الكتاب: تفسير الكتاب العزيز وإعرابه المؤلف: عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله، ابن أبي الربيع القرشي الأموي العثماني الإشبيلي (المتوفى: 688هـ) المحقق: علي بن سلطان الحكمي الناشر: الجامعة الإسلامية بالدينة المنورة الطبعة: الأعداد 85 - 100 السنوات 22 - 25 المحرم 1410 هـ - ذو الحجة 1413 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- تفسير الكتاب العزيز وإعرابه ابن أَبي الرَّبيع الكتاب: تفسير الكتاب العزيز وإعرابه المؤلف: عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله، ابن أبي الربيع القرشي الأموي العثماني الإشبيلي (المتوفى: 688هـ) المحقق: علي بن سلطان الحكمي الناشر: الجامعة الإسلامية بالدينة المنورة الطبعة: الأعداد 85 - 100 السنوات 22 - 25 المحرم 1410 هـ - ذو الحجة 1413 هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مقدمة تفسير الكتاب العزيز وإعرابه لأبي الحسين عبيد الله بن أبي جعفر بن أحمد بن أبي الربيع القرشي الأموي الأندلسي الإشبيلى المتوفى سنة 688 هـ تحقيق ودراسة الجزء الأول الدكتور علي بن سلطان الحكمي الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية (أ) بين يدي تفسير الكتاب العزيز وإعرابه الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن أبا الحسن عبيد الله بن أبي الربيع الأشبيلي الأندلسي كان إمام عصره في بلاد الأندلس، اشتهر بدروسه في مدينة إشبيلية قبل سقوطها في أيدي الفرنجة، وفي مدينة سبتة بعد هجرته إليها. وقد امتد الزمن بدروسه أكثر من نصف قرن وقصده الدّارسون من كل أوب وفج يقيدون عنه ويفيدون منه، ويروون ويحملون ما يجيزهم روايته وحمله. وقد تخرج به الجمع الغفير من العلماء الذين صاروا به أئمة في مختلف الفنون، وكان لبعض منهم مؤلفات لا يحصرها ديوان، ويعز جمعها على ذي البحث والتنقير والافتنان، وقد كان لانقطاعه للعلم والدرس ومباعدته أهل الدنيا أثر واضح في تمكنه العلمي ورسوخه في مختلف الفنون التي كانت شغل الدارسين وحديثهم، ولئن انحصر نشاطه العلمي في التأليف والشرح والتّقيْيد على النحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 والصرف، وما يتصل بهما إن له لقدماً راسخة في مختلف العلوم لكنّ علوم العربية كانت تُمَثِّلُ التخصُّص الدقيق الذي تأكد فيه رسوخه وأحاط به معرفة وفهماً، لذلك خصه بالتأليف والشرح والتقييد على أمهات المصادر والأصول، إسعافاً للدارسين، وإثراءً لجوانب من هذا العلم بالتحقيق المستقصي والبحث الموفّي لما بدأه السلف من أئمة هذا الشأن، وقد أراد أن يختم نشاطه العلمي في آخر أيّامِه بمؤلف يجمع فيه ما كان حصله في رحلته الطويلة مع الدرس والمراجعة فكان هذا الكتاب الموسوم بتفسير الكتاب العزيز وإعرابه الذي شرع في إملائه في الأيام الأخيرة من حياته، وسلك فيه النهج الوسط مُتحامياً الإطناب المُمِلّ والإيجاز المخل، لكنَّ القدر لم يُمْهل ابن أبي الربيع كثيراً من الوقت ليتَسنَّى له إتمام هذا التفسير بل عاقته المنية وهو مازال يملي على طلابه ما أعدّهُ من تفسير وبيان وإعراب على آية المائدة (109) : {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} فرحم الله ابن أبي الربيع وأجزله مثوبته. أما العمل في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه فيتلخص فيما يلي: أولا: التعريف بمؤلفه تعريفاً موجزاً امتدّ إلى شيوخه وما حمله ورواه عنهم، أمّا تلاميذه فقد اقتصر البحثُ على بعض المشاهير من تلاميذه، لأنَّ العدد الحاصر لطلابه ليس بُمِتَأت جمعُهُ، فعالم تمتدُّ حلقته للدرس والإقراء واِلإجازة المروية أكثر من نصف قرن، وفي مدينتين من أعظم المدن الأندلسية، ويقصده أفواج الدارسين من الأندلس والمغرب يتعذر حصر طلابه بعد فقد الكثير من المصادر وكتب الفهارس والبرامج التي يظن أن بها الجمع الغفير من طلابه الذين لم يُهتد إليهم بعد، ولذلك فما ذكر له في دراسة كتابه الملخص في ضبط قوانين العربية عددٌ تقريبي، وكذا ما توصل إليه الزميل الدكتور عياد الثبيتي فيما أعدّه على كتاب البسيط هو عدد تقريبي أيضاً وليس حاصراً لهم. وقد كان في ذكر ما سبق في هذين الكتابين غُنيَة عن هذا التّعريف لولا خشية أن يقع هذا البحث بين أيدي من لم يكن لديهم الكتابان السابقان، فيكون في ذلك نقصٌ بالغرض الذي يَهدِفُ إليه هذا التعريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ثانياً: دراسة النص الذّي عثر عليه من تفسير ابن أبي الربيع وتوثيق نسبته إليه، وتصحيح ما وقع فيه بعض الباحثين عن حجم هذا التفسير أو كمه. ثالثاً: تحقيق النص وفق المنهج الذي ترسمه أئمة التحقيق، والضوابط التي وضعوها ما أمكن، ولا ادّعي أني وفيته حقه، لكن حرصت على ذلك جهد الطاقة، وقد وجدت صعوبة بالغة في قراءة النص وردّ شوا رده مما أضيف إليه في المقابلة التي ذهب جزءٌ كبير منها بسبب الرطوبة وتقادم النسخ لهذا الكتاب. هذا والله أسأل أن يعظم الأجر لأبي الحسين عبيد الله بن أبي الربيع وأن يتقبل منه عمله في خدمة العلم وطلابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 ابن الربيع: حياته وآثاره اسمه ونسبه ونشأته الفصل الأول: ابن أبي الربيع: حياته وآثاره، وفيه مباحث: المبحث الأول: اسمه ونسبه ونشأته: هو أبو الحسين عبيد الله بن أبي جعفر بن أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن أبي الربيع القرشي الُأمَويّ ثم العثماني الأندلسي الإشبيلي، يتصل في سلسلة نسبه بالخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه. كان موطن أجداده قرطبة إبان أزدهارها واستقرار الأمن فيها، فلمّا اجتاحها الصليبيون خرج جده فيمن خرج من أهل قرطبة فقصد لبلة حيث أقام بها فترة هو وبنوه، ثم ما لبث أنْ غادرها إلى مدينة إشبيلية قاعدة دولة الموحدين يومئذ، وفي مدينة إشبيلية كانت ولادة ابن أبي الربيع سنة 599هـ ولا تذكر المصادر شيئاً عن كيفية نشأته الأولى، ولا يبعد أن يكون قد أخذ من حداثة سنه قدراً كبيراً من حفظ القرآن الكريم وتجويده أو حفظه كاملا، ثم امتد به الدرس إلى العلوم الأولية التي تعدّ الدارس لما بعدها من الدراسة الموسَّعة في أمهات الكتب والمصادر المبسوطة في مختلف الفنون التي كانت مقصد الدارسين في الأندلس وشغلهم الشاغل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وقد قدر لابن أبي الربيع الاتصال بنخبة لامعة من أئمة العلم البارزين في الأندلس وأن يأخذ عنهم ويحمل ما أجازوه حمله وروايته من مصنّفاتهم وسائر الكتب التي رووها عن أشياخهم ودرسوها في مجالسهم وحلقات دروسهم العامة، وقد ساعده على جودة التحصيل طموح قاده إلى التّفوق العلمي، وكفاءة سمت به إلى ذروة المجد يوم خلف شيخه أبا علي الشلوبين على درسه في الجامع الأعظم بإشبيلية بتوجيه من شيخه أبي علي فوصل درسه بدرس شيخه وسنده بسنده في كفاءة نادرة لا يجارى فيها وبراعة فائقة لا يشق له غبار، وأداء ما يتقاصر فيه عن شيخه أبي علي الشلوبين، إن لم يكن فاقة في رجاحة العقل ونباهة الضمير وحسن الممالحة، في مقابل الغفلة والبَلَه اللّذين نحس حظ أبي علي الشلوبين بهما، وغيرهما من الصّفات المنغصة في حياة أبي علي الشلوبين رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 المبحث الثاني: شيوخه حفل برنامج ابن أبي الربيع الذي رواه عن شيوخه، وأملاه على تلميذه أبي القاسم ابن الشاط الأنصاري - بأسماء نخبة من العلماء الّذين التقى بهم وصحبهم وقرأ عليهم، أو سمع ما يُقرأ في مجالسهم، أو أجازوه رواية ما روَوه عن أشياخهم أو أذنوا له برواية مصنفاتهم وغير ذلك من طرق الأداء والتحمل وفيما يلي تعريف موجز بأشياخه الذين ورَدَ ذِكْرُهم في برنامجه بحسب الكنية التي تصدرت اسم كلّ شيخ منهم. 1- أبو بكر محمد بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي المعروف بالقرطبي المقري 1. كان عالماً مقرئاً مجوّداً ورعاً مُتَقَلّلا مِن الدُّنيا عاكفاً على التقييد، حريصاً على استفادة العلم.. قال ابن أبي الربيع فيما أخذ عنه: لزمتُه وحضرتُ مجلَسَهُ وقرأتُ عليه بعض كتاب   1 ينظر ترجمته في الذيل والتكملة 6/ 240، وبرنامج شيوخ الرعيني: 11- 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الموطّأ، وسمعتُ عليه بعض تأليفه في التفسير، وأجازني جميع ما رواه عن جميع شيوخه1. توفى سنة 628هـ. 2- أبوبكر 2محمد بن نبيل الغافقي الإشبيلي. (..- 630هـ) كان قاضياً وفرضيَّا مقصوداً في درسه. قال ابن أبي الرّبيع: تَعلّمتُ عليه الفرائض 00) 2. 3- أبو الحسن علي بن جابر اللّخمي الإشبيلي المعروف بابن الدبّاج3. (556-646 هـ) . كان إماماً في النحو، حُجّة في النّقل مُسدّداً في البحث، تخَرّجَ به عدد كبيرٌ من العلماء. قال ابْنُ أبي الرَّبيع: "حضرت مجلَسه في جامع العدَبَّسْ وسمعتُ عليه بَعضَ كتاب سيبويه، وأجازني في جميع ما رواه عن شيوخه"4. 4- أبو العبّاس أحمد بن محمد اللّخمي العَزَفي السَّبتي5 (557-633 هـ) عالم بالسنة والفقه، لزم التدريس بجامع سَبّتَة طيلة حياته، وقَصدَهُ الدَّارسون يفيدون منه ويقيدون عنه. قال عنه ابن أبي الربيع: (كَتَبَ إليَّ بإجازة، ما رواه عن جميع شيوخه) 6. 5- أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن خلفون الأزدي الأندلسي الأونْبي (555 ـ 633 هـ) 7 كان عالماً حافظاً ناقداً بصيراً بالحديث ورجاله، وله فيه مصنفات   1 برنامج ابن أبى الربيع 256- 257. 2 برنامج ابن أبى الربيع 262. 3 ينظر: صلة الصلة 137، واختصار القدح المعلى 155، والعبر للذهبي5/ 190، وسير أعلام النبلاء 23/209، وغاية النهاية1/ 528، ونفح الطيّب 3/ 1 46-478. 4 برنامج ابن أبي الربيع 257- 258. 5 برنامج أبن أبي الربيع 261. 6 برنامج أبن أبي الربيع 261. 7 ينظر: التكملة2/ 643،والذيل والتكملة6/128- 129، وشيوخ الرعينى 54- 55. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 مشهورة، منها المنتقى في الرجال، والمفهم في شيوخ البخاري ومسلم، وكتاب علوم الحديث، وغيرها. قال ابن أبي الربيع: "لقيته بإشبيلية، وأجازني في جميع ما رواه عن شيوخه"1. 6- أبو علي الشلوبين عمر بن محمد الأزدي2 (562-646 هـ) كان إماماً في علوم العربية، تصدّر للتدريس سِنِىّ حياته، له العديد من المصنفات والشروحات. قال ابن أبي الربيع: "لزمت مجلسه وقرأت عليه جميع كتاب الإيضاح وأكثر كتاب سيبويه، وسمعت بعضه بقراءة غيري، وقرأت عليه بعض الحماسة الأعلمية، وبعض الأمثال لأبي عبيد، وسمعت عليه بقراءة غيري بعض شعر حبيب، وبعض الأمالي للبغدادي، وبعض المفصل للزمخشري ... إلى أن يقول: وكانت الجزولية تقرأ عليه وأنا أسمعُ، وأجازني جميع ما رواه عن شيوخه"3. 7- أبو عمر محمد بن إبراهيم الإشبيلي المعروف بابن زغلل4. كان فقيهاً حافِظاً، عارفاً بالنوازل، فرضياً. قال ابن أبي الربيع: فيما حمله عنه: "حملتُ عنه إجازة كتاب ابن القاسم الحوفي في الفرائض، وحدّثني به عن القاضي أبي القاسم المذكور) 5. 8- أبو عمر محمد بن أحمد بن هارون التميمي الإشبيلي6. أخذ عن أبيه أبي القاسم، وأبي الحسن بن خروف، وابن طلحة، وغيرهم. قال ابن أبي الربيع فيما قرأه وسمعه عليه وأجازه روايته: "قرأت عليه الكتاب   1 برنامج ابن أبي الربيع 262. 2 ينظر اختصار القدح المعلى 2 5 1، وصلة الصلة 0 7- 1 7، وشيوخ الرعينى 83، وإنباه الرواة 2/332، ووفيات الأعيان 3/ 1 45- 2 45، وسير أعلام النبلاء23/ 7 0 2- 8 0 2. 3 برنامج ابن أبى الربيع 258- 259. 4 ينظر الذيل والتكملة 6/ 105. 5 برنامج أبن أبى الربيع 262. 6 ينظر: الذيل والتكملة 6/ 32، وغاية النهاية 2/ 90. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 العزيز بقراءات السّبعة حسب ما تضمَّنَهُ كتاب الكافي، وبالإدغام الكبير، وبقراءة يعقوب، وسمعت منه كتاب الكافي لأبي عبد الله بن شريح، وقرأت عليه كتاب المفردات من تأليفه وتأليف ابنه شريح، والجمل مَرّتين، والتّبصرة للصّيمري والأشعار السّتةَ والفصيح وعرضتها عليه، وأدب الكاتب وعرضته عليه من أوله إلى (إقامة الهجاء) ، وإصْلاح المنطق، وعرضته عليه دولا، والحماسة الأعلميّة وعرضتها عليه دولا إلاَّ يسيراً من آخرها، وأجازني جميع مما رواه عن جميع شيوخه"1. 9- أبو الفتوح عمر بن فاخر العبدري2 ( ... - 636 هـ) كان فقيهاً أصولياً، عالماً بالنحو. قالت ابن أبي الربيع: ".. أخذت عنه المستصفى بين قراءة وسماع، وسمعت عليه أبعاضاً من كتب الفقه"3. 10- أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن القرطبي الأموي قاضي الجماعة المعروف بابن بقي (537-625 هـ) . قال الرعيني في برنامجه: "بيته بقرطبة معروفٌ بالعلم والنّباهة، لم تزل خطَّة القضاء متداولة في سلفه 00"4. وكان عالماً باللغة العربية، ألف كتاباً في الآيات المتشابهات أحسنُ شيَءٍ في بابه5. قال ابن أبي الربيع: "قدمَ علينا إشبيلية وهو شيخٌ كبير فسمعت عليه بعض كتاب الكافي لأبي عبد الله بن شريح، وبعض كتاب الموطأ رواية يحيى بن يحيى وأجاز لي جميع ما رواه عن جميع شيوخه. .."6.   1 ينظر: برنامج ابن أبى الربيع 256. 2 ينظر: صلة الصلة 219، وبغية الوعاه 25/ 244. 3 ينظر: برنامج ابن أبى الربيع 262. 4 برنامج شيوخ الرعينى 50- 53. 5 تاريخ قضاة الأندلس 17. 6 برنامج ابن أبى الربيع 260. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 11- أبو محمد عبد الله بن محمد الجذامي الشّلطيشي. قال عنه الرعيني: "هذا رجلٌ من خيار المسلمين وصلحائهم"1. كان عالماً بالفقه المالكي، محصلاَ له حفظاً وإتقاناً، مجوداً لتوجيه أقوال أصحابه، مستقلاً بترجيح ما يجري على أصوله.."2. قال ابن أبي الربيع: "قرأت عليه بعضاً من كتاب المختصر لأبي محمد بن زيد، وسمعت منه بعضاً ولم أكمله، وسمعت عليه بعضاً من كتب الفقه"3. 12- أبو محمد عبيد الله بن علي بن محمد الأنصاري الأشجعي المعروف بابن سناري (576-647 هـ) . يعد من أهل النباهة والفهم والتيقظ والاستنباط الحسن، له جوابات فيما سئل عنه تدل على متانة علمه4. قال ابن أبي الربيع: "سمعت عليه المستصفى وأبعاضاً من كتب فقهيّة، وأجازني كتاب البراذعي، حدَّثني به عن أبي الحسن الأبياري"5.   1 برنامج شيوخ الرعينى 42. 2 المصدر السابق، والتكملة 2/ 908. 3 برنامج أبن أبى الربيع 263. 4 ينظر: التكملة 5/908. 5 برنامج ابن أبى الربيع 261- 292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 المبحث الثالث: تلاميذه امتدّت الحياة بابن أبي الربيع نحواً من تسعين سنة قضاها أو قضى جُلّها في ميدان العلم الواسع، تحصيلاً له في مرحلة التحصيل وبذلاً له في مجال التعليم والتدريس "معاناً على علمه بما جبل عليه من انقباض عن الناسِ ومباعدة أهل الدنيا وقلّة العيال وشغل البال، منعكفاً على التدريس والتعليم"6.   1 برنامج شيوخ الرعينى 42. 2 المصدر السابق، والتكملة 2/ 908. 3 برنامج أبن أبى الربيع 263. 4 ينظر: التكملة 5/908. 5 برنامج ابن أبى الربيع 261- 292. 6 برنامج أبن أبى الربيع مقدمة ابن الشاط 255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وهذا العمر الطويل في ميدان العلم لعالم كابن الربيع قد هيأ الفرصة لجمع غفير من الطلاب والدارسين الذين قصدوا مجلسه وحلقة دروسه في مدينة إشبيلية قبل انتقاله منها، وفي مدينة سبتة بعد هجرته إليها، لكنّ العدد الذي أوردته بعض المصادر وكتب البرامج والفهارس الأندلسية أقلّ بكثير ممّا يتوقع، وربما كان له طلاب غير من ذكروا. وقد سبق لي حديث عن تلاميذه الذين وقفت عليهم في دراسة السفر الأولى من كتاب الملخص في ضبط قوانين العربية1، واكتفي بذكر بعض مشاهير طلابه الذين عرفوا بعلمهم وخلدوا بآثارهم الباقية من بعدهم. أبو إسحاق الغافقي الإشبيلي (641 - 716 هـ) 2: هو إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الإِشبيلي يكنى بأبي إسحاق، خرجت به أسرته من إشبيلية بعد سقوطها في أيدي الصليبيين، فقصدت به سبتة مهاجر الأندلسيين أيام المحنة، وفي سبتة قدر له الاتصال بابن أبي الربيع وملازمته والأخذ عنه حتى استكمل تحصيله في مختلف العلوم التي واظب على تحصيلها، وقد خلف ابن أبي الربيع للتدريس، فكان منه مكان ابن أبي الربيع من شيخه أبي علي الشلوبين يوم خلفه على كرسي الدرس في جامع إشبيلية، أخذ عنه أبو عبد الله محمد البيري3، وشمس الدين محمد بن جابر الوادي آشي4، ويوجد الجزء الرابع من الكافي في الإفصاح عن مسائل كتاب الإيضاح بخط إبراهيم الغافقي هذا بالخزانة العامة بالرباط تحت الرقم 379 ك. أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي الأندلسي5 (627-708 هـ) : قال عنه ابن جابر في برنامجه: "أشهر من أن يعرف به، ذو التواليف الجمة، والعلم الغزير، أستاذ بلده"6.   1 ينظر الملخص 26-37، والبسيط 1/ 1 5-67. 2 برنامج الوادي آشي 166، وغاية النهاية 1/8، وبغية الوعاة 1/ 5 0 4، ودرة الحجال 1/176.. 3 برنامج المجاري 98، 100، 101، 103. 4 برنامج الوادي آشي 116. 5 المصدر السابق 03 1- 4 0 1، الديباج المذهب ا/ 88ا، غاية النهاية 1/32. 6 المصدر السابق 03 1- 4 0 1، الديباج المذهب ا/ 88ا، غاية النهاية 1/32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 أخذ عن جماعة من العلماء، فيهم ابن أبي الربيع، وأبو الحجاج يوسف بن إبراهي المالقي، وأبو عبد الله محمد بن يوسف المالقى، وابن سيد الناس، ومن تلاميذه ابن جابر الوادي آشي. ابن الشاط (643- 723 هـ) 1: هو قاسم بن محمد الأنصاري السبتي المعروف بابن الشاط، صحب ابن أبي الربيع وأخذ عنه، صنف مصنفات منها كتاب الإشراف على الشرف برجال سند البخاري. التجيبي (- 730 هـ) 2: هو القاسم بن يوسف بن محمد التجيبي البلنسي السبتي. كان عالماً ضابطاً، أخذ عن طائفة من أئمة العلم في عصره، ولازم ابن أبي الربيع أخذاً عنه، وراوياً أو سامعاً، وهو آخر من درسوا في حلقة ابن أبي الربيع، وروى عنه تفسير الكتاب العزيز وإعرابه، قال يا صفة أخذه: "سمعت طائفةً منه من لفظه، وأجازني جميعه". ابن رشيد (657- 721 هـ) 3: هو محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن إدريس الفهري أبو عبد الله المشهور بابن رشيد، أخذ العلم عن أئمة عصره، فأخذ عن أبي الربيع النحو والقراءات، وقيد تقييداً حسناً على سيبويه، له مؤلفات نافعة، من أشهرها ملء العيبة، وتقييد على سيبويه، والسنن الأبينَ في السند المعَنْعَنْ.   1 ينظر برنامج ابن جابر الوادى آشي 0 7 1، والاحاطة 2/ 9 5 2، ودرة الحجال 3/ 0 37. 2 ينظر الدرر الكامنة 3/ 340، وفهرس الفهارس والأثبات 1/ 19. 3 الوافي بالوفيات 4/ 284، والاحاطة 3/ 153، وأزهار الرياض 2/ 347. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 المبحث الرّابع: مكانته العلمية قُدِّرَ لابن أبي الربيع نشأة علمية متميّزة حَقَّقتْ له طموحه في التّحصيل العلمي، والاطلاع الواسع على موارد العلم المختلفة، والإحاطة بأكثر العلوم العقلية والنقلية التي كانت شغل العالمين والدارسين في عصره. ولذا نجده ينعت باللغوي والنحوي، والفرضي، وإمام المقرئين، الحافظ، الحسابي المتقن. وهذه النعوت تدل على تمكنه من أكثر الفنون وتحقيقه فيها، وَلَئن كانت السمة الغالبة على آثاره الموجودة والمذكورة في مصادر ترجمته تنحصر في علم النحو والتصريف وما يتصل بهما إنَّ له مشاركة وتمكناً في أكثر العلوم التي واظب على دراستها طالباً يتلقىَّ، وعالماً يُعطى ثمرة تحصيله العلمي ونتيجة نشاطه وعصارة فكره لطلابه في الحديث وفقه ورجاله إسناده، والفقه وأصوله، وفي القراءات والتفسير، والفرائض، بله النحو والصرف وعلوم اللغة العربية وقد أفاضت كتب التراجم والفهارس والبرامج بابن أبي الربيع وأبانت عن مكانته بين علماء عصره، فتلميذه ابن الشاط يقول: في شأنه: "أعلم مَن لقيناه، وأعظم مَنْ روينا عنه العلم ولقنّاه، وأجلُّ مَنْ نظم بين يديه اجتماعنا وعظم بما لديه انتفاعنا"1. ويقول تلميذه التجيبي: "شيخ الأستاذين، وإمام المقرئين، وخاتمة المعربين العلامة الأوحد، الحافظ النحوي اللغوي الحسابي، الفرضي"2. وقال السيوطي: "إمام أهل النحو في زمانه، ولم يكن في طلبة الشلوبين أنجب منه"3. وقال ابن القاضي: "كان إليه المفزع في المشكلات بصيراً بالفقه وأصوله والقراءات والحساب، والفرائض، وإمام الناس في النحو."4.   1 مقدمة برنامج ابن أبى الربيع 255. 2 برنامج التجيبى 16. 3 بغية الوعاة 2/ 125. 4 درة الحجال 3/ 71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 هذه أمثلة من شهادات بعض العلماء الذين اتّصلوا به وقيدوا عنه، والذين رووا طرفاً من سيرته العلمية، وَهِي تدلّ على ما بلغه قَدْرُهُ، وما انتهت إليه شهرتُهُ في العلم والتدريس والإجازة، فقد كان مقصد الدارسين من كل فج، وحديث العلماء في المشرق والمغرب، الذين تناقلوا أخباره وتداولوا كتبه يفيدون منها ويتدارسونها ويفزعون إليها في مواطن الاختلاف وتحرير المسائل، وحسبه أن يَسْتخلفه شيخه أبو علي الشلوبين على كرسيه في الجامع الأعظم بإشبيلية ليقوم بدرسه من بعده، فقام به خير قيام وأدّى أداءهُ في توجيه المسائل الدقيقة، باستقصاء أطرافها واستجلاء غوامضها، مِماَّ أعلى قدره يومئذٍ بين الدارسين فاشرأبت إليه الأعناق، وتزاحمت في حلقة دروسه مناكب طلاب العلم على مختلف مراحلهم ودرجاتهم، وحسبه أن كان من آخر المقرئين لكتاب سيبويه العارفين بغوامضه الفاتحين مغاليقه المقربين ما تناء من مسائله، العالمين بعويصه ومشكله، وقد أُعين على ذلك بالانقطاع إلى العلم ومباعدة أهل الدنيا وقلة الصوارف والعيال1.   1 صلة الصلة 83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 المبحث الخامس: وفاة ابن أبي الربيع وآثاره أ- وفاته: كان ابن أبي الربيع مِمّنْ نسأ الله له في الأجل وبارك له في حسن العمل، فقد أمضى سِنيّ حياته- التي قاربت التسعين عاماً في محراب العلم، طالباً يتلقىّ وعالماً يعطى ثمار ما حَصَّلَه من العلم لطلاب العلم والدّارسين علماً منظماً ورواية مُسنَدةً، وإجازةً باقيةً، وكان آخر عمل أراد أنْ يَطْوي به رحلته الطويلة في الدرس والتأليف، ويختم به نشاطه العلمي هو تفسير الكتاب العزيز وإعرابه، فقد شرع في إملاء ما أَعدَّهُ في آخر أيامه من تفسير وإعرابِ وقراءاتٍ على القرآن الكريم، وفيما كان يتوجه هذا العمل بين يديه أتاه اليقين صبيحةَ يوم الجمعة السّادس عشر من شهر صفر من سنة 688 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 ب- آثاره: يكاد نشاط ابن أبي الربيع في التأليف، وما أعدَّه من شروحاتٍ على بعض كتب المتقدمين، وتقييدات ينحصر في مجال النحو والصرف وما يتصلُ بهما، أمّا في مجال التدريس فقد امتدّت دروسه إلى العلوم العقلية والنقلية فكان له دروس في القراءات، وفي الحديث ورجاله، والفقه وأصوله، وفي التفسير، والفرائض، وغيرها. ولكن دروسه في النحو والصرف كانت تستأثر باهتمام أكبر منه، لأنَّ هذا الميدان كان ميدان تخصصه، فقد حققّ العلم بهذا الفن وأحاط بشوارده، لذلك كان نشاطه في التأليف والشروح منحصراً فيهما، ولا يبعد أن تكون له آثار في بعض الفنون التي أفسح لها في حلقات دروسه، وأعطى فيها إجازة باقية ورواية متصلة لأنَّ المصادر التي بين أيدينا، وكتب البرامج الموجودة لا تنفي أن يكون له نشاط علمي في غير النحو والصرف ولكنها غير صريحة في ما تعزو إليه فيما عدا الرواية وإجازتهُ لبعض العلوم، فيْبقى البحث مع ما ذكر له من الآثار الباقية والمفقودة، المطبوعة والمخطوطة، وقدْ سبق لنا دراسة هذه الآَثار في السفر الأوَّل من كتابه الملخَّص في ضبط قوانين العربية بما يغني عن الإِعادة والتكرار لما تطرّق إليه البحث هناك، وإنما نُشير في البحث هنا إشارة موجوزة إلى هذه الآثار، ونتوجه بالدراسة لكتابه (تفسير الكتاب العزيز وإعرابه) موضوع هذه الدراسة، وبخاصة ما يتعلق بالقضايا النحوية والصرفية في السفر الموجود من هذا الكتاب. والسمة الغالبة على ابن أبي الربيع في أعماله وآثاره الموجودة أو المفقودة هي الشرح والتقييد على كتب المتقدمين التي كانت تقرأ عليه في حلقة دروسه، ولذا تعددت شروحاته عليها، حسب ما يقتضيه حال الدارسين في الإِيجاز والبيان والتفصيل، ونعرض هنا لآثار ابن أبي الربيع وفق ما أوردته المصادر التي وقفنا عليها: كتاب البسيط: وهو شرحٌ على كتاب الجمل للزجاجي، وله على هذا الكتاب عِدّة شروحات فيها المختصر والمبسوط، وقد أورده بهذا الاسم غير واحد من علماء عصره وممّن جاء من بعده، قال تلميذه القاسم بن يوسف التجيبي في برنامجه: (وله على كتاب الجمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 المذكور عدة شروحات أعظمها الكتاب الموسوم بالبسيط، وَهُو في عدّة مُجلّدات ظَهَرَ فِيهِ حفظُهُ وتبريزه. ويبدو أنه شرع في هذا الشّرح وهو في مدينة إشبيلية، وأتّمهُ في مدينة سبته، هذا ما توصل إليه مُحقّق الكتاب الزميل الدكتور عياد الثبيتي لقول ابن أبي الربيع في مقدمة الكتاب: (..وكان الذّي أعانني على إكماله وتتميمه الذّي اتفق الأنام على فضله وتقديمه، فخر الزّمان المذكور بكل مكان، المشكور على كلّ لسان، الّذي عَمّت فضائله، وانتشرت في الورى فواضله.. الفقيه الأوحد، الأسنى الأفضل أبو القاسم محمد ابن الإمام العلامة المحدث الراوية أبو العباس أحمد ... ) . وأبو القاسم هذا هو أمير سبتة وطنجة إبّان قدوم ابن أبي الربيع إليها، ولا يبعدُ ما ذُكِر في زمن تأليف هذا الشرح عن الصواب، فإن الفترة التي أمضاها ابن أبي الربيع في مدينة إشبيلية أكثر من الفترة التي قضاها في مدينة سبتة، والمظنون أنّ حياته في مجال التدريس في مدينة إشبيلية لا تقل عن خمس وعشرين سنة، وهي فترة حافلة بالحيوية وحسن الأداء في الدرس والتأليف والشرح والتقييد. يُوجدُ من هذا الكتاب السفر الأول يبدأ بالكلام على قول الزجاجي: (أقسام الكلام ثلاثة) (1) وينتهي بالكلام على قول الزجاجي في الصفة المشبهة (والوجه الحاد عشر أجازه سيبويه، وهو قولك: مررت برجلٍ حسنٍ وجههِ 00) (2) . (وقد قام بتحقيقه ونال به درجة الدكتوراه الزميل عياد الثبتي وهو مطبوع في دار العرب الإسلامي في مجلدين) . الشرح الأوسط على كتاب الجمل: أورده التجيبي في برنامجه (3) ويوجد الجزء الأول منه في المغرب بخزانة ابن يوسف بمراكش، تحت الرقم (100) كتب سنة 724 هـ بخط أندلسي، واسم الناسخ محمد بن أحمد بن مخلوف، وعليها تملك باسم إبراهيم الرشيد بن عبد الله بن محمد (4) .   (1) البسيط 1/157. (2) البسيط 2/1099- 11 10. (3) برنامج التجيبى 280. (4) ينظر البسيط 1/ 70. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 كتاب الكافي في الإِفصاح عن مسائل كتاب الإيضاح (1) : هذا هو عنوان الكتاب وفق ما أثبته ابن أبي الربيع في المقدمة التي استهل العمل بها في هذا الشرح، وسمَّاه القاسم بن يوسف التجيبي في برنامجه الكافي في الإفصاح عن نكت الإِيضاح (2) ، وفي بعض المصادر سُمِّيَ بالإفصاح (3) ، وربّما سُمّي شرح الإِيضاح في أكثر المصادر التي تورده أو تورد نقلاً عنه، والكتاب من أوسع الشروحات التي قدمت على كتاب الإيضاح وأفضلها في عَرْض المادة العلمية ومناقشتها وتَقصِيّ مسائل الخلاف، وتحرير القول فيه بالدليل وبالقياس. وقد سبق لي حديث عنه فيما كتبته على الملخص في ضبط قوانين العربية (4) . توجد لهذا الكتاب نسخ مفرقة في مكتبات وخزائن المغرب، وهي تكمل الكتاب بأجزائه الأربعة. فيوجد منه الجزء الأول في خزائن القرويين تحت الرقم (513) ، وله نسخة ثانية في الخزائن الحمزية تحت الرقم (17) ، وله نسخة ثالثة في مكتبة الجامع الكبير بمكناس تحت الرقم (411) . الجزء الثاني. توجد له نسختان: الأولى بالخزانة الملكية تحت الرقم (5298) ، والثانية بالزاوية الحمزية تحت الرقم (17) . الجزء الثالث، توجد له نسخة نادرة بخط ابن آجروم. بفاس. وله نسخة ثانية بالخزانة الحمزية تحت الرقم (41) ، وبها خرمٌ من أولها وآخرها. الجزء الرابع، توجد له نسخة نادرة كتب بخط أحمد بن إبراهيم الغافقي تلميذ ابن أبي الربيع كتبت في شهر شوال سنة 658 هـ. توجد في صدر هذا الجزء إجازة لأبي مروان   (1) اللوحة 4 من الكافى السفر الأول. (2) برنامج التجيبى 287. (3) تاريخ الإِسلام للذهبى حوادث سنة 688هـ. (4) الملخص 1/51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 عبد الملك بن شعيب القشتالي بخط ابن أبي الربيع نفسه. والنسخة بالخزانة العامة بالمغرب تحت الرقم (379) . وله نسخة ثانية بالخزانة الحمزية تحت الرقم (41) . كتاب الملخص في ضبط القوانين العربية: وله نسخُ في المغرب وأسبانيا ويقع في جزء ين، الأول خاص بالنحو، والثاني خاص بالصرف، وقد حقق الأول لدرجة علمية وطبع في عالم الكتب سنة 1405 هـ. وحقق الثاني وطبع في الباكستان طباعة مشوهة تداخلت فيها نصوص الكتاب بالحواشي والتعليقات مما دعا إلى إيقاف توزيع الكتاب. تقييد على كتاب سيبويه: تذكره بعض المصادر بهذا العنوان (1) ، وبعض منها يذكر أنَّه تعليق على سيبويه (2) ، وبعض منها يورده بعنوان شرح سيبويه (3) ، ولعلّ القول بأنه تقييد على كتاب سيبويه هو الأقرب إلى الصحة من سائر العنوانان التي ذكرت، ولم يرد نقل عن هذا الكتاب في المصادر والكتب التي تورد أقوال ابن أبي الربيع، ممّا يدلّ على اختفاء هذا التقييد في فترة متقدمة من التاريخ قبل أن تتداوله أيدي النُّساخ والوراقين وربما يوجد تحت غير هذا العنوان من الشروح والتقييدات المجهولة المؤلف. كان ماذا: هذا كتاب ردّ به ابن أبي الرّبيع على مالك ابن المرحل لورود هذا التركيب في قول مَالِك هذا: وإذا عشقت يكون ماذا، هل لّه ... دين علىَّ فيفتدى ويروحُ   (1) ينظر الإحاطة 3/ 146. (2) ينظر تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 688 هـ. (3) بغية الوعاة 2/ 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 فأنكر ابن أبي الربيع هذا التركيب بقوله: لحن هذا الناظم، لا يقال كان ماذا، ولا يكون ماذا، ولا أفعل ماذا، ولا يجوز ما كان على هذه الطريقة (1) . وهذا الكتاب مفقود مع باقي آثار ابن أبي الربيع المفقودة ومن المحتمل يكون هذا الرد رسالة صغيرة الحجم لا كتاباً مبسوطاً. الشرح الصّغير على كتاب الإِيضاح: هذا الكتاب من آثار ابن أبي الربيع التي مازالت مفقودة، ولعلّ الله أن يظهره للباحثين والدّارسين، ويبدو أنه من كتبه التي لم يجر تداولها كثيراً بين العلماء بدليل عدم ذكره في أكثر الكتب التي أوردت كتب ابن أبي الربيع، كما لم يرد عنه نقل كما نقل عن غيره، ويكاد القاسم بن يوسف التجيبي ينفرد بذكره فقد أورده لا مقام الاستدراك على شيخه أبي الحسن بن أبي الربيع في عدّهِ عبد الله بن مسعود من العبادلة، وهو ليس منهم، ومما قاله التجيبي: (وقد سها شيخنا الإمام أبو الحسن بن أبي الربيع- رحمه الله- في ذلك فعدّه فيهم في شرحه الصغير لكتاب إيضاح الفارسي وفي غيره من تآلفه 00) (2) . تفسير الكتاب العزيز وإعرابه: وهو آخر أعمال ابن أبي الربيع العلمية، وخاتمة نشاطه العلمي في الدرس والمراجعة والتأليف، وسيفرد ببحث في هذه الدراسة إن شاء الله، يتناول توثيق نسبته والقدر الذي انتهى إليه فيه ابن أبي الربيع، ودراسة المسائل النحوية والصرفية في الجزء الموجود منه.   (1) النبوغ المغربي 64. (2) برنامج التجيبي 280. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 دراسة المسائل العربية في تفسير الكتاب العزيز وإعرابه توثيق نسبة الكتاب لمؤلفه ابن أبي الربيع ... الفصل الثاني دراسة المسائل العربية في تفسير الكتاب العزيز وإعرابه، وفيه مباحث المبحث الأول: توثيق نسبة الكتاب لمؤلفه ابن أبي الربيع هذا الكتاب هو آخر أعمال ابن أبي الربيع، وخاتمة نشاطه العلمي في الدرس والمراجعة والتصنيف، وهو من مُصنّفات ابن أبي الربيع التي لم يرد لها ذكر في أكثر كتب التراجم والبرامج التي ترجمت ابن أبي الربيع وأوردت أسماء مؤلفاته أو شروحا ته على كتب المتقدمين، كما لم يرد عنه نقل في المصادر التي أوردت أقوالا ونقولات عن كتب ابن أبي الربيع، وإنما أورده تلميذه القاسم بن يوسف التجيبي في برنامجه، وقد وثق نسبته إلى شيخه توثيقاً لا يأفكه ارتياب ولا تسنح فيه شبهة، فذكر عنوان هذا التفسير وبدايته ونهايته، والقدر الذي سمعه من إملاء شيخه، ثم إجازته له رواة جميع تفسيره وجميع ما رواه وألفه، وفيما يلي نص كلام التجيبي عن هذا التفسير: (.. ما تسنى لشيخنا العلامة أبي الحسن القرشي المذكور- رحمه الله- تعالى من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه، وذلك من فاتحته إلى قوله تعالى في سورة المائدة (109) : (ويَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ، قَالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب) وعاقته المنية عن إتمامه- رحمه الله- ورضى عنه وقدس روحه وبرد ضريحه. وهوَ آخرُ ما ألف. سمعت طائفة منه مِن لفظه في الإملاء وأجازني في جميعه..) . وأحسب أنّ هذا النص كافٍ في نسبة هذا التفسير لابن أبي الربيع، وهناك من الأدلة التي توثق هذه النسبة وتؤكدها ما يلي: أولا: ورود اسم هذا التفسير في اللوحة الأخيرة من هذا الكتاب، ونصها: الأول من تفسير القرآن لابن أبي الربيع- رحمه الله- وإن كان في هذه قصور في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 البيان ونقص في العنوان فمرده إلى الاختصار أو إلى معلومات الناسخ عن العنوان الحقيقي للكتاب. ثائياً: بعض الأقوال والآراء التي ناقشتها في هذا التفسير نجدها بنصها أو بنص مقارب في كتبه السابقة على هذا التفسير، ومن الأمثلة التي تؤكد ما أسلفناه ما يلي: أولا: ما قرره في إضافة الوصف- اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال وأضيف إلى المعرفة، كانت إضافة على التعريف والتَّخفيف، وهذا القول أورده في كتابه البسيط بعرض أشمل، وبيان مفصل. ثانياً: إضافة اسم الفاعل إلى الضّمير. أورد الخلاف في موضعِ الضمير عند الكلام على قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسَ إِمَاماَ) وهذا الخلاف أورده في كتابه البسيط (2/1048/2-1049) ، والملخص (1/192) . ثالثاً: خَرّجَ الباء في قوله تعالى: (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم) على أنها بمعنى الهمزة، قال: والمعنى: أذهب الله نورهم، وأورد شاهدين على مجيء الباء بمعنى الهمزة، ونقل عن ثعلب قوله: ذهبت به وأذهبته، ودخلت به الدار وأدخلته.. إلى أن يقول: ولا أَعلَمُ خلافاً بين النحويين خلافاً في أنَّ الباء تكون بمعنى الهمزة إلا المبر، قال بين الهمزة والباء هنا فرق، وذلك أنك إذا قلت: أذهبت زيداً، المعنى جعلته يذهب وإن كنت غير ذاهبٍ معه، وإذا قلت: ذهبت بزيدٍ فلا تقوله حتّى تذهب معه. وهذا القول والتوجيه أورده ابن أبي الربيع في كتاب البسيط (1/417) و (2/995) . رابعاً: وجّه قراءة النصب في "غشاوة" من قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 قُلُوبهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) على إضمار فعلٍ دلّ عليه وختم، قال: لأِنَّ الختم في القلب والعين نظير جعل الغشاوة على العين..) واحتج لذلك بقول امرئ القيس: وريح سنا في حقّة حميرّية ... تخصّ بمفروك من المسك أذفرا المعنى: ويضمّخْن ريح سنا، وحذف يُضمَّخْنَ، لأَن ما قبله وهو يُحلّينْ يَدُلّ عليه. وهذا التوجيه للشاهد أورده في كتاب الملخص (1/ 385) في احْتِجاجه به على نصب "شركاءهم " من قوله تعالى: (فَأَجْمعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءكُمْ) حيث جعل النصب هنا على إضمار فعل تقديره، وأَجمعوا شركاءَ كم بوصل الألف، ويكون بمنزلة قول امرئ القيس: ريح سنا في حقّة حميرية ... البيت قال في توجيه البيت: التقدير: ويضَمِّخْن رِيْحَ سَنَا، وحذف لدلالة ما قبلها عليه. تلك أهم الأدلة التي تثبت نسبة هذا التفسير لابن أبي الربيع إضافة إلى ما أورده القاسم بن يوسف التجيبي تلميذ ابن أبي الربيع، وقد أفاد نص التجيبي بالإضافة إلى نِسْبَهِّ الكتاب أمرين مُهَميْن في التوثيق: الأول: أن هذا التفسير كان آخر ما ألفه ابن أبي الربيع. الثاني: تحديد القدر الذي انتهى إليه في هذا التفسير، فهو لم يتمكّن من إتمامه، بل وقف به الجهد عند آية (109) من سورة المائدة كما سبق في نص التجيبي، ورأيت بحثاً للدكتور محمد حجي بعنوان (ابن أبي الربيع السبتي إمام أهل النحو في زمانه) يُقَدّرُ هذا التفسير بما يَنيف عن ثلاثين جزءاً (1) ، ويبدو أنه لم يطلع على ما أورده التجيبي في   (1) مجلة المناهل العدد 22 الصادرة في عام 1402 هـ عن وزارة الشؤون الثقافية المغربية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 برنامجه عن هذا التفسير، وإنما بَنَى حُكَمُهُ على الظَّنّ والتّخمين وليس على الحقيقة واليقين، فهذا التّقدير الذي انتهى إليه الدكتور محمد حجي مَبْنيُّ على تفسير القرآن كاملاََ، والّذي ثبت أنّ ابن أبي الربيع لم يكمل الجزء السّابع من أَجزاء القرآن الكريم للسَّبب الّذي أورده التجيبي، وهو ثقة فيما أخبر به، وعليه يُعَوّل فيما يَتَعلّق بهذا التفسير، وَصفاً وتوثيقاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 المبحث الثاني: منهج ابن أبي الربيع في عرض مادة الكتاب تناول ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه العلوم المساعدة على فهم نصوص الكتاب الحكيم وبيان مقاصده، وهي علوم العربية من نحو وصَرفٍ وبلاغة، لأن تحصيل هذه العلوم مُعينٌ على فهم آيات الكتاب الحكيم، وعلى فهم سائر النصوص العربيّة نثراً وشعراً، ويبيّن فحواها ومنطوقها، لأنَّ المعاني تبقى مُستكِنّة في النص حتى تكشف بأنه البيان من تفسير الغريب، وتحليل التراكيب، وتوجيه النص على مقتضى العربيّة في وضوح العبارة وسلامة التراكيب وحسن البيان، ولما كانت مُهِمّة العربيّة هي فهم النصوص وتحرير معانيها أهتم بها سلفنا من العلماء، وأوصوا الدَّارسين بالنظر في علوم العربيّة قبل غيرها من العلوم ليتأتى لهم فهم العلوم الشرعية فهماً سليماً، لأن مَنْ حَسُنَ نظره في علوم العربية توجه له النظر في غيرها، وجرى في تحصيله على وجه السداد، وأخذ في المعرفة مأخذ أهل التّحقيق والاجتهاد ومن هذا التوجه عند المتقدمين ينطلق عمل ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسيره فقد رأى أنها وسيلة الفهم في تجلية معاني النصوص وكشف مكنونها، فأولى القضايا النحوية والصرفية واللغوية جلّ عنايته، وناقش أكثر المسائل مناقشة تنم عن علمٍ وَسِعة اطّلاع على مصادر التراث في مختلف فنونه، كما برزتْ شخصيته العلميّة في المناقشة ونقد الأقوال التي لا تقف مع منهج المتقدمين في الاحتكام إلى الأصول المعتَبرة من السماع والقياس الصحيح أو الاتساع فيما لم يرد به سماع موثوق ولا يُحملُ على وجه في القياس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وقد تنوّع أسلوب ابن أبي الربيع في عرض المادة العلمية التي أوردها في تفسيره، وبخاصةٍ ما يتعلّق بالعربيّة أداةِ الفهم والبيان، فتارةً يستهل الكلام على الآية بتفسير غريبها وما يتبع ذلك من توجيه المعنى، وتارة يأخذ في تفصيل المسائل النحوية والصرفية معرجاً على ما فيها من خلاف أو مُتَوخّياً له ليحكم فيه بما يراه وتارةً تتواردُ القضايا النحوية والصرفية، والبلاغية على النص فيأخذ في بيان كل قضية منها، وغرضه من التنوّع في العرض تقريب المعنى بما يُعينُ على استنباط الحكم الذي تحتمله الآية أو تدلُّ عليه وقد كان هذا الكتاب- أعني تفسير الكتاب العزيز وإعرابه -خاتمة أعمال ابن أبي الربيع في الدرس والتأليف ونتيجة نشاطه الطويل في هذا الميدان، فهو يمثل قمة النُّضج العلمي الذي انتهى إليه في تحرير المسائل العلمية وتوجيه أقوال المتقدمين وتقويمها وفق منهجه الذي ترَسَّمَهُ في دروسه وتواليفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 المبحث الثالث: دراسة المسائل النحوية وأثر الإعراب في توجيه المعنى أ- المسائل النحوية: يتناول هذا المبحث قضيَّتين: الأولى: المسائل النحوية التي تَعرّض لها ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه. الثانية: الإعراب وأثره في توجيه المعنى، وهذه المسألة أساس في تفسير ابن أبي الربيع كما هو واضح من العنوان. فأمّا المسائل النحويّة التي تطرق لها ابن أبي الربيع فكثيرة في هذا السفر وليس من غرض هذا البحث حصرها، ولكني أقف عند مسائل بعينها، منها السهلة التي لا يختلف في فهمها حذاق العربية وعامة الدّارسين لعلم العربية، ومنها الدَّقيقة التي كانت معترك الاقتران، وقد عرض ابن الربيع كل ذلك بشيءٍ من البسط تارة وأوجز القول تارة أخرى، وكان له موقفٌ من كل ما عرضه، إمّا الترجيح لمذهب ورد ما يعارضه، وإمّا ردّ القول واختيار ما يراه متوجهاً نحو الصحة، وذلك بعد مراجعة طويلة للمسألة أفضت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 به إلى ما انْتَهى إليه في ترجيح ما رجحه واختيار ما اختاره، ويعرضُ البحث فيما يلي بعضاً من المسائل التي تناولها ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسيره. أولاً: الخلاف في مُتَعلّق الجار والمجرور: اسْتهلّ ابن أبي الربيع تفسير الكتاب العزيز وإعرابه بذكر الخلاف في متعلَّقِ الجار والمجرور بين البصريين والكوفيين في "بِسْمِ " ثُمَّ أورد قَوْلاً ثالثاً في المسألة نسبة لبعض المتأخرين ظاهر الموطأة لمذهب الكوفيين، وقد أبدى ابن أبي الربيع على كِلّ قولٍ من الأقوال الثلاثة مأخذاً لكنَّهُ مال إلى ما ذهب إليه البصريون، وَوَهَّن ما ذهبَ إليه الكوفيون، وردّ قول بعض المتأخرين ووجّه ردّه لذلك القول بما أسعفه به فقهه للمسألة ودقّة فهمه، ومِمَّا قاله في المسألة: (ذهبَ البَصرِيُّون إلى أنَّه في تقدير: ابْتدائي بِسْمِ اللَّهِ، فبسم اللَّهِ عِندَهُم خَبَرْ مُبْتَدَأٍ مَحذُوفٍ. وذهب الكُوفِيُّونَ إلى أنَّه في تَقْدِيْر: أُبْدَأً بِسم اللَّهِ (1) . والفعلُ الّذي لا يَصِلُ إلاَّ بِحرْفِ الجرّ يَضْعُفُ حَذْفهُ، وقَدْ جاءَ لكنّهُ قليلٌ. وجاء بعضُ المَتأَخِّرِينَ وذَهَبَ إلى أنه يَجُوزُ أن يكونَ المجرور مُتعلِّقاً بفعلٍ تَدُلُّ عليهِ الحال، تَقْدِيرُهُ: أقرأ بهذا، وأكتب بهذا، على معنى مُسْتعيناً. ويُحذَفُ الفعل لِدلاَلَةِ الحالَ عَليهِ. وهذا لا يصح لأن الحال لا تدل على الفعل حتى يصل بنفسه لا تقول: بزيد، تريد، مرّ بزيد وإن كان معك من الحال ما يدل على ذلك تقول لمن شال سوطا أو أشهر سيفاً: زيداً، على معنى: اضرب زيدا، فالحال لا تدل على الفعل حتى يكون الفعل يصل بنفسه، ولا يتصرفون في الضعيف تصرفهم في القوى من الإضمار والإظهار، إلا   (1) ينظر تفسير الطبري 1/ 115، ومعاني القرآن وإعرابه 1/ 36، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 116، وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ص 9، والبيان في غريب إعراب القرآن 1/ 31- 32، والكشاف 1/ 26- 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 إنهم يقولون: بمن تمر أو بمن مررت؟ فيقول المسؤول: بزيد، وهو على تقدير: مررت بزيد، لأن هذا وإن كان محذوفاً فكأنه ظاهر لأنه مكنون في السؤال، وليس هذا بمنزلة ما استعملته الأحوال، ولا بمنزلة ما أُخِذَ لِيفَسّرَ. وأما قوله: (في تِسْعِ آيَاتٍ إلَى فِرْعَوْنَ) (1) فقوله: "في تِسْعِ آيات " خبر لمبتدأ محذوف، أيْ هذه الآيات في تسع آيات، فقد نزل هذه منزلة قد أرسلت أو ترسل، فجاز حذف الفعل هنا وإن كان لا يصل إلا بحرف الجر، لأنه تنزل منزلة بمن مررت؟ فنقول: بزيد. ومع هذا لا ينكر حذف الفعل الواصل بحرف الجر لكنه قليلٌ لا يُحملُ عليه ما قُدِّر على غيره (2) . ثانياً: متعلق الظرف (إذا) : أورد ابن أبي الربيع الخلاف في متعلق الظرف إذا المتضمنة معنى الشرط، ورجح أن يكون متعلقها جواب الشرط، وهو قول أبي على الفارسي في المسألة، ومما ذكره ابن أبي الربيع في المسألة: (.. وإذا اختلف الناس في الفعل الذي تتعلق به على ثلاثة مذاهب) : فمنهم من قال تتعلق بفعل الشرط، لأن فيها معنى السبب، فإذا قلت: إذا جئتني جئتك فإذا تتعلق بجئتني، وهي بمنزلة أن لو قلت: متى جئتني جئتك. ومنهم من قال هي متعلقة بالجواب، والجملة التي بعدها في موضع خفض بإذا، إلا إنها لا يقع بعدها إلا جملة فعلية، لأجل ما فيها من السبب، ولا يقع بعدها المبتدأ أو الخبر إلا في ضرورة الشعر.. إلى أن يقول: وعلى هذا أكثر النحويين؛ لأنّ إذا في الأصل ظرف، والظرف يطلب ما يضاف   (1) سورة النمل آية: 12. (2) من قوله: وجاء بعض المتأخرين، وما تعقب به على هذا القول إلى هنا المعنى بهذا الزمخشرى، فالقول قوله في المسألة كما في الكشاف 1/26-32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 إليه، والسببية تطلب مرد الكلام، فيلزم لهذا أن يكون جوابها مؤخراً، فإن جاء: أكرمُك إذا جئتني فجوابها محذوف، تقديره: أكرمك إذا جئتني يكون ذلك، ولا تتعلق بأكرمك، كما أنك إذا قلت: أكرمك إن أكرمتني، فجواب إن محذوف، تقديره: أكرمك إن أكرمتني يكن ذلك، فالفعل الأول دل على الجواب لا هو الجواب. وتقول العرب: إن زيد قام فأكرمه، فزيد فاعل بفعل مضمر دلت عليه قام الظاهر، ويكون هذا بمنزلة قوله تعالى: (وَإنْ أَحَدٌ منَ اْلمُشْرِكِينَ استجارك فَأَجِرْهُ) (1) فأحد فاعل بفعل مضمر، وكذلك قوله تعالى: (إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ، وَإذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) (2) . فهذه كلها مرفوعات بفعل محذوف دلت عليه هذه الظواهر، فتعرب الشمس كورت مفعولاً لم يسم فاعله لا مبتدأ، لأن السببية تمنع من ذلك، وقد نص أبو على في الإيضاح (3) على هذا وهو الصواب. ومنهم من قال: إذا تضاف إلى الجملة الفعلية وإلى الجملة الاسمية، وتتعلق بما قبلها وبما بعدها لأنها ظرف، والظرف يتعلق بما قبله وبما بعده، فجعل "إذا الشمس كورت " الشمس: مبتدأ، كورت خبره، وفي هذا بعد، إذا لو كان كما قيل لجاز: إذا زيد قائمٌ. أكرمك، وهذا لا يقع إلا في ضرورة الشعر، وهو قليل في الضرورة والذي ذهب إليه أبو على (4) أصح الأقوال الثلاثة- والله أعلم. (54) . ثانياً: مجيءُ نائب الفاعل والمفعول به جملة: خرّج ابن أبي الربيع الجمل الواقعة بعد أفعال القول المبنية للمجهول على أنها بلفظها نائب فاعل وليست جملة في موضع رفع نائب فاعل، قال في توجيه الآية الكريمة: (وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا في الأرْضِ..) (5) : (.. لا تُفْسِدوا) في   (1) سورة التوبة آية: 6. (2) سورة التكوير آية: 1، 2، 3. (3، 4) ينظر الِإيضاح العضدي 30. (5) سورة البقرة الآية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 موضع المفعول الذي لم يُسمّ فاعله بقيل، َ لأنه عينُ المفعول فيجري مجرى: "سُبْحانَ اللَّهِ تَمْلأ الميزان " (1) ومجرى: زعموا مطيَّة الكذب. وليس في موضع مفردٍ هو المفعول الذي لم يُسمَّ فاعلهُ؛ لأنَّ هذا لا يكون في المبتدأ ولا في الفاعل ولا في المفعول الذي لم يُسمَّ فاعلهُ ويكون في الأخبار، وقد مضى الكلام على هذا في: (أأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ..) (2) (36) . وقال في توجيه الآية الكريمة: (وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَاَ آمَنَ النَّاسُ..) : (.. و (آمِنوا) هو المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله بقيل..) (61) . وقال في توجيه الآية الكريمة: (إِنَّمَا نَحنُ مُصْلِحُونَ) : (إنما نحنُ مصلحون) في موضع المفعول به لـ"قالوا" وموضعه نصب لأنّ قالوا أخذ عمدته بخلاف "لا تفسدوا، موضعه رفع، لأنه عمدة قيل ". وبمثل هذا التوجيه عرض لقوله تعالى: (قَالُوا أنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهَاء) فقال: "أنؤمن": هي مفعول "قالوا" بنفسه وليس موضوعاً موضع المفعول به على حسب ما تقدم في قول العرب: زعموا مطية الكذب، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "الحمدُ لِلّهِ تَملأُ الميزان وسبحان اللَّه تملأ أو تملاَن ما بين السماء والأرض.. ". وقد سبق إلى قريب من هذا القول الزمخشري، قال توجيه الآية الكريمة: (وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي اَلأرْضِ..) : (وإذا قلت: كيف صح أن يُسند "قيل " إلى "لا تفسدوا" و"آمنوا" وإسنادُ الفعل إلى الفعل لا يصح؟. قلت: الذي لا يصح إسناد الفعل إلى معنى الفعل، وهذا إسنادُ إلى لفظة، كأنه قيل: لهم هذا القول أو هذا الكلام. فهو نحو: ألِفٌ ضرب من ثلاثة أحرف، ومنه: زعموا مطية الكذب (3) .   (1) الحديث بتمامه في صحيح مسلم كتاب الطهارة 1/ 500 هـ. (2) سورة البقرة آية: 6. (3) ينظر الكشاف 1/ 181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وقد رد العكبري ما ذهب إليه الزمخشري وجعل القائم مقام الفعل مضمر يفسره سوق الكلام، وتابعه أبو حيان مع زيادة في البيان وتوجيه الرد على الزمخشري (1) . رابعاً: تَعدي الفعل "زاد" ولزومه: يأتي الفعل "زَادَ" مُتعدياً ولازماً، والأكثر في المتَعَدِّي أنْ يأتي من باب كسا وأعطى، ولكنَّ ابن أبي الربيع أورد قسماً ثالثاً يكون فيه هذا الفعل مُتعديّاً لمفعولٍ واحد.. وهذا التقسيم قلمّا رُوعي في تصانيف المتقدمين وتفاسير المفسرين ولا أظنّ ابن أبي الربيع انفرد به، وإنما له سلفٌ فيما ذهب إليه لكنه لم يشتهر به، وأكثر ما يرد هذا التقسيم في كتب اللغة فلعلّ ابن أبي الربيع أفاد منها وأخذ عنها ما أضافه هنا. قال في توجيه الآية الكريمة: (فَزَادهمُ اللَّهُ مَرَضاً) (2) : اعْلم أنّ زاد يأتي على ثلاثة أقسام: أحدُها: أن يكون غير مُتعدٍ، فنقول: زاد المالُ بمعنى كثُرَ، هذه لا تتعدَّى كما أنَّ كثُرَ لا تتعدى، ومن هذا زاد إيمانُ زيد على إيمان عمرو، فإذا قلت: زاد المالُ درهما فالدّرْهمُ اسمٌ في موضع المصدر بمنزلة قوله: ضربت سوطاً، وبمنزلة قوله تعالى: (فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً) فشيءٌ على هذا وُضِعَ موضعَ المصدر، والمعنى: لَنْ يَضُرَّ ضرراً قليلاً ولا كثيراً، ومِنْ هذا: ما زدته زيالاً، والزيال ما تحمله النملة في فيها. هذه كلها أسماءٌ وضعت موضع المصدر. الثاني: أن تكون متعدية إلى مفعولٍ واحدٍ، فتقول!: زدت المال، أيّ جعلتُهُ يزيدُ. الثالث: أن تتعدى إلى مفعولين، قال تعالى: (وَإذَا مَا أُنزِلَتْ سُوَرَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيَّكُمْ زَادَتْهُ هَذهِ إِيمَاناً، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادْتُهْم إيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (3) .   (1) ينظر إملاء ما من به الرحمن 1/18، والبحر المحيط1/106، والدر المصون1/136. (2) سورة البقرة آية: 10. (3) سورة التوبة آية: 124، 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 فزاد في هذه الآية تتعدى إلى مفعولين، وكذلك (فَزَادهمُ اللَّهُ مَرَضاً) تتعدى إلى مفعولين (1) . خامساً: مجيء الباء بمعنى الهمزة: ذهب ابن أبي الربيع إلى أنَّ الباء الجارة بعد الفعل اللازم تكون بمعنى الهمزة في إيصال الفعل اللازم إلى المفعول به، واحتج بالسّماع وإجماع النحويين، وردَّ ما ذهب إليه المبرد والزمخشري في القول بالفرق بين الحرفين. قال في توجيه الآية الكريمة: (فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بنُورِهِمْ) : (.. الباءُ بمعنى الهمزةَ، والمعنى: أذْهب اللَّهُ نُورهُم، والباءُ بمعنى الهمزة جاء كثيراً، قال امرؤ القيس: كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالمتَنَزّلِ. وأنشد أبو على: دِيارُ التَّي كادَتْ ونَحنُ على مِنًى ... تَحُلُّ بنا لَولا نَجاءُ الرَّكائِبِ وقال تعالى: (ما إِنّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالْعُصْبَةِ..) . وقال ثعلبُ: ذهبتُ به وأذهَبْتُهُ، وَدخَلْتُ به الدّارَ وأَدْخلْتُهُ.. إلى أَنْ يَقُول: ولا أعلم بين النحويين خلافاً في أن الباء تكون على معنى الهمزة إلاّ المُبرِّد قال: بين الهمزة والباء هنا فرق. وذلك أنك إذا قلت: أَذْهَبْتُ زيداً، المعنى: جَعَلْتَهُ يَذْهبُ وإنْ كُنتَ غير ذاهِبٍ؛ وإذا قلت: ذهبت بزيدٍ، فلا تقولُ حتى تذهب معه (2) ، وتَبعهُ على ذلك الزمخشري (3) . واعْتلال محمد بن يزيد لما سَبقَ- حُجَّةَ عَلَيْهِ- أنَّه على القَلْبِ، وهذا اعْتِلاَلٌ بعيدٌ؛ لأنَّ القلبَ قليلٌ، وهذا كثير، فقد جاء في القرآن في مواضع عدّةٍ. (77)   (1) ينظر معاني القرآن للأخفش 1/ 39، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 86/1، وإعراب القرآن للنحاس 1/136، والحجة لأبى على الفارسي 1/325. (2) 1 أقف على ما نسب للمبرد في المقتضب ولا يى الكامل، لكنّ ذكر له هذا القول في البحر المحيط 1/ 130، والجنى الدانى 107، وقد تابعه السّهيلي في روض الأنف 3/412- 413. (3) ينظر الكشاف 1/ 200- 201. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 ب- الإِعراب: الإِعراب ثمرة الدروس النحوية ونتيجة ضوابطها، وخلاصة ما يُنتهي إليه في تحرير المعنى عند الخلاف. فليس الإعراب نشاطاً ذهنياً يُقصد به شحذ أذهان المتعلمين وإيقاظ الوسنانين، بل هو وسِيلةٌ ماضية في توجيه النصوص وبيان المراد منها، وَرُبّما يصبح غاية في إيضاح ما في الكتاب العزيز من البيان وفصل الخطاب. وقد حث المتقدمون من أئمة العلم على الأخذ بالإعراب والتبصّرَ فيه والوقوف على أثره في توجيه المعاني وتحرير النصوص من اللبس والغموض. وفي هذا السفر من تفسير ابن أبي الربيع نجد اهتماماً بالإعراب، وإبرازاً لأثره أحياناً في توجيه النصوص واستنباط الحكم، وقد توخى في الإِعراب أقرب الوجوه وأعدل الأقوال، ولم يوغل لا المسائل المشكلة من دقائق الإعراب وعويصه، بل اعتام السهولة حتى فيما أشكل إعرابه توخى له أقرب الوجوه وأسلمها من الغموض، وفيما يلي نورد نماذج مما أعربه من الآيات، ومما وجه به لإِبراز معنى أو استنباطِ حكم. قال- رحمه الله في توجيه الآية الكريمة: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلمْتُقَّينَ) (1) : "ذا" إشارة وَهو الاسم المبتدأ، واللاّمُ زائدة، والكاف حرف خطاب، وَلَيْسَتْ هنا باسم، إذْ لو كانت اسماً لكانت في موضع خفض أو نصب، ولا خافض لها ولا نَاصِب، فهي حرف خطاب، ونظير هذه التاءُ من كنت وَأَنت، والضمير أنْ خاصة، وكذلك رأيتك، الكاف حرف خطاب، والضمير التاء، وكذلك رُويدك، الضمير مستتر والكاف حرف خطاب. وهذا يكمل في كتب العربية. وللنحويين في هذا كله خلاف، والأحسنُ فيها ما ذكرتُ لك.   (1) سورة البقرة آية: 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 والكتاب: عَهْدٌ في المتلُوِّ أو بالعكس، يُريد عهدٌ في الموعُود و"ذلِكَ " إشارةٌ لِلمتْلُوّ، والكتاب عهدٌ في المتْلُوّ.. والكتابُ على هذين الوجْهَينْ خبر "ذلك " وقد يكونُ ذلك الكتابُ الذي تقرؤونه وتتلُونهُ هُدىً للمتّقين، ويكونُ على هذا الكتاب نعتاً لـ"ذلِكَ " ويكونُ العهدُ في الإشارة، ويكون هذا بمنزلة قولِكَ: هذا الرّجُلُ الصّالحُ ... "لاَ رَيْبَ ": رُكِّبَتْ "لا" مع "رَيْبَ" وأصلُها أن تكون ناصبةً كأنَّ لأِنها تقابلُ مِنْ، وَمِنْ عاملةٌ في النكرة، ولا تُركّبُ "لا" مع المنصوب بها إلاَّ إذا كان مفرداً، ولا يُفصلُ بينها وبين معمولها. فَقولُ مَنْ قال: ِ لمَ لَمْ يُقدم "فيه" على "رَيْبَ " ضعُفَ كأنه توهم أنّ التقديم جائز وليس بجائز؛ لأنه لا يفصلُ بين لا ومعمولها، كما لا يفصل بين "مِنْ " ومعمولها، ولا خلاف في هذا بين النحويين. "فيه" خبر "لا" فيتعلق بمحذوف، وكذلك المجرور والظرف إذا وقعا خبَرْين أو صِفَتَينْ أو حالينْ يتعلقان بمحذوف لا يَظهَرُ. "هُدىً لِلمتّقين" هُدىً: مصدر هديت وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو هُدىً إذا جعلت "الكتاب" نعتاً لـ"ذلك " فقد يكون "هُدىً" خبراً عنه، و"للمتَّقين " من صِلَةِ "هُدىً" فيتعلّق بمحذوف. وقال في إعراب: (سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) (1) : "سَواءٌ " في الأكثر لا ترفع الظاهر إلا أن يكون معطوفاً على المضمر، نحو: مررت برجلٍ سواء هُوَ والعَدمُ، ولاتجدُ صِفةً هكذا، وهو هنا مبتدأ و"عَلَيهم" من صلته و (أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) في موضع خبره، ويكون بمنزلة إنْ خيرٌ منك زيدٌ! ان مثلُك عمرو. وكان الأصل أن يكون "خَيْرُ" هُوَ الخبرُ وعمروٌ المبتدأ، لأن عمراً المخبرُ عنهُ في المعنى لكنهم لمَّا أرادوا تقديم خير للاعتناء به وخبر إن لا يتقدم على اسمها قلبوا فجعلوا (خيراَ مِنْكَ) مبتدأ وعمرو الخبر، وكذلك الآية؛ لأنَّ الإنذار وعدم الإنذار هو المخبر عنه لا   (1) سورة البقرة آية: 6. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 "سواء" فلما أرادوا أن يضعوا الإنذار وعدم الإنذار موضع ذلك (أَأَنْذَرتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم) قلبُوا وجعلُوا المخبر عنه خبراً لأنَّ الجملة لا تقعُ موقع المبتدأ وتقع موقع الخبر. فإن قلت: قد جاء: "الحمدُ لِلَّهِ تَمْلأ الميزانَ.. " وما أشْبَهَ هذا. قلت: الحمدُ لِلَّهِ هُنا هو المخبرُ عنهُ وليست جملة وُضِعت موضع المخبر عنه كما في (أأنذرتهم أمْ لَمْ تنذرهم) . ومن قال: إنّ "أأنذرتهم" في موضع المبتدأ و"سَوَاءٌ" خبر فقد قال ما لا نظير له. وكذلك من قال: "إنَّ أأنذرتَهُم" فاعل بـ"سَواء" و"سواء" خبر "إنّ مقدمٌ فقد أخطأ، لأنَّ الجملة لا تقع موقع الفاعل فلَيْسَ في هذا إلا ما ذكرته مِنْ جعل الخبر مُبتدأ وجعل المخبر عنه خبراً على جَهِةِ الاتساع، فتكون بمنزلة: إنْ خْيراً مِنك زَيدٌ وانْ مِثْلَك عمروٌ، ولمَّا لم يكن الخبرُ يحتاجُ إلى ضمير يعود إليه من المبتدأ لم يكن في هذه الجملة ضميرٌ يعودُ إلى "سواء"، لأنَّ الإِنذار وعدم الإنذار هو المبتدأ في الأصل و"سَواءٌ عَلَيهم " هو الخبر في الأصل فلا يحتاجُ "سَواء" إلى ضمير يعود إليه من المبتدأ، وهذا بَيّن.. (36) . ترجيح العطف على التوهم: أورد ابن أبي الربيع وجهين من الإِعراب للفعل المضارع المقرون بالفاء "فَتكُونا" من الآية الكريمة: (ولاَ تَقْرَبَا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (1) وَرَجَّحَ النَّصبَ عَطْفاً على التَّوهِمّ على العطف بالجزم، وَوَجَّه النَّصب في الآية، على أنَّه بحرف أنْ مُضمرة لا بالفاء، ومما قاله هنا: (.. فقوله "فتكونا" منصوبٌ بالفاءِ في جواب النّهي كما تقول: لا تَدْنُ من الأسَدِ فَيَأْكُلكَ، والعطف في هذا الموضع جائز (2) ، ويكون مثل قول امرئ القيس: فَقُلْتُ له: صَوِّبْ ولا تجهدنه ... فيُذْرِكَ من أخرى القطاه فتزلْقٍ   (1) سورة البقرة آية: 35. (2) يريد العطف بالجزم على "تقربا" وله استشهد ببيت امرئ القيس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 والأحسن ما ذكرته أولاً، ويكونا منصوب بإضمارِ أنْ.. واَنْ مع الفعل في تأويل المصدر، وهو معطوف على المصدر المتوهم من الفعل المقدم، والفاء هنا عاطفة، وأن لا تظهر، ومَنْ جَعَلَ الفاء هِي النّاصبة، هذا يريد أنها قامت مقام الناصب، فصارت كأنها الناصبة، وإن لم ير هذا فهو قول فاسد.. (146) . ما اسْتَشْكل إعرابه أورد ابن أبي الربيع قراءة غير سبعيه في الآية الكريمة: (ياَ أيّها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) بفتح الميم في "مَنْ " اسماً موصولاً وقبلها "الذين " فالموصولان تواردا على صلة واحدة، هي شبه الجملة "قَبْلِكُم ل" وقد أورد هذا الإشكال أبو القاسم الزمخشري في كشافه عند تعرضه للقراءة المذكورة آنفاً، فقرر أن هذا من باب االإقحام، فقد أُقْحِم الموصولُ الثاني بين الموصول الأول "الذين" وصلته "قبلكم ": تأكيداً، كما أَقْحم جريرٌ في قوله: يا تيم- تيمَ- عَدىٍّ لا أيا لكم تَيمْاً الثاني بين الأول وما أضيف إليه (1) . ولم يسلم هذا التوجيه للزمخشري، بل رده أبو حيان لمخالفته القياس، إذ القياس تكرار الموصول مع صِلَتِهِ لأنها من كماله.. وخرج الآية على جعل "قبلكم" صلةً للموصول الثاني "مَنْ" و"مَنْ" خبرُ مبتدأٍ محذوف، وذلك المبتدأ وخبره صلة للموصول الأول، وهو " الّذينَ "، والتقدير: والذين هم مَن قبلكم (2) . أما ابن أبي الربيع فقد قرر الإشكال على مقتضى ظاهر القراءة، لكنّه خرجها على وجه أقرب مأخذ وأحسنَ في الحمل، فقال: (وأمّا (والذينَ مَنْ قبلكم) فمشكلة، وهي عندي بمنزلة قول زهير: لَدَى حيثُ أَلْقَتْ رحْلَها أمُّ قشعم   (1) ينظر الكشاف 1/228. (2) ينظر البحر المحيط 1/ 154، والدر المصون1/187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 المعنى- والله أعُلَمُ- لَدَى إلقاءِ أم قَشْعِمِ، فأتى بلدى وحيثُ والمعنى واحدٌ، ثم جاء بعدَ حيثُ بجملةٍ في مَوْضِعِ خفضٍ دلّت على مخفوضِ لَدى، ولدَى تطلبُ مخفوضاً، وحيثُ تطلبُ جُملة في موضع خفضٍ، فأتى بالجملةِ لحيثُ ودَلّ على مخفوضِ لدَى، فقولك: (والّذين مَنْ قبلكم) الّذين ومَنْ معناهما واحدٌ، فكأنَّ مَنْ بدلٌ مِن الّذين، وكِلاهما يَطْلبُ الصِّلَة فأتوا بالصلةِ لِمَنْ فَدَلّت على صِلةِ الّذين. وقد تحذفُ الصِّلةُ إذا عُلِمَتْ. وهذا تعليلٌ ما سُمِعَ ولا يُقالُ بالقياس، وإذا تَتَبَّعْتَ مَا قَلْتُ لكَ وجَدْتَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 المبحث الرابع المسائل الصّرفيّة أورد ابن أبي الربيِع في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه مسائل في التصريف، تناول بعضاَ منها بشيءٍ من الإيجاز وبسط القول في بعضٍ بسطاً قلمّا وُجدَ عند غيره في كتب التفاسير وإعراب القرآن، ووقف عند دقائق من التصريف فجلَّى مبهمها وفصلَ مجملها تفصيلاً يعزّ وجوده في غير الكتب المتخصصة، وعزا الأقوال والآراء التي تذكر في بعض القضايا الصّرفية إلى أصحابها ليمكن للباحث والدارس من المراجعة والنظر على ضوء ما ناقشه من المسائل في هذا السفر، وفيما يلي نوردُ بعضاً من المسائل الصرفية التي تناولها ابن أبي الربيع بالمناقشة والتحليل في هذا السفر من تفسيره. قال في تصريف كلمة "رَبِّ" من الآية (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ) : (.. رَبّ " وَزْنُهُ فَعِلٌ بكسرِ العَين، والأصلُ: رَبُبَ، ثُمَّ أدغم، وليْسَ فعلاً بسكونِ العَينَ، لأنهم قالوا في الجمع: أرْبابٌ، وليسَ الأصلُ فعلاً بفتح العين، إذ لو كان كذلك لم يُدغَمْ، ألا ترى الطّللَ والشّررَ لم يُدغما، وليس الأصلُ فعُلَ بضم العين؛ لأن هذا يَقلُّ في الصِّفات، وفعِلٌ بكسر العين يكثُرُ فيه. قالوا: حَذِراً، وبَطِراً، وأشراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 ولم يدغم (1) ، وعثراً وهو كثير ولا ينبغي أن يُحمل على الأقل ما قدّرا على الأكثر. وقول من قال: إنّه وصْفٌ بالمصدر (2) فيه بُعْدٌ، إذّ لو كان كذلك لم يُثَنّ ولم يُجْمع، ومَنْ ثنّى مثل هذا في المصادر ثنّاه على القياس، والقياسُ في فَعْل أفْعُلُ نحو كفِّ وأكُفٌّ، فكونه قد جمع على أرْبابٍ يدل على بُعدِ هذا القول. (7) . الإعلال في "نَسْتَعِين " قال في توجيه الإعلال في كلمة "نستعين" من الآية: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نستعين) ونَسْتَعين اعتْلَّ، لأنَّ ماضِيهُ اعتْلّ بالحمل على الثلاث وأصلهُ نَسْتَعْوِن ثم اعتُل بنقل حركة العين إلى الفاء، وتقلبُ الواو ياء للكسرَة التي قبلها، وهذا الإعلالُ مُطِّردٌ وقياسيٌ في هذا النوع وما جرى مجراه. فإن جاء صحيحاً فعلى غير قياس، نحو: اسْتَنْوَقَ الجملُ، واستَتْيَست الشاة، فهذا يحفظ ولا يقاس عليه. (4) . الإعلال في " بالغيب " وقال في بيان الِإعلال في كلمة "الغيب لما من الآية الكريمة: (الَّذينَ يؤمون بالغيب) (3) : الغيب يُمكنُ أن يكون وزْنُهُ فَعْلاً، ويكونُ مَصدراً لِغابَ يغيبُ غيباً، ولذلك يقال للمُطْئِنُّ مِن الأرض غيباً لانخفاضه، ويمكن أن يكون الغيبُ وَزْنهً فَيعَلٌ بمنزلة سَيّدٌ وميتٌ فحذفت الياءُ المتحركة طلباً للتخفيف وإن كانت أصلاً، لأنك لوْ حَذفْتَ الساكنة   (1) لأنه لا وجه للإدغام. (2) القول هنا للزمخشرى كما في الكشاف 1/53. (3) سورة البقرة آية:3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 الزائدة لبقيت الياء المتحركة بالأصْلِ بعد فتحة، وهذا مستثقلٌ، يدلُّ على ذلك أن سيّداً وميتاً وزنهما فيعلٌ، وليس وزنهما فعلاً أن عْينهما واوٌ، وانقلبت الواو ياءً في فيعل لاجتماع الواو والياء وسبق الياء بالسكون (27/28) . الإِعلال في "صَيّب " أورد ابن أبي الربيع نوعين من الإِعلال في كلمة "صيب" من قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ منَ السَّمَاءِ) (1) : الأول في إبدال الواو ياء، والثاني إبدالهما همزة، قال مفصلاً ذلك: والأصل: صَيْوب، ومتى اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياءً إذا كانت الواو متقدِّمَةً أو متأخرة، فمثال المتأخرة: سيّد وميّت، والأصل: سَيود، مَيْوتِ، ومثال المتقدمة: طَويت طياّ، ولَويت ليَّا والأصل طَوْياً ولَوْياً. وإنّما قلبوا ياءً مُتقدِّمة كانت أو مُتأخّرةً، لأنَّ الياء عندهم أخف من الواو وقلبت ياءً ليصح الإدغام، وأدغمت الواو في الياء والياء في الواو (2) وإنْ بَعدتا في المخرج لِقُرْبهما في الصفة، والواو حرف مدّ ولين والياء كذلك. ألا تراهما يًترادفانِ في الرّدفِ فيأتيَ العير مع المور ولا يأتيانِ مع العار لزيادة مَدّةِ الألف، واستيعاب هذا في موضعه. الثاني: إبدال الواو همزة في جمع "صيب ". قال في بيان هذا الإِبدال: (وجمع "صيب " صيائب بالهمزة، والأصل: صياوب، وألف الجمع إذا اكتنفها ياءان أو واوان، أو ياء وواو، والأخيرة تلي الطّرف وجوداً وحكماً تقلبُ الأخيرة همزة، نحو: أوائل وحيائر وصيائب، وأما قوله: ........................ ... وكَحل العينين بالعواور   (1) سورة البقرة آية: 19. (2) هكذا جاء في الأصل، والأظهرُ هنا أن لا وجه للإدغام؛ لأن قلب الواو ياء جاء لهذا الغرض، والتعليل بقرب الصفة مع تباعد المخرج ليس مسوغاَ لهذا الإِدغام، فهذا من الاتساع عند ابن أبى الربيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فالأصل: عواوير، وحذفت الياء للقافية، فلم تل الواو الطّرف على هذا في الحكم، لأنَّ حذف الياء للضرورة؛ لأَنَّه جمع عُوَّارٍ وعلى هذا جمهور النحويين، وقد نقل عن الأخفش خلاف هذا ولم يتابع على ذلك، ووافق في الواوين؛ لأنّ العرب قالت: أوائل، والأصل: اَواوِل. (79) . الإعلال في "يستحي " من الآية الكريمة (إنَّ اْللَّهَ لاَ يستحي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً) (1) : أورد ابن أبي الربيع قولين في المسألة: أحدهما لسيبويه والآخر للخليل، ودور ابن أبي الربيع هو النقل ولم يرجح أحد القولين، وإنما وجه الِإعلال يا قول الخليل، بنحو ما وجه به قول سيبويه، فقال: (وحكى سيبويه: استحيت فأنا استحي. وذهب فيه سيبويه إلى أنّ الياءين استثقلتا مع الكسرة فحذفت المكسورة، وجعلت حركتها على الحاء للاستثقال مع كثرة الاستعمال (2) . وذهب الخليل إلى أنّ "يستحي " جاء على إعلال العين وترك اللام، كما جاء استقمْتُ لإِعلال قام، واعتلال العين واللام يتطلب بالاعتلال، ولم يثبت من كلام العرب متى اجتمعت العين مع اللام في طلب الاعتلال أعلّوا اللاّم وتركوا العين، نحو الهوى والحيا، ولا تقول حاى ولا هاى (2) ، فيعلون العين ويتركون اللام.. (119) . الإبدال في "خطاياكم " من الآية: (وَقُولُوا حِطَّةٌ نغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) (3) : تناول ابن أبي الربيع صور الإبدال في كلمة خطايا واصفاً كلّ صورة بالصفة التي أفضت بها إليها من القلب، وختم المسألة بالعلة التي قلبت بها الهمزة ياء ولم تقلب واواً، فقال:   (1) سورة البقرة آية: 26. (2) ينظر الكتاب 4/ 399، والأصول 3/ 249-0 25، وإعراب القرآن للنحاس 1/152، والمنصف 2/204-205. (3) سورة البقرة آية: 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 (وهي جمع خطيئة، والأصل خطائىُ بمنزلة قرائىُ فاجتمع همزتان يا كلمة واحدةٍ قلبت الأخيرة ياءً للكسرة قبلها فصار خطائى، استثقلت الياء بعد الكسرة في جمع لا نظير له في الآحاد ففتحت الهمزة فصار خطاءَي، تحركت الياء وقبلها فتحة فقلبت ألفاً فصار خطاءا، جاءت الهمزة بين الفين والألف قريبة من الهمزة فقلبت ياءً، ولم تقلب واواً؛ لأنَّ الياء أنسَبُ إلى الألف وأقرب من الواو، فصار خطايا. (178) . أصل الياء في الدنيا من الآية الكريمة: (فَمَا جزاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خزي في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (1) : قال في بيان أصل الياء في كلمة الدنيا وما طرأ عليها من قلب: (والياء في الدّنيا منقلبةُ عن واوٍ ليفرق بين الصفة الجارية مجرى الاسم والصفة التي لم تجر مجرى االاسم؛ لأنَّ الصفة التي لم تجر مجرى الاسم لا تقلبُ فيها الواو ياءً، والصفة التي جرت مجرى الاسم قلبت فيها الواو أبدا، كذلك نص عليه أبو علي في الإيضاح (2) . واختلف في فعلى إذا كانت اسماً هل تقلب واوها ياءً أو لا تقلب، فعلى ما ذكره أبو علي ينبغي ألا تقلب، ويقوى قول أبي علي قولهم: حزوى وهو اسم مكان ولم يقل فيه حزيا. ومنهم من قال: حزوى شاذ، والقياسُ أن تُقلب في الاسم، وكذلك قلبت في الصفة الجارية مجرى الاسم. والذي يظهر أنها لا تقلب في الاسم ولا في الصفة التي لم تجر مجرى الاسم. فإن قلت: سيبويه- رحمه الله- قال: تُقْلَبُ في الاسم. قلت: قيل بالصفة الجارية مجرى الاسم، قال ذلك، على أنه أطلق الاسم وهو يريد الصفة الجارية مجرى الاسم- والله أعلم-.   (1) سورة البقرة آية: 85. (2) التكملة 269. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 المبحث الخامس " الاشتقاق " تناول ابن أبي الربيع طائفة من الكلمات في آي القرآن الكريم بشيء من التحليل والمناقشة والتحقيق في أصولها في الاشتقاق، وعرض للخلاف الوارد في اشتقاق بعض الأسماء، وناقش ذلك مناقشة علميّة مدركة مساقط الخلل وجوانب الصحة والصواب، فضعف ما رآه ضعيفاً ورجح ما استقر عنده رجحانه، مبيناً سبب الضعف وحجته فيما ضعّفه، ووجه الصواب فيما رجحه، وفيما يلي أمثلة ونماذج من مسائل الاشتقاق التي أوردها ابن أبي الربيع. اشتقاق الاسم قال في بيان اشتقاق الاسم في مُسْتَهَلّ كلامه على (بسم) اختلف البصريون والكوفيون فيه: فذهب البصريّون إلى أنه من سَما يَسْمو، وأنّ اللاّم فيه محذوفة، وهو بمنزلة ابن واسْت، واستدلّوا على ذلك بالجمع والتصغير، قالوا في الجمع: أسماء وفي التّصغير سمىّ، وقالوا: سميت فردوا اللاّم فيها فدَلّ على أنّ اللاّم هي المحذوفة. وذهب الكوفيون إلى أنه من الوسم، وهو العلامة، وأنَّ فيه تقديماً وتأخيراً. وأمّا أسماء وسُمَيّ فهو مقلوب، وأصلهُ وسم ثمّ أخِّرت الفاءُ وجُعِلَت مكان اللاّم، وقالوا: أسماء، وقالوا: سُمِي، وقول الكوفيون أقربُ مِن جهة الاشتقاق، وهو مع ذلك أضعف مِن جهة القلب، وقول البصريون أقرب؛ لأنه ليس عندهم فيه قلب، والاسم يظهر مُسمّاهُ ويصيره بحيث تراه، فالاشتقاق فيه قريب، وإن كان اشتقاق الكوفيين أقرب إلى إنّ هذا القرب مِن إدْعاء القلب. (4) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 اشتقاق لفظ الجلالة أورد ابن أبي الربيع ثلاثة أقوال في اشتقاق لفظ الجلالة: "اللَّه " ولم يعز تلك الأقوال، وإنما عرض في شيء من الإِيجاز لما في بعض من النقل والقلب، وبينّ القول الأقرب إلى الاشتقاق وجهة القلب ومما قاله: (ومنهم من ذهب إلى أنّه مِن الوله، وهو التّحّير، فالعقولُ تتحير عن إدْراكهِ سُبْحانه وتعالى ثمّ جُعِلَتْ الفاءُ عيناً ثُمَّ تحرّكت الياء وقَبْلَها فتحة انقلبت ألفاً. ومنهم من قال: هو أله إذا تحّير، وَهُوَ أقْرَبُ، لأنه لَيْس فيه قلب. ويمكن أن يكون لاه يليه إذا استتر، قالوا تَأَلّه الرّجلُ يَتأَلّهُ مشتق مِن هذا. (4) . اشتقاق " الْعَالمِينَ " قال في توجيه الاشتقاق في كلمة "العالمين " من الآية: (الحمد لِلَّهِ رَبّ العالمين) : فاعل بفتح العين لا يكُون في الصّفاتِ ويكونُ في الأسماء قليلاً، وأكثر ما يوجد هذا البناء في الفعل إذا أرادوا أنه فعل بك مثل ما فعلته، نحو: ضاربني زيدٌ وضاربت زيداً، وقد يأتي على غير ذلك، قالوا: عافاك اللَّهُ، وداينت زيداً، هذا قليل وإذا صح ما ذكرته فالعالم اسم لا صفة، وهو اسم لكل مخلوق، لأنَّ المخلوق يدلّ على خالقه، فصار علامة تدل عليه سبحانه، فاشتقاقهُ من هذا وقد قيل: إنه مشتق من العلم، لأن من نظر فيه تحصل له العلم.. والاشتقاق الأول أقرب. (8) . اشتقاق كلمة النَّاس تناول ابن أبي الربيع مادة "الناس " الواردة في الآية الكريمة: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله) وأصلها في الاشتقاق وما حذف منها، ثم عرض للخلاف في تصغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 والغرض هنا بيان الاشتقاق، فقد قالت ابن أبي الربيع في أصل كلمة الناس واشتقاقها: (وناس أَصْلُهُ أناس، وهو مشتقٌّ من الإنس، ويقال: أنس وآنس، وتحذف الهمزة كثيراً مع الألف واللام، وقد جاءت غير محذوفة قال: إنّ المنَايَا يطَّلِعـ ... ـن على الأنُاسِ الآمنينا تداخل الاشتقاق مع القلب والإعلال. وقد تَتَوارد المسائل التصريفية في كلمة واحدة، فيأتي الاشتقاق مع القلب والإعلال، وذلك لِقُوّة الارتباط والتلازم بَيْنها، وهذا ما نراه في تصريف كلمة النّار الواردة في الآية الكريمة: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فاتقوا النَّارَ..) فقد تناول ابن الربيع مسائل التصريف الواردة فيها بشيء من الإيجاز فقال: (.. والنّار عينها واو، والأصلُ نور، فانقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، يدلك على ذلك في الجمع أنوار إلى أن يقول: واشتقاق النّار من نارت تنور نور ونياراً، والأصل في نيار نوار لكنها اعتلت لاعتلالها في الماضي، ولو لم تعتل في الماضي لم تعتل في المصدر، قالوا: لاوذ لواذاً فلم تعتل في (لواذاً) لِصحتها في الماضي، وقالوا قام قياما اعتلت في فعال لاعتلالها في الماضي. الاشتقاق في كلمة شيطان الواردة في الآية الكريمة: (وَإِذَا خَلَوْا إلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مستهزئون) : أورد ابن أبي الربيع اشتقاقين مختلفين في كلمة شيطان وبين ما يرد على كلّ منهما وما يقوى به كل منهما ومادة كلّ في الاشتقاق، ثم ختم الحديث بذكر المصدر لهذين الاشتقاقين، قال في تفصيل ما أجمل هنا: (.. اختلف النحويَّون في الشيطان، فمنهم مَنْ جعله مشتقاً مِنْ شَطَن إذا أبعدَ، فيكون وزنه فيعالاً بمنزلة بيطار، وهذا القولُ يَقْوى بقولهم: شيطن الرّجل إذا تمرد؛لأنَّ تَفْعِيل مِن كلام العرب وتَفَعْلَنَ ليْسَ مِن كَلامهِم، وجعلهما من مادةٍ واحدةٍ هُوَ البين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وأمَّا جعلهما من مادَّتَينْ مُخَتلِفَتين فبعيدٌ، لأنَّ معنى تشَيْطَن صار شَيْطاناً فالأصولُ في شَيْطان هي الأصولُ في تشيطن، والزوائد هي الزوائد في تشيطن. ومنهم من قال: إنَّ شيطانا فعلانٌ وجعل الياءَ أصْلية، وجعلهُ من شاط يشيط إذا احترق، فإذا اعُترِضَ عليه، بتشيطن قال: تَشَيْطنَ من شَطَنَ إذا أبْعدَ وجَعَلَهما من مادتين مختلفتين. وهذا القولُ يقوى؛ لأنَّ بناء فعلان أكثر من بناء فيعال، لأنّ النون إذا كانت طرفاً بعد ألِفٍ وقبلها ثلاثة أحرف فأكثر فالغالب عليها أن تكون زائدة. فهذان قولانِ في شيطان مُزجّحان، فيعال أكثر ترجيح بتشيطن، وفعلان ترجّح بأنَّ الزيادة على النّون في هذا الموطن أغَلبُ من الأصالةِ، فهُمَا قَوْلاَنِ مُتساوِيانِ لِما ذَكَرْتُهُ وبناء فعلان أكثر من بناء فيعالٍ، والقولان لسيبويه في الكتاب 1 (1) (63) . الاشتقاق في "ذُرِّيّهْ " من قوله عز وجل: (قَالَ وَمِن ذريتي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّاِلمِينَ) (2) 3: أورد ابن أبي الربيع ثلاثة أقوال في اشتقاق "ذُرِّيّه " رجح الأوَّل منها، واستبعد الأخير منها مع ما أورده له من توجيه، وجعل الثاني في درجة القلة لكونه موجوداً في كلام العرب، ومما قاله في هذا الصدد: .. والذًّرية يمكنُ أنْ تكُونَ من ذرَّ كما تقول: كُلَّما ذَرَّ شارف، أَيّ طَلعَ، وهذا البيّن، فتكون الذُّرية مُشْتقّةُ من هذا، فتكون الياءان لِلنّسب، ويكون كأحمري وكُرْسيّ، ودوارِيّ اللَّفظُ لَفظَ النّسبِ والمعنى على النّسب. ويمكن أنْ يكونَ مِن ذرا يذرو، تَقولُ: ذرَّت الرّيح الحَبَّ إذا أزالت عنْها التّبْنَ، فيكون وزنه على هذا فعيلة، وفعيل موجود في كلام العرب لكِنَّهُ قليلٌ، فيكون بمنزلةِ دُرِّيِّ ومُرِّيقٌ (1) ، فتكون الياءُ الأخيرةُ مُنْقَلِبةً عن واوٍ.   (1) ينظر الكتاب 4/ 260، 286. (2) سورة البقرة آ (ي) ة: 124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ويمكن أن يكون مِن ذرأ يذرأ إذا خَلَقَ، ويكون الأصْلُ ذُرْئِيّة بهمزةٍ ثم أبْدِلَتْ الهمزة ياءً للتسهيل، كما قالوا: في النّبىء، والنّبيّ، فجاء فُرّية فأدغمت الياء في الياء الأخيرة، وهذا الأخير عندي أبعدُ الثلاثة ة لأنّهُ قضى فيه! بالهمزة، ولو كان من الهمزة لنطق به، ففي هذا زيادة على فعيل. (286-287) .   1 ينظر الكتاب 4/268. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 المبحث السَّادس موقف ابن أبي الربيع من النحويين البصريين والكوفيين وبعض المتأخرين أورد ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه أقوالا لبعض أئمة النحو المتقدمين كالخليل، ويونس وسيبويه والكسائي والأخفش والفراء، والمازني، وغيرهم ممن وصفهم بالمتأخرين كالزمخشري، وقد تبينّ من مناقشاته ونقده لبعض الأقوال التي أوردها أنَّ له منهجاً وأسلوباً في المراجعة والترجيح والاختيار ينفرد به، ولا يمنع أن يكون في كثير مما رجّحَ واختار قد تأثر بمذهب أئمة البصريين، وبخاصة سيبويه، فكثيراً ما نراه يُغلّب قول سيبويه ويقدمه في الترجيح والاختيار في مقابل أقوال الأخفش الذي يقف في كثيرٍ من آرائه موقف المعارض للبصريين أو المخالف، فضلاً عن أقوال الكوفيين التي تقف في مقابل أقوال منافسيهم من البصريين. وأما بعض المتأخرين الذين لم يصرح بأسمائهم إلَّا في موضع واحد، وهو الزمخشري فقد كان نقده له شديداً، وحجته في أكثر المآخذ التي أخذها عليه دامغة، وإن شابه في بعض المآخذ تَعسُّفٌ لا يحمدُ، وتحمّلٌ لا يقبل في ميزان النقد العلمي، وفيما يلي تفصيلٌ لما أجملته هذه التوطئة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 أولاً: ما خالف فيه سيبويه الأخفش وغيره من النحويين. تناول ابن أبي الربيع طائفة من المسائل جرى فيها الخلاف بين النحويين سيبويه والأخفش، وغيرهما، وقد كان موقف ابن أبي الربيع إلى جانب سيبويه، وبالأخص في المسائل التي كان طرف الخلاف فيها الأخفش، فقد رجح مذهب سيبويه مبيناً سبب الترجيح غالباً، وضعف مذهب الأخفش مبيناً سبب الضعف وجهته، ومن أمثلة ذلك: أولاً: الخلاف في تسهيل الهمزة في "مُسْتهزئِون" الواردة في قوله تعالى: (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) أورد ابن أبي الربيع ثلاثة أقوال في هذه الهمزة، هي: إبدالها ياءً، وجعلها بين الهمزة والياء، وبين الهمزة والواو، ثم رجح ما قرره سيبويه في المسألة، ومما قاله في المسألة: (ونقل عن الأخفش أنه يبدلُ الهمزة ياءَ عند التسهيل، فيقول: "مُسْتَهزِيون " 2وهذا ليس من كلام العرب) . وأمّا سيبويه فجعلها بين الهمزة والواو3 ومنهم مَنْ جعلها بين الهمزة والياء4، وهذا منقول عن العرب، وعلى مذهب سيبويه أكثر النحويين (65) . ثانياً: الخلافُ في مَوضعِ الضّميرِ المضافِ إليه بعد اسم الفاعل. اختلف النَّحويّونَ في موضع الضمير المضاف إليه بعد الوصف في قوله تعالى: (قَالَ إني جَاعِلُكَ للنَّاسِ إمَاماً..) 5وكذا ما شابهه من كل وصف أضيف إلى معموله الضمير المتصل، وأظهر صور الخلاف وأقدمها ما كان بين سيبويه والأخفش،   1 سورة البقرة آية: 14 1 2 ينظر معاني القرآن للأخفش1/44، والمقتضب 1/264، والحجة لأبى على الفارسي 1/358- ا 36. 3 ينظر الكتاب3/543-544. 4 المصادر السابقة. 5 سورة البقرة آية: 124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 التي أوردها ابن أبي الربيع بشيء من الِإيجاز في كلامه على الآية السابقة، وقد رَجّح ما ذهب إليه سيبويه، ولم يبين وجّه الضعف لا مذهب الأخفش في المسألة. ومما قاله- رحمه الله: (.. والكاف مِن ْ (إنّي جَاعِلكَ) مخفُوضَة بالإضافة، والأخفش جعلها مُفّعُولة 1. وسيبويه اعْتَدّها بالظّاهر العاري عن الألفِ واللام2وهو الصواب إن شاء الله. (285) . قياس ما يُجَمعُ عليه فَعَل جمع تكسير: تناولت في كلامه على قوله تعالى: (.. فَاتَّقُوا النَّارَ التي وَقُودُهَا الناس وَالْحِجَارَةُ..) 3ما يجمع عليه فَعَل بفتح الفاء والعين، نحو جمل، وحجر، وجبل، وقرر أن القياس فيه أن يجمع على فعال، لأنَّ هذا الجمع هو الَّذي رجحه سيبويه، ومما أورده في المسألة: (.. والحجارة جاءت بالتاء على تأنيث الكلمة، والأكثرُ والأقيس في فَعَلٍ أنْ يُجمع على فعال بغير تاءٍ، قال سيبويه: وقد جاءت حجارة قليلاً، وجاء في الشعر ضرورة، وأنشد: كأنها من حجار النيل ألَبَسها ... مضارِبُ الماء لَوْن الطَّحْلب اللزب 4 ورأيتُ بعض المتأخرين يقول: إنَّ حجارة بغير تاء لم يأت إلاَّ في الشّعر للضّرورة، وقال سيبويه ما ذكرته أنها جاءت في القليل من الكلام (ْ4) ، وهو بلا شك أعرف، لأنه ناشد العرب وعلم مِن كلامها ما لم يَعلَمه غيره. (107) .   1ينظر معاني القرآن للأخفش1/83 ـ 87 2ينظر الكتاب1/187. 3سورة البقرة آية: 24. 4ينظر الكتاب 3/ 570-572. 5 رجح سيبويه أن ما جاء على فعل كجمل وجبل وحجر وذكر أن يجمع على فعال فيقال: جمال، وجبال، وحجار، ثم ذكر أنهم يلحقونه الهاء، نحو جمل: جمالة، وحجر: حجارة، وذكر ذكاره وذلك قليل، والقياس ما ذكر أولا. المصدر السابق بتصرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 ثانياً: حذف حرف الجرو بقاء عمله: اختلف النحويون في موضع أنّ المشدة وما دخلت عليه في قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ..) (1) 1بعد سقوط حرف الجر، فمنهم ذهب إلى أن موضع أنّ وما دخلت عليه النصب، ومنهم ذهب إلى أن الموضع جر، وهو سيبويه، وقد رجح ابن أبي الربيع ما ذهب إليه سيبويه ولم يذكر أصحاب القول المعارض لقول سيبويه، وقد ذكر سيبويه أنّه قول الخليل، ومما قاله ابن أبي الربيع في المسألة: (.. اختلف النحويّون في أنَّ إذا سَقَطَ حرف الجر أتكون في موضع نصب؟ أو تكون في موضع جر؟. فذهب سيبويه إلى أنَّها في موضع جر، وأن حرف الجر وإنْ حُذِف بقى عمله، كما بقي عمل "رُبَّ " بعد حذفها، وحمله على هذا الحكم تقولُ العربُ لأنكَ فاضلٌ أتيتُ، ولا تقول: لأنك فاضلٌ عَرَفْتُ، لأنَّ المفتوحة لابدَّ أنْ تعتمد على ما قبلها فاعتمادها على (أنَّ) هنا على حَرْفِ الجر وإنْ حُذفَ دليلٌ على أنّه في حكم الموجود، وإذا كان كذلك فعمله باقٍ2. ومنهم من ذهب إلى أنَّ حرف الجر إذا حذف صار الموضعُ موضع نصب (3) 3وبكون بِمَنْزلة: أمرتك الخير. وكلاهما له وجه، وما ذكر سيبويه عندي أَقْوى- والله أعلم-.   1سورة البقرة آية: 25 2ينظر الكتاب 28/3 1، والبسيط لابن أبى الربيع 2/1048، والكافي 1ق 313-4 31. 3هذأ القول للخليل بن أحمد كما في الكتاب 127/3، وقد اضطرب نقل العلماء لهذه المسألة، حتى قال في ذلك بن هشام في المغنى 282: وأمّا نقل جماعة منهم ابن مالك أن الخليل يرى أن الموضع جر، وأنَ سيبويه يرى أنّه نصب فهو سهو.. ومما وقع فيه الإِضطراب نقلُ أبو حيان في البحر 1/ 181 فعزا إلى الخليل والكسائي أن موضع "أنَّ لهم جنات "جر، وعزا إلى سيبويه والفراء أنّ موضعه نصب، لكنه في النهر 112/1 عزا النصب إلى الخليل فقال: قوله: "أن لهم جنات " وحذف منه الحرف، وهوفي موضع نصب على مذهب الخليل خلافاً لمن قال: مذهب الخليل أنه في موضع جر، وهو أبن مالك، قاله في التسهيل: وهو كان قليل إلمام بكتاب سيبويه ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وتكرر هذا التوجيه في أن المصدرية الناصبة للمضارع في قوله تعالى: (وإنَّ الله لا يستحي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً) فقال: (.. إنّ "يَضْرِبَ " على إسقاط حرف الجر، وأصله إنَّ لا يَسْتحي من أن يَضْرِبَ، ثم حُذفت مِنْ، وقد تقدم أن حذفها في هذا الموطن قياسٌ، واختلف الناس في بقاء عمله وزواله، كما اختلفوا في أنْ، وكلا القولين له وجه. والأظهر عندي أن يبقى العمل فيما حذفه كثير، ويجرى مجرى ربّ، فإنها حذفتْ وبقى عملها (120) . ثانياً: تصغير كلمة " ناس " عرض ابن أبي الربيع لتصغير بعض الأسماء والأعلام التي جرى فيها خلاف بين أئمة النحو المتقدّمين وقد رَجّح ما ذهب إليه سيبويه، لأن عليه أكثر النحويين، ومن أمثلة ذلك تصغير كلمة النّاس الواردة في قوله عز وجل: (وَمِنَ النَّاس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله..) 1قال في تصغيرها: (.. يقالُ: ناسٌ قليلاً بغيرِ هَمْزةٍ، ويقالُ في تَصْغِيرِهِ نُوَيْسْ، ولا تُرَدُّ الهمزةُ للتصغير؛ لأنَّ بناء التصغير يقومُ مِمَّا بقي من الحروف، فإن لم يكن بناءُ التصغير يقومُ مِمَّا بقيَ من الحرُوفِ رُدَّ المحذوفَ، كقوله: دُمَيٌّ وُيدَيٌّ هذا هو مذهب سيبويه والخليل. ويونُسُ يذهبُ إلى رَدِّ المحذوفِ من المكَبّرِ سَواء كان بناءُ التصغير يقومُ مِمَّا بقي فن الحروف أو لا يقومُ، فيقولُ في هار: هُوَيْئِرٌ، فيلزم أنْ يقولَ في ناسٍ: أنيسٍ، وعلى مذهب سيبويه أكثرُ النحويين، وهو أصح، وبيانُ هذا في كُتُبهم2 (43) .   1سورة البقرة آية: 8. 2ينظر الكتاب 3/ 456، والأصول لابن السهل 3/ 61، وشرح السيرافي 627/2! 62، وشرح الشافية 224/1، والملخص 2/153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 تصغير إبراهيم وإسماعيل أورد ابن أبي الربيع في تصغير إبراهيم، وإسماعيل خلافاً بين المتقدمين ورجح ما قَرَّرَهُ سيبويه في تصغيرهما مُبّيناً وجه الترجيح، ومما قاله في تفسيره للآية الكريمة: (واتخذوا مِن مَّقَام إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعيلَ أَن طَهِّرَا بيتي لِلطَّائِفِينَ والعاكفين والرُّكَّعِ السجود) 1. (.. حُكي في تَصْغيرِ إبراهيم وإسماعيل: بُرَيْهٍ وسُمَيْعٍ، ذكر ذلك سيبويه2، فالهمزُة والميمُ زائِدتانِ، وكذلك إسماعيلُ الهمزُة واللامُ زائدتان. وتصغير الّترخيمِ هُوَ على حذف الزائد، فَلَوْ صَغّرتَهُ على غير الّترخيم لقلت: بُرَيْهيم وسُمَيعيل 3 وحذفت الهمزة. وقال المبُرِّدُ: أبَيْرِه واُسَيْمِع4، والأول أدلُّ على المكُبّرِة لأنه يمكن أنْ يكونَ أُبَيْرِه واسيْمع تصغير إبْره واسمع، وبالقول الَأوّلِ قال سيبويه وعليه أكثرُ النّحويين لما ذكرتُهُ مِن الدّلالَةِ على المكَبَّرِ. أ،. موقفه من الفراء أورد ابن أبي الربيع توجيهاً للفراء لكلمة (مَثَلًا ما بعُوضةً) هو الواردة في قوله عز وجل: (إِنَّ اْللَّهِ لاَ يستحي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَما فَوْقَهَا..) 5 وَرَدّ ما استدّل به؛ لأنه دليلُ يدخله الاحتمال مِمّا يقتضي بُطْلان الاسْتِدْلال به، ومما قاله في رده. (وأما ما ذهب إليه الفراء، وهو أنَّ المعنى: ما بين بَعُوضَةً فما فوقها خارِجٌ عن طريق كلام العرب؛ لأنَّ الظّرفَ لا يُحذَفُ وُيقامُ مَقامهُ مخفوضُهُ، لا تقول: جلستُ زَيداً تريد جَلَسْتُ عند زيدٍ، هذا ليس من كلامِ العرب، واستدلا له بقول العرب: له عشرون   1سورة البقرة آية: 125. 2ينظر الكتاب 3/ 476، وشرح السيرافي 668/2. 3المصدر السابق 3/ 446، وشرح السيرافي 2/ 610. 4ينظر شرح السيرافي 2/ 0 1 6، وشرح الشافية 263/1، وارتشاف الضرب 1/1 19. 5 سورة البقرة آية: 26. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ما ناقةً فجملاً (1) 1استدلالا ضعيفٌ، فإنّ ما هنا زائدة، والأصل له عشرون ناقةً فجملاً، والفاءُ جاءتْ لِترتْيب الأخبار، وإلاَّ فكيْفَ تأتي الفاء مع بينَ؟ لا تقل جَلَسْتُ بَيْنَ زيد فعمروٌ، ولا يقولُ أحدٌ جَلَسْتُ القومَ زيدٍ جَلستُ بين القوم، فإذا بَطَلَ هذا كلّهُ بطَلَ قوله. ولا يَصِحُّ الاستدلال على القواعد إلاَّ بغير مُحتَمَل، ومتى احتملَ بطل الاستِدْلال (121) . موقفه في المازني تناول ابن أبي الربيع علة البناء في تابع أيّ المقترنة بأل في النداء عند كلامه على الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدوا رَبَّكُمُ..) 2وتطرق به الحديث إلى رأْيِ المازني في المسألة، وردّهُ لعدم الدليل على القياس الذي صَوَّغ له ما ذهب إليه، ومما قاله ابن أبي الربيع في المسألة في الرد على المازني ... (.. يا التي للنداء إذا وقع بعدها اسم مبني على الضم على أنه معرفة فهي مع ضمتها كالألف واللام يفهم ضمنها التعريف، إلى أن يقول: فإذا قلت: يا أيَّها الرجلُ، فأىَّ هنا هي الرّجلُ، وإذا قلت: يا أيها الناس، فأيّ واقعة على شيء مبهم يَتَبَيّن بما يجرى عليها، وأي مفردة بنيت على الضم؛ لذلك يكون المبين لها مرفوعاً ولم يسمع فيه النصب، لأن المنادى بالحقيقة إنما هو الاسم الذي فيه الألف واللام التابع لها، وأنت لو ناديت ذلك الاسم لم يكن إلاّ مبنياً على الضم، فلم تكن أي وتابعها إلاَ مرفوعين. وأجاز أبو عثمان المازني النصب في أي تابع3، ولم ينقله وإنما أجازه قياساً. وبما ذكرته يمتنع القياس، لأنك إذا قلت، يازيدُ الظريف، فزيد المقصود بالنداء   1ينظر معاني القرآن 22/1-23. 2سورة البقرة آية: 21. 3 ينظر المقتصد 2/778، وارتشاف الضّرب 3/127. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 لا الظريف، وإذا قلت: يا أيّها الرجلُ، فالرجل هو المقصود بالنداء، وأيّ صلة1. (189) موقِفُهُ مِن الزَّمَخْشَريّ وقف ابن أبي الربيع على كتاب الكشاف لجار الله الزمخشري، وأفاد منه، وترسم نهجه في المناقشة واستجلاء المعاني البلاغيّة والصّور البيانية، لكنَّ إفادته من كشاف الزمخشري لم تكن مانعتُهُ من الأخذ عليه والنقد لبعض أقواله التي نثرها في كتاب الكشاف، وأكثر المسائل التي تناولها ابن أبي الربيع في اللغة والنحو والتصريف، ولم يصرح باسم الزمخشري إلا في مواضع قليلة من هذا السفر في تفسير الكتاب، وإنما ورد نقده له تحت قوله: بعض المتأخرين، ولمّا عُرِضَتْ الأقوال موضع الملاحظة على مواطنها في كتاب الكشاف تبيّن أنه المقصود بذلك، فالأقوال أقوال الزمخشري إن لم تكن بلفظها فهي بلفظ مقارب، أما المعنى فواحد، ونورد فيما يلي أهم المسائل التي تناولها ابن أبي الرّبيع في تعقبه على الزمخشري: لم كان الرّحمن أبلغ من الرّحيم؟ قال ابن أبي الربيع في بيان السَّبب الذي صار به الرحمن أبلغ من الرحيم في قول الله عز وجل: (الرحمن الرَّحِيمِ) : (.. (الرّحَمنِ) اسم خاص به سُبْحانه لا يقعُ على غيره وفعلان يأتي عند الامتلاء، نحو غضبان، وسكران، وحيران، وكذلك الرّحمن. والرّحيمُ مبالغةٌ في رَاحمٍ، والرّحمنُ على هَذا أبْلَغُ مِن الرَّحيم، ولذلك يُقالُ رَحمن الدُّنْيا والآخرة، وَلمْ يُقلْ في الرحيم،لأنَّ الرحمن جرِى مجرى الأسماء، والرَّحيم ليس كذلك، بل هو باقٍ على الصِّفة وجريانه على غيره، فلذلك قدِّم على الرَّحيم.   1نفس المصدر السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وجاء أبو القاسم الزّمخشري وقال: هو اكثر حروفاً من الرّحيم، فهو لذلك أبلغ كالشقدف والشّقُنْداف1. وهذا كلام ليس مِن طريق كلام العرب، ألا ترى فَعِلاً، نحو: حَذِر أبلَغُ من حاذِرٍ، وإن كان أقلَّ مِنهُ حروفاً، وإنّما الأمرُ على ما ذكرت لك. (5) . رَدّ ابن أبي الرَّبيع القول بأنّ "رَبّ " وصفٌ بالمصْدَرِ وَممّا رَدّ به على الزَّمخشري ولم يُصَرّح باسْمِهِ قوله في تَصْرِيف "ربّ " من "رَبّ العالمين ": رَبّ وَزْنُهُ فَعِلٌ بكسر العين، والأصل رَببَ ثُمَّ أُدغم، وليس أصلهُ فعْلاً بسكون العين؛ لأنَّهم قالوا في الجمع: أرْبَابٌ.. إلىَ أن يقول: وقولُ من قال: إنّه وصفٌ بالمصدَرِ2 فيه بُعدٌ، إذّ لو كان كذلك لم يثنَّ ولم يجمع، ومَنْ ثنَّى مثل هذا في المصادر ثنّاهُ على القياس في فعلِ أفعل، وذلك نحو: كَفٍّ، وَأَكُف، فكونُه قد جُمِعَ على أرباب يَدُلُّ على بعد هذا القول. (7) . إضافة اسم الفاعل إلى معموله في "مالك يوم الدين " ذهب ابن أبي الربيع إلى أن إضافة اسم الفاعل في قوله تعالى: (مَالِكِ يَوْم الدِّينِ) إضافةً محضة واسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال، وأنَّ هذه الإضافة إلىَ معرفة تفيد التعريف، لأنّ اسم الفاعل إذ أضيف إلى معرفة كان على وجهين: على التعريف وعلى التخفيف، وردَّ قول الزمخشري في جعله الإِضافة هنا غير محضة وأنّها لمجرد التخفيف، ومما أورده في تقرير المسألة والرد على الزمخشري قوله: واسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي وأضيف إلى المعرفة تعرّف، وإذا كان بمعنى   1ينظر الكشاف 1/42. 2المصدر السابق 1/53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الحال والاستقبال وأضيف إلى المعرفة كان على وجهين: على التّعريف وعلى التخفيف، وتكون هنا الإضافة على التعريف، لأنّه جارٍ على المعرفة. وجاء بعض المتأخرين، وقال: إنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال فلا تكون إضافته إلاَّ غير معرفة، وتكون غير محضة، وإنما تكون للتخفيف1. وهذا القول فاسد، والصحيح ما ذكرته أولاً، وهو أن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال فله إضافتان: إضافة تعريف وإضافة تخفيف، والذي يضاف ولا يتعرف أبداً بالإِضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل خاصة ولا يتعرف إلاَّ بالألف والّلام. وجاء (مالِكِ يوم الدّين) على طريقة نهارُه صائم وليله قائم في الاتّساع لمّا كان فيه نُسِبَ إليه إمّا بالفاعلية وإمّا بالمفعولية. على جِهةِ الاتِساع. (10) . إعراب كلمة "سواء" وجملة " أأنذرتهم " أورد ابن أبي الربيع إعراباً لكلمة "سواء" وجملة "أأنذرتهم " من الآية الكريمة: (سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لم يعزه إلى قائله بل طوى ذكره لَعلّه تكَرّه التشهير به وآثر توجيه النقد إلى فحوى القول ومنطوقه، وهو نهج التزمه كثيراً في نقده وتعقباته على بعض العلماء. ومما قاله هنا بعد إيراده الإعراب الذي ارتضاه: (ومَنْ قال: إنّ (أأنذرتهم) في موضع المبتدأ و (سواء) خبر فقد قال مالا نظير له. وكذلك مَنْ قال إنّ (أأنذرتهم) فاعل (سواء) و (سواء) خبر إنّ مقدم فقد أخطأ (2) 2؛ لأنَّ الجملة لا تقع موقع الفاعل فليس في هذا إلّا ما ذكرته، من جعل الخبر   1ينظر الكشاف ا/57-58. 2والقولان هنا لأبى القاسم الزمخشرى، قال في الكشاف: وسواء بمعنى الاستواء.. وارتفاعه على أنه خبر لإِنّ، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم في موضع المرتفع به على الفاعلية، أو يكون أأنذرتهم في موضع الابتداء، وسواء خبر مقدم. بمعنى سواء عليهم الإنذار وعدم الإنذار.. بتصرف من الكشاف 1/ 1هـ ا-152، وينظر التبيان في غريب إعراب القرآن 1/ 50، وإملاء ما منّ به الرحمن 1/ 20، والدر المصون 1/105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 مبتدأ والمخبر عنه خبراً على جهة الاتِّساع، فيكون بمنزلة: إنَّ خيراً منك زيدٌ، وإنّ مثلك عمرو. (36) . مجيء مِنْ لبيان الجنس عند الزمخشري وَردّ ابن أبي الربيع ذلك ذهب الزمخشري إلى أنّ "مِنْ " في قوله تعالى: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّماء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ) 1 تُفِيدُ التّبعْيض، وقد تكُونُ لِلْبَيان، كَقَوْلِكَ: أنفقت مِن الدَّراهم ألفاً2. ولم يرتض ابن أبي الربيع معنى البيان في "مِنْ " وأثبت لها معنى التبعيض، وزاد ابتداء الغاية، واستند فيما ذهب إليه في ابتداء الغاية إلى سيبويه وأبي علي الفارسي، ومما قاله في المسألة: (.. وجاء بعض المتأخرين وقال في "مِنْ " هنا إنها للبيان، واسْتَدَلَّ بقولهم: أنفقت من الدَّراهم ألفاً، لا فرق بينه وبين الآية. التبعيض فيها هو البيّن، ولم يذكر سيبويه ولا أبو علي في "مِنْ " أَنَّها توجد لِلْبيان، وإنما هي موجودة لابتداء الغاية أو للتبعيض3، ومَنْ قال: إنّها تكون للبيان اسْتَدَلّ بقوله سبحانه: (فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ) 4وهذا التبعيض فيه بينّ، لأنَّ الوثن لا يجتنب فيه إلاّ العبادة والتعظيم وهذا هو الرّجس، وأمّا أَنْ يؤخذ الوثن إذا كان ذهباً أو فضة فيعمل به ما يجوز أن يعمل فلا يجتنب، وهذا ليس برجس. 5 (95) .   1 سورة البقرة آية: 22 2ينظر الكشاف 1/ 235. 3 ينظر الكتاب 4/ 224-225، والإيضاح 251. 4 سورة الحج آية: 30. 5 هذا التخريج الذي أورده ابن أبى الربيع لا يمنع مجيء من لبيان الجنس، وكون سيبويه أيقل به لا يلزم منه النفي لهذا المعنى فقد ذهب إليه غير واحد من العلماء كالهروي في الأزهية 233، وابن مالك في شرح التسهيل 3/134.\ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 إعراب " رِزْقاً " مفعولٌ من أجله أعرْبَ الزمخشريُّ كلمة (رِزْقاً) من الآية الكريمة: (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ) مفعولاً من أجله، ومِن الجارّة للتَّبعْيضِ، ولم يَرْتض ابن أبي الربيع هذا الإعراب و"مِن " للتبعيض، وإنمّا خرجه على أنّه مفعول به؛ لأنه الأظهر في الصورة والأقرب في البيان، قال في تعقبه على إعراب الزمخشري: (.. ورأيتُ بعضَ المتأخرين قال: وإنْ كانت "مِنْ " مِن قوله سبحانه "من الثّمراتِ " للتّبعيضِ فيكونُ "رِزْقاً" مفعولاً من أجله1؛ ولا أدْرِي ما حَمَلُه على هذا؟ وإلاّ فقد يقولُ: أكَلْتُ مِن الرَّغيف ثلثه، وأخرجت من النّاسِ زيداً، وَزَيدٌ مفعولٌ به ولا يُتَصَوَّرُ أنْ يكونَ مُفْعُولاً من أجْلهِ. وجَعَلُ الرّزَق هنا مفعولاً مِن أجله إنَّما يكونُ بعد جعل الرّزْقَ مَصْدَراً، وشرطُ المصْدرِ إذا كانَ مفعولًا من أجله ألاَّ يُنصبَ حتّى يكُونَ فاعلاً لِفاعِلِ الفعل المعلل ومع الفعل المعلّل في زمانٍ واحدٍ، نحو: جئتك ابتغاء الخير، فأنا الجائي، وأنا المبتغي والزّمانُ واحد، فالرّزق على هذا هو من الله تعالى، والإخراج منه سبحانه إلاّ إنّ الزّمان مختلف، إلاّ أن يكون المعنى: إعداداً لرِزْقكم، وفيه اتساع. وقال: وإنّ جعلت ((مِن)) للبيان كان "رِزْقاً " مفعول به، وقد جعل "من " للبيان وجعل الرزق مفعولاً به، و"من " للتبعيض أبين من جعله مفعوًلا مع من التي للبيان عند من يثبت ذلك. (96) . رَدّ ابن أبي الربيع إعراب كلمة "لكم " مفعولاً لأجله خرج ابن أبي الربيع كلمة (لكم) الواردة في الآية الكريمة: (خَلَقَ لَكُم مَّا في الأَرْضِ جَميعاً) على أن اللام لتعدية الفعل قبلها، فهي بمنزلة: جئت لك، فجاء تتعدى بالَلام وليست على معنى جئت لأجلك؛ لأنه لا يعلم الذي جيءَ لأجْلِه، وكذلك (خلق لكم) تتعدى باللاّم، ولَيْسَ المعنى لأجلكم. وبعد أن قرر هذا الوجه   1ينظر الكشاف 1/ 135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 عرض لقول الزمخشري في المسألة دون أنْ يصرح باسمه أو يعزو إلى المصدر، فقال: (.. ورأيت بعض المتأخرين ذهب إلى أن "لكم " مفعولاً لأجله1، وهذا ليس بصحيح لما ذكرته..) . وما ذهب إليه الزمخشري هو الأظهر في كلمة (لكم) لما فيه من معنى السبب، وقد أخذ به غيرُ واحد من معربي القرآن2، حتى قال أبو حيان إن (الأحسن حمله على السبب فيكون مفعولاً من أجله؛ لأنه بما يا الأرض يحصلُ الانتفاع الديني والدنيوي3. أعرب الزمخشري في (سبع سماوات) الواردة في الآية الكريمة: (فسواهن سَبْعَ سَمَواتٍ..) 4 علما أنها تفسير للضمير المبهم "هُنَّ " وأمّا ابن أبي الربيع فقد خَرّجها على وجهين هما: البدلية والحالية، ثم رد قول الزمخشري، وممّا قاله في المسألة: (.. وسَبْعَ بدلٌ من "هُنَّ " والتقدير: فَسَوّى سَبْعَ سموات، ويمكن أنْ يكون حالاً على تقدير: مقدراً أن يكون سبع سماوات، كما قال سبحانه: (وجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) أي مقدراً أن يكون سَكناً، وهذا بمنزلة قول العرب: مررت برجلٍ معه صقرٌ صائد به غداً، أي مقدرا به الصّيدِ غداً، والبدل عندي أحسن. ورأيت بعض المتأخرين يذهب في (سبع سموات) إلى أنه بمنزلة: ربه رجلاً، أضمر على شريطة التفسير (5) 5. وهذا قولٌ لا يُعَوّل! عليه ث لأنَّ الضمير على شريطة التفسير يحفظ ولا يقاس عليه، ولا يقال منه إلّا ما قالت العرب ة لأنه خارجٌ عن القياس، والأصل في الضمير الغائب أنه يأتي بعد الظاهر لفظاً أو مرتبةً، أما إتيانُه قبل الظاهر المفسِّر له لفظاً ومَرّتَبةً فَلَمْ يَقَعْ إلّا في أرْبعةِ أبواب، وبَيانُها في كُتُب العربية، وليس هذا مِنْهَا. (131) .   1ينظر الكشاف 1/ 270. 2 ينظر الفريد في إعراب القرآن المجيد 262/1. 2ينظر البحر المحيط 215/1. 2سورة البقرة آية: 29. 3ينظر البحر المحيط 215/1. 4سورة البقرة آية: 29. 5ينظر الكشاف 1/ 270، والفريد في إعراب القرآن المجيد 263/1، والبحر المحيط 18/1 2، وقد رجح أبو حيان فيه البدلية على التفسير، وبقية الإعرابات التي أوردها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 خرج الزّمَخْشرِيُّ كلمة "أعْلَم " من قوله تعالى: (وَأعْلَمُ مَالاَ تَعْلَمُونَ) 1على معنى التفضيل، أمَّا ابن أبي الربيع فجعل "اعلَمُ " هنا فعل مضارع واسْتَبْعَدَ ما ذهب إليه الزمخشري، ومما قاله: (.. "اعْلَمُ " هُنا فِعْلٌ مضارعٌ يُراد به الحالُ المسْتَمِرّة و"ما" مفعول بأعْلَمُ، والتقدير: بما تَعْمَلون أبداً، ودخلَتْ لا هنا لنفي المستقبل، وقدْ قِيلَ في هذا أقوالٌ أحسَنهُا عندي ما ذكرته. وجاءَ بعضُ المتأخّرينَ وذهبَ إلى أنَّ "اعلمُ " هُنا أفعلَ تفْضيلٍ2، وهُوَ شيءٌ بعيدٌ، مقصُودُه مُتَعَذّر. (135) . أعربَ الزمخشريّ كلِمة "وَمِنْ ذُرِّيّتي " من الآية الكريمة: (قَالَ إِنّىِ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً، قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى..) وهو معطُوفةً على الكاف من "جاعِلُك" كأنه قال: جاعلٌ بَعْضَ ذُرِّيّتي.. وقد ردّ ابن أبي الربيع هذا التوجيه بمقتضى الصِّناعة الإِعرابية، والقاعدة النحوية، فقال: (.. وذهبَ بعضُ المتأخّرِين إلى أنّه، أيْ (وَمِنْ ذُرِّيتي..) مَعْطُوفٌ على الكافِ مِن (جاعِلُكَ) 3. ولَيْسَ هذا بالبيّنَ؛ إذْ لو كانَ (وَمِنْ ذُرِّيَّتي) منصوباً لكانَ وَذُرِّيّتي، لأن الكاف مفعولُهُ فهو يصلُ إليها بنفسه، (وَمِنْ ذُرِّيَّتي) مجرور فكيف يُعطفُ المجرورُ على المنصوب. (256) . أعرب الزمخشريّ (ومَنْ كَفَر) معطوفة على (مَنْ آمن) في قوله تعالى: (وَإذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْم الآَخِرِ، قَال وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً..) 4.   1 سورة البقرة آية: 30. 2 ينظر الكشاف 1/271. 3 المصدر نفسه 309. 4 سورة البقرة آية: 126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ولم يرتض ابن أبي الربيع هذا الإعراب، بل رَدّهُ بقوله: (ورأَيتُ بعضَ المتأخّرينَ يذهبُ إلى أنّ (وَمَنْ كَفَرَ) معطوفٌ على (ومَنْ آمن) 1، وحقُّ المعْطُوفِ أنْ يكونَ مُشَرّكاً في العامِلِ، والتّشريك هُنا مُمْتْنعٌ؛ لأنَّ الأوَّل دعاءٌ، والثاني إخبارٌ عن الأصل2. (98) .   1 ينظر الكشاف 1/ 310. 2 ينظر البحر المحيط 603/1 فقد ردّ بارد به ابن أبى الربيع هنا، وزاد في البيان وتوجيه المعنى على مقتضى الإعراب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 المبحث السابع عناية ابن أبي الربيع بالقراءات أورد ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسيره قراءات مختلفة، فيها المتواترة، والشاذة، وقد تناول الكثير من هذه القراءات بشيء من البيان والتوجيه على مقتضى قواعد العربية، ونبّه على ما خرج من القراءات الشاذة عن أصول العربية والقياس الصحيح. ومنهجه في الاحتجاج بالقراءات يقوم على تقديم المتواتر والتعويل عليه، وتَوْجيه القراءات الشاذة غالباً على الأوجه المحتملة في العربية، فإذا لم يجد لها وجهاً في العربية خرجها على قاعدة الاتساع. وتارة يورد القراءات متواترة كانت أو شاذة دون أن يتبعها بتوجيه أو بيان، كقوله: لم يقرأ في السبع إلاّ بالتخفيف3، وأمّا في غير السّبع فقد حكى فيه قراءات (4) 4، وقد قرىء في غير السبع (5) 5، ومن أمثلة القراءات الموجه ما يلي:   3ص 33 من تفسير ابن أبى الربيع. 4ص 47 من تفسير ابن أبى الربيع. 5ص 64 من تفسير ابن أبى الربيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 قال في توجيه القراءة الشاذة في قوله تعالى: (أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) قُرىءَ في الشّاذّ (أنذرتهم) وهو على حذف همزة الاستفهام، اسْتغنوا عنها بأم، لأنَّ أم طالبة بالاسْتفهام، ثم ثَقُلَ اجتماع الهمزتين، وهذا لا يَكادُ يُعْرَفُ، ولم يجئ في السبع1. وقال في توجيه قراءة (غِشَاوَة) من قوله تعالى: (عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) 2 (.. لم يقرأ هذا في السّبع إلاَّ بالرّفع، وقُرِىءَ في غير السبع بنصب "غَشِاوَة " ورُوِيَ ذلك عن عاصم في روايته المشهورة عنه لها وجه، وهو أن يكون منصوباً بإضمار فعل دَلّ عليه (وخَتَمَ) 3، لأنَّ الختم في القلب وَالسّمع نظير جعل الغشاوة على العين، فيكون هذا بمنزلة قول امرئ القيس: … … … … ... يُحَلّين ياقوتاً وشذراً مُفَقَّرا وَرَيَحَ سَناً في حِقِّهِ حِمَيريةٍ ... … … … … المعنى: وُ يضَمّخْنَ ريح سنا، وحذف يضمخْن؛ لأنَّ ما قبله وهو يُحَيّن يَدُلُّ عليه. وجاء في غير السّبع "غَشْوَةٌ " والمعنى تغطية، وهو مصدر. و"غُشاوة" يضم العين، وبالعين غير المعجمة. والواو في عشاوة أصل، لأنّهم قالوا: عشا يعشو، قال: متى تأته تعشو إلى ضَوْءِ نارِه ... تجد. وأمَّا مَنْ قَرَأَهُ بالغَيْنِ فالواو مُنْقلبةٌ عَنْ يَاءٍ، لأنّهم قالوا: الغشيان. وقالوا: غَشيَة وقُرىءَ "غِشْوَةَ "بكسرِ الغين والواو منقلبة عَنْ ياء، وهذه قراءاتٌ لم تثبت في السبع، والثابت في السَّبع (غِشاوة) بكسر الغين وفتح الواو ورفع التاء. وفِعالة بكسر أوّله يأتي في المصادر إذا كان فيها ولاية، نحو الإِمارة، والحياكة، والكتابة، لأنَّ في هذه كلّها شبهاً بالولاية.29- 30.   1ص 33 من تفسير ابن أبى الربيع. 2 سورة البقرة آية: 7. 3ينظر التذكرة في القراءات لابن غليون 309/2، والمحرر الوجيز 1/ 155-156 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 تضعيفُ القراءةِ الشَّاذًةِ أو تخريجها على وجه الاتساع وتارةً يُورِدُ القراءةَ الشّاذة ويخرجها على مقتضى الصنعة الإعرابية ليظهر وجه الضعف فيها، من ذلك ما أورده في توجيه قراءة الرفعِ لكلمة (بَعُوضَةً) من قوله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يستحي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضةً فَمَا فَوْقَهَا) قال توجيه رفع (بَعُوضة) : (.. لم يَقْرَأُ السبعة إلاّ بنصب "بَعُوضةً"، وَقرِىء في غير السّبع بالرّفع ولَيْسَ بالقويّ، لأنَّ (ما) هنا بمعنى الّذي وَصِلَتُها "بعوضة " ولابدَّ مِن ضميرٍ محذوف تقديره: الّذي هُوَ بعوضة، وهذا الضّمير يَقِلُّ حذفُهُ، وإنّما هُوَ في الأفْصَح ظاهرِّ كما قال تعالى: (وَرَاوَدتْهُ الَّتِى هُوَ فِي بَيْتِهَا) 1. وكذا وجه الرفع في كلمة (أحَسّنُ) من قوله تعالى: (تَمَاماً عَلَى الذي أَحْسَنَ) 2. ومِمّا قال هنا: ".. قرىء في الشاذ بالرفع وهو على تقدير: الّذي هو أحسنُ، وحذف الضمير العائد من الصّلة إلى الموصول إذ كان مُبتدأً ضعيفٌ إلا في أَيِّ، وقد حَسُنَ بعض حُسْنٍ إذا طال الكلام. (121) . وقال عن توجيه قراءتي الرفع والنصب في كلمة (مُصَدِّقٌ) من الآية الكريمة: (ولمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ منْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ) 3. (.. لم يقرأ (مُصَدِّقٌ) في السبع إلاّ بالرفع، وهو صفة للكتاب، وقُرىءَ في غير السبع (مصدقاً) بالنّصب، وهُو عِندي حالٌ من الضمير الّذي في (من عندِ اللَّهِ) ، لأنه نائب مناب مُسْتَقِرٌّ، فيكون المعنى: وَلمَّا جاءَهُم اسْتقر من عند الله في حال أنه مصدق بالتوراة؛ أيْ موافقاً لما في التَّوْراة. (233) .   1سورة يوسف آية: 23. 2سورة الأنعام آية: 154. 3 سورة البقرة آية: 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 ومما خرج فيه ابن أبي الربيع القراءة السبعية على خلاف القياس والقراءة غير السبعية على مقتضى القياس كلمة (مَثُّوبة) من قوله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّهمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ منْ عِندِ الله خَيْرٌ لوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) 1، قال في بيان القياس في (مَثوبةٌ) (.. يقالُ مثوبة، ومعناهُ الثَّواب، وكان القياسُ في مثوبة مثابة، ولم يقرأ به في السّبع، وقُرِىء في غيرِ السّبع، لأنَّ الفعل معتل فينبغي أن يكون المصدرُ كذلِكَ، مثل المنابة والمقامة والمقالة والمثابة، لكنّهُ جاء مصححاً على الأصل كما جاء القُصْوَى والقَود. (261-262) . وتارة يوجّه المعنى وَفْق القراءة الواردة في الآية، كقوله في كلمة (تسأل) من الآية الكريمة (إِنّا أرْسَلْنَاكَ بالحق بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْألُ عَنْ أَصْحَابِ الجحيم) 2. قُرِىء (تسْأل) بالجزم، ولا نَهْيٌ، وقُرىء (ولا تسألُ) بالرَّفعِ وبناء الفعل للمفعول. فمنْ قرأَهُ بالرفع عطفةُ على (بشيراً) والمعنى: إنَّا أرْسلناك مبشراً ونذيراً وغيرَ سائل عن أصحاب الجحيم، أيْ مَنْ كَفَرَ لا تسأل عن كفره. ومَنْ قرأ "ولا تسألْ " بالجزم، ففيه تعظيم الجهة، أي: لا تسأل عن هؤلاء، أي إنَّ أمْرَهُم أكبر من ذلك. (283) . وتارة يخرج القراءة على قاعدة الاتساع، كقوله في توجيه قراءة الضم في (وُقُودها) من الآية الكريمة: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ التي وَقُودُهَا الناس والحجارة..) .3 (.. وقرأ جماعة في الشاذ: (وُقُودُها) بضم الواو، والوُقود بضم الواو المصدر فالإخبار عنه بالنَّاس والحجارة فيه اتساع مِنْ وَجْهَين:   1سورة البقرة آية: 103. 2سورة البقرة آية: 119. 3سورة البقرة الآية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 أحدهما: أنْ يكون على حذف مضاف. الثاني: أن يكون جعل النَّاس والحجارة وقوداً لمّا كان الاتّقاد بهما، كما تقول: زيد زين الكلمة، وأطلق الزّين عليه وهو في الأصل مصدر، كما تقول: حياة المصباح السّليط، وُيسمىّ الشيء باسم ملازمه، وقد مضى الكلام في الاتّساع، وأنّه يكونُ على وجوهٍ، هذا أحدها، وهو تَسْمِية الشيءِ بما يلازِمُهُ. (106) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 المبحث الثامن الاحتجاج بالشعر يُعدّ الشعر أحد المصادر السماعية التي أمدّتْ العربية بأفصح التراكيب وأبلغها، وأحسن الأساليب وأجزل المعاني، وأثره في ترسيخ أصول العربية وقواعدها وضبط أقيستها معروف لدى أهل الصنعة، وقد صُنّف في مصادر تثقيف اللسان وتقويمها بعد القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. وحَسْبُهُ شرفاً وغايةً أن كان رَدِيفَ هذين الْوَحْيَين في حسن البيان، وفصاحة التراكيب والمفردات. وقد عَلا باللغة العربية إبّان عُصورِ الاحتجاج إلى السماكين، ونأبها بعيداً عن اللحن في البيان والتسكع في الخطأ الذي تفضله سقطات الصّمت.. واحتجاج ابن أبي الربيع بهذا الرافد يلتزم فيه نهج الرّعيل الأول من أرباب الصنعة فهو لا يحتج إلاَّ بما صَحّت لغتهُ وتقادمت روايته. وقد سلك في الاحتجاج طرائق شتى، فتارة يحتَجُّ بالبيت لبيان مفردةٍ من غريب القرآن، وتارةً يأتي به لتوجيه قراءة من القراءات التي احتجّ بها، وتارةً يحتجُّ به على قَضِيّةٍ نحَوِيَّةٍ أوْ صَرفِيّةٍ.. وفيما يلي يُورِدُ البحثُ أمثلةً تُبينُّ ما ألمحت إليه هذه التوطئة. قال في تفسير كلمة "الصّلاة " من قوله تعالى: (الذين يُؤْمِنُونَ باَلْغَيْب وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) 1.   1سورة البقرة آية: 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 (.. الصّلاة: الدعاء، قال: عَليكِ مثل الّذي صَلّيتِ فاغْتَمِضي ... يوماً فإنّ لجنب المرءِ مُضطّجعا وقال آخر: لها حَارِسٌ لا يَبرُحُ الدّهر بَيْتَها ... وَإنْ ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْه مَا وزَمْزَما (28) وقال في تفسير المفلحون من الآية: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) 1: الفلاحُ والفَلَحُ: البقاء، قال الأعشى، وأنشدَهُ يعقوب: وَلَئِنْ كُنتُ كَقومٍ هَلكوا ... ما لِحْيّ يالَقومِ مِنْ فلح أي من بقاء. وقال عدي بن زيد: ثمّ بعد الفَلاَح والملكِ والأمْرِ ... ةِ وَارَتْهُم هُناك القُبُورِ وقال غيره: والصّبحُ والمسِىُّ ... لاَ فَلاحَ مَعه.. (34) . المعنى: لا بقاء معه. واحتجّ لقراءة فتح الميم في (مَن) من قوله عز وجل: (وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) 2،لبيانِ وَجه الإشكال في إعراب "مَنْ" قال في توجيه الإعراب الذي تحتمله "مَنْ ": (. وأمّا (والذين مَنْ قَبْلِكُم) فمشكلة وَهِيَ عِندي بمنزلة قول زُهير: ... ... ... ... ... ... ... لَدَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَها أُمُّ قشعَمِ المعنى لدى إلقَاء أمَّ قشعم، فأتى بلدى وحيثُ، وهما لمعنى واحدٍ، ثم جاء بعد حيثُ بجملة في موضعِ خفض ودلّتَ على مخفوض لدى، فكأنّها. بدلٌ مِن لَدَى، ولَدَى تطلبُ مَخْفُوضاً، وحيثُ تطلب جملةً في موضع خَفَضِ، فأتى بالجملة لحيثُ، ودَلّ على   1سورة البقرة آية: 5. 2سورة البقرة آية: 21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 مخفوضِ لَدى كما ذَكَرْتُ لَكَ، فقولك: والّذينَ مَنْ قبلكم، والّذين ومَنْ معناهما واحد، فكأنّ مَنْ بدلْ من الذين، وكلاهما تطلبان الصّلة، فأتوا بالصّلةِ لِمَنْ فدَلّت على صِلَةِ الذين.. (92) . واحتجّ لِحمْلِ المضُارِع على الماضي في قوله تعالى: (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبيَاءَ الله مِن قَبْلُ) 1فقال: (وتقتلون وُضِعَ موضعَ قَتَلْتُم والمضارعُ يُوضَعُ موضِعَ الماضي إذا كان معنا ما يدُلُّ على ذلك، قال امرؤ القيس: لَعمري لَقَوْمٌ قَدْ نَرى الأمْسَ فيهُمُ ... مَرابط للأمْهَارِ والعَكَرِ الدَّثرُ 2. فقوله: الأمْسِ يَدُلُّ على أن نَرى في معنى رأينا، وكذلك "مِنْ قَبْلُ " في الآية يَدُلَّ على أنَّهُ ماض. واحتجَّ لترجيح الاستعارة على التّشبيه في الآية الكريمة: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْ جِعُونَ..) 3فقال: والأنسب الاسْتِعارَةُ، وَإِنَّما تُسمىَّ الاستعارةُ إذا لم يُترك المشبه وطوى ذكْرُهُ، كما قال: لدى أسدٍ شاكي السّلاحِ مقذفٍ ... ... ... ... ... ... ... وعرض للإلتفات في الآية الكريمة: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . وبين صُورَهُ التي يأتي عليها واحتج لكل منها واصفاً ذلك بما له من الفصاحة وحسن البيان فقال: وفي هذا الخروجُ من الغيبة إلى الخطاب، ولو جرى على أوّلِ الكلام لكان إيَّاهُ.   1سورة البقرة آية: 91. 2 البيت في ديوانه: 112، والعَكَرُ جمع عكرة، والمراد القطيع من الإبل، الدّثر: الكثير من الإبل وغيرها من أصناف المال.. 3سورة البقرة آية: 18. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وهذا مِنْ فصيح كلام العرب، قال امرؤ القيس: تطاولَ ليلُكِ بالاثمُدِ ... فنام الخليّ ولم تَرْقُدِ وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمدِ فانتقل من الخطاب إلى الغيبة، ثم قال في البيت الثالث: وَذلِكَ مِن نَبأٍ جاَءني ... وَخُبِّرتُهُ عَنْ أبي الأسودِ انتقل إلى التكلم، ويسمى هذا الالتفات، وهو كثير في القرآن، وهذا من فصيح كلام العرب ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 المبحث التَّاسع القياس عند ابن أبي الربيع عَرّفه ابن الأنباري بأنه: (حملُ غيرُ المنقُول على المنقول إذا كان في معناه) . وقال السيوطي: (وهو معظم أدلة النحو، والمعول في غالب مسائله عليه، كما قيل: إنما النحو قياس يتبع) . ومن يُقلّب صفحات كتب النحو يجد أنَّ القياس كان أحد الركائز التي قام عليها صرح علم النحو وبُسطت به مسائله وأحكمت قواعده، واسْتقَام به الدرس النّحويُّ، وكان أحد الروافد المعينة لأئمة النحو في توجيه المسائل التي لم يكن لها دليلٌ من نقل فحملوها بمقتضى القياس على ما يماثلها مِمّا استقام نهجها على مجاري كلام العرب. وابن أبي الربيع في مؤلفاته النحوية، وفي هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز ينزع منزع السلف من أئمة النحو في التَّعويل على القياس في المسائل التي لا مستند لها من النقل أو السماع الموثوق به، ومِمّا وجهه في هذا الجزء من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه على مقتضى القياس ما يلي: الجر بحرف الجر المحذوف إذا كان مجروره أنّ أو أن وذلك قياساً على (ربّ) قال في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 توجيه الآية الكريمة: (إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً..) (أن يَضْرِبَ) على إسقاط حرف الجر، وأصله: إنَّ الله لا يستحي من أن يضرب ثم حذف مِنْ.. واختلف الناس في بقاء عمله أو زوال عمله كما اختلفوا في (أنّ) وكلا الوجهين له وجه، والأظهر عندي أن يبقى العمل فيما حَذْفُه كثير، ويجرى مجرِى رُبّ، فإنها حُذِفَتْ وبقى عملها 00) . (120) . المصدر الموضوع موضع الحال القياس أن يكون مفعولاً لأجله قال في توجيه إعراب (بغياً) من الآية الكريمة: (بئْسَمَا اشترَوا بهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ الله بَغْياً) .1. (.. (وبَغْياً) مصدرٌ في موضع الحالِ، أيْ باغين لأجلِ أنْ ينِزّل الله من فضلهِ، أو يكونَ مفعولاً لأجلهِ، لأنَّ المصدَرَ الموضوع موضع الحال يُحفظُ ولا يقاس عليه، والمفعول من أجله قياس. (135) . ويتكررُ هذا بتفصيل أدق في المصدر (حسداً) الواردة في قوله عز وجل: (وَدَّ كَثِيرٌ منْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً) 2. قال في توجيه إعراب (حسدا) : (.. و (حسداً) هو يحتمل أن يكون مفعولاً من أجله، أيْ ودوا بحَسْدِهِم، ويُحتملُ أن يكون "حسداً" مصدراً في موضع الحالِ، والمعنى: حاسدين لكم. والأوّل أحسنُ، لأن المصدر في موضع الحال يُحفظُ ولا يقاسُ عليه، والمفعول من أجله مطردٌ قياسٌ إذا صحت شروطه، لأنّه مصدرٌ لفاعل الفعل المعلّلِ، وهو معه في زَمن واحدٍ) . (272) .   1سورة البقرة آية: 90. 2سورة البقرة آية: 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 القياسُ في وزنِ مَرْيَم قال فيما يقاس عليه وزن مريم من قوله تعالى: (وَآتَيْنَا عِيسَى أبْنَ مَرْيَمَ) 1: (.. ووزن مريم: مَفْعَل، وشذّ في الصحيح، وكان قياسهُ: مراماً ولا يُدعى أنه فعيل، وأنّ الميم أصلية، لأن الأكثر على الميم إذ كانت أولاً أن تكون زائدة، ولأن فَعيلا بفتح الفاء معدوم من كلام العرب، وإنما يوجد فِعيل وفُعيل، قالوا عثير للتراب، وقالوا ضُمَيد اسم وادٍ. فتجنّبُ العرب فعيلا دليل على أنه مرفوض من كلامهم، فكأنه منقول من رام يريم، تقول العرب: ما يريم، أي ما يزال ما يبرح … ) . (231) .   1سورة البقرة آية: 87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 المبحث العاشر الاتساع الاتِّساعُ ضربٌ من الحذفِ عند سيبويه وغيره من أئمةِ النحو المتقدمين، كحذفِ المضافِ وإقامة المضاف إليه مقامه، وكإقامة الظرف مقام الاسم في الإِعراب، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: (واسأل القرية..) فإنه على تقدير: "واسألْ أهل القرية" ومن أمثلة إقامة الظرف مقام الاسم قولهم: صيد عليه يَوْمانِ، وإنما المعنى: صيد عليه الوحش في يومين، ولكنه اتسع فيه واختصر..) 2. أمّا الاتساع عند ابن أبي الربيع فيشمل ما ذكر ويمتد إلى مسائل من الإِعراب والتّصريف لم يكن لها دليلٌ من سماعٍ أو قياسٍ تحمل عليه لذلك نراه يحملها على قاعدة الاتساع، ومن أمثلة الاتساع في هذا السّفْرِ من تفسير ابن أبي الربيع ما يلي: أوّلاً: نصبَ (يَومَ الدّين) من قوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدين) على المفعولية في قراءة عاصم والكسائي، قال في بيان هذا الوجه:   2 ينظر الكتاب 1/ 211، 212، والأصول 3/ 255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 قرأ عاصم والكسائي: (مَلك يوم الدين) فَيُمكِنُ أنْ يكونَ (ملك) بمعنى مالك كما قالوا: حذر بمعنى حاذر، ويكون من الملِك بكسر الميم، ويكون قد أضيف إلى يوم الدّين بعدما انتصب يومَ الدين نَصْب المفعول على جهة الاّتساع، كما قال: ... ... ... ... ... ... ... ... طبّاخ ساعات الكرى زَادَ الكسل على نصب (زادَ) إلى أن يقول: ويكونُ الأصلُ: مالكاً يومَ الدّين، أَيْ في يوم الدّين ثمَّ انتصبت على أنّهُ مفعولٌ به على الاتِّساع كما ذكرت لك. (8-9) . ثانياً: نصب (رِزْقاً) لا يكون إلا على الاتساع: قال في رده على بعض المتأخرين في إعراب (رِزقاً) من قوله عزّ وجل: (فَأَخَرْجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ) 1: (.. وجعل "رزقا" مفعولاً لأجله إنما يكون بعد جعل الرزق مصدراً، ومِن شرط المصدر إذا كان مفعولاً من أجله ألا ينصب حتى يكون الفاعلُ للفعل المعُلَّلِ في زمانٍ واحدٍ، والرّزق على هذا هو من الله، والإخراج منه سبحانه إلاّ إنّ الزمانَ مختلفٌ، إلاّ أن يكون المعنى: إعداد الرزق فيكون فيه اتساع. (96) . ثالثاً: الإخبار عن المصدر في قوله تعالى: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..) 2بالناسِ والحجارة فيه اتساع، قال في توجيه الآية السابقة: والْوُقُودُ بضم الواو المصدر، والإخبار عنه بالنّاسِ والحجارة فيه اتّسِاعٌ من وَجْهَين: أحدهما: أن يكون على حذف مضاف. والثاني: أن يكون جعلَ الناسَ والحجارة وقوداً لمكان الإتّقاد، كما تقول: زيدٌ زَيْن الكلمة، وأطلق الزّين عليه وهو في الأصل مصدرٌ، كما تقول: حياةُ المصباح السليط. (106) .   1سورة البقرة آية: 22. 2سورة البقرة آية: 24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 رابعاً: الاتساع في المصدر (مثابةً) من الآية الكريمة: (وَإذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً) (1) 1. قال في توجيه كلمة (مثابة) من الآية السابقة: ويمكنُ أن يكونَ (مثابة) مصدراً يقع على المكان على جهة الاتّساع. (287) .   1سورة البقرة آية: 125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 المبحث الحادي عشر مذهب ابن أبي الربيع النحوي لم يصرح ابن أبي الربيع بالانتماء إلى مذهب بعينه من مذاهب النحويين لكنه في عرض المادة العلميّة ومناقشة المسائل التي جرى فيها الخلاف يختار مذهب البصريين وُيرَجّحه على مذهب الكوفيين، وكثيراً ما عَوّل على ما قرّرَهُ سيبويه، وهذا التوجه عند ابن أبي الربيع لا يقف به عند مسائل بعينها بل يمتد على أكثر المسائل التي كان لسيبويه فيها أثر من اختيار أو قول، ويظهر هذا أكثر ما يظهر في شروحات ابن أبي الربيع ومصنفاته في العربية، ويوجد له في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز بعض الاختيارات والترجحات لمذهب سيبويه ومذهب البصريين، وقد يرجح قولاً أو اختياراً لأبي علي الفارسي، لأنّ أبا علي الفارسي عَوّل على مذهب سيبويه كثيراَ وترسم نهجه في أكثر المسائل التي كانت موطن الخلاف بين البصريين، واكتفى هنا بعرض نموذج مما يظهر فيه تأثر ابن أبي الربيع بمذهب البصريين، واختياره له، في مجال الترجيح. العطف ضمير الرفع المتصل عرض لهذه المسألة عند تفسيره للآية الكريمة: (اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ففصل القول في المسألة على مذهب البصريين ولم يشر إلى مذهب الكوفيين فيها، إمّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 لأنه لا يرى مساغاً لذكره لأنَّ محِلَّه كُتُبُ العربية، وإمّا لأنّ قولهم في المسألة لم يكن مَحِلّ بحث وموازنة لاشتهاره بين المعربين فاقتصر على ما يراه في المسألة راجحاً، ومما قاله في توجيه الآية: (.. (أنت) توكيد للضمير في اسكن بدليل قولهم في التّثنية: اسْكنا أنتما، وفي الجمع: اسْكنوا أنتم. (وَزَوْجُكَ) مَعْطُوفٌ على الضَّمِير المُسْتّتر في اسْكُن لا على (أنْتَ) لأنَّ (أنْتَ) توكيد للضّمير فيجبُ أنْ يكونَ المعْطُوف عَليهِ توكيداً ولَيْسَ بتوكيد له ولا معنى فيه للتوكيد، فهو معطوفٌ على الضمير المسُتَترِ نفسه، ولا يُعطَفُ على الضمير المرفوع المتَّصل حتَّى يُؤكد أو يُفصلُ بفاصِل يَتَنَزَّلُ منزلة التوكيد، نحو قوله سبحانهَ: (ولَوْ شاء الله ما أَشْرَكْنَا وَلاَ أَبَآؤُنَا) 1. (144) . وما ذكره ابن أبي الربيع هنا هو مذهب البصريين في المسألة أمَّا الكوفيون فَمذهبهم جواز العطف دون فاصل، ولهم شواهد نظماً ونثراً، وقد أخذ بمذهبهم ابن مالك في التسهيل (374/3) ، وشواهد التوضيح (2 11) ، ومن الشواهد على العطف دون فاصل التي أوردها ابن مالك قول عمر رضي الله عنه: (كنت وجارٍ لي من الأنصار 2، وقول علي رضي الله عنه فيما حدث به: (.. كنت وأبو بكر وعمر ولما 00) 3. الجزم على جواب الأمر قالت في توجيه الآية الكريمة: (.. وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) 4: (.. أوف مجزوم على جواب الأمر، وأبو علي يرى أنّ الشرط محذوف، والتقدير: إنْ وفيتم أوف بعَهِدِكُم، كما تقولُ: ادرسْ تَحفِظْ، التقدير: إنْ تَدْرُسْ تحفظ، وهذا   1سورة الأنعام آية: 148. 2ينظر فتح الباري 114/6 كتاب المظالم. 3المصدر السابق 7/ 22 كتاب فضائل الصحابة. 4سورة البقرة آية: 40. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الجزم جائز في جواب الجملة إذا لم تكُنْ خبراً، فإن كانت خبراً منفيًّا أو موجباً لم تجزم وبقَيَ الفعلُ مرفوعاً. وإذا كان جواباً للنهي فلا يكون مجزوماً حتّى يكونَ جواباً لعدم النقل. فإن كان جواباً للواجب لم يجزم، فتقول: لا تدن من الأسَدِ تَسْلَمْ، لأن السّلامة مُسَبّبةٌ عن عدم الدنو ولا تقول: لا تدنُ من الأسَدِ يأكُلْك. والرفعُ في هذا كله هو كلام العرب. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَرْجِعُوا بعدي كفاراً يضرِّبْ بعضكم رِقاب بعض " 1 إدْغَامٌ وليس بجزم بمنزلة: (وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورَا) 2 في قراءة أبي عمرو في الإِدغام الكبير.. وفي هذين الفصلين خالف الكوفيون، فأجازوا الجزم، والصحيح ما ذكرته لك. (153) . والذي صححه هنا أهو قول البصريين في المسألة، وقد نبه عليه في كتابه الملخص (1/156-157) ، وذكره غيره من النحويين. وقد سبق القول في متعلق الجار والمجرور في بسم حيث ظهر ميله إلى مذهب البصريين فيه، وكذلك القول في اشتقاق الاسم، إذ يظهر من مناقشته للمذهبين توجيه قول البصريين في مقابل توهين قول الكوفيين 30 (153) .   1ينظر الحديث في قح الباري كتاب المظالم باب الإنصات للعلماء 43/3. 2سورة الفرقان آية: 10، وينظر القراءة المعزوة لأبى عمرو في كتاب السبعة 462. 3ينظر ص 346، 371. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 المبحث الثاني عشر مصادر ابن أبي الربيع في تفسير الكتاب العزيز وإعرابه يعد هذا الكتاب خاتمة أعمال ابن أبي الربيع العلمية في الدرس والمراجعة والتّصنيف، ونتيجة نشاطه في هذا الميدان وخلاصة ما انتهى إليه، ولذا جاءت مصادره مُتعدّدة، وفي فنون مختلفة، منها ما صرح بذكره وهو القليلُ، ومنها ما طوى ذكره واكتفى بالإحالة المسندة إلى مؤلفه تارة، وبالِإحالة غير المسندة تارةً أخرى، وأغلب الإِحالات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 المرسلة ترد بصيغ: قال بعضهم، ومنهم من قال، وقال بعض المتأخرين، ورأيت بعض المتأخرين، ومنهم من ذهب، فهي تتفاوت قوة وضعفاً. وتتلخص مصادره التي أفاد منها في الكتب التالية: 1- كتب التفسير: وأهم هذه الكتب التي أمعن النظر فيها وأفاد منها، تفسير ابن عطية، فقد وقف على هذا التفسير وأدام النظر فيه وأفاد منه كثيراً وكانت له عليه تعقبات صَرّح في بعضِ منها بذكر ابن عطية وتفسيره، ولوح إليه في بعض المواضع تلويحا كعادته في التأدب مع أهل العلم. ويلي هذا المصدر تفسير الكشاف للزمخشري، فقد أفاد من هذا المصدر يا المنافسة والتحليل ودقة النظر في توجيه المعاني، وكانت له عليه تعقبات في مواطن مختلفة من الكتاب، وعلى مسائل في النحو والتصريف واللغة والبلاغة ذُكِر بعضُ منها في هذه الدراسة. ومن المصادر التي أفاد منها في التفسير كتاب أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن العربي، وتظهر فائدة هذا الكتاب في الأحكام وحسن استنباطها. وهناك تفسير آخر أفاد منه في المسائل الفقهية هو تفسير القرطبي لكنه طوى ذكره فلم يأت له على ذكرٍ في هذا الجزء من تفسيره. 2- كتب الحديث: يتردد ذكر الموطأ وصحيح مسلم في هذا الجزء من تفسيره في الاستدلال على حكم فقهي أو حادثة مروية أو استشهاد على مسائل في النحو، ولا يبعد أن يكون قد أفاد من بعض المسانيد أو كتب السنن الأخرى. 3- كتب الفقه وأصوله: وردت مسائل فقهية وأصُوليّة عزا بعضاً منها إلى كتاب التلقين لعبد الوهاب المالكي في الفقه، ولم يذكر كتاباً بعينه في أصول الفقه لكنه عزا إلى علماء الأصول في الجملة، وأورد مسائل أصولية في مواضع مختلفة من تفسيره. 4- كتب النحو والتصريف: يزدد في هذا السفر من تفسير ابن أبي الربيع سيبويه وكتابه وأبو علي الفارسي وإيضاحه، وصاحب الكراسة، والخليل ويونس والأخفش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 والمازني والفراء، والزجاجي، وغيرهم من أئمة النحو، لكنه لم يذكر من مصادر هؤلاء إلا القليل مما تناهى إليه نظره واطلاعه الواسع في هذا المجال، الذي أولاه جلّ عنايته. 5- كتب اللغة: لم يُصرح إلا بالقليل النادر ومما يغلب عليه الجانب الصرفي، ولكنه من خلال شرح الغريب يتبيّن رجوعه إلى أمات المصادر فيها، فقد أورد إصلاح المنطق، ونسب إلى ثعلب في أكثر موضع، وقد تبين للبحث أنه أفاد من فصيح ثعلب ومجالسه وغيرهما. 6- وهناك مصادر هامة أفاد منها ابن أبي الربيع هو كتب القراءات المتواترة والشاذة، لكنه لم يعز إلى مصدر بعينه، وإنما عزا إلى أئمة القراءة المشهورين، ابن كثير، ويعقوب، وعاصم، وحمزة، والكسائي، ونافع، وقالون وورش، وغيرهم وتارة يكتفي بالِإحالات غير المسندة، كقوله ة وقرء في السبع، ولم يقرأ في السبع إلا بكذا، وقرء في غير السبع، ولعلّ السبب الذي حجب أكثر مصادره التي أفاد منها أنه كان يملي هذا التفسير من ذاكرته، وقد عاجلته المنية قبل إتمام هذا التفسير وتوثيق ما فيه من نقولات مرسلة وأقوال غير مسندة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 حتى تكون المقدمة مفصلة لما احتواه التفسير، شارحة للنهج الذي ترسمه فيه، وما يتبع ذلك من ذكر الأهداف التي قصَد إليها ابن أبي الربيع من هذا التفسير. تبدأ اللوحة الأولى بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ثم يَشْرَعُ بعد ابن أبي الربيع في الِإعراب، مبتدأ بالخلاف بين البصريين والكوفيين في متعلق الجار والمجرور.. وتختم هذه النسخة- وهي الجزء الأول من الكتاب- بالكلام على قوله تعالى: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ) . (من الآية 128 في سورة البقرة) . وتنتهي الصفحة (298) بقوله: (ولم نقل إنّ (أمة) معطوفة على (نا) ، لأنه لا يفصلُ بين حرف العطف والمعطوف لا بالظرف ولا بالجار والمجرور إلا في الشعر، فوجه الكلام أن يقال: إنه منصوب بإضمارٍ..) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 النّصُّ المحقّقّ بسم الله الرحمن الرحيم وَصَلّى الله على سَيّدنا محمد وعلى آلِهِ وصحبه وَسَلّم.. بسم الله الرحمن الرحيم ذهب البصريون إلى أنّ التقدير: ابتدائي بسم الله، فبسم عندهم خبر مبتدأٍ محذوف 1. وذهب الكوفيُّون إلى أنه في تقدير: أبدأ بسم الله 2، والفعل الّذي لا يَصلُ إلاّ بحرف الجر يَضْعفُ حَذْفُهُ وقَدْ جاء ولكنَّه قليلٌ 3، وأمَّا جَعْلُ المجِرورِ خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ فكثير. وقد جاء بعضُ المتأخّرِينَ وذَهَبَ إلى أنَّهُ يجوزُ أن يكون المجِرور مُتعلّقاً بفعلٍ تدلّ عليه الحال، تقديره: أقرأ بهذا (4) 4وأكتب بهذا، على معنى مُسْتعيناً به، وقد يحذف الفعل لدلالة الحال عليه. وهذا لا يصحّ؟ لأنّ الحالَ لا تدُلُّ على الفِعْلِ حتّى يَصلَ بنفسه، لا تقولُ: بزيد، تريدُ مرّ بزيدٍ، وإن كان معك من الحال ما يدلّ على ذلك، وتقولُ لِمَنْ أشالَ سَوْطاً، أو أشَهَرَ سَيْفاً: زَيْداً، على معنى: اضْرِبْ زيداً. فالحالُ لا تَدُلُّ على الفِعلِ حتّى يكون   1ينظر: إعراب القرآن للنحاس 1/ 126، ومشكل إعراب القرآن 1/ 6، والتبيان في غريب إعراب القرآن 31/1-32، لإملاء ما منّ به الرحمن 4/1. 2ينظر المصادر السابقة، وتفسير الطبري 1/ 114. 3هذا توهن من أبى الربيع لمذهب الكوفيين في المسألة، وترجيح لما قرره البصريون، وقد رد مكى ابن أبى طالب قول البصريين، وقرر ما فصب إليه الكوفيون، فقال: لأنه لا يحسنُ تعليق الباء بالمصدر الذي هو مضمر؛ لأنه داخل في صلته فبقى الابتداء بدون خبر.. ينظر مشكل إعراب القرآن 6/1. 4قريب من هذا القول ما أصرفه الزمخشرى في الكشاف 26/1-27 ويغلب أنه المعني بهذا الرد بدليل ما ورد بعده من تفصيل في بيان متعلق الجار والمجرور في آية النمل (في تسع آيات إلى فرعون) وتوجيه ابن أبى الربيع لذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 الفعلُ يَصِلُ بنفسِهِ، وكذلِكَ في باب الاشْتِغالِ لابُدَّ للفعل أنْ يصِلَ بنفسِهِ، لأنَّ حذْفَ الفعلِ الواصِلِ بحرف الجرِّ قليلٌ، لأنَّهُ لَيْسَ بقُوّةِ ما يَصِلُ بنفْسِهِ، ولا يَتصرَّفونَ لا الضّعيفِ تَصَرُّفهم في القويِّ من الإضْمارِ، لأنّهُم يقَولُون: بمَنْ تَمرّ؟ وبمَنْ مَررْتَ؟ فَيقولُ المسؤولُ: بزيدٍ، وهو على تقدير: مررْتُ بزيدٍ، لأنَّ هَذا وإن كانْ محذوفاً كأنَّهُ ظاهر، لأنّهُ مَكْنُونُ في السُّؤالِ، وَلَيْسَ هذا بمنزلة ما اسْتعملته الأحوال، ولا بِمْنزلَةِ ما حُذِفَ ليُفسّرِ. وأمّا/ قوله تعالى: (فِى تِسْعِ آيَاتٍ إلَى فِرْعَوْنَ) 1 فَقَولُهُ "في تِسْعِ آياتٍ " خبرٌ (3) لمبتدأٍ محذوفٍ، أيْ هذه الآيات في تِسْعِ آياتٍ، فَقدْ نزّلَ منزلة قد أرْسَلْتُ أو تُرْسِلُ، فجازَ حذفُ الفعلِ هُنا وإنْ كانَ لا يَصلُ إلاَّ بحرفِ الجرّ، لأنَّهُ بمنزلة: بمَنْ مَرَرْت؟ فَتَقُولُ: بزيدٍ، ومعَ هذا كُلِّهِ لا يُنكَرُ حذفُ الفعلِ الواصلِ بحرف الجر، لكَنّه قليلٌ ولا يُحملُ عَليه ما قُدِّر على غيرِهِ. والباء: مَعْناها الإلصاق 2، وكانَ أصْلُها أنْ تكونَ مَفْتُوحةً لكِنّها كُسِرَت ليوافقَ لفظُها عَملَها ووضْعَها، فَعَمَلُها الجرُّ وَوَضْعُها أنْ تكُوَن مَوْصُولَةً، وَكُلَّ حَرْفٍ مَوصُولٍ فَهُو خَافِضٌ، وأمَّا كاف التّشبيه فقد تُوجَدُ اسماً، لَيْسَ من شَرْطِ الاسْمِ أنْ يكُونَ خَافِضاً، فَلَيْسَتِ الكَافُ مُلَازِمةً أن تكُون مِن جِنْس ما تَخفِض.. وأمَّا لاَمُ الجرِّ فَكُسِرتْ لِيُفَرّقَ بَيْنَها وبيْنَ لَامِ الابْتِداءِ في أرْبَعَةِ مَواطِنٍ: أحَدُهَا: الأسماء المبنيان، نحو: لَهذا زيدٌ. الثاني: الأسماء المقصوراتُ، نحو: لموسى عمرو. الثالث: الأسماء المنقُوصَاتُ للقاضي زيدٌ. الرابع: عند الِإضافةِ إلى ياء المتكَلِّم، نحو: لِكأبي عمرو.   1سورة النمل آية: 12. 2ينظر الكتاب 4/ 217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فَلمّا رَأَوْها مُلْتبِسةً لو بُنِيَتْ على الفتح بلام الابْتدِاءِ كَسَرُوهَا مُطْلَقاً إذا دخَلَتْ عَلى الظّاهِرِ ليجريَ مجرىً واحداً. اسم: اخْتلَفَ البَصْرِيّون والكُوفيّونَ فيه: فذَهَبَ البُصْريُّونَ إلى أنَّهُ مِنْ سَما يَسْمو 1، وأن اللامَ فيه مَحُذوفَةٌ، وَهُوَ بمَنْزلَةِ ابن واست، واسْتَدَلُّوا على ذلِكَ بالجمع والتّصْغير، قالُوا في الجمع: أسْماءُ وفيَ الَتّصْغير سُمَيٌّ، وقَالُوا: سَمَّيْت فَرَدوا اللامَ فيها فَدَلَّ ذلِكَ على أنَّ اللّامَ هي المحذوفةُ. وَذَهَبَ الكُوفِيًّونَ إلى أنَّهُ مِن الْوَسْمِ2، وَهُو العَلامة، وأنَّ فيه تقديماً وتأخيراً، وأمَّا أسماء وسُمِيٌّ فهُوَ مَقْلُوبٌ، وأصْلًهُ: وَسْمٌ ثمَّ أُخّرَتِ الْفَاءُ وَجُعَلِتْ مَكانَ الامِ، فقالوا: أسماءٌ /فقَالُوا: سُمَيّ … . (4) وَقَوْلُ الكوفِيينٍّ أَقْرَبُ مِن جِهَة الاشْتِقاقِ، وَهُو مع ذلك ضَعِيفٌ من جهَةِ الْقَلْبِ. وَقَوْلُ البَصْريّينَ أقْرَب، لأنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهم فيه قَلْبٌ والاسْمُ يُظْهرُ مسماة وَيصِير بحيث تَراهُ فالاشتِقاق فيه قَريب وَإنْ كانَ اشْتِقاقُ الكوفيين أقْرَبَ، إلاّ إنًّ هذا القُربَ مِن ادعاءِ القَلْبِ. وَحَذَفُوا الألَفَ من بِسْمِ اللَّهِ، لأَنَّهُمُ بَنَوْهُ على الاتصال، فَفَعلُوا ذَلِك لِكَثرةِ الاسْتعمال 3، والأصْلُ أنْ تُكْتَبَ الأوائِلُ على حُكْمِ الابْتِدَاءِ، وتُكْتَبُ الأواخِرُ على حُكْمِ الْوَقْفِ، ألا تَرىَ قَوْلُهُ سُبْحانهُ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ، (اقْرَأ باسم رَبّكَ) فهذا كُلُّهُ مَكْتُوبٌ بالألف على الأصْلِ وَلَمْ تُكْتبْ علىَ الاتّصالِ؛ لأنَّهُ لم يَكّثُرَ فيه الاسْتِعمالُ.   1،2 ينظر: معاني القرآن وإعرابه 1/ 40، واشتقاق أسماء الله 255، والإنصات 6- ا، والتبيين132/138. 3حذفت الألف من اللفظ لقيام الياء مقامها، أمّا حذفها خطّا فلِلسّبَب الذي أورثه ابن أبى الربيع وغيره. ينظر معاني القرآن للفراء2/1، ومعاني القرآن وإعرابه 39/1-. 4، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 4 1 1، وإعراب ثلاثين سورة 44. 3يعزى هذا القول ليونس والكسائي والفراء وقطرب والأخفش. ينظر: اشتقاق أسماء الله الحسنى 23. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَمِن الكُتَّابَ مَنْ يَمُدّ الباء، كأنّ تِلْكَ المدَّةَ عِوَضٌ مِن الألِفِ التي يَجِبُ أنْ تُكْتبَ. وَمِنْهُم مَنْ لَمْ يَمُدّ. "الله، أصله: الإله (1) 1فحذفت الهمزة ليختص الاسم به سُبْحانُهُ؟ فإنَّ لاها يُقالُ في الْحَقِّ والْبَاطِلِ، وَكذلِكَ الإلَه، وأمَّا الله فمختصٌّ به سُبْحانهُ وَهُوَ المعبودُ حقاً. وَمِنهُم مَنْ ذهَبَ إلى أنَّهُ مِن الْوُلَهِ 2، وَهو التّحّير فالعُقُولُ تَتَحّيرُ عن إدراكه سُبْحانُهُ ثم جُعلِتْ الفاءُ عَيْناً ثُمَّ تَحَّركَتْ وقَبْلَها فتحة انقلبتْ ألفاً. وَمِنهم مَنْ قال: هُوَ مِن أَلِهَ 3إذا تَحَّيرَ، وَهُوَ أقْرَبُ، لأنّهُ لَيْسَ عِنْدَهُم فيه قَلْبٌ. وُيمكِنُ أنْ يكُونَ مِن (لاهَ) 4 يَلِيهُ إذا اسْتترَ، وقالوا تَأَلّهْ الرّجلُ يَتأَله مُشَتَقٌ مِن هذا، كما قالوا: بَسْمَلَ واسْتعاذ. وقالوا: يا أللهُ وادْخَلُوا يا على الألفِ واللامِ لأنّهُم اضطرّوا إلى النْداءِ وَلَم يكن إسقاط الألِفِ واللامِ لأنّهما لازِمَتانِ الاسْمَ عوَضٌ من الهمزةِ عِند مَنْ جَعلَ الأصلَ الإله، ولأنَّ هذا الاسْمَ لاَ يَخْتصَّ به سُبْحانُهُ إلا مَعَ الألفِ واللامِ. وَمِن العَرَب- وهُوَ الأكْثرُ- مَنْ يُسْقِطُ حرف النّداءِ ويَجعلُ الميم عَوِضَاً من حرف النداء، فيقول: الّلهُمّ، وَلَم يجئ في القرآن إلاَّ هكذا. (5) ولا في السُّنةِ إلا هَكَذا، وَهُوَ الأكْثرُ في كَلامِ العرب. ونظيرُ إسْقَاطِ الهمزةِ وَجَعلِ الألفِ واللامِ عِوَضاً: النّاس، أصْلُهُ أناسٌ، قال امرؤ القيس:   1يعزى هذا القول ليونس والكسائي والفراء وقطرب والأخفش. ينظر: اشتقاق أسماء الله الحسنى 23. 2أنكر الزجاج هذا القول في اشتقاق لفظ الجلالة، وَممَا قاله في رفه: ولا تعرّج على قول مَنْ ذهب إلى أن مُشتق مِن وَلِهَ يوْله.. ينظر تفسير أسماء اللهّ الحسنى: 25. 3، 4 هذا لقول سيبويه كما في الكتاب 59/2، 498/3، قال الزجاجي في اشتقاق أسماء الله: والمذهب الثالث مذهب سيبويه بعد أن وافق الجماعة الأوّلين، قال: وجائز أن يكون أصله: لاه على وزن فعل، ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف، فقيل: الله. ينظر ص 27 من اشتقاق أسماء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 كبير أناس في بجادٍ مُزَمَّلِ 1 وَيقلُّ حَذْفُ الهمزة هُنا، لا تَقُول: نَاسَ إلاَ قليلاً، فإذا دَخَلَت الألفُ واللامُ قُلتَ: النّاسَ، وَلا تقُلْ الأناس إلا قليلاً، قال الشاعر 2: إنّ المناياَ يَطَّلِعْـ ... ـن على الأناس الأمنينا وهذا قَليلٌ. الأكْثَرُ في النَّاسِ مع الألفِ واللام سُقُوطُ الهمزة، والأكثر في النَّاسِ مَعَ عَدمِ الألفِ واللامِ ثبوتُ الهمزة، كأنَّ الألفَ والَلامَ عِوضٌ مِن الهمزةِ في الأكثر. (الرِّحمن) : اسْمٌ خاصٌ به سُبْحانُهُ لا يَقَعُ على غَيْرِهِ، وفُعْلانُ يأتي عِندَ الامْتِلاءِ، نحو: غِضْبان وسَكْرانَ وَحَيْرانَ وكذلِكَ رحمن.. (الرّحيم) : مبالغةٌ في راحمٍ، والرّحمنُ على هذا أبلغُ مِن الرّحيَّمِ وَلِذلِكَ يُقالُ: رَحْمَنُ الدّنيا والآخرة، وَلَمْ يُقَلْ هذا في الرَّحِيم، وَجَعَلُوا الرّحِيم تابِعاَ للرحمن؛ لأنَّ الرَّحْمَنَ جَرَى مَجْرى الأسماء، والرّحيمُ لَيْسَ كذلِكَ، بل هُوَ باقٍ على صِفتِهِ وَجَرَيانِهِ عَلَى غيرهِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَ الرّحْمَنُ على الرَّحيم. وَجَاءَ أبو القاسِم الزَّمخشريُّ وقال: هُوَ أكْثَرُ حُرُوفاً مِن الرَّحِيمِ، فَهُوَ لذِلِكَ أبْلَغُ فَهُوَ كالشقدفِ وَالشُّقُنْدافِ 3.   4صدره: كأنّ أبانا في أفانينَ وَدق. البجاد: كِساءُطَ مخطّط. المزَمّل: الملتِففُ. وجاء المزَمّلُ في البيت مجرورا لمجاورته لكلمةٍ مجرورة هي "بجاد" كما قالوا: هذا جحر ضب خربٍ بجر خرب لمجاورته لضب، ومقتضى سوق الكلام أن يكون مزمّل بالرفع لأنه صفة لكبير، وكبير مرفوع لأًنه خبر كأنّ. والبيت في ديوان امرئ القيس 25، والكامل 815/3، وشرح القصائد السبع الطفل الجاهليات 106، والإفصاح 318. 2 هو الملك ذو جدين الحميري كما في المعمرين 33، وخزانة الأدب 287/2، وشرح شواهد الشافية 296. والبيت في مجالس العلماء 7 غير منسوب، والخصَائص 3/ 1 15، وأمالى ابن الشجري ا/ 193/2. والشاهد إثبات الهمزة في كلمة الأناس مع الألف واللام وهو قليل. 3النص في الكشاف1/41 بتصرف يَسير.. والشقدف مركب مراكب العرب، وهو الحمار، أمّا الشقنداف فليس بعربي. ينظر القاموس ش. دف والمعجم الوسيط 1/ 488 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وَهَذا كُلّهُ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ كَلام العَرَب؟ ألا تَرى أنَّ فَعِلٌ، نحو: حَذِر أَبْلَغُ مِن حاذر وَإنْ كانَ أقلَّ مِنهُ حُرُوفاً، وإنَّماَ الأمرُ على ما ذكرت لَكَ- والله أعلم-. وهذِه الصّفاتُ جَارِيةٌ على اسْمِهِ تَعالَى وَهُوَ اللَّهُ، فهذا هُوَ اسْمُهُ وَمَا عَدَاهُ جارٍ عَلَيْهِ؟ لأَنَّ لَهُ مَعنىً زائداً على الذّاتِ، فالرّحْمنُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، والْعَلِيمُ يَدُلُّ على الْعِلْم والكَرِيمُ يَدُلُّ على الكَرَمَ والعزيز يَدُلُّ على العِزّةِ، والقَاهِرُ يَدُلُّ على القَهْرِ، فهذه صفاتٌ. جارية على الاسْمِ، وهو ما ذَكَرْتُهُ. (الحمْدُ لِلَّهِ) : قال سيبويه: هذا لا يُستعْمَلُ إلا في حقّه سُبْحانَهُ إذا أَردْتَ العظمَةَ، فإنْ أرَدْتَ بالألف واللام شيئاً مَخْصُوصاً كما تقول: هذا الثّناءُ على فلان إذا سمِعْتَ شَخْصاً يُثْنيَ عَلَيْهِ، فهذا يكَونُ في غيره سبحانَهُ، فإنْ أرَدْت معنى العظمة فهو مختصٌ به ولا يقالَُ في غيره. وما تَجِدْهُ لِبَعض المولِّدِين فَهُوَ تعنّتٌ وإجراءٌ لِلشيءِ على غير ما أجرته العرب. قال ثعلبٌ: حمدِت الرّجلَ إذا شكرت له صنيعه، وقال سيبويه وقالوا:: حمدِتُهُ جزيْتُهُ وقضَيْتُهُ حقَّهُ. فهذا يَدُلّ على أنّ الحمْدَ والشّكْرَ معناهُما واحد في أصل اللغة، إلا إن العرف خصّصَ الحمد بالمدْحِ ولا يكونُ إلا باللّسانِ، والشكر خصّصَهُ بالجزاء، فيقال على ثلاثة أوجه: تقول: شكرت الرّجل إذا شكرته بلسانك. وتقول: شكرت الرجل إذا خدمته بإعطائك. وتقول: شكرت الرجل إذا اعتقدت أنه قد أحسن إليك، قال الشاعر1: أفادتكُمُ النّعماءُ مِنّي ثلاثةً ... يَدي وَلِساني والضَّمِيْرَ المُحَجَّبا 1البيت من شواهد الزمخشري في الكشاف 47/1 ولم يعزه، وأورده السمين الحلبي في الدر المصون 36/1 ولم يعزه، والشاهد فيه قوله يدي ولساني والضمير حيث أفادت هذه الكلمات الثلاث معنى الشكر في معانيه الثلاثة، فاليد كناية عن العطاء، ولساني كنّى بها عن الشكر، والضمير كناية عن الاعتقاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وقال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً) 1 فتراه واقعاً على العمَلِ. فالشّكْرُ على هذا أعَمُّ مِن الحمْدِ، لأنّهُ يكون باللّسانِ وغَيْرِهِ والحمدُ لا يكون إلا باللّسانِ، والحمدُ أَعَمُّ مِن جِهَةٍ أُخْرى، لَأنَّك تحمَدُ على ما فُعِلَ مَعكَ وعلى ما فُعِلَ مَعَ غَيرِكَ، والشُّكرُ إنَّما هُو خاصٌ بما فُعِلَ مَعكَ، لأنَّ شَكَرْتُ بمعنى جازَيْتُ في العرف. وأصلُ الحمد والشّكر في اللّغة أنْ يَكونا لشيءٍ واحدٍ كما ذكرْتُ لك عن سيبويه وثعلب، وهو مُبتدأٌ "لِلَّهِ" هو الخبر، والمجرور إذا وقعَ خبراً أوْ صفةً أوْ صلة تَعلّق بمحذوفٍ لا يَظَهرُ. وسيأتي الكلامُ في قوله تعالى: (فَلَمَّا رآه مُسْتَقِرًّا عِندَهُ) 2 إنْ شَاء الله 3. والأكثرُ في الحمدِ الرَّفعُ؛ لأنَّه مَعْرفَةٌ، ويَجوزُ النّصبُ، وإذا كانَ نكرةً فالأكْثرُ فيه النّصبُ، وجاء على طريقة الإخبار كأَنًّ الشيّء قد وَقَعَ والمراد به بالإنشاء وهذا مذكورٌ في كتابِ سيبويه، إلَّا أنّ القُراء لم يقرأه إلا بالرفع، لأنّهُ كلّهُ يصحّ. وهُناك قراءةٌ نقُلَت، وهي شاذة فيها الاتباع، اتباع الدّالِ اللامَ 4، واتباع اللاّم للدّالِ 5، ومنها النصبُ 6في الحمد لِلَّهِ. "رَبّ العالمين": رَبّ وَزْنُهُ فَعِلٌ بِكَسْرِ الْعَين، وَالأصْلُ: رَببَ ثم أُدْغِمِ وَلَيْسَ أصْلُهُ فَعْلاً بسكُونِ العَين، لأَنّهم قالوا في الجمْعِ أَرْبابُ، وَلَيس الأصْلُ فَعَلا بفتحِ العين؛ إذ لو كان كذلِكَ لم يُدْغم أَلا ترى الطّلَلَ والشّرَرَ لم يًدْغما، وَلَيْسَ الأصْلُ فَعُلاَ بضم العن، لأن هذا يَقِلُّ في الصّفاتِ، وفَعِلٌ بكَسْرِ الْعَين يَكْثُرُ فيها، قالوا: حَذِراً وبَطِراً، وأشِراً وعُثِراً، وهو كثيرٌ، ولا ينبغي أن يُحْمَلَ على الأقَلَِّ ما قدرت على الأكْثَرِ.   1سورة سبأ آية: 131. 2 سورة النمل آية: 40. 3 هذا ما كان يأمله ابن أبى الربيع في إكمال هذا التفسير، لكنَّ المنية عاقته قبل إتمامه، فقد وقف به العمل عند آية المائدة -109 يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم.. . 4هي قراءة زيد بن على، والحسن البصري. ينظر المحتسب ا/ 37كل، ومختصر شواذ القراءات: ا. 5قرأ بها إبراهيم بن عبلة، المصدران السابقان، وإعراب شواذ القراءات ق: 3. 6قرأ به رؤية كما في شواذ القراآت لابن خالويه:1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وقَولُ منَ قالَ: إنَّه وَصْفٌ بالمصْدَرِ (1) 1، فيه بُعْدٌ، إذ لو كان كذلك لم يُثنّ ولم يُجْمَعْ، وَمَنْ ثنّى مثل هذا في المصَادر ثنَّاهُ على القياسِ في فعل أفعل، وذلِكَ نحو: كَفٍّ وَأكفَّ، فكونُهُ قَدْ جُمِعَ على أرْباب يَدُلُّ على بُعْدِ هذا القول. وُيقالُ: رَبّهُ يَرُبّه إذا مَلكهُ، ويقال: رَبَّهُ يَرُبّهُ إذا أصْلُحَه. وًيصْلُحُ في رَبَّ هُنا أنْ يكُون معناه الصّلاح ومعناه الملك، لأنّهُ سُبْحانُهُ الّذي يَمْلِكُ العَالمَ والّذي يُصْلحُ العالم. وقد نُقِلَ: "لأن يَرُبّني رجُلٌ من قُرَيشٍ خَيرٌ مِنْ أنْ يُرُبَّنِي رَجلٌ من هوازن" 2. فَيُحتَمل الملكُ ويُحتَمَلُ الصّلاح، ويكُونُ صِفةً، وَيَجوزُ أن يَكُونَ بدلاً لأنَّهُ اسْتُعْمِلَ استِعْمَالَ الأسماء. والرَّبُّ بالإضافةِ مُختَصٌّ به تَعالى، وَإِذا أطْلَقُوهُ على غيرِهِ أطْلَقُوهُ مُقيّداً، نحو: رَبِّ الدّارِ، وَرَبّ الأرْضِ، وما أشبَهَ ذَلِكَ، وُيطْلَقُ عليه تعالى مُطْلَقاً ومُقيَداً ومضافاً. / (العَاَلمِين) : فَاعَل بفتح العين لا يكُونُ في الصّفاتِ وَيَكُونُ في الأسماء قليلاً، وأكثر ما يوجد هذا البناءُ في الفعل إذا أردت أنَّهُ فُعِلَ بكَ مثل ما فعَلْتَهُ به، نحو: ضَارَبَني زيدٌ وضارَبْتُ زيداً، وقاتَلْتُهُ. وَقَدْ يأتي على غَيْرِ ذلك، قالوا: عَافَاكَ اللَّهُ، وَدَاينْت زَيْداً، وهذا قَليلٌ. وإذا صَحّ ما ذَكْرتُهُ فالْعَالَمُ اسْمٌ لا صِفَةٌ، وَهُوَ اسْمٌ لِكلِّ مَخْلُوقٍ، لأنَّ المخْلُوقَ يَدُلًّ على خالقِهِ، فَقَدْ صارَ عَلامَةً تَدُلُّ عَلَيْهِ سُبْحانُهُ، فاشْتِقاقُهُ مِنْ هَذا (3) 3. وَقَدْ قيلَ: إنَّهُ   1القول للزمخثري كما في الكشاف 1/ 53. 2القائل صفوان بن أمية يوم حنين لأخيه أبى سفيان، حين قال أبو سفيان: غلبت- والله- هوازن.. فأجابه صفوان بفيك الكثك، لأن يربني رَجل.. وقريب من هذا ما قاله ابن عباس في ضأن ابن الزبير وعبد الملك بن مروان: وإن كان لابدّ لأن يَربُّني رَجل من بني عمى أحبّ إلىّ من أن يربّني غيره. ينظر فتح الباري 8/ 326، والمحرر الوجيز 1/ 04 ا-105، وتهذيب اللغة المضعف من حرت الراء15/ 76 ا_8 17. 3يريد أنه مُشتق من العلامة، لأنّ المراد بالعالم جميع ما خلق الله، لظهورهم وظهور أثر الصنعة فيهم. ينظر: اشتقاق أسماء الله 58-59، والمحرر الوجيز 1/ 105، والفريد في إعراب القرآن المجيد 1/ 165. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 مُشْتَقٌ مِن العِلْم1، لأنَّ مَنْ نَظَرَ فِيهِ تَحَصَّلَ لَهُ الْعِلمُ بحُدُوثِهِ وافتقاره إلى موجده، والاشتقاق الأوّل أقرب. وقد قيل: إنّ العالم إنما هو لأهل العلم من الملائِكةِ والثّقلَين: الجن والإنس، والقولُ الأوّل أشهر. فإن قُلْتَ: فكيفَ جُمعَ بالوَاوِ والنّونِ وليسَ بِعَلمٍ في الأصل وَلا وَصْفٍ؟ قُلْتُ: هو وإنْ لم يَكُنْ وَصْفاً ففيه مَعنى الوصْفِ، ويمكن عندي أن يكون عالمٌ علماً، وتكون عَلَمِيَّتُةُ علميّة الجنس، ثمَّ نُكِّرَ ودَخَلَتْهُ الألف واللام عند الجمع والتثنية، كما قالوا: الزيدان، وجمع بالواو والنون وإن كان فيه مالا يعقل، غَلّبوا مَنْ يَعقلُ على مَنْ لا يعقلُ، وهذا على مَنْ جَعلَهُ اسماً لكلّ مُحدثِ ة وأَمَّا مَنْ جَعلُهُ مختصاً بأهل العلم فلا سؤال فيه. وقد تقدّمَ أنَّ الأوَّلَ هُو المشهورُ، وهو الوقوعُ على كِّل مُحَدثٍ عاقلا كان أو غَيْرِ عاقل. (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) : قرأ عاصِمٌ والكسائي (مالِكِ يَوم الدّينِ) . 2فَيمكِنُ أنْ (مَلكِ) بمعنى مالِك، كما قالوا: حَذِرٌ بمعنى حاذِرٌ، ويكوَن مِن المِلْكِ بكسر الميم، ويكونُ قد أضيف إلى يوم الدّين بعد ما انتصب يومَ الدّين نَصْبَ المفعول به على جهة الاتّساع كما قال: طبَّاخ سَاعاتِ الكَرَى زاد الكَسَلْ 3   1على هذا يكون المقصود ذوى العلم من الملائكة والثقلين. ينظر المصادر السابقة. 2القراء هنا بألف بعد الميم على وزن فاعل، وقول ابن أبى الربيع: ويمكن أن يكوِن "مَلك، بمعنى مالك-. يريد أنه صيغة مبالغة ليسوغ معه نصب المفعول به. ينظر القراءة المذكورة وتوجيهاَ لها في السبعة في القراءات 4 5 1، والحجة لأبى على 1/ 7-5 1، والحجة لابن زنجله 77-79. 3البيت لجبارة بن جزء بن ضرار كما في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/ 12، ويشرح أبيات الإيضاح لابن برى 168، ونسبه سيبويه في الكتاب 177/1، والمبرد في الكامل للشيخ 1/ 199، وكذا نسب في ديوان الشك 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 على نصب "زَادَ"، وَأَمَّا/ مَنْ خفض (زادِ الكسل) فَيكونُ سَاعاتُ ظَرْفاً على أصْلِهِ، وَفُصِلَ بين المضافِ والمضافِ إليه في الشّعْرِ، كما قال: 1 ............ ... ... ... ... لِلّهِ دَرُّ الْيَوْمَ مَنْ لامَهَا 2 ويكونُ الأصْلُ: مالِكاً يَوْمَ الدّينِ، أيْ في يَوْم الدّينِ، ثم انتُصِبَ على أنَّهُ مَفْعُولٌ به على الاتِّساع كَما ذَكَرْتُ لَكَ. وَلا تُتَصَوَّرُ الِإضافَةِ وَهُو باقٍ على أصْلِهِ، لأنَّ الظّرْفَ في تَقْدِيرِ حرف الجرِّ، أَلا تَراهُ إذا أُضْمِرَ عَادَ إليهِ حَرْفُ الجرِّ فكأن حرف الجرِّ مُوُجُودٌ. ولا يُفصَلُ بين المضاف والمضاف إليه بحرفِ الجزِ إلا باللام خَاصّة في بابين: باب 3النداء وباب النّفي بلا 4. وُيمكِنُ أنْ يكونَ مَلِكَ من المُلكِ في مالك، لَأن فَعِلَاَ من أَمْثلَة المُبالَغَة. وُيمكِنُ أن يكونَ مَلِك من المُلكِ ومالكاً مِن المِلك بكسر الميم، فَقيلَ: مِلكِ يوم الدّين والمراد مَلِك أَوْ مالِكَ النّاسِ. ولا يُتصَوّر أنْ يكون يوْمَ الدّين قد نُصِبَ نَصبَ المفعول به ومَلكَ من المِلْكِ، وإنّما يُتصَوّرُ هذا إذا كان مَلِك مبالغة في مالك ث لأنَّ المفعولَ به تنصبه الصّفاتِ كاسمِ الفاعلِ وَأَمْثِلَة المُبَالَغَةِ، وتكونُ الإِضَافَةُ على تَقْدِيرِ: مَلِك أصْحابَ يوم الدّين والَّذي يَظْهَرُ- والله أعْلَمُ- أنَّ مَلِكَ مُبالغة في مالِك، وَتَكُونُ القراءتان 5متّفقتينِ، واسمُ   1هو عمرو بن قَمِيئة كما في ديوانه 182 والكتاب 1/ 178، وشرح أبيات سيبويه 1/ 368. 2 صدر البيت: لما رأتْ ساتيدَمَ اسْتعْبَرتْ.. 2والشاهد قوله: "در اليومَ مَنْ لامها" حيث فصل بالظّرفِ اليوم بين المضاف درّ والمضاف إليه مَنْ، وتركيب الكلام قبل الفصل لله درّ مَنْ لامها. 3وقد استشهد له ببيت النابغة: قالت بنو عامرِ خالوا بنى أسد ... يا يؤس للجهل ضراراً لأقوام 4كقولهم: لا أبا لك. لا أمَ لك. 5في الأصل: القراءتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الفاعلِ إذا كان بمعنى الماضي وأُضيف إلى المعرفة تعرّف، وإذا كان بمعنى الحال والاستقبال وأُضيفَ إلى المعرفة كان على وجهين: على التّعريف، وعلى التّخفيف، وتكون هناك الِإضافةُ على التّعريف ة لأنَّهُ جارٍ على المعرفة. وجَاءَ بَعضُ المتأخِّرينَ وَقَالَ: إنّ اسْمَ الفاعِلِ إذا كان بمعنى الحالِ والاسْتِقْبالِ فلا تكونُ إضَافَتُهُ إلَّا غَيرَ مُعَرّفة، وَتَكُونُ غيرَ مَحْضَة وَإنّما تَكُونُ للتخفيف 1. وهذا القَوْلُ فاسِدٌ، والصَّحِيحُ ما ذَكَرْتُه أوَّلًا، وهو أنَّ اسمَ الفاعِل إذا كانَ بمعنى الحالِ والاستقبال فَلَهُ إضافتان، إضافة تَعْريفٍ وإضافَةُ تخفيف 2. والّذي يُضافُ وَلا يَتعرّفُ أبداً بالِإضافة الصفةُ المشبهة باسْمِ الفاعلِ خاصّةً وَلا يَتعَرّف إلّا بالألف واللام. وجًاءَ (مَلِك يوم الدّين) على طريقة: نهارُهُ صائِمٌ وَلَيْلُهُ قائم في الاتِّساع لَمّا كان فيه نُسِبَ إليْهِ إمَّا بالفاعِليّة وإمَّا بالمفعُولِيّة على جِهَةِ الاتِّساعِ. (الدّين) : الجَزاء، وَوَزنُهُ فِعْلٌ، ويمكن عند سيبويه أَنْ يكُونَ وزْنُهُ فُعلا وَرُدَّت الضّمَةُ كَسْرةً لمكان الْياءِ. يُقالُ: دِنْتُهُ بما صَنَعَ إذا جازيتُهُ، وُيقَالُ: كَما تْدِينُ تُدانُ، وَكَما تُجازِي تُجازَي. وَلَمْ يُقْرأْ في السَّبْعِ إلَّا بالخفْضِ، وَقَدْ قُرِىء في الشّاذ بالنّصب 3والرَّفْعِ على القَطْع 4، تنصبُهُ بإضمار فِعْلٍ أو تَرْفَعُهُ بإضمار المِبْتَدأ، وَلَا يَظْهَرُ الفِعْلُ ولا المبتدأ،   1ما ذكره ابن أبى الربيع هو ما ذهب إليه الزمخشرى في الكشاف 1/ 5.57، وقد أخذ به كثر المتأخرين، قال ابن مالك في الخلاصة: وَإِنْ يُشابهِ المضاف يفعلُ ... وصفاً فعن تنكيره لايُعَزلُ 2هذا ما قدره ابن أبى الربيع في البسيط 2/ 40 10، والكافي 1/ 306، وفي الكتاب لسيبويه 1/ 428 ما يدل على ما ذهب إليه ابن أبى الربيع فيما نقل عن الخليل ويونس في الصفات المضافة.. 3قرأ بالنصب أبو هريرة، وعمر بن عبد العزيز وبألف بعد الميم "مالِكَ " وبدون ألف "ملك " قراءة أبى حيوة، وَخُرِخت الأولى على النداء، يا مالكَ، وأمّا الثانية فخرجت على إضمار فعل. ينظر مختصر شواذ القرآن لابن خالوية: ا، والمحرر الوجيز 1/ 06 ا-107، والبحر المحيط 1/ 36- 37. 4ينظر المصادر السابقة، وإعراب القراءات الشاذة 1/ 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 لأنَّ الصفَةَ لِلْمَدْحِ والتّعظيم، وكذلِكَ (الرَّحمنُ الرَّحيم) قُرِىء في الشَّاذِّ بالرّفْع والنصب (1) 1على حَسْبما ذَكَرتُ لَك. وَكَذلِكَ (رَبِّ العالمين) قُرِىء في الشّاذِّ بالرّفع والنّصب، ولم يُقْرَأْ في السّبعِ إلا بالخفض. وَقد قُرِئ (مَلَك يومَ الدّين) جَعَلَهُ فِعْلا 2. والمعنى في هذا كُلِّهِ مَلكَ الخلْقِ يومَ الدّين، وَمَلَك الأمْرَ يومَ الدّين لَكِنّهُ جَعَلَ الدّين هُو المملُوكً على جِهَةِ الاتِّساعِ. وَقَدْ يمكنُ أن يكون معنى مَلِك يومَ الدّينِ ومَالِك يوم الدّينِ على مَعَنى أبَرزَهُ وَأَوْجده، والأوَلُ أبْيَنُ. (إِيّاكَ نَعْبُدُ) : قال سِيْبَويهِ: إيّا هُوَ المُضْمَرُ المنْصُوبُ المنفَصِلُ، وما يَلْحقُهُ حُرُوفٌ تَجرِي مَجْرَى الكَافِ في رُويدَكَ ة إذ الضمير مُسْتَترٌ في جِميعِ الأحْوال، فجرى إيّاكَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ ضمِيرَ منْصُوبِ مجْرى الضمير المسْتَتر في رُوْيدَكَ لَمَّا احْتِيَجَ إلى بَيَانِهِ بالكافِ وبِالكافِ يَقَعُ الفصلُ بًين المذَكِّر والمؤَنَّثِ والمفْرَدِ والمثنّى والجمْعِ، وكَذلِكَ إيَّا، لماَّ كانَتْ تقع لِلمُذكّرِ والمؤَنَّثِ والمفْرَدِ والمثنى والجمْعِ والغائِب والمتكلّم والمخاطَبِ إذا كان مَنْصُوباً قَرَنوا إيَّا بالكافِ والْهَاءِ والْيَاءِ ليزيل الإشْكًال 3، وفيها هُنا معنى الاختصاص، أَيْ لاَ أعْبُدُ غيرَكَ، كما حُكِىَ عنِ العَرَب: إِيّاكِ أعني واسْمَعي يا جَارَه 4 والمعنى لا أعْنِي غيره. والتّقْدِيْمُ يكونُ على هذا اْلمعَنى في المبتدأ، قال سُبْحانُهُ: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ) 5 أيْ لا يُبْدِىءُ غَيْرهُ، ولا يُعيْدُ، أي هُوَ الّذي اخْتَصَّ بهذا.   1ينظر المصادر السابقة، وإعراب القراءات الشاذة 1/ 34. 2 تعزى هذه القراءة لعلى بن أبى طالب، وأنا بن مالك، ويحيى بن يعمر.. ينظر المصادر السابقة. 3هذا توضيح لما أجمله سيبويه في الضمير إيا وليس الكلام هنا هو نص سيبويه كما يفهم من صنيع ابن أبى الربيع في هذا الإسناد، ينظر الكتاب 356/2-. 36. 4هذا توضيح لما أجمله سيبويه في الضمير إيا وليس الكلام هنا هو نص سيبويه كما يفهم من صنيع ابن أبى الربيع في هذا الإسناد، ينظر الكتاب 356/2-. 36. 5سورة البروز آية: 13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 وَقدْ يُحمَلُ التّقديمُ أنْ يكُونَ للتَّعْظِيمِ، وَقَدْ يكُونُ للاعْتناءِ، وقد يَكُون للتّصرّفِ، وبَيانِ قوَّةِ العَامِلِ، وَقَدْ يكُونُ للاختِصاصِ، وهذا المعنى يتمحضّ في النّكِرة، تَقُولُ: شرٌ أَهَرَ ذا نابٍ، أي ما أهَرَّ ذا نابِ إلا شرٌ، وَتَقُولُ: شئ ما جَاءَ بكَ، مَعناهُ ما جاءَ بكَ إلا شيء. والتّقدْيمُ هُنْا لاَ يَكونُ إلا على هذا المَعْنىَ، لأنَّ المبَتدأَ نكِرةٌ وَلا يبتدأ بَالنّكِرِة إلا في مَواضِع، مِنْها الاخْتِصاص. وفي هذا الخروج من الغيبة إلى الخِطَاب، وَلَوْ جَرَى على أوَّلِ الْكَلامِ لَكان أيّاهُ نَعبًدُ وإيَّاهُ نَسْتَعِين، لَكِنّهُ انتقلَ من الغيَبة إلى الخطاب، وهذا من فَصِيحِ كَلامِ العَرَب، قال امْرُؤُ القيسِ: تَطاوَل ليلك يالإثْمِدِ ... وَنامَ الخلِيُّ وَلم ترقدِ 1 فَهذَا عَلى الخِطَابِ، ثُمَّ قال في البيت الثاني: وباتَ وبَاتَتَ لَهُ لَيْلةٌ ... كَلَيْلَة ذي العائر الأرمد فانتقل من الخطاب إلى الغيبة، ثم قال في البيت الثالث: وذلِكَ من نبأٍ جاءني ... وَخبّرتُهُ عن أبي الأسود 2 / انتقل إلى المتكلم، وُيسمىَّ هذا الالتفات، وَهُوَ كَثِيرٌ في القرآنِ. قال تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ في الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بهِم) 3، انتقل من الخطَاب إلى الغيبة، وَهُو كثِير في القرآنِ، وهذا من فصيح كلام العرَب كما ذَكَرْتُ ذَلِكَ، وُيمكِنُ أنْ يَكُونَ على إيَّاكَ يا مَنْ هذه صِفَاتُهُ، أُعبدُ لأِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الصّفات، وَهِي صِفَاتُهُ تعالى لا يشاركُ فيها، قالت بعده: إيَّاكَ يَا مَنْ هذه صِفَاتُهُ أعْبُدُ.   1،2 بيت الشاهد مع ما تلاه في ديوانه 185، والكشاف 64/1، والبحر المحيط 43/1، والدر المصون 57/1-58. والخلى: مَن خلا باله من الهموم، والعائر: قذى في العين، تمجّهُ العين عند شدة الألم، وربما يكون الرّمد المعروف.. ومراده بالنبأ هو مقتل أبيه 3سورة يونس آية: 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 وفي "إياك" قراءات، منها: هيّاك أبدَلَ من الهمزة هاءٌ 1. ومنها: أيَاك بفتح الهمزة 2. ومنها: إيَاك، بكسر الهمزة والتّخفيف 3؛ وهذه كلُّها لم يُقرَأ بها في السّبع. ومعنى نَعْبُدُ: نَتَذَلّلُ، يُقالُ طَرِيْقُ مُعَبَّدة إذا كان يسار عَلَيْها كثيراً، والمعنى: مُذَلّلٌ ثم قالَ جلَّ ذكْرُهُ: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينَ) . معنى نستعين نَطْلُبُ العَوْنَ على عبادَتِك، وقُدِّمت العبادةُ على الاسْتِعَانة، ِلأنّ الاسْتِعَانَةَ يُتَوَسَّلُ بها إلى العبادة فَهِيَ أَوْلَى بالتّقديم، وَكُلَّ فِعْلٍ مُضارِعٍ أَوَّلَ ماضِيه أَلفِ وَصْلٍ لَك أَنْ تكْسِرَ حرفَ المضارع منه عَدَى الياء فإنها لا تُكسرُ، فتقولُ: أنا إِنطَلِق، وأَنْتَ تِنْطَلِق، وَنحنُ ننْطَلِق، وَلاَ تَقولُ هذا في الياء، وكذلِكَ كلّ فعلُ مُضَارِعٍ ماضيه على فَعل لك أن تكسر أَوّلَ المضارع منه عدا الياء، وبيان علة ذلك في العربية 4. (ونَسْتَعِين) : اعتل لأِن ماضيه قد اعتل بالحمل على الثلاثي، وأصله، "نَسْتَعْوِن" ثم أعل بنقل حركة العين إلى الفاء وانقلبت الواو للكسرة التي قبلها، وهذا الاعتلال مُطّردٌ قياسيٌّ في هذا النّوع وما جرى مجراه، فإنْ جاء صحيحاً فعلى غير قياس، نحو: اسْتنوقْ الجمل، واسْتَسْيَسَت الشّاة، فهذا يحفظ ولا يقاس عليه، وسيأتي الكلام في مصدر نستعين وفي اعتِلاله وفي المحذوف بعد إن شاء الله.   1القراءة لأبى الثوار الغتوى كما في المحتسب 39/1، ومختصر شواذ القراءات: ا، والمحرر الوجيز 117/1. 2قرأ بها الفضل بن زياد الرقاشي. المصادر السابقة. 3هذه القراءة تعزى لعمرو بن فائد في المحتسب 1/ 40، ومختصر شواذ القراءات: ا. 4 العلة في ذلك هي ثقل الابتداء بالياء مكسورة في الفعل المضارع، ومع هذا فقد أورده سيبويه على أنّها لغة، قالوا في حبّ: يحبًّ، حق علم يعلمُ وأكثر ما جاء هذا في المثال الواوي الذي ماضيه على فعِل بكسر العين، نحو: وجع يجع، ووجع يجع، ومنه قول متم بن نويره: قعيدك ألا تسمعيني ملامة ... ولا تنكىء جرح الفوءاد فَييجعا ينظر الكتاب 4/ 09ا-120، والمصنف 1/ 205 ط 20، وشرح عيون سيبويه 262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 / قوله (إهْدِنا) : لمّا قال سبحانه (إِيَّاكَ نَعْبُد) والعِبادة تحتاج إلى وجوهٍ أربعة بها تكتمل العبادة: أحدها: اعتقاد صحيح غير فاسد. الثاني: أن يكون على مقتضى الشرع، لأن العبادة لا تؤخذ بالعقل. الثالث: حسن النية فيها فالصدق والِإخلاص، قال تعالى: (مُخْلِصيِنَ لَهُ الدين) . الرابع: الدوام والبقاء عليها وألّا ينتقل وَيتغْير، وهذه الأربعة لا قدرة لأحدِ عليها إلّا به، فجاء بعد هذا (إياك نستعين) ومعنى "نَسْتعين" نطلبُ عونك على العبادة بهذه الوجوه الأربعة. وهذا إِنَّما يكُونُ بهدايته سُبْحانُهُ،، فَمِنْ أجْل هذا جاء: (اهْدِنَا) بَعْدَ (نَسْتعين) ، فعَلى هذا يكُونُ: (اهْدِنَا) بمعنى أرشِدْنا وَبيَّن لنا، ويكُونُ: أو اهْدِنَا! هو بمعنى: ثَبّتْنا. وَقَدْ جَاءَ هَذا وهَذا مَنْقُولَين عَنِ السَّلَفِ، وُيمكِنُ أَنْ يَكُونَ (اهْدِنَا) رَاجعاً لهَا كُلَّهَا، أيْ بَيّن لَنا وأرْشِدْنا، وثَبِّتْنا- والله أَعَلَمُ-. وهَدَى فِعلٌ يَتَعدَّى إلى وَاحِدٍ بَنِفْسهِ وإلى آخَرَ بحرْفِ الجرِ، وذلِكَ الحرفُ يكُونُ إلى وهو الَأكْثرُ، ويكونُ اللّامُ، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إلى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ) (1) 1، وَقَالَ جلَّ ذِكُره (قلِ الله يَهْدِى لِلْحَقِ) (2) 2، وَقالَ سُبْحانه (إنَّ هذاالقرأن يَهْدِى للتي هي أقْوَمُ) (3) 3 ثُمَّ حُذِفَ حَرفُ الجرّفَظَهرَعَمَلُ الفعل لِأنَّ الفعلَ يَطْلُبُه بالنّصْبِ، لِأنَّهُ جاء بعد عمدتِهِ فَهُوَ فَضْلَةٌ فإِعرابُهُ النَّصبُ لكنَّ النّصبَ لم يَظْهَره لِأجلِ الحرَفِ الطَّالِب بالخفض، لِأنّهُ يَطْلُبُ بالِإضَافَة، والخفض مع الإِضافة، وَكان عَمَلُ الحَرْفِ أوْلَى بالظَّهُورِ، لِأنَّهُ أقربُ إلى الاسْمِ مِن الفِعْلِ، وَلَأنَّ التّعْلِيقَ قد وُجدَ في الأفْعالِ وَوُجدَ في الأسْماءِ قَليلَاَ، وً لمْ يُوجَدْ في الحرْفِ س4، فالمجرُورُ مخفوضٌ في اللَّفْظِ مَنْصُوبٌ   1 سورة الشورى آية: 52. 2 سورة يونس آية: 35. 3 سورة الإسراء آية: 9. 4 لأنّ الحروف لا تُعلَّق عن العمل فيما بَعْدَها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 في الموضع، فإذا زال الحرف من اللفظ ظهر عملُ الفعل فجاء "اهدنا الصراط "، والأصل إلى الصّراط، أوْ لِلصّرَاط بِمَنْزِلَةِ أمرتُ الرّجال عَمْراً، وأَمَرْتُ زيداً الخيْرَ. (الصّرَاط) : هُوَ الطَّرِيْقُ، وُيذَكّرُ وُيؤَنَّثُ، إلا إن التَّذكِيرَ في الصِّراط أشْهَرُ 1، وَلَمْ يجئ في الْقْرآنِ إلا مُذَكّراً، وَهُوَ مِن سرَطْتُ الشيَّء أَسْرُطهُ إذا ابتَلَعْتُهُ لِأنّ الطّرِيق يَبْتَلعُ مَنْ يَسِيرُ فيه، ألا ترَى أنَّهُ قَدْ سُمّي اللَّقم كأنّهُ يَلْتَقِمُ، والسّينُ إذَا وَقِع بَعْدَها الطّاءُ والغَين والقافُ والْخَاءُ، هذه الأرْبَعَةُ خاصة فإنَّها يجوزُ فيها أن تُبْدَلَ صَاداَ؛ لأَنَّ السَّنَ غَيرَ مُطْبَق، والطَّاءَ مُطْبَقةٌ، والسّنَ مَهْمُوسَةٌ والطّاءَ مَجْهُورَةٌ فَلَمَّا تنافَرَتْ أَبْدَلُوا مِن السّينِ حَرْفاً يُوافِقُ السّينَ في الْهَمسِ وُيوافقُ الطّاء في الإِطْباق 2. وَمِن العَرب مَنْ يُشْربُ الصّادَ صَوتَ الزّاي، ِلأنَّ الطّاءَ مَجْهُورةٌ والصَّادَ مَهْمُوسَة فاشْرَبوها صَوْت لزّاي لأَنَّ الزّايْ مجهورة، وَمنهُم مَنْ يُبْدِلُهَا زاياً خالِصَةً وَذَلِكَ قَليلٌ، وَذَكَرَ سِيَبَوْيهُ الوجْهَين اَلأوَّلَين، وَلم يذكُرْ إبدالها زاياً خالصةً لِقلّةِ ذلِكَ 3. وَأَمَّا إذا وقَعَ بعد السّين الطّاءِ والضّادِ فَلا تُبْدَلُ صاداً، نصَّ ذلِكَ سيْبَويهُ، والفَرْقُ بينهُمَا بَيّنٌ في الكتاب.4 وَقَدْ قُرِىءَ السِّراطَ بالسِّين، قَرَأَهُ قُنْبُلُ وقَرَأَهُ يَعْقُوبُ 5 أيضاً. وَقُرِىء بالصَّادِ مُشْرَبةً صَوْتَ الزَّاي، قَرأَهُ حمزة 6، وقُرِىءَ بالصّادِ خالِصَةً، قرأهُ الباقون.7   1التأنيث لغة أهل الحجاز، والتذكير لغة تميم. ينظر إعراب القرآن للنحاس 123/1، والدر المصون 65/1 2ينظر كتاب السبعة في القراءات 107، والحجة لأبى على الفارسي 1/49-50. 3ينظر الكتاب 4/ 476-479. 4ينظر ما سبق في المصدر نفسه. 5ينظر: التذكرة في القراءات 1/ 85، والتيسير: 18، والتبصرة: 55، والكشف 46/1. 6ينظر كتاب السبعة 106، والتذكرة في القراءات 1/ 85، وبقية المصادر السابقة. 7 المصادر السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 أمَّا قَلْبُ الصَّاد زاياً خالِصةً فَلَمْ يُقْرأْ بها في السّبعِ وذلك لَقِلّتِهِ، وقد رُوِىَ في هذا الموضع قراءات شاذة. منها: صِرَاط المستقيم بالإِضافة.1 ومنها: صِراطاً مستقيما.2 ومنها: بصّرْنا الصّراط.3 وهذهِ كلها خارِجة عِن السَّبعِ فلا يعتني بِها. وَحُكِيَ في جَمْعِ صِراطٍ صُرُطٌ، وَهُوَ الْقِياسُ في فعالٍ المذكّر، نحو: كِتابٍ وَكُتُبٍ، وَحِمَارٍ وَحُمُرٍ. ولا يكون فُعَلٌ في المعتل اللام ولا في المضعّف. / (اْلمُسْتَقِيمْ) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ انْحِرافٌ، وهو على طَرِيْقَة وَاحِدَةٍ، تقولُ: اسْتَقامَ، اَلأمْر؛ أي لَيْسَ فيه عِوَجٌ، وَأَصْلُة مُسْتَقوم، فأعَلَّوْهُ بنقِلِ حَرَكَةِ الْعَن إلى الْقَافِ فانْقَلَبَتْ الْوَاوُ ياءً، لأنَّ الفِعْلَ هُنا يَعْتَلُّ وهو يَسْتقيم، واعْتُلّ الفِعلُ هنا بالحملِ على غير الزّائِدِ وَهُوَ قامَ. وهذا يتبَيّنُ في كُتُبِ العَرَبيّة. (صِرَاطَ الّذِيْنَ) : بَدَلٌ مِنَ الصِّرَاطِ الأَوّلِ، وَأبْدِلَ مِنْهُ لِيُعْلَمَ أنَّ الصِّرَاطَ المسْتَقيمَ لاَ يقدرُ عَلَيْهِ إلا مَنْ أنْعَمَ الله عَلَيْهِ، وَمَنْ وُكِلَ إلى نَفْسِهِ لا يمْشِي عَلَيْهِ.. (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم) : (عليهم) : في موضِع نَصْبِ لـ (أنْعَمْتَ) لأَنّ الْفِعْلَ قَدْ أَخَذَ عمْدَتَهُ، وَجاءَ بعد ذلك فَضْلهُ فَيَلْزَم أنْ يَكون مَنْصُوبَاً.4 (غير المغْضوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضّالِين) : اجْمَعَ القُرَّاءُ للسَّبْعُ على خفْضِ الرّاءِ وَلَمْ   1تعزى هذه القراءة لجعفر بن محمد الصادق. ينظر المحرر الوجيز 113/1. 2هذه القراءة تعزى للحسن والضحاك. ينظر المحتسب 1/ 41، والمحرر الوجيز 122/1. 3هي قراءة ثابت بن اسلم البنانى كما في المحرر الوجيز 123/1. 4أورد الناسخ بعد هذا كلاما في الحاشية لم أتبينه للطمْسِ الذي لحق أطراف المخطوط من جراء الرطوبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 يُقْرَأْ بالْفَتحِ إلا في الشّاذ، 1وَهُوَ نَعْتٌ لِلّذيْنَ على مَعْنَى اْلمَغْضُوب عَلَيْهِم وَلاَ الضالين، وَلِذَلِكَ جِيء بلاَ في وَلاَ الضّالِين كَأنَّها كُرّرَتْ، فَقَدْ صَارَ هذا بمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِرَجُلً لا مُسْلمً وَلاَ كَافِرٍ. والمعنى: إنّ المنْعَمَ عليهِم خَرَجَوا عِن الغَضَب والضّلالِ، فمَنْ غَضِبَ الله عَلَيْهِ فَلَيْسَ بمنعَمٍ عَلَيْهِ، وكذلِكَ مَنْ ضَلَّ لَيْسَ بمُنْعَمٍ عًلَيْهِ، وَلاَ إذا دخَلَتْ على الصِّفةِ أو الحال فلابُدَّ فيها مِن التَّكْرار، وَكَأَنَّها جَوابٌَ لمَنْ قالَ: أكذا أم كذا.. فَإذا قُلْتُ: مَررْتُ برجلٍ لا سَاكتٍ وَلا مُتَكَلّمٍ، كأنَّهُ جوابٌ لِمَنْ قالَ: أَساكِتاً كَانَ أَمْ كِّلماً، فَيَقُولُ: لا سَاكِتٌ ولا متكلمٌ، أيْ لَمَ يأْتِ في كَلامِهِ بِفَائِدَةٍ. وَكَذلِكَ لا مَتى لَزِمَتْ التّكْرارَ إنَّما تَلْزمُ التّكْرارَ على هذا الْوَجْهَ، وَقَدْ يُقالُ غيرُهُ في هذا اْلمَعنى، فتقولُ: مررت برَجُلٍ غيرَ سَاكِتٍ وغيرَ مُتَكلّم، على مَعْنى: لا سَاكِتِ وَلا مُتكلم.2 فإذا صَحَّ أنّ غيرَ في هذا اْلموَطِنِ تَقَعُ مَوْقِعَ لا صَحَّ أَنْ تأتي بغيرٍ وَتَأْتي بلا فتقولَ:، مررت بِرَجًلٍ غَيْرُ سَاكِتٍ وَلا مُتكَلَّمٍ، وَعَلَيْهِ جاء: غيرِ اْلمَغْضُوبَِ عَلَيْهِم وَلا الضَّالِين. وَقَدْ نُقِلَ في الشَّاذِّ: غير المغضوب عَلَيْهِم وَغير الضَالِين. نقل ذلِكَ عن عمر وعلي وأبيّ 3، وَهِيَ قِرَاءَةٌ جيدة إلا إنّها لَمْ يُقْرَأْ بها في السَّبْعِ. فإنْ قلتَ: كَيْفَ تكونُ غيرُ نعتاً للمعرفة وهي نكرة، لأنّ إضافتَها لَيْسَتْ للتّعريف؟ قلتُ: غيْرُ هُنا إذا لم تُضفْ إضافَة تعريفٍ تَجرِي على النّكراتِ وعلى المعارِف   1هذه القراءة لابن كثير، قال الخليل: وهى جائزة على وجه الصفة للّذين على القطع من الجر إلى النّصب بفعل مقدر. ينظر السبعة: 112، ومختصر شواذ القراءات: 1، وإعراب القراءات ق: 36. 2ينظر معاني القرآن وإعرابه 1/ 54. 3ينظر المحرر الوجيز 1/ 131، وفتح الباري كتاب التفسير 8/ 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 بالألف واللامِ إذا كان ذلِكَ على طريق الجنس، لأنَّ الجنسَ عامٌ، ولا يتعَينّ ما يقعُ عَليهِ فجرى لذلك مجرى النكرة في هذا. وذهب الزّجاجُ إلى أنّ (غيرِ المغْضُوب) هم المنْعَمُ عَلَيْهِم. 1 فقد صار على هذا بهذه الملاحظة غير معرفة، أَلا ترى أنَّك إذا قلتَ: رأيتْ الصّالح غيرَ الطَّالح قد تَعَرَّفَ لأنَّه ماعدا الصّالحين، فَلأَجْلِ هذا وَقَعتْ غَيرُ صفةً للمعرفة بالألف واللام، لأِنَّ الثّاني ضِدَّ الأوّل فوقع بذلك التّعريفُ. وذَكَر هذا القولَ ابن عَطِيّة 2عن ابن السَّراجِ،3 وكان الأستاذ أبو علي يَردُّ هذا القولَ، ويقولُ: قَدْ جاء في كِتاب الله عَزَّ وجَلّ: (نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ) 4وبلا شَك أنَّ الثّاني ضدّ الأوّلَ، وَقد جرى على النّكِرة فكيف يقول: إنَّ هذا يُوجَدُ للتّعريف؟. والصّحيحُ ما ذكرتُهُ أوّلاً أنّ تعريف الجنسِ لَيْسَ بالقَوِيّ ة لأنّهُ لَيْسَ بمقصودٍ قصْدَهُ. وَقَد يُعاقِبُ النّكرة فيما وُضِعَ 5 على معنى واحدٍ، ألا ترى أنَّك تَقْولُ: ما يَصْلُحُ بالرّجلِ مِثْلِكَ أَنْ يفعلَ هذا فيكون على معنى مَا يصلُحُ بالرّجلِ الّذي هو مِثلُكُ أنْ يَفْعَلَ هذا، ومعناهما واحد. وهذا كُلُّهُ إنّما يحتاجُ إليه عند جعل (غير) نعتاً لـ"الّذين" فإنْ جعلتَهُ بدلاً فلا يحتاج إلى هذا، لأنّهُ يجوزُ بدلُ النّكرَة من المعرفة واَلمعرفة من النكرة.. أمَّا النّصبُ وهي قراءة شاذة لم تثبت في السّبعِ 6، والظاهر عندي فيها أنَّها استثناء   1ينظر معاني القرآن وإعرابه 57/1. 2ينظر المحرر الوجيز 1/ 124. 3كلام ابن السراج في المسألة أورد أبو علي في الحجة 143/1 بشيء من البيان والتمثيل والتنظير. 4سورة فاطر آية: 37. 5في الأصل: في مواضع. 6قرأ بها ابن كثير كما في كتاب السبعة في القراءات 112، ومختصر شهاذ القراءات ا، وإعراب القراءات 36، وإعراب القراءات الشواذ ق 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 منقطع 1، و"لا" في (ولا الضّالِين) زائدة كزيادة لا في قولهم: ليس زيد ولا عمرو.. وذهب بعض المتأَخِّرين إلى الحال.. 2 وفيه عندي بعد؛ لأنّ المعنى أَنعمَتْ عَلَيْهِم في هذهِ الْحَالِ. وهَذا مَعْلُومٌ أَنَّ المنعَمَ عَلَيْهِم لا يكُونُ إلاَ في هذه الحالِ، إِلا أَنْ يَقُولَ: هِيَ حَالٌ مُؤكِّدَةٌ. وَمَنْ ذهَبَ إلى أنه مَنصُوبٌ بإِضمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: أَعْني 3 غَيْرَ المغضوبِ هذا بَعْدُ أبْينُ لا يَحْتاجُ إلى بَيانٍ. مَعْلُومٌ أنَّ المنعَمَ عَلَيْهِم لَيْسُوا مَنْ غَضِبَ الله عَلَيْهِم، وَلَيْسوا مَنْ ضَلَّ، فَكْيفَ يُقالُ: أعني هذا. وَالأَمْرُ بَيّنٌ أنَّ هذا يعني هذا بعيدٌ وَخارِجٌ عَنْ طَريقِ كَلامِ الْعَرَبِ، وَأَبْينُ عندي مَا فيه أَنْ يكونَ استثناءً منقطعاً، وَعَلَيْهِم في مَوْضِعَ رَفِع، لأِنَّهُ مفعولٌ بمغضُوبِ لم يُذكر فاعله. فَيكُونُ مَرْفوعاً كما تَقُولُ: مُرَّ بزيدٍ والهاءُ والميمُ مِنْ عَلَيْهِم تَعوُدُ إلى الأَلِفَ واللاّم فِيْمَنْ جَعَلَها اسْماً، وَمَنْ جَعَلَها حَرْفاً- وَهُوَ الصّحيحُ، لأنّكَ لا تجَدُ اسماً لا ظاهِراً وَلا مُضمَراً لا مُتّصِلاً وَلا مُنْفَصِلاَ علي حَرفٍ وَاحدٍ ساكنٍ - فَيَكُون الضمير عائداً على الذين، لأنَّ معنى اْلمغْضُوبِ الَّذِينَ غضِبَ عَلَيْهِم، وكذلِكَ قالَ أبو عليّ في الإِيْضَاحِ: إذا أخبرتَ عَنْ نَفْسِكَ مِن ضرب زيدٍ بالأَلِفِ واللاَّم قُلْتَ: الضَّارِبُ زيداً أنا، ففي كل واحِدٍ من ضَرَبٍ وَالضَّارِبِ ذِكْرٌ يعوُدُ إلى الذي 4 والمغضُوبُ عَلَيْهِم هُمْ الْيَهُودُ وَمَنْ شَاكَلَهُم في تعنُّتِهِم وتبديلهم الحقّ مَعَ مَعْرِفَتِهِ،   1هذا هو الإِعراب الأول لأبي الحسن الأخفش كما في كتابه معاني القرآن 18/1، والسبعة في القراءات 112، وبقية المصادر السابقة. 2هذا هو الإِعراب الثاني للأخفش. ينظر المصادر السابقة، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 125. وذهب إليه الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 53/1، وابن السهل فيما نقل عنه أبو على في الحجة 42/1 ا-143، وبه قال الزمخشرى في الكشاف 1/ 71، وهو المعنى في قول ابن أبى الربيع: وذهب بعض المتأخرين.. ويبدو أن ابن أبى الربيع أيقف على إعراب الأخفش، أو لم يثبت عنده، وبعيد أن يكون قصده ببعض المتأخرين الأخفش. 3 ينظر مشكل إعراب القرآن 13/1، والتبيان في غريب إعراب القرآن 1/ 40، والفريد في إعراب القرآن المجيد 176/1. 4ينظر الإيضاح 58/1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 قال تعالى: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفونَ أَبْنَاءَهُمْ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ/ لَيَكْتُمُونَ ألْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون) 1.. والضالُون: هُمُ النّصارى، لأِنّهم ضَلُّوا بنظَرِهِم الفاسد، قال تعالى: (لا تَغْلُوا في دينِكُمْ غَيْرَ الحق وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضًلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلًّوا عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ) 2. لأِنّ عِيْسى عليه السّلام حيِنَ تكَلّمَ أخَذَوا في الكَلام فيه، فَمِنْهُمْ مَنْ قالَ: هُوَ ابن الله، وَمِنْهم مَنْ قالَ هُوَ الله، وهذا كَلُّهُ فسادٌ في النَّظَرِ- وَالله أعلم- وهو عبد مكرمُ من عبيد الله المكرمين. وفي (الضالين) ضَمِيرٌ يَعوُدُ على الألفِ وَاللام عَلى مَنْ جَعَلها اسماً، وَمن لم يَجْعَلْهَا اسْماً أعَادَ الضميرَ عَلى الّذيْنَ المَفْهُومِ مِن و (لا الضَّالِيْن) على حَسْبما تَقَدَّمَ في (المغْضُوبِ عَلَيْهِم) . وُيقال: ضَلَلْتُ وَضَلِلْتُ بفتح اللام وكسرها، والفتح أفصحُ وبه جاء القرآن. وَقُرِىءَ في الشّاذِّ و (لاَ الضّألِينَ) 3 بَفتح الهمزة، لأِنَّهم كَرِهُوا التِقاء الساكنين. وَحُكِي: دَأبّه وشَأبّه 4على هذا. وَقرأَ ابن كثير: (عَلَيْهُم) ، و"بهُم "، و"لهُم "، و"إليْهُم "، و"لديهُمْ " وما أشبه ذلك بضمير الجمع مخاطباً كان أو غائباً بضَم الهاء والكاف موصولة 5 بالواو. ما لَم يكُنْ قبل الهاء ياء أو كسرة، فإن كان قبل الهاء ياء ساكنة أو كسرة، كسر الهاء اتباعاً لما قبلها وإبقاء الميم على أصْلِها ولم يتبعها الهاءَ، لأنْ كسرةَ الهاءِ عارضةٌ.   1 سورة البقرة آية: 146. 2 سورة المائدة آية: 77. 3 قرأ بها أبو أيوب السجّستانى كما في المحتسب 37/39، والمحرر الوجيز1/126 وإعراب القراءات لابن خالويه ق 38، وإعراب القراءات الشواذ للعكبرى ق 7. 4 ينظر المحتسب 47/1، والخصائص 3/ 45، والمحرر الوجيز 132/1. 5 ينظر السبعة في القراءات 108، والحجة لأبى على الفارسي 37/1، والتذكرة في القراءات 1/ 85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وقرأ الباقون بسكون الميم وضم الهاء ما لم يكن قبلها ياءٌ ساكنةٌ أو كسرةٌ، إلا حمزةَ فإنه ضمَّ الهاءَ من (عَليهم) و"لديهم "، "إليهم " خاصة 1. وقرأ ورش بضمِّ الميم إذا لقيتها همزة القطع 2 وسَكّن فيما عدا ذلك، وإنما فعل ذلك ليتمكّنَ من النّطْقِ بالهمزةِ لثقلِها، والأصل في هذه الهاء الضّمُّ لأنّهُ المطّردُ والكَسْرُ إنّما هو حيث يَكُونُ قَبْلَها ياءٌ سَاكِنَةٌ أوْ كَسْرَةٌ فعَلِمْنا أنَّ المطَّرِدَ هُوَ الأصْلُ وأنَّ المكْسُورَ إنَّما جَاءَ تابعاًِ لما قَبْلَهُ، وَلأِنَّكَ لَوْ ادَّعَيْتَ أنَّ الكَسْرَ كانَ الأَصْلَ لم تَجدْ لِلكَسْرِ مُوجباً، وإذَا ادَّعَيْت أنّ الضَمَّ هُوَ الأَصْلُ وَجَدْت لِلكَسْرِ مُوجباً. وحَكَى سِيْبَوْيه عَن بعضِ العَرَبِ: مِنْهِم3 بكسر الْهَاءِ وَلَمْ يُعْتَدّ بالسّكوُنِ، وَهذا لا يَكادُ يُعَرَف لِقِلّة المتكلمين به. وكذلك الميم أصْلُها الضمّ والكسر اتباع، لأنَّ الضمَّ مُطّردٌ والكسرُ غيرُ مُطّرِدٍ، وَلأَنّكَ إذا ادَّعيتَ أنّ الأصلَ الضمَّ وجدت أن للكَسْرِ موجَبَاً هو الاتباع، وَلَوْ جَعل الكَسْرَ هُوَ الأصْلُ لم تجد للضَّمّ موجباً، وكذلك الضمَّ في الميم والإتيان بالواو بعدها هو الأصلُ، وحذفُ المدّةِ وسكونُ الميم كان ثانياً 4، لأنّكَ إذا ادّعيت أنّ السُّكون هو الأصل لم تجد للحركة والمدَّةِ مُوجِباً، وإذا ادّعَيْتَ أنّ الأَصْلَ هُوَ الحَرَكَةُ والمدّةُ وَجَدْتَ لِلسُّكُونِ مُوجباً، وَذَلِكَ أنَّ العَرَبَ تَسْتَثْقِلُ توَالي خمس متحركات ألا ترى أنَّها لا تُوجد في أَوْزانِ الشعر، فسكنوا مثل ضَرَبَهم لتوالي 5 خمس متحركات، ثم جرى غيرهُ مجراه ليجرى على مثالٍ 6، ولأنَّ المؤنث والمثنى بعد الهاء فيهما حرفان، فيجبُ للمذكّر أنْ يَجْرِىَ على حُكْمِهما.   1ينظر المصادر السابقة، والكشف 1/37، 39، والمحرر الوجيز 1/ 126. 2ينظر التيسير 9 1، والكشف 1/ 39، والتذكرة 1/ 86، والإقناع في القراءات السبع 2/ 5 59. 3هذه لغة لقوم من ربيعة يتبعون الهاء الميم ولا يعتدون بالون الساكنة بينهما، لأنّ الساكن حبر غيرُ حصين عندهم، وهى لغة رديئة عند سيبويه. ينظر الكتاب 96/4 ا-197. 4 في الأصل: ثانٍ، وهو هنا خبر لكان والمنقوص في النصب يعرب بحركة ظاهرة على يائه. لا يحذفها والتنوين، فلعل هذا من غفلة الناسخ. 5في الأصل: ولتولّى. 6 في الأصل: فال، وهو تحريف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وإذا سُكّنت الميم ولقيهَا ساكنٌ من كلمة أُخْرى وَالهاء قبلها مكسورة، فقرأ أبو عمرو بكسر الميم، نحو: (عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) 1، (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) ، 2. وقَرأَ حمزةُ والكسائي بضم الهاء والميم ة ضَمَّا الميمَ 3، لأنَّ الضمَّ فيها هو الأصلُ فلمّا اضطرَّا 4إلى التّحريكِ حَرَّكا 5 بحركَةِ الأصْلِ واتْبَعا 6 الهاء الميم. وقرأَ الباقون بكسر الهاء وَضَمّ الميم 7، نحو: عَلَيْهِمُ الّذّلَّةُ، حَرّكوا الميم عند الاضْطِرارِ إلى التّحرِيْكِ بحركة الأصْلِ، ولم يُتْبِعوا الهاءَ الميمَ، لأنَّ الحركة في الميم، عَرضتْ لالتقاء السَّاكنين فلا يُعْتدُّ بها. وهذا كلّهُ جائزٌ إذا كان قَبلَ الهاءِ ياءٌ سَاكِنةٌ أوْ كَسْرَةٌ وَإِذا كانَ قَبْلَ الْهاءِ غَيرُ ما ذَكَرْتهُ فَلابُدَّ مِنَ ضَمِّ الْهَاءِ واْلميم، نحو: (جَآءتهم البينات) 8 و (لَهُمُ الدَّرَجَاتُ) 9 (وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي) 10 لا خِلاَفَ في هَذا. وكَأَنَّ قِرَاءَةُ أبي عمرو- والله أعلمُ- مِمّنْ يَقُولُ: (عَلَيْهُمُ) إذا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهَا سَاكنٌ. وَقَدْ تَكُونُ قراءةُ أَبي عَمرو مِمَّنْ سَكّن الميمَ مِن "هُم" فَلَمَّا اضطّرَّ إلى التحرِيْكَ حَرَّكَ اتْباعاً لِلْهاءِ، وَكانَ هذا أَنْسَب؛ لأَنّهُ لم يُنْقلْ عَنهُ عليهم إذا لم يكن بَعدَهُ سَاكِنٌ. وَأماَّ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ: (عَلَيْهُم) وَ"إِلَيْهُم" وَ"لَدَيْهُم " بضَمِّ الْهَاءِ هذه الثّلاثةَ خاصّةً، فَوَجْهُ ذلِكَ أنَّ الَأصْلَ هِي الأَلِفُ على وَلَدَى وَإلى، والانقلاب إنَّما دَخلَ عند الضّمير، فالانقِلابُ عَارِضٌ فَلَمْ يُعْتَدّ بهِ وَتَرْكُهَا مَضْمُومَةٌ كَما كَانَتْ تكون مع الألِفِ.   1سورة البقرة آية: 61. 2سورة غافر آية: 9. 3في الأصل: ضموا. 4 في الأصل: اضطروا. 6،5 في الأصل: حركوا واتبعوا. 7ينظر الحجة لابن زنجلة 82، والتذكرة في القراءات 87/1. 8سورة البقرة آية: 213. 9 سورة طه آية: 75 10 سورة التوبة آية: 61 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وَقِراءَةُ حمزةَ والكِسَائي في (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) 1 كما اضطَّرَّ إلى تحريْكِ اْلمِيمِ حَرّكَاهَا بحَرَكة الأَصْلِ ثُمَّ اتْبَعا الهاء الميم وإنْ كانت حَركتهُما عَارِضةً لأِنّهما كَرِها الخرُوُجَ مِن كَسْرِ الْهاءِ إلى ضَمِّ اْلمِيمَ، لأنَّهُما مُتَلاَزِمتان. وهذا الفصَلُ إنَّما يتبيّنُ مُكَمَّلاً في كُتب العَرَبيَّة، وَفيها تَتَبينُّ لُغَاتُها 2 مُكَمَّلاً إنْ شَاء. وفي الشَّاذِّ قِرَاءاتٌ لا يَلِيقُ ذِكْرُها هنا. (آمينَ) : رُوِيَ أنّ جِبْريل صلى الله عليه وسلم قال لِرسُول الله صلى الله عليه وسلم قلْ آمِينْ 3 بعد قراءته أمّ القُرْآن، وَهِيَ اسمُ فعل، وأسماء الأَفْعالِ مَبْنِيّةٌ؛ لأِنَّ مُوجبَ الإِعراب لَيْسَ فيها، وبُنيَت على الفتح لالتقاء السَّاكِنَيْن، وفيها لُغتانِ: تُمَدّ وَتُقْصَرْ، ذكَرهمَا ثعلب 4، ومعناها اسْتَجِب وأجب يا رَبّ. وَقَد نُقِلَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّ معناها: أفعلُ.5   1 سورة غافر آية: 9. 2 ينظر الكتاب 4/195-198. 3ينظر الموطأ 1/ 1 8 1، وسنن الترمذي 28/2- ا 3، وفتح الباري 59/8 1، والمحرر الوجيز 133/1 والحديث بألفاظ مختلفة عما هنا 4ينظر فصيح ثعلب 6 8ـ 87. 5لم أقف على الحديث بهذا اللفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400