الكتاب: أمثال العرب المؤلف: المفضل بن محمد بن يعلى بن سالم الضبي (المتوفى: نحو 168هـ) المحقق: إحسان عباس الناشر: دار الرائد العربي، بيروت - لبنان الطبعة:   الأولى، 1401هـ = 1981م   الثانية، 1403هـ = 1983م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- أمثال العرب ت إحسان عباس المفضل الضبي الكتاب: أمثال العرب المؤلف: المفضل بن محمد بن يعلى بن سالم الضبي (المتوفى: نحو 168هـ) المحقق: إحسان عباس الناشر: دار الرائد العربي، بيروت - لبنان الطبعة:   الأولى، 1401هـ = 1981م   الثانية، 1403هـ = 1983م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] هذا الكتاب تعد أمثال الضبي أقدم مجموعة وصلتنا من الأمثال، وهي لذلك أقدم صورة لدينا من المثل الجاهلي المقترن بالحكاية، ومن ثم كانت قيمة هذا الكتاب كبيرة، لأنه أصبح مصدراً لأكثر الكتب التي ألفت بعده في هذا الموضوع. وقد اتسع نطاق الأمثال بعد المفضل، فشملت ضروباً أخرى مثل الحديث والحكمة والشعر، وتعددت المؤلفات فيها، وازداد عددها على مر الزمن، وتفرعت في ثلاثة أقسام على الأقل: الأمثال القديمة، وأمثال المولدين، وأمثال العامة، وعلى مر الزمن أيضاً كثرت فيها الخرافات على ألسنة الحيوانات. وكان كتاب أمثال المفضل قد طبع بمطبعة الجوائب (1300هـ؟) ثم طبع مرة أخرى بمصر 1909. فلما وجدت أن كثيراً من كتب الأمثال قد أخرج على نحو محقق مفهرس، بعناية علماء محققين، رأيت أنه لا يصح أن يبقى هذا الكتاب - وهو أصل معظم المؤلفات في الأمثال - دون تحقيق، فقرأته على المصادر، وقارنت ما فيه من مادة بما ورد في كتب الأمثال، وزودته بالتعليقات الضرورية، والفهارس الهامة، دون أن أطلع على أصل مخطوط له، وقد كنت حقيقاً أن أفعل، لو تيسر لي ذلك. وتدل بعض النقول في المصادر على أن المفضل جمع أمثالاً كثيرة، ثم اختار منها هذا العدد الذي رواه عنه ابن الأعرابي، فلدى أبي عبيد القاسم بن سلام نقول كثيرة عن المفضل لم ترد في هذا الكتاب (1) ، وأورد حمزة في الدرة الفاخرة المثل " أفقر من العريان " نقلاً عن المفضل (2) ، وهو غير موجود في هذا   (1) انظر الأمثال العربية القديمة: 76 والحاشية 2ص: 75. (2) الدرة الفاخرة: 332 وقد ينصرف الاسم إلى المفضل بن سلمة صاحب الفاخر، ولكن المثل غير موجود عنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الكتاب، كما أورد الواحدي في الوسيط مثلاً آخر هو " بق نعليك وابذل قدميك " (1) عن المفضل أيضاً ولا وجود له كذلك في كتابةهذا. ورغم ذلك فيبدو لي أن مطبوعة الجوائب قد استوفت الكتاب الأصلي، وهي جيدة وليس فيها أخطاء كثيرة، وهي تستحق العناية التي بذلت لإخراجها في شكل جديد مصححة - قدر المستطاع - مزودة بالحواشي التي تتضمن بعض الشروح والكثير من التخريجات، مرفقة بفهارس مختلفة، وقد جعلت للكتاب ذيلاً جمعت فيه بعض الفوائد والاستدراكات الضرورية، التي لم أر وجهاً لإثقال الحواشي بها. إحسان عباس بيروت في 30 مايو (أيار) 1980.   (1) الوسيط: 81 (والنص غير دقيق هنالك) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 مقدمة في المؤلف والكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 فراغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 مقدمة في المؤلف والكتاب 1 - المفضل الضبي يبدو أن أخبار المفضل مع الخلفاء والشعراء وغيرهم كانت من الكثرة بحيث تستحق أن تفرد بالتصنيف، وهذا ما يفهم من قول القفطي: " وإن أخر الله في الأجل استقصيت أخباره في مصنف مفرد أسميه: المفصل في أخبار المفضل " (1) ، غير أن القفطي لم يحقق هذه الأمنية في الأرجح، وبقي على الدارس أن يتتبع ما تناثر من أخباره في المصادر؛ وقد وردت ترجمته وبعض أخباره في مصادر غير قليلة - تكشف عنها حواشي هذه الدراسة - ولكن معظم ما ورد متناقل مكرور. وأكمل صورة لنسبه ترد على النحو الآتي: المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم بن أبي سلمى بن ربيعة بن زيان بن عامر بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد مالك بن بكر بن سعد بن ضبة (2) . ويقف بعض المصادر دون استكمال هذا النسب، إيجازاً، لا إخلالاً متعمداً (3) . وترد له في المصادر كنيتان: أبو العباس وأبو عبد الرحمن (4) ، وشذ ابن الجزري فكناه بأبي محمد (5) - ولعل ذلك خطأ طباعي أو سهو (6) .   (1) إنباء الرواة 3: 305. (2) تاريخ بغداد 13: 122 وأنساب السمعاني 8: 385 وإنباء الرواة 3: 299؛ ولا خلاف بين هذه المصادر إلا في بعض التصحيفات: فزبان في الأنباء يرد ((زياد) ((والسيد)) قد كتب ((السند. (3) انظر طبقات الزبيدي: 193 والفهرست: 75 (وأسقط الزبيدي ((عامر)) كما أسقط الفهرست ما بين سالم والزبان، وتصحف هذا الأخير إلى ((الريال)) وورد في مصادر أخرى: الريان) . (4) الفهرست: 75 ونزهة الإلباء: 35، وبغية الوعاة 2: 297 والمزهر 2: 423. (5) غاية النهاية 2: 307. (6) شبيه السهو تسمية والد المفضل ((أحمد)) في شرح النهج 3: 308. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ولا تتحدث المصادر بشيء محدد مباشر عن أبيه محمد، ولكن بعضها التفت إلى جده يعلى، فذكر أنه كان من موظفي الدولة الأموية، وأن نيله لوظيفته تم على أثر رؤيا رآها؛ فقد رأى في منامه كأن على بابه حبشية عوراء يلوح عليها سواد، فصحا مفزعاً، وفي مساء اليوم نفسه استدعاه الحجاج فولاه خراج الري وهمذان والماهين (1) . ولست أدري وجه دلالة ((الحبشية العوراء التي يلوح عليها سواد)) لدى عابري الرؤى، ولكن من السهل أن نتصور - بناءً على قاعدة التضاد بين الحلم والواقع - أن الفزع في الصباح تحول إلى سرور في المساء. ولا ريب في أن المفضل كوفي: ولد في الكوفة ونشأ بها، وفيها نال ثقافته الأولى، وخلف زياداً الأعرابي على زوجته بعد وفاة زوجها، وكفل ابنها محمداً - الذي أصبح من بعد عالماً يعرف بابن الأعرابي - ورباه وتعهد تثقيفه (2) . وكان من شيوخه الكوفيين (3) المقرئ المشهور عاصم بن أبي النجود (4) ؛ فقد أخذ عنه القراءات والحديث (5) ، ويقول في تصوير علاقته بهذا الشيخ: كنت آتي عاصماً فأقرأ عليه، وإذا لم آته أتاني في بيتي (6) ؛ زفي قراءته إذا خالف عاصماً   (1) انظر انباء الرواة 3: 303، 299 وقارن بتاريخ بغداد 13: 122 والماهان: الدينور ونهاوند، وقيل هي أيضاً مدينة بكرمان (معجم البلدان 4: 405) . (2) الفهرست: 76 وتاريخ بغداد 13: 121 وأنساب السمعاني 8: 385 والمعارف: 546 وياقوت 19: 164 والمزهر 2: 411 وهذا يظهر الخلل في قول ابن الجزري ((وقيل أن ابن الأعرابي ادركه (غاية النهاية 2: 307) فإن ورود ((قيل)) في الخبر لا يجوز، وانظر معجم الأدباء 18: 190 ووفيات الأعيان 4: 306. (3) في شيوخ المفضل جملة انظر: تاريخ بغداد 13: 121 والأنساب 8: 385 وأبناه الرواة 3: 298 - 299 وميزان الاعتدال 4: 170 ولسان الميزان 6: 81 وفي القراء منهم خاصة: غاية المهاية 2: 307. (4) توفي عاصم سنة 127 أو 128، انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 5: 38. (5) لا يروي المفضل أحاديث كثيرة، ومما رواه: ((أن من الشعر حكماً)) تاريخ بغداد 13: 122 وأضداد ابن الأنباري 343، عن أستاذه سماك بن حرب، وهو مضعف عند المحدثين (ميزان الاعتدال ولسان الميزان) . (6) انباه الرواة 3: 298 وغاية النهاية 2: 307. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 شذوذ، ومن أجل ذلك - فيما أعتقد - ذكر أبو حاتم متروك القراءة إلى جانب تضعيفه في الحديث (1) . ومن شيوخه أيضاً سماك بن حرب أبو المغيرة الكوفي، وكان فصيحاً عالماً بالعشر وأيام الناس، وقد تردد المحدثون بين توثيقه وتضعيفه، وكانت وفاته سنة 123هـ؟ (2) . ومنهم سليمان بن مهران المعروف بالأعمش (- 145) (3) وإبراهيم بن مهاجر البجلي الكوفي المحدث (4) ، ومغيرة بن مقسم الضبي الكوفي الفقيه المحدث (بين 132 - 136) (5) ، وأوب إسحاق السبيعي الكوفي عمرو بن عبد الله الذي لا يختلف العلماء على أنه كان ثقة في الحديث (بين 126 - 129) (6) . وقد ذكر أنه أخذ عن أبي رجاء العطاردي عمران بن ملحان؛ وهو محدث بصري، ولكن هذا مستبعد لأمرين: أولهما أن العطاردي توفي على أعلى تقدير سنة 109هـ؟؛ وثانيهما أن المفضل لم يترك الكوفة إلى البصرة إلا بعد سن كبيرة نسبياً. ولهذا أرى الصواب في قول من قال إن المفضل لم يدرك أبا رجاء (7) ، كما سأبين بعد قليل. مما تقدم يمكن للدارس أن يتوقف عند عدد من الحقائق منها: أن أساتذة المفضل كانوا في الجملة كوفيين، يتفانون في ولائهم فبعضهم عثماني مثل عاصم وبعضهم يتشيع مثل الأعمش، وأنهم تميزوا - في الغالب - بالقراءة والحديث على تفاوت واسع فيما بينهم.   (1) ميزان الاعتدال ولسان الميزان وغاية النهاية. (2) انظر تهذيب التهذيب 4: 232. (3) مشهور بالقراءة والنحو والحديث (تهذيب التهذيب 4: 222) . (4) تهذيب التهذيب 1: 167. (5) تهذيب التهذيب 10: 269. (6) تهذيب التهذيب 8: 63. (7) ميزان الاعتدال ولسان الميزان وغاية النهاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 وإذن كان جل ما أفاده المفضل من أولئك الأساتذة الكوفيين هو علمي القراءات والحديث، وهذا يلفتنا إلى ظاهرة هامة، وهي عدم تميزه بين معاصريه ومن جاء بعدهم في هذين العلمين، وقد يقال إنه في القراءة أخملته شهرة عاصم - من بعد - حتى أصبح ظلاً له، وأنه لم يكتسب توثيقاً في الحديث لميول مذهبية - ستتضح فيما يلي؛ ولكن الأهم من ذلك أنه برز في الشعر والأخبار دون أن يكون في أساتذته من هو متميز في هذين الفنين، اللهم إلا إذا استثنينا أستاذه سماك بن حرب، والأمر الجدير بالنظر هو كيف حدث هذا التحول في حياته وتحت أي تأثير. وللجواب على هذا التساؤل شقان: أولهما يتعلق بالنشأة والثاني يتصل بتحول هذين الفنين - الشعر والأخبار - مصدر رزق للمفضل عند اتصاله بالخلفاء، والحديث عن الشق الثاني سيجيء في موضعه؛ أما عن الشق الأول فلابد من أن يرتبط التوجه إلى الشعر والأخبار - منذ الصغر - بمؤثرات قوية، منها الميل الطبيعي، ومنها قوة الأستاذ الموجه ومنها أثر البيئة البيتية: وقد عبر الميل الطبيعي عن نفسه تلقائياً حين التقت الموهبة مع الحاجة المادية؛ وأما قوة الأستاذ الموجه فلعلها أن تلفتنا إلى أثر سماك بن حرب فيه، دون سائر أساتذته، فقد كان الرجل عالماً بالشعر وأيام الناس - وإن لم نجد في الروايات ما يؤيد ذلك الأثر - وأما أثر البيئة البيتية فربما أشار إلى أثر والده فيه. وقد قلت - فيما تقدم - إن المصادر لا تتحدث بشيء محدد مباشر عن والده، ولكنها رغم ذلك تقول الشيء الكثير استنتاجاً، ومن تصفح تاريخ الطبري عرف هذه الحقيقة (1) ، فالمفضل يروي عن أبيه محمد بن يعلى أخباراً تمتد من عام 32هـ؟ إلى نهاية الدولة الأموية، أي أخبار قرن كامل، ولكن ما بقي من تلك الأخبار لا يتناول جميع الأحداث، وإنما يقتصر - حسب منقولات الطبري - على إشارات حول معركة الجمل، وهي التي شارك فيها   (1) للحكم على ذلك لابد من مراجعة فهرست الطبري؛ وتتبع الأحداث التي يرويها المفضل، وفي بعضها نقل صريح عن أبيه، وفي بعضها الآخر يسقط اسم الأب، ولكن يبدو من المرجح أن معظم تلك الروايات إنما تلقاه عن والده حتى حين لا يصرح باسمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 بنو ضبة بقوة إلى جانب العثمانية، ثم تتركز سائر الأخبار المروية على الأحداث المتصلة بخراسان، وهذا قد يعيد إلينا صورة الجد الذي تولى الخراج في منطقة مقاربة، ولا يستبعد أن يكون محمد والد المفضل ممن اتصل بالحياة في خراسان عن كثب، إما جندياً وإما موظفاً. وهذه الأخبار التي تلقاها المفضل عن أبيه انتقلت إلى تلميذه المدائني الذي لقيه فيما أقدر - في الفترة البغدادية. وإذا راجعنا أسماء أساتذة المفضل في المرحلة الكوفية، وجدنا أن عاصماً من أقدمهم وفاة (سنة 127 أو 128) وهذه حقيقة يجب ألا تفوتنا الإفادة منها، على نحو استقرائي، بربطها مع حقيقة أخرى: وهي حاجتنا إلى الجزم بأن المفضل لم يدرك أبا رجاء العطاردي (الذي توفي سنة 109) ، وقد يصبح القطع بذلك ممكناً بعد أن نقرأ في تاريخ الطبري (1) ((حدثنا؟ عن المفضل بن محمد عن عدي بن أبي عدي عن أبي رجاء العطاردي قال؟)) فالمفضل إذم لا يروي عن أبي رجاء مباشرة، ولو أدركه لفعل ذلك، وإذن فمن اللاحق باليقين أنه لم يدركه لأحد سببين: إما لأنه لم يكن قد ولد بعد، وإما لأنه كان صغير السن. فإذا قلنا أنه ولد في العاسم الذي توفي فيه أبو رجاء كانت سنه عند وفاة عاصم لا تزيد عن تسعة عشر عاماً، وهي سن لا تسمح لعاصم الشيخ الجليل أن يذهب لزيارة المفضل في بيته إن لم يسارع المفضل إلى القراءة عليه؛ فإذا قدرنا مستوى مرضياً من العمر لهذا الاحترام المتبادل بين الأستاذ وتلميذه وجدنا أن عمر المفضل حين توفي عاصم لم يكن يقل عن خمسة وعشرين عاماً إلى ثلاثين، ويكون تاريخ ميلاده على حسب هذا التقدير بين سنتي 98 - 103هـ؟. في تلك المرحلة الكوفية من حياة المفضل كان جل همه منصرفاً إلى طلب العلم؛ غير أنه بعد أن أحكم العلوم التي طلبها جلس للتدريس والقراء، فأخذ عنه عدد كبير من الطلاب في مقدمتهم ربيبه ابن الأعرابي، وعلي بن حمزة الكسائي،   (1) الطبري 1: 3198. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ويقص علينا حبيب بن بسطام الوراق الأزدي البصري كيف كان يتشوف إلى طلب العلم على المفضل، فغادر البصرة إلى الكوفة وهو يتخوف أن يصده المفضل لأنه بصري ولأنه أزدي، فروى عن هاتين الحقيقتين بأن قال له حين سأله عن منبته: ((من أرض الهند)) لأن البصرة كانت تعرف يومئذ بذلك، ولما سأله عن ولائه أجاب: لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ونرى المفضل وتلميذه الأزدي يرتادان سوق الكوفة، ويدخلان دكان رجل يبيع الخبط والنوى (1) . ولا ندري الحافز الذي دفعه للانتقال إلى البصرة، رغبة في استيطانها لا على وجه الزيارة العابرة، فقد كان حين رحل إليها قد أتقن المعارف التي شهر بها، وخاصة رواية الشعر والأخبار (2) ، ولابد من أن تكون رحلته إليها قد تمت قبل سنة 142هـ؟، وهي السنة التي توفي فيها سليمان بن علي الهاشمي، إذ تذكر الأخبار له صلة بذلك الأمير (3) . وعلى ما كان لدى علماء البصرة حينئذ من استخفاف بعلماء الكوفة إلى درجة امتناعهم من الأخذ عنهم، فإن المفضل كان استثناء في ميدانه الذي كان يحسنه، فقد وثقوه، وتقلبوا روايته وأخذوا عنه، وقال ابن سلام فيه: ((وأعلم من ورد علينا من غير أهل البصرة المفضل بن محمد الضبي الكوفي)) (4) - يعني العلم بالشعر - كما اعترف له جهم بن خلف المازني - رغم هجائه له (5) -   (1) انباه الرواة 3: 300. (2) انباه الرواة 3: 304. (3) ولي البصرة 133 - 139 وبقي يعيش فيها حتى وفاته (راجع الوافي بالوفيات 15: 406 والفوات 2: 70 وتهذيب ابن عساكر 6: 281 وتهذيب التهذيب 4: 211) غير أن بعض المصادر يذكر عيسى بن جعفر (الخصائص 3: 306) وبعضها يذكر جعفر بن سليمان في موضع: سليمان بن علي. (4) طبقات فحول الشعراء: 23 وتهذيب الأزهري 1: 10 وانباه الرواة 3: 299. (5) ورد هجاؤه في معجم الأدباء 7: 212 حيث يقول: انت كوفي ولا يحفظ كوفي صديقا ... لم يكن وجهك يا كوفي للخير خليقا ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 بالعلم في عدة فنون (1) ؛ وشهد له أبو حاتم السجستاني نزيل البصرة - من بعد فقال: ((كان أوثق من بالكوفة في الشعر)) (2) وهذه شهادة بتفوق بسبي، وخاصة حين كان البصريون يقارنون بين المفضل وأفادوا من علمه، وقيدوا بعض رواياته وآرائه، واعترفوا بمدى الخلف بين روايتهم وروايته: فقد كانوا مثلاً يعتقدون أن القصيدة الحائية التي يوصف فيها السحاب والمطر ((دان مسف فويق الأرض هيدبه..)) إنما هي لعبيد، على ذلك كانوا مجمعين فلما قدم عليهم المفضل صرفها إلى أوس بن حجر (3) ؛ وتذاكروا معه شعر الأسود بن يعفر فأخبرهم أن للأسود ثلاثين ومائة قصيدة، وهم لا يعرفون له ذلك ولا قريباً منه (4) ، فحملوا ذلك - رغم تقديرهم له - على تجوز الكوفيين في قبول ما يحترز البصريون من قبوله. لمثل هذه الأخبار وغيرها يمكن أن نقف على مبالغة واضحة في قول من قال: ((لم يأخذ أحد من علماء البصريين عن الكوفيين إلا أبا زيد (5)) ) - يعني أبا زيد الأنصاري سعيد بن أوس (214) ، بل إن الشواهد تدل على أن علماء آخرين أخذوا عن المفضل، وإن كان أبو زيد نفسه أكثرهم أخذاً عنه - إما في المرحلة البصرية وإما في المرحلة البغدادية اللاحقة - وكان أكثر ما أخذه عنه هو الشعر، إذ قرأ عليه دواوين كثيرة (6) ؛ وقد صرح أبو زيد في كتاب النوادر بأن ما كان في هذا الكتاب من شعر القصيد فهو سماعه من المفضل (7) بل افتتح كتابه بقوله:   (1) انباه الرواة 3: 304. (2) مراتب النحويين: 71. (3) طبقات فحول الشعراء: 92. (4) المصدر السابق: 148. (5) انباه الرواة 2: 34. (6) تهذيب الأزهري 1: 12 ومراتب النحويين 1: 71، وانظر عد أبي زيد من تلامذته في ياقوت 19: 164 وميزان الاعتدال 4: 170 وغاية النهاية 2: 307. (7) النوادر: 1؛ وفي الصفحة التالية جاء ما ينقض هذا وهو أن أبا زيد قال: ما كان فيه من رجز فهو سماعي من المفضل، وما كان فيه من قصيد ولغات فهو سماعي من العرب. ولدى الفحص عن ذلك في تضاعف الكتاب نفسه تبين أن الشعر هو الذي يروى عن المفضل، فإذا لم يرو عنه صرخ أبو زيد بقوله: ولم أسمعه من المفضل (انظر مثلاً ص: 175) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 " أنشدني المفضل لضمرة بن ضمرة النهشلي وهو جاهلي: بكرت تلومك قبل وهن في الندى ... بسل عليك ملامتي وعتابي " (1) ولكن المفضل - على ما ناله من منزلة لدى البصريين - لم يسلم من نقدهم له، ولنا أن نحمل بعض ذلك النقد على المنافسة بين البلدين وعلمائهما، وعلى اختلاف المنهج في الرواية، وعلى المماحكات الآنية بين المتعاصرين، ولكن لا ريب في أن بعض ما أخذوه عليه كان حقاً، فقد وجدوا لديه تخليطاً كثيراً في شعر عدي (2) ، أي أنه لم يستطع تمييز المنحول فيه من الأصيل، (ولكن هذا نفسه هو ما أصاب خلفاً الأحمر الذي شهد له رواة عصره ونقاده بأنه كان أفرس الناس ببيت شعر) ؛ وخالفوه في بعض الصيغ اللغوية إذ وجدوه مثلاً يقول: العناصي جمع عنصية، بينما ذهب الأصمعي إلى أنها جمع عنصوة (3) ، وسألوه عن معاني بعض الألفاظ فوجدوه لا يعرفها، مثل لفظة الكرادي (4) ؛ بل اتهمه أبو عبيدة بالوضع؛ فقد أنشد المفضل هذا الرجز: أي قلوص راكب تاها ... طاروا عليهن فشل علاها وأشدد بمنتي حقب حقواها ... ناجية وناجياً أباها قال أبو حاتم: سألت عن هذه الأبيات أبا عبيدة فقال: انقط عليه، هذا صنعه المفضل (5) ؛ ولا يبعد أن يكون هذا من ظنون أبي عبيدة الذي كان سريعاً إلى الذم.   (1) النوادر: 2 وانباه الرواة 2: 34. (2) طبقات فحول الشعراء: 140. (3) النوادر: 144، والعنصوة: البقية من المال؛ وأثبت في اللسان الوجهين. (4) النوادر: 143؛ ويبدو أنه ظل مجهولاً فلم يورد صاحب اللسان فيه شيئاً. (5) النوادر: 58، 164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وأخذت مجالس البصرة تشهد المناظرات والمحاورات بين المفضل وعلماء تلك المدينة، من ذك أن سليمان بن علي الهاشمي جمع بين المفضل والأصمعي، وأنشد المفضل في ما أنشد قول أوس بن حجر ((تصمت بالماء تولباً جذعاً)) - فرواه بالذال المعجمة - والجذع هو الفتي الصغير السن من الإبل وغيرها؛ ففطن الأصمعي لخطأه وقال له: أخطأت إنما هو ((تولباً جدعاً)) (1) بالدال المهملة - والجدع السيئ الغذاء، فقال المفضل: ((جذعاً جذعاً)) ورفع صوته، فقال الأصمعي: لو نفخت في الشبور ما نفعك، تكلم كلام النمل وأصب. فلما تمسك كل منهما برأيه وحفظه احتكما إلى غلام حافظ للشعر من بني أسد فصوب رأي الأصمعي (2) ؛ ومع أن قراءة المفضل ذات حظ غير يسير الصواب، فإن العلماء أخذوا بقول الأصمعي الذي أخذت عليه أيضاً تصحيفات كثيرة، مثله في ذلك كثير من العلماء والرواة، إذ لم يكن المفضل بدعاً في هذا الصدد، وله تصحيفات سنأتي على ذكرها من بعد. وكان المفضل ما يزال في البصرة حين قام محمد النفس الزكية بثورته في المدينة وأرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة يدعو الناس لمشايعته. ويبدو أن ثورة النفس الزكية وأخيه إبراهيم قد استطاعت أن تجذب إليها كثيراً من الفقهاء والمحدثين وأهل العلم، وأن اشتراك المفضل فيها تم فعلاً: إذ تصرح الروايات المتعاطفة مع تلك الثورة أن المفضل كان زيدياً (3) ، وأنه مثل كثير من الزيدية رأى الانخراط في صفوف الثورة، وأنه كان من أشدهم تحمساً لها، وأنه كان موضع ثقة إبراهيم، إذ لجأ هذا إلى دار المفضل مستتراً من عيون العباسيين، وكان إذا عقد   (1) يصف امرأة فقيرة وأنها تسكت ابنها السيء الغذاء بالماء. (2) تروي القصة في صور مختلفة، وإن كانت متقاربة، انظر انباه الرواة 3: 302 - 303 والتصحيف للعسكري: 134 والتنبيه: 71 (ونسب التصحيف لجعفر بن سليمان) ومجالس العلماء: 14 - 15 وتهذيب الأزهري 1: 10 - 11 ونزهة الالباء: 36 والمزهر: 363 واللسان (جدع) والخصائص 3: 306 والحيوان 4: 25 - 26. (3) مقاتل الطالبيين: 338. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 لأصحابه اجتماعاً دعاهم إلى تلك الدار نفسها (1) ، وكان المفضل نفسه يخرج ليتسقط الأخبار لإبراهيم، أو ليتعهد بالزيارة ضيعة له كانت على مقربة من تلك المدينة، وكانت حماسته للثورة تدفعه إلى دعوة الناس - بشتى الوجوه والحيل - للانضمام إليها (2) . ولما قرر إبراهيم الخروج كان المفضل في صحبته، وهو يقص علينا خبر ذلك الخروج بقوله: ((فلما خرج خرجت معه، فلما صار بالمربد - مربد سليمان ابن علي - وقف عليهم وأمنهم واستسقى ماء فأتي به فشرب، فأخرج إليه صبيان من صبيانهم فضمهم إليه وقال: هؤلاء والله منا ونحن منهم، لحمنا ودمنا، ولكن آباءهم انتزوا على أمرنا، وابتزوا حقوقنا وسفكوا دمائنا)) (3) وتمثل إبراهيم بأبيات شعرية استحسنها المفضل فسأله عن قائلها، فعلم منه أنها لضرار بن الخطاب الفهري تمثل بها علي بن الحسين ثم زيد ثم يحيى بن زيد، فتطير المفضل له من تمثله بأبيات لم يتمثل بها أحد إلا قتل. وتحرك إبراهيم مع جماعته إلى باخمري وهناك أتاه نعي أخيه محمد، فأجهش في البكاء، فأخذ المفضل يعزيه ويلومه على ما يظهره من الجزع، وفي كل موقف كان إبراهيم يتمثل بشعر، حتى إذا التحمت الحرب واشتدت قال للمفضل: حركني بشيء، فجاء دور المفضل - وهو الدور الطبيعي للرواية - لينشده شعراً، فأنشده أبياتاً لعويف القوافي، وأعادها عليه مرتين، ((فتمطى في ركابيه فقطعهما وحمل فغاب عني، وأتاه سهم عائر فقتله، وكان آخر عهدي به)) (4) .   (1) مقاتل الطالبيين: 378 ويوصف المفضل بأنه ((كان له غاشية على التشيع)) أي إن الشيعة كانوا يغشون منزله. (2) المصدر السابق؛ وانظر الرواة: 3: 304 في ذكر ضيعته. (3) مقاتل الطالبيين: 373 وشرح النهج 3: 308 وفي انباه الرواة 3: 304 أنه قال له: يا مفضل أنشدني شيئاً تصيب به ما في نفسي. (4) انظر المصدرين السابقين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ذلك هو موجز القصة عن اشتراك المفضل في ثورة إبراهيم، وليس ثمة ما يجعلنا نتشكك فيها وإن جاءت من بعض الطرق بصيغة التمريض ((ويقال إن المفضل بن محمد خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن)) (1) ، وقد تعارض القصة بعفو المنصور عنه، فيقال: كيف يعفو عنه وقد كان له دور هام في الأشهر القليلة من عمر تلك الثورة؟ والجواب على ذلك أن المنصور لم يحاول أن يستقصي بعد إذ قضى على رأسي الثورة، إذ كان يعلم أن الاستقصاء سينال كثيراً من ((المثقفين)) في عصره، ولهذا اكتفى بالنصر الحربي، وشمل كثيرين بالعفو، ومنهم المفضل، الذي لم ينل عفواً وحسب بل أصبح - بعد هدأة النفوس - مؤدباً للمهدي، ومنذ هذه اللحظة تم تحول في حياته، فانتقل إلى بغداد، مع كثيرين غيره من علماء الكوفة والبصرة، وكانت هذه المرحلة البغدادية أخصب فترة من العطاء في حياته، وفيها تقرر اتجاهه نحو الشعر والأخبار، وفيها - فيما أقدر - كثر من حوله طلاب العلم والآخذون عنه مثل: الفراء والكسائي والمدائني وأحمد بن مالك القشيري وأبي كامل الجحدري ومحمد بن عمر القصبي (2) وأبي عمرو الشيباني وعمر بن شبة. وتستوقفنا هنا رواية تقول: ((قدم بغداد في أيام الرشيد)) (3) ، وهي تتعارض مع تعيينه مؤدباً للمهدي منذ أيام المنصور، ولهذا التعارض يمكن أن نحملها على الوهم أو الخطأ، إلا أن تعني أنه غادر بغداد مدة بعد وفاة الهادي ثم قدمها من جديد أيام الرشيد. ومهما يكن من شيء فقد عاصر المفضل خلافة المنصور والمهدي والهادي   (1) انباه الرواة 3: 302. (2) في أسماء تلامذته انظر: ميزان الاعتدال 4: 170 ولسان الميزان 6: 81 وتاريخ بغداد 13: 121 وأنساب السمعاني 8: 385 وانباه الرواة 3: 298 - 299 وغاية النهاية 2: 207، ووفيات الأعيان 1: 202، 3: 440. (3) تاريخ بغداد: 13: 121 وأنساب السمعاني 8: 385 وانباه الرواة 3: 298 والبلغة: 262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وجانباً من خلافة الرشيد، وكان له مع كل واحد من هؤلاء الخلفاء علاقة، فمن المقطوع به أن المنصور هو الذي ندبه ليعلم ابنه المهدي، فكان يراه أثناء تردده إلى القصر، وكان يجالسه ويسأله عن أشياء تتصل باللغة والشعر. قال له مرة: صف لي الجواد من الخيل، فقال: يا أمير المؤمنين إذا كان الفرس طويل ثلاث قصير ثلاث رحب ثلاث صافي ثلاث، فذلك الجواد الذي لا يجارى، ثم فسر هذا القول المبهم بقوله: أما الثلاث الطوال فالأذنان والهادي والفخذ وأما القصار فالظهر والعسيب والساق، وأما الرحاب فاللبان والمنخر والجبهة، والصافية: الأديم والعين والحافر (1) . ومر به المنصور ذات يوم والمهدي بين يديه ينشد قصيدة للمسيب بن علس مطلعها: أرحلت من سلمى بغير متاع ... قبل العطاس ورعتها بوداع ((فلم يزل واقفاً من حيث لا يشعر به حتى استوفا سماعها، ثم صار إلى مجلس له وأمر بإحضارهما فحدث المفضل بوقوفه واستماعه لقصيدة المسيب واستحسانه إياها، وقال له: لو عمدت إلى إشعار الشعراء المقلين واخترت لفتالك لكل شاعر أجود ما قال لكان ذلك صواباً، ففعل المفضل)) (2) . تريد هذه الرواية أن تفسر اختيار المفضل لقصائد أصبحت في مجموعها تعرف اقتراح الاختيار إلى المنصور، وأنه استثير إليه عرضاً، وحدد مجال الاختيار بأن يكون من شعر الشعراء المقلين، وإن يكون ما يختار ممثلاً لأجود ما روي لهم؛ ولكن هذا ((الفضل العباسي)) في جمع تلك القصائد يعارضه ((فضل علوي)) ، إذ تذهب رواية أخرى إلى أن إبراهيم بن عبد الله ابن حسن حين كان مستتراً عند المفضل - وكان المفضل يتركه وحيداً في البيت -   (1) أمالي الزجاجي: 2 - 3. (2) الذيل على أمالي القالي: 131 - 132 وقصيدة المسيب هي المفضلية رقم: 11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 طلب إلى المفضل أن يزوده بكتب يتسلى بها ويطرد ما يعتريه من ضيق صدر أثناء وحدته، فأتاه المفضل بشيء من أشعار العرب، فاختار منها قصائد - عددها سبعون - وكتبها مفردة في كتاب، فأخذها المفصل وصدر بها اختياره وزاد عليها قصائد أخرى (1) . وتحاول هذه الرواية أن تجد ما يؤيدها عن طريقين أولهما: إبراز دور إبراهيم في حفظ الجيد من الشعر والتمثل به - كما أشرت من قبل - حتى أنه نال إعجاب المفضل نفسه، وثانيهما أنها منقولة عن أبي عكرمة الضبي) ؛ بل إن إقرار المفضل بدور إبراهيم يأخذ سياقاً أشد حين يتأدى على النحو الآتي: ((قال العباس بن بكار الضبي، قلت للمفضل الضبي: ما أحسن اختيارك للأشعار، فلو زدتنا من اختيارك، فقال: والله ما هذا الاختيار لي، ولكن إبراهيم بن عبد الله بن حسن استتر عندي فكنت أطوف وأ " ود إليه بالأخبار فيأمرني ويحدثني، ثم حدث لي خروج إلى ضيعتي أياماً فقال لي: اجعل كتبك عندي لأستريح إلى النظر فيها، فجعلت عنده قمطرين فيهما أشعار وأخبار، فلما عدت وجدته قد علم على هذه الأشعار، وكان أحفظ الناس للشعر وأعلمهم به، فجمعته وأخرجته فقال الناس: اختيار المفضل)) (2) . وليس من العسير أن نجعل الروايتين متكاملتين، ونقول أن لإبراهيم الفضل في ((التأشير)) على تلك القصائد، وأن المفضل وجد الفرصة سانحة حين كان يؤدب المهدي ليلقيها عليه، وأن أبا جعفر المنصور كان يجهل القصة، فلما سمع قصيدة المسيب واستحسنها اقترح القيام باختيار قصائد جياد يحفظها ابنه، فطابق ذلك ما كان لدى الفضل، ولا تصادم بين الروايتين إلا في إشارة المنصور إلى اعتماد شعر المقلين، إذ كيف طابق هذا ما كان إبراهيم نفسه قد فعله؟ إن مثل هذا التطابق يبدو مستغرباً. فإذا حذفنا هذه الإشارة التي تفسر طبيعة المفضليات - كما عرفت من بعد - تسنى للروايتين تكامل تام.   (1) مقاتل الطالبيين: 338 - 339، 373 وشرح النهج 3: 308. (2) انباه الرواة 3: 304 والمزهر 2: 319. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وفي أيام المهدي ظل المفضل مقرباً ممن تلميذه بالأمس، فهو يدخل على المهدي فيستنشده الشعر؛ دخل عليه ذات مرة وعنده عبد الله بن مالك الخزاعي، فقال المهدي: أنشدني أربعة أبيات عليهن قبل أن تجلس، فأنشده (1) : وأشعث قد قدّ السفار قميصه ... يجر شواء بالعصا غير منضج (2) دعوت إلى ما نابني فأجابني ... كريم من الفتيان غير مزلج (3) فتى يملأ الشيزي ويروي سنانه ... ويضرب رأس الكمي المدجج (4) فتى ليس بالراضي بأدنى معيشةٍ ... ولا في بيوت القوم بالمتولج فقال المهدي: هذا، وأشار إلى عبد الله بن مالك (5) . وقد نال من المهدي أيضاً توثيقاً عاماً، وقصة ذلك أن عدداً من العلماء كانوا مجتمعين في دار المهدي بعيساباذ فخرج الحاجب إليهم واستدعى المفضل من بينهم للمثول بين يدي الخليفة فغاب عنهم بعض الوقت ثم خرج في صحبة الحاجب، ومعهما حماد الراوية، وعلى قسمات المفضل إمارات السرور والنشاط، وفي وجه حماد إنكسار وغم، ثم خرج حسين الخادم فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم، إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حماداً الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها، (وكان المهدي قد استحلفه بالإيمان المغلظة عن أبيات نسبها إلى زهير بن أبي سلمى فأقرّ بأنه وضعها) ووصل المفضل بخمسين ألفاً لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعراً جيداً محدثاً   (1) الشعر للشماخ، ديوانه: 80. (2) تعقب البكري رواية ((يجر شواء)) وقال إن رواية الجماعة: ((وجر شواءٍ)) ، انظر السمط: 590 والتنبيه على أوهام أبي علي: 82. (3) المزلج: الذي لم يتم حزمه. (4) الشيزي: الجفان. (5) نور القبس: 272 - 273 وأمالي القالي 1: 262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فليسمع من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضل (1) . ويستدل من أسفه على الهادي وتمثله ببيتين من الشعر عند وفاته، بأنه كان على علاقة طيبة به (2) . وتتوثق علاقته بالرشيد، فنراه يذهب إلى مكة في صحبته، وعند منصرفهما سنح ذئب، فسأله الرشيد، ما أحسن ما قيل في الذئي فأنشده قول الراجز: أطلاس يخفي شخصه غباره ... في فمه شفرته وناره فقال الرشيد: أحسن الشاعر، ولكني أحفظ ما هو أحسن من هذا فإن جئت به فذلك خاتمي، فقال المفضل: لعل أمير المؤمنين يريد: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ال؟ ... منايا بأخرى فهو يقظان هاجع (3) فقال الخليفة: ما طرح هذا لسانك إلا لذهاب خاتمي، ورمى به إليه (4) . وتجيء هذه الرواية على نحو آخر، فلا يرد شيء عن سنوح الذئي، ولا ينشد المفضل قول الراجز، ومكان اللقاء مجلس للرشيد، لعله في بغداد، يحضره جحظة البرمكي، وتضيف الرواية تقدير قيمة الخاتم وأنها ألف وستمائة دينار، وتضيف عنصراً هاماً إلى القصة: وذلك أن أم جعفر زوج الرشيد سمعت بما جرى للخاتم فاشترته من المفضل بالقيمة نفسها، وأعادته إلى الرشيد قائلة: ((قد كنت   (1) معجم الأدباء 19: 165 - 166 وكان المهدي قد سأل المفضل عن قول زهير ((دع ذا وعد القول في هرم)) كيف يقول: ((دع ذا)) ولم يسبق شيء، فكان من جواب المفضل أن الرواية وردت كذلك، وأنه يعلل ذلك بأن زهيراً كان يفكر في قول ثم اضرب عنه وقال: ((دع ذا..)) فلما سال حماداً قدّم قبل البيت أربعة أبيات من صنعه ونحلها زهيراً. (2) انباه الرواة 3: 303 والبيتان هما: خلت إلا من الذئب البلاد ... تحمل أهلها عنها فبادروا فكانت أمة بلغت مداها ... لكل زروع مزرعة حصاد (3) في النجوم الزاهرة: 2: 69 يقظان نائم؛ والبيت لحميد بن ثور في ديوانه: 105. (4) نور القبس: 274. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أراك تعجب به)) ولكن الرشيد أعاده إلى الضبي وقال: خذه، وخذ الدنانير فما كنا نهب شيئاً فنرجع فيه (1) . ويبدو بعض أسئلة الرشيد له نوعاً من الأحاجي، فقد استدعاه يوم خميس بكراً، فلما عليه وجد الأمين عن يمينه والمأمون عن يساره والكسائي بين يديه باركاً يطارحهما معاني القرآن، وبعد أن سلم أمره بالجلوس وقال له: كم اسم في ((سيكفيكهم الله)) فقال: ثلاثة، اسم الله تبارك وتعالى، واسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم الكفرة، فالياء والكاف والفاء والكاف المتصلات بالسين لله عز وجل والكاف المتصلة بالهاء للنبي والهاء والميم للكفرة، فوافق ما قاله قول الكسائي أيضاً (2) . وامتد به هذا المجلس نفسه فسأله عن معنى قول الفرزدق: نقل هاماً لم تنله سيوفنا ... بأسيافنا هام الملوك القماقم ثم عن معنى قول الفرزدق أيضاً: أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع فكان من توجيه المفضل لمعنى القمرين أنهما حقاً الشمس والقمر كما قال الكسائي، ولكن الشمس ترمز إلى إبراهيم الخليل والقمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأما النجوم الطوالع فهي أمير المؤمنين وآباؤه من الخفاء المهديين، فسر الرشيد وأجازه بعشرة آلاف درهم، ثم وضع له مريساً وللكسائي كرسياً، وأخذا يستمعان معه إلى الشعراء الذين دخلوا عليه في ذلك اليوم ومنهم العماني الراجز ومنصور النمري وغيرهما (3) .   (1) تاريخ بغداد: 13: 122 وأنساب السمعاني 8: 235 وانباه الرواة 3: 298 والنجوم الزاهرة 2: 69 والبلغة: 262. (2) نور القبس: 272 ومجالس العلماء: 35 والبصائر 72: 50 وغاية النهاية 2: 307 والمزهر 2: 189. (3) تفصيل هذا في مجالس العلماء: 37 - 41 وانظر المزهر 2: 190. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ويستدعيه الرشيد ذات يوم أيضاً رجاء الحصول لديه على شيء من ((الرياضة الذهنية)) ويسأله أن يلقي عليه بيتاً يحتاج إلى مقارعة الفكر في استخراج خبيئه، فيقول له المفضل: ((أتعرف بيتاً أوله أعرابي في شملته، هاب من نومته، كأنما صدر عن ركب جرى في أجفانهم الوسن فركد، يستفزهم بعنجهية البدو وتعجرف الشدو، وآخره مدني رقيق قد غذي بماء العقيق؟)) فقال الرشيد: لا أعرفه، فقال المفضل: هو بيت جميل: ألا أيها الركب النيام ألا هبوا ... (ثم أدركته رقة المشوق فقال) أسائلكم هل يقتل الرجل الحب. ... واتخذ الرشيد عندئذ دور السائل في هذه المباراة، وقال المفضل: هل تعرف أنت الآن بيتاً أوله أكثم بن صيفي في أصالة الرأي ونبل العظة، وآخره ابقراط في معرفته بالداء والدواء؟ فقال المفضل: قد هولت عليّ، فليت شعري بأي مهر تفترع عروس هذا الخدر؟ قال: بإصغائك وإنصافك، وهو قول الحسن ابن هانئ: دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء (1) فإذا قبلنا بالروايات التي تصور علاقته بكل من الهادي والرشيد، صح لدينا أن تاريخ وفاته ب؟ ((168)) (2) خطأ واضح، لأن الهادي نفسه بويع سنة 169 وتولى الرشيد الخلافة في السنة التالية. وأقرب إلى الصواب قول من قال إنه توفي سنة 171هـ؟ (3) . وجاء في الطبري: ((ذكر الضبي أن شيخاً من النوفليين قال: دخلنا   (1) الشعر والشعراء 19 - 20. (2) ميزان الاعتدال 4: 171 ولسان الميزان 6: 81 وغاية النهاية 2: 307 (ولم تؤرخ وفاته معظم المصادر الأخرى، وفي الفهرست ترك موضع الوفاة بياضاً) . (3) النجوم الزاهرة 2: 69 ولا أدري من أين نقل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 على عيسى بن جعفر؟)) (ثم قص قصة خروج يحيى بن عبد الله، وكان ذلك سنة 175 والخبر أورده الطبري في أحداث سنة 176) (1) فإن كان الضبي هو المفضل، فإنه قد أدرك ثورة يحيى أو لعله تجاوز بداياتها بقليل. كان المفضل طويلاً جميلاً - كذلك وصفه أبو الجواب الأعرابي حين رآه (2) - وكان أقرب إلى الوقار قليل المزح، وإذا حاوله لم يعدم أن يتورط (3) ، صدوق اللهجة، ولا يتزيد في الرواية ويكره الانتحال ويزيد كرهاً له ابتعاداً عنه ما كان من حماد الراوية نفسه، فالمفضل يشهد أنه قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده، لأنه كان عالماً بلغات العرب وأسعارها ومذاهب الشعراء فكان يقول الشعر يشبه مذهب الرجل ويدخله في شعره (4) ولذلك أستبعد اتهام أبي عبيدة للمفضل بالوضع. وإذا كان بعض المحدثين قد جرحه في القراءة والحديث، فذلك موقف قلما سلم منه أحد من شيوخه الكوفيين فأحرى ألا يسلم هو، ولعل لاعتناقه المذهب الزيدي دخلاً في ذلك؛ فإذا كان الميدان هو الشعر والخبر فهو موثق في روايته (5) . ومع طول باعه في الرواية فهو لا يقول الشعر ولا يزعم لنفسه القدرة على ذلك، ولما سئل عن ذلك قال: علمي به يمنعني من قوله (6) ، وقد أدركه الحرج في أواخر أيامه من روايته لشعر الهجاء وكتبه، فأقبل يكتب المصاحف ويقفها في المساجد تكفيراً عن ذلك (7) ؛ ويبدو أنه كان يكرر الذهاب إلى الحج،   (1) تاريخ الطبري 3: 616 وانظطر مقدمة المفضليات تحقيق الاستاذين شاكر وهارون: 25 فقد أشارا إلى نص الطبري، واستنتجا أنه توفي سنة 178. (2) انباه الرواة 3: 303. (3) المصدر السابق: 300 - 301. (4) معجم الأدباء 19: 164 - 165، 10: 265. (5) تاريخ بغداد 13: 121 وميزان الاعتدال 4: 170 ولسان الميزان 6: 81. (6) انباه الرواة 3: 299. (7) المصدر السابق: 304 والبلغة: 263 وبغية الوعاة 2: 297 ومثل هذا العمل ينسب أيضاً إلى أبي عمرو الشيباني، انظر وفيات الأعيان 1: 202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وأنه كان يقوم بذلك في دور مبكر من حياته، وكان إذا حج نزل عند الأعراب، وأغلب الظن أنه اتخذ هذا طريقه لإتقان اللغة وجمع الألفاظ والاستكثار من الأخبار والروايات، وهو يحدثنا أنه في إحدى المرات نزل على خرقاء صاحبة ذي الرمة، فوجدها امرأة طويلة حسّانةً بها فوه، فتحدث إليها، ولما سألته هل حججت أجاب ((غير مرة)) فداعبته لأنه يحج ولا يزورها مع إنها منسك من مناسك الحج، كما يقول ذو الرمة: تمام الحج أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللثام (1) ولعل عطايا الخلفاء مكنته من أن يعيش فوق مستوى الكفاف، وأن يقتني ضيعة، وربما صح أن يقال إنه كان سخياً راعياً لحقوق الجوار، فنراه يهدي بعض جيرانه أضحية، فلا يتلقى من ذلك الجار عليها سوى التعريض اللاذع (2) . وقد جعلته الحياة القائمة على الرواية طلعة كثير التسآل، لا في شؤون الشعر والأخبار بل في أمور الحياة عامة (3) ، ويدل حواره مع راوية الكميت (محمد ابن سهل) على أنه لم يكن يرضى بقبول شيء دون محاكمة؛ فقد وصف الكميت الرخمة بالكياسة مخالفاً كل من وصفها بالحمق (4) ، فيعلل محمد بن سهل ذلك بأن كيسها يظهر في حفظ فراخها واختيارها المساكن التي لا تبلغها سباع الطير، فيقول المفضل: نحن لا نعرف طائراً ألأم لؤماً ولا أقذر طعمة ولا أظهر موقاً منها، فيرد عليه ابن سهل منكراً حمقها، لأنها تحضن بيضها وتحمي فراخها وتحب ولدها وتقطع في أول القواطع وترجع في أول الرواجع (5) . ولا ينتهي هذا الجدل - فيما يبدو - إلى اتفاق.   (1) الشعر والشعراء: 440 - 441 والأغاني 17: 338 ووفيات الأعيان 4: 13. (2) بهجة المجالس 1: 104 - 105. (3) من ذلك أنه يلقي أعرابياً فيسأله: من أين معاشك (انظر بهجة المجالس 1: 141) . (4) وذات اسمين والألوان شتى تحمق وهي كيسة الحويل. (5) الحيوان 7: 18 والدرة الفاخرة: 153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وتتفاوت المصادر المبكرة والمتأخرة في تصوير مدى ما كان يحسنه من علوم: فهو عند أبي الطيب اللغوي مختص بالشعر ولم يكن أعلم أهل بلده في اللغة والنحو (ولكن هذا لا ينفي أن له حظاً منهماً) بل إنه أقر - وهذا مستغرب - بأنه لا يحسن شيئاً من الغريب ولا من المعاني ولا تفسير الشعر وإنما يروي شعراً مجرداً (1) ، وهو قول تنقضه شواهد متعددة في المصادر كما ينقضه الأزهري بقوله: ((الغالب عليه رواية الشعر وحفظ الغريب (2)) ) وهو عند الزبيدي لا يحسن معنى بيت ولا يضبطه (3) . ونتقدم في الزمن فنجد الخطيب - وعنه ينقل السمعاني والقفطي - يعده ((علامة رواية للآداب والأخبار وأيام العرب)) (4) وقريب من ذلك قول ياقوت ((عالم بالأخبار والشعر والعربية)) (5) - ثم يصبح في المصادر التي جاءت بعد القرن السابع: إماماً في اللغة والنحو، مقرئاً نحوياً موثقاً، علامة في النسب (6) ، وهكذا ينعدم التمييز بين ما كان فيه مجلياً وما كان فيه مصلياً وما كان فيه سكيت رهان، وتستوي له ((الإمامة)) في الجميع، ومن الملاحظ أن المصادر المتأخرة (ما عدا كتب رجال الحديث والقراءات) لم تعد تشير إلى دوره في الحديث، سلباً وإيجاباً. ومن الصعب أن يصدق المرء كيف يمكن لإنسان أن يروي الشعر دون أن يعرف معانيه أو تفسيره (والغريب جزء من ذلك) ثم يتفق له أن يختار ما يمكن أن يعد مجموعة جميلة من القصائد، بل يذهب في تفسيره أحياناً إلى عمق باطني رمزي، كما فعل عندما سئل عن معنى ((القمرين)) في بيت الفرزدق. بل إننا لو   (1) مراتب النحويين: 71 وعنه المزهر 2: 405. (2) تهذيب الأزهري 1: 10. (3) طبقات النحويين: 193. (4) تاريخ بغداد 13: 121 والأنساب 8: 385 وانباة الرواة 3: 298. (5) معجم الأدباء 19: 164. (6) انظر على التوالي: البلغة: 262 وغاية النهاية 2: 307 والنجوم الزاهرة 2: 69 وراجع بغية الوعاة 2: 297. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 حاولنا جمع الشواهد المروية عنه لوجدنا له موقفاً متميزاً في فهم معاني الشعر، فهو يقرأ ((حرج)) بكسر الحاء وسكون الراء، ويقرأ غيره حرج في قول الشاعر: يتبعن قلة رأسه وكأنه ... حرج على نعش لهن مخيم لأنه يرى أن معنى الحرج: ((الخيال)) (1) . ويفسر ((العير)) بمعنى ((الوتد)) في قول الحارث بن حلزة في معلقته: زعموا أن كل من ضرب العي؟ ... ر موالٍ لنا وأنا الولاء بينما يرى غيره أن العير قد ينطلق إلى كليب أو قد يعني الحمار (2) . وإذا مر به بيت عمرو بن كلثوم ((وسيد معشر قد توجوه)) قال: إنما سمي سيداً لأنه كان يسودهم في العطاء ويهشم الثريد (3) . ويمر بلفظة ((قيل)) فيقول: هو الملك وجمعه أقيال أو قوال (4) ؛ ويوجه دلالة ((معد)) في قول عمرو بن كلثوم ((وقد علم القبائل من معدّ)) بأنه معد بن بكر (5) ؛ وإذا تذكرنا أن المفضل يروي عن الأعراب أمثال أبي العدرج وأبي الغول (6) لم نصدق أنه كان يأخذ الشعر دون أن يسألهم عن معانيه. قال تلميذه أبو زيد: كنا يوماً عند المفضل وعنده الأعراب فقلت لهم، قل لهم: يحقرونها فقالوا: شييرة (7) ؛ وللمفضل وقفات لغوية واضحة، تدل على اطلاع واسع ومعرفة دقيقة، فهو يقول إن ورى الزند ووري لغتان (8) ، وإن الناموس هو الذي يتعرف الأخبار وينقر عنها (9) ،   (1) شرح القصائد السبع الطوال: 322. (2) المصدر السابق: 450. (3) شرح القصائد التسع: 794. (4) المصدر السابق: 810. (5) المصدر السابق: 826 أي أنه ليس معد بن عدنان. (6) نوادر أبي زيد: 19، 85. (7) امالي القالي 2: 210. (8) التخليص للعسكري: 344. (9) المصدر السابق: 690. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ويتحدث عن مراحل عمر الإنسان على النحو الآتي: العرب تقول للغلام إذا بلغ عشر سنين: رمى، أي قويت يده، فإذا بلغ عشرين قالوا: لوى، أي لوى يد غيره، فإذا بلغ ثلاثين قالوا عوى، وعوى أشد من لوى قليلاً، فإذا بلغ أربعين قالوا: استوى، فإذا بلغ الخمسين قالوا: حري أن ينال الخير كله (1) . ثم إن امرءاً يؤلف كتاباً في معاني الشعر لا يمكن أن يقال فيه ((لا يحسن معنى بيت ولا يضبطه)) ، إلا أن يغلب الخطأ على ذلك الكتاب (2) . وأتجاوز هذه القضية التي لا تتطلب نقاشاً طويلاً (3) لأقول: إن المفضل يمكن أن يعد ناقداً للشعر - من طبقة النقاد الرواة - فهو بحكم مختاراته ناقد ذو ذوق أصيل، وهو في تفضيله لشاعر على آخر يفيء إلى حسه النقدي كذلك؛ قال ابن الأعرابي: سألت المفضل عن الراعي وذي الرمة أيهما أشعر فزبرني وقال لي: مثلك يسأل عن هذا؟! يريد أن الراعي أشعر (4) ، وهو إذا ذكر شعراء العصر الأموي قدم الفرزدق تقدمة شديدة (5) وعلل ذلك بأن الفرزدق قال بيتاً هجا في قبيلتين (6) ويرى أن أحسن ما قيل في القسم - دون أن يحاول تعليل ذلك - قول الاشتر النخعي: بقيت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس إن لم أشن على ابن هند غارة ... لم تخل يوماً من نهاب نفوس (7) وذلك قسم فيه من الأغراب الشعري والجدة ما فيه، مما يدل على حس نقدي أصيل.   (1) مجالس ثعلب: 78. (2) أشار إلى كتابه هذا الفهرست: 75 وانظر نزهة الألباء: 36 وياقوت 19: 167. (3) هناك شواهد كثيرة جداً على اهتمام المفضل بالمعاني، انظر مثلاً أمثال أبي عكرمة الضبي: 25، 66، 74. (4) طبقات النحويين: 193. (5) طبقات فحول الشعراء: 299. (6) معجم الأدباء 19: 299. (7) نور القبس: 274. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ولديه مفهوم واضح عن البلاغة، فعندما سأله تلميذه وربيبه ابن الأعرابي عن الإيجاز قال: هو حذف الفضول وتقريب البعيد (1) ، ومع ذلك فإنه كان دائم التسآل عن مفهوم البلاغة لدى الآخرين وخاصة الأعراب (2) . وهو - كأقرانه من العلماء الرواة - يستطيع أن يميز المنحول من الأصيل، فإذا مر به هذا البيت المدرج في قصيدة عمرو بن كلثوم: ليستلبن أبداناً وبيضاً ... وأسرى في الحديد مقيدينا قال: ليس هو من هذه القصيدة (3) ؛ فإذا غمض عليه المنحول من الصحيح في شعر عدي بن زيد، فذلك ليس غريباً، لا سيما وهو مخلص ((لمدرسة الكوفية)) التي لم تكن تتشدد في قبول الاتساع في رواية الشعر. ومع هذا الاطلاع الواسع على التراث الشعري، والنظرة الناقدة، فإنه - شأن غيره من الرواة - لم يبرأ من التصحيف؟ والتصحيف في حقيقته يدل على اجتهاد في القراءة والتأويل معاً، وإذا كان مرجوجاً في هذين الأمرين - أعني القراءة والتأويل - فهو لا يدل على جهل الراوي إطلاقاً. وقد أشرت إلى نموذج من تصحيفاته فيما تقدم، أما سائر ما أخذ عليه فيمكن تلخيصه فيما يلي (4) . 1 - قرأ بيت الأعشى: ساعة أكبر النهار كما ... شد محيل لبونه إعتاما وصوابه ((مخيل)) - بالخاء المعجمة - أي رأى خالاً من السحاب فخشي على بهمه أن تفرق للمطر أو يضر بها فشدها، وأكبر النهار ضحى النهار.   (1) البيان والتبيين 1: 97. (2) المصدر السابق نفسه، وانظر بهجة المجالس 1: 71. (3) شرح القصائد السبع: 423. (4) قد اتبعت في ترتيب هذه الصحيفات العسكري: 134 وما بعدها لأنه أوسع المصادر في هذه القضية، وانظر التنبيه لحمزة: 69 - 73 والمزهر 2: 363، 366، 371 واللسان (كبر) ونزهة الألباء 36، والخصائص 3: 287، 306 درة الغواص: 135 وأضداد ابن الأنباري: 145 والمصون: 191 - 193 والحيوان 4: 25 - 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 2 - قرأ بيت المخبل السعدي: واذا ألم خيالها طرقت ... عيني فماء دموعها سجم وهو ((طرفت)) بالفاء. 3 - قرأ بيت أمرئ القيس: نمس بأعراف الجياد أكفنا؟ ... صوابه ((نمش)) والمش: مسح اليد بشيء خشن. 4 - قرأ: ((حلى وأحمس)) ، وصوابه ((جلي وأحمس)) وهما قبيلتان من بني ضبيعة بن ربيعة. 5 - قرأ قول الشاعر: بين الأراك وبين النخل تشدخهم زرق الأسنة في أطرافها شبم فصوبه الأصمعي وقال أنه ((تسدحهم)) أي تصرعهم. 6 - وأنشد في صفة البرق: ((ويموت فواقاً ويسري فواقا)) فصوبه الأصمعي ((ويشرى)) (1) ، وقال آخر أن الرواية كلها خطأ وأن الصحيح ((يموت فواقاً ويحيا فواقا)) . 7 - وقرأ قول الشاعر: أفاطم أني هالك فتبيني ... ولا تجزعي كل النساء يتيم وهو مذهب في ألفهم مجازي بمعنى إذا مات زوج المرأة فقد يتمت، وإنما الصواب ((تئيم)) أي تصبح أيماً، وقراءة المفضل مما روي عن الخليل. 8 - وروى بيت أوس ن حجر: ليث عليه من البردي هبرية ... كالمزبراني عيارعيار بأوصال   (1) شري البرق: إذا تتابع لعمانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وإنما هو كالرزباني 9 - وأخذ عليه الأصمعي روايته لبيت آخر لأوس: تركت الخبيث لم أشارك ولم أذق ... ولكن أعف الله كسبي ومطمعي وإنما هو ((أدق)) بالدال المهملة، من ودق يدق بمعنى لم أدن منه. 10 - وقرأ قول الحطيئة: لقد شوشت أمر بنيك حتى ... تركتهم أدق من الطحين فتعقبه الأصمعي وقال إنما هو ((سوست)) أي ملكت. 11 - ومن شعر الأعشى: ((جونة جارية ذات روح)) قال الأصمعي: وإنما هو ((جارنة)) أي جرنت ومرنت لكثرة ما ينبذ فيها. 12 - وروى قول حاتم الطائي: ((يرى الخمس تعذيباً)) وإنما، صوابه ((يرى الخمص)) (1) . ومن تأمل هذه الأمثلة بعين الناقد البصير درى أن لكل قراءة أوردها المفضل وجهاً مقبولاً، وإذا عرفنا أن أكبر متعقبين لقراءته هما خلف الأحمر وأبو عبيدة، أدركنا أن هناك اتجاهاً بصرياً - في أغلب الأحيان - يقف متحدياً للرواية الكوفية. فإذا تجاوزنا الشعر وتفسيره وتقييمه وجدنا للمفضل مشاركة هامة في معارف أخرى، فكتابه الأمثال - موضع هذا الاهتمام - بمثل صورة دقيقة لمعرفته بالأيام، والأساطير الجاهلية (2) والحكايات (3) ورواية المدائني في الطبري معرض لمعرفته بأخبار التاريخ الإسلامي، وخاصة لمنطقة خراسان (4) ، كما أن لديه معلومات هامة   (1) التنبيه لحمزة: 71 ولم ترد عند العسكري. (2) اضف إلى ذلك حديثه عن عمرو والسعلاة في نوادر أبي زيد: 147. (3) انظر بلاغات النساء حيث يورد حديث الجمانة بنت قيس بن زهير (ص: 125) . (4) انظر أيضاً البيان 3: 387. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 عن الشعراء الإسلاميين والمحدثين (1) ؛ فأما معرفته بالقراءات، فقد تواترت، وفي هذا يقول ابن الجزري: ((تلوث القرآن بروايته من كتابي المستنير لابن سوار والكفاية لأبي العز وغيرهما، مع شذوذ فيها)) (2) فأما معرفته بالنسب والنحو فلم أجد - فيما بين يدي من مصادر - ما يوثق القول بها؛ وكذلك الأمر في الحديث، إلا حديثاً واحداً أشرت إليه فيما تقدم. وهاهنا مشكلة تعد من قبيل التنبيه الضروري وهي أن صاحب جمهرة أشعار العرب قد روى في صدر كتابه حكاية عن المفضل الضبي بعبارة: ((فمن ذلك ما حدثنا به المفضل بن محمد الضبي)) (3) مما يشير إلى أن مؤلف الجمهرة معاصر للمفضل، وهو أمر ربما لم يثبت للنقد الدقيق، وبعد صفحات نجد مفضلاً آخر هو المفضل بن عبد الله المحبري (4) ثم توالى النقل بعد ذلك عن رجل اسمه المفضل له رأي في عدد المعلقات (5) وله رأي في أشعر الناس (6) وله آراء أخرى وروايات (7) ؛ ولكن الأمر غبي على المؤلفين المتأخرين، عند النقل، فالرأي في عدد المعلقات، وفي أشعر الناس ينسب إلى المفضل - المحبري دون لبس (8) . وإنما أورد هذا ليحذر الباحث الحديث من الخلط بين المفضلين. وثمة أمر آخر يستدعي التنبه وهو مدى عصبية المفضل لبني ضبة، نعم نحن   (1) انظر نموذجاً من ذلك في أمالي القالي 2: 45 حيث يروي دخول العجاج على عبد الملك، وجمهرة أشعار العرب: 1 حيث يروي قصة نافع بن الأزرق في مجلس ابن عباس؛ والبصائر 1/3: 315 والصداقة والصديق: 26. (2) غاية النهاية 2: 307. (3) جمهرة أشعار العرب: 1. (4) المصدر السابق: 24. (5) المصدر السابق: 42، 104. (6) الجمهرة: 42، 104. (7) انظر الجمهرة: 37، 38، 40، 42. (8) انظر في هذا المزهر 2: 480، 481، والسيوطي هنا ينقل دون تمييز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 نعرف من قراءة كتاب الأمثال أنه افتتحه بأحاديث وأمثال تتصل بضبة وأبنائه (1) ، وأنه يروي أشعاراً لبني ضبة (2) ، ولكن لا نستطيع أن نحمل ذلك على محمل العصبية، وإن اتهمه أحدهم - وكان أزدياً بصرياً - بأنه إن علم أنه من أهل البصرة شنئه، وإن عرف أنه أزردي كان اشد بغضاً (3) فمثل هذا الاتهام لا تؤيده سعة روايته للشعر والأخبار، مما يستغرق معظم القبائل. ولقد ألف المفضل ف الموضوعات التي كان يحسنها، وذلك خبر شاهد على ما كان يحسن، وهذه هي مؤلفاته التي لم يصلنا منها سوى كتابين: 1 - كتاب في العروض (4) . 2 - كتاب في معاني الشعر (5) . 3 - كتاب في الألفاظ (6) . 4 - الاختيارات، وتسمى المفضليات (7) ؛ وقد أوردت فيما سبق أخباراً عن صلتها بكل من المفضل وأبي جعفر وإبراهيم بن عبد الله، وإن نواتها كانت سبعين قصيدة أفردها إبراهيم بالكتابة أو علم عليها، ثم أضاف إليها المفضل ما أضاف، وأزيد هنا: أن أبا عكرمة الضبي ذكر أن ما أخرجه المفضل منها ثمانون قصيدة، ألفاها على المهدي، ثم قرئت هذه القصائد على الأصمعي فبلغت مائة   (1) انظر رقم: 1. (2) انظر مثال ذلك في نوادر أبي زيد: 15. (3) انباة الرواة: 75 ونزهة الألباء 36. (4) الفهرست: 75 ونزهة الألباء: 36. (5) الفهرست: 75 ونزهة الألباء: 36 وياقوت 19: 167. (6) الفهرست: 75 وياقوت 19: 167. (7) الفهرست: 75 وياقوت 19: 167 والبلغة: 263؛ والحديث عن المفضليات وعددها وشروحها مسهب في مقدمة الطبعة المصرية منها، فلا حاجة إلى الأفاضة فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وعشرين، قرأها عليه تلامذته وهم أبو العالية الانطاكي والسدري وعافية بن شبيب - وكلهم بصريون - وأنهم استقرأوا الشعر، فأخذوا من كل شاعر خيار شعره وضموه إلى المفضليات حتى بلغت ذلك العدد، وسألوه عما فيها من معاني الشعر وغريبه فكثرت جداً (احتى بلغت مائة وعشرين) (1) وهي في العدد النهائي لها قد بلغت 128 قصيدة - تزيد وتنقص، وتتحمل التقديم والتأخير، وأن أصحها رواية ابن الأعرابي عن أستاذه المفضل (2) ، وأنها حسب ما أوردها ابن الأنباري تنقص قصيدتين (3) ، وفيها مختارات لسبعة وستين شاعراً منهم 47 جاهليون وأربعة عشر من المخضرمين، وستة من الإسلاميين (4) . 5 - كتاب الأمثال (5) ، وهو ما سأتحدث عنه في الفقرة التالية. 2 - كتاب الأمثال لا مماراة في أن المفضل كتب كتاباً في الأمثال (6) ، بذلك تشهد النقول التي جاءت من بعد عن ذلك الكتاب مثل كتاب الفاخر للمفضل بن سلمة وكتاب الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلام والدرة الفاخرة لحمزة والزاهر لابن الأنباري وجمهرة الأمثال للعسكري والوسيط للواحدي وشرح الأمثال لأبي عبيد البكري ومجمع الأمثال للميداني والمستقصي في الأمثال للزخشري (7) . وهذه النقول تشير - رغم ما قد يعتري من حذف أو تصرف - إلى مصدر معتمد يحمل اسم   (1) ذيل أمالي القالي: 131. (2) الفهرست: 75 ونزهة الألباء: 35 وانباه الرواة 3: 302. (3) هي كذلك في طبعة ليال، ولكنه أضاف إليها أربع قصائد أخرى. (4) بروكلمان (الترجمة العربية) 1: 73 وفيه معلومات عن طبعات المفضليات ومخطوطاتها، وأقول لقد قام بنشر شرح التبريزي للمفضليات الدكتور فخر الدين قبارة في أربعة مجلدات، 1968. (5) الفهرست: 75 ونزهة الألباء: 35 وياقوت 19: 167. (6) ذكر الكتاب مقترناً باسمه في الفهرست: 85 ونزهة الالباء: 35 ومعجم الأدباء 19: 167 وانباه الرواة 3: 302. (7) من المنقول التي وصلتنا عنه أيضاً ما أورده ابن قتيبة في الشعر والشعراء وعيون الأخبار؛ وقد تكلفت حواشي التحقيق بإظهار هذه العلاقة بين كتاب المفضل والمصادر التي نقلت عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 المفضل الضبي. وقد قرأه عليه تلامذته، وخاصة ابن الأعرابي، الذي وصلت روايته للكتاب إلى الأندلس على النحو الآتي (1) : المفضل ابن الأعرابي الطوسي أبو العباس الأحول أبو العباس ثعلب نفطويه أبو بكر بن شاذان أبو ذر الهروي أبو سعيد الوراق ابن السيد أبو الحسين بن هشام أبو بكر خير وقد سبق المفضل إلى التأليف في الأمثال عدد من الرواة والعلماء منهم عبيد بن شرية الجرهمي (2) وعلاقة بن كرشم (كريم) الكلابي (3) ، وصحار بن عياش العبدي (4) ونقل البكري عن هؤلاء الثلاثة في كتابه ((فصل المقال)) ولدى المقارنة تتضح لنا الأمور الآتية: 1 - لا ناقتي في هذا ولا جملي (388) روى له صحار بن عياش قصةً مختلة تماماً عما أورده المفضل الضبي.   (1) فهرسة ابن خير الإشبيلي: 384. (2) الفهرست: 102 وانظر نقول البكري عن هذا الكتاب. (3) الفهرست: 102 ويذكر ابن النديم أن كتابه في نحو خمسين ورقة وأنه رآه. (4) المصدر نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 2 - سبق السيف العذل (69) رواه عبيد بن شرية وقرنه بقصة مختلفة. 3 - لا فتى إلا عمرو، وقصة لقمان وعمرو بن تقن (103) اتفق فيه عبيد والمفضل. 4 - وابأبي وجوه اليتامي وخبر سعد القرقرة (210) اتفق فيه عبيد والمفضل. 5 - التجريد لغير نكاح مثلة (415) اتفق فيه علاقة والمفضل. 6 - عرفتني نسأها الله (79) اتفق فيه عبيد وعلاقة المفضل. 7 - أمثال أوردها عبيد ولم يوردها المفضل: عند جفينة الخبر اليقين (295) من يشتري سيفي وهذا أثره (319) ؛ أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك (320) . 8 - أمثال أوردها علاقة ولم يوردها المفضل: القول ما قالت حذام (42) كلاهما وتمرا (110) ؛ خلا لك الجو فبيضي واصفري (364) ؛ لا مخبأ لعطر بعد عروس (426) . من ذلك كله يتبين لنا أن تطابق بين الربعة، فهناك أمثال رواها كل من علاقة وعبيد ولا وجود لها عند المفضل، وقد يقال العكس لو وصلنا كتابا عبيد وعلاقة أيضاً؛ ونحن نعلم أن علاثقة كتاب عبيد (أو روايته) وينقل عنه (1) ، وأن عبيد بن شرية يروي عمن يسميه مالك بن جبير العامري (2) ، ولكنا لا نعلم على من اعتمد المفضل في هذا المجموع الذي وصلنا برواية الطوسي عن ابن الأعرابي. والطوسي هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن سنان التميمي، عالم راوية للقبائل وأشعار الفحول، لقي مشايخ البصريين والكوفيين، وكان أكثر أخذه عن ابن الأعرابي (3) ؛ ولابن الأعرابي نفسه كتاب ((تنسيق الأمثال)) (وفي قراءة: تفسير   (1) فصل المقال: 79. (2) فصل المقال: 319. (3) الفهرست: 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الأمثال) (1) ، ولا يبعد أن يكون هذا الكتاب تنسيقاً لأمثال المفضل أو تفسيراً لها. على أن أثر كل من ابن الأعرابي والطوسي في هذا المجموع واضح، فهناك تعليقات وشروح لغوية في صفحات متعددة من الكتاب تدل على تدخل من هذين الرجلين، وفي تعليق على المثل ((تسمع بالمعيدي)) نجد اسم الكسائي أيضاً: (قال الكسائي: الطوسي يشدد الدال ويقول: المعدي) ، ومن الواضح أن هؤلاء الثلاثة متأخرون في الزمن عن المؤلف، وأن النص الذي وضعه الممفضل، لم يبق على نقائه الأول، بل فيه تصويب لبعض ما وهم فيه مثل قوله أن البسوس اسم للناقة، مع أن اسم ناقتها ((سراب)) (2) . وقد يوهم النص لدى المفضل أنه يروي عمن أسمه أبو النجم حبيب بن عيسى (3) ، ورغم أني لم أعثر على تعريف بهذا الرجل فإني أميل إلى الاعتقاد بأن رواية حبيب بن عيسى مضافة إلى الكتاب الأصلي، لأنها حيثما وردت تمثل تعديلاً لرواية المفضل أو معارضة لها أو زيادة عليها؛ ومثل هذا العمل يبدو مبنياً على مقارنة روايتين منفصلتين، ولابد - إذا صح ذلك - أن يكون من عمل أحد المعلقين. وفي إحدى الأحوال ربما قدرنا أن بعض الأمثال لم يكن يعرفها المفضل، ففي أمثال بيهس زاد حبيب بن عيسى: ((دعوني فكفي بالليل خفيرا)) (4) ، ومن ذلك أنه بعد أن أورد المثل ((لعلني مضلل كعامر)) قال: ومما زاده في هذا الحديث/ المثل ما قاله المستوغر ((إن المعافى غير مخدوع)) (5) ، فهذا الثاني زيادة لا ندري من أضافها، وإن أصبحت في كتب الأمثال من بعد هي   (1) الفهرست: 76. (2) أمثال الضبي (ط. الجوائب) 56 وانظر أيضاً ص 82. (3) انظر مثلاً ص: 21، 22، 44، 67 من طبعة الجوائب؛ وقد وهم الدكتور زلهايم فظن أن المفضل ينقل عن ((أبي عبد الله يزيد)) (الأمثال العربية القديمة: 73) وإنما هذا تعليق لأبي عبد الله ابن الأعرابي، وصوابه: قال أبو عبد الله: يريد تركت من هجوته خير قومه ... الخ. (4) أمثال الضبي (الجوائب) 44. (رقم: 28) . (5) أمثال الضبي (الجوائب) : 6. (رقم: 2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 المعتمدة (1) ، وتوارى المثل الأول ((لعلني مضلل كعامر)) أو انقطعت صلته بأخيه المثل السابق. إن هذين المثلين قد يدلان على أن النقل عن المفضل الضبي لدى كل من الميداني والعسكري لم يكن يتم بالاطلاع المباشر على كتابه بل بالواسطة، أو قد يدلان على عدم اتفاق النسخ التي احتفظت بأمثال الضبي، فالميداني أورد للمثل ((إن المعافى..)) قصة لا علاقة لها بالقصة التي أوردها المفضل، ثم أورد ((لعلني مضلل كعامر)) (2) ، فاختصر القصة التي أوردها المفضل. وأما العسكري فإنه لا يعرف شيئاً عن المثل الأول؛ وإنما أورد الثاني في حرف الحاء ((حسبتني مضللاً كعامر)) ثم قال: ولا نعرف عامراً هذا (3) ؛ ومثل هذين الفرضين قد يفسران اختفاء أمثال - أوردها المفضل - من المجاميع كان يهدف إلى الاستقصاء في الجمع والتبويب. ومما يستوقف النظر الأمثال التي وردت على وزن ((أفعل)) ولعلها لا تتجاوز ثمانية، وفي معظمها يمكن القول بأنها إضافات متأخرة؛ كذلك لا نجد لدى الضبي من أمثال على ألسنة الحيوانات إلا مثل الحية ((ذات الصفا)) ولولا تواتر الرواية بنقل قصة هذا المثل عن المفضل لرجحت أنه مما زيد على أصل الكتاب، خصوصاً وأنه قد جاء آخر شيء فيه. ويقابل هذا الحضور الضعيف في أمثال أفعل والأمثال على ألسنة الحيوانات، شهود واضح لما يمكن أن يسمى ((الأمثال العنقودية)) ، وأعني بذلك تفرع عدة أمثال عن قصة واحدة، أو ربط قصة واحدة بسلسلة من الأمثال، ويرى الدكتور عبد المجيد عابدين أن طائفة كبيرة من هذه الأمثال كانت هي الأصل ثم   (1) انظر مجمع الأمثال 1: 7 في قصة مختلفة عما أورده الضبي. (2) الميداني 2: 97. (3) جمهرة العسكري 1: 382. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 لفقت لها القصص بعد ذلك لشرحها وتفسيرها)) (1) ، وقد يصدق هذا على المثل المفرد الذي تروى حوله أحياناً عدة قصص، ولكن الأمثال العنقودية تحتاج خيالاً في الربط السردي لتطور الحوادث أولاً، فهذا الخيال هو الذي يقوم بعملية ((الحكاية)) المسترسلة، أما ما يصبح فيها أمثالاً فليس سوى الذرى الشاهقة في الحكاية أو نقاط التحول أو سطوع الحكمة في الحوار؛ وحين تصبح تلك الحكايات مجالاً للسمر والتسلية، يقف القاص فيها عند تلك النقاط الحية ويوردها في نغمة خاصة، فتصبح على كل لسان، وتجتزأ من الحكاية كما يجتزأ البيت السائر من القصيدة. وتتمثل هذه الأمثال العنقودية في الأحداث الكبرى مثل حرب داحس وحرب البسوس، وقصة ابنة الزبا (2) ، وفي الدوران حول بعض الشخصيات الكبرى أو الغربية مثل لقمان والحارث بن ظالم، وانعمان بن المنذر والسليك بن السلكة وبيهس (الأحمق الحكيم) وبين هذين الموضوعين فرق واضح، فإن الأمثال حول الأحداث يضبطها سياق متسلسل، بينا تجيء الأمثال حول ((الأبطال)) في صورة ((عناقيد مفرقة)) ليس فيها وحدة متسلسل، ولهذا تجد الحكايات عن لقمان مما أورده المفضل ومما لم يورده أو عن الحارث بن ظالم، مفرقة في عدة مواطن، لا تربطها وحدة كبرى، كما أن شيئاً من الافتعال واضح في محاولة ربط بعض العناقيد أحياناً بالبعض الآخر؛ ومما يدل على أن سياق الحكاية هو الأهم في قصص الأحداث الكبري، أن الأمثال قد تنتهي، ولكن المفضل يعمد إلى إيراد القصة مكتملة ولو خلت من أمثال. وتتناول أمثال الضبي - باستثنائات يسيرة - العصر الجاهلي، وتبدو فيها   (1) الأمثال في النثر العربي القديم: 37. (2) هو المصدر الوحيد الذي يسميها كذلك، وعند البكري ((زبي)) ويرى عابدين (39) إن المفضل أقرب إلى الأصل لأن اسم الماكة في النقوش سبتميا بنت زباي (وزباي اسم والد الملكة، وكان قائد خيالة تدمر) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 صورة قبيلة تميم واضحة، فإذا أضفنا إلى تلك الصورة الأمثال عن بكر وتغلب وأياد والحيرة، اتضح لنا أنها في معظمها قد نبتت في شرق الجزيرة العربي. ومما يلفت النظر حقاً دوران كثير منها حول العلاقات العاطفية - وفي الغالب الجنسية - بين المرأة والرجل، وهي كثيراً ما ترد للحكم على نفسية المرأة وركونها إلى الشهوات، وقد يستنتج منها أن الرواة في العصر الإسلامي كانوا يبيحون لأنفسهم إطلاق العنان للأخيلة حول ما يمكن أن يسمى ((تحللا)) في العلاقات الجاهلية، دون أن يشعروا بحرج في ذلك، ومن دون أن يحسوا إزاء ذلك الماضي ((بغيرة قومية)) ؛ ولهذا ربما لم تكن صالحة لدراسة طبيعة المجتمع الذي نسبت إليه، وينبهنا الدكتور زلهايم بحث إلى أن المرء يجب أن يحذر من الاعتماد عليها في التاريخ الحضاري لأنها لم تسلم من التأثير الأجنبي (1) ؛ فإذا لم ترتفع إلى هذا المستوى ظلت أقاصيص أسطورية تؤخذ للتسلية، لأنها أيضاً لا تصلح أن تكون مادة تاريخية وقائعية، ذلك هو حال الحكايات المقترنة بالأمثال، فأما الأمثال نفسها فتظل ذات قيمة لغوية أدبية. وقد كان الأقدمون يلحظون أحياناً عدم صلاحيتها في تصوير شخص ما تصويراً منسجماً متساوقاً (لأنها - فيما ظن - انطلقت من جهات متعددة وفي أزمان متباعدة ثم جمعت معاً) ، فهذه دغة مضرب المثل في الحمق، بحيث لا يرجى لحمقها برؤ تنسب إليها أمثال تدل على حظ كبير من الكياسة والذكاء، ولذلك يضطر الراوي أن يقول إن هذا الضرب الثاني من الأمثال إنما صدر عنها وقد بلغت درجة عالية ((من الشرف والعقل)) (2) ، وذلك يشير إلى إحساس الراوي التفاوت بين فئتين من الأمثال كل منهما ينسب لدغة، وليس كذلك الحال مع بيهس، لأن شخصية بيهس - التي كانت ممحوة المعالم أمام شخصيات أخوته - وجدت التعبير   (1) الأمثال العربية القديمة: 53. (2) أمثال الضبي (الجوائب) : 81. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 عن ذاتها حين فقد أولئك الأخوة، فالأمثال الصادرة عنه تثبت خطأ تربوياً في معاملة الأبناء، ولهذا كان من أول ما جهر به بيهس لأمه حين قالت له ((ما جاءني بك من بين إخوتك)) ؟ أن قال لها: ((لو خيرك القوم لاخترت)) ، لقد كان محروماً من عطف الأم ولذلك قال الناس: ((ثكل أرامها ولدا)) فبيهس هو ضحية تلك التفرقة، وحمقه ليس إلا تعبيراً عن نقمته، فهو من ثم يخفي عقلاً وحكمة، لابد أن تظهرهما الأيام، وقد فعلت، ولكن بثمن غالٍ. إن هذا التفاوت هو الذي يجعل شخصاً مثل الحارث بن ظالم مضرب المثل في الغدر ومرب المثل في الوفاء. كذلك لو أن أمرءاً حاول أن يستخرج صورة منسجمة العناصر للقمان لأعياه ذلك: والأمر المحوري في قصص لقمان أنه كان صاحب نم، ولكن هذا لم يمنعه من أن يصبح صاحب إبل أو أن يحاول ذلك، رغم أنه نحر إبل أهل زوجته انتقاماً لأنها أطعمته لحم جزور؛ وتتخذ المنافسة بينه وبين ابنه لقيم من أخته بعداً جديداً يضع لقمان في الظل، مع أنه في قصص أخرى رجل جبار يفرض الأتاوات، ويجيز المتاجر، وتبلغ قوته في شيخوخته حداً عجيباً فهو قائف يعرف اثر الذرة الأنثى من الذرة الذكر في الصفا الأملس في ليلة ظلمة ومطر، ويبلغ من حدة بصره في شيخوخته أنه يعرف الشعرة البيضاء بين صريح اللبن والرغوة، وفي قدرته على الأكل يتغذى جزوراً ويتعشى آخر ويأكل بين ذلك جذعة من الأبل - كل ذلك بعد أن أدركه الهرم - فكيف كان في شبابه؟ إن هذا الرجل العملاق تصوره إحدى القصص عاجزاً - في شبابه - عن رفع دلو من بئر. هذا هو لقمان في قصص المفضل، ولو درسنا القصص الأخرى التي لم يوردها المفضل لزاد التناقض والاضطراب في عناصر تلك الشخصية، ولوجدنا مثلاً أن ذلك الرجل الذي يتمتع بطاقة جنسية فائقة، يجد زوجه تخونه مع رجل آخر؛ وهذا وإن كان يراد به المغالاة في تصوير نفسية المرآة، فإنه لا يمنح لقمان التفوق الذي تريد أن ترسمه الأمثال التي تصور جبروته وتفرده. وهكذا يشعر دارس أمثال لقمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أنه إزاء عدة أشخاص كل منهم أسمه لقمان (وليس من بينهم لقمان الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، أو حتى صاحب النسور) . تلك نماذج وحسب من النظر إلى الأمثال، ولكنها ما تزال تتطلب دراسة من عدة جوانب، فلعل الدارسين أن يولوها ما تستحق من عناية على أسس منهجية صحيحة. إحسان عباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 أمثال العرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ذكر من انتمى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني، أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: وأخبرنا الحكم ابن موسى، أخبرنا هقل بن زياد عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد الله بن فروخ قال: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم. وأخبرنا محمد بن مصعب، أخبرنا الأوزاعي عن شداد أبي عمار عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. قال: وأخبرنا أبو ضمرة المدني أنس بن عياض الليثي، أخبرنا جعفر بن محمد بن علي عن أبيه محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: قسم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما، ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها، ثم اختار العرب من الناس، ثم اختار قريشا من العرب، ثم اختار بني هاشم من قريش، ثم اختار بني عبد المطلب من بني هاشم، ثم اختارني من بني عبد المطلب. أخبرنا عارم بن الفضل السدوسي ويونس بن محمد المؤدب قالا: أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو، يعني بن دينار، عن محمد بن علي قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن الله اختار العرب فاختار منهم كنانة أو النضر بن كنانة ثم اختار منهم قريشا ثم اختار منهم بني هاشم ثم اختارني من بني هاشم. الجزء: 1 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال الطوسي: أخبرنا محمد بن زياد ابن الأعرابي أبو عبد الله عن المفضل الضبي قال: - 1 - زعموا أن ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن معد وكان له ابنان يقال لأحدهما سعد والآخر سعيد، وأن إبل ضبة نفرت تحت الليل وهما معها، فخرجا يطلبانها، فتفرقا في طلبها، فوجدها سعد فجاء بها، وأما سعيد فذهب ولم يرجع، فجعل ضبة يقول بعد ذلك إذا رأى تحت الليل سواداً مقبلاً أسعد أم سعيد (1) فذهب قوله مثلاً.؟؟ ثم أتى على ذلك ما شاء الله أن تأتي لا يجيء سعيد ولا يعلم له خبر، ثم إن ضبة بعد ذلك بينما وهو يسير والحارث بن كعب في الأشهر الحرم وهما يتحدثان إذا مرا على سرحة بمكان فقال له الحارث: أترى هذا المكان؟ فإني لقيت فيه شاباً من هيئته كذا وكذا - فوصف صفة سعيد - فقتلته وأخذت برداً كان عليه، ومن صفة البرد كذا وكذا - فوصف صفة البرد - وسيفاً كان عليه فقال ضبة: ما صفة السيف؟ قال: ها هوذا علي، قال: فأرينه، فأراه إياه فعرفه ضبة ثم قال إن الحديث لذو شجون (2)   (1) ورد المثل في فصل المقال: 67، 209 والميداني 1: 222 والعسكري 1: 155، 377 والفاخر: 48 والزاهر 2: 199 (عن المفضل) . (2) ورد في فصل المقال (بحذف إن: 67 والميداني 1: 133 وجمهرة ابن دريد 4: 97 والفاخر: 47 والعسكري 1: 377 والزاهر 2: 199 (عن المفضل) والعقد 3: 85 والوسيط: 37 (عن المفضل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ثم ضربه حتى قتله، فذهب قوله هذا أيضاً مثلاً. فلامه الناس وقالوا قتلت رجلاً في الأشهر الحرم فقال ضبة: سبق السيف العذل (1) فأرسلها مثلاً. وقال الفرزدق يخاطب الخيار بن سبرة المجاشعي (2) : أأسلمتني للقوم أمك هابل ... (3) وأنت دلنظى المنكبين بطين خميص من المجد المقرب بيننا ... من الشنء رابي القصريين سمين فإن تك قد سالمت دوني فلا تقم ... بدار بها بيت الذليل يكون (4) ولا تأمنن الحرب إن اشتغارها ... كضبة إذ قال الحديث شجون الدلنظى: الضخم؛ والهابل: الثاكل؛ يقال شنئته أشنأه وشنأة أي أبغضته، والقيصرى: الضلع التي تلي الخاصرة، وأنشد لامرأة: فيا رب لا تجعل شبابي وبهجتي ... لشيخ يعنيني ولا لغلام ولكن لعل قد علا الشيب رأسه ... (5) بعيد مناط القصريين حسام واشتغارها: انتشارها وتفرقها؛ وفي بعض الحديث أن امرأة افتخرت على زوجها فقال لها: ذهب الشغار بالفخار، يقال شغر الكلب رجله اذا رفعها ليبول.   (1) المثل في فصل المقال: 67، 69 70 والميداني 1: 221 والفاخر: 48 والعسكري 1: 377، 511 والزاهر 2: 199 (عن المفضل) والبيان والتبيين 1: 389 والوسيط: 37. (2) الأبيات في ديوان الفرزدق (ط. صادر، بيروت) 2: 333 وانظر المصادر السابقة واللسان (شجن) والخيار بن سيرة المجاشعي ولاه الحجاج على عمان فكان يضر بالازد ويهين أشرافهم، ولما ثار يزيد بن المهلب وجه أخاه زياداً إلى عمان فقتل الخيار وصلبه (انظر شرح النقائض: 974) . (3) دلنظى: غليظ. (4) اختار الضبي هذه الرواية بالشين المعجمة كما يدل عليه الشرح في ما يلي؛ وفي رواية: " استعارها " أي توقدها. (5) العل: الكبير المسن، وقيل هو المسن النحيف الضعيف؛ القصرة: العنق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وزعموا أن المستوغر (1) بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم عاش زماناً طويلاً وكان من فرسان العرب في الجاهلية، فزعموا أن رجلاً شاباً من قومه كان له صديق يقال له عامر، وكان ذلك الفتى يقول لعامر إن امرأة المستوغر صديقة لي وإني آتيها، وإنه يطيل الجلوس في المجلس حتى لا يبقى أحد إلا قام، فأحب أن تجلس معه حتى إذا أراد أن يقوم تمطيت وتثاءبت ورفعت صوتك تسمعني، فأنصرف من عند امرأته من قبل أن يفجأنا ونحن على حالنا تلك، وإنما كان ذلك صديقاً لأم عامر، فكان الفتى يشغله بحفظ المستوغر ليخالف الفتى إلى أم عامر فيكون معها، فإذا سمع التثاؤب خرج، ففطن المستوغر لعامر وما يصنع، فاشتمل على السيف، حتى إذا لم يبق أحد غيره وغير عامر قال: ألا ترى والذي أحلف به لئن رفعت صوتك لأضربن عنقك، قال: فسكت عامر، فقال له المستوغر: قم، فقاما إلى بيت المستوغر فإذا امرأته قاعدة بين بنيها، قال: هل ترى من بأس؟ قال: لا أرى من بأس، قال له المستوغر: انطلق بنا إلى أهلك، فانطلقا، فإذا هو بذلك الفتى متبطناً أم عامر في ثوبها، فقال له المستوغر: انظر إلى ما ترى، ثم قال لعلني مضلل كعامر (2) فارسلها مثلاً، ومما زاده في هذا الحديث (المثل) (3) ما قاله المستوغر: إن المعافى غير مخدوع (4) . - 3 - وزعموا أن الاضبط بن قريع (5) بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن   (1) ترجم له في المعمرين: 12 (جولدتسيهر) - 13 (عبد المنعم عامر) وأورد نقلاً عن المفضل. (2) قال أبو حاتم إنما المثل: " حسبتني مضللاً كعامر " وكذلك ورد في جمهرة العسكري 1: 382 وورد في الميداني 2: 97 كما هو هنا. (3) إحدى الكلمتين (الحديث / المثل) تقوم مقام الأخرى. (4) المثل " إن المعافى ... " في الميداني 1: 7 وله قصة مختلفة. (5) ترجم له في المعمرين 7 / 11 وأورد له أبياتاً قال: كان له حمام بالحيرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 تميم كان يرى من قومه وهو سيدهم بغياً عليه وتنقصاً له فقال: ما في مجامعة هؤلاء خير، ففارقهم وسار بأهله حتى نزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون بأشرافهم كما كان يفعل به قومه من التنقص له والبغي عليه، فارتحل عنهم وحل بآخرين، فإذا هم كذلك، فلما رأى ذلك انصرف وقال: ما أرى الناس إلا قريباً بعضهم من بعض، فانصرف نحو قومه وقال: أينما أوجه ألق سعداً (1) فأرسلها مثلاً. ألق سعداً أي أرى مثل قومي بني سعد. ومما زاده قوله: في كل واد بنو سعد (2) . - 4 - وزعموا أن ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة أغار على كلب ثم على بني عدي بن جناب من كلب، فأصاب فيما أصاب أهل عمرو بن ثعلبة أخي بني عدي بن جناب، وكان صديقاً لضرار بن عمرو، ولم يشهد القوم حين أغير عليهم، فلما جاءهم الخبر تبع ضرار وكان فيما أخذ من أهله يومئذ سلمى بنت وائل الصائغ، وكانت أمه له وأمها وأختين لها، وسلمى هي أم النعمان بن المنذر ابن ماء السماء، فلما لحق عمرو بن ثعلبة ضراراً قال له عمرو: أنشدك المودة والاخاء فإنك قد أصبت أهلي فارددهم علي، فجعل ضراراً يردهم شيئاً شيئاً حتى بقيت سلمى وأختاها، وكانت سلمى قد اعجبت ضراراً، فسأله إن يردهن، فردهما غير سلمى، فقال عمرو بن ثعلبة: يا ضرار: أتبع الفرس لجامها (3) فأرسلها مثلاً، فردها عليه ومما زاده قوله: والدلو رشاءها.   (1) المثل في العسكري: 61 والميداني 1: 34 والمستقصي: 179 والوسيط: 61. (2) انظر جمهرة العسكري 1: 61 والبيان والتبيين " بكل واد " 3: 294 والحيوان 1: 358، 3: 104 394. (3) المثل في فصل المقال: 345 والميداني 1: 89 والمستقصى: 17 وجمهرة العسكري 1: 92. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 - 5 - وزعموا أن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم تزوج بنت عمه دخنتوس بنت لقيط بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بعدما أسن، وكان أكثر قومه مالاً وأعظمهم شرفاً فلم تزل تولع به وتؤذيه وتسمعه ما يكره وتهجره وتهجره حتى طلقها، وتزوجها من بعد عمير بن معبد بن زرارة (1) وهو ابن عمها، وكان رجلاً شاباً قليل المال، فمرت إبله عليها كأنها الليل من كثرتها فقالت لخادمتها: ويلك انطلقي إلى أبي شريح - وكان عمرو يكنى بأبي شريح - فقولي له فليسقنا من اللبن، فاتاها الرسول فقال: إن بنت عمك دختنوس تقول لك اسقنا من لبنك، فقال لها عمرو قولي لها الصيف ضيعت اللبن (2) . ثم أرسل إليها بلقوحين ورواية من لبن، فقال الرسول: أرسل إليك أبو شريح بهذا وهو يقول: الصيف ضيعت اللبن، فذهبت مثلاً فقالت وزوجها عندها، وحطأت بين كتفيه، أي ضربت: هذا ومذقة خير (3) فأرسلتها مثلاً. والمذقة شربة ممزوجة. - 6 - وزعموا أن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم ابن مالك بن حنظلة بن مالك كان عند النعمان بن المنذر في الجاهلية، فوجده قد أسر ناساً من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، فقال: من يكفل بهؤلاء؟ فقال خالد: أنا كفيل بهم، فقال النعمان: وبما أحدثوا، قال: نعم وإن كان الأبلق   (1) في رواية أبي عبيدة أن عمير بن معبد كان ثالث أزواجها؛ ففي القصة اختصار حسب رواية الضبي. (2) المثل في فصل المقال: 357، 359، والميداني 2: 10 وجمهرة العسكري 1: 575، والفاخر: 90 والمستقصي: 121 والزاهر 2: 235 (عن الفضل) والوسيط: 48 والشربشي 5: 136. ويروي أيضاً " الصيف صيحت اللبن " بالحاء بدل العين يريد: الصيف أفسدت اللبن. (3) يضرب للشيء القليل المعجب الموافق للمحبة دون الكثير المبغض، وانظر في المثل: فصل المقال: 358 وجمهرة العسكري 1: 576، 2: 365 والزاهر 2: 236. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 العقوق، فقال له النعمان: وما الأبلق العقوق؟ قال: هو الوفاء، فذهب الأبلق العقوق (1) مثلاً، قال الشاعر (2) : فلو قبلوا منا (3) العقوق أتيتهم ... بألف أودية من المال اقرعا أي تام. طلب الأبلق العقوق فلما ... لم يصبه أراد بيض الأنوق (4) - 7 - وزعموا أن كبيس بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة كان عارض أمة لزرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة يقال لها رشية، وكانت سبية أصابها زرارة من الرفيدات، ورفيدة قبيلة من كلب (5) فولدت له عمراً وذؤيباً وبرغوثاً فمات كبيس وترعرعت الغلمة، فقال لقيط بن زرارة: يا رشية من أبو هؤلاء؟ قالت: كبيس بن جابر، وكان لقيط عدواً لضمرة بن جابر أخي كبيس (6) ، قال: فاذهبي بهؤلاء الغلمة واقصدي (7) بهم وجه ضمرة وأخبريه   (1) قيل في المثل: أعز من الأبلق العقوق، وقالوا: العقوق الفرس الحامل، والأبلق صفة للذكر، ولا يجوز أن يكون حاملاً فجعلوه لما لا يكون مثلاً للعز (انظر جمهرة العسكري 2: 64) وجاء في (بلق) طلب الأبلق العقوق - وهو مثل - كما قيل: أعز من بيض الأنوق؛ والأنوق الرخمة، وهي تحرز بيضها؛ ومن صيغ المثل: كلفتني الأبلق العقوق أو كلفتني بيض الأنوق (أنظر تهذيب الأزهري 1: 61) أما حمل الأبلق العقوق على معنى الوفاء فأراه مجازاً؛ وانظر الحيوان 6: 324 " أعز من.. " وثمار القلوب (بيض الأنوق) : 494. (2) البيت دون نسبة في اللسان (عقق) . (3) رواية اللسان: فلو قبلوني بالعقوق؛ يقول لو اتيتهم بالأبلق العقوق ما قبلوني. وانشد ابن السكيت هذا البيت وقال: يريد ألف بعير. (4) البيت في اللسان (انق، بلق، عقق) . (5) انظر الاشتقاق: 537. (6) انظر نسب ضمرة في جداول كاسكل: 1: 62 وهناك يبدو واضحاً أن ابن الكلبي أهمل ذكر " كبيس " أخيه، وهو يرد في الفاخر والميداني بالشين (أي كبيش) . (7) الفاخر: فغلسي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 من هم، فانطلقت بهم إلى ضمرة فقال: ما هؤلاء؟ قالت: هم بنو أخيك كبيس بن جابر، فانتزع منها الغلمة - ثم قال: الحقي بأهلك، فرجعت فأخبرت أهلها الخبر، فركب زرارة وكان حليماً حتى أتى بني نهشل فقال: ردوا علي غلمتي، فشتمه بنو نهشل وأهجروا له، فلما رأوا ذلك انصرف حتى أتى قومه فقالوا له: ما صنعت، قال: خيراً، والله ما زال يستقبلني بنو عمي بما أحب حتى انصرفت عنهم من كثر ما أحسنوا إلي، ثم مكث عاماً ثم أتاهم فأعادوا عليه أسوأ ما كانوا فعلوا، فانصرف، فقال له قومه: ما صنعت؟ قال: خيراً، قد أحسنوا إلي بنو عمي وأجملوا، فمكث كذلك سبع سنين يأتيهم كل سنة فيردونه أسوأ الرد، فبينما بنو نهشل يسيرون ضحى إذ لحق بهم لاحق فأخبرهم أن زرارة قد مات، فقال ضمرة: يا بني نهشل إنه قد مات حلم إخوتكم اليوم فاتقوهم بحقهم، ثم قال ضمرة لنسائه: قمن أقسم بينكن الثكل، وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان بن شجنة ابن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وامرأة سبية يقال لها خليدة من بني عجل، وسبية من بني عبد القيس، وسبية من الأزد من بني طمثان، فكان لهن أولاد، غير خليدة، فقالت لهند - وكانت لها مصافية: ولي الثكل بنت غيرك (1) فأرسلتها مثلاً. فأخذ ضمرة شقة (2) بن ضمرة وأمه هند، وشهاب بن ضمرة وأمه العبدية، وعنوة بن ضمرة وامه الطمثانية، فأرسلهم إلى لقيط بن زرارة فقال: هؤلاء رهن لك بغلمانك حتى أرضيك منهم، فلما وقع بنو ضمرة في يدي لقيط أساء ولايتهم وجفاهم وأهانهم، فقال في ذلك ضمرة بن جابر (3) :   (1) لم يرد منفصلاً في الميداني أو العسكري أو فصل المقال واثبته الفاخر: 53 - 54 والزاهر 2: 248 والميداني في المثل " تسمع بالمعيدي " (1: 86) . (2) في مطبوعة الجوائب: فأخذ ضمرة بنت أبي شقة، وهو وهم واضح. (3) الأبيات في الميداني 1: 86 والفاخر: 54 والزاهر 2: 248 - 249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 صرمت إخاء شقة يوم غول ... وإخوته فلا حلت حلالي كأني إذ رهنت بني قومي ... دفعتهم إلى الصهب السبال فلم أرهنهم بدمي ولكن ... رهنتهم بصلح أو بمال صرمت إخاء شقة يوم غول ... وحق إخاء شقة بالوصال يريد إخائي شقة فحذف الياء، فأجابه لقيط بن زرارة: أبا قطن إني أراك حزيناً ... (1) وإن العجول لا تبالي خدينا أفي أن صبرتم نصف عام بحقنا (2) ... وقبل صبرنا نحن سبع سنينا العجول: التي مات ولدها. وقال ضمرة بن جابر (3) : لعمرك إنني وطلاب حبي ... وترك بني في الشطر الأعادي لمن نوكى الشيوخ وكان مثلي ... إذا ما ضل لم ينعش بهادي ثم إن بني نهشل طلبوا إلى المنذر بن ماء السماء أن يطلبهم إلى لقيط، فقال لهم المنذر: نحوا عني وجوهكم، ثم أمر بخمر وطعام، ثم دعا لقيطاً فأكلا وشربا، حتى إذا أخذت الخمر فيهما قال المنذر للقيط: يا خير الفتيان ما تقول في رجل اختارك الليلة على ندامى مضر؟ قال: وما أقول فيه؟ أقول إنه لا يسألني الليلة شيئاً إلا أعطيته إياه غير الغلمة، قال له المنذر: وما الغلمة؟ أما إذا استثنيت فلست قابلاً منك حتى تعطيني كل شيء طلبته، قال: فذلك لك، قال: فإني أسألك الغلمة أن تهبهم لي، قال: سلني غيرهم، قال: ما أسألك غيرهم، فأرسل   (1) الفاخر والميداني والزاهر: لا تبالي الحنينا. (2) الفاخر والميداني: لحقنا. (3) البيتان في الفاخر والميداني والزاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 لقيط إليهم فدفعهم إلى المنذر، فلما أصبح لامه أصحابه فقال لقيط في المنذر (1) : إنك لو غطيت أرجاء هوةٍ ... مغمسة لا يستبان ترابها أرجاء البئر: نواحيها، والهوة: البئر، مغمسة: خفية مظلمة. بثوبك في الظلماء ثم دعوتني ... لجئت إليها سادراً لا أهابها وأصبحت موجوداً علي ملوماً ... كأن نضيت على حائض لي ثيابها قوله: يطلبهم إلى لقيط يقال أطلبني حاجتي أي أسعفني على طلبها، واحلبني أي أعني على الحلب، وألمسني حاجتي أي التمس معي، وقوله: نضيت يقال نضا الرجل ثوبه إذا نزعه، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي (2) : تقول وقد نضت لنومٍ ثيابها ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل وأرسل المنذر إلى الغلمة وقد مات ضمرة، وكان ضمرة صديقاً له، فلما دخل عليه الغلمة وكان يسمع بشقة ويعجبه ما يبلغه عنه، فلما رآه المنذر قال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (3) فأرسلها مثلا - قال الكسائي: الطوسي يشدد الدال ويقول المعدي ينسبه إلى معد - قال له شقة: أسعدك إلهك إن القوم ليسوا بجزر - يعني الشاء - إنما يعيش المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه، والجزر: جمع جزرة وهي الشاة، فاعجب الملك كلامه وسره كل ما رأى منه فسماه ضمرة باسم أبيه، فهو ضمرة بن ضمرة، وذهب قوله إنما يعيش الرجل بأصغريه (4) مثلاً.   (1) الأبيات في الفاخر والميداني والزاهر. (2) من معلقته، انظر ديوانه: 14 وروايته: فجئت وقد نضت ... (3) المثل في فصل المقال: 135 والميداني 1: 86 وجمهرة العسكري 1: 266 وجمهرة ابن دريد 2: 283 والفاخر: 53 والشعر والشعراء: 532 وقال أبو عبيد كان الكسائي يدخل فيه " أن " وفي الزاهر 2: 247 لأن تسمع (وروايته عن المفضل) والبيان والتبيين 1: 171، 237 والعقد 3: 93 والوسيط: 83 والخزانة 1: 151 والعبدري: 218. (4) انظر المصادر السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 - 8 - زعموا أن تقن بنت شريق أحد بني عثم (1) من بني جشم بن سعد بن زيد مناة بن تميم كانت تحت رجل من قومها، وكان أخوها الريب بن شريق من فرسان بني سعد وأشرافهم، وكانت لها ضرة، ولضرتها ابن يقال له الحميت. فوقع بين تقن وضرتها شر فاستبتا وتراجزتا، فغلبتها تقن وشتمتها شتماً قبيحاً، فلما سمع ذلك الحميت اخذ الرمح فطعن به في فخذ تقن فأنفذ فخذها، فلما رأى ذلك أبوه - وكره ان يبلغ أخاها - قال: اسكتي ولك ثلاثون من الإبل ولا يعلم بذلك أخوك، قالت: فأخرجها، فأخرجها فوسمتها بمسيم أخيها الريب بن شريق وألحقتها بابلها، فكانت في إبلها ما شاء الله. ثم إن سفيان بن شريق أخا الريب ورد الماء بابله، فلقى الحميت على الماء، فكان بينهما كلام، فضربه الحميت، وكان في عنق سفيان بن ريق قروح فادمى تلك القروح، فأتى سفيان أخاه الريب فذكر له ذلك، فركب الريب فرساً له يقال الهداج ثم لحق الحي وهم سائرون، فقال: من أحس من بكر أورق ضل من إبلي؟ فيقولون: ما رأيناه، ويمضي حتى لحق بالحميت وهو يسير في أول سلف الحي، فقال: هل أحسست من بكر أورق ضل من إبلي، قال: ما رأيته؛ ثم ان الريب ألقى سوطه كأنه وقع منه، فقال للحميت: ناولني سوطي، فأكب يناوله السوط فقال: أعركتين بالضفير - الضفير: السير المضفور، والضفير موضع، ثم ضربه بالسيف على مجامع كتفيه ضربةً كادت تقع في جوفه، ثم مضى على فرسه، فذهب قوله: أعركتين بالضفير مثلاً. يقول: أعركتين مرة على أخي ومرة على أختي. وقال الريب بن شريق: بكت تقن فآذاني بكاها ... وعز علي أن وجعت نساها   (1) هو عثم بن رغل بن ذبيان بن كعب بن جشم بن سعد بن زيد مناة (انظر جداول كاسكل: 1:75) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 سأثأر منك عرس أبيك إني ... رأيتك لا تجأجىء عن حماها يعني بالعرس هنا تقناً، يقال جأجأ بابله، إذا حثها على الشرب. دلفت له بأبيض مشرفي ... الم على الجوانح فاختلاها دلفت: من الدليف وهو مشي سريع في تقارب خطو. فان يبرا فلم أنفث عليه ... وان يهلك فآجال قضاها وكان مجرباً سيفي صنيعاً ... فيا لك نبوة سيفي نباها رأيت عجوزهم فصددت عنها ... لها رحم وواقٍ من وقاها وخفت الصرم من حفص بن سودٍ ... وأتبعت الجناية من جناها الحفص: من قبيلة الحميت، وكان صديقاً للريب بن شريق. - 9 - زعموا (1) أن مالك بن زيد مناة بن تميم كان رجلاً أحمق، فزوجه أخوه سعد ابن زيد مناة النوار بنت جد (2) بن عدي بن عبد مناة بن أد ورجا سعد إن يولد لأخيه. فلما كان عند بنائه أدخلت عليه امرأته انطلق به سعد حتى اذا كان بباب بيته قال له سعد: لج بيتك، فأبى مالك، فعاتبه مراراً فقال له سعد: لج مال ولجت الرجم - الرجم: القبر - فأرسلها مثلاً، ثم إن مالكاً دخل ونعلاه معلقتان في ذراعيه فلما دنا من المرأة قالت له ضع نعليك قال: ساعداي أحرز لهما (3) فأرسلها مثلاً، ثم أتي بطيب فجعل يجعله في استه فقالوا له يا مالك ما تصنع؟ قال ": استي اخبثي فأرسلها مثلاً.   (1) وردت القصة مع مزيد من التفصيل في جمهرة العسكري 1: 137 تحت المثل " استي اخبثي "؛ وذكر أنه كان يلبس نعليه وأن المرأة قالت له: اخلع نعليك، فأجاب: رجلاي أحق بهما؛ وانظر المستقصي: 66 والدرة الفاخرة: 144. (2) العسكري: جل؛ الميداني: حل. (3) انظر المثل في الميداني 1: 224. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 فولدت النوار لمالك بن زيد مناة حنظلة ومعاوية وقيسا وربيعة، فقال الشاعر الفرزدق: ولولا إن يقول بنو عدي ... ألم تك أم حنظلة النوارا إذن لأتى بني ملكان قول ... إذا ما قيل انجد ثم غارا ليس في العرب ملكان - بالفتح - إلا ملكان بن هند بن جرم في قضاعة. - 10 - زعموا أن أم خارجة (1) بنت سحمة بن سعد بن عبد الله بن قذاذ بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار البجلية - وهي أم عدس كانت تحت رجل من اياد، وكان أبا عذرها، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فخلعها منه دعج بن خلف بن دعج بن سحيمة بن سعد بن عبد الله بن قذاذ (2) بن عبد الله بن سعد بن قذاذ وهو ابن اخيها (3) فتزوجها بعده عمرو بن تميم، فولدت له أسيد بن عمرو بن تميم، والعنبر بن عمرو، والهجيم، والقليب. ثم خلف عليها بعده بكر بن عبد مناة من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، فولدت له: ليث بن بكر، والحارث بن بكر والديل بن بكر؛ ثم خلف عليها مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له: غاضرة بن مالك، وعمرو بن مالك، وولدت في قبائل العرب. زعموا أن الخاطب كان يأتيها فيقول: خطب، فتقول نكح، فقيل: أسرع من نكاح أم خارجة (4) فصار مثلاً.   (1) هكذا ورد نسبها عند البكري في فصل المقال: عمرة بنت سعد بن قداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد ابن أنمار. (2) فصل المقال: قداد؛ الميداني: قدار. (3) الميداني: ابن اختها. (4) المثل في فصل المقال: 500 والميداني 1: 235 وجمهرة العسكري 1: 529 وجمهرة ابن دريد: 1: 237، 2: 187 والدرة الفاخرة: 89 والمستقصى: 67 والزاهر 2: 272 (عن المفضل) . وثمار القلوب: 311 والوسيط: 38. والخزانة 3: 84، 4: 286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وزعموا أن بعض ولدها كان يسوق بها يوماً فرفع لهم راكب، فقالت: ما هذا؟ فقال ابنها: إخاله خاطباً، فقالت: يا بني هل تخاف أن يعجلنا إن نحل، ما له ال وغل (1) ، فصار مثلاً. - 11 - وزعموا أن رجلاً كانت له صديقة وكان لها زوج غائب، فكان صديق تلك المرأة يأتيها فيصيب منها، فجاء زوجها ولم يعلم به صديقها، وجاء الصديق كعادته فوجد الزوج مضطجعاً بفناء البيت، فحسبه المرأة، فرفع برجليه، فوثب إليه الرجل فأخذه ودعا بالسيف ليقتله، وهو جار معاوية بن سنان بن جحوان بن عوف ابن كعب بن عبشمس بن سعد بن زيد بن تميم، فنادى المأخوذ: يا معاوي ابن سنان هل أوفيت؟ - يقال وفى الرجل واوفى بمعنى واحد - فسمع معاوية فظن انه مكروب حين سمع صوته فنادى: نعم وتعليت أي زدت على الوفاء فذهب مثلاً، فقال له زوج المرأة: أمنحباً أي ناذراً قال: نعم - المنحب: المراهن. والمنحب الدائب أيضاً. - 12 - زعموا أن خالد بن معاوية بن سنان بن جحوان بن عوف بن كعب بن عبشمس بن سعد ساب رجلاً من بني عثم - وهو من بني جشم بن سعد بن زيد مناة ابن تميم - عند النعمان بن المنذر، فقال لهم خالد وهو يرجز بهم (2) : دوموا بني عثم ولن تدوموا ... لنا ولا سيدكم مرحوم إنا سراة وسطنا قروم ... قد علمت أحسابنا تميم في الحرب حين حلم الأديم ...   (1) انظر أيضاً المصادر السابقة؛ وأل: طعن بالحربة، وغل: أصيب بحرارة العطش. (2) الرجز في فصل المقال: 180 وبعضه في الزاهر 2: 281. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فذهب قوله حلم الأديم (1) مثلاً. وقال خالد وهو يرجز بهم (2) : إن لنا بآل عثم علماً ... أستاه آم يعترين لحما (3) أفواه أفراس أكلن هشماً ... (4) إذا لقيت انفحياً وخما منهم طويلاً في السماء ضخماً ... (5) لا يحتر النازل إلا لطما تركتهم خير قويس سهما ... القويس: القوس الرديئة، والحتر: العطية، أي لما هجوت رؤساءهم صاروا أذلة فكيف بغيرهم، فذهب قوله خير قويس سهما (6) مثلاً. قال أبو عبد الله: يريد تركت من هجوته وهو ذليل فإذا كان ذليلاً وهو خير قومه فأي شيء حال قومه؟ وقال خالد وهو يرجز بالمنذر بن فدكي أخي بني عثم وكان سيدهم يومئذ عند النعمان (7) : فان عين المنذر بن فدكي ... عينا فتاة نقطت أمس هدي (8) فرجز به شاعر بني عثم، فعقر به خالد بن معاوية، ومع خالد أخ له، فاستعدوا   (1) انظر فصل المقال: 180 والميداني 2: 64 وجمهرة ابن دريد 3: 279 والفاخر 171 (وأكثر ما يرد في صورة " كدابغة وقد حلم الأديم ") وانظر جمهرة العسكري 1: 420 والمستقصي: 733 والزاهر: 2: 280 " قد حلم الأديم " والعقد 3: 121. (2) انظر أيضاً فصل المقال والزاهر. (3) أكلن هشماً: أي في أفواههن بخر. (4) انفحياً: عظيماً سميناً. (5) يحتر: يعطي. (6) ورد المثل: " تركتهم خير قويسن سهما " في فصل المقال: 180 ومن صوره " كونوا خير قويس سهماً " فصل المقال: 181؛ قال أبو حاتم: القويس صغرت بغير هاء؛ (أي كان القياس أن تكون قويسة) وجاء كما أورده الضبي " خير قويس سهماً " في جمهرة العسكري 1: 420 وانظر الزاهر 2: 282. (7) الزاهر 2: 282. (8) نقطت: زينت. الهدي: العروس، شبهه بالنساء لتخنيثه وأنه لا رجلة فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 عليهما النعمان، فقال خالد: أبيت اللعن، أنا أركب وأخي ناقة، ثم نتعرض لهم كما تعرضوا لنا، فإن استطاعوا فليعقروا بنا، فأعجب ذلك النعمان وقال: قد أعطاكم بحقكم، قالوا: قد رضينا، قال النعمان: أما والله لتجدنا ألوى بعيد المستمر (1) فأرسلها مثلاً. الألوى: المانع لما عنده، والمستمر: استمرار عقله وحزمه. فاكتفل خالد وأخوه ناقتهما بكفل وتأخر أحدهما على العجز وجعل وجهه من قبل الذنب، وتقدم أحدهما إلى الكتف، فجعل كل واحد يذب بسيفه مما يليه فلم يخلصوا إلى أن يعقروا بهما فأتى النعمان فقال: أبيت اللعن قد أعطيناهم بحقهم فعجزوا عنه فنظر النعمان إلى جلسائه فقال: أترون قومه كانوا يتبعونه بأبلخ جهول (2) ، فأرسلها مثلاً. - 13 - زعموا أن السليك بن السلكة التميمي (3) ثم أحد بني مقاعس - ومقاعس: الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة - كان من أشد فرسان العرب وأنكرهم وأشعرهم، وكانت أمه سوداء، وكانوا يدعونه سليك المقانب - والمقنب ما بين الثلاثين إلى الخمسين - وكان أدل الناس بالأرض، وأجودهم عدواً على رجليه لا تعلق به الخيل، زعموا أنه كان يقول (4) : اللهم إنك تهيء ما شئت   (1) فصل المقال:: 131، 180 والزاهر 2: 282 وجمهرة العسكري 1: 32 (الوى بعيد المستمر) والميداني 2: 94 والمستقصى: 286 والسمط: 299 والعقد 3: 92 واللسان (لوى) ؛ يضرب مثلاً للرجل لا يطاق نكارة أي مكراً ودهاء؛ والألوى: المعوج. (2) الأبلخ: العظيم في نفسه الجريء على ما أتى من الفجور وقيل هو الأحمق، وقيل هو المتكبر، انظر الزاهر 2: 283 وفيه " يبيعونه " هو أصوب. (3) أخبار السليك في الشعر والشعراء: 281 والأغاني 18: 132 والمؤتلف: 137 وفصل المقال: 39 وسائر كتب الأمثال، وهذا النص قد نقله ابن قتيبة في عيون الأخبار 2: 175 عن المفضل وفي النقل تقديم وتأخير؛ وانظر الشربشي 1: 392. (4) قارن بما أورده ابن قتيبة في الشعر والشعراء: 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 لما شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبداً، ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحد. فذكر (1) أنه افتقر حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر عليه فيذهب بابله، حتى أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة، فاشتمل الصماء - واشتمال الصماء أن يرد فضل ثوبه على عضده اليمنى ثم ينام عليها - فبينا هو نائم إذ جثم عليه رجل من الليل فقعد على جنبه فقال: استأسر، فرفع السليك إليه رأسه فقال: إن الليل طويل وأنت مقمر (2) فأرسلها مثلاً. ثم جعل الرجل يلهزه ويقول: يا خبيث استأسر، فلما آذاه بذلك أخرج السليك يده فضم الرجل ضمة إليه ضرط منها وهو فوقه فقال له السليك: أضراطاً وأنت الأعلى (3) فأرسلها مثلاً. ثم قال له السليك: من أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت فقلت لأخرجن فلا أرجعن حتى استغني فآتي أهلي وأنا غني، قال: فانطلقي معي. قال: فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فاصطحبوا جميعا، حتى اتوا الجوف - جوف مراد الذي باليمن - فلما أشرفوا على الجوف، إذا نعم قد ملأ كل شيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضهما فليحقهم الحي، فقال لهما السليك: كونا قريبا حتى آتي الرعاء فاعلم لكم علم الحي أقريب أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعت إليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً أوحي به لكما، فأغيروا؛ فانطلق حتى أتى الرعاء فلم يزل يتسقطهم حتى أخبروه بمكان الحي، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدركوا، فقال   (1) أورد ابن قتيبة هذه القصة، في عيون الأخبار والشعر والشعراء. (2) المثل في فصل المقال: 339 وجمهرة العسكري 1: 130، 2: 189 والشعر والشعراء: 282 وعيون الأخبار 2: 176 والميداني 1: 284 والمستقصى: 87 والعقد 3: 123. (3) انظر المصادر السابقة؛ واللسان (ضرط) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 لهم السليك: ألا أغنيكم؟ فقالوا: بلى، فتغنى بأعلى صوته فقال (1) : يا صاحبي إلا لا حي بالوادي ... إلا عبيد وأم بين اذواد آم: جمع أمة العشر، ثم إماء لما بعد العشر. أتنظرن قليلاً ريث غفلتهم ... أم تعدوان فإن الريح للعادي (2) فلما سمعا ذلك أتيا السليك فاطردوا الإبل فذهبوا بها فلم يبلغ الصريخ إلى الحي حتى مضوا بما معهم. وزعموا أن السليك خرج ومعه عمرو وعاصم ابنا سري بن الحارث بن امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم يريد أن يغير في أناس من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع والناس مخصبون في عشية فيها ضباب ومطر، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فقال لأصحابه: كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي أهل هذا البيت فلعلي أصيب لكم خيراً أو آتيكم بطعام، فقالوا فافعل، فانطلق وقد أمسى وجن عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رويم الشيباني، وهو جد حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم، وإذا الشيخ وامرأته بفناء البيت، فأتى السليك البيت من مؤخره فدخله، فلم يلبث أن أراح ابن له ابله، فلما أن أراحها غضب الشيخ وقال لابنه: هلا كنت عشيتها ساعة من الليل؟! فقال ابنه: إنها أبت العشاء، فقال: العاشية تهيج الآبية (3) فأرسلها مثلاً. العاشية: التي تتعشى، تهيج آبي العشاء فيتعشى معها. ثم غضب الشيخ فنفض ثوبه (4) في وجوهها إلى مرتعها وتبعها   (1) انظر المصادر السابقة، والزاهر 2: 283 واللسان (أما) . (2) الريح: القوة والغلبة. (3) المثل في فصل المقال: 516 والميداني 1:307 وجمهرة العسكري 2: 57 وجمهرة ابن دريد 3: 159 والفاخر: 131 (نقلاً عن المفضل) والمستقصى: 133 والحيوان 5: 212 والزاهر2: 232 (عن المفضل) . (4) الفاخر: ونفض يده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وجلس الشيخ عندها للعشاء فغطى وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السليك، فلما وجد الشيخ مغتراً ختله من ورائه ثم ضربه فأطار رأسه وصاح بالإبل فاطردها، فلم يشعر أصحابه - وقد ساء ظنهم به وتخوفوا عليه - حتى اذا هم بالسليك يطردها، فطردوها معه فقال السليك (1) : وعاشية رج بطان ذعرتها ... (2) بصوت قتيل وسطها يتسيف فبات لها أهل خلاء فناؤهم ... (3) ومرت بهم طير فلم يتعيفوا وباتوا يظنون الظنون وصحبتي ... (4) إذا ما علوا نشزاً أهلوا وأوجفوا وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... (5) وكدن لأسباب المنية أعرف وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني ... (6) إذا قمت يغشاني ظلال فأسدف - 14 - زعموا أن العيار بن عبد الله الضبي ثم أحد بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة وفد هو وحبيش بن دلف وضرار بن عمرو الضبيان على النعمان فأكرمهم وأجرى عليهم نزلا، وكان العيار رجلاً بطالاً يقول الشعر ويضحك الملوك، وكان قد قال قبل ذلك (7) : لا أذبح النازي (8) الشبوب ولا ... أسلخ يوم المقامة العنقا   (1) انظر مصادر المثل فيما تقدم. (2) العاشية: الإبل؛ الرج: الواسعة الاخفاف، يتسيف: يضرب بالسيف. (3) لم يتعيفوا: لم يزجروا الطير فيعلموا ما تنبئ به. (4) اهلوا: رفعوا أصواتهم؛ أوجفوا: استحثوا إبلهم. (5) اعرف: أصبر. (6) اسدف: يظلم بصري من شدة الجوع. (7) الأول من هذه الأبيات في فصل المقال: 212 والميداني 1: 28 والفاخر: 56 وانظر اللسان (عنق) . (8) فصل المقال: البازل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 لا آكل الغث في الشتاء ولا ... أنصح ثوبي إذا هو انخرقا (1) ولا أرى أخدم النساء ول؟ ... كن فارساً مرة ومنتطقا وكان منزلهم واحد، وكان النعمان بادياً، فأرسل إليهم بجزر فيهن تيس، فأكلوهن غير التيس، فقال ضرار للعيار - وهو أحدثهم سناً - ليس عندنا من يسلخ لنا هذا التيس فلو ذبحته وسلخته وكفيتنا ذلك فقال العيار فما أبالي أن أفعل فذبح ذلك التيس ثم سلخه، فانطلق ضرار إلى النعمان فقال: أبيت اللعن هل لك في العيار يسلخ تيساً؟ قال: أبعد ما قال؟ قال: نعم، فأرسل إليه النعمان فوجده يسلخ تيساً، فأتى به فضحك به ساعة؛ وعرف العيار أن ضراراً هو الذي أخبر النعمان بما صنع، وكان النعمان يجلس بالهاجرة في ظل سرادقة، وكان كسا ضراراً حلة من حلله، وكان ضراراً شيخاً أعرج بادناً كثير اللحم، فكست العيار حتى إذا كانت ساعة النعمان التي يجلس فيها في ظل سرادقة ويؤتى بطعامه عمد العيار إلى حله صرار فلبسها، ثم خرج يتعارج، حتى إذا كان بحيال النعمان وعليه حلة ضرار كشفها عنه فخرىء، فقال النعمان: ما لضرار قاتله الله لا يهابني عند طعامي؟ فغضب على ضرار، فحلف ضرار أنه ما فعل، قال: ولكني أرى العيار وهو فعل هذا من أجل أني ذكرت لك سلخة التيس، فوقع بينهما كلام حتى نشائما عند النعمان. فلما كان بعد ذلك ووقع بين ضرار وبين أبي مرحب أخي بني يربوع ما وقع تناول أبو مرحب ضراراً عند النعمان والعيار شاهد فشتم العيار أبا مرحب ورجز به (2) فقال النعمان للعيار: أتشتم أبا مرحب في ضرار، وقد سمعتك تقول له شراً مما قال أبو مرحب؟! قال العيار أبيت اللعن وأسعدك إلهك: إني آكل لحمي ولا أدعه لآكل (3) فأرسلها مثلاً، فقال النعمان: لا يملك مولى لمولى نصراً.   (1) نصح الثوب: خاطه. (2) الفاخر: وزجره. (3) المثل في فصل المقال: 213 والميداني 1: 28 (آكل الحمي..) والفاخر: 55 (عن المفضل الضبي) والوسيط: 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 - 15 - وزعموا أن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة، وكان خطيباً كثير المال عظيم المنزلة من الملوك، وانه كان مع بعض الملوك فقال له: إنه قد بلغني عن أخيك نهشل بن دارم خير، وقد أعجبني أن تأتيني به فأصنع خيراً إليه، وكان نهشل من أجمل الناس وأشجعهم، وكان عيي اللسان قليل المنطق، فلم يزل ذلك الملك بمجاشع حتى اتاه بنهشل، فأدخله عليه وأجلسه، فمكث نهشل لا يتكلم، وقد كان أعجب الملك ما رأى من هيئته وجماله، فقال له الملك: تكلم، قال: الشر كثير، فسكت عنه، فقال له مجاشع: حدث الملك وكلمه، فقال له نهشل: إني والله ما أحسن تكذابك وتأثامك، تشول بلسانك شولان البروق، فارسل: شولان البروق (1) مثلاً. البروق: الناقة التي تشيل ذنبها تري أهلها انها لاقح وليست بلاقح. - 16 - زعموا أن شهاب بن قيس أخا بني خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم خرج مع خاله اوفى بن مطر المازني، ومعه رجل آخر من بني مازن يقال له جابر بن عمرو، فكانوا ثلاثة، وكان جابر يزجر الطير، فبينما هم يسيرون إذ عرض لهم اثر رجلين يسوقان بعيرين ويقودان فرسين، قالوا: فلو طلبناهما، قال جابر: فاني أرى أثر رجلين يسوقان بعيرين شديد كلبهما الفرار بقراب أكيس (2) فأرسلها مثلاً، وفارقهما. ومضى أوفى بن مطر وشهاب في اثر الرجلين وكان على أوفى بن مطر يمين   (1) انظر اللسان (برق) قال: وتقول العرب: دعني من تكذابك وتأثامك شولان البروق؛ والتلخيص للعسكري: 587 لست من تكذابك وتأثامك في شيء أنك لتشول شولان البروق. (2) المثل في جمهرة العسكري 2: 93 والميداني 2: 15 والمستقصى: 135 واللسان (قرب) وروى العسكري فيه قصتين، إحداهما التي أثبتها الضبي هنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 لا يرمي بأكثر من سهمين، ولا يستجيره رجل أبداً إلا أجاره، ولا يغتر رجلاً حتى يؤذنه، فهاجا بالرجلين وهما في ظل طلحة، واذا هما من بني أسد ثم من بني فقعس، فلما رأى اوفى أحدهما قال له: استمسك فانك معدو بك، أي محمول، فقال الاسدي: انك لا تعدو بعير أمك وانما تعدو بليث مثلك يجد بالمصاع كوجدك فقال اوفى بن مطر: يا شهاب ارم فان يده في غمة، قال الاسدي (1) : لا تحسبن أن يدي في غمه (2) ... (3) في قعر نحي أستثير حمه ليس لواحد علي (4) منه ... ألا ولا اثنين ولا أهمه إلا الذي وصى بثكل أمه ... فقال اوفى بن مطر: دع الرماء واقترب هلمه ... إلى مصاعٍ ليس فيه جمه فذاك عندي ابن العجوز الهمه ... نصب ابن على النداء. فرى أوفى بن مطر الاسدي فصرعه، ورمى شهاباً الاسدي الآخر فصرعه، فقال الآخر: جواراً يا أوفى، فقال له: على مه؟ قال: على أحد الفرسين وأحد البعيرين وعلى أن نداوي صاحبينا، فأيهما مات قبل قتلنا به صاحبه، فواثقا على ذلك، وانطلقا بهما وهما جريحان، حتى نزلا على وشل بجبلة الذي يقال له شعب جبلة، فمكثوا بذلك أربعتهم زماناً يغيرون ثم يأتون بغنيمتهم على جبلة فيقسمونها، فقال اوفى بن مطر في ذلك لجابر بن عمرو يعيره فراره (5) :   (1) الرجز في اللسان (تمم، حمم) . (2) الغمة: قعر النحي وجوف الجراب. (3) الحمة: ما رسب في أسفل النحي؛ وزاد في اللسان " امسحها بتربة أو ثمة " والثمة: طبق يعمل من أغصان الشجر. (4) العسكري: على إمه؛ ونسب الرجز لاوفى. (5) منها بيتان في جمهرة العسكري 2: 97. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 إذا ما أتيت بني مازنٍ ... فلا تسق فيهم ولا تغسل فليتك لم تدع من مازن ... وليتك في البطن لم تحمل وليت سنانك صنارة ... وليت قناتك من مغزل ونيط بحقويك ذو زرنبٍ ... (1) جميش يوكل للفيشل تجاوزت حمران من ساعةٍ ... (2) وخلت قساساً من الحرمل فمن مبلغ خلتي جابراً ... بأن خليلك لم يقتل تخاطأت النبل أحشاءه ... وأخر يومي فلم يعجل - 17 - كان مرباع مالك بن حنظلة في الجاهلية في زمان صخر بن نهشل بن دارم لصخر، فقال له الحارث بن عمرو بن آكل المرار الكندي: هل أدلك يا صخر على غنيمة على أن لي خمسها، فقال له صخر: نعم، فدله على ناس من أهل اليمن، فأغار عليهم صخر بقومه فظفروا وغنموا، وملأ يديه من الغنائم وأيدي أصحابه؛ فلما انصرف قال له الحارث: أنجز حر ما وعد (3) فأرسلها مثلا، فادار صخر قومه على أن يعطوه ما كان جعل للحارث فأبوا عليه ذلك، وفي طريقهم ثنية متضايقة يقال لها شجعات فلما دنا القوم منها سار صخر حتى وقف على رأس الثنية وقال: أزهت شجعات بما فيهن (4) - وأزمت أي ضاقت - لا يجوزن أحد بذمة صخر، فأرسلها مثلاً. فقال حمرة بن ثعلبة بن جعفر بن يربوع: والله لا نعطيه شيئاً من   (1) الزرنب: ضرب من الطيب؛ وذو زرنب يعني به الفرج أي يتمنى أنه كان امرأة، والجميش: المحلوق. (2) حمران: اسم موضع؛ وقساس: جبل؛ والحرمل: نوع من الحب الصغير. (3) المثل في فصل المقال: 85 والميداني 2: 193 وجمهرة العسكري 1: 30 والفاخر: 49 والمستقصى 155 واللسان (نجز) والزاهر 2: 284 (عن المفضل) والعقد 3: 86 والوسيط: 39. (4) المثل في فصل المقال: 86 والميداني وجمهرة العسكري والفاخر والزاهر 2: 285؛ وفي رواية فصل المقال: " أوفت شجعات " وعند العسكري: " بما فيها ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 غنيمتنا، ثم مضى في الثنية، فحمل عليه صخر بن نهشل بن دارم فقتله، فلما رأى الجيش ذلك أعطوه أجمعون الخمس، فدفعه إلى الحارث بن عمرو فقال في ذلك نهشل بن حري (1) بن ضمرة بن جابر بن قطن بن دارم (2) : نحن منعنا الجيش إن يتأبوا ... على شجعات والجياد بنا تجري حبسناهم حتى أقروا بحكمنا ... وأدي أنفال الخميس إلى صخر - 18 - زعموا أن النمر بن تولب العكلي كان أحب امرأة من بني أسد بن خزيمة يقال لها جمرة بنت نوفل، وقد أسن يومئذ، فاتخذها لنفسه وأعجب بها، وكان له بنو أخ فراودها بعضهم عن نفسها، فشكت ذلك إلى نمر وقالت: إن بني أخيك ربما راودني بعضهم عن نفسي، ولست آمنهم إن يغلبوني فقال لها النمر: قولي لهم وقولي إن أرادوا شيئاً من ذلك، وقالت جمرة: إني سأكفيك ما كان قولاً (3) فأرسلتها مثلاً، تقول إن كان القول فاني سأكفيك القول. - 19 - زعموا أن جارية بن سليط بن الحارث بن يربوع بن حنظلة بن مالك - وسليط هو كعب، وانما سمي سليطاً لسلاطة لسانه - كان أحسن الناس وجهاً وأمدهم جسماً، وانه أتى عكاظ وكانت من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، فأبصرته جارية من خثعم فأعجبها، وتلطفت له حتى وقع عليها، فلما فرغ قالت: انك اتيتني على طهر وإني لا ادري لعلي سأعلق لك ولداً فموعدك فصال ولدي إن   (1) نهشل بن حري: انظر ترجمته في الشعر والشعراء: 532 والأغاني 8: 153 والخزانة 1: 147 والإصابة 6: 268. (2) البيتان في المصادر التي أوردت المثل. (3) انظر " سأكفيك ما كان قولاً " في جمهرة العسكري 1:524 والميداني 1: 231 والمستقصى: 223. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 حملت لك، فسمى لها اسمه، حتى وافى عكاظ لرأس ثلاثة أحوال، فوجدها قد ولدت غلاماً وفطمته، فأقبلت الجارية معها أمها وخالتها يلتمسنه بعكاظ حتى رأته الجارية فعرفته، فلما رأته قالت الجارية: هذا جارية، قالت أمها: بمثل جارية فلتزن الزانية سراً او علانية (1) . ثم دفعن إليه الغلام فسماه عوفاً فشرف وساد قومه، وهو عوف الأصم. فذكر أن بني مالك بن حنظلة وبني يربوع تخايلوا (2) يوماً فقام عمرو بن همام ابن رباح بن يربوع يخايل عن بني يربوع فقال الناس: ادخلوا عوفاً الأصم البيت فإنه إن علم بما بينكم وشهد المخايلة أهلك هذين الحيين وأبى ذلك، فأولجوا عوفاً قبة من قباب الملك لكيلا يسمع ما بينهم فظفر بنو مالك، ونادى مناد أين عوف؟ فقالت امرأته: عوف يرنا في البيت فأرسلتها مثلاً، فسمع عوف الكلام فوثب فإذا الناس فئتان يتخايلون، وضرب خطم فرس الملك بالسيف وهو مربوط بفناء القبة، فنشب السيف في خطم الفرس وقطع الرسن، وجال في الناس فجعلوا يقولون جهجوه جهجوه أي ازجروه وكفوه، فذلك قول متمم بن نويرة في يوم جهجوه: وفي يوم جهجوه حمينا ذماركم ... بعقر الصفايا والجواد المربب قال العجاج: لقد أرني ولقد أرني ... غراً كآرم الصريم الغن قوله أرني من الرنو وهو النظر الدائم، أي يلهو، جهجه به وهجهج به حبسه ومنعه، والصفايا من النوق الغزار، الواحد صفي.   (1) المثل في جمهرة العسكري 2: 60 والعبدري: 212. (2) المخايلة: المباراة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 أغار جبيلة بن عبد الله أخو بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة ابن تميم على إبل جرية بن أوس بن عامر أخي بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم يوم مسلوق، فاطردوا ابله غير ناقة كانت فيها مما يحرم أهل الجاهلية ركوبه، وكان في الابل ابن أخت جرية، وكان فيها فرس لجرية يقال له العمود، وكان مربوطاً بعرادة، فاجتذبها فبقيت في طرف رسنه، فذهب وذهب القوم بالابل غير تلك الناقة الحرام، فإنهم أخرجوها وكرهوا أن تكون في الابل لأنها حرام، وبلغ جرية الخبر، فإذا القوم قد سبقوا بالابل غير تلك الناقة الحرام، فقال جرية لابن أخته: رد علي الناقة لعلي اركبها في أثر القوم، قال: إنها حرام، قال جرية: حرامه يركب من لا حلال له فركب في أثر القوم حتى أدركهم، فأقبل عليه جبيلة فاختلفا بينهما طعنتين فقتله جرية وأحرز القوم الابل فذهبوا بها، وذهب قوله: حرامه يركب من لا حلال له مثلاً. وقال جرية في ذلك: إن تأخذوا إبلي فان جبيلكم ... عند المزاحف ثوبه كالخيعل الخيعل: النطع والبيت من أدم والنقبة تلبسها الجارية من أدم. أنحى السنان على مجامع زوره ... إذا جاء يزدلف ازدلاف المصطلي نرمي برامحنا خصاصة بيتنا ... زالت دعامة أينا لم ينزل إذ ينسلون بذي العراد وفاتني ... فرسي ولا يحزنك سعي مضلل ومفاضة زغف كأن قتيرها ... حدق الأساود لونها كالمجول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 تضفو على كف الكمي كما ضفا ... سيل الأضاء على حبي الاعبل أبغي نكيثة نفسه بمهند ... (1) كعصا الجديدا في سنان منجل المفاضة: الدرع الواسعة، والقتير: مسامير الدرع، وقال ابن الأعرابي: المجول: الفضة، الاعبل: الجبل الابيض، والحبي: ما تحبا أي اجتمع وحبي الاعبل: ما اتصل منه وحبا بعضه إلى بعض أي دنا، والأعبل: حجارة بيض، والاضاء: الغدران الواحدة اضاة فإذا كسرت في الجمع مددت وإذا فتحت قصرت، والجديداء: أثوب الحائك الذي يجده يقطعه، ومنجل: واسع الطعن، وعين نجلاء واسعة. - 21 - زعموا أن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك رأى يوماً ابنه لقيطاً مختالاً وهو شاب فقال: والله انك لتختال كأنك أصبت بنت قيس بن مسعود بن قيس بن خالد ومائة من هجائن المنذر بن ماء السماء، قال: فان لله علي لامس رأسي غسل ولا أشرب خمراً حتى آتيك بابنة قيس ومائة من هجائن المنذر أو أبلي في ذلك عذراً، فسار لقيط حتى أتى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، وكان سيد ربيعة وبيتهم، وكان عليه يمين إلا يخطب إليه إنسان علانية إلا ناله بشر، وسمع به، فأتاه لقيط وهو جالس في القوم، فسم عليه ثم خطب إليه علانية، فقال له قيس: ومن أنت؟ قال: أنا لقيط بن زرارة، قال: فما حملك على إن تخطب إلي علانية؟ قال: لأني قد عرفت إني إن اعالنك لا أشنك وان أناجك لا أخدعك قال قيس: كفؤ كريم لا جرم والله لا تبيت عندي لا عزباً ولا محروماً، ثم أرسل إلى أم الجارية: إني قد زوجت لقيطاً القذور بنت قيس فاصنعيها حتى يبتني بها، وساق عنه قيس، فابنتي بها لقيط وأقام معهم ما شاء الله   (1) النكيثة: النفس أو هي مبلغ قوتها وجهدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أن يقيم، ثم احتمل بأهله حتى أتى المنذر بن ماء السماء فأخبره بما قال أبوه، فأعطاه مائة من هجائنه، ثم انصرف إلى أبيه ومعه بنت قيس ومائة من هجائن المنذر. وزعموا أن لقيطاً لما أراد أن يرتحل بابنه قيس إلى أهله قالت له: أريد أن ألقى أبي فأسلم عليه وأودعه ويوصيني، ففعلت، فأوصاها وقال: يا بنية كوني له أمة يكن لك عبداً، وليكن أطيب ريحك الماء حتى يكون ريحك ريح شن غب مطر - والشن طيب الريح غب المطر - وان زوجك فارس من فرسان مضر، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت، فإن كان ذلك لا تخمشي وجهاً ولا تحلقي شعراً. فلما أصيب لقيط احتملت إلى قومها وقالت: يا بني عبد الله أوصيكم بالغرائب شراً فوالله ما رأيت مثل لقيط لم يخمش عليه وجه ولم يحلق عليه رأس، ولولا أني غريبة لخمشت وحلقت، فلما انصرفت إلى قومها تزوجها رجل منهم فجعل يسمعها تكثر ذكر لقيط، فقال لها: أي شيء رأيت من لقيط قط أحسن في عينك؟ قالت: خرج في يوم دجن وقد تطيب وشرب فطرد البقر وصرع منها وأتاني وبه نضج الدماء والطيب ورائحة الشراب، فضممته ضمة وشممته شمة، فوددت أني كنت مت ثمة، فلم أر قط منظراً أحسن من لقيط، فسكت عنها زوجها حتى إذا كان يوم دجن شرب وتطيب ثم ركب فصرع من البقر، فأتاها وبه نضج الدماء والطيب وريح الشراب، فضمته إليها، فقال: كيف ترينني أنا أحسن أم لقيط؟ فقالت: ماء ولا كصداء (1) فأرسلتها مثلاً. وصداء ركية ليس في الأرض ماء أطيب منها مذكورة بطيب الماء قد ذكرها الشعراء، قال ضرار بن عتبة السعدي (2) :   (1) ماء ولا كصداء: في جمهرة العسكري 2: 241 وفصل المقال: 199 والزاهر 2: 289 (عن المفضل) والميداني 2: 153 وجمهرة ابن دريد 1: 73 والمستقصي: 307 واللسان (صدأ صدد) والعقد 3: 100 وثمار القلوب: 560 والعبدري: 387. (2) انظر المصادر السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فاني وتهيامي بزينب كالذي ... يخالس من أحواض صداء مشربا يرى دون برد الماء هولاً وذادة ... إذا شد صاحوا قبل أن يتحببا يتحبب: يشرب حتى يروى، وقط إذا أريد بها الكفاية كسرت مثل قولك: كسبت درهماً فقط، وإذا أريد الدهر رفعت كقولك ما رأيت قط. قال حبيب بن عيسى: الحديث أنه كان بين لقيط بن زرارة وبين رجل من أهل بيته يقال له زيد بن مالك ملاحاة فغيره زيد بتركه النكاح وقال: إن أكفاء أهل بيتك يرغبون عنك، ومن غيرهم من العرب عنك أرغب، فلما زوجه قيس قال: ألم يأت زيداً حيث أصبح أنني ... تزوجتها إحدى النساء المواجد عقيلة شيخ لم يكن لينالها ... سوى عدسي من زرارة ماجد إذا اتصلت يوماً بنسبتها انتهت ... إلى آل مسعود بن قيس بن خالد كأن رضاب المسك دون لثاتها ... على شبم من ماء مزنة بارد لها بشر صافي الأديم كأنه ... لجين تراه دون حمر المجاسد إذا ارتفعت فوق الفراش حسبتها ... شريجة نبع زينت بالقلائد متى تبغ يوماً مثلها تلق دونها ... مصاعد ليست سبلها كالمصاعد - 22 - كان سعد بن زيد مناة بن تميم وهو الفزر وكانت تحته الناقمية فولدت له فيما زعم الناس صعصعة أبا عامر - قال شريح بن الأحوص وهو ينتمي إلى سعد: تمناني ليلقاني لقيط ... أعام لك ابن صعصعة بن سعد وقال المخبل (1) :   (1) البيت في شرح النقائض: 1064 والمعاني الكبير: 211، 1214 ومعجم البكري (الأرانب) وفصل المقال: 133 والميداني 2: 80؛ والمخل السعدي اسمه ربيعة بن مالك وترجمته في الشعر والشعراء: 333 والأغاني 12: 38 والخزانة 2: 536 والإصابة 2: 218 والمؤتلف: 117 والسمط: 857 وهو شاعر محضرم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 كما قال سعد إذ يقود به ابنه ... كبرت فجنبني الأرنب صعصعا (1) وأكثر في ذلك شعراء بني عامر وبني تميم - فولدت له هبيرة بن سعد، وكان سعد قد كبر حتى لم يكن يطيق ركوب الجمل، إلا أنه يقاد به ولم يملك رأسه، فقال سعد وصعصعة يوماً يقود به جمله: قد لا يقاد بي الجمل (2) أي قد كنت لا يقاد بي الجمل، فذهب مثلاً. وكان سعد كثير المال والولد، فزعموا أنه قال لابنه يوماً هبيرة بن سعد: اسرح في معزاك فارعها، قال: والله لا أرعاها سن الحسل، وهو ولد الضب ولم يوجد دابة قط أطول عمراً منه، وسن كل دابة يسقط إلا سن الحسل، قال: يا صعصعة اسرح في غنمك، قال: لا والله لا أسرح فيها ألوة الفتى هبيرة ابن سعد - ألوة وألوة وألية بمعنى - فغضب سعد وسكت على ما نفسه، حتى إذا أصبح بالمعزى بسوق عكاظ والناس مجتمعون بها فقال: ألا إن هذي معزاي فلا يحل لرجل أن يدع أن يأخذ منها شاة، ولا يحل لرجل أن يجمع منها شاتين، فانتهبها الناس وتفرقت فيقال: حتى يجتمع معزى الفزر (3) فذهبت مثلاً. وقال شبيب ابن البرصاء (4) : ومرة ليسوا نافعيك ولن ترى ... لهم مجمعاً حتى ترى غنم الفزر وقال حبيب بن عيسى: كان من حديث الفزر مع امرأته الناقمية أنه قال لصعصعة في يوم الناقمية فيه مراغمة له: اخرج يا صعصعة في معزاك، فقالت   (1) الأرانب: احقاف من الرمل منحنية، يريد: خذ بي في طريق مستوٍ؛ وقيل معناه جنبني الأمكنة التي تختبئ فيها الأرانب لأنها إذا نفجت ثار بعيري. (2) صورة المثل في فصال المقال: 133 " لقد كنت وما يقاد بي البعير ". (3) جمهرة العسكري: 1: 360 والميداني 2: 108 والمستقصى: 202 واللسان (فزر) وانظر فصل المقال: 134 " لا أفعل ذلك معزى الفزر "؛ وربما قيل: " لا آتيك معزى الفزر ". (4) فصل المقال: 39، 134 وانظر ترجمة شبيب في المؤتلف: 68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 أمه: لا يخرج صعصعة ويقعد كعب، اخرج يا هبيرة، قال: لا والذي يحج إليه على الركاب، قال: فاخرج أنت يا كعب، قال: وألية الفتى هبيرة لا أفعل، فألح على صعصعة فقالت أمه: ليس لك من شيخك إلا كده، فاخرج والله ما تصلح لغيرها، قال: إذاً والله أحسن رعايتها اليوم، فخرج حتى اضطرها إلى أصل علم، ووافق ذلك نفور الناس من عكاظ، فجعل لا يمر به جمع إلا حبسهم حتى إذا توافى بشر كثير أمرهم فانتهبوا غنمه، وسخطت الناقمية ما صنع ففارقته، فذلك قوله (1) : أجد فراق الناقمية فانتوت ... أم البين يحلولي لمن هو مولع لقد كنت أهوى الناقمية حقبة ... وقد جعلت أقران (2) بين تقطع فلولا بنياها: هبيرة إنه ... بني الذي يشفي سقامي وصعصع لكان فراق الناقمية غبطة ... وهان علينا وصلها حين تقطع وزعموا أن سعد بن زيد مناة بن تميم كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، وكانت من أجمل الناس، فولدت له مالك ابن سعد وعوفاً، وكان ضرائرها إذا ساببنها يقلن: يا عفلاء فقالت لها أمها: ساببنك فابدئيهن بعفال (3) فسابتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها، فقالت: يا عفلاء، فقالت ضرتها رمتني بدائها وانسلت (4) فأرسلتها مثلاً.   (1) منها بيتان في نوادر أبي زيد: 160. (2) النوادر: آسان؛ وهي قوى الحبل. (3) في فصل المقال: 92: اجبهيهن بعفالِ سُييتِ، وذلك مثل. (4) فصل المقال: 92 والميداني 1: 192 وجمهرة العسكري 1: 475 والفاخر: 50 والمستقصى: 220 والحيوان 1: 16 واللسان (سلل، عفل) . والعبدري: 259. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وبنو مالك بن سعد رهط العجاج، وكانوا يقال لهم بنو العفيل (1) ، فقال اللعين المنقري (2) وهو يعرض بهم (3) : ما في الدوائر من رجلي من عقل ... (4) عند الرهان وما أكوى من العفل - 24 - وزعموا أن عمرو بن جدير (5) بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة كانت عنده امرأة معجبة له جميلة، وكان ابن عمه يزيد بن المنذر ابن سلمى بن جندل بها معجبا، وان عمرا دخل ذات يوم بيته فرأى منه ومنها شيئاً كرهه حتى خرج من البيت، فأعرض عنه، ثم طلق المرأة من الحياء منه، فمكث ابن جدير ما شاء الله لا يقدر يزيد بن المنذر على أن ينظر في وجهه من الحياء منه ولا يجالسه، ثم أن الحي أغير عليه، وكان فيمن ركب عمرو بن جدير، فلما لحق بالخيل ابتدره فوارس فطعنوه وصرعوه ثم تنازلوا عليه، ورآه يزيد بن المنذر فحمل عليهم فصرع بعضهم، وأخذ فرسه واستنفذه، ثم قال له: اركب وانج فلما ركب قال له يزيد: تلك بتلك فهل جزيتك (6) فذهبت مثلاً. - 25 - وزعموا أن عمرو بن الأحوص بن جعفر بن كلاب كان أحب الناس إلى أبيه، فغزا   (1) اللسان (عفل) : العقيلي. (2) اللعين المنقري هو منازل بن ربيعة، معاصر لجرير والفرزدق، انظر ترجمته في الشعر والشعراء: 407 والخزانة 1: 531 والعيني 2: 404 والاشتقاق: 251. (3) البيت في اللسان (عفل) . (4) العفل: غلظ في الرحم. (5) فصل المقال: جابر. (6) صيغة المثل في فصل المقال: 206 هذه بتلك فهل جزيتك، وانظر الميداني 2: 241 وجمهرة العسكري 1: 275 " تلك بتلك عمرو " والوسيط: 183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 بني حنظلة في يوم ذي نجب، فقتله خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل ابن نهشل، فزعموا أن أباه الأحوص بن جعفر - وهو يومئذ سيد بني عامر - قال: إن أتاكم الحماران طفيل بن مالك وعوف بن الأحوص يتحدثان ثم مضيا إلى البيوت فقد ظفر أصحابكم، وان جاء يتسايران حتى إذا كانا عند أدنى البيوت تفرقا فقد فضح أصحابكم وهزموا، فاقبلا حتى إذا كانا عند أدنى البيوت تفرقاً، فقال الاحوص: الفضيحة والله، ثم أرسل إليهما فأخبراه الخبر، فكان مما زعموا أن الأحوص إذا سمع باكية قال: وأهل عمرو قد أضلوه (1) فأرسلها مثلاً؛ فيزعمون إن الأحوص مات من الوجد على عمرو ولم يلبث بعده إلا قليلاً، فقال لبيد بن ربيعة في ذلك وفي عروة بن عتبة وقد قتله البراض (2) : ولا الأحوصين في ليال تتابعا ... ولا صاحب البراض غير المغمر (3) - 26 - وزعموا أن عبشمس بن سعد بن زيد مناة وكان يلقب مقروعا، عشق الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم، فطرد عنها وقوتل، فجاء الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة ليدفع عن عمه فضرب على رجله فقطعت وشلت، فسمي الأعرج، فسار إليه عبشمس بن سعد في بني سعد فأناخ إلى العنبر بن عمرو ابن تميم ومازن بن مالك بن عمرو بن تميم وغيلان بن مالك بن عمرو بن تميم يسألونهم إن يعطوهم بحقهم من رجل الأعرج، فضرب بنو عمرو بن تميم عليهم قبة، فقال لهم عبشمس: إن يرح إليكم مازن مترجلا وقد لبس ثيابه وتزين لكم فظنوا به شراً، وان جاءكم شعث الرأس خبيث النفس فاني أرجو أن يعطوكم بحقكم. فلما كان بالعشي وراح إليهم مازن مترجلاً قد لبس ثيابه وتزين لهم، فارتابوا   (1) المثل في جمهرة العسكري 2: 343 والميداني 2: 218. (2) انظر شرح ديوان لبيد: 48. (3) الأحوصان: هما الأحوص بن جعفر بن ربيعة وابنه عمر وقتلته بنو تميم يوم المروت؛ وصاحب البراض: عروة بن جعفر قتله البراض الكناني من أجل أن يستولي على لطيمة النعمان؛ والمغمر: غير المجرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 به، فتحدث عندهم، فلما راح النعم دس عبشمس بعض أصحابه إلى الرعاء ليسمع ما يقولون، فسمع رجلاً من الرعاء يقول: لا نعقل الرجل ولا نديها ... حتى نرى داهية تنسيها أو يسف في أعينها سافيها ... وكان غيلان بن مالك قد قال هذين البيتين قبل ذلك، فقال عبشمس حين خبره رسوله بما سمع وجن عليهم الليل: برزوا رحالكم، وكانوا ناحية، ففعلوا وتركوا قبتهم، فنادى مازن وأقبل إلى القبة: ألا حي بالقرى، فإذا الرجال قد جاؤوا عليهم السلاح حتى اكتنفوا القبة، فإذا هي خالية وليس فيها أحد منهم، وهرب بنو سعد على ناحيتهم. ثم إن عبشمس جمع لبني عمرو وغذاهم، فلما كان بعقوتهم ليلاً نزل في ليلة ذات ظلمة ورعد وبرق، فأقام بمنزلة حتى يصبحهم صباحاً، فقام يحوطهم من الليل، وكانت بنت عمرو معجبة به، وكان معجباً بها، قد عرف ذلك منهما، وكانت عاركاً - وكانت العارك في ذلك الزمان تكون في بيت على حدة ولا تخالط أهلها - فأضاء لها البرق فرأت ساقي مقروع، فأتت إياها تحت الليل فقالت: إني لقيت ساقي عبشمس في البرق فعرفته، فأرسل العنبر إلى بني عمرو فجمعهم، فلما أتوه خبرهم الخبر فقال مازن: حنت ولا تهنت وأنى لك مقروع (1) فأرسلها مثلاً، وقد كانوا يعرفون إعجاب كل واحد منهما لصاحبه. ثم قال مازن للعنبر: ما كنت حقيقاً أن تجمعنا لعشق جارية. ثم تفرقوا فقال لها العنبر: لا رأي لمكذوب (2) فأرسلها مثلاً، فأخبريني واصدقيني، قالت: يا أبتاه ثكلتك أمك إن لم أكن رأيت مقروعاً فانج ولا أظنك ناجياً (3) فأرسلتها مثلاً، فنجا العنبر من تحت   (1) انظر فصل المقال: 37 والميداني 1: 138 والعسكري 1: 275 - 276. (2) انظر المصادر السابقة؛ والوسيط 150 " ليس لمكذوب رأي ". (3) انظر المصادر السابقة نفسها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 الليل وصبحتهم بنو سعد وقتلوا منهم ناسا فيهم غيلان بن مالك وهو الذي قال: لا نعقل الرجل ولا نديها، فجعلت بنو سعد تحثو في عينه التراب وهو قتيل ويقولون: تحلل غيل (1) فذهب قولهم مثلاً. يقول تحلل من يمينك، وغيل غيلان، فرخم. ثم إن عبشمس اتبع العنبر حتى أدركه وهو على فرسه وعليه اداته وهو يسوق ابله فقال له عبشمس: دع أهلك فان لنا وإن لك، فقال العنبر: لا ولكن من تقدم منعته ومن تأخر عقرته، فجعل إذا تأخر شيء عقره، فدنا منه عبشمس فلما رأته الهيجمانة نزعت خمارها وكشفت عن وجهها وقالت: يا عبشمس نشدتك الرحم لما وهبته لي، فقال: لقد خفتك على هذه منذ الليلة، فوهبه لها. وقال ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم لأبيه كعب بن عمرو في تلك الحرب، وكان ذؤيب صاحب راية عمرو في حروبها: يا كعب إن أخاك منحمق ... فاشدد إزار أخيك يا كعب أتجود بالدم ذي المضنة في ال ... جلى وتلوي الناب والسقب تلوي: تتبع، الناب: المسنة من النوق، والسقب: ولد الناقة. تنبو المناطق عن جنوبهم ... وأسنة الخطي لا تنبو إني حلفت فلست كاذبه ... حلف الملبد شفه النحب ينفك عندي الدهر ذو خصل ... نهد الجزارة منهب غرب الجزارة: القوائم، ويقال فرس بحر وفرس سكب إذا كان كثير الجري. يشتد حين يريد فارسه ... شد الجداية غمها الكرب   (1) جمهرة العسكري 1: 275 والمستقصي: 189. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الجداية: الظبية، وهي من الظباء مثل العناق من المعز. الآن إذ أخذت مآخذها ... وتباعد الانساع والقرب أي بعد أن وقعت العداوة يسعى في الصلح، أي ليس هذا من أوانة فحارب الآن ولا تبال. أقبلت تعطي خطة غبناً ... وتركتها ومسدها رأب جانيك من يجني عليك وقد ... تعدى الصحاح فتجرب الجرب والحرب قد تضطر جانيها ... إلى المضيق ودونه الرحب يروي غير ابن الأعرابي تعدي الصحاح مبارك الجرب، وأراد مباركاً فترك الألف لأن اللفظة لا تجرى. - 27 - وكان من أمر داحس (1) وما قيل فيه من الأشعار والأمثال إن أمه كانت فرسا لقرواش بن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، يقال لها جلوى، وأن أباه ذا العقال كان لحوط بن أبي جابر بن أوس ابن حميري بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك، وإنما سمي داحساً إن بني يربوع احملوا ذات يوم سائرين في نجعة، وكان ذو العقال مع ابنتي حوط ابن أبي جابر تجنبانه، فمرت به جلوى فرس قرواش، فلما رآها الفرس ودى - أي انعظ - فضحك شباب من الحي رأوه، فاستحيت الفتاتان فأرسلتاه، فنزا على جلوى، فوافق قبولها فأقصت (2) ثم أخذه لهما بعض الحي فلحق بهم حوط، وكان رجلاً   (1) في خبر حرب داحس والغبراء يراجع الأغاني 17: 123 - 140 والعقد 5: 150 - 160 وابن الأثير 1: 566 - 583 وكتب الأمثال (وسأبين ذلك إزاء كل مثل يرد في القصة) وسياق الخبر عند المفضل مشبه لما ورد في الأغاني؛ وكذلك هي أيضاً رواية أبي عبيدة عن الكلبي، انظر شرح النقائض: 83 - 108 والخزانة 3: 537 - 540. (2) أقصت: حملت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 شريراً سيء الخلق، فلما نظر الى عين فرسه قال: والله لقد نزا فرسي فأخبراني ما شأنه، فأخبرتاه فقال: والله لا أرضى أبداً حتى آخذ (1) ماء فرسي، قال له بنو ثعلبة: والله ما استكرهنا فرسك إنما كان منفلتاً، فلم يزل الشر بينهم حتى عظم، فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: دونكم ماء فرسكم، فسطا عليها حوط فجعل يده في تراب وماء ثم أدخلها في رحمها حتى ظن أنه أخرج الماء؛ واشتملت الرحم على ما فيها فنتجها قرواش مهراً فسمي داحساً بذلك، وخرج كأنه ذو العقال أبوه، وهو الذي قال ابن الخطفى فيه (2) : إن الجياد يبتن حول فنائنا ... من آل أعوج او لذي العقال فلما تحرك المهر شيئاً مر (3) مع أمه وهو فلو يتبعها، وبنو ثعلبة منتجعون (4) فرآه حوط فأخذه، فقالت بنو ثعلبة: يا بني رياح ألم تفعلوا فيه ما فعلتم أو مرة ثم هذا الآن، فقالوا: هو فرسان ولن نترككم أو تدفعوه الينا (5) فلما رأى ذلك بنو ثعلبة قالوا: إذا لا نقاتلكم عليه، أنتم أعز علينا منه، هو فداؤكم، فدفعوه اليهم. فلما رأى ذلك بنو رياح قالوا: والله لقد ظلمنا إخوتنا مرتين وحلموا عنا وكرموا فأرسلوا به إليهم معه لقوحان، فمكث عند قرواش ما شاء الله، وخرج من أجود خيول العرب. ثم إن قيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي اغار على بني يربوع، فلم يصب غير ابنتي قرواش بن عوف ومائة لقرواش أصاب الحي وهم   (1) الأغاني: أخرج. (2) البيت لجرير بن الخطفي في ديوانه: 957 وأنساب الخيل لابن الكلبي: 24 والنقائض 84، 303؛ واعوج فرس لبني هلال وقيل كان لملك من ملوك كندة ثم صار إلى بني هلال بن عامر. (3) الأغاني: سام. (4) الأغاني والنقائض: سائرون. (5) الأغاني والنقائض: ولن نترككم أو نقاتلكم عنه (عليه) أو تدفعوه إلينا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 خلوف لم يشهد من رجالهم غير غلامين من بني أزنم (1) بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، فجالا في متن الفرس مرتدفيه وهو مقيد، فأعجلهما القوم عن حل قيده، واتبعهما القوم، فضبر بالغلامين (2) ضبراً حتى نجوا به، ونادتهما إحدى الجاريتين أن مفتاح القيد مدفون في مذود الفرس بمكان الفرس بمكان كذا وكذا، فسبقا اليه حتى اطلقا حيث يرودونه (3) فلما رأى ذلك قيس بن زهير رغب في الفرس فقال: لكما حكمكما وادفعا إلي الفرس، قالا: أو فاعل أنت هذا؟ قال: نعم، واستوثقا منه أن يرد ما أصاب من قليل أو كثير ثم يرجع عوده على بدئه ويطلق الفتاتين ويخلي عن الابل وينصرف عنهم راجعاً، ففعل ذلك قيس، ودفعا اليه الفرس. فلما رأى ذلك أصحاب قيس قالوا: لا والله لا نصالحك أبداً، أصبنا مائة من الابل وامرأتين فعمدت الى غنيمتنا فجعلتها في فرس لك تذهب به دوننا، فعظم في ذلك الشر حتى اشترى منهم غنيمتهم بمائة من الابل. فلما جاء قرواش قال للغلامين: أين فرسي؟ فاخبراه الخبر فآبى إن يرضى إلا أن يدفع إليه فرسه، فعظم في ذلك الشر حتى تنافروا فيه، فقضي بينهم أن ترد الفتاتان والابل إلى قيس بن زهير ويرد عليه الفرس، فلما رأى ذلك قرواش رضي بعد شر، وانصرف قيس معه داحس، فمكث ما شاء الله. فزعم بعضهم أن الرهان إنما هاجه بين قيس وبين حذيفة بن بدر أن قيساً دخل على بعض الملوك وعنده قينة لحذيفة بن بدر تغنيه بشعر امرىء القيس (4) : دار لهر والرباب وفرتنا ... ولميس قبل حوادث الأيام   (1) في طبعة الجوائب: أزيم، والتصويب عن الأغاني والنقائض، وانظر جداول كاسكل: 69. (2) في طبعة الجوائب: فصبر الغلامان، والتصويب عن النقائض والأغاني؛ والضبر: أن يجمع قوائمه ويثب. (3) حيث يرودونه: لم ترد في النقائض والأغاني. (4) ديوان امرئ القيس: 114. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وهن فيما يذكر نسوة من بني عبس، فغضب قيس بن زهير فشتمها وشق رداءها، فغضب حذيفة، فبلغ ذلك قيساً فأتاه ليسترضيه، فوقف عليه فجعل يكلمه وهو لا يعرفه من الغضب، وعنده أفراس له، فعابه قيس وقال (1) : ما يرتبط مثلك مثل هذه يا ابا مسهر، فقال حذيفة: أتعيبها؟ قال: نعم، فتجاريا حتى تراهنا. ويزعم بعضهم أن ما هاج الرهان أن رجلاً من بني عبد الله بن غطفان ثم احد بني جوشن - وهم أهل بيت شؤم - أتى حذيفة زائراً فعرض عليه حذيفة خيله فقال: ما رأى فيها جواداً مبراً (2) ، قال حذيفة: ويلك فعند من الجواد المبر؟ قال: عند قيس بن زهير قال: هل لك أن تراهنني عنه؟ قال: نعم قد فعلت، فراهنه على ذكرٍ من خيله وانثى، ثم إن العبدي أتى قيساً فقال: اني قد راهنت على فرسين من خيلك ذكر وانثى وأوجبت الرهان، فقال قيس: ما أبالي من راهنت غير حذيفة، قال: فاني راهنت حذيفة (3) قال له قيس: إنك ما علمت لأنكد، قال: فأتى قيس حذيفة قال: ما غدا بك؟ قال: غدوت لأواضعك الرهان، قال: بل غدوت لتغلقه، قال: ما أردت ذاك، فأبى حذيفة إلا الرهان، قال قيس: أخيرك ثلاث خلال، إن بدأت فاخترت فلي خصلتان (4) ولك الأولى، وان بدأت فاخترت فلي الأولى ولك خصلتان، قال حذيفة: فابدأ قال قيس: الغاية من مائة غلوة، قال حذيفة: المضمار أربعون ليلة - اي يضمرون الخيل - والمجرى من ذات الإصاد، ففعلا ووضعا السبق على يدي غلاق ابن غلاق أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان. فزعموا أن حذيفة أجرى الخطار فرسه والحنقاء، وزعم بعض بني فزارة انه أجرى قرزلاً والحنفاء، وأجرى قيس داحساً والغبراء.   (1) النقائض والأغاني: فعابها وقال. (2) المبر: الغالب؛ وفي طبعة الجوئب: مبرءاً. (3) النقائض والأغاني: قال ما راهنت غيره. (4) النقائض والأغاني: خلتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 وزعم بعضهم انه هاج الرهان رجل من بني النعتم (1) بن قطيعة بن عبس يقال له سراقة راهن شباباً من بني بدر، وقيس غائب، على أربع جزائر من خمسين غلوة - الغلوة ما بين ثلاثمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع - فلما جاء قيس كره ذلك وقال: إنه لم ينته رهان قط إلا إلى شر. ثم أتى بني بدر فسألهم المواضعة فقالوا: لا حتى تعرف (2) لنا سبقنا، فان أخذنا فحقنا وان تركنا فحقنا، فغضب قيس ومحك (3) ، وقال: أما إذ فعلتم فأعظموا الخطر وأبعدوا الغاية، قالوا: فذاك لك، فجعل الغاية من واردات إلى ذات الإصاد، وتلك مائة غلوة، والثنية فيما بينهما، وجعلوا القصبة في يدي رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له حصين ويدي (4) رجل من بني العشراء (5) ، من بني فزارة وهو ابن أخت لبني عبس، وملأوا البركة ماء، وجعلوا السابق أول الخيل يكرع فيها. ثم إن حذيفة وقيس بن زهير أتيا المدى الذي أرسلن منه (6) ينظران إلى الخيل كيف خروجها منه فلما أرسلت عارضاها فقال حذيفة: خدعتك يا قيس، قال قيس: ترك الخداع من أجرى من مائة غلوة (7) ، فأرسلها مثلا. ثم ركضا ساعة فجعلت خيل حذيفة تنزق خيل قيس فقال حذيفة: سبقت يا قيس، فقال قيس جري المذكيات غلاب (8) ، فأرسلها مثلاً. ثم ركضا ساعة فقال حذيفة: انك لا   (1) في طبعة الجوائب: المغنم؛ وما اثبته رواية النقائض؛ وفي الأغاني: المعتمر. (2) الأغاني: نعرف سبقنا؛ النقائض: يعرف. (3) محك: لج في الكلام؛ وفي طبعة الجوائب: فضحك، ولا معنى له. (4) النقائض والأغاني: ويقال. (5) طبعة الجوائب: العشيراء، واثبت ما في النقائض والأغاني. (6) طبعة الجوائب: أرسل فيه. (7) غلوة: سقطت من النقائض والأغاني؛ والمثل يتم دونها؛ انظر جمهرة العسكري 1: 268 وفصل المقال: 154 والميداني 1: 81 والمستقصي: 190 والفاخر: 218. (8) انظر جمهرة العسكري 1: 299. والميداني 1: 106 والمستقصي: 199 واللسان (ذكا) وفصل المقال: 127 والفاخر: 218 والزاهر 2: 377 والخزانة 3: 520. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 تركض مركضاً فأرسلها مثلاً، ثم قال سبقت خيلك يا قيس، فقال قيس: رويداً يعلون الجدد (1) - الجدد: الأرض الغليظة، فأرسلها مثلاً، لأن الذكور في الوعوث أبقى وأصبر من الاناث، والاناث في الجدد أصبر وأسبق. وقد جعل بنو فزارة كميناً بالثنية فاستقبلوا داحساً فعرفوه فأمسكوه، وهو السابق، ولم يعرفوا الغبراء وهي خلفه مصلية، حتى مضت الخيل وأسهلت من الثنية، ثم أرسلوه فتمطر (2) في آثارها فجعل يندرها (3) فرساً فرساً حتى انتهى (4) إلى الغاية مصلياً وقد طرح الخيل غير الغبراء، ولو تباعدت الغاية لسبقها، فاستقبلها بنو فزارة فلطموها ثم حلأوها (5) عن البركة، ثم لطموا داحساً وقد جاءا متواليين، وكان الذي لطمه عمير بن نضلة فجفت يده فسمي جاسئا، فجاء قيس وحذيفة في أخرى الناس، وقد دفعتهم بنو فزارة عن سبقهم ولطموا فرسيهم، ولو تطيقهم بنو عبس لقاتلوهم، وانما كان (6) من شهد ذلك من بني عبس ابياتا (7) وقال قيس إنه لا يأتي قوم إلى قومهم شراً من الظلم فأعطونا حقنا، فأبى بنو فزارة أن يعطوهم شيئاً، وكان الخطر عشرين من الابل، فقالت بنو عبس: فأعطوا (8) بعض سبقنا، فأبوا، قالوا: فأعطونا جزوراً ننحرها ونطعمها أهل الماء فانا نكره القالة في العرب، فقال رجل من بني فزارة: مائة جزور وجزرو واحد سواء، والله ما كنا لنقر   (1) يروي أيضاً: رويد يعدوان الجدد؛ رويد يعلون الجدد؛ انظر فصل المقال: 127 والميداني 1: 194 وجمهرة العسكري 1: 299 والفاخر والنقائض: 87. (2) تمطر: اسرع. (3) النقائض والأغاني: يبدرها. (4) النقائض والأغاني: حتى سبقها. (5) حلأوها: ذادوها؛ وفي طبعة الجوائب: جلوها. (6) في طبعة الجوائب: وقال؛ ولا يستقيم به المعنى. (7) زاد في الأغاني: غير كثيرة؛ وفي النقائض: غير كثير. (8) النقائض والأغاني: فأعطونا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 لك في السبق ولم تسبق (1) فقام رجل من بني مازن بن فزارة فقال: يا قوم إن قيساً قد كان كارهاً لأول هذا الرهان، وقد أحسن في آخره، وإن الظلم لا ينتهي إلا إلى شر، فأعطوه جزوراً من نعمكم، فأبوا فقام رجل من بني فزارة إلى جزور من إبلة فعقلها ليعطيها قيساً ويرضينة فقام ابنه فقال: انك لكثير الخطأ تريد أنة تخالف قومك وتلحق بهم ما ليس عليهم (2) ، فأطلق الغلام عقالها فلحقت بالنعم، فلما رأى ذلك قيس بن زهير احتمل هو عنهم ومن كان معه من بني عبس، فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم إن قيساً أغار فلقي عوف بن بدر فقتله وأخذ إبله، فبلغ ذلك بني فزارة وهموا بالقتال وغضبوا، فحمل الربيع بن زياد أخو بني عوذ (3) بن غالب بن قطيعة ابن عبس دية عوف بن بدر مائة عشراء (4) متلية - أي تلاها أولادها (5) - وأم عوف وأم حذيفة واخوته الخمسة هي سودة بنت نضلة بن عمير بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة، فاصطلح القوم (6) فمكثوا ما شاء الله، - ونضلة كان يسمى جابرا. ثم إن مالك بن زهير أتى امرأة له يقال لها مليكة بنت حارثة من بني غراب بن ظالم بن فزارة فابتنى باللقاطة قريباً من الحاجر (7) ، فبلغ ذلك حذيفة فدس له فرساناً على افراس من مسان خيلهم فقال: لا تنظروا إن وجدتم مالكا أن تقتلوه،   (1) النقائض والأغاني: لتقر بالسبق علينا ولم نسبق. (2) النقائض والأغاني: وتلحق بهم خزاية بما ليس عليهم. (3) النقائض: عوف. (4) العشراء: التي أتى على حملها عشرة أشهر من ملقحا (الأغاني والنقائض) . (5) المتالي: التي قد نتج بعضها والباقي يتلوها في النتاج (الأغاني والنقائض) . (6) النقائض والأغاني: الناس. (7) اللقاطة والحاجر موضعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان بن قارب العبسي مجاور حذيفة بن بدر وكانت تحت الربيع بن زياد معاذة بنت بدر، فانطلق القوم فالقوا مالكاً فقتلوه ثم انصرفوا عنه، فجاءوا عشية وقد اجهدوا أفراسهم، فوقفوا أفراسهم (1) على حذيفة ومعه الربيع بن زياد، فقال حذيفة: أقدرتم على حماركم؟ قالوا: نعم وعقرناه، قال الربيع: ما رأيت كاليوم قط، أهلكت أفراسك من أجل حمار، قال حذيفة لما اكثر الربيع عليه من اللائمة (2) وهو يحسب أن الذي أصابوا حماراً: إنا لم نقتل حماراً، ولكنا قتلنا مالك بن زهير بعوف بن بدر قال الربيع: بئس لعمر الله القتيل قتلت، أما والله إني لأظنه سيبلغ ما تكره (3) ، فتراجعا شيئاً ثم تفرقا، فقام الربيع يطأ الأرض وطأ شديدأ، وأخذ حمل بن بدر ذا النون سيف مالك بن زهير. فزعموا أن حذيفة لما قام الربيع أرسل أمة مولدة فقال: اذهبي إلى معاذة بنت بدر امرأة الربيع فانظري ما ترين الربيع يصنع، فانطلقت الجارية حتى دخلت البيت فاندست بين الكفاء والنضد، فجاء الربيع فنفذ البيت حتى أتى فرسه، فقبض معرفته ومسح متنيه حتى قبض بعكوة ذنبه، ثم رجع إلى البيت ورمحه مركوز بفنائه فهزه هزاً شديداً ثم ركزه كما كان، ثم قال لامرأته: اطرحي لي شيئاً، فطرحت له شيئاً فاضطجع عليه، وكانت قد طهرت تلك الليلة فدنت منه: إليك، قد حدث أمر، ثم تغنى (4) : نام الخلي وما أغمض حار ... من سيء النبأ الجليل الساري من مثله تمسي النساء حواسراً ... وتقوم معولة مع الأسحار   (1) أفراسهم: سقطت من النقائض والأغاني. (2) النقائض والأغاني: الملامة. (3) الأغاني: يكره. (4) الأبيات في المصادر السابقة وفي الحماسة ولسان العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 من كان مسروراً بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه (1) نهار معناه أنه إذا نظر إلى النساء وما يصنعن لمقتل مالك علم أن رهطه لا يقرون لذلك حتى يدركوا بثأرهم: يجد النساء حواسراً يندبنه ... (2) يضربن أوجههن بالأسحار قد كن يخبأن الوجوه تستراً ... فالآن حين بدون للنظار يخمشن حرات الوجوه على امرىء ... سهل الخليقة طيب الأخبار أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار ما إن أرى في قتله لذوي النهى ... إلا المطي تشد بالأكوار ومجنبات ما يذقن عذوفاً ... (3) يقذفن بالمهرات والأمهار ومساعراً صداً الحديد عليهم ... فكأنما تطلى (4) الوجوه بقار يا رب مسرور بمقتل مالك ... (5) ولسوف يصرفه بشر محار قال: فرجعت الأمة فأخبرت حذيفة فقال: هذا حين استجمع (6) أمر أخيكم، ووقعت الحرب. وقال الربيع لحذيفة - وهو يومئذ جار له - سيرني فإني جاركم، فسيره ثلاث ليال (7) ووجه معه قوماً وقال لهم: إن مع الربيع فضلة من خمر فان وجدتموه قد   (1) النقائض: بنصف. (2) لم يرد البيت في النقائض. (3) اورده ابن منظور في مادة (عدف) ما يذقن عدوفة، (بالدال المهملة) أي ما يذقن شيئاً؛ وكذلك عذف (بالذال المعجمة) تعني أصاب شيئاً من الطعام؛ وفي طبعة الجوائب: عذوقاً. (4) النقائض والأغاني: طلي. (5) طبعة الجوائب: بشر جار؛ وفي النقائض: لشر محار؛ والمحار: المرجع. (6) النقائض والأغاني: اجتمع. (7) النقائض والأغاني: ومع الربيع فضلة من خمر، فلما سار الربيع دس حذيفة في أثره فوارس فقال: اتبعوه فإذا مضت ثلاث ليال فان معه فضلة من خمر فان وجدتموه ... الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 هراقها فهو جاد، وقد مضى فانصرفوا، وإن لم تجدوه هراقها فاتبعوه فإنكم تجدونه قد مال لأدنى روضة (1) فرتع وشرب فاقتلوه، فتبعه القوم فوجدوه قد شق الزق ومضى فانصرفوا. فلما أتى الربيع قومه وقد كان بينه وبين قيس بن زهير شحناء، وذلك أن الربيع ساوم قيس بن زهير بدرع كانت عنده، فلما نظر إليها وهو راكب وضعها بين يديه ثم ركض بها فلم يرددها على قيس، فعرض قيس بن زهير لفاطمة بنت الخرشب الانمارية من بني أنمار بن بغيض (2) - وهي أم الربيع بن زياد - وهي تسير في ظغائن من بني عبس، فاقتاد جملها يريد أن يرتهنها بالدرع حتى ترد عليه، فقالت: ما رأيت كاليوم قط فعل رجل، أين يضل حلمك؟ أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد وقد أخذت أمهم فذهبت بها يميناً وشمالاً فقال الناس في ذلك ما شاءوا أن يقولوا، وحسبك من شر سماعه (3) ، فأرسلتها مثلاً، فعرف قيس ما قالت له فخلى سبيلها وطرد ابلاً لبني زياد حتى قدم بها مكة فباعها من عند عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، فقال قيس في ذلك (4) : ألم (5) يبلغك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد ومحبسها لدى القرشي تشرى ... بأدراع وأسياف حداد كما لاقيت من حمل بن بدر ... وأخوته على ذات الإصاد هم فخروا علي بغير فخر ... وردوا دون غايته جوادي   (1) النقائض والأغاني: منزل. (2) زاد هنا في النقائض والأغاني: وهي إحدى منجيات قيس. (3) جمهرة العسكري 1: 344 والفاخر: 265 والميداني 1: 131 والمستقصى: 204 والعقد 3: 87 والخزانة 3: 536. (4) راجع المصادر السابقة. والحماسة (التبريزي) 3: 27. (5) العسكري: ألم يأتيك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وكنت إذا منيت بخصم سوء ... دلفت له بداهية نآد بداهية تدق الصلب منه ... فتقصم أو تجوب (1) عن الفؤاد وكنت إذا أتاني الدهر (2) ربق ... بداهية شددت له نجادي قال العدوي: ربق وربيق الداهية، وأم الربيق الداهية، والنجاد حمائل السيف. ألم يعلم بنو الميقاب أني ... كريم غير معتلث الزناد (3) أي ليس بفاسد الأصل. الوقب: الأحمق والميقاب مثله، وقالوا الميقاب: التي تلد الحمقى؛ ومعتلث لا خير فيه. أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى جار كجار أبي دواد جار قيس بن زهير: ربيعة الخير بن قرط بن غيلان بن أبي بكر بن كلاب، ويقال جار أبي دواد الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان، وكان أبو دواد في جواره فخرج صبيان الحي يلعبون في غدير فغمسوا بني أبي دواد فمات، فخرج الحارث فقال: لا يبقى في الحي صبي إلا غرقته في الغدير، فودي ابن أبي دواد لذلك عدة ديات. إليك ربيعة الخير بن قرط ... وهوباً للطريف وللتلاد كفاني ما أخاف أبو هلال ... ربيعة فانتهت عني الأعادي تظل جياده يجمزن حولي ... بذات الرمث كالحدأ الغوادي كأني إذ أنخت إلى ابن قرط ... عقلت إلى يمامة أو نضاد   (1) تجوب: تنقب. (2) العسكري: الدهر يوماً. (3) يروى أيضاً: مغتلث الزناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ويروى: إلى يلملم أو نضاد وهما جبلان. وقال قيس بن زهير: إن تك حرب فلم أجنها ... جنتها صبارتهم (1) أو هم صبارتهم: خلفاؤهم. حذار الردى إذ رأوا خيلنا ... مقدمها سابح أدهم السابح: الكثير الجري. عليه كمي وسرباله ... مضاعفة نسجها محكم وإن شمرت لك عن ساقها ... فويهاً ربيع فلا تسأموا زجرت ربيعاً فلم ينزجر ... كما انزجر الحارث الأجذم (2) إذا نصب ربيع أراد الترخيم يا ربيعة، فلما حذف الهاء للترخيم ترك العين مفتوحة، ومن رفع ذهب به مذهب الاسم التام المفرد وإن كان مرخماً، كقول ذي الرمة: فيامي ما يدريك .... ... وكانت تلك الشحناء بين بني زياد وبين بني زهير، فكان قيس يخاف خذلانهم إياه، فزعموا أن قيساً دس غلاماً له مولداً فقال: انطلق كأنك تطلب إبلا فإنهم سيسألونك، فاذكر مقتل مالك ثم احفظ ما يقولون فأتاهم العبد فسمع الربيع يتغنى بقوله: أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار   (1) الأغاني: خيارهم. (2) الحارث الأجذم: هذه هي رواية ابن الاعرابي، ويروى الاضجم وهو صاحب المرباع وهو رجل من بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 فلما رجع العبد إلى قيس أخبره بما سمع من الربيع بن زياد، فعرف قيس أنه قد غضب له، فاجتمعت بنو عبس على قتال بني فزارة، فأرسلوا إليهم أن ردوا إبلنا التي ودينا بها عوف بن بدر أخا حذيفة لأمه، قال: لا أعطيهم دية ابن أمي وإنما قتل صاحبكم حمل بن بدر وهو ابن الأسدية، فانتم وهو أعلم. ويزعم بعض الناس انهم كانوا ودوا عوف بن بدر مائة متلية - والمتالي التي في بطونها أولادها وقد تم حملها فانما ينتظر نتاجها - وأنه أتى على تلك الابل أربع سنين وقد توالدت، وأن حذيفة بن بدر أراد أن يردها بأعيانها فقال له سنان بن أبي حارثة: اتريد أن تلحق بنا خزاية فتعطيهم أكثر مما أعطونا فتسبنا العرب بذلك؟ فأمسكها حذيفة، وأبى بنو عبس أن يقبلوا إلا إبلهم بأعيانها، فمكث القوم ما شاء الله أن يمكثوا. ثم إن مالك بن بدر خرج يطلب إبلاً له فمر على جنيدب أخي بني رواحة فرماه بسهم فقتله يوم المعنقة فقالت ابنة مالك بن بدر (1) : لله عينا من أرى مثل مالك ... عقيرة قوم أن جرى فرسان فليتهما لم يشربا قط (2) شربة ... وليتهما لم يرسلا لرهان أحل به جنيدب أمس نذره ... فأي قتيل كان في غطفان إذا سجعت بالرقمتين حمامة ... أو الرس فابكي فارس الكتفان (3) ثم إن الأسلع بن عبد الله بن ناشب بن زيد بن هدم بن لدم (4) بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض مشى في الصلح ورهن بني ذيبان ثلاثة من بنيه وأربعة من بني أخيه حتى يصطلحوا، وجعلهم على يدي سبيع بن عمرو من بني   (1) انظر الشعر في نعجم ياقوت 1: 290 (ذات الاصاد) . (2) النقائض والأغاني: قطرة. (3) الكتفان: اسم فرسه (انظر اللسان، كتف) . (4) طبعة الجوائب: ارم؛ وفي الأغاني: أد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ثعلبة بن بن ذبيان، فمات سبيع وهم على يديه (1) فأخذهم حذيفة من بنيه فقتلهم (2) . ثم إن بني فزازة تجمعوا هم وبنو ثعلبة وبنو مرة فالتقوا هم وبنو عبس بالخاثرة (3) فهزمتهم بنو عبس وقتلوا منهم مالك بن سبيع بن عمرو الثعلبي - قتله الحكم بن مروان بن زنباع العبسي - وعبد العزى بد حذار الثعلبي والحارث بن بدر الفزاري، وقتلوا هرم بن ضمضم المري - قتله ورد بن حابس العبسي - ولم يشهد ذلك اليوم حذيفة بن بدر، فقالت نائحة (4) هرم بن ضمضم - هو من بكر بن ضمضم -: يا لهف نفسي لهفة المفجوع ... (5) ألا أرى هرماً على مودوع من أجل سيدنا ومصرع جنبه ... علق الفؤاد بحنظل مصدوع أي من أجله محترق فؤادها وكأنما أكل حنظلاً. ثم إن حذيفة جمع وتهيأ واجتمع معه بنو ذبيان بن بغيض، فبلغ بني عبس أنهم قد ساروا إليهم، فقال قيس بن زهير: أطيعوني فو الله لئن لم تفعلوا لا تكئن على سيفي حتى يخرج من ظهري، فقالوا: نطيعك، فأمرهم فسرحوا السوام والضعفاء بليل وهم يريدون إن يظعنوا من منزلهم ذلك، ثم ارتحلوا في الصبح فأصبحوا على ظهر دوابهم (6) ، وقد مضى سوامهم وضعفاؤهم، فلما أصبحوا طلعت الخيل عليهم من الثنايا، فقال: خذوا غير طريق المال فإنه لا حاجة للقوم   (1) الأغاني والنقائض: وهم عنده. (2) الرواية أكثر تفصيلاً هنا في الأغاني: 134 والنقائض 93. (3) النقائض: بالخاثرة من جنب ذي بقر. (4) الأغاني: ناجية اخت هرم. (5) مودوع: اسم فرس هرم بن ضمضم. (6) النقائض: على ظهر المعنقة؛ الأغاني: على ظهر العقبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 إن يقعوا في شوكتكم ولا يريدون بكم في أنفسكم (1) شراً من ذهاب أموالكم، فأخذوا غير طريق المال. فلما أدرك حذيفة الأثر ورآه قال: أبعدهم الله، وما خيرهم بعد ذهاب أموالهم؟؟؟؟؟؟ فاتبع المال، وسارت ظعن بني عبس والمقاتلة من ورائهم، وتبع حذيفة وبنو ذبيان المال، فلما أدركوه ردوا أوله على آخره، ولم يفلت منهم شيء، وجعل الرجل يطرد ما قدر عليه من الابل فيذهب بها، وتفرقوا واشتد الحر، فقال قيس بن زهير: يا بني عبس إن القوم قد فرق بينهم المغنم، فاعطفوا الخيل في آثارهم، ففعلوا فلم يشعر بنو ذبيان إلا بالخيل دواس (2) - يعني متتابعة - فلم يقاتلهم كثير (3) احد، وجعل بنو ذبيان إنما همة الرجل منهم في غنيمته أن يحوزها وينجو بها، فوضع بنو عبس السلاح فيهم حتى ناشدهم بنو زياد البقية، ولم يكن لهم هم غير حذيفة فأرسلوا مجنبتين يقتفون أثره، وأرسلوا خيلاً مقدمة تنفض الناس وتسألهم حتى سقط على أثر حذيفة من الجانب الأيسر أبو عنترة شداد بن معاوية بن ذهل بن قراد بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس وعمرو بن الاسلع وقرواش بن هني والحارث بن زهير وجنيدب بن زيد، وكان حذيفة استرخى حزام فرسه، فنزل عنه فوضع رجله على حجر مخافة أن يقتص أثره، ثم شد الحزام فوضع صدر قدمه على الأرض فعرفوه بحنف (4) فرسه فاتبعوه، ومضى حذيفة حتى استغاث بجفر الهباءة - الجفر: ما لم يطو من الآبار - وقد اشتد عليه الحر فرمى بنفسه فيه، ومعه حمل بن بدر وحنش بن عمرو وورقاء ابن بلال وأخوه، وهما من بني عدي بن فزارة، وقد نزعوا سروجهم وطرحوا سلاحهم ووقعوا في الماء فتمعكت دوابهم، وبعثوا ربيئة فجعل يطلع وينظر فاذا لم ير شيئاً رجع فنظر نظرة فقال: اني قد رأيت شخصاً كالنعامة أو كالطير فوق القتادة   (1) طبعة الجوائب: انفسهم. (2) النقائض والأغاني: دوائس. (3) النقائض والأغاني: كبير. (4) الحنف: ان تقبل إحدى اليدين على الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 من قبل مجيئنا، فقال حذيفة (1) هذا شداد على جروة، فحال بينهم وبين الخيل، ثم جاء عمرو بن الاسلع ثم جاء قرواش حتى تناموا خمسة، فحمل جنيدب على خيلهم فاطردها وحمل عمرو بت الاسلع وشداد عليهم في الجفر فقال حذيفة: يا بني عبس فأين العقل (2) واين الاحلام؟ فضرب حمل بين كتفيه وقال: اتق مأثور القول بعد اليوم (3) فأرسلها مثلاً، وقتل قرواش بن هني حذيفة بن بدر وقتل الحارث بن زهير حملاً وأخذ منه ذا النون سيف مالك بن زهير، وكان حمل بن بدر أخذه من مالك بن زهير يوم قتله، فقال الحارث بن زهير: تركت على الهباءة غير فخر ... (4) حذيفة حوله قصد العوالي سيخبر قومه حنش بن عمرو ... اذا لاقاهم وابنا بلال ويخبرهم مكان النون مني ... وما أعطيته عرق الخلال من المخالة، اي ما اعطيته عن صداقة وصفاء ود. فأجابه حنش بن عمرو أخو بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض: سيخبرك الحديث بكم خبير ... (5) يجاهدك العداوة غير آل بداءتها لقراوش وعمرو ... وانت تجول جوبك في الشمال أي فعل قرواش هذا الفعل. العرق: العطية، والخلال: المخالة، يقول: لم تعطوني السيف عن مودة ولكني قتلته وأخذته، وقوله وأنت تجول جوبك في   (1) في النقائض والأغاني، فقال حذيفة: هنا وهنا عن شداد على جروة - وجروة فرس شداد والمعنى دع ذكر شداد عن يمينك وشمالك واذكر غيره لما كان يخاف من شداد - فبينما هم يتكلمون إذا هم بشداد ابن معاوية واقفاً عليهم فحال بينهم.. الخ. (2) النقائض: العود؛ الأغاني: العقول. (3) في الحيوان 3: 117، 5: 294 إياك والكلام المأثور. (4) يعني بقصد العوالي الرماح المكسرة. (5) غير آل: غير مقصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الشمال، الجوب: الترس، يريد إن قرواشاً وعمرو بن الأسلع اقتحما الجفر وقتلا من قتلا وأنت ترسك في يدك لم تغن شيئاً، ويقال لك البداءة ولفلان العوادة. وقال قيس بن زهير في ذلك (1) : تعلم أن خير الناس ميت ... على جفر الهباءة لا يريم ولولا ظلمة ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم ولكن الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج علي ومستقيم وقال في ذلك شداد بن معاوية العبسي: من يك سائلاً عني فاني ... وجروة لا تباع (2) ولا تعار مقربة الشتاء ولا تراها ... أمام الحي يتبعها المهار ويروى أمام الخيل، يريد أنها فرس حرب لا يطلب نسلها. لها بالصيف آصرة وجل ... وست من كرائمها غزار (3) كرائم من الابل تشرب هذه الفرس البانها. ألا أبلغ بني العشراء عني ... علانية وما يغني السرار قتلت سراتكم وحسلت منكم ... حسيلاً مثل ما حسل الوبار (4) الحسيل: الرديء، يقول: أنفيت شراركم، وقتلت خياركم وأبقيت رذالكم.   (1) وردت الأبيات في الحماسة (رقم: 147) والعقد 5: 157 ومعجم البلدان: 4: 947 وهي أتم من ذلك في النقائض: 96 - 97 والأغاني: 138 - 139. (2) النقائض والأغاني: لا ترود. (3) الآصرة: الحشيش. (4) يقول: قتلت سراكم وجعلتكم بعدهم حسالة، كما خلقت الوبار حسالة (وهو مثل خسل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ولم اقتلكم سراً ولكن ... علانية وقد سطع الغبار (1) وكان ذلك اليوم يوم ذي حسى - وحسى وادٍ فيه ماء. ويزعم بعض بني فزارة إن حذيفة كان أصاب فيما أصاب من بني عبس تماضر بنت الشريد السلمية ام قيس بن زهير فقتلها، وكانت في المال. ثم إن بني عبس ظعنوا فحلوا إلى كلب بعراعر، وقد اجتمع عليهم بنو ذبيان فخالفوا، فقاتلتهم كلب فهزمتهم بنو عبس وقتلوا مسعود بن مصاد الكلبي ثم أحد بني عليم بن جناب، فقال في ذلك عنترة (2) : ألا هل أتاها أن يوم عراعر ... (3) شفى سقماً لو كانت النفس تشتفي أتونا على عمياء ما جمعوا لنا ... (4) بأرعن لا خل ولا متكشف تماروا بنا إذا يمدرون حياضهم ... على ظهر مقضي من الأمر محصف (5) علالتنا في كل يوم كريهةٍ ... (6) بأسيافنا والقرح لم يتقرف وما نذروا حتى غشينا بيوتهم ... (7) بغبية موت مسبل الودق مذعف اي تشككوا في رجوليتنا حتى استعملوا الحياض، علالتنا: اي بقيتنا. فأجلتهم الحرب فلحقوا بهجر فامتاروا منها، ثم حلوا على بني سعد بالفروق وقد آمنهم بنو سعد ثلاث ليال فأقاموها، ثم شخصوا عنهم، فاتبعهم ناس من بني سعد فقاتلهم العبسيون فامتنعوا حتى رجع بنو سعد وقد خابوا منهم ولم   (1) إلى هنا تنهي الرواية لدى الاصبهاني في ترجمة الربيع بن زياد. (2) ديوان عنترة: 228. (3) عراعر: ماء الكلب. (4) الارعن: الجيش الكثيف؛ الخل: المختل؛ متكشف: منهزم. (5) تماروا بنا: اختلفت مقالتهم فينا؛ يمدرون الحياض: يهيئونها بالمدر؛ المحصف: المحكم. (6) العلالة: البقية من القتال؛ لم يتقرف: لم ينقشر للبرء. (7) الغبية: الدفعة من المطر؛ مذعف: يقطر سماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 يظفروا بشيء، فقال في ذلك عنترة بن شداد بن معاوية (1) : ألا قاتل الله الطلول البواليا ... وقاتل ذكراك السنين الخواليا القصيدة كلها (2) . ثم سئل قيس بن زهير: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: مائة فارس كالذهب لم نكثر فنفشل ولم نقل فنضعف. ثم سار بنو عبس حتى وقعوا باليمامة، فقال قيس بن زهير: إن بني حنيفة قوم لهم عز وحصون فخالفوهم، فخرج قيس حتى أتى قتادة بن مسلمة الحنفي (3) وهو يومئذ سيدهم، فعرض عليهم قيس نفسه وقومه، فقال: ما يرد مثلكم، ولكن لي في قومي أمراء لا بد من مشاورتهم، وما ننكر حسبك ولا نكايتك؛ فلما خرج قيس من عنده قيل له: ما تصنع، أتعمد إلى أفتك العرب وأحزمهم (4) فتدخله أرضك ليعلم وجوه أرضك وعورة قومك ومن أين يؤتون؟! فقال: كيف أصنع وقد وعدت له على نفسي (5) ، وانا استحي من رجوعي؟ فقال له السمين الحنفي: انا أكفيك قيسا، وهو رجل حازم متوثق لا يقبل إلا الوثيقة، فلما اصبح قيس غدا عليه، ولقيه السمين فقال: انك على خير وليست عليك عجلة، فلما رأى ذلك قي ومر على جمجمة بالية فضربها برجله ثم قال: رب خسف قد أقرت به هذه الجمجمة مخافة مثل هذا اليوم، وما أراها وألت منه (6) وان مثلاي لا يرضى   (1) ديوان عنترة: 224 وفيها يذكر يوم الفروق: ونحن منعنا بالفروق نساءنا ... نطرف عنها مشعلات غواشيا (2) عدة أبيات في الديوان ثلاثة عشر. (3) كان قتادة الحنفي أحد جراري ربيعة، والجرار من قاد ألف فارس (النقائض) . (4) النقائض: وأجرأهم. (5) النقائض: وقد وأيت له (وهي بمعنى وعدت) . (6) وما أراها وألت فيه: سقطت الجملة من النقائض؛ بمعنى نجت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 إلا القوي من الأمر، فلما لم ير ما يحب احتمل فلحق ببني عامر بن صعصعة، فنزل هو وقومه على بني شكل، وهم بنو اختهم، وبنو شكل هم من بني الحريش ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكانت أمهم عبسية، فجاوروهم، فكانوا يرون عليهم (1) أثرة وسوء جوار وأشياء تريبهم، ويستخفون بهم، فقال نابغة بني ذبيان (2) : لحا الله عبساً عبس آل (3) بغيض ... كلحي الكلاب العاويات وقد فعل فأصبحتم والله يفعل ذاكم ... يعزكم مولى مواليكم شكل إذا شاء منهم ناشىء دربخت له ... لطيفة طي البطن رابية الكفل دربخت المرأة: أي جبت له وخضعت وقامت على أربع حتى يأتيها. فمكثوا مع بني عامر، يتجنون عليهم ويرون منهم ما يكرهون، حتى غزتهم بنو أسد ومن تبعهم من بني حنظلة يوم جبلة، فأصابوا يومئذ زبان بن بدر (4) فكانوا معهم ما شاء لله. ثم إن رجلاً من الضباب أسرته بنو عبد الله بن غطفان والضبابي هو اخو الحنبص فدفعه الذي أسره إلى رجل من أهل تيماء يهودي، فاتهمه اليهودي بامرأته فخصاه، فقال الحنبص الضبابي لقيس بن زهير: أد إلينا ديته، فإن مواليك بني عبد الله بن غطفان أصابوا صاحبنا، وهم حلفاء بني عبس، فقال: ما كنا لنفعل، فقال: والله لو أصابه (5) مر الريح لوديتموه، فقال قيس بن زهير في ذلك: لحا الله قوما أرشوا الحرب بيننا ... سقونا بها مراً من الشرب آجنا   (1) طبعة الجوائب: منه، والتصويب عن النقائض. (2) ديوان النابغة (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم) : 191. (3) الديوان: جزى الله عبساً في المواطن كلها. (4) في المطبوعة: زمان بدر. (5) النقائض: اصابنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وحرملة الناهيهم عن قتالنا ... وما دهره ألا يكون مطاعنا أكلف ذا الخصيين إن كان ظالماً ... وإن كان مظلوماً وإن كان شاطنا خصاه امرؤ من أهل تيماء طابن ... (1) ولا يعدم الإنسى والجن طابنا فهلا بني ذبيان وسط بيوتهم ... رهنت بمر الريح إن كنت راهنا وخالستهم حقي خلال بيوتهم ... وإن كنت ألقى من رجال ضغائنا إذا قلت قد أفلت من شر حنبص ... لقيت بأخرى حنبصاً متباطناً فقد جعلت أكبادنا تجتويهم ... كما يجتوي سوق العضاه الكرازنا العضاة: كل شجر له شوك، والكرازن: المعاول، الواحد كرزين. تدروننا بالمنكرات كأنما ... تدرون ولدانا ترمي الرهادنا (2) تدروننا: تختلوننا، والرهادن: جمع رهدن وهو شبيه بالعصفور. فقال النابغة الذبياني جواباً لقيس (3) : ابك بكاء النساء (4) إنك لن ... تهبط أرضاً تحبها أبدا نحن وهبناك للحريش وقد ... جاوزت في الحي جعفرا عددا وأغار قرواش بن هني العبسي - وبنو عبس يومئذ في بني عامر - على بني فزارة، فأخذه أحد بني العشراء - الأخرم بن سيار أو قطبة بن سيار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة - أخذه تحت الليل، فقالوا له: من أنت؟ فقال: رجل من بني البكاء، فعرفت كلامه فتاة من بني مازن، وكانت ناكحاً في بني عبس، فقالت: أبا شريح أما والله لنعم مأوى الأضياف وفارس   (1) الطابن: الفطن. (2) البيت في اللسان (رهدن) والأغاني 16: 329. (3) لم يرد الشعر في ديوانه. (4) طبعة الجوائب: السداد، والتصويب عن النقائض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الخيل أنت، فقالوا له: ومن أنت؟ قال: قرواش بن هني، فدفعوه إلى بني بدر فقتلوه، وكان قتل حذيفة، ويزعم بعض الناس أنهم دفعوه إلى بني سبيع فقتلوه بمالك بن سبيع، وكان قتل مالك بن سبيع الحكم بن مروان بن زنباغ فقال نهيكة ابن الحارث من بني مازن بن فزارة: صبرأ بغيض بن ريث إنها رحم ... قطعتموها أناختكم بجعجاع فما أشطت سمي أن هم قتلوا ... بني أسيد بقتلى آل زنباع لقد جزتكم بنو ذبيان ضاحية ... بما فعلتم ككيل الصاع بالصاع قتلاً بقتل وتعقيراً بعقركم ... مهلاً حميض فلا يسعى بها الساعي وقال في ذلك عنترة (1) : هديكم خير أباً من أبيكم ... (2) أعف وأوفى بالجوار وأحمدُ وأحمى لدى الهيجا (3) إذا الخيل صدها ... غداة الصياح السمهري المقصد فهلا وفي الفوغاء عمرو بن جابر ... (4) بذمته وابن اللقيطة عصيد سيأتيكم مني وإن كنت نائياً ... (5) دخان العلندى حول بيتي مذود قصائد من بز امرىء يجتديكم ... (6) وانتم بجسم فارتدوا وتقلدوا أي يطلب منكم الثأر. وقال قيس بن زهير (7) :   (1) ديوان عنترة: 280. (2) الهدي: الأسير. (3) الديوان: وأطعن في الهيجا. (4) الفوغاء: الطويلة الأسنان والثنايا؛ ابن اللقيطة يعني عيينة بن حصن، أو حصن به حذيفة، العصيد: المأتي. (5) العلندي: شجر كثير الدخان، يقول سيأتيكم مني هجاء مؤذٍ كدخان العلندي يذود عني وعن بيتي. (6) أي اجعلوا القصائد أردية تلبسونها وقلائد تتقلدونها، وهذا تهكم ووعيد. (7) منها بيتان في معجم البلدان 1: 360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 مالي أرى إبلي تحن كأنها ... نوح تجاوب موهناً أعشارا (1) نوح: نساء ينحن، والأعشار: جمع عشر وهو إن يرد الماء في اليوم التاسع، وهذا مثل، والموهن: بعد صدر من الليل. لن تهبطي أبداً جنوب مويسل ... وقنا قراقرتين فالأمرارا أجهلت من قوم هرقت دماؤهم ... بيدي ولم أدهم بجنب تعارا إن الهوادة لا هوادة بيننا ... إلا التجاهد فاجهدن فزارا إلا التزاور فوق كل مقلص ... يهدي الجياد إذا الخميس أغارا فلا هبطن الخيل حر بلادكم ... لحق الأياطل تنبذ الأمهارا حتى تزور بلادكم وتروا بها ... منكم ملاحم تخشع الأبصارا وقال قيس بن زهير في مالك بن زهير بن بدر: أخي والله خير من أخيكم ... إذا ما لم يجد بطل مقاما أخي والله خير من أخيكم ... إذا ما لم يجد راع مساما أخي والله خير من أخيكم ... إذا الخفرات أبدين الخداما قتلت به أخاك وخير سعد ... فان حربا حذيف وإن سلاما ترد الحرب ثعلبة بن سعد ... بحمد الله يرعون البهاما وكيف تقول صبر بني حجان ... إذا غرضوا ولم يجدوا مقاما (2) وتغني مرة الأثرين عنا ... عروج الشاء تتركهم قياما ولولا آل مرة قد رأيتم ... نواصيهن ينضون القتاما وقال نابغة بني ذبيان (3) :   (1) الموهن: بعد صدر من الليل. (2) غرضوا: ملوا. (3) ديوان النابغة: 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 أبلغ بني ذبيان أن لا أخا لهم ... (1) بعبس إذا حلوا الدماخ فأظلما بجمع كلون الأعبل الجون لونه ... ترى في نواحيه زهيراً وحذيما (2) هم يردون الموت عند لقائه ... إذا كان ورد الموت لا بد أكرما ثم إن بني عبس ارتحلوا عن بني عامر، فساروا يريدون بني تغلب، فأرسلوا إليهم أن أرسلوا إلينا وفداً فأرسلت إليهم بنو تغلب بستة عشر راكباً منهم ابن الخمس التغلبي قاتل الحارث بن ظالم، وفرح بهم بنو تغلب وأعجبهم ذلك. فلما أتى الوفد بني عبس قال قيس: انتسبوا نعرفكم، فانتسبوا، حتى مر بابن الخمس، فقال قيس: أن زماناً أمنتنا فيه لزمان سوء، قال ابن الخمس: وما أخاف منك، فو الله لأنت اذل من قراد بمنسم ناقتي (3) فقتله قيس، وإنما يقتله بالحارث بن ظالم، لأن الحارث كان قتل بزهير بن جذيمة خالد بن جعفر بن كلاب، فلما رأى ذلك قيس قال: يا بني عبس ارجعوا إلى قومكم فهم خير أناس لكم فصالحوهم، فأما أنا فلا أجاور بيتاً غطفانياً أبداً، فلحق بعمان فهلك بها. ورجع الربيع وبنو عبس، فقال الربيع بن زياد في ذلك (4) : حرق قيس علي البلاد ... حتى إذا استعرت أجذما أجذم: ذهب، ويقال أنه لمجذام الركض إذا أسرع. جنية حرب جناها فما ... تفرج عنه وما أسلما عشية يردف آل الرباب ... يعجل بالركض أن يلجما في نسخة غداة بآل الرباب، والرباب امرأة يعشقها قيس بن زهير.   (1) الدماخ: اجبل عظام؛ وأظلم: اسم موضع أو جبل. (2) الأعبل: الجبل الأبيض الحجارة شبه بني عبس به لكثرة السلاح، والجون هنا الأبيض؛ وزهير وحذيم ابنا جذيمة من بني عبس. (3) النقائض: تحت منسم بعيري. (4) الشعر في الحماسة (رقم: 163 المرزوقي) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ونحن فوارس يوم الهرير ... (1) إذ تسلم الشفتان الفما عطفنا وراءك أفراسنا ... وقد مال سرجك فاستقدما إذا نفرت (2) من بياض السيوف ... قلنا لها أقدمي مقدما ولما انصرف الربيع - وكان يسمى الكامل - أتى بني ذبيان ومعه ناس من بني عبس، فأتى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، فوقفوا عليه فقالوا له: هل أحسست لنا الحارث بن عوف - وهو يعالج نحياً له - فقال: هو في أهله، ثم رجعوا وقد لبس ثيابه، فقالوا: ما رأينا كاليوم قط مركوباً إليه قال: ومن أنتم، قالوا: بنو عبس ركبان الموت، قال: بل أنتم ركبان السلم والحياة، مرحباً بكم، لا تنزلوا حتى لا تأتوا حصن بن حذيفة، قالوا: أنأتي غلاماً حديث السن قد قتلنا أباه وأعمامه ولم نره قط؟! قال الحارث: نعم إن الفتى حليم وأنه لا صلح حتى يرضى، فأتوه عند طعامه ولم يكن رآهم، فلما رآهم عرفهم، قال: هؤلاء بنو عبس، فلما أتوه حيوه فقال: من انتم قالوا: ركبان الموت، فحياهم وقال: بل أنتم ركبان السلم والحياة، إن تكونوا احتجتم إلى قومكم فقد احتاج قومكم إليكم، هل أتيتم سيدنا الحارث بن عوف، قالوا: لم ناته، وكتموه اتيانهم إياه، فقال: فأتوه، فقالوا: ما نحن ببارحيك حتى تنطلق معنا، فخرج يضرب أوراك أباعرهم قبله حتى أتوه، فلما اتوه حلف عليه حصن: هل أتوك قبلي، قال: نعم، قال: فقم بين عشيرتك فإني معينك بما أحببت، قال الحارث: أفأدعو معي خارجة بن سنان؟ قال نعم، فلما اجتمعنا قلا لحصن: اتجيرنا من خصلتين: من الغدر بهم والخذلان لنا؟ قال: نعم، فقاما بينهما فباءوا بين القتلى، وأخرجا لبني ثعلبة بن سعد الف ناقة أعانهما فيها حصن بخمسمائة ناقة. وزعموا أنه لما اصطلح الناس، وكان حصين بن ضمضم المري قد حلف   (1) يروى: إذ تقلص، يعني أن ذلك يحدث من شدة الهول. (2) النقائض: ذعرت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 لا يمس غسلاً حتى يقتل بأخيه هرم بن ضمضم الذي قتله ورد بن حابس العبسي، فأقبل رجل من بني عبس يقال له ربيعة بن وهب الحارث بن عدي بن بجاد، وأمه امرأة من بني فزارة، يريد أخواله، فلقي حصين بن ضمضم فقتله بأخيه، فقال حيان بن حصن (1) أحد بني مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عبس: سالم الله من تبرأ من غي؟ ... ظٍ وولى أثامها يربوعا قتلونا بعد المواثيق بالسح؟ ... (2) م تراهن في الدماء كروعا إن تعيدوا حرب القليب علينا ... تجدوا أمرنا أحذ جميعا فلما بلغ فزارة قتل حصين بن ضمضم ربيعة بن وهب غضبوا، وغضب حصن في قتل ابن اختهم، وفيما كان من عقد حصن لبني عبس، وغضبت بنو عبس فأرسل اليهم الحارث بابنه فقال: اللبن أحب إليكم أم انفسكم - يعني ابنه - يقول: إن شئتم فاقتلوه وان شئتم فالدية، قالوا: بل اللبن، فأرسل اليهم بمائة من الابل دية ربيعة بن وهب فقبلوا الدية وتموا على الصلح، فقال في ذلك شييم بن خويلد الفزاري (3) : حلت أمامة بطن التين فالرقما ... (4) واحتل أهلك أرضاً تنبت الرتما من ذات شك إلى الأعراج (5) من إضمٍ ... وما تذكره من عاشق أمما هم بعيد وشأو غير مؤتلف ... (6) إلا بمزؤودة لا تشتكي السأما أنضيتها من ضحاها أو عشيتها ... في مستتب يشق البيد والاكما   (1) النقائض: حصين. (2) السحم: الاسنة واحدها اسحم. (3) في طبعة الجوائب: شيتم؛ وعند ياقوت شتيم (انظر مادة بطن التين 1: 665) . (4) الرتم: نوع من الشجر واحدته رتمة. (5) ياقوت (3: 311) الاجراع. (6) المزؤودة: الخائفة المرعوبة من ذكائها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 سمعت أصوات كدري الفراخ به ... (1) مثل الأعاجم تغشي المهرق القلما يا قومنا لا تعرونا بمظلمة ... (2) يا قومنا واذكروا الآلاء والذمما في جاركم وابنكم إذ كان مقتله ... شنعاء شيبت الأصداغ واللمما عي المسود بها والسائدون ... ولم يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما كنا بها بعدما طيخت عروضهم ... كالهبرقية ينفي ليطها الدسما أي ينقطر منها الدم، طيخت: دنست، والطيخ الفساد، والهبرقية السيوف والهبرقي: الحداد، أراد كالسيوف التي تشن الدم، والليط: اللون، ليط الإنسان: جلده ولونه. إني وحصناً كذي الأنف المقول له ... ما منك أنفك إن أعضضته الجلما أي لا أستغني أنا عن حصن كما لا يستغنى عن الأنف. أإن أجار عليكم لا أبا لكم ... حصن تقطر آفاق السماء دما أدوا ذمامة حصن أو خذوا بيد ... حرباً تحش الوقود الجزل والضرما الضرم: صغار الحطب، أي أعطوا الرضى بدية او غيرها او ائذنوا بحرب. وقال في ذلك عبد قيس بن بجرة (3) أخو بني شمخ بن فزارة، وهو ابن عنقاء، يعتذر عن حصين بن ضمضم المري: إن تأت عبس وتنصرها عشيرتها ... فليس جار ابن يربوع بمخذول كلا الفريقين أغنى قتل صاحبه ... هذا القتيل بميت أمس (4) مطلول باءت عرار بكحل والرفاق معاً ... (5) فلا تمنوا أماني الأضاليل   (1) المهرق: الصفحة؛ شبه أصوات القطا الكدري بصوت القلم في الصحيفة. (2) طبعة الجوائب: الآباء والقدما. (3) النقائض: بحرة. (4) النقائض: غير. (5) انظر المثل: " باءت عرار بكحل " في جمهرة العسكري 1: 266 والميداني 1: 60 والمستقصى 181 واللسان (عرر، كحل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وعرار: مثل حذام وقطام، أي اتفقوا واصطلحوا، وعرار وكحل، ثور وبقرة كانا في سبطين من بني اسرائيل، فقعر كحل فقعرت به عرار، فوقع الشر بينهم حتى كادوا أن يتفانوا - فضربت العرب بهما مثلاً. وقال زهير بن أبي سلمى يذكر الحارث بن عوف وخارجة بن سنان وحملهما ما حملا من دماء بني عبس وبني ذبيان (1) : لعمري لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم إلى آخر القصيدة. وزعموا أن بني مرة وبني فزارة لما اصطلحوا وباءوا بين القتلى أقبلوا يسيرون حتى نزلوا على ماء يقال له قلهى، وعليه بنو ثعلبة بن سعد بن ذبيان، فقالت بنو مرة وبنو فزارة لبني ثعلبة: اعرضوا عن بني عبس فقد باءونا بعض القتلى ببعض، فقالت بنو ثعلبة: كيف تباؤون بعبد العزى بن حذار ومالك بن سبيع؟ أتهدرونهما وهما سيدا قيس؟ فو الله لا نسم هذا بأنوفنا، فمنعوهم الماء حتى كادوا يموتون عطشاً. فلما رأوا ذلك أعطوهم الدية، ويزعمون إنها كانت أول الحمالة. فقال في ذلك معقل بن عوف بن سبيع الثعلبي: لنعم الحي ثعلبة بن سعد ... إذا ما القوم عضهم الحديد هم ردوا القبائل من بغيضٍ ... بغيظهم وقد حمي الوقود تطل دماؤهم والفضل فينا ... على قلهى ونحكم ما نريد وقال الربيع بن زياد في حرب داحس (2) : إن تك حربكم أمست عواناً ... فإني لم أكن ممن جناها ولكن ولد سودة أرثوها ... وحشوا نارها لمن اصطلاها   (1) هو من معلقته المشهورة، انظر ديوانه: 14. (2) لم يرد هذا في النقائض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 فإني لست خاذلكم ولكن ... سأشفي الآن إذ بلغت إناها ولد سودة: حذيفة وإخوته الخمسة، أمهم سودة بنت نضلة بن عمير بن جرية. وقال عنترة بن شداد بن معاوية (1) : سائل عميرة حين اجلب جمعها ... (2) عند الحروب باي حي تلحق أبحي قيس ام بعذرة بعدما ... رفع اللواء لها وبئس المحلق وأسأل حذيفة حين أرش بيننا ... (3) حرباً ذوأبها بموت تخفق فلتعلمن اذا التقت فرساننا ... بلوى النجيرة (4) أن ظنك أحمق فهذا ما كان من حديث داحس. وبلغنا إن الحرب التي كانت فيه أربعون سنة، وصار داحس مثلا ويقال: أشأم من داحس (5) . وقال بشير بن أبي العبسي: إن الرباط النكد من آل داحسٍ ... (6) جرين فلم يفلحن يوم رهان فسببن بعد الله مقتل مالكٍ ... وغربن قيساً من وراء عمان ويمنع منك السبق إن كنت سابقاً ... وتلطم إن زلت بك القدمان لطمن على ذات الإصاد وجمعهم ... يرون الأذى من ذلة وهوان تم حديث داحس والحمد لله رب العالمين.   (1) هذا النص لم يرد أيضاً في النقائض، وانظر ديوان عنترة: 292. (2) عميرة: حي من فزارة. (3) الذوائب هنا بمعنى الرايات. (4) في طبعة الجوائب: النحيرة:؛ والنجيرة فيما ذكر البكري في معجم ما استعجم: 1300 أرض في ديار بني عبس أو ما يليها، واستشهد على ذلك ببيت عنترة. (5) المثل في الدرة الفاخرة: 237 وجمهرة العسكري 1: 556 والميداني 1: 256 والمستقصى: 75 وانظر ثمار القلوب: 360. (6) الرباط من الخيل: الخمسة فما فوقها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 - 28 - وكان من حديث بيهس أنه كان رجلاً من بني غراب بن فزارة بن ذبيان بن بغيض وكان من سابع سبعة إخوة، فأغار عليهم ناس من أشجع وبينهم حرب، وهم في إبلهم، فقتلوا ستةً وبقي بيهس، وكان يحمق، وكان أصغرهم، فأرادوا قتله ثم قالوا: ما تريدون من قتل هذا يحسب عليكم برجل ولا خير فيه، فتركوه فقال: دعوني أتوصل معكم إلى أهلي فانكم إن تركتموني وحدي أكلتني السباع وقتلني العطش، ففعلوا فاقبل معهم، فلما كان في الغد نزلوا فنحروا جزوراً في يوم شديد الحر فقالوا: اظلوا لحم جزوركم لا يفسد، فقال بيهس: لكن بالأثلات لحماً لا يظلل (1) فقالوا: إنه لمنكر وهموا إن يقتلوه، ثم تركوه (2) ففارقهم حتى انشعب له طريق أهله فأتى أمه فأخبرها الخبر فقالت: ما جاءني بك من بين إخوتك؟ فقال لو خيرك القوم لاخترت (3) ، فأرسلها مثلاً. ثم إن أمه عطفت عليه ورقت فقال الناس: احبت ام بيهس بيهساً ورقت له، فقال بيهس: ثكل أرأمها ولداً (4) فأرسلها   (1) الوسيط: 40 والميداني 2: 106 وجماع أمثال بيهس عند الميداني عند قوله: " ثكل أرأمها ولدا " 1:101 والنقل عن المفضل الضبي؛ وفي جمهرة العسكري " الثكل ارأمها " 1: 290 والفاخر: 63 والمستقصى: 123 والعقد 3: 101 وقراءته في الميداني " لكن بالأثلات لحم "؛ وفي جمهرة العسكري 2: 212 أنه قال في هذا الموطن: " لكن لحم بشرمة لا تجن " وانظر قصة بيهس والأمثال المتصلة بها في الأغاني 23: 531 - 535 وراجع فصل المقال: 78 - 79. (2) زاد بعد هذا في الميداني: وظلوا يشوون من لحم الجزور ويأكلون فقال أحدهم ما أطيب يومنا وأخصبه فقال بيهس " لكن على بلدح قوم عجفى " وانظر الميداني 2: 106 وجمهرة العسكري 2: 183 والمستقصى: 281 واللسان ومعجم البلدان (بلدح) واحسب هذا سقط من طبعة الجوائب. (3) لو خيرت لاخترت في جمهرة العسكري 2: 183، 2: 212 والميداني 2: 81 والمستقصى 292. (4) تقدم تخريجه (الحاشية: 1) وانظر أيضاً الوسيط: 40، 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 مثلاً. ثم جعلت تعطيه ثياب إخوته ومتاعهم يلبسها فقال يا حبذا التراث لولا الذلة (1) ، فأرسلها مثلاً. وقال حبيب بن عيسى لما اراد بيهس أن يمضي عنهم قال بضهم: كيف يأتي هذا الشقي أهله بغير خفير؟ فقال لهم بيهس: دعوني فكفى بالليل خفيراً فأرسلها مثلاً. ثم أتى على ذلك ما شاء الله، ثم إنه مر على نسوة من قومه يصلحن امرأة منهن يردن أن يهدينها لبعض القوم الذين قتلوا إخوته فكشف ثوبه عن استه وغطى به راسه، فقلن: ويحك اي شيء تصنع؟ فقال: (2) البس لكل حالة لبوسها ... إما نعيمها وإما بوسها (3) فأرسلها مثلاً، فلما أتى على ذلك ما شاء الله جعل يتتبع قتلة إخوته فيقتلهم ويتقصاهم حتى قتل منهم ناساً فقال بيهس (4) : يا لها من مهجة يا لها ... أني لها الطعم والسلامه قد قتل القوم إخوانها ... في كل وادً زقاء هامه لأطرقنهم وهم نيام ... فأبركن بركة النعمامه قابض رجل وباسط أخرى ... والسيف أقدمه امامه نعامة: هو بيهس، لقب بنعامة لقوله: فأبركن بركة النعامة. ثم أخبر أن ناساً من أشجع في غار يشربون فيه، فانطلق بخالٍ له يكنى أبا   (1) جمهرة العسكري 2: 212، والميداني 1: 102 والوسيط: 40. (2) هذا المثل يجيء في مجمل أمثال بيهس، وانظر جمهرة العسكري: 1: 197، والفاخر: 62 والمستقصى: 121 واللسان (لبس) . (3) انظر هذا في ترجمة بيهس في المؤتلف والمختلف: 85 ونسبه: بيهس بن هلال بن خلف بن جمحة بن غراب بن ظالم بن فزارة. (4) الأبيات في الأغاني 23: 534. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 حشر (1) فقال له: هل لك في غار فيه ظباء لعلنا نصيب منهن؟ قال: نعم، فانطلق بيهس باي حشر حتى إذا قام على باب الغار دفع خاله في الغار فقال: ضرباً أبا حشر، فقال بعضهم: إن أبا حشر لبطل، فقال أبو حشر: مكره أخوك لا بطل (2) فأرسلها مثلاً، فكان بيهس مثلاً في العرب، قال المتلمس (3) : ومن حذر الأيام ما حز انفه ... قصير ورام الموت بالسيف بيهس (4) نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس وأول هذه الأبيات (5) : وما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا ... وما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا فلا تقبلن ضيماً مخافة ميتة ... وموتن بها حراً وجلدك أملس ومن حذر الأيام ... الخ. ... وقال بعض الشعراء من بني تغلب وهو أبو اللحام: لقمان منتصراً وقس ناطقاً ... ولأنت أجرأ صولةً من بيهس   (1) الميداني: أيا حنش؛ وسماه (2: 182) أبا جشر؛ العسكري: جشر؛ المؤتلف: الجشر، وفي الأغاني بالحاء المهملة. (2) انظر جمهرة العسكري 2: 242 والفاخر: 63 والميداني 2: 182 والبيان والتبيين 1: 162، 4: 17 والمستقصى: 311 والوسيط: 156 والأغاني 23: 535 - 537 حيث أورد قصة أخرى للمثل. (3) الشعر في كتب الأمثال وديوان المتلمس (القصيدة رقم: 5ص: 107) والحماسة (شرح المرزوقي) : 658 والأغاني 15: 256، 23: 530. (4) في رواية: ومن طلب الأوتار.. وخاض الموت؛ وقصير هو صاحب جذيمة الأبرش الذي جرى فيه المثل: " لأمر ما جدع قصير انفه ". (5) أولها في ديوانه: أعادل أن المرء رهن مصيبة ... صريع لعافي الطير أو سوف يرمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 يريد بها الأسد ههنا وهذا البيت غلط من المفضل (1) لان بيهساً هو الأسد وليس ببيهس الذي يلقب بنعامة، ويدلك على ذلك البيت الذي بعده وهو لأبي اللحام التغلبي يمدح عباد بن عمرو بن كلثوم: يقص السباع كأن فحلاً فوقه ... ضخم مذمره شديد الافحس كان قس بن ساعدة (2) من إياد مفوها ناطقاً فوقف بسوق عكاظ على جمل له أحمر فقال: أيها الناس اجتمعوا ثم اسمعوا وعوا، كل من عاش مات، وكل من مات فات، وكل ما هو آت آت، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لمعتبرا، نجوم تمور، وبحار لا تبور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، ما للناس يذهبون ثم لا يرجعون، أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا، يحلف بالله قس بن ساعدة إن الله لديناً احب اليه مما نحن فيه. - 29 - زعموا أن رجلاً من بني عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم يقال له عياض ابن ديهث أورد إبله على ماء، فصادف عليه رعاء الحارث بن ظالم المري - مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان - فأدلى عياض بن ديهث دلوه ليسقي ماشيته، فقصر رشاؤه واستعار بعض أرشية رعاء الحارث بن ظالم فأعاروه حتى سقى إبله، ثم أصدرها، فلقيه بعض حشم النعمان فأخذ أهله وماله، فنادى يا حار يا حاراه، فركب الحارث حتى أتى النعمان، وقد كان لقي عياضاً قبل ذلك، فقال له: ويلك ومتى أجرتك؟ قال: فاني   (1) هذا التعليق يدل على أن هناك مادة دخيلة على أصل المفضل الضبي؛ ومثل هذا يرد في غير موضع من الكتاب. (2) يبدو أن هذا من زيادات أحد المعلقين أيضاً؛ وانظر خبر قس وخطبته في الأغاني 15: 191 وانظر معجم المرزباني: 222 وخزانة الأدب 1: 267 والإصابة 5: 285 والبداية والنهاية 2: 230 والزاهر 2: 364. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 عقدت رشائي برشاء رعائك فسقيت إبلي، وأخذت ذلك الماء في بطونها، فقال له الحارث: إن في هذا لجواراً (1) ثم اتى النعمان فقال: أبيت اللعن، إنك أخذت إبل جاري وأهله وولده، فقال النعمان: أفلا تشدما وهي من أديمك أول - يعني قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر وهو جار للأسود بن المنذر (2) بن ماء السماء أخي النعمان. ثم إن النعمان أوعد الحارث وعيداً شديداً فقال له الحارث: هل تعدون الحيلة الى نفسي (3) ، فأرسلها مثلاً، أي هل تريد بحيلتك أن تقتلني، هذا غايتك، يريد هل يكون شيء بعد الموت. ثم انصرف تدبر النعمان كلمته فندم على تركه، ثم طلبه فلم يجده. وكانت سلمى (4) بنت ظالم أخت الحارث تحت سنان بن أبي حارثة بن نشبة بن غيظ بن مرة، وكان النعمان قد دفع الى سنان ابن أبي حارثة ابناً له يكون عنده، فجاء الحارث إلى أخنه فقال: إن سناناً يقول لك: زيني ابن النعمان حتى آتي به أباه لعله يصنع إلينا خيراً، ففعلت، فانطلق به الحارث فضرب عنقه، ثم هرب فلحق بمكة، وكان رد على ابن ديهث بعض ما أخذ منه، فقال الحارث بن ظالم: قفا فاسمعا اخبركما إذ سألتما ... محارب مولاه وثكلان نادم مولاه: ابن عمه، أي إنا نحارب ابن عمي سنان بن أبي حارثة الذي كان عنده ابن النعمان.   (1) العسكري: جوار ورب الكعبة. (2) حديث الحارث بن ظالم مع الأسود بن المنذر تجده في كتب الأمثال عند المثل " است البائن أعلم " وقتله لخالد بن جعفر ورد في الأغاني 11: 89. (3) جمهرة العسكري 2: 366. (4) انظر القصة والشعر المتصل بها في الأغاني 11: 96، 102 - 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 فأقسم لولا من تعرض دونه ... لخالطه ما في الحديدة صارم حسبت أبا قابوس أنك فائز ... ولما تذق ذلا (1) وأنفك راغم فان تك أذواد أصبن ونسوة ... فهذا ابن سلمى رأسه (2) متفاقم علوت بذي الحيات مفرق رأسه ... ولا يركب المكروه لولا الاكارم (3) فتكت به كما فتكت بخالدٍ ... (4) وكان سلاحي تجتويه الجماجم أخصي حمار ظل يكدم نجمةً ... (5) أيؤكل جيراني وجارك سالم بدأت بيتك وانثنيت (6) بهذه ... وثالثة تبيض منها المقادم وقال الفرذدق يذكر ذلك (7) : كما كان أوفى اذ ينادي ابن ديهث ... وصرمته كالمغنم المنتهب فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ... وكان متى ما يسلل السيف يضرب وما كان جاراً غير دلوً تعلقت ... بحبليه في مستحصد العقد مكرب مكرب: مشدود، وعقد الحبل على عراقي الدلو يقال له الكرب، ويقال للرجل اكرب دلوك. وقال الفرذدق (8) : أعوذ ببشر والمعلى كلاهما ... بني مالك أوفى جواراً وأكرم   (1) الأغاني: فتكي. (2) الأغاني: أمره. (3) ذو الحيات: سيف الحارث. (4) وقع عجز هذا البيت عجزاً للذي قبله، وبالعكس، في الأغاني. (5) النجمة: واحدة النجم وهو من النبات ما لا ساق له. (6) الأغاني: بدأت بهذي ثم اثني بمثلها. (7) ديوان الفرزدق: 1: 21 والأغاني 11: 99 والخزانة 3: 185 وجمهرة العسكري 2: 368. (8) ديوان الفرزدق: 2: 248. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 من الحارث المنجي عياض بن ديهث ... فرد أبو ليلى له وهو أظلم وما كان جاراً غير دلو تعلقت ... بعقد رشاء عقده لا يجذم (1) فرد أخا عمرو بن مسعود ذوده ... جميعاً وهن المغنم المتقسم فأتى على ذلك ما شاء الله. ثم أن الحارث قدم الحيرة فأخذ فأتى به النعمان فأمر به ابن الخمس التغلبي فضرب عنقه (2) . - 30 - زعموا أن الرجلين من أهل هجر أخوين ركب أحدهما ناقة صعبة، وكانت العرب تحمق أهل هجر، وان الناقة ندت، ومع الذي لم يركب منهما قوس ونبل، واسمه هنين، فناداه الراكب منهما: يا هنين أنزلني عنها ولو بأحد المغروين - يعني سهمه - فرماه أخوه فصرعه فمات فذهب قوله: ولو بأحد المغروين (3) مثلاً. - 31 - زعموا أن رجلاً شاباً غزلاً خرج يطلب حمارين لأهله فمر على امرأة متنقبة جميلة في النقاب، فقعد بحذائها وترك طلب الحمارين، وشغله ما سمع من حسن حديثها وما رأى من جمالها في النقاب، فلما سفرت عن وجهها إذا لها أسنان مكفهرة منكرة مختلفة، فلما رآها ذكر حماريه فقال: ذكرني فوك حماري أهلي (4) فذهب قوله مثلاً.   (1) الديوان: عمرو بن سعد بذوده. (2) في مقتل الحارث انظر الأغاني 11: 111. (3) جمهرة العسكري 2: 231 والميداني 1: 178 والمستقصى: 50 واللسان (غرا) والرواية - فيما عدا العسكري -: ادركني ولو بأحد المغروين؛ والمغروان: السهمان، يقال غروت السهم: إذا اصلحته بالغراء؛ وقال الميداني: المغرو السهم المريش. (4) جمهرة العسكري: 1: 463 والميداني: 1: 185 والمستقصى: 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 - 32 - زعموا أن رجلاً (1) في الجاهلية كانت له فرس مرببة معلمة قد تألفه وعرفته فبعثه قومه طليعة فمر بروضة فأعجبته، وهو لا يدري أن العدو قريب منه، فنزل فخلع لجام فرسه وخلى عنها ترعى، فبينا هو على ذلك إذ طلعت عليه خيل العدو دواس - أي يتبع بعضهم بعضاً - فأخذوه، وطلبوا الفرس فسبقتهم، فلم يقدروا عليها، فتعجبوا منها ومن جودتها فقالوا: إن دفعتها إلينا فأنت آمن وإلا قتلناك، فظن الرجل أنهم قاتلوه إن لم يفد نفسه، فدعاها فجاءت فقال: عرفتني نسأها الله (2) أي أخرها وزاد في أجلها، فصار مثلاً. - 33 - وزعموا أن قوماً كانوا في جزيرة من جزائر البحر في الدهر الأول ودونها خليج من البحر، فأتاها قوم يريدون أن يعبروها فلم يجدوا معبراً، فجعلوا ينفخون أسقيتهم ثم يعبرون عليها، فعمد رجل منهم فأقل النفخ وأضعف الربط، فلما توسط الماء جعلت الريح تخرج حتى لم يبق في السقاء شيء، وغشية الموت فنادى رجلاً من أصحابه أن يا فلان إني قد هلكت. فقال: ما ذنبي يداك أوكتا وفوك نفخ (3) فذهب قوله مثلاً. اوكيت رأس السقاء إذا شددته وقال بعض الشعراء: دعاؤك حذر البحر أنت نفخته ... بفيك وأوكته يداك لتسبحا   (1) في بعض الروايات أن هذا المثل من الأمثال التي تتعلق ببيهس (انظر جمهرة العسكري 2: 37) والقصة كما رواها المفضل مروية أيضاً عن علاقة الكلبي يسندها إلى عبيد بن شربة (فصل المقال: 79) . (2) جمهرة العسكري 2: 37 وفصل المقال: 78 والميداني 1: 307 والمستقصى: 241. (3) يداك اوكتا وفوك نفخ: في جمهرة العسكري 2: 430 وفصل المقال: 458 والميداني 2: 248 والعقد 3: 120 والتلخيص للعسكري: 336 ونقل البكري عن صاحب العين قصة أخرى في المثل غير التي رواها المفصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 - 34 - زعموا أن شيخاً كانت تحته امراة شابة، فكانت تراه إذا أراد أن ينتعل قعد فانتعل، وكانت ترى الشبان ينتعلون قياماً؛ فقالت يا حبذا المنتعلون قياماً (1) فسمع ذلك منها فذهب ينتعل قائماً فضرط وهي تسمع فقالت: إذا رمت الباطل أنجح بك (2) اي غلبك، فأرسلتها مثلاً. - 35 - زعموا أن الحارث بن أبي شمر الغساني سأل أنس ابن الحجيرة (3) عن بعض الأمر فأخبره به فلطمه فقال: ذل لو أجد ناصراً (4) ثم قال: الطموه، فقال أنس: لو نهي عن الأولى لم يعد للآخرة (5) ، فأرسلها مثلاً فقال زيدوه فقال أنس أيها الملك ملكت فأسجح (6) ، فأرسلها مثلاً. فأمر أن يكف عنه. - 36 - زعموا أن قوماً شردت إبل بني صحار بن وهب بن قيس بن طريف وهو اخو الطماح بن عمرو بن قعين، حتى وقعت في بلاد بني عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، فركب الجميح - وهو منقذ ابن الطماح بن قيس - في طلب الابل حتى وقع في بلاد بني مرة، قال: فانتهيت إلى بيت عظيم فأنخت إليه ووضعت رحلي عنده في عشية متغيمة، فإذا في البيت   (1) يبدو أن المفضل لم يعد هذا مثلاً، لكن البكري عده كذلك، انظر فصل المقال: 380 وورد في جمهرة العسكري 1: 374 بحذف " يا ". (2) يروى أيضاً: إذا طلبت..؛ انظر فصل المقال: 380 والميداني 1: 29 والمستقصى: 3 وإذا ادعيت " في جمهرة العسكري 1: 104 وذكره في 1: 374 " من ادعى الباطل انجح به ". (3) حجير في جمهرة العسكري 1: 460. (4) المثل في جمهرة العسكري 1: 460 والميداني: 1: 188 والمستقصى: 213 والعقد 3: 96. (5) المثل في جمهرة العسكري 2: 197 وانظر الحاشية السابقة. (6) انظر جمهرة العسكري 2: 248 والميداني 2: 158 والمستقصى: 311 واللسان (سجح) والعقد 3: 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الذي انخت بفنائه رجل شاب مضاجع ربة البيت، قد غلبته عينه فنام، فحسبته رب هذا البيت، فلم ألبث إلا قليلاً حتى راح الشاء فحبست في العطن، ثم راحت الابل وفيها أفراس ومعها رعاؤها، فحسبت في العطن، ثم طلع رجل على فرس يصهل فارتاحت له الخيل، وارتاحت العبيد لذلك، وجاء حتى وقف عليهم فقال: ماذا كم السواد بفناء البيت؟ قالوا: ضيف، فلما رأيت ذلك عرفت أنه رب البيت، وان الفتى ليس منها في شيء، فدخلت البيت فاحتملت الفتى حتى أبرزته من وراء البيت، فاستيقظ بي فقال: أما أنت فقد أنعمت علي فمن أنت؟ فقلت: أنا منقذ بن الطماح، قال: أو في الابل جئت؟ (1) قلت: نعم، فقال: أدركت، امكث ليلتك هذه عند صاحب رحلك، فإذا اصبحت فأت ذاك العلم الذي ترى فقف عليه ثم ناديا صباحاه فإذا اجتمع إليك الناس فإني سآتيك على فرس ذنوب (2) بين بردين، فأعرض لك الفرس مرتين حتى تثب عليه، فإذا فعلت ذلك فثب خلفي ثم ناد يا حار يا حار المخاض، فإنك إذا فعلت ذلك أدركت قال وإذا هو الحارث بن الظالم فلما أصبحت فعلت الذي أمرني به، فناديت يا صباحاه، فأتاني الناس حتى جاءني آخر من جاء، فعرض لي فرسه فوثبت عليه فإذا أنا خلفه، فقلت يا حار يا حار المخاض، فأجارني وحولت رحلي إليه، فمكثت عنده أياماً لا يصنع شيئاً، ثم قال: سبني يغضب لحمى (3) فقلت: لا أسبك أبداً، قال: فقل قولاً يعذرني به قومي، قال: فمكث حتى إذا أوردوا النعم جعلت أسقي وأرتجز فقلت - وكانت في الابل الذي ذهبت ناقة يقال لها اللفاع (4) : إني سمعت حنة اللفاع ... في النعم المقسم الأوزاع   (1) يعني: اجئت في طلب الإبل؟ (2) الذنوب: الفرس الوافر الذنب. (3) في جمهرة العسكري: سبني تغضب عشيرتي. (4) ورد بعض هذا الرجز في الأغاني (11: 99) متصلاً بقصة أخرى وانظر أيضاً 11: 102. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ناقة ما وليدة جياع ... أما إذا أجدبت المراعي فإنها تحلب في المجاع ... أما إذا أخصبت المراعي فإنها نهي من النقاع ... فادعي أبا ليلى ولا تراعي ذلك راعيك فنعم الراعي ... إلا يكن قام عليه ناعي لا تؤكلي العام ولا تضاعي ... منتطقاً بصارم قطاع يفري به (1) مجامع الصداع ... فلما سمع بذلك الحارث - وكان يكنى أبا ليلى - أقبل يسعى مخترطاً سيفه فقال: (2) هل يخرجن ذودك ضرب تشذيب ... ونسب في الحي غير مأشوب هذا أواني وأوان المعلوب (3) ... ثم نادى الحارث: من كان عنده من هذه الابل شيء فلا يصدرن بشيء من ذمتنا حتى يردها، قال: فردت جميعاً مكانها غير الناقة التي يقال لها اللفاع، فانطلق وانطلقت معه نطوف عليها، فوجدناها مع رجلين يحلبانها فقال لهما الحارث: خليا عنها فليست لكما، فضرط البائن منهما - البائن: الذي يقف من جانب الحلوبة الأيمن، ويقال للحالبين البائن والمستعلي، والمستعلي الذي من جانب الناقة الأيسر - فقال المستعلي: والله ما هي لكما، فقال الحارث: است البائن اعلم (4) فأرسلها مثلاً ورد الابل على الجميع فانصرف بها. - 37 - كانت امرأة من طيء يقال لها رقاش كانت تغزو بهم ويتيمنون برأيها، وكانت   (1) الأغاني: يشفي به. (2) انظر الجز برواية أخرى في الأغاني 11: 99. (3) المعلوب: سيف الحارث بن ظالم. (4) جمهرة العسكري: 1: 138 والميداني 1: 224 والمستقصى: 64 والأغاني 11: 99، 102. والخزانة 3: 187 والعبدري: 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 كاهنة، وكان لها حزم ورأي، فأغارت بطيء، وهي عليهم على اياد بن نزار بن معد يوم رحى حائر فظفرت بهم وغنمت وسبت، فكان فيما أصابت من إياد فتى شاب جميل، فاتخذته خادماً فرأت عورته فأعجبها فدعته إلى نفسها فوقع عليها فحملت فأتيت في إبان الغزو لتغزو بهم، فقالوا لها: هذا أوان الغزو فاغزي إن كنت تريدين الغزو، فجعلت تقول: رويد الغزو ينمرق (1) فأرسلتها مثلاً. ثم جاءوا لعادتهم فرأوها نفساء مرضعا قد ولدت غلاماً، فقال بعض شعراء طيء (2) : نبئت أن رقاش بعد شماسها ... (3) حبلت وقد ولدت غلاماً أكحلا فالله يخطيها ويرفع (4) ذكرها ... والله يلحقها (5) كشافاً مقبلا كانت رقاش تقود جيشاً جحفلا ... فصبت وحق لمن صبا أن يحبلا دري رقاش فقد أصبت غنيمةً ... فحلاً يصورك أن تقودي جحفلا - 38 - زعموا أن المنذر بن امرىء القيس وهو جد النعمان بن المنذر، وكانت أمه ماء السماء امرأة من النمر بن قاسط - قال للحارث بن العيف بن عبد القيس، والمنذر يومئذ محارب للحارث بن جبلة الغساني ملك الشام: اهج الحارث بن جبلة، فقال له الحارث بن العيف (6) : لا هم أن الحارث بن جبله ... (7) زنا على أبيه ثم قتله   (1) المثل في جمهرة العسكري: 1: 483 وفصل المقال: 338 والميداني 1: 194 والمستقصى 221 واللسان (مرق) ؛ ويروى أيضاً " يتمرق "، وأورده ابن السراج بالزاي " يتمزق ". ويحيل البكري في رواية المثل على محمد بن حبيب ولا خلاف بين روايته ورواية المفضل. (2) الشعر في المصادر السابقة ما عدا البيت الأخير. (3) فصل المقال: أصحلا. (4) في رواية: ويرفع بعضها، أي يغلي مهرها. (5) فصل: يلقحها؛ والكشاف الحمل على الناقة بعد نتاجها. (6) انظر اللسان (زنى) وكتب الأمثال عند المثل " اتتك بحائن رجلاه ". (7) زنا مخفف من زنأ بمعنى ضيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وركب الشادخة (1) المحجله ... وكان في جاراته لا عهد له فأي فعلٍ سيءٍ لا فعله ... وقال لحرملة بن عسلة أخي بني بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة: اهج الحارث، وكانت أم حرملة امرأة من غسان فقال حرملة بن عسلة: ألم ترأني بلغت المشيبا ... لدى دار قومي عفاً كسوبا وأن الاله تنصفته ... بأن لا أعق وأن لا أحوبا أي عبدته، والناصف: الخادم، قال الشاعر: وتلقى حصان تنصف ابنة عمها ... كما كان يلقى الناصفات الخوادم وأن لا (2) أكافر ذا نعمةٍ ... (3) وإلا أخيبه مستثيبا وغسان قوم هم (4) والدي ... فهل ينسينهم أن أغيبا فأوزع بها بعض من يعتريك ... فان لها من معد كليبا يقال: كلب وكليب مثل معز ومعيز، والإيزاع: الإغراء. وأن لخالك مندوحة ... وإن عليك بغيب رقيبا فلما كان حين سار المنذر بن ماء السماء إلى الحارث بن جبلة فالتقوا بعين أباغ، فقتل المنذر بن ماء السماء وهزم جيشه، وكان فيهم أخلاط من العرب من ربيعة ومضر وغيرهم، فكان ابن عسلة في الجمع يومئذ مع المنذر فأسر هو، فأحسن إليه الحارث بن جبلة وحمله وكساه وخلى سبيله، وكان في جيش المنذر يومئذ رجل من بني حنيفة، يقال له عمرو بن شمر بن عمرو، إنما خرج متوصلاً بجيش المنذر يريد أن يلحق بأخواله من غسان، وكانت أمه منهم، فرأى مصرع   (1) يريد أنه أتى فعلة مشهورة قبيحة. (2) العسكري: اكاثر. (3) عند العسكري: وألا أرد امرءاً مستثيباً. (4) العسكري: وغسان قوم هم ما هم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 المنذر فأتاه فأخذ برداً كان عليه، ثم أتى الحارث فأخبره أنه قتله وهذا برده، وكان ابن العيف العبدي في الأسراء، فقال له الحارث بن جبلة حين رآه: أتتك بحائن رجلاه (1) فأرسلها مثلاً. ثم قال له: إنه بلغني ما قلت، فاختر مني إحدى ثلاث خلال: إما أن اطرحك في جب فيه الأسد قد ضري وجوع فتمكث معه ليلة، أو ارمي بك من رأس طمار - يعني جبل دمشق، فان نجوت نجون وإن هلكت هلكت، أو يضربك الدلامس (2) - سيافه الذي يقوم على رأسه، وهو أعظم الرجال وأشدهم - بعمود له من حديد ضربة فان نجوت وإن هلكت هلكت، فنظر في أمره فكره الأسد، وكره أن يلقى من رأس الجبل، واختار أن يضربه الدلامس تلك الضربة، فضربه على منكبه فدق منكبه ووركه، ثم أمر به فألقى، فاحتسب عليه راهب فداواه حتى بريء وهو مخبل (3) . - 39 - كان امرؤ القيس بن حجر الكندي الشاعر رجلاً مفركا لا تحبه النساء ولا تكاد امرأة تصبر معه، فتزوج امرأة من طيء فابتنى بها، فأبغضته من تحت ليلته فكرهت مكانه، فجعلت تقول: يا خير الفتيان أصبحت أصبحت، فيرفع رأسه فيرى الليل كما هو، فيقول: أصبح ليل (4) فلما أصبح قال لها: قد رأيت ما صنعت الليلة، وقد عرفت أن ما صنعت ذلك من كراهية مكاني في نفسك، فما الذي كرهت مني؟ قالت: ما كرهك، فلم يزل بها حتى قالت: كرهت منك أنك خفيف العجزة، ثقيل الصدرة، سريع الاراقة، بطيء الافاقة، فلما سمع ذلك منها قال لها هو: إنك لحديدة الركبة، سلسة النقبة، سريعة الوثبة، وطلقها، وذهب قوله: اصبح ليل مثلاً.   (1) جمهرة العسكري: 119 والفاخر: 191 (في قصة أخرى) والميداني 1: 14 والمستقصى: 19 واللسان (حين) والخزانة 1: 324. (2) الميداني والعسكري: الدلامص. (3) الخبل: الاسترخاء. (4) اصبح ليل: في الميداني 1: 273 والمستقصى: 82 وجمهرة العسكري: 192. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 - 40 - كان الناس يتبايعون على طلوع الشمس وغروب القمر من صبح ثلاث عشرة ليلة تخلو من الشهر: أتطلع بعد غروب القمر أم قبله، فتتابع رجلان على ذلك، فقال أحدهما: تطلع قبل غروب القمر، وقال آخر: يغيب القمر قل طلوع الشمس، فكأن قوم اللذين تبايعا ضلعوا مع الذي قال إن القمر يغرب قبل طلوع الشمس، فقال الآخر: يا قوم إنكم تبغون علي، فقال له قائل: إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر (1) ، فذهب مثلاً. - 41 - زعموا أن امرأة بغيا كانت تؤاجر نفسها، فاستأجرها رجل بدرهمين، فلما جامعها أعجبها جماعه، فجعلت تقول: صكا ودرهماك لك، لا أفلح من أعجلك (2) فذهب قولها مثلاً. - 42 - خرج رجل من طيء يقال له جابر بن رألان ثم أحد بنى ثعل بن سنيس، ومعه صاحبان له، حتى إذا كانوا بظهر الحيرة، وكان للمنذر بن ماء السماء يوم يركب فيه في السنة لا يلقى فيه أحداً إلا قتله، فلقي في ذلك اليوم ابن رألان وصاحبيه، فأخذتهم الخيل بالثوية، فأتى بهم المنذر - الثوية: موضع بالحيرة - وقال المنذر: اقرعوا فأيكم قرع خليت عنه وقتلت الباقيين، فاقترعوا فقرعهم جابر، فخلى سبيله وقتل صاحبيه، فلما رآهما ابن رألان يقادان ليقتلا قال: من عز بز (3) فأرسلها مثلاً؛ وقال جابر في ذلك (4) :   (1) المثل في جمهرة العسكري 1: 34 والميداني 1: 19 والمستقصى 151. (2) جمهرة العسكري 1: 579 والميداني 1: 275. (3) معنى المثل: من غلب سلب؛ انظر جمهرة العسكري 2: 288 والفاخر: 72 والزاهر: 1: 456 والميداني 2: 174 والمستقصى: 314 واللسان (بزز) والوسيط: 153 والتلخيص للعسكري: 195 والخزانة 1: 324. (4) الشعر في الفاخر: 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 يا صاح حي الراني المتربيا ... واقرأ عليه تحية أن يذهبا يا صاح ألمم إنها إنسية ... تبدي بناناً كالسيور مخضبا ولقد لقيت على الثوية آمناً ... يسق الخميس بها وسيقاً احدبا كرهاً أقارع صاحبي ومن يفز ... منا يكن لأخيه بدءاً مرهبا لله دري يوم أترك طائعاً ... أحداً لأبعد منهما أو أقربا أحداً: أي أحد الأخوين، يلوم نفسه على تركه إياهما. فعرفت جدي يوم ذلك إذ بدا ... أخذ الجدود مشرقين وغربا كر (1) الفنون عليك دهراً قلباً ... (2) كر الثقال يقوده أن يذهبا ولقد أرانا مالكين لرأسه ... نزعاً خزامة أنفه أن يشغبا - 43 - زعموا أن امرأة كان لها صديق وهو لزوجها عدو، وكانت معجبة، قال لها: لا اشتفي أبداً حتى أجامعك وزوجك يراني، فاحتالي لي، وكان لزوجها بهم، فكان يرعاها بفناء بيته، فاصطنعت له سرباً إلى جنبها ثم جعلت له غطاءً، وكان رب البيت يرعى حول بيته، فلما تبرز من البيت وتباعد عنه وثب عليها صديقها، فرآه زوجها فأقبل مسرعاً قد ذهب عقله، فلما رآه صديقها مقبلاً دخل السرب، وجاء الرجل وقال للمرأة: ما هذا الذي رأيت معك؟ قالت: ما رأيت من شيء وهذا البيت فانظر فيه، فنظر فلم ير شيئاً، فعاد إلى غنمه، وعاد صديقها اليها، فلما رآه زوجها أقبل، وعاد صديقها إلى سربه، فلما جاء قال: ما هذا؟ قالت: وهل ترى من بأس؟ فنظر وانصرف إلى مكانه، فعاد صديقها إليها، حتى فعل ذلك مراراً يقبل الزوج فلا يرى شيئاً ثم يعود صديقها إليها إذا ذهب وزوجها، فلما أكثر قال زوج المرأة: قد نراك فلست بشيء (3) فأرسلها مثلاً.   (1) الفاخر: المنون. (2) الفاخر: بقيده أن يهربا. (3) ورد بحدف " قد " في جمهرة العسكري 2: 311. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 - 44 - وأما هذا المثل: أعن صبوح ترقق (1) فان العرب يدعون شراب الليل الغبوق، وشراب النهار الصبوح، فزعموا أن رجلاً نزل ببيتٍ من العرب ليس لهم مال، فآثروه على أنفسهم فغبقوه غبوقاً قليلاً فبات بهم ليستوجب أن يصبحوه، فقال: أين اغدوا إذا صبحتموني - أي أنه لا بد من ان يصبحوه فقالوا: أعن صبوح ترقق، فذهب قولهم مثلاً. الصبوح: شراب النهار، والغبوق: شراب الليل (2) . - 45 - زعموا أن سليحاً من قضاعة وغسان احتربوا فظهرت عليهم سليح، وكانت غسان تؤدي اليهم دينارين على كل رجل منهم، وكان سبطة بن المنذر السليحي هو يجبي الدينارين منهم لسليح، فاتى رجلاً منهم يقال له جذع بن عمرو، وعليه ديناران، فقال: اعطني الدينارين، فقال: اعجل لك أحدهما لك أحدهما وأخر علي الآخر حتى أوسر، فقال سبطة: ما كنت لآؤخر عليك شيئاً، فدخل جذع بيته وقال: اقعد حتى أعطيك حقك، فاشتمل جذع على السيف ثم خرج إلى سبطة فضربه حتى سكت ثم قال: خذ من جذع ما أعطاك (3) فأرسلها مثلاً، وامتنعت منهم غسان بعد ذلك اليوم. - 46 - زعموا أن رجلاً من جهينة رمى رجلاً من القارة وهم بنو الهون بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر - فقتله فرمى رجل من القارة رجلاً من جهينة، وكان   (1) جمهرة العسكري 1: 29 وفصل المقال: 75 والميداني: 1: 315 والمستقصى: 102 واللسان (صبح) والعقد 3: 86 وأمالي القالي 2: 18. (2) هذا مكرر. (3) المثل في جمهرة العسكري: 1: 421 وفصل المقال: 343 والميداني 1: 156 والمستقصى: 208 والعقد 3: 122 والخزانة: 372 ويضرب في اغتنام ما يجود به البخيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 القارة فيما يذكرون أرمى حي في العرب، فقال قائلهم: قد انصف القارة من راماها (1) فأرسلها مثلاً. - 47 - زعموا أن امرأ القيس بن حجر الكندي كان مفركاً لا يكاد يحظى عند امرأة تزوج امرأة ثيباً فجعلت لا تقبل عليه ولا تريه من نفسها شيئاً مما يحب، فقال لها ذات يوم: أين أنا من زوجك الذي كان قبل؟ فقالت: مرعىً ولا كالسعدان (2) فأرسلتها مثلاً. - 48 - زعموا ان امرأ القيس لما بلغه أن بني أسد قتلوا حجراً وكان ذلك اليوم يشرب فقال: اليوم خمر وغداً أمر (3) فأرسلها مثلاً. - 49 - زعموا أن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وكانت أمه لبنى بنت الحزمر بن كاهل، وكانت من بني أسد ابن خزيمة - أغار على بني أسد، قالت له امراة منهم: أبخالاتك يا همام تفعل هذا؟ قال: كل ذات صدار خالة لي (4) فأرسلها مثلاً.   (1) جمهرة العسكري 1: 55 (بحذف قد) والفاخر: 140 وفصل المقال: 204 والميداني 2: 31 واللسان (قور) والوسيط: 135 ويروى: انصف القارة من راداها - وهي المرماة بالحجارة. (2) يقرن بالمثل المتقدم: ماء ولا كصداء، انظر جمهرة العسكري 2: 242 وفصل المقال: 199 والوسيط: 157 والعبدري: 394. (3) جمهرة العسكري 2: 431 والميداني 2: 251 والمستقصى: 143. والخزانة 1: 161 والعبدري: 154. (4) جمهرة العسكري 2: 140 وفصل المقال: 161 والميداني 2: 52 والمستقصى: 268 واللسان (صدر) وقال البكري في شرح المثل: لا تعتدي علي بالخؤولة فليس ذلك بمانعي من الإغارة عليك، فكل امرأة يجب على الغيور من الكف عن محارمها ما يجب للخالة أخت الأم. والصدار: ثوب لا كمين له تتبذل فيه المرأة في بيتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 - 49 - زعموا (1) أن كعب بم مالك بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة تزوج رقاش بنت عمرو بن عثم بن تغلب بن وائل وكانت من اجمل نساء وأكملهن خلقاً، فقال لها: اخلعي درعك فقالت: خلع الدرع بيد الزوج (2) ثم قال: اخلعي درعك لأنظر اليك فقالت: ان التجريد لغير نكاح مثلة (3) ، فطلقها فتحملت إلى أهلها، فمرت بذهل بن شيبان بن ثعلبة فأتاها فسلم عليها وخطبها إلى نفسها فقالت لخادمها: انظري إليه اذا بال أيبعثر أم يقعر، فنظرت إليه الأمة فقالت: يقعر فزوجته، وعنده امرأة من بني يشكر يقال لها الورثة بنت ثعلبة، وكانت لا تترك له امرأة الا ضربتها وأجلتها فخرجت رقاش وعليها خلخالان، فقالت الورثة: بخ بخ ساق بخلخال (4) ، فقالت رقاش: اجل، ساق بخلخال، من نحلة خال، ليس كخالك البخال، فوثبت عليها الورثة لتضربها، فصبطتها رقاش وغلبتها، حتى حجزها عنها الرجال، فقالت الورثة: يا ويح نفسي اليوم أدركني الكبر ... أأبكي على نفسي العشية أم أذر فو الله لو ادركت في بقيةً ... للاقيت ما لاقى صواحبك الأخر فولدت رقاش لذهل بن شيبان مرة وأبا ربيعة ومحلماً والحارث. - 50 - زعموا أن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة كانت الأكلة أصابت رجله، فأمر بقطعها من الركبة، فدعا بنيه ليقطعوها، فكلهم أبى ان يقطعها، فدعا نقيذا؟ وهو   (1) لم يعين في هذه القصة ما ذهب مثلاً. (2) خلع الدرع بيد الزوج: في جمهرة العسكري 1: 417 وفصل المقال: 414 والميداني 1: 161 والمستقصى: 209 وروى البكري القصة عن ابن كرشم. (3) يروى: التجرد (أو التجريد) لغير نكاح مثلة. (4) الميداني 1: 73 وانظر فصل المقال: 415 والميداني 1: 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 همام بن مرة - وكان من أجبنهم (1) في نفسه فقال: اقطعها يا بني، فجعل يهم به، فقال أبوه: إذا هممت فافعل، فسمي هماماً، فقطعها همام، فلما رآها قد بانت قال: لو كنت منا حذوناك (2) فأرسلها مثلاً. - 51 - أما قول الناس: أعز من كليب بن وائل (3) ؛ فان كليب بن ربيعة بن الحارث ابن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن عثم بن تغلب بن وائل كان سيد ربيعة في زمانه، فكان الناس إذا حضروا المياه لم يسق أحد منهم إلا من سقاه، وإن بدا فأصابهم مطر لم يتحوض إنسان منهم حوضاً إلا ما فضل عن كليب، وكان يقول: اني قد أجرت صيد كذا وكذا فلا يصاد منها شيء قال معبد بن سعنة (4) الضبي - كذا رواه المفضل، وهو الأسود ابن سعنة أخو معبد: كفعل كليب كنت أخبرت أنه ... يخطط أكلاء المياه ويمنع يجير على أفناء بكر بن وائل ... أرانب ضاحٍ والظباء فترتع فقيل أعز من كليب بن وائل، فذهبت عزته مثلاً. وكان لكليب أخ يقال له امرؤ القيس بن ربيعة - وهو مهلهل - وعدي بن   (1) الميداني: من أجسرهم. (2) جمهرة العسكري 2: 211 والميداني 2: 82 والمستقصى: 293؛ وحذوناك بمعنى أعطيناك؛ وهذا المثل يضربه الرجل يحزن على أثر ما فارقه، هذا ما قاله العسكري؛ أما الميداني فقال: لو كنت صحيحة جعلنا لك حذاء، يضرب لمن أهمل إكرامه لخصلة سوء تكون فيه؛ وتفسير الميداني اشبه بالصواب. (3) المثل في الدرة الفاخرة: 300 والوسيط: 46 وجمهرة العسكري 2: 65 والفاخر: 93 والميداني 1: 329 والمستقصى: 99 والحيوان 1: 320 وثمار القلوب: 99 والأغاني 5: 29 وقصة كليب وحرب البسوس - على تباين في طولها - في النقائض: 904 والأغاني 5: 29 (وقد جمع أبو الفرج رواية أبي عبيدة ورواية الكلبي ورواية المفضل، واختصر اللفظ) والحماسة وشرح البسامة: 109 والعقد 5: 213 وابن الأثير: 1: 523 وسرح العيون: 92 والشريشي 2: 371. (4) ضبط في اللسان والتاج بفتح السين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ربيعة وكانت إبل كليب لا يسقى معها إبل حين ترد الماء حتى تصدر، وكان جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة، أمه الهالة (1) من بني عمرو بن سعد ابن زيد مناة بن تميم، وكانت أمها غنوية فجاورت امرأة من غني مع جساس بن مرة للخؤولة، فوردت ناقة للغنوية مع إبل كليب وهي عطشى فشرعت في الحوض، فرآها فانكرها فقال: ما هذه الناقة؟ قالوا: ناقة لجساس بن مرة من غني، فرماها بسهم فأصاب ضرعها، فندت إلى بيت الغنوية، فرأتها تسيل دماً، فأتت جساساً فصرخت إليه، قال: من فعل هذا بناقتك؟ قالت؟ كليب، فخرج هو وعمرو بن الحارث بن ذهل بن شيبان إلى كليب، فطعنه طعنة أثقلته، وزعموا أن عمرو بن الحارث أجهز عليه فقال كليب حين غشيه الموت لجساس: اغثني بشربة فقال (2) : تجاوزت شبيثاً والأحص (3) فأرسلها مثلاً - شبيث والأحص ماءان له. زعموا أن اسم ناقة الغنوية البسوس فصارت مثلاً وقال الناس: أشأم من ناقة البسوس (4) كذا قال المفضل، وإنما اسم الغنوية البسوس، واسم ناقتها سراب. ثم ان جساس بن مرة ركب فرسه فركض ليؤذن أصحابه، فمر على مهلهل وهو وهمام بن مرة يضربان بالقدح، وكانا متصافيين متوافقين لا يكتم واحد منهما صاحبه شيئاً أبداً، فلما رآه همام قال: هذا جساس وقد جاء لسوءة والله ما رأيت فخذه خارجةً قبل اليوم (5) ، فلما دنا من همام أخبره الخبر ثم مضى، وعاد همام   (1) الأغاني: هيلة. (2) في إحدى الروايات أنه قال: ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه. (3) تجاوزت شبيثاً والاحص: في جمهرة العسكري 1: 279 (وزاد فيه: وماءهما) والميداني 1: 96 والمستقصى: 188. (4) المثل: أشام من البسوس (أو أشأم من سراب) في جمهرة العسكري 1: 556 والدرة الفاخرة 1: 236، 237، والفاخر: 93 والوسيط: 46 وفصل المقال: 504 والميداني 1: 254 والمستقصى: 72 واللسان (بسس) وثمار القلوب: 307 والأغاني 5: 30. (5) في إحدى الروايات أن أخت جساس هي التي قالت ذلك: " والله ما خرجت ركبتاه إلا لأمر عظيم " وإن الذي نقل الخبر إلى همام هو إحدى الإماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 إلى مهلهل وقد تغير لونه، قال: ما شأنك قد تغير لونك، ما أخبرك هذا؟ قال: لا شيء فذكره العهد والميثاق، قال: اخبرني أنه قتل كليباً قال له مهلهل: استه أضيق من ذاك، (1) فأرسلها مثلاً. ووقعت الحرب وتمايز الحيان بكر وتغلب، فزعموا أن الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وكان رجلاً حليماً شجاعاً لما رأى ما وقع من الشر قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل (2) فأرسلها مثلاً واعتزل فلم يدخل في شيء من أمرهم. ثم ان بني تغلب قالوا (3) : لا تعجلوا على إخوتكم حتى تعذروا فيما بينكم وبينهم، فانطلق رهط من أشرافهم وذوي أسنانهم حتى أتوا مرة بن ذهل بن شيبان فعظموا ما بينهم وبينه وقالوا: اختر منا خصالاً: إما أن تدفع إلينا جساساً فنقتله بصاحبنا، فلم يظلم من قتل قاتله، وإما أن تدفع إلينا هماماً، أو تقيدنا من نفسك، فسكت وقد حضرته وجوه بكر بن وائل فقالوا: انك غير مخذول (4) قال: أما جساس فانه غلام حديث السن ركب رأسه فهرب حين خاف ولا علم لي به، وأما همام فأبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة (5) ، ولو دفعته إليكم صيح بنوه في وجهي وقالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره فهل لكم إلى غير ذلك؟ هؤلاء بني   (1) في جمهرة العسكري: 142 است المسؤول اضيق (ولم يربطه بقصة كليب) ؛ وفي الأغاني: 33 است أخيك اضيق من ذلك وفي رواية: هو أضيق استاً من ذلك وانظر المادة في اللسان؛ والمثل المقترن بقصة كليب في جمهرة العسكري 1: 132 والميداني 1: 224. (2) المثل في جمهرة العسكري: 2: 391 (لا ناقتي فيها ولا جملي) وانظر: فصل المقال: 388 (في قصة مختلفة) والعقد 3: 113 والمستقصى: 282 والأغاني 5: 34، 39 (وروي: لا أنا من هذا ولا ناقتي ولا جملي ولا عدلي، وروي: لست من هذا ولا جملي ولا رحلي) . (3) ينقل الأغاني هنا (5: 34) رواية المفضل. (4) الأغاني: فقالوا: تكلم غير مخذول. (5) وعم عشرة: لم ترد في الأغاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 فدونكم أحدهم فاقتلوه وأما أنا فما أتعجل من الموت، وهل تزيد الخيل على أن تجول جولةً فأكون أول قتيل، ولكن هل لكم إلى غير ذلك؟ قالوا: وما هو؟ قال: لكم ألف ناقة يضمنها لكم بكر بن وائل (1) فغضبوا وقالوا: لم نأتك لترذل لنا - أي تعطينا رذال بينك - ولا تسومنا اللبن. ثم تفرقوا فوقعت الحرب بينهم، فاعتزل الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة. ثم ان بني تغلب لقوا بجير بن الحارث بن عباد وهو غلام في إبله فأتوا به مهلهلاً، وكان رئيس بني تغلب بعد كليب، وكان كليب يضعفه ويقول: انما أنت زير نساء، فلما أتى ببجير قال: من أنت (2) يا غلام؟ قال: أنا بجير بن الحارث بن عباد، وقد عرفت أن أبي قد كره أمر هذه الحرب واعتزل الدخول فيها، قال: من أمك؟ قال، فلانة بنت فلان، فأمر به مهلهل فضربت عنقه وقال: بؤبشسع نعل كليب (3) ، فبلغ الحارث بن عباد الخبر فقال: نعم القتيل قتيل أصلح بين ابني وائل وهدأت الحرب بينهم فيه، هو فداؤهم، فقيل له: ان مهلهلاً حين قتله قال: بؤبشسع نعل كليب قال: وقد قال ذلك؟ قالوا نعم، قال: سوف يعلم، ثم قال الحارث بن عباد (4) : قربا مربط النعامة مني ... (5) لقحت حرب وائلٍ عن حيال لم أكن من جناتها علم الله ... وإني بحرها اليوم صال لا بجير أغنى قتيلاً ولا ره؟ ... ط كليب تزاجروا عن ضلال (6)   (1) من قوله: بجريرة غيره ... إلى هذا الموضع اختلاف في ترتيب السياق عما هو في الأغاني. (2) في رواية: من خالك يا غلام؟ (3) الأغاني: 5: 40 وجمهرة العسكري 1: 266 (يؤ يشسع كليب) . (4) ورد الشعر في أكثر المصادر التي أوردت قصة الحرب. (5) النعامة: اسم فرس الحارث. (6) قال في الأغاني: ولم يصحح عامر (بن عبد الملك) المسمعي ولا مسمع غير هذه الثلاثة الأبيات، والقصيدة في المصادر طويلة، يعنيان بذلك أن سائرها منحول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وقد كان رجل من بني تغلب يقال له امرؤ القيس بن أبان قال لمهلهل، حين أراد يقتل بجيراً: لا تقتل هذا الفتى فان أباه اعتزل هذا الأمر ولم يدخل فيه، فلما أبى مهلهل إلا قتله قال ذلك التغلبي: والله ليقتلن بهذا الفتى رجل لا يسأل عن امه، يعني بشرفها هي أعرف من ذلك، فالتقى الحيان بكر وتغلب، وأبو بجير فيمن شهد القتال يومئذ، فرأى فارساً من أشد الناس فحمل عليه فأخذه أبو بجير فقال: ويلك دلني على أحد ابني ربيعة مهلهل أو عدي (1) قال: فما لي إن دللتك على أحدهما؟ قال: أخلي عنك؟ قال: فالله لي عليك بذلك؟ قال: نعم فلما استوثق منه قال: فاني عدي بن ربيعة، قال أبو بجير: فأحلني على امرىء شريف كريم الدم، قال: فأحاله على عمرو بن أبان (2) بن كعب بن زهير، فحمل عليه أبو بجير فقتله، فقال أبو بجير في ذلك: لهف نفسي على عدي وقد أش؟ ... (3) عب للموت واحتوته اليدان طل من طل في الحروب ولم أو ... تر بجيراً أباته ابن آبان فارس يضرب الكتيبة بالسي؟ ... ف وتسمو أمامه العينان ثم إنه أتى على ذلك ما شاء الله أن يأتي. ثم أغار كثيف (4) بن زهير التغلبي على بكر بن وائل فهزموه، فلحق به مالك وعمرو ابنا الصامت من بني عامر بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة، فلما رآهما كثيف - وكان رجلاً شديد الخلق - ألقى سيفه فتقلده مالك بن الصامت، وهو ابن كومة،   (1) يفهم من رواية الأغاني 5: 41 أن عدياً هو مهلهل نفسه، وقد فرق بينهما المفضل في روايته فيما تقدم. (2) في الأغاني أنه احاله على امرئ القيس بن أبان. (3) رواية البيت في الأغاني والعقد: لهف نفسي على عدي ولم أع ... رف عدياً إذ أمكنتي اليدان (4) فصل المقال: 501 كنيف بن عمرو التغلبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 فهاب مالك كثيفاً أن يتقدم عليه فيأسره، فأدركهم عمرو بن الزبان بن مجالد الذهلي، فوثب على كثيف فأسره، فقال مالك ابن كومة: أسيري، وقال عمرو بن الزبان: اسيري، فحكما كثيفاً في ذلك فقال: لولا مالك ألفيت في أهلي ولولا عمرو لم أوسر، فغضب عمرو فلطم وجه كثيف، فلما رأى ذلك مالك - وكان حليما تركه في يدي عمرو وكره أن يقع في شر، فانطلق عمرو بكثيف إلى أهله فكان أسيراً عنده حتى اشترى نفسه، وقال كثيف: اللهم أن لم تصب بني زبان بقارعةٍ قبل الحول لا أصلي لك صلاة أبداً. فمكثوا غير كثير، ثم إن بني الزبان خرجوا، وهم سبعة نفر فيما يزعمون، في طلب ابل لهم، ومعهم رجل من غفيلة بن قاسط يقال له خوتعة، فلما وقعوا قريباً من بني تغلب انطلق خوتعة حتى أتى كثيف بن زهير فقال له: هل لك إلى بني الزبان بمكان كذا وكذا، وقد نحروا جزوراً وهم في إبلهم، قال: نعم، فجمع لهم ثم أتاهم، فقال له عمرو بن الزبان: يا كثيف إن في وجهي وفاءً من وجهك، فخذ لطمتك مني أو من إخوتي إن شئت، ولا تنشئن الحرب وقد أطفأها الله، ذلك فداؤنا، فأبى كثيف، فضرب أعناقهم وجعل رؤوسهم في الجوالق فعلقه في عنق ناقة لهم يقال لها الدهيم، وهي ناقة عمرو بن الزبان، ثم خلاها في الإبل، فراحت حتى أتت بيت الزبان بن مجالد، فقال لما رأى الجوالق: أظن بني أصابوا بيض نعام، ثم أهوى بيده في الجوالق فاخرج رأساً، فلما رآه قال: آخر البز على القلوص (1) فذهبت مثلاً، وقال الناس: أشأم من خوتعة (2) فذهبت مثلاً - أي هم   (1) يقال ذلك عند آخر العهد بالشيء وعند انقطاع أثره وذهاب أمره؛ وانظر المثل في جمهرة العسكري 1: 134 والميداني 1: 52 والمستقصى: 4 والقصة أكثر تفصيلاً في الدرة الفاخرة عند ذكر المثل ((أشأم من خوتعة)) (انظر الحاشية التالية) وقد ذكر المثل ص: 241. (2) جمهرة العسكري 1: 135، 447، والدرة الفاخرة: 240 وفصل المقال: 501 (هو أشأم..) والميداني 1: 255 والمستقصى: 75 واللسان (ختع) ، واسم خوتعة عند البكري: عبد الله بن صبرة؛ وقد لخصت القصة في الفاخر: 253 عند شرح المثل ((اليوم تقضي أم عمرو دينها)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 آخر المتاع، أي هذا آخر آثارهم؛ وقال الناس: أثقل من حمل الدهيم (1) فذهبت مثلاً. قال: ثم إن الزبان دعا في بكر بن وائل فخذلوه فقال في ذلك: بلغا مالك بن كومة ألا ... يأتي الليل دونه والنهار كل شيء خلا دماء بني ذه؟ ... لٍ من الحرب ما بقيت جبار أنسيتم قتلى كثيف وأنتم ... ببلادٍ بها تكون العشار وكان اشد بكر بن وائل له خذلاناً بنو لجيم، فقال الزبان في ذلك: من مبلغ عني الأفاكل مالكاً ... وبنى القدارفأين حلفي الأقدم أبني لجيم من يرجى بعدكم ... والحي قد حربوا وقد سفك الدم أبني لجيمٍ لو جمحن عليكم ... جمح الكعاب لقد غضبنا نرعم الجمح: التتابع بعض في اثر بعض، يريد الكعبين اللذين يلعب بهما النرد وغيره. فجعل الزبان لله عليه نذراً ألا يحرم دم غفيلي أبداً أو يدلوه كما دلوا عليه، فمكث فيما يزعمون عشر سنين، فبينا هو جالس بفناء بيته إذ هو براكب قال له: من أنت قال: رجل من غفيلة قال: إيت فقد أدنى لك (2) ، فأرسلها مثلاً، قال الغفيلي: هل لك في أربعين بيتاً من بني زهير متبدين بالأقطانتين؟ قال: نعم، فنادى في أولاد ثعلبة فاجتمعوا، ثم سار بهم حتى إذا كان قريباً من القوم بعث مالك ابن كومة طليعةً ينظر القوم وما حالهم، قال مالك: فنمت وأنا على فرسي فما شعرت حتى عبت فرسي في مقراة (3) بين البيوت، فكبحتها فتأخرت على عقبها، فسمعت   (1) فصل المقال: 468 وجمهرة العسكري 1: 135، 293 والدرة الفاخرة: 104، 241 والميداني 1: 104 والمستقصى: 20 واللسان (دهم) وثمار القلوب: 354. (2) المثل في الدرة الفاخرة: 242 وجمهرة العسكري 1: 135 ومعنى المثل: قرب هلاكك. (3) المقراة: حيث يجتمع ماء المطر من كل جانب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 جارية تقول لأبيها: يا أبت أتمشي الخيل على أعقابها؟ قال: وما ذاك يا بنية؟ قالت: لقد رأيت فرساً تمشي على عقبها، قال: يا بنية نامي، أبغض الفتاة تكون كلوء العين بالليل - ورجع مالك إلى الزبان فاخبره الخبر، فأغار عليهم فقتل منهم فيما يذكر نيفاً على أربعين رجلا، منهم أبو محياة بن زهير بن تميم، وأصاب فيهم جيراناً لهم من بني يشكر ثم من بني غبر بن غنم، فقال في ذلك مرقش أخو بني قيس بن ثعلبة (1) : أتاني لسان بني عامر ... فجلت أحاديثهم عن بصر بان بني الوخم ساروا معاً ... بجيشٍ كضوء نجوم السحر فلم يشعر القوم حتى رأوا ... بريق القوانس فوق الغرر ففرقتهم ثم جمعنهم ... واصدرنهم قبل غب الصدر فيارب شلوٍ تخطرفنه ... كريمٍ لدى مزحفٍ أو مكر أي أخذته باقتدار في سرعة، والشلو بقية البدن، وقد جعلوه البدن. وآخر شاصٍ ترى جلده ... كقشر القتادة غب المطر فكائن بحمران من مزعفٍ ... ومن خاضعٍ خده منعفر المزعف: المذرأ عن فرسه، الشاصي: الرافع رجله. فكأن الزبان قذف جيفهم في الاقطانتين، وهي ركية، فقال السفاح التغلبي: أبني أبي سعد وأنتم إخوة ... وعتاب بعد اليوم شيء افقم هلا خشيتم أن يصادف مثلها ... منكم فيترككم كمن لا يعلم ملأوا من الاقطانتين ركيةً ... منا وآبوا سالمين وغنموا   (1) الأبيات في جمهرة العسكري 1: 136 وهي المفضلية رقم: 52 والأغاني 6: 127 - 128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وقال الزبان يعتذر إلى بني غبر اليشكريين فيمن أصيب منهم (1) : ألا ابلغ بني غبر بن غنم ... ولما يأت دونكم حبيب فلم نقتلكم بدمٍ ولكن ... رماح الحرب تخطىء أو تصيب ولو أمي علقت بحيث كانوا ... لبل ثيابها علق صبيب قال: وكان السفاح قد قال في شأن بني الزبان لعمرو بن لأي التيمي (2) : ألا من مبلغ عمرو بن لأيٍ ... فان بيان غلمتهم لدينا فلم نقتلهم بدمٍ ولكن ... للؤمهم وهونهم علينا واني لن يفارقني نباك ... يرى التعداء والتقريب دينا وقال عمرو بن لأي: قفا ضبعٍ تعالج خرج راعٍ ... أجرنا في العقاب أم أهتدينا - 52 - زعموا أن الهذيل بن هبيرة أخا بني ثعلبة بن حبيب بن غنم بن تغلب بن وائل، كان أغار على أناس من ضبة فغنم ثم انصرف، فخاف الطلب فأسرع السير، فقال له أصحابه: اقسم بيننا غنيمتنا، فقال: إني أخاف أن تشغلكم القسمة فيدرككم الطلب فتهلكوا، فأعادوا عليه ذلك مراراً فلما رآهم لا يفعلون قال: إذا عز أخوك فهن (3) فأرسلها مثلاً، وتابعهم على القسمة.   (1) الأبيات في الفاخر: 253. (2) هو عمرو بن لأي بن موألة بن عائذ من تيم اللات بن ثعلبة وكان من أشراف بكر بن وائل، وهو فارس مجلز (معجم المرزباني: 24 - 25) . (3) المثل في جمهرة العسكري 1: 65 والفاخر: 52 وفصل المقال: 235 والميداني 1: 44 والوسيط: 41 والمستقصى: 53 واللسان والتبيين 1: 162؛ وقد اختلف في قراءة ((فهن)) بضم الهاء أو كسرها (من يهون أو يهين) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 - 53 - زعموا أن ليث (1) بن عمرو بن أبي عمرو بن عوف بن محلم الشيباني تزوج ابنة عمه خماعة بنت عوف بن محلم بن أبي عوف بن أبي عمرو بن عوف بن محلم، فشام الغيث فتحمل بأهله لينتجعه، فقال أخوه مالك بن عمرو: لاتفعل فاني أخاف عليك بعض مقانب العرب أن يصيبك، فقال: والله ما أخاف أحداً، وإني لطالب الغيث حيث كان، فسار بأهله، فلك يلبث إلا يسيراً حتى جاء وقد أخذ أهله وماله، فقال له مالك: مالك؟ فقال: أصابتني خيل مرت علي؛ قال مالك: رب عجلة تهب ريثا ورب فروقة يدعى ليثا ورب غيث لم يكن غيثا (2) ، فذهب كلامه هذا أمثالاً. - 54 - زعموا أن كعب بن مامة الايادي خرج في ركب من إياد بن نزار وربيعة بن نزار حتى إذا كانوا بالدهناء في حمارة القيظ عطشوا ومعهم شيء من ماء قليل إنما يشربونه بالحصى (3) فيقتسمونه، فشرب كل إنسان منهم بقدر تلك الحصاة، فشرب القوم حصتهم، فلما اخذ كعب الاناء ليشرب نظر اليه شمر بن مالك النمري، فلما رآه كعب ينظر اليه ظن أنة عطشان، فقال: اسق أخاك النمري يصطبح (4) ، فذهبت مثلاً.   (1) الفاخر والبكري: سنان بن مالك بن أبي عمرو (وذكر البكري اسم ليث بن عمرو في رواية أخرى عن الأمثال لابن السكيت) . (2) هذه ثلاثة أمثال، انظر الفاخر 169 - 170 وفصل المقال: 350 والميداني 1: (3) الحصاة التي يقتسمون بها الماء تسمى المقلة فإن كانت من ذهب أو نحوه فهي البلدة. (4) جمهرة العسكري 1: 94 وفصل المقال: 350والميداني: 2441 والمستقصى: 69 والسمط: 840 والوسيط: 65 والخزانة 4: 110 والعبدري: 143. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 ثم ظعنوا وبالقوم مسكة غير كعب، فنزلوا فاقتسموا الماء، فلما بلغ كعباً نصيبه وادركه الموت إليه النمري فقال: اسق اخاك النمري يصطبح، فشرب النمري نصيبه، وأدركه الموت فنزل فاكتن في أصل شجرة فقيل له: إنا نرد الماء غدا فرد كعب إنك وراد (1) فأرسلها مثلاً، وقال الفرزدق (2) : وكنا كأصحاب ابن مامة إذ سقى ... أخا النمر العطشان يوم الضجاعم اذا قال كعب هل رويت ابن قاسط ... يقول له زدني بلال الحلاقم وكنت ككعب غير ان منيتي ... تأخر عني يومها بالأحارم وقال مامة بن عمرو (3) : أوفى على الماء كعب ثم قيل له ... رد كعب إنك وراد فما وراد ما كان من سوقةٍ أسقى على ظمأ ... (4) خمراً بماء إذا ناجودها بردا من ابن مامة كعبٍ ثم عي به ... زو المنية الا حرة وقدا أي لم تهتد المنية إلى قتله إلا بالعطش. وقال أبو كعب: أمن عطش الدهنا وقلة مائها ... بقايا النطاف لا يكلمني كعب فلو أنني لاقيت كعباً مكسراً ... بأنقاء وهب حيث ركبها وهب لآسيت كعباً في الحياة التي ترى ... فعشنا جميعاً أو لكان لنا شرب   (1) قد جاء هذا المثل في المصادر غير منفصل عما قبله بصيغة ((رد كعب..)) . (2) ديوان الفرزدق 2: 298. (3) الأبيات في كتب الأمثال والسمط: 840 والمعاني الكبير: 851 والأزمنة والأمكنة: 2: 26 واللسان (وقد، روى) . (4) الناجود: الباطية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 - 55 - زعموا أن الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة طلق بعض نسائه بعدما اسن وخرف، فخلف عليها من بعده رجل كانت تظهر له من الوجد به ما لم تكن تظهره للحارث بن عباد، فلقي زوجها الحارث بن عباد فاخبره بمنزلته منها، فقال له الحارث: عش رجبا تر عجبا (1) ، فأرسلها مثلاً. - 56 - زعموا أن مياد بن حن بن ربيعة بن حزام العذري من قضاعة نافر رجلاً من أهل اليمن إلى حكم عكاظ في الشهر الحرام، فأقبل مياد بن حن على فرسه وسلاحه، فقال: أنا مياد بن حن، انا ابن حباس الظعن، وأقبل اليماني عليه حلة يمانية، فقال مياد بن حن: احكم بيننا ايها الحكم، فقال الحكم: ازلأم المعدي ونفر (2) - نفر غلب، وازلأم: سبق وأسرع - فذهب قوله مثلاً، وقضى لمياد بن حن على صاحبه. - 57 - أسرت همدان عمرو بن خويلد (3) بن نفيل بن عمرو بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فحبسوه عندهم زماناً وقيدوه، وكان رجلاً خفيف اللحم لا يكاد يسمن، فلما اسر وطال حبسه كثر لحمه وسمن، فمكث أسيراً في همدان ما شاء   (1) المثل في جمهرة العسكري 2: 53 والفاخر: 52 وفصل المقال: 464 والعقد 3: 120 والميداني 1: 312 والوسيط: 119 والمستقصي: 242 (كأنه يقول في المثل: عش رجباً بعد رجب، أي اذا تطاول عليك الزمن رأيت عجباً) ، وقال البكري: كان الجاهليون يرفعون مظالمهم إلى رجب ثم يأتون فيه الكعبة فيدعون الله عز وجل تتأخر عقوبة الظالم فكان المظلوم يقول للظالم: عش رجباً تر عجاً؛ ويروي عشر رحباً - بالحاء المهملة - أي وقتاً واسعاً. (2) يضرب في فوز أحد الخصمين، والمثل في الميداني 1: 216 وفيه ((المعيدي)) ؛ وهو أكثر تفصيلاً مما في الضبي. (3) فصل المقال والميداني والزاهر: عمرو بن الصعق بن خويلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 الله، ثم افتدى نفسه فرجع إلى قومه وهو بادن كثير اللحم فقالوا: لقد سمنت وكثر لحمك فقال: القيد والرتعة (1) فأرسلها مثلاً. - 58 - زعموا أن الحطيئة (2) لما حضره الموت اكتنفه أهله وبنو عمه فقالوا له: يا حطىء اوص، قال: فبم وما أوصي؟ مالي بين بني (3) ، فأرسلها مثلاً، فقالوا له: قد علمنا إن مالك بين بنيك فأوص، قال: ويل الشعر من رواية الشعر (4) ، فأرسلها مثلاً، قالوا له أوص، قال أخبروا أهل ضابىء بن الحارث انه كان شاعراً حيث يقول (5) : لكل جديد لذة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ وانشد مثل هذا البيت: ما لجديد الموت يا بشر لذة ... وكل جديد تستلذ طرائقه ثم مات. وكانت له أمثال وهو الذي قال لا تراهن على الصعبة ولا تنشد قريضاً (6) فأرسلها مثلاً، يقول إن الصعبة لا تذهب على ما تريد، والقريض أول ما ينشد، يقول: لا تنشد الشعر حتى تحكمه.   (1) المثل في فصل المقال: 54 والميداني 2: 31 والزاهر 2: 30. (2) قصة الحطيئة حين نزل به الموت في فصل الماقل: 323 - 326 والأغاني 2: 41 والخزانة 1: 408 والميداني 2: 115 - 116، وحيث وردت ترجمته في أغلب الأحيان. (3) الشعر والشعراء: مالي للذكور من ولدي دون الإناث؛ وفي الميداني 1: 115 ورد تحت المثل لا تراهن على الصعبة (انظر ما يلي) . (4) فصل المقال: 323 ويل للشعر من رواة السوء؛ الميداني 2: 115 ويل للشعر من راوية السوء. (5) ينسب الشعر أيضاً للحطيئة، انظر فصل المقال وجمهرة العسكري 2: 18. (6) لا تراهن على الصعبة (دون سائر المثل) في جمهرة العسكري 2: 405 ولم ينسبه للحطيئة، واورده الميداني كاملاً 2: 115 وشرحه؛ والمستقصي: 277. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 - 59 - زعموا أن بعض ملوك غسان كان يطلب في بطن من عاملة يقال لهم بنو ساعدة - وعاملة من قضاعة - ذحلاً، فأخذ منهم رجلين يقال لهما مالك وسماك ابنا عمرو، فاحتبسهما عنده زمانا، ثم دعا بهما فقال: إني قاتل أحدكما، فأيكما اقتل؟ فجعل كل واحدٍ منهما يقول: اقتلني مكان أخي. فلما رأى ذلك قتل سماكاً وخلى سبيل مالك، فقال سماك حين ظن انه مقتول: ألا من شجت ليلة عامده ... كما أبداً ليلة واحده فأبلغ قضاعة إن جئتها ... (2) وأبلغ (1) سراة بني ساعده وأبلغ نزاراً على نأيها ... فان الرماح هي العائده فأقسم لو قتلوا مالكاً ... لكنت لهم حيةً راصده برأس سبيل على مرصدٍ (3) ... ويوماً على طرق وارده أأم سماكٍ فلا تجزعي ... فللموت ما تلد الوالده وانصرف مالك إلى قومه فأقام فيهم ليالي، ثم إن راكباً مروا يسيرون وأحدهم يتغنى وهو يقول: فأقسم لو قتلوا مالكا ... الخ، فسمعت ذلك أم سماك فقالت: يا مالك قبح الله الحياة بعد سماك، اخرج في الطلب بأخيك، فخرج في الطلب به حتى لقي قاتله يسير في ناس من قومه فقال: من احسن لي الجمل الأحمر؟ فقالوا له وعرفوه: لك مائة من الإبل فكف، فقال: لا أطلب أثراً بعد عين (4) ، فأرسلها مثلاً، وحمل على قاتل أخيه فقتله، وكان من غسان ثم من بني قمير، فقال مالك في ذلك:   (1) الميداني: إن جئتهم، وخص. (2) في طبعة الجوائب: عامدة. (3) الميادني: مرقب. (4) المثل في جمهرة العسكري 2: 389 والزاهر 2: 2 وفصل المقال: 367 والميداني 2: 110 والمستقصي: 274 واورده الميداني مفصلاً في ((تطلب أثراً بعد عين)) 1: 85 وانظر الوسيط: 202 وأمثال أبي عكرمة: 64 (نقلاً عن ابن الأعرابي عن المفضل) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 يا راكباً بلغن ولا تدعن ... بني قمير وإن هم جزعوا فليجدوا مثل ما وجدت فان؟ ... ي كنت ميتاً (1) قد مسني وجع لا أسمع اللهو في (2) الندي ولا ... ينفعني في الفراش مضطجع لا وجد ثكلى كما وجدت ولا ... وجد عجول أضلها ربع ولا كبير أضل ناقته ... يوم توافى الحجيج فاجتمعوا ينظر في أوجه الركاب فلا ... يعرف شيئاً والوجه ملتمع جللته صارم الحديدة كاللج ... ة فيه سفاسق دفع أضربه بادياً نواجذه ... يدعو صداه والرأس منصدع بني قمير فتلت سيدكم ... فاليوم لا فدية (3) ولا جزع بين قمير وباب جلق في ... (4) أثوابه من دمائه دفع فاليوم قمنا على السواء فان ... تجروا فدهري ودهركم جذع - 60 - وكان فيما يذكر من حديث ابنة الزباء (5) : إنها كانت امرأة من الروم، وأمها من العمالقة، فكانت تكلم بالعربية، وكانت ملكةً على الجزيرة وقنسرين، وكانت مدائنها على شط الفرات من الجانب الغربي والشرقي، وهي قائمة اليوم خربة، وكان فيما يذكر قد شقت الفرات وجعلت أنفاقاً بين مدينتها - أنفاق: جمع نفق وهو السرب - وكانت تغزو بالجنود وتقاتل، وهي فيما يذكر التي حاصرت مارداً حصن دومة الجندل فامتنع مها، وحاصرت الأبلق حصن تيماء فامتنع منها، فقالت:   (1) الميداني: وجدت فقد كنت حزيناً. (2) الميداني: في الحديث. (3) الميداني: لا رنة. (4) وقع هذا البيت عند الميداني ثامناً. (5) في أكثر المصادر الحديث عن الزباء (بالمهمز) وفي فصل المقال: 130 الزبي (دون همز) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 تمرد مارد وعز الأبلق (1) ، فأرسلت قولها مثلاً. وكان جذيمة الأبرش (2) رجلاً من الأزد، وكان ملكا على الحيرة وما حولها، وكان ينزل الانبار، وكان فيما يقال من احسن الناس وجهاً وأجملهم، فذكر أن يخطبها وكان له ربيب ومولى يقال له قصير، وكان رجلاً لبيباً عاقلاً فنهاه عنها وقال: إنه لا حاجة لها في الرجال، قال: وكان جذيمة أول من احتذى النعال ورمى بالمنجنيق ورفع له الشمع، فعصى قصيراً وكتب إليها يخطبها ويرغبها فيما عنده، فكتبت اليه: أن نعم وكرامة، أنا فاعلة، ومثلك رغب فيه، فإذا شئت فاشخص إلي فدعا قصيراً وسار، حنى إذا كان بمكان فوق الأنبار يقال له البقة، فدعا نصحاءه فشاوروهم فيها، نهاه قصير، ورأى أصحابه هواه فزينوها له، فقال قصير حين رآه قد عزم: لا يطاع لقصير رأي (3) ، فأرسلها مثلاً. ومضى اليها في ناس كثير من أصحابه فأرسل اليها يعلمها انه قد اتاها، فهيأت له الخيول وقالت: استقبلوه حين يدنو، وقالت: صفوا صفين فاذا دخل بين صفيكم فتقوضوا عليه، فليسر من مر عليه خلفه حتى ينتهي إلى باب المدينة. وذكر أن قصيراً قد كان قال له حين عصاه وأبي إلا إتيانها إن استقبلك الخيل فصفوا لك صفين فتوقض من تمر به من خلفك فان معك العصا فرسك، وانها لا   (1) المثل في فصل المقال: 130 وجمهرة العسكري 1: 257 والعقد 3: 91 والميداني 1: 84 وجمهرة ابن دريد 1: 320، 2: 257 والوسيط: 87 وهو يضرب مثلاً للعزيز المنيع الذي لا يقدر على اهتضامه. (2) قصة جذيمة الأبرش والزبا في الأغاني 15: 251 والخزانة 3: 271 - 272، 497 - 499 وابن الأثير 1: 342 ومروج الذهب 3: 190 والطبري 1: 746 - 770 ومعاهد التنصيص 1: 312 وسرح العيون 77 - 81 وشرح البسامة: 98 والأوائل: 59 وكتب الأمثال، وسترد الإشارة إليها عند كل مثل على حدة. (3) المثل في جمهرة العسكري 1: 234، 2: 394 والميداني 2: 126 والمستقصي: 284 وورد عند العسكري 2: 203 ليس لقصير أمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 يشق غبارها (1) فأرسلها مثلاً، فتجلل العصا ثم انج عليها، فلما لقيته الخيول وتقوضوا من خلفه عرف الشر وقال لقصير: كيف الرأي؟ فقال له قصير: ببقة صرم الأمر (2) وذهب قوله مثلاً. وسار جذيمة حتى دخل عليها وهي في قصر لها ليس فيه إلا الجواري، وهي على سريرها فقالت: خذن بعضدي سيدكن، ففعلن، ثم دعت بنطع فأجلسته فعرف الشر، وكشف عن عورتها فاذا هي قد عقدت استها بشعر الفرج من وراء وركيها، وإذا هي لم تعذر، فقالت: أشوار عروس ترى (3) فأرسلتها مثلاً فقال جذيمة: بل شوار بظراء تفلة، فقالت: والله ما ذاك من عدم مواس، ولا قلة أواس، ولكن شيمة من أناس، ثم أمرت برواهشه فقطعت فجعلت تشخب دماؤه في النطع كراهية إن يفسد مقعدها دمه، فقال جذيمة: لا يحزنك دم هراقه أهله (4) فأرسلها مثلاً. يعني نفسه. ونجا قصير حين رأى من الشر ما رأى على العصا، فنظر اليه جذيمة والعصا مدبرة تجري فقال: يا ضل ما تجري به العصا (5) ، فذهبت مثلاً. وكان جذيمة قد استخلف على ملكه عمرو بن عدي اللخمي، وهو ابن اخته، فكان يخرج كل غداةٍ يرجو أن يلقى خبراً من جذيمة، فلم يشعر ذات يوم   (1) انظر الميداني ((ما يشق غباره)) 2: 166 وقد ورد في درج القصة عن المثل ((خطب يسير ... الخ)) انظر ما يلي؛ وراجع ((ما يشق غباره)) في العقد 3: 91. (2) المثل في جمهرة العسكري 1: 232 (وفيه قصة الزباء والأمثال) وفصل المقال: 125 والميداني 1: 59 والمستقصي، 183 واللسان (بقق) ومعجم البلدان (بقة) ويروي: ببقة تركت ارأي؛ ويروي: تركت الرأي بثني بقة؛ وقد وردت الأمثال المتصلة بهذه القصة عند الميداني لدى إيراده المثل: خطب يسير في خطب كبير 1: 157 - 159. (3) المثل في جمهرة العسكري 1: 234 والميداني 1: 158. (4) جمهرة العسكري 1: 235 ((وما يحزنك.. ضيعه أهله)) . (5) جمهرة العسكري 1: 234، 2: 428 والميداني 2: 247 والمستقصي: 332. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 حتى اذا هو بالعصا عليها قصير، فلما رآها عمرو وقال خير ما جاءت به العصا (1) ، فأرسلها مثلاً، فلما جاءه قصير اخبره الخبر، فقال: اطلب بثأرك قال: كيف أطلب من ابنة الزبا وهي أمنع من عقاب الجو (2) فأرسلها مثلاً، فقال قصير: أما اذا أبيت فاني سأحتال لها فاعني وخلاك ذم (3) فأرسلها مثلاً، فعمد قصير إلى أنفه فجدعه، ثم خرج حتى أتى بنت الزبا فقيل: لأمر ما حدع قصير أنفه (4) فصارت مثلاً. فقيل للزبا هذا قصير خازن جذيمة قد اتاك، قال: فأذنت له وقالت: ما جاء بك؟ قال: اتهمني عمرو في مشورتي على خاله بإتيانك فجدعني، فلا تقرني نفسي مع من جدعني، فأردت أن آتيك فاكون عندك، قالت: فافعل، قال: فان لي بالعراق مالاً كثيراً، وإن بها طرائف مما تحبين أن يكون عندك، فأرسليني وأعطيني شيئاً بعلة التجارة حتى آتيك بما قدرت عليه وأطرفك من طرائف العراق، ففعلت وأعطته مالا، فقدم العراق فأطرفها من طرائفها، وزادها مالاً كثيراً إلى مالها، فقال لها: هذا ربح، فأعجبها ذلك وسرت به، فزادته أموالاً كثيرة وردته الثانية، فأطرفها أكثر مما كان اتاها به قبل ذلك، ففرحت وأعجبها، ونزل منها بكل منزلة؛ ولم يزل يتلطف حتى علم مواضع الأنفاق التي بين المدينتين، ثم ردته الثالثة وزادته أموالاً كثيرة عظيمة فأتى عمراً فقال: احمل الرجال في التوابيت والمسوح عليهم الحديد حتى يدخلوا المدينة ثم أبادرها انا وأنت إلى موضع النفق فتقتلها، فعمد عمرو إلى ألفي رجل من أشجع من يعلم، ثم كان هو فيهم، فلما دنوا أتاها قصير فقال: لو صعدت المدينة فنظرت إلى ما جئت به فاني قد جئت بما صأى وصمت (5) ،   (1) المثل في جمهرة العسكري 1: 235. (2) جمهرة العسكري 2: 293 (دون قصة) والدرة الفاخرة: 386 والفاخر: 188 والميداني 2: 185 والمستقصي: 148. (3) جمهرة العسكري: 1: 235 ((فدعني وخلاك ذم)) . (4) الميداني 2: 97، 1: 158 والوسيط: 203. (5) جمهرة العسكري: 1: 320 ((جاء بما صاء وما صمت)) والميداني 1: 121، 159 والحيوان 1: 33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 فأرسلها مثلاً - صأى من الإبل والخيل، وصمت من الذهب وغيره؟ وكانت لا تخاف قصيراً، قد أمنته، فصعدت المدينة، ورجع قصير إلى العير يحمل كل بعيرٍ رجلين دراعين عليهم السلاح كله، فلما رأت ثقل الأحمال على الإبل قالت: أرى الجمال مشيها وئيدا ... أجندلاً يحملن أم حديدا أم صرفنا بارداً شديدا ... أم الرجال في المسوح سودا (1) الصرفان: ضرب من التمر، ويقال انه الرصاص. ودخلت الابل كلها فلم يبق منها شيء وتوسطوا المدينة، وكانت افواه الجواليق مربوطةً من قبل الرجال، لكنهم حلوها ووقعوا في الأرض مستلئمين، فشدوا عليها وخرجت هاربةً تريد السرب، فاستقبلها قصير وعمرو عند باب السرب، وكان لها خاتم فيه سم فمصته وقالت: بيدي لا بيديك عمرو (2) ، فذهب قولها مثلاً، وضربها عمرو وقصير حتى ماتت: وقالت العرب في أمرها وأمر قصير فأكثروا، فقال عدي بن زيد العبادي يخاطب النعمان (3) : ألا يا أيها المثري المرجى ... ألم تسمع بخطب الاولينا القصيدة كلها. وقال نهشل بن حري الدرامي (4) : ومولى عصاني واستبد بأمره ... كما لم يطع بالبقتين قصير فلما رأى ما غب أمري وأمره ... وولت بأعجاز المطي صدور   (1) في رواية: أم الرجال جثماً قعوداً. (2) جمهرة العسكري 1: 226، 235. (3) القصيدة في ديوان عدي: 181. (4) الأبيات في جمهرة العسكري وياقوت (بقة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 تمنى أخيراً أن يكون أطاعني ... وقد حدثت بعد الأمور أمور وقال المخبل السعدي: يا أم عمرة هل هويت جماعكم ... ولكل من يهوى الجماع فراق بل كم رأيت الدهر زيل بينه ... من لا تزايل بينه الأخلاق طلب ابنة الزبا وقد جعلت له ... دوراً ومسربةً لها أنفاق وقال المتلمس (1) : ومن حذر الأيام ما حز أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس وقال أبو النجم حبيب بن عيسى: كان جذيمة قال لندمائه بلغني عن رجل من لخم يقال له عدي بن نصر ظرف وعقل، فلو بعثت إليه فوليته كأسي، قالوا: الرأي رأي الملك، فبعث إليه فأحضره وصير إليه أمر كأسه والقيام على ندمائه، فأبصرته رقاش أخت جذيمة فأعجبت به، فبعثت إليه: إذا سقيت القوم فامزج لهم واسق الملك صرفاً، فإذا أخذت الخمر منه فاخطبني إليه، ففعل، وأجابه الملك وأشهد عليه القوم، وأدخلته عليها من ليلتها فواقعها، واشتملت على حمل، وأصبح جذيمة فرأى به آثار الخلوق، فقال: ما هذه الآثار يا عدي؟ فقال: آثار العرس برقاش، فزفر جذيمة وأكب على الأرض واغتم يفكر في الأرض، وأخذ عدي مهلة فلم يحس له أثر، وبعث جذيمة إلى رقاش (2) : خبريني رقاش لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين أم بعبد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون   (1) انظر ما تقدم رقم: 28. (2) انظر الأغاني 15: 250 وما بعدها حيث ترد هذه الرواية مع اختلافات يسيرة، وجمهرة العسكري 1: 547 والميداني 2: 56. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 فأرسلت إليه: لعمري ما زينت ولكنك زوجتني، فرضيت ما رضيت لي. فنقلها إلى حصن له فأنزلها اياه، وتم حملها، فولدت غلاماً فسمته عمراً، حتى إذا ترعرع ألبسته من طرائف ثياب الملوك ثم أزارته خاله، فلما دخل عليه القيت عليه منه المودة، وقذف له في قلبه الرحمة. ثم إن الملك خرج في سنة مكلئة خصيبة قد اكمأت، فسط له في بعض الرياض، وخرج ولدان الحي يجتنون الكمأة، وخرج عمرو فيهم فكانوا إذا اجتنوا شيئاً طيباً أكلوه، وإذا اجتناه جعله في ثوبه، ثم أقبلوا يتعادون، وأقبل معهم وهو يقول (1) : هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جانٍ يده إلى فيه ثم استطارته الجن فلم يحسس، ثم اقبل رجلان من بلقين يقال لهما مالك وعقيل، قد اعتمدا جذيمة بهديةٍ معهما، فنزلا في بعض الطريق، وعمدت قينة لهما فأصلحت طعامهما ثم قربته إليهما، فأقبل رجل طويل الشعر والأظافير حتى جلس منهما مزجر الكلب، ثم مد يده فناولته القينة من طعامهما ثم قربته إليهما، فأقبل رجل طويل الشعر والأظافير حتى جلس منهما مزجر الكلب، ثم مد يده فناولته القينة من طعامهما، فلم يغن عنه شيئاً، ثم أعاد يده فقالت القينة: أعطي العبد كراعاً فطلب ذراعاً (2) ، فأرسلتها مثلاً، ثم سقتهما شراباً لهما من زق معهما، ثم وكت الزق، فقال عمرو: عدلت الكأس عنا أم عمرو ... (3) الى آخر البيتين ويروى صددت. فسألاه عن نسبه، فانتسب لهما، فنهضا إليه وقرباه، ثم غسلاه ونظفا، وألبساه من طرائف ثيابهما وقدما به على جذيمة، فجعل لهما   (1) انظر أيضاً الوسيط: 184. (2) الأغاني 15: 251 ((إن يعط العبد كراعاً يبتغ ذراعاً)) وجمهرة العسكري 1: 107 وفصل المقال: 397 وجمهرة ابن دريد 2: 386 والمستقصي: 149 واللسان (كرع) . (3) هما قوله: صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 حكمهما، فقالا: منادمتك ما بقيت وبقينا، فهما ندمانا جذيمة اللذان يقول متمم ابن نويرة حين رثى أخاه يذكرهما (1) : وكنا كندماني جذيمة حقبةً ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا وقال آخر (2) : ألم تعلما (3) أن قد تفرق قبلنا ... نديما صفاءٍ مالك وعقيل وأمر جذيمة بصرف عمرو إلى أمه، فتعهدته أياما حتى راجعته نفسه وذهب شحوبه، ثم ألبسته من طرائف ثياب الملوك، وجعلت في عنقه طوقا منذهب، ثم أمرته بزيارة خاله، فلما رأى لحيته والطوق في عنقه قال: شب عمرو عن الطوق (4) فأرسلها مثلاً، ثم أقام مع خاله قد كفاه أمره إلى أن يخرج جذيمة الى ابنة الزباء، فكان من أمره ما كان. - 61 - ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ زعموا أن المنذر بن ماء السماء لما هلك وترك عمراً وقابوساً وحساناً وامهم هند بنت الحارث بن آكل المرار الكندي، والأسود بن المنذر وأمه امرأة من تيم الرباب، وعمراً الأصغر وأمه أمامة، وبنين غيرهم لعلات، وأن عمراً ملك بعد أبيه المنذر، وكان عمرو يدعى محرقاً لأنه احرق اليمامة، فاستعمل عمرو أخاه قابوساً   (1) هي المفضلية رقم: 67 وانظر ((نديماً جذيمة)) في ثمار القلوب: 182. (2) هو أبو خراش الهذلي، وهذا البيت من قصيدة له في ديوان الهذليين: 1190 والأغاني 15: 252 وجمهرة العسكري 1: 108 والعقد 3: 372. (3) الرواية الصحيحة: ألم تعلمي، لأنه يخاطب زوجة أخيه. (4) جمهرة العسكري 1: 547 والفاخر: 59 ((كبر عمرو..)) وفصل المقال: 125 والميداني 2: 56 وجمهرة ابن دريد 3: 115 والحيوان 6: 209 وثمار القلوب: 629. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 على ما بدا له من عمله، وكان له الريف سواد العراق، فغضب عمرو بن امامة فلحق باليمن، يريد إن يستنصرهم على أخيه عمرو ويغزو بهم، فقال عمرو بن أمامة في ذلك: ألإبن أمك ما بدا ... ولك الخورنق والسدير فلأمنعن منابت الض؟ ... مران إذا منع القصور بكتائب تردي كما ... تردي الى الجيف النسور إنا بني العلات تق؟ ... ضى دون شاهدنا المور فنزل عمرو في مراد، فملكوه وعظموه، فتغطرس وجعل يريد إن يستعبدهم، فقتلوه - قتله ابن الجعيد المرادي - فقال في ذلك طرفة بن العبد (1) : أعمرو بن هند ما ترى رأي معشرٍ ... أفاتوا أبا حسان جاراً مجاورا دعا دعوةً إذ شكت النبل صدره ... امامة واستدعى بذاك معاشرا فغزاهم عمرو بن هند حين بلغه قتل عمرو بن امامة، فظفر بهم فقتل فيهم أكثر، وأتى بابن الجعيد سالما فلما رآه قال: بسلاح ما يقتلن القتيل (2) فأرسلها مثلاً، ثم أمر به فضرب بالعمد حتى مات. - 62 - وزعموا أن براقش ابنة تقن كانت امراة لقمان بن عاد، وكان بنو تقن من عاد أصحاب إبل، وكان لقمان صاحب غنم، وكان لا يطعم لحوم الابل، فأطعمته امرأته براقش (3) من لحوم الإبل فنحر إبلهم التي يحتملون عليها فأكلها ثم قاتل إخوتها على إبلهم، فقيل: على أهلها تجني براقش، فأرسلت مثلاً.   (1) ديوان طرفة: 136 (في المنسوب له) . (2) المثل في الميداني 1: 67؛ يضرب في مكافأة الشر بالشر، يعني يقتل من يقتل بأي سلاح. (3) ويروي على أهلها دلت ... والمثل في جمهرة العسكري 2: 52 والميداني 1: 310 والمستقصي: 243 واللسان ((برقش) والحيوان 2: 21، 260، 291 والبيان 1: 269 والعقد 3: 54؛ وعند بعضهم أن براقش كلبة نبحث جيشاً كانوا قصدوا أهلها وقد اختفوا فلما نبحثهم عرف مكانهم، فأجتاحهم الجيش، فقالت العرب: أشأم من براقش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وزعموا أن لقمان بن عاد كان زوج أخته رجلاً من قومه ضعيفاً أحمق، فولدت له فاحمقت وأضعفت، فلما رأت ذلك أعجبها أن يكون لها ولد، له مثل أدب لقمان أخيها ودهاؤه، فقالت لامرأة لقمان: إني أمسيت الليلة على طهر، فهل لك على إن أجعل لك جعلاً على إن تخليني وأخي فاكون معه الليلة؟ فقالت: نعم، فسقته حتى سكر، فباتت معه، فحملت له، فولدت غلاماً فسمته لقيماً، فلما أفاق من سكره وبات عند امرأته من الليلة المقبلة قال: هذا حر معروف وكنت البارحة في حرٍ منكر (1) فذهب قوله مثلاً، قال النمر بن تولب العكلي يذكر عجائب الدهر: لقيم بن لقمان من أخته ... وكان ابن أختٍ له وابنما ليالي حمقت فاستحصنت (2) ... إليه فغر بها مظلما فأحبلها رجل نابه ... فجاءت به رجلاً محكما وزعموا أن لقيما خرج من أحزم الناس وأنكرهم، وأنه خرج هو لقمان مغيرين، فأصابا إبلاً، فحسد لقمان لقيماً فقال له لقمان: اختر إن شئت فسر بالليل وأسير أنا في النهار، وان شئت فأقم بالنهار وأسير أنا بالليل، فاختار لقيم إن يسير بالليل ويقيم بالنهار، واختار لقمان إن يسير بالنهار، فأخذ لقيم حصته من الإبل، فجعل إذا كان بالنهار رعى إبله ونام، حتى اذا كان بالليل سار بابله ليله حتى يصبح، وكان يرعاها بالنهار ويسير بالليل، وكان لقمان يسير بالنهار فتشغل ابله بالرعية عن السير وينام الليل، فجعلت إبله لا ترعى كثيراً فضمرت، وأبطأ في السير فسبقه لقيم، فلما أتى أهله نحر جزوراً فأكلوها، وكان للقمان ابنة يقال لها   (1) أورده الميداني 2: 232 ((وهذا حر معروف)) ولم يورد باقيه، وانظر القصة دون المثل في الزاهر 2: 24. (2) الميداني: ليالي حمق فما استحقبت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 صحر، فخبأت له من الجزور لحما تتحف به لقمان إذا جاء، فلما جاء لقمان طبخته أو شوته، ثم استقبلته به قبل أن ينتهي إلى الحي، فلما طعم من اللحم قال: ما هذا؟ قالت: من لحوم العريضات أثراً، قال: ومن أين لك هذا؟ قالت: جاء لقيم فنحر جزوراً، وكان لقمان يحسب أنه قد سبق لقيماً، فلما أخبرته أسف، فلطمها لطمة قال بعض من يحدث: ماتت منها، وقال بعضهم: ألقى أضراسها، وقال الناس: ذنب صحر أنها أتحفته وأكرمته وصدقته فلطمها (1) ، فصارت مثلاً. وقال خفاف بن ندبة السلمي (2) : وعباس يدب لي المنايا ... وما أذنبت إلا ذنب صحر وكيف يلومني في حب ... قوم أبي منهم وأمي أم عمرو وزعموا أن لقمان بن عاد كان إذا اشتد الشتاء وكلب أشد ما يكون شد راحلة موطنة (3) لا ترغوا ولا يسمع لها صوت فيشتدها برحلها ثم يقول للناس، حين يكاد البرد يقتلهم: ألا من كان غازياً فليغز (4) ، فلما شب لقيم ابن أخته اتخذ راحلة مثل راحته فوطنها (5) ، فلما كان حين نادى لقمان من كان غازياً فليفز قال لقيم أنا معك إذا شئت، فلما رآه قد شد رحلها ولم يسمع لها رغاء قال لقمان: كأن   (1) يرد المثل ((ذنب صحر)) - دون سائر العبارة - كما يرد ((مالي ذنب إلا ذنب صحر)) أو مالي إلا ذنب صحر؛ ولدى العسكري قصة غير التي أوردها الضبي وكذلك عند الجاحظ، انظر جمهرة العسكري 2: 261 والحيوان 1: 21 - 22 وفصل المقال: 385 والميداني 2: 144 واللسان (صحر) وثمار القلوب: 307. (2) ترجمة خفاف في الشعر والشعراء: 258 والأغاني 18: 22 والخزانة 2: 472 والمناقصات بينه وبين عباس بن مرداس واضحة في الأغاني؛ وقد أورد العسكري في الجمهرة 2: 262 الأول من بيتيه المذكورين هنا. (3) فصل المقال: موطأة. (4) زاد في فصل المقال: فلا يلحق به أحد؛ وهو في الميداني 2: 15 تحت المثل ((في نظم سيفك..)) (5) فصل المقال: فوطأها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 برحل باتت (1) ، قال لقيم: وبرحلها باتت لقم (2) ، فذهب قولاهما مثلاً. ثم أنهما سارا فأغارا فأصابا إبلاً، ثم انصرفا نحو أهلهما، فنزلا فنحرا ناقة، فقال لقمان للقيم: أتعشي أم أعشي لك؟ قال لقيم: أي ذلك شئت، قال لقمان: اذهب فارع إبلك حتى النجم قم (3) رأس، وحتى ترى الجوزاء كأنها قطا نوافر (4) ، وحتى ترى الشعرى كأنها نار، فإلا تكن عشيت فقد آنيت (5) ، فقال له لقيم: نعم واطبخ أنت لحم جزورك، فإز ماء واغله حتى ترى الكراديس كأنها رؤوس شيوخ (6) صلع، وحتى ترى الضلوع كأنها نساء حواسر، وحتى ترى الوذر (7) كأنها قطا نوافر، وحتى ترى اللحم غطياً وغطفان (8) ، فالا تكن أنضجت فقد آنيت؛ فانطلق لقيم في إبله، ومكث لقمان يطبخ لحمه، فلما أظلم لقمان وهو بمكان يقال له شرج - وهو اليوم ماء لبني عبس - قطع سمرات من شرج فأوقد النار حتى أنضج لحمه، ثم حفر دونه خندقاً فملأه ناراً ثم واراها، فلما أقبل لقيم إلى مكانهما عرف المكان وأنكر ذهاب السمر فقال: أشبه شرج شرجاً لو إن أسيمرا (9) ، فأرسلها مثلاً.   (1) في فصل المقال: 226 كأن برحلها باتت فقم (وفقم اسم ناقة لقيم) . (2) لم يورده البكري. (3) فصل المقال: قمة. (4) فصل المقال: كأنها قطار. (5) أنيت: تأخرت. (6) فصل المقال والميداني: رجال. (7) فصل المقال: الودك؛ وما هنا شبيه لما في الميداني؛ والوذر: قطع صغيرة مناللحم. (8) فصل المقال: وكأن قدرك تدعو غنياً وغطفان (يعني من شدة عليها) ؛ الميداني: وحتى ترى اللحم كأنه غطفان يقول: غط غط. (9) المثل في فصل المقال: 226 والميداني 1: 245 وجمهرة العسكري 1: 62 والمستقصي: 78 واللسان شرج) ال البكري: ولم يرد بشرج في هذا المثل إلا واحد الشراج وهي مجاري الماء من الحرار غلى السهولة، واسيمر تصغير أسمر جمع سمر وهو من شجر الطلح.. وخبر أن محذوف كأنه قال: هنالك أو ثم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 ووقعت ناقة من إبله في تلك النار فنفرت، وعرف لقيم إنما صنع لقمان النار لتصيبه، وإنما حسده، فسكت عنه، ووجد لقمان قد نظم في سيفه لحما من لحم الجزور وكبداً وسناماً حتى توارى سيفه، وهو يريد إذا ذهب لقيم ليأخذها أن ينحره بالسيف، ففطن له لقيم فقال: في نظم سيفك ما ترى يا لقم (1) ، فأرسلها مثلاً. وحسده لقمان الصحبة فقال: القسمة فقال لقمان: ما تطيب نفسي أن تقسم هذه الإبل إلا وأنا موثق فأوثقني، فأوثقه لقيم، فلما قسم الإبل سوى القسمة وبقي من الإبل عشر أو نحوها، فجشعت نفس لقمان، فنحط نحطة تقطعت منها الانساع التي هو بها موثق، ثم قال لي الغادرة والمتغادرة والأفيل النادرة (2) فذهب قوله مثلاً. وقال لقيم قبح الله النفس الخبيثة، هو لك، ثم افترقا. والغادرة: الباقية (3) ، والأفيل تصغير إفال: الولد الصغير من الإبل. وزعموا أن ابن بيض كان رجلاً من عاد تاجراً مكثراً، فكان لقمان يجيز له تجارته ويجيزه ويعطيه في كل عام جارية وحلة وراحلة (4) ، فلما حضر ابن بيض الموت خاف لقمان على ماله، فقال لأبنه: سر إلى أرض كذا وكذا، ولا تقارن (5) لقمان في أرضه فإن له في عامنا هذا حلة وجارية وراحلة، وضع للقمان فيها حقه، فإذا هو قبله فهو حقه عرفناه له واتقيناه به، وإن لم يقبله وبغي أدركه الله بالبغي والعدوان، فصار الفتى حتى قطع الثنية بأهله وماله، ووضع للقمان حقه فيها، وبلغ لقمان الخبر، فلحقهم، فلما كان في الثنية وجد فيها فأخذه   (1) فصل المقال: 226 والميداني 2: 15. (2) انظر الميداني 2: 15. (3) الميداني: من قولهم غدرت الناقة إذا تخلفت عن الإبل. (4) العسكري: ألفاً وحلة وجارية. (5) فصل المقال: تقارب؛ العسكري: تجاورن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وانصرف وقال سد ابن بيض الطريق (1) فأرسلها مثلاً. وقد ذكر ذلك شعراء العرب وقالوا فيه، قال عمرو بن أسود الطهوي (2) : سددنا كما سد ابن بيضٍ سبيله ... فلم يجدوا فرط (3) الثنية مطلعا وقال عوف بن الاحوص العامري (4) : سددنا كما سد ابن بيض فلم يكن ... سواها لذي احلام قومي مذهب وقال المخبل السعدي (5) : لقد سد السبيل أبو حميد ... كما سد المخاطبة ابن بيض (6) - 63 - زعموا أن رجلاً من عاد كان لبيباً حازماً يقال له جد نزل على رجل من عاد وهو مسافر فبات عنده، ووجد عنده أضيافاً قد اكثروا من الطعام والشراب قبله، وإنما طرقهم جد طروقاً، وبات وهو يريد الدلجة من عندهم بليل، ففرش لهم رب البيت مبناةً - والمبناة: النطع - فناموا عنده، فسلح بعض القوم الذين كانوا   (1) جمهرة العسكري 1: 519 وفصل المقال: 351 والأغاني 12: 40 (دار الكتب) والميداني 1: 22 والعقد 3: 125 والعبدري: 270. (2) عمرو بن أسود الطهوي أخويني طهية ثم آحد بني عبد الله بن سعيدة بن عوف شاعر فارس، والبيت من قصيدة أورد بعضها الآمدي في المؤلف: 50 وانظر اللسان والتاج (بيض) وكتب الأمثال في الحاشية السابقة. (3) فصل الماقل: عند. (4) كان عوف سيداً من سادات بني عامر شهد يومي جبلة ورحرحان ولقب الجزار لأنه جز ناصية معاوية ابن الجون وله من القصائد المفضلية رقم 35، 36، 107 وبيته المذكور هنا ورد في التاج (بيض) وكتب الأمثال، (انظر ترجمته في معجم المرزباني: 123) . (5) البيت في كتب الأمثال والأغاني 13: 195. (6) ابو حميد هو بغيض بن شماس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يشربون، فخاف جد أن يدلج فيظن رب البيت أنه هو فعل، فقطع حظه من النطع الذي نام عليه، ثم دعا رب المنزل حين أراد إن يدلج وقد طواه فقال: هذا حظ جدٍ من المبناة، فمن المبناة (1) ، فأرسلها مثلاً، يقول انظر اليه فيه شيء مما تكره. وقد ذكرته العرب في أشعارها، وقال مالك بن نويرة (2) : ولما أتيتم ما تمنى عدوكم ... عدلت (3) فراشي عنكم ووسادي وكنت كجدٍ حين قد بسهمه ... حذار الخلاط حظه بسواد وقال خراش بن شمير المحاربي (4) : ألا يتقي من كاس إن ضاع ضائع ... وكل امرىء لله بادٍ مقاتله فيأثر بالتقوى ويحتاز نفسه ... إذا بادر الميقات حينا يغاوله كما احتاز جد حظه من فراشه ... بمبراته في أمره اذ يزاوله - 64 - زعموا (5) أنه كان بين لقمان بن عاد وبين رجلين من عاد يقال لهما عمرو وكعب ابنا تقن مغاورة وكانا من أشد عادٍ وأدهاها وأنكرها، وكانا ربي إبلٍ، وكان لقمان رب غنم، فأعجب لقمان الإبل، فأرادهما عنها فأبيا أن يبيعاه، فعمد إلى ألبان غنمه من ضأن ومعزى فجمع لبناً كثيراً ثم أتى تلعة هما بأسفلها، فأسأل ذلك اللبن وفيه زبد كثير وأنافح من أنافح السخل، فلما رأيا ذلك قال: إحدى سحيبات لقمان هي، فلم يلتفتا إلى ذلك ولم يرغبا في ألبان الغنم، فلما رأى ذلك لقمان قال: خر خرير الانفح والنقد (6) المذبح، اشترياها ابني تقن، أقبلت ميسا، وأدبرت   (1) المثل في الميداني 2: 239. (2) البيتان في الميداني. (3) الميداني: عزلت. (4) في الميداني: خراش بن سمير؛ وأورد البيت الأخير منها. (5) قارن بالمدائني عند المثل ((إحدى حظيات لقمان)) 1: 23. (6) النقد: صغار الغنم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 هيسا (1) ، وملأت البيت أقطاً وحيساً، اشترياها ابني تقن، إنها الضأن تجز جفالا (2) ، وتنتج رخالاً (3) وتحلب كثبا ثقالاً، قالا: انصرف لا نشتريها يا لقم، إنها الابل حملن فأثقلن (4) ، وزجرن (5) فأعنقن، وبغير ذلك اقلعن (6) ، بغزرهن (7) اذا قظن فلما لم يبيعاه الابل ولم يشتريا منه الغنم جعل يراودهما، وكانا يهابانه، وكان يلتمس إن يغفلا فيشد على الابل فيطردها فلما كان ذات يوم اصابا ارنباً وهو يرصدهما رجاءة إن يصيب غفلتهما فيذهب بالابل، فأخذ أحدهما صفيحة من الصفا فجعلها في أيدهما ثم جعل عليها كومة من التراب (8) ، فملا الأرنب، فلما أنضجاها نفضا عنها التراب فأكلاها (9) ولما رآهما لقمان لا يغفلان عن إبلهما ولم يجد فيهما مطمعا لقيهما ومع كل واحد منهما جفير مملوء نبلاً، وليس معه غير سهمين، فخدعهما فقال: ما تصنعان بهذه النبل الكثيرة التي معكما؟ إنما هي حطب، فو الله ما أحمل غير سهمين، فان لم أصب بهما فلست بمصيب، ثم قال رميت فرميت، وأثنيت فأثنيت، الى ذلك ما حي حي أو مات ميت (10) ، فأرسلها مثلاً. فعمد إلى نبلهما فنثراها غير سهمين، فعمد الى النبل فحواها، فلم يصب لقمان فيهما بعد ذلك غرة.   (1) الميس: التبختر؛ وقال في اللسان (هيس) عن ابن الاعرابي أن لقمان بن عاد قال في صفة النمل، أقبلت ميسا وأدبرت هيسا، تهيس الأرض أي تدقها؛ وقوله في صفة ((النمل)) غريب. (2) الجفال: الصوف الكثيف. (3) الرخال: جمع رخل وهي الأنثى من أولاد الضأن. (4) الميداني: فاتسقن. (5) الميداني: وجرين. (6) الميداني: أفلتن. (7) الميداني: يغزرن. (8) زاد في الميداني: قد أحمياه. (9) زاد في الميداني: فقال لقمان يا ويله انيئة أكلالها أم الريح اقبلاها أم بالشبح اشتوياها. (10) سقط هذا المثل عند الميداني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وكانت فيما يذكرون لعمرو بن تقن امرأة فطلقها فتزوجها لقمان، فكانت المرأة وهي عند لقمان تكثر إن تقول: لا فتى إلا عمرو (1) فأرسلتها مثلاً، فكان ذلك يغيظ لقمان ويسؤوه كثرة ذكرها عمراً فقال لقمان: قد أكثرت في عمرو، فو الله لأقتلن عمراً، فقالت: انك لن تفعل (2) ، وكانت لابني تقن سمرة عظيمة يستظلان فيها حتى ترد إبلهما فيسقياها، فصعد فيها لقمان، واتخذ فيها عشاً، ورجا أن يصيب من ابني تقن غرة فلما وردت الإبل تجرد عمرو واكب على البئر يستقي، فرماه لقمان من فوقه بسهم في ظهره، فقال: حس، إحدى حظيات لقمان (3) ثم أهوى إلى السهم فانتزعه، فرفع رأسه في الشجرة فإذا هو بلقمان، فقال: انزل، فنزل، فقال: استق بهذا الدلو، فزعموا إن لقمان لما أراد إن يرفع الدلو حين امتلأ نهض نهضة فضرط، فقال له عمرو بن تقن: أضرطاً آخر اليوم وقد زال الظهر (4) ؛ فأرسلها مثلاً. ثم إن عمراً أراد أن يقتل لقمان، فتبسم لقمان، فقال عمرو: أضاحك أنت؟ فقال لقمان: ما اضحك إلا من نفسي، أما إني قد نهيت عما ترى، قال: ومن نهاك؟ قال: فلانة، قال: أفلي عليك إن وهبتك لها لتعلمنها ذلك؟ قال: نعم فخلى سبيله، فأتاها لقمان فقال: لا فتى إلا عمرو، قالت: أقد لقيته؟ قال: نعم قد لقيته فكان كذا وكذا، ثم أسرني فأراد قتلي، ثم وهبني لك، فقالت: لا فتى إلا عمرو.   (1) المثل في فصل المقال: 103، 104، 498 والميداني 2: 126، 1: 24 (وزاد الميداني فيه: لا فتى إلا عمرو بن تقن) . (2) فصل المقال: لئن تعرضت لذلك ليقتلنك. (3) فصل المقال: 103 وجمهرة العسكري: 1: 150 والميداني 1: 24 والمستقصى: 28 واللسان (حظا) والحظيات: جمع حظية وهي تصغير حظوة، وهي التي لا نصل لها من المرامي. (4) المثل في جمهرة العسكري 1: 150 والميداني 1: 286، 1: 24 وأسقط العسكري منه: ((وقد زال الظهر)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 زعموا (1) أن لقمان كان يقول: إذ أمسى النجم، قم رأس، ففي الدثار فاخنس، وسمناهن فاحدس (2) ، وأنهش بنيك وأنهس، وإن سئلت فاعبس. احدس: أضجعها فاذبحها، وأنهس: أي أطعم بنيك، خنس في البيت: اذا قعد. وقال (3) : إذا طلعت الشعرى سفراً - أي عشيا - ولم تر فيها مطراً، فلا تغذون إمرةً ولا أمراً، وأرسل العرضات أثراً، يبغينك في الأرض معمراً (4) . سفرا: غروب الشمس قبل إن يغيب الشفق، يقول لا تغذون جذعاً جدياً ولا عناقاً على هذا القليل. - 65 - زعموا أنه كان لرجل من طسم كلب فكان يسقيه اللبن ويطعمه اللحم ويسمنه ويرجو إن يصيد به او يحرس غنمه، فاتاه ذات يوم وهو جائع فوثب عليه الكلب فأكله فقيل: سمن كلبك يأكلك (5) ، فذهب مثلاً. وقال بعض الشعراء (6) : ككلب طسم وقد ترببه ... يعله بالحليب في الغلس ظل عليه يوماً يفرفره ... إلا يلغ في الدماء ينتهس   (1) هذان النصان التاليان من الاسجاع، ولا مجال فيهما للأمثال، فلا أدري لم أدرجا في الكتاب. (2) قال ابن كناسة: تقول العرب: إذا أمسى النجم قم الرأس فعظماها فأحدس أي انحر اعظم الإبل (اللسان: حدس) ؛ وقد ورد القول منسوباً للقمان في الأزمنة والأمكنة 2: 180. (3) ورد هذا النص في اللسان (عرض) وصدره بقوله: قال الساجع؛ وانظر الأزمنة والأمكنة 2: 181. (4) الأمر: الذكر من ولد الضأن؛ الأمرة: الأنثى؛ العراضات: الإبل؛ والمعمر: المنزل بدار معاش، أي أرسل الإبل العريضة الآثار عليها ركبانها ليرتادوا لك منزلاً تتجعه؛ ونصب ((أثراً)) على التمييز. (5) المثل في جمهرة العسكري 1: 525 والفاخر: 57 وفصل المقال: 419 (أسمن كلبك) و489 والميداني 1: 225 (وأورد قصة مغايرة) والمستقصي: 227 واللسان (سمن) والحيوان 1: 191، 290 والعقد 3: 117. (6) نسبه في الميداني 1: 226 إلى طرفة، انظر المنسوب إليه في ديوانه: 155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 يفرفره: أي يحركه برأسه ويقطعه. وقال مالك بن أسماء (1) : هم سمنوا كلباً ليأكل بعضهم ... ولو ظفروا بالحزم لم يسمن الكلب (2) وقال عوف بن الاحوص لقيس بن زهير العبسي (3) : أراني وقيساً كالمسمن كلبه ... فخدشه أنيابه وأظافره - 66 - زعموا (4) أن لقمان بن عاد جاور حياً من العمالقة، وهم عرب، فملأ عساً له لبنا، ثم قال لجارية له: انطلقي بهذا العس إلى سيد هذا الحي فأعطيه إياه وإياك أن تسالي عن اسمه واسم أبيه، فانطلقت حتى أتتهم، فإذا هم بين لاعب وعامل في ضيعته ومقبل على أمره، حتى مرت بثمانية نفر منهم عليهم وقار وسكينة، ولهم هيئة، فقامت تتفرس فيهم أيهم تعطي العس، فمرت بها أمة، فقالت لها جارية لقمان: إن مولاي أرسلني إلى سيد هذا الحي بهذا العس، ونهاني أن أسأل عن اسمه واسم أبيه، فقالت لها الأمة: إني واصفتهم لك فخذي أيهم شئت او ذري، وفيهم سيد الحي، فقالت الأمة: أما هذا فبيض مرض مرضة وقد أسنت القوم فعدل مرضه عندهم إسناتهم، وقد كانوا يريدون المسير فأقاموا عليه فأوسع الحي دقيقاً نفيضاً، ولحما غريضاً، ومسكا رفيضاً، وكساهم ثياباً بيضا. وأما هذا فحممة: غذاؤه في كل يوم بكرة سنمة، وبقرة شحمة، ونعجة كدمة؛ وأما هذا   (1) أورده العسكري 1: 525 والفاخر. (2) العسكري: ما سمنوا الكلبا. (3) انظره في الميداني والفاخر. (4) انظر الدرة الفاخرة: 437 وجمهرة العسكرس 2: 436 والميداني 2: 258 والمستقصي: 179 وكل هذه المصادر تتحدث عن أيسار لقمان بإيجاز شديد عند إيراد المثل ((أيسر من لقمان)) وتسمي هؤلاء الأيسار الثمانية وهم بيض وحممة وطفيل وذفافة (وزفافة) ومالك وفرزعة (وقزعة، وفرعة) وثميل وعمار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 فطفيل: ليس في أهله بالمسرف النثر، ولا البخيل الحصر، ولا يمنع الحي من خير إن اتمروا. وأما هذا فذفافة: طرق الحي حشاً من الليل، وولدان الحي يتحدثون عنده، فقام مشتملاً وسنان ثملاً إلى جذعان الإبل، وهو يحسبها جندلاً فقذفها إليهم قذفاً لأولها زحيف، ولآخرها حفيف، ولأعناقها على أوساطها قصيف. وأما هذا فمالك: أولنا إذا دعينا، وحامينا إذا غزينا، ومطعم أولادنا إذا شتونا، ومفرح كل كربة أعيت علينا. وأما هذا فثميل: غضبه حين يغضب ويل، وخيره حين يرضى سيل، في أهله عبد، وفي الجيش قيد، ولم تحمل اكرم منه على ظهورها إبل ولاخيل، واما هذا ففرزعة إن لقي جائعاً أشبعه، وان لقي قرناً جعجعه - أي رمى به إلى الأرض - وقد خاب جيش لا يغزو معه. وأما هذا فعمار صوات جار لا تخمد له نار للطي عقار اخاذ ووذار فناولت العس مالكاً وكان سيدهم. فقال: من أنت يا جارية؟ قالت: جارية لقمان بين عاد، قال: وكيف هو؟ قالت: شيخ كبير وهو بخير، قال: ويلك وكيف بصره؟ قالت: كليل، والاله لقد كل بصره، واسترخى سفره، فما يبصر إلا شفا - أي شيئاً قليلاً - وانه على ذلك ليعرف الشعرة البيضاء بين صريح اللبن والرغوة، قال: فما بقي من قيافته؟ قالت: هو والله لقد ضعف بصره، واشتبهت الآثار عليه، وانه على ذلك ليعرف اثر الذرة الأنثى من الذرة الذكر، في الصفا الأملس في ليلة ظلمة ومطر، قال: وكيف أكله؟ قالت: قليل، والاله لقد ضرسه، وانطوت أمعاؤه وما بقي من أكله إلا انه يتغذى جزوراً ويتعشى آخر، ويأكل بين ذلك جذعة من الإبل، قال: فما بقي من رمايته، قالت: قليل، والاله لقد ضعف عضده، وارعشت يده، وما بقي من رمايته إنه إذا رمى لم تقم رابضة، ولم تربض قائمة، ولم تمسك مخطاة ولدا قال: ويلك كيف قوته؟ قالت: والاله لقد رق عظمه، وانحنى ظهره، وضعفت قوته، وكبرت سنه، ومابقي من قوته إلا انه إذا غدا في إبله احتقر لها ركيةً فأرواها، وإذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 راح احتقر لها ركية فأرواها. وهؤلاء أيسار لقمان وإياهم عنى طرفة بقوله (1) : وهم أيسار لقمان إذا ... اغلت الشتوة ابداء الجزر (2) وقال أوس بن حجر (3) : أيسار لقمان بن عاد سماحة ... وجوداً إذا ما الشَّول أمست جرائرا - 67 - زعموا أن رجلاً مضى في الدهر الأول كان له عبد لم يكذب قط، فبايعه رجل ليكذبنه، وجهلا الخطر بينهما أهلهما ومالهما، فلما تبايعا قال الذي زعم ان العبد يكذب لمولى العبد: أرسله فليبت عندي الليلة فانه يكذبك إذا أصبح، فأرسله مولاه معه، فبات عنده، فأطعمه لحم حوار، وعمدوا إلى لبنٍ حليب فجعلوه في سقاء قد حزر (4) ، فخضخضوا ذلك اللبن الحليب فسقوه، وفيه طعم الحليب وفيه حرز السقاء، فلما أصبح الرجل احتمل وقال للعبد: الحق بأهلك، فلحق العبد حين احتمل القوم ولما يسيروا فلما توارى عنهم العبد حلوا مكانهم في منزلهم الذي كانوا فيه، وأتى العبد سيده فقال له: ما قروك الليلة؟ فقال: أطعموني لحما لا غثاً ولاسميناً، وسقوني لبناً لا محضا ولاحقيناً، قال: على أية حال تركتهم؟ قال: تركتهم قد ظعنوا فاستقلوا، فما أدري أساروا بعد أو حلوا: وفي النوى يكذبك الصادق (5) ، فأرسلها مثلاً، وأحرز مولاه مال الذي بايعه وأهله.   (1) ديوان طرفة: 67 وكتب الأمثال والمعاني الكبير: 1152 واللسان (بدأ، يسر) . (2) الأبداء: الأعضاء. (3) ديوان أوس: 33. (4) حزر: اشتدت حمضته. (5) المثل: ((عند النوى..)) في جمهرة العسكري 2: 35 وفصل المقال: 53 والميداني 1: 315 والمستقصى: 245 والوسيط: 123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 - 68 - زعموا أن النعمان بن المنذر اتخذ مجلساً قريباً من قصره بالحيرة، فجعل تحته طاقات وجصصة، فكان أبيض، وكان ذلك المجلس يسمى ضاحكاً لبياضه، وكان النعمان فرس يقال له اليحموم، وقد ذكرته العرب في أشعارها، قال لبيد بن ربيعي (1) : لو كان شيء (2) في الحياة مخلداً ... في الدهر أدركه أبو يكسوم والحارثان كلاهما ومحرق ... والتبعان وفارس اليحموم وقال الأعشى (3) : ولا الملك النعمان يوم لقيته ... (4) بنعمته يعطي القطوط ويأفق ويجبى إليه السّيلحون ودونها ... صريفون في أنهارها والخورنق ويأمر لليحموم كلّ عشيةٍ ... (5) بقيت وتعليق فقد كاد يسنق وكان للنعمان أخ من الرضاعة من أهل هجر يقال له سعد القرقرة، وكان من أضحك الناس وأبطالهم، وكان يضحك النعمان ويعجبه، وسعد الذي يقول (6) : ليت شعري متى تخب بي النا ... قة نحو العذيب فالصيبون محقباً زكرة وخبز رقائق ... (7) وحباقاً وقطعة من نون فزعموا أن النعمان قعد في مجلسه ذات يوم ضاحكاً، فأتي بحمار وحش،   (1) شرح ديوان لبيد: 108. (2) الديوان: حي. (3) ديوان الأعشى: 146. (4) القطوط: الصكوك؛ يأفق: يفضل غيره. (5) يسنق: يبشم. (6) ينسبان لأعشى بكر، انظر معجم ياقوت (صيبون) وديوانه: 260 ورسالة الغفران: 168. (7) الزكرة: وعاء الخمر؛ والحباق: جزرة البقل، والنون: السمك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فدعا بفرسه اليحموم فقال: احملوا سعداً على اليحموم وأعطوه مطرداً وحلوا عن هذا الحمار حتى يطلبه سعد فيصرعه، فقال سعد: أنى إذن أصرع عن الفرس، ومالي ولهذا؟ قال النعمان: والله لتحملنه، فحمل على اليحموم، ودفع إليه المطرد، وحلّي الحمار، فنظر سعد إلى بعض بنيه قائماً في النظارين فقال: بأبي وجوه اليتامى (1) ، فأرسلها مثلاً، فالقى الرمح وتعلّق بمعرفة الفرس، فضحك النعمان، ثم أدرك فأنزل، فقال سعد القرقرة (2) : نحن بغرس الودي اعلم من؟ ... (3) ابقود الجياد في السلف يا لهف أمي وكيف أطعنه ... مستمسكاً واليدان في العرف قد كنت أدركته فأدرني ... للصيد جدّ (4) من معشر عنف أي ادركني عرق من آبائي الذين كانوا عنفاً للخيل، أي يكن له فروسية. - 69 - زعموا أن مسافرين أبي عمرو أمية بن عبد شمس رض واستسقى بطنه، فداواه عبادي وأحمى مكاويه، فلما جعلها على بطنه، ورجل قريب منه ينظر إليه، جعل ذلك الرجل يضرط، فقال مسافر: قد يضرط العير والمكواة في النار (5) فأرسلها مثلاً.   (1) المثل ((بأبي وجوه ... )) أو ((وابأبي رجوه ... )) في فصل المقال: 210، وجمهرة العسكري 2: 331 والفاخر: 57 والميداني 1: 61 والوسيط: 75 والعيني 4: 55 - 56 وينقل البكري روايته عن عبيد بن شرية وهي مشبهة لما عند المفضل؛ (وفي طبعة الجوائب ((بانت وجوه ... )) ويبدو أنه تصحيف) وانظر مزيداً من الخبر عن سعد القرقرة في ثمار القلوب: 109 والخزانة 4: 55. (2) الأبيات في المصادر السابقة والأول في اللسان (ودى) . (3) الودي: جمع ودية وهي النخلة. (4) في رواية: عرق. (5) المثل في جمهرة العسكري 2: 123 وفصل المقال: 432 والفاخر: 58 والميداني 2: 28 (وأورد قصة أخرى عدا قصة مسافر) والحيوان 2: 257 ((العير يضرط)) . والخزانة 4: 388 والعذري: 145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 - 70 - زعموا أن ضرار بن عمرو الضبي ولد له ثلاثة عشر ولداً وكلهم بلغ إن كان رجلاً ورأساً، فاحتمل ذات يوم، فلما رأى رجالاً معهم أهلوهم وأولادهم سره ما رأى من هيئتهم، ثم ذكر في نفسه انهم لم يبلغوا ما بلغوا حتى رقَّ وأسنَّ وضعف أنكر نفسه (1) ، فقال: من سرَّه بنوه ساءته نفسه، فأرسلها مثلاً، فقال (2) : إذا الرجال ولدت أولادها ... فانتفضت (3) من كبر أعضادها وجعلت (4) أوصابها تعتادها ... فهي زروع قد دنا حصادها - 71 - زعموا أن طفل بن مالك بن جعفر بن كلاب كانت تحته امرأة من بني القين ابن جسر بن قضاعة، فولدت له نفراً منهم يزيد وعقيل، فتبنت كبشة بنت عروة بن جعفر عقيلاً، وكانت ضرتها، فعرم بعض العرامة على أمه ففرَّ منها فأدركته وهو يريد إن يلجأ إلى كبشة، فضربته أمه، فألقت كبشة نفسها عليه ثم قالت: ابني ابني، فقالت القينية: ابنك من دمّي عقبيك (5) ، فأرسلتها مثلاً، فرجعت كبشة وقد ساءها ما قالت القينية فولدت عامر بن الطفيل بعد ذلك. - 72 - زعموا أن عصام بن شهير الجرمي كان أشد الناس بأساً، أبينهم لساناً،   (1) المثل في جمهرة العسكري 2: 246 والميداني 2: 170 والمستقصى: 314 والعقد 3: 103 والحيوان 6: 506؛ والوسيط: 165 والبيان والتبيين 1: 193. (2) لعل الصواب: فقال الشاعر؛ إذ ذكره العسكري بعد المثل ثم قال: ((وقريب من هذا المعنى قول بعضهم)) . (3) العسكري: واضطربت. (4) العسكري: اسقامها. (5) ابنك من دمي عقبيك: في جمهرة العسكري 1: 39 وفصل المقال: 223؛ تعني الذي نفست به حتى أدمى النفاس عقبيك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 وأحزمهم راياً، ولم يكن في بيت قومه، وكان من صلحائهم، وكان على عامة أمر النعمان، قال: قائل من الناس: وكيف نزل عصام بهذه المنزلة من النعمان وليس في بيت قومه وليس بسيدهم؟ فقال عصام: نفس عصام سوَّدت عصاماً (1) ... وجعلته ملكاً هماماً وعلَّمته الكرَّ والإقداما ... وألحقته السادة الكراما وعصام بن شهير الذي يقول له النابغة (2) : ألم اقسم عليك لتخبرني ... أمحمولٌ على النعش الهمام فاني لا ألومك في (3) دخولٍ ... ولكن ما وراءك يا عصام - 73 - زعموا أن رجلاً من العرب خطب إلى قوم من العرب فتاة لهم، ورغب في صهرهم، وكانت فتاتهم سوداء دميمة، فاجلسوا له مكانها امرأة جميلة، فأعجبته فتزوجها، فلما دخلت عليه إذا المرأة غير التي رأى، قال: ويلك من أنت، قالت: فلانة ابنة فلان، اسم المرأة التي تزوج، قال: ما أنت بالتي رأيت، قالت: علقت معالقها وصرَّ الجندب (4) فأرسلتها مثلاً، فإن كنت أنت فلانة فالحقي بأهلك فأنت طالق.   (1) انظر فصل المقال: 137 - 138 وجمهرة العسكري 2: 312 والفاخر: 145 والميداني 2: 192 والمستقصى: 319 واللسان (عصم) والعقد 3: 93 وثمار القلوب: 136 والوسيط: 172، 158. (2) انظر بعض المصادر المذكورة سابقاً، وديوان النابغة: 103. (3) الديوان: فأني لا ألام على دخول، يريد لا ألام على ترك الدخول عليه. (4) المثل في جمهرة العسكري 2: 61 والميداني 1: 311 والمستقصي: 244 واللسان (علق) يضرب مثلاً للشيء يثبت ويتأكد أمره وللرجل يجب حقه ويلزم ذمامه - قلت: هذا ما قاله العسكري وهو صواب، ولكن الأصح أن المثل يعني مثل قولهم: جف القلم فلا تتعف نفسك؛ وفي اللسان (علق) قصة أخرى تتصل بامثل، وصرير الجندب دليل على الحر أي جاء الحر ولا يمكنني الرحيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 زعموا أن زهير بن جناب (1) بن هبل الكلبي وفد إلى بعض الملوك ومعه أخوه عدي بن جناب، وكان عدي يحمق، فلما دخلا شكا الملك إلى زهير - وكان ملاطفاً له - إن امه شديدة الوجع، فقال عدي اطلب لها كمرةً حارة، فغضب الملك وأمر به أن يقتل، فقال له زهير: أيها الملك إنما أراد عدي ان يبعث لك الكمأة، فأنا نستحبها ونتداوى بها في بلادنا فأمر به فرد فقال له الملك: زعم زهير إنما أردت كذا وكذا، فنظر عدي إلى زهير فقال: اقلب قلاّب (2) ، فأرسلها مثلاً. - 75 - زعموا أن سليحاً من قضاعة طلبوا غسان في حرب كانت بينهم، فأدركوهم بالقسطل، فقالوا: يوم كيوم القسطل (3) ، فذهبت مثلاً. - 76 - زعموا أن امرأة كانت بغياً تؤاجر نفسها وكان لها بنات، فخافت أن يأخذن ماخذها، فكانت إذا غدت في شانها قالت: احفظن أنفسكن، وإياكن إن يقربكن احد، فقالت إحداهن: تنهانا أمنا عن الغي وتغدو فيه (4) ، فذهبت مثلاً، فقالت الأم: صغراهن مراهن (5) أي أنكرهن وأدهاهن. - 77 - زعموا أن قوماً تحملوا وهم في صفر فشدوا عقد حبلهم الذي ربطوا به متاعهم، فلما نزلوا عالجوا متاعهم فلم يقدروا على حله إلا بعد شر، فلما أرادوا   (1) في مطبوعة الجوائب: خباب، حيثما ورد. (2) المثل في جمهرة العسكري 1: 151 والميداني 2: 28 والمستقصي: 114 واللسان (قلب) . (3) لم أجد له ذكراً في كتب الأمثال. (4) المثل في جمهرة العسكري 1: 272 والميداني 1: 85 والمستقصي: 193 والعبدري: 223. (5) الميداني 1: 269 (شراهن) وله قصة مختلفة، والعبدري: 417 صغراها مراها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ان يحملوا قال بعضهم: يا حامل اذكر حلاً (1) ، فأرسلها مثلا (2) . - 78 - زعموا أنه لما غزا المنذر بن ماء السماء غزاته التي قتل فيها قطع به الحارث بن جبلة ملك غسان، وفي جيش المنذر رجل من بني حنيفة ثم أخذ بني سحيم يقال له شمر بن عمرو، كانت أمه من غسان، فخرج يتوصل بجيش المنذر، يريد أن يلحق بالحارث بن جبلة، فلما تدانوا سار حتى لحق بالحارث، فقال: أتاك ما لا تطيق، فما رأى ذلك الحارث ندب من أصحابه مائة رجل اختارهم رجلاً رجلاً ثم قال: انطلقوا غلى عسكر المنذر فاخبروه أنا ندين له ونعطيه حاجته، فادا رايتهم منه غرة فاحملوا عليه، ثم أمر لابنته حليمة بنت الحارث بمركن فيه خلوق، فقال: خلقيهم، فجعلت تخلقهم حتى مرَّ عليها فتى منهم يقال له لبيد بن عمرو، فذهبت لتخلقه، فلما دنت قبلها، فلطمته وبكت، أتت أباها فأخبرته قال: ويلك اسكتي فهو أرجاهم عندي ذكاء قلب، مضى القوم وشمر بنت عمر الحنفي حتى أتوا المنذر، فقالوا له: أتيناك من عند صاحبنا، وهو يدين لك ويعطيك حاجتك، فتباشر أهل عسكر المنذر بذلك وغفلوا بعض الغفلة، فحملوا على المنذر فقتلوه ومن كان حوله، فقيل: يوم حليمة بسر (3) ، فذهبت مثلاً، قال النابغة وهو يمدح غسان (4) :   (1) يروي أيضاً: ((يا عاقد ... )) انظر جمهرة العسكري 2: 427 (وورد في حكم اكثم بن صيفي 2: 266) والميداني 2: 247 والمستقصي: 331، فإذا قلت يا عاقد كان الجل مقابلاً؛ وإذا قلت يا حامل كان الحلول في امكان هو المقابل له. وانظر الخزانة 3: 129. (2) إلى هذا المثل يشير أبو نواس بقوله: يا عاقد القلب مني ... هلا تذكرت حلا (3) المثل في جمهرة العسكري 2: 233 وفصل المقال: 127، 486 والعقد 3: 91 والميداني 2: 150 وثمار القلوب: 311 والمستقصي: 107 ودجيوان النابغة: 45 واللسان (حلم) والخزانة 2: 11 والبعدري: 385. (4) ديوان النابغة: 44 - 45. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنَّ فلول من قراع الكتائب تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب - 79 - وزعموا أن سهيل بن عمرو أخا بني عامر لؤي كان تزوج صفية بنت أبي جهل ابن هشام، فولدت انس بن سهيل، فخرج معه ذات يوم خرج وجهة فوقفا بحزورة مكة، واقبل الاخنس بن شريق الثقفي قال: من هذا؟ قال سهيل: ابني، قال: حياك الله يا فتى؟ أين أمك؟ قال: أمي في بيت أم حنظلة تطحن دقيقاً، قال أبوه: أساء سمعاً فأساء الإجابة (1) ، فلما رجعا قال أبوه: فضحني اليوم ابنك عند الاخنس، قال كذا، قالت: إنما ابني صبي (2) ، قال: أشبه امرؤ بعض بزة (3) ، فأرسلها مثلاً. - 80 - زعموا أن رجلاً بينما هو في بيته إذا جاءه ضيف فنزل ناحية فجعلت راحلته ترغو، فقال رب البيت، من هذا الذي آذانا رغاء راحلته ولم ينزل علينا فيستوجب حقَّ الضيف: فقال الضيف: كفى برغائها مناديا (4) . - 81 - زعموا أن رجلاً أتى امرأة يخطبها فأنعظ وهي تكلمه فجعل كلما كلمته ازداد انعاظاً، وجعل يستحيي ممن حضر من أهلها، ويقول، ويضع يده على ذكره: إليك يساق الحديث (5) ، فأرسلها مثلاً.   (1) المثل في جمهرة العسكري 1: 25، 494 والفاخر: 58 وفصل المقال: 48 - 49 والميداني 1: 223 والمستقصي: 63 والوسيط: 42. (2) العسكري: قالت إنك تبغضه. (3) المثل في جمهرة العسكري 1: 25والفاخر: 59 وفصل المقال: 49 والمستقصي: 77 والبيان والتبيين 2: 264. (4) المثل في جمهرة العسكري 2: 151 والميداني 2: 59 والمستقصي: 265 واللسان (رغا) . (5) المثل في جمهرة العسكري 1: 26 وفصل المقال: 50 والميداني 1: 31 والفاخر: 59 والوسيط: 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 - 82 - أغارت بنو فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ن خزيمة على ناس من بني كلاب بن ربيعه بن عامر بن صعصعة، فأصابوا إبلاً من إبلهم فاقتسموها، فصار لشأن بن الأشد ين عمرو بن دثار ين فقعس لقحتان، وصارت لبني حذلم بن فقعس بكرة، أمها إحدى لقحتي شأس، فجعلها بنو حذلم في إبلهم، فجعلت تجالد إلى أمها عند شأس، فعمد شأس وقد نزلوا بوادي طلح فأحرق من شجره ثم لطخها حتى اسودت، فجاء ينو حذلم ينشدون بكرتهم فقال لهم شأس: هذه بكرتكم، فغضبوا وقالوا: أتستخرمنا؟ قال: إنكم لا تعقلون، قالوا: بل أنت لا تعقل، قال: فان شئتم نافرتكم على نهبي ونهبكم إنها بكرتكم، ففعلوا، فغسلها بالماء فعرفوها، فأخذ نهبهم. فأتوا خالد بن عمرو بن حذلم وكان يسمى الكيس فذكروا ذلك له، فقال: انتم ضيعتم نهبكم، قالوا: بل أنت تريد ان تخذلنا، قال: بل أعلم من القوم مالا تعلمون: فإذا لقيتم أول غلامٍ من بني دثار بن فقعس يعلم إنكم جئتم: في هذا الأمر قاتلكم، فانطلق معهم فلقوا غلاماً من بني دثار بن قفعس فقال لهم: هلم فلنحلب لكم، قالوا: لا حاجة لنا في لبنكم، قد ظلمتم وقطعتم، قال: وفي أي أمرٍ انتم؟ قالوا: في الإبل التي اخذ شأس، فأخذ سهماً فرمى خالداً فأخطأه وأصاب واسطة الرحل، فركض خالدٌ جملة وقال قد أخبرتكم الخبر: وقال يابوين ما اكيسني فأرسلها مثلاً. بوين: تصغير بان، قال في ذلك خالد: لعمري لقد حذرتكم ونهبتكم ... وابنأتكم ان لاغنيمة في شاس ولست بعيدٍ يتقي سخط ربه ... إذا لم تلمني في مجاملة الناس - 83 - ؟؟؟؟ زعموا أن دغة بنت معنج انت امرأة من جرهم، فتزوجها رجل منهم قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ان تبلغ المحيض، فحملت ولم تشعر بالحمل لحداثة سنها فأخذها الطلق أهلها سائرون، فنزلت منزلاً فانطلقت تبرز، فولدت وهي تبرز، فصاح الصبي، فرجعت إلى أمها فقالت: ياأمتاه، هل يفتح الجعرفاه، قالت: نعم ويدعو أباه (1) ، فأرسلها مثلاً، فقيل أحمق من دغة (2) . وزعموا أن دغة كانت قد بلغت مبلغ النساء من الشرف والعقل، فحسدها ضرائرها إن أنساع بعيرها كنّ يلفين حمراً تزهر وتئط فقلن: إنا نخاف ان يمر بنا الرجال فيسمعوا هذا الأطيط، فيظنوا ان بعضنا قد أحدث - فلو دهنت أنساعك فلم تئط كان ذلك أمثل، فعمدت إلى طرف نسعتها فدهنتها، وخافت ان يكن حسدنها حمرة سيورها وجمالهن، فدهنت طرف السنعى لتنظر كيف يكون، فاسودما دهنت، فعرفت ما أردن بها فكفت، فلقينها فسألنها: كيف رأيت الدهن للنسعة؟ قالت: هين لين وأودت العين (3) ، فأرسلتها مثلاً، تقول ذهب حسنه وحمرته ونبت العين عنه. زعموا أن رهطاً من قوم دغة تجاعلوا على نسائهم أيتهن أطوع لهم فأعظموا الخطر، فقالوا: يأمر كل رجلٍ منكم امرأته تنزل على هذه القرية من النمل تنتعش، فجعلت امرأة الرجل منهن إذا مرت على القرية فأمرها زوجها ان تنزل ابت، حتى مررن كلهن، ثم مرت دغة فقال لها زوجها: انزلي على هذه القرية، ففعلت، فقال لها خادمها: أتنزلين من بين هؤلاء النساء على هذا النمل؟ أنت أضعفهن رأياً، فقالت: القوم ما طبّون ويروى ما أطبون أي ما أبصرهم فأرسلتها وأخذ   (1) فصل المقال: 183 والدرة الفاخرة: 145 (وجمع بعض حكايات حمقها معاً) والفاخر: 24. (2) فصل المقال: 183 وجمهرة العسكري 1: 54، 389 والدرة الفاخرة: 145 والفاخر: 24 والميداني 1: 147 والمستقصي: 35 ودغة هي مارية بنت معنج (وضبطها صاحب الفاخر بالعين المهملة) وفي حمقها انظر ثمار القلوب: 309. (3) المثل في جمهرة العسكري 4: 366 والميداني 2: 227 والمستقصي: 331. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 زوجها الخطر الذي كانوا خاطروا عليه، وكان فيما ذكروا الخطر على أهل الرجل وماله. - 84 - زعموا أن قوماً من العرب كانت لهم ماشية من إبل وغنم، فوقع فيها الموت فجعلت تموت فيأكل كلابهم من لحومها، فأخصبت وسمنت، فقيل: نعم كلب من بؤس أهله (1) ، فذهبت مثلاً. - 85 - زعموا أن ناساً من العرب كانت لهم في مملكتهم شدة، فكلفوا أمة لهم طحيناً او عدوها إن لم تفرغ منه ضربوها، فطحنته، حتى إذا لم يبق إلا مالا بال به ضجرت فاختنقت حتى قتلت نفسها، فقيل كالطاحنة (2) فذهبت مثلاً، يضرب للذي يكسل عن الأمر بعد اتضاحه. - 86 - زعموا أن زهير بن جناب بن هبل الكلبي وفد عاشر عشرة من مضر وربيعة إلى امرىء القيس بن عمرو بن المنذر ابن ماء السماء فأكرمهم ونادمهم وأحسن إليهم، وأعطى لكل واحد منهم مائة من الابل، فغضب زهير فقال: قد تخرج الخمر من الضنين (3) . فغضب امرؤ القيس فقال: أو مني يا زهير؟ قال: ومنك، فغضب الملك   (1) المثل في جمهرة العسكري 2: 306 (وورد في أمثال اكثم 2: 265) والميداني 2: 195 والحيوان 1: 271. (2) أورد الميداني 2: 71 المثل: ((كالمختنقة على آخر طحينها)) وهو مشابه لما هنا؛ وفي الإكراه على الطحن أورد قولهم ((كارهاً يطحن كيسان 2: 74. (3) المثل في جمهرة العسكري 2: 128 والميداني 2: 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 فاقسم لا يعطي رجلاً منهم بعيراً، فلامه أصحابه فقالوا: ما حملك على ما قلت؟ قال: حسدتكم إن تجعوا إلى هذا الحي من نزار بتسعمائة بعير وأرجع إلى قضاعة بمائة من الإبل ليس غيرها. - 87 - زعموا أن المتلمس صاحب الصحيفة كان أشعر أهل زمانه، وهو أحد بني ضبيعة بن ربيعة بن نزار، وانه وقف ذات يوم على مجلس لبني قيس بن ثعلبة، وطرفة بين العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة يلعب مع الغلمان، فاستنشد أهل المجلس المتلمس فلما أنشدهم اقبل طرفة بن العبد مع الغلمان يسمعون، فزعموا ان المتلمس أنشدهم هذا البيت (1) : وقد أتناسى الهم عند احتضاره ... بناج عليه الصيعرية مكدم الصيعرية سمة يوسم بها النوق باليمن دون الجمال، فقال طرفة: استنوق الجمل (2) ، فأرسلها مثلاً، فضحك القوم، وغضب المتلمس ونظر إلى لسان طرفة وقال: ويل لهذا من هذا يعني نفسه من لسانه، كذا رواه المفضل وإنما الخبر بين المسيب بن علس الضبعي وبين طرفة (3) . زعموا أن (4) عمرو بن المنذر بن امرىء القيس، وكان عم النعمان، وكان يرشح أخاه قابوس بن المنذر - وهما لهند ابنة الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار - ليملك بعده، فقدم عليه المتلمس وطرفة فجعلهما في صحابة قابوس، وأمرهما   (1) انظر ديوان المسيب بن علس: 359 وهو أيضاً في شعر المتلمس في اللسان والتاج (نوق) والأغاني 23: 559. (2) يروي المثل: ((قد استنوق..)) انظر جمهرة العسكري 1: 54 وفصل المقال: 190 والميداني 2: 27 والمستقصي: 66 واللسان (نوق) ، وفي العقد 3: 96 كان جملاً فاستنوق. (3) لم يرجح البكري بل قال: هذا الشاعر هو المسيب وقيل هو المتلمس. (4) تتصل هذه القصة بما أدرج ف كتب الأمثال تحت: ((صحيفة المتلمس)) انظر جمهرة العسكري 1: 579 والفاخر: 60 والميداني 1: 270 واللسان (صحف) والأغاني 23: 540 وما بعدها وديوان طرفة: 99 وثمار القلوب: 216 والخزانة 1: 446 والشريشي 1: 433. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 بلزومه، وكان قابوس شاباً يعجبه اللهو، وكان يركب يوماً في الصيد فيتركض فيتصيد، وهما معه يركضان حتى يرجعا عشية وقد لغبا، فيكون قابوس من الغد في الشراب فيقفان ببابه النهار كلّه فلا يصلان إليه، فضجر طرفة فقال (1) : وليت لنا مكان الملك عمرو ... (2) رغوثاً حول قبتنا تخور من المزمرات أسبل قادماها ... (3) وضرتها مركنة درور يشاركنا لنا رخلان فيها ... (4) ويعلوها الكباش فما تنور لعمرك إن قابوس بن هند ... ليخلط ملكه نوك كثير قسمت الدهر في زمن رخي ... كذاك الحكم يقسط أو يجور لنا يوم وللكروان يوم ... تطير البائسات ولا نطير فأما يومهن فيوم سوء ... (5) تطاردهن بالحدب الصقور وأما يومنا فنظل ركباً ... وقوفاً ما نحل وما نسير وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد، وكان عبد عمرو كريماً عند بن هند، وكان سميناً بادناً فدخل مع عمرو الحمام، فلما تجرد قال: لقد كان ابن عمك طرفة رآك حين قال ما قال، وكان طرفة هجا عبد عمرو قبل ذلك فقال (6) : ولا خير فيه غير أن قيل واجدٌ (7) ... وأن له كشحاً إذا قام أهضما   (1) الشعر في كتب الأمثال وديوان طرفة: 96. (2) الرغوث: النعجة الموضع؛ تخور: تصوت. (3) الزمرات: القليلات الصوف وهن أغزر الباناً؛ والضرة: لحم الضرع؛ مركنة: ذات أركان. (4) الرخل: الأنثى من ولد الضأن؛ تنور: تنفر. (5) الحدب: ما ارتفع من الأرض. (6) الشعر في كتب الأمثال وديوان طرفة: 94. (7) الديوان: غير أن له غني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 يظل نساء الحي يعكفن حوله ... (1) يقلن عسيب من سرارة ملهماً له شربتان بالعشىِّ (2) وشربة ... من الليل حتى آض جيشاً (3) مورماً كان السلاح فوق شعبة بانة ... (4) ترى نفخاً ورد الأسرة أسحما ويشرب حتى تخمر المحض قلبه ... (5) وإن أعطه أترك لقلبي مجثماً فلما قال ذلك قال له عبد عمرو: ما قال لك شر مما قال لي ثم انشده قول طرفة: وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتنا تخور قال عمرو: وما أصدقك عليه - وقد صدقه، ولكن عمراً خاف ان ينذره وتدركه له الرحم - فمكث غير كثير ثم دعا المتلمس وطرفة فقال: لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما، وسركما أن تنصرفا، قالا: نعم، فكتب لهما إلى عاملة على هجر ان يقتلهما، وأخبرهما أنه قد كتب لهما بحباءٍ ومعروف، فأعطى كل واحد منهما صحيفة، فخرجا وكان المتلمس قد أسن فمر بنهر الحيرة على غلمان يلعبون المتلمس: هل لك أن تنظر في كتابنا فان كان خيراً مضينا له، وإن كان شراً القيناه، فأبى عليه طرفة، فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان فقراه عليه فاذا فيه السوأة، فالقى كتابه في الماء وقال لطرفة: اطعني وألق كتابك، فأبى طرفة ومضى   (1) ملهم: اسم موضع باليمامة مشهور بالنخل؛ والعسيب هو عسيب النخلة، وسرارة كل شيء وسطه وأفضله. (2) الديوان: له شربتان بالنهار وأربع. (3) الديوان: سخداً؛ والسخد هو ماء الرحم الذي يخرج مع المولد، والجبس الغليظ. (4) البانة شجرة ضعيفة، شبه جسمه بها في لينه ورخاوته، وأنه منتفخ أحمر اسرة البطن مع النعمة، والأسرة: طرائق العكن؛ والاسحم: الأسود الذي ليس بخالص السواد، ويروى اصحما وهو الأسود إلى الصفرة. (5) المحض: الخالص لعله يعني الخمرة أو اللبن، وفي الديوان: يغمر المحض؛ يقول ولو أنني أعطيت لك الشراب لم أكثر من شربه وتركت لقلبي موضعاً يجثم فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 بكتابه حتى أتى به عامله فقتله، ومضى المتلمس حتى لحق بملوك جفنة بالشأم، فقال في ذلك المتلمس (1) : من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس أودى الذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حبائه المتلمس ألقى صحيفته ونجت رحله ... (2) عنس مداخله الفقارة عرمس - 88 - زعموا أن أخوين (3) كانا فيما مضى في ابل لهما فأجدبت بلادهما، وكان قريباً منهما وادٍ فيه حية قد حمته من كل واحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أني أتيت هذا الوادي المكلىء فرعيت فيه ابلي وأصلحتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أحداً لم يهبط ذاك الوادي إلا أهلكته؟ قال: فو الله لأهبطن، فهبط ذلك الوادي فرعى إبله به زماناً، ثم إن الحية لدغته فقتلته، فقال أخوه: ما في الحياة بعد أخي خير ولأطلبن الحية فأقتلها أو لأتبعن أخي، فهبط ذلك الوادي فطلب الحية ليقتلها، فقالت: ألست ترى أني قتلت أخاك، فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي فتكون به وأعطيك ما بقيت ديناراً في كل يوم، قال: أفاعلة أنت؟ قالت: نعم، قال: فإني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضيرها، وجعلت تعطيه كل يوم ديناراًُ فكثر ماله ونبت إبله، حتى كان من أحسن   (1) الأغاني 23: 544 وديوان المتلمس (القصيدة رقم: 9) . (2) العنس: الناقة القوية، العرمس: الصلبة. (3) قصة الحية وردت عند ابن قتيبة في الشعر والشعراء: 96 (نقلاً عن المفضل) والميداني 2: 61 ((كيف أعاودك وهذا أثر فأسك)) وانظر الدميري 1: 73 وهي قصة تتردد خارج نطاق الأدب العربي، فنجد شبيهاً لها عند ايسوب (دالي رقم 51) و ملحق بابريس رقم: 573، ويقال أنها ترجع إلى أصل هندي؛ وقد عرضت لها بشيء من التفصيل في كتابي ((ملامح يونانية)) ص 73 - 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الناس حالاً، ثم ذكر أخاه فقال: كيف ينفعني العيش وأنا انظر إلى قاتل أخي فلان، فعمد إلى فأس فأحدّها ثم قعد لها فمرت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجحر ووقع الفأس بالجبل فوق جحرها فأثر فيه، فلما رأت ما فعل قطعت عنه الدينار الذي كانت تعطيه، فلما رأى ذلك وتخوف شرها ندم، فقال لها: هل لك في: ان نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه، فقالت: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك وانت فاجر لا تبالي العهد. فكان حديث. الحية والفأس مثلاً مشهوراً من أمثال العرب. قال نابغة بن ذبيان (1) : ليهنأ لكم إن قد نفيتم بيوتنا ... (2) مكان عبدان المحلى باقره فلو شهدت سهم وأفناء مالك ... (3) فتعذرني من مرة المتناصرة لجاءوا بجمع لم ير الناس مثله ... (4) تضاءل منه بالعشي قصائره وإني لألقى من ذوي الضغن منهم ... وما اصبحت تشكو من الشجر ساهرة كما لقيت ذات الصفا من حليفها ... (5) وكانت تديه المال غباً وظاهره تذكر أنى يجعل الله جنةً ... فيصبح ذا مال ويقتل واتره فلما توفى العقل إلا اقله ... (6) وجارت به نفس عن الخير جائره فلما رأى إن ثمر الله ماله ... وأثل موجوداً وسد مفاقره أكب على فأس يحد غرابها ... مذكرةٍ بين المعادل باتره فقام لها من فوق حجر مشيد ... ليقتلها أو يخطىء الكف بادره   (1) الديوان: 153 وما بعدها. (2) الديوان: مندى عبيدان؛ وعبيدان: عبد كان لرجل من عاد، كان يورد إبله أول الناس ثم غلب عليه رجل أقوى منه؛ والمحلئ الذي يمنع ورود الماء، والباقر: جماعة البقر. (3) سهم ومالك ابنا مرة بن عوف من ذبيان؛ وبنو مرة كانوا تحالفوا وتناصروا ضد قوم النابغة. (4) يقول: من كثرة هذا الجيش تخشع قصائره وتصغر، وقصائره: أرض أو جبل. (5) ذات الصفا هي الحية التي تتحدث عنها العرب؛ وهنا ربط بين صدر بيت وعجز آخر. (6) العقل: الدية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 فلما وقاها الله ضربة فاسه ... وللبر عين لا تغمض ناظره تندم لما فاته الذّحل عندما ... وكانت له إذا خاس بالعهد قاهرة فقال تعالي نجعل الله بيننا ... على مالنا أو تنجزي لي آخره فقالت مين الله أفعل إنني ... رأيتك مسحوراً يمينك فاجره أبى لي قبر لا يزال مقابلي ... وضربة فأس فوق رأسي فاقره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 فراغ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 ملحق - 1 - المثل: أسعد أم سعيد ورد في المستقصى (المثل رقم: 687) ؛ كما أن المثل: سبق السيف العذل، قد ورد في أمالي القالي 1: 106 (وانظر السمط: 324) والمستقصى والعبدري (تمثال الأمثال) رقم: 266. - 3 - المثل: أينما أوجه ألق سعداً في أمالي القالي 1: 132 (وانظر السمط: 326، 374) والعبدري: 195. - 9 - ولولا أن يقول بنو عدي؟ البيتان في ديوان الفرزدق 1: 273. - 17 - أنجز حر ما وعد: ورد في الشريشي 1: 143 والعبدري: 167. - 21 - اسم الشاعر ضرار بن عتبة السعدي، كذلك ورد اسم أبيه ((عتبة)) في فصل المقال والزاهر واللسان (صدد) وهو في جمهرة العسكري ((عبيد)) وفي اللسان (صدا) : عمرو وفي مطبوعة الجوائب: عيينة. وقد ورد في هذه الفقرة: ((شريجة نبع زينت بالقلائد)) ؛ والشريج: العود يشق منه قوسان، فكل واحدة شريج، والشاعر يصف المرأة بالاستواء والطول. وكان في المطبوعة ((شريحة)) - بالحاء المهملة - وهو خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 - 26 - 1 - ص 79 أبيات لذؤيب أولها: يا كعب إن أخاك منحمق؟ ورد منها ثلاثة في العقد 5: 237 في خبر يوم ((تياس)) ؛ وعجز الأول: إن لم يكن بك مرة كعب، أما التاسع فقد روي على الاقواء دون ملاحظة للتخريج الذي أورده أحد المعلقين. وهو قد ورد في معجم المرزباني: 125 منسوباً لعوف بن عطية. أما البيت الأخير فقد جاء على النحو الآتي: والحرب قد تضطر صاحبها ... نحو المضيق ودونه الرحب وفي استعمال ((نحو)) بدل ((إلى)) نجاة من الزحاف. والبيت السابع: الآن إذ أخذت مآخذها ... وتباعد الانساع والقرب هذه قراءة مقترحة؛ فالانساع: الحزام، والقرب: الشاكلة؛ والمعنى على المجاز يفيد وقوع التباعد والعداوة؛ وفي مطبوعة الجوانب ((الإنسان)) وهو خطأ فيما أقدر. 2 - ص 79 فرس سكب (وفي المطبعوة ((سلب)) ) ، والسكب هو الجواد الكثير العدو، ومثله أيضاً الفيض والغمر وقد كان السكب فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كميتاً أغر محجلاً مطلق اليمين. - 27 - 1 - ص 91 قول ذي الرمة: فيا مي ما يدريك؟. هذا شاهد على المنادي المرخم إذا عومل على لغة من لا ينتظر، ولم أجده، ولكن في شعر ذي الرمة أمثلة كثيرة منه مثل: فيا مي هل يجزي بكائي بمثله ... مراراً وأنفاسي إليك الزوافر ومثل: ألم تعلمي يا مي أنني وبيننا ... مهاوٍ يدعن الجلس نحلاً قتالها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وغير ذلك، هذا البيت قد جاء في نوادر الهجري ((تهاويل غير طامسات قلالها)) . 2 - ص 106 ابن عنقاء الفزاري: اسمه عبد قيس بن بجرة أو قيس بن بجرة وهو شاعر فحل من شعراء غطفان وله شعر كثير، انظر ترجمته في المؤتلف والمختلف: 237 ومعجم المرزباني: 199. - 28 - 1 - راجع: أمثال بيهس وقصته في الخزنة 3: 272 - 273؛ وفي جمهرة العسكري (2: 12) أن أخوة بيهس كانوا تسعة هو عاشرهم وأن الذين قتلوهم بنو مازن. ويقال تلقيبه بنعامة أن ذلك كان لطول رجليه (جمهرة العسكري 2: 37) وقيل لشدة صممه (الميداني 1: 307) . 2 - ص 111 ذكر أبو اللحام التغلبي، وقد ورد ذكره مرة في اللسان (قصد) . وفي الثاني من بيتيه جاء ((ضخم مذمره شديد الأفحس)) ، يصف الأسد ويقول أنه ضخم العجز؛ أما قوله ((شديد الأفحس)) فلعله أن يكون بالحاء المهملة أو بالجيم، أي أنه إما شديد التبختر والخيلاء (في المطبوعة: الأفخس، بالخاء) . - 31 - جاء في نهاية هذه الفقرة: فذهب قوله مثلاً وخلى عنها وقد حذفت ((وخلى عنها)) لأني أعده سهواً طباعياً سببه الفقرة التالية، إذ جاء فيها: فنزل فخلع لجام فرسه وخلى عنها)) . - 36 - زعموا أن قوماً شردت إبل بني صحار بن وهب بن قيس بن طريف وهو أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الطماح؟ الخ: كذلك هو النص في المطبوعة، والخطأ فيه واضح، إذ أن صحاراً هو أخو وهما ابنا قيس بن طريف ويبقى الأشكال في ذكر ((وهب)) في النسب؛ فهو أخوهما، والأرجح أن حذفه ضروري (أنظر جداول كاسكل 1: 50) . - 37 - يقول المفضل هنا أن ((رقاش)) امرأة من طيء، ولكن صاحب اللسان (مرق) يذكر نقلاص عن المفضل أنها رقاش الكنانية (فهل تصحفت عن الطائية؟) . - 38 - 1 - حرملة بن عسلة: وعسلة أمه وهي بنت عامر بن شراكة، وهو حرملة بن حكيم بن غفير بن طارق بن قيس بن مرة بن همام الشيباني (المؤتلف والمختلف: 235، وكتاب من نسب إلى أمه لابن حبيب في نوادر المخطوطات 1: 94 والخزانة 4: 230) ؛ وقد أبى أن يهجو الحارث بن جبلة وقيل أنه قال للملك اللخمي ((أبيت اللعن أنهم أخوالي وإنه لا ينبغي لي أن أهجوهم)) وهذا أمر بين في أبياته البائية التي أوردها ابن حبيب في من نسب إلى أمه، وأعاد ذكرها في أسماء المغتالين (نوادر المخطوطات 2: 143) كما ذكرها البغدادي في الخزانة، والعسكري في الجمهرة 1: 120 وقد قيل إن الملك الغساني كافأه بأن رهب له قينتين وقصة القينتين تتصل بالمفضلية رقم: 62 وهي قصيدة نسبها المفضل لأخيه عبد المسيح بن عسلة، ونسبها الآمدي لحرملة نفسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 2 - أما الذي سماه المفضل: الحارث بن العيف (بفتح العين وتشديد الياء وكسرها) فهو يمى عند ابن حبيب في كتاب من نسب إلى أمه: ((عمارة بن العيف)) ورجزه في خزانة الأدب 4: 229 وفيه رواية أخرى: ((عق أباه ظالماً فقتله)) وقال البغدادي (4: 231) وقد نسب هذا الشعر إلى شهاب بن العيف محمد بن حبيب والآمدي أيضاً في كتاب أشعار بني شيبان، ووقع في كتاب الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم أن هذا الشعر لعامر بن العيف أخي شهاب (لاحظ أن ((عامر)) قد تحول إلى ((عمارة)) ) . - 42 - 1 - جاء في شعر جابر بن رألان السنبسي: (ص، 142) ((يسق الخميس بها وسيقاً أحدبا)) (وكان في المطبوعة وسيفاً بالفاء) وقال في اللسان (حدب) : وسيق أحدب: سريع واستشهد عيه بقول الراجز: قربها ولم تكد تقرب ... من أهل نيان وسيق أحدب ثم أورد المثل نفسه في مادة (وسق) وجاء في طبعة اللسان ((وسيق أجدب)) - بالجيم - وهو خطأ يجب التنبه له. والوسيق: طرد الإبل. 2 - وجاء في البيت الأخير من أبيات جابر: ((نزعاً خزامة أنفه أن يشغبا)) قلت: لعل الصواب ((نرعى)) كما جاء في أصل الفاخر. ويشغب: ينفر. - 51 - 1 - وردت أمثال قصة حرب البسوس في مواضع من الخزانة؛ أعز من كليب وائل 1: 301 وكذلك أشام من البسوس، تجاوزت شبيثاً والأحص (وأظر 3: 254) وجاء المثل ((لا ناقة لي في هذا ولا جمل)) في 1: 224، 303؛ كما أن المثل بؤبشسع نعل كليب الذي يبدو أن المفضل الضبي لم يعده في الأمثال ورد في العبدري رقم: 200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 2 - شعر المرقش (ص: 136) وهو المفضلية رقم:52 حذف منه بيت بعد الثاني وهو: بكل نسول السرى نهدة ... وكل كميت طوال أغر فالضمير في قوله ((ففرقنهم؟ جمعنهم؟ وأصدرنهم)) ؟. يعود إلى الخيل. وبنو الوخم في البيت الثاني هم بنو عامر بن ذهل بن ثعلبة. وحمران في البيت السابع رويت جمران - بالجيم - في المفضليات والأغاني، وقيل: أنه موضع أو ماء ببلاد الرباب. والزبان بن مجالد: سماه في المفضليات: المجالد بن الريان بن يثربي بن مالك. وفي الأغاني: الريان بن مجالد (بالراء المهملة في كليهما) ؛ غير أن لفظة ((الزبان)) هي الثابتة في جمهرة ابن الكلبي (انظر جداول كاسكل: 152) . والأقطانتين: كذلك أورده ياقوت؛ وقال البكري في معجم ما استعجم (1: 181) الاقطانيون: موضع معروف بناحية الرقة فيه قتل الزبان الذهلي خمسة وأربعين بيتاً من بني تغلب؟ الخ، والشعر يردّ قوله: ((ملأوا من الاقطانتين ركية)) . في شعر السفاح التغلبي (ص: 137) وإني لن يفارقني نباك (وفي المطبوعة بتقديم الباء على النون ((بناك)) ) ؛ قال في تاج العروس نبك: ونباك - كغراب - فرس السفاح بن خالد، قال أبو الندى، قال وقال فيه: وإني لن يفارقني نباك ... يخال الشد والتقريب دينا وفي أنساب الخيل لابن الكلبي: 87 النباك: فرس خالد بن الشماخ بن خالد التغلبي، وله يقول: وإني لن يفارقني؟ البيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 - 60 - 1 - قصة جذيمة وازباء في الشريشي 3: 176، والخزانة 3: 271 - 272؛ 497 - 499 وورد المثل ((شي عمرو عن الطوق)) في العبدري: 324 في صورة ((كبر عمرو)) كما جاء في الفاخر. 2 - وفي الأوائل التي استحدثها جذيمة راجع كتاب الأوائل للعسكري: 59 والأعلاق النفسية لابن رسته: 192 وخزانة الأدب. - 72 - في قصة عصام والمثل: نفس عصام؟. و؟. ولكن ما وراءك يا عصام، راجع الشريشي 3: 246 والخزانة 4: 97. - 73 - المثل علقت معالقها وصر الجندب ورد عند العبدري: 284. - 88 - قصة ذات الصفا في الخزانة 3: 557 - 559؛ ومعها قصيدة النابغة التي يعاتب فيها بني مرة؛ والبيت: فلما رأى إن ثمر الله ماله ... وأثل موجوداً وسد مفاقره شاهد على جواز وقوع ((أن)) المصدرية بعد فعل علم غير مؤول بالظن. ولم يميز المفضل في القصة مثلاً بعينه، لأن القصة كلها كانت مثلاً؛ ويبدو أن اختيار ((كيف أعاودك وهذا أثر فأسك)) انتزع انتزاعاً للإشارة إلى القصة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187