تخضب والظلام خضاب تلوي معاطفي الصبابة والصبا والليل دون الكاشحين حجاب وقال: مر بنا وهو بدر تم يسحب من ذيله سحابا [قد سال في صفيحته ماء يعود من خجلة شرابا] بقامة تثني قضيبا وغرة تلتظي شهابا [كأنه موجة تهادى تلبس من وشية حبابا] تقرأ والليل مدلهم لنور أخلاقه كتابا ورب ليل سهرت فيه أزجر من جنحه غرابا حتى اذا الليل مال سكرا وشق سرباله وجابا وحام من سدفة غراب طالت به سنة فشابا ازددت من لوعتي خبالا فجئت من غلتي سرابا [151أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 572 قد شب في وجهه شعاع وشب عن قلبي التهابا [فنلت من نعمة شقاء وذقت من رحمة عذابا] وما خطا قادما فوافى حتى انثى ناكضا فآبا وبين جفني بحر شوق يعب في وجني عبابا وروضة طلقة جنيبا غناء مخضرة جنابا ينجاب عن نورها كمام تنحط عن وجهه نقابا بات بها مبسم الأقاحي يرشف من طلها رضابا ومن خفوق البروق فيها ألوية حمرت خضابا كأنها أنمل وراد تحصر قطر الحيا حسابا هذا أحسن من قول التميمي: كأن تألقه في السما يدا حاسب او يدا كاتب وقوله: " يرشف من طلها رضابا " كقول أبي محمد الصقلي: من قبل أن ترشف شمس الضحى ريق الغوادي من ثغور الأقاح وله من أخرى: يا رب بدر زارني منه الهلال وقد تلثم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 573 فرشت فاه اللثا م أظنه كأسا تفدم وكأنه در تحلل في شعاع قد تجسم وشت الملاحة وجهه وجرى العذار به فأعلم فقرأت سطر زمرد فيه بمسك الخال معجم وكأن جوهر لفظه نظم بفيه إذا تبسم وكأن لؤلؤ ثغره نثر بفيه إذا تكلم بيتاه الأولان منها أخذهما من قول الرضي لفضا بلفظ ومعنى بمعنى: ولما وقفنا بالسراة غدية وقوفا لتوديع ورد سلام تلثم مرتابا بفضل ردائه فقلت هلال بعد بدر تمام وقبلته فوق اللثام فقال لي هي الخمر إلا أنها بفدام وقال: يا بانة تهتز فينانة وروضة تنفح معطارا كم دمع عين بك أجريت وقلب صب فيك قد طارا لله أعطافك من خوطة وحبذا نورك نوارا علقت طرفا فاتنا فاترا فيك وغرا منك غرارا ونابلا مستوطنا بابلا نفاث لحظ العين سخارا كنى فسمى قوسه حاجبا رمزا وسمى النبل أشفارا إذا رنا يجرحني طرفه لحظته أجرحه ثارا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 574 فيصبغ الدر عقيقا به وأصبغ النوار أزهارا [في خدة من بدع الحسن ما يقيم للعشاق أعذارا] ينشر من صفحته رقعة ويدمج الاصداغ أسطارا من يلق من لاعج وجد به ريحا فقد لاقيت إعصارا يدير للاعين من وجهه كعبة حسن حيثما دارا فلي به عين مجوسية تعبد من وجنته نارا [قد طبع الحسن به درهما تسبك منه العين دينارا] [كأنما قد خط بالمسك في خديه للعذال أعذارا] وهذا كقول محمد بن هاني: صفة تزيد بعضها في بعضها حتى غدا التوريد فيها مذهبا وقال عبد الجليل المرسي: [151ب] بقلب كحرباء الظهيرة [ترتمي] إلى الشمس من ذاك الشعاع تدور وقال ابن خفاجة: رحلت عنكم ولي فؤاد تنقض أضلاعه حنينا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 575 اجود فيكم بعلق دمع كنت به قبلكم ضنينا يثور في وجني جيشا وكان في جفنه كمينا كأنني بعدكم شمال قد فارقت منكم يمينا وهذا البيت من قول ابن المعتز، ولكنه محا بشره، وأبطل سحره، وأنشد البيتين ليحسن حالهما، ويروق اتصالهما: أقيم وترحل ذا لا يكون لئن صخ هذا ستدمى عيون وإني وإياك مثل اليدين ولكن لك الفضل أنت اليمين وقال: وليلة طلقة قضتني من موعد باللقاء دينا بتنا نجر الذيول فيها والخمر تمشي بنا الهوينا [يدير أجفان مستميت ويوسع كل الأنام حينا] كالسيف تلقى الغرار عضبا يمضي وتلقى المجس لينا ارسل في روض وجنتيه لحظة عين تفيض عينا كأنما اللحظ كيمياء تذهب من وجهه لجينا وما توهمت ان طرفا يقلب عين اللجين عينا وقال يستقصر بعض إخوانه وقد كلفه حاجة فمطله بقضائها: أأدعو فلا تلوي وأنت قريب وأشكو فلا تشكي وأنت طبيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 576 وما كنت أخشى أن أراني ضاحيا وأثلك مطلول الفروع رطيب وهل يستجيز المجد أن أشتكي الصدى وأنت رشاء محصد وقليب وكيف بمطلوبي إذا شطت النوى وقد صم من قرب فليس يجيب فهل شيب من تلك المصافاة مشرع وهيل على ذاك الإخاء كثيب سلام على عهد الوفاء مودعا سلام فراق ما أقام عسيب سلام له فوق المحاجر بلة وطورا باحناء الضلوع لهيب وقد كان يسري والتنائف بيننا فتندى به ريح وينفح طيب وتفتر من بشر هنالك زهرة ويهفو له من معطفي قضيب [152أ] وقال يتغزل في أمة صفراء تسمى عفراء: ارقت لذكرى منزل شط نازح كلفت بأنفاس الشمال له شما فقلت لبرق يصدع الليل لائح ألا حي عني ذلك الربع والرسما وبلغ قطين الدار أني أحبهم على الناي حبا لو جزوني به جما وأقرىء عفيراء السلام وقل لهما ألا هل أرى ذاك السها قمرا تما وهل يتثنى ذلك الغصن نضرة بجرعا وهل ألوي معاطفه ضما ومن لي بذاك الخشف من متقنص فآكله عضا وأشربه لثما ودون الصبا إحدى وخمسون حجة كأني وقد ولت أريت بها حلما فيا ليت طير السعد يسنح بالمنى فاحظى بها سهما وأبأى بها قسما ويا ليتي كنت ابن عشر وأربع فلم أدعها بنتا ولم تدعني عما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 577 وقال في لزوم ما لا يلزم: ونشوان غنته حمامة أيكة على حين طرف النجم قد هم أن يكرى فهب وريح الفجر عاطرة الجنى لطيفة مس البرد طيبة المسرى وطاف بها والليل قد رث برده وللصبح في أخرى الدجى منكب يعرى ويصغى إلى لجن فصيح يهزه كما هز نشر الريح ريحانة سكرى تهش إليه النفس حتى كأنه على كبد نعمى وفي أذن بشرى ومن شعره في أوصاف شتى يا مادح البحر وهو يجهله مهلا فإني خبرته علما فائدة مثل قعره بعدا ورزقه مثل ما به طعما وقال: لئن كنا ركبناها ضلالا فيا لله إنا تائبونا فأخرجنا على المرغوب منها فإن عدنا فإنا ظالمونا وقال: كم تملأ العين من قذاها وتشتكي النفس من أذاها بحر ونوء وطول هم ثلاثة أطبقت دجاها [152ب] فلو يد المرء وهي منه أخراجها لم يكد يراها وقال في وصف عارض برد: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 578 ألا مسخ الله القطار حجارة تطوب علينا والغمام غموما وكانت سماء الله لا تمطر الحصى ليالي كنا لا نطيش حلوما فلما تحولنا عفاريت شرة تحول شؤوب الغمام رجوما وقال من قصيدة: هل انت ذاكر عيشة سلفت نلذ بها وننعم ايام عقد الشمل منتظم وحبل الوصل مبرم ما بين غصن نضارة أنق وبدر ملاحة تم يغدو وكافور الجبين ند ومسك الشعر أسحم [إن لم يكن آس العذار بدا بروضته فقد هم] طفنا بكعبة فتنة منه لنا من فيه زمزم وإليكها أحجية رمز القريض بها فجمجم ما سافح العبرات لم يحزن ونضو لم يقمم يفري ولا يدري ويعلم بالأمور وليس يعلم تلقى سنان ربيعة من صدره ولسان أكثم إن طار بارقه دجا وجه الصباح به وغنيم ويمشي ولا قدم تقل وما مشى إلا تكلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 579 وتراه سادس خمسة ... يفصحن قولا وهو أبكم في حيث لا أذن تعي ... قولا ولا هو فاغر فم ومن أجود ما قيل في صفة القلم قول أبي تمام: فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو نازل إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل أطاعته أطراف القنا وتقوضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل وقد رفدته الحنصران وسددت ... ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنى وسمينا خطبه وهو ناحل وقال ابن المعتز [فيه] : ولطيف المعنى جليل نحيف ... وكبير الأفعال وهو صغير كم منايا وكم حتف ... وعيش تضم تلك السطور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 580 وقال ابن الرومي [153أ] : لعمرك ما السيف سيف الكم ... ي بأخوف من قلم الكاتب له شاهد ان تأملته ... ظهرت على سره الغائب أداة المنية في جانبيه ... فمن مثله رهبة الراهب سنان المنية في جانب ... وحد المنية في جانب وقال محمد بن احمد الاصبهاني: أخرس ينبيك بإطراقه ... عن كل ما شئت من الأمر يذري على قرطاسه دمعة ... يبدي بها السر وما يدري كعاشق أخفى هواه وقد ... نمت عليه دمعة تجري تبصره في كل أحواله ... عريان يكسو الناس أو يعري يرى أسيرا في دواة وقد ... أطلق أقواما من الأسر وقال احمد بن جدار: أهيف ممشوق بتحريكه ... يحل عقد السر إعلان له لسان مرهف حده ... من ريقه الكرسف عريان ترى بعين الفكر في نظمه ... شخصا له حد وجثمان كأنما يسحب في إثره ... ذيلا من الحكمة سحبان لولا ما قام منار الهدى ... ولا سما بالملك ديوان حدث أبو عمر محمد بن عبد الواحد [الزاهد] قال: كنت جالسا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 581 في مجلس ثعلب إذا وقف عليه غلام بدوي فقال: أسألك أيها الشيخ - قال: قل، فقال: وعريان من حلة مكتس يميس من الوشي في يلمق فأطرق ثعلب، فقال الغلام: يغوص في البحر مستأنسا فلم ير بؤسا ولم يغرق فقال ثعلب: [هذا سرطان، فقال الغلام: يلوح للشمس وسط الهجير فما لوحته ولم يعرق فقال ثعلب] : هذا شيطان، فقال الغلام: إذا أنت مشيته في الركوب أتاك عجولا ولم يعنق فقال ثعلب: هذا فرس، فقال الغلام: أقام بغربي غور العراق ينهى ويأمر بالمشرق فأمسك ثعلب، فقال الغلام: يسوق إلى المطبق الناكثين ومثواه في خندق المطبق فقال ثعلب: هذا قلم، وما سمعنا في صفته بأحسن من هذا [153ب] [وقال ابن خفاجة ملغزا: وخطيب قوم قام يخطب فيهم أبدا مع الإصباح والإمساء حملت عليه تنال منه لئيمة فأجابها عنه أخو الخنساء] وقال أيضا ملغزا: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 582 يا راكضا في شوط كل فضيلة أعيا ترسله الرياح لحاقا متيقضا تندى حواشي لفظه سلسا ويلفح فهمه إخراقا ما حامل خطط المهانة خامل ما قام في علياء ينقل ساقا متعذب ما زال يضرب يومه كدا ويحنق ليله إخناقا ولربما نحل الأعزة نخوة وكساهم حلل العلا أطواقا ما إن يسير مع الصباح لشأنه حتى يشد إلى النفوذ نطاقا وقال: وأقب وردي القميص بمثله خيض الظلام وريعت الظلمان يمشي العرضنة في الطريق كأنه أومى لجذب عنانه نشوان فبدا وقد ملا النفوس مسرة وجرى فما ملئت به الأجفان متخطف ما شاءه متعطف فكأنما هو في العيان عنان ولرب يوم كريهة قد خاضه سبحا وبيض سيوفه غدران ومن الحميم بذفرتيه فضة ومن النجيع بصدره عقيان والشهب شهب والعجاجة سدفة [والشقر] جمر والقتام دخان والحرب روض فيه من خرصانها زهر ومن سمر القنا أغصان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 583 ركبوا الجياد إلى الجلاد وأوجفوا حتى كأن وجيفهم طيران فكأنهم من فوقها أسد الشرى وكأنها من تحتهم عقبان وقال كفى حزنا أن الديار قصية فلا زور إلا أن يكون خيالا ولا رسل إلا الرياح عشية تكر جنوبا بيننا وشمالا فأستودع الريح الشمال تحية وأستنشق الريح الجنوب سؤالا وحسبي شجونا ان لي فيك أضلعا حرارا وأردانا عليك خضالا وطرفا قريحا صام فيك عن الكرى ولا فطر إلا أن تلوح هلالا وما الدهر إلا صفحة بك طلقة لثمت بها من ليل وصلك خالا [154أ] [فما أنسه لاأنس ليلا على الحمى وقد راق أوضاحا ورق جمالا] وزار به نجم السرى قمر الدجى فباتا بحال الفرقدين وصالا إذا ما هداني فيه بارق مبسم أجن دجى فرع فحرت ضلالا ولي نظرة يرتد فيك صبابة وقد فاض ماء الشوق فيه وجالا فجاد الحمى غاد من المزن رائح تهاداه أعناق الرياح كلالا وسارية دهماء جاد بها السرى فشب لها البرق المنير ذبالا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 584 [فلله ما أشجى الحمامة غدوة هناك وما أندى الأراك ظلالا] وقد جاذبت ريح الصبا غصن النقا فماد على ردف الكثيب ومالا وأيقظ برد الصبح جفن عرارة ترقرق دمع الطل فيه فسادلا وقال أيضا: فيا لشجا صدر من الصبر فارغ ويا لقذى طرف من الدمع ملآن ونفس إلى جو الكنيسة صبة وقلب إلى أفق الجزيرة حنان تعرضت من وراها بآه ومن هوى بهون ومن إخوان صدق نجوان وما كل بيضاء تروق بشحمة ولا كل مرعى ترتعيه بسعدان فيا ليت شعري هل لدهري عطفة فتجمع أوطاري علي اوطاني ميادين أوطاري ومعهد لذتي ومنشأ تهيامي وملعب غزلاني كأن لم يصلني فيه ظني يقوم لي لماه وصدغاه براح وريحان فسقيا لواديهم وإن كنت إنما أبيت لذكراه بغلة ظمآن وكم يوم لهو قد أردنا بأفقه نجوم كؤؤس بين أقمار ندمان وللقضب والأطيار ملهى بجزعه فما شئت من رقص على رجع ألحان ومنها: بالخضرة الغراء غر علقته فأحببت حبا فيه قضبان نعمان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 585 رقيق الحواشي في محاسن وجهه ومنطقه مسلى قلوب وآذان أغار لخديه على الورد كلما بدا ولعطفيه على غصن البان وهبني أجني ورد خد بناظري فمن أين لي منه بتفاح لبنان يعللني منه بموعد رشفة خيال له يغري بمطل وليان حبيب عليه لجة من صواريم علاها حباب من أسنة مران [154ب] تراءت لنا في مثل صورة يوسف تراءت لنا في مثل ملك سليمان طوى برده منه صحيفة فتنة قرأنا لها من وجهه لها سطر عنوان محبته ديني ومثواه كعبتي ورؤيته حجي وذكراه قرآني وله من أخرى في الاعتبار: وعيشك ما ادري أهوج الجنائب نخب برحلي أم ظهور النجائب فما لحت في أولى المشارق كوكبا فأشرقت حتى جبت أخرى المغارب وحيدا تهاداني الفيافي فأجتلي وجوه المنايا في قناع الغياهب ولا جار إلا من حسام مصمم ولا دار إلا في قتود الركائب ولا أنس إلا أن أضاحك ساعة ثغور الأماني في وجوه المطالب بليل إذا ما قلت قد باد فانقضى تكشف عن وعد من الظن كاذب سحبت الدياجي فيه سود ذوائب لأعتنق الآمال بيض ترائب فمزقت جيب الليل عن شخص اطلس تطلع وضاح المضاحك قاطب رأيت به قطعا من الفجر أغبشا تأمل عن نجم توقد ثاقب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 586 وأرعن طماح الذؤابة باذخ يطال أعنان السماء بغارب يسد مهب الريه عن كل وجهة ويزحم ليلا شهبه بالمناكب وقور على ظهر الفلاة كأنه طوال الليالي مطرق في العواقب يلوث عليه الغيم سود عمائم لها من وميض البرق حمر ذوائب أصخت إليه وهو أخرس صامت فحدثني ليل السرى بالعجائب وقال ألا كم كنت ملجأ فاتك وموطن أواه تبتل تائب وكم مر بي من مدلج ومؤؤب وقال بظلي من مطي وراكب ولا طم من نكب الرياح معاطفي وزاحم من خضر البحار جوانبي وكم سفرت لي من شموس وأقمر وباتت تراءى من عيون كواكب فما كان إلا أن طوتهم يد الردى وطارت بهم ريح النوى والنوائب [155أ] فما خفق أيكي غير رجفة أضلع ولا نوح ورقي غير صرخة نادب وما غيض السلوان دمعي وإنما نزفت دموعي في فراق الأصحاب فحتى متى أبقى ويظعن صاحب أودع منه راحلا غير آيب وحتى متى ارعى الكواكب ساهرا فمن طالع أخرى الليالي وغارب فرحماك يا مولاي دعوة ضارع يمد إلى نعماك راحة راغب فأسمعني من وعظه كل عبرة يترجمها عنه لسان التجارب فسلى بما أبكى وسرى بما شجا وكان على ليل السرى خير صاحب وقلت وقد نكبت عنه لطية سلام فإنا من مقيم وذاهب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 587 وقال في إهداء نهر بهيم أدهم: تقبل المهر من أخي ثقة أرسل ريحا به إلى مطر مشتملا بالظلام من شية لم يشتمل ليلها على سحر منتسبا لونه وغرته الى سواد الفؤاد والبصر تحسبه من علاك مسترقا بهجة مرأى وحسن مختبر حن إلى راحة تفيض ندى فمال ظل به على نهر ترى به والنشاط يلهبه ما شئت من فحمة ومن شرر أحمى من النجم يوم معركة ظهرا وأجرى به من القدر اسود وابيض فغله كرما فالتفت الحسن منه عن حور كأنه والنفوس تعشقه مركب من محاسن الصور فازدد سنا بهجة بدهمته فالليل أذكى لغرة القمر ومثل شكري على تقبله يجمع بين النسيم والزهر وقال أيضا من أخرى: وليل تعاطينا المدام وبيننا حديث كما هب النسيم عن الورد نعاوده والكأس تعبق نفحة وأطيب منها ما نعيد وما نبدي ونلقي أقاح الثغر أو سوسن الطلى ونرجسة الأجفان أو وردة الخد إلى أن سرت في جسمه الكأس والكرى ومالا بعطفيه فمال على عضدي فأقبلت أستهدي لما أضلعي من الحر ما بين الثنايا من البرد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 588 وعانقته قد سل من وشي برده فعانقت منه السيف سل من الغمد ليان مجس واستقامة قامة وهزة أعطاف ورونق إفرند [155ب] أغازل منه الغصن في مغرس النقا وألثم وجه الشمس في مطلع السعد فإن لم يكنها أو تكنه فإنه أخوها كما قد الشراك من الجلد تسافر كلتا راحتي بجسمه فطورا إلى خصر وطورا إلى نهد فتهبط من كشحيه كف تهامة وتصعد من نهديه أخرى إلى نجد وإني وقد فارقته لمقبل مواقع هاتيك السوالف من زندي وقال: ورداء ليل بات في معانقي طيف ألم لظبية الوعساء فجمعت بين رضابه وشرابه وشربت من ريق ومن صهباء ولثمت في ظلماء ليلة وفرة شفقا هناك لوجنة حمراء [ثم استمر كلمحة من بارق او نظرة من مقلة حوراء] والليل مشمط الذؤابة كبرة خرف يدب على عصا الجوزاء ثم انثى والصبح يسحب فرعه ويجر من طرب فضول رداء تندى بفيه أقحوانة أجرع قد غازلتها الشمس غب سماء وتميس في أثوابه ريحانة كرعت على ظمأ بجدول ماء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 589 نفاحة الأنفاس إلا أنها حذر النوى خفاقة الأفياء فلويت معطفها اعتناقا حسبها فيه بقطر الدمع من أنداء وله جواب عن شعر تضمن صفة عنب؛ قال: اما وابتسام النقع عن صفحة النصل ورجع صليل السيف من منطق فصل لقد طلت أعناق الهضاب جلالة وحزنت بميدان العلا قصب الخصل وأرهفت من حر القريض مهندا يسيل على إفرنده رونق الصقل [وأبدعت في تقريض أي قلادة يشد بها الحر الكريم يد البخل] رضعنا لها أم المدام عشية ويا عجبا ما للرضاعة والكهل وأسود معسول المجاج لو انه لمى شفة لم أرو يوما من القبل حكى ليلة الهجر اسودادا وإنه لأشهى وأندى من جنى ليلة الوصل فلله طود للجزالة راسخ على الجد يهتز ارتياحا إلى هزل ينيل على العلات بيض مكارم تريك الجبال الشم في عدد الرمل ويطل منهل الندى متهللا [طلوع وميض البرق فيالبلد المحل] [ويمضي إذا كع الشجاع مهابة] مضي لسان النار في الحطب الجزل [156أ] وله من أخرى يشفع لأحد إخوانه عند قاضي الجماعة ابن حمدين: جرر ملاءة كل يوم شامس واسحب ذؤابة كل ليل دامس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 590 واطلع بكل فلاة أرض غرة غراء في وجه الظلام العابس وانزل بها ضيفا لليث خادر يقريك أو جارا لظبي كانس وإذا طعمت فمن قنيص فلذة وإذا شربت فمن غمام راجس والريح تلوي عطف كل أراكة لي السرى وهنا لعطف الناعس وسل الغنى من ظهر طرف أشقر يطأ القتيل وصدر رمح داعس وازحم بذاتك شدق ليث ضاغم طلب الثراء وناب صل ناهس وارغب بنفسك عن مقامة فاضل قد قام يمثل في خصاصة بائس فالحر مفتقر إلى عز الغنى فقر الحسام إلى يمين الفارس وإذا عثرت ولا عثرت بحادث فركبت منه ظهر صعب شامس فافرع إلى قاضي الجماعة رهبة تضع العنان بخير راحة سائس واستسق منه إن ظمئت غمامة يخضر عنها كل عود يابس وإذا رويت بماء ذاك المجتلى فحذار من ألهوب ذاك الهاجس من آل حمدين الأولى حليت بهم قدما صدور كتائب ومدارس من أسرة نشأوا غمائم أزمة ولربما طلعوا بدور حنادس متطلعين إلى الحروب كأنما يتطلعون بها وجوه عرائس أجروا بميدان المكارم والعلا فكأنما ركبوا ظهور روامس وجنوا ثمار النصر من غرس القنا بأ كفهم ولنعم غرس الغارس فهم لباب المجد تجدة انفس وذكاء ألباب وطيب مغارس وهم رياض الحزن نضرة اوجه وجمال آداب وحسن مجالس [ومنها] : سلس الكلام على السماع كأنه سنة ترقرق بين جفني ناعس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 591 ما إن يماز من الشهاب طلاقة حتى تمد إليه كف القابس [156ب] ترك الأعادي بين طرف خاشع ولا يستقل وبين رأس ناكس وذكاء فهم لو تمثل صارما لم يأتمن ظبتيه عاتق فارس وبراعة سكنت لسان يراعة حكم البيان لها بحكمة فارس ومقام حكم عادل لا يزدري فيه المعلى حظوة بالنافس ومجال حرب جر فيه لأمة قد قام منها في غدير جامس يطأ العدى ما بين نصل ضاحك تحت العجاج ووجه طرف عابس في حيث يلعب بالقناة شهامة لعب النعامى بالقضيب المائس فانهض أبا عبد الإله بآمل قد جاب دونك كل خرق طامس عاج الرجاء على علاك به فلم يعج المطي برسم ربع دارس فاشفع لمغترب رجاك على النوى يمدد إلى الخضراء راحة لامس وامدد إليه بكف جد قائم تجذب به من ضبع جد [جالس] فلرب يوم قد زففت به المنى ومحوت فيه سواد ظن البائس وقال في اخرى يمدح الأمير أبا يحيى بن ابراهيم: سمح الخيال على النوى بمزار والصبح يمسح عن جبين نهار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 592 فرفعت من ناري لضيف طارق يعشو إليها من خيال طار ركب الدجى أخشن بها من مركب وطوى السرى أحسن به من سار وأناخ حيث دموع عيني منهل يروي وحيث حشاي موقد نار وسقى فأروى غلة من ناهل أورى بجانحتيه زند اوار يلوي الضلوع من الولوع لخطرة من شيم برق أو شميم عرار والليل قد نضح الندى سرباله فانهل دمع الطل فوق صدار مترقب رسل الرياح عشية بمساقط الأنواء والأنوار ومجر ذيل غمامة لبست به وشي الحباب معاطف الأنهار خفقت ظلال الأيك فيه ذوائبا وارتج ردفا مائج التيار [157أ] ولوى القضيب هناك جيدا أتلعا قد قبلته مباسم النوار باكرته والغيم قطعة عنبر مشبوبة والبرق لفحة نار والريح تلطم فيه أرداف الربى لعبا وتلثم أوجه الأزهار ومنابر الأشجار قد قامت بها خطباء مفصحة من الأطيار في فتية جنبوا العجاجة ليلة ولربما سفروا عن الأقمار ثار القتام بهم دخانا وارتمى زند الحفيظة منهم بشرار شاهدت من هماتهم وهباتهم إشراف أطواد وفيض بحار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 593 من كل منتقب بوردة خجلة كرما ومشتمل بثوب وقار في عمة خلعت عليه للمة وذؤابة قرنت بها لعذار ضافي رداء المجد طماح العلا طامي عباب الجود رحب الدار جرار أذيال المعالي والقنا حامي الحقيقة والحمى والجار طرد القنيص بكل قيد طريدة زجل الجناح مورد الأظفار ملتفة أعطافه بحبيرة مكحولة أجفانه بنضار يرمى به الأمل القصي فينثني مخضوب راء الظفر والمنقار وبكل نائي الشأو أشدق أخزر طاوي الحشا حالي المقلد ضار يفتر عن مثل النضال وإنما يمشي على مثل القنا الخطار مستقريا أثر القنيص على الصفا والليل مشتمل بشملة قار من كل مسود تلهب طرفه فرمتك فحمته بشعلة نار ومورس السربال يخلع قده عن نجم رجم في سماء غبار يستن في سطر الطريق وقد عفا قدما فيقرأ أحرف الآثار عطف الضمور سراته فكأنه والنقع يحجبه هلال سرار فلرب رواغ هنالك أنبط ذلق المسامح أطلس الأطمار يجري على حذر فيجمع بسطة تهوي فينعطف انعطاف سوار [157ب] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 594 ممتد حبل الشأو يعسل رائغا فيكاد يفلت أيدي الأقدار مترددا يرمي به خوف الردى كرة تهاداها أكف قفار ولرب طيار خفيف قد جرى فشلا بجار خلفه طيار من كل قاصرة الخطى مختالة مشي الفتاة تجر فضل إزار مخضوبة المنقار تحسب أنها كرعت على ظمأ بكأس عقار ولو استجارت منهما بحمى أبي يحيى لآمنها أعز جوار خدم القضاء مراده فكأنما ملكت يداه أعنة الأقدار وعنا الزمان لأمره فكأنما أصغى الزمان به إلى أمار وجلا الإمارة في رفيف نضارة جلت الدجى في حلة الأنوار في حيث وشح لبة بقلادة منها وحلى معصما بسوار جذلان يملأ بهجة وبشاشة أيدي العفاة وأعين الزوار أرج الندي بذكره فكأنه متنفس عن روضة معطار بطل جرى الفلك المحيط بسرجه واستدل صارمه يد المقدار بيمينه يوم الوغى وشماله ما شاء من نار ومن إعصار والسمر حمر والجياد عوابس والجو كاس والسيوف عوار والخيل تعثر في شبا شوك القنا قصدا وتسبح في الدم الموار والبيض تحنى في الطلى فكأنما تلوى عرى منها على أزرار والنقع يكسر من سنا شمس الضحى فكأنه صدأ على دينار صحب الحسام النصر صحبة غبطة في كف صوال به سوار لو أنه أوحى إليه بنظرة يوما لثار فلم ينم عن ثار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 595 ومضى وقد ملكته هزة عزة تحت العجاج وضحكة استبشار وقال: وأراكة ضربت سماء فوقنا تندى وأفلاك الكؤوس تدار حفت بدوحتها مجرة جدول نثرت عليه نجومها الأزهار [158أ] فكأنها وكأن جدول مائها حسناء شد بخصرها زنار زف الزجاج بها عروس مدامة تجلى ونوار الغصون نثار في روضة جنح الدجى ظلا بها وتجسمت نورا بها الأنوار غناء ينشر وشية البزاز لي فيها ويفتق مسكه العطار نام الغبار بها نضح الندى وجه الثرى واستيقظ النوار والماء في حلي الحباب مقلد زرت عليه جيوبها الأشجار وقال: يا راكضا يمشي الهوينا عزة ويهز أعطاف القضيب المورق جمعت ذؤابته ونور جبينه بين الدجينة والصباح المشرق هل كان عندك أن عندي لوعة ينبو لها حد السنان الأزرق طالت مراقبة الخيال ودونه رعي الدجى فمتى أنام فنلتقي ما بين نحر بالدموع مقلد فرحا وجيد بالعناق مطوق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 596 وقال: هجرت لبيض الشيب بيض العمائم وآليت لا أعتم إلا بفاحم فلو كنت استسقي الغمام لعلة لما قمت فاستقيت غر الغمام فما أرتدي إلا بأحمر قانىء سقته الطلى من نصل أبيض صارم بحيث يهز الموت من أكعب القنا غصونا ويجني من ثمار الجماجم وينظر عن طرف من الرمح أزرق ويضحك عن ثغر من السيف باسم وقد فاض بحر للردى من دم العدا فسال حياء في وجوه الصوارم وقال: يا نشر عرف الروضة الغناء ونسيم ظل السرحة الغيناء هذا يهب مع الأصيل عن الربى أرجا وذلك عن غدير الماء عوجا على قاضي القضاة غدية في وشي زهر او حلى انداء وتحملا عني إليه أمانة من علق صدق أو رداء ثناء وإذا رمى بكما الصباح دياره فترددا في ساحة العلياء في حيث جر المجد فضل إزاره ومشى الهوينا مشية الخيلاء [158ب] [ومنها] : ولثمت ظهر يد تندى حرة فكأني قبلت وجه سماء وملأت بين جبينه ويمينه جفني بالأنوار والأنواء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 597 قد راق بين فصاحة وصباحة سمع المصيخ له وعين الرائي عبق الثناء ندي الجناب كأنه ريحانة مطلولة الأفياء أبدا له في الله وجه بشاشة ووراء ستر الغيب عين ذكاء وكأنه من عزمة في رحمة متركب من جذوة في ماء لو شاء نسخ الليل صبحا لانتحى فمحا سواد الليلة الليلاء بين الطلاقة والمضاء كأنه وقاد نصل الصعدة السمراء تثني به ريح المكارم خوطة في حيث تسجع ألسن الشعراء وكأنه وكأن رجع نشيده فصل الربيع ورنة المكاء وله من قصيدة في الوزير [المشرف] أبي محمد بن عامر ببلنسية: حدر القناع عن الصباح المسفر ولوى القضيب على الكثيب الأعفر وتملكته هزة في عزة فارتج في ورق الشباب الأخضر متنفسا عن مثل نفحة مسكة متبسما عن مثل سمطي جوهر سلت علي سيوفها أجفانه فلقيتهن من المشيب بمغفر متجلدا أبأى بنفسي أن أرى هذا الهزبر قتيل ذاك الجؤذر فحشا بطعنته حشا متنفس تحت الدجى عن مارج مستعر يغشى رماح اللحظ أول مقبل ويكر يوم الحرب آخر مدبر فتراه بين جراحتين للحظة مكسورة ولعامل متكسر نزر الكرى يرمي الظلام بمقلة سهرت لأخرى تحته لم تسهر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 598 من ليلة أرخى علي جناحه فيها غراب دجنة لم يزجر لا يستقل بها السرى فكأنما باتت تسرى عن صباح المحشر ولقد أقول لبرق ليل هاجني فسمحت عن طرف به مستعبر [159أ] اقرأ على الجزع السلام وقل له سقيت من سبل الغمام الممطر بيني وبينك ذمة مرعية فإذا تنوسيت المودة فاذكر وإذا غشيت ديار ليلى باللوى فاسأل رياح الطيب عنها تخبر والمح صحيفة صفحتي فاقرأ بها سطرين من دمع بها متحدر كتبتها تحت الظلام يد الضنى خوف الوشاة بأحمر في أصفر ولئن جريت مع الصبا جري الصبا وشربتها من كف أحوى أحور ناجيت منه عطاردا ولربما قبلته فلثمت وجه المشتري تندى بفيه أقاحة نفاحة شربت على ظمأ بماء الكوثر شهدت له فتكاته في مهجتي يوم الغميم بنسبة في قيصر [لقد اعتنقت القرن دون عناقه وحمات فيه الريح حمل الخنصر] ولقد خلوت به أقسم ناظري ما بين جؤذر رملة وغضنفر يثني معاطفه وأذرف عبرتي فإخالة غصنا بشاطىء جعفر وأهاب بي شرخ الشباب لريبة فرميت جانبه بمعطف أزور [ومنها] : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 599 [وأخ زأرت له ولولا أنني آنست ما أنكرته لم أزأر] أنسأت ما أنشأت من عتبي له فأقام تحت غمامة لم تمطر ولو التقينا حيث يصغي ساعة لسقته بين ملامة وتشكر تهمي بماء الورد في اردانه وبلا وتحصب سمعه بالجوهر وعلاه لولا برق وعد شمته في عارض من بره مستمطر لنسخت اسطار الكتاب كتائبا مصطفة وطرقته في عسكر ومقام بأس في الكريهة قمته فسبحت في بحر الحديد الاخضر أضحكت ثغر النصر فيه من العدا ولربما أبكيت عين السمرى ورميت هبوته بهبة أشهب فسفرت ليلا عن صباح مسفر ومنها في الاستطراد: ولقد خبطت الغاب أسأل ليلة عن صبح سر في حشاه مضمر وحططت عن بنت الزناد قناعها ليلا لسار تحته [متنور] [159ب] ومسحت منها عن معاطف مهرة شقراء تذعر من شمال صرصر وجرى الحديث بطيب ذكرى طاهر فجعلت جزل وقودها من عنبر وطفقت أذكيها وأذكر ذهنه فإخال ذاك وهذه من عنصر وكأنها والريح عابثة بها تزهى فترقص في قميص أحمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 600 وقال من قصيدة: ألا ليت أنفاس الرياح النواسم يحيين عني الواضحات المباسم ويرمين أكناف العقيق بنظرة تردد في تلك الربى والمعالم ويلمثن ما بين الكثيب إلى الحمى مواطىء أخفاف المطي الرواسم فهل ساءها أنا كبرنا عن الصبا ولثنا على الأحلام بيض العمائم صحونا وقد أصحت هناك سماؤها وكنا نشارى تحت ظل الغمائم فما راعني إلا وميض لشيبة توقد في قطع من الليل فاحم ولا هالني إلا نذير برحلة مسحت له من روعة جفن نائم تولى الصبا إلا ادكار معاهد له لذعة بين الحشا والحيازم أطلت له رجع الحنين وربما بكيت على عهد مضى متقادم فإن غاضت الأيام ماء شبيبتي ومالت بغصن من قوامي ناعم أسير فتغشى بي دجى الليل همة تهم فأعروري ظهور العزائم فرب ظليم قد ذعرت على السرى بحزوى وظبي قد طردت بجاسم فلم أدر أم الرأل من بنت أعوج ولا ظبية الوعساء من أم سالم وإن كنت خوار العنان على الهوى فإني على الأعداء صعب الشكائم فيا عجا أن أعطي الظبي مقودي وأدرأ عنه في نحور الضراغم وأدهم من ليل السرار ركبته فأودعت أسرار السرى صدر كاتم على حين أرخى الدجن فضل لثامه على كل أقنى من أنوف المخارم وقد كمنت بيض السيوف وأشرفت طلائع آذان الجياد الصلادم [160أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 601 وكاثرت اوضاح النجوم على السرى بغر كرام فوق غر كرائم إذا ما تداعوا للكريهة حطموا صدور العوالي في صدور الملاحم وكروا وح السيف يدمى فثلموا رقلق الظبا بين الطلى والجماجم فمن مبلغ الحسناء عني أنني خلعت نجاد السيف خلع التمائم وكنت إذا أعضل الخطب لاجئا إلى وزر من مضرب السيف عاصم فها لا يسرى تجاني على السرى عنانا ولا يمنى تلوذ بقائم منيخ بمثوى المجد من ظل أروع جفا للمعالي دراسات المعالم جدير بإحراز العلا غير راكض مغذ وإدراك السها غير قائم تهز به ريح المكارم خوطة تفض بها الآمال نور الدراهم كأني وقد أسحسبته الحمد ريطة سننت على عطفيه حلة راقم فيا فيا راكبا يزجى المطي على الوجى ويخبط أنفاس الرياح النواسم كفاك بذاك الطول من وبل مزنة وحسبك ذاك البشر من برق شائم فإن قذفت يوما إليك به النوى وأدتك أيدي الناجيات الرواسم فعرس من العلياء في رأس هضبة تزاحم أشباح النجوم العواتم من القوم سادوا في المهود نجابة وطبوا صغارا من كلوم العظائم وقاموا لإقعاد الخطوب ودمثوا جناب الليالي للملوك الخضارم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 602 فإن دقت الهيجاء أرماح حلبة فثم من الآراء أمضى لهاذم وإن هدت الأيام أركان دولة فثم من الأقلام أقوى دعائم ترى بهم من هزة في طلاقة لدان العوالي في بريق الصوارم وما شئت من آراء نجح كوالىء تسدد من أطراف سمر كوالم تقلم أظفار المكاره تارة وتمسح طورا عن وجوه المكارم أبا حسن كم منة لك حرة كما سح صوب العارض المتراكم [يرف عليها الشكر في كل محفل رفيف االلآلي في نحور الكرائم] هززت لها عطف القضيب وربما سجعت أبت الشكر سجع الحمائم [ب160] فما روضة غناء في رأس ربوة تعل بمنهل من المزن ساجم بأحسن مرأى من حلاك لناظر وأعطر نشرا من نثاك لناسم [ودونكما تصبي الحليم فصاحة فيرسل في أطاغها طرف هائم تغنى بها حبا لها فكأنها تفض عن النوار خضر الكمائم ولولا وقار الشيب خف به الهوى فمد إلى تقبيلها فم لاثم] ومن مقطوعات قالها في زمن الصبا قال يداعب: [وفتاة حسن كلها أعجاز غنت غناء كله إعجاز لذت أغانيها وخفت موقعا فكأنما تطويلها إيجاز] [وقال] : لله نورية المحيا تحمل نارية الحميا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 603 درنا بها تحت ظل دوح قد راق زهرا وطاب ريا تجسم النور فيه نورا فكل غصن به ثريا وكتب إليه بعض الفتيان شعرا يعرض فيه بسبه، فوقع الخفاجي على ظهر رقعته وقال: ومعرض لي بالهجاء وهجره جاوبته عن شعره في ظهره فلئن نكن بالأمس قد لطنا به فاليوم أشعاري تلوط بشعرة وهذا كقول البديع للخوارزمي: ومتى التقينا ناك شعري شعره ونزا على شيطانه شيطاني وقال الخفاجي: تعلقه ريان من خمر ريقه له رشفها دوني ولي دونه السكر ترقرق ماء مقلتاي ووجهه ويذكى على قلبي ووجنته الجمر فلي وله من حسنة ومدامعي على وجهه روض وفي وجني نهر ولا عجب أن طاب نشرا فإنما محاسنه في غصن قامته زهر أرق نسيبي فيه رقة حسنة فلم أدر أي قبلها منهما السحر وطبنا معا ثغرا وشعرا كأنما له منطقي ثغر ولي ثغره شعر وقال في ذم خط واستبراد لفظ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 604 لحى الله أبياتا بعثت ذميمة فلو كن أعضاء لكن مخارجا معوجة أسطارها وحروفها كأن بها من برد لفظك فالحا ولا عجب من سخفهن فإنه إذا ساء فعل المرء ساء نتائجا وقال: ومهفهف طاوي الحشا خنت المعاطف والنظر ملأ العيون بصورة تليت محاسنها سور فإذا رنا وإذا شدا وإذا سعى وإذا سفر فضح المدامة والحما مة والغمامة والقمر [161أ] وقال: خذها وقد سفرت إليك يد الصبا عن وجه أفق بالغمام ملثم واقداح بها زند السرور وقد طمى بحر الدجى وطفا حباب الأنجم وانجاب نقع الغيم من قمر الدجى عن غرة وضحت بجبهة أدهم وتعثرت قدم الئريا سحرة في برد ليل بالمجرة معلم وافتر مبتسم الصباح كأنه وضح بقادمة الغراب الأعصم وقال: وحوراء بيضاء المحاسن طلقة لبست بها الليل البهيم نهارا يزر عليها الصبح جيب قميصه وقد لبس الجو الظلام صدارا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 605 هززت لأغصان القدود معاطفا بها ولرمان النهود ثمارا فسقيا لأيام هناك سحبتها ذيولا على حكم السرور قصارا إذا شئت غناي وشاح وحلية لحسناء غصت دملجا وسوارا هي الظبي طرفا أحورا وملاحظا مراضا وجيدا أتلعا ونفارا وله في مرثية في ابن أخت له وقد ورد النعي من أغمات بموته: أرقت أكف الدمع طورا وأسفح وأنضح خدي تارة ثم أمسح ودونك طماح من الماء مائج [يعب] ومغبر من البيد أفيح وإني إذا ما الليل بفحمة لأوري زناد الهم فيها فأقدح واتبع طيب الذكر أنه موجع فينفح هذا حيث هاتيك تلفح وألقى بياض الصبح يسود وحشة فأحسبني أمسي على حين أصبح ويوحشني ناع من الليل ناعب فأزجر منه بارحا ليس يبرح غريقا ببحر الدمع والهم والدجى ولو كان بحرا واحدا كنت أسبح وفي ناظري لليل مربط أدهم في وجنتي للدمع أشهب يجمح ومنها: أقول وقد وافى كتاب نعيه يجمجم في ألفاظه ويصرح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 606 غلام كما استخشنت جانب هضبة ولان على طش [من] المزن أبطح أرام بأغمات يسدد سهمه فيرمي وقلب بالجزيرة يجرح فيا لغريب فاجأته منية أتته على عهد الشباب تجلح ترى بي إذا أعولت حزنا حمامة ترن وطورا أيكة ترنح وأياست قلبا كان يخشع تارة وتنزو به الآمال طورا فيطمح فما أتلقى الركب أرجو تحية توافي له أو رقعة تتصفح وخادعت عنه النفس والنفس صبة وراوغت حسن الصبر والصبر أرجح ينم بأسرار الصبابة مدمعي وكل إناء بالذي فيه يرشح فلي نظرة نحو الشمال ولوعة تلدد [بي] نحو الجنوب فأجنح فيا عارضا يستقبل الليل والفلا ويسري فيطري الأطولين ويمسح تحمل إلى قلب الغريب مدامعا تكب فتروي او تعب فتصفح وأحفى سلام يعبر البحر دونه فيندى وأزهار البطاح فتنفتح وعرج على مثوى الحبيب بنظرة تراه بها عني هناك وتلمح وله من مرثية في صديق توفي باشبيلية، فقال: ألا ليت لمح البارق المتألق يلف ذيول العارض المتدفق ويركب من ريح الصبا متن سابح كريم ومن ليل السرى ظهر أبلق فيهدي إلى قبر بحمص تحية متى تحتملها راحة الريح تعبق فعندي لحمص أي نظرة لوعة وللنجم وهنا أي نظرة مطرق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 607 حنانا إلى قبر هنالك نازح وشلو عثا فيه البلى متمزق وكيف بشكوى ساعة أشفي بها ودون التلاقي كل بيداء سملق فهل عند عبد الله ما بات ينطوى عليه الحشا من لوعة وتحرق وقد أذكرتني العهد بالأنس أيكة فأذكرتها نوح الحمام المطوق وأكببت أبكي بين وجد أناخ بي حديث وعهد للشبيبة مخلق وأنشق أنفاس الرياح تعللا فأعدم فيها طيب ذاك التشنق ولما علت وجه النهار كآبة ودارت به للشمس نظرة مشفق [162أ] عطفت على الأجداث أجهش تارة وألثم طورا تربها من تشوق وقلت لمغف لا يهب من الكرى وقد بت من وجد بليل المؤرق لقد صدعت أيدي الحوادث شملنا فهل من تلاق بعد هذا التفرق وإن تك للخلين ثم التقاءة فيا ليت شعري أين أو كيف نلتفي فأعزز علينا أن تباعد بيننا فلم يدر ما ألقى ولم أدر ما لقى فسقيا لترب بين أضلع تربة متى أتذكره بها أتشوق وألوي ضلوعي أندب المجد والندى بأفصح دمع تحت أخرس منطق ومثلي يبكي للمصاب بمثله فإن أخلق الصبر الجميل فأخلق فقد كان الروع أبيض صارما بكفي ويوم الفخر تاجا بمفرقي فكم للحيا من أدمع فيه ثرة وللرعد من جيب عليه مشقق وللبرق نت قلب به متململ وللنجم من طرف عليه مؤرق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 608 [وفيها يقول] : فما ابن شمال بات يهفو كأنما به خلف أستار الدجى [مس أولق] سرى بين دفاع من الودق مغدق يسح ولماع من البرق محرق بأندى ذيولا من جفوني موهنا وأهفى جناحا من ضلوعي وأخفق وكتب إلى بعض إخوانه: أورى بفقك بارق يتألق وسقى ديارك وابل يتدفق وتحملا عني إليك تحية تندى على نفس القبول وتعبق وكأن ماء الورد عنها ينهى عطرا ومسك الهند فيها يفتق ويهيجني نفس النسيم إذا سرى ويشوقني فيك الحمام الأورق فإذا تطلع من سمائك بارق أو طاف زور من خيالك يطرق خفقت لذكرك أضلعي فكأن لي في كل جارحة جناحا يخفق وتملكتني لوعة مشبوبة شوقا إليك وعبرة تترقرق فابعث بطيفك باغتا أو واعدا إني إليه كيف كان لشيق وصل التحية إن عهدك زهرة تندى وذكرك نفحة تتنشق [172ب] وقال وهو مضطجع: الليل إلا حيث كنت طويل والصبر إلا منذ بنت جميل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 609 والنفس ما لم ترتقبك كئيبة والطرف ما لم يلتمحك كليل فلقد خلعت على الزمان محاسنا تثنى بها أعطافه فيذيل فالصبح ثغر في جنابك ضاحك والليل طرف في ذراك كحيل ومنها: ووشى رداء الحمد باسمك خاطر قد عاث فيه السقم فهو عليل فسجعت في قيد الشكاة مغردا طربا وللطرب الربيط صهيل ولوى العنان عن الإطالة أنني نضو [يسر] بي الفراش ضئيل ماد النحول به فلاعب شخصه ظل تحيفه السقام نحيل فبعثته جم المحاسن ناقها قد كاثر الأمداح وهو قليل ولكم قصير من يراعك شاحب قد فات صدر الرمح وهو طريل وله من قصيد فريد: حث المدامة فالنسيم عليل والظل خفاقالرواق ظليل والنور طرف قد تنبه دامع والماء مبتسم يروق صقيل وقد انشى عطف الأراكة فانثنى سكرا ورجع في الغصون هديل وتطلعت من برقة وغمامة في كل أفق راية ورعيل حنى تهادى كل خوطة أيكة ريا وغصت تلعة ومسيل فالروض مهتز المعاطف نعمة نشوان تعطفه الصبا فيميل ريان فضضه الندى ثم انجلى عنه فذهب صفحتيه أصيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 610 وارتد ينظر من نقاب غمامة طرف يمرضه العشي كليل ساج كما يرنو إلى عواده شاك ويلتمح العزيز ذليل فالشمس شاحبة الجبين مريضة والريح خافقة الجناح بليل والزق منجدل يكب لوجهه ويمج روح الراح منه قتيل [163أ] والكأس طرف أشقر قد جال في عرق علاه من الحباب يسيل يسعى بها قمر له ولكأسه وجه أغر ومبسم معسول شاكي السلاح بقده وبطرفه رمح أصم وصارم مسلول وأخ تهز له العلا أعطافها فكأنه ريحانة وشمول راضعته كأس المدام وبيننا لجنى الحديث حديقة وقبول مياس أعطاف السماح كأنه غصن تنفس نوره مطلول تندى لهى وردى أسرة كفه أبدا فبطن يمينه مبلول منها: في حيث من حر الطعان هجيرة تحمى ومن ظل اللواء مقيل والنقع أدهم للرماح بوجهه غرر تلوح وللسيوف حجول والخيل سطر بالأسنة معجم يحمر ألسنة الظبا مشكول ومن أخرى: في موقف أفصحت بيض السيوف به فلا هوادة بين السيف والعنق فكم أنانيب خطي به كسر تدمى وكم سلخ درع بينها مزق وكم كئوس من البأساء دائرة على نديم من الأبطال مغتبق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 611 منها: من أشهب شق عنه الركض هبوته كما تفرى أديم الليل عن فلق وأدهم فضض التحجيل أكرعه كما تعلق بدء الصبح بالغسق وأشقر سائل في وجهه وضح كما تصوب نجم الرجم في شفق وقال يتفجع لفقد الشباب، وعدم العلبة الأصحاب، ويصف فرسا أشهب: ألا سرت القبول ولو نسيما وجاذبني الشباب ولوقسيما تقضى غير ليل ما تقضى كأن بمضجعي فيه سليما كأني ما ألفت به شفيعا هناك ولا طربت له نديما [163ب] وأسأل هل سقى طللا بحزوى عفا قدما وهل جاد الغميما وأنشق لوعة بعرار نجد صبا نجد أسائلها شميما وكنت رجوت أن أعتاض منه زعيما أو عليما أو حليما ومطرورا أجرده صقيلا ويعبوبا أكر به كريما يشيم به وراء النقع برقا تألق شهبة وصفا أديما إذا أوطأ [ته] أعقاب ليل طردت من الظلام به ظليما وقال يصف خيلانا: غا [زلته] من حبيب وجهه فلق فما عدا أن بدا في وجهه شفق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 612 وارتج يعثر في أذيال خجلته غصن بعطفيه من استبرق ورق تخال خيلانه في نور صفحته كواكبا في شعاع الشمس تحترق عجب والعين ماء والحشا لهب كيف التقت بهما في حبه الطرق وقال يصف شجر النارنج: أل أفصح الطير حتى خطب وخف له الغصن حتى اضطرب فمل طربا بين ظل هفا رطيب وماء هناك انثعب وجل في حديقة أخت المنى ودن بالمدامة أم الطرب وحاملة من بنات القنا أماليد تحمل خضر العذب تنوب مورقة عن عذار وتضحك زاهرة عن شنب وتندى بها في مهب الصبا زبرجدة أثمرت بالذهب تفاوح أنفاسها تارة وطورا تغازلها من كثب فتبسم في حالة عن رضى وتنظر آونة عن غضب وقال يصفها: ومياسة تزهى وقد خلع الحيا عليها حلى حمرا وأردية خضرا يذوب لها ريق الغمامة فضة ويجمد في أغصانها ذهبا نضرا [164أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 613 وقال يصفها، ويصف الشراب ملتزما: أنعم فقد هبت النعامى ونبهت ريحا الخزامى ومل إلى أيكة بليل تهفو اهتزازا بها قدامى تهز أعطافها القوافي لها وأكواسها الندامى كأن أما بها رؤوما تحضن من شربها يتامى وقال يصفها الثمر في أغصانها: عاط أخلاءك المداما واستسق للايكة الغماما وأرقص الغصن وهو رطب يقطر أو طارح الحماما وقد تهادى بها نسيم حيت سليمى به سلاما فتلك أفنانها نشاوى تشرب أكواسها قياما وقال يصف ثمر النارنج ملتزما: ومحمولة فوق المناكب عزة لها نسب في روضة الحزن معرق رأيت بمرآها المنى وهي تلتقي وشمل رياح الطيب وهي تفرق يضاحكها ثغر من الشمس ضاحك ويلحضها طرف من الماء أزرق وتجلى بها للماء والنار صورة تروق فطرفي حيث يغرق يحرق وقال في ذلك ملتزما: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 614 خذها إليك وإنها لنضيرة طرأت عليك قليلة النظراء حملت وحسبك نفحة في بهجة عبق العروس وخجلة العذراء من كل وارسة القميص كأنها نشأت تعل بريقة الصفراء نجمت تروق بها نجوم حسبها بالايكة الخضراء من خضراء وأتتك تسفر عن وجوه طلقة وتنوب من لطف عن السفراء يندى بها وجه الندي وربما بسطت هناك أسرة السراء فاستضحكت وجه الدجى مقطوعة حملت جمال الغرة الغراء [164ب] وقال يصف أحدب أسود يسقي: رب ابن ليل سقانا والشمس تطلع غره فظل يسود لونا والكأس تسطع حمره وللمدام مدير يشب جمرة خمره تضاحكت عن حباب يقبل الماء ثغره فظلت آخذ ياقو تة وأصرف دره حتى تثنيت غصنا واصفرت الشمس زهره وارتد للشمس طرف به من السقم فتره يجول للغيم كحل فيه وللقطر عبره وقال فيما يتعلق بصفة نار: ومعين ماء البشر أبرق هشة فكرعت من صفحاته في مشرب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 615 متهلل يندى حياء وجهه فتراه بين مفضض ومذهب أضنى الحسام حسادة ففرندة دمع ترقرق فوقه لم يسكب خيمت منه بين طود باذح نال السماء وبين واد معشب حمراء نازعت الرياح رداءها وهنا وزاحمت السماء بمنكب وتنفست عن كل لفحة جمرة باتت لها ريح الشمال بمرقب قد ألهبت فتذهبت فكأنها لسكون شر شرارها لم تلهب تذكو وراء رمادها فكأنها شقراء تمرح في عجاج أكهب والليل قد ولى يقلص برده كدا ويسحب ذيله في المغرب وكأنما نجم الثريا سحرة كف تمسح عن معاطف أشهب ومن أخرى في صفتها: لو جاءه منتقد لما درى ألهب متقد أم ذهب تلثم منه الريح خدا خجلا حيث الشرار أعين ترتقب في موقد قد رقرق الصبح به ماء عليه من نجوم [حبب] منقسم بين رماد أزرق وبين جمر خلفه يلتهب كأنما خرت سماء فوقه وانكدرت ليلا عليه شهب وقال يصف البرد [165أ] يا رب قطر عاطل حلى به نحر الثرى برد تحدر صائب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 616 حصب الأباطح منه ماء جامد غشى البلاد به عذاب ذائب فالأرض تضحك عن قلائد أنجم نثرت بها والجو جهم قاطب وكأنما زنت البسيطة تحته فأكب يرجمها الغمام الحاصب وقال يصف أسود ظلوما حسودا: يا جامعا بمساويه وطلعته بين السوادين من ظلم ومن ظلم أمثله حسدا في مثله جسدا لقد تألف بين النار والفحم وقال: ومعشوقة الحسن ممشوقة يهيم [بها] الطرف والمعطس لها نضرة سمعتها نظرة وتكلف بالأنفس الأنفس فمن ماء جفني لها مكرع يسيح ومن راحتي مغرس وقال يراجع عن شعر ورده: أطرسك أم ثغر تبسم واضح ولفظك أم روض تنفس نافح كلام يرف النور في جناته وتندى به تحت الهجير الجوانح تنصل يوم الروع سمر القنا به وتطبع منه للجلاد الصفائح وإني لظمآن إليه علاقة وها أنا في بحر البلاغة سابح بعثت به يندى كما طش عارض ويطربني طورا كما حن صادح تلوح به في دهمة الحبر غرة ويركض في شوط الفصاحة سابح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 617 وقال يصف مجلسا وإخوانا، ونارنجا ووردا خليطين: وندي أنس هزني هز الشراب من الشباب والليل وضاح الجبي ن قصير أذيال الثياب فقنصت منه حمامة بيضاء تنسخ من غراب والنور مبتسم وخد الورد محطوط النقاب وكلاهما نثر كما نثروا القوافي في الخطاب وكأن كأس سلافة ضحكت إليكم عن حباب وقال في ذلك المعنى: وصدر تاد نظمنا له القوافي عقدا في منزل قد سحبنا بظله العز بردا [165ب] تذكرو به الشهب جمرا ويعبق الليل ندا وقد تأرج نور غض يخاطب وردا كما تنفس ثغر عذب يقبل خدا وقال يصف خيرية: وخيرية بين النسيم وبينها حديث إذا جن الظلام يطيب لها نفس يسري مع الليل عاطر كأن له سرا هناك يريب يدب مع الإمساء حتى كأنما له خلف أستار الظلام حبيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 618 ويخفى مع الإصباح حتى كأنما يظل عليه للصباح رقيب وله من أخرى يصف يوم أنس ويتغزل: وأغيد في صدر الندي لحسنة حلي وفي صدر القصيد نسيب يرف بروض الحسن من نور وجهه وقامته نوارة وقضيب جلاها وقد غنى الحمام عشية عجوزا عليها للحباب مشيب وجاء بها حمراء أما زجاجها فما وأما ملؤه فلهيب على لجة ترتج أما حبابها فنور وأما موجها فكثيب تجافت بها عنا الحوادث برهة وقد ساعدتنا قهوة وحبيب وغازلنا جفن هناك لنرجس ومبتسم للأقحوان شنيب فلله ذيل التصابي سحبته وعيش بأكناف الشباب رطيب وقال فيما يتعلق بصفة نار: ومقنع بخلا بنضرة حسنة أمسى هلالا وهو بدر تمام قبلت منه أقحوانة مبسم رفت وراء كمامة للثام ولثمت جمرة وجنة تندى به فكرعت في برد بها وسلام وبكل مرقبة مناخ غمامة مثل الضريب بها مجاج لغام أوحت هناك إلى الربى أن بشري بالري فرع أراكة وبشام وكفى بلمح البرق غمرة حاجب وبصوت ذاك الرعد رجع كلام [166أ] وأحم مسود الأديم كأنما خلعت على عطفيه جلدة حام ذاكي لسان تحسب أنه برق تمزق عنه جيب غمام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 619 وكأن بدء النار في أطرافه شفق لوى [يده] بذيل ظلام وقال من أخرى: وما شاقني إل وميض غمامة تطلع في نجد فحيا اللوى ربعا فقل في أتي قد تهادى كأنه إذا ما ثنى أعطافه حية تسعى وماء مسيل سائل لقرارة فبينا ترى منه حساما ترى درعا وكتب إلى الأستاذ أبي محمد البطليوسي جوابا له عن شعر: أبرك أم يسيح وبستان وذكرك أم راح تدار وريحان وإلا فما بالي وفودي أشمط تلويت في بردي كأني نشوان وهل هي إلا جملة من محاسن تغاير أبصار عليها وآذن بأمثالها من حكمة في بلاغة تحلل أضغان وترحل أظغان وتنظم في نحر المعالي قلادة وتسحب في نادي المفاخر أردان تدفق ماء الطبع فيه تدفقا فجاء كما يصفو على النار عقيان أتاني يرف النور فيه نضارة ويكرع منه في الغمامة ظمآن وتأخذ عنه صنعة السحر بابل وتلوي إليه عطفة الصب بغدان وجدت به ريح الشباب لدونة ودون صبا ريح الشبيبة أزمان وشاق إلى تفاح لبنان نفحة وهيهات من ارض الجزيرة لبنان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 620 فهل ترد الأستاذ عني تحية تسير كما عاطى الزجاجة ندمان تهش إليها روضة الحزن سحرة ويثني إليها من معاطفه البان وقال: نبه وليدك من صباه بزجرة فلربما أغفى هناك ذكاؤه وانهره حتى تسيل دموعه في وجنتيه وتلتظي أحشاؤه فالسيف لا تذكو بكفك ناره حتى يسيل بصفحتيه ماؤه [166ب] وقال ابن الصائغ يرثي الأمير الأجل أبا بكر بن ابراهيم: يا صدى بالثغر جاوره رمم بوركت من رمم صبحتك الخيل غادية وأثارتك فلم ترم قد طوى ذا الدهر غرته عنك فالبس حلة الكرم فقال فيها معارضا: يا صدى بالثغر مرتهنا بممر الريح والديم لا أرى أخا كمد باكيا منك أخا كرم كم بصدري فيك من حرق وبكفي لك من نعم وقال: لا لعمر المجد والكرم ومزار لبيت والحرم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 621 لا سلوت الدهر عن ملك طلق وجه العرف والكرم هذه نعماه ملء يدي ونثا حسناه ملء فمي زمن قوله يصف خالا: ألم يسقيني سلافة ريقه وطورا يحييني بأس عذاره فنلت مراد النفس من أقحوانة شممت عليها نفحة لعراره وجه تخال الخال في صحن خده فتاته مسك فوق جذوة ناره ومما يتعلق بصفة حية: نهر كما ساغ اللمى سلسال وصبا بليل ذيلها مكسال ومهب نفحة روضة مطلولة في جلهتيها للنسيم مجال غازلته والأقحوانة مبسم والآس صدغ والبنفسج خال ووراء خفاق النجاد ضبارم يسري به خلف الظلام خيال ألقى العصا في حيث يعثر بالحصى نهر وتلعب بالغصون شمال وكأنما بين الغصون تنازع وكأنما بين المياه جدال فكأنما ألقى هنالك درعه بطل وجرد وشية مختال بيد الهجيرة منه سوط خافق وبساق ليلة قرة خلخال فتوعدتني نظرة وقادة يذكى بها تحت الظلام ذبال [167أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 622 وهوى كما أهوى أتي مزبد رجمت به بعض التلال تلال جمد الغدير بمتنه ولربما أعشاك إفرند له سيال وجمعت بين المشرفي وبينه فتلاقت الأشباه والأشكال وتساورا يتكافحان كما التقى يوما أبو إسحاق والرئبال وقال يتشوق إلى الوطن: أجبت وقد نادى الغرام فأسمعا عشية غناني الحمام عرجعا فقلت ولي دمع ترقرق فانهمى يسيل وصبر قد وهى فتضعضعا ألا هل إلى أرض الجزيرة أوبة فأسكن أنفاسا وأهدا مضجعا وأغدو بواديها وقد نضح الندى معاطف هاتيك الربى ثم أقشعا أغازل فيها للغزالة سنة تحط الصبا عنها من الغيم برقعا وقد فض عقد القطر في كل تلعة نسيم تمشى بينها فتضوعا وبات سقيط الطل يضرب سرحة ترف بواديها وينضح أجرعا فقد تركتني بين جفن جفا الكرى وجنب تقلى لا يلائم مضجعا أقلب طرفي في السماء لعلني أشم سنا برق هناك تطلعا وله: إن للجنة بالأندلس مجتلى حسن وريا نفس فسنا صبحتها من شنب ودجى ليلتها من لعس فإذا ما هبت الريح صبا صحت واشوقا إلى الأندلس ومما يشتمل على أوصاف: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 623 أبى البرق إلا أن يحن فؤاد ويكحل أجفان المحب سهاد فبت ولي من قانىء الدمع قهوة تدار ومن إحدى يدي وساد تنوح لي الورقاء وهي خلية وينهل دمع المزن وهو جماد وليل كما مد الغراب جناحه وسال على وجه السجل مداد به من وميض البرق والليل فحمة شرار ترامى والغمام زناد [167ب] سريت به أحييه لا حية السرى تموت ولا ميت الصباح يعاد يقلب مني العزم إنسان مقلة لها الأفق جفن والظلام سواد بخرق لقلب البرق خفقة روعة به ولجفن النجم فيه سهاد سحيق فلا غير الرياح ركائب هناك ولا غير الغمام مزاد كأني وأحشاء البلاد تجنني سريرة حب والظلام فءاد أجوب جيوب البيد والصبح صارم له الليل غمد والمجر نجاد ولما تفرى من دجى الليل طحلب وأعرض من ماء الصباح ثماد حننت وقد ناح الحمام صبابة وشق من الليل البهيم حداد ومنها: عشية لا مثل الجواد ذخيرة ولا مثل رقراق الحديد عتاد إذا راب خطب خفرتني ثلاثة سنان وعضب صارم وجواد فبت ونصل المشرفي مضاجع ولا غير ظهر الأعوجي مهاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 624 معانق خل لا يخل وإنما مكان ذراعيه علي نجاد وله في وصف النار: وموقد نار طاب حتى كأنما يشب الندى فيه لساري الدجى ندا فأطلع من داجي دخان بنفسجا جنيا ومن قاني شواظ له وردا وضاحك غرا من وجوه وضية فلم أدر أي كان أذكاهما وقدا إذا بسطت كف الهياج إلى العدا أنامل سمر الخط كانوا لها زندا أرى خير نار حولها خير فتية أنافت لهم جيدا وحفوا بها عقدا إذا الريح ماست من سواد دخانها عذارا ومن محمر جاحمها خدا وثارت قتاما يملأ العين أكهبا وجالت جوادا في عنان الصبا وردا رأيت جفون الريح والليل إثمد وتقلب من جمر الجذى أعينا رمدا وبالجمر في أكنافها مس رعدة كأن بحامي الجمر من شدة بردا [167أ] وقال يستهدي خمرا في يوم برد: كتبت وقد خصرت راحتي فهل من حريق لكأس الرحيق وقد أعوزت نارها جملة فلولاك شبهتها بالصديق وله في صفة رمح: وأسمر يلحظ عن أزرق كأنه كوكب رجم وقد يضحك من بيض حباب طفا فيه ومن درع غدير جمد حيث الوغى بحر وبيض الظبا موج وخرصان العوالي زند وفي صفة سفينة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 625 وجارية ركبت بها ظلاما يطير من الصباح بها جناح إذا الماء اطمأن فرق خصرا علا من موجه ردف رداح وقد فغر الحمام هناك فاه وأتلع جيده الأجل المتاح فما أدري أموج أم قلوب وأنفاس تصعد أم رياح وله: ندي النسيم وما أرق وأعطرا وهفا القضيب وما أغض وأنضرا فزففتها بكرا إذا أقبلتها ألقت على وجهي قناعا أحمرا ورفلت بين قميص غيم هلهل ورداء شمس قد تمزق أصفرا والريح تنخل من رذاذ لؤلؤا رطبا وتفتق من غمام عنبرا وله في الغض من معذر: وافى بنا وله صحيفة صفحة جعل العذار بها يسيل مدادا متجهما ثكل الشباب وإنما لبس العذار على الشباب حدادا وله في الشقيق: ياحبذا والبرد يزحف بكرة جسما رحيق دونه وحريق حتى إذا استولى وأسلم عنوة ما شئت من سهل وذروة نيق أخذ الربيع عليه كل ثنية فبكل مرقبة لواء شيق [167ب] وله في صفة كلب مطوق العنق بالبياض محجل الأربع، وصفة أرنب: وأطلس ملء جانحتيه خوف لأشوس ملء شدقيه سلاح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 626 نجا هربا يطير حذار طاو له ركض يغص به البراح فطورا يرتقي حدب الروابي وآونة تسيل به البطاح جرى شدا وللصبح التماع بحيث جرى وللبرق التماح فحجله وسوره وميض جرى معه وطوقه صباح وقال في صفة خاتم سماوي الفص: ومرقرق الإفرند أبدى بهجة وذكا فأطلع بالظلام ضياء وتختمت من فصه بغمامة كف تكون على السماح سماء قد صيغ صيغة فتنة أصبى لها نفس الحليم وضاجع العذراء ما إن ترف لها بنفسجة به حتى ترق لها فتجري ماء فكأنما نظرت به يوم النوى عن مقلة بهتت به كحلاء ومما تعلق بصفة جبل: وصهوة عزم قد تمطيت والدجى مكب كأن الصبح في صدره سر وقد ألحفني شملة الطل شمأل يقلقل أحشاء الأراك بها ذعر وشق الدجى نجم من النفط مرسل ترامى من الليل البهيم به فجر وأشرف طماح الذؤابة شامخ تنطق بالجوزاء ليلا له خصر وقور على مر الليالي كأنما يصيخ إلى نجوى وفي أذنه وقر تمهد منه كل ركن ركانة فقطب إطراقا وقد ضحك البدر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 627 ولاذ به نسر السماء كأنما يحن إلى وكر به ذلك النسر فلم أدر من صمت له وسكينة أكبرة سن وقرت منه أم كبر وقال يداعب ويتغزل بنعجة سوداء: وسوداء تدمى به منحرا كما اعترض الليل تحت الشفق [169أ] وأقسم لو مثلت ليلة لعفت الكرى واستطبت الأرق فيا حسن خصر لها أحمر ومئزز شحم عليه يقق وما رفلت في قميص الدجى ولا اشتملت برداء الغسق ولكن تسيل عليها القلوب هوى وتذوب عليها الحدق وقال فيها وفي كبش أملح: ألا حبذا عيد تلاقت به المنى فجدد من عهد الشباب مشيب وأعرض في حسن المليحة أملح يلاعب ربات الحجال ربيب تهادت تثنى وهو يذعر فالتوى قضيب بها وارتج منه كثيب وسوداء أما نسبة فهي نعجة تروق وأما نصبة فنجيب أقا [م بها] ما بين ظل ومورد مراد ببطن الواديين خصيب أتتك وأفياء الشباب تظلها وهل زار إلا في الظلام حبيب فطفت بها تمشي الهوينا وإنما تمشى إليها وهي تجهل ذين وله، قال: وأغر ضاحك وجهه مصباحه فأنار ذا قمرا وذلك فرقدا ما إن خبا تلقاء نور جبينه حتى ذكا بذكائه فتوقدا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 628 وقال يصف شجرة، طرحت ظلها على نهر، لم تكرع فيه ولا بعدت عنه: وسرحة خاض ألمى ظلها نهر أوفت عليه فلم تنقص ولم تزد كما تدانيت من ثغر لمرتشف ثم اتقيت فلم تصدر ولم ترد كأن أفياءها طيبا حمى ملك أغضى وأعطى فلم يوعد ولم يعد وله في معذر: أطل وقد خط في خده من الشعر سطر دقيق الحروف فقلت أرى الشمس مكسوفة فقوموا فصلوا صلاة الكسوف وله: يا أيها الصب المعنى به ها هو لا خل ولا خمر سود ما ورد من خده فآل فحما ذلك الجمر [169ب] وله: هل ساءه أن عاد آسا ورده وتعطلت من فيه كأس تشرب وكأن صفحته وبدء عذاره ماء يثور بصفحتيه طحلب وله في النحول: بهرت جمالا فرعت البصر وذبت سقاما ففت النظر فصرت إذا امكنت لقية أريك السها وتريني القمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 629 وفي جنى التين: أما واهتصار غصون البلس وقد قلص الصبح ذيل الغلس ومال يسيل جنى شهده كما سال ريق حبيب نعس لقد شاق من رائق المجتلى شهي الجنى مستطاب النفس فهمت له ببياض الثغور وأجببت فيه سواد اللعس في صفة أسود يسبح: وأسود عن لنا سابح في لجة تطفح بيضاء وإنما جال بها ناظر في مقلة تنظر زرقاء وفي صفة سحابة: وغمامة لم يستقل بها السرى فمشت على الظلماء مشي مقيد حملت بها ريح القبول سحابة سحابة الأذيال تلمس باليد في ليلة ليلاء يلحس حبرها وهنا لسان البارق المتوقد نسخ الضريب بها الظلام حمامة فالبيض كل غراب ليل أسود شابت وراء قناعها لمم الربى وامشط مفرق كل غصن أملد وقال يمدح، ويسأل حاجة: أآليت إلا أن تسير مع الفضل وأزمعت إلا أن تصم عن العذل فنبت مناب البدر في ليلة السرى وقمت مقام الوبل في البلد المحل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 630 وأضرمت نار الطعن في ثغر العدا وأجريت ماء النصر في صفحة النصل [170أ] فحيت أبا يحيى ذراك غمامة صقيلة ثغر البرق وارفة الظل تجرر أذيال الرباب على الربى ويمشي بها واني النسيم على الرسل فطل عمر الدنيا وطأ قمم العدا وخيم مع العليا وحز قصب الخصل ومن بها اندى نسيما من الصبا [لدي] وأحلى موقعا من جنى النحل ولا تحتقرها من نوالك برة فللطل معنى ليس للمطر الوبل وقال في صفة فرس أشقر: ومطهم شرق الأديم كأنما ألفت معاطفه النجيع خضابا طرب إذا غنى الحسام ممزق ثوب العجاجة جيئة وذهابا قدحت يد الهيجاء منه بارقا متلهبا يزجي القتام سحابا ورمى الحفاظ به شياطين العدا فانقض في ليل الغبار شهابا بسام ثغر الحلي تحسب أنه كأس أثار بها المزاج حبابا وله: وحسام بكف أشوس أجرى في الطلى ماءه وأضرم ناره عطف الضرب منه عارض شيب فانحى يخضب النجيع عذاره فوق ورد محجل مزج الحسن بمرآه ماءه وعقاره خلصته نار الطبيعة سبكا وأسالت لجينة ونضاره قدح الركض زنده فاستطارت في دخان العجاج منه شراره يضحك الحلي فوقه عن أقاح نثرتها الصبا على جلناره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 631 وقال يصف شابا حسن الصوت: ومغرد هزج الغناء مطرب تلقى به ليل التمام فيقصر سفر الشباب لنا به عن غرة ترمي بها ليل السرار فيقمر غازلته حيث المدامة والحبا بة وجنة تدمى وعين تنظر والمزن طرف جال يصهل أشهب والبرق برد قد تمزق أحمر وكأنه والسكر يلوي عطفه غصن تعانقه الرياح منور [170ب] ملأ المسامع والعيون محاسنا فلم ادر هل أصغي إليه أم انظر وله من قصيدة يقول فيها: هذا غراب دجاك ينعب فازجر وعباب ليلك قد تلاطم فاعبر واشتف من نطف النجوم على السرى والتف في ورق الظلام الأخضر والبس رداء السيف وهو مطرز تحت العجاجة بالنجيع الأحمر وارم الكريهة بالكريمة وارتشف صفو الحياة من العجاج الأكدر وقال يتغزل في لابسه ثوب معصفر: وبيضاء في صفراء تحمل نفحة تنفس عنها المندل الرطب والجمر خلعت رداء الصبر فيها علاقة ويحسن إلا في هوى مثلها الصبر ولا غرو أن تروى بها عين ناظر وباطنها ماء وظاهرها خمر وقال يصف: وساق لخيل اللحظ في شأو حسنة جماح وبالصبر الجميل حران الجزء: 6 ¦ الصفحة: 632 سقانا وقد لاح الهلال عشية كما اعوج في نحر الكمى سنان عقارا نماها الكرم فهي كريمة ولم تزن بابن قط فهي حصان وقد جال من جون الغمامة أدهم له البرق سوط والشمال عنان وضمخ ردع الشمس نحر حديقة عليه من الطل السقيط جمان ونمت بأسرار الرياض خميلة لها النور ثغر والنسيم لسان وقال: حسب الفتى حلية أن يستقل به ملك عزيز فلا يقعد بك العطل فما احتمى جانب لم يحمه ملك ولا مضى صارم لم يمضه بظل وقال يصف سحابة: وخميلة قد أخملت سربالها كفا صناع تستهل هتون نشوى تهادى في وشاح مذهب قلق وتسحب من ذيول جون طبعت من النوار بيض دراهم مدت إليك بها بنان غصون [171أ] فرفلت حيث تعثرت بي نشوة في ثوب وشي للربيع مصون والأرض تسفر عن وجوه محاسن بيض وتنظر عن عيون عيون وله: وظلام ليل لا شهاب بأفقه إلا لنصل مهند أو لهذم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 633 لاطمت لجته بموجة أشهب يرمي بها بحر الظلام فترتمي قد سال في وجه الدجنة غرة فالليل في شية الأغر الأدهم أطلعت منه ومن سنان أزرق ومهند عضب ثلاثة أنجم جاذبته فضل العنان وقد طغى فانساح ينسل انسياب الأرقم في خصر غور بالآراك موشح أو وجه خرق بالضريب ملثم حتى تهادى الغصن يأطر متنه طربا لشدو الطائر المترنم وكأن ضوء الصبح راية ظافر نفضت بها الهيجاء نضحا من دم وكانت بينه وبين القاضي أبي اسحاق بن ميمون مداعبة، فاستطعمه يوما فراخ وعنبا، فكتب إليه يستدعيه: بما حزته من شريف النظام وأرهفته من حواشي الكلام تعال إلى الأنس في مجلس يهز به الشيخ عطفي غلام رطيب النسيم كأن الصبا تجرر فيه ذيول الغمام وعندي لمثلك من خاطب بنات الحمام وأم المدام بنات تنافس فيها الملوك وتلهو العذارى بها في المنام فقد كدن يلقطن حب القلوب ويشربن ماء عيون الكرام وعش تتثنى انثناء القضيب سرورا وتسجع سجع الحمام وتحمل ثوبك خطية وينطق عنك لسان الحسام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 634 وقال: ومجر ذيل غمامة قد نمنمت وشي الربيع به يد الأنوار ألقيت أرحلنا هناك بقبة مضروبة من سرحة غيناء [171ب] وقسمت طرف العين بين رباوة مخضرة وقرارة زرقاء وشربتها عذراء تحسب أنها معصورة من وجني عذراء وقال يصف صفرة الشراب وبياض الحباب: خذها كما اطلعت إليك عرارة مفترة عن لؤلؤ الأنداء صفراء في بيضاء تحسب أنها شمس العشية في قرار الماء وفي صفة سيف: ومرهف كلسان النار منصلت يشفي من الثار أو ينفي من العار تخال شعلة برق منه طائرة في عارض من عجاج الخيل موار يمضي فيهوي وراء النقع ملتهبا كما تصوب يجري كوكب سار وذكر أن جارية للمعتمد - رحمه الله - تسمى جوهرة خاطبته وأثبتت اسمها تحت الختم، فقال في ذلك: قالت وقد حطت العنوان جوهرة عن مرتقى رتبة قد سنها الأول لا غرو أن صرت تحت الختم واقعة ان الجواهر تحت الختم تحتمل وقال: ألا مبلغ عني تحية وامق لأحور أحوى المقلتين ربيب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 635 أبيت به ما بين نهر لمدمع يفيض وريا روضة لنسيب ومهما تنسمت الرياح عشية تسنمت شوقا ظهر كل كثيب وخضت حشا الظلماء فيه صبابة أريغ مع الظلماء خلسة ذيب وما ضرة لو كنت أنقع غلتي بري وأشكو علتي لطبيب سأحمل وخز الشوك في الحب للجنى وأصفح عن عاص لفضل منيب ومما يشتمل على أوصاف: ويوم ترى برقة أشقرا يطارد من مزنة أشهبا ترى الأرض منه وقد فضضت ووجه السماء وقد ذهبا وقد أطلع الروض من أيكة سماء ومن زهرة كوكبا [172أ] وطرز أثواب خضر الغصون ورصع تيجان هام الربى وقد قبل الماء كأس المدام فأضحك ثغرا لها أشنبا وشب المزاج بها جمرة تكاد بها الكأس أن تلهبا عروسا ترى خذها أحمرا يشوق ومفرقها أشيبا وله: ألا أطربتني والكريم طروب حمائم تبكي والبكاء ضروب لها دون أستار الظلام مآتم تمزق فيها للقلوب جيوب سجعن وعهدي بالهوى متقادم فعاودت شجوي والخطوب تنوب فيا رشأ للمسك في صفحاته سواد وللبدر المنير شحوب ألا إن ثغر الدمع فيك لباسم وقد طال من وجه الظلام قطوب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 636 ومن لي بطيف منك يطرق مضجعي وبين الكرى والعين فيك حروب وإني لمهتز لذكراك لوعة كما اهتز في مسرى النسيم قضيب وله: ويوم صقيل للشباب ظللته تجد بي الصهباء فيه وألعب توضح في وجه الصبا منه مبسم وأشرق في ليل الشبيبة كوكب تقلبت فيه بين أعطاف عيشة كما اخضر يندى أبطح طل معشب وقد هز من عطفي نديم وخوطة رنين حمام أو غلام يطرب وجزع بأنداء الغمام مفضض وذيل عليه للعشي مذهب وقد جال من كأس المدامة أشقر يسابقه من جدول الماء أشهب بروض كأن الغصن يزهى فينثني به وكأن الطير يسقى فيطرب قد ارتجز الرعد المرن بأفقه فاملى وجالت راحة البرق تكتب كأن لسان البرق فيه عشية لواء خضيب أو رداء مذهب وقال يصف أثر سيل: أما ومسيل سائل الغيث كالسطر يؤم قرارا دائر الماء كالعشر وقد غمر القيعان ماء مصندل كما أترع الساقي الزجاجة بالجمر [172ب] وها أنا مبلول الجناح من الحيا بصوب ومذعور الفراخ من الوكر بدار سقتها ديمة إثر ديمة فمالت بها الجدران سطرا على سطر فمن عارض يسقي، ومن سقف مجلس يغني، ومن بيت يميل من السكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 637 إذا ما وهى ركن فأهوى فانني لأشجى من الخنساء تبكي على صخر فصلني بدار من ديارك مجملا فللنجم أن يحتل منزله البدر ومن أخرى يتغزل: وبدا هلال في نقابك طالع ولربما انحدر النقاب فأقمرا فجنيت روضا في قناعك زاهرا وقضيب بان في وشاحك مثمرا ثم انثنيت وقد لبست معصفرا وطويت من خلع الظلام معنبرا والصبح محطوط القناع قد احتبى في شملة ورسية وتأزرا وقال يراجع ابن أبي الخصال: أمقام وصل أم مقام فراق فالقضب بين تصافح وعناق خفاقة ما بين نوح وحمامة هتفت ودمع غمامة مهراق عبثت بهن يد النعامى سحرة فوضعن أعناقا على أعناق أنسينني خلق الوقار وربما أذكرنني بمواقف العشاق ضما ولثما واستطابة نفحة وخفوق أحشاء وفيض مآق فلو أن سرحة بطن واد باللوى حييتها تصغي إلى مشتاق لنثرت بالجرعاء عقد مدامعي ففضضت ختم الصبر عن أغلاقي فاليك يا نفس الصبا فلطالما أذكى نداك حرارة الأشواق ها إن بي لمما يؤرق ناظري أسفا فهل من نافث أو راق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 638 سر وادعا لا تستطر قلبا هفا بجناح شوق رشته خفاق وإذا طرقت جناب قرطبة فقف وكفاك من ناس ومن آفاق والثم يد ابن أبي الخصال عن العلا متشكرا واضممه ضم عناق [173أ] وافتق بناديه التحية زهرة نفاحة تغني عن استنشاق كالشمس يوم الدجن تندى مجتنى ظل وتحسن مجتلى إشراق واهزز بها من معطفيه فإنما شعشعتها كأسا بيميني ساق والنور يرقم من بساط بسيطة والغيم ينشر من جناح رواق يزهى بأعلاق المعالي حلية إن المعالي أنفس الأعلاق طالت به رمح السماك يراعة تستضعف الجوزاء شد نطاق ما خط في غرر الحسان وضاءة حتى استمد لها من الأحداق مغرى بأغراض تهول براعة ورفيف ألفاظ تشوق رقاق أقسمت لو أخذ الهلال كماله عنه لتم تمام غير محاق ومن نثره: ها هو - أدام الله عز عمادي - قد تجافى له عن صدر ميدانه، وتشرف بلثم أردانه. فاستقبل فسطاطة استقبال إهلال، وقبل بساطة تقبيل إجلال، وأقسم لو تحمل حجما، وتمثل نجما، لم أرضه، حتى يهبط أرضه، ويقضي فرضه، جوابا عن نثر ترددت فيه بين روضة وغدير، وتلددت منه بين أراكة وهدير، لا أعدم هناك نسما رطبا، وموردا عذبا، وحدائق غلبا، وفاكهة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 639 وأبا، ونظم قد أخذ بمجاميع الأهواء، وامتزج لطافة بالهواء، وحسبك من شعر يضاهي الشعريين إشراقا، والشمس إبراقا، ويباهي القمر اتساقا، والجوزاء انتساقا، يتغنى به الشرب، ويترنم الركب، فطورا ينتشق مع العرار بتلك الخمائل، وتارة يعتنق مع الطيب اعتناق الخمائل. وأقرأ عليه سلاما تندى به الرمضاء، وتتنافس فيه الأعضاء، فتود المعاطس لو فتق مسكا فيتشنق، وتتمنى السوالف لو نسق سلكا فيتطوق. ومن أخرى: أوجهك بسام وطرفي باك وعدلك موجود ومثلي شاك وتأبى اهتضامي في جنابك همة تهزك هز الريح فرع أراك وله في طريقة مهيار: ويا بانة الوادي بمنعرج اللوى أتصغي على شحط النوى فأقول ويا نفحات الريح من بطن لعلع ألا جاد من ذاك النسيم بخيل ويا خيم نجد دون نجد تهامة ونجد ووخد للسرى وذميل ويا ريم نجد والعوادي كثيرة بحكم الليالي والوفاء قليل ألا رجعت تلك الشمال تحية تمشت بها عني إليك قبول وجاذبني ريا العرارة ناسم يجاذبني فيك النحول عليل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 640 وهل بين هاتيك التلاع معرس وفي ملتقى تلك الظلال مقيل وهل يلتقي عندي خيالك ليلة وريح ببطن الواديين بليل وله: وإني لأغشى موقف البين والوغى فتندى جفوني عبرة ويدي دما وإلا فهذا جيب صبري ممزقا بكفي وهذا صدر رمحي محطما وقال من قصيد مطول: أما والتفات الروض عن زرق النهر وإشراف جيد الغصن في حلية الزهر وقد نسمت ريح النعامى فنبهت عيون الندامى تحت ريحانة الفجر وخدر فتاة قد طرقت وإنما أبحت به وكر الحمامة للصقر لقد جبت دون الحي كل ثنية يحوم بها نسر السماء على وكر وخضت الليل يسود فحمة ودست عرين الليث ينظر عن جمر وجئت ديار الحي والليل مطرق منمنم ثوب الأفق بالأنجم الزهر أشيم بها برق الحديد وربما عثرت بأطراف الردينية السمر فلم ألق إلا صعدة فوق لأمة فقلت قضيب قد أطل على نهر ولا شمت إلا غرة فوق شقرة فقلت حباب يستدير على خمر ودون طروق الحي خوضة فتكة مورسة السربال دامية الظفر تطلع في فرع من النقع أسود وتسفر عن خد من السيف محمر فسرت وقلب البرق يخفق غيرة هناك وعين النجم تنظر عن شزر وطار إليها بي جناح صبابة فطار بها عني جناح من الذعر [174أ] فقلت رويدا لا تراعي فإننا لتطوى ضلوع الليل منا على سر وسكنت من نفس تجيش مروعة ومسحت عن عطف تمايل مزور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 641 ومزقت جيب الليل عنها وإنما رفعت جناح الستر عن بيضة الخدر وقبلت ما بين المحيا إلى الطلى وعانقت ما تحت التراقي إلى الخصر وأطراب سجع الحلي من خيزرانة تميل بها ريح الشبيبة والسكر غزالية الألحاظ ريمية الطلى مدامية الألمى حبابية الثغر ترنح في موشية ذهبية كما اشتبكت زهر النجوم عل البدر تلاقى نسيبي في هواها وأدمعي فمن لؤلؤء نظم ومن لؤلؤ نثر وقد خلعت ليلا علينا يد الهوى رداء عناق مزقته يد الفجر ولما انجلى ضوء الصباح كأنه مشيب بفود الليل طالع من خطر وحط رداء الغيم عن منكب الصبا ونم على ذيل الدجى نفس الزهر صددت ودون النجم ستر غمامة يشف كما شف الرماد عن الجمر ومنها: عليه يمين أن تفيض يمينه وألا يغض الجفن جفنا على وتر ووجه وضيء شف عنه لثامه كما شف رقراق الغمام عن البدر سرى بين نوار لزرق أسنة حداد وأوراق لراياته خضر فهزت إليه عطفها كل راية تهز عليه الغصن في الورق النضر وحن إليه كل ورد محجل كأن لجينا سال منه على تبر يجول فتجري في عنان به الصبا ويزجر في لبد به البحر في البر وأشهب وضاح تحمل رقعة من الحسن لم تعثر بها العين في بشر تخط سطور الضرب يوما بها الظبا ويعجمها وخز المثقفة السمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 642 وتدرج منه السلم ما ينشر الوغى فطورا إلى طي وطورا إلى نشر وأدهم لولا أنه راق صورة لما عرفته العين من ليلة الهجر طويل سبيب العرف والعنق والشوى قصير عسيب الذيل والأذن والظهر [174ب] له غرة تستصحب النصر طلقة كفاك بها في سورة الحسن من بشر أما وانتشار النقع عنه صحيفة لقد راع في تلك الصحيفة من حبر ونال تميم سؤدد الكهل في الصبا فتم تمام البدر في غرة الشهر وحلت به الأملاك وهي شريفة محل ليالي الصوم من ليلة القدر 3 - تقسمه جود يفيض وهمه فمن منهل غمر ومن جبل وعر فلو مسحت يمناه عن وجه ليلة لحطت قناع الليل عن قمر يسري رميت بآمالي إليه وإنما حملت به المرعى الجديب إلى القطر ولا أمل إلا كتاب شفاعة إذا الخطب أعيا وزره شد من أزري وبي [مس شكوى] لا أطيق لها السرى فإن لم أطأ باب الأمير فعن عذر أبا الطاهر اقبلها إليك تحية أرقت عليها سحرة رونق السحر خلعت قوافيها عليك وإنما نظمت بها عقدا نفيسا على نحر فسد وطأ التيجان عزا وذد وجد رحيب فناء الملك عالي يد الأمر فصيح لسان السيف والضيف والندى رفيع منار القدر والذكر والفخر ومما تصرف به القول فيه من غزل إلى رثاء من قصيد: أفي ما تؤدي الريح عرف سلام ومما يشب البرق نار غرام وإلا فماذا أرج الريح سحرة وأذكى على الأحشاء نار ضرام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 643 أما وجمان من حديث علاقة يهز إليه الشيخ عطف غلام لقد هزني في ريطة الشيب هزة أرتني ورائي في الشباب أمامي ورب ليال بالغميم أرقتها لمرضى جفون بالفرات نيام يطول علي الليل يا أم مالك وكل ليالي الصب ليل تمام ولم أدر ما أشجى وأدعى إلى الهوى أخفقة برق أم غناء حمام فقضيتها ما بين رشفة لوعة وأنه شكوى واعتناق غرام وأحسن ما التفت عليه دجنة عناق حبيب عن عناق حسام [175أي فليت نسيم الريح رقرق أدمعي خلال ديار باللوى وخيام وعاج على أجزاع واد بذي الغضا فصافح عني فرع كل بشام مسحت له عن ناظري صبابة وأقلل بدمعي من قضاء ذمام فيا عرف ريح عاج عن بطن لعلع يجر على الأنداء فضل زمام بما بيننا بالحقف من رمل عالج وفي ملتقى الأرطى بسفح شمام تلدد بدار القصف عني ساعة وأبلغ نداماها أعز سلام وقل لغمام ألحف الأرض ذيله فلف فجاجا تحته بإكام أما لك من ظل يبرد مضجعي أما فيك من طل يبل أوامي وأي ندى أ، برد ظل لمزنة على عقب أتراب رزئت كرام وقفت وقوف الثكل بين قبورهم أعظمها من أعظم ورجام وأندب أشجى رنة من حمامة وأبكي فأقضي من ذمام رمام مضوا بين واد للسماح ومشرع وغارب عز في العلا وسنام ومنتصب كالرمح هزة عزة وفتكة بأس واستواء قوام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 644 ومنصلت كالسيف نصرة صاحب وضحكة بشر واعتزاز مقام ومقتبل مستقبل كعبة العلا يصلي بأهليها صلاة إمام تهل له من عفة في طلاقة كأن ببرديه هلال صيام وما ضارة أن يستسر لعالم إذا ما بدا في عالم لتمام وله يصف كلبا مطوق العنق بالبياض، وصفة طائر: وأخطل لو تعاطى سبق برق لطار من النجاح به جناح يسوف الأرض يسأل عن بنيها فتخبر أنفه عنها الرياح أقب إذا طردت به قنيصا تنكب قوسه الأجل المتاح أضل برأسه ليل بهيم فشد على مخنقه صباح ولما علمت رغبته - في التماس الطيور اللبلية واقتنائها، وتحققت همته في انتخابها [175ب] وانتقائها، تهممت بالفحص عن أفرهها، وأشرفها صفة وأشرهها، فسنح منها طائر يستدل بظاهر صفاته، على كرم ذاته، طورا ينظر نظرا الخيلاء في عطفه، كأنما يزهى به منه جبار، وطورا يرمي نحو السماء بطرفة، كأنما له هنالك أعتبار. وأخلق به أن ينقض على قنصه شهابا، ويلوي به ذهابا، ويحرقه توقدا والتهابا. وقد بعثت به سابغ الذنابى والجناح، كفيلا في مطالبه بالنجاح، حميد العين والأثر، حديد السمع والبصر، يكاد يحس بما يجري ببال، ويسري من خيال، قد جمع بين عزة مليك، وطاعة مملوك، لو سبك له النجم قنصا، أو جرى بذكره البرق قصصا، لاختطفه أسرع من لحظة، وأطوع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 645 من لفظه، وانتسفه أمضى من سهم، وأجرى من وهم، قد أقسم بشرف جوهره، وكرم عنصره، لا توجه مسفرا، إلا غادر قنيصه معفرا، وآب إلى مرسله مظفرا، مورد المخلب والمنقار، كأنما اختضب بحناء وكرع في عقار. وله في صفة محك: ومخطوط السواد كأن دمعا جرى ودما هناك على حداد إذا التبست وجوه الحكم يوما قضى فمضى على وجه السداد فأي بياض نعمى ليس يعزى لمشتمل بسربال السواد تلون فالتمحت به ضميرا دخيل السر ممذوق الوداد يجيب وما سألت به سميعا فيا عجبا لأفصاح الجماد وله في معذر: أقوى محل من شبابك آهل فوقفت أندب منه رسما عافيا مثل العذار هناك نؤيا داثرا واسودت الحيلان فيه اثافيا وقال نظما ونثرا، يداعب غلاما قد بقل عذاره: أيها التائه مهلا ساءني أن تهت جهلا هل ترى فيما ترى الأم شبابا قد تولى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 646 وغراما قد تسرى وفؤادا قد تسلى أين دمع فيك يجري اين جنب يتقلى أين نفس بك تهذي وضلوع فيك تصلى أي ملك كان لولا عارض وافى فولى وانطوى الحسن فهلا أجمل الحسن وهلا [176أ] أما بعد، أيها النبيل النبيه، فإنه لا يجتمع العذار والتيه؛ كان ذلك وغصن الشبيبة رطب، ومنهل ذلك المقبل عذب، وأما والعذار قد بقل، والزمان قد انتقل، والصب قد صحا فعقل، فقد ركدت رياح الأشواق، ورقدت عيون العشاق، فدع عنك من نظرة التجني، ومشية التثني، وغض من عنانك، وخذ في ترضي إخوانك، وهش عند اللقاء هشة أريحية، واقنع بالإيماء رجع تحية، فكأني بفنائك مهجورا، وبزائرك مأجورا. وقال وقد طلع عليه القمر في ليالي أسفاره، فجعل يطرق في معنى كسوفه وإقماره، وعلة إهلاله تارة وسراره: لقد أصخت إلى نجواك من قمر وبت أدلج بين الرعي والنظر لا أجتلي لمحا حتى أعي ملحا عدلا من الحكم بين السمع والبصر وقد ملأت سواد العين من وضح فقرط السمع قرط الأنس من سمر فلو جمعت إلى حسن محاورة حزت الجمالين من خبر ومن خبر وإن صمت ففي مرآك لي عظة قد أفصحت لي عنها ألسن العبر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 647 تمر من ناقص حورا ومكتمل كورا ومن مرتق طورا ومنحدر فإن بكيت فقد يبكي الجليد فعن شجو يفجر عين الماء في الحجر ومحاسن الخفاجي كثيرة، وفي ما مر منها كفاية، إذ لا يتسع هذا المجموع لاستقصاء الغاية. أخبرني أنه لما أقلع من صبوته، وطلع ثنية سلوته، والكهولة قد حنكته، وأسلكته من الارعواء حيث أسلكته، رأى أنه مستيقظ، وجعل يفكر في ما مر من شبابه، وفي من ذهب من أحبابه، ويبكي على أيام لهوه، وأوان غفلته وسهوه، ويتوجع لسالف ذلك الزمان، ويتبع الذكر دمعا كواهي الجمان، ثم جعل يقول: ألا ساجل دموعي يا غمام وطارحتني بشجونك يا حمام وأخبرني أنه لقي عبد الجليل الشاعر بين لورقة والمرية، والعدو بليط لا يريم، يفرع تلك الربى، ويروع حتى مهب الصبا، فباتا ليلتهما بلورقة يتعاطيان أحاديث حلوة المساق، ويواليان أناشيد بديعة الاتساق، إلى أن طلع لهما الصباح أو كاد، وخوفهم تلك الأنكاد، فقام الناس إلى رحالهم فشدوها، وافتقدوا أسلحتهم وأعدوها، وساروا يطيرون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 648 وجلا فعال إليه عبد الجليل وفؤاده يطير، وهو كالطائر في اليوم العاصف المطير، فجعل يؤمنه فلا يسكن فرقه، ويؤنسه فيتنفس صعداء تثيرها حرقة، إلى أن مرا بمشهدين عليهما رأسان باديان، وكأنهما بالتحذير لهما مناديان، فقال أبو اسحاق: الا رب رأس لا تزاور بينه وبين أخيه والمزار قريب أناف به صلد الصفا فهو منبر وقام على أعلاه فهو خطيب فقال عبد الجليل: يقول حذارا لا اغترار فطالما أناخ قتيل بي ومر سليب فما أتم قوله حتى لاح لهما قتام فانقشع عن سرية خيل، كقطع الليل، فما انجلت إلا وعبد الجليل قتيل وابن خفاجة سليب، وهذا من أغرب تقول، وأصدق تفول. وله: خذها يرن بها الجواد صهيلا وتسيل ماء في الحسام صقيلا بسامة تصبي الحليم وسامة لولا المشيب لمستها تقبيلا من كل بيت لو تدفق طبعه ماء لغض به الفضاء مسيلا إية وما بين الجوانح غلة لو كنت أنقع بالعتاب غليلا ما للصديق وقيت تأكل لحمة حيا وتجعل عرضة منديلا أقبلته صدر الحسام وطالما أضفيته درعا عليه طويلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 649 ماذا ثناك عن الثناء ونشره بردا على الرسم الجميل جميلا ومنها: واصحب وذهنك من هجير لافح ذكرا كما سرت القبول بليلا فلقد حللت مع الشباب بمنزل يرتد طرف النجم عنه كليلا وبدهت لا نزر المحاسن مجبلا ومضيت لا قصم الغرار فليلا متدفقا أعيا العقول طريقة فكأنما ركب المجر سبيلا يستوقف العليا جلالا كلما سجد اليراع بكفه تقبيلا وسواي ينشد في سواك ندامة " يا ليتني لم أتخذك خليلا " وله: خليلي عوجا خبراني فديتما على الحل والترحال ما صنعت ريا أجدكما هل بالعقيقين منزل لمهضومة الكشحين عاطرة ريا بعيشكما قولا لنجد وأهله غدرتهم وفيا رد حبكم فيا قيا صدهم هل من معين على الجوى ويا بعدهم هل من سبيل إلى اللقيا وله في وصف ورد نثر عليه نوار نارنج: وندي أنس هزني -. (الأبيات) وله فصل من كتاب: وإن كتابك الكريم وافى، فأهدى تحية، هزني أريحية، هز المدامة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 650 تتمشى، والحمامة تتغنى، فلولا أن يقال صبا، لالتزمت سطورة، ولثمت مسطورة، وما انطقتني صبوة استفزتني، فهزتني، ولكن فضلة راح قضل في كأس العلا تناولتها، فكلما شربت طربت. فلولا توقع غمرات الشيب، لابتدرت شق الجيب، ثم صحت واطرباه، وناديت واحر قلبا. وبعد، فإني من جملته على ما وقع موقع القطر، وحسبك ثلجا، وطلع طلوع هلال الفطر، وكفاك مبتهجا. وما أغرب [فيما أعرب] عنه من تفسير حالك، وتفصيل حلك وترحالك. ولا غرو أن تجد بك الرواحل، وتتهاداك المراحل، فما للنجم أخيك من دار، ولا في غير الشرف من مدار، فقع أنى شئت وارتع، وطرحت أقطار البلاد، إلا طيب الميلاد، وما ضار أن نعق ببينك غراب، وخفق برحلك سراب، إذ لم يغض من فضلك اغتراب، ولم يخل بنصلك ضراب، لا زلت مخيما بمنوله عز، تجمع من امتناع في ارتفاع، وامتناع في امتناع. وله: يا نزهة النفس يا مناها يا قرة العين يا كراها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 651 أما ترى لي رضاك أهلا ... وهذه حالتي تراها فاستدرك الفصل يا أباه ... في رمق النفس يا أخاها قسوت قلبا ولنت عطفا ... وعفت من تمرة نواها وله: وأهيف قام يسقي ... والسكر يعطف قده وقد ترنح غصنا ... واحمرت الكأس ورده وألهب السكر خدا ... أورى به الوجد زنده فكاد يشرب نفسي ... وكدت أشرب خده وله: يا ليل وجد بنجد ... أما لطيفك مسرى وما لدمعي طليقا ... وأنجم الجو أسرى [177ب] وقد طمى بحر ليل ... لم يعقب المد حسرا لا يعبر الطرف فيه ... [غير] المجرة جسرا فصل في ذكر الأديب أبي حاتم الحجاري من وادي الحجارة، فرد من أفراد العصر، شاعر متصرف في النظم والنثر، ولما انقرضت أيام ملوك الطوائف بالجزيرة، وتسلط الكساد على أعلاق الشعر الخطيرة، خلع أبو حاتم بردته، وسلخ جلدته، وأصبح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 652 بحاضرة قرطبة صاحب [طولق] وحنبل، وجلس بين هاون ومنخل، يأخذ للصحة من المرض، ويتكلم على الجوهر والعرض، فقل في حنين، تكلم بلسان أحمد بن الحسين، وانظر إلى البديع، في مسلاخ جبريل بن بختيشوع، كل ذلك حرصا على الحياة، واحتيالا لهذه الملابس والأقوات، وخوف الردى آوى إلى الكهف أهله ... وكلف نوحا وابنه عمل السفن وفي ذلك يقول: أقمت بأرض قرطبة كأني ... أمير جبابة أو قهرماني فمالي ضيعة إلا ضياعي ... وتصريفي لهاوون الهوان ودقي شحم حنظلة وعصري ... حشيشة غافث أو انجدان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 653 وشمي وهي تملأ كل أنف ... قوارير المياه من الصنان تجارة ذلة قرنت بنحس ... ونجم الشؤم متصل القران لقد أضللت يا بقراط قوما ... على بعد الأوان من الأوان وقوله: " قهرماني " [أراه] مما وهم فيه حين خاله منسوبا إنما هو قهرمان، يقال للوكيل؛ وهو يجري بوجوه الإعراب. ولما ابتدأت بتحرير هذا الكتاب، وأنا يومئذ بقرطبة [سنة ثلاث وتسعين] نظرت في مبيضات كانت عندي لأهل هذا الاقليم، فلم أجد لأبي حاتم فيها شيئا من منثور ولا منظوم، فاستهديت قطعة من أشعاره وما عسى أن يتعلق بها من ملح أخباره، وتكرر عليه رسولي هنالك، فمطلني في ذلك، فكتبت إليه رقعة أقول في فصل منها: وقد تواتر عليك النبأ أني جمعت من الرسائل الأندلسية، والأشعار العصرية، جملة موفورة، لطوائف كثيرة، ممن تحقق عندي أن حليته التي تحلى بها من صوغ طبعه، وحلله [التي] نشرها اكثر من عدد الشعر؛ ولما كنت أبا حاتم خاتمة أئمة هذا [178أ] الشان، أحببت أن أجعل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 654 كلامك واسطة هذا الديوان، إلا أني رأيت لك من الامتناع، بتلك الرقاع، ما حدست عليك انك قلت: هذا ابن بسام كما أخرجته الروم من بلاده، وصفرت يده من طارفة وتلاده، وقدم قرطبة بقدم الضرورة، على تلك الصورة، يريد أن يشحذ المدية، في ابواب الكدية، فاتخذ تأليف هذه الشذور القلائد، سببا أن يسي عذارى القصائد، في حجر أربابها، ويسلبها عن أصحابها، حتى إذا قيد لفظها ومعناها، وجليت عنده اتاها؛ وقد أبعدت مرماك، أن كنت ظننت بي ذاك، وكلا أبا حاتم، فإنك لي لعين الظالم، إن نسيتني لهذا العجز، وأني أحق أن أطيل لسيف غيري الهز، وقد شهدت الأشهاد، بتلك البلاد، أن لي بديهة قوية، توفي على الروية، إلا أني أبا حاتم لا أجري في ميدانك، ولا أعد من أقرابك، فسقى الله بلادا أنجبتك وإن كانت حجارية، فإن معانيك عراقية، وألفاظك حجازية؛ ولله مدينة الفرج، فلقد تتحدث منك عن أنموذج بيان، مخلى الطريق للجريان. فلما وردته الرقعة، زم عن الجواب قلمه، وكلف الإيجاب قدمه، وورد من حينه علي، ونثر مبيضاته بين يدي، [يقيمه الخجل ويقعد، وقد صبغه كما صبغ اللجين العسجد] ، فمما تخيرت منها قوله يستهدي نبيذا: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 655 يا سيدي والنهار تبصره منسجم الدمع مطبق الأفق وعندي البدر قد خلوت به وفوق خديه حمرة الشفق جاذبته الحبل فاستقاد وكم جريت جري الجموح في الطلق والخمر نعم القياد، طائعة لشاربيها مسكية العبق وقد هز زناك كي توجهها في الشعر هز القضيب في الورق وكان أبو الأصبغ البلنسي المتطبب ربما قام في مجالس الأنس ويخطب بكلام غث يضحك به من حضر، فخاطبه أبو حاتم بهذه الأبيات: قل للحكيم وقد هززت مهندا وجذبت عطفا للندى هزازا يا نفحة الزهر الأنيقة سحرة أحرزت كل فضيلة إحرازا هل تثنينك رقة شاكهتها فتفارق الهماز واللمازا أملي رضاك فهل سمعت بشاعر قطع الصراط إلى رضاك وجازا [178ب] [يا ليت شعري والجوانح كاسمها هل ترجعن بياذقي أفرازا] حتى أراك وأنت حامل قالس وأرى يمينك حاملا عكازا وتقوم في نادي النديم مناديا فعل الخطيب تعمد الايجازا عمري لقد أنسيت يوم نثرتها ونظمتها الخطباء والرجازا وأنشدي لنفسه: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 656 وزائر زارني وقد هجعت عيناي حتى تبلج الفجر بكيت للقرب ثم قلت له من ثمر الوصل يجتنى الهجر وهذا يناسب قول القائل، وتنشد الأبيات لحسنها، ولكون هذا المعنى فرعا عن غصنها، وهي: وما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكيا في كل حال مخافة فرقة أو لاشتياق فتسخن عينه عند التنائي وتسخن عينه عند التلاقي فيبكي ان نأوا حذرا عليهم ويبكي إن دنوا خوف الفراق وقال سعيد بن حميد لفضل الشاعرة: ما كنت أيام كنت راضية عندي بذاك الرضى بمغبط علما بأن الرضى سيعقبه منك التجني وكثرة السخط فكل ما ساءني فعن خلق منك وما سرني فعن غلط وقال العباس بن الأحنف: قدكنت أبكي وأنت راضية حذار هذا الصدود والغضب ان تم ذا الهجر يا ظلوم - ولا تم - فمالي في العيش من أرب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 657 وأنشدني له من قصيدة أولها: أرقت للامع البرق اليماني فيا أخوي من عبد المدان هلما نكتنف أكناف ليل وساع الجيب فضفاض اللبان ونركض في جوانبه فإني أراه باركا ملقى الجران خذا بي مأخذا يسلي وإن لم تكن إلا أباطيل الأماني [179أ] وقولا في حديثكما لقلبي أما تنفك من حرب عوان رويدك إنها أنفاس نفس تصعد بين أحناء حواني وقيتكما وهذا السهم يدمي برام من بني ثعل رماني سلاه لم أهل بجمع خيف بنبل جفونه حول الجمان لقد بلغ الزبى هذا التصابي بقلبي والتقت حلق البطان بعيني منه بدر تحت ليل أتت ست وثغر أقحواني عداني أن أجيل إليه خطوي مجال للضراب وللطعان وسمر أسنة في نقع ليل بدت كالنار في طرر الدخان عليك به وفي يسرى يديه كليث ثنية ثنيا عنان يقلب خيزرانته بكفي غلام قده من خيزران ومنها في المدح: بناني والضياع يهد مني ويهدم مذ بسطت له بناني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 658 إلى ذي صفحة كالماء رقت وراقت فهي كالسيف اليماني إذا لم استبد به فإني كمن حمل القناة بلا سنان وله من اخرى في القاضي أبي عبد الله بن حمدين وقد قفل من غزاة: تراك غداة عاقدت الزمانا اخذت عليه بالبشرى ضمانا بلى قد كان ذلك فاستقادت ليلليه وعادت مهرجانا حشدت محاسن الدنيا ليوم وجدناه كوجهك أضحيانا اردت إشادة العليا فكانت ورمت تجدد النعمى فكانا وما حسنت سجايا الدهر حتى قرنت بها سجاياك الحسانا لبان الحلم أرضعت الليالي فكيف تضيق ذرعا أو لبانا اخذت على الكماة الكر حتى لكدت تعلم الكر الجبانا [179ب] وأشرعت الأسنة وهي تحدو رعال سوابق حكت الرعانا تقحمها شذاتك وهي بكر فكيف لقيتها حربا عوانا أتوا والجيش يقدمه فلان فلا والله ما حمدوا فلانا فديتك من أخي دنيا ودين أبت أحناؤه إلا حنانا تحمل وهو يلعب حد قلب كما حملت مثقفة سنانا أخاطبه فيمتعني بلحظ يرى سر القلوب به عيانا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 659 وأجذبه إلي ولست أدري أعطفا عطفه أو خيزرانا وله فيه من أخرى [أولها] : أتت تختال عاطرة الذيول وشمس الأفق تجنح للأفول يقول فيها أموقفنا بتوضيح غب يوم على أكناف حومل والدخول وليلتنا وقد نشرت علينا ذوائب حالك مرخى السدول لبسنا سمل شملته وبتنا نجوب اللهو من عرض وطول وعهدي بالرقيب وقد غنينا بغمر الحاجبين عن الرسول مضت بشبابها الدنيا فمالي أقيم على رسوم من طلول أقول لمهجتي وعلي منها سرابيل المذلة والخمول ردي دار الخلافة تستدري مواهب مثل حملات السيول وسيري ما استطعت إلى سميع مطيع للاله وللرسول إلى من بين فكيه لسان وشقشقة كشقشقة الفحول هجرت جناب قرطبة ولكن جعلت إلى ابن حمدين قفولي فقيه ديانة وسراج دنيا عليم بالفروع وبالاصول ألان المشكلات وراض منها فرد حزونها مثل السهول أبا عبد الإله إليك مني جوانح جانحات للوصول بعثت إليك عن سحر حلال وبعض السحر من ثمر العقول [180أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 660 أنجعة رائد الآمال هب لي رضاك ولقني وجه القبول تطالعني الحوادث عن خدود مصعرة وعن أجفان غول وها أنا والمحل جديب أرض وعندك ثرة الديم الهموم وقد سفرت لسان الحال عنها كما سفر الخضاب عن النصول ومن شعره في الرثاء: له [من قصيدة] في القاضي ابن أدهم، أولها: أما الأسى فعلي منه مخايل نفس أصعده ودمع سائل من ناظري علي أعظم شاهد ومن العيون على القلوب دلائل في كل آونة إلى أفق الثرى شمس مغورة وبدر آفل خفض عليك فللحياة تقلص هي نومة والعمر طيف راحل مزجت لنا الدنيا بشهد ظاهر وبظهر ذاك دم الأفاعي القاتل أقسمت بالجدث الذي أنا واقف أرنو إليه ودمع جفني هامل لو يعلم البشر المطيف بأنه جبل على كبد المكارم نازل لثموا جوانبه وقد أرج الهدى وتضوع العليا وفاح النائل قلب جفونك في حدائق زهره فمن الغمام على الرياض شمائل كالبحر كان فنهنهته منية فغطت به ولكل بحر ساحل عضد الهدى وسعى ألى تأييده والزغف نهر والسيوف جداول وهدى الامير إلى مناهج قصده ومع الدلاء على المياه حبائل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 661 لم تلهه الدنيا فأعرض دونها وبترك عاجلها ينال الآجل ومن أخرى في الفقيه عبد الصمد: الآن أدرجت الآمال في كفن واليوم فرق بين الجفن والوسن إنا إلى الله جل الخطب في رجل ملء الزمان وملء العين والأذن أما وقد طويت تلك المحاسن لا والله لا وقعت عيني على حسن مالي كرعت من البلوى وبي ظمأ إلى محياك بين الأجر والأسن [180ب] اصبحت بعدك والأيام معرضة معرضا لزمانات من الزمن يا مخرسي وقديما كان ينطقني قلد حسام [لساني] حلية اللسن أما السماء على أرضي فمطبقة تشابه الضيق في سرب وفي عطن وقد تبلدت لا أدري وكان معي رأي يخلص بين الماء واللبن هانت فيك هموم النفس أصحبها لعلها هدنة تبنى على دخن هيهات لا أنت إلا واضعا ليدي ال يمنى على القلب واليسرى على الدفن أنهيت مالك في تقوى ذخرت بها اخرى بأجر ومخزونا بمخزن ينادي الثناء فستدنيه مرتخصا لجوهر الحمد بالغالي من الثمن تعطي وتمنع في حال فيا عجبا عرض مصون ومال غير محتجن ومن مديحه من قصيدة في ذي الوزارتين أبي جعفر بن أبي: كم بالظغائن من ذوات حجال هيف الخور رواجح الأكفال عهدي بهن وهن يطوين الملا طيين بين النص والإرقال والليل كالزنجي تحسب أنه كرة تثار بصولجان هلال أسفي لأيامي بمنزلة اللوى وزماننا الخالي بذات الخال الجزء: 6 ¦ الصفحة: 662 أيام نمرح تحت ظل شبيبة مرح الغصون ترف تحت ظلال والدهر يمزج باتصال حديثنا ورق الصباح بعسجد الآصال مالي سوى كنف الصبابة بعدهم آوي إليه وغير دمعي مالي لا هم إلا أنني عفت النوى حالي بقرب بي أبي حال ظفرت يداي وقد يئست بماجد منهم كريم العم سمح الخال يا من نحاذره ونرجو عفرة كرما عليك بقائل فعال هو كالغمامة أو كبحر ساكن طورا وطورا خائض الأهوال والأرض تحمل أهلها ولربما بعثت عليهم خسفة الزلزال قسم الزمان بصوله وبقوله قسمين بين مجالد وجدال [181أ] حملت حمائله فضاضة بأسه حمل الأباطح رجف الأجبال ومنها: يا منجدي والدهر يغمر جانبي ومنبهي من نومه الأغفال كيف الإقامة بين حالي ذلة عرتا من الإخلال والإذلال ماذا تراه وأنت مالك عزمتي أأسير أم أبكي على الأطلال أسلمت نحوك وجه آمالي فهل دفع الهناء إلى يمين الطالي إني لأعلم أن شغلك بالعلا ينسيك، فاجعلني من الأشغال وله من أخرى: وأبأبي من شادن جم الدلال خرق رمى بقوسي حاجب قلبي وسهم مذق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 663 من لي به كعهدنا يوم الحمى بالأبرق وركضنا في ليلة تفتق مسك الأفق ونارنا قد نشرت طي لواء الأفق وابتسمت ضاحكة عن شفق في غسق يا ابن أبي الفتح وهل مفتاح باب الغلق الا يدا تخبطها عن ورق من ورق منها: ردت جناحي ضافيا وطوقت من عنقي مثلك لا يلقى امرؤ مؤمل ولا لقي غريبة في مغرب وآية في مشرق بيت قريش بيته وأي شيء يتقي ومن أخرى: وابأبي من لحظ ذي غنة شخت الحشا أهيف أملود طرز فوق الورد من خده بالمسك من خيلانه السود مستملح علوا ومستحسن سفلا بتصويب وتصعيد ردف كقحف الرمل يرتج في قد كغصن البان مقدود بي ضمأ برح إلى صرفة تمطرها ماء العناقيد ومنها: رضيع در المجد في أسرة من معشر غر صناديد ما أحسن الدنيا وقد حليت منهم بحلي القادة الرود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 664 وما ألذ العيش في ظلهم ما بين مخضود ومنضود وهاكها والسحر حلي لها وليدة في برد توليد [181ب] ذات قواف شرد ما بدت إلا وصادت مهج الصيد حالي وان لاح [لها] رونق حال شريد الدار مطرود وربما يبيض وجه امرىء والنار في أحشائه السود ويكتسي من ورم حمرة ما كل توريد بتوريد نظر فيه إلى قول القائل: وقد يكتسي المرء حر الثياب ومن تحتها حالة مضنيه كمن يكتسي خده حمرة وعلته ورم في الريه وله من أخرى في القاضي ابن حمدين: هجعوا وقد سرت القلاص الوخد والليل كالزنجي أسحم أسود والخاطفات من البروق كأنها بيض مؤللة تسل وتغمد ومنها: يا صاحبي وشد ما عللتما ووعدتما لو صح ذاك الموعد ما يصنع الصنو الشقيق بصنوة ما يصنع القاضي الأجل محمد هذا الذي لولاه أجدب مخصب وتجلل البطحاء ليل أربد يبني العلا ويهد ركن عدوه فهو الزمان مهدم ومشيد إن العيون وقد قررن بعدله لتنام وهو القائم المتهجد ينأى ويدنيه التواضع منزلا فمقرب في حاله ومبعد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 665 فرجت يا قاضي القضاة بهمة أدنى مراتبها السها والفرقد لولاك وهي من الذوابل هزة كانت قناة قصائدي تتقصد هيهات، يعجز عن صفاتك شاعر ولو أنه المكتوف المتبغدد خذها إليك وقد قعدت بمرصد وألذ شيء موقعا ما يرصد رشت القريض وقد أخل بأهله عدم السماح وخطب دهر أنكد دامت لك النعمى التي ألبستها تبلي وتخلق بردها وتجدد وجميل ذكرك يا ابن حمدين على صحف المحامد بالثناء مخلد [182أ] في ذكر الأديب أبي بكر محمد بن عيسى الداني وسياقة جملة من متخير شعره كان أبو بكر شاعرا يتصرف، وقادرا لا يتكلف، مرصوص المباني، ممتزج الألفاظ والمعاني، وكان من امتداد الباع، والانفراد بالانطباع، كسيف الصقيل الفرد، توحد بالابداع وانفرد، لو كانت له مادة تفي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 666 بيانه، لكان أشعر أهل زمانه، وكانت أمه امرأة برزة فارسة دكان، وصاحبة مكيال وميزان، وعلى ذلك فقد كانت امرأة صدق، وفي حرفتها - على ما بلغني - صاحبة حق، مشتغلة ببيع لبنها، مقبلة على ما يعنيها من حال زمنها، حتى غلب اسم اللبن عليها، ونسب أولادها به إليها، وكانت لأبي بكر وأخيه [عبد العزيز] همة تعرضهما للصدور، وتترامى بهما إلى معالي الأمور، إلا أن أبا بكر كان أوسعهما في الأدب مجالا، وأكثرهما على صنعة الشعر إقبالا، ومال عبد العزيز إلى التجارة فحسنت طريقه، وحمدت خليقته، وكان له مع ذلك أدب دل على نبله، وشعر يستحسن من مثله؛ إلا أنه لم يرضه مكسبا، ولا اتخذه إلى أحد من الملوك سببا، فذهب عن أكثر الناس ذكره، ومات قبل موته شعره. وأما أبو بكر فتردد على ملوك الطوائف بجزيرة الأندلس تردد القمر في المنازل، وحل من ملوكها محل الحلي من صدور العقائل، يسحب على دولهم، ويقلب الطرف بين خليهم وخولهم، وخيم أخيرا في ذرى المعتمد بن عباد إذ كان أصدقهم نوءا، وأبهرهم في مطالع السؤدد ضوءا " فلما نبت صعاده، وأعوزه من دهره اسعاده، وصار إلى المغرب، وحل فيه محل المغترب، وغدرته الأيام غدر أهل خراسان لقتيبة، وفى له بالرحلة إليه وفاء الظعينة لعتيبة "؛ فلما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 667 زال ملكه، وانتثر سلكه، وتقلصت حواشي ظله، وأنكره أكثر أهله، وفد عليه أبو بكر وفادة دلت [182ب] على أن كرم العهد كما كان، وأن الوفاء لم يدرس رسمه حتى الآن، فنازعه بوسها، وعاطاه كؤوسها، ومدحه للوفاء، بأحسن مما مدحه للغناء، حتى كأن عبد الجليل إنما نطق بلسانه، وأعرب عن شأنه، حيث يقول: قضى الله أني في الثناء عليكم زياد وأني في الوفاء قصيرا وقد أشار إلى ذلك هو من مذهبه، حيث يقول في شعر مدحه به، وقد تقدم إنشاده في أخبار ابن عباد: جذيمة أنت والزباء خانت وما أنا من يقصر عن قصير وقد جمعت من أشعاره، ومستظرف أخباره، وأضفت إليها من سائر ملحه، وأوصافه ومدحه، ما يدل على وفائه، ويشهد ببراعة ذكائه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 668 جملة من شعره في أوصاف شتى قال يتغزل: بدا على خده عذار في مثله يعذر الكئيب وليس ذاك العذار شعرا لكنما سه غريب لما أراق الدماء ظلما بدت على خده الذنوب وهذا كقول عبد الجليل المرسي من شعر تقدم إنشاده: فطوقه الزمان بما جناه وعلق من عذاريه الذنوبا وقال: يا شادنا حل بالسواد من لحظ عيني ومن فؤادي وكعبة للجمال طافت من حولها أنفس العباد ما زدتني في الوصال حظا إلا غدا الشوق في أزدياد أعشى سنا ناظريك طرفي فليس يلتذ بالرقاد وقال: بدا على خده خال يزينه فزادني شغفا فيه إلى شغف كأن حبة قلبي حين رؤيته طارت فقال لها في الخد منه قفي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 669 وقال: يروقك في أهل الجمال ابن سيد كترجمة راقت وليس لها معنى حكى شجر الدفلاء حسنا ومنظرا فما أحسن المجلى وما أقبح المجنى وقال من قصيدة في المتوكل عند قدومه من بلاد الجوف، وقد أوقع بقوم بها من الجناة، أولها: مضيت حساما لا يفل له غرب وأبت غماما لا يحد له سكب وأصبحت من كاليك تقسم في الورى هبات وهبات هي الأمن والرعب [183أ] وقد كان جوف القطر كالجوف يشتكي سقاما فلما زرته زاره الطب رغا فوقهم سقب العقاب فأصبحوا نشاوى من البلوى كأنهم شرب ويا لجياد تحتهم مستقرة من الدهم لاجرد حكتها ولا قب إذا أمسكوا منها الأعنة خلتهم يبكوم خوفا أنها بهم تكبو وصيابة لما عصوك ببينهم دماؤهم حل وأموالهم نهب ملأت جذوع النخل منهم فأصبحت بهم كرحال شد من فوقها قتب فلا مقلة إلا وأنت لها سنا ولا كبد إلا وأنت لها خلب ولله يوم الأوب منك كأنه وحيد من الأيام ليس له صحب ولما رأوك استقبلوك بأوجه عليها سمات من ودادك لا تخبو الجزء: 6 ¦ الصفحة: 670 ومالوا إلى التسليم فوق جيادهم كما مالت الأغصان من تحتها كشب فقضوك ما قضوا وهم للعلا ردا وداروا كما دارت وأنت لهم قطب كتائب نصر لو رميت ببعضها بلاد الأعادي لم يكن دونها درب وما هي إلا دولة مسلمية بها انتظم المأمول والتأم الشعب كرمت ولا بحر حكاك ولا حيا وفت فلا عجم شأتك ولا عرب وأوليتني منك الجميل فواله عسى السح من نعماك يتبعه السكب وله من أخرى فيه يعاتبه: نبا بيدي حسام من رضاكا فوافتني النوائب عند ذاكا فيا صرف الزمان ويا دجاه وقد صرفت جفوني عن سناكا يقين رضاك لم ألبسه حتى أفضت علي من شك شكاكا وكيف يقيم عندك من رمته خطوب الدهر في أعلى ذراكا فلا ناديك يحضره لأنس ولا في وقت تأميل يراكا وما قلقت ركابي عنك إلا وقد حلأت رائدها حماكا وما ذنب الفراق على محب حويت وداده وطوى قلاكا [183ب] تجاوز فيك ودي كل حد ولكن التجاوز ما أطباكا ولو يؤتى مناه نور طرفي لما أوما إلى أحد سواكا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 671 ثناك عن القبول علي واش ولكن عن هباتك ما ثناكا وأعجب كيف حالت منك حالي ولم تدر السآمة من حلاكا فكيف أثمت في تعذيب قلبي وما عقدت على حوب حباكا أطعت علي من لا مت حتى أرى مثواه مثوى من عصاكا محا حسنات قصدي وانقطاعي ببينة أقام لها دراكا فجنب ماء بشرك عن جنابي ونفر طير حظي من رباكا ووفر راتبي قبل ارتحالي كأن به استدل على غناكا عرض في هذه القصيدة بأبي الحسن بن الأستاذ، وكان ولاه عمر بن محمد ببطليموس خطة الأشراف، فقطع جراية جملة نت الأضياف، وكان يلقب بالمتنبي، ويغضب إذا سمع هذا اللقب، فقال أبو بكر الداني: معشر الأضياف ضجوا قد أتى الدهر بآية قد أتاكم بني شرعه قطع الجرايه فطار هذان البيتان فيه، وكانا السبب في أن نكب. وقال فيه أبو محمد بن عبدون: يا أيها المتنبي من أرض وادي الحجاره وعرضه من زجاج ووجهه من حجاره وفيه يقول أيضا من أبيات: أيا نبي الكفر خف سطوة تأتيك من فرعونك المسلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 672 ومن قصيدة أبي بكر المتقدمة الذكر: وهبة أطاق عن مثواك صرفي أيقدر صرف قلبي عن هواكا وان تك مرة عثرت جيادي فما قدمت من سبق كفاكا ولو كل السهام أصاب قصدي لما كلنا إلى الأقدار ذاكا وقالوا ليس لي أدب سني لقد زعموا مع الغيب اشتراكا وهل قذف الجواهر غير بحري فحى كم يطيقون ابتشاكا [184أ] ستعلم بعد سيري أي علق لأجياد العلا نبذت يداكا وأي شذا أبيت له انتشاقا وكان نسيمه بالحمد صاكا وكان أبو بكر هذا قد رحب ببطليموس مثواه، وأجزل صاحبها قراه، إلى أن مل وارتحل؛ واجتمعت به بعد بقرطبة. فأنشدني لنفسه وقد ندم على فراق بطليموس: رضى المتوكل فارقته فلم يرضني بعده العالم وكانت بطليموس لي جنة فجئت بما جاءه آدم ثم وجدت أبا عامر بن الأصيلي قد أثبت هذين البيتين في شعره بخطه، وقد بدل بعض اللفظ فقال في صاحب المرية: جناب ابن معن تجنبته فلم يرضني بعده العالم وكانت مريته جني فجئت بما جاءه آدم وهذا المعنى قد تقدم للقائل قبلهما من شعراء الدولة العامرية: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 673 عوضت من قرطبة يابره تلك لعمري كرة خاسرة كآدم حين عصى ربه عوض بالدنيا من الآخرة وقال الفكيك في مثله: لهفي على بغداد من بلدة كانت من الاسقام لي جنه كأنني عند فراقي لها آدم لما فارق الجنه [رجع] وقال أبو بكر من قصيدة في آل عباد: وقف الفراق أمام عيني غيهبا فقعدت لا أدري لنفسي مذهبا يا موقدا بجوانحي نار الأسى رفقا فماء الدمع قد بلغ الزبى نبت الصبى في صحن خدك روضة لو لم يدب الصدغ فيها عقربا وكفاك حبس الحسن نوعيه فمن برد أذيب ومن عقيق ألهبا [ومنها] : أعددت من جنح الدجنة جنة وتخذت من خطف البوارق مركبا وذهبت أطلب حيث ينبعث الندى فوجدت في كف الرشيد المطلبا [184ب] ملك إذا معنى غريبا في العلا وغدت به الأيام لفظا معربا أجلى من السيف الصقيل المنتضى صفحا، وأمضى من ظباه مضربا حاورته فلقطت منه جوهرا ونظرته فرأيت منه كوكبا رطب اللسان كأن في ألفاظه راحا معتقة وشدوا مطربا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 674 يلقى الكماة فتنثني مذعورة فكأنه أسد يمر على هبا راقت على علياته آدابه فكأنها زهر تفتح في ربى تلقى بكل مكانة يسعى بها عينا مفجرة ومرعى مخصبا يهب الديار المستقرة، والهضا ب المستقلة، والبسيط المعشبا والسابري مضاعفا، والسمهري مثقفا، والمشرفي مشطبا والجيش في ظل اللواء مؤيدا والخيل في وهج الكريهة شزبا وهذا كقول أبي بكر بن عمار من شعر تقدم إنشاده: يختار إذ يهب الخريدة كاعبا والطرف أجرد والحسام مجوهرا [وله أخرى في المعتمد: يا رب خدر زرت مضجعها من مكمني والدجى الغريب معتكر ضممتها ضم مشتاق إلى كبدي حتى توهمت أن الحلي منكسر تعجبت من ضنى جسمي لها: على هواك، فقالت: عندي الخبر ومنها: لا غرو أن يتسمى غيره بعلا وما له في العلا رأي ولا نظر وقد يسمى سماء كل مرتفع وإنما الفضل حيث الشمس والقمر ومنها: كم جاعل قصري عيبا أعاب به وهل يضير طويل الساعد القصر لما تناهيت علما ظل ينقصني عند الكمال يصيب النير السرر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 675 وفي الغراب إذ فكرت مغربة من فرط إبصاره يعزى له العور ان ضعت والشعر مما قد علمت به ونال جودك أقوام وما شعروا فالجواد كالمزن قد يسقى بصيبة شوك القتاد ولا يسقى به الزهر أبثك البث عن قلب به حرق وليس عن غير نار يرتمي الشرر ان لم أكن أهل نعمى أرتجيك لها فالسلك خيط وفيه تنظم الدرر كلني إلى أحد الابناء ينعشني ما لم يكن لي بحر فليكن نهر قد طال بي أقطع البيداء متصلا وليس يسفر عن وجه المنى سفر كأنما الأرض مني غير راضية فليس لي وطن فيها ولا وطر إن الهموم مع الأعمار ماشية لا ينقضي الهم حتى ينقضي العمر جد بالقليل وما نزر تجود به يا ماجدا يهب الدنيا ويعتذر قوله: " وفي الغراب إذا فكرت مغربة " أذكر به بيتين لبشار أدق معناهما، وألغز سيماهنا، وهما: تخبرني طير الفراق بسيرة أبارك يا طير الفراق مبير تسميت عوراء وأنت بصيرة ألا ليتني أعمى وأنت بصير قوله: " ولا يسقى به الزهر " - البيت، كقول الخليل بن أحمد: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 676 والمال يغشى أناسا لا خلاق لهم كالسيل يغشى أصول الدندن البالي وأخذ أبو تمام فقال: لا تنكري عطل الكريم من الغنى فالسيل حرب للمكان العالي وكرر في موضع آخر فقال: نزلوا منزل الندى وذراه وعدتنا عن مثل ذاك العوادي غير أن الربى إلى سبل الأن واء أدنى والحظ حظ الوهاد وقلب بعض أهل عصرنا هذا المعنى فقال: حسبي من المال أغراهم وغيرهم علم تتيه به الأقلام والصحف والحزن إلا يكن والأمر مشتبه فيه الغدير فثم الروضة الأنف وقوله: " فالسلك خيط وفيه تنظم الدرر " يشبه قول بعضهم: وإن لم أكن أهلا لما قد سألته فقد عطلوا اليمنى وقد حلوا اليسرى ويتعلق بذيل هذا المعنى قول الجزيري: ان البنان الخمس أكفاء معا والحلي دون جميعها للخنصر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 677 وقال أبو العلا: ومن فضل ذي كسيت خاتما يروق وعريت البصر وقوله " كم جاعل قصري " - البيت، كقول الآخر: لا قتضي بي صغارا عندكم صغري فالسهم يصنع ما لا تصنع الخذم وقال الداني من أخرى: ألقاهم والظبا ما دونهم فأرى أني على صور في الماء أطلع جاروا على الريح فاستعلت رماحهم دون المهب فما للريح متسع وضاعفوا حلق الماذي فوقهم ألا ترى من سناهم بيننا لمع بدائع الحسن لم تؤتى حقيقتها لغيرهم فلذا أفعالهم بدع ويح المحبين مما بالهوى فتنوا ظنوا النصائح فيها أنها خدع لا تؤت نصحك مفتونا بمذهبه فما لأعمى بضوء الصبح منتفع] لم آت من جهة النعمى إلى أحد إلا تمكن لي في قلبه ولع ولا لمحت ابن عباد بناحية إلا حسبت عمود الصبح ينصدع ملك يضيء ويبدي منظرا وندى والجو محلولك والغيث منقشع عذب المناجاة ما في نطقه خطل وطاهر الذات ما في طبعه طبع يعد للأمر قبل الأمر واجبه كأنه كاهن فيه لما يقع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 678 ولن يضيق له ذرع بمعضلة فالبر والبحر في حوبائه يسع من سر لخم ولخم حيث ما شهدت تقدمت وبنو العليا لها تبع قوم يوالف سيماهم طهارتهم كأنهم بطباع المزن قد طبعوا يا وارث المجد عن شم غطارفه بهم أنوف الخطوب الشم تجتدع ان كان مجدك شعرا في نفاسته فإنما أنت بيت فيه مخترع وهذا كقول أبي الطيب: ذكر الأنام لنا فكان قصيدة كنت البديع الفرد من أبياتها وكذلك بيته المتقدم حيث قال " فما لأعمى بضوء الصبح منتفع "، من قوله: وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم وكرر أبو بكر هذا المعنى وتصرف فيه، وكثيرا ما يولع بترديد ألفاضه ومعانيه، كقوله: ومن يسد عليه الضوء باصره فليس ينفعه أن الضحى باد وكان أبو بكر قد حضر في غزاة يوم الجمعة المتقدمة الذكر فلما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 679 ورد حضرة اشبيلية وتعذر عليه رؤية المعتمد كتب إليه شعرا قال فيه: يا من عليه من المكارم والعلا برد بتطريز المحامد معلم هل نظرة توحي إلي، وعطفة تندى علي، ورأفة تترحم وعسى أراك بحيث ينبعث الندى ولقد رأيتك حيث ينبعث الدم قد كنت في أرض الوغى أجني الردى وأنا بروض الجود لا أتنسم ما كان بين يديك غيري والظبا متلفعات والقنا متحطم قد رشتني سهما فرشني طائرا وكما نفذت فإنني أترنم وكتب أيضا إليه [في ذلك] بشعر قال فيه: أحدث عن الوغى ملء منطقي وأسأل عن يوم النوال فأسكت وأراه ألم في هذا المعنى، وان لم يكن به، بقول أبي العتاهية في عمر بن العلا: يا ابن العلاء ويا ابن القرم مرداس إني امتدحك في صحبي وجلاسي أثني عليك ولي حال تكذبني في ما أقول فأستحيي من الناس حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد طأطأت من سوء حال عندها راسي وقال الآخر: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 680 فاختر لنفسك ما أقول فإنني لا بد أخبرهم وإن لم أسأل وقال ابن زيدون من شعر قد تقدم إنشاده: وأي جواب منك ترضى به العلا إذ سألتني عنك ألسنة الحفل [185ب] وقوله: " قد رشتني سهما - " البيت، معنى مشهور موضعه، باهر مطلعه، فأخذه أبو بكر فنقله نقلا مليحا، وزاد فيه إحسانا صريحا، والذي نبهه عليه قول المعري: وحالا كريش النسر بيننا رأيته جناحا لشهم آرض ريشا على سهم ومن شعر أبي بكر في صاحب ميورقة قصيدة أولها: خلعت عذاري في عذار على خد حكى خضرة الريحان في حمرة الورد صقيل كمثل السيف أخضر مثله يبيت ولكن من فؤادي في غمد ومما شجاني شكل شاربه الذي تمثل قوسا مثل مبسمه البرد كفاني أني بالزبرجد أشتكي فقد صار لي قفلا على الدر والشهد يقر بعيني أن أزور كناسة ولو كان محفوفا بضارية الأسد ويقنعني سعدي لدى ناظر العلا وإن كان لي في كل واد بنو سعد ومنها في المدح: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 681 هو الدهر في تصريفه لصروفه فمن جهة يحيي ومن جهة يردي خصيب نواحي الفضل يضحك كله عن المكرمات السبط والحسب الجعد فقل في أياديه رياضية الذرى وقل في معاليه هضابية المجد إليه، وإلا قيدوا قدم السرى وفيه، وإلا أخرسوا منطق الحمد يطالع عن صبح، وينهل عن حيا ويخطف عن برق، ويقصف عن رعد وعنه أفيضوا إنه مشعر العلا وحوليه طوفوا إنه كعبة القصد وألغوا حديث البحر عند حديثه فكم بين ذي جزر وكم بين ذي مد يؤثر في الأفلاك من بعد غوره كتأثير نور الشمس في الأعين الرمد تحصصت أحيانا بلخم ويعرب وظاهرت أحيانا بغسان والأزد ولما حللت الناصرية أقبلت إليك وفود الشعر وفدا على وفد وثقت به ضيفا على رغم حاسدي كأني وقف ضاق منه على زند [186أ] سكنت له حتى أرقت وإنما كمنت كمون النار في حجر الزند تقيسني الأعداء في مهجاتها كمن قاس في أوداجه ظبة الهند وتحسب في عودي ليانا وإنه لفي السر من نبع وفي الجهر من رند عهدت مع الفتخ الكواسر طائرا وها أنا مشاء مع النعم الربد ويا عجبا من جهل كل فراشة تعارض مصباحي ليحرقها وقدي وأيقظ من صل خلقت وها أنا يسامرني من ظل أنوم من فهد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 682 شكرتك عن ود وليس مركبا من الشكر إلا من بسيط من الحمد وفيك جرعت الذل، والعز عادتي فلي شيمة المولى ولي شيمة العبد وله فيه وقد طاف به ألم: شكا لشكواك حتى الشمس والقمر وبات در الدراري الزهر ينتثر وراحت الريح لا يذكو لها عبق وأصبح الروض لا يندى له زهر وقلص الظل في فصل الربيع لنا فكادت الأرض بالرمضاء تستعر والماء غاض لنا غيضا فما نبعت عين ولا سال في بطحائها نهر والسحب صاحبها ذعر فما نشأت ولا استهل لها فوق الربى مطر ومعدن الدر والياقوت غيض به فلم يصب فيه من احجاره حجر وحل بالطيب في دارين دائرة فظل يمسك عنها مسكها الذفر يومان غبت فغاب الأنس أجمعه وأي أنس إذا ما غبت ينتظر يا ناصر الملك إن الملك وجه علا وليس غيرك فيه السمع والبصر إبلال جسمك أهدانا بليل صبا فعاد عهد الصبا واستبشر البشر وسعي به إلى ناصر الدولة وبغي، ونبذ حق نباهته وألغي، فلم يرع انقطاعه، ولا جازى إحسانه وإبداعه، وكانت عادته في غير ما طارىء ولا ضيق، النفي أو السيف، فلم يفتح مع أبي بكر في إحداهما باب، ولا أغبه جزع وارتياب، فكتب إليه يستصرخه فقال: عسى رأفة في سراح كريم أبل ببرد نداه الغليلا [186ب] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 683 وعلي أراح من الطالبين فأسكن للأمن ظلا ظليلا ومن بله الغيث في بطن واد وبات فلا يأمنن السيولا أفر بنفسي وإن أصبحت ميورقة مصرا وجدواك نيلا وله يمدحه4: عرج بمنعرجات واديهم عسى تلقاهم نزلوا الكثيب الأوعسا اطلبهم حيث الرياض تفتحت والريح فاحت والصباح تنفسا مثل وجوههم نجوما طلعا وتخيل الخيلان شهبا كنسا وإذا أردت تنعما بقدودهم فاهصر بنعمان الغصون الميسا بأبي غزال منهم لم يتخذ إلا القنا من بعد قلبي مكنسا لبس الحديد على لجين أديمه فعجت من صبح توشح حندسا وأتى يجر ذوائبا وذوابلا فرأيت روضا بالصلال تحرسا لا ترهب السيف الصقيل بكفه وأرتهب لعاذله العذار الأملسا رام العدا عذلي عليه ففتهم والنجم ليس بممكن أن يلمسا وفككت بغيهم ففزت وهكذا فك الصحيفة خلص الملتمسا وإذا وصلت إلى الأمير مبشرا فاجعل بساطك في ثراه السندسا وكان بينه وبين الوزير أبي القاسم زمام ائتلاف، ومعاطاة سلاف، فلما دخل ميورقة تجدد دارسه، وعادت آجاما مكانسه، وكان أبو بكر يظن أن هذه الموات تنفقه وإن كسد، وتخلصه ولو حصل في لهوات الأسد، ولم يعلم أن لا جديد لمن لم تخلقه الأيام ولم تبله، ولم يسمع: " وجدت الناس اخبر تقله "؛ فلما تغير له ناصر الدولة وتنكر، ورأى من قعود أبي القاسم عنه ما أنكر، هب من غفلته، واحتال في تفلته، فلاذ بالفرار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 684 وعاذبني حماد بحكم الاضطرار، وجعل يستنزله من هناك ويستعطفه، ويداريه ويستلطفه، ليمن باعادته، وصرفة إلى عادته، فمن ذلك: نسيمك حتام لا ينبري وطيفك حتام لا يعتري [187أ] أعيذك من عرض أن تكون وأنت الذي كنت من جوهر أتذكر أيامنا بالحمى وأيامنا بذوي الأعصر ألا رأفة من وفي كريم ألا عطفه من سني سري رمى زحل في أظفاره وحل فداعبني المشتري عطارد هل لك من عودة فأرجع منك إلى عنصر سيشتاقني الملك مهما أراد لباس نسيج من المفخر ولو أن كل حصاة تزين ما جعل الفضل للجوهر ولما نوى الانفصال، خاف الانتهاب والاستئصال، فأراد أن يكتم ذلك الفرار، ويطوي إعلانه في الاسرار، وخشي أن يفطن لخروجه، ويطلع عليه من خلال فروجه، فعزم على موادعة بعض الإخوان، ومطالعة في ذلك الخوان، فكتب إليهم: أقول تحية وهي الوداع خداعا لي وما يغني الخداع أعلل بالمنى قلبا شعاعا وهل يتعلل القلب الشعاع وأترك جيرة جاروا وأشدو " أضاعوني وأي فتى أضاعوا " إذا لم يرع لي أدب وبأس فلا طال الحسام ولا اليراع لقد باعتني الأيام بخسا وعهدي بالذخائر لا تباع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 685 أجفتني فلم ينبت ربيع وحطني فلم يثبت يفاع ومكنت العدا مني فعاثت بلحمي ضعف ما عاث السباع وقال يخاطب ناصر الدولة مودعا وعاتبا: سلام على المجد يندى بليلا كنشر الربى بكرة وأصيلا سلام وكنت أقول الوداع ولكن أدرج قلبي قليلا وله عند خلع المعتمد: أستودع الله أرضا عندما وضحت بشائر الصبح فيها بدلت حلكا كان المؤيد بستانا بساحتها يجني النعيم وفي حافاتها فلكا [187ب] في أمره لملوك الأرض معتبر فليس يغتر ذو ملك بما ملكا نبكيه من جبل خرت قواعده فكل من كان في بطحائه هلكا ما سد موضعه، ألرزق سد به طوبى لمن كان يدري أية سلكا وله فيه من أخرى: أخذت عليك مسالك السلوان حدق المها وسوالف الغزلان يقول فيها: زمن المشيب زمانه ولربما زادتك فيه خيانة الإخوان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 686 زادوا جفاء فانتقصت مودة ومن الزيارة موجب النقصان أنا مثل مرآة صقيل صفحها ألقى الوجوه بمثل ما تلقاني كالماء ليس يريك من لون سوى ما تحته من صبغة الألوان وهذا مثل قول الآخر: أنا كالمرآة ألقى كل وجه بمثاله ومن المدح: ملك إذا عقد الغفائر للوغى حل الملوك معاقد التيجان وإذا غدت راياته منشورة فالخافقان لهن في خفقان ضبط الأمور ثقافة فأعادها في شد أسنان على أسنان عضت على الأملاك دولته به عض الثقاف على قنا المران ولقلما يفري الحسام ضريبة إلا وحامله حسام ثان والدرع ليست جنة ما لم يكن طي الحديد [به] حديد جنان عن ناصر الأملاك حدث واطرح ما قيل عن كسرى وعن ساسان من قومه العرب الأولى خيماتهم لم تبق آونة على الإيوان حنت إلى أرماحهم مهج العدا وكذا الطيور تحن للأوكان يمنية حجزاتهم فلذلكم لم تخل من ماضي الغرار يماني يخفي المكارم وهو يوقد نارها فكأنها نار بغير دخان ويجيء نوء بنانه بغربية تروي الربى والشمس في السرطان [188أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 687 فعلت بآمالي عوارف كفه ما تفعل الأرواح بالأبدان أسدى إلي من الصنائع مثلما أسدت أوائله إلى حسان يا منشىء العلياء بعد مماتها تفنى النجوم وما ثناؤك فان الأرض حاجتها إليك بطبعها كالعين حاجتها إلى الإنسان عالج بسيفك ما وراء بحورها فعليلها في أضعف البحران لا تشغلنك خدعة فلربما في الكتب سر ليس في العنوان والخبر يجلو كل شيء مثلما تجلو الشكوك إقامة البرهان ثر ثورة السفاح تصفر بالعدا ولو استقل بهم بنو مروان عجبا لأعياد أتتك ثلاثة متناسقات في اتساق زمان الفتح عيد والعروبة مثله والنحر عيد رائع الريعان فكأن نجم المشتري في سعده والنيرين تجمعت لقران ملأ البسيطة فيه جندك كثرة فكأن جندك جاء من غسان هللت صبحته بنية مخلص فتهللت بك صفحة الإيمان خذها إليك نسيج شكر حاكه ذهني وطرز جانبيه لساني كلهم هو السحر الحلال وما أرى سحرا حلالا غير سحر بياني يا حاقرا قدري وقدري فوقه ليس الرجال تكال بالقفزان عبتم رطوبة منطقي فكأنكم عبتم فتور اللحظ من وسنان وجهلتم أن القلادة لؤلؤ فنحتم الأحجار من ثهلان أنا شمسكم، إن لحت غبتم، أوأغب أبقيت فيكم فضلة اللمعان ووردت على الأمير مبشر بن سليمان بميورقة قصيدة من نظم أبي المظفر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 688 البغدادي، أولها: هو طيفها وطروقه تعليل فمتى يفي لك والوفاء قليل وكأن زورته تخيل بارق فتقت به النكباء وهي بليل فالقد من مرح الصبا متأود واللحظ من ترف النعيم عليل [188ب] والخصر مما خف جال وشاحه قلقا وما وارى الإزرار ثقيل اقصر من الإدلال فهو على النوى ما دام يجلبه الدلال دليل ودع الوشاة فكل ما يحكونه عند اللقاء يزيله التأويل ووراء وصلكم القصير زمانه هجر كما شاء الغيور طويل لو دام قبلكم اجتماع لم يذق ألم مالك وعقيل ومنها: فرحلت والنفس الأبية حرة والعزم ماض والحسام صقيل بقصائد قست الليالي واكتست منها فرقت بكرة وأصيل خضلت بدجلة والعراق ذيولها فاهتز من طرب إليها النيل فأقمت حيث العز أبلغ والندى جم وظل المكرمات ظليل سمح وان كثر العفاة بماله وبماء أوجه سائليه بخيل ومسدد العزمات لا يغتالها خطب كما اعتكر الظلام جليل ويصيب أعقاب الأمور إذا أرتأى عفوا، وآراء الرجال تفيل وإذا الوغى حدر الكماة لثامه ومشى بسر المشرفي صليل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 689 ورماحه توجن من هام العدا ولخيله بدمائهم تنعيل من معشر لهم السماحة شيمة والمجد ترب والنجوم قبيل نفضت إلى أكنافهم لمم الربى أيدي الركائب سيرهن ذميل شرقت بنغمة شاعر أو زائر ودعا هديل فاستجاب صهيل لكم المعلى والرقيب من العلا وبكم أفاض قداحخن مجيل وسعيت للعلياء حتى أيقنت أن الأوائل سعيهم تضليل واها لعصرك وهو يقطر نضرة ويميس تحت ظلاله التأميل فكأنه ورد الخدود إذا اكتست خجلا وكاد يزينها التقبيل أين المدى ولقد بلغت من العلا رتبا ترد الطرف وهو كليل فكلف أبا بكر الداني معارضتها فقال: [189أ] في الطيف لو سمح الكرى تعليل يكفي المحب من الوفاء قليل وينوب عن شخص الحبيب خياله إن لم يكنه فإنه تمثيل برق السماء على الغمام علامة وسنا الصباح على النهار دليل والروض إن بعدت عليك قطوفه وفدتك عنه الريح وهي بليل حسب النسيم من اللطافة أنه صحت به الأجسام وهو عليل وبمهجتي نجم له في مهجتي مسرى ولي في قربه تعديل حولت عهد مناخه بمناخه فقضى بتحويلي لي التحويل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 690 في مثل لمته سريت وفي يدي سيف كطرة عارضيه صقيل شفق وشارقة لديه ورقة فكأنما هو بكرة وأصيل وتنوفه واصلتها بتنوفه لا يستبين بها إليك سبيل تقف الرياح بها مقيدة الخطى ويظل طرف النجم وهو كليل لا يلتقي طرف إلى طرف بها فالباع فيها واحد والميل وركبت ما ترك الوجيه ولاحق لا ما تخلف شدقهم وجديل ورميت عن قوس تنير لي الدجى مما يخولني القنا وينيل وكأنه قزح على أفق الضحى وعلى جبين مبشر إكليل ملك كما اتقد الصباح وراءه ظل كما برد المساء ظليل جاورت منه البحر إلا أنه عذب كما رشف اللمى تقبيل وصبوت حيث تغازلت همم العلا فلها إلي من السماك رسيل كنف يرود الغيث خصب جنابه ويبيت فيه الدهر وهو نزيل قرم له فلك البروج محلة والبدر جار والشموس قبيل وإذا رنا الرمح طرف شاخص واحمر خذ للحسام أسيل وشدا صهيل مطرب فأجابه من نحو ألسنة الغمود صهيل وقف الوغى منه على ذي هيبة يقف العزيز لديه وهو ذليل [189ب] ومنها: وأتتك من بغداد بكر ما لها غيري وان كثر الرجال كفيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 691 غذيت بماء الرافدين وربما قد بل عطفيها بمصر النيل جمعت وشعري في بساطك مثلما جمعت بثينة في الهوى وجميل ان لم يفتها أو تفته به فلا تفصيل بينهما ولا تفصيل انا ذاك لو أني أكون لكندة ما فاتني فيها الفتى الضليل لا عيب لي إلا النحول رضيته ان المهند قاطع ونحيل وكان أبو بكر الداني مع جودة شعره يخلط أمره كله من أوله إلى آخره عجب يخل به وبأدبه، فلا تزال عقده تنحل عند من يحتل به، حتى يرجع على عقبه، إذ كان أعجب الناس تهافتا ما بين قوله وفعله، وأحطهم في هوى نفسه، وأهتكهم لعرضه، وأجرأهم على ربه، له في هذا الباب أخبار مشهورة، وأغراض مذكورة، وكان خروجه عن صاحب ميورقة على السبيل، بعد أن ساء فيه القال والقيل، فاعتذر إليه بهذه القصيدة، وهي آخر شعر قاله فيه، أولها: [سلام على المجد يندى قليلا كنشر الربى بكرة وأصيلا] سلام وكنت أقول الوداع ولكن ادرج قلبي قليلا ومنها: جرحت لديك وكنت البريء كما يجرح اللحظ خدا أسيلا [أخاف عليه انصداع الصفاة ألا يكون زجاجا عليلا] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 692 ولو لم أكن ماضي الشفرتين لما فلني الدهر سيفا صقيلا [تسر ضآلتي الشامتين وهل خلق الصل إلا ضئيلا] أتت ذلة منك محبوبة فلم أرض بالعز منها بديلا تكلفت فيها سواد الخطوب فأشبه عندي طرفا كحيلا ولولا مقامي بين العداة لما كنت أوثر عنك الرحيلا ومن بله الغيث في بطن واد وبات فلا يأمنن السيولا عسى رأفة في سراح كريم أبل ببرد نداه الغليلا لعلي أراح من الطالبين فأسكن للأمن ظلا ظليلا لقد أوقدوا لي نيرانهم فصيرنب الله فيها خليلا [190أ] يمينا بكم وهو أزكى يمين لألتمس العذر منكم جميلا سعوا لي عندك في عثرة ولا علم لي فكرهت المقيلا أفر بنفسي وإن أصبحت ميورقة مصرا وجدواك نيلا وله أيضا من قصيد طويل: هلا ثناك علي قلب يخفق فترى فراشا في فراش يحرق وغرقت في دمعي عليك وعقني طرفي فهل سبب به أتعلق هل خدعة بتحية مخفية في جنب موعدك الذي لا يصدق أنت المنية والمنى، فيك استوى ظل الغمامة والهجير المحرق لك قد ذابله الوشيج ولونها لكن سنانك أكحل لا أزرق يا من رشقت إلى السلو فردني سبقت جفونك كل سهم يرشق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 693 ويقال إنك أيكة حتى إذا غنيت قيل هو الحمام الأورق لو في يدي سحر وعندي أخذة لجعلت قلبك بعض حين يرفق جسدي من الأعداء فيك لأنه لا يستفيق لطرف طيف يرمق لم يدر طيفك موضعي من مضجعي فعذرته في أنه لا يطرق ومنها في المدح: وكأن أعلام الأمير مبشر نشرت على قلبي فأصبح يخفق ملك - بفتح اللام - جوهر هديه من جوهر الشمس المنيرة أشرق الخيزرانة تلتظي في كفه والتاج فوق جبينه يتألق فكأن صوب حيا وصعقه بارق ما ضم منه نديه والمأزق بأس كما جمد الحديد، وراءه كرم يسيل كما يسيل الزئبق ضدان فيه لمعتد ولمعتف السيف يجمع والعطاء يفرق عبقت بنار الحرب نفحة عوده ما كل عود في وقود يعبق وانهل من كفيه نوء مغرب سيان فيه مغرب ومشرق [190ب] تلقى العفاة يمينه وكأنها قلب إلى لقيا الأحبة شيق يا أول الأعداد في أهل الندى ولأنت في جم الكريهة فيلق شهرت علاك فما يشار لغيرها والخيل أشهرها الجواد الأبلق بشرى بيوم المهرجان فأنه يوم عليه من احتفالك روبق وعلى الخليج كتيبة جرارة مثل الخليج كلاهما متدفق وبنو الحروب على الحرابي التي تجري كما تجري الجياد السبق خاضت غدير الماء سابحة به فكأنها هي في سراب أينق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 694 هزت مجاذيفا اليك كأنها اشفار عين للرقيب تحدق وكأنها اقلام كانت دولة في عرض قرطاس تخط فتمشق يا ناصر العلياء دونك من فمي درا على اجياد جودك ينسق ويقل فيك الشهب لو هي أحرف والليل حبر والمجرة مهرق شكرا لأنعمك التي البستني منها الشبيبة حين شاب المفرق فيأتني ظل الندى واشدت لي ذكرا هو الريحان بل هو اعبق تبا لمحطوط يروح مكاثبي والنجم من اذيالها متعلق من كان ينفق من سواد كتابه فأن الذي من نور قلبي أنفق وله: يا ذا الذي حج عهد الصبا فمضى عنا هلالا ووافى نحونا قمرا اما الجمار فمن قلبي رميت بها كما بآخر عمري كنت معتمرا صف المنازل لي كيف انتقلت بها فما نقلت لبدر بعدك البصرا عن بئر زمزم حدثني في ظمأ وان في فيك منه الري والخصرا وشفع الحجة الاولى بثانية بأن أقبل ثغرا قبل الحجرا وله: وابأبي ذلك من حاسب خط استواء الحسن في خده لما رآني في الهوى واحدا أسقطني للآس من عده يقرأ باب الضرب في مهجتي ولا يسعي لي سوى بعده [191أ] ويلزم الطرح لو صلي فلا أنفك طول الدهر من صده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 695 معاملات ليتها لم تكن أو ليت ما أبداه لم يبده وله: والدهر في صبغة الحرباء منغمس ألوان حالاته فيه استحالات ونحن من لعب الشطرنج في يده وربما قمرت بالبيدق الشاة وله: نعمت به والليل مدة ناظر فصار من السراء غمرة حاجب كأني شربت الليل في كاس ذكره فلم أبق فيه فضلة للكواكب وهذه كقول الآخر: عهدي بها ورداء الوصل يجمعنا والليل أطوله كاللمح بالبصر فالآن ليلي مذ غابوا فديتهم ليل الضرير، فصبحي غير منتظر وهذا الباب فيه طول، وقد شرطت أن اجتزىء عن الكثير بالقليل. ومن كلمة له: نتيجة عقل الفتى فعله بما عنده يقذف المعدن وله من أخرى: قدمت ربيعا والربيع كأنما تأخر وترا إذ تقدمته شفعا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 696 هل نسق وافيتما ووفيتما فكنت حيا سكبا وكان حيا نبعا صباح الأماني أنت أطلعته ضحى واصل المعالي أنت أنبته فرعا أيا ضيف لم تنزل فناءك وحده بلى قد نزلت العين والقلب والسمعا إليك ودادي ان تشهيته قرى ودونك صدري ان رضيت به ربعا ودونك خدي فانتعله ومهجتي فشد على نعليك ناظرها شسعا وهبني شفاء النفس منك فطالما بكيت نجيع القلب بعدك لا الدمعا ذكرتك والآمال نحوك عطش وقد منعوها الخمس بعدك والربعا وكم ذر لي من أفق بشرك شارق ولليل قطع ما أؤبه قطعا صغرت مكانا إذ كبرت دراية كأني مبني على خلقة الأفعى كتبت أهز المجد في حال حيرة كمائم إذهزت وقد جازت الجذعا [191ب] ودونكها رقت وراقت محاسنا فما الروضة الحسناء تشبهها طبعا وله: وعلقته في الحب علق مضنة أرخصت فيه العمر وهو ثمين بعت الحياة بنظرة من حسنة وبدا إلي بأنه المغبون ولقد يلوح كما تكشف معصم فترى الوشاة كما استدار برين وكتب إلى أبي الفضل بن شرف مشيرا عليه بمدح ابن مهلهل من وادي آش: يا روضة أضحى النسيم لسانها يصف الذي تخفيه من أراجها ومن اغتدى وقد اهتدى لطريقة ما ضل من يسعى على منهاجها طافت بكعبتك المعالي إذ رأت أن النجوم الزهر من حجاجها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 697 شغلت قضيتك النفوس فأصبحت مرضى وفي كفيك سر علاجها هلا كتبت إلى الوزير بقطعة تصبو معاطفه إلى ديباجها يجد السبيل بها ولادتك عنده وتنير سعيهم بنور سراجها أنت السماء فبانتهائك رفعة أطلع علينا الشهب من أبراجها وضحت مفارق كل فضل عنده فاجعل كلامك درة في تاجها فأجابه فقال: يا منجدي والدهر يبعث حربه شعثاء قد لبست رداء عجاجها لله درك إذ بسطت إلى الرضى نفسا تمادى الدهر في إحراجها وأرقت ماء الود في نار الأسى كالراح يكسر حدها بمزاجها فيأتي تلك الغمام فبردت من غلة كالنار في إنضاجها فأويت تحت ظلالها ووجدت بر د نسيمها وكرعت في ثجاجها هيهات أن تثنى النفوس لوجهة من بعد ما رجعت على أدراجها من ذا يرد العصم عن غلةائها أو من يصد البزل عند هياجها أأزيد في أمري وضوحا بعدها قامت براهنه على منهاجها فأكون أن زدت الصباح أدلة خرقاء تمشي في الضحى بسراجها [192أ] دعني أبرد بالقناعة غلة يأس النفوس أتم في إثلاجها بكر بخلت على الزمان بوجهها ومنعتها من ليس من أزواجها وضربتها محجوبة بصوانها مثل السلوك تصان في أدراجها فالنفس إن ثبتت على أخلاقها أعيا على النصاح طول لجاجها وله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 698 تذكرت عهدا للصبا لو سقيته حيا المزن ما أروته تلك المواطر زمان لياليه تكنفها الصبا بستر وهن الواضحات الزواهر ولي التصابي والركون إلى الهوى عواذل إلا أنهن عواذر رأين هوى ملء العنان يهزه من العيش غصن قاهر الماء ناضر فأقبلن ينهين الفؤاد عن الهوى وهن بما مرضن مني أوامر وله: في القيظ ما يدعو البياض للأبس يكون به برد له وسلام لبست سوادا والجميع مبيض كأني غراب والأنام حمام ألا يا ابن معن ما لمجدك غاية ولا لمكان أنت فيه مرام قد اتفقت فيك المذاهب كلها فلم يبق في شرع الكرام خصام وله: غناء يلذ ولا أكؤس تسكن من أنفس طائشه وأعجب كيف شدا طائر بروض منابته عاطشه وله من قصيد مطول: عاوده الشوق وكان استراح وانبرت الطير تغني فصاح ذكرني عهد اللوى ساجع مد جناحا والتوى في جناح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 699 بلله قطر الندى فاغتدى ينفض ريشا سندسي الوشاح اورق قد اورق من تحته غصن رطيب فوق حقف رداح وان سقته الريح راحا لها مال وقام نشوان صاح أعطافه تشبه أعطاف من راح فؤادي معه حيث راح سقاني الخمرة من ريقه وقام لي من برد بالأقداح [192ب] يا طاعن الخيل غداة الوغى طاعنك النهد فألق الرماح والحدق السود إليك ارتمت فما عسى تغنيك بيض الصفاح ما بقيت في سوى نظرة فاسقة باطنها من صلاح الحمد لله فإني امرؤ قد تبت إلا من وجوه الملاح ومنها في المدح: تبصره إن هاجه صارخ كالحية انساب وكالماء ساح يجلى الوغى منه ومن طرفه عن قمر لاح وبرق ألاح موطأ الأكناف رحب الذرى مقدم السبق معلى القداح ولم يضق دهر على أمة إلا أصابوا بذراه انفساح تحكي لياليه بأيامه خيلان مسك في خدود صباح ينشر يوم الفخر من نفسه عرضا مصونا طي مال مباح لو أن لي قوة عهد الصبا لم أترك النيروز دون اصطباح يوم رقيق ناثر ناظم كافوره فوق الربى والبطاح تلعب فيه كل مياسة ميس غصون تحت روح الرواح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 700 إن قعدت قلت ربى في ثرى وإن مشت قلت مها في مراح غيداء جيداء لها معطف يرفل من ديباجه في اتشاح إنسية وحشية ركبت من صورة الجد وشكل المزاح ساكنة في جوفها ناطق ينطق عنها بمعان فصاح يخدمها كل كمي له وجه حيي وفؤاد وقاح يجرح روح الروع صمصامه ووجهه يجرحه الإلتماح مرهفة نار وفضفاضة ماء وبين الحالتين اصطلاح وله: تذكر الدار فحن اشتياق واعتاده الحب وكان استفاق أرقه جنح الدجى أورق قام على ساق وقد ضم ساق [193أ] مفستق الطوق أحم القرا أحوى الخوافي ذهبي المآق بات بأعلى غصنه نائحا يبكي على ألافه باحتراق والقضب تثنيها الصبا مثلما تعانق الأحباب يوم الفراق واحسرتا ماذا ابتلينا به من كامل الذرع قصير النطاق مهفهف الكشح قريب الخطا بعيد مهوى القرط طوع العناق تروق لي في خده حمرة تشهد لي أن دما قد أراق ومن بديع قوله يتغزل: تولى السؤب خيفة ما يليه وأفلت من حبائل قانصيه على شرف الخميلة كان حتى توجس نبأة من خاتليه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 701 فمر على مهب الريح يعدو بأسرع من مدامع عاشقيه وصاف عنده مرعى مريعا فأصبح يستريث ويرتعيه توجه حيث لم تعقل خطاه بمنسوب إلى آل الوجيه بمياع الأديم يكاد يعشي بنقبته لواحظ مبصريه ودخل ميورقة في زمن ناصرها، وسلامة مقاصرها، وهي باهية الجمال، عاطرة الصبا والشمال، تقيد النواظر ببهجتها، وتتيه بندى ملكها على لجتها، فتلقاه ناصر الدولة بمعهود إجلااه، وصدق له طير آماله، فقال يمدح: حنيت جوانحه على جمر الغضا لما رأى برقا أضاء بذي الأضا واشتم في روح الصبا روح الصبا فقضى حقوق الشوق فيه بأن قضى والتف في حبراته فحسبتها من فوق عطفيه رداء فضفضا ألف السرى فكأن نجما ثاقبا صدع الدجى منه وبرقا أومضا مهما بدت شمس يكون مذهبا وإذا بدا بدر يكون مفضضا ملك سمت علياه حتى دوحت وسقى ثرى نعماه حتى روضا ماء الغمامة جرعة مما سقى وسنا الأهلة خلعة مما نضا [193ب] خفقت عليه راية وذؤابة فكأن صلا نحو صل نضنضا وقال يرثي أخت المرتضى: أبنت الهدى جددت منعى على منعى مضى المرتضى أصلا وأتبعته فرعا جرى الموت جري الريح في منبتيكما فأذواك ريحانا وقصفه نبعا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 702 فصل في ذكر الأديب أبي جعفر أحمد بن الدودين البلنسي هو أحد من لقيته وشافعته، وأملى علي نظمه ونثره بالأشبونة، سنة سبع وسبعين، ومما أنشدني [من شعره] في الغزل قوله: علمني في الهوى علي ... كيف التصابي على وقاري أطلع لي من دجاه بدرا ... لم يدر ما ليلة السرار فحاد بي عن طريق نسكي ... وظلت مستاهلا لنار وأنشدني أيضا لنفسه: يا علم الحسن يا علي ... دلهني حسنك العلي لو قلد اللحظ منك عمرا ... قصر عن شأوه علي وأنشدني أيضا له: يا أيها القمر الذي ... يهدي الورى بضيائه صيرت قلبي مطلعا ... وأفلت في سودائه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 703 وأنشدني أيضا له: خط العذار بصفحتيه كتابا مشقت به أيدي المشيب جزابا فغدت غواني الحي عنك غوانيا وألسن ألحاظ الرباب ربابا من بعد ما بوأنني وطن الجوى يرشفن من رشف الثغور رضابا فلأبكين على الشباب ملاوة ولأجعلن دم الفؤاد خضابا وأخبرني برسالته التي رد فيها على أبي عامر بن غرسية [وكان] هذا - لحاه الله وأبعده - قد استقر بمدينة دانية، في كنف مجاهد، فخاطب الأديب أبا جعفر [ابن] الخراز معاتبا له لتركه مدح مجاهد، واقتصاره على مدائح ابن صمادح التجيبي، وهي رسالة ذميمة غرب في سيطرتها، فلم يسبق لكثرة غلطه [فيها] وزلله إلى نظيرها، وذم فيها العرب، وفخر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 704 بقومه العجم، وأراد أن يعرب فأعجم، وإذ قد أفضى بنا القول القول لى ذكرها، فأنا أثبتها هاهنا بأسرها، واجتلب [194أ] فصولا من رسائل جلائل لبعض أهل العصر ردوا عليه وبكتوه، حتى أسكتوه، وإن كانت طويلة، فهي غير مملولة، لما تشتمل عليه من المآثر العربية، والمفاخر الإسلامية. [وهذه] نسخة رسالة ابن غرسية يخاطب الشاعر ابن الخراز المذكور سلام عليك ذا الروي المروي، الموقوف قريضه على [حللة] بجانة أرش اليمن، بزهيد [من] الثمن، كأن ما في الأرض إنسان إلا من غسان، أو من آل ذي حسان، وإن كان القوم أقنوك، وعن العالم أغنوك، على حسب المذكور، فما هذا الإعمال للكور، وترك الوكور - وقلما تأخذ الشعرة في الرحيل، إلا عن الربع المحيل، ولو أن القوم خلطوك بالآل، لما ألجأوك إلى الخبط في الآل. مه مه! الجزء: 6 ¦ الصفحة: 705 من أحوجك إلى ركوب المهمة، وثقف، وودك ألا تقف، على من اضطرك إلى الإيغال، وباعك بيع المسامح بك لا المغال، وبعثك على مخالفة الحصان، ومحالفة الحصان، وعوضك من [قطع] الأندية، بجوب الأودية، ومن المآلف بخصوص المتالف، ووكلك بمسح الأرض، ذات الطول والعرض، فإذا يممت بطن تبالة [تتباله] ، وصرت ضغثا على إباله، تتعلل باليمين، ضنا بالعلق الثمين، أحسبك أن أزريت، وبهذا الجيل النجيب ازدريت، وما دريت أنهم الصهب الشهب، ليسوا بعرب، ذوي أينق جرب، [بل هم] القياصرة الأكاسرة: مجد نجد: بهم لا رعاة شويهات ولا بهم، شغلوا بالماذي والمران، عن رعي البعران، وبجلب العز، عن حلب المعز؛ جبابرة قياصرة، ذوو المغافر والدروع، للتنفيس عن روع المروع، حماة السروج، نماة الصروح، صقورة، غلبت عليهم شقورة، وصقورة الخرسان، لكنهم خطبة بالخرصان: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 706 ما ضرهم أن شهدوا مجادا ألا يكون لونهم سوادا أرومة رومية، وجرثومة أصفرية: نمتم ذوو الأحساب والمجد والعلا من الصهب لا راعوا غضا وأفان من القدم، الملس الأدم، لم يعرق فيهم الأقباط، ولا الأنباط، حسب حري، ونسب سري الجزء: 6 ¦ الصفحة: 707 وأشرعت الأنابيب، وقلصت الشفاه، وفغر الهدان فاه، وولى قفاه، ألفيتهم ذمرة الناس، عند احمرار الباس؛ الطعن بالأسل، أحلى عندهم من العسل: مستسلمين إلى الحتوف كأنما بين الحتوف وبينهم أرحام من أمنياتهم، حلول ميتاتهم> لهم على القدمة اليدان، على النأي والتدان: من الألى غير زجر الخيل ما عرفوا إذ تعرف العرب زجر الشاء والعكر بصر صبر: تزدان بهم المحافل والجحافل، كواكب المواكب، قيول على خيول، كأنهم فيول، نجوم الرجوم بنو غاب، منتفون من كل عاب، لم تلدهم صواحب الرايات، بل تبجحت عنهم سارة الجمال والكمال ربة الإياة؛ شمخ بذح: بررة أقيال، جررة أذيال؛ بخ بخ: أحلتهم [194ب] سيوفهم سطة الأرضين، فما قنعوا بذلك ولا رضين، حتى دوخوا المشارق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 708 والمغارب، فاستوطنوا من المجد الذروة والغارب، وألجأوكم إلى سكنى الحجاز، ذات المجاز: بضرب يزيل الهام عن سكناته وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق شهدوا برنات السيوف، عن ربات الشنوف، وبركوب السروج، عن الكوب والفروج، وبالنفير عن النقير، وبالجنائب عن الحبائب، وبالحب عن الحب، وبالشليل عن السليل، وبالأمر والذمر عن معاقرة الخمر والزمر، طباتهم خطياتهم، وعلاتهم آلاتهم،: أولئك قومي إن بنوا أحسنوا البنا وإن حاربوا جدوا وإن عقدوا شدوا وضح رجع: لا حفزة عكر، ولا حفرة أكر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 709 لا محرقو جلة، ندس، غنوا بالاستبرق والسندس، عن البت المقيط المشت، المجموع من النعيجات الست؛ بسل: لا حراس مسل، ولا غراس فسل> ملك لقاح، ليس منه في ورد ولا صدر شراب در اللقاح. [جمح طمح] طعامهم الحنيذ، وشرابهم النبيذ، لا زهيد الهبيد، في البيد، ولا مكون الوكون، ولا أوطنوا بيوت الشعر، ولا غنوا عن الحطب بالجلة والبعر [ولا منهم من احتشى، مذنشا، بمذموم الكشى] ولا منهم وليد ولا ناش، ممن اغتدى بالأحناش، فلا [يقعقع لهم بالشنان، ولا يوعوع لهم باللسان، فكف أيها الشان، فلهم عظيم الشان، واليد الطولى إذ تخلصوكم من أكف الحبشان، صنيع منيع، ومنة، لايشوبها منة] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 710 لها منحة، لكنها أعقبت محنة، إذ صادفت كفرة لا شكرة. إيها، إذ تأبطتم تيها، معشر البداة العداة، اعتقدتم غلا، فاستثرتم صلا> أما علمتم أن المملكة النوشروانية والدولة الأزدشيرية بقروا أجوافكم، وخلعوا أكتافكم - ثم عطفوا ورأفوا، وملكوكم الحيرة، بعد عظيم الحيرة والكرام بنو الأصفر، الأطهر الأظهر، عطفتهن [عليكم] الرحم الابراهيمية، والعمومة الاسماعيلية، وسمحوا لكم من الشام بأقصى مكان، بعد أن كان من سيل العرم ما كان. [سرج وهج] قروم الأعاجم، يؤدي إليهم نعمانكم وغسانكم الاتاوة على الجماجم: هذي المفاخر لا قعبان من لبن حلم علم: ذوو الآراء الفلسفية الأرضية، والعلوم المنطقية الرياضية، حملة الاسترلوميقى [والجومطريقى، والعلمة بالارتماطيقى وأنولوطيقا] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 711 والقومة بالموسيقى [والفوطيقا، والنهضة بعلوم الشرائع والطبائع، والمهرة في علوم الأديان والأبدان] ما شئت من تدقيق وتحقيق، حبسوا أنفسهم على العلوم الدينية والبدنية، لا على وصف الناقة الفدنية: هم ملكوا شرق البلاد وغربها ... وهم منحوكم بعد ذلك سؤددا فعلهم ليس بالسفساف، كفعل نائلة وإساف؛ أصغر بشانكم، إذ بزق خمر باع الكعبة أبو غبشانكم، وإذ أبو رغالكم، قاد فيل الحبشة إلى حرم الله [لاستئصالكم] ؛ غضوا الأبصار، فهذا الذكر إلى الفحش أصار. فلا فخر معشر العربان الغربان، بالقديم المفرى الأديم، لكن الفخر بابن عمنا، الذي بالبركة عمنا، الأسماعيلي الحسب، الابراهيمي النسب، الذي به إنما انتشلنا الله تعالى وإياكم من الغواية والعماية، ولا غرو أن كان منكم حبره وسبره، ففي الرغام يلفى تبره، والمسك بعض دم الغزال، والنطاف العذاب مستودعات مسك العزال: لله مما قد برا صفوة ... وصفوة الخلق بنو هاشم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 712 وصفوة الصفوة من بينهم محمد النور أبو القاسم [195أ] بهذا الأمي أفاخر من يفخر، وأكاثر [جميع] من تقدم وتأخر، المنيف الطرفين، الشريف السلفين، الملتقى بالرسالة، والمنتفى للأداؤ والدلالة، أصلي عليه عدد الرمل، ومدد النمل، وكذلك أصلي على واصلي جناحه، سيوفه ورماحه، صحابته الكرام، عليهم من الله أفضل السلام: ثم أحج بشاعر غسان لا ساسان، في هذا العيد، بالوعيد، وأحر في هذا الفصل بعدم الوصل، إذا أضربت عن مديح هذا العلق الربيح، سهمنا النفيس، وشهمنا الرئيس، معز الدولة، [المولى الأعظم، والمئل الأعصم] فيل الأمم، وسيل العرم، مغنى المغاني، ومعنى المعاني، ذي النفاسة النفسانية، والرياسة الساسانية؛ فاذهب يا غث المذهب، وابتغ في الأرض نفقا أو في السماء مرتقى، أو حك من المديد والبسيط، في الملك ذي الخلق البسيط، ما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 713 تستجير به من بطشنا، إذ نحن معشر الموالي لانوالي، إلا من هو لعظيمنا موالي، فاستأخر أو تقدم، وحذار أن تقرع سن الندم، قبل أن تجمع ذنوبك في ذنوبك، فمن أبصر أقصر: فلا تتبشع ممض العتاب يلقاك يوما بلقياه لاق فإن الدواء حميد الفعال وإن كان مرا كريه المذاق [يا معتقل علم الشعر، والمستقل بقلم النظم والنثر] : قد استييت منك فلا تكلني إلى شيء سوى عذر جميل وقد أنفذت ما حقي عليه قبيح الهو أو شتم الرسول وذاك على انفرادك قوت يوم إذا أنفقت إنفاق البخيل وكيف وأنت علوي السجايا وليس إلى اقتصادك من سبيل وقد يقوي الفصيح فلا تقابل ضعيف البر إلا بالقبول وإن الوزن وهو أصح وزن يقام صغاه بالحرف العليل فإن يك ما بعثت به قليلا فلي حال أقل من القليل فختم رقعته كما تراه بأبيات المعري. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 714 فمن رسالة أبي جعفر [بن] الدودين يرد عليه فصل يقول فيه: اخسأ أيها الجهول المارق، والرذول المنافق، أين أمك [195ب] ثكلتك أمك. أو ما علمت أنك [إنما] سحبت من عقلك لعقالك، وقدمت أول قدمك لسلفك دمك، وبسطت مكفوف كفك لسلطان حتفك، فقلمت شبا أقلامك لاصطلامك، وحبرت بحبرك لذهاب خبرك، ومشقت في قرطاسك لمشق راسك، فما حقيقة جوابك على خطل خطابك، إلا سلبك عن إهابك، وصلبك على بابك، لو كان بالحضرة أقيال، وحضرك رجال، لكنك بين همج هامج ورعاع مائج، (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) (النساء:143) . فأقسم ببارىء النسيم، وناشر الأمم من رفات الرمم، لأصيرن عليك أيها السخيف المضعوف، - على نذالتك وفسالتك - عرض البساط، أضيق من سم الخياط، ولأخلطن قصبك بعصبك، ولأجمعن بين سحرك ونحوك، ولأخلدنك سمرا غابرا، ومثلا سائرا [أو نشوه محياك، ونحلق سبالك من قفاك، وتحتزم بزنارك، وتلحق بأديارك] مآلك ومقر آلك، أسرتك الأرذلين، وعترتك الأنذلين، الصهب السبال، من ولغ الدم وشرب الأبوال، أكلة الجيف، وحللة الكنف، الوضح الرجح: رجح الأكفال، وضح كذوات الأحجال، فلله أبوك لقد أجدت في قومك الوصف، وبسطت لنا منهم النصف، وأنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 715 الآن أنصف، وفقارك أقصف. علم حلم: علم بالتداوي من القرم ومنافع العلم، حلم عن كل مجاوز الحلم ذي طعن سديد بعرد شديد. جمح طمح: الآن صدقت، وغلطك يا فطن استدركت: جمح في الإحجام عن الإقدام، طلب الفرار يوم الانتصار وإدراك الثار، طمح إلى كل رموح طموح، يطول الشبر ويطيل الشبر، معلب مغلب، ذي خلق مرصوص وهامة كالفصوص، إياك ولعابك أن يمحو كتابك. حماة السروج بناة الصروح: النصفة يا كشاجم لا الأنفة، غض قليلا من طرفك، وأمسك بعض عنان طرفك، وانحاكم في ذلك إلى ظرفك، هل يجوز في التحصيل، أو يصح في العقول، أن يحمي قومك سروح شائهم، وقد أباحوا فروج نسائهم - أليس هذا عين المحال ومغالطة الجهال - فهلا توهمت يا فتى الجواب قبل الخطاب، وأبصرت الورطة قبل السقطة -! وأما ما قعقعت به ووعوعت من صواحب الرايات، فهن وأبيك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 716 بعض بنات ربة الإياة، إمائنا المسبيات الممتهنات، ملكتناهن ظبا البيض الهندية، وشبا السمر الردينية، فما عجنا بهن عما عودتموهن من البغاء للاسترضاء، فكثر معشر العربان من ولد سارتكم اإموان والعبدان، وفيك وأبيك من ذلك أصح دليل وأوضح برهان. فهلا يا فتى ثقفت، ودون هذا الفصل وقفت -! رجع بصر صبر: بتركيب عصب [196أ] أنابيب السرر، ومنافعها [بزعمهم] للجسم والبصر، صبر على إيغال الغراميل الطوال. سرج وهج: سرج المضاجع، وهج تحت المضاجع، لا يطفأ وهجان ذلك السعر، إلا بدافق ماء الكمر. ملس الأدم ما حاكوا قط برودا ولا لاكوا عرودا: هذا وأبيك من التعريض الرقيق في مقالك وآلك، وذلك أنك وصفتهم باملاس الجلود، وقفيت بنفي لوك العرود، فهذا لعمرك من بديع التحقيق، فافخر فهاتان صفتان سلمتا لأحلك لقومك. وأما لوكهم العرود فأوضح من السراج الوهاج في الليل الداج، لكن ألمع بذلك لمعة تشهد بذاتها على ذواتها وذلك أن قد تحدث أن ولدانكم عطلوا في بعض أعوامكم سوق نسائكم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 717 فنمي ذلك لى المليك العظيم، فحكم أكرم به من حكم أن يبيح النسوان من أنفسهن ما أباح الولدان، فامتثلن ذلك، فاتسقت الحالان ونفقت السوقان، وما سمع في الأزمان بأغرب من هذا الشان، فاشمخ بأنفك، وافخر بنصفك. وأما حوككم البرود، فناهيك من الغفارة الإفرنجية إلى الديباجة الرومية، والنسبتان بذلك تشهدان. وأما فخرك بربة الإياة فيا ليتها حين ولدتكم ثكلتكم، فلقد سربلتموها عارا مجددا، وعصبتم بها شنارا مخلدا، حين خمتم عن الكفاح، حذر الصوارم والرماح، وعصبتم بها شنارا مخلدا، حين خمتم عن الكفاح، حذر الصوارم والرماح، فأسلمتم لعداتها من بناتها، كل طفلة رداح، جائلة الوشاح، ذات ثغر كالأقداح، وغرة كالصباح، أعجلن عن لوث أزرهن واعتجار خمرهن، فعوضن من الإدلال [بالإذلال] ومن الحجال بالرجال: خلف العضاريط لا يوقين فاحشة [مستمسكات بأقتاب وأكوار] وأما ما عيرت به العرب من الاغتذاء بالحيات، فلتغذيكم بالدماء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 718 والميتات، فيمتاز الضد ويقع الحد، بين من تناهت جرأته وماتت همته. على أن لا أفتخار في مشرب ولا مطعم، لعرب ولا عجم. وكذلك ما عيرتهم به من حرق الجلة والبعر، غروا بإضرام النيران، وانضاح سدف الثنيان من البعران، لإكرام الضيفان، ولإطعام المقرور الجوعان، فلجأوا إلى الجلة والبعر، فهل تقدم لأحد من الأمم مثل هذا القدم في الكرم، يا قذار العجم -! وكذلك وصفك قومك بأن ليسوا حفرة أكر، ولا حفزة عكر: الله أجل الأكر أن يحفروها، والعكر أن يحفزوها، لكنهم حفزة جحشان، وحفرة كهوف وغيران، اتخذوها مخبأ عن حبائل العربان، وملجأ من وقع الصوارم والمران، فعل الخزان واليرابيع والجرذان، وشبه ذلك من انواع الحيوان. [196ب] وأما فخرك بعلمهم الشرائع، فمن أبدع البدائع، استنت الفصال حتى القرعى، وجهلهم بذلك أوضح من أن يشرح، وأبين من أن يبين، لكن أنكت من ذلك أوضح من أن يشرح، وأبين من ان يبين، لكن أنكت من ذلك نكتة، وأنبذ منه نبذة تصفعهم صفعا، وترد صهب أدمهم سفعا؛ وأنى يكون ذلك كذلك، هبلت لآلك، ولم يأخذوه عن نبي، ولا نقلوه عن حواري، ولم يزالوا يتعللورون أصلهم الإنجيل بالزيادة والنقصان، إلى أن أصاروه في حيز الهذيان. وحسبك بهم جهلا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 719 أنهم يعتقدون إلها نبيهم، فوسموه بالرب المعبود، وصيروه بعد مصاوب اليهود، فاعجب لجهل يجمع بين هذين الطرفين. وأعجب من ذلك أنهم مجمعون أن عيسى ينزل إلى الأرض لحساب الخلائق يوم العرض، فما ظنك يفعل اليهودية على ما قدموه على زعمهم من صلبه إذا ناقشهم الحساب - فهل يصح بهذه الآراء الضعيفة والعقول السخيفة دين أو يثبت [لهم معه] يقين - ولولا أني أجل قلمي وأنزه كلمي عن سخافاتهم في دياناتهم، وبر سامهم في أحكامهم، لأوردت من ذلك ما لا يستجيزه إلا مثال قومك العجم، عقول البوم والرخم. وأما علم الطبائع فسلم بعضها لهم، لما تقدم في أثناء الرسالة، من علمهم بخواص تلك الآلة، والصدق أزين ما به نطق وإليه سبق. وما ذكرته من أبي رغال، فذلك جد محتال، قاد أعداءه علما منه باستئصالهم على اختيارهم إاى بوارهم، فعجل الله بأرواحهم إلى نارهم. والآن تذكرت مساق أبي غبشان، وما أنسانيه إلا الشيطان، ذلك الذي به ظننت ومن قضيته عظمت، وليس الأمر كما توهمت، لأن الكعبة بيت الله وملكه لا شريك له وضعه الله تعالى للعباد، وسوى بين العاكف فيه والباد، وأبو غبشان إنما باع خدمته في البيت [وهبها وصمة سفيهنا العربي، أين تقع من قضية إمامكم يهوذا الحواري] إذ باع نبيه روح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 720 القدس من اليهود أعدائه بالأفلس، فكذب الله ظنه وأنجى نبيه، فدونك ضع قضية سفيهنا في كفه وفي أخرى قضية إمامك، ورجع بينهما بفص خيتامك. وأما وصفك قومك أنهم مجد نجد، شمخ بذخ، [عرق غرق: فيهات هيهات ذلك منهم!! تلك صفات قومنا العرب ذوي الأنساب والأحساب، والعلوم والحلوم، أولي اللسن والبيان واللحن، والإسهاب في الصواب، والحكمة وفضل الخطاب، فرسان العراب وأرباب القباب، ومعلمي الصوارم والحراب، انديتهم عراض المنية، وارديتهم بيض المشرفية، ولبوسهم مضاعفة الماذية: سهكين من صدإ الحديد كأنهم تحت السنور جنة البقار مجالسهم السروج، وريحانهم الوشيج [197أ] وموسيقاهم رنات الردينيات، وطوبيقاهم نغمات السريجيات، لم تكن قادتهم النساء، ولا إرادتهم في آجالهم النساء، مناهم تعجيل مناياهم: يستعذبون مناهم كأنهم لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 721 عنوا بمد أطناب الأفنية، عزة وأنفة عن تشييد الأبنية، محالفي الصحاصح والبيد، فعل الأساود والأسود، قصورهم المناهل، ومعاقلهم الذوابل. صبر وقر: إذا ثار الغبار، واسود النهار، وحسن الفرار وذهلت الأذهان، وأبهم العيان، وتلجلج اللسان، وتلاطمت السيوف، وحميت الحتوف، وقلصت الشفاه وخنست الأنوف، وعصب الريق وتعانقت الشجعان، وتشاجر المران، وبرح الحمام، وفل الحسام، وحمي الوطيس، والتفت الأقدام والرءوس، فلا ترى إلا حز الغلاصم، وشيم الصماصم في الجماجم، فهنالك تلقاهم، لا دهمك لقاهم، أقيال الأقيال، شمرة الأذيال، أسود الأغيال، حماة الأشبال، لا ملس أدم ولا جررة الأذيال، وهكذا فليكن أقيال الرجال، يا مسلوب الحجال. كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول وما كان أغناك يا كشاجم، عن كشف عورات آلك الأعاجم، لكن ضعف نظرك، حداك إلى هذرك، وسوء أدبك، وافى بك على عطبك، نسأل الله سترا يمتد، ووجها لا يسود. قال أبو الحسن: وممن رد أيضا على ابن غرسية وأجاد ما أراد أبو الطيب عبد المنعم القروي، برسالة أثبت اكثر فصولها، على طولها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 722 لاشتمالها على المآثر العربية، والمفاخر الإسلامية، قال في أولها مفتتحا: وذي خطل في القول يحسب أنه مصيب فما يلمم به فهو قائله نهدت له حتى ثنيت عنانه عن الجهل واستولت عليه معاقله تعال فخبرني علام تشددت قوى العير حتى أحرزتك مجاهله وفي فصل منها: أيها الفاخر بزعمه، بل الفاجر برغمه، ما هذه البسالة في الفسالة، ما هذه الجسارة على الخسارة، لقد تجرأت ومن الملة تبرأت، وكيف جهلت حتى وهلت، وكيف زللت حتى ضللت -! بالعرب تمرست وفي مجدها تفرست، وعلى شرفها] 197ب] تمطيت، وإلى سؤددها تخطيت، أما تهديت لما تعديت، أما وجمت مما هجمت، أما اتقيت مما ارتقيت -! إنا إذا ما فئة نلقاها نرد أولاها على أخراها نردها دامية كلاها قد أنصف القارة من راماها وفي فصل: فأخبرني عنك أما كانت للعرب يد تشكوها، ومنة تذكرها - أما جبرت نقيصتك، أما رفعت خسيستك - أما استنهضتك من وهدتك، أما أيقظتك، من [غفلتك و] رقدتك - ألم تربك فينا وليدا، ألم تتخذك لها تليدا - ألم تعن بتخريجك وتدريجك - أما أنطقتك بعد العجمة، أما أسلقتك عقب اللكنة - حتى إذا اشتد كاهلك وعلم جاهلك، وقوي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 723 ساعدك ورقي صاعدك، كفرت نعمتها لديك، ونثرت عصمتها من بين يديك، وأخذت تطاولها بأرسانها، وتقاولها بلسانها، وتناضلها بسهامها، وتهاطلها برهامها، أحين فكت أسرك من أقذورة القلف، وأخذت بضبعيك من أهوية التلف، وشدت ظهرك للمتان، واعتمدت طهرك بالختان، ناهضتها بحسامها، وجاهضتها بكلامها، ورميتها [بسهامها] ، عن قوس هي نبعتها، ومن هضبة هي قلعتها -! أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني وفي فصل: وهات أرنا مفاخرك، نرك مساخرك. أنت صاحب الشهب الصهب، والسنة شهباء، والجهام صهباء. كذلك أنتم لا خير ولا مير، ولا عمرو ولا عمير، ليس للسخاء بالرومية اسم، ولا للوفاء في العجمية رسم. أين عن السمر القمر، البيض غررا وصفاحا، السود طررا وأوضاحا، الدعج عيونا ورماحا، البلج وجوها وسماحا، قمم في العمائم، وهمم في الغمائم، سعروا عليكم نار الحرب، بتلك الأينق الجرب، فكسروا أكاسرتكم، وقصروا قياصرتكم، فسفكوا دماءهم، وأباحوا أحماءهم، وأخمدوا نار صولتهم، ومحوا آثار دولتهم، وطهروا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 724 الأرض المقدسة من أنجاسهم، والمسجد الأقصى من أرجاسهم، الذين ينجون ولا يستنجون، ويجنبون ولا يتطهرون، رعاة الخنازير، وأكلة السنانير، وطهاة التنانير؛ أما رجالكم فقلف غلف، وأما نساؤكم فقذر بظر، لا يعرفون الخفاض ولا الختان، ولا يألفون السنان ولا العنان. ويحك ما آثرت وبمن كاثرت، أما استحييت مما انتحيت -! هل كانت العرب إلا كنز عز وذخر فخر، وخبيئة ذخرها الله إلى الوقت المحتوم، وأسكنها أرضا يرغب عنها أولو البطنة، ويرغب [198أ] فيها ذوو الفطنة، حفظ فيها أحسابها، وطهر بها أنسابها، واختارها ليختار منها صفيه، وميزها ليميز منها حفيه، ثم اختصها بالأحلام الزكية، والأفهام الذكية، [إن جاورتهم نصروك، وإن حاورتهم قصروك] وإن فاضلتهم فضلوك، وإن ناضلتهم نضلوك، وإن طاولتهم طالوك، وإن استنلتهم أنالوك، بالكرم يلهجون، وبحسن الشيم يبهجون، يمشي أحدهم إلى الموت ثابتة وطأته، فسيحة خطوته، شديدة سطوته، جريا على الكماة جنانه، لبقا بتصريف القناة بنانه، بصيرا بمهج الدارعين سنانه، وأنتم كما وصفت ملس لمس، لا تغيرون ولا تغارون، ولا تمنون ولا تمتنعون، قلوبكم قواء، وأفئدتكم هواء، وعقولكم سواء، قد لانت جلودكم، وندت نهودكم، واحمرت خدودكم، تحلقون اللحى والشوارب، وتتهادون القبل في المشارب، وتعفون الجمم، وتوفرون اللمم: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 725 والحرب لا يبقى لصا ... حبها التخيل والمراح الا الفتى الصبار في الن ... جدات والفرس الوقاح يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا والعرب تذم بالدعة، وتهجو بالسعة، وتفخر بالجلادة، وتتبجح بالصلادة، فإن فاخرتها فبغير الطعام والشراب، ولكن بالطعان والضراب، وما عليك من لوك العرود، أخفت إعجازها، وخشيت إعوازها - أبك حاجة إليها - ألك حرص عليها - لشد ما أدركتك الحمية فيها، وحركتك العصبية لها! هذه نادرة لم تحرد لها وبادرة لم تقصد قصدها، وأنت إن شاء الله بعيد منها. ومن الآيات ذكر صواحب الرايات، والمباضعة عندكم كالمراضعة، مافي الشكر عندكم نكر، [تبيحون] ولوج العلوج، على بدور الحدوج؛ الزنا عندكم سنا، والفجار بينكم فخار، تقتادونهن وتستأدونهن، فكيف أنكرت ما ذكرت، وسرفت ما عرفت، وأنت على سنن تلك السنن، الحال قائمة والقصة دائمة: وأول راض سنة من يسيرها ... ومتى كنتم تصبرون ولا تصبرون، وفي أي المواطن تظفرون ولا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 726 تظفرون - أليس شعاركم: الهرب الهرب، هذه العرب!! ألبس قد دفعوكم بكفاحكم وصفعوكم بصفاحكم - أليس الذين قوموا ألسنتهم، وأرسلوا أعنتهم، من أعالي نجد وأسافل تهامة، وضواحي طيبة ونواحي اليمامة، ومما بين مدين إلى عدن، لا يردهم رادة، ولا تصدهم صادة، حتى أهلكوا ساسان وكاسان، وملكوا خراسان وماسان [198ب] ، وسلكوا بالقهر ما وراء النهر، فأدخلوكم الدروب وألزموكم الكروب، بجريدة خيل وطريدة ويل، وأمضوا فيكم العزائم، وأرضوا منكم الهزائم، حتى أجحروكم رومية الدفراء، والقسطنطينية البخراء، لا تلوون على تريك، ولا تعرجون على ضريك، ونازلوكم منها على دراعين، وصرعوكم بين المصراعين -! ألم تبلغك ضربة يزيد بعموده ، وخبر خالد بن يزيد في أخدوده؛ والراية المعلمة والآية المحكمة، مسجد مسلمة -[ثم كم قائظة غائظة، وصائفة عليكم طائفة] ؛ ثم عطفوا مغربين، وللآرض مخربين، فما تركوا من الأعاجم عاجما ولا ناجما، ولا أبقوا من البرابر عابرا ولا غابرا [وساروا قدما يذبحون البر ذبحا، ويسبحون سبحا] حتى طرقكم طارقهم في هذا الطرف، ورشقكم راشقكم في هذا الهدف واقتحموا عليكم هذه البلاد فأوطئوها، وكأنما رموها بالحجارة فما أخطأوها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 727 فملكوا أرضكم بساحتيها، وأحاطوا بها من ناحيتيها، سلبوها بأقطارها، وحلبوها من أشطارها: وضموا جناحيكم إلى القلب ضمة تموت الخوافي تحتها والقوادم [فما تعرضك لقوم سلكوا بلادكم، وملكوا تلادكم، واستعبدوا أولادكم. ثم إنهم حين قدروا غفروا، ووضعوا الإتاوة على جماجم الأعاجم، والوشوم في براجم العلاجم، فلا يحضرون العشار إلا بالغيار، ولا يشهدون الأسواق إلا بالأطواق، فإن دخلتم في الدين قطعت أستاهكم، وإن خرجتم منه أخذت التي فيها شفاهكم، وكنت أنت من رذايا تلك السبايا، ومن عبايا تلك الخبايا، ومن خطايا تلك العطايا، فلا تحرد حرد المقهور، ولا تضجر ضجر المبهور، ولا تحنق الأسير على القد، ولا تغضب المستقي على العد] ولا بأس عليك فقبلك ما قصروا الأمم، وهصروا القمم، وهم أبكار الزمان وأفكار الأوان، لهم العرب العاربة، ومنهم عاد الغالبة، ذات الأحلام السداد، والأجسام الشداد، وإرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، ومنهم لقمان صاحب النسور وباني القصور، ومنهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 728 ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، ونحتوا البيوت في الأطواد، يتخذون السهول قصورا آمنين، ويعمرون الأرض ساكنين، لهم القضب والخضيم، والنخل التي طلعها هضيم، ومنهم العمالقة والجبارون، والفراعنة القهارون، أنتم لهم أكارون، [وحربة عكارون] ، اتخذوكم أكسابا، واتخذتموهم أربابا، ومنهم التبابعة الأكملون، والمرابعة الأفضلون، ومنهم ذو القرنين صاحب السد، وشمر مخرب سمرقند، قال تعالى (أهم خير أم قوم تبع) (الدخان:37) ، فضربهم مثلا في الجلالة، وغاية في شرف الحالة. ولهم الملوك من حمير والمقاول من كهلان: كانوا سماء الورى قبل النبي وهم لما أتى الحق فيهم أنجم زهر سموا بملكهم قبل الهدى وسموا مع الهدى فهم آووا وهم نصروا ولاة علاة، وسماة حماة، لهم العلو والعلاء، وفيهم العباهلة والأذواء: وما حمير في الناس إلا كباذخ يعيش الورى في ظله المتمدد هم الأنف في وجه الزمان ومجدهم على صفحات الدهر ليس بجلمد هم ملكوا شرق البلاد وغربها وعلوا جياد الخيل في كل مورد [199أ] وسدوا على يأجوج لما تتابعت على العين في قطر من العين مبعد ترى كل معطوف الوشاحين أخمص على كل مخطوف الجناحين أجرد فمن أمرد في السلم في حلم أشيب ومن أشيب في الحرب في جهل أمرد بأيديهم البيض الرقاق كأنها جداول ماء الموت قيل لها اجمدي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 729 [فأين حصاتك من جبالهم، أم أين سفاتك من نبالهم] . وفي فصل منها: وعلام جثث أصلك من الأنباط، وأزحت فصلك عن الأقباط، ما كان ذنبهم إليك وجنايتهم عليك، حتى أخرجتهم عن جملة الأعاجم [ونفيتهم] عن جنبة أصحاب التراجم، بسبب كريمتهم، ومن أجل شريفتهم، لتسب العرب بولادة من تعلق بك، وتشبث بنسبك. أما علمت أن أحمق أفعالك، وأخرق أقوالك، سبك عدوك بولادة امرأة من أهلك - أما هذا من جهلك -! ولما قال ابن فضالة في ابن الزبير: ومالي حين أقطع ذات عرق إلى ابن الكاهلية من معاد قال عبد الله بن الزبير: لو علم لي أما هي شر من عمته لسبني بها ونسسبني إليها؛ أفلا ترى كيف غلب عليه حتى سقط شعره فيه -! وحاشا لمن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 730 كنا في ذكره، بل لها الشرف الأرفع، والسناء الأمتع. هذا على اتصال نسبك برومان، [فإن كنت] من ولد كنعان فما أبعد دارك، وأشحط مزارك، وأطمس آثارك!! وأما الخيل فسامح العرب بركوبها ووثوبها، وخل بينهم وبين عيوبها، فلا حظ لك ولا لأصحابك فيها. عليكم بالبراذين المحذفة، والكوادين الموكفة؛ الخيل حرث العرب وحصادها، وعدتها وأرصادها، ليست أمة من سائر الأمم الأعجمية تنازعها ذلك ولا تدافعها عنه، تسميها بأسمائها، وتنسبها إلى آبائها، وتعرفها بأصواتها، وتؤثرها بأقواتهان وإنك لتعلم أن خيلهم أشهر من ملوككم أسماء وألقابا، وأطهر من نسوانكم أنسابا وأعقابا. قالوا: بنات أعوج وآل الوجيه ولاحق، وبنات العسجدي وآل ذي العقال، وداحس والغبراء، والجرادة والخنفاء، والنعامة والشماء، وحافل والشقراء، والزعفران والحرون، ومكتوم والبطين، وقرزل والصريح، [والعصا] والربد والوحيف، وأسماؤها كثيرة، وألقابها شهيرة، ولعلك أن تذكر لنا من خيل آبائك الأولين، وأفراس أسلافك الأقدمين، فرسا مشهورا، وفارسا مذكورا، فان أتيت بذلك شهدنا وآمنا. ولو كنت فاخرت العرب بنصب الدواليب [199ب] وعطف الكلاليب، وغرس الأشجار، في الأحجار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 731 وقطع ما عظم من العيدان، وعمل العلاة والسندان، رضينا وسلمنا. فأما نر الليل بآذان الخيل، وطي الفلاة بأيدي اليعملات، وشن الغارات وطلب الثارات، فلا عليك أن تخلي بينهم وبين شصائصهم، وألا تنازعهم في خصائصهم، فإنما إليهم أقرب، وهم بها أدرب، وهي بهم أليق وأعلق، [وهم اليها أسبق] وهم بها أصب وأملق، يركبون إلى الحرب في ثياب الشرب، ويعتنقون الفوارس كما تعتنقون الأوانس: لو كان في الألف منهم واحدا ودعوا من فارس خالهم إياه يعنونا وفي فصل: وما عبت من قوم ينزلون البراح ويشربون القراح، ويرفعون العماد ويعظمون الرماد: الموقدون بنجد نار بادية لا يحضرون وفقد العز في الحضر إذا همى القطر شبتها عبيدهم تحت الغمائم للسارين بالقطر وقائلهم الذي يقول لغيره: أوقد فإن الليل قر والريح فيها برد وصر عسى يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفا فأنت حر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 732 وفي فصل: وما أدري من اين كان فقد الأحطاب لو فقدوها مثلبة وليست راجحة إلى خلق ولا خلق، ولا معدودة في نسب ولا حسب، ولقد اهتديت إلى طريفة، وانتهيت إلى لطيفة، فسبحان الله ما أصدق حسك وأسبق حدسك!! تدققت وترققت، حتى توثقت وتحققت، لا، ولكنك تعمقت حتى تحمقت؛ فإن كان الأمر كما ذكرت، فأين غضا نجد وقلامه، وأين رنده وبشامه، وأين غربه ونبعه، وأين سلمه وسلعه، وأين العنم والعلجان، وأين الساسم والبان، وأين الشيزى والاثأب، وأين الرنف والشوحط، وكيف عرفوا دوح الكنهبل، ومساميك الإسحل - وكتاب النبات يشد عليك، بما فيه من الأيك. وقد عنفت على العرب وعسفت، ارفق بهم رفق الله بك، اخفض لها من جناحك، عد عليها بعطف من جماحك: لا تملأ الدلو وعرق فيها أما ترى حبار من يسقيها وفي فصل: وكيف استجزت على فضلك الباهر، وشرفك -[بزعمك]- الظاعر، أن تستعين على فخرك بخلاف الحق، وتلجأ في تهورك إلى غير الصدق - هل كان النعمان إلا ملك أملاك، وشمس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 733 افلاك، أصله عريق، وفرعه وريق، اتخذتموه جبارا ودون العرب حجازا، نزل الحيرة، وأنتم له جيرة، ملك شهم من لدن مالك [200أ] بن فهم، له سقي الفرات بقضه وقضيته، يجبي خراجه، ويستعبد أعلاجه، قد كفاكم العرب جمعاء، من جلق إلى صنعاء، يذب عنكم بماله واحتماله، بوضائعه وصنائعه، بعد عقد مؤكد، وعهد منكم مؤبد، وأجارت العرب من أجار، وأغارت على ما أغار، وحسنت حال الفرس بمكانه، وعزت بسلطانه، فلما شمخ على أعلاجكم، وامتنع من زواجكم، ولم تكن العرب تزوج احفادها، أو يكون من اكفاها؛ فقال لباغي لبسواد، عليك ببقر السواد، استزرتموه فغدرتموه وغررتموه، فكيف رأيتم غضب العرب لثارها وطلبها لأوتارها - ألم تصدمكم بذي قار صدمة ذي احتقار، فأدركت فيكم رضى الرحمن وأخذت بثأر النعمان، وطحطحت بني ساسان وآل كاسان -! ولم تقم للفرس بعدها قائمة، ولا رعت لها سائمة، ولم تزل في قواصف تتقاذف، وعواصف تترادف، حتى تمم الله آفتها، واستأصل الإسلام شأفتها. وأما آل غسان فالشرف الأقدم، والبناء الذي لا يهدم، سالت من بلادها حين سال العرم جائلة، وساحت من أرضها حافلة، هاجرة لأعطانها، نافرة عن أوطانها، وجاوزت الحجاز وهبطت الشام، فوجدت بلادا ريفا خريفا، ورجالا جوفا، لا يحمون ولا يحتمون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 734 فقالت: غنيمة باردة، وبهيمة فاردة، فنزلت الزوراء والغوطة الزهراء: وجالت على الجولان ثم تصيدت مناها بصيداء الذي عند حارب فألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب مسافر على رغم أنوفكم، وقطع شنوفكم، وولجوا خدوركم، على غيظ صدوركم: وما بقيا علي تركتماني ولكن خفتما صرد النبال [فقلتم قضية كريمة، ونعمة عميمة، وسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، لا يستكف العرب، إلا بالعرب، ولا يقطع الحديد إلا بالحديد، ودفع الشر بالشر أحزم] فمتى أدوا إليكم الإتاوة، وأملوا لكم الإداوة - وهم يحمونكم حمي القروم أشوالها، ويمنعونكم منع الأسود أشبالها، أم تراكم تركتم لهم الشام رعيا لذمامهم، وصلة لأرحامهم -! وفي فصل: وفخرت بالرياضية والأرضية، صدقت ونبت عني في الجواب، هي كالرياض سريعة الذبول كثيرة الخبول، زهر مشرق ونور مطرق، لا ثمر ولا كثر: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 735 وهل في الرياض لمستمتع سوى أن يرى حسن أزهارها وكأرض الأرضة، ذات العرصة العريضة، لا بناء فيحل، ولا فناء فيظل، [يدفن فيها الأموات، وتخمد فيها الأصوات] . وأما الاسترلوميقا وهو علم الهندسة فعلم عملي مبني على التقاسيم والتراسيم، والنواظر والمناظر [200ب] وكله آلات للحالات، وأدوات للذوات، ومساحات للساحات، وأمداد للأعداد، وفي أفانين القوانين، ليس فيها معنى من تحصيل دقائق الفصول، ولا تفصيل حقائق المحصول، فأهلها عمال ممتهنون، وبأشكالها مرتهنون، والعرب بعيدة من المهنة، نافرة من الخدمة. ومن قولكم: إن قسم العلم أفضل من قسم العمل، فهي إذن أرذل القسمين، وأسقط العلمين. والجومطريقا وهو علم الهيئات ودورها، والطوالع وكورها، [وجنسها ذو] نوعين، وبابه على مصراعين: القضايا، وليست برضايا. أما الأول فيبنونها على أن الطوالع مدبرة مقبلة، وهي أصول فاسدة وسوق كاسدة. وقال آخرون: هي كالعيافة والزجر والقيافة. وهذا باب مسلم للعرب لا ينازعون فيه ولا يدافعون عنه، لهم فيه اليد الطولى، والمنزلة الأولى، لهم السوانح والبوارح، والقواعد والنواطح، وعندهم الأيامن والأشائم، والأواقي والحواتم، وغير ذلك من التمائم والرتائم، وفيهم من لا يعتمده ولا يرتصده كالقائل: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 736 لا يمنعنك من بغاء الخي ... ر تعقاد الرتائم ولا التشاؤم بالعطا ... س ولا التيمن بالمقاسم فلقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم فإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم فكذاك لا خير ولا ... شر على أحد بدائم وفي فصل: وأما الكهانة فكانت فيهم فاشية ولهم غاشية، وقد سمعت بشق وسطيح، وزرقاء اليمامة وطليحة الأسدي، ومسيلمة الحنفي، والأسود العنسي، وزهير بن جناب الكلي، وأفعى نجران، وحازي غطفان، فلما جاءت الديانة بطلت الكهانة، ولما نزل القرآن زجر الشيطان. وكذلك الدرجة الأخرى، فالعرب بها أحق وأحرى، وهي معرفة الشهور والأيام، وحساب الدهور والأعوام، والأفلاك وأدراكها، والأبراج وأدراجها، والنيرات وتعاورها، والدراري [وتغاورها] ، والعرب أدرى بها، عرفوا السماء ومعايشها، والأرض وحشائشها، ووصفوا الطوالع والغوارب، [ورتبوا الثوابت وأنواءها، والنوائب وأدواءها] والأزمنة وأهواءها، والأودية وأنداءها، فلا ينجم نجم إلا سمته، ولا ينبت إلا وسمته، [ولا عيش في سائر الأقطار، إلا بعابر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 737 الأمطار، كما لا ثبات للحيوان إلا بالنبات، فقد عرفوا إذن طريقي الحياة، ووصفوا فريقي النجاة] ، وما سوى ذلك فضل ليس فيه فضل، وتكلف لا يفيد فائدة، ولا يعيد عائدة. وأما أقسام الطب للأجسام فقد جمعته العرب في كلمتين معلومتين، ولفظتين محفوظتين، على رأيها في الاقتصار، وذهبها في الاختصار، فقالت: " المعدة بيت الداء [201أ] والحمية رأس الدواء "، وقال عليه السلام: " أصل كل داء البردة "، وقالوا: " كل وأنت تشتهي، ودع وأنت تشتهي ". وكانوا يطعمون ليعيشوا، وينعمون ليريشوا، فقد جمعوا الطب بأظافيره، والصلاح بحذافيره، [وإذا فتشت أصول سقراط، ونبشت فصول بقراط، لم تجد مستزادامستجادا، ولا مسترادا مستفادا [. وليست هذه الأمور مما يخص به آحادهم، أو ينفرد به أفرادهم، بل ينطق به صغارهم وكبارهم، ويعرفه نساؤهم، ويهتف به إماؤهم، ورعايهم وعبدانهم؛ أشعارهم بذلك ناطقة، وأخبارهم عنه صادقة، وأخبارهم عنه صادقة، ما تلوا فيه متلوا، ولا قروا به مقروا، ولكنها الطباع الصافية، والقرائح الكافية، والغرائز السليمة، والنحائز الكريمة، تلقط الحكم من مخاطباتهم، وتسير الأمثال من مجاوباتهم، على منهاج واحد من الفصاحة في المشاورة، وفي المحاورة، وعلى طريقة واحدة من البلاغة في المسالمة والمراغمة، [والمواجزة] مع المناجزة، [ولا يتعلمون ولا يتأملون، بل] يرسلون الحكم إرسالا، ويبعثون الفطن أرسالا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 738 والموسيقى وهو علم فنون اللحون، بالعجم إليه حاجة مجحفة، وضرورة معجفة، لهجز طباعهم عن الأوزان، وقلة اتساعهم في الميدان، لأن لغاتهم قليلة، وقواهم كليلة، لا تستجيب إلا بوسائط، ولا تستقل إلا ببسائط، ليس عندهم شعر موزون، ولا كلام مرصون، ولغة العرب واسعة العبارات، ناصعة الإشارات، لها الشعر الموزون، والنظم المكنون، والكلام المنثور، والسجع المأثور، والرجز المشطور، والمزدوج المبتور، والموشح والأطواق، والقلائد في الأعناق، والمخمسات والمربعات، والكوامل والمقطوعات، ولعبيدها في كل ذلك اللحون الشجيات المطربات والمشوقات، والتغايل والتقايل [والأهزاج والأرمال، وغير ذلك من الأعمال، كالركباني والأعرابي، والنصي والمدني، والثقيل الثاني، وعمود المدني، والماخوري والسريجي، وخفيف المدني، وهي كثيرة أثيرة، نسي معها الأرغن والسلياق والصنج والكنكلة] والقندورة والقيثارة، فلا يعرفن ولا يولفن. وما أظن معبدا والغريض وأشعب وطويسا وابن سريج وابن محرز الجزء: 6 ¦ الصفحة: 739 والميلاء وبصبصا قرأوا قط موسيقى، ولا سمعوا بيطيقا، فاعرض إن شئت ألحانهم المطبوعة على أورانكم المصنوعة، فأظهر غلطهم في التنغم، وخطأهم في الترنم. على أنه من العلم المذموم] روي في الحديث: أن أول من غنى وناح إبليس حين أكل آدم من الشجرة؛ قيل وهوأول من عمل الطنبور؛ فلا مرحبا بعلم الأستاذ فيه إبليس اللعين، [وقد كان منهم من إذا غنى ثنت الوحش أجيادها وفارقت اعتيادها، وعطفت خدودها وتركت شرودها، مصغية إليه مقبلة عليه، فإذا قطع عاودت نفارها وطلبت أوكارها، هذا فعل الأوابد والوحوش الشوارد، فما ظنك بالقلوب الرقيقة، والفطن الرشيقة -! ولقد ألف الإسلاميون في الأغاني، وما يتصل بها من المعاني، ما إن نظرت بميز وحكمت بعدل، وقفت على الفضل في هذا الفصل، ولم تحو جك العصبية والنفس الغضبية، إلى شهادة الزور والجور المأزور. وأما الأنالوطيقا والطوبيقا فهنالك جاءت الاحموقى والأخروقى، [201ب] وظهر عجز القوم وتبدلت أفهامهم وركدت ريحهم، وكثر تريحهم، وبان أنهم أغمار، ليس فيهم إلا حمار، وضل سعيهم في الحياة الدنيا لما إلى حيث تنفرد العقول بنظرها، والبصائر بفكرها، والأفهام باستنباطها، هنالك تاه المحزون، وخسر المبطلون، وتفرقوا شذر نذر وعباديد أباديد، فمنهم الدهرية القائلون ليس للعالم ابتداء ولا انتهاء، لا نثبت إلا بما شهدناه، ولا نعلم إلا ما عهدناه، فأنكروا حجج العقول والعلم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 740 المنقول، والدليل والمدلول، وهم يبصرون تعاقب الأضداد وتعاور الكون والفساد. ومنهم الطبيعيون وهو أيادي سبا وفرق شتى، قوم يقولون العالم من أصلين: هوائي وأرضي، فجمعوا بين الراسب والطافي، والكدر والصافي، وعلى هذا الرأي قال المتنبي: تبخل أيدينا بأرواحنا على زمان هي من كسبه فهذه الأرواح من جوه وهذه الأجساد من تربه ومنهم القائلون: العناصر أربعة هي بسائط للمركبات، فقضوا بائتلاف المتضادات، وتركيب المتحادات، فجمعوا بين النار والماء، والأرض والهواء. فإن قيل: كيف صارت متظافرة وهي متنافرة، وغدت متجاورة وهي متعاورة، وإذا كانت تتهارج، كيف تتمازج، أم كيف يمتزج الصاعد بالراكد ويلتبس الحار بالبارد - قالوا: جمعنا جامع، وقمعنا قامع، بطبعه لا باختياره، وبفعله لا باقتداره، وهذا غاية المحال، ونهاية الاختلال، لأنه لا بد أن يكون الخامس مثلها أو مثل بعضها، أو مخالفا لكلها. فإن كان مثلها أو مثل بعضها فلا حاجة بها إليه مع وجود مثله، وإن كان مخالفا لسائرها فلا بد من سادس لتغايرها [ثم كذلك إلى غير غاية] ولم قالوا أربعا - فإن قيل أيها أقدم ولمركزه ألزم - [قال صاحب الكتاب: وبين أبو الطيب بطلان قولهم في احتجاج طويل، أضربنا عنه تركا وتخفيفا للتثقيل] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 741 [ثم قال] : وأما أصحاب الطوالع، وعباد المطالع، فقد اختلفوا في الهيئة [أيضا] على جهات، ووصفوها بصفات، فقالوا كالدائرة تتساوى أبعادها، ويتعدل اطرادها، وقالوا: كالبيضة والقلادة. والمنجمون. وهم فنون في الجنون، يقولون فلك الأفلال، ودرك الأدراك، والفلك الأثير، وهذيان كثير، يعبدون الشمس، ويسجدون للنار، ويعبدون زحل والمريخ والزهرة والشعرى العبور وغير ذلك، وهم يرون آثار النقص فيها، ودلائل الحدث تعتريها، من طلوع وأفول، وقدوم وقفول، ويزعمون أنها تتغاير [202أ] وتتمانع، وتتكاسف وتتخاسف، وكل بصاع هذا التخليط من هذه الأغاليط، لا يعرفون رشدا، ولا يهتدون قصدا. هذا مقدار عقول حكمائك، ونهاية آراء علمائك، [وهذا قليل من كثير هذيانهم، وأوار من عوار غليانهم] . وفي فصل منها: وأما أنتم معشر النصارى الخسارى، فقد اتخذتم المسيح وأمه إلهين من دون الله، وقلتم بالمحال، في قضايا العقول والأستدلال، قلتم: إله واحد وأب وابن وروح قدس، فهو إذن ابن نفسه وأبو نفسه وروح روحه، وقلتم: امتزج اللاهوت بالناسوت في بطن أمه امتزاج الخمر بالماء، وقلتم: تحولت الكلمة في الرحم لحما ودما، وقلتم: لا كما يظهر الوجه في الجسم الصقيل، والطابع في الشيء البليل، وقال آخرون: بل كما يمتزج العقل بالنفس من غير مماسة، فكيف يتمازج ما لا يتماس - وكلكم مطبقون على أن المسيح ابن الله، تعالى عما تقولون، وضللتم وخسرتم، ثم أقررتم طائعين وإذعنتم خاضعين أن اليهود قتلته قتلا وصلبته الجزء: 6 ¦ الصفحة: 742 صلبا، فأين ما ادعيتم مما نعيتم، وأين ما استربتم مما اقترفتم، لا ترعوون ولا تستحيون، ولا تبالون ما خرجت بكم الحال إليه، ولا ما وقفكم الشقاء عليه، أرب معبود يقتل ويصلب ويقهر -! لقد ذل من بالت عليه الثعالب فكيف لم يدفع عن نفسه - وكيف لم يخسف بهم الأرض جميعا أو يرسل السماء عليهم كسفا -! بالأمس إله ترقبون جنته وناره، واليوم قتيل صليب لا تدركون ثاره!! وزعمت طائفة منكم أن اللاهوت فارق الناسوت عند ذلك، وخلى بينه وبين اليهود، فهلا حماه منهم أو نصره عليكم -! هذه إشارة إلى تناقضكم، ولمحة دالة على تعارضكم، ولو أحصيناه وتقصيناه لاتسع مجاله، وامتنع مقاله. فإن قلت: إن العرب [أيضا] كانت تعبد الأصنام وتستقسم بالأزلام، فنحن ما أحمدنا لك دينها، ولا رضينا يقنها، بل نعلم أن من قال منها بالإشراك، فقد قصر في الإدراك. وهي على كل حال تذكر الله تعالى، كما قال الله تعالى: (ولئن سألتهم من خلقكم ليقولن الله) (لقمان:25) ؛ (ما نعبهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر: ) . وكثير منهم يقر بالبعث والجزاء، ويعترف بالحشر واللقاء، وكان منهم من رغب عن عبادة الأوثان، وتفرقوا في الأديان، فكانت حمير على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 743 دين موسى، وكان بنو الديان وأهل نجران وتغلب وغسان على دين عيسى، وكانت فيهم الملة الحنيفية الإسلامية والشريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادي، وورقة بن نوفل [202ب] الأسدي، وزيد بن عمرو من بني عدي، وقتلته الروم لذلك، وقد قيل في خالد بن سنان ما قيل. وكان أسعد أبو كرب الحميري أحد التبابعة قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل مبعثه بسبعمائة عام وقال: شهدت على أحمد أنه رسول من الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم وذكر الله تعالى كثير في أخبارهم وأشعارهم. وقد ذكر بعض أصحاب المقالات أن عبد المطلب بن هاشم كان من المهتدين في الدين، واستدل بأنه أجيب لما سأل، وسقي حين ابتهل، وذكر النبي عليه السلام لعبد المطلب سيف بن ذي يزن، وحزن على فوقه أشد الحزن، وأكد له العهود، وحذره عليه اليهود. ولما دعوا دخلوا في الدين أفواجا، وأتوه أزواجا، إلا من أدركته النفاسة وحب الرياسة، وسبقت عليه الشقوة، وورم أنفه من النخوة، كأبي جهل بن هشام وعامر بن الطفيل وأمية بن أبي الصلت ومن كان من ضربائهم وقرنائهم. وقال معاوية في كلام له مشهور: " فما كان إلا كغرار العين حتى جاءني لم يسمع الأولون بمثله، ولم يسمع الأخرون به، ولقد كنا نفخر بذكره على من نطرأ عليه أو يطرأ علينا وإنا لنكذبه، ونتبجح بذكره [وإنا لنحاربه] ". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 744 هذا لمع من أمور الجاهلية، وطرف من مفاخر الأولية، إن أنصفت نفسك، أو صدقت حسك، عرفت أين يقع منها مفاخروها، وهل يشق غبارها مجاروها. وفي فصل منها: [وما تصنع إذا نشرت الكمائن، ونثرت الكنائن، وقرعتك القوارع، وفرعتك الفوارع، وماست رايات السيادة، وخفقت ألوية السعادة، وطلعت عليك طوالع النبوة في أبهة الجلال والجمال، وسماحة العز والكمال، وقيل لك: هذا سيد ولد آدم أولهم وآخرهم، خاتم الأنبياء، وقاتل الأغبياء] . وأشهد أن الله لم يجعل محمدا صلى الله عليه وسلم هاشميا إلا وهاشم خير قريش، ولا قرشيا إلا وهم خير مضر، ولا مضريا إلا وهم خير العرب، ولا عربيا إلا وهم خير الأمم. لهم كعبة الله وولادة إسماعيل ودعوة إبراهيم، وإليهم مهاجر هود وصالح وشعيب وأتباعهم من المؤمنين، وأشياعهم من الموقنين [فيهم كان حمامهم، وعندهم دفنت رمامهم] لا كثنائك الذي أسررت فيه حسوا في ارتغاء، ودفعا في ابتغاء، وكشفت فيه ضبابك عن ضبابك، وهتكت أستارك من أهتارك، وظننت أن مخالطتك تخفي مغالطتك، وأن مدحك يستر قدحك [حين مدحت مدحا بجليا، وأثنيت ثناء دخليا، ولم يمدح من ذمت قباله، ولم يثبت من جذت حباله] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 745 أجعلت ويحك تبره في الرغام - بل الرغام لأنفك، والرعام لوجهك. لقد أخللت بنفسك وزلت قدمك، وأحللت بعقدك وقد حل دمك. ولو صح اعتقادك لصح انتقادك، ولو خلص باطنك لأقصر باطلك، ولو اصطلمت ما ظلمت، ولو اخترمت ما وفى بما اجترمت. سمع عمر بن عبد العزيز رضي الله بعض كاتبيه، وقد عير بنصرانية أبيه، فضرب لذلك مثلا يجل عنه ويرتفع عن قدره [203أ] فقال له عمر: أوقد قلتها - والله لا تشرب البارد بعدها؛ وأمر به فضربت عنقه. فأما إذ أغفل ولاة الأمر تأديبك، وتأديب الكافة بك، فأهملوا تأنيبك وتأنيب السفهاء مثلك، فتب إلى الله توبة تهديك وتنجيك. وعلى أنك خلف من ذلك السلف، رأيك فيه رأي أهلك، وفرعك جار على أصلك، إلا أن السيف قهرك والدين قسرك، وأخذك حكم الدار وخوف البدار، فأنت تشرق بريقك، وتغص برحيقك، ولا بد للمصدور أن يبفث، وللمبهور أن يغرث: ولا بد للماء في مرجل على النار مسعرة أن يفورا ومن كتاب لابن عباس يردفيه على ابن غرسية: عليك السلام لا السلام، تحية آلك، لا هدية آلك، يا ذا الوسن لا اللسن، واللكن لا الركن، وابن المراغة لا البلاغة، المزري بولاء مواليه، المغري بهاجر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 746 ونسي أرقاء مواليه، الجاني لهم شر ما يجني: وعلى أهلها براقش تجني * المفاخر بالعبيد، على أملاكها الصيد، مالك لا أبالك، تتهانف وتتهالك، أما هالك ما أضناك، وأمالك عن اللهج بآل ذي حسان، وحللة الماء من غسان، أو ما أجر منك اللسان، ما في عنقك من المن والإحسان - على أنك استغنيت بنعماك حين أبقيت، فاقطعتهم ملكة البلاد، والحسب التلاد، وموارد الشرف الأعداء، السامين على الأنداد، النامين بالآباء والأجداد، من عدان عاد، وعاد شداد، الضاربين الأرض بالأسداد، النازلين القصر ذا الشرفات من سنداد، تداعوا من أعالي الحجاز، وحيث اضطررتهم - بزعمك - من أسفل ذي الحجاز، سامية الهوادي والأعجازن عرابا لا تني ادرابا، وغضابا لا ترتدي الاعضابا، فأراداوا الأمر مدارهن وأقروه بعد الزلزال قراره، وأوطنوا من حلال الملوك دارة، وعفوا لك بأخرة عن أبداره فهي عليك دارة، فولجت كما ولج الثعلب وجاره، وإياك أعني واسمعي يا جاره، سما لك من قومهم قبل جذام، فقضى لدولتك المقرفة بالجذام، وذللت ذل الحليلة للبعل، وزللت كما زلت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 747 زليلة النعل، وأصبحت للسباء بعد الإباء، كعادة أعلاجك الأبناء والآباء، وعوليت وما عاليت صهوة الأقتاب والعمد، هذا وأبيك الحديث، وعن القديم فاليك يساق الحديث: لقد نبت في الجواب عني، ورب كلمة تقول دعني، أجل هي مثلها في الهون والدون، لا الخصب ولا الهدون، حتى ثنى عنها الثقفي إياله، وأشرف فلم يبال بها باله، ولا رضي أن يكون له عليها إباله، فمن الضغث الآن ومن الإبالة -[203ب] . وفي فصل: ولا غرو، فارود لكتفها، والأسود لأسلها، والجحال لرباته، والمجال لمن تثور على الخيل في سرواته؛ خامر أبا عامر، كخليلتك أم عامر: خل الجراح لمن يبني المنار به واحلل بوهدك حيث احتلك القدر مه! ألا تقصر عن عنه، انتبه لما أنت به؛ إلى من ويلك أسلت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 748 سيلك، وشمرت عن السير ذيلك - وأجلبت رجل سفهك وخيلك، ما انتفخ سحرك، حتى نفح بما نفح وشلك لا بحرك؛ لقد دانيت ما ليس بالمتدان، وعاليت ما ليس لك به يدان: المعاطس السمر القمر، لا الزعر المعر، الصبر الخبر، العقر الوقر، إذا ركبوا: تحرقت الأرض واليوم قر طالوا أمماً، وأدركوا الطوائل أمماً، وفضلوا أحساباً وإمما، وشرفوا أنفساً وهمماً: لهم شيمةٌ لم يعطها الله غيرهم ليسوا بناتجي عفاء، ولا ناسجي مسح عفاء، ولا من استثفر بقردة، ولا استحل خنازير وقردة، ولا من اغتذي الجريث، ولا من اشتوى جرذ اللغيث، ولا من قارن بين ثيرة، ولا من امتطى ظهر عيرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 749 ولا من أثار عن النقع المثار، ولا من شد الحلبة، ليشرب الجفنة والعلبة، بل يشدون العمائم، وينجعون الغمائم، ويرتدون الردينيات، ويستجيدون اليزنيات، ويفتلون الربذيات، ويتقلدون الهنديات، ويظاهرون التبعيات، ويغزون الربهيات، ويتوشحون المعلمات، والموشية المنمنمات، يجرون أهدابها، ويلحفون الأرض هدابها، ويلبسون للحال لبوسها، إما نعيمها وإما بوسطها: رقاق النعال طيب [حجزاتهم] * ذوو الفطن والهمم، والآراء والمجد العمم، والعلم لالأفلاك، والرصد في الأحلاك، وأخذ الأهواء في الأنواء، والاهتداء في الجداء، بالساقط والطالع، والمساقط والمطالع، هم زهروا منها الزهر، وشافوا صفح الجوزهر، حتى بهر وزهر، وأخذوا على البدر ثنايا سفره، ونفضوا عن مكامن سرره، وقدوا قلامته من ظفره، وأدلوا الدلو بالرشاء، وخلوا للحوت سربه حيث شاء، وقلدوا العقرب إبرته، والاسد زبرته، وراشوا من الطائر ثوادمه، وقصوا من الواقع مقادمه، واقتحموا على العذراء رواقها، وفصموا عن الجوزاء نطاقها، وطوقوا الزهرة في خدها، بيد من الفكر لم تدرها، وأجروا لبنات نعش ذيلا، ونحلوا الغزل سهيلا، وتركوا الثريا وكفها لنابه فريا، بعد أن صغت [204أ] إليه بزعمهم مليا، ومدت كفها الخصيب وقالت إليا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 750 وأعلوا لأتي المجرة، طريقه ومجره، وأذنوا للعبورفي الإجازة والعبور، وتخلفت أختها الغميصاء، فلذلك لا تطرف إلا عن الغميصاء، واخفروا الرواكد فلم تسر مع السيارة في خفارة، وأضرموا للمريخ مرخة وعفاره، ولم يفتهم زحل، وإن نأى ورحل، بل حصروه في ساحته، وقصروه عن مساحته، وقبضوا بيد الفهم لا العملن على روقي الثور وذنب الحمل، وشروا المشتري بالأوزون من غير موج ولا أوج، ولا أخذ ارتفاع، ولا تقويم ساع، ولا دقائق ولا درح، ولا حساب تلقوه عمن درج، بل بإ فهام أفهام، وإلهام أوهام؛ مع معرفتهم باحشائش، ولسانهم بكلها جائش، وطبيبهم الحارث بن كلدة، والزير والبم، والمثلث والمثاني، والثقيل الأول والثاني، وما أحسبك سمعت جرادتي عاد، وكيف ألهمتا وفدها بصوتهما المعاد؛ وفيهم العيافة والقيافة، والكهانة والعرافة، وحديث خرافة، وابنا عيان، لما استخبر تموه من البيان، والرقى والتمائم، والزجر بالأيامن والأشائم. وفي فصل: حلوا من الأرض سطتها، ومن قلادة الدنيا واسطتها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 751 وبين سمع الأرض وبصرها، وفي جفن كسراها وقيصرها، ينزلون الدهناء، ويرتحلون الوجناء، ويستبطنون الحسناء: يتقلون ظلال كل مطهم أجل الظليم وربقة السرحان لقاح لا يدينون، وبالقاح الحروب يدينون، يستأدونكم الإتاوة، في كل وهد ورباوة، أفبهذا اخدمتم نعناننا وغساننا، أم بعطية جذع ازدرى ثم ابن عمك أماننا -! أم بيوم ذي قار، وهو أشهر في باد وقار، إذ أسروا أساورتك، وكسروا أكاسرتك، وقصروا عن العامة قياصرتك -! أم العجب العاجب، وقد رهنكم حاجب من النبع فلقه، ليكف عنكم من غوائرها فلقة، فوفينا برهنه وما غلقا، وغدرتهم على العهد بنعيم وساء خلقا، ثم تحيرت منا بهيرة، وقد تبغاها شيروانك مهيرة، فقدع أنفه ببقر السواد، وهو منك خير مال وأكرم سواد. وإذا سببت فاصدق ولا فرية، فهذه زفراء وسمية، وعلى ذكر البغاء فأنتم له بغاء، نساؤكم عليه حبائس، وكوانس في الكنائس، يترافعن في الشبر والشكر، ولا ترون ذلك من المنكر، ونساؤنا للطرف قواصر، وعلى بني العم قواصر، لم يحتضن بغية، ولا حصن قط لغية، ولا إقراف، بل عن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 752 [204ب] اشراف فاشراف، وعن كل أنوف، ترغم بمجده الأنوف، وعن سابق فسابق يعبوب: كالرمح أنبوبا على أنبوب * ما تستطيع بأن تحاول عزنا حتى تحاول ذا الهضاب يسوما فخل عن العدنية واليزنية لا الرسبية، فنفاستهم نفسانية، وسياستهم إنسانية. أقلل بكم وأفلل بغربكم، إذ فتكت يهود بكم، وكشفتم أستاهكم - بزعمكم -، إذ قد صلبتم إلاهكم، وإذ ليست لكم آصرة، تجمعكم غير ناصرة، وإذ قد أضررتم بقدسكم، فطهر من رجسكم ونجسكم، ولئن أهجرتم بهاجر، ما جدنا بها هاجر، وأحللتم من الخليل، حرمة الخليل، فمن قبل ما قلتم في سارة، ما أبقى لكم عاره واساره، وقرفتم ابن الخالة، فإنما أزريتم بالصديق يوسف ابن نبي الله الذبيح، بل اختصها بالولادة، وخصها باسماعيل وولاده، وبوأها حرمة، وأحظاها بسقي بئر زمزم والمقام. وفي فصل منها: فخف لا أم لك على قبة المال، فما علونا عن سفال، ولا وسمنا عن أغفال، بل من عال إلى عال، كماء المزن يحدر من عال، أو كما توسطت الأقمار هالاتها، وسطت الشموس عن إياتها، فقد أعذرنا وما عذرنا، ولا نذرنا وما أنظرنا، فالعصا للعبد إن عصا، ومثلك من بني سهوان لا يوصى؛ ولا يقبل ولا كرامة، ما رأيت به في سيد المرسلين من الكرامة: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 753 من قبلها طاب في الظلال وفي مستحصف حيث تخصفت الورق ثم تخطى البلاد لا بشر كان ولا مضغة ولا علق [و] يركب الموج والسفين وقد ألجم نسرا وآله الغرق ينقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيته المهيمن من خندف علياء تحتها النطق فنحن في ذلك الضياء وفي الن ور وسبل الرشاد نخترق يا المحتمي بلواء الغي، والمشتمل برداء العي، لا دواليك، فقد نبذنا عن سؤاليك، ونجوت منجى الذباب لا لك ولا عليك: عذرتك يا أخا الذهن العليل فأنت أقل عندي من قليل وفت على التهاجي والتلاحي بعرض الواهن النكس الذليل [205أ] وكيف أسل عضبا ذا غرار على من سل من غاو سليل وأنت كما علمت تدق غيا [كما] عي الدقيق عن الجليل وقد أهديت من لؤم هديا تحدى للئيم بلا دليل وكل شريدة حذاء تقضي وان راقت بويلك والأليل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 754 وأضرب رأس شكك غير شك بمرهف ما وعيت من الصليل وأنفق ما أنلت بلا اقتصاد بما يشفي ويروي من غليل ومن يفلل بروقيه صفاة أليس شباه ذا غرب فليل فكيف يحيك في حصداء زغف مضارب بطلك النائي الكليل وفعلك في تجاوزه ثواب فقد يقضي الخليل من الخليل هذه سلم الله غيرك، ولا جزاك إلا خيرك، مرداة ضنك، بل مرداة صك، والسلام على من سلم من الهجر لسانه، وسلم من الكفر قلبه وجنانه. ومن فصل في ذكر الوزير أبي جعفر بن أحمد : حللت حامة بجانة ليلا وجفونها بالظلام مكتحلة، فتشوقت مستوحشا، ووقفت منكمشا، لا أجد أين أريح، ولا ارى مع من أستريح، إلى أن لقيني من أنزلني في منية نائية عن الديار، خالية من العمارن فما حططت حتى وافاني رسوله، يتحمل رغبته في الأنتقال إليه، والنزول عليه، فاعتذرت له، وشكرت تفضله،: استكمل االه تعالى سعادة، وأستوصله من سموها عادة، كيف لا أراقب مراقي النجوم، وأطالب مآقي العيون الجزء: 6 ¦ الصفحة: 755 بالسجوم، وقد أنذر بالفراق منذر، وحذر من لحاق البين نحذر، وياليت ليلتنا غير محجوب، وشمسنا لا تطلع فلا نروع بانصداع، ولا نفجع بوداع. وكتب إلي: ومن لا عدمت من أمره إنصافا، ومن بره إسعافا، ودنا كالسؤاب بعده أنس، وقربه يأس، وعهدنا كالشباب حظه مبخوس، وفقده تتوجع منه النفوس، فنحن نقنع بالسؤال، ونتمتع بالخيال، ونلتقي على النأي تمثلا، ولا نبتغي في الجد تأملا، وما كذا ألفت الحميم، ولا على هذا خلفت الرأي الكريم، ولا أدري [205ب] لعل للأقطار خواص تغيره، وللأحرار أخلاق تسيره، وحبذا فعل الصديق كيف تقلب، ومذهبه حيث ذهب، وأكرم بقدره ما أنجب؛ وبذكره ما أطيب وأعذب، لا زلت أمتع ببقائه، ولا أمنع من لقائه. وكتب إلى الرئيس أبي عبد الرحمن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 756 فصل في ذكر ثلاثة من رجال الأندلس جمعهم وقت وزمان، واشتمل عليهم شان وأوان، ونسقهم شبه، وكلهم وان كان جاهر بالنفار غزاله، وجذبت البطالة والأستهتار أذياله، واستفرص بلسانه، أعيان أهل زمانه، حتى تحاماه الناس، وانحرف عنه التقليد والقياس، فله من الإحسان مكان لا جهل، ومن التقدم في هذا الميدان حكم لا يمذل، ولأمر ما أطلعتهم في أفق، ووضعتهم على نسقن والمرء لمشبهيه، دون قرابته وذويه، وسأنثر ما نظمت، وأوضح ما أبهمت، وأذكرهم رجلا رجلا، وأسرد من قصصهم تفاصيل وجملا، وأكتب من أشعارهم ونوادر أخبارهم، بما يقفك على إحسانهم، ويعجبك من اشتباههم واقترانهم، فمنهم: الكاتب أبو جعفر بن أحمد من [مدينة] دانية [206أ] ؛ قدمته إذ كان أنبههم موضعا، وأوسعهم عند ملوك الطوائف بأفقنا مطارا وموقعا، وله إحسان كثيرن منظوم ومنثور، بين قلب ذكي، ولسان غير بكي، شهدا له بفضل براعة، وتقدم في هذه الصناعة، وتفاوت هو وأخوه تفاوتا عظم فيه الشأن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 757 وأعرب به عن ذات نفسه الزمان: كانا ابني رجل من شرط ابن مجاهد بدانية، مشهور بلؤم المكسب، وضعة المركب، صاحب عصا شوهاء، ودعوة غير ذات سناء، و [نشأ] ابناه هذان ولهما همة في الأدب، وحرص على الطلب فقسمت بينهما العلياء، قسمة مثلما يشق الرداء، فتقدم أبو جعفر هذا بالإحسان في النظم والنثر، وذهب عليه أخوه بالمكان من النهي والأمر، فحمل تلك الدولة على كاهله، وصرف الملوك بين حقه وباطله، ووقع معه أخوه أبو جعفر تحت المثل: " أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل "، فله فيه من ذلك غرائب تجاوز فيها ملح العتاب، إلى قذع السباب، فمما له فيه، يشير إلى ضعة أبيه، قوله: وعصا أبينا إنها لألية شوهاء إنك شوهة الوزراء وقوله: جار ذا الدهر علينا كذا الدهر يجوز كان شرطيا أبونا وأخي اليوم وزير أنا مأبون صغير وهو مأبون كبير إلى غير ذلك من مقطوعات، فيها هنات، صنت الكتاب عنها. وفي ما أجريت من ذكره، وأثبت في هذا الفصل من نظمه ونثره، ما يدلك على عجيب أمره. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 758 فصول له رقعة أنشأها على لسان القصر المبارك، إذ انتقل عنه المعتمد [بن عباد] إلى القصر المكرم من قصور اشبيلية، قال في فصل منها: نحن أيها المحل السعيد، والقصر القديم الجديد، وإن نبضت فينا للنفاسة عروق، نعلم أنه لبعضنا على بعض حقوق، فما أحقنا بحق المشايعة والمتابعة، لما نظمنا من سناء الدولة اللخمية، وتشرفنا به من ولاء المملكة المعتمدية - عقد الله لنا أسبابها، ومد علينا أطنابها - وحقا أقول أيها القصر المكرم، لا جرم أنه لك السبق والتقدم، فإنك أس الخلافة، وقرارة الرياسة، ومركز الدول المتداولة، شهدت الأشهاد، أنه بك مهدت البلاد، وعنك انبثت الجياد، كأنها الجراد، على حين اشتدت شوكة المارقين، وحميت جمرة المعاندين، فألظوا بهم مجلحين، وشنوا [206ب] عليهم الغارة ممسين ومصبحين، وأذلوا كل جبار عنيد، وقطعوا دابر كل ختار مريد، حتى خضدوا تلك الشوكة، وأطفأوا تلك النائرة، فانجلت الغماء، وسكنت الدهماء، بتدبير قاضي العدل، وحكم عباد البأس والفضل، فمرت لك كذلك برهة، وتراخت بك على تلك الحال مدة، آمنا سربك، صافيا شربك، لا يطار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 759 غرابك، ولا يضار بسوء جناحك، فهنيئا لك النعمى أولى وهذه أخرى. ولما ثاب من سعدي ثائب، وأسعد جدي قدر غالب، درج عنك إلي، وطلع من تلقائك بطالع الإقبال علي، المولى المعتمد الذي أحياك رفاتا قدم، وأشب منك كبيرا قد هرم، كما أحيا ذكري، ونوه من قدري، إذ حط اسمي عن عرض الدور، وأثبته في ديوان ساميات القصور، فمن رأى من قبلي الوهاد، تطاول الأطراد -! فأصبحت - والله ولي الإحماد - هضبة القصاد، ونجعة الرواد، وكعبة بني الأمل، وعصمة كل خائف وجل: في كل شارق الزوار تكنفني وبعد حول يزار الركن والحجر لو أن إيوان كسرى كان عاصرني لكان لي دونه عز ومفتخر بساحتي تعقد الرايات يتبعها جيش يسايره أو يقدم الظفر بسعد محتسب في الله معتمد عليه أفعاله في دهره غرر وكم له في الورى من فتكة قرئت فينا كما تقرأ الآيات والسور وفي فصل منها: ومعلوم أيها القصر، الذي يزدان به العصر، أن لكل أجل كتلب، وللنفوس علائق وأسباب، وأغراض وآرابن فاللبيب من قدر الأشياء بمقدارها، واعتبر الأمور حق اعتبارها، فعلم أن لها [عوارض من سأم يلحقها، وكسل يطرقها، فتستريح بالانتقال من حال إلى حال، ليعود ذلك الانقباض] انبساطا، ويؤول ذلك الكسل نشاطا؛ ولا عجب من غضارة بساتيني، ونضارة رياحيني، فإنما كان ذلك في الجزء: 6 ¦ الصفحة: 760 مدد متراخية، وأيام ولبال [علي] متعاقبة، وإنما العب الأعجب ما نمي إلي عنك، مما تكامل فيك واجتمع لك، من حدائق بواسق، في أيسر من رجعة الطرف، وأسرع من قبضة الكف، إلى أوار أينعت، وأزهار تنوعت: فمن ورد كتوريد الخدود، ونرجس كمقل الغيد، وسوسن كأنه راحة ثنت البنان، على قراضة من العقيان، وآذريون كمداهن عسجدية، على قضب زبرجدية، وخيري كأنما استعار شكله العيون، او اختار بذلة المحزون، وبنفسج حكى زرق اليواقيت، وبقية النار في أطراف كبريت، وياسمين يذكر بالخدود البيض [207أ] ويعطل كل نسرين وإغريض. وفي فصل: وإن الخجل منك ليكسوني أثوابا، والمعرفة بحق تقتضيني اعترافا لك واستعتابا، على ما ضيعته قبل من مداخلتك، وفرطت قديما فيه من مواصلتك، فإني كنت آنفا في نحو ما انت فيه اليوم زاهيا، هناك الله المنحة منه، وسوغك النعمة الجسيمة به، من الشغل المطرد، بخدمة المولى المعتمد؛ ولما انتقل إليك وجب أن أخاطبك معتذرا مستغفرا، وأكاتبك مهنئا لك مستكثرا منك، وما اتفق لي من ينوب في ذلك منابي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 761 وما زلت أطلب من يجيد ما يكتب، حتى قيض منشىء هذه الرقعة، وحلي لدي بالبلاغة، فخاطبك عني بما تراه، وتستوضح مغزاه، وقد استوجب باتصاله بي واعتلاقه بسببي حقوقا عندي، وحظا وافرا من اعتنائي وودي، وأسألك فصل العناية به دوني، وصدق الشفاعة له عني عند المولى المنعم، ولا أقل من أن يبلوه ويخبره، فإن استحق بالإحسان إحسانا، أوسعه وأوسعني عنه إنعاما وامتنانا، وان كانت الدولة السعيدة غنية عنه فما أخلق مكارمه بأن يلحفه ظلها، ويبوئه فضلها، فيكون في خباياها، ويقيم في ذراها، ليعلم من علم بقصده لها، أنه قد حلي بطائل منها، وعسى أن يظهر بعد حين رأي في تشريفه بتصريفه. الجواب عن ذلك من إنشائه [أيضا] : أحسنت أيها القصر المبارك أحسنت، شد ما بينت، وسرعة ما لقيت، وأصبحت - والله يتم سناءك، وينمي بهاءك - بهذه الطبائع، محبب المقاطع والمنازع: ومن يك عبدا للمؤيد لا يزل [حميدا] مساعيه سديدا سهامه مليك إذا ما هم أمرا فإنما ذريعته خطية وحسامه لقد هيأت لك الهيئة العلوية، مراتب سنية، وأطلعت لك النصبة الفلكية مطالع من السعود، سمعت بك صعدا من الصعيد، ومنحتك من عزة السلطان، ما أناف بك على الأقران إلى العنان، فأين منك الجوزاء، وقليل لك أن أقول الأبلق الفرد وتيماء - أنت فلك نجوم الملك، وسماء رجوم الشرك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 762 وفي فصل منها: ولله يا سيد القصور، وبهجة الدهور، [ما تقرر لك لدي] ، وقص عنك إلي، من محاسن أحرزتها صفتك، وفسرتها [جماتك، من تحليك] بوجهين على منصبين، مفضيين إلى مجلس بين حيرين، كلاهما محاسنه فائقة، وبساتينه رائقة، ذوات أفنان متعانقة، تعانق الخلان، تلهيك عن قدود العذارى، وتنسيك معاطف [207ب] النواعم السكارى، قد أقامت من الأوراق، شكل الرواق، فيمر النسيم بها عليلا، وتلاحظ طرف الشمس أثناءها كليلا، فأنت منها في ظل ممدود، وطلح مخضود، وطلع منضود لتساقط ذلك الثمر، وإن كان لا يهتصر، إلى آس عبق الأنفاس، حكى سلاسل الذوائب من أصداغ الكواكب، وأنوار أشتات، وأزهار نلونات، فمن أبيض ناصع، وأصفر فاقع، [وقانىء حمرته، وباقل خضرته] ومن أقحوان كثغور الحسان، وشقائق كالشقيق، أو مذاب العقيق، كل ذلك بهج متبرج، بين يدي ذلك المجلس الرفيع البديع، صدفة الدرة اللخمية، ومقر الدولة المعتمدية، [تروق النظار، وتستوقف الأبصار، بمصانع شاكهت الوشائع، ومحاسن عطلت البساتين، لم تعرف تلك أرض صنعاء، ولا حاكت هذه أيدي السماء، قد مازجها النضار سائلا، وترقرق بها ماء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 763 الحسن مقيما وجائلا، فلتماثيله صور يسحر منها النظر، من ناطق لبق الحركات، وصامت مألوف النزعات] : قد فات حسنك كل قصر مثلما فات المؤيد كل ملك في الورى ملك إذا وقف الملوك ببابه عاد المعظم منهم متصغرا طلب المعالي بالعوالي والها فاحتازها والطالبوها بالعرا إيقاده نار الحروب فخاره وفخار قوم يوقدون العنبرا في حين تلتمح السيوف بوارقا والزغف ليلا والجياد كنهورا وبودي أيها القصر المألوف جنابه، المنيف نصابه، لو أمكننا اللقاء، حتى يقع الشفاء، ويتمكن الإخاء: ولو كان يمكن سعي الجماد سعى بي نحوك فرط الوداد وشخصك إل أطالعه لحظا فأني أطالعه بالفؤاد ولله ملك ظللنا به مليكي قصور جميع البلاد لقد جمع الله فيه خلالا جلائل ما اجتمعت في العباد [إذا ما لنتمى فابن ماء السماء وإما اعتزى فابن حر الجلاد] حمى عندها النوم أجفانه فيكحلهن بميل السهاد جمل لا يفصلها إلا العيان، ومحاسن يصدق فيها اللسان والبرهان، ومكارم لا تحتويها الغمائم، وأدب كما تفتحت الكمائم، تسمع الصم، وتستنزل العصم، وترهف طباع الغبي، وتحث قريحة البكي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 764 بأدنى لحظة، وأيسر نكتة، في أقرب مدة، فناهيك بمن أسعدته قريحة، وعضدته لوذعية صريحة، إياك أعني أيها النشأة المباركية، والجملة المستجادة المرضية. وفي فصل [منها] : ولقد أثقل ظهري، وأعيا [208أ] ناهض حمدي وشكري، [إذ أخذت بطرفي الفضل، وسمتني خطتي العجز في القول والفعل] ، تبرعت به - ولك أتم الطول فيه - من مبادهة المخاطبة، ومفاتحة باب المكاتبة، بعاطر ثناء، كأرج الكباء، [وبارع إحماد، كأزهار الربى غب العهاد] ؛ فلولا ما اتصل بي عنك، وتقرر لدي من لدنك، من صحة طويتك، وسلامة دخلتك، لقلت: هذا الجفاء مجلو في صورة الثناء، والازدراء مخبو تحت لسان الإطراء، وإنك أمعنت في كتابك في التصريح، وجريت فيه طلق الجموح، وما اجتليت له فصلا، إلا استربت فيه فضلا، ولا مررت منه بفقرة، إلا صرحت لي عن ندرة، وكلما أعدت طرفي فيه، راعني حسن ما تعيده وتبديه، فطفقت تارة [به] أعجب، وأخذت طورا منه أعجب، وقلت: لله كاتبه، لقد أوجز فأعجز، واقتضب فكأنما أسهب، ثم عدت أقول: لا عجب، استملى من محاسن [القصر المبارك] فكتبن وهل هو إلا البحر يقذف بالدر، والروض يبسم عن يانع الزهر. وفي فصل منها: وقد تعقبت على الكاتب نكتة، إلا تكن هناة، لم تبعد أن تكون غفلة، من أن يرى العجب الأعجب، والغريب الأغرب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 765 ما اتفق لي مما تكامل في، ونمي إليك عني، في قصر من الزمان، كابهام الحبارى في العيان، فما رثت أن تحليت حاليا زاهيا، مفرقا مزخرفا، مقرطا مشنفا، لا ترى إلا روضة غناء، وحديقة خضراء، وبهجة زهراء، محاسن تأخذ بمجاميع القلوب، وتحير صفاتها البعيد عن القريب، أشجار نجمت لحينها، وتفتقت أثناء رياحينها، نقلت عن ري إلى ري، فتعجلت في أحسن زي، قيد القدود، وأشباه الهيف الغيد، [ريا ناضرات، أتراب لدات، ليست بالثمام الضعاف، ولا الأدواح القفاف] ، فللرياحين أريج، ولخريز الماء ضجيج، كلما تجلت عن خرطوم أقود أعلب، صحرائي النسبة، آدمي الصنعة، إنسي الحضرة، شبح ممثل، وجماد لا يهرول. [قال ابن بسام] : وفي صفة [هذا] الفيل يقول عبد الجليل، من قصيد طويل، هو ثابت في موضع أخباره من هذا المجموع: ويفزغ فيه مثل النصل بدع من الأفيال لا يشكو ملالا رعى رطب اللجين فجاء صلدا وقاحا قلما يخشى هزالا كأن به على الحيوان عتبا فلم يرفع لرؤيتها قذالا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 766 ومنها في وصف ثمار هذا الغصن: وأوصى بالرياحين اغتراسا همام طالما اغترس الرجالا [208ب] وكان الغرس والإثمار وقفا لمن جعل الندى والرعد حالا وقامت يوم قمنا منشدات فغضت من رويتنا ارتجالا ولابن أحمد فصل من رقعة: إذا تدبرت - أعزك الله - معاليك حقيقة التدبر، ومنحت فضل النظر، تجلت من الكمال في أحسن الصور، وراقت العيون، وفاتت الظنون، فانك اتخذت إلى العلا طريقا مختصرا، خفي عن غيرك فلا يرى له أثرا، فكل يرى أساس المجد سعيه لنفسه، واستنفاد وسعه لذاته، فيكون كما جرى به المثل: " سمنكم هريق في أديمكم " أو كما قيل: " لنفسه بغى ثعاله "؛ وأنت - أعزك الله - إنما تشيد مجدك، بأن تبذل لغيرك [جهدك] ، وتنفق في ذلك ما عندك، وهذا طريق لا يهدي إليه عيون آرائك، وغرض بعيد لا تصميه إلا سهام إنحائك، والله يبقيك للأفاضل أماما، وللفضائل نظأما، بعزته. وله من أخرى مما كتب به عن بعض أمراء الثغور إلى قوم من النصارى: أيتها الشرذمة الطاغية، إنكم لنا لطائغون، وإنكم لتفسدون في الأرض ولا تصلحون، ناشدتمونا الله في عقد السلم أن تكفوا عن المسلمين عادية الأذى والأستطالة، فحملتموهم ضغثا على إبالة، وانتسفتم النعم، وهتكتم الحرم، وبيتم سكون الدهماء، واستبيتم الحرائر في ربق الأماء، وتوغلتم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 767 البسيطات، وتسنمتم القلاع الممتنعات، ولم ترقبوا فينا إلا ولا ذمة، ولا رعيتم لنا سلفا ولا حرمة، وليس إلا حكم الله بيننا وبينكم، وهو بعزته يحيق دائرة السوء بكم، ويستأصل شأفتكم، [ويصرف مرتكم] . وانا لنرجو أنها علة قد نضجت، وكأن بالكربة عنا قد تفرجت؛ فلتستشعروا حلول النقمة بكم، وإناختها، وتخطف المنايا لكم، وقطعها لدابركم، وان الذي بينكم وبين الهلكة لأقصر من إبهام الحبارى، في يوم ترون فيه سكارى، وما أنتم بسكارى، ولكن عذاب الله الواقع، وسخطه الذي ما لكم عنه دافع، ولسنا نحاكمكم إلى غير المهند، ولا نماطلكم ذلك وكأن قد، فإن الله لكم بالمرصاد، ولن يتولى كبركم إلا أقل الأعداد، من أنجاد الأجناد، فتصبحوا كأن لم تكونوا شيئا مذكورا، وتصيروا إلى جهنم وساءت مصيرا. [والسلام على من اتبع الهدى، وخشي عواقب الردى] . [وهذه أيضا] جملة من شعره من ذلك ما أنشدني لنفسه مما خاطب به الوزير الأجل أبا بكر بن زيدون: لا تمنعنكم الدنيا وزخرفها بري فقد كنت منها في زخاريف الجزء: 6 ¦ الصفحة: 768 أسماء أعلام أنتم ظلت بينكم [209أ] حرفا وما أبتغيكم غير تصريف وهذا المعنى ينظر فيكم اللجام، مما أنشده الثعالبي: أنا من وجوه النحو فيكم أفعل ومن اللغات إذا تعد المهمل وقال اللجام أيضا: ونعتنا بشاعر نعته ليس ينصرف وحدثني أبو حاتم الحجاري قال: كتب إلي ابن أحمد بهذه الأبيات: قالوا الحجاري وظني أنه حجر والدر ليس بمنحوت من الحجر عني إليك من اشعار لها غرر غيري يباحث بالتحجيل والغرر بيت ببيت ومصراع بمشبهه حتى يصدق خبري ذائع الخبر قال أبو حاتم: فأجبته: قف يا ابن احمد لاتجمح على غرر كوقفة العبر بين الورد والصدر ولا تعرض فعندي كل شاردة كالنار تلقي إلى الأشرار بالشر إن شئت سلما فسلما أو محاربة عندي أناة وعندي بطشة القدر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 769 أنا سواد وآياتي مبينة فما يخك من خبري ومن خبري قال أبو حاتم: فكتب إلي ثانية بقوله: أمرت مني جفاء غير مؤتمر كالذئب نهنه عدو الضيغم الهصر والعير مستوقف الأفراس سابقة كوقفة العير بين الورد والصدر إن كنت مستأجرا يوما فلا عجب فؤاد الكتب قد أثبتن في الطرر وبين فكري ونفسي كل صائبة كالسهم ينفذ بين القوس والوتر قال أبو حاتم: فراجعته بهذه الأبيات: أنا الحجاري والياقوت من حجر والماء ينبع سلسالا من الحجر وركن مكة فيه ما سمعت به تراك تجحد أو تعمى عن النظر لا تحسب الشعر إلا دوح باسقة أصبحت أقطف منها يانع الثمر لي المحاسن وانظر قلما خفيت إلا على جاهل بالشمس والقمر أخفى عليك ولكن سوف تعرف بي ليثا تكنف ملتفا من الشجر [209ب] وقد أتتني وبعد البطء ما وردت صحيفة لم أنم منها على غرر ثقف كعوب قناة أنت تحملها وأضرب بمتن الصارم الذكر ماذا تريد بنسج هلهلته يد أخشى عليك هجوم القر في صفر وقد نصحتك والأيام واعظة وأنت تجنح أحيانا إلى السفر قال أبو حاتم: فلم يراجعني بعد، فكتبت إليه آخرا بقولي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 770 ما لابن أحمد لم تبصر بصيرته هيهات تضعف أحيانا عن النظر يظن بي قصرا والطول يعجبني إني لأعجب من طول ومن قصر إذا استراب بمثلي في بديهته وقال ما يملأ الأسماع من هذر فخله يخبط العشواء في رجل يسري فيمرح بين الشمس والقمر ولابن أحمد مما خاطب به أبا بكر الداني المعروف بابن اللبانة: هب السحر يملي والمعالي تدفق هل الكل إلا من صفاتك يشرق وهبنا شدونا كالبلابل إنه جميع الملاهي من قريضك ينطق جمعت معاني الحسن في طي مهرق ولم أحتسب أن يجمع الحسن مهرق ولا فضل لي إلا النظام وإنما أماؤك تجلوها كواكب تعشق وماذا عسى نهدي إليك وإننا جداول في أدنى بحارك تغرق وما زلت تهدي كل حين جواهرا فتخزن منها ما تشاء وتنفق أرى شعراء الوقت دونك قصرت إلى عفوك الأدنى تخب وتعنق وجدتك شمس الفهم أشرق نورها فلست أراعي كوكبا يتألق فأجابه أبو بكر الداني [بقوله] : سبقت إلى العليا وما زلت تسبق فأرسلت ما يندى علي ويعبق كتاب كما يتلى الكتاب وراءه حديث كما يروى الحديث المصدق أضاء الهوى في صفح ما قد خططته كما ضاء في وجه الحقيقة رونق أعدت لي الدنيا فتاة وربما غلاما، كلا الوجهين في الحسن ريق [210أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 771 وأنستني من وحشة فكأنما مددت علي الظل والشمس تحرق أخذت بأطراف الكلام فحزته فحظ الورى منه الذي تتصدق ومن شعر أبي جعفر بن أحمد يستنجز بعض الوزراء: عدات مثل ما ابتسم الحسان وتسويف كما عبس الزمان وقد خبرت نفسي عنك خيرا وأحر بأن يصدقني العيان وها مدحي سوابق ملجمات لأرسلها وفي يدك العنان ومما قال في الغزل وسمى هذه القطعة بالصفقة: سمت الحبيب وصالا قال لي نعم ولا أبيعكه إلا يدا بيد فقلت هاك فؤادي قال تبخسني حقي فزدني عليه فلذة الكبد فقلت هاكهما فافتر من عجب وقال لي إن هذا غلية الجلد فقلت لا تعجبن فالوجد يقتلني فقال ما لقتيل الحب من قود وهو القائل من أبيات اندرجت له في أثناء رسالة: ولم ير مثل الجود للمرء حلة وهل يستوي قدرا جواد وباخل يذمم بالبخل الشريف انتسابه وتحمد بالجود الخساس الأراذل وما لك في الدنيا سوى ملبس يرى عليك وما تعطي وما أنت آكل يطيل حياة المرء طيب ثنائه والا فأيام الحياة قلائل وفي فصل منها: فاعجب لهذه المنقبة النبيلة، والحلة الوسيمة الجميلة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 772 تكسب المرء خلدا مع الزمن، وان كان الخلد غير ممكن، وبالكرم استدل على كثير ممن كان في سالف الأمم، لاسيما إن ألف شعرا، أو صنف نثرا، وبه عرف هرم بن سنان المري وحاتم الطائي، ومن سواهما من الأجواد والأصفاد. وله: قم فاسقني والرياض لابسة وشيا من النور حاكه القطر والشمس قد عصفرت غلائلها والأرض تندى ثيابها الخضر في مجلس كالسماء لاح به من وجه من قد هويته بدر [210ب] والنهر مثل المجر حف به من الندانى كواكب زهر فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي الخطاب عمر بن احمد بن عبد الله بن عطيون التجيني الطليطلي أحد بحور البراعة، ورؤوس الصناعة، نفث هاروت على لسانه بسحر، إلا أنه حلو حلال، وتفجرت البلاغة من جنانه ببحر، إلا أنه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 773 عذب زلال، فأتى ثانيا من عنانه، وسبق على تأخر زمانه، على أنه لم يشرح قط بحب الشعر صدرا، ولا أبلى في طلبه عذرا، وإنما قاله متحببا لا متكسبا، وألم به متمرنا لا متزينا، وقد أثبت من كلامه ما يزري بالدر في السلك، ويخل بالكافور والمسك. جملة من شعره في أوصاف شتى له من قصيدة في المتوكل بن المظفر صاحب بطليموس المعروف بابن الأفطس: عاكف جفني على سهره سيف جفن سل من حوره نفحت بالسحر هبته فانثنى والصبر من جزره قدر ما قد أتيح له لا يفر المرء من قدره إن ليل الصب أوله في تمادي الشوق من سحره روعت أسماء أن طلعت رائعات الشيب من شعره لا تراعي يا أسيم لها إن حسن الروض في زهره واخضرار الليل أحسنه ما تلوح الشهب في خدره ليس شيبا ما لمحت به جمر قلبي طار من شرره إن تري رأسي به قزع لست بالباكي لمنحسره قد حلبت الدهر أشطره ومريت السحب من درره رب واد قد هبطت به فبهرت الوحش في نفره الجزء: 6 ¦ الصفحة: 774 بممر عقده أشر ضاعف التضمير من أشره سبقت منه مسامعه رجعة بالطرف من حذره بارق جالت حوافره مع جول اللمح من بصره [211أ] لو تعاطى البرق غايته لأتى يكبو على أثره مثله أدنى إلى ملك نام طرف الملك عن سهره جاعل سمر القنا شجرا يجتني التأييد من ثمره ما قضى من لذة وطرا منذ لاح الملك من وطره [وفيها يقول] : قد بنى ملكا مظفره باسمه المشتق من ظفره ثم سماه له عمرا كي يكون الدهر من عمره يا مليكا كل شاردة سقتها في الشعر من فقره ليس لي فضل بمدحته سلكه أدرجت في درره إنني في ما أجيء به جالب تمرا إلى هجره وله من أخرى أولها: غدو لنا في حبكم ورواح وليس على حكم الغرام براح تنكرت لما خالط الشيب لمتي وأسفر في ليل الشباب صباح ومنها: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 775 إلى كم نوى تتلو نوى وتغرب كأني بأيدي الياسرين قداح تعاورنا أيدي الفيافي كأننا هشيم ذرته بالفضاء رياح وفيها يقول في مدح المتوكل على الله: إذ كنت قد أمسكت من عمر الرضى بحبل فعلاتي به ستراح هو الصارم الهندي أمضاه عزمه ولألاه على أعراضهم فشاح وله فيه من قصيدة أنشدها إياه في محرم سنة أربع وسبعين، صدره من التطوف ببلاد الثغر، يدعو أهلها إلى الدخول في طاعته، فأجابته حاشا أهل وادي الحجارة فإنهم رجموه بها، وحاربوه على بابها، وكان زعيمها يومئذ والقائم بأمرها من أهلها، حامد بن مسرة الفقيه، أولها: بمثلك من مولى ومثلي من عبد يرى الناس كيف المجد أو صفة المجد [211ب] رميت قصي الثغر بالخيل شربا هبطن على غور فأصعدن في نجد فما شئته من لاحق بطنه طوى وأقرابه نيطت إلى كفل نهد وأقبلتها مجريط شعثا كأنها كواسر عقبان تقضين من فند تدوس الإكام الجرد منها فترتمي سجودا إلى أيدي سوابقك الجرد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 776 فلما رأت مجريط وجهك أقبلت لعزتك القعساء في ذلة العبد ومدوا يد السلم الذي أنت ربه إليك ولاذوا بالمواثيق والعهد فأوسعتهم منا بأمنهم وقد تطلع سيف الإنتقام من الغمد وما حامد من ذا الورى فعل حامد وقد أبرز البهم الضعاف إلى الأسد كأني أرى وادي الحجارة قد جرى دما بهم حتى يعاف عن الورد واعتل المتوكل وأرتجف به ثم اضمحل سقامه، واستهل بالبرء غمامة، فجلس بمجلسه للسلام، ورفعت إليه من بطائق النظام، نيف على عشرين قصيدة، فمن شعر أبي الخطاب فيه يومئذ من قصيدة أولها: نهنيكم بل نحن فيكم نهنأ فباسمك يرعانا الإله ويكلا وأنت الذي أحللتنا جنة المنى فنحن كما شئنا بها نتبوأ وفي خلال مرضه خرجت صلات لأولئك الأدباء الشعراء فقال فيها: وما اعتل عنا جوده باعتلاله ولكن وجدنا غبة ليس يهنأ ينغص شكواه لجداوه عندنا كأنا عطاش البحر في الماء نظما وله من أخرى: أمن كيوان أطلب أن أقادا لقد أغظمت شأوي ذا بعادا وفي الأرضين أعجز عن مداه فكيف أرومها سبعا شدادا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 777 ومقصور على الآفاق أمسى يراوح بابرى إن لم يغارى ألوف للفيافي لا يبالي بأنصلها التهائم والنجادا [212أ] وريش في جناح البين يهفو مع الأيام لا يألو اجتهادا كأن عليه للأيام عهدا موفى أن تعم به البلادا لعل نذورها حلت بحمص فنبلغ من أمانينا المرادا ونكرع في نمير طالما قد رشفنا دون جمته ثمادا وكم مستعرض أعرضت عنه ولم ألم به إلا انتقادا أرانا خيره وعدا جهأما وبشرا خلبا وندى جمادا كلأما أحرقت منه القوافي تركناه لسافية رمادا ولو عمرو يجاذبه دهاء لأصعب ملك مصر أن يقادا يراع الدهر من عزمات شهم يعفي ما أفات بما أفادا وتمضي حكمه الأيام قسرا فتترك ما تريد لما أرادا عزوف النفس يكلف بالمعالي إذا كلفوا بسعادا ومنها: علي ألية ما دمت حيا أخص بمدحتي إلا جوادا فلم نلق الكرام إلا كما ألفيت من عوز سدادا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 778 ألوذ بعطف مجدك من خطوب تخونت الطوارف والتلادا وأنفذت التجمل وهو زغف يفل قتيرها الأسل الحدادا فأبقال الذي أعطاك مجدا أبى لك حكمه إلا انفرادا فصير ذكراك السمار أنسا وأحقب مدحك الركبان زادا وله من أخرى في أبي عبد الله بن أبي حمامة: أعن برق تلألأ في غمامة بكت عيناك أن شمت ابتسامة أضاء لعينك الأثلات وهنا برامة لا تعدى السقي رامه ذكرت به زمانا قد تقضى وولى أنسه رتك النعامة وأخضر جبت فحمته مطلا لى الأخطار لم أرهب ظلامه بأهدى في سراه من قطاة وأقدم في دجاه من أسامه [212ب] كأن نجومه في الأفق ظلت حيارى لا تهدى لاستقامه كأن الليث لما هم يعدو على الجبار شدله حزامه وسدد قوس هنعته إليه فأثبت في لهياه سهامه وقد أكل المحاق البدر حتى تحيف نوره إلا قلامه وهذا التشبيه كثير، ومنه قول ابن المعتز: مثل القلامة قد قدت من الظفر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 779 وفيها قال: يجاذبني العنان به سبوح طموح همه أبدا أمامه قليل الصحب لا ألقى أنيسا على طول السرى إلا لجامه كأن صليل حلقته فريخ صد قد أعرضت عنه الحمامة وهذا أيضا كقول ذي الرمة: كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريج ومنها: وقد ولت نجوم الليل ذعرا لدن سل الصباح لها حسامه فلم تطلع وقد غربت بنجد لنا إلا وقد جزنا تهامه ولا نشأ الهلال علي إلا وقد شارفت أودية اليمامه وأعلمت الركائب خاضعات تمد لسيرها عنقا وهامه إلى طود المفاخر والمعالي وبحبوح السيادة والزعامه إلى ضخم الدسيعة لا يبالي من الطائي أو كعب بن مامه أناف به أبو بكر أبوه فسد وساد أعيا حمامه وله من أخرى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 780 لمع من البرق سرى يلتاح والنسر قد مال به جناح لم ينم الليل له لماح كالشعلة استطارها اقتداح أنحى على الزند به شحاح فشاقني نحو الحمى التماح [213أ] وذكرتني عهدها الأدواح سقى ثراها الوابل السحاح ولاعبت أغصانها الأرواح بسجسج هبوبها لفاح فكم لنا في ظلها رواح وهو علينا وارف نفاح وأعجم الطير له إفصاح للغصن من تغريده ارتياح مثل النزيف عطفته الراح ومنها: والصعب يأبى وله إسماح ودارت الكؤوس والأقداح نجوم راح أطلعتها الراح عاطينناها الخرد الملاح والغادة البهكنة الرداح غصت براها وجرى الوشاح واستهدفت في صدرها التفاح قد شرعت كأنها رماح للدم في أطرافها انتضاح تقتل باللمس ولا جراح ورب جد أصله مزاح وفتية كأنهم رماح بضمر كأنها القداح خضر من الليل لها أشباح وانشق من جباهها الإصباح يعدو بهن معقب وقاح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 781 صلد على صلد الصفا رضاح يحار فيه الناظر الملتاح أحافر في الحضر أم جناح إذا اعتلى اعطافها انتشاح وابتلت الحجول والأوضاح لج بها النشاط والمراح وشره لم يؤده جناح أنى تنال شأوه الرياح وسبق البرق به اطلاح يا ليت شعري هل غدوا أو راحوا فالدهر قفر بعدهم براح وله من مرثية في الوزير أبي حفص الهوزني، وكان استشهد - رحمه الله - في قتال الروم على وادي طلبيرة، قصيدة أولها: نبأ به وافى البريد فظيع صدع القلوب حديثه المسموع وافى فكل تجلد متعذر أسفا وكل تصبر ممنوع طلعت بمطلعه علي غياهب لم يبد فيها للسرور طلوع [213ب] فبكيت من جزع عليه بمقلة إنسانها بجفونها ملسوع ولو أن لي عدد النجوم مدامعا تجري ومن فيض البحور دموع لم أقض حقك يا محمد إنه حزن تعاظم قدره وولوع ماذا نعى الناعون صم صداهم من طود عز خر وهو منيع ماذا نعوا من جود كف أخصبت فزمانها للمعتفين ربيع يا سالكا بين الأسنة والظبا في موضع فيه السلوك فظيع يغشى الحمام به النفوس مراقبا للهندوانيات وهو مروع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 782 لو حل ساحته السماك برمحه عند الطعان لظل وهو صريع ما زال قدرك ساميا حتى غدا في زمرة الشهداء وهو رفيع ما ذقت موتا إذ صرعت وإنما نلت الحياة وصبري المصروع يا طالعا في الجيش من طلبيرة هل آن لابن الهوزني طلوع أم قد أطال بها الثواء ولم يحن منه إلى يوم النشور رجوع فغدا نظام مؤمليه مبددا والشمل شتى وهو أمس جميع سخى بنفسي عنك أني لاحق [بكم] وأنك سابق متبوع فالموت يخترم الأنام قد استوى منهم جبان عنده وشجيع سيان مدرع لديه وحاسر طعن المنية لا تقيه دروع نغتر بالدنيا ويخدع بعضنا بعضا بها وجميعا مخدوع فسرورها هم، وصفو نعيمها كدر، وحبل وصالها مقطوع ماذا أجن الترب في طلبيرة من سؤدد لك ذكره مرفوع هابتك حاشدة المنايا فانبرت زحفا الى لقياك وهي جموع حتى سابت النفس وهي عزيزة لم يبد منها للعدو خضوع جفت ينابيع بتاجو إنها سم لأرواح الكرام نقيع أنى غمرت البحر وهو غطامط وطمست نور البدر وهو سطوع [214أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 783 ذو الوزارتين الكاتب أبو عبد الله ابن أبي الخصال أعزه الله حامل لواء النباهة، بالروية والبداهة، مع منظر ووقار، وشيم كصفو العقار، ومقول أمضى من ذي الفقار، وله أدب بحره يزجر، ومذهب يباهي به ويفخر، وهو وان كان خامل المنشأ نازله، لم ينزله منازله، ولا فرع للعلاء هضابا، ولا ارتشف للسناء رضابا، فقد تميز بنفسه، وتحيز من جنسه، والذي ألحقه بالمجدن وأوقفه بالمكان النجد، ذكاء طبع عليه طبعه، ونجم في تربة النباهة غربه ونبعه، وتعلق بأبي يحيى بن محمد بن الحاج، وهو خامل الذكر، عاطل الفكر، فملك قياد مأموله، وهب من مرقد خموله، وقدح استعماله زناد ذكائه، وأبدى شعاع ذكائه، ولم يزل عاثرا معه ومستقلا، ومثريا حينا وحينا مقلا، إلى أن تورطوا [في] تلك الفتنة التي ألقحوا حائلها، وما لمحوا مخايلها، وطمعوا أن يغتالوا ملكا معصوما، وأبرموا من كيدهم ما غدا بيد القدر مفصوما، وفي أثناء بغيهم، وخلال جريهم الوبيل وسعيهم، كانت ترد عليهم من قبله كتب تحل ما ربطوه، وتروعهم مما تأبطوه: ورد عليهم كتاب في أحد الأحيان راعهم، وأنساهم جلادهم وقراعهم، وهو بمجلس أنس، فاستدعي للمراجعة عن فصوله، والمعارضة لفروعه وأصوله، فأبان عن الغرض، وخلص جوهره من كل عرض، وأبدع في إحكامه، وبرع في قضاياه وأحكامه، فحمل أبا يحيى بن محمد استحسان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 784 ما كتبه، أن خططه للحين ولقبه، والمدام لرأيه الفائل مالكه، ولعقله في طرق الخبال سالكه، فلم يعمل فيها فكرا، ولم يتأمل أعرافا أتى أو نكرا، فجرت عليه لقبا، واعتله من الاشتهار مرقبا، وصار نرتسما في العلية، متسما بتلك الحلية، وما تزال الدول تستدنيه نائيا، وتنئيه دانيا، فلا أجعله مجنيا عليه ولا جانيا، فما بيده رفع شومه، ولا محو رسومه. وقد أثبت له ما تجتليه فتستحليه، وتلمحه فتستملحه، فمن ذلك قوله في مغن زار، بعدها شحط المزار [214ب] : وافى وقد عظمت علي ذنوبه في غيبة قبحت بها آثاره فمحا إساءته بها إحسانه وأستغفرت لذنوبه أوتاره وله: يا حبذا ليلة لنا سلفت اغرت بنفسي الهوى وقد عرفت زارت بظلمائها المدام فكم نرجسة من بنفسج قطفت وله يعتذر من استبطاء المكاتبة: ألم تعلموا والقلب رهن لديكم يخبركم عني بمضمره بعدي ولو قبلتني الحادثات مكانكم لأنهبتها فكري وأوطأتها خدي ألم تعلموا أني وأهلي وواحدي فداء ولا أرضى بتفدية وحدي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 785 كتب الكاتب أبو نصر إلى أبي يحيى بن محمد بن الحاج، سقى الله مصرعه، وأورده منهل العفو ومشرعه: أكعبة علياء وهضبة سؤدد وروضة مجد بالمفاخر تقطر هنيئا لملك زان نورك أفقه وفي صفحتيه من مضائك أسطر وإني لخفاق الجناحين كلما سرى لك ذكر أو نسيم معطر وقد كان واش هاجنا لتهاجر فبت وأحشائي جوى تتفطر فهل لك في ود ذوى لك ظاهرا وباطنه يندى صفاء ويقطر ولست بعلق بيع بخسا وانني لأرفع أعلاق الزمان وأخطر فراجعه: ثنيت أبا نصر عناني وربما ثنت عزمه الشهم المصمم أسطر ونالت هوى ما لم تكن لتناله سيوف مواض أو قنا متأطر وما أنا إلا ذو عرفت وإنما بطرت ودادي والمودة تبطر نظرت بعين لو نظرت بغيرها أصبت وجفن الرأي وسنان وقدما بذلت الود والحب فطرة وما الحب إلا ما يخص ويفطر في ذكر الكاتب أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال [215/أ] أحد أعيان كتاب الزمان، وحامل جملة الإحسان، بحر معرفة لا تعبره السفن، ولو جرت بشهوتها الرياح، وطود علم لا ترقى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 786 إليه الفطن، ولو سما بها الإمساء والإصباح، وأدب لا تعبر عنه الألسن، ولو أمدتها الأوتار الفصاح، إلى طول باع، ورقة طباع. نجم بأفقه من بلد شقورى فأسكت القائلين، واستوفى غاية المحسنين، وهواليوم بحيث لا تشير الأصابع إلا إليه، ولا تنطوي الأضالع إلا عليه، وله بيان لا يتعاطاه ناظم ولا ناثر، وإحسان لا يبلغ مداه أول ولا آخر؛ وقد أثبت من كلامه مما نقلت من خطه الذي خاطبني به، ما يدل على نبله وأدبه. فصول من نثره كنت قد انفردت لتحرير هذه النسخة من هذ المجموع في شهور سنة ثلاث وخمسمائة، فلما انتهيت إلى نقل ما كان وقع إلي من ترسيل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 787 كتاب هذا الجانب الشرقي من الأندلس، لم أقع لهذا الرجل على كلام في نثار ولا نظام، فكاتبه الإخوان في ذلك، ونشطني أيضا على مخاطبته هنالك، فوردت عليه الرقعتان وهو مجتاز على حضرة اشبيلية في جملة أهل العسكر، فراجعه في كتاب طويل، قال فيه في بعض الفصول: الحذر - أعزك الله - يؤتى من الثقة، والحبيب يؤذى من المقة، وقد كنت أرضى من ودك، وهو الصبح، بلمحة، وأقنع من ثنائك، وهو المسك، بنفحة، فما زلت تعرضني للإمتحان، وتطالبني بالبيان، وتأخذني بالبرهان، وأنا بنفسي أعلم، ولمقداري أحوط وأحزم، والمعيدي يسمع به ولا يرى، وإن وردت أخباره تترى، فشخصه مقتحم مزدرى، لا سيما ممن لا يجلي عن نفسه ناطقا، ولا يبرز سابقا، فتركه والظنون ترجمه، والقال والقيل يقسمه، والأوهام تلحه وتحرمه، وتحييه وتخترمه، أولى به من كشف القناع، والتخلف عن منزلة الاقناع؛ وفي الوقت من فرسان هذا الشان، وأذمار هذا المضمار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 788 وقطا هذه المناهل، وهداة تلك المجاهل، [من] تحسد فقرة الكواكب، ويترجل إليه منها الراكب، فأما الأزاهير فملقاة في رباها، ولو حلت عن المسك حباها، أو صيغت من الشمس حلاها، فهي تنظر من الوجد يكل عين شكوى لا تكرى، وإذا كانت أنفاس هؤلاء الأفراد مبثوثة، وبدائعهم [215ب] منثوثة، وخواطرهم على محاسن الكلام مبعوثة، فما غادرت نتردما، واستبقت لمتأخر متقدما، فعندها يقف الاختيار، وبها يقنع المختار. وأنا أنزه ديوانه النزيه، وتوجيهه الوجيهن عن سقط من المتاع، قليل الإمتناع، ثقيل روح السرد، مهلك صر البرد. وهبه قد استسهل استلحاقه، وطامن له أخلاقه، أتراني أعطي الكاشحين في إثباته يدا، وأترك عقلي لهم سدى -! ما إخالك ترضاها لي من الود خطة خسف، ومهواة حتف، لا يستقل عاثرها، ولا يستجد داثرها، ولا يستقيل غبينها، ولا يبل طعينها؛ وقد كنت حرصت حين عرض علي صدر هذا التأليف - حيث عرض - على التماحه، واجتلاء غرره وأوضاحه، وما غربي إلا وعدك، ولا استجرني الجزء: 6 ¦ الصفحة: 789 إلا عهدك، وغرضي في تصفحه أن أجد قدوة، وأصادف أسوة، فأنزل عن حذري، وأرجح بين مغيبي ومحضري، وأقع على ألافين وأجاور في التخلف أحلافي، فلم يتمم لي وعدك إنجازا، ولا وجدت لفرصتك انتهازا، بل انقلبت الحقيقة مجازا، والهوادي أعجازا، ولم نحل بطائل، وصرنا تحت قول القائل: ترك الزيارة وهي ممكنة وأتلك من مصر على جمل وفي فصل: وأنت المفتتح للصلة، المولي للمنة المشتملة، وان رسولك لوافى بكتابك الخطير، والشمس واجبة سقوط منازع، وحياة الذي يقضي حشاشة نازع، والبيت قد غص بما فيه، وضاق لفظه عن معانيه، والشغل مساهم بل مشاطر، [والخاطر لا طالع ولا خاطر] ، يصور فكري إليه، ويخلع فقري عليه، إلا صبابة لا ترد صبابة، ورسيسا لا يشفي نسيسا، فدونكه واهن الدعائمن واهي العزائم، يتبرأ تابعه من متبعه، ويفر سامعه من مسمعه، ولولا أن الجواب فرض لاعتذرت واقتصرت، لكن أوثر حقك وإن أبقى علي دركا، وبوأني دركان وقد راجعتته [أيضا]- أعزه الله - بشريطة كتمانه وستره، انقيادا لأمره، وتصديا إلى عقوقه ببره. وأجابني أيضا برقعة قال فيها: وصل من السيد المسترق، والمالك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 790 المستحق - وصل الله أنعمه لديه، كما قصر الفضل عليه - كتابه البليغ، واستدراجه المريغ، فلولا أن يصلد زند اقتداحه، ويرتد طرف افتتاحه، وتنقبض [216أ] يد انبساطه، وتغبن صفقة اغتباطه، للزمت معه مركز قدري، وضن بسره صدري، لكنه بنفثة سحره يسمع الصم، ويستنزل العصم، ويقتاد الصعب فيصحب، ويستدر الضجور فتحلب، ولما فجأني ابتداؤه، وقرع سمعي نداؤه، فزعت إلى الفكر، وخفق القلب الأمن والحذر، فطارت من الفقر أوابد قفر، وشوارد عفر، تغبر في [وجوه] سوابقها، ولا يتوجه اللحاق لوجيهها ولاحقها، فعلمت أنها الإهابة والمهابة، والإصابة والاسترابة، حتى أيأستني الخواطر، وأخلفتني المواطر، إلا زبرجا يعقب جوادا، وبهرجا لا يحتمل انتقادا، وأنى لمثلي والقريحة مرجاة، والبضاعة مزجاة، ببراعة الخطاب، وبزاعة الكتاب، ولولا دروس معالم البيان، واستيلاء العفاء على هذا الشان، لما فاز لمثلي فيه قدح، ولا تحصل [لي] في سوقه ربح، ولكنه جو خال، ومضمار جهال. وفي فصل منها: وأنا أربا - أعزك الله - بقدر " الذخيرة "، عن هذه النتف الأخيرة، و [أرى] أنها قد بلغت مداها، واستوفت حلاها، وإنما أخشى القدح في اختيارك، والاخلال بمختارك، وعلى ذلك فوالله ما من عادتي أن أثبت ما أكتب في رسم ينقل، ولا في وضع المراتب عندنا مخاطب نتحفز له ونحتفل، وإنما هو عفو فكر، ونشر ذكر؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 791 وقد وجهت من المنظوم طيها ما حضر، وعذري إليك - أعزك الله - في أني خططت والنوم مغازل، والقر منازل، والريح تلعب بالسراج، ويصول عليه صولة الحجاج، فطورا تسدده سنانا، وتارة تحركه لسانا، وىونة تطويه حبابة، وأخرى تنشره ذؤابة، وتقيمه إبرة لهب، وتعطفه برة ذهب، أو حمة عقرب، وتقوسه حاجب فتاة ذات غمرات، وتتسلط على سليطه، وتزيله عن خليطه، وتخلفه نجما، وترده رجما، وتستل روحه من ذباله، وتعيده إلى حاله، وربما نصبته أذن جواد، ومسخته حدق جراد، ومشقته حروف برق، بكف ودق، ولثمت بسناه قنديله، وألقت على أعطافه منديله، فلاحظ منه للعين، ولا هداية في الطرس لليدين، والليل زنجي الأديم، تبري النجوم، قد جلنا ساجة، وأغرقتنا أمواجه، فلا مجال للحظة، ولا تعارف إلا بلفظة، ولو نظرت فيه الزرقاء لاكتحلت، أو خضبت به الشبيبة لما نصلت، والكلب قد صافح خيشومه ذنبه [216ب] وأنكر البيت وطنبه، والتوى التواء الحباب، واستدار استدارة الحباب، وجلده الجليد، وضربه الضريب، وصعد أنفاسه الصعيد، فحماه مباح، ولا هرير ولا نباح، والنار كالصديق أو كالرحيق، كلاهما عنقاء مغرب، أو نجم مغرب. استوفي يا معتمدي هذا الفصل، ولك في الاغضاء الفصل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 792 وهذه أيضا المقطوعات التي وجه بها إلي من شعره قال يصف ليلة أنس مع احد ظباء بني مروان: وليلة عنبرية الأفق رويت فيها السرور من طرق وكنت حران فاقتدحت بها نارا من الراح بردت حرقي حلت بنا عاطلا وقد لبست غلالا فصلت من الحدق فجاءها الدهر من بنيه هوى بفتية كالصباح في نسق قامت لنا في المقام أوجههم وراحهم بالنجوم والشفق وأطلع البدر من ذرى غصن تهفو عليه القلوب كالورق من عبد شمس بداسناه وهل ذا البدر إلا لذلك الأفق مد بحمراء من مدامته بيضاء كفا مسكية العبق فخلتها وردة منعمة تحمل من سوسن على طبق يشرب بالراح حين أشربها ما غادرت مقتلتاه من رمق وقال أيضا فيها: يا حبذا ليلة لنا سلفت أغرت بنفسي الهوى وقد عرفت الجزء: 6 ¦ الصفحة: 793 دارت بظلمائها المدام فكم نرجسة من بنفسج قطفت ثم انطوى [ثوبها] ومن أسف أن صرفت لوعتي وما انصرفت وقال في ضدها: بعدت ليلة تولت ذميمة لم تنفق فيض ديمة بعد ديمه ليلة لة تقدمت لاستحقت شهرة الذكر قبل يوم حليمة غسلت لمتي بصبح مشيب ومحت ليلة علي كريمه [217أ] وورائي من الخضاب قصير وهي زباء والشباب جذيمة وأرى أبا بكر بن بقي ألم بهذا الغرض في قطعة له كتب بها إلى أحد إخوانه: نحن كنا في التصافي مثل ندماني جذيمه فأتى بالصرم يوم دونه يوم حليمة وتعاطينا التقاضي أينا أقوى شكيمة تقدح الأيام حتى في المودات القديمة وقال يعتذر من انفصال صديق دون وداع: يا روضة بعدت بها أيدي النوى ضن الزمان بنظرة أزدادها فتركتها والحسن ملء نواظري ثم انثنيت بخاطري أرتادها أردد إذا هب النسيم فإنه بتحيتي ومودتي يعتادها وقال يصف4 نار فحم: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 794 أما ترى النار وهي راقصة تنفض أردانها من الطرب تضحك من أبنوسها عجبا إذ حولت عينة إلى الذهب وقال يصف كأسا صنوبرية الشكل من عنبر، منجمة بذهب، وفيها المدام: وكأس من الليل مخلوقة تبدت من التبر فيها نجوم تضن باطنها قهوة إذا مرد الهم فضت رجوم وقال في كأس غدر: وكأس من الغدر مخلوقة ولكنها للأمير الوفي إذا [ما] تظمنها كاشح تبين من سره ما خفي قفا في المدام على وده ولا تنشداني قفا أو قفي وقال في رواقص قباح [الوجوه] : جاء علي بملهيات للهم والقبح جامعات لم يلتفت ناظري إليها إلا تذكرت سيئاتي [217] وقال فيهن وبينهن واحدة أشبه [منهن] : وليلة طولها علي سنة بات بها الجفن نادبا وسنة بأربع بينهن واحدة كسيئات وبينها حسنة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 795 وقال في مسمع محسن أغب ثم زار: وافى وقد عظمت علي ذنوبه في غيبة قبحت بها آثاره فمحا إساءته بنا إحسانه واستغفرت لذنوبه أةتاره وقال في مطيب ورد مفصل بترجمان: وورد جني طالعتنا خدوده بنشر وبشر يبعثان على الشكر وحف ترنجان بها فكأنها خدود العذارى في مقانعها الخضر وقال في [مداعبة] شيخ ثقيل اتفق حضوره معهم في مجلس أنس: أما لهذا الشيخ من عهد عاد من أجل يقضى ولا من معاد ليت لنا في سنة قهوة تديل من ظلمته باتقاد وليتنا نخرج في صفقة جائزة عنه ولو بالجماد وهل لنا في البيع من حيلة إذا رمينا بثبوت السداد وقال من قصيدة: وذي نخوة يختال ثاني عطفه فلولا تناهي لؤمه قلت أصيد له نظرة الزرقاء في كل بدعة ولكنه عن مسلك الحق أرمد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 796 وقال فيه: ومنافق يبدي انفعال منافق متبسما وضميره متهجم حاجاك مكتتما بما في نفسه ولطيف ذهنك مخرج ما يكتم وتريد عدلا من سجية جائر ومتى أفاد الشهد يوما أرقم وقال من قصيدة مراجعة عن شعر: وما كنهه نظم بطرس وإنما نسقت النجوم الزهر في صفحة البدر [218أ] وله من أخرى: ومن كان في حكم الزمان مصرفا فلا بد أن يلقى مهينا ومكرما وله من أخرى يتعذر من استبطاء المكاتبة: ولو وفت الأيام جاشت صدورها بما ضمنته أو تبلغ ما عندي ولو جرت [الخمس] الرياح تضوعت بما استنشقته من ثنائي ومن ودي ولو كان عهد للغزالة جددت لكم كل ما أبقى الجديدان من عهد ألم تسالوا والقلب رهن لديكم فيخبركم عني بمضمره بعدي فلو قبلتني الحادثات مكانكم لأنهبتها وفري وأوطأتها خدي ألم تعلموا أني وأهلي وواحدي فداء ولا أرضى بتفدية وحدي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 797 قال ابن بسام: ثم ختم رقعته إلي بأن قال: هنا - أعزك الله - وقف ذكري، ولا أذكر شيئا من نثري، وهو عندي بالإضافة إلى النظم أصلح، وكلاهما بعيد من الغرض، لولا مكان حقك المفترض. وهذه أيضا فصول وقعت إلي بعد ذلك من كلامه فصل له من رقعته تعزية: أطال الله بقاء الأمير مؤيدا اعتزامه، مسددة إلى أغراضه سهامه، نائمة عنه النوب، سامية به الرتب، ولا زالت الرزايا تتخطاه، والحوادث تهابه وتتحاماه. الأمير [الجليل]- أيده الله - ممن آتاه الله أجره مرتين، وجمعله بين الدارين: جهاد في سبيله مبرور، وأجر بجميل صبره موفور، ومثله تقلد نجاد السعد مثنى، [ووردت عليه الصالحات مثنى] ، فكل له في كلتيهما غابط، ولكلتا يديه باسط، في انفساح عمره، وانشراح صدره، وتأييد صبره، وما ألام دهر تحاماه، ولا ألم رزء تخطاه. وله من أخرى: إني أعزيك لا أني على ثقة من البقاء ولكن سنة الدين فما المعزى بباق بعد صاحبه ولا المعزي وإن عاشا إلى حين كتبه وقد دهم من المصاب بالأخت البرة - كرم الله [مثواها و] منقلبها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 798 ورفع في جناته درجتها ورتبتها، ما لفح الأكباد حرة، وصدع الفؤاد ذكره، ولما غار الحزن وأنجد، وصوب [218ب] الوجد وصعد، أهاب داعي النهى فلبيت، وصدع زاجر الحلم فانثنيت، وما الجزع مما لا يطفا، [ولا يعاف] ما بد من شربه، ويشفق من قرب إلى تربه. هذا وللسلوان مذاهب لا تذهب على ذي نظر، ولا تغيب على ذي تأمل وتدبر، أولها التسليم للقدر المحتوم، والثقة بالعوض الكريم، إلى ما لا يخفى موضعه، ولا يجهل من النفوس موقعه، من فضل الله تعالى في بقاء فلان الذي هو رأس المال، وجماع الآمال، وما زالت لله مع كل محنة منحة تقتومها، ومنة تلازمها، حكمة منه بالغة تسكن إليها القلوب، ويرجع معها الصبر ويثوب، وأنت - أيدك الله - فوق أن تنبه بوعظ، إلى مكان حظ، وأرحب بالنوازل ذراعا، وأكثر عن الأجر ذبا ودفاعا، لكن ناجيت مستريحا، وذكرت تلويحا، والله يجعلها آخر الرزايا، ويحرس الأولياء والولايا [بمنه] . وله من أخرى: يا سيدي الأعلى، وظهيري لخطب إن تجلى، نداء من قام شاهده في المودة وبرهانه، واستوى في موالاتك إسراره وإعلانه، دمت مقتبل الجد، واري الزند، مستقلا بأعباء السيادة والمجد، في المحل النجد، والطالع السعد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 799 كتبت هذه الحروف ذاهبا مذهب الإيجاز، وراغبا مع الحقيقة عن المجاز، فعبء الإطراء ثقيل، ومركب الاسترسال نبيل، وشاهدي منك حاضر، وإليك في كل الأحوال ناظر، وموصله فلان، الواثق بفضلك في ما ينهيه إليك، ويورده عليك، ويستظهر فيه بسعيك الحميد، ويستنجح برأيك الأصيل السديد، وأنت لا تألوه بسروك نصحا، ولمبهم أبوابه فتحا، وهو في تفضيلك أمة لا يثنى ولا يصد، وما قال الا بالذي علمت سعد. وله من أخرى: أطال الله بقاءك ومقاليد المجد تلقى إليك، ووفود الحمد وقف عليك، وأزمة الفضل في يديك، ولا زلت للمبهمات فارجا، ولسبل المكرمات ناهجا، ناهضا بالبزلاء، صبورا [على العزاء] . كتبت والأحوال التي استطلعها اهتبالك، واستهدى علمها إجمالك، في ريعان ظهورها، وشرخ شباب نورها، والله بفضله يعيذنا فيها من عين الكمال، ويديم لنا حال الاستواء والاعتدال. وإن الخطاب الكريم نجره، المنير فجره، الذكي نشره، وافى قريبا بالسيادة عهده الجزء: 6 ¦ الصفحة: 800 مطرزا بالبلاغة برده، فوردت منه معينا، واجتليت [219أ] به من البيان سحرا مبينا، ومثلك أهدى مثله، ووالى فضله، وتابع بذله، وأتبع دلوه في السماح رشاءها، وسما إلى همم أملاك جعل إزاءها، والله لا يعدمني الأنس طالعا من أفقك، والدنيا تجري في وفقك، ولا زالت قداحك فائزة، وأحكامك جائرة، وحظوظك لكل أمنية حائزة. [وله من رقعة خاطب بها بعض الأعيان يعتذر من ذكر المقامة، واستفتحها بهذا البيت: ما كنت أشتم قوما بعد مدحهم ولا أكدر نعمى بعدها تجب من يسر فيه - أيده الله - للحسنى، وفاز من لقائه بالحظ الأسى، فله ما تمنى (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (فصلت: 35) ومن أتى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 801 الله بقلب سليم. واني مع عدم الاستطاعة، ومزجى البضاعة، أتوهم سقوط الفرض، وأخلد إلى الأرض، وأحمل الأمر محمل العرض، ودونه - أيده الله - مهابة إجلال تنئيه، وكرم خلال يدنيه، فأنا بينهما عصي طيع، هذا يجىء وهذا يرجع، لا جرم أني أفقر إليه من جفن إلى كرى، ومن أذن إلى بشرى، بل من جذيمة إلى نديم، وصعب إلى إبراهيم، بل من الشمال إلى اليمين، والأنف إلى العرنين، بل من دريد إلى الشباب، والقارظ إلى الإياب، وسأستأنف وأستدرك، وأخب نحو علاه وأبرك، وأتوسل بتشيع في مجده غال، وأمت بمنافسة مغال: فلا تلزمني ذنوب الزمان إلي أساء وإياي ضارا وهل هو إلا نقصان يقعد عن كمال، وحرمان يبعد عن نوال، أروح وأغدو، أتجنب روضة وأجيل أعدو، أستغفر الله من غربة ركبت مطاها، ووصلت خطاها، وأثرت قطاها، أنضت شبابي بل نضته، وسلت مشيبي وانتضته، فها أنا طليح أو جريح، وأبقت علي دركا، وبوأتني دركا، فضاعت أثناءها الحقوق، وبئس الاسم العقوق. نعم - أدام الله الجزء: 6 ¦ الصفحة: 802 سعدك، تحولا إلى الكاف، وإسنادا من الاعتراف بحقك إلى كاف -: وعيد أبي قابوس في غير كنهه أتاني ودوني راكس فالضواجع فانطويت على حريق، وتعللت برحيق: وفضيلة الراح الخروج بأهلها عن عالم هو بالأذى مجبول فما سلمت مع ذلك من ظنونهم، ولا غبت عن عيونهم، وأنى لي بالسلامة من كاشح يغري، ويد ترميني من حيث لا أدري، تمنحني الفصاحة ضرا، وتمنعنيها نفعا وخيرا، ان مر به ذكري فيها عمز وغمص، أو ادعي لي حظ نفيس بخس ونقص، أو قرىء لي " قبض " قرأ " قبص "، ما هذه المقامة إلا قيامة حشرت الكرام وحاشت، وما استثنت ولا حاشت، أصابت وأشوت، وصابت وأخوت، وعمت لتخص، وباحت لتقص، والمناجى لبيب، " وقد يؤذى من المقة الحبيب ". اللهم اعصمنا من الدعوة، واجعلني فيها مجاب الدعوة، حتى ندعوها لأبيها، ونؤثر الأقسط عندك فيها، بعزتك. أولى لهذا المتهم، ساء ما حكم، ويا بعد ما توهم: أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 803 هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يماني منع الجار صقبا، وادعى لابن طريف عقبا، وما ينام أبو سفيان عن زياد، ولا يترك في ثقيف ثمر الفؤاد، هيهات هيهات!! يدل على الفجر سناه، ويعرب عن الشجر جناه، ويفصح الشناشن أخزم، وينسب الحكم إلى اكثم، وما هو بمطاع ثم أمين، ولا أنا على غيب السيادة بضنين، لاسيما وقد افتتح بمن افتتح، وبمن وزن فرجح، وسعى فأنجح، وملك فأسجح، وأشفى فعف، وكفى فكف، وثناه بمن أتى ما أتاه، وتقيل في الفضل أباه، وتخطاه إلى صنو كماء المزن، وروض الحزن، تجافى جنبه عن المضاجع، وطلق الدنيا غير مراجع، وتجاوزه إلى ابن عم، وكبير في المكارم جم، خلع على المروة عمره، وقلدها أمره، هجر مراتب وخططا، وأبى إلا أن يكن أمة وسطا، ثم جاء بالجلة لفيفا، فنكر معروفا، ومنع الصرف في غير ضرورة مصروفا، وماذا له، في مصون أذاله - ومن أجاءه، إلى قبيح جاءه - ومن جرة إلى هجر أجره - ومن قاده إلى القادة - ومن سامه هلك سامة - ومن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 804 أداره على فعل ابن دارة - هلا أسر ما أشر، وعشى ولم يغتر - ولما توجه الي بين يدي الوزير الأجل - دام سعده - منها ظن أخطأ، ووهم أسرع وأبطأ، لا تقبله حالي، ولا يفزغ له بالي، أدرجته أثناء تنصلي، ووصلته بتوسلي، إلى علائه وتوصلي: ليعلم أني لا أظن بمثلها وأن ليس إهداء الخنا من شماليا ولن يخفى على ذي بصر نمطها، ولا يغيب مستنبطها، وكيف وهناك فطنة تخلص بين الماء واللبن، وتفرق بين القبيح والحسن، فليصرف هذا اللجام إلى من علكه، ولينط هذا الدم بمن سفكه، فليس المري من جرير، ولا ابن الزبير من ابن الزبير، والوزير الأجل - دام سعده - يحجب عن إدراكه عيبي، ويحرس بكرم نثاه غيبي، ويضعني حيث وضعت نفسي من تأميله، ويعود علي بحسن تأويله، متطولا، إن شاء الله تعالى] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 805 [219ب] ولما نكب الوزير أبو محمد بن القاسم النكبة التي أنبأت بتعذر أوطار، ذوي الأخطار، وأعلنت بكساد الفضل، واستئساد النذل، لأنه كان طود جمال، وبحر إجمال، وناظم خلال، وحين ثل الدهر عرشه، وأحل سواه فرشه، خاطبه كل زعيم جليل مسليا عن نكبته، وانتقاله عن رتبته، فكتب إليه برقعة مستبدعة وهي: مثلك - أنس الله فؤادك، وخفف عن كاهل المعالي ما هاضك وآدك - يلقى دهره غير مكترث، وينازله بصبر غير منتكث، ويبسم عن قطوبه، ويفل شباة خطوبه، فما هي إلا غمرة ثم تنجلي، وخطرة ويليها من الصنع الجميل ما يلي، لا جرم أن الحر حيث كان حر، وأن الدر برغم من جهله در، وهل كنت إلا حساما انتضاه، قدر أمضاه، فإن أغمده فقد قضى ما عليه، وإن جرده فذلك إليه. أما إنه ما تثلم حده، ولبس جوه الفرند خده، لا يعدم طبنا يشترطه، ويمينا تخترطه، هذه الصمصامة، تقوم على ذكرها القيامة، طبقت البلاد أخباره، وقامت مقامه في كل أفق آثاره، فأما حامله فنسي منسي، وعدم منفي، كلا لقد بقيت الحقائق، وانبتت تلك العلائق، فلم يصحبه غير غرار، ومتن عار، كلاهما بالغ ما بلغ، والغ معه في الدماء إذا ولغ، وما الحسن إلا المجرد العريان، وما الصبح إلا الطلق الأضحيان، وما النور إلا ما صادم الظلام، وما النور إلا ما فارق الكمام، وما ذهب ذاهب، أجزل منه العوض واهب، ولئن قضى حق المساهنة في هذه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 806 الحال التي التوى عرضها، وتأخر للأعذار القاطعة فرفضها، أسف تردد، وارتماض تجدد وذنوب على الأيام لا تحصى وتعدد، وحبا اللئام منها وتعقد، فيعلم الله عز وجهه لقد استوفيت فيه هذه الأقسام، ونهيت فيك حتى المزن عن الابتسام. وله أيضا: ليست الأذناب كالأعراف، ولا الأنذال كالأشراف، ولا كل أشراف بأشراف، فثم من يزيل ما ولي، ويعمى عن الصبح وقد جلي، إن ذكر نسي، وان عذل فكأنما أغري، وكثيرا ما يمتد شططه، فتحذف نقطة، ويهجر نمطه، وان سامحناه في الضبط، وأمتعناه بالنقط، نبذ الوفاء فحذفنا الفاء، وجفا الكريم، فألغينا الميم، وله بعد ما ألغى ما بقي، ان أشرف فعلى الخطير العظيم، وان اطلع ففي سواء الجحيم، ورب طويل النجاد، عريق في الآباء [220أ] والأجداد، ولايته أمان، وعمله إيمان، وخلقه رضوان، تود النجوم أن يخطها في كتاب، وينسقها نسق الحساب، قد ارتقى بخطته باذخ السناء، وأخذ بضبعها رفعا إلى السماء، فهناك - وأنت ذاك - طاب الجنى، ودنت المنى، وأيقن الشرف أنه في حرم وحمى؛ وأقسم بالمبسم البارد، والحبيب الوافد، قسما تبقى على الشباب مدته، وتعز على المشيب حدته، ذكرى من ذلك العهد مدت بسبب، ومتت إلى القلب بنسب، ليحنون على الكرام، وليجترؤن الأيام، وليأخذون فوق أيديها، وليكفن من تعديها، مالها تنحت أثلاثهم سماتهم، تصفهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 807 بصفاتهم، وتعلهم بعلاتهم، فأين أنت من الذب، وسنام قد استؤصل بالجب، وكيف ارتياحك لعبد شمس اذ زارت، ومكرمة كالشمس أشرقت وأنارت، لا جرم أنك منها على ذكر، وبمدرجة حمد وشكر، وما هو إلا الشريف الأوحد، ومن لا ينكر فضله ولا يجحد، أبو بكر - أعزه الله - وناهيك انتماء، وحسبك علاء وسناء، فتى دهي في ضيعته هناك بدواه، ورمي بخطوب غير ريوث ولا سواه، ورأيك - أصاب الله برأيك، وجبر الأولياء بسعيك - في تحصين مراعاته، وترفيهه ومحاشاته، ولولا عذر منع، لكان على أفقك النير قد طلع، ولكنه أناب فلانا وحسبه أن يدفع كتابا، ويقضي جوابا، ويتصرف على حكمك جيئة وذهابا. وكتب إلى أبي بكر بن رحيم يهنئه بولايته خطة الاشراف: إذا ما شرف الاشراف قوما فإن بني رحيم شرفوه كفاة للملوك على سبيل ودين نصيحة ما حرفوه أبو بكر له ولهم كفيل بكل كفاية اذ صرفوه وما الاشراف إلا عبد قن لهم فمتى تولى استصرفوه هذه - اعزك الله - بديهة البشرى، وعجالة كعجالة القرى، فأنا لها بالأقبال ضمين، وعلي ألية ويمين، لتحوطنها أقلامك، وليحمدن فيها مقامك، ولتعرفن بالحجول والغرر أيامك، فحالفك السعد، ولا عدمك الملك الجعد، وأبل وأخلق مثلها جديدا بعد، وما حق من بشر باعتلائك، وسرى بأنبائك إلى أوليائك، أن يؤخر مراده [220ب] او يضيع عمله واعتقاده، وأن الحاج ابن شقران أملك - أبقاه الله وجبره - أشعرني بهذه المسرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 808 والديمة الثرة، ولقد هممت على هذا البرد وحل العقد، وفض النقد، فدافعني انقباضا، وأعلمني أن له في عملك - أبقاه الله - أغراضا، تكون على ذلك أثمانا واعواضا، وأراني عقدا يشهد بعدمه، وصحة ما استحثه في مقدمة، وأنه ليس له سوى غرس قد صار عليه، بل استدار في ساقيه كبلا، والتوى في عنقه غلالا مغلا، ولك الطول في نظرك بالتخفيف عن مثله من الضعفاء، ومن لا قدرة له على الأداء، وحمل الأعباء، فإن ذلك ذكر في العاجل، وذخر في الآجل، إن شاء الله. في ذكر الأديب أبي بحر يوسف بن عبد الصمد واثبات جملة من أشعاره، مع ما يتشبث بها من مستطرف أخباره وهو يوسف بن أبي القاسم خلف بن أحمد بن عبد الصمد، جدهم الأول كان السمح بن مالك بن خولان، أحد أمراء الأندلس في ذلك الأوان، قبل دخول بني مروان، من تقديم عمر بن عبد العزيز. وهؤلاء الصمديون قوم من ذوي الهيئات، متقدمون في الكتابة وأدوات أهل النباهات، وأصلهم فيما أخبرت من اقليم الشبتان من كورة جيان، وخدم أبو القاسم والد أبي بحر الخزانة في المرية زمان زهير وخيران الجزء: 6 ¦ الصفحة: 809 وفي دولة المنصور بهدهما، ومات في دولة ابن صمادح سنة ثمان وأربعين، وبنوه وقرابته أكثر خدمة المرية، وفيخم يقول بعض أهل الأوان، لما رأى من كثرة عددهم والتباسهم بالسلطان: ملأوا قلبي هموما مثلما ملأ الأرض بنو عبد الصمد كاثر الشيخ أبوهم آدما فغدوا أكثر أهل الأرض عد كلهم ذئب أزل متنه والرعايا بينهم مثل النقد ونشأ أبو منهم: بحر [نبل] كاسمه، في نثره ونظمه، حسن الحديث حاضر النادر، ذو روية وبديهة. ومن ظريف شعره مما أنشدت له قوله: فوصلت أقطارا لغير محبة ومدحت أقواما بغير صلات أموال أشعاري نمت فتكاثرت فجعلت مدحي للبخيل زكاتي [221أ] وهذا من غريب المعاني، وإنما ألم بقول ابن رشيق القيرواني: فإن وجبت علي زكاة شعر جعلت من مساكين الكرام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 810 جملة من شعره في أوصاف شتى له من قصيدة أولها: أدجلوا بالشموس في الأغصان ومشوا بالحدوج في الكثبان حيث جال الوشاح واصطحب العق د مع المرهف الحسام اليماني كلما سار ذو سوار راع ليث غضنفر ذو سنان يا لها من ضراغم وسروج خالطتها هوادج وغوان كم قطعت الزمان والعيش غض [في ارتياح] ما بين تلك المغاني واذا غرد الحمام على الأي ك وأصبت مرجعات القيان صلصلت حولها الجياد وهزت ذابلات أعطافها للطعان رب ليل قطعته في رياض وندامى وقهوة ومثاني ووجوه مثل البدور تلالا وقدود كأنها قضب بان فوق أطواقها سنا صفحات معجمات السطور بالخيلان وعيون من نرجس وخدود من شقيق على طلا سوسان فاجتنينا زهر الخدود غضيضا وقبضنا أرواح [تلك] الدنان لم تزل تسجد الأباريق للشر ب سجود الرهبان للصبيان نتعاطى الكؤوس والليل خفا ق الحوافي ممزق الطيلسان ومنها في المدح: فثناء يسير في كل أفق ومديح يتلى بكل مكان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 811 يحمل السرج حين يركب بدرا كاملا آمنا من النقصان [ومنها] : لست بالألكن الذي يبهم القو ل ولا بالمعجز المتواني ولعمري لقد [كشفت] دجى الش ك وأوضحت غامضات المعاني ذل في ذا الزمان نثري ونظمي ذلة السيف في يمين الجبان [221ب] وهذا المعنى قد نبهنا عليه فيما سلف، ومنه قول ابن شرف: تقلدتني الليالي وهي مدبرة كأنني صارم في كف منهزم ولأبي بحر من أخرى في الوزير [أبي بكر] ابن زيدون: زمان يمنع الخيل الطرادا وسير يحسب النخل القتادا وأيام تغلب كل ضد وتخلع في رضى النعل النجادا وقد جبن الشجاع فليس يدري أيرتبط الحمار أم الجوادا عليك الجد في طلب المعالي وليس عليك أن تعطي القيادا فأسنى المجد ما أدركت سعيا وخير السعي ما كان اجتهادا ولا يقنعك عيش في خمول فغير الباز من صاد الجرادا سأبقي حد حسادي كهاما وأجعل نار أعدائي رمادا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 812 بذكر يخجل المسك انتشاقا وذهن يحرق النار اتقادا ومنها في المدح: لك البشر الذي سلتى وسرى وأدرك منتهى أملي وزادا وما أخشى عليك نفاد لون ومن يخشى على الشمس النفادا تنزهك العزائم أن تضاهى وتمنعك المكارم أن تسادا فإن خصتك بالحمد القوافي فقد عمت أياديك العبادا أجاد نظامها قلمي وحلى ولولا وصف مجدك ما أجادا [ومنها] : أبا بكر تقول لي القوافي وجدت البحر فاطرح الثمادا لك القلم ان خط سطرا يود المسك لو كان المدادا سللت على المهارق منه حدا فللت به الصوارم والصعادا فإن زهدت طيا في حبيب فقد زهدت في كعب إيادا فلا جلب الزمان إليك هما ولا منعتك حادثة رقادا فإن الناس والأيام عين وجدتكبين جفنيها سوادا [222أ] وله [من] أخرى في المعتمد يقول فيها في وصف طرف: وأقب تحمله رياح أربع لولا اللجام لطار في الميدان من جملة العقبان إلا أنه من حسنه في طلعة الغزلان يمشي إلى ميدانه متبخترا من تيهه كتبختر النشوان الجزء: 6 ¦ الصفحة: 813 وعلوت أذنيه بأذن ثالث كالنجم منقضا على شيطان رمح ولكن هز من أعطافه فالخيل تنقر منه كالثعبان ومكلل [مما انتضت يد قيصر وبلت ظباه يدا أنو شروان عشق الطلا وبودها لو عوضت منه مكان الوصل بالهجران] جردته من غمده وهززته فكأنما جردت غرب لسان ومنها، وقد حضر المجلس أبو بكر بن اللبانة وأبو تمام الحجام فقال معرضا بهما: والشعر بهجته إذا نطقت به بين المحافل ألسن الأعيان ما كان قول الشعر إلا خطة كانت مراتبها على كيوان حتى تدنس ثوبها بزعانف نشأت على الأوضار والأدران من صنعة القزاز والجزار أو من صنعة الحجام واللبان فعجبا من ذلك، وأخجلهما هنالك. وله من أخرى في المعتمد ويصف يوم الجمعة [الذي بدد الله فيه شيعة الطاغية أذفونش] : خضعت لعزتك الملوك الصيد وعنت لك الأبطال وهي أسود رأي يفل الجيش وهو عرمرم ويعفر الجبار وهو عنيد وهذا مما أراه نظر إلى قول مختار بن النجار من جملة الطارئين على الجزء: 6 ¦ الصفحة: 814 الجزيرة، وكان من غرائب الدهر أميا، لا يفهم ولا يقيم حرفا سويا، أنشد المعتمد بن عباد من جملة قصيد فريد قال فيه: ذلت لعزتك الملوك الصيد يا من إذا نقص الزمان يزيد وفتحت باب الغرب يا ابن محمد وبلغت أقصاه فأين تريد ارتاح ابن عباد لقوله وقال له: يا ابن الفاعلة، إلى بغداد. [222ب] لم ترض والسيوف تمائم والحرب ظئر والسروج مهود ولقد شققت إلى الطعان سعيرها وحملت وطأتها وأنت وليد ولكل نصر من ظباك مخيلة ولكل فخر من قناك عمود ومها: هيهات لا يمضي لحقك شاهد يوم العروبة شاهد مشهود يوم تواصلت الترائب والقنا فيه وعانقت الأسود أسود والشمس مرهاء الجفون كليلة والجو مغبر الذرى مسدود والمرهفات من النجيع كأنها صفحات بيض بينها توريد والخيل قد نكصت على أعقابها والروم زرع والرؤوس حصيد وكأنما كانت هناك كنائس قد حان فيها للصليب سجود لو زلت زال الدين وانتهب الهدى ونبا اليقين ونافق التوحيد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 815 لكن وقفت وملء درعك للعدا درع يهد الراسيات شديد والوجه لا متغير والرأي لا متلبد والعزم لا مردود نالتك في ذات الإله شدائد تركت لك الأملاك وهي عبيد ومها: والملك لا يحميه إلا أروع ثبت الجنان على الجلاد جليد فاطعن ولو أن الثريا ثغرة واضرب ولو أن السماك وريد وافتح ولو أن السماء معاقل واهزم ولو أن النجوم جنود واطلب بملك الأرض حقا إنه فرض على البيض السيوف وكيد وطل ابن عباد على أملاكها فقد ارتضاك الواحد المعبود إن الرياسة والنفاسة والعلا حرم تدافع دونها وتذود وله من أخرى في يحيى بن فافو بسجلماسة: عزم تضيق بجيشه البيداء ومنى أقل مرامها الجوزاء وعرامة لو أنها لي لأمة لم تمض فيها الصعدة السمراء في عفة لو أصبحت مسومة في الناس لم تتقنع الحسناء [223أ] فلتلحظ الغزلان ولتتمايل ال أغصان ولتترجرج الأنقاء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 816 ومنها: وأحم مسود القميص كأنما خلعت عليه ثيابها الظلماء وكأنما خاض الصباح فأرضه مبيضة وسماؤه دهماء سامي التليل يروق تحت لجامه فرع أحم وغرة بلجاء أطغيته فمشى العرضنة تأئها يبدو عليه الكبر والخيلاء وخلغت عنه عنانه في روضة شطأ النبات بها وفاض الماء مخضرة زهرت كواكب نورها فكأنها تحت السماء سماء ومنها: وتطلعت زهر النجوم كأنما نثرت هناك عقودها الحسناء بتنا نراعي النجم إلا أنه باتت تراعينا مها وظباء دارت كؤوس الطل وانتشت الربى ومشى القضيب وغنت الورقاء والقضب تخضع للغدير كأنه يحيى وقد خضعت له الأمراء ومنها: كثر القتيل عليه في عريسه فبساطة الأوصال والأشلاء يمشي كما تمشي المها مترفقا ويصده عن طرفه استحياء [حتى إذا ما توجته لبدة أو كللته الغفرة الزباء هدم الجبال بصدره فكأنما في منكبيه الهضبة الشماء] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 817 وله من أخرى في مجلس أنس بروضة: وحديقة مخضرة أثوابها في قضبها للطير كل مغرد نادمت فيها فتية صفحاتهم مثل البدور تنير بين الأسعد والجدول الفضي يضحك ماؤه كالعقد بين مجمع ومبدد وترجرجت للناظرين كأنها در نثير في بساط زبرجد وكان بسرقسطة شيخ يكنى بأبي عبد الصمد، من شعراء ذلك العصر، وأراه من سلف أبي بحر؛ أخبرني ذو الوزارتين أبو عامر بن عبدوس أنه اجتمع [به] قي ذلك الثغر، ورآه قد لبس بياضا في جنازة الكاتب أبي عمر بن القلاس، وقد حضرها المقتدر بن هود، فرثاه بقصيدة نعى فيها تلك الدولة، ووصف أنها بعد ابن القلاس على طرف، وفي [223ب] سبيل تمام وتلف، فتعجب منه المقتدر، وجميع من حضر. وكان ذلك الشيخ يستعمل وحشي الالفاظ، ويخاطب العوام بكلام لو خوطب به رؤبة بن العجاج ما فهم عنه؛ وأخبرت أن بعض أصحابه قال له يوما: مالك وللتقعير في كل وصف! فقال له الشيخ: يا قرارة النوك وعنصر السخف، أتنكر أن أستعمل الغريب وفصيح الكلام -! لو كان في طبعك، ما مجه سمعك، أين أنت من قول أوس: ألم تر أن الله أنزل مزنة وعفر الظباء في الكناس تقمع الجزء: 6 ¦ الصفحة: 818 على دبر الشهر الحرام بأرضنا وما حوله بعد السنين يلفع ومن قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك إلآ لتقدحي بسهميك في أعشار قلب مقتل قال له: وأيهما ألوط بالقلب وأقرب إلى مجاري النفس - قال الشيخ: قول أوس لأنه جزل المقطع، بعيد المرمى غريب المنزع، وأما قول امرىء القيس فهو من باب الغزل وظريف الألفاظ، لا يحرك عالما، ولا يثير من غامض المعرفة كامنا، ولا يتعب مفسرا، وإنما يدر الدمع، ويهيج الوجد، ويثير الصبابة، ويؤكد الكآبة؛ فقال له ذلك الرجل: وهذه صفة المحبوب من الشعر، ألا ترى أن امرأ القيس لم يحز قصب السبق، ولا أعطي غاية الخصل [إلا لإتيانه بهذه الألفاظ السهلة، وأن أبا نواس لم يسبق الناس] إلا بعذوبة ألفاظه، [فمن] احتذى هذه الطريقة نجح، ومن حاد عنها افتضح - وكان ذلك الشيخ أبو عبد الصمد [قي عصر] أبي حفص بن برد الأصغر، واجتمع في خزائنه زهاء خمسمائة رسالة، أقلها فيما بلغني من عشر ورق، مع قصائد له مطولات، لا يقدر أحد أن يفسر له منها عشرة أبيات، لوحشية ألفاظه، واشتباك معانيه؛ ورسائل ابن برد سائرة لعذوبة كلامه، في نثره ونظامه. وفي هذا الشيخ يقول [ابن] الصفار السرقسطي: لأبناء هود قلوب الأسود لها عند لقيا الرزايا جلد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 819 وأعجب أفعالهم صبرهم على برد شعر ابن عبد الصمد واخبرت أن بعض أدباء ذلك الثغر استدعى هذا الشيخ لمجلس أنس بهذا النثر: أنا أطال الله بقاء الكاتب الفاضل، سراج العلم، وشهاب الفهم، في عبثت تفاحة، وصفت [224أ] أقداحه، وخفقت فوقنا للطرب ألوية، وسالت بيننا للهوى أودية، لكنا لنأيك عنا مقلة سال إنسانها، وصحيفة بشر عنوانها، فإن رأيت أن تتجشم إلينا غاية القصد، لنحصل بك في جنة الخلد، صقلت نفوسا أصدأها بعدك، وأنرت سرجا أدجاها فقدك. فأجابه [أبو] عبد الصمد: فضضت أيها الكاتب [الهميم] ، والحبر المصقع [العميم] ، طابع كتابك، فمنحني منه جوهرا منتخبا، لا يشوبه مشخلب، هو السحر إلا أنه حلال، [والدر إلا أنه جلال] ، دل على ود حنيت لي عليه ضلوعك، ووثيق عقد انتدب كريم سجيتك إليه، فسألت فالق الحب، وعامر القلب بالحب، أن يصون لي حظي منك، ويدرأ لي النوائب عنك، ولم يمنعني أن أصرف وجه الإجابة إلى مرغوبك، وأمتطي جواد الانحدار إلى محبوبك، إلا عارض ألم ألم، فقيد بقيده نشاطي، وزوى براحته بساطي، وتركني أتململ على فراشي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 820 كالسليم، وأستمطر الإصباح من الليل البهيم، وأنا منتظر لادباره. فكان يستنزل في هذه الألفاظ وغرابة هذا المنزع، ويستبرد في هذا المقطع. في ذكر الأديب أبي تمام غالب الملقب بالحجام وكان معدودا في شعراء عصره، إلا أنه كان متخلفا في شعره، لأن طبعه كان ينبو عن الرقيق السهل، ولا يلحق بالفصيح الجزل، وربما ندرت له أبيات في النظام، كرمية من غير رام، ووجدته قد سلك في الأوصاف طريقة الرمادي، فغرق في بحبوحة ذلك الوادي، وقد أخذت هنا من شعره بطرف، يعرب عما به ذكر ووصف. جملة من شعره في النسب مع ما يتشبث به من المديح له من قصيد في الرشيد يقول فيه: أراعي الفرقدين ولست أعيا كأني ثالث لفرقدين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 821 غدوا في مشرق الدنيا ونفسي تناجيهم بأقصى المغربين أأنسى عهدهم وهو بقلبي وأشكو فقدهم وهو بعيني سقى زمنا سقاهم كل صفو وقد قذيت جفون الحاسدين وقد حيا بطاسات الحميا قضيب في الغلائل من لجين [224ب] إذا سيم المزاج سقى لماه ونزهنا بروضة وجنتين تقلد طرفه سيفا ولكن حمائله نبات العارضين وهذاالبيت من متداولات المعاني، ومنه قول ابن رشيق القيرواني: وهل على عارضيه إلا حمائل قلدت حساما ومن مديح هذه القصيدة: شكوت إليه عدوان الليالي وما ألقاه من تشتيت بين فأمن من صروف الدهر سري وأصلح بين أيامي وبيني رآني والظلام علي ثوب فأطلعني طلوع النيرين وله من قصيد: مالي حرمت على اتصال مدائحي أعقرت في الشعراء ناقة صالح ويناسب هذا قول الآخر: أناقة الله حاجتي عقرت أم نبت الحرف في نواحيها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 822 وأنشدني له من قصيدة: دعوت الندى من كل باب قرعته دعاء ولكن كان غير مجيب فما هو إلا كالحبيب تمنعا عليه من الغيران كل رقيب فكن طالبا للمجد إن كنت طالبا بهز سنان وانتضاء قضيب ولا تبغ من زيد وعمرو مكانة لحفظ سوار في بياض عصيب ومنها: ليالي كان العيش غضا يظلني نظيرا وماء الورد غير مشوب وعيني قد نامت بليل شبيبتي فما انتهبت إلا لصبح مشيب وله من أخرى [أولها] : أحين وصلت أحدثت الفراقا لقد حملت قلبا لو أطاقا أحين كرعت في ماء الأماني سقيتني الأسى كأسا دهاقا ومنها: عرفت الدهر ثم طلبت منه ليسقي صفوة فسقى زعاقا [225أ] [فكنت كطالب في البحر ماء تشكك في مرارته فذاقا ولم أر مثل أيام التصابي وقد ضرب الهوى فوقي رواقا] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 823 وقد زفت عروس الكاس نحوي وقد كتبوا لها [شعري] صداقا ومن كلفني بها وبمن سقاني وصلت بها اصطباحا واغتباقا غزال لم يزل قلبي عليلا بعلة مقلتيه فلا أفاقا رقيق الخصر لو شاء احتزاما بخاتمه لكان له نطاقا ومنها: سلاما لم يكن إلا وداعا وجمعا لم يكن إلا افتراقا وهذا كقول المتنبي: افترقنا حولا فلما اجتمعنا كان تسليمه علي وداعا وكقول علي بن جبلة: ركب الأهوال في زورته ثم ما سلم حتى ودعا وذكرت بهذا المعنى خبرا حكاه الزبير بن بكار قال: سمع أبو السائب المخزومي قول مالك بن أسماء الفزاري: بكت الديار لفقد ساكنها أفعند قلبي تبتغي الصبرا بينا هم سكن لجرتهم ذكروا الفراق فأصبحوا سفرا فظلت ذا وله يعاتبني في حبهم من لا يرى الأمرا فقال أبو السالب عند سماع البيت الأوسط: ما أسرع هذا! ما قدموا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 824 ركابا حتى ودعوا صديقا؛ قال الزبير: يرحم الله أبا السائب، فكيف لو سمع قول العباس بن الأحنف: ساءلونا عن حالنا كيف أنتم فقرنا وداعهم بالسؤال ما أنخنا حتى افترقنا فما فر قت بين النزول والإرتحال وأبو السائب هذا كان له جد يكنى أبا السائب أيضا، خليط رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا ذكر قال: " نعم الخليط كان أبو السائب لا يشاري ولا يماري ". وكان أشراف المدينة يستظرفون أبا السائب هذا وحفيده، واسمه عبد الله، ويقدمونه لشرف منصبه، وحلاوة ظرفه، وكان غزير الأدب، كثير الطرب، وله فكاهات مذكورة، [225ب] وأخبار مشهورة. وقول ابن رباح: " بعلة مقلتيه فلا أفاقا " كقول أبي عامر بن شهيد، من شعر قد تقدم: فأنا المجروح من غضتها لا شفاني الله منها ابدا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 825 جملة من شعره في أوصاف شتى له في الصورة التي بحمام الشطارة البديعة الشكل باشبيلية: ودمية مرمر تزهى بخد تناهى في التورد والبياض لها ولد ولم تعرف حليلا ولا ألمت بأوجاع المخاض ونعلم أنها حجر ولكن تتيمنا بألحاظ مراض وأنشدني في صفة خاتم: وخاتم تبر قلد الدر حوله ومن احمر الياقوت ما يتقلد كأن الثريا بالهلال تعلقت وفي طرفيه المشتري يتوقد وللطيب فيه مخبأ فكأنه سريره حب قد فشت وهي تجحد وقال: زرت الحبيب ولا واش أحاذره والصبح عين لوت بالغمض أشفارا في ليلة خلت من حسن كواكبها دراهما وحسبت البدر دينارا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 826 وقال: أنظر إلى زهر النجوم وقد بدت في البحر تعجب ذاتها من ذاتها قكأنها سرب الحسان تطلعت لترى من المرآة حسن صفاتها وذكرت بوصفه صور الكواكب في الماء، قول أبي العلاء: فدمت إلى مثل السماء رقابها وعبت قليلا بين نسر وفرقد وصف إبلا وردت الماء ليلا، وهو أزرق صاف وفيه صور النجوم، فكأنها شربت بين هذين الكوكبين، وإنما أخذه من قول الأخطل يذكر سمت إبل قصدته: إذ طلع العيوق والنجم أولجت سوالفها بين السماكين والقلب أراد إذا طلع العيوق والثريا يممت هذه الإبل سمت ما بين السماكين والقلب، فكأنها وضعت سوالفها بينهما معرفة، وموضع العيوق وراء الثريا في جانب المجرة الأيمن، والعيوق أقرب إلى القطب من الثريا، وهما يطلعان صبحا، عند اشتداد الحر معا، ويكون [226أ] قلب العقرب والسماكان طالعين حينئذ ليلا، فوصف الأخطل أنه سرى الليل، ولا يكون العيوق في وقت أقرب إلى الثريا منه في وقت، ولكن الكواكب إذا كبدت تقارب ما بينهما في رأي العين، ولذلك قال الآخر: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 827 وعاندت الثريا بعد وهن معاندة لها العيوق جار أي عدلت عن الطريقين معاندة من أجلها جاور العيوق الثريا، ولم يرد أنهما اجتمعا أو تقاربا قربا والا به عن مجاريهما. وقال أبو ذؤيب: فوردن والعيوق مقعد رابىء الضرباء فوق النجم لا يتتلع أراد أنها وردت الماء سحرا، والعيوق من النجم قريب كقرب الرقيب من الضارب بالقداح، ولم يرد أنها وردت سحرا وهما طالعان، كما فسر بعضهم، بل وهما مكبدان، وذلك عند كون الشمس في الأسد، وهو أشد ما يكون من الحر. وذكرت بقوله: " لترى من المرآة حسن صفاتها " قول البحتري: إذا النجوم تراءت في جوانبها ليلا حسبت سماء ركبت فيها وأخذه الصنوبري فقال: ولما تعالى البدر وامتد ضوءه بدجلة في تشرين في الطول والعرض وقد قابل البدر المفضض لونه وبعض نجوم الليل يقفو سنا بعض توهم ذو العين البصيرة أنه يرى باطن الأفلاك من ظاهر الأرض وذكرت أيضا بهذا التشبيه، ما قد أكثر الناس فيه، من ضوء القمر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 828 [على الماء؛ من ذلك] قول بعضهم حيث يقول: قام الغلام يديرها في كفه فحسبت بدر التم يحمل كوكبا والبدر يجنح للأفول كأنه قد سل فوق الماء سيفا مذهبا وقال التمار الواسطي: أما ترى الليل قد ولت عساكره مهزومة وجيوش الصبح في الطلب والبدر في الأفق الغربي تحسبه قد مد جسرا على الشطين من ذهب وقال القاضي التنوخي: [226ب] . أحسن بدجلة والدجى متصوب والبدر في أفق السماء مغرب فكأنها فيه بساط أزرق وكأنه فيها طراز مذهب وقال كشاجم: والبدر فوق دجلة والصبح لما يشرق مكحلة من ذهب فوق رداء أزرق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 829 رجع: وقال ابن رباح في ثريا المسجد الجامع: تحكي الثريا في تألقها وقد لواها نسيم وهي تتقد كأنها لذوي الإيمان أفئدة من التخشع جوف الليل ترتعد وله فيها: انظر إلى سرج في الليل مشرقة من الزجاج تراها وهي تلتهب كأنها ألسن الحيات بارزة عند الهجير فما تنفك تضطرب وقال: سرينا إلى الخمار عنها وقد بدا لنا في الدجى نور من الحان ساطع [فقام إلى صف الدنان كأنها عجائز من قطن عليها مقانع] وبت بجنب الزق أرشف ريقه كما شد كفيه على الثدي راضع وقال في مثله: لم أنس ليلا قطعته وأنا متكىء لاصطحاب زقين الجزء: 6 ¦ الصفحة: 830 ونمت سكران بين ذاك وذا تناوم الطفل بين ثديين وقال في الطائر المعروف بالمقلتين: صبغوا برقراق العبير جناحه ويرى على فيه احمرار العندم وأظنه قد غره في ورده ماء اليفاع فظل يكرع في الدم وقال في البلارجة: وبعيدة الأوطان في إقبالها بشر بإقبال الزمان المقبل نشرت جناح الابنوس وصادرت بالعاج فيه وقهقهت بالصندل وفي النغر: بدا نغر فاسود أفق بدت به وقد نظمت في الجو منها سلوكها [وصاحت فما أبقت بقلب مسرة صياح بنات الزنج مات مليكها] وفي العقاب: ان العقاب له بطش يهاب به للطير عنه بذاك البطش تكميش [227أ [ كأنه في اختراق الجو مندفعا إلى الفريسة ريح ضمها ريش وفي النسر: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 831 ترى النسر والقتلى على عدد الحصى وقد مزقت أحشاءها والترائبا مضرجة مما أكلن كأنها عجائز بالحا خضبن ذوائبا وفي الأجدل: وأجدل أقلقه فرط القرم أطلقته بين الكراكي والرخم فانتهز الفرصة لما أن هجم فعاد للكف وما شكا ألم يمسح منقارا علاه نضح دم ككاتب يمسح حبرا عن قلم وفي النحل: شفؤك من دنياك في خرء نحلة وفيها كما فيها لك الصاب والشهد وزينة ما أبدت نسيجة دودة لتعلم أن الله في حكمه فرد وذكرت بقوله: إنه شفاء وهو خرء نحلة ونسيجة دودة، حديثا يروى عن جابر بن عبد الله قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجابر بن عبد الله إلى الجبانة، فتذاكرا الدنيا، فتنفس جابر، فقال له علي بن أبي طالب رضي اللع عنه: علام تتنفس يا جابر - أعلى الدنيا - فو الله ما لذاتها إلا سبع: مأكول ومشروب وملبوس ومسموع ومشموم ومركوب ومنكوح، فألذ ما أكل فيها ابن آدم العسل، وهو خرء ذبابة، وألذ ما شرب الماء، وهو كثير موجود، وألذ ما لبس الحرير، وهو قيء دود، وألذ ما اشتم المسك، وهو دم دابة، وأما مسموعها الجزء: 6 ¦ الصفحة: 832 فإثم حاضر، ومركبها الخيل، وهو قبر محفور، ومنكوحها مبال في مبال، يريق من الجارية أحسن ما فيها، لتؤتي أقبح ما فيها. رجع: وقال ابن رباح في وصف دولاب: يا حسن ما نظروا من الدولاب والغيم يحسده لدى التكساب تشدو فيطربنا تردد شجوها فكأنما أخذته عن زرياب وإذا الظلام أتى تشوق صوتها فكأنما داود في المحراب وله فيه وقد طار منه لوح فوقف، وهو من أغرب ما وصف: وذات شدو ومالها كلهم كل [فتى] بالضمير حياها [227ب] وطار لوح منها فأوقفها كلمحة العين ثم أجراها كأنها قينة وقد قطعت تسع من قال دومها واها وقال ابن رباح في القلم: يزداد حسنا في الكتاب إذا بدا نقص به فيريك كل بيان ان السراج إذا قطعت ذبالة صح الكمال له من نقصان وله [فيه] : الجزء: 6 ¦ الصفحة: 833 لا يفخر السيف والأقلام في يده قد صار قطع سيوف الهند والقضب فإن يكن أصلها لم يقو قوتها " فإن في الخمر معنى ليس في العنب " وله فيه: جواد إذا ما شق في البري رأسه وإن لم يبن شق به فبخيل وتمنعه أن يوضح الحرف شعره كذي لثغ بعض الحروف يحيل وقال فيه: حاز البلاغة غائصا في بحرها فيريك من صدف الكمال الجوهرا وكأنما علموا بطول نزاعه فلذاك سموا كل سيف أبترا وقال فيها: تقلت على الأعداء إلا أنها خفت على السباب والإبهام أخذت من الليل البهيم سواده وبدت تنمق أوجه الأيام [وقال] في الجيش: يا من إذا سار وألعداء يوم وغى ترى ذؤابته محمرة العذب والجيش كالبحر لكن ماؤه زرد والبيض تطفو عليه موضع الحبب ومن شعره في وصف العيون والثغور [والخيلان] وما يناسب ذلك من النسيب: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 834 ترنو بعين خشوع وهي باكية ومن طباع السيوف القطع واللبن تريك حكم سليمان إذا حكمت وفي اللواحظ ما تتلو الشياطين وقال: للأقحوان أرى عليك ظلامة لما عنفت عليه بالمسواك لا يحمل النور الأنيق تمسه كف بعود بشامة وأراك [228أ] وجلاؤه المخلوق فيه قد كفى من أن يراع عراره بسواك وله: تعلم الغصن لينا من معاطفه وأقبل الظبي يستجديه في الغيد من كل أحور يبدي في تبسمه تألق البرق بين الجمر والبرد وقال: خيلان خدك ردت صحيح صبري مريضا في العين سود ولكن ما زلن في القلب بيضا وقال في مثله: خدك مرآة كل حسن تحسن من حسنها الصفات مالي أرى فوقه نجوما قد كسفت وهي نيرات الجزء: 6 ¦ الصفحة: 835 وقال: يا حبيبا له الفؤاد محل كيف تجفو وأنت في سوادائه كتب الحسن فوق خدك خالا فامحى الشكل غير نقطة خائه وقال: يا طالع البدر المنير جماله ألبسي للحسن ثوب سمائه أوقدت قلبي فارتمت بشرارة نزلت بخدك فانطفت من مائه ومن المليح في مثله قول ابن المعتز: غلالة صبغت بورد ونون الصدغ معجمة بخال ولكشاجم: فلم يزل خده ركنا أطوف به والخال في خده يغني عن الحجر وله في النهود: وكأنها النهد الذي هو بارز من صدرها سر به قد باحا في صورة التفاح إلا أنه في شكله لا يألف التفاحا وقال: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 836 يا صاحبي بمهجتي خمصانة مالت مميل الغصن في أعطافها في الصدر منها للطعان أسنة ما أشرعت إلا لحمي قطافها ان أنكرت قتلي هناك ففتشا تريا دمي قد جف في أطرافها وقال: أبقى الشباب عليه من غلائله ما أثرت فيه من لبن غلالته [228ب] وفي ترائبه والحلي يحجبه نهد تصور في قلبي حكايته وقال: قد نالني منك في فرط الصدود أذى وكل شيء إذا ما زاد ينقص إن البياض إذا ما جاز غايته فلا محالة فيه أنه برص ويناسب هذا [من وجه] قول ابن الرومي: وما يعيب السواد حلكته وقد يعاب البياض بالبهق [وقال] : نظر الحسود فاذ رأى لي [صالحا] والفضل مني لا يزال مبينا قبحت صفاتي من تغير وده صدا المراة يقبح التحسينا وقال: تحملت أعباء الزمان ولم أكن لأحملها فيما لدي من الوهن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 837 كما حملت ثقلا من الأرض نملة وما هي منه في قياس ولا وزن وقال: تصبر وإن أبدى العدو مذمة فمهما رمى ترجع إليه سهامه كما يفعل النحل الملم بلسعة يريد به ضرا وفيه حمامه وقال: صغار الناس أكثرهم فسادا وليس لهم لصالحه نهوض ألم تر في سباع الطير سرا تسالمنا ويؤذينا البعوض وقال: ابخل بسرك لا تبح يوما به فصغيره يأتي بكل عظيم أو ما ترى سر الزناد إذا فشا يأتي وشيكا سقطه بجحيم وقال: وبارد الشعر لم يألم بما حملا أضر منه جميع الناس واعتزلا كأنه الصل لا تؤذيه ريقته حتى إذا مجها في غيره قتلا وقال: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 838 يا ملكا تخضع الملوك له الله أعلى على الملوك يدك تعجب الناس من جوادك بالأم س وما في شماسة اعتمدك أراك عند النزول سنبكه وقال: في عين [كل] من حسدك وقال: لي صاحب لا كان من صاحب فإنه في كبدي جرحه يحكي إذا أ [صر لي زلة ذبابة تضرب في قرحة وقال من قصيدة: وإني من زماني في خمول دفنت به ومن لي بالنشور وقد عكست يد النعمى فلاحت مكان الغل من عنق الأسير [وان سراي في ليل بهيم ولا صبح يشير إلى سفور] فما للملك ليس يرى مكاني وقد كحلت لواحظه بنوري كذا المسواك مطروحا هوانا وقد أبقى جلاء في الثغور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 839 فصل في ذكر الأديب أبي إسحاق [إبراهيم] بن معلى قدح البلاغة المعلى، وسيفها المحلى، أحد من بنى منارها، ورفع بالغور اليفاع نارها، ولم أظفر من كلامه لانزعاجي في تحرير هذه النسخة إلا بلمعة كهلال ليلة، أو ظل أثيلة، وقد أوردتها بأسرها، لأنبه على قدره وقدرها. قال يرثي أعيان وقته بقصيدة أولها: هل بين أضلعنا قلوب جنادل أم خلف أدمعنا مدود جداول في كل يوم حزن نجم ساقط ما بيننا وكسوف بدر آفل سدكت بنا الأرزاء غير مغبة وألحت النكبات غير غوافل وعلت بنا الأيام في سطواتها فجلت لنا عن كامنات غوائل وهي الليالي ليس يخفى نقصها فلذاك تطلب كل حر كامل آها وواها للمعالي إنها رزئت بركني عرشها المتمايل بدعامتي حسب ونجمي سؤدد وحديقتي أدب وبحري نائل أخوي صفاء في المودة أجريا في المكرمات إلى المدى المتطاول الجزء: 6 ¦ الصفحة: 840 [فبذا تحمل كل عبء مثقل وبذا إقامة كل أمر مائل] فكأن هذا حاجب في خندف وكأن هذا مالك في وائل إن طال حزني يوم ذاك فإنني لم أحل بعد من الحياة بطائل أو سال صبري في الدموع فبعدما دفنت هناك ذرائعي ووسائلي [ومنها] : أين الذي يرتاح بشرا بالقرى والحق يصدع مظلمات الباطل زفر الزمان بذاك زفرة مغضب وسطا بذاك الدهر سطوة صائل [229ب] صلى المهيمن ذو الجلال عليكما والكل من ملأ السماء الحافل وتظافرت أيدي الغمام فأخملت حلل الربيع عليكما بخمائل لأرى الرياض على الرياض وأقتدي ببكا السحاب على السحاب الهائل وله من أخرى يرثي: فلا تغررك بهجة مستحيل إذا ما الجمر عاد إلى الرماد أبا الحجاج لو لم يؤت بدع لحج الناس قبرك في احتشاد وزارك من بني الآمال حفل يضم الأرض من هيد وهاد [معد للطريق ولا كعهد مضى أغنيت عن إبل وزاد] فقد بارت بضائعهم عليهم وخلوا السوق مفرطة الكساد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 841 فسيان الركوب على قتود لعاف والمبيت على قتاد أمعتنق الصعيد وكان يغدو عليه وهو معتقل الصعاد أرى لبس الحداد عليك مما يشق على المهندة الحداد فكم أوردتهن على وريد وكم أهديتهن إلى الهوادي فإن تبعد فما بعدت صفات قربن لمادحيك على البعاد وأين قرى مسائك في الموالي وأين قرى صباحك في الأعادي وأين نداك يهتف كل حين ببغية مجتد ورضاء شاد وأين بياض بشرك وهو يجلو دجى النكبات حالكة السواد وأينك في عرائكك اللواتي ألن عرائك النوب الشداد إذا ما زرت قبرك رضت نفسي لأستسقي به سبل الغوادي فأمكث لا يطاوعني لساني بذاك ولا يساعدني فؤادي أحاذر أن يفوه به فأقضي بأن ربى حللت بهن صاد وكيف يكون عهدي منك هذا وأحمل منه بك للعهاد وأعجب كيف يقنع فيك قوم بجد في بكائك واجتهاد وكان يقل لو نحروا المطايا عليك وبادروا عقر الجياد [230أ] وحل الكل يوم حللت عهدا فقاسمك التراب إلى التناد فيا لهفي عليك ولهف غيري ولهف المجد والحسب التلاد ولما لم أنل أملي وعاقت عوائق دون سؤلي واعتقادي سعيت بأن أقيم مقام نفسي أزاهر روضة الأدب المعاد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 842 فجاءتكم تنم ببعض ودي وتعبق عن صفائي واعتدادي [وإن لم ترض منتقدا بحالي تبين وجه عذري في انتقاد] ضلوع ما يفارقها التهاب وجفن وقع انتقاصي في ازدياد قوله: " وأحمل منه بك للعهاد " كقول ابن المعتز: وحاشاه من قولي سقى الغيث قبره يداه يروى قبره من نداهما وأخذه من قول أبي تمام: سقى الغيث غيثا وارت الأرض شخصه وإن لم يكن فيه سحاب ولا قطر وكيف احتمالي للسحاب صنيعة باسقائها قبرا وفي لحده البحر وقال ابن المعتز: لم تمت أنت إنما مات من لم يبق للمجد والمكارم ذكرا لست مستقيا لقبرك غيثا كيف يظما وقد تضمن بحرا وبيته الأول من هذين، من قول حبيب أيضا: ألم تمت يا سليل المجد من زمن فقال لي لم يمت من لم يمت كرمه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 843 وقال عبد السلام بن رغبان: سقى الغيث أرضا ضمنتك وساحة لقبرك فيها الغيث والليث والبدر وما هي أهل إذ أصابتك بالبلى لسقيا ولكن من حوىء ذلك القبر أخذ [هذا] البيت الأول الراضي فقال يرثي أباه المقتدر: بنفسي ثرى ضاجعت في ساحة البلى لقد ضم منك الغيث والليث والبدرا فلو أن عمري كان طوع مشيئتي وأسعدني المقدور قاسمتك العمرا [230ب] ولو أن حيا كان قبرا لميت لصيرت أحشائي لأعظمه قبرا وينظر في هذا المعنى إلى قول المتنبي: حتى أتوا جدثا كأن ضريحه في القلب كل موحد محفور وقال ابن معلى يرثي من قصيدة أخرى: رزء بكت منه العلا ومصاب شقت عليه جيوبها الأحساب أعيا مرام الصبر يوم حلوله نفسي وسدت دونه الأبواب وطفقت التمس العزاء فخانني نفس تذوب وأدمع تنساب وتلجلج الناعي [به] فسألته عود الحديث لعله يرتاب أنفى ويوجب أن يقول حقيقة فعل الشفيق، فغلب الإيجاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 844 تربت يداه مدى الحياة بمن نعى وغدت بفيه جنادل وتراب [فلكم حماه على المكارم ان نبا وطن بذي أمل وضاق جناب] يا عامر لم يبق بعدك عامر لمنازل العلياء فهي خراب أنعى إلى الإعراب منك معيده غضا كما نطقت به الأعراب وإلى لباب الفهم فهمك إنه كانت تقر بفهمك الألباب وإلى السيادة والصبا فلكم أتت تدعو نهاك عن الصبا فتجاب ولكم نزعت بسهم فكر صائب يرمى الزمان بمثله فيصاب كم اعذل الأيام فيك بما جنت لو كان للأيام عنك متاب وأعاتب الزمن الخؤون فيقضي كل العتاب ولم يكن إعتاب ذبلت بروض المجد بعدك دوحة وخبا بأفق العلم منك شهاب ناحت بك الأقلام غاية وسعها وبكت بأبلغ جهدها الآداب وتقطعت نفس الكتابة حسرة وأسى عليك وأسعد الكتاب لا يبل مهجتك التراب وآنست فيه ثراك كواكب أتراب وسقى ضريحك بعد أخذ عهوده ألا يغب مجلجل سكاب وغدا عليك الروض وهو كأنما نشرت به من سندس أثواب [231أ] وإذا تنفست الرياح بليلة فعليك منها جيئة وذهاب يا أيها الشبل المعفر بعدما حمي العرين به وعز الغاب أرثي لليثك إنه بك مضمر حرقا لها بضلوعه إلهاب ولو استطعت جعلت موضع قلبه قلبي فيبقى سالما وأذاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 845 ولنبت عنه إذا بكاك بأدمع فلكم له في ما اريد مناب وهذا كقول علي بن بسام البغدادي يرثي علي بن يحيى بن منصور المنجم، مما أنشده أبو اسحاق الحصري: قد زرت قبرك يا علي مسلما ولك الزيارة من أقل الواجب ولو استطعت حملت عنك ترابه فلطالما عني حملت نوائبي قال الحصري: وقد أنشدني هذين البيتين أبو بكر بن محمد بن القاسم الأنباري، قال: أنشدني علي بن سليمان لنفسه، فأنشدهما وزاد: ودمي فلو أني علمت بأنه يروي ثراك سقاه صوب الصائب لسفكته أسفا عليك وحسرة وجعلت ذاك مكان دمع ساكب ولئن ذهبت بملء سؤددا فجميع ما أوليت ليس بذاهب وقوله: " وسقى ضريحك بعد أخذ عهوده " - البيت، من قول طرفة: وسقى طلولك - غير مفسدها - صوب الربيع وديمة تهمي وقد تتبع هذا المعنى على ذي الرمة في قوله: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 846 لأن في مداومة الانهلال تعفية الرسوم ومحو الآيات؛ على أنه قد احترس من الاعتراض احتراسا قدمه في صدر البيت وهو قوله: " اسلمي "، فدعا لها بالسلامة على تعاقب الأحوال الموجبة بلى الديار، واندراس الآثار؛ وبيت طرفة أسلم. والذي فتق للشعراء هذا الفن فافتنوا فيه وجاءوا بالاحتراس وغيره امرؤ القيس بقوله: إذا ركبوا الخيل واستلأموا تحرقت الأرض واليوم قر [231ب] فقوله: " واليوم قر " تتميم للمعنى ومبالغة في اللفظ، وقال [الآخر] : إذا الله أسقى دمنتين ببقعة من الأرض سقيا رحمة فسقاهما وقال أبو الطيب: صلى الإله عليك غير مودع وسقى ثرى أبويك صوب غمام ومن هذه المبالغة في التتميم أيضا قول امرىء القيس: كان عيون الوحش حول خبائنا وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب فتناوله زهير فقال: كأن فتلت العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 847 ويسمى أصحاب البديع ما كان مخصوصا من هذا النوع بالقافية: " الإيغال " [والتتبيع] وما كان في أضعاف البيت: " المبالغة " و " التتميم "؛ ومن المبالغة قوله: من القاصرات الطرف أو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا وأخذ حسان فقال: لو يدب الحولي من ولد الذر عليها لأندبته الكلوم فقصر حسان عنه لأن امرأ القيس قال: " فوق الإتب " وهو ثوب، وأيضا فإن في بيته معنى متقدما وهو قوله: " من القاصرات الطرف " يريد أنها غير متطلعة إلى غير زوجها، وقيل: تقصر الطرف ألايجاوزها إلى غيرها، كما قال أبو الطيب المتنبي: وخصر تثبت الأبصار فيه كأن عليه من حدق نطاقا وأصل هذا المعنى من قول امرىء القيس: * بمنجرد قيد الأوابد هيكل * ففرعه الناس فقالوا: قيد العيون وقيد النواظر، فأخفاه أبو الطيب وملحه، والذي نبهه على الزيادة فيه بشار بقوله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 848 ومكللات بالعيون طرقني ورجعن ملسا وأخذ السري فقال: أحاطت عيون العاشقين بخصره فهن له دون النطاق نطاق وتناول ابن المعتز ما تناول حسان فقال [232أ] [وتجاوز الحد] : أن فلو مرت به ذرة في رجلها نعل من الورد لمزقت ديباجتي خده من غير أن جالت على الخد وقول ابن المعلى: " وتلجلج الناعي به " - البيت، من قول المتنبي، وقد تقدم إنشاده: طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع لي صدقة أملا شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي وأخذه أبو الحسين ابن الجد فقال من شعر قد تقدم أيضا إنشاده في القسم الثاني من هذا المجموع: تصاممت عنها مستريحا إلى المنى وقلت عساها في الأحاديث بهتان رجع: وأنشدت له يصف خروج أهل بلنسية لحرب العدو في غير ثياب الحرب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 849 وهزيمتهم [بموضع يعرف ببطرنة] : لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستم حلل الحرير عليكم ألوانا ما كان أقبحهم وأحسنهم بها لو لم يكن ببطرنة ما كانا قال أبو الحسن: وذكرت بما وصفه عن أهل بلنسية من خروجهم لقتال عدوهم في ثياب الحرير، زينتهم، ما حكاه أبو مروان بن حيان في فصل من تاريخه الكبير، في صفة أهل طليطلة، وقد خرجوا لعدوهم على تلك الهيئة، فانهزموا وقتلوا: قال ابن حيان: فلم يرع الأسماع إلا ورود الخبر بما صكها من توريط المسلمين في جحيم ذلك المأزق، ومما وقع [من] التعجب منهم أنه أخذ من البياض المقتولين من أهل طليطلة في تلك الوقعة ألف غفارة من لبوس أهل الرفاهية أيام المباهاة، ركبوا بها إلى الطاغية - قصمة الله - كأنهم وفد سلم يشهدون المعاقدة، فيا للرجال لحلوم قوم سكان بثغر مخوف، أبناء قتلى وسلالة أسرى، قلما خلوا من هيعة، عدموا الراعي العنوف منذ حقب، فنبذوا السلاح وكلفوا بالترقيح ونافسوا في النشب، وعطلوا الجهاد، وقعدوا فوق الأرائك مقعد الجبابرة المتفاتنين من أهل موسطة الأندلس، ينتظرون من ينبعث من أهلها للقتال عنهم حسبة، ولا يرفدون المختل ممن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 850 رابط إليهم بعليقه، فتبا لهم تبا!! فتضعضع ثغرهم بتوالي هذه النكبات، ولحقت المسلمين بهم مضايق سماعها، حتى عم تلك [232ب] الثغور الجلاء، وتوزع المسلمين البلاء، وخربت ديارهم، وبادت آثارهم. وذكرت [أيضا] بهذه الحكاية ما حكاه الفرزدق عن نفسه قال: كنت أخرج أنا وجرير كل يوم إلى المناقضة بالمربد، ويحضرنا وجوه أهل البصرة، وكنت أرسل كل غداة إلى جرير عينا، فإذا لبس زيا لبست أحسن منه أو مثله، أباهيه بذلك، فجاءني عيني عليه يوما فأخبرني أنه في حلة فاخرة وزي من الرفاهية، وأنه على قلوص في مركب نبيل ورحل ظاهر، فسرت في مثل ذلك الزي، وانتهيت إلى المربد فلم أجده، فلم يرعني إلا انقضاض فارس قد اعتقل قناة خطية وظاهر بين درعين، وتقنع بالحديد، فلم يظهر إلا عينة، وجاء حتى ركز قناته إلى جنبي، وأنا أشبه شيء بالهدي تزف إلى بعلها، فإذا جرير رافع عقيرته ينشد: أعدوا مع الحلي الملاب فإنما جرير لكم بعل وأنتم حلائله فانصرف الناس بذلك البيت، وانصرفت أخزى منصرف. وقول ابن المعلي: " لو لم يكن ببطرنة ما كانا " - البيت، يسمي بعض أهل النقد هذا النوع من البديع " الإيماء "، وهو عند بعضهم من أقسام الاشارة، وهي من غرائب الشعر وملحه، ويدل على بعد المرمىٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 851 وليس يأتي بها الشاعر المبرز الماهر، وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالة واختصار وتلويح؛ قال أبو علي بن رشيق في كتاب " العمدة " له: فمن الإيماء المليح للمتقدمين قول قيس بن ذريح: أقول إذا نفسي من الوجد أصعدت لها زفرة تعتادني هي ما هيا ومثله قول كثير: تجافيت هني حين لا لي حيلة وخلفت ما خلفت بين الجوانح فقوله: " وخلفت ما خلفت " إيماء مليح. ومن أنواع الإشارة: " التلويح " كقول المجنون: لقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل بي النقص والإبرام حتى علانيا فلوح بالصحة والكتمان، ثم بالسقم والاشتهار تلويحا عجيبا؛ وإياه عنى المتنبي بعد أن قلبه ظهرا لبطن فقال: كتمت حبك حتى منك تكرمة ثم استوى فيك إسراري وإعلاني لأنه زاد حتى فاض عن جسدي فصار سقمي به في جسم كتماني [233أ] فأخفاه وعقده كما تراه، حتى صار أحجية يتحاجاها الناس؛ ومن أجود الجزء: 6 ¦ الصفحة: 852 ما وقع في هذا المعنى قول النابغة في طول الليل: تقاعس حتى قلت ليس بمنقص وليس الذي يرعى النجوم بآيب والذي يرعى النجوم هنا هو الصبح، أقامه مقام الراعي الذي يغدو فيذهب بالإبل والماشية، فيكون حينئذ تلويحه هذا عجبا في الجودة. وزعم بعض أهل النظر أن الذي يرعى النجوم هنا إنما هو الشاعر الذي شكا السهر وطول الليل، وليس هذا الزعم لذي فهم؛ وقد ذكر أن الآيب لا يكون إل باليل خاصة، ذكر ذلك عبد الكريم بن إبراهيم. ومن أنواع الإشارة " التفخيم " كقول كعب الغنوي: أخي ما أخي لا فاحش عند بيته ولا ورع عند اللقاء هيوب ومن أنواعها " التعريض والرمز واللغز " واشتقاقه من لغز اليربوع، إذا حفر مستقيما ثم أخذ يمنة ويسرة، ليوري [ويعمي] على طالبه، و [منه] قول امرىء القيس، وبعضهم يسميه: " التتبيع ": ويضحي فتيت المسك فوق فراشها نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل يعني أنها مخدومة مكفية المؤونة، فأتى في هذا البيت بثلاث إشارات كلها تتبيع، ترك الصفة فأتى بما يتبعها؛ وبعضهم يسمي هذا النوع " الارداف ". ومما جاء من الإشارة على معنى التشبيه قول الراجز يصف لبنا ممذوقا: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 853 جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط فأشار إلى تشبيه لونه، لأن الماء إذا غلب عليه صار كلون الذئب؛ انتهى كلام ابن رشيق. قال أبو الحسن: واستقصاء هذه الألقاب في كل باب، مما يضخم حجم الكتاب، وقد تفرق من انواع البديع، في أثناء هذا المجموع، ما فيه كفاية، ويربي على النهاية. إيجاز الخبر عن وقعة بطرنة التي ذكر قال أبو الحسن: قد جهدت ان اجد هذا الخبر في ما وقع إلي من كتاب ابي مروان، فأوليه حكمه، واعتمد فيه وصفه الرائق التقطته، من فم من شهد ذلك، وحدث عما [جرى] هنالك [233ب] ممن لا يحسن الوصف، ولا يجيد الرصف، بيد أني أنحرى الصواب، وأتتبع الصريح اللباب: حدثني غير واحد من أهل بلنسية قال: دلفت [إلى] بلنسية الجزء: 6 ¦ الصفحة: 854 [سنة خمس وخمسين] قطعة من الافرنجة، كدين آفاق هذه الجزيرة المروع - كان سربها، الذلول بتناصر غوغائها، وتخاذل أمرائها، [يومئذ] صعبها، من طواغيت الروم المحيطين بجهاتها، أبناء المخرجين من جناتها، الموتورين بأيدي المسلمين حماتها، أيام رسوخ أقدامهم في عرصاتها، واجتماع كلمتهم على الذب عن حوزاتها، فسموا إليها لأول إطباق الفتنة، واشتمال [تلك] المحنة، ممضين لأحكامهم المفسوخة، مقارعين عن ملتهم الممحوة المنسوخة، مغتنمين للفترة، متنسمين لروح الكرة، فسال منها يومئذ ببلنسية سيل عرم عفى على ما [كان] بها من بهجة ورونق، ومزق أهلها بأطراف الرماح وظبا الصفاح كل ممزق. قال المحدث: فأناخت تلك القطعة يومئذ ببلنسية سنة ست وخمسين وأربعمائة، وأهلها: جاهل غر أو مترف مغتر، أو غفل لا خير ولا شر. قد خلوا بشهواتهم، وانخدعوا بإغضاء الدهر عن غراتهم، لا عهد لهم [يومئذ] بصريع إلا من كاس شمول، أو لحظات أعين كحيل، ولا بعان كنيع إلا لعتاب خليل، أو إعراض حبيب وصول، مغفلين للتدبير، غافلين عما يتعاور أطرافهم من الحذف والتغيير، فطار بهم الذعر كل مطار، وسارت عن زعمائهم في استقبال محنتهم تلك أعجب أخبار، ثم كايدهم العدو بإظهار الاضطراب، والاستتار الجزء: 6 ¦ الصفحة: 855 عن عيونهم ببعض تلك الهضاب، استدراجا لهم واستطرادا، وجدا في طلب مكروههم واجتهادا، فهاج رعاعهم، ونادى بالنفير مهنتهم وصناعهم، حتى بلغني أن مخنثين من مخنثيها تناديا إلى الخروج، وقد حلما بسبي العلوج، فهما يتنازعون المنى، ويقولان نحن أعلم بفعلات القنا، وهيهات! تلك أقصف للظهور، وهذه أشفى لبعض الصدور، وخرجا ولا سلاح إلا رشاء تجاذباه، ثم اصطلحا بعد فقسماه، لا يستريبان بضيق المنهاج، ولا يشكان في اقتياد الأعلاج، وساعد أولئك الرعاع الحائنين أميرهم [يومئذ] المترف عبد العزيز بن أبي عامر - المتقدم الذكر - فخرج بالعير والنفير، والجم الغفير، يحسب الطعن كالقبل، ولم يكن من محبيهن، ويظن السيوف كالمقل، ولم يتعقب على مشتهيهن، ويتخيل صليل الحسام، بين القصر والهام، ما كان اتسع له درعه، ومرن عليه سمعه، من [234أ] نغم الأوتار، وترنم الأطيار، فلم يرع العدو يومئذ إلا خروج أهل بلنسية الأغمار الأغفال، إلى تلك المصارع والآجال: يمشون مشي قطا البطاح تأودا هيف الخصور رواجح الأكفال فظفر [العدو] منهم يومئذ بغنيمة أحلى من السرور، وأبرد من النسيم على كبد المخمور، أتاهم من ظهورهم، فحكم السيف في جمهورهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 856 فلم يبق إلا من أحرزه أجله، وخفي على [سهم] المنية مقتله. حدثني من رأى ابن أبي عامر يومئذ متحصنا بربوة بين لمة من فرسانه، ينشد وقد عقد الرعب عذبة لسانه: خليلي ليس الرأي في صدر واحد أشيرا علي اليوم ما تريان فنجا منها منجى أبي نصر، بعد أن أعطى على القسر، ولم يحفل بما أحاط به من أصحابه المغترين به من قتل وأسر. في ذكر الأديب أبي عامر بن الأصيلي واجتلاب جملة من شعره وكان أبو عامر جوابة آفاق، وناظما وناثرا باتفاق، وله شرف، وسابقة سلف، وقد أثبت بعض ما وقع إلي من شعره، على معرفتي بقدره، لنباهة سلفه واشتهار ذكره. فصل له من رقعة: أنت - أعزك الله - أشد استثباتا، وأكرم التفاتا، من أن تتأمل ما ينقله الواشون، وتتبع بهواجسك سوء الظنون، فتبين بهرج قول لم يعره الحق نوره، ولا الصدق ظهوره. والوزير الجزء: 6 ¦ الصفحة: 857 أبو القاسم بن صارم، ظالم لي وإن كان غير ظالم، [234ب] فإنه نقص فاضلا، وقطع واصلا، وتتبع يسيرا، وعظم حقيرا، تقمنا لمسرة ولد له مدلل يحسب أن كسرى من أعوانه، وأن هاروت ينفث عن لسانه، [يتعاطى ما لا يحسن، ويحقر ويمتهن، فيورط أباه في بحور السباب، ويبيح عرضه لألسنة الشعراء والكتاب] وجرى علي بجهتك، التي ألمت بها من أجلك، وتسرت [فيها بظلك، تطاول لم تقبله طباعي، ولا استقرت عليه أضلاعي، إذ لم أعهد مثله] في سائر البلاد، ولا منيت بشكله في حاضر ولا باد، وذلك أن الوزير الأعلى أبا عامر، القائد الشجاع الشاعر - انهض الله همته، وضمخ بمسك الثناء لمته - أراد أن يدخلني تحت قدمه، ويعدني من خوله وحشمه، وتوهم أنه يستطيل بعزته علي، ويستميل بكثرة دراهمه من لدي، فأدركني لذلك إباء أوقع الوحشة بيني وبين أبيه، ونقلني عن حسن ظني فيه، فلم يمهلني غايته غير ثلاث، حتى تسبب إلي بأسباب رثاث، كانت سببا لانزعاجي دون تسليم ولا توديع، وفراري فرار الخائف المروع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 858 جملة من شعره في أوصاف شتى قال يتذكر وطنه بسرقسطة ويضمن بيتين من إنشاد الثعالبي لبعض أهل عصره: على سرقسطة أبكي دما وأمواهها العذبة المحييه وقوم كرام فواحسرة على الجمع منهم أو التثنيه وأصبحت في بلدة أهلها سباع لأهل النهى مؤذيه كأن بلنسية زينت لشاطبة فاحتفت مرسيه تعوضت منها بأرض أرى أفاعيل أربابها ملهيه فكم كاس ذل تجرعتها ولم أبدها وهي لي مخزيه وكم ليلة بتها طاويا ونفسي عن الكشف مستحييه " وقد يلبس المرء حر الثياب ومن تحتها حالة مضنية " " كما يكتسي خده حمرة وعلتها ورم في الريه " عسى الله يعقبنا صحة فمن عنده الداء والأدويه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 859 وقال وهو بقلمرية من عمل الطاغية اذفونش - قصمه الله -: قلقت وحق بأن يقلقا مصون غدا غرضا للشقا حللت بلادا كستني بها يد الليث من سقم يلقما [235أ] وردت قلمرية طامعا فلم ألف برا ولا مرفقا حرمت كأني دون الورى طلبت العقوق بها الأبلقا [ورمت الرجوع ومن لي به وقد غلق الباب من غلقا إذا الشوق مر على خاطري شرقت وحق بأن أشرقا] أأحبابنا هل لنا رجعة وهل لي بكم أبدأ ملتقى 3 - توركت بحر الأسى بعدكم وإني لأحذر أن أغرقا وصرت وإن كنت ذا همة وحزم بأيدي النصارى لقى يقول أناس ولو أنصفوا لكذب في الذي صدقا فلان حريص به نهمة إلى الرزق من قبل أن يرزقا وليس، ولكن نحوسي أبت بسوق النباهة أن تنفقا ولو وفق المرء في سعيه تخير في رزقه وانتقى تلون دهري بأحداثه علي فشبهته عقعقا وكان أبو عامر مشحوذ المدية في الكدية، وهي التي بلغته كما ترى إلى بلاد النصارى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 860 وهو أيضا القائل، وقد تطوف على بلاد الساحل، فما حظي أيضا منها بكبير طائل: إلى أين الفرار ولا فرار ومن لي بالقرار ولا قرار أرى الأوغاد يعتمرون دورا ومالي في بلاد الله دار إذا ركبوا المذاكي والمطايا فمركوبي على شرفي حمار أجول فلا أرى إلا رعاعا كبارهم إذا اختبروا صغار أباجة لا وقاك الله شرا فأهلك أهل مفسدة شرار أشلب لا جزاك الله خيرا فلا خير لديك ولا خيار أشنتمرية قبحت دارا كؤوس المخزيات بها تدار أشلطيش ألا غرق وشيك تموج على ثراك به البحار أأونبة تعدتك الغوادي ولا هطلت بساحتك القطار ألبة كنت صالحة ولكن أتى ابن حليفة وأتى الشنار بلاد عريت من كل خير فملبس أهلها مقت وعار [235ب] غلطت فزرتها فرأيت قوما منازلهم وإن عمرت قفار ترد علي أشعاري ويجفى رسولي، والنباهة لي شعار شتوت بها على كره فغطى على جدي ومعرفتي الغبار وله مما كتب به الحصري: حلفت بمحكم السور ومنزل محكم السور الجزء: 6 ¦ الصفحة: 861 ومن بعدت جلالته عن الإدراك والنظر وما سن النبي لنا وما أبقى من السير وإلا لست منه ومن أبي بكر ومن عمر لقد أولى الزمان يدا سأشكرها مدى عمري أطال يدي وفضلني بلقيا الفاضل الحصري أقول لمن ينافسه رويدك لست ذا بصر تخل عن البديع له وسلم فيه للقدر شهدت له على علمي بسبق البدو والحضر وجئت إليه معترفا بما في الباع من قصر وما أدللت من أشر ولا استرسلت من بطر ولكن خاطري أبدى له ودي على خطر جعلت بضاعتي تمرا وجئت بها إلى هجر ذكرناه بواجبه وهل يخفى سنا القمر طمعنا أن نفاكهه فجئنا النجم بالشرر فكيف نطوله طولا ومن للعور بالحور وليس الغرف من بحر كمثل النحت في الحجر وهبط [أيضا] إلى الأشبونة [أيام كوني بها] وقد أصحبه المنصور إلى قائدها كتبا في معناه، فحسن بها مثواه، وأجزل بها قراه، وزرته ونزلت عليه في منزله أول التقائي به في لمة من أهل الأدب، فلما انصرفنا عنه خاطب كل واحد منا بأبيات شعر يشكر على ما تهيأ له هنالك من البر، واعتمد بمخاطبته أيضا غلاما وضيء الوجه [وسيما] ، وكان زاره معنا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 862 يسمى عيسى، وخرج في وصفه إلى النسيب؛ فمن شعره مما خاطبني به أبيات أولها: يا دوحة العلم والآداب والخطب ومن غدا فارسا في حلبة الطلب ماذا تحيط به من علم مسألة سألتها منك بين الجد واللعب ورد الخدود وورد الروض أيهما أجل عندك يا ذا العلم والأدب وقهوة الريق والصهباء واحدة أم قهوة الريق تخزي قهوة العنب وما سألتك عن جهل بأمرهما لكن نزعت إلى شيء من الطرب [236أ] فراجعته بأبيات منها: طوقت كل أديب طوق لؤلؤة غرفتها من بحور العلم والأدب لكن أجدت روي السين من شغف إذ همة الليث في المسلوب لا السلب فراجعني [ثانية] بأبيات قال فيها: إيه أبا حسن يا راقم الصحف ما إن أجدنا روي السين من شغف لكن طربت لما ألقاه من حرق وما أكابده من شدة الكلف وما انتفاعي بمحبوب أفارقه عما قريب ولم أربح سوى الدنف [هذا الذي في الهوى قسرا يزهدني ولو سكت لكان العذر غير خفي] وله في الوزير الفقيه أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الفهري بالأشبونة، قصيدة مخمسة وتضمن أبيات المتنبي، يقول فيها: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 863 دبار على دار الفناء ومينها نفضت يدي من سامها ولجينها فقلت ونفسي قد تصدت لحينها ذو النفس تأخذ وسعها قبل بينها فمفترق جاران دارهما عمر فلا تحسبن المجد سكرا ولا كرى فما المجد إلا همة تذر الورى ونفس ترى أشهى من الدعة السرى وتضرب أعناق الملوك وأن ترى لك الهبوات السود والعسكر المجر وأخذك من دنياك ما كان أحزما وكفك فيها عن عسى ولعلما وصدك عن وصل الأوانس كالدمى وتركك في الدنيا دويا كأنما تداول سمع المرء أنمله العشر ورب أمير مفرط في احتياله قبضت يميني نخوة عن شماله ونزهت نفسي رفعة عن نواله ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر أهيل زماني ودكم غير خالص فلست إليكم ما بقيت بشاخص شكرت وشكري رعدة في الفرائض إذا الفضل لم يرفعك عن شكر ناقص [236ب] على هبة فالفضل في من له الشكر تجنت في أشبونة آل أخطل وأملت ركني في الخطوب ومعقلي قطعت إليه كل البيداء مجهل وأقدمت إقدام الأتي كأن لي سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 864 سعيت ومن أمثالهم " من سعى رعى " إلى أن لقيت الناس أجمع أكتعا فتى لوذعيا باسم الثغر أروعا مفدى بآباء الرجال سميدعا هو الكرم المد الذي ماله جزر سريت إليه أهتدي بضيائه ويرشدني في القفر طيب ثنائه وما زلت أستسلي بطول بقائه وأستكبر الأخبار قبل لقائه فلما التقينا صغر الخبر الخبر إليك ابن إبراهيم أدى بنا الهوى ومن عرف الأطواد حاد عن الصوى أممناك والإخلاص مستحكم القوى وجئناك دون الشمس والبدر في النوى ودونك في أحوالك الشمس والبدر سمي رسول الله خير مرتجى ويا كوكبا يذكو إذا حادث دجا ويا مقلد المحيا إذا الباب أرتجا دعاني إليك العلم والحلم والحجى وهذا الكلام النظم والنائل النثر لمجدك عندي حلي فخر نعوته وود كماء المزن صح ثبوته فدع كل شعرور فطبعي يفوته وما قلت من شعر تكاد بيوته إذا كتبت يبيض من نورها الحبر [قال ابن بسام] : وكان الوزير الفقيه أبو عبد الله [محمد] بن إبراهيم، سويداء قلب ذلك الأقليم، ومجلسه بالأشبونة مرمى جمار المنثور والمنظوم، هو المقتول هنالك المظلوم، - رفع الله درجته، وقتل قتلته -؛ ولما الجزء: 6 ¦ الصفحة: 865 كسف ذلك النير المشرق، وأظلم عليهم بغتة الأفق، انطلقت [بالغرب يومئذ] أيدي الدهماء، إذ عدموا من كان يفيض عليهم أنوار الآراء، فيقبلونها [237أ] قبول الكواكب لشعاع ذكاء، ويدني من لباناتهم ما شسع، ويستنزل بها ما امتنع، بآراء سديدة الأنحاء، كالسيوف في المضاء، وسياسات لطيفة: من شدة ولين، وحركة وسكون، وكنت قد علقت منه في ذلك الغرب بالحبل المتين، وأستندت منه إلى ثبير الحصين، وتبوأت منه أرحب مربع، وأخصب مرتع، وفي وصف سؤدده وفضله، وكيفية قتله، طول خارج عن غرض هذا المجموع. ولأبي عامر الأصيلي في تأبينه قصيدة أولها: على مصرع الفهري ركني وموئلي بكيت وأبكي طول دهري وحق لي أؤبن من مات الندى يوم موته وقلص ظل الجود عن كل مرمل وما كان صمتي منذ حين لسلوة ولكن عظم الرزء أخرس مقولي إلى أي طود يسند الشعر بعده وقد حط منه الدهر أركان يذبل تولى ابن إبراهيم فالغرب بعده لكل غريب الدار حلقة جلجل فأصبحت الآمال بعد محمد تنادي ألا بعدا لكل مؤمل خليلي مالي لا أذوب وإنني لأطوي الحشا منه على غلي مرجل وفي من يحاك المدح جزلا كأنما أتى عن لبيد قوة ومهلهل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 866 ألا أيها النوام هبوا لتسمعوا جدال قتيل بالرزايا مجدل أما إنه والحق أبلج واضح لقد جئتم بالعار يا آل أخطل غدرتم فكان الغدر منكم سجية فتى العلم والمجد التليد المؤثل لئام رعاع جاهلون تحاسدوا على قتل صنديد أغر محجل سقى الله قبرا ضم جسم محمد سحاب تترى بالحيا المتنزل وجازاه عن إحسانه وأثابه جزاء المنيب القانت المتبتل سأندبه عمري وإن قال قائل " رويدك لا تهلك أسى وتجمل وأتبعه ذكرا بشعر كأنه " نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل " فصل في ذكر الأديب أبي الفضل جعفر بن محمد بن شرف [327ب] ذو مرة لا تناقض، وعارضة لا تعارض، وطرأ أبوه على جزيرة الأندلس من بلدة القيروان، حسبما نشرحه إن شاء الله في ما يأتي من هذا الديوان؛ وأبو الفضل هذا [يومئذ] لم يصب قطرة، ولا خرج من الكمامة زهرة، ومن المرية درج وطار، وباسم صاحبها أنجد ذكره وغار، وهو اليوم بها قد طلق الشعر ثلاثا، ونقص غزله [بعد قوة] انكاثا، وارتسم في حذاق الأطباء، واشتمل بما بقي له هناك من الجاه والثراء الجزء: 6 ¦ الصفحة: 867 ولم أظفر من شعره، إلا بما يكاد يفي بقدره، وقد أثبته على نزره، لئلا يخل بكتابي إهمال ذكره. فصل له من رقعة في فتح بلنسية: من ذكر - أعزك الله - عهدك الكريم والتزامه، وأبصر مجدك العميم وانتظامه، ووضع نفسه حيث وضعها ماضي الذمام، وأنزلها منك حيث أنزلتها تلك الأيام الكرام، وعلم أن ربطك مبرم الشد، وضبطك محكم العقد، وإن وافاك أكبر من رضوى جسدا، وأكثر من حزوى عددا، تخطى بقدم العهد، وتحظى بقدم الود، حتى زار الصفائح بالصحائف، وباشر الكتاب بالكتب اللطائف، وحياك بلسان الأقلام، تحت لسان الأعلام، حين أشرق وجه الدين فأسفر، وزهق حزب الملحدين فنفر، وأقبل الفتح في لمة التأييد، يرفل في ثوب النصر الجديد؛ وجاء الوعد الناجز ببلنسية تجذبها أعنة الأقدار، وتسوقها أحكام الجبار، فالآن قد نشر الميت من لحده، وعاد الحسام إلى غمده، فسبحان من سبب ما سبب، وأدب بالموعظة من أدب، محص الذلة فأزالها، وقدر العثرة فأقالها، وأعاد نعمة كان قد أذهب خضراءها، وأباد غضراءها، وفتح بابا سد رتاجه، وصد منهاجه، حتى خر شامخه، وذل باذخه، [ثم نشر ميته، ونجد بيته] ، قهبت ريح النصر، ومد بحر الظفر بعد الحسر: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 868 فقل - أعزك الله - في فتح عم الله ببهجته قلوب المؤمنين، وخص بالفضل فيه أمير المسلمين [وناصر الدين] ، ووفى به ضمانه، وأرجح بفخره وأجره ميزانه، حتى اقتدح بحسامه، ووسم بأعلامه، وورخ بسعيد أيامه، دعا مانعه فأجاب، وجلى عاتمه فانجاب، فتح سالت تلاعه بماء النعمة، وجالت سوامه في ضمان العصمة. وفي فصل [منها] : ومن زكاة الجاه التي هي من الفروض [238أ] وأداء المفروض، مشاركة موصله جارنا القديم، وصديقنا الحميم، له هناك أطلال رسمها داثر، وجدها عاثر، يرجو تجديد خرابها، وتعمير يبابها، وإليك إسناده، وعليك اعتماده، ومن كان منك نعين فقد أوى إلى ركن، واعتصم بحصن، فلك الفضل في تصديق أراجيه، وإظهار جميل الرأي فيه. وله مت قصيد [فريد] أوله: مطل الليل بوعد الفلق وتشكى النجم طول الأرق ومرت ريح الصبا مسك الدجى فاستفاد الروض طيب الغبق وألاح الفجر خدا خجلا جال من رشح الندى في عرق جاوز الليل إلى أنجمه فتساقطن سقاط الورق واستفاض الليل فيها فيضة أيقن النجم لها بالغرق وهذا كقول أبي الحسن مولى البكري: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 869 ونجم الدجى في لجة الصبح يغرق * وطمى الشرق عليه فانتحى من هلال غائب في زورق فانجلى ذاك السنا عن حلك وامحت تلك الدجى عن بهق بأبي بعد الكرى طيف سرى طارقا عن سكن لم يطرق زارني والليل ينعى شرقه وهو مطلوب بباقي لبرمق ودموع الطل تمريها الصبا وجفون الروض غرقى الحدق فتأنى في إزار ثابت وتثنى في وشاح قلق وتجلى وجهه عن شعره فتجلى فلق عن غسق نهب الصبح دجى ليلته فحبا الخد ببعض الشفق سلبت عيناه حدي سيفه وتحلى خده بالرونق وامتطى من طرفه ذا حسب يلثم الغبراء إن لم يعنق أشوس الطرف عرته نخوة فتهادى كالغزال الخرق لو تمطى بين أسراب المها نازعته في الحشا والعنق [238ب] وهذا كقول سعيد العروضي يصف فرسا: من الظلمان آباؤه فورثته الساق والجؤجؤا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 870 حسرت دهمته عن غرة كشفت ظلمتؤها عن يقق لبست أعطافه ثوب الدجى وتحلى خده بالفلق وانبرى تحسبه أجفل عن لسعه أو جنة أو أولق مدركا بالمهل ما لا ينتهي لاحقا بالرفق ما لم يلحق ذو رضى مستتر في غضب ووقار منطو في خرق وعلى خد كعضب أبيض وأذن مثل سنان أزرق كلما نصبها مستمعا ندب الشهب إلى مسترق حاردت حرد شبا خطية لا تجيد الخط ما لم تمشق كلما شامت غراري حده خفقت خفق فؤاد الفرق في ذرا ظمآن فيه هيف لم يدعه للقضيب المورق يتلقاك بكعب مصقع يقتفي شأو غرار مفلق إن يدر دورة [طرف] يلتمع أو يجل جول لسان ينطق وترى من هزه مختلفا جال في متنيه من متفق عصفت ريح على أنبوبه وجرت أكعبه في زنبق كلما كلمته باعد عن متن ملساء كمثل السرق ومنها: جمع السرد قوى أزرارها فتآخذن بعهد موثق أوجست في الحرب من وخز القنا فتوارت حلقا في حلق كلما دارت بها أبصارها صورت فيها مثال الحدق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 871 وهذا كقول [أبي محمد] ابن عبدون: ودموع طل الليل تجلو أعينا ترنو إلينا من عيون الماء [239أ] زل عنها متن مصقول القرا يرتمي في مائها بالحرق لو نضا وهو عليها ثوبه لتفرى عن شواظ عرق أكهب من هبوات أخضر من فرند أحمر من علق وأرتوت صفحاه حتى خلته بحيا من سحب كفيك سقي يا بني معن لقد طابت بكم شجر لولاكم لم تورق لو سقي حسان إحسانكم ما بكى ندمانه في جلق أو دنا الطائي من حيكم ما حدا البرق [لربع] الأبرق طنبت منكم تجيب في حمى طالب شأو المعالي لحق إن من أنجبت من نجل زكوا فانتهوا غاية ذاك الطلق قل لمن خاف زمانا جائرا أو شكا من صرف دهر موبق بمعز الدولة الأوحد أو عزها أو سيفا فاعتلق تجل عيناك إذا زرتهم بنظام للعلا متسق أبدعوا في الفضل حتى كلفوا كاهل الأيام ما لم يطق قوله: " وتشكى النجم طول الأرق " كقول ابن رشيق: أشكو " لى النجم حتى كاد يشكوني * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 872 وقال أبو جعفر التطيلي: وطال على النجوم سراه حتى أتت وكأنما تطأ القتادا وقال: قد أذن الشرق للصباح وحيعل الفجر بالفلاح وانجاب جيش الدجى ببيض قد جئن في سمرة الرماح [سألت] لها مسكة الدياجي أمام كافورة الصباح واندمج الليل في مضيق وانبلح الصبح عن براح نبهته والنسيم يهدي الش ميم في آنف الرياح فقام كسلان دون أين واهتز نشوان دون راح [239ب] يظهر للسخط وهو راض ويدعي السكر وهو صاح كأنه كلما تثنى يصغي إلى نغمة الوشاح وقال: أمسك بصدغك أم شامة غفلنا عن الأمر حتى التبس إخال العذار أراد انتشارا فصلت بلحظك حتى احتبس قد اختلس الشيب من بعضها شبابا وما الدهر إلا خلس فخالط فيها ضياء البياض ظلام السواد فصارا غلس كأن المحب شكا من هواك سرا إليك بما [قد] أحس فأودع أذنك سر الهوى فسود صدغك حر النفس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 873 ومعنى هذا البيت الأخير معنى غريب، وإنما نبهه عليه أبو حفص ابن برد بقوله يصف كلف البدر، [وقد تقدم] : والبدر مالمرآة غير صقلها عبث العذارى فيه بالأنفاس ومن أخرى: في ضمان الطيف بقيا رمقي صدقت عيني أم لم تصدق زارني بل عادني من مرضي إذ شفاني زارني في قلق نعمت عيناك بالطيف وقد نفثت الفجلا به عن حنق وفي صفة الليل: فهو يبدي بلقا عن دهمة ثم يبدي شهبة عن بلق وكأن الفخر في ذيل الدجى وافد يقرع باب الأفق أببه الروضة عن قلب شج لتنائيه وجفن غرق لاح فاهتزت إليه قضبها ورماه نورها بالحرق وكأن الصبح في آثاره صارم يضرب وجه الغسق كلما عن لرايات الدجى سقطت منه سقوط الصعق ونجوم الليل صرعى كلما نهضت عن نكبة لم تطق [240أ] سبحت جوزااؤها في بحره والثريا راحة المعتلق كايدته شعرياها برهة والسها عنه ضعيف الرمق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 874 وكأن النسر في مغريه قد تولى طائرا عن قلق ولتالي النجم قلب راكض كلما يوجس بخوف يخفق وذراع الليث قد مددها فهي إن تظفر بحبل تعلق قد بكى جفق الحيا عن أدمعي واشتكى نجم الدجى من قلقي غضبت وشحك من ليلتنا فعلمنا غيظها بالقلق صمت الخلخال عن تنقيلها حين أفشى السر نطق النطق بسمت إذ كشفت عن نحرها كابتسام الفجر قبل الفلق ثم أدنت طرة من وجنة كتداني ليلة من شفق قد تداوينا من الشوق بها غير أنا بعدهم لم نفق ومنها: سبقت جدواكم فاطردت كأنابيب القنا المتسق قد رمى الدهر بسهم نافذ وشبا ماض وحد ذلق طلب الغاية في كل مدى فهو يجري في عنان مطلق بشر وجه تحته ماء ندى وفرند السيف تحت الرونق لبسوا ثوب المعالي حلة عطروها بالثناء العبق كنجوم صعدت في ذروة أو شموس طلعت عن مشرق لو أطقنا وهو الحظ لنا لفديناهم بنور الحدق وله: بتنا وأجفان الكمائم نوم والليل أعمى والكواكب تنظر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 875 والروض يأرج والظلام يبله بنداه إلا أنه لا يقطر حتى استثارته الصبا وكأنه دمع تحدر أو عقود تنثر فهناك صاح بنا الصباح وبيننا ضم يموت الشوق فيه وينشر وله: أتت والروض يعطف جاذبيها كما يتأود الغصن الرطيب [240ب] وما بالرمل ان خافت سليمى عيون عداتها إلا الكثيب وليس على شعاب الحزن بأس إذا زار الحبيب بها الحبيب إذا صدق الغرام فكل قلص وإن بعدت مسافته قريب وله: ولما تلاقينا وقد ضمنا الهوى كما اجتمع الحيان ضمهما الحلف تمازج ما بين النجاد وعقدها وأجدب باقي الدمع إذ أخصب الرشف مزاجا تخال الكأس مانعها الحيا به وتماري أنها قهوة صرف فتهمي بطي الثوب في الثوب كلما تلوى بذا عطف تلوى بذا عطف ضجيعين مات الحس بيني وبينها وننشر أحيانا كما تنشر الصحف وله: بتنا نشد على القلائد بيننا حذر الرقيب لعلها لا تنطق والريح ما نبست لنا بسريرة يوما ولا نفث الحلي المحنق خفنا فأخفتنا خمائل روضة أنف وأخملنا العناق الضيق وله: أتت تنفض الأعطاف من بلل الندى وقد رشفت ماء الندى الورق الخضر الجزء: 6 ¦ الصفحة: 876 تحف بها الظلماء وهي مروعة تضل فتهديها الصبابة والذكر فبتنا وقد بات العناق يضمنا على دعة حتى استراب لنا الفجر فبانت وفي عيني من قسماتها خيال وفي ثوبي من طيبها عطر [وله] : ألمي لفقد الدمع عند فراقه ألم الجراحة بالدم المحصور [-] [وله] : وما ذقت طعم النوم إلا وللصبا تنفس مشتاق وللروض مدمع وللصبح في الآفاق جيب مشقق وللورق في الأغصان نوح مرجع فخفت ما بي أن فيهن أسوة وأنا جميعا كلنا متوجع وله: إذا نالك الدهر بالحادثات فكن رابط الجأش صعب الشكيمه ولا تهن النفس عند الخوب إن كان للنفس عندك قيمه فوالله ما لقي الشامتون بأحسن من صبر نفس كريمه [241أ] وله: أتى الليل يطلب غزو النهار في أنجم ما درى عدها فجاء النهار بشمس الضحى وقال: كفتني ذي وحدها وله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 877 تسل وخل عنك الهم جانب ولا تحفل بطارقة النوائب ودع عنك الأوائل واطرحها سدى إن المدار على العواقب ولا تيأس وإن بعدت ظنون فإن الدهر يأتي بالعجائب فكم ظن يكذب وهو حق وكو أمل يصدق وهوكاذب وله في الثريا: اسقنيها وللظلام ركود ونجوم الدجى هبوط صعود والثريا كأنها قدم أو راحة في الظلام أو عنقود وله: رأى الحسن ما في خده من بدائع فأعجبه ما ضم منه وصرفا وقال لقد ألفت فيه نوادرا فقلت له لا بل غريبا مصنفا وقال يصف كتفا بيضاء مدهونة: وواضحة كمثل النصل تجري مع الأبصار كالماء القراح حوت حلك المداد بجسم نور كمخضر الفرند على الصفاح جرت منها السطور على بياض كجري المسك في ثغر الملاح كأن سواده في صفحتيها بقايا الليل في وجه الصباح وله: ولما استقلت بالشباب ركابه وأيقنت من شمل الصبا بتفرق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 878 وله في الصباح: وأبيض فياض على القوم كلما أدار سلافا شجها بقراح نفى كل منسوب إلى المجد والعلا فساروا وقد طاروا بكل جناح إذا ارتاحت الدنيا إليه أصابها بنار أطلت من وراء رياح وله يصف خاتما: وأبيض من شطر الغنى رد ظهره إلى كوكب عالي المكانة غال [241ب] أدير كدور البدر ثم لبسته فلم تر منه العين غير هلال وله: وواثق باليالي الخادعات له يغتر بالبيض لا يخشى من السود وقال سعدي يحميني فقلت له هل يطلب النحس إلا كل مسعود وله: لا تقبلن قوام ذي عوج فرجوعه أدنى من الرجع كالصخر يعلو حين ترفعه بالفسر ثم يعود للطبع وله: ألا كل خطب نالني أو ينالني إذا أنت لم تغضب علي فهين فلا تغل في عتب فعتبك موجع ولا تعم عن عذري فعذري بين رأيتك مثل السيف أما غراره فماض وأما صفحه فهو لين وأنت إلى الخيرات أسبق سابق وان أوغلوا في الصالحات وأمعنوا لئن حسنوا في موطن دون موطن فإنك في كل المواطن تحسن الجزء: 6 ¦ الصفحة: 879 وله: عجبت لها كيف استطاعت لحاظها بأن طعنت قلبي بغير سنان فقالت وكيف استطعت أنت على هوى تفوه به عيناك دون لسان فقلت لها سري وسرك في الهوى يلوح وإن لم تنطق الشفتان وله: قد وقف الشكر بي لديكم فلست أقوى على الزياده ونلت أقصى المراد منكم فصرت أخشى من الإعاده وله يصف الثريا: ألا فاسقنيها والصباح كأنه على الأفق الشرقي ثوب ممزق ولاحت لرائيها الثريا كأنها على جنبات الأفق كيس مفتق وله: أتى زائرا والصبح يكشر نابه لريان من ماء الندى متضوع ولاحت على الأفق الثريا كأنها مواقع دمع الساجد المتضرع وله: بادر صباحا والثريا قد بدت تختالفي ثوب الصباح المذهب تبدو وينهجها الصديع كأنه أثر السجود على الصعيد الطيب وله في وصف درقة: [242أ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 880 جاءتك فادية الكماة بنفسها بيضاء يغمرها العجاج فتسطع فتظل تقصدها الحتوف كأنما فيها لكل شبا وحد موضع فإذا تعاورت الطبا صفحاتها ورمت جوانبها الرماح الشرع وردت ورود الإبل وهي روية تدني السقاة من الحياض وترجع ومن حكمه: الفاعل في الزمان السوء كالمصباح في البراح، قد كان يضيء لو تركته الرياح. ومنها: لتكن بالحال المتزايدة أغبط منك بالحال المتناهية. لتكن بقليلك أغبط منك بكثير غيرك، فإن الحي برجليه، وهما ثنتان، أقوى من الميت على أقدام الحملة، وهي ثمان. المتلبس بمال السلطان كالسفينة في البحر، إن أدخلت بعضه في جوفها أدخل جميعها في جوفه. الحازم من شك فروى وأيقن فبادر. رب سامح بالعطاء على باخل بالقبول. ابن آدم، تذم أهل زمانك وأنت منهم، كأنك وحدك البريء، وجميعهم الجري، كلا بل جنيت وجني عليك، فذكرت ما لديهم، ونسيت ما لديك. أعلم أن الفاضل الزكي لا يرتفع أمره حتى يطهر قلبه، كالسراج لا تظهر أنواره أو يرتفع مناره، والناقص الدنيء الذي لا يبلغ لنفعه إلا بوضعه كهوجل السفينة، لا ينتفع بضبطه، إلا بعد الغاية من حطه. وله فصل من رسالة: توصل الهمم - أدام الله عزك - كتوسل الذمم، ورب راق بوسيلة، ذي اشتياق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 881 الرشد8 ولما طلع بك المجد من معالمه، وأينع المجد في كمائمه، فلاح محياك قمرا زاهرا، زهرا عاطرا، وأنار بأفقك منار الأنوار، ودار على قطبك مدار الفخار، ووقف لديك بالقلوب ارتياحها، وطار إليك بالنفوس جناحها، فجوارح الجوانح ظهور، ونواظر الخواطر إليك صور، وقد تخليتك نظرات الغيوب، ويممتك خطرات القلوب، فخفت إليك بأرواحها، وتلقتك القلوب بالتماحها، فقد يرقب الصباح، ويلمح القمر اللياح، وليس على عاشق الفضل جناح. وكتب: أطال الله بقاء الوزير الجليل الأمجد الأوحد وأعلى مرتقاه في رفيع العز، ومنيع الحرز؛ الوزير كالمطر الجود يملأ الحياض، وينبت الرياض، بل كالقمر، يقذف بالنور، ويذهب بالديجور، وقد ألحفني من سناه، وسقاني سقياه، ما أنار فأضوى، وجاد فأروى، فلله أيادي الوزير [242ب] ما أنزلها بكل فناء، وأسمعها لكل نداء، حتى رعى قصدي وهو قصي، ووعى صوتي وهو خفي، فالآن أضرب بحسام اعتناؤه جرده، وآوي إلى زمام وفاؤه وكده، والله يديم بقاءه، ويعلي ارتقاءه، حتى أظهر في سمائه، وأشهر بأرفع أسمائه. وله فصل من رقعة: مثلي - أعزك الله - في عناء بلا غناء، كما خص الماء، زبده الزبد، ووعده الأبد، وأستغفر الله، ما استهديت بغير منار، ولا اقتدحت بغير عفار: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 882 ولكن حرمت الدر والضرع حافل * وما يوجع الحرمان من كف حارم كما يوجع الحرمان من كف رازق وما فعلت تلك الأبيات، والرجاء الذي في بطون الحاملات، أزعجته الأرحام، أم ولدت ثم وثدت، أم وضعت ليلا، وأرضعت غيلا، فهي لا تدب ولا تشب، والنجم آفل، والكفيل غافل - ومهما يكن من أمر فما ضاعت إلا في ضمانك، ولا جاعت إلا على خوانك، هلا حلبت ما در وطب، وطبعت والطين رطب -! فلا أمان من الزمان: ومن ذا الذي يبقى على الحدثان * وله: ذو فطنة تبصر الأشياء غائبة كأن كل سماع عندها نظر كأنما الدهر مرآة تقابله إذا تأملنا لاحت له الصور وله: أذا أعرضت نحو الصباح لوى بها من الليل مسود الجوانح أسحم كأن على أخفافها كلما سرت برقا تعق الليل والليل مظلم إذا قطعت غفل الظلام بعزمة مضت ورداء الصبح بالفجر معلم نظرنا إليها ضاحكين إلى المنى بها وهي من أين عوابس سهم وله: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 883 كم طالب للعز لم يختر له وقتا يليق ولا أعد مكانا طلب التعزز فاستفاد مذلة ومن التعزز ما يجر هوانا ومن قصيد: والأجر إلا في نواك ذخيرة والصبر إلا في هواك جميل جودي علي فما عليك ملامة ذنب الحبيب وإن جفا محمول أنكرت ما أتلفته من مهجتي ودمي بخدك شاهد مقبول [243أ] وله: وما ضر لو كان الترحل واحدا فكان مشوق حيثما كان شائق وقال: زارت على خطر وقد عقد الكرى راحا براح والنجم مرفوع الذرى والليل منشور الجناح حتى دنت فتساقطت ما بين ريحان وراح لله ما منح الهوى وأتاح من وصل الملاح خلط الغلائل بالحما ئل والقلائد بالسلاح بتنا على رغم الروا صد والحواسد واللواح من فوق آكام الريا ض وتحت أذيال الرياح في ليلة قادت إلي الوصل من بعد الجماح فقضى الرضى بالقرب وار تاح الوصال إلى السماح وأتى العناق على ضعي ف بين أثناء الوشاح تهفو عليه الوشح بي ن الغصن والكفل الرداح الجزء: 6 ¦ الصفحة: 884 بتنا يضيق بنا التعا نق بين أردان فساح والروض يمرح في الربى والريح تصفق في براح حتى إذا ارتاب الظلا م بفتح أجفان الأقداح وجلا احمرار الفجر عنه بياض صبح في اتضاح وكأنما غسلت دماء الفجر أمواه الصباح عاد الفراق إلى القطي عة بيننا بعد اصطلاح ولأبي الفضل: سروا ما امتطوا إلا الظلام ركائبا ولا اتخذوا إلا النجوم إلا النجوم صواحبا وقد وخطت أرماحهم مفرق الدجى فبات بأطراف الأسنة شائبا وليل كطي المسح جبنا سواده كأنا امتطينا من دجاه النوائبا خبكنا به الظلماء حتى كأننا ضربنا بأيدي العيس إبلا غرائبا لأمر سرينا نمتطي العيس في الدجى ركابا ونقتاد الجياد جنائبا وركب كأن البيض أمست ضرائبا لهم وهم أمسوا لهن مضاربا إذا ما سروا داسوا الهضاب نزاهة عن الخفض وارتادوا الذرى والغواربا فما يحملون السمر إلا عواليا ولا يركبون الخيل إلا سلاهبا إذا أوبوا ساروا شموسا منيرة وإن أدلجوا أسروا نجوما ثواقبا يردن جمام الماء بالقاع أزرقا ويرتدون نور الروض بالحزن عازبا إذا اعتقلوا للطعن سمرا عواليا أو اتشحوا للضرب بيضا قواضبا رأيت أسودا ينبرون لا تجارى يستسلن مذانبا [242ب] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 885 فانك من قوم إذا أعجزتهم مطالبهم مدوا السيوف طوالبا فما اتخذوا إلا ظباها وسائلا ولا سلكوا شباها مذاهبا إذا علقت بالمورد السوء خيلهم رجعن على برح وعفن المشاربا وله: أرح خطاك فحلي النجم قد نهبا وقد قضى الشوق من وصل الدجى أربا سل النجوم هل ارتابت بصفحتها لما أثرن اليهن القنا السلبا إذا استمرت بمجرى النجم سالكة خلت المجرة من آثارها ندبا تهفوا الركاب فتهديها أسنتها كأنما عارضت أطرافها الشهبا وباتت الخيل يقدحن الحصى حنفا حتى تضرم حبل الليل والتهبا والليل مثل عذار الكهل شيبه جور الزمان على الأحرار فاختضبا تلك الفوارس لا تثني أعنتها عن وجهه أو ينال السيف ما طلبا باتوا على نشوة ما نالها طرب وقد أداروا بكاسات السرى نخبا إذا أناروا القنا في ليل مظلمة شالوا النجوم على أطرافها لهبا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 886 فصل يشتمل على طوائف مقلين من سكان هذا الجانب الشرقي من الأندلس، تتمة لمعانيه، واستيفاء لغايات الإتقان فيه وقد أذكر الشاعر ليس له شعر كثير، ولا إحسان مشهور، إما لاشتهار ذكره، أو لخبر يتعلق بشعره. منهم: أبو عبد الله بن عائشة: من بلنسية، أي فتى [هو] طهارة أثواب، ورقة آداب، وأكثر ما عول على [علم] الحساب، فهو اليوم فيه آية لا يقاس عليها، وغاية لا يضاف إليها، وله من الأدب حظ وافر، وفي أهله اسم طائر، يقول من الشعر ما يشهد له بكرم الطبع، وسعة الذرع. كان يوما مع أبي اسحاق بن خفاجة وجماعة من أهل الأدب تحت دوحة خوخ منورة، فهبت ريح صرصر، أسقطت عليهم جميع الزهر، فقال ابن عائشة: ودوحة قد علت سماء تطلع أزهارها نجوما هب نسيم الصبا عليها فخلتها أرسلت رجوما كأنما الجو غار لما بدت فأغرى بها النسيما [244ب] وينظر هذا إلى قول إدريس من بعض الوجوه: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 887 وإخوان صدق قد أناخوا بروضة وليس لهم إلا النبات فراش فخلتهم والنور يسقط فوقهم مصابيح تهوي نحوهن فراش وأنشدني الأديب أبو عبد الله محمد بن فرج الجياني لنفسه في ما يجانس [هذا المعنى] : أضحى ابن عبدوس معشق معشر قد خلطوا في حبه تخليطا فهو السراج وهم فراش حوله يتهافتون على سناه سقوطا وكان ابن فرج في هذه الملح من أهل البدية، فأما طويل القصيد فقلما رأيته نجح فيه. وكان يوما بقرطبة فمر به غلام وسيم به بعض صفرة، فقال بعض من حضر: إنه لمليح لولا صفرة فيه، فقال ابن فرج: قالوا به صفرة عابت محاسنه فقلت ما ذاك من عيب به نزولا عيناه تطلب في آثار من قتلت فلست تلقاه إلا خائفا وجلا وكان يوما مع لمة من أهل الأدب في مجلس أنس فاحتاج صاحب المنزل إلى دينار، فوجه عنه إلى السوق، فدخل به عليهم غلام من أهل الصرف، في نهاية من الجمال [والظرف] ، ورمى بالدينار إليهم من فيه تماجنا، فقال ابن فرج [في ذلك] : أبصرت دينارا بكف مهفهف يزهو به من كثرة الإعجاب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 888 أومى به من فيه ثم رمى به فكأنه قمر رمى بشهاب. ولما أنهضه أمير المسلمين إلى بساطه، وأوضعه في بساط العين وفسطاطه، هب من مرقد خموله، وشب جذوة مأموله، فبدا منه انزواء عن الحظوة، والتواء في تسنم تلك الربوة، وكان له أدب واسع المدى، يانع كالزهر بلله الندى، ومظم مشرق الصفحة، عبق النفحة، إلا أنه قليلا ما كان يحل ربعه، ويذل له طبعه، يدع الألباب حائرة، والقلوب إليه طائرة، فمن ذلك قوله في ليلة سمحت له بفتى يهواه، ونفحت له هبة بددت شمل جواه] : لله ليل بات في جنحه طوع يدي من مهجتي في يديه فبته أسهر أنسا به ولم أزل أسهر شوقا إليه [245أ] عاطيته حمراء مشمولة كأنها تعصر من وجنتيه وله فيه وقد طرزت غلالة خده، وركب من عارضه سنان على صعدة قده: إذا كنت تهوى خده وهو روضة به الورد غض والأقاح مفلج فزد كلفا فيه وفرط صبابة فقد زيد فيه من عذار بنفسج وكان في زمن عطلته، ووقت اضطراره وقلته، ومقاساته من العيش أنكده، ومن التحرف أجهده، كثيرا ما ينشرح بجزيرة شقر ويستريح، ويستطيب هبوب تلك الريح، ويجول في أجارع واديها، وينتقل من نواديها إلى بواديها، فإنها صحيحة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 889 الهواء، قليلة الأدواء، خضلة العشب، قد أحاط بها نهرها كما تحيط بالمعاصم الأساور، والتوى عليها كالأرقم المساور، والأيك قد نشرت ذوائبها على صفحه، والروض قد عطر جوانبه بنفحه، وأبو اسحاق بن خفاجة منزع نفسه، ومضرع أنسه، وبه نفح له بالمنى عبق وشذا، وضرح عن عيون مسراته القذى، وغدا على ما أحب وراح، وجرى متهافتا في ميدان ذلك المراح، وسنه قريب عهد بالفطام، ودهره ينقاد للإسعاد في خطام، فلما اشتعل رأسه شيبا، وزرت عليه الكهولة جيبا، أقصر عن تلك الهنات، واستيقظ من تلك السنات، وشب عن ذلك الطوق، وأقصر عن الحنين والشوق، وقنع باهداء تحية، وما يستشعره في وصف تلك المعاهد من أريحية، فقال [244أ] : ألا خلياني والأسى والقوافيا أرددها شجوا فأجهش باكيا أؤبن شخصا للمسرة بائنا وأندب رسما للشبيبة باليا تولى الصبا إلا توالي فكرة قدحت بها زندا من الوجد واريا وقد بان حلو العيش إلا تعلة تحدثني عنها الأماني خاليا ويا برد ذاك الماء هل منك قطرة فها أنا أستسقي لمائك صاديا وهيهات حالت دون حزوى وعهدها ليال وأيام تخال لياليا فقل في كبير عاده عائد الصبا فأصبح مهتاجا وقد كان ساليا فيا راكبا يستعمل الخطو قاصدا ألا عذ بشقر رائحا أو مغاديا وقف حيث سال النهر ينساب أرقما وهب نسيم الأيك ينفث راقيا وقل لأثيلات هناك وأجرع سقيت أثيلات وحييت واديا وليس ببدع ان تعديت في الهوى فحييت من أجل الحبيب المغانيا فصل في ذكر الشيخ الماهر أبي محمد بن السيد البطليوسي: إمام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 890 الأوان، وحامل لواء الإحسان، وهو بالأندلس كالجاحظ بل أرفع درجة، وأنفع لمن شام برقه أوشم أرجه، وشلب بيضته، ومنها كانت حركته، ونسب إلى بطليوس لتردده بها، ومولده في تربها، ومن حيث كان فقد طبق الأرض رقعتة ذكر، وسبق أهلها بكل نزعة فكر، وقد أثبت من محاسنه ما يبهر الألباب ويسحر، ويحسده الوسمي المبتكر، فمن ذلك قوله يصف طول ليلة: ترى ليلنا شابت نواصيه [كبرة] كما شبت أو في الجو روض بهار كأن الليالي السبع في الأفق جمعت ولا فضل فيما بينها لنهار وأنشدني لنفسه من جملة أبيات: خليلي ما للريح أضحى نسيمها يذكرني ما قد مضى ونسيت أبعد نذير الشيب إذ حل عارضي صبرت بأحدق المها وسبيت تلاحظني العيان منها بنظرة فأحيا ويقسو قلبها فأموت فيا قمرا أغرى بي النقص واكتسى كمالا ووافى سعده وشقيت وأنشدني من أخرى له: أيا قمرا في وجنتيه نعيم لعيني وفي الأحشاء منه جحيم إلى كم أقاسي منك روعا وقسوة وصرما وسقما إن ذا لعظيم وإني لأنهى النفس عنك تجلدا وأزعم أني بالسلو زعيم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 891 وانشدني أيضا لنفسه يستدعي بعض إخوانه، يسمى راشدا: [245ب] عندي [مسكوب] من الراح عبق فيه منى مصطبح ومغتبق يحكي شذا المسك إذا المسك فتق كأنه من خلقك [الحلو] خلق كأنما كؤوسه تحت الغسق في راحة الساقي نجوم تأتلق [تخالها وهي تلظى كالحرق أحشاء صب ملهب من الحرق ترى لدى المزج إذا الماء اندفق فيها حبابا لاح كالدر انتسق] وأنت أنسي والمفدى بالحدق فاطلع طلوع القمر التم اتسق في يومنا هذا إذا الظهر نطق يا راشدا إذا دجى الغي سبق [وماجدا كم حاز في السبق السبق] لله معنى طابق اسما لك حق توافقا فيك إذا الاسم اتفق وأنشد لأخيه أبي الحسن الكاتب من جملة قصيدة: يا رب ليل قد هتكت حجابه بزجاجة وقادة كالكوكب يسعى بها ساق أغر كأنها من خده ورضاب فيه الأشنب بدران: بدر قد أمنت غروبه يسعى ببدر جانح للمغرب فإذا نعمت برشف بدر غارب فانعم برشفة آخر لم يغرب حتى ترى زهر النجوم كأنها حول المجرة ربرب في مشرب والليل منحفز يطير غرابه والصبح يطرده بباز أشهب وما أحسن قول المعري في هذا التشبيه، وعلى لفظه عول فيه: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 892 يا ليل [بالله أذق غرابها موتا من الصبح بباز كرز] وقال تميم بن المعز: وكأن الصباح في الأفق باز والدجى بين مخلبيه غراب و [قد] أخذ هذا المعنى أبو محمد أخوه [المذكور] فقال، ونقله إلى ذكر الشباب: أرى الدهر يأبى أن يرى وهو مسعف بما الهمة العليا تكلفنيه طوى جدتي طي السجل وعاضني بثوب بلى [أمسى] يبادلنيه وطار غراب للشبيبة راعه موافاة باز للمشيب تليه ولم أنس من ليل الشباب وظله أثيث جناح بات يلحفنيه وعهدا تولى باللبانة خلته لمى الحب في أفواه مرتشفيه وله يصف فرسا، وهو مما اندفع في التمثيل له والتشبيه، وخلع عليه شيات لاحق والوجيه: 246أ] . وأقب من نسل الوجيه ولاحق قيد العيون وغاية المتأمل ملك النواظر والقلوب بحبه فمتى ترق العين فيه تسهل ذي منخر رحب وزور ضيق وسماوة خصب وأرض ممحل الجزء: 6 ¦ الصفحة: 893 قصرت له تسع وطالت أربع وزكت ثلاث منه للمتأمل وكأنما سال الظلام بمتنه وبدا الصباح بوجهه المتهلل وكأن راكبه على ظهر الصبا من سرعة أو فوق ظهر الشمال وحضر مع ابن ذي النون بطليطلة بمجلس الناعورة، في المنية المتناهية البهاء والإشراق، المباهية لزوراء العراق، التي تنفجر أبدا وتقطر، وتكاد من الغضارة تمطر، والقادر قد التحف الوقار وارتداه، وحكم العقار في جوده ونداه، والدولاب يحن كناقة إثر الحوار، أو كثكلى من حر الأوار، والمجلس يروق كالشمس في الحمل، وأهله يبتهجون بمثل الأمل، والجو قد عنبرته أنواؤه، والروض قد بلللته أنداؤه، والأسد قد فغرت أفواهها، ومجت أمواهها، فقال: يا منظرا إن رمقت بهجتة أذكرني حسن جنة الخلد تربة مسك وجو عنبرة وغيم ند وطش ماورد والماء كاللازورد قد نظمت فيه اللآلي فواغر الأسد كأنما جائل الحباب به يلعب في جانبيه بالنرد تراه يزهى إذا يحل به ال قادر زهو الفتاة بالعقد تخاله إن بدا لناظره تما بدا في مطالع السعد كأنما ألبست حدائقه ما حاز من شيمة ومن مجد كأنما جادها فروضها بنائل من يمينه رغد ودعي ليلة إلى مجلس قد احتشد به الأنس والطرب، وقرع فيه نبع السرور بالغرب، ولاحت نجوم أكواسه، وفاح نسيم رنده وآسه، وأبدت صدور أباريقه أسرارها، وضمت عليه أزرارها، والراح يديرها أوطف، وزهرة الأماني تجنى وتقطف، فقال: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 894 يا رب ليل قد هتكت حجابه بمدامة وقادة كالكواكب [246ب] - (الأبيات) وله في وصف فرس: وأدهم من آل الوجيه - (الأبيات) ودخل سرقسطة أيام المستعين، وهي زهرة الدنيا، وفتنة المحيا، ومنتهى الوصف، وموقف السرور والقصف، فنزل منها بمثل الخورنق والسدير، وتصرف فيها بين روضة وغدير، وكان فر ابن رزين، فرار السرور من نفس الحزين، وخلص من اعتقاله، خلوص السيف من صقاله، فقال: هم سلبوني حسن صبري إذ بانوا بأقمار أطواق مطالعها بان لئن غادروني باللوى إن مهجتي مسايرة أظعانهم حيثما كانوا أأحبابنا هل ذلك العهد راجع وهل عنكم لي آخر الدهرسلوان ولي مقلة عبرى وبين جوانحي فؤاد إلى لقياكم الدهر حنان تنكرت الدنيا لنا بعد بعدكم فعاودنا من معضل الخطب ألوان أناخت بنا في أرض شنتمرية هواجس ظن خان والظن خوان رحلنا سوام الحمد عنها لغيرها فلا ماؤها صدا ولا النبت سعدان إلى ملك حاباه بالمجد يوسف وشاد له البيت الرفيع سليمان إلى مستعين بالإله مؤيد له النصر حزب والمقادير أعوان [247أ] وكتب مراجعا: ليس بالمستنكر أن طرت سبقا غير مدفوع عن السبق العراب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 895 وافاني - أعزك الله - كتاب شغل حاستي سمعي وبصري، وملأ حافتي فكري وخاطري، وأراني الدر إلا أنه لم ينظم،،اسمعني السحر إلا أنه لم يحرم، لو صيغ عقدا لأخجل الدر والعقيان، ولو حيك بردا لعطل الديباج والخسروان، فلله قريحة أذكت ناره، وأطلعت أنواره، إن مزنها لغير جهام، وإن سيفها لغير كهام، وان ثمرها ونضار، وإن زندها لمرخ وعفار؛ حبذا سيدي - أدام الله عزه - وقد طلع علينا طلوع البدر في الغسق، وضمخ أفقها بخلوق ذلك الخلق، واقتدحنا زند ذكائه فأورى، ولمحنا كوكب سمائه فأعشى، وشاهدنا به البلاغة شخصا محسوسا، والرئيس المتعاطي البراعة مرءوسا، أقدمه الله خير مقدم، وأغنمه أفضل مغنم. وكتب مستدعيا: نحن - أعزك الله - في مجلس مدام تديرنا أفلاكه، وعقد نظام نظمتنا أسلاكه، بين غيم يبكي بمثال عين المهجور، وروض يضحك عن مثل در الثغور: ومدام كأنما كل شيء يتمنى مخير أن يكونا أكل الدهر ما تجسم منها وتبقى لبابها المكونا فلك الفضل في الخفوف إلينا لتكون شمس تلك الأفلاك، ووسطى تلك الأسلاك، إن شاء الله. وكتب في مثل ذلك: ما ظنك - أعزك الله - بعروس لهو، تختال في ثياب عجب وزهو، وتصبي القلوب بحسن قصف وشدو، قد سفرت من وردها عن خد خجل، ورنت من نرجسها بطرف غير مكتحل، ونحن بين فرش مرفوعة، وأكواب موضوعة، فبادر إلينا وأنشدت لأبن هند الداني وقد طلقت عليه امرأته: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 896 أبديت سري مذ كتمت سراك وعصيت صبري مذ أطعت هواك ونثرت أسلاك الدموع معرضا أني بحيث سلكت لا أسلاك أرخيمة الألفاظ غير رحيمة الدل دلك أم نهاك نهاك لا در در صباك لاستحلاله ما لا يحل ودر در صباك هبت ضحى وأهاب طيب نسيمها حتى عرفت بعرفها مثواك لما أسروا البين أسروا والدجى متلفع الأرجاء بالأفلاك [247ب] فطفقت أنشدهم وأنشد بعدهم " يا دار جادك وابل وسقاك " ومنها: هلا بعثت ولو بفرع بشامة عند الترحل أو بعود أراك وقرأت حين قريت ربعك أدمعي معنى الجوى والشوق في مغناك يا بنت معتنق الفوارس بالقنا والبيض ما أنا من يهاب أباك لا قرن أرهبه سواك وإن غدا شاكي السلاح فان قلبي شاك ومنها: أهواك حالية وعاطلة وإن تذري الحلي كفاك بعض حلاك ويسرها ما ساءني من حبها كالروض يضحكه السحاب الباكي مهما رحلت وصار حبك قاطنا فالموت في أولاك أو أخراك رفقا بقلب أنت في سودائه فهناك أسكنك الهوى فهناك وعزيمة أمضيتها لم أخلها من عزم أخاذ لها تراك الجزء: 6 ¦ الصفحة: 897 فعل الكرام وإنني لزعيمهم فاخترت تسريحا على إمساك ولو انني أحببت ذاك لردها للقول مرهفة وجرد مذاكي فالحق أبلج لا شهادة كاذب من جهله يزكو وليس بزاك يحيي ويقتل بالشهادة وهو لا يدري، فأف لزوره السفاك واعترض الحاجب منذر بن هود يوما بعض الجنود، وزعيمهم بعض أعلاج العبيد، يسمى خيارا، في نهاية من الجمال، فجعل ينفخ في القرن لجمع أصحابه كعادة أعلاج العبيد، فقال ابن هند ارتجالا: أعن بابل أجفان عينيك تنفث وعن قوم موسى [قد جعلت تحدث] أفي الحق أن تحكي سرافيل نافخا وأمكث في رمس الصدود وألبث عساك خيار الحسن تأتي بآية فتنفخ في ميت الغرام فيبعث ووجدت له في بعض [التعاليق] هذه القصيدة منسوبة إليه بخط عبد الجليل ابن وهبون المرسي، أولها: فرقت لتوديع الخليط الموافق وقد حميت بالبيض سود المفارق ولا ثغر إلا دونه ثغر بارق ولا خد إلا دونه حد بارق أماني تحميها المنايا وللهوى بها مورد يغري مشوقا بشائق [248أ] ومما شجاني شدو أورق ساجع يراجعه تنعاب أسفع ناعق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 898 وفك معمى النائحين كليهما ترنم حاد بالمطايا وسائق فمن ذات قلب فوق وجناء خيفق تسير ومن قلب هنالك خافق ومن عاتق فعل الحلي بجيدها يذكرها فعل النجاد بعاتق من اللائي لا الأقراط يرضين زينة لهن ويستحسن لبس القراطق شققن قلوبا لا جيوبا كرامة لنا ونثرن الدر فوق الشقائق وضاعف وجدي عطف صدغ معقرب كنون أجادت خطها كف ماشق ولين قدود كالغصون يعوقها إذا مسن أن تنقد شد المناطق فأبديت ما أخفيت والموت حاضر ومثلي لا يزهى بحب منافق فأقبلن يسدلن البراقع عفة ويرميننا من كل لحظ براشق وسرن يؤملن الحمى فنزلنه لإسآد عشر بعد وخد الأيانق وإني لمن حاز الغبيط لغابط على صابح لالوجد قلبي وغابق سيلحقني بالحي من كل وجهة أخو الريح من آل الوجيه ولاحق عليهم بسري جسمه جسم [مقرب] كريم ولكن نفسه نفس عاشق وأسمر مهما سرت سار مسامري وأبيض مهما نمت نام معانقي ومن شيمي حب الحسام كأنه إذا شيم في الهيجا تألق بارق وليل يظل النجم فيه كأنما مغاربه موصولة بالمشارق سريت ودوني كل خرق كأنما تردد فيه الجن لحن مخارق فما راعهم إلا الكرى قد أطاره صليل العوالي أو صهيل السوابق ومن لم يعرض للمهالك نفسه وفاء لمن يهوى فليس بوامق وأجدر من نال الأماني ساكن ظهور المذاكي في بطون السمالق وأخلق خلق بالمدائح ماجد صليب قناة الدين لدن الخلائق ثنيت عناني بالمودة نحوه مجدا ولم [أحفل برأي] المحانق [248ب] فأوردني من بره وثنائه رواء لظمآن ومسكا لناشق الجزء: 6 ¦ الصفحة: 899 ومن كأبي عبد الإله مؤملا لقمع أباطيا ونصر حقائق جري بميدان العلوم مؤيدا على قرنه في المأزق المتضايق فما شئته من طاعن فيه خارق وما شئته من ضارب فيه فالق فأعجب له من ناظم فيه ناثر وأعجب له من فاتق فيه راتق جميل الأيادي في المبادي معيدها حميد المساعي في العلا والطرائق إذا استمطر الذهن الذكي تفتحت أزاهير علم في رياض المهارق فيا لك من مستغذب العرف عاطر ويا لك من مستغرب الحسن رائق لعمرك إجلالا لما أنا حالف به قول ذي ود وحلفة صادق لقد أحدقت بي من أياديك منه تذكرني في الحسن زهر الحدائق وعاق لساني أن يطيل عنانه أمور عرت والمرء رهن العوائق واني ان قصرت فالشكر مسهب يطيل وإن أبصرته غير ناطق فقل للأناس أملوا نيل شأوه مكانهم فالشاه رب البيارق فدونكما من مخلص لك ممحض وهو العلق إلا أنه غير نافق ومن لم يساعده الرشاد فغيه مفيد الأعادي من جهات الأصادق إذا الجد لم يجدي عليك فلا تكن من الجد ما حاولت شيئا بواثق وأنشدت لأبي عامر بن زهرة الصائغ من دانية في ابن هند هذا، إذ طلقت عليه امرأته: لا تلوما نجل هند يا خليلي وكفا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 900 فهو في الناس رشيد أبصر الغي فكفا طلق الفرج ثلاثا وابتنى بالزب ألفا وسرق رجل من دانية دنانير لرجل اسمه غالب ولم يعاقب، فقال ابن زهرة: أفي الحق أن يدرا ويدرا حده وقد غل شطرا من دنانير غالب وتقطع مخزومية في نجارها تمت بقربى من لؤي بن غالب وأنشدت لأبي بكر الفرضي الداني وخاطب بها أبا الحسن بن سابق، صاحب سوق بلنسية [249] : يا ماجدا أصبح ممنوحا بكل فضل بأن تصريحا طالت مواعيدك لا معدما فاستقرت في عمره نوحا واستقبلت رسلي أعيانها من فرط ما حملتها ريحا لعل اسرافيل إذ زاركم ينفخ في بيت الدجى روحا فأجابه ابن سابق: يا مخطىء التقدير إني [امرؤ] مكابد منك تباريحا قست بما تبصره باطني إن شئت خذ سري مشروحا كم ضاحك السن [إذا] جردوا أثوابه ألفي مجروحا إيه أبا بكر لقد غادرت دمعي أبياتك مسفوحا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 901 أبكيك من حر أخي فطنة أصبح بالحرمان مفضوحا سبحان من صير مثلي على قلة قدري منك ممدوحا محملا رسلك مهما أتوا برقعة من لفظك الريحا من بعد أن كنت بكاس الغنى والعز مغبوقا ومصبوحا ولأبي بكر الفرضي من جملة أبيات: قالت وقد نشر الصباح رداءه وجب الصبوح فعاطني الجريالا فسقيتها حتى انتشت وتمايلت كالغصن حركه النسيم فمالا وشربت فضلات الكؤوس وقد أبت الا لتعجل قبلها الأنقالا وأنشدني الشيخ أبو [جعفر] أحمد بن عنق الفضة من مدينة سالم لنفسه: رضى [جاء] عن لحظات غضاب وعتبي تحاول محو العتاب يقول فيها: فلولا حياء المحيا وما عراني [لفقد] الصبا من تصابي لمرغت خدي وألفت بين هشيم المشيب وروض الشباب وأول من أفرغ على هذا المعنى وصب على هذا القالب ابن الرقاع بقوله: [249ب] لولا الحياء وأن رأسي قد عسا فيه المشيب لزرت أم القاسم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 902 وقال تميم بن المعز: والله لولا أن يقال تغيرا وصبا وإن كان التصابي أجدرا لأعاد تفاح الخدود بنفسجا لثمي وكافور الترائب عنبرا ولو قال تميم في هذا البيت: لأعاد ورد الوجنتين بنفسجا لثمي - لتم له الوصف، وحسن الرصف، لكون الورد من قبيل البنفسج، كما جمع بين الكافور والعنبر، وسلم بذلك من كل ناقد، لأنهما من قبيل واحد. وقال محمد بن هانىء: والله لولا أن يسفهني الهوى ويقول بعض القائلين تصابى لكسرت دملجها بضيق عناقها ولثمت من فيها البرود رضابا وأنشدت لأبي محمد بن سفيان وزير الأمير ابن قاسم صاحب حصن البونت من جملة أبيات خاطب بها أبا عيسى بن ليونك ألاموا وقالوا مذنب ومليم وعرضي من تلك الهنات سليم وما في ما ينعى ولكن سؤددا هوت لذوي الرجحان فيه نجوم فقلت وجفني قد تداعت شئونه وحر ضلوعي مقعد ومقيم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 903 لئن دهمت دهم الخطوب وآلمت فإن أبا عيسى أغر كريم يجلي دجى عميائها فجر رأيه وينقض منها والزمان بهيم ومن جواب أبي عيسى: ليهنك مجد محدث وقديم بناه كريم قد تلاه كريم بنى لك سفيان وقد زدت يا ابنه وهل طاب فرع أو يطيب أروم كأنك تمثيلا سماء جلالة لها من ضروب المعلوات نجوم ومنها: وأسمر عريان من الغشم جاهل وأما إذا صرفته فعليم إذا جنة الأقلام يوما تمردت فأدنى مراميه لهن رجوم وان خط قرطاسا بدا فوق صحنه نثير لآل تارة ونظيم يعطل سحر السحر سحر بيانه ويقعد حد السيف حين يقوم [250أ] رأتك المعالي هاديا عالما بها فلاذت بمن يهذي بها ويهيم يهب على الآفاق ذكرك عاطرا كما هب من نحو الرياض نسيم ودونكما والعذر ما قد علمته هموم تنسي، خطبهن عظيم نتيجة فكر قد تقلب ميزه سواء صحيح عنده وسقيم وحق فإن الماء قد بلغ الزبى ولازم من صرق الخطوب عزيم [على أنني صعب القياد إذا دهت دواه فإني بالدفاع زعيم وما المجد إلا ما ابتنته ثلاثا حسام ونفس حرة وعزيم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 904 فإن مر منك النقد منها بسقطة فحلمك يغضي والكريم حليم وأنشدت ليحيى السرقسطي المعروف بالجزار في رجل ساوم طبيبا: عجبت لذي سقم معضل يسوم الطبيب ويكدي عليه يضن عليه بديناره ويجعل مهجته في يديه وأمر الحاجب ابن هود الوزير أبا الفضل بن حسداي أن يوبخ يحيى هذا على رجوعه إلى الجزارة من بعد أدبه، فخاطبه بأبيات أولها: تركت الشعر من ضعف الاصابه وعدت إلى الدناءة والقصابه فأجابه يحيى الجزار: تعيب علي مألوف القصابة ومن لم يدر قدر الشيء عابه ولو أحكمت منها بعض فن لما استبدلت منها بالحجابه أما ولو اطلعت علي يوما وحولي من بني كلب عصابه لهالك ما رأيت وقلت هذا هزبر صير الأوضام غابه فتكنا في بني العنزي فتكا أقر الذعر فيهم والمهابه ولم نقلع عن الثوري حتى مزجنا بالدم القاني لعابه ومن يغتر منهم بامتناع فإن إلى صوارمنا إيابه ويبرز واحد منا لألف فيغلبهم وتلك من الغرابه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 905 ومنها: وحقك ما تركت الشعر حتى رأيت البخل قد أمضى شهابه وحتى زرت نشتاقا حميما فأبدى لي التجهم والكآبه [250ب] وظن زيارتي لطلاب شيء فنافرني وغلظ لي حجابه ومن تك سهمه الماضي ويأمل بك الغرض الذي يهوى أصابه من الأوشال لج البحر طام وفيض البحر من نقط السحابه كتبت به الجسم نضوا وذو الأسقام قد يعدو صوابه وموقف حسن نقد الشعر صعب فيسر عند موقفه حسابه وأنشدت له من أبيات خاطب بها صاحب الأحكام بسرقسطة: خليلي ما أولى المكاوي وبأسها بيافوخ من يبتاع دارا مطبله وصبحني خصم ألد وإنني وحقك في أمر الخصام لذو بله أقل بنيات الخصوم تهدني وإن عن نظم الشعر طبقت مفصله ومالي من شيء أدافعه به سوى عسرة بكل حالي موكله ولي مقعد خمسون يوما مضت بما حوته يدي في قابضات مسهله فكن باسط الشورى بفضلك قاضيا علي ولي إن القضاء لمعدله ولم ألتزم مجهول وقت لوزنه وحسبك ذا رسمي بخط ابن حنظله وكان والده تقبل أرضا للأحباس فضاع، واجتمع عليه خراج الأرض، فكتب إلى العامل في ذلك: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 906 يا ابا جعفر لعا من عثار وغياثا فما يقر قراري سيدي اسمع لعبدك القن [يحيى] خبرا مضحكا من الأخبار كان لي والد وكان لعمري من بني العصر بالفلاحة دار ناقص الرأي تاجر البر والبح ر وناهيك فارس في التجار مثل ما سمي اللديغ سليما وأنا بعده على ذاك جار وكذا يسلك النجيب ويقفو نهج آبائه على آثار لو وردت البحار أطلب ماء جف قبل الورود ماء البحار أو لمست العود النضير بكفي لذوى بعد نضرة واخضرار [251أ] أو رمى بأسي النجوم الدراري لانزوى ضوءها عن الأبصار ولو أني بعت القناديل يوما أدغم الليل في ضياء النهار ومنها في كراء الأرض المذكورة: اكتراها ولم يكن مستخيرا وقت شؤم بطالع الإدبار جدبة بعضها من الشؤم أضحى في علو وبعضها في انحدار لم يزل زارعا بها حمل بغل رافعا منه نصف حمل حمار ساءني ما أصبت فيها ولكن سرني منه خيبة العشار ما أبالي وقد غدا لي ركنا صاحب الشرطة الكريم النجار وله من أبيات استهدى فيها مشروبا: هاتها كوثرية عسجدية بنت كرم رحيقة عطريه كلما شفها النحول تقوت فاعجبوا من ضعيفة وقويه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 907 رب خمارة سريت إليها والدجى في ثيابه الزنجيه وجيوش الصبا تحث ركابي وشياطينه تجدد نيه ثم ناديت ربة الدير قومي فتثنت كأنها حوريه تمسح النوم عن جفون أماق ببنان مخضب فضيه قلت هاتي التي بها يستمال ال شادن الصعب والنفوس الأبيه قأتتني بها تلألأ نورا في كؤوس كأنها عدنيه كم عقار بذلته بعقار وثياب صبغتها خمريه ودنان ثنائي السكر عنها مترع البطن فارغ السبنيه [ومنها] : هاك روضا من التأدب غضا بفصول غربية معنويه من شكور أهدى إليك ثناء حين لم يستطع سواه هديه فلتقارض عليه بماء لا تقل غدوة ولا في العشيه إن خير البيوع ما كان نقدا ليس ما كان آجلا بنسيه [251ب] ورفع بعض المستمنحين رقعة رديئة الخط واللفظ للوزير أبي عبد الله بن زرارة بسرقطة، فوقع على ظهرها: إن من يقصد الملوك ليعطى بمداد مسطر في كتاب دون نظم ولا براعة لفظ رائع حسنه دوي الألباب لحقيق بالمنع في كل وجه وجدير بالطرد في كل باب الجزء: 6 ¦ الصفحة: 908 ورفعت طائفة من الرعية على خازن المتنانية إلى المستعين بالله بن هود، فوقع لهم: نسبتم الظلم لعمالكم ونمتم عن قبح أعمالكم تالله لو حكمتم ساعة ما خطر العدل على بالكم وأنشدت للأديب أبي الطاهر محمد بن يوسف الاشكوري، منسوبا إلى قرية له بعمل سرقسطة: يا غصنا هزه نداه يمنعه الحلم أن يميدا لم يثن منك الشباب عطفا ولا استمال الفخار جيدا غرك من وصلنا غرام فنازع الوصل والصدودا كل معنى سواك أمسى صبا بغير العلا عميدا كم شرف في العلا [يفاع] أحرزته يافعا وليدا ومنطق في الندى جراز أرسلته ضامنا سديدا راع جلالا وجل قدرا وفات سبقا وبذ جودا [ومنها] : إن تلقه فالأنام طردا وإن غدا واحدا فريدا [يهز منك القريض عطفا والمدح يثني إليك جيدا] سوف أوفيه منك حظا يحفظه الدهر أن يبيدا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 909 وله من أخرى يخاطب رفيع الدولة بن صمادح: ألا مبلغ عني الرفيع تحية كما نبه الروض النسيم المخلق عدمت رسولا بالتحية نحوه فسار بها عني الهوى والتشوق ونازعني ذكراه شوق مبرح كما علل الشرب الرحيق المعتق [252أ] فيا ليت شعري هل يعرج خاطر علي وهل يجري بذكري منطق وإني لأخشى أن يسوغ كاشح وأحذر من كيد العداة وأشفق سواك لأسباب المودة قاطع وغيرك من تبلى لديه وتخلق وله يشكره على مبرة كانت منه لأحد بني الراضي يزيد بن المعتمد ابن عباد: إليك رفيع الملك تهدى المحامد وباسمك تبهى في الزمان المشاهد سلكت سبيلا في المكارم أولا ولك الفضل هاد تقتفيه وراشد وجردت دون المجد للجود صارما ولله حام عن حمى المجد ذائد وإنك للغيث الذي عم سيبه تساوى قصي في نداك وشاهد تغاير فيك المكرمات فكلما تبرعت عادت بالجزيل عوائد بدائع مجد أنطقت كل أوحد فإنك فذ في البرية واحد ولما رأيت الفتح روضة سؤدد ذوى يانع منها وجفت موارد وكم عذبت تلك الرياض مشارعا فعرج منتاب وخيم رائد سقاه ذنوب من نوالك سلسل وسح عليه من سحابك جائد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 910 فأضحى وعود العيش ريان مورق وغصن الصبا لدن المعاطف مائد وعاد عليه الدهر سلما وكم إذا يحاربه منه عدو معاند سلالة مجد صرم الدهر حبله فواصل منه الحبل أروع ماجد وبينكما للمجد قربى قريبة وحسبك قربى أن تطيب المحاتد أبوك ابن معن والمؤيد جده سما بكما جد همام ووالد لأجزلت برا واحتفلت كرامة فحياك مني شاكر لك حامد وإني زعيم والقوافي ضوامن بشكر تعاطيه الزمان القصائد فدمت على الأيام تزهو بك العلا وحظك موفور وجدك صاعد وله من قصيد طويل، خاطبه به من غرناطة وهو عابر سبيل، أوله: ألاهل أتى عني الرفيع سلام كمافض للمسك الذكي ختام [252ب] وهل زاره عني ثناء كأنما يخامر عطف الدهر منه مدام عليك سلام الله أما تشوقي فبرح وأما أدمعي فسجام عهدتك من ذكرى خليلك والندى كما هز يوم الروع منك حسام وإني لتثيبي إليك نوازع كما اعتاد صبا لوعة وغرام تصاحبني علياك في كل بلدة كأن اضطراري في البلاد مقام وترفع لي إما ضللت على السرى قباب لكم فوق السها وخيام محارب أقيال وأعلام سؤدد بهن على صدر الزمان أقاموا لذكرك ما حنت ركابي فشاقني حنين به تطوى الفلا وبغام فهن حوان كالقسي وإننا مسيرا وعزما في البلاد سهام أعللها أن الرفيع أمامها فتترك مرو الحزن وهو قتام فهل جاءنا أن الديار قصية وأن وراء خلفته أمام فقلت لها لما أضر بها الوجى وقد جذ منها غارب وسنام الجزء: 6 ¦ الصفحة: 911 إذا ما حططت الرحل بابن صمادح فإن السرى بسل عليك حرام ومن لركابي أن تنيخ بظله فيخلع منها مقود وزمام ومن لي بأني من ذراه بروضة يسح من نداه غمام فأرتع منها في معاطف سرحة تغني بها للمكرمات حمام وأسفر عن وجه من الود واضح كما حط عن وجه الصباح لثام مشارع ارخى الفضل فيها إزاره وضم العلا والمجد منه نظام سلام على تلك المحاسن كلما تردد ذكر في الورى وسلام وله يعارض أبا الفضل بن حسداي في قصيدته التي أولها: عهد للبنى تقاضته الأمانات بانت وما قضيت منها لبانات فقال أبو طاهر: وعد لعلوة أن تقضي لبانات ألوت بها يوم وشك البين علات] 253أ] لم ترضها منك أنفاس مقطعة حتى تقطع أطواق ولبات قالت وقد أبصرت من بينها جزعي لا تيأسن فإن الدهر حالات وفي سبيل الهوى والشوق ما صنعت روائع البين لا تحزنك روعات عوض رجاءك من يأس [ومن ترح] فلليالي وإن باعدن كرات بيني وبينك عهد سوف أحفظه وربما ضيعت يوما أمانات هاهنا انتهى ما أثبته ابن بسام رحمه الله في القسم الثالث من كتاب الذخيرة الجزء: 6 ¦ الصفحة: 912 ط د والمسالك: حولنا. 1. - د: وتطرب. 2. - د ط س: لم نجد - لم نلف. 3. - د ط: لمة أخواني؛ س: لبة إخواني. 4. - العماء: السحاب المرتفع. 5. - ط س: حبا. 6. - م: انهمرت؛ س: اهتزمت. 7. - بهذا العنوان تكون هذه الرسالة جزءاً من السابقة، ولكن عنوانها في ط د س: فصل في مثله. 8. - ط د س: فيه. 9. - ب م: وتنبعث. 10. - ط د س: كليلة. 11. - ط د س: ولا لهباً. 12. - ط د س: فصل في استهداء. 13. - ب م: المشبه. 14. - ط د س: يومنا قد ضربت. 15. - ب م: واعترضت. 16. - الديوان: إمارته. 17. - د ط س: ألف الجمع. 18. - ب م: ولا يدخل. 19. - بمجدك: سقطت من ط د. 20. - م: عتابك، وموضعها بياض في ط. 21. - الديوان: بالإضافة. 22. - ط د س: لبيت. 23. - ط د س: فصل في استدعاء. 24. - الديوان: حامله. 25. - ب م: وعميد. 26. - الديوان: المصائب. 27. - يبدو أن هذه بداية قطعة جديدة، وقد انفردت بها م ب، ولم ترد في الديوان. 28. - د ط س: والكمال أبو فلان وإن كرمت خلالخ -. الخ. 29. - د ط: ورد. 30. - د ط س: للمتوسلين. 31. - ب م: وإن فلاناً من أشرف -. الخ. 32. - ب م: تحدو به. 33. - من قول زهير: 34. - وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل 35. د ط س: دهره. 36. - ب م: صرفاً. 37. - الديوان: بشره. 38. - م: تثير؛ ب: تنير. 39. - بيت شعر للمتنبي، ديوانه: 449. 40. - م ب: ابدت. 41. - م ب: بدت. 42. - م ب: بالخلق. 43. - من حديث للرسول (ص) : وجدت الناس اخبر تقله (انظر التاج: قلا) والهاء في " تقله " للسكت، ولفظه لفظ الأمر ومنه الخبر أي من خبرهم أبغضهم وتركهم. 44. - ب م: يتبين. 45. - اختصر بالخاء المعجمة: مات فتياً غضاً؛ وفي النسخ والديوان: احتضر. 46. - م ب: الأعمال. 47. - د: الأحوال. 48. - البيتان في الحماسة البصرية 2: 143 لطارق بن نابي، وقد ورد الأول مع أبيات أخرى في الأغاني 5: 327 - 328 وفي مصادر أخرى، وتنسب لأعرابي، والشعر في ديوان ابن الدمينة: 202 - 203. 49. - د: القصر. 50. - م ب: وأطار. 51. - م ب: سكون أنام. 52. - ب م: قمر. 53. - د: ينشأ. 54. - م: الأنس. 55. - د: باكتمال السيادة والسعادة؛ م ب: بإكمال السيادة واكتمال السعادة. 56. - م ب: تقاصرهما. 57. - م ب: الجامع. 58. - د: خلوص الذهب النضار والدينار - الخ. 59. - م ب: مركب. 60. - جاء في د ط س موضع إن شاء الله: بمنه. 61. - هذا الفصل والذي يليه لم يردا في د ط س والديوان. 62. - م ب: إحسان. 63. - م ب: يد الأقدار. 64. - م ب: التهمه. 65. - م د ب: الدهر. 66. - هذا الفضل وما بعده (25 - 32) لم ترد في ط د س والديوان. 67. - لابن الرومي، ديوانه: 587، 586. 68. - البيت لدريد بن الصمة، الأصمعيات: 114. 69. - البيت للأعشى، ديوان: 46. 70. - كذا ورد غير تام. 71. - انفردت د فأوردت القصيدة كاملة كما هي في الديوان، غير أن اتفاق ط س مع النسختين ب م يدل على أن هذا من عمل الناسخ، ولذلك لم أثبت القصيدة حسبما جاءت في د. 72. - س: سردت. 73. - س: غدا. 74. - الديوان: السلامة. 75. - ط د س والديوان: من. 76. - س: وقع. 77. - م ب: نزاع. 78. - س: كبدي. 79. - م ب ط د س: بها. 80. - س: وضافني. 81. - س: يتوجع ويتفجع. 82. - ب: عرفت. 83. - ب م: يحث؛ س: يخب. 84. - س: السحاب، وخ بهامشها: الصباح. 85. - ب م ط د س: جنا بهم. 86. - الديوان: حجة. 87. - م ب ط د س: فمات. 88. - ط: نصاب؛ م ب: تصاب. 89. - ب م ط د س: بها. 90. - س: يزرني، وخ في الهامس: يردني. 91. - ط د: إليه. 92. - ب م ط د س: جاور. 93. - هو أبو أمية بن عصام (516) ، انظر ترجمته في القلائد: 203 ومعجم أصحاب الصدفي: 56 والمغرب 1: 258 والخريدة 3: 486 (ط. تونس) . 94. - ب م: ساقة. 95. - د ط س والديوان: كلما هاب. 96. - ب م: سمع؛ د: سجد. 97. - د ط والديوان: إلا صعيداً تيمما. 98. - ب م: لبدرها. 99. - ب م: بأمر هواه. 100. - س: غيابة. 101. - الديوان: لأطردت. 102. - ب م: تلهو. 103. - الديوان: ويسرج للتصابي مركب. 104. - الديوان: حيث التقى نفس الخزامى والصبا. 105. - الديوان: فكأنه والغيم ثوب أدكن. 106. - ط د س: السحاب. 107. - د ط س: رق. 108. - ب م: مد لحوضه. 109. - ب م: والنهار. 110. - ب م: إجلائه. 111. - م ب: شهدت. 112. - م: شراباً. 113. - لم يرد في س. 114. - د: جنبي. 115. - ب م: حياء. 116. - ب م: جفون. 117. - ب م: مخضر. 118. - انظر ديوان ابن حمديس: 89. 119. - م ب ط د س: أحدهما. 120. - م ط س: فتانة. 121. - ب م: فاطراً. 122. - ط د: فإن رمى. 123. - ط د س: الأنوار. 124. - الديوان: وجه به. 125. - ط: تسبيك. 126. - ط د س: تزندق. 127. - ب م: فيه. 128. - د: دائماً. 129. - ب م: ترى. 130. - م ب: حسناً. 131. - ط د: تيهاً. 132. - م ب: تذيب. 133. - م ب: المحب. 134. - ب م: نشر. 135. - الديوان: صغيرة. 136. - ب م: ألفت. 137. - الديوان: لامح. 138. - ب م: نسر. 139. - م ب: عن. 140. - ب م: وبعد. 141. - م: سيح. 142. - م ب: غيوماً. 143. - ب م: نغدو. 144. - ب م: فتية. 145. - ب م: سائح. 146. - م ب: يغري؛ وبهامش م: يجري. 147. - م ب: لسان. 148. - ديوان ابي تمام 3: 1234. 149. - الديوان: راجل. 150. - د ط: أطراف الرماح وقوضت. 151. - ديوان ابن المعتز 4: 90 وزهر الآداب: 430. 152. - الديوان: وجليل امعنى لطيف. 153. - الديوان: الفعال. 154. - الديوان: وكم عيش وحتف. 155. - ديوان ابن الرومي 1: 166 (1: 193 تحقيق د. نصار) وزهر الآداب: 432. 156. - الديوان: وسيف. 157. - وردت الأبيات في زهر الآداب: 433 والثلاثة الأولى في محاضرات الراغب 1: 133. 158. - زهر الآداب: 433. 159. - ب م: يرى بسيط. 160. - الديوان: سيادة. 161. - ب م: مستيقظاً. 162. - ب م: ويختق - إخناقاً؛ ط د س: ويخنق - إشفاقاً. 163. - ط د س: يقوم. 164. - ب م: بشأنه. 165. - س: رجع وقال ابن خفاجة. 166. - ط د: بجذب. 167. - ب م: العنان. 168. - ب م: وكأنهم. 169. - م ب: بالرياح؛ الديوان: ولا رسل إلا للرياح. 170. - م ب ط د س: من. 171. - الديوان: السهى. 172. - ط د: وباتا؛ س: وفاتا. 173. - م ب: نفس. 174. - ط د س والديوان: الدجى. 175. - م ب: جفن. 176. - م ب: ولذة لذتي. 177. - م ب: براحي. 178. - ط د س: فكم. 179. - م ب: وللنصب. 180. - س والديوان: يجني ورد خديه ناظري. 181. - ط د س والديوان: فمن لفمي. 182. - س والديوان: بعيشك هل تدري. 183. - ب م: فأشرق. 184. - ب م: الليل. 185. - ط: تراني. 186. - م ب: مما هو. 187. - ب م: فما كان طيري. 188. - م: أضلعي. 189. - الديوان: مسكة. 190. - ط د س: ما تعيد وما تبدي. 191. - الديوان: الراح. 192. - م ب: وشي ملبس؛ ط د: ثني برده. 193. - ط د: وألثم منه. 194. - م ب: كفي. 195. - م ب: زند؛ ط د س والديوان: رند. 196. - ط د س: طيف تأوبني مع الإسراء. 197. - ط د س: فلثمت في ظلماء ليل ضفيرة ... شغفاً بها من وجنة حمراء وفي د: زهراء. 198. - م ب: حسبنا. 199. - م ب: حد. 200. - ط: المزاج. 201. - م ب: على الهزل. 202. - د ط: السحاب. 203. - ط د س: لبعض. 204. - ط د س: الزمان. 205. - م ب: ومقال. 206. - ط د س: واشفع؛ ب م: لمنصرف. 207. - م ب: رفعت. 208. - هو أبو بكر بن إبراهيم المعروف بابن تيفلويت ممدوح ابن باجة، ولي غرناطة سنة 499 فوصلها في ربيع الأول من العام التالي، وفي رجب غادرها، ثم ولي سرقسطة سنة 509 وتوفي في السنة التالية (انظر ترجمته في الإحاطة 1: 312 - 417 وصفحات متفرقة من البيان المغرب ج -: 4) 209. - م ب: لطيف. 210. - م ب: أحسن. 211. - م ب: دلال. 212. - م ب: سائل. 213. - ط د: لمحة. 214. - ط: غلبوا. 215. - ط د: أسداً وأطواداً. 216. - ب م: يعذار. 217. - ط وهامش د: بوشيعة. 218. - م ب: الشوط. 219. - د ط س والديوان: ترميك. 220. - ط د س: شواته. 221. - ب م: هلال سار. 222. - الديوان: بسطه يهوي؛ س: بهوى. 223. - د: رائقاً، والحاشية: رابعاً؛ م: رايعاً. 224. - الديوان: نفحة. 225. - م ب: وكأنها. 226. - ب م ط د: طلا. 227. - د ط: قام. 228. - الديوان: مترفاً. 229. - الديوان: طرف؛ ب م: وخز. 230. - الديوان: لغلة. 231. - ط د: للعدا. 232. - م ب ط د س: والأنداء. 233. - ط د س: سماحة وفصاحة. 234. - كان أبو محمد بن عامر صديقاً لابن خفاجة وكان مراعياً له فيما يختص بضيعته ببلنسية (الديوان: 48) . 235. - ب م س: الخط. 236. - م: وكأنها. 237. - الديوان: الأذمة. 238. - ب م: كتهتهما. 239. - زيادة من س وحدها. 240. - ب م ط: فلقد. 241. - ب م: منظري؛ وبهامش د والديوان: نظرتي. 242. - ط: أنسيت. 243. - ب م: أنشأت. 244. - ط س والديوان: أنشأته من عتبه؛ د: آنسته من عتبه. 245. - ب م: عجاجة. 246. - ط: فلو. 247. - الديوان: هبته بلية؛ د ط س: هبوته بلبة. 248. - الديوان، ط وهامش د: ببعض. 249. - الديوان: فهل ساء دعداً أن. 250. - بعد هذا البيت كتب في ب م " ومنها ". 251. - د ط س: حميت. 252. - م: وكابرت. 253. - الديوان: ونصل. 254. - في ط د بعد هذا البيت: " ومنها "، ولا حذف هنالك، قارن بالديوان. 255. - الديوان: كالئ. 256. - ط د س والديوان: تؤاخي. 257. - د ط س: السماحة. 258. - د ط س: المجد. 259. - ب م: النوى. 260. - ط د س: أطراف. 261. - ب م: الكثيب. 262. - الديوان: والدوح رطب المهز لدن؛ قد رف ريا. 263. - الديوان: فهذه. 264. - ب م: نفسه. 265. - د ط س: شعراً وثغراً. 266. - ب م: نابت. 267. - الديوان: ونوراء. 268. - ب م: الليل. 269. - ب م: لأعطاف. 270. - الديوان: تقلصت. 271. - الديوان: الشباب. 272. - م: هو الطرف. 273. - م ب: الهم والدمع. 274. - د ط س والديوان: ففي. 275. - د ط س: وقلت. 276. - الديوان: فيصرح. 277. - م ب: للغريب. 278. - م ب: فها أنا ألقى. 279. - ب م: فتنضح؛ ط د س: مزادة من الدمع تندى حيث مرت وتنضح. 280. - ب م: حملتها. 281. - ب م: بالأمس. 282. - الديوان: أظلني. 283. - الديوان: وأعزز. 284. - ط د: والعلا. 285. - ط د س: وأحفى. 286. - من هنا آخر الترجمة سقط من ط د س، سوى عبارة: " ومحاسن الخفاجي كثيرة - الغاية ". 287. - الديوان: فكأن. 288. - الديوان: جانحة. 289. - ب م: راضياً. 290. - م: أعطافها. 291. - ب م: المجد. 292. - الديوان: كليل. 293. - م ب: يندى لها ورداً أسرة وجهه. 294. - الديوان: لعرار. 295. - ب م: أفرده. 296. - ب م: بكفيه. 297. - ب م: مهجته. 298. - ب م: حين. 299. - م: حين. 300. - ب م: أماله. 301. - الديوان: أعطافها. 302. - الديوان: وراقص. 303. - م ب: حيى - بها. 304. - الديوان: كيف -. كيف. 305. - الديوان: واضح. 306. - الديوان: لفحة. 307. - ب م: نجوماً حسنها. 308. - الديوان: جملت. 309. - ب م: تمشيت. 310. - م ب: نفحة. 311. - م ب: يذكو أوار. 312. - م ب: جاءها. 313. - م ب: خر. 314. - م ب: خضب. 315. - م ب: جسداً -. حسداً. 316. - م ب: العين. 317. - م ب: فقبضت. 318. - ب م: تمسح. 319. - م: تبر. 320. - الديوان: فكأن. 321. - ب م: حمرة. 322. - م ب: به. 323. - الديوان: يسح. 324. - ب م: يراح. 325. - ب م: برد. 326. - ب م: وبلاغة. 327. - الديوان: أخدع. 328. - هو ابن باجة الفيلسوف. 329. - الأبيات ف القلائد: 304 والمغرب 2: 119. 330. - ب م: منه. 331. - ب م: ومدار. 332. - الديوان: والشيم. 333. - القافية في الديوان: عذار، لعرار، نار. 334. - ب م: حليتهاز 335. - الديوان: وتعبث. 336. - الديوان: فكأنما. 337. - م ب: فبات بها ضيفاً وناهيك مربعا. 338. - الديوان: واشوقي. 339. - الديوان: والجو. 340. - ب م مراد. 341. - الديوان: الظلماء. 342. - الديوان: ولا غير الحسام. 343. - الديوان: باست. 344. - ب م: فرفعتها. 345. - الديوان: فخلخله. 346. - الديوان: أبرق. 347. - ب م: فضة. 348. - الديوان: نقط من النجم. 349. - م ب: صدر. 350. - ب م: رقيق. 351. - الديوان: نصل. 352. - الديوان: آل. 353. - م ب: جيش. 354. - م ب: به. 355. - ب م: نسج - غمامة. 356. - ب م: الحمام. 357. - ب م: نشرتهاز 358. - الديوان: به لنا. 359. - ب م: قصيد. 360. - ب م: بخيل. 361. - ب م: سقاها. 362. - الديوان: درع. 363. - الديوان: المزن. 364. - ب م: شباب. 365. - الديوان: فيرتمي. 366. - ب م: أطلقت. 367. - الديوان: فانصاع. 368. - ب م: وأدم. 369. - ب م: النار. 370. - الديوان: جرى. 371. - الديوان: فيه. 372. - ب م: طلبته. 373. - ب م: الصبح. 374. - الديوان: السلافة. 375. - الديوان: مصندلاً. 376. - سيترجم له ابن بسام في ما يلي من هذا القسم. 377. - ب م: بمواقع. 378. - الديوان: ألماً. 379. - الديوان: فكفاك. 380. - ب م: بساطه. 381. - ب م: وغدير. 382. - الديوان: الشعرى. 383. - ب م: الطبيب. 384. - الديوان: عنك. 385. - الديوان: بين. 386. - ب م: رفعة. 387. - ب م: يسر. 388. - الديوان: عشر. 389. - ب م: في. 390. - الديوان: طليق. 391. - الديوان: نفح. 392. - ب م: بالخيف. 393. - الديوان: قضوا. 394. - ب م: به ابنه. 395. - اللبلية: المنسوبة إلى مدينة لبلة (Niebla) وفي الديوان والمسالك: الليلية. 396. - ب م: لفظة - لحظة. 397. - الديوان: نهج. 398. - الديوان: مجيباً. 399. - م ب: السائل. 400. - ب م: وولى. 401. - م ب: ابتهل. 402. - الديوان: الوعي. 403. - هذه جملة ختامية، ولا أدري كيف استمرت الترجمة بعد ذلك، ومما يبعث على الظن بأن ما سيجيء إنما هو من زيادات بعض المعلقين أو النساخ ذلك الاتفاق مع قلائد العقيان نصاً. 404. - القلائد: نام فرأى. 405. - القلائد: ثم استيقظ وهو يقول. 406. - يعني عبد الجليل بن وهبون وقد ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة. 407. - م ب: بلبيط؛ القلائد: يلبط؛ ولييط او ألييط (Aledo) حصن يقع بين لورقة ومرسية، وهو الذي أطال حصاره يوسف بن تاشفين في جوازه الثاني فأعجزه، وكان ذلك من أسباب حنقه على ملوك الطوائف، انظر الحلل الموشية: 49 وما بعدها. 408. - زيادة من القلائد. 409. - ب م: اغتراراً. 410. - كتب بها الشاعر إلى الفتح بن خاقان يعاتبه لأنه بلغه أن الفتح ذكره في كتابه بقبيح ووصف أيام فتوته بشيء من التنديد. 411. - الديوان: الأريب. 412. - الديوان: عليك. 413. - ب م: واصفح وذكرك؛ القلائد: وذكرك. 414. - هذه الأبيات لم ترد في الديوان أو القلائد. 415. - قد مضت الأبيات ص: 618 وهذا التكرار متابع للقلائد. 416. - القلائد: 235 وهي موجهة إلى الفتح. 417. - القلائد: وفاني تحية. 418. - القلائد: تتمنى. 419. - القلائد: للزمت. 420. - ب م: راح فضل؛ الديوان: سؤر. 421. - الديوان: الشباب تناولته. 422. - الديوان: تغامز. 423. - ب م والقلائد: تجذبك، الديوان: تتجاذبك. 424. - ب م. وتنتهي تلك. 425. - ب م: ويخفق. 426. - القلائد: مجد. 427. - القلائد والديوان: اتساع. 428. - ب م: منية. 429. - ب م كسرا. 430. - ترجمته في المغرب 2: 36 وهو ينقل عن المسهب حيث ذكر أن أبا حاتم كان متلقبا بين شاعر وخطيب وطبيب وجندي؛ وانظر المسالك 11: 277 ونفح الطيب 3: 417. 431. - الطولوق: وضع في Vocabulisto: مقابل " طولقة " اللفظتين اللاتينيتين Invercundia) Vituperare) وقال في تفسير الثانية منهما (ص 439) : وقيح، وقاح، مطولق؛ والمعنى الأصلي للفظتين يوحي بعدم الاكتراث فيما يتصل بالسلوك العام، وربما كان في ذلك إشارة إلى الشعوذة والمناداة على العقاقير، أو تشهير النفس بالجلوس على دكة. والحنبل: نوع من البسط أو الحصر تطرح على مقعد أو على دكة (انظر ملحق دوزي) وقال ابن هشام في لحن العامة: ويقولون (أي عامة المغرب) لبعض البسط حنبل - ووردت اللفظة في الزجل رقم: 137 من ديوان ابن قزمان (انظر مجلة معهد المخطوطات 3: 155) وانظر Vocabulisto: 90 حيث وضع مقابلها لفظة Tapet. 432. - ط د س: يتكلم. 433. - البيت للمعري، شروح السقط: 922. 434. - غافث: نبات يخرج قضيبا واحدا أسود صلبا وعليه ورق متفرق مشرف، وقال ابن البيطار: قد كثر الاختلاف في هذا النبات بين الأطباء شرقا وغربا - وأهل أطباء شرق الأندلس يسمونه الزيمنده بعجمية الأندلس؛ أما الانجدان فهو ورق شجرة الحلتيت، والحلتيت صمغه ومنه نوعان أبيض ويسمى السرخسي، وأسود منتن يخلط مع بعض الأدوية. 435. - ط د س: بطن كفي. 436. - ط د س: إذ أجراه على الانتساب. 437. - ط د س: في تصنيف هذا التأليف. 438. - ط د س: ونظرت - لم. 439. - ط د س: يتشبث. 440. - ب م: يتحلى - ينشرها. 441. - ط د س: إبداعه للعشر. 442. - ب م: وقدم من. 443. - ط د س: على قدم - بتلك. 444. - ط س: ربما شحذ. 445. - ط د س: تقييد. 446. - ب م: علي من حينه. 447. - الأبيات في المغرب 2: 36. 448. - ب م: مطلق. 449. - ط د س: العتاد سائغة؛ المغرب: جامعة. 450. - المغرب: تجود بها. 451. - ط د س: القلنسوة، ويلبسها الفقيه في الأندلس إذا بلغ مرحلة الفتوى، ويبدو أن أبا الأصبغ المتطيب كان يحاكي بعض الفقهاء متندرا فيضحك من حوله. 452. - ط د س: الآخر. 453. - ط د س: من. 454. - أخبار سعيد وفضل الشاعرة في الأغاني 18: 89، 19: 257 وطبقات المعتز: 426. 455. - د ط: سيتبعه. 456. - ديوان العباس: 33. 457. - الديوان: إن دام - ولا دام. 458. - ط د س: لبارق. 459. - ب م: ماجدا. 460. - د ط س: يرمى. 461. - ب م: والصباح. 462. - أبو عبد الله محمد بن علي بن حمدين (439 - 508) ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 490 وكان من أهل الجزالة والصرامة، ولم يزل على القضاء إلى أن توفي (انظر الصلة: 539 وبغية الملتمس رقم: 230 وقلائد العقيان: 192 وأزهار الرياض 3: 95) . 463. - منها بيتان في المسالك. 464. - ط د س: كيومك. 465. - د ط س: حر. 466. - أورد منها في المسالك أربعة أبيات. 467. - ب م: شمل سملنه؛ د ط: شمل شملتنا؛ س: شمل شملته. 468. - ب م والمسالك: جمات. 469. - ومن شعره في الرثاء، وقع هذا عنوانا كبيرا في ط د س، وأدرجت تحته مرثية في ابن أدهم ومرثية في ابن عبد الصمد، وبذلك تنتهي الترجمة؛ ولهذا تقع قصيدته في مدح ابن أبي سابقة لباب الرثاء في تلك النسخ. 470. - ط د س: مقورة. 471. - ط د س: زائل. 472. - ط د س: قطعت. 473. - ط د س: حشابه الضير. 474. - ط د س: لأيام. 475. - ب م: دمع سال. 476. - ط د س: مالي. 477. - أورد العمري منها 4 أبيات في المسالك. 478. - ترجمته في بغية الملتمس رقم 213 والقلائد 2: 252 والمغرب 2: 409 - 416 والمعجب: 208 - 224 والتكملة: 410 والخريدة 2: 107 - 147 (ط. تونس) والمطرب: 178 والوافي بالوفيات 4: 297 والفوات 4: 27 (ط. بيروت) والزركشي: 306 والمسالك 11: 270 وصفحات متفرقة من نفح الطيب و Hist. Abbadid. جمع دوزي، وله موشحات في دار الطراز وجيش التوشيح: 59 - 72؛ وقد ذكر ابن الأبار في التكملة أنه توفي بميورقة سنة 507 ودفن أبي العرب الصقلي، وعد مؤلفاته: مناقل الفتنة وكتاب نظم السلوك في وعظ الملوك وكتاب سقيط الدرر ولقيط الزهر. 479. - المغرب: منمق. 480. - ط د س: مدة. 481. - ط د س: الطوائف بأفقنا. 482. - ط د س: آخرا. 483. - ب م: المضطرب. 484. - قتيبة بن مسلم الذي فتح ما وراء النهر ثم قتلته تميم عندما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة سنة 97؛ أما عتيبة فلعله بن الحارث بن شهاب فارس بني يربوع؛ وما بين أقواس هو نص القلائد. 485. - وردت الأبيات في المغرب المسالك. 486. - انظر المغرب 2: 409 - 410. 487. - ورد البيتان في المغرب والمعجب. 488. - انظر المغرب. 489. - ط د س: وله. 490. - من هذه القصيدة ستة أبيات في المغرب وبيتان في النفح 4: 156. 491. - ب م: جدب. 492. - ط د س: فيهم. 493. - ط د س: أنهم بهم ركب. 494. - ط د س: فمالوا. 495. - مسليمة: نسبة إلى جد الأفطس عبد الله بن مسلمة. 496. - ط د س: وفهت. 497. - بعد هذا البيت في ط د س: يقول فيها، مع حذف البيت الثاني. 498. - ط د س: حباكا. 499. - ط د س: وحوى. 500. - ب م: من. 501. - ط د س: ولاء المتوكل ببطليوس. 502. - البيتان في الخريدة والبغية. 503. - انظر نفح الطيب 4: 9 حيث ورد البيتان منسوبين للنحلي البطليوسي. 504. - ب م: بمرسية. 505. - ط د س: من قصيدة أولها. 506. - ورد بعض أبياتها في المغرب والمسلك والخريدة. 507. - المغرب: إن لم يكن منك بحر. 508. - ط: مسماها. 509. - ظنه من أبيات للخليل كتبها إلى سلمان بن علي (أو سليمان بن حبيب) حين أرسل إليه يستدعيه لتأديب أولاده، وهي تتردد في مصادر كثيرة، انظر مثلا أخبار النحويين البصريين: 31 وابن خلكان 2: 246 وإنباه الرواة 1: 344؛ وفي اللسان (طبخ، دندن) أن البيت لحسان بن ثابت، وهو من قصيدة في ديوانه 1: 314 وروايته " لا طباخ لهم ". 510. - الدندن: ما بلي واسود من النبات والشجر. 511. - ديوان أبي تمام 3: 77. 512. - ديوان أبي تمام 1: 364. 513. - الديوان: مركز. 514. - يعني عبد الملك بن إدريس الجزيري، وبيته هذا من قصيدة له في الآداب والسنة كتب بها إلى بنيه وهو مسجون (انظر الجذوة: 262) . 515. - شروح السقط: 1092. 516. - السقط: يزين. 517. - وردت منها أبيات ستة في المسالك. 518. - ب م: أوت. 519. - قبل هذا البيت في د ط: ومنها. 520. - ب م: ولم. 521. - ط د س: نعماهم. 522. - ديوان المتنبي: 174 من قصيدته في مدح أبي أيوب أحمد بن عمران. 523. - ب م: الشمس. 524. - ديوان المتنبي: 323. 525. - ط د س: ناظره. 526. - يعني غزوة الزلاقة. 527. - ط د: المتقدم. 528. - ط: المذكور. 529. - ورد هذا البيت في المغرب. 530. - د: يبتعث. 531. - ط: بأرض. 532. - انظر البيت في المغرب 2: 411. 533. - ديوان أبي العتاهية: 568. 534. - د: حالي. 535. - ديوان ابن زيدون: 273 وفيه " وأين جواب ". 536. - حالا: منصوبة بفعل " شكوت " في بيت سابق؛ والشهم: الطائر الشهم الفؤاد. 537. - ط د: من. 538. - ب: شعدي؛ م: شعري. 539. - ط د س: نوال. 540. - د ط س: الندى. 541. - سقط هذا البيت في د ط س وجاء في موضعه: ومنها. 542. - ط د: ربعت. 543. - ط د س: أريت. 544. - ط س: يسايرني. 545. - ط د: يدرى. 546. - من هنا يتفق النص مع القلائد: 249، ولم يرد في د ط س. 547. - القلائد: يستسرحه. 548. - انظر القلائد والمغرب 2: 413. 549. - القلائد والمغرب والخريدة: 134. 550. - المغرب: بدوراً. 551. - ب م: الحديد، والتصويب عن القلائد والمغرب. 552. - القلائد: 249 - 250. 553. - كذا هي أيضا في القلائد ولعل الصواب: بلوى. 554. - ب م: سري. 555. - ب: يداعبني. 556. - القلائد: 251. 557. - ب: بخروجه. 558. - صدر البيت للعرجي، وعجزه " ليوم كريهة وسداد ثغر ". 559. - ب م: العلماء. 560. - ب م: أخافتني. 561. - انظر القلائد: 24 والنفح 4: 274. 562. - القلائد والنفح: الدهر. 563. - هذه القصيدة في مدح مبشر صاحب ميورقة، وهذا يدل على أن الاقتباس من القلائد قد فصل بين نصين متصلين في الذخيرة، راجع قصيدته السابقة " خلعت عذاري في عذار على خد أما هذه القصيدة النونية فقد وردت منها أبيات في المغرب والمسالك. 564. - ط: زيادة. 565. - البيت لابن الرومي كما في التمثيل والمحاضرة: 301. 566. - ب م: العقائد؛ ط د س: المغافر. 567. - ط: تبن. 568. - ط د س: أصعب. 569. - ب م: الصفاح. 570. - ط د: حاكها. 571. - د ط س: قصيدة من مصر لبعض أهل العصر أولها؛ ولم ترد هذه القصيدة في د ط س. مالك وعقيل نديما جذيمة الأبرش، وكان يضرب بهما المثل في التلازم، وقد ذكرتهما الشعراء كثيرا، فمن ذلك قول أبي خراش الهذلي: ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل 582. لم يجيء جواب " إذا " في ما يلي من أبيات. 583. - وردت بعض أبيات منها في المغرب والمسالك. 584. - د: وافتك. 585. - ط د س: الطلاقة. 586. - ط د س: نوره. 587. - ب م: تعويل. 588. - ب م: بتحويل. 589. - ب م: قدح. 590. - ب م: مع. 591. - ب م: والشمس. 592. - ب م: عذبت. 593. - ط د س: يعبها أو تعبه. 594. - زاد في ط س: المذكور. 595. - وردت أبيات منها في القطعة التي قدرت أنها دخيلة من القلائد، ص: 683، 686 وهذا مثال على مقدار الخلط الذي اعتمد في المزج بين الكتابين: القلائد والذخيرة. 596. - س: حلة منك محبوكة - بالغير؛ ط: محجوبة. 597. - هنا تنتهي ترجمة ابن اللبانة في د ط س. 598. - راجع القلائد: 247 والمغرب والخريدة والفوات والوافي والمعجب: 214 وواضح أنها ليست نقلا عن القلائد. 599. - المعجب والقلائد والخريدة: يعض. 600. - المعجب والقلائد: لا يستبين. 601. - القلائد: تردي كما تردي. 602. - المعجب: أهداب. 603. - انظرها في مسالك الأبصار. 604. - البيتان في المسالك، وهما من قصيدة طويلة في القلائد: 29 يتفجع فيها على زوال مجد ابن عباد. 605. - البيتان في المسالك. 606. - ب م: سمعت. 607. - كتاب المعاني: 348. 608. - ب م: وإليك القطع ما (م: من) أونه. 609. - انظر القلائد: 258. 610. - القلائد: برقعة. 611. - القلائد: قريضك. 612. - القلائد: الأنام. 613. - انظرهما في الخريدة والبغية. 614. - ورد بعض أبياتها في الخريدة والمسالك. 615. - الخريدة: فتاح. 616. - الخريدة: ذكره عهد الصبا. 617. - ب م: البرح، وأثبت ما في الخريدة. 618. - ب م: خمره؛ والتصويب عن الخريدة. 619. - المسالك: الرياح. 620. - ب م: العرى. 621. - انظر الأبيات في مسالك الأبصار. 622. - ب: بنفثته؛ ب م: يغشى لنفثته. 623. - هذه القطعة من القلائد، وأعدها دخيلة على نص الذخيرة؛ وانظر المغرب والمسالك والخريدة. 624. - انظر ترجمته في المغرب 2: 322 والمسالك 11: 449. 625. - وردت هذه القطعة في المغرب. 626. - ط د: فحادني. 627. - ب م: وصلت مستهلا بناري. 628. - ط د س: له أيضا، وانظر المغرب والمسالك. 629. - في النسخ: ملاءة؛ المغرب: وطيبه. 630. - أبو عامر أحمد بن غرسية، قال فيه صاحب المسهب: " من عجائب دهره، وغرائب عصره، وهو من أبناء نصارى البشكنس، سبي صغيرا وأدبه مجاهد مولاه ملك الجزر ودانية (المغرب 2: 406) . 631. - ب م: الجزار، وكذلك في المغرب (2: 407) وترجم ابن الابار لابنه في التكملة: 423 وسماه محمد بن احمد بن محمد الأنصاري الأوسي من أهل سرقسطة وسكن بلنسية يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن الخراز، وكان أديبا شاعرا راوية مكثر الخط. ثم قال: وكان أبوه أبو جعفر (احمد بن محمد) أيضا شاعرا وهو الذي خاطبه أبو عامر بن غرسية بالرسالة المشهورة. وفي نص الاسكوريال الذي اعتمده الأستاذ عبد السلام هارون في نشر رسالة ابن غرسية والردود عليها ورد اسمه " ابن الحداد " (انظر نوادر المخطوطات 1: 234 - 235) هذا وقد جاءت الرسالة في ط د س مختلفة كثيرا عما هي في ب م بين حذف وتقديم وتأخير. وقد ترجم الأستاذ جيمس منرو هذه الرسالة والردود عليها في كتاب بعنوان The Shuubiyya in Andalus، (كاليفورنيا 1970) . 632. - ط د: خطله. 633. - لقد تبين لي أن ابن بسام لم يورد الرسالة كاملة، وبعض الردود عليها تشير إلى أمور قد حذفت منها، ولهذا أبحت لنفسي تكملة ما ينقصها. 634. - أرش اليمن: إقليم في شرق الأندلس أنزل الأمويون في بني سراج القضاعيين وجعلوا إليهم حراسة ما يليهم من البحر وحفظ الساحل، فكان ما ضمنوا حفظه يسمى أرش اليمن (أي عطيتهم ونحلتهم) وكانت بجانة أبرز قرى الإقليم (الروض المعطار: 37) . 635. - ب م: الذكور. 636. - الشعرة: الشعراء. 637. - ط: أجاءوك. 638. - ط د س: لا. 639. - ط د س: الخصان. 640. - زيادة من ط د لم ترد في س. 641. - ط د س: بجوف. 642. - ط د س: بقطع. 643. - تبالة: في تهامة بينها وبين بيشة يوم واحد، وفيها ضرب المثل " أهون من تبالة على الحجاج " لأنه حين ولي عليها، ووجد الأكمة تحجبها، احتقر ذلك وكر راجعا. 644. - هارون: البجيل. 645. - ط د: أحسبك أن دريت وما دريت - الخ؛ س: أبأرباب الملوك ازدريت وعلى وعندي الجيل أزريت وما دريت بهذا أحسبك أرديت وما دريت. 646. - هارون: وشقورة الخرصان. 647. - أي أن فيهم صقورة الخرسان، وهم الصقالبة ومن حرس القصر وكانوا يلقبون الخرس، وإنما يظهرون فصاحتهم بالخرصان أي الرماح. 648. - المجاد: المضاهاة بالمجد. 649. - الأفاني: نبتة غبراء لها زهرة حمراء مجتمع ورقها كالكبة. 650. - الهيل: صب الطعام دون كيل، وإذا كان القوم يهيلون فمعنى ذلك أنهم لا يلجأون إلى الكيل؛ والتكايل: التوازي والتنافس في الكيل، وإذا تم لم تعد حاجة إلى التهايل، يقول: إذا نحونا نحو الدقة فلا مجال لتجاوزها. 651. - العرود: جمع عرد، وهو الذكر الصلب. 652. - البيت لأبي العلاء المعري، شروح السقط: 141. 653. - الهدان: الثقيل في الحرب. 654. - ذمرة: جمع ذامر، وهو من يحضض الناس على القتال. 655. - البيت لأبي تمام، ديوانه 3: 136 وروايته: مسترسلين. 656. - القدمة: الإقدام. 657. - البيت لأبي العلاء المعري، شروح السقط: 140 وروايته يا ابن الألى؛ والعكر: القطعة من الإبل. 658. - صواحب الرايات: البغايا في الجاهلية، لأنهن كن يرفعن فوق بيوتهن رايات يميزنها بها. 659. - في النسخ: الآيات؛ والاياة هنا بمعنى الحسن. 660. - ط د س: من الأقيال جررة الأذيال. 661. - ط د س: اضطروكم. 662. - السكنات: جمع سكنة وهي مقر الرأس من العنق؛ العفا: الجحش؛ والبيت لأبي الطمحان القيني حنظلة بن الشرقي (اللسان: سكن، عفا) . 663. - هارون: الكلب؛ والكوب: الكوز، ولعل صوابه " الكحوب " أي الأدبار. 664. - النفير: الخفوف إلى الحرب؛ النقير: الوعاء الذي يتخذ فيه النبيذ، يريد به هنا النبيذ نفسه، أو هي صيغة مناسبة للفظة " نفير " يعني بها النقر الموسيقي؛ والمعنى أنهم يفضلون إجابة الداعي إلى الحرب على اللذات. 665. - الخب: ضرب من السير؛ وفي ب م: عن الخب، وكذلك عند هارون، ولا أراه صوابا. 666. - الشليل: الدرع؛ السليل: لحم المتن أو السنام. 667. - طباتهم: جمع طبة وهي الشقة الطويلة من الثوب؛ وعند هارون: طياتهم. 668. - هارون: وغلاتهم. 669. - أقتال: أشباه، والمفرد: قتل، وهو القرن في الحرب. 670. - البيت للحطيئة، ديوانه: 140، وروايته: أولئك قوم، وإن عاهدوا أوفوا. 671. - الأكر: الحفر. 672. - الجلة: البعر. 673. - ندس: جمع ندس وهو الفطن. 674. - البت: الطيلسان من خز ونحوه، وهذا من قول الراجز: من يك ذا بت فهذا بي ... مقيظ مصيف مشتي تخذته من نعجات ست ... 675. المسل: جمع مسيل، وهو الجريد الرطب. 676. - لقاح: لا يدينون للملوك. 677. - هارون: منهم. 678. - زيادة من س وحدها. 679. - الهبيد: حب الحنظل. 680. - المكون: بيض الضب. 681. - الكشى: جمع كشية، وهي شحمة بطن الضب؛ وهذه زيادة من س وحدها. 682. - الشنان: القرب الصغيرة الخلق؛ ولا يقعقع له بالشنان: مثل، أي هو لا يخدع ولا يروع، وأصله من تحريك الجلد اليابس للبعير ليفزع. 683. - ط د س: يزعزع، وعله يدعدع، أي يقال دع دع وهو صوت النعيق بالغنم أو زجرها؛ وعند هارون: ولا يوعوع لهم النشآن. 684. - الشان: الشانئ أي المبغض. 685. - زيادة من س وحدها. 686. - صدر بيت لأمية أبي الصلت (ديوانه: 459) وعجزه: شيبا بماء فعادا بعد أبوالا. 687. - البيت للمتنبي، ديوانه: 403. 688. - الاسترلوميقى: (Astronomy) علم الفلك؛ الجومطريقى: (Geometry) الهندسة؛ الارتماطيقى (Arithmetic) : الحساب؛ أنولوطيقا: (Analytics) تحليل القياس؛ الفوطيقا أو البوطيقا (Poetics) : الشعر. وفي ط د س: الاسترلوقيقا، الجومطيقا، الموطيقا. 689. - الفدنة: الضخمة، شبهها القصر وهو افدن. 690. - نائلة وإساف فجرا في العة فمسخا حجرين، انظر كتاب الاصنام والسيرة ومعجم البلدان. 691. - أبو غيشان: باع مفاتح الكعة من قصي بزق خمر. 692. - عمل أبو رغال دليلا لابرهة عند أراد غزو مكة. 693. - ط د س: فعلي فري. 694. - ناظر إلى قول المتنبي: فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال 695. المسك: الجلد، والعزال أي العزالي وهي القرب. 696. - وردا غير منسوبين في مروج الذهب 4: 119. 697. - المروج: من هاشم. 698. - البيت للحطيئة، ديوانه: 98 وفيه: لكم حسباً. 699. - ط د س: المديح لهذا. 700. - ط د س: ذي الرياسة - والنفاسة -.. 701. - ب: خذ. 702. - هارون: من البسيط والديد ما تستجير - الشديد. 703. - زاد عدها عند هارون: ولات حين مندم. 704. - الذنوب: الدلو. 705. - اكرب: الحبل الذي يشد على عراقي الدلو. 706. - ط د س: تتتبع. 707. - الأبيات للمعري، شروح السقط: 1144 وما بعدها، من قصيدة مطلعها: تعلم يا صريع البين بشرى ... أتت من مستقل مستقيل وقد ذكر ابن خلكان (3: 384) أنه خاطب بها صريع الدلاء علي بن عبد الواحد البغدادي، وكان طلب من المعري شراباً فسير له قليل نفقة، واعتذر بهذه الأبيات. 708. - شروح السقط: أتم. 709. - الصغا: الميل. 710. - ط د س: فرد عليه أبو جعفر برقعة قال فيها. 711. - ط د س: سمحت. 712. - العقال: الحبل يعقل به البعير؛ وفي س: لاعتقالك. 713. - ب م: الرصف. 714. - الشبر: الجماع. 715. - المعلب: الصلب الغليظ؛ المغلب: الغليظ أيضاً؛ وعند هارون: المعلف امغلف: بمعنى المسمن ذو الغلفة؛ ولو قرئت اللفظة الثانية " المقلف " لكان أصوب، وهو الذي نزعت قلفته. 716. - ط د س: خلوص. 717. - ط د س: نماة. 718. - ب م: القصعة. 719. - ط د س: ربات؛ ب م ط د س: الآيات. 720. - الاموان: جمع أمة. 721. - ب م: رجع الحديث إلى ابن إسحاق. 722. - في النسخ: صبر بصر، ورددته ليتفق مع ما ورد في رسالة ابن غرسية. 723. - ط د: السعير. 724. - ط د س: لوك. 725. - ط د س: مليككم. 726. - ط د س: محكم. 727. - ط د: ببضعك. 728. - ب م: حوكهم. 729. - في النسخ: الآيات. 730. - البيت للنابغة الذبياني، ديوانه: 82 وروايته: خلف العضاريط من عوذى ومن عمم ... مردفات على أحناء أكوار والعضاريط: الأجراء التباع، وعوذى وعمم من لخم؛ والأكوار: الرحال. 731. - ط د س: وعيرت العرب بالاغتذاء - لتغذيكم. 732. - ط د: مطعم ولا مشرب لعجم ولا لعرب؛ س: مطعم ولا مشرب لعرب وعجم. 733. - هارون: قبائل. 734. - الخزان: جمع خزز وهو ولد الأرنب. 735. - هذا مثل يضرب للرجل يدخل نفسه في قوم ليس منهم، انظر فصل المال: 402 والجمهرة 2: 384، 4: 82 والعسكري 1: 71. 736. - ط د س: فسموه. 737. - البرسام: علة تسبب الهذيان. 738. - ب م: مختار. 739. - ط د: باد وأعداه. 740. - ط د س: وقضية أبي غبشان التي عظمت. 741. - هارون: قضية - الغوي. 742. - س: ببعض ختامك؛ ب م: بفض. 743. - العراب: الخيل العراب؛ هاورن: الأعراب. 744. - الماذة: الدروع اللينة؛ المضاعفة: التي نسجت حلقتين حلقتين. 745. - البيت للنابغة، ديوانه: 100، والسهكة: خبث الرائحة؛ السنور: الدروع أو السلاح كله؛ البقار: موضع برمل عالج؛ يقول كأنهم في سلاحهم جن من جن ذلك المكان. 746. - ب م: وموسيقاتهم. 747. - ب م: وطريقاتهم؛ وطوبيقا تعني العبارة. 748. - ب م: أراد بهم؛ هارون: رادتهم؛ النساء: التأجيل، والمعنى أن التأخير ف الأجل لم يكن من همهم، وفسر ذلك بقوله: " مناهم تعجيل مناياهم ". 749. - البيت لأبي تمام، ديوانه 3: 17. 750. - ط د: وأم؛ س: وترنم. 751. - البيت لعمر بن أبي ربيعة: 338. 752. - ط د س: أيضاً عليه. 753. - ط د س: عبد المنعم بن من اله القروي؛ قلت: كنيته أبو الطيب دخل الأندلس وحدث في شرقيها عن ابن البر الصقلي، وكان أديباً شاعراً، توفي سنة 493 (الصلة: 371) وقد ذكر البلوي رسالته، وكذلك صاحب كشف الظنون بعنوان " حديقة البلاغة ودوحة البراعة - الخ ". 754. - البيت لزهير بن أبي سلمى، ديوانه: 139. 755. - انظر الميداني 2: 31 في المثل " قد أنصف القارة من راماها " 756. - أسلقتك: جعلتك ذا سليقة؛ وفي ب م: أما بلغتك عيب اللكنة. 757. - ط د: تسايرها. 758. - الرهام: جمع رهمة وهي المطرة تكون أشد من الديمة. 759. - ط د: بالبيان؛ س: بالإيمان، خ بهامش س: بالمتان؛ والمتان أو المماتنة: المباراة في الجري إلى الغاية. 760. - البيت لمعن بن أوس، انظر اللسان (سدد) وفيه: فلما استد. 761. - ط د س: كياسرتكم. 762. - ط د س: صولتكم -. دولتكم. 763. - ط د س: بما. 764. - ط د: لقناً. 765. - من قول عبد يغوث بن وقاص الحارثي: وكنت إذا ما الخيل شمصها القنا ... لبيقاً بتصريف القناة بنانيا 766. ب م: وصفتهم. 767. - الأبيات لسعد بن مالك من قصيدة حماسية رقم: 167 (المرزوقي: 502) مع اختلاف في ترتيبها. 768. - الحماسة: لجاحمها. 769. - النجدات: الشدائد؛ الوقاح: الجريء الصلب. 770. - ط د س: الخدور. 771. - من قول خالد بن زهير ابن أخت أبي ذؤيب الهذلي؛ وصدر البيت: فلا تجزعن من سنة أنت سرتها (ديوان الهذليين 1: 213) . 772. - ب م: وصفوفكم. 773. - ط د س: فصاروا معرقين وعلوا مشرقين لا تردهم رادة. 774. - التريك: البيضة أو العنقود إذا أكل ما عليه؛ الضريك: الفقير السيء الحال. 775. - ط د س: أما بلغك - بعوده. 776. - ط د س: وقبر. 777. - س: ثم مسجد مسلمة. 778. - ط د: ماقطة غابطة وطايعة عليكم طالعة. 779. - البيت للمتنبي، ديوانه: 378، وغير في الرواية تعمداً. 780. - ط د: والوجوم؛ وأثبت رواية س، وعند هارون: والمرسوم. 781. - هارون: السلاجم؛ والعلاجم: جماعات الناس، والمعنى أنهم وشموهم على أيديهم، لكي يعرفوا إلى أي قرية ينتمون، كما يروى من فعل الحجاج. 782. - العشار: قابض العشر؛ الغيار: علامة أهل الذمة؛ ط د س: العيار. 783. - التي فيها شفاهكم: كناية عن الرؤوس؛ س: أخذ فيه شفاهكم. 784. - ب م: وصهروا بالقسم؛ ط: القسم. 785. - ط د س: الأمان. 786. - ط د: ذوات. 787. - القضب: الرطبة؛ الخضيمة: الحنطة؛ هضيم: لين مريء. 788. - الحربة: المحاربون؛ العكار: الذي يولي في الحرب ثم يكر راجعاً؛ ط د: خزنة. 789. - المرابعة: لعله يعني من يكونون على رباعة قومهم أي الرؤساء. 790. - وفي فصل منها: سقطت من ط د س. 791. - ط د س: فضلك؛ ب م: نصلك. 792. - ط: الأقماط. 793. - ب م: البراجم. 794. - ب: ينسب؛ د: يسب. 795. - ابن فضالة: عبد الله بن فضالة بن شريك الأسدي، وكان أبوه فضالة شاعراً فاتكاً صعلوكاً مخضرماً أدرك الجاهلية والإسلام، وكان له ابنان شاعران أحدهما عبد الله الوافد على ابن الزبير والقائل له: إن ناقتي قد نقبت ودبرت، فقال له: أرقعها بجلد واخصفها بهلب - الخ. فهجاه بأبيات منها هذا البيت (انظر الأغاني 12: 65) وينسب البيت أيضاً لغيره، (انظر الخزانة 2: 100) . 796. - الكاهلية: أم خويلد بن أسد بن عبد العزى. 797. - ب م: ترون. 798. - في النسخ: الأمنع، والتصويب عن هارون. 799. - ط د: والكوادن؛ المحذفة: التي قصرت أنابها؛ والموكفة: التي وضع عليها الأكاف أو الوكاف. 800. - ط س د: من أسماء ملوككم. 801. - ط د: نسولكم؛ س: أنسالكم. 802. - هارون: ومكنون. 803. - ط د: والصريح وقرزل. 804. - ط د: ونصب. 805. - الشصائص: الشداد. 806. - ب م: وهم بها. 807. - البيت من الحماسة: 14 (شرح المرزوقي: 107) لبعض بني قيس بن ثعلبة أو لبشامة بن جزء (او حزن) النهشلي أو لنهشل بن حري؛ وروايته: منا واحد فدعوا. 808. - البيتان للمعري، شروح السقط: 142. 809. - الرجز لحاتم الطائي، وقيل إنه لأبي القيار الراجز، بحر بن خلف (الوافي: 10 الورقة 31 - أ) 810. - ب م: تدفقت. 811. - الرنف: من شجر الجبال ينضم ورقه إلى قضبانه ليلاً وينفتح نهاراً؛ الشوحط: ضرب من النبع. 812. - الكنهبل: ما عظم من شجر العضاه. 813. - الرجز في اللسان (عرق) ؛ وعرق في الدلو: جعل فيها ماء قليلاً، وحبار: اسم ناقته، وقيل هو الأثر أو الهيئة. 814. - ب م: قهرك؛ س: بهرك. 815. - ط د س: فكفاكم. 816. - ب: كلسان. 817. - ب م: وصارت. 818. - ط د س: وجاروت. 819. - ب: عوفا. 820. - ط د: واستقر. 821. - البيت لمعقر بن حمار البارقي (اللسان: عصا) ونسب أيضاً لغيره، ونسبه الجاحظ في البيان (3: 40) إلى مضرس الأسدي؛ ب: المسافر. 822. - البيت للعين المنقري يهجو جريراً والفرزدق (اللسان: صرد) ؛ والصرد: نفاذ النبل. 823. - ط: واملؤوا؛ هارون: وحملوا. 824. - ط: الحبول؛ د: الجمول؛ س: الحمول. 825. - الكثر: طلع النخيل. 826. - ط د: آثارها. 827. - عكس هنا، فالجو مطريقا هو علم الهندسة، والاسترولوميقا هو علم الهيئة. 828. - ط د: وصايا. 829. - ط د س: الأولون. 830. - الأبيات للمرقش السدوسي في الحيوان 3: 436، 449 وعيون الأخبار 1: 145، وهي منسوبة للمرقم الذهلي (خزز بن لوذان) في حماسة البحتري: 163 والمؤتلف للآمدي: 143، وجاءت دون نسبة في أمالي القالي 3: 106؛ والرتائم: أن يعقد الرجل خيطاً في شجرة إذا أراد سفراً فإذا وجد الخيط في مكانه عند عودته عرف أن صاحبته لم تخنه. 831. - الواقي: الصرد؛ الحاتم: الغراب. 832. - الحازي: الكاهن. 833. - ط د: الأعراب. 834. - ط د س: وأما الطب فجمعته. 835. - البردة: التخمة. 836. - ط د س: قرموا. 837. - ط د س: والموسيقا علم اللحون فما للعجم. 838. - ط د: لنبو؛ س لغمر. 839. - ب م: ناطقة. 840. - ط: والتهاليل والتعاليل؛ س: والتهايل والتعليل. 841. - س: المنصبي؛ ط: والنصيبي. 842. - ط د: المدى. 843. - د ط: والماجوري. 844. - سقطت من ط؛ د: والسلمان؛ ب م: والسليمان؛ وأثبت رواية س. 845. - د ط: والضنج؛ س: والصليج. 846. - د ط: والكبكلة. 847. - د ط: والفيدورة؛ س: والقندورة (وبالفاء أيضاً) . 848. - د ط: والفشاوة؛ وتقرأ بالقاف والفاء في س. 849. - ط د س: وما أظن معبداً والغريض وأصحابهما قرأوا. 850. - ط د: منطقياً؛ ب: سطيعا. 851. - ط د س: ابليس اللعين فيه الأستاذ. 852. - ط د: والطوميقا؛ ب: والطرنيقا. 853. - ط د س: ذهب بقوله أبو الطيب؛ وانظر ديوانه: 573. 854. - ط د س: ومنهم من قال إن. 855. - س: حذفته تخفيفاً. 856. - ط د س: لا سيما المنجمين. 857. - ط د: وعبدوا -. وسجدوا. 858. - ب: وتتبايع. 859. - عجز بيت، وصدره: أرب يبول الثعلبان برأسه؛ وهو لغلوي بن ظالم السلمي وكان سادناً لصنم فرأى ثعلباناً يبول عليه؛ انظر الإصابة 2: 185 وسرح العيون: 337 والميداني 2: 86. 860. - التيجان: 455. 861. - س: بشكله. 862. - ط د: ونبتهج؛ س: وننجح. 863. - ط د س: لمعة. 864. - الضباب: كناية عن الحقد والضغينة. 865. - س: اختبارك. 866. - ط د: جلياً، وأثبت قراءة س، وفيها إشارة إلى مدح الرجل وهجاء قبيلته، كما قال عويف القوافي في مدح جرير بن عبد الله البجلي " لولا جرير هلكت بجيله ". 867. - ط د س: وجليا؛ والدخلي: المدخول الفاسد. 868. - الرعام: المخاط. 869. - ط د: بنفسه؛ س: لنفسه. 870. - هارون: موقدة. 871. - من هنا حتى آخر الترجمة لم يرد في ط دس، والنص قلق في مواضع. 872. - ب م: ولاكن. 873. - من المثل: على أهلها دلت (أو جنت، أو تجني) براقش، انظر فصل المقال: 459 والميداني 1: 310 والعسكري 2: 75 والجمهرة 3: 306 وأمثال الضبي: 69؛ وهذا الذي أورده عنا عجز بيت لحمزة بن بياض، وصدره: بل جناها أخ علي كريم، وقد مر البيت مع آخر في ما تقدم ص: 386. 874. - من قول الأسود بن يعفر: أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد 875. ولعلها جمع بدرة؛ وربما رجحت أن تقرأ " أنادره " أي " بيادره ". 876. - انظر المثل في فصل المقال: 76، 77 والميداني 1: 32 والعسكري 1: 16. 877. - إليك يساق الحديث: مثل، انظر فصل المقال: 50 والميداني 1: 31 والعسكري 1: 14. والضبي: 80. 878. - في المثل: رب كلمة تقول لصاحبها دعني، الميداني 1: 206. 879. - غير واضح إلى أي شيء يشير بالضمير " هي "، وإن كان الحديث متصلاً بما قاله ابن غرسية عن تبالة التي هانت على الحجاج " الثقفي " فثنى عنها إياله؛ راجع ما تقدم ص: 706. 880. - الهدون: الدعة والسكون. 881. - الايال: الولاية والسياسة. 882. - الابالة - مثل الايالة -: الولاية. 883. - ب م: يكشفها؛ والكتف: المشي الروي. 884. - أم عامر: الضبع، وفي المثل: " خامري أم عامر "، انظر فصل المقال: 187 والميداني 1: 160 والعسكري 1: 276. 885. - الجراج: لعله من الجرجة: معظم الطريق أو الجرج: الأرض ذات الحجارة. وفي ب م: الجراح؛ وبهامش م لفظة " طريق "، كأنه شرح للكلمة. 886. - ب: وحملك؛ م: وجعلك، وفوفها " وخيلك " بخط دقيق. 887. - ب م: المفاطس. 888. - المعر: جمع أمعر، وهو الذي ذهب شعره كله. 889. - عجز بيت لامرئ القيس (ديوانه: 154) وصدره: إذا ركبوا الخيل واسلأموا. 890. - صدر بيت للنابغة الذبياني (ديوانه: 56) عجزه: من الناس والأحلام غير عوازب. 891. - العفاء: جمع عفو، وهو الجحش؛ العفاء: الوبر. 892. - استنفرت المرأة: شدت فرجها بخرقة إذا غلبها سيلان الدم؛ القردة: نفاية الصوف أو الكتان وما شابهما. ب م: استنفر. 893. - ب م: اغتدى الخريت. الجريث: ضرب من السمك يقال له أيضاً الجري، وقيل إن علياً نهى عنه. 894. - ب م: استوى حرد اللهيب، واللغيث: الطعام المخلوط بالشعير. 895. - الثيرة: جمع ثور. 896. - العيرة: جمع عير، وهو هنا الحمار الأهلي. 897. - ب م: الرانديات؛ والربذيات: نوع من السياط. 898. - صدر بيت للنابغة الذبياني (ديوانه: 63) وعجزه: يحيون بالريحان يوم السباب. 899. - الجداء: المفازة اليابسة. 900. - يريد الشعرى العبور وهي اليمانية. 901. - الغميصاء: هي الشعرى التي تخلفت بعد أختها العبور التي عبرت البحر لاحقة بسهيل أخيها. وبقيت الغميصاء تبكي حتى غمصت عينها، والغمص في العين كالرمص. 902. - المرخ والعفار: نوعان من الشجر، سريعا الايراء، وفيهما يضرب المثل: " في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ". 903. - الروق: القرن. 904. - ب م: حائش. 905. - ابنا عيان: طائران يزجر بهما العرب، وقيل هما خطان يخطان في الأرض يزجر بهما الطير؛ ويقول الذي يخطهما: ابني عيان أسرعا البيان. 906. - البيت للمتنبي، ديوان: 414. 907. - هو جذع بن عمرو الغساني، وكانت غسان تؤدي كل سنة إلى ملك سليح دينارين من كل رجل، وكان الذي يلي ذلك سبطة بن المنذر السليحي، فجاء إلى جذع يسأله الدينارين، فقتله جذع وقال: خذ من جذع ما أعطاك، وامتنعت غسان عن أداء الأتاوة (الميداني 1: 156) . 908. - ب م: المنع؛ والفلق: القوس؛ وحاجب بن زرارة هو الذي رهن قوسه. 909. - تحيري: سكنت الحيرة؛ ب م: تجبرت. 910. - الشبر: النكاح؛ الشكر: الفرج. 911. - البيت لليلى الأخيلية (معجم البلدان: يسوم) وروايته: لن تستطيع بأن تحول عزهم حتى تحول -؛ ويسوم: جبل في بلاد هذيل وقيل قرب مكة. 912. - الأبيات في أمالي الزجاجي: 65 وتأويل مختلف الحديث: 106 وشروح السقط: 353 وابن كثير 2: 258، 259 وديوان حسان 1: 498 والبيت الأول في اللسان (خصف) والرابع في اللسان (حلب) وتنسب للعباس بن عبد المطلب كما تنسب إلى حسان بن ثابت؛ ورواية البيت الأول: طبت؛ مستودع. 913. - ب م: لا نطفة، والتصويب عن المصادر، وفيها: ثم سكنت، ثم هبطت. 914. - في المصادر: مطهر يركب السفين، بل نطفة تركب السفينز 915. - المصادر: تنقل. 916. - هذا النص من القلائد: 165 ويبدو في موضعه دخيلا على الذخيرة؛ وقد أورد ابن سعيد في المغرب 2: 307 ترجمة الكاتب أبي جعفر أحمد بن أحمد، وذكر نقلاً عن المسهب أنه من أعيان كتاب لنسية، ثم ترجم (المغرب 2: 404) للكاتب أبي جعفر أحمد بن أحمد الداني الذي ستأتي ترجمته هنا، وهو يعتمد في ما أورده على الذخيرة؛ فهل هناك كاتبان بهذا الكنية، والاسم واسم الأب، وأحدهما من بلنسية والآخر من دانية - أو أنهما شخص واحد. 917. - هذه المقدمة لم ترد في د ط س؛ وقد ميز ابن بسام أحد هؤلاء الثلاثة وهو أبو جعفر بن أحمد الداني، ولم يميز الاثنين الآخرين فهل تعد الاثنين التاليين وهما عمر بن عطيون التجيبي وابن أبي الخصال من ضمن الثلاثة الذين عناهم المؤلف - وهل كان هذان ممن " جذبت البطالة والاستهتار أذياله، واستفرص بلسانه أعيان أهل زمانه " - ليس أخبارهما التي أثبتها ابن بسام ما يشير إلى ذلك. 918. - ترجمته في المغرب 2: 404، وانظر ما تقدم ص 755. 919. - ط د س: انشق. 920. - انظر المثل في الميداني 2: 214. 921. - ورد هذا البيت والأبيات الثلاثة التالية في المغرب. 922. - س: حين. 923. - زيادة من سوحدها. 924. - ط د: الكريم. 925. - ط د: للبعض. 926. - ط د: وشرفناز 927. - ط د س: أثر؛ ب م: أسنى. 928. - د: ابلت؛ ب م: انثنت. 929. - ط د: بتدبير حكم قاضي. 930. - س: عتاد الناس. 931. - ب م: انهرم. 932. - ط د س: المزدان. 933. - لم ترد في س أيضاً. 934. - ب م: وأيسر - بالكفز 935. - ب م: انبعثت. 936. - ط د س: لبسة. 937. - من بيت ينسب لابن المعتز أو لغيره (انظر تخريجه بهامش أسرار البلاغة: 117) : كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت 938. ب م: تقتضي. 939. - ط د: المحبة. 940. - ط د: ينوب عني في ذلك؛ س: ينوب في ذلك عني. 941. - ط د ب م: على ما تراه. 942. - ط د س: وفي فصل من الجواب على ذلك من إنشائه أيضاً. 943. - ب م: بثثت. 944. - الحير أو الحائر: المكان المطمئن من الأرض يجتمع فيه الماء، ويطلق على البستان. 945. - س: وتلاحظك (صوابه: ويلاحظك) . 946. - انظر الآية: 30 سورة الواقعة. 947. - ب م: تساقط؛ س: يتساقط. 948. - هذه الزيادة من س وحدها؛ وفي د ط في موضعها: وأحمر قان. 949. - ب م: ثمرات. 950. - س: وهمم. 951. - س: تقابله. 952. - د ط: يفصلهن. 953. - س ط: تحتذيها. 954. - ط د س: أثقلت - أعييت (س: وأعيى فأنهض) . 955. - ط د س: بما. 956. - ط د: وكأنه. 957. - س: لم تعد. 958. - ط د: وفي فصل مر الزمان. 959. - انظر الحاشية: 1، ص 768. 960. - ب: ريت؛ م: رأيت. 961. - ب م: تحليه. 962. - ب م: غضراء. 963. - ب م: وبسقت. 964. - د ط س: عن أحسن. 965. - القفاف: اليابسة؛ وهي زيادة من س وحدها. 966. - أقود: سلس؛ أعلب: ضخم؛ ط س د: أغلب. 967. - ط د س: في صفة هذه الرياحين. 968. - انظر فصل المقال: 436 والميداني 1: 227 والعسكري 1: 333؛ وجاء المثل في ط د: سمنهم هريق في أديمهم. 969. - ط س د: الثغر. 970. - انظر الميداني 2: 50 ويقال أيضاً: أقصر من إبهام قطاة ومن ابهام الضب. 971. - س: إلى الغد. 972. - ب م ط: الأنجاد. 973. - ب م: قال يخاطب - الخ. 974. - اليتيمة 4: 102 وفيها " اللحام " وهو علي بن الحسن الحراني. 975. - اليتيمة 4: 103. 976. - ب م: تعدى. 977. - اليتيمة 4: 103. 978. - اليتيمة: وصرفنا. 979. - ب م: وكتب إلى أبي حاتم الحجاري. 980. - ب م: فأجابه أبو حاتم. 981. - ط د س: سواك. 982. - ب م: فأجابه أبو حاتم. 983. - ب م: فكتب إليه أبو حاتم. 984. - ط د س: تعرفني. 985. - ط د س: تذهب. 986. - ب م: فكتب إليه أخرى. 987. - د ط س: وكتب ابن أحمد إلى أبي بكر - هذه الأبيات. 988. - ب م: وإنها. 989. - ط د س: فراجعه. 990. - ب م: يستحث. 991. - ب م: فقال لي يدك لي قال تقتلني؛ س: فقال لي نوبة إلى قلت تقتلني. 992. - ب م: في إثبات جوده. 993. - هذه القطعة لم ترد في د ط س؛ وهي في المغرب 2: 38 في ترجمة الوزير الكاتب أبي جعفر ابن أحمد؛ وقد مر القول بأن ابن سعيد ترجم لاثنين بهذا الاسم، فهل يمكن أن تستنتج من هذه القطعة أنهما شخص واحد - كان ذلك ممكناً لو أن النسخ جميعاً اشتركت في إيرادها. والأبيات في وصف منية المنصور بن أبي عامر ببلنسية، حسب قول الحجاري. 994. - المغرب: سقني. 995. - ب م: من قد هو المنى، وآثرت ما في المغرب. 996. - المغرب: النواحي. 997. - ترجم له ابن سعيد في المغرب 2: 16 وفيه " عيطون " بتقديم الياء على الطاء، وانظر المسالك 11: 450. 998. - ب م: عاط. 999. - د مقلته. 1000. - ط د س: بهره. 1001. - ب م: نظره: 1002. - ب م: المبيض. 1003. - ط د س: الزمان. 1004. - ورد البيتان في المسالك. 1005. - ط د: تعاورني - القلاة كأنما. 1006. - ط د س: أنشده إياها. 1007. - ب م: وتسعين؛ وهو خطأ لأن المتوكل قتل سنة 487. 1008. - ب م: فأجابه. 1009. - بعد هذا البيت في س: ومنها. 1010. - ط د س: واصعدن. 1011. - د: الشعراء. 1012. - ط د: بطاقة. 1013. - ورد البيتان في المغرب والمسالك. 1014. - ب م ط: يبغض؛ د: تنغص. 1015. - س: شأني. 1016. - ط د: بالندى؛ س: بالنوى. 1017. - ب م ط د: يقادا. 1018. - ب م: لعل تزورها حلباً وحمصاً. 1019. - د: فبلغ؛ ب م: فتبلغ. 1020. - س: فلما. 1021. - ب م: يلق. 1022. - ط د: وما. 1023. - الرتك: الاهتزاز في المشي ومقاربة الخطو. 1024. - ب م: الأقطار. 1025. - الهنعة: قوس الجوزاء يرمي بها ذراع الأسد. 1026. - ديوان ابن المعتز 3: 50، وصدره: ولاح ضوء هلال كاد يفضحه. 1027. - منها بيتان في المسالك. 1028. - ط د: أمامه. 1029. - ديوانه: 105 وروايته: إنقاض الفراريج. 1030. - الميس: شجر تعمل منه الرحال؛ وقد فصل في البيت بين المضاف والمضاف إليه، لضرورة الشعر، ويريد كأن أصوات أواخر الميس - من إيغالهن بنا - أصوات الفراريج. 1031. - قبل هذا البيت في س ط د: ومنها. 1032. - ط د: وله أرجوزة؛ س: وله من أرجوزة. 1033. - ط: البهكانة؛ ب: البهباهة؛ س: النهبلة. 1034. - ط د: واشتهرت في نهدها؛ س: واستنهدت. 1035. - بعد هذا الشطر، في ط د س: وفيها يقول. 1036. - ب م: دجى. 1037. - ط د س: يغدو. 1038. - ب م س: وضاح. 1039. - ب م: المتاح. 1040. - ذكره في المغرب 1: 254 وأورد رثاء فيه لأبي القاسم بن المعطار؛ وانظر القلائد: 287. 1041. - وادي طلبيرة هو نهر تاجه نفسه، وعليه تقع المدينة إلى المغرب من طليطلة. 1042. - ب م: الدموع. 1043. - ط د ب م: هاتيك. 1044. - س: جفت ينابع نهر تاجو. 1045. - هذه الترجمة من القلائد: 175 ومن الغريب أن لا يتنبه من أدخلها في هذا الموضع إلى أن ترجمة أبي الخصال ستجيء تحت عنوان آخر بعد قليل، ولم ترد هذه الترجمة في د ط س. 1046. - ب م: وتخير. 1047. - ب م: نار. 1048. - م: اسجوا. 1049. - القلائد: حربهم. 1050. - القلائد: وهم. 1051. - ب م: العالي؛ القلائد: البائل. 1052. - ب م: ولفعله - الخيال. 1053. - ب م: فمرت. 1054. - القلائد: ولا تجعله. 1055. - القلائد: بعدما أغب وشط منه المزار. 1056. - سيرد البيتان في نص الذخيرة الأصلي: 796. 1057. - لم يرد هذان البيتان في القلائد ولعلهما سقطا من النسخة المطبوعة، وسيردان في نص ابن بسام: 793. 1058. - سترد ص: 797. 1059. - القلائد: قلبتني. 1060. - أبو نصر: الفتح بن خاقان، وهذا يدل على أن الذي دس هذا الفصل هنا يلخص عن القلائد. 1061. - محمد بن مسعود بن طيب بن خلصة (465 - 540) من فرغليط من عمل شقورة، درس على شيوخ عصره، حتى أصبح متقناً في العلوم مستبحراً في الآداب واللغات عالماً بالأخبار شاعراً مترسلاً، قعد به قيام صاحبه ابن الحاج أمير قرطبة بالثورة على ابن تاشفين، ولما استقل ابن الحاج وولي بعض أعمال المغرب اتصل به ابن أبي الخصال ثم انتقل معه إلى سرقسطة، ثم استشهد ابن الحاج فلزم ابن أبي الخصال داره خائفاً، وامتد خموله أيام ابن تاشفين، على باب داره ينهى جند المصامدة عن العيث والنهب، لما له من دالة عليهم، فتصدى له أحدهم واسمه تيفوت وقتله. وقد كان له إلى جانب رسائله وأشعاره مؤلفات منها " ظل الغمامة وطوق الحمامة " و " سراج الأدب " وقصيدة في نسب الرسول تسمى " معراج المناقب " ويقع نظمه ونثره في خمس مجلدات (انظر ترجمته في المعجب: 237 والقلائد: 175 والصلة: 557 وبغية الملتمس رقم: 282 والمغرب 2: 66 والمطرب: 187 ومعجم الصدفي: 144 وفهرست ابن خير: 386، 420 - 422، ورايات المبرزين: 74 والنفح 3: 268، 466، 519، 602، والخريدة 2: 449 (ط. تونس) وبغية الوعاة: 104 ومسالك الأبصار 11: 243) . 1062. - ب م: طويل. 1063. - ب م: فكاتبني. 1064. - هذا ابن بسام يقرر أن صديقاً له كتب إلى ابن أبي الخصالن ليقنعه بإرسال نماذج من إنشائه لتدرج في الذخيرة فرد ابن أبي الخصال بالرسالة التالية، ثم نجد الفتح بن خاقان (القلائد: 176) يذكر أنه هو الذي استدعى من ابن أبي الخصال بعض كلامه فأجابه بهذه الرسالة؛ ونحن إزاء فرضين: أن يكون الوسيط الذي حفزه ابن بسام هو ابن خاقان نفسه، أو يكون ابن أبي الخصال كرر هذه الرسالة مرة لأحد إخوان ابن بسام ومرة لابن خاقان لأنها تليق بالمناسبتين المتشابهتين. 1065. - القلائد: الصحيح. 1066. - د ط س والقلائد: وعلى مقداري. 1067. - القلائد: وتخفيه وتخترمه؛ س: وتحليه وتخترمه. 1068. - القلائد: الإمتاع. 1069. - ب م: وترحل إليه منها المراكب؛ ط د: ويترجل إليها. 1070. - ط د: السلك. 1071. - ط د والقلائد: فهي من الوجد تنظر. 1072. - ط د: سكرى. 1073. - ط د س: ولا استبقت. 1074. - ط د س والقلائد: يقع. 1075. - ب م س: له. 1076. - ط د س والقلائد: مع. 1077. - ط د: اعتراضه؛ س: حين عرض علي التماحه. 1078. - ط س د: استجدني. 1079. - ب مك المبيح (اقرأ: المتيح) ؛ ط د س: المفتح. 1080. - ب م: كتابك؛ س: كتابك وافى بكتابه. 1081. - ط د والقلائد: على شريطة. 1082. - القلائد: لأمرك - عقوقك ببرك. 1083. - ب م: ابتداره - بداره. 1084. - ب م: فطارت. 1085. - س: ونزاعة؛ ط د: وبراعة. 1086. - ط د: مخاطبة له يحفز ويحتفل؛ س: مخاطب ينحفز له ويحتفل. 1087. - ب م ط د: ويسر. 1088. - ط د: أعطافها. 1089. - ط د: اختصبت. 1090. - من قول مرة بن محكان (الحماسية رقم: 675) : في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلف على خرطومه الذنبا 1091. ط د: استوف؛ ب م س: استولى (اقرأ: استوى) . 1092. - انظر المغرب 2: 67. 1093. - ط د: أفق. 1094. - ط د س والمغرب: وافت. 1095. - المغرب: فاجا - دجاً. 1096. - س: غازلت. 1097. - منها بيتان في بغية الوعاة، وراجع ص 785 فيما تقدم. 1098. - البغية: وما. 1099. - د: تبق؛ س: يفق. 1100. - ط د: قذفت؛ س: قد بعدت؛ ب م: نفدت. 1101. - ط د س: في وصف. 1102. - ط د س: في وصف كاس. 1103. - ط د: غير. 1104. - ط د: وقال في كاس من العدر (د: العزر) . 1105. - د: آنسة؛ س: أشبة؛ ولم ترد كلمة " منهن " في س. 1106. - البيتان في القلائد والمغرب والبغية، وقد مرا في النص المنقول عن القلائد ص 785. 1107. - ط د: بها؛ س: بذا. 1108. - ط د: بريحان؛ والبيتان في النفح 3: 602. 1109. - ط د س: ببشر ونشر. 1110. - ط د: بثبات. 1111. - ط د س: وله. 1112. - ط د: حاكاك. 1113. - س: وله من قصيدة - ط د: وقال في مراجعة. 1114. - بعض أبياتها في القلائد والمطرب، وورد منها ثلاثة في القسم المنقول عن القلائد: 785. 1115. - ط د: كنت عهداً - جردت؛ س: جردت. 1116. - المطرب: تعلموا. 1117. - ط د: يبعد. 1118. - ط: تتخاطاه. 1119. - ط د: منى. 1120. - ب م: فالكل. 1121. - من قول المتنبي: نحن بنو الدنيا فما بالنا ... تعاف ما لابد من شربه 1122. ب م: تربه؛ ط د: ترب. 1123. - ط د س: الود. 1124. - ط د: فاستوى؛ ط د س: موالاته. 1125. - ط د: والبر في كل الإخوان؛ س: والبر في كل الأحوال. 1126. - ط س: بالتي. 1127. - من قول الحطيئة: وتعذلني أفناء سعد عليهم ... وما قلت إلا بالذي علمت سعد 1128. ط د: ووفور -. موقوف. 1129. - من أمثالهم: " إنه نهاض ببزلاء " والبزلاء: الرأي الجيد او الداهية العظيمة، قال الشاعر: إني إذا شغلت قوماً فروجهم ... رحب المسالك نهاض ببزلاء (انظر فصل المقال: 147) . 1130. - ط د: عليها. 1131. - ط د س: حديثاً. 1132. - ط د س: منه. 1133. - ط د: جذله. 1134. - من قول قيس بن الخطيم (ديوانه: 4 - 5) : إذا ما اصطحبت أربعاً خط منزري ... وأتبعت دلوي في السماح رشاءها ثأرت عدياً والخطيم فلم أضع ... ولاية أشياء جعلت إزاءها 1135. ابتداء من هنا وقع بياض في ب م، حتى آخر رسالته في التنصل من " المقامة ". 1136. - هذه المقامة تسمى القرطبية، وقد قيل إن الفتح بن خاقان هو الذي صنعها على ابن السيد البطليوسي وعليها رد يسمى الانتصار؛ وقد نسبت لابن أبي الخصال، وهو في هذه الرسالة يحاول أن يتبرأ منها، ويخاطب برسالته هذه الوزير أبا الحسين ابن سراج؛ والمقامة القرطبية في كتاب " رسائل إخوانية " الورقة: 12 - 14؛ أما زد ابن أبي الخصال فقد ورد في كتاب " ترسل ابن أبي الخصال " الورقة: 73 وما بعدها؛ قلت: وانظر كتابي " تاريخ الأدب الأندلسي 0 عصر الطوائف والمرابطين " ص: 314 - 315. 1137. - د: فيها. 1138. - من قول المتنبي: الحزن يقلق والتجمل يردع ... والدمع بينهما عصي طيع يتنازعان دموع عين مسهد ... هذا يجيء بها وهذا يرجع 1139. مصعب بن الزبير، وإبراهيم بن مالك بن الأشتر قائد جيوش مصعب، وقد ظل وفياً له بعد أن تغير عليه سائر القادة. 1140. - الترسل: إلى علائه وأبترك؛ س: نحو علائه وأبرك؛ ط: وأترك. 1141. - س والترسل: عال. 1142. - ط د: أجنب. 1143. - البيت للنابغة الذبياني، ديوانه: 45. 1144. - الترسل: ضراماً - برداً وسلاماً. 1145. - ط د: حظ نفس ونقص. 1146. - ط د: وجاشت. 1147. - الترسل: طهرنا من دنس. 1148. - لعمر بن أبي ربيعة، ديوانه: 438. 1149. - س والترسل: سقبا. 1150. - الترسل: لأبي. 1151. - الترسل: وتنسب الحكم أكثم. 1152. - فيه إشارة إلى الآية: " مطاع ثم أمين " والآية " وما هو على الغيب بضنين " (التكوير: 21، 24) . 1153. - الترسل: السيادة. 1154. - ط د س: تعريفا. 1155. - سامة بن لؤي بن غالب فقأ عين أخيه وهرب إلى عمان، فكانت منيته من نهشة أفعى (أنساب الأشراف 1: 46) . 1156. - ابن دارة واسمه عبد الرحمن بن مسافع (ابو ابن ربعي بن مسافع) هجا بني أسد كثيراً فقبضوا عليه وتشاوروا هل يطلقونه كي يمدحهم: ثم إن رجلاً منهم اغتفله فضربه بسيفه فقتله (الأغاني 21: 271) . 1157. - الترسل: ولو وقف لأسر. 1158. - من المثل: عش ولا تغتر (الميداني 1: 311) . 1159. - ط د: وبين. 1160. - ط د: فيها. 1161. - لعل صوابها: أزن. 1162. - لعلها أن تقرأ في الترسل: المرئي؛ وهو مهجو ذي الرمة. 1163. - ابن الزبير الأسدي شاعر أموي (انظر الأغاني 14: 208) . 1164. - س: عيني. 1165. - هذا نص دخيل على الذخيرة، وهو منقول عن قلائد العقيان: 187، ولم يرد إلا في ب م. 1166. - القلائد: الفضائل والمعاني. 1167. - القلائد: الوضيع على الماجد العالي. 1168. - ب م: رعية. 1169. - القلائد: ثبت. 1170. - من قول المتنبي: لا تلق دهرك إلا غير مكترث ... ما دام يصحب فيه روحك البدن 1171. القلائد: عند. 1172. - القلائد: فنيت - وأنهيت. 1173. - ب م: صارفه. 1174. - ب م: وبقيت. 1175. - ناظر إلى قول المعري: نقمت الرضى حتى على ضاحك المزن ... فلا جادني إلا عبوس من الدجن 1176. القلائد: يصم. 1177. - القلائد: ينظمها. 1178. - القلائد: الوارد. 1179. - القلائد: جدته. 1180. - ب م: حده. 1181. - ب م: وليحرمهم. 1182. - القلائد: الأنام. 1183. - القلائد: أيديهم -. تعديهم. 1184. - القلائد: ما لهم. 1185. - ب م: وتضيعهم وتقلهم بقلاتهم. 1186. - القلائد: بغير خمر. 1187. - ب م: وناهيه. 1188. - ب م: إنه. 1189. - القلائد: يؤدي. 1190. - القلائد: جدداً. 1191. - القلائد: أنماه. 1192. - ب م: وأرى. 1193. - انظر ترجمته في المغرب 2: 203 والمسالك 11: 450 والنفح 4: 259. وذكره صاحب القلائد: 30 وأورد له مرثية في المعتمد بن عباد. 1194. - ب م: النباهة. 1195. - ب م: المسميان؛ ط د: الشمسان. 1196. - ط د س: بالمرية. 1197. - انظر النفح 3: 535. 1198. - ط د: اكثر نحل وعدد؛ النفح: اكثر نسلاً وولد. 1199. - النفح: إذا آمنته. 1200. - ب م: المبادر. 1201. - البيتان في المسالك والنفح 3: 534. 1202. - د ط س: ووصلت. 1203. - لم يرد البيت في ديوانه المجموع. 1204. - ورد منها بيتان في المسالك. 1205. - ط س د: شان؛ ب م: شار. 1206. - ط د س: وأسود. 1207. - ط د: غصن. 1208. - ط د: نظمي ونثري. 1209. - ط د: تقدم. 1210. - زيادة من س وحدها؛ وأبو بكر هو ابن الشاعر أبي الوليد ابن زيدون، وكان وزيراً لبني عباد. 1211. - ب م: الحل القيادا؛ ط د: النقادا. 1212. - ب م: النغل. 1213. - م: بعاد. 1214. - س: العوالم؛ ط: العوازم. 1215. - س: وجلى. 1216. - هذه رواية البيت بهامش س؛ وفي ط د: مما تطاير قيصر، وثلاث يمناه؛ س: تصايد - وثلاث طبات؛ وسقط من م ب. 1217. - ب م: به، وسقطت من ط د. 1218. - ط د: لهيبتك. 1219. - المغرب: خضعت. 1220. - س: لم ترب. 1221. - ط د م ب: سبقت؛ د ط: سفيرها. 1222. - ط د: فالروم. 1223. - د ط: وأذعن؛ س: وأظعن. 1224. - ب م: سوابك؛ ط د: شوابك. 1225. - منها بيتان في المغرب. 1226. - س: حقك. 1227. - ط د س: بالعلا. 1228. - في النسخ: بانو؛ والتصويب عن البيذق: 62 وابن القطان: 230 - 231، وفانو أمه هي أخت علي بن يوسف بن تاشفين. 1229. - د ط س والمغرب: وصرامة. 1230. - ط د: قد ساطه؛ ب م: فتكاثر. 1231. - س: توجت في لبده أومت إليه؛ وبهامش س كما أثبته. 1232. - ط د: الجمال. 1233. - ط د: وتدحرجت؛ وسقط البيت من س. 1234. - انفردت س بعنوان قبل هذا وهو: أبو عبد الصمد السرقسطي. 1235. - ط د س: والتقعير. 1236. - ديوان أوس بن حجر: 57، ولم يرد إلا الأول. 1237. - ديوان امرئ القيس: 13. 1238. - ب س م: لا يجد أحداً يفض -. 1239. - ط د: فأعجب. 1240. - هو علي بن خير التطيلي، انظر النفح 3: 402. 1241. - س: غلفت؛ ط د: علقت. 1242. - ط د: فنحن. 1243. - انظر النفح 3: 403. 1244. - ط د: أسدت. 1245. - ط د: الإيجاب. 1246. - ط د س: فكانت تستهول له هذه -. ط د: وعارية. 1247. - غالب بن رباح المعروف بالحجام شاعر قلعة بني رباح الذي نوه بقدرها، ورفع من رأس فخرها؛ وقلعة رباح غربي طليطلة، سميت كذلك باسم علي بن رباح اللخمي الذي اشترك في فتح الأندلس، وقد سقطت في يد أذفونش (الفونسو السادس) سنة 476 (انظر الترجمة الفرنسية من الروض المعطار: 196) وراجع ترجمة أبي تمام هذا في المغرب 2: 40 والمسالك 11: 451 وله ذكر في رايات المبرزين وشعر في النفح. 1248. - س: قرت. 1249. - ديوانه: 169 باختلاف في الرواية. 1250. - ط د س: وهذا كقول الآخر. 1251. - ط دس: وله من قصيدة. 1252. - س: الهدى. 1253. - ط د: ممنعاً. 1254. - ب م: فحفظ. 1255. - س: العيش. 1256. - ديوان المتنبي: 526 وروايته: افترقنا عاماً. 1257. - ديوان العكوك: 76. 1258. - ديوان العباس: 231، وقد تقدم البيت الثاني على الأول. 1259. - الديوان: إذ قدمنا. 1260. - الديوان: حتى ارتحلنا فما نفرق بين المناخ. 1261. - هذه العبارة قد خضعت في جزئيها للتقديم والتأخير في ط د س. 1262. - ط د س: معنى قد تطرفه لابن شهيد حيث يقول. 1263. - ديوان ابن شهيد: 104. 1264. - انظر نفح الطيب 1: 533. 1265. - النفح: يجيد. 1266. - س: تنكح؛ ط د: تصحب خليلا. 1267. - ط د: التبر. 1268. - ب م: وما. 1269. - انظر نفح الطيب 3: 416. 1270. - النفح: شيء. 1271. - النفح: في ليلة قد لوت. 1272. - شروح السقط: 372. 1273. - ديوان الأخطل: 19 والأنواء: 36. 1274. - ط د: وصف ايلا يممت ما بين السماكين. الخ. 1275. - ب م: كبرت؛ وكبد النجم السماء: توسطها. 1276. - البيت لبشر بن أبي خازم، ديوان: 66 والأنواء: 36. 1277. - الديوان والأنواء: هذه. 1278. - ديوان الهذليين 1: 19. 1279. - د: مكبران؛ ب م: مكدان. 1280. - ديوان البحتري: 2418. 1281. - ديوان الصنوبري: 482. 1282. - البيتان لمنصور بن كيغلغ، انظر اليتيمة 1: 108 وغرائب التشبيهات: 28. 1283. - اليتيمة 2: 371. 1284. - اليتيمة 2: 340. 1285. - اليتيمة: لم أنس دجلة. 1286. - ديوان كشاجم: 111 (نسخة التيمورية) . 1287. - ب م س: كحلية. 1288. - ط د: ابن أبي رباحز 1289. - انظر نفح الطيب 3: 415. 1290. - النفح: عراها. 1291. - ط د: وقال؛ وانظر الطيب 3: 416. 1292. - ط د س: لجنب. 1293. - البيتان في مسالك الأبصار. 1294. - المقلين أو المقنين: Chardonneret. 1295. - ط: البقاع؛ د: البقاء. 1296. - البلارج: Cigogne. 1297. - ط د س: وقال في؛ والبيتان في المسالك. 1298. - ط د س: النسور؛ وانظر نفح الطيب 3: 416. 1299. - ط د س: لذتها إلا شبع (س: سبع) . 1300. - ط د: نسج. 1301. - ط د: شم. 1302. - ط د: مسموعاتها. 1303. - ط د: ابن أبي رباح. 1304. - انظر نفح الطيب 3: 415. 1305. - البيتان في مسالك الأبصار. 1306. - د: فيزيد. 1307. - انظر نفح الطيب 3: 418. 1308. - عجز بيت للمتنبي، وصدره: فان تكن تغلب الغلباء عنصرها. 1309. - ط د: وله. 1310. - سقط البيتان في د ط س، وقوله " فيها " يعني الأقلام، وانظر النفح 3: 418. 1311. - البيتان في مسالك الأبصار. 1312. - انظر نفح الطيب 3: 416. 1313. - النفح: الأقحوان رمى. 1314. - ط د س: عبقت. 1315. - ط د: غراره. 1316. - ط د: وجهك. 1317. - البيتان في مسالك الأبصار. 1318. - انظر مسالك الأبصار أيضاً. 1319. - ط د س: وقال في النهد؛ والبيتان في المسالك. 1320. - منها بيتان في المسالك. 1321. - انظر زهر الآداب: 230. 1322. - نفح الطيب 3: 418. 1323. - النفح: هيبة. 1324. - ب م: لديك؛ س: لذلك من وهن. 1325. - نفح الطيب 3: 418. 1326. - البيتان في المغرب والمسالك. 1327. - ب م: نسراً يسالمنا. 1328. - نفح الطيب 3: 418. 1329. - ب م س: به خجلا. 1330. - ط د: وبال. 1331. - منها بيتان في المغرب والنفح 3: 417. 1332. - ب م: تنظره. 1333. - هو طرسوني، نسبة إلى طرسونة إحدى مدن الثغر، وقال فيه صاحب المسهب: شاعر ممتد النفس شديد المرس قدير على التطويل، اشتهر ذكره بمدح ملك الثغر المقتدر بن هود، وجال على بلاد الأندلس (انظر المغرب 2: 457 والمسالك 11: 453) . 1334. - ب م: أيكة. 1335. - منها بيتان في المغرب 2: 457. 1336. - ب م: ملك. 1337. - ط: وتضافرت. 1338. - ب م: ملك. 1339. - ط د س: وقال. 1340. - ط د: هاد؛ ب م: هند. 1341. - ط د س: أمعتقل. 1342. - ط د س: فيقضي. 1343. - ط د: فكان. 1344. - ب م: وحال. 1345. - ط د: بعثت. 1346. - د: والوداد، وفي موضعها بياض في ط؛ س: واعتقادي. 1347. - ديوان ابن المعتز 4: 174 وروايته " تسقي قبره "؛ وزهر الآداب: 666. 1348. - ديوان أبي تمام 4: 84. 1349. - ديوان ابن المعتز 4: 148 في رثاء عبيد الله بن سليمان؛ وزهر الآداب: 666. 1350. - ديوان أبي تمام 4: 137. 1351. - الديوان: يا شقيق النفس. 1352. - ديوانه: 171 نقلا عن زهر الآداب: 667. 1353. - ب: نوى؛ م: سوى. 1354. - دوان المتنبي: 65. 1355. ب م: ومن قصيدة له أخرى يرثي. 1356. ط د: أبقى. 1357. ب م: لقد. 1358. س: بديعه. 1359. ط د س: عنه. 1360. ط د س: فيه (منه) شذاك. 1361. ط د: تنافست. 1362. ط د س: وهذا كقول ابن بسام في ابن المنجم من أناشيد الحصري؛ انظر زهر الآداب: 671. 1363. ط د س: أنشد. 1364. ط د: فجميل. 1365. ديوان طرفة: 93 من قصيدة يمدح فيها قتادة بن سلمة. 1366. ديوان ذي الرمة: 290. 1367. ط د: الفتق. 1368. ط د: الملك الضليل. 1369. ديوان امرئ القيس: 154. 1370. ديوان المتنبي: 411. 1371. ديوان امرئ القيس: 53. 1372. شرح ديوان زهير: 12. 1373. انظر نقد الشعر لقدامة، 75، 97 في التتميم والايغال. 1374. هو امرؤ القيس، ديوانه: 103 (ط. هندية) والصناعتين: 360. 1375. ديوان حسان: 40. 1376. ديوان المتنبي: 279. 1377. صدره: وقد أغتدي والطير في وكناتها. 1378. ديوان بشار: 142 (جمع العلوي) . 1379. ديوان السري: 167. 1380. ط د س: إنشاد هذا المعنى؛ وانظر ديوان المتنبي: 423. 1381. انظر نفح الطيب 1: 181، وبطرنة قرية من عمل بلنسية. 1382. ط د س: وصفه عنهم. 1383. ط د س: لحرب. 1384. د: المتفانين؛ ط: المتفايتين. 1385. ط د س: قد تضعضع. 1386. ط د: عبداً. 1387. د: فجاءني من أرسلته، وفي ط بياض. 1388. ط د س: بهذا. 1389. انظر العمدة 1: 207. 1390. ديوان كثير: 526، وينسب أيضاً لغيرهز 1391. ديوان المجنون: 300. 1392. ط د س: وإليه ذهب بقوله أبو الطيب. 1393. ديوان المتنبي: 52. 1394. ب م: يتلافاها. 1395. ديوان النابغة: 55. 1396. ط د س: وليس هذا الوجه بشيء. 1397. الأصمعيات: 97. 1398. ديوان امرئ القيس: 17. 1399. ط د: بضيح؛ س: بنضج. 1400. ط د س: واستقصاء ما يعرض. 1401. ط د س: وقد تفرق في تضاعيف هذا التصنيف من ذلك. 1402. ط د س: الغاية. 1403. ط د س: قال ابن بسام لم يقع إلي هذا الخبر في كتاب ابن حيان. 1404. ط د س: فإذا أعياني - فأنا أصفه. 1405. أورد ابن عذاري وصف المعركة (3: 252 - 253) اعتماداً على ما ذكره ابن بسام. 1406. ط د: بتنازع. 1407. ط د: منتظرين. 1408. البيان: بإغفاء. 1409. ط د: أغر. 1410. العاني الكنيع: الأسير المتقبض في قده؛ ومنه قول متمم " وعان ثوى في القد حتى تكنعا ". 1411. د: العدو؛ وفي ط: بياض. 1412. ط د: بإضمار. 1413. ط ب د س م: الخائنين. 1414. ط: المنزف. 1415. ط د: مشبههن؛ ب م: مشبهيهن. 1416. ط د س: يمشين (وهي الرواية الأصلية) . 1417. ط د: البطون. 1418. البيت للكميت في الأغاني 8: 227 والحيوان 5: 217 وديوانه 2: 53. 1419. ط د س: أخبرني. 1420. ط د س والبيان: الذعر. 1421. ط د س: قسر. 1422. ط د س: يحفظ ما. 1423. انظر ترجمته في المغرب 2: 444 والمسالك 11: 453 والخريدة 2: 308 (ط. تونس) والنقل فيها عن ابن بشرون. 1424. ورد في ب م بعد هذا: " وكان الوزير الفقيه أبو عبد الله بن إبراهيم سويداء قلب ذلك الإقليم - من شدة " وستأتي بعد ص: 865 - 866 ولهذا أسقطتها من هذا الموضع. 1425. ط س د: عند. 1426. وذلك أن الوزير - لمته: لم ترد في د ط س، وورد في موضعها " وذلك أنه أراد أن يدخلني "، والسياق في ب م مخالف لطبيعة الرسالة إلا إذا حمل محمل التهكم. 1427. ط د: ما. 1428. د ط: بينه. 1429. ط د: وضمن. 1430. من إنشاء -. عصره: سقط من ط د. 1431. ط د س: فاختفت. 1432. ط د: سكانها. 1433. ط د: على. 1434. هذا البيت والذي يليه لأبي الفتح البستي (اليتيمة 4: 314 والتمثيل والمحاضرة: 183) وأوردها صاحب المسالك للأصيلي خطأ. 1435. ط د س: بعمل؛ ط د: الطاغوت. 1436. ب م: أفنش. 1437. ب م: طائعاً. 1438. ط د: تورطت؛ ب م: تدرطت. 1439. ط د س؛ إلى بلاد - كما ترى. 1440. ط د: حلي. 1441. سقط البيت من ط د، وفي موضعه: " ومنها ". 1442. ط د س: ملابس. 1443. ب م: به، وسقط من ط د س. 1444. وردت هذه الفقرة موجزة في د ط س. 1445. جاء في د ط س بعد هذا: " وكان اعتمد مخاطبته غلاماً وسيماً يسمى عيسى فراجعته - الخ " 1446. ط د: قلت فيها. 1447. ط د س: وله من قصيدة مخمسة - اندرج له فيها قصيدة المتنبي؛ والأبيات المضمنة من قصيدة للمتنبي في ديوانه: 174 - 178. 1448. بعد هذا في ط د س: وفيها يقول. 1449. ط د: بي. 1450. في النسخ: يفوته. 1451. ط د س: وقتل بها ظلماً. 1452. ط د: بعده. 1453. ط د س: يشق سرده أضربت عنه لبعض الأمر. 1454. منها ثلاثة أبيات في المغرب. 1455. المغرب: أرمل. 1456. ط د س: ولكن عظيم. 1457. خرج عن القيروان سنة 447 واستوطن برجة من ناحية المرية، وكان شاعر وقته غير مدافع، وله تواليف في الأمثال والأخبار والآداب والأشعار، توفي عصر الثلاثاء منتصف ذي القعدة سنة 534 (انظر الصلة: 129 والقلائد: 252 والمطرب: 71 والمغرب 2: 230 وبغية الملتمس رقم: 610 والخريدة 2: 171 (ط: تونس) والنفح 3: 395) . 1458. ط د س: في القسم الرابع. 1459. ط د س: وذكر فيها. 1460. ط د س: وقاس الجزء: 6 ¦ الصفحة: 913 582 - في المغرب 2: 447 أبو الطاهر يوسف بن محمد الاشكركي؛ وفي ب م: الاسكوري؛ س: الأشكديري، وورد مرة أخرى في المغرب: 433 الاشكورتي، وقال فيه إنه إمام في اللغة وكان له جاء عند ملوك الثغر بني هود وأكثر أمداحه في المعتصم بن صمادح ملك المرية. 583. - منها أربعة أبيات في المغرب 2: 448. 584. - منها أربعة أبيات في المغرب. 585. - هنا تنتهي النسخة ب، وقد سقطت منها ورقتان على الأكثر. 586. - منها بيتان في المغرب. 587. - المغرب: ورائد. 588. - انظر ما تقدم ص: 492. 589. - ط د: تقضته. 590. - ط د: بينهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 914 مقدمة المحقق جعل ابن بسام هذا القسم الرابع من الذخيرة - وهو أخر الأقسام - في جزئين واضحين دون أن يصرح بذلك، ويتناول الجزء الأول منهما الشعراء الطارئين على الأندلس من المشرق والقيروان وصقلية، ويشمل الثاني ثلاثة عشر شاعرا من شعراء المشرق والقيروان، تخيرهم تحكما، وقد أحس هو بذلك عندما ترجم لابن قاضي ميلة من الشعراء " الأنموذج " دون رفاقه ممن ضمهم ذلك الكتاب فقال: " ولعلَ بعض من يتصفح كتابي هذا يقول إن شعراء الأنموذج مائة شاعر وشاعرة وأكثرهم كان في المائة الخامسة من الهجرة - أفلا ذكرهم عن أخرهم - وماله اقتصر على بعضهم دون سائرهم - " وعاد يعتذر عن ذلك بما قاله في المقدمة وهو انه احتذى فعل أبي منصور الثعابي، في اليتيمة، وإنما وجد بين يديه قطعة من شعر الأندلسيين فأدرجها في كتابه، وهو لا يدرك تفاوت الزمن بين أصحابها. ولقد راعيت في نشر هذا القسم تلك التجزئة الطبيعية، ففي هذا الجزء تراجم الطارئين وفي الجزء التالي ترد تراجم المشارقة المقيمين، رغم أن الجزءين قد يجمعان لصغر حجمهما في مجلد واحد، ولمل كانا متباعدين في المادة وجدت من المفيد صنع فهارس مستقلة لكل منهما على خلاف ما صنعته في الأقسام الثلاثة السابقة. وقد اعترضني في تحقيق القسم الرابع هذا صعوبة لم أجد لها حلا، أوقفتني بين المضي في العمل أو التوقف عنه، وذلك أنى لم أجد منه سوى مخطوطة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 1 واحدة وهي نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم 1350، ومادة هذا القسم تقع بين الصفحة 30 والصفحة 194؛ وفضلا عما يمثله انفرادها من صعوبة في العمل فإنها ليست حسنة الضبط أبدا، كما أن الترقيم فيها رغم تسلسله وعدم انقطاعه غير صحيح لأنه فد سقط منها ورقة ضاع بسقوطها أخر ترجمة جلال الدولة وأول ترجمة ابن أبي الشخباء، أقول " ورقة "، وهذا من حسن الظن، فربما كان ما سقط يزيد على هذا المقدار. وقد اخترت المضي في التحقيق، رغبة في أن أجد الذخيرة قد اكتملت وان ابلغ بما عزمت عليه آخر الشوط، بعد اليأس من العثور على مخطوطات أخرى من هذا القسم. وفي سنة 1945 قامت لجنة مؤلفة من الأساتذة عبد العزيز احمد الأهواني وعبد القادر القط ومحمد عبده عزام تحت إشراف الدكتور عبد الوهاب عزام بنشر جانب من هذا القسم شمل حتى نهاية ترجمة عبد الكريم ابن فضال القيراوني المعروف بالحلواني (أي حتى ص 300 من هذه الطبعة) اعتمادا على هذه النسخة الوحيدة التي لم أجد لدي أيضا سواها؛ وفي مقدمة تلك الطبعة إشارة إلى كثرة التحريف والتصحيف في هذه النسخة، ولكن الجهد الذي بذله المحققون الفضلاء قد أعانني كثيرا في عملي هذا، وإن كنت قد خالفتهم في بعض القراءات؛ واهتديت إلى حل بعض المشكلات على ضوء مصادر لم تكن متيسرة لديهم حينئذ. ولست أشك في ان هذا العمل لا يحظى لدي بالرضا الكامل، وعسى أن تسعفنا الأيام بالعثور على نسخ أخرى تعين على مزيد من الضبط والتدقيق، والله الموفق. بيروت في أول يونيه (حزيران) 1978 إحسان عباس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ذكر الكتاب الوزراء، والأعيان الأدباء والشعراء، الوافدين على جزيرة الأندلس، والطارئين عليها، من أول المائة الخامسة من الهجرة إلى وقتنا هذا الذي هو سنة اثنتين وخمسمائة، واجتلاب ما بلغني من نوادر أخبارهم، وشوارد أشعارهم، مع ما يتعلق بها، ويذكر بسببها قال علي بن بسام: قد استوفيت في ثلاثة أقسام، جملة مما انتهى إليّ من محاسن النثر والنظام، لمن نشا بالجزيرة من الأعيان والأعلام، من أول تاريخ هذا المجموع إلى وقتنا. ولنعقب ذلك بحول الله وتأييده بذكر من هاجر إليها من تلك الآفاق وطرأ عليها من شعراء الشام والعراق، ممن تبحبح ذراها، وتسربل نعامها، ونجم في أفلاكها. وخيم في ظلال أملاكها. ولم آتي إلى هذا الفرقة من أرباب هذا الفن الذي أنا في إقامة أوده. متعززا من ذلة، ولا مستكثرا من قلة، ولا لأني لم أجد من أعيان وزرائنا وكتابنا من هو أبعد غاية، ولا أبهر آية، ولكنهم أسندوا إلى أعلامها، وترددوا بين جميمها وجمامها، فصاروا من أهلها بالوفادة عليها. وخلع أوطانهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 إليها؛ مع أن هذه الطائفة لم يسم إلا بالأندلس ذكرهم، ولا طار إلى بمدح ملوكنا شعرهم؛ وكم من شعرائنا ممن عاصرني ولم اسمع بذكره، إلى وقع علي شيء من شعره، ولعله يبلغ المرء جهده، والإحاطة لله وحده. وقد أثبت هذا القسم طرفا من كلام أهل المشرق، وإن كانوا لم يطرأوا على هذا الأفق، حذو أبي منصور الثعالبي؛ فانه ذكر في يتيمته نفرا من أهل الأندلس فعارضته او ناقضته، والأدب ميدان يليق به المتاح، ويستحسن فيه الجماح. فصل في ذكر الأديب اللغوي أبي العلاء صاعد بن حسن البغدادي، وإثبات جملة من نظمه ونثره، مع ما يتعلق من الأخبار السلطانية بذكره هو صاعد بن الحسن بن عيسى، البغدادي تربة، والطبري أصلا، والربعي نسبا، ينتمي في ربيعة الفرس، وكان طلع على أفاق الجزيرة أيام المنصور محمد بن أبي عامر نجما من المشرق غرب، ولسانا عن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 العرب أغرب. أبده من رأى وسمع. وأذكى من طار ووقع. فأراد المنصور أن يعفي به أثار أبي علي البغدادي الوافد على بني أمية قبله. وهزه لذلك فألفى سيفه كهاما. وسحابه حماها، ومن رجل يتكلم بملء فيه، ولا يوثق على ما يذره وما يأتيه. وقد أجرى ابن حيان ذكره فقال: ولمل دخل قرطبة دفعوه بالجملة عن العلم بالغة، وأبعدوه عن الثقة في عمله وعقله ودينه، ولذلك ما رضيه أحد من أهلها أيام دخوله إليها، ولا رأوه أهلا للأخذ عنه ولا للإقتداء به. وغرقوا كتابة المترجم - ب - " الفصوص " - فها هو إلى اليوم في نهرهم يغوص. وقد أتيت أنا بلمع من إعجابه، وأوردت غرائب من أكاذيبه، وتخللت أثناء ذلك جملة من نظمه ونثره، مما شهد على ثبوت قدمه وشهرة تقدمه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 فصول من نثره في أوصاف شتى اتصل أول دخوله الأندلس بالوزير عبد الله بن مسلمة. فلما نكب استعطف له الوزير أبا جعفر بن الدب ليشفع له عند الخليفة سليمان وخاطبه في ذلك بعدة رسائل. فكانت رقى لم تنفع، ووسائل لم تنجح [31] . منها فصل يقول فيه: لما جمع الله طوائف الفضل عليك. وأذلق بك الألسن، وأرهف فيك الخواطر، ورفرف عليك طير الآمال، ونفضت إليك علائق الرحال، لم أجد لأبن مسلمة حين عضة الثقاف، وضاق به الحناق، وانقطع به الجاء، وكبا به الدهر. ملجأ غيرك. فعطفك على واله نبه النحس من سنة السعد، وأيقظته الآفات من رقدة الغفلة، ورشقته سهام الزمان بصنوف الامتهان، حتى لقب المنية أمنية، وسمى الموت فوتا. ومن لم يكتب له الدهر سجلا. ولا عقد له آمنا، ولا أشهد على نفسه ثقة، فليكن منه على حذر، ومن نبوته على يقين الخبر، وليعلم أن اصطناع المعروف يكافئ المرء في سمعه وبصره. ويلقاه في طريقه، ويحول بينه وبين محاربه، ويجازيه في أهله وولده. ويصحبه في اغترابه عن بلده. وفي فصل منها: فحنانك عليه وعلي فيه، وأذكر تعلق الآمال به وتعلق أمله بك، وحاجة الرؤساء إليه وحاجته إليك، وحشدت لك القول، والله تعالى خلق الدنيا بحرفين، وأن الكلمة لترقأ الدم، والرقية لتخرج الحية من مكمنها، فإن خبت من طلابك نثرا قلت نظاما: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 يا أحمد بن سعيد العلم الذي ... أوفى فللحدثان عنه زيل أخذ العقاب من أبن مسلمة الذي ... حكم القضاء به وغالت غول لم تبق غير حشاشة إن أدركت ... خلصت وأن أسلمت فهو قتيل بيدك بعد الله فك إساره ... وعليك في استنقاذه التعويل فارحم أنين أبي بنات لم يصب ... لدموعهن على الحدود مثيل أسف الفراخ على كفيل كاسب ... أودى فليس لهن بعد كفيل فأجعله في يمنى يديك فإنها ... سور تحوط المستجير وغيل ما ذنبه إلا الزمان فإنه ... رخو اليدين بما يحب ملول كالمرأة الورهاء تنقض غزلها ... والشاة تملأ قعبها وتميل وله من أخرى إلى مجاهد يصف ظهوره إلى خيران واسرة لجماعة من الصقلب: كتابي وأنا مستطار فرحا. ومستوفز مرحا، بالغادي والرئح علي من البشائر التي تسمع الصم. وتنطق البكم، بعدو نجا بعد ما ظن ان ليس ناجيا، وخنزواني أقبل في صفاده عانيا. صنعا من الله أساله ضارعا أن يجعله عندك راسيا، وعليك مخيما، فإن الذي أوي إليه من تطولك يبدي ولوعا ويغري بالنزاع إليك. والنزوع نحوك. [وما هما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 أنشدنيه باليمين أبو الغزور الأعرابي لنفسه وقد حج أبنه فقال يذكر شوقه أليه: ألا ليت لي عينان تطلعان ... على النأي أحيانا وتنصرفان فإن كان سرا وعرفته ... وإن كان شرا ظلتا تكفان:ولما أتتني إحدى خرائطك الجزيلة، وتبادرت التباشير باحتلال المركب، كاد الفرح يقضي علي، وينزع التماسك من يدي، ولولا أني ثبت النحيرة، ومحصد المريرة، لكنت كأن أم أبي مزبد إذ بعث إليه يحيى بن خالد غلاما، فقال لها: يا أمه! وهب لي يحيى " غ " قالت: وما " غ " - قال: لا قالت: وما " لا " - قال: [" م "] وطبق الميم على شفتيه، فضرطت، فقال الحمد الله، لولا تقطيع الحروف لخريت. فحضرني إذا عند ورود المال ما كتبت به: أتتك الحريطة والمركب ... كما اقترن السعد والكوكب فقالوا من الواهب المستقل ... عقائل يعيا بها الحسب فقلت في أصفري النجار ... يروع به المشرق المغرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 يحكك أسيافه بالردى ... كما حك بالهانئ الأجرب فلولا شجاعته ما نجى ... ولكنه حول قلب بصير بتوسيع سبيل الفرار ... إذا ضاق بالمرهق المهرب ومنها: هناك أبى الجيش من جيشه ... أسارى كأنهم الربرب يرق عليها السنان الحقود ... ويرحمها الصارم المغضب وهم يخضبون صدور القنا ... وأنملهم بضة تخضب ولم أر من قبلهم فارسا ... يليق به الحلي والمذهب فإن شات أن يَركبوا يركبوا ... وأن شئت أن يُركبوا يُركبوا ينظر هذا بناظر مريب. إلى قول حبيب: قد جاءنا الرشأ الذي أهديته ... خرقا ولو شأنا لفلنا المركب ومن أناشيد الثعالبي في معناه: [32] ونساء لمطمئن مقيم ... ورجال إن كانت الأسفار وقوله " يرق عليها السنان " - البيت، كقول بعض أهل العصر: لعلك يوما ذاكري في ملمة ... يلين بها قلي الأسير على القد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 واراه قلب قول أبي الطيب: وغيظ على الأيام كالنار في الحشا ... ولكنه غيظ الأسير على القد وأرى أبو الطيب ألم بعض الإلمام. بقول أبي تمام: يلحضه في جده وهزله ... لحظ الأسير حلقات كبله جملة أخبار نوادر، جرت له مع المنصور بن أبي عامر أجتمع عند المنصور ابن أبي عامر أعيان الأوان كالزبيدي والعاصمي وابن العريف ومن سواهم، فقال لهم المنصور: هذا الرجل الوافد علينا صاعد يزعم انه متقدم في هذه الآداب التي انتم سرجها الضاحية، وأهلتها السارية، واحب أن يمتحن ما عنده. فوجه إليه، ودخل والمجلس قد أحتفل فخجل، فرفع المنصور مجلسه وآنسه، وسأله عن أبي سعيد السيرافي، فزعم أنه لقيه وقرأ عليه كتاب سيبويه. فبادره العاصمي بالسؤال عن مسألة من الكتاب، فلم يحضره فيها من جواب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 وأعتذر أن النحو ليس جل بضاعته، ولا رأس صناعته، فقال له الزبيدي: فما تحسن أيها الشيخ - قال حفظ الغريب. قال: فما وزن أولق - فضحك صاعد وقال: أمثلي يسأل عن هذا - إنما يسأل عنه صبيان المكتب. قال الزبيدي: صاحبكم ممخرق! قال له صاعد: وبضاعتي أنا حفظ الأشعار، ورواية الأخبار، وفك المعمى. وعلم الموسيقى. قال فناظره أبن العريف فظهر عليه صاعد، وجعل لا يجري في المجلس كلمة إلا وأنشد عليها شعرا شاهدا، أو أتى بحاكية تجانسها، فأزداد المنصور عجبا. ثم أراه كتاب النوادر لأبي علي فقال: إذا أراد المنصور أمليت على مقيدي خدمته وكتاب دولته كتابا ارفع منه قدرا، واجل خطرا، [لا] لا أدخل فيه خبرا مما أدخله أبو علي. فأذن له المنصور في ذلك، وجلس بجامع مدينة الزاهرة يملي كتابه المترجم ب - " الفصوص ". فلما أكمله وتتبعه أدباء الوقت، لم تمر فيه كلمة زعموا صحتها عندهم، صحتها عندهم، ولا خبر ثبت لديهم، فقالوا للمنصور: رجل [مقتدر] على تأليف الكذب، [ ... ] من عيون الأدب، يسندها إلى شيوخ لم يرهم ولا أخذ عنهم، حتى إنهم كلفوا المنصور أن يأمر بتسفير كاغد أبيض وتغيير وجهته ليدل على القدم، ففعل وترجم على ظهر ذلك السفر بكتاب " النكت " تأليف أبو الغوث الصنعاني. فترامى إليه صاعد حين رآه، وجعل يقلبه، وقال: إني والله قرأته بالبلد الفلاني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 على الشيخ أبي فلان، وهذا خطه، فأخذه المنصور من يده خوفا أن يفتحه، وقال له: إن كنت رأينه كما تزعم فعلام يحتوي - قال: ورأسك لقد بعد عهدي به ولا أنص به شيئا، ولكنه يحتوي على لغة منثورة لا يشوبها شعرا ولا خبر. فقال له المنصور: أبعد الله مثلك! فما رأيت الذي هو أكذب منك. وأمر بإخراجه وأن يقذف بكتاب " الفصوص " في النهر، وفي ذلك يقول بعض شعراء العصر: قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا قل ثقيل يغوص فجاوبه صاعد بقوله: عاد إلى معدنه إنما ... توجد في قعر البحار الفصوص قال ابن بسام: وما أحسب أن أحد يجترئ على إخراج تصنيف، وإبداء تأليف، يضيق عنه التعديل، ويدفع في صدره النقد والتحصيل، لا سيما وأن صاعد علم أن قرطبة - حسب ما ذكرنا - ميدان جياد، وبلد جدال وجلاد، ولكنه أشترط غير المشهور، فلم يظفروا منه بكثير، وأعانهم هو على نفسه بما كان ينفق به من تنحله وكذبه. ولم يكن عند ابن أبي عامر تحرير ولا بصر بالنقد مشهور؛ وإلا فليس يحلو كتاب " الفصوص " المذكور من غريبة مسموعة، ولا من فائدة رائقة بديعة، ولكنه خبر وجدناه فنقلناه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 وأدخل على المنصور يوما وردة في غير ايامها؛ لم تستتم فتح كمامها. فقال فيها صاعد على الارتجال: أتتك أبى عامر وردة ... يذكرك المسك أنفاسها كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأكمامها رأسها فسر بذلك المنصور، وكان أبي العريف حاضرا، فحسده وجرى إلى مناقضته، وقال لأبن أبي عامر: أن هذه البيتين لغيره، [33] وقد أنشدنيهما بعض البغداديين بمصر نفسه، وهما عندي على ظهر كتاب بخطه. فقال له المنصور: أرنيه. فخرج أبن العريف وركب وجعل يحث حتى أتى مجلس أبن بدر، وكان أحسن أهل وقته بديهة، فوصف له ما جرى فقال: عشوت إلى قصر عباسة ... وقد جدل النوم حراسها فأليفتها وهي في خدرها ... وقد صرع السكر أناسها فقالت: أسار على هجعة - ... فقلت: بلى، فرمت كاسها ومدت يديها إلى وردة ... يحاكي لك الطيب أنفاسها كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأكمامها رأسها وقالت: خف الله لا تفضحن ... في ابنه عمك أنفاسها فوليت عنها على عفة ... وما خنت ناسي ولا ناسها فطار أبن العريف بها وعلقها على ظهر كتاب بخط مصري الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 وروى وتحيل بوداد أشقر. ودخل بها على المنصور، فلما رآها أشتد غيظا على صاعد وقال: غدا أمتحنه. فأن فضحه الامتحان. لم يبق في موضع فيه سلطان. فلما أصبح وجه عنه بمجلس حفل. وقد أعد طبقا من سقائف من ضروب النواوير، وصنع على السقائف جواري ياسمين، وتحت السقائف بركة ماء حصاها اللؤلؤ. وكان في البركة حية تسبح. فلما دخل صاعد مثل الطبق بين يديه، فقال له المنصور: إن هذا يوم أما أن تسعد فيه معنا، وإما بالضد عندنا، لأنه قد زعم ق - م أن كل ما تأتي به دعوى، وقد وقعت من ذلك على حقيقة. وهذا طبق ما توهمت أنه مثل بين يدي ملك قبلي في شكله. فصفه بجميع ما فيه. فقال صاعد بديهة: أبى عامر هل غير جدواك واكف ... وهل غير من عاداك في الأرض خائف يسوف إليك الدهر كل عجيبة ... وأعجب ما يلقاه عندك واصف وشائع نور صاغها هامر الحيا ... عليها فمنها عبقر ورفارف ولما تناهى الحسن فيها تقابلت ... عليها بأنواع الملاهي الوصائف كمثل الضباء المستكنة كنسا ... تضللها بالياسمين السقائف وأعجب منها أنهن نواظر ... إلى بركة ضمت إليها الظرائف حصاها الآلي، سابح في عبابها ... من الرقش مسموم اللعابين زاحف ترى ما تشاء العين في جنباتها ... من الوحش حتى بينهن السلاحف فاستغربت له يومئذ تلك البديهة، وكتبها المنصور بخطه. وكان إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 ناحية سقيفة فيها جارية تجذف بمجاذف ذهب لم يرها صاعد، فقال له المنصور: أجدت إلا أنك لم تصف هذه الجارية، فقال: وأعجب منها غابة في سفينة ... مكللة تصبوا إليها المهايف إذا راعها موج من الماء تتقي ... بسكانها ما أنذرته العواصف متى كانت الحسناء ربان مركب ... تصرف في يمنى يديها المجاذف فلم تر عيني في البلاد حديقة ... تنقلها في الراحتين المناصف ولا غرو أن شاقت معاليك روضة ... زهتها أزاهير الربى والزخارف فأنت أمرؤ لو رمت نقل متالع ... ورضوى من ذرتها من سلطانك العواصف إذ قلت قولا أو بدهت بديهة ... فكلني لها أني لمجدك واصف فأمر له المنصور بألف دينار ومائة ثوب، ما بين غلائل وطيقان وعمائم، وأجرى عليه المراتب من ذلك اليوم ثلاثين دينار، وألحق في ديوان الندماء مع زيادة الله بن مضر الطبني وأبن العريف وأبن التياني وغيرهم. والحسد موروث، وقديم لا حديث، وليس في الحيوان، أخبث في ذاته من الإنسان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 وأذكر بفعلة أبن العريف في صاعد بعض ما منيت أنا به في خبر هذا التصنيف مع غير واحد من أهل وقتي، إذ سردت في بعض قصصه كلام ابن حيانهم، وكان على ما نقدم في وصفه متكلم أوانهم، فلما أعوزني لفظه في بعض ما سقت، ولم أجده في كل حديث نسقت. رجعت إلى نحيزتي، واستمطرت غريزتي. وماؤها جامد، ورمادها هامد، كما قال سابق: أخلقت جدتي وبان شبابي ... واستراحت عواذلي من عتابي وأنا يومئذ بإشبيلية، أتصرف مضطرا في بعض الأعمال السلطانية. والكلام إذا لم يحكه قلب فارغ، ولم يسبكه لب من ظلماء الشغل بازغ. لو يرق تطريزه، ولم ينفق أبريزه. وعلى ذلك لما أندرجت لي فيه كلمات رائقات، في أوصاف مختلفات، وبلغت فيه أمد المراد، بألفاظ أعيان ومعان فراد، انثال علي فيه الكلام، انثيال الغمام، قالوا: نعم ما صنف أبن بسام وأتقن لو يستعن، وما أحسن ما قصص، لو لم يتلصص. ولله درهم [34] فالد أماء لا يزيد من القري، وذكاء لا تضيء من الدري. بل دردر أبي الطيب من شاعر نطق بالبدي، وجرى على عتق جده الكندي، فسبق، واستولى على الأمد بقوله إذ صدق: أتيت بمنطق العرب الأصيل ... وكان بقدر ما أحسست قيلي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 فعارضه كلام كان منه ... بمنزلة النساء من البعول وليس يصح في الأوهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل رجع: وخرج المنصور مع صاعد يوما إلى رياض الزاهرة، فمد يده إلى شيء من الترنجان فعبث به ورماه إليه معرضا أن يصفه فقال: لم أدر قبل ترنجان عبث به ... أن الزمرد قضبان وأوراق من طيبة سرق الأترج نكهته ... يا قوم حتى من الأشجار سراق كأنما الحاجب المنصور علمه ... فعل الجميل فطابت منه أخلاق من ليس يقعده من سؤدد قدم ... ولا تقوم له في سوأة ساق وله في الخيري: بعثت إليك من خير داري ... محزمة كأوراق العقيق توكل بالعزوف على التصابي ... وتصطاد الخليع من الطريق وصاعد القائل: لي من سر بني العب ... اس خل وجليس شهد المجد عليه ... أنه العلق النفيس فإذا جالسته لم ... تدر من منا الجليس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 وهذا كقول أبن زرارة: لي صديق. غلطت، بل لي مولى ... من لمثلي بأن يكون صديقي! يتلقى التقاء روح بروح ... بضروب التقبيل والتعنيق ليس في الارض من يميز منا ... عاشقا في اللقاء من معشوق وقال: قلت له والرقيب يعجله ... مودعا للفراق أين أنا - فمد كفا إلى ترائبه ... وقال سر وادعا فأنت هنا وأنشد المنصور يوما قصيدة أبي نواس " إجارة بيتينا أبوك غيور " فعرض عليه أن يعارضه. فأبي صاعد من ذلك إجلالا لأبي نواس، فعزم عليه المنصور فأنشده متمثلا: أني لمستحي علا ... ك من ارتجال القول فيه من ليس يدرك بالروي ... ة كيف يدرك بالبديه فلم ينفعه ذلك عنده، ومكث فيه يوما بقية يومه وليلته. وجاء من الغد فأنشده قصيدته التي أولها: خدال البرى أني بكن بصير ... طوتكن عني خلسة وقتير [ومنها] : الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 وباتت كما باتت مهاة خميلة ... لها جؤذر عند الصراة عقير وقد أكلت أشلاؤه فكأنها ... مقسمة عند القداح جزور كما بغمت من شجوها أم واحد ... أتيح لها مثل الزجاج طرير لدن غدوة حتى صغت شمس يومها ... وفي أبريها رنة وزفير تسوف ثراه عن مشق إهابه ... كأن أسابي الدماء عتير قال أبن بسام: وصاعد على تتايعه في الكذب، ولجاجته بين الامتهان وسوء الأدب، قد أخذ بطرف من الترفيق، وخلا بجانب من لقم الطريق، ألا تراه كيف صرح باليأس، عن شق غبار أبي نواس ولكن ابن أبي عامر حمله على الغرر، وعرضه لسوء الخبر، ولعله ذهب إلى قول أبي الطيب: بلغت بسيف الدولة النور رتبة ... أنرت بها ما بين غرب ومشرق إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثم قال له: الحق وذكرت بهذا الخبر ما وصف عن أبي عبد الله بن شرف، وذلك لنه قال يوما للمأمون أيام خدمته إياه، واستشفافه صبابة عمره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 في ذراه، وقد أجروا ذكر أبي الطيب، فذهبوا في تأبينه كل مذهب: إن راى المأمون - لا فارق العزة والعلاء - أن يشير إلى أي قصيدة شاء. من شعر أبي الطيب حتى أعارضه بقصيدة تنسي أسمه، وتعفي رسمه، فتثاقل أبن ذي النون عن جوابه، علما بضيق جنابه، وإشفاقا من فضيحته وانتشابه. وألح أبو عبد الله حتى أحرج أبن ذي النون وأغراه؛ فقال له: دونك قوله: " لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ". فخلا بها ابن شرف أياما فوجد مركبها وعرا، ومريرتها شزرا، ولكنه أبلى عذرا، وأرهق نفسه من أمره عسرا، فما قام ولا قعد، ولا حل ولا عقد. وسئل أبن ذي النون بعد: أي شيء أقصده إلى تلك القصيدة [35]- فقال: لأن أبي الطيب يقول فيها: " بلغت بسيف الدولة النور " وأنشد البيتين وهذه غريبة ولو صدرت عن أبي العباس المأمون، فضلا عن منتزع لقبه يحيى بن ذي النون. وقدما كبا الجموح، وذهبت بالباطل الريح؛ ولم يندم من بني على أسه، ولا هلك من عرف قدر نفسه. وقد حدثت أيضا أن أبي علي بن رشيق ناجى نفسه بمعارضة أبي الطيب في بعض أشعاره، وراطن شيطانه بالدخول في مضماره، فأطال الفكرة، واعمل النظرة بعد النظرة، فأختار من شغره ما لم يطر ذكره ولا لحظ قدره، فأداه جهده، وذهب به نقده، إلى معارضة قوله: " أمن أزديارك في الدجى الرقباء ". فبث عيونه، وأستمد ملائكته وشياطينه، ولم يدع ثنية حتى طلعها، ولا خبيثة إلا أطلعها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 ولا روية إلا واتسع لها فوسعها؛ ثم صنع قصيدة - فيما بلغني - رأى إنها مادة طبعه، ومنتهى طاقة وسعه؛ ثم حكم نقده، ورضي بما عنده، فرأى أن قصرت يداه، وقصر مداه، وعلم أن الإحسان كنز لا يوجد بالطلب، وميدان لا يستولي عليه التعصب، وصان نفسه ان يحدث عنه بأن تكون الهرة أحسن منه. وقد ذكر عن صاعد، أنه أفتضح في سرقة شعر غير واحد من أهلك تلك ألافاق، من شعراء الشام والعراق، إذ كان ورد بها وهي بغبار السفر، فأشتهر بها في غير ما شعر وخبر. منها قوله يصف إبريقا قد ملئ منه كأس وبقيت في فمه نقطة لو تسقط: وقهوة في فم الإبريق صافية ... كدمع مفجوعة بالإلف معبار كان إبريقا والراح في فمه ... طير تناول ياقوتا بمنقار فكانوا يولعون بهذا التشبيه، كما قاله - زعم - على البداية، وإنما نقل لفظ أبي البركات العلوي مما أنشده الثعالبي: كأنما إبريقا طائر ... يحمل ياقوتا بمنقار او قول أبي الفرج الببغاء من أرجوزة خاطب بها الصابي: كأنما الحبة في منقارها ... حبابة تطفوا على عقارها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 وكان صاعد مع ما قدمته من صفته بديع الجواب حاضره، طيب المعاشرة، فكه المجالسة، ممتعا محسنا للسؤال. حاذقا في استخراج الأموال. دخل على المنصور يوم أنس وقد تقدم وأتخذ قميصا من رقاع الخرائط التي وصلت إليه فيها صلاته ولبسه تحت ثيابه، فلما خلا المجلس ورأى فرة لما أراد، تجرد وبقي في القميص المخيط من الخرائط، فقال له: ما هذا - قال: هذا رقاع صلاة مولانا اتخذتها شعارا، وبكى، وأتبع ذلك من الشكر بما استوفاه. فأعجب به المنصور وقال له: عندي مزيد. وحكي عنه أنه لم يحضر بعد موت المنصور مجلس أنس لأحد ممن ولي بعده، وادعى وجعا لحق ساقه. وكان صاعد كثيرا ما يمدح بلاد المشرق بمجلس المنصور، ويباهي بأخبارها، ووصف أشربتها وأديارها، فكتب الوزير أبو مروان عبد الملك أبن شهيد إلى المنصور في يوم قر بهذه الأبيات: أما تر برد يومنا هذا ... صيرنا للكمول أفذاذا قد فطرت صحة الكبود به ... حتى لكادت تعود أفلاذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 فأدع بنا للشمول مصطليا ... نغذ سيرا إليك إغذاذا وأدع المسمى بها وصاحبه ... تدع نبيلا وتدع أستاذا لو معبدا أو عريضة لحقا ... لكان عن ذا وذاك أخاذا ولا تبال أبي العلاء زها ... بخمر قطربل وكلواذا ما دام من أرملاط مشربنا ... من دير عما وطيزناباذا! - وكان المنصور قد عزم ذلك اليوم على الانفراد بالعيال، فأمر بإحضار الأصحاب، واحضر الوزير أبا مروان، وأخذوا في شأنهم، فمر لهم يوم من الطيب لم يشهد، وألونة من اللهو لم تعهد، وطما الأمر وسما حتى تصايح القوم وتزافنوا، ودار الدور، ثم انتهى إلى الوزير ابن شهيد، وكان لا يطيق القيام لنقرس كان يلازمه، فأقامه الوزير أبو عبد الله بن عياش، فأرتجل الشيخ أبياتا جعل يقود بها وينشد: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 هاك شيخا قاده عذر لكا ... قام في رقصته مستهلكا لم يطق يرقصها مستثبتا ... فأنثى يرقصها مستمسكا عاقة من هزها معتدلا ... نقرس أنحني عليه فاتكا طرب اللهو وقد حق له ... طربا أرمضه حتى أشتكى [36] من وزير فيهم رقاصة ... قام من طيب يناغى ملكا أنا لو كنت كما تعرفني ... قمت إجلالا على رأسي لكا قهقه الإبريق مني ضحكا ... ورأى رعشة رجلي فبكى وكان أيضا في أصحاب ابن شهيد رجل بغدادي يعرف بالكك، له نوادر تضحك، فحضر معه في بعض مجالس النس، وقد ألح عليه وجع النقرس فجعل يصلي الصلوات كلما حانت واحدة بعد أخرى جالسا، وكان عنده ذلك اليوم أحد أصحاب المنصور ممن يعز عليه ويكرم لديه، فلما حمي الوطيس، وانس الجليس، وطاب المجلس، ودارت الأكؤس، ونسيت أوجاع النقرس، وقام ذلك الصاحب الجليس يرقصن ودار الدور حتى انتهى إلى ابن شهيد، فقام يرقص معتمدا على عادته، فقال له البغدادي: لله درك يا وزير! تصلي بالقاعدة وترقص يا لقائمة! فطاب المجلس بهذا الكلام، وتم حسنه أكمل تمام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 وخلع ابن شهيد على الكك، وانتهى الخبر إلى المنصور، فذهب به كل مذهب الضحك. وكان ابن أبي عامر كثيرا ما يرتاح اليه، ويوالي الإحسان اليه؛ أنصرف مرة من غزوة تخلف عنها أبن شهيد لعذره، فكتب إليه من جملة أبيات: أنا شيخ والشيخ يهوى الصبايا ... فبنفسي أقيك كل الرزايا ورسول الإله أسهم في الفي ... ء لمن لم يحث فيه المطايا فأجابه أبن لبي عامر: قد بعثنا فيها كشمس النهار ... في ثلاث من المها أبكار وامتحنا بعذرة الغيد أن كن ... ت توخى بوادر الأعذار فاتئد وأجتهد فإنك شيخ ... قد جلا الليل عن بياض النهار صانك الله من كلالك فيها ... فمن العار كلة المسمار فافتضهن الشيخ من ليلته، وكتب إليه بكرة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 قد فضضنا ختام ذاك السوار ... وأصبغنا من النجيع الجاري وصبونا في ظل أطيب عيش ... ولعبنا بالدر أو بالدراري وقضى الشيخ ما قضى بحسام ... ذي مضاء غضب الظبا بتار فأصطنعه فليس ما قضى كفرا ... وأخذه فحلا على الكفار وأهدى له ابن أبي عامر محفنة خيزران إذ نقرس، فقال: لله نفسك فهي أزكى الأنفس ... عقدت علاها بالجواري الكنس عنيت بحالي كلها حتى لقد ... عليت مكارمها بعلة نقرس فتخيرت لي إذ شكت قدمي الونى ... عليا مطية رحلة لم تحبس لا في العتاق ولا الشواحج تنتهي ... نسبا ولا هي بلأمون العرمس إن أهملت لم تنبعث أو أجهدت ... لم تعتذر أو أحرجت لم تشمس محبوكة من خيزران مائس ... لدن مهزته كريم المغرس ويحفني فيها إذا استمطيتها ... بيض الوجوه هبات أروع أشوس ودخل صاعد على المنصور يوما فلما وصل اليه، وجد عودا بين يديه فقال له المنصور: قد تواتر الخبر. وتحدث عنه البشر، أنك فردا في علم الموسيقى، وقد أردت غير مرة الانبساط معا سرا في ذلك، فشق الأمر على صاعد هنالك. ولم يجد من محيد عن أخذ العود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 فتناوله وحبس أوتاره وسوى تسوية أطربت أبن أبي عامر، ثم اندفع ينشده بيتي مجنون بني عامر: أبى القلب إلا حبها عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو تكاد يدي تندى إذا لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الحضر فغضب ابن أبي عامر وتسور، لتوهمه انه عرض بخير، وقال له: يا أبا العلاء، أب الأخوة عرضت أم الأبناء - وهذه إشارة رئيس أنف من أن يجاوبه، على مغزى ما خاطبه. فاخرج الجواب على التذكير، همة إمام غيور. وذكرت بهذا الحديث ما ذكره بعض الرواة عن المعتصم أنه قال يوما للقاضي أبن أبي داود: أتعلم أن أبي دلف من المغنيين الأفراد وإن كان من الشجعان الأنجاد - قال القاضي: فكيف بسماعه - فأحضره المعتصم، وخبا ابن أبي داود. وعوم عليه في الغناء. فلما أندفع يغني هتكت الستارة. فخجل أبو دلف وقال: أجبروني أعز الله القاضي. قال له ابن أبي داود، يا ماجن، هبهم أجبروك غلى أن تغني فمن أجبرك على الإحسان، فقال أبو دلف: ويريبني منك أيها القاضي معرفتك بمحاسن الألحان وتألف الأوزان!! الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 وان صاعد [كثيرا] ما تستغرب له الألفاظ ويسأل عنها فيجيب عن ذلك أسرع جواب، على نحو ما يحكى عن أبي عمر الزاهد. ولولا انه كان كثير المزاح لما [37] حمل إلا على الصدق. دخل يوما غلى المنصور وبيده كتاب ورد عليه من عامل له أسمه ميدمان بن يزيد من أهل يابرة، يذكر فيه القلب والتزبيل وما عندهم من معانة الأرض قبل زرعها، فقال له: يا أبا العلاء، وقع إلي من الكتب كتاب القوالب والزوالب لميدمان بن يزيد قال: نعم رأيته في نسخة أبي بكر بن دريد بخط كأكرع النمل، في جوانبها علامات الوضاع. فقال له: أما تستحي من هذا الكذب! ! هذا كتاب عاملنا ببلد يابرة، يعلم بالذي تقدم ذكره من صفة الأرض، وإنما صنعت هذه تجربة لك. فجعل يحلف أنه ما كذب وأنه أمر وافق. وقال له المنصور يوما: ما الخنبشار في اللغة - قال: حشيشة يعقد بها اللبن ببادية الأعراب، وفي ذلك يقول شاعرهم: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 لقد عقدت محبتها بقلبي ... كما عقد الحليب بخنبشار وقال له مرة وقد قدم طبق فيه تمر: ما التمر كل في كلام العرب -[فقال] : يقال تمر كل الرجل تمركلا إذا اتلف في كسائه. وكلن مع ذلك عالما؛ حدث العاصمي النحوي قال: لما سألناه مرارا عن مسائل من النحو بحضرة المنصور فقصر فيها، قال ابن أبي عامر: فإنه من طبقتي في النحو أنا أناظره. ثم سألنا صادا يوما فقال: ما معنى قول امرئ القيس: كأن دماء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل فقلنا هذا واضح، وإنما وصف فرسا أشهب عقرت عليه الوحش فتطاير دمها إلى صدره فجاء هكذا، فقال صاعد: سبحان الله! أنسيتم قوله قبل هذا في صفته: كميت يزل اللبد عن حال متنه ... كما زلت الصفواء بالمتنزل قال فبهتنا وكانا لم نقرأ البيت قط. وقد اضطررنا إلى سؤاله، فقال: إنما عنى أحد وجهين: إما انه نضح صدره بالعرق وعرق الخيل ابيض، فجاء مع الدم كالشيب، وإما أشياء كانت العرب تصنعها وذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 إنها كانت تسم باللبن الحار في صدر الخيل فيتمعط ذلك الشعر. وينبت كأنه شعر أبيض. فأياما عنى من أحد الوجهين فالوصف مستقيم. وكان لأبن أبي عامر فتى يسمى فاتنا أوحد لا نظير له في علم كلام العرب، وكل ما يتعلق بالأدب، فناظر صاعد بين يديه، فظهر عليه، وبكته حتى أسكته، فازداد المنصور به عجبا: وكان فاتن حسن الخط، واسع المعرفة، فصيح اللسان، حاضر الجواب، إلى عفاف طعمة، ونزاهة نفس، وجمال صورة، وكان ممن تباهى الملوك يخدمته، وتستريح إلى حلمه، وتوفي هذا الفتى فاتن سنة أثنين وأربعمائة. وبيعت في تركته قطعة دفاتر أدبية حسنة الضبط دلت على جودة عنايته. وكان منقادا لما أنزل به من المثلة، فلم يتخذ النساء ولا كشفن له عورة. وكان في ذلك الزمان في بقرطبة جملة من الفتيان المجابيب. ممن أخذ من الأدب بأوفر نصيب. ورأيت تأليفا لرجل منهم يدعى بحبيب مترجما ب - " كتاب الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة " وذكر فيه جملة من أشعارهم ونوادر أخبارهم. منهم عمارة الصقلي الفتى الكبير، والصقلبي ميسور، ونجم الوصيف وغيرهم ممن يشتمل عليه ذلك التصنيف، وجعلهم خارج من شرطنا، وليس من جمعنا. ومن عجائب الدنيا الغريبة الوقوع، العجيبة المسموع، أن صاعدا أهدى إلى المنصور إيلا وكتب معه بأبيات يقول فيها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 يا حرز كل مخوف وأمان كل مشرد ومعز كل مذلل ... عبد جذبت بضبعه ورفعت من ... مقداره أهدى إليك بإبيل سميته غرسية وبعثته ... في حبله ليتاح فيه تفاؤلي فقضي في سابق علم الله تعالى وقدره أن غرسية بن شانجة من ملوك الروم، وهو أمنع من النجوم. أسر بذلك اليوم بعينه الذي بعث فيه صاعد بالإيل وسماه غرسية على التفاؤل بأسره. وكان أسره في ربيع الأول سنة خمسة وثمانين وثلاثمائة. وهكذا يكون جد للصاحب والمصحوب. ودخل يوما صاعد على المنصور في يوم مطير. وعليه ثياب جدد وخف طري، فمشى على حاشية الصهريج لازدحام من حضر فزلق وسقط في الماء، فضحك المنصور وأمر بإخراجه، وكاد البرد يأتي عليه. فلما نظر إليه [38] أمر بخلع ثياب له، وأدنى مجلسه، ثم قال له: يا أبا العلاء هل قلت في سقطتك شيئا - فأطرق ثم قال: شيئان كانا في الزمان غريبة ... ضرط أبن وهب ثم زلقة صاعد فاستبرد ما أتى به؛ وكان الكاتب أبو مروان الجزيري حاضرا، فقال له: يا أبا العلاء هلا قلت: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 35 سروري بغرتك المشرقه ... وديمة راحتك المغدقة ثناني نشوان حتى هويت ... في لجة البركة المطبقه لئن ظل عبدك فيها الغريق ... فجودك من قبل ذا أغرقه فقال له المنصور: لله درك يا أبا مروان، قسناك بأهل العراق ففضلتهم فبمن تقاس بعد! فأنهض الجزيري للشرطة. وقد فرق حذاق النظر بين البديهة والارتجال، فجعلوا الارتجال ما كان على طريق الانهمار والتدفق لا يتوقف فيه قائله، كالذي وقع للفرزدق إذ أمره سليمان بن عبد الملك بضرب عنق أسير روما، ودس إليه بعض بني عبس سيفا كهاما فنبا حين ضرب به، وضحك سليمان، فقال الفرزدق: فأن يك سيف خان أو قدر أبي ... لتأخير نفس حينها غير شاهد فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد كذلك سيوف الهند تنبو ظباتها ... ويقطن أحيانا مناط القلائد ولو شئت قط السيف ما بين أنفه ... إلى علق دون الشراسيف جاسد ثم جلس وهو يقول: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 36 ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذ أثقل الأعناق حمل المغارم ومن غريب البديهية خبر حبيب، مع الكندي يعقوب، وقد أنشد احمد ابن المعتصم قوله: إقدام عمرو في سماحة خالد ... في حلم أحنف في ذكاء إياس فقال له الكندي: ما صنعت شيئا فإن الأمير أفضل مما ذكرت، وما هؤلاء وقدرهم - فأطرق ثم قال: لا تنكروا ضربى له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس فتعجب من بديهته يومئذ لأنه كان رجلا مصنعا لا يجب أن يكون هذا في طبعه. وقد قيل أن الكندي لما خرج حبيب قال: أرى هذا الفتى يموت شابا لآن ذكاءه ينحت عمره كما يأكل السيف الصقيل غمده. فكان ذلك كذلك، مات وقد نيف على الثلاثين. وكان أبو الطيب كثير البديهية إلا أن شعره نازل فيه. وأهل الشعر في ذلك في سعة من العذر، إذ هو كما قال أبن الرومي: نار الروية نار جد منضجة ... وللبديهة نار ذات تلويح وقد يفضلها قوم لسرعتها ... لكنها سرعة تمضي مع الريح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 37 وقال أبن المعتز: والقول بعد الفكر يؤمن زيغه ... شتام بين روية وبدية ومن الشعراء من شعره فيهما وعند الأمن والخوف سواء، بمقدار قدره كل واحد، وسكون جأشه. وقوة غريزته. كهدبة بن الحشرم، وطرفة بن العبد، ومرة بن محكان السعدي، إذ يقول وقد أمر مصعب بن الزبير بقتله: بني أسد تقتلوني تحاربوا ... تميما إذا الحرب العوان اشمعلت ولست وإن كانت إلي حبيبة ... بباك على الدنيا إذا ما تولت وكعبد يغوث إذ أعطى في نفسه لبني تميم ألف ناقة فأبو إلا قتله، وكانوا قد شدوا لسانه خوفا من الهجاء، فعاهدهم فأطلقوه لينوح على نفسه، فقال القصيدة التي أولها: أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا فيا راكب إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران ألا تلاقيا وتيم بن جميل السدوسي وكان قام بشاطئ الفرات، واجتمع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 38 إليه الأعراب وغلط أمره، فظفر به وحمل إلى باب المعتصم، فلما مثل بين يديه، وكان وسيما جميلا، فأحب المعتصم أن يعلم أين المنظر من المخبر، قال له: تكلم، فقال بعد أن حمد الله ودعا للمعتصم: إن الذنوب تخرس الألسنة، وتعمي الأفئدة، وقد عظمت الجريرة وانقطعت الحجة وساء الظن، ولم يبقى الا العفو أو الانتقام، وارجوا أن أقربهما مني وأسرعها ألي أشبهها بك، وأولهما بكرمك. ثم قال وقد كان قدم [39] السيف والنطع لقتله: أرى الموت بين السيف والنطع كامنا ... يلاحظني من حيثما أتلفت وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ... وأي أمرئ مما قضى الله يفلت وأي أمرئ يدلي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت يعز على الأوس بن تغلب موقف ... يهز علي السيف فيه وأسكت فما حزني أني أموت وإني ... لا علم أن الموت شيء موقت ولكن خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت كأني أراهم حين انعى إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فإن عشت عاشوا خافضين بنعمه ... أذود الردى عنهم وأن مت موتوا فكم قائل لا أبعد الله داره ... وأخر جذلان يسر ويشمت! فعفا عنه المعتصم، وأحسن إليه وقلده عملا. وعلي بن الجهم الذي قال ارتجالا وقد صب عريانا: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 39 لم ينصبوا بالشاذ ياخ عشية ال ... إثنين مفلولا ولا مجهولا نصبوا بحمد الله ملء عيونهم ... حسنا وملء قلوبهم تبجيلا ما ضره أن بز عنه غطاؤه ... فالسيف أهول ما يرى مسلولا إلى غير ذلك من غرائب أهل المشرق. فأما ما جاء في هذا الباب لأهل عصرنا بهذا الأفق، فكالذي وقع لأبي عامر بن شهيد القرطبي مع لمة من أصحابه، فكان حكى أنه قال له: ياابا عامر أنك ات بالعجائب، وجاذب بذوائب الغرائب، ولكنك شديد الإعجاب بما يأتي منك لعطف الزهو عند النادرة تتاح لك، ولكن نريد أن تصف لنا مجلسنا هذا، وكان الذي طلبوه منه يومئذ زبدة التعنيت، ومحة بيضة التبكيت، لأن المعنى الجلف إذ لم يطلب على النفس، وتناوله المحسن أساء فيه، وكانت هيئة ذلك المجلس وصفته مما يقتل لبرده، وهيئته لا يتمكن فيها كلام ولا يتركب عليها معنى: باب غريب معرض في المجلس، ولبد أحمر مبسوط على أرضه، وصدور أخفافهم على حاشيته. وذكر أبوابه وانضمامها على أرجله فقال: وفتية كالنجوم حسنا ... كلهم شاعر نبيل متقد الجانبين ماض ... كأنه الصارم الصقيل راموا انصرافي عن المعالي ... والغرب من دونها فليل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 40 فأشتد في أثرها مسح ... كل كثير بها قليل في مجلس شابه التصابي ... وطاردت وصفه العقول كأنما بابه أسير ... قد عرضت وسطه نصول يراد منه المقال قسرا ... ينظر من لبده الدنيا ... بحر دم تحته يسيل كان أخفافنا عليه ... مراكب مالها دليل ضلت فلم تدر أين تجري ... فهي على شطة تقيل واتفق أن خرج من عندهم فأجتاز بحانوت بعض معارفه من الطرائفيين وبين يديه رامشنة جميلة في زنبيل ملآن حرشفا، فجعل يديه في لجام دابة ابن شهيد وقال له: صف هذا أبا عامر، فأن صاعدا رام وصف ذلك لأبن أبي عامر فلم يأت بشيء غير ذكر الحرشف. فقال ابن شهيد وهو على ظهر دابته: هل أبصرت عيناك يا خليلي ... قنافذا تباع في زنبيل من حرشف معتمد جليل ... ذي إبر تنفذ جلد الفيل كأنها أنياب بنت الغول ... لو نخست في أست أمرئ ثقيل لقفزته نحو أرض النيل ... ليست ترى طي حشا منديل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 41 نقل الخيف المائق المجهول ... وأكل قوم نازحي العقول اقسم لا أطعمتها أكيلي ... ولا طعمتها على شمول وكان يوما مع جماعة من أهل الأدب، بمجلس أبن ذكوان، فجيء بباكور باقلى، فقالوا: لا ينفرد بها إلا من وصفها، فقال أبن شهيد: أن لآليك أحدثت صلفا ... فاتخذت من زمرد صدفا تسكن ضراتها البحور وذي ... تسكن للحسن روضة أنفا هامت بلحف الجنان فاتخذت ... من سندس في جناتها لحفا نثقبها بالثغور من لطف ... حسبك منا في بر من لطفا جاز أبن ذكوان في مكارمه ... حدود كعب وما به وصفا قدم در الرياض منتخبا ... منه لأفراس مدحه علفا أكل ظريف وطعم ذي أدب ... والفول يهواه كل من ظرفا رخص فيه شيخ له قدر ... فكان حسبي من المنى وكفى [40] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 42 وخرج سعدان المؤدب من قرطبة إلى الحجاز وشيعة جماعة، وكان قد باع داره وشد جهاز طريقه تحته في خرجه، فقال فيه يومئذ مؤمن بن سعيد: قد بعت دارك فأرحل غير محتقب ... زاد التقى عن بني الدنيا إلى سقر لما رأيت أذى الأمطار متصلا ... حصنت دارك في خرج عن المطر فلست تخشى على حيطانها زللا ... من واكف يهدم البنيان منهمر زودتك اللعن به مخصوصا به أبدا ... لما غدوت بلا زاد على سفر فأغرب إلى حيث لا ماء وشجر ... كما غنيت بلا ماء ولا شجر وساير أبن عمار في بعض الأسفار غلامين وسيمين من بني جهور، أحدهما أشقر والأخر بعذار أخضر، فكان يميل بحديثه من ظهر دابته إلى الذي وصفه منهما حيث قال ارتجالا: تعلقته جهوري النجار ... حلو اللثى جوهري الثنايا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 43 من النفر البيض جروا الزمان ... رقاق الحواشي كرام السجايا ولا غرو أن تغرب الشارقات ... وتبقى محاسنها بالعشايا ولا وصل إلا جمان الحديث ... نساقطه من ظهور المطايا شنئت المثلث للزعفران ... وملت إلى خضرة في التفايا قال ابن بسام: وكان الأستاذ أبو الوليد بن ضابط قد بدأ عليه بالقراءة الوزير أبو محمد بن عبدون وهو غلام أبن ثلاث عشر سنة، وكان ابن ضابط المذكور متكسبا بالشعر. فضجر يوما وقال: " الشعر خطة خسف " فقال له أبن عبدون: ................ ... لكل طالب عرف للشيخ عيبة عيب ... وللفتى ظرف ظرف والبديه والارتجال في هذه الأشعار الأندلسية وإن لم تلحق بالأشعار المشرقية، ولا فيها كبير طائل، ولا تقرب مما ألصقته أليها من أشعار الأوائل، فهي نحوي في هذا المجموع الذي أنتحيت، وطلقي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 44 الذي إليه جريت، ولذلك لا أثبت مذالها ومصونها، وكتبت غثها وسميتها، والأدب طريق يسلكها الصحيح والجرب، وسوق ينفق فيها الدر والمخشلب، ولأخرج من جد إلى هزل، وأنتقل من حزن إلى سهل. رجعت إلى ما قطعت من أخبار صاعد، وما يتعلق بها ويذكر بسببها من الفوائد. إيجاز الخبر ن أسر غرسية الذي ذكر قال أبن حيان: لما قفل ابن أبي عامر سنة أربع وثمانين عن بلد غرسية صاحب قشتيلة، حشر عدو الله جموعه لغزو بلاد الأسلام، فأغتنم المنصور لذلك. فبينما هو يحاول بعض الأمر هنالك إذ وردت عليه كتاب قند الوزير صاحب مدينة سالم يذكر أنه أسرى في نخبة أهل ثغره إلى بلد غرسية فقتل وغنم. ثم أنكمش فتبعه غرسية في قطعه حسنة من نخبة حماته. فثبت الله أقدام الإسلام، وأقام بيد قند يعالجه من جرحه فهلك في يديه، وحز رأسه وجعله في تابوت، وأنفذه إلى حضرة قرطبة، وأختزن جسده إلى ان دفع مع رأسه إلى ولده شانجة عند عقد السلم بعد مدة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 45 مقتل أبي مروان الجزيري وكان أبو مروان عبد الملك الجزيري أحد شعراء الأندلس المجيدين وقته وممن أجتمع له بهذا الإقليم نوعا البلاغة في المنثور والمنظوم. وتقدم عصره منعني من ذكره؛ وفي خبر مقتله طول، لكن نلمع منه بلمعة، بعد أن تقدم من نوعي كلامه قطعه. فمن ذلك أن المنصور بن أبي عامر صنع صنيعا في ذلك الأوان، لتطهير أبنه عبد الرحمن، وكان عام قحط فأرتفع السعر بقرطبة، وبلغ ربع الدقيق إلى دينارين، فجلا الناس. فلما كان يوم ذلك الصنيع، نشأت في السماء سحابة عمت الأفق، ثم أتى المطر الوابل فاستبشر الناس وسر أبن أبي عامر فقال الجزيري بديهة: أما الغمام فشاهد لك انه ... لا شك صنوك بل أخوك الأوثق وافي الصنيع فحين تم تمامه ... في النحو أنشأ ودقة يتدفق [41] وأظنه يحكيك جودا إذا راى ... في اليوم بحرك زاخرا يتفهق ومنها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 46 وتوسطتها لجة في قعرها ... بنت السلاحف ما تزال تنقنق تنساب من فكي هزبر أن يكن ... ثبت الجنان فإن فاه اخرق صاغوه من ند وخلق صفحتي ... هاديه محض الدر فهو مطوق للياسمين تطلع في عرشه ... مثل المليك عراة زهو مطرق ونضائد من نرجس وبنفسج ... وجني خيري وورد يعبق ترنو بسجو عيونها وتكاد من ... طري إليك بلا لسان تنطق وعلى يمينك سوسنات أطلعت ... زهر الربيع فهن حسنا تشرق فكأنهما هي في اختلاف رقومها ... رايات نصرك يوم بأسك تخفق في مجلس جمع السرور لأهله ... ملك إذا جمعت قناة يفرق حازت بدولته المغارب عزة ... فغدا ليحسدها عليه المشرق وعتب عليه المنصور وسجنه في مطبق الزاهرة، وأستعطفه برسائل وأشعار عدة، فلم يسمع منه، ثم صفح بعد عنه، فكتب إليه الجزيري: عجبت من عفو أبي عامر ... لا بد ان تتبعه منه كذلك الله إذا ما عفا ... عن عبده أدخله الجنة فسر المنصور بذلك وصرفه إلى حاله، ورد عليه ما كان أعتقل من ماله. ومن شعره أيضا، مما اندرج له في أثناء نثره الذي ملح فيه، مخاطبته على السنة أسماء كرائمه بزهور رياضه. من ذلك عن بهار العامرية قصيدة أولها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 47 حدق الحسان تقر لي وتغار ... وتضل ي صفتي النهى وتحار طلعت على قضبي عيون كمائمي ... مثل العيون تحفها الأشفار وأخلص شيئا بي أذا شبهتني ... در تنطق سلكها دينار أهدى له قضب الزمرد ساقه ... وحباه أنفس عطره العطار أنا نرجس حقا بهرت عقولهم ... ببديع تركيبي فقيل بهار ومن أخرى على لسان نرجس العامرية: حيتك يا قمر العلا والمجلس ... أزكى تحيتها عيون النرجس زهرا تريك بحسنها وبلونها ... زهر النجوم الجاريات الكنس يملكن أفئدة الندامى كلما ... دارت بمجلسهم مدار الأكؤس ملك الهمام العامري محمد ... للمكرمات وللنهى والأنفس ومن أخرى عن بنفسج العامرية: إذا تدافعت الخصوم - ايد الله مولانا المنصور - في مذاهبها، وتنافرت في مفاخرها، فإليه مفزعها، وهو المقنع في فصل القضية بينها، لاستيلائه على المفاخر بأسرها. وعلمه بسرها وجهرها. وقد ذهب البهار والنرجس في وصف محاسنها، والفخر بمشابههما كل مذهب. وما منهما إلا ذو فضيلة، غير ان فضلي عليهما أوضح من الشمس التي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 48 تعلونا، وأعذب من الغمام الذي يسقينا. فإن كانا قد تشبها في شعرهما ببعض ما في العالم من جواهر الأرض ومصابيح السماء، وهي من الموات الصامت، فإني أتشبه بأحسن ما زين الله به الإنسان وهو الحيوان الناطق. مع أني أعطر منهما عطرا، واحمد خبرا، واكرم إمتاعا شاهدا وغائبا، ويانعا وذابلا. وكلاهما لا يمتع إلا ريثما يمنع.ثم إذا أذبل تستكره الأنوف شمه، وتستدفع الأكف ضمه، وأنا أمتع رطبا ويابسا، وتدخرني الملوك في خزائنها وسائر الأطباء، وأصرف في منافع الأعضاء. فإن فخرا باستقلالهما على ساق هي أقوى من ساقي، فلا غرو أن الوشي ضعيف، والهواء لطيف، والمسك خفيف وليس المجد يدرك بالصراع ... وقد أودعت - أيد الله مولانا - قوافي الشعر من وصف مشابهي ما أودعاه، وحضرت بنفسي لئلا أغيب عن حضرتهما، فقديما فضل الحاضر وأن كان مفضولا، ولهذا قالوا ألذ الطعام ما حضر لوقته، وأشعر الناس من أنت في شعره؛ فلمولانا أتم الفضل في ان يفضل بحكمه العدل. وأقول: شهدت لنوار البنفسج السن ... من لونه الأحوى ومن إيناعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 49 لمشابه الشعر الأثيث أعاره ال ... قمر المنير الطلق نور شعاعه ولربما جمد النجيع من الطلى ... في صارم المنصور يوم قراعه فحكاه غير مخالف في لونه ... لا في روائحه وطيب طباعه ملك جهلنا قبله سبل الهدى ... حتى وضحن بنهجه وشراعه في سيفه قصر لطول نجاده ... وتمام ساعده وفسحة باعه ذو همة كالبرق في إسراعه ... وصريمة كالحين في إيقاعه تلقى الزمان له مطيعا سامعا ... وترى الملوك الشم من أتباعه [42] قال ابن حيان: وكان عبد الملك بعد أبيه قد فوض إلى عيسى بن سعيد القطاع وزيره أمره، فصار عيسى قيم الدولة؛ فحده رجال العامرية، وحملوا طرفة فتى عبد الملك على مناوأته؛ فسمت نفس طرفة لذلك الفضل همة كانت له، وحظ أدب ميزه عن طبقته. فأستخلص من أعداء عيسى لمة، منهم عبد الملك الجزيري وأبو العباس بن ذكوان، فزين له التقدم عليه. وعرفه الجزيري مل تهيأ لكافور الأسود مولى محمد بن طغج صاحب مصر من الملك باسم مولاه تلك المدة الطويلة، وان محله فوق محل ذلك بابيضاض النفس والجلد، واكتمال الفضل والمعرفة. فأصغى له طرفة وتدبر برايه، وحمل مولاه على ان قدم عبد الملك الجزيري إلى خطة الوزارة. فعارض عيسى في كل أمر حتى كاد يسقطه لولا استخذاء عيسى له. ثم أعتل عبد الملك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 50 المظفر فأنفرد طرفة بخدمته، وكثر الإرجاف به، فجمل له ابن الجزيري بغية وسوء رأيه، وجسره على ان يضبط الأمر لنفسه باسم الطفل مولاه، على رسم كافور الذي ذكرناه. ثم رأى المظفر أن يخرج عسكرا إلى شرقي الأندلس لإنقاذ ما فيه من الأطعمة، فهش فتاة طرفة لذلك، وسأل مولاه ان يخرج معه عيسى الوزير وقد اسر الإيقاع به، فأجابه مولاه لذلك، فأخذ في التجهيز وأسرف فيما أتاه، ولم يبق من وجوه القواد وصنوف العدد والحلي وكرئم النجائب عند مولاه إلى ما قدر له حتى صار في أبهة الملوك،. وأخذ الوزير عيسى في الخروج معه، فتثاقل له، وأحس بالشر في صحبته ورام الانفراد بالمظفر في ذلك، فلم يمكنه لضبط طرفة باب مولاه، فألقى عيسى بنفسه إلى مفرج صاحب مدينة الزاهرة ثقة المظفر واستغاثه لمحنته. فوصل له رقعة إلى المظفر شرح فبها مراد طرفة. عند ذلك أتي [طرفه] من مأمنه واستعفى الخروج جملة فلم يساعفه مولاه؛ فنفذ لطيته، والعجب يقوده والحين يسوقه. وخلا وجه المظفر لعيسى بعده، وذكر له أشياء حنق بها على طرفة. فخرج معه وزيره عيسى، والجزيري يغالطه القدح في طرفة، وفي قلبه عيسى النار المتضرمة، وعيسى أعلم الناس بنفاقه، وأحبهم في سفك دمه. فلما صار عبد الملك إلى بعض الطريق دبر عيسى على ابن الجزيري أن ينصرف إلى حضرة ليحصل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 51 قبض بقايا الخراج والنفقات، ولم يحس بما دبر عليه وعلى صاحبه. فلما وصل المظفر سرقسطة، وطرفة مرتقب قدوم مولاه على مقربة منها، دخل في أبهته وتعبئته وصار إلى قصر مولاه مدلا بمنزلته، فعدل به عن مجلسه ولم تقع عين المظفر عليه، وقيد لوقته، وأخرج إلى الجزائر الشرقية، فلم يكن بين دخول سرقسطة أمير وخروجه عنها أسيرا إلا ساعة. وأتخذ الناس حديثه عجبا، ثم انفذ المظفر إلى الحضرة بضم عبد الملك الجزيري إلى المطبق بالزاهرة، وكتب عيسى الوزير إلى مفرج العامري والى عبد الملك بن مسلمة، وكانا من أعداء ابن الجزيري، وحرضهما على ابادته، فأدخل عليه في مطبقه قوم من السودان وخنقوه، وأشيع موته، وأخرج ميتا بعد أيام، وأسلم إلى أهله ولا اثر به، ودفن في شوال سنة أربع وتسعين. فصرع منه - رحمه الله - يومئذ فارس نثر ونظام، ومزق بقتله وشي الكلام، وكان يشبه في ذكاه وأدبه مع عقربية الطبع، وكثرة الضر وقلة النفع، محمد بن زيات في ذلك الصقع. اخبرني ابن خلف بن حسين قال: سألت الذي تولى قتل ابن الجزيري في محبسه فجعل يصف لي سهولة ما عاناه منه لقضافته وضعف أسره ويقول: ما كان الشقي إلا كالفروج في يدي. دققت رقبته بركبتي فما زاد ان نفخ في وجهي. فعجبن من جهل هذا الأسود. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 52 رجع ما أنقطع وكان صاعد قد طولب في أخريات تلك الدولة، وانتهت به الحال، إلى ان اغرم في خبر طويل مائة مثقال.، فاستغاث على بن وداعة أحد الفرسان الأبطال ونبهاء الدولة - كان - في ذلك الأوان، وكتب إليه قال فيها: أني على وهني، وما أخذه الدهر مني، ونحته من قدحى، لأربأ بالفضل أن ينحط إلا في مصابه، ويحل رحله في غير معانه. فلم أحوم على أحد طير رجائي، ولا رمقت بأملي إلا من نوة الله باسمه، وناسب بين أحواله، وشاب بين خلاله؛ فسبحان من جعل سنانك عدل لسانك، وبيانك كفء طعانك، فالألسن تتنادم على وصفك، والقلوب تعاقر خمرة حبك، خبيئة أذاعها الله منك، وذخيرة أبرزها الدهر بك، وما زلت في الايام التي تعرفها منقبا على محاسنك، بحاثا لأثارك بالعدوة وذواتها، ومقارعتك الأهوال، ومماصعتك الأبطال، عاركا بجنبيك شوكة [43] الأسنة، ومماجيا أطراف الاعنة، فأذكر بك صعاليك العرب وذؤبانها، وشعراء الفرسان وغربانها، كعنتزة وزيد الخيا، وانت بهمة السرية وقرن الكتيبة؛ وغارة قومك من سليم على فرازة ونذيرها يهتف: أتيتم يافزازة! هذه سليم والموت! وأنا ابن عمك من ربيعة، إذ هي وسيم أحلاف، فالعدنانية تلفنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 53 والنسب يضم شعبنا. وفي البلد من وترني فاستفاد منه لساني، وظلمني فأنتصر لي حماة كلماتي، فأرسلتها فيه شعثا قباحا، موروثة في الأعقاب، خالدة على الأحقاب، أشرد من نعامة، وألزم له من طوق الحمامة، فهو يبغيني الغوائل، ويبث لي الحبائل. ومن شعره فيه: أبا حسن ربيعة من سليم ... سنان زان عالية الرماح وإني عائد بك من هنات ... نحتن دعائمي نحت القداح فكر على ابن عمك وانشله ... فليس حمى ابن عمك بالمباح فإن الجار عندك بين جنبي ... عقاب الدجن كاسرة الجناح ومنها في المدح: تصد الخيل باسمك في غدير ... على ضما عن الماء القراح تظنك طالعا بيني سليم ... عليها عند مفتضح الصباح إذ ساورت قرنك في مكر ... جعلت له ذراعك كالوشاح فما نفع بعلي بن وداعة، ولا كانت له فيه شفاعة. وكان خاطب أي اهشام بن الحكم الخليفة في تلافي حاله، فما أصغى له لزهده فيه وفي أمثاله. وعوجل علي بن وداعة وقتل في خبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 54 طويل، فأنسد باب الفهم بقرطبة يومئذ وطمست العبدى العاقبون له رسمه، وأيس ذوو الأحساب منهم، فتفرقوا شذر مذر، ولم يبقى بها منهم من له خطر. وتناصرت خلال المكروه فيما بعد على صاعد بارتجاج الفتنة، غلاء سعر ورخص شعر، حتى أختل وعجز عن ستر ولده وأهله، وبخل هشام على ذلك كله بتسريحه والأذن له بالانطلاق عن الأندلس فرقا من خبث لسانه. فخرج مستخفيا وجاز بشلطيش على يد أبي زيد البكري رئيسها سنة ثلاث وأربعمائة، فأتصل بصاحب صفلية، وفارق البؤس، وراجع النعمة. ثم رجع إلى الأندلس أثر غلبة سليمان والبرابر على قرطبة مستخرجا لمن تخلف بهامن أهله وولده. وتعرض أيضا لمديح سليمان فما أنجح معه ولا أفلح. وقد كان استطرف أول دولته، فرئمه رئمان العلوق ولم يقره قرضا لاستحالته عن فعل الجميل جملة. ثم عجل الانكفاء إلى صقلية، ومات بها رحمه الله سنة عشر وأربعمائة. قوله: " جعلت له ذراعك كالوشاح " أخذه من قول أسر يزيد بن الصعق: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 55 تركت الركاب لأربابها ... وأكرهت نفسي على أبن الصعق جعلت يدي وشاحا له ... وبعض الفوارس لا يعتنق ونعقب أخبار صاعد بمصادره وموارد من أخبار أبن أبي عامر، منسوقة الأوائل والأواخر، مقيدة العيون والنوادر، ونلمع بشيء من الأسباب التي ذلت له الصعاب، وأخضعت له الرقاب. وغنما نعتمد من الأخبار أشهرها بسوقا، وأخصرها طريقا، وأمسها بالأدب رحما، وأشبهها بغرض هذا الكتاب أرضا وسما. وبحسبنا من دولة ابن أبي عامر ان ننقل نص ابن حيان: كيف طلعت نجومها، ومن أين نشأت غيومها، ونتلي ذلك كيف مال ظلها وأضطرب حبلها، إذ أكثر ما يقال للحاضر من أين طلع، وللغابر الدابر ما صنع، ونهاية المراد، علم الكون والفساد. تلخيص التعريف بدولة ابن أبي عامر من الأول إلى الأخر هو أبو عامر محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر محمد بن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك المعافري. وعبد الملك جده وهو الداخل بالأندلس مع طارق مولى موسى بن نصير في أول الداخلين من المغرب. وهو في قومه وسيط. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 56 ونقلت من خط ابن حيان قال: انتهت خلافة بني مروان إلى الحكم تاسع الأئمة فيها، فتناهت في السرو والجلالة والكمال والأبهة، ونظم رواة الأخبار وحملة الآثار من مناقبه ما طار كل مطار في جميع الأقطار، إلا أنه - تغمد الله خطاياه - مع ما وصف من رجاحته، كان ممن استهواه حب الولد وأفرط فيه، وخالف الحزم في توريثه الملك بعده في سن الصبا، دون مشيخة الأخوة وفتيان العشيرة [44] ومن يكمل للإمامة بلا محاباة، فرط هوى ووهلة انتقدها الناس على الحكم وعدوها الجانية على دولته. وقد كان يعيبها على ولد العباس قبله، فأتاها هو مختارا ولا مرد لأمر الله. وقد كان يعيبها على ولد العباس قبله، فأتاها هو مختار ولا مرد لأمر الله. وذلك انه نفس بسلطانه على ثلاثة رجال من أخوته ولد الناصر: عبد العزيز شقيقه والأصبغ والمغيرة، مع جماعة من ولد الخلفاء كهول وشبان، ما فيهم إلا مضطلع للأمر قوي عليه. فتخطى جماعته إلى أبنه هشام وهو في الوقت طفل ما بلغ الحلم. قال ابن بسام: وحدثت عن احمد بن زياد عن محمد بن وضاح عن رجل يتكلم في الحدثان انه قال: لا يزال ملك بني أمية بالأندلس في إقبال ودوام ما توارثه الأبناء عن الآباء، فإذا انتقل إلى الاخوة وتوارثوه بينهم فقد أدبر وأنصرف. فلعل الحكم بهذا الخبر توهم، فجاذبه عن اخوته؛ وإن كان ذوو اللب والنظر، لا يلتفون إلى مثل هذا الخبر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 57 رجع الخبر إلى ابن حيان: وكان جوذر وفائق فتيا الحكم قد أخفيا موته، ودبرا على صرف البيعة إلى أخيه المغيرة. وكان قال له فائق: إن هذا لا يتم لنا إلا بقتل جعفرٍ المصحفي. فقال له جوذر: ونستفتح أمرنا بسفك دم شيخ دولة مولانا -! قال له: هو والله ما أقول لك. ثم بعثنا إلى المصحفي ونعيا إليه الحكم، وعرفاه برأيهما في المغيرة، فقال لهما المصحفي: وهل أنا إلا تبع لكما وأنتما صاحبا القصر ومدبرا الأمر، ولكما الرأي فيما قلتماه؛ فأخذا في تدبير ما رأياه. وخرج المصحفي وجمع حاشيته وجنده، ونعى إليهم الحكم وعرفهم مذهب جوذرٍ وفائق في المغيرة، وقال: إن بقينا على ابن مولانا كانت الدولة لنا. وإن بدلنا استبدل بنا. فقالوا: الرأي رأيك. فبادر المصحفي ببعثه محمد بن [أبي] عامر مع طائفة من الجند وقته إلى دار المغيرة لقتله. قال ابن أبي عامر: فألفيت المغيرة مطمئناً لا خبر عنده. فنعيت إليه أخاه الحكم فجزع. وعرفته جلوس ابنه هشام في الخلافة. فقال: أنا سامع مطيع. فكتبت إلى جعفر بحاله وبالصورة التي ألفيته عليها من السلامة. فراجعني جعفر المصحفي وهو يقول: غررتنا. اقض عليه وإلا وجهت غيرك من يقتله! فقتل رحمه الله خنقاً. وكانت علة الحكم الفالج. وكان تقدمه عبد العزيز أخوه بمديدة. وتعطل أخوه الأصبغ ببطالة أزالت عنه الرهبة. فذهبت عن جعفر بن عثمان فيهما الحزة. وتوفر اهتمامه بعدهما بالمغيرة. وكان فتى القوم كرماً ورجلة. وممن أشير نحوه بالأمر بأسباب باطنة، فأخذ له أهبته؛ فلما قضى الحكم نحبه ليلة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 58 الأحد الثالثة من صفر سنة ست وستين، بادر بالمغيرة على الصفة المذكورة. وافتتح المصحفي أمره بعد بإيثار النصفة، وإطراح الكبر. وكان أول ما أتاه من ذلك صدر تقلده حجابة هشام - وقد رفع فراشه فوق الوزراء أصحابه، وأبدل بالكتان الديباج على سالف العادة - أن قال: إني أستحيي من أصحابي أن أتمهد أفضل من فرشهم. مع عجزي عن درك شأوهم، غير أنا نسلم لأمير المؤمنين اختياره، فإما يساوي بيننا في فرش كرامته، وإما أقرنا على الأمر الأول ولا كفران لنعمته، فأفرش للجميع، مذ زال فرش الديباج، فرش الكتان، فجرى عليهم الرسم إلى آخر الزمان. واستحسن فعل جعفر يومئذ وعد من [بعد] غوره. وعول جعفر في سائر أوقات دولته على هذا النوع من السياسة، فلزم التواضع للناس، وأطلق لهم البشر وألان كنفه ووطأ خلقه. ورأى أنهم بذلك يصلحون له، دون البذل لذات اليد والمواساة في النعمة؛ فاستأثر بالأعمال، واحتجن الأموال ولم ينلهم، وبنى المنازل وهدمهم، وشح بالنشب وسخا بهم. وعارضه من محمد بن أبي عامرٍ فتىً ماجد أخذ معه بطرفي نقيض: بالبخل جوداً، وبالاستبداد أثرة، [و] باقتناء الضياع واصطناع الرجال، حتى غلبه عما قليل. وتحركت حال ابن أبي عامر لأول الدولة، وشارك في التدبير بحق الوزارة، وتقوى على أمره بنظره في الوكالة وخدمته للسيدة صبح أم هشام. وكانت حاله عند جميع الحرم أرفع الأحوال، بقديم الاتصال، وحسن الخدمة، والتصدي لمواقع الإرادة، وطلاقة اليد في باب الإلطاف والهدية فأخرجن له أمر الخليفة هشامٍ إلى حاجبه جعفر في الاستعانة به الجزء: 7 ¦ الصفحة: 59 في التدبير والمشورة له في الأمور، والاختصاص به على الجمهور. وكان جعفر لمحمدٍ على بعض ما أريد منه ثقةً به وسكوناً إلى جهته، فامتثل ما أمر به في ابن أبي عامر لغفلته، وتزيد في بره، وأشركه في سره وجهره. وانهمك [45] ابن أبي عامر في مغالطة جعفر، وأراه أنه صاحبه الحائط لخاله؛ وعول جعفر على رأي محمد، ووصل يده بيده، واستراح إلى كفايته، وابن أبي عامر يمكر به ويضرب بين حسدته، ويناقضه في أكثر ما يعامل به الناس، ويجعل إليهم بالبذل وقضاء الحوائج، ويتقدم من المعالي إلى ما يحجم جعفر عنه؛ يستضم الرجال وجعفر يدفعهم، ويزيدهم وجعفر ينقضهم، يظن أنه كل يحمله عنه، فيا لك من جامع لمحمدٍ ومفرقٍ عن جعفر! إلى أن هوى نجمه وزال أمره. وكان أول اتصال ابن أبي عامر بالحكم أنه وصف له فاستخلف على قضاء كورة ريه، ثم تصرف في وكالة صبحٍ أم هشام، فاضطلع بكل ما قلد، استهوى هذه المرأة بحسن الخدمة - وهي الغالية على الحكم - فأزلفته، وولي الشرطة والسكة والمواريث؛ والسكة يومئذٍ أعلى الخطط في الإفادة. وقرن له بهذا كله القضاء بإشبيلية، فعلت حاله وعرض جاهه، وعمر بابه في حياة الحكم، وهمته ترتمي به وراء ما يناله من الدنيا أبعد مرمىً، وهو كل ذلك يغدو إلى باب جعفر ويروح، ويختص به ويتحقق نصيحته، إلى أن أحظاه الجد وساعده القضاء، فأسقط جعفراً. فلما انفرد بشأنه وتمكن من سلطانه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 60 توثق لنفسه وحصن ماله، ورمى إلى الغرض الأقصى من ض بط الملك والحجر عليه والاستبداد دونه. وامتثل رسم المستغلين على سلطان ولد العباسي بالمشرق من أمراء الديلم في عصره، فنال بغيته، وتهنأ ميشته، وأورثه عقبه بعده، من غير اقتدار عليه بجندٍ خاص ولا صيال بعشيرة، ولا مكاثرةٍ بمال ولا عدة، بل رمى الدولة من كنانتها، وعدا عليها بأعضادها، وانتضلها بمشاقصها، وأنفق على ضبطها أموالها وعددها، حتى حولها إليه، وسبكها في قالبه، وسلخ رجالها برجاله، وعفى رسومها بما أوضح من رسومه، وأسقط رجال الحكم من سائر الطبقات: الكتاب والعمال والقضاة والحكام وأصحاب السيوف والأقلام، ومزقهم، وأقام بإزائهم من تخرجه واصطناعه رجالاً سدوا مكانهم، ومحوا ذكرهم، أعانوه على أمره. وأول عروة فض ابن أبي عامرٍ من عرى الملك جماعة الصقلب، استخرج منهم بأسباب المصادرة أموالاً جمةً استأثر بأكثرها، وتتبع لذلك كتابهم وأسبابهم وقتاً بعد آخر، وتقسمتهم أيدي القدر نفياً وقتلاً، صبراً وغلبة، سراً وعلانية، حتى هلكوا عن آخرهم في أسرع مدة. واختلفت مقاتلهم بحسب استيفائهم مدد أعمارهم، فلم يصح لي تاريخ ذلك على حقيقته. فكانت تلك الطائفة أول من ظهر انتقام الله تعالى بابن أبي عامر منها؛ فكانوا جبارين قاسطين في بلاده، متمردين على عباده. فأرسله بقدرته على هذا النمط من خلقه فأبادهم، ونجا أهل السلامة من سورته، وتلك عادته تعالى في من نكب عن سبيله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 61 ذكر دفاع ابن أبي عامر العدو صدر الدولة وقيامه بالجهاد دون الجماعة وتوصله بذلك إلى تدبير الملك قال ابن حيان:وجاشت النصرانية بموت الحكم، وخرجوا على أهل الثغور، فجاء صراخهم إلى باب قرطبة فلم يجدوا عند جعفر غناء ولا نصرة. وكان مما غرب به لجبنه وعظيم أفنه أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم آنة لغمقه وسوء دجلته، يلتمس بذلك دفاع العدو عن حوزته؛ لم تتسع حيلته لأكثر من ذلك مع وفور جيش السلطان يومئذ وجموم أمواله، فكانت من سقطات جعفر المأثورة؛ فأنف ابن أبي عامر من تلك الدنية، وأشار على جعفر بتجريد الجيش للجهاد، وخوفه سوء العاقبة في تركه، وأجمع الوزراء على ذلك إلا جماعة خاموا عنه، فبادر ابن أبي عامر إليه ووعد من نفسه الاستقلال به على أن يختار الرجال، ويجهز لغزوته مائة ألف مثقال، فنفر بالجيش ودخل على الثغر الجوفي إلى جليقية، فنازل حصن الحامة من أعمال ردمير، فدخل ربضه وأفشى النكاية وغنم، وقفل ووصل الحضرة بالسبي إلى أثنين وخمسين يوماً، فعظم السرور وخلص الجند له، واستهلكوا في طاعته لما رأوه من كرمه. حدثني أبي خلف بن حسين قال: تذاكرنا جود ابن أبي عامر [46] يوماً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 62 وبالحضرة محمد بن أفلح غلام الحكم، فقال: عندي من جوده غريبة، أنكحت بنتي على عهد مولانا الحكم والحال بنا ضيقة، فاضطررت لما أصلح به حال الجارية إلى بيع لجام محلى ثقيل الوزن رديء العيار، وكان عندي لزينتي أيام المراكب، وتقاعد فيه التجار فانقطع بي أملي؛ فوقع في نفسي قصد ابن أبي عامر صاحب السكة للذائع من كرمه، وأعظم رغبتي أن يضرب لي في السكة دراهم، فقصدته وعرفته رغبتي، فسارع بأطلق وجه وقال: سر إليّ بدار الضرب؛ فجئته وأوصلني إلى نفسه والدراهم المطبوعة بين يديه، وأومأ إليّ فأخرجت اللجام وأنا خائف من صرفه لسقوط عياره، فوالله ما نظر إليه ولا عايره، وراطلني والله باللجام بحدائده وسيوره. فأخذت ما لم يدر في وهمي أني أظفر بمثله. وعظم ابن أبي عامر في عيني، وقمت عنه وحجري ملآن ولا أصدق بما حصلت عليه؛ فجهزت بني وفضل لي شيء يكفيني؛ وقل مولاي الحكم في عيني وأحببت ابن أبي عامر، حتى لو دعاني إلى معصية الحكم - وهو مالك رقي وإمامي - لما قعدت عنه. مظاهرة غالب مولى الناصر لمحمد بن أبي عامر ومظاهرته على المصحفي إلى أن أسقطه ومات في سجنه قال ابن حيان: وكان بين المصحفي وغالب صاحب مدينة سالم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 63 شيخ الموالي وفارس الأندلس غير مدافع أشد ما كان بين اثنين من العداوة والتقاطع. فأهم المصحفي شأنه، وناظر الوزراء في ما بدا من تثاقله في الذب عن الثغر، فأشاروا باستصلاحه، وبادر بذلك ابن أبي عامر لما أراده من مظاهرته، فلم يزل يقوم بشأنه ويخدمه داخل الدار من قبل الحرم كعادته حتى تم على إرادته، وخرج الإذن أن ينهض غالب إلى ثنى الوزارة ويدبر جيش الثغر. وابن أبي عامر جيش الحضرة. ثم خرج ابن أبي عامر إلى غزاته الثانية، واجتمع به وتعاقدا على الإيقاع بجعفر. وقفل ابن أبي عامر غانماً، وبعد صيته، فخرج أمر الخليفة هشام بصرف المصحفي عن المدينة، وكانت في يده يومئذ، فخلف عليها ابنه. فخرج ابن أبي عامر نحو كرسيها في ذلك اليوم والخلع عليه، ولا خبر عند جعفر، وإن ابنه لجالس مجلسها في أبهته، حتى صعد ابن أبي عامر نحوه، فولى ولد المصحفي الدبر ناكصاً على عقبه، وأتبع بدابته، وعاد إلى داره. وملك محمد بن أبي عامر الباب بولايته الشرطة، وأخذ على جعفر وجوه الحيلة، وخلاه وليس بيده من الأمر إلا أقله. وكان ذلك - زعموا - بتدبير غالب معه عند اجتماعهما بالثغر، وقال له: سيطير لك ذكر بهذا الفتح ويشغل السرور أهله عن الخوض فيما تحدثه من قصة، فإياك أن تخرج عن الدار حتى يعزل جعفر عن المدينة وتتقلدها، ويزول أمره على الباب والدار ويتم عليه التدبير حتى يزال عن الحجابة. ففعل ذلك وضبط المدينة ضبطاً أنسى به أهل الحضرة من سلف قبل من الكفاة أولي السياسة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 64 وانهمك ابن أبي عامر في صحبة غالبه؛ ففطن جعفر لتدبير ابن أبي عامر عليه بعد من وهلته، فكاتب غالباً يستصلحه وخطب أسماء بنته لابنه عثمان، فأجابه غالب لذلك. وكادت تتم مصاهرته له. وبلغ ابن أبي عامر فقامت قيامته، وكاتب غالباً يخوفه الخيلة ويهيج منه الحقد. وألقى عليه أهل الدار وكاتبوه فصرفوا غالباً، ورجع إلى محمد بن أبي عامر وأنكح تلك الابنة إلى قصره وجهزها إلى محمد بن أبي عامر من قبله؛ فظهر كل الظهور، واستوثق له التدبير، وصار عنده جعفر لا شيء، إلا أنه غالطه زمنه إلى أن أحكم أسباب صرفه. واستقدم السلطان غالباً وقلده خطة الحجابة مشتركاً كع جعفر. ودخل ابن أبي عامر بأسماء بنته ليلة نيروز العام المؤرخ، وكانت أعظم ليلة عرس بالأندلس. ولجعفر في ذلك رسالة إلى السلطان حسنة في بابها تملق فيها وتصنع، وهو قد أيقن بالنكبة؛ وكف عن اعتراض ابن أبي عامر في شيء من التدبير، وابن أبي عامر يداهنه ولا يكاشفه، وجعفر يشك في أمره، قد استولى عليه الإدبار والحيرة، فلم يصح له رأي ولا روية؛ وانقبض الناس عنه، وانثالوا على ابن أبي عامر، إلى أن صار يغدو [47] إلى قصر قرطبة ويروح وحده وليس في يده من الحجابة سوى اسمها، وابن أبي عامر قائم بشروطها، ينصب الحبائل لسقوط جعفر، والأقدار السماوية تنجده. وكانت لله عند جعفر في إيثاره هشاماً بخلافته، واتباعه شهوة نفسه وحظ دنياه، وتسرعه إلى قتل المغيرة لأول وهلة دون قصاص جريرة استدركته دون إملاء، فسلط عليه من كان قدر أنه يتسلط على الناس باسمه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 65 ولما اتفقت على جعفر هذه الأسباب، جد المقدار به وسخط السلطان عليه وعلى ولده وأنسابه وعلى أخيه هشام وسائر طبقته، وطولبوا بالأموال وأخذوا برفع حساب تصرفوا فيه لأول الزمان. وأخذهم ابن أبي عامر بالخروج عنها، وتوصل بذلك إلى استئصال أموالهم وانتهاك حرمتهم وأبشارهم، واجتثاث أصولهم. وكان هشام ابن أخي جعفر قد بلغ من حسادته لابن أبي عامر أن سرق له في غزاته الثالثة في طريقه رؤوساً للنصارى كانت تساق للحضرة، فنفسه فيها وأمر غلمانه فصبوها في النهر، فقامت قيامة ابن أبي عامر لذلك، وكاشف آل عثمان من ذلك اليوم؛ وتجرد لإبادتهم فاستبلغ في مكروه هشام عاجله بالقتل في المطبق قبل عمه جعفر، فلما [قتل] استقصى ابن عامر مال جعفر حتى باع داره بالرصافة، وكانت من أعظم قصور قرطبة. واستمرت النكبة عليه سنين، مرة يحبس ومرة يخلى ويقر بالحضرة وتارة يسير عنها، ولا يراح في الحالتين من المطالبة والأذى. إذا سئم ابن أبي عامر إعناته وكله إلى غالب صهره فيتولى كبره، ويضعف عذابه. والأخبار عنهما في ذلك كثيرة. فلما بان عجز جعفر وضعفه أقر في المطبق بالزهراء إلى أن وافاه هنالك حمامه وأسلم ميتاً إلى أهله؛ وما ترك الناس بعد أن عدوه في قتلى ابن أبي عامر، وزعموا أنه دس له شربة سم قضت عليه. والله أعلم. أخبرني محمد بن إسماعيل كاتب ابن أبي عامر قال: سرت مع محمد ابن مسلمة ثقة ابن أبي عامر إلى الزهراء لنسلم جسد جعفر بن عثمان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 66 إلى أهله وننظر إلى عينه. وسرنا إلى منزله وما غطى جسده إلا كساء خلق لبعض البوابين ألقاه على سريره. ودعا له محمد بن مسلمة بغاسل بغسله على فرد باب اختلع من ناحية الدار. وخرجنا بنعشه وواريناه، وما جسر أحد شهوده معنا سوى إمام مسجده المستدعى للصلاة عليه ومن حضره من ولده. فعجبت من عدوان الزمان بعد تصريفه له، وإن لي بالاعتبار بشأنه في الحالتين مع قرب المدة لموعظة: وقفت له في طريقه من داره وقت علة الحكم. وقد تناهى أمره في الجلالة أروم أن أناوله قصة، فوالله ما تمكنت من الدنو إليه لكثافة موكبه، وأخذ الناس الطرق عليه مسلمين وسائلين، فانثنيت حسيراً مبهوتاً. فلم تطل المدة حتى سبله ابن أبي عامر حاله وقبض عليه، وجعل يحمله في الغزوات معه. وسرت في صحبة ابن أبي عامر فاتفق لي أن نزلت في بعض المنازل بجليقية إلى جنب خبائه. وفي ليلة نهى ابن أبي عامر عن وقود النار ليخفى على العدو مكانه، فرأيت والله عثمان بن جعفر يسقي أباه جعفراً دقيقاً قد خلطه بالماء يقيم أوده، والشيخ يحسوه ويحرص عليه، وضعف حال وعدم زاد، فلا أنسى تلك المواعظة. وما يغتر بالأيام إلا ضعيف العقل. وكان مهلك جعفر فيما أخبرني به أبي خلف بن حسين سنة اثنتين وسبعين. ومما طولب به جعفر مال الصقلبي جعفر، كان الحكم وقفه قبل خالد بن هشام وتورع عنه وأوصى أن يوزع في الكور التي كانت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 67 إليه وقته، تحللاً من مظالم أهلها. فأرجأه عند خالد مدة إلى أن احتاج إليه فقبضه سراً، واندفع إلى جعفر وأخذ خالد بن هشام براءته منه، فسئل جعفر عنه، فقال: كنت خادم الرجل وصاحب سره فعلمت برسمه، وإن رجع في الاستدلال إلى زمامه الماضي الذي كنت أقيد فيه الأموال الباطنة وجد فيه ثبته. فجيء في ذلك اليوم بذلك الزمام وقد قطع منه الدرج الذي فيه ذكر المال الباطن ووصل ما انقطع بذلك من الكلام بما بعده. وأرشد جعفر إلى هذه الوهلة، وحسب أن مع وجودها لا تلزمه الحجة. فعدلوا به إلى بيداء مضلة. قال ابن حيان: ولما أمر بضمه إلى المطبق بالزهراء ودع أهله وولده وداع الفرقة، وقال: لستم تروني بعدها حياً، فقد أتى وقت إجابة الدعوة وأنا أرتقبه منذ أربعين سنة. وذلك أني أسرفت على فلان - رجل [48] سجن بعهد الناصر - وما أطلقته إلا برؤيا، قيل لي: أطلق فلاناً فقد أجيبت فيك دعوته، فأطلقته وأحضرته وسألته، فقال: نعم، دعوت على من شارك في أمري أن يميته الله في أضيق السجون. فعلمت أنها قد أحببت، وندمت بحيث لا غني الندامة، فأطلقت الرجل، قالوا: فما لبث في محبسه إلا قليلاً وأخرج ميتاً، فسلم إلى أهله في أقبح صوره، وما زلت أسمع أنه قتل خنقاً، والله أعلم بالحقيقة، المغضي على محال هذه الخليقة. انتهى ما لخصته من كلام ابن حيان في شأن جعفر بن عثمان. وكان أحد من اجتمع له في ذلك الوقت نوعا البلاغة في النظم والنثر، وهو القائل في نكبته: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 68 لا تأمنن من الزمان تقلباً ... إن الزمان بأهله يتقلب ولقد أراني والليوث تخافني ... وأخافني من بعد ذاك الثعلب حسب الكريم مذلة ونقيصة ... ألا يزال إلى لئيم يطلب وإذا أتت أعجوبة فاصبر لها ... فالدهر يأتي بالذي هو أعجب وحدث غير واحد أنه استعطف المنصور بهذه الأبيات: هبني أسأت فأين الفضل والكرم ... إذ قادني نحوك الإذعان والندم يا خير من مدت الأيدي إليه أما ... ترثي لشيخ نعاه عندك القلم بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر ... إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا فأجابه بهذه الأبيات وهي لعبد الملك الجزيري: ألآن يا جاهلا زلت بك القدم ... تبغي التكرم لما فاتك الكرم ندمت إذ لم تفز منا بطائلة ... وقلما ينفع الإذعان والندم ومنها: نفسي إذا جمحت ليست براجعة ... ولو تشفع فيك العرب والعجم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 69 وأخبرت أن المصحفي لما بلغ إليه هذا الجواب قال: لي مدة لا بد أبلغها ... فإذا انقضت أيامها مت لو قابلتني الأسد ضارية ... والموت لم يدن لما خفت فانظر إليّ وكن على حذر ... فبمثل حالك أمس قد كنت قال ابن بسام: ومما يروى لجعفر المصحفي عند ظهور ابن أبي عامر عليه، وانتزاعه ما كان من الحجابة في يديه، وإفضائه به إلى هذه الحال، من الهضم والاعتقال، قوله: تندمت والمغرور من قد تندما ... وهل ينفع الإنسان أن تندما غرست قضيباً خلته عود كرمة ... وكنت عليه في الحوادث قيما أكرمه دهري فيزداد خسة ... ولو كان من عود كريم تكرما جمل وجوامع من كبار الأحداث بالدولة العامرية قال ابن حيان: أول ذلك الوحشة الحادثة بين ابن أبي عامر والخليفة هشام ووالدته صبح. والذي أثارها أسباب الحسد ودواعي المنافسة بين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 70 أهل القصر الهشامي والعامري؛ وأشاعوا عنه أنه يريد أن يستبد بالأمر، فقام ابن أبي عامر في ركائبه لحسم حدته، وعلم أنه أتي من حاشية القصر. وكان به عدة من الخدم ففرقهم ومزقهم، ولم يدع في خدمة القصر إلا من استشعر له رهبة وهيبة، وأذكى العيون مع ذلك عليهم حتى ملك نفوسهم، ثم نظر في شد الأموال المختزنة فيه مذ عهد الخلفاء، ووصف أن أيدي الحرم تنبسط عليها. قال ابن حيان: أخبرني ولد الخال من بعض ما كانت تفعله السيدة صبح مع أخيها رائق أنها أخرجت عند تمكن الوحشة بينهما وبين ابن أبي عامر مائة كوز على أعناق الخدم الصقالبة مختومة، قد صيرت أشطارها مالاً عيناً ذهباً وفضة، وموهت على ذلك كله بالمري والشهد وغير ذلك من الأصباغ الرفيعة المتخذة بقصر الخلافة، وكتبت على رؤوس الكيزان أسماء ذلك. ومرت بصاحب المدينة فحسبها كما كتبت عليها. وكان في تلك الكيزان ثمانون ألف دينار. فأحضر ابن أبي عامر جماعة وأعلمهم أن الخليفة مشغول عن حفظها بانهماكه بالعبادة، وأن في تضييعها على المسلمين وعلى الدولة أعظم الآفة. فرأت الدجماعة أن كون الأموال بيد المنصور أسلم، وهو على حفظها أقدر وأقوم. ثم نالته على ذلك بقية علة طاولته فأرجفوا به، فانتقل ابنه عبد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 71 الملك إليه بالزاهرة لينفذ الأمور عنه. فكشف أعداؤه وجوههم عند استحكام الإرجاف به، وراسلوا حاشية الخليفة هشام سراً، وجهزوا للقيام عليه؛ فلم يكن فيهم فضل لذهاب أعيانهم [49] . واشتد [ذلك] على ابن أبي عامر، فتقدم إلى ابنه عبد الملك أن يعترض ألفي فارس من المصطنعين للدولة والغلمان العامريين، وأن يبيتوا معه بالزاهرة لإنفاذ العزيمة فيما رآه من حمل الأموال إليه. وأحكم الأمر مع الفقهاء والوزراء، فركب ذلك الجيش من بين يديه يوم الثلاثاء الثالث من جمادى الأولى سنة ست وثمانين، فأتى قصر الخلافة بقرطبة، وأذن لمن وافى من الفقهاء والوزراء بالوصول إلى مجلسه، وشافههم في ذلك، فاعترف الملأ بفضل أبيه المنصور، فقال لهم عبد الملك: إن قوماً ممن يتصل بأسباب الخليفة هشام يؤثر الفتنة ويكره الدعة. فأنكرت الجماعة ذلك. وأحب عبد الملك والوصول بهم إلى مجلس هشام لشافهوه بهذه الكروب العظام. فكره هشام ذلك وامتنع منه وتبرأ منه أعداء ابن أبي عامر؛ وانصدع جمعهم على انتقال المال، فنقل في ثلاثة أيام حتى استنفذ جميع ما ظهر عليه من بيات المال، وتعذر ما كان بجوف القصر من بيت مال الخاصة؛ ودافع عنه أهل الدار لقيام السيدة أم هشام دونه. أخبرني أبي بعظيم ما شاهده من صرامة تلك المرأة لابن أبي عامر وولده ورميها لهما بكل عظيمة، وعبد الملك يومئذ ساكت يتجرع غصصه، لا يرد كلمة. فبلغ عبد الملك رغبته، وانكفأ إلى أبيه بالزاهرة بعد أن ثقف القصر، فسكن جأش ابن أبي عامر بإحراز تلك الأموال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 72 وكان جملة ما حمل - زعموا - من الورق خمسة آلاف ألف دينار دراهم قاسية، ومن الذهب سبعمائة ألف جعفرية. ثم استبل المنصور، ووصل إلى مجلس الخليفة هشام مع ابنه عبد الملك وسائر عظماء الدولة، فخلا هشام مع ابن أبي عامر واعترف له بالفضل والاضطلاع بالدولة، فخرست ألسنة الحسدة. وعلم المنصور ما في نفوس الناس لظهور هشام ورؤيتهم له، إذ كان منهم من لم يره قط، فأبرزه للناس وركب ركبته المشهورة، وقد برزوا له في خلق عظيم لا يحصيهم إلا من أحصى آجالهم، في بهجة ولبوس وهيئة، معمماً على الطويلة، سادلاً للذؤابة، والقضيب في يده، زي الخلافة، وإلى جانبه المنصور راكباً يسايره، وقدامه الحاجب عبد الملك راجلاً يمشي، ويسير الجيش أمامه، ومن المواكب وطوائف الجند والغلمان والفتيان القصريين والعامريين ما عجب من كثرتهم. وفاة المنصور بن أبي عامر قال ابن حيان: وخرج المنصور إلى الغزاة، وقد وقع في مرضه الذي مات منه في صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، واقتحم أرض جليقية من تلقاء مدينة طليطلة، ومرضه يخف وقتاً ويثقل وقتاً. ونفذ على عمل بني غومس إلى أرض قشتيلة، بلد شانجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 73 بن غرسيه. وهو كان مطلوبه الذي ألب عليه الجماعة، فأحل الغارات بأقطاره فقويت عليه العلة هنالك، فاتخذ له سرير خشب ودع عليه أغضاءه، وسوي مهاده متطاول الشكل يمكنه الاضطجاع عليه متى خارت قواه. وكان يحمل سريره على أعناق الرجال، وسجفه منسدل عليه، وعساكره تحف به وتطيع أمره. وكان يحمل بين يديه شراع خفيف منصوب ينقل على الأيدي، فإذا حركته الخلفة أنزل سريره إلى جنب الشراع ليقضي ما به من حاجة؛ وتناول وضوءه جاريتان من قوامه كان حملهما في غزاته، فكانتا تسيران وسط الفتيان، وما كان بين نزوله واستقلاله إلا الفترة لقوة الخلفة؛ بذلك قطع أربعة عشر يوماً حتى وصل إلى مدينة سالم. وكان هجر الأطباء في علته تلك لاختلافهم فيها، واقتصر على أوصاف كاتبه الجزيري عبد الملك. وأيقن هنالك بالموت، وكان يقول: إن زمامي يشتمل على عشرين ألف مرتزق ما فيهم أسوأ حالاً مني؛ وددت أن أقال زلتي وأنا كبعض هؤلاء السودان الحاملين لسريري. وكان تحمل ما كان حوله من الطيب، فاشتغل ذهنه يومئذ بقرطبة وهو بمدينة سالم وقد أيقن بالوفاة. فأمر ابنه عبد الملك بالنفوذ لشدها في طائفة من ثقات غلمانه بعد أن أوصى كلهم أشتاتاً وجماعة. ثم خلا بولده عبد الملك يوصيه ويودعه ويقبض على يده، وكلما ذهب عنه استرده مستدركاً بوصيته. وعبد الملك يبكي فينكر ذلك عليه ويقول: هذا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 74 أول العجز والفشل؛ إلى أن قضى وطره ما بينه وبين عبد الملك، وأمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر إلى أن ينفذ حكمه فيه. وخرج عبد الملك إلى قرطبة ومعه القاضي ابن [50] ذكوان فدخلها في صدر شوال من العام، فسكن الإرجاف بموت والده، وعرف الخليفة كيف تركه. قال ابن حيان: قال لي أبي خلف بن حسين: ووجد المنصور بعض الراحة. وأمر أن تدخل عليه جماعة فدخلت في جملتهم ودنوت منه وهو كالخيال لا يبين كلاماً، وأكثر عمله بالإشارة كالمسلم المودع. وخرجنا فكان آخر العهد به. ومات ليلة الاثنين لثلاث بقين لرمضان من العام المورخ، وعلينا في العسكر عبد الرحمن ابنه فعزيناه؛ وكان أوصى أن يدفن حيث يقبض ولا ينقل تابوته، فدفن في قصره بمدينة سالم. ورأوا أنه اختار الله له، إذ كانت من أطيب ما بناه رحمه الله. وتلوكم ابنه عبد الرحمن بالعسكر مدة الأسبوع وهو ينتظر رأي أخيه عبد الملك في القفول، والغلمان يضطرون عليه وطمعوا في رد الدولة، فقال لهم عبد الرحمن: اصبروا، فكشفوا ما في أنفسهم له، وقالوا: وإنما نحن في حجر آل أبي عامر الدهر الداهر -! نلحق ببابمولانا الخليفة هشام ولا نتدبر إلا بأمره. فتقدمه إلى قرطبة منهم نحو سبعمائة منهم عبيد الله بن بدر، ثم جاءه بعد إذن أخيه، فقدم هو بسائر العسكر، وتجدد يوم ورد قرطبة من الحزن بابن أبي عامر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 75 وحركه خدمه، وقيانه قد ألبست المسوح والكسية بعد الوشي والحبر، ما لا شيء فوقه. أخبرني أبي قال: سمعت محمد بن أبي عامر يوصي ابنه عبد الملك في مرضته تلك ويقول في جملة كلامه: يا بني، لست تجد أنصح لك مني فلا تعدين مشورتي: قد جردت لك رأيي ورويتي على حين اجتماع من ذهني، فاجعلها مثالاً بين يديك. قد وطأت لك مهاد الدولة، وعدلت لك طبقات أوليائها، وغايرت لك بين دخل المملكة وخرجها، واستكثرت لك من أطعمتها وعددها، وخلفت جباية تزيد على ما ينويك لجيشك ونفقتك؛ فلا تطلق يدك في الإنفاق، ولا تقبض لظلمة العمال، فيختل أمرك سريعاً، فكل سرف راجع إلى اختلال لا محالة. فاقصد في أمرك جهدك، واستثبت فيما يرفع أهل السعاية إليك. والرعية قد استقصيت لك تقويمها، وأعظم مناها أن تأمن البادرة وتسكن إلى لين الجنبة. وصاحب القصر قد علمت مذهبه، وأنه لا يأتيك من قبله شيء تكرهه، والآفة ممن يتولاه ويلتمس الوثوب باسمه، فلا تنم عن هذه الطائفة جملة. ولا ترع عنها سوء ظن وتهمة، وعاجل بها من فته على أقل بادرة، مع قيامك بأسباب صاحب القصر على أتم وجه؛ فليس لك ولا لأصحابك شيء يقيكم الحنث في يمين البيعة إلا ما تقيمه لوليها من هذه النفقة. فأما الانفراد بالتدبير دونه مع ما بلوته من جهله وعجزه عنه، فإني أرجو أني وإياك منه في سعة ما تمسكنا بالكتاب والسنة. والمال المخزون عند والدتك هو ذخيرة مملكتك، وعدة لحاجة تنزل بك، فأقمه مقام الجارحة من جوارحك التي لا تبذلها إلا عند الشدة تخاف منها على سائر جسدك. ومادة الخراج غير منقطعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 76 عنك بالحالة المعتدلة. وأخوك عبد الرحمن قد صيرت إليه في حياتي ما رجوت أني قد خرجت له فيه عن حقه من ميراثي، وأخرجته عن ولاية الثغر لئلا يجد العدو مساغاً بينكما في خلاف وصيتي فيسرع ذلك في نقض أمري، ويجلب الفاقرة على دولتي. وقد كفيتك الحيرة فيه فاكفه الحيف منك. وكذلك سائر أهلك فيما صنعت فيهم بحسب ما قدرت به خلاصي من مال الله الذي في يدي، وخلافتك بعدي أجدى عليهم مما صرفته؛ فلا تضيع أمر جميعهم، وألحظهم بعيني، فإنك أبوهم بعدي، فخرج ذكورهم باستخدامك، وألحف إناثهم جناحك، جبر الله جماعتهم، وأحسن الخلافة عليكم. فإن انقادت لك الأمور بالحضرة فهذا وجه العمل، وسبيل السيرة، وإن اعتاصت عليك فلا تلقين بيدك إلقاء الأمة، ولا تطبيك وأصحابك السلامة فتنسوا ما لكم في نفوس بني أمية وشيعتهم بقطربة. فإن قاومت من توثب عليك منهم فلا تذهل عن الحزم فيهم، وإن خفت الضعف فانتبذ بخاصتك وغلمانك إلى بعض الأطراف التي حصنتها لك. واختبر غدك إن أنكرت يومك. وإياك أن تضع يدك في يد مرواني ما طاوعتك بنانك، فإني أعرف ذنبي إليهم. قال: وسمعته يقول لغلمانه عند هذه الوصية: تنبهوا لأمركم، واحفظوا نعمة الله عليكم، في طاعة عبد الملك أخيكم ومولاكم، ولا تغرنكم بوارق بني أمية، ومواعيد من يطلب منهم شتاتكم. وقدروا ما في قلوبهم وقلوب شيعتهم بقرطبة من الحقد عليكم، فليس يرأسكم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 77 بعدي أشفق عليكم من ولدي. وملاك أمركم [51] أن تنسوا الأحقاد وأن تكون جماعتكم كرجل واحد. فإنه لا يفل فيكم. وما زال يكرر هذا وشبهه لطائفة بعد أخرى حتى ضعف وشغل بنفسه. قيام عبد الملك ابنه بالدولة ولما ورد النبأ بموته ركب عبد الملك إلى هشام ونعى إليه المنصور أباه. فأظهره الإشفاق، وعرفه بما اضطرب من أمر الفتيان وعصايانهم؛ فخرج هشام وأمره بتدبير أمرهم بحسب ما يستقيم به أمر الدولة، وحذره مواقعة الدماء وتلقيح الفتنة، وخلع عليه، وأخرج معه كتابه بولاية الحجابة مكان أبيه، وقرئ على الكافة، وأنشئ به الكتب إلى الأقطار. وعاقب بعض الفتيان العاصين، وأخرج بعضهم إلى سبتة، فما قفلوا عنها إلا عند العسكر الكبير مع أخيه عبد الرحمن، واجتمع الشمل، وتمكنت الطاعة، وأيس الأعداء من دولة بني عامر، وعلموا أنها وراثة. وأسقط عبد الملك سدس الجباية لأول ولايته في جميع أقطار الأندلس عن الرعية، فراقت أيامه، وأحبه الناس سراً وعلانية، وأنصب الإقبال والتأييد عليه انصباباً لم يسمع بمثله، وسكن الناس منه إلى عفاف ونزاهة نفس، فباحوا بالنعمة، وأخذوا في المكاسب والزينة من المراكب والملابس والقيان، حتى سمعت أثمان هذه الأشياء في مدته. وبلغت الأندلس في أيامه إلى نهاية الجمال والكمال وسعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 78 الحال، في كنف ملك مقتبل السعد، ميمون الطائر، غافل عن الأيام، مسرور بما تنافس فيه رعيته من زخرف دنياها، فاجتمع الناس على حبه، ونجا من الفتن. وأخباره في ذلك مأثورة. وكان على أهل الأندلس أسعد مولود ولد. بلغني عن أحمد بن فارس البصري المنجم زعيم الصناعة بها على عهد الحكم أنه نظر في مولد عبد الملك هذا وهو طفل فأشار من بعد سعادته إلى أمر كبير لم يدرك هو آخره، فعجب من شاهده من جودة إصابته، وذلك أنه قال: لم يولد قط بالأندلس مولود أسعد منه على أبيه وعلى نفسه وحاشيته، نعم، وعلى أهل الأندلس طراً، وعلى أرضها فضلاً عن ناسها، وأنها لا تزال بخير حياته، وإذا هلك ما أراها إلا بالضد. قال ابن حيان: سمعت هذا الحديث عن ابن فارس من غير ما طريق، فكان كما قال، لقد حدث بالأندلس إثر مهلكه ما هو مشهور. وكان عبد الملك من أحيا الناس، فإذا كانت الحرب عوين منه الأسد المحرب في براثنه حطماً وشدة. من رجل عديم الفهم والمعرفة جملة، صفر من الأدب والتعاليم، حتى ما كان يسايره وينادمه إلا العجم من الجلالقة والبرابرة ممن لا يهش لسماع، ولا يطرب لإيقاع. فارتفعت بذلك عن مجالس لهوه طبقة المعرفة، وقوض عنها كل فاضل وعالم، واعتاض منهم بجفاة البرابر والأعاجم. إلا أنه مع زهده في الأدب تمسك بمن كان استخلصه أبوه من طبقات أهل المعرفة من خطيب وشاعر، ونديم وشطرنجي، ومعدل وتاريخي وغيرهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 79 حفظاً لصنائع والده وقياماً برسومه، فقررهم على مراتبهم، ولم ينقصهم سوى الفوز بخصوصيته. وكانت ترفع إليه بطائق أهل الشعر ويصلهم على تساهلهم في مديحه لأمانهم من نظره فيها. وأحرز لهم مع الفائدة عفو القريحة، وذلك بين لمن تأمله في أشعار مادحيه لفتورها. ثم أغرق عبد الملك النزع في دولته، وانهمك في طلب الآلات الملوكية حتى جلب إليه من ذلك كل علق خطير، وتأنق في مراكبه هو وأصحابه بالحلية التامة بخالص اللجين. عهدي به يوم فصوله لغزوته سنة ثمان وتسعين التي احتفل فيها لشانجه بن غرسية، واستكثر فيها من العدة والعدد، فبرز على جواد من مقرباته المنسوبة، بأفخم تلك المراكب المسلسلة، ولبوس درع فضية مطرزة بالذهب، وعلى رأسه خوذة مثمنة الشكل، محددة الرأس، مرصعة الطرق بدر فاخر، واسطته حجر ياقوت أحمر مرتفع القيمة؛ قد لزم وسط الجيش، وطرح الشعاع على سنة وجهه، فما رأى الناس بعده ملكاً يعدله في البهاء والبهجة. وكانت مما راقت به دولته في الجمال ما تلاحق فيها [52] [من] غلمان أبيه العامريين الناشئين في دولة المنصور، وكان قد وفر عنايته بهم، وجد في تدريبهم، ووقف حذاق المنافقين على تخريجهم، فأثمر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 80 غرسهم، وأمكن جناهم، وراقت جملتهم في الفروسية والرماية، وبلغوا ألفي غلام. وانهمك أيضاً في اصطناع البرابرة العدويين، ودعا القبائل منهم إلى الدخول إليه والخدمة له. وكان من أعظم من هاجر إليه منهم زاوي بن زيري ابن مناد الصنهاجي عم أبي المعز بن باديس بن منصور صاحب إفريقية وصاحب الفرقة الخارجة عليه من أهل بيته. وكان المنصور أيامه قد التوى في الإذن له بالدخول إلى الأندلس حذراً من دهيه ومكره وبعد صيته في المغرب. فأضرب عبد الملك عن الفكر في شأنه وطلب السمعة باستخدام مثله، فأدخله بمن معه من إخوته، وهم من سعة النعمة وبعد الهمم واستصغار الرغائب فيما يكون عليه أشباههم من أبناء الملوك، فاستقلوا ما وصلهم به عبد الملك على كثرته، وما استقر [وا] الدار إلا على قلعة، ولا [ .... ] معروفهم، ولا لبسوا أعالي المراتب السلطانية إلا على ابتذال ومحقرة، ولا قطعوا أمد المقام بالأندلس إلا بذكر الرحلة والتماس التسريح بكرة وعشية، جهلاً وفرط أنفة، والأقدار موكلة بثني عزم عبد الملك عن إسعافهم بسراحهم لما كان قدره - عز وجهه - من الفتنة وتفريق شمل الأندلس بأشباههم، فلم يخرجوا عنها إلى أن قاموا على الجماعة، وشغبوا عليها بعد عبد الملك. وكان شيخهم زاوي أول دخوله الأندلس يظهر [من] أنواع البر والبشر للناس ما لا شيء فوقه. وكان شأنه في الدهي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 81 والمكر والخلابة عجبا. وكان يرجع في إقامة ما اعتاده من سعة إنفاقه إلى ما جاؤ به من بلده من عقود وذخائر، فيبيع من ذلك النفيس والخطير، وربما اشترى من ذلك عبد الملك فيزيد في حسرته. وكان عبد الملك [راغباً] في رفعة منزلته، وولاه الوزارة أرفع خطط أصحاب السلطان بالأندلس، ووصل إليه الرسول بالصك في ذلك وطلب أن يصله، فقال: لو جئتنا بمال لأسهمناك، وإنما [خطتنا الإمارة] لا الوزارة، وأقلامنا الرماح، وصحائفنا الأجساد. ولم يمتنع عبد الملك مع غطرسة زاوي هذا من إقامة الحد على من وجب عليه من أهله: عدا ابن أخيه على مولى لهم فقتله فأقاده عبد الملك لحينه، وأسلمه أهله السيف فضربت عنقه على قتيله ذلك، بمقبرة كلاع بمشهد عظيم من الناس، وأسلمت جثته إلى أهله. ونبت الأندلس بعد بأخي زيري أبيه فقوض عنها أول المقوضين من صنهاجة بسراح من عبد الملك. قال ابن حيان: وانبسطت حاشية الخليفة هشام بن عبد الملك طول مدته في جميع أحوالها، فحملهم على مرادهم. وانهمك هشام طول أيامه فلم يظهر وقتاً فيها، ولا شهد صلاة، واحتجب في نزهة الباطنة على رسمه في أيامه أبيه المنصور. وبلغه منها عبد الملك بغيته، وجعل يخرجه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 82 منها مع حرمه مستخفياً بعد طرد الناس عن طريقه، فيضرب به إلى كل ناحية. ثم يعود إلى قصره. ونال في مدة هذا الإنهماك والدعة أهل الاحتيال من الناس عندهم الرغائب النفيسة، بما ازدلفوا به من أثر كريم، أو زخرفوه من كذب صريح، حتى لقد اجتمع عند نساء القصر ثمانية حوافر عزي جميعها إلى حمار عزيز المستحيى بالآية الباهرة، واجتمع عندهن من خشب سفينة نوح عليه السلام وألواحها قطعة، وظفرن من نسل غنم شعيب عليه السلام بثلاث. وكلفن من هذا ومثله لعفتهن وزهد صاحبهن بأشياء توجهت على أموالهن من قبلها أعظم حيلة، ولهجن مع ذلك بطلب ذوي الأسماء الغريبة من الناس، الموافقة أسماؤهم لمن اجتباه الله من خلقه. مثل عبد النور وعبد السميع وعبد اللطيف وعبد المؤمن وحزب الله ونصر الله وفضل الله، ومثل ياسين واليسع ومن جانسه، يصير الرجل من هؤلاء في الحاشية، ويستعمل على وكالة جهة، ولا يبعد أن يتمول في أقرب مدة، وإن اتفق مع ذلك أن يكون ذا لحية عثولية، وصاحب سبال وهامة، فقد تمت له السعادة، ولا سيما إن كانت لحيته حمراء قانية، فإنها أجدى عليه من دار البطيخ غلة، ثم لا يسأل عما وراء روائه من أصل ولا فضيلة، ولو كان مردداً في بني اللخناء، وعارياً من جميع الخصال، والأخبار في مثل هذا عنهن كثيرة [53] مأثورة. فباهت حرم هشام بمثل هذه المعاني الشاذة، وبذلن [من] الأموال في التماسها بما لم يسمع مثلها، ولم تزل الدولة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 83 تزداد انهماكاً إلى أن مات عبد الملك، وكبت كبوة لم تستقلها آخر الدهر. قال ابن حيان: وكانت ولاية عبد الملك وفرق النصرانية بأسرها منتقصة، وعهدها قريب بالاجتماع على المسلمين، وأطماعها بموت حتفها المنصور ثابتة. وكانت الأفرنجة في آخر وقت المنصور قد تمسكت بالمسالمة، فلما سمعت بموته طمعت، واحتاج عبد الملك إلى التثاقل عنهم توطيداً للحضرة، إلى أن اعتدلت فيها الدولة، وأخبار الثغور توافيه كل وقت بما لا يوافقه. وكان أهم جموع طوائف الطواغيت عليه يومئذ أميراً شيطانهم الرجيم، ومغويهم الزعيم، شانجه بن غرسيه بن فرذلند صاحب قشتيلة. وكان يليه في النكاية منتدس [بن] عندشلب قومس غليسية، وكافل ملكهم أذفونش بن برمند، وسائر القواميس عندهما سقط وحاشية. فقدم عبد الملك الحذر منهما، فألقى مولاه واضحاً الفتى صاحب مدينة سالم على شانجه، فصالحه واضح سنة ثلاث وتسعين ولاطفه إلى أن تمهدت قواعد الدولة. وجرد عبد الملك يومئذ إلى ثغر قلمرية قاصية الثغر المواجه لأرض غليسية جيشاً كثيفاً، وبقي في وجه منتدس بن عندشلب، وصمد عبد الملك بلد الإفرنجة إذ لم تزل عند ولاة الأندلس مبدأ كل علة. فاستعد لقصدهم، واقتحم أرضهم في جموعه وأوغل في بسيط برشلونة، وحطم غير ما مدينة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 84 وعاد قافلاً سالماً غانماً. فهابته الإفرنجة وأذعنت إلى السلكن وجاء رسولها إلى قرطبة، وقد أعد عبد الملك لوروده أكمل العدة من ترتيب الجنود، فكان يوم دخل ذلك الرسول بقرطبة آخر أيام الزينة، إذ انتقض الملك على أثره سريعاً ووقعت الفتنة. قال ابن حيان: سمعت بعض المشايخ يومئذ يقول: إنه ما كان بالأندلس مثل ذلك في أمد الدولة، بما اجتمع له من كثرة الجمع والزينة والعزة السلطانية. وأما التجار الغرباء فدخلوا يومئذ إلى موضع هيئة التجافيف والأعلام المصورة وسائر القطع العجمية والقنا الهندية، وموقف خيل الركاب بالسروج الثقال، والتراس المذهبة والمفضضة، معها بغال الركاب الرائقة في زيها المشهور، وما اتصل بذلك من عدة غريبة. وتوصل أولئك التجار إلى ذلك المكان قبل إباحته للنظارة بإذن التمسوه من عبد الملك، فلم يختلفوا في استيساع ما عاينوه، واتفقوا - وكانوا جملة عراقيين ومصريين وغيرهم - على أنه ما شاهدوا لأحد من ملوكهم مثله. ولما أحكم عبد الملك الشد الفتن الفرنجة دبر قصد شانجه، فخرج نحوه صائفة سنة أربع وتسعين، وأوغل في أرضه وخام عنه شانجه ولم يظهر له، وقفل عبد الملك إلى قرطبة. فاضطر شانجه إلى السلم ووفد بنفسه إلى قرطبة، فأعظم عبد الملك مورده، وضمن أن يغزو معه قومه. فخرج مع عبد الملك سنة خمس وتسعين، فاقتحم جليقية وغادر أعمال بني غومس مصطلمة، وهدى المسلمين شانجه إلى عورات قومه، وانتهى بهم إلى مدينة ليونه وهي من أمنع المعاقل، ولم يكن المنصور بلغها لصعوبتها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 85 وطمع عبد الملك فيها ونازلها فأعيت عليه، وقفل إلى قرطبة. وبقي شانجه في مسالمته ثلاثة أعوام يستعد لحربه. فأحس عبد الملك بغدره، فسابقه بالغزو سنة ست بعدها، وضحى عبد الملك يومئذ بمدينة سالم، ووافاه هنالك رسول الروم من القسطنطينية بكتابه إليه، يسأله المواصلة على سبيل سلفه مع ملوك المروانية. وساق له هدية وعدة من أسارى الأندلس طير عليهم بأطراف جزائره البحرية، فسر عبد الملك بذلك، وإذا كتابه مكتوب بالذهب على رسم ملوك الروم الذي فات الصنعة. وذكر صاعد ورود ذلك الرسول في شعر قال فيه: زلزلت بالمرهفات صاحب قس ... طنطين حتى اتقاك بالكتب يطلب فيها رضاك مجتهداً ... من قبل أن يتقيك بالهرب فليس بالفائت البعيد مع الل ... هـ إذا [ما] هممت بالطلب وتمادى استعداد شانجه سراً لغزو عبد الملك فسابقه [54] سنة سبع وتسعين، وظهر المسلمون عليهم. ثم قفل إلى قرطبة آخر ذي الحجة منها. ثم غزا سنة ثمان غزوته الأخير في شوال، فاعتل في مدينة سالم، ورجع إلى قرطبة محرم سنة تسع وتسعين. فكانت آخر غزاة نفذت إلى بلاد الحرب لوشكان موته في صفر منها. وضبط أخوه عبد الرحمن الأمر بعده لنفسه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 86 فصل في ذكر الوزير أبي الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي الدارمي، وإثبات جملة من أشعاره مع ما يتشبث بها من طريف أخباره بلغني أنه خرج من بغداد إذ مات أبوه، وأساء عشرته أخوه، وسنه دون العشرين، فلحق بالأمير محمود، وشهد حروبه بأرض الهنود، وله فيه غير ما قصيد، إلى أن توفي فولي أكبر ولده بعده، فبقي أبو الفضل على حاله عنده، إلى أن خرج بعض إخوته عليه، فنهض لحربه، فدبر وزراؤه في طريقه الفتك به، وشاوروا أبا الفضل في القضية، فأبى من تلك الدنية، وأودع أذن الأمير، ذلك التدبير، فخاف وزراؤه أن يفتضحوا، وعاجلوه قبل أن يصبحوا، وقيدوه قبل أن يقدم أخوه، فسبقهم أبو الفضل إليه، ونص ما فعلوه بأخيه عليه. فشكر له وفاءه لصاحبه، وقال: الوفاء حلية الأحرار، والغدر ثوب الأشرار، ووصل القوم بعد بأخيه، ففك عن أغلاله، وحبسه عند بعض عماله، وضرب أعناق الغدرة، وقرب أبا الفضل واستوزره، إلى أن خرج عنه في خبر طويل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 87 ولحق بشروان شاه، وصحبه إلى أن توفي أيضاً وولوا أخاه، فكاتب أبو الفضل الخليفة أبا جعفر القائم ببغداد في الوصول إليه، فاتفق ورود كتابه إثر وفود رسول المعز بن باديس عليه، فطلب الخليفة رجلاً يسفر بينهما، فأرشد إلى أبي الفضل، فوجه عنه وورد، فجهزه وخرج مستتراً من بلد إلى بلد حتى وصل حلب، فاشتهر خبره وطلب، فمدح معز الدولة بقصيدته التي ا، لها: " عهود الصبا من بعد عهدك آمل " فأمر له بثياب سرية، وحمله على فرس عربية. ثم انفصل عنه واجتاز بمعرة النعمان، وبها المعري أحمد بن سليمان، فوصل إليه، وأنشده قصيدته اللامية، فقبل المعري بين عينيه، وقال له: بأبي أنت من ناظم! ما أراك إلا الرسول إلى المغرب. فوصل مصر ووزيرها يومئذ صدقة ابن يوسف بن علي الملقب بالفلاحي، فقصد مجلس قاضي القضاة بها، وأثبت عقداً على رجل مشهور، كان يومئذ ببلاد المغرب بشهادات زور، ولما ثبت ذلك من الطومار، خرج من مصر في زي التجار، يؤم بلاد إفريقية، فوقع على خبره صاحب الإسكندرية، وطلبه فأعجزه. وبلغ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 88 طرابلس المغرب أول عمل المعز، فأفشي أمره، وفضح سره، فأمر المعز بإشخاصه. فلما وصل سعي به عنده وأراد قتله، فقال له: تأن في، واستقص علي، فإن صدقت وإلا قتلت. فمشى أبو الفضل بالقيروان مرقباً عليه، إلى أن ورد كتاب القائم بصدقه، فاعتذر إليه، ورفع منزلته وأكرمه، وبسط يده في مطاليبه وحكمه. فحملهم أبو الفضل إلى منزله، وأحسن إليهم، وخلع عليهم. فعجب المعز من كرمه، وقلده تدبير حشمه. وكان ورود أبي الفضل بلد القيروان سنة تسع وثلاثين. حكى ذلك أبو علي بن رشيق وقال: إنه أول من أدخل كتاب اليتيمة للثعالبي عندهم، وشهد حصار القيروان معهم. فلما كان عام ستة وأربعين صرف المعز خطبته إلى صاحب مصر، ونبذ العباسية. فخرج أبو الفضل إلى سوسة، فتطاول عليه أهلها، فخرج عنهم بعد أن أوقع الفتنة بينهم، وتركهم فرقتين: قيسية ويمنية، وأوقع في نفوسهم أن الحرب قائمة بين هاتين القبيلتين إلى يوم القيامة. فاقتتل الفريقان إلى أن تغلب عليهم تميم بن المعز. وتردد أبو الفضل هنالك عدة سنين، وشهد الحروب مع بلقين. ثم انتبذ من تلك الناحية، وركب البحر فنزل بدانية، فبعث إليه أميرها ابن مجاهد بلحم وأرباع دقيق أول نزوله، فصرفها في وجه رسوله، وتعجل الارتحال عنه إلى بلنسية فلقي براً، واستجلبه المأمون ابن ذي النون فحسن بطليطلة مثواه [55] وأجزل قراه، وتوسع له ولعبيده في البر، وأجرى له ستين مثقالاً في الشهر. وكان دخوله طليطلة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 89 يوم الجمعة لثلاث بقين لجمادى الأولى سنة أربع وخمسين، وتوفي بها رحمه الله منتصف شوال سنة خمس وخمسين. ومن غريب وفاء المأمون له - زعموا - إنه استمرت جرايته على حاشيته، وتجافى عن ميراثه وجعله وصية له إذا لم يوص لفجأة وفاته. ورثاه الحكم أبو محمد بن خليفة بشعر يقول فيه: سقى الله قبراً حل فيه أبو الفضل ... سحاباً يسح المزن وبلاً على وبل وكيف يسقي المزن قبراً يحله ... وفي طيه بحر المكارم والفضل وبدر تمام من تميم نجاره ... ملوك لهم قام الملوك على رجل ومنها: وما الدهر إلا آكل من نفوسنا ... ونحن لديه في الحقيقة كالأكل وهذا كقول المعري: وما الأرض إلا مثلنا الرزق تبتغي ... وتأكل من هذا الأنام وتشرب وقد كرر المعري هذا المعنى في مواضع: فشم صارماً واركز قناةً فللردى ... يد هي أدرى بالطعان وأدرب أفض لهامات وأرمى بأسهم ... وأطعن في قلب الخميس وأضرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 90 ووزير مصر الملقب بالفلاحي المتقدم الذكر، والده كان يوسف ابن علي الذي هجاه الواساني بالقصيدة التي أولها: يا أهل جيرون هل لسامركم ... إذ استقلت كواكب الحمل وهو يومئذ مشرف على دمشق في أيام الحاكم، وهي قصيدة في معناها فريدة. وقال الحاكم يوماً: أريد سماع هذه القصيدة من رجل حسن النشيد. فقيل له صوت الذي قيلت فيه، لا أحد يجاريه، فأحضر واستعفى من نشيدها فلم يعذر، وأنشد إلى أن انتهى إلى قول الواساني فيها: كنت على باب منزلي سحراً ... أنتظر الشاكري يسرج لي وطال ليلي بحاجة عرضت ... باكرتها والنجوم لم تمل فمر بي [في الظلام] أسود كال ... فيل عريض الأكتاف ذو عضل مشقق الكعب أفدع اليد وال ... رجل طويل الساقين في سمل فأهدت الريح منه لي أرجاً ... مثل جني الروض في الندى الخضل فصحت من خلفه رويدك يا ... أسود مالي بالعدو من قبل فكر نحوي عجلان يعثر في ... مرط كساء مبرغث قمل وقد مذى فالمذي يقطر من ... غرموله في الذيول كالوشل وظن أني صيد فأبرز لي ... فيشلة مثل ركبة الجمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 91 وقال: لج داركم لأولجها ... فيك وإن كنت لم تبل فبل فطالما أسهلت طبيعة من ... ليس بأمثالها بمحتمل فانظر إليها فإن رأيت لها ... شبهاً فلا تدعني أبا الجعل وخذ عموداً فلاغه شرج ... لم يمتعهن ساعة ولم يذل قلت له: والذي يمد لك ال ... عمر ويعطيك غاية الأمل ما شق دبري مذ قط فيشلة ... ولا انتخاب الأيور من عملي ولا لهذا [دعيت] فاطلب لغر ... مولك من يستلذه بدلي وهات قل لي بالله من أين أقبل ... ت ودعني من هذه العلل فقال لي بت عند عاملكم ... هذا أبي الفضل يوسف بن علي فصاك بي طيبه وصاك به ... مني صنان في حدة البصل تركته في النهار أخفش لا ... ينظر في خدمة ولا عمل ملت ترديت واعتديت على ... شيخ نبيل ينمى إلى نبل لعله غيره فصفه فما ... تخدع مثلي بهذه الحيل فقال: يا سيدي عجلت بمك ... روهي وكان الإنسان من عجل هذا الذي بت عنده نصف ... دون من وفوق مكتهل آدر رخو العجان منحرف ال ... مبعر ألحى مهيج السفل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 92 أنتن من كل ما يقال إذا ... بالغ في النتن ضارب المثل نعم، وفي باب سرمه وضح ... أبيت ليل منه على وجل أخاف يعدي أيري ببرصته ... فأغتدي مثلةً من المثل فقلت: هذي صفاته ولقد ... شغلت قلبي بذلك الرجل ومنها في التعريض بمنشا بن إبراهيم: فقلت قل لي من أين تعرفه ... فقال ذرني من هذه العقل كنت أجيراً ببد معصرةٍ ... كانت قديماً لكاتب البجل فنمت يوماً وكنت من سهر ال ... ليل وقيذا كالشارب الثمل فاجتاز للحين والقضاء الذي ح ... م منشا في موكب زجل وكان منه التفاتة فرأى ... ذيل قميصي قد قدّ من قبل فاشتد تحديقه إليّ كما ... حدق ذئب طاوٍ إلى حمل [56] ولم أبت ليلتي وعيشك يا ... مولاي حتى رفعت بالرسل فجئته خائفاً كما يلج ال ... عصفور مستكرهاً على الورل فارتعت لما رأيت لحيته ... وكدت أخرى من شدة الوجل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 93 وظن أني استحييته فغدا ... يبسطني بالمزاح والغزل وقال إن كنت مكرمي ثل قد ... ري فبعض الهوان أرفع لي إنتف سبالي وأصفع قفاي ولا ... تنظر إلى قدرتي ولا خولي ولم يزل دائباً يشمرخ شا ... قولي ويحتال لي على مهل فحين أدليت كالحمار بدا ... يرفع أثوابه على الكفل وخر للوجه والجبين وقد ... رطب حولي خصييه بالبلل طعنته طعنة بصدق الأنا ... بيب أصم الكعوب معتدل ثم رمى صفحتي بلحيته ... فقلت ذا السرم من بني ثعل فقال أخطأت إذ أسلت دمي ... فقلت كلا والله لم يسل أين النجيع القاني فديتك من ... لطخ رجيع كالورس منسجل فقال أير أرى به هوجاً ... قد جاز حد الجنون والخبل يا سيدي ما اسمه فقلت أبو ال ... أسود يكنى وليس بالدؤلي وهي طويلة، فلما فرغ قال له الحاكم: لمَ لمْ تقطع لسانه - والله لا عملت لي عملاص بعد، فصرفه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 94 جملة من أشعار أبي الفضل في أوصاف شتى النسيب وما يناسبه كان يوماً مع المعز بن باديس في مجلس أنس، وغلام وسيم يدور بالكأس فقال فيه: ومعذر نقش الجمال بمسكه ... خداً له بدم القلوب مضرجا لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا وكان له هوى بغلام في مدينة السلام فإذا رآه أنكر حبه، والغلام يعرف شدة وجده وكلفه، فدمعت عينا أبي الفضل، فقال الغلام: دمعك شاهد عليك، فقال: وهبني قد أنكرت حبك جملةً ... وآليت أني لا أروم محطها فمن أين لي في الحب جرح شهادةً ... سقامي أملاها ودمعي خطها ودخل يوماً على قينة وهي تتبخر بالند، ودخانه قد علا وجهها فقال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 95 ومحطوطة المتنين مهضومة الحشا ... منعمة الأرداف تدمى من اللمس إذا ما دخان الند من جيبها [علا] ... على وجهها أبصرت غيماً على الشمس وهو القائل: يغرس ورداً ناضراً ناظري ... في وجنة كالقمر الطالع فلم منعتم شفتي قطفه ... والحكم أن الزرع للزارع -! وقال: ومبلبل من صدغه العطر الذي ... أهدى لي البلبال دون حجاب وحياة ما غرس الحياء بخده ... من ورده بعتابه وعتابي لأغررن بمهجتي في حبه ... غرراً يطيل مع الخطوب خطابي ولئن تعزز إن عندي ذلةً ... تستعطف الأحباب للأحباب وقال: يا ليل هلا انجليت عن فلق ... طلت ولا صبر لي على القلق جفت جفوني الآماق فيك فما ... تسبل أشفارها على الحدق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 96 كأنني صورة ممثلة ... ناظرها الدهر غير منطبق وإنما أشار في هذا إلى قول بشار: جفت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار فنقل لفظه ومعناه، وقصر عنه كما تراه. وقد أخذ أيضاً العتابي هذا المعنى، واجتناه أرياً، فرده شرياً، بقوله: في ماقيي انقباض عن جفونهما ... وفي الجفون عن الآماق تقصير وقال أبو الفضل: بدر تم علي ليس يلين ... خاب فيما رجوت فيه الظنون طالباً للخلاف إن لم أكن كا ... ن وإن كنت حاضراً لا يكون فعلى ذا ما نلتقي قط حتى ... يتلاقى المضاف والتنوين وقال: وظبي أراني غرة من جبينه ... تزيد ضياء بين أصداغه الدهم تجرعت بالإسعاف جرعة ظلمه ... لأني رأيت الظلم يدرأ بالظلم وكم أمكنتني فرسة فتركتها ... حياء من الشيب الموقر بالحلم ولو كنت في ثوب الشبيبة رافلاً ... لصح على إتيان زلتها عزمي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 97 وهذا كقول الآخر: دعتني عيناك نحو الصبا ... دعاء تكرر في كل ساعه فلولا وحقك عذار المشيب ... لقلت لعينيك سمعاً وطاعه وهذا مثل قول جرير: [57] [يقول العاذلات علاك شيب ... أهذا الشيب يمنعني مراحي] ومنه أنشد: [57] لولا الحياء وأنني مشهور ... والعيب يلحق بالكبير كبير لحللت منزلك الذي تحتله ... ولكان منزلنا هو المهجور وابن الرقاع هو القائل: لولا الحياء وأن رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أم القاسم وقال بعض أهل عصرنا: فلولا حياء المحيا وما ... عراني لفقد الصبا من مصاب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 98 لمرغت خدي وألفت بين ... هشيم المشيب وروض الشباب وقال محمد بن هانئ: والله لولا أن يسفهني الهوى ... ويقول بعض القائلين تصابى لكسرت دملجها بضيق عناقها ... ولثمت من فيها البرود رضابا بنتم فلولا أن أغير لمتي ... عبثاً وألقاكم علي غضابا لخططت شيباً في عذاري كاذبا ... ومحوت محو النقس عنه شبابا وخلعته خلع النجاد مذمما ... واعتضت من جلبابه جلبابا وخضبت مسود الحداد عليكم ... لو أنني أجد البياض خضابا وسأله أبو منصور الثعالبي أن يصف غلاماً صغيراً كان بديع الحسن ليثبت ذلك في كتابه المترجم بألف غلام، فقال: إني عشقت صغيراً ... قد دب فيه الجمال وكاد يفشي حديث ال ... فضول منه الدلال لو مر في طرق الهج ... ر لاعتراه ضلال وتاه فيه اغتراراً ... لو لم يغثه الوصال يريك بدراً تماماً ... في الحسن وهو هلال وسأله أيضاً أن يصف غلاماً كاتباً كان حسن الخطين خط اليد وخط الوجه، فقال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 99 وكاتب أهديت نفسي له ... فهي من السوء فدا نفسه سلط خديه على مهجتي ... فاستأصلاها وهي من غرسه كأنما خط على خده ... مثل الذي قد خط في طرسه فلست أدري بعد ما حل بي ... بمسكه أتلف أم نقسه وقال فيه: وشادن أسرف في صده ... وزاد في التيه على عبده الحسن قد بث على خده ... بنفسجاً يرنو إلى ورده رأيته يكتب في طرسه ... خطاً يضاهى الدر في عقده فخلت ما [قد] خطه ... للحسن قد خط على خده وألم أبو الفضل في هذا بقول بعض الكتاب: ما أخطأت نوناته من صدغه ... شيئاً ولا ألفاته من قده وكأنما أنفاسه من شعره ... وكأنما قرطاسه من جلده وينظر إلى هذا من طرف خفي، قول [ابن] أبي سمرة الدارمي قال: سراب الفيافي صادق عند وعدها ... وسم الأفاعي مبرئ عند صدها رمتني ولم أسعد بأيام وصلها ... بعيني مهاة أنحستني ببعدها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 100 تعلقها قلبي كما قد تعلقت ... صوالج صدغيها بتفاح خدها فقلبي لما أضعفته كخصرها ... ودمعي لما نظمته كعقدها وقال أبو الفضل: قلت للملقى على الخدين من ورد خمارا ... والذي سل على العشاق باللحظ شفارا ... أسبل الصدغ على خد ... ك من مسك عذارا أم أعان الليل حتى ... قهر الليل النهارا - قال ميدان جرى الحس ... ن عليه فاستدارا ركضت فيه عيون ... فأثارته غبارا وقال يتشوق إلى بلده: أهيم بذكر الشرق والغرب دائباً ... وما بي شرق للبلاد ولا غرب ولكن أوطاناً نأت وأحبةً ... فقدت متى أذكر عهودهم أصب إذا خطرت ذكراهم في خواطري ... تناثر من أجفاني اللؤلؤ الرطب ولم أنس من ودعت بالشط سحرةً ... وقد غرد الحادون واستعجل الركب أليفان هذا سائر نحو غربةٍ ... وهذا مقيم سار عن صدره القلب وقال في مثله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 101 تذكر نجداً والحمى فبكى وجدا ... وقال سقى الله الحمى وسقى نجدا وحيته أنفاس الخزامى عشيةً ... فهاجت إلى الوجد القديم وجدا فأظهر سلواناً وأضمر لوعةً ... إذا طفت نيرانها وقدت وقدا ولو أنه أعطى الصبابة حكمها ... لأبدى الذي أخفى وأخفى الذي أبدى ولم أنسه والسكر يفتل قده ... إذا ما تثنى كدت أعقده عقدا وقال: ومخمور الجفون بلا خمار ... حكى بدر الدجى حسناً وبعدا فما زالت به حيلي إلى أن ... دنا ورأى لدي الغي رشدا وجاد بقبلةٍ فشممت مسكاً ... وذقت مدامة وقطفت وردا فكان السكر لي سبباً سقاني ... على ظمأ الهوى العذري بردا [58] فيا شرباً وردت فكان عذباً ... ويا نجماً لحظت فكان سعدا وقال: قالوا تبدى شعره فأجبتهم ... لابد من علم على الديباج والبدر أبهر ما يكون ضياؤه ... إذ كان ملتحفاً بليل داج وقال: ظبي إذا حرك أصداغه ... لم يلتفت خلق إلى العطر غنى بشعري منشداً ليتني ال ... لفظ الذي أودعته شعري الجزء: 7 ¦ الصفحة: 102 فكلما كرر إنشاده ... قبلته فيه ولم يدر وقال: يا ذا خط الجمال بوجهه ... سطرين هاجا لوعةً وبلابلا وهذا كقول ابن رشيق: وهل [على] عارضيه إلا ... حمائل قلدت حساما وقال أبو الفضل في بعض غلمانه وكان له به هوىً: علي لا تصل وبن ... فقلبي غير مرتهن غضبت فزد ودم غضباً ... فإني عن رضاك غني أتخفي بغصتي سراً ... وتبدي الحب في العلن - لقد غرتك في ميلي ... إليك كواذب الظنن أتطمع أن أزيد هوى ... وودك لي على دخن - إذا فسدت يد قطعت ... ليسلم سائر البدن فأجابه الغلام: غلامك غير ممتهن ... تخونه ولم يخن وتطلب عتبه ظلماً ... على غضب ولم يكن الجزء: 7 ¦ الصفحة: 103 وتوقعه بما قد قل ... ت في بحر من المحن فقل لي كل طرفك أم ... خلا طرفي من الفتن - وقال أبو الفضل: وحبيب [قد ضن] بالوصل تيهاً ... هل تضن البدور بالإشراق أنا أخشى إن دام ذا الهجر أن ين ... شط من حبه عقال وثاقي فأريح الفؤاد مما اعتراه ... وأرد الهوى على العشاق وقال: سمحت بنفسي غداة الرحيل ... غراماً على القمر الآفل وبت أفض ختام الجفون ... وأبكي على الجسد الناحل ومن عجب العشق أن القتيل ... يحن ويصبو إلى القاتل! وقال: يا حادياً وجمال الحي سائمة ... ماذا تريد بقلبي أيها الحادي - كلفته السير من جسمي ففارقه ... وهل يسير أسير ما له فاد - رفقاً فقد هجت شوقاً ما استعد له ... فكيف يرحل مشتاق بلا زاد - وقال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 104 أيا بصري عزاً علي ويا سمعي ... ويا مسرفاً عند التضرع في منعي إذا كنت مطبوعاً على الهجر والجفا ... فمن أين لي صبر فأجعله طبعي -! سل المطر الغمر الذي عم أرضكم ... أجاء بمقدار الذي فاض من دمعي - ما أخرجته من شعره في سائر الأوصاف كان ليلة مع بعض إخوانه وبين أيديهم شمعة، فأفضى حديثهم إلى وصفها، فجعل من حضر يريض نفسه، ويعمل في ذلك حسه، فقال أبو الفضل: ذهبنا فأذهبنا الهموم بشمعةٍ ... غنينا بها عن طلعة الشمس والبدر أقول وجسمي ذائب مثل جسمها ... ودمعتها تجري كما دمعتي تجري كلانا لعمري ذوبيان من الهوى ... فنارك من جمر وناري من هجر وأنت على ما قد تقاسين من أذىً ... فصدرك في نار وناري في صدري وله في وصف طرف: حكى فرسي الليل في لونه ... فقابله البدر عند اضطرار فكان له غرةً في التمام ... ونعلا لحافره في السرار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 105 وقال: رب ليل أبطا علي فلما ... مد ضافي دجاه ما استبطاني جئت أسعى إليه سعي زلال ال ... ماء يستن في حشا الظمآن ظلت أسري بمثله فيه حتى ... خلتني قد أحاط بي ليلان فهو طرف له خضابي سواد ... أنا فيه كهيئة الإنسان وأرى السلامي قد نبهه على هذا التشبيه، وإن كان أبو الفضل قد زاد فيه، وكان السلامي قد ركب زورقاً بدجلة فقال: وميدان تجول به خيول ... تقود الدارعين وما تقاد ركبت به إلى اللذات طرفاً ... له جسم وليس له فؤاد جرى فظننت أن الأرض وجه ... ودجلة ناظر وهو السواد وقال عبد الجليل للمعتمد بن عباد من شعر قد تقدم إنشاده في صفة جواز البحر: فسرت فوق دفاع الله تهصره ... براحة الدين والتقوى فينصهر كأنما كان عيناً أنت ناظرها ... وكل شط بأشخاص الورى شفر وقال أبو الفضل في زامر أسود: [59] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 106 وحالك اللون كالليل البهيم له ... فضائل مشرقات الحسن كالفلق تنوب عن نطقه ريح مؤثرة ... في قلب مصطبح أو لب مغتبق تخال مجلسنا وجهاً به حسنا ... إذ صار فيه كخال معجب لبق كأنما كفه من زمره سلبت ... أو زمره من يديه جد مسترق تراه يحفظ ما يوحى إليه به ... وسره أبداً يهوي بمنخرق يحدو بأنفاسه الأوتار مجتهداً ... فتستقيم به الألحان في الطرق أهدى الشباب إليه حسن بهجته ... فناسب المسك في لون وفي عبق وقال: هات اسقني فالعيش شاك جرأة ... والدهر نكب عن لقاء أعزلا من قهوة تدع الفتى مستحسناً ... من غفلة في شربه أن يجهلا مع ناعس الألحاظ تخبر أنه ... ما قال فيما ريم منه قط لا والثلج يحكي في اكتنان سقوطه ... وضئيل جثته دقيقاً غربلا ويا بعد ما بين هذا وبين قول بعض أهل عصرنا وهو: [] ... والشمس طالعة ولما تغرب خلت الرذاذ برادةً من فضة ... قد غربلت من فوق نطع مذهب ولأبي الفضل في الشيب: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 107 طاقة نغصت علي شبابي ... فتعمدت نتفها غير وان فأقامت عند المكان ونابت ... عند نتفي من غيرها طاقتان قلت ماذا هذا لعمر التصابي ... لشبابي وجدتي محنتان قالتا قد جرى من الرسم للسل ... طان أخذ البراة قبل الجان وإن ازددت في الجفاء فلا تن ... كر قدومي عليك مع أعوان ألم في البيت الأخير بقول [الآخر] : [وزائرة للشيب لاحت بعارضي ... فبادرتها بالقطف خوفاً من الحتف] [فقالت على ضعفي استطلت ووحدتي] ... رويدك حتى يلحق الجيش من خلفي وفي البيت الثاني والثالث بقول كشاجم: أخي قم فعاوني على شيبة بغت ... فإني منها في عذاب وفي حرب إذا ما مضى المنقاش يأتي بها أبت ... وقد أخذت من دونها جارة الجنب كجان على السلطان يجزى بذنبه ... تعلق بالجيران من شدة الرعب وقال أبو الفضل من طردية: أنعت كلباً لم يصب مثاله ... يطمعه من حرصه خياله مثل الهزبر سلبت أشباله ... أو كالظليم ضل عنه راله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 108 يسأم من مَطالِهِ مطالُه ... وفي وديق فمه جرياله فكلنا من صيده عياله ... وله من قصيد طويل: كأنما الفحم والنيران تلهبه ... هام من الزنج في ثوب من السرق أو الزنود براها السيف في رهجٍ ... من الهنود عليها شطبة العلق مد الرماد عليه بهد رقدته ... عيناً له حسك من حمرة الشفق أقول للنار والأحزان نائرة ... والقلب في غمرات الحب لم يفق إياك أن تقربي ناراً مؤججةً ... بلاعج الشوق في قلبي فتحترقي أظن أنك ما لاقيت ما لقيت ... قلوب أهل الهوى من جاحم القلق ولا منيت بتوديع وقد جعلوا ... بيض السواعد أطواقاً على العنق ولا فجعت بغزلان ألفتهم ... ساروا بقلبك إذ ساروا مع الرفق سطا الفراق عليهم غفلة فغدوا ... من جوره فرقاً من شدة الفرق فسرت شرقاً وأشواقي مغربة ... يا بعد مانزحت من طرقهم طرفي لولا تدارك دمعي يوم كاظمة ... لأحرق الركب ما أبديت من حرق يا سارق القلب جهراً غير مكترث ... أمنت في الحب من بعدي على السرق ارمق بعين الرضا تنعش بعاطفة ... قبل المنية ما أوهيت من رمق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 109 لم يبق مني سوى لفظ يبوح بما ... ألقى فيا عجباً للفظ كيف بقي صلني إذا شئت أو فاهجر علانيةً ... فكل ذلك محمول على الحدق ومنها في وصف الطل والنور: كأن قطراته من بعد ما جمدت ... لآلئ فوق أصداف من الورق فالنور قد رمدت بالثلج أعينه ... فليس يرنو بجفن غير منطبق والغصن قد ضربت أيدي الضريب على ... أوراقه فتراه مائل العنق قوله: " بيض السواعد أطواقاً على العنق " معنى مشهور، ومنه قول القائل وهي أبيات بتداولها القوالون: مشتاقة طرقت بالليل مشتاقاً ... أهلاً بمن لم يخن عهداً وميثاقا يا زائراً زار من قرب على بعد ... آنست مستوحشاً لا ذقت ما ذاقا يا ليل عرس على خلين قد جعلا ... بيض السواعد للأعناق أطواقا ومن قصائده المطولات في المدح وما يتعلق به من الصفات ما أخرجته من مقطوعاته الإخوانيات وغيرها قال من قصيدة في معز الدولة صاحب حلب: وقفت على رسم الديار مسائلاً ... وهل يشتفي من لوعة الحب سؤال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 110 فألوى رسوم الصبر رسم من اللوى ... وطل دموعي بالسبيبة أطلال [60] يحيي بها صوب الحياء معالماً ... خلعن عليهن المحاسن أنوال فما روضت أرض المهاد ملاحف ... وزهور باها الحلي والنور خلخال وورقاء تستملي حنيني بنوحها ... كلانا على عهد الأحبة هدال وإني إذا ما أزور عني منزل ... رمى الحل في قطربه شد وترحال أقيم إذا ما العز وطد مفرشي ... وأنبو إذا ما أعقب العز إذلال أنا ابن السرى إن ملني متن سابق ... تسلمني شخت الجزارة مرقال كأن الفلا ظئر لها الليل حجلة ... تحن إليها من ركابي أطفال تفوز في قطع المفاوز جرأتي ... إذا كاع عن قطع المجاهل جهال إذا البدر جلى وجهة البر نوره ... فمدة ظلي فوق وجنته خال سقى حلباص والحى من آل عامر ... هزيم توالى من نشاصك مهطال فكم أثمرت فيه القنا من مناقف ... وكم أتعبت فيه الصوارم أبطال إذا خطبوا العلياء يوم كريهةٍ ... فأسيافهم فيها مهور وأجعال بيمن معز الدولة انكشفت لنا ... من الدهر أحوال مرتهن أحوال تجافى محيا المال حتى كأنما ... يقابله منه وشاة وعذال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 111 كأن الوغى طرف له الجبل محجر ... له النقع أكحال له الزان أميال وأسمر عسال إذا احتدم الوغى ... تصدق منه الزاد أطلس عسال وله من أخرى في ابن ذي النون المأمون: لا يشرب الماء ما لم يحف حافته ... حتى إذا قطرت أرماحه شربا ولا يرد المحيا الطلق بغرته ... كالقرن عن بيرق خلب خلبا ما بال بالي إذا سكنته نفرت ... عشاره وإذا كفكفته انسربا أللتبرم بالدنيا وزينتها ... أم البعيد من الآمال قد قربا بهمة الملك المأمون حين غدا ... إفضالها لتناهي همتي سببا الواهب الألف لا عيناً ولا ورقاً ... ولا عشاراً ولكن أنعماً قشبا في جحفل كسواد الليل مرتكم ... لكن أسنته صارت له شهبا كأنما نهج أنبوب الرماح به ... ما قد ورثت من العليا أباص فأبا قوم إذا ركبوا سدوا الفضاء وإن ... [حلوا] توهمتهم في البيد رجل دبا قد صيروا الحرب كأساً والدماء بها ... خمراً وما جوفت من بيضها حببا وله فيه من أخرى: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 112 ولم يفهموا ما تكتب البيض في الوغى ... ولا السمر حتى أعجما بالحوافر تسرع حتى خلت كل مقصر ... من الخيل محمولا على ظهر طائر وحتى توهمنا النجوم أسنةً ... وخلنا الهلال بينها إثر حافر وله من مرثية في الملك شروان شاه: يا موضعاً عن ملكه وسريره ... ماذا أضرك لو لبثت قليلا - طلت رزيته دمي إن لم أدع ... دم مقلتي في لحده مطلولا يا تاركاً رسل الملوك ببابه ... من ذا يرد عليهم التجميلا أرحلت ثم تركتنا ولقبل ذا ... كنا نحف إذا أردت رحيلا أترى دليلك في السرايا غره ... خطأ فسار إلى الحمام دليلا - صرنا نقبل قبره ولطالما ... كنا نبيح بساطه التقبيلا جدث غدا جفناً لأبصر ناظر ... أمسى وأصبح بالردى مكحولا يا قبر لم نعرف تشتت شملنا ... حتى غمدت الصارم المصقولا ظلنا نشق جيوبنا من بعد أن ... كنا نجرر في ذراه ذيولا ونعب كاسات الدموع كأننا ... في أنس مجلسه نعب شمولا عذل البكاء فظل ينشد نفسه ... بيتاً يمهد عذره المقبولا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 113 رد الجموح الصعب أيسر مطلباً ... من رد دمع قد اصاب سبيلا ما للرماح قصرن عن درك المدى ... ورأين حمل نصولهن فضولا - ولقبل كن إذا رأينك عازماً ... عاين طولك فاسنفدن الطولا لبس الحداد حديدهن فما نرى ... إلا سناناً من صداه كليلا تبكيك أقلام [زهت] من عظم ما ... كتبت فتوحك بكرة وأصيلا وبحور شعر غاص مدحك فانتقى ... منهن دراً في النظام جزيلا وله من أخرى في بعض عبيده: أعبدي قد أسأرتما [في] جوانحي ... من الوجد داء مستكناً وباديا أسأتم وللحب المبرح حجة ... تحسن في عيني تلك المساويا لئن بزني دهري ببغداد ثروتي ... فما زلت من كسب المحامد كاسيا فيا ليتني لم آت بغداد نابها ... وأصبحت في أكناف شروان عاريا فلو كنت فيها لبم تحص قوادمي ... ولا أحفت الأشواق منها الخوافيا فمزقت أثواب الفلا بسوابق ... تظل بها الأنضاء تفلي الفيافيا إذا [ما] أمالتني بها نشوة الكرى ... ترنح في كفي المهند صافيا وإن أنا طلقت النهار بجوزها ... خطبت خدارياً من الليل داجيا ومن طلب الغايات جرع نفسه ... سلاف السرى واستنهض النجم ساقيا [61] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 114 ما أخرجته من مقطوعاته الإخوانيات وغيرها في أوصاف مختلفات له من قصيدة في وصف القيروان وقت فتنة العامة بها يقول فيها: حالت علي القيروان بحالها ... عما عهدت العيش فهو منغص فخرابها في كل يوم زائد ... وصبابة المعمور فيه تنقص ومنها: إن كان أرخصني الزمان فإنه ... أسدى إليّ بضائعاً لا ترخص أو كان غير من طباعي موضعي ... فالخمر إن تركت وعاها تقرص كيف الرجوع وطرف حالي عاثر ... وجناح آمالي الكسير مقصص وله من أخرى: ولما أن كساني الشيب ثوباً ... ولم يك وقت تغيير الثياب أتاني غفلة والنفس فيها ... بقايا من عقابيل التصابي وغصن شبيبتي غض نضير ... به ظمأ إلى ماء الشباب ورام الناس مني ما يضاهي ... مشيبي في فعالي أو خطابي ولم أقدم على وصل التصابي ... مخافة أن أدنسه بعاب فداومت المدام فما أبالي ... ببالي إن تخطى عن صواب فإن ظهر التصابي في يوماً ... أحلت به على فعل الشراب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 115 وهذا من قول حسان. نوليها الملامة إن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء وقال أبو الفضل: ومعنف لي في المقام ضرورة ... بالقيروان وما بها سلطان ألقى الهوان بها وكم من عزة ... قد ساقها نحو الرجال هوان جهلوا على الإحسان فيها موضعي ... لو كان ينفع عندهم إحسان فكأنني القرآن عند معطل ... أو في بلاد هرابذ رمضان ما الدر ينقص فضله في بحره ... أن ليس تعرف قدره الحيتان كلا وليس المسك يبطل عرفه ... إن ضيعته بجهلها الغزلان ما عيب ضوء الشمس عند بزوغها ... أن ليس يدرك نورها العميان والليث لا ينسى استطالة بأسه ... إن ضمه في خيسه خفان أو ما ترى الدنيا بفقد مليكها ... طرفاً ولكن ما له إنسان - وله من أخرى: وأعظم من مصيبات الليالي ... علي وصرفها خل خؤون يقابلني بود مستميل ... وبين ضلوعه داء دفين إذا عاتبته أبدى مجوناً ... وعلة ذلك العتب المجون ومن جعل السموم له دواء ... فيوشك أن يفاجئه المنون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 116 أهم بأن أجازيه فيأبى ... علي الأصل والعرض المصون أرى هذر الكلام المحض غثاً ... فيردعني عن الغث السمين ولم يزعج زئير الأسد حلمي ... أيزعجه من البق الطنين - أيطمع أن يشق غبار مهري ... ذليل تحته عير حرون - سل السمر الذوابل ما غنائي ... إذا اشتجرت بها الحرب الزبون ألم أجعل مثار النقع بحراً ... على أن الجياد له سفين - وله من أخرى في صاحب الخيل ابن أذين من قصيدة طويلة، منها قوله: وأعذب من يومنا بالعذيب ... سلامتنا اليوم من ذي سلم ولست بمن يطيبه الغنى ... ويرصد طيفاً له أن يلم ومن عبثت نفسه بالغنى ... تساوى الغنى عنده والعدم وكم طسم الدهر من جبلتي ... فرد نضارة ما قد طسم وكنت إذا ما رماني الزمان ... أو كاد أو هم بي أو عزم علقت أبا الحسن المرتجى ... فأمسيت من صرفه في حرم فتى لو رأى البخل في نومه ... أو الجبن خلقاً له لم ينم ولو كان طيفاً وكان الكرى ... طروقاص لغير العلا ما ألم فما لي أرى عقد إحسانه ... تبدد من سلكه ما نظم - ولم ذكني عنده حاسد ... كأن به جنةً أو لمم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 117 بدا وجهه فاشتهيت العمى ... وكلمني فاستزرت الصمم وقد كنت ترضع در الصفا ... ودادي فما لودادي فطم - كذا الطفل يرضع حتى إذا ... ترعرع غيب عنه الحلم يسائلني الناس عما تقول ... وما قلت لي قط إلا نعم [وله] : قالوا مدحت أناساً لا خلاق لهم ... مدحاً يناسب أنواع الأزاهير فقلت لا تعذلوني إنني رجل ... أقلد الدر أعناق الخنازير وقال: ما إن أرى قربكم صائباً ... وأنتم لي غير أجناس وما جلوسي عندكم أنني ... أعدكم من بعض جلاسي [62] لكنني أجلس [ما] بينكم ... تعللاً من عدم الناس وقال في رجل يعرف بابن كثير: وما الخبر مما يرتجى في ابن واحدٍ ... فكيف نرجيه من ابن كثير - وقال: وكيف ترجو السحاب الجود من رجل ... لا يطمع الطير فيه وهو مصلوب أصبحت أحلب تيساً لا مدر له ... والتيس من ظن أن التيس محلوب وقال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 118 يا لائماً عمران لا تنشدن ... عمرو بن كلثوم " ألا هبي " طمعت في كلب فداريته ... والكلب من يطمع في كلب فصل في ذكر طائفة من الشعراء المقلين الطارئين على هذا الأفق من بلاد المشرق، مع ما يتصل بذكرهم من المعارف المفيدة منهم سليمان بن محمد الصقلي: كان - فيما بلغني - من أهل العلم والأدب والشعر؛ ووفد على هذا القطر سنة أربعين وأربعمائة، وقصد بمديحه عدة من الرؤساء، وتقدم بفضل أدبه عند الكبراء، ووما أنشدته له في عذول قبيح قوله: رأى وجه من أهوى عذولي فقال لي ... أجلك عن وجه أراه كريها فقلت له بل وجه حبي مراءة ... وأنت ترى [تمثال] وجهك فيها ومن شعره: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 119 تقلب دهرنا فالصقر فيه ... يطالب فضل أرزاق الحمام على الدنيا العفاء فقد تناهى ... تسرعها إلى أيدي اللئام وما النعماء للمفضول إلا ... كمثل الحلي للسيف الكهام ذريني أجعل الترحال سلكاً ... أنظم فيه ساحات الموامي فإني كالزلال العذب يؤذي ... صفاه وطعمه طول المقام وهذا المعنى مشهور، وقد مر منه في تضاعيف هذا التصنيف كثير، كقول بعض أهل عصرنا: مللت حمص وملتني فلو نطقت ... كما نطقت تلاحينا على قدر وسولت لي نفسي أن أفارقها ... والماء في المزن أصفى منه في الغدر وكذلك قوله: " بل وجه حبي مراءة " معنى متداول، منه قول يوسف بن هارون الرمادي: وإذا أراد تنزهاً في روضةٍ ... أخذ المرأة بكفه فأدارها وقال الآخر: أنا كالمرآة ألقى ... كل وجه بمثاله وقال العباس بن الأحنف: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 120 هممت بإتياننا حتى إذا نظرت ... إلى المرآة نهاها وجهها الحسن ولبعض المصريين في غلام كان يهواه، مما يتطرف معناه: يجري النسين على غلالة وجهه ... وأرق منه ما يمر عليه ناولته المرآة ينظر وجهه ... فعكست فتنة ناظريه إليه ورأى أبو الحسن السلامي في يد غلام يميل إليه مرآةً فقال: رأيته والمرآة في يده ... كأنها شمسة على ملك فقلت للصورة التي احتجبت ... من غيره زهد فيها ولا نسك يا أشبه الناس بالحبيب ألا ... تخبرنا عنك غير مؤتفك قال أنا البدر زرت بدركم ... وهذه قطعة من الفلك قلت فإني أرى بها صدأً ... فقال هذي بقية الحبك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 121 وذكرت بذكره المرآة قول القراطيسي الكوفي، وهي أبيات يتداولها القوالون: ما تنقضي من عجب فكرتي ... في خصلة فرط فيها الولاه ترك المحبين بلا حاكم ... لم يقعدوا للعاشقين القضاه وقد أتاني خبر ساءني ... مقالها في السر: واسوأتاه أمثل هذا يبتغي وصلنا ... أما يرى ذا وجهه في المراه! قال القراطيسي: وقلت يوماً للعباس بن الأحنف: هل ألممت بهذا المعنى - فأنشدني لنفسه: جارية أعجبها حسنها ... ومثلها في الناس لم يخلق خبرتها أني محب لها ... فأقبلت تصحك من منطقي والتفت نحو فتاة لها ... كالرشإ الوسنان في قرطق قالت لها قولي لهذا الفتى ... انظر إلى وجهك ثم اعشق وحدثني الفقه أبو بكر بن الوزير [أبي محمد ابن] العربي؛ قال: حدثت عن الفقيه أبي عبد الله الحميدي عن سليمان بن محمد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 122 الصقلي، قال: كان بسوسة إفريقية رجل أديب ظريف يهوى غلاماً جميلاً من غلمانها، واشتد كلفه به، فتجني الغلام عليه، فبيناه ذات ليلة يشرب منفرداً وقد غلب عليه السكر خطر بباله [63] أن يأخذ قبس نار فيحرق به داره، ففعل وجعله عند باب الغلام فاشتعل ناراً، فاتفق أن رآه بعض الجيران فأطفأه، فلما أصبح حمل إلى القاضي فسأله لم فعل ذلك، فأنشأ يقول: لما تمادى على بعادي ... وأضرم النار في فؤادي ولم أجد من هواه بداً ... ولا معيناً على السهاد حملت نفسي على وقوفي ... ببابه حملة الجواد وطار من بعض نار قلبي ... أقل في الوصف من زناد فاحترق الباب دون علمي ... ولم يكن ذاك من مرادي فاستظرفه قاضي البلد، وتحمل عنه ما أفسد. قال الحميدي: وكنت أظن أن هذا المعنى مما تفرد به هذا القائل حتى أخبرت أن نصر بن أحمد الخبزرزي ابن المقنى في إثر حريق المربد، فقال له: هل قلت في هذا شيئاً - فقال: ما قلت، ولكن أنشدك ارتجالاً، وجعل ينشد هذه الأبيات: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 123 أتتكم شهود الورى تشهد ... فما تستطيعون أن تجحدوا فيا مربديون ناشدتكم ... على أنني منكم مكمد جرى نفسي صعداً نحوكم ... فمن حره احترق المربد وهاجت رياح حنيني لكم ... فظلت بها ناركم توقد ولولا دموعي جرت لم يكن ... حريقكم أبداً يخمد فصل في ذكر الأديب أبي الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني من جملة من وفد أيضاً على البلد في ذلك الأوان، وكان الغالب على أدواته علم اللسان، وحفظ الغريب والشعر الجاهلي والإسلامي، إلى المشاركة في أنواع التعاليم، والتصرف في حمل السلاح، والحذق بالآلات الجندية، والنفاذ في معاني الفروسية؛ فكان الكامل في خلال جمة. طرأ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 124 على الجانب منذ صدر الفتنة للذائع من كرمه، فأكرم نزله، ورفع من شانه، وأصحبه ابنه المرشح - كان - لسلطانه. فلم يزل له بها المكان المكين إلى أن تغير عليه يحيى بتغير الزمان، وتقلب الليالي والأيام بالإنسان، ففارقه ولحق في غرناطة بعسكر البرابرة، فحلت به من أميرهم باديس الفاقرة. ووجدت بخط الفقيه أبي محمد بن حزم، قال: إن أول من لقي من ملوك الأندلس مجاهد العامري المتقدم الذكر، فأكرم نزله وأنس به، وسأله يوماً عن رفيق له رآه معه، فقال الجرجاني: رفيق شتى ألف الدهر بيننا ... وقد يلتقي الشتى فيأتلفان قال أبو محمد بن حزم: ثم لقيت بعد ذلك أبا الفتوح فأخبرني عن بعض شيوخه أن ابن الأعرابي رأى في مجلسه رجلين يتحدثان، فقال لأحدهما من أين أنت - قال من اسبيجاب، وسأل الآخر فقال: من الأندلس، فعجب ابن الأعرابي من ذلك وأنشد البيت المتقدم. ثم أنشدني هذه المقطوعة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 125 نزلنا على قيسية يمنية ... لها نسب في الصالحين هجان فقالت وأرخت جانب الستر دونها ... [لأية أرض أم من الرجلان فقلت لها أما رفيقي فقومه ... تميم وأما أسرتي فيمان رفيقان شتى ألف الدهر بيننا] ... وقد يلتقي الشتى فيأتلفان قال ابن حزم: وأخبرني أبو الفتوح الجرجاني، قال: أخبرني علي بن حمزة [إن القصيدة التي أولها " هذي برزت لنا فهجت رسيسا " قالها المتنبي في محمد بن زريق] وكيل زوامل ابن الزيات صاحب طرسوس وأنه وصله عليها بعشرة دراهم، فقيل له إن شعره حسن، قال: ما أدري أحسن هو أم قبيح، ولكني أزيده عشرة أخرى؛ فكانت صلته عليها عشرين درهما. فصل في ذكر الأديب عبد العزيز بن محمد السوسي أحد أضياف بن ذي النون قال ابن بسام: ولم يقع إليّ من شعر هذا الرجل إلا قصيدة من جملة قصائد لغير واحد، أنشدت للمأمون يحيى بن ذي النون، سنة خمس وخمسين في صنيع احتفل فيه لإعذار حفيده حسب ما أصفه. وقصيدة السوسي في ذلك طويلة، منها قوله: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 126 لما بنيت من المكارم والعلا ... ما جاوز الجوزاء في الإجلال أعملت رأيك في بناء مكرمٍ ... ما دار قط لآمل في بال لو زاره كسرى أنو شروان لم ... يصرف إلى الإيوان لحظ مبال يا ساقي الصهباء أين كبارها ... قد لذ ورد القهوة السلسال إعذار يحيى أبهج الدنيا وبين عذرنا في نحوة المختال ... حشد السرور لنا طهور مطهر ... من عائر الجبناء والبخال عرض من الآلام يجلب صحةً ... وطفيف نقص فيه كل كمال انتهى ما كتبته منها. ونذكر بعقبها ما تعلق بسببها فصلاً لابن حيان في وصف ذلك الصنيع الذنوبي، دل به على [64] براعته، وأعرب به عن موضعه من صناعته، وسيمر أثناءه ذكر شعراء من هذه الطائفة الطارئة وسواها، لانتظام كلام ابن حيان إياها. فمنهم من ذكرت في هذا الموضع بارع أشعاره، وجرد فصلاً من كتابي في مستطرف أخباره، ومنهم من فات دركي، ولم يعلق بشركي، فاقتصرت في هذا الفصل على ذكره، وأثبت هاهنا ما وقع إليّ من شعره. وكان غير السوسي منهم أحق بالتقديم كمحمد بن شرف وسائر طبقته، ممن هو أعصف في البيان ريحاً، وأكثر عن الإحسان تصريحاً، ولكن وصلنا هذا الفصل بخبر هذا الرجل إذ لم يكن له سواه آية تتلى، ولا حسنة تجتلى. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 127 قال ابن حيان: كتب إليّ الأديب ابن جابر، قال: احتفل المأمون ابن ذي النون في مدعاة إعذار حفيده يحيى فحشد أمراء البلاد، وجملة الوزراء والقواد، فأقبلوا إليها كالقطا القارب أرسالا، وقد رسم لخدمته في توسيع مشارب هذا الإعذار، وإرغاد موائده، وتكميل وظائفه، وإذكاء مطابخه، رسوماً انتهوا فيها إلى حده، وشقق عليها جيوب أكياسه، وأمر بالاستكثار من الطهاة والإتآق للقدور، والإتراع للجفان، والصلة لأيام الطعام، والمشاكلة بين مقادير الأخباز والآدام، والإغراب في صنعة ألوانها مع شياب أباريقها بالطيوب الزكية، والقران فيها بين الأضداد المخالفة ما بين حار وبارد، وحلو وحامض؛ والمماثلة بين رائق أشخاصها وبين ما تودع فيه من نفائس صحافها، والاستكثار لها من أنواع الحلوة المجيرة للمعد من داء الإتخام، وتجاوز عليها إلى السكر. فجاءوا في ذلك كله بأمر كبار أبيدت لمطابخه أمم من الأنعام، جمع فيه بين المشاء والطيار والعوام. وانتسفت لمخابزه أهراء من الطعام، وأنفقت على مجامره ومعاطره جمل من الأموال الجسام، فاغتدى جماعاً لمداعي أهل الإسلام العظام. وشرف المأمون بالاشتراك مع تطهير حفيده يحيى صبياناً من بني أصحابه، وبدأ بحفيد قبلهم، فكان أسكن من حنف معه جأشاً، وأقلهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 128 زمعاً، وإنه مشى - زعموا - إلى الحديد مشي البطل النجيد، ومكن الخاتن من عضوه فأعانه على إحكام صنعه، وسوى ختانه، وخفف آلامه، وأوشك إفراقه، فخلص من محنته هذه الشرعية، خلوص صادر السهام المصمي للرمية، فسر ابن ذي النون وشام برق الأمنية، فعند ذلك أذكى نيرانه، وأنضج أطعمته ونصب موائده، ودعا الجفلى إليها، ولم يفسح لأحد التخلف عنها. فاكتملت الأطعمة، وفتحت الأبواب، وسهل الحجاب، ورفعت الستور، وجليت المقاصير، وزينت القصور، واقيمت المراتب، ووكل بكل قسم منها كبير من وجوه الخدمة ضم إليه فريق من الأعوان والوزعة، يتصرفون بأمره، ويقفون عند حده، قد أخذوا بخفض الأصوات مع سرعة الحركات وحث الأقدام، فصار من بديع ذلك الصنيع الفخم أن لم يعل فيه صوت، ولا تشكي منه فوت، فطال العجب من استوائه في مثل ذلك المشهد. قال ابن حيان: ولما بكرت أفواج علية الناس إلى باب القصر مستبقين، وغشيته زمرهم وزرافاتهم مبتدرين، أنزلوا عن دوابهم عند باب المنصب الأول، فأذن لهم بالدخول على مراتبهم، فمشوا وقد حفهم سراة الصقلب الخصيان، وخواص الحشم والغلمان، فأجلسوا في الدار الأولى ذات الحائر الريان. فلما اكتملوا أدخلوا إلى المجلس الكبير. فلما استقر فيه جمعهم خرجت تسمية من الأمير المأمون بإدخال القضاة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 129 والفقهاء والعدول ومن يليهم من كبار الناس، دعاهم لذلك ذو الوزارتين أبو [عامر بن] الفرج، فقاموا والسكينة عليهم، يقدمهم قاضي القضاة أبو زيد بن عيسى القرطبي، فأدخلوا بتكريم على تؤدةٍ ورفق، وجيء بهم إلى الدار الكبرى الثانية ذات الساحة الواسعة الزاهرة، ثم وصلوا إلى مجلس قد فرش بالديباج التستري المرقوم بالذهب، وسدلت فوق حناياه ستور من جنسه تكاد تلتمع الأبصار بنصاعة ألوانها وإشراق عقيانها. وقد جلس لهم الأمير المأمون في جانب منه، وحفيده في جانب آخر، فأكب الناس عليه يهنئونه. ويلثمون أطرافه، ويتناغون فيما قد رووا وابتدهوا، وهو يشملهم بإقبال طرفه، ويعمهم بإجمال رده، فيثنون منه إلى حفيده [65] يدعون له، ثم عدل بهم إلى مكان الأطعمة في المجلس الأول - على ذات اليسار من تلك الدار - الواسع القطر الرحب الأبواب، وقد فرش بالوطاء التستري، وعلقت على أبوابه وحناياه ستور الطميم المثقلة ذات الصور المقيدة للألحاظ، وقد مدت فيه صنوف الطعام. فأمعنت هذه الطائفة في الأكل ازدقاماً وسرطاً، واختصاماً وقضماً، وانتهالاً وعلاً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 130 ووصفاء الموائد الحافون من حولهم يطردون الأذية عن مجلسهم بطوال المذاب البديعة الصنعة، المقمعة الأطراف بفاخر الحلية. ولما مضى لهم صدر من أكلهم، نجم لهم الأمير المأمون قائماً فوق رؤوسهم، متهمماً بشأنهم، مبالغاً في تكريمهم، قد حف به أذواء الوزارة وأهل الخدمة وأكابر الفتيان وأعاظم القواد قائمين بقيامه، ولما قضى وطراً من القيام بمكارمتهم صدر راجعاً إلى مرتبته. ولما فرغت تلك الطائفة جيء بهم إلى المجلس المرسوم لوضوئهم، وقد فرش أيضاً بوطاء الوشي المرقوم بالذهب، وعلقت فيه ستور مثقلة مماثلة، فأخذوا مجالسهم منه، وناولهم الوصفاء الطائفون بهم رفيع النقاويات والذرائر المطيبات في الأقداح والأشناندانات الفضيات المحكمة الصناعات، كادت تغنيهم بطيبها عن الغسل. ثم أدني إليهم إثر ذلك الوضوء في أباريق الفضة المحكمة الصنعة، يصبون على أيديهم في طسوس الفضة المماثلة لأباريقها في الحسن والجلالة، فاستوعبوا الوضوء وأدنيت من أيديهم مناديل يتضاءل لها ما عليهم من سني الكسوة. قم نقلوا إلى مجلس التطييب أفخم تلك المجالس، وهو المجلس المطل على النهر العالي البناء، السامي السناء، فشرع في تطييبهم في مجامر الفضة البديعة بفلق العود الهندي، المشوبة بقطع العنبر الفستقي، بعد أن نديت أعراض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 131 ثيابهم بشآبيب ماء الورد الجوري، يصب فوق رؤوسهم من أواني الزجاج المجدود، وفياشات البلور المحفور، ثم أدني إليهم قوارير المها المحكمة الصنعة، الرائقة الهيئة، قد أترعت بالغوالي الذكية، النامة بسرها قبل الخبرة، المتخذة من خالص المسك التبني، ومحض العنبر المغربي، لاءم بينها رشح البان البرمكي، فتناولوا من ذلك حتى لأقطرت سبالهم ذوباناً، وأعادت شيبهم شبانا، فلما استتم هؤلاء الخلة نعيم يومهم، من طعمهم وطيبهم، أقيموا للدخول على المأمون، فسلموا عليه، ودعوا له. فأقبل عليهم أحسن قبول، ورد أجمل رد، وأمر بإدخالهم إلى سيد مجالسه المسمى المكرم، نتيج همته، وبديع حكمته، السائر خبره، الطائر ذكره، المعدوم نظره، ليمتعوا أبصارهم بالنزهة، ولم يكن أكثرهم رآه إلى يومهم ذلك مع علوق وصفه بخواطرهم، فلما رأوه صغر عندهم ما كانوا يستكبرونه من وصفه، ورجعوا أبصارهم فيه، ونبه بعضهم بعضاً على دقائق معانيه. قال ابن حيان، قال ابن جابر: وكنت ممن أذهلته فتنة ذلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 132 المجلس، وأغرب ما قيد لحظي من بهي زخرفه الذي كاد يحبس عيني عن الترقي عنه إلى ما فوقه إزاره الرائع الدائر باسمه حيث دار، وهو متخذ من رفيع المرمر الأبيض المسنون، الزارية صفحاته بالعاج في صدق الملاسة ونصاعة التلوين، قد خرمت في جثمانه صور لبهائم وأطيار وأشجار ذات ثمار، وقد تعلق كثير من تلك التماثيل المصور بما يليها من أفنان أشجار وأشكال الثمر ما بين جان وعابث، وعلق بعضها بعضاً بين ملاعب ومثاقف، ترنو إلى من تأملها بألحاظ عاطف، كأنها مقبلة عليه، أو مشيرة إليه. وكل صورة منها منفردة عن صاحبتها، متميزة [من] شكلها، تكاد تقيد البصر عن التعلي إلى ما فوقها. قد فصل هذا الإزار عما فوقه كتاب نقش عريض التقدير، مخرم محفور، دائر بالمجلس الجليل من داخله، قد خطه المنقار أبين من خط التزوير، قائم الحروف بديع الشكل، مستبين على البعد، مرقوم كله بأشعار حسان، قد تخيرت في أماديح مخترعه المأمون. وفوق هذا الكتاب الفاصل في هذا المجلس بحور منتظمة من الزجاج الملون الملبس بالذهب الأبريز، وقد أجريت فيه أشكال حيوان وأطيار، وصور أنعام وأشجار، يذهل الألباب [66] ويقيد الأبصار. وأرض هذه البحار مدحوة من أوراق الذهب الإبريز، مصورة بأمثال تلك التصاوير من الحيوان والأشجار بأتقن تصوير وأبدع تقدير. قال: ولهذه الدار بحيرتان، قد نصت على أركانهما صور أسود الجزء: 7 ¦ الصفحة: 133 مصوغة من الذهب الإبريز أحكم صياغة، تتخيل لمتأملها كالحة الوجوه فاغرة الشدوق، ينساب من أفواهها نحو البحيرتين الماء هوناً كرشيش القطر أو سحالة اللجين. وقد وضع في قعر كل بحيرة منهما حوض رخام يسمى الذبح، محفور من رفيع المرم، كبير الجرم، غريب الشكل، بديع النقش؛ قد أبرزت في جنباته صور حيوان وأطيار وأشجار، وينحصر ماؤهما في شجرتي فضة عاليتي الأصلين، غريبتي الشكل، محكمتي الصنعة، قد غرزت كل شجرة منها وسط كل مذبح بأدق صناعة، يترقى فيهما الماء من المذبحين فينصب من أعالي أفنانهما أنصاب رذاذ المطر أو رشاش التندية، فتحدث لمخرجه نغمات تصبي النفوس، ويرتفع بذروتها عمود ماء ضخم منضغط الاندفاع، ينساب من أفواهها ويبلل أشخاص أطيارها وثمارها، بألسنة كالمبارد الصقيلة، يقيد حسنها الألحاظ الثاقبة، ويدع الأذهان الحادة كليلة. قال ابن حيان: إلى هذا المكان انتهى تلخيصي ووصفي، وهو جلل عند قرانه بموصوفاته، ووشل عند إضافته إلى مغموضاته. وأبرأ من عهدة التقصير فيه، وأنهجه لمن تعاطى الاقتدار على الإبداع في وصفه. قال: وتوالى إطعام أفواج الناس في ذلك الإعذار، مجلساً بعد آخر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 134 أياماً متوالية، حتى استدعي له من بقايا أصناف الناس وأدونهم حتى الجفلى، وأزعجوا إلى النعيم الذي لا عهد لهم به، دخلوا على التطليق، وحفظوا من ضنك المضيق، وأوسعت مآكلهم من غليظ ورقيق، فالتهموا وازدرموا، ونهلوا وعلوا، ووضئوا وطيبوا. مجلس الأنس قال ابن حيان: وذهب المأمون إلى تتميم تكريم زواره من رجال الأمراء الذين استحضرهم يومئذ لشهود فرحته، بمشاهدة مجلس خلوته، وتنعيم أسماعهم بلذات أغانيه، وقد علم أن فيهم من يرخص في النبيذ ولا يسوغ له نعيم دونه، فاحتمل حرج ذلك مبالغة في تأنيسهم، فاحتفل لهم في مجلس قد نضد، وأحضر فيه جميع آلات الأنس. فلما استوى بالقوم مجلسهم، واشرأبوا إلى الأخذ في شأنهم، قرب إليهم أطعمة طيورية جوامد وباردة، وصنوفاً من المصوص والأشربة والطباهج، موائد مترعة اتخذوها بسطاً لنبيذهم. ثم انثنوا إلى الشراب ونفوسهم به صبة، وقد مدت ستارة الغناء لأهل الحجاب، ونظمت نوبة المغنين زمراً، فهاجوا الأطراب، واستخفوا الألباب، ونقلوا الطباع فجاءوا بأمر عجاب، بذهم فيه سابق حلبتهم، المحسد من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 135 جماعتهم، الإسرائيلي ذي، الزائد إحسانه على إبراهيم الموصلي، صديق إبليس، الظريف في فتنته، وتخايله بالماخوري المكنون، الذي اغتدى في باطله نسيج وحده، يزدهي العيدان جسه، ويخرس الأطيار شجوه، قاتله الله من آخذ بالقلوب! فطربوا وطرب المأمون ليلتئذ على وفور حلمه. وكان الذي غناه فيها ذي صوتاً شجياً، لحنه من خفيف الرمل، مطلق بالخنصر، في مقطوعة نظمها عبد الله بن الخليفة المقلب بالمصري، وهي: باكر لبكر الدنان إن ... هداء العروس في السحر واشرب عقاراً تخال حمرتها ... تحرق أيدي السقاة بالشرر فإن يحيى أحيا بدولته ... ما قد محاه تصرف القدر ملك هو الدهر في عزيمته ... يطلع فينا بطلعة القمر فطمح بابن ذي النون الإطراب، حتى حن حنين الناب، وخلع لوقته عليه ثوباً من التستري الأخضر مطرزاً بالذهب، ووصله بمائتي دينار ذهباً، ثم فض الصلات والخلع في سائر الطبقات. هذا آخر خطاب ابن جابر إليّ بوصف ذلك الإعذار، وجمله التي بسطتها من إدماجه، وسبكتها من نقده. خلا أنه سامني ذكر مقطوعات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 136 حشا بها كتابه إليّ، من صنعة صديقه عبد الله بن خليفة المصري. تعاور المغنون في تلك الليلة الغناء بها، وجميعها عندي في نهاية من الضعف [67] والتخلف والتبرؤ من صنعة الشعر، يبغي بها توشيح هذا المشهد الجليل الذي قيلت فيه، ينظمها في عقده، فلم أسعده على ذلك ترفيعاً به عن هجنتها، وتبرئةً لنقدي على استجادة سبكها، ومذمة لزمن غفل أقحم قائلها في زمرة الشعراء، وجسره على إنشاد جلة الأمراء، وطالما عناني هذا الرجل بذكر ابن خليفة هذا وإنمائه إلى النسبة المصرية، وعزوه له إلى المعارف الحكمية، وأنا أحسبه مصري التربة، متطارح الغربة، مستطيراً على بعد النجعة، مرهف الحد، محتنك التجربة، أرتاح لذكره وأود لقياه والأخذ عنه. فأبرزه الفحص لي قطربي التربة، محالي الحومة، سوقي الحرفة؛ ابن جار لي من تجار الخفافين يسمى هليفة، عجمي نبز الأب ب - " المورته " مفجوء الميتة منذ سنوات قليلة. لم أعهد ابنه هذا يرتسم بأدب، ولا يسعى لطلب، إلى أن رمت به النوى قريباً إلى بلاد العدوة لابتغاء المعيشة، فأطال بها الثواء، ولقي الفهماء، وتقيل الجسراء، فكسر إلينا على زعمه مصرياً صليبة، وأديباً باقرة، وشاعراً باقعةً، وحكيماً نطيساً، وظريفاً ممتعاً. كل ذلك من غير طول رياضة، ولا تقدمة معرفة. وما إن يستنكر لقاسم الفضائل بين خلقه أن يجمع منها لواحد ما فرق في جماعة، له القدرة البالغة والحكمة القاهرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 137 وفي فصل له في ذكر الشعراء قال ابن حيان: وصار من مناكيد ذلك الصنيع الملحقة به عيب التقصير عدمه لحذاق من الشعراء يجيدون القول فيه، ويحسنون وصفه، فيوفون المبدع له حقه، إذ ألوى ببقاياهم الزمن العصيف المطاول للفتنة، وجاء بأشباه له من شعراء متكلفين مثل الخازباز المضروب مثلة، يهينمون بما لا ودق له من سمائهم، ويفرغون في قوالب تضيق عن إفراغهم، ويجهدون في حشو قوافيهم دون إرهاف للفظ ولا استنباط لمعنىً، فلا يسرون ناقداً، ولا يهزون ممترىً، ولا ينشطون راوياً. وأشق ما على الحائز لهم غلظهم في أنفسهم، واستقصارهم لمن امتدحوه في إخلاله وقعوده بهم، وهي لو عقلوا أقعد وأضيق واقصر وأعكس. فيا ويحهم ماذا عليهم في إلإنصاف من أنفسهم والاعتراف بتقصيرهم، أليس ذلك كان أولى بهم - فما أحسن قول " لا أدري " بمن يدري فضلاً بمن هو بضدها تصاب مقاتله. فلو قلدوا الزمن دؤولهم، ووله نقصهم، واعترفوا لبلواه، لكان أعذر لهم. فجلس لهم المأمون متخذ تلك المدعاة الفخمة في مرتبته ببرطيل المجلس الموصوف في أبهةٍ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 138 فخمة ورتبة كاملة مع كبار أهل مملكته من أذواء الوزارات المثنية والمفردة، ومن أصحاب الخطط العليات، وأذن لتلك الحلبة من شعراء [الحضرة] من طارئ وقاطن، وهم نفر عير منوه بهم ولا بأسمائهم، ولا تجانس برواتهم، فدخلوا إليه على هيئتهم يقدمهم شيخهم المقدم من جماعتهم ذلك اليوم، محمد بن شرف القيرواني القريب عهده بالهجرة، بعد خبطعه سمرات ملوك الأندلس بمحجنه، واعتصارهم بقصعته، فأذن لهم بالإنشاد بحسب تطبيقهم، فتقدمهم ابن شرف فأنشد قصيدة أولها: " يريني الهوى أن الهوى لين سهل "، ما إن هي لاحقة بعيون شعره، أطال فيها التشبيب فخلص إلى التهنئة، وقد استفرغ القريحة وطول فما أتى بطائل. ثم تقدم بعد البائس عبد الله بن خليفة الأندلسي المتمصر بزعمه، فيا بؤسى لسابق صلى بعده! فأنشد قصيدة ملفقة، ذات طنين وقعقعة، كثر أبياتها، وقلل أقواتها، أولها: " أرى أثلاث الجوع بالوصل تورق " تركه المأمون أيضاً يتصرف بها، ما إن هزت منه عطاً، ولا أبدت له بسماً. وقام بعده محمد بن زكي الأشبوني، فأنشده شعراً أوله: " اليوم أبهج منبر وسرير " ركب فيها سنن من قبله، ولحق ابن ذي النون سآمة من كلف يومه، فأمر بأخذ بطائق جميع من حضره من الشعراء، وأسلمها إلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 139 وزيره الأثير يومئذ عبد الرحمن بن مثنى كي يتصفحها بفضل أدبه، ويطبق قائلها بحسب معرفته، فيأمر لهم بما يجده. فبدا على [68] الشعر يومئذ انكسار، ولحق أخفافه أنهيار، وأصم به الناعي مسمعاً يندب شجوه بابن اليماني، منادياً ينادي: يا إدريساه، ولا إدريس يومئذ للقوافي، وكل شيء له حتف موافي. قال ابن حيان: وأكتب إثر هذا الفصل بعض ما اخترته من قصائد هؤلاء الشعراء على ما خيلت لئلا يخلو جيد التأليف من مخشلبها. فمن قصيدة ابن شرف في ذكر وطنه وحنينه قوله: تذكرتها واليم بيني وبينها ... وموصولة فيح ومهجورة غفل ومن دونها حرب عوان وفارض ... ولود لها من نفسها أبداً بعل ومنها في ذكر قصيدته: يقر امرؤ القيس بن حجر لفضلها ... ويظهر عنها العجز علقمة الفحل فلو وصلت عمري الليالي لوقته ... لقالت [له] الأشعار ما قالت النمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 140 قال ابن بسام: وأثبت ابن حيان في كتابه لتلك الطائفة المنشدة يومئذ عدة قصائد، ولم يسلك فيها سبيل ناقد. قال: وأما المتكلف المصري فسكل الحلبة، فكان أبطأهم جراءً وأنآهم عن الغاية، لما اجتهد في المتح فجاء بقليل ماء، فوق ظمأه بخمسين بيتاً سدىً، لفقها قصيدة متخاذلة لم يفتق فيها معنى حسناً، ولا قافية حرةً، بل ما زاد على أن صرف النسيب في ست من الخلات مسميات، فضل فيهن إمام المحدثين أبا تمام بزيادة اثنتين، ثم قطع المديح توسعاً مع ما وجده هناك من آجر وجص، فهدف منها فيما لم يعنه عليه طبع، ولا أسعدته صنعة، فكان الذي أبدى كير نفخه من خالص سكبه قوله: وقد كان لي [في] مصر دار كرامة ... ولكن إلى المأمون كنت أشوق حللت عليه والمكارم جمة ... وسحب العطايا برقها يتألق انتهى ما لخصته من كلام ابن حيان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 141 جملة من أخبار بني ذي النون وذكر أولية أمرهم قال ابن بسام: ونتلو هذا الفصل بنبذ لها بهذا الموضع موقع، من أخبار طليطلة البائسة، وشرح الحال التي أبادت مصانعها، وطيرت واقعها، وما آل إليه أمر المملكة القابضة للأنام، المبنية على هدم دعائم الإسلام، المجموعة من افتراق الجماعة، المغلوب عليها أئمة السمع والطاعة. ونذكر طرفاً من حديث مآل أميرها المترف المسرف، الملقب - كان - من الألقاب السلطانية بالقادر بالله، جهلاً من بحقيقته، وتهاوناً بالله وخليقته. خطة ذاده المقدار عن مستقرها، ودعوى دفع الليل والنهار في صدرها، ونأتي أولاً بفصل جوده ابن حيان في ذكر جده إسماعيل المتلقب - كان - بالظافر، رئيس الخلاف، ورأس الإنحارف، وجمهور الجور والإسراف. قال ابن حيان: وكانت أولية نباهة بني ذي النون من جدهم ذي النون، في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن، وقد اعتل له خصي في طريق قفوله من الثغر فتركه عنده بحصن أقليش يمرضه، فلما أفاق لحق بالحضرة مع الخصي، فأخذ له توقيفاً بتقديمه على حصنه، ثم تداول تلك الخطة ولده إلى أيام الحكم. فلما اضطلع بالدولة ابن أبي عامر، تعلق به المضراس بن ذي النون وإسماعيل ابنه معه، فلما انقرضت الدولة العامرية لحق بالثغر وجمع إليه بني عمه، وخطب من سليمان ولاية أقليش فولاه إياه، ثم تهيأت له قلعة كونكه، وكانت بيد واضح العامري، فلما مات ضبطها إسماعيل منتظراً بزعمه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 142 من يجتمع عليه الناس، وتحت ذيله من غلول واضح كثير، حين لم يترك إلا أطفالاً وأمهم حرته، ألقت بنفسها إليه، معتنقة بأمانه، فحصل لإسماعيل البلد. وسطا على مجاوريه من قواد الثغور، فاستقامت له الأمور. وثنى له الوزارة سليمان وسماه ناصر الدولة. فاستقل ذلك كله، وآثر الفرقة، واقتطع جانبه، فكان أول الثوار لمفارقة الجماعة، وفرطهم في نقض الطاعة، ثم اتفقت له أمور اتسع بها عمله، وكثرت جبايته وجمعه. وكان من البخل بالمال، والكلف بالإمساك، والتقتير في الإنفاق، بمنزلة لم يكن عليها أحد من ملوك عصره. لم يرغب في صنيعة، ولا سارع إلى حسنة، ولا جاد بمعروف، فما أعملت إليه مطية، ولا حملت أحداً نحوه ناقة، ولا عرج عليه أديب ولا شاعر، ولا امتدحه ناظم ولا ناثر، ولا استخرج من يده درهم في حق ولا باطل، ولا حظي أحد منه بطائل. وكان مع ذلك سعيد الجد، تنقاد إليه دنياه، وتصحبه سعادته فينال صعاب الأمور بأهون سعيه. وهو كان فرط الملوك في إيثار [69] الفرقة؛ فاقتدى به من بعده، وأموا في الخلاف نعهجه. فصار جرثومة النفاق، وأول من استن سنة العصيان والشقاق، ومنه تفجر ينبوع الفتن والمحن، فتبارك من أملى له، ولم يرض له عقوبة الدنيا مثوبة. فقد كان أصحابه حفظوا عنه كلمات في سبيل ذكر السلف الصالح زيادة إلى مساوئه. وذلك أنه نوظر في شأن التأمير لبني أمية فقال: والله لو نازعني سلطاني هذا الصديق لقاتلته ولما سلمت له، فكيف أسلم سلطاني لمن يدعى إليه من بني أمية، ممن لا يوجب الله طاعتهم، عترة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 143 مروان خيط باطل، الذين لم يسبق لهم صحبة، ولا أدخلهم السلف في شورى الإمامة - قال ابن حيان: ومن أشهر حكاياته في ذلك، ما أخبر عنه أبو العباس السكري الإسكندري - رجل ممتع الحديث طيب المجالسة - وحضر مجلس ابن حمود بمالقه، فسأله إسماعيل بن ذي النون عن مجلسه معه، فأثنى عليه، فقال أتثني على أدعياء - فعل الله بهم وصنع، فبهت الإسكندراني وقال: معذرة إليك أيدك الله، فإني جهلت رأيك في هذا الرجل مع أني ألزمت نفسي ألا أذم ذا سلطان البتة، وأنت غير منازع في أئمتك المروانية، وهم أهل ذلك منك، أقاديم الملوك، وذو العدل والسياسة. [ومضى] الإسكندراني في إطرائهم ظناً أنه يسره، إذ كان يقول بدعوتهم في ذلك الوقت. فقطع عليه ابن ذي النون بأسوأ من قطعه على الهاشميين، وأنحى على ذم بني أمية فلم يبق، ووصل كلامه بأن قال: توارثوا هذه الإمارة مخرقة وضعها قريش لاستعمال الناس، والناس لأب وأم، والفخار باطل، أحقهم بالملك من استقل به. والله ما أولي غير نفسي، ولا أقوم إلا بسلطاني، ول نازعنيه فلان وفلان - وذكر السلف الصالح الذي كرم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 144 الله ذكرهم - لضربتهم دونه بسيفي ما استمسك بيدي. فقام عنه الإسكندراني مبهوتاً وأفشاه في غير أرضه. وأخباره في مشل هذا كثيرة. انتهى كلام ابن حيان. فقلت أنا: وليت إسماعيل هذا بقي ووقي، على فظاظة جانبه، واختلاف مذاهبه، وطول إعراضه عن عواقبه، فلقد كانت عليه وقته قليل رقبة، وعند بعض أهبة، لقرب عهده بأيام الجماعة، واستشعاره عودة السمع والطاعة، ولوفور من كان قبله يومئذ من مشيخة ذوي الهيئات، وزعماء سائر الطبقات، ولقد أساء من جاء بعده، ذهاباً في الكبر، وتهاوناً بالأمر، وقعوداً عن النصر، واستظهاراً بأحزاب الكفر، سلمه باطل وبطالة، وحربه غواية وجهالة، في المشركين نجومه وديمه، ولهم مواثيقه وذممه، وفي المسلمين همومه وهممه، وعندهم بوائقه ونقمه. بلغني أنه لما مات الظافر إسماعيل، كان حملة دولته ورؤوس جملته، الحاج ابن محقور وابن لبنون وابن سعيد بن الفرج. وكان آكد ما عهده إلى ابنه يحيى المتلقب بعده بالمأمون الاقتداء بهديهم، والانتهاء إلى رأيهم. قال بعضهم: فدخلنا عليه لأيام يسيرة من مهلك أبيه، وهو [في] إيوان كبير قد ملأه بنقر الفضة حتى لا فضل فيه عن مجلسه، فأمرنا بالدنو، فبعد لأي ما خلصنا إليه، لكثرة ما كان من ذلك بين يديه، وقد امتلأت صدورنا عجباً، وتقيدت ألحاظنا فما تجد متقلباً، لهذا الاتفاق كيف وقع، ولهذا السحت من أين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 145 جمع. فأخذ يفيل رأى أبيه في اختزانه، ويعرض بجمود كان كان في بنانه، ونحن نقول: لعله قد أنف لضياع ثغوره، وتشعث أموره، وانتشار الشرك بإزائه وظهوره. وكأنه فهم ما نحير، وعلم إلى أين نشير، فأظلم ما بيننا وبينه، وازور ازورارة أنكرنا بها أثره وعينه، [وقال:] من حق مثل هذا أن يصرف في مثل ضروب الحلية الرائقة، وأنواع الآنية المؤانقة. وأي معنى في كونها نقر - ما أعجب هذا وما أنكر! هذه بالحجارة أشبه منها بالآت الإمارة. فقال له ابن محقور، وكان أشدهم جرأة، وأثقلهم وطأة، لعزة ركنه، وإدلاله بفضل سنه: إن هذه - أيدك الله - إذا كانت نقراً بقيت ذخيرة زمان، وعدةً لحدث إن كان، ولا تحول آلات إلا بعد نفقة، وتحيف من كل طبقة، ثم لا تزال نصب عين من يرد من رسول، وينتاب من ابن سبيل، وينمي خبرها إلى الطاغية فرذلند فتدعو السياسة إلى أن يخص منها بقسم، ويضرب له في أنفسها بسهم، فزوى عنهم وجهه، ولم يأمنوا نجهه، وثقلوا بعد عليه، ويئسوا من شيء من الفلاح يجري على يديه. وخالفهم إلى ما أراد، فأبدى فيه وأعاد، وآلت حاله إلى ما قال الشيخ: ما لقص ولا زاد [70] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 146 ذكر الخبر عن بعض ما تناهى إليه المأمون من تشييد البنيان بقصور طليطلة قال ابن بسام: ثم أخذ المأمون في بناء مجلسه الكبير المكرم بناءً باء بإثمه، وخلا سريعاً من اسمه، لم يخلده في عقب، ولا قضى من لذته به كبير أرب، وكان الذي تولى له رصف بدائعه، وإحكام مصانعه، رجل من مهرة الفعلة، أكثر خلق الله صلفاً، وأشدهم تتايعا وسرفاً. وكان المأمون لعدم نظيره، يحتمل من اعتدائه وتغيريه، وتهاونه بجميع أموره، ما لا مزيد عليه، ولا انتهاء لأحد إليه. واتفق له مع ذلك الصانع أن وعده بتمام مجلسه المشيد قبل إطلال العيد، فرشح ابن ذي النون للجلوس في صدره، والاستظهار على زينة عيده بالفراغ من أمره، وتقدم إلى من كان بحضرته من الشعراء، على قلتهم ببابه، ونفارهم عن جنابه، لقلة نائله، وتفاهة طائله، في وصف مجلسه ذلك وتقريظ مبانيه، والثناء على مخترعه وبانيه، ثم إن ذلك الصانع استمر على ديدنه من الخلاف، وعمل على شاكلته من التهاون والإخلاف. واتفق أثناء ذلك أن ضربت خيل الطاغية فرذلند على بلاد المظفر بن الأفطس؛ وطئتها وطأة محت رسومها، واستباحت حريمها، واجتاحت حديثها وقديمها، وأنست ما كان قبلها من جب الذروة، وانصداع المروة، وأيأست من البقاء، وآذنت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 147 بشمول البلاء. فأخبرت عن وزيره أبي المطرف بن مثنى أنه كان يومئذ بمنزلة بين الوجوم والإطراق، وعلى نهاية الحذر والإشفاق، إذ وردت رسل المأمون عنه تترى، وهجمت عليه زمرةً بهد أخرى، فدخل عليه فوجده قد استشاط حنقاً، حتى كاد يتميز شققاً. فظن أن ذلك الضجر، لما كان ورد به الخبر من ضرب الخيل على بلد المظفر، وإخفار الذمم، وزلة القدم، وانهتاك الحرم. فطفق ابن مثنى يبسطه ويقبضه، تارةً يسليه وتارةً يحرضه، وطوراً يقول له: فيك الخلف مما فات، ومرة يقول: قد آن لك أن تنكر على الطاغية هذا الافتيات. فلما فهم منحى ابن مثنى منه، أعرض عنه، وقال له: ألا ترى هذا الضالع الفاعلي الصانع - يعني عريف بنيانه - صبرت له وأغضيت، وفعلت به كيت وكيت، فما زاد إلا تنغيصاً للذتي، واستخفافاً بإمرتي، وتصغيراً لشاني، واجتراء على سلطاني. وهبت ريحه العقيم، تقعد في غير شيء وتقيم، فسقط في يد ابن مثنى وانكسر إنكسارة تبينها ابن ذي النون فيه. ولم يجد بداً من أن قال له: هون عليك، والكل طوع يديك، وناهيك، وأنا أكفيك؛ وخرج ومثل بين يدي ذلك الصانع يعده ويمنيه، ويداوره ويداريه، والصانع مقبل على شأنه، ما أمره بالجلوس، ولا زاده على التجهم والعبوس، فبعد لأي ما ضرب له مثل العامة وهو قولهم: ما أفرس الجالس. ثم قال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 148 وبالحري والله أن يتم إلى عبد آخر، فليجهد جهده، وليأت بكل ما عنده. فرجع ابن مثنى إلى ابن ذي النون وهون عليه الشأن، وخفف لديه ما كان. وخرج لا يدري من أي الثلاثة يعجب: أمن اغترار [ابن] ذي النون وجهله، أم إفضاء الضرورة بنفسه إلى خدمة مثله، أم من جرأة ذلك الصانع القصير اليد، النزر العدد، على ذل [ابن] ذي النون وذله. قال ابن بسام: فتبارك من أحاط بالأشياء، ولم يخف عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ومن جعل اليوم ذلك القصر العجيب بنيانه، الهادم - كان - للدين والدنيا شانه، مربطاً للأفراس، وملعباً للأعلاج الأرجاس، من رجال الطاغية أذفونش بن فرذلند، بدد الله شيعته. ذكر الخبر عن مآل حفيده المتلقب بالقادر مع (ما) يتشبث به من خبر نادر قد ذكرت في القسم الثاني من هذا المجموع ملك جده المأمون بقرطبة، ويعود بنا القول إلى ما بدأت به من ذكر حفيده المتخذ له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 149 ذلك الصنيع المعدود على الأيام ذنبه، الباقي في صفحة الإسلام ندبه، وقد ذكرت أيضاً في القسم الثالث منه مهلك حفيده ببلنسية، وأوضحت صبحه، واستوفيت شرحه، وأجرد هاهنا القول في أخذ طليطلة من يديه، ودوران الدائرة السوء بها على المسلمين وعليه، وما تعلق بأذيال ذلك من غريبة، وانخرط في سلكه من أعجوبة. كان يحيى حفيد ابن ذي النون ركين المجلس، ثري المغرس، حلو الحوار، لين التصرف بين الإيراد والإصدار، مليح شبا الخط [71] هذه كانت فضائله فقط. لم يكن له ولسلفه قبله باع في الطلب، ولاحظ في الأدب؛ وكان - زعموا - آية في قرب غوره، وسكون فوره، والحور بعد كوره، إمعة إمره، أجبن من قبره: إن حزم لم يعزم، وإن سدى لم يلحم، إلى ما كان يغرضه من غرض، ويلزمه أكثر مدته من مرض، من ذرب لازم - زعموا - كان لمعدته، واستحرار حاسم لمرته، وقد كان جده المأمون قسم الحضرة قسمين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 150 وأدار سياستها على رجلين، فجعل تدبير الأجناد، والنظر في طبقات القواد، إلى سائر الشؤون السلطانية، والأعمال الديوانية إلى ابن الفرج، وبقية الإصدار والإيراد، والنظر لجماهير الناس وكواف البلاد، والرأي والمشورة، والصغيرة والكبيرة، إلى الفقيه أبي بكر بن الحديدي، رجل كان له قدم وإقدام، وعنده نقض وإبرام، وكان قد عهد لحفيده هذا المرشح لأمره متى ورث سلطانه، وتبوأ مكانه، أن يشد على ابن الحديدي كلتا يديه، ولا يفتات بأمر من الأمور عليه. وأخذ الموثق الغليظ على ابن الحديدي ليبلغن كل مبلغ في شد أزره، وتثبيت أمره علماً باستقلاله، واستنامة إلى يمن مناقبه وخلاله، وحفظاً لما كان عنده من يده في إقامة أوده، وممالأته على أهل بلده. وقد كان أكثرهم فيما سلف نفروا عنه، وهموا بالاستبدال منه. فنكث أبو بكر هذا قوى مكرهم، وخاطب المأمون يومئذ إلى بلنسية بجلية أمرهم، خوفاً من الفتنة، وتفادياً من المحنة. فانكدر المأمون من حينه إلى طليطلة وقد ضاق ذراعاً، وكادت نفسه تذهب شعاعاً. وأدار الحيلة على مشيخة طليطلة في خبر طويل حتى سجن عامتهم بمطبق حصن [وبذة] ، أخرى قلاعة المنيعة، ولم يزالوا بها حتى شاب الشباب، وبليت الأحقاب، وتلك اليد كان المأمون يراعي لابن الحديدي، فوضع في حياته زمامه بيده، واستخلفه بعد وفاته على بلده وولده. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 151 مقتل الفقيه أبي بكر بن الحديدي فلما هلك المأمون بقطربة ونعي بطليطلة وماج بعضها في بعضها، وانطبقت سماؤها على أرضهلا، احتوشت إلى حفيده، اللابس لبروده، جملة ممن كان يتعلق بسببه، وينسب إلى وطء عقبه، وطفقوا يغرونه بأبي بكره، جماع أمره، ومظنة تأييده ونصره، لما كانوا يدبرون من التقلب عليه، ويتوهمون من ضعفه على ما في يديه، وخوفوه غوائل ختله، وزعموا أن سلطانه لا يتم إلا بعد الفراغ من قتله. وقد كان أثيره أبو سعيد بن الفرج ينهاه عن إخفار الذمام، ويخوفه سوء عواقب الأيام. فركب هواه، وخالف ناصحه وعصاه، وجرد قطعةً من جنده، وأمرها باستقبال تابوت جده في طريقهم من قرطبة، وأنهى إليهم سراً قتل ابن الحديدي المستقل بحمله، الناظم لأشتات فله. وقال لهم: إذا التقيتموه فكونوا حوله، وعظموا قوله، فإذا امكنتكم غرته، وبدت لكم ثغرته، فاقتلوه كيف أمكن، وعلى ما ظهر وبطن، ونما الخبر إلى ابن الحديدي فكفر بطاغوتهم، ونفض يديه من تابوتهم، ونكب إلى بعض ضياعه، في لمة من شيعته وأتباعه. فاضطرمت الصدور، وبطل ذلك التدبير، ثم وافى البلد ليلةً وقد استوحش من أنسه، وأوجس خيفةً في نفسه، وأصبح في المدينة خائفاً يترقب، ونادماً يتتبع ويتعقب، يعض يديه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 152 ويحسب كل صيحة عليه. وطفق أصحاب ابن ذي النون بزعمه يقولون: قد حذرك، وتيقن خبرك، ولا يصلح لك أبداً، ولا يرد عن مكروهك يدا. ومشت بينهما الرسل، وأعملت في اجتماعها الحيل، فركب إليه ذات يوم، وقد أخذ حذره، وحشد عرفه ونكره، واستبطن من كان تبعه يومئذ من الدهماء، وتعلق بركابه لمشهد أمره من الغوغاء. فملأوا أفنية القصر أسرع من الماء إلى الصبب، وأهول من النار في الحطب. فحين ارتفعت الأصوات، وغصن بهم العرصات، ارتاع ابن ذي النون، فأمر ابن الحديدي بالخروج، فخرج والدولة متعلقة بأذياله، وطبقات أعيانها عن يمينه وشماله، والعامة بين يديه ومن خلفه، يتمسحون بآثاره، ويرفلون في غباره، وهو يشكر صنيعهم، ويعم بالثناء جميعهم. وكان عندما أذكى عيونه، وحشر شياطينه، قد أوقع تهمته على شيخين من شيوخ الخدمة يدعيان مؤملاً وابن صروم، فأغرى العامة باستئصالهما، وتحبب إليهم [72] بنهبة أموالهما، فكانا عنوان الفتنة، وباكورة المحنة. وقد حدثت أن ابنه أشار عليه يومئذ بالفراغ من شيعة ابن ذي النون ففيل رأيه، واستقصر سعيه، وبود طليطلة البائسة لو أنه فعل، ولو أمضاها ما اختلف بها اثنان، ولا انتطح فيها عنزان. وزين هذا الحزب المعلن بشره، من شيعة ابن ذي النون المغلوب على أمره، لصاحبهم اللجاج في غدره، والتمادي على غلواء مكره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 153 وأرته أن ذلك من سعيها لا يستوي على سوقه، ولا يخلو بسواء طريقه، إلا [بإطلاق] تلك الطائفة المغربة بمطبق وبذة، المحترقة أفلاذ أكبادهم، بنيران دمهم وأحقادهم: داء دفين، وشر مضمون. وسولوا له أنه إذا فك أغلالهم، ووصل بحبل الحياة حبالهم، غسل جوانحهم، وتألف نصائحهم، وشاركهم في ذوات صدورهم، واعتد عليهم منة نشورهم، والبعثة من قبورهم. فأثار منهم مدى وشفاراً، [أعد] بهم لخراب ملكه أعواناً وأنصاراً. فأدخلهم البلد سراً من بعض مداخله الخفية، وقد سترهم باللثم، وأوهم أنهم بعض الحرم، حتى وصلوا إليه، ومثلوا بين يديه، وذلك اليوم يوم الجمعة لعشر خلت لمحرم سنة ثمان وستين. وكان الذي مالأ ابن ذي النون على ذلك، وسهل له - زعموا - تلك المناهج الخبيثة والمسالك، الفقيه ابن المشاط متولي القضاء كان يومئذ بقونكة. وكان أبو بكر بن الحديدي [يألفه] ويسكن إليه قديماً، فاستدرجه بالأمان، واستفزه إلى مصرعه يومئذ بمزورات الأيمان، حتى جرعه رداه، وأسلمه إلى عداه. ودخل ابن الحديدي يومئذ القصر، والمقدار يزعجه، والخائن الغدار ابن المشاط يستدرجه، فلما أنضى إلى مجلس ابن ذي النون رأى وجوهاً قد أمنها مما تخوفها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 154 وأنكرها من طول ما عرفها، فأيفن بالشر لا خلاص، ولات حين مناص، ثم وطن لمحنته، واتكأ فضل منته، فجاذبهم أطراف الخصام، وطلع عليهم من ثنايا النقض والإبرام، فقام ابن ذي النون من موضعه وابن الحديدي متعلق بأذياله، مستجير به من أقتاله. فشغبوا عليه وشغلوه، وأحاطوا به حتى قتلوه، فقضي الأمر. وانقضى العجز والصدر. ولما أحست العامة بقتله، وهمت بسلاحها من أجله، ثار أولئك المخرجون في وجوههم، أطلال في أسمال. فأخذ كل واحد منهم بطرف من الطريق، وذهب ممن كان هنالك من العامة بفريق، بين صديق لهم يسر، وعدو يفر، وتشاغلوا بنهب دور بني الحديدي حين عجزوا عن نصرته، وعلموا أن لا سبيل إلى كرته. ولم يكن إلا كاملا، حتى أصبحت حبلا رثا، وهباءً منبثا. وظن ابن ذي النون [أنه] قد راع أحشاء الأيام بفتكة براضية، وهتك أستار الخطوب عن حيلة عمرية. ولعمري لقد راع ولكن آمن سربه، ولقد هتك ولكن حجاب قلبه، أخلى وجهه لشرار أغمار. لم تكن لهم أحلام تحجرهم، ولا حلوم توقرهم، أذبة شهوات، وفراش ضلالات، أغضى الزمان لهم هنية فظنوا أنهم قد أعجزوه وانتهزوه، فوجدهم مغترين ليس لهم سلاح إلا مقاتلهم، ولا بهم حويل إلا تدابرهم وتخاذلهم، ونفث على نفسه من أولئك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 155 المخرجين شرار زناد، وأسرار عدوات وأحقاد، أحلاس السجون والأهوال، وبقايا القيود والأغلال. فلم يزد بموت ابن الحديدي وحياتهم على أن كان الشر سبباً فأصبح أسباباً، والناس حزباً فتفرقوا أحزاباً. وانتبذ ابن عبد العزيز لتلك الوهلة ببلنسية من جماعته، وخلع يده من طاعته، إلا هدنة على دخن، يتطارد له بصيدها، وينشده عن كيدها: أحبك في البتول وفي أبيها ... ولكني أحبك من بعيد وفغر الطاغية أفونش بن فرذلند فمه على ثغوره المثغورة، فجعل لوقته يطويها طي السجل للكتاب، وينهض فيها نهضة الشيب في الشباب. وابن ذي النون يلقمه أفلاذ كبده، ويرجمه بسبده ولبده، وأذونش لعنه الله لا يقنع منه بصيد العنقاء، ولا ببيض الأنوق، بل يكلفه إحضار الأبلق العقوق، ويسومه درك الشمس، ويطلبه برد أمس. فلما أكل الإنفاق ثبج ماله، وأخذ الخناق بكظم احتياله، وأحس العدو المشاق بذلك من حاله، سما إلى معاقله المنيعة، وذرى أملاكه الرفيعة، عدد الأنام، ودروب الإسلام، فما راهنه منها عليه غلق، وما رام أخذه من يديه لم يدركه حتى مزق [73] . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 156 فرار حفيد ابن ذي النون من طليطلة ودخول المتوكل وانجرت الحال بينه وبين أولئك الشيوخ المخرجين من المطبق بمقدار ما رقعوا خروقهم، وجمعوا فريقهم؛ فلما استوثق أمرهم، وثاب إليهم شرهم، دلفوا لحزبه الذنوبي البسيس، تحت إحدى ليالي جديس؛ أرغت عليهم سقب السماء، وتمخضت لهم بالداهية الدهياء، ورؤسهم بأيدي الولدان لعباً، وأتى ابن ذي النون صريخهم تلك الليلة فصادف منه رأياً مغلوباً، وقلباً منخوباً، طار به الذعر ففر ودونه من عبيده أسد الشرى، والأسوار شامخة الذرى، كأنما ناجته القتال أضغاث حلمه، أو رأى وجوه الأقتال في وجوه حرمه، تجفل الظليم، لا يحفل بالعار المقيم، ولا يصيخ إلى الصديق الحميم. حدثت أن زوجه بنت المظفر بن أبي عامر، طريد جده - كان - من بلنسية، وابنته منها تبعتاه يومئذ راجلتين نيفاً على فرسخين، حتى أدركتا بمركوب، وقد أخذ الجهد منهما بأوفر نصيب، واجتمع مشيخة طليطلة بفناء القصر، مرتبكين بين اللجاج والذعر، عامتهم تتطاول بزعمها إليه، وخاصتهم تتحيل المثول بين يديه، وهم يظنونه بحيث يرى ويسمع، ويتوهمون أنه سفعل ويصنع، فوجدوه قد أذعن للدنية، وخرج من بعض تلك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 157 المخارج الخفية، ومشى القهقري، قبل عير وما جرى، فاستأسدت كلابهم لأكل لحم ليس له ناصر، وهزج ذبابهم أثناء روض ليس [له] وارد ولا صادر. ولقوا يومئذ في سؤر الطاغية أذفونش من تلك الجواهر المكنونة، والذخائر المصونة. وتلاحق بابن ذي النون بقية سربه المنفر، وفل عسكره المدبر، بحصن من حصونه. وأقام أهل طليطلة بعده أياماً ولا كالسائمة المهملة نام راعيها، وأكبثت مراعيها، يتهادون لحماً بين قديد ومعجل، ويرتمون بشحم كهداب الدمقس المفتل، في هياط ومياط، ولجب واختلاط، ليس عليهم أمير، ولا فيهم إلى الصواب مشير، وتشاوروا في أي ملوك الطوائف يحكمونه فيهم، ويلقون إليه بأيديهم، فطار طائرهم، واختلفت بوطنهم وظواهرهم، واشرأب من كان يليهم منهم لمملكة لم يحكموا إليها أسباباً، وغنيمة لم يوجفوا عليها خيلا ولا ركاباً. وكان عندهم يومئذ أبو محمد يوسف بن القلاس البطليوسي أحد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 158 عفاريت الظلال، وأكلة الأموال، من رجل أجرأ خلق الله على دم وهو أجبن ممن صافر، وأجسرهم على ركوب ثبج محرم وهو أضعف من لحظ فاتر، نبهت تلك الفتنة على قدره، ورفع عدم الرجال صوته بذكره، فهبت ريحه شمالاً وصبا، واتخذ سبيله في البر والبحر عجبا، فعرض عليهم بصاحبه المتوكل عمر بن المظفر ابن الأفطس، وأعرب لهم عن لين مكسره، وضيق مسافة نظره، واشتغاله باللذات عن أكثره، فقالوا: برد كبرد، ما أشبه سعدا بسعد! فأتاه سفيرهم، وخف إليه عيرهم ونفيرهم، فجاءهم ينظر من خفاء، ويمشي على استحياء، كودنا ساموه خطة سباق، وحبينة أقاموها على ساق، فدخل طليطلة عقب سنة اثنتين وسبعين، وأقام عندهم نحوا من عشرة أشهر، أضل من يد في رحم، وأذل من لحم على وضم. [و] قد كان ابن ذي النون حين انفلت من يد المقتنص، انفلات الحمامة من القفص، تهيأ له دخول كونكة في خبر طويل، فثاب إليه حسه، ورجعت قليلا نفسه، وراسل الطاغية أذفونش، وهو بحيث ينتهز الفرسة، ويسمع القصة، فذكره ابن ذي النون سالف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 159 عهده. وشهد عنده أنعم جده، فبالزناد الذنونية - زعموا - وريت ناره، ومن التلاع المأمونية تدفق تياره، أيام كان اسم هذا الطاغية مخمولا. وصعبه ذلولا، بتغلب، أخويه شانجه وغرسية عليه، وأخذهما طرفي سلكه من يديه، فآواه المأمون ابن ذي النون ونصره، واستقل بسلطان طاغوته حتى أظهره، وعند الله جزاء موفور، وإليه منقلب ومصير، فلبى دعواه، وسمع شكواه، وأظهر الارتماض لما عزه وعراه. وأقبل معه إلى طليطلة يرد ماء بماء، ويسر حسوا في ارتغاء يورد وردا إليه صدره، ويجلب حلبا له أكثره، والمتوكل بها طليح جفان، طريح أكواب ودنان، مكبا على قمش ما نحته المحنة، وتجافت عن انتهابه الفتنة، من فرش فخم، وسرادق ضخمن وآنية وكتب، وصعد من آلة الملك وصبب، حتى اجتمع عنده من خبث زبرتها، وغثاء غمرتها، مع ما أذابوا له صدر مقدمه من شحم سنامها، وأفاضوا من برد وسلامها، جملة علمته الجلوس في الصدر، وأرته الفرق بين الخل [74] والخمر، وأهل طليطلة الممتحنون، في غمرتهم، في غمرتهم ساهون، وعلى أعقابهم ينكصون، يخوضون ويلعبون، ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 160 خوارج المتوكل من طليطلة، ورجوع ابن ذي النون إليها فلما تمكن المتوكل من الري والشبع، تذكر عواقب الطمع، ورأى أنه إن زاد على ملء بطنه. كان كالسراج المنغمس في دهنه؛ فكايدهم بفراره، وأجلى مبادراً إلى بطليموس دار قراره، ينشد: إن الله يرجعني من الغزو ولا أرى ... وإن قل مالي طالباً ما ورائيا ومن غريب تأويل الأحلام، أن رجلاً رأى المتوكل قبل دخوله طليطلة بأعوام، كأنه يأكل فيها طعاماً فيه سلق مع رجلٍ يسمى يوسف، ففسرها الأديب أبو عمر فتح المعروف بابن برلوصة، وقال: إن المتوكل سيدخلها على يد رجل يسمى يوسف، وينالان من مالها وذخائرها، لكنهما يسلقان بالألسنة فيها. ويقبح الحديث عنهما، فخرجت الرؤيا كما فسر. ولما دخلها وحصل إليه منها ما حصل فر وتركهم كالسفينة خانتها الريح، والجسد بان عنه الروح، بين ناب الطاغية أذفونش وظفره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 161 يقدح لهم نار الفتنة عن حجره، ويريهم الموت في أهول صوره، مقسماً لا يبرح العرصة حتى يفي لابن ذي النون بضمانه، ويكافئه على سالف إحسانه. وكان عاقده ابن ذي النون أنه إذا ضرح قذاها، وأماط أذاها، واقتضى دينها، خلى بينه وبينها. هذا [ما] أضمره، فأما الذي أظهر، فإنه وعده أداء جملةٍ من المال، لا تفي به مدة الإقبال، ولا إرخاء الحال، راهنه بها أبناء الأمجاد، وبقيا معاقله الأفراد، وألقى أهل طليطلة بأيدي الصغار، على حين أيقنوا بالبوار، وضاقت عليهم أنشوطة الحصار. فجاء ابن ذي النون يقدمه أذفونش، وهو يظهر من التزام بره، وإعزاز نصره، ما بهر العقول. وكثر القال نوالقيل، حتى زعموا أنه رفع صوته يدعو إليه، وترجل يمشي بين يديه، وصار أعجب من تورط في حبائل كيده، وجعل الضرغام بازاً لصيده. وكم رام أهل طليطلة قتل ابن ذي النون في أثناء تلك الوشلات مرارا، ولكنه بلغ مداه، وكره الله لقاءه فأبقاه، وكانت لله فيه مشيئة أمضاها، وقضية أنظر به إناها، لذلك ما خبأته صروف الأيام، وسلم من الحمام إلى الحمام، فلما كان يوم النحر سنة أربع وسبعين، نهدوا له الجزء: 7 ¦ الصفحة: 162 في عددهم وعديدهم، وزحفوا إليه بحدهم وحديدهم، فتجاوالوا عامة يومهم في شوارعها، يتراموان بدوامغ الحتوف وقوارعها؛ فأجلت الحرب عنهم قد شرقوا بغصتها، وخلوا بينه وبين عرصتها. وتساقطوا على أذفنوش يشكون ابن ذي النون إليه ويستصرخونه عليه. فرماهم بحجر، ولبس لهم جلدة نمر. فتفرقوا بكل سبيل، وطاروا على كل صعب وذلول، حتى مات ابن مغيث كبيرهم الذي علمهم السحر، وطاغوتهم الذي شرع لهم الكفر. بشيمتور من أرض قشتيلة بين الدنان والصلبان، فساروا وإلى الله إيابه، وعليه حسابه. ورجع بنوه أخيرا فانتزوا بمدينة مجريط، وانحشر إليهم ذؤبان الوقائع، وأذبة المطامع فكانت بين ابن ذي النون وبينهم أيام عدتهم له عدا، وساقتهم إليه وردا، حتى باد جمهورهم، وتلاحقت أعجازهم وصدورهم. وبلغ ابن ذي النون من هدم ربوعهم، وصلبهم على جذوعهم، ما يبرد صدر الموتور، ويضحك سن الموت المبير. بقية الحديث عن شؤون ابن ذي النون بطليطلة وإسلامها لظهيره الطاغية أذفنوش، وما انطوى في ذلك من خبر، والتف به قبيح أثر قال ابن بسام: وأخذ ابن ذي النون أهل طليطلة لحين استقراره فيها بفك تلك المعاقل، وأداء ما كان ضمن لأذفنوش من الأموال الجزء: 7 ¦ الصفحة: 163 الجلائل؛ فضرب مدبرهم بمقبلهم، وولى آخرهم كبر أولهم، حتى طمع فقيرهم في غنيهم، واجترأ ضعيفهم على قويهم، وأصبح الرجل منهم يرتاع من ظله، ويلتفت وإنما هو بين أهله. وانكدر أذفنوش على طليطلة ينتسف مرافقها، ويقعد لجالية أهلها ثناياها ومضايقها، يأسر ويقتل، ويحرق ويمثل. وسما السعر، وتفاقم الأمر، وأنكرت الموارد والمصادر، وبلغت القلوب الحناجر. وكان من غريب ما اتفق [75] وعجيب ما انتظم من ذلك واتسق، أن البر كان على زعمهم يمكث عندهم من خمسين سنة لا يؤثر فيه طول القدم، ولا يخاف عليه آفة العدم، ولم يرفع مدة الفتنة من البيادر - على تعذر بذره، وضيق الحيلة من محاولة شيء من أمره - إلا وقد بدا البلى عليه، وأسرعت الآفة إليه، أمر من الله لم يكن له مرد. ولا منه بد. ولما شمل البلاء، وفدحت البأساء، وأتى على أكثر أهل طليطلة القتل والجلاء، وقضى الطاغية أذفنوش - قصمه الله - قضاءه من استباحة الحريم، واستئصال الراحل والمقيم، وإتلاف الموجود والمعدوم، أسرى تحت الليل، في قطعة غير وافرة من الخيل، فنزل المنية المصورة التي كان المأمون يحشد إليها كل حسن، ويباهي بها جنة عدن، ويقلب الحوير في جيد بنيانها، والإشادة بشانها، ظهرا لبطن. فاتخذ عروشها مرابط لأفراسه، وإيواناتها ملاعب لأراذلته وأرجاسه. وهجم الشتاء فمنعه من ميرة تأتيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 164 أو مدد يوافيه، فأقام نيفا على شهرين لا يسيغ الشراء، ولا يملك المجيء ولا الذهاب، ليس له شوكة إلا ظل لوائه، ولا مدد إلا ضعف من كان بإزائه. ولولا اهتبال ملوك الطوائف بأقامة موافقه، وإصغاؤهم إلى هدر شاشقه، لطار شعاعا، وذهب ضياعا. وطفق أهل طليطلة يستصرخون من حولهم، ويعملون في ذلك فعلهم وقولهم، فيعكفون على طلل بائد، ويضربون في حديد بارد. فلما نأى الشتاء بجانبه، وخلى بين كل ذاهب ومذاهبه، سال بأهل طليطلة سيل لا يقوم له سهل ولا فجر. واضطر من أخطأته الحوادث، وتخطته تلك الخطوب الكوارث، - من أشدها ضيق الحصار، وكلب البوار، وإبطاء المرافق والأنصار - إلى مداخلة الطاغية أذفنوش، فشرعوا في ذلك غير مظهرين للاستسلام، ولا متبرئين من الصبر على ضنك ذلك المقام. طمعا في أن يغروه ولو باغلاء سوم، ويخدعوه على أذماء نفوسهم ولو ببياض يوم، إشارة الغريق إلى الساحل، واستراحة المحتضر إلى الطبيب الجاهل؛ فأبى أذفنوش إلا عرصة الدار. وأم الأوطار، ولجاجا بين التمادي والاستمرار، لعلمه أين ينتهي طلقهم، وتقديره لما عسى أن يفي به رمقهم. فخرج من أعيانهم جملة إلى مضرب أذفنوش في بعض تلك الأيام، وقد ضاق المجال، وتلمظت الآجال، وأقبلت الحتوف تختال، فقام الحجاب دونه، وقالوا: هو نائم فكيف توقظونه - فعدلوا إلى مضرب ششنند الجزء: 7 ¦ الصفحة: 165 شره العتيد، وشيطانه المريد، وهامانه الذي أوقد له على الطين، وعلمه الدفع بالشك في صدر اليقين، أحد أعلاج ابن عباد - كان - من رجل متوقد جمرة الذكاء، بعيد المذهب بين الجرأة والنكراء، سفر بين المعتضد والطاغية فرذلند، فعقد وحل، ونهض بما حمل من ذلك واستقل. ثم خاف المعتضد على نفسه، فنزع به عرق اللوم، إلى المقر المذموم. واستقرت قدمه بجليقية، فاضطلع بالدروب والثغور، وغلب على سائر السياسة والتدبير. وصار بعد قصارى ملوك الطوائف بالجزيرة نظرة من اهتباله، وأدنى خطرة من باله، فأدخل على أذفنوش يومئذ جماعة فوجدوه يمسح الكرى من عينيه، ثائر الرأس، خبيث النفس، وجعلوا ينظرون إليه وهو يضعف ثغامة رأسه، فما نسوا دفر أطماره، ودرن أظفاره. ثم أقبل عليهم بوجه كريه، ولحظ لا يشكون أن الشر فيه، وقال لهم: إلى متى تتخادعون، وبأي شيء تطمعون - قالوا: بنا بغية، [ولنا] في فلان وفلان أمنية، وسموا له بعض ملوك الطوائف، فصفق بيديه، وتهافت حتى فحص برجليه، ثم قال: أين رسل ابن عباد - فجيء بهم يرفلون في ثياب الخناعة، وينبسون بألسنة السمع والطاعة. فقال لهم: مذ كم تحومون علي، وترومون الوصول إلي - ومتى عهدكم بفلان، وأين ما جئتم به ولا كنتم ولا كان - فجاءوا بجملة ميرة، وأحضروا بين يديه كل خيرة خطيرة. ثم ما زاد على أن ركل ذلك برجله، وأمر بانتهابه كله؛ ولم يبق ملك من ملوك الطوائف إلا أحضر يومئذ رسله، وكانت حاله حال من كان قبله. وجعل أعلاجه يدفعون في ظهورهم، وأهل طليطلة يعجبون من ذل مقامهم ومصيرهم، فخرج مشيختها من عنده وقد سقط في أيديهم. وطمع كل شيء فيهم. وخلوا بينه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 166 وبين البلد، لثلاثة أيام من المشهد. ودخل طليطلة على حكمه، وأثبت في عرصتها قدم ظلمه، حكم من الله [76] سبق به القدر، فلم يكن منه وزر. وخرج ابن ذي النون خائبا مما تمناه، شرقا بعقبى ما جناه، والأرض تضج من مقامه، وتستأذن في انتقامه، والسماء تود لو لم تطلع نجما إلا كدرته عليه حتقا مبيدا، ولم تنشئ عارضا إلا مطرته عذابا فيه شديدا. واستقر بمحلة أذفنوش مخفور الذمة، مذال الحرمة، ليس دونه باب، ولا دون حرمه ستر ولا حجاب. حدثني من رآه يومئذ بتلك الحال وبيده اصطرلاب يرصد يرصد فيه أي وقت يرحل، وعلى أي شيء يعول، وأي سبيل يتمثل، وقد أطاف به النصارى والمسلمون، أولئك يضحكون من فعله، وهؤلاء يتعجبون من جهله. وعتا الطاغية أذفنوش - قصمه الله - لحين استقراره بطليطلة واستكبر، وأخل بملوك الطوائف في الجزيرة وقصر، وأخذ يتجنى ويتعتب، وطفق يتشوف إلى انتزاع سلطانهم والفراغ من شانهم ويتسبب. ورأى أنهم قد وقفوا دون مداه، ودخلوا بأجمعهم تحت عصاه. وولى ششنند المذكور تدبير طليطلة. فهون عليهم الرزية، وحبب إليهم إعطاء الدنية، بما أراهم من سهولة مرامه. وبسط فيهم من عدل أحكامه، حتى استمال قلوب أعلامها، وحبب التنصر إلى عامة طغامها. وفجأ المسلمين من اختلاف أهوائهم، وتنصر سفهائهم. ما ضاقت عنه صدور الأيام، واضطربت له قواعد الإسلام. وقد كان من رأي ششنند الإبقاء على أهل طليطلة. وقال لأذفنوش: لست الجزء: 7 ¦ الصفحة: 167 تجد بمن تعمرها، ولا تظفر بعامل أطوع من ابن ذي النون يدبرها، فأبى أذفنوش إلا لجاجا في سفهه، وانحطاطا في حبل شرهه. فلما تهيأ له ملكها. وانتثر في يديه سلكها، قال له ششنند: اخفض جناحك لأهلها، واستجلب جاليتها بما تمد من ظلها، ولا تلح على ملوك الجزيرة فلست تستغني عنهم، ولا تجد عمالا أطوع منهم، فإنك إن أبيت إلا الإلحاح عليهم، والتسرع بالمكروه إليهم، نفرتهم عن ذراك، وأحوجتهم إلى مداخلة سواك. فكان من صنع الله أن اتهم أذفنوش يومئذ منحاه، وخالفه إلى ركوب هواه، وشرع لوقته في تغيير المسجد الجامع بها، خاتمة النوائب، ونكبة الشاهد والغائب. فقال له ششنند: إنك إن فعلت أوغرت الصدور، وأبطلت التدبير، وسكنت من نشط، وقبضت من انبسط، فشمخ أفنوش - لعنه الله - بأنفه، وثنى من عطفه، وأصغى إلى طنانة جنونه وسخفه، وأمر بتغيير المسجد الجامع يوم [ ..... ] لربيع الأول سنة ثمان وأربعمائة. وحدثني من شهد طوغيته تبتدره، في يوم أعمى البصائر والأبصار منظره، وليس فيه إلا الشيخ الأستاذ المغامي آخر من صدر عنه، واعتمده في ذلك اليوم ليتزود منه، وقد أطاف به مردة عفاريته، وسرعان طواغيته، بأن أكمل، ثم قام ما طاش ولا تهيب، فسجد به واقترب، وبكى عليه مليا وانتحب، والنصارى يعظمون شأنه، ويهابون مكانه، لم تمتد إليه يد، ولا عرض له بمكروه أحد. وقد حدثت أن شيعة أذفنوش - لعنه الله وبددها - أشاروا عليه يومئذ بلبس التاج، وزينوا له زي من سلف بالجزيرة قبل فتح المسلمين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 168 إياها من أعلاج، فقال: لا، حتى أطأ ذرون الملك، وآخذ قرطبتهم واسطة السلك. وكان أعد لمسجدها الجامع - حمى الله ساحته من الخطوب الروائع - ناقوسا تأنق في إبداعه، وتجاوز الحد في استنباطه واختراعه، فالحمد لله موهن أيده، ومبطل كيده. وجزى الله أمير المسلمين، وناصر الدين، أبا يعقوب يوسف بن تاشفين، أفضل جزاء المحسنين، بما بل من رماق، ونفس من خناق. ووصل هذه الجزيرة من حبل، وتجشم إلى تلبية دعائها واستنقاذ ما بها من حزن وسهل، حتى [ثل] عروش المشركين، وظهر أمر الله وهم كارهون، والحمد لله رب العالمين. فصل في ذكر الأديب الكامل أبي عبد الله محمد بن شرف وسياقة جملة وافرة من نظمه ونثره قال ابن بسام: كان أبو عبد الله بن شرف بالقيروان. من فرسان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 169 هذا الشان، وأحد من نظم قلائد الآداب، وجمع أشتات الصواب، وتلاعب بالمنظوم والموزون، [تلاعب] الرياح بأعطاف الغصون، وبينه وبين أبي علي ابن رشيق ماج بحر البراعة ودام، ورجع نجم هذه الصناعة واستقام، وذهبا من المناقضة مذهباً تنازعاه شراً طويلاً، وخلناه ذكراً محمولاً، واحتملاه - إن لم يسمح الله - وزراً ثقيلاً. وكان أبو علي أوسعهما نفسا، وأقربهما ملتمسا، ولابن شرف أصالة منزعة، وجلالة [77] مقطعه، ومتانة لفظه، وسعة حفظه، فتسمع بشعره ملآن من وعوعة وجعجعة، ولكن ما أبعد ما يرومه وأبدعه! وسال سيل فتنة القيروان، اللاعب بأحرارها، المعفي على آثارها، فتردد على ملوك الطوائف بالأندلس، بعد مقارعة أهوال، ومباشرة خطوب طوال، وقد نبت شفرته، وطفئت جمرته، وفد قلت فيما تقدم إنه انتحى منحى القسطلي في شكوى الزمن، والحديث عن الفتن، كان معه كمن تصدى الرياح بجناح، وقابل الصباح بمصباح، واستقر أخيراً عند المأمون بن ذي النون، فعليه خلع آخر لبوسه، ونثر بقية كيسه. وكانت لعباد همة في اصطحاب الأحرار، واستجلاب ذوي الأخطار، ينصب لذلك الحبائل، ويعمل فيه الحق والباطل، حتى إذا عشوا إلى سرجه، واغتروا بزبرجه، سامهم رد أبي قبيس على أبيه، وأخذهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 170 بالسعاية بين الفرقد وأخيه، فمن أعياد منهم ركوب الصعاب، وعضه التقلب بين المضايق والرحاب، عزه في الخطاب، وأطاع به سلطان الارتياب. {أيمسكه على هون أم يدسه في التراب} (النحل: 59) وقد ذكرت في أخبار ابن عبد البر الكاتب أنه انسل من يد عباد انسلال الطيف، ونجا منه واسأله كيف. وكان ابن شرف هذا ممن فهم منحاه، وصم عن رقاه، فلم يجتمع مع عباد في صعيد، ولا أهدى له السلام إلا من بعيد. وستأتي أخباره معه ومع سواه، محررة النقد، مقدرة السرد. ولأبي عبد الله عدة تواليف أفاضها بحارا، وأطلعها شموساً وأقماراً، منها كتابه الموسوم ب - " أعلام الكلام " وكتاب " أبكار الأفكار " وقلب له هذه الترجمة بإشبيلية بعض الوزراء الكتاب، فجاء في ذلك بالعجب العجاب. وقد أثبت في هذا الفصل من كلام ابن شرف ما يشهد بذكائه، ويغني عن إطرائه. جملة من نثره ما يتشبث به من شعره بلغني أنه استنهض صاحبه ابن رشيق - مع منافرة كانت بينهما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 171 - في أن يجتمع العدوان بالطريق، ويجوزا معاً إلى الأندلس فأنشده ابن رشيق: مما يبغضني في أرض أندلس ... سماع مقتدر فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد فأنشد ابن شرف: إن ترمك الغربة في معشر ... قد جبل الطبع على بغضهم فدارهم ما دمت في دارهم ... وأرضهم ما دمت في أرضهم وتصرف ابن شرف في هذا المعنى فقال: يا خائفاً من معشرٍ ... لا يصطلى بنارهم [إن تبل من شرارهم ... على يدي شرارهم] أو ترم من أحجارهم ... وأنت في أجحارهم فما بقيت جارهم ... ففي هواهم جارهم وأرضهم في أرضهم ... ودارهم في دارهم وكان أول ما بعث إلى المعتضد بإشبيلية خمس قصائد من شعره مع رقعة خاطب بها وزيره أبا الوليد بن زيدون، يقول في فصل منها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 172 الآداب - أعزك الله - لأربابها، كالمحارم لذوي أنسابها، تبدي البنت زينتها لأبيها، وترف الأخت لأخيها، ولمن كان له في المحرم شبيها، وكذلك حكم ذوي الآداب فيها، يرفعون بينهم حجب التحفظ بيد الاسترسال، ويدفعون ستر التقبض بأكف البشر والإقبال. وقد رفعت إلى حضرته الرفيعة خمس أبكار عرب، تخدمهن وليدة ذات حسن وأدب، خصصت بالخمس القرائض خير الملوك، وبالوليدة بر الحر المملوك. وهن وإن زدن على أربع الشرع واحدة، فليست في دين الشعر بزائدة؛ ولما جاز أكثر من أربع لخير الأنام، اقتدينا بذلك في خير الكرام. ولما كنت - أعزك الله - حسانه المقدم، رأينا ما رآه صلى الله عليه في سيرين. وقد كانت النية، لو تمت الأمنية، حضوري بذاتي، لزفاف بنياتي، فمنع من المراد مانع، ودفع بيد الأقدار دافع. ولنا صار الفعل الماضي مستقبلاً، وبقيت للحاق مؤملاً، وكلت بهن ذا محرمهن، وائتمنت عليهن ابن [ ... ] وهو الشيخ أبو فلان. فللوزرير الأجل علو الرأي في قبول ما عرضه وليه المدل على إكرامه ومكارم أخلاقه، بما ينم عليه من طيب أعراقه، ويقوم بعذري إن وهمت، وبشكري إن فهمت. فهو بدري إذا ليلي عسعس، وشمسي إذا صبحي تنفس، وأنا وإن بعثت بالأقمار في الأطمار، وبالشموس في خشن الملبوس، فهو برافقه ودقيق حذقه يلطف الهجن، ويحسن الخشن، ويقدم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 173 في الغيبة، ما يعين عند اللقاء على الهيبة، بقوي منته، وعظيم مننه، إن شاء الله. فأجيب ابن شرف برقعة من إنشاء الوزير الكاتب أبي محمد بن عبد البر قال فيها: [78] رب أمنية شطط، قد أتاحها قدر، ونجية فرط، قد أراحها ظفر، وقد تقرب الأماني ما يظنه المرء نازحاً بعيداً، كما تفيت ما يعتده حاضراً عتيداً. وكانت أخبارك - أبقاك الله - ترد علينا أرجة النسيم، عطرة الشميم، شهية المسموع، رفيعة المحمول والموضوع؛ وأشعارك تزف إلينا عرائس الألباب، ونفائس الآداب، فنفديك على البعد بالأنفس والأقارب، ونستدنيك بالأماني ونحسبها من الكواذب؛ حتى أسمع الخبر باغترابك، وطلع البشير بارتقابك، ووافت وراد خطابك، وقهقه مجلجل سحابك، وتصدت بحار الطلب لسقياك، ونمت رياض الأدب برباك، وهز الكرم عطفه للقياك، ووصل المجد الأطراف طرفه برعياك، وحليت عليك عرائسه الحالية في معارض الشدو والإنشاد، فسعدت من أكرم الأكفاء بالقبول والوداد؛ وحظيت عنده بالترفيع والإعزاز، ووضع ثوبها الأنفس في يدي بزاز. وقد استعملت معك في اسم المعتضد بالله مفضلك - أيده الله - مذهباً من مذاهب رواة الحديث يسمونه بالتدليس، ويكاد ينسب إلى الإشكال والتلبيس الجزء: 7 ¦ الصفحة: 174 للعلم المحيط أن الكرم من أسمائه وصفاته، والمجد من ألقابه وسماته، وسترد، فتستقصر وصفي بما تجد. فاقصد قصده، تحل بطائل الإفادة، وأمه وحده، تحظ بنائل الرفادة. ولا تبع في سوق الكساد فالنفاق أمامك، ولا تسم ببضاعتك فالسوق قدامك. واذكر ما أنكره ابن الزيات على حبيب، وأنت المكتفي بحالك عن الضمير، وبما خولك الله عن المشير. فذاتك أنفع شفائك، وأدواتك أرجح سفرائك. وقد خاطبك مستقدماً، وجد معتزماً، ووجه نحوك شيئاً يكون من زادك إليه، ويعين على مؤنة طريقك في قدومك عليه، وذلك ثلاثون مثقالاً من ضرب السكة قبله، ولم يرد بها غير ما أعلمك، حتى توافي إن شاء الله فتستوفي. وعسى أن يكون وصولك إسفار الفجر الذي صدعته إلينا، وحلولك نهار الصبح الذي أطلعته علينا، وكان من البر أن أراجع عن الشعر، لكن لا أخطو في ميدانك ولو كنت جريراً، ولا أرجح في ميزاتك ولو احتضنت ثبيراً. قال ابن بسام: والذي ذكر ابن عبد البر مما أنكر ابن الزيات على أبي تمام لما مدحه بقصيدته التي أولها: لهان علينا أن نقول وتفعلا ... الجزء: 7 ¦ الصفحة: 175 وهي من أحسن شعره، وقع له على ظهرها: رأيتك سهل البيع سمحاً وإنما ... يغالي إذا ما ضن بالشيء بائعه فأما إذا هانت بضائع بيعه ... فيوشك أن تبقى عليه بضائعه هو الماء إن أجممته طاب ورده ... ويفسد منه أن تباح شرائعه فاعتذر إليه أبو تمام في قصيدته التي يقول فيها: أما القوافي فقد حصنت غرتها ... فلا يصاب دم منها ولا سلب ولو عضلت عن الأكفاء أيمها ... ولم يكن لك في أطهارها أرب كانت بنات نصيب حين ضن بها ... على الموالي ولم تحفل بها العرب وقد قيل إن أبا تمام أجابه بقوله: أبا جعفر إن كنت أصبحت شاعراً ... أسامح في بيعي له من أبايعه فقد كنت قبلي شاعراً تاجراً به ... تساهل من عادت عليك منافعه فصرت وزيراً والوزارة مكرع ... يغص به بعد اللذاذة كارعه وكم من وزير قد رأينا مسلطاً ... فعاد وقد سدت عليه مطالعه ولله قوس لا تطيش سهامها ... ولله سيف لا تقل مقاطعه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 176 وقيل إن هذه الأبيات منحولة لحبيب، وقيل قالها ولم تظهر إلا بعد موته. رجع فتوقف ابن شرف عن القدوم بقدمه، وكلف ذلك سن قلمه وطرر تأليفه " أبكار الأفكار " باسم عباد، وبعث به إليه على العباد. وقد كان وسمه قبل باسم باديس بن حبوس في خطبة طويلة قال فيها: ما ظننت الابتداع إلا بلغ، ولا حسبت الاختراع إلا فرغ، حتى إذا استأثرت بنيات صدري، ولطائف فكري، ببيت واحد الجنسية، ومعنى غريب الأبنية، قلت لنفسي: هيهات! لاشك أنك سبقت إلى هذه الغاية، وعلتك قلة الرواية، وكثر سباق الرواد، وفراط الوراد، فما تركوا للمتأخرين من الرياض زهرة، ولا من الحياض قطرة؛ كما أن جيش الكرم قد انهزم، وزائر الشرف قد انصرف، ومركوب المجد قد ند، فعشت أظن هذا الظن، حتى سافرت إلينا رفاق الأخبار بشهادات زكاها مرور الأيام، ودؤوب الدوام، تشهد بسؤدد بان عن السؤدد العصامي، وحزم فاق الحزم الهشامي، وجود جاوز الجود الكعبي، وبأس أنسى البأس المصعبي. ثم سفر لي الدهر عن سفر إلى مغرب [79] الدنيا ومشرق العليا، والبقعة المباركة الباديسية، والدولة المظفرية، والمملكة الشامخة الحميرية، والحضرة الشريفة المنيفة الغرناطية، فعاينت عالماً في عالم، قد شركوه في النسبة إلى آدم، وانفرد من مناسبتهم، وشذ عن مجانستهم، بجميل طرائق، وحميد خلائق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 177 انفردت انفراد سهيل، وجمعت في المرأى والمسمع ما زاد على زيد الخيل. مغرى بالأدب المهجور بل المطرود، سالياً عن المال المعشوق بل المعبود، منفقاً للحمد الدفين المرسوس إلى صنوف من الفضائل، وأنواع من الجلائل، لا يحيط بها الوصف، ولا يجمعها الرصف، يغني النقل الكافي والتواتر الإجماعي عن تأتيتها على ألسنة الأقلام إلى إفهام الأنام. وقد قدحت زند الفكر فأورى شرراً، وامتحت قليب القلب فأجرى نهرا، فرقمت في هذا المجموع من الكلام المنثور المسجع الأوساط والأطراف، والمنظوم المكلل بتيجان القوافي، ما استنبطه من ذوات صدري، واستنتجته من بنات فكري: فقراً ابتدعتها وسجعتها، ومعاني حكايات اخترعتها، تطرزها الأقلام، وترقم بها أردية الكلام، وأنا استغني بقراءة القارئ أصنافها، عن أن أقدم أوصافها، وهي بنات مؤلفها، وأسجاع مصنفها، وليست كالأسجاع المنسوبة لابن أبي الزلازل، وهي بنات شتى قبائل، لم يزد على أن بتر حكاياتها، وطمس معالم آياتها، ليصح له ما شرط في السجع من الأعداد، فأضاع ما يراد لصون ما لا يراد. وقد تجمل بغير ثيابه، وأنفق من غير اكتسابه، وأنا أنشد قول أبي النجم: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 178 أبا أبو النجم وشعري شعري ... وعلى أي حال كان مجموعنا هذا، فيشرفه شرف من له يجمع، وإلى يده العلية يرفع، فمسته يمناه، ولحظته عيناه. فلو كان صمصام عمرو لسواه، ما انتهى من الذكر منتهاه؛ ولولا حاجب ابن زرارة ما ذكرت قوسه، ولولا حبيب ما عرف أوسه، وإنما عرف الطور بالكليم، وشرف المقام بإبراهيم. ومن كلامه في صدر كتاب المترجم ب - " أعلام الكلام " فصل يقول فيه: قد أطلت الوقوف بالعكوف، على غير ما تصنيف، في شتى الأنواع، فلم أرها إلا ولداً عن والد، وطارفاً عن تالد، فلا تكاد تريك غريبة ولا شاردةً إلا منقولة: ب - " حدثني فلان، وسمعت عن فلان "، والمؤلفون قصاص بأقلامهم، وإن لم يقصوا بكلامهم، وقد تكررت تواليفهم على الأبصار والأسماع، والمكرر مملول بالإجماع، وللنفس صبابة بالغرائب، وإن لم تكن من الأطايب، لانفرادها عما سئمته القلوب، وتجافت به الجنوب؛ إلا أن الابتداع والاختراع عليهما [باب، بينه] وبين الاستطاعة حجاب. وقد كنت حاولت منه ما لم سبق إليه، ولم أجعل سوى ناظري معيني عليه، فصنفت الكتاب الملقب ب - " أبكار الأفكار "، يشتمل على مائة نوع من مواعظ وأمثال، وحكايات قصار وطوال، مما عزوتها إلى من لم يحكها، وضفت نسجها إلى من لم يحكها، قد طرزت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 179 بلمح الجد والهزل، وحسنت بمقابلة الضد للمثل، ليس في ذلك كله [رواية] رويتها عن قديم ولا جديد، ولا حدثت بها عن قريب ولا بعيد. وقد رفعت إليه البكر، ابنة الفكر، في هودجها الفرج، وجلبابها الأرج، وأنت الكفؤ الكريم، وأشرف من أهدي إليه الحريم، الذي لا يشوبه التحريم، وعلى كرمك القبول، وما أهداه الود فمقبول. فلما وصل الكتاب والخطاب إلى المعتضد لم يجد بداً من إنفاذ صلته إليه على البعد، وراجع ابن شرف برقعة من إنشاء ابن عبد البر أيضاً، قال فيها: ورد كتابك الأثير، فاقتضبت من النثر البديع، والنظم الرفيع، ما يهز أعطاف الضمائر، ويسري في حواشي الخواطر، وتتلقاه النفوس تلقي ارتياح إلى بدائعه، وفتنة بمباديه ومقاطعه، ولا غرو، فإنك علم العلم الذي لم يزل يحوي قصب السبق في ميادينه، ويهدي اليانع الغض من رياحنه. وقد كان لي نزاع إليك، ورص عليك، وتصور للأنس بك، لولا من جلا لك الغش في بعض النصيحة إذ حسد، ولم يشك فيما ترد عليه من صلاح الحال فلم يأل أن افسد. ولا بد لعقارب الحسدة من دبيب " وما كل مؤت نصحه بلبيب " ولك - مع توقفك، وأني سلكت بك مقاصد تصرفك - لدي المحل الكريم، فذكرك في نفسي الشاهد المقيم. وتأدى من قبل الوزير الكاتب التأليف الرائق، والتصنيف الفائق، فأجلت نظري منه في سحر إلا أنه حلال، وفتقت به ثبج بحر إلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 180 أنه زلال، ورأيت كيف تزحم في العلم بالمنكب العمم، وتأخذ من البلاغة في المذهب الأمم. فما شئت من مثل سائر، وبيت [80] نادر، وفقر محذوةٍ بأمثالها، ونكتة غريبة مضافة إلى أشكالها، مما اتصلت به يد الإحاطة بصحة البراعة، وتزينت ديباجة الطبع برقم الصناعة، فهو مؤنسي، وشغل مجلسي. وقد وجهت إليك مع الوزير المتقدم الذكر، ما أحب أن تضع عليه يد الستر، مكان لسان الشكر، فإني أعلم أنه عدد يقصر عن قدرك، ويقل في جنب اللازم لك، وذلك مائة مثقال من ضرب السكة قبلي. فتفضل بقبولها، والإعلام بوصولها. قال ابن بسام: ومع وصول هذه الصلة إلى ابن شرف، لم يزل على ملوك الطوائف يومئذ يتطوف وينتقل في الدول من منزل إلى منزل، ومن بلد إلى بلد، إلا حضرة المعتضد، فإنه كان يخاطبه وينشده: أحبك في البتول وفي أبيها ... ولكني أحبك من بعيد وتوهم جملةً أن بوادي إشبيلية تمساحاً من تماسيح النيل، وجعل هجيراه بيتي أبي نواس حيث يقول: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 181 أضمرت للنيل هجراناً ومقليةً ... إذ قيل لي إنما التمساح بالنيل فمن رأى النيل رأى العين من كثب ... فلا أرى النيل إلا في البواقيل وقد حدثت أيضاً أنه خاطب المعتضد بهذه الأبيات: أأن تصديت غيري صيد طائرةٍ ... أوسعتها الحب حتى ضمنها القفص حسبتني فرصة أخرى ظفرت بها ... هيهات ما كل حين تمكن الفرص وظاهر حسن أيضاً لقصتها ... لكن لها باطن في طيه قصص لك الموائد للقصاد مترعة ... تروي وتشبع لكن بعدها غصص ولست أعجب من قوم بها انتشبوا ... لكنما عجبي من معشر خلصوا ولم يطب قط لي من يلذ ولا ... سلوى إذا كان في عقباهما مغص قال هذا لتواتر الخبر عن المعتضد بازورار ركنه، وخشونة حزنه، فأضرب عن ضربه، ولم يتعرض للنشبة في حبائل نشبه، خوفاً أن يورطه الهوى في هوان، ويسقط العشاء به على سرحان، ويطيح في جملة من طاح على يديه من الخلطاء والندمان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 182 فصول من نثره في أوصاف شتى فصل: جرى بكودنه إلى غاية تتباطأ عنها السوابق، وتتطأطأ عن سموها السوامق، فلم يحط بوصفها ابن صفوان، ولا سحب فيها لسانه سحبان. وأين لسان باقل، من سحبان وائل - فالفصحاء في العجز عنها معذورون، فكيف المعذرون - فصل: كم حاول دفن الشمس في الرمس، ورد الأمس بالخمس، ونيل النجم باللمس. فصل: أوضح من جبال تهامة، لعيني زرقاء اليمامة. أشهر من النار على المنار، والليل كالقار. أبين من الكعبة للطائفين، ومن المساجد للعاكفين. أشهر من الزبرقان عند جرول، ومن الأبلق الفرد عند السموأل. أظهر في العينين من الهرمين. أشهر في العطاء من الطائي، وفي الأيادي من الإيادي. أشهر من الآس في الأعراس. أوضح من النجوم لبطليموس، والطب لجالينوس، والعاج في الآبنوس. فصل في ضده: هو أخفى من نقطة الجيم، ومن بياض الميم. أخفى من الأسرار عند الأحرار. أخفى من السهى، ومنديل الرها - الرها مدينة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 183 بالشام وكان أهل الإنجيل يخفون هذا المنديل في كنيستها ويزعمون أنه منديل عيسى ثم سرق واشتري فعدمت بركته -. أخفى من نفس الجبان [إذا التقت] حلقتا البطان. أخفى من بيضتي الخائف، وقد أحس بالطائف. أخفى من تفسير شعر لبيد، على فهم البليد. أخفى من عطارد على المطارد. أخفى من السوسة في العدو، ومن السر في الرعود. فصل: قدحه معلى، وسيفه مجلى، ورياضه أرجة، وحلله مدبجة؛ وطباعه مهذبة، وخلائقه مؤدبة، وعقده مؤربة، وأرضه معشبة، وألفاظه رائقة معجبة. لا يمله جليسه، ولا يجفوه أنيسه. عقله أحنفي، وعلمه سريجي، وذكاؤه إياسي، وأدبه خليلي. فصل: يقدم الحزم، ويثني بالعزم. يواكب الكواكب، ويتعقب العواقب، يشاور ذوي الألباب، على أن رأيه لباب، يثب وثوب الليث، ويتدفق دفوق الغيث. ويراوح بين العجل والريث. نومه غرار واضطرار، وحاجاته سرار ثم اقتدار. لا تثبطه الظلل ولا الظلال، ولا تطبيه الكلل ولا يثنيه الكلال. عزماته شهابية، وإضباباته عقابية. رأيه قبسه، وعزمه فرسه بصيرته بصره. وصدره ورده وصدره. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 184 فصل: هرم الجود، على العلات والوجود. كفه غيث، لا يبالى من حيث. ماله أكثر جوده، على جنوده، أغنى جيشه. لذاته في الإكثار والإيثار، والأخذ بالثار. يزيح الأغلال، ويبلغ الآمال. يحدث بمكارمه الركب، وينسى بفرط سماحه حاتم وكعب. فصل [81] : أسد وحده، ودع جنده. قلبه يخرجه عن القلب، وضرائبه تقتاده إلى مكان الطعن والضرب. يحمل إذا مالوا، ويثبت إذا جالوا، تارةً هو للميسرة يمين، وتارةً لميمنة كمين، وتارةً للقلب حصن حصين، تستأسد به الذؤبان، ويشجع بقربه الجبان، عيون عسكره، إلى مغفره، ثعلي السهام، عبسي الإقدام، بسطامي المرباع، عامري الطباع، عصامي السيادة، مصعبي الجلادة. فصل: عادل ولا مجادل، منصف منتصف. سلطانه رحمة، وسيرته نعمة. يأخذ الحق ويعطيه، ويرمي الغرض فلا يخطيه. ينصف المملوك من الملوك، ويأخذ للرئيس من الصعلوك. مرفوع الحجاب، منزوع رداء الإعجاب، يقيم الحق على شقيقه، ويحكم بالعدل لعدوه على صديقه، سواء عنده البعيد والداني، والقحطاني والعدناني، سيان عنده القرشي في الحق والعكلي، والعنسي والسلولي؛ لا فرق عنده بين مضر في الحق، وحمير وسائر الخلق، الغربة عنده قربة قريبة، ما لم تصحبها ريبة. لا يغلو في الهاشمية، ولا يعدو على الأموية، ولا يلتفت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 185 إلى الأهاجي الباهلية. (سلول وعنس وعكل وباهلة ألأم قبائل العرب. وقيل إن سبب ذلك أن الشعراء هجتها ولم يكن لهم شعراء يذبون عنها فلبسهم الذم وأكلهم الهجاء.) فصل: أمير يأمره حلمه فيطيع، ويحمله ما لا يستطاع فيستطيع: كم أعطي الظفر فغفر، وجرع الصبر فصبر. له حلم معاوية، على الأعداء العادية. له ثبات يلملم، وتحنك الجذع الأزلم. قلبه قليب واسع، وغوره بغيد شاسع. فصل: وزير ينيم أميره، مستوطناً سريره. متحرك وهو قار، ويرى جالساً وهو مار، كالنجم يرى وهو ساكن، وقد تحركت به أماكن. فصل: كاتب، فضله راتب، وحقه وجاب. أقلامه رماح، ورسائله صفاح، وألفاظه فصاح، وأخلاقه فساح. إن قرطس أصاب، وإن سئل أجاب، وأصاب عين الصواب. لسانه لسان الملك، ومكانه واسطة السلك. فصل: قائد عليه عبء التعويل، في أول الرعيل، إذا الصبر عيل، لا يباح ما حمى، ولا يشوي إذا رمى. عود إذا زحف، وطود إذا وقف، وسيل إذا حمل، وكتيبة إذا اعتزل. حسامه إمام، يهدي في ظلمة القتام، ويهتدي إلى مسالك الحمام. لا تردعه لامعة السيوف، ولا تفزعه مصارعة الحتوف. رماحه نجوم ظلام القتام، ونجومه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 186 رجوم شياطين الأنام. لا ترد حاجات مواضيهن ولا تمطله عند تقاضيه، المغافر المتينة، ولا الدروع الموضونة. فصل: قاض يشهد له عدله، أن غسله سريع حله، يقسم نظره بالقسطاس، بين جميع الناس. حفظ رسالة عمر، وعمل فيها بما نهى وأمر. لا يبيع القضايا بالهدايا. به عشا، عن الرشا. ينام الخصمان، وهو يقظان. إن عجل فعن استدلال، وإن عجز فلتأمل إشكال. سريجي الإجابة، عمراني الإصابة. فصل: زهاد تركوا العرض، وأصابوا الغرض، اقترحوا الغنا، واطرحوا الغنى. رفضوا المزايل، وطلبوا الطايل، وأعرضوا عما يبيد، وأقبلوا على ما يفيد. لم يزاحموا على الجيف، ولا استخدموا بطونهم في تعمير الكنف. تركوا ذلك لمن تركوا، وقنعوا بأقل ما ملكوا، وجعلوا الزاد إلى الجنة، الأنة بعد الأنة، وظمأ الهواجر، في شهر ناجر. فكروا فبكروا. علموا فسلموا من العقال، وتركوا الأعناق لحمل الأثقال. رجوا فنجوا، وبنوا فعلوا، ومهدوا فرقدوا، وعملوا فوجدوا. وذكرت بهذا الفصل حديث أبي هريرة قال، قال لي رسول الله عليه السلام: " يا أبا هريرة ألا أريك الدنيا جمعاء بما فيها - قلت: بلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 187 يا رسول الله. فأخذ بيدي، وأتى وادياً من أودية المدينة، فإذا مزبلة فيها رؤوس وعذرات في خرق وعظام، ثم قال: يا أبا هريرة، هذه الرؤوس كانت تحرص كحرصكم، وتأمل آمالكم، ثم هي اليوم عظام بلا جلد، ثم هي صائرة رماداً. وهذه العذرات ألوان أطعمتهم اكتسبوها من حيث اكتسبوها، ثم قذفوها من بطونهم، فأضحت والناس يتحامونها. وهذه الخرق البالية كانت رياشهم ولباسهم، أصبحت والرياح تصفقها. وهذه العظام عظام دوابهم التي كانوا ينتجعون على أطراف البلاد. فمن كان باكياً على الدنيا فليبك ". قال: فما برحنا حتى اشتد بكاؤنا. ووقف سقراط على كساح وقد خرج من الحش بكساحة فقال: يا أهل أثينا، هذا الذي كنتم تغلقون عليه الأبواب، وتقيمون لحفظه الخزان، وكانت شهواتكم تستخدم عقولكم في إعداده؛ واليوم نفوسكم آنفة منه [82] وطباعكم نافرة عنه. فصول له في الذم ونقض ما تقدم فصل: فلان غوره أقرب قريب، وقلبه مورود القليب؛ فسرائره مكشوفة، ودخيلته معروفة، كتمانه إخبار، وتدبيره إدبار، رأيه وراء، وساحته عراء. حسه هامد، وفهمه جامد. لا يعرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 188 الرشد من الغي، ولا يفرق بين التقبيل والكي. طلل بال، لا يخطر على بال. الشمس عنده سهى، والحمق نهى. لا يعلم رأسه، من أين أنفاسه؛ ولا يدري دماغه، أين أصداغه. فصل: همه جواز يومه، وحلاوة نومه. أعلى همته، إرجال جمته، واعتدال عمته؛ وأسر سروره، تناهي قدوره، وترويق خموره. أعداؤه سمان، في أمان؛ وأولياؤه في هزال، وانتظار النكال. حسن الظن بالزمان، وضروب الحدثان. رائح القرائح، ساكن الجوارح، مسرور مغرور، ثاني العطف عن الناصح، متعام عن الأمر الواضح، مستغن بعبده، عن جنده. متشاغل بالأنياب الطاحنة في فمه، عن الأنياب الوالغة في دمه. ينام عن مسهرات الأنام، وعن جب الغارب والسنام. فكرته ساهية، وخواطره لاهية، وقواعده واهية، حتى تبغته الداهية. فصل: يجود الجلمود، ولا يجود، ويعود إلى إثماره يلبس العود، وهو لا يبدي ولا يعيد. كيسه مغلق، وبنانه مطبق، وداره سملق، وجيشه مملق، وميزانه حبيس لا يطلق، كفتاه ككفيه لا تذيبهما النار، ولا يعرفان الدرهم ولا الدينار. وأكياسه كالنقد، قد خنقتها العقد. يده حافر وقاح، وقفله ليس له مفتاح، تمر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 189 الأيام، ولا يشم له طعام. لو ملك طوفان نوح، لم يسمح منه بشربة لظمآن مجروح. فصل: هو يوم المطاعنة، ولد الملاعنة. لا حسب يقاتل عنه، ولا نسب يستحيي منه. يراعة ترعد، وتقوم وتقعد. إذا الحرب دعت أبطالها، وزلزلت الأحشاء زلزالها، نخب ما بين جنبيه، وغاب السواد من عينيه، مهزمة لجنوده، ومهدة لعدته وعديده. يوسع أعذار الفرار، ولا يرى على الجبناء من عار. بيناه في أول الرعيل ضارب، إذا به وراء الساقة هارب. يزحف عند الزحف، إلى خلف، ويروعه الواحد وهو في ألف. لو كان سنور مدينة لسار، ولو ربط إليه الطور لطار. إن هذا في الحرب من بني العنبر، وأدهش من مستطعم الماء على المنبر. إذا ثار القتام. سقط من كفه الحسام. وخبر بني العنبر، أشهر من أن يذكر، وقريط منهم، ولما استنجدهم فلم ينجدوه قال: لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانا ومستطعم الماء على المنبر خالد القسري عامل هشام بن عبد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 190 الملك على العراق. دهش يوم الجمعة في حرب الخوارج وهو على المنبر، فقال: أطعموني ماءً! فقيل فيه: هتفت بكل صوتك أطعموني ... شراباً ثم بلت على السرير فصل: أضرها على الأنام، على قديم الأيام، العصبية في الجاهلية والإسلام. فما لهذا السلطان، وخراب الأوطان - والعصبية تفسد بين الأولياء، وتكثر في الأدعياء. وأبو نواس كان أشدهم فيها قولاً، وهو قن مولى، تعصب لليمن على مضر لكون سعد العشيرة من اليمن وهم من مواليه، فهجا قبائل مضر، وغض من قريش، هذا وهو مولى ملصق، وليست سعد العشيرة له بعشيرة، بل لها منه الجريرة. سلطان يشتري بدينه ودمه، رضى ابن عمه. خاسر التجر، محروم الأجر، لا يساوي بين أهل القبلة وهم سواء، ولا يتكافأ عنده المسلمون وهم عند [الله] أكفاء. وجبلة التفاوت أفاتت جبلة الرشد. وحميته أحمت عليه دار الخلد. تعصب جاشت له صدور الجيش، وتكدر به صفاء العيش. وللمساعدة في العصبية طارت الرؤوس والسواعد، وتهدمت الذرى والقواعد، وحالفت ربيعة الأباعد. فصل: قد يتسمى بوزير، من شغله البم والزير، يعجبه اللهو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 191 ويغلبه السهو. دمار من [أوى] إليه، وبوار من عول عليه، إن دبر أدبر، وإن ترك هلك. خدن لواعب، وزير كواعب. ليله ناعس، ونهاره بالس. لم يعلق به من الوزارة، إلا حسن الشارة، وركوب الهماليج المسيارة، وشدة الإعجاب، والدخول على سلطانه بلا حجاب، والأكل بملء فيه، هذا جميع ما فيه، حتى إذا طرقت السرايا [83] وسيقت السبايا، ونفر النافر، وضج البادي والحاضر، ونزع ثقات الأجناد، فتفرقوا في البلاد، فزع إلى الوزير، في وجه التدبير، فكان جوابه دموعه، وصوابه هلوعه، فحينئذ دارت الدائرة، واضطرمت النائرة، وانصرمت الدول، وتبدلت الحلل. فصل: كاتب ما عرف قط، كيف البرية والقط، ولا نسخ قط سطراً، إلا مسخ منه شطراً. ألفاظه ملحونة، ومعانيه ملقونة، ومقاصده خفية مكنونة، وحروفه مطمونة. إن تهجني هجا، وإن تكلم شج وشجى. ألفاته سجود، ولاماته رقود، وميماته عقد لا عقود، وقافاته واوات، ونوناته راءات. يرفع بالنواصب، ويكثر [من] النقط الكواذب، ويعمي عين المعنى الجلي، ويخاطب العدو مخاطبة الولي. وتقر كتبه بما فيها من الفساد، بأنه قرة عيون الأعداء والحساد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 192 فصل: ولايته القضاء، من سوء القضاء. جائر حائر: إن جار فعن تعمد، وإن حار فعن قلة تعهد. ليله منتش، ونهاره مرتش. تعجبه العين في النقاب، ولا يفكر في العقاب. إذا رأى الأمرد تمرد على خصمه، ومال عليه بحكمه، يزري باختيار سلطانه، ويستخف بفقهاء زمانه. يجور في نظره المقسوم، ويبصق في وجه الخصوم، ويركلهم برجله، ويلطمهم بنعله. فصل: إخوان أخون من السراب للعين، ومن أهل الكوفة للحسين، وأشد من طالب دين، على صفر اليدين. ليس فيهم نفع ولا دفع، إن استنصرتهم خذلوك، وإن سئلوا إسلامك بذلوك. فصل: تبسم للعدو العابس، ولن لتخلق اليابس. عامل ظالمك بالصبر، واجعل صدرك له كالقبر، لا يدري ما فيه رحمة أم نقمة، وبلاء أم نعمة، حتى تمكنك الوثبة عليه، فتله لجبينه ويديه. ومن ترسيله فصل له من رقعة خاطب بها المظفر بن الأفطس: كتبت وشوقي إلى شرف لقياه، وشيم سقياه، شوق القارظين إلى سكون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 193 وسكنى، والقيسين إلى ليلى ولبنى، واعتلاقي بذكره اعتلاق مالك بعقيل، وقفا نبك بالملك الضليل، وبلال بشامة وطفيل، والله ببلوغ الأمل خير كفيل. وحال وليه بالناحية التي استقذرتها حال من ذهبت منه اللذاذة والفتاء، والشيخ يهدمه الشتاء. وقد رأيت طوفان قرطبة يقيم دهراً، وإنما أقام طوفان نوح شهراً، وأما صيفها فكما قال: لم أستتم عناقه لقدومه ... حتى ابتدأت عناقه لوداعه وله من أخرى: لي رغبة إلى مفاخره، وتطارح بين يدي مآثره، وإدلال على سماحة سجاياه، وتحامل على احتمال علياه. وذلك أن شيخاً يفناً قصد فنائي، فبكى حتى بل بفضل دموعه ردائي، ومنعه الشوق بشجاه، من الكلام على ما ارتجاه. ثم ذكر أنه كاسب نسيات، وأبو بنين وبنيات، فنسبته فقال: أنا أبو جعدة نهشل، وذكر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 194 مولانا المظفر فوصف خيراً كثيراً هو أكثر منه، ودعا بخير أجابه الله عنه، ووصف أن بغاة بغوه، وحسدةً آذوه، وتنصل من ذنوب قرفوه بها، ومولاي أعلم بصدقها من كذبها. ولم يظهر حرصاً إلا في الميتة الأهليه والتربة الوطنية. فبكى - علم الله - مع باك، وشكا مني إلى شاك، وذو الشكوى يرحم الشكوى، لعلمه بمرارة البلوى. ولا شك أنه سيبلغه تفضل المظفر بالالتفات إلى ذكري، والعناية ببعض أمري؛ فلا يظن أن ذلك باستحقاقي، وإن رقاني من الشرف هذه المراقي، ومن يسمع يخل، وما كل ذي سلاح بطل. وقد تلطفت له بإذن الله في القول، وبرئت إليه تعالى من القوة والحول، ووقفته على رأي المظفر الموفق، وحكمه العدل المحقق. وبودي لو تكلفت بآماله، وجمعت بينه وبين أطفاله، فهو في قعدد لبد، وهامة اليوم أو الغد؛ إلا أني - أيده الله - لا أوثر مرادي على مراده، ولا أشاركه في العلم بأهل بلاده، إلا أن يتفضل بالأحسن الأجمل، علي وعلى أبي جعدة نهشل، فيعود - أيده الله - بفضيلة الإيثار، ويكسبني في الناس أطيب الأخبار والآثار. لقد هجمت في العناية بما لا أعلم ثقة بما أعلم، وهو المتطول إن شفع، والمعذور إن دفع. والجواب على هذه السطور المحتوية على هذه الأمور، بالأقوال والأفعال، من كمال الإحسان والإفضال. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 195 فأجابه المظفر برقعة من إنشاء الوزير أبي مروان بن قزمان، قال فيها: ورد كتابك المبتدأ خطابه من الشعر بما هو السحر الحلال، والمصدر من القريض بما شعد لك بالجلال. ولو قصد الطائيان قصده لأجبلا، أو حذا الحمادان حذوه لدبرا فيه وما أقبلا. لم تدع فيه فناً من الحكمة إلا أهديته [84] ولا معنى لطيفاً إلا أبديته، ولا نوعاً من الأدب إلا جلبته؛ ولا غريباً من المثل إلا ضربته: فلله بلاد غذاك هواؤها، ورؤساء تطابقت عليك أهواؤها. لقد بان فضلهم على أهل الزمان، كما ظهر تبريزك في هذا الميدان. ومن انتحل الأبيات، فبمثل شعرك فليات، وهيهات، ما أبعد الأرض من السموات! ورأيتك قد شفعت القريض بشفاعة، وقرنته برغبة أعطتك مقاليد البلاغة والبراعة. وأسعفتك في الشيخ اليفن، والأشيب البدن، نهشل. فليسرع بالإقبال إلى بلده، وليلحق بأهله وولده، وليأت إليهم ذألانا، وليشكرنا سراً وإعلاناً. والله المان بك برده إلى وطنه وأهليه. يبلغ ما ترتجيه، ويعيد حالك إلى عهدها، والجمع بينك وبين الطبقة التي كنت واسطة عقدها. ولابن شرف مقامات عارض بها البديع في بابه، وصب فيها على قالبه، منها مقامة فيهلا بعض طول، لكنه غير مملول، آخذة بطرف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 196 مستطرف من أخبار الأدباء، وذكر الشعر والشعراء، قال: جاريت أبا الريان في ذكر أهل النظام، ومنازلهم في الجاهلية والإسلام، فقال: عدد الشعراء أكثر من الإحصاء، وأشعارهم أبعد من شقة الاستقصاء. قلت: لا أعنتك بأكثر من المشهورين مثل الضليل والقتيل، ولبيد وزعبيد، والنوابغ والعشي، والأسود بن يعفر ومن سواه من العمي، ولابن الصمة دريد، والراعي عبيد، وزيد الخيل، وعامر بن الطفيل، والفرزدق وجرير، وجميل وكثير، وابن جندل وابن مقبل، وجرول والأخطل، وحسان في أهاجيه ومدحه، وغيلان في ميته وصيدحه، والهذلي أبي ذؤيب، وسحيم ونصيب، وابن حلزة الوائلي، وابن الرقاع العاملي، وعنترة العبسي، وزهير المري، وشعراء فزارة، ومفلقي بني زرارة، وشعراء تغلب ويثرب، وأمثال هذا النمط الأوسط، كالرماح والطرماح، والطثري والدميني، والكميت الأسدي، وصريع الأنصاري، ودعبل الخزاعي، وابن الجهم القرشي، وحبيب الطائي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 197 والوليد البحتري، وابن المعتز العباسي، وأبي نواس وابن الرومي. ومن الطبقة المتأخرة في الزمان؛ المتقدمة في الإحسان، كأبي فراس ابن حمدان، والمتنبي بن عيدان، وابن جدار المصري، وابن الأحنف الحنفي، وكشاجم الفارسي، والصنوبري الحلبي، ونصر الخبزرزي، وابن عبد ربه القرطبي، وابن هانئ الأندلسي، وعلي بن العباس الإيادي التونسي، والقسطلي. قال أبو الريان: لقد سميت المشاهير، وابقيت الكثير؛ قلت: بلى ولكن ما عندك فيمن ذكرت - قال: الضليل مؤسس الأساس، وبنيانه عليه الناس، كانوا يقولون " أسيلة الخد " حتى قال " أسيلة مجرى الدمع ". وكانوا يقولون: " تامة القامة وطويلة القامة، وجيداء، وتامة العنق "، حتى قال " بعيدة مهوى القرط ". وكانوا يقولون في الفرس السابق " يلحق الغزال والظليم " وشبهه، حتى قال " قيد الأوابد ". ولم يكن قبله من فطن لهذه الإشارات والاستعارات غيره فامتثلوه بعده. وكانت الأشعار قبل سواذج، فبقيت هذه جدداً وتلك نواهج؛ وكل شعر بعد ما خلاها فغير رائق النسج، وإن كان مستقيم النهج. وأما طرفة فلو طال عمره، لطال شعره، وعلا ذكره. ولقد خص الجزء: 7 ¦ الصفحة: 198 بأوفر نصيب من الشعر، على أيسر نصيب من العمر، فملأ أرجاء ذلك النصيب بصنوف من الحكمة، وأوصاف من علو الهمة، والطبع معلم صادق، وجواد سابق. وأما الشيخ أبو عقيل فشعره ينطق بلسان الجزالة، عن جنان الأصالة، فلا تسمع له إلا كلاماً فصيحاً، ومعنى مبيناً صريحاً؛ وإن كان الشيخ والوقار، والشرف والفخار، لهاديات في شعره، وهي دلائله، قبل أن يعلم قائله. وأما العبسي فمجيد في أشعاره، ولا كمعلقته، فقد أنفرد بها انفراد سهيل، وغبر في وجوه الخيل، وجمع فيها بين الحلاوة والجزالة، ورقة الغزل وغلظة البسالة، وأطال واستطال، وأمن السآمة والكلال. وأما زهير: فأي زهر بين لهوات زهير، حكم فارس، ومقامات الفوارس، ومواعظ الزهاد، ومعتبرات العباد، ومدح تكسب الفخار، وتبقى بقاء الأعصار، ومعاتبات مرة تحسن، ومرة تخشن، وتارةً تكون هجواً، وطوراً تكاد تعود شكوى. وأما ابن حلزة: فسهل الحزون، قام خطيباً بالموزون، والعادة أن يسهل شرح الشعر بالنثر، وهذا سهل السهل بالوعر، وذلك مثل قوله: أبرموا أمرهم عشاءً فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء من مناد ومن مجيب ومن تص ... هال خيل خلال ذاك رغاء فلو اجتمع [85] كل خطيب ناثر، من أول وآخر، يصفون سفراً نهضوا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 199 بالأسحار، وعسكراً تنادى بالنهوض إلى طلب الثار، ما زادوا على هذا إن لم ينقصوا منه، ولم يقصروا عنه. وسائر قصيدته في هذا المسلك: شكاية وطلاب نصفة، وعتاب في عزة وأنفة، وهو من شعراء وائل، وأحد أسنة هاتيك القبائل. وأما ابن كلثوم: فصاحب واحدة، فلا زائدة، أنطقه بها عز الظفر، وهزه فيها جن الأشر، قعقعت رعوده في أرجائها، وجعجعت رحاه في أثنائها، وجعلتها تغلب قبلتها التي تصلي إليها، وملتها التي تعتمد عليها، فلم يتركوا إعادتها، ولا خلعوا عبادتها، إلا بعد قول القائل: ألهى بني تغلب عن كل مكرمةٍ ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم على أنها من القصائد المحققات، وإحدى المعلقات. وأما النابغة زياد: فأشعار الجياد لم تخرج عن نار جوانحه حتى تناهى نضجها، ولا قطعت من منوال خواطره حتى تكاثف نسجها، لم تهلهلها ميعة الشباب، ولا وهي الأسباب، ولا لؤم الاكتساب، فشعره وسائط سلوك، وتيجان ملوك. وأما النابغة الجعدي: فنفي الكلام، شاعر الجاهلية والإسلام، واستحسن شعره أفصح الناطقين، ودعا له أصدق الصادقين؛ وكان شاعراً الجزء: 7 ¦ الصفحة: 200 في الافتخار والثناء، قصير الباع لشرفه عن تناول الهجاء، وكان مغلوباً فيه في الجاهلية، وطريد ليلى الأخيلية. وأما العشي بأجمعهم: فكلهم شاعر، ولا كميمون بن قيس، شاعر المدح والهجاء. والبأس والرخاء، والتصرف في الفنون، والسعي في السهول والحزون. نفق مدحه بنات المحلق، وكان في فقر ابن المذلق، وأبكى هجوه علقمة، كما تبكي الأمة. وأما الأسود بن يعفر: فأشعر الناس إذا ندب دولة زالت، أو بكى حالة حالت، أو وصف ربعاً خلا بعد عمران، أو داراً درست بعد سكان، فإذا سلك [غير] هذه السبيل، فهو من حشو هذا القبيل، كعمرو وزيد، وسعد وسعيد. وأما حسان، فقد اجتث بواكر غسان، ثم جاء الإسلام، وانكشف الإظلام، فجاحش عن الدني، وناضل عن خاتم النبيين، فشعر وزاد، وحسن وأجاد، إلا أن الفضل في ذلك لرب العالمين، وتسديد الروح الأمين. وأما دريد بن الصمة: فصمة صمم، وشاعر جشم، وغزل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 201 هرم، وأول من تغزل في رثاء، وهزل في حزن وبكاء، فقال في معبد أخيه، قصيدته المشهورة يرثيه: أرث جديد الحبل من أم معبد ... وهي من شاجيات النوائح، وباقيات المدائح. وأما الراعي عبيد: فجبل على وصف الإبل، فصار بالراعي يعرف، ونسي ما له من الشرف. وأما زيد الخيل: فخطيب سجاعة، وفارس شجاعة، مشغول بذلك، عما سواه من المسالك. وأما عامر بن الطفيل: فشاعرهم في الفخار، وفي حماية الجار، وأوصفهم لكريمة، وأنعتهم لحميد شيمة. وأما ابن مقبل: فقديم شعره، وصليب نجره، ومغلى مدحه، ومعلى قدحه. وأما جرول: فخبيث هجاؤه، شريف ثناؤه، صحيح بناؤه، رفع شعره من الثرى، وحط من الثريا، وأعاد بلطافة فكره، ومتانة شعره، قبيح الألقاب، فخراً يبقى على الأحقاب، ويتوارث في الأعقاب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 202 وأما أبو ذؤيب: فشديد أسر الشعر حكيمه، شغله فيه التجريب حديثه وقديمه، وله المرثية النقية السبك، المتينة الحبك، بكى فيها بنيه السبعة، ووصف الحمار فطول، وهي التي أولها: أمن المنون وريبه تتوجع ... وأما الأخطل: فسعد من سعود بني مروان، صفت لهم مرآة فكره، وظفروا بالبديع من شعره، وكان باقعة من هاجاه، وصاعقة من حاجاه. وأما الدارمي همام: فجوهر كلامه، وأغراض سهامه، إذا افتخر بمالك بن حنظلة، وبدارم في شرف المنزلة، وأطول ما يكون مدى إذا تطاول اختيال جرير عليه بقليله على كثيره، وبصغيره على كبيره، فإنه يصادمه حينئذ ببحر ماد، ويقاومه بسيف حاد. وأما ابن الخطفى: فزهد في غزل، وحجر في جذل، يسبح أولاً في ماء عذب، ويطيح آخراً في صخر صلب. كلب منابحة، وكبش مناطحة، لا تفل غرب لسانه مطاولة الكفاح، ولا تدمي هامته مداومة النطاح، جارى السوابق بمطية، وفاخر غالباً بعطية الجزء: 7 ¦ الصفحة: 203 وبلغته بلاغته إلى المساواة، وحملته جرأته على المجاراة. والناس فيهما فريقان، وبينهما عند قوم فرقان. وأما القيسان وطبقتهما: فطبقة عشقة توقة، استحوذت الصبابة على أفكارهم، واستفرغت دواعي الحب معاني أشعارهم، فكلهم [86] مشغول بهواه، لا يتعداه إلى سواه. وأما كثير: فحسن النسيب فصيحه، لطيف العتاب مليحه، شجي الاغتراب قريحه، جامع إلى ذلك رقائق الظرفاء، وجزالة مدح الخلفاء. وأما الكميت والرماح، ونصيب والطرماح، فشعراء معاصرة، ومناقضات ومفاخرة، فنصيب أمدح القوم، والطرماح أهجاهم؛ والرماح أنسبهم نسيباً، والكميت أشبهم تشبيباً. وأما بشار بن برد: فأول المحدثين؛ وآخر المخضرمين؛ وممن لحق الدولتين، عاشق سمع، وشاعر جمع، شعره ينفق عند ربات الحجال، وعند فحول الرجال، فهو يلين حتى يستعطف، ويقوى حتى يستنكف، وقد طال عمره، وكثر شعره، وطما بحره، وثقب في البلاد ذكره. وأما ابن أبي حفصة، فمن شعراء الدولتين، وممن حظي بالنعمتين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 204 ووصل إلى الغنى بالصلتين، وكان درب المعول، ذرب المقول، والد شعراء، ومنجب فصحاء. وأما أبو نواس، فأول الناس في خرم القياس، وذلك أنه ترك السيرة الأولى، ونكب عن الظطريقة المثلى، وجعل الجد هزلاً، والصعب سهلا، فهلهل المسرد، وبلبل المنضد، وخلخل المنجد، وترك الدعائم، وبنى على الطامي والعائم، وصادف الأفهام قد نكلت، وأسباب العربية قد تخلخلت وانحلت، والفصاحات الصحيحة قد سئمت وملت، فمال الناس إلى ما عرفوه، وعلقت نفوسهم بما ألفوه، فتهادوا شعره. وأغلوا سعره، وشغفوا بأسخفه، وكلفوا بأضعفه. وكان ساعده أقوى، وسراجه أضوى، لكنه عرض الأنفق، وأهدى الأوفق، وخالف فشهر وعرف، وأغرب فذكر واستطرف. والعوام تختار هذه الأعلاق، وأسواقهم أوسع الأسواق، فشعر أبي نواس، نافق عند هذه الأدجناس، كاسد عند أنقد الناس. وقد فطن إلى استضعافه، وخاف من استخفافه، فاستدرك بفصيح طرده، طرفاً [من] حد اللسان وجده، وهو مجدود في كثرة التظاهر، على من غض منه بالحق الظاهر، ليس إلا لخفة روح المجون، وسهولة الكلام الضعيف الملحون، على جمهور العوام، لا على خصائص الأنام. وأما صريع: فكلامه مرصع، ونظامه مصنع؛ وجملة شعره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 205 صحيحة الأصول، مصنعة الفصول، قليلة الفضول. وأما العباس بن الأحنف فمعتزل بهواه، وبمعزل عما سواه. رفع نفسه عن المدح والهجاء، ووضعها بين يدي هواه من النساء. قد رقق الشغف كلامه، وثقفت قوة الطبع نظامه، فله رقة العشاق، وحوك الحذاق. وأما دعبل: فمدبر مقبل، اليوم مدح، وغداً قدح، يجيد في الطريقتين، ويسيء في الخليقتين، وله أشعار في العصبية. وكان شاعر علماء، وعالم شعراء. وأما علي بن الجهم: فرشيق الفهم، راشق السهمن استوصل شعره الشرفاء، ونادم الخلفاء، وله في الغزل الرصافية، وفي العتاب الدالية، ولو لم يكن له سواهما، لكان أشعر الناس بهما. وأما الطائي حبيب: فمتكلف إلا أنه يصيب، ومتعب لكن له من الراحة نصيب، وشغله المطابقة والتجنيس، جيد ذلك أو ببس، جزل المعاني، مرصوص المباني. مدحه ورثاؤه، لا غزله الجزء: 7 ¦ الصفحة: 206 وهجاؤه، طرفا نقيض، وخطتا سماء وحضيض. وفي شعره علم جم من النسب، وجملة وافرة من أيام العرب. وطارت له أمثال، وحفظت له أقوال، وديوانه مقرو، وشعره متلو. قال ابن بسام: أما صفته هذه لأبي تمام؛ فصفة لم يثن عطفها حمية، ولا تعلقت بذيلها عصبية، حتى لو سمعها حبيب لاتخذها قبلة، واعتمدها ملة. فما آلم من أدب وإن أوجع، ولا سب من صدق وإن أقذع. رجع: وأما البحتري: فلفظه ماء ثجاج، ودر رجراج، ومعناه سراج وهاج، على أهدى منهاج. يسبقه شعره، إلى ما يجيش به صدره. يسر مراد، ولين قياد. إن شربته أرواك، وإن قدحته أوراك. طبع لا تكلف يغثيه، ولا العناد يثنيه، لا يمل كثيره، ولا يستكف غزيره، لم يهف أيام الحلم، ولم يصف زمن الهرم. وأما ابن المعتز: فملك النظام، كما هو ملك الأنام، له التشبيهات المثلية، والاستعارات الشكلية، والإشارات السحرية، والعبارات الجهرية، والتصاريف الصنوفية، والطرائق الفنونية، والافتخارات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 207 الملوكية، والهمات العلوية؛ والغزل الرائق، والعتاب الشائق، ووصف الحسن الفائق: وخير الشعر أكرمه رجالاً ... وشر الشعر ما قال العبيد وأما ابن الرومي: فشجرة [87] الاختراع، وثمرة الابتداع وله في الهجاء، ما ليس له في الإطراء، فتح فيه أبوابا، ووصل فيه أسبابا، وخلع منه أثوابا، وطوق فيه رقابا، تبقى أعمارا وأحقابا، يطول عليها حسابه، ويمحق بها ثوابه. ولقد كان واسع العطن، لطيف الفطن، إلا أن الغالب عليه ضعف المريرة وقوة المرة. وأما كشاجم: فحكيم شاعر، وكاتب ماهر، له في التشبيهات غرائب، وفي التأليفات عجائب، يجيد الوصف ويحققه، ويسبك المعنى فيرققه ويروقه. وأما الصنوبري: فصيح الكلام غريبه، مليح التشبيه عجيبه، مستعمل لشواذ القوافي، يغسل كدرتها بمياه فهمه الصوافي، فيجيل ويدق، ويعذب ويرق. وهو وحيد جنسه في صفة الأزهار، وأنواع الأنوار. وكان في بعض أشعاره يتخالع، وفي بعضها يتشاجع. وقد مدح وهجا، وسر وشجا، وأعجب شعره وأطرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 208 وشرق وغرب. ومدح من أهل إفريقية أمير الزاب جعفر بن علي، منفق سلع الأدب. فوصله بألف دينار. وأما الخبرزي: فخليع الشعر ماجنه، رائق اللفظ بائنه، كثيرة محاسنه، صحيحة أصوله ومعادنه، رائقة البزة، [مائلة] إلى العزة، تسليه عن الحب الخيانة، ويربقه الوفاء والصيانة. وله على خشونة خلقه، وصعوبة خلقه، اختراعات لطيفة، وابتداعات طريفة، في ألفاظ كثيفة، وفصول قليلة الفضول نظيفة. حتى إن بعض كبراء الشعراء اهتدم أشياء من مبانيه، واهتضم تظرفا من معانيه، وهو من معاصريه، فقل من فطن لمراميه. وأمات أبو فراس بن حمدان: ففارس هذا الميدان، إن شئت ضربا وطعنا، أو لفظا ومعنى، ملك زمانا، وملك أوانا، أشعر الناس في المملكة، وأشعرهم في ذل الملكة. وله الفخريات التي لا تعارض، والأسريات التي لا تناهض. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 209 وأما المتنبي: فقد شغلت به الألسن. وسهرت في أشعاره الأعين. وكثر الناسخ لشعره. وألآخذ لذكره، والغائص في بحره، والمفتش في قعره. عن جمانه ودرن. وقد طال فيه الخلف، وكثر عنه الكشف. وله شيعة تغلو في مدحه، وعليه خوارج تتعايا في جرحه. والذي أقول إن له حسنات وسيئات، وحسناته أكثر عددا، وأقوى مددا، وغرائبه طائرة، وأمثاله سائرة، وعلمه فسيح، وميزه صحيح، يروم فيقدر، ويدري ما يورد ويصدر. وأما ابن عبد ربه القرطبي: وإن بعدت عنا دياره، فقد صاقبتنا أشعاره، ووقفنا على أشعار صبوته الأنيقة، ومكفرات توبته الصدوقة، ومدائحه المروانية، ومطاعنه في العباسية. وهو في كل ذلك فارس ممارس، وطاعن مداعس. واطلعنا في شعره على علم واسع، ومادة فهم مضيء ناصع. ومن تلك الجواهر نظم عقده، وتركه لمن تجمل بعده. وأما ابن هانئ محمد الأندلسي ولادة، القيرواني وفادة وإفادة، فرعدي الكلام، سردي النظام، إلا أنه إذا ظهرت معانيه، في جزالة مبانيه، رمى عن منجنيق، يؤثر في النيق، وله غزل قفري لا عذرى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 210 لا يقنع فيه بالطيف، ولا يشفع بغير السيف. وقد نوه به ملك الزاب. وعظم شأنه بأجزل الثواب، وكان سيف دولته، في إعلاه منزلته، من رجل يستعين على صلاح دنياه بفساد أخراه، لبرداءة عقله، ورقة دينه، وضعف يقينه، ولو عقل لم تضق عليه معاني الشعر، حتى يستعين عليها بالكفر. وأما القسطلي: فشاعر ماهر عالم بما يقول، تشهد له العقول، بأنه المؤخر بالعصر، المتقدم في الشعر. حاذق بوضع الكلام في موضعه، لا سيما إذا ذكر ما أصابه في الفتنة، وشكا ما دهاه في أيام المحنة. وبالجملة فهو أشعر أهل مغربه، في أبعد الزمان وأقربه. وأما علي التونسي: فشعره المورد العذب، ولفظه اللؤلؤ الرطب، وهو بحتري الغرب، يصف الحمام، فيروق الأنام، ويشبب، فيعشق ويحبب، ويمدح فيمنح أكثر مما يمنح. هذا ما عندي في المتقدمين والمتأخرين، على احتقار المعاصر، واستصغار المجاور، فحاش لله من الاتصاف، بقلة الإنصاف، للبعيد والقريب، والعدو والحبيب. قلت يا أبا الريان، وقيت مرور الحدثان، فلقد سبكت فهماً، وحشيت علماً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 211 مقامة له أخرى حدثني الجرجاني قال: كان فتى بجرجان من أبناء الأقيال، قد جمع إلى النهاية في المال الغاية في الجمال. وكان مألفاً للأدباء، ومأوى للغرباء، ورزقاً للفقراء، فلا يخلو منزله من أهل الإعدام. فإني لعنده في بعض الليالي إذ استؤذن عليه لضرير فقير فأمر بإكرامه وإطعامه. فلما فرغ من شانه، استدعاه إلى إيوانه، فدخل علينا رجل شيخ وافر السبال [88] ، قد عمه البياض بالكمال، مطموس العينين، مسترخي الحاجبين، قد صلعت هامته، وركعت قامته، وقصرت مسافة خطاه، وثقل جسمه على عصاه، فسلم بصوت ضئيل، ودعا بلسان ثقيل. وأقبل يذكر شبابه، ويتذكر أحبابه، وينوح على سالف زمانه، ويندب ثقات إخوانه. فرق له الفتى فأدناه، حتى أجلسه على يمناه، وصبره وسلاه. ثم سمرنا إلى وقت النوم، فرقد سائر القوم، ونام الفتى في مكانه، مراعاة لحق ضيفانه. وكنت أدنى من الفتى مرقدا، كما كنت أدنى منه مقعداً، ولي عين أخف العيون هجعة، وأقربها إلى الانتباه رجعة. فأيقظني نبرة لم أكن عهدت من الفتى مثلها، ولا أجراها مع ضيف قبلها. فعجبت من خرق العادة، وأصغيت ألتمس [استزادة] . فسمعت الأعمى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 212 يقول: يا سيدي أنا صرورة، وثم ضرورة، وقد طالت الغربة، واضطرتني العزبة. فقال الفتى له: فما وجدت لضرورتك سواي، ولا لعزبتك حاشاي - قال له: فإن أبيت إلا أن تمنع، فدلني على ما أصنع. قال له الفتى: أرى لك أن تتسرى. قال: ومن للصعلوك بالمملوك - قال: فتتزوج. قال: والمحوج كيف يتزوج - قال له الفتى: فإنك لو خضخضت، لكان أشبه مما إليه تعرضت. قال الأعمى: والله يا مولاي لا يسعه خفي، فكيف كفي - فصاح الفتى: السلاح السلاح: " ألا أيها النوام ويحكم هبوا " قال الجرجاني فقلت: " فللشيخ زب ليس يشبهه زب ". فقال الفتى: أسمعت العجب العجاب - قلت: نعم، وحفظت العتاب. وجعلت أقول: ما سألك الشيخ في عسير، ولا حملك على خطير، فهلا قضيته فأرضيته - قال: فحسب الأعمى كلامي ردا، وظنه جداً، فقال: فديتك أيها الناصر. حين خذلني الأواصر، واحتقدني المعاصر، ثم تنهد وقال: آه واهرماه! بقينا حتى شقينا، آه. طاح أهل البذل والسماح، وبقي أهل البخل والجماح. انظر أي أجناس، بعد أي ناس، لكن الفقير حقير، قل المال، وذهب الرجال. سمعنا فطمعنا، يا فتى، أخبرنا عنك خبراً، ما رأينا له أثراً، ورب منسوب إلى حال، مرجوعها إلى محال؛ أين الكرم الذي ذكر، والخلق الذي شكر - هب ما سألناك يشق، أين الحق الذي يحق - كذب رائدنا، وقلت فوائدنا. فقال له الفتى: ويحك! اتق الله خالقك، فقد آن أن تترك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 213 فقال: يا مولاي، لو تركتني الشهوة لتركت، لكن حركتني فتحركت. إني وإن سبقني جمهور الأتراب إلى التراب، فلي قلب لهبي، وجسم ذهبي، لا يغيرهما إدمان الزمان، ولا يؤودهما حديث الحدثان. ولو عادت إليّ ساعة من أيامي، أو حصلت في يدي إبرة من حسامي، لسبقت كلومي فيكم كلامي، وسأجهد بهذه العصا، فأجاهد من عصا. ثم اهتز كأنه نسر مقصوص، أو حمار مرهوص، فقمنا وتركنا جانبه، وجعل يضرب بعصاه ما قاربه. فتركناه وشانه، وأدمنا عيانه، نصعد فيه ونصوب، ونعجب ونُعجب. فلم تزل شقشقته تهدر، وعصاه تتكسر، حتى كلت يداه، وانحلت قواه. ولاح وجه الصباح، وجئنا إليه بالمصباح، فإذا هو كالجدار المهدوم، والخدر المهشوم؛ قد فارق النفس النمرودية، ومات الميتة الجاهلية. فدفنه الفتى في أطماره، وسألنا كتمان أخباره، وأفن لعمري أي أفن، أن يطمع لخبر هذا في دفن، بل هو منشور، إلى يوم النشور. ما أخرجته من شعر ابن شرف في أوصاف شتى النسيب وما يناسبه [قال] : قد كنت في وعد العذار فأنجزا ... وقضى لحسنك بالكمال فأوجزا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 214 وافى لنصر الحسن إلا أنه ... ولى إلى فئة الهوى متحيرا عطف تعلم منك عطفك عطفه ... وجد الفؤاد به السبيل إلى العزا لم يكف وجهك حسنه وبهاؤه ... حتى اكتسى ثوب الجمال مطرزا سبحان من أعطاك حسناً ثانياً ... وبثالث من فعل حسنك عززا وقال: تصعد نفس لا صعود تنفس ... وترديد روح في حشاشة مكروب فلا القرب يحيني ولا البعد قاتلي ... ولا الهجر يسليني ولا الصبر يلوي بي وأصبحت ذا ضر ولقياك مبرئ ... لضري ولكن أين عيسى من أيوب وقال: بين أجفانك سحر ... وعلى غصنك بدر جردت عيناك سيفي ... ن لذا أمرك أمر فعلى خدك من نث ... ر دم العشاق أثر ومن الكثبان شطر ... لك والأغصان شطر وسواء قلت در ... ما أرى أو قلت ثغر وبماذا أصف الخص ... ر وما إن لك خصر [89] بك شغلي واشتغالي ... ومضى زيد وعمرو الجزء: 7 ¦ الصفحة: 215 وقال: وشمس تراخت أن تغيب لقبلتي ... كما أمست فيما مضى يوشع فيا قاطعاً وصلي ويا واصلاً ... بأمسي ويومي في العذاب الممتع صرفت رجائي عن لعل وعن عسى ... وأبعدتني باليأس من كل مطمع أعنتي بإطماع الوصال على النوى ... إذا لم تقاتل يا جبان فشجع لديك فؤاد ما له من مطالب ... أأطلب في بعضي وقد بان أجمعي - وديعة ميت أنت فيها محكم ... وإن شئت فاحفظها وإن شئت ضيع أرى مهجات في يديك فما ترى ... بمن شئت أوقع أو بما شئت وقع قوله: " إذا لم تقاتل يا جبان فشجع " مثل من أمثالهم، وإليه شار أبو نواس بقوله: فكأني وما أزين منها ... قعدي يزين التحكيما وقال: واذكر لياليك التي ذهبت لنا ... نهباً وعيشاً كان كالتهويم يسعدك وابل أدمع في أربع ... شربت مياه الدمع شرب الهيم أيام شمس المشرقين ضجيعتي ... فيها وبدر المغربين نديمي ونجوم كاساتي طوالع بالمنى ... والسعد يستغني عن التقويم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 216 محمود عيش جاد لي دهري به ... ثم استرد فكان فيه خصيمي ولي وخلي جمرة مشبوبة ... تذكي على الأحشاء نار سموم فإذا رأيت لهيبها وسلامتي ... فاذكر بذلك نار إبراهيم ينظر معنى البيت الرابع من هذه إلى قول أبي الطيب: يقر لي بالفضل من لا يوده ... ويقضي له بالسعد من لا ينجم ولأبي [الحسن] أحمد البصري من أناشيد الثعالبي: كنت إذا ما سرت في حاجة ... أطالع التقويم والزيجا فصار لي الزيج كتصحيفه ... وعاد لي التقويم تعويجا وقال بعض أهل عصرنا وهو أبو بكر الداني: وبمهجتي نجم له في مهجتي ... مسرىً ولي في نوره تعديل حولت عهد مناخه بمناخه ... فقضى بتحويلي له التحويل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 217 وقوله: " محمود عيش جاد لي دهري به " من متداولات المعاني، منها قول محمد بن هاني: وهب الدهر نفيساً فاسترد ... ربما جاد لئيم فحسد وأخذه بعض أهل عصري فقال: يهب القليل وقد يرى استرجاعه ... هبة اللئيم أقل منه وأنزر ومن قصائده المطولة في المدح وما يتشبث به من سائر الأوصاف قال في المنصور حفيد ابن أبي عامر: مر بي غصن عليه قمر ... متجل نوره لا ينجلي هز عطفيه فقلنا إنه ... ذو الفقار اهتز في كف علي ورأيت الناس صرعى حوله ... فكأن اليوم يوم الجمل تلك أخبار زمان قد مضى ... وأمور في السنين الأول زمن المنصور قوى منتي ... وسرى همي وأحيا جذلي وسرور النفس من بعد الصبا ... ناشر عصر الصبا والغزل فاستطيب العيش في بلدته ... فكأن الناس في قطربل وكأن الشمس من بهجتها ... أبداً فيها ببرج الحمل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 218 وله من أخرى في عباد: فما جشأت نفسي عشية مشرف ... ولا احتلبت عيني حزوى وفيفاء ولا لغرابي دمنة الدار ظلت ذا ... سؤال وما عند الغرابين أنباء مقام زمان مات عروة حسرة ... عليه وظلت تسفح الدمع عفراء فلو نال حظاً منه غيلان لالتقت ... له صيدح فيه ومي ودهناء ومنها في ذكر طفلتين له: أجشهم ليل القفار وظلمة ال ... بحار وكم ريعوا وللسيد إرخاء ولي منهما سهمان هذا ابن أربع ... وهذا ابن ست كلما كان إغفاء أضمهما والليل داج كأنما ... هما نقطتا ياء وجسمي هو الياء فطوراً يغشيهم على ذكرك الكرى ... فتصبح أضواء عليهم ولألاء وطوراً يمجون الدجى ومطاله ... وما كان للغايات مطل وإرجاء فتضجر منهم أنفس ربما بكت ... بكاً هو للصم الجلاميد إبكاء ومنها: فإن أفحمتنا هيبة عمرية ... لديك لها في الشعر كسر وإقواء بذلت انبساطات لنا علوية ... لها بعد مومات المهامه أفياء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 219 صيدح التي ذكرها ناقة غيلان، والدهناء وطنه، ومي صاحبته، وكان ذو الرمة بذكر هذه الثلاثة في شعره. وقوله [90] " ولا لغرابي دمنة الدار " ... البيت، أشار إلى قول عروة بن حزام العذري في عفراء بنت مالك العذري، وتنشد الأبيات لحسنها، ولكون المعنى فرعاً من غصنها: ألا غرابي دمنة الدار خبرا ... أبا لهجر من عفراء تنتحبان - فإن كان حقاً ما تقولان فانهضا ... بلحمي إلى وكريكما فكلاني ولا يعلن الناس ما كان ميتتي ... ولا يأكلن الطير ما تذران جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني فقالا: شفاك الله والله ما لنا ... بما ضمنت منك الضلوع يدان وضرب المثل بهيبة عمر بن الخطاب، وكان مشهوراً بها، وبانبساط علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وله من أخرى في ابن طاهر أمير مرسية وقته: وعاجوا على عسفان والليل أليل ... ومروا بذات البين والصبح مسفر وحازتهم حزوى ضحى وتروحوا ... بمنعج واستعلوا أباناً فنوروا ولما تواقفنا بذي سلم بدا ... سلام لسلمى ظل يخفى ويظهر شعرت له والركب حيران غافل ... وما شاعر أمراً كمن ليس يشعر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 220 رأت ظبية الوعساء عيني فهيجت ... لها ذكرهم والشيء بالشيء يذكر سأبكي طلولاً كنت فيها مطلة ... عليها وكل الليل تحتك مقمر تصرم ذاك العيش إلا إدكاره ... وإلا كذوباً في المنام تزور فتى طاهري طاهر الثوب ذكره ... من المسك أذكى أو من الماء أطهر وله من أخرى في المعتضد: لولاهم لحججت أول حجةٍ ... حرم الكرام وطال فيه طوافي ولزرت حمص الغرب أغرب زائر ... بغرائب كالحلة والأفواف وزحمت واديها بمثل عبابه ... من سلسبيل في القلوب سلاف وأريته بحراً يفاخر قعره ... بلآلئ فيه بلا أصداف ومنها في مدحه: يا حاسديه على علا خطت له ... سبق القضا بالنون بعد الكاف يخلي الديار من الجسوم ويجتني ... تمر الرؤوس وطرفة الأطراف فكأنما الأجسام بعد رؤوسها ... أبيات شعر ما لهن قواف قال ابن بسام: أظن ابن شرف، فيما وصف، شبه الأجسام دون رؤوسها بأبيات شعره في هذه القصيدة. فليست لها مبادئ ولا قوافي. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 221 وما امتري أن الغربة فلت غرب طبعه، وغسلت عن جوانحه، وأطفأت نار قرائحه. ومن أشبه مدائحه قوله في علي بن أبي الرجال بعض أمراء القيروان من قصيدة: جاور علياً ولا تحفل بحادثة ... إذا ادرعت فلا تسأل عن الأسل اسم حكاه المسمى في الفعال فقد ... حاز العيين من قول ومن عمل فالماجد السيد الحر الكريم له ... كالنعت والعطف والتوكيد والبدل زان العلا وسواه شانها وكذا ... للشمس حالان في الميزان والحمل وربما عابه ما يفخرون به ... يشنا من الخصر ما يهوى من الكفل سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل وله من أخرى: ما لي كذا كل ما طلبته عسر ... وقد أخذت بحب المطلب العسر - ما لي أجاذب ذي الدنيا موليةً ... فكل ثوب عليها قد من دبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 222 ومنها: يعطي الجزيل من التنويل معتذرا ... ورب معطي قليل غير معتذر أتى الزمان على يأس به لبنى الد ... نيا كبشرى بمولود على الكبر إني ومجدك صيرت الورى نهرا ... وقلت ما قاله طالوت في النهر فأنت عندهم منهم غرفة بيدي ... حلت وحرم باقي النهر في الزبر ومعنى البيت الرابع من هذه كقول أبي تمام، ونقص فيه عن التمام: بشرى الغني أبي البنات تتابعت ... بشراؤه بالفارس المولود وذكرت بقوله: " فكل ثوب عليها قد من دبر " قول الشاعر: قميص يوسف لما قد من دبر ... كانت براءته فيها من الكذب وفي قميصك لما قد من دبر ... مما يدل على الفحشاء والريب وفي الحسن بن وهب يقول القائل: إذا لقيت بني وهب بمنزلة ... لم تدر أيهما الأنثى من الذكر مؤدبون على الفحشاء من صغر ... مدربون على النكراء في الكبر يحنكون ولم تقطع سرائرهم ... بين الحواضن والدايات بالكمر قميص أنثاهم ينشق من قبل ... وقمص ذكرانهم تنقد من دبر [91] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 223 سائر مقطوعات له في أوصاف شتى قال: لعل الله يفتك المعنى ال ... أسير فيغتدي وهو الطليق وإن أرجو التخلص من عظيم ... فقد ينجو من اللجج الغريق لقد أنفذت من جلدي دروعا ... زرين على الذي نسجت سلوق وصبرا لو تجسم لي مجنا ... كفاني ما رمته المنجنيق وأفقد ما طلبت فلم أجده ... رفيق في صحابته رفيق فأصبح وهو للعنقاء ثان ... وثاو حيث فرخت الأنوق صحبت بهذه الدنيا أناسا ... إذا غدروا فغدرهم وثيق ولم أصحبهم ودا ولكن ... كما جمع العدوين الطريق لعله ذهب في هذا القول إلى قول أبي الطيب: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوا له ما من صداقته بد وقال: بعيشك ناد أيامي وقل هل ... لديك إلى مرد من سبيل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 224 أراك كما يرى المحتاج مالا ... وقد ملكت عليه يد البخيل أراحلة وما أبقيت مني ... سوى لحظ يترجيم عن قتيل وقد عاقبت بالعبرات عيني ... بلا ذنب وما ذنب الرسول وجدت الناس كلهم طلولا ... فلم أطيل الوقوف على الطلول وتسمع منهم ما لا تراه ... كسامع ضربة السيف الصقيل فمن بسواك باعك فاغن عنه ... كما استغنى علي عن عقيل عقيل أخو علي بن أبي طالب كان ولد معه توأما، ولذلك قال: زوحمت حتى في الرحم. ولما كان يوم صفين هرب إلى معاوية وفارق أخاه عليا. وقوله: " أراك كما يرى المحتاج مالا " - البيت، أراه توارد فيه مع لدته وابن بلدته أبي علي بن رشيق حيث يقول: والصبح قد مطل الليل العيون به ... كأنه حاجة في كف ضنين وقال ابن شرف: وما بلوغ الأماني في موعدها ... إلا كأشعب يرجو وعد عرقوب وقد يخالف مكتوب القضاء يدي ... فكيف [لي] بقضاء غير مكتوب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 225 وقال: - سل عن رضاي عن الزمان فأنه ... كرضى الفرزدق عن بني يربوع لله حالٌ قد تنقل عهدها ... بخلاف نقل الدهر حال صريع دارت دراري الخطوب قواصداً ... حنى نظرن إلي من تربيع - كان صريع الغواني حاملاً فولاه بنو سهلِ جرجان فشرف. وقال: أهل الصفاء نأيتم بعد قربكم ... فما انتفعت بعيش بعدكم صافِ وقد قصدت ندى من لا يوافقني ... فكان سهمي عنه الطائش الهافي أردت عمراً وشاء الله خارجةً ... أما كفى الدهر من خلفي وإخلافي - وقال: يقولون ساد الأرذلون بعصرنا ... وصار لهم قدر وخيل سوابق فقلت لهم ولى الزمان ولم تزل ... تفرونُ في أخرى البيوت البيادق وقال: قالوا تصاهلت الحمي ... ر فقلت إذ عدم السوابق خلت البيوت من الرخا ... خِ ففررنت فيها البيادق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 226 وقال: شكوت حزني وبثي ... إلى القريب المجيب فكان عقباي عقبى ... نبيه يعقوب وقال: لك منزل كملتْ ستارته لنا ... للهوْ لكن تحت ذاك حديث غنى الذباب وظل يرمز حوله ... فيه البعوض ويرقص البرغوث وهذا كقول السميسر: ضاقت بلنسية بي ... وذاد عني غموضي رقصُ البراغيث فيها ... على غناء البعوض - ما أخرجته من مراثيه لأهل القيروان بلده قال من قصيدة وصف فيها إذلال أهل سوسة جالية القيروان وهي طويلة قطفت عيونها: - آه للقيروان أنه شجوٍ ... عن فؤاد بجاحم الحزنِ يصلى حين عادت به الديار قبورا ... بل أقول الديار منهن أخلى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 227 ثم لا شمعةٌ سوى أنجمٍ تخ ... طو على أفقها نواعس كسلى بعد زهر الشماع توقد وقداً ... ومتان الذبال تفتل فتلا والوجوه الحسان اشرق منهن ... ويفضلنهن معنىً وشكلا لو رأيت الذين كان لهم سه ... لك وعراً قد صيروا الوعر سهلاً ومنها: بعد يوم كأنما حشر الحل ... ق حفاةً به عواري رجلى ولهم زحمة هنالك تحكي ... زحمة الحشر والصحائف تتلى وعجيج وضجة كضجيج ال ... خلق يبكون والسرائر تبلى من أيامي وراءهن يتامى ... ملئوا حسرة وشجوا وثكلا [92] وثكالى أراملاً حاملات ... طفلة تحمل الرضاع وطفلاً وحصان كأنها الشمس حسنا ... كفنتها الأطمار نجلاء كحلا فات كرسيها الجلاء فأضحت ... في ثياب الجلاء للناس تجلى جار فيهم زمانهم وأولوا الأم ... ر ففروا يرجون في الأرض عدلا تركوا الربع والأثاث وما يث ... قلٌ لا حامل من الناس ثقلا لبسوا الباليات من خشنِ الصو ... ف ليغدو النبيه في الناس غفلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 228 نادباتٍ، عفراء تسعد سعدى ... وسعادٌ تجيبُ بالنوحِ جملا ليس منهن من يودعُ جاراً ... لا ولا حرمةٌ تشيع أهلا كلهن اعتدى الفراقُ عليه ... فاقتحمن الجلاء حفلاً فحفلا فإذا القفرُ ضمهم فوق الده ... رُ لهم غيرَ ذلك النبلِ نبلا من ثعابين حاملينَ نيوبا ... عصلاً: ذابلاً ونبلاً ونصلا وشياطينَ رامحين يلاقو ... نَ بجونِ الفلا مساكين عزلا فترى للظهور تعتلُ عتلاً ... وتشق البطون تغسلُ غسلا فإذا مطمعٌ أصابوه في أح ... شاءِ قومٍ عموا بذلك كلاً فإذا نجت المقادير منهم ... راحلاً بالخلاصِ يحملُ رحلا لقيَ الهون في المذلةِ أنى ... كان من سائر البلاد وحلا ليس يلقى إلا أمراً مستطيلاً ... طالباً عندهُ حقوداً وذحلا فترى أشرف البرية نفساً ... ناكساً رأسه يلاطفُ نذلاً فهم كلما نبتَ بهم أر ... ضٌ مطايا الفراقِ خيلاً ورجلا مزقوا في البلاد شرقاً وغرباً ... يسكبون الدموع هطلاً ووبلا لا يلاقي النسيب منهم نسيباً ... يتعزى به ولا الخل خلا ليت شعري هل عودةٌ ليَ في الغي ... بِ إلى ما طال شجوي أم لا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 229 قوله " حينَ عادتْ به الديارُ قبوراً " يشبه من وجهٍ قول أبي تمام: - وما الفقرُ بالبيدِ القواءِ بلِ التي ... نبتَ بي وفيها ساكنوها هي القفرُ وأخذه بعض أهل عصري وزاد فقال: ثاوٍ بحمصِ كأنما هي قبره ... لو لم يقاس بها صروف زمانه وقوله " ثم لا شمعةٌ سوى أنجم " ينظر إلى قولِ محمد بن هانئ الأندلسي: وبات لنا ساقٍ يقوم على الدجى ... بشمعة صبحٍ لاتقط ولا تطفا ويروى " بشمعة ليلٍ "، وإنما أخذه من قول أبي الحسنِ سليمان ابن حسان النصيبي: وإن يكُ ليلنا فيه نهاراً ... فشمعةُ بدرهِ ليست تقطُ وربما توارد معه لأنه كان معاصره، إلا أن ابنَ هانئ أقدم موتاً. حكى أبو علي في رسالة " قراضة الذهب " أنه مات سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 230 - وقال أبن شرف من قصيدة وصف ما كان من صيانة الحريم في أوطانها، ثم ما صارت إليه من الانكشاف في الحل والترحال، وركوب طهور الخطوبِ والأهوال فيها: - بعد خطوب خطبت مهجتي ... وكان وشكُ البين إمهارها ذا كبدٍ أفلاذها حولها ... قسمت الغربةُ أعشارها أطافل ما سمعت بالفلا ... قطٌ فعانيتُ الفلا دارها ولا رأت أبصارها شاطئاً ... ثم جلتْ باللجِ أبصارها وكانت الأستارُ آفاقها ... فعادت الآفاقُ أستارها ولم تكن تعلو سريراً علا ... إلا إذا وافق مقدارها ثم علت كل عثور الخطا ... يرمي بها الأرض وأحجارها ولم تكن تلحظها مقلةٌ ... لو كحلت بالشمسِ أشفارها فأصبحت لا تتقي لحظةً ... إلا بأن تجمع أطمارها قوله " وكانت الأستار آفاقها " من الكلام الفصيح، والقلب المليح. ويشبه منحاه، وإن لم يكنْ في معناه، قول الأول: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 231 فردَ شعورهن السودَ بيضاً ... وردَ وجوههن البيض سودا وكقول الآخر: نديمي جاريةٌ ساقيه ... ونزهتي ساقيةٌ جاريه وله من أخرى: كأني وأفراخي إذا الليل جننا ... وبات الكرى يجفو جفوناً ويطرقُ حمائم أضللنَ الوكور فضمها ... تجانسها حتى تراءى المفرق إذا أفزعتهم نبوةٌ زاحموا لها ... ضلوعي حتى ودهم لو تفتقُ ويصغر جسمي عن جميع احتضانهم ... فيثبتُ ذا فيه وذا عنه يزهق كأنهم لم يسكنوا ظلَ نعمة ... لها بهجة ملُ العيون ورونق إلى أن غدوا فيء فتارةً ... تباعُ وفي بعضِ الأحايين تعتقُ وطوروا على موجٍ البحارِ كأننا ... قذى قد وثقنا أننا ليس نغرق [93] ونحن نفوس تسعةٌ ليس بيننا ... وبين الردى إلا عويد ملفق نظم هذا من قول الفيلسوف وقد ركب سفينةً فقال للملاح: كمْ غلطُ لوح سفينتك - قال: إصبعان. قال فإنما بيننا وبين الموت إصبعان. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 232 وقوله " إذا أفزعتهم نبوةٌ " - البيت، بناهُ على قول امرئ القيس، إلا أن الوجدُ لذعه لذعةٌ أنطقته بالحال، وقولته السحر الحلال، فعلمته كيف يفتت الأكباد، ويفتُ في الأعضاد، وهو قوله: إذا أخذتها هزة الروعِ أمسكت ... بمنكبِ مقدامٍ على الهولِ أروعا وقال من أخرى: يا قيروان وددتُ أني طائرٌ ... فأراك رؤيةَ باحثً متأملِ آها وأية آهةٍ تشفى جوى ... قلبٍ بنيران الصبابةِ مصطلي أبدت مفاتيح الخطوب عجائباً ... كانت كوامن تحت غيبٍ مقفل زعموا ابن آوى فيك يعوي والصدى ... بذراك يصرخ كالحزينِ المثكل يا بيدَ روطةَ والشوارعُ حولها ... معمورةٌ أبداً تغص وتمتلي يا أربعي في القطب منها كيف لي ... بمعاد يومٍ فيك لي ومن أين لي - يا لو شهدتِ. إذا رأيتكَ في الكرى ... كيف ارتجاع صباي بعد تكهل لا كثرةٌ الإحسان تنسي حسرةً ... هيهاتَ تذهبُ علةٌ بتعلل وإذا تجددَ لي أخ ومنادمٌ ... جددتُ ذكر إخاءِ خلٌ أول - " لو كنتُ أعلمُ أن آخر عهدهم ... يومُ الرحيلِ فعلتُ ما لم أفعلِ " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 233 وهذا البيت لجرير؛ وإنما تضمنه. وبعده قولُ جرير: - لو كنتُ أحذر وشكَ بينٍ عاجلٍ ... لقنعتُ أو لسألت ما لم يسأل وقوله " وإذا تجددَ لي أخٌ ومنادمٌ " ومن قول أبي تمام: - نقلْ فؤادكَ حيثَ شئتَ من الهوى ... ما القلب إلا للحبيبِ الأول وقال أبو الحسنِ الرضي: - ما ساعدتني الليالي بعد بينكمُ ... إلا ذكرتُ ليالينا بذي سلمِ وقال ابن شرفٍ من قصيدة: كأنَ الديارَ الخالياتِ عرائسٌ ... كواسدُ قد أزرت بهن الضرائرُ وتنكرُ بقياها الأسرةُ حسراً ... عواطل لا تفشى لهن السرائر إذا أقبل الليل البهيمُ تمكنت ... بها وحشةٌ منها القلوب نوافر ولا سرجٌ إلا النجوم وربما ... تغطت فسدت جانبيها الدياجر يمرُ عليها المور يسحبُ لحفه ... ولا كانسُ إلا الريحُ الغدائر ويمتدُ عمرُ الصوتِ فيها وربما ... تجود مراراً بالكلامِ المقابرٌ فلو نطقت ما كان أكثرٌ نطقها ... سوى قولها أين الخليطُ المعاشر - ألا قمرٌ إلا المقنعُ في الدجى ... فأين اللواتي ليلهنَ المعاجرِ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 234 - ألا منزلٌ فيه أنيسٌ مخالطٌ ... ألا منزلٌ فيه أنيسٌ مجاور - ترى سيئاتِ القيروانِ تعاظمت ... ألم تكُ قدماً في البلادِ الكبائر - ضجرَ أبو عبد الله - عفا الله عنه؛ وفيها يقول: ترحل عنها قاطنوها فلا ترى ... سوى سائرٍ أو قاطنٍ وهو سائر تكشفت الأستار عنهم وربما ... أقيمت ستورٌ دونهم وستائر إذا جاذبت أستارها تبتغي بها ... لأقدامها ستراً تبدتْ غدائر تبيت على فرش الحصى وغطاؤها ... دوارسُ أسمال زوارٍ حقائر فيا ليتِ شعر القيروانِ مواطني ... أعائدةٌ فيها الليالي القصائر - ويا روحتي بالقيروان وبكرتي ... أراجعة روحاتها والبواكر - كأن لم تكن أيامنا فيك طليقةً ... وأوجه أيامي السرور سوافر كأن لم يكن كلٌ ولا كان بعضه ... سيمضي به عصرٌ ويمضي المعاصر قولهُ " كأن الديار الخاليات " ينظر من وجهٍ إلى قول أبي تمام: وكذاك لم تفرط كآبةٌ عاطلٍ ... حتى يجاورها الزمان بحال وقال أبي شرفٍ من أخرى: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 235 سقى القصرَ فالميدان أخلافُ مزنةٍَ ... وراحت على الروحاء منها أفاويق - على أنه مرمى نبت عنهُ أسهمي ... فلا حزَ لي في الأفق منه ولا فوق أناديهِ والبحرُ المحيطُ مجاوبي ... ودوني خليجٌ منه أفيح مخروق وقرطبةٌ ضمت إليها جوانحي ... كما ضم من عفراءِ عروة تعنيق نزلنا [بها] لا نبتغي السوق عندها ... فما كان بدٌ أن أقمت لنا سوق وأحيا أبن يحيى ميتات خواطري ... وفسحَ آمالي وكان بها ضيق أبا حسنٍ وأحسنت بدءاً وعودةً ... وللغصنِ إثمارٌ إذا كان توريق فلم يرَ بؤسٌ إذ وليت أمورها ... ولا كسدتَ سوقٌ إذ ألتفت السوق وكم لقيت حربَ الأزراق منهمُ ... وكمْ زرقت في جانبيه المزاريق قال أبن بسام: وكثيراً ما يذكر أبنُ شرفٍ في شعره أحياء الأعراب التي أخرجتهم من القيروان كبني هلال [94] وقرة وزغبة وهم الذين تولوا حرب بلدهِ في التاريخ المتقدم الذكر؛ فمن ذلك قصيدةٌ أولها: جسومٌ على حكمِ العيون صحاحُ ... وفي طي أحناءِ الضلوع جراحُ يقول فيها: إذا كان للأحباب رسلٌ فرسلنا ... بروقٌ إلى أحبابنا ورياح ومن دون تلك الرسل أخضرُ زاخرٌ ... أجاجٌ ومهجورُ الفجاجِ فياح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 236 وللسهم دون القيروانِ تسهمُ ... وما شوكه إلا ظبا ورماح وقرةٌ قد قرتْ هناك عيونها ... وزغبةٌ ريشت زغبها ورياح كأن لم يكن لي أمس في عرصاتها ... من العيشِ جد طيبٌ ومزاح يخيلها زورُ الكرى لي في الدجى ... فأرغب في ألا يلوح صباحُ كسيتُ قناع الشيب قبل أوانه ... وجسمي عليه للشبابِ وشاح ويارب وجهٍ فيه للعينِ منزه ... أمانع عيني منه وهو مباح وأهجره وهو اقتراحي من الورى ... وقد تهجر الأمواه وهي قراح وهذا مصراعُ بيت المعري: والعذبُ يهجرُ للإفراطِ في الحصرِ ... وقوله: " يخيلها زورُ الكرى " ألم فيه أبن شرف بقول العباس ابن ألأحنف: حتى أقول إذا استيقظتُ من أسفٍ ... يا ليتني كنتُ دهري راقداً أبدا وله من أخرى يمدحُ الأمينَ ابن السقاء: فيا أخويَ من أسد وسعدٍ ... أحي حي زغبةٌ أم دفين فلا اشتملت مساكنها بشمل ... ولا هدأ القرار به سكون الجزء: 7 ¦ الصفحة: 237 ولا سرت الرياحُ على رياحٍ ... لواقح مزنةٍ أنى تكون فقد دارت علينا من رحاها ... طحون كلما لاقت زبون فلا وطنٌ لنا إلا المطايا ... وإلا الماءُ طوراً والسفين لعلك أيها البرقُ اليماني ... إذا كشفتَ عن خبرٍ تبين أفي وكناتها عقبانُ قوم ... كعهدي أم خلتْ منها الوكون وبين قبابِ صبرةٍ والمصلى ... نهى ومها وآسادٌ وعين وأجبالٌ تمور بها المذاكي ... وأقمار تميس بها الغصون وقرطبة أعيدت قيروانا ... لنا لما دهت تلك الفتون وكيف يضيعُ مثلي في مكانٍ ... يكون به أبو الحسنِ الأمين أيا منُ أن تكون النونُ راءً ... وقد وجبتْ له راءٌ ونون انتهى ما أخرجته من أخبار ابن شرف، ونتلو ذلك بطرف من أخبار ابن السقاء مدبرِ الدولة الجهورية بقرطبة. ونشير إلى مقتله، ونلمعُ بذكرِ أوله، وكيف ارتقي من الحضيضِ، إلى ذروة الجاه العريض، حتى زاحم نجوم الأفلاك. وملأ صدور الأملاك، وسارت عنه في السياسةِ أخبار. محتْ أضواء الأسحار. وعطرت أنفاس الأزهار. جملة من أخبار ابن السقاء القرطبي، مدبر الملك الجمهوري قال ابن حيان: كان أبو الحسن إبراهيم بن محمد بن يحيى المعروف بابن السقاء قد كابدَ من شظف المعيشة في فتاءِ سنه ما لا شيء فوقه، إذ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 238 كان يعالج السقطَ بسويقة أبن أبي سفيان في قرطبة ببضاعة نزره. وأعلى ما انتقل إليه عند إكداء تلك الحرفة الاستخراج من جهة الأحباسِ، وراثة عن والده محمد السقاء. وبأسبابها خدم القضاة وتمرن مع الفقهاء، وهو يقتات معيشته مياومةً، ويأوي ليله الى بيتٍ في دويرة والده محمد بجوفي المسجد الجامع، يحاضرُ فيه جماعةً إخوةً لا يجد بينهم إلى مد ساقه سبيلاً. وما هو إلا أن حملَ الأمانة على كاهله، فوضفها أسفل رجله، وتذكر عضَ الكلابِ لعصاه، فتحول جرذاً للسرقِ والخيانة، وابتنى القصور المنيعة، واقتنى الضياع المغلة، إلى أملاك لا تحصى كثرة. قال ابن بسام: وقد رأيت ابن حيان مدحَ ابن السقاء في غير ما موضعٍ من كتابه فيه في فصل: وصار من المناجح للدولة الجهوريةِ أن استعانَ فيها الوزيرُ الرئيسُ أبو الوليدَ جهورٌ على أمره بالأمين أبي الحسن إبراهيم بنِ محمد، متولي النظر في المسجد الجامعِ على قديم الأيام، خادمه الكافي المنقطع إليه، ونصيحه المتهالك في طاعته. فتفرس فيه فراسة مثله. فقلده القيام بأعباء دولته، فأصاب نقافاً يخذم، ونفذ فيما يريد عنه كالسنان اللهذم، لجودة استقلاله، ورجاجة وزنه. ثم ذكره بعد مقتله فقال: وهذه عصفة من عصفات الدهر الخؤون، الذي هو لمن أصغى إليه أنصح الواعظين [95] . قصفت من هذا الرجل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 239 الظالم - كان - لنفسه، الغاش لمصطنعه، سرحةً نوارة أطال الباطل مرعها من غراس أودع خضراء دمنة. فموه على أهل وقته بليانة كانت فيه سوقية، وخلابة جبلية، عضدها جدَ صاعدُ رقاه من الحضيض إلى السها، وحرسته إلى مدة اجتذبته عند توفيها أعراقه اللئيمة، فتولى ذميماً لسوءِ أفعاله، فلا سماؤه بكتْ عليه ولاأرضهُ، وقد كنتُ كتبت من وصف ظاهر محاسنه أوان اعتلاقه بقهرمة أميرنا محمد بن جهور، وعددت من حسان خصاله ما لم يبعد عن الصدق عنه، لأخذنا بظاهر ما تموه في العيون وقت بنائه لنفسه، وتنفيقه لكساده، من طأة الخلق، وحسن الاحتمال، ولين الحجاب، وخفة المواطأة، وجودة الوساطة، معرضين فيه عن ذكر ما لم يمكن لنا النفث عنه مما في باطنه من نذالة الخيم، ونطف الصحبة، وتهمة الخلوة. وإذا به متخلق ليسمو إلى مراد أناله المقدار إياه، فتنة من الله. فلم يلبث أن أدركه عرق السوء، واجتذبه إلى نصر طباعه، فاستحال وتغير، وعتا واستكبر، وخان وغدر فاستخف المظالم، واستهان الكبائر، واطرح الفروض، واحتقر الحقوق، واغترى بذوي الهيئات، وحملة المروات. فأذال صونهم، وأغرى غاشيته من سفلة الناسِ وأوغادهم بهم، فأضرع خدودهم، وحط أقدارهم، وأشعر الأعزة الذلة، وألصق أنوفها بالرغام، وأصمتها عن الكلام. فارتفع الأمر بالمعروف جملةً، ووسع أهل السلامة الدخول تحت التقية. فصرنا ممن أخذ بذلك في ذكره، فيما كتبنا له من ظاهر أخبار مدة ستر الله عليه، إلى أن ارتفعت بزوال سلطانه، وأمان عدوانه، ففارقنا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 240 الحزام في ذكره، ولزمنا العذر عنه بالنقض لما أسلفناه من تقريظه. قال ابن حيان: ولما رآه ولد ابن جهور آخذاً بخطط الملكِ اجمعها. ومراتب الرئاسة بكليتها. وتركهم أعطالا. وبسط يده إلى مال الخراج وأحتوى عليه. يأخذه كيف شاء، وينفقه فيما يريد، واصطنع الرجال، وأتخذ الأصحاب والغلمان. فخضعت له الرقاب، وسمت إليه الآمال. فتوقل ذروه الإمارة حالاً حالاً، حتى ثنى الجند والرعية لنفسه، وصدهم عن لقاء أميرهم ابن جهور. ولم يستحي من الله ولا من عباده في خون أمانتي. ولا تستر عن الإعلان بغلول وديعته، وقد تولى أمر السلطان وهو فقير فلم يستتر في الاكتساب، بل جاهر في التحامل على الجيرة والإكراه بالمستضعفين ممن يصاقبه من ذوي خطة أو سهمةٍ. له في كل ذلك أمور لا تحصى كثرة. ثم خلط لأول ترقية في الرئاسة بان اتخذ لنفسه جند سوء. مال به طبعه الرذل إلى الاستظهار بهم على أقادم الجند بقرطبة ممن مرن على الاستقامة، فتخير هو من أراذل الطبقات ومصاص شرار الناس، وانتقاهم من أصناف الدعرة والدائرة والأساود والرقاصة، نخل من كل طبقةٍ مرفوضة ما بعث على الناس منهم ذئاباً عادية، وأعدهم ليوم الكريهة فلم يغنوا عنهم شيئاً لما حاق به قضاؤه. وكان قد أقفر دار الخدمة في قرطبة ونقلها إلى داره، فجعلت المواكب تزدحم على بابه، ولم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 241 يوقفه الله لاختيار حاجبٍ لبيب يعلو جماعة حجابه، فيحمل له وجوه الناس ويرتب قعودهم بدهليزه فيطعمهم بخروجه أو يعتذر إليهم عنه بما يؤيسهم منه، فيذهبون لسبيلهم معافين من سوء غلمانه؛ وما كانوا يلقونه إلا [في] فصيل فيه أفدام الرجال لسوء أدب حجبته في حملهم على الناس بعنف الرد. ولربما دقوا الأنوف ونتفوا الشوارب غير مميزين لطبقة الناس، فحقدوا عليه، إلى أشتات من المساوئ نظمها، وأنواع من المخازي جمعها. وألقي له على قلوب الناس رهبةٌ مع أضغان شبوا بها أصبغة مساويه، والأقدار تدفع عنه، إلى أن حاقت به فكبا لفيه. ولم يزل يرجع في مراتع الباطل، ويلبس على الناس أمرهم، وصدهم عن أميرهم، وأخذ الله بسمعه وبصرهم. وتمثل لهم الجسد الملقى على كرسي سليمان، فحارت ألبابهم فيه، وتاهت منه، من وزير في قعود أمير، وقاضٍ في مسلاخ جندي، وفقيهٍ على دينٍ يحيى بالقول ويقتل بالفعل. فسبخان من سواه من ألأم طينةٍ فأمهله مدة. من رجلٍ عهر الخلوة لزهده في النساءِ وكلفة بالغلمان. واتخذ داراً آخر مدته للخلوة بهم، فكان لا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 242 يخدمه فيها [96] ولا يحف به غير خاصة غلمانه، ولا يأذن لأحد من طبقات الناس بالدخول إليه فيها. فأكثر الناس القول في هذه الدار وسموها " دار اللذة " لأنه كان يجيشها في اكثر النهار عند فراغه من أحكامه فيقضي بها راحته. فإذا جاء الليل عاد إلى دار سكناه التي فيها أهله. ومن تمام العجب في شانه انه لم يكشفه ولا نبش صداه إلا تلك الطائفة من بطانته التي اختارهم لنفسه من أرذال الطبقات، وذلك معهود في أمثالهم. فالصنيعة لا تزكو إلا عند ذي حسب ودين. قال ابن حيان: فلما قطع أموال الناس جملة عن بني جهور، وأخلى أبوابهم من جميع الطبقات، ولم يدع لابن جهور من سلطانه غير التوقيع وحده، وتقدم إلى جميع أصحابه وحجابه أن يدعى بالسلطان، فكان إذا ركب إلى دار أميره ابن جهور سأل سائل: أين يكون السلطان - قال حجابه: في دار الوزير، فيجيئون بمعكوس من القول يمجه السمع، دان له الناس بذلك عنوة، وخاطبوه بالتمويل دعاء ومكاتبة، إلا قليلا تمسكوا بالمروءة فاكتسبوا لديه مقتا. فظل يزداد مع الأيام استكبارا، ويبطن تدبيرا، ويسيء تفكيرا. أخبرت انه قال [له] يوما بعض بطانته عندما رآه يرتكب من الفواحش: خفض عليك، فقال له: وما علينا - والله ما بها كلب ينبح فيجتمع إليه. وما علم الحائن الشقي أن هناك شبل أسد جهوري قد لبد لبطش الجزء: 7 ¦ الصفحة: 243 به وهو عبد الملك الأصغر من اخوته، لم يستشر في الفتك به غير نفسه. فلما كان في يوم السبت لسبع بقين لرمضان سنة خمس وخمسين أعد له رجالةً في فصيل أبيه، واقام هو ينتظره، وأرسل عنه رسولاً كان أبوه يوجهه عنه. فلما وصل إلى باب ابن جهور ومعه من أصحابه الناشبين معه نزر يسير، وأراد النزول على حجر لاصق بالباب، وإذا بعبد الملك قد قام عليه بخنجر أعده له فضربه ثم خرج عليه الرجالة المعدون له وابتدروه كالصقور بالسيوف وحزوا رأسه. وركب من حينه عبد الملك وجعل رأسه على رمحه وطيف به البلد كله حتى انتهى إلى داره " دار اللذة " ورمى رأسه للعامة، فعاثت فيه، وكسروا أنيابه ونتفوا لحيته، فأصبح شأنه عجباً. واحتوى عبد الملك على تلك الدار وحازها بما فيها، وعلى أصاغر غلمانه. واجتاز على السجن وأطلق من فيه. وسمع أبوه محمد بن جهور خبر الواقعة فخرج دهيشاً، ورآه مجدلاً فارتاع وتلهف، وانتهز ابنه وهو يحاول تطويف الرأس ولم يقف على أبيه. وأمر ابن جهور بستر جسده في دهليز الإصطبل. وتقدم بإصلاح أبواب المدينة، وركب إلى المسجد الجامع وقد دخل الناس في السلاح وجاشوا جيشاً عظيماً، وأبدوا بقتل ابن السقاء سروراً عظيماً، وأعلنوا بالشمات به وإقداح القول فيه. وقعد ابن جهور بالمسجد الجامع على كرسي المصحف، وبادر المجيء إليه لأول الهيشة الوزير الزمن، بقية وزراء الفتنة، أبو إسحاق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 244 ابن حمام عدو ابن السقاء كأنما أنشط من عقال. وقتل ذلك اليوم من حاشيته نحو من عشرين رجلاً. واعتصم أخوه بمنار المسجد الجامع فنجا. وانطلقت أيدي الناس على [أتباعه] فنهبت دورهم. ثم أمر ابن جهور بسوق رأسه وضم إلى جسده، ووري في أخدود خد له بباب مسجد ابن السقاء في أطماره، وهيل عليه التراب هيلاً. وسلبت كسوة المسجد وثرياه، وعطلت فيه الصلاة، فصار ثوياً للثاوي. فصل في ذكر الأديب الأستاذ أبي الحسن علي بن عبد الغني الكفيف المعروف بالحصري واجتلاب جملةٍ من نظمه ونثره وأبو الحسن هذا ممن لحقته أيضاً بعمري، وأنشدني شعره غير واحد من أهل عصري. وكان بحر براعة، ورأس صناعة، وزعيم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 245 جماعة. طرأ على جزيرة الأندلس منتصف المائة الخامسة من الهجرة بعد خراب وطنه بالقيروان، والأدب يومئذ بأفقنا نافق السوق، معمور الطريق. فتهادته ملوك طوائفها تهادي الرياض النسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم، على أنه كان فيما بلغني ضيق [97] العطن، مشهور اللسن. يتلفت إلى الهجاء تلفت الظمآن إلى الماء. ولكنه طوي على غره، واحتمل بين زمانته وبعد قطره. ولما خلع ملوك الطوائف بأفقنا - حسبما شرحت فيما تقدم من هذا المجموع وأوضحت - وأخوت تلك النجوم، وطمست من الشعر الرسوم، اشتملت عليه مدينة طنجة، وقد ضاق ذرعه، وتراجع طبعه. وله على ذلك سجع، يمج أكثره السمع، لم يسمح نقدي أن أكتبه، ولا رأيتني أن أرويه، وما أراه يسلك إلا سبيل المعري فيما انتحاه، وكان هو وإياه كما وصف العباس بن الأحنف: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 246 هي الشمس مسكنها في السماء ... فعز الفؤاد عزاء جميلا فلن تستطيع إليها الصعود ... ولن تستطيع إليك النزولا أو كما قال ابن الرومي: دعوا الأسد [تربض] في غابها ... ولا تدخلوا بين أنيابها وهيهات في قدرة العمى، أن يجمع بين الأرض والسما، ولا بتقارب الصفات، تقترن منازل الموصوفات: أكل أبي ذؤيب من هذيل ... وكل أبي دواد من إياد - جملة ما أخرجته من نثر الحصري المكفوف فصل له من رقعة: السلام عليك أيها القلب الثاني، والبعيد الداني، الراقي في سماء المعالي، الواقي من داء الليالي. أول من عددت، وأفضل من أعددت. ومن لا زال النسيم في البكر والعشيات، يهدي إليه طيب التحيات. ومن جعلت وقاءه، ولا عدمت لقاءه، فإذا كان الكريم سالماً، كان الزمان مسالماً. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 247 وله من أخرى: وصل كتابك أبهى من الحلي والحلل، وأشهى من القبول والقبل. وشي مرقوم، ودر منظوم، وأنفاس عراقية، ومياه دجلية لا زعاقية: فلو أني استطعت من ارتياح ... لطرت ببعض أجنحة الرياح وكنت أطير لولا قص ريشي ... وكيف يطير مقصوص الجناح كتاب كأخلا لولا سواده، الهدب حروفه والحدق مداده. فاستقبلت منه قبلة الحسن، وقبلته تقبيل الركن، وقلت لصحبي: اقرأوه علي. فلما نظروه عجبوا من خطه، وتعجبت أنا من لفظه وضبطه. فتنزهوا بالنواظر، ونزهوني بالسمع والخواطر، فكنت الأظفر، وكان حظي الأوفر، إذ بصرت بما لم يبصروا به، من فنون العلم وضروبه. قوله: " فتنزهوا بالنواظر، وتنزهت بالسمع والخواطر " معنى متداول منقول، وكأنه محلول من قول الرضي حيث يقول: فاتني أن أرى الديار بعيني ... فلعلي أرى الديار بسمعي وله فصل من أخرى: والعلم منهاج، وسراج وهاج، ما صدي من سقاه صوب صفائه، ولا عري من كساه ثوب عرائه. ولا حاف عن الحق لسان من يرويه، ولا خاف من الخلق جنان من يحويه. هو الجوهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 248 استخرجته أفكار الليالي من بحورها، فالتقطته أبكار المعالي لنحورها، وجميع العلوم كمال، والأدب منها جمال، هو لسان النبي العربي، صلى الله عليه: فقيه يلحن، حمار يطحن، وكاتب غير أديب، أشبه الحيوان بذيب، وشاعر غير معرب، أشبه من بان بمخرب، رب وزير يعجب الناس وهو صامت، فإذا نطق فكل حاسد به شامت. وله من رقعة طويلة خاطب بها أب الحسين بن الطراوة، وجرت بينهما هنات، قال في أولها: يموت من في البلاد طراً ... من طيب كان أو خبيث فمستريح ومستراح ... منه كذا جاء في الحديث ما حياتي بين الحيات، وثباتي في الجميع أو الثبات، وقد حانت وفاة الوفاء، وخانت صفات الصفاء، وأرداني الزمان بأدرانه، وأعياني بتقلب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 249 أعيانه - الجاهل هو الحاظي، والعالم مبخوس الأحاظي، والغاوي مقبول الدعاوي. وما أبعد الخير من العير، والكيس من التيس، والفضل من الفسل! إذا كان الجاه للجاهل، والباس على الباسل، والمنافق هو النافق، وصوحت المراعي، وقل المساعد والمراعي، فيا دهر ما أسهاك، ويا موت ما أشهاك، المنية هي الأمنية. فالبر بائر، والحر حائر. بين أخون إخوان، وأجور جيران، إن وصلهم صرموه، أو سألهم حرموه. وإن أجاب بالصواب، قالوا أخطأ في الجواب [98] . ومما أضحكني ملء فيّ، وأطاشني وليس الطيش فيّ، هذا المتنحوي المتنخوي. سقط إلى دانية، وطمع في الأجادل، وإن كان أضعف من العنادل، فعاد ذمرا، وإن كان زمرا، وبعث رسوله لي بقول: كيف تكتف نقري - فقلت: إن كان الجنون داء فالكي يبري. ونظمت قصيدة سميتها سهم الشهم، وضمنتها مسائل لا تخفى على أولي الفهم. فما بلغته حتى دمغته، وألقاها كأنها حية لدغته. وفي فصل منها: وأما زعمه أني لم أدر اسم سيبويه فمن مضحكات الدهر، أما كفاه خطأه في الآيات والأبيات حتى تعرض لعرضي غروراً: {إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} (الفرقان: 4) ، فقد جاءوا ظلماً وزوراً. أنا الذي سبقت الشعراء، وفضحت في المحافل الوزراء. فلو لاذ بسور حلمي لحميته، ولو عاذ بنور علمي لهديته، أيها المموه بجهله، والمدعي العلم وليس من أهله، سكرت فصحوك لا يجديك. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 250 اعترف بذنبك قبل صرعك على جنبك، فيدحض حجابك، وتطمس محاجك، إلام تلجأ فتاوي، إذا نفذت فيك الفتاوي -! وكأني بمن ضمك قد ضامك، وبمن لمك قد لامك، وبمن حلاك، قد خلاك! الحقائق واضحة، والمخارق فاضحة. تشبه بالحصي، أما يدري الفحل من الخصي -! مثل العالم والجاهل، مثل الناهق والصاهل: وليس يصح في الأفهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وزعم هذا الأهوج الأعوج أنه لم يعرف رسمي، ولا سمع باسمي، كأنما ولد بالأمس، أو بعث من الرمس، أو عمي عن الشمس، لو علم قدر نفسه لم يجهل العلم، ولو أراد السلامة لألقى السلم. وفي فصل منها: يا مهموس، أنا الطاء وأنت الهواء، فلست من طباقي، كم بين همسك وإطباقي! لو زرت نقران ونجران، لألفيت ذكري قد علا، وشعري قد إلا. ما اغتابني في غيب، إلا ذو عيب وخيم، مع لؤم معلوم. ولولا بدؤك بالجه، لما كببتك على الوجه. وكنت فيما تظن نوراً فكسفك، ومستوراً فكشفتك، وما استوعبت خطأك ولا استقصيته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 251 ولو رمت عدده ما أحصيته، وهل شعرك إلا كنحوك -! وما أبرد الهواء من نحوك، ألست المنشد في الحاجب أبي حكم: أبا حكم فت الملوك جلالة ... فكلهم فاس المخافة عالك لو زدت الياء في فاسك، لكان أشبه بأنفاسك - وله من أخرى إلى الأديب غانم بمالقة: أبي صرف القضاء، وشبيه لسانك في المضاء، ونظير صدرك ويديك، في سعة المعروف والعلوم لديك، أن أكون من زوارك، فأقبس من أنوارك، وأقطف من أنوارك، يا لباب أولي الألباب، يا سلسبيل أبناء السبيل: فارقتني وأنا والشوق إلفان ... فاسأل رسولك عني كيف ألفاني قبلت كتبك من فرط الهوى قبلا ... أقلهن إذا عددت ألفان ولما شقتني بغررك الأثرة، ورقتني بدررك النثيرة، ذممت عبد الحميد، ومحمد بن العميد، وأنشدت: لقد فات في نثره غانم ... بديع الزمان وقابوسه وروى الظماء بماء النعيم ... فلا عيش إلا وقى بوسه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 252 وكنت - أبقاك الله منهلا عذبا لأودائك، ومنصلا عضبا على أعدائك - صنعت قصيدا يحيي الطرب إذ كان [ميتا] ، فيه تسعة وتسعون بيتا، وكنت كتبته، فلم أجده إذ طلبته، وفكرت الآن فيه، فلم أحفظ غير قوافيه، وهذين البيتين: تحيتي وسلامي ... على الأديب البليغ المرتدي بالمعالي ... والحلم قبل البلوغ وأنا رب القريض الجيد، لأني أقول في الأديب السيد: من طين طوبى خلقت فذاً ... فأنت في ذا الورى غريب بدلت النون فيك باء ... فالناس طين وأنت طيب وله من أخرى إلى أبي الفضل بن حسداي شاكيا بصهره ابن عياش اليهودي: سيدي الذي حتمت عليه المنح، فختمت به المدح، حفظ الله علاك سمائه، وأعاذك من العين بأسمائه. بحسن أوصافك، احكم بإنصافك [99] أترضى لصهرك المشرف، بأخلاق البخيل المسرف - قصدت بالرهان للسلف، فعدت بالدهان والصلف، وسألت في الزمان، فأعطيت عطاء الزمان، وأنا شاعر الزمان، فأحط، فما رفع أو حط، ولا بد أن أنشده لأرشده: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 253 أيها المشرف حاشا ... لأولي الرأي الخطاء لا تقل ما بيدي ما ... ل ولا عندي عطاء بيت أموالك بحر ... ما على البحر غطاء أحمد غير علي ... حين يشتد الوصاء هل هما في الهمس والإط ... باق إلا ها وطاء وكذاك الخيل من ... هن سراع وبطاء وصديقك إن لم يأت، فابسط عذره بهذه الأبيات: عرفان عرفك شاقني ... فلو استطعت لساقني ما بال صهرك صدني ... وإلى سناك أتاقني وأنا الرحيق سقيته ... فاسأله كيف أراقني ولقد حلوت وليتني ... أمررت لما ذاقني قد كنت رحب الصدر حت ... ى غاظني فأذاقني هو عقني وبررتني ... هو عن لقائك عاقني إني أخف على [الوزي ... ر] ولو ثقلت لطاقني نفسي فداؤك يا أبا ال ... فضل الذي قد راقني أحببته وأحبني ... فاشتقته واشتاقني من سأل عنك أجبته ... ما فقته بل فاقني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 254 ما أخرجته من شعره في أوصاف شتى النسيب وما يتشبث به أغيد ريان بماء النعيم ... ألبسني السقم بلحظ سقيم قد خط بالمسك على خده ... ما الحسن إلا لأديمي أديم يا عاذلا يحسبني مثله ... لا تحسب السالم مثل السليم وقال: وهبت قواي للحدق الضعاف ... وإن كنت بسفك دمي تكافي فكان الضعف قوتها علينا ... وهل ذا الطبع إلا في السلاف - شغلنا عن مساعدة اللواحي ... بشاغلة الحجيج عن الطواف خضبت الشيب أخدعها فقالت ... تشبهت الحمامة بالغداف فقلت صدقت لم أنكرت مني ... وأنت عفيفة نبت العفاف فقالت بيننا في الشيب خلف ... ويفتينا بمسألة الخلاف ولما أينعت رمانتاها ... ونادى الوصل حي على القطاف تأذت فيهما بفمي فقالت ... شمائل عاشق وفعال جاف الجزء: 7 ¦ الصفحة: 255 قوله: " تشبهت الحمامة بالغداف " كقول القائل: يا أيها الرجل المسود شعره ... كيما يعد به من الشبان أقصر فلو سودت كل حمامة ... بيضاء ما عدت من الغربان وما أملح قول أبي بكر الخالدي: ما كان ينفع لدي شبابه ... فعلام يجهد نفسه بخضابه -! وقال الحصري: من لي بظبي جناه معسول ... دمي بدمعي عليه مغسول أقرأ في خده كتاب هوى ... أن دم العاشقين مطلول حسام عينيك من فتورهما ... كأنه مغمد ومسلول اغمد وسل ليس لي وزر ... أنا على الحالتين مقتول وقال: ردي حشاشة عاشق مهجور ... بين الملوك عليك والمعذور اللؤلؤ المنظوم في فمك انبرت ... عبراته كاللؤلؤ المنثور الجزء: 7 ¦ الصفحة: 256 ذكر الفراق فمات إلا شوقه ... وأولو الهوى موتى بغير قبور ودعت من أهوى بل استودعتها ... قلبي وسر مدامعي وزفيري فبكت بنرجستين خفت عليهما ... نفسي فلم ألثم بغير ضميري قالت: أترحل والأحبة هاهنا ... قلت: القضاء كما علمت ضروري قالت: متى الرجعى فقلت: إذا انتهى ... مقدور ربيّ، مقدر المقدور وعسى مفرقنا سيجمع بيننا ... إن العسير عليه غير عسير ولئن أبى من تعلمين فربما ... حدثت أمور لا نتقاض أمور لا تجزعي من نكبة الدنيا وإن ... ساءت فرب مساءةٍ لسرور وله في غلام كان يسمى هارون: يا غزالاً فتن النا ... س بعينيه فتونا أنت هاروت ولكن ... صحفوا تاءك لونا وقال مما ذهب به مذهب أبي الفتح البستي صاحب الطريقة الأنيقة في تجنيس القوافي: أصبحت مفتوناً بكم مدنفاً ... وإنما برئي لمى فاتني يا أملح الناس وحق الهوى ... لو كان لي الحكم لما فاتني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 257 وقال: [10] رابه علتي ضنىً فأتاني ... عائداً في يديه [لي] يا سمين فتفاءلت أنه قد تهدى ... لهزالي فقال لي يا سمين وقال: رب ظبيٍ هويته ... ينتمي للهوازنه فلت ما أثقل الهوى ... قال ما للهوى زنه وقال: إن كتمت الهوى فقد ... صار سري علانيه لقامٍ أذابني ... وشحوبٍ علانيه وقال: فكرت في خلق الورى فاستوى ... عندي عبيد وسلاطين أصل الفريقين - ومن أجل ذا ... قلبي عن الهم سلا - طين وكان سأل بعض الملوك أن يكسوه ومطله ثم أعطاه قمحاً مسوساً، فقال فيه: يريد سياسةً من لا يسمى ... وطبع فيه يأبى أن يسوسا سألت كسىً فمناني بقمحٍ ... وأعطاني مكان القمح سوسا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 258 وقال أول جوازه إلى الأندلس: في كل أرض موطن ... يعرف فيه جاهنا وإنما ألجأنا ... إلى هنا إلهنا وقال: يا من تكحل طرفها ... بالسحر لا بالإثمد نفسي كما عذبتها ... وقتلتها بالإثم دي وأنشد يوماً بيت المعري: ياقوت ياقوت روحي ... روحي براح براح وفيه ست كلماتٍ متجانساتٍ على قصر عروضه. وكلف تذييله فقال: أوفاك أوفاك رقي ... رقي بطاح بطاح فقيل له لو ذيلته ببيتٍ فيه ياء النداء، كما في بيت أبي العلاء، فقال: يا زور يا زور فيها ... فيها نواحي نواحي وقد قلت فيما تقدم من تلخيص التعريف بخبر الحصري إنه ابتع المعري في سلوك هذه المسالك، فضل عنها هنالك. على أنه لا يتفق لأحد لضيق هذا الباب، أكثر من الوزن والإعراب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 259 وله في المدح قال: ظمئت ومنهل المدامع منهلي ... ولا حوم لي إلا على ورد حومل على سلسلٍ من ذي غروب وإن غدت ... مغاني الفوافي كالرداء المسلسل فيا نعم وافاك النعيم فأنعمي ... ويا جمل والاك الجمال فأجملي حلفت لربات الخدور بما جنى ... فم الصب من ورد الخدود المقبل وما صام كمن خصرٍ لهن مخفف ... وأفطر من ردف لهن مثقل وما وردت من أدمعي بموردٍ ... وما خلخلت من أضلعي بمخلخل وما شافني من شق جيبٍ ومدمعٍ ... أسيل على خد أسيل بمأسل لأنتن أشفى للسلبيم من الرقى ... وأطيب للظمآن من كل سلسل وإن يك دهري ضمني ثم ضامني ... فإن علياً خير مولى وموئل همام إذا [ما] هم بالأمر فامتطى ... عزيمته ناءت برضوى ويذبل وقال من أخرى: على العدوة القوصوى وإن عفت الدار ... سلام غريبٍ لا يؤوب فيزداد وحق بكاء العين والقلب مسعد ... لمن بات مثلي لا حبيب ولا جار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 260 أعادي على فضلي وأستصحب العدا ... ولي حسنات عندهم هي أوزار مديحي هجاء وابتسامي تجهم ... وشكواي كفر واعترافي إنكار ولم أر مثلي فاضلاً ينقصونه ... بلى قلما يخلو من القرض دينار عزيز علينا أن نقيم بذلةٍ ... فليت حشايانا الوطيئة أكوار شفى الله داء القيروانين بعدنا ... فقد مرضت للقيروانين أبصار وكيف غناء الطير في غير أيكها ... وقد بعدت فراخ وأوكار - وإني لأولى بالبكاء لأنها ... تطير إذا اشتاقت وما أنا طيار ألا يا بروقاً لحن من نحو صبرةٍ ... وليس لها إلا دموعي أمطار عسى فيك من ماء الحنيات شربة ... ولو مثل ما يوعي من الماء منقار ومنها يعتذر مما كان قرف به: أصيب قصيد فيه كفر فنيط بي ... وكم شاعرٍ قيلت على فيه أشعار ومن كل كف قد رميت بصخرةٍ ... وفي راحتي لو أمكن الرأي أحجار وله من أخرى في المعتمد: أعن الإغريض أم البرد ... ضحك المتعجب من جلدي يقول فيها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 261 يا هاروتي الطرف ترى ... نفثت [ألحاظك] في العقد فطعنت الأسد بلا أسل ... عبثاً وقتلت بلا قود رشأ يصطاد الأسد وكم ... رامته الأسد فلم تصد واهاً لجديد منك وهي ... وشباب بان فلم يعد رضت الأيام جوامحها ... وكففت اللد عن اللدد وبلوت الناس فلست أرى ... كبني عبادٍ من أحد القوم بحار مسجورا ... ت محفوفات بالزبد لم يعدم واردها درر ال - ... آداب ولا درر الصفد [101] أبني عبادٍ ما حسنت ... إلا بكم الدنيا فقد نقد الكرماء الدهر معي ... فتخيركم في المنتقد وقضى لكم بالفضل على ... من في أداني أو في البعد دانت بغداد لقرطبة ... وخلائفها للمعتمد سمعوا برشاد فتى لخمٍ ... فنفوا هارون عن الرشد قرأوا شعر اللخمي فلم ... يرض المعتز عن الولد يا فرع المنذر والنعما ... ن بلغت النجم فطل وزد طفئت أنوار أمية في ... قصر الخلفاء فقلت قد نافست بقصرهم إرماً ... فكأن أمية لم تشد مر وافتح باقي أندلسٍ ... ما صببٍ أو في صعد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 262 عبد الرحمن ولي خمسين ... وأنت تزيد على العدد لو أن الأرض بلا جبل ... وعليها حلمك لم تمد بشار أمك ممتدحا ... فأنس بغرائبه الشرد يكبو عبود في خببي ... فالعير وراء المنجرد ولعل بلادك لي وطن ... فأحط الرحل عن الأجد وأقابل منك سنا قمر ... لو قابله الأعمى لهدي وله من أخرى: وهي من أعلى حججه، وأجلى سرجه، أنشدها أحمد بن سليمان بن هود المتقلب - كان - من الألقاب السلطانية بالمقتدر حين غلب علي بن مجاهد على دانية: كذا تقتض أبكار البلاد ... ولا مهر سوى البيض الحداد هديت العسكر الجرار ليلا ... فأهديت المظباة إلى الهوادي ملأت به الفضاء فضاء ليل ... محت فيه الظبا شكل السواد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 263 وما أقبلت إلا بعد ما قد ... سقيت الثغر من ثغر الأعادي وكان مرام دانية عزيزا ... فهان على المسومة الجياد فأثرت العوالي في المعالي ... وأثرت الصلادم في الصلاد كأن سيوفك الأقدار تجري ... بما شاء الإله على العباد ومثلك من جنى ثمر الأماني ... وآتى حقه يوم الحصاد تشاغلت الملوك بمن دهاها ... وشغلك في جهاتك بالجهاد بناك الله للإسلام حصنا ... وعلمك التجلد للجلاد وتنهض والثقيل عليك خف ... وتنظر والخفي إليك باد وكيف ينافسوك في المعالي ... وأنت سبقتهم سبق الجواد - فتحت معاقلا لو أبصروها ... لقالوا أنت لقمان [بن] عاد وفي سرقسطة لك دار ملك ... زريت بها على ذات العماد ورأيك في الإدارة لو رآه ... معاوية لأغنى عن زياد لقد أربت سيوفك يوم سلت ... على قس بن ساعدة الإيادي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 264 ذكر الخبر عن دانية وكيف تغلب عليها يومئذ المقتدر قال ابن بسام: قد قدمت في أول القسم الثالث من هذا المجموع ذكر مجاهد العامري المنتزي - كان وقته - على دانية. وشرح الأسباب التي أنشأت سحابه، ورضت على دانية وهاده وهضابه. وغلبت الروم في بعض أيام سلطانه على جزيرة سردانية، التي كانت من فتوحه قبل، ففلت شباته، ونهنهت شذاته. وأسرت ابنه عليا هذا، فنشأ علجا متجهما، وأعجما طمطما إلى أن افتكه أحد آل حماد أمراء بني مناد، فأسدى البيضاء فيه، وخلع على عطفيه برديه. فلما خفق علمه، وتمكن في مقام أبيه قدمه، ألقى السلم، وأغمد السيف وشام القلم: همته كانت في خراج يجبيه، لا في معقل يجتبيه، وهمه المتجر ينميه، لا المفخر يحميه. أصب خلق الله بلبوس ومطعم، وأصباه إلى دينار ودرهم. حتى ولاه البر حل عقده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 265 ورماه البحر بأفلاذ كبده؛ ورزق عدة بنات أحسن من الشموس، وأفنن من الطواويس، فتبارى ملوك الطوائف بأفقنا في نكاحهن، وتنافسوا في غدوهن إليهم ورواحهن. واغتنم هو ذلك منهم وأذكاهن عليهم عيوناً، وبناهن بينه وبينهم دروباً وحصوناً، معتقداً أن الصهر رحم لا تجفى، وطريق إلى رعي الذمم لا تخفى. فقل ملك منهم إلا وقد علق له به حبل، واتصل بينه وبينه نسل. فسما إليه منهم ابن هود المذكور سنة سبع وستين يريه أن الناس مأكول وآكل، وأن القياس أكثره باطل. من رجل لا يستظل إلا أعلامه، ولا يرضى [102] إلا أحكامه، ولا يستشير إلا حسامه، فجر إليه الهضاب كتائب، وملأ عليه الشعاب مرداً أحاجب، وجرداً نجائب. أخبرني غير واحد أنه لم يبق ملك من ملوك أفقنا سمع بمخرج ابن هود يومئذ إلا توقعه وتوقاه، وظن أنه لا يريد سوه. وإنما كان يريده، زعموا، على قلاع كانت تتصل ببلده، ليضمها إلى أمير طرطوشة، وقته، من ولده. فلم يرع ابن مجاهد إلا مجرى الجياد بحيث يرى ويسمع، ولا نبهه إلا مجر الصعاد، بحيث لا يعطي ولا يمنع. فاستطير فرقا، وقام وقعد تلدداً ونزقا. وحين علم المراد، وفهم الجلية أو كاد، أعطى فضل القياد، وكتب إلى عماله بإخلاء تلك البلاد. فلما أخذ ابن هود في إيابه، وخلا ابن مجاهد بطوائفه وأحزابه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 266 عنفوه بما فعل، وزينوا له الغدر به وقد رحل. وأتي ابن هود، وقد سار غير بعيد، بكتب طيرها ابن مجاهد إلى عمال تلك المعاقل، يأمرهم بالتحصن والاحتيال، ويحضهم على الجد في القتال. فكر المقتدر، ولم يرع أهل دانية إلا تصهال الخيل، وقد انصبت عليها انصباب السيل بالليل. واضطرب أبنيته بحيث يسمع الحوار، ويحمد الجوار، فاستولى الجزع، وضاق المتسع، وأخرج إليه لحينه ابنه الذي كان قد سماه معز الدولة، ورشحه لجر أذيالها، وعلمه ممايلة ظلالها، فجاء إلى ابن هود مدلا بقديم صهره، عاثراً في إدبار أمره وانقطاع ذكره. من رجل فليل الطبع، ثقيل السمع، ضيق الذرع، قد غذي بالترف واللين، ونشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين، فطفق ابن هود يقرع له عصا الوعيد، ويرمي به مضلات البيد، وهو يقول: أي عم، تبلغ رضاك! ومتى اختلفنا عليك أو خالفناك - فقال له ابن هود فيما قال: والله لا أريم العرصة حتى يسهل مرامها، ويخلى في يدي زمامها - يعني تلك المعاقل - فقال له معز الدولة الجبان الجاهل، وظنه يريد دانية: أي عم! وأين تنقلنا، وإلى من تكلنا - ولم يفطن ابن هود لما قصد، وكان إلى جنبه وزيره ابن أحمد، فغمز يده وقال له: غرة فاهتبلها، وعثرة فلا تقلها، قد ألقى الجزء: 7 ¦ الصفحة: 267 الرجل بيده، وخلى بينك وبين بلده. فعمل ابن هود على ذلك، وأخذ في إحكام ما هنالك، فما متع النهار إلا وأشرقت إياتها، واهتزت في يمنى يديه قناتها. ورجع بابن مجاهد غنيمة باردة، وأمنية على الأيام شاردة. تعالى من لا يروعه الزمان، ولا يغير سلطانه الحدثان. مقطوعات للحصري في أوصاف شتى قال: كم من خليل كان عندي شهدةً ... حتى بلوت المر من أخلاقه كالملح يحسب سكراً في لونه ... أو حجمه ويحول عند مذاقه وقال: نصبت الفخ ثم قعدت عنه ... بعيداً كي أرى فيه فلاحا إذا قردي مقيم عند رأسي ... يقول لمقبلات الطير حاحا واجتاز على قوم فسمعهم يقدحون فيه وفي ابن خلصة فقصده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 268 وأنشده: يا أديباً ملكتني ... في يديه المكرمات ليت قوماً دأبهم في (م) وفيك المكر ماتوا ... وقال: خضبت يديها لون فاحمها فما ... نقص البياض ملاحةً بل زادا ما بال شيبي تنكرين خضابه ... وأراك صابغة البياض سوادا قالت نجعيك في يدي وإنما ... بدلته أسفاً عليك حدادا ومن أحسن ما قيل في التطارف السود قول ابن المعتز: وكف كأن الشمس مدت بنانها ... إلى الليل تجلوه فقبلها الليل وله أيضاً في التطاريف الحمر: أشارت بأطراف رطاب كأنها ... أنابيب در قمعت بعقيق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 269 ما أخرجته من مراثيه مع ما يتشبث بها قال يرثي أباه وقد ودع قبره وقت جوازه إلى الأندلس: أبي نير الأيام بعدك أظلما ... وبنيان مجدي يوم مت تهدما وجسمي الذي أبلاه فقدك إن أكن ... رحلت به فالقلب عندك خيما وقى الله عيني من تعمد وقفةً ... بقبرك فاستسقى له وترحما وقال سلام، والثواب جزاء من ... ألم على قبر الغريب فسلما وأخذ من ترابه فقال: [103] رحلت وهاهنا مثوى الحبيب ... فمن يبكيك يا قبر الغريب - سأحمل من ترابك في رحالي ... لكي أغنى به عن كل طيب وقال من مرثية له في المقتدر بن هود: نعد حصوناً كل درع ومغفر ... وتعدو المنايا في عرين الغضنفر وإحدى بنات الدهر تنسف أحده ... وتهدم بالتدمير بنيان تدمر نبا ناب عاد وهو كالليث عاديا ... وماتت منى كسرى الملوك وقيصر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 270 وما درأت عن تبعٍ تبعٌ له ... صروف الردى الجاري على كل قسور أصم وأصمى ثغرة الثغر حادث ... تحدثنا عنه الثقات فنمتري هو البحر في ذا الخطب أعطاك دره ... فقل للسان انظم وللدمع فانتشر أجدك بز الدهر شهب بزاته ... وعز معز الدولة ابن المظفر أعز من اقتاد الخميس إلى الوغى ... وأكرم من يدعى له فوق منبر تلثم حياءً يا زمان من العلا ... مضيت بمعروف وجئت بمنكر مضيت فما للأرض بعدك لم تمد ... وما لسماء المجد لم تتفطر - بعثت بها مشقوقة الجيب ثاكلا ... وإن فتقت ريح العزاء بعنبر وله من أخرى: فاجأتنا والمنون منتظره ... من جامع الطيبات محتضره أصم سمعي حديث حادثة ... فل السيوف الذكور من ذكره متوج من جذام مات له ... ثلاثة فليعش له عشره ثلاثة لا خلاف أنهم ... خير من الفرقدين والزهره ما نفع المشتري ولا زحلاً ... ضوء بل الله منفذ قدره الجزء: 7 ¦ الصفحة: 271 ومنها، وهو من طريف الاستطراد للاستجداء، وطلب الحباء، وكان الحصري مشحوذ المدية، في أبواب الكدية: بيض كل ولا بياض معي ... إلا بياض المشيب والبشره فغبت عن مجلس العزاء على ... زعمي وإن كان مقولي حضره يا أهل هود إذا الورى حسبوا ... من صدف البحر كنتم درره يا كرماء الزمان لست أرى ... حجوله غيركم ولا غرره ومن قبيح استجداء الحصري ما فعله بالمعتمد بن عباد، تصدى له في طريقه بالعدوة على حاله من اعتقاله، ولم يقله باكياً على خلعه من ملكه، ولا تأدب معه في وصف ما انتثر من سلكه، بل بأشعار قديمة له، صدرها في الرباب وفرتني، وعجزها في طلب اللهى. وعلى تلك الحال، وما يناجي بال المعتمد من البلبال، قاسمه فيما كان بيده مما كان به زود، حسبما وصفت له في أخباره من هذا المجموع. وله من أخرى في المقتدر بن هود: نفرط في العمر الذاهب ... ونغتر بالأمل الكاذب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 272 يقول فيها: تنزه عن تبعات الملوك ... فخف على الملك الكاتب فقدنا الربيع أبا جعفر ... فلا در خلف على حالب لبست البياض ولولا الخلاف ... لسودت ثوبي كالراهب ومنها: نقدت القريض على ربه ... وفصل الخطاب على الخاطب بديعك أزرى بعبد الحميد ... وبابن العميد وبالصاحب ففضلك من لي بإحصائه ... وفي بعضه علة الحاسب وله في موت المعتضد وولاية المعتمد: مات عباد ولكن ... بقي الفرع الكريم فكأن الميت حي ... غير أن الضاد ميم ومات للحصري ابن بلغ من جزعه عليه النهاية، وتجاوز في ذلك الغاية، وصنع فيه مراثي على حروف المعجم، منها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 273 عرضت له تفاحةً نفاحة ... بعض الإماء فرد بالإيماء ولو استطاع القول قال مشافهاً ... تفاح جنات الخلود شفائي فز مطمئن القلب لا مستوفزاً ... طلقت دار مشقة وشقاء عبد الغني لك المسرة غائباً ... ولي المساءة مصبحي ومسائي لما غدوا بك جائزين كأنما ... يمشون في ظلم لدفن ضياء وقال فيه: لست أنسى مقامه ومقامي ... وكلانا مثل القضيب قضيبا أنفه ينثر العقيق وعيني ... تنثر الدمع بالعقيق مشوبا وقال فيه: ذوى ريحاني الأرج ... وضاق بخلي الفرج ذبيح طل منه دم ... ولم يقطع له ودج رأيت دماءه ودما ... ء عيني كيف تمتزج ترفق يا سقام به ... أبعد المستوى عوج - صدعت بما أمرت وما ... عليك مع القضا حرج فأين غرار مقوله ... وأين حجاه والحجج -[104] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 274 شأي ابن الأربعين وما ان ... تهت عشراص به الحجج عروق الناس كلهم ... إلى عرق الثرى تشج بنو الدنيا كأنهم ... لقلة همهم همج وهل هي غير دار أذى ... إذا دخلوا بها خرجوا تأمل كيف تأكلهم ... وهم ولد لها نتج وقال له: على تعمير نوح مات نوح ... فنائحة لأمر ما تنوح وكيف الصبر أم كيف التعزي ... ومن عرنينه ولدي ذبيح وقال فيه: أنا فرد بلا خلي ... ل ولا ابن ولا أخ أنا كالأورق اشتكى ... بعد وكر وأفرخ أنا كالزرع والعدا ... كالجرد المسخخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 275 قرة العين دونه ... برزخ أي برزخ صاحب الصور آنفاً ... حضر الموت فانفخ علني منه أشتفي ... بالنسيم المضمخ كل عمر مؤقت ... في كتابٍ مؤرخ وقال: تناثرت من مدامعي درر ... أثرى بها، وافتقرت، من لقطا إن دياراً حللتها لفلاً ... وإن سرباً بكى معي لقطا وقال فيه: بنفسي نجم أظلم الأفق إذ هوى ... وكاد يعزيني به القمران أحين شأى من فضله كل سابق ... وغنى شآم باسمه ويمان وهز قناة القصد للطعن في العدا ... وراش جماح العز للطيران رمته فأضمته السهام وإنه ... لفي زرد من دعوتي وكنان وفيه يقول: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 276 عبد الغنى بنيي ... كلاه بالحفظ ربه يقول قلبي كله ... واشربه مما أحبه وله من قصيدة يندب وطنه بالقيروان، ويتذكر من كان هنالك من الإخوان: موت الكرام حياة في مواطنهم ... فإن [هم] اغتربوا ماتوا وما ماتوا يا أهل ودي لا والله ما انتكثت ... عندي عهود ولا ضاقت مودات لئن بعدتم وحال البحر دونكم ... لبين أرواحنا في النوم زورات ما نمت إلا لكي ألقى خيالكم ... وأين من نازح الأوطان نومات - إذا اعتللنا تعللنا بذكركم ... لو أحسنت برء علات تعلات ماذا على الريح لو أهدت تحيتها ... إليكم مثل ما تهدى التحيات - أصبحت في غربتي لولا مكاتمتي ... بكتني الأرض فيها والسموات كأنني لم أذق بالقيروان جنىً ... ولم أقل ها لأحبابي ولا هاتوا ولم تشقني الخدود الحمر في يقق ... ولا العيون المراض البابليات أبعد أيامنا البيض التي سلفت ... تروقني غدوات أو عشيات - أمر بالبحر مرتاحاً إلى بلد ... تموت نفسي وفيها منه حاجات وأسأل السفن عن أخباره طمعاً ... وأنثني وبقلبي منه لوعات هل من رسالة حب أستعين بها ... على سقامى فقد تشفي الرسالات - ألا سقى الله أرض القيروان حياً ... كأنه عبراتي المستهلات فإنها لدة الجنات تربتها ... مسكية وحصاها جوهريات إلا تكن في رباها روضة أنف ... فإنما أوجه الأحباب روضات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 277 أو لا يكن نهر عذب يسيل بها ... فإن أنهارها أيد كريمت أرض أريضة أقطار مباركة ... لله فيها براهين وآيات لا يشمتن بها الأعداء إن رزئت ... إن الكسوف له في الشمس أوقات ولم يزل قابض الدنيا وباسطها ... فيما يشاء له محو وإثبات هل مطمع أن ترد القيروان لنا ... وصبرة والمعلى فالحنيات - ما إن سجا الليل إلا زادني شجنا ... فأتبعت زفراتي فيه أنات ولا تنفست أنفاس الرياض ضحى ... إلا بدت حسراتي المستكنات هذا ولم تشج قلبي للرباب ربى ... ولا تقضته من لبنى لبانات وكم دعيت لبستان فجدد لي ... وجداً وإن كان في معناه سلوات ولو تراني إذا غنت بلابله ... أشكو البلابل لو تغني الشكيات أني لأظمأ والأنهار جارية ... حولي وأضحى ودون الشمس دوحات وما أرى الموت إلا باسطاً يده ... من قبل أن ينمكن المأسور إفلات ومن في المدح: بلغ أحبتنا الباكين من جهتي ... أني حمتني أسود حميريات من الضراغم إلا أن غابهم ... بيض حداد وحمر سمهريات فمن يكن فيه بين اثنين مختلف ... فذا الذي اتفقت فيه البريات الجزء: 7 ¦ الصفحة: 278 ومن شعره مما خاطب به الفقيه القاضي أبا المطرف الشعبي بمالقة من جملة قصيدة: سريت وخليت السري مصاحبي ... فهذا الهوى يصبي وهذا الهوى ينضي فثوبك مني سل يا أسد الشرى ... وطرفك عني يا مهاة النقا غضي [105] تفكرت في الدنيا وفي غربتي بها ... فضاقت علي الأرض في الطول والعرض لقد شعب الشعبي قلباً صدعته ... كما تصدع المظلومة الخيل بالركض نهوض لإمرٍ آمرته خوارج ... نهوض بأعباء العلا أيما نهض جلا عدله إظلام كل ظلامةٍ ... وحاط قناة الدين حفظاً من الخفض الجزء: 7 ¦ الصفحة: 279 كففت أكف الظلم عن كل مسلم ... عرضن لمال منه أو دم أو عرض تنم بريا جنة الخلد رية ... لئن قطف الأزهار من روضك الغض كأنك منها مالك وهي طيبة ... فما جمع أهل العلم عنك بمنفض وإن أنشدت في دار حكمك مدحتي ... لقد جليت بكراً على خير مقتض لثمت حصى مغناك لما وطئته ... وقلت اللآلي كيف تظلم بالرض غدا عيسنا بالبيد شد وحداتنا ... بذكرك فاستغنت عن الماء والحمض وقدم من الشرق فأنزله في داره وأكرمه، فقال فيه من جملة قصيدة: أمولى شرفت به أم صديق ... يواصلني حين يجفو الشقيق تملكني ومنىً ملكه ... فحسب معاليه أنا رقيق سقاني وأخلاقه جنة ... فمنها الرياض ومنها الرحيق حلت وأحلت كريق الحبيب ... فطاب الصبوح بها والغبوق وزاد على الزاد ما قاتني ... زماناً وإن طال ذاك الطريق وخرج تميم عن مالقة معزولاً فقال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 280 أهواكم جد مازحه ... والحمى لم يدن نازحه - مارست مني العدا رجلا ... أسمع الصماء صائحه إن زجرت الطير في سفري ... عن يميني مر سانحه عجبت أسماء من جلدي ... يوم أصمى القلب جارحه ومنها: لا يضق من صدره حرج ... شيخنا الشعبي شارحه إنما أخلاقه زهر ... عطر الآفاق فائحه إنما أقلامه أسل ... هابها في الجو رامحه قبل الشعبي حين دعا ... فكبا بالليث سابحه بتميم حين حان به الحين وانقادت جوامحه ... ضعفت منه التقوى فغدت ... من قوارير قوارحه وانجلت عن حسن مالقة ... بفقيهيها قبائحه وصفا البحران من كدر ... فارتوى بالماء مائحه ذكره غنى الزمان به ... وأنا فيه أطارحه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 281 وله من أخرى [يمدحه و] يمدح القاضي أبا مروان بن حسون: سهل الأباطح من علاك يفاع ... والنجم أنت وكفك المرباع بل أنت شمس لا تزال ولم [يزل] ... في سائر الآفاق [منك] شعاع من يختلف كل الورى في حبه ... فأبو المطرف حبه إجماع شهدت عقول العالمين بفضله ... فسواء الأعداء والأشياع مصباح مالفة أراد خموده ... قوم ليرتفعوا وهم أوضاع فالعام لم يكمل لعزلته بها ... حتى علت يده طال الباع انظر إليه [اليوم] كيف أصابه ... صرف الزمان وليس عنه دفاع لولا إساءته إليك وظلمه ... لغدا وأنت له يد وذراع بين ابن حسون وشعبي الهدى ... من ثدي خصالة الإخاء رضاع الجزء: 7 ¦ الصفحة: 282 ياما أجلهما وأشبه ذا بذا ... حسنت وجوه منهما وطباع ما أحسن الدنيا بحسنهما الذي ... تلتذه الأبصار والأسماع خلقا لنصر الدين والكرم الذي ... تخضر منه بسيطة وتلاع كمهندين مجردين بريةٍ ... تنبو الظبا وكلاهما قطاع وله فيهما من أخرى أولها: برية [ريا] روضة ورياض ... بها علما علم وأعدل قاض معاليهما فوق النجوم منيفة ... ورأيهما في المشرفية ماض سئمت حياتي والمقام بطنجة ... كأن بلاد الله غير عراض سيورق عودي إن سكنت بريةٍ ... ويسود من فودي كل بياض لدى قمريها إن في غرتيهما ... هداية عميان وبرء مراض أرية مرعاي المريع وأينقي ... وأنت ابنة في عصمة ابن عياض وقال: يا عجبا للسيوف استوى ... كليلها اليوم وماضيها وقد رأيت العدل في بلدة ... فقيهها الشعبي قاضيها أحكامه بالحق مرضية ... والله بعد الخلق راضيها لو شوورت فيه ينو هاشم ... لقدمته عن تراضيها كم حجة أوضح، كم حاجة ... قضى لنا قبل تقاضيها الجزء: 7 ¦ الصفحة: 283 ذكر الأديب أبي الحسن عبد الكريم بن فضال القيرواني واشتهرت معرفته بالحلواني وسياقة جملة من شعره وله كلام في النسيب رائق، ومتأخر سابق، ومديحه أيضاً عليه طلاوة، وبالجملة ففي ألفاظ الحلواني حلاوة. ومن خطه نقلت، جملة ما هاهنا له أخرجت. النسيب وما يناسبه قال: ولما تنادوا للرحيل وقربت ... كرام المطايا والركاب تسير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 284 جعلت على قلبي يدى مبادراً ... فقالوا محب للعناق يشير فقلت ومن لي بالعناق وإنما ... تداركت قلبي حين كاد يطير وقال الحلواني: قالوا التحى فامحت بالشعر بهجته ... فقلت لولا الدجى لم يحسن القمر من كان منتظراً للصبر عنه به ... فإنني لغرامي كنت أنتظر خطت يد الحسن منه فوق وجنته ... هذي محاسن يا أهل الهوى أخر ومعنى هذا البيت يتطرف قول ابن شرف: سبحان من أعطاك حسناً ثانياً ... وبثالث من حسن فعلك عززا وقال الحلواني: لي حبيب إذا شكوت إليه ... في الهوى سامني عذاباً شديدا لست أدعو عليه بالشعر [غيظاً] ... خيفة أن يكون حسناً جديدا غير أني أدعو بقلب قريحٍ ... أن أراه مثلي محباً عميدا كأنه عكس قول البحتري: أ " يذك أن تمني بشكوى صبابة ... وإن أكسبتنا منك عطفاً على الصب ويحزنني أن تعرفي الحب بالجوى ... وإن نفعتنا فيك معرفة الحب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 285 وقال: رب خياط فتنت به ... فتنة أفنت قوى جلدي لاعب بالخيط يفتله ... أتراه ظنه جسدي ليت أني كنته فأرى ... بين ذاك الورد والبرد فعلت بالثوب إبرته ... فعل سهم الشوق في خلدي وجرى المقراض في يده ... جري عينيه على كبدي وذكرت بذكره الخياط قول أبي محمد عبد الله بن القابلة السبتي في غلام وسيم يرفو في السوق ثوباً: يا رافياً قطع كل ثوبٍ ... ويا رشاً حنبه اعتقادي عسى بكف الوصال ترفو ... ما قطع [الهجر] من فؤادي وهذا من اللفظ الطيار الخفيف الروح. ومن الكلام الفج الثقيل، قول عبد الجليل: بسوق الخياطة مستمرد ... تود لمن ناكه ألف خير وأشهد أن الفتى صانع ... لطوق عجان على عنق أير وما أحلى لفظ الحلواني هذا في غلام وسيم أراد النهوض إلى الحج: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 286 يا طالب الحج وهو ذو صغر ... عجلت فاستأنه إلى الكبر إن كنت تبغي مثوبةٍ فعسى ... تحمل لي قبلةً إلى الحجر وإن رميت الجمار فارم به ... كل فؤاد عليك لم يطر فقال دعني وزمزماً فعسى ... أغسل من مقلتي دم البشر وعلى ذكر قوله " تحمل لي قبلة إلى الحجر "، قال الحسن لغلام رآه بالمكتب، فأشار لتقبيل يده، فقبله: ظفرت بقبلة منه ... على عيني معلمه أشرت بها إلى يده ... فوصلها إلى فمه وقال الحلواني: تعرضت من شفني هجره ... ببدء سلام عليه شفاها وقلت عساه يرد السلام ... فتبلغ نفسي منه مناها فجاد علي بتقبيلةٍ ... وقد كان أعرض عني وتاها فكنت كموسى أتى للضياء ... ليقبس ناراً فناجى الإلها وقال: يا صاح خذها نصيحةٍ لبكه ... بالود إن كنت فاتك الفتكه اسفك دم المرد إن وجدتهم ... فليس يلقى العذاب من سفكه واترك هواهم إذا هم تركوا ... قد يترك الحب حب من تركه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 287 وقل لمن خان في محبته ... لي همة عن هواك ممتسكه كان بفرط الغرام يملكني ... فأصبح الدهر عازلاً ملكه وكان ستر عليه من ملح ... لولا نبات بخده هتكه والله لا صادني له شرك ... فمذ بدا الشعر قطع الشركه أفلت من بعد نتفه ذنبي ... ولست طيراً يعود للشركه وذكره نتف ذنبه من اللفظ الرث، والمستهجن الغث. وكان أبو محمد المهدوي المعروف بابن الطلاء أحد الشعراء [107] الطارئين على الأندلس كثيراً ما يأتي بالاستعارة التي تضحك كقوله: لحي جراياتي منتوفة ... ومر دهر وهي لم تنتف وقد ألمعت بلمع من هذا الباب، في أخبار ابن شماخ من هذا الكتاب. وقال الحلواني: قد حل في سوقك الكساد ... مذ لاح في خدك السواد كأنما الشعر فيه زرع ... والنتف منه له حصاد وقال: صد فما يصغي لشاك إليه ... وراح والألباب في راحتيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 288 مفوق السهم إذا ما رمى ... رمى ولا قوس سوى حاجبيه يود سيف الهند لو أنه ... تعلم الفتكة من ناظريه ذو وفرة زاد بها هيبةٍ ... وقد يهاب الليث في لبدتيه عندي له من خدعى رقيه ... لو أنها مرت على مسمعيه لا يدعي السقم بألحاظه ... فمهجتي أسقم من مقلتيه انظر لحاليه فقد أقسما ... أن ليس ينجو أحد من يديه انظر لخاليه فقد أقسما ... بسيف عينيه على وجنتيه ريحانة تمنع من شمها ... وغيرها تنفض في مدرعيه تاه بوجه كاد من رقة ... يقطر ماء الحسن من صفحتيه رقيبه من فرط ظن به ... لشخصه ألزم من حافظيه وقال: يا حامل السكين في وسطه ... ليس بهذا تعرف العين هل يحمل السكين من لحظه ... في مهج العشاق سكين -! وقال: رضاب ثغرك يضنيني ويشفيني ... وسحر عينيك يغويني ويغريني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 289 وفي ثنيك معنى لا يقوم به ... ما في الغصون من الإرهاف واللين وهذا كقول أبي الفرج الوأواء: من أين للبدر حسن صورته ... وقده للقضيب من أين - وما أحسن قول بعض أهل عصرنا: ما قدر نعمان إذا ما مشى ... وما عسى تبلغه عالج - وفي هذه القصيدة يقول الحلواني: إذا وصفتك باللحظ الفتور فمن ... قد القلوب بأطراف السكاكين - وإن نعتك بالغصن الرطيب فما ... في الغصن ما فيك من كل الأفانين جسم من الماء لكن قلبه حجر ... أستغفر الله لم يخلق من الطين وما سمعنا بغصن مثمرٍ قمراً ... تجمعت فيه أشتات الرياحين الورد والآس والنسرين مجتمعاً ... فيه وفيه بنيات الزراجين لم يرض عني فؤادي من ضنانته ... حتى مسحت به في كف ضنين في حب من لو رآني مت من عطش ... والنيل في يديه ما كان يسقيني طمعت فيه وغرتني لواحظه ... إن المطامع أسباب الشياطين قل لابن عشر وخمسيها من أين جرت ... سهام عينيك في قلب ابن سبعين - ما حجتي عند من في الحب يعذلني ... وآيتي في نبوات المجانين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 290 إن كنت في الحب سلطاناً على كبدي ... فخف عقوبة سلطان السلاطين أو كان عندك للمسكين مرحمة ... فإن عبدك مسكين المساكين وأراه عارض بهذه قصيدة ابن رشيق، فضل عن الطريق. هذا وقد قلت إن له في النسيب، أوفر نصيب. فأما إذا وصف أو مدح، فقلما رأيته في ذلك نجح ولا أفلح. ما أخرجته من قصائده المطولة في المديح وما يتشبث به من الأوصاف قال يمدح الشيخ صاحب الخمس أبا عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني الشامي بصقلية من قصيدة يقول فيها: شدوا الحدوج وزورها على قمر ... في الحسن تنجاب عن أنواره الظلم دران من فمه شفا محدثه ... للنثر والنظم مسموع وملتثم فليت شعري لمن أنهي ظلامته ... وغير منتصف من خصمه الحكم قد قلت لو قبل الوعظ المبين له ... خف المهيمن فينا إننا نسم فقال من ضرجت خدي نظرته ... فإن سيف جفوني منه ينتقم ومنها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 291 لله منزلة بالقيروان محا ... أيامها البين لا الأيام والقدم شققت جيب شبابي بعد فرقتها ... حزناً عليها ولا شيب ولا هرم إن فرق الدهر عنها شملنا فلنا ... بصاحب الخمس إبراهيم معتصم وله من أخرى: ليت شعري وليت حرف تمن ... ربما علل الفؤاد السقيما كيف يا قيروان حالك لما ... نثر البين سلكك المنظوما كنت أم البلاد شرقاً وغرباً ... فمحا الدهر وشيك المرقوما نحن أبناؤها ولكن غنينا ... بعد أن لم نطق بها أن نقيما دمن كانت البروج وكنا ... أقمراً في قبابها ونجوما ومنها: وأنا قد أخذت إن عبث الده - ... ر ذماماً من عند إبراهيما وقال من أخرى: نطقت بسر ضميره عبراته ... وبدت بنار فؤاده زفراته بأبي وأمي بدر تم تحته ... غصن كثرن لشقوتي ثمراته يمشي فيعثر في ذيول شبابه ... مشي النزيف وخمرة رشفاته الجزء: 7 ¦ الصفحة: 292 ولرب باكية رأت في لمتي ... بعض المشيب تألقت ضحكاته [قالت] : أإصنك قد علاه كما أرى ... زهر الرياض وما بدت ورقاته فأجبتها: قارعت في جنب الهوى ... صرف الزمان وهذه نكباته ومن المديح: شيخ القبيلة في الجزيرة والذي ... سبقت ظنون الحاسدين أناته ما تفعل الأيام غير مراده ... فكأنما حركاتها أدواته هذا الثناء عليك يعبق طيبه ... يا ابن الكرام وحاسدوك رواته قوله في الشيب " صرف الزمان وهذه نكباته " كقول ابن المعتز: قالت كبرت وشبت قلت لها ... هذا غبار وقائع الدهر وقال أحمد بن أبي طاهر: قالت غبار قد علا ... ك فقلت بل غير الغبار هذا الذي نقل الملوك ... إلى القبور من الديار وقال ابن لنكك، في مثل هذا المسلك: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 293 وتعجبت للشيب، لا تتعجبي ... هذا غبار وقائع الأيام وقوله " حاسدوك رواته " كقول البحتري: ليسايرنك ركب شعر سائر ... يرويه فيك لحسنه الأعداء وأخذه من قول حبيب: فإن أنا لم يحمدك عني صاغراً ... عدوك فاعلم أنني غير حامد وقال الحلواني من أخرى: وإذا أردت ترى فضيلة صاحبٍ ... فانظر لبعين البحث من ندمانه فالمرء مطوي على علاته ... طي الكتاب وصحبه عنوانه وكذا دليل الجود في ابن محمد ... باد بصفح جبينه برهانه وترى الليل فاعلات أمره ... حتى كأن صروفها أعوانه ومعنى البيت الأول من هذه كقول الآخر: واعتبر الصاحب بالصاحب ... وقول الآخر: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 294 عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد ومعنى البيت الأخير لفظ أبي الطيب: وأراك دهرك ما تحاول في العدا ... [حتى] كأن صروفه أنصار وقال: هل بعد [سن] الأربعين تصابي ... ذهب الشباب ولات حين شباب هل ينفعنك بعد شيبك في الهوى ... توفير مكتسب وحسن ثياب - هيهات ما فخر المهند في الوغى ... بحلي غمد فوقه وقراب وهذا كقول المعري: وإن كان في لبس الفتى شرف له ... فما السيف إلا غمده والحمائل وقال: أنت الذي قسم الزمان لنفسه ... قسمين بين رياسة ومناب أعطى لمرتبة العلاء نهاره ... منها وجنح الليل للمحراب قامت على أس الفخار عمادها ... وتزينت بتأدب الحجاب سهلت مداخلها لطالب حاجةٍ ... فكأنما بنيت بلا أبواب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 295 ووجدت بخطه، وقد مدح هذا الشيخ الكناني رجل من الأندلس بشعر اتهمه فيه وجرى في مجلسه بصقلية: يا شاعر العصر قد كلفتني شططا ... فاصرف عنانك عنا، أو تأن خطا حملتني ذنب غيري ظالماً وأنا ... قد كنت أقسط في إنصاف من قسطا وما حسدتك في شعر أتيت به ... ومن يحاول لمساً للسهى سقطا يا فارس الشعر إن كلت فوارسه ... يوماً وسابقها إن أعلمت مرطا إن ابن دراجكم لو قام من جدث ... وصحت يوماً به من خلفه ضرطا وليس يحسد طبعي أبجنيسكم ... فكيف أنت، لقد جشمتني شططا فخذ " قفا نبك " وانسبها لنفسك ما ... في الخلق من كاشف بالبحث عنك غطا ولا تظنن أن الشعر مكرمة ... فالحر إن رام أن يعلو به هبطا قلت أنا - صاحب الكتاب: - نشدتك بالله يا أبا الحسن إلا ما رفقت بأسيرتك! فإنهما شيخا العشيرة، ولسانا الجزيرة؛ فإن كان ولابد فالرمادي، فإنه كان أقل طيشاً، وأودع عيشاً. وأما ابن دراج فمنخوب القلب، مشترك اللب، يكفيك منه هول الإتهام والإنجاد، وبيع الشعر في سوق الكساد. وقال من أخرى: [109] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 296 طرقتهم ببيض الهند ليلاً ... فعاد الليل عندهم نهارا أطرت فؤادها في الجو ذعراً ... لبرق في يديك قد استطارا بنيت الأرض فوقهم سماءً ... وقد أجريت من علق بحارا فليس تراك ألحاظ الدراري ... وأنت حشوت أعينها غبارا ومعنى هذا البيت والذي قبله كقول التهامي: فدحوا فويق الأرض أرضاً من دم ... ثم ابتنوا [دون] السماء سماءا وقال من أخرى في الوزير أبي بكر بن عبد العزيز ببلنسية: أغالب فيك الشك أني حالم ... ومن لم يذق طعم الكرى كيف يحلم ومن المدح: وقمت بها بين السماطين منشداً ... كما يتغنى الشارب المترنم بمدح امرئ كل امرئ من عفاته ... يخير فيما عنده ويحكم كأن الذي سواه قال لكفه ... عليك لهذا الخلق رزق مقسم لقد علم المأمون أنك صارم ... بيمناه لا ينبو ولا يتثلم يقولون لي إن الملوك كثيرة ... ورأيك أمضى في البلاد وأحزم فقلت لهم ما كل بيضاء شحمة ... ولا كل مصقول الصفيحة مخذم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 297 وله من أخرى يستعطفه لأمر وقع، ولكلام عليه رفع: أتسمع في مقال الوشاة ... وإن جئت بالعذر لا تسمع - تقشع غيم بكفتي منك ... وصوح في ساحتي ممرع فلولا اعتلاقي بحبل الرجاء ... لما حملت قلبي الأضلع فإن كان قد مات حظي لديك ... وحاشاك بل أنت لي أرفع فدعني أبيض بشيبي عليك ... فلبس المشيب له أفجع وقد كرر الحلواني هذا المعنى في شعر قد تقدم إنشاده. وقال من أخرى: نجم تولد من شمس ومن قمر ... وأين من أبويه الشمس والقمر - شمس العفاف وبدر المجد بينهما ... تولد النور إلا أنه بشر وهذا كقول ابن عمار يهنئ المعتمد وقد ولد له مولودان: أهنأ بنجليك من أنثى ومن ذكر ... لا تعدم الضوء بين الشمس والقمر وهو من قول ابن الرومي: شمس وبدر ولدا كوكبا ... أقسمت بالله لقد أنجبا وقد تقدم إنشاده. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 298 ومن قصيدة الحلواني: لا أقتضيك مواعيداً بدأت بها ... كما تنفس من أكمامها الزهر ولا ألومك في تأخير عاجلها ... من بعد علمي بما يجري به القدر أما ترى الله وهو الله موعده ... مؤخر بنعيم الخلد منتظر - وقال: وما كنت أدري قبل لؤلؤ ثغره ... بأن اللآلي من نبات المباسم ومنها: منادية أنسابه حميرية ... متوجة بالمجد قبل العمائم فما انبسطت إلا لجود أكفهم ... ولا انقبضت إلا لضبط القوائم يجرون أطراف الرماح إلى الوغى ... كما جرت العقبان سود الأراقم ومعنى البيت منها كقول الآخر: وما خلقت كفاك إلا لأربع ... عقائل لم تخلق لهن يدان لتقليب هندي وإطاء نائل ... وتقبيل أفواه وقبض عنان وقال الحلواني: يا نفس ويحك في التغرب ذلة ... فتجرعي كأسي أذى وهوان وإذا نزلت بدار قوم دارهم ... فلهم عليك تعزز الأوطان الجزء: 7 ¦ الصفحة: 299 فالشمس أشرف ما تكون بكبشها ... وسقوطها في كفه الميزان وصدر هذا البيت الأخير كقول الآخر: إذا غدا ملك باللهو مشتغلاً ... فاحكم على ملكه بالويل والحرب أما ترى الشمس في الميزان هابطة ... لما غدا وهو برج اللهو والطرب - وزار بعض إخوانه فحجبه فخاطبه برقعةٍ يقول في فصل منها: تصديت لقاء سيدي تصدي المحب الكئيب، للقاء رسول الحبيب، وطفت ببابه الكريم، طواف الحجيج بالبيت العظيم، فحال عثور الجد، عن مطالعة القمر السعد، ومنع سوء البخت، عن لقاء الكرم البحت، فحدست أن سيدي - وقته - ظفرت يداه بمن يهواه، فغاب مغيب القمر، تحت غمام الظفر، وتعاطيا بكأس الوصال، مدامي السرور والجريال، وضيق يضيق العناق، مجرى الوشاح والأطواق. هنأه الله ببلوغ أمانيه، وهنأنا فيه بما يرضيه، فحياتنا بسروره مرتبطة، ونفوسنا بما يشتهيه مغتبطة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 300 فصل في ذكر الأديب أبي العرب الصقلي وكان لسانا بهذا الأفق عن العرب أعرب، وكوكبا من المشرق غرب، ولم يقع إلي عند إكمال هذا الديوان، وإخراجه من الخبر [110] إلى العيان، من شعره، إلا ما لا يكاد يعرب عن قدره. ومن أشهر خبر بلغني عنه أنه حضر يوما مجلس المعتمد وقد أدخل إليه جملة وافرة من دنانير الفضة، فأمر له بخريطتين منها. وبين يديه تصاوير عنبر من جملتها صورة جمل مرصع بنفيس الجوهر، فقال له أبو العرب على البديهة معرضا: ما يحمل هذه الدنانير - أيدك الله - إلا جمل، فتبسم المعتمد وأمر به، فقال أبو العرب على البديهة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 301 أجد يتسني جملا جونا شفعت به ... حملا من الفضة البيضاء لو حملا سماح جودك في أعطان مركمة ... لا قد يعرف من منع ولا عقلا فاعجب لشاني فشاني كله عجب ... رفهتني فحملت الحمل والجملا فطارت يومئذ بهذا الخبر الركائب. وتهادته المشارق والمغارب، وذكرته شعراء الوقت، ورأيت في ذلك عدة قصائد لغير واحد، ولم أحفظ منها إلا قول بعضهم ممن وفد أيضاً على المعتمد، من جملة قصيدة استبردت بجملتها، قال فيها: يا من بجود يديه يضرب المثل ... ومن مواهبه الأمصار والدول بحد جودك في جنب اللها أبدا ... يا خاتم الجود جرح ليس يندمل عند ابن حماد في ذال المكان على ... بعد المسافة والأخبار تنتقل جرى حديث الصقلي المثاب على ... شعر فصار إليه الحمل والجمل ومن شعر أبي العرب في المعتمد قصيدة أولها: لولا السرى في ذمام الصارم الذكر ... لم أطرق الحي في أمر على خطر ما البارد العذب مورودا على ظمإ ... أشهى إلى الصب من وصل على حذر قالت تجشمت في سبل الهوى غررا ... قلت المتيم مقدام على الغرر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 302 لا كالهيوب حماه الخوف بغيته ... تهيب الورد حتى عاد بالصدر توق رقبة أعداء عيونهم ... أذكى من الزرق في الخطية السمر قلت اليماني حليفي ما يفارقني ... [إني] بغير اليماني غير منتصر رضيته دون إخوان الصفاء أخا ... ما غيرته صروف جمة الغير لاح السنا فانبرت من ساعدي فرقا ... تجر ذيلا يعفي شاهد الأثر صد كوحشية هم الأنيس بها ... إلا التفاتا بجيد الخائف الحذر تكف بالفرع من لألاء غرتها ... كي لا تمد بياض الصبح بالقمر حثوا المطي [ ... ] إن لها ... عقبى الإقالة من أين ومن ضمر حتى تنيخ برب المجد من يمن ... في قبة الملك رب الشعر من مضر ومنها في ذكر جواز المعتمد البحر: ما كان عندك هول البحر تركبه ... جودا بنفسك إلا جرية النهر وله من أخرى: أحادينا هذا الربيع فخيم ... وأمنية المرتاد والمتوسم وحط بنا عن ناجيات كأنها ... قسي رمت بنا البلاد بأسهم وقد قدمت من هذا المعنى جملة في ما مر من الكتاب، ومنه قول الطيني الجزء: 7 ¦ الصفحة: 303 شاعر الحكم، مما أنشده ابن عبد الرؤوف: قد نصبنا من الوجيف وأنضي ... نا قلاصا سياطهن الكلام فكأن الركاب والركب للضم ... ر قسي من فوقهن سهام وفي هذه القصيدة يقول: وقد يبلغ التأويب أقصاه والسرى ... فلا تشتكي عبئا ولا تتظلمي وما طلبت إلا فناء محمد ... وهل دونه للركب من متلوم جعلت إليه همتي وعزيمتي ... فناولتاه بعد حول مجرم فقال لي الفال الصدوق مبشرا ... قدمت على التوفيق أيمن مقدم وأقبلت باب الإذن فاستأذن الندى ... على ملك وافي الجلال معظم فرفع عن ذاك البهاء حجابه ... وقيل استلم أندى بنان وسلم فقبلت يمنى راحتيه كأنني ... أقبل ركن البيت سيرة محرم نظرت إليه والمهابة دونه ... فقسمت لحظي بين بدر وضيغم بلى ورأيت الشمس والبدر والعلا ... مجسمة في جوهر متجسم فأغضيت عنه العين أول نظرة ... ومن ير عين الشمس لا يتوسم كأن عياني كان غير حقيقة ... فلم ألقه إلا بعين التوهم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 304 وفي المعتمد أيضاً يقول من أخرى: وقد أزار، وللزوار حكمهم ... عندي من البر والإيناس والأدب وأفضل البر بر يقتضي طربا ... وأعوزتني أم اللهو والطرب والدجن يبعث همي من مكامنه ... والشمس ما أخلفتها الريح لم تغب والسحب للأرض بالسقيا مواصلة ... حتى ارتوت فاستكفت أبيض السحب سح وهطل وجود صوب درهما ... فسح أنت بها واهطل وجد وصب إني أعاطيك في الشكوى مفاكهة ... كما تعاطت أكف الشرب بالنخب والنفس، ما انفردت بالجد، متعبة ... حتى تراوح بين الجد واللعب برمت باثنين ضاق الصدر بينهما ... فقد المدامة واستيحاش مغترب وكل ربع وإن حل الجميع به ... قفر إذا لم تكن فيه ابنة العنب وقد حللت كناسا لا أروع به ... حور الظباء وإن أعرضن من كثب كالليث عاد كسيرا لا افتراس به ... يطوي على زفرات نفس مكتئب وقال في الزهد: أرى الدنيا الدنية لا تواتي ... فعالج في التصرف والطلاب ولا يغررك منها حسن برد ... له علمان من ذهب الذهاب فأوله رجاء من سراب ... وآخره رداء من تراب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 305 ولما نفذت الأقدار، بالقبض على ذي الوزارتين أبي بكر بن عمار، بشقورة، على الصورة حسب ما شرحته في أخباره، قال أبو العرب للمعتمد من جملة قصيد: كأن بلاد الله كفك إن يسر ... بها هارب تجمع عليه الأناملا فأين يفر المرء عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا وهذا المعنى قد تداولته جماعة من الجاهليين والمخضرمين، والمحدثين والمولدين، وأرى أن أول من أثاره، ورفع مناره، النابغة حيث يقول: فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمد بها أيد إليك نوازع وأخذه أشجع السلمي فقال لإدريس بن عبد الله العلوي، وقد بعث إليه الرشيد من اغتاله بالمغرب: أتظن يا إدريس أنك مفلت ... كيد الخلافة أو يقيك حذار إن السيوف إذا انتضاها عزمه ... طالت وتقصر دونها الأعمار الجزء: 7 ¦ الصفحة: 306 هيهات إلا أن تكون ببلدة ... لا يهتدي فيها إليك نهار وقال البحتري: سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... محمرة فكأنهم لم يسلبوا ولو انهم ركبوا الكواكب لم يكن ... ليجيرهم من حد بأسك مهرب وقال عبيد الله بن طاهر: وإني وإن حدثت نفسي بأنني ... أفوتك إن الرأي مني لعازب لأنك لي مثل المكان المحيط بي ... من الأرض أنى استنهضتني المذاهب وقال سعيد بن حميد: يا باخلين علينا في حكومتهم ... والجور أقبح ما يؤتى ويرتكب لسنا إلى غيركم منكم نفر إذا ... جرتم ولكن إليكم منكم الهرب وقال المتنبي: فإنك كالدنيا إلي حبيبة ... فما منك لي إلا إليك ذهاب والذي هو أشبه وأقرب، بقول أبي العرب، ومنه أراه نقل، وعليه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 307 عول، قول الأول: كأن بلاد الله وهي عريضة ... على الخائف المطلوب كفة حابل تؤدي إليه أن كل ثنيةٍ ... تيممها ترمي إليه بقاتل واستقصاء المناسبة والملاحظة في كل معنى حبل ممدود، يحل لنا الشرط المعقود، من إيثار الاختصار، وقد مر منه في تضاعيف هذا التأليف جملة وافرة. في ذكر الأديب الكاتب أبي عبد الله محمد بن الصباغ الصقلي أحد أدباء وقته المشاهير، وكلامه يعرب له عن أدبٍ كثير، وحفظ غزير، فصل له من رقعة خاطب بها الأديب أبا حفص القعيني الأندلسي يعزيه في هرة نفقت له، وجلس للعزاء عنها تماجناً، قال فيه: [الحياة] لبني الدنيا مراحل، والمنايا لجميعهم مناهل، والأعمار كالأسفار، منها القريب الوصول، العاجل الحلول، ومنها البعيد الشقة، الشديد المشقة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 308 أنفاس معدودة، وآجال محدودة، وليس بناج من محتومها أحد، ولا لمخلوق منها ملتحد، وانتهى إليّ - سهل الله الصبر الجميل سبيلك، وأطفأ ببرد السلوان غليلك - نبأ جلل، وخطب معضل، وهو مصابك بشقيقه نفسك، وموضع راحتك وأنسك، وربيبة حجرك وحجرتك، وآلة حيطتك على حنطتك، وكالئة ذخائرك وقنيتك، واستحواذ فجيعتها على لبك، وما عالجتها به من ذرورٍ وحنوط، وإشفاقك من تعجيل إسلامها إلى التراب، وإبقائك إياها طويلاً في المحراب، وألبتك عليها لتدعون إلى [112] جنازتها مأتماً يشققن عليها المدارع، ويفضن من الوجد بها غروب المدامع، ويعولن عليها بالضراخ والنياح، ويذرين لمصرعها شعورهن مع الرياح. وفي فصل: ولست بناسٍ ذكر تلك الملح التي كتبت تصف من أخلاقها وآدابها، والمدح التي تورد في أعراقها وأنسابها، والغرائب التي تذكر عن قوتها وأيدها، وحيلها وكيدها، ومكرها بالفار وصيدها، ولعمري ما أفرطت في نعتها بل فرطت، وما صرحت بجميع محاسنها بل لوحت، فلقد كانت لبؤةً إلا أنها تدعى هرة، ونمرةً إلا أنها أكثر منها شرة، ذات نابٍ مطلول، وساعد مفتول، وخصر مجدول، ريانة الكاهل، ظمآنة الأسافل، تطير من قوائمها بأسرع من الجناح، وتستضيء من عينيها بأنوار من المصباح، وتعتد من مخالبها بأمضى من السلاح، وتسطو من الجزء: 7 ¦ الصفحة: 309 جرأتها بمثل القدر المتاح، لينة الوبر كالسمور، سوداء الشعر كالديجور، مأمونة الجيب، بظهر الغيب، عظيمة النفس، لطيفة الحس، أمينة على اللحم الموضوع، ولو شفها فرط الجوع، وما خانت قط أمانة، ولا رضيت يوماً خيانة، فهي عوذة الدار، من الفار، وعهد الأمان، من الجرذان. قال ابن بسام: وكانت للأديب القعيني هذا جارية سوداء كلف بها ثم باعها، وندم فحاول استرجاعها، فزعم المبتاع أنها حامل - وللقعيني في ذلك أشعار كثيرة - فكتب أبو عبد الله هذا رقعةً قال فيها: كشف الله عن قلبك أيها الأديب الحسيب زين الشهوة، ومحا من لبك شين الهفوة، فعلى رأيك يعتمد من اختلفت آراؤه، وبهديك يهتدي من أضل القصد، وبه يقتدي من عدم الرشد. ونقل إليّ بعض من يعرف أحوالك، ويشارف فعالك، خبراً يصم السمع، ويضيق الذرع، وذلك أنك نبذت من يدك كرتك المتكشفة، فتلقاها من أحمدت صولجانه، وأخرجت عن ملكك ضفدعتك المريعة، فتناولها من استحسنت غدرانه، وبلغك من إقبالها عليه، وانصرافها، بكليتها إليه، ما أضرم قلبك شوقاً لا تخبو ناره، وسلّ الوجد بها عضباً لا ينبو غراره، فأنشرت للناس من نفسك قيس الأخيلية، وأحييت لهم منك مجنون العامرية، وعضضت على بيعتها أناملك، وأنضمت في طلبها زواملك، وأطلت في وصف شوقك لها وأوجزت، وقصدت في ذكر الأسف عليها ورجزت، وجمعت لها من المحاسن ما الجزء: 7 ¦ الصفحة: 310 افترق، وفتحت من البدائع فيها ما انغلق، وجعلتها نبض حياتك، وموضع شكاتك، وسعنة أوطارك، وجونة عطارك: ففيها عنبر الهند ... وفيها مسك دارين وفيها قضب نعمان ... وفيها كثب يبرين وفيها قامت الحرب ... كما كانت بصفين فأصبحت والظنون بك مرجمة. والألسنة عنك مترجمة، والأقوال فيك كثيرة، والأيدي إليك مشيرة؛ ويا عجبا منك كيف لم تبصر بصيرتك هذا العوار وشهابها ثاقب. ولم تعف نفسك السامية هذه الأقذار وإباؤها واجب، شد ما ملكتك سورة الغرارة وأنت كهل أمين، وهفت بلبك هفوات الهوى وعندك عقيل رصين؛ أفي الحق أن أستفرغ قلبك فلا يخلو، وأنشدك فلا تسلو: ندمت ندامة الكسعي لما ... تبطنها يباضعها سواكا رأت ما سد كعثبها وأودى ... بغلمتها فلجت في جفاكا فلا تذهب بلبك طائشات ... من الصبوات واسترجع نهاكا ما لك وللتمادي في غلوائك، والزيادة في برحائك، نهنه قلبك، وراجع لبك، واذكر خلقها وخلقها، وتأمل وجهها وعنقها، وانظر خدها وقدها، وهل شيء مما يستملح عندها؛ والله ما رأيت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 311 شخصها قط إلا تخيلت الشيطان، ولا مقلت مقلتها إلا ذكرت السرطان. وأية ضفدعة ماء تعشقت، وقرنبى بها تعلقت، لقد روي زند من خرجت من يديه، وتعس جد من صارت إليه. وفي فصل منها: فهنيئا أبا حفص راحة بصرك من شخصها المقيت، وفراغ قلبك من الكبد بخلقها المميت، لو غسلتها بكل ماء في البحر، وطيبتها بكل عنبر في الشحر، وضمختها بملاب كل عطار، وفتت عليها من المسك ألق قنطار، ما ازدادت مع الطيب [113] إلا دفرا، ومع الغسل إلا وضرا؛ وكأني بك قد أنشدت بين ابن الرومي في من لا يشبهها إلا في سواد الجلد، ولا يشركها إلا في النسبة إلى الجد، يقول: أكسبها الحب أنها صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق وقال الآخر: مشبهات الشباب والمسك تفديهن ... نفسي من الردى والكروب كيف يهوى الفتى الأديب وصال البيض والبيض مشبهات المشيب ... هيهات! هنا يقال: ظن تخب، واقلب تصب، ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة. فأمسك عنها فقد سلت عنك، وابرأ منها فقد برئت منك، واستصغرت آلتك، واعتاضت منك بزعمها أكبر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 312 أيرا وأكثر خيرا، ووصفت عنه من نشاط العدة، وإفراط العدة، وما شرحت به صدرا، وأوسعت عليه شكرا. وفي فصل منها: وأما قولك: ما الذي أعجبها من دمامته، وقصر قامته، وعظم هامته، ووسخ عمامته، حتى شغفها حباً، وأصبح فؤادها به صبا، فنعم: أعجبها من خلقه قمد ... عجارم ضخم القذال نهد ململم الأقطار عبل جلد ... مثل ذراع البكر أو أشد ولو كنت ممن يربع بالنهار، ويشبع بالليل، كما حكت عنه، لما واجهتك بما لا تريد، وباعت صحبتك في من يزيد، فانقض غزل حبك لها أنكاثاً، وطلق علاقة قلبك بها ثلاثاً. فراجعه القعيني برقعة طويلة انتصر فيها لنفسه هنالك، وأقام حججاً على صواب ذلك. فأجابه الصقلي برقعة أخرى يقول في فصل منها: زعمت أنك شديد الغرام، بشقيقه الظلام، وأني أخطأت في عتبك على حبها، وظلمت في نهيك عن قربها، وجعلت أشعارك في النسيب بها حجة لتمييزك، وإنكار التأنيب عليها عذراً من تعجيزك، وطفقت تنشد رافعاً عقبرتك، مستصغراً كبيرتك: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 313 استودع الله مولى ملكته يدي ... ودعت إلا شجوني إذ أودعه جسم من المسك أقصته النوى فمضى ... وفي ذؤابته عندي تضوعه وبدر تم تقاضاه الأفول فيا ... ويلي طويلاً وعندي كان مطلعه عدمته ذهباً لوناً وفائدة ... واذل من ليست الآداب ترفعه يا قطعة من فؤادي جذها قدر ... حتام تجفوه عدواناً وتقطعه أهوى الأصيل إليها من ملابسة ... ثوباً بهياً ولكن ليس تخلعه فجعلتها مسكاً فتيقاً، وذهباً عتيقاً، وقطعةً من فؤادك، ومضنةً لودادك، وسبباً لانقيادك، وألبستها من الأصيل ثوباً لا يخلع، ودرعاً لا ينزع، وزعمت أنك اخترعت في هذا النسيب معنى لم يسمع، فانتصرت لمذهبك، وحليت عاطل مركبك. وما أدري ما أقبل من شعريك، ولا مآخذ من قوليك، أهذا الأول الذي زعمت أنك قلته في عنفوان الصبابة، وإفراط الكآبة، أم حين جلى الله [عن] بصيرتك غيايتها، وكشف عنها عمايتها - حين قلت: باسوء ما اخترتها في الحب ضفدعةً ... جحوظ عين وقداً مفرط القصر إذا أردت نكاحاً وهي مجمرة ... عطراً أرت خلق إبراهيم من قذر الحمد لله جلى في الغرام بها ... بصيرتي فرأى أقذارها بصري فمتى عادت الضفدعة غزالا، وصار هذا النقص كمالا -! وشد ما عميت الجزء: 7 ¦ الصفحة: 314 بصيرتك بعد جلائها، وتسامحت سيادتك بعد إبائها، وظمئت إلى سؤر هذا الجازر، وهو من لبن حازر، أتراها بعد أن اختبرت عرده، وبلت زوجه وفرده، وذاقت صابه وشهده، ورأت كل ما يسرها عنده، تصبر على دقة مسبارك، وترضى ملة خشكارك، وهيهات ما سولت لك الأحلام، والله لو عادت إلى ملكك، ما ملت من فركك، ولا رجعت عن تركك، ولو جعلت السندي لها بسطاً، والثريا في أذنيها قرطا، وصيرت بني حام كلهم لها خولاً، وحشرت عليها كل شيء قبلا، ما كانت لتقبل عليك، ولا لتصرف وجه محبتها إليك. وفي فصل: وأما ما ذكرت من خليدة التي ادعيت عشقها علي، ونسبت حبها إليّ، فقد أذكرتني الطعن وكنت ناسياً، قد كنت رأيتها في المعرض، وعندي من الارتياح إلى الملاح، ما عند الغصون لهيف الرياح، ومن الشغف في أمثالها إلى اللقيا، ما بالرياض إلى السقيا [114] فرأيت لثامها قد حط عن بدر كمال، وإزارها قد غص بردف ريان، وسرحت طرفي منها في روضة حسن أريضة، وحديقة جمال أنيقة، وأعطيت مولاها فيها السول، وبلغته في ثمنها المأمول، وسألها بعض التجار، عن الدار وعن النجار، فترجمت عن منصبها، وأعربت عن نسبها، بغرائب ألفاظ، عزيز سماع مثلها بسوق عكاظ، مسخت القاف كافا، وردت الأوصاف " أوسافا "، قبحت بذلك الكلام حسنها، ورجمت الأسماع بلغة كأنها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 315 برد تحدر من متون غمام ... فعاد مبرم حبي لها سحيلا، ولم تسو عندي لذلك فتيلا، وما عجبت كعجبي من وصفكها بقصر الخطا، وتشبيهكها بإبهام القطا، فإن كان نقدك في الشعر ومراميه، واقتضابك لغريب معانيه، بهذه القريحة الصافية، والبصيرة النافذة المتناهية، فقد فت الأولين والآخرين سبقاً، وبرزت على القدماء والمحدثين صدقاً. كيف جاز عليك هذا الغلط وأنت صيرفي الكلام، معنوي النظام، وغيرك بذلك التشبيه كان أليق، وهو به أ " لق، تلك بيضاء قصيرة بزعمك، وهذه سوداء دحداحة بزعمك: قريبة الأقطار ملمومة ... مغموسة في خضرة جون لا تخطئ البقة أوصافها ... في النتن والقامة واللون وأما ما عبته من زرقتها - وإن لم تكن كذلك، وكانت الشهلاء في نعتك - فأين أنت من قول القائل: وأزرق العين فاتر الغنج ... زرقة عينيه آفة المهج قالوا به زرقة فقلت لهم ... تم بها حسن وجهه البهج ما زرقة العين مثل كحلتها ... كم بين ياقوتة إلى سبج وفي فصل منها: وهاهنا وقفت وأمسكت، لأن بعض الإخوان أحرقني بنار العتاب، وأخرجني بها عن طبقة الكتاب، وركب في ملامتي راسه، ومد بها إليّ أنفاسه، وأطنب في اللوم وأسهب، وصعد في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 316 العتب وصوب، يقول في فصل منها: " وقفت على ما أداك إليه ثرة الفضول، من إيرادك تلك الفصول، التي مسخت جواهرها خزفاً، ولآلئها صدفا، ورأيت تلك النصيحة، إليّ صارت فضيحة، والمحاسن التي عادت قبيحة، وألفاظ العذاب، التي آضت سياط عذاب، وتأدب من عاطيت، وجواب من كاتبت، فتأوهت وتفجعت، وحوقلت واسترجعت، وقلت: أما انتبه من سنة غفلته، وذكر بيتي حكمته، إذ يقول: إذا ما هديت امرءاً مخطئاً ... أضل السبيل إلى قصده ولم تلقه سامعاً قابلاً ... فحسن له المشي في ضده ولقد سررت بما أصابك، وابتهجت بما نابكن فعساك يوماً تعرف أخلاق الناس، وتزن أحلامهم بالقسطاس، وتنتقد أحوالهم وأفعالهم، وتختبر ضرائبهم وأشكالهم، فتميز الخبيث من الطيب، وتتجانف من بعد عن الدعابة في خطاب، أو إجابة بكتاب ". هذه شكيمة كبحني بها هذا الصديق بعد أن جمحت ورمحت، وخطام به بعد أن أرقلت وأوجفت، ولولاه لعرضت أكثر من هذا المتاع، وكلت بأكبر من هذا الصاع. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 317 وله من رقعة إلى ابن الشامي صاحب الخمس، راغباً في أن يكلم له الأمير صمصام الدولة في أن يحرر له أرضاً كان اشتراها: إذا الحاجات عي بها رجال ... وكان قضاؤها صعب المرام وقلت حيلة الشفعاء فيها ... فحاول نجحها ببني الشآمي دراري العلا حفت ببدرٍ ... منير في سماء المجد سام ويعلم - أدام الله تمكينه - مذهبي في التخفيف، وحمل مؤنة التكليف، إلا في ما تلجئ الضرورة إليه، ويحمل الاضطهاد عليه، وكنت من ترفيه النفس عن الامتهان، والقناعة بما تسمح به نفس الزمان، عن حالة يعلم - حرس الله مجده - تقلبي في أثنائها، ومقيلي في أفيائها، حتى عرض لي من سوء القضاء، ما أجار بالنار من الرمضاء، فسول لي الحرص الذي ما شمت له قط بارقاً، والطمع الذي ما ركبت له قط عاتقاً، النظر في إحداث بستان في خرائب أخربت مالي، وشغلتني عن كثير من أشغالي، وصرت منفقاً ما جمعت في الغربة والوطن، وكسبت في الإقامة والظعن، بين جدار فيها أهدمه، وغار أردمه، وأرض أرفع مرة وهادها، وأخفض تارةً نجادها، حتى استوت ساحاتها [115] وتوطت، وغابت مغاراتها وتغطت، وانكشطت أسنمتها وانحطت، وفي بناء حائط أحدق بأقطار، وآمن به على ثماره، وفي حفر بئر ينقع ماؤها صداه، ويبل إذا حمي الهجير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 318 ثراه، ما لو أقررت به بين يدي القاضي أو شهد به علي لتوجه عليه فيما يلزمه من الفرض، ويحق عليه في الإبرام والنقض، أن يثبتني على رأي الفقهاء، في ديوان السفهاء، إذ لا يقدر على سقي دوحاته، ولا يتوصل إلى إحياء مواته، إلا بدولاب وجابية، يأخذان الماء أخذة رابية، وعند الوصول إلى هذه الفصول، والانتهاء إلى هذا المحصول، قرعت سن النادم، وانتبهت انتباه الحالم، وكنت كتاجر البلور، في ابتياع السنور، ومسرح الدجاج، في مخزن الزجاج: أحدث هذا في ماله من البوار، ما لا يحدثه عابث الفار، وجلب ذلك إلى بضاعته من الفساد، ما لا يحدثه وافد الكساد. وفي فصل منها: ولا بد لغريق البحر أن يدرج فيخرج، وللتائه في القفر أن يضل فيهلك، أو يدل فيسلك، وقد علم قلة حاجات وليه إليه، وإيثاره التخفيف عليه؛ ومتى أعلم الأمير أن هذه الخرائب التي عانى وليه غراسها، لا يرتجى لها عمارة تعود بفائد، ولا ينتفع الديوان منها بدرهم واحد، وساكنوها منذ أعوام ما أدى واحد منهم خراجاً، ولا صنع لبيته باباً ولا رتاجاً، فهم بين قوم يأكلون الشجر قبل الثمر، ويرعون الأب قبل الحب، وما آمن مع ما أحدقت به من الأسوار، وخرجت في [النفقة] عن المقدار، أن يوجفوا إليه بالجوالق، وينقضوا فيها كالشوانق، كما يفعلون في بستان فلان، الذي أنفق فيه عمره وماله، وصرف إليه همه واهتباله، فهو في الشتاء من علوج الزبر والحفر، وأصحاب الغرس والبذر، فإذا بلغت ثمرته، ووجبت غلته، حام الجزء: 7 ¦ الصفحة: 319 عليه بنو حام، ولم يمتنع منهم بحارس ولا حام، {وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها} (الكهف: 42) . وناهيك [بدرة] ظفرت يدي بأختها، ومخشلبة غنيت عن ثقبها ونحتها، ومتى لم يلحظني مولاي بعين رعايته، ويمد إليّ [يد] عنايته، في ما رغبت وسألت، انقلبت بأمل عاطل، وعمل باطل. في ذكر الأديب أبي محمد عبد الجبار بن حمديس الصقلي أحد من وفد أيضاً على المعتد، وهو من جملة من لقيته وشافهته، وأسمعني شعره، وهو شاعر ماهر يقرطس أغراض المعاني البديعةن ويعبر عنها بالألفاظ النفيسة الرفيعة، ويتصرف في التشبيه ويغوص في بحر الكلام على در المعنى الغريب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 320 فمن ذلك قصيدة أولها: لم نؤت ليلتنا الغراء من قصر ... لولا وصال ذوات الدل والخفر يقول فيها: إني امرؤ لا أرى خلع العذار على ... من لا يقوم عليه في الهوى عذري فما فتنت بردفٍ غير مرتدفٍ ... ولا حننت لخصرٍ غير مختصر ورب صفراء لم تترك بسورتها ... لصولة الهم من عينٍ ولا أثر تزداد ضعفاً [قواها] كلما خلقت ... بها الليالي حدود الضعف والكبر لا يعرف الشرب عيباً في مناقبها ... إلا دعاوي بين المسك والزهر يصافح الراح من كاساتها شعل ... ترمي مخافة لمس الماء بالشرر إذا النديم حساها خلت جريتها ... نجماً تصوب حتى غاب في قمر ومنها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 321 بالله يا سمرات الحي هل هجعت ... في ظل أغصانك الغزلان عن سحري وهل يراجع وكراً فيك مغترب ... عزت جناحيه أشراك من القدر يفديك قلبي ولو أستطيع من ولهٍ ... طارت إليك بجسمي لمحة البصر ومن المدح: الباسط الكف بالجدوى التي وكفت ... بالرزق ما بين منهل ومنهمر والموسع الأرض إذ جارت أكابرها ... عدلاً يؤلف بين الشاء والنمر كم آيةٍ لك في الإفضال معجزةٍ ... لها بوادر لا تبقى على البدر قوله: " نجماً تصوب حتى غاب في قمر " معنىً قد طوى ونشر، ومنه قول الحسين بن الضحاك: كأنما نصب كأسه قمر ... يكرع في بعض أنجم الفلك وأخذه أبو نواس فقال: إذا عب فيها شارب القوم خلته ... يقبل في داجٍ من الليل كوكباً [116] وقد أخذ بعض أهل عصرنا هذا المعنى، وهو الأديب أبو محمد بن صارة الشنتريني فقال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 322 وافى بها صهباء من أوصافه ... دق الثنايا دون نيل مرامها فرأت نديماً منهما شمس الضحى ... في الليل قابضةً على بهرامها وقال فيه أيضاً: ورشاً خده حديقة وردٍ ... حميت من عذاره بحباب خلته حين عب في الكاس بدراً ... عب من ذوب كوكب في عباب وقال الصقلي من أخرى: باكر إلى اللذات واركب لها ... سوابق اللهو ذوات المراح من قبل أن ترشف الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح وله من قصيدة: قد طيب الآفاق طيب ثنائه ... حتى كأن الشمس تذكي المندلا وكرر هذا المعنى فقال: وكأنما شمس الظهيرة ناره ... وكأنما شجر البسطية عوده وله يستنجز المعتمد بن عباد وقد لزم باب قصره عاماً كاملاً: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 323 أيا مولي الصنع الجميل إذا انتشى ... ويا مسدي النيل الجزيل إذا صخا وفي كل أرضٍ من نداه حديقة ... تضوع مسكاً نورها وتفتحا أأفرد بالحرمان من كل عاطلٍ ... تطوق من نعماك ثم توشحا أتتني على بعد النوى منك دعوة ... أثارت بنات السير حولاً ولقحا فجاءك من أهل البديع مصرف ... مهار القوافي في امتداحك قرحا وكان عليه الخلق ليلاً يجوبه ... إليك فلما لاح وجهك أصبحا رفعت بأظعاني إلى ما تحده ... علاك فوقع ممسكاً أو مسرحا ثم تصرفت الليالي والأيام، اللاعبة بالأنام، واقتضت بالمعتمد الحال، إلى الاعتقال، بسجن أغمات، وسمع الصقلي هذا شعر المعتمد الذي قد تقدم إنشاده حيث يقول فيه: قضى الله في حمص الحمام وبعثرت ... هنالك عنا للنشور قبور تراه عسيراً أم يسيراً نناله ... إلا كل ما شاء الإله يسير فأجابه الصقلي أبو محمد ببيات منها قوله: أتيأس من يوم يناقض أمسه ... وشهب الدراري في البروج تدور ولما رحلتم بالندى في أكفكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير الجزء: 7 ¦ الصفحة: 324 رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الراسيات تسير وله من قصيدة في القاضي ابن القاسم بسلا: لكل محب نظرة تبعث الهوى ... ولي نظرة نحو القتول هي القتل أترتد بالتكريه رسل نواظري ... ومن شيم الإنصاف أن تكرم الرسل ومنها: ركبت نوىً جوابة الأرض لم يعش ... لراكبها عيس تخب ولا رحل أسائل عن دار السماح وأهله ... ولا دار فيها للسماح ولا أهل ولولا ذرى ابن القاسم الواهب الغنى ... لما حظ منها عند ذي كرم رحل تخفض أقدار اللئام بلؤمهم ... وقدر عليّ من مكارمه يعلو فتىً لم يفارق كفه عقد منةٍ ... ولا عرضه صون ولا ماله بذل له نعم تخضر منها مواقع ... ولا سيما إن غير الأفق المحل ورحب جناب حين ينزل للقرى ... وفصل خطابٍ حين يجمتع الحفل ووجه جميل الوجه تحسب حره ... حساماً له من لحظ سائله صقل مروعة أمواله بعطائه ... كأن جنوناً مسها منه أو خبل وأي أمانٍ أو قرارٍ لخائف ... على رأسه من كف قاتله نصل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 325 ومنها: لقد بهرت شهب الدراري منيرة ... مآثر منكم لا يكاثرها الرمل ورثتم تراث المجد من كل سيدٍ ... على منكبيه من حقوق العلا ثقل فمن قمرٍ يبقي على الأفق بعده ... هلالاً ومن ليثٍ خليفته شبل واصبح منكم في سلا الجور أخرساً ... وقام خطيباً بالذي فيكم العدل ملكت القوافي إذ توخيت مدحكم ... ويا رب أذوادٍ تملكها فحل وله من أخرى في تميم أمير المهدية ويتفجع على دخول الروم صقلية، أولها: تدرعت صبري جنةً للنوائب ... فإن لم تسالم يا زمان فحارب يقول فيها: بلاد جرى فوق البلادة ماؤها ... فأصبح منه ناهلاً كل شارب فطمت بها عن كل كأسٍ ولذةٍ ... وأنفقت جل العمر في غير واجب يبيت رئاس السيف في ثني ساعدي ... معاوضةً من جيد غيداء كاعب يبيت رئاس السيف في ثني ساعدي ... معاوضةً من جيد غيداء كاعب وما ضاجع الهندي غير مثلمٍ ... مضاربه يوم الوغى في الضرائب إذا كان لي في السيف أنس ألفته ... فلا وحشة عندي لفقد الحبائب وكنت وقدي في الصبا مثل قده ... عهدت إليه أن منه مكاسبي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 326 فإن كان لي في المشرفي مآرب ... فكم في عصا موسى له من مآرب بعيشك أي الفجعتين استربتها ... خيانة دهري أم خيانة صاحبي [117] تغدى باخلاقي قديماً ولم تكن ... ضرائبه إلا خلاف ضرائبي ويا رب نبت تعتريه مرارة ... وقد كان يسقى عذب ماء السحائب جهلت فجربت الذي أنا عالم ... وقد تجهل الأشياء قبل التجارب ومنها: وكم عزمات كالسيوف صوادقٍ ... تجردها أيدي الأماني الكواذب فلي في سماء الشرق مطلع كوكبٍ ... جلا من ضلوعي بين زهر الكواكب ألفت اغترابي عنه حتى تكاثرت ... له عقد الأيام في كف حاسب متى تسمع الجوزاء في الجو منطقي ... تصخ من مقالي في ارتجال الغرائب ليالي بالمهديتين كأنها اللآ ... لئ من دنياك فوق ترائب إذا شئت أن أرمي الهلال بلحظةٍ ... لنمحت تميماً في سماء المناقب ومنها: ولو أن أرضي حرة لا تبعتها ... بعزمٍ يقد السير ضربة لازب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 327 ولكن أرضي لا عدمت فكاكها ... من الأسر في أيدي العلوج الغواصب لئن ظفرت تلك الكلاب بأكلها ... فبعد يكونٍ للعروق الضوارب أحين تفاني أهلها طوع فتنةٍ ... يضرم فيها ناره كل حاطب وأضحت بها أهواؤهم وكأنما ... مذاهبهم فيها اختلاف المذاهب تخب بهم قب يطيل صهيلها ... بأرض أعيادهم نياح النوادب مؤللة الآذان تحت [إلالهم] ... كما حرفت بالبري أقلام كاتب وله من أخرى أولها: شفاؤك في نوىً تنضي الركابا ... ونجحك عن سرىً تطوي اليبابا فلا تقنع من الدنيا بحظ ... إذا لم تحوه يدك اغتصابا فشر ليوث [هذي الأرض] ليث ... يشارك في فريسته الذئابا سأسري تحت نجمٍ من سناني ... إذا نجم من الأنصار غابا وينجدني على الحدثان عضب ... يفلل قرعه النوب الصعابا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 328 يماني إذا استمطرت صوباً ... به من عارض المهجات صابا كأن شعاع عين الشمس فيه ... وإن كان الفرند به ضبابا ومنها: وكنا في مواطننا كراماً ... تعاف الضيم أنفسنا وتأبى ونطلع في مطالعنا نجوماً ... تعد لكل شيطان شهابا صبرنا للخطوب على ضروبٍ ... إذا رمي الوليد بهن شابا ولم تسلم لنا إلا نفوس ... وأحساب تكرمننا اكتسابا ولم تخل الكواكب من سقوطٍ ... ولكن لا يبلغها الترابا ومن أخرى: بلى جر أذيال الصبا فتصابى ... وأوجف خيلاً في الهوى وركابا قصرت زماني بالشمول مسنةً ... وبالروض كهلاً والفتاة كعابا يقول فيها: وأقصر أيام الفتى يوم لذةٍ ... صفا ما صفا بالعيش منه فطابا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 329 ليالي لا ترمي وإن تصب ... بسهمك خوداً فالشباب أصابا وعصبة لهو غادروا الهم جانباً ... فلم يألفوا إلا السرور جنابا يديرونها راحاً كأن بكاسها ... إذا لبست درع الحباب حبابا تنافر لمس الماء وهو يروضها ... تفرك كالبكر الفروق لعابا فأحبب بذاك العيش عيشاً ذكرته ... وبالعصر عصراً والصحاب صحابا وليلٍ تخوض النيرات ظلامه ... كأوجه غرقي يغترفن عبابا سريت بمحبوكٍ من القب كلما ... دعا شأوه وحي العنان أجبا من الحن فاسم الله إما وضعته ... مكان قطيع طار عنك وغابا ترى ضحك الإصباح فوق جبينه ... وقيض من ليل المحاق إهابا تخال الثريا رأسه وهو ملجم ... إذا الجري لم يلبس طلاه سخايا يحرف بالتأليل أذناً كأنما ... برى قلماً منها يخط كتابا سما الدر في أرساغه عن زبرجدٍ ... يغادر بالوطء الصخور ترابا هو الطرف فاركب منه في ظهر طائر ... تنل كل ما أعيا عليك طلابا إلى قمر تسري إليه كأنما ... عليه سماء الله تغلق بابا كأني سرّ في حشا الليل داخل ... على حبة القلب المصون حجابا فبت مروى من مجاجة بارد ... غزا ذكره قلب الغيور فذابا كأن قطاف اللثم من ثغر روضه ... تكسب من طل الغمام رضابا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 330 ومنها: ولم أر كالدنيا خؤوناً لصاحب ... ولا كمصابي بالشباب مصابا فقدمت الصبا فابيض مسود لمتي ... كأن الصبا للشيب كان خضابا ومن أخرى: أمتطتك همتك العزيمة فاركب ... لا تلقين عصاك دون المطلب ما بال ذي النظر الصحيح تقلبت ... في عينه الدنيا ولم يتقلب فاطو العجاج بكل يعملةٍ لها ... عوم السفينة في سراب السبسب شرق لتجلو عن ضيائك ظلمة ... فالشمس يمرض نورها بالمغرب والماء يأجن في القرارة راكداً ... فإذا علتك قذاته فتسرب طال التغرب في بلاد خصصت ... بوخامة المرعى وطرق المشرب [118] فطويت أحشائي على الألم الذي ... لم يشفه إلا وجود المذهب إن الخطوب طرقنني في جنةٍ ... أخرجنني منها خروج المذنب ومنها: من سالم الضعفاء راموا حربه ... فالبس لكل الناس شكة محرب كل لأشراك التحيل ناصب ... فاخلب بني دنياك إن لم تغلب من كل مركوم الجهالة مبهمٍ ... فكأنما هو قطعة من غيهب لا يكذب الإنسان رائد عقله ... فامرر تمج وكن عذوباً تشرب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 331 ولرب محتقر تركت جوابه ... والليث يأنف عن جواب الثعلب لا تحسبني في الرجال بغاثةً ... إني لأقعص كل لقوة مرقب إن يعله صدأ فكم من صفحةٍ ... مصقولةٍ للماء تحت الطحلب ومنها: كم من قواف كالشوارد صرتها ... عن مثل جرجرة الفنيق المصعب ودقائق بالفكر قد نظمتها ... ولو أنهن لآلئ لم تثقب وصلت يدي بالطبع فهو عقيدها ... فقليل إيجازي كثير المسهب نفث البديع بسحره في مقولي ... فنطقت بالجادي والمتذهب لو أننا طير لقيل لخيرنا ... غرد وقيل لشرنا لا تنعب وإذا اعتقدت العدل ثم زونتني ... رجحت حصاتي في القريض بكبكب إني لأغمد من لساني منصلاً ... لو شئت صمم وهو دامي المضرب ومن أخرى: تظن مزار البدر عنها يعزني ... إذا غاب لم يبعد على عين مبصر وبين رحيلي والإياب لحاجها ... من الدهر ما يبلي رتيمة خنصر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 332 ولابد من حملي على النفس خطةً ... تعلق وردي في اغترابي بمصدري وتطرحني بالعزم من غير فترة ... سفائن بيد في سفائن أبحر وما هي إلا النفس تفنى حياتها ... مصرفةً في كل سعي مقدر أغرك تلويح بجسمي وأنني ... لكالسيف تعلو متنه غين جوهر وما هي إلا لفحة من هواجر ... تخلصت منها كالنضار المسجر وأنكرت إلمام المشيب بلمتي ... وأي صباح في دجى غير مسفر وما كان ذا حذر غراب شبيبتي ... فلم طار [عن] شخصي لشخص منفر وأبقت صروف الدهر مني بقيةٍ ... مذكرة مثل الحسام المذكر وما ضعضعتني للحوادث نكبة ... ولا لان في أيدي الحوادث عنصري ومنها: وحمراء لم تسمح بها نفس بائع ... لسوم ولم تظفر بها يد مشتري أقامت مع الأحقاب حتى كأنها ... خبيثة كسرى أو دفينة قيصر فلم يبق منها غير جزء كأنه ... توهم معنى دق عن ذهن مفكر إذا قهقه الإبريق للكاس خلته ... يرجع صوتاً من عقاب مصرصر وطاف بها غمر الوشاح كأنما ... يقلب في أجفانه طرف جؤذر قصرت بكل كل يوم لهوته ... ومهما يطب يوم من العيش يقصر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 333 ومن أخرى في المعتمد: أتنكر ضعفاً أمرض الحدق النجلا ... وقد أكثرت فينا لواحظها قتلا يقول فيها: أقائدها قب الأياطل لم تدع ... له عند أعداء إغارته ذحلا حميت حمى الإسلام إذ ذدت دونه ... هزبراً ورشحت الرشيد له شبلا لئن قلت فيه صح تأليف سؤدد ... فبارع نقل من شمائلك استملى ومنها في صفة القصر: ويا حبذا دار يد الله مسحت ... عليها بتجديد البقاء فما تبلى مقدسة لو أن موسى كليمه ... مشى قدماً في أرضها خلع النعلا إذا فتحت أبوابها خلت أنها ... تقول بترحيب لداخلها أهلا وقد نقلت صناعها من صفاته ... [إليها] أفانينا فأحسنت النقلا فمن صدره رحباً ومن نوره سناً ... ومن صيته فرعاً ومن حلمه أصلا نسيت به إيوان كسرى لأنه ... أراني مثلاً ما رأيت له مثلاً كأن سليمان بن داود لم تبح ... أوامره للجن في شيده مهلا كأن عيون السحر نافذة له ... عليهن فصلاً من بدائعه فصلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 334 فكان مكان القول يبعث وصفه ... رقيقاً وأذن الدهر تسمعه جذلى ترى الشمس فيه [ليقةً] تستمدها ... أكف أقامت من تصاويرها شكلا تحوز له الأمواه بركة جدول ... تخال الصبا منه مشطبة نصلا إذا اتخذتها الشمس مرآة وجهها ... أجالت عليها من مداوسها صقلا وقد توج البهو البهي بقبة ... فقل في عروس في [جلابيبها] تجلى تجمعت الأضداد فيها مصانعاً ... ولم أر خلقاص قبلها جمع الشملا وأغرب ما أبصرت بعد مليكها ... بها مترع يعدي الشجاعة والبذلا ولما عشينا من توقد نورها ... تخذنا سناه في نواظرنا كحلا فيا دار أغضى الدهر عنك وأكثرت ... أسودك نسلاً فيك يختتل النسلا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 335 ومن شعره في أوصاف شتى قال: [119] نفوسنا بالرجاء ممتسكه ... والموت للخلق ناصب شركه تبرم أجسامنا وتنقضنا ... طبائع في المزاج مشتركه لولا انتشاق الهواء مت كما ... تموت مع فقد مائها السمكه ننشأ بالبعث بعد ميتتنا ... أما يعيد الزجاج من سبكه ما أغفل الفيلسوف عن طرق ... ليست لأهل العقول منسلكه من سلم الأمر للإله نجا ... ومن عدا القصد واقع الهلكه وقال: جاء به ملآن من صافية ... معمورة منها أقاليم الفرح حل وكاء شده عن مذبح ... طل دم العنقود منه وسفح حتى إذا ما صب منه رينا ... سد على التبر الذي كان فتح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 336 ترى نجيع البرق منه راشحاً ... كأنه من ودج الليل رشح مدامة للروح أخت برة ... آخذة ثاراتها من الترح قد علمت مزاجها فصرفها ... يجبر ما هاض ويأسو ما جرح يوم كأن القطر فيه لؤلؤ ... ينظم للروض عقوداً أو وشح تقدح نار من زناد برقه ... ويطفئ الماء سريعاً ما قدح لما جرت فيه الصبا عليلة ... رق الهواء فيه للنفس وصح كأنما الكافور نثر ثلجنا ... أوندف البرس لها حتى أتى الليل بصحو لم يكن ... يغتبق الغيث به كما اصطبح كأنما خلف منه قشعم ... يندى علينا ريشه إذا جنح وقد محا صبغ الدياجي قمر ... ديناره في كفة الغرب رجح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 337 حتى إذا رد حداء عدوهم ... من كان في وادي الرقاد قد سرح نبه ذا هذا وكل طرفه ... يلمح طرف السكر من حيث لمح يسأل في تقويم جيد مائل ... لو [لم] يسامح في الحميا لسمح وجاءه الساقي بكوب مفعم ... لو شاء أن يسبح فيه لسبح يا عاذلي في الراح كم سيئة ... تجاوز الرحمن عنها وصفح أغش خلق الله عند ذي هوى ... من عرض الرشد عليه ونصح حتى إذا فكر عن بصيرة ... ذم [من] الأفعال ما كان مدح وقال: ومشمولة راح كأن حبابها ... إذا ما بدا في الكاس در مجوف لها من شقيق الروض لون كأنما ... إذا [ما] بدا في الكاس منه مطرف شربت على برق كأن ظلامه ... إذا احمر فيه أسود بات يرعف وهذا من قول المعري: إذا ما اهتاج أحمر مستطيلاً ... حسبت الليل زنجياً جريحا وقال أبو محمد أيضاً: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 338 ما زلت أشرب كاسه من كفه ... ورضابه نقل على ما أشرب حتى انجلى الإصباح عن إظلامه ... كالستر [يرفع] عن مليك يحجب والشهب في غرب السماء سواقط ... كبنات ماء في غدير ترسب وقال في صفة نهر: ومطرد الأجزاء تحسب متنه ... صباً أعلنت سر القذى في ضميره جريح بأطراف الحصى كلما جرى ... عليها شكا أوجاعه بخريره كأن حباباً ريع تحت حبابه ... فسارع يلقي نفسه في غديره شربنا على حافاته دور سكرة ... وأقتل سكراً منه عينا مديره كأن الدجى خط المجرة بيننا ... وقد كللت حافاتها ببدوره كلفت بشربي للصبوح مبكراً ... وكم بركات للفتى في بكوره وله في شمعة: قناة من الشمع مركوزة ... لها حربة طبعت من لهب تحرق بالنار أحشاءها ... فتدمع مقلتها بالذهب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 339 تمشى لنا نورها في الدجى ... كما يتمشى الرضى في الغضب فأعجب لآكلة جسمها ... بروحٍ يشاركها في العطب وله فيها: مصفرة الجسم وهي ناحلة ... تستعذب العيش مع تعذبها تطعن صدر الدجى بعالية ... صنوبري لسان كوكبها إن تلفت روح هذه اقتبست ... من هذه فضلة تعيش بها كحية باللسان لاحسةٍ ... ما أدركت من سواد غيهبها وقال: صدت وبدر التم مكسوف به ... فحسبت أن كسوفه من صدها فكأنه مرآة قبن أحميت ... فمشى احمرار النار في مسودها وقال: سكن القلب هوى ذي صلف ... زاده فيه سكوناً حركه فهو كالمركز يبقى ثابتاً ... كلما دار عليه فلكه وقال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 340 يوم كأن نسيمه ... نفحات كافور ومسك وكأن قطر سمائه ... در هوى من نظم سلك متغير غيماً وصح ... واً مثلما حدثت عنك كالطفل يمنح ثم يم ... نع ثم يضحك ثم يبكي [120] وقال: وحمام سوء وخيم الهواء ... قليل المياه كثير الزحام فما للقيام به من قعود ... ولا للقعود به من قيام حنياته عطفات القسي ... وقطراته صائبات السهام ذكرت به النار حتى لقد ... تخيلت إيقادها في عظامي فيا رب عفوك عن مذنب ... يخاف لقاءك بعد الحمام وقال: قبس بكف مديرها أم كوكب ... ينشق منه عن الصباح الغيهب وأريج مسك فاح عن نفحاتها ... فذوائب الظلماء منه تطيب قالوا الصبوح فقلت قرب كاسه ... إني لمهديها [بها] أتقرب لا تسقني اللبن الحليب فإن لي ... في كل دالية ضروعاً تحلب وذخيرة للعيش مر لعمرها ... عدد يشق على يدي من يحسب دبابة في الرأس يصعد سكرها ... فتجد منا بالعقول وتلعب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 341 دارت بعقلي سورة من كاسها ... حتى كأن الأرض تحتي لولب باكرتها والليل في حشاشة ... يستلها بالرفق منه المغرب والجو أقبل في تراكب مزنه ... قزح بعطفه قوسه يتنكب صابت فاضحكت النديم بأكؤس ... عهدي به من نقطهن يقطب والبشر في شرب المدامة فارتقب ... منها سرور النفس ساعة تعذب فصل في ذكر الوزير الحكيم أبي محمد المصري شيخ الفتيان، وآبدة الزمان، وخاتمة أصحاب السلطان، وكان رحل إلى مصر واسمه خامل، وسماؤه عاطل، فلم ينشب أن طرأ على الأندلس وقد نشأ خلقاً جديداً، وأجرى إلى النباهة طلقاً بعيداً، فتهادته الدول، وانتهت إليه التفصيلات والجمل، وكلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد، وإياه قصد، فجرى مع كل أحد، وتمول في كل بلد، وتلون في الجزء: 7 ¦ الصفحة: 342 العلوم تلون الزمان، وتلاعب بالملوك بأفقنا تلاعب الرياح بالأغصان، حتى ظفر به المأمون بن ذي النون، فشد عليه يد الضنين، فوجد كنفاً سهلاً، وسلطاناً غفلاً، فسر وساء، وارتسم في أي الدواوين شاء، وكان بالطب أكلف، وعليه أوقف، فتعلق بسببه، حتى اشتهر به، ولم يكن من النفوذ فيه حسبما استذاع عنه الخبر، خلا أنه كان - زعموا - بصيراً بطب النظر، وكان مع ما يحملع من هذا الفن حسن البيان مليح المجلس، حاضر الجواب كثير النادر، راوية للشعر والمثل السائر، نسابة للمفاخر، عارفاً بالمثالب والمناقب. وقفت له على شعر مجموع، عاطل اكثره من حلي البديع، وكان بالجملة روضة أدب ممتعاً للمجلس، وهيهات أن يأتي الدهر بمثله، وقد وصفه ابن حيان، في فصل قد أثبته في أول هذا القسم من الديوان. فلما انصرفت الدولة الذنوبية، تحيز أبو محمد إلى إشبيلية، فأنس المعتمد بمكانه، وجعل له حظاً من سلطانه، ولم يزل في من يتردد عليه ويغشاه، حتى أشجاه من الخلع - حسبما وصفناه - ما أشجاه، وبقي أبو محمد على حاله، مشتملاً بفضل جده وإقباله، غير مستريب بدهره، ولا منكر لشيء من أمره، ممتعاً بآلاته، مقبلاً على لذاته، إلى أن توفي سنة ست وتسعين منتصف رجب الفرد. وعلى ذكره، فقد أجريت طرفاً من نظمه ونثره، منبهاً على مكانه، ومشهداً على ما وصفت من شانه. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 343 فصل له من رقعة خاطب بها المعتمد بن عباد، وقد خرج عنه إلى مالقة، قبل القبض عليه، واستفتحها بهذين البيتين: رحلت وفي القلب جمر الغضا ... وهجري لكم دون شك صواب كما تهجر النفس حر الطعام ... إذا [ما] تساقط فيه الذباب وهذا المعنى مشهور، قد اندرج منه في تضاعيف هذا التصنيف كثير، مثل قول بعضهم: وتجتنب الليوث ورود حوضٍ ... إذا كان الكلاب يلغن فيه كما سقط الذباب على طعام ... فتتركه ونفسك تشتهيه كتبت وقلبي متقلب على جمر الغضا، أحر من الرمضا، وصلت فقطعت، وسامحت فقوبحت، وارتفع علي الباطل فما سومحت، حميت بقرطبة أهلك وبنيك، وحفدتك وذويك، أصبتهم في منزل عالي الحيطان، وثيق الأركان، في شهر كانون، دون كن ولا كانون، ولا ما يدفع عنهم ريب المنون، أكف الرزايا تصافحهم، وجنوب المنايا تضاجعهم، لا يمنعهم من القر شعار، ولا يحميهم منه [121] دثار، فأنفذت الفرش وآلاتها. وما يتعلق بجهاتها، وافتقدت بالطرف، وتاحفت بالتحف، وصنتهم صون الدر في الحقاق، والسواد في الأحداق، والأطواق في الأعناق، ومن عندك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 344 يعلم هذا ولا ينكره، ويشكره ولا يكفره، وما كانت لك علي نعمة فأعارها، ولا سطوة فأخشاها، وإنما فعلت بالجوهرية التي ركبها الله في نفسي، والطبع الذي جبل عليه حسي: ولكن أشخاص المعالي خفية ... على كل عين ليس تبصر باللب فهل سبق لأحد مثل هذا الوفاء، أو كان له شكل هذا الولاء، فإن قيل إن السموأل أتى بمثله وشكله، ليس الخبر كما ظن، ولا الأمر كما احستب. ومن شعره في أوصاف شتى قال: ريم إذا رمت أن أحظى بموعده ... أقام لي بلسان الخلف أعذارا وإن تلطفت لاستنزال سورته ... أصار قلبي لخيل الهجر مضمارا إذا تذكرت أياماً لنا سلفت ... خطت يد الشوق في الأحشاء أسطارا قال الوشاة ودمع العين منحدر ... ودمعه فوق روض الورد قد حارا يا مجري الدمع في عينيه في ذهب ... أما ترى الدر بالمرجان قد جارا النار يحرقها قلبي بزفرته ... من العجيب فؤاد يحرق النارا وقال: يا ناظراً قد سل من ناظري ... إلى سواد القلب والخاطر طيفك لما نام عن زورتي ... زادك [زاد] الكلف الساهر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 345 ظلك أضحى لي بلا مريةٍ ... مؤثراً في خدك الناضر ما أرفق الله بأهل الهوى ... إذ صير الجور على الجائر وقد تقدم مثل هذا المعنى لعبد الجليل حيث يقول: دعوت دعاء مظلوم عليه ... فعلق من عذاريه الذنوبا وقال: الحب داء دواؤه القبل ... والرسل بين الأحبة المقل يا حفظ الله ليلةً سلفت ... حيت ببدر سماؤه الكلل بتنا وراح العفاف تلحفنا ... برد وفاء والشمل مشتمل اثنان من شدة التعانق قد ... صارا كفرد بالروح يتصل لو أن جود السماء أمطرنا ... لم يصب الأرض تحتنا بلل حتى إذا غرة الصباح بدت ... وجفنه بالعبير مكتحل فارقني وهو خائف وجل ... نشوان من خمرة الصبا ثمل عيناي منه قريرة أبداً ... والنار بين الضلوع تشتعل وقال: قالوا الصديق شقيق النفس قلت لهم ... إن الصديق مع العنقاء قد طارا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 346 اسم لعمري بلا جسم ولا نفس ... إلا كلاماً بزور القول قد سارا فما ترى غير من يسقيك من يده ... أرياً وفي قلبه قد أضمر النارا فنادم الكتب ما عمرت إن لها ... عندي وعيشك أسراراً وأخبارا ومن قصيد له ابن حماد بلقين أوله: الرأي يسبق وقع الصارم الذكر ... والعزم يفصل بين الخبر والخبر والناس قد جمعوا في أصل خلقتهم ... لكنهم فرقوا في اللب والنظر كالنور أوله نار وبينهما ... من التفاضل ما يخفى على البشر كما تهدى ابن حماد وقد طلعت ... طلائع السعد تحدوها يد القدر والناس قد رجموا الأقوال من حذر ... وقال بعضهم هذا من الغرر حتى إذا أظلم الخطب المهم لهم ... جلوته بصباح البيض والسمر ليس الجسوم لها صبر ولا جلد ... وإنما الصبر بالأرواح والفكر لا تلق دهرك إلا راكباً خطراً ... فإنما تبلغ العلياء بالخطر بيته الثاني، من متداولات المعاني، ومنها قول الأول: الناس أخياف وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم وأخذه التهامي فقال: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 347 الناس متفقون في إيرادهم ... وتفاضل الأقوام في الإصدار وقوله: " ليس الجسوم لها صبر " ... البيت، هو شبيه بقول الآخر: فالعبد صبر جسماً ... والحر أصبر قلبا وقال من أخرى [يمدحه] ويذم بني رياح: أبا المنصور ما للدهر عين ... سواك فوارها فهو الصلاح ولا تتعرضن إلى رياحٍ ... فأعدى ما على العين الرياح إذا حلفت رياح فاتهمها ... ورأس الحنث ما حلفت رياح قبيلة لها في اللؤم بأس ... وعند المكرمات لها جماح سبال اللؤم لا كانت سبال ... وجوه الذل والخد الوقاح أناس في مفارقهم قرون ... ولكن بالفقاح هو النطاح ولا تتزوجن لهم ببنت ... فللسودان عندهم مراح بأرجلهن يستغفرن دأباً ... فأرجلهن في الدعوات راح وذكرت بمعنى هذا البيت الأخير منها خبراً أورده بعض الرواة عن شاعر أنشد زبيدة بنت جعفر شعراً قال فيه: [122] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 348 أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب فجعل عبيدها يقرعون رأسه فقالت: دعوه فإنه أراد خيراً فأخطأ، وهو أحب إلينا ممن أراد شراً فأصاب، سمع قولهم: شمالك أندى من يمين فلان فظن [أن هذا مثل ذلك] . وله من أخرى يستأذن في الجواز إلى الأندلس: فيا أثلاث الجزع من مربع الحمى ... فؤادي على تلك الرسوم ينوح فعل أبي المنصور يدني بسعده ... ركابي منها إنه لنزوج ومنها: فسر إنما العلياء شخص مصور ... وأنت له دون البرية روح أتيت بآي أعجزت كل عالم ... كأنك من بعد المسيح مسيح ولو جيت للإنصاف ما جيت مادحاً ... لأنك من نجر السماح صريح ومن أصبحت [فيه] المكارم جوهراً ... بلا عرض فالمدح فيه قبيح ولكن رأيت الشعر يثبت ذكره ... فلا غرو أن يهدى إليك مديح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 349 وله من أخرى في باديس بن حبوس: رسخت أصول علاكم تحت الثرى ... ولكم على خط المجرة دار تبدو شموس الدجن من أطواقكم ... وتفيض من ثني البنان بحار إن المكرام صورة معلومة ... أنتم لها الأسماع والأبصار ذلت لكم قمم الخلائق مثلما ... ذلت لشعري فيكم الأشعار فمتى مدحت ولا مدحت سواكم ... فمديحكم [في] مدحه إضمار وهذا من قول أبي نواس: وإن جرت الألفاظ يوماً بمدحة ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني وأخذه المتنبي فقال: وظنوني مدحتهم قديماً ... وأنت بما مدحتهم مرادي والمصري أيضاً القائل، من قصيدة كأخواتها طويلة دون طائل، أولها: دعي لومي فما أنا بالمليم ... ولا من هجر سلمى بالسليم يقول فيها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 350 وإن شئت اختبار الناس جهراً ... ولم تك بالتجارب بالعليم فجرب من تشا منهم عياناً ... وقد أصبحت في بردي عديم فإن لم [تلف] ذلك مستحيلاً ... وترعى منه في مرعى وخيم فقل إني دعي في نزار ... وإني ضد لقمان الحكيم رأينا معشراً لبسوا ثياباً ... مجددة على عرض رميم لهم دور مشيدة [] ... وأفعال محيلات الرسوم ومن المدح: وما يحتاج يوم الحرب جيشاً ... فإن عداه كالزرع الحطيم وإن أبقى لهم فرعون سحراً ... ففي يده عصا موسى الكليم وقد تقدم إلى هذا المعنى أبو نواس بقوله، ونذكر خبراً يتعلق بذيله: كان أبو نواس قوي البديه، ويرتجل كل ما يقول ولا يرويه، فقال له الخصيب يوماً وهو يمازجه بالمسجد الجامع، أنت في الشعر غير مدافع ولا منازع، ولكنك لا تخطب، فقام من فوره يقول مرتجلاً: منحتكم يا أهل [مصر] نصيحتي ... ألا فخذوا من ناصح بنصيب رماكم أمير المؤمنين بحيةٍ ... أكول لحيات القلوب شروب فإن يك باقي سحر فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 351 ثم التفت إليه قال: والله لا يأتي بمثلها خطيب مصقع، فاعتذر إليه وأقسم أنه ما قال ذلك إلا مازحاً. وقول المصري: " معشراً لبسوا ثياباً " ... البيت مع الذي بعده، ألم فيه بقول منصور الفقيه: لبس الثياب وتشييد القصور وفي ... تلك الثياب علتها أنفس خربه لأضربن رجائي ألف مقرعةٍ ... فيكم وأصلب آمالي على خشبه وقال المصري في ابن مجاهد من قصيدة، يرثي مهراً أخذ له، وحكي أن الذئب أكله: وقد أقمت لدهري وهو يظلمني ... حتى وصلت علياً سيد العرب وإن يكن ليس منهم في أرومته ... فإنه منهم في المجد والحسب يا من إليه شكوناه فقال لنا ... شكوى القتيل [إلى] الخطية السلب ومنها: يا ويح قلبي من دهر تعمدني ... بالنائبات فلاذت بي يد النوب حتى بمهر هضيم الكشح ذي هيف ... كأن أجزاءه جأب على نسب حلو الصهيل له في صوته فتن ... كأنه حين يشدو بالثقيل ربي لولا تشكله في حين خلقته ... بالخيل أضحى مع العقبان في نصب يا يوسف الخيل يا مقتول إخوته ... قلبي لفقدك بين الحرب والحرب إن كان يعقوب لم يقنع بكذبهم ... إني لأقنع منهم بالدم الكذب [123] الجزء: 7 ¦ الصفحة: 352 ومنها: وما التناسب ......... ... إن لم تكن أنفس القربى ذوي نسب وهذا من قول القائل: ........... ... إذا لم يرافقها أنتساب قلوب وقال من أخرى: ................... ... ....... نفحة الخد جائل لئن كنت من در القلائد عاطلاً ... فإن الظباء المشبهيك عواطل .................. ... وكل رسول قد بعثت مماطل سقاني وخد الفجر يلطمه الضحى ... شمولاً لها من وجنتيه شمائل ................. ... بهاراً فأجدى ما علينا الرسائل عليك زكاة من جمال وغرة ... وأنت بمفروض الزكاة تماطل ومنها: فصاح وشاح هز .......... ... إليك ولكن لم تجبه الخلاخل رعى الله دهراً قد نعمنا بطيبه ... لياله من شمس الكؤوس أصائل لدى روضة غناء قنت قيانها ... وجاوبت الألحان منها البلابل ونرجسها [در] على التبر جامد ... وقهوتها تبر على الدر سائل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 353 وإن سأل الأقوام عن عرض منزلي ... فإني ما بين السماكين نازل وأني قد قلدت سيف مآثر ... له من علي المكرمات حمائل إلى أبيات غير هذه من قصيدة طويلة اهتدم فيها أبو محمد قصيدتي أبي الطيب والمعري اللتين في وزنها ورويها؛ وقوله: " عليك زكاة من جمال " ... البيت، من قول المعري أيضاً: لغيري زكاة من جمال فإن تكن ... زكاة جمال فاذكري ابن سبيل وعلى [ذكر] هذه الزكاة فما أملح ملح البستي في تلك الفقهيات حيث يقول: أقول لشادن في الحسن فرد ... يصيد بلحظه لحظ الكمي ملكت الحسن أجمع من نظام ... فأد زكاة منظرك البهي وذلك أن تجود لمستهام ... برشف من مقبلك الشهي فقال أبو حنيفة لي إمام ... ويفتي لا زكاة على الصبي وقال الحصري الكفيف في مثله: وظبي غرير هز أعطافه اللين ... وسمته ريحان المحب الرياحين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 354 أقول له والحب يفتي برخصةً ... عليك زكاة [ما] ونحن مساكين فقال ولم يعلم زكاة أردتها ... وكيف أؤديها ولم يحن الحين فقلت زكاة الحسن أعني فقال لا ... أؤديك فالعشاق [ليس] لهم دين جملة من مقطوعات المصري في فنون مختلفة في صفة قصر طليطلة: قصر يقصر عن مداه الفرقد ... عذبت مصادهر وطاب المورد نشر الصباح عليه ثوب مكارم ... فعليه ألوية السعادة تعقد وكأنما المأمون في أرجائه ... بدر تمام قابلته أسعد وكأنما الأقداح في راحاته ... در جماد ذاب فيه العسجد وله في صفة البركة والقبة عليها: شمسية الأنساب بدرية ... يحار في تشبيهها الخاطر كأنما المأمون بدر الدجى ... وهي عليه الفلك الدائر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 355 يا حبذا العود فكم من فتىً ... باح له اليم بأسراريه غنت عليه الطير رطباً وقد ... غنت به لما قسا جاريه فهو على أخلاقها قد جرى ... وهي على أخلاقه جاريه وبيته الثالث كقول ابن قاضي ميلة: جاءت بعود يناغيها ويسعدها ... فانظر بدائع ما خصت به الشجر غنت على عوده الأطيار مفصحة ... غضاص فلما ذوى غنى به البشر فلا يزال عليه أو به طرب ... يهيجه الأعجمان: الطير والوتر وقال المصر من جملة أبيات خاطب بها صاحب المدينة يشفع للفقيه البر الطليطلي: يا ما جداً أصبح من رفعةٍ ... منزله تحت نجوم الفلك هدا الفقيه البر ما ذنبه ... لقد غدا قبرةً في الشرك أيؤخذ المسكين مع فتية ... قد عقدوا الأمر لحل التكك وقارعوا بالبيض بيض الخصى ... وطاعنوا الأشراج [في] المعترك الجزء: 7 ¦ الصفحة: 356 وهذا مثل ما أنشدنيه لنفسه أبو بكر الخولاني المنجم، مما خاطب به بعض الحكام يشفع للقلمندر، وقد أخذ في مثل ذلك سكرانا: إن درء الحدود بالشبهان ... لحديث رواه [كل] الثقات ما أراه إلا تناول تفا ... حاً فنمت عليه في الطرقات [124] نفحات التفاح والراح والأترج للمرء جد مشتبهات ... فبتلك الشمائل المخجلات الروض غب الغمائم الهاطلات ... وبحلم إليه مذ كنت تعزى ... وبصبر تعزى له وأناة اعف عنه وأعفه من ثمانين تدمي أعطافه المائسات ... واقل ذنبه وعثرته فهو بمرآه من ذوي الهيئات ... وقال: وشادن طالبته قبلةً ... فأظهر الإعراض والصدا ورسل الدر على عسجد ... من سبج فانتظما عقدا فقلت إذ أبصرته باكياً ... نرجسة العين سقت وردا وهذا كقول [الآخر] : الجزء: 7 ¦ الصفحة: 357 كأن تلك الدموع قطر ندى ... تسقط من نرجس على ورد وقال في صباه في طريق بلاد المشرق وقافلاً من الحجاز: ألا يا هند قد قضيت حجي ... فهات شرابك العطر العجيبا فقد ذهبت ذنوبي في الليالي ... فقومي الآن نقترف الذنوبا خلطنا ماء زمزم في حشانا ... بماء الكرم فامتزجا قريبا وطاف بها غزال كسروي ... طبيب النفس يدعوه طبيبا أطاعته الجسوم فساعدته ... كذاك يكون من ملك القلوبا بدا غصناً وأطلع بدر تم ... وأضمر في مآزره الكئيبا نراه في تواصله بعيداً ... ونلقى وعده أبداً قريبا وقال: أي هلال أطل فينا ... نطلعه الطوق والجيوب كحيل طرف ثقيل ردف ... مبسمه اللؤلؤ الرطيب يقودنا كيف شاء طوعاً ... لأن أعوانه القلوب الجزء: 7 ¦ الصفحة: 358 وله في بعض إخوانه وقد عذر غلام كان يهواه: يا ذا الذي عذر خل له ... أتحت عيش العز معنى الهوان لم ينبت الشعر على خده ... بل دب في أعضائه عقربان رفقاً على نفسك لا تفنها ... فجوهر الأنفس شيء يصان وسقه من مزة عتقت ... لتقتضي الحب بلا ترجمان وله في غلام وسيم رمدت عيناه: قال خلي وجفوني ... لا تغطي مقلتيها سقم عيني أراه ... بعث السقم إليها أم ترى توريد خدي ... نفض الورد عليها قلت لا أدري ولكن ... أنا من قتلى يديها وقال: رمدت عيني فجاءوا ... دون رأيي بطبيب وطبيب العين أغمى ... في مداواة القلوب رمدي من فقد خلي ... فاكحلوني بالحبيب وما أحسن ما قال بعض أهل عصري، وقد تقدم إنشاده: إذا رمدت بحمرته عيون ... شفاها منه إثمد عارضيه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 359 في ذكر أبي محمد ابن الطلاء المهدوي أحد أضياف المعتمد، وقد أجريت ذكره في ما مر من هذا المجموع، ووصفت أن شعره عاطل من حلي البديع، وأفرط في باب الاستعارة وأبعد، وخرج فيها إلى حيز الإضحاك بما برد، كقوله متغزلاً: بقراط حسنك لا يرثي على عللي ... وكقوله في الوزير الأجل أبي بكر بن زيدون: شبيلية وابن زيدونها ... أتى في قراه على شينها وسمعته ينشد المتوكل شعراً قال فيه: أفاقت بك القطار من برص البلوى ... ومن أشبه شعره في المعتمد قوله من قصيدة أولها: فتحت سعودك كل باب مغلق ... فتهن ذلك وابق يصلح ما بقي يقول فيها ومدح ابن عمار حين دخوله بمرسية وخروج بني طاهر منها حسبما وصفتها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 360 إن ابن عمار حكى عمرو القنا ... للمستجير وحاتماً للمملق لما وصلت المغرب الأقصى به ... هجر الكرى فاقتاد ملك المشرق بمصرف الجيش اللهام بحكمة ... سمكته بالإسكندر المتلحق يسري بنية خالص، من خلفها ... صدر كمثل السور خلف الخندق ويصيد عنقاء الأماني التي ... أعيت صواه خلاف صيد الخرنق فبجود وببأسه وبجيشه ... هو فيلق في فيلق في فيلق ومنها: يا أيها الملك السعادة أطبقت ... جفناً عليك فبت بجفن مطبق هبط المطوق جبرئيل منظماً ... لك در كل كرامة فتطوق ما غيرك الملك المطوق وحده ... أبداً بروح القدس فأفتق وارتق ما دولة إلا ونادت بعلها ... وأفاك مقتض البلاد فطلق [125] فليعترف بالجود كل مشعوذ ... ويقر بالإنصاف كل ممخرق الأرض كالشطرنج فادع ملوكها ... ما الرخ في حركاته كالبيدق يا يوسفي الحسن والصدق استمع ... أحلى محاورة وإن لم تنطق نادتك هيت لك البلاد بأسرها ... فتح، سيرك من ينادي غلق ولو استطاعت مصر إذ لم تدنها ... جعلت تقول عشقت من لم يعشق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 361 وجميل صنعك في البلاد وأهلها ... مغنيطس فيجذب قوته ثق لكفاك أندلس فنفس كل من ... ترضيك طاعته وإلا خنق من حمص تفتح حمص غير مدافع ... عنها وتفتح جلقاً من جلق وأخبرني أبو بكر الخولاني المنجم قال: كتب إليّ أبو محمد المهدوي بهذه الأبيات يستهدي مشروباً: قل للوزير فتى خولان خولني ... علمي بفضلك ميزاً فهو ميزاني رصدت في فلك الأشواق بدر هوىً ... له رقيب ثقيل مثل كيوان فابعث إليّ براحٍ مثل ريقته ... فمثلها كان يسقى عند رضوان ويا بعد ما بين هذا وبين [قول] بعض أهل عصرنا، وهو أبو حاتم الحجاري يستهدي أيضاً مشروباً من الحكيم أبي الأصبغ البلنسي بقرطبة: يا من سقاني الكؤوس سائغةً ... وكأس أخلاقه غدا أسوغ ساعدني للمبيت ذو هيف ... وذو لسان مستعذب ألثغ أبلغت في وصفه [على] سني ... لكن رأيت السكوت بي أبلغ وقلت والسر لا أبوح به ... من حق هذا الحديث أن يمضغ ما [إن] ترى ساعة الخلو به ... وقد بداني الشيطان أن ينزغ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 362 والليل قد أسبغت ذوائبه ... على هلال فروعه أسبغ قهقهت أثناء ذاك من ضحك ... قهقهة الجام يا أب الأصبغ فرش جناحي وما قرأت فقل ... قوالب السحر هكذا تفرغ وقال أبو حاتم في مثله: يا سيدي والنهار تبصره ... منسجم الدمع مطلق الأفق وعندي البدر قد خلوت به ... وفوق خديه حمرة الشفق جاذبته الحبل فاستقاد وكم ... جريت جري الجموح في الطلق وقد هززناك كي توجهها ... في الشعر هز القضيب في الورق وقال الأديب أبو محمد بن صارة الشنتريني: أعندك أن البدر بات ضجيعي ... فقضيت أوطاري بغير شفيع جعلت ابنة العنقود بيني وبينه ... فكانت لنا أماً وكان رضيعي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 363 فصل في ذكر الأديب الفقيه أبي بكر ابن الحسن المرادي القروي وإثبات قطعة من أشعاره، وطريف أخباره وكان أبو بكر هذا فقيهاً فطناً، وشاعراً لسناً، ممن جمع براعة الفقهاء، وبراعة الشعراء والنبهاء، وتصرف تصرف المطبوعين، وتكلم بألسنة المجيدين؛ أشعار كصفحات البدور، ودواوين كأثباج البحور؛ وتقلب أبو بكر بين السهول والحزون، تقلب الميل بين أطباق الجفون، وقلت دولة من دول ملوك الطوائف بالأندلس إلا وقد ابتغى إليها الوسيلة، وأعمل في الهجوم عليها حالاً وحيلة، فتنزوي عن مكانه انزواء الخائف من الرصد، وتغص بإحسانه غصص العين بالمرد، ثم كر إلى أمراء المرابطين بالمغرب فانخرط في أسلاكهم، وعرض بنفسه على أملاكهم، ووقع آخراً منهم إلى محمد بن يحيى بن عمر، فاقتعد صهوة منبره، وولي قضاء معسكره، وأخذ ينجد ويغور، وطفق يدبر ويدير، وإنما أراد أن يسلك في حمل دول المرابطين، مسلك عبد الله بن ياسين، ولم يدر أنها أقدار محتومة، وحظوظ مقسومة، فلم يحصل إلا على بعد السفر، وانقطاع العين والأثر، وتوفي رحمه الله بدكول من بلاد الصحراء، حيث لا يروق وجه النهار، ولا يحمد صوب القطار. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 364 وقد أخرجت مما وجدت من شعره ونثره. ما يستخف رواسي الجبال، ويستوفي ضروب [السحر] الحلال. فصل له من رقعة كتبها عن بعض الأمراء جواباً عن كتاب ورد من بعض العمال الجهال يهول فيه: وقفنا على كتابك الذي طال فقصر، وكبر جرمه فصغر، صدرته بنون التعظيم، وسطرته بمجدك الحديث والقديم، وخاطبتنا فيه بالألفاظ الحجابية، التي تخاطب بها غوغاء الرعية، ارجع - أصلحك الله - عن هذا الأدب، وتأدب في خطابك لذوي الرتب، فقد أطعنا فيك [126] سلطان الحكم، لانتسابك إلى اسم العلم. واجتاز على مدينة مرسية في مدة رياسة الكاتب الماهر، أبي عبد الرحمن ابن طاهر، فأنزله هنالك بدار اتفق أن يدخل فيها قبل أن تفرش له، وابن طاهر قصد ذلك، ليرى ما يأتي من بديهته هنالك. فكتب إلى ابن طاهر رقعةً قال فيها: بيد أنني نزلت هذا المنزل الجديد بالرحل القديم، نزول السفر، بالبلد القفر، فهو معمور، إلا أنه بور. وما هو إلا أنه محيل قليل السكون والغموض، كثير البراغيث والبعوض، لفقد الستور، ويرضي البراغيث فقد السرير: الطول والعرض، والسماء والأرض، فقد كثر رهطه، وقلت نمارقه وبسطه؛ قراءتي في أكنافه: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى} (طه: 55) . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 365 وبلغه عن بعض الشعراء بمرسية أنه هجاه، فبعث إليه رجلاً كان يتصرف له يعرف بابن المقدم فصفعه، فاستعدى عليه ابن طاهر، فكتب إليه المرادي بأبيات منها قوله: تعرضني كلب بهجو مخذل ... كقيء السكارى أو هراء المبرسم فأنفذت من وقتي إليه سحائباً ... من الصفع يحدو وفدها ابن المقدم فحامت عليه كالجراد تساقطت ... من الجو في أنوار روض معمم وغنى دوي النعل في صحن رأسه ... " ألا عم صباحاً أيها الربع واسلم " وكان بالمرية مؤدب يسمى وليد بن عبد الوارث وينبز بالبقري كان يقول بقدم الحروف، فألف المرادي في ذلك رسالة راداً علي وقصيدة قال فيها: لا در در سخافة ... شنعاء جاء بها الوليد كفر تكاد له الجبا ... ل على ثقالتها تميد قل للرئيس الأحوص ... ني ورأيه أبداً سديد حمق المؤدب فادعى ... من بينهم ما لا يجيد مكنتموه من الكلا ... م وجهله أبداً يزيد وتركتموه مسرحاً ... أين السلاسل والقيود - أغلا الحديد بأرضكم ... أم ليس يمكنه الحديد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 366 وكانت بينه وبين الشيخ أبي محمد عبد العزيز التونسي مناقضة في مسائل من العلم، فسافر المرادي عن أغمات، وكتب عند رحلته إليه بهذه الأبيات: قل لعبد العزيز يكثر من بعد ... ي ما شاء منه قيلاً وقالا وتشجع ما غبت عنك فإنا ... قد ضربنا لك الأمثالا " وإذا ما حلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا " وساير المرادي يحيى بن بانو بسجلماسة. فاتفق أن سقط كاتب له كان يكنى بأبي الأصبغ عن دابته، وقام بأثر جرحٍ في وجههن ثم اتفق أن سقط إثر ذلك أيضاً المرادي وقام دون أثرٍ عليه، فقال أبو الأصبغ: وهذا الفقيه أيضاً سقط؛ فقال المرادي من جملة أبيات: فشتان بين وقوعي أنا ... وبين وقوع أبي الأصبغ فذاك سقوط يشج الوجوه ... وهذا سقوط كما ينبغي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 367 الأديب أبو الحسن البغدادي المعروف بالفكيك من جملة هذه الطائفة المذكورة، على الجزيرة، ومع بديهة كانت له قوية، توفي على الروية، استهدم عدة قصائد، لغير واحد، من أهل الشام والعراق، وغيرها من تلك الآفاق، وكان مع ذلك حلو الحوار، مليح التندير، يلهي ويضحك من حضر، ولا يضحك هو إذا ندر، وقيه يقول النحلي: لو بيع يوماً فكيك ... وبين فكيه دره ضربت من يشتريه ... بخريةٍ ألف مره وكان الفكيك قصيراً دميماً، ورأيته يوماً قد لبس طاقاً أحمر على بياض، وفي رأسه طرطوراً أخضر، وقد عمم عليه عمةً لازورديتن وهو ينشد بين يدي المعتمد شعراً قال فيه: وأنت سليمان في ملكه ... وبين يديك أنا الهدهد فأضحك من حضر. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 368 وسمعته أيضاً ينشد في جملة قصيدة في المعتمد: أبا القاسم الملك المعظم قدره ... سواك من الأملاك ليس يعظم لقد أصبحت حمص بعدلك جنةً ... وقد أبعدت عن ساكنيها جهنم ولي بحماك الربع عام وأشهر ... أزخرف أعلام الثناء وأرقم وأنفقت ما أعطيتني ثقةً بما ... أؤمل فالدينار عندي ردهم وقلبي إلى بغداد يصبو وإنني ... لنشر صباها دائماً أتنسم وكنت يوماً بدار أبي بكر الخولاني المنجم بإشبيلية مع لمة من الأدباء، فأفضى بنا الحديث إلى ما للشعراء من ملح التضمين [127] في المديح والهجاء، فأنشد بعضهم ما حضره من تضمينات الحمدوي في الطليسان وشاة السعيد. وأنشد آخر قول القائل في الحسن بت وهب، وتضمن بيت مهلهل: وسائلتي عن الحسن بن وهب ... وعما فيه من كرمٍ وخير فقلت هو المهذب غير أني ... أراه كثير إرخاء الستور وأكثر ما يغنيه فتاه ... حسين حين يخلو بالسرور " فلولا الريح أسمع من بحجرٍ ... صليل البيض تقرع بالذكور " الجزء: 7 ¦ الصفحة: 369 وأنشد بعضهم قول الآخر، وضمن بيت النابغة فقال: يا سائلي عن خالدٍ عهدي به ... رطب العجان وكفه كالجلمد " كالأقحوان غداة غب سمائه ... جفت أعياله وأسفله ند " فدخل الفكيك ونحن من هذا الحديث المستطرف على طرفي، فقال: أحسن من جميع ما أنشدتم أبيات زعم أنه قالها في البديع يهجوه وهي: رأيت البديع على أربعٍ ... وقد عاينته عيون البشر يقول وقد شرعت خلفه ... كماة الفحول رماح الكمر فلا وأبيك ابنة العامري ... لا بدعي القوم أني أفر " فكان الجماعة لم تحبه لكثرة حمقه، وفجاجة خلقه، ثم حركت الفكيك أريحية العجب لسكوت أهل المجلس عنه هنالك، فكأنه غاظني ذلك، وقلت: لم تأت أنت بشيء، ومن حضر لم يصمت عنك، وإنما أردت أن تحذو حذو كاتب بكر حيث يقول وضمن بعض أبيات لامرئ القيس، فقصرت عنه وهو قوله: حديث أبي الفضل شيء نكر ... إذا ما تذكرته أقشعر مررت به وعليه الغلام ... ومن خلفه ذنب مستطر الجزء: 7 ¦ الصفحة: 370 " فلا وأبيك ابنة العامري " ... ما هاب مني ولم يزدجر فقال وقد قام عنه الغلام ... وماذا عليك بأن تنتظر فقال أرى رجلاً واقفاً ... فقال هلبت ألا تنتصر " فلو أن قيساً وأشياعها ... وكندة حولي جميعاً صبر " لما رمت أو تنقضي حاجتي ... " ولا يدعي القوم أني أفر فوليت عنه على خجلةٍ ... فثوباً نسيت وثوباً أجر " وراكبه فوقه مثلما ... " أكب على ساعديه النمر " فلما انتهت إلى آخر هذا الوصف، سكت ولم ينطق بحرف. ومن شعر الفكيك - على زعمه - قوله من قصيدة أوله: معاهدهم حلت رباك عهود ... وحلت عقود المزن فيك رعود وأبكت عيون السحب فيك روائح ... تضاحك أغوار بها ونجود وحاكت لك الأنواء كل ملاءةٍ ... عليك بها من رقمهن برود بها نثرت كف الصبا لؤلؤ الندى ... فمنها بأجياد الغصون عقود وحيا نسيم الود آرام رملةٍ ... وحياً حواه عالج وزرود فكم من عميدٍ فيه قلب قلبه ... على جمر نار الشوق وهو عميد ومنها: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 371 وقفنا بركب الوجد نبكي معالماً ... وكل بخيل بالدموع يجود وقيد إنسان العيون جمالها ... وكل جمال للعيون قيود بكى بعدهم حولاً وأوسع عذره ... بما [سنه] في العالمين لبيد وذرى على ربع العقيق دموعه ... عقيقاً ففيها توأم وفريد شهدت وما تغني شهادة عاشق ... بأن قتيل الغانيات شهيد ومنها: إذا قابلوه قبلوا ترب أرضه ... وهم لعلاه ركع وسجود وقد حازهم نقص وأصبح قدره ... على رغمهم في المأثرات يزيد سهرت وأحداق النجوم رقود ... وقمت إليها والملوك قعود وقد هز منك الله للملك صارماً ... تقام بحدي شفرتيه حدود وربعك مخضر به ينبت الغنى ... ويورق في دوح المكارم عود وله من أخرى: لأية حالٍ حال عن سنة العدل ... ولم أصغ يوماص في هواه إلى العذل ولا خطرت ذكرى سلوٍ بخاطري ... ولا طمعت نفسي لما عنه لي يسلي الجزء: 7 ¦ الصفحة: 372 إذا كان لا يرضيك إلا منيتي ... فيا قاتلي من قتلتي أنت في حل وليل كأن الأنجم الزهر نرجس ... به في رياض فتحتها يد الطل على زهرات كحل القطر مرهها ... سقتها ثدي المزن علا على نهل كأن عليل الطل فوق عيونها ... دموع التصابي حرن في الأعين النجل وكم عطر الروض النسيم كأنه ... نسيم نشيد الملك في الحزن والسهل يجرد من غمد الندى صارم الحيا ... فتضرب يمناه به عنق البخل وكم ميسم من وجود يمناه عاجل ... لراجي نوال منه في جهة المطل تملكت رقي بالعوارف منعماً ... وأغنيتني بالجود عن كل ذي فضل وأنسيتني أرض العراق ودجلةٍ ... وربعي حتى ما أحن إلى أهلي [128] وكان يرهق في دينه، فأفضت به الحال، في إشبيلية إلى الاعتقال، فمن شعره في المعتمد وهو مسجون: أيا ابن عباد الملك الذي يده ... من فيضها الرزق بين الخلق مقسوم أضحى مديحك في درع العلا عطراً ... به تنفس منثور ومنظوم وكنت أحسد إما كنت أنشده ... فاليوم ها أنا بين الناس مرحوم فمن رأى شاعراً في السجن مطرحاً ... في ظلمة وهو بالبهتان مظلوم ناديت حلمك والأقدار حائمة ... كصاحب الحوت نادى وهو مكظوم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 373 فاحلل بيمنك ربق الأسر عن عنقي ... فأنت بالفضل والإفضال موسوم ومن أخرى في ذلك: يا محيياً بنداه ميت آمالي ... ومصلحاً في فساد الدهر أحوالي إني لأعجب من سجن به أمنت ... نفسي من الخوف في عريس رئبال ولم أر فيه مثل السيف أغمده ... من انتضاه لأشعاري وأقوالي أمسي وحولي رجال في الكبول [وهم] ... مقرنون بأصفاد وأغلال كم قائل لي واثوابي مدنسة ... وقد غدوت مذالاً مثل أذيال أصرت ترفل في الأسمال قلت لهم ... أسمالي اليوم بين الناس أسمى لي الأديب أبو زكريا يحيى بن الزيتوني من مدينة فاس أحد من وفد أيضاً على هذا البلد أيام ملوك الأندلس، وله شعر بديع، وتصرف مطبوع. وكان حاضر الجواب، ذكي الشهاب، قال له ابن زيدون أبو الوليد يوماً، وهو بين يدي المعتضد وكأنه استجهله، أو أراد أن يفحمه ويخجله: أفاسي أنت يا أبا زكريا - يوهم أنه يسأله عن بلده الجزء: 7 ¦ الصفحة: 374 وخبأ له فيها شيئاً فهمه يحيى بصفاء خلده، وأجابه سريعاً بفضل توقده، فقال: منسوب - أعزك الله - فأعجب به عباد؛ ولج ابن زيدون فقال: نعم الفتى أبو زكرياء، وفهم ابن الزيتوني تصحيفه، فصدمه بمثله، ورماه بشكله، فقال له - وقبل يده -: عبدك أعزك الله، فخجل أبو الوليد وتشور، واستخف الطرب جميع من حضر. ومن شعره في المعتضد يستنجزه: سفينة الوعد في بحر الوفا وقفت ... فامنن بريح من الإنجاز تجريها وله من قصيدة أولها: فقت الهلال بذا الجمال فواسه ... وجرحت باللحظ الغزال فآسه يقول فيها: لم أفن دمعاً في سواه ولا جرى ... قلم بغير ثناه في قرطاسه فلقيت من كلفي به ما لم يكن ... لاقى سحيم من بني حسحاسه ما البحتري وإن أرق نسيبه ... وأجاد وصف الروض في بطياسه وأتى بتشبيهات حسن نسيمه ... ونوادر بصفات عين طماسه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 375 بأرق من شعري وأحسن موقعاً ... منه اليناقي في حلى أنفاسه طماس كان ابن أخي إبراهيم بن العباس، وكان البحتري يتولع بوصف عوره. [فصل في ذكر] الأديب أبي بكر بن العطار، اليابسي الدار ويابسة من الجزائر الشرقية، وهي من الأندلس في سمت دانية، وهو من جملة من لقيته وأنشدني شعره، ولم أحفظ منه عند تحريري هذه النسخة إلا أبياتاً من قصيدة في المعتمد أولها: بحد عزمك نصلت القنا السلها ... قدماً وأججت في ماء الظبا لهبا يقول فيها في صفة البحر وجواز المعتمد له في وجهته إلى أمير المسلمين وأنشدها يوم أنشده عبد الجليل قصيدته البرمكية المتقدمة الذكر: كيف اضطربت به قدست من جبل ... لو دكت الأرض من حوليه ما اضطربا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 376 وضاق لو استنهضت طرفك أن ... يجتاب طافحه في وثبة وثبا وكان كالسيف ألقت فوق صفحته ... مدارج [الريح] من تكسيره شطبا وكان من بعض ما أهدت مكارمه ... سوابق لو تباري بارقاً لكبا من كل أشوس سامي الطرف منجرد ... قيد الأوابد سباق لما انتدبا إلى نجائب خوص في حقائبها ... ما شئت من شرف يستنفد الحقبا يهوي بمتخذ الماذي من درق ... إذا استخف الكماة البيض واليلبا إذا استطال رماح الخظ فونسه ... سما فأدرك من أطرافها العذبا فدس [فديت] بخيل الله أندية ... للشرك تصطام الأوثان والصلبا واجل الظلام بوقاد الفرند كأن ... في صفحته [جمعت] الماء واللهها [129] يروق مضطرباً ماء الصقال به ... كأنه جدول هبت عليه صبا ولا ترد حديد الهند ذا وضح ... حتى يرى بنجيع الكفر مختصبا تفتر من الليالي الغر عن لعس ... تخال إفرنده من فوقه شنبا ولا تحل يداً من كعب ذابلة ... إلا لتملأها نهداً وقد كعبا ومنها: فالأرض تقلق من جيش قفلت به ... والجو يعثر فيه من قناً وظبا جيش إذا ما [قتام] النقع جلله ... كانت سيوفك ناراً والعدا حطبا الجزء: 7 ¦ الصفحة: 377 من كل ملتم والبيض سافرة ... والشمس قد كسيت من قسطل حجبا جمت مياه وجوه القوم فاتخذوا ... من الحياء على أبشارها نقبا وليس ينفك من سحب تظلله ... إن لم تكن رهجاً كانت دخان كبا ومنها في صفة الزورق: يبدو على الموج أحياناً وتضمره ... كالأيم يعتسف الأهضام والكثبا أمطاك عزمك منه متن سابحة ... خلت الحباب على لباتها لهبا وله من أخرى: أقسمت بالزرق والهندية الذلق ... والأعوجية والمهرية اللحق لأنت بدر سماء الملك تحرسه ... شهب الأسنة عن إصغاء مسترق وأنت يا فتح عن فتح خصصت به ... وعم كلا عموم العارض الغدق جاء البشير به تذكو ذلاذله ... كأنما المسك مذرور على الطرق فراق أعيننا [ما] في صحيفته ... كأنه شعر في عارض يقق والجيش قد جعلت أبطاله مرحاً ... تختال عن خيلاء السبق العتق هزت نواصيها لما قفلت بها ... قب البطون لما فيها من اللحق الجزء: 7 ¦ الصفحة: 378 هي البحور ولكن في كواثبها ... عند الكريهة منجاة من الغرق إذا تسعرت الهيجاء أخمدها ... ما في معاطفها من ندوة العرق وله من أخرى: يا حبذا شهب الذوابل ما اعتلى ... من نور وجهك فوقها لألاء والبيض سافرة الوجوه كأنما ... لخدودهن من اللقاء حياء تشدو بهام المشركين فيعتري ... أذن الهدى لغنائها إصغاء والجيش مضطرب البنود كأنه ... تحت العواصف لجة خضراء ثابرت في طلب العدو مغاوراً ... حتى اشتكى التأويب والإسراء فصدرت والإسلام فوق جبينه ... وضح تضاءل عن سناه ذكاء والكفر منحطم الفقار بعنقه ... خضع وفي أجفانه إغضاء فتسنموا قلل الجبال وعنده ... أن البسائط والجبال سواء هيهات يعجزه العدو لو أنه ... فوق اليفاع فريدة عصماء وإذا أقام على الرضى في بلدةٍ ... رب البنات بها وماج الماء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 379 فصل في ذكر [ابن القابلة السبتي] وأنشدت لعبد الله بن القابلة السبتي: الشيب في مفرقي حلا ... وعقد عهد الملاح حلا وكان كالآبنوس رأسي ... فاحتله عاجه فحلى وحرمت وصلي الغواني ... وقلن قتل العميد حلا وكان ابن القابلة هذا يوماً مع ابن عبادة بالمرية، فنظر إلى غلام وسيم شدي البياض يسبح بالبحر، وقد تعلق بأحد المراكب، وبقي نصف جسده بالماء، فقال له ابن عبادة: انظر إلى البدر الذي لا لك ... فقال ابن القابلة: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 380 في وسط اللجة يجلو الحلك ... قد جعل الماء مكان السما ... واتخذ الفلك مكان الفَلَك وأنشدت له: ووجه محب رق حسناً أديمه ... يرى الصب فيه وجهه حين ينظر تعرض [لي] عند اللقاء به رشاً ... تكاد الحميا من محياه تعصر ولم يتعرض كي أراه وإنما ... أراد يريني أن وجهي أصفر وأنشدت له يصف القتلى: تركتهم نهب الفلاة ووحشها ... شعورهم شعث وأوجههم غبر تظل سباع الطير عاكفة بهم ... على جثث قد سل أنفسها الذعر وقد عوضتهم من قبور حواصلاً ... فيا من رأى ميتاً يطير به قبر وهذا كقول التهامي: الجزء: 7 ¦ الصفحة: 381 حمتهم قبور من ذياب وأنسر ... تروح باشلاء الدفين وتغتدي فمن حامل فوق البسيطة ملحداً ... وآخر يهوي في السماء بملحد قال ابن بسام: إلى هذا المكان انتهى ما انتخبته من أشعار هذه الفرقة الوافدة من المشرق، على بلاد هذا الأفق، ونتلوه إن شاء الله بأخبار من وعدنا أن نأتي بذكره من أعيان أهل الآداب، وأعلام الشعراء والكتاب، ممن كان [130] بالمشرق ومعاصراً لطبقة هذا الكتاب، وقد قدمت السبب في اجتلاب أخبارهم، وانتخاب أشعارهم ..... الجزء: 7 ¦ الصفحة: 382 ملحق القسم الثاني (قراءات النسختين ك ل) 11: - 8 هي كانت قاعدة (ك) 11: - 15 - 16 لأولي العقول وذوي العلوم (ك) 13: - 3 ولا مشيراً إليه (ك ل) 18: - 18 إلا وبه شيء راتب (ك) 20: - 6 فهتكت أستارها وخربت ديارها (ك) 20: - 9 - 10 هذه الغزاة ... وتجاوز البلاء برعيته (ك) 21: - 8 واستخرجوا بذلك ما ادخروه (ك) 21: - 13 فلا يقاتل الأعداء (ك) 32: - 8 فمن ذلك قوله وذكر فتح رندة (ك) 39: - 5 بأي شيء صنع (ك) 40: - 1 لم تجره الوفادة (ك) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 383 42 - 1 لا يجد إلا رائثا (ك) 48: - زاد في (ك) بعد السطر: فالنفس جازعة والعين داعية ... والصوت منخفض والطرف منكسر وبعد السطر العاشر: قوم نصيحتهم غش وحبهم ... بغض ونفعهم أن صرفوا ضرر يميز البغض في الألفاظ إن نطقوا ... ويعرف الحقد في الألحاظ إن نظروا (وانظر ديوان المعتمد: 38) 56: - 9 وحذراً من حضور الوفاة (ك) 58: - 4 قبل القبر ومرغ جبينه (ك) 59: - 12 رواهما الرواة على روي اللام (ك) 68: - 1 وعند ذلك أيضاً قال (ك) 68: - 8 ما أعجب الحادث (ك) 80: - زاد في (ك) بعد السطر: 12 يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ... في ضمّ رحلك واجمع فضلة الزاد ويا مؤمل واديهم ليسكنه ... خف القطين وجف الزرع بالواد وأنت يا فارس الخيل التي جعلت ... تختال في عدد منهم وأعداد الجزء: 7 ¦ الصفحة: 384 لما دنا الوقت لم تخلف له عدة ... وكل شيء لميقات وميعاد 81: 3 والنوح يتبعها (ك) 81: - 15 عبد الله بن أبي سعيد (ك) 86: - 8 وصحت منابته في الكرم (ك) 92: - 8 ومن كلام المحدثين مما أجروه فجرى (ك) 96: - 5 من تأويل الدواواين (ل) 107: - 9 تقول في كل معنى (ك ل) 109: - 3 غربت ألبابنا (ك ل) 111: - 3 وقال أبو عامر (سقطت لفظة الوزير في ك ل) 113: - 3 وذوي الرياسة والفهم (ك) 125: - 8 وقد أخرجت من نظمه ونثره ما يشهد بنبله وفهمه (ل) 127: - 5 - 6 وقد اقتضبت من الرسالتين بعض الفصول (ك) 128: - 2 فإن لكل واحد منها (ل) 130: - 12 وقوام أمرها به (ل) 130: - 15 ولما أن قرأته (ك ل) 138: - 18 فليس يرغب في الحرام (ل) 142: - 3 بالله من شيطانك استعذ (ل) 150: - 10 كما تجاوب أطيار بأشجار (ك ل) 151: - 3 عاطني أكؤس المدام (ل) 151: - 6 وأختار ذيبا (ل) 151: 12 سهل للناس هذا السبيل (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 385 152 - 11 وما يتشبث بهذه الأسباب (ك ل) 155: - 9 يخرج بي عن المقصود (ك) 165: - 11 خدّ جرى للنعيم فيه (ك) 171: - 11 إلى البدر صاحبي (ك) 177: - 9 فتعطيني العطاء المضاعفا (ك) 178: - 15 يخر وجلباب الدجى يتمزق (ل) 183: - 17 كل مرأى ومسمع (ك) 193: - 17 بمرأى عينك نفس أريب (ك ل) 194: - 4 أو كانت للمجد روضة (ل) 200: - 9 وإماماً في سائر التعاليم محفوداً (ك ل؛ قلت: والمحفود: المعظم الذي يخدمه إخوانه) 201: - 5 ويصف الشعر (ل؛ قلت: أقرا: الشقر وهو شقائق النعمان أيضاً) 207: - 15 وقد يحرم الرامي المصيب فريصة (ك ل) 209: - 14 أبي الأصبغ بن سيد (ك ل) 214: - 5 صنعة ثوبها (ك) 220: - 13 والكريم إلى سكنه (ل) 227: - 9 وهي أن أكبر بناته (ل) 227: - 10 تسد به بعض خلتها (ك ل) 229: - 15 ما وجدت من شعر (ل) 234: - 12 - 13 وتخلى للمعتضد عن أونبة (ل) 234: 18 جلالاً وخلالاً (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 386 242 - 7 وقد علم ما كنا عليه قبل (ل) 243: - 4 قد تحصنوا بالحلق (ل) 253: - 15 ويستبيح الذمار (ك ل) 259: - 3 تحتفل وتحتشد (ك ل) 275: - 5 - 6 الغوي المجيء والمذهب (ك ل) 277: - 3 وتقاصر من غلوه (ك ل) 283: - 9 ورد كتابك منبثاً (ل) 286: - 5 من يرتسم بهذا الشأن (ل) 287: - 14 ولا طفت ولا سعيت (ك) 287: - 16يا رسول الله حرمة عياذي بك (ل) 291: - 4 أسباب الحياة والحبا (ك ل) 292: - 5 عليك ظليل (ل) 298: - 5 ولا نجم (ل) 298: - 8 ووصل من مقطوع أنسابها (ل) 298: - 10 - 11 يوم تقطع الأنساب والأسباب (ل) 305: - 2 ولا انسحبت عليه للزمن (ل) 305: - 12 ومطالع علمك (ل) 310: - 11 ما خصصته به (ل) 310: - 13 الدمث الخليقة (ل) 311: - 13 وكريم الاعتداد (ل) 315: - 17 - 18 الحسيب الأريب أخيك (ل) 316: 1 وللآمال في تراخي مدته (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 387 316 - 10 والله يعوضك منه العزاء (ك) 328: - 15 لا شيء أعرف من عقل (ل) 329: - 8 وقد خطبت وخطبت (ل) 330: - 9 ومددت إلى اجتلاء السرور عيني (ل) 337: - 14 - 15 وأرب قصي عن فأبرمه (ل) 339: - 7 وحوم به جناح (ل) 340: - 12 - 13 لا يسمن ولا يغني (ل) 342: - 11 لن تجدوا في غيري مرشفا (ل) 344: - 11 ونجباء الأولاد (ل) 352: - 1 قاس من الأيك أو رطيب (ل) 352: - 12 - 13 ولا أخفض من الجهارة (ك ل) 353: - 6 وتستدر جلموداً (ل) 356: - 9 ولا شره المكتسب (ل) 359: - 1 وفي فصل منها (ك) 361: - 8 أنا من فرط بري (ك ل) 366: - 14 ولو شكت له نبو المنزل (ل) 367: - 4 ويحوز المعنى الأتم (ك) 369: - 13 رغبة بنفسه عن نحلة (ل) 382: - 2 نسخ الغدر اقتضاء وفائه (ك) 388: - 1 ما وجدته من شعره (ك) 404: - 1 عند وقع المصائب (ك) 414: 7 تدعى بشميس مصغرة (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 388 414 - زاد في (ك) بعد سطر: 11 أبياتاً في هجاء ابن عمار للمعتمد، ولا ريب في أنها دخيلة على الأصل، لأنها من فاحش الهجاء الذي يتحاشاه ابن بسام، وهو قد قال: " وبعده ما أضربت عنه " 415: - 2 بنظر إشبيلية (ل) 425: - 4 ونأى لأبصار العداة (ك) 426: - 4 قل لبرق الغمام ظهر البريد (ك) 430: - 1 على ابن عمار الخائن (ك) 432: - 6 من كان تقدم فيه إليه (ك ل) 440: - 12 ولا أمتري في أنها (ك) ... ومن أبلغ حججهم (ك ل) 441: - 4 - 5 يتعايرون به اشد منه (ل) 447: - 3 بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... البيت (ك ل) 448: - 9 ابن ذريح (ك) 449: - 2 - 3 ذفن بمقبرة الروم (ل) 450: - 13 يداعب ابن جهور (ل) 450: - 15 الشهود لما تدعي (ل) 451: - 1 فجئنا ابن جهور (ل) 454: - 3 أم حمت الخطوب الموردا (ل) 462: - 1 ولم أسمع بهذا البيت (ل) 472: - 10 فجلس المعتمد يوماً على تلك البحيرة (ل) 477: - 5 - 6 وسآخذ فيما بعد بطرف (ل) 481: 12 في حساها الغبي والألمعي (ك ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 389 487 - 3 أبو الحسين بن الجد (ك) 491: - 12 خافق وجل (ك) 494: - 7 من أهل بلدنا وعصرنا (ل) 494: - 14 يؤتى الأمن من حيث يبتغى (ل) 496: - 3 من نعت الأصاحيب (ك ل) 496: - 7 بوجوه اللوم مخضوب (ل) 499: - 6 أشكو لديك الندى (ل) 501: - 13 في سلطانها النكد (ل) 507: - 1 وقال أبو محمد الأيادي (ل) 510: - 5 بطشة تنسي الأعادي (ل) 511: - زاد في ل بعد البيت الثالث: وأعتبني الزمان فصرت أردى ... بما أحيا سقاماً واعتلالا 513: 10 ومن عجائبه قول جنوب (ل) 516: - 12 تأوي له وتثوب (ل) 517: - 2 زمان ممهى الصفحتين ضروب (ل) 519: - 7 ترقرق عنها الملك (ل) 520: - 3 - 4 في صفحة شمعة (ل) 520: - 12 بالقصر المبارك (ل) 534: - 7 ولم نظلم (ل) 537: - 13 صديقنا الفاضل أبي الحسن (ل) 539: 1 شغفت بها (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 390 539 - 3 وإلا زياد يحوك الخطب (ل؛ قلت: وهذه قراءة جيدة) 542: - 4 فتبقى سمحة القياد (ل) 542: - 13 لكن أخبرك عن حال (ل) 545: - 6 المستعين بن هود أعزه الله (ل) 549: - 7 خدك أزهر (ل) 551: - 7 فصعد وتولى (ل) 552: - 7 ويزيد على الأيام (ل) 552: - 11 عند الملك الطاهر (ل) 553: - 1 - 2 من يمر به النسيم (ل) 553: - 5 أملها فأم لها، وقدم رجاءها (ل) 555: - 14 أو يدور بنا عليك مدارا (ل) 555: - 16 وتأتي فعلا وأشرق حسناً (ل) 559: - 3 حين خططت هذه الحروف (ل) 559: - 7 وختمتها بهذه الأبيات (ل) 564: - 2 له من قصيد أوله (ل) 565: - 9 ونازعتهم حتى فللت (ل) 569: - 14 يتيح الجنى (ل) 576: - 11 كل فعل يقصر (ل) 577: - 1 بفصول الإنعام والإجلال (ك) 577: - 6 بهذه العين أبصرت (ل) 577: - 10 - 11 لما يجعل المعذر في حيز الاعتذار (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 391 580 - 1 ومن النثر أبرعه (ك) 581: - 5 - 6 المنبت الذي يليه منتحاه (ك) 583: - 8 فأحاله هذا لجيناً (ل) 585: - 6 قد عظم الله شأنه (ل) 587: - 1 إعطاء سائل (ك) 593: - 7 ابق للعليا تشيد (ل) 597: - 15 مذ حيل منك بأذني (ك؛ قلت: اقرأ: مذ حل) 601: - 2 كم قلت فيه (ل) 604: - 1 ولقد أباح لك الهوى (ل) 605: - 4 فصكت ضلوعي ... صكة (ل) 619: - 17 ما في الليل من دون (ك) 621: - 3 إما من الجبن أو من شدة الفشل (ك) 621: - 14 ويصرع أقراناً (ك) 624: - 14 بعض أهل عصري (ل) 626: - 8 للين لباس (ل) 627: - 13 يشق علينا ترك مدحك (ك) 633: - 13 برح الهوى (ل) 637: - 5 وهينم بأسمائهم السلطان هنية (ك ل) 638: - 7 أنظره وهو في السما ينظر (ل) 639: - 8 - 10 والأعيان الأدباء .... في الدولة المؤرخة ... المحيط الرومي والأندلس (ل) 640: 9 - 10 خمسين مجلداً (ك ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 392 641 - 7 في جملة ما سرد (ل) 641: - 8 بذلك الأوان (ك ل) 641: - 16 ابن شرف القروي (ل) 643: - 13 كتب بهذا القصيد (ل) 644: - 8 لأنه أنبأ أنه يسهره (ل) 644: - 10 إلا مع وفور النوم (ل) 646: - 11 فشمرت عن ساق (ك) 648: - 7 على قديم الزمان (ل) 649: - 13 لا على المتصل عنك الآن (ك ل) 650: - 7 - 8 لدهي في جبلته (ك) 650: - 10 وثغره مثغوراً (ل) 652: - 6 وفرد العصر (ل) 653: - 4 وأخذ بأعنان السماء (ك ل) 655: - 5 وهي من الجزيرة (ل) 656: - 4 رحمه الله يومئذ مشغول (ل) 656: - 10 حسبما تخلص الخبر عنها (ل) 661: - 12 والأجل يتقحمه (ك) 662: - 2 أسطولا ضخماً (ل) 663: - 11 ليلة الجمعة [ ... ] من صفر المؤرخ (ل) 663: - 12 في نفر من أصحابه (ك) 663: - 16 من رؤوس جماعته (ل) 669: 3 يبري ظبة السيف (ك) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 393 669 - 9 وهو اليوم يابرة (ل) 670: - 8 والأفواه ريا (ل) 671: - 7 رحمي النسب والأدب (ل) 672: - 5 - 6 وأبهى لفظها ومعناها (ل) 673: - 1 - 2 إن كان للكلام إمارة (ل) 673: - 14 ما يربي على الديمة (ل) 676: - 8 - 9 اقرأك وأغوص رياها على الأفراح 676: - 10لقد حيا نفوسنا بها (ل) 676: - 14 وأبقى من أرواحها (بعد " أروحاها " لفظة في ل لم استطع قراءتها) 676: - 15 في وجوه مائها (بعدها لفظة غير واضحة في ل) 677: - 5 فأعدي، وأشتكى من الفقر فأشكي، والممحل: أنس من السقيا ببعثة الحيا فقال: يا رباه فرحاً بسقياه (ل) 677: - 9 ما حسانت البقيع المزهر بحرة (ل) 677: - 11 مشكورة أياديه (ل) 678: - 2 المصلي بالسابق، وتطلق الضحى الشارق (ل) 378: - 17 وتجهز كتائبك إلى عديد قليل، وبديد فليل (ل) 679: - 4 وما حسبتها إلا تميمة (ل؛ وكذلك س: 16) 679: - 7 ونظمي في ضنك معانيها (ل) 680: - 4 فصل من ترسيل (ل) 681: 2 إذ الصبابة أزكى عتاد (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 394 681 - 7 عن كل طبع (ل) 682: - 12 من اجتبائه بأبر قسم (ل) 682: - 17 تفرد بالخلافة (ل) 682: - 19 تلك الشمائل الواعدة الصادقة (ل) 685: - 8 [ورحمت] في الأدنا (اقرأ: الأدباء) (ل) 686: - 5 برز العوالي (ل؛ قلت: والرز: الصوت) 687: - 3 وأن يسلم فقد تركت به (ل) 688: - 1 حباً عليها جآجيا (ك ل؛ جمع جؤجؤ) 690: - 6 على استنجاز طبعي (ل) 695: - 13 راعوا قديم ولائي ... وما أطرت (ل) 696: - 12 مثل التاء في الترخيم (ك) 705: - 10 فلم تبق فيها (ل) 710: - 12 بما خلف الدروع (ك) 712: - 3 بقرية لب على وادي آنه (ل) 713: - 14 إلا أن قول أبي محمد أولى بالتقدم منه قول بشر (ل) 721: - 3 والبيض والسمر مثل .... (ك) 723: - 3 وانتدبت لجعفر وابنه (ل) 723: - 9 سحقاً ليومكم سحقاً (ل) 723: - 13 ويح السماح وويح الناس (ل) 724: - 5 وردها يدعو إلى صدر (ل) 724: - 6 سلام منتصب للأجر (ل) 724: 7 شتى وذو عبر (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 395 724 - 8 التطيلي فيقصيدة يرثي بها السيناقي وقتل غيلة فقال (ل) 725: - 2 فأعقب عنها آخر الدهر (ل) 729: - 13 وانثالت في يدك (ل) 729: - 14 وإن لم يكن فشبع وري (ل) 730: - 8 الذي شرف قدره على الأقدار (ل) 731: - 3 إن عنى سواي وعرها (ل) 731: - 19 ولترى أين أقع وتأمر بما أصنع (ل) 731: - 20 يبسط نفسى (ل) 735: - 8 يا قلب ذب كمداً (المورد) 736: - 8 تأملتني أم المجد (ل والمورد) 736: - 16 سيعديها فيعطفها (المورد) 736: - 21 خير من الهجر في جهد (المورد) 737: - 7إن كنت لست بذي نقص (اقرأ: بغض كما في المورد) (ل) 737: - 8 إلا فت في عضدي (المورد) 737: - 13 من خبل ومن كمد (ل) 737: - 15نفثت بالسحر في عقد (ل) 738: - 14 منه الأسى في السهل والجلد (ل والمورد) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 396 738 - 19 ووجه الدهر أسحم مظلم (المورد) 739: - 2 كأنهن العندم (المورد) 739: - 5 تتبينوا ألا أطيق فترحموا (ل والمورد) 739: - 7 وتظلمون بجهدكم (ل والمورد) 743: - 5 اقرأ: فآبت بدمعي ... وأبت بما في مقلتيها 743: - 9 بدت رقة الشكوى على عصفاته (ل) 747: - 7 بالبرس يثبت بين القوس (ل) 749: - 8 ليس شعري بمنقص (ل) 750: - 3 مكذوبي النهى والتجارب (ل) 750: - 19 وعدي له الأيام إلا نواهب (ل) 754: - 6 خاطب بها الوزير الفقيه أبا الحسين (-) (ل) 755: - 14 بعض الريش إلى جناحي (ك) 755: - 17 وأقرئك من أثناء تلك الدولة (ل) 756: - 7 ولا أفر إلا لنعمائك (ل) 756: - 10 والله تعالى يبقيك لي ويمليك (ل) 756: - 12 ومؤديه ناصح مملوكك (ل) 757: - 11 من علامات الكرام أنه شبيه (ل) 759: - 3 قال الله تعالى فيه (ل) 759: - 5 وجدته أمراً من الزيادة (ل) 759: - 11 من النسر الأشغى (ل) 760: - 7 له بين وردك وياسمينك (ل) 760: 7 - 8 وتنسى على منابر أدواحك (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 397 762 - 5 أولى الأمة بذلك نوح (ل) 765: - 7 وهو الوسع المحمود (ل) 765: - 10 بأبيات قال فيها (ل) 771: - 9 موشومة، إذا ما تأملتها كالسفن (ل) 773: - 1 ولم سترك من بعضها (ل) 773: - 10 ثم انبسط أبو بكر (ل) 776: - 9 وتعاور أطوارها وتناوبها (ل) 777: - 5 إلى هذا النسب الكريم (ل) 778: - 9 فابدءوه بالتحية (ل) 778: - 10 والغريب مثل المنكوب (ل) 778: - 15 وعلى الطائر أن يغشى أخاه ويراجع (ل) 779: - 1 على أني إنما أتكبر (ل) 779: - 2 - 3 ويشرع في وداد (ك ل) ويكشف ... عن أصل هذا التهاجر (ل) 779: - 6 فذكر بصفاتك (ل) 779: - رواية (ل) في ترتيب الأبيات هي الصحيحة وهي كما يلي: أبا أيوب والأيام لا تبقى على حال [وإن المرء منها بين إدبار وإقبال] لئن رحت رخي البال ذا جاه وذا مال ومركوب وغاشية وأكمام وأذيال جميع الشمل ملقى الرحل بين الأهل والآل الجزء: 7 ¦ الصفحة: 398 وأصبحت مقلاً رهن إقلال وإذلال فإنك حد ... (الأبيات) 783: - 8 كسبيل ما وردني الآن به كتابك (ل) 783: - 14 خان بعض الثقات (ل) 790: - 12 منع الجواز إليها (ل) 792: - 15 رفعت راياته (ل) 794: - 9 فلم يتزن (ل) 795: - بعد السطر السادس ورد في (ل) : وقال آخر: والثريا في الجو كالعنقود 796: - 7 رهينة بانصداع الشمل (ل) 797: - 2 ممن نظم الدر المفصل وطبق المفصل (ل) 800: - 9 على الله الثناء (ل) 800: - 15 وللبروق مجامر (ل) 805: - 2 لم يبق للظلم في أيامكم (ل) 805: - 4 تأمن وتكف (ل) 807: - 5 وأنهم في قولهم كاذبون (ل) 807: - 8 قل لي أبا مروان (ل) 807: - 12 إليه واستبسل عساه يلين (ل) 809: - 4 دراهم ملوك أفقنا (ك ل) 810: - 8 ما ورد (ك: بماء ورد) كان بين يديه (ل) 815: - 8 من وثاقه وأذن الله بانطلاقه وله في ذلك قصيدة (ل) 816: 12 يقول فيها (ل) الجزء: 7 ¦ الصفحة: 399 824 - بعد البيت الرابع (س: 4) في ل ورد البيت: أدامت حمامات على فقد إلفها ... وينكر أقوام علي دوامي 827: 8 ليت الزمان من العثار يقال (ل) 830: - 9 على جيد ما جد (ل) 832: - 8 ومما راعني لم أصدق (ل) 834: - 4 مما انتحاه (ل) 835: - 2 أوحش حلولاً من الليل (ل) 836: - 8 وفي مثل ذلك يقول (ل) 837: - 2 أعندك أن البدر بات (ل) 839: - 13 لم أدر (ك) ما جد الهوى (ل) 842: - 12 ووسطى في نظام المكرمات (ك) 843: - 12 حتى حسبنا أديم الماء (ل) 846: - 6 في غير ما موضع (ل) 847: - 10 يسير بالعدل والأحكام (ل) 849: - 2 وله من أخرى (ل) 849: - 3 من سروهم شبه الأحجال 850: - في (ل) بعد السطر السابع: أنا يا ابن حمدين وتلك مقالة ... برئت شهادتها من التجريح الجزء: 7 ¦ الصفحة: 400 ترجمة صاعد في جذوة المقتبس: 233 (بغية الملتمس رقم: 8532) والصلة: 232 وأنباء الرواة 2:85 ومعجم الأدباء 11: والمعجب 75 والوفيات 2: 488 وشذرات الذهب 3: 206 ونفح الطيب 3: 77 (وصفحات أخرى متفرقة) وروضات الجنات: 33 وبغية الوعاة: 267 وللمسشترق بلاشير بحث عنه في مجلة Hesperis العدد العاشر 1930 ص:28. نقل المقرئ بعض من هذا في النفح 3: 95. كتابه الفصوص فيما ذكره أبن حيان يحتوي على أداب وأشعار وأخبار (وباقرومين نسخة جيدة منه) ، وقد قرأه ابن حيان على مؤلفه في داره سنة 399 (بدأ صاعد بتأليفه سنة 385 في ربيع الأول وأكمله في شهر رمضان من العام نفسه) وعن ابن حيان اتصلت رواياته بابن خير (فهرسة ابن خير:316) . كان مجاهد صاحب دانية والجزائر وخير أن صاحب الرية (بعيد الفتنة حتى سنة 419) وقد كانت تدور بين هذين الفتيين العامرين حروب أعرض عن ذكرها صاحب البيان المغرب (3: 166) وأنظر أعمال الأعلام: 212. الخنزواني: الصلف المتكبر. كذا هو بالغين المعجمة في الأصل، والأرجح انه " الحزور " أو " الهزور " - بالعين المهملة - فهاتان الصورتان تردان في الأعلام. هذه هي لغة من يقول: " يا ليت عيناها لها وفاها ". نحيرة الرجل (بالراء المهملة) : طبيعته. المشهور مزبد المدني أبو إسحاق صاحب النوادر الحارة (انظر الفوات 4: 131 وله نوادر كثيرة في كتب الأدب كالبيان والحيوان والبصائر ومحاضرات الراغب) الهانئ: الذي يطلي الجمال بالقطران. ص: يروق. ديوان أبي تمام 1: 142. التمثيل والمحاضرة: 224. ديوان المتنبي: 547. ديوان أبي تمام 4: 532. النفح 3: 77 وفيه بعض إيجاز. أبو بكر الزبيدي اللغوي المشهور صاحب طبقات النحويين ولحن العامة والاستدراك على العين وغيرها، والعاصمي هو محمد بن عاصم النحوي القرطبي (الجذوة: 74 والصلة: 453) وأب العريف هو أبو القاسم الحسين بن الوليد (الجذوة: 128) . التسفير - عند الأندلسيين والمغاربة - تجليد الكتب. ص: النكت؛ وأثبت ما في النفح. النفح: وأبيك. أنظر أيضا أبن خلكان 2: 489 والمسلك السهل: 253. ابن خلكان: عنصره إنما يخرج من. الخبر في جذوة المقتبس: 182 - 183 ونفح الطيب 3: 79 وبدائع البدائه: 229. بدائع: مشرقي. كذا في ص، ولعلها " ووضع " كما في النفح. ص: راجف. ص: تقذف. النفح: المهاتف. بدائع: تصرف في الكفين منها. النفح: الوصائف. بدائع: طلبت. قد كر الحديث عن بني الطيني في القسم الأول من الذخيرة: 535 وأما أبن التياني فقد يكون هو تمام بن غالب أبو غالب المرسي اللغوي (الجذوة: 172 وأعاد الحميدي ذكر أبن التياني: 380) الدأماء: البحر، والقري مجرى الماء في الحوض. ديوان المتنبي: 334. الديوان: عاينت. النفح 3: 95 والبيان المغرب 3: 19 والشريشي 1: 121. النفح: أغصان. النفح 3: 97 والشريشي 1: 121. الشريشي 3: 43. الشريسي 3: 43. النفح 3: 97 والشريسي 5: 278. المصدر السابق. ص: جذال الشرى. ص: فكأنه. ص: نعمت. صغت: مالت؛ ص: صفت. أسابي الدماء: طرائقها؛ والعتيرة: أول ما ينتج، كانت تقدم قربانا لأصنامهم. التتايع: التمادي في الجاجة. ديوان المتنبي: 338. ص: أنحط. ديوان المتنبي: 114، وعجز البيت: " إذ حيث أنت من الظلام ضياء ". نفح الطيب 3: 96 وبدائع البدائة: 302. اليتيمة 4: 420. اليتيمة 1: 270. القصة في أنباء الرواة2: 86 بإيجاز. ص: فيه. أنباء الرواة: 2: 87. نفح الطيب 3: 260 وبدائع البدائة: 354. هو الوزير عبد الملك بن أحمد بن عبد الملك أبن شهيد والد الشاعر أبي عامر واحد شيوخ الوزراء في الدولة العامرية (الجذوة: 261) . ص: به؛ والضمير عائد إلى " الشمول " يريد أدع من سمي بهذا الاسم، وهو مغن أسمه " شمول " كما يتضح من البيت التالي. الفح: دع. أرملاط: (Guadimellto) ، يتردد ذكرها في عدة مواطن من البيان المغرب؛ ولم يذكر دير عمى عند ياقوت والبكري والشابشتي والروض المعطار. وذكر ياقوت دير عمان (ومعناه دير الجماعة) بنواحي حلب، والتسمية مشبهة أيضا لدير عمى، فإن كان في الاسم تحريف فلعله " دير قى " وطيزناباذ: منزلة للهو بين الكوفة والقادسية يتردد ذكرها في شعر أبي نواس مع قطربل وكلواذى. التزافن: الرقص. النفح 3: 261 وبدائع البدائة: 355 واسم الوزير الذي أنهض أبن شهيد: " أبو عبد الله بن عباس " وأنظر القسم الأول:210. ص: له. النفح والبدائع: منفرد. ص: أمرضه. النفح والبدائع: قام للسكر. النفح: بالفكيك. الحلة1: 276 والنفح 1: 400، 585 والبيان المغرب 2: 300 وتحفة العروس: 84 (عن الذخيرة) . النفح: ترجي. النفح: فاجتهد وابتدر. الحلة: خفي الليل عن بياض النهار. هكذا في الأصل والمصادر، وقد تكون قراءته " الصوار " وهو وعاء المسك، كما قدر ذلك محققو الطبعة المصرية. النفح: وصرنا على دفاع وحرب؛ ونعمنا في ظلم أنعم ليل. ديوان المجنون: 130 ويرد البيتان في قصيدة أبي الصخر الهذلي (الأمالي 1: 148) وورد الثاني وحده لأبي صخر في شعر الهذلين 2: 957. ص: أوراقها هو القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي، وأنظر عن شهرته في الشعر والغناء زهر الآداب: 1067 والأغاني 8: 246 والحكاية قيه ص: بالمعنى دون اللفظ. ص: أبو عامر؛ أبو عمر الزاهد هو محمد بن عبد الواحد اللغوي غلام ثعلب (- 345) وكان جماعة يكذبونه في اكثر رواياته، وكان الطلبة يسألونه أسئلة مصنوعة ملفقة كتلك التي أمتحن بها صاعد (نظر أنباء الرواة 3: 171 - 177 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى) القصة في الجذوة: 224 والنفح 3: 98. الجذوة والنفح: مبرمان. ص: والتربيل. ص: زراعها. زاد في الجذوة: هكذا، هكذا. نفح الطيب 3: 81. الجذوة: 225 والنفح 3: 82. الجذوة 3: 225. نفح الطيب 3: 82. الجذوة: 266 والنفح 3: 82 والبيات أيضا في أنباء الرواة 2: 88 والمعجب: 82 والريحان والريعان 1: 154ب. المعجب والجذوة: نشلت بضبعه وغرسته في نعمه. الجذوة: ربيع الأخر. نفح الطيب3: 59 والمغرب 1: 322. النفح: وقعة. متابع للعمدة 1: 189. أنظر إلى جانب العمدة: طبقات ابن سلام: 400 والنقائض: 384. ابن سلام: حتفها. هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، ضرب خالد بن جعفر بن كلاب فلم تؤثر فيه الضربة. النقائض: 383 وأبن سلام: 402. العمدة 1: 192 وانظر اخبار أبي تمام: 230 - 232. ص: المأمون. العمدة 1: 193 وديوان أبن الرومي: 567 وبدائع البدائة: 567 وبدائع البدائة: 9 والشريشي 1: 122 العمدة: 193 وبدائع البدائة: 9. لايزال متابعا للعمدة 1: الكامل 1: 199. هي المفضلية رقم: 30 وأنظر النقائض 1: والبيت الذي أورده ليس مطلعا لها. مع أن الإشارة إلى الخبر والأبيات قد وردت في العمدة 1: 194 - 195 إلا أ، المؤلف هنا يتابع زهر الآداب: 874. زهر الآداب: وما جزعي من أن أموت. زهر الآداب: سالمين. العمدة 1: 195 وديوان علي بن الجهم: 171 (وفيه تخريج المصادر) نقله المقري في النفخ 3: 245،ابن ظافر في بدائع البدائة: 304 وأنظر ديوان ابن شهيد: 127. والشريشي 4: 170. النفح والبدائع: والغرب من دونهما كليل. في البدائع وأصول النفح: فالشد في أمره فسيح. البدائع والنفح: زانة. بدائع البدائة: تعرض من دونه النصول. بدائع البدائة: 304 ونفح الطيب 3: 246 وديوان أبن شهيد: 140. ص: الطرائقيين؛ البدائع: الطوافين. اللفظة غير معجمة في ص؛ وقد وردت كما أثبته في البدائع والنفح. بدائع: 203 والنفح 3: 244 وديوان ابن شهيد: 127. ص: وصفه. ص: دراتها، وأثبت ما في البدائع والنفح. البدائع والنفح: شبهتها: ص: بتقبها.. ص والبدائع: حاز. البدائع: حسب. المشهور بهذا الاسم سعدان بن معاوية الفرطبي (- 327) وقد رحل حاجا فوافق دخوله مكة، فتيان القرامطة (سنة 318) فأصيب بضربة شقت خده وعينه (ابن الفرضي) ولا يمكن أن يكون هو المقصود هنا لأن مؤمن بن سعيد توفي سنة 267 إلا ان يكون الشعر قد نسب لمؤمن خطأ. مؤمن بن سعيد (- 267) ترجمته في الجذوة: 330 والمغرب 1: 123 واليتيمة 1: 371 وأنظر مزيدا من المصادر في دراسة كتبتها عنه (تاريخ الأدب الأندلسي - عصر سيادة قرطبة: 170 ط / 1973) . وردت القصة والبيات في الذخيرة (القسم الثاني: 389) وبدائع البدائة: 369 - 370 ونفح الطيب 3: 325 - 326. البدائع والنفح والذخيرة: اللمى. البدائع: جرد: النفح: أسد. التفايا من بسائط الأطعمة عند الأندلسيين، وهي أنواع مها التفايا البيضاء وتحضر من لحم الضأن الفتي في قطع صغار ويضاف إليها ملح وفلفل وكزبرة يابسة وقليل من ماء بصلة مدقوقة ومغرفة من الزيت العذب - ويجعل فيها بندق ولوز مقشر مقسوم، فإذا أردتها خضراء أضفت إليها ماء الكزبرة الرطبة (أنظر كتاب الطبيخ 85 - 88، 118 - 199) . أنظر نفح الطيب 3: 397، 609 (وفي الموضع الثاني ذكر أن صانع القسيم الأول هو المتوكلبن الأفطس) وبدائع البدائة: 80 والتكملة: 407. هو محمد بن علي يعيش بن داود سمع من ابوي مروان: الطبني وابن سراج سنة 454، وسمن بطليوس وقعد فيها لتعليم الأداب واللغات (التكملة: 407) قارن بما أورده ليفي بروفسنال: تاريخ اسبانيا الأسلامية 2: 244. ذكره الفقيه أبو محمد بن حزم في طوفة الحمامة وقال: إنه كان صاحب الثغر الأعلى على أيام المنصور أبن أبي عامر وكانت ابته عاتكة على غاية من الجمال، وقد تزوجها أبو بكر اخو الفقيه. لعيد الملك بن غدريس الجزيري ترجمة في الجذوة: 261 (البغية رقم: 1058) والمطمح 13 والصلة: 350، وأعتاب الكتاب: 193 والمغرب 1: 321 والنفح 2: 119 وله أشعار في اليتيمة 2: 102 وقطعة في تشبيهات ابن الكناني رقم: 156 ومقطعات البديع (أنظر الفهرست) وانظر الذخيرة 1:103. نفح الطيب 1: 530. نفح الطيب 4: 66 ووردا (في 1: 419) غير منسوبين إليه. وأنظر المغرب 1: 321. نفح الطيب 1: 531 والبديع: 99 والشريشي 1: 106. نفح الطيب 1: 531 والبديع 115 - 116. نفح الطيب 1: 531 والبديع: 78 - 79. بني الأسلوب في البديع على الخطاب: فإليك ... وأنت ... لاستيلائك ... الخ. البديع: وأعرف زاد في البديع: من أدوات خلقه وأنفس ما ركب فيه من مواد حياته. البديع: وكلاهما لا يمتع إلا ريثما يبدوا للعيون ويسلم من الذبول. تصرف ابن بسام في العبارة هنا، بحيث ابتعدت كثيرا عما في البديع. البديع: الصلت هو أبو العباس بن عبد الله بن ذكوان، أنظر دراسة لي عنه وعن أسرة بني ذكوان في كتاب دراسات في الأدب الأندلسي ص: 35 - 83. ص: استخدام. ص: فحمله. ص: لإنفاق. ص: معه. ص: قوما. أبو الحسن السلمي، علي بن وداعة، وصف إلى جانب البطولة بالأدب البارع والشعر الرائع، انظر الجذوة: 197 وترجم له ابن الأبار في الحلة 1: 282 ونقل بعض ما جاء هنا في الذخيرة. ص: يمين. ص: كماتي. ص: وعولج. العلوق: هي التي ترام بأنفها وتمنع درتها؛ أو هي لا ترام الولد جملة؛ وفي المثل: عاملنا معاملة العلوق ترأم فتشم، وقال أفنون التغلبي: ام كيف ينفع ما تأتي العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضن اللبن البيتان لقيس بن زهير العبسي، انظر حماسة الخالدين 1: 91 ووردا دون نسبه في البيان 3: 246 والحيوان 6: 425 وشرح ديوان زهير: 54 ونقد الشعر: 91 والثاني في العمدة 1: 302. وأنظر الذخيرة 3: 381. حماسة الخالدين: النهاب لأربابه. مصادر وترجمة متعددة: نشير منها إلى المعجب وأعمال الأعلام وابن عذاري ونفح الطيب والجذوة: 73 والحلة 1: 168 - 177 وكتب التاريخ العامة كأبن الأثير وابن خلدون - الخ انظر البيان المغرب 2: 256 وما بعدها. نقل المقري جانبا منه في نفح الطيب 3: 85. انظر المصدر السابق 3: 86. قارن بما أورده ابن عذاري 2: 260 وما بعدها، وما جاء في النفح. لعل الصواب: الجرة، إشارة إلى الغيظ على سبيل المجاز. ص: وانتهك. ص: ويستعمل. قارن بابن عذاري 2: 259، 262 - 264. انظر نفح الطيب 3: 87. يتابع المقري النقل في النفح 3: 88. ص: جلى؛ وأثبت ما في النفح. قارن بما في النفح 3: 88. كذا ولعل صوابه " مثنى " كما هو الشائع عند الأندلسيين. النفح: ولا براح له. ص: وفاه. يستمر النص في نفح الطيب 3: 90 وقارن صياغة ابن خاقان لهذا الخبر في المطمح: 6. ص: والنظر. ص: المقضي على مجال. الأبيات في النفح 1: 421 والمطمح: 7 والحلة 1: 267. ص: اللئيم، وهو سهو. الأبيات في النفح 1: 407، 601 والبيان المغرب 2: 286 والحلة 1: 265 وقال ابن الأبار: " هذه الأبيات متنازعة ينسبها إلى المصحفي جماعة، وقد وجدتها منسوبة إلى ابن دراج القسطلي، وذكر الرقيق أنها لكاتب إبراهيم بن أحمد بن الأغلب " (وانظر البيان المغرب 1: 131) . نفح الطيب 1: 408، 601 والحلة 1: 267 والبيان المغرب 2: 286. الحلة: إذا سخطت ليست براضية. النفح 1: 603 والحلة 1: 267. الحلة: لم يقدر؛ النفح: لم يقرب. منها بيتان في النفح 1: 603. النفح: فيزداد خبثه. نقله المقري بإيجاز وتلخيص 3: 91. ص: أوتي. المري (Muria) : أنواع من مستحضرات تتخذ في صنع الأطعمة منها المري النقيع والطيب ومري الخبز ومري الحوت وبعض أنواعه يصنع من عصير العنب بالأفاؤيه دون خبز محرق (انظر صفحات متفرقة من كتاب الطبيخ ومفردات ابن البيطار 4: 149 وقاموس دوزي مادة " مري " والحاشة 4 ص 92 من النفح ج - 3) . ص: ورميه. قارن بالنفح 3: 93. ص: الحلبة؛ والخلفة: الهيضة، وهي فساد المعدة من الطعام يقال: أخذته خلفة إذا كثر تردده إلى المتوضأ لذرب معدته من الهيضة. قارن بالنفح 3: 94. ص: تنظر بك. ص: لم يدرك هو وأخوه، والتصويب عن الحلة 1: 270. ص: لرسومه. ص: مغرياته. ص: حزرة. ص: الناسبين. المناقفون: الذين لديهم مهارة في المناجزة بالسيوف. ص: في الفكر عن شأنه. الجملة ناقصة ولعلها أن تكون في الأصل: ولا قبلوا معروفهم إلا على نية الرجعة، أو شيئاً شبيهاً بذلك. ص: إلى. ورد جانب من هذا النص في مخطوطة الرباط (رقم: 1275) ص: 154. ما بين معقوفين زيادة من مخطوطة الرباط. زاد في المخطوطة: أحمل قرطاسك لا حاجة لي به، فبلغ ذلك المظفر فحقدها له، وقطع عنه الجراية، فأخرج من ذخائره أعلاقاً نفيسة وذخائر عظيمة القدر فباعها وأنفقها على قومه صنهاجة، وربما اشترى منها المظفر في خفية. ص: عثلوية؛ ولحية عثولية: ضخمة، والعثول: الكثير شعر الجسد والرأس. من قول الشاعر: " مردد في بني اللخناء ترديدا ". ص: من مثل. ص: أمير. Menendo Gonzalez. Leon Alphonse. ص: وصد. ص: مصملة؛ وفيها معنى اليبس، وصوبتها اجتهاداً. ضحى: شهد عيد الأضحى. طير: لعله يعني أنه افتك أولئك الأسرى عن طريق المراسلة السريعة. محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمي (388 - 454 أو 455) ؛ له ترجمة في الجذوة: 68 (البغية رقم: 209) ونفح الطيب 3: 111 - 116 وله ذكر عارض في المغرب 2: 12 وانظر البدائه: 308 - 309، 264 وتتمة اليتيمة 1: 64 والوافي 4: 67. يعني محموداً الغزنوي (- 421) . هو جلال الدولة محمد بن محمود، وقد ثار عليه أخوه مسعود وسمل عينيه وانتزع السلطة من يده، وفي هذا ما يخالف كلام ابن بسام فيما يلي. ص: فدبروا. ليس هناك ملك بهذا الاسم، وإنما هذا لقب لحاكم شروان؛ ولعل المقصود هنا هو منوجهر ابن يزيد أو علي بن يزيد أو قباذ بن يزيد (418 - 441) . ص: أبا. تولى القائم أبو جعفر الخلافة سنة 422 وثار عليه البساسيري سنة 450 ثم أعاده السلاجقة وبقي حتى توفي 467. هو ثمال بن صالح المرداسي ولي قلعة حلب أول مرة سنة 420 ثم أقصي عنها وعاد إليها سنة 429 فلم تطل مدته، وأقصي مرة أخرى ثم عاد إليها سنة 434 واعتزل أخيراً سنة 449. تولى صدقة الوزارة سنة 436 وبقي فيها إلى أن اعتقل وقتل سنة 439 (الإشارة إلى من نال الوزارة: 37 - 38) . أي جعل له الحكم في الذين سعوا به إلى السلطان. يبدو أن ابن بسام ينفرد بهذا الخبر. هو بلقين بن محمد بن حماد من الحماديين أصحاب القلعة، تولى سنة 447 (أعمال الأعلام 3: 87) . اللزوميات 1: 63. اللزوميات 1: 56. اليتيمة 1: 365. ص: لساكنكم. الشاكري: الخادم أو الأجير. ص: العجل. اليتيمة: لميلوخك. اليتيمة: تزيدت. اليتيمة: لعل ذا غيره. ص: زدني، والتصويب عن اليتيمة. البد: موضع عصر الزيت في ديار الشام؛ ص: بيد، اليتيمة: بيدي. اليتيمة: بصور كانت (أي كانت بمدينة صور) . كذا وردت هذه اللفظة أيضاً في اليتيمة ولا أستطيع أن أجزم بما تعنيه فقد تعني بني بجيلة (أو بجلة) وقد تعني جماعة الأعيان، وقد تكون لفظة شامية محلية. اليتيمة: دعيت. رواية اليتيمة: إن كنت أكرمتني لترفع من ... قدري فبعض الهوان أرفع لي اليتيمة: إجلاله عن. اليتيمة: فقلت يا سيدي ويا أملي، أظن ... اليتيمة: وخاض جمعي أير به هوج يجوز. بدائع البدائه: 309 والنفح 3: 114 وابن خلكان 1: 110 وتردد في نسبتهما. النفح 3: 117 وبدائع البدائه: 364. بدائع: وهونت من نفسي العزيزة سخطها. النفح 3: 114 والشريشي 2: 87. ص: من جبينها. النفح 3: 112. النفح: يزرع. منها بيتان في النفح 3: 114. النفح: الأعداء. سرور النفس: 28 والنفح 3: 112. النفح: جفت لحاظي التغميض فيك فما تطبق أجفانها. ديوانه 3: 7 وزهر الآداب: 747 والمختار: 7 - 8 والزهرة 1: 290. زهر الآداب: 747 وابن بسام يتابعه في الحكم على البيت، والمختار: 23. أوردها صاحب النفح 3: 115 ونسبهما لأبي الفضل، وانظر المسلك السهل: 500 وهما في زهر الآداب: 827 للصاحب أبي القاسم. ليس في الأصل بياض؛ وزدت بيت جرير إذ البيتان التاليان ليسا له قطعاً. وردا في زهر الآداب: 27 لمنصور الفقيه، وقال المؤلف إن أكثر الناس يرويها لإبراهيم ابن المهدي. المختار: 270 وأمالي المرتضى 1: 511 واللآلي: 521 والحماسة البصرية 2: 85. ص: وألقيت. ديوان ابن هانئ: 198 وزهر الآداب: 903. هذه القطعة والقطعتان التاليتان في النفح 3: 116 وانظر الشريشي 5: 252. الشريشي 5: 221. الشريشي 5: 222. ينسيان للصنوبري، انظر تهذيب ابن عساكر 1: 458 ورفع الحجب 1: 88 والعمدة 2: 35، ومعاهد التنصيص 3: 9 ديوانه: 474 وابن بسام يتابع زهر الآداب: 676. اسمه أحمد بن أبي سمرة، وانظر أبياته في زهر الآداب: 676. ص: خديها. النفح 3: 116 والشريشي 4: 290 - 291. ستأتي منسوبة لعبد الوهاب المالكي؛ وقد اضطربت نسبة بعض المقطوعات بينه وبين أبي الفضل. النفح 3: 115. النفح 3: 117 والشريشي 5: 238. الشريشي 4: 290 وينسبان لابن عبد ربه، انظر نفح الطيب 7: 51 والمطمح: 52 وابن خلكان 1: 110. ديوان ابن رشيق: 169 وابن خلكان 2: 367. ص: الفتن. منها بيتان في النفح 3: 117. بدائع البدائه: 364 والنفح 3: 117 وانظر القسم الأول من الذخيرة: 783 حيث جمع بين عجز البيت الثالث وعجز البيت الرابع. البدائع: ذوب نار؛ النفح: ذائبان. اليتيمة 2: 396 - 397 والشريشي 3: 45 - 46. انظر القسم الثاني من الذخيرة: 505. الشريشي 2: 310 - 311. ص: فتسبقهم. بياض في ص. الشريشي 4: 297. ص: نقضت. ص: قالت. زيادة من الشريشي 4: 279. زهر الآداب: 898 والشريشي 4: 279. ص: يطعمه ... خباله. منها أبيات في نفح الطيب 3: 115. ص: بعدي؛ النفح: أن يعدي. النفح: أبقيت. الشريشي 4: 30. ص: يشفي. ص: بالست، والتصويب تقديري. ص: أعقت. ص: طير. ص: طاع ... جاهل؛ وكاع لغة في كع أي أحجم. النشاص: السحاب. الجبل: الساحة، يعني هنا ساحة الوغى. ص: الران. كذا هو ولم أستطع توجيهه. البغرة: قوة الماء أو الدفعة الشديدة من المطر، وقد يكون معناها هنا: الشرب دون ارتواء. ص: حوفت. ص: مرصعاً، ولعل الصواب: " مزمعاً ". ص: طلب. نحف: لعله يعني نحيط بركابك، وإلا فاقرأ " نخف ". ص: لا نصر ناصر. ص: تعرف ... بعملنا. ص: عن. ص: عام. ص: حواريا. ص: ضياعي. ديوان حسان 1: 17. ص: هزم. ص: مالي إن. لسليمان بن محمد الصقلي ترجمة في الجذوة: 206 (بغية الملتمس رقم: 764) وفي الخريدة (1: 94) ترجمة لسليمان بن محمد الطرابلسي (اقرأ: الطرابنشي أي من طرابنش بصقلية) وذكر أنه دخل إفريقية وانتقل إلى الأندلس وتوطنها واتخذها لمخالطة ملوكها سكناً، وليس من المقطوع به أن يكون هو نفسه المترجم به عند ابن بسام، وانظر مسالك الأبصار 11: 454 والمكتبة الصقلية: 577، 594، 655. الجذوة: 208 والشريشي 4: 78. زيادة من جذوة المقتبس. الجذوة: 208. هو الأعمى التطيلي، انظر ديوانه: 45. الشريشي 4: 87. لابن الرومي في تشبيهات ابن أبي عون: 278. ديوان العباس: 280 والشريشي 1: 30. ص: أهل المصرين، وقد صوبته اعتماداً على ما يرد في الحاشية التالية. البيتان لأبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى (وجده يونس ابن عبد الأعلى صاحب الفقيه المصري عبد الله بن وهب) وكان عالماً بالنجوم (انظر القفطي: 230 وحسن المحاضر 1: 539) وقد ذكره صاحب زهر الآداب وقال: وكان لأبي الحسن في الشعر مذهب حسن وطبع صحيح وحوك مليح (613) وأورد نماذج من شعره وفيها البيتان (614) وعند التوطئة لذكره قال: وقال بعض أهل العصر، ويبدو أن ابن بسام اضطرب في النقل، فالشاعر بعض أهل العصر بالنسبة للحصري صاحب زهر الآداب، لا بالنسبة لابن بسام، وبعد أن أدرك ذلك رمج على " أهل " وحول لفظة العصر إلى " المصر " يين، ولا وجه يسوغ أن يقال أهل المصرين، وانظر الشريشي 4: 78. زهر الآداب: غلائل. اليتيمة 2: 397. هو إسماعيل بن معمر القراطيسي الكوفي وكان يصاحب أبا نواس وأبا العتاهية (انظر ترجمته في الورقة: 191 - 102 والأغاني 23: 72 والأبيات التي ذكرها ابن بسام وردت في المصدرين المذكورين والشريشي 4: 77. انظر المصدرين السابقين، وديوان العباس: 203 والشريشي 4: 78. وردت القصة في الجذوة: 206 مع اختلافات يسيرة في العبار وبدائع البدائه: 348. انظر الجذوة: 207، والأبيات في بدائع البدائه: 348. كان الخبزرزي (- 327) شاعراً أمياً يخبز خبز الأرز بمربد البصرة في دكان، وينشد أشعاره فيحتشد الناس حوله لسماعها (ابن خلكان 5: 376 وفي الحاشية مصادر أخرى) . الجذوة: مجهد. لثابت الجرجاني ترجمة في الجذوة: 173 (بغية الملتمس رقم: 602) والصلة: 125 والإحاطة 1: 462 (وفيه نقل عن الذخيرة) . وبغية الوعاة: 210 ومعجم الأدباء 7: 145؛ ولد ثابت سنة 350 ودرس ببغداد على عبد السلام البصري والربعي وابن جني، لقي أولهما ببغداد سنة 378، ثم هاجر إلى الأندلس، وأخذ عنه الأندلسيون شرحه لجمل الزجاجي (فهرست ابن خير: 315) ودرس عليه بعضهم حماسة أبي تمام (387) ، وقد كانت صلة ابن حزم به وثيقة إلا أنه يشير إليه في الفصل (1: 17) باسم " أحد الملحدين " ولعل أثر في ابن حزم بمعرفته المنطقية وإتقانه للتعاليم، غير أنه حين التحق بباديس بن حبوس تورط في شؤون السياسة ولحقته تهمة التدبير ضد باديس مع ابن عمه يدير فقتل سنة 431 وفي الإحاطة تفصيل واف بمحنته وخبر مقتله نقلاً عن كتاب المتين لابن حيان. الإحاطة: الحاجب، والسياق يشير إلى أنه طرأ على علي بن حمود الحسني، ولم يكن علي حاجباً، بل خليفة؛ ثم اتصل بعده بابنه يحيى. انظر الجذوة ومعجم الأدباء. لم يرد في ص منها إلا بيتان هما الأول، والشطر الأول من الثاني والشطر الثاني من الرابع، وهذا الاضطراب يستدعي تصحيحها، كما أن قوله " مقطوعة " يعني أنه أورد ما يزيد على بيتين. الجذوة ومعجم الأدباء. الجذوة: الناظر في زوامل. ص: طرطوس. ص: موال. ص: أعطف. ص: شباب. ص: المجبرة. ص: الشا. قد تكون صورة اللفظة أقرب إلى " جماماً ". حنف: في هذا الموضع بمعنى ختن؛ والزمع: القلق والجزع. ص: إقرافه؛ والإفراق: البرء؛ وكل عليل أفاق من علته فقد أفرق. ص: قوت (ولها وجه إذا أغفلنا السجع الدقيق) . ص: أبي الفرج؛ وقد كان أبو عامر بن الفرج وزيراً للمأمون بن ذي النون ثم لابنه القادر (المغرب 2: 303) وترجم له ابن بسام في الذخيرة 3: 103؛ وذكر في المطمح: 15 - 16 باسم " أبو الفرج "، وانتقل هذا الخطأ إلى نفح الطيب 3: 543 - 543 واستمر الخطأ في الفهرسة كذلك. هو عبد الرحمن بن محمد بن عيسى أبو زيد بن الحشا القرطبي الأصل، استقضاه المأمون ابن يحيى بن ذي النون بطليطلة بعد أبي الوليد بن صاعد في الخمسين والأربعمائة، وحمده أهل طليطلة في أحكامه وحسن سيرته، ثم صرف عنها في سنة ستين وصار إلى طرطوشة واستقضي بها بدانية وتوفي فيها سنة 473 (الصلة: 325) . الطميم: الثقيل (massif) في معجم دوزي، ولعل المراد هنا أن يكون نوعاً من القماش الثقيل. إعجام هذه اللفظة مضطرب في ص؛ والسياق يدل على أنواع من الأدوات التي تتخذ لغسل الأيدي كالصابون وغيره. وعند دوزي أن " نقاي " تعني منشفة ولكن يبدو أنه ليست من استعمال الأندلسيين. ص: والأشنان، وهو مادة مطيبة لغسل الأيدي بعد الكعام، ولكن المقصود هنا هو الأوعية التي تحتوي الأشنان وهي الأشناندانات. من معاني " المجدود ": المقطوع (فلعله يعني زجاجلاً مخروطاً على أشكال) أو زجاجاً ملوناً لأن فيه جدداً (طرائق) من الألوان. الفياشات (في الأندلس والمغرب) : جمع فياشة وهي القنينة bouteille، flacon، قاله دوزي. المها: البلور. عنه دوزي: البخور البرمكي، ولكنه لم يعلل هذه التسمية، وعند ابن الحشاء (17) بان: شجر معروف بالمشرق ويجلب ثمره ودهنه. ولعل وصفه بأنه برمكي مبالغة في تقدير جودته. ص: ذكره؛ والنظر والنظير بمعنى. ص: علو. ص: ذلك. ص: يذل. ص: أركانها. يعني ماء حوضي المذبحين، وفي ص: منها. ص: أشخاصها طيارها. كذا في ص، ولعل مغموضاته هنا تعني أسراره فيكون كلامه وشلا بالنسبة إلى أسرار ذلك الصرح العظيم. ازدرموا: ابتلعوا، وفي اللسان الازدرام: الابتلاع (إلا أنه جاء في مادة: زردم) . ص: طنورية، واستبعد أن تكون لغة في " تنورية " إلا أن يكون ذلك وهماً من الناسخ. ثم إن الأطعمة التنورية لا تكون جوامد أو باردة، ولعلها أن تقرأ " طيفورية " أي موضوعة في أطباق غير مسطحة. المصوص: طعام قيل إنه لحم ينقع في الخل ويطبخ. الطباهج: أنواع من الطعام أساسها اللحم المقلو (انظر كتاب الطبيخ: 133) . ص: من. ص: ومحاباه بالماحور في المكنون؛ والماخوري لون من النغم، وتعد الأنغام الماخوريات من خفائف الثقيل الثاني. ص: عمارا. سيترجم له ابن بسام في ما يلي (الورقة: 120) . ص: قوبلت به. ص: مفجوا الممتة: والمعنى أن ميتته أدركته فجأة (منذ سنوات قليلة) . سيذكر ابن بسام في ترجمته أنه رحل إلى مصر ثم عاد إلى الأندلس " وقد نشأ خلقاً جديداً ". ص: بقرة. يشير إلى قول المتنبي: ومن الناس من يجوز عليه ... شعراء كأنها الخازباز والخازباز: حكاية صوت الذباب. ص: ورق ... أسمائهم. ص: ممترياً، وقد تقرأ " ممتدحاً ". المشهور في الاستعمال " برطل portal ". لخا وجه مقبول، ويمكن أن تقرأ " وزينة ". الأصوب أن يقال: المثناة. بياض في الأصل، وما بين معقفين زيادة تقديرية. اللفظة غير معجمة في ص. ص: همت. وردت ترجمة أبي المطرف بن مثنى في القسم الثالث: 409، يضاف إلى مصادر ترجمته هنالك إعتاب الكتاب: 215 وفيه أن أبا المطرف كتب أولا للمنصور أبي الحسن عبد العزيز ابن عبد الرحمن بن أبي عامر صاحب بلنسية ثم انفصل عنه إلى طليطلة فاستوزره المأمون ابن ذي النون وألقى عليه بأموره كلها. ص: ولحقت. قد مرت ترجمة إدريس بن اليماني في القسم الثالث: 336. وقع البيت قبل سابقه في ص، ويعني أن علقمة لو أدرك زمانه لقالت له الأشعار " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ". لم يظهر منها في ص إلا " كل ". يريد أن ابن خليفة تغزل في قصيدته بست نساء ففاق أبا تمام الذي تغزل بأربع في قوله: لسلمى سلامان وعمرة عامر ... وهند بني هند وسعدى بني سعد ص: قطيع. ص: كبير نفحة. البيتان في المغرب 1: 129. المغرب: كان التشوق. في المثل: أدق من خيط باطل، قيل هو الهباء وقيل هو الذي يخرج من فم العنكبوت، وسمي مروان خيط باطل لطوله واضطرابه (اللسان: خيط، وجمهرة العسكري 1: 454 تحقيق أبو الفضل والميداني ذ: 183) . موضعها بياض في ص. ص: لاستكمال. ص: كرمهم. ص: يجحود. ص: الرائقة. ص: تتابعها. ص: وأعرض. الضالع: الجائر؛ ص: الصانع. ص: وبداءيه. ص: التهجم. ص: يختلف. ص: ببنيانه. ص: بينانه. انظر القسم الثاني: 262. انظر القسم الثالث: 92 - 96. ص: فوده. انظر في هذا المثل: " الحور بعد الكور " فصل المقال: 175 وجمهرة ابن دريد 2: 413 وهو يعني النقصان بعد الزيادة. رجل إمعة إمرة: ضعيف لا رأي له. لم يورده حمزة في الدرة الفاخرة، وأقرب الأمثلة إليه " أجبن من صافر " وهو يشمل القبرة. يريد: يعرض له من ضجر وقلق. ص: لمعدته.. لمدته. هو يحيى بن سعيد بن أحمد بن يحيى بن الحديدي من أهل طليطلة، كان متقناً فصيحاً فطناً مقدماً في الشوى (الصلة: 633 وانظر المغرب 2: 13) . ص: فمكث. زيادة يدل عليها ما سيلي. ص: أمكنتم. ص: أباع. ص: بسوء. بياض في ص. بياض في ص بقدر كلمة. بياض بقدر كلمة. ص: السقاط. ص: خبلا. ص: أحشاع. ص: أدبه. ص: خلاس الشجون. أورده العميدي في الإبانة: 125 وذكر أنه لصاحب العلوي الداعي بطبرستان. ص: يكله. ص: أنس. ص: تيح. ص: بمقدام. من معاني البسيس: المختلط، ولعلها: " البئيس ". من قول الشاعر: " وتعدو القبصى قبل عير وما جرى " وهو للشماخ (اللسان: عير ومجالس ثعلب 207 وفصل المقال: 300) والعير هنا فيما يقال هو المثال الذي في حدقة العين، يريدون قبل أن يطرف الإنسان عينه يعني بأقصى سرعة. أكبثت: كثر في الكباث، وهو الناضج من ثمر الأراك. من قول أمرئ القيس: فضل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل ص: ركبانا. انظر الدرة الفاخرة: 111 وفصل المقال: 499 والميداني: 1: 124 والعسكري 1: 217. ص: تيح. ص: بهت. ناظر إلى الآية: 63 من سورة الكهف. ناظر إلى الآية: 25 من سورة القصص. هذان مثلان، انظر الدرة الفاخرة 1: 282، 203. كذا ولعلها: " الفرصة ". ص: المأمونة. ص: محمولا، وربما قرئت " مجهولا ". ص: أظهر. من قولهم: " ان ترد الماء بماء أوفق " وهو علامة على الحيطة والحذر. انظر المثل في فصل المقال: 76 والميداني 2: 251. ص: بحنه. ناظر إلى الآية: 2 من سورة الحشر. البيت لمالك بن الريب التميمي، انظر ذيل أمالي القالي: 136. ترجم له ابن بسام في القسم الثاني: 805 وانظر مسالك الأبصار 11: 442، وقد ورد اسمه في هذا الوطن من الذخيرة " برلوضة " بالضاد المعجمة؛ وفي الأصل أيضاً أبو عمر ابن فتح. ص: عمالها. من قول المتنبي: ومن جعل الضرغام بازاً لصيده ... تصيده الضرغام في من تصيدا وفي ص: الضرغام بازياً. ص: الوسلات، والوشلات: حالات الضعف. ناظر إلى الآية الكريمة " إلى طعام غير ناظرين إناه " (الأحزاب) . من قول المتنبي أيضاً: وان سلم فما أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام التاء غير معجمة في ص. ص: الجور. ص: وايوانتها. ص: من اثلها. ص: تختل. ص: النظر. ص: وسلكت. له ترجمة في الصلة: 545 والمطرب: 66 ومعالم الإيمان 3: 39 والخريدة (قسم المغرب) 2: 224 ومعجم الأدباء 19: 37 والوافي 3: 97 والفوات 3: 359 والزركشي: 278 ومسالك الأبصار 11: 238 وبغية الوعاة: 47 وصفحات متفرقة في ج - 3، 4 من نفح الطيب، وعنوان الأريب 1: 56 وقد جمع الأستاذ الميمني بعض شعره في " النتف من شعر ابن رشيق وابن شرف " (القاهرة: 1343) ونشرت له رسالة بعنوان أعلام الكلام (الرسائل النادرة - القاهرة 1926) وهي نفسها بعنوان مسائل الانتقاد في رسائل البلغاء مع مقدمة ابن شرف: 302 - 343 (القاهرة: 1946) وقد نشرها الأستاذ شارل بلا ومعها ترجمة فرنسية (الجزائر: 1953) وذكر ابن دحية (المطرب: 96) أن شعره في خمس مجلدات، وانظر القسم الأول من الذخيرة: 91 (الحاشية: 3) حيث أشير إلى بعض مصادر ترجمته. زيادة من المسالك. يعني ابن دراج، انظر القسم الأول: 59. المسالك: للرياح. كذلك هو أيضاً في المسالك، والأصوب أن يكون بحذف " أبي ". انظر القسم الثالث: 125 وما بعدها. المسالك: ولا سلم عليه. يستفاد من كلام ياقوت (19: 43) أن أبكار الأفكار يحتوي مختارات من شعر ابن شرف مع أن بسام سيورد قول ابن شرف (ص: 179) إنه يحتوي على مائة نوع من مواعظ وأمثال وحكايات قصار وطوال، وأن أعلام الكلام فيه فوائد لطائف وملح منخبة، وأن رسالة الانتقاد مقامة نقدية، وذكرت له المصادر مؤلفات أخرى منها: رسالة ماجور الكلب ورسالة نجح الطلب ورسالة قطع الأنفاس وغير ذلك (انظر الوافي والفوات) . ص: ابن شريق. معجم الأدباء 19: 38 وبيتا ابن شرف في المطرب والخريدة وانظر النتف: 103 والشريشي 2: 258 ونسبا في الخريدة 1: 289 لعلي بن فضال وفي الوافي (1: 125) لأبي نصر محمد بن محمد الرامشي وانظر الريحان والريعان: 141. منها ثلاثة في الخريدة وخمسة عند الصفدي، وانظر النتف: 100 - 101. بياض بالأصل وزدته اعتماداً على المصادر. يشير إلى أن الرسول (ص) أعطى الجارية سيرين لحسان بن ثابت. بياض بقدر كلمة. ص: الأمر. ص: بارتعابك. ص: عليه. ص: لعلم. ص: فالنفائق. ديوان أبي تمام 3: 98 وعجز البيت؛ " ونذكر بعض الفضل عنك وتفضلا " وانظر أخبار أبي تمام: 119 وابن بسام يتابع زهر الآداب: 336 - 337. أخبار أبي تمام: 120 وزهر الآداب (حتى نهاية الخبر) . انظر الديوان 1: 258. هذه الرواية ثابتة في الديوان وزهر الآداب؛ ويروى أيضاً " عذرتها ". كان لنصيب - وهو شاعر أسود - بنات فكان يشح بهن على الموالي وتكره العرب أن تتزوجهن (شرح ديوان أبي تمام 1: 259 والمضاف والمنسوب: 222) . ص: سوق. طرر: (بالمهملة) أي جعل اسمه طرة، وقد يمكن أن تقرأ " وطرز ". ص: الدقيق. ص: وامتحنت. هو الحسين بن عبد الرحيم بن الوليد الكلابي أبو عبد الله (- 354) كان كاتباً شاعراً وله مصنفات منها " أنواع الأسجاع " ابتدأ بتأليفه في دمشق سنة 343 وروى فيه عن شيوخه وغيرهم (معجم الأدباء 10: 118 وتهذيب ابن عساكر 4: 306) . هو أبو النجم العجلي الراجز واسمه الفضل بن قدامة (انظر ترجمته في الأغاني 10: 157 والخزانة 1: 48 والشعر والشعراء: 502 ومعجم المرزباني: 310 والسمط: 327، وانظر هذا الشطر في الأغاني 21: 371) . ص: أطلب. عجز بين لأبي الأسود، ديوان: 33 (ط / 1974 تحقيق آل ياسين) والعقد 5: 444 (وانظر تخريجه في الديوان) وصدره: فما كل ذي لب (أو: نصح) بمؤتيك نصحه. ص: تزدحم ... ويوخذ. ص: محدودة. قد مر تخريجه في هذا القسم ص: 156. ديوان أبي نواس 2: 99 (تحقيق فاجنر) . البواقيل: الجرار بلغة القبط، واحدتها باقلة (الديوان) ؛ وفي شفاء الغليل " بارقيل " - بالراء - ونقل عن الصولي أن البراقيل سفن صغار؛ قال: وقال علم الهدى في الدرر (أمالي المرتضى 1: 596) إنما هو جمع برقال وهو كوز من الزجاج وما ذكره الصولي وهم منه؛ قلت: وفي أمالي المرتضى: بواقيل - بالواو - ومفردها " بوقال " وتعريفه " آلة على هيئة الكوز معروفة تعمل من الزجاج وغيره ". وعلى هذا فإن وروده بالراء المهملة في شفاء الغليل تصحيف. وعند دوزي " Cruche " وهي جرة ذات عروة، واللفظة مأخوذة من الأغريقية " Baucalis "؛ وانظر الشريشي 2: 384. ورد منها أربعة أبيات في المسالك 11: 239. قد مر هذا المثل كثيراً في الأقسام السابقة، انظر مثلاً 1: 490، 3: 125. ص: والندماء. ص: بصفوها. ص: لسان. بياض في ص. ص: قد حمل. ص: ويتوقف وقوف. ص: ويراوث. كذا وردت هذه العبارة ولعلها: ملك: أكثر جوده، على جنوده، أغنى جيشه [وملك عيشه] . ص: الالزم. ص: أمامه. ص: إن عجز ... وإن عجل. ص: يعيد. ص: أعناق. الشريشي 5: 16. ص: بكساد. ص: قذوره. ص: معلق. ص: كفتيه. ص: تذيبها. ص: السودان. ص: يضرب. هو قريط بن أنيف، وقصيدته هي الأولى في ديوان الحماسة. الأغاني 22: 20. ص: وهم عمده. ص: إلى. ص: المهاليج. ص: ثقاب. كذا ولعل صوابها: " مضمونة " أي مصابة بالضمانة؛ أو مطبونة أي مدفونة. ص: خان. القارظان كلاهما من عنزة - في رأي ابن الكلبي - فالأكبر منهما يذكر بن عنزة والأصغر رهم بن عامر بن عنزة، كل منهما خرج يطلب القرظ ولم يعد، وفيهما يضرب المثل " حتى يؤوب القارظان " قال أبو ذؤيب الهذلي: وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في الموتى كليب لوائل مالك وعقيل نديماً جذيمة، وفيهما يقول أبو خراش: ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل عندما هاجر المسلمون إلى المدينة كان بلال يحن إلى معاهد مكة فإذا أخذته الحمى تغنى: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفج وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل وشامة وطفيل: جبلان (معجم البكري مادة: هرشى) . عجز بيت من الشعر وصدره: إذا جاء الشتاء فزملوني فإن الشيخ .... ص: قبائي. معناه أن يسمع الشيء ربما ظن صحته، انظر حمهرة العسكري 2: 263 (أبو الفضل واللسان (خيل) وفصل المقال: 412 والميداني 2: 169. ص: تكلفت. ص: عقدد؛ والقعدد: القريب النسب من الجد الأكبر، يريد أنه يكاد يكون من لدات لبلد وهو آخر نسور لقمان. ص: السماء. الذألان: العدو المقارب أو السرعة. ص: وأهله. ص: باله. قد أشرت إلى أنها نشرت بعنوانين مختلفين، وهي في حقيقتها رسائل الانتقاد (أو جزء منها) وسأعارضها بالنص الموجود في رسائل البلغاء؛ (ورمزها: ل) ويبدو أن ابن بسام يوجز في النقل. ل: وجاريت أبا الريان في الشعر والشعراء ومنازلهم في جاهليتهم وإسلامهم واستكشفته عن مذهبه فيهم، ومذهب طبقته في قديمهم وحديثهم فقال ... الخ. ص: يعفور. ل: والأسود بن يعفر وصخر الغي. ل: هجائه. زاد في ل: وحميد الهلالي وبشار العقيلي وابن أبي حفصة الأموي ووالبة الأسدي وابن جبلة الحملي وأبي نواس الحكمي. زاد في ل: وابن رغبان الحمصي. ص: عبدان. ص: حدار. ل: بلا زيادة. ص: وهذه. ص: فقراء. ابن المذلق من عبد شمس، يضرب به المثل في الفقر والإفلاس (الميداني 2: 20 وجمهرة العسكري 2: 107 / أبو الفضل) . يعني علقمة بن علائة، وقد أبكاه قول الأعشى: تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا ص: وسعيد وسعد. ص: وعزل؛ ل: وغزل عرم. ص: أبو. ص: بنوه. ص ل: اختيار. ل: ويطمح. ص: هاد. ص: المجار. ل: نظيف. ل: وأحد. ص: ينكسف. ص: والقائم. ل: طرفا حد اللسان وحدوده. ص ل: محدود. ل: وجودة. يعني قصيدته " عيون المهاب بين الرصافة والجمر ". الدالية: قالوا حسمت فقلت ليش بضائري ... حبسي وأي مهند لا يغمد ل: وحبذا. ص: الهاني؛ ل: المغاني. ص: وخطبا؛ ل: وخطب. ص: ألام؛ ل: لام. ص: يعتيه. البيت للفرزدق في هجاء نصيب، انظر زهر الآداب: 336. ل: يبقين. انظر ديوان الصنوبري: 28 وجعفر بن علي هو ممدوح ابن هانئ أيضاً، إذ كان مواليا للعبيديين ثم تحول إلى موالاة أمويي الأندلس (انظر أخباره في المقتبس لابن حيان تحقيق الدكتور عبد الرحمن الحجي، ط. بيروت) . زاد في ل: بعثها إليه مع ثقات التجار. زيادة من ل. ص: ويريقه؛ ل: ويروقه. يعني المتنبي، وهذه تهمة ساقها نقاد المشارقة مثل ابن وكيع وغيره. ص: الملك. زاد هنا في ل ما ينبئ أن أبا الريان انتهى من تقييم شعراء المشرق. ص: وتكفرات، ل: وتكفيرات. زاد في ل: متين المباني، غير مكين المثاني، تجفو بعطنها عن الأوهام، حتى تكون كنقطة النظام. ص: المورد. ص: فتمنح. ص: لأدباء. كذا في ص، ولعلها " واحتقرني ". ص: قلبي. هي في الشريشي 2: 265 (5: 240) وانظر النتف: 102. ص: وعلى الأغصان. ديوان أبي نواس: 325. البيت الرابع منها في النتف: 12 ولم يذكر مصدره، وقد ورد في القسم الأول: 477. ديوان المتنبي: 292، واستشهد به ابن بسام أيضاً في القسم الأول: 476. هو أحمد بن أيوب البصري، أبو الحسن المعروف بالناهي، انظر اليتيمة 4: 383 - 384 وقد ورد البيتان في ترجمته. اليتيمة: استعمل. اليتيمة: فأصبح. اليتيمة: وأصبح. شعر ابن اللبانية: 83 والذخيرة 3: 960. ديوان ابن هانئ: 367. يشير إلى قول ذي الرمة (غيلان) : لقد جشأت نفسي عشية مشرف ... ويوم لوى حزوى فقلت لها صبرا فيه إشارة إلى قول قيس لبنى، وسيوضحه ابن بسام فيما يلي. ص: العشر. ديوان عروة: 16، 14. يعني أبا عبد الرحمن بن طاهر، وقد وردت ترجمته في القسم الثالث: 44 - 92. ص: وهزوا. منها بيتان في المسالك 11: 239، كما أن الأخير منها ورد في القسم الأول: 383. ص: القضاء النون. ص: الرحال؛ وعلي بن أبي الرجال عالم شاعر كان راعي الأدب والأدباء في القيروان أيام المعز بن باديس، وباسمه طرز ابن رشيق كتاب العمدة، وهو مؤلف كتاب البارع في أحكام النجوم في ترجمة ابنه محمود قال ابن الأبار (اعتاب الكتاب: 214) إنه كان هو وأبوه وأهل بيته برامكة إفريقية. وانظر الفصل الخامس من كتابي: ملامح يونانية في الأدب العربي: 75 - 79) . وردت أبيات منها في ياقوت والصفدي والفوات والمسالك واعتاب الكتاب، وانظر النتف 108 - 110 والشريشي 4: 223 - 224. منها بيتان في الشريشي 2: 100 (4: 88) والنتف: 101 - 102. انظر الآية: 249 من سورة البقرة. ديوان أبي تمام 1: 404. منها بيتان في المسالك 11: 239 - 240. ديوان المتنبي: 184. ديوان ابن رشيق: 221 (عن الذخيرة) . ص: يد؛ وصوبته بما يعني عن ارتكاب الضرورة. البيتان في معجم الأدباء 19: 43 والشريشي 3: 316. ص: يقضا. الأبيات في الشريشي 2: 100 (4: 88) والنتف: 104. ورد البيتان في كتاب المقترح في جوامع الملح - باب الأشعار - (محفوظة جامعة برنستون) وكتاب الآداب: 104. البيتان في ياقوت والصفدي والفوات والنتف: 106والغيث 2: 12. البيتان في ياقوت والمطرب والنفح 3: 329 وبدائع البداية: 394 (ونسبا فيه لابن رشيق) والنتف: 94. البدائع والمطرب: لك مجلس. وردا غير منسوبين في القسم الأول: 888 وهما للحصر في بدائع البداية: 393. ص: وراءهم، ولعلها " وراءهم ويتامى ". ص: تباب. الذخيرة: 1: 91. ص: والإناث. ص: لتعدوا البنيه ... عقلا. ص: فرق. ص: ليوثا. ص: الظهور. ص: أحشا قد. ص: خبث. ديوان أبي تمام 4: 570. ديوان ابن هاني: 238. سليمان ابن حسان النصيبي: أحد شعراء اليتيمة (1: 425) وهذا البيت لم يرد هنالك. لم أجد هذا في قراضة الذهب، فلعل ابن بسام وهم أو لعل ما بين أيدينا من قراضة الذهب ناقص: على إن التي ترجمت لابن هاني جعلت وفاته سنة 362. هي في النتف: 99 نقلاً عن معالم الإيمان. البيت لعبد الله بت الزبير الأسدي في الحمامة (شرح المرزقي: 914) وزهر الآداب: 405 ونسب في أمالي القالي 3: 115 للكميت بن معروف، وانظر اللسان (سعد) والعيني 2: 417 كما نسب في انساب الأشراف (4 / أ: 134) لأيمن بن خريم (وفي ص: 60 من المصدر الأخير تخريجات كثيرة أخرى يتضح منها انه ينسب في بعض المصادر لفضالة بن شريك) . الأبيات في المسالك 11: 240. المسالك: قرعتهم. ينسب هذا القول إلى أناخرسيس في صوان الحكمة: 247 (ط. طهران) . ديوان امرئ القيس: 242. منها خمس أبيات في النتف: 110عن معالم الأيمان. روطة في بالأندلس، والشاعر يندب معاهدة بالقيروان، فلعل فيه تصحيفا. ديوان جرير: 940. ديوان الرضي 2: 275. منها ثلاثة أبيات في معجم الأدباء 19: 42 وأحد عشر بيتاً في المنتصف: 98 عن معالم الإيمان. ياقوت: عن اهلها وكم. النتف: عليها. النتف: روحاتنا. النتف: وتمضي العصائر ديوان أبي تمام 3: 132. ص: مرعى. ص: إلا. منها بيتان في معجم الأدباء 19: 42 وثلاثة في النتف عن معالم الإيمان. شروح السقط: 120 وصدره: لو اختصرتم من الإحسان زرتكم؛ وقد كرر ابن بسام الاستشهاد به في مواطن. لم يرد في ديوان العباس. ص: وراثة. ص، وتصبحه التهالك. ص: يحدث. ص: وخلانة. كذا في ص. لم يأتي جواب " لما ". ص: يغلوا ص: أقدام. ص: الا اشتاتاً. ص: اظطغان. قد يفهم المعنى مجازاً، بأن مساويه مخضوبة فشبتها اضغائهم أي اظهرتها بقوة التضاد. يرجع: يتردد، وقد تقرأ: " يرتع ". ص: ألم. ص: معنى. ص: تفطيرا. ص: الحائن بياض في ص. ص: ثاوياً؛ والثوي: البيت. للحصري ترجمة في الجذوة: 296 (بغية الملتمس رقم 1229) والصلة: 410 والسلفي 63، 110، 111 والخريدة 2: 186 ومعجم الأدباء 14: 39 والوفيات 3: 331 وغاية النهاية 1: 550 ونكت الهميان: 213 وعبر الذهبي 3: 321 والشذرات 3: 385 وقد ترجم له في المسالك ثلاث مرات 11: 375، 455، 468 (والأخيرة منها خطأ باسم علي بن عبد العزيز) ولم يأت في ترجماته بشيء، وله شعر في نفح الطيب والمطرب والحلة 2: 54 وذكر خبره في الحلة 2: 67 مع المعتد وهو ينقل عن الذخيرة - وقد تقدم -. وتكرر هذا الخبر في المعجب: 205، وكانت وفاة الحصري سنة 488 (ووقع خطأ في غاية النهاية إذ كتب 468) ومن الغريب أن ابن عسكر حين ترجم له (أدباء مالقة: 157) عده من أهل سبتة. وقد قام الأستاذان محمد المرزوقي والجيلاني بن الحاج يحيى بدراسة عنه مرفقة بما وجد من رسائله وأشعار وديوانه المعشرات واقتراح القريح (تونس: 1963) . ذكر الحميدي أن الحصري دخل الأندلس بعد 450هـ -. ص: عره، والتصويب عن ابن خلكان؛ وطويت فلاناً على غره أي لبسته على ذحل. ص: واحتفل، والتصويب عن ابن خلكان. ص: ولا أن أدريه. ص: أن يسلك. ديوان العباس: 221 وزهر الآداب: 1033. ديوان ابن الرومي 1: 352 (عن الذخيرة) . أدرج الأستاذان المرزوقي والجيلاني هذه الرسائل عن الذخيرة في كتابهما: 93 - 99 ولم يعتمدا أصلاً آخر. ولذلك اكتفي بهذه الإشارة إليها. ظن الأستاذان المذكوران قبل أن هذه الرسالة (لذكر الأنفاس العراقية) موجهة إلى صديق عراقي، وهو ظن مستبعد، لضعف الدلالة. ديوان الرضي 1: 658. ص: استمزجته. هو سليمان بن محمد بن الطراوة المالقي النحوي درس على أبي الحجاج الأعلم وأبي مروان بن سراج وتجول في بلاد الأندلس معلماً، وله كتاب " المقدمات على سيبويه " وكانت وفاته سنة 528 (التكملة رقم: 1979 والذيل والتكملة 4: 79 - 81 وتحفة القادم: 11 والمغرب 2: 108 وبغية الملتمس رقم: 779 وبغية الوعاة: 263 ونفح الطيب، وله أخبار وشعر في معجم السلفي: 17، 46، 63 وأدباء مالقة: 188 وعيون التواريخ 12: 284. هنالك صورة من هذه الخصومة بين ابن الطراوة والحصري في كتاب السلفي: 63 وروى السلفي عن أحد المالقيين قوله: " كانت بينهما منافرة ومناقرة ويهجو كل منها الآخر ". وقال ابن عبد الملك: " وكانت بينه وبين الأستاذ أبي الحسن الحصري مخاطبات نال كل واحد منهما فيها من صاحبه ". البيتان في التكملة: 419 والنفح 2: 154. ص: أخوين. لم أهتد لمعنى هذه العبارة. ص: يحومك. ص: فتدحض. ص: بالخاصي؛ والحصي: الحصيف الشديد العقل. بيت للمتنبي، انظر شسرح العكبري 3: 92. ص: نقدان؛ ونقران في ديار بني تميم؛ وإذا كانت نعوان فهي في ديار غطفان، وإذا كانت قران فهي في اليمامة (وأرجح الأخيرة لأنها أشهر) . ما اغتابني ... معلوم: هذه العبارة وردت في إحكام صنعة الكلام: 250 وكتبت هنالك: " ما اعتابني في عيب إلا ذو عيب وخيم مقيم مع لؤم معلوم ". ورد البيت في القسم الأول: 842. هو غانم بن وليد المخزومي، ترجم له ابن بسام في القسم الأول: 853 وأورد له رسالة إلى الحصري أيضاً ص: 856. ص: ويضير. ورد البيتان في إحكام صنعة الكلام: 246. وردت ترجمته في القسم الثالث: 457. ص: عباس. ص: ختمت. ص: فارفع. ص: سبت؛ وقد تقرأ " نسب ". نسبا لابن الرومي في أمالي القالي 2: 282 والشريشي 2: 34 وقال ابن رشيق في القراضة: 46 - 47 البيت الأول لابن الرومي والثاني لعبد الملك بن صالح، ارتجل ابن الرومي بيته واستجازه. القراضة: يا من يسود بالخضاب مشيبه. لم يرد البيت في ديوان الخالديين الذي جمعه سامي الدهان. ص: وزراً. ص: مقدور من يقدر للمقدور. البيتان في المسالك 11: 455 والمطرب: 75 والخريدة 2: 186 ومختارات ابن الصيرفي 131. البيت مضطرب في ص: رابه على ضنى فأتى ... يده ياسمين. هذه القطعة والتالية في الشريشي 5: 240. وردا في الريحان والريعان 1: 141 / أللمعتمد وكذلك في النفح 4: 212 (مع اختلاف في الرواية) وانظر الشريشي 5: 280. ص: معالي القوافي. ص: الخدود ص: وهي. ص: الحبيات. ص: مسجورات الجود. اللخمي هو المعتمد نفسه، والشاعر هنا يشير إلى أنه أشعر من ابن المعتز العباسي. عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي بالأندلس ولي خمسين سنة (300 - 350) . عبود: قد يكون اسم فرس (وفي خيل العرب عبيد) والأرجح أنه اسم رجل، والأندلسيون - كما يقول أبو حيان الجياني في النضار - يسمون عبد الله عبودا كما يسمون محمدا " حمودا " (بغية الوعاة 1: 147 تحقيق الأستاذ أبو الفضل إبراهيم) ، والخبب، نوع من السير، كما إنه اسم البحر الذي استعمله الحصري في هذه القصيدة، فهو يقول إن عبودا لا يستطيع أن يجاريه في هذا البحر، بل يقصر عنه كما يقصر العير (الحمار) عن الفرس العتيق (منجرد قيد الأوابد) . منها أربعة أبيات في أدباء مالقة: 158. ص: يقتص، والتصويب عن ابن عسكر. ابن عسكر: شفيت. ص: رابت. كذا في ص، ولعل صوابه " ورصت " أو " ربضت " بمعنى ألقت. انظر الخبر عن وقوع علي أسيرا في يد الألمانيين، وكيف بذل فيه والده عشرة آلاف فلم يقبل أسره الفدية في أعمال الاعلام: 219 (ثم تيسر فكاكه سنة 423) . عند عودة علي من الأسر عرض عليه والده الإسلام فقبله، ثم أصبح عليه معوله في الأمور (أعمال الاعلام: 221) . ص: بردائه. ص: حل. ص: وأكيل. ص: تنداً. اضطرب هنا بمعنى ضرب. أذيالها يعني أذيال الدولة، أي كان قد جعله ولي عهده. من الآية: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين (الزخرف: 18) . ص: أديم. يعني أبا المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن مثنى. قام ابن هود بنقل ابن مجاهد ومن معه إلى سرقسطة وأقطعه إقطاعاً يمونه (أعمال الأعلام: 222) . مختارات ابن الصيرفي: 131 والخريدة: 187 وكتاب الآداب: 91. يعني محمد بن خلصة الشذوني النحوي وكنيته أبو عبد الله، وقد وردت ترجمته في الذخيرة 3: 322 وذكرت هنالك مصادر ترجمته، ويضاف إليها أيضاً: المحمدون: 399 وأنباه الرواة 3: 125 والوافي 3: 42. الشريشي 5: 240. الأبيات في المطرب: 79. ص: تنكرون. ص: قال. ديوان ابن المعتز 4: 108. ص: سقى الله عيناً. ص: ومقفر. ص: باب. ص: دارت. ص: رده. ص: بر. فيه اعتماد على قول ابن هانئ: " فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر ". ص: حاتنا. ص: مختصره. ص: زحل. ص: زعمي. ص: حبسوا. ص: على. انظر القسم الثاني: 66. ص: القمر. انظر ياقوت 14: 40 والخريدة 2: 187 والنفح 4: 246 ومختارات ابن الصيرفي: 131 والغيث 2: 219 والوافي في نظم القوافي، الورقة: 436. هذه هي القصائد التي تضمنها ديوانه اقتراح القريح واجتراح الجريح وقد نشره الأستاذان المرزوقي والجيلاني في كتابهما عن الحصري: 243 - 490 وسأشير إليه فيما يلي باسم " اقتراح ". اقتراح: 275. ص: غدونا؛ اقتراح: أتوا. اقتراح: 278. اقتراح: مثل القتيل خضيبا. اقتراح: 296. اقتراح: محلي. من قول امرئ القيس: إلى عرق الثرى وشجت عروقي ... وهذا الموت يسلبني شبابي وقيل في تفسير عرق الثرى إنه إبراهيم. ص: ولدها. اقتراح: 301. ص: غريبته. اقتراح: 306. اقتراح: فقد إلف. ص: المسرخ؛ اقتراح: المصوخ؛ والمسخخ: الذي يعرز ذنبه في الأرض. ص: عين. اقتراح: الوقت (وهو أصوب) . ص: علتي. اقتراح: 344. اقتراح: 375. اقتراح: وجر ... النصر. يبدو أنهما لم يردا في اقتراح القريح. ص: أبداً. ص: أن ترى أرض. ص: أنفا في. ص: تقصته. هو أبو المطرف عبد الرحمن بن قاسم الشعبي المالقي (402 - 497) كان فقيه مالقة في عصره، وعليه كانت الفتيا تدور، وكان حافظاً من الحفاظ المشاهير، يحفظ المدونة وغيرها، أخذ عن شيوخ جلة كأبي أيوب (أبي العباس) أحمد بن أبي الربيع الأليبري وعن أبي محمد قاسم بن محمد المأموني السبتي وغيرهما؛ وقال فيه الفقيه أبو العباس أصبغ بن أبي العباس: " عصرة أهل العلم الرفيعة، وهضبته العبقة البديعة، بذ فيه الجموع والأفراد، وأربى نطره على النفاذ والنقاد، وبورك له فيما منح من الاستيلاء والاستحواذ ... " (وقد جرى التعريف به في القسم الأول: 848 الحاشية: 2 اعتماداً على أدباء مالقة والصلة، ولكني زدت التعريف به هنا بياناً) . ص: لصاحبتي. كذا ورد هذا البيت في ص؛ ومعناه فيما أرى: أنني سريت واتخذت الجمل السري (المختار) مصاحباً لي، فهواي يصبي، أما هو الجمل فإنه ينضي، أي بسبب له النحول. المظلومة: الأرض. كذا؛ ولعله " نقوض لامر " أي أنه ينقض ما اجتمعت عليه الخوارج من رأي وكيد؛ والامر - بكسر الهمزة - الأمر العظيم الشنيع. رية هو الاسم القديم لمالقة. ص: ملك. ص: وحلت. هو تميم بن بلقين صاحب مالقة، الملقب بالمستنصر وكان احد الذي استنفرهم يوسف بن تاشفين في جوازه الثاني لحصار حصن لييط، ثم إن المرابطين نحوه وأخاه عبد الله بن بلقين وأرسلوهما إلى العدوة وأسكنا بأغمات (انظر الحلل الموشية: 58 ومذكرات الأمير عبد الله) . ص: إن جر. ص: في صدره حرجاً. الفقيهان هما الشعبي وابن حسون. بنو حسون من الأسر المشهورة بمالقة، وكان منهم أبو علي الحسن بن حسون قاضي مالقة في مدة العالي بن يحيى بن حمود (المغرب 1: 430) وأبو الحكم ابن حسون الذي تولى أمر مالقة فترة من الزمن (النباهي: 104) وذكر ابن الأبار أبا عامر بن حسون (التحفة: 96) وإنه كان والياً على مالقة؛ أما أبو مروان هذا فهو عبيد الله بن عيسى (أو ابن حسين بن عيسى) الكلبي المالقي، ولي قضاء مالقة وكان أبوه (الشهير بحسون) قد وليها لبني حمود (انظر ما تقدم قبل قليل فلعله هو الذي ذكره ابن سعيد باسم الحسن، وذكره ابن الأبار باسم الحسين) ، وتوفي يوم الاثنين لأربع خلون لربيع الآخر من سنة 505 وقد كان ابنه محمد من الفقهاء المشاورين في بلده (أدباء مالقة: 152 - 153 والتكلمة: 921 - 922) . يبدو أن تميم بن بلقين كان قد عزل أبا المطرف الشعبي، فلما عزل تميم عاد أبو المطرف إلى منصبه، وهذا ما يفسره البيت التالي الذي يصور الشماتة بتميم؛ وانظر القصيدة السابقة ففيها تصريح بسوء العلاقة بين تميم من ناحية والشعبي وابن حسون من ناحية أخرى. ص: فما. ص: فؤادي. ص: انبه في عفة. هناك اثنان يعرفان بابن فضال وكلاهما يكنى أبا الحسن: علي بن فضال القيرواني المجاشعي النحوي وقد شرق، ومدح نظام الملك وزير الدولة السلجوقية (وله ترجمة في الخريدة 1: 287 والمنتظم 9: 33 ومعجم الأدباء 14: 90 وأنباه الرواة 2: 299 وانظر مزيداً من مصادر ترجمته في الخريدة 3: 694 وكانت وفاته سنة 479) ؛ والثاني هو عبد الكريم ابن فضال القيرواني الحلواني - وله ذكر في المطرب: 59، 75 ورايات المبرزين: 107 (غ) ومسالك الأبصار: 456 والخريدة 2: 188 وهذا هو الذي غرب فدخل صقلية والأندلس، وقد مر ذكره في القسم الأول 1: 506 وأنشد له بيتين في لبس البياض وهو شعار الحداد عند الأندلسيين. انظرها في المسالك والخريدة والمطرب ومختارات ابن الصيرفي: 131. في أكثر المصادر: عتاق. الشريشي 1: 414. انظر النتف: 103 وما تقدم ص: 215. الشريشي 1: 414. ديوان البحتري: 105. الشريشي 1: 317. سيترجم له ابن بسام في هذا القسم، وله ذكر في رايات المبرزين: 99 - 100 وبيتاه في الشريشي 1: 317. وردت في المسالك 11: 456 والمسلك السهل: 496 والشريشي 4: 18. انظر البيتين وأبيات الحلواني بعدهما في الشريشي 5: 253. ص: فتكه. ستجيء ترجمته في هذا القسم: 360. انظر القسم الأول: 842. ص: مفرق. ص: لحاليه؛ وهذا الشطر يبدو تكراراص لما سبقه عن طريق السهو. ص: وغيره ... مذرعيه. ص: الذم من خافضيه. ديوان الوأواوء: 222. ص: وآيات. أرجح أن يكون اسمه " إبراهيم بن محمد " وسيسميه إبراهيم في غير موضع في قصائده، ويشير إليه أحياناً بابن محمد. الشريشي 3: 442. الشريشي 1: 128. ص: بعد؛ الشريشي: وخز. ديوان ابن المعتز 4: 210. زهر الآداب: 893 والمختار: 336 والذخيرة 1: 910. هو محمد بن محمد بن جعفر البصري أبو الحسن، أكثره شعره في شكوى الزمان وهجاء شعراء عصره كالمتنبي وغيره (اليتيمة 2: 348 ومعجم الأدباء 19: 6) . وبيته هذا في الشريشي 1: 129 منسوب لابن الجد. ديوان البحتري: 22. الديوان: ليواصلنك. ديوان أبي تمام 2: 77. من قصيدة تنسب لعدي بن زيد العبادي، انظر ديوانه: 106 (وتخريجه ص: 223) . ديوان المتنبي: 268. ص: ينفعك. شروح السقط: 526. منها بيتان في الشريشي 3: 356. ص: على. يعني اتهم ابن فضال. ص: ومنابعها. أب جنيس: أبو جنيس وهي كنية الرمادي بعجمية الأندلس (جنيش الرماد) . منها بيتان في المسالك. لم يرد البيت في ديوانه، والقافية في (ص) : غبارا. مرت ترجمته في القسم الثالث: 40. ص: المأموم. ص: فقل. الشريشي 4: 314. ديوان ابن الرومي: 232 وزهر الآداب: 294 وهذه القصيدة في مدح أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن بشر المرثدي. ص: لتقبيل. الشريشي 2: 258. هو أبو الفتح البسي، والبيتان في اليتيمة 4: 315 وزهر الآداب: 397. اليتيمة والزهر: برج نجم اللهو. مصعب بن محمد بن أبي الفرات بن زرارة القرشي العبدري، أبو العرب: ولد بصقلية سنة 423 وخرج عنها لما تغلب الروم عليها سنة 464 قاصدا المعتمد، فدخل إشبيلية في شهر ربيع الأول من السنة التالية (465) وكان إلى شهرته بالشعر عالما بالأدب، روى عنه بعض الأندلسيين كتاب أدب الكتاب لابن قتيبة، وبعد أن سجن المعتمد لحق بناصر الدولة صاحب ميورقة وبقي فيها إلى أن توفي. ويذكر ابن الأبار أنه توفي سنة 506 إلا أن ابن الصيرفي يقول: وبلغني في سنة سبع وخمسمائة أنه حي بالأندلس؛ وقبره وقبر ابن اللبانة بميورقة كان متجاورين، وكان هو رجلا طوالا بينما كان ابن اللبانة دحداحا (التكملة: 411) (انظر ترجمته في التكملة: 703 والخريدة 2: 219 والسلفي: 68، 138 والمسالك: 456 وابن خلكان 3: 334 وعيون التواريخ 12: 16 (نقلا عن الذخيرة) ورايات المبرزين: 111 والمغرب (قسم صقلية) وله ذكر في النفح وبدائع البدائه والمنازل والديار: 128 / أ، وعنوان الأريب 1: 123 وقد أشرت إلى بعض مصادر ترجمته في القسم الأول: 90. وردت هذه القصة والأبيات في المسالك والرايات وبدائع البدائه: 373 والنفح 3: 569، 4: 260، 261 وعيون التواريخ. النفح: أعطيتني، أهديتني؛ عيون: أهديتني. ص: أحورا. النفح والعيون: نتاج؛ البدائع: يناخ. النفح: تصرف. ص: غرر. يقول ابن الصيرفي أن هذه القصيدة أول قصيدة أنشدها أبو العرب للمعتمد؛ ومنها الخريدة خمسة أبيات وستة في عيون التواريخ: 19. الخريدة: والمتيم. الذخيرة 1: 89 - 90. ص: الطنيني. هو محمد بن عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الحميد الأزدي - مولاهم - أبو عبد الله، كان عالما باللغة والأخبار والتواريخ وألف كتابا في شعراء الأندلس وتوفي سنة 343. ص: يشتكي عينا ... يتظلم. ص: ترفع. منها سبعة أبيات في عيون التواريخ: 18. منها بيتان في طراز المجالس: 128 والشريشي 3: 98 وهي في العيون: 19. ص: بردان، والتصويب عن الشريشي. انظر القسم الثاني: 415 وما بعدها. البيتان في الخريدة 2: 221 والريحان والريعان 1: 156ب والشريشي 3: 171 والعيون: 16. الخريدة: كأن فجاج الأرض يمناك. الخريدة: خائف. الخريدة: فأني. ديوان النابغة: 52 وزهر الآداب: 1031 والمؤلف يتابعه، والشريشي 3: 17 والعيون: 16. زهر الآداب، نفسه والشريشي 3: 171 والعيون: 16. زهر الآداب: 1032 والعيون: 17 وديوان البحتري: 76. الديوان: لمجدهم من أخذ. زهر الآداب: 1032 والعمدة 2: 179 والعيون: 17. عيون التواريخ: 17. العمدة 2: 179 وديوان المتنبي: 482 والعيون: 17. زهر الآداب: 1032 والعيون: 17 وديوان البحتري: 76. الديوان: لمجدهم من أخذ. زهر الآداب: 1032 والعمدة 2: 179 والعيون: 17. عيون التواريخ: 17. العمدة 2: 179 وديوان المتنبي: 482 والعيون: 17. وردا في الأغاني 13: 163 منسوبين لعبد الله بن حجاج وهما في الكامل 3: 131 والحيوان 5: 240 - 241 وحماسة البحتري: 260 ومجموعة المعاني: 138 وينسبان أحياناً للقتال الكلابي (انظر ديوانه: 99) وعيون التواريخ: 17. لعله هو محمد بن أحمد بن عبد الله الصباغ الصقلي الذي وردت ترجمته في المحمدون: 68 نقلاً عن الدرة الخطيرة لابن القطاع. لعل الصواب: جعل. س: حمطتك. ص: الذي. ص: ونسبها. ص: غدراته. حقه أن يقول: توبة الأخيلية. ص: وقصرت ... وذخرت. ص: بيض. ص: وحصنة؛ والسعنة: القربة ينبذ فيها، وربما وضعت فيها المرأة غزلها وقطنها. زهر الآداب: 320 وقد استشهد ابن بسام من قبل في القسم الأول: 150. ص: ظنون. ص: واستغر إليك. ص: العدال. ص: تريد. ص: وتبقى في. ص: جبل. ص: وكشفت. ص: مجهدة. ص: وتشامخت. ص: جليدة. ص: السفن. ص: الكاف قافا. ص: فأين منك من. ما يلي هو نص ما كتبه إليه صديقه حين لامه. ص: خرفا. ص: وتجانب. هو الصمصام بن يوسف ثقة الدولة، تولى بعد أخيه الأكحل تأييد الدولة سنة 427 ولم تطل أيامه، بل نار عليه أهل بلرم وأخرجوه، واستقل كل قائد في جزيرة صقلية بمنطقته. كذا، ويمكن أن تقرأ " الاضطرار ". لعله: فيغرق أو يخرج. انظر الخريدة 2: 194 ورايات المبرزين: 112 والمطرب: 54 ومسالك الأبصار: 288 والسلفي: 86 وابن خلكان 3: 121 وعيون التواريخ 12: 255 والمكتبة الصقلية ونفح الطيب، وقد كتبت عنه دراسات منها دراسة للأستاذين السقا والمنشاوي (القاهرة 1929) ودراسة بالإيطالية للأستاذ جبراييلي، وقد كتبت عنه فصلاً في كتابي عنه فصلا في كتابي " العرب في صقلية ": 235 - 262 ودراسة جعلتها مقدمة على ديوانه الذي قمت بنشره سنة 1960 ويبدو من المقارنة أن الذخيرة انفردت بقصائد لا نجدها في أصول ديوانه، ومعنى ذلك - في الأرجح - أن هذه القصائد تمثل رواية - أو مجموعة - كانت له بالأندلس، وبخاصة وإن ابن بسام لقيه وسمع شعره، ولكن ابن حمديس عاش حتى سنة 527 وكثر شعره، فالذخيرة تمثل حقاً المرحلة التي سبقت مغادرته لندلس وبعض قصائد مما قاله في بني زيري من بعده. وسأعارض شعره الوارد هنا بديوانه وحده لأني قمت بتخريج شعره من المصادر المتيسرة حين تحقيق الديوان نفسه. ديوانه: 204. الديوان: ولا جننت بخصر. روايته في الديوان: وشربة من دم العنقود لو عدمت ... لم تلف عيشاً له صفو بلا كدر أو لعله بيت آخر وقع موقعه أو بعده. الديوان: بلغت. روايته في الديوان: لا يسمع الأنف من نجوى تأرجها ... إلا دعاوي بين الطيب والزهر الديوان: غار. الديوان: سهري، وفي ص: سحر. الديوان: ففيك. هذه الأبيات الثلاثة لم ترد في رواية الديوان وأثبتها هنالك في الحاشية: 208. ديوانه: 88. ديوان أبي نواس: 244. ديوان ابن حمديس: 89. ديوانه: 559 (عن الذخيرة) . ديوانه: 544 (من الذخيرة) . ديوانه: 110. الديوان: قطعت لها بالعزم نجداً وصحصحا. الديوان: ويحتال من أهل القريض ... يهادي القوافي. الديوان: وأصحابي ... تجده. القسم الثاني: 75 وديوان ابن حمديس: 267. ديوان ابن حمديس: 268 - 269 والذخيرة 2: 76. الديوان: 557 (عن الذخيرة) ومنها أربعة أبيات في المسالك. ص: تريد (دون اعجام للياء) . المسالك: عنس. لعل صوابه: حينما يبذل القرى أو: حين يستنزل القرى. كذا هو في ص ولعله: " بالهدى " أو ما أشبه. ديوان ابن حمديس: 28. الديوان: أتحسبني أنسى وما زلت ذاكراً. الديوان: علمت بتجريبي أموراً جهلتها. ص: حلا من ضلوعي بين زند الكواعب. له وجه من معنى، وأحسبه " يعد " كما في الديوان. الديوان: كيف لي بفكاكها. ص: وكأنها. ما حذفه ابن بسام قبل هذا البيت يشوء السياق، ففي ما قبله كان ابن حمديس ينعى على قومه مشوبهم في فتنة قسمتهم وأوهنت قوتهم، وفي هذا البيت وما يليه يشيد بما كان لهم من بطولات قبل تلك الفتنة. ديوانه: 14 ومطلعها مختلف، وهو: ألا كم تسمع الزمن العتابا ... تخاطبه ولا يدري الخطابا والأبيات الثلاثة الأولى هنا ليست في رواية الديوان. الديوان: عن الأبصار. قراءة غير دقيقة لما في ص، واقرب الصور المثبتة " الحدفا ". الديوان: يمان كلما. الديوان: صروف. الديوان: نكرمها اكتسابا. الديوان: 54، 539 (والثانية نقلاً عن الذخيرة وهي تكاد تكون رواية مستقلة) . الديوان: قطعت (54) . من هنا حتى آخر القصيدة مما تستقل به رواية الذخيرة. هكذا في ص؛ وله وجه، والأحسن ما أثبته في الديوان " وقمص ". ص: الجو. ص: بالتأويل. الديوان: 537 (عن الذخيرة) ومنها في المسالك ثمانية أبيات. ص: حملة. فيه إشارة إلى قولهم: " إن الرائد لا يكذب أهله ". ص: فنقطت بالجاري وبالمتشهلب. الديوان: 550 (عن الذخيرة) ومنها في المسالك أربعة أبيات. في ص صورة: من أن (دون إعجام) . ص: عين. ص: نفحة. ص: المشحر. المسالك: لأبقت. الديوان: 375. ورد بدل هذا المطلع في الديوان: أغمر الهوى كم ذا تقطعني عذلا ... قتلت الهوى علماً أتقتلني جهلا ص: بدعاً. الديوان: أراني له موله من الفضل لا مثلا. الديوان: على كل بان غاية منه أو فضلا. الديوان: فجاء .... تبعث. الديوان: تجوز. ص: مدارسها. ص: منزع تعدي. ص: نواظرها. ص: تختتل. الديوان: 359 (عن الذخيرة) . الديوان: 85. جاء في موضعه بيت آخر في الديوان. الديوان: مدمج. الديوان: ريقاً، سد على ذوب العقيق ما فتح. الديوان: الزق. الديوان: ينأى بها سرورنا عن الترح. الديوان: قد علمت مزاجه فشربها ... يجرحه ثمت يأسو ما جرح هذا البيت مع اثنين آخرين وردت في الوافي في نظم القوافين الورقة: 49 (مخطوطة ليدن) . الديوان: يقدح ناراً ... الماء. الديوان: لنا. الديوان: حتى علا الجو دجى لم يغتبق ... فيه الحيا من الثرى كما اصطبح الديوان: غراب ليل فوقنا محلق ... يقبض عنا ظله إذا جنح ص: كف. الديوان: يا لائمي. الديوان: 554 (عن الذخيرة والمسالك) . ص: سريت. شروح السقط: 240. الديوان: 541 (عن الذخيرة. ومنها بيتان في المسالك) . الديوان: 186. الديوان: يصقل. الديوان: صبا أعلنت للعين ما في. ص: وأقبل سكراً. ص: حط. الديوان: بكاسات الصبوح. الديوان: 24 وسرور النفس: 433. الديوان: عجبت. الديوان: 541 (عن الذخيرة والمسالك) . الديوان: 143 (والبيت الأول من الذخيرة والمسالك) ومنها بيتان في الشريشي 1: 311 منسوبان لابن الصباغ الصقلي. الديوان: 556 (عن الذخيرة) . الديوان: 555 (عن الذخيرة) . الديوان: 559 (عن الذخيرة) . الديوان: 542 (عن الذخيرة) . كذا في ص، وأحسب صوابه: " تقرب ". هو عبد الله بن خلية القرطبي، المعروف بالمصري، قال ابن سعيد: لطول إقامته بمصر، وأنكر ابن حيان أن يكون ابن خليفة (وكان ابن جار له) قد تعدى في رحلته العدوة، وأنحى عليه بالذم عند الحديث عن الشعراء الذي أنشدوا قصائدهم في الأعذار الذنوبي (ص: 137، 139) وقد دافع عنه الحجاري في المسهب، وذمه ابن اللبانة في كتابه " سقيط الدرر " لأنه لم يكن وفياً للمعتمد بعد خلعه (انظر ترجمته في المغرب 1: 128 وفيها اعتماد كثير على الذخيرة؛ وراجع أيضاً الخريدة 2: 193 والمسالك 11: 466 وأجرى ذكره في القلائد: 6 والمطمح: 15 وله أشعار في النفح) . المغرب: العالم. ص: رواية. انظر ما تقدم: 137، 139. ص: لداته. انظر المغرب 1: 131 والشريشي 3: 311. مقتبس من قول الأول: إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونغمي تشتهيه انظر القسم الأول: 145 باختلاف في الرواية. المغرب 1: 129 - 130. ص: ونار الحجاب؛ وأثبت ما في المغرب. ص: البلاد. المعاني الكبير: 1253 واللسان (أدم) وفصل المقال: 197 والصداقة والصديق: 28. ديوان التهامي: 57. ص: تعرض. ابن خلكان 2: 315 والهفوات النادرة: 37 وغرر الخصائص: 134 (ط / 1318) والبيتان وحدهما في عيار الشعر: 92. بياض في ص، وأثبت ما عند ابن خلكان. المعروف: " أبا " ولكني أبقيته على حاله، إذ لعل الشاعر هنا يحاكي قول كعب بن سعد الغنوي (وهو شاهد نحوي) " لعل أبي المغوار منك قريب ". ص: بآية. المغرب 1: 130. المغرب: بين. زهر الآداب: 923 والصناعتين: 208 والوساطة: 318 وديوان أبي نواس: 66. ديوان المتنبي: 80. انظر الخبر والشعر في بدائع البدائه: 333 وديوان أبي نواس: 103. بدائع: لحيات البلاد. طممت أجزاء من الورقة هنا فلم أتمكن من قراءة ما وضعت نقطاً في موضعه. منها بيتان في النفح 3: 118. قصيدة أبي الطيب مطلعها: " دروع لملك الروم هذه الرسائل " (الديوان: 364) وقصيدة المعري: " ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل " (شروح السقط: 519) . شروح السقط: 1041. ص: جميل. ص: عزيز. ص: أعطيك. نفح الطيب 1: 529. نفح الطيب 1: 529. ابن خلكان 5: 348. والمسالك: 304 والشريشي 3: 205. ابن خلكان: ما يأتي به. ابن خلكان: ساجعة. ابن خلكان: عليه الدهر مصطخب. ص: الأعجام. هو أبو الأصبغ عبد العزيز البطليوسي، وكان طبيباً مستهتراً بالخمر وكان يقول: أنا أولى الناس بألا يترك الخمر لأنني طبيب أحبها عن علم بمقدار منفعتها (انظر المغرب 1: 369 والنفح 3: 452 وكتب لقبه فيه " القلندر "، وورد عند العماد في الخريدة 2: 258 من لقبه " القمندر " ولكنه كناه أبا بكر) . ص: إليه. المغرب 1: 130 ومنها ثلاثة أبيات في الشريشي 5: 305. صوابه: فهاتي. المغرب: في طوافي. الشريشي: المزن. المغرب 1: 130. ص: أراني. ذكره ابن سعيد في رايات المبرزين: 110 (غ) باسم " عبد الله " وأورد له بيتين في حرشوفة نقلاً عن كتاب " زمان الربيع " للخشني، وانظر المسالك 11: 457. انظر القسم الأول: 843. ص: مشعوث. ص: مراوحة. منها بيتان في المسالك 11: 457 - 458. لعله: البطليوسي، أي القلمندر الذي مر التعريف به آنفاً ص: 357. ص: جوانحي. النفح 3: 458 والقسم الثاني من الذخيرة: 837. ص: أعيذك. ص: مماليكهم. ص: خاطب. ص: مخيل. ص: فراني. ص: محول. ص: مقالتها (دون إعجام التاء) تبيد. يجيء أحياناً " فانو " (انظر البيان المغرب 4: 103) . انظر نفح الطيب 3: 119 (وفيه نقل عن الذخيرة) ونقل المقري حكاية المضحك البغدادي في مجلس المنصور بن أبي عامر وسماه " الفكيك "، وهو خطأ لأن الفكيك لا يمكن أن يكون قد أدرك عهد المنصور (انظر ما تقدم في هذا القسم ص: 28) . ص: المذكورين. استهز في. ترجمته في القسم الثاني: 809. النفح 3: 119. بعدلك: لم يبق في ص إلا " لك ". ص: الحمدي، والحمدوي (ويرد في المصادر " الحمدوني ") هو إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه وكان كثير النظم في طليسان بن حرب وشاة سعيد (انظر طبقات ابن المعتز: 371 والأغاني 12: 61 والوافي 9: والفوات 1: 173 وابن خلكان 7: 95) . زهر الآداب: 234 والغيث 2: 123. الغيث: (نفسه) والإيجاز والإعجاز: 87 وقد نسب فيه لأبي الحسن اللحام الحراني، كما نسب في رفع الحجب 1: 97 لابن الرومي، وانظر الذخيرة 1: 308. ما جاء مضمناً في الأبيات فهو من قصيدة لامرئ القيس في ديوانه: 153 وما بعدها. منها أبيات في النفح 3: 119 - 120. ص: وأوشح. ص: وروى، واثبت ما في النفح. ص: قال. منها أبيات في النفح 3: 120. ص: عليا؛ النفح: بقاء. ص: ما. ص: بيمينك. ص: لأشعار. ترجمته في جذوة الاقتباس 2: 536 نقلاً عن الخذيرة، وانظر المسالك 11: 458. ص: وحاله. حاول ابن القاضي المكناسي حل هذا الحوار عن طريق التصحيف، حلاً جزئياً، ولعله وفق في بعضه فليراجع (عبدك: عندكن نعم، يعم، الفتى: الفسا ... الخ) . بطياس: قريبة حلب (انظر ديوان البحتري: 214، 1135) . اسمه أحمد بن عبد الله بن العباس وهو عم أبي بكر الصولي (انظر ديوان البحتري: 1127 والحاشية) . انظر المسالك 11: 458 والمغرب 2: 470 أبو بكر العطار (بحذف كلمة ابن) والنفح 4: 10 وفي عنوان المرقصات: 30 من اسمه عبد الله بن محمد العطار ولا أظنه هو لأن المترجم به اسمه في النفح " محمد "، ولعبد الله العطار أيضاً ترجمة في المسالك 11: 432 وهو من شعراء الأنموذج، فهو علي هذا ليس من يابسة. ص: قد سدت، والتصويب عن المسالك. ص: ألفت. ص: تكسره. المسالك: تنفك ... تظللها. ص: تستعف. النفح: أمطيت. منها بيتان في المغرب والمسالك. الكواثب: جمع كاثبة من الفرس قدام السرج. أورد العمري منها ثلاثة أبيات. ص: وضاح. سقط عنوان الفصل من ص، وهذا قد يفسر كيف أن العمري في المسالك لم ينتبه إلى أن ابن بسام قد انتقل إلى ترجمة جديدة، ولهذا أدخل العمري بيتي شعر لابن القابلة في ترجمة ابن العطار اليابسي؛ وحين أراد أن يترجم لابن القابلة عقد له ترجمة مستقلة (11: 229) واعتمد في هذه الترجمة على عنوان المرقصات: 30 وهي قاصرة على ثلاثة أبيات له وردت أيضاً في الدرة المضية: 487 واسم القابلة عبد الله، ولابد من أن نفرق بينه وبين ابن قابلة آخر ليس سبتياً وهو محمد بن يحيى الشلطيشي (المغرب 1: 352) . الشريشي 1: 61. انظر القصة في بدائع البدائه: 81 والنفح 3: 610، 4: 13. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 401 فأول من أبدأ به منهم من رسخت أصوله في تربة التقديس والتسبيح، والتفت فروعه بأجنحة الملائكة والروح، من عبد الرحمن في زمانه، وخلعت الأوثان بين صارمه وسنانه، صلى الله عليه أتم صلاة وأزكاها، وأقربها من رضوان الله وأدناها، وعلى أهل بيته أولى الناس بنصح جيوبنا، وأحقهم بطاعة قلوبنا، وأرجاهم لحط خطايانا وذنوبنا. فصل في ذكر الشريف أبي القاسم المرتضى ذي المجدين علم الهدى (1) وإثبات جملة من شعره الذي شرف بقائله وطائله، وعرف بجلالة ناظمه، وأصالة مباديه وخواتمه. كان هذا الشريف المرتضى إمام أئمة العراق، بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظمائها: صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها، ممن سارت أخباره، وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره؛ إلى تواليفه في الدين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، بما يشهد أنه فرع تلك الأصول، ومن أهل   (1) مولده سنة 355 ووفاته سنة 436، وقد تفرد في علوم كثيرة مثل علم الكلام والفقه وأصوله والأدب والنحو ومعاني الشعر واللغة وله عدد كبير من الكتب. وديوانه يقع في ثلاثة مجلدات: انظر ترجمته في أنباه الرواة 2: 249 ومعجم الأدباء 13: 146 وابن خلكان 3: 313 (وفيه نقل عن الذخيرة) ودمية القصر 1: 279 وتاريخ بغداد 12: 402 وتتمة اليتيمة 1: 53 والمنتظم وابن الأثير والذهبي (وفيات) 436) وتلخيص مجمع الآداب 4 / 1: 600 ومرآة الجنان 3: 55 ولسان الميزان 4: 223 وبغية الوعاة: 335 والشذرات 3: 265 وعبر الذهبي 3: 186 والنجوم الزاهرة 5: 39 وروضات الجنات: 387 والدرجات الرفيعة: 458 والذريعة 2: 401 وابن كثير 12: 53 وللدكتور عبد الرزاق محيي الدين دراسة عنه بعنوان " أدب المرتضى " (بغداد 1957) : ويعتمد ابن بسام هنا في الأكثر على كتاب " طيف الخيال " (القاهرة: 1962) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 465 ذلك البيت الجليل؛ وقد أخرجت من شعره ما لا يمكن لحاقه، ولا ينكر تبريزه وسابقه. جملة من شعره في أوصاف شتى في وصف الطيف [قال] (1) : ما زال يخدعني بأسباب المنى (2) حتى حسبت بأنه حقاً معي أحبب إليّ وقد تغشى ناظري وسن الكرى بالطيف يطرق مضجعي (3) ولقد عجبت على المسافة بيننا كيف اهتدى من غير هادٍ موضعي أفضى إلى شعث لقوا هاماتهم لما سقوا خمر الكرى بالأذرع هجعوا قليلاً ثم ذعذع (4) نومهم غب السري داعي الصباح المسمع وقال: (5) وزورٍ تخطى جنوب الملا فناديت أهلاً بذا الزائر أتاني هدواً وعين الرقيب مطروفة بالكرى الغامر وأحبب به (6) يسعف الهاجعين وتحرمه مقلة الساهر وعهدي بتمويه عين المحب ينم على قلبه الطائر فلما التقينا برغم الرقاد موه قلبي على ناظري   (1) طيف الخيال: 120 والديوان 2: 22 (طيف الخيال ل. والديوان ن) (2) ل ن: الكرى. (3) هذا البيت مقدم في: ل ن. (4) في الأصل: زعزع. (5) ل 121: ن 2: 62 والشريشي 2: 230 - 231. (6) ل ن: وأعجب به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 466 قال الشريف المرتضى (1) : قلت هذه الأبيات في سنة أربع (2) وثمانين وثلاثمائة، وتداول أهل الأدب إنشادها، واستغربوا هذا المعنى، وشهدوا أنه مخترع لم يسمع، فلما تصفحت ديوان شعر أخي لاستخراج ما يتعلق بوصف الطيف في هذا الوقت وهو سنة اثنتين (3) وعشرين وأربعمائة وجدت هذه البائية بخطه على ظهر الجزء الثاني من شعره (4) : إن طيف الخيال زار طروقاً والمطايا بين القنان وشعب زارني واصلاً على غير وعدٍ وانثنى هاجراً على غير ذنب كان قلبي إليه رائد عيني فعلى العين منة للقلب كان عندي أن الغرور لطرفي فإذا ذلك الغرور لقلبي فلست أعرف كيف جرت في خبرها، وهل قصد رحمه الله إلى نظمها حتى لا يخلو شعره من هذا المعنى، أو أنسي سماعه مني، وقذف به خاطره وجرى على هاجسه، وكثيراً ما يلحق الشعراء ذلك فيتواردون في بعض المعاني المسبوق إليها، وقد كانوا سمعوها فأنسوها، فالخواطر مشتركة، والمعاني معترضة لكل خاطر، وكيف جرى الأمر فيها فإن العنصر واحد، وأينا سبق إلى معنى فالآخر بالنجر والسنخ إليه سابق وبه عالق: وقال المرتضى (5) : أمنك سرى طيف وقد كان لا يسرى ونحن جميعاً هاجعون على الغمر تعجبت منه كيف أم ركابنا وأرحلنا بين الرحال وما ندري   (1) ل: 94 - 95. (2) ل: في سنة نيف. (3) ل: نيف. (4) ديوان الرضي 1: 172 والشريشي 2: 231. (5) ل: 122 - 124؛ ن 2: 67. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 467 وكيف اهتدى والقاع بيني وبينه ولماعة القطرين (1) مناعة القطر وأفضى إلى شعث الحقائب عرسوا على منزل وعرٍ ودويةٍ قفر وقومٍ لقوا أ " ضاد كل طليحة بهام ملاهن النعاس من السكر سروا وسماك الرمح فوق رؤوسهم فما هوموا إلا على وقعة النسر وبات ضجيعاً لي ونحن من الكرى كأنا تروينا العتيق من الخمر أضم عليه ساعدي إلى الحشا وأفرشه ما بين سحري إلى نحري قال المرتضى: قلت: " مناعة القطر "، وهي على الحقيقة ممنوعة، لأقابل بين لماعة ومناعة، والمعنى مع ذلك صحيح / [131ٍ وإنما قلت: سماك الرمح (2) لضيق الشعر، ومعنى: " لقوا أعضاد كل طليحة " أي توسدوا أذرع المطي كلالاً وتصعلكاً. قال ابن بسام (3) : ومثله قول ذي الرمة (4) : رمى الإدلاج أيسر مرفقها بأشعث مثل أشلاء اللجام يعني نفسه [و] أنه عرس على إحدى ذراعي ناقته، وخص اليسرى لتكون وجوههم ووجوه الإبل في ناحية واحدة فيكتلئوا بأبصارها (5) [لأنها أبصر وأسهر] ولو توسدوا أيامن المطي كانت وجوههم إلى أعجازها؛ وفي الاكتلاء لعين المطية يقول الآخر (6) : أنخت قلوصي واكتليت بعينها وآمرت نفسي أي أمري أفعل وقال ذو الرمة أيضاً (7) :   (1) في الأصل: القرطين؛ ولماعة القطرين: السحابة. (2) يعني كان حقه أن يقول السماك الرامح. (3) النص منقول عن شرح الأمالي: 200. (4) ديوان ذي الرمة 2: 1298. (5) في الأصل: فيكتلئون بأبصارهم، وما بين معقفين زيادة من السمط. (6) السمط: 200. (7) ديوان ذي الرمة: 290 (مكارتني) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 468 جنحن على أردافهن وهرموا سحيراً على أعضادهن المياسر وقال أيضاً (1) : رجيعة أسفار كأن زمامها [شجاع] لدى يسرى الذراعين مطرق كأن الزمام وإنما يكون في الشق الذي يضطجع عليه، وقد بين ذلك أبو حية بقوله: [-] (2) أيمن الكشحين منه إلى يسرى يدي حرج أمون وإنما يتوسد القوم أيمانهم السلاح من أياسرهم، وأن معرسهم ليس بمكان طمأنينة ولا وضع السلاح من أياسرهم. وقوله: " فما هوموا إلا على وقعة النسر "، بين مسامته السماك لقمة الرأس من وقعه زمان طويل. ومثله مما أنشده أبو علي البغدادي (3) ، إلا إنه في ذكر الشعرى والنسر، قول أيمن بن خريم: أتاني بها يحيى وقد نمت نومةً وقد غابت الشعرى وقد جنح النسر وقد أنكر أبو عبيد البكري عليه هذه الرواية وقال (4) : الصحيح في المعنى: " وقد طلع النسر "، لأن الشعرى العبور إذا كانت في أفق المغرب كان النسر الواقع طالعاً من أفق المشرق على نحو سبع درجات، وكان النسر الطائر لم يطلع: وإذا كانت الشعرى الغميصاء في أفق المغرب، كان النسر الواقع حينئذ غير مكبدٍ، فكيف أن يكون جانحاً، وكان النسر الطائر حينئذٍ في أفق المشرق طالعاً على نحو سبع درجات أيضاً؛ فرواية أبي علي لا تصح ألبتة، فكأن النسر الواقع نظير الشعرى العبور؛ قال الشاعر: وإني وعبد الله بعد اجتماعنا لكالنسر والشعرى بشرقٍ ومغربِ   (1) ديوان ذي الرمة: 394 (مكارتني) . (2) الكلمة قد كشطت ولم يبق منها إلا الحرف الأول وهو التاء؛ ولم يرد البيت في شعر أبي حية المجموع. (3) أمالي القالي 1: 77. (4) انظر التنبيه: 38 والسمط (شرح الأمالي) : 262. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 469 بلوح إذا غابت من الشرق شخصه وإن تلح الشعرى له يتغيب وقال أبو نؤاس (1) : وخمارة نبهتها بعد هجعة وقد لاحت الجوزاء وانغمص (2) النسر فقالت: من الطراق قلنا عصابة خفاف الأوادي تستقى لهم الخمر قال ابن بسام: وأبو عبيد البكري هذا كان آخر علماء أفقنا بالأوان، وأولهم بالبراعة والإحسان، حتى كأن العرب استخلفته على لسانها، والأيام ولته زمام حدثانها، وقد ذكرت [له] القسم الثاني من هذا التصنيف (3) ، عدة من التواليف في شتى الفنون، تشهد أنه تلقى راية المعارف باليمين. وقال المرتضى من قصيدة أخرى (4) : ألا يا ابنة الحيين مالي ومالك وماذا الذي ينتابني من خيالك هجرت وأنت الهم إذ نحن جيرة وزرت وشحط دارنا من ديارك فما نلتقي إلا على نشوة الكرى بكل خدارى من الليل حالك يفرق في ما بيننا وضح الضحى وتجمعنا زهر النجوم الشوابك وما كان هذا البذل منك سجية ولا البذل (5) يوماً خلةً من خلالك فكيف التقينا والمسافة بيننا وكيف خطرنا من بعيد ببالك ولما امتطيت الليل كنت حقيقة بغير الهدى لولا ضياء جمالك   (1) منابع للسمط، وانظر ديوان أبي نواس: 273. (2) السمط: وانغمس؛ الديوان: انحدر. (3) موضع ترجمة أبي عبيد في القسم الثاني من الذخيرة: 233 ولم يرد فيها ذكر لتصانيف أبي عبيد لأن النسخ المعتمدة قد أخلت بإيرادها، وهذه الإحالة هنا تثبت أن ابن بسام كان قد أدرج له ترجمة مستوفاة، ولعله فعل ذلك في مرحلة متأخرة من إعداده للكتاب؛ ويجدر القول أن للبكري عدة مؤلفات هامة ذكرت بعضها في حواشي ترجمته في القسم الثاني. (4) ل: 124، ن: 2: 370 وحماسة ابن الشجري: 181. (5) ل: الوصل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 470 وهذه أبيات غريبة الطرح، بدوية السنخ. وقال في أخرى (1) : يا طيف زرنا إن نشطت لنا فالركب بالأبواء قد نزلا عد النهار مطية لغبث وخذ الظلام مع السرى جملا ودع التعلل فالحبيب إذا مل الوصال تطلب العللا عجل سراك إلى مضاجعنا وإذا خطرت (2) فلا تغب عجلا من أين يعلم من نحاذره قطع الخيال الحبل أم وصلا وقال (3) : يا طيف ألا زرتنا بسواد لما تضرعنا حيال الوادي وما كان ضرك والوشاة بمعزلٍ عنا جميعاً لو طرقت وسادي والري فيك وقد صديت فقل لنا منا علينا كيف ينقع صاد ومن أجل أنك تسعفين على الكرى أهوى الرقاد ولات حين رقاد يا زورة من باخل بلقائه (4) عجلت عطيته على الميعاد ترك البياض لآمن وأتى به فرق الوشاية على ثياب حداد وقال (5) / [132] ألا [يا] أيها الحادي قف العيس على الوادي وأين الطيف من ظميا - ء أمسى وهو معتادي   (1) ل: 126؛ م 3: 46. (2) ل ن: حضرت. (3) ل: 127، ن 1: 160 والشهاب: 66. (4) ل: برقاده. (5) ل: 131، ن 1: 265. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 471 جفا صبحاً ووافاني صريعاً بين أعضاد (1) تلاقينا بأرواح وفارقنا بأجساد قال المرتضى: الأرواح لا يصح لها في الحقيقة التلاقي والزاور، لكن الشعراء لما رأوا الأجساد في طيف الخيال لم تلتق ولا تدانت، نسبوا التلاقي إلى الأرواح تعويلاً على من جعل النفس لها قيام بنفسها، وأنها غير الجسد، وأن التصرف لها، فجرينا على هذا الطريق، وإن كان باطلاً بالتحقيق. وقال (2) : رازني والرقاد مني ومنهم داخل في العيون من كل باب زورة زورت علي ولو كا - نت يقيناً لما شفت بعض ما بي وقال (3) : قل لطيف الخيال ليلة حوم - نا بنجدٍ هلا طرقت هزيعا والمطايا من الكلال على رم - ل زرودٍ قد افترشن الضلوعا ما على من يحل بالغور بو با - ت لنا طيفه بنجدٍ ضجيعا خادعونا بالزور منكم عن الح - ق فما زال ذو الهوى مخدوعا واطلبوا إن وجدتم كاتماً للسر منكم فقد وجدنا المذيعا وقال (4) : وليلة بتنا بالأبيرق جاءني على نشوة الأحلام وهناً رسولها خيال يريني أنها فوق مضجعي وقد شط عني بالغوير مقيلها   (1) ل ن: جفا صبحاً ووافاني ... صريعاً بين رقاد وأعناق المطايا من ... كلال بين أعضاد (2) ل: 134 والشهاب: 71 ولم يردا في الديوان. (3) ل: 136؛ ن 2: 204. (4) ل: 138؛ ن 3: 36 - 37. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 472 فيا ليلة ما كان أنعم بثها تنازح غاويها ونام عذولها وما ضرني منها وقد بت راضياً بباطلها أن بان ضبحاً بطولها فلما تجلى الليل بالصبح وامحت دياجير مرخاة عليها سدولها أفقت فلم يحصل علي من الذي خدعت به إلا ظنون أجليها قال المرتضى (1) : ولهذه الأبيات ما تراه، مما لا تقدر على جحده من الفصاحة والطلاوة والبدوية التي يوجد طعمها في فصيح الكلام؛ وإنما جعلت الطيف رسولها لأنه مذكر بها ومتجم عنها، فجرى مجرى الرسول، وكان عندي أنني سابق إلى وصف الطيف بالرسول حتى وجدت أشجع السلمي يقول: حي طيفاً أتاك بعد المنام يتخطى إليك هول الظلام شحط الحي من سعاد ومنا رسل بيننا من الأحلام وقال البحتري (2) : إذا أرسلت طيفاً يذكرني الهوى رددت إليها بالنجاح رسولها وقال المرتضى (3) : وزورٍ زارني والليل داج [وقد ملأ الكرى منا العيونا] يريني أنه ثاني وسادي مضاجعة وزور ما يرينا نعمت بباطل ويود قلبي وداداً لو يكون لنا يقينا وقال (4) : حللت بنا والليل مرخٍ سدوله فألاً وضوء الصبح في العين مشرق   (1) ل: 129 - 140. (2) ديوان البحتري: 1797. (3) ل: 153؛ ن 3: 305 والشريشي 2: 230. (4) ل: 162؛ ن 2: 306. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 473 فأحبب به من طارقٍ بعد هدأةٍ على نشوةِ الأحلام لو كان يصدق ولما تفرقنا ولم يك بيننا هنالك لولا النوم إلا التفرق تطاير وصل غرنا فكأنه رداء سحيق أو ملاء مشبرق وقال (1) : ألمّ خيال من أميمة طارق ومن دون مسراه اللوى فالأبارق ألمّ بنا لم ندر كيف لمامه وقد طال ما عاقته عنا العوائق فلله ما أولى الكرى من دجنةٍ جفتها الدراري طلعاً والبوارق نعمنا به حتى كأن لقاءنا وما هو إلا غاية الزور، صادق فما زارني في الليل إلا وصبحنا تسل علينا منه بيض ذوالق وكيف ارتضيت الليل والليل ملبس تضل به عنا وعنك الحقائق تخيل لي قرباً وأنت بنجوةٍ وتوهمني وصلاً وأنت مفارق وقال (2) : ضن عني بالنزر إذ أنا يقظا - ن وأعطى كثيرة في منامي والتقينا كما اشتهينا ولا عي - ب سوى أن ذاك في الأحلام وإذا كانت الملاقاة ليلاً فالليالي خير من الأيام وقال (3) : وسدني كفه وعانقني ونحن في سكرةٍ من الوسن وبات عندي إلى الصباح وما شاع التقاء لنا ولم يبن   (1) ل: 170؛ ن: 307. (2) ن 3: 270؛ ل: 174 - 175 وابن خلكان 3: 314. (3) ن 3: 342؛ ل: 175. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 474 خادعني ثم عد خدعته بمقلتي منةً من المنن فإن تكن زورةً مهومةً فقد أمنا به من الظنن وإن يكن باطلاً فكم باطلٍ عاش به ميت من الحزن [وقال] (1) : يا خليلي من ذؤابة قيسٍ للتصابي رياضة الأخلاق / [133] غنياني بذكرهم تطرباني واسقياني دمعي بكأس دهاق وخذا النوم من جفوني فإني قد خلعت الكرى على العشاق فصل في ذكر الوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي واجتلاب سابق أشعاره، ورائق أخباره (2) كان أبو القاسم نجماً مطالعه الدول، وبحراً عبابه القول والعمل، وروضةً تقوت القلوب نفحاتها، وتقيد الأبصار صفاتها وموصوفاتها، أما العلماء فعيال عليه، وأما العظماء فلعب في يديه، وأما الأقلام فبعض شيعه وأنصاره، وأما الأقاليم فبين إيراده وإصداره، وأما مكانه من العلم الحديث والقديم، وسبقه إلى غايتي المنثور والمنظوم، وإقدامه على المهالك، وتلاعبه بالأملاك والممالك، فأشهر من الصباح، وأسير من الرياح.   (1) ن 2: 342 وابن خلكان 3: 314. (2) وردت ترجمة الوزير المغربي (370 - 418) في تتمة اليتيمة 1: 24 ودمية القصر 1: 94 والمنتظم 8: 32 وتهذيب ابن عساكر 4: 309 ومعجم الأدباء 10: 79 وتاريخ ابن الأثير 9: 362 وابن خلكان 2: 172 - 177 وبغية الطلب 5: 14 - 309 وأعتاب الكتاب: 206 ورجال النجاشي: 55 والإشارة إلى من نال الوزارة: 47 ولسان الميزان 2: 301، وراجع في أخباره أيضاً ذيل ابن القلانسي: 61 - 64 وصفحات متفرقة من اتعاظ الحنفا (ج -: 2) والدرة المضية 6: 309 312 والنجوم الزاهرة 4: 266؛ وقد ذكره ابن القارح في رسالته وحكى شيئاً من أخباره معه (انظر رسالة الغفران: 51 - 58) وقد علق ابن العديم على ذلك بقوله: وكان بين أبي القاسم ابن المغربي وبين علي بن منصور (ابن القارح) ما يوجب ألا يقبل قوله فيه.. (بغية الطلب 5: 19) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 475 ومن أوابد أخباره، وخالد آثاره، كتابه المترجم ب - " المنخل " في اختصاره " إصلاح المنطق " لابن السكيت (1) ، فإنه غاية لا يتعاطاها إلا من بهر عتقه، واشتهر سبقه، وطريقة لا يتوخاها إلا من رسخت في العلم قدمه، وترامت به إلى معالي الأمور هممه؛ ومما يعجب من أمره، ويرفع الصوت بجلالة قدره (2) : " أنه استظهر القرآن وعدةً من الكتب المجردة في اللغة، ونحو خمسة عشر ألف بيت من مختار الشعر [القديم، ونظم الشعر] وتصرف في النثر، وبلغ من الخط إلى ما يقصر (3) عنه نظراؤه، ومن علم الحساب وجميع الأدوات (4) إلى ما يستقل بدونه الكاتب، وذلك كله قبل استكماله أربع عشرة سنةً، واختصر ذلك الكتاب فتناهى في اختصاره، وأوفى على جميع فوائده، حتى لم يفته شيء من ألفاظه، وغير من أبوابه ما أوجب التدبير تغييره للحاجة إلى الاختصار، وجمع كل نوع [إلى] ما يليق به ". ولما أوقع الحاكم بأبيه وأهل بيته ونذر دمه، خرج من مصر معتقداً لعلو همته ناشداً لضائع ذمته، فأتى مكة فحمل أبا الفتوح (5) على القيام بها، وقرب له ما كان يستبعد من طلبها، وجسره على أخذ ما كان بها من محاريب الفضة والذهب   (1) بعث أبي المغربي بالمختصر إلى أبي العلاء المعري فكتب الرسالة الاغريضية يثني على اختصاره وينبه ما على فضله، ومما قاله: " ووقفت على مختصر إصلاح المنطق الذي كاد بسمات ألباب، يغني عن سائر الكتاب، فعجبت كل العجب من تقييد الأجمال - شرفاً له تصنيفاً شفى الريب، وكفى من ابن قريب، ودل على جوامع اللغة بالإيماء، كما دل المضمر على ما طال من الأسماء.. " (رسائل أبو العلاء: 18 وصبح الأعشى 14: 182) ولأبي العلاء رسالة أخرى إلى ابن المغربي تعرف بالمنيح (انظر الرسائل ص: 3) . (2) ما بين أقواس صغيرة يكاد أن يكون نص ما كتبه والد الوزير المغربي في ابنه، على ظهر مختصر إصلاح المنطق، ونقله ابن العدي في بغية الطلب 5: 17 وما بين معقفين زيادة منه، وما جرى إصلاحه فإنما تم اعتماداً عليه، وكذلك هو عند ابن خلكان. (3) في الأصل: نقص. (4) ابن العدين: ومن حساب المولد والمقابلة وجميع الأدوات. (5) هو الحسن بن جعفر العلوي، وقد جوز له الوزير المغربي أخذ مال الكعبة وضربه به دراهم، وتلقب بالراشد بالله، ولى بعض هذا يشير ابن القارح بقوله: " وبغضي له - شهد الله - حياً وميتاً أوجبه أخذه محاريب الكعبة، الذهب والفضة وضربها دنانير ودراهم وسماها الكعبية ... " (رسالة الغفران: 58، وانظر بغية الطلب 5: 24) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 476 فضربها دنانير، وفرقها على من تبعه من ذؤبان العرب، ثم سار يدعو إليه، ويسفر بينه وبين من عسى أن يأبى عليه، حتى دخل الرملة وصعد منبرها، فالا من غير استفتاح لتحميد ولا صلاةٍ على النبي عليه السلام قول الله تعالى: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) وأومأ بيده إلى مصر، يعني الحاكم (يستضعف طائفةً منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) (القصص: 4) ثم عاد إلى أبي الفتوح المذكور، وهزه لذلك، فألفى سيفه كهاما، وسحابه جهاما، فخرج إلى العراق، ودخل الكوفة متقرباً لسلطانها، ثم خافه وزير قرواش (1) فتقرب إليه بالمال، وأشار عليه بالترحال، فصار إلى ميافارقين، وأميرها يومئذ نصر الدولة أحمد بن مروان الكردي، فتقلد وزارته بعد طول مقام، وبعد مرام، وخلع المرقعة والصوف، ولبس المسك والشفوف، فهتك ستر الحياء، وخلع ربقة الرياء، فصار كمال قال في نفسه، وقد ابتاع غلاماً تركياً كن يهواه، قبل أن يبيعه منه مولاه (2) : تبدل من مرقعةٍ ونسك بأنواع الممسك والشفوف وعن له غزال ليس يحوي هواه ولا رضاه بلبس صوف فعاد أشد ما كان انتهاكاً كذاك الدهر مختلف الصروف ثم روسل بعد بوزارة الموصل (3) ، فسار إليها، وتقلد لحينه وزارة المستولى عليها، فملك زمامها، وصرف أيامها، ودوخ معالمها وأعلامها، وأتى على ما كان بها من رمق، وجرى من العسف بأعاظم أهلها من أبعد طلق؛ ثم راسلته وزارة بغداد وأميرها يومئذ أبو علي بن سلطان الدولة أبي شجاع بن بهاء الدولة بن عضد   (1) هو المعروف بابن الكافي، وكان وزيراً ومديراً لدولة قرواش بن المقلد، ويقول ابن العديم أن هذا الوزير قدم إلى ابن المغربي مالاً كثيراً كي يرحل عن الموصل فسار عنها إلى ديار بكر (بغية الطلب 5: 26) . (2) الأبيات في بغية الطلب 5: 26 وأعتاب الكتاب: 206 والشريشي 5: 305 وتاريخ المسيحي: 234ب. (3) كان ذلك بعد وفاة ابن أبي الوزير الكافي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 477 الدولة بن ركن الدولة أبي علي، فتبحبح ذروتها، واقتعد لوقته صهوتها، فانتظمت له الأيام، وحمد على يديه النقض والإبرام، وبلغ الحال التي تصغر عنها النعم، وتقصر دونها الهمم، ثم إن أبا علي أوقع بمن كان يتهمه من الأتراك، وكان قد نهاه الوزير، وأشار عليه بما يقتضي التدبير، فأبى إلا ركوباً لرأسه، وإدلالاً بنفسه، فاضطرب العسكر اضطراباً اضطرهما جميعاً إلى الهرب، وأفضى بهما إلى استجارة أمير العرب. حدث تحرير غلامه قال: عهدي بالوزير وهو خارج، وقد لبس ثياباً رثةً، وعلى وجهه منديل قد لفه فيه لئلا يمتاز / [134] من جملة العامة، وقد أقبل علي واستقبلني في الدهليز ينشدني لنفسه في الحال (1) : تمرست مني العلا بامرئٍ (2) قد علق المجد بأمراسه يستنجد النجدة من رأيه ويستقل الكثر من باسه (3) أروع لا يرجع (4) عن تيهه والسيف مسلول على راسه وقد قيل إن إخراجه الملك معه إنما كانت حاجة في نفسه قضاها، وخطةً من مكره ألزمه إياها، إبقاء على جلالة المقدار، وأنفةً من الانفراد بعيب الفرار، ثم إن أبا علي ثاب سلطانه، وراسله شيعه بالحضرة وأعوانه، فعاد إليها، وأقام أبو القاسم بالموصل وقد كثر أتباعه، وملأ البلاد [عيانه] وسماعه، فأقام بها يسيراً، واستشعر من صاحبه تقصيراً، فاستأذنه في الرجوع إلى ميافارقين، فحلها، وتلقاه نصر الدولة بالاصطناع، وأقطعه صامت الأموال وفاشي الضياع، ثم روسل ثانيةً   (1) الأبيات في دمية القصر 1: 96 ومعاهد التنصيص 3: 33 وأعتاب الكتاب: 207. (2) دمية: فارعت الأيام مني امرءاً. (3) روايته في دمية القصر: يستنزل الرزق بأقدامه ... ويستدر العز من باسه (4) دمية: لا ينحط. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 478 من بغداد للوزارة، واستأذن نصر الدولة، فخلى بينه وبين مراده، ولم يجد بداً من إسعاده، ووفاءً بإنجاز ميعاده، فلما برزت قبابه، وكادت تستقل ركابه، خوف نصر الدولة عاقبة مكره، وأشير عليه بالرأي في أمره، فسقاه شربةً كانت آخر زاده، ووفاءً بإنجاز ميعاده وتقدم حين أحس [بالموت] بحمله إلى الكوفة ليدفن في حجرة أعدها هنالك بازاء قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فسير بتابوته مسيرة شهر، بين أيدي الحتوف، وتحت أظلال السيوف، أكرومةً ختم بها مجده، وأحدوثةً أبقاها في الناس خالدةً بعده. وقد أجريت من نثره الرائقة فصوله، ونظمه المتقنة فروعه وأصوله، ما يعطر الزهر شذاه، ويروق النجوم الزهر مرآه. فصل من رسائله لما دخل البطيحة وبها أبو القاسم هبة الله بن عيسى (1) [وزير] مهذب الدولة، وكان من أفاضل أهل وقته، فدخل إلى ابن المغربي رجل يعرف بسليمان ابن الربيع، وسلم إليه قصيدة قد بنيت على السؤال عن ألفاظ من اللغة على جهة الامتحان لمعرفته، فلما وقف عليها امتعض في الحال، وأحفظه ما لقي من التعدي والسؤال، ونسب ذلك إلى فعل أبي القاسم وزير مهذب الدولة البطيحي، فكتب عقب الوقوف (2) على ذلك لوقته جواباً أثبت بعض فصوله، لطوله، بعد هذه الأبيات المذكورة: يا أفضل الأدباء قو - لاً لا تعارضه الشكوك لا العلم ناءٍ من حجا - ك إذا نطقت ولا فروك   (1) ذكر ابن الأثير (9: 252) أنه توفي سنة 406 وقال فيه: " كان من الكتاب المفلقين، ومكاتباته مشهورة، وكان ممدحاً، وممن مدحه ابن الحجاج ". (2) ص: عقب الدولة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 479 عرضت مسائل أنت للف - توى بمشكلها دروك ما الحي والحيوت أم ما جلبح نضو بروك أم ما ترى في برقعٍ رقشاء مجهدها حبيك أم ما الصرنقح والزرير وما الملمعة النهوك ولك الدراية والبصيرة في نداحيها السهوك وابن لنا ما خمطط أبداً بأمرغة معيك أو ما اعتنانة فوهدٍ فيه الملامة لا تحيك أم، ما ترفل [هبرج] يرتب مرسنه هلوك ولرب ألفاظ أتتك وفي مطاويها حلوك فارفق بنشرك طيها وانظر بذوقك ما تلوك هذا وقد لذمت فؤادي خرمل هرط ضحوك دعكنة نظرنة في خيس غانظها شكوك تغدو وخرفعها المذي - ل في طوائفه سدوك وأراك ما لك مشبه في ما علمت ولا شريك حقاً لقد حزت العلو - م حيازة العلم الضريك فأجابه ابن المغربي برقعةٍ قال فيها: وقفت على ما ذكرت أن بعض أهل الأدب كلفك المسألة عن شعر وجدته، لا أحب أن أقول في صناعته شيئاً، مشتملاً على ألفاظ من حوشي اللغة لا يتشاغل بمثلها أهل التحصيل، ولا يتوفر على تأملها إلا كل ذي تأمل عليل، لخروجها عما ينفع في الأديان، ويعترض في القرآن، ولمباينتها ما يجري في المذاكرة، وتستخدم فيه المحاورة، وزاد في عجبي منها صدرها عن البطيحة وفيها الأستاذ (1) الفاضل هبة الله بحر الأدب الذي عذبت موارده   (1) ص: من الأستاذ، ولعلها " مثل الأستاذ ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 480 مصادره، وري العقول الظماء، وطب الجهل، المستغمر الداء (1) ، والباب الذي يفتح عن الدهر تجربةً علماً، والمرآة التي تتصفح بها أوجه الأيام / [135] إحاطة وفهماً. وفي فصل: فإن كان الغرض في هذه الأبيات الخزاب، المقفرة من الصواب، طلب الفائدة، فقد كان أن يناخ عليه بمقفلها، ويقصد إليه بمعضلها، فعنده مفتاح كل مسألة مقفلة، ومصباح كل داجيةٍ مشكلة؛ بل لست أشك أن هذا السائل لو جاوره صامتاً عن استخباره، وعكف على ذلك الجناب كأنما لجأ في طي إضماره، لأعداه رقة نسيم أرضه، وهذب (2) خاطره التقاط لفظه، حتى يغنيه الجوار عن الحوار، والاقتراب عن رجع الجواب؛ وإن كان قصد الامتحان للمسؤول، وتعرض لهذا الموقف الزحول، فذلك اعجب: كيف لم يتأدب بآدابه الصالحة، ويعتني إلى هدايته الواضحة. وفي فصل: وكيف لم يعلم هذا العريض المكلف - بما أعطي من سعادة مكاثرته وسيق (3) إليه من بركة صحبته - أن هذا التعريض كما قال المخرومي لعبد الملك بن مروان وقد (4) لقيه في طريق الحجاز: بئست تحية الغريب من القاطنين، ولؤمت هدية الوافد من المقيمين، وقد كان حق الغريب بينكم أن يكثر ليله، ويسد ذريعه، ويعار من معالي الصفات ما يؤنس غربته، ويصدق مخيلته وعلى أنه لو كان قد احتبى للجدال، وركب للنزال، لما كان في عزوب (5) كلمات من حوشي اللغة عن ذكره، ما يدل على قصر باعه، وقلة إطلاعه، ويا عجبا للفراغ   (1) ص: المستعمل اللاآء. (2) ص: وهذبت. (3) ص: وساق. (4) ص: ولقد. (5) ص: غروب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 481 كيف يسوغ لهذا المغتر أن يجارى بخلو ذرعه تقسم أفكاري، وكيف أنساه اجتماع شمله بعد دياري، وكيف أذهله حضور أحبته عن مغيب أفلاذ كبدي، وكيف طرفت نواظره سكرة الحظ عن تصور ما يجن خلدي، وكيف لم يدر ما لي من ألحاظ مقسمة، وظنون مرجمة، وقد تكلفت الإجابة لما تضمنته الأبيات انقياداً لمرادك، ومقتصر الرأي على إسعادك، أجر أقلامي جراً وهن نواكل، وأنبه قرائحي وهن في غمرات الهموم ذواهل. قال السائل: " إن المسؤول دروك لتلك الفتوى، ومستحق بها للرتبة العليا " ودروك لا يجوز هنا لأن فعولاً لا يكون من أفعل، ولو جاز ذلك لجاز " حسون " من " أحسن " و " جمول " من " أجمل ". وما نحب استيفاء القول في هذا الزلل، ولا نستفتح كلامنا بالمناقشة في السهو والخطل، ولعل القائل أوهم حملاً على قراءة حفص (في الدرك الأسفل من النار) (النساء: 145) فظن أن الدرك بوزن فعل، وأن فعلاً مصدر فعل يفعل، ولم يجعله من الدرك، لأن الفتح عندهم لا يخفف، لا يقولون في جَمَل " جَمْل "، وذهب عنه أم يكون اسماً مبنياً مثله وإن لم يكن مخففاً منه كما قالوا: " دركه ودركةً في حلقة الوتر التي تقع في فرضة (1) القوس، فخففوا وحركوا، وعلى أنهما لو كانا مصدرين لجاز أن يبنيا على الشذوذ ولا يحمل عليهما ما يبنى من الفعل، لأن الشذوذ ليس بأصل يقاس عليه، ولعل اغتر بقولهم: " دراك " - بالشد - وهو شاذ لأنهم قد [بنوا] أفعل من فعل (2) ، وهو قليل، قالوا فطّرته فأفطر، وبشرته فأبشر، فجاز على هذا دركته فأدرك، قال سيبويه: وهذا النحو قليل في كلامهم، ولعله ذهب إلى قولهم: " دراك " مثل " نزال " فظن أنه يقال منه " درك " كما يقال من " مناع " " ونزال ": منع ونزل. وذهب عنه [أنه] قد جاء الرباعي في هذا الباب. قالوا: قرقار وعرعار. في   (1) ص: فرض. (2) ص: يفعل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 482 معنى قرقر وعرعر، فأما الفرق الرباعي والثلاثي، فسيبويه يرى إجازة " فعال " في موضع فعل الأمر الثلاثي كله، ويمنعه في الرباعي إلا مسموعاً، وقال غيره من النحويين: بل هما ممنوعان إلا مسموعين، واعتمد سيبويه في الفرق على كثرة الثلاثي، وقلة ما جاء في الرباعي، أو لعله أصغى إلى قول الآخر (1) : إن يكشف الله قناع الشك فهو أحق منزلٍ بدرك فذهب إلى أن " دركاً " مصدر، ولم يعتقد أنه كما قرأ حفص بالإسكان، أو لعله علق سمعه [قول] العتبي: إذا قلت أوفى أدركته دروكة فيا موزع الخيرات بالعذر أقصر وما أعرف له حجة أقوى منه. أو لعله أراد بقوله: دروك من الدرك مثل: لغوب، وهي لغة تكلمت بها العرب. ثم بدأ السائل فسأل عن " الحي "، ولم أقف على صحة سؤاله لأني وجدت الأبيات مكتوبة بخط عليل، وإن سأله عن " الحِي " - بكسر الحاء - فقد أنشد أهل العلم قول العجاج (2) : وقد نرى إذ الحياة حِي وإذ زمان الناس دغفلي فقال الحِي من الحياة، والحي / [136] جمع حي. وأما كونه على معنى الحياة فوزنه على فعل باختلاف.   (1) ورد في اللسان (درك) : بظفر من حاجتي ودرك ... فذا أحق منزل بترك وفي التاج: إن يكشف الله قناع الشك ... بظفر من حاجتي ودرك فذا أحق منزل [بترك] . ... (2) ديوان العجاج: 486 واللسان والناج (دغفل) ؛ والدغفلي من العيش: المخصب الواسع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 483 قال ابن بسام: ومد أبو القاسم في هذا الجواب أطناب الأطناب ثم قال: " والحيوت " الحية وزنه فعلوت، والتاء فيه زائدة، وكثيراً ما تزاد خامسةً مثل عفريت، وإنما هو عفرى. و" الجلبح " العجوز الكبير، وأنشدوا: " إني لأقلي الجلبح العجوزا ". و" برقع ": السماء الدنيا، قال أمية بن أبي الصلت (1) : وكأن الملائكة والملائك حولها سدر تواكله قوائم أربع (2) و" الصرنقح ": الشديد الخالص ولا يكون فعنلل إلا وصفاً لا اسماً، قال جران العود (3) : ومنهن غل مقمل لا يفكه من القوم إلا الشحشحان الصرنقح و" الزرير " الذكي والمتحدر (4) ، وكان شيخنا أبو أسامة (5) يخالف جميع اللغويين فيه ويقول: هو الزرير، ومنه اشتق اسم " زرارة "، وقول أبي أسامة أصح. و" الملمعة " الفلاة التي يلمع فيها الآل، وفي مثل: " أكذب من يلمع (6) " وهو السراب، ومنه الألمعي، كأنه يلمع العواقب بدقة فطنته، وأما   (1) ديوان أمية: 358 واللسان (سدر) وتجيء قافية البيت أحياناً " أجرد " و " أجرب " وقال ابن بري: صوابه " أجرد " والقصيدة دالية، والجرد: الملاسة. (2) السدر: البحر، ولم يسمع به إلا في شعر أمية، تواكلته: تركته، والقوائم هنا: الرياح. (3) ديوان جران العود: 8. (4) في الليان والتاج أن الزرير هو الذكي الخفيف. (5) هو جنادة بن محمد بن الحسين الأزدي الهروي (- 399) كان مكثراً من حفظ اللغة، أخذ عن الأزدهري وغيره، وقتله الحاكم العبيدي (انظر ابن خلكان 1: 372 ومعجم الأدباء 7: 209 وبغية الوعاة 2: 488) . (6) انظر المثل في الدرو الفاخرة: 362 (وفيها تخريجه) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 484 اللوذعي فهو يتلذع من شدة ذكائه، ويقال لمعت الوحشية وغيرها إذا بان لضرعها سقال وبريق باللبن، قال الأعشى (1) : ملمع لاعة الفؤاد إلى جحش فلاه عنها فبش الفالي (2) ويقال إن " لاعة " فعلة ومذكرها لاع، وفي الحديث: هاع لاع، وقيل بل لاعى بوزن فاعلة، كان الأصل " لاعية " من اللعو، وهو أشد الحرص، وبين الخليل وأهل النحو فيه خلاف يشق إحصاؤه. و" النهوك " و " النهيك " و " النهاكة " معروفة. و" البصيرة " الترس، قال الأسعر الجعفي (3) وليبس بالأسعر المازني: راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي يعدو بها عند وأى (4) والبصيرة: الدم؛ [والبصيرة: الدية] ومعنى البيت على هذا أنهم أخذوا الديات ولم آخذ، فركبت يعدو بي فرسي لطلب الثأر، ويكون هذا مشبهاً لقولهم: - (5) ورحت أجر ثوبي أرجوان   (1) بيت الأعشى في اللسان والتاج (لوع) وديوانه: 8. (2) قال الأصمعي: الملع التي قد استبان حملها في ضرعها فأشرق ضرعها باللبن؛ وقال أبو عبيدة: ملمع: تتوج مقرب، لاعة الفؤاد لائعة الفؤاد أي مستخفة من الحزن، ورجل هاع لاع وهانع لائع مشتاق إلى الشيء، والفالي: الطارد. (3) في ص: الأعسر؛ والأسعر الجعفي - ضبطه الآمدي بالسين المهملة - هو مرتد بن أبي حمران، وأورد له بيتين من قصيدته التي منها هذا البيت التالي وهي قصيدة أصمعية (الأصمعيات: 156) وانظر اللسان (عند. وأي) والمعاني الكبير: 1013 والوحشيات رقم: 57. (4) العتد: الفرس الحاضر المعد للركوب: الوأئ: السريع المشدد الخلق؛ وقال ابن قتيبة في شرح البيت، البصيرة، الدفعة من الدم أي دماؤهم قد خرجت على أكتافهم وبصيرتي في جوفي يعدو بها فرسي، يريد أنهم جرحوا، ويقال بل أراد أن الذي طلبوه من الذحول على أكتافهم لم يدركوه بعد، فهو ثقل عليهم، وبصيرتي أي ذحلى قد أدركت به. (5) لم استطع قراءة هذا الشطر، وصورته في ص: عدا دل داء لهن حجة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 485 كلانا اختار فانظر كيف تبقى أحاديث الرجال على الزمان والبصيرة في هذا الموضع: الحق. و" المداحي " مفاعل من الدحو وهو البسط، والدحو أيضاً النكاح. و" السهوك " من السهك وهو السحق، ويقال: ريح سيهوك وسيهوج، إذا كانت شديدة المرور والهبوب. و" الخمطط " (1) هو الكحكح، وهو الشيخ الكبير. و" المرغ " الريق، يقال أحمق ما يجافي مرغه، أي ما يمسك ريقه، والمرغ: التراب، في غير هذا. و" معيك " فعيل بمعنى مفعول من المعك، وهو كالكنى. وسأل عن الفوهد، والفوهد والثوهد: الغلام الممتلؤ شباباً، وأنشدوا (2) : تحب منا مطرهفاً فوهدا عجزة شيخين غلاماً أمردا ينشد بالثاء والفاء. و" القلفع " (3) الطين الذي يتقلع عن الكمأة، وفيها خلاف. و" الهبرج " من صفة بقر الوحش. و" يرتب " يفتعل، من رب الأمر، أصلحه. و" المرسن " موضع الرسن.   (1) لم أجد هذه اللفظة وأقرب الصور إليها " لطلط " وهي بمعنى الكحكح. (2) اللسان (طرهف، فهد) والمطرهف: الحسن التام، والفوهد والثوهد والفلهد: الغلام السمين الذي قد راهق الحلم. (3) لم ترد في الأبيات، فلعل فيها سقطاً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 486 و " الهلوك " الفاجرة لأنها تتهالك في مشيتها أي تتمايل وتتهادى. و" لذم " بالمكان والذم، مثل لزم وألزم. و" الخرمل " المرأة الفاجرة، وقيل الحمقاء، قال مزرد (1) : إلى خرمل شر النساء الخرامل و" الهرط " النعجة المسنة و [اللحم المهزول] في غير هذا. والهرد: الشق و " دعكنة " أصله السمن والفتوة، وهو ما لا يسأل عنه، لأن كل ما زيدت فيه النون في هذا الموضع يدل لفظه على اشتقاقه كما تدل سمعنة ونظرنة على السمع والنظر، ودعكنة من الجلادة، كأنه من الدعاك (2) . و" الخيس " الغابة، وفي غير هذا الموضع اللحية. و" الغانظ " فاعل من الغنظ وهو الكرب؛ قال عمر بن عبد العزيز: في الموت غنظ ليس كالغنظ وكظ ليس كالكظ، وهما الكرب. و" الخرفع " (3) القليل من كل شيء. و" المذيل " المكمل. و" الطوائف " الأيدي والأرجل. و" السدوك " لا أومن به لأنه يقال / [137] سدك سَدَكاً وسَدْكاً، فإن جاء فيه سدوكاً فهو شاذ قليل، وهو اللزوم. قال ابن المغربي: هذا ما حضرنا من القول، ولولا أننا لا نود أن ننهى عن   (1) روايته في ديوان مرزد: 48 إلى صبية مثل المغالي وخرمل ... رواء ومن شر النساء الخرامل (2) ص: الدعاء. (3) الخرفع: القطن وقيل ثمر العشر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 487 خلق ونأتي مثله (1) لسألنا مستفيدين، نثراً لما فيه من شفاء البيان، لا نظماً لما فيه من التعاطي والطغيان، فسألناه عن اللغة إن كان عني بها: عن العلافق بالعين، فهو يالغين معروف (2) ، وعن المصمة بكسر الميم، فهو بفتحها مشهور، وعند هندٍ لا تضاف إلى الأحامس (3) فإن ذلك معروف، وسكرى بضم السين فهو بفتحها معروف، وعن الدون بالواو فهو بالياء معروف، وعن الفرن بالفاء فهو بالعين مذكور، وكم في الكلام أفعلة أسماء فهو في الصفات معروف، وما النديم في الناس فإنه في الجماد معروف، وما الشاهد على جواز أفلج بالجيم فإنه بالحاء معروف. هذا إن كانت اللغة عنده مهمة، فإن قال إن النحو هو المهم عنده قلنا: فما جمع على أفعلة أغفله، سيبويه فلم يلحقه بكتابه أحد من النحويين، وهل ذلك الجمع إن كان عارفاً به مطرد أو محمول على مكانه في اللفظ - وعلى أي شيء خفض (وقيله يا رب) في قراءة حفصٍ، لا على ما أورده أبو علي الفارسي، فإنه لم يسلك مذهبه في التدقيق عليه - ولم منع سيبويه من العطف على [عا] ملين، وهو في سورة الجاثية بنصب (آيات) ، ورفعه لا يتجه إلا عطفاً على عاملين، فإن كان أخطأ الأخفش فمن أين زل - وإن كان أصاب فكيف تجوز له مخالفة الكتاب - وهل قول سيبويه في النسبة إلى أمية أموي - بفتح الهمزة - صواب أو سهو استمر عليه وعلى جميع النحويين بعده - ولم قيل معدي كرب، ولم تحمل الياء في لغة من أضاف ولا من جعلها أسماً واحداً إلا على ما أورده النحويين، فلهم فيه أقاويل غير متجهة، وهل مذهبهم في أن سدى وهدى مصدران صحيح أم لا - وهل   (1) فيه إشارة إلى قول الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (2) ذكر ابن دريد في الجمهرة (3: 396) الغلافق وقال أنه اسم موضع، ولم يذكر العلافق. (3) يقال لقي هند الأحامس أو وقع في الداهية، وإضافتها إلى غير الأحامس مثل هند الهنود، وهند بني سعد وما إلى ذلك، ولكني اعتقد أن أبي المغربي يشير إلى ما هو أدق من ذلك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 488 بيض في قولهم: حمزة بن بيض اسم جمع، وما معناه في اللغة ووزنه في النحو مسموعاً لا مقيساً على ما ذكرناه نحن في هذه الرسالة - ولم اختاروا " أن " مع عسى وكرهوه مع كاد - فإن قال: لست أتشاغل بعلوم المؤدبين، وإنما آخذ بمذهب الحافظ، إذ يقول: علم النسب والخبر علم الملوك، قلنا له: فمن أبو خلدة (1) فإن أبا جلدة (2) معروف، ومن العاض وما اشتقاقه (3) فإن العاص معروف، ومن حبشية - مفتوح الأول مخفف - فإنه بالتشديد وضم أوله معروف (4) - ومن عمرو بن معدي كرب غير صاحب: " أمن ريحانة الداعي السميع " (5) فإن هذا معروف - وما اسم امرئ القيس على الصحة لا على هذا الظاهر وعلى أن في اشتقاقه كلاماً طويلاً فإن هذا معروف - ومن الزبير غير الأسدي واليهودي فكلاهما معروفان - ومن الزبير بفتح الزاي فإنه بضمها معروف (6) - ومن القائل: وقابلة لجلجتها فرددتها لدى الفرش لو نهنهتها قطرت دما أرجل أو امرأة - وهل صفية الباهلية قلب أم مولاة - وهل المستشهد بشعره في " غريب المصنف " أبو كعب بالباء أو التاء، وفي أي زمان كان، وأيهما كان اسمه   (1) الخاء غير معجمة في ص؛ وخلدة هي بنت طلق اليمامي، حدثت عن أبيها، وخلدة بنت العرياض بن كلاب، روت عن عمها (الإكمال 3: 182) . (2) أبو جلدة بكسر الجيم مسهر بن النعمان، وشاعر يشكري وآخر عجلي (الإكمال 3: 182) . (3) العاض بن ثعلبة بن سليم الدوسي، وقال الوزير المغربي هو بلا تشديد (تبصير المنتبه: 890) وهو من عضا يعضو الجرح أي كان بصيراً بالجراح. (4) هنالك حبشية بن كعب بن ثور من مزينة (تبصير: 486) وحبشية بن سلول، وهذا الثاني يقرأ أيضاً بفتح الحاء وتخفيف الياء (تبصير: 401) . (5) صدر بيت لعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وعجزه: " يؤرقني وأصحابي هجوع " (ديوانه: 136) ؛ وهناك رحل آخر بهذا الاسم وهو عمرو بن معد يكرب الزبيدي الأكبر جاهلي قديم (المؤتلف: 233) . (6) الأسدي هو الزبير بن العوام، واليهودي هو الزبير بن باطا من بني قريظة أسلم ابنه عبد الرحمن (الإكمال 4: 166) وهناك الزبير بن عبد الله الكلابي وقد عاش آخر خلافة عمر (الاستيعاب: 510) ؛ وأما الزبير - بفتح الزاي - فهو ابن عبد الله بن الزبير شاعر ابن شاعر (الإكمال 4: 165 - 166) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 489 ومن أي شيء اشتقاقه - ومن النطف الذي يضرب به المثل فيقال: كنز النطف (1) - ومن العكمص، لا أسأل عن تفسيره فإنه في اللغة معروف (2) - وكذلك ذو طلال (3) ، وما خوعي فإن جوعى معروف، وهل أخطأ ابن دريد في هذه اللفظة أم أصاب (4) - وما تقول في عدنان غير الذي ذكره محمد مولى بني هاشم فإنه معروف (5) ؛ وهل يخالف فيه أم لا - وحبيب والد ابن حبيب العالم رجل أو امرأة، وهل هو لغيةٍ أم لرشدة (6) - ومن أجمد بالجيم فهو بالحاء كثير (7) - ومن زبد بالباء فهو بالنون معروف (8) - ومن روى عنه عليه السلام: " لا يمنع الجار جاره أن يجعل خشبه في حائطه " (9) وقال " خشبة واحدة " وقالوا كلهم: " خشبه مضافاً - ومن يكثر ذكر الحضرمي في شعره من العرب (10) - والنبيذ المشروب: هل كان معروف الاسم أم لا   (1) هو النطف بن خبيري أحد بني سليط بن الحارث (انظر قصة احتيازه الكنز في ثمار القلوب: 139 وسرح العيون: 54 - 55) . (2) العكمص: الحادر من كل شيء أو الكثير أو الشديد الغليظ وبه كني أبو العكمص التميمي (التاج: عكمص) . (3) ص: ذو أطلال؛ ولم يبين ما يريده هنا، وذو طلال: ماء قريب من الربذة وقيل هو واد لغطفان (معجم البكري: 892) . (4) جوعي المعروف هو مؤنث جائع وقال ابن دريد في الجمهرة (2: 105) إن جوعى موضع وأثبتها البكري عنه، وذكر أنها خوعى بالخاء المعجمة في شعر امرئ القيس (معجم البكري: 404) . (5) محمد مولى بني هاشم هو محمد بن حبيب نفسه وهو يذكر أن في الأزد عدنان بن عبد الله بن الأزد وقال غيره أنه عدنان (الإكمال 6: 153 - 155) . (6) حبيب اسم أمه ويقال إن أباه غير معروف. (7) أحمد بن عجيان شهد فتح مصر (تبصير 1: 3) . (8) زيد بن سنان بفتح الزاي، وزند بن الجون أبو دلامة وزند في نسب عدنان (الإكمال 4: 168 - 169) . (9) ورد الحديث في البخاري (مظالم: 20 وأشربة: 24) ومسلم (مسافاة: 136) وسنن أبي داود (أقضة: 31) وابن ماجه (أحكام: 15) والموطأ (أقضية: 32) ومسند أحمد 1: 313، 3: 480؛ قلت: خشبة (بالأفراد) هي رواية أبي ذر ورواء غيره (خشبة " بالهاء - بصيغة الجمع؛ وقال عبد الغني بن سعيد: كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي (وانظر مزيداً من التفصيلات في إرشاد الساري 4: 266) . (10) الحضرمي: النعل المصنوعة بحضرموت، وأراها ترد كثيراً في شعر كثير " إلى مرهفات الحضرمي المعقرب " (ديوانه: 265) ، و " بأقدامهم في الحضرمي الملسن " (ديوانه: 252) الخ ... الجزء: 8 ¦ الصفحة: 490 عند العرب (1) - ومن روى عن ظئر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها قالت في شارفها: " وكانت لا تغذي أحداً " وما معناه (2) - ومن تفرد من أهل العلم بنصر ذي الرمة وتغليط الأصمعي في قوله: إيه عن / [138] أم سالم، لا على ما قاله النحويون من التعريف والتنكير، فإن ذلك معروف (3) - ومن قال عن المتنبئة إنها سجاح مثل قطام ومن قال سجاح مثل غمام غير مبني (4) - ولم سمي خليد الشاعر: خليد عينين (5) - ومن عمي التي تنسب إليها الصكة فيقال " صكه صكة عمي "، وهل ذكر في شعر ومن ذكره (6) - ومن هو الذي تنسب إليه العرب الصلال ومن ذكره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن كرب المنسوب إليه معدي كرب (7) -   (1) التسمية معروفة ولكن الدلالة مختلفة، إذ كانت اللفظة تدل على كل ما نبذ في الدباء والمزفت فاشتد، ولكنه كان شيئاً غير الخمر ولهذا نجد الفلمس يقول في الخمر: أروي بها نفسي فتحيا بشربها ... ولا أشتهي شرب النبيذ من التمر (2) ذلك هو حديث عبد الله بن جعفر عن حليمة السعدية وكانت قدمت المدينة تطلب ولداً ترضعه ومعها شارف - وهي ناقة مسنة: فلما قدر لها أن تكون مرضعة للرسول در ثدياها ودرت الشارف " وقام صاحبي إلى شارفي تلك فإذا بها حافل فحلب ما شرب وشربت حتى روينا " وذلك بعد أن قالت: " ما يجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه " (أسد الغابة 5: 427) . (3) قال ذو الرمة " وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم " - بكسر الهاء - قال الأصمعي: أخطأ ذو الرمة إنما كلام العرب إيه (بالتنوين وقال يعقوب بن السكيت أراد إيه (بالتنوين) فأجراه في الوصل مجراه في الوقف وكذلك قال ثعلب، ما قال الزجاج أنه ترك التنوين للضرورة ولكن أبا علي الفارسي انتصر لذي الرمة وقال: أما هذا الأصمعي مخطئ فيه - ديوان ذي الرمة: 779 واللسان والتاج (إيه) . (4) يقول الأزهري وابن دريد والجوهري وغيرهم من اللغويين أنها " سجاح " مثل قطام؛ ولم أعثر على من أجاز أن تكون مثل " غمام ". (5) قيل سمي بذلك لأنه يسكن أرضاً بالبحرين تعرف بعينين (الشعر والشعراء: 373) . (6) الصكة: شدة الهاجرة، يقال: لقبته صكة عمي وصكة أعمى وهو أشد الهاجرة حراً، وقال بعضهم: عمي اسم رجل من العماليق أغار على قوم في وقت الظهيرة فاجتاحهم، ويقال تصغير أعمى مرخماً، وأنشد ابن الأعرابي: صك بها عين الظهيرة غائراً ... عمي ولم ينعلن إلا ظلالها (7) معد يكرب اسم يمني يرد في النقوش، وهو سبأي محض، ولا تنطبق عليه التفسيرات التي يوردها لغويو عرب الشمال. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 491 وهل أصاب المبرد في نسبة الأبيات الجيمية: لما دعا الدعوة الأولى فأسمعني أخذت بردي واستمررت أدراجي أم أخطأ (1) - فإن قال إنه صاحب سيرٍ وآثارٍ وأحكام، قلنا: أرشدك الله، وما معنى قوله عليه السلام: " من سعادة المرء خفة عارضيه " وهو عليه السلام لم يكن خفيف العارضين، لا على ما فسره فإنه لم يأت فيه شيء (2) - ومعنى قوله عليه السلام: " تسحروا فإن في السحور بركة " (3) ونحن نرى [أنه] ربما أهاض وأتخم، وأضر وأبشم - ومعنى قوله عليه السلام: " اتقوا النار ولو بشق تمرة " (5) ولو سرق سارق [كليجة] تمر فتصدق بنصفها كان مستحقاص للنار عند أكثر المسلمين - وما معنى قوله عليه السلام: " لا يزال الأنصار يقلون ويكثر الناس " (5) ؛ ولو شئنا لعددنا أشخاصهم أكثر مما كان في البادية والحاضرة - ومعنى قوله " إن امرأ القيس حامل لواء الشعراء إلى النار " (6) وهل يثبت الخبر أم لا - ولم قال: " إن من الشعر   (1) نسب المبرد هذه الأبيات للراعي (الكامل 1: 281) وفي ظنه أنها للراعي النميري، وبين الآمدي الأمر في المؤتلف: 177 إذ قال أنها للراعي الكلبي واسمه خليفة بن بشير بن عمير بن الأحوص. (2) أورد المبرد هذا الحديث في الكامل (2: 129) وقال: ليس هذا يناقض لما جاء في إعفاء اللحى وإحفاء الشاربين. (3) ورد الحديث في النسائي (صيام: 18) وابن ماجه (صيام: 22) والدارمي (صيام: 9) ومواضع متعددة من مسند أحمد، منها 2: 377، 477، 3: 32، 99 (انظر معجم ألفاظ الحديث) . (5) الحديث في البخاري (الجمعة: 29 ومناقب: 25 ومناقب الأنصار: 11) . (5) الحديث في البخاري (الجمعة: 29 ومناقب: 25 ومناقب الأنصار: 11) . (6) تردده الكتب الأدبية، انظر مثلاً الشعر والشعراء: 67 وليس في الأحاديث المتعلقة بامرئ القيس ما هو قوي مقبول منها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 492 لحكمة " (1) ، ثم قال عليه السلام: " أوتيت جوامع الكلم " (2) وهل تخرج الحكمة من جوامع الكلم - فإن قال: إنما أفنيت عمري في القرآن وعلومه، وفي التأويل وفنونه قلنا: إذن يكون التوفيق دليلك، والرشاد سبيلك: صف لنا كيف وقع التحدي بهذا المعجز ليتم بوقوعه الإعجاز، وأخبرنا عن صفة التحدي: هل كانت العرب تعرفه أم لا، أم كان شيئاً لم تجر عادتها به فكان إقصارها عنه، بل لأنه التماس ما لم تجر المعاملة بينهم بمثله، ثم يسأل عن التحدي هل لقي بمعارضة بأن تقصيرها عنه أو لم تكن بمعارضة، ثم يسأل القوم عن قوله تعالى (لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (النساء: 82) وفيه من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ما لا يكون أشد اختلافاً منه (3) ؛ ويسأل عن قوله تعالى (وغرابيب سود) (فاطر: 27) وما معنى الزيادة في الكلام، والغرابيب السود هي الغرابيب، فإن قال تأكيداً فقد زل، لأن رجحان بلاغة القرآن إنما هو إبلاغ المعنى الجلي المستوعب إلى النفس باللفظ الوجيز، وإنما يكون الإسهاب البليغ في كلام البشر الذين لا يتناولون تلك الرتبة العالية من البلاغة؛ على أنه لو قال تأكيداً لخرج عن مذهب العرب، لأن العرب تقول: أسود غربيب، وأسود حالك وحلكوك، فتقدم السواد الأشهر ثم   (1) ورد في البخاري (أدب: 90) والترمذي (أدب: 69) وابن ماجه (أدب: 41) والدارمي (استئذان: 68) ومواضع كثيرة من مسند أحمد منها 1: 269، 273، 303، 309 ... الخ. (2) حديث أعطيت جوامع الكلم في مسلم (مساجد: 5 - 8 وأشربة: 72) والبخاري (تعبير: 11) والترمذي (سير: 5) ومسند أحمد 2: 172، 212، 250، 264.. الخ وحديث " بعثت بجوامع الكلم " في البخاري (جهاد: 122 وتعبير: 22 واعتصام: 1) والنسائي (جهاد: 1 وتطبيق: 100) . (3) يرى الزمخشري إن عدم الاختلاف هنا معناه عدم التناقض والتفاوت في مستوى النظم والبلاغة والمعاني، وصدق الخبر.. (الكشاف 1: 546 - 547) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 493 تؤكده، وهذه الآية تخالف ذلك، فإذاً بطل التأكيد في المعنى (1) ؛ وما معنى (فخر عليهم السقف من فوقهم) (النحل: 26) وهل يكون سقف من تحتهم فيقع لبس يحتاج إلى إيضاحه بذكر فوق وتحت (2) - ونحو منه قوله تعالى (يخافون ربهم من فوقهم) (النحل: 50) وهل لهم رب من تحتهم - وما معنى فوق ها هنا، وهل تدل على اختصاص مكان - وما معنى قوله (كلمح البصر أو هو أقرب) (النحل: 77) وما هذا الأقرب - وما معنى قوله (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) (البقرة: 74) وهل شيء أشد قسوة من الحجارة (3) - وما معنى قوله (إلهين اثنين) (النحل: 51) وهل بعد قوله (إلهين) إشكال بأنهم أربعة فيستفيد بقوله اثنين ثبات المعنى - وما معنى قوله (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) (البقرة: 282) هلا كان أوجز وأشبه بالمذهب اشرف في العربية - وما معنى قوله (أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم) (النحل: 47) ومن أين تناسب الرأفة والرحمة هذا الأخذ الشديد على التخوف الذي يقتضي العفو والغفران -   (1) قال الزمخشري: فإن قلت: الغربيب تأكيد للأسود، يقال أسود غربيب وأسود حلكوك.. ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع وأبيض يقق وما أشبه ذلك قلت: وجهه أن يضمر المؤكد قبله ويكون الذي بعده تفسيراً لما أضمر كقول النابغة " والمؤمن العائذات الطير " وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإضمار والإظهار جميعاً (الكشاف 3: 307) . (2) الوجه في " فوق " هنا في قوله " وهو القاهر فوق عباده " أي أنهم يخافون ربهم عالياً قاهراً لهم (انظر الكشاف 2: 413) ؛ وقوله " كلمح البصر أو هو أقرب " أي كما تبالغون أنتم حين تستقربون شيئاً (نفسه: 421) ؛ وقوله " إلهين اثنين " الوجه فيه: إن الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريد التأكيد على أن المقصود هو العدد شفع بما يؤكده فقيل إلهين اثنين أو رجل واحد.. الخ (نفسه: 413) ويأخذهم على تخوف أي وهم متوقعون وقيل هو أن يأخذهم على أن يتنقصهم شيئاً بعد شيء في أنفسهم وأموالهم وبذلك تكون الرأفة والرحمة حيث يحلم عنهم ولا يعاجلهم مع استحقاقهم (نفسه: 411) . (3) إن قلت لم قيل أشد قسوة وفعل القسوة مما يخرج منه افعل التفضيل وفعل التعجب قلت: لكونه أبين وأدل على فرط القسوة، ووجه آخر وهو أن لا يقصد معنى الأقسى ولكن قصد وصف القوة بالشدة كأ، هـ - قيل اشتدت قسوة الحجارة وقلوبهم أشد قسوة (الكشاف 1: 290) ولم يورد الزمخشري توجيهاً لتكرير كلمة " أحداهما " في الآية 282 من سورة البقرة، وذهب أبو حيان إلى أنه أبهم الفاعل في أن تضل بقوله " إحداهما " ولهذا أيهم الفاعل في " فتذكر " فكرر إحداهما، إذ كل من المرأتين يجوز عليها الضلال والاذكار فلم يرد بإحداهما معينة (البحر المحيط 2: 349) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 494 وعلى أن هذا السائل لو علم لسأل عن الصناعة التي أنا بها مرتسم، وبشروطها ملتزم، لا في الترسل / [139] فإني ما صحبت به ملكاً؛ ولكن في صناعة الخراج، فكان يجب أن يقول: ما الباب المسمى المجموع من الجماعة (1) وأين موضعه منها، وأي شيء قد يكون فيه ولا يحسن ذكره في غيره - وأن يقول: ما الفائدة في إيراد المستخرج في الجماعة ومن كم وجه يتطرق الامتثال عليها بالغاية منها. وأن يقول: ما الحكم في متعجل الضمان قبل دخول يد الضامن، وأي شيء يجب أن يوضع منه إذا أراد الكاتب الاحتساب به للضامن من النفقات، وخاصة من جاري العامل، وفيه أقوال تحتاج إلى بحث ونظر - وأن يقول: إن عاملاً ضمن أن يرفع عمله بارتفاع مالٍ إلا أنه لم يضمن استخراج جميعه، وضمن استخراج ما يريد على ما استخرج منه خمس سنين إلى سنته بالقسط، كيف يصح اعتبار ذلك، ففيه كمين يحتاج إلى تقصيه وتأمله - وأن يقول: لم يقدم المبيع على المستخرج، والمبيع إنما هو من المستخرج، وكيف يصح ذلك - وأن يقول: أي غلط يلزم الكتاب وأي غلط لا يلزمه - وأن يقول: متى يجب الاستظهار للسلطان في صناعة الخراج ومتى لا يجوز الاستظهار له - وأن يقول: متى يكون النقص في مال السلطان أسد في صناعة الكتابة من الزيادة، ولست أعني نقص الارتفاع مع العدل، وعادل زيادةٍ مع الجور، فذلك ما لا يسأل عنه، وأن يقول: ما باب من الارتفاع إذا كثر دل على قلة الارتفاع، وإذا قل دل على جمام الارتفاع ووفوره - وأن يقول: متى تكون مشاهدة الغلط أحسن في صناعة الكتابة من عديمه - وأن يقول: كم نسبة جاري العمل من مبلغ الارتفاع وأول من قرره ورتبه - وأن يقول: ما رتبتان من رتب الكتابة إذا اجتمعتا لكاتب بطلت أكثر حججه في احتساباته - وأن يقول: هل يطرد في أحكام   (1) الموافقة والجماعة حساب جامع يرفعه العامل فراغه من العمل، ولا يسمى موافقة ما لم يرفع باتفاق ما بين الرافع والمرفوع إليه، فإن انفرد أحدهما سمي محاسبة (مفاتيح العلوم: 38) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 495 الكتابة حملها على مناصبة أحكام الفقه أم لا، وهل يذهب [إلى ذلك] أحد من متقدمي الكتاب، وما الحجة فيه، وبالله التوفيق. قال ابن بسام: وهذا المجموع إنما هو لسان منظومٍ ومنثور، لا ميدان وتفسير، أورد الأخبار والأشعار لا أفك معماها، في شيء من لفظها ولا معناها، ولو ذهبت فيه إلى إيضاح مبهم، وإعراب مستعجم، لكانت هذه الفصول أولى ما فتحت مقفله، وآكد ما أوضحت مشكله، على أني قد ألمعت فيه ببعض تنبيه، بين ذكر أجريه، ووجه عذر أريه. فصول من سائر ترسيله فصل له من رقعة: وقفت على كتابك ولم أزل ألثمه، كأني قد ظفرت باليد التي بعثته، وأضمه كأني أضم الجواتنح التي نفقته، وكأني كلما أدنيته إلى الكبد المعذبة ببعدك، وأمررته على العين المطروفة بفقدك، سحبت على النار ذيل السحاب، وسقيت عطش الحب كأس الرضاب، وأعرت أخا سبعين ظل الشباب، فأخرت يوم قدومه لأجعله موسماً للسرور، وعيداً باقياً على الدهور، أرتقب السعد عنده كل عام، وانتظر الفرج منه من كل غرام؛ واتفق وروده في أشرف فصول الدهر حسباً، وأكرم مفاخر الأيام نسباً، حين ابتدأ (1) الربيع يزخرف بروده، والروض ينظم عقوده، وكنت أعرف هذا الفصل باعتدال منهاجه، وصحة مزاجه، وأنه لو كان الزمن شخصاً لكان له مقبلاً، ولو أن الأيام غوان لكان لها حلياً وحللاً، لأن الشمس تخلص فيه من ظلمات حوت السماء، خلاص يونس من ظلمات حوت الماء، فإذا وردت الحمل وافت أحب أوطانها إليها، وأعز مساكنها عليها. وفي فصل منها، فيا حسن تلك الصحيفة ومدادها ينتهب بالأفواه، ويزيد بالتقبيل لعساً في الشفاه، ويا عجباً كيف حفظ مع بعد العهد نشر عرفك، وكيف   (1) ابتدأ: مكررة في ص. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 496 علق مع تراخي الأيام طيب كفك، وكيف جاء كأنك كتبته من أمم، وأنقذته وبيننا خطوة قدم، وكيف لم يغيره ما قطع من مهاول قفار، وليل ونهار، وعدو كاشح، ورقيب لامح، فأنعم به من ريحانة ألفاظ دامت لدونتها، وباكورة وصال سلمت غضوضتها (1) ومسحة يدٍ بقي أثرها أرجا، وروضة كلم دام على الصيف بهجتها (2) . وفي فصل منها: فأما سؤالك عني فما يشبه سيرتك الحسنى، ولا يليق بطريقتك المثلى، كيف تسألني والإجابة معك - وكيف تستخبرني ومحل الخبر والاستخبار عندك - / [140] ومتى سمعت بجواب جسدٍ رهينة - وأين رأيت طماح عين لواحظها مقيدة كليلة - ألم أفارقك وقلبي عندك أعشار، وأضلعي منه قفار - وفي فصل: وردت الموصل التي خالف اسمها معناها، وكانت مقطعاً بيننا لولا خدع الأماني، وفصلاً لولا المرجو من عفو الليالي، فوجدت هواءها يعطل سوق بقراط اعتدالاً وطيبة، وماءها يسلي عن مجاج النحل استمراء وعذوبة، وصقعها قد تبغدد رقةً ولطفاً، وجوها قد تزندق تنعماً وظرفاً، تكاد تثقله عقود الغانيات، ويخجله تتابع اللحظات، كل شمأله نسيم، وكل جنوبه حياً عميم، ورأيت أرضها أطيب الأرض خيما، وأزينها أديما (2) ، تنسج بالسندس الأخضر، وتفتر عن الأقحوان الأحمر، وألفيت بنيانها هو الذي حمده الله في تنزيله (4) ، وأحبه لنا أن نكون مثله جهاداً في سبيله، مرصوصاً بوقاح الجلمد، ملاءماً بينه بالشيد الممرد، قد حصن ظاهره على باطنه عن تداخل الإبر، ومساكن الذر، يزل عنه ظفر الطائر، وتتدحرج عليه أحداق (5) الناظر، وتغنى به العروس عن الماوي المنير (6) ، وتستبين   (1) ص: غضاضتها، وهو عند بعض اللغويين جائز، وأنكره علي بن حمزة، والالتزام به هنا غير ذاهب مع السجع. (2) كذا وردت العبارة في ص، ولعلها " دام على الصيف زهرها بهجاً " أو ما أشبه. (2) كذا وردت العبارة في ص، ولعلها " دام على الصيف زهرها بهجاً " أو ما أشبه. (4) يعني أنه بنيان مرصوص يشد بعضه بعضاً (انظر الآية 4 من سورة الصف) . (5) ص: أكداه. (6) الماوي: حجر البلور أو المرآة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 497 به الجفون منابت الشكير من أهدابها والغمير، متلافية أقطارها على رجال كأنهم أنسلاء عادٍ وثاقة أجسام، وصلابة أحلام، وبعد مرام، لطفوا عن بدوية الشام وغلظته، وجمدوا عن ذوب العراق وخلابته، قد عقدت ألسنتهم بالصدق فما ينثر الباطل من عذباتها، وصحت غرائسهم في المودة فما يجتنى الغدر من ثمراتها، إن سلماً فسلماً وإن حرباً فحرباً، لا يعرفون تدليس الأخلاق، ولا تمويه النفاق، وشعراؤهم (1) ملء اليدين، وكتابهم أثر بعد عينٍ، أدبهم [حسن] (2) على قلة الملوكي فيه، وعلمهم متقن لمن تأمل أدق مسربٍ (3) في فتن معانيه، قد محص تهذيب المحن شرارهم وأوهن خيارهم، بلدهم أطلال، وأحوالهم آل، قويهم يئن ضعفاً وضعيفهم يماطل حتفاً، بقيت عليهم أسمال النعم وذهب الدهر بأجسامها، وانجلت عنهم ظلل المحن وهم يتأوهون من غير آلامها، إلا أن فيهم بقية نقية، وفيهم موضع تداركٍ إن رزقوا سيرة مرضة، فلولا ما أرجوه من مداواة أسقامهم، وإعادة صالح أيامهم، لفضاني الانتماء بمعايشتهم قبل معاناتهم، وبملاحظتهم قبل مقاستهم، لكني أعلم أن من يحيي العظام وهي رميم، ويبعث (4) الروض وهو هشيم، وينشئ [-] بعد ما كانت قفاراً، ويجعل من الشجر الأخضر ناراً، قادر على أن يجعل ثواب نيتي فيهم معونتي على ما أنويه لهم، وجزاء تأملي بهم بلوغ الغرض في تدارك رمقهم. وفي فصل: لو أطقت تفصيل المجمل، وإيضاح المشكل، لجرت لك به يدي طلق الجموح، ولأغنتك أسماره عن الوتر الصدوح، إلا أن القب عليل، والخاطر كليل، والزمان ببلوغ الأمل بخيل.   (1) ص: وسفراؤهم. (2) ليس في موضعها بياض في ص. (3) ص: متقن من .... مسرباً. (4) وص: ويبلى (دون إعجام) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 498 وفي فصل من أخرى إلى ذي السعادتين (2) : للرياسة كلف لا يستقل بها إلا المهذب الكامل، ولا يخطو تحت أثقالها إلا الأوحد الفاضل، ولا يبلغ ذوائب أعاليها، إلا من شرب الأجاج من ماء واديها، ولا يلذ بملكها إلا من أغلى المهر من كريم مساعيه، ولا يفض ختامها إلا من جعل منازلة الخطوب سلكاً لعقود أيامه ولياليه، ولذلك قيل ما أنشدته استبصاراً، وأنا إلى إيراده أبين إصراراً: لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرا (2) وإن سياسة الأقوام فأعلم لها صعداء مطلعها طويل (3) ويظلموا فنرى الأوان مسفرةً لا خوف ذل ولكن فضل أحلام ويحتاج الرئيس إلى أعوان يظهر بهم كمين مكارمه، ويمضي فيهم وبهم ماضي عزائمه، فلولا الطالب لعاش الكريم مطوياً على حسرات أوطاره، ولولا الخاطئ لما وجد الحليم لذة حلمه ووقاره، وكلما كان التابع أبعد مذهباً في معناه، كان المتبوع أشد جذلاً بظهور مناقبه وعلاه. وفي فصل: وقد كانت مني كبائر تكنفتها معاذير لا أشين وجه العفو بإيرادها، ولا أنتقص جملة الصفح والغفران بتعدادها، في أن لم أفتتح مناسكي بالسعي إلى حضرته، ولم أبدأ من مطالب شرعي بالتوفر على / [141] خدمته، وقد علم الله   (2) من أبيات تنسب لرجل من بني أسد (شرح المضنون: 473) . (2) من أبيات تنسب لرجل من بني أسد (شرح المضنون: 473) . (3) ورد البيت غير منسوب في اللسان والتاج (صعد) ؛ وأكمة ذات صعداء: يشتد صعودها على الراقي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 499 أن ذلك ليس من اعتلال بصيرة بشرف الانتماء إليه، ولا انخفاض همةٍ عن سعادة المثول بين يديه، ولا إمعان في البدوية - وإن كنت من أهلها - حتى أذهل عن مطلع النير الأعظم من الأفق الذي سكنت ظله، ومفيض الفرات الأعذب من البلد الذي استوطنت محله، ولا أن ذكره لم يكن في تلك الأوطان زينة الأعياد، وحلية البلاد، وأنس الحاضر والبادي، وبلغة المسافر والحادي، ولا أني لم أكن ذكي الخاطر بتلاوة مآثر آلائه، ومستشفياً بنسيم الريح من أرضه وسمائه، ومعجباً بما جمع الله بتلاوة أهل الأدب، بل السراة أهل الرتب، ومعنى قول القائل: يأتيك عن فهم الثناء عطاؤه عفواً وتلك عطية المستبصر كرم تكشف عن حلى آدابه كالبحر يكشف غمره عن جوهر وفي فصل من أخرى: ولما أزعجتني الأقدار إلى هذا المقر الجليل على اضطرار باد، ينبو ذلك المهاد، وردت مطرف الناظر، كليل الخاطر، فقصدت مع ذلك خدمته - في ورود الأول - باللقاء أو استطلاع الإذن بالمكاتبة، فأعجلهما مسيرة الميمون، فأحلت بذلك على اجد الظنون، والزمن الخؤون، ثم كتبت مستبدها في هذه الرقعة بأمور يشف عنها الكتمان بصادق ظنه، وينم بها السر والاختفاء إلى نجي ذهنه، فلم أبشر بقدومه حتى أنذرت بصدره، وقد كان من الحق أن أسير في أثره، وأنفذ في تصيد العز بملاحظة غرته، واستلام حضرته، ولكني أهديت من ضعف عذري وقوة ذنبي زينة إلى حلمه ومسامحته، ورجوت أن يضيف إلى الإغضاء فبضله، وأن أعرض عن كل من تغرب عليه الشمس لجرمي فبعدله، وإن يك ظني صادقي (1) فسينخدع لي انخداع ذوي الإنعام، ويتغابن في صمتي عن (2) غيجابه تغابن الكرام، بأريحيته اللدنة الأعطاف،   (1) ص: صادقني. (2) ص: قيمتي من. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 500 ورياسته الموطأة الأكناف. ومن جواب ذي السعادتين له: للسؤدد محل يدعو إلى نفسه، ويسفر عن شمسه، ويأبى أن يتقلقل به مهاد، أو يتململ بقراره وساد، أو يكون إلا لمن وطأ له [كنفاً] ، وألان بحمله معطفاً، واستقل بأعباء تكاليفه، وأغمض بدائع أفكاره في تضاعيفه، ونص (1) المذكيات في مضماره، واستبرد المصطلى من أواره، وغدا لفارده عشراً، وشرح للعناء (2) فيه صدراً، وكان كما قيل: إن رأى حسنةً قال، أو رأى سيئة أقال؛ فقد أحسن القائل: إما يربني مفصل (3) فقطعته فيوشك أن يدوى لذلك سائره وإنما نصصت على الموقع الأنبه من حضرته، ودللت عليه بناره وسمته، لياذاً بقوة الدواعي منه في تمثل ما أجراه الاتفاق على ضد المراد، وثناه القدر الغالب فيه عن غرض الاعتقاد، وسنن الارتياد. وفي فصل منه: حتى بدا مطلع الأمل من حيث شمته، وصدق اليقين بتلك الأوصاف اللائقة، والفضائل الشائقة الرائقة، ما تصورته وتحققته، وذر البدر (4) الكامل بالكتاب المعرب عن جميع أدوات الفضل ومعانيه، وبوارع الأدب (5) النبيل ومعاليه، فأكرم به من واصل بالمعنى في موضع العتب، ووافدٍ بالحسنى على الإساءة بالذنب، وأعجب بما حواه من رائع البلاغة وبارع العبارة، ومستكرم المآتة، ومستغنم الإطالة، ولقد أخبر من أنباء السلامة في النفس المحروسة ما ضاعف المسرة، وضاعف الغبطة والحبرة، وأشار فيما عداها إلى ما أسال العبرة، وأشعر الحسرة، ولله تعالى في مثل ذلك ألطاف توضح عن حسن عواقب   (1) ص: وتصل. (2) ص: للهاء. (3) ص: ما يريني مفصل. (4) ص: ودر البر. (5) ص: وفوارع الأب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 501 التفويض، وتقوم بإكرام الإنابة والتعويض، وقد استرهن عندي بمبتدأ التطول بالمكاتبة يداً، اقتضى اعتدادي بها وشكري لها بما يبرهن عن توافقنا في الصفاء، وتشاكلنا في الإخاء، وسيدي يطيع في ذلك بواعث كرمه، ونوازع شيمه. فأجابه ابن المغربي برقعةٍ قال فيها: ألقي إليّ كتاب كريم يكتفي شرف الهمة بخيال عنوانه، ولا يبلغ بشق النفس شكر ظاهره فضلاً عما في طي جنانه، ففضضته عن الروض العازب، والتقطت منه فرائد الكواعب، ووجدت فيه نسيم الشباب، وتعللت به في عطف الأيام / [142] السالفة العذاب، ووجدته قد احتوى من عقائل الفصاحة وكرائم البلاغة على ما يعدى المعجم العيي فينطق متخيراً، وينشده الناطق البليغ فيبلس متحيراً، وظننت أن العشاق لو أعيروا من ألفاظه مزاجاً للمراشف، ووهبوا من أنفاسه عطراً للسوالف، لصالوا بحجج تجل عن تسمية المعاذير، وتصبغ الخطأ بلمع الصواب المنير، ولو أنهم جعلوه رمي سهمة الفراق لكفت عواديها، وأخذة لأعين الرقباء لطفرت [من] مآقيها، ولو أن الحمام أصغت إليه لعاد نوحها شدواً، ولو أن الليالي تتدثر (1) به لصار دجاها غدواً، وعجبت مما حمل على منتي الضعيفة من منن كنت قبلها نضو العزيمة فكيف [أنهض] بها، ومن مبار يكاد يمنعني فادح أثقالها أن أستار مرفقها، فلو أن ذلك الكتاب الجليل صدر إليّ من عدوي لاهتززت ببدئاع ما فيه، ولو أنه تاه عن إنعام علي لغالطتني عذوبة لفظه عن مرارة معانيه، فكيف وقد جاءني عن الأيام عتبي، وجعل قلبي لخواطر الجذل نهباً، ولست ألم بشكره عن هذه العاطفة الكريمة فأوهم أنها مما تتناوله أفكاري الكليلة، ولا أتعرض لحمدها فأحبط أجري في الاعتراف بالتقصير عن مواهبها الجزيلة، ولكن أوفيها، ما وجب من إظهار العجز فيها.   (1) ص: تتدهما، وعليها علامة خطأ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 502 وأين الثريا من يد المتناول لو أعنت بما تلاقى عليه [-] من خواطر ملتهبة المطالع، وألسنة معروفة المقاطع، لما ازداد هذا الدين علي إلا توثقاً، ولا استجد هذا الحق إلا تعلقاً. دع ذا وعد القول في هرم (1) أنا الآن من التسوق إلى خدمته لو وجدت إليها سبيلا، وأعلمت نحوها رحيلا، وقد كنت ارتحت للفقرة التي تضمنها كتابه العالي من ذكر التفويض والتعويض، ورأيت أنها لو صدرت عن الحسن البصري لما زادت (2) على ما غشاها في عيني من البهاء وجلالة الصدق، ولقد انتفعت بها ورجوت يمن نقيبتها [وحسن] عاقبتها. وجملة ما أقترحه أن يتصور في ما يتصور في بعض الأقربين من خادم يصطنع فيجرى من الحنو عليه مجرى خواص الأهل وأداني الأصحاب، فله الرأي العالي في إنزالي حيث أنزلت نفسي من الاختصاص بجهته، فأما المكاتبة فقد تقدم القول في اقتناعي منها بمثل طيف الخيال، أو رضائي أن يخطر ذكري بالبال، إن شاء الله. وطار للشريف أبي طاهر باز كان يتصيد إليه: بلغني خبر الغادر المفارق، والباشق الآبق (3) ، فشاركته في الاستيحاش [من فراقه] لما كان يبدع من مصايده، ويقرب عن مطارده، ورأيته قد شاب فضائله بهذا الغدر الذي يسلي عن تذكاره، والإباق الذي ينسي محاسن آثاره، والنكث الذي ختم به عواقب عهده، وبغض إلينا، بل إلى سيدنا، استخدام أمثاله من بعده، لأن أحق الناس بكراهة الغدر من كان الوفاء رضيع لبانه، والحفاظ منبت أصوله ومنشأ أغصانه،   (1) صدر بيت لزهير بن أبي سلمى، وعجزه: " خبر الكهول وسيد الحضر " (شرح ديوانه: 88) . (2) ص: رددت. (3) ص: الاربق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 503 وكأني بفقده وهو عند الدراج من أنعم الأعراس، ومن الوحشة منه وهي بين سراب الطيور من ألذ الإيناس، لأنها أريحت بعده من حتفها العاجل، وسمها القاتل، وأجلها القاصر، ووجلها الحاضر، وعقلة قوادمها وخوافيها، ودهشة نواظرها ومآقيها، والكوكب المنقض (1) على مسارحها، والسهم القاصد إلى مذابحها، والآفة التي كانت حرمت بها حسن الرياض المونقة، وثكلت برد الغدران المغدقة، وتنغصت مشاهدة هذا الجو الرقيق الشمائل، اللازوردي الغلائل، حتى صارت لا تلتذ بوكر تبنيه، ولا بفرخ تغذيه، علما بأن لها منه مفرق العدد، وفاجع الوالد بالولد؛ ولو علمت هذه الأطيار الشامتة بفناده، السالكة سبيل الأشر بافتقاده، بما يعده سيدنا لها من ذي ظفر مظفر، ومنسر للطير ميسر، وخلف صالح، وجارح جارح، أشد لها منه اصطلاما، وأسد إلى مقاتلها سهاما، لعلمت أن كثرتها استجماع (2) له، وأن وفورها توفير عليه. وفي فصل منها: وما ألوم المارق على ملله وانحياشه، لأنه كان قد تعود أن يصيد بمقدار قوته ومعاشه، فصار سيدنا يستخدمه بهمة تطلب الغاية البعيدة، وتستهل / [134] المشقة الشديدة، التي هزلها جد، وجورها قصد، ولعبها ارتياض، يتصير من لم ينقد إليها سريعا، [ذا] ضراوة على اقتناص من لم ينته إلى أوامرها مطيعا، فلم يطق على ذلك جلدا، ولم يجد بهذا الأمر الفادح يدا، فما أشد بسطي لعذره، ومعرفتي بسبب غدره، وآمل أن يتذكر ما كان له بفنائه من نعيم، خياله بين عينيه، وطيب عيش، تذكره أجدى له من حماقيه، فتدعوه عواطف التربية والإيثار، وتزول عنه عوارض السهو والاغترار، فيعود غلة رسمه، ويعوذ من جرمه، ويرجع وقد أدبته النكبة، وهذبته الغربة.   (1) ص: المنقض. (2) ص: استنجام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 504 وكان في ذلك الأوان بمدينة [تكريت. رئيس] (1) ممن يشار إليه، ويعول قومه عليه، فرأى في منامه (2) النبي عليه السلام مع علي بن أبي طالب، وحضاه على السلام، ووجد في الإنجيل ما دله على البشارة بمحمد عليه السلام، فاستدعي إلى الحضرة ببغداد، وطيف به في سائر البلاد، فكتب إليه ابن المغربي رقعة قال فيها: ويعلم الله ما ورد علي وعلى كافة من حضر من المسلمين من السرور بما أبان الله (3) من آية قطعت عذر الجاحدين، و [حجة] (4) استهلكت شبه العائدين الجاهلين، لا أن هذا الدين - بمحمد الله - مفتقر من بعض حواشيه، إلى بينة تزيد فيه، ولا أن الاستدلال الصادق كان ترك شبهة إلا فضحها، ولا معجزة إلا أوضحها، وزائغا إلا قومه، وجاهلا إلا علمه، وركنا لباطل إلا خفضه، وعقدا للشرك إلا نقضه، إلا أن المخالفين قد شغلت الدنيا أكثرهم عن التأمل، وحجبت العادات خواطرهم عن التأول، فبعد بالحجج السالفة ذكرهم، واشتد إلى البراهين المستحدثة فقرهم، فكان أبلغ [برهان] إقبال مثله إلى المحجة عن غير رغبة استفزته، ولا رهبة هزته، ولا محاسدة أغرته، ولا مناظرة عزته، بل أطلق عنان عقله ومد به راشادا حتى وقفه على الصراط المستقيم، واستتلاه قاصدا حتى أورده إلى المنهج السليم، فوردت النعمة بتخيره صافية غير مكدرة، والمنحة في استئمانه وافية غير مقصرة، فهنأ الله الإسلام ما لا يزال يتولاه من إيضاح مناره، وتبلج أنواره، وإدامة صبحه   (1) بياض في ص، وزدته من تاريخ المسجى: 235ب والرئيس المشار إليه هو أبو مسلم مشرف بن عبيد الله، وكان يعرف بالمطران الكبير، رئيس اليعاقبة؛ ويذكر المسبحي أن إسلام الرجل تم يوم الخميس السابع من جمادى الأولى سنة سبع [-] وأربعمائة وإن الوزير المغربي أرسل إليه هذه الرسالة من ميافارقين: وقد أورد المسبحي جانبا من الرسالة لم يورده ابن بسام، وانقطع فيها بضياع الأوراق ما أورده صاحب الذخيرة ما عدا سطرين منها. (2) ص: مناها. (3) المسبحي: سرورا بما آتى الله جلت قدرته. (4) زيادة من المسجي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 505 ضاحكا تتصدع عنه دياجير الشبهات، وتنجلي منه ملابس الضلالات، وهنأ الله الشيخ ما رآه له أهلا من هذا السناء الذي تقف دونه المعالي، وتضيء به ظلم الليالي، وغرس عنده التوفيق الذي يسترهن لواء النعمة، ويضمن بقاء العصمة. وفي فصل من أخرى: ولولا أني إذا أردت المواصلة بنفسي ثقلت ثقلين بالزيارة، وبالدالة (1) المستعارة، لما استنبت والله على لساني قلمي، ولا استنطقت يدي قبل فمي، ولكن الاضطرار يقود وأتبع، والزمان يقول فأستمع. وله من رقعة [في] فتح: ولما تقاربت الفئتان إذا بعدونا في عدة قد اشتملت منهم على كل سهم في كنانتهم؛ قد استكثروا من علوج لا يخشون (2) حومة اللقاء، ولا يثبتون على مقارعة الأكفاء، فلما اجتمع أعداء الله وقلوبهم بالذعر متفرقة، وأقدموا وأقدامهم القهقراء راجعة، وكانت لنا عيون تجثم على مدارج أنفاسهم، وطلائع تقبض على مسارح ألحاظهم. وفي فصل منها: وبادرتهم فتيان بني عامر على الجرد الصلادم (3) ، وقد برزوا الجنن تعجلا للطراد، وتخففوا من الرماح تقصيرا للبعاد، فوكزوهم بالرماح وكزا ترك الدروع منهم غلائل، وأماني الحياة فيهم قلائل، فلم يترك القتل منهم إلا أنفسا عافتها كرام السيوف، أو آخرين عزين (4) تكفكف عنهم الرحم العطوف، يتمسكون بأنفسهم حوزا، ويعتدون ذل الفرار عزا، وافترقوا إلى أوطانهم يرقبون الليل كما يرقب الصباح، ويدلجون بكل ماش من الخيل بجناح، وكان أميرهم في بلهنية الاستهامة بهم، وقلة الفكر فيهم، قد بات يعمل كاسه ويلهي جلاسه، وغدا سكران   (1) غير واضحة تماما في ص. (2) ص: الصوارم. (3) ص: عن. (4) ص: عرينة (دون اعجام) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 506 على فرس جموح يبادر النهاب وهي أنفسهم، ويحاول الغنائم وهي مهجهم، فرقصت به الفرس فصادف ذلك الأجل المكتوب له، بجزى الله هذا الحي من آل عامر أهنأ الجزاء عاجلا، وأدومه آجلا، وثنى ببني عمنا الأقربين، وعشيرتنا المستخلصين، خفاجة وكذلك الجيران، وأهل البلد والأعيان [144] وألفاف (1) كانت أسماؤهم نكرة، فعرفتها المواقف الحميدة، وطوائف عاطلة حلتها الخطا البعيدة، وخاملة نبه عليها شكر السيوف لأيد منهم وصلت قصارها، وأوصلت في زحام الورد حوارها. وفي فصل له: وكلما هممت بمفاتحته اعتضرتني خجلة المتاركة، واستوقفتني غفلة المجانبة، وخانت يدي قلمب، فلم تشفه بإظهار ضميره، ولم تحسن النيابة عنه في الاعتذار من تقصيره. وهذه أيضاً جملة من شعره في أوصاف شتى قال: عجبت هند من تسرع شيبي قلت هذا عقبي فطام السرور عوضتني يد الثلاثين من مس - ك عذاري رشا من الكافور كان لي في انتظار شيبي حسابا غالطتني فيه صروف الدهور والبيت الثاني منها كقوله الوزير أبي محمد ابن عبدون: يا دهر ذنبك عندي غير مكفور على م عوضت من مسكي بكافور وقال (2) :   (1) ص: والفات. (2) منها أربعة أبيات في دمية القصر 1: 94 وثلاثة في الشريشي 3: 120 والأبيات 10، 2، 4، 5، 3، 6، 7، 9، في ريحانة الألباء 2: 476. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 507 علمت منطق حاجبيه والبيت ينشر رايتيه وعرفت آلات النعي - م بقبلة في عاضيه ولقد أراه في الخلي - ج (1) يشقه من جانبيه والماء مثل السيف وه - وفرنده في صفحتيه لا تشربوا من مائه أبدا ولا تردوا عليه قد ذاب فيه الحسن [من] حركاته أو مقلتيه والسلم أسلم فاحذروا من فترة في ناظريه صبغت بياض النيل حم - رة وردة [في] وجنتيه وقال: تمنع أن رأى زغبا بعارضه قد التهبا وتاه علي أن أبدت عقارب صدغه ذنبا وقدر أنه سبب يقطع بيننا النسبا ولا والله لا آلو لحق عنده طلبا ولا خليت في كفي - هـ - قلبا طال ما انتبها أما عيناه عيناه الل - تان أباحتا الريبا وقال وقد كسفت الشمس: لمثل ذا اليوم يا معذبتي كانت ترجيك أختك الشمس قومي اخلفيها في ذا الكسفوف ففي وجهك عنها إن أوحشت [أنس] (2) وغالطي حاسب النجوم فإن لجت وغابت أصابه لبس   (1) الشريشي والدمية: الغدير. (2) موضع هذه اللفظة في ص: " خلف ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 508 وقال: يوم الكسوف جلا على بصري قمرا أحار الجن والإنسا قامت فأرخت من ذوائبها وتجللت من شعرها لبسا فسألتها لم قد لبست دجى قالت أساعد أختي الشمسا وقال: قالوا كسوف الشمس مقترب قلت ادخرت لدفع نائبها ثقتي بكاسفها وكاشفها وبفضل ماحيها وكاسبها من لو يشاء أعاد مشرقها متبسما لك من مغاربها هي شعلة من نوره فإذا ما شاء أظلم أو أضاء بها وقال (1) : أدر كأمس المدام فإن قلبي أتيح له عن التقوى ارتحال حللت ببابل وأردت ألا أهيم بسحرهم، هذا محال وقال (2) : دنف بحمص وبالعراق طبيبه يضنيه عنه بعاده ويذيبه ما ناله إلا الذي هو أهله إذ غاب من بلد وفيه حبيبه لزم السهاد تحيرا وتلددا وتأسفا إذ أوبقته ذنوبه زعم الفراق دعا به فأجابه ونعم دعاه فلم أراد يجيبه   (1) تاريخ المسبحي: 233 / أ. (2) الشريشي 3: 120. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 509 وهذا كقول الآخر: أتظعن عن حبيبك ثم تبكي عليه فمن دعاك إلى الفراق وقال آخر: كذبتك نفسك لست من أهل الهوى تشكو الفراق وأنت عين الظالم وقال المغربي (1) : ولما احتوى بدر الدجى صحن خده تحير حتى ما درى أين يذهب تبلبل لما أن توسط خده وما زال من بدر الدجى يتعجب كأن انعطاف الصدغ لام أمالها أديب يجيد الخط أيان يكتب وهذا المعنى كقول الآخر، وأنشد القطعة بكمالها، استيفاء لجمالها: تعلم العطف من صدغيه فانعطفا وكان من شأنه ألا يفي فوفي دب العذار على ميدان صفحته حتى إذا هم أن يسعى به وقفا كأنه كاتب عز المداد به أراد يكتب لاما فابتدا ألفا وقال ابن المغرب: حبيب سرى يسلقبل الليل وحده ويسبق آرام الصريم وأسده فلا الأنس من أمثاله الأدم عاقه ولا الذعر من أعدائه الغلب صده يخوض إلى الليل ما بل عطفه ويفرج غيل الدوح ما حل عقده المصراع الأول منه كقول المعري (1) :   (1) الأول والثالث في الشريشي 5: 223. (1) الأول والثالث في الشريشي 5: 223. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 510 عجبت وقد جزت الصراة رفلة وما خضلت مما تسربلت أذيال (1) [145] / وقد طلعت في الرأس مني راية ثكلت بها هزل النعيم وجده كلوح مشيب لو يكون (2) تبسما كما زعموا ما [إن] بكى القلب عنده وما زهرات الشيب فيه ظوالم كذا العشب يأتي يانع الزهر بعده أخذت من الدهر التجاريب جملة وقبل أشدي ما بلغت أشده قوله " كلوح مشيب " ينظر إلى قول ابن الرومي (3) : لم يضحك الشيب من فوديه بل كلحا سم القبيح من الأسماء ما قبحا إن كان ابن المغربي قد نقص معناه، وطمس سناه، فقد زاد فيه ما ذهب ببعض جنايته، ومحا كثيرا ما إساءته، وكان الناس قديما وحديثا يستعيرون لبياض المشيب التبسم، حتى جاء ابن الرمي بحر الإبداع، وعذبة لسان الاختراع، فقال بيته المتقدم فأسكت به القائلين، ودفع في صدر المتقدمين، وبين أنه ربما كان الفضل للآخر، وأبقى السالف للغابر، وأرى أول من نحا هذا المنحى، وسلك بالشيب هذه المحجة المثلى، حيث استعار الضحك للشيب، غير مبال إلى ما في ذلك من العيب، دعبل حيث يقول (4) : لا تعجبني يا عبد من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى فاستعار الجناح، وغدا على ألسنة الرواة وراح، وتتابع فيه الشعراء فأبدأوا فيه وأعادوا، ونقصوا وزادوا.   (1) الرفلة: الطويلة الذيل؛ الصراة: مجتمع دجلة والفرات؛ خضلت: ابتلت. (2) ص: يكن. (3) ديوان ابن الرومي: 563. (4) ديوان دعبل: 117 وروايته: لا تعجبي يا سلم (وفي الديوان تخريج مستفيض) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 511 وقال ابن المغربي: ولما دعوت الكأس تؤنس وحشتي لبعدك زادتني اشتياقا إلى القرب ومالت بأعطافي لها أريحية فقربك أحلى من جناها إلى القلب فأنت مزاج العيش إن كان صافيا وأنت المعير الصفو في كدر الشرب وقال في غلام تركي وسيم، كان به يهيم: غزال لم ألابس قبله التبريح والكمدا أظن عداه جانية لعشقي مذ كذا رصدا وقال: يا أهل مصر عاد ناسككم بالكرخ بعد التقى إلى الفتك جمش قلبي [مقر] طق (1) غنج بدا لقلبي فيه من النسك رمى فؤادي بسهم مقلته وكيف يخطي مولد الترك وذكرت بمعنى البيت الثاني من هذه قول كشاجم، وإن لم يكن به، فيتعلق بسببه (2) : يقولون تب والكأس في يد أغيد وصوت المثاني والمثالث عال [فقلت لهم لو كنت أزمعت توبة وشاهدت هذا في المنام بدا لي] وقال ابن المغربي (3) : حبيب مللت الصبر بعد فراقه على أنني علقته وألفته محاسن يأسي شخصه من تفكري فلو أنني لاقيته ما عرفته   (1) الشريشي 5: 305. (2) انظر زهر الآداب: 611 والشريشي 5: 305. (3) تاريخ المسبحي: 234 / أ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 512 وقال: الله يعلم ما إثم هممت به إلا وبغضه خوفي من النار وإن نفسي ما هامت بمعصية إلا وقلبي عليها عاتب زار وله في غلام نصراني: رغبت في ملة عيسى وما يخيب من يرغب في ملته رغبني في دينه شادن رأيته يخطر من بيعته صنع حكيم ما أرى أنه يسلط النار على حكمته إن كان ذا من ساكني ناره فناره أطيب من جنته ومن مرثية له في الشريف أبي الحسن، صهره: يا ناعي الدين والدنيا أشد بهما في حيث سال بآل الله واديه هذي معالي قريش غاض آخرها ومجد هاشم زار الترب باقيه قل يا أبا حسن والقول ذو سعة (1) لولا حجاب من الثرياء (2) يثنيه أآخر الدهر أم تحنى عواطفه وفيصل البين أم يرجى تلافيه كلا لقد فات منك الوصل آمله مذ شيد الجدث المأهول بانيه هنيت ربعا برغم المجد تسكنه تلقى أباك عليا في مغانيه إن أخل بعدك بالدنيا أروضها فقد خلا بضمير النبع باريه هل كنت تعلم إذ عودتني أبدا حسن التصبر أني فيك أفنيه وهو القائل (1) :   (1) ص: في سعة. (2) الثرياء: الأرض، أو الثرى والندى. (1) ص: في سعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 513 كنت في سفرة البطالة والغي زمانا (1) فحان منه قدوم تبت عن كل مأثم فعسى يمحى بهذا الحديث ذاك القديم بعد سبع (2) وأربعين لقد ما طلت إلا أن الغريم كريم انتهى ما أثبته لأبي القاسم من فصوص نثره، وملح شعره، وأختم ذكره بخبر يتعلق بكرمه، ومحاسن شيمه (3) : كان يوما بداره ببغداد في نوروز سنة ثماني عشرة وأربعمائة، وهو إذ ذاك وزيرها، وله تدبيرها، فدخل عليه وجوه أمراء الديلم والاسفهسلارية من الأتراك على طبقاتهم، ووضعت الهدايا بين يديه على رسم الفرس، فلما / [146] خبف المجلس وتعلى النهار، استؤذن عليه للديلمي مهيار، فأذن له ودخل، فلما مثل بين يديه قال: أيدك الله، هذه البضاعة التي معنا كانت كاسدة، وقد وجدنا لها نفاقا بحضرتك، فقال: هات ما معك، فأنشده قصيدته التي أولها (4) : عسى معرض وجهه مقبل وهي قصيدة نيف فيها على المائة، وقد أثبت ما أخرجت منها في موضعها من هذا القسم، فجعل ينشدها وابن المغربي ينشدها وابن المغربي يستعيد أبياته النادرة فيها. ويكثر إعجابه بها، ويجمع كفيه ويبسطها ويقول: أحسنت والله، أجدت والله، إلى آخرها. فلما فرغ أشار له إلى دراهيم ودنانير كانت بين يديه دون باقي الهدايا، ففتح مهيار كمه الأيسر وجمع بين يديه حتى ملأ كمه الأيسر، ثم فتح كمه الأيمن وجمع بيده اليسرى إلى أن لم يبق في الموضع دينار ولا درهم، ونهض؛ وسئل مهيار بعد عن   (1) ياقوت: كنت في سفرة الغواية والجهل مقيما. (2) ياقوت: بعد خمس. (3) بغية الطلب 5: 29، 19. (4) ديوان مهيار 3: 124 وعجز البيت: فيوهب للآخر الأول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 514 زنة ما حصل له يومئذ فقال: كانت الدنانير ألفا ومائة مثقال وعشرين، والفضة ثمانية آلاف درهم. فصل في ذكر الفقيه الحافظ عبد الوهاب بن نصر المالكي البغدادي (1) ناصر دين المالكية، وإيراد قطعة من شعره الذي هو حلاوة الأمان، وبشر وجه الزمان كان أبو محمد في وقته بقية الناس، ولسان أصحاب القياس، وهو أحد من صرف وجوه المذهب المالكي، بين لسان الكناني، ونظر اليوناني، فقدر أصوله، وحرر فصوله، وقرر جمله (2) وتفاصيله، ونهج فيه سبيلا كانت قبله طامسة المنار، دراسة الآثار، وكان أكثر الفقهاء ممن لعله كان أقرب سندا، وأرحب أمدا، قليل مادة البيان، كليل شباة اللسان، قلما فصل في كتبه غير مسائل يلقفها ولا يثقفها، ويبوبها ولا يرتبها، فهي متداخلة النظام، غير مستوفاة الأقسام، وكلهم قلد أجر ما اجتهد، وجزاء ما نوى واعتقد. وقد وجدت له شعرا معانيه أجلى من الصبح، وألفاظه أحلى من الظفر بالنجح: ونبت به (3) بغداد، كعادة البلاد، بذوي فضلها، وعلى حكم الأيام في محسني أهلها، فخلع أهلها، وودع ماءها وظلها، وقد حدثت أنه شيعه يوم فصل   (1) ترجمة عبد الوهاب المالكي في طبقات الشيرازي: 168 وتاريخ بغداد 11: 31 والمنتظم 8: 61 وترتيب المدارك 4: 691 والديباج المذهب: 159 ومرآة الجنان 3: 41 وابن خلكان 3: 219 والمرقبة العليا: 40 وابن كثير 32 والشذرات 3: 223 والفوات 2: 419 والزركشي 2: 202 وتبيين كذب المفتري: 249 والنجوم الزاهرة 4: 276 وورد في دمية القصر (1: 295 - 297) ترجمة أبي نصر عبد الله بن علي بن نصر الماكلي، ولعل صوابه " عبد الوهاب بن علي " إذ نسب له الباخرزي أبياتا لعبد الوهاب في أكثر المصادر. (2) ص: حصله. (3) ص: بعد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 515 عنها، من أكابرها، وأصحاب محابرها، جملة موفورة، وطوائف كثيرة، وأنه قال لهم عندما وقفهم للتوديع، وعزم عليهم في الرجوع: والله يا أهل بغداد لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشية، ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية؛ والخبز عندهم يومئذ ثلاثمائة ركل بمثقال. وزعموا أنه ارتجل يومئذ هذه الأبيات (1) : سلام على بغداد في كل موطن وحق لها مني السلام المضاعف لعمرك ما فارقتها قاليا لها وإني بشطي جانبيها لعارف ولكنها ضاقت علي برحها ولم تكن الأرزاق فيها تساعف فكانت كخل كنت أهوى وصاله وتنأى به أخلاقه وتخالف (2) وبلغني أنه اجتاز في وجهته تلك بمعرة النعمان، وبها يومئذ أبو العلاء أحمد بن سليمان، فضيفه، وكتب إليه بما أثبته في موضعه، وفي ذلك يقول أبو العلاء (3) : والمالكي ابن نصر زار في سفر بلادنا فحمدنا النأي والسفرا إذا تفقه أحيا مالكا جدلا وينشر الملك الضليل إن شعرا واستقر الفقيه أبو محمد بمصر. فحمل لواءها، وملأ أرضها وسماءها، واستتبع سادتها وكبراءها، وتناهت إليه الغرائب، وانثالت في يديه الرغائب، فمات لأول ما وصلها، من أكلة اشتهاه فأكلها؛ زعموا أنه قال وهو يقلب، وفسه [قد] تصعد وتصوب " لا إله إلا الله، إذا عشنا متنا ". وكانت وفاته بها رحمه الله سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. وقد أخرجت من شعره ما يروق العيون، ويفوق المنثور والموزون، ومن شعره   (1) وردت في أكثر المصادر التي جاءت فيها ترجمته: وقيل إن الأبيات ليست له؛ وانظر الشريشي 4: 317. (2) ترتيب المدارك: وتجانف. (3) شروح السقط: 1740 وابن خلكان: 220 والفوات: 420 والشذرات: 224. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 516 مما أنشده أبو المطرف المالقي (1) : لا تتعجل قطيعتي فكفى يوما يد الدهر بيننا تقطع عما قليل تحين (2) فرقتنا ثمت لا ملتقى ولا مجمع واستقضي بمدينة اسعرد (3) ، فبلغه عن أحد أدبائها أنه قال عنه / [147] كلاما معناه: القاضي - أعزه الله - مجيد. في كل ما يريد، إلا أنه ربما فتر قوله إذا شعر، فقال عبد الوهاب: أبغي رضاكم جاهدا إذا أملت حسنى عاد لي منكم أذى إني لأصبح من تجن خائفا وبسلمكم من حربكم متعوذا فإلى م صبري للتعتب منكم وإلى م إغضائي الجفون على القذى لو شئت أمنني القريض من الذي أنا خائف ولكان لي مستنقذا فيظل بي متململا متنغصا من كان قبل الشر بي متلذذا لكنني أرعى الوداد وإن غدا غيري به متشدقا (4) متطرمذا (5) وأظل يملكني الحنو عليكم وأكف عائر أسهمي أن ينفذا وأجل قدري في المودة أن أرى بعد الحفاظ لعهدهم أن ينبذا أتظن بغدادي طبع خالص يلفى هزيم من اغتدى متبغددا هيهات إن من الظنون كواذبا والحزم أولى في الحجى أن يحتذى إن تعتذر منها تجدني قابلا أو رمت تجديد الوداد فحبذا   (1) الشريشي 2: 113 - 114. (2) ص: بحر. (3) أسعرد (وتكتب أيضا: أسعرذ، أسعرت، سعرت) إلى الجنوب من ميافارقين (انظر تقويم البلدان: 288 - 289) . (4) ص: منسوفا. (5) المتطرمذ: الصلف المنكر بما لم يفعل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 517 طبعي التجاوز عن صديق إن هفا وبغفر زلات الأخلاء اغتذى فتجنبن عتبي وعد لمودتي لا تصغين لقول واش إن هذى واعلم بأني لست غافر زلة إن رابني ظن بكم من بعد ذا ذو الحلم إن سالمته لك منصف فإذا نضا عنه تجده قد بذا يا شاعرا ألفاظه في نظمه دررا غدت وزبرجدا وزمردا خذها فقط نظمتها لك حكة فيها وقل لمثلها أن يؤخذا حتى تظل تقول من عجب بها من قال شعرا فليلقه هكذا وقال (1) : ونائمة قبلتها فتنبهت وقالت تعالوا فاطلبوا اللص بالحد فقلت لها إني فديتك غاصب وما حكموا في غاصب بسوى الرد خذيها وحطي (2) عن أثيم ظلامة وإن أنت لم ترضي فألف عند العد فقالت قصاص يشهد العقل أنه على المذنب الجاني ألذ من الشهد وقالت ألم أخبرك بأنك زاهد فقلت بلى ما زلت أزهد في الزهد فباتت يميني رهن (3) هميان خصرها وباتت يساري رهن واسطة العقد وقال (4) : ومحجوبة في الخدر عن كل ناظر ولو برزت بالليل ما ضل من يسري أقول لها والعيس تحدج للنوى أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر   (1) أوردها ابن خلكان والفوات والشذرات ومرآة الجنان وابن كثير. (2) في رواية: وكفي. (3) في رواية: وهي ... وهي. (4) ووردت ثلاثة أبيات منها ياقوت 10: 88 وابن خلكان 2: 173 منسوبة للوزير المغربي: وأربعة في الشريشي 1: 299 للقاضي عبد الوهاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 518 سأنفق ريعان الشبيبة آنفا على طلب العلياء أو طلب الأجر أليس من الخسران أن لياليا تمر بلا نفع وتحسب من عمري وإنا لفي الدنيا كواكب لجة نظن قعودا والزمان بنا يجري وقال (1) : حمدت إلهي إذ بليت بحبها وبي حول يغني عن النظر الشزر نظرت إليها والرقيب يخالني نظرت إليه فاسترحت من العذر وقال: لا تترك الحزم في شيء تحاذره فإن سلمت فما في الحزم من باس العجز ذل وما بالحزم من ضرر وأحزم الحزم سوء الظن بالناس وقال: لست وإن كنت معنى به مشتكيا منه أذى حبه بل راضيا ما كان منه وإن حملت في الحب على صعبه مر الهوى أطيب من عذبه وجدبه أنعم من خصبه ما صدق الحب امرؤ لم تبت نيرانه تضرم في قلبه يستعذب التعذيب فيه وإن آل به ذاك إلى نحبه لا باغيا منه نوالا ولا يشكو الذي يلقاه من كربه وقال: الله يعلم أني يوم بينهم ندمت إذ ودعتني غاية الندم   (1) انظر حاشية 2: في ابن خلكان: 221 ونسبها ابن خلكان نفسه في 4: 381 لأبي حفص الشطرنجي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 519 تزاحمت في فؤادي للنوى حرق تزاحم الدمع في أجفان منسجم ثم انثنيت وفي قلبي لفرقتهم وقع الأسنة في أعقاب منهزم وكتب يخاطب المستنصر بالله صاحب مصر: حصن الله المؤمنين من الشيطان [بجنن] الطاعة، ودثرهم من قر وسواسه بسرابيل القناعة، ووهبهم من نعمه مدداً ومن توفيقه رشداً، وصيرهم إلى منهج الإسلام وسبيله الأقوم، وجعلهم من الآمنين فيما هم عليه موقوفون، وزينهم بالتثبيت فيما هم عنه مسؤولون (وما ربك بظلام للعبيد) (فصلت: 46) . كتابي إليك من الجب بازاء مصرك، وفناء برك، بعد أن كانت بغداد لي الوطن، والألفة والسكن؛ ولما كنت على مذهب صحيح، ومتجرٍ ربيح، كثرت علي الخوارج، وشق [على] الماء ارتقاء المناهج، (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز) (الحج: 40) فأتيت مكة، حرسها الله لكي أقضي فرض الحج، من عج وثج، أسأل الله تعالى القبول، وكيف وإنما يتقبل الله من المتقين؛ وقد كنت عندي ذا سنةٍ ودين، محباً في الله تعالى وفي النبيين، وفي محمد صلى الله عليه وسلم والمهديين، فورد الناطقون، وأتى المخبرون، بخبر ما أنت عليه، فذكروا أنك مدحض لمذهب مالك، موعد / [148] لصاحبه بأليم المهالك، هيهات هيهات (إنك ميت وإنهم ميتون، ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) (الزمر: 30 - 31) فأبيت القبول على أمر لم يصح بيانه لكثرة الكذب في الدنيا، وإذ لا يحل لمسلم أن يموت طوعاً، فأردت الكشف عن ذلك بكتاب منك، والسلام على من اتبع الهدى. جواب المستنصر بالله: حرس الله مهجتك، وطول مدتك، وقدم أمير المؤمنين إلى المنية قبلك، وخصه بها دونك، ورد كتابك المكرم، وأتى خطابك المعظم، يفصح البكم، وينزل العصم، هبت عليه رياح البلاغة فنمقته، ووكفت الجزء: 8 ¦ الصفحة: 520 عليه سحائب البراعة فرفقته، فيا له من خط بهي، ولفظ شهي، تذكر فيه حسن ظنونك بنا، وتثبت مآثرنا، فلما أن عرست بازائها ورد من فسخ عليك، فخذ بظاهر ما كان عندك ورد، ودع لربك علم ذات الصدور، والسلام. ومن شعره أيضاً قوله (1) أهيم بذكر الشرق والغرب دائماً وما بي شرق للبلاد ولا غرب ولكن أوطاناً نأت وأحبةً فعدت متى أذكر عهودهم أصب إذا خطرت ذكراهم في خواطري تناثر من أجفاني اللؤلؤ الرطب ولم أنس من ودعت بالشط سحرةً وقد غرد الحادون واستعجل الركب أليفان هذا سائر نحو فربةٍ وهذا مقيم سار عن صدره القلب وقال (2) : ومحطوطة المتنين مهضومة الحشا منعمة الأطراف تدمى من اللمس إذا ما دخان الند من طيبها علا [علىي وجهها أبصرت غيماً على الشمس وقال: رحلتم فكم من أنةٍ بعد زفرة مبينةٍ للناس شوقي إليكم فإن كنت أعتقت الجفون من البكا فقد ردها في الرق حزني عليكم وقال: يأبى مقامي في مكان واحدٍ دهر بتفريق الأحبة مولع كفكف فسيك يا فراق فإنه لم يبق في قلبي لسهمك موضع   (1) الأبيات التالية عدا الثالث في ابن خلكان: 221 والمنازل والديار: 199 / أووردت في القسم الرابع من الذخيرة: 101 منسوبة لأبي الفضل البغدادي. (2) وردا في هذا القسم الرابع: 96 منسوبين لأبي الفضل البغدادي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 521 وقال (1) : تذكر نجداً والحمى فبكى نجدا وقال سقى الله الحمى وسقى نجدا وحيته أنفاس الخزامي عشية فهاجت إلى الوجد القديم له وجدا فأظهر سلوانا وأضمر لوعةً إذ طفئت نيرانها وقدت وقدا ولو أنه أعطى الصبابة حقها لأبدى الذي أخفى وأخفى الذي أبدى ولم أنسه والسكر يفتل قده إذا ما تثنى كدت أعقده عقدا وقال: بالكرخ من جانب الغربي عن لنا ظبي ينفره عن وصلنا نفر ذؤابتاه نجادا سيف مقلته وجفنه والشفرة الشفر ضفيرتاه على قتلي تضافرتا يا من رأى شاعراً أودى به الشعر وقال: من بعد ودي رمتم أن تهجروا ما بعد فرقة [مز] معين تخير وزعمتم أن الليالي غيرت عهد اللوى لا كان من يتغير إن شئتم أن تنصفوني في الهوى لا تقطعوا حبل الوصال وتغدروا ردوا الفؤاد كما عهدت إلى الحشا والمقلتين إلى الكرى ثم اهجروا وقال: أتبكي على بغداد وهي قريبة فكيف إذا ما ازددت عنها غداً بعدا لعمرك ما فارقت بغداد عن قلى لها أن وجدنا للفراق بها بدا إذا ذكرت بغداد نفسي تقطعت من الشوق أو كادت تموت بها وجدا كفى حزناً إن رمت لم استطع لها وداعاً ولم أحدث لشاطئها عهدا   (1) وردت ص: 102 من هذا القسم منسوبة لأبي الفضل البغدادي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 522 وقال (1) : تملكت يا مهجتي مهجتي وأسهرت يا ناظري ناظري وما كان ذا أملي يا ملول ولا خطر الهجر في خاطري فجد بالوصال فدتك النفوس فلست على الهجر بالقادر وفيك تعلمت نظم الكلام ولقبني الناس بالشاعر أيا غائباً حاضراً في الفؤاد سلام على الغائب الحاضر وقال: وكل مودة في الله تبقى على الأيام من سعةٍ وضيق وكل مودةٍ في ما سواه فكالحلفاء في لهب الحريق وقال: أمنزلتي سلمى وحسبي رباهما فمجتمعي واديهما بأثال سلام على تلك المعاهد إنها مهب جنوبي أو مصاب شمالي ليالي لا أخشى حزون قطيعة ولا أمش إلا في سهول وصال فقد صار حظي من جميع لقائكم تعرض برقٍ أو طروق خيال وقال: يا أملح الناس بلا مريةٍ من غير مستثنى ولا مستعاد ما زادني صدك إلا هوى والشزر [من] عينيك (2) إلا وداد فاحكم بما شيت ففيه الرضى وكن كما شيت فأنت المراد   (1) وردت منسوبة للوأواء الدمشقي في الشريشي 1: 112 وهي ديوانه: 99 ومنها ثلاثة أبيات في اليتيمة 1: 296 له أيضاً. (2) ص: وسود عينيك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 523 وما عسى تبلغه طاقتي وإنما بين ضلوعي فؤاد وقال: فؤادي فر من جسدي إليكم فجئت اليوم أطلبه لديكم فضموا الجسم أو ردوا فؤادي فما في رده حرج عليكم وقال: يا لهف نفسي على شيئين لو جمعا عندي لكنتإذن من أسعد البشر [149] كفاف عيشٍ يقيني كل مسألة وخدمة العلم حتى ينقضي عمري وقال (1) : أشكو الذين أذاقوني مودتهم حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا واستنهضوني فلما قمت منتصباً بحمل (2) ما حملوا من ودهم قعدوا لأخرجن من الدنيا وحبكم بين الجوانح لم شعر به أحد ألفت بيني وبين الحب معرفة ما تنقضي أبداً أو ينقضي الأبد وقال: ولما رأيت العيش أزمع للنوى عزمت على الأجفان أن تترقرقا فخذ حجتي من ترك قلبي سالماً وجيبي ومن حقيهما أن يمزقا يدي ضعفت عن أن تمزق جيبها ولو كان قلبي حاضراً لتمزقا وقال: حرق سوى قلبي ودعه فإنني أخشى عليك وأنت في سودائه جاورته سوء الجوار فسؤته لما حللت فناءه بفنائه   (1) هذه الأبيات للعباس بن الأحنف (ديوانه: 84) والبيت الأول منها - في الأقل - لا يمكن أن يكون للقاضي عبد الوهاب لوروده في مصادر سابقة لعصره مثل الأغاني والشعر والشعراء: وقد ورد في الذخيرة: 514 منسوباً للعباس ابن الأحنف. (2) ديوان العباس: بثقل؛ ص: معتدلاً يحمل -. فقدوا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 524 وقال: في النفس ضيق وفي الفؤاد سعه فآله الجود غير متسعه البخل لا أستطيع أفعله والجود لا أستطيع أن أدعه وقال: قضت أيامنا سهماً صحيحاً لمن يأوي إلى فهم سقيم كأن علي للإعدام ديناً فلازمني ملازمة الغريم وقال: يحتاج من كان في مواعدكم إلى ثلاث من غير تكذيب أموال قارون يستعين بها وعمر نوحٍ وصبر أيوب وقال: طولت للنفس في الأماني فحسرتي اليوم حسرتان لما رأيت الشباب ولى وطالع الشيب قد علاني أيقنت [أني] على فناءٍ مشعر الذيل غير وان يا طول شوقي إلى أناسٍ خلفني عنهم التواني وقال: أنا في الغربة أبكي ما بكت عين غريب لم أكن يوم خروجي من بلادي بالمصيب عجباً لي ولتركي وطناً فيه حبيبي وقال (1) : بغداد دار لأهل المال واسعة وللصعاليك دار الضنك والضيق   (1) ورد البيتان في ابن خلكان: 221 وترتيب المدارك: 694 والفوات: 420 والديباج: 160 وابن كثير: 33 والشريشي 4: 317.2 الجزء: 8 ¦ الصفحة: 525 أصبحت فيها مهاناً في أزقتها (1) كأنني مصحف في بيت زنديق وقال: جرد عزيمة ماضي الهم معتزم ودون نيل الذي تبغيه لا تنم ولا يصدنك عنها خوف حادثةٍ فإنما المر رهن الموت والسقم ما قدر الله آت كنت في سفر أو في مقرك بين الأهل والحشم وقال: إن يكن ما بك هزل فالذي بني منك جد جملة تغني عن النف - سير: ما لي عنك بد وقال: إن ترد الوصل فهذا أنا وإن ترد هجري لك الأمر ما أنا محتاج ولا وامق فواحد وصلك والهجر وقال: لما نشرن على عمدٍ ذوائبها يكاد منها فتيت المسك ينتشر (2) تقول يا عمتا كفي ذوائبه ويحي ضنيت وأخفى جيدي الشعر مثل الأساود قد أعيا مواشطها فيه تضل مداريها وتنكسر تدعو على شعرها لما أضر بها يا ليته كان [فيه] الجعد والقصر وقال: رحلت وخليت الفؤاد لديكم رهيناً وإن لم تخل منه الأضالع فإن أنتم ضيعتموه أسأتم وما الحق إلا أن تصان الودائع   (1) ترتيب المدارك. مضاعاً بين أظهرهم. (2) ص: يتنشق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 526 وقال: أطال بين الديار ترحالي قصور مالي وضعف آمالي إن برت في بلدة مشيت إلى أخرى فما تستقل أجمالي كأنني فكرة الموسوس ما تبقى مدى ساعةٍ على حال وقال يتشوق في بغداد (1) : خليلي في بغداد هل أنتما ليا على العهد مثلي أم غدا العهد باليا وهل أنا مذكور بخير لديكما إذا ما جرى ذكر بمن كان نائبا وهل ذرفت عند النوى مقلتكما علي كما أمسي وأصبح باكيا وهل فيكما من إن تنزل منزلاً " أنيقاً وبستاناً من النور حاليا " " أجد لنا طيب المكان وحسنه منىً فتمنين فكنت الأمانيا " (2) كما بي عن شوقٍ شديدٍ إليكما كأن على الأحشاء منه مكاويا على أدمعٍ منهلةٍ فتأملا كتابي تبن آثارها في كتابيا ولا تيأسا أن يجمع الله بينا كأحسن ما كنا عليه تصافيا " فقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا " (3) فدى لك يا بغداد [أهلاو] منزلا ولم أر فيها مثل دجلة واديا ولا مثل أهليها أرق شمائلا وأعذب ألفاظاً وأحلى معانيا وكم قائلٍ لو كان ودك صادقاً لبغداد لم ترحل، فكان جوابيا " يقيم الرجل الأغنياء بأرضهم وترمي النوى بالمعسرين المراميا " (4)   (1) وردت الأبيات 12 - 14 من هذه القصيدة في المرقبة العليا: 41 وترتيب المدارك: 694. (2) يضمن ويجري بعض التحوير في قول الشاعر: ولما نزلنا منزلاً طله الندى ... أنيقاً وبستاناً من النور حاليا أجد لنا طيب المكان وحسنه ... - (البيت) (3) مضمن أيضاً من شعر المجنون. (4) الأبيات الثلاثة الأخيرة مضمنة من شعر إياس ابن القائف (الحماسية رقم: 406 في شرح المرزوقي) وإن لم يرد البيت الأوسط في الحماسية المذكورة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 527 " وما هجروا أوطانهم عن ملالةٍ ولكن حذاراً من شمات الأعاديا " " إذا زرت أرضاً بعد طول اجتنابها فقدت حبيبي والديار كما هيا " وقال: / [150] وماذا عليكم لو مننتم بزورة فأجزلتم فيها علينا التفضلا فإن لم تكونوا مثلنا في اشتياقنا فكونوا أناساً يعرفون التجملا وقال (1) : هبني أسأت كما زعمت فأين عاقبة الأخوه ولئن أسأت كما أسأت فأين فضلك والمروه وقال: ولما حدا الحادي بعيس أحبتي ونادى غراب البين بالبين يهتف بكيت دماً حتى لقد قال قائلب ترى ذا الفتى من جفن عينيه يرعف وقال: قلت لها يوماً وأبصرتها بسباسةً في كنها نرجس ما أقبح الصد فقالت: بلى، أقبح منه عاشق مفلس وقال: متى أخف الغرام يصفه جسمي بألسنة الضنى الخرس الفصاح فلو أن الثياب فحصن عني خفيت خفاء خصرك في الوشاح وقال (2) : قطعت الأرض في شهري ربيعٍ إلى مصر وعدت إلى العراق   (1) ورد البيتان في الصداقة والصديق: 206 (دون نسبة) . (2) وردت في ابن خلكان: 221 وتنسب للوزير أبي القاسم المغربي في دمية القصر 1: 96. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 528 فقال لي الحبيب وقد رآني سبوقاً [للمضمرة] العتق ركبت على البراق - فقلت كلا ولكني ركبت على اشتياقي فصل في ذكر الأديب الأريب أبي عبد الله بن قاضي ميلة (1) وهو ممن طرأ (2) ذكره، وانتهى إليّ شعره، إذ ضرب في الأدب بأعلى قدح، وافتر عنه على أوضح صبح، وأقام دوحه على سوقه، وبنى المنازل (3) على سواء طريقه، ورأيت أبا علي بن رشيق قد ذكره في ما اندرج من كلامه في شعراء " الأنموذج "، وأعرب عن فضائله، وأوضح ما لم يخف من دلائله (4) ، ولعل بعض من يتصفح كتابي هذا يقول: إن شعراء الأنموذج مائة شاعر وشاعرة، وأكثرهم كان في المائة الخامسة من الهجرة، تقاربت موالدهم، وتشابهت مصادرهم ومواردهم، أفلا ذكرهم عن آخرهم، وما له اقتصر على بعضهم دون سائرهم -! فبعض الجواب أني كثرت بهذا الكتاب عددي، وجردته في محاسن أهل بلدي، ثم عرضت بعد معارضته أبا منصور، بذكر من هنالك من شاعر مشهور، واجتلاب ما يتعلق بذلك من خبرٍ مأثور، فأشرت إلى ذكر من كان في هذا الوقت المؤرخ ممن طال (5) طلقه، وشرق أفقه.   (1) سماه ابن خلكان (6: 19) عبد الله بن محمد التنوخي وكنيته أبو محمد؛ وفي أحد أصول ابن خلكان " أبو عبد الله محمد بن محمد "؛ وقد ترجم له في المسالك 11: 304 (وفيه نقل عن الذخيرة والأنموذج) ومر ذكره في كتاب التعريف بالقاضي عياض 72؛ وميلة التي ينتسب إليها تقع في الجزائر. (2) المسالك: طار. (3) المسالك: وابتنى منازله. (4) قال فيه ابن رشيق (كما نقل العمري) : هو شاعر لسن مقتدر يؤثر الاستعارة، ويكثر الزجر والعيافة ويسلك طريق ابن أبي ربيعة وأصحابه في نظم الأقوال والحكايات (واستشهد على ذلك بفائيته) . (5) ص: كان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 529 ولأبي عبد الله أشعار شاردة سارت على ألسنة الأنام، وكتبت في جبهات (1) الأيام، غير أنه لم يقع إليّ منها عند تحرير هذه النسخة إلا ما أثبت، فمن ذلك ما حدث به أبو محمد بن خليفة المصري (2) قال: لما ولي ابن البواب وزارة المعز بن باديس سأله أبو عبد الله أمراً كلفه، فمطله فيه حتى صرفه، فكتب إليه (3) : أقول له إذ طيشته رياسة أتت غفلة مهلاً فقد غلط الدهر ترفق يراجع فيك دهرك عقله فما سدت إلا والزمان به سكر فما برحت أيامه أن تصرمت وما عندنا شكر ولا عنده عذر وأنشد أيضاً له المصري المذكور (4) : جاءت بعودٍ تناغيه فيتبعها (5) فانظر بدائع ما يأتي به الشجر غنى على عودها الأطيار مفصحة رطباً فلما عسا (6) غنى به البشر فما يزال عليه أو به طرب (7) يهيجه الأعجمان الطير والوتر قال ابن بسام: وهذا في ما وصف، كقول ابن شرف (8) : سقى الله أرضاً أنبتت عودك الذي زكت منه أغصان وطابت مغارس تغنى عليه الطير والعود أخضر وغنى عليه الناس والعود يابس   (1) المسالك: جبهة. (2) وردت ترجمته في الأول من القسم الرابع: 342. (3) المسالك: 304. (4) وردت الأبيات أيضاً في الأول من القسم الرابع: 356 وقد خرجتها هنالك. (5) ابن خلكان: ويسعدها. (6) ابن خلكان: غنت عليه ضروب الطير ساجعة، حباً فلما ذوى. (7) ابن خلكان: فلا يزال عليه الدهر مصطخب. (8) ورد بيتا ابن شرف عند ابن خلكان (5: 348) برواية أخرى، وانظر الشريشي 3: 205. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 530 وأنشد أيضاً له المصري (1) : أشقى لجدك أن تكون أديباً أو أن يرى فيك الورى تهذيبا إن كنت مستوياً ففعلك كله عوج وإن أخطأت كنت مصيبا كالنقش ليس يصح معنى ختمه حتى يكون بناؤه مقلوبا وأنشد له أيضاً (2) : لدنياك نور ولكنه ظلام يحار به المبصر فإن عشت فيها على أنها كما قيل قنطرة تعبر فلا تعمرن بها منزلاً فإن الخراب لما تعمر ولا تذخرن خلاف التقى فيفنى ويبقى الذي تذخر وظن أناس بأن قد سموا فقالوا علونا ولم يشعروا كذا البحر يطفو عليه القذى ويرسب في قعره الجوهر وكان لابن قاضي ميلة صديقان فتقاطعا وندما، واتفق أن بنى أحدهما منزلاً، فقيل لصاحبه: لست تجد وقتاً لمراجعة صديقك أحسن من تهنئتك له بهذه الدار الجديدة، فركب إليه وهنأه، وكان على صاحب المنزل قباء ديباج فيه صور طواويس، فكرر بصره فيها ذلك القاصد، فقال له صاحبه: أتعجبك هذه / [151] الصور - قال: أجل، فوهب الثوب له صاحب المنزل، فقال له القاصد: وأنا عندي طواويس حية تصلح لهذه الدار، فلبس صاحب المنزل القباء غلاماً وسيماً له اسمه نحرير، كان صديقه يهواه، وأهداه إليه، وأخذ صديقه الطواويس وأهداها مع غلامٍ له اسمه بديع كان صاحب المنزل أيضاً يكلف به،   (1) الثاني والثالث في المسالك: 304 ووردت لابن رشيق في ديوانه: 37 وانظر الذخيرة 1: 448 والغيث 2: 114 والشريشي 5: 127. (2) الشريشي 3: 101 (أربعة أبيات) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 531 فبلغ ذلك الأكحل تأييد الدولة (1) صاحب صقيلية (2) ، فأمر الشعراء بصفة ذلك، فمن شعر ابن قاضي ميلة فيهما هنالك، من جملة قصيدة: ولله يومكما إذ أتاك مبتهجاً بتمام البناء فأنفذ في حضن نحريره طواويس موشية في قباء فما جنك الليل حتى بعثت بديعاً بكل بديع المكاء بأحسن متخذٍ في البيزت وأطرف مكتسب في القباء تقابلتما لاختلاف الصفات ولولاهما لاختلاف الهواء ويعلي الذنابى مدلاً بها على رأسه كانتصاب اللواء فتلحظ مرأى يروق العيون ويقضي لواصفه بالغناء هدايا أقمتم لإيصالها ظباء تجر ذيول البهاء وما عاين الناس من قبل ذا طواويشس [فوق] أكف الظباء ومنها: وعاين رجليه في معزلٍ من الحسن حل عقود البكاء فيهدم جلوته بعدما أقام لها محكمات البناء ومن سام بالنفس عين التمام نازعه النقص حظ النماء فيا قمري سؤددٍ قابلا وجوه السنا بوجوه السناء إذا الدهر رفع قدريكما فقد سربل الدهر ثوب العلاء ومن شعره (3) : قالت الحسناء لما أن رأت أدمعي ترفض في ما ابتدرا ليس هذا الدمع ما خبرته أنا من يهدي إليك الخبرا   (1) أحد أمراء صقلية من بني الحسين الكلبيين؛ انظر دوره في حكم الجزيرة في " العرب في صقلية " 47 - 48 وصفحات متفرقة من المكتبة الصقلية. (2) هذا وجه من الوجوه التي يكتب بها هذا الاسم. (3) وردت ما عدا الثاني في المسالك: 305. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 532 رق في خدي من ماء الصبا رونق يعشي سناه البصرا تأخذ الألحاظ منه ريها فإذا جاز التناهي قصرا وله من قصيد فريد يقول فيه (1) : ولما التقينا محرمين وسيرنا بلبيك يطوى والركائب تعسف نظرت إليها والمطايا كأنها غواربها منها معاطس رعف وقالت أما منكن من يعرف الفتى فقد رابني من طول ما يتشوف أراه إذا سرنا يسير أمامنا ونوقف أخفاف المطايا فيوقف فقلت لتربيها ابلغاها بأنني بها مستهام قالتا: نتلطف وقولا لها يا أم عمروٍ أليس ذا منىً والمنى في خيفه ليس تخلف تفاءلت في أن تبذلي طارف الهوى بأن عن لي منها البنان المطرف وأما دماء الهدي فهو تواصل بدوم ورأي في الهوى يتألف وفي عرفاتٍ ما يخبر أنني بعارفةٍ من نيل وصلك أسعف وتقبيل ركن البيت إقبال دولةٍ لنا وزمان بالمودة يعطف فأبلغتها ما قلته فتبسمت وقالت أحاديث العبافة زخرف بعيشي ألم أخبركما أنه امرؤ على لفظه برد الكلام المفوف فلا تأمنا ما استطعتما كيد نطقه وقولا ستدري أينا اليوم أعيف لئن كنت ترجو في منى الفوز بالمنى فالبخيف من إعراضنا تتخوف وقد أنذر الإحرام أن وصالنا حرام وأنا عن مزارك نصدف فهذا وقذفي بالحصى لك منذر بأن النوى بي عن ديارك تقذف فبادر (2) نفاري ليلة النفر إنه سريع وقل من [في] العيافة أعرف   (1) أورد ابن خلكان 6: 159 هذه القصيدة كاملة ومنها ثلاثة عشر بيتاً في المسالك، وسبعة عشر في رفع الحجب 2: 48 وأحد عشر بيتاً في الشريشي 4: 261 وفي الرواية اختلافات يسيرة لا داعي لإثباتها. (2) المسالك وابن خلكان: فحاذر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 533 ومن مليح الزجر وغريب الفأل قول أبي حية (1) : جرى يوم رحنا عامدين لأرضها سنيح فقال القوم مر سنيح فهاب رجال منهم فتعفوا فقلت لهم: جارٍ إليّ ربيح عقاب بأعقاب من الدار [بعد] ما نأت نية بالظاعنين طروح وقالوا حمامات فحم لقاؤها وطلح فزيرت والمطي طليح وقال صحابي هدهد فوق بانةٍ هدىً وبيان بالنجاح يلوح وقالوا دم دامت مواثيق بيننا ودام لنا حلو الصفاء صريح لعيناك يوم البين أسرع واكفاً من الفنن الممطور وهو مروح وقال ذو الرمة (2) : رأيت غراباً ساقطاً فوق قضبةٍ من القضب لم ينبت لها ورق خضر فقلت غراب لاغترابٍ وقضبة لقضب النوى هذي العيافة والزجر وقال آخر (3) : دعا صرد يوماً على غصن بانةٍ وصاح بذات البين منها غرابها فقلت أتصريد وشحط وغربة فهذا لعمري نأيها واغترابها ومن قصيدة جحدر (4) : ومما هاجني فازددت شوقاً بكاء حمامتين تجاوبان / [152]   (1) هو أبو حية النميري، انظر شعره في الأمالي 1: 69 (وقارن بشرح الأمالي: 243) وزهر الآداب: 477 ورفع الحجب 2: 48 ومنها أبيات في الشريشي 4: 261 وديوان أبي حية (المورد: 1975، العدد الأول: 137) . (2) زهر الآداب: 478 ونقل المبرد أن الرواة لم يروهما في ديوانه، وانظر ديوانه: 667 (مكارتني) ورفع الحجب 2: 48 والشريشي 4: 260 (لجران العود) . (3) زهر الآداب: 478. (4) وردت الأبيات الثلاثة الأولى من قصيدة جحدر في رفع الحجب 2: 48 والقصيدة في معجم البلدان (حجر) ، والنسخة الاستانبولية من منتهى الطلب وتهذيب ابن عساكر 4: 36 والخزانة 4: 483 ورفع الحجب 1: 50. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 534 تجاوبتا بلحنٍ أعجمي على عودين من غربٍ وبان فكان البان أن بانت سليمى وفي الغرب اغتراب غير دان وفي هذه القصيدة يقول: فيا أخوي من كعب بن عمرو أقلا اليوم إن لم تسعداني يحاذر سطوة الحجاج ظلماً وما الحجاج ظلام لجان وكان من آخر معه أن الحجاج جوع له أسداً ثم سلطه عليه، فبادر جحدر إليه وقتل الأسد، فعفا عنه الحجاج لما رأى من جرأته، واتخذه من صحابته. وحكى المدائني قال (1) : خرج كثير من الحجاز يريد مصر، فلما قرب منها رأى غراباً على شجرة ينتف ريشه، فتطير من ذلك ومضى لوجهه، فلقيه رجل من بني لهب فقال: يا أخا الحجاز، مالك كاسف اللون، هل رأيت شيئاً أنكرته - قال: أجل، غراب على بانة ينتف ريشه وينعب، قال: إنك تطلب حاجة لا تدركها، فقدم مصر والناس منصرفون من جنازة عزة، فقال: رأيت غرباً ساقطاً فوق بانةٍ ينتف أعلى ريشه ويطايره فقلت ولو أني أشاء زجرته بنفسي للنهدي هل أنت زاجره فقال غراب لاغتراب من النوى وفي البان بين من حبيب تجاوره فما أعيف النهدي لا در دره وأزجره [للطير] لا عز ناصره ومن مليح الزجر (2) قول أبي نواس وقد اجتمع إخوانه واختفوا عنه، ووجهوا   (1) منابع الآداب: 479 - 480 وانظر عيون الأخبار: 147 وديوان كثير: 461 - 462 وفيه تخريج الأبيات، ويضاف إليه ربيع الأبرار: 296 / أوالبيت في اللسان (تشش) وشرح النهج 4: 433 (ط. 1329) والشريشي 4: 260. (2) بإيجاز عن زهر الآداب: 492 وانظر الشريشي 4: 260. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 535 رسولاً إليه بظهر قرطاس لم يكتبوا فيه شيئاً، وخزموه بزير وختموه بقارٍ، ورمى بالكتاب من وراء الباب، فاستعلم موضعهم وأنشدهم: زجرت كتابكم لما أتاني يمر بسانح الطير الجواري نظرت إليه مخزوماً بزير (1) على ظهرٍ ومختوماً بقار فقلت الزير ملهية ولهو وخلت القار من دن العقار وخلت الظهر أهيف قرطقياً يحر (2) العقل منه باحورار فهمت إليكم طرباً وشوقاً فما أخطأت داركم بدار (3) فكيف ترونني وترون زجري ألست من الفلاسفة الكبار ومن أبدع ما لأبي عبد الله وأغربه، وأحلى الكلام وأوطئه قوله من كلمةٍ، يعني السيف، وقد رويت لغيره (4) : حيث التقى أسد العرين وشادن (5) تحت اللحاف وصارم وسوار قالت أرى بيني وبينك ثالثاً ولقد عهدتك بالدخيل تغار أأمنت نشر حديثنا فأجبتها هذا الذي تطوى به الأسرار وقوله أيضاً (6) : وتعجبني الغصون إذا تثنت ولا سيما وفيهن الثمار إذا اهتزت (7) نهود في قدودٍ فقل للحلم قد ذهب الوقار   (1) الزير: الكتان (وهو أيضاً أحد أوتار العود) . (2) زهر الآداب: يحيل؛ لشريشي: يحار. (3) الشريشي: فطرت إليكم يا أهل ودي ... يقلب من هواكم مستطار (4) المسالك: 305 والشريشي 4: 31. (5) الشريشي: وظبية. (6) ورد البيتان ي المسالك: 305. (7) المسالك: هزت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 536 فصل في ذكر أبي الحسن علي بن محمد التهامي وإثبات جملة من شعره (1) كان مشتهر الإحسان، ذرب اللسان، مخلى بينه وبين ضروب البيان، يدل شعره [على] فوز القدح، دلالة برد النسيم على الصبح، ويعرب عن مكانه من العلوم، إعراب الدمع (2) عن سر الهوى المكتوم. حملة من شعره في أوصاف شتى المدح وما يتصل به من النسيب له من قصيدة أولها (3) : فؤادي الفداء لها من قبب طوافٍ على الآل مثل الحبب يقول فيها: كأن [على] الجو فضفاضةً مساميرها فضة أو ذهب كأن كواكبه أعين تراعي سنا الفجر أو ترقب فلما بدا طفقت هيبةً تستر أحداقها بالهدب وشقت غلائل ضوء الصباح فلا هو بادٍ ولا محتجب ومنها: أبا قاسم حزت صفو الكلام وغادرت ما بعده للعرب وليس كلامك إلا النجوم علوت فناثرتها من كثب   (1) كان على صلة بالوزير المغربي، وله في مديح، وقد استخدمه حسان بن مفرج (الذي ثأر على الفاطميين بتحريض الوزير المغربي) رسولاً إلى عرب بني قرة ببرقة لتحريضهم على الثورة، فقبض عليه في مصر وسجن ثم قتل سنة 416؛ ترجمته في تتمة اليتيمة 1: 37 وابن خلكان 3: 378 (وهو ينقل عن الذخير) وعبر الذهبي 3: 122 والشذرات 3: 204 ومرآة الجنان 3: 29 وقد وصف ابن خلكان ديوانه بأنه صغير وأن أكثره نخب. (2) ص: الربيع. (3) ديوان التهامي: 15 - 20. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 537 رأيت الفصاحة حيث الندى وهل ينظم الروض إلا السحب وقد شرف الغيث إذ بينه وبين بنانك أدنى نسب ومنها في صفة القلم: وأرعن أخرس من كثرة الل - غات بأجرائه واللجب يلاقي النجوم بأمثالها من البيض من فوقها واليلب إذا واجه الشمس رد الشعاع واعترض الريح (1) سد المهب ثنيت بأرقش ذي زينةٍ (2) تجلى الخطوب به والخطب / [153] إذا ما جعلت له لهذماً من النقس طال الرماح السلب وطالت به مفخراً أنها وإياه في الأصل بعض القصب تقلم أقلامك الحادثات فتبرا (3) وتهتم ناب النوب وله من أخرى (4) : وكيف لا تدركه نشوة واللحظ راح وجنى الريق راح لو لم تكن ريقته خمرة لما تثنى عطفه وهو صاح يبسم عن ذي أشر مثلما يلتقط الظبي بفيه الأقاح أفلته مني وقد صدته برقدةٍ صوت منادي الفلاح فنحن في نومٍ وفي يقظةٍ بين دنوٍ منهم وانتزاح وموقف لولا التقى لالتقى فيه نجادي ونظام الوشاح ومنها: ومجهلٍ مشتبه طرقه كأنما هن خطوط قزاح   (1) الديوان: وإن واجه الريح. (2) الديوان: ريقة. (3) الديوان: قسراً. (4) ديوان التهامي: 22. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 538 وهذا تشبيه مخترع، ومعنى مبتدع. كأنما أشباح أنضائنا قسي نبع وكأنما قداح حتى اجتلينا بعد طول السرى بغرة الكامل وجه الصباح فقال لي صحبي أبدر الدجى (1) فقلت لا بل هو بدر السماح ينبيك عن سؤدده بشره مخايل السؤدد خرس فصاح واصطلح الناس على فضله واختلفوا بعد فليس اصطلاح ومنها: إن لمس الطرس بأطرافها فاض نوالاً وبياناً وساح وشق من لؤلؤه أفخر الل - ؤلؤ هن الكلمات الفصاح (2) وهذه القصيدة مدح بها أبا القاسم بن المغربي المتقدم الذكر وله من أخرى (3) : لو جادهن غداة رمن رواحا غيث كدمعي ما أردن براحا ماتت لفقد الظاعنين ديارهم فكأنهم كانوا بها أرواحا وهذا كقول ابن الرومي وقد تقدم (4) : فقد ألفته النفس حتى كأنه له جسد إن بان غودر هالكا متوارثي مرض الجفون وإنما مرض الجفون بأن يكن صحاحا من كان يكلف بالأهلة فليزر ولدي هلال زغبة ورياحا لا عيب فيهم غير شح نسائهم ومن السماحة أن يكن شحاحا   (1) الديوان: السما. (2) في الديوان: وسمت من لؤلؤه أبحرا ... لؤلؤ عن الكلمات الفصاح (3) ديوان التهامي: 10. (4) لم يرد البيت نفسه فيما تقدم، وإنما ورد بيتان آخران من قصيدة ابن الرومي هذه في 1: 208. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 539 طرقته في أترابها فجلت له وهناً من الغرر الصباح صباحا أبرزن من تلك الهيون أسنة وهززن من تلك القدود رماحا ومنها في المدح: يرمي الكتيبة بالكتاب إليهم فيرون أحرفه الخميس كفاحا ومن نقسه دهماً ومن ميماته زرداً ومن ألفاته أرماحا ساست أقاليم الورى أقلامه فأجم أطراف القنا وأراحا وله من أخرى (1) : بعثت إليك بطيفها تعليلا وخضاب ليلك قد أراد نصولا فأتاك وهناً والظلام كأنه نظم النجوم لرأسه إكليلا وإذا تأملت الكواكب خلتها زهراً تفتح أو عيوناً حولا أهدت لنا من خدها ورضابها [ورداً] تحيينا به وشمولا ورداً إذا ما شم زاد غضاضة ولو أنه كالورد زاد ذبولا وجلت لنا برداً يشهي برده نفس الحصور العابد التقبيلا برداً يذيب ولا يذوب فكلما شرب المتيم منه زاد غليلا وهذه كقول ابن الرومي، وقد تقدم (1) : ريق إذا ما ازددت من شربه رياً ثناني الري ضمآنا ومنها في ذكر القلم: يلقى العدا من كتبه بكتائب يجررن من زرد الحروب ذيولا فترى الصحيفة حلبة وجيادها أقلامه وصريرهن صهيلا في كفه قلم أتم من القنا طولا وهن أتم منه طولا   (1) ديوان التهامي: 29. (1) ديوان التهامي: 29. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 540 قلم يقلم ظفر كل ملمةٍ ويرد حد شباتها مفلولا ومنها: يدعو النبي من الجدود وحيدراً ومن العومة جعفراً وعقيلا نسب ترى عنوانه في وجهه لا شبهة فيه ولا تأويلا ومن أخرى (1) : وأراد الخيال لثمي فصي - رت لثامي دون المراشف سترا اصرفي الكأس من رضابك عني حاش لله أن أرشف خمرا ولو أن الرضاب غير مدامٍ لم تكوني في حالة الصحو سكرى [ومنها في ذكر القلم] : وإذا راش بالأنامل منه قلماً واستمد ساء وسرا قلما دبر الأقاليم حتى قال فيه أهل التناسخ إمرا يتبع الرمح أمره إن عشري - ن ذراعاً بالرأي تخدم شبرا ومن شعره مما يبتعلق بأوصاف طيف الخيال، وله أغراض غريبة، وألفاظ عجيبة، قال (2) : عبسن من شعر في الرأس مبتسم ما نفر البيض مثل البيض في اللم فقبلتني توديعاً فقلت لها كفي فليس ارتشاف الخمر من شيمي / [154] لو لم يكن ريقها خمراً لما انتطقت بلؤلؤ من حباب الثغر منتظم ولو تيقنت غير الراح في فمها ما كنت ممن يصد اللثم باللثم وزاد ريقتها برداً تحدرها على حصى بردٍ من ثغرها شبم   (1) ديوان التهامي: 36. (2) ديوان: 6 وهي في مدح الأمير نصر الدولة بن مروان الكردي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 541 ومعنى البيت الثاني من هذه كقول أبي الحسن الرضي (1) : وقبلته فوق اللثام لي هي الخمر إلا أنها بفدام وتشبيه أرياق الملاح بالراح أكثر من أن يحصى، وأشهر من أن يتقصى، ولكن التهامي ولد معنى حسنى، وجر ها هنا للبلاغة رسنا، بقوله: " لو لم يكن ريقها خمرا.. " البيت. وفيها يقول: إني لأطرف طرفي عن محاسنها تكرما وأكف الكف عن أمم ولا أهم ولي نفس تنازعني أستغفر الله إلا ساعة الحلم ومعنى هذا البيت حسن، ولكن أبا الطيب كان أملك لشهوته، وأعف في حين خلوته، حيث يقول (2) : يريد يدا عن ثوبها وهو قادر ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد ألا تسمع كيف عف في الكرى، وأتى من حسن اللفظ وبراعة القسمة بما ترى - وقد أثبت في أخبار ابن الأبار (3) ، في هذا المعنى عدة أشعار. وقال التهامي (4) : أهدى لنا طيفها نجدا وساكنه حتى اقتنصنا ظباء البدو والحضر فبات يجلو لنا من وجهها قمرا من البراقع لولا كلفة القمر وراعها حر أنفاسي فقلت لها هواي نار وأنفاسي من الشرر وزاد در الثنايا در أدمعها فالتف منتظم منه بمنتثر فما نكرنا في الطيف الملم بنا ممن هويناه إلا قلة الخفر   (1) لم أجده في ديوان الرضي. (2) ديوان المتنبي: 310 والذخيرة 2: 140. (3) انظر القسم الثاني من الذخيرة: 135 - 144. (4) ديوان التهامي: 41. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 542 فسرت أعثر في ذيل الدجى ولها والجو روض وزهر الليل كالزهر وللمجرة فوق الأرض معترض كأنها حبنب تطفو على نهر وللثريا رقود فوق أرحلنا كأنها قطعة من فروة النمر كأن أنجمه والصبح يغمضها قسرا عيون غفت من شدة السهر فروع السرب لما ابتل أكرعه في جدول من خليج الفجر منفجر ولو قدرن وثوب الليل منخرق بالصبح رقعنه منهن بالشعر ومنها: لو لم يكن أقحوانا ثغر مبسمها ما كان يزداد طيبا ساعة السحر يا رب معنى بعيد الشأو أسلكه في سلك لفظ قريب الفهم مختصر لفظا يكون لعقد القول واسطة ما بين منزلة الإسهاب والخضر إن الكاتبة سارت نحو أنمله والجود فالتقيا فيه على قدر ترد أقلامه الأرماح صاغرة عكسا كعكس شعاع الشمس للبصر وفي كتابك فاعذر من يهيم به من المحاسن ما في أحسن الصور الطرس كالوجه والنونات دائرة مثل الحواجب والسينات كالطرر وله من أخرى (1) : قولا له هل دار في حوبائه أن القلوب تحوم حول خبائه ريم إذا رفع الستائر بيننا أعشاني اللألاء قبل (2) روائه نم الضياء عليه في غسق الدجى حتى كأن الحسن من رقبائه أهدى لنا في النوم نجدا كله ببدره وغصونه وظبائه وسفرن في جنح الدجى فتشابهت في الليل أنجم أرضيه وسمائه   (1) ديوان التهامي: 88 وقد مر منها بيتان إلى القاضي عبد الوهاب المالكي (ص: 524) . (2) الديوان: دون. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 543 وجلا جبينا واضحا كالبدر في تكويره وبعاده وضيائه حتى إذا حط الصباح لثامه ومضى الظلام يجر فضل ردائه حيا بكأس رضابه فرددتها نفسي فداء رضابه وإبائه قلبي فداؤك وهو قلب لم تزل تذكي شهاب الشوق في أثنائه جاورته شر الجوار وزرته لما حللت فناءه بفنائه حرق سوى قلبي ودعه فإنني أخشى عليك وأنت في سودائه ومعنى هذا اليت مشهور، وقد أجرينا منه طلقا فيما تقدم. ومن مراثيه قصيدته أولها (1) : حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار يقول فيها: إني وترت بصارم ذي رونق أهددته لطلابة الأوتار يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحار وهلال أيام مضى لم يستدر بدرا ولم يمهل لوقت سرار عجل الخسوف عليه قبل أوانه فمحاه قبل مظنه الإبدار واستل من أترابه ولداته كالمقلة استلت من الأشفار فكأن قلبي قبره وكأنه في طيه سر من الأسرار أشكو بعادك لي وأنت بموضع لولا الردى لسمعت فيه سراري والشرق نحو الغرب أقرب شقة من بعد تلك الخمسة الأشبار ومنها قصرت جفوني أم تباعد بينها أم صورت عينا بلا أشفار لو كنت تمنع خاض دونك فتية منا بحار عوامل وشفار   (1) ديوانه: 47. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 544 فدحوا فريق الأرض أرضا من دم ثم انثنوا فبنوا سماء غبار قوم إذا لبسوا الدروع حسبتهم سحبا مزررة على أقمار ومن هنا أخذ ابن عبد البر الشنتريني قوله في صفة الاكواس: كأنها وشعاع الشمس داخلها قمص من الماء قد زرت على لهب وترى سيوف الدارعين كأنها خلج تمد بها أكف بحار لو أشرعوا أيمانهم من طولها طعنوا بها عرض القنا الخطار وكأنما ملأوا عياب دروعهم وغمدوا أنصلهم سراب قفار فتدرعوا بمتون ماء جامد وتقنعوا بحباب ماء جار يتزين النادي بحسن وجوههم كتزين الهالات بالأقمار من كل من جعل القنا (1) أنصاره وكرمن فاستغنى عن الأنصار والليث إن ساورته (2) لم يعتمد إلا على الأنياب والأظفار وإذا هو اعتقل القناة حسبتها صلا تأبطه هزبر ضار شاب القذال وكل غصن صائر فينانه الأحوى إلى الإزهار وتلهب الأحشاء شيب مفرقي هذا الشعاع (3) شواظ تلك النار ومن أخرى (4) : أبا الفضل طال الليل أم خانني صبري فخيل لي أن الكواكب لا تسري يقول فيها: ولا حزن إلا يوم فارقت شخصه ورحت ببعض النفس والبعض في القبر وأعلم أن الحادث بمرصد لتأخذ كلي مثل ما أخذت شطري أحين نضا ثوب الطفولة ناسلا كما نسل الريش اللؤام عن النسر   (1) الديوان: الظبا. (2) الديوان: بارزته. (3) الديوان: الضياء. (4) ديوان التهامي: 77. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 545 وخلى رضاع الثدي مستبدلا به أفاويق من در البلاغة والشعر وألقى تميمات الصبا وتباشرت حمائل أغماد المهندة البتر وقامت عليه للعلاء شواهد كما استشهد العضب السريجي بالأثر طواه الردى دي الرداء فأصبحت مغانيه ما فيهن منه سوى الذكر وقالوا سيسليه التأسي بغيره فقلت لهم هل يطفأ الجمر بالجمر ومنها: بضرب يطير البيض من حر وقعه شعاعا كما طار الشرار عن الجمر ولما تضف في نصرة الله طعنة إلى ضربة كالتبر فوق شفا نهر فلا تسألوني عنه صبرا فإنني دفنت به قلبي وفي طيه صبري وإلا تكن قلبي فإنك بعضه قددتكما قد الهلال من البدر قوله: " أحين نضا ثوب الطفولة.. " كقول المعري (1) : ترى أعطافها ترمي حميما كأجنحة البزاة رمت نسالا وقوله: " كما استشهد العضب السريجي بالأثر " كقوله أيضاً (2) : كالسيف دل على التأثر بالأثر وقوله: " كالتبر فوق شفا نهر " معناه مشهور، إلا أن التهامي لم يتهم فيه ولا أنجد، ولا اضطلع بأعباء ما تقلد، ولا قام ولا قعد، وأعلق منه بنسبه الذي يقول: عليهن من وقع السيوف حواجب وقال آخر: فنضربهم شكلا ونطعنهم نقطا   (1) شروح السقط: 47. (2) شروح السقط: 139 وصدر البيت: يبين بالبشر عن إحسان مصطنع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 546 وقال آخر، وإن كان في اللفظ [] وكان بين أجزاء البيت تباعد: طعن كما فهق الغدير يؤمه ضرب كحاشية الرداء طويل وهذا كثير وهو من متداولات المعاني، ومنه قول أبي العشائر الحمداني (1) : أأخا الفوارس لو شهدت مواقفي والخيل من تحت الفوارس تنحط لقرأت منها ما تخط يد الوغى والبيض تشكل والأسنة تنقط وكان أبو الطيب يستحسنه له قلة رضاه، يقول سواه ومن سائر شعره في أوصاف مختلفة قال من قصيدة (2) : تحول الدهر أحوالي وبدلني دارا بدار وجيراناً بجيران ورب أمر رمتني الحادثات به أرنو إليه وحالي فيه حالان إذا نظرت بعين الهزل أضحكني وإن نظرت بعين الجد أبكاني يظما الكريم فلا يسقى وقد ظفرت كف اللئيم بسيحنٍ وجيحان تأمل القدر المحتوم وارض به فإنما وزن الدنيا بميزان فظل يزداد فيها كل منتقص إلا ويهبط منها كل رجحان كم من رجالٍ إلى الأديان قد نصبوا وربما صيدت الدنيا بأديان كم عمرت بالخنا خالي منازلهم عمارة الكتب من فقه وقرآن وباقل الخط سحبان المقال فهل كباقلٍ في ثناه أو كسحبان تراه مجفو نادٍ مستضام يدٍ مستخبلاً وهو في أثواب لقمان / [156] ما ذنبه فير نفسٍ لا تساعده على لباس رياء غير صوان   (1) اليتيمة 1: 104. (2) لم ترد في ديوان التهامي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 547 قوله: " ويهبط منها كل رجحان "، كقول ابن الرومي (1) : قالت علا الناس إلا أنت قلت لها كذاك يسفل في الميزان ما رجحا وذكرت بذكره باقلاً وسحبان، قول أحمد بن سليمان (2) : إذا وصف الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهامة باقل وقال السها للشمس أنت خفية وقال الدجى للصبح لونك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل وقوله: " يظما الكريم فما يسقى.. " البي، معنى قد طوي ونشر، وعرف حتى أنكر، ومنه قول بعض أهل عصرنا وهو الوزير أبو محمد بن عبد الغفور، من شهر اندرج له في رسالة خاطب بها بعض أهل وقته (3) : وأصرف عن ورد وقد غمر الندى (4) خفيف عذار والهبنقة الألحى ومن عجب أن يقطعا كل نخةٍ (5) وأمنع للقرص الذي قاتني ملحا وقال التهامي (6) : ألا قاتل الله الحمام فإنها بكت فشجت قلباً طروباً إلى هند وما ذكره هنداً وقد حال دونها قنا الخط أو بيض رقاق من الهند وأسد على جردٍ من الخيل ضمر وهيهات من تحميه أسد على جرد وبيداء (7) تكبو دون إيرادها القطا ويوهي السرى فيها قوى الحازم (8) الجلد   (1) ديوان ابن الرومي: 563 وقد مر في القسم الأول من الذخيرة: 350. (2) يعني أبا العلاء المعري، انظر شروح سقط الزند: 533 - 538. (3) انظر القسم الثاني من الذخيرة: 366. (4) في الأصل: عمر الربا. (5) في الأصل: لجة. (6) ديوان التهامي: 202. (7) الديوان: ويهماء. (8) الديوان: الضيغم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 548 مطوحة لولا الدراري ما درى دليل بها كيف السبيل إلى الرشد (1) سباريت ما فيهن زاد لراكب سوى ما حوت فيها الأداحي من ربد كيهماء كلفت المطي اعتسافها إلى الحسب الزاكي إلى الكرم العد إلى الأسد الضرغام في حومة الوغى إذا أحمر في غاب القنا حدق الأسد من [الأجأيين] الذين جيادهم بأحشاء (2) من عاداهم أبداً تردي نجوم بني قحطان في طخية الدجى إلى عددٍ عد وألسنة لد وقال (3) : بين كريمين مجلس واسع والود حال تقرب الشاسع والبيت إن ضاق عن ثمانيةٍ متسع بالوادد للتاسع فصل في ذكر مهيار الديلمي (4) وذكر جملة من شعره مع ما يتعلق بذكره كان شاعر العراق وقته لا يدافع، ولسان تلك الآفاق لا ينازع، سيل أصبحت منه المذانب تلاعا ميثاً، وبدر تجلت به الغياهب قديماً وحديثاً، أحد من خلي بينه وبين الميدان هنالك فجرى وحده، وسبق من قبله إلى غاية الإحسان فما ظنك بمن بعده، وقد أخرجت من شعره ما يعلل الرفاق ذكراه، ويملأ الآفاق سناؤه وسناه.   (1) الديوان: القصد. (2) الديوان: بأحياء. (3) لم يرد البيتان في ديوانه. (4) هو أبو الحسين (أو أبو الحسن) مهيار بن برزوبه، كان مجوسياً وأسلم - فيما يقال - على يد الشريف الرضي، سنة 394هـ -، أقرأ ديوان شعره بجامع المنصور ببغداد، وكانت وفاته سنة 428: انظر ترجمته في تاريخ بغداد 13: 276 والمنتظم 8: 94 ودمية القصر 1: 284 وابن الأثير 9: 456 وابن خلكان 5: 359 وعبر الذهبي 3: 167 وابن كثير 12: 76 والشذرات 3: 242 والنجوم الزاهرة 5: 26، ويقع ديوانه في أربعة أجزاء (ط. دار الكتب المصرية: 1925 - 1931) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 549 جملة من شعره في أوصاف مختلفة قال في قصيدة (1) : من عذيري يوم شرقي الحمى من هوى جد بقلب (2) مزحا نظرة عارت فعادت حسرة قتل الرامي بها من جرحا لا تعد إن عدت حياً بعدها طارحاً عينيك فيها (3) مطرحا قد تذوقت الهوى من قبلها وأرى معذبه قد أملحا سل طريق العيس من وادي الغضا كيف أعسفت (4) لنا رأد الضحى لا لشيء (5) غير ما جيراننا خلفوا نجداً (6) وحلوا الأبطحا يا نسيم الريح من أرض الحمى (7) شد ما هجت الجوى والبرحا يا ندماي بسلع هل أرى ذلك المغبق والمصطبحا اذكرونا ذكرنا عهدكم رب ذكرى قربت من نزحا وارحموا (8) صباً إذا غنى بكم شرب الدمع وعاف القدحا رجع العاذل عني آيسا من فؤادي فيكم أن يفلحا لو درى، لا حملت ناجية رحله، في من لحاني مالحا [قد شربت الصبر عنكم مكرهاً وتبعت السقم فيكم مسمحا] (9) وعرفت الهم من بعدكم فكأني ما عرفت الفرحا   (1) ديوان مهيار 1: 202 وقد نظمها سنة 414. (2) في الأصل: بقلبي. (3) الديوان: فينا. (4) كذلك هي في اصل الديوان، وجعلها المحقق: " أغسقت ". (5) الديوان: الشيء. (6) الديوان: تفضوا نجداً. (7) الديوان: من كاظمة. (8) الديوان: وذكروا. (9) زيادة من الديوان لاتصال السياق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 550 ما سمعتم (1) في السرى من قبلهم بابن ليلٍ ساءه أن يصبحا أراه قلب الثل: " عند الصباح يحمد القوم السرى ". صوحت ريحانة العيش به فمن الراعي نباتاً صوحا أنكرت تبديل أحوالي ومن صحب الدنيا على ما اقترحا شد ما منى غروراً نفسه تاجر الآداب (2) في أن يربحا والمنى والظن باب أبداً تغلق الأيدي إذا ما فتحا قد خبرت الناس خبري شيمي بخلاء وتسموا سمحا وتولجت على أخلاقهم (3) داخلاً بين عصاها واللحا يشتهون المال أن يبقى لهم فلما يشتهون المدحا وهذا كقول الآخر (4) : أبو حسنٍ يشتهي المديح ويعجز عن صلة المادح كبكر تشهى لذيذ النكاح وتفرق من صولة الناكح / [157] رجع: ما تبالي ما قضت حاجاتها ما دمي من خفا أو قرحا عود البدر وقد قابله غرةً مات بها مستصبحا ورآه البحر أوفى جمةً منه بالنائل لم طفحا أنتم استنزلتم عنها يدي بعد ما ظن بها لن تسمحا (5) وقال (6) :   (1) الديوان: سمعنا. (2) في الأصل: الأحباب. (3) في الأصل: أعلاقهم. (4) الشعر في أمالي القالي 3: 127 وتشبيهات ابن أبي عون: 290 ونسب فيه لابن هرمة وكذلك في المختار: 290 وحماسة ابن الشجري: 269 وانظر ديوان ابن هرمة (جمع المعيبد) : 263 - 264 وفيخ تخريجات كثيرة. (5) الديوان: بعد ما عز بها أن أسمحا. (6) ديوان مهيار 3: 327. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 551 بكر الوابل (1) تحدوه النعامى فسقاك الري يا دار أماما وتمشت فيك أرواح الصبا يتأرجحن بأنفاس الخزامى وإذا مغنى خلا من زائر بعد ما فارق أو زير لماما فقضى عهد (2) الهوى أن تصبحي للمحبين مناخاً ومقاما أجتدي المزن وماذا أربي أن يجود المزن أطلالا رماما وقليل قيل أن أدعو لها لا يراني الله أستجدي الغماما أين يكانك لا أين هم أحجازاً يمموها أن شآما صدعو (3) بعد التئام فغدت بهم أيدي المرامي تترامى وتلقوا كل حيران بليدٍ يسأل الجندل عنهم والرغاما يا لواة الدين عن ميسرةٍ والضنينات وما كن لئاما والمصراع الأول من هذا البيت كقول أبي الفرج الوأواء (4) : يمطل كل العباد دينهم وهو ملي بذلك الدين ومنها: قد وقفنا بعدكم في ربعكم وقضيناه استلاماً والثاما سعد الراكب تحتث [به] جسرة تخبط وهداً وإكاما تطأ العسف فتدمي خفها جبهات الأرض شجاً ولطاما تتنزى (5) أنفاً في خلقها أن تطيع السوط أو ترضى الزماما   (1) الديوان: العارض. (2) الديوان: حفظ. (3) في الأصل: صدعت. (4) ديوان الوأواء: 221. (5) في الأصل: تتبرا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 552 وبجعاء الحمى قلبي فعج بالحمى واقرأ على قلبي السلاما وترجل فتحدث عجباً أن قلباً سار عن جسم أقاما قل لجيران الغضا آهٍ على طيب عيش بالغضا لو كان داما نصل العام وما ننساكم وقصارى الوجد أن نسلخ (1) عاما حملوا ريح الصبا نشركم قبل أن تحمل شيحاً أو ثماما وابعثوا أشباحكم لي في الكرى إن أردتم (2) لجفوني أن تناما وقف الظامي على أبوابكم أفيقضي (3) وهو لم يقض أواما ما يبالي من سقيتن لمى منعكن الماء عذباً والمداما واعجبوا من أن يرى الظلم (4) حلالا شارب وهو يرى الخمر حراما أشتكيكم وإلى من أشتكي شمل الداء فمن يبري (5) السقاما أنتم والدهر سيف وفم لا يملآن ضراباً وكلاما كلما عاتبت في حظي دهري زادني العتب لجاجاً وعراما وإذا استصحبت خلاً فكأني منه جردت على حتفي حساما لمت أيامي على الغدر فقد زادت الإجرام حتى لا ملاما ولزمت الصمت لا أشكوهم بعد أن أفنيت في العذل في الكلاما دفع الله وحامى عن أنا [س] (6) مذ رعوني لم يضيعوا لي سواما كان دهري هرماً قبلهم فأعادوه بما أبدوا غلاما (7)   (1) في الأصل: يصلح. (2) الديوان: أذنتم. (3) في الأصل: فتقضى. (4) في الأصل: القتل؛ والظلم: ماء الأسنان. (5) الديوان: أنتم الداء فمن يشفي. (6) الديوان: رجال. (7) سقط هذا البيت من الديوان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 553 كفني جودهم أن أجتدي وأبى عزهم لي أن أضاما وقال من أخرى (1) : لا عداك الغيث يا دار الوصال كل منحل العرى واهي العزالي ومنها: الغواني آزفات لفمي ويدي مرتبكات (2) في حبال كل هيفاء يميني طوقها فحمة الليل وقرطاها شمالي وقال (3) : أتراها يوم صدت أن أراها علمت أني من قتلى هواها أم رمت جاهلة ألحاظها لم تميز عمدها [لي] من خطاها سنحت بين المصلى ومنىً مسنح الظبية تستقري طلاها وقال (4) : ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم يتقارعون بها على الضيفان ويكاد موقدهم يجود بنفسه حب القرى حطباً على النيران وقال من قصيدة أولها (5) : دعوها ترد بعد خمس شروعا وراخوا علائقها والنسوعا ولا تحبسوا خطمها أن تطول ال - حياض وأيديها أن تبوعا وقولوا دعاء لها لاعقرت ولا امتد دهرك إلا ربيعا   (1) ديوان مهيار 3: 133. (2) الديوان: آذنات لفمي ... مرتسنات. (3) ديوانه 4: 189. (4) ديوانه 5: 51. (5) ديوانه 2: 222. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 554 فقد حملت ونجت أنفساً كرائم جبن الأماني سريعا حملن نشاوى بكأس الغرام كل غدا لأخيه رضيعا أحبوا فرادى ولكنهم على صيحة البين ماتوا جميعا حموا راحة النوم أجفانهم وشدوا على الزفرات الضلوعا وبانوا بأيديهم يسندون فوق الرحال جنوباً وقوعا وفي الركب إن وصلوا لاحقين عقائل بشفين تلك الصدوعا من الراقصات بحب القلوب حتى يصير الحليم الخليعا قصائد لم يصطفين (1) المياه ولم يحترشن اليرابيع جوعا إذا الحسب اعتز من خندفٍ مسحن ذوائبةً والفروعا / [158] خرقن نقوباً لنا في السجوف جعلن العيون عليها رقوعا فقمت أناشدهن العهود لو يستطعن الكلام الرجيعا قوله: " خرقن نقوباً - " البيت، اهتدمه من قول العتبي (2) : وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي بدرن فرقعن الكوى بالمحاجر وأخذ هذا المعنى أبو الشبل (3) من شعراء الدولة العباسية فقال (4) : رأين الشيب قد ألب - سني أبهمة الكهل فأعرضن وقد كن إذا قيل أبو الشبل   (1) في الديوان: يصطبغن، وهو خطأ؛ واصطفان المياه: اقتسامها لشح في الماء. (2) هو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو، شاعر بصري راوية ينسب إلى جده عتبة بن أبي سفيان، وتوفي سنة 228 (انظر ابن خلكان 4: 398 وفي الحاشية مصادر ترجمته) والبيت ورد عند ابن خلكان 4: 399 ومعجم المرزباني: 357 والأغاني 14: 192. (3) أبو الشبل عاصم (أو عصيم) بن وهب له ترجمة في طبقات ابن المعتز: 380 والأغاني 14: 184 وكان حباً في أيام المتوكل، وكان كثير الغزل ماجناً. (4) الأبيات في الأغاني 14: 191. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 555 تساعين فرفعن ال - كوى بالأعين النجل ومن أناشيد المبرد (1) : سددن خصاص البيت حين دخلته بكل [لبانٍ] واضحٍ وجبين وقال كهيار (2) : لعلهم لو وقفوا أبل هذا المدنف يا قلب هل أنت معي (3) أم معهم منصرف يا حادي الآظغان أر - ود (4) ، بعض م تعتسف فإن [فيما] بينها (5) أفئدة تختطف على النقا المطلول من - ها غصن مهفهف إيهٍ على ريحانه لو كان مما يقطف فلا برا وجدي بهم ولا أفاق الشغف (6) وقال من أخرى (7) : مشتبه أعرفه وإنما مغالطاً قلت لصحبي: دار من يا صاحبي عوناً وإن أيأسني من جلدي (8) قولي لخوار: أعن قف باكياً فيها فإن كنت أخي مؤانساً (9) فبكها عنك وعن يا زمناً مر كما اقترحته بالنعف إن عاد الصبا فعد إذن   (1) الكامل 2: 284 وروايته: سددن خصاص الخيم لما دخلته. (2) ديوان مهيار 2: 281. (3) الديوان: هل أنت يا قلب معي. (4) أرود: تمهل، وفي الأصل أزور. (5) الديوان: فإن بين سوقها. (6) لم يرد هذا البيت في الديوان. (7) ديوان مهيار 4: 47. (8) الديوان: وإن اشفني مع جلدي. (9) الديوان: أخا مؤاسياً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 556 وحاملي على السرور حامل في كفه وطرفه سيف الفتن قد كتب الهجر على عارضه ما أقبح الهجران بالوجه الحسن يدير مما اختار عسجدية ما قلقلت (1) عن مثلها هامة دن وقال يمدح الوزير ابن المغربي من قصيدة (2) : وقفنا وأتعب لي الرقاب بسقط الغضا (3) طلل يمثل وفي الركب من ثعل من يدق إلا على سهمه المقتل أوانس ماتت لهن الذحول وحلم فيهن من يجهل (4) محسدة العين شهل اللحاظ بصبغها ميلها الأكحل مهاوي قلائدها إن هوين بطاء على غرر تنزل أحقاً تقنصني بالحجاز في شكتي رشاً أعزل عددت سني لها والبياض لدعواي في عدها مبطل وأقبلت أستشهد الأربعين لو أن شهادتها تقبل وقالوا رداء جميل عليك ألا ربما كره الأجمل وما الشيب أول مكروهةٍ بمحبوبة أنا مستبدل تمرن جنبي بحمل الزمان فكل ثقيلاته أحمل يرد يدي عن منال امنى وكفي من باعه أطول وتعقل ناشط عزمي الهموم والماء يحبسه الجدول وما الحظ في أدبٍ مفصح ومن دونه نشب مجبل يروم الفتى رتبة وهو [حيث] يجعله مأله يجعل   (1) الديوان: قطعت. (2) ديوان مهيار 3: 125. (3) الديوان: اللوى. (4) سقط هذا البيت من الديوان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 557 تشرف بحظ فإن الحظوظ حلى كل [ذي] نسبٍ يعطل (1) وواف المواسم ضخم العياب تكن لك قولتك الفيصل حمى الله للمجد نفساً بغير سلامتها المجد لا يحفل وحيا على ظلمات الخطوب وجهاً هو البدر أو أكمل وتقبل بالرزق قبل السؤال أسرته حين تستقبل ومنها: تخطى بلا قدمٍ تستزل وخط بلا قلم يخجل من القوم تنجد أيمانهم إذا استصرخ البلد الممحل لهم غرر أزدشيرية تضيء وستر الدجى مسبل ويومٍ تواكل فيه العيون عمائهم فرسانه القسطل تعارض فيه الكماة الكماة فمتن يحطم أو كلكل يطعنٍ كما] شق] (2) جيب القميص وضربٍ كما احتسي الحنظل ومنها: وتحتك طرف يطيش المراح به أن يقر له المفصل كأن الأباريق طافت عليه أو مس أعطافه أفكل شجاه عغناء الظبا في الطلى فمن طربٍ كلما يصهل إذا فات سعيك [شأ] والرياح فمن أين تلحقه الأرجل يضج الندي خصاماً فإن نطقت أرم لك المحفل ويختلف الناس حتى إذا قضيت قضى القدر المنزل بسطت يدين يداً تأخذ النفوس بها ويداً تبذل فيمناك صاعقة تتقى ويسراك بارقة تهطل   (1) هذا البيت والذي يليه لم يردا في الديوان. (2) زيادة بحسب المعنى، إذ البيت لم يرد في الديوان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 558 ولم تر أنواء من قبلها مواطر أسماؤها أنمل فداك وتفعل ما لا تقول ممن يقول ولا يفعل / [159] أعيذك بالكلمات التي بهن تعوذ من يكمل فما يسع الجو ما قد وسعت ولا تحمل الأرض ما تحمل ليهن الوزارة أن زوجتك على طول ما لبثت تعضل غدت بك محصنة لا تحل لبعل سواك ولا تبذل وتعلك إن نازعت للرجال محصنة أنها تقتل لئن جئتها عانساً قد أبر على سنها العدد الأطول فمن معجزاتك أن الشباب لها عاد ماضيه يستقبل وإن كنت آخر خطابها فإنك محبوبها الأول فضاحك بغداد بعد الخطوب من عدلك العارض المسبل طلعت عليها طلوع الصباح وليل ضلالاته أليل ومنها: فهل أنت منتشلي من نيوب دهرٍ يدمي ولا يدمل ومن عيشة كل أعوامها وإن أخصب الناس بي ممحل فصن بك وجهي عمن سواك فما مثل وجهي يستبذل فكم راش مثلك مثلي فطار وإن كان مثلك لا يغفل وقدماً وفى لزهير وزاد من هرم واهب مجزل فسار به الشعر فيما سمعت من مثلٍ باسمه يرسل وحسان أمست رقاه الصعاب من آل جفنة تستنزل تعرف ريح عطاياهم وقد جاء يحملها المرسل وأبصر نعماءهم نازحين وباب لواحظه مقفل (1)   (1) يشير إلى أن حسان كان قد أضر في شيخوخته، ولكنه عرف ببصيرته أن جبلة بن الأبهم كان قد أرسل إليه عطاء وهدايا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 559 ملوك مضوا بالذي استعجلوا وطاب لهم ذكر (1) ما أجلوا وما فيهم جامع ما جمعت إذا أنت حصلت أو حصلوا رمى الشعراء عناني إليك ففت وأرساغهم تشكل وسرهم أنهم يعملون يزعمهم وأنا أعمل ولو أقنع الخبر بالسيف كان أحق بضرب الطلى الصيقل ببسطك لي سال وادي فمي ولا ينني الكلم الأفضل [فسومتها مهرة لا يعض بغير يدي شدقها مسحل] (2) محرمة السرج إلا عليك تشرف منك بمن تبعل كأن عبيداً تمطى بها ومسح أعطافها جرول فصل في ذكر أبي منصور عبد الملك بن إسماعيل الثعالبي الخراساني (3) والإتيان بطرق من خبره وحميد أثره كان أبو منصور - زقته - راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، أسوة (4) المؤلفين في زمانه، وإمام المصنفين بحكم قرانه، سار ذكره سير المثل، وضربت إليه آباط الإبل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب، طلوع النجم في   (1) الديوان: ذخر. (2) زيادة من الديوان ليتصل سياق الأبيات. (3) ترجمته في ابن خلكن 3: 178 (وفيه نقل عن الذخيرة) وعير الذهبي 3: 172 ونزهة الألباء: 249 ودمية القصر (ط. حلب) : 183 والشذرات 3: 246 ومعاهد التنصيص 3: 266 وانظر مقدمتي محققي كتابي التمثيل والمحاضرة ولطائف المعارف، ففيهما محاولة لعد كتبه، ودراسة عن الثعالبي بعنوان " الثعالبي ناقداً وأديباً " للأستاذ محمود عبد الله الجادر، بغداد، 1976. (4) ابن خلكان: رأس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 560 الغياهب، وتواليفه أشهر مواضع، وابهر مطالع، وأكثر راوٍ لها وجامع، من أن يستوفيها عد أو صف، أو يوفيها حقوقها نظم أو رصف، وقد أخرجت من نثره فصولاً أدرجها في أثناء كتبه، ومن نظمه جملاً وتفاصيل أعرب بها عن ترقرق طبعه وتدفق أدبه، تشارك الأرواح في الأجساد، وتقعد للاقتراح بالمرصاد. من ذلك فصول من كلامه في صدر كتابه " فقه اللغة " (1) : من شرح الله صدره للإيمان اعتقد أن محمداً عليه السلام خير الرسل. والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات، والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين؛ ثم هي لإحراز الفضائل، والاحتواء على المروءة وسائر المذاهب (2) كالينبوع للماء، والزند للنار، ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها، والوقوف على تصاريفها، إلا قوة البيان (3) في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة، اللذين هما عمدة الدين (4) ، لكفى بهما فضلاً يحسن أثره، ويطيب في الدارين ثمره، فكيف وأيسر ما خصها الله تعالى به من ضروب الممادح يكل أقلام الكتبة، ويتعب أنامل الحسبة. وفي فصل (5) : قيض الله لها خزنة وحفظة من خواص الناس وأعيان الفضل وأنجم الأرض، فنسوا (6) في خدمتها الشهوات، وجابوا الفلوات، ونادموا لاقتنائها الدفاتر، وسامروا القماطر، وكدوا في حصر لغاتها طباعهم، واسهروا في تقييد شورادها   (1) فقه اللغة: 1. (2) فقه اللغة: وسائر أنواع المناقب. (3) فقه اللغة: اليقين. (4) فقه اللغة: الإيمان. (5) فقه اللغة: 3. (6) فقه اللغة: تركوا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 561 أجفانهم، فعظمت الفائدة، وعمت المصلحة، وكلما بدأت معالمها (1) تتنكر، وعرض لها ما يشبه الفترة، رد الله تعالى لها الكرة، فأهب ريحها، ونفق سوقها، بصدر (2) من أفراد الدهر أديب، ذي صدر رحيب، وقريحة ثاقبة، ودراية صائبة / [160] يحب الأدب، ويتعصب للعرب (3) ، فيجمع شملها، ويكرم أهلها، ويستدعي التأليفات البارعة في تجديد ما عفا من رسوم طرائفها ولطائفها، مثل الأمير السيد الأوحد أبي الفضل [الميكالي] : هيهات لا يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل وما عسيت أن أقول في من جمع طرائف (4) المحاسن، واستوى على غايات المناقب، فإن ذكر كرم المنصب، وشرف المنتسب، كانت شجرته الميكالية في قرارة المجد والعلاء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإن وصف حسن الصورة التي هي أول السعادة، وعنوان الخير وسمة السيادة، كان وجهه المقبول الصبيح، ما يستنطق الأفواه بالتسبيح، لا سيما إذا ترقرق ماء البشر في غرته، وتفتق نور الشرف بين أسرته، وإن مدح حسن الخلق فله أخلاق خلقن من الكرم المحض، وشيم تشام منها بارقة المجد، فلو مزج بها البحر لعذب طعمه، ولو استعارها الزمان لما جار على حر حكمه، وإن حدث عن التواضع كان أولى بقول البحتري (5) ممن قيل فيه: دنوت تواضعاً وعلوت مجداً (6) فشأناك انحدار وارتفاع   (1) فقه اللغة: معارفها. (2) فقه اللغة: بفرد. (3) فقه اللغة: للعربية. (4) فقه اللغة: أطراف. (5) ديوان البحتري: 1247. (6) الديوان: وبعدت قدراً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 562 كذاك الشمس تبعد أن تسامى ويدنو الضوء منها والشعاع فأما سائر أدوات الفضل وآلات الخير وخصال المجد فقد قسم الله تعالى له منها ما يباري الشمس ظهوراً، ويجاري القطر وفوراً، وأما فنون الأدب فهو ابن بجدتها، وأخو جملتها، وأبو عذرتها، ومالك أزمتها، ولله هو إذا غرس الدر في ارض القراطيس (1) ، ودرز (2) بالظلام رداء النهار، وألقت بحار خواطره جواهر البلاغة على أنامهله، فهناك الحسن برمته، والإحسان بكليته، فلو كنت بالنجوم مصدقاً لقلت: إن عطارداً تأنق في تدبيره، وقصر عليه معظم همته، ووقف في طاعته، عند أقصى طاقته، ومن أراد أن يسمع سر النظم، وسحر الشعر (3) ، ورقية الدهر، ويرى صوب العقل، وذوب الظرف، ونتيجة الفضل، فليستنشد ما أسفر عنه طبع مجده، وثمرة (4) عالي فكره، من ملح تمتزج بأجزاء النفوس لنفاستها، وتشرب بالقلوب لسلاستها: قوافٍ إذا ما رآها المشوق هز لها الغانيات القدودا كسون عبيداً ثياب العبيد وأضحى لبيد لديها بليدا وفي فصل (5) : وأيم الله ما من يومٍ أسعفني فيه الزمان بمواجهة وجهه، وأسعدني بالاقتباس من نوره، والاغتراف من بحره، فشاهدت ثمار المجد والسؤدد تنتثر من شمائله، ورأيت فضائل أفراد الدهر عيالاً على فضائله، وقرأت نسخة الفضل والكرم (6) من   (1) فقه اللغة: القرطاس. (2) فقه اللغة: وطرز. (3) فقه اللغة: النثر. (4) فقه اللغة: وأثمره. (5) فقه اللغة: 4 وليس بين هذه الفقرة وما تقدم حذف. (6) فقه اللغة: الكرم والفضل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 563 ألحاظه، وانتهبت فرائد من ألفاظه، إلا تذكرت ما أشندنيه لابن الرومي (1) : لولا عجائب صنع الله ما نبتت تلك الفضائل في لحم ولا عصب وأنشدت فيما بيني وبين نفسي قول الطائي (2) : فلو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباع وثلثت بقول كشاجم (3) : ما كان أحوج ذا الكمال إلى نقصٍ يوقيه من العين وربعت بقول المتنبي (4) : فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال وفي فصل (5) : فاستغرقت أربعة أشهر هناك بحضرته، وتوفرت على خدمته، وما رمت في أكثر الأوقات في الليل والنهار عالي مجلسه، وتعطرت عند ركوبه بغبار موكبه، فبالله يميناً قد كنت غنياً عنها لو خفت [حنثاً] فيها أني ما أنكرت طرفاً من أخلافه، ولم أشاهد إلا شرفاً ومجداً من أحواله، وما رأيته اغتاب غائباً، أو سب حاضراً، أو حرم سائلاً، أو خيب آملاً، أو أطاع سلطان الغضب والحرد، أو تصلى بنار الضجر وبطش بطش المتجبر؛ وما وجدت المآثر إلا ما يتعاطاته، والمآثم إلا ما يتخطاه، فعوذته بالله تعالى من كل طرفٍ عائن، ومن كل صدرٍ خائن، هذا ولو أعارتني   (1) ديوان ابن الرومي: 196. (2) ديوان أبي تمام: 340 وسرح العيون: 324، 330. (3) مر غير منسوب في الذخيرة 2: 680. (4) ديوان المتنبي: 258 والذخيرة 2: 618. (5) فقه اللغة: 5. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 564 خطباء إياد ألسنتها، وكتاب العراق أيديها، في وصف أياديه التي اتصلت عندي اتصال السعود، وانتظمت لدي انتظام العقود، فقلت في ذكرها طالباً / [161] أمد الإسهاب، وكتبت في شكرها ماداً أطناب الإطناب، لما كنت بعد الاجتهاد إلا ماثلاً في جانب القصور، متأخراً عن الغرض المقصود، فكيف وأنا قاصر البلاغة (1) ، قصير باع الكتابة، وعلى ذلك فقد صدئ فهمي لبعدي - كان - عن حضرته، وتكدر ماء خاطري لتطاول العهد بخدمته. وفي فصل (2) : وما عدلت بمؤلفاتي عن اسمه ورسمه، إخلالاً بما يلزمني من حق سؤدده، بل إجلالاً [له] عما لا أرضاه للمرور بسمعه ولحظه، وتحامياً لعرض بضاعتي المزجاة على قوة نقده، وذهاباً بنفسي عن أن أهدي للشمس ضوءاً، أو أزيد في القمر نوراً، أو أكون كجالب المسك إلى أرض الترك، والعود إلى بلاد الهند، والعنبر إلى البحر الأخضر. وفي فصل له (3) : أن خير الكلام بعد حمد الله والصلاة على رسوله ما شغل بخدمة من جمع الله له عدة (4) الملك إلى بسطة العلم، ونور الحكمة إلى نفاذ الحكم، وجعله مبرزاً على ملوك العصر، ومدبري الأرض وولاة الأمر، بخصائص من العدل، وجلائل من الفضل، ودقائق من الكرم المحض، لا يدخل أيسرها تحت العادات، ولا يدرك أقلها بالعبارات، ومحاسن سير تحرسها أسنة الأقلام، وتدرسها ألسنة الليالي   (1) فقه اللغة: قاصر سعي البلاغة. (2) فقه اللغة: 7. (3) التمثيل والمحاضرة: 4. (4) التمثيل: عزة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 565 والأيام، وهذه صفة تغني عن تسمية الموصوف لاختصاصه بمعناها، واستحقاقه إياها، واستئثاره على جميع الملوك بها، ويعلم سامعها ببديهة السماع أنها للأمير شمس المعالي خالصة، وعليه مقصورة، وبه لائقة، وعن غيره نافرة، إذ هو بمعاينة الآثار، وشهادة (1) الأخبار، واجتماع الأولياء، وإصفاق الأعداء، كافل المجد، وكافي الخلق، وواحد الدهر، وغرة الدنيا، ومفزع الورى، وجنة (2) العالم، ونكتة الفلك الدائر، فبلغه الله تعالى أقصى نهاية العمر، كما بلغه أبعد غاية الفخر، ومكله أزمة الأرض، كما ملكه أعنة الفضل، وأدام حسن النظر للعباد والبلاد بإدامة أيامه التي هي أعياد الدهر، ومواسم اليمن والأمن، ومطالع الخير والسعد، وزاد دولته شباباً ونمواً، كما زاده في السن علواً، حتى تكون السعادات وفد بابه، والبشائر قرى سمعه، والمسار غذاء نفسه، ويترامى به الإقبال إلى حيث لا يبلغه أمل ولا يقطعه أجل. وفي فصل (3) : هذا الكتاب أخرجت بعضه من غرر نجوم الأرض، ونكت أعيان الفضل من بلغاء العصر في النثر، وحللت بعضه من نظم أمراء الشعر الذين أوردت ملح أشعارهم في كتابي المترجم ب - " يتيمة الدهر "، فلفقت جميع ذلك ونسقته، وجردته وسقته، وأنفقت عليه ما رزقته، وعملته بكد الناظر، وجهد الخاطر، وتعب اليمين، وعرق الجبين، وتعمدت فيه لذة الجدة، ورونق الحداثة، وحلاوة الطراوة، ولم شبه بشيء سوى (4) كلام أهل العصر إلا في قلائل وقلائد من ألفاظ [الجاحظ] وابن المعتز، تخللت أثناءه، وتوسطت تضاعيفه، ولن أخل كلماته التي هي وسائط الآداب (5) ،   (1) ص: ومشاهدة. (2) التمثيل: وحسنة. (3) سحر البلاغة: 5. (4) في الأصل: من. (5) في الأصل: الألباب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 566 وصياقل الألباب، وما تشتهي أنفس الأدباء وتلذ أعين الكتاب، من لفظٍ فصيح، أو معنى صريح (1) ، أو تجنيس أنيس، أو تشبيه بلا شبيه، أو تمثيل بلا مثيل ولا عديل، أو استعارة أو طباق، على ذي رونق باق، فمن مرافق هذا الكتاب قرب متناوله من الكتاب، إذا وشوا ديباج كلامهم بما يقتبسونه من نوره، وسماحة قياده لأفراد الشعراء إذا رصعوا عقود نظامهم مما يلتقطونه من شذوره، فأما المخاطبات والمحاورات فإنها تتبرج بغرةٍ من غرره، وتتوج بدرةٍ من درره. وفي فصل (2) : وقد كانت تجري في مجلسه العالي نكت من أقاويل أئمة الأدب في أسرار اللغة وجوامعها، ولطائفها وخصائصها، مما لم ينتهوا إلى جمع شملها، ولا توصلوا إلى نظمها، وإنما اتجهت لهم في أثناء التأليفات، وتصاعيف التصنيفات، لمع يسيرة كالتوقيعات، وفقر خفية كالإشارات، فيلوح لي - أدام الله عزه - بالبحث على أمثالها، وتحصيل أخواتها، وما ينخرط في سلكها، وأنا ألوذ بأكناف المحاجزة، وأحوم حول المدافعة، وأرعى روض المماطلة، لا تهاوناً بأمره الذي أراه كالمكتوبات، ولا أميزه عن المفروضات، ولكن تفادياً من قصور سهمي عن هدف إرادته، وانحرافاً عن الثقة بنفسي في عمل / [162] ما يصلح لخدمته، إلى أن اتفقت لي في بعض الأيام التي هي أعياد دهري، وأعيان عمري، مواكبة القمرين بمسايرة ركابه، ومواصلة السعدين بصلة جنابه (3) في متوجهه إلى فيروزباد، ومنها إلى حداد (4) ، بعض قراه من الشامات، عمرها الله بدوام عمره، فلما: أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح (5)   (1) سحر البلاغة: أو معنى بديع. (2) فقه اللغة: 7. (3) في الأصل: جناحه. (4) فقه اللغة: خداي زاد. (5) الشعر والشعراء: 13 وفي تخريج البيت انظر السمط: 77 (الملحق) وديوان كثير: 525. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 567 وعدنا إلى العادة عند الالتقاء في تجاذب أهداب الآداب، وفتق نوافج الأخبار والأشعار، أفضت بنا شجون الحديث إلى هذا الكتاب، فقال لي - صدق الله قوله، ولا أعدم الدنيا طوله -: إنك إن أخذت فيه أجدت وأحسنت، وليس إلا أنت، فقلت: سمعاً سمعاً، ولم أستجز لأمره دفعاً؛ فأقام لي في التأليف معالم أقف عندها، وأقفو حدها، وأهاب [بي] إلى ما اتخذته قبلة أصلي إليها، وقاعدةً أبني عليها: من التمثيل والتنزيل والتفصيل والتقريب والتقسيم والترتيب، وانتجعت من الأئمة الخليل والأصمعي وأبا عمرو والكسائي وأبا عبيد وأبا زيد، ومن سواهم من شيوخ العلماء، وظرفاء الأدباء، الذين جمعوا فصاحة البلغاء إلى إتقان العلماء، ووعورة اللغة إلى سهولة البلاغة، وأقتبس (1) من أنوارهم: وأجتني من ثمار قومٍ قد أقفرت منهم البقاع ومن كلامه في صدر كتاب اليتيمة لما كان الشعر عمدة الأدب، وعلم العرب الذي اختصت به على سائر الأمم، وبلسانهم جاء كتاب الله المنزل، على النبي منهم المرسل، عليه السلام الأجزل، كانت أشعار الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين، وأشعار المحدثين [ألطف من أشعار المتقدمين] ثم كانت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن، وأنظم للطائف البديع من أشعار سائر المذكورين، لانتهائها إلى أبعد غايات الحسن، وبلوغها أقصى نهاية الجودة والظرف، تكاد تخرج من باب الإيجاز (2) إلى الاعجاز، ومن حد الشعر إلى السحر، وكأن الزمان ادخر لنا من نتائج خواطرهم، وثمرات قرائحهم، وأبكار أفهامهم، أتم الألفاظ والمعاني استيفاءً لأقسام البراعة وأوفرها [نصيباً] من كمال الصنعة ورونق الطراوة.   (1) فقه اللغة: واجتني. (2) اليتيمة: الإعجاب. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 568 ولذاك ما ساد النبي محمد كل الأنام وكان آخر مرسل وقد سبق مؤلفو الكتب إلى ترتيب المتقدمين والمتأخرين، فكم من كتابٍ فاخرٍ عملوه، وعقدٍ باهرٍ نظموه، لا يشينه إلا نبو العين عن إخلاق جدته، وبلى بردته، [ومج] السمع لمردداته، وملالة القلب لمكرراته، وبقيت محاسن أهل العصر التي معها رواء الحداثة، ولذة الجدة، وحلاوة قرب العهد، وازدياد الجودة على كثرة النقد، غير محصورة في كتاب يضم نشرها، ويشد أزرها. وقد كنت تصديت لعمل ذلك في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، والعمر بإقباله، والشباب بمائه، فافتتحته باسم بعض الوزراء، مجرياً إياه مجرى ما يتقرب به أهل الأدب، إلى ذوي الأخطار والرتب، ومقيماً ثمار الورق مقام نثار الورق، وكتبته في مدة تقصر عن إعطاء الكتاب حقه، ولا تتسع لتوفيته شرطه، وارتفع كعجالة الراكب، وقضيت به حاجة في نفسي وأنا لا أحسب المستعرين يتعاورونه، والمستحسنين (1) يتداولونه، وحين أعرته بعض بصري، وأعدت فيه نظري، تبينت مصداق ما قرأته في بعض الكتب: " إن أول ما يبدو من ضعف ابن آدم أنه لا يكتب كتاباً فيبيت عنده ليلةً إلا أحب في غدها أن يزيد فيه أو ينقص منه " هذا في ليلة واحدة فكيف في سنين عدة -! ورأيتني أحاضر بأخوات كثيرة ومادات غزيرة حصلت إليّ بعد، فقلت: إذا كان هذا الكتاب له موقع من نفوس الأدباء، ومحل من قلوب الفضلاء، فلم لا أبلغ فيه المبلغ الذي يراد، ويستوجب من الاعتداد (2) - ولم لا أبسط فيه عنان الكلام، وأرمي في الإشباع والإتمام [هدف] المرام - فجعلت أثبته وأمحوه، وأفتتحه فلا أختمه، وأنتصفه فلا أتمه، والأيام تعجز، وتعد ولا تنجز، إلى أن أدركت عصر الصن والحنكة، فاختلست لمعة من ظلم الدهر،   (1) اليتيمة: والمنتسخين. (2) اليتيمة: المبلغ الذي يستحق حسن الأحماد، ويستوجب من الاعتداد أوفر الأعداد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 569 وانتهزت رقدةً من عين الزمان، واغتنمت نبوةً من أنياب لنوائب، واستمررت في تقرير هذه النسخة الأخيرة، وتحريرها من بين النسخ الكثيرة، فهذه تجمع من بدائع أعيان الفضل، ونجوم الأرض، من أهل العصر / [163] ما لم تأخذ الكتب العتيقة غرره، ولم تقتض عذره، ولم ينقض قدم العهد زبره. والشرط في هذه النسخة إيراد لب اللباب، وحبة القلب، وناظر العين، ونكتة الكلمة، وواسطة العقد، ونقش الفص، فإن أخرت متقدماً وقدمت متأخراً فعذري فيه أن العرب قد تبدأ بذكر الشيء والمقدم غيره، قال تعالى (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) (التغابن: 2) وقال حسان بن ثابت، وذكر بني هاشم (1) : بها ليل منهم جعفر وابن أمه علي ومنهم أحمد المتخير وقال الصلتان العبدي: فملتنا أننا مسلمون على دين صدّيقنا والنبي وفي فصل منه (2) : كان الخوارزمي في ريعان عمره، وعنفوان شبابه (3) قد دوخ بلاد الشام، وحصل في حضرة سيف الدولة بحلب، مجمع الرواة وأهل الأدب، ومطرح الغرباء والفضلاء، فأقام بها مع أئمة الأدباء بين علم يدرسه، وأدبٍ يقتبسه، ومحاسن ألفاظ يستفيدها، وشوارد أشعار يصيدها، وانقلب عنها أحد أفراد الدهر، وأمراء النظم والنثر، وكان يقول: ما فتق طبعي، وشحذ فهمي، وصقل ذهني، وأرهف حد لساني، وبلغ هذا المبلغ بي، إلا تلك الطرائف الشامية، واللطائف الحلبية،   (1) ديوان حسان 1: 99 (وفيه التخريج) . (2) اليتيمة 1: 26. (3) اليتيمة: وعنفوان أمره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 570 التي علقت بحفظي، وامتزجت بأجزاء نفسي، وغصن الشباب رطيب، وبرد (1) الحداثة قشيب. وفي فصل (2) : كان بنو حمدان ملوكاً أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وايديهم للسماحة، وعقولهم للرجاحة، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم، غرة الزمان والعصور، ومن به سداد الثغور، وسداد الأمور، وكانت وقائعه في عصاة العرب تكف بأسها وتفل أنيابها، وتذل صعابها، وتكفي الرعية سوء آدابها، وغزواته تدرك من طاغية الروم النار، وتحسم شرهم المنار، وتحسن في الإسلام الآثار، وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحط الرحال، وموسم الأدباء، وقبلة الشعراء، ويقال إنه لم يجتمع بباب أحدٍ من الملوك - بعد الخلفاء - ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر، ونجوم الدهر، والسلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها؛ وكان أديباً شاعراً محباً لجيد الشعر، شديد الاهتزاز لما يمدح به، فلو أدرك ابن الرومي زمانه ما احتاج أن يقول: ذهب الذين يهزهم مداحهم هز الكماة عوالي المران كانوا إذا امتدحوا رأوا ما فيهم فالاريحية منهم بمكان وفي فصل (3) : كان أبو فراس فرد دهره، وشمس عصره، أدباً وفضلاً، وكرماً ومجداً، وبلاغةً وبراعة، وفروسيةً وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة، ومعه رواء الطبع وسمةً الظرف وعزة الملك، لم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر ابن المعتز؛ وأبو فراس بعد أشعر   (1) اليتيمة: ورداء. (2) اليتيمة 1: 27. (3) اليتيمة 1: 48. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 571 منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام، وكان الصاحب يقول: بدئ الشعر بملك - يعني امرأ القيس - وختم بملك - يعني أبا فراس -. وأطلت (1) عنان الاختيار في محاسن كل شيء حسن (2) لا سيما رومياته التي رمى بها هدف الإحسان، وأصاب شاكلة الصواب. ولما خرج نير (3) الفضل من سراره، وأطلق أسد الحرب من إساره، لم تطل أيام فرحته، ولم تسمح النوائب بالتجافي عن مهجته، ودلت قصيدة قرأتها للصابي في تأبينه على أنه قتل في وقعة كانت بينه وبين بعض موالي أسرته؛ وما أحسن وأصدق قول أبي الطيب (4) : فلا تنلك الليالي إن أيديها إذا ضربن كسرن النبع بالغرب ولا يعن عدواً أنت قاهره فإنهن يصدن الصقر بالخرب وفي فصل (5) : كان المتنبي نادرة الفلك، وواسطة عقد الدهر، في صناعة الشعر؛ شاعر سيف الدولة الذي جذب بضبعه، ورفع من قدره، ونفق من سعر شعره، وألقى عليه شعاع سعادته حتى سار ذكره مسير الشمس والقمر، وسافر كلامه في البدو والحضر، وكادت الليالي تنشده، والأيام تحفظه، كما قال (6) : وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا فسار به من لا يسير مسامراً وغنى به من لا يغني مغردا / [164]   (1) اليتيمة 1: 102 - 103. (2) اليتيمة: من محاسن شعر أبي فراس، وما محاسن شيء كله حسن. (3) اليتيمة: قمر. (4) ديوان المتنبي: 426. (5) اليتيمة 1: 126. (6) ديوان المتنبي: 361. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 572 وقد (1) ألفت الكتب في تفسيره وجلاء (2) مشكله وعويصه، وكسرت الدفاتر على ذكر جيده ورديئه، وتكلم الأفاضل في الوساطة بينه وبين خصومه، والإفصاح عن أبكار كلامه وعونه، وتفرقوا في مدحه وذمه، والقدح فيه والتعصب له وعليه، وذلك أدل دليلٍ على وفور فضله، وتقدم قدمه، وتفرده على أهل زمانه، بملك رقاب القوافي ورق المعاني، والكامل من عدت سقطاته، والسعيد من حسبت هفواته. واتخذ (3) الليل جملاً وفارق بغداد متوجهاً إلى ابن العميد، ومراغماً للمهلبي، فورد أرجان فطمع الصاحب في زيارته بأصبهان، وإجرائه مجرى مقصوديه من رؤساء الزمان، وهو إذ ذاك شاب وحاله حويلة، ولم يكن استوزر بعد، فكتب يلاطفه في استدعائه، فلم يقم له المتنبي وزناً، ولا أجابه عن كتابه، وقصد عضد الدولة، فأسفرت سفرته عن بلوغ الأمنية، وورد مشرع المنية، واتخذه الصاحب غرضاً يرشقه بسهام الوقيعة، ويتتبع سقطاته في شعره وهفواته، وينعى عليه سيئاته، وهو أعرف الناس بمحاسنه، وأكثرهم استعمالاً إياها في مخاطباته. وخطأ (4) المتنبي في اللفظ والمعنى كثير، ويتبع الفقرة الغراء بالكلمة العوراء، ويفتتح (5) بذلك شعره، وما أكثر ما يحوم حول هذه الطريقة، ويعود لهذه العادة السيئة ويجمع بين البديع النادر والضعيف الساقط، فبينا هو يصوغ أفخر حلي، وينظم أحسن عقد، وينسج أنفس وشي، ويختال في حديقة ورد، إذا به قد رمى بالبيت والبيتين في إبعاد الاستعار وتعويض اللفظ وتعقيد المعنى، فمحا تلك المحاسن وكدر صفاءها وأعقب حلاوتها مرارة لا مساغ لها، واستهدف لسهام العائبين، فمن متمثل بقول الشاعر:   (1) اليتيمة 1: 127. (2) اليتيمة: وحل. (3) اليتيمة 1: 138. (4) اليتيمة 1: 163. (5) كذا في الأصل، وليست العبارة في اليتيمة، ولعل الصواب " ويقبح ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 573 أنت العروس لها جمال رائع لكنها في كل يومٍ تصرع ومن مشبه إياه بمن تقدم مائدة تشتمل على غرائب المأكولات وبدائع الطيبات، ثم يتبعها بطعام وضرٍ وشرابٍ عكر، أو من يتبخر بالند المعشب المثلث المركب من العود الهندي والمسك الأصهب والعنبر الأشهب ثم يرنقه (1) بإرسال الريح الخبيثة، أو بالواحد في عقلاء المجانين ممن ينطق نوادر الكلام وطرائف الحكم ثم يعتريه سكر الجنون. وفي فصل (2) : أبو الفرج الببغا: نجم الآفاق، وشمامة الشام والعراق، وظرف الظرف، وينبوع اللطف، أحد أفراد الدهر، في النظم والنثر، ولقب بذلك للثغة [فيه] . وكان نظيف اللبسة، بهي الركبة، مليح اللثغة، ظريف الجملة، وأخذت الأيام من جسمه وقوته، ولم تأخذ من ظرفه وملحه وأدبه؛ ووردني كتابه سنة إحدى وتسعين مشتملاً من النظم والنثر على ما أبدت (3) به حال من بلغ ساحل الحياة، ووقف على ثنية الوداع، ولست [أدري] بعد ما فعل الدهر به، وأغلب ظني أنه [الحق] باللطيف الخبير. وفي فصل (4) : أبو الفرج الوأواء: من حسنات الشام، وصاغة الكلام، ومن عجيب شأنه أنه كان بدار بطيخ دمشق ينادي على الفواكه، وما زال يشعر حتى جاد شعره وسار كلامه ووقع ما يروق، ويشوق ويفوق، حتى تعلق بالعيوق.   (1) في الأصل: يوبقه. (2) اليتيمة 1: 252. (3) اليتيمة: أثرت. (4) اليتيمة 1: 288. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 574 وفي فصل (1) : أبو محمد الواساني: أعجوبة الزمان ونادرته، وفرد عصره وباقعته، وهو أحد المجيدين في الهجاء، وكان في زامنه، كابن الرومي في أوانه. وفي فصل (2) : أبو محمد بن وكيع: شاعر بديع (3) ، وعالم جامع، قد برع على أهل زمانه، فلم يتقدمه أحد في أوانه، وله كل بديعةٍ تسحر الأوهام، وتستعبد الأفهام. وفي فصل (4) : السري الرفاء: وما أدراك ما السري - صاحب سر الشعر، الجامع بين [نظم] عقود الدر، والنفث في عقد السحر، ولله دره، ما أعذب بحره، وأعجب أمره!! وقد أخرجت من شعره ما يكتب على جبهة الدهر، ويعلق في كعبة الظرف (5) ، وكتبت منه محاسن وملحاً، وبدائع وطرفاً، كأنها أطواق الحمام، وصدور البزاة البيض، وأجنحة الطواويس، وسوالف الغزلان، ونهود العذارى الحسان، وغمزات الحدق الملاح. وفي فصل (6) : عضد الدولة: [كان] على ما مكن له في الأرض، وجعل إليه من أزمة البسط والقبض، وخص به من رفعة الشان، وأوتي من سعة السلطان، يتفرغ للأدب،   (1) اليتيمة 1: 351. (2) اليتيمة 1: 372. (3) اليتيمة: بارع. (4) اليتيمة 2: 117. (5) اليتيمة: الفكر. (6) اليتيمة 2: 216. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 575 ويتشاغل بالكتب / [165] ويؤثر مجالسة الأدباء، على منادمة الأمراء، ويقول شعراً كثيراً يخرج منه ما هو من شطر الكتاب من الملح والنكت، وما أدري كم فصل رائعٍ قرأته للصاحب في وصف شعره، وطلب أمد الإبداع في مدحه. وفي فصل (1) : الصابي: أوحد العراق في البلاغة، ومن تثنى الخناصر به في الكتابة، وتتفق له الشهادات ببلوغ الغاية من البراعة في الصناعة، وكان خنق التسعين في خدمة الخلفاء، وخلافة الوزراء، وتقلد الأعمال الجلائل، مع ديوان الرسائل، وحلب الدهر أشطره، وذاق حلوه ومره، ولابس خيره ولامس شره، ورئس ورأس، وخُدم وخدم، ومدحه شعراء العراق في جملة الرؤساء، وسار ذكره في الآفاق، ودون له الكلام البهي النقي العلوي ما تتناثر درره، وتتكاثر غرره، وأرادوه الملوك على الإسلام، وأداروه بكل حيلة وتمنيةٍ جليلة، فلم يهده الله للإسلام، كما هداه لمحاسن الكلام، وكان يعاشر المسلمين أحسن عشرة، ويخدم الأكابر أرفع خدمة، ويساعدهم على صيام شهر رمضان، ويحفظ القرآن حفظاً يدور على طرف لسانه وسن قلمه. وفي فصل (2) : عبد العزيز بن يوسف: أحد صدور المشرق، وفرسان المنطق، وأفراد الكلم، وأعيان الممدحين المقدمين في الأدب والكتابة والبراعة والكفاية وجميع أدوات الرياسة. ونثره يعرب عن أدب فضفاض، وخاطر بالإجادة والإحسان فياض. وفي فصل (3) : القاضي التنوخي: من أعيان الأدب والعلم، وأفراد الكرم وحسن الشيم، وإن أردت فسبحة ناسك، وإن أحببت فتفاحة فاتك، أو اقترحت فمدرعة راهب،   (1) اليتيمة2: 242. (2) اليتيمة 2: 313. (3) اليتيمة 2: 336. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 576 أو أشرت (1) فنخبة شارب، ريحانة الندماء، ونارنج الظرفاء، ويعاشرون منه من تطيب عشرته، وتلين قشرته، وتكرم أخلاقه، وتحسن أخباره، وتسير أشعاره، حتى نظمت حاشيتي البر والبحر، وناحيتي الشرق والغرب، وكان له غلام يسمى نسيماً في نهاية الملاحة واللباقة، وكان يؤثره على سائر غلمانه، ويختصه بتقريبه واستخدامه فكتب إليه بعض من يأنس به (2) : هل علي لامه مدغم لاضطرار الشعر في ميم نسيم فوقع تحته: نعم، ولم لا - وفي فصل (3) : أبو علي ابنه: هلال ذلك القمر، وغصن ذلك الشجر، والشاهد العدل لمجد أبيه وفضله، والفرع المشير لأصله، والنائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعد وفاته، وله كتاب " الفرج بعد الشدة " وناهيك بحسنه، وامتناع فنه، وما جرى فيه من الفأله بيمنه، لا جرم أنه أسير من الأمثال، وأسرى من الخيال. وفي فصل (4) : ابن لنكك: فرد البصرة وصدر أدبائها، وفرد ظرفائها في زمانه، المرجوع إليه في لطائف الأدب وطرائفه، وكانت حرفة الأدب تمسه وتجمشه، ومحنة الفضل تدركه فتخدشه، ونفسه ترفعه، ودهره يضعه؛ وأكثر شعره ملح وطرف، خفيفة الأرواح، تأخذ من القلوب بمجامعها، وتقع من النفوس أحسن مواقعها، وجلها في شكوى الزمان وأهله، وهجاء شعراء عصره، ويشبه شعره في الملاحة وقلة مجاوزة البيتين والثلاثة شعر ابن فارس، واقدر أنه بالجبال كهو بالعراق، وكان يقال: إذا رمى منصور الفقه برجومه قتل، وكذلك ابن لنكك إذا قال البيت والبيتين أغرب بما جلب وأبدع بما يصنع، فأما إذا قصد فقلما ينجح ويفلح.   (1) اليتيمة: آثرت. (2) ورد في الذخيرة القسم الثاني: 133. (3) اليتيمة 2: 346. (4) اليتيمة 2: 348. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 577 وفي فصل (1) : ابن نباتة: من فحول الشعراء في عصره وآحادهم، وصدور مجيديهم وأفرادهم، الذين أخذوا برقاب القوافي وخوارق (2) المعاني، وشعره مع قرب لطفه بعيد المرام مستمر النظام، يشتمل من حر الكلام على غرر كقطع الروض غب القطر، وفقر كالغنى بعد الفقر، وبدائع أحسن من مطالع الأنوار، وعهد الشباب، في أرق من نسيم الأسحار وشكوى الأحباب. وفي فصل (3) : السلامي: من أشعر أهل العراق قولاً بالإطلاق، وشهادةً باستحقاق، وعلى ما أجريت من ذكره، شاهد عدل من شعره، الذي كتبت من محاسنه نزهة العيون ورقى القلوب وسر النفوس، ولم يزل بحضرة الصاحب بين خير مستفيض، وجاهٍ عريض، ونعم بيض، إلى أن آثر قصد حضرة عضد الدولة بشيراز، فجهزه الصاحب إليه وزوده كتاباً بخطه إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف قال فيه: " باعة الشعر أكثر من عدد الشعر، ومن يوثق أن حليته التي يؤديها من نسج فكره أقل من ذلك؛ وممن خبرته بالامتحان فأحمدته، وفررته بالإحسان واخترته (4) ، أبو الحسن السلامي، وله بديهة قوية، توفي على الروية، ومذهب / [166] في الإجادة يهش السمع لوعيه، كما يرتاح الطرف لرعيه، وقد امتطى أمله - وخير له - إلى الحضرة الجليلة رجاء أن يحصل في سواد أمثاله، ويظهر معه بياض حاله، فجهزت منه أمير الشعر في موكبه (5) ، وحليت فرس (6) البلاغة   (1) اليتيمة 2: 380. (2) اليتيمة: وملكوا رق. (3) اليتيمة 2: 396، 401. (4) في الأصل: واختبرته. (5) في الأصل: مركبه. (6) في الأصل: فارس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 578 بمركبه، وكتابي هذا رائده هذا القطر، بل مشرعه إلى البحر ". فاشتمل عليه جناح القبول، ودفع إليه مفتاح المأمول، واختص بخدمة عضد الدولة في مقامه وظعنه إلى العراق، وتوفر حظه من صلاته وخلعه، واللها تفتح اللهى، وكان عضد الدولة يقول: " إذا رأيت السلامي في مجلس ظننت أن عطارد قد نزل من الفلك إليّ، ووقف بين يدي ". وفي فصل (1) : ابن سكرة الهاشمي: شاعر متسع الباع، في أنواع الإبداع، فائق في قول الطرف والملح، وأحد (2) الفحول والأفراد، جارٍ في ميدان المجون والسخف ما أراد. وفي فصل (3) : ابن الحجاج: وإن كان في أكثر شعره لم يستتر من العقل بسجف، ولا بنى جل قوله إلا على سخف، فإنه من سحرة الشعر، وعجائب العصر، وفرد زمانه في فنه الذي شهر به، لم يسبق إلى طريقته، ولا لجق شأوه في نمطه، ولم ير كاقتداره على ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه، مع سلاسة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها في سلك الملاحة، وإن كانت مفصحة عن السخافة، مشوبةً بلغات المكدين وأهل الشطارة، ولولا أن جد الأدب وهزله جد لصنت كتابي عن الكثير من كلام من يمد يد المجون فيعرك بها أذن الحزم، ويفتح جراب السخف فيصفع به قفا العقل. وفي فصل (4) : القاضي ابن معروف: شجرة فضلٍ عودها أدب وأغصانها علم وثمرتها عقل وعروقها شرف، تسقيها سماء الحرية، وتغذيها أرض المروة.   (1) اليتيمة 3: 3. (2) في الأصل: وصدور. (3) اليتيمة 3: 31. (4) اليتيمة 3: 112. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 579 وفي فصل (1) : أبو الفرج الأصبهاني الأصل، البغدادي المنشأ: كان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها، وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء الشعراء. وفي فصل (2) : الشريف أبو الحسن الموسوي: [يتحلى مع محتده الشريف] ومفخره المنيف بأدبٍ ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر، ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وقد شهد بما أجريت من ذكره، شاهد عدل من شعره العالي القدح، الممتنع عن القدح، يجمع إلى السلاسة تانة، وإلى السهولة رصانة، ويشتمل على معانٍ يقرب جناها، ويبعد مداها. وفي فصل (3) : الصاحب بن عباد: ليس تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم، وتفرده بغايات المحاسن والشيم، وجمعه أشتات المفاخر، لأن قولي ينخفض عن أدنى فضائله ومعاليه، وجهد وصفي، يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه، ولكني أقول: كانت همته في مجدٍ يشيده، وإنعام يجدده، وفاضل يصطنعه، وكلامٍ حسنٍ يسمعه أو يصنعه، ولما كان نادرة عطارد في البلاغة، وواسطة عقد الدهر في السماحة، جلب إليه من الآفاق وأقاصي البلاد كل خطاب جزل، وقولٍ فصل، وصارت حضرته مشرعاً لروائع الكلام، وبدائع الأفهام، ومجلسه مجمعاً لصوب العقول وذوب العلوم (4) ونثار الخواطر ودرر القرائح، فبلغ من البلاغة ما يعد في السحر ويكاد يدخل في حد الإعجاز، وسار   (1) اليتيمة 3: 114. (2) اليتيمة 3: 136. (3) اليتيمة 3: 192. (4) في الأصل: العقول. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 580 كلامه مسير الشمس، [واحتف] به من نجوم الأرض وأفراد العصر وأبناء الفضل وفرسان الشعر ما يربي عددهم على شعراء الرشيد ولا يقصرون عنهم في الأخذ برقاب المعاني وملك رق القوافي، فإنه لم يجتمع بباب أحد من الخلفاء ما اجتمع بباب الرشيد من فحولة الشعراء. وفي فصل (1) : أبو دلف الخزرجي: شاعر كثير الملح والطرف، مشحوذ المدية في الكدية، حنق التسعين في الاضطراب والاغتراب، وركوب الأسفار الصعاب، وضرب صفحة المحراب (2) بالجراب، وخدمة العلوم والآداب. وفي فصل (3) : القاضي الجرجاني: فرد الزمان ونادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم، وقبة تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، يجمع خط ابن مقلة إلى نثر الجاحظ ونظم البحتري، وينظم عقد الإتقان والإحسان في كل ما يتعاطاه. وهذه أيضاً جملة من شعره زاره الأمير أبو الفضل الميكالي فكتب إليه (4) : لا زال مجدك للسماك رسيلا وعلو جدك بالخلود كفيلا يا غرة الزمن البهيم إذا غدا هذا الورى (5) لزمانه تحجيلا / [167] يا زائراً مدت سحائب طوله ظلاً علي من الجمال ظليلا وأتت بصوب جواهر من لفظه حتى انتظمن لمفرقي إكليلا   (1) اليتيمة 3: 356. (2) في الأصل: الحراب. (3) اليتيمة 4: 3. (4) اليتيمة: ودرة. 5 زهر الآداب: 312. (5) زهر: أهل العلا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 581 بابني وغير أبي هلال نوره يستعمل التسبيح والتهليلا نقشت حوافر طرفه في عرصتي نقشاً محوت رسومه تقبيلا ولو استطعت فرشت مسقط خطوه بجفون عينٍ (1) لا ترى التكحيلا ونثرت روحي بعدما ملكت يدي وخررت بين يدي هواه قتيلا وقال فيه (2) : لك في المفاخر معجزات جمة أبداً لغيرك في الورى لم تجمع بحران: بحر في البلاغة شابه شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي كالنور أو كالسحر أو كالبدر أو كالوشي في بردٍ عليه موشع شكراً فكم من فقرةٍ لك كالغنى وافى الكريم بعيد فقر مدقع وإذا تفتق نور شعرك ناضراً فالحسن بين مرصع ومصرع أرجلت فرسان الكلام ورضت أف - راس البديع وأنت أمجد مبدع ونقشت في فص الزمان بدائعاً تزري بآثار الربيع الممرع وله إليه جواباً عن كتاب ورد عليه (3) : أنسيم الرياض حول الغدير مازجته ريا الحبيب الأثير أم ورود البشير بالنجح من ف - ك أسيرٍ أم يسر أمر عسير في ملاء من الشباب جديدٍ تحت أيكٍ من التصابي نضير أم كتاب الأمير سيدنا الفر - د فيا حبذا كتاب الأمير وثمار السرور ما اجتنيه في سطور فيها شفاء الصدور نمقتها أنامل تفتق الأن - وار والزهر في رياض السطور   (1) زهر: بعيون عين. (2) زهر الآداب: 137 واليتمية 4: 355. (3) زهر الآداب: 138. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 582 كالمنى قد جمعن في النعم الغ - ر مع الأمن من صروف الدهور يا أبا الفضل يا ابنه يا أخاه جل باريك من لطيف خبير شيم يرتضعن در المعالي ويعبرن عن نميم العبير وسجايا كأنهن لدى البش - ر رضاب الحيا بأري مشور ومحيا لدى الملوك محيا صادق البشر مخجل للبدور فأجابه الأكير أبو الفضل بأبيات منها (1) : وهدي زفت إلى السمع بكرٍ تتهادى في حليةٍ وشذور عجب الناس إذ بدت من سوادٍ في بياضٍ كالمسك في الكافور نظمت من بلاغة ومعان مثل نظم العقود فوق النحور كم تذكرت عهدها (2) من عهود للتلاقي في ظل عيش نضير فذممت الزمان إذ ضن عنا باجتماع يضم شمل السرور ولئن راعنا الزمان [ببينٍ ألبس] الأنس ذلة المهجور فعسى الله أن يعيد اجتماعاً في أمان من حادثات الدهور إنه قادر على رد ما فا - ت وتيسير كل أمرٍ عسير   (1) زهر الآداب: 138. (2) زهر: عندها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 583 فصل في ذكر الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم المعروف بالحصري (1) واجتلاب جملة من كلامه كان أبو إسحاق هذا صدر الندي، ونكتة الخبير الجلي، وديوان اللسان العربي، راض صعابه، وسلك أوديته وشعابه، وجمع أشتاته، وأحيا مواته، حتى صار لأهله إماما، وعلى جده وهزله زماماً، وطنت به الأقطار، وشدت إليه الأقتاب والأكوار، وأنفقت فيما لديه الأموال والأعمار، وهو يقذف البلاد بدرر صدفها الأفكار، وسلوك ناظمها الليل والنهار، عارض أبا بحرٍ الجاحظ بكتابه الذي وسمه ب - " زهر الآداب، وثمرة الألباب "، فلعمري ما قصر مداه، ولا قصرت خطاه، ولولا أنه شغل أكثر أجزائه وأنحائه، ومرج يحبو حمى أرضه وسمائه، بكلام أهل العصر دون كلام العرب، لكان كتاب الأدب، لا ينازعه ذلك إلا من ضاق عنه الأمد، وأعمى بصيرته الحسد، ثم أخذ (2) بعد ذلك في إنشاء التواليف الرائقة، والتصانيف الفائقة ككتاب " النور والنور " (3) وكتاب " المصون من الدواوين " (4) ، إلى عدة رسائل وأشعار، أندى من نسيم الأسحار، وأذكى من   (1) ترجمة الحصري أبي إسحاق في معجم الأدباء 2: 94 - 97 وابن خلكان 1: 54 والوافي للصفدي 6: 61 ومسالك الأبصار 11: 309 وعنوان الأريب 1: 43؛ وقد اختلف في وفاته فقال ابن رشيق كما نقل عنه ياقوت توفي سنة 413 وقال ابن بسام سنة 453 ورجح ابن خلكان القول الأول دون أن يذكر سبباً لذلك، ولعله اعتمد على أن ابن رشيق أدرى بذلك من غيره؛ ونقل الصفدي عن كتاب الجنان لابن الزبير أن الحصري ألف زهر الآداب سنة 450. (2) في المسالك: ثم غبر؛ ص: ثم أجد. (3) يسميه الصفدي: نور الظرف ونور الطرف، ويقول إنه اختصر فيه كتابه زهر الآداب، وينقل التجاني في تحفة العروس: 115 عما يسميه كتاب النورين للحصري وكذلك يسميه ياقوت، ومرة أخرى ينقل التجاني عن نور الطرف: 138؛ وانظر عيون التواريخ (الفاتح رقم: 4441) 7: 57. (4) يسميه الصفدي: المصون في سر الهوى المكنون، وعند ياقوت، المصون والدر المكنون؛ ومن هذا الكتاب نسخة بخزانة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة، ذكرها الدكتور محمد بن سعد الرويشد في مقارنة أجراها بين طوق الحمامة والمصون (مجلة الفيصل، السنة الأولى، عدد 10 ص 16 - 21) وانظر بروكلمان 1: 267. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 584 شميم الأزهار؛ وقد أخرجت من كلامه ما لا ينكر فضله، ولا ينشي مثله إلا مثله، وكانت وفاته - فيما بلغني - سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة. فصول من كلامه اندرجت في تواليفه، من نثره ونظامه فصل (1) : ولبني علي أهل البيت كلام يعرض في حلى البيان، وينقش في فص الزمان، ويحفظ على وجه الدهر، ويفضح عقائل الدر، ويكتحل بنور الشمس، ولم لا يطؤون ذيول البلاغة، ويجرون فضول البراعة، وأبوهم الرسول، وأمهم البتول، وكلهم / [168] قد غذي بدر الحلم، وربي في حجر العلم. ما منهم إلا مردىً بالحجى أو مبشر بالأحوذية مؤدم وفي فصل (2) : البديع: اسم وافق مسماه، ولفظ طابق معناه، وكلامه غض المكاسر، أنيق الجواهر، يكاد الهواء يسرقه لطفاً، والهوى يعشقه ظرفاً، ولما رأى ابن دريد قد أغرب بأربعين حديثاً وذكر إنه استنبطها من ينابع صدره، وانتخبها من معادن فكره، وأيداها للأبصار والبصائر، وأهداها للأفكار والضمائر، في معارض حوشيةٍ، وألفاظ عنجهية، فجاء أكثر ما أظهر تنبو عن قبوله الطباع، ولا ترتفع له حجب الأسماع، وتوسع فيها، إذ صرف ألفاظها ومعانيها، في وجوه مختلفة، وضروبٍ متصرفة، عارضة بأربعمائة مقامةٍ في الكدية تذوب ظرفاً وتقطر حسناً، لا مناسبة بين واحدةٍ منها لفظاً ولا معنى، عطف مساجلتها، ووصف مناقلتها، بين رجلين يسمى أحدهما عيسى بن هشام والآخر أبو الفتح الإسكندري، وجعلهما يتهاديان الدر،   (1) زهر الآداب: 56 والمسالك: 130. (2) زهر الآداب: 261. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 585 ويتنافثان السحر، في معانٍ تضحك الحزين، وتحرك الرصين يطالع منها كل طريفة، ويوقف منها على كل لطيفة، وربما أفرد أحدهما بالحكاية، وخص بعضهما الرواية. وفي فصل (1) : هذا كتاب اخترت [فيه] قطعة كافيةً من البلاغة في الشعر والخبز، والفصول [والفقر] ، مما حسن لفظه ومعناه، واستدل بفحواه على مغزاه، ولم يكن شارداً حوشياً، ولا ساقطاً سوقياً، بل كان جميع ما فيه من ألفاظه ومعانيه: في نظام من البلاغة ما ش - ك امرؤ أنه نظام فريد (2) حزن مستعمل الكلام اختياراً وتجنين ظلمة التعقيد وركبن اللفظ القريب فأدرك - ن به غاية المراد البعيد كتاب يتصرف فيه الناظر من نثره إلى شعره، ومطبوعه إلى مصنوعه، ومحاورته إلى مفاخرته، ومناقلته إلى مساجلته، وخطابه المبهت، إلى جوابه المسكت، وتشبيهاته المصيبة، إلى اختراعاته الغريبة، وأوصافه الباهرة، إلى أمثاله السائرة، وجده المعجب، إلى هزله المطرب، وجزله الرائع، إلى رقيقه البارع، وقد نزعت فيما جمعت عن ترتيب التبويب، وعن إبعاد الشكل عن شكله، وإفراد الشيء من مثله، فجعلت بعضه مسلسلاً، وتركت بعضه مرسلاً، ليحصل محرر النقد، مقدر السرد، قد أخذ بطرفي التأليف، واشتمل على حاشيتي التصنيف، [وقد يعز] المعني فألحق الشكل بناظره، وأعلق الأول بآخره، وتبقى منه بقية أفرقها في سائره، ليسلم من التطويل الممل، والتقصير المخل، وتظهر في الجميع فائدة الاجتماع، وفي التفريق لذاذة الإمتاع، فيكمل منه ما يونق القلوب والأسماع، إذ   (1) زهر الآداب: 1. (2) الأبيات للبحتري في ديوانه: 636 - 637. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 586 كان الخروج من جد إلى هزل، ومن حزنٍ إلى سهل، أنفى للكلل، وأبعد من الملل؛ وقد قال أبو العتاهية (1) : لا يصلح النفس إذ كانت مصرفةً إلا التنقل من حالٍ إلى حال وفي فصل (2) : ومعلوم أنه ما انجذبت نفس، ولا اجتمع حس، ولا مال سر، ولا جال فكر، في أفضل من معنى لطيف، ظهر في لفظ شريف، فكساه من حسن الموقع قبولاً لا يدفع، وأبرزه يختال من صفاء السبك ونقا السلك وصحة الديباجة وكثرة المائية في أجمل حلة، وأجل حلية. والمعنى إذا استدعى القلوب إلى حفظه، بما ظهر في مستحسن لفظه، من بارع عبارة، وناصع استعارة، وعذوبة مورد، وسهولة مقصد، وحسن تفصيل، وإصابة تمثيل، وتطابق أنحاء وتجانس أجزاء، وتمكن ترتيب، ولطافة تهذيب، مع صحة طبع وجودة إيضاح، يثقفه تثقيف القداح، ويصوره أفضل تصوير، ويقدره أكمل تقدير، [فهو مشرق في جوانب السمع] . وإن كنت (3) قد استدركن على كثير ممن سبقني إلى مثل ما أجريت إليه، واقتصرت في هذا الكتاب عليه، لمح أوردتها كنوافث السحر، وفقر نظمتها كالغنى بعد الفقر، من ألفاظ أهل العصر، في محلول النثر، ومعقود الشعر؛ ولهم من لطائف الابتداع، وتوليدات الاختراع، أبكار لم تفترعها الأسماع، يصبو إليها القلب والطرف، ويقطر منها ماء الملاحة والظرف، وتمتزج بأجزاء النفس، وتسترجع نافر الأنس، تخللت تضاعيفه، ووشحت تآليف، وطرزت ديباجه (4) ، ورصعت تاجه،   (1) ديوان أبي العتاهية: 321. (2) زهر الآداب: 3. (3) زهر الآداب: 4. (4) في الأصل: ديباجاته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 587 ونظمت عقوده، ورقمت بروده، فنورها يرف، ونورها يشف، في روضٍ من الكلم مونق، ورونق من الحكم مشرق. وفي فصل (1) : إلى هذا المكان أمسكت العنان، والإطناب في هذا الكتاب يعظم ويتسع، بل يتصل ولا ينقطع، إذ كان غرضي فيه، أن ألمع من معانيه، ثم أنجز معه حيث أنجر، وأمر فيه كيف / [169] مر، وآخذ في معنى آخر غير موصول بشكله، ولا مقرونٍ بمثله، وقد أحل نظاماً وأفرد تؤاماً، نشراً لبساط الانبساط، ورغبة في استدعاء النشاط. وهذا التصنيف لا تدرك غايته، ولا تبلغ نهايته، إذ المعاني غير محصورة بعدد، ولا مقصورة إلى أمد، وقد أبرزت في الصدر، صحيفة العذر، يجول فرندها، ويثقب زندها، ومن ركب مطية الاعتذار، واجتنب خطية الإصرار، فقد خرج من تبعة التقصير، وبرز من عهدة المعاذير، وإن أحق ما احتكم إليه، واقتصر عليه، الاعتراف بفضل الإنصاف، فليعلم من ينصف أن الاختبار ليس يعلم ضرورةً، ولا يوقف له على صورة، فليكثر الإغماض، وليقل الاعتراض، ولو وقع الإجماع على ما يرضي ويسخط، ويثبت ويسقط، لارتفع حجاج المختلفين في أمر الدنيا والدين. وفي فصل: هو كليل الخاطر، سقيم النفس، صدئ القريحة، عديم الحس، ذو طبعٍ جاسٍ، وفهم قاسٍ، ولله در ابن الرومي في قوله (2) : خفافيش أعشاها نهار بضوئه ولائمها قطع من الليل غيهب   (1) زهر الآداب: 1091. (2) ديوان ابن الرومي: 157. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 588 بهائم لا تصغي إلى شدو معبدٍ فأما على جافي الحداء فتطرب قد تعود لي الألسن بالسباب، وغمز على الأصحاب، واستعمل الملق والكذاب، فهو بين جاهل متغافل، قد حشي قلبه ريناً، وملئ لسانه ميناً، وبين من سمائم نمائمه تلذع، وعقارب مكايده تلسع، وبين معجب متصلف، باردٍ متكلف، لا يرى سيبويه كان على شيء، كما لا يرى الكسائي قبله (1) : وإذا ما تذاكر الناس معنى من شهير الأشعار والمجهول قال هذا لنا ونحن كشفنا عنه للمستدل والمسؤول (2) فهو كما قال الخوارزمي: قد أسكرته خمرة الكبر، واستهوته غرة التيه، فخيل إليه أن كسرى حامل غاشيته، وقارون وكيل نفقته، وبلقيس إحدى داياته، وأن الشمس تطلع من جبينه، والغمام يندى من عينه، فهو يرى ببصر جهله لا ببصيرة عقله، وأن امرأ القيس ما بكى بالديار وعرصاتها، ولا اغتدى والطير في وكناتها، ولا أحسن تقصيد القصائد، وتقييد الأوابد، وأن زياداً (3) لم توقد باليفاع ناره، ولا أعتب النعمان اعتذاره، وأن شعره لم يرق حتى يقال: الماء أو أسلس، ويجزل حتى يقال: الصخر أو أملس، وأن زهيراً كان متعاظل الكلام، متداخل الأقسام، غير مطبقٍ للمفاصل، ولا مصيبٍ للشواكل، وأما طبقات المخضرمين من الإسلاميين فلا يضربون إليه بقدح، ولا يفوزون عنده بنجحٍ. فلو أتيناه بمستطرفٍ من مبدعات الهزل والجد أرق من دمعة مهجورة مرهاء تمريها يد البعد لو قرعت سمع يزيدٍ سلا بحسن ما يسمع عن هند (4)   (1) ص: سير. (2) ص: عيبه المسؤول والسمؤول. (3) يعني النابغة الذبياني. (4) ص: من ند. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 589 أعرض عنها ثانياً عطفه ولم يعرها عطفة الود هذا وقد لاح بوجه الحجى منها ضياء القمر الفرد وأقبلت تختال في حلةٍ مرت عليها طرز الحمد وما يضر الشمس أن أصبحت تعرض عنها أعين الرمد ومن يك ذا فمٍ مر مريضٍ يجد مراً به الماء الزلالا وفي فصل (1) : قد تقاربت الصفات، وتوازنت الذوات، وتكاشفنا لما تعارفنا، ورفعت الخلوة حجاب الاحتجاب، وحطت الخلطة لثام الاكتتام، وكنا مع طول الامتحان والاختبار، ومدة الالتباس والاحتيار، نقنع من ارتفاع القناع بلمحة، ومن اتقاد الزناد بقدحة، ونبرز العبارات، من معارض الإشارات، وغوامض الاستعارات، في طراز من الأرماز يدق عن مسرى السحر، ويرق عن مجرى الخمر: في تعابيرنا " اللطاف اللواتي هي أخفى من مستسر الهباء " (2) " بل من السر في ضمير محب أدبته عقوبة الإفشاء " ونختلس حركات البيان، في سكنات الزمان، كما اختلس اللفظ المحب الكتوم، فهلهم الآن إلى التصريح دون التعريض، والتصحيح دون التمريض، وتعال نتلاطف ونتكاشف، إذ قد لبسنا ثوب الأمان من الزمان. وفي فصل (3) :   (1) ص: الضياع. (2) استعار البيتين من ابن الرومي، ديوانه: 67. (3) الأبيات في الشريشي 5: 227. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 590 إذا بدا القلم الأعلى براحته مطرزاً لرداء الفخر بالظلم رأيت ما أسود في الأبصار أبيض في بصائرٍ لحظها للفهم غير عم كروضة خطرت في وشي زهرتها وافتر نوارها عن ثغر مبتسم وتبرجت في حللها وحليها، وابتهجت بوسيمها / [170] ووليها، وكاد الهواء يسرقه لطفاً، والهوى يعتنقه ظرفاً، فاجتنبت ما اشتهيت من خزاماها وعرارها، واجتليت ما رأيت من خيريها وبهارها، ولثمت خدود وردها وسوسانها، ورشفت ثغور أقاحها وحواذنها، والتقطت ما لا تخلق الأيام بهجته، ولا تغير الأعوام جدته، من نور يقطف بالأسماع والأبصار، وزهرٍ يتناول بالخواطر والأفكار، وسرحت الطرف في ما يفوت الوصف، من غرائب إبداع، وعجائب اختراع، لم تفترعها الأسماع. وفي فصل (1) : أسهمني من واضح الفجر غرة الصباح، وقسم لي من طائر الذكر قادمة الجناح، وألبسني من التنويه، ما لا يعزى إلى تمويه، فأصبحت أجيل الجوزاء على يد قصور، والثناء على لسان قصير، ولئن كبت جيادي، عن مضمار مرادي، وعجز لساني، عما حواه جناني، فتمثلت بقول الزعفراني (2) : لي لسان كأنه لي معادي ليس ينبي عن كنه ما في فؤادي حكم الله لي عليه فل أن - صف قلبي عرفت قدر ودادي وقد علمت أن شمس الخواطر، إذا جرت في فلك الضمائر، اتصل النور المبين، وانفصل الشك من اليقين. وفي فصل:   (1) ورد بعضها في المسالك: 310. (2) هو أبو القاسم الزعفراني، وبيتاه في زهر الآداب: 324 والأول في المسالك: 310. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 591 فتقنا نوافج الآراب، عن مسك الآداب، ونشرنا طرائف المطارف، عن لطائف الزخارف، وتسالبنا من أثواب المذاكرة، وتجاذبنا أهداب المحاضرة، من سائح فكر، وغرائب فقر، ألذ من سمرٍ بلا سهر، إلى أن أفضينا إلى ذكر البيت المظلوم واجب حقوقه، المسلوك به غير طريقه، على أنه ورد من صفاء السلك، وصحة الديباجة وكثرة المائية في أجمل حلة، وأجل حلية، فكان كما قلت (1) : ومذهب الوشي على وجهه ديباجة ليست على الشعر كزهرة الدنيا وقد أقبلت ترود في رونقها النضر أو كالنسيم الغض غب الحيا يختال في أردية الفجر هذا وهو بمحاورة الطبع للسمع، ومباراة الخاطر للناظر، من غير إعمال الفكر ولا تدقيق النظر، لكن بديهتك إذا أهداها قلبك إلى قلمك، وأداها لسانك عن فهمك، وأبديت بادرة ما أهديت إلى من عهدم به، وهو محرر للنقد، مقدر على السرد، أعرض عنه صفحاً، وطوى دونه مكشحا، حتى طال بلا طائلٍ لديه، ولا طلاوة عليه: فقلت والقلب موقوف على حرقٍ يبعثن أنفاس صدر كاظم وحم أي القرائح يعفو لمع بارقها في عارضٍ من ظلام الليل مرتكم بحيث لا نحن من إقبال ذي أدبٍ نحظى بنجح ولا إفضال ذي كرم إذا كان من إليه تتحاكم الخصوم في كل العلوم، فتقف منه الألباب على فصل الخطاب، وفص الصواب، ووجه الجواب، يلحظ ما يجري لأبناء عصره، وأنشاء دهره، من سر البديع، الزاهي على زهر الربيع، والزاري بالوشي الصنيع، بطرفٍ أسقم من أجفان الغضبان، ويعيره وجهاً هو لفرط التقطيب، كوامقٍ فاجأه شخص الرقيب، أو غزل طالعه وفد المشيب، فأي لب يصفو مزاجه، وأي قلبٍ يضيء سراجُهُ!   (1) البيت الأول والثالث في المسالك: 310. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 592 وهذه ايضاً جملة من شعره حكى أبو علي بن رشيق في كتابه المترجم ب - " الأنموذج " قال: كان أبو إسحاق الحصري قد نشأ على الوراقة والنسخ لجودة خطه، وكان منزله لزيف جامع مدينة القيروان، فكان الجامع بينه وخزانته، وفيه اجتماع الناس إليه ومعه؛ ونظر في النحو والعروض، ولزمه شبان القيروان، وأخذ في تأليف الأخبار، وصنعة الأشعار، مما يقرب في قلوبهم، فرأس عندهم، وشرف لديهم، ووصلت تليفاته صقلية وغيرها، وانثالت الصلات عليه، وله شعر كثير، ومن شعره مما أنشده ابن رشيق (1) : إني أحبك حباً ليس يبلغه فهمي ولا ينتهي وصفي إلى صفته أقصى نهاية علمي فيه معرفتي بالعجز مني عن إدراك معرفته وأنشد له: ولقد تنسمت الرياح لعلني أرتاح أن يبعثن منك نسيما فأثرن من حرق الصبابة كامناً وذعن من سر الهوى مكتوما وكذا الرياح إذا مررن على لظى نارٍ خبت ضرمنها تضريما وله (2) : عليل طرفٍ سقيت خمرا من مقلتيه فمت سكرا ترقرقت وجنتاه ماءً مازج فيه العتيق درا / [171] يحرك الدل منه غصناً ويطلع الحسن فيه بدرا [قدر خط مسك بعارضيه خلقت للعاشقين عذرا]   (1) البيتان في ياقوت 2: 96 وابن خلكان 1: 54 - 55 والوافي 6: 61. (2) البيت الأول في المسالك: 311 وما بين معقفين زيادة عنه أيضاً؛ والأبيات جميعاص في الشريشي 5: 227. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 593 وقال مما لم ينشده ابن رشيق (1) : تلاحظني صروف الدهر شزراً كأن علي للأيام وترا وفي عيني دموع ليس ترقا وفي قلبي صدوع ليس تبرا أقلب في الدجى طرفاً كليلاً إذا جيب الظلام علي زرا ولو نشر الذي أطوى عليه على من تحتويه الأرض طرا أصم مسامع الدنيا عويلاً وهز جوانح الأيام ذعرا فيا من غاب عن عيني مشوقٍ يرى لنواه طعم العشق (2) مرا قرأت كتابك الأعلى محلاً لدي وموقعاً ويداً (3) وقدرا فأحياني وقد غودرت ميتاً وأنشرني وقد ضمنت قبرا نقشت بحالك (4) الأنقاس نوراً [جلا] لعيوننا نوراً وزهرا فدبج من بسيط الفكر روضاً أنيقاً مشرق الجنبات نضرا لو استسقى الغليل به لروى أو استشفى العليل به لأبرا هفا عطر الجنوب له نسيم أقول إذا أناسم منه نشرا نثرت لنا على الكافور مسكاً ولم تنشر على القرطاس حبرا فيا من تمسك الأوصاف عنه أعنة وصفنا نظماً ونثرا ومن يدعو القلوب إلى مناها بعينيه فلا تأتيه قسرا ومن يجري اللآلئ في أقاح يمازج ظلمه برداً وخمرا ويغرس في رياض الدل غصناً ويطلع في سماء الحسن بدرا كأن بخده ذهباً صقيلاً أذاب عليه ياقوتاً ودرا أفرط فيك إن أفرطت وصفا وأعجز عنك إن أعجزت شعرا   (1) منها أبيات في الشريشي 5: 238. (2) كذا في ص ولعل الصواب " العيش ". (3) الشريشي: شرقاً. (4) ص: بنورك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 594 ولي قلب عليك لما يلاقي يكافح من سعير الوجد (1) جمرا ولولا ما يؤمل من لفاءٍ (2) تقطع حسرةً وأذيب قهرا سأسحب فيك أذيال الأماني وألبس تحت ثوب السقم صبرا لعل الدهر يمتع منك طرفي ويعقب بعد عسر الحال يسرا وقال: إلفان ضمهما الهوى في خلوةٍ من بعد طول تغضب وتعتب فإذا الرقيب مطالع عن غفلة ومكدر للمشرب المستعذب فتفرقا عن ساكبٍ متحدر بعثته حرقة جاحمٍ متلهب وكأنما الوقت الذي سعدا به حلم سرى أو قطع برقٍ خلب ليت الذي خلق الرقيب أصابه بعمى يسد عليه نهج المذهب قوله في ما تقدم: " وكذا الرياح إذا مررن على لظى ".. البيت، كقول ابن الرومي: لا تغرين جوى بلومٍ إنه كالريح تغري النار بالإحراق وقال يحيى بن هذيل القرطبي (3) : روحني عاذلي فقلت له مه. لا تزدني على الذي أجد أما ترى النار وهي خامدة عند هبوب الرياح تتقد وحكى أبو صفوان العتكي بصقيلية قال (4) : كان أبو إسحاق الحصري يختلف إلى بعض مشيخة القيروان، وكان ذلك الشيخ كلفاً بالمعذرين [من] الغلماء، وهو القائل فيهم:   (1) ص: إليك، ولعلها " البين ". (2) ص: بقاء. (3) وردا في القسم الأول من الذخيرة: 621 منسوبين لابن اللمائي. (4) وردت القصة والأبيات في الشريشي 3: 117 وابن خلكان 1: 394 (نقلاً عن الذخيرة) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 595 ومعذرين كأن نبت خدودهم أقلام مسكٍ تستمد خلوقا قرنوا البنفسج بالشقيق ونظموا تحت الزبرجد لؤلؤاً وعقيقا فهم الذين إذا الخلي رآهم وجد الهوى بهم إليه طريقا وكان يختلف إليه غلام من أعيان أشراف القيروان، وكان به كلفاً، فبينا هو يوماً والحصري قد أخذ في الحديث إذ أقبل الغلام: في صورة كملت فخلت بأنها بدر السماء لستةٍ وثمان يعشي العيون ضياؤها فكأنها شمس الضحى تعشى بها العينان فقال له الشيخ: يا حصري، ماذا تقول في من هام بهذا القد، وصبا بهذا الخد - قال له الحصري: الهيمان به والله غاية الظرف، والصبوة إليه من تمام اللطف، لا سيما إذا شاب كافور (1) خده ذلك المسك الفتيت، وهجم على صبحه ذلك الليل البهيم، والله ما خلت سواده في بياضه إلا بياض الإيمان في سواد الكفر (2) وغيهب الظلماء في منير الفجر. فقال: صفه يا حصري، قال: من ملك رق القول حتى انقادت له صعابه، وذلل له جموحه حتى سطع له شهابه، أقعد مني بذلك، فقال: صفه، فإني معمل (3) فكري في ذلك، فأطرقا ساعة فقال الحصري (4) : أورد قلبي الردى لام عذارٍ بدا أسود كالكفر في أبيض مثل الهدى فقال له الشيخ: أتراك / [172] اطلعت على [ضميري أو خضت بين جوانحي وزفيري - قال: لا؛ ولم ذلك -] قال: لأني قلت:   (1) الشريشي: شام كافوره، ص: شيب. (2) صك الكفران. (3) ص: فإني نعمل؛ وهي بعامية الأندلس والمغرب. (4) ابن خلكان 1: 55، 394. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 596 حرك قلبي فطار صولج لام العذار أسود كالليل في أبيض مثل النهار فصل في ذكر الأديب الكامل أبي علي بن رشيق المسيلي (1) وسياقة طرف من غرائب أشعاره، وعجائب أخباره بلغني أنه ولد بالمسيلة وتأدب بها قليلاً ثم ارتحل إلى القيروان سنة ست وأربعمائة، وكان أبو علي ربوةً لا يبلغها الماء، وغاية لا ينالها الشد والإرخاء (2) ، محله من العلم، محل الصواب من الحكم، واقتداره على النثر والنظم، اقتدار الوتر على السهم، إن نظم طاف الأدب واستلم، أو نثر هلل العلم وكبر، أو نقد سعى الطبع الصقيل وحفد، أو كتب سجد القلم الضئيل واقترب، ولم يكن لأهل أفريقية قديماً في الأدب نبع ولا غرب، ولا من لسان العرب ورد ولا قرب، يدل على ذلك ما وصف به أبو علي البغدادي أهل القيروان، وقد أثبته في موضعه من صدر هذا الديوان (3) . ورأيت ديواناً مجموعاً في أشعار قدماء أهل أفريقية هو بالبكم أشبه، وفي لسان العجم أنوه وأنبه، هذا وأجنادها على قدم الدهر العرب العاربة، وقوادها الأغالبة والمهالية، فلما زال ملكها عن أيدي العرب، تدفقت بها بحور الأدب، وطلعت منها نجوم الكتب، ورمت أقاصي البلاد، بمثل ذرى الأطواد، وسمعنا بزهر الآداب، وأنموذج الشعر اللباب، وبفلان وفلان، من كل فارس ميدان، وبحر   (1) ترجمة ابن رشيق في الخريدة 2: 230 وأنباه الرواة 1: 298 ومعجم الأدباء 8: 110 وابن خلكان 2: 85 (وفيه نقل عن الذخيرة) ومسالك الأبصار 11: 227 وشذرات الذهب 3: 297 وبغية الوعاة: 220 وعنوان الأريب 1: 52 وللأستاذ حسن حسني عبد الوهاب كتاب بساط العقيق في تاريخ القيروان وشاعرها ابن رشيق، وللدكتور عبد الرحمن ياغي كتاب عنه؛ وقد جمع شعره الميمني في النتف ثم ياغي، ولا يزال كثير من شعره غير مضمن في هذين المجموعين وخاصة جانب غير قليل مما أورده ابن بسام. (2) المسالك: وغاية لا تنالها الوجناء. (3) راجع القسم الأول: 14 - 15. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 597 بلاغة وبيان، وقال أبو علي بن رشيق، وما أبو علي - شعاع القمر، وحديث السمر، ومعجزة الخُبر والخبر، فات الأواخر والأوائل، واسكت المناظر والمماثل. ولما طلع نجم (1) النحوس، بملك (2) المعز بن باديس، وخرج إلى المهدية بسماءٍ كاسفة الأقمار، وذماءٍ أقصر من ظمأ الحمار، كان أبو علي ممن انحشر في زمرته المحروبة، وتحيز إلى فئته المفلولة المنكوبة، فأقام معه بها أنفة الجلاء، وإشفاقاً من فرقة الأحبة والخلصاء، وغشي المهدية أسطول الروم فأصبح البحر ثنايا، تطلع المنايا، وآكاماً تحمل موتاً زؤاماً، فدخل يومئذ على تميم (3) حين وضح الفجر، وقد تم الذعر، وضاق ذات الصدر، فوجده في مصلاه والرقاع عليه ترد، والشمع بين يديه يتقد، فقام على رأسه ينشد قصيدته التي أولها: تثبت لا يخامرك اضطراب فقد خضعت لعزتك الرقاب فقال له: مه، أحال عهدك أم تغير، أم قد أدبر بك الزمان في ما أدبر - ويلك! متى عهدتني لا أتثبت - إذا لم تجئنا إلا بمثل هذا فمالك لا تسكت عنا - وأمر بالرقعة التي كانت فيها القصيدة فمزقت، ولم يقنعه ذلك حتى أدنوها إلى السراج (4) فأحرقت، فخرج ابن رشيق يومئذ من عنده على غير طريق، لا يعقل ما يطأ، ولا يدري إلى أين ينكفئ، وكان وجهه إلى صقيلية، وكان ابن شرفٍ قد سبقه إليها، ووفد قبله عليها، وكان وقع بينهما بالقيروان، [ما وقع] بين الخوارزمي وبديع الزمان، من مناقضاتٍ ومعارضات، شحذت الطباع، وملأت العيون والأسماع، وتجاوزت الإحسان والإبداع، فلما اجتمعا يومئذٍ بصقيلية تنمر بعضهما لبعض، وتشوف أعلام البلد لما كان بينهما من إبرامٍ ونقض، وقصد ابن رشيق   (1) المسالك: نجوم. (2) المسالك: بسماء. (3) المسالك: المعز؛ وهو أصوب. (4) المسالك: الشمع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 598 بعض إخوانه وقال له: أنتما علما الإحسان، وشيخا أهل القيروان، وقد أصبحتما بحال جلاء، وبين أعداء (1) ، والأشبه بكما ألا تفريا أديمكما، ولا تطعما الأعداء لحومكما، فقد كان يحميكما السلطان، ويمحو كثيراً من مساويكما الإخوان، فقال له: إيت ابن شرف فخذ عهده بذلك، فلست أنا أراجعك فيما هنالك، فأتاه وكان أمراً صدقٍ، فوجده أجنح للسلم، وأدنى إلى الحلم، برئ إليه من صببه وصعده، وأعطاه على الوفاء بذلك صفقتي لسانه ويده، فكان ابن رشيق بعد ذلك ربما أعرض وعرض (2) ، وتحلب إلى شيء من تلك الهنات أو تهلمظ، وأما ابن شرف فلم يحل ما عقد، ولا حال عما عهد. ولابن رشيق عدة تواليف في النظم والنثر، نفث بها في عقد السحر، ككتابه المترجم ب - " العمدة " و " كتاب الأنموذج " (3) ، إلى عدة رسائل رائقة (4) ، وبدائع فائقة، وأما الشعر فإنه أنسى / [173] أهله وملك منه شخته وجزله، وقد أثبت من خبره، وحميد أثره، ما يملأ الآذان بياناً، ويبهر العقول [حسناً] وإحساناً. جملة من أخباره مع ما يتخللها من أشعاره حدث أبو عبد الله بن الصفار الصقلي قال: كنت ساكناً بصقيلية وأشعار ابن رشيق ترد علي، فكنت أتمنى لقاءه، حتى استغلبت الروم علينا، فخرجت فاراً بمهجتي، تاركاً لكل ما ملكت، وقلت: اجتمع مع أبي علي، فرقة شمائله وطيب مشاهده سيذهب عني بعض ما أجد من الحزن على مفارقة الأهل والوطن، فجئت القيروان ولم أقدم شيئاً على الوصول إلى منزله، فاستأذنت ودخلت، فقام   (1) المسالك: الأعداء. (2) المسالك: اعترض وتعرض. (3) نشر العمدة عدة مرات دون تحقيق، أما الأنموذج فمنه قطعة صالحة في مسالك الأبصار، ونقول كثيرة في الوافي والفوات وبعض نقول في معجم البلدان ومعجم الأدباء. (4) من رسائله: فراضة الذهب، وقد نشرت بتحقيق جيد قام به الأستاذ الشاذلي بو يحيى، (تونس 1972) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 599 إليّ وهو ثاني اثنين، فأخذ بيدي، وجعل يسألني، فأخبرته عن أمري [- و] بعد أن تمكن أنسي بمجالسته قال لي يوماً: يا أبا عبد الله، إن ها هنا بالقيروان غلاماً قد برح بي حبه، واستولى علي كربه، منذ عشرة أعوام، وأنا إذ عض هواه على كبدي، وسطا شوقه على جلدي، ناهض إليه، وحسبك أنني ما اضطربت عنك منذ حين، إلا أني أحدث نفسي بحديثه العذب الموارد والمصادر، وأعللها بأخباره المحمودة الأوائل والأواخر، فإن أنت ساعدتني على الشخوص إليه قدمت عندي يداً لا يعدلها إلا رضاه، فقلت: سمعاً وطاعة؛ وصرت معه حتى جئنا صناعة الجوهريين، فإذا بغلاكٍ كأنه بدر تمام صافي الأديم، عطر النسيم، كأنما يضحك عن در، ويسفر عن بدر، قد ركب كافور عارضيه غبار عنبر، فحكى كتابة مسكٍ على بياض، يجرحه الوهم بخاطره، ويدميه الطرف بناظره؛ فلما رآنا الغلام علته خجلة سلبت وجه أبي علي ماءه، فأنشدته قول الصنوبري (1) : آية من علامة العشاق اصفرار الوجوه عند التلاقي وانقطاع يكون من غير عي وولوع بالصمت والإطراق فقال لي: يا أبا عبد الله، والله ما واجهته قط بوجهي إلا وغشي علي ولكني تثبت (2) بك، وأنست إلى عذوبة لفظك، مع أني لم أزود من وجهه المقمر، إلا متعة بقده المثمر، لتنكيسه رأسه عند طلوعي عليه، فقلت: ولم ينكس رأسه - والله ما رأيت أشبه بالبدر منه خداً، ولا بالغصن قداً، ولا بالدر ثغراً، ولا بالمسك من رياه نشراً، فقال لي: يا أبا عبد الله، ما أبصرك بمحاسن الغلمان، لا سيما من فضضت كف الجمال صفحته، وذهبت وجنته، وخافت على تفاح خده العيون، فوكلت بها الفتون، يا أبا عبد الله: ينكس رأسه لأني علقته وخده هلالي، وفرعه ظلامي،   (1) ديوان الصنوبري: 438. (2) ص: أتثبت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 600 ولحظه بابلي، وقده قضيبي، وردفه كثيبي، وخصره سابري، وصدره عاجي، فكان فمي يشرب كافوره بالشفق، فيخرج ذلك صدر الغسق، فوكل من بهيمه، رقيباً على فضي أديمه، فتوهم ذلك الطاهر الأخلاق، والطيب الاعتناق، أن ذلك يضعف أسباب محبته، ويخلق رسوم مودته، فقلت له: بحقي عليك يا أبا علي إلا ما قلت في هذا المعنى شيئاً، فأطرق قليلاً ثم قال (1) : وأسمر اللون عسجدي يكاد يستمطر الجهاما ضاق بحمل العذار ذرعاً كالمهر لا يعرف اللجاما ونكس الرأس إذ رآني كآبة واكتسى احتشاما وظن أن العذار مما يزيح عن قلبي الغراما وما درى أنه نبات أنبت في جسمي (2) السقاما وهل ترى عارضيه إلا حمائلاً قلدت حساما (3) ومعنى هذا البيت الأخير كقول الآخر: ومستحسن وصلي جعلت وصاله شعاري فما أنفك دأباً أواصله كأن بعينيه إذا ما أدارها حساماً صقيلاً والعذار حمائله قال أبو عبد الله الصقلي: فلم أزل أتكرر على أبي علي وألاطفه حتى أطلعني على سرائره مع ذلك الغلام، فوالله ما اطلعت له معه على ما يحاسب به من قبيح فعل ولا مذمومه، وكنت في خلال ذلك اختلف إلى ذلك الغلام الجوهري، فجلست يوماً إليه فجعلت أذكر له بعض ما ذكر لي أبو علي، فرأيته قد تغير لونه، وأطرق ساعةً، ثم أخذ سحاءة فكتب فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم، كتمان السر حلية القلب، فإن أزاله بقي عاطلاً " ثم طواها ودفعها إليّ وقال: قد أودعت   (1) ديوان ابن رشيق: 168 والشريشي 2: 335. (2) الشريشي: قلبي. (3) مر هذا البيت من قبل 3: 822 وروايته " وهل على عارضيه.. حمائل ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 601 السحاءة لفظاً موجزاً / [174] ومعنى محرزاً، فإذا وردت على أبي علي فأعلمه أن المحب إذا كتم رحم، وإذا نشر [فضح] فلا يعد بعد هذا إلى إفشاء سري، فإن نم بحبي انتهيت عن زيارته والإلمام به، وعوضته من لذته بفيض الدموع، وطول الخضوع، حتى لا يجزع كأساً إلا مشوباً، ولا يزر (1) ثوباً إلا خضلاً بعبرة مقلته، وأنا أقسم بحاجته إليّ، وإدمانه علي، ألا أخلي صدره من زفرة، ولا ضلوعه من جمرة، ولا جفونه من عبرة، فجئت أبا علي، فدفعت إليه السحاءة وقرأها، وأخبرته كلامه، فشهق شهقة توهمت أن ضلوعه تقضقضت، وقال لي: أبهذا القسم أقسم - قلت: نعم، قال لي: أتريد أن أنظم لك منثور ما جئتني به حتى تتوهم أنه كلامه - قلت: بحياتك إلا ما فعلت، فقال (2) : لم باح باسمي بعد ما كتم الهوى زمناً وكان صيانتي أولى به فلأ [منعن] جفونه طيب الكرب ولأمزجن دموعه بشرابه وحياتة حاجته إليّ وفقره لأواصلن عذابه بعذابه قال أبو عبد الله: ثم استنشدته من شعره فيه فأنشدني عدة مقطوعات، منها قوله (3) : وفاتر الألحاظ في دجنةٍ كأنها في الحسن ورد الرياض قلت له يا ظبي خذ مهجتي داو بها تلك الجفون المراض فجاوبت من خده خجلة كيف ترى الحمرة فوق البياض وقوله (4) : إن كنت تنكر ما منك ابتليت به وأن برء سقامي عز مطلبه   (1) ص: يرز. (2) الديوان: 40. (3) الديوان: 96 والشريشي 5: 230. (4) الديوان: 33 والشريشي 5: 67. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 602 أشر بعودٍ من الكبريت نحو فمي وانظر إلى زفراتي كيف تلهبه وقوله: تمنيت تقبيلاً عليه فجاد لي فقبلته ثنتين في الخد والخد فقلت له جد لي بثغرك إنني [أقول] بتفضيل الأقاح على الورد ومن جيد قوله (1) : سقى الله ارض القيروان وصبرةٍ ففيها ثوى شخص علي عزيز ترى أنني في القرب ممن أحبه على بعد ما بين الديار أفوز وإن كان إدراك المحبين بغيةً على مذهب الأيام ليس تجوز وقال فيه: مدمج الخصر والحشا يتثنى إذا مشى هو بدر بوجهه وبأجفانه رشا ما عليه إذا الضنا شاع في الصب أو فشا جار قاضي صبابتي وهو لا يقبل الرشا وقال فيه (2) : ومهفهف يحميه عن نظر الورى غيران سكنى الملك تحت قبابه أومى إليّ أن ائتني فأتيته والفجر يرمق من خلال نقابه فلثمت خداً منه ضرم لوعتي وجعلت أطفي حرها برضابه وضمته للصدر حتى استوهبت مني ثيابي بعض طيب ثيابه فكأن (3) قلبي من وراء ضلوعه طرباً يخبر قلبه عما به   (1) الديوان: 90. (2) الديوان: 27 والشريشي 4: 30. (3) ص: فطار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 603 وينظر في هذا المعني قول ابن المعتز (1) : يا رب إخوانٍ صحبتهم لا يدفعون لسلوةٍ قلبا لو تستطيع قلوبهم نفذت أجسامهم فتعانقت حبا وقال ابن الرومي (2) : أعانقه والنفس بعد مشوقة إليه وهل بعد العناق تداني وألثم فاه كي تموت حرارتي فيشتد ما ألقى من الهيمان كأن الذي بي ليس يشفي غليله سوى أن يرى الروحان يمتزجان قال أبو عبد الله: وناولته يوماً تفاحةً فقال (3) : وتفاحة من كف ظبيٍ أخذتها جناها من الغصن الذي مثل قده لها لمس ردفيه وطيب نسيمه وطعم ثناياه وحمرة خده قال أبو عبد الله، وأخبرني أبو علي قال: وعدني يوم عيدٍ بالكون عندي، فصليت وارتقبت مجيئه، فإذا بالسماء قد أرعدت وأبرقت فكتبت إليه والغيث منهمل (4) : تجهم العيد وانهلت مدامعه وكنت أعهد منه البشر والضحكا كأنما جاء يطوي الأرض من بعدٍ شوقاً إليك فلما لم يجدك بكى قال أبو عبد الله، قال أبو علي (5) : كنت [أوصي] غلاماً وضيئاً كان يختلف إليّ وأحذره من كثرة التخليط، فخرج يوماً في جماعة من أصحابه فأوقع به، فأخبرت بذلك فقلت:   (1) الشريشي 4: 29 وديوانه 1: 396 (بغداد) . (2) الشريشي 4: 29. (3) الديوان: 64 والشريشي 5: 254. (4) الديوان: 140 وابن خلكان 2: 86. (5) نقلها الشريشي 1: 416، وانظر الديوان: 146. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 604 يا سوء ما جاءت به الحال إن كان ما قالوا كما قالوا ما أحذق الناس بصوغ الخنا صيغ من الخاتم خلخال / [175] وهذا المعنى: القول فيه طويل، وقول ابن المعتز يناسبه في المعنى لا في اللفظ، وهو قوله (1) : مضى مالك والمال تسعون درهماً فآب ورأس المال ثلث الدراهم وقال أبو محمد بن صارة الشنتريني: من كل نيك حتى صار من سعةٍ كما تحل يد من عقدٍ تسعينا قال أبو علي: وكنت أميل إلى قينة من قيان القيروان اسمها ليلى، فعلقها بعض خدام (2) الحصون، وكان يحسب خدمتها وكنسها منزلةً لا تثلم جاه متوليها، فنهيته عنها فلم ينته، فقلت فيه (3) : ظن أن الحصون ملك سليما - ن وليلى بجهله بلقيسا وله في العصا مآرب أخرى حاش لله أن تكون لموسى وهذا كقول إدريس من جملة أبيات: فقال ومن هذا الذي جاء طارقاً فقلت أنا موسى وهذي هي العصا ما أخرجته من سائر مقطوعاته في أوصاف شتى قال (4) :   (1) الشريشي 1: 416. (2) الشريشي: خالد. (3) الديوان: 91. (4) الديوان 71 والشريشي 3: 320 وابن خلكان 2: 88. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 605 يا رب لا أقوى على دفع الأذى وبك استغثت (1) على الضعيف الموذي ما لي بعثت علي ألف بعوضةٍ وبعثت واحدةً على النمرود وله في بعض قضاة القيروان: أقولها لو بلغت، ما عسى والطبل لا يضرب تحت الكسا قاضيك إن لك تخصه عاجلاً فامنعه أن يحكم بين النسا وقال: يا سالكاً بين الأسنة والظبا إني أشم عليك رائحة الدم يا ليت شعري من رقاك بعوذة حتى وطئت بها فراش الأرقم أزحمت آساد الشرى في غيلها وأمنت جهلاً من وثوب الضيغم وأنشدت له: قبلت فاها على خوف مخالسةً كقابس النار لم يشعر من الخجل ماذا على رصدي بالنار لو غفلوا عني فقبلتها عشراً على مهل غضي جفونك عني وانظري أمماً فإنما افتضح العشاق في المقل وقال (2) : يا من يتيه بعارض - يه يريد بالعشاق شراً ما كنت تصلح في الجدي - د فكيف تصلح بالمطرى وهذا كقول أبي بكر الخالدي (3) : ما كان ينفعه لدي شبابه فعلام يجهد نفسه بخضابه   (1) ابن خلكان: استعنت. (2) المسالك: 232. (3) لم يرد في ديوانه، وقد مر منسوباً له 4: 256. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 606 وقال ابن رشيق: حجت إلى وجهك أبصارنا طائعة يا كعبة الحسن تمسح خالاً منك في وجنةٍ كالحجر الأسود في الركن ولكشاجم في مثله (1) : فلم يزل خده ركناً أطوف به والخال في خده يغني عن الحجر وأنشدت له (2) : إن زرته يوماً على خلوةٍ أو زارني في موضع خال كنت له رفعاً على الابتدا وكان لي نصباً على الحال وهذا كقول ابن الميكالي (3) : أفدي الغزال الذي في النحو كلمني مجادلاً (4) فاجتنيت الشهد من شفته وأورد الحجج المقبول شاهدها مناظرا (5) ليريني فضل معرفته ثم اتفقنا على رأي رضيت به والرفع من صفتي والخفض (6) من صفته وقال ابن رشيق، وهو من أملح ما له (7) : أومى بتسليمة اختلاس والناس في حومة الوداع أحلى وإن لم تكن سماعاً من نغم الزمر والسماع وافتر عن مبسمٍ شنيبٍ تختمه دارة الرباع   (1) زهر الآداب: 379 والحديث فيه عن المؤنث لقوله قبله: فديت زائرة في العيد واصلة ... والهجر في غفلة من ذلك الخبر (2) نسبت الأبيات في زهر الآداب: 720 لأبي الفتح البستي. (3)   . (4) زهر الآداب: مناظراً. (5) زهر الآداب: محققاً. (6) زهر الآداب: والنصب. (7) ديوان ابن رشيق: 109 والمسالك: 232. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 607 وقد نوت مقلتاه نوماً وددت لو كان في ذراعي فكان لي موقف افتراقٍ وللهوى موقف اجتماع وقال (1) : همت عذاراه بتقبيله فاستل من عينيه سيفين وذلك المحمر من خده دماء ما بين الفريقين وقال (2) : غنني يا أعز ذا الخلق عندي " حي تجداً ومن بأكناف نجد " واسقني ما يصير ذو البخل منها حاتماً والجبان عمرو بن معدي في أوان الشباب عاجلني الشي - ب فهذا من أول الدن دردي وقال (3) : اشترى خنجراً لقت - لي وما ذاك يجمل فسلوه فإن عن مثل ذا الشان يسأل كيف يمشي بنجرٍ من بعينيه يقتل وقال (4) : شكوت بالحب إلى ظالمي فقال [لي] مستهزئاً ما هو قلت غرام ثابت قال لي اقرأ عليه " قل هو الله " وقال (5) : / [176] معتدل القامة والقد مورد الوجنة والخد   (1) ديوانه: 214 والمسالك: 232 والشريشي 4: 290. (2) ديوانه: 62 والشريشي 3: 202. (3) المسالك (الأول والثالث) : 232. (4) ديوانه: 222 والشريشي 1: 153. (5) ديوانه: 61 والشريشي 1: 153 والأول والثاني في المسالك. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 608 لو وضع الورد على خده ما عرف الورد من الورد قل للذي يعجب من حسنه اقرأ عليه سورة الحمد وقال: ولقد قطعت الليل في دعةٍ من غير تأثيم ولا ذنب بأعز من بصري على بصري وأحب من قلبي إلى قلبي وقال: تلفت فما أفرق ب - ين قيراط ودينار ذهاب الزيت في القندي - ل بين الماء والنار وقال (1) : ومن حسنات الدهر عندي ليلة من العمر لم تترك لأيامنا ذنبا خلونا بها ننفي القذى من عيوننا بلؤلؤةٍ مملوءةٍ ذهباً سكبا وملنا لتقبيل الخدود ولثمها كمثل جياع الطير تلتقط الحبا وقال (2) : يا من يمر ولا تمر به القلوب من الحرق بغمامة من خده أو خده منها سرق وكأنه وكأنها قمر أحاط به شفق فإذا بدا وإذا مشى وإذا رنا وإذا نطق شغل الجوانح والجوا - رح والخواطر والحدق وقال من قصيدة (3) : حسبي وحسبك من لومٍ وتثريب بان الذي كان يغريني ويغري بي   (1) ديوانه: 32 والشريشي 2: 151 وابن خلكان 2: 87د. (2) ديوانه: 128 والشريشي 3: 237. (3) منها خمسة أبيات في ديوانه: 34. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 609 أما الشباب فقد ودعت لذته إلا أباطيل أحلام وتشبيب عرفت حال الليالي في تصرفها وشافهتني أفواه التجاريب وذلل الدهر صعبي فاستكنت له وطال ما كنت من تلك المصاعيب قرعت سني على ما فاتني ندماً من الشباب ومن باللهو للشيب فقد رددت كؤوس اللهو مترعة على السقاة وكانت جل مشروبي وربما أذكرتني صبوة سلفت ورق الحمام إذا غنت بتطريب أنزه السمع والعينين في نغم ومنظرٍ غاية بالحسن والطيب من كل لافظةٍ بالدر باسمةٍ عنه محلاةٍ نوعس منه مثقوب أيام تصحبني الغزلان آنسة هذا على أنني أعدى من الذيب وقال (1) : اختر لنفسك من تعا - دي كاختيارك من تصادق إن العدو أخو الصدي - ق وإن تخالفت الطرائق وأخبرني بعض وزراء إشبيلية قال: جهز عباد بعض التجار إلى صقيلية وكان ابن رشيق كثيراً ما يسمع بذكر عباد فيرتاح إلى جنابه، ارتياح الكبير إلى شبابه، فلما سمع بمقدم ذلك التاجر لزم داره، وجعل يتردد إليه ويغشاه، ويقترح عليه لقاء عباد ويتمناه، والتاجر يعده ويمنيه، ويقرب له ذلك ويدنيه، حتى إذا أسمحت الرياح، وأمكن في ميدان البحر المراح، ذهب التاجر لطيته، وخلى بين ابن رشيق وأمنيته، وأخبر التاجر عباداً بذلك، كأنه يتبجح له بما هنالك، فبالغ عباد في نكاله، وأمر باستصفاء أكثر ماله؛ ثم رام ابن رشيق بعد ذلك ركوب البحر فخشن له مسه، ولم تساعده على ركوبه نفسه، فقال (2) :   (1) ديوانه: 130 والشريشي 2: 216. (2) ديوانه: 226 والمسالك: 233. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 610 البحر صعب المذاق مر لا جعلت حاجتي إليه أليس ماءً ونحن طين فما عسى صبرنا عليه ولأبي [علي] قصيدته المشهورة التي أولها: من قضب نعمان أم من كتب يبرين الله في دم عشاق مساكين يقول فيها: عيناك أمكنت الشيطان من خلدي إن العيون لأعوان الشياطين كم ليلة بت مطوياً على حرقٍ أشكو إلى النجم حتى كاد يشكوني وكلما انصدعت من لوعةٍ كبدي ناديت يا رب باديس بن ميمون يا ما اميلحه ظبياً فتنت به -. (1) ووجنتين هما تفاحتا قبلي فاترك سواي وتفاح البساتين كأن لمس بناني حين يلمسه يستخرج الورد من طاقات نسرين فتور عينيك ينهاني ويأمرني وورد خديك يغري بي ويغريني أما لئن بعت ديني واشتريت به دنيا لقد بعت فيك الدين بالدون سبحان من خلق الأشياء قاطبة تراه صور ذاك الجسم من طين ومنها: يا أهل صبرة والأحباب عندكم إن كان عندكم صبر فواسوني إني أدين بدين الحب ويحكم والله قد قال لا إكراه في الدين مولاي [لا] تشمت الأعداء بي وإذا نسيت قولي فاذكر قول هارون حاسب هواك بما أنفقت من عمري والله لو كان عمري كنز قارون لو كنت أملك نفسي يا معذبها قربتها لك في بعض القرابين وكتب إلى المعز بن باديس وقد ولدت له ابنة / [177] معز الهدى لا زال عزك دائباً وزينت الدنيا لنا بحياتكا   (1) اضطراب الشطر، وصورته: فم يسقي بمثل نبات الزراجين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 611 أتتني أنثى يعلم الله أنني سررت بها إذ أمها من هباتكا وقد كنت أرجو أنها ذو بلاغةٍ يقوم مقامي في بدعي صفاتكا وما نحن إلا نبت جودك كلنا وكل نبات الأرض من بركاتكا وقال (1) : سلمني حب سليمانكم إلى هوى أيسره القتل لما بدا جند ملاحاته قال الورى ما قالت النمل قوموا ادخلوا مسكنكم قبل أن تحطمكم أجفانه النجل وهو القائل في غلام عذر يعرف بابن الكناف: لام العذار بخده تحنكي أصابع جده قد خطها في حائط خوف الخطا من عده ذكر الخبر عن خراب القيروان والإلمام بشيء من أخبار آل زيري الغالبيت عليها - كانوا - وقتهم مع ما يذكر بها، ويتعلق بسببها قال ابن بسام: قد قدمت [أني] أمليت هذا الكتاب بخاطرٍ قد خمدت جمرته، وتبلدت قريحته، وعلى حال] من تصرف الزمان، وإلحاح الحدثان، يتسبب تسبب الهجران، ويتلون تلون الذعر في عين الجبان. وللموت خير من حياةٍ كأنها معرس يعسوب برأس سنان (2) مع أني لم آخذ هذا الخبر عن سند، ولا استعنت فيه بكتاب لأحد، إنما اختلسته من ذكرة أجريها، أو أحدوثةٍ إنما لذتي بين أن اكتبها وأمليها، والحديث   (1) ديوانه: 142 وابن خلكان 2: 88 (اعتماداً على الذخيرة) . (2) البيت الصخر أخي الخنساء، انظر الأغاني 15: 63 وابن خلكان 2: 84. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 612 طويل، والمحصل قليل، وإنما ألمع هاهنا بشيء من أخبار مملكة آل زيري الصنهاجيين: كيف هبت رياحها، وأشرق صباحها، ثم نشرح بعض الأسباب التي خصت آثارها، وأحصت ليلها ونهارها: لما تغلب آل عبيد الله الناجمين بأفريقية على مصر، فخلص له صميمها، وأهاب له ملكها ونعيمها، وأراد معد بن إسماعيل بن عبيد الله، المتلقب من الألقاب السلطانية بالمعز لدين الله، اقتعاد صهوتها، وإثبات قدمه على ذروتها، دعا زيري بن مناد، وهو يومئذ من صنهاجة بمكان السنام من الغارب، وبمنزلة الوجدان من نفس الطالب، وكان له عشرةً من الولد: آساد شرى، وأقمار سرى، فقال له: ادع لي بنيك، فقد علمت رأيي فيهم وفيك، وكان أصغرهم سناً، وأهونهم عليه شأناً، بلقين بن زيري، فدعا ولده ما عداه، والقدر لا يريد سواه، وكانت من المعز - زعموا - إثارة من علم الحدثان قد عرف بها مصاير أحواله، وأهل الغناء من أعيان رجاله، وكانت عنده لخليفته على أفريقية إذا صار إليه ملك مصر علامة يأنس بها أنس الكبير بذكر شبابه، ويعرفها عرفان العاشق لديار أحبابه، فنظر في وجوه بني زيري فأنكرها، حين تفقد تلك العلامة فلم يرها، فقال لزيري: هل غادرت من بنيك أحداً، فلست أرى لمن هاهنا منهم أيداً ولا يدا، فقال له: إلا غلام، فقال المعز: لا أراك حتى أراه، فلست أريد سواه، فلما رآه عرفه، وفوض إليه من حينه واستخلفه، فاستولى من وقته على الأمور، وزاحمت مهابته الأهواء في الصدور، وبعدت أسفاره واشتهرت أيامه، واشتمل على صرف الأيام والليالي نقضه وإبرامه، بلغ بغزواته سبتةً - في خبر طويل ليس من شطر ما ألفت، ولا في معنى ما صنفت - ثم أجاب صوت مناديه، وخلعها على أعطاف بنيه، حتى انتهت منهم إلى المعز بن باديس، منزف العشيرة، وآخر ملوكها المشهورة، فأول ما افتتح به شانه، وثبت به - زعم - سلطانه، قتل الرافضة ومراسلة أمير المؤمنين ببغداد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 613 فبعث إليه بعهده، وجاءت الخلعة واللقب من عنده، رأياً اغتر بباديه، وذهل عن عواقبه وبواديه، واتصلت بالعبيدي وأمره يومئذٍ يدور على الجرجرائي، فاضطغنها عليه، وفوق سهام مكروهه إليه؛ وكانت بطون من عامر بن صعصعة: زغبة وعدي والأثبج ورياح وغيرهم من ألفاف عامر، تنزل الصعيد، لا يسمح لها بالرحيل، ولا يخلى بينها وبين إجازة النيل، فأراهم الجرجرائي لحينه ضجة السوق، وأفرج عن لقم الطريق، وأذن لهم في المعز، أمنية طالما تحلبت / [178] إليها أطماعهم، وعكفت عليها أبصارهم وأسماعهم، فغشاه منهم سيل العرم، ورماه بذؤلول ابنة الرقم، وتهاون المعز بهم أولاً فشغلهم بخدمته، وحملهم أعباء نعمته، وهم في خلال ذلك يتمرسون بجهاته، ويدبون إلى أنصاره وحماته، ويطلون على مقاتله وعوراته، حتىت بان لهم شانه، وهان عليهم سلطانه، فجاهروه بالعداوة، وأرادوه على الإتاوة، وجرت بينهم أثناء ذلك حروب، لم يحمدها غالب ولا مغلوب، ولا أمنها بريء ولا مريب، أضربت عن خبرها لطوله، ولأنه لم يبلغني عن من أثق بتحصيله، كان من أفراها لأديمه، وألصقها بصميمه، وقعة حيدران سنة أربع وأربعين، فإنها أوهنت بطشه، وثلت عرشه، وأرته البوار، وضربت عليه الحصار، وأحاط الأعراب بالقيروان يطؤون حريمها، ويستعرضون راحلها ومقيمها، حتى ماج بعضها في بعض، وتبرأت منها كل سماءٍ وأرض، فلما كان سنة خمسين أعطي الدني، وناشدهم التقية، واشترك المهدية، وقد كان نظر في ماله، وفكر في ما بازائه من أقتاله، فزف إلى زعمائهم بناته وكن اللآلي وأماني الغالي، فأصبحوا له أصهاراً، وقاموا دونه أنصاراً، فلما استحكم بأسه، وأهمته نفسه، استجاش من قبله، واحتمل حرمه وثقله، وخلى الملك لمن حماه وحمله، وجاء أصهاره فكانوا بحيث يسمعون نئيمة، ويمنعونه ممن عسى أن يكيده ويضيمه، حتى بلغ المهدية فأقام بها أسقط من الشمس في الميزان، وأهون من الغفر على القبان، ولم يكن أحد في زمانه بأساً في الملاحم، ولا أطول يداص بالمكارم، ولا أعنى بلسان العرب، ولا الجزء: 8 ¦ الصفحة: 614 أحنى على أهل الأدب، منه. ومن مشهور كرمه أنه أعطى المنتصر بن خزرون في دفعةٍ مائة ألف دينار إلى ما وصله به من مركبٍ ثقيل، وزي نبيل، ثم لم يمكث بالمهدية إلا نحو عامين، وانقضت أيامه، وغافصه حمامه، تعالى من لا ينتقل حاله، ولا يتوقع زواله. فصل في ذكر الشيخ أبي الفتيان العسقلاني (1) وإثبات قطعة من شعره ونثره أخبرني بخبر هذا الرجل الفقيه الحافظ أبو بكر محمد بن الوزير الفقيه أبي محمد إن العربي، وأنه فارقه حياً يرزق وهو السنة [-.] وأنا أقول: إن أبا الفتيان هذا من فرسان هذا الشان، وممن أعطي بسطةً في علمه وبيانه، وخلي بين السحر ولسانه، والذي أثبت من كلامه يضرح قذى العيون، ويجلو وضح الصبح المبين. فصل له من رقعة: مخايل السؤدد - أطال الله بقاء الشيخ - تعثر على عقبه أخامص الكرام، وترقم بمناقبه برود الأيام، فأدام الله تمكينه حتى يصبح سلك المجرة واهي النظام، وتغبر في البسيطة جبهة (2) بهرام، [ولا زال] يعقل بساحته الأمل الجامح، وتستوقف المراشد والمصالح، إذ كان مفترق المجد قد أصبح في علائه مجموعاً، وشامس الفضل سامعاً مطيعاً، وقد قرن وليه هذه الأسطر برقعة سأل عرضها على الحضرة السامية - رفع الله منارها، وعمر بوفود السعادة ديارها - وأن يتبعها من سديد مقاصده ما يهدي من أمها سبيل النجاح، ويقضي لها بالمغنم وفوز القداح، لا زال أفقه بنجوم   (1) لعله مفضل بن حسن بن خضر العسقلاني الذي ذكره في الخريدة (الورقة: 201 من مخطوطة باريس رقم: 3328) وقال إنه قدم مصر في أيام الأفضل وأورد له مقطوعة من أربعة أبيات. (2) ص: جهات. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 615 السعادة منيراً وسرب الحوادث عن ساحته مطروداً مدحوراً. ومن أخرى: أطال الله بقاء الحضرة السامية تجبر من كسر الزمان مهيضاً، وتلزم (1) مسنوناً للمكارم [و] مفروضاً، حتى يصبح عقد الكواكب رفيضاً، وكف المقادر مكفوفاً مقبوضاً. وتطلع (2) للعافين في فحمة الدجى بوارق [جودٍ] تستطير وميضا وتودع جأش الدهر عزمي مشمرٍ يفل صحيحاً أو [يبل] مريضا بسطاً تسعر الآفاق ناراً ورأفة ترد (3) هشيم المكرمات أريضا ومقدورة لو زاحم الأفق جيشها لغودر مسدود اللهاة حريضا شملت الورى يا ابن المحسن مسدياً صنائع يبعثن الكسير نهوضا وأعلمت (4) إغفال الزمان بأنعمٍ أعدن دجنات الحوادث بيضا فأوريت زنداً للمفاخر مصلداً ورفعت طرفاً للسماح غضيضا قمت لنا سوق القريض وقد عفت معانيه صوناً أن يعود قريضا فلولاك لم يلف الهداية ناظم ولم يتوخ المادحون عروضا / [179] قضيت العلا لما أضيعت حقوقها نوافل يلوى دينها وفروضا منيع المراقي يستجار بعزه إذا أزم الناب الضروس عضيضا وتذعر أسراب الخطوب أو أنساً كما ذعر الليث الهزير ربيضا تقاضى سؤال المستميحين مثل تقضي ديوناً ملحقاً وقروضا وتدأب في حفظ الرعية ساهراً إذا قيد النوم الجفون غموضا   (1) ص: وبلزوم. (2) ص: يتلج. (3) ص: يريد. (4) ص: وعملت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 616 فمثلك في حكم الرياسة معوز وكم من نقيض لو طلبت نقيضا إذا ما سعى الأملاك خلفك للعلا غدوت سماء والأنام حضيضا وله من أخرى: شهر الصيام زائر يستقبل وفد المغفرة باستقباله، وتنحل ذنوب الأمة بنحول هلاله، وآيب تقدم غرائب الحظ بقدومه، ويعنق جزيل الأجر بين عنقه ورسيمه، جعله الله مطهراً من دنس الآثام، وغرة سائلةً في جبهات الأيام، [جالياً] لغسق المعاصي بوضاءة أيامه، ومكفراً لما اقترف من الجرائم في عامه، فطوبى لمن أقض في هذه المدة مضجعه، واستعمل منطقه بما يرضي الخالق ومستمعه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (فاطر: 10) والله جلت أسماؤه يجعل الحضرة السامية سابقة في هذا المضمار، آمنة من عوارض الكبوة والعثار: بقيت لعقد المعالي نظاما وللأكرمين جميعاً إماما ويخجل جودك وجه السماء برقاً خفوفاً وغيثاً سجاما مقيماً بحيث يضيع التلاد وتحفظ للمكرمات الذماما وتودع آلاؤك السابغات جيد الرياسة طوقاً تؤاما أيا ابن المكارم لا يعرفون عن درة المجد يوماً فطاما ومنها: وهيجاء مثل أوار الحريق تصطلم الدراعين اصطلاما تلثم خد الضحى عثيراً وتسفر فيها المنايا اللثاما فجردت عزمك في النائبات حصناً منيعاً وجيشاً لهاما مساعٍ تشق جبين الضياء إذا اعتكر الدهر طراً ظلاما ويهدي إليك أريج الثناء كما خطرت في الرياض النعامى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 617 فعش ممسكاً بعرى للبقاء لا يحدث الدهر: فيها انفصاما ولا برح من جعل الأرض قرارا، وأخرج من الشجر الأخضر نارا، يطلع في سمائها السعود [غير] الآفلة، ويقر ببابها النعماء [غير] الناقلة، ويجعل لكل [ليلٍ] يمد جناحه، ونهارٍ تفلق إصباحه، متكفلاً لها بجد يلقي إليه زمام القدر تفويضاً، ويمنح الصخرة الصماء ترويضاً. في ذكر القاضي أبي محمد بن نعمة بن خليل (1) وإثبات جملةٍ من نثره ونظمه وبالسند المتقدم وصل إليّ خبره؛ وهو أحد من يتصرف فيجيد، ويبدئ بيد الإحسان ويعيد، جزل المقاطع، سهل المنازع، وقد أثبت من كلامه ما تراه، وتستدل على غرضه ومنحاه. فصول من نثره مع ما ينخرط في سلطها من شعره أطال الله بقاء الحضرة العالية لغرائب مجدٍ تبتدعها، وفرائض جودٍ تشرعها، وحوادث أيامٍ صعابها، ومستأنف سعودٍ يطرف جنابها، وأدام أيامها التي هي للدهر تمائم، وفي المجد غمائم: غرر من الأيام يوضح فجرها والدهر من ظلم النوائب قاتم كم صرمت عني حوادث لم تكن منجابةً لولا الأجل الصارم   (1) أغلب الظن أنه القاضي أمير الدولة أبو محمد عبد الله بن أحمد بن خليل العسقلاني (وحدث تصحيف في لفظة " أحمد " فتحولت إلى نعمة " أو العكس) ؛ ذكره العماد في الخريدة (الورقة: 19) من نسخة باريس رقم: 3328 وقال إنه " من الكتاب الشعراء والبلغاء الرؤساء، إلا أنه مقل مع الإجادة والإحسان، إنما يصنع ما يصنعه تأدباً لا تكسباً، وكان في عهد المستنصر "؛ وأورد له شعراً في صارم الدولة ابن معروف صاحب عسقلان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 618 ملك تملكه الندى وتجمعت في راحتيه غمائم وسمائم فالروض يجدب وهو روض ممرع والغيث يقلع وهو غيث دائم وشتان ما بينهما: تلك سحائب قد يخلف بارقها، وتحذر صواعقها، وروض يجف نباته، وتتصوح زهراته، ومكارم الحضرة العالية تزيد جدة على التكرار، وتماثل الفلك الدوار، وهي تباري الشمس [نهاراً] ، وتزور مزار الطيف سرارا: منن بعثن أهلة مستورة فطلعن في فلك العلا أقمارا ومواهب ومناقب ومناهب رفعت له فوق السماء منارا ولما كانت الأوقات الشريفة موسومة بثناءٍ يسمع، ومرسومة بدعاء يرفع، وأهلت هذه الأشهر المكرمة، وجب على من حضر، بل كافة من يضمه الثغر، إخلاص الدعاء للحضرة العالية، بأن يمد الله عليها ظلاله المسدلة، ويديم لهم ما شملهم من تمام / [180] المعدلة، وأن يسعد أنحاءها في طاعة إمامها، ويصرف أعداءها في حكم حسامها، ويثبت لها من رأي سلطانه ما تستوفي به أقسام الفخر جميعا، ويزيد لها أحداث الدهر خضوعا: فلقد خدمت بهمةٍ لا ترتضي إلا سميك صاحباً وضجيعا والجيش [أيقن] حين عاد بأنه ألفى بربعك معقلا وربيعا وردوا نميراً من يمينك ريقاً وثرى محل في ذراك منبعا وسهرت دون هجوعهم بعزائم تقضي وطرفٍ لا يذوق هجوعا هذا وكم من مارقٍ مزفته بيدٍ تفيض مكارماً ونجيعا والحمد لله الذي جمع للحضرة العالية شرائط السؤدد، وخصها بالمجد الجزء: 8 ¦ الصفحة: 619 الموطد، والنسب إلى أعلى خندف عماداً، وأوراها في موقف الفخر زنادا، أرومة الرسالة وجرثومة الخلافة، إليها انتزع هاشم، وعنها أخذت المكارم، فبعبد مناف بن النضر بن كنانة ذؤابة الفخر: هنالك أبناء الوغى وحماتها وثم العطاء الغمر والعدد الدثر لهم أوجه زهر وأندية خضر وألوية حمر وخطية سمر فأما الفضائل المكتسبة فإن مولاي الأجل ناظم أشتاتها، ومؤلف متنافراتها، فهو تارةً تحت عذب الأعلام، وأخرى بين طروس وأقلام، يستصغر عظيمات التدبير ثقة بحزمه، ولا يغفل صغيرات الأمور تمضي إلا عن علمه، فأما الحلم والأناة واستلذاذ العفو مع القدرة والمحافظة على سر الخدمة فإن الله تعالى وهب له من ذلك ما سلمه إليه معانده، وعرف فضيلته فيه حاسده: مناقب نظمت منها محامده وشيمة عرفت فيها عوائده وللندى غير منزور مؤمله وللردى [غير] معصومٍ معانده يفديه وافد ليلٍ آب زائره بنجحه وبخيل خاب قاصده فأما المواقف المشهودة، والآثار المؤرخة المعدودة، فإنه فيها ملقى النصر، دائم الظفر، ميمون التدبير، مسعود الرأي، مبق عند الانتقام، معتذر مع سعة الأنعام، رحب الحمايل، بسام المخايل: يقصر الناظم عن آلائه فيستعين بحلى الوسائل لم يستعر فيها له فضيلةً حاشا العلا ولا مقال الباطل وإنما يكتبها عن مجده فيستهل نسخة الفضائل لم نرض أن أنالنا فصاحة موهبة إلا ببذل النائل ولا زالت الحضرة السامية تجدد من رسم الأدب داثره، وتلبس من الثناء نفائسه وجواهره. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 620 وله من رقعة تهنئة: لقد عجبت أيامنا [حين أبصرت] بها أروعاً زينت بحسن علائه إذا سهكت أعطافهن تضمخت بمسكين من أفعاله وثنائه هذا الشهر - أدام الله تمكين الحضرة العالية - مضاهٍ لها في شرف النسب، والطهارة من الريب، والله يكرر عليها مجازه ما ارتقبت فيه ليلة القدر، وانتشر في السماء شعاع البدر، في عز تسكن به الخطوب العرمة، وتنتفض معه الأحداث المبرمة. وفي فصل منها: أرواه الله من تسنيم، وجعله من ورثة جنة النعيم، يرتع في رياض الفردوس النضر في مقعد صدق عند مليك مقتدر) (القمر: 55) بعد أن يفني مدة الزمان عمرا، ويوسع بنيه نوالاً غمرا، ويحوز من المحامد ما تتطرز به أردان الأيام، وتتقوض فيه هضبات شمام. ومن أخرى في مثله: أجزل الله بالحضرة الأثيرية بركات هذا الشهر الشريف الذي تقضى فيه المناسك بالبيت العتيق، وترد بعده أيام التشريق، ولا زال يلقي رحاله، ويواصل إلفها بكره وآصاله، في عز رفيعٍ سماكه، حاكمة بالبقاء أفلاكه، ومجدٍ راسيةٍ جباله، وسعادةٍ مقرطسةٍ [بها] نباله. إذا انقضت يوماً حبال سعادة غدت محصداتٍ كيف شاءت حباله يضيء وصرف الدهر داجٍ هلاله ويعرف في قحط السنين انهماله وجاه نضير لا يخاف ذبوله ولا ينطفي بالعاصفات ذباله والأرض [في] قبضته يقبض عنها أيدي العوارض، ويسبغ عليها ملابس إنعامه الفائض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 621 ومن أخرى: / [181] ولو علم الطرس الذي قد حبوته قلائد من در الكلام المنضد لقاد إليك الشكر حتى تمله وحتى يقول السامعون له قد طلعت علي من الحضرة - لا زالت نجوم السعد بآفاقها طالعة، وركائب لحوادث عن ساحتها ظالعة - رقعة كريمة أجلت ناظري في سطورها فقلت: سوسن نثر على أقحوان، أو قلائد عنبرٍ نظمت في أجياد غزلان، وراودت خاطري على بروز ذلك المرموز فقال: أما تستحس أن تسومني ذلك، وقد أثمدت الخطوب ينبوعي، ومحت الحادثات ربوعي، فقلت: خير لا بد من تأمله، وأمر مطاع لا مندوحة عن تقبله. وله من أخرى: شهادة الخادم - حرس الله أيام الحضرة - شهادة بسعادة مستخدمه، ودلالة على تواصل فضل الله وكرمه، كالأصل إذا زكا أورقت فروعه، والماء إذا استجم فاضت ينابيعه، وعرفت في هذه الساعة وفود قادم على عبدها الأمير شبل الدولة يثري من إنعام الحضرة العالية يده، ويؤرخ بأيامها الزاهرة مولده، فشاركت المذكورة في المسرة بهذه النعمة، اشتراكنا معاً في الخدمة، وإني وإياه فيها فرسا رهان، أو كالأنامل ضمها اليدان، والذ له الأسماء الحسنى يضاعف إحسانه لديها، ويجعل عواقب أمورها من مباديها، حتى يلوذ الكرم بجنابها السعيد، ويعيش الأحرار في فضلها كما يعيش العبيد. وله من أخرى: يا ليت أن سواد طرفي نائل ما نال من شرفٍ سواد مدادي فعساه يطفي لوعة مشبوبةً ألقت عصاها في صميم فؤادي الجزء: 8 ¦ الصفحة: 622 وأقول حينئذ: أسعد الله الحضرة السامية بهذا الشهر الميمون، وشحن صحيفتها بأجرٍ غير منون، ولا زالت الأيام تمر بها جديدة وترجع عنها بالية، وهي في أثناء ذلك ضامنة لها عزاً ينشر في الأفق ذوائبه، ومجداً يحلي بالقمرين ترائبه، وسعداً لا تخطئ سهامه، ولا يفض أبداً ختامه، ورزقاً تعذب نطافه، وتدر طول الزمان إخلافه، ورضى من الله تعالى يورث جنات النعيم، ويهدي إلى صراط مستقيم. ولما وصلت إلى هذا المكان من هذه السطور سلمت إليّ تحفة من الحضرة السامية كأنها لون المحب قصد بالهجران، أو نهود الكواعب ضمخت بالزعفران، وحين شممتها وجدت ذات طيبين: طيب الأرومة، وطيب استفادته من اليد الكريمة، وأستغفر الله، أين البرس من الحرير، والملاب من العبير. وفي فصل من أخرى: المكارم - أطال الله بقاء مولاي الشيخ معمور الفناء، ممتعاً بدوام العز والنعماء - فروض مهتبلات، ومساعٍ على الدهر منجحات، وبضائع في اكتساب الشكر مربحات، ولم يزل الحمد أكبر تجائره، وتقليد المنن للأعناق، أنفس ذخائره، ومن تدرع أسباب رياسته، وبهر الألباب بباهر فضيلة نباهته، وبذ الأضراب بكمال ورعه ونزاهته، [و] دنا من قديم فخر آبائه، وطبق الأرض بفيض بحر عطائهن وطاول بطول باع مروته، وتصدر بواسع صدر همته، وأصبح حلية الزمان القديم، وغرةً لامعة في وجه الدهر البهيم، عم الأنام نفعاً، وأتى الجميل خلقاً وطبعاً، وتدارك بقية الأزمان المشفية، وجدد ما أخلق من الآمال المتعفية، فلا زالت قدمه محذوة رفات الأعداء، ويده مضمومة أزمة العلاء: ولا زال محروساً من الخطب بالغاً إلى غاية تجري فيقتصر المجري ولا فقدت عين الرياسة شخصه ومتع بالتأييد والنهي والأمر وأدرك من دنياه غاية سؤله ونال المنى في الآل والمال والعمر الجزء: 8 ¦ الصفحة: 623 وقد تعرضت لواسع رأفته، فاستعطفت كريم عاطفته، واسترجعت فائت حظي بمراجعته، وأعوذ بالله أن استنصر به على الزمان فيخذلني، وإلى جوره بعد الاستسلام بعدله فيسلمني، ويطرحني معتمداً من يده، ويسقطني بالجملة عن عدده، ويصرفني عن باب تصرفه بالحرمان، ويذودني عن بحر جوده العذب مشتمل الجوانح على غلة الظمآن، ومتقدم المعرفة رحم، والوفاء بالذمم كرم، وقد ناديت من نداه - دام علاه - سميعاً، وسألت منه جواداً لأمر الجود مطيعاً، واستمطرت من / [182] جوده غماماً غير جهام، وهززت منه حساماً غير كهام، ومن أقعدته نكاية الأيام، أقامته إغاثة الكرام. ومن شعره قد صار يختلق المحال ويبطل من قال ليس على الثرى من يكمل حكمت عليه معجزاتك أنه متمحل فيما حكى متقول لا زلت في كنف السعود وظلها أبداً تحل بحيث شئت وترحل مثل الهلال يسير في درجاته والشمس في أبراجها تتنقل أصبحت يا دار المظفر كعبةً للمجد يلثم ركنها ويقبل فالشهب ليس يغم (1) مطلعها ولا جيد السماء من الغزالة يعطل يا صارم الملك الذي أيامه ابداً تزان بمجده وتجمل صقلته أيدي المكرمات ولم تخل أن الصورام بالمكارم تصقل ملك طفيلي السماح يضيف من لم يستضيف وينيل من لا يسأل مذ ورخوا عهد المعالي باسمه ذهب التنازع واستبان المشكل لو أن مطبوعاً يفارق طبعه لحلا إذا شرب الزلال الحنظل ولما رأينا النحل تقضم علقماً لهواتها فيعود وهو معسل   (1) ص: ثم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 624 وهذا كقول المعري (1) : والنحل يجني المر من نور الربى (2) فيصير شهداً في طريق رضابه يثني الرجال على القتيل بسيفه فكأنما يحيي به من يقتل وإذا لظلا الهيجاء لثم وجهه أبصرته تحت القنا يتظلل حيث المغاوير الكماة تميد من نشوات ما اعتصر الوشيج الذبل خمر ترى مهج الرجال دنانها لكنها بالسمهرية تبذل و [زعاق] ملحٍ لا يسوغ لشارب كدر وأنت السلسبيل السلسل يا عادلاً في كل ما هو فاعل ما بال كفك في اللها لا تعدل أفنى تلاد يديك علمك أنه لا يفضل الأقوام من لا يفضل القاضي جلال الدولة بن عمار (3) فصول من رسائله مرحباً بطليعة السرور، ومساعدة الدهور، وبشير النجح والبركة في جميع الأمور، هذه صفة تخص كتاباً وردني من مولاي الأمير - أطال الله بقاءه، وأدام تأييده ونعماءه - على بعد عهدٍ بكتبه وأنبائه، بمعاندة الزمان لي فيه، إلى أن أحكم أسباب البعد بيني وبينه، مع تقارب قلوبنا وامتزاجها في حالي القرب والبعد، كما قال الباهلي: وعاندني فيه ريب الزمان كأن الزمان له عاشق   (1) من قصيدة له في جواب شاعر مدحه اسمه محمد بن علي بن محمد أبو الخطاب الجبلي: انظر شروح السقط: 720. (2) ص: يجني السور.. الورى. (3) هو القاضي جلال الدولة (أو جلال الملك) أبو الحسن علي بن عمار تولى أمر طرابلس بعد وفاة عمه القاضي أبي طالب ابن عمار سنة 464 فضبط البلد أحسن ضبط، ولما توفي المستنصر الفاطمي (487) وانقسم الولاء بين نزار والمستعلي، كان جلال الدولة في صف نزار، فلما استتب الأمر للمستعلي قتل القاضي جلال الدولة بن عمار ومن أعانه (ابن الأثير 10: 71، 238) . الجزء: 8 ¦ الصفحة: 625 وإني لأتذكرك وأتذكر أوقات المسرة بقربك، والأنس بالاجتماع بك، كما يتذكر الشيخ الهم شبابه، والعاشق امفارق أحبابه، وأرغب إلى الله في تسهيل أمر تجمعنا كما نحب، وأدعوه ربي (عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا) (مريم: 48) وما ذلك على الله بعزيز. نعم سررت والله يا مولاي بكتابك وأنست بقراءته، وأوجبت حقاً لحامله وهششت والله اليه، كما قال قيس (1) : إذا ذكرت ليلى هششت لذكرها كما هش للثدي الدرور وليد وفي فصل: وأما ذكرته من التحرك إلى جهتنا، فهلم، قرب الله دارك، وأدنى مزارك، ورعى الله جواداً يحملك، وطيب ريحاً توصلك، وبارك الله في ليلٍ أو نهار يفتر عن لقائك، ويبسم عن شهي مشاهدتك. وله من أخرى: وافى كتابك مطوياً على نزه (2) تقسم الحسن بين السمع والبصر جزل المعاني رقيق اللفظ مونقه كالماء يخرج ينبوعاً من الحجر وصل كتابك يوم عيد النحر فكان عيداً ثانياً، وصادف أنسب واهياً، ف كان له مسنداً بانياً، فارتحت له ارتياح الروض للمطر، ولم أمل بتكرير قراءته وهل تمل عين من النظر، فكم من معنىٍ بديع، ولفظٍ محكمٍ صنيع، وبراعةٍ أتى بها (قلمه] شرعاً، وبلاغة جاش بها بحره طبعاً لا تطبعاً، " وليس بمنكر سبق الجواد " ولا بمتدعٍ جود العهاد، وأما النظم فنظم صفات الإحسان، واستدعى نوافج   (1) لم يرد في ديوان قيس (مجنون ليلى) . (2) ص: وافاني ... برة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 626 الإستحسان، وأما النثر، فأبهى من منثور الزهر، وأغلى قدراً من الدر والجوهر؛ ولقد هزتني إلى لقاء مولاي لواعج شوقٍ تالد، وبواعث وجدٍ خالد، ودواعي أسف متضرم، لم يخلق البعد جديده، ولا أذوى طول العهد عوده، ولا أنسى تقلب الأحوال جهوده، ولا نقض مرور الأيام مرائره، ولا كدر تكدر العيش / [183] سرائره. -.. (1) [المجيد بن أبي الشخباء العسقلاني] (2) - -. الجاذب أشطانه، وإنما هو الآن يرخي حتى يجذب، ويجتمع لكي يثب. وله من أخرى: المودات إذا كانت متينة العقود، صادقة المشهود، موضوعةً على أصل عريق، وأساس وثيق، لم تجزعها (3) الشبهة المرمضة، ولم تزلزلها الأباطيل (4)   (1) سقطت هنا - فيما أعتقد - صفحة - ضاعت بها وبقية ترجمة جلال الدولة ابن عمار وأول ترجمة المجيد بن أبي الشخباء. (2) هو الحسن بن محمد بن عبد الصمد بن أبي الشخباء أبو علي العسقلاني (ياقوت 9: 152) والحسن بن عبد الصمد (ابن خلكان 2: 89) وقد اشار كلاهما إلى ترجمته في الذخيرة وأتيت ياقوت نقلاً عن ابن بسام أنه توفي سنة 482 (وقع خطأ في الطبعة المصرية من معجم الأدباء: 432) وكان يلقب بالمجيد ذي الفضيلتين ويقال إن القاضي الفاضل استمد من رسائله؛ وذكره العماد في الخريدة في العسقلانيين في القسم التابع لشعراء مصر الورقة: 14 (نسخة باريس رقم 3328) فقال: " مجيد كنعته، قادر على ابتداع الكلام ونحته، له الخطب البديعة، والملح الصنيعة، وكان قبل عصرنا في أيام الأقسيس سنة سبعين وأربعمائة " وذكر العماد أنه رأى ديوانه عند صديق له بدمشق؛ وللمجيد مختارات من شعره في الخريدة ومجموعة من رسائله وخطبه في الريحان والريعان وفي جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام؛ وقال ياقوت إن أكثر رسائله إخوانيات وأورد جملة منها؛ وجعل المقريزي وفاته سنة 486 (اتعاظ 2: 328) . (3) تجزعها: تدخل عليها الجزع. (4) ص: الأباطل؛ وجمع باطل عند سيبويه " أباطيل ". وعند غيره أن أباطيل جمع أبطولة؛ وقد ترد " أباطيل " إلى " أباطل " لحاجة الشاعر، ولا ضرورة لذلك هنا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 627 المعترضة، وإن تناقلتها ألسن مختلفة، وعلتها برود من اللفظ مفرفة، ولما رأيت زيارة مولاي قد صارت مرقعة، وجنوب (1) مودته قد عادت مروعة، وصرت أرى قوله متناقضاً، وماء البشر من وجهه غائضاً، من بعد ما عهدته (2) : تنبي طلاقة وجهه عن وجهه (3) فتكاد تلقى النجح قبل لقائه وضياء وجهٍ لو تأمله امرؤ صادي الجوانح لارتوى من مائه لم أتجاسر على سؤاله عن العلة خوفاً أن يعيب علي الارتياب بوده، وتطرق سوء الظن على عهده، فسألت من يعلم دفائنه، ويخبر ظاهره وباطنه، فأخبرني أن بعض الناس - ولم يسمه - نقل إليه عني، فشن الغارة على وفائه، وزلزل أواخي وده وإخائه، فقلت، عتب والله ولا ذنب، وشكاية ولا نكاية، وأنا أحاكم مولاي إلى إنصافه لا إسعافه (4) ، وعدله لا فضله، وما كان أجدره برفض قول الماحل (5) ، وتغليب الحق على الباطل، ولا يرى نفسه بصورة من تستخف حصانه الريح الخافقة، وتشعث من مودته الأقوال الماذقة، ولو انتقضت عندي المعاقد، وقامت علي - أعوذ بالله - الشواهد، لكان مولاي حرياً أن يجري في كرم اللقاء على العادة، ويتأدب بقول أبي عبادة (6) : أبيت على الخلان إلا تحنياً يلين لهم قلبي (7) ويصفو لهم شربي وإني لأستبقي الصديق إذا نبا علي وأهنا من خلائقه الجرب (8)   (1) ص: وشيوب؛ وتقول العرب للاثنين إذا كان متصافيين ريحهما جنوب، قال الشاعر: لعمري لئن ريح المودة أصبحت ... شمالاً لقد بدلت وهي جنوب (2) ورد البيتان التاليان في الخريدة: 15. (3) الخريدة: وده. (4) ص: لاسعافه. (5) ص: القول الماجل؛ والماحل: الساعي، ومحل به: كاده بسعاية إلى السلطان. (6) هو البحتري: والبيتان في ديوانه: 105. (7) الديوان: عطفي. (8) أهنا: مخفف من أهنأ أي أطلي بالقطران. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 628 والآن فقد أوضعت وأوجفت، وتألفت مولاي واستعطفت، فإن عادت ظلال وده مديدة، وحبال كرمه محصوفة (1) جديدة، فحسن بتلك الشمائل، أن تجمع شمل الفضائل؛ وإن تمادى على هذه الهجرة، ولم يصح من نشوات تلك السكرة. فما ذاك من ذنبٍ علي اجترمته إليه فيجزيني به حيث أعلم ولكن إنساناً إذا مل صاحباً وحاول صرماً لم يزل يتجرم والله جلت قدرته يجعل حفظ المودة عنده أوجب الحقين، وأنفع العلقين، ويرفعه عن السمة بنقض المرائر، وحلية الجائر الغادر. وسافر بعض إخوانه فشغل عن وداعه فكتب إليه: ما أخرني عن خدمة مولاي بالوداع أني متأخر في حلبة ولائه، ولا عارٍ من ملابس إخائه وآلائه، ولوددت لو صحبت ركابه السعيد إلى الصعيد، وقطعت معه عرض المهمة البعيد، وزودت من مجاورته قلباً معموراً بوده، ومن مشاهدته طرفاً لا صبر له من بعده، وإنما حجزني أمران كل منهما يمهد العذر ويبسطه، [ويمحو] (2) الذنب ويحبطه، وهو شغلي في إنشاء التقليد [العلي] (3) وتحريره، وفعل ما أمرت به الحضرة السامية وتقريره، ثم خوفي أن أرى مولاي وقد حل انطلاقه، وأسمع [أن قد حان فراقه] ، ونعق غراب بينه فقض أضلعاً، وأفاض نفوساً وأدمعاً، فضعفت عن مشاهدة ذلك المقام، وقصرت [عن تحمل ذلك] الداء العقام، وظللت أنشد، والدموع همع، والفؤاد مصدع: وأخرني (4) يوم انطلاقك أن أرى على جمرات البين [قلبي يلذع] فؤاد إذا قيل الفراق تساقطت خفوقاً أواخي صبره (5) تتقطع   (1) ص: مقصوفة؛ والحبل المحصوف أو المحصف هو المحكم الفتل. (2) بياض في ص. (3) ما يرد بين معقفين حتى آخر القطعة سببه عدم ظهور الكلمات في أواخر الأسطر، في هذه الصفحة. (4) ص: وأخبرني، ولعلها أن تقرأ أيضاً " وأحزنني ". (5) صبره: قراءة تقديرية، وصورة الكلمة في الأصل تشبه " هزة ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 629 وإني صليب العود في كل حادثٍ ولكن أعوادي [لنأيك خروع] وإذا استنقذ البين هذه النوبة، وخفقت بمشيئة الله رياح الأوبة، وهبت وجهي للشحوب، وجسمي للنصب واللغوب، وهتمت ثنايا الأرض إيضاعاً وإرقالاً، وجعلت مسافة اللقاء لمسافة الوداع أميالا، وأطلت شكر الزمان على ما يجدده لي من مسرةٍ قد خلعت بردها، واستطلت عهدها، وأنشدت: طربت وقد جاء البشير بقربكم وذو الشوق عند اسم الحبيب طروب وقمت إليه راشفاً من ترابه ترى لك يحلو رشفه ويطيب وما يبعد ذلك في قدرة الله الذي يخرج من الشجر الأخضر جذوة نار، ويهب القمر كمالاً بعد نقص وسرار. وله من أخرى / [184] يعاتب بعض القواد (1) : رأيت فلاناً (2) عند نظرته لي بالأمس قد قطب حاجبه، وزعزع مناكبه، وأوسع الغلام من [.. .. ..] ذيل كمه؛ فقلت: ماله - أأنزل إليه وحي، أم عصب به أمر ونهي، أم حصل من الخلافة على وعد، أم أنسئ له الأجل مدة العهد، أم قل عقله فعق نفسه وظلمها، وجهل مقادير الأشياء وقيمها، واعتقد أن الدنيا طوع حكمه، والقطر صائب فهمه، أم رأى الملائكة المقربين تتشفع به، والحور العين تشكو لاعج حبه، وثمار الجنة تدلت إلى يده، ونار جهنم تقتبس من زنده، والكوثر يمد من معينه، والسموات مطويات بيمنه، والبراق قد امتطي لحضرته، والفراق [ ... ] قوته، فأجبت بأن شيطان ظني مارد، وتصوري فيه - أعزه الله - فاسد، ولا حقيقة لشيءٍ مما توهمته، وسددته من القول وأقمته، فقلت: إذا لم يكن ذاك فما   (1) الشق الأيمن من هذه الصفحة أكثره مطموس، ولذلك تعذرت قراءة بعض العبارات، كما أن بعض القراءات المثبتة مما لا أقطع بصحته. (2) ص: فلان. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 630 ذلك - قيل: سفه في الرأي وأفن، وتغير في الطينة وعفن، ظن أن الأحرار ملك عهدته، والعالم مجموع في بردته، فحين سمعت ذلك أخذتني لمولاي الحمية، وهزت رأسي الأريحية وقلت: معاذ الله، إن دونه في الحصاة (1) والكيس بطليموس، وفي الحكمة ارسطاليس (2) ، وإن الحكمة تستنتج من ظنه، والغيث يرشح من شنه (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) [البقرة: 255] وإنه بحمد الله كما قيل: خرق إذا أفضى السماط به كثر العثار وطبق الزلل وإذا السرير سما بقعدته غريت بظاهر كفه القبل فهناك سكنت الألسن الهادرة، ووقفت المرادة (3) الغادرة، وعاد من حضر يثني على مولاي ويقرظه، ويحمل من شكره ما يؤوده ويبهظه (4) ، فإن كانت هذه الوكالة واقعة منه بالوفاق، فيجعل ثوابي عليها انحلال العقدة من جبينه، وزوال التمارض من جفونه، وخفض الإصبع من سلامه، وترك النزوة على غلامه (5) . وله من أخرى في مثله: أرى (6) سلام سيدي قد تقاصر طويله، وروض جوه قد زاد ذبوله، وماء بشره قد غاضت بحوره، ونشاط لقائه قد استمر فتوره، وما عهدته - اعزه الله - تزدهيه الشبهة وتستخفه، وتصده عن كرم العهد وتكفه، وينزل المين من سمعه بالمكان المهيب، ومن قلبه بالقابل المستجيب، بل هو يرحب إذا حرج المضيق، ويرطب وقد عصب الريق، وتمر به المحفظات وهو راضٍ، وتوقظه المغايظ وهو متغاضٍ.   (1) الحصاة: العقل والرزانة. (2) ص: ارطاليس. (3) ص: الموادة؛ والمرادة: العتو والتمرد. (4) ص: وينهضه. (5) ص: أعلامه. (6) ص: أي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 631 إذا أمرته مرة من حفاظه بسوءٍ نهاه خلقه البارد العذب فما الذي أعاد فلقه غاسقاً، وصريحه ماذقاً، فإن يك عن ملل (1) فؤاده، وتشعب وداده: فكم أخٍ غيره يومي ال - مقبل عن أمسي به الذاهب مل فلم يعطف لحب الصبا ال - حاني ولا حق العلا الواجب واستقرت الوزارة لبعض أصحابه ثم توقف الأمر بعد فيها فكتب إليه: الخيرة - أطال الله بقاء سيدنا - تجيء من غير الأمر المختار، و [هي] مخبوءة تحت أستار الأقدار، فكم سبب اجتمعت فيه شوارد الآمال، ولبس ظاهره مسحة من الجمال، كان المكروه منظوماً في تاجه، منطوياً في أثنائه وأدراجه، وآخر ظهر للناس بلونٍ شاحب، ووجهٍ قاطب، كان ضامناً لابتسام الزمن، وكافلاً بالأجمل الأحسن، وبهذا أدب تعالى عباده، وقال في الكتاب المكنون (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة: 216) فلمح أبو عبادة هذا الأسلوب فقال في معناه (2) : والشيء تمنعه يكون بفوته (3) أحظى (4) من الشيء الذي تعطاه وإذا تصفحت الأمور بعين البصيرة، ونظرت بالخواطر المستنيرة، ونفذت بالألباب الصيرفية لا الزائفية، علم أن هذه الرتبة زليقة الصراط، سريعة الانحطاط، يعلو الإنسان صهوتها ثم هو بعد راجل، ويتحلى بها وقتاً ثم هو مسلوب   (1) ص: ملكه. (2) ديوان البحتري: 2403 وقبل البيت: والعيش ما فارقته فذكرته ... لهفاً وليس العيش ما تنساه ولو أنني أعطي التجارب حقها ... فيما أرت لرجوت ما أخشاه (3) ص: يمنعه يكون بقربه، والتصويب عن الديوان. (4) الديوان: أجدى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 632 عاطل، وما لم يوسم بها فالخطط تعتقبه، والمنازل ترتقبه؛ أجل، وهذه الدرجة كلما خبرت الأقوام، وتمادت الأيام (1) ، غاض معينها، وزاد حنينها، فمنها الكمد، ومن سيدنا الصيد، ومنها الكلف، ومنه / [185] التيه والصلف، حتى إذا نغل الأديم، ورعي الهشيم (2) ، وتشاقت (3) الخطط، وجار الحكم وقسط، دعي سيدنا لشعب المنصدع، ووصل المنقطع، وغيجاد الممتنع، فهناك يقوم بالأمر، ويسهل الحزن والوعر: مبارك (4) تطرد اللأواء رؤيته طرد الظلام فرند البلجة الواري (5) وزير ملك خلت (6) في عدل سيرته صحيفة الملك من إثم وأوزار يذب عنه وقد ريعت جوانبه برأيه المكتسي أو سيفه العاري وكان يوماً المجيد بمجلس الأنس، ودعوا بعض أصحاب القلانس فلم يحضر لأجل الغناء فكتب إليه: عجبت لمولاي كيف أسند في التخلف إلى عذرٍ هلهال، وسلك طريقاً صعبة المجال، وجعل المانع له من الحضور أمراً يقوي على الهموم، ويقوت النفوس فكيف الجسوم، ويمتزج بالقلب امتزاج تاموره، ويطلق شكائم بهجته وسروره، فإن يك ذلك لدين وثيق، وخلق بالتقوى خليق، فما بلغ مولاي من حفظ الشريعة إلى هذه الرتبة، ولا وضع قدره بعد على هذه الهضبة (7) ، وإنما هو   (1) ص: الأنام. (2) نعل الأديم: فسد الجلد؛ ورعي الهشيم: مثل على اللجوء إلى غير ذي الكفاية لعدم وجود من هو كفؤ، كما قال الشاعر: ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم (3) ص: وساقت. (4) ص: منازل. (5) فيه قلب، إذ حقه أن يكون طرد فرند البلجة الواري للظلام. (6) ص: جلت. (7) كناية عن أنه لم يصبح بعد مشهوراً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 633 الآن يحكم أمراً، ويصيد بها إذا تعقل عمراً (1) . وإن كان لخوفٍ (2) من ثقيل، وحذرٍ من غلول، فما كان هناك إلا من يفرق السورة (3) ، ويستر العورة، فإن حضر طوي هذا البساط، وتوفرت للمسرة أقساط، وإن تفادم وتغاتم دلك (4) عليه شرح أمور قديمة، وظهور أنباء مكتومة، وجاءنا من حديث البستان الحيري ما يغض من الطيالس والقلانس، وينسي يوم الغبراء وداحس. وله من أخرى في مثله: لما هجر مولاي مجالسنا في الجامع وأوحشها (5) ، وأطال إليه ظمأ النفوس وعطشها، وأخلى مكانه من طلعته التي تطلع علينا من السرور ما غرب، وتؤنسنا بغرائب الأنس والطرب، وتصرف فكري في ما اقتضى ذلك فلم أعثر على أمرٍ عاذر، ولا ظفرت بسبب ناصر، ذهب وهمي إلى أنه استحدث ودوداً، واستطرف [خلاً] جديداً، فترك هذا الأنام (6) حتى ينقع أوامه، ويبرد غرامه، وحين ثوت هذه الظنة في نفسي أنفذت فلاناً لاستيضاح الخبر، فحكى أنه ألفى مولاي في الطبقة الدهشية (-) فدهش لما رآه من مجلسٍ حسنٍ، ومقام صبوةٍ وفتن، وأمور بديعة، وأحوال وسيعة، وفاكهةٍ لا مقطوعةٍ ولا ممنوعة، وظبيٍ قد كحل بالسحر لحظاته، وأطلق العقارب على وجناته، ونظم السلوك في ثغره، وأنبت ثمر الصبا في صدره، يدير على مولاي كأساً: إذا أخذت أطرافه من بحورها رأيت اللجين بالمدام يذهب   (1) ص: إذا لفعل؛ ولعل معناه: إنه يدير خطة لنيل منزلةٍ يصبح بها عمرو رغم دهائه دونه، ولفظة " يصيد " قد تقرأ " يصير "، رغم وضوح الدال في الأصل. (2) ص: للخوف. (3) يعني يتجنب سورة السكر، أي لا يعربد؛ وفي ص: لعدف السررة. (4) ص: إن تعاد وتفاتم وذلك؛ والتفادم: التظاهر بالفدامة، والتغاتم: التظاهر بالغنمة أي العجمة. (5) ص: وأوحشنا. (6) ص: هذه الأيام. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 634 كأن بخديه الذي جاء حاملاً بكفيه من ناجودها [بات] يقطب فطفقت متعجباً لما وصفه المخبر، وحمد [ت] الله على صدق الحس والتقدير، وعذرت مولاي في التخلف عن الجامع، واستيفاء النهلة من هذه المشارع، وأوسعته ملاماً على التفرد بهذه الحسنة، والفاحشة المتبينة، دون الشيخ أبي الحسن، الذي ينحاز في فعله الحسن، ويضل في أدنى ذلك السنن، اللهم إلا أن يكون خاف أن يجري هذا الصديق على طاعة شيطانه، والبذاء على إخوانه، والتدحرج عن موضعه ومكانه، ليتأبط في الليل شراً، ويسير إلى حيث تسكن الغزلان سراً، وقد قرت أعضاؤهم نوماً وسكراً؛ ومع هذا فأوثر من مولاي أن يقبل على شانه، ويخفض قليلاً من عنانه، فإن الجاه صدعه لا يجبر، والملقي بيده إلى التهلكة لا يعذر، وقد شببنا عن هذه الحال، فيحسن المتاب، ويسمح برد الجواب (1) . وله من أخرى: لو رآني مولاي وقد أرشفت الخمرة فوجدتها مرارة تذم ولا تحمد، وتثير كامن الحزن والكمد، وتصفحت الندام فعدمت منهم أنساً عن الناظر دون الخاطر، وعدم تلك المحامد والمآثر، فأما الماء فالله يعلم أني أتجرعه ولا أكاد أسبغه شوقاً إلى تلك الخلال التي هي أنقى منه أديماً، وأرق نسيما، وأمسك للنفوس رمقاً، وأكثر لذوي (2) الحاجات تدفقاً: خلائق: إما ماء كرم (3) ترقرقاً أغادي به أو ماء مزن (4) تصفقا كأن الصبا جرت عليه ذيولها أصيلاً وفأر المسك عنها تفتقا   (1) ص: وقل شيئاً من هذه الحال.. ويسمح برب الحراب. (2) ص: ذوي. (3) ص: إما ماؤكم. (4) ص: موت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 635 وأما ارتياحي إلى الموالي السادة - حرس الله مددهم، وكثر بساحة المكارم عددهم - فارتياح من رحل وترك قلبه عندهم، وإني وإياهم لكما قال [الأول] (1) : لم ألق بعدهم قوماً فأخبرهم إلا يزيدهم حباً إليّ هم وعلى القاضي السيد منهم السلام [186] خصوصاً، لأني أعلم عن صورة حاله في هذا الشهر، واحتباس يده عن كأسٍ يحلبها، وفمه عن قبلة يسلبها، وقدمه من الحانة الخمرية، وزيارة الغيد الحورية، فإذا حلت بمشيئة الله أنشوطة هذا العقال، وأطلع الله سبحانه عليه هلال شوال، فأنس وسط القوم، وأخذ بثأره من أيام الصوم، فليذكر هناك صديقاً لم ينسه وقد ضرب البين رواقه، وأطال الفراق اعتياقه، واؤمل من الله تعالى أن يسهل من قرب الدار ما يعيد سلك المسرة منظوماً، والشمل بحضرته السامية ملموماً، فهي الحضرة: تهب منها رياح العلاء، وتحط بها حقائب المدح والثناء، وتبدع في إسداء المنح والآلاء. والبيت الذي أنشده لزياد بن منقذ الحنظلي أخي المرار العدوي. قال ابن بسام (2) : وأراه أول من استشار معناه، ومنه قول الآخر مما أنشده   (1) سيذكر ابن بسام في ما يلي أن قائل هذا البيت هو زياد بن منقذ الحنظلي أخو المرار العدوي؛ ونسبه البغدادي في الخزانة (2: 394) إلى المرار نفسه، وروايته: وما أصاحب من قوم فاذكرهم ... إلا يزيدهم حباً إليّ هم وزعم الحصري أن المرار هو نفسه زياد بن منقذ، ونقل ذلك البغدادي عنه (2: 395) وجاء في بعض أصول زهر الآداب أنه أخو المرار، حسبما ذكر ابن بسام، وروى البيت كما جاء في الذخيرة (انظر زهر الآداب: 1064) قال البغدادي (2: 396) وزعم أبو تمام في الحماسة أن القصيدة التي منها البيت لزياد بن حمل بن سعيد بن عميرة (الحماسة رقم 577) وزعم الأصفهاني في الأغاني (10: 330) والخالديان في شرح ديوان مسلم ابن الوليد أن هذه القصيدة للمرار بن سعيد الفقعسي، والصواب أنها لزياد بن منقذ العدوي، قاله ياقوت في معجم البلدان (مادة: صنعاء) قلت: ما ذكره عن الحماسة ثابت عند التبريزي، وفي شرح المرزوقي: قال زياد بن حمل، وقيل زياد بن منقذ، وكذلك هو عند البكري، في شرح الأمالي: 70، وانظر العيني 1: 257 وشرح شواهد المغني: 49 وحاشية البكر: 70 وكان من مناسبة القصيدة أن زياد بن منقذ رحل إلى صنعاء فلم يحمدها، فقال ذلك الشعر يذمها ويتشوق إلى وطنه. (2) يعتمد ابن بسام في أكثر هذا التعليق على زهر الآداب: 1064 - 1065. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 636 حبيب في حماسته، ويزعم دعبل أن هذا الشعر له (1) : ولما أبى إلا جماحاً فؤاده ولم يسل عن ليلى بمالٍ ولا أهل تسلى بأخرى غيرها فإذا التي تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي وكان (2) ابن عرارة (3) السعدي مع سلم بن زياد بخراسان، وكان له مكرماً، فتركه وصحب غيره فلم يحمد أمره، فرجع إليه وقال (4) : عتبت على سلمٍ فلما فقدته وجربت أقواماً بكيت على سلم رجعت إليه بعد تجريب غيره فكان كبرءٍ بعد طول من السقم وأنشد المبرد (5) : أخ لي عاداه الزمان فأصبحت مذممةً فيما لديه المطالب متى ما تذوقه التجارب صاحباً من الناس تردده إليك التجارب وأنشد أيضاً (6) : حياة أبي العباس (6) زين لقومه لكل امرئٍ قاسى الأمور وجربا ونعتب أحياناً عليه ولو مضى لكنا على الباقي من الناس أعتبا   (1) الحماسة رقم: 497 (1292) في شرح المرزوقي؛ وشرح المضنون: 249 والزهرة: 34 وأمالي القالي 1: 210 والحماسة البصرية: 2: 173 وديوان ابن الدمينة: 94 واللآلي في شرح الأمالي: 502 (للحسين بن مطير) وديوان دعبل (تحقيق الأشتر) : 319 وديوان الحسين بن مطير (جمع محسن غياض) : 70 وفي المصدرين الأخيرين تخريجات أخرى. (2) النقل عن زهر الآداب: 1064. (3) زهر الآداب: ابن أبي عرادة. (4) هما في زهر الآداب، والأول منهما في عيون الأخبار 4: 4 لنهار بن توسعة، واعتاب الكتاب، 171 (دون نسبة) والمستطرف 1: 233 لابن عرارة؛ وبهجة المجالس 1: 657 (دون نسبة) . (5) زهر الآداب: 1065 ونسبه للبحتري، ولم أجده في ديوانه. (6) زهر الآداب: 1065 والكامل 4: 126 والثاني في عيون الأخبار 4: 4 والعقد 3: 455 وبهجة المجالس: 657. (6) زهر الآداب: 1065 والكامل 4: 126 والثاني في عيون الأخبار 4: 4 والعقد 3: 455 وبهجة المجالس: 657. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 637 وقال مسلم بن الوليد (1) : حياتك يا ابن سعدان بن يحيى حياة للمكارم والمعالي جلبت لك الثناء فكان عفواً ونفس الشكر مطلقه العقال ويرجعني إليك وإن تناءت (2) دياري عنك تجربة الرجال ويتطرف هذا المعنى أيضاً قول ابن الرقاع (3) : وإذا نظرت إلى أميري زادني كلفاً به نظري إلى الأمراء ومنه قول الرضي (4) : ما ساعدتني الليالي بعد بينكم إلا ذكرت (5) ليالينا بذي سلم ولا استجد فؤادي في الزمان هوى إلا ذكرت هوى أيامنا القدم ومن أخرى له عن الوزير الناصري (6) إلى بعض القبائل: معلوم أن الله تعالى قد يأذن للنعم إذا خصت بالشكر أن تستدني البعيد القصي، وتستأنس النافر الوحشي، وإذا قرنت بالكفران يرحل منها القاطن، وتستوحش المعاطن؛ ووصل إليّ ما كان منكم من الانحراف عن الحضرة السامية والتظاهر بالخلاف عليها، فتحققت أن الشيطان قد أعمل فيكم كيده، واستنفذ في إضلالكم قوته ويده، وأوضع بكم في مراعي وبية، ودب إليكم من طريق خفية، فزين لكم غير الحسن، وأوطأكم الجانب الأخشن، ووسمكم في أحياء العرب بإخفار الذمم،   (1) زهر الآداب: 1064 - 1065 والكامل 4: 126 وديوان مسلم: 336 والثالث في المستطرف 1: 233. (2) الكامل وزهر الآداب: وإن نأت بي. (3) البيت في الشعر والشعراء: 517 وتمام المتون، 339 - 340 وقد أورده ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة: 116. (4) ديوان الرضي 2: 275 وقد ذكر ابن بسام أبياتاً من هذه القصيدة 1: 2365، 2: 140، 379. (5) الديوان: ما ساعفتني ... بينهم إلا بكيت. (6) لم يتوجه لي على الدقة من هو الوزير الناصري، ومما يزيد الأمر تعقيداً أنه يذكر " اللواء الحمداني " في هذه الرسالة، ولعله ناصر الدولة الحمداني الذي استولى على أكثر أمور مصر أيام المستنصر، وقتل سنة 465. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 638 وكفران النعم، وأقول ما يجب أن يفهم: ألم تصلوا إلى هذه البلاد فتعرفوا (1) بها العيش الوحشي، وتحلوا فيها محل الغريب اجنبي، وتعيشوا عيش الغرثان الخميص، وتخطفكم العرب تخطف الأجدل للقنيص، فجمعت الحضرة شتيتكم، ووصلت مبتوتكم، فليت شعري ما الذي سولته لكم أوهامكم، وحدثتكم به أحلامكم -! وإيم الله لئن انقلبتم على الجناب الناصري، وانحرفتم عن اللواء الحمداني، لتصبحن أكلة للعرب، يحطون أعلامكم، ويزلزلون أقدامكم، ويحمونكم ورود الماء المباح، ويمنعونكم حلاوة النعم المراح، فراجعوا حلومكم العازبة، وتجافوا عن ذنوبكم اللازبة، وارجعوا (2) إلى من أمتد عليكم ظله والزمن هجير، وصفا لكم ورده والعيش كدير، فلو قد فارقتم جنابه الفسيح لتفرقتم في الأرض شيعاً، ونبت لكم مقراً ومضجعاً، وعثرتم عثرة لا يقال لها [لعا] ، وقد قلت ونصحت، وبينت وأوضحت، وسلكت مسلك الحدب الشفيق، وبقي أن يمنح الله حسن التوفيق. ومن أخرى: ما اعتمده سيدنا بالأمس مع عبده من الإكرام خارق للقضية العادلة (3) ومحسوب في الأوضاع الحائلة، وذلك أن كان مما [لا] يرفع الصيت ويبعده، ويعلي الجد ويسعده، ويشجي الحاسد ويغصه، ويهيض جناح العدو / [187] ويقصه، فإن الرضى به [يعد] إفصاحاً بالفهم القليل (4) ، ونكوباً عن محجة التحصيل، وما إخال سيدنا يرضى لعبده بالدخول في هذا الحيز، والخروج عن سمة المحقق المميز، وليس يحب - وإن اشتهر بالعلم شغفه، وزاد [على] ذوي الآداب حنوه وتعطفه - أن يشيم لهم حده، ويهضم علاه وجهده (5) ، فإن استهام بحب المآثر   (1) ص: فتعدموا. (2) ص: وتصاموا عن ذنوبكم الكاذبة وراجعوا. (3) ص: العادية. (4) ص: إفصاحاً بالعيم العليل. (5) ص: وجحده. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 639 والمساعي، وقويت منه في إكرام أوليائه الدواعي، وأنشد عند قراءة هذا الفصل: لقد حكت الملام لغير داع (1) ثم تجاوزت همته النهج البعيد، وقرع ذؤابة الطود المشيد، واستحسن قول الوليد (2) : ينزل أهل الآداب منزلة ال - أكفاء إن ناهزوه (3) في أدبه لم يزهه عنهم وهم سوق في العين وطء الملوك في عقبه فعبده يسل أن يختصر عليه في الإكرام، ويقف به دون ذلك المقام، فاللمحة في البدر تضيء السبيل، والقطرة من الماء تبرد الغليل. ومن أخرى: معلوم أن الزمان قد عادانا بعجابه (4) ، ونهشنا بأنيابه، وأدار علينا من صروف أحداثه كؤوساًن وجعل كل غريب لنا أنيساً، ولما خرج عن حكم العادة، وسلك في مولاي غير الجادة، وأودعه عوارف يضيق عنها باع الكتاب، وقذف إليه أقاصي خطوب الخطاب، علمنا أنه قد أصاب رشده، وأوجب حمده، وأطلع شمس النهار من مشرقها، ووضع تاج الرياسة على مفرقها. ومن أخرى: خلد الله أيام الحضرة الأفضلية (5) ، ما فضلت الأسماء حروفاً، وتقدمت واو   (1) ص: واع. (2) ديوان البحتري: 243. (3) الديوان: شاركوه. (4) ص: بعجائبه. (5) يعني بالحضرة الأفضلية: الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي، تولى الوزارة حين مرض والده سنة 487 زمن الإمام المستنصر، وظل على الوزارة في أيام المستعلي ثم الآمر إلى أن اغتيل سنة 515 (الإشارة إلى من نال الوزارة: 57 - 64 وابن خلدون 4: 70) فإن كان ابن أبي الشخباء قد توفي سنة 486 فهذه الرسالة مما أنشأه في الأفضل قبيل توليه الوزارة، يهنيه بإبلاله من مرض. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 640 العطف معطوفاً، ولزمت الأفعال اشتقاقاً وتصريفاً: يلفى عليها الحمد موقوفاً وفي عرصاتها شم الملوك وقوفا وتعيد سطوتها سماء عداتها كسفاً وبدر سعودهم مكسوفا ولج سمع العبد في هذه الساعة نبأ جمح عن أقماعه، وتصامم عن استماعه، تعاشياً عن صبحه المبين، وتغليباً للشك على اليقين، وخوفاً على المعز الشامخ أن يصحب شموسه، والمجد (الباذخ] أن تكور شموسه، والمحامد أن تنثر كواكبها، والمناقب أن تتزلزل مناكبها، ولما تلاه الخبر بما أصمت ناعقه، وكذب بارقه، ونطق بأن الجسم الشريف قد التفع شملة الإبلال، وعاد مزاجه إلى الاعتدال، أطال العبد في الترب تعفير خده، وبالغ في شكر الله وحمده، فيا لها نعمةً عدلت بها أحكام الزمان الجائرة، واهتدت ركائب الآمال الحائرة، وأصبح الملك المستنصري سائل الغرة، ضاحك الأسرة، [والحضرة] قد تمكنت في خطابها، وما نزعت برد شبابها، وامتدت بعد القلوص أفياؤها، وأضاءت في ظلمات الخطوب آناؤها: والله أكرم أن [يعذب مهجةً] غذيت بأخلاط العلا أعضاؤها فإذا طمت جسم الخطوب [عرامةً] [أربى على] فيض الحياء حباؤها لو كان ينكر ملكها [رتب] العلا أحد لكان شهودها أعداؤها ثابت بك الأيام عن جهلاتها وتوقرت من أهلها سفهاؤها وبعدل حكمك زال عنا ظلمها وبنور مجدك أشرقت ظلماؤها نار اعتزامك ما يبوخ ذكاؤها وسماء عزك ما تغيب ذكاؤها (1) وعراض فضلك لم تضق أرجاؤها وعفاة جودك ما يخيب رجاؤها فالحمد لله الذي منح الأمة من نعمةٍ أصبحت النوائب بها قد درجت أيامها،   (1) هذا البيت والتالي له وردا في الخريدة: 15 / أ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 641 وهدت من المخاوف أعلامها (1) ، والبخل قد هدم بنيانه المرصوص، والكرم قد ريش جناحه المقصوص، ولم يبق له سحاب إلا وهو يغدق ويهمع، ولا منادى إلا وهو يلبي ويسمع (2) : يا ماجداً نصر الشريعة حيث لا بيض تشام ولا ذوابل تشرع والنصب منصوب اللواء وشائع في أهله بغض الذي يتشيع عمت عوارفه (3) فما من موضعٍ إلا ونائله إليه موضع سائل به ودم الفوارس سائل يسقاه ظمآن التراب فينقع واليوم قد كتبت (4) سنابك خيله نقعاً جبين الأفق منه مقنع فهناك تلقى الصدر لا متضايق والروع لا نخب الضلوع مروع والشمس تهوى أن تقبل كفه فتذاد بالسمر اللذان وتمنع فاقنع بما ملكت يداك من العلا إن كنت بالشهب الثواقب تقنع فأما حال العبد فعلى الحالة التي يؤمل من الحضرة العلية كشف ضبابها، وانتكاث أسبابها، وكأنه من العبودية يقتضي ألا يغبه مزن مكارمها، ولا تتجاوز عنه جفون مراحمها، فيصبح وقد حفت به الشدائد / [188] وضاقت عنه المصادر والموارد. أتتركني يا دهر في البؤس مفرداً ومالك رقي مفرد فيك واحد إذا همم الأقوام شابت وأظلمت فهماته بيض الوجوه خرائد فيا قاضي الدين الذي قام حافظاً حماه واهن العزم (5) قاعد   (1) ص: وصدت في ... عيانها. (2) الأبيات 3 - 7 من هذه المقطوعة وردت في الخريدة: 15 / أ - 15 ب. (3) الخريدة: مواهبه. (4) الخريدة: نسجت. (5) ص: الحزم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 642 ومن ساد أهل العصر طراً وألقيت له في عراص الفرقدين وسائد أناديك في نادٍ يحف بي الردى وتنزل فيه النازلات الشدائد تخاطبني فيه الخطوب فصيحة ويسهر عيني ضيق العين بارد يطارحني صوتاً، سروري ناقص إذا هو غناني وهمي زائد وللحضرة العالية الأفضلية، الري العالي في انتباش العبد من هذه الغماء، وكأن ما تهب له من العنايى زكاة عما ملأها الله من رزق الزمان، ومكنه لها من قواعد العز والسلطان، وتقرباً إليه جل اسمه إذا انشقت [السماء] فكانت وردةً كالدهان. قوله: فهناك تلقى الصدر.. البيت، كقول المعتمد بن عباد (1) : وردتم تضييق صدرٍ لم يضيق والسمر في ثغر الصدور (2) تحطم وقال المعتمد أيضاً في صفة [مجلس] ، من شعر قد تقدم إنشاده (3) : هذي المدام وهذا النقل من جسدي غن لنفسك أشعاري بألحاني وله من أخرى: أطال الله بقاء الحضرة السامية الصارمية (4) ، ما عظم رجب في الإسلام، وولج الضياء في الظلام، ووشيت الطروس بأسنة الأقلام: ترد العفاة شرائعاً من جودها نسخت بهن شرائع الإعدام   (1) ديوان المعتمد: 67 وقلائد العقيان: 16 والذخيرة 2: 51. (2) القلائد: النحور. (3) لا أراه تقدم في الذخيرة، كما أنه ليس في ديوان المعتمد. (4) يريد بالحضرة الصارمية: صارم الدولة بن معروف، وقد أورد ياقوت (9: 175) رسالة أخرى من ابن أبي الشخباء إليه افتتحها بقول: أطال الله بقاء الحضرة الصارمية، يجري القدر على حسب أهويتها، ويعقد الظفر بعزائم ألويتها.. الخ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 643 وترى قلائد حمدها وثنائها منظومة بترائب الأيام وإذا عصت نوب الزمان وخالفت وقفت لديك مواقف الخدام إذ كانت أيام الحضرة العالية شاهدةً لها بجود يريش أجنحة الكرام المقصوصة (1) ، ويقوم بفرائض المجد المنصوصة، وحلمٍ تطلق القدرة عنانه، ويستعير الجنان رجحانه، ووفاءٍ يعلم الدهر حفظ العهود، وينقل طبعه إلى الخقل المحمود، ورأي يقطع والسيوف مغمدة، ويسري والعوذ العتاق مقيدة، وبشر يخجل ضوء الشارق، ويضيء في جبينها إضاءة البارق، وجودٍ (2) تأمر مكارمه الزمان لينتصر بالصارم ذي الفضائل، لا الصارم ذي الحمائل، وينتجع الأنواء المظفرية، فيهتتنها لها بالشهر والسنة حفظاً للسنة المرتبة، لا اعتماداً على القضية المستوجبة، والله تعالى يديم أيامها الزاهرة، دوام نعمها المتظاهرة، فإن ذلك يرويه القريب والشاطن (3) ، ويتمثل به المقيم والظاعن: ومرت بك الأيام وهي كوافل بنيل الذي ترجوه منها ضوامن فيا صارماً أثنت عليه عداته وأصدق من يثني العدو المباين وفت بشروط الجود في المحل كفه ومزن السحاب الجود للأرض خائن يضيف إلى إنعامه بشر وجهه كما جمع الحكمين في الحج قارن ولولا الذي قدمت من حسناته لما وجدت للدهر فينا محاسن فلا سره ما بين عينيه ظاهر ولا حقده ما بين جنبيه كامن صفت لك من صفو السعود موارد وجادت عليك المعصرات الهواتن تقسم طول الدهر أنمناً وخيفةً فمالك مرعوب [وعرضك آمن]   (1) ص: المخصوصة. (2) ص: ووجد. (3) الشاطن: البعيد النائي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 644 وله من أخرى: أطال الله بقاء الحضرة السامية معمورة بوفود السعادة ديارها، مش -[دودة إلى] قصدها أنساع العير وأكوارها، مفلولة عنها أنياب النوب وأظفارها، ولا زال من مد الظل ولو شاء جعله ساكناً (1) ، يمد عليها الظل ما سرى في الليل سفر، وطلع في السماء غفر (2) ، وخرج عن أيدي الكرام وفر، وأنس بالركبان مهمه قفر: يطوع لها العاصي من الخطب عزةً ويدخل قسراً تحت أحكامها الدهر ولا زال يعلي في الخليقة أمرها على كل أمرٍ من له النهي والأمر وفي فصل منها: يا صارماً حاز الثناء بأنعم لا تنقضي أوقاتهن فتنقضي لما انتضته يد الإمام حققت هذي البرية حسن رأي المنتضي متواهن عن كل جرمٍ طرفه فإذا رأى أكرومة لم يغمض علقت يداه بكل لدنٍ أسمر يوم اللقاء وكل عضبٍ أبيض وتراه حين تضيق أثواب العلا متمايساً في السؤدد المتفضفض / [189] يا عاشق العليا ومبغض ماله نفسي فداؤك من محب مبغض لا تسألني عن زماني هل بدت لي منه صفحة مقبلٍ أو معرض أنت الزمان فإن وجدتك ساخطاً يسخط علي وإن رضيت فقد رضي كم قوضت يمناك عنا شدةً لولاك بعد الله لم تتقوض ونهضت من ثقل المعالي بالذي لو سيم يذبل بعضه لم ينهض [وبقيت تسهر] (3) كل طرفٍ للعدا وتحل هضب سعادةٍ [لم تخفض]   (1) من قوله تعالى " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء جعله ساكناً " (الفرقان: 45) . (2) الغفر: منزل من منازل القمر، ثلاثة أنجم صغار وهي من الميزان. (3) بياض في ص. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 645 [وتقطف] (1) من إنعام الحضرتين ثماراً، وتعيد جدب (2) الزمان ربيعاً، وتفيض على بني الآمال ربيعاً، فقد وفت لها حين خانت اليد بنانها، وسئمت الضلوع جنانها، وصدحت بالكلمة العلوية على المنبر، وسهام العدا تقع خلفاً وأماماً (3) ، ورهج خيولهم يسحب على الموت غماماً، وكم لها من مقامٍ نتق قلوب العداة نتقاً، وجمع قطري الرسالة فتقاً ورتقاً، فلا قلص الله ظلها عن هذا الثغر الذي يكاد ترابه بكرمها يورق، ونبته (4) بحسنها يشرق. ومن أخرى له: شهر الصيام [ذو] فضلٍ مشهور، ورتبته علت (5) جميع الأيام والشهور، فما تنتهك للشرع فيه حرمات، ولا تسمع للأوتار نغمات، ولا تنطق باللغو أفواه، ولا ترشف رضاب الكؤوس شفاه، وإذا اعتبرت أوقات الحضرة المنصورة، وجد أكثرها على هذه الصفة المذكورة، إلا أن الشهر اختصه الله بشرف القضية، وفرض صيامه على جميع البرية، فلا زال على الحضرة العالية عائداً، ولها للأعمال الصالحة شاهداً، تطلع في لياليه الحسنات شموساً، وتجمع بين الشفق والفلق تسبيحاً وتقديساً، خاطرة (6) في جلابيب عز يعتلق الدهر بأسبابه، وكرمٍ يغرق البحر في عبابه، ومجدٍ تعشو النيرات إلى أنواره، وتعتصم الملوك الخائفة بجواره، وتترب بمكارمها الأيدي التربة، وتثبت بسعدها بروجهم المتقلبة، ويجدون ترابها في أفواههم عسلاً، وفي أجفانهم كحلاً، ويرون وظائف النوب عنهم ترفع، وآنف الحوادث تجدع:   (1) يبدو أنه وقع في هذه الصفحة تقطيع تداخلت فيه نهايتا سطرين، مما أحدث خللاً واضطراباً في النص. (2) ص: تعيد أحدب. (3) ص: وأمما. (4) ص: ونبتها. (5) ص: على. (6) ص: ناظرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 646 قد ود هذا النهر أن هلاله أضحى على غرر الشهور [يرفع] ألبسته تقوى وألبس حلةً من سرمدٍ وكلاهما لا ينزع وبرزت في جيشٍ تغص به الفلا وترى ذكاء بنفعه تتقنع لجبٍ شكت كف البسيطة ثقله حتى لكادت تحته تتصدع لابد تعرف بالعراق (1) جياده ونسيم ذكرك فوقها يتضوع وعلى مطاها دارعون سيوفهم تدع السراب كأنما هو أيدع (2) وتقيم شرع بني النبي بأرضه والبيض ترعف والذوابل تشرع لم ترض معروف العوارف نفسه فتراه يغرب في السماح ويبدع وإذا تمنى المال يودع كفه خابت أمانيه وبات يوزع (3) تركت سيوفك كل خالع طاعةٍ وفؤاده من خوف بأسك يخلع ومن أخرى: لقد أسعد الرحمن من بات ثانياً إليك عناني رغبةٍ وثناء إذا ما الحيا جاراك في حلبة الندى رمى فوق فوديه قناع حياء وما يتساوى قط بحر وجدول ولا كل أعضاء الفتى بسواء إذا لم تحط نظماً ونثراً بمدحه فما حيلة الكتاب والشعراء فككت إساري منعماً وتركتني لآلائك الحسنى من الإسراء والذي جعل الأرض بساطاً يبسط قدرها في الآفاق، ويجعل أيامها ينابيع الأرزاق، حتى لا ينطق بسوى شكرها لسان، ولا يرى لغيرها على أحدٍ إحسان.   (1) ص: بالفراق. (2) الأيدع: صبغ أحمر. (3) ص: يودع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 647 وفي فصل من أخرى: وحضر فلان، وعليه من نعمته آثار قد حلت عطله، وسدت خلله، وظهر في زي يكبت كل عذولٍ وشامت، وينطق بالمنة عنه وهو صامت، وقد سير من ذلك ما سير غوراً ونجداً، ونظم في ترائب الأيام منها عقداً، ولا زالت مننه لذوي الآداب قاطرة، وعراصه بلطائم الثناء عاطرة، يتغاير النثر والنظم على مدائحه، وتفيض على العافين غروب مواهبه ومنائحه. ولما اعتزم العودة إلى ذلك الظل المديد، والعيش الرغيد، زودته هذه الرقعة مستدعياً له الزيادة من كرم العادة، والحظوظ السنية المستفادة. ومن أخرى: أنبئت - أطال الله بقاء مولاي - بشيءٍ أنا فيه مكذب ومصدق، ومدافع ومحقق، واحتجت بحكم ذلك إلى مطالعته، وعلم كنه حالته (1) ، فالخل كالماء يبدي لي ضمائره مع الصفاء ويخفيها مع الكدر عرفت أن هذا الراقص البغدادي قد رفض مودته خلفا، وسلك به من الخلافة (2) عسفا، فوصله وهجر ديوانه، وأرضاه وأسخط خلانه، واستبذل فيه مصوناً من قدره، واستذل عزيزاً من تأتيه وبره، وصار يهب النفس بلمسةٍ [من] إهابه، وجميع سقي النيل برشفةٍ من رضابه، وينشد إذا تراكضت خيول اللهو واللعب، وغلظ عليه قول الملاحي المؤنب: غزال تمتعت في قربه ونازعني الكاس حتى غلب إذا ما تنفس في نومه تنفس عن مثل ما قدر شرب   (1) كنه حالته: قراءة تقديرية، إذ هذا الجانب من الصفحة قد طمس. (2) الخلافة هنا بمعنى الخلاف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 648 فيا ليل ليتك لا تنقضي وما صبح ليتك لا تقترب فوجدت والله من إشناعة هذه الحال ما يجده الخائف غابة واقيه، والسليم عدم طبيبه وراقيه، خوفاً على جاه مولاي أن يميل، ويشنع فيه القال والفيل، فيصل إليّ من المصاب بذلك ما يعشي الناظر، ويخذل الناصر، لا سيما والنسب حظه من الشرف الخطير، وقسطه من الإعظام والتوقير، والصغير يعد به كثيراً، والحصاة تحسب معه ثبيراً، ولو كان مولاي مد على هذه السقطة سجفاً، وشرب ذلك العقار مزجاً لا صرفاً، لجاز أن تخفى القصة، وتنساغ قليلاً (1) هذه الغصة، فالعقل نعم الرقيب، والليل نهار الأديب، ويجب أن يتحقق مولاي أني ما أطلقت هذه اللفظة إلا وقد حصر الكتمان، والتقت حلقتا البطان، وسمعت ما يصم الآذان. وله من أخرى (2) : ما زال يختار الزمان ملوكه حتى أصاب المصطفى المتخيرا قل للألى ساسوا الورى وتقدموا قدماً هلموا شاهدوا (3) المتأخرا تجدوه أوسع في السياسة منكم صدراً وأحمد في العواقب مصدرا إن كان رأياً شاوروه أحنفاً أو كان بأساً (4) نازلوه عنترا قد صام والحسنات ملء كتابه وعلى مثال صيامه قد أفطرا ولقد تخوفك العدو بجهده لو كان يقدر أن يرد مقدرا   (1) قوله " الليل نهار الأديب " فيه إشارة إلى قصة ليحيى البرمكي حين بلغه أن ابنه الفضل قد تشاغل باللذات عن النظر في أمور الرعية - وكان والياً بخراسان - فكتب إليه يلومه، وضمن رسالته أبياتاً يقول فيها: فكابد الليل بم تشتهي ... فإنما الليل نهار الأديب انظر ابن خلكان 4: 28. (2) منها ثلاثة عشر بيتاً في الخريدة: 16 ب وأحد عشر في ابن خلكان 2: 90 وقال ابن خلكان: وقد اقتصرت منها على هذا القدر خوفاً من التطويل. (3) الخريدة: هلم فشاهدوا. (4) الخريدة والوفيات: رأي ... بأس. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 649 إن أنت لم تعث إليه ضمراً جرداً بعثت إليه كيداً مضمرا تسري وما حملت رجال أبيضا فيه ولا ادرعت (1) كماة أسمرا خطروا إليك فخاطروا بنفوسهم وأمرت سيفك فيهم أن يخطرا عجبوا لحلمك أن (2) تحول سطوةً وزلال خلقك كيف عاد مكدرا لا تعجبوا من رقةٍ وقساوةٍ فانار تقدح من قضيب أخضرا فلذاك عدك حين يعرض عارض وسطى البنان وعد غيرك ختصرا لو رام قسطنطينة لا جلقاً (3) بك لم يدع في أرضها متنصرا ولقد قضت أي الكتاب لكل من نصر الشريعة أن يعان وينصرا فلا برحت الحضرة - حرس الله أيامها - تفتر (4) عن مباسمها الحسان، وتفتخر بمناقبها قبائل غسان، فلو شاهد أهل جفنة (5) جفانها، وأهل جبلة بن الأيهم ضرابها وطعانها، لعلموا (6) أن الله أتاح السماحة والبسالة ملكاً منهم يحفظ ما ضيعه الناس من عهود، ويسرح ما ذخروه من نقودها، فما يزيد المدح مناقبه ضياء، ولا مراتبه اعتلاء، وإنما هو في ذلك كالمسك يطيب بنفسه (7) طبعاً، ويزيد المحارض (8) تضوعاً ونشراً، وإن أطال العبد في نشر فضائلها مقوده، واستخدم في ذلك لسانه ويده، فإنما هو كمن يوقد في الشمس ذبالاً، ويهدي إلى الفرات نطافاً أوشالاً، والذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً، يجعل أمداد (9) النعيم على   (1) ص: ادعرت؛ والتصويب عن ابن خلكان، وفي الخريدة: اعتقلت؛ وهو أدق. (2) الخريدة: عجباً لحلمك إذ. (3) ص: لا حلعاً، ولم يرد هذا البيت في الخريدة. (4) ص: تعبر. (5) جفنة: الغسانيون. (6) ص: لعلم. (7) ص: لنفسه. (8) كذا في ص، ولعله: ويزيد في المجامر. (9) ص: امتداد. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 650 الحضرة مغدقةً، ووفود المواهب بساحاتها محدقة، ويمتع الدنيا بمحاسنها التي يتطامن لها ذو الأبصار، وتتأرجح تأرج القطر في جميع الأقطار. وله من أخرى: فولجت منزلاً قد استعار من قلب العاشق حراً ورهجاً، ومن أخلاق مالكه ضيقاً وحرجاً (1) ، كأنما زفرت فيه النار، ونقط على جدارنه (2) بالقار، فجلست طويلاً إلى أن حضر الإخوان، وقدم الخوان، فرأيت أرغفة قد أحكمت في الصغر والألطاف، ولم تتعوذ قط من الأضياف، وقد مرت عليها أيام، وعنيت بقول ابن بسام (3) : أتانا بخبزٍ له يابسٍ كمثل الدراهم في خلقته إذا ما تنفست عند الخوان تطاير في البيت من خفته وثلاثة صحافٍ، واسعة الأكناف، بعيدة الأوساط من الأطراف، قد جعل في قرارة كل منها ما [لا يدفع السغب، ولا تجده / [191] اليد إلا بالتعب، فجلنا جولةً وعينيه تطرف علينا شمالاً ويميناً، وتتفقد منا حركةً وسكوناً، وقمنا ولم نقارب الكفاف، وقد ظن بنا الإسراف، فحضرنا مجلس المعاقرة فأديرت علينا قهوة قد خصت باللون الكدر، وكثرت بالماء الخضر (4) ، كالمهل تغلي في البطون أو أنها يوماً تعد لكافرٍ لم تحرم فحسونا أولاً وثانياً، وكرعنا منها حميماً آنياً، وقلنا لعل ما يحضر من الملهيات يصلح فاسدها، وينفق كاسدها، ولم يكن بأسرع من أن افتتحت قينة يحرم لها السماع، وتستلذ الصمم الأسماع:   (1) ص: وحربا. (2) ص: ولقط على جدرانه. (3) هو علي بن بسام البغدادي (302 أو 303) وقد مر ذكره في عدة مواطن من الذخيرة، انظر مصادر ترجمته في القسم الأول: 142 (الحاشية: 3) . (4) الخضر: يريد ماء فيه طحلب، للمبالغة، وإلا فقد تقرأ " الخصر ". الجزء: 8 ¦ الصفحة: 651 تكدر صفو الراح في شدوها وتنفر الأنقار (1) من ضربها لم تكن العلجة مطبوعة بل كان مطبوعاً على قلبها فسمعنا ولأمر الله سلمنا: فحين جر الظلام علينا الذيل (2) ، وغشى النهار الليل، زفت إلينا خريدة رأسها مقطوع، ووسطها مشعوب مرقوع (3) ، قد حفظت عن عادٍ عهده، واستعارت من يأجوج قده، تبص كعيون الجنادب، وتضيء في الظلماء كنار الحباحب، فقوضنا خياماً، وسكرنا هماً لا مداماً؛ فالحمد لله الذي صد مولاي عن هذا المقام ومنعه، وحمى عما حضرناه مستمعه. وله من أخرى إلى نفيس الدولة يستدعيه: أنا - أدام الله تمكن مولاي - كالماء تتفرق أجزاؤه فيلتئم، وكعرق الفصاد تمزقه المباضع (4) فيلتحم، وذلك أنه - أدام الله عزه - ارتد عن شريعة الوداد، ودان دين المحافظة بالإلحاد، واستعمل [من] الجفوة ما ينفر الطرف عن هجوعه، ويوحش الصدر من صحبة ضلوعه، فقسوت عليه أياماً، وأوسعته (5) في النفس ملاماً، ووجدت طعم السلوة طيباً، والصبر من الصبر عنه ضرباً، وتشخصت لي أخلاقه مرة المقاطف، خربة المكاسر والمعاطف: وإذا أفاق الجحد واندمل الهوى رأت القلوب ولم تر الأحداق فما هو [إلا] أن اجتمعت به اليوم في المجلس المعمور حتى هبت علي رياح صفاته فطبت تلك الكلوم، وجددت تلك الرسوم، وأرتني المخفر من عهوده مخفوراً،   (1) ص: الأنفار. (2) ص: جرى ... الليل. (3) ص: مشغوف مرفوع. (4) ص: المضابع. (5) ص: وأزمعته. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 652 والمحصى من ذنوبه منسياً مغفوراً، فاستحال السلو شوقاً مبرحاً، والناضر (1) من المعتبة هشيماً مصوحاً: وما زال داعي الشوق حتى أجبته بمطروفةٍ تدمى لواهي الأنامل وصدرت هذه الرقعة وأنا أود كلفاً، لو كنت فيها ألفاً، تفاؤلاً بعودة رياح الألفة، وتسكيناً للقلب من نزوات الرجفة: من الوفاء وفاء لا يغيره مر الزمان بإعراض وإقبال وعندي الآن ذاك الصديق الذي يخطف العقول ويذهبها، ويغير على الألباب وينتهبها، ويحطم الرماح كرانه، ويؤمن في مضمار المسرة خوانه، وليس والله تتصور لي الأقداح، وتلثم مراشف الراح، إلا ومولاي يحاسبني كؤوسها ويجهز إليّ خميسها؛ وأسأله أن تكون قراءة هذه الرقعة وقد ركب سمت الطريق، وقابل الأمر بالتحقيق. وله من أخرى، وقد قبض على الوزير وقت الظهر، وافرج عنه في العشاء الآخرة: من كرم الله وجزيل إسعافه، وجميل صنعه وألطافه، أن جعل سيدنا كالنجوم تغيب ثم يرتفع في غدٍ سمتها، أو كملكة الشطرنج يقال: قد فاضت ثم تعيش لوقتها؛ وقضي لحضرته بأن تزل الخطوب عنها زليل التراب عن متن الصفا، وتتحاملها النوائب [في هبطوها] وطلوعها، منذ خطرت الشمس في الحلل الجلنارية، إلى أن صارت في [الثياب] السوسية، ونزل سيدنا إلى داره بالسعد المصحب، وفي   (1) ص: والناظر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 653 الموكب المتلاغظ اللجب، وترك الوزارة تدعو (1) من زانها وجملها، لمن رقع هلهلها وسملها (2) ، وإن أكتابت لبعده، وعبقت أعطافها بلطائف مجده: يضوع ثراها بالندى فتخالها رياضاً وكانت قبل وهي صوائح صفا جوها بعد الكدور بعدله وطابت حشاياها الظماء القوامح (3) فالحمد لله على ما منّ من سرعة الإقالة، وانقضاب تلك الحبالة، وتفضل به من حسن الرعاية والكفالة، ولا زالت مواهبه - جلت آلاؤه - تقع عند سيدنا من وراء الاقتراح، وتسخر له أعطاف الغدو والرواح. وفي فصل من أخرى (4) : وصلت رقعة مولاي والصبح قد سل على الآافق مقضبه، وأزال بأنوار الغزالة غيهبه، فكانت بشهادة [الله] (5) / [152] صبح الآداب ونهارها، وثمار البلاغة وأزهارها، قد توشحت بضروبٍ من الفضل تعطيه (6) قاصية المدى، وتجريه (7) في مضمار الأدب مفرداً: فكأن روض الحزن تنشره الصبا ما ظلت من قرطاسها أتصفح فأما ما تضمنته من وصفي فقد صارت حضرته [السامية] (8) تتسمح في الشهادة بذلك مع مناقشتها في هذه الطريقة، وأنها لا توقع ألفاظها إلا في مواضع الحقيقة،   (1) كذا في ص، ولعله " تدع ". (2) ص: وشملها. (3) الظماء القوامح: قراءة تقديرية، فالخط باهت كثيراً تصعب قراءته. (4) أورد ياقوت (9: 157) هذه الرسالة وقال أن ابن أبي الشخباء كتب بها إلى أبي الفرج الموقفي جواباً عن رقعة. (5) الكلمة مطموسة في الأصل، واعتمدت في إثباتها على معجم ياقوت. (6) ياقوت: تقصر. (7) ياقوت: ويجري به. (8) زيادة من ياقوت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 654 فإن كنت قد بهرجت عليها فلتراجع (1) في نقدها (2) ، تجدني لا أستحق من ذلك الإسهاب فصلاً، ولا أعد لكلمة واحدةٍ منكم أهلاً؛ والله ينهضني لشكر هذا الإنعام الذي يقف عليه (3) الثناء ويضلع، ويحصر دونه البليغ (4) المصقع: هيهات: تعيي الشمس كل مرامقٍ ويعوق دون مناله العيوق وفي فصل (5) : وأما الفصل الذي ذكر أنه ألفاه في رسائل الكتاب وهو (6) : " وأما فلان فيحل في قومه محل العميد، ويفرح بالضيوف فرح حنيفة بابن الوليد، قدوره عمارية، وعطسات جواريه أسدية، تراهن أبداً يمسين في حلل الشباب، ويهوين لو خلق الرجال خلق الضباب، يتضوعن عن النشر العبقسي، ويرتضعن مراضع ثعالة المجاشعي ". [وما أمرت حضرته السامية من ذكر ما فيه عندي، فقد تأملته طويلاً، وعثر الخادم فيه بما أنا ذاكره، راغباً في الرضى بما بلغت إليه المقدورة وتجليل ذلك بسجوف الصفح] (7) . قوله: " فرح حنيفة بابن الوليد " اشار إلى ما قتل خالد بن الوليد المخزومي من بني حنيفة؛ وقوله: " قدوره عمارية " اشار إلى قول الفرزدق (8) :   (1) ص وأصل ياقوت: فتراجع. (2) ص: بعدها. (3) ياقوت: عنده. (4) ياقوت، الخطيب. (5) انظر ياقوت 9: 158 - 163. (6) ياقوت: الذي أودعه الرقعة الكريمة. (7) هذه الزيادة من ياقوت ضرورية للربط، وتوثيق نسبة الشرح إلى ابن أبي الشخباء إلى ابن بسام، وفي إيراد هذه الشروح يعتمد ابن بسام الإيجاز. (8) ديوان الفرزدق 1: 326. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 655 أو أن قدراً بكت من [طول ما] حبست على الحفوف (1) بكت قدر ابن عمار (2) ما مسها دسم مذ فض معدنها ولا رأت بعد نار القين من نار وقوله: " عطسات جواريه أسدية " فأراد قول الأول في هجاء بني أسد: إذا أسدية عطست فنكها فإن عطاسها طرف الوداق (3) وقوله: " يهوين لو خلق الرجال خلق الضباب " فذكر الجاحظ أن للضب أيرين وللضبة جرين (4) ، وأنشد قول النميري (5) : تفرقتم لا زلتم قرن واحدٍ تفرق أير الضب والأصل واحد وأنشد قول القائلة (6) : وددت بأنه لا زلتم ضب وأني ضبيبة كديةٍ وجدت خلا وأما قوله: " يتضوعن عن النشر العبقسي " فإن من أمثال العرب: هو أخسر صفقةً من شيخ مهوٍ (7) بطن من عبد القيس، وكان من خبره أن إياداً كانت أفسى العرب، فوفد وافدهم إلى الموسم بسوق عكاظ، ومعه حلةً نفيسة   (1) على الحفوف: قلة من الدسم؛ وفي ياقوت: عن الحقوق (مع أن أصله: على) . (2) الديوان: ابن جيار، وبهذه الرواية يضطرب الاستدلال إذ يجب أن يقول " قدوره جيارية ". (3) البيت في الأغاني 12: 181 منسوب لكثير عزة (ديوانه: 389) وروايته: إذا ضمرية عطست. (4) انظر الحيوان 6: 72 وانظر أيضاً 4: 163 - 164. (5) ص: قول البحتري؛ وأورده الجاحظ (الحيوان 6: 72) دون نسبة؛ وإنما رواية الخبر كله عن أبي خالد النميري لا البيت وحده؛ وقال الجاحظ أن البيت مما أنشده الكسائي، وفي ياقوت (9: 161) وأنشد الأصمعي لابن درماء فيما رواه أبو خالد النميري. (6) هي عند الجاحظ وياقوت حبى المدينة. (7) المثل في الدرة الفاخرة: 140 (أحمق من..) والعسكري 1: 388 والزمخشري 1: 82 وثمار القلوب: 106 واللسان (فسا) ؛ واسم الشيخ عبد الله بن بيدرة، وفي نقل ابن بسام إيجاز مخل؛ فإن الأيادي نادى ألا إني رجل من إياد فمن ذا الذي يشتري عار الفسو مني ببردي هذين فقام الشيخ العبدي فقال: هاتهما، فأنزر بأحدهما وارتدى بالآخر، وحينئذ أشهد عليه الأيادي من شهد الموسم بعكاظ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 656 فقال: يا معشر العرب إني قد بعت فساء إيادٍ لوافد عبد القيس بحلتي هذه؛ وافترقا راضيين، وقد شهد عليهما أهل الموسم، فصارت عبد القيس أفسى العرب، وقيل لابن مناذر (1) : كيف الطريق إلى عبد القيس - قال: شم ومر. فإن عبد القيس من لؤمها تفسو فساءً ريحه يعبق من كان لا يدري لها منزلاً فقل له يمشي ويستنشق وأما مراضع ثعالة فيقال: هو أعطش من ثعالة (2) ، رجلٍ من بني مجاشع، كان ضل الطريق هو وابن عم له، فعطشا، فالتقم كل واحدٍ منهما أير صاحبه يشرب بوله، فلم يغنيا عنهما شيئاً وماتا عطشاً، فوجدا على تلك الحال؛ ولذلك قال جرير يعير بني دارم (3) : رضعتم ثم بال على لحاكم ثعالة حين لم تجدوا شرابا وقيل: ثعالة: الثعلب، في تفسير هذا الخبر عن ابن حبيب، وخالفه ابن الأعرابي وحكى ما ذكرناه، وأنشد أيضاً قول جرير (4) : ما كان ينكر في غزي (5) مجاشعٍ أكل الخزير ولا ارتضاع الفيشل وله من أخرى يعزى بموت ولد فخر الدولة غريقاً (6) :   (1) هو محمد بن مناذر شاعر بصري مات في أيام المأمون (الأغاني 18: 103 والشعر والشعراء: 747 وطبقات ابن المعتز: 119 ومعجم الأدباء 19: 55) . (2) ورد المثل في الدرة الفاخرة: 309 والعسكري 2: 70 والميداني 2: 49 والزمخشري 1: 248. ديوان جرير: 818 وروايته " ثم سال ". (3) ديوان جرير: 818 وروايته " ثم سال ". (4) ديوان جرير: 941 والدرة: 309 والنقائض: 223 والمعاني الكبير: 585 واللسان والتاج (فشل) . (5) الديوان: ندي؛ ص: عدي. (6) وردت هذه الرسالة في جمهرة الإسلام، الورقة: 68 وأنها في رثاء ولد كافي الكفاة وبين النصين اختلاف، كما أن الرسالة في الجمهرة أوفى مما هي في الذخيرة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 657 غير بدعٍ من الزمان - أطال الله [حضرة] (1) سيدنا - أن تنكث حباله، وتصرد نباله، وتراش في قصد الكرام سهامه [وترهف نصاله] وتفهق بالغدر فجاجه، ويمزج (2) بالسم أجاجه، ويثار في النفوس عجاجه (3) ، ولذلك عرفت النفوس مواقع نكره، وأنست بغرائب (4) غدره ومكره، واطمأنت الضلوع وقد أصمت ضرائبه (5) ، وهجعت العيون وقد استيقظت نوائبه، فقل ما يراع روع بما جناه، وتجذل نفس / [193] بما منحه وأقناه، فإذا اصطلم [يوماً] أنف المجد [و] جدع، [وفطر قلوب المكارم وصدع] ، وخرج عن العادة المألوفة فابتدع، فهناك يحسن أن تطلق بذمه الألسن، ويجب أن يلقى بجيش اللوم اللجب. ولما طرق الفادح بمن لا أسميه تفادياً (6) من تحقيق الخبر بمصرعه، وصوناً له من مورد الحمام ومشرعه، رأيت (7) المحامد ذات نور خامد، والمآثر ذات عقدٍ متناثر، والقمر قد سئم هالته، والصبح قد خلع (8) الليل عليه غلالته، وشاهدت الكتابة مقصورة المدود، والبلاغة مخموشة، الخدود (9) والأدب قد اسودت سحنته، واشتدت على الزمن (10) وامتدت إحنته، إذ طرق بما يتجاوز القدر، ويوحش الأضالع من صحبة الصدر.   (1) زيادة من جمهرة الإسلام. (2) الجمهرة: وتجدع (اقرأ: وتجدح) . (3) قدمت هذه العبارة وقد تأخرت عن هذا الموضع في ص، اعتماداً على جمهرة الإسلام وحفاظاً على تسلسل الأسجاع وكانت في الأصل؛ ويثار في قصص الكووس عجابه. (4) الجمهرة: وأنس بعرف. (5) الجمهرة: صوائبه. (6) الجمهرة: تباعداً. (7) الجمهرة: رأى. (8) الجمهرة: ألفى. (9) الجمهرة: شواهد البلاغة متصرمة المدود والكتابة مرسومة الحدود. (10) الجمهرة: على الدهر. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 658 شمس العلا غربت بحيث ترى أبداً غروب الشمس والبدر من بره بك أن يخط له جنن بقرب عطائك الغمر (1) وكأنما هو درة دفنت في جنب ما ولدت من البحر (2) وتنزهت عن أن يصافحها سمك (3) الصفيح وظلمة القبر فتعالى الله كيف استرد ذلك البدر قبل تمامه، وذبل ذلك الزهر في كمامه (4) ، قبل أن تشرف بموكبه الأعلام، وتروى من بنائه الأقلام، ويعبق دست الوزارة يفضح (5) العقود الدرية، وتعسعس معه الليالي البدرية. وقبل يرى من جوده ما رأيته ويسمع فيه ما سمعت من العذل هذا والله هو المصاب الذي تستعذب فيه الحلوم هفواتها (6) ، وتفارق له القلوب سويداواتها، وتستخف النفوس حمل الأوزار، وتأنف العيون (7) من لقائه بالدموع الغزار، حتى تجعل ذلك دأبها، وتخضب بالنجيع [أهدابها، إلا] أنه نزل بالحضرة (8) ممن شدت بالتقوى (9) مريرته، وتساوت في طاعة الله علانيته وسريرته، فالجزع لا يصبح مالكه، والخطوب لا تخطب تهالكه، والنازل يطيف منه بالعود البازل، الذي يتحقق أن الدنيا نسيمها شرار، وطعمها مرار، والمقيم فيها موجف، والرائد منبت معجف.   (1) لم يرد هذا البيت في الجمهرة. (2) الجمهرة: ما وليت من النحر. (3) الجمهرة: صم. (4) الجمهرة: قبل إكمامه. (5) الجمهرة: وتتيه الطروس من ألفاظه الدرية بما يفضح.. الخ. (6) الجمهرة: النفوس فواتها. (7) الجمهرة: الجفون. (8) الجمهرة: نزل من الحضرة العالية. (9) الجمهرة: شزرت (أو سورت) من التقوى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 659 وذكرت بهذا الفصل ما أنشدته لبعض أهل عصري يصف غلاماً وسيماً [عام فانحسر منه العزم ونجا] (1) بعد أن أشرف على الموت من جملة أبيات: شجاني المقام الصعب لما شهدته وقد ضاقت الأنفاس والنفس تذهب وقد بهتت فيه اللواحظ إذ رنت إلى درةٍ تطفو [أواناً] وترسب كأن خليج الماء كان مجرةً وأنت بها شمس تلوح وتغرب كسيت إصفرار الروض عند ذبوله ولكن على الحالين مرآك أعجب (2) عدا الماء من ماء الصبا فيك غيرة وما خلت أن الماء للماء يغضب ستبقى بهذا النهر للناس عبرة مؤرخة في الكتب تتلى وتكتب وتبنى على شاطي نجاتك كعبة يحج لها بالحب من يتقرب وله من أخرى: لدي (3) - أطال الله بقاء مولاي الشيخ - نفس ترى النعم مع المهانة نقماً، وتجد طعم العيش مع عدم الإنصاف علقماً، ولو سمتها خروجاً عن هذا الأسلوب، ونزولاً عن ذلك الظهر المركوب، لرأت الخروج من الصدر أخف عليها محملاً، وأعذب لديها منهلاً: لكل امرئٍ من دهره ما تعودا (4) وهذا بث اقتضاه كثرة تعجب مولاي من انقاطعي عن الحضرة التي بأنوار مجدها توضحت، وفي بحبوحة عزها درت وسرحت، وما أطلق من الألفاظ التي لو حاسب لسانه عليها لأنف من ذكرها، واستغفر من إثمها ووزرها، وقبيح بمثله ممن   (1) هذه القراءة بحسب المعنى لعدم وضوح الألفاظ في ص. (2) هذا الشطر غير واضح في ص. (3) ص: لسيدي. (4) صدر بيت للمتنبي، عجزه: وعادة سيف الدولة الضرب في العدا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 660 أعطاه السؤدد مقادته، وركب متن الشرف وجادته، أن يأكل لحم أخيه حياً، ويرى غيبة خلطانه طعاماً مرياً، ولو عرف أصل ذلك وفرعه، وناجت به الحقيقة لسانه وسمعه، فكيف أن يزري وهو لا يدري، ويتكلم وهو لا يعلم، ويستحسن قواريض من القريض تترك شمل المحامد مفرقاً، وأديم الأعراض ممزقاً، ولقد كنت مزمعاً على فراق العادة، واتباع قول ابن ميادة (1) : / [194] وحكت لهم مما أقول قصائداً تخب بها صهب المعارى وجونها ورأيت أن أنبه مولاي على ما أنكرته: أن يكون بين أمرين: إما أن يسأل عن السبب الموجب لبعدي عن تلك الحضرة، أو يمسك عن الخوض في ما لا تحيط به الخبرة، فلعله إذا علم الحقيقة مهد المعذرة، وبرد لفحات اللوم المستعرة، وتبين (2) أني ما ثنيت عناني عن هذا المورد إلا وقد ترنقت مشارعه، ولا زويت وجهي عن ذلك المنتجع إلا وقد ذوت مراتعه؛ وبعد ذلك فبين أضلعي ولاء تشتبك أواصره والأنساب منقصمة، ويشرق صباحه وأسرة الشمس مظلمة، إذا حفت به الحفائظ رق نسيمه، وتساوى في الإخلاص حديثه وقديمه: فغن أنصف فإن يداً تولت كسوري تهتدي لمكان جبري وإن أحرم قضاء العدل أرجع إلى كنفين من هجرٍ وصبر   (1) من قصيدة له أورد أبو الفرج أبياتاً عديدة منها (الأغاني 2: 263 - 264) ومطلعها: ألا حييا الأطلال طالت سنينها ... بحيث التقت ريد الجناب وعينها إلا أن البيت لم يرد في الأغاني وانظر شعر ابن ميادة (جمع الدليمي) : 101 (رقم: 153) . (2) ص: ويتبين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 661 انتهى القسم الرابع من كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وبكماله كمل جميع الديوان، والحمد لله على ذلك كثيراً وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وسلم تسليما، وذلك ضحوة يوم الأحد السابع من شهر ربيع الثاني سنة ست وعشرين ومائة وألف عرفنا الله خيرها، ووقانا بمنه سوء كل ضير. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً والحمد لله رب العالمين الجزء: 8 ¦ الصفحة: 662