الكتاب: تدريب الدعاة على الأساليب البيانية المؤلف: أ. د.: عبد الرب بن نواب الدين بن غريب الدين آل نواب الناشر: الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: العدد 128 - السنة - 37 - 1425هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- تدريب الدعاة على الأساليب البيانية عبد الرب نواب الدين الكتاب: تدريب الدعاة على الأساليب البيانية المؤلف: أ. د.: عبد الرب بن نواب الدين بن غريب الدين آل نواب الناشر: الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: العدد 128 - السنة - 37 - 1425هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ال مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فلا جرم أن إعداد الدعاة جزء أساس من الواجبات المنوطة بالأمة الإسلامية، فهي أمة دعوة وجهاد، تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلوْ آمَنَ أَهْل الكِتَابِ لكَانَ خَيْرًا لهُمْ مِنْهُمْ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الفَاسِقُونَ} (1) ولا شك أن الدعوة إلى الله تعالى لا تصح ولا تتم إلا إذا أديت على الوجه الشرعي وتحقق في الدعاة المؤهلات العلمية والخُلقية والنفسية المتوخاة لأن الدعوة لا تصح إلا على بصيرة قال تعالى: {قُل هَذِهِ سَبِيلي أَدْعُو إِلى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنْ المُشْرِكِينَ} (2) . والبصيرة هي: الحق واليقين والعلم (3) وإعداد الدعاة يشمل ذلك كله، وقد ورد في القرآن العظيم ما يدل على أن (إعداد الدعاة) بكل صور الإعداد من الواجبات الشرعية والمطالب الحياتية والضرورات الحضارية كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ ليَنفِرُوا كَافَّةً فَلوْلا نَفَرَ مِنْ كُل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ   (1) سورة آل عمران: 110 (2) سورة يوسف: 108 (3) انظر تفسير الطبري 13 / 80 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وَليُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِليْهِمْ لعَلهُمْ يَحْذَرُونَ} (1) فالإعداد الجهادي الحربي يواكب ويضارع في فضله الإعداد الفقهي والإعداد البياني، وينبغي أن لا تخلو الأمة الإسلامية من طائفتين هما ركيزتا المجتمع: المجاهدون والدعاة بكل مؤهلاتهم وخصائصهم ومقوماتهم، فالمجاهدون في سبيل الله يدافعون عن العقيدة وينافحون عن العرض والأرض ويستخرجون حقوق المستضعفين المضطهدين، والدعاة يتفقهون في الدين ومن ثم يدعون إلى الله تعالى ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على نور وبصيرة. قال الإمام أبو السعود في الآية الشريفة: {ليَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} أي يتكلفوا الفقه فيه ويتجشموا مشاق تحصيلها {وَليُنذِرُوا قَوْمَهُمْ} أي: وليجعلوا غاية سعيهم ومرمى غرضهم من ذلك إرشاد القوم وإنذارهم {إِذَا رَجَعُوا إِليْهِمْ} وتخصيصه بالذكر لأنه أهم، وفيه دليل على أن التفقه في الدين من فروض الكفاية، وأن يكون غرض المتعلم الاستقامة والإقامة، لا الترفع على العباد والتبسط في البلاد (2) والتفقه في الدين ينتظم فيما ينتظمه (إعداد الدعاة) وهو باب واسع يشتمل على جوانب متعددة ومسالك متنوعة ومراحل مختلفة منها: الإعداد العلمي، والإعداد التربوي، والإعداد النفسي الروحي، والإعداد الخُلقي، والإعداد البلاغي والإعلامي، كما أن آلية الإعداد تختلف باختلاف النوع، وهي ما تسمى بمسميات متنوعة منها التطبيق والتدريب والممارسة والتجريب والتعويد والتربية والتوظيف وكل أولئك من فقه واجبات الدعاة. ولعل من أجل المضامين العالية والمطالب السَّنِية في إعداد الدعاة (الإعداد   (1) سورة التوبة: 122 (2) إرشاد العقل السليم 4 / 112 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 المتعلق بسمة التبليغ والبيان والأداء) ويمكن تسميته بالإعداد البياني التعبيري، وسبيله بعد التحصيل العلمي الشرعي: الممارسة والأداء، فبالممارسة والتدريب تصقل المواهب الخطابية وتقوى العارضة البيانية وتتهذب العبارة وتنجلي الأخلاق الفاضلة، وبالتطبيق العملي يتعرف الداعية على مكامن التأثير ويتمكن من بلاغة التعبير. فالخطابة - مثلا - موهبة وعلم، لا تنجلي هذه الموهبة والملكة ولا تتكشف ولا تُكتشف إلا بالتدرب والتمرس، فقد يكون الإنسان خطيبا موهوبا مُمكّنا من الإمساك بأزمة البيان أوتي فصل الخطاب لكن ملكته تلك هامدة خامدة لم يثرها عامل ولا حركها فاعل! .. وقد تغشى النفس مشكلات معقدة مُشغلة تحول بينها وبين بروز ملكاتها التعبيرية الإبداعية فترى المرء بليد الحس ركيك الكلام خامد الفكر هدته المشكلات هداً فإذا ما حُلت مشكلاته وفُكت عقده انقلب أسدا هصورا وخطيبا مصقعا لا يشق له غبار ولا يخمد له أوار! .. وقد يكون الإنسان خطيبا في بني قومه وبين عشيرته وأهل لسانه وملته لا تتجاوز بلاغته حدودهم ولا تعدو منازلهم لتوافر العوامل التي أبرزت فيه هذا الجانب..وهكذا، فلا تبرز قدراته التعبيرية وملكاته الخطابية الجدلية إلا حين يتهيأ لها سبيل البروز، فالتدريب العملي والتطبيق الميداني مجال رحب لتفتيق المواهب وترسيخ القدرات وصقلها وتهذيبها نحو الرشد والسداد. أضف إلى ذلك أن عصرنا عصر الإعلام المقنن والموجه، تتسارع فيه فنون الخطاب والإعلام فتغطي مساحات واسعة من حياتنا على نحو لم يكن معهودا من قبل، وهذا يستدعي أن يكون الدعاة على معرفة واسعة ودقيقة بكل فنون والاتصال كالخطابة والحوار والمناظرة وإدارة الندوات وغيرها مما يجده القارئ في هذا البحث. وحبذا أن يتوافق ويتسهل مع الدراسة النظرية: التطبيق العملي والممارسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 الفعلية للخطابة وغيرها من ضروب البيان في المجالات المناسبة كالمساجد والمنتديات وبعض الأسواق ونحو ذلك، لتسير النظرية والتطبيق في خطين متوازيين ولكي تتحقق للطالب الداعية إلى جانب الدراسة النظرية الممارسة العملية على الوجه الأتم الأكمل. وقد ارتكز البحث في هذه الصفحات على محورين رئيسين: المحور الخطابي ويشمل المحاور الرئيسة للخطابة من حيث الأنواع والأجزاء وطرق الإعداد والإلقاء وصفات الخطيب وعيوبه، والمحور الإعلامي ويشمل الندوة والإذاعة والراي، وفي غضون هذين المحورين ترد المرتكزات الأساسية للمواقف التعبيرية البيانية للداعية. وتضمنت خطة البحث الفصول التالية: الفصل الأول (مفهوم التدريب وأهميته وخصائصه) وفيه مبحثان: المبحث الأول: مفهوم التدريب وأهميته. المبحث الثاني: خصائص التدريب البياني. الفصل الثاني (التدريب على الخطابة) وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف الخطابة وبيان خصائص الأسلوب الخطابي المبحث الثاني: مسالك التدريب على الخطابة الفصل الثالث (التدريب على الندوة) وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف الندوة وأنواعها ومحاورها العامة المبحث الثاني: مسالك التدريب على إقامة الندوات. الفصل الرابع (التدريب على الكلمة الإذاعية) وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: مقدمة عن الإعلام وخصائصه ووسائله ووظائفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 المبحث الثاني: تعريف الإذاعة، وخصائصها المبحث الثالث: مسالك التدريب على الكلمات الإذاعية. الفصل الخامس (التدريب على الكلمة المرئية) وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف الراي، خصائصه، نبذة عن بعض الأحكام المتعلقة به المبحث الثاني: مسالك التدريب على الكلمات المرئية الخاتمة. وقد حرصت في كتابي هذا على تقديم المعلومة الموثقة في تركيز وتلخيص، وكنت حثيثا على تتبع واستيفاء معالم الموضوع الأساسية، على ما هو المتوخى في الأبحاث العلمية ولأن تتبع المسائل الفرعية والإيغال فيها والإكثار من الاستطراد يضخم المادة وقد يذهب برونق البحث وبهائه ويقلل من قيمته الإبداعية. وقد أطلت الحديث في الفصل الثاني وهو في: (التدريب على الخطابة) لأنه تضمن أسسا ومرتكزات عامة ينبني عليها ما تلاها من فصول. وفي منهج البحث تتبعت النصوص المنقولة فأثبتها كما هي من مظانها ومصادرها لا سيما الأحاديث النبوية الشريفة، ورمزت في الحواشي في عزو الأحاديث إلى الصحاح الستة ومسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك بالرموز الآتية: (خ) صحيح البخاري طبعة فتح الباري المطبعة السلفية، (م) صحيح مسلم ترقيم محمد عبد الباقي، (د) سنن أبي داود ترقيم الموسوعة الالكترونية (صخر) ، (ت) سنن الترمذي ترقيم أحمد شاكر، (ما) سنن ابن ماجة ترقيم محمد عبد الباقي، (ط) موطأ الإمام مالك ترقيم الموسوعة الإلكترونية صخر، (أحمد) مسند الإمام أحمد ترقيم الموسوعة الإلكترونية صخر. وذكرت إثر كل رمز اسم الكتاب من المرجع الحديثي ورقم الحديث وذلك للاختصار وتحرير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الحواشي من ثقل الإطالة والتكرار، وعلى سبيل المثال فإذا قلت [خ: المغازي (4001) ] فإنني أعني: رواه البخاري في كتاب المغازي حديث رقم (4001) وهكذا في بقية الكتب الحديثية الأخرى.. وفيما عدا الكتب التسعة الآنفة فإني أذكرها باسمها دون رمز لقلة الإحالة إليها. والتزمتُ بطبعة واحدة في كل المراجع التي أحلت إليها، التزاما مني بمنهج البحث المتعارف عليه. وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكرم هذا العمل بالقبول، وأن يعفو عن التقصير والقصور، وأن يلهم الكاتب والقراء الصواب والسداد، وأن يجزل للجميع المثوبة، له سبحانه الفضل والحمد ظاهرا وباطنا وسرا وعلانية وأولا وآخر، وهو الحكيم الخبير. وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الفصل الأول: مفهوم التدريب وأهميته وخصائصه المبحث الأول: مفهوم التدريب وأهميته التدريب في اللغة: التدريب على وزن تفعيل من دَرِبَ بالأمر دَرَباً ودُرْبة، وتدرّب: ضَرِيَ ودرّبه به وعليه وفيه: ضَرّاهُ. والمدرَّب من الرجال: المجرّب.. والمدرّب: الذي قد أصابته البلايا ودربته الشدائد حتى قوي ومرن عليها. والدُّربة: الضراوة، والدُّربة: عادة وجرأة على الحرب وكل أمر. وقد درب بالشيء يدرُب ودرب به إذا اعتاده وضري به، تقول: ما زلت أعفو عن فلان حتى اتخذها دربة.. والدارب: الحاذق بصناعته (1) ومن هذه المعاني والمرادفات اللغوية يتبين أن التدريب يكون بمعنى التعويد والحذق والتمرين، بحيث يتأهل المتدرب ويتعرف على ما هو بصدده ليكون فيما يتدرب فيه حاذقا متقنا متمرسا خبيرا، بحيث يعرف دقائق صناعته وأسرارها ويعرف مع ذلك كيف يستفيد من ملكاته وقدراته بدقة وإحكام. والتدريب العملي اصطلاحا: يتطابق مفهومه مع التعريف اللغوي، لأن التّدرُّب والتعوّد والتمرّس والوقوف على أسرار الصناعة والولوع بها والنبوغ فيها من مقتضيات التدريب ولوازمه ومعانيه، ورُكبت الجملة من كلمتين هكذا: (التدريب العملي) لتعطي دلالات على الجانب التطبيقي الميداني الذي ينتهجه المتدرب بعد الوقوف على   (1) لسان العرب مادة (درب) 1/374 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 الجانب النظري فيطبق عمليا ما يدرسه نظريا، فيسير التنظير والتدريب في خطين متواكبين متوازيين. وعليه فمن التعريفات الاصطلاحية لتدريب الدعاة إلى الله: (القيام بأنماط التعبير المشروعة لتبليغ الدين وإيصال الحق) . و (التمرس على أشكال التعبير البياني لتبليغ الدين الحق) . و (تجلية المواقف التعبيرية للداعية) . و (صقل المهارات الكلامية والقدرات البيانية) . وهذه التعاريف متقاربة تبرز المعنى المتوخى المراد، وتتضمن العناصر الرئيسة الثلاثة: 1- التدرب وبذل الجهد فيه. 2- كون التدرب في شكل واحد وهو البيان التعبيري الكلامي. 3- توخي المقصد من ذلك وهو تبليغ الحق للخلق وبه ينوي الداعية الخير فيؤجر. ويمكن تلخيصها في ثلاث كلمات: ممارسة البيان للتبليغ. هذا وللتدريب العملي في حياة الدعاة مفهومان: المفهوم الأول منصب نحو المناهج والخطط وجملة الوسائل والأساليب التي يتدرب عليها الداعية ويتمرس، كالوعظ والتذكير والتدرب على ذلك إما مشافهة أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ومعرفة مواقع الكلام ووقفاته وسكتاته وتخير ألفاظه، وأيضا تأليف الكتب والنشرات وإقامة معارض الكتاب، وتأسيس وبناء دور الرعاية الاجتماعية والمعاهد العلمية، ومعرفة أولويات الدعوة ... إلى آخر متعلقات المناهج والخطط، وهذا مفهوم عام وليس هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 المقصود بالدراسة في هذه المادة. إذ يدرسها طلاب الدراسات العليا في مادة (مناهج الدعوة) . المفهوم الثاني: الأساليب البيانية خاصة، أي التي تعتمد على جارحة اللسان والبيان، كالخطابة والحوار والجدال والحديث الإذاعي وندوة الرائي، والصور التعبيرية المتنوعة، وغيرها من ضروب وألوان البيان والكلام، وهذا المفهوم هو المعني في هذا الكتاب. والتدريب باعتباره فناً يتخذ مفاهيم أخر بحسب كل مجال وتخصص، فهناك التدريب الخطابي البياني، وهناك التدريب الإعلامي الصحفي، وهناك التدريب الإعلامي الإذاعي، وهناك التدريب على صور الحوار.. أهمية التدريب الميداني في عمل الدعاة: ليس أدل على أهمية التدريب العملي (البياني) في إعداد الدعاة من كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته المباركة، يتضح ذلك من خلال ما يأتي: (أ) ورود مبادئ للصيغ البيانية في القرآن الكريم: ولا غرو فالقرآن الكريم كله بيان وهدى للناس، بل هو قمة البيان وذروة البلاغة، وحسبنا في هذا المقام الإشارة إلى قبسات من ذلك، فمن ذلك: - تضافر الكثير من الآيات على سوق الأدلة على قضايا الإيمان وتصديرها بقوله (قل) بصيغة الأمر المشعرة بأن الداعية ينبغي أن يصدع بالحق وأن يتخذ من القول المبين والحجة البالغة منهاجا وغاية، كما في قوله تعالى: {قُل أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَليًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُل إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّل مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 أَسْلمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشْرِكِينَ قُل إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُل اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِليَّ هَذَا القُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلغَ أَئِنَّكُمْ لتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلهَةً أُخْرَى قُل لا أَشْهَدُ قُل إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} (1) وتأمل أيضا {قُل مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل اللهُ قُل أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْليَاءَ لا يَمْلكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُل هَل يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَمْ هَل تَسْتَوِي الظُّلمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلوا للهِ شُرَكَاءَ خَلقُوا كَخَلقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلقُ عَليْهِمْ قُل اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ} (2) ونجد فعل الأمر: (قل) وردت (343) مرة في القرآن الكريم من تأملها وسبر غورها وصنف مضامينها وتدبر مقول القول: وقف على منهاج متكامل في صيغ البيان وطرائق الأداء ومسالك إقامة الحجة في إحقاق الحق ودحض الباطل، وهذا لون رفيع من بلاغة القرآن يتضمن التوجيه إلى ما ينبغي أن يكون عليه الداعية من قوة العارضة والتمرس على صيغ الخطاب. - وقد يأتي الأسلوب القرآني الجليل على شكل تعليم الحوار وعلى غرار (إن قالوا كذا فقل كذا) وهي صورة من التدريب على القول ومثاله قوله تعالى: {وَقَالوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لمَبْعُوثُونَ خَلقًا جَدِيدًا * قُل كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُل الذِي فَطَرَكُمْ أَوَّل مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِليْكَ   (1) سورة الأنعام: 14 – 19 (2) سورة الرعد: 16 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 رُءُوسَهُمْ وَيَقُولونَ مَتَى هُوَ قُل عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} (1) وهذا يتضمن فيما يتضمنه التوجيه بتعلم صيغ الجدال والحوار ومعرفة متى يتكلم الداعية وكيف وبماذا.. مما هو من مؤهلات الدعاة ومقوماتهم الخطابية. (ب) اتخاذه صلى الله عليه وسلم الخطابة أسلوباً في الدعوة: لقد اتخذ النبي عليه الصلاة والسلام من الخطابة أسلوبا عمليا مباشراً في إيصال دعوته وأداء برسالته سواء خطبه الراتبة أيام الجمعة أو خطبه العارضة في النوازل وغيرها، فعامة الأحاديث النبوية القولية هي في حقيقتها مقاطع من خطبه البيانية الوعظية. لقد كان أصحابه يرونه ويعاينونه وهو يخطب بين أظهرهم ولننقل لمحة عن هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في خطبه مما سطره يراع الإمام ابن القيم رحمه لله تعالى قال: ((فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبته: خطب صلى الله عليه وسلم على الأرض وعلى المنبر وعلى البعير وعلى الناقة، وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكان لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله، وأما قول كثير من الفقهاء إنه يُفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة، وسنته تقتضي خلافه وهو افتتاح جميع الخطب   (1) سورة الإسراء: 49 - 51 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 بالحمد لله وهو أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب أحمد وهو اختيار شيخنا قدس الله سره. وكان يخطب قائما، وفي مراسيل عطاء وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر أقبل بوجهه على الناس ثم قال السلام عليكم، قال الشعبي وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك وكان يختم خطبته بالاستغفار. وكان كثيراً ما يخطب بالقرآن، وفي صحيح مسلم عن أم هشام بنت حارثة رضي الله عنها قالت: «ما أخذت {ق وَالقُرْآنِ المَجِيدِ} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس» (1) وذكر أبو داود عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: «الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا» وقال أبو داود عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فذكر نحو هذا إلا أنه قال: "ومن يعصهما فقد غوى" (2) وقال ابن شهاب: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب: "كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت ولا يعجل الله لعجلة أحد يريد الله شيئا ويريد الناس شيئا ما شاء الله كان ولو كره الناس ولا مبعد لما قرب الله ولا مقرب لما بعد الله ولا يكون شيء إلا بإذن الله".   (1) سورة ق: 1 والحديث رواه: م: الجمعة (873) (2) م: الجمعة (870) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وكان مدار خطبه صلى الله عليه وسلم على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد والأمر بتقوى الله وتبيين موارد غضبه ومواقع رضاه فعلى هذا كان مدار خطبه. وكان يقول في خطبه: "أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به ولكن سددوا وأبشروا" (1) وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة ويذكر فيها نفسه باسمه العلم، وثبت عنه أنه قال: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء" (2) ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته ولم يكن يلبس لباس الخطباء اليوم لا طرحة ولا زيقا واسعا، وكان منبره ثلاث درجات فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذن في الأذان فقط ولم يقل شيئا قبله ولا بعده فإذا أخذ في الخطبة لم يرفع أحد صوته بشيء البتة لا مؤذن ولا غيره. وكان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر، كذا ذكره عنه أبو داود عن ابن شهاب وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك وكان أحيانا يتوكأ على قوس ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف وهذا جهل قبيح من وجهين أحدهما أن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس، الثاني: أن الدين إنما قام بالوحي وأما   (1) سورة التغابن: 15 (2) ت: النكاح (1106) وقال حسن صحيح غريب، د: الأدب (4201) ، صحيح ابن حبان (2797) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 السيف فلمحق أهل الضلال والشرك ومدينة النبي صلى الله عيه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف. وكان إذا عرض له في خطبته عارض اشتغل به ثم رجع إلى خطبته، وكان يخطب فجاء الحسن والحسين يعثران في قميصين أحمرين فقطع كلامه فنَزل فحملهما ثم عاد إلى منبره ثم قال: صدق الله العظيم {إِنَّمَا أَمْوَالكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (1) رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما، وجاء سليك الغطفاني وهو يخطب فجلس فقال له: «قم يا سليك فاركع ركعتين وتجوز فيهما» ثم قال وهو على المنبر: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" (2) وكان يقصر خطبته أحيانا ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس وكانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة وكان يخطب النساء على حدة في الأعياد ويحرضهن على الصدقة. والله أعلم)) (3) وفي هذه اللمحة عن الخطابة النبوية يتبين لنا أهم أسس الخطابة وصفات الخطيب والمعايير التي ينبغي أن تراعى في الخطيب البارع والخطابة البليغة. (ج) تقويمه الخطباء وتصويبه لأخطائهم: لقد كانت الخطباء تخطب بين يديه، سواء كانوا من خطباء المجتمع المدني أو من خطباء الوفود القادمة من مختلف أنحاء الجزيرة العربية بعد الهجرة، وممن   (1) سورة التغابن: 15 (2) متفق عليه: خ: الجمعة (930) ، م: الجمعة (875) (3) زاد المعاد1/186-199 وفي خطبته صلى الله عليه وسلم النساء، الصحيحين: خ: الحيض (3304) ، م: الإيمان (80) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 اشتهر من الخطباء في ذلك العهد الميمون ثابت بن قيس رضي الله عنه الذي خطب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان يجيب بخطبه على خطباء الوفود التي كانت تقدم المدينة. ومن الأمثلة على تقويمه للخطباء وتعليمهم مواضع القول حديث عدي ابن حاتم رضي الله عنه: أن خطيبا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى قال: «قم أو اذهب فبئس الخطيب أنت» وفي رواية أخرى عنه قال: تشهّد رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله" (1) فهو هنا عليه الصلاة والسلام أنكر عليه تشريكه مع الله في المعصية فقد قال: ((ومن يعصهما)) ولم يقل ومن يعص الله ورسوله، وهذا درس في التوحيد بليغ. ولقد كان صلى الله عليه وسلم يستمع إلى خطيب الأنصار كثابت بن قيس بن الشماس وإلى شعرائهم، وكانت خطباء الوفود تخطب بين يديه فيستمع ويعلم ويوجه. (د) تربيته صلوات الله عليه أصحابه على أساليب البيان: كان يتعهدهم ويوجههم ويصوّب من أخطأ منهم حتى في الدقائق التي قد تخفى على كثيرين، لاسيما ما يمس جناب التوحيد والعقيدة، وكان ذلك شاملا لكل الأشكال التعبيرية البيانية من خطابة وحوار وجدال ... لذا برز عدد غير قليل من الصحابة رضي الله عنهم في الخطابة الحوار والجدال وجمعوا في هذه العلوم خصائصها ودقائقها على نحو قل مثيله.   (1) م: الجمعة (870) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 ومن تأمل خطب هؤلاء الأماجد رضي الله عنهم يجد أنها مليئة بالمعالم العقدية والأسس الإيمانية والخصائص الخطابية والمقاصد السنية وهذا كله لم يأت من فراغ، ولولا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعهدهم ويربيهم على ذلك ما كان لهم أن يحققوه، ومن خُطب الصحابة رضي الله عنهم الذين تبؤوا المكانة السنية في التدرب البياني ممن رباهم صلى الله عليه وسلم على عينه: أ - جعفر رضي الله عنه بين يدي النجاشي (خطبةً وحواراً) . ب- مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنهما (تعليما وإقراءً) ج- معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما (تعليما وإقراءً وإفتاءً) . د- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (تعليما ووعظاً) هـ- عبد الله بن العباس رضي الله عنها (حواراً وجدالاً) وإليك مقتبسات مختصرة من سير كل واحد من هؤلاء الأماجد والأسلوب البياني التعبيري الذي سلكه: أ - جعفر بين يدي النجاشي: تروي القصة أم المؤمنين أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ساقت أحداث القصة قالت قال سفيرا قريش للنجاشي: ((أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه)) [وذكرت أحداث القصة] قالت فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك: ((كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قال فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك)) قالت فقال له النجاشي هل معك مما جاء به عن الله من شيء قالت فقال له جعفر نعم فقال له النجاشي فاقرأه علي فقرأ عليه صدرا من سورة {كهيعص} قالت فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال النجاشي: ((إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد)) (1) ومن هذه القصة يتبين كيف أن الكلمة الهادفة البناءة والحوار الصّيّب الحكيم كان سببا قويا بعد توفيق الله تعالى في صد كيد الأعداء وصيانة مصالح   (1) أحمد: أهل البيت (1649) مختصرا، قال في مجمع الزوائد 6/26 رجاله رجال الصحيح غير إسحاق وقد صرح بالسماع، وقال في مسند إسحاق 1/73 (21) رواته ثقات سوى محمد بن إسحاق صدوق مدلس لكنه صرح هنا فإسناده حسن به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 المسلمين وإقامة الحجة والبرهان على المنكرين والمتشككين، ولقد كان جعفر رضي الله عنه موفقا في خطابه وفي حواره. عارفا بمسالك الكلام ومكامن الحوار، ولا جرم أنه لم يكن بتلك المثابة من الحكمة والحنكة إلا بعد أن تعلم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وتفقه فيه على يديه. ب- مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنهما: لقد بعثهما النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة داعيين معلمين مقرئَين، ولم يكن اختياره عليه الصلاة والسلام إلا بعد تأهلهما لهذه المهمة التربوية الإعلامية الجليلة تأهلا صقلته التجربة والممارسة والتربية على عينيه صلى الله عليه وسلم، قال البراء بن عازب رضي الله عنهما: «أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعل الإماء يقلن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما قدم حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور من المفصل» (1) ففي هذا الحديث أن مصعبا وعبد الله كانت مهمتهما إقراء الأنصار القرآن وللقرآن كما هو معروف تأثيره النافذ من خلال قوته البيانية وما اشتمل عليه من إعجاز، والقرآن العظيم أجل ما اشتغل به الدعاة تعلما وتعليما وتلقيا وأداءً ج - دعوة معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري لأهل اليمن: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما   (1) خ: المناقب (3925) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 بعث معاذا رضي الله عنه على اليمن قال: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس» (1) وتأمل كيف وجهه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلمه طرائق الدعوة ومنهجها إذ عرفه أولا بالمدعوين الذين سيدعوهم، وبين له بعد ذلك مراتب الدعوة وأولوياتها، ولم يكن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه إلا لتأهله ومكنته في مجال ما بعث إليه. فهو يجمع بين فقه المفتي الأريب وفقه الداعية الحصيف، ومعاذ من فقهاء الصحابة وقرائهم ودعاتهم رضي الله عنه. د - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لعبد الله أسلوب عرف به فهو فضلا عن كونه مرجعاً في إقراء القرآن وتفسيره، كما في الحديث الشريف: "استقرؤا القرآن من أربعة من ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل" (2) نجده أيضا خطيبا مفوها وواعظا حكيما، فمن منهج ابن مسعود أنه كان يتحرى الوقت المناسب للوعظ والتعليم يستجلب بذلك في المستمعين والمتعلمين الاستيعاب ويدرأ عنهم السأم والملل، يدل على ذلك ما رواه شقيق أبي وائل قال كان عبد الله يذكرنا كل يوم خميس فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن إنا نحب حديثك ونشتهيه ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم، فقال: «ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهية أن أملكم إن رسول   (1) متفق عليه: خ: الزكاة (1458) ، م: الإيمان (19) (2) متفق عليه: خ: المناقب (3758) ، م: فضائل الصحابة (2464) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا» (1) وكان عبد الله من المكثرين من ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يظنه من لا يعرفه أنه من أهل البيت من كثرة دخوله على النبي وملازمته له، وحسبنا في هذا شهادة الصحابي حذيفة رضي الله عنه له قال حذيفة: «إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلاًّ وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ لابْنُ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلى أَنْ يَرْجِعَ إِليْهِ لا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلهِ إِذَا خَلا» (2) وهذا الشبه في السمت والهدي بالنبي صلى الله عليه وسلم سببه كثرة ملازمته له والأخذ عنه والجلوس بين يديه، ومن جملة ذلك معرفته بأصول الخطابة وخصائصها ومضامينها ومعالمها ومتعلقاتها يشهد لذلك حديث الأسود أنه سمع أبا موسى يقول: «قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ما نرى إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما نرى من دخوله ودخول أمه عليه» (3) إن هذه الملازمة بهذه المثابة أسلوب تربوي يتحقق معه التعلم والأخذ بطريق القدوة، وهي قدوة يصاحبها حب ورغبة في التشبه والإقتداء، فإذا كان ذلك بدافع الإيمان والتقوى لا لشيء آخر فكيف تراه يكون، وهذا ما كان من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في أخذه من رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى عن أبي الأحوص قال كنا في دار أبي موسى مع نفر من   (1) متفق عليه: خ: العلم (70) ، م: صفة القيامة (2821) (2) م: الأدب (6097) (3) متفق عليه: خ: المناقب (3763) ، م: فضائل الصحابة (2460) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 أصحاب عبد الله وهم ينظرون في مصحف فقام عبد الله فقال أبو مسعود ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم فقال أبو موسى: «أما لئن قلت ذاك لقد كان يشهد إذا غبنا ويؤذَن إذا حُجبنا» (1) وكل واحد من هؤلاء الأماجد وغيرهم رضي الله عنهم جميعا كان يقوم بالدعوة إلى الله بالخطابة تارة وبالموعظة تارة وبالجدال تارة وبالحوار تارة وبالنصح والتذكير تارة. ولولا أنه صلى الله عليه وسلم كان يربّيهم على أساليب البيان بالتقويم وبالقدوة والتوجيه ما بلغوا رتبة السفارة ولا تصدوا للدعوة ولا تصدروا الإفتاء، إذ تلك مناصب لا يصلح لها إلا المتكلم البليغ.   (1) م: فضائل الصحابة (2461) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 المبحث الثاني: خصائص التدرب على أساليب الكلام يتسم الإنسان بسمة النطق والبيان، فهو يعبر بلسانه عما يستجيش في صدره ونفسه، ويحيل المشاعر والأحاسيس المتدفقة في قلبه إلى ألفاظ مفهومة وجمل مسموعة لها دلالاتها اللغوية ومعانيها التعبيرية المتنوعة، فالنطق والبيان من منن الرحمن على بني الإنسان، قال جل وعزّ: {الرَّحْمَانُ * عَلمَ القُرْآنَ * خَلقَ الإِنسَانَ * عَلمَهُ البَيَانَ} (1) أولى خصائص التدرب على أساليب البيان: أنه واجب شرعي يجب على من تقوم فيه وبه الكفاية كالدعاة والمعلمين والوعّاظ والخطباء ونحوهم ممن يتصدون للدعوة ويتصدرونها. وعليه فالتدريب البياني ليس من فضول العلوم، ولقد نوّه الإسلام - وهو دين رسالة ودعوة عالمية - بقيمة العلوم اللسانية على اختلاف أنواعها وتعدد أنماطها من خطابة وجدل وحوار وبيان ووعظ وتذكير ونصح وإقراء وإعلام.. ووجّه إلى توظيف هذه العلوم للخير والرشد والبناء بإخلاص النية فيها لله تعالى، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم إمام الدعاة وقدوة المربين والمرشدين، وسيد البلغاء والفصحاء. وعلى هذا فإن نشأة العلوم التعبيرية إنما تنبع من صميم الدعوة الإسلامية، إذ بالتعبير والبيان يتحقق التبليغ وتقوم الحجة وتتضح المحجة. ولا صحة لما يذهب إليه بعض الباحثين أن العلوم الكلامية التعبيرية وليدة   (1) سورة الرحمن: 1-4 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الفلسفة الإغريقية واليونانية القديمة، حيث ترعرعت العلوم اللسانية وازدهرت إبان ظهور تلك الفلسفات ثم تبلورت قواعدها وتشكلت أسسها في غضون انبثاق الحضارة اليونانية حتى غدت علوما محددة المعالم واضحة القسمات. وهذا اتجاه نراه كثيرا في كتابات المؤرخين المعاصرين خاصة الذين يرون أن الخطابة والجدل وفنون التعبير والبيان الأخرى هي علوم فلسفية وأنها علوم عقلية راقية. فهذا رأي ليس يخلو من نظر، لأن ازدهار هذا اللون من صور التعبير كالخطابة والجدل في العصر اليوناني لا يعني بالضرورة أنها يونانية المنشأ أو فلسفية النّزعة. والذي تسكن إليه النفس أن هذه العلوم البيانية قديمة قدم البشرية، عرفتها البشرية قبل الحضارة اليونانية بآلاف السنين، فمنذ أن خلق الله تعالى أبا البشر آدم عليه السلام علمه الأسماء كلها، قال تعالى: {وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلى المَلائِكَةِ فَقَال أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} (1) وخاطبه تبارك وتعالى وحاوره وأمره ونهاه كما في قوله تعالى {وَقُلنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالمِينَ} (2) وألهمه الله تعالى كلمات ليعرف الإنابة إلى الله والتوبة من الذنوب قال تعالى: {فَتَلقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلمَاتٍ فَتَابَ عَليْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (3) وكان لآدم   (1) سورة البقرة: 31 (2) سورة البقرة: 35 (3) سورة البقرة: 37 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وزوجه حواء عليهما السلام تعبير خاشع منيب وهو لون من علم البيان كما في قوله تعالى {قَالا رَبَّنَا ظَلمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لنَا وَتَرْحَمْنَا لنَكُونَنَّ مِنْ الخَاسِرِينَ} (1) ثم تتابعت هذه الأنماط التعبيرية الراقية في كلام آدم على قول من قال بأنه كان نبيا مرسلا وأن رسالته كانت إلى أولاده يأمرهم بأمر الله وينهاهم عن محارم الله، ويعظهم ويبصرهم. وتتابعت من بعد آدم تلك الصور البيانية في رسالات الرسل الذين بعثهم الله من بعده على تباين عصورهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم كنوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا الصلاة والتسليم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلنَا منْ رَسُول إلاّ بلسَان قَوْمه ليُبَين لهُمْ فَيُضِل اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ} (2) فقوله {إِلا بِلسَان قوْمه} أي بلغتهم ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير كما يقول الإمام القرطبي (3) وتأمل كيف تدافعت في دعوة نوح عليه الصلاة والتسليم لقومه كل أشكال التعبير كالجدال والحوار والترغيب والترهيب وإقامة الحجة والبرهان، قال تعالى: {وَلقَدْ أَرْسَلنَا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ*أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَليْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَليمٍ * فَقَال المَلأُ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لكُمْ عَليْنَا مِنْ فَضْل بَل نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ *قَال يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ   (1) سورة الأعراف: 23 (2) سورة إبراهيم: 4 (3) الجامع لأحكام القرآن 5/340 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 كُنتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَليْكُمْ أَنُلزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لهَا كَارِهُونَ * وَيَاقَوْمِ لا أَسْأَلكُمْ عَليْهِ مَالا إِنْ أَجْرِي إِلا عَلى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلونَ * وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَلا أَقُول لكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلا أَعْلمُ الغَيْبَ وَلا أَقُول إِنِّي مَلكٌ وَلا أَقُول للذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لنْ يُؤْتِيَهُمْ اللهُ خَيْرًا اللهُ أَعْلمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لمِنْ الظَّالمِينَ * قَالوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ * قَال إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِليْهِ تُرْجَعُونَ} (1) فالآيات البينات جلت مواقف نوح التعبيرية المتعددة، منها الخطابة والحوار والجدال والترغيب والترهيب والنصح والتذكير، لقد أقام لهم الحجج والبراهين على ما دعاهم إليه، وعلى بطلان ماهم عليه في أسلوب علمي ولغة تتسم بالأدبيات البيانية الراقية، ومع ذلك لم يُقابل إلا بالجحود حتى {قَالوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} فالخطابة قديمة قدم الرسالات السماوية وكذلك الجدل وسائر الأشكال التعبيرية الأخرى، لأن الخطابة من خصائص الإنسانية، ولكل قوم نمط خطابي به يتفاهمون ويتخاطبون، والتاريخ يحدثنا عن مدارس في الخطابة برزت وازدهرت عند قدماء الفلاسفة في الأمم الغابرة كأفلاطون وأرسطو وغيرهم كذلك ما كان لدى فارس والروم وغيرهم من فلسفات وفنون وكان لها روادها وأساطينها   (1) سورة هود: 25 - 34 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 منهم من خلده التاريخ ومنهم من طواه الغيب.. (ب) ومن خصائص التدرب على البيان أنه من المطالب العالية والمقاصد المنيفة، وإنما تسمو المطالب بسمو النيات والغايات، والمسلمون من أرفع الأمم في البيان بمقتضى رسالة الإسلام التي يحملونها وهي رسالة بيان وبلاغ فهم خير أمة أخرجت للناس، ولحكمة يريدها الله كان العرب قد فاقوا غيرهم من الأمم في قوة البلاغة ونصاعة البيان، تدل عليه الشواهد الآتية: - الإعجاز القرآني: فالله تبارك وتعالى تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا قال تعالى: {قُل فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} (1) ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا قال تعالى: {أَمْ يَقُولونَ افْتَرَاهُ قُل فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} (2) ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة فعجزوا قال تعالى: {أَمْ يَقُولونَ افْتَرَاهُ قُل فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (3) وقال في موضع: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلنَا عَلى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لمْ تَفْعَلوا وَلنْ تَفْعَلوا فَاتَّقُوا النَّارَ التِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّتْ للكَافِرِينَ} (4)   (1) سورة القصص: 49 (2) سورة هود: 13 (3) سورة يونس: 38 (4) سورة البقرة: 23 - 24 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وإذا كانت العرب وهم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والدراية قد عجزوا فإن غيرهم من الأمم أعجز ... فيتقرر حينئذ أن محمدا لم يتقوله ولم يختلقه..) (1) - نبوغ العرب في الشعر والنثر: وهو نبوغ لا مثيل له في ذلك الزمان لدى أية أمة أخرى، ومن الدلائل على ذلك قولهم الشعر وتذوقهم إياه وتداولهم خبر المعلقات السبع المشهورة في مجالسهم ومنتدياتهم، هذا عدا ما كان العرب يفاخرون به من الأشعار في أسواقهم ونواديهم، بحيث كان بيت من الشعر ربما يتسبب في حروب طاحنة وويلات مستحكمة! ولقد كان النبي عليه الصلاة والتسليم يستمع إلى الشعر وينوه بقيمته الأدبية الراقية لا سيما شعر الحكمة كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَصْدَقُ كَلمَةٍ قَالهَا الشَّاعِرُ كَلمَةُ لبِيدٍ أَلا كُل شَيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِل وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلتِ أَنْ يُسْلمَ" (2) وفي رواية الإمام أحمد أنه صلى الله عليه وسلم كان يستنشد الشعر ويطلبه كما في حديث عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنْشَدَهُ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلتِ قَال فَأَنْشَدَهُ مِائَةَ قَافِيَةٍ فَلمْ أُنْشِدْهُ شَيْئًا إِلا قَال: "إِيهِ إِيهِ"، حَتَّى إِذَا اسْتَفْرَغْتُ مِنْ مِائَةِ قَافِيَةٍ قَال: "كَادَ أَنْ يُسْلمَ" (3) .   (1) انظر جامع البيان 1 / 128 (2) متفق عليه: خ: المناقب (3841) واللفظ له، م: الشعر (2256) (3) أحمد: الكوفيين (18645) واللفظ له، وهو عند مسلم: الشعر (2255) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: كان شعراء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك (1) وهو لم يرد الحصر فلقد كان الشعراء منهم رضي الله عنهم أكثر من هذا بكثير مما تواترت به الأخبار سواء من كان قد اشتهر بالشعر أو من كانت تجود قريحته بالأشعار في المناسبات على كثرتها. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ((فصل في شعرائه وخطبائه صلى الله عليه وسلم: كان من شعرائه الذين يذبون عن الإسلام كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكان أشدهم على الكفار حسان بن ثابت وكعب بن مالك يعيرهم بالكفر والشرك وكان خطيبه ثابت بن قيس ابن شماس رضي الله عنهم جميعا)) (2) فهذه الأحاديث والروايات - وهي غيض من فيض - في مجموعها تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يستمع إلى الشعر فيشيد بحسنه ويصوّب خطأه ويحث عليه تعلما وإنشادا بما يُدحَض به الباطل ويظهر الحق كما في حديث البَرَاءِ رَضِي الله عنه قَال: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لحَسَّانَ رضي الله عنه: " اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيل مَعَكَ" (3) ولا شك أن هذه الإشادة النبوية الكريمة بالشعر الحر النزيه والشعراء الدعاة إلى الخير، هي إشادة بالكلمة الطيبة البنّاءة، وهي كذلك دفعة قوية لباب عظيم من أبواب الأدب الإسلامي المستبصر. وأما ما ورد في ذم الشعر وأن   (1) سنن البيهقي 10 / 241 (2) زاد المعاد في هدي خير العباد – ص 128 (3) متفق عليه: خ: بدء الخلق (3213) ، م: فضائل الصحابة (2486) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 الشعراء يتبعهم الغاوون فهو منصب على الأغراض الشعرية الرديئة التي تخرج بالشعر عن معانيه الأدبية الرفيعة. فالشعر ديوان العرب منذ فجر الإسلام تتلاقى فيه آدابهم، وتسجل فيه أيامهم ويخلد تاريخهم فهو سجل حافل لتراثهم وعوائدهم ونمط حياتهم بحسب كل حقبة وجيل. - ورود الحوار والجدل في القرآن الكريم: تضمن القرآن الكريم نماذج قويمة من الجدل والحوار والمناظرة مثل ما جرى بين إبراهيم الخليل عليه السلام والطاغية الذي حاجه في ربه وزعم أنه يحيي ويميت، والحوار بين مؤمن آل فرعون وقومه، والحوار بين إبراهيم وأبيه، وبين إبراهيم وقومه لما كسر أصنامهم، والحوار بين نوح وقومه حتى قالوا {يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} وقد تقدم تفصيله، وأيضا مناظرته صلى الله عليه وسلم ومباهلته نصارى نجران (1) والجدال باعتباره من ألوان التعبير البياني أسلوب في الدعوة إذا احتيج إليه، ويكون إبانئذ محمودا لأنه به يتبين الحق ويدحض الباطل، وبغير هذا المقصد يكون مذموما، ومنه ما ورد عن السلف كرههم للجدل حتى عده الإمام الذهبي من الكبائر. أضف إلى ما تقدم كتبه صلى الله عليه وسلم والرسل إلى الآفاق وفيه دلالة على استخدام وسائل الاتصال والإعلام لإيصال الخير إلى أكبر عدد ممكن من المستمعين والمتلقين، فكل ذلك من صور البيان (ج) ومن خصائص التدرب على أساليب البيان أنه لا يتأتى إلا لذوي   (1) انظر قصة المباهلة في الصحيحين: خ: المغازي (4380) ، م: فضائل الصحابة (2420) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الموهبة اللسانية والمقدرة البيانية، فالفصاحة والبلاغة مواهب وملكات، والتدريب يصقل هذه المواهب والمهارت ولا يوجدها، وأفصح الناس قاطبة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ففي حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ يَقُول: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي" قَال أَبُو عَبْد اللهِ: ((وَبَلغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الكَلمِ أَنَّ اللهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ الكَثِيرَةَ التِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الكُتُبِ قَبْلهُ فِي الأَمْرِ الوَاحِدِ وَالأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلكَ)) (1)   (1) متفق عليه: خ: التعبير (7013) واللفظ له، م: المساجد (523) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الفصل الثاني: التدريب على الخطابة المبحث الأول: مفهوم الخطابة وخصائص الأسلوب الخطابي ما هي الخطابة: الخطابة في اللغة: قال في اللسان: (الخِطابُ والمُخاطَبة: مُراجَعَة الكَلامِ، وقد خاطَبَه بالكلامِ مُخاطَبَةً وخِطاباً، وهُما يَتخاطَبانِ، قال الليث: والخُطْبةَ مَصْدَرُ الخَطِيبِ، وخَطَبَ الخاطِبُ على المِنْبَرِ، واخْتَطَبَ يَخْطُبُ خَطَابَةً، واسمُ الكلامِ: الخُطْبَة؛ قال أَبو منصور: والذي قال الليث، إِنَّ الخُطْبَة مَصْدَرُ الخَطِيبِ، لا يَجوزُ إِلاَّ على وَجْهٍ واحدٍ، وهو أَنَّ الخُطْبَةَ اسمٌ للكلام، الذي يَتَكَلمُ به الخَطِيب، فيُوضَعُ ... قال الجوهري: خَطَبْتُ على المِنْبَرِ خُطْبَةً، بالضم، أَن يكونَ وَضَعَ الاسْمَ مَوْضِعَ المصْدَرِ، وذهب أَبو إِسْحق إِلى أَنَّ الخُطْبَةَ عندَ العَرَب: الكلامُ المَنْثُورُ المُسَجَّع، ونحوهُ. ورَجُل خَطِيبٌ: حَسَن الخُطْبَة، وجَمْع الخَطِيب خُطباءُ. وخَطُبَ، بالضم، خَطابَةً، بالفَتْح: صار خَطِيباً … ) (1) وخلاصة ما تقدم أن الخطابة: (كلام منثور بليغ) وهو كلام يضارع في أصالته وقوة تأثيره الشعر، وللخطابة أغراض وأنماط كثيرة تتنوع أساليبها تبعا لذلك. والخطابة اصطلاحا: عند أرسطو: (هي القدرة على النظر في كل ما يوصل إلى الإقناع في أي   (1) لسان العرب 1 / 361 مادة (خ ط ب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 مسألة من المسائل) (1) وعند ابن رشد: (الخطابة هي: قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحد من الأشياء المفردة) (2) ومن التعريفات الموضوعية ما تداوله كثير من الباحثين المعاصرين وهو قولهم: (الخطابة: فن مشافهة الجمهور للتأثير عليهم واستمالتهم) (3) وبتأمل مفردات التعريفات السابقة يتبين أنها تتضمن العناصر الثلاثة الرئيسة وهي: المرسل والمستقبل والرسالة، أي الخطيب والجمهور والخطبة. وعليه فالخطابة علم له قواعد وأصول وأساليب وضوابط، لا بد من تعلمها ثم التمرس عليها والتعود، يؤازر ذلك المقدرة النفسية والموهبة الإلهية. والخطيب البارع المفوه هو الذي يجمع الله له بين العلم والموهبة، وقد أطنب الأدباء في إبراز جانب الموهبة والملكة في الخطيب وعدّوه من أسس التمكن الخطابي، وذكروا العناصر الخطابية التي ينبغي للخطيب الوقوف عليها والتدريب عليها مثل قولهم: رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخيّر الألفاظ (4) . كما ذكروا عيوب الخطباء مثل قولهم: ((تلخيص المعاني رفق، والاستعانة بالغريب عُجز، والتشادق من غير أهل البادية بُغض، والنظر في عيون الناس عيّ، ومسّ اللحية هُلك، والخروج مما بني عليه أول الكلام إسهاب)) (5) .   (1) أصول الإعلام الإسلامي - ص 267 (2) تلخيص الخطابة لابن رشد ص 24 (3) الدعوة إلى الله: د. عبد الله شحاتة ص 19، وقواعد الخطابة: د. أحمد غلوش: ص 8 ط: 1979م (4) البيان والتبيين 1 / 44 (5) المرجع السابق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وعلى هذا فالخطابة من حيث هي مادة قابلة للتدريب والتطوير ترتكز على أمرين أساسين: (العلم، والموهبة) . وسبيل الخطابة (المشافهة) بين الخطيب والمستمعين من غير واسطة فالأصل فيها الارتجال مع سبق الإعداد على ما درج عليه العرب منذ الجاهلية إذ كانوا- وهم أميون- يخطبون عفو الخاطر وعلى السليقة والفطرة فالمستمعون يسمعون الخطيب ويرونه في آنه ولحظته، ولذلك من التفاعل بين المتكلم والمستمع وله من التأثير ما يجعل الخطابة أهم وسائل الدعوة والتبليغ المباشِرة. وثمة (جمهور) مختلفون في الثقافة ومتباينون في المشارب والمسالك: فيهم الصغير والكبير والعالم والجاهل والصديق والعدو والموافق والمخالف فالخطيب البارع هو الذي يتمكن من مخاطبة كل هؤلاء بما يناسبهم من فنون البيان وطرائق الخطاب. والخطابة تتوخى (الاستمالة) فالإقناع من أجلى خصائص الخطابة، وهذا يستلزم أن يكون الخطيب على علم بأساليب الاستمالة وكيفية توجيه عواطف الناس وعقولهم ومشاعرهم نحو المراد. خصائص الأسلوب الخطابي: باستقراء نماذج كثيرة من الخطب الأصيلة وبقراءة ما ذكره الباحثون في خصائص الأسلوب الخطابي يمكن تلخيص تلك الخصائص في الآتي: 1- القوة البيانية. 2- الإقناع والاستمالة. 3- التأثير النفسي. ودونك إيضاح لكل خاصية بما يناسب المقام: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 1- أما القوة البيانية: فلأن الخطيب يعبر عما تستجيشه نفسه بأبلغ عبارة وأوفاها بعيدا عن التكلف والتنطع فهو ينطق عفو الخاطر، يمازج في أسلوبه الخطابي بين الخبر والإنشاء، ويحور أسلوبه وفق ما يراه من إقبال السامعين أو فتورهم، ويزين منطقه بالفصاحة والجزالة، قال البلاغيون: ((البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة، وإلى ترتيب ورياضة، وإلى تمام الآلة وإحكام الصنعة، وإلى سهولة المخرج وقوة المنطق، وتكميل الحروف وإقامة الوزن، وأن حاجة المنطق إلى الحلاوة والطلاوة كحاجته إلى الجزالة والفخامة، وأن ذلك أكثر ما تستمال به القلوب وتنثني به الأعناق وتزين به المعاني)) (1) . وفي كل أمة خصائص بيانية وملكات بلاغية بحسب لغاتها وثقافتها وعوائدها وإن كانت اللغة العربية أقدر اللغات قاطبة في قوة البيان إذ تمتلك ما تفتقده اللغات الأخرى من خصائص التعبير وقوة الحجة، لذا نزل القرآن العظيم باللغة العربية، وفي التنْزيل الحكيم: {وَإنَّهُ لتَنْزِيل رَبّ العَالمِينَ * نَزَل به الرُّوحُ الأَمينُ * عَلى قَلبكَ لتَكُونَ مِنْ المُنذرينَ * بلسَان عَرَبِي مبِينٍ} (2) فالإبانة وقوة العارضة وتمام الإفصاح من خصائص اللسان العربي لا يضارعه في ذلك لسان آخر البتة. 2- الإقناع والاستمالة: يحقق الخطيب الإقناع في خطابه بالحجة العقلية طورا، وبالتأثير العاطفي طورا آخر، وبهما معا طورا ثالثا، وبالمؤثرات الصوتية والإشارية والنفسية أيضا، قال ابن رشد: ((لا توجد قوة الإقناع إلا في الخطابة والجدل)) وقال: ((وليس   (1) البيان والتبيين 1 / 14 (2) سورة الشعراء: 192 – 195 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 عمل هذه الصناعة- يعني الخطابة- أن تقنع ولابد.. وقد يقنع من ليس بخطيب، وان كان الأصل في الخطيب الإقناع كالبرء في الطبيب)) (1) . وهذا يقتضي أن يكون الخطيب عارفا بمجاري الكلام وأساليب الإقناع والتأثير. ولهذا الاعتبار وهو قدرة الخطيب على الإقناع والتأثير والاستمالة اطلق على البيان القوي سحرا كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " إن من البيان لسحرا " (2) ولعل من أهم ما يعين الخطيب على تحقيق الاقناع معرفته الدقيقة الشاملة بالأساليب الخطابية وسعة اطلاعه بعوامل التأثير في النفوس البشرية ومكامن الشعور فيها، ومواضع استحثاثها، وكثيرا ما قاد الساسة المفوهون الجماهير لا بنفوذ سلطانهم بل بالكلمة القوية البليغة المؤثرة التي ينقاد لها الناس انقياداً ويسلمون لها الزمام وهم راضون. والأهم من هذا كله قوة الإيمان بالله واليقين بوعده ووعيده، وإن للإيمان لأثرا في تحقيق الإقناع لدى الآخرين، لما يستقر في أفئدتهم من التصديق والتسليم، ثم لما يدفعهم ذلك من الاستعداد للتضحية والبذل. وما تحقق للنبي صلى الله عليه وسلم من انقياد العرب له والإذعان لأمره والتسليم والرضا بأمر الله معه إلا لشئ استقر في قلوبهم. 3- التأثير النفسي: التأثير في الخطابة أمر أساس، وهو أمر لا جدال فيه، ولأجل ما تتسم به الخطابة من قوة التأثير وعمقه تسمى الخطابة سحراً كما تقدم.   (1) تلخيص الخطابة: ابن رشد ص 24 (2) متفق عليه: خ: النكاح (5146) ، م: الجمعة (869) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 والخطباء يتلاعبون بعواطف الناس بالتأثير الذي تحدثه الخطابة القوية البليغة حتى إن منهم من يقلب الحقائق بالمغالطة وقوة الجدل فيُري الناس الباطل حقا، والخطأ صواباً، لذا ترى الدهماء كيف يُسيّرهم الخطباء البلغاء فيسيرون وفق إراداتهم، وينقادون صوب مقاصدهم ورغباتهم، ولو كان في ذلك العطب والهُلك! وإلى تأثير الخطابة العميق يشير حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" (1) . ويعتمد التأثير الخطابي - بعد قوة العبارة وجودة الفكرة وحلاوة المنطق - على مكانة الخطيب الاجتماعية وجاهه ومنصبه، علما أو فضلا أو صلاحا أو إلفا أو لتفاعله أثناء الخطبة فيظهر صدقه في لهجته ونبرات صوته. وأيضا جرأته المحمودة وقدرته على البيان البليغ الذي هو من خصائص الرجولة، وقد جاء في التنزيل الحكيم أن العجز عن الإبانة من خصائص الأنوثة التي هي محل الستر وقلة المقارعة، قال الله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الحِليَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (2) وهي صفة مدح في الأنثى لأنها لا تساجل الرجال لكنها قدح في الرجل، فهو مثل ضربه الله لعيّ اللسان ورداءة البيان حين شبه أهله بالنساء والولدان! لذا عُدت قوة البيان من مقومات الرجولة. وعليه فإن من المؤثرات النفسية التي تؤازر الخطيب في أداء مهمته على   (1) متفق عليه: خ: الأحكام (7169) ، م: الأقضية (1713) (2) سورة الزخرف: 18 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الوجه الأتم بعد قوة شكيمته مكانته الإجتماعية ومقوماته الشخصية وفضائله ومناقبه، وقد وردت في القرآن العظيم إشارة إلى ذلك، قال تعالى في قصة نوح عليه السلام: {قَال يَاقَوْمِ ليْسَ بِي ضَلالةٌ وَلكِنِّي رَسُول مِنْ رَبِّ العَالمِينَ أُبَلغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لكُمْ وَأَعْلمُ مِنْ اللهِ مَا لا تَعْلمُونَ} (1) فهو يثبت لنفسه العلم وينفيه عنهم ليدلل على أهليته ومكانته وأن عليهم أن يأخذوا عنه ويستفيدوا منه ويهتدوا بهديه فعنده ما ليس عندهم، والطريق السوي أن المفضول يأخذ من الفاضل أسباب الفضيلة ويتعلم مسالكها … ولهذا المعنى تبعث الرسل في أشراف قومها ويكونون من أهل المدن لا من أهل البوادي لأن المدنية تضفي على أهلها معنى التحضر وهي مظنة العلوم والمعارف، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلنَا مِنْ قَبْلكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِليْهِمْ مِنْ أَهْل القُرَى أَفَلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ وَلدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ للذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلونَ} (2) قال الإمام القرطبي: قوله تعالى: {مِنْ أَهْل القُرَى} يريد المدائن ولم يبعث الله نبيا من أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على أهل البدو ولأن أهل الأمصار أعقل وأحلم وأفضل وأعلم قال الحسن لم يبعث الله نبيا من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجن. وقال قتادة: من أهل القرى أي من أهل الأمصار لأنهم أعلم وأحلم وقال العلماء من شرط الرسول أن يكون رجلا آدميا مدنيا   (1) سورة الأعراف: 61-62 (2) سورة يوسف: 109 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وإنما قالوا آدميا تحرزا من قوله يعوذون برجال من الجن والله أعلم (1) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الناس وأرفعهم مكانة ففي حديث واثلة بن الأستع مرفوعا: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم» (2) . وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " قال لوط: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} (3) قال: قد كان يأوي إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته فما بعث الله عز وجل بعده نبيا إلا بعثه في ذروة قومه"، قال أبو عمر: فما بعث الله عز وجل نبيا بعده إلا في منعة من قومه (4) فالشرف والوجاهة والمنصب كل أولئك عوامل يتحقق بها التأثير الخطابي.   (1) الجامع لأحكام القرآن 9/274 (2) م: الفضائل (2276) (3) سورة هود: 80 (4) أحمد: المكثرين (10483) وأصل الحديث في الصحيحين: خ: أحاديث الأنبياء (3372) ، م: الفضائل (151) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 المبحث الثاني: مسالك التدريب على الخطابة المسلك الأول: التدريب على إعداد الخطبة وصياغتها. المسلك الثاني: التدريب على إلقاء الخطبة. المسلك الثالث: التدريب على التقويم. وفيما يلي بعض تفصيل كل واحد من هذه المسالك: المسلك الأول: التدريب على إعداد الخطبة وصياغتها. في أهمية الإعداد للخطابة قول عمر رضي الله عنه وهو يحكي طرفا من الأحداث التي مر بها المسلمون عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتجمع المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة قال: ((وكنت قد زوّرتُ مقالة أعجبتني أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد)) (1) . وفي رواية لمالك: ((ما ترك - يعني أبو بكر - من كلمة أعجبتني في رويتي إلا قالها في بديهته)) ، والتزويق هنا هو بمعنى التحسين والتهيئة وحسن الإعداد. ولما بويع لعثمان رضي الله عنه خرج إلى الناس فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أيها الناس! إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياما، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء وسيعلمنا الله)) (2) . ويمكن التدريب على إعداد الخطبة بطريقين: الطريق الأول: الإعداد الذهني، سواء بالإطلاع على المصادر والمراجع، أو باستحضار النصوص المحفوظة ومعرفة أوجه الاستشهاد بها، أو بجمع العناصر   (1) متفق عليه: خ: الحدود (6830) ، م: الحدود (1691) (2) الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 46 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وترتيبها، أو بكل ذلك. الطريق الثاني: بالإعداد الكتابي، وذلك بتدوين المعلومات ثم تنسيقها وترتيبها ثم صياغتها وتحبيرها والتأنق فيها، وهي طريقة تلائم المبتدئين من الخطباء والوعاظ وعلى المحاضرين على اختلاف بيّن بين مناهج كل من الخطبة والمنبرية والوعظ والمحاضرة. . مراحل إعداد الخطبة: 1- مرحلة اختيار الموضوع. 2- مرحلة جمع الشواهد. وهي في مجال الخطابة الوعظية وهي الدينية وهي كذلك الشرعية: (آيات القرآن العظيم، ثم ما صح من سنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته، ثم فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين والعلماء الأثبات، والأشعار، والحكم، والأمثال، وشواهد التاريخ) 3 - مرحلة وضع العناصر وتصنيفها وترتيبها: يراعى في استخراج العناصر أصالتها وخلوها عن التكلف، كما يراعى في ترتيب العناصر التسلسل المنطقي والترابط الموضوعي. وكثير من الخطباء البارعين يأتي حديثهم عفويا مسترسلا مترابطا وتكون مراعاتهم لهذه العناصر عفويا كذلك لكثرة تفكيرهم في موضوع الخطبة وكيفية إلقائها وأسلوب معالجتها، ثم ومع الممارسة ترسخ الكثير من المعايير والمفاهيم والشواهد الخطابية في أذهانهم، ومن ثم تظهر بجلاء في لغة الخطيب وأسلوبه وشخصيته وطريقة إلقائه.. 4- مرحلة الصياغة: وهي: وضع الكلام وترتيب الحديث وإجادة سبكه، ومن الصياغة تزويق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 الكلام أي تحسينه وتقويمه وتهيئته، وقد يستغني عن الصياغة المتمرسون من الخطباء ممن يرتجلون خطبهم ارتجالا بعد طول إعداد. ثم ومع كثرة الإلقاء والإعداد يستظهر الخطيب جمعا كبيرا من النصوص ويتمرس على قدر غير قليل من فنون الكلام، وكلما ترقى في درجات الاستظهار والاستشهاد والتمرس على أساليب الخطبة كلما قلت طلبته إلى الإعداد والصوغ لاسيما إن قوّم ما ألقاه من كافة الوجوه اللغوية والخطابية والفنية والنفسية. وعليه فلا بد أن تكون لدى الخطيب ملكة التقويم والنقد الذاتي، يزن كلامه قبل التلفظ به، ثم يراجع ما قاله بروح ناقدة مستبصرة مستعينا بذوي العلم والخبرة ممن سبقوه. ولا بد للخطيب وهو في طور التدرب على إعداد الخطبة من تحقيق أجزاء الخطبة وشروط كل جزء. وأجزاء الخطبة ثلاثة: 1- المقدمة. 2- العرض. 3- الخاتمة. فمن شروط المقدمة: 1- أن تستهل بحمد الله جل وعلا والثناء عليه، ثم الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الافتتاح الإيماني هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم قدوة الخطباء والمصلحين ورسول رب العالمين، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله ... وكان يخطب قائما ... وكان يختم خطبته بالاستغفار)) (1) . 2- أن تكون متصلة بموضوع الخطبة تمهد له.   (1) زاد المعاد 1 / 186 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 3- الوضوح بتخيّر الألفاظ العذبة، مما يفهمه القاصي والداني وتجنب الكلمات الشاذة والغريبة. 4- مراعاة براعة الاستهلال وطرافة الاستفتاح، وتحقيق ذلك سبيله الإلمام بضروب البلاغة كالسجع والجناس والطباق وغيرها من أبحاث البلاغة. 5- تناسب حجم الخطبة طولا وقصرا. وإذا انتهى من المقدمة شرع فيما بعدها بقوله (أما بعد) قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْل الخِطَابِ} (1) هو قوله (أما بعد) (2) . وهو هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه وقد صنف الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة بابا فقال: باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، رواه عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وساق فيه حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد» (3) قال ابن منظور: ((فصل الخِطَاب: أَمّا بَعْدُ، وداودُ عليه السلام، أَوَّل من قال: أَمَّا بَعْدُ، وقال أَبو العباس: معنى أَمَّا بعدُ، أَمَّا بَعْدَما مَضَى من الكلامِ، فهو كذا وكذا)) (4) ومن شروط متن الخطبة: 1- الوحدة الموضوعية: بأن يراعي كون الحديث في موضوع واحد لا   (1) سورة ص: 20 (2) زاد المسير 7 / 112 (3) خ: الجمعة (926) (4) لسان العرب 1 / 360 – 361 مادة (خ ط ب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 يخرج عنه إلى غيره إلا لحاجة، لان ذلك أدعى إلى الاستيعاب. 2- الجدة: بأن يكون موضوع الخطبة جديدا جاداً، فالجديد هو الطريف غير المكرر، في أسلوب العرض، ومنهج المعالجة وتقديم الفكرة. 3- الوضوح: سواء في اختيار الموضوع أو في الأسلوب الخطابي وطريقة الإلقاء وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه» . ولفظ الترمذي: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يفهمه من جلس إليه» (1) ومن الوضوح ترتيب العناصر وترابطها: فيبدأ بالأهم فالمهم، ويراعي التسلسل المنطقي بينها على أن يفضي بعضها إلى بعض ويأخذ بعضها بحجز بعض في تناسق وإحكام. 4- المعاصرة: ونعني بها هنا اختيار الموضوع الحي النابع من حاجات الناس مما يواكب رغباتهم ويجيب عن تساؤلاتهم ويحل مشكلاتهم ويشبع تطلعاتهم. 5- مراعاة القدرات الفكرية للمخاطبين ومراعاة أحوالهم، قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: ((حدث الناس ما حدجوك بأسماعهم ولحظوك بأبصارهم فإذا رأيت منهم فترة فأمسك)) وقال: ((ما أنت بمحدث قوما حديثا لم تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)) (2) . وقال علي رضي الله عنه ((حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله)) (3) .   (1) د: الأدب (4199) ، ت: المناقب (3639) وقال هذا حديث حسن (2) م: 1/11 (المقدمة) (3) خ: العلم (127) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وفي الإطالة والقصر قال أبو وائل خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست فقال: «إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا" (1) . عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات» (2) . عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا» (3) . وأن تكون مستوعبة لما تمخضت عنه تجارب أهل الاختصاص من الخطباء وما يذكرونه من أساليب الخطابة كالتفنيد والإثبات والمحاجة وطرق كل منها وكذلك خصائص الأسلوب الخطابي من الإطناب والوضوح وإثارة الشعور وحلاوة الجرس وقياس المضمر ووسائل تحقيق كل منها، وأن تكون متمشية مع معطيات علم النفس مما له صلة بالنفس المخاطبة كمعرفة عوامل التأثير والتأثر وما تنطوي عليه هذه النفس مما جبلت عليه من محبة ورغبة ونفور وسرور وحزن ورجاء وغضب وحياء ونحو ذلك بمعرفة أسباب هذه السمات البشرية ودوافعها ومكامن إنمائها أو كفها. هذا، والخطابة كما علمت موهبة وعلم، فمن آزرته الموهبة فإنه لا يصقل   (1) م: الجمعة (869) (2) د: الصلاة (933) ، وانظر المستدرك على الصحيحين 1 / 426 (1067) قال السيوطي في الجامع الصغير 1/251 قال الحاكم صحيح. (3) م: الجمعة (866) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 إلا بالممارسة فتدبر هذا فهو المحك من الجهة العملية ومن الله وحده الفضل والتوفيق لا إله غيره ولا معين سواه. 7- ترتيب العناصر وترابطها: فيبدأ بالأهم فالمهم، ويراعي التسلسل المنطقي بينها على أن يفضي بعضها إلى بعض ويأخذ بعضها بحجز بعض في تناسق وإحكام، وهذا يكون في دور الإعداد والتحضير، وينبغي أن يراعي الخطيب زمن الخطبة فلا يطيل إطالة مملة ولا يختصر اختصارا مخلا! وكانت عامة خطب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من المختصر المفيد، ففي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا» (1) والقصد في كل شئ: الاقتصاد فيه وترك الغلو، والمراد أنه لم يكن يطيل لئلا يمل الناس الجزء الثالث - الخاتمة: من ضوابطها:   1- أن يختم بالاستغفار فهو هدى النبي صلى الله عليه وسلم. 2- أن يبرز من خلال الخاتمة أهم جوانب الموضوع في تلخيص موجز بارع، دون تكرار اللفظ 3- أن يراعى فيها القصر دائما سواء طالت الخطبة أم قصرت. 4- أن تكون الخاتمة قوية في سبكها ومعانيها، تهز المشاعر وتبعث على الاتعاظ. هذه خطوات الإعداد، ولا بد من مراعاتها كي يكون الخطيب المتدرب المبتدئ ملما بقواعد الخطابة من الناحية النظرية، حتى إذا أقدم على الناحية (1) م: الجمعة (866) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 التطبيقية أقدم عن علم وبصر فتكلم بالأسلوب الأمثل وعرف كيف يقول وماذا يقول ومتى يقول، وفي المقابل متى يسكت وكيف يسكت ولماذا؟ ولنر الآن الجانب التطبيقي الميداني في حياة الخطيب: المسلك الثاني: التدريب على إلقاء الخطبة كيف تلقى الخطبة؟ تقدم أن الخطبة (علم وموهبة) وعلى هذا فإن تدريب الدعاة على إلقاء الخطبة يعتمد على ما يرتئيهالأستاذ المدرب بحسب نظرته للمتدرب وميوله ومواهبه وقدراته التعبيرية وتوجهاته الخطابية، ويهدف التدريب على إلقاء الخطبة بصفة أساسية إلى (إيقاظ) الصفات الخطابية الخاملة في المتدرب، أو (تنميتها وتطويرها) لتصبح نمطا خطابيا يعرف بها. وصفات الخطيب نوعان: فطرية وكسبية، فالفطرية ما يجبل عليها المرء وتعبر عن الموهبة أو الملكة، والكسبية سبيلها التعلم والتثقف والممارسة والتدريب، وعمدتنا في كل هذه الاستضاءة بما ورد في نصوص الشرع، ثم لا نغفل الاستئناس بما أحرزته تجارب ذوى الاختصاص والمراس في مجال الخطابة. ولكل خطيب طريقته في إلقاء خطبته، مما هو جزء من شخصيته ومكنون فكره وتوجهه، وتتضافر وتتلاقى أمور عدة لتحقق جودة الإلقاء: كقوة الصوت، والقدرة على تكييفه أثناء الخطاب بحسب ما تقتضيه مسالك الكلام، وكاستخدام الإشارة المرئية، والإيماءات الإشارية التي يلحظها المستمع الحصيف فيدرك مغزاها ويتفاعل مع الخطيب فيما يقول ويقصد، ومثل جملة الخصائص الشخصية للخطيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 ويتدرب الخطيب وفق المعايير الآتية: أولا: المعايير التوافقية (الصفات الفطرية) : وهي المعايير التي من خلالها يعرف الخطيب الموهوب، ولا يكون سبيلها الكسب والتحصيل بل الصقل والتهذيب. وكثير من الخطباء المصاقع لا تكتشف موهبتهم في الخطابة إلا بعد طول الممارسة والإلقاء لذا يلاحظ بجلاء التحسن النوعي في أداء الخطيب كلما طالت ممارسته للخطابة وتم تقويمه على الأسس العلمية التجريبية السليمة. وتتلخص أهم المعايير التوافقية في الآتي: 1- جهارة الصوت: بحيث يكون قوياً مسموعا مستساغا، تتقبله الآذان وتقبل عليه النفوس، ولا بد من مراعاة هذين الأمرين أعني قوة الصوت وعذوبته. فإذا بدأ خطبته فالأوفق أن يبدأ بصوت يناسب المقام ثم يرفعه رويدا رويداً كلما أوغل في الخطبة كما في حديث جابر رضي الله عنه قال: «كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة: يحمد الله ثم يثني عليه ثم يقول إثر ذلك وقد علا صوته "بعثت أنا والساعة كهاتين ... " (1) والخطيب البارع يكيّف صوته حسب الظروف التي تحيط به وعدد المستمعين وسعة المكان ومكانة الموضوع وخطورته، فيرفع صوته تارة ويخفضه تارة بحسب ذلك ويراعي الوقفات والسكتات كما يراعي نبرة الصوت ارتفاعا وانخفاضا، والأسلوب الخطابي تنويعا وتجديداً، فنبرة الاستفهام غير نبرة التعجب، ونبرة التأكيد غير نبرة الاستعطاف، ونبرة الإعلام والتعليم ليست كنبرة التوبيخ.. وهكذا..   (1) م: الجمعة (867) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 ولا يخفى ما قرره الشرع من وجوب الإصغاء لخطيب يوم الجمعة، حتى لقد بوّب له أئمة الحديث كما صنع البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة فقال باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب وساق فيه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" (1) فإذا كان الشرع قد أوجب الإنصات للخطيب فحري بالخطيب إزاء هذا أن يلقي خطبته بتؤدة ورفع صوت بحيث يسمع القاصي والداني ويتخير من الألفاظ ما يناسب أفهام السامعين، وهذه أمور يقدرها الخطيب، وترجع إلى نباهته وكياسته وإحساسه بالمسئولية وبأمانة الكلمة وثقلها، وحسن تأتيه في الأمور، وبقدر توفيقه في ذلك يكون مؤثرا ينصت إليه الناس ويصغون لقوله. ويتفاعلون لحديثه. ولعلماء الصوتيات معايير دقيقة يميزون بها الصوت القوي الندي من غيره، ويقسمون الأصوات إلى أنواع شتى كالصوت المبحوح، والصوت الشجي، والصوت المتهدل، والصوت الهادر ... الخ وفي التنويه بجمال الصوت ونداوته قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري صلى الله عليه وسلم لما سمعه يتلو كتاب الله تعالى: "يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود" (2) 2- اللسن والفصاحة: الفصاحة والإبانة والبلاغة ألفاظ متقاربة، والخطيب الفصيح هو القادر على التعبير القوي البليغ من غير تكلف، والمتدرب من الخطباء ينبغي أن تكون   (1) متفق عليه: خ: الجمعة (934) ، م: الجمعة (851) (2) متفق عليه: خ: فضائل القرآن (5048) ، م: صلاة المسافرين (793) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 لديه أو لدى مدربه معايير دقيقة في اختبار الفصاحة والبلاغة وحلاوة المنطق. ولا تتأتىّ الفصاحة إلا بأمرين: أحدهما عذوبة الحديث وسلامة المنطق وذلك باختيار التعبير المناسب المؤثر الواضح البيّن بحيث يجري الكلام على لسانه جريان الماء في الجدول بغير تكلف ولا لغوب. الثاني: السلامة من عيوب النطق والكلام، كاللجلجة والفأفأة واللثغ وتعثر النطق، فمن كان حديثه شيّقا سهلا ممتعا ممتنعا صحيح المخارج عذب اللفظ حلو الجرس لا تكلف فيه ولا عسر كان لسنا فصيحا. قالوا في تعريف البيان: ((هو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير كذا في الكشاف، وفي المفردات: البيان هو الكشف، وهو أعم من النطق لأن النطق مختص باللسان ويسمى ما يبين به بيانا والبيان ضربان أحدهما بالتسخير وهي الأشياء الدالة على حال من الأحوال من آثار صنعة، والثاني بالاختبار وذلك إما أن يكون نطقا أو كتابة أو إشارة)) (1) وقد ذكر اللغويون من عيوب النطق والكلام: اللجلجة والفأفأة، واللثغ، وتعثر النطق، واللجلجة من التلجلج وهو التردد: يقال تلجلج أي تردد (2) والفأفأة: حبسة في اللسان وغلبة الفاء على الكلام (3) واللثغ ثقل اللسان في الكلام، يقال فلان ألثغ وفلانة لثغاء أي به أو بها ثقل في الكلام (4) فمن كان حديثه خاليا من هذه الأدواء اللسانية كان فصيحا،   (1) التعريفات للمناوي 2 / 148 (2) مختار الصحاح 1/247 (3) لسان العرب 1/ 119 (4) انظر لسان العرب مادة (لثغ) 8/ 448 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 لذا قالوا: الفصيح من لا يعتريه ثقل في اللسان ولا تكلف في البيان، وقالوا: البلاغة أن لا يبطئ ولا يخطئ! ومن الحروف التي تدخلها اللثغة: القاف، والسين، واللام، والراء. فالقاف بنطقها طاءً كنطق قال: طال! والسين بنطقها ثاءً كنطق سمرة: ثمرة، واللام بنطقها ياءً كنطق لؤلؤ: يؤيؤ، والراء بنطقها ياءً أو غينا أو ذاءً أو ظاءً كنطق رجل: يجل! ونطق الرواية: غواية! وكان بعض الأذكياء ممن ابتلي باللثغ في الراء يجتنب الإتيان بلفظ فيه راء ويستبدله بلفظ مرادف، كاستخدام لفظ الحنطة أو القمح بدلا من البُر. قال الجاحظ: اللثغة في الراء تكون بالغين والذال والياء، والغين أقلها قبحا وأوجدها في كبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم (1) وإمام الفصحاء وسيد البلغاء هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد جمعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم وملك زمامها فانقادت له وهو القائل صلوات الله عليه: "بعثت بجوامع الكلم" (2) وفي رواية: "أعطيت مفاتيح الكلم" (3) وجوامع الكلم مفردها: الكلمة الجامعة، وهي: الموجزة لفظا المتسعة معنى، وهذا يشمل القرآن العظيم والسنة، لأن كل منها يقع فيها المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة. وفي وصف خطابه وبلاغة بيانه قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كان كلام النبي صلى الله عليه وسلم فصلا، يفهمه كل من سمعه» (4)   (1) البيان والتبيين 1/15 (2) متفق عليه: خ: الجهاد والسير (2977) ، م: المساجد (523) (3) خ: التعبير (6998) (4) د: الأدب (4199) ، ت: المناقب (3572) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وفي رواية أخرى قالت رضي الله عنها: «إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لوعده العاد لأحصاه» (1) وفي رواية عنها: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه» (2) وقد حاول كثير من أئمة البلاغة والأدب وصف هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه وكلامه وفصاحته فلم يقدروا من ذلك إلا على جوانب من ذلك دون أخرى، كقول الإمام ابن القيم: ((كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله وأعذبهم كلاما، وأسرعهم أداءً، وأحلاهم منطقا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب، ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم بكلام مفصّل مبّين يعده العاد، ليس بهذا مسرع لا يحفظ، ولا منقطع، تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي، قالت عائشة رضي الله عنها: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام لين فصل يحفظه من جلس إليه» (3) وكان كثيرا ما يعيد الكلام ثلاثا ليعقل عنه، وكان إذا سلّم سلَّم ثلاثا، وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح كلامه ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كره الشيء عرف في وجهه، ولم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا، وكان جل ضحكه التبسم، بل كله   (1) متفق عليه: خ: المناقب (3568) ، م: الزهد (2493) (2) الشمائل: للترمذي باب كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 183 (3) م: الفضائل (2493) ، ت المناقب (3643) وقال حسن صحيح، د: العلم (3170) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 التبسم! فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه)) (1) والفصاحة بعد هذا موهبة وملكة، وقد برع في الفصاحة كثير وكانت الفصاحة فيهم وقوة البيان من مقومات شهرتهم وذيوع صيتهم وعمق تأثيرهم في الناس كالخلفاء الأربعة، وعدد لا يحصيهم إلا الله من الصحابة والتابعين، وكالأئمة الأربعة وغيرهم، قال الذهبي: ((وقال الربيع بن سليمان كان الشافعي والله لسانه أكبر من كتبه لو رأيتموه لقلتم إن هذه ليست كتبه. وعن يونس بن عبد الأعلى قال ما كان الشافعي إلا ساحرا ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله كأن ألفاظه سكر وكان قد أوتي عذوبة منطق وحسن بلاغة وفرط ذكاء وسيلان ذهن وكمال فصاحة وحضور حجة)) (2) ومن المعيب في الخطيب التشدق والتكلف وإظهار المقدرة الخطابية تصنُّعاً، إما جدالا في الباطل وهذا مما ينافي الفصاحة، تأمل قوله تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى مَا فِي قَلبِهِ وَهُوَ أَلدُّ الخِصَامِ} (3) وإما على وجه الرياء، كما في قول الله تعالى في وصف المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولوا تَسْمَعْ لقَوْلهِمْ} (4) وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاق، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا   (1) زاد المعاد 1/182 (2) سير أعلام النبلاء 10 / 48 ترجمة الإمام الشافعي (3) سورة البقرة: 204 (4) سورة المنافقون: 4 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" (1) والمتشدق هو المتطاول على الناس في الكلام وقيل الذي يتكلم من طرف شدقه تكبرا وتطاولا، وقوله (والمتفيهقون) أي: المتكبرون. ومن هذا الباب ما ورد عن السلف في ذم الكلام وذلاقة اللسان بغير حجة ولا برهان، وشتان بين العلم والبيان، وبين ما هو أشبه بكلام جهال القصاص والمغالطين، وما أحسن ما قال الإمام أحمد رحمه الله في بشر المريسي إمام الجهمية قال كان صاحب خطب لم يكن صاحب حجج بل هذا الكلام دون كلام أهل الخطب والحجج (2) ومن المعيب- أيضا - الوقوع في اللحن، وقد خافه كبار الخطباء والبلغاء والخلفاء، قال الأصمعي: قيل لعبد الملك بن مروان: أسرع إليك الشيب! فقال: وكيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين، وقيل له أسرع إليك الشيب! قال: وتنسى ارتقاء المنبر ومخافة اللحن! (3) ومن الحكمة أن يقيّم الخطيب المتدرب نفسَه وفق معايير الفصاحة السابق ذكرها، وأن يوقفه الأستاذ المدرب على عيوبه في النطق، وفي مخارج الحروف، وفي الأخطاء اللغوية والبلاغية، وفي الوقوع اللحن أو خلوه منه، وفي طريقة الأداء، كي تصقل ملكته الخطابية وتنجم مهارته البيانية. 3 - سرعة البديهة: هو وصف لازم للخطيب المصقع، لأن الخطيب إنما هو بمثابة المعلم   (1) ت: البر والصلة (2018) ، قال في مجمع الزوائد 8/21: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح (2) انظر بيان تلبيس الجهمية 1/370 (3) البداية والنهاية 9/ 68 - 69 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 الموجه، ومن مقومات ذلك سعة الإدراك وسرعة الفهم وإصابة التأويل، وقد يُقاطَع أو يعارض أثناء الخطبة أو بعدها فإذا لم يحسن الرد ولم يتقن المحاجة في حسم وإقناع، فقد مكانته وفقد مع ذلك عامل التأثير. والبديهة والبديهي: ((هو الذي لا يتوقف حصوله على نظر وكسب، سواء احتاج إلى شيء آخر من حدس أو تجربة أو غير ذلك أو لم يحتج..)) (1) فكأن سرعة البديهة موهبة تبرزُ في الإنسان دقةَ الفهم وسرعته. ومن البديهة: النباهة والذكاء والفطنة والكياسة واللباقة وكلها ألفاظ مترادفة متقاربة، وهي من معاني الإنسانية ولوازمها فالإنسان مخلوق ذكي، وهذا هو الأصل فيه، ولا يعتريه الخبل أو الحمق أو البلادة إلا لعوامل، وتزول هذه العوارض بزوال مسبباتها، وقد ذهب أماثل علماء التفسير إلى أن قوله تعالى: {هَل أَتَى عَلى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} (2) معنى قوله لم يكن شيئا مذكورا لم يكن شيئا له نباهة ولا رفعة ولا شرف إنما كان طينا لازبا وحمأ مسنونا (3) ومن لطائف ما يذكر عن نباهة العالم والمتعلم والخطيب والمخاطب ما ذكره القرطبي عن ابن العربي في تفسيره قال: ((كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية يعرف بابن عطاء! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال: ياشيخ! ياسيدنا! فإذاً يوسف هم وماتم قال: نعم! لأن العناية من   (1) التعريفات للجرجاني ص 63 (2) سورة الإنسان: 1 (3) جامع البيان للطبري 29/126 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 ثمّ. فانظر إلى حلاوة العالم والمتعلم وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله وجواب العالم في اختصاره واستيفائه!)) (1) وما من ريب أن أذكى الأذكياء هو النبي صلى الله عليه وسلم فقد جمع الله له كل خصائص الفهم والفطنة والإدراك التي تفرقت في آحاد الناس، وفوق ذلك أكرمه الله تعالى واصطفاه بمقام النبوة، وقد عد ابن حجر (46) وجها لفطنته وفهمه وقوة بصيرته صلى الله عليه وسلم وذلك في موضع قوله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الحسنة من الرجل جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة" (2) ، (3) . وفي تقويم الخطيب توضع عادة ثلاثة معايير لمعرفة سرعة البديهة لدى الخطيب وهي: سرعة الفهم مع الإصابة فيه، التفاعل التلقائي مع الجمهور، حُسن التصرف في الوقت المناسب. 4- حرارة العاطفة: ويقصد بها الانفعال المحمود، وهو تعبير لاشعوري عن قوة الخطيب الوجدانية وإيمانه بالفكرة التي يدعو إليها أو يلاحي عنها وصدق لهجته، وفي حديث جابر رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومسّاكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: "أما بعد: فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد   (1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 9/168 (2) خ: التعبير (6983) (3) انظر: الفتح 12/366 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة" (1) قال النووي رحمه الله: يستدل به على أن الخطيب يستحب له أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه، ويكون مطبقا للفعل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب، ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمراً عظيماً وتحديده خطباً جسيماً (2) وانفعال الخطيب إنما ينبغي أن يكون منبعثا من قوة إيمانه وصدق لهجته وتمام إخلاصه، وما يخرج من القلب يلج القلب، وكما قالوا في تأثير الخطيب وبلوغه إلى مكامن القلوب: إن النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة! فالخطيب الصادق المخلص يظهر صدقه في نبرات صوته وحمرة عينيه ونور وجهه، وجديته وصرامته. وتلك أمور يعرفها الحذاق المتمرسون من الخطباء والبلغاء. 5- رباطة الجأش (الاستعداد النفسي) : الخطابة في حقيقتها تعبير عن خلجات النفس وأحاسيسها ومشاعرها! والناس يتفاوتون في إبداء ذلك وإخفائه بحسب مواهبهم الخطابية ومداركهم العقلية ومشاعرهم الوجدانية، فأقواهم عارضة أكثرهم بلاغة وأقدرهم على التعبير الصادق المؤثر! لذا قال البلاغيون: أصل البلاغة الطبع. والخطيب البارع هو من يخطب في يسر وسلاسة، فلا يجد عناء ولا تكلفا ولا مشقة، وهذا لازم كي يكون الخطيب لبقا ذا سطوة، والاستعداد النفسي يرتبط بالموهبة الفكرية والملكة اللسانية وقوة المنطق وحلاوته، ويتحقق بتضافر أمرين أولهما: ترك الاستعانة وهي إما قولية كالإكثار من قوله (يعني) أو (اسمعوا) أو (أفهمتم) أو   (1) م: الجمعة (867) ، ماجة: المقدمة (45) ، أحمد: المكثرين (13815) (2) المنهاج 6 / 403 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 (أسمعتم) ونحو ذلك مما هو معيب ممجوج. وإما فعلية كالعبث باللحية وفرقعة الأصابع أو الإكثار من التنحنح بغير حاجة.. الأمر الثاني: الخلو من مظاهر الحصر والعي، وهي كثيرة منها: تصبب العرق أثناء الخطاب وبرودة الأطراف وجفاف الحلق وسرعة ضربات القلب أو الخفقان وبحة الصوت.والحصر كما يقول علماء النفس أمر طبيعي في الأغلب فلا يجفلن منه الخطيب المبتدئ، إذ يعرض لجل الناس ولا يمكث إلا ثوان ثم يزول مع مواصلة الخطابة، وإنما يصاب به من الناس من يميلون بالطبع إلى الانعزال والانطواء والتقوقع حول ذواتهم. وعلاج الحصر والعيّ يكمن في ثلاثة أمور: أولها: أن يتسم الخطيب بروح المشاركة والمداعبة، ويحاول جاهدا مغالبة طبعه الانطوائي، وكثير من الطباع تتغير وتتحور بمغالبة النفس المستمرة وبقوة الإرادة والعزيمة، فلا يترك مجالا اجتماعيا إلا ويضرب فيه بسهم حتى يزول الحاجز النفسي الوهمي بينه وبين الناس، فإن النفس تجنح إلى الإلف والعادة فإذا تعودت الحديث والمرح اعتادته، وإذا عودت الصمت الدائم والصرامة في كل الأحوال اعتادتها أيضا. الثاني: الممارسة والتدرب والمران، فإن المرء لا يولد خطيبا وإنما تولد معه موهبة الخطابة وعليه استحثاثها وصقلها وتنميتها بكثرة الممارسة والتدرب والتجربة، ومع التدرب لابد من التقويم، وقد يتعثر الخطيب في بداية حياته الخطابية وتكون له كبوة وكبوة، ثم ومع الأيام يتمرس ويتعود ويشتد عوده وتقوى عارضته وينصع بيانه ويجل كلامه، فيصبح مع الأيام خطيبا مصقعا مفوها لا يشق له غبار، ولا يكتشف له عوار! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 الثالث: وهو من أنجح العلاج وأنجعه، إنها مداومة ذكر الله جل وعلا واستغفاره سبحانه، قال عز وجل: {الذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلوبُ} (1) هذا ملخص المعايير التوفيقية الأساسية التي تستكشف بها الموهبة والملكة والبديهة. ولا بد أن تؤازرها المعايير التحويلية التي يتحول إليها الشخص ويتحور بها فكره ونظره، وسبيلها التعلم والتطبع. وفيما يأتي بعض نصائح لكل خطيب ومحاور ومجادل ومتحدث ومحاضر.. على اختلاف أنواع الأنماط البيانية، وهذه النصائح من شأنها تحقيق الثقة بالذات تتلخص في الآتي: 1- وجه بصرك مباشرة نحو الأشخاص الذين تتحدث إليهم، وخفف من لهجة حديثك إذا شعرت بتوتر حتى تبدو هادئا. 2- تنفس باطمئنان، فالتنفس السليم يلعب دورا هاماً في الاحتفاظ بالطمأنينة ويمكنك لبضع لحظات أخذ نفس عبر أنفك على نحو بطئ تشعر معها بانتفاخ بطنك تدريجيا، ثم أطلق زفرة ببطء بحيث تشعر معه هبوط بطنك على نحو تدريجي يمكنك القيام بهذا التمرين لدقيقتين يوميا يمكنك معه التحكم في تنفسك تحت أي ظرف. 3- احتفظ بوضع جلوس سليم، بحيث يكون الجلوس بصورة فيها استقامة الظهر من غير انحناء ولا استرخاء، وأما الجلوس بوضع سيئ فإنه يشكل علامة من علامات تدني احترام الذات فضلا عما يسببه من تعب وآلام الظهر.   (1) سورة الرعد: 28 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 4- لا تقدم على مقارنة ذاتك بالآخرين، لأن كل شخص يتميز بمهارات ومواهب مختلفة عن تلك التي يتسم بها الآخرون، فإذا كرس المرء اهتماما بالغا بما يفعله أو ينجزه الآخرون فإنه سوف يفقد الإحساس بذاته. 5- لا ينبغي أن تشعر بالإحباط لمجرد الوقوع في خطأ أو الإخفاق في إنجاز مهمة، فهناك أشياء عظيمة يمكن تحقيقها مستقبلا، وتجنب دوما الإفراط في نقد الذات ومحاسبتها كي لا يكون الإفراط في نقد الذات عاملا للانتكاس، واحرص على الاستفادة من الدروس التي تعلمتها من أخطائك ومن ثم تطلع إلى المستقبل بروح إيجابية. 6- هيئ نفسك لتحقيق النجاح بالإعداد الجيد لما تصبو إليه من درس أو محاضرة أو خطبة وبالإطلاع الواسع في موضوعه، وبإحسان الهيئة والمظهر لأن ذلك سيشعر الآخرين بأنك جدير بما تطمح إليه. 7- لا تبالغ في الاهتمام بآراء الآخرين، وتذكر دوما أنه ليس هناك شخص كامل، فلكل هفواته وزلاته، والمهم الأخذ بالصحيح والإشادة به وفي المقابل نبذ ما ليس كذلك. المعايير التحويلية (صفات الخطيب الكسبية) : لا جرم أن الخطابة أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل، وهي الأسلوب المباشر الذي يخاطب العقول والضمائر ويحرك الوجدان والمشاعر، وتتلقاه الأسماع والأبصار، في آن واحد معا، فالخطابة على هذا من أمثل أساليب الدعوة إلى الله. ومن أهم المعايير التحويلية التي هي مقياس لمعرفة براعة الخطيب ومدى قدرته على التأثير بالكلمة: 1- الإخلاص: فهو بيت القصيد، ولقد فاز المخلصون بسعادة الأبد في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 الدار الآخرة كما حازوا القبول في الدنيا فمن خطب الناس ولم يكن همه السمعة ولا الرياء ولا أن يقال فلان خطيب مصقع وخطيب مفوه. ثم لم يكن ليبتغي عرضا زائلا ولا حطاما فانيا، كان إن شاء الله من أهل الإخلاص، وما أجل البغية التي يسعى إليها المخلصون من الخطباء والوعاظ والمصلحين! إنها ابتغاء وجه الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (1) ولقد كان السلف شديدي الحرص على تحقيق الإخلاص قبل الخطبة أو الموعظة وأثناءها وبعدها بمحاسبة النفس والإزراء عليها وتفقدها. والإخلاص أمر غيبي لأنه من أعمال القلوب ولا يعرف ما في القلوب إلا الله جل وعز، ومن ثم فإن هذا المعيار معيار افتراضي، ولا مندوحة من ذكره في سلسلة المعايير التي يتم بها تقويم الخطيب، وما من ريب في أن الإخلاص تظهر أماراته في أقوال الخطيب وتصرفاته ومواقفه ولا يخفى ذلك إذ يظهر في ثنايا كلامه. 2- العلم: وهو المعبر عنه بسعة الاطلاع، وسعة علم الخطيب وكثرة اطلاعه ومعرفته بدقائق موضوع خطبته هي الذخيرة والمادة التي يصوغها ويعرضها وتظهر في ذلك براعته، وقد يبتدئ بالخطابة من ليس يتصف بعلو الكعب في الإطلاع على المعارف قديمها وحديثها ومن ليس من أهل الحذق في هذا المضمار.. وقد يكون خطؤه أكثر من صوابه، وقد يكون العكس، لكنه لا يضطلع بمهام   (1) متفق عليه: خ بدء الخلق (1) ، م: الإمارة (1907) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الخطابة على الوجه المنشود إلا من اتسعت دائرة معارفه. والعلم علمان شرعي ومدني، فالعلم الشرعي يعتمد على الكتاب والسنة وفهم السلف لهما وهذا العلم هو المراد إذا أطلق، والعلم الشرعي مادة الخطيب العلمية وعماده بعد الله تعالى، وينبغي أن يتضلع منه ويتمكن قبل أن يعتلي المنبر! فإن الخطيب بمنْزلة المعلم والمرشد فإذا لم يف بمسالك هذا العلم الشريف لم يتقن صنعة الخطابة الوعظية وربما كان خطأه أكثر من صوابه، ولم ينزل الشرع بدقائقه وتفاصيله إلا ليبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم للناس فيعوه حق الوعي ويستمسكوا به، قال تعالى: {وَأَنزَلنَا إِليْكَ الذِّكْرَ لتُبَيِّنَ للنَّاسِ مَا نُزِّل إِليْهِمْ وَلعَلهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1) فإذا كان الخطيب جهولا بمعطيات النص الشرعي عاجزا عن استثماره واستخراج دلالاته واستيعاب مقاصده ومراميه افسد ما يبتغي إصلاحه، وقد ورد على لسان الشرع التحذير من القول على الله بغير علم قال تعالى {قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لمْ يُنَزِّل بِهِ سُلطَانًا وَأَنْ تَقُولوا عَلى اللهِ مَا لا تَعْلمُونَ} (2) وقد ذهب جمع من علماء التفسير إلى أن المحرمات المذكورة في الآية الشريفة سيقت على وجه التدرج من الأدنى إلى الأعلى فيكون القول على الله بغير علم أعظمها جرما وأشنعها حالا.. (3) ومما يدل على أهمية العلم الشرعي في حياة الخطيب وأنه ينبغي أن يكون   (1) سورة النحل: 44 (2) سورة الأعراف: 33 (3) إعلام الموقعين 1/38 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 دقيقا في تعبيره متحريا الصواب في موضوع خطبته لا سيما ما يتعلق بالعقيدة وبخاصة التوحيد ولوازمه ومقتضياته حديث عدي بن حاتم أن رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت، قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى" (1) وأما العلم المدني فعماده التجريب والدليل العلمي، ولا بد أن يأخذ الخطيب من كل علم من العلوم المدنية والكونية بطرف! وقد تنوعت العلوم المدنية اليوم وانتشرت فعصرنا عصر الثورة العلمية كما يقول المثقفون: والعلوم التخصصية المتاحة كثيرة كالطب بفروعه المتعددة، والزراعة، والهندسة بأنواعها، والفلك، والكونيات، والعلوم الإنسانية، وغيرها كثير.. ولكل علم في كتاب الله بيان وذكر، إما على الإشارة والإجمال وإما على سبيل التفصيل والتوضيح، والخطيب البارع هو الذي يرتقي بخطبته إلى مستوى علمي يشبع في المستمعين توجهاتهم الفكرية ويثري فيهم الجانب المعرفي فلا يغفل تلك العلوم بالاقتباس منها، والاستدلال الصحيح على ما هو بصدده، ويربط ما يود الاستدلال به بالقضايا الإيمانية التي يتحدث فيها، لا سيما وقد شاعت هذه العلوم اليوم وذاعت وانتشرت. وفي تحقيق هذا المعيار لتقويم الخطيب توضع عادة نقاط إيجابية في قائمة التقويم العلمي منها: قدرة الخطيب على استيفاء أهم عناصر الخطبة، وقدرته على جمع الأدلة والاستدلال بها استدلالا صحيحا، وقدرته على الربط بين عناصر وأجزاء الخطبة، ومدى تحقيقه لعنصر الجدة والأصالة.   (1) م: الجمعة (870) ، د: الصلاة (926) ، ن: النكاح (3279) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 3- الصدق في القول والعمل والقصد: وحسبنا دلالة على فضل الصدق وأهميته ورفعته أنه حلية أهل الإيمان والتقى، وأن ضده الكذب سمت أهل النفاق والشقاق! إن للصدق لتأثير عجيبا في سلوك الإنسان وسمته وهدية ودله! وإنك لتكاد تعرف الخطيب أو الواعظ الصادق من غيره، وقد قال قديما أحد أبناء الوعاظ يا أبت إن فلانا من الوعاظ اعلم منك لكنه لا يصل إلى القلوب كما تصل؟ فقال يا بني ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة! وصدق العمل هو بيت القصيد فالكلام كثير والمواعظ أكثر والناس في عصرنا لا يحتاجون إلى الخطب الرنانة والمواعظ الطنانة بقدر ما يحتاجونه من العمل الصادق والقدوة الحسنة والامتثال الحي وفي التنزيل الحكيم: {يَاأَيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا لمَ تَقُولونَ مَا لا تَفْعَلونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولوا مَا لا تَفْعَلونَ} (1) ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" (2) وفيما تقدم الوعيد الشديد لمن خالف قوله فعله، وتناقضت علانيته وسره، والخطباء والوعاظ والمربون هم أولى الناس بالصدق في الالتزام بما يقولون ويعظون ويدرسون.   (1) سورة الصف: 1 - 3 (2) متفق عليه: خ: بدء الخلق (3267) ، م: الزهد (2989) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ولصدق الخطيب الواعظ معنى آخر وهو أن يكون ذا سمت ووقار بأن يكون مشتغلا بمعالي الأمور مترفعا عن سفاسفها، خيره مبذول وشره مكفوف أصدق الناس لهجة وأمضاهم عزيمة وأقربهم إلى البر والرشد لا يلهو مع اللاهين ولا يغفل مع الغافلين، وقد جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا قلت: صف لي منطق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلم كلامه فصل لا فضول ولا تقصير ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وإن دقت لا يذم منها شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها فإذا تعدي الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم يفتر عن مثل حب الغمام» (1) . ومما يذكر في هذا الصدد من سير الخلفاء رضي الله عنهم ما رواه سالم عن أبيه قال كان عمر بن الخطاب إذا نهى الناس عن شيء دخل إلى أهله أو قال جمع فقال إني نهيت عن كذا وكذا والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني فمن شاء فليتقدم   (1) الشمائل المحمدية: الترمذي باب كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 184 - 185 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 ومن شاء فليتأخر (1) وفي تقويم الخطيب وفق هذا المعيار تلاحظ عدة أمور منها: المظهر الإسلامي العام، التفاعل مع موضوع الخطبة، شخصية الخطيب ووقاره وسمته، مدى تأثر المخاطبين وتفاعلهم معه أثناء الخطبة، مدى التزامه بما يقول. 4- معرفة نفسية المخاطبين وطباعهم وأخلاقهم: إن معرفة المخاطبين من الأمور الأساسية للخطيب، فقد يكون الخطيب عالما متبحرا لكنه لا يعي كيف يوصل هذا الخير الذي يحمله بين جوانحه إلى الناس وما هي طرائق التبليغ المرتبطة بمعرفة أحوال المستمعين! ومن فقه الدعوة إيقاع الخطاب على حسب حال المخاطب، وهذا ما نوه به كثير من حكماء الدعاة كقول علي رضي الله عنه: ((حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله)) (2) وقول ابن مسعود رضي الله عنه: ((ما أنت محدث أحدا بكلام لا يعرفه إلا كان لبعضهم فتنة)) (3) وقول ابن عباس رضي الله عنهما: ((قوله تعالى: {وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} (4) أي حكماء فقهاء، والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره)) (5) وقد ورد في نصوص الشرع الحض على معرفة ذلك، فالناس مختلفون في   (1) الجامع لمعمر بن راشد 11/343 (20713) (2) خ: العلم (127) (3) م: 1 / 11 (المقدمة) (4) سورة آل عمران: 79 (5) خ: العلم 1 / 160 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 طباعهم وميولهم ورغباتهم، ولكل فئة من فئات المجتمع خصائص يعرفون بها باعتبار الأعمار كفئة الشباب وفئة الشيوخ وفئة النساء والأطفال، أو باعتبار المهن والمكانة الاجتماعية كالوجهاء والعلماء والعامة. 3- استعمال الإشارة: ورد في القرآن الكريم أن الإشارة تؤدي من الغرض البياني ما يؤديه اللسان في بعض الأحيان كما في قصة مريم عليها السلام قال تعالى: {فَأَشَارَتْ إِليْهِ قَالوا كَيْفَ نُكَلمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا} (1) والإشارة لغة منظورة هي كما تكون باليدين والأنامل تكون كذلك بالعينين والحواجب والرأس، ولكل أمة فهم معين للغة والإشارة، والإشارة قد تؤدي من المعاني ما لا يؤديه اللسان، ولهذا قالوا: رب إشارة أبلغ من عبارة! ومن أدلة مشروعيتها: - حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} (2) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنْزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال جمعه لك في صدرك وتقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قال: فاستمع له   (1) سورة مريم: 29 (2) سورة القيامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وأنصت {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثم إن علينا أن تقرأه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه» (1) . - وما أخرجه البخاري في كتاب العلم، قال باب من أجاب الفتا بإشارة اليد والرأس، ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في حجته فقال - يعني السائل - ذبحت قبل أن أرمي "فأومأ بيده قال: ولا حرج" قال حلقت قبل أن أذبح، قال:"فأومأ بيده قال "ولا حرج" (2) . - ومن الأمثلة قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى" (3) - وقوله صلى الله عليه وسلم: "يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج، قيل يا رسول وما الهرج؟ قال: هكذا بيده فحرّفها كأنه يريد القتل" (4) - وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا" (5) - وقوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. ثم شبك بين أصابعه" (6)   (1) خ: بدء الوحي (4) (2) متفق عليه: خ: العلم (84) ، م: الحج (1037) (3) متفق عليه: خ: (5301) ، م: الفتن (2950) (4) متفق عليه: خ: العلم (85) ، م: العلم (157) (5) متفق عليه: خ: الطلاق (5304) واللفظ له، م: الزهد والرقائق (2983) (6) متفق عليه: خ: الصلاة (481) ، م: البر والصلة (2585) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 - وفي حديث ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال قَال النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالثَةِ" (1) - وقوله صلى الله عليه وسلم: " ... وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله! ثم أقبل على ثديها يمصه. قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص أصبعه" (2) ففي هذه الأحاديث مشروعية استخدام الإشارة أثناء الخطبة والفتوى والتعليم وأن ذلك مما يعين الخطيب والمعلم على إيصال ما يقوله إلى المستمع في صورة جلية ليسهل استيعابه وفهمه، وأن أكثر الإشارة ينبغي أن تكون باليدين والكفين والأصابع لأنها موضع ذلك في الأغلب وعلى جاري عادة الناس. وينبغي عدم الإكثار من الإشارة كي لا يخرج عن حد الوقار، بل التوسط أعدل الأحوال، وفي حديث عمارة بن رويبة رضي الله عنه قال: «لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بأصبعه المسبحة» (3) . والإشارة كما تكون باليد والأصابع تكون أيضا بالعين والرأس كما مر معنا قبل قليل، ومما يذكره الحذاق في إشارات العين: ((أن العين المفتوحة تمثل الغيظ أو الخوف أو الإعجاب، والعين المغلقة تشير إلى التواضع أو البغضاء، والنظر الشزر يترجم عن الاحتقار والاستهانة، والعين المتحركة يمينا وشمالا تنبئ   (1) متفق عليه خ: الصوم (1908) واللفظ له، م: الصيام (1080) (2) متفق عليه: خ: أحاديث الأنبياء (3436) ، م: البر والصلة (2550) (3) م: الجمعة (874) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 عن الرياء والاشمئزاز، والعين المنطلقة إلى السماء ترمز إلى الدعاء، والنظر إلى الأرض تعبر عن التأثر والخشوع والحياء، والعين المستقرة في نظرتها تفسح عن الشدة والثبات والرجاء، والعين اللامعة ترجمان عن الظفر)) (1) وفي تقويم هذه المهارة في ترصد قدرة الخطيب على استخدام الإشارة أثناء خطبته، وعدد مرات استخدام تلك الإشارة وهيئتها وكيفية استخدامه لها ووقعها، ومدى التوافق بين الإشارة والمعنى المتلفظ به. 4- توخي السنة، ومنها: أ- أن يخطب قائما ففي التنْزيل الحكيم: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لهْوًا انفَضُّوا إِليْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُل مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنْ اللهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (2) وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب - يعني يوم الجمعة - قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، قال فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فلقد صليت معه أكثر من ألفي صلاة» (3) ومعلوم أن القيام في الخطبة أوقع في النفس وأسمع لمن بعد مجلسه، ولأنه يجتمع مع السماع المشاهدة، فقد لا يرى الخطيبَ الجالسُ في مؤخر المجلس أو المسجد، ولهذا يشرع أن يعتلي الخطيب نشزا من الأرض إن لم يجد منبرا ليشاهده الناس ويعوا ما يقوله. ب- الخطبة على المنبر ولا سيما يوم الجمعة: وفي السنة أنه صلى الله عليه   (1) الدعوة الإسلامية والإعلام الديني د. عبد الله شحاتة ص 26 (2) سورة الجمعة: الآية 11 (3) م: الجمعة (862) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وسلم قال لامرأة من الأنصار (مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس) فأمرته فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها فأرسلت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فوضعت ها هنا ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: (أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي) (1) ج- استخدام أسلوب طرح السؤال ثم إردافه بالجواب ليكون أوقع في النفس وأجلب للانتباه ومن عشرات الأمثلة عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد قيس: "أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ قَالوا اللهُ وَرَسُولهُ أَعْلمُ قَال شَهَادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللهِ وَإِقَامُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ" الحديث (2) وأيضا حديث أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: "خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمَ النَّحْرِ قَال: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَال أَليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلنَا بَلى قَال أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَال أَليْسَ ذُو الحَجَّةِ قُلنَا بَلى قَال أَيُّ بَلدٍ هَذَا قُلنَا اللهُ وَرَسُولهُ أَعْلمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَال أَليْسَتْ بِالبَلدَةِ الحَرَامِ قُلنَا بَلى قَال فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلدِكُمْ هَذَا إِلى يَوْمِ تَلقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلا هَل بَلغْتُ قَالوا نَعَمْ قَال اللهُمَّ اشْهَدْ فَليُبَلغْ الشَّاهِدُ الغَائِبَ   (1) متفق عليه: خ: الجمعة (917) ، م: المساجد (544) (2) خ: الإيمان (53) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 فَرُبَّ مُبَلغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" (1) - وحديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَال: "خَرَجَ رَسُول اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَال: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُل يَوْمٍ إِلى بُطْحَانَ أَوْ إِلى العَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ" فَقُلنَا: يَا رَسُول اللهِ نُحِبُّ ذَلكَ. قَال: "أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلى المَسْجِدِ فَيَعْلمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَل خَيْرٌ لهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلاثٌ خَيْرٌ لهُ مِنْ ثَلاثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الإِبِل" (2) ومثل هذا في السنة النبوية كثير. د- الإمساك بعصا أو نحوها، فهو من السنة قال القرطبي: ((الإجماع منعقد على أن الخطيب يخطب متوكئا على سيف أو عصا فالعصا مأخوذة من أصل كريم ومعدن شريف ولا ينكرها إلا جاهل وقد جمع الله لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما آمن به السحرة المعاندون واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي صلى الله عليه وسلم وعنزته وكان يخطب بالقضيب وكفى بذلك فضلا على شرف حال العصا وعلى ذلك الخلفاء وكبراء الخطباء وعادة العرب العرباء الفصحاء اللسن البلغاء أخذ المخصرة والعصا والاعتماد عليها عند الكلام وفي المحافل والخطب وأنكرت الشعوبية على خطباء العرب أخذ المخصرة والإشارة بها إلى المعاني والشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم)) (3)   (1) متفق عليه: خ: الحج (1741) ، م: القسامة (1679) (2) م: صلاة المسافرين (803) (3) الجامع لأحكام القرآن 11 / 188 – 189 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 - حسن المظهر: على الخطيب أن يتهيأ تهيأ حسنا بما يليق ومقام الخطبة، فيرتدي أجود ثيابه. وفي هذا حديث أبي الأحوص عن أبيه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون فقال: ألك مال؟ قالت نعم. قال: من أي المال؟ قلت قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال: فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمته عليك وكرامته» (1) وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال " (2) وفي حديث البراء رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا [يعني: ليس بالطويل ولا بالقصير] بعيد ما بين المنكبين له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه» (3) وفي رواية: «ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من النبي صلى الله عليه وسلم قال بعض أصحابي عن مالك أن جمته لتضرب قريبا من منكبيه» (4) وفي حديث أبي رمثة رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وعليه بردان أخضران» (5) .   (1) د: اللباس (3541) ، ن: الزينة (5223 –5224) ، أحمد: المكيين (15323) (2) م: الإيمان (91) ، ت: البر والصلة (1998) ، أحمد: المكثرين (3600) (3) متفق عليه: خ: المناقب (3551) ، م: الفضائل (2337) (4) متفق عليه: خ: اللباس (5901) ، م: الفضائل (2337) (5) د: اللباس (3543) ، ت: الأدب (2737) ، ن: صلاة العيدين (1572) ، أحمد: المكثرين (6814) قال الحاكم في المستدرك 2/664 (4203) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 هذا بعض ما ورد في أهمية الاعتناء بالمظهر والهيئة من أناقة وتشذيب وأن ذلك نمط إسلامي يلتزمه المسلم في حياته العامة والخاصة، لاسيما في المناسبات كالخطب ونحوها دون غلو ولا تهاون، وينبغي للداعية أن يكون على هذا المنوال في سائر أحواله لأنه موضع القدوة سيحتى في زيه وسمته ومظهره فلا يعدل عن الزينة المباحة إلى الرثاثة مع قدرته على تجنبها. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "البذاذة من الإيمان" (1) والبذاذة هي التقشف فيحمل على التواضع في اللباس وتجنب الإسراف فيه والفخر به، لأن المراد هنا ترك الترفع والتنطع في اللباس، والتواضع فيه مع القدرة لا لسبب جحد نعمة الله كما قال ابن حجر في الفتح. ومن العناية بالمظهر الاعتناء بلباس التقوى في الأقوال والأفعال، فيعفي لحيته إتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويحف شواربه بأن يأخذ مها ويقلم أظافره ويستاك ويتطيب ولا يسبل إزاره.. إلى غير ذلك من سنن الفطرة. ومن تطابق قوله وفعله وتناسب سمته وهيئته صار له من القبول في القلوب بقدر إخلاصه وصدقه ورفعه الله عز وجل بذلك درجات في الدنيا والآخرة. قال ابن قدامة: ((ويستحب أن يكون في خطبته متخشعا متعظا بما يعظ الناس به لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عرض علي قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقيل لي: هؤلاء خطباء أمتك يقولون ما لا   (1) د: الترجل (3630) ، ماجة: الزهد (4118) ، أحمد: الأنصار (21289) قال الحاكم في المستدرك على الصحيحين 1 / 51 (18) . قد احتج مسلم بصالح بن أبي صالح السمان أحد رجال الحديث وقال ابن حجر في الفتح 10/ 368 هو حديث صحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 يفعلون" (1)) ) (2) وفي التقويم وفق هذا المعيار تلاحظ ثلاثة أمور جوهرية: اللبس والزي والهندام المناسب، المظهر العام، السمت والوقار ومدى تطابق القول والفعل. 5- الشرف والفضل: على الخطيب أن يثبت فضيلة نفسه ضمنا، لأن الناس لا تتأثر ولا تأخذ إلا عمن اتسم بالفضل والألفة أو التفوق أو المعرفة، فالنفوس مجبولة على التأثر بمن له ميزة يتفوق بها. ومما يستدل على أثر الشرف والفضل ما قصه الله علينا من قصص طائفة من أنبيائه فنوح عليه السلام يمهد لدعوته قومه بقوله: {أُبَلغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لكُمْ وَأَعْلمُ مِنْ اللهِ مَا لا تَعْلمُونَ} (3) ولا ينصح إلا صاحب فضل وعلم في الأغلب وعلى جارى السنة، وانظر كيف أشعرهم هذا النبي الكريم بتميزه عنهم بقوله {وَأَعْلمُ مِنْ اللهِ مَا لا تَعْلمُونَ} فهو يثبت لنفسه العلم وينفيه عنهم! ليأخذوه عنه. وهود عليه الصلاة والسلام قال لقومه: {أُبَلغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا   (1) أحمد: المكثرين (11766) ، وشعب الإيمان للبيهقي 2 / 283 (1773) ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب 1/72 (207) رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وقد رجعت إلى الصحيحين ولم أجده فلعله توهم. قال في مجمع الزوائد 7 / 276 للحديث روايات رواها كلها أبو يعلى والبزار ببعضها والطبراني في الأوسط، وأحد أسانيد أبي يعلي رجاله رجال الصحيح. (2) المغني للمقدسي 3/ 180 (3) الأعراف: 62 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 لكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (1) وصالح قال لقومه: {يَاقَوْمِ لقَدْ أَبْلغْتُكُمْ رِسَالةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} (2) وفيه أن الناصح المخلص تجب محبته ومن كان محبوبا كان مقبول الكلام. وشعيب قال لقومه: {فَتَوَلى عَنْهُمْ وَقَال يَاقَوْمِ لقَدْ أَبْلغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلى قَوْمٍ كَافِرِينَ} (3) ثم إن هذا التفوق المستشعر أمر معنوي كما ترى فقد يتوافر في شخصية الخطيب لكن المخاطبين لديهم من اعتلال النفوس ما يحول بينه وبين التأثر المطلوب كما تقدم في دعوات نوح وشعيب وصالح وهود عليهم الصلاة والسلام. أهمية الارتجال في الخطابة: كثير من الباحثين لا يعتبرون القراءة من ورقة خطابة، تأسيسا على أن من أخص خصائص الخطابة المشافهة والارتجال، ومن أبرز عيوب الارتجال: 1- عدم تحقق الجمال التعبيري للأسلوب الخطابي: بنفس الكيفية المتحققة في طريقة الإلقاء من ورقة مكتوبة، إلا إذا تمرس الخطيب على أساليب الخطاب ويمكن من انتقاء الكلمات المعبرة، واقتدر على التأنق في العبارة، وجرى ذلك منه مجرى الدماء في العروق.   (1) الأعراف: 68 (2) سورة الأعراف: 79 (3) سورة الأعراف: 93 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 2- لا يتأتى حصر العناصر وترتيبها بدقة كما هو الحال في الطريقة الأولى السابق ذكرها إلا إذا كان الخطيب مستوعبا لموضوع خطبته استيعابا دقيقا، ولم تنسه رهبة الموقف بعض عناصر الموضوع. 3- التقيد بالزمن المحدد مرتبط بمدى إحساس الخطيب بمرور الزمن، وكثيرا من الخطباء يفقدون هذا الإحساس في غمرة الانفعال الخطابي. 4- الارتجال مظنة لكثرة الأخطاء اللغوية والتعبيرية والخطابية وغيرها. ومن محاسن الارتجال: قدرة الخطيب على إدارة دفة الخطاب وتغيير اتجاه الحديث من أسلوب إلى آخر وفق ما قد يستجد من ظروف ما بحسب ما يقرؤه في وجوه مستمعيه من تفاعل. هذا، وبعض الخطباء والمحاضرين يجمع بين الطريقين الكتابية والارتجالية فيضع الورقة في مكان لا يراها غيره فيلحظها بطرف البصر ويتذكر ما عسى أن يكون قد نسيه، وهكذا يخيل للناس أنه يرتجل وليس الأمر كذلك. المسلك الثالث: التدرب على التقويم. كثيرا ما يكون الخطيب ذا ملكة نقدية يقوم نفسه ويحاسبها بعد فراغه من الخطابة، يتأمل الجوانب الإيجابية والسلبية في خطبته على ضوء الدراسة النظرية السابقة، وكثير من مشاهير الخطباء تدرجوا في سلم الخطابة وحققوا أعلى المستويات الخطابية بالتقويم الذاتي، بالتصحيح ما يمكن تصحيحه من الأخطاء الخطابية والاجتهاد قدر الوسع في تلافي ما لا يمكن تقويمه أو التقليل من وقعه خاصة مخارج الحروف، وعيوب النطق الأخرى. وقد يتولى التقويم مدرب متخصص وأستاذ متمرس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 عناصر التقويم والمعايير الانتقائية: هنالك عدد من عناصر التقويم يمكن من خلالها اختبار الخطيب لمعرفة مدى قدرته على الخطابة باعتبار الموهبة الخطابية والكم المعرفي. ويمكن تلخيص أهم تلك العناصر المنتقاة في الآتي: 1- الارتجال: ويتم تقويم هذا العنصر بأحد ثلاثة اعتبارات: (الارتجال الكلي، أو الجمع بين القراءة والارتجال، أو القراءة الكلية) بحسب قدرات الخطيب البيانية ومدى تمكنه من الارتجال. 2- قوة الصوت ونقاوته (قوة الصوت، التناسق بين نبرات الصوت، القدرة على تكييف الصوت مع المواقف الخطابية) 3- رباطة الجأش (الخلو من مظاهر العي والحصر، توزيع النظرات، التأني في الإلقاء) 4- سلامة اللغة (مراعاة قواعد النحو والصرف، تضافر مؤشرات الفصاحة والبلاغة) 5- استيفاء أطراف الموضوع. (توافر العناصر، ترابطها وتناسقها) 6- استعمال الإشارة. (تنويع الإشارات، توقيتها مع الخطابة، التوسط في استخدامها) 7- الالتزام بالوقت المحدد. 8- التفاعل مع الخطبة (ارتفاع الصوت، احمرار العينين، اشتداد الغضب، صدق اللهجة) 9- قوة الأسلوب الخطابي: (تنويع الأسلوب بين الخبر والإنشاء، مراعاة السكتات والوقفات، القدرة على التأثير على المستمعين) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 10- التحقيق العلمي (سوق الأدلة العلمية، التوثيق والعزو) ويمكن اختصار هذه العناصر بذكر ما كتب بالبنط العريض فقط. ووضع درجة التقويم أمام كل عنصر، (لكل فقرة درجة، والمحصلة 10 درجات) ولا بد أن يحصل المتدرب على الحد الأدنى على النحو الآتي: 6 درجات للمبتدئين، 8 درجات للمتمرسين، وترتفع الدرجة كلما تقدم الخطيب في أسلوب الأداء) مع ملاحظة أن العناصر الثلاثة الأولى قد لا تتغير في أغلب الأحيان لأنها تعتمد على الملكة والموهبة، وباقي العناصر يمكن تطويرها على نحو قويم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 الفصل الثالث: التدريب على الندوة المبحث الأول: تعريف الندوة وأنواعها ومحاورها العامة تعريف الندوة: الندوة هي: الجماعة، يقال نادى الرجل: جالسه في النادي، والندى: المجالسة، وناديته: جالسته. وتنادوا: تجالسوا في النادي، والندِيّ والندوة والنادي والمنتدى: المجلس ما داموا مجتمعين فيه. والنادي: مجتمع القوم وأهل المجلس، يقال: ندوت القوم أندوهم إذا جمعتهم في النادي، وبه سميت دار الندوة بمكة التي بناها قصي، سميت بذلك لاجتماعهم فيها (1) . قال تعالى: {أَئِنَّكُمْ لتَأْتُونَ الرِّجَال وَتَقْطَعُونَ السَّبِيل وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ المُنكَرَ} (2) فالنادي هو المجلس، والمعنى تفعلون في مجالسكم المنكرات. وقال في موضع {وأحسن نديا} أي أحسن مجلسا. أنواع الندوة: الندوة حسب موضوعها وأسلوب إدارتها والأعضاء المشاركين فيها أنواع: فمنها الندوة العلمية البحتة، وهي التي تبحث في قضايا علمية وتتناول موضوعا ما بالبحث في عناصره كلها أو جلها أو بعضها، والندوات الاجتماعية،   (1) انظر لسان العرب مادة (ندي) 15 / 317 (2) سورة العنكبوت: 29 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وهي الباحثة في شئون المجتمع والأسرة والبيئة والتنمية، من حيث التربية والتقويم، ومن حيث علاج المشكلات وطرح الحلول، ومن حيث التأصيل للكثير من العادات والأخلاق والقيم وتوجيهها نحو الأفضل والأقوم، ومنها الندوات السياسية وهي الباحثة في علوم السياسة المختلفة. كالتراتيب الإدارية والعلاقات الدولية والشئون المتعلقة بالشورى ونحوها.. والندوات باعتبار الوسيلة التي تقدم فيها أنواع منها الندوة الإذاعية والندوة التلفازية المسجلة، والندوة التلفازية المباشرة، والندوة الصحفية.. والندوات عموما من أمتع البرامج الإعلامية وأكثرها فائدة لتحقق عنصرين أساسين: عنصر التعدد في المتحدثين ولكل متحدث خبرته وأسلوب حديثه ونمط تفكيره وعنصر التنوع الملحوظ في المحاور الموضوعية والفنية التي تثري الندوة علميا. ومحاور الندوة ثلاثة: أولا- (المحور الموضوعي) : وينصب نحو حسن اختيار الموضوع وفرز عناصره وترتيبها وتصنيفها، ثم توزيعها على أعضاء الندوة، ويراعى لتحقيق ذلك: 1- أن تكون الندوة هادفة وتدور حول موضوع يتعلق بقضايا العصر، فاختيار الموضوع الجيد العصري النابع من حاجات الناس المتناسب مع تطلعاتهم ركيزة أساسية في نجاح الندوة. 2- الدقة في وضع وتفريع واستخراج العناصر وترتيبها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 3- الدقة والعدالة في إسناد كل عنصر إلى من يتقن عرضه ويحسن الإلمام به ويبدع في التحدث عنه. وتقدير زمن الحديث لكل متحدث لا يتجاوزه. كل ذلك من عوامل التفاعل بين المتحدثين والجمهور المتلقي. ثانيا- (المحور الإداري) : وهو المحور المتعلق بأشخاص المتحاورين المشاركين في الندوة، وأولهم مديرها الذي يتولى إدارة دفة الحديث وتقديم الضيوف والتعريف بهم وتوجيه الأسئلة وتتبع الإجابات وتلخيصها وتقديم الشكر ... ولعلماء الإعلام في مدير الندوة رأيان، أولهما: أن يكون من ذوي الاختصاص والمكنة والدربة في موضوع الندوة حتى تكون الندوة مثمرة هادفة مرتبة يستقطب فيها المدير ببراعته وخبرته وذكائه واطلاعه الواسع كل أو جل العناصر المراد إيرادها. الرأي الثاني: أن مدير الندوة ينبغي أن يكون عاميا حتى تأتي أسئلته عفوية على عكس الضيوف المختصين في موضوع الندوة، فمتى كان مدير الندوة عفويا في أسئلته ساذجا في طريقة استفهامه كان كأحد أفراد الجمهور المستمع فيكون أقرب إليهم عقلا ومنطقا وحساً.. والرأي الأول هو الأصوب. ويتعلق هذا المحور بضيوف الندوة حيث يجب أن يكونوا ممن لهم اختصاص في موضوع الندوة. ثالثا- (المحور الفني) : وتتلخص ضوابط الندوة من الناحية الفنية في الآتي: 1- يقع ضمن اختصاصات مدير الندوة: الافتتاح بالحمد لله والثناء عليه، ثم الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن بعد ذلك تقديم مجمل لموضوع الندوة وأهميته وإبراز المعالم الأساسية للعناصر التي ستطرح إما على سبيل فقرات أو على شكل تساؤلات، ثم تقديم ضيوف وأعضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الندوة، والبدء بالضيف الأول من يمين مدير الندوة، ومراقبة الزمن المتاح لكل عضو، وإدارة دفة الحديث بحسب مقتضيات الموضوع وعلى ضوء مجاري الحديث والأفكار المتتابعة المستوحاة من أسلوب العرض، ولا يستأثر بالحديث، وفي الختام يشكر المدير المستمعين والضيوف بعد أن يلخص مقاطع الندوة في دقة وبراعة بحيث يكون التلخيص على شكل استنتاجات وخلاصات عامة. وهو ما يعرف بالتوصل إلى نتيجة، وعلى العموم فإن مدير الندوة يتوخى منه القيام بثلاث مهمات رئيسة: توجيه الأسئلة، والاشتراك في النقاش بإيجاز، وتوجيه دفة الحديث عند الحاجة. وتحقيق هذا المطلب يستوجب منه أن يكون متوقد الذهن حاضر البديهة متابعا لكل جزئيات الندوة لبقا أديبا أريبا يتوجب على أعضاء الندوة القيام بعدة انفعالات هي بمثابة التجاوب والتفاعل مع موضوع الندوة ومديرها، بحيث يكون عرض الموضوع أو الإجابة على السؤال بطريقة علمية مدروسة يراعى فيها التركيز والبعد عن الاستطرادات الهامشية، وأن يأتي الحديث متسلسلا عذبا مشوقا، وينبغي أن يعمل الجميع بروح الفريق الواحد سمتهم التضامن والتكامل فما فات متحدث يستدركه متحدث آخر بلباقة وفي أدب، وما أثاره طرف أكمله طرف آخر، وما أجمله عضو أبانه آخر وفسره، وما أخطأ فيه أحدهم صوبه زميله بكياسة وحنكة.. الخ. وينبغي ألا تخلو الندوة من أدبيات الحديث كقول المتحدث: والآن سيتحفنا فلان بالحديث عن كذا، أو قوله: إن ما تفضل به فلان من الحديث عن كذا هو رأي حصيف وقد أتى بجوهر القضية ويبدو لي أن ثمة إضافة توضيحية أستكمل بها ما بدأه فأقول ... وهكذا. دون أن يقلل من شأن زميله أو يشير إلى تقصيره في الإبانة أو ينتقصه، فإن هذه الأدبيات ترتقي بالندوة في أسلوبها وطريقة عرضها ونمط أطروحاتها إلى مستوى رفيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وأما ما نجده أحيانا من انتقال الحديث بين أعضاء الندوة بشكل آلي رتيب بحيث يظل العضو المشارك صامتا خاملا حتى يُطلب منه الكلام، أو أن يستأثر أحد الأعضاء بالحديث فهو مخالف لروح الندوات العلمية وطبيعتها. الندوة في عمومها ينبغي أن لا تخلو من مداخلات وتعليقات علمية هادفة بالأسلوب الحكيم والسمت الرزين، لأن ذلك يضفي عليها الحيوية والحركة والطرافة والتجديد، ويطرد عنها الملل والرتابة، فإذا أراد الضيف مداخلة فليبدأ أولا بالإشادة بمن سبقه في الحديث ويثني عليه بحيث لا يشعر المستمع أنه يستدرك عليه أو يطعن فيه أو يقلل من شأنه وأهميته، ثم ليبنِ بعد ذلك بالحديث الذي يريده باقتضاب وفي أدب جم. ومن الواجب أن يجتمع أعضاء الندوة قبل عقدها لتداول الرأي في كل ما يتعلق بالموضوع وطريقة عرضه وتوزيع الأدوار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 المبحث الثاني: مسالك التدريب على إقامة الندوة لا بد للندوة كغيرها من أنماط الإعلام أن تمر بمراحل ثلاث كي تكون مفيدة قيمة، وهي أبرز مسالك التدرب على إقامة الندوات: أ- الإعداد الجيد والتحضير القوي وتشمل هذه المرحلة: اختيار الموضوع والأعضاء وتحديد الزمان والمكان والجمهور. ولا بد في هذه المرحلة من تهيؤ المشاركين في الندوة علميا ونفسيا كي تخرج الندوة مرتبة في أفكارها وعناصرها سلسة في أسلوب المتحدثين فيها قيمة نافعة. ومن المفيد في هذه المرحلة أعداد نموذج تجريبي مصغر للندوة وهو ما يسمى في لغة الإعلاميين (البروفة) يتم من خلالها التدرب على الندوة ومعرفة الايجابيات والسلبيات التي يمكن أن يبديها الأستاذ المدرب. ب- التنفيذ الحكيم وهي مرحلة التطبيق العملي ويراعى فيه ما تقدم من اختصاصات كل من مدير الندوة وأعضائها.. ومن أهم ما ينبغي أن يتحلى به المشاركون في الندوة اللباقة والكياسة والتركيز على الحديث في الموضوع المحدد والجزء الأكبر في نجاح العضو المتحدث في الندوة يعتمد على قوة شخصيته ومكنته العلمية وفطنته. ج- التقييم أو التقويم - ويصح الوجهان - وله عدة وسائل منها عمل استفتاء جماهيري عن مدى نجاح الندوة وتحقيق أهدافها الإعلامية، أو استكتاب ذي الاختصاص ممن يتميزون باهتماماتهم الإعلامية، ويستفاد من ذلك في الندوات التالية بالحرص على الجانب الإيجابي النافع وتلافي الجانب السلبي.. وفيما يلي نموذج مصغر من خلاله يمكن تقييم الندوة من الناحية العلمية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 الموضوعية أو الناحية الجمالية التعبيرية أو الناحية الأدبية. عنوان الندوة: حقوق الجار. مدير الندوة سلمان، أعضاؤها: بسام / فتح / عمر. تاريخ انعقادها / / المكان: مدتها: 20 دقيقة. النقاط المطلوب مراعاتها في المدير/ النقاط المطلوب تحقيقها في الأعضاء المشاركين: الافتتاح المناسب - مدى التجاوب والاتسام بروح المشاركة جودة العرض - كثرة الاستشهاد بالنصوص الشرعية جودة التلخيص - القدرة على سلامة الاستدلال والتوجيه تناسق الصوت - تناسق الصوت التعليق المؤقت المناسب - المداخلة المتناسقة المحافظة على وقت الندوة - توزيع النظرات بين الجمهور القدرة على الموازنة - استخدام الإشارات المناسبة أثناء الحديث استيعاب عناصر الموضوع - القدرة على التكيف مع الزملاء القدرة على ربط العناصر - القدرة على تركيز الحديث في العنصر المحدد له الختام وعناصره - القوة العلمية البشاشة - مدى التفاعل مع الموضوع القدرة على الإبداع - مدى الالتزام بالنص هذا ولا بد من التشاور والتنسيق بين مدير الندوة وأعضائها قبل البدء في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 تنفيذ الندوة بحيث يعرف كل عضو دوره والسؤال أو العنصر المخصص له أو المتوقع تخصيصه له والوقت المحدد له، لتوظيف عنصر الانتباه في خدمة الموضوع وطرائق عرضه، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة العلمية للمستمعين ومن المطلوب مراجعة جميع النصوص التي سيجري الحديث عنها إن كانت ثمة نصوص لتثبيت الجيد منها واستبعاد ما ليس كذلك كالأحاديث الضعيفة والقصص الخرافية والمعلومات غير الموثقة، وهذه مسئولية علمية أدبية يشترك فيها جميع أعضاء الندوة وإن كان كل واحد منهم مسئولا عن حديثه. وكل عنصر من العناصر المذكورة في القائمة السابقة يمكن معرفته على وجه الدقة بالخبرة التي لا يخلو منها الإعلامي والداعية الحصيف، فمثلا لمعرفة عنصر (القوة العلمية) يلاحظ أسلوب المتحدث ولغته التعبيرية وتسلسل أفكاره المتسارع مع الموضوع، وخلوه من العبارات الاعتذارية كقوله: ليس لدي شيء أضيفه بعد هذا! أو قوله: ما سبق فيه الكفاية.. أو قوله: لعل الوقت يسمح بهذا فحسب.. ونحو ذلك مما يقع فيه العضو المتحدث عمداً أو سهواً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 الفصل الرابع: التدريب على الكلمة الإذاعية المبحث الأول: مقدمة عن الإعلام وخصائصه ووسائله ووظائفه ما هو الإعلام؟ الإعلام مرادف للدعوة كما تقدم في حديث معاذ وفيه (فإن هم استجابوا لك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) وللإعلام في عصرنا مفهوم يتحدد في (جملة ما يتعلق بالاتصال المباشر وغير المباشر وجملة المؤثرات السمعية والبصرية) ولئن كانت العناصر الأساسية للعملية الإعلامية ستة وهي: 1- المصدر أو المرسل. 2- الرسالة أو الموضوع. 3- الوسيلة. 4- المستقبِل أو جهة التلقي. 5- التأثير. 6- رد الفعل. فإن هذه العناصر نراها جلية في كل الوسائل المتاحة من مقروءة ومسموعة ومرئية وموثقة، لأنها عناصر أساسية لا تتم العملية الإعلامية إلا بتحققها. وللإعلام الإسلامي خصائص ينفرد بها، يستمدها من خصائص الإسلام العامة وهي: 1- الربانية: من حيث المصدر ومن حيث المقاصد والغايات ومن حيث أصول المناهج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 2- العالمية: فلا يخاطب قوما بعينهم ولا بلدا انطلاقا من أن الرسالة الخاتمة للناس كافة. 3- الشمول: بحيث تنتظم أمور الدنيا والآخرة، أي: المعاش والمعاد. ووسائل الإعلام أنواع كثيرة تتلخص في الآتي: 1- الوسائل الشفهية: ومنها النصح الانفرادي، والإجازة، والمذاكرة العلمية.. 2- الوسائل المرئية ومنها: التلفزيون، والفيديو، وشبكة الانترنيت، وأفلام المايكروويف والكمبيوتر (الحاسب الآلي) وغيرها.. 3- الوسائل المسموعة ومنها: الإذاعة، والأشرطة السمعية، والخطابة. 4- الوسائل المقروءة ومنها: الصحيفة، والمجلة، والكتاب، والنشرات، والرسائل: ومن الأمثلة عليه كتبه صلى الله عليه وسلم إلى الآفاق، كتابه إلى عظيم الروم فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلى الإِسْلامِ ... وفِيه: "بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولهِ إِلى هِرَقْل عَظِيمِ الرُّومِ سَلامٌ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ أَسْلمْ تَسْلمْ وَأَسْلمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَليْتَ فَعَليْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ" الحديث (1) وكذلك كتبه إلى كل من: المقوقس ملك مصر، والنجاشي ملك الحبشة، وغيرهم (2)   (1) متفق عليه: خ: الجهاد والسير (2941) ، م: الجهاد والسير (1773) (2) انظر الوثائق السياسية، وزاد المعاد لابن القيم وسيأتي بعد قليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 هذا وللإعلام وظائف، تتلخص في الآتي: 1- تبليغ دين الله وشرح الحقائق للناس: ولقد استخدم كل رسول من رسل الله الأسلوب الإعلامي الملائم لعصره لتحقيق هذه الغاية وهي إبلاغ الشرع وإقامة الحجة إلى أكبر قدر ممكن من المستمعين المخاطبين. ويدل عليه ما رواه ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا قَال: «لمَّا نَزَلتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلى الصَّفَا فَجَعَل يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ، لبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَل الرَّجُل إِذَا لمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَل رَسُولا ليَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أَبُو لهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَال: "أَرَأَيْتَكُمْ لوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَليْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَليْكَ إِلا صِدْقًا. قَال: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيد"ٍ. فَقَال أَبُو لهَبٍ تَبًّا لكَ سَائِرَ اليَوْمِ أَلهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالهُ وَمَا كَسَبَ} » (1) 2- بناء الشخصية الإسلامية: وإعداد المجتمع الإسلامي المتماسك المتكافل والإسهام في ذلك، ولا يتم ذلك إلا ببناء الأسرة المسلمة السوية التي في أحضانها ينبت وينشأ ويترعرع الولد الصالح، ولا شك أن للوالدين دورا مهما في توجيه الولد نحو الاستفادة من النافع وترك وتجنب الضار مما يسمعه ويراه ويقرأه من القنوات الإعلامية. والدور الإعلامي يضارع في قوة تأثيره الدور التربوي المنوط بالوالدين   (1) متفق عليه: خ: التفسير (4770) ، م: الإيمان (208) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 والمدرسة والمربين إن لم يفقه، لما يتسم به الدور الإعلامي من سمة الاستمرارية والجاذبية والتجديد. وتتسع مجلات بناء الشخصية الإسلامية المثلى لتشمل أغراضاً شتى كتقرير المصالح العليا للدولة ومثاله العفو العام الذي أصدره النبي صلى الله عليه وسلم غداة فتح مكة، وعلى العموم فإن وظيفة الإعلام في بناء وتكوين الشخصية الإسلامية دور ريادي لا يمكن من الوجهة الواقعية تجاهله أو التقليل من شأنه. 3- التعليم والتثقيف وبيان أحكام الإسلام: وهي الوظيفة الكبرى للإعلام بعد تقرير التوحيد وباقي أركان العقيدة، وقد وظف الشرع قنوات عديدة لتحقيق هذه الغاية السنية كخطب الجمع والأعياد وعامة المواعظ في القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة. وعلى الأخص فمن أمثلته ما رواه حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَال بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلكَ الحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى: "أَنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَال حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم عَليًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٌ. قَال: أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ معنا عليّ فِي أَهْل مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، لا يَحُجُّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ وَلا يَطُوفُ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ» (1) . 4- الوظيفة الإخبارية. الأخبار هي: (تقرير عن أكثر الأشياء أهمية وأعظمها شأناً وأقربها إلى الواقع وأكثرها حداثة) (2)   (1) متفق عليه: خ: الصلاة (369) واللفظ له، م: الحج (1347) (2) الصحافة: د. مصطفى الدميري – ص 63 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وقد نوه القرآن العظيم بالوظيفة الإخبارية وأنها من مقومات المجتمع الإنساني، قال تعالى في قصة موسى عليه السلام: {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} (1) وقال في سياق الحديث عن المنافقين: {قُل لا تَعْتَذِرُوا لنْ نُؤْمِنَ لكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} (2) وفي قيمة تداول الخبر وتوظيفه لبناء العلاقات بين الدول خبر غلبة الروم على فارس إبان عصر النبوة وكان قد سر المسلمين، وفيه قوله تعالى: {الم * غُلبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلبِهِمْ سَيَغْلبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ} (3) . وقال في خاصية التثبت والاستيقان وهي من خصائص مصداقية الخبر في المجتمع الإسلامي: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَال أَحَطتُ بِمَا لمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} (4) 5- الترفيه البرئ: وهو ما يكون خاليا من المحرمات، ومنضبطا بالضوابط الأخلاقية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفه عن نفسه وعن أزواجه وعن أصحابه، وكان له من أصحابه من يضحكه ويرفه عنه، وفيما يأتي بعض الشواهد على ذلك:   (1) سورة النمل: 7 (2) سورة التوبة: 94 (3) سورة الروم: 1 - 5 (4) سورة النمل: 22 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 - عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله" (1) - عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر: «أن رجلا كان يلقب حمارا وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم العكة من السمن والعسل فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعط هذا متاعه فما يزيد النبي صلى الله عليه وسلم على أن يتبسم ويأمر به فيعطى" (2) هذا غير ما أكتفي بالإشارة إليه كتسابقه مع عائشة، وحمله إياها لترى الحبشة يلعبون في المسجد، وإقراره الجاريتين تغنيان في بيت عائشة يوم عيد. ومن أهداف الإعلام الإسلامي: - تحقيق العبادة لله تعالى وحده لا شريك له، وتأسيس الحياة على هذا الأساس الإيماني الوطيد. - ترقية اهتمامات الناس والسمو بعقولهم ووجدانهم وسلوكهم وإشاعة الثقافة الإسلامية بمبادئها السامية وقيمها الرفيعة، ومحو الأمية الفكرية والسعي لتوحيد الأمة وتضامنها فكرا ووجدانا وولاء وتطبيقا. التأكيد على كرامة الإنسان وحرية الفرد وحمايته من كل ما يضره في   (1) خ: الحدود (6780) (2) الأحاديث المختارة 1 / 184 (92) قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/148 رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 - دينه ونفسه وعقله وعرضه وماله. - الاهتمام بشئون المسلمين بتبني قضايا المسلمين والمطالبة بحقوق المستضعفين (فلسطين، كشمير، فطاني، المسلمون في الفلبين، الشيشان، كوسوفو، البوسنة والهرسك، تركستان، الجمهوريات الإسلامية في منطقة روسيا وما جاورها) - تعرية الحضارة الغربية الرأسمالية والحضارة الشيوعية المادية وكشف ما فيها من حب المادة والأنانية ونبذ القيم والأخلاق.. - هدف انتقائي توجيهي هو إلقاء الضوء على كل ما يطرح من فكر أو اتجاه أو مستحدث من المستحدثات لدراسته وتقويمه بمعايير الإسلام، فهو يهدف إلى تنقية الإسلام من كل ما يعلق به من شوائب (1) أسس إعداد وتقديم الحديث الإعلامي: الإعلام في الأمة الإسلامية بمثابة الروح للجسد وهي أمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذِي خَلقَ} (2) ، فكل فرد في المجتمع الإسلامي يجب عليه تعلم ما لا يعذر بجهله من أمور الدين، ما به يمكنه أن يؤدي فروض الدين ومعرفة الحلال والحرام والضار والنافع، وما به كذلك يعرف حقوق النفس وحقوق الآخرين. وعليه فإن العملية الإعلامية مبناها الوحي المعصوم، وأساسها الكتاب والسنة، هذا من حيث التأصيل.. وأما من حيث التنظير: ((فلا يحق لرجل الإعلام أن يسيطر على الحوار أم يهيمن على المشورة والنقاش، وإنما وظيفته الحقيقية إتاحة الفرصة   (1) أصول الإعلام الإسلامي بتصرف: د. إبراهيم إمام - ص 31 - 34 (2) سورة العلق: 1 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 أمام ذوي الرأي للإدلاء بآرائهم ووجهات نظرهم، إثراءً للمناقشة وتعبيراً عن وجهات النظر المختلفة، مع الالتزام بالمعايير الإسلامية للوصول إلى الحقيقة، وهكذا يتم التفاعل المستمر بين أجزاء الأمة، ولا يسيطر على الحوار أحد، وإنما تسيطر القيم الإسلامية وحدها)) (1) .   (1) أصول الإعلام الإسلامي - ص 258 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 المبحث الثاني: الإذاعة وخصائصها تعريف الإذاعة: الإذاعة في اللغة: ((الفشو والانتشار والإشاعة، يقال ذاع الخبر أي فشا وانتشر، والمذياع كل من إذا رأى في أحد عيبا نشره وأذاعه)) (1) ومنه ما جاء في قول الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (2) فقوله {أَذَاعُوا بِهِ} أي: أفشوه وبثوه في الناس قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسارعوا في نشره (3) والإذاعة بحسب أغراضها أنواع منها: الإذاعة العامة لكل بلد وهو ما يعرف عند العوام بـ (الراديو) ، ومنها: الإذاعة المدرسية، ومنها الإذاعات المتخصصة لأغراض تنصيرية.. ولا يخفى ما لجهاز الإذاعة من دور ملموس في الهدم أو البناء بحسب ما خصصت له وأنشئت من أجله، وننوه بالدور الكبير الذي تقوم به إذاعة القرآن الكريم في المملكة ومصر والكويت وغيرها.. في بث الوعي الإسلامي وتحصين الفرد والأسرة والمجتمع ضد الهجمات الفكرية التي تستهدف العقيدة والأخلاق والقيم.   (1) انظر مختار الصحاح 1 / 94، ولسان العرب 7 / 212 (2) سورة النساء: 83 (3) انظر جامع البيان: الطبري 5 / 180 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 خصائص الإذاعة: تتميز الإذاعة والأحاديث الإذاعية بعدة سمات وخصائص منها: 1- سعة الانتشار: فهي متاحة لأكبر قدر من الناس على اختلاف ثقافاتهم ومهنهم وانشغالاتهم حيث يستمع إلى الإذاعة العامل في معمله والتاجر في متجره والسائق في سيارته والمسافرون في سياراتهم وطائراتهم وسفنهم، وربة المنزل في مطبخها.. وهكذا فالإذاعة أوسع انتشارا وأقرب منالا كما أن التلفاز أكثر تأثيرا لارتكازه على عنصري السمع والبصر. وليس هناك وسيلة إعلامية أكثر انتشارا من الإذاعة (الراديو) ، فإذا وافق برنامجا مفيدا كان فيه خيرا كثيرا، كعامة البرامج التي تقدم من إذاعة القرآن الكريم من الرياض، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - جوبا على سؤال في الإفتاء: (في الاستماع إلى برنامج (نور على الدرب) خير عظيم، وفيه مصالح جمة، وقد يسر الله للمسلمين هذا البرنامج ليستفيدوا منه فهو بمثابة حلقات علمية يستفيد منها الرجال والنساء وهم في بيوتهم ومجالسهم وعلى أسرّتهم! فهو من نعم الله العظيمة، ومن حجة الله القائمة على الناس، يصل إليهم في بيوتهم وفي سياراتهم وفي طائراتهم وفي كل مكان) إلى أن قال: ((ولا بأس بفتح الراديو في المسجد لسماع هذا البرنامج ولسماع العلم من غير هذا البرنامج في الأوقات المناسبة التي يتفق الجماعة عليها، فإذا جاءت أصوات الموسيقى أو شيء لا يرتضى وجب قفله)) (1) . 2- قلة الكلفة: فالاستماع للإذاعة لا يكلف في الأغلب سوى اقتناء الجهاز الإذاعي   (1) مجلة البحوث الإسلامية – العدد 52 ص 149 – 150 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 (راديو ترانزستور) وثمنه زهيد إذا ما قورن بالأجهزة الإعلامية الأخرى كالتلفاز والكمبيوتر ... لذا فلا بد من مراعاة الخصائص الإذاعية التي تحقق أغراض الإعلام الإذاعي على الصورة المتوخاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 المبحث الثالث: مسالك التدريب على الكلمات الإذاعية أ) مرحلة الإعداد ومراعاة خصائص الأسلوب الإذاعي: من أهم ما ينبغي أن يراعى في الأحاديث الإذاعية: أ-وضوح التعبير: ليكون في متناول الجميع فيفهمه كل فئة من فئات المجتمع، ويسلك المتحدث الإذاعي عدة مسالك لتحقيق هذه الغاية، كتوخي اللفظ المعبر السهل البعيد عن التكلف والغموض، ومثل تكرار بعض الجمل ذات التركيب التعبيري الجزل لتفهم جيدا، وشرح بعض الاصطلاحات التي ربما ترد أثناء الحديث الإذاعي.. ب- التشويق والاستمالة: وسبيله الإتيان بالعبارات الإذاعية التشويقية التي بها يستميل المتحدث المستمعين، كقوله: أيها المستمع الكريم في بداية المقاطع الإذاعية ففيه التحبب إلى المستمع والتودد إليه وهو عامل مهم ومؤثر في جذب المستمع وحثه على متابعة الحديث، وأيضا قوله: والأمر كما ترون مستمعي الأكارم.. ج- إضفاء الصبغة الإسلامية على الحديث: وهو أمر مهم جدا لا سيما وقد عطل هذا الأدب الإسلامي في كثير من المنابر الإعلامية كالإذاعات ومحطات التلفزة التي تُبث في مختلف البلاد الإسلامية حتى غدت عامة البرامج خالية من هذا اللون المتميز ذي التوجه الأخلاقي التربوي. ومن الأمثلة على السمة الإسلامية بدء الحديث بالحمد لله والثناء عليه، ثم الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إلقاء تحية الإسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 الخالدة وهي قوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وقوله في ختام الحديث استودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم عملكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأن يتخلل البدء والختام من الجُمل والتراكيب التعبيرية ما يشعر بأن الحديث ذو أهمية أخلاقية، وأنه مؤسس على أساس شرعي، وقاعدة الشرع شاملة تشمل كل ضروب الحياة وأنماطها.. د- اللغة الإذاعية: ينبغي أن تكون واضحة القسمات: بحيث لا لبس فيها ولا غموض، وبحيث تكون بعيدة عن التراكيب الجزلة التي تستدعي أناة وتكرارا لفهمها، فالحديث الإذاعي لا يتكرر في الوقت الواحد، ولا يتاح لمن فاته فهم جملة أو عبارة أن يعيد سماعها إلا بآلة التسجيل وقد لا تتهيأ له! ومن الأمثلة التطبيقية على ذلك قصر الجمل وقصر الفواصل، وأن لا يطول الفاصل بين الضمير والعائد عليه، ووضوح اللفظ وبساطة التركيب، والخلو من التعقيد المنطقي أو التقعر الفلسفي. ولا ننسى الإشادة بما قامت وتقوم به إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية من دور ريادي تؤدي به الرسالة الإعلامية والدعوة إلى الله تعالى على الوجه المتوخى، إذ تبث البرامج النافعة القيمة من تلاوات للقرآن الكريم وتجويده وتفسيره، وأحاديث وندوات وبرامج تربوية وعلمية وثقافية متنوعة، وأخبار العالم الإسلامي وقضاياه.. ومثل ذلك إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة. وكذلك الإذاعات الأخرى في كثير من البلاد الإسلامية كإذاعة القرآن الكريم من القاهرة وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ب) - مرحلة التقويم، وعناصره: نموذج تقويم الكلمة الإذاعية، المذيع: التاريخ / / ? المعايير العامة (لكل معيار 10 درجات) 1- الالتزام بالآداب الشرعية 2- نقاء الصوت ونداوته 3- سلامة اللغة 4- سلالة اللفظ الخالي من الغموض 5- تكرار بعض الجمل للحاجة التعبيرية 6- التخريج ونسبة الأقوال لأصحابها 7- الإتيان بالعبارات التشويقية 8- مراعاة السكتات والوقفات 9- التأني في الإلقاء 10- مراعاة الزمن المحدد   مجموع الدرجات (100) تقسم على 10، الدرجة المستحقة (؟) درجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 الفصل الخامس: التدريب على الكلمات المرئية المبحث الأول: تعريف الراي وخصائصه، ونبذة عن بعض الأحكام المتعلقة به الراي، جهاز مرئي ينقل الصوت والصورة من جميع أنحاء العالم إما من تسجيل مسبق أو على الهواء مباشرة وهو المعروف عند العوام بـ (التلفزيون) وقد عمت به البلوى فقل أن تجد بيتا أو متجرا أو مستشفى أو منتدى أو مزرعة أو مصنعا إلا وفيه هذا الجهاز الإعلامي العجيب. خصائص الراي: ويمكن تلخيص مقومات وخصائص التلفزيون (الرائي) فيما يأتي: 1- يجمع البرنامج المتلفز خاصيتين لا تتوفران في غيره، إذ يخاطب العقل والوجدان وتتوافر في التأثر به عامل السمع وعامل البصر (الصوت والصورة) معا في آن واحد، ولذلك من قوة التأثير ما لا يتحقق في غيره، ويتأكد هذا إذا كان البث مباشراً في ساعة الحدث وإبانه كبث وقفة الحجيج على صعيد عرفات ونفرتهم إلى منى.. وكنقل صلوات الجمع والأعياد من الجوامع الكبيرة كالحرمين الشريفين وغيرها. 2- يتاح لكل فئات الناس: بحيث يتواجد في البيوت والنوادي والمطاعم والبقالات والمدارس ودور الحضانة والمستشفيات بل والبوادي ... الخ، فجهاز التلفزيون اليوم جزء من الحياة المعاصرة وبالتالي فإن دوره بليغ وخطير، إذ يترك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 آثاره الإيجابية والسلبية على كافة فئات المجتمع الأطفال والشباب والشيوخ والنساء، ومن ثم فإن استغلاله كمنبر للدعوة إلى الله تعالى وفق الثوابت العقدية والشرعية والضوابط الأخلاقية من كبرى واجبات الدعاة إلى الله. 3- مشاهد على مدار الساعة: لاسيما بعد وصول البث الفضائي عبر الأقمار الصناعية فالقنوات الفضائية اليوم خاصة مع بزوغ عام 2000 م تمثل ثورة إعلامية لا نظير لها. وثمة اجتهادات يبديها كثير من الباحثين تبرز حاجة العالم الإسلامي الماسة إلى قناة فضائية عالمية البث إسلامية المضامين والرسالة تتضمن عدداً كبيراً من المحاور الموضوعية للعمل الإعلامي عبر القصة والحوار، والدرس، والمحاضرة، ولإخراج الفني منها: - عرض المبادئ الإسلامية والقيم الأخلاقية ومناهج السلوك لمعالجة قضايا المسلمين وحل مشكلاتهم. - التعريف ببلدان العالم الإسلامي جغرافيا وسياسيا واجتماعيا ووضع ترجمة على كل نسخة باللغات السائدة ليتمكن المسلمون من معرفة أحوالهم وحل مشكلاتهم. - العناية بالجانب التاريخي لاسيما ما يتعلق بالحضارة الإسلامية وبطولات المسلمين في رد ودحر المعتدين في الحروب الصليبية (1) أسس وضوابط إعداد وتقديم البرنامج المتلفز: هناك عدد مهم من القضايا الفقهية المتعلقة بالبرامج التلفزيونية كالتصوير والتمثيل وحدو الترفيه … وغيرها مما هو مثار نقاش فقهي، ولا بد أن ينتهي   (1) انظر وسائل الإعلام: محمد الغلاييني ص 133 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 البحث والنظر فيها إلى صيغة صحيحة تراعى فيها كافة الأصول الفقهية المعتبرة في مثل هذه القضايا الفقهية التي تبت فيها المجامع الفقهية المعنية. وعلى الأخذ بجواز المشاركة في برامج الرأي (التلفزيون) للضرورة الإعلامية المتمثلة في الحاجة العصرية القصوى إلى هذا الجهاز الذي لا يكاد يخلو منه بيت أو مرفق عام أو خاص، هنالك عدد من الضوابط التي ينبغي مراعاتها في إعداد وتقديم وإخراج البرنامج التلفزيوني، وإضافة إلى القواعد العامة التي سبق ذكرها في ضوابط الحديث الإذاعي، هناك ضوابط أُخر تتلخص في الآتي: أ) فمن الناحية الموضوعية: - ينبغي الإتقان في اختيار الموضوعات التي هي محور العرض، والشكل الإعلامي الهادف الذي تقدم من خلاله كالقصة والحوار والندوة والمحاضرة.. الخ فليس كل الموضوعات تصلح أن تعرض من خلال هذه الوسيلة ذات التأثير العميق. - كما أن الإتقان والتدقيق في اختيار أعضاء البرنامج أمر في الدرجة الأولى من الأهمية. ب) ومن الناحية الأخلاقية: لا بد من مراعاة القواعد الأخلاقية التي هي بمثابة الثوابت، فلا تتغير بتغير البيئات والمجتمعات والأعراف والاتجاهات الفكرية لأنها من جملة أمور الدين، ومنها: - ضرورة أن تحاط القيم والعقائد والمثل بسياج متين من الاحترام والتقدير، فلا يجوز النيل منها بتاتا بأي صورة من الصور لا تصريحا ولا تلميحا، لا بصريح العبارة ولا بتضمين الإشارة، فإن مثل هذا العمل ليس من سمات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 المسلمين، وقد يؤدي الخوض فيه إلى الخروج من الملة والانسلاخ من الدين والردة عياذا بالله تعالى، كما هو جلي في قصة المنافقين الذين اتخذوا من العقيدة والدين مادة للتسلية واللهو! قال الله تعالى فيهم وفي أمثالهم: {وَلئِنْ سَأَلتَهُمْ ليَقُولنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (1) قال ابن كثير: ((قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا قال رجل من المنافقين ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. فقال: {أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} إلى قوله {كَانُوا مُجْرِمِينَ} وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عبد الله بن وهب أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: مارأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمرو أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله {إِنَّمَا كُنَّا   (1) سورة التوبة: 65 - 66 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 نَخُوضُ وَنَلعَبُ} ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} الآية وقد رواه الليث عن هشام بن سعد بنحو هذا وقال ابن إسحاق: وقد كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني أمية بن زيد من بني عمرو بن عوف ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مخشي بن حمير يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال بعضهم بعضا والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال مخشي بن حمير والله لوددت أن أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وإنا نغلب أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لعمار بن ياسر أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته فجعل يقول وهو آخذ بحقبها يا رسول الله {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ} فقال مخشي بن حمير يا رسول الله قعد بي اسمي واسم أبي فكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشي بن حمير فتسمي عبد الرحمن وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر وقال قتادة {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ} قال فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها هيهات هيهات! فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فقال علي بهؤلاء النفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 فدعاهم فقال قلتم كذا وكذا فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب (1) وقال عكرمة في تفسير هذه الآية كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول اللهم إني أسمع آية أنا أعني بها تقشعر الجلود وتجب منها القلوب اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت قال فأصيب يوم اليمامة فما من أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره. وقوله: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أي بهذا المقال الذي استهزأتم به {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} أي لا يعفى عن جميعكم ولا بد من عذاب بعضكم {بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة)) (2) وعلى سبيل المثال فلا يجوز استعراض شخصيات الأنبياء ولا الصحابة في التمثيليات التي تسمى الدينية أو غيرها، فللأنبياء والصالحين حرمتهم ولهم حقهم الأوفى من التبجيل والتوقير ما يسمو على كثير من الاعتبارات. والتمثيل من حيث هو واقع معاصر لا يصلح أن يكون أسلوبا في الدعوة لأن التمثيل كذب والكذب مذموم بل هو من صفات المنافقين فكيف يكون أسلوبا في الدعوة؟! الالتزام بالقيم والآداب والأخلاق العامة لا سيما العفاف، فلا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء، والمرأة عورة فلا يجوز أن تُظهر المرأة شيئا من عورتها وزينتها مما أمرت بسترها عن الأجانب كالوجه والشعر والذراعين والساقين والقدمين وهذا موضع اتفاق بين الفقهاء، وبناء عليه فلا يجوز أن تظهر   (1) السيرة النبوية 4 /229 (2) تفسير القرآن العظيم 2 / 4 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 على التلفزيون، ولا يجوز الترنم بأصوات وألحان ويذكر فيها آيات وأحاديث وأذكار فإن هذا من رسوم المتصوفة وهو مبتدع في الدين. - وأما الترانيم بغير الآيات والأحاديث والأذكار، مثل الأشعار ونحوها فلا بأس به ما لم تصاحبه آلة موسيقى أو يحمل معان فاسدة، وبعضهم يتهاون في هذه القضية فلا يشر إلى هذا القيد ويتذرع بأن هذا مما عمت به البلوى، ولا يعتد بقوله (1) التزام الصدق في القول والعمل والمقصد، فلا يجوز الكذب بأي صورة من الصور في الأعمال الإعلامية لا الأعمال الدرامية والترفيهية ولا غيرها، وقد أصبح الكذب لونا راقيا في معظم التمثيليات والمسارح والأفلام وهذا من سمات الكفار كما ترى، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له" (2) قال الصنعاني: ((والويل الهلاك ورفعه على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور وجاز الابتداء بالنكرة لأنه من باب سلام عليكم. وفي معناه الأحاديث الواردة في تحريم الكذب على الإطلاق مثل حديث "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلى البِرِّ وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلى الجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُل ليَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلى الفُجُورِ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُل ليَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا" (3)   (1) انظر فقه الدعوة للميداني 1 / 483 (الترنيم والنشيد) (2) ت: الزهد (2315) وقال حسن صحيح، د: الأدب (4338) ، دارمي: الاستئذان (2586) ، أحمد: البصريين (19170) وقال في سبل السلام 4 / 202 إسناده قوي وحسنه الترمذي. (3) متفق عليه: خ: الأدب (6094) ، م: البر والصلة (2607) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 والحديث دليل على تحريم الكذب لإضحاك القوم وهذا تحريم خاص. ويحرم على السامعين سماعه إذا علموه كذبا لأنه إقرار على المنكر بل يجب عليهم النكير أو القيام من الموقف)) (1) وقسم الغزالي الكذب إلى: واجب ومباح ومحرم، وقال: ((إن كل مقصد محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام وإن أمكن التوصل إليه بالكذب وحده فمباح إن أنتج تحصيل ذلك المقصود وواجب إن وجب تحصيل ذلك وهو إذا كان فيه عصمة من يجب إنقاذه وكذا إذا خشي على الوديعة من ظالم وجب الإنكار والحلف وكذا إذا كان لا يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجنى عليه إلا بالكذب فهو مباح وكذا إذا وقعت منه فاحشة كالزنا وشرب الخمر وسأله السلطان فله أن يكذب ويقول ما فعلت)) ثم قال: ((وينبغي أن تقابل مفسدة الكذب بالمفسدة المترتبة على الصدق فإن كانت مفسدة الصدق أشد فله الكذب وإن كانت بالعكس أو شك فيها حرم الكذب، وإن تعلق بنفسه استحب أن لا يكذب وإن تعلق بغيره لم تحسن المسامحة بحق الغير، والحزم تركه حيث أبيح. واعلم أنه يجوز الكذب اتفاقا إلا في ثلاث صور كما أخرجه مسلم في الصحيح، قال ابن شهاب رحمه الله: لم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها (2)) ) (3) .   (1) سبل السلام 4 / 202 (2) الحديث المشار إليه رواه مسلم: البر والصلة (2605) (3) إحياء علوم الدين المجلد 3 ص 1594 ط: دار الفكر 1356هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 ج) من الناحية الفنية: - ينبغي الترتيب المسبق والتحضير الجيد لأي عمل إعلامي مرئي، ويشدد الإعلاميون على ضرورة عمل ما يسمى (بالبروفة) أو التجربة التطبيقية قبل التنفيذ النهائي، لأن إبراز العمل الجيد وتقديمه بالصورة المرضية يقوم على نمطية الأسلوب الجذاب والطريقة الحسنة التي يعرض بها ومن خلالها، وإن للأخطاء أثرها السيئ في فشل المادة الإعلامية أو غثائيتها وقلة تأثيرها وانصراف عامة الناس عنها. - العناية الفائقة المعتدلة بالزي والهيئة والهندام، مع التمسك بالزي الإسلامي والاعتزاز به كرمز للأصالة، وذلك لتوافر عنصر الرؤية في البرنامج المتلفز مما لا يراعى مثله في البرنامج الإذاعي السمعي، ومن بدهيات الدين الحنيف أنه دين نظافة وحسن وجمال كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس" (1) والنظافة والأناقة المنشودة تشمل اللباس والحذاء وترجيل الشعر واللحية وكل ما يتزيى به كما وقع في رواية الإمام أحمد رحمه الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر. فقال رجل يا رسول الله إني ليعجبني أن يكون ثوبي غسيلا ورأسي دهينا وشراك نعلي جديدا وذكر أشياء حتى ذكر علاقة سوطه أفمن الكبر ذاك يا رسول الله قال: لا ذاك الجمال! إن   (1) م: الإيمان (91) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس" (1) إن العناية بالأزياء الإسلامية التي من سماتها الحشمة والعفة والوقار، والاعتزاز بذلك هو في حد ذاته رسالة تجعل رجل الإعلام المتمسك بعقيدته الذاب عن دينه المعتز بذلك مثالا يقتدى، ونموذجا إسلاميا حيا له تأثيره وإيحاءاته لا سيما في العصر الحاضر الذي يقيم للشكل والمظهر وزنا وحسابا. - مدة العرض وحسن اختيارها بحيث تكون معقولة ليست بطويلة مملة ولا قصيرة مخلة، فالبرامج المتلفزة مقننة بالقيد الزمني بحيث لا تطغى مادة على أخرى ومتى أخل المعد أو المخرج بهذه القاعدة أحدث خللا في جدولة البرامج وهو معيب، أو تسبب في بتر المادة الزائدة عن الوقت المحدد فيتشوه البرنامج إذ يبدو ناقصا.   (1) م: الإيمان (91) ، أحمد: (3600) واللفظ له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 المبحث الثاني: التدريب على إلقاء الكلمات بالراى أخذاً بالخطوات السابق ذكرها في التدرب على الكلمات الإذاعية، يمكن للمتدرب أن يخطو خطوات جيّدة في مجال التدرب في الظهور على الراي وتقديم البرامج النافعة، وفيما يلي نموذج تقويم الكلمات المرئية: نموذج تقويم الكلمة المرئية اسم المقوَّم: التاريخ / / هـ المعايير العامة (لكل معيار 10 درجات) 1- الالتزام بالآداب الشرعية 2- نقاء الصوت ونداوته 3- سلامة اللغة 4- مدى القدرة على الارتجال 5- المظهر العام واستخدام الإشارة 6- التخريج ونسبة الأقوال لأصحابها 7- الإتيان بالعبارات التشويقية 8- مراعاة السكتات والوقفات 9- التأني في الإلقاء 10- مراعاة الزمن المحدد   مجموع الدرجات (100) تقسم على 10، الدرجة المستحقة (؟) درجة هذا وهناك الكثير من عناصر التدريب والتقويم تشترك بين التدريب على الراي وما سبقه من ذكر لأجهزة الإعلام الأخرى. وحسبنا ما تقدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 الخاتمة تقدم بعون الله وتوفيقه الحديث عن تدريب الدعاة من مختلف حيثياته: من حيث الأهمية والحاجة، ومن حيث الأسس والقواعد، ومن حيث التنظير، ومن حيث التقويم، وما تقدم هو غيض من فيض، وهو في عامة ولست أدعي الاستيعاب ولا زال للموضوع جوانب أخر ومجالات للإضافة لعل الله يقيض من يكتب فيها. وقد خرجت من هذا البحث المتواضع بالنتائج الآتية: - أن تدريب الدعاة ضرورة شرعية وواجب لابد القيام به، فالمجتمع الإسلامي لا يجوز أن يخلو من أمة تدعو إلى الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر عملا بقوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، ولا يتحقق هذا المطلب الشرعي وهو تخصيص هذه الأمة إلا بتأهيلها وإعدادها وتدريبها كي يكون عملها المبرور ومهمتها الجليلة على بصيرة - أن تدريب الدعاة يتحقق به الكثير من الفوائد العلمية والعملية لا يتحقق بغيره الكثير من المصالح كما يندفع به الكثير من المفاسد. - أن حاجة عصرنا أشد من ذي قبل إلى تأهيل الدعاة وتدريبهم على مختلف فنون البيان وضروب البلاغ، لا سيما وعصرنا عصر فنون الكلام، ولا يخفى ما يحدث جراء ذلك من تأثر وتأثير. - للكلمة أيا كانت خطابية أو إذاعية أو متلفزة أثرها البين في النفس ووقعها في القلب، وإذا لم يأخذ الدعاة بمكانهم في هذه الوسائل المتاحة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وبالضوابط المتقدم ذكرها فإنهم يفوتهم خير عظيم كانوا هم جديرون به. وعسى أن يكون فيما تقدم من فصول البحث ما هو نافع في موضوعه، وبالله تعالى التوفيق، ومنه العون والتوفيق. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 مصادر ومراجع ... قائمة المراجع والمصادر أولا: القرآن الكريم. ثانيا: المصادر والمراجع: 1- الأحاديث المختارة: محمد بن عبد الواحد المقدسي، تحقيق: عبد الملك بن دهيش، ط: 1410هـ مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة. 2- إحياء علوم الدين: محمد الغزالي، ط: دار الفكر 1356هـ 3- آداب البحث والمناظرة: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - ط مكتبة ابن تيمية بالقاهرة (دون تاريخ الطبع) 4- أصول الإعلام الإسلامي: د. إبراهيم إمام - ط دار الفكر العربي القاهرة (دون تاريخ الطبع) 5- إعلام الموقعين: محمد بن أبي بكر ابن القيم، ط: 1973م دار الجيل، بيروت. 6- - البداية والنهاية: ابن كثير الدمشقي، ط: 1407هـ /1987م دار الكتب العلمية، بيروت. 7- البيان والتبيين: عمرو بن بحر بن الجاحظ (255) هـ، ط: دون تاريخ 8- الترغيب والترهيب: عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (656) هـ، ط: 1417هـ دار الكتب العلمية، بيروت. 9- تلخيص الخطابة: ابن رشد المالكي، ط: (دون تاريخ) دار المعرفة، بيروت. 10- التعريفات: للمناوي، ط: دار المعرفة، دون تاريخ. 11- تفسير القرآن العظيم: إسماعيل بن كثير الدمشقي (774هـ) ترتيب عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 القادر الأرناؤوط ط: 1413هـ /1992م دار السلام – الرياض. 12- التفسير والمفسرون: د. محمد حسين الذهبي، ضبط وتخريج أحمد الزعبي ط (دون تاريخ) شركة الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت. 13- تلخيص الخطابة: لابن رشد، ط: (دون تاريخ) دار المعارف بيروت. 14- التمهيد: يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (463) هـ، تحقيق: مصطفى العلوي وزميله، ط: 1387هـ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، المغرب. 15- الجامع: معمر بن راشد (151هـ) ، ط: 1403هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 16- جامع البيان: محمد بن جرير الطبري (310) هـ، ط: 1405هـ دار الفكر، بيروت. 17- الجامع الصحيح: محمد بن إسماعيل البخاري (256) هـ، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، ط فتح الباري المطبعة السلفية. 18- الجامع الصغير للسيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر الخضيري (911) هـ، ط: دار طائر اعلم، جدة. (دون تاريخ) 19- الجامع لأحكام القرآن: محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (671) هـ، ط: دار الكتاب العربي دون تاريخ الطبع. 20- الرياض النضرة في مناقب العشرة: أحمد بن عبد الله الطبري (ت 694هـ) ط: 1996م دار الغربي الإسلامي، بيروت. 21- سبل السلام: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (852) ?، ط: 1379هـ دار إحياء التراث العربي، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 22- سنن الترمذي: محمد بن عيسى الترمذي (279) هـ، ترتيب: أحمد شاكر، ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت. 23- سنن الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (255) هـ، ط: 1407هـ دار الكتاب العربي، بيروت. 24- سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (375) هـ، ط: دار الفكر (دون تاريخ) . 25- سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني (275) هـ، ترتيب وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار الفكر، بيروت. 26- سنن النسائي: أحمد بن شعيب النسائي (303) هـ، ترتيب عبد الفتاح أبو غدة، ط: مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب. 27- السيرة النبوية: عبد الملك بن هشام (213) هـ، ط: 1411هـ دار الجيل، بيروت. 28- الشمائل المحمدية: محمد بن سورة الترمذي (279هـ) ، تحقيق سيد عباس الجليمي، ط 1412هـ مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت 29- الصحافة في ضوء الإسلام د. مصطفى الدميري، ط 1408هـ/1988م مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة. 30- صحيح ابن حبان: محمد بن حبان البستي (354) هـ، ترتيب: شعيب الأرناؤوط، ط: 1414هـ/ 1994م مؤسسة الرسالة، بيروت. 31- صحيح مسلم: مسلم بن حجاج النيسابوري (261) هـ، ترتيب وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت. 32 - الطبقات الكبرى: محمد بن سعد الزهري (230) هـ، ط: دار صادر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 بيروت. (دون تاريخ) 33- فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر (852) هـ، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ط: 1379هـ دار المعرفة، بيروت. 34- الفتوى في الإسلام: جمال الدين القاسمي (1832هـ) ، ط: دار الكتب العلمية، بيروت 1406هـ/1986م 35- الكشاف: محمود بن عمر الزمخشري، ط: (دون تاريخ) دار المعارف، بيروت. 36- لسان العرب: محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي، ط: دار صادر، بيروت (دون تاريخ) 37- مجمع الزوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي (807) هـ، ط: 1407هـ دار الريان للتراث، القاهرة. 38- مجموع الفتاوى: أحمد بن تيمية (شيخ الإسلام) (728هـ) ترتيب عبد الرحمن بن قاسم الحنبلي ط 1398هـ. 39- مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر الرازي، ط: 1966م مكتبة لبنان. 40- مدارج السالكين: محمد بن أبي بكر ابن القيم (751) هـ، ط: 1393هـ دار الكتاب العربي، بيروت. 41- المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (405) هـ، ط: 1411هـ/1990م، دار الكتب العلمية، بيروت. 42- مسند أحمد: أحمد بن حنبل الشيباني (241) هـ، النسخة الالكترونية (صخر) 43 - مسند إسحاق بن راهويه: إسحاق بن إبراهيم المروزي (238) هـ، تحقيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 د. عبد الغفور البلوشي، ط: 1995م، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة. 44- مسند أبي يعلي: أحمد بن علي أبو يعلي التميمي (307) هـ، ط: 1404هـ / 1984م دار المأمون، دمشق. 45- مفردات القرآن: الراغب الأصفهاني، دار الكتب العلمية، دون تاريخ. 46- مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث: عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (643) هـ، ط: 1416?/1995م دار الكتب العلمية، بيروت. 47- مناهج الجدل في القرآن الكريم: د. زاهر عواض الألمعي، ط: مطابع الفرزدق الرياض (دون تاريخ الطبع) . 48- المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج: يحيى بن شرف النووي (676) هـ، ط: 1393هـ دار إحياء التراث العربي، بيروت. 49- الموطأ: مالك بن أنس الأصبحي (179) هـ، النسخة الالكترونية (صخر) 50- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي ط 1407? / 1987م دار الحديث - القاهرة. 51- النظرة الإسلامية للإعلام محاولة منهجية: د. محمد كمال الدين إمام - ط: دار البحوث العلمية 1403هـ/1983م، الكويت. 52- هجر المبتدع: د. بكر بن عبد الله أبو زيد ط 1410هـ مكتبة ابن الجوزي – الدمام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444