الكتاب: دور الإعلام في التضامن الإسلامي المؤلف: إبراهيم إمام الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السادسة عشرة، العدد الواحد والستون محرم- صفر- ربيع الأول 1404هـ/1984م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- دور الإعلام في التضامن الإسلامي إبراهيم إمام الكتاب: دور الإعلام في التضامن الإسلامي المؤلف: إبراهيم إمام الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة السادسة عشرة، العدد الواحد والستون محرم- صفر- ربيع الأول 1404هـ/1984م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مدخل ... دَورُ الإعلاَمِ في التضَامُنِ الإسلاَمِي الدكتور إبراهيم إمام أستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم للأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن التضامن الإسلامي هو المبادرة النابعة من أصول العقيدة الإسلامية، لإرساء قواعد الحياة على أسس متينة في عالم تتنازعه المطامع، وتشن فيه المبادئ الملحدة حرباً شرسة ضد التراث الحضاري الإسلامي بقيمه النبيلة، ولقد كان التضامن هو السر فيما حققت الأمة الإسلامية من مجد وسؤدد، يوم كانت متمسكة بدينها حق التمسك، آخذة بتعاليمه حق الأَخذ. وتكمن إحدى معجزات الإسلام الكبرى في قوة التضامن، عندما وحد بين قلوب القبائل المتنافرة، ثم بين الأقطار والشعوب المتباينة، وأصبح التضامن من أهم سمات الحياة الإسلامية وليست رابطة الأرض أو مكان الإقامة أو الولادة كما هو الحال في الفكر الغربي، لأن مفهوم الأمة في الإسلام يقوم على الاشتراك في وجهة عامة، فقد أشار القرآن الكريم إلى المسلمين على أنهم أمة واحدة، فلم يفرق بين شعب وشعب، ولم يخص بلداً أو قبيلة أو فئة بالأمر بالوحدة، بل كان خطابه عاماً شاملاً يضم كل من آمن بالرسالة المحمدية وتبع هديها وطريقها. قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} 1 وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} 2 وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 3 وقال عز من قائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} 4   1 الأنبياء:92. 2 آل عمران: 110. 3 الحجرات: 10. 4 آل عمران:103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ويشير القرآن الكريم إلى إعجاز الوحدة الإسلامية وعظمة ما تعنيه في مدلولها فيقول تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} 1. فالأمر الإلهي بالتضامن فرض جوهري في صلب العقيدة الإسلامية، والأخوة هي إحدى النعم الكبرى التي منّ الله بها على عباده المسلمين، وقد برأ الله تعالى رسوله الكريم من العاملين على تفرقة كلمة المسلمين وهدم وحدتهم، فيقول جل جلاله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} 2. ويؤكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أهمية الأخوة الإسلامية والتضامن بين المسلمين، ولا يدع فرصة مواتية إلا وعبر عن أهميتها فيقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وقال أيضا: "من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها فليس مني ولست منه". لقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يحث على الإخاء الإسلامي على مستوى الأفراد والجماعات فأوصى بالمودة بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الإخوان والجيران، وهكذا تلتئم خلايا المجتمع التئاماً متدرجاً حتى يتم بناء الأمة الإسلامية بأسرها على أسس من المحبة والود والإخاء والتضامن.   1 الأنفال: 62. 2 الأنعام: 159 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الإِعلام سلاح في يد الأعداء فالتضامن الإسلامي فرض من فروض الإسلام على الأمة أن تنهض به، وهو ليس مجرد عمل سياسي أو شعاراً مؤقتا وإنما هو جزء لا يتجزأ من جوهر الدعوة الإسلامية، ولا يستقيم للمسلمين عمل ولا حال إلا إذا تحققت أركان التضامن بينهم. ومن واجب الدولة الإسلامية أن تحقق التضامن، وأن تسعى إلى تثبيت أصوله وحمايته من التصدع، ولا ينبغي أن يسعى إقليم أو قومية أو دولة لتحقيق مصالحها على حساب الوحدة الإسلامية، إذ أن هذه الآفة هي التي حركت مطامع الدول الأجنبية في المسلمين وشجعتها على الانفراد بكل قطر على حدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ولقد دبر أعداء المسلمين شتى الخطط التآمرية على الأقطار الإسلامية ولجأوا إلى مختلف الطرق والأساليب من أجل إضعاف التضامن، ووضع العقبات والعوائق للحيلولة دون اتصال المسلمين ببعضهم لتحقيق تضامنهم. وقد كان الإعلام من أهم الأسلحة المستخدمة لبث روح الفرقة والانقسام بين المسلمين، إذ أن أعداء الإسلام يعلمون تماماً أنهم ما كانوا ليحققوا ما حققوه لو أن الصف الإسلامي كان موحداً ومتماسكاً وقوياً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الإِعلام الطباعي لقد كانت المطبعة هي السلاح الأولى الذي جلبه الصليبيون والمبشرون إلى العالم العربي لشن حملاتهم التبشيرية عن طريق الكتاب والصحيفة، ففي أحد الأديرة المارونية في لبنان وفي دير قزحيا طبع كتاب المزامير سنة 1610 بالحرف السرياني، ثم أنشأ الشماس عبد الله زاخر أول مطبعة عربية سنة 1731 بقرية الشوير اللبنانية، وتخصصت هذه المطبعة في نشر كتب التبشير المسيحي. وفي سنة 1834 أنشأ المبشرون الأمريكيون من أمثال كورنيليوس فان دايك، ووليم ورتبات وغيرهما مطبعة في بيروت لطبع الإنجيل، وتزويد الجمعيات التبشيرية بالكتب الدينية، ومن المعروف أن هذه الجمعيات كانت تضم الكثير من القسس والأطباء والعلماء الذين نذروا أنفسهم للتبشير بين المسلمين في العالم العربي. وأنشأ المبشرون مدارس دينية ومدرسة عليا هي الكلية السورية الإنجيلية التي تحولت إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، ومن الغريب أن هذه المعاهد قد اتخذت من بيروت والقاهرة ولا هو وأنقرة، وهى من أركان العالم الإسلامي، مراكز للتبشير في جميع أجزاء العالم الإسلامي، وبث الفرقة بين أقطاره المختلفة، وكان الإعلام الطباعي يغذي هذه الحركات التبشيرية بالكتب والصحف والمجلات والأطالس. وخاف اليسوعيون الكاثوليك أن يتفوق الأمريكيون البروتستانت عليهم في مضمار الإعلام التبشيري المسيحي والدعوة الصليبية بفضل مطبعتهم، فقرروا في سنة 1848 إنشاء مطبعة يواجهون بها منافسيهم، فاستوردوا من فرنسا مطبعة كبيرة طبعوا عليها الكتب الدينية والأدبية والعلمية، وفي الربع الأخير من القرن الماضي أصبحت طابعات هذه المطبعة الكاثوليكية تدار بالبخار لأول مرة في لبنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 لقد كانت خطة الأمريكين البروتسانت والفرنسيين الكاثوليك هي تعليم اللبنانيين والسوريين طرق التبشير وفنون الكتابة وأساليب الإعلام وأصول التحرير الصحفي، وتقنيات الطباعة لكي يصيروا دعاة لهم في جميع أنحاء العالم العربي، ثم في جميع أركان العالم الإسلامي، لبث الفرقة والانقسام بين أبنائه، والحيلولة دون تضامن العالم الإسلامي بأي شكل من الأشكال. وبالفعل نجد أن ناصيف اليازجي وبطرس البستاني في لبنان وبلاد الشام، ثم يعقوب صروف الذي أنشأ مجلة المقتطف، وشاهين مكاريوس وفارس نمر اللذان اشتركا في تأسيس المقطم مع خليل ثابت، بالإضافة إلى شبلى شميل وأنطون فرح، ثم سلامة موسى ولويس عوض، وهم جميعا من أنصار الاتجاهات المادية والاشتراكية، فضلا عن التروج للمذهب الدارويني في النشوء والتطور، والهجوم على كل ما يتصل بالإسلام. ولا يفوتنا ذكر ما لقيته الصوفية المنحرفة، من تشجيع فقد أنشأ الإيطالي (بلفنطى) مطبعته الحجرية التي طبعت بعض الدواوين الصوفية إلى جانب الكتب المسيحية، فالتبشير المسيحي يهتم بالتصوف الذي يحث على التواكل والتكاسل، ويشجع انتشار روح الفرقة بين المسلمين، ويعبر المستشرقون في كتاباتهم عن الإعجاب الشديد بالفلسفات الشرقية الغنوصية، وبالشطحات الصوفية مثل الفتوحات المكية لابن عربي وقصائد الحلاج وكتابات السهروردي وغيرها من الأفكار المدسوسة على الإسلام بما فيها من جبرية ووحدة الوجود ومذهب الحلول المنحرف الكافر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الإعلام الصهيوني ولقد تسابق اليهود والمسيحيون في إرساء قواعد الإعلام عن طريق إنشاء المطابع في فلسطين، ففي سنة 1830 أنشأ نسيم باق مطبعته في القدس لطبع كتب الديانة اليهودية، وكانت حروف تلك المطبعة عبرية، وفي سنة 1848 أسس جماعة من الإنجليز مطبعة بالقدس أسموها مطبعة لندن لانتشار الإنجيل، كما أنشأ الأرمن في السنة نفسها مطبعة وضعوها بديرهم المجاور لجبل صهيون، ولم يكتف اليهود بمطبعة نسيم باق بل ثنوها بمطبعة أسسها داويد ساسون سنة 1850. وهكذا أخذت المطابع اليهودية ترتبط بالحركة الصهيونية، وكانت الدعاية توجه إلى يهود العالم، ثم إلى العالم المسيحي توطئة للأحداث المؤسفة التي فرقت شمل العالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 العربي، وعملت على تمزيق الصف الإسلامي أيضا، وليست مجرد صدفة أن معظم قادة اليهود من رجال الإعلام والصحافة بدءاً من تيودور هرتزل الذي ترأس مؤتمر بازل في سويسرة سنة 1897 حتى رجال الصحافة والسينما والتلفزيون الذين يهيمنون على وكالات الأنباء والصحف وغيرها من دور النشر والإذاعة والسينما. ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على اهتمام اليهود بالإعلام والصحافة بوجه خاص، فهم يملكون: 1- 244 صحيفة في الولايات المتحدة الأمريكية، منها 151 دورية. 2- 30 دورية في كندا. 3-118 صحيفة في أمريكا اللاتينية. 4- 348 صحيفة في أوروبا بجميع اللغات الأوروبية. 5-3 صحف في الهند. 6- خمس دوريات في تركيا. 7- 42 دورية في أفريقيا. وتعلن إسرائيل رسميا أن الصهيونية تسيطر على 889 صحيفة في الدول الغربية. ٍوقد استطاع الصهيوني روبرت مردوخ أن يشتري أعظم صحف بريطانيا وأقواها نفوذا وهي صحيفة التايمز التي كان يملكها اللورد طومسون. وقد عرضت مجلة نيوزويك الأمريكية المشهورة للبيع فاشترى أكثر أسهمها أحد اليهود بمبلغِ 800 ألف دولار، وأصبحت هذه المجلة التي لها شهرتها وانتشارها وتأثيرها سلاحاً دعائياً جديداً في يد الصهيونية، وكم قامت هذه المجلة وغيرها بتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وبذر روح الفرقة والانقسام بينهم!. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الإذاعات التنصيرية وهكذا استطاع اليهود والصليبيون السيطرة على وسائل الإعلام في العالم وسخروها لخدمة أهدافهم الشيطانية ولم يستطع الإعلام الإسلامي حتى الآن أن يتغلب على هذه القوى الشريرة، لذا استطاع الإعلام الصهيوني أن يحجب الاهتمام بالقضايا التي تهم عالمنا الإسلامي حتى تموت في ضمير المسلمين، وفي نفس الوقت يركز على قضايا جانبية أو ظواهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 فيها الخطر المحدق بمجتمعاتنا الإسلامية يمهد لها ويعمل على نشرها وبث الزخارف المضللة حولها كالأفكار والمذاهب الهدامة والإباحية إلى غير ذلك. وقد سخروا لهذا أحدث أنواع الأساليب والوسائل الإعلامية من مجلات ونشرات وجرائد ونشرات متخصصة حتى للأطفال والنساء بصورة جذابة وبمختلف اللغات ينفقون عليها حتى تظهر بصورة مغرية جذابة منها ما يوزع مجانا ومنها ما يوزع بثمن ضئيل. كما أن هناك معاهد متخصصة في هذا المجال في أمريكا وغيرها، وقد سخرت مطابع ودور نشر لهذه الأغراض علاوة على طباعة الإنجيل ونشره وتوزيعه وترجمته إلى لغات عديدة. هذا في مجال الكلمة المطبوعة أما في الكلمة المسموعة فقد بلغت شأواً بعيدا في هذا المضمار حيت أنشئت برامج إذاعية تنصيرية بل أنشئت محطات خاصة للتنصير في مناطق عديدة منها: 1- إذاعة ساعة الإصلاح بالخرطوم في السودان. 2- إذاعة نور على نور في مرسيليا. 3- صوت كلمة الحياة في مالاكا بأسبانيا. 4- نداء الرجاء في شتوتجارت بألمانيا الغربية. 5- إذاعة المحبة والوفاء في بيروت. 6- إذاعة مونت كارلو بمونت كارلو. 7- المدرسة الإذاعية الإنجيلية مرسيليا. 8- المركز المعمداني في بيروت. 9- دار الهداية بسويسرا. 10- الإذاعة التنصيرية في ليبيريا. 11- الإذاعة التنصيرية في سيشيل. هذا وقد عقدت المؤتمرات واللقاءات في هذا المضمار حيث عقد في هوس بنيجيريا اجتماع ضم حوالي أربعين من زعماء الكنائس الأفريقية اللوثرية ومديري المحطات الإذاعية ورجال الإعلام لبحث تضافر الجهود وتطوير أسلوب الإذاعات التنصيرية في غرب أفريقيا، كما عقد اجتماع في تنزانيا في مارس 1981 خاص بشرق أفريقيا. وفي أكتوبر عام 1980 عقد مؤتمر كبير في سوزايلند ضم مجموعة من العاملين في مجال البث الإذاعي يمثلون 12 دولة من إفريقيا حضر معهم مجموعة من المراقبين في أوروبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 ومن المعروف أن للطائفة المعمدانية فقط حوالي 111 محطة إذاعية تنصيرية منتشرة في ثمانية وثمانين بلداً. كما تم تخصيص عشرين مليون دولار ابتداء من عام 1980 لتقوية إذاعة آسيا التنصيرية لمنطقة جنوب شرق آسيا خاصة وقارة آسيا عامة وهذه الإذاعة متمركزة في الفلبين وتبث برامج بلغات كثيرة بلغت 28 لغة آسيوية. أضف إلى ذلك محاولة تجنيد رجال التنصير في المؤسسات الإعلامية في الدول الإسلامية ليضمنوا السيطرة بشكل أو بآخر على هذه الأجهزة، بل تعدى الأمر إلى إنتاج برَامج خاصة بالتنصير بأساليب خادعة لتفوت على رجال الرقابة في المؤسسات الإعلامية الإسلامية المسموعة والمرئية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الفيلم وقضايا المسلمين وعلى حين تغطى أفلام الترفيه والضياع أسواق العالم الإسلامي في السينما والتلفزيون، فإن القضايا الإسلامية الخطيرة، ومشاكل المسلمين العديدة، لا تجد مجالاً في تلك الأسواق. فمثلاً قضية فلسطين وهي أكبر تحد واجهه المسلمون منذ ضياع الأندلس، تقف إمكانات المسلمين عاجزة عن إنتاج فيلم واحد يشرح قضيتها، ويبصر الناس بمأساتها، في حين أن اليهود قد عرضوا في عامي 1974 و1975 أكثر من 300 فيلم في المهرجان اليهودي الدولي للسينما والتلفزيون. وقد بذل مجلس الجامعة العربية جهوداً كبيرة للحصول على أفلام يوزعها على مراكزه في الخارج، وفي سنة 1964 اعتمد المجلس مبلغ نصف مليون دولار لإنتاج فيلم عن فلسطين بالتعاون مع منتج معترف به دوليا، غير أن الفيلم لم يظهر إلى الوجود نظرا للعجز في الإمكانات، ولعل الحقيقة تكمن في العقبات التي يضعها أعداء الإعلام الإسلامي في سبيل إنجاز أي إنتاج يكون له تأثير على الرأي العام. ومع ذلك فعندما احتج سفراء الدول العربية والإسلامية على عرض فيلم "الخروج " الذي يقدم دعاية سافرة عن إسرائيل واليهود، قامت قيامة الصحف الغربية، وأخذت تكيل السباب والشتائم للعرب والمسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 مسؤولية الإعلام عن بث روح التضامن والحق إن من أهم وظائف الإعلام تنوير العقول وتهذيب النفوس في ضوء تعاليم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الإسلام، فمن واجب الإعلام الإسلامي الدعوة لوحدانية الله، وتحريره الإنسان من عبودية العباد وإنقاذه من سيطرة الأهواء والشهوات والغرائز. فالإعلام مرفق هام من مرافق الدولة الإسلامية ولا ينبغي العبث به أو استخدامه لإثارة الشهوات، وتحريك الرغبات الدنيا بين الشباب والناشئة، بل أن المفروض أن ترقى اهتمامات الناس، وأن يسمو الإعلام بعقولهم وعواطفهم. ولعل الهدف الأسمى للإعلام هو توحيد الأمة فكراً وسلوكاً وولاء وإيجاد التعارف والتآلف بين أبنائها، والإصرار على معاني الأخوة والتراحم والتواد بين أفرادها، بل يجب على السلطان أن يضرب بيد قوية على كل من تسول له نفسه العبث بوحدة الأمة، أو تعريض وحدتها للخطر، وهذه جريمة من جرائم الخيانة العظمي. ولاشك أن أهم ما ينبغي أن نسارع إليه هو وقف حملات التشهير والسب والشتم والمهاترات بين أقطار العالم الإسلامي، كما يجب مواجهة الحملات الإعلامية المعادية، والتفرغ للدفاع عن الأمة ومقدساتها وتنشيط الروح الجهادية عند المسلمين. وبدلاً من إذاعة برامج لتعليم اللغة الإنجليزية بالراديو أو نشر اللغة الفرنسية أو غيرها من اللغات الأجنبية، ينبغي أن تتوفر إذاعاتنا الإسلامية على محو الأمية بأشكالها المختلفة، ونشر التعاليم الإسلامية، ومحاولة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. وبدلاً من الدعاية للحضارة الغربية، والتحدث عنها بإكبار وتقدير، وتقديم نماذج للشباب يقتدون بها، يجب على الإعلام في الدولة الإسلامية أن يتخذ مثله العليا من أبطال الإسلام وعلمائه، مع تعرية الحضارَة الغربية والثقافةَ الشيوعية والدعاية الصهيونية والمذاهب المنحرفة، وتسليط الأضواء على المعطيات الحضارية للإسلام. إن الطالب في كثير من الجامعات التي تنتشر في العواصم الإسلامية يعرف عن فرنسا، وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا أضعاف أضعاف ما يعرف عن إندونيسيا والباكستان ونيجيريا والعراق، ويعرف عن فولتير وشكسبير وروسو ولويسر التاسع ودانتى أكثر بكثير مما يعرف عن عبد الرحيم الغافقي ومحمد الفاتح وحسان بن ثابت والمتنبي والجاحظ وابن قتيبة. ولعل من أهم أسباب تقوية روح التضايق الإسلامي العمل على تعميم وسائل الإعلام، بنشر بعض الصحف اليومية لكي يتداولها الناس في جميع العواصم الإسلامية باللغة العربية وبعض اللغات الإسلامية الحية، على أن تتبنى هذه الصحف القضايا الإسلامية وتطالب بحقوق المسلمين المستضعفين وتعرف الناس بالأقليات الإسلامية وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 تتعرض له من مشكلات، ولاشك أن إطلاق القمر الصناعي العربي بعد تسعة أشهر ـ بإذن الله - سوف يتيح فرصاً سانحة عظيمة لنشر الدعوة الإسلامية وربط أواصر العالم الإسلامي والعمل على تضامنه ووحدته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الإعلام وأصالة التضامن الإِسلامي: والتضامن الإسلامي ليس دعوة مستحدثة، ولا فكرة جديدة، ولا هو عمل سياسي لغايات مؤقتة، وعلى الإعلام أن يرسخ في أذهان المسلمين أن التضامن هو جوهر الدعوة الإسلامية، وبغيره لا يمكن أن يستقيم للمسلمين حال، ولا أن ينتظم عمل، ولا أن يحقق الإسلام ذاته في ديار المسلمين. إن وحدة المسلمين واتفاق كلمتهم قد جعلت من العرب قوة ناجزت أعظم قوتين في العالم هما دولة الفرس ودولة الروم، كما سارت مواكب المجد الإسلامي- بفضل الوحدة- مشرقة ومغربة توسع ديار الإسلام، رافعة رايته خفاقة، وحاملة رسالته مضيئة منيرة مشعة في الخافقين. والمسلمون لا يجهلون أن سقوط الأندلس يرجع إلى تمزق الصف العربي والإسلامي وكثرة دويلات المسلمين، وتسلل العناصر المتآمرة إلى صفوف تلك الدويلات، والركون إلى الترف والتعرض للأفكار المنحرفة والعقائد الشاذة. على أن الحاجة إلى تنظيم الدعوة للتضامن قد أصبحت ملحة للغاية، ولابد أن تقوم على أسس مدروسة وخطط علمية، وهنا يقوم الإعلام بدور هام في تعميق الإحساس بالحاجة إلى التضامن، وتصوير الإطار الذي تدور فيه كل الوسائل والعوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية المؤدية إلى وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها بما هو يعود على دينهم ودنياهم بالخير والنفع والبركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الإِعلام وتحقيق التضامن الإِسلامي: ولا تخلو الساحة الإسلامية من الجهود الطيبة لإذكاء روح التضامن، مثال ذلك إنشاء رابطة العالم الإسلامي التي تعتبر بحق من أروع مظاهر التضامن الإسلامي، وهى التي تبذل جهوداً طيبة في حقل الإعلام لتجسيد دعوة التضامن وإبرازهاَ إلى حيز الوجود على أسس عملية وعلمية في آن واحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 لقد ظهرت رابطة العالم الإسلامي بنتيجة القرار الذي اتخذه " المؤتمر الإسلامي" الذي انعقد في مكة المكرمة عام 1381هـ، وقد عبرت المقررات التي اتخذها المؤتمر عن مدى الإحساس بضرورة تقوية الروابط بين المسلمين، وتحقيق التقارب والتعاون فيما بينهم، فجاء في مقدمة تلك القرارات: " يؤكد المؤتمر الإسلامي إيمانه برابطة الأخوة بين المسلمين، ويعتبرها الرابطة الحقيقية بين سائر الشعوب الإسلامية، كما يعلن المؤتمر أن أخوة الإسلام فريضة الله على كل مسلم تربطه بأخيه المسلم مهما كان جنسه ووطنه، وأن هذه الأخوة ظلت دائماً ركيزة القوة وخصيصة المجتمع الإسلامي في كل عهود العزة والمنعة في تاريخ المسلمين، وأن كل عصبية دون الإسلام تقع تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس منا من دعا إلى عصبية" وكل دعوى باسم القومية أو غيرها تفرق بين المسلمين وتتخذ بطانة من دونهم هي من دعاوى الجاهلية الباطلة التي أنكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يستفيد منها إلا أعداء الإسلام والمسلمين ". " ويجد المؤتمر من واجبه أن يهيب بالعرب خاصة أن يذكروا أن اجتماع شملهم إنما كان في حجر الإسلام أول مرة، وأنه لم يجتمع لهم شمل إلا في ظل أحكامه وسلطانه، وأنهم حملوا رسالةَ الإسلام إلى الدنيا فدانت لدعوتهم شعوب آثرت أخوة الإسلام على قومياتها، وأصبح ولاؤهَا منذ أسلمت للإسلام وأمة الإسلام، فجدير بالعرب حَملة الرسالة الأولى أن يكونوا القدوة في الحفاظ على أخوة الإسلام، وأن يعتبروا كل توهين لها عدواناً على تاريخهم وانتقاصاً من قوتهم، وانحرافاً عن طَريق وحدتهم ". والذي يهمنا في هذا الصدد هو دور الإعلام في تحقيق التضامن الإسلامي عن طريق التعاون الثقافي بين الدول الإسلامية، وتعريف كل من الشعوب الإسلامية بالمعطيات الثقافية التي أنتجتها شعوب إسلامية أخرى، وبأوضاع كل دولة إسلامية وحياتها ومشكلاتها وإنجازاتها. ومن الممكن إنشاء مؤسسة ثقافية إسْلامية كبرى ذات نشاط إسلامي شامل تمارس عملها في جميع أنحاء العالم سواء بنشر المؤلفات أو ترجمتها أو بإصدار الكتب والصحف الإسلامية التي تنطق باسم المسلمين جميعاً وتكون ذات شكل إعلامي حديث عصري متطور، بالإضافة إلى تبادل الخدمات والبرامج والأشخاص بين المؤسسات الإعلامية الإسلامية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وإن الدور الذي يلعبه التعاون الثقافي والإعلامي بين الدول الإسلامية كفيل بتنظيم الرأي العام الإسلامي وتوجيهه وفق مقتضيات مبادئ التضامن الإسلامي بأشمل معانيه وكافة تفاصيله، كما يمكنه قيادة تطوير المجتمع الإسلامي نفسه على ضوء الشريعة الإسلامية، وتحقيق التجانس والتقارب بين فئاته بصورة تجعل كل شعب إسلامي قادرا على الاستفادة من التجارب المفيدة للشعوب الإسلامية الشقيقة الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 أساليب الإعلام والدعوة الإسلامية : ويتمثل الدور الذي يقوم به الإعلام في تحقيق التضامن الإسلامي في عدة أمور أهمها تبليغ دعوة الإسلام وشرح مبادئها وتعاليمها ودحض الافتراءات والشبهات عنها، ومجاهدة المؤامرات الماكرة الخطيرة التي يريد بها أعداء الإسلام من الصهاينة والشيوعين والصليبين فتنة المسلمين عن دينهم وتمزيق وحدتهم وأخوتهم. ومن أهم وسائل الدعوة اجتماع علماء المسلمين المرموقين وكبار دعاة الإسلام لتبادل الرأي وتنسيق الجهود والنظر في تقوية وسائل الدعوة وتجديدها باستمرار، وتبادل الخبرات والتجارب في ميدان الدعوة والإعلام الإسلامي. ولما كان الحج من أهم المواسم الدينية والإعلامية في وقت معاً، كأن من الضروري انتقاء صفوة من أقوى الدعاة بمختلف اللغات لإذكاء مشاعر الأخوة والتضامن، مع عقد ندوات كبيرة لقادة الرأي والتوجيه، لاتخاذ القرَارات والتوصيات في المشكلات والقضايا الإسلامية، هذا بالإضافة إلى تحقيق التعارف والمودة بين الحجيج. كما ينبغي دعم أجهزة الإذاعة الإسلامية بالرجال والبرامج وبعدة لغات حتى تبلغ الدعوة آذان أكبر عدد ممكن من الناس، وهنا ينبغي الاستفادة من القمر الصناعي العربي لتحقيق وصول الدعوة الإسلامية إلى جميع أركان المعمورة، لأن الإسلام دين عالمي شامل وعام. وينبغي ألا تكتفي الإذاعات الإسلامية بتلاوة القرآن الكريم بتقديم بعض المواعظ، إذ أن العبرة تكمن في تقديم البرامج العامة أدبية وعلمية وسياسية من منطلقات إسلامية، وعلى هدى تعاليم الإسلام ومبادئه، أما أن تترك البرامج سادرة في غيها ومتردية في شكلها ومضمونها، فذلك مما يتنافى مع طبيعة الإعلام الإسلامي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الإعلام قوة حضارية إسلامية : لقد سارت خطوات التضامن الإسلامي سريعة إلى الأمام بفضل النظرة الشاملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 لعوامل الإخاء والتعاون. ولعل أهم معالم هذه النظرة الشاملة تبدو فيما قرره مؤتمر وزراء خارجية ثلاث وعشرين دولة إسلامية الذي انعقد في كراتشي سنة 1970م وبحث موضوع إنشاء مصرف إسلامي دولي تساهم فيه جميع الدول الإسلامية ويستفاد منه في مشروعاتها الإنمائية، كما درس موضوع إنشاء وكالة أنباء إسلامية دوليَة تكون هي المصدر الرسمي لأنباء الوطن الإسلامي في العالم كله، كما بحث موضوع دعم المراكز الثقافية الإسلامية في العالم أجمع، وإنشاء مراكز إسلامية جديدة، كما درس موضوع تعميم الثقافة الإسلامية وترسيخ قواعدها وجعلها ثقافة عصرية حضارية تقيس على أسس ثابتة من القيم الإسلامية، كما كان موضوع الحق الإسلامي في فلسطين على رأس الموضوعات. وهكذا يتضح لنا الفهم الحقيقي للإعلام على أنه قوة حضارية تتفاعل مع سائر القوى السياسية والاقتصادية والثقافية الأخرى، فجاء الاهتمام بإنشاء وكالة الأنباء الإسلامية حتى نتخلص من الاعتماد على الوكالات الأوروبية والأمريكية الدولية في استقاء أخبار العالم الإسلامي بوجه خاصِ والعالم الدولي بوجه عام، فالاستقلال الاقتصادي بإنشاء المصارف الإسلامية يسير جنباً إلى جنب مع الاستقلال الإعلامي بتقوية وكالة الأنباء الإسلامية التي أَقيمت في جدة، ثم تعزيز المراكز الثقافية الإسلامية في العالم كله للحفاظ على ذاتية الحضارة الإسلامية وتفردها باعتبار أن الأمة الإسلامية هي أمة متفردة في العالم كله. لذلك يسعى الإعلام إلى تعزيز روح التضامن بين البلاد الإسلامية وتهيئة الجو لروح الوحدة، مع الاهتمام بإشاعة روح التعاون والمساواة التامة بين الدول الإسلامية في الحقوق والواجبات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، واحترام سيادة كل دولة ووحدتها، وحل المنازعات بالطرق السلمية الإسلامية عن طريق التفاوض والمناقشات الودية الأخوية، وتعزيز المبادئ الإسلامية والعمل بمقتضاها، مع احترام حقوق الإنسان وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحة. وينبغي على الإعلام الإسلامي أن يعمل على نشر اللغة العربية الفصحى بين الشعوب المسلمة وجعلها لغة التفاهم بين الجميع، على أن تخصص الصحف والإذاعات برامج مدروسة لتعليم اللغة العربية وتداولها بين المسلمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الإعلام وإشاعة روح التضامن : أهم ما يسعى إليه الإعلام في الأمة الإسلامية العمل الإيجابي على بث روح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 التضامن والوحدة بين أجزائها. يقول عليه الصلاة والسلام: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمي". وأقدس واجبات الإعلام، ومسؤوليته العظمى تكمن في السهر على إشاعة روح الترابط والتماسك للمحافظة على كيان الأمة وحمايتها من الأخطار. يقول عز من قائل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض} 1. وكما تنضم خلايا الجسم لتكوين الجسد الحي، فإن الأفراد ينضمون بعضهم إلى بعض ليكونوا الأمة. والسر في هذا الانضمام هو تولد روح التضامن والتكامل التي تؤدي إلى الترابط والتماسك، فالمجتمع الإسلامي ينشأ من حمل فرد مثلا أعلى إلى آخر وهذا هو التبليغ. والرابطة التي تربط الأمة هي العقيدة الواحدة والهدف الواحد، والمثل الأعلى الواحد، والكتاب الواحد والسنة الواحدة، والثقافة الواحدة والقيم الواحدة والشريعة الواحدة. والتبليغ وهو الإعلام واجب مقدس لإشاعة روح الترابط والتضامن في الأمة الإسلامية، وكتمان هذا البلاغ من كبائر الذنوب. {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} 2 ولا يكون البلاغ إكراها {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ} 3 وإنما يكون إقناعاً وترغيباً، وأما من يعرضون عن البلاغ المبين فهم الذين لا يعلمون أو الذين لم يبذل الجهد الكافي لإقناعهم {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} 4.   1 الشورى: 52-53. 2 البقرة: 159. 3 البقرة: 256. 4 الأنبياء: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 مسؤولية الإعلام ومستقبله ... مسؤولية الإعلام الإسلامي ومستقبله: ومما يؤسف له أن الإعلام في البلاد الإسلامية كان مسرحاً للقوى الاستعمارية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 والمؤامرات الصهيونية والأفكار الشيوعية التي اصطنعت أقلاماً ووجوها تنشر المبادئ الهدامة والقيم غير الإسلامية. وحسبنا في هذا الصدد كلمات صدرت عن المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة الذي عقد في صفر سنة 1396هـ. بالمدينة المنورة، فقد ورد في قرارات المؤتمر. " ويندد المؤتمر بالهوة السحيقة التي تردى إليها إعلامنا ولا يزال يتردى، فبدلاً من أن يكون منارة إشعاع، ومنبر دعوة إلى الخير، صار صوت إفساد وسوط عذاب وسكت القادة فأقروا بسكوتهم، أو جاوزوا ذلك فشجعوا وحموا، وخفت صوت الدعاة وسط ضجيج الإعلام الفاسد ولم يعد الأمر يحتمل السكوت ". ونأمل أن ينهض الإعلام بالمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه وأن تعود الصحافة الإسلامية إلى سابق مجدهَا، فقد لمعت والحمد لله صحف فذة من أمثال المنار للشيخ محمد رشيد رضا ووادي ميزاب للعلامة الجزائري عبد الحميد بن باديس، وقد قامت الصحافة بدور خطير في قيادة الرأي العام الجزائري لمقاومة الاستعمار بفضل صحيفة البيان وصحيفة الشريعة. وقد أصدر الحزب الإسلامي في أفغانستان مجلة إسلامية اسمها " الموقف " وأصدرت جمعية أفغانستان الإسلامية مجلة " صوت الجهاد " لتنطق بلسان المجاهدين هناك، وهاتان المجلتان صدرتا بعد الاحتلال الشيوعي الغاشم لأفغانستان المسلمة، وهذا دليل على قوة الصحوة الإسلامية، وقدرة الإعلام على المشاركة في الجهاد. وإن واجب الإعلام أن يبين للأمة سبل التضامن، ويقيننا أن الركب واصل- بإذن الله تعالى- إلى هدفه المنشود، لجمع ما تشتت من شمل الأمة، ولإعادة بناء ما تهدم من بنيانها، ولفتح صفحات جديدة في تاريخ العالم، مؤكداً أن أمة محمد عليه الصلاة والسلام لن تموت ما وفت للرسالة، وما قامت بالدعوة، وما عملت بالأمر الإلهي بالوحدة والتضامن والتآلف والتعاضد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273